العقائد الاسلامیة المجلد 1

اشارة

سرشناسه : کورانی، علی، 1944 - م.Kurani,Ali

عنوان و نام پدیدآور : العقائد الاسلامیة/ [علی الکورانی العاملی]

مشخصات نشر : قم: مرکز المصطفی للدراسات الاسلامیه،1422ق.= 1380.

مشخصات ظاهری : 108ص.

یادداشت : عربی.

موضوع : کتاب های چاپی -- فهرست ها

موضوع : عقائد شیعه

رده بندی کنگره : Z7835/ک9م6 1380

رده بندی دیویی : 016/297

ص: 1

اشارة

ص: 2

مقدمة

ص: 3

ص: 4

الفصل الأول :لفطرة

اشارة

ص: 5

ص: 6

آیات فطرة السماوات والکون

اشارة

فی هذا الفصل بحوث کثیرة ، لکن أصوله بشکل عام موضع اتفاق بین المسلمین ، لذلک رتبنا مواد موضوعاته من المصادر المختلفة تحت عناوین مناسبة ، لیسهل علی الباحث الرجوع إلیها . وبسطنا القول أحیاناً فی بعضها لحاجتها إلی ذلک .

وهذه آیات فطرة الکون ، وهی تنفع فی فهم فطرة الإنسان:

فَلَمَّا رَءَا الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّی هَذَا أَکْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ یَا قَوْمِ إِنِّی بَرِیءٌ مِمَّا تُشْرِکُونَ . إِنِّی وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِیفًا وَ مَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ . الانعام : 78-79

قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِی اللهِ شَکٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ یَدْعُوکُمْ لِیَغْفِرَ لَکُمْ مِنْ ذُنُوبِکُمْ وَیُؤَخِّرَکُمْ إلی أَجَلٍ مُسَمًّی قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِیدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا کَانَ یَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِینٍ . إبراهیم : 10

قَالَ بَلْ رَبُّکُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِی فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَی ذَلِکُمْ مِنَ الشَّاهِدِینَ . وَتَاللهِ لأَکِیدَنَّ أَصْنَامَکُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِینَ . الأنبیاء : 56 - 57

یَا قَوْمِ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی الَّذِی فَطَرَنِی أَفَلاَ تَعْقِلُونَ . وَیَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ یُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَیْکُمْ مِدْرَارًا وَیَزِدْکُمْ قُوَّةً إلی قُوَّتِکُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِینَ . هود : 51 - 52

فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا یَذْرَؤُکُمْ

ص: 7

فِیهِ لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌوَهُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ . الشوری : 11

الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَی فِی خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَی مِنْ فُطُورٍ . الملک : 3

الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِکَةِ رُسُلاً أُولِی أَجْنِحَةٍ مَثْنَی وَثُلاثَ وَرُبَاعَ یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ مَا یَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَی کُلِّ شَئْ قَدِیرٌ . فاطر : 1

قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْکُمُ بَیْنَ عِبَادِکَ فِی مَا کَانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ . الزمر : 46

قُلْ أَغَیْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِیًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ یُطْعِمُ وَلا یُطْعَمُ قُلْ إِنِّی أُمِرْتُ أَنْ أَکُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَکُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِکِینَ . الأنعام : 14

إِنِّی وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِیفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ . الأنعام : 79

رَبِّ قَدْ آتَیْتَنِی مِنَ الْمُلْکِ وَعَلَّمْتَنِی مِنْ تَأْوِیلِ الأَحَادِیثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِیِّی فِی الدُّنْیَا وَالآخرة تَوَفَّنِی مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ . یوسف : 101

إنفطار الکون عند القیامة

إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ . وَإِذَا الْکَوَاکِبُ انْتَثَرَتْ . وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ . عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ . الانفطار: 1 - 5

فَکَیْفَ تَتَّقُونَ إِنْ کَفَرْتُمْ یَوْمًا یَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِیبًا . السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ کَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا .

إِنَّ هَذِهِ تَذْکِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إلی رَبِّهِ سَبِیلاً . المزمل : 17 - 19

تکاد السماوات تتفطر من عظمة الله

تَکَادُالسَّمَوَاتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِکَةُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَیَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِی الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ الشوری : 5 ، وقال فی بحار الأنوار:70/346: تَکَادُ السَّمَوَاتُ یَتَفَطَّرْنَ ، أی یتشققن من عظمة الله ، وروی علی بن إبراهیم عن الباقر

ص: 8

(علیه السّلام): أی یتصدعن من فوقهن. انتهی. وروی نحوه السیوطی فی الدرالمنثور:6/3

تکاد السماوات تتفطر من الافتراء علی الله

تَکَادُ السَّمَوَاتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا. وَمَا یَنْبَغِی لِلرَّحْمَنِ أَنْ یَتَّخِذَ وَلَدًا . إِنْ کُلُّ مَنْ فِی السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِی الرَّحْمَنِ عَبْدًا . لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا . مریم 90 - 93

فطرة الله التی فطر الناس علیها

وَقَالُوا کُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَی تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِیمَ حَنِیفًا وَمَا کَانَ مِنَ الْمُشْرِکِینَ. قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَیْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلی إِبْرَاهِیمَ وَإِسْمَاعِیلَ وَإِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِیَ مُوسَی وَعِیسَی وَمَا أُوتِیَ النَّبِیُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِی شِقَاقٍ فَسَیَکْفِیکَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ . صِبْغَةَ اللهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ . قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِی اللهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّکُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَکُمْ أَعْمَالُکُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ . البقرة : 135 - 139

إِنْ أَجْرِیَ إِلا عَلَی الَّذِی فَطَرَنِی أَفَلا تَعْقِلُونَ . هود : 51

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِیمُ لأبِیهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِی بَرَآءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ . إِلا الَّذِی فَطَرَنِی فَإِنَّهُ سَیَهْدِینِ . وَجَعَلَهَا کَلِمَةً بَاقِیَةً فِی عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ . الزخرف : 26 - 28

وَجَاءَ مِنْ أَقْصَی الْمَدِینَةِ رَجُلٌ یَسْعَی قَالَ یَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِینَ . اتَّبِعُوا مَنْ لا یَسْأَلُکُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ . وَمَا لِیَ لا أَعْبُدُ الَّذِی فَطَرَنِی وَإِلَیْهِ تُرْجَعُونَ . أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ یُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئاً وَلا یُنْقِذُونَ. یس : 20 - 23.

قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَی . قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَکُمْ إِنَّهُ لَکَبِیرُکُمُ الَّذِی عَلَّمَکُمُ السِّحْرَفَلأُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَکُمْ وَأَرْجُلَکُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّکُمْ فِی جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَیُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَی . قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَکَ عَلَی مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَیِّنَاتِ وَالَّذِی

ص: 9

فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِی هَذِهِ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا . طَهَ : 70 - 72

الفطرة الأولی والفطرة الثانیة

اشارة

وَقَالُوا أَئِذَا کُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِیدًا . قُلْ کُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِیدًا. أَوْ خَلْقًا مِمَّا یَکْبُرُ فِی صُدُورِکُمْ فَسَیَقُولُونَ مَنْ یُعِیدُنَا قُلِ الَّذِی فَطَرَکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَیُنْغِضُونَ إِلَیْکَ رُؤُوسَهُمْ وَیَقُولُونَ مَتَی هُوَ قُلْ عَسَی أَنْ یَکُونَ قَرِیبًا . یَوْمَ یَدْعُوکُمْ فَتَسْتَجِیبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِیلاً . الإسراء : 49 - 52

فطرة الناس علی معرفة الله تعالی وتوحیده

نهج البلاغة:1/215: (110 - ومن خطبة له(علیه السّلام): إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلی الله سبحانه وتعالی الإیمان به وبرسوله ، والجهاد فی سبیله فإنه ذروة الإسلام ، وکلمة الاخلاص فإنها الفطرة ، وإقام الصلاة فإنها الملة).ورواه فی الفقیه:205/1

الکافی:2/12: (علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن سالم ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام) قال قلت: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ؟ قال: التوحید .

علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: سألته عن قول الله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ، ما تلک الفطرة ؟ قال: هی الإسلام ، فطرهم الله حین أخذ میثاقهم علی التوحید ، قال: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ؟ وفیهم المؤمن والکافر .

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أذینة ، عن زرارة عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: سألته عن قول الله عز وجل: حُنَفَاءَ للهِ غَیْرَ مُشْرِکِینَ بِهِ ؟ قال: الحنیفیة من الفطرة التی فطر الله الناس علیها. لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ ؟ قال: فطرهم علی المعرفة

ص: 10

به .

المحاسن للبرقی:241/1: (عنه ، عن أبیه ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن عمر بن أذینة قال سألت أبا جعفر(علیه السّلام)عن قول الله: حُنَفَاءَ للهِ غَیْرَ مُشْرِکِینَ بِهِ ، ما الحنیفیة ؟ قال: هی الفطرة التی فطر الناس علیها ، فطر الله الخلق علی معرفته .

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن علی بن رئاب ، عن زرارة قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ؟ قال: فطرهم جمیعاً علی التوحید .

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن فضال ، عن ابن أبی جمیلة ، عن محمد الحلبی ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قول الله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا؟ قال: فطرهم علی التوحید .

عنه ، عن الحسن بن علی بن فضال ، عن ابن بکیر ، عن زرارة قال سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)عن قول الله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی. قال: ثبتت المعرفة فی قلوبهم ونسوا الموقف وسیذکرونه یوماً ما ، ولو لا ذلک لم یدر أحد من خالقه ولا من رازقه .

ورواه فی علل الشرائع:117/1 ، ورواه فی تفسیر القمی ، وفیه: فمنهم من أقر بلسانه فی الذر ولم یؤمن بقلبه فقال الله: فما کانوا لیؤمنوا بما کذبوا به من قبل .

التوحید للصدوق/328-330: (روی الصدوق عشر روایات تحت عنوان ( باب فطرة الله عز وجل الخلق علی التوحید ) وقد تقدم أکثرها ، وجاء فی السابعة منها (التوحید ومحمد رسول الله وعلی أمیر المؤمنین ) .

معانی الأخبار للصدوق/350: (محمد بن أبی عمیر ، عن عمر بن أذینة ، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: حُنَفَاءَ للهِ غَیْرَ مُشْرِکِینَ بِهِ ، وقلت: ما

ص: 11

الحنفیة ؟ قال: هی الفطرة. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار:276/3 ، وروی عدداً وافراً من هذه الأحادیث:276/3 وج 196/5 وص 223 ، والحلی فی مختصر بصائر الدرجات/158-160 ، والحویزی فی تفسیر نور الثقلین:96/2 وج 186/4.... وغیرهم .

الفطرة حالة استعداد لا تعنی الاجبار وسلب الإختیار

نهج البلاغة:120/1: (اللهم داحی المدحوات وداعم المسموکات ، وجابل القلوب علی فطرتها ، شقیها وسعیدها ، إجعل شرائف صلواتک ونوامی برکاتک علی محمد عبدک ورسولک ، الخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل ) .

علل الشرائع:121/1: (أبی ، قال حدثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن أبی عبدالله ، عن أبیه ، عن غیر واحد ، عن الحسین بن نعیم الصحاف قال: قلت لابی عبدالله(علیه السّلام): أیکون الرجل مؤمناً قد ثبت له الإیمان ینقله الله

بعد الإیمان إلی الکفر ؟ قال: إن الله هو العدل ، وإنما بعث الرسل لیدعو الناس إلی الإیمان بالله ، ولا یدعو أحداً إلی الکفر . قلت فیکون الرجل کافراً قد ثبت له الکفر عند الله فینقله الله بعد ذلک من الکفر إلی الإیمان ؟ قال: إن الله عز وجل خلق الناس علی الفطرة التی فطرهم الله علیها لا یعرفون إیماناً بشریعة ولا کفراً بجحود ، ثم ابتعث الله الرسل إلیهم یدعونهم إلی الإیمان بالله ، حجةً لله علیهم ، فمنهم من هداه الله ، ومنهم من لم یهده. انتهی. ورواه فی الکافی:416/2 ، وجاء فی هامشه:

قال المجلسی(رحمه الله): الظاهر أن کلام السائل استفهام ، وحاصل الجواب: أن الله خلق العباد علی فطرة قابلة للایمان ، وأتم علی جمیعهم الحجة بإرسال الرسل وإقامة الحجج ، فلیس لأحد منهم حجة علی الله فی القیامة، ولم یکن أحد منهم مجبوراً علی الکفر لا بحسب الخلقة ولا من تقصیر فی الهدایة وإقامة الحجة ،

ص: 12

لکن بعضهم استحق الهدایات الخاصة منه تعالی فصارت مؤیدة لایمانهم ، وبعضهم لم یستحق ذلک لسوء اختیاره ، فمنعهم تلک الألطاف فکفروا ، ومع ذلک لم یکونوا مجبورین ولا مجبولین بعد ذلک من الإیمان إلی الکفر .

تفسیر العیاشی:104/1:

عن مسعدة عن أبی عبد الله(علیه السّلام)فی قول الله: کَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ .

فقال: کان ذلک قبل نوح. قیل: فعلی هدیً کانوا ؟ قال: بل کانوا ضلالاً ، وذلک أنه لما انقرض آدم وصالح ذریته بقی شیث وصیه لا یقدر علی إظهار دین الله الذی کان علیه آدم وصالح ذریته ، وذلک أن قابیل تواعده بالقتل کما قتل أخاه هابیل ، فسار فیهم بالتقیة والکتمان ، فازدادوا کل یوم ضلالاً حتی لم یبق علی الأرض معهم إلا من هو سلف ، ولحق الوصی بجزیرة فی البحر یعبد الله ، فبدا لله تبارک وتعالی أن یبعث الرسل ، ولو سئل هؤلاء الجهال لقالوا: قد فرغ من الأمر وکذبوا إنما هی ( هو ) أمر یحکم به الله فی کل عام ، ثم قرأ: فیها یفرق کل أمر حکیم ، فیحکم الله تبارک وتعالی ما یکون فی تلک السنة من شدة أو رخاء أو مطر أو غیر ذلک .

قلت: أفضلالاً کانوا قبل النبیین أم علی هدی ؟

قال: لم یکونوا علی هدی ، کانوا علی فطرة الله التی فطرهم علیها لا تبدیل لخلق الله ، ولم یکونوا لیهتدوا حتی یهدیهم الله ، أما تسمع یقول إبراهیم: لَئِنْ لَمْ یَهْدِنِی رَبِّی لاکُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّینَ ، أی ناسیاً للمیثاق. انتهی. ورواه فی تفسیر نور الثقلین:736/1

تفسیر التبیان:195/1: (فإن قیل: کیف یکون الکل کفاراً مع قوله: فَهَدَیَ اللهُ الَّذِینَ

ص: 13

آمَنُوا ؟قلنا: لا یمتنع أن یکونوا کلهم کانوا کفاراً ، فلما بعث الله إلیهم الأنبیاء مبشرین ومنذرین اختلفوا ، فآمن قوم ولم یؤمن آخرون .

وروی عن أبی جعفر(علیه السّلام)أنه قال: کانوا قبل

نوح أمة واحدة علی فطرة الله ، لا مهتدین ولا ضلالاً ، فبعث الله النبیین . . . .

بحار الأنوار:246/65: (وقال النیسابوری: إعلم أن جمهور الحکماء زعموا أن الإنسان فی مبدأ فطرته خال عن المعارف والعلوم ، إلا أنه تعالی خلق السمع والبصر والفؤاد وسائر القوی المدرکة حتی ارتسم فی خیاله بسبب کثرة ورود المحسوسات علیه حقائق تلک الماهیات وحضرت صورها فی ذهنه. ثم إن مجرد حضور تلک الحقائق إن کان کافیاً فی جزم الذهن بثبوت بعضها لبعض أو انتفاء بعضها عن بعض فتلک الأحکام علوم بدیهیة ، وإن لم یکن کذلک بل کانت متوقفة علی علوم سابقة علیها - ولا محالة تنتهی إلی البدیهیات قطعاً للدور أو التسلسل - فهی علوم کسبیة. فظهر أن السبب الأول لحدوث هذه المعارف فی النفوس الإنسانیة هو أنه تعالی أعطی الحواس والقوی الدارکة للصور الجزئیة. وعندی أن النفس قبل البدن موجودة عالمة بعلوم جمة هی التی ینبغی أن تسمی بالبدیهیات ، وإنما لا یظهر آثارها علیها ، حتی إذا قوی وترقی ظهرت آثارها شیئاً فشیئاً. وقد برهنا علی هذه المعانی فی کتبنا الحکمیة فالمراد بقوله: لا تَعْلَمُونَ شَیْئًا ، أنه لا یظهر أثر العلم علیهم ، ثم إنه بتوسط الحواس الظاهرة والباطنة یکتسب سائر العلوم. ومعنی: لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ، إن تصرفوا کل آلة فی ما خلقت لاجله ، ولیس الواو للترتیب حتی یلزم من عطف ( جعل ) علی ( أخرج ) أن یکون جعل السمع والبصر والأفئدة متأخراً عن الاخراج من البطن .

بحار الأنوار:93/1: (مص: قال الصادق(علیه السّلام): الجهل صورة رکبت فی بنی آدم ،

ص: 14

إقبالها ظلمة ، وإدبارها نور ، والعبد متقلب معها کتقلب الظل مع الشمس ، ألا تری إلی الإنسان تارة تجده جاهلاً بخصال نفسه حامداً لها عارفاً بعیبها فی غیره ساخطاً ، وتارة تجده عالماً بطباعه ساخطاً لها حامداً لها فی غیره ، فهو متقلب بین العصمة والخذلان ، فإن قابلته العصمة أصاب ، وإن قابله الخذلان أخطأ ، ومفتاح الجهل الرضا والإعتقاد به ، ومفتاح العلم الإستبدال مع إصابة موافقة التوفیق ، وأدنی صفة الجاهل دعواه العلم بلا إستحقاق ، وأوسطه جهله بالجهل ، وأقصاه جحوده العلم ، ولیس شئ إثباته حقیقة نفیه إلا الجهل والدنیا والحرص ، فالکل منهم کواحد ، والواحد منهم کالکل .

وقال فی هامشه: وقوله(علیه السّلام): الجهل صورة رکبت.. إلخ. لأن طبیعة الإنسان فی أصل فطرتها خالیة عن الکمالات الفعلیة والعلوم الثابتة ، فکأن الجهل عجن فی طینتها ورکب مع طبیعتها ، ولکن فی أصل فطرته له قوة کسب الکمالات بالعلوم والتَّنَورٌّ والمعارف .

قوله(علیه السّلام): فالکل کواحد ، لعل معناه أن هذه الخصال کخصلة واحدة لتشابه مبادیها ، وانبعاث بعضها عن بعض ، وتقوی بعضها ببعض ، کما لا یخفی .

بحار الأنوار:10/11:

. . . عن الباقر(علیه السّلام)أنه قال: إنهم کانوا قبل نوح أمة واحدة علی فطرة الله لا مهتدین ولا ضلالاً ، فبعث الله النبیین. انتهی .

قال المجلسی(رحمه الله): وعلی هذا فالمعنی أنهم کانوا متعبدین بما فی عقولهم غیر مهتدین إلی نبوة ولا شریعة .

الاقتصاد للشیخ الطوسی/100: (فإن قیل: لو کانت المعرفة لطفاً لما عصی أحد .

قلنا: اللطف لا یوجب الفعل ، وإنما یدعو إلیه ویقوی الداعی إلیه ویسهله ، فربما

ص: 15

وقع عنده الفعل ، وربما یکون معه أقرب وإن لم یقع .

شرح الأسماء الحسنی:84/2: (کما سئل (علیه السّلام): أنحن فی أمر فرغ أم فی أمر مستأنف ؟ فقال: فی أمر فرغ وفی أمر مستأنف ، فالموضوعان السعید والشقی الاخرویان کما قال تعالی: یَوْمَ یَأْتِ لا تَکَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِیٌّ وَ سَعِیدٌ .

إن قلت: هذا فیما سوی هذا الوجه ینافی قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): کل مولود یولد علی فطرة الإسلام ، إلا أن أبواه یهودانه وینصرانه ویمجسانه ؟

قلت: کل مولود یولد علی الفطرة روحاً وصورة بالجهة النورانیة ، والسعید سعید فی بطن أمه وکذا الشقی جسداً ومادة ، وإذا جعلنا بطن الأم النشاة العلمیة فکل مولود یولد علی الفطرة وجوداً ، والسعید سعید ماهیة ومفهوماً ، وکذا الشقی شقی ماهیة ومفهوماً ، کل منهما بالحمل الأولی ، لیس فاقداً لنفسه ، ولیس مفهوم أحدهما

هو المفهوم من الآخر ، فإن المفاهیم من أیة نشأة کانت فطرتها وذاتیها الإختلاف ، والوجود أیة مرتبة منه ذاته وجبلته الوحدة والإتفاق ، ما به الإمتیاز فیه عین ما به الإشتراک ، به استمساک الماهیات التی هی مثار الکثرة والمخالفة ، فهو جهة ارتباطها ونظمها وبه لا انفصام لها .

وبالجملة قد ظهر لک أن اختلاف الوجودات مرتبة فی العین ، واختلاف قبول الماهیات لمراتب الوجود المقول بالتشکیک فیه ، علی طبق اختلاف الماهیات بحسب المفهوم فی العلم. وهذا معنی اختلاف الطینة فی الأزل کما هو عن الأئمة(علیهم السّلام) مأثور . . . وهو مقتضی العدل .

ویمکن التوفیق بین هذا القول التحقیقی البرهانی والذوقی الوجدانی ، وبین القول بالتسویة فی الطینة باعتبار الوجود والماهیة ، ولا سیما فی مقام الجمع .

شرح الأسماء الحسنی:54/1: (قال صدر المتألهین: إن الله عز وجل لا یولی أحداً

ص: 16

إلا ما تولاه طبعاً وإرادة ، وهذا عدل منه ورحمة. وقد ورد أن الله تعالی خلق الخلق کلهم فی ظلمة ثم قال: لیختر کل منکم لنفسه صورة أخلقه علیها ، وهو قوله: خَلَقْنَاکُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاکُمْ ، فمنهم من قال رب اخلقنی خلقاً قبیحاً أبعد ما یکون فی التناسب وأوغله فی التنافر ، حتی لا یکون مثلی فی القبح والبعد عن الاعتدال أحد ، ومنهم من قال خلاف ذلک ، وکل منهما أحب لنفسه التفرد فإن حب الفردانیة فطرة الله الساریة فی کل الأمم التی تقوم بها وجود کل شئ ، فخلق الله کلاً علی ما اختاره لنفسه ، فتحت کل منکر معروف وقبل کل لعنة رحمة وهی الرحمة التی وسعت کل شئ ، فإن الله یولی کلاً ما تولی ، وهو قوله تعالی: وَ مَنْ یُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدَی وَ یَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّی وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِیرًا، فإن شک فی ذلک شاک فلیتأمل قوله تعالی: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَی السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَهَا .. الآیة ، لیعلم أن الله تعالی لا یحمل أحداً شیئاً قهراً وقسراً ، بل یعرضه أولاً فإن تولاه ولاه وإلا فلا. وهذا من رحمة الله وعدله .

لا یقال: لیس تولی الشئ ما تولاه عدلاً حیث لا یکون ذلک التولی عن رشد وبصیرة فإن السفیه قد یختار لنفسه ما هو شر بالنسبة إلیه وضر لجهله وسفاهته ، فالعدل والشفقة علیه منعه إیاه ، لأنا نقول: هذا التولی والتوجیه الذی کلامنا فیه أمر ذاتی لا یحکم علیه بالخیر والشر بل هو قبلهما ، لأن ما یختاره السفیه إنما یعد شراً بالقیاس إلیه لأنه مناف لذاته بعد وجوده ، فلذاته اقتضاء أول متعلق بنقیض هذه السفاهة ، فذلک هو الذی أوجب أن یسمی ذلک شراً بالقیاس إلیه .

وأما الاقتضاء الأول الذی کلامنا فیه فلا یمکن وصفه بالشر ، لأنه لم یکن قبله اقتضاء یکون هذا بخلافه فیوصف بأنه شر ،

بل هو الإقتضاء الذی جعل الخیر

ص: 17

خیراً ، لأن الخیر لشئ لیس إلا ما یقتضیه ذاته. والتولی الذی کلامنا فیه هو الإستدعاء الذاتی الأزلی والسؤال الوجودی الفطری الذی یسأله الذات المطیعة السامعة لقول کن ، وقوله لیس أمر قسر وقهر ، لأن الله عز وجل غنی عن العالمین ، فکأنه قال لربه إئذن لی أن أدخل فی عدلک وهو الوجود ، فقال الله تعالی کن .

تفسیر المیزان:346/2 : (لکن یمکن أن یقال إن الإنسان بحسب خلقته علی نور الفطرة هو نور إجمالی یقبل التفصیل ، وأما بالنسبة إلی المعارف الحقة والأعمال الصالحة تفصیلاً فهو فی ظلمة بعد لعدم تبین أمره. والنور والظلمة بهذا المعنی لا یتنافیان ولا یمتنع اجتماعهما ، والمؤمن بإیمانه یخرج من هذه الظلمة إلی نور المعارف والطاعات تفصیلاً ، والکافر بکفره یخرج من نور الفطرة إلی ظلمات الکفر والمعاصی التفصیلیة.

والاتیان بالنور مفرداً وبالظلمات جمعاً فی قوله تعالی: یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلی النُّورِ ، وقوله تعالی: یُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلی الظُّلُمَاتِ ، للإشارة إلی أن الحق واحد لا اختلاف فیه کما أن الباطل متشتت مختلف لا وحدة فیه ، قال تعالی: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِی مُسْتَقِیمًا فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِکُمْ . . . الانعام : 153

مجموعة الرسائل للشیخ الصافی 243: (للشیخ المفید فی بحث الإعتقاد بالفطرة رأی آخر غیر ما ذهب إلیه الشیخ الصدوق ، ولتوضیح ذلک نقول: توجد فی باب الإعتقاد

بالفطرة وآیات الفطرة وأحادیثها کالحدیث ( فطرهم علی التوحید ) أو ( کل مولود یولد علی الفطرة ) ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن المراد من ذلک هو أن الله جعل فطرة الإنسان نقیة مقتضیة للتوحید والعقائد الحقة ، وحب الحق والخیر والتصدیق بحسن العدل وقبح الظلم

ص: 18

والنفور عن الباطل والشر ، بحیث لو لم یحجب هذه الفطرة الأمور المخالفة من قبیل التربیة فالإنسان بنفسه سیهتدی إلی الله ویقر بوجود الصانع ، کما یتقبل العقائد الحقة عندما تعرض علیه .

والصدوق فسر الفطرة بهذا المعنی وقد بحثنا بتفصیل فی (رسالتنا) فی تفسیر آیة الفطرة حول هذا الوجه وکونه موافقاً لاصول العقائد الإسلامیة فی الفطرة والأحادیث الشریفة التی تدل علی هذا المعنی .

الوجه الثانی: أن معنی ( فطر الله الخلق علی التوحید ) فطرهم للتوحید ، أی خلق الناس للاعتقاد بالتوحید ، وإلی هذا المعنی ذهب الشیخ الاعظم الشیخ المفید ، واختاره .

الوجه الثالث: هو أنه عبر عن إرادة التوحید منهم بالإرادة التکوینیة ، والظاهر أن المفید استظهر من کلام الصدوق هذا الوجه ، فأجاب عن ذلک بقوله: لو کان الأمر کذلک لکان الجمیع موحدین .

وبدیهی أنه لو کان الأمر دائراً بین الوجه الثانی والثالث ، فالقول الصحیح والمعتبر هو قول المفید ( الوجه الثانی) .

لکن بما أننا قلنا بأن الوجه المعتبر المستفاد من الآیة والروایات هو القول الأول وهو ما اختاره الصدوق ظاهراً ، وفیه رجحان علی القول الثانی ظاهراً .

ص: 19

ص: 20

الفصل الثانی: لفطرة والمیثاق وعالم الذر

اشارة

ص: 21

ص: 22

عالم الذر

تفسیر نور الثقلین:55/1: (فی کتاب علل الشرایع بإسناده إلی حبیب قال: حدثنی الثقة عن أبی عبدالله(علیه السّلام) قال: إن الله تبارک وتعالی أخذ میثاق العباد وهم أظلة قبل المیلاد ، فما تعارف من الأرواح ائتلف ، وما تناکر منها اختلف .

وبإسناده إلی حبیب ، عمن رواه ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: ما تقول فی الأرواح إنها جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناکر منها اختلف ؟ قال فقلت إنا نقول ذلک ، قال: فإنه کذلک ، إن الله عز وجل أخذ من العباد میثاقهم وهم أظلة قبل المیلاد وهو قوله عز وجل: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ ، إلی آخر الآیة ، قال: فمن أقر به یومئذ جاءت ألفته هاهنا ، ومن أنکره یومئذ جاء خلافه هاهنا .

فی کتاب التوحید ، بإسناده إلی أبی بصیر عن أبی عبدالله (علیه السّلام) قال: قلت له: أخبرنی عن الله عز وجل هل یراه المؤمن یوم القیمة ؟ قال: نعم وقد رأوه قبل یوم القیمة ، فقلت متی ؟ قال: حین قال لهم أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی ، ثم سکت ساعة ثم قال: وإن المؤمنین لیرونه فی الدنیا قبل یوم القیمة ، ألست تراه فی وقتک هذا ؟ قال أبو بصیر فقلت له: جعلت فداک فأحدث بهذا عنک ؟ فقال: لا ، فإنک إذا حدثت به فأنکره منکر جاهل بمعنی ما تقول ثم قدر أن ذلک تشبیه کفر. ولیست الرؤیة بالقلب کالرؤیة بالعین ، تعالی الله عما یصفه المشبهون والملحدون .

فی الکافی ، محمد بن یحیی ، عن محمد بن موسی ، عن العباس بن معروف ،

ص: 23

عن ابن أبی نجران ، عن عبد الله بن سنان ، عن ابن أبی یعفور ، عن أبی حمزة عن أبی جعفر (علیه السّلام) قال: قال له رجل: کیف سمیت الجمعة جمعة ؟ قال: إن الله عز وجل جمع فیها خلقه لولایة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ووصیه فی المیثاق ، فسماه یوم الجمعة لجمعه فیه خلقه .

فی غوالی اللئالی ، وقال(علیه السّلام): أخذ الله المیثاق من ظهر آدم بنعمان ، یعنی عرفة، فأخرج من صلبه کل ذریة ذرأها فنثرهم بین یدیه کالذر ثم کلمهم، وتلا: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی .

فی الکافی ، أبو علی الأشعری ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن أبی عمیرة ، عن عبد الرحمان الحذاء ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: کان علی بن الحسین (علیهما السلام) لا یری بالعزل بأساً ، أتقرأ هذه الآیة: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی ، فکل شئ أخذ الله منه المیثاق فهو خارج وإن کان علی صخرة صماء .

عن ابن مسکان، عن بعض أصحابه ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن أمتی عرضت علی فی المیثاق ، فکان أول من آمن بی علی (علیه السّلام) ، وهو أول من صدقنی حین بعثت، وهو الصدیق الأکبر ، والفاروق یفرق بین الحق والباطل.

عن أبی بصیر عن أبی عبد الله (علیه السّلام) فی قول الله: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی ، قالوا بألسنتهم ؟ قال: نعم وقالوا بقلوبهم ، فقلت: وأی شئ کانوا یومئذ ؟ قال: صنع منهم ما اکتفی به .

عن الأصبغ بن نباتة ، عن علی (علیه السّلام) قال: أتاه ابن الکوا فقال: یا أمیر المؤمنین أخبرنی عن الله تبارک وتعالی هل کلم أحداً من ولد آدم قبل موسی ؟ فقال علی (علیه السّلام): قد کلم الله جمیع خلقه برّهم وفاجرهم وردوا علیه الجواب ، فثقل ذلک

ص: 24

علی ابن الکوا ولم یعرفه ، فقال له: کیف کان ذلک یا أمیر المؤمنین ؟ فقال له: أو ما تقرأ کتاب الله إذ یقول لنبیه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی ، فقد أسمعهم کلامه وردوا علیه الجواب ، کما تسمع فی قول الله یابن الکوا وقالوا بلی ، فقال لهم: إنی أنا الله لا إله إلا أنا ، وأنا الرحمان ، فأقروا له بالطاعة والربوبیة ، ومیز الرسل والأنبیاء والاوصیاء، وأمر الخلق بطاعتهم فأقروا بذلک فی المیثاق، فقال الملائکة عند إقرارهم: شهدنا علیکم یا بنی آدم أن تقولوا یوم القیمة إنا کنا عن هذا غافلین .

فی الکافی ، محمد بن یحیی وغیره ، عن أحمد عن موسی بن عمر ، عن ابن سنان عن سعید القماط ، عن بکیر بن أعین قال: سألت أبا عبد الله (علیه السّلام): لأی علة وضع الله الحجر فی الرکن الذی هو فیه ولم یضع فی غیره ؟ ولأی علة یُقَبَّل ؟ ولأی علة أخرج من الجنة ، ولأی علة وضع میثاق العباد فیه والعهد فیه ولم یوضع فی غیره ، وکیف السبب ذلک ؟ تخبرنی جعلنی الله فداک فإن تفکری فیه لعجب! قال فقال: سألت وأعضلت فی المسالة واستقصیت ، فافهم الجواب وفرغ قلبک وأصغ سمعک ، أخبرک إن شاء الله ، إن الله تبارک وتعالی وضع الحجر الأسود وهی جوهرة أخرجت من الجنة إلی آدم(علیه السّلام)فوضعت فی ذلک الرکن لعلة المیثاق ، وذلک أنه لما أخذ من بنی آدم من ظهورهم ذریتهم حین أخذ الله علیهم المیثاق فی ذلک المکان وفی ذلک المکان ترائی لهم ، وفی ذلک المکان یهبط الطیر علی القائم(علیه السّلام)فأول من یبایعه ذلک الطیر ، وهو والله جبرئیل(علیه السّلام) وإلی ذلک المقام یسند القائم ظهره وهو الحجة والدلیل علی القائم ، وهو الشاهد لمن وافی فی ذلک المکان ، والشاهد علی من أدی إلیه المیثاق والعهد الذی أخذ الله عز وجل علی العباد .

ص: 25

فأما علة ما أخرجه الله من الجنة ، فهل تدری ما کان الحجر ؟ قلت: لا ، قال: کان ملکاً من عظماء الملائکة عند الله فلما أخذ الله من الملائکة المیثاق کان أول من آمن به وأقر ذلک الملک ، فاتخذه لله أمیناً علی جمیع خلقه ، فألقمه المیثاق وأودعه عنده ، واستعبد الخلق أن یجددوا عنده فی کل سنة الإقرار بالمیثاق والعهد الذی أخذ الله عز وجل علیهم ، ثم جعله الله مع آدم فی الجنة یذکره المیثاق ویجدد عنده الإقرار فی کل سنة ، فلما عصی آدم أخرج من الجنة أنساه الله العهد والمیثاق الذی أخذ الله علیه وعلی ولده لمحمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ولوصیه(علیه السّلام)وجعله تائهاً حیراناً ، فلما تاب الله علی آدم حول ذلک الملک فی صورة بیضاء ، فرماه من الجنة إلی آدم وهو بأرض الهند ، فلما نظر إلیه أنس إلیه وهو لا یعرفه بأکثر من أنه جوهرة، وأنطقه الله عز وجل، فقال له: یاآدم أتعرفنی؟ قال لا ، قال: أجل استحوذ علیک الشیطان فأنساک ذکر ربک ، ثم تحول إلی صورته التی کان مع آدم(علیه السّلام)فی الجنة ، فقال لادم: أین العهد والمیثاق ، فوثب إلیه آدم(علیه السّلام)وذکر المیثاق وبکی وخضع وقبله ، وجدد الإقرار بالعهد والمیثاق ، ثم حوله الله عز وجل إلی جوهرة درة بیضاء صافیة تضی ، فحمله آدم علی عاتقه إجلالاً له وتعظیماً ، فکان إذا أعیا حمله عنه جبرئیل(علیه السّلام)حتی وافی به مکة فما زال یأنس به بمکة ویجدد الإقرار له کل یوم ولیلة ، ثم إن الله عز وجل لما بنی الکعبة وضع الحجر فی ذلک المکان ، لأنه تبارک وتعالی حین أخذ المیثاق من ولد آدم أخذه فی ذلک المکان ، وفی ذلک المکان ألقم الله الملک المیثاق ، ولذلک وضع فی ذلک الرکن وتنحی آدم من مکان البیت إلی الصفا وحوالی المروة ، ووضع الحجر فی ذلک الرکن ، فلما نظر آدم من الصفا وقد وضع الحجر فی الرکن کبر الله وهلله ومجده ، فلذلک جرت السنة بالتکبیر واستقبال

ص: 26

الرکن الذی فیه الحجر من الصفا ، فإن الله أودعه المیثاق والعهد دون غیره من الملائکة...

بحار الأنوار:276/3:

سن البزنطی ، عن رفاعة ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)فی قول الله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی. قال: نعم لله الحجة علی جمیع خلقه أخذهم یوم أخذ المیثاق هکذا وقبض یده. نعم لله الحجة علی جمیع خلقه أخذهم یوم أخذ المیثاق ، هکذا وقبض یده .

بحار الأنوار:244/5:

عن أبی جعفر (علیه السّلام) قال: إن الله عز وجل خلق الخلق فخلق من أحب مما أحب ، وکان ما أحب أن خلقه من طینة الجنة ، وخلق من أبغض مما أبغض وکان ما أبغض أن خلقه من طینة النار ، ثم بعثهم فی الظلال: فقلت وأی شئ الظلال ؟ فقال: ألم تر إلی ظلک فی الشمس شئ ولیس بشئ ؟ ثم بعث منهم النبیین فدعوهم إلی الإقرار بالله وهو قوله عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَیَقُولُنَّ اللهُ ، ثم دعوهم إلی الإقرار بالنبیین فأنکر بعض وأقر بعض ، ثم دعوهم إلی ولایتنا فأقر بها والله من أحب ، وأنکرها من أبغض ، وهو قوله عز وجل: فَمَا کَانُوا لِیُؤْمِنُوا بِمَا کَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ، ثم قال أبو جعفر (علیه السّلام): کان التکذیب ثَمَّ .

توضیح: قوله(علیه السّلام): فی الظلال ، أی عالم الأرواح بناء علی أنها أجسام لطیفة ، ویحتمل أن یکون التشبیه للتجرد أیضاً تقریباً إلی الافهام ، أو عالم المثال علی القول به قبل الانتقال إلی الابدان .

ص: 27

تذکیر الأنبیاء بمیثاق الفطرة

سمی الله عز وجل القرآن الکریم: الذِّکْرَ ، ووصف عمل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بأنه تذکیر ، واستعمل مادة التذکیر فی القرآن للتذکیر بالله تعالی ، والتذکیر بالیوم الآخر ، والتذکیر بالفطرة والمیثاق .

ووصف أمیر المؤمنین علی(علیه السّلام)عمل الأنبیاء(علیهم السّلام) بأنه مطالبة للناس بالانسجام مع میثاق الفطرة ، قال(علیه السّلام)فی خطبة طویلة فی نهج البلاغة:23/1 ، یذکر فیها خلق آدم(علیه السّلام)وصفته:

« فأهبطه إلی دار البلیة ، وتناسل الذریة ، اصطفی سبحانه من ولده أنبیاء ، أخذ علی الوحی میثاقهم ، وعلی تبلیغ الرسالة أمانتهم ، لما بدل أکثر خلقه عهد الله إلیهم فجهلوا حقه واتخذوا الانداد معه ، واجتالتهم الشیاطین عن معرفته ، واقتطعتهم عن عبادته ، فبعث فیهم رسله وواتر إلیهم أنبیاءه ، لیستأدوهم میثاق فطرته ، ویذکروهم منسی نعمته ، ویحتجوا علیهم بالتبلیغ ، ویثیروا لهم دفائن العقول ، ویروهم آیات المقدرة من سقف فوقهم مرفوع.... إلی آخر الخطبة » .

وقال الشیخ محمد عبده فی شرح قوله(علیه السّلام)« لیستأدوهم میثاق فطرته »: کأن الله تعالی بما أودع فی الإنسان من الغرائز والقوی ، وبما أقام له من الشواهد وأدلة الهدی قد أخذ علیه میثاقاً بأن یصرف ما أوتی من ذلک فیما خلق له ، وقد کان یعمل علی ذلک المیثاق ولا ینقضه لولا ما اعترضه من وساوس الشهوات ، فبعث إلیه النبیین لیطلبوا من الناس أداء ذلک المیثاق ، أی لیطالبوهم بما تقتضیه فطرتهم وما ینبغی أن تسوقهم إلیه غرائزهم .

دفائن العقول: أنوار العرفان التی تکشف للانسان أسرار الکائنات ، وترتفع به إلی الایقان بصانع الموجودات ، وقد یحجب هذه الأنوار غیوم من الأوهام وحجب

ص: 28

من الخیال ، فیأتی النبیون لإثارة تلک المعارف الکامنة وإبراز تلک الأسرار الباطنة .

وقال الراغب الأصفهانی فی المفردات/179:

الذِّکْرَ: تارة یقال ویراد به هیئة للنفس بها یمکن للإنسان أن یحفظ ما یقتنیه من المعرفة ، وهو کالحفظ إلا أن الحفظ یقال اعتباراً بإحرازه ، والذکر یقال اعتباراً باستحضاره ، وتارة یقال لحضور الشئ القلب أو القول ، ولذلک قیل الذکر ذکران: ذکر بالقلب وذکر باللسان ، وکل واحد منهما ضربان ، ذکر عن نسیان وذکر لا عن نسیان بل عن إدامة الحفظ. وکل قول یقال له ذکر .

فمن الذکر باللسان قوله تعالی: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَیْکُمْ کِتَابًا فِیهِ ذِکْرُکُمْ ، وقوله تعالی: وَهَذَا ذِکْرٌ مُبَارَکٌ أَنْزَلْنَاهُ ، وقوله: هَذَا ذِکْرُ مَنْ مَعِیَ وَذِکْرُ مَنْ قَبْلِی، وقوله: أَءُنْزِلَ عَلَیْهِ الذِّکْرُ مِنْ بَیْنِنَا ، أی القرآن ، وقوله تعالی: وَالْقُرْآنِ ذِی الذِّکْرِ ... ومن الذکر عن النسیان قوله: فَإِنِّی نَسِیتُ الْحُوتَ وَ مَا أَنْسَانِیهُ إِلا الشَّیْطَانُ أَنْ أَذْکُرَهُ .

ومن الذکر بالقلب واللسان معاً قوله تعالی: فَاذْکُرُوا اللهَ کَذِکْرِکُمْ آباءَکُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِکْرًا، وقوله: فَاذْکُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْکُرُوهُ کَمَا هَدَاکُمْ . . .

والذکری: کثرة الذکر ، وهو أبلغ من الذکر ، قال تعالی: رَحْمَةً مِنَّا وَذِکْرَی لأُولِی الأَلْبَابِ ، وذکر فإن الذکری تنفع المؤمنین... .

وقال الراغب أیضاً: الوعظ زجر مقترن بتخویف. قال الخلیل: هو التذکیر بالخیر فیما یرق له القلب. والعظة والموعظة الاسم ، قال تعالی: یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ ، قُلْ إِنَّمَا أَعِظُکُمْ . ذَلِکُمْ تُوعَظُونَ بِهِ. قَدْ جَاءَتْکُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ... .

وقال أبو هلال العسکری فی الفروق اللغویة/121:

ص: 29

الفرق بین التذکیر والتنبیه: أن قولک ذکر الشئ ، یقتضی أنه کان عالماً به ثم نسیه فرده إلی ذکره ببعض الأسباب ، وذلک أن الذکر هو العلم الحادث بعد النسیان علی ما ذکرنا. ویجوز أن ینبه الرجل علی الشئ لم یعرفه قط ، ألا تری أن الله ینبه علی معرفته بالزلازل والصواعق وفیهم من لم یعرفه البتة فیکون ذلک تنبیهاً له کما یکون تنبیهاً لغیره ، ولا یجوز أن یذکره ما لم یعلمه قط . انتهی .

وفیما ذکره اللغویون فوائد ومحال للنظر ، وحاصل المسألة: أنه یصح القول إن تسمیة القرآن والدین بالذکر لأنه یدل علی ما أودعه الله تعالی فی عمق فکر الإنسان ومشاعره من الفطرة علی التوحید ومعرفة الله ، ولکن السبب الأهم أنه یثیر ما بقی فی ذهنه ووجدانه من نشأته الأولی وحنینه إلی عالم الغیب والآخرة ، وإحساسه بالمیثاق الذی أخذ علیه فی تلک النشأة .

وقد لاحظت أن الروایات صریحة فی أخذ المیثاق علی الناس قبل خلقهم فی هذه الدنیا ، وهی متواترة فی مصادر المسلمین ، ولذا فإن تفسیر تذکیر الأنبیاء لا یصح حصره بتذکیر الإنسان بفطرته لکی ینسجم معها ، والتغافل عن التذکیر الحقیقی بالمیثاق الذی صرحت به الأحادیث الشریفة .

کل مولود یولد علی الفطرة

الکافی:12/2:

قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): کل مولود یولد علی الفطرة ، یعنی المعرفة بأن الله عز وجل خالقه ، کذلک قوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللهُ .

علل الشرائع:376/2:

أبی(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بن یحیی ، عن محمد بن أحمد ، عن سهل بن زیاد ،

ص: 30

عن علی بن الحکم ، عن فضیل بن عثمان الأعور قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السّلام) یقول: ما من مولود ولد إلا علی الفطرة فأبواه یهودانه وینصرانه ویمجسانه ، وإنما أعطی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذمة وقبل الجزیة عن رؤوس أولئک بأعیانهم علی أن لا یهودوا ولا ینصروا ولا یمجسوا . فأما الأولاد وأهل الذمة الیوم فلا ذمة لهم ! انتهی. ورواه الصدوق فی الفقیه:2/49 ، وفی التوحید/330 ، وروی المجلسی عدداً من هذه الأحادیث فی بحار الأنوار:65/100 ، والعاملی فی وسائل الشیعة:96/11

من لا یحضره الفقیه:2 هامش/50:

وقال الفاضل التفرشی: قوله: إلا علی الفطرة ، أی علی فطرة الإسلام وخلقته ، أی المولود خلق فی نفسه علی الخلقة الصحیحة التی لو خلی وطبعه کان مسلماً صحیح الإعتقاد والأفعال ، وإنما یعرض له الفساد من خارج ، فصیرورته یهودیاً أو نصرانیاً أو مجوسیاً إنما هی من قبل أبویه غالباً لأنهما أشد الناس اختلاطاً وتربیة له، ولعل وجه انتفاء ذمتهم أن ذمة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم تشملهم، بل أعطاهم الذمة بسبب أن لا یفسدوا اعتقاد أولادهم لیحتاجوا إلی الذمة. ولم یعطوا الذمة من قبل الأوصیاء(علیهم السّلام) لعدم تمکنهم فی تصرفات الإمامة ، وإنما یعطوها من قبل من لیس له تلک الولایة ، فإذا ظهر الحق وقام القائم(علیه السّلام)لم یقروا علی ذلک ولا یقبل منهم إلا الإسلام. وأخذ الجزیة منهم هذا الزمان من قبیل أخذ الخراج من الأرض ، والمنع عن التعرض لهم باعتبار الأمان. وأما قوله فی حدیث زرارة الآتی: ذلک إلی الإمام ، فمعناه أنه إذا کان متمکناً ویری المصلحة فی أخذ الجزیة منهم کما وقع فی زمان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو لا ینافی انتفاء الذمة عنهم الیوم. انتهی .

تفسیر التبیان:247/8: (قال مجاهد: فطرة الله الإسلام ، وقیل فطر الناس علیها ولها

ص: 31

وبها بمعنی واحد ، کما یقول القائل لرسوله: بعثتک علی هذا ولهذا وبهذا بمعنی واحد. ونصب فطرة الله علی المصدر ، وقیل تقدیره: اتبع فطرة الله التی فطر الناس علیها ، لأن الله تعالی خلق الخلق للإیمان ، ومنه قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): کل مولود یولد علی الفطرة فأبواه یهودانه وینصرانه ویمجسانه .

ومعنی الفطر الشق ابتداءً ، یقولون: أنا فطرت هذا الشئ أی أنا ابتدأته ، والمعنی خلق الله الخلق للتوحید والإسلام .

بحار الأنوار:3/22: (غوالی: قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): کل مولود یولد علی الفطرة حتی یکون أبواه یهودانه وینصرانه .

بیان: قال السید المرتضی(رحمه الله)فی کتاب الغرر والدرر بعد نقل بعض التأویلات عن المخالفین فی هذا الخبر: والصحیح فی تأویله أن قوله یولد علی الفطرة ، یحتمل أمرین:

أحدهما: أن تکون الفطرة هاهنا الدین ، ویکون علی بمعنی اللام ، فکأنه قال: کل مولود یولد للدین ومن أجل الدین ، لأن الله تعالی لم یخلق من یبلغه مبلغ المکلفین إلا لیعبده فینتفع بعبادته ، یشهد بذلک قوله تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ . والدلیل علی أن علی تقوم مقام اللام ما حکاه یعقوب بن السکیت عن أبی یزید ، عن العرب أنهم یقولون: صف علیَّ کذا وکذا حتی أعرفه ، بمعنی صف لی ، ویقولون: ما أغبطک علیَّ یریدون ما أغبطک لی ، والعرب تقیم بعض الصفات مقام بعض ، وإنما ساغ أن یرید بالفطرة التی هی الخلقة فی اللغة الدین من حیث کان هو المقصود بها ، وقد یجری علی الشئ اسم ماله به هذا الضرب من التعلق والاختصاص ، وعلی هذا یتأول قوله تعالی: فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ، أراد دین الله الذی خلق الخلق

ص: 32

له. وقوله تعالی: لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ، أراد به أن ما خلق الله العباد له من العبادة والطاعة لیس مما یتغیر ویختلف حتی یخلق قوماً للطاعة وآخرین للمعصیة . ویجوز أن یرید بذلک الأمر ، وإن کان ظاهره ظاهر الخبر فکأنه قال: لا تبدلوا ما خلقکم الله له من الدین والطاعة بأن تعصوا وتخالفوا .

والوجه الآخر فی تأویل قوله(علیه السّلام)علی الفطرة: أن یکون المراد به الخلقة ، وتکون لفظة ( علی ) علی ظاهرها لم یرد بها غیره ، ویکون المعنی: کل مولود یولد علی الخلقة الدالة علی وحدانیة الله تعالی وعبادته والإیمان به ، لأنه عز وجل قد صور الخلق وخلقهم علی وجه یقتضی النظر فیه معرفته والإیمان به وإن لم ینظروا ویعرفوا ، فکأنه (علیه السّلام) قال: کل مخلوق ومولود فهو یدل بخلقته وصورته علی عبادة الله تعالی وإن عدل بعضهم فصار یهودیاً أو نصرانیاً. وهذا الوجه أیضاً یحتمله قوله تعالی: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا .

وإذا ثبت ما ذکرناه فی معنی الفطرة فقوله علیه الصلاة والسلام: حتی یکون أبواه یهودانه وینصرانه ، یحتمل وجهین:

أحدهما: أن من کان یهودیاً أو نصرانیاً ممن خلقته لعبادتی ودینی فإنما جعله أبواه کذلک ، أو من جری مجراهما ممن أوقع له الشبهة وقلده الضلال عن الدین ، وإنما خص الابوین لأن الأولاد فی الاکثر ینشؤون علی مذاهب آبائهم ویألفون أدیانهم ونحلهم ، ویکون الغرض بالکلام تنزیه الله تعالی عن ضلال العباد وکفرهم ، وأنه إنما خلقهم للإیمان فصدهم عنه آباؤهم ، أو من جری مجراهم .

والوجه الآخر: أن یکون معنی یهودانه وینصرانه أی یلحقانه بأحکامهما ، لأن أطفال أهل الذمة قد ألحق الشرع أحکامهم بأحکامهم ، فکأنه(علیه السّلام)قال: لا

ص: 33

تتوهموا من حیث لحقت أحکام الیهود والنصاری أطفالهم أنهم خلقوا لدینهم ، بل لم یخلقوا إلا للإیمان والدین الصحیح ، لکن آباءهم هم الذین أدخلوهم فی أحکامهم ، وعبر عن إدخالهم فی أحکامهم بقوله: یهودانه وینصرانه .

وقال البخاری فی صحیحه:97/2: (أن أبا هریرة (رض) قال: قال رسول الله (ص): ما من مولود إلا یولد علی الفطرة فأبواه یهودانه أو ینصرانه أو یمجسانه کما تنتج البهیمة بهیمة ، هل تحسون فیها من جدعاء ، ثم یقول أبو هریرة (رض): فطرة الله التی فطر الناس علیها لا تبدیل لخلق الله ذلک الدین القیم .

وقال فی:104/2: (عن أبی هریرة (رض) قال قال رسول الله (ص): کل مولود یولد علی الفطرة فأبواه یهودانه أو ینصرانه أو یمجسانه ، کمثل البهیمة تنتج البهیمة ، هل تری فیها جدعاء. انتهی. وروی نحوه فی:620 وفی:211/7 ورواه أحمد فی مسنده:233/2 کما فی روایة البخاری الأولی. ورواه فی:275/2 وزاد ( ثم یقول واقرؤوا إن شئتم: فطرة الله التی فطر الناس علیها لا تبدیل لخلق الله ) .

وروی أحمد فی:282/2: (عن طاوس عن أبی هریرة أن النبی(ص)قال: کل مولود ولد علی الفطرة فأبواه یهودانه وینصرانه ، مثل الأنعام تنتج صحاحاً فتکوی آذانها. انتهی. وروی نحوه فی:346/2 وج 353/3 ، وروی نحوه مسلم فی:52/8 وأبو داود فی:416/2 ، والترمذیج 303/3 ، والحاکم:233/2 ، وکنز العمال:266/1 ، والسیوطی فی الدر المنثور:224/2 وج155/5 ، والبیهقی فی سننه:202/6 و:130/9

وفی شعب الإیمان:97/1: عن أبی هریرة ، وروی عنه أیضاً أن رسول الله (ص) قال: کل إنسان تلده أمه علی الفطرة یلکزه الشیطان فی حضنیه ، إلا مریم وابنها. انتهی. وهو غریب یشبه مقولات النصاری .

ص: 34

وکل الحیوانات فطرت علی معرفة الله تعالی

الکافی:539/6: (أبو علی الأشعری ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن الحجال ، وابن فضال ، عن ثعلبة ، عن یعقوب بن سالم ، عن رجل ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: مهما أبهم علی البهائم من شئ فلا یبهم علیها أربعة خصال: معرفة أن لها خالقاً ، ومعرفة طلب الرزق ومعرفة الذکر من الأنثی ، ومخافة الموت. انتهی .

ورواه فی من لایحضره الفقیه:288/2 وقال: (وأما الخبر الذی روی عن الصادق(علیه السّلام)أنه قال: لو عرفت البهائم من الموت ما تعرفون ما أکلتم منها سمیناً قط ، فلیس بخلاف هذا الخبر ، لأنها تعرف الموت لکنها لا تعرف منه ما تعرفون. انتهی ، ورواه فی وسائل الشیعة:352/8 .

ومحل هذا الموضوع فی المعرفة ، لکن أوردناه هنا لیتضح أن الإنسان والحیوان مفطوران علی معرفة الله تعالی ، بل والجماد أیضاً کما قال تعالی ( وَإِنْ مِنْ شَئْ إِلا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لَکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ ) .

التوجه الفطری إلی الله تعالی

اشارة

شرح الأسماء الحسنی:67/1: (یا ملجئی عند اضطراری: فإن الإنسان إذا انقطعت جمیع وسائله وانبتت تمام حبائله التجأ إلیه تعالی بالفطرة وتشبث به بالجبلة ، ولذا استدل الأئمة المعصومون کثیراً علی منکری الصانع بالحالات المشاهدة ، والوقوع فی مظان التهلکة .

شرح الأسماء الحسنی:164/1: ( یا أحب من کل حبیب: أما أنه أحب من کل حبیب لأهله فواضح، وقد مر ، وأما أنه أحب للکل کما هو مقتضی الإطلاق فلأن کل کمال وإفضال لما کان عکس کماله وإفضاله ومحبوبیتها باعتبار

ص: 35

وجهها إلی الله ، رجع محبوبیتها إلی محبوبیته ، فإلیه یرجع عواقب الثناء کما ورد عن المعصوم ، ولکن لا یستشعر بذلک إلا الخواص .

والتفاضل والإیمان والکفر بذلک الاستشعار ، أو لأنه أحب لهم إجمالاً أو فطرة ، کما أن الجاهل یعلم أن العالم خیر منه، والغضبان یصدق بأن الحلیم أشرف منه ، والبخیل بأن الجواد أفضل منه ، فهم یحبون الصفات الحمیدة فطرةً وإن أحبوا تلک الرذایل بالغریزة الثانیة .

شرح الأسماء الحسنی:4/2 : (تنبیهاً علی أنه تعالی هو المعروف بتلک الصلات والصفات عند الفطرة الأولی التی فطر الناس علیها، فلا تذهب العقول إلی غیره تعالی حتی عقول الکفار ، کما قال تعالی: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللهُ ، وحین قال الخلیل (علیه السّلام): إن الله یأتی بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ، لم ینکره نمرود بل بهت ، لأن فطرته حاکمة بأن القادر علی ذلک لیس إلا هو .

رأی صاحب تفسیر المیزان فی عالم الذر والمعرفة والمیثاق

تفسیر المیزان للطباطبائی:305/8: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا

أخذ الشئ من الشئ یوجب انفصال المأخوذ من المأخوذ منه واستقلاله دونه بنحو من الأنحاء ، وهو یختلف باختلاف العنایات المتعلقة بها والإعتبارات المأخوذة فیها کأخذ اللقمة من الطعام وأخذ الجرعة من ماء القدح ، وهو نوع من الأخذ ، وأخذ المال والأثاث من زید الغاصب ، أو الجواد أو البائع أو المعیر، وهو نوع آخر، أو أنواع مختلفة أخری ، وکأخذ العلم من العالم وأخذ الأهبة من

ص: 36

المجلس وأخذ الحظ من لقاء الصدیق ، وهو نوع ، وأخذ الولد من والده للتربیة، وهو نوع.. إلی غیر ذلک .

فمجرد ذکر الأخذ من الشئ لا یوضح نوعه إلا ببیان زائد ، ولذلک أضاف الله سبحانه إلی قوله وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ ، الدال علی تفریقهم وتفصیل بعضهم من بعض: قوله مِنْ ظُهُورِهِمْ ، لیدل علی نوع الفصل والأخذ ، وهو أخذ بعض المادة منها بحیث لا تنقص المادة المأخوذ منها بحسب صورتها ولا تنقلب عن تمامها واستقلالها ، ثم تکمیل الجزء المأخوذ شیئاً تاماً مستقلاً من نوع المأخوذ منه ، فیؤخذ الولد من ظهر من یلده ویولده وقد کان جزء ، ثم یجعل بعد الأخذ والفصل إنساناً تاماً مستقلاً من والدیه بعد ما کان جزء منهما ، ثم یؤخذ من ظهر هذا المأخوذ مأخوذ آخر وعلی هذه الوتیرة حتی یتم الأخذ وینفصل کل جزء عما کان جزء منه ویتفرق الأناسی وینتشر الأفراد وقد استقل کل منهم عمن سواه ، ویکون لکل واحد منهم نفس مستقلة لها ما لها وعلیها ما علیها .

فهذا مفاد قوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ ، ولو قال أخذ ربک من بنی آدم ذریتهم أو نشرهم ونحو ذلک ، بقی المعنی علی إبهامه .

وقوله: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، ینبی عن فعل آخر إلهی تعلق بهم بعد ما أخذ بعضهم من بعض ، وفصل بین کل واحد منهم وغیره ، وهو إشهادهم علی أنفسهم ، والإشهاد علی الشئ هو إحضار الشاهد عنده وإراءته حقیقته لیتحمله علماً تحملاً شهودیاً ، فإشهادهم علی أنفسهم هو إراءتهم حقیقة أنفسهم لیتحملوا ما أرید تحملهم من أمرها ، ثم یؤدوا ما تحملوه إذا سئلوا .

وللنفس فی کل ذی نَفَس جهات من التعلق والإرتباط بغیرها یمکن أن یستشهد الإنسان علی بعضها دون بعض ، غیر أن قوله: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، یوضح ما أشهدوا

ص: 37

لأجله وأرید شهادتهم علیه ، وهو أن یشهدوا ربوبیته سبحانه لهم فیؤدوها عند المسألة . فالإنسان وإن بلغ من الکبر والخیلاء ما بلغ وغرته مساعدة الأسباب ما غرته واستهوته ، لا یسعه أن ینکر أنه لایملک وجود نفسه ولا یستقل بتدبیر أمره، ولو ملک نفسه لوقاها مما یکرهه من الموت وسائر آلام الحیاة ومصائبها ، ولو استقل بتدبیر أمره لم یفتقر إلی الخضوع قبال الأسباب الکونیة والوسائل التی یری لنفسه أنه یسودها ویحکم فیها ، ثم هی کالإنسان فی الحاجة إلی ماوراءها والإنقیاد إلی حاکم غائب عنها یحکم فیها لها أو علیها ، ولیس إلی الإنسان أن یسد خلتها ویرفع حاجتها.

فالحاجة إلی رب مالک مدبر حقیقة الإنسان ، والفقر مکتوب علی نفسه ، والضعف مطبوع علی ناصیته، لا یخفی ذلک علی إنسان له أدنی الشعور الإنسانی والعالم والجاهل والصغیر والکبیر والشریف والوضیع فی ذلک سواء. فالإنسان فی أی منزل من منازل الإنسانیة نزل ، یشاهد من نفسه أن له رباً یملکه ویدبر أمره ، وکیف لا یشاهد ربه وهو یشاهد حاجته الذاتیة ، وکیف یتصور وقوع الشعور بالحاجة من غیر شعور بالذی یحتاج إلیه .

فقوله: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ بیان ما أشهد علیه ،وقوله: قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا ، اعتراف منهم بوقوع الشهادة وما شهدوه .

ولذا قیل إن الآیة تشیر إلی ما یشاهده الإنسان فی حیاته الدنیا أنه محتاج فی جمیع جهات حیاته من وجوده وما یتعلق به وجوده من اللوازم والأحکام ، ومعنی الآیة إنا خلقنا بنی آدم فی الأرض وفرقناهم ومیزنا بعضهم من بعض بالتناسل والتوالد وأوقفناهم علی احتیاجهم ومربوبیتهم لنا ، فاعترفوا بذلک قائلین: بلی شهدنا أنک ربنا. وعلی هذا یکون قولهم بلی شهدنا من قبیل القول

ص: 38

بلسان الحال أو إسناداً للازم القول إلی القائل بالملزوم ، حیث اعترفوا بحاجاتهم ولزمهم الإعتراف بمن یحتاجون إلیه . والفرق بین لسان الحال والقول بلازم القول ، أن الأول انکشاف المعنی عن الشئ لدلالة صفه من صفاته وحال من أحواله علیه ، سواء شعر به أم لا ، کما تفصح آثار الدیار الخربة عن حال ساکنیها وکیف لعب الدهر بهم وعدت عادیة الایام علیهم فأسکنت أجراسهم وأخمدت أنفاسهم ، وکما یتکلم سیماء البائس المسکین عن فقره ومسکنته وسوء حاله. والثانی انکشاف المعنی عن القائل لقوله بما یستلزمه أو تکلمه بما یدل علیه بالالتزام .

فعلی أحد هذین النوعین من القول أعنی القول بلسان الحال والقول بالإستلزام یحمل اعترافهم المحکی بقوله تعالی: قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا ، والأول أقرب وأنسب فإنه

لا یکتفی فی مقام الشهادة إلا بالصریح منها المدلول علیه بالمطابقة دون الإلتزام . ومن المعلوم أن هذه الشهادة علی أی نحو تحققت فهی من سنخ الإستشهاد المذکور فی قوله: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، فالظاهر أنه قد استوفی الجواب بعین اللسان الذی سألهم به ، ولذلک کان هناک نحو ثالث یمکن أن تحمل علیه هذه المساءلة والمجاوبة ، فإن الکلام الإلهی یکشف به عن المقاصد الإلهیة بالفعل والإیجاد ، کلام حقیقی ، وإن کان بنحو التحلیل کما تقدم مراراً فی مباحثنا السابقة فلیکن هنا قوله: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، وقولهم: بَلَی شَهِدْنَا ، من ذاک القبیل ، وسیجئ للکلام تتمة .

وکیف کان ، فقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ . . . الآیة ، یدل علی تفصیل بنی آدم بعضهم من بعض وإشهاد کل واحد منهم علی نفسه ، وأخذ الإعتراف علی الربوبیة منه ، ویدل ذیل الآیة وما یتلوه - أعنی قوله: أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ ، أو تقولوا إنما أشرک آباؤنا من قبل وکنا ذریة من بعدهم أفتهلکنا بما

ص: 39

فعل المبطلون - علی الغرض من هذا الأخذ والإشهاد. و هو علی ما یفیده السیاق إبطال حجتین للعباد علی الله ، وبیان أنه لولا هذا الأخذ والإشهاد وأخذ المیثاق علی انحصار الربوبیة کان للعباد أن یتمسکوا یوم القیامة بإحدی حجتین یدفعون بها تمام الحجة علیهم فی شرکهم بالله والقضاء بالنار علی ذلک من الله سبحانه .

والتدبر فی الآیتین وقد عطفت إحدی الحجتین علی الأخری بأو التردیدیة ، وبنیت الحجتان جمیعاً علی العلم اللازم للإشهاد ، ونقلتا جمیعاً عن بنی آدم المأخوذین المفرقین ، یعطی أن الحجتین کل واحدة منهما مبنیه علی تقدیر من تقدیری عدم الاشهاد کذلک .

والمراد إنا أخذنا ذریتهم من ظهورهم وأشهدناهم علی أنفسهم فاعترفوا بربوبیتنا فتمت لنا الحجة علیهم یوم القیامة ، ولو لم نفعل هذا ولم نشهد کل فرد منهم علی نفسه بعد أخذه ، فإن کنا أهملنا الاشهاد من رأس ، فلم یشهد أحد نفسه وأن الله ربه ولم یعلم به، لأقاموا جمیعاً الحجة علینا یوم القیامة بأنهم کانوا غافلین فی الدنیا عن ربوبیتنا ، ولا تکلیف علی غافل ولا مؤاخذة ، وهو قوله تعالی: أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ .

وإن کنا لم نهمل أمر الإشهاد من رأس وأشهدنا بعضهم علی أنفسهم دون بعض، بأن أشهدنا الإباء علی هذا الأمر الهام العظیم دون ذریاتهم ثم أشرک الجمیع کان شرک الإباء شرکاً عن علم بأن الله هو الرب لا رب غیره ، فکانت معصیة منهم ، وأما الذریة فإنما کان شرکهم بمجرد التقلید فیما لا سبیل لهم إلی العلم به لا إجمالاً ولا تفصیلاً ، ومتابعة عملیة محضة لآبائهم ، فکان آباؤهم هم المشرکون بالله العاصون فی شرکهم لعلمهم بحقیقة الأمر ، وقد قادوا ذریتهم الضعاف فی سبیل شرکهم بتربیتهم علیه وتلقینهم ذلک ، ولا سبیل لهم إلی العلم بحقیقة الأمر

ص: 40

وإدراک ضلال آبائهم وإضلالهم إیاهم ، فکانت الحجة لهؤلاء الذریة علی الله یوم القیامة لأن الذین أشرکوا وعصوا بذلک وأبطلوا الحق هم الآباء ، فهم المستحقون للمؤاخذة والفعل فعلهم ، وأما الذریة فلم یعرفوا حقاً حتی یؤمروا به فیعصوا بمخالفته فهم لم یعصوا شیئاً ولم یبطلوا حقاً ، وحینئذ لم تتم حجة علی الذریة فلم تتم الحجة علی جمیع بنی آدم. وهذا معنی قوله تعالی: أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَکَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَ کُنَّا ذُرِّیَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِکُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ

فإن قلت: هنا بعض تقادیر أخر لا یفی بها البیان السابق ، کما لو فرض إشهاد الذریة علی أنفسهم دون الاباء مثلاً ، أو إشهاد بعض الذریة مثلاً ، کما أن تکامل النوع الإنسانی فی العلم والحضارة علی هذه الوتیرة یرث کل جیل ما ترکه الجیل السابق ویزید علیه بأشیاء ، فیحصل للاّحق ما لم یحصل للسابق .

قلت: علی أحد التقدیرین المذکورین تتم الحجة علی الذریة أو علی بعضهم الذین أشهدوا ، وأما الآباء الذین لم یشهدوا فلیس عندهم إلا الغفلة المحضة عن أمر الربوبیة ، فلا یستقلون بشرک إذ لم یشهدوا ، ولا یسع لهم التقلید إذ لم یسبق علیهم فیه سابق ، کما فی صورة العکس فیدخلون تحت المحتجین بالحجة الأولی ( إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ ) .

وأما حدیث تکامل الإنسان فی العلم والحضارة تدریجاً فإنما هو فی العلوم النظریة الإکتسابیة التی هی نتائج وفروع تحصل للانسان شیئاً فشیئاً ، وأما شهود الإنسان نفسه وأنه محتاج إلی رب یربه فهو من مواد العلم التی إنما تحصل قبل النتائج ، وهو من العلوم الفطریة التی تنطبع فی النفس انطباعاً أولیاً ثم یتفرع علیها الفروع. وما هذا شأنه لا یتأخر عن غیره حصولاً ، وکیف لا ونوع الإنسان إنما یتدرج إلی معارفه وعلومه عن الحس الباطنی بالحاجة ، کما قرر فی محله .

ص: 41

فالمتحصل من الآیتین أن الله سبحانه فصل بین بنی آدم بأخذ بعضهم من بعض ، ثم أشهدهم جمیعاً علی أنفسهم وأخذ منهم المیثاق بربوبیته ، فهم لیسوا بغافلین عن هذا المشهد وما أخذ منهم من المیثاق ، حتی یحتج کلهم بأنهم کانوا غافلین عن ذلک لعدم معرفتهم بالربوبیة ، أو یحتج بعضهم بأنه إنما أشرک وعصی آباؤهم وهم برآء .

ولذلک ذکر عدة من المفسرین أن المراد بهذا الظرف المشار إلیه بقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ ، هو الدنیا ، والآیتان تشیران إلی سنة الخلقة الإلهیة الجاریة علی الإنسان فی الدنیا ، فإن الله سبحانه یخرج الذریة الإنسانیة من أصلاب آبائهم إلی أرحام أمهاتهم ومنها إلی الدنیا ، ویشهدهم فی خلال حیاتهم علی أنفسهم ویریهم آثار صنعه وآیات وحدانیته ووجوه احتیاجاتهم المستغرقة لهم من کل جهة ، الدالة علی وجوده ووحدانیته ، فکأنه یقول لهم عند ذلک أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، وهم یجیبونه بلسان حالهم بَلَی شَهِدْنَا بذلک وأنت ربنا لا رب غیرک ، وإنما فعل الله سبحانه ذلک لئلا یحتجوا علی الله یوم القیامة بأنهم کانوا غافلین عن المعرفة ، أو یحتج الذریة بأن آباءهم هم الذین أشرکوا ، وأما الذریة فلم یکونوا عارفین بها وإنما هم ذریة من بعدهم نشأوا علی شرکهم من غیر ذنب .

وقد طرح القوم عدة من الروایات تدل علی أن الآیتین تدلان علی عالم الذر ، وأن الله أخرج ذریة آدم من ظهره فخرجوا کالذر فأشهدهم علی أنفسهم وعرفهم نفسه ، وأخذ منهم المیثاق علی ربوبیته ، فتمت بذلک الحجة علیهم یوم القیامة . وقد ذکروا وجوهاً فی إبطال دلالة الآیتین علیه وطرح الروایات بمخالفتها لظاهر الکتاب ، وهی:

1 - أنه لا یخلو إما أنه جعل الله هذه الذریة المستخرجة من صلب آدم عقلاء أو

ص: 42

لم یجعلهم کذلک ، فإن لم یجعلهم عقلاء فلا یصح أن یعرفوا التوحید وأن یفهموا خطاب الله تعالی ، وإن جعلهم عقلاء وأخذ منهم المیثاق وبنی صحة التکلیف علی ذلک وجب أن یذکروا ذلک ولا ینسوه ، لأن أخذ المیثاق إنما تتم الحجة به علی المأخوذ منه إذا کان علی ذکر منه من غیر نسیان ، کما ینص علیه قوله تعالی: أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ . ونحن لا نذکر وراء ما نحن علیه من الخلقة الدنیویة الحاضرة شیئاً ، فلیس المراد بالآیة إلا موقف الإنسان فی الدنیا وما یشاهده فیه من حاجته إلی رب یملکه ویدبر أمره و هو رب کل شئ .

2 - أنه لا یجوز أن ینسی الجمع الکثیر والجم الغفیر من العقلاء أمراً قد کانوا عرفوه ومیزوه حتی لا یذکره ولا واحد منهم ، ولیس العهد به بأطول من عهد أهل الجنة بحوادث مضت علیهم فی الدنیا وهم یذکرون ما وقع علیهم فی الدنیا کما یحکیه تعالی فی مواضع من کلامه کقوله: قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّی کَانَ لِی قَرِینٌ . . . إلی آخر الآیات ، الصافات : 51 . وقد حکی نظیر ذلک عن أهل النار کقوله: وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَی رِجَالاً کُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ .ص : 62 . . . إلی غیر ذلک من الآیات .

ولو جاز النسیان علی هؤلاء الجماعة مع هذه الکثرة لجاز أن یکون الله سبحانه قد کلف خلقه فیما مضی من الزمن ثم أعادهم لیثیبهم أو لیعاقبهم جزاء لأعمالهم فی الخلق الأول وقد نسوا ذلک ، ولازم ذلک صحة قول التناسخیة أن المعاد إنما هو خروج النفس عن بدنها ثم دخولها فی بدن آخر لتجد فی الثانی جزاء الأعمال التی عملتها فی الأول .

3 - ما أورد علی الأخبار الناطقة بأن الله سبحانه أخذ من صلب آدم ذریته وأخذ منهم المیثاق بأن الله سبحانه قال: أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ ولم یقل من آدم ، وقال مِنْ ظُهُورِهِمْ ولم یقل من ظهره ، وقال ذُرِّیَّتَهُمْ ولم یقل ذریته ، ثم أخبر بأنه إنما فعل

ص: 43

بهم ذلک لئلا یقولوا یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ أو یقولوا إِنَّمَا أَشْرَکَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَکُنَّا ذُرِّیَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ . . . الآیة. وهذا یقتضی أن یکون لهم آباء مشرکون فلا یتناول ظاهر الآیة أولاد آدم لصلبه .

ومن هنا قال بعضهم إن الآیة خاصة ببعض بنی آدم غیر عامة لجمیعهم ، فإنها لا تشمل آدم وولده لصلبه وجمیع المؤمنین ، ومن المشرکین من لیس له آباء مشرکون ، بل تختص بالمشرکین الذین لهم سلف مشرک .

4 - إن تفسیر الآیة بعالم الذر ینافی قولهم کما فی الآیة: إِنَّمَا أَشْرَکَ آبَاؤُنَا لدلالته علی وجود آباء لهم مشرکین ، وهو ینافی وجود الجمیع هناک بوجود واحد جمعی .

5 - ما ذکره بعضهم أن الروایات مقبولة مسلمة غیر أنها لیست بتأویل للآیة ، والذی تقصه من حدیث عالم الذر إنما هو أمر فعله الله سبحانه ببنی آدم قبل وجودهم فی هذه النشأة لیجروا بذلک علی الأعراق الکریمة فی معرفة ربوبیته ، کما روی أنهم ولدوا علی الفطرة ، وکما قیل إن نعیم الأطفال فی الجنة ثواب إیمانهم بالله فی عالم الذر. وأما الآیة فلیست تشیر إلی ما تشیر إلیه الروایات ، فإن الآیة تذکر أنه إنما فعل بهم ذلک لتنقطع به حجتهم یوم القیامه: إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ ، ولو کان المراد به ما فعل بهم فی عالم الذر لکان لهم أن یحتجوا علی الله فیقولوا ربنا إنک أشهدتنا علی أنفسنا یوم أخرجتنا من صلب آدم فکنا علی یقین بأنک ربنا ، کما أنا الیوم وهو یوم القیامة علی یقین من ذلک لکنک أنسیتنا موقف الإشهاد فی الدنیا التی هی موطن التکلیف والعمل ووکلتنا إلی عقولنا ، فعرف ربوبیتک من عرفها بعقله وأنکرها من أنکرها بعقله ، کل ذلک بالإستدلال ، فما ذنبنا فی ذلک وقد نزعت منا عین المشاهدة وجهزتنا بجهاز شأنه الإستدلال وهو

ص: 44

یخطئ ویصیب .

6 - أن الآیة لا صراحة لها فیما تدل علیه الروایات لإمکان حملها علی التمثیل ، وأما الروایات فهی إما مرفوعة أو موقوفة ولا حجیة فیها .

هذه جملة ما أوردوه علی دلالة الآیة وحجیة الروایات ، وقد زیفها المثبتون لنشأة الذر وهم عامة أهل الحدیث وجمع من غیرهم من المفسرین بأجوبة:

فالجواب عن الأول ، أن نسیان الموقف وخصوصیاته لا یضر بتمام الحجة ، وإنما المضر نسیان أصل المیثاق وزوال معرفة وحدانیة الرب تعالی وهو غیر منسی ولا زائل عن النفس ، وذلک یکفی فی تمام الحجة ، ألا تری أنک إذا أردت أن تأخذ میثاقاً من زید فدعوته إلیک وأدخلته بیتک وأجلسته مجلس الکرامة ثم بشرته وأنذرته ما استطعت ولم تزل به حتی أرضیته فأعطاک العهد وأخذت منه المیثاق ، فهو مأخوذ بمیثاقه مادام ذاکراً لأصله وإن نسی حضوره عندک ودخوله بیتک وجمیع ما جری بینک وبینه وقت أخذ المیثاق ، غیر أصل العهد .

والجواب عن الثانی ، أن الإمتناع من تجویز نسیان الجمع الکثیر لذلک مجرد استبعاد من غیر دلیل علی الإمتناع ، مضافاً إلی أن أصل المعرفة بالربوبیة مذکور غیر منسی کما ذکرنا وهو یکفی فی تمام الحجة ، وأما حدیث التناسخیة فلیس الدلیل علی امتناع التناسخ منحصراً فی استحالة نسیان الجماعة الکثیرة ما مضی علیهم فی الخلق الأول، حتی لو لم یستحل ذلک صح القول بالتناسخ ، بل لابطال القول به دلیل آخر کما یعلم بالرجوع إلی محله ، وبالجملة لا دلیل علی استحالة نسیان بعض العوالم فی بعض آخر .

والجواب عن الثالث ، أن الآیة غیر ساکتة عن إخراج ولد آدم لصلبه من صلبه ،

ص: 45

فإن قوله تعالی: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ ، کاف وحده فی الدلالة علیه ، فإن فرض بنی آدم فرض إخراجهم من صلب آدم من غیر حاجة إلی مؤونة زائدة ، ثم إخراج ذریتهم من ظهورهم بإخراج أولاد الأولاد من صلب الأولاد وهکذا ، ویتحصل منه أن الله أخرج أولاد آدم لصلبه من صلبه ثم أولادهم من أصلابهم ثم أولاد أولادهم من أصلاب أولادهم حتی ینتهی إلی آخرهم ، نظیر ما یجری علیه الأمر فی هذه النشأة الدنیویة التی هی نشأة التوالد والتناسل .

وقد أجاب الرازی عنه فی تفسیره بأن الدلالة علی إخراج أولاده لصلبه من صلبه من ناحیة الخبر ، کما أن الدلالة علی إخراج أولاد أولاده من أصلاب آبائهم من ناحیة الآیة ، فبمجموع الآیة والخبر تتم الدلالة علی المجموع ، وهو کما تری .

وأما الأخبار المشتملة علی ذکر إخراج ذریة آدم من صلبه وأخذ المیثاق منهم ، فهی فی مقام شرح القصة لا فی مقام تفسیر ألفاظ الآیة حتی یورد علیها بعدم موافقه الکتاب أو مخالفته. وأما عدم شمول الآیة لأولاد آدم من صلبه لعدم وجود آباء مشرکین لهم وکذا بعض من عداهم فلا یضر شیئاً ، لأن مراد الآیة أن الله سبحانه إنما فعل ذلک لئلا یقول المشرکون یوم القیامة إنما أشرک آباؤنا ، ولا أن یقول کل واحد منهم إنما أشرک آبائی ، فهذا مما لم یتعلق به الغرض ألبتة ، فالقول قول المجموع من حیث المجموع لا قول کل واحد ، فیؤول المعنی إلی أنا لو لم نفعل ذلک لکان کل من أردنا إهلاکه یوم القیامة یقول لم أشرک أنا وإنما أشرک من کان قبلی ولم أکن إلا ذریاً وتابعاً لا متبوعاً .

والجواب عن الرابع ، یظهر من الجواب عن سابقه ، قد دلت الآیة والروایة علی أن الله فصل هناک بین الآباء والأبناء ثم ردهم إلی حال الجمع .

ص: 46

والجواب عن الخامس ، أنه خلاف ظاهر بعض الروایات وخلاف صریح بعض آخر منها ، وما فی ذیله من عدم تمام الحجة من جهة عروض النسیان ، ظهر الجواب عنه من الجواب عن الإشکال الأول .

والجواب عن السادس ، أن استقرار الظهور فی الکلام کاف فی حجیته ، ولا یتوقف ذلک علی صفة الصراحة ، وإمکان الحمل علی التمثیل لا یوجب الحمل علیه ما لم یتحقق هناک مانع عن حمله علی ظاهره، وقد تبین أن لا مانع من ذلک.

وإما أن الروایات ضعیفة لا معول علیها فلیس کذلک ، فإن فیها ما هو الصحیح ، وفیها ما یوثق بصدوره کما سیجئ إن شاء الله تعالی فی البحث الروائی التالی .

هذا ملخص ما جری بینهم من البحث فیما استفید من الآیة من حدیث عالم الذر إثباتاً ونفیاً ، واعتراضاً وجواباً . واستیفاء التدبر فی الآیة والروایات ، والتأمل فیما یرومه المثبتون بإثباتهم ویدفعه المنکرون بإنکارهم ، یوجب توجیه البحث إلی جهة أخری غیر ما تشاجر فیه الفریقان بإثباتهم ونفیهم .

فالذی فهمه المثبتون من الروایة ثم حملوه علی الآیة وانتهضوا لإثباته محصله: أن الله سبحانه بعدما خلق آدم إنساناً تاماً سویاً أخرج نطفه التی تکونت فی صلبه ثم صارت هی بعینها أولاده الصلبیین إلی الخارج من صلبه ، ثم أخرج من هذه النطف نطفها التی ستتکون أولاداً له صلبیین ففصل بین أجزائها والأجزاء الأصلیة التی اشتقت منها ، ثم من أجزاء هذه النطف أجزاء أخری هی نطفها ثم من أجزاء

الأجزاء أجزاءها ، ولم یزل حتی أتی آخر جزء مشتق من الأجزاء المتعاقبة فی التجزی .

وبعبارة أخری: أخرج نطفة آدم التی هی مادة البشر ووزعها بفصل بعض أجزائه من بعض إلی ما لا یحصی من عدد بنی آدم بحذاء کل فرد ما هو نصیبه من

ص: 47

أجزاء نطفة آدم ، وهی ذرات منبثة غیر محصورة ، ثم جعل الله سبحانه هذه الذرات المنبثة عند ذلک أو کان قد جعلها قبل ذلک کل ذرة منها إنساناً تاماً فی إنسانیته هو بعینه الإنسان الدنیوی الذی هو جزء المقدم له ، فالجزء الذی لزید هناک هو زید هذا بعینه والذی لعمرو هو عمرو هذا بعینه ، فجعلهم ذوی حیاة وعقل وجعل لهم ما یسمعون به وما یتکلمون به وما یضمرون به معانی فیظهرونها أو یکتمونها ، وعند ذلک عرفهم نفسه فخاطبهم فأجابوه وأعطوه الإقرار بالربوبیة ، إما بموافقة ما فی ضمیرهم لما فی لسانهم أو بمخالفة ذلک .

ثم إن الله سبحانه ردهم بعد أخذ المیثاق إلی مواطنهم من الأصلاب حتی اجتمعوا فی صلب آدم وهی علی حیاتها ومعرفتها بالربوبیة وإن نسوا ما وراء ذلک مما شاهدوه عند الإشهاد وأخذ المیثاق ، وهم بأعیانهم موجودون فی الأصلاب حتی یؤذن لهم فی الخروج إلی الدنیا فیخرجون ، وعندهم ما حصلوه فی الخلق الأول من معرفة الربوبیة ، وهی حکمهم بوجود رب لهم من مشاهدة أنفسهم محتاجة إلی من یملکهم ویدبر أمرهم .

هذا ما یفهمه القوم من الخبر والآیة ویرومون إثباته ، وهو مما تدفعه الضرورة وینفیه القرآن والحدیث بلا ریب ، وکیف الطریق إلی اثبات أن ذرة من ذرات بدن زید وهو الجزء الذری الذی انتقل من صلب آدم من طریق نطفته إلی ابنه ثم إلی ابن ابنه حتی انتهی إلی زید هو زید بعینه وله إدراک زید وعقله وضمیره وسمعه وبصره ، وهو الذی یتوجه إلیه التکلیف وتتم له الحجة ویحمل علیه العهود والمواثیق ویقع علیه الثواب والعقاب، وقد صح بالحجة القاطعة من طریق العقل والنقل أن إنسانیة الإنسان بنفسه التی هی أمر وراء المادة حادث بحدوث هذا البدن الدنیوی ، وقد تقدم شطر من البحث فیها .

ص: 48

علی أنه قد ثبت بالبحث القطعی أن هذه العلوم التصدیقیة البدیهیة والنظریة ، ومنها التصدیق بأن له رباً یملکه ویدبر أمره ، تحصل للانسان بعد حصول التطورات ، والجمیع تنتهی إلی الإحساسات الظاهرة والباطنة ، وهی تتوقف علی وجود الترکیب الدنیوی المادی ، فهو حال العلوم الحصولیة التی منها التصدیق بأن له رباً هو القائم برفع حاجته .

علی أن هذه الحجة إن کانت متوقفة فی تمامها علی العقل والمعرفة معاً فالعقل مسلوب عن الذرة حین أرجعت إلی موطنها الصلبی حتی تظهر ثانیاً فی الدنیا ، وإن

قیل إنه لم یسلب عنها ما تجری فی الأصلاب والأرحام فهو مسلوب عن الإنسان ما بین ولادته وبلوغه أعنی أیام الطفولیة ، ویختل بذلک أمر الحجة علی الإنسان وإن کانت غیر متوقفة علیه، بل یکفی فی تمامها مجرد حصول المعرفة ، فأی حاجة إلی الاشهاد وأخذ المیثاق، وظاهر الآیة أن الإشهاد وأخذ المیثاق إنما هما لأجل إتمام الحجة ، فلا محالة یرجع معنی الآیة إلی حصول المعرفة فیؤول المعنی إلی ما فسرها به المنکرون .

وبتقریر آخر إن کانت الحجة إنما تتم بمجموع الإشهاد والتعریف وأخذ المیثاق سقطت بنسیان البعض وقد نسی الإشهاد والتکلیم وأخذ المیثاق ، وإن کان الإشهاد وأخذ المیثاق جمیعاً مقدمة لثبوت المعرفة ثم زالت المقدمة ولزمت المعرفة وبها تمام الحجة ، تمت الحجة علی کل إنسان حتی الجنین والطفل والمعتوه والجاهل ، ولا یساعد علیه عقل ولا نقل ، وإن کانت المعرفة فی تمام الحجة بها متوقفة علی حصول العقل والبلوغ ونحو ذلک وقد کانت حصلت فی عالم الذر فتمت الحجة ثم زالت وبقیت المعرفة حجة ناقصة ثم کملت ثانیاً لبعضهم فی الدنیا فتمت الحجة ثانیاً بالنسبة إلیهم ، فکما أن لحصول العقل فی

ص: 49

الدنیا أسباباً تکوینیة یحصل بها وهی الحوادث المتکررة من الخیر والشر ، وحصول الملکة الممیزة بینهما من التجارب حصولاً تدریجیاً ینتهی من جانب إلی حد من الکمال ومن جانب إلی حد من الضعف لا یعبأ به ، کذلک المعرفة لها أسباب إعدادیة تهی الإنسان إلی التلبس بها ولیست تحصل قبل ذلک ، وإذا کانت تحصل فی ظرفنا هذا بأسبابها المعدة لها کالعقل ، فأی حاجة إلی تکوینه تکویناً آخر فی سالف من الزمان لاتمام الحجة والحجة تامة دونه وماذا یغنی ذلک .

علی أن هذا العقل الذی لا تتم حجة ولا ینفع إشهاد ولا یصح أخذ میثاق بدونه حتی فی عالم الذر ، المفروض هو العقل العملی الذی لا یحصل للانسان إلا فی هذا الظرف الذی یعیش فیه عیشة اجتماعیة ، فتتکرر علیه حوادث الخیر والشر وتهیج عواطفه وإحساساته الباطنیة نحو جلب النفع ودفع الضرر ، فتتعاقب علیه الأعمال عن علم وإرادة فیخطی ویصیب ، حتی یتدرب فی تمییز الصواب من الخطأ والخیر من الشر والنفع من الضر .

والظرف الذی یثبتونه أعنی ما یصفونه من عالم الذر لیس بموطن العقل العملی ، إذ لیس فیه شرائط حصوله وأسبابه ، ولو فرضوه موطناً له وفیه أسبابه وشرائطه کما یظهر مما یصفونه تعویلاً علی ما فی ظواهر الروایات أن الله دعاهم هناک إلی التوحید فأجابه بعضهم بلسان یوافقه قلبه وأجابه آخرون وقد أضمروا الکفر وبعث إلیهم الأنبیاء والاوصیاء فصدقهم بعض وکذبهم آخرون ، ولا یجری ما هاهنا إلا علی ما جری به ما هنالک ، إلی غیر ذلک مما ذکروه ، کان ذلک إثباتاً لنشأة طبیعیة قبل هذه النشأة الطبیعیة فی الدنیا نظیر ما یثبته القائلون بالأدوار والأکوار ، واحتاج إلی تقدیم کینونة ذریة أخری تتم بها الحجة علی من هنالک

ص: 50

من الإنسان ، لأن عالم الذر علی هذه الصفة لا یفارق هذا العالم الحیوی الذی نحن فیه الآن ، فلو احتاج هذا الکون الدنیوی إلی تقدیم إشهاد وتعریف حتی تحصل المعرفة وتتم الحجة لاحتاج إلیه الکون الذری من غیر فرق فارق ألبتة .

علی أن الإنسان لو احتاج فی تحقق المعرفة فی هذه النشأة الدنیویة إلی تقدم وجود ذری یقع فیه الإشهاد ویوجد فیه المیثاق حتی تثبت بذلک المعرفة بالربوبیة ، لم یکن فی ذلک فرق بین إنسان وإنسان ، فما بال آدم وحواء استثنیا من هذه الکلیة ، فإن لم یحتاجا إلی ذلک لفضل فیهما أو لکرامة لهما ففی ذریتهما من هو أفضل منهما وأکرم ، وإن کان لتمام خلقتهما یومئذ فأثبتت فیهما المعرفة من غیر حاجة إلی إحضار الوجود الذری ، فلکل من ذریتهما أیضاً خلقة تامة فی ظرفه الخاص به ، فلم لم یؤخر إثبات المعرفة فیهم ولهم إلی تمام خلقتهم بالولادة حتی تتم عند ذلک الحجة ، وأی حاجة إلی التقدیم .

فهذه جهات من الإشکال فی تحقق الوجود الذری للإنسان علی ما فهموه من الروایات لا طریق إلی حلها بالأبحاث العلمیة، ولا حمل الآیة علیه معها حتی بناء علی عادة

القوم فی تحمیل المعنی علی الآیة إذا دلت علیه الروایة وإن لم یساعد علیه لفظ الآیة، لأن الروایة القطعیة الصدور کالآیة مصونة عن أن تنطق بالمحال.

وأما الحشویة وبعض المحدثین ممن یبطل حجة العقل الضروریة قبال الروایة ویتمسک بالآحاد فی المعارف الیقینیة ، فلا بحث لنا معهم .

هذا ما علی المثبتین. بقی الکلام فیما ذکره النافون أن الآیة تشیر إلی ما علیه حال الإنسان فی هذه الحیاة الدنیا ، وهو أن الله سبحانه أخرج کلا من آحاد الإنسان من الأصلاب والأرحام إلی مرحلة الإنفصال والتفرق ، ورکب فیهم ما یعرفون به ربوبیته واحتیاجهم إلیه ، کأنه قال لهم إذا وجه وجوههم نحو أنفسهم

ص: 51

المستغرقة فی الحاجة: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، وکأنهم لما سمعوا هذا الخطاب من لسان الحال قالوا: بلی أنت ربنا شهدنا بذلک ، وإنما فعل الله ذلک لتتم علیهم حجتة بالمعرفة وتنقطع حجتهم علیه بعدم المعرفة ، وهذا میثاق مأخوذ منهم طول الدنیا جار ما جری الدهر والإنسان یجری معه .

والآیة بسیاقها لا تساعد علیه ، فإنه تعالی افتتح الآیة بقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ . . . الآیة فعبر عن ظرف هذه القضیة بإذ ، وهو یدل علی الزمن الماضی أو علی أی ظرف محقق الوقوع نحوه ، کما فی قوله: وَإِذْ قَالَ اللهُ یَا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ آنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ، إلی أن قال: قَالَ اللهُ هَذَا یَوْمُ یَنْفَعُ

الصَّادِقِینَ صِدْقُهُمْ . المائدة : 119 ، فعبر بإذ عن ظرف مستقبل لتحقق وقوعه .

وقوله: وإذ أخذ ربک خطاب للنبی (ص) أوله ولغیره کما یدل علیه قوله: أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیَامَةِ . . . الآیة ، إن کان الخطاب متوجهاً إلینا معاشر السامعین للآیات المخاطبین بها والخطاب خطاب دنیوی لنا معاشر أهل الدنیا ، والظرف الذی یتکی علیه هو زمن حیاتنا فی الدنیا أو زمن حیاة النوع الإنسانی فیها وعمره الذی هو طول إقامته الأرض ، والقصة التی یذکرها فی الآیة ظرفها عین ظرف وجود النوع فی الدنیا فلا مصحح للتعبیر عن ظرفها بلفظة إذ الدالة علی تقدم ظرف القصة علی ظرف الخطاب ، ولا عنایة أخری فی المقام تصحح هذا التعبیر من قبیل تحقق الوقوع ونحوه وهو ظاهر .

فقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ ، فی عین أنه یدل علی قصة خلقه تعالی النوع الإنسانی بنحو التولید ، وأخذ الفرد من الفرد وبث الکثیر من القلیل، کما هو المشهود فی نحو تکون الآحاد من الإنسان وحفظهم وجود النوع بوجود البعض من البعض علی التعاقب ، یدل علی أن للقصة وهی تنطبق علی

ص: 52

الحال المشهود نوعاً من التقدم علی هذا المشهود من جریان الخلقة وسیرها .

وقد تقدمت استحالة ما افترضوا لهذا التقدم من تقدم هذه الخلقة بنحو تقدماً زمانیاً بأن یأخذ الله أول فرد من هذا النوع فیأخذ منه مادة النطفة التی منها نسل هذا النوع فیجزؤها أجزاء ذریة بعدد أفراد النوع إلی یوم القیامة ، ثم یلبس وجود کل فرد بعینه بحیاته وعقله وسمعه وبصره وضمیره وظهره وبطنه ویکسیه وجوده التی هی له قبل أن یسیر مسیره الطبیعی فیشهده نفسه ویأخذ منه المیثاق ، ثم ینزعه منها ویردها إلی مکانها الصلبی ، حتی یسیر سیره الطبیعی وینتهی إلی موطنها الذی لها من الدنیا ، فقدتقدم بطلان ذلک وأن الآیة أجنبیة عنه .

لکن الذی أحال هذا المعنی هو استلزامه وجود الإنسان بماله من الشخصیة الدنیویة مرتین فی الدنیا واحدة بعد أخری، المستلزم لکون الشئ غیر نفسه بتعدد شخصیته ، فهو الأصل الذی تنتهی إلیه جمیع المشکلات السابقة .

وأما وجود الإنسان أو غیره فی امتداد مسیره إلی الله ورجوعه إلیه فی عوالم مختلفة النظام متفاوتة الحکم فلیس بمحال ، وهو مما یثبته القرآن الکریم ولو کره ذلک الکافرون الذین یقولون إن هی إلا حیاتنا الدنیا نموت ونحیا وما یهلکنا إلا الدهر فقد أثبت الله الحیاة الآخرة للإنسان وغیره یوم البعث وفیه هذا الإنسان بعینه ، وقد وصفه بنظام وأحکام غیر هذه النشأة الدنیویة نظاماً وأحکاماً. وقد أثبت حیاة برزخیة لهذا الإنسان بعینه وهی غیر الحیاة الدنیویة نظاماً وحکماً. وأثبت بقوله: وَ إِنْ مِنْ شَئْ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَ مَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.الحجر : 21 ، أن لکل شئ عنده وجوداً وسیعاً غیر مقدر فی خزائنه وإنما یلحقه الأقدار إذا نزله إلی الدنیا مثلاً ، فللعالم الإنسانی علی سعته سابق وجود عنده تعالی فی خزائنه ، أنزله إلی هذه النشأة .

ص: 53

وأثبت بقوله: إنما أمره إذا أراد شیئاً أن یقول له کن فیکون. فَسُبْحَانَ الَّذِی بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَئْ. یس : 83 ، وقوله: وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ کَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ. القمر : 50 ، وما یشابههما من الآیات .

أن هذا الوجود التدریجی الذی للأشیاء ومنها الإنسان هو أمر من الله یفیضه علی الشئ ویلقیه إلیه بکلمة کن ، إفاضة دفعیة وإلقاء غیر تدریجی .

فلوجود هذه الأشیاء وجهان: وجه إلی الدنیا وحکمه أن یحصل بالخروج من القوة إلی الفعل تدریجاً ومن العدم إلی الوجود شیئاً فشیئاً ، ویظهر ناقصاً ثم لا یزال یتکامل حتی یفنی ویرجع إلی ربه .

ووجه إلی الله سبحانه وهی بحسب هذا الوجه أمور تدریجیة ، وکل ما لها فهو لها فی أول وجودها من غیر أن تحتمل قوة تسوقها إلی الفعل .

وهذا الوجه غیر الوجه السابق وإن کانا وجهین لشئ واحد ، وحکمه غیر حکمه وإن کان تصوره التام یحتاج إلی لطف قریحة ، وقد شرحناه فی الأبحاث السابقة بعض الشرح ، وسیجی إن شاء الله استیفاء الکلام فی شرحه .

ومقتضی هذه الآیات أن للعالم الإنسانی علی ما له من السعة وجوداً جمیعاً عند الله سبحانه ، وهو الذی یلی جهته تعالی ویفیضه علی أفراده لا یغیب فیها بعضهم عن بعض ولا یغیبون فیه عن ربهم ولا هو یغیب عنهم ، وکیف یغیب فعل عن فاعله أو ینقطع صنع عن صانعه ، وهذا هو الذی یسمیه الله سبحانه بالملکوت ، ویقول: وَکَذَلِکَ نُرِی إِبْرَاهِیمَ مَلَکُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِیَکُونَ مِنَ الْمُوقِنِینَ. الانعام: 75 ویشیر إلیه بقوله:کَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْیَقِینِ . لَتَرَوُنَّ الْجَحِیمَ . ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَیْنَ الْیَقِینِ . التکاثر: 7 .

وأما هذا الوجه الدنیوی الذی نشاهده نحن من العالم الإنسانی ، وهو الذی

ص: 54

یفرق بین الآحاد ویشتت الأحوال والأعمال بتوزیعها علی قطعات الزمان وتطبیقها علی مر اللیالی والأیام ویحجب الإنسان عن ربه بصرف وجهه إلی التمتعات المادیة الأرضیة واللذائذ الحسیة ، فهو متفرع علی الوجه السابق متأخر عنه. وموقع تلک النشأة وهذه النشأة فی تفرعها علیها موقعاً کن ویکون فی قوله تعالی: أَنْ نَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ . یس : 82 .

ویتبین بذلک أن هذه النشأة الإنسانیة الدنیویة مسبوقة بنشأة أخری إنسانیة هی هی بعینها غیر أن الآحاد موجودون فیها غیر محجوبین عن ربهم ، یشاهدون فیها وحدانیته تعالی فی الربوبیة بمشاهده أنفسهم ، لا من طریق الإستدلال ، بل لأنهم لا ینقطعون عنه ولا یفقدونه ویعترفون به وبکل حق من قبله. وأما قذارة الشرک وألواث المعاصی فهو من أحکام هذه النشأة الدنیویة دون تلک النشأة التی لیس فیها إلا فعله تعالی القائم به ، فافهم ذلک .

وأنت إذا تدبرت هذه الآیات ثم راجعت قوله تعالی: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ... الآیة ، وأجدت التدبر فیها وجدتها تشیر إلی تفصیل أمر تشیر هذه الآیات إلی إجماله ، فهی تشیر إلی نشأة إنسانیة سابقة فرق الله فیها بین أفراد هذا النوع ومیز بینهم وَأَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا .

ولا یرد علیه ما أورد علی قول المثبتین فی تفسیر الآیة علی ما فهموه من معنی عالم الذر من الروایات علی ما تقدم ، فإن هذا المعنی المستفاد من سائر الآیات والنشأة السابقة التی تثبته لا تفارق هذه النشأة الإنسانیة الدنیویة زماناً ، بل هی معها محیطة بها لکنها سابقة علیها السبق الذی فی قوله تعالی: کُنْ فَیَکوُنْ ، ولا یرد علیه شئ من المحاذیر المذکورة .

ولا یرد علیه ما أوردناه علی قول المنکرین فی تفسیرهم الآیة بحال وجود النوع

ص: 55

الإنسانی فی هذه النشأة الدنیویة من مخالفته لقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ ، ثم التجوز فی الإشهاد بإرادة التعریف منه وفی الخطاب بقوله: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ بإرادة دلالة الحال ، وکذا فی قوله: قالوا بلی ، وقوله: شَهِدْنَا ، بل الظرف ظرف سابق علی الدنیا وهو غیرها ، والإشهاد علی حقیقته والخطاب علی حقیقته .

ولا یرد علیه أنه من قبیل تحمیل الآیة معنی لا تدل علیه ، فإن الآیة لا تأبی عنه ، وسائر الآیات تشیر إلیه بضم بعضها إلی بعض .

وأما الروایات فسیأتی أن بعضها یدل علی أصل تحقق هذه النشأة الإنسانیة کالآیة ، وبعضها یذکر أن الله کشف لادم(علیه السّلام)عن هذه النشأة الإنسانیة وأراه هذا العالم الذی هو ملکوت العالم الإنسانی وما وقع فیه من الاشهاد وأخذ المیثاق ، کما أری إبراهیم(علیه السّلام)ملکوت السماوات والأرض .

رجعنا إلی الآیة ، قوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ ، أی واذکر لأهل الکتاب فی تتمیم البیان السابق ، أو واذکر للناس فی بیان ما نزلت السورة 20: لاجل بیانه ، وهو أن لله عهداً علی الإنسان وهو سائله عنه وأن أکثر الناس لا یفون به وقد تمت علیهم الحجة ، أذکر لهم موطناً قبل الدنیا أخذ فیه ربک من بنی آدم من ظهورهم ذریتهم فما من أحد منهم إلا استقل من غیره وتمیز منه فاجتمعوا هناک جمیعاً وهم فرادی فأراهم ذواتهم المتعلقة بربهم وأشهدهم علی أنفسهم فلم یحتجبوا عنه وعاینوا أنه ربهم ، کما أن کل شئ بفطرته یجد ربه من نفسه من غیر أن یحتجب عنه ، وهو ظاهر الآیات القرآنیة کقوله: وَ إِنْ مِنْ شَئْ إِلاَّ یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ. الاسراء : 44 .

أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، وهو خطاب حقیقی لهم لا بیان حال ، وتکلیم إلهی لهم فإنهم یفهمون مما یشاهدون أن الله سبحانه یرید به منهم الإعتراف وإعطاء الموثق ،

ص: 56

ولا نعنی بالکلام إلا ما یلقی للدلالة به علی معنی مراد ، وکذا الکلام فی قوله: قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا .

وقوله: أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ ، الخطاب للمخاطبین بقوله: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ القائلین بَلَی شَهِدْنَا ، فهم هناک یعاینون الاشهاد والتکلیم من الله

والتکلم بالإعتراف من أنفسهم ، وإن کانوا فی نشأة الدنیا علی غفلة مما عدا المعرفة بالإستدلال ، ثم إذا کان یوم البعث وانطوی بساط الدنیا وانمحت هذه الشواغل والحجب عادوا إلی مشاهدتهم ومعاینتهم ، وذکروا ما جری بینهم وبین ربهم . ویحتمل أن یکون الخطاب راجعاً إلینا معاشر المخاطبین بالآیات ، أی إنما فعلنا ببنی آدم ذلک حذر أن تقولوا أیها الناس یوم القیامة کذا وکذا ، والأول أقرب ویؤیده قراءة أن یقولوا بلفظ الغیبة .

وقوله: أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَکَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ ، هذه حجة الناس إن فرض الإشهاد وأخذ المیثاق من الآباء خاصة دون الذریة ، کما أن قوله أن تقولوا الخ ، حجة للناس إن ترک الجمیع فلم یقع إشهاد ولا أخذ میثاق من أحد منهم .

ومن المعلوم أن لو فرض ترک الإشهاد وأخذ المیثاق فی تلک النشأة کان لازمه عدم تحقق المعرفة بالربوبیة فی هذه النشأة إذ لا حجاب بینهم وبین ربهم فی تلک

النشأة ، فلو فرض هناک علم منهم کان ذلک إشهاداً وأخذ میثاق ، وأما هذه النشأة فالعلم فیها من وراء الحجاب وهو المعرفة من طریق الإستدلال ، فلو لم یقع هناک بالنسبة إلی الذریة إشهاد وأخذ میثاق کان لازمه فی هذه النشأة أن لا یکون لهم سبیل إلی معرفة الربوبیة فیها أصلاً ، وحینئذ لم یقع منهم معصیة شرک بل کان ذلک فعل آبائهم ولیس لهم إلا التبعیة العملیة لآبائهم والنشوء علی شرکهم من غیر علم ، فصح لهم أن یقولوا إِنَّمَا أَشْرَکَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَ کُنَّا ذُرِّیَّةً مِنْ

ص: 57

بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِکُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ .

قوله تعالی: وَکَذَلِکَ نُفَصِّلُ الآیَاتِ وَلَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ . ، تفصیل الآیات تفریق بعضها وتمییزه من بعض لیتبین بذلک مدلول کل منها ولا تختلط وجوه دلالتها ، وقوله: وَلَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ ، عطف علی مقدر والتقدیر لغایات عالیة کذا وکذا ولعلهم یرجعون من الباطل إلی الحق .

( ثم أورد صاحب المیزان(رحمه الله)روایة ابن الکوا المتقدمة ، وقال ):

أقول والروایة کما تقدم وبعض ما یأتی من الروایات یذکر مطلق أخذ المیثاق من بنی آدم من غیر ذکر إخراجهم من صلب آدم وإراءتهم إیاه. وکان تشبیههم بالذر کما فی کثیر من الروایات تمثیل لکثرتهم کالذر لا لصغرهم جسماً أو غیر ذلک ، ولکثرة ورود هذا التعبیر فی الروایات سمیت هذه النشأة بعالم الذر .

وفی الروایة دلالة ظاهرة علی أن هذا التکلیم کان تکلیماً حقیقیاً لا مجرد دلالة الحال علی المعنی. وفیها دلالة علی أن المیثاق لم یؤخذ علی الربوبیة فحسب ، بل علی النبوة وغیر ذلک. وفی کل ذلک تأیید لما قدمناه .

وفی تفسیر العیاشی عن رفاعة قال: سالت أبا عبدالله عن قول الله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ ، قال نعم لله الحجة علی جمیع خلقه أخذهم یوم أخذ المیثاق هکذا ، وقبض یده .

أقول: وظاهر الروایة أنها تفسر الأخذ فی الآیة بمعنی الإحاطة والملک .

وفی تفسیر القمی عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن مسکان ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی ، قلت: معاینة کان هذا ؟ قال: نعم . . . ( إلی آخر الروایة المتقدمة ) . .

ص: 58

أقول: والروایة ترد علی منکری دلالة الآیة علی أخذ المیثاق فی الذر تفسیرهم قوله: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، أن المراد به أنه عرفهم آیاته الدالة علی ربوبیته ، والروایة صحیحة ومثلها فی الصراحة والصحة ما سیأتی من روایة زرارة وغیره .

وفی الکافی عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن زرارة: أن رجلاً سأل أبا جعفر (علیه السّلام) عن قول الله عز وجل: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ.. إلی آخر الآیة ، فقال وأبوه یسمع: حدثنی

أبی أن الله عز وجل قبض قبضه من تراب التربة التی خلق منها آدم فصب علیها الماء العذب الفرات، ثم ترکها أربعین صباحاً ، ثم صب علیها الماء المالح الاجاج ، فترکها أربعین صباحاً ، فلما اختمرت الطینة أخذها فعرکها عرکاً شدیداً ، فخرجوا کالذر من یمینه وشماله ، وأمرهم جمیعاً أن یقعوا فی النار ، فدخلها أصحاب الیمین فصارت علیهم برداً وسلاماً ، وأبی أصحاب الشمال أن یدخلوها .

أقول: وفی هذا المعنی روایات أخر ، وکأن الأمر بدخول النار کنایة عن الدخول حظیرة العبودیة والإنقیاد للطاعة .

وفیه بإسناده عن عبدالله بن محمد الحنفی وعقبه جمیعاً عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: إن الله عز وجل خلق الخلق ، فخلق من أحب مما أحب ، فکان ما أحب أن خلقه من طینة الجنة ، وخلق من أبغض مما أبغض ، وکان ما أبغض أن خلقه من طینه النار ، ثم بعثهم فی الظلال ، فقیل: وأی شئ الظلال قال: ألم تر إلی ظلک فی الشمس شئ ولیس بشئ ، ثم بعث معهم النبیین فدعوهم إلی الإقرار بالله ، وهو قوله ولئن سألتهم من خلقهم لیقولن الله ، ثم دعوهم إلی الإقرار فأقر بعضهم وأنکر بعض، ثم دعوهم إلی ولایتنا ، فأقر بها والله من أحب وأنکرها من أبغض،

ص: 59

وهو قوله: وما کانوا لیؤمنوا بما کذبوا به من قبل ، ثم قال أبوجعفر(علیه السّلام)کان التکذیب ثَمَّ .

أقول: والروایة وإن لم تکن مما وردت فی تفسیر آیة الذر ، غیر أنا أوردناها لاشتمالها علی قصة أخذ المیثاق وفیها ذکر الظلال ، وقد تکرر ذکر الظلال فی لسان أئمة أهل البیت(علیهم السّلام) والمرادبه کما هو ظاهر الروایة وصف هذا العالم الذی هو بوجه عین العالم الدنیوی وبوجه غیره ، وله أحکام غیر أحکام الدنیا بوجه وعینها بوجه ، فینطبق علی ما وصفناه فی البیان المتقدم .

وفی الکافی وتفسیر العیاشی عن أبی بصیر قال: قلت لابی عبدالله (علیه السّلام)کیف أجابوا وهم ذر؟ قال: جعل فیهم ما إذا سألهم أجابوه ، وزاد العیاشی یعنی فی المیثاق .

أقول: وما زاده العیاشی من کلام الراوی ، ولیس المراد بقوله جعل فیهم ما إذا سألهم أجابوه دلالة حالهم علی ذلک ، بل لما فهم الراوی من الجواب ما هو من نوع الجوابات الدنیویة استبعد صدوره عن الذر ، فسأل عن ذلک فأجابه(علیه السّلام)بأن الأمر هناک بحیث إذا نزلوا فی الدنیا کان ذلک منهم جواباً دنیویاً باللسان والکلام اللفظی ، ویؤیده قوله(علیه السّلام)ما إذا سألهم ولم یقل ما لو تکلموا ونحو ذلک .

وفی تفسیر العیاشی أیضاً عن أبی بصیر عن أبی عبدالله(علیه السّلام): فی قول الله: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ، قالوا بألسنتهم ؟ قال نعم وقالوا بقلوبهم ، فقلت وأین کانوا یومئذ ؟ قال صنع منهم ما اکتفی به..

أقول: جوابه(علیه السّلام)إنهم قالوا بلی بألسنتهم وقلوبهم مبنی علی کون وجودهم یومئذ بحیث لو انتقلوا إلی الدنیا کان ذلک جواباً بلسان علی النحو المعهود فی الدنیا ، لکن اللسان والقلب هناک واحد ، ولذلک قال(علیه السّلام)نعم وبقلوبهم فصدق اللسان

ص: 60

وأضاف إلیه القلب. ثم لما کان فی ذهن الراوی أنه أمر واقع فی الدنیا ونشأة الطبیعة وقد ورد فی بعض الروایات التی تذکر قصة إخراج الذریة من ظهر آدم تعیین المکان له وقد روی بعضها هذا الراوی أعنی أبا بصیر ، سأله(علیه السّلام)عن مکانهم بقوله وأین کانوا یومئذ ؟ فأجابه(علیه السّلام)بقوله: صنع منهم ما اکتفی به ، فلم یجبه بتعیین المکان بل بأن الله سبحانه خلقهم خلقاً یصح معه السؤال والجواب ، وکل ذلک یؤید ما قدمناه فی وصف هذا العالم .

والروایة کغیرها مع ذلک کالصریح فی أن التکلیم والتکلم فی الآیة علی الحقیقة دون المجاز ، بل هی صریحة فیه .

وفی الدر المنثور أخرج عبد بن حمید والحکیم الترمذی فی نوادر الأصول ، وأبوالشیخ فی العظمة ، وابن مردویه ، عن أبی إمامة أن رسول الله (ص) قال: خلق الله الخلق وقضی القضیة ، وأخذ میثاق النبیین وعرشه علی الماء ، فأخذ أهل الیمین بیمینه ، وأخذ أهل الشمال بیده الأخری ، وکلتا یدی الرحمن یمین ، فقال: یا أصحاب الیمین ، فاستجابوا له ، فقالوا: لبیک ربنا وسعدیک ، قال: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی . قال: یا أصحاب الشمال ، فاستجابوا له ، فقالوا: لبیک ربنا وسعدیک ، قال: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ؟ قالوا: بلی. فخلط بعضهم ببعض فقال قائل منهم: رب لم خلطت بیننا ، قال وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِکَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ، أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیَامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ ، ثم ردهم فی صلب آدم ، فأهل الجنة أهلها وأهل النار أهلها . فقال قائل یا رسول الله فما الأعمال ؟ قال: یعمل کل قوم لمنازلهم ، فقال عمر بن الخطاب: إذاً نجتهد .

أقول: قوله (ص): وعرشه علی الماء ، کنایة عن تقدم أخذ المیثاق ولیس المراد به تقدم خلق الأرواح علی الأجساد زماناً ، فإن علیه من الإشکال ما علی عالم

ص: 61

الذر بالمعنی الذی فهمه جمهور المثبتین ، وقد تقدم .

وقوله (ص) یعمل کل قوم لمنازلهم ، أی أن کل واحد من المنزلین یحتاج إلی أعمال تناسبه فی الدنیا ، فإن کان العامل من أهل الجنة عمل الخیر لا محالة وإن کان من أهل النار عمل الشر لا محالة ، والدعوة إلی الجنة وعمل الخیر ، لأن عمل الخیر یعیِّن منزله فی الجنة وإن عمل الشر یعیِّن منزله فی النار لا محالة ، کما قال تعالی: وَلِکُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّیهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَیْرَاتِ. البقره : 148 فلم یمنع تعین الوجهة عن الدعوة إلی استباق الخیرات ، ولا منافاة بین تعین السعادة والشقاوة بالنظر إلی العلل التامة ، وبین عدم تعینها بالنظر إلی اختیار الإنسان فی تعیین عمله ، فإنه جزء العلة وجزء علة الشئ لا یتعین معه وجود الشئ ولا عدمه بخلاف تمام العلة ، وقد تقدم استیفاء هذا البحث فی موارد من هذا الکتاب ، وآخرها فی تفسیر قوله تعالی: کَمَا بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ . فَرِیقًا هَدَی وَفَرِیقًا حَقَّ عَلَیْهِمُ الضَّلَالَةُ الاعراف : 30 ، وأخبار الطینة المتقدمة من أخبار هذا الباب بوجه .

وفیه ، أخرج عبد بن حمید ، وابن جریر ، وابن المنذر ، وابن أبی حاتم ، وأبو الشیخ ، عن ابن عباس: فی قوله وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ الآیة ، قال: خلق الله آدم وأخذ میثاقه أنه ربه ، وکتب أجله ورزقه ومصیبته ، ثم أخرج ولده من ظهره کهیئة الذر، فأخذ مواثیقهم أنه ربهم، وکتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم.

أقول: وقد روی هذا المعنی عن ابن عباس بطرق کثیرة فی ألفاظ مختلفة ، لکن الجمیع تشترک فی أصل المعنی وهو إخراج ذریة آدم من ظهره وأخذ المیثاق منهم .

وفیه ، أخرج ابن عبدالبر فی التمهید من طریق السدی عن أبی مالک وعن أبی صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمدانی ، عن ابن مسعود وناس من الصحابة: فی قوله تعالی: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ ، قالوا: لما

ص: 62

أخرج الله آدم من الجنة ، قبل تهبیطه من السماء مسح صفحه ظهره الیمنی ، فأخرج منه ذریة بیضاء مثل اللؤلؤ کهیئة الذر ، فقال لهم أدخلوا الجنة برحمتی ، ومسح صفحة ظهره الیسری فأخرج منه ذریة سوداء کهیئة الذر فقال ادخلوا النار ولا أبالی ، فذلک قوله أصحاب الیمین وأصحاب الشمال. ثم أخذ منهم المیثاق ، فقال أَلَسْتُ

بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی ، فأعطاه طائفة طائعین ، وطائفة کارهین علی وجه التقیة ، فقال هو والملائکة: شهدنا أن یقولوا یوم القیامة إنا کنا عن هذا غافلین ، أو یقولوا إنما أشرک آباؤنا من قبل ، قالوا فلیس أحد من ولد آدم إلا وهو یعرف الله أنه ربه وذلک قوله عز وجل: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِی السَّمَوَاتِ وَ الأَرْضِ طَوْعًا وَکَرْهًا، وذلک قوله: فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاکُمْ أَجْمَعِینَ ، یعنی یوم أخذ المیثاق .

أقول: وقد روی حدیث الذر کما فی الروایه موقوفة وموصولة عن عدة من أصحاب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، کعلی(علیه السّلام)، وابن عباس ، وعمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمر ، وسلمان ، وأبی هریرة ، وأبی أمامة ، وأبی سعید الخدری ، وعبدالله بن مسعود ، وعبدالرحمان بن قتادة ، وأبی الدرداء وأنس ومعاویة وأبی موسی الأشعری . کما روی من طرق الشیعة عن علی وعلی بن الحسین ، ( ومحمد بن علی ) ، وجعفر بن محمد ، والحسن بن علی العسکری(علیهم السّلام) .

ومن طرق أهل السنة أیضاً عن علی بن الحسین ومحمد بن علی وجعفر بن محمد بطرق کثیرة ، فلیس من البعید أن یدعی تواتره المعنوی .

واعلم أن الروایات فی الذر کثیره جداً ، وقد ترکنا إیراد أکثرها لوفاء ما أوردنا من ذلک بمعناها . وهنا روایات أخر فی أخذ المیثاق عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وسائر الأنبیاء (علیهم السّلام) سنوردها فی محلها إن شاء الله تعالی. انتهی .

ص: 63

عوالم وجود الإنسان

تحصل من بحث صاحب المیزان(رحمه الله)أنه جعل الاقوال فی عالم الذر ثلاثة:

الأول: نفی وجود عالم الذر ، والقول بأن ما ورد فی الآیة من إشهاد الناس وإقرارهم بالربوبیة ، إنما هو تعبیر مجازی عن تکوینهم الذی یهدیهم إلی ربهم تعالی. وهو قول عدد من المتأثرین بالفلسفة الیونانیة من القدماء ، وبالثقافة الغربیة من المتأخرین .

الثانی: أن عالم الذر بمعنی أن الله تعالی استخرج نطف أبناء آدم(علیه السّلام)من ظهره ، ثم من ظهور أبنائه إلی آخر أب ، ثم کونهم بشکل معین وأشهدهم فأقروا ، ثم أعادهم إلی حالتهم الأولی فی ظهر آدم(علیه السّلام). وقد ذهب إلیه بعض المفسرین من السنة والشیعة .

الثالث: أن عالم الذر هو عالم الملکوت والخزائن ، وهو الوجه الذی اختاره صاحب المیزان(رحمه الله)وأطال فی الکلام حوله واختصر فی الإستدلال علیه .

ولکن یرد علیه إشکالات متعددة ، أهمها:

أولاً: أن عالم الملکوت اسم عام لکل عوالم ملک الله تعالی ، وتفسیر عالم الذر به لا یحل المشکلة ، لأنه یبقی السؤال وارداً: فی أی عالم من ملکوت الله تعالی تم خلق الناس وأخذ المیثاق منهم ؟

ثانیاً: أن تفسیر عالم الذر بعالم الملکوت تفسیر استحسانی لا دلیل علیه، وطریقنا إلی معرفة عوالم خلق الله وأفعاله سبحانه وتعالی ، محصور بما أخبرنا به النبی وآله صلی الله علیهم ، وما دل العقل علیه بدلالة قطعیة ، لا ظنیة أو احتمالیة.

ثالثاً: أن عوالم وجود النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ووجود الناس قبل هذا العالم ، وردت فیها

ص: 64

أحادیث کثیرة لا یمکن إغفالها فی البحث ، کما فعل بعضهم ، ولا نفیها بجرة قلم کما فعل بعضهم ، کما لا یمکن دمجها فی عالم واحد کعالم الملکوت أو الخزائن کما فعل صاحب المیزان(رحمه الله)بل هی عوالم متعددة قد تصل إلی عشرة عوالم ، نذکر منها:

عالم الأنوار الأولی: أو عالم الاشباح ، وهو أول ظلال أو فی خلقه الله تعالی من نور عظمته ، وهو نور نبینا وآله صلی الله علیه وعلیهم .

عالم الأظلة: الذی تم فیه خلق جمیع الناس وتعارفهم .

عالم الذر ، الذی أخذ فیه المیثاق علی الناس ، وتدل الأحادیث علی أنه نفس عالم الأظلة أو مرتبط به بنحو من الإرتباط .

عالم الطینة ، التی خلق منها الناس .

وذکرت أحادیث أخری أن خلق الأرواح تم قبل خلق الاجساد . . الخ .

کما ذکرت الآیات والأحادیث عوالم أخری مثل قوله تعالی : هَلْ أَتَی عَلَی الإنْسَانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ یَکُنْ شَیْئًا مَذْکُوراً . أی کان فی ذلک الحین شیئاً ، ولکنه غیر مذکور ، کما ورد فی الروایة عن الإمام الباقر(علیه السّلام).

وهذه العوالم کلها من عالم الملکوت ومن خزائن ملکه تعالی ، ولکنها لیست نفس عالم الملکوت ولا الخزائن .

وقد تقدم عدد من روایات العوالم الأربعة الأولی ، ونورد فیما یلی عدداً آخر ، وبعضها نص علی أن عالم الذر هو عالم الأظلة .

من روایات عالم الأشباح ( ظلال النور )

الأصول الستة عشر/15: (عباد عن عمرو ، عن أبی حمزة قال: سمعت علی بن الحسین(علیه السّلام)یقول: إن الله خلق محمداً وعلیاً وأحد عشر من ولده من نور عظمته

ص: 65

، فأقامهم أشباحاً فی ضیاء نوره یعبدونه قبل خلق الخلق ، یسبحون الله ویقدسونه ، وهم الأئمة من ولد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

ورواه الکلینی فی الکافی:530/1 ، عن محمد بن یحیی ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن الحسین ، عن أبی سعید العصفوری ، عن عمرو بن ثابت ، عن أبی حمزة . . . کما فی الأصول الستة عشر .

الکافی:442/1 : (الحسین ( عن محمد ) بن عبد الله ، بن محمد بن سنان ، عن المفضل ، عن جابر بن یزید قال: قال لی أبو جعفر(علیه السّلام): یا جابر إن الله أول ما خلق خلق محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعترته الهداة المهتدین ، فکانوا أشباح نور بین یدی الله ، قلت: وما الأشباح ؟ قال: ظل النور ، أبدان نورانیة بلا أرواح ، وکان مؤیداً بروح واحدة وهی روح القدس ، فبه کان یعبد الله وعترته ، ولذلک خلقهم حلماء علماء بررة أصفیاء ، یعبدون الله بالصلاة والصوم والسجود والتسبیح والتهلیل ، ویصلون الصلوات ویحجون ویصومون. انتهی. ورواه البحرانی فی حلیة الأبرار:19/1

علل الشرائع:208/1: (حدثنا إبراهیم بن هارون الهاشمی قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبی الثلج قال: حدثنا عیسی بن مهران قال: حدثنا منذر الشراک قال: حدثنا إسماعیل بن علیة قال: أخبرنی أسلم بن میسرة العجلی ، عن أنس بن مالک ، عن معاذ بن جبل: أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إن الله عز وجل خلقنی وعلیاً وفاطمة والحسن والحسین قبل أن یخلق الدنیا بسبعة آلاف عام. قلت فأین کنتم یا رسول الله ؟ قال: قدام العرش نسبح الله تعالی ونحمده ونقدسه ونمجده. قلت: علی أی مثال ؟ قال: أشباح نور ، حتی إذا أراد الله عز وجل أن یخلق صورنا صیرنا عمود نور ، ثم قذفنا فی صلب آدم ، ثم أخرجنا إلی أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ،

ص: 66

ولا یصیبنا نجس الشرک ولا سفاح الکفر ، یسعد بنا قوم ویشقی بنا آخرون ، فلما صیرنا إلی صلب عبد المطلب أخرج ذلک النور فشقه نصفین فجعل نصفه فی عبد الله ونصفه فی أبی طالب ، ثم أخرج النصف الذی لی إلی آمنة والنصف إلی فاطمة بنت أسد فأخرجتنی آمنة وأخرجت فاطمة علیاً ، ثم أعاد عز وجل العمود إلی فخرجت منی فاطمة ، ثم أعاد عز وجل العمود إلی علی فخرج منه الحسن والحسین - یعنی من النصفین جمیعاً - فما کان من نور علی فصار فی ولد الحسن ، وما کان من نوری صار فی ولد الحسین ، فهو ینتقل فی الأئمة من ولده إلی یوم القیامة .

شرح الأخبار:6/3: (صفوان الجمال قال: دخلت

علی أبی عبدالله جعفر بن محمد(علیه السّلام)وهو یقرأ هذه الآیة: فَتَلَقَّیءادَمُ مِن رَّبِّهِ کَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَیْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ. ثم التفت إلی فقال: یا صفوان إن الله تعالی ألهم آدم(علیه السّلام)أن یرمی بطرفه نحو العرش ، فإذا هو بخمسة أشباح من نور یسبحون الله ویقدسونه ، فقال آدم: یا رب من هؤلاء ؟ قال: یا آدم صفوتی من خلقی ، لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار ، خلقت الجنة لهم ولمن والاهم ، والنار لمن عاداهم. لو أن عبداً من عبادی أتی بذنوب کالجبال الرواسی ثم توسل إلیّ بحق هؤلاء لعفوت له .

فلما أن وقع آدم فی الخطیئة قال: یا رب بحق هؤلاء الأشباح اغفر لی ، فأوحی الله عز وجل إلیه: إنک توسلت إلی بصفوتی وقد عفوت لک. قال آدم: یا رب بالمغفرة التی غفرت إلا أخبرتنی من هم ؟ فأوحی الله إلیه: یا آدم هؤلاء خمسة من ولدک ، لعظیم حقهم عندی اشتققت لهم خمسة أسماء من أسمائی ، فأنا المحمود وهذا محمد ، وأنا الأعلی وهذا علی ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا

ص: 67

المحسن وهذا الحسن ، وأنا الإحسان وهذا الحسین .

شرح الأخبار:514/3: (عن عبدالقادر بن أبی صالح ، عن هبة الله بن موسی ، عن هناد بن إبراهیم ، عن الحسن بن محمد ، عن محمد بن فرحان ، عن محمد بن یزید ، عن اللیث بن سعد ، عن العلاء بن عبدالرحمان ، عن أبیه ، عن أبی هریرة ، عن النبی (علیهماالسّلام):

أنه لما خلق الله تعالی آدم أبا البشر ونفخ فیه من روحه التفت آدم یمنة العرش فإذا فی النور خمسة أشباح . . . الحدیث .

شرح الأخبار:2/500: (أحمد بن محمد بن عیسی المصری ، بإسناده عن أبی هریرة قال: سمعت رسول الله (علیهماالسّلام) یقول: لما خلق الله عز وجل آدم (علیه السّلام) ونفخ فیه من روحه ، نظر آدم (علیه السّلام) یمنة العرش ، فإذا من النور خمسة أشباح علی صورته رکعاً سجداً فقال: یا رب هل خلقت أحداً من البشر قبلی ؟ قال: لا. قال: فمن هؤلاء الذین أراهم علی هیئتی وعلی صورتی ؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدک ، لولاهم ما خلقتک ولا خلقت الجنة ولا النار ولا العرش ولا الکرسی ولا السماء ولا الأرض ولا الملائکة ولا الإنس ولا الجن ، هؤلاء خمسة اشتققت لهم أسماء من أسمائی ، فأنا المحمود وهذا محمد وأنا الأعلی وهذا علی ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا الإحسان وهذا حسن ، وأنا المحسن وهذا الحسین... .

تحف العقول/163:

-... بل اشتقاق الحقیقة والمعنی من اسمه تعالی کما جاء فی حدیث المعراج: إن الله تعالی قال لی: یا محمد اشتققت لک إسماً من أسمائی فأنا المحمود وأنت محمد ، واشتققت لعلی إسماً من أسمائی فأنا الأعلی وهو علی ، وهکذا فاطمة والحسن والحسین(علیهم السّلام) فکلهم أشباح نور من نوره تعالی جل اسمه .

ص: 68

کفایة الاثر/70: (قال هارون: حدثنا حیدر بن محمد بن نعیم السمرقندی ، قال حدثنی أبوالنصر محمد بن مسعود العیاشی ، عن یوسف بن المشحت البصری ، قال حدثنا إسحق بن الحارث ، قال حدثنا محمد بن البشار ، عن محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة ، عن هشام بن یزید ، عن أنس بن مالک قال: کنت أنا وأبوذر وسلمان وزید بن ثابت وزید بن أرقم عند النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ودخل الحسن والحسین (علیهماالسّلام) فقبلهما رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقام أبوذر فانکب علیهما وقبل أیدیهما ، ثم رجع فقعد معنا ، فقلنا له سراً: أرأیت رجلاً شیخاً من أصحاب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقوم إلی صبیین من بنی هاشم فینکب علیهما ویقبل أیدیهما ؟ فقال: نعم ، لو سمعتم ما سمعت فیهما من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لفعلتم بهما أکثر مما فعلت. قلنا: وماذا سمعت یا أباذر ؟ قال: سمعته یقول لعلی ولهما: یا علی والله لو أن رجلاً صلی وصام حتی یصیر کالشن البالی إذاً ما نفعه صلاته وصومه إلا بحبکم ، یا علی من توسل إلی الله بحبکم فحق علی الله أن لا یرده ، یا علی من أحبکم وتمسک بکم فقد تمسک بالعروة الوثقی. قال: ثم قام أبوذر وخرج ، وتقدمنا إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقلنا: یا رسول الله أخبرنا أبوذر عنک بکیت وکیت .

قال: صدق أبوذر ، صدق والله ، ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء علی ذی لهجة أصدق من أبی ذر. ثم قال: خلقنی الله تبارک وتعالی وأهل بیتی من نور واحد قبل أن

یخلق آدم بسبعة آلاف عام ، ثم نقلنا إلی صلب آدم ، ثم نقلنا من صلبه فی أصلاب الطاهرین إلی أرحام الطاهرات ، فقلت: یا رسول الله فأین کنتم وعلی أی مثال کنتم ؟ قال: کنا أشباحاً من نور تحت العرش نسبح الله تعالی ونمجده ، ثم قال: لما عرج بی إلی السماء وبلغت سدرة المنتهی ودعنی جبرئیل

ص: 69

(علیه السّلام)فقلت:حبیبی جبرئیل أفی هذا المقام تفارقنی ؟ فقال: یا محمد إنی لا أجوز هذا الموضع فتحترق أجنحتی .

ثم زج بی فی النور ما شاء الله ، فأوحی الله إلی: یا محمد إنی اطلعت إلی الأرض اطلاعة فاخترتک منها فجعلتک نبیاً ، ثم اطلعت ثانیاً فاخترت منها علیاً فجعلته وصیک ووارث علمک والإمام بعدک ، وأخرج من أصلابکما الذریة الطاهرة والأئمة المعصومین خزان علمی ، فلولاکم ما خلقت الدنیا ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار. یا محمد أتحب أن تراهم قلت: نعم یا رب ، فنودیت: یا محمد إرفع رأسک ، فرفعت رأسی فإذا أنا بأنوار علی والحسن والحسین وعلی بن الحسین ومحمد بن علی وجعفر بن محمد وموسی بن جعفر وعلی بن موسی ومحمد بن علی وعلی بن محمد والحسن بن علی ، والحجة یتلألأ من بینهم کأنه کوکب دری ، فقلت: یا رب من هؤلاء ، ومن هذا ؟ قال: یا محمد هم الأئمة بعدک المطهرون من صلبک ، وهو الحجة الذی یملا الأرض قسطاً وعدلاً ویشفی صدور قوم مؤمنین .

قلنا: بآبائنا وأمهاتنا أنت یا رسول الله لقد قلت عجباً. فقال(علیه السّلام): وأعجب من هذا أن قوماً یسمعون منی هذا ثم یرجعون علی أعقابهم بعد إذ هداهم الله ، ویؤذونی فیهم ، لا أنالهم الله شفاعتی .

بصائر الدرجات/83: (أحمد بن محمد ویعقوب بن یزید ، عن الحسن بن علی بن فضال ، عن أبی جمیلة ، عن محمد بن الحلبی ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الله مثَّل لی أمتی فی الطین وعلمنی أسماءهم کلها ، کما علم آدم الأسماء کلها ، فمر بی أصحاب الرایات فاستغفرت لعلی وشیعته ، إن ربی

ص: 70

وعدنی فی شیعة علی خصلة ، قیل یا رسول الله وما هی ؟ قال المغفرة منهم لمن آمن واتقی ، لا یغادر منهم صغیرة ولا کبیرة ، ولهم تبدل السیئات حسنات .

الحسن بن محبوب عن صالح بن سهل عن أبی عبد الله(علیه السّلام): أن بعض قریش قال لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): بأی شئ سبقت الأنبیاء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم ؟ قال: إنی کنت أول من أقر بربی وأول من أجاب ، حیث أخذ الله میثاق النبیین وَأَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی ، وکنت أنا أول نبی قال بلی ، فسبقتهم بالإقرار بالله .

حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علی بن النعمی ، عن ابن مسکان ، عن عبدالرحیم القصیر ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن أمتی عرضت علیَّ عند المیثاق ، وکان أول من آمن وصدقنی علی ، وکان أول من آمن بی وصدقنی حیث بعثت فهو الصدیق الأکبر .

حدثنا العباس بن معروف ، عن حماد بن عیسی ، عن أبی الجارود ، عن أبی بصیر ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ذات یوم وعنده جماعة من أصحابه: اللهم لقنی إخوانی مرتین، فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانک یا رسول ؟ فقال: لا ، إنکم أصحابی ، وإخوانی قوم من آخر الزمان آمنوا بی ولم یرونی ، لقد عرفنیهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن یخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ، لأحدهم أشد بقیة علی دینه من خرط القتاد فی اللیلة الظلماء ، أو کالقابض علی جمر الغضا. أولئک مصابیح الدجی ، ینجیهم الله من کل فتنة غبراء مظلمة. انتهی. وروایات البصائر هذه لیس فیها تصریح بعالم الأظلة أو الأشباح ، لکن یصح حملها علیه بالقرائن .

ص: 71

من روایات عالم الاظلة

الإعتقادات للصدوق/26: (وقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناکر منها اختلف. وقال الصادق(علیه السّلام): إن الله آخی بین الأرواح فی الأظلة قبل أن یخلق الأبدان بألفی عام ، فلو قد قام قائمنا أهل البیت لورَّث الأخ الذی آخا بینهما فی الأظلة ، ولم یورث الأخ من الولادة. انتهی. ورواه فی الفقیه:352/4 ، ورواه فی بحار الأنوار:249/6 ، ورواه الصدوق فی الخصال/169 ، قال:حدثنا علی بن أحمد بن موسی (رض) قال: حدثنا حمزة بن القاسم العلوی قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن عمران البرقی قال: حدثنا محمد بن علی الهمدانی ، عن علی بن أبی حمزة ، عن أبی عبدالله وأبی الحسن (علیهماالسّلام) قالا: لو قد قام القائم لحکم بثلاث لم یحکم بها أحد قبله: یقتل الشیخ الزانی ، ویقتل مانع الزکاة ، ویورث الأخ أخاه فی الأظلة .

الکافی:441/1: (علی بن محمد ، عن سهل بن زیاد ، عن محمد بن علی بن إبراهیم ، عن علی بن حماد ، عن المفضل قال: قلت لابی عبدالله(علیه السّلام): کیف کنتم حیث کنتم فی الاظلة ؟ فقال: یا مفضل کنا عند ربنا لیس عنده أحد غیرنا ، فی ظلة خضراء نسبحه ونقدسه ونهلله ونمجده ، وما من ملک مقرب ولا ذی روح غیرنا ، حتی بدا له فی خلق الأشیاء ، فخلق ما شاء کیف شاء من الملائکة وغیرهم ، ثم أنهی علم ذلک إلینا. انتهی. والمقصود بقوله(علیه السّلام): ثم أنهی علم ذلک إلینا ، شبیه قوله تعالی: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمآءَ کُلَّهَا .

الکافی:436/1: (محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسین ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن صالح بن عقبة ، عن عبدالله بن محمد الجعفری ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)وعن عقبة ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: إن الله خلق ، فخلق ما أحب مما أحب

ص: 72

، وکان ما أحب أن خلقه من طینة الجنة ، وخلق ما أبغض مما أبغض ، وکان ما أبغض أن خلقه من طینة النار ، ثم بعثهم فی الظلال. فقلت: وأی شئ الظلال ؟ قال: ألم تر إلی ظلک فی الشمس شئ ولیس بشئ ، ثم بعث الله فیهم النبیین یدعونهم إلی الإقرار بالله وهو قوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَیَقُولُنَّ اللهُ . ثم دعاهم إلی الإقرار بالنبیین ، فأقر بعضهم وأنکر بعضهم، ثم دعاهم إلی ولایتنا فأقر بها والله من أحب وأنکرها من أبغض ، وهو قوله: فَمَا کَانُوا لِیُؤْمِنُوا بِمَا کَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ. ثم قال أبو جعفر(علیه السّلام): کان التکذیب ثَمَّ. انتهی.

ورواه فی الکافی:10/2: عن محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسین ، عن محمد بن إسماعیل ، عن صالح بن عقبة ، عن عبدالله بن محمد الجعفی وعقبة ، جمیعاً عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال... ورواه فی علل الشرائع:1/118 ، رواه فی بصائر الدرجات /80 ، وفیه ( کان التکذیب ثمت ) .

الکافی:8/2: (حدثنی علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن فضال ، عن حفص المؤذن ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)، وعن محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن محمد بن سنان ، عن إسماعیل بن جابر ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)أنه کتب بهذه الرسالة إلی أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فیها وتعاهدها والعمل بها ، فکانوا یضعونها فی مساجد بیوتهم ، فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فیها .

قال: وحدثنی الحسن بن محمد ، عن جعفر بن محمد بن مالک الکوفی ، عن القاسم بن الربیع الصحاف ، عن إسماعیل بن مخلد السراج ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام) قال: خرجت هذه الرسالة من أبی عبد الله (علیه السّلام) إلی أصحابه:

بسم الله الرحمن الرحیم

أما بعد ، فاسألوا ربکم

ص: 73

العافیة ، وعلیکم بالدعة والوقار والسکینة ، وعلیکم بالحیاء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلکم ، وعلیکم بمجاملة أهل الباطل... .

وإیاکم وما نهاکم الله عنه أن ترکبوه ، وعلیکم بالصمت إلا فیما ینفعکم الله به من أمر آخرتکم ویأجرکم علیه.. وعلیکم بالدعاء ، فإن المسلمین لم یدرکوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إلیه... .

فاتقوا الله أیتها العصابة الناجیة أن أتم الله لکم ما أعطاکم ، فإنه لا یتم الأمر حتی یدخل علیکم مثل الذی دخل علی الصالحین قبلکم... .

واعلموا أنه لیس من علم الله ولا من أمره أن یأخذ أحد من خلق الله فی دینه بهوی ولا رأی ولا مقائیس ، قد أنزل الله القرآن وجعل فیه تبیان کل شئ ، وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلاً لا یسع أهل علم القرآن الذین آتاهم الله علمه أن یأخذوا فیه بهوی لا رأی ولا مقائیس ، أغناهم الله عن ذلک بما آتاهم من علمه وخصهم به ووضعه عندهم ، کرامة من الله أکرمهم بها ، وهم أهل الذکر الذین أمر الله هذه الأمة بسؤالهم ، وهم الذین من سألهم - وقد سبق فی علم الله أن یصدقهم ویتبع أثرهم - أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما یهتدی به إلی الله بإذنه ، وإلی جمیع سبل الحق ، وهم الذین لا یرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذی أکرمهم الله به وجعله عندهم إلا من سبق علیه فی علم الله الشقاء فی أصل الخلق تحت الاظلة ،فأولئک الذین یرغبون عن سؤال أهل الذکر والذین آتاهم الله علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم ، وأولئک الذین یأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقائیسهم حتی دخلهم الشیطان... .

الأصول الستة عشر/63: (جابر قال سألت أبا جعفر(علیه السّلام)عن تفسیر هذه الآیة ، عن

ص: 74

قول الله عز وجل: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَی الطَّرِیقَةِ لاسْقَیْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ، یعنی لو أنهم استقاموا علی الولایة فی الأصل تحت الأظلة ، حین أخذ الله میثاق ذریة آدم ، لاسقیناهم ماء غدقاً: یعنی لأسقینا أظلتهم الماء العذب الفرات .

تفسیر القمی:391/2: (أخبرنا أحمد بن إدریس قال: حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید ، عن النضر بن سوید ، عن القاسم بن سلیمان ، عن جابر قال سمعت أبا جعفر(علیه السّلام) یقول فی هذه الآیة: وأن لو استقاموا علی الطریقة لاسقیناهم ماء غدقاً: یعنی من جری فیه شئ من شرک الشیطان. علی الطریقة: یعنی علی الولایة فی الأصل عند الأظلة ، حین أخذ الله میثاق ذریة آدم. انتهی. ونحوه فی تفسیر نور الثقلین:438/5

بصائر الدرجات/73: (حدثنا أحمد بن محمد ، عن علی بن الحکم ، عن سیف بن عمیره ، عن أبی بکر الحضرمی ، عن حذیفة بن أسید الغفار ، قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما تکاملت النبوة لنبی فی الأظلة حتی عرضت علیه ولایتی وولایة أهل بیتی ، ومثلوا له ، فأقروا بطاعتهم وولایتهم .

تفسیر العیاشی:126/2: (عن زرارة وحمران ، عن أبی جعفر وأبی عبدالله (علیهماالسّلام) قالا: إن الله خلق الخلق وهی أظلة ، فأرسل رسوله محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فمنهم من آمن به ومنهم من کذبه ، ثم بعثه فی الخلق الآخر فآمن به من کان آمن فی الأظلة ، وجحده من جحد به یومئذ ، فقال: ما کانوا لیؤمنوا بما کذبوا به من قبل .

تفسیر فرات الکوفی/147:

( فرات قال: حدثنی عثمان بن محمد معنعناً: عن أبی خدیجة قال: قال محمد بن

ص: 75

علی (علیهماالسّلام): لو علم الناس متی سمی علی أمیر المؤمنین ما اختلف فیه اثنان.

قال: قلت: متی ؟ قال فقال لی: فی الأظلة حین أخذ الله من بنی آدم من ظهورهم ذریتهم وأشهدهم علی أنفسهم ألست بربکم قالوا: بلی. محمد نبیکم ، علی أمیر المؤمنین ولیکم . )

الایضاح لابن شاذان/106: (( . . . فوالله ما الحق إلا واضح بیِّن منیر ، وما الباطل إلا مظلم کدر ، وقد عرفتم موضعه ومستقره ، إلا أن المیثاق قد تقدم فی الاظلة بالسعادة والشقاوة ، وقد بین الله جل ذکره لنا ذلک بقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا ) .

شرح الأسماء الحسنی:1/166: ( قد عرف النور بأنه الظاهر بذاته المظهر لغیره وهو القدر المشترک بین جمیع مراتبه من الضوء وضوء الضوء والظل وظل الظل ، فی کل بحسبه وهذا المعنی حق حقیقة الوجود ، إذ کما أنها الموجودة بذاتها وبها توجد المهیات المعدومة بذواتها بل لا موجودة ولا معدومة ، کذلک تلک الحقیقة ظاهرة بذاتها مظهرة لغیرها من الأعیان ، والمهیات المظلمة بذواتها بل لا مظلمة ولا نوریة ، فمراتب الوجود من الحقایق والرقایق والأرواح والأشباح والأشعة والأظلة کلها أنوار لتحقق هذا المعنی فیها ، حتی فی الأشباح المادیة وأظلال الأظلال. انتهی .

ویدل النص التالی علی أن حدیث عالم الظلال کان معروفاً فی حیاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ثم غاب من بعده کما غابت أحادیث کثیرة فی فضائله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والسبب فی ذلک أن هذه الأحادیث فیها ذکر فضل بنی هاشم وبنی عبد المطلب وفضل علی وفاطمة والأئمة الإثنی عشر الموعودین فی هذه الأمة ! وقد عتموا علیها ما استطاعوا ! وما

ص: 76

رووه منها من فضائل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )جردوه من فضائل أهل بیته وعترته إلا ما أفلت منها ، وما رواه أهل البیت(علیهم السّلام) وشیعتهم ! )

قال فی کنز العمال:427/12: ( عن ابن عباس قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: فداک أبی وأمی أین کنت وآدم فی الجنة ؟ فتبسم حتی بدت نواجذه ثم قال: کنت فی صلبه

ورکب بی السفینة فی صلب أبی نوح ، وقذف بی فی صلب أبی إبراهیم ، لم یلتق أبوای قط علی سفاح ، لم یزل الله ینقلنی من الأصلاب الحسنة إلی الأرحام الطاهرة مصفی مهذباً ، لا تتشعب شعبتان إلا کنت فی خیرهما ، قد أخذ الله بالنبوة میثاقی وبالإسلام عهدی ، ونشر فی التوراة والإنجیل ذکری ، وبین کل نبی صفتی ، تشرق الأرض بنوری والغمام لوجهی ، وعلمنی کتابه ، ورقی بی فی سمائه وشق لی اسماً من أسمائه ، فذو العرش محمود وأنا محمد ، ووعدنی أن یحبونی بالحوض والکوثر ، وأن یجعلنی أول مشفع ، ثم أخرجنی من خیر قرن لأمتی وهم الحمادون ، یأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر .

قال ابن عباس: فقال حسان بن ثابت فی النبی (ص):

من قبلها طبت فی الظلال وفی

مستودع حیث یُخْصَف الورقُ

ثم سکنت البلاد لا بشرٌ

أنت ولا نطفةٌ ولا علقُ

مطهرٌ ترکب السفین وقد

ألجمَ أهل الضلالة الغرق

تُنقل من صلب إلی رحم إذا

مضی عالم بدا طبق

فقال النبی (ص): یرحم الله حساناً ! فقال علی بن أبی طالب: وجبت الجنة لحسان ورب الکعبة. کر ، وقال: هذا حدیث غریب جداً ، والمحفوظ أن هذه الأبیات للعباس. انتهی. ولکن نسبة هذه الأبیات إلی حسان أولی ، فهی تشبه شعره إلی

ص: 77

حد کبیر ، ولم یعهد فی التاریخ شعر للعباس عم النبی ، کما عهد لعمه أبی طالب(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). ورواه فی مجمع الزوائد للعباس فی:217/8 ، وقال: رواه الطبرانی وفیهم من لم أعرفهم ، قال:

وعن خریم بن أوس بن جاریة بن لام قال: کنا عند النبی(ص)فقال له العباس بن عبدالمطلب: یا رسول الله إنی أرید أن أمدحک ، فقال له (ص): هات لا یفضض الله فاک ، فأنشأ یقول:

قبلها طبت فی الظلال وفی

مستودع حیث یخصف الورق

ثم هبطت البلاد لا بشر

أنت ولا مضغة ولا علق

بل نطفة ترکب السفین وقد

ألجم نسراً وأهله الغرق

تنقل من صالب إلی رحم

إذا مضی عالم بدا طبق

حتی احتوی بیتک المهیمن

من خندف علیاء تحتها النطق

وأنت لما ولدت أشرقت الأ

رض وضاءت بنورک الأفق

فنحن فی ذلک الضیاء وفی

النور سبل الرشاد نخترق

وروی نحوه فی مناقب آل ابی طالب:27/1

وفی مناقب آل ابی طالب:17/2:

أشباحکم کن فی بدو الظلال له

دون البریة خداماً وحجابا

وأنتمُ الکلمات اللای لقنها

جبریل آدم عند الذنب إذ تابا

وأنتمُ قبلة الدین التی جعلت

للقاصدین إلی الرحمن محرابا

وقد روی إخواننا السنة أحادیث کثیرة وصححوا عدداً منها تنص علی أن خلق النبی ونبوته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد تما قبل خلق آدم(علیه السّلام)ولکنها مجردة عن فضل أهل بیته ، ففی مسند أحمد:127/4: (الکلبی عن عبد الله بن هلال السلمی ، عن عرباض بن

ص: 78

ساریة قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنی عبد الله لخاتم النبیین وإن آدم(علیه السّلام)لمنجدل فی طینته ، وسأنبئکم بأول ذلک: دعوة أبی إبراهیم ، وبشارة عیسی بی ، ورؤیا أمی التی رأت ، وکذلک أمهات النبیین یَرَیْنَ. انتهی. ورواه فی مستدرک الحاکم:418/2 وص600 فی/608 وزاد فیه: ( وإن أم رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رأت حین وضعته له نورا أضاءت لها قصور الشام ، ثم تلا: یا أیها النبی یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاکَ شَاهِدًا وَ مُبَشِّرًا وَنَذِیرًا وَدَاعِیًا إلی اللهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرَاجًا مُنِیرًا. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه .

ورواه فی مجمع الزوائد:223/8 تحت عنوان: باب قدم نبوته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کما فی الحاکم وقال ( رواه أحمد بأسانید ، والبزار ، والطبرانی بنحوه ، وقال: سأحدثکم بتأویل ذلک: دعوة إبراهیم دعا ، وابعث فیهم رسولاً منهم ، وبشارة عیسی بن مریم قوله ، ومبشراً برسول یأتی من بعدی إسمه أحمد ، ورؤیا أمی التی رأت فی منامها أنها وضعت نوراً أضاءت منه قصور الشام. وأحد أسانید أحمد رجاله رجال الصحیح غیر سعید بن سوید وقد وثقه ابن حبان .

وعن میسرة العجر قال قلت یا رسول الله متی کتبت نبیاً ؟ قال: وآدم بین الروح والجسد. رواه أحمد والطبرانی ورجاله رجال الصحیح.

وعن عبدالله بن شقیق عن رجل قال قلت یا رسول الله متی جعلت نبیاً ؟ قال: وآدم بین الروح والجسد. رواه أحمد ورجاله رجال الصحیح .

وعن ابن عباس قال: قیل یا رسول الله متی کتبت نبیاً ؟ قال وآدم بین الروح والجسد. رواه الطبرانی فی الأوسط والبزار ، وفیه جابر بن یزید الجعفی وهو ضعیف.

وعن أبی مریم قال أقبل أعرابی حتی أتی النبی(ص)وعنده خلق من الناس فقال:

ص: 79

ألا تعطینی شیئاً أتعلمه وأحمله وینفعنی ولا یضرک، فقال الناس مه أجلس ، فقال النبی(ص)دعوه فإنما یسأل الرجل لیعلم ، فأفرجوا له حتی جلس ، فقال: أی شئ کان أول نبوتک ؟ قال: أخذ المیثاق کما أخذ من النبیین ، ثم تلا: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِیِّینَ مِیثَاقَهُمْ وَ مِنْکَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْرَاهِیمَ وَ مُوسَی وَ عِیسَی ابْنِ مَرْیَمَ وَ أَخَذْنَا مِنْهُمْ مِیثَاقًا غَلِیظًا ، وبشری المسیح عیسی بن مریم ، ورأت أم رسول الله (ص)فی منامها أنه خرج من بین رجلیها سراج أضاءت له قصور الشام .

فقال الأعرابی هاه وأدنی منه رأسه وکان فی سمعه شئ ، فقال النبی(ص)ووراء ذلک. رواه الطبرانی ورجاله وثقوا .

وروی أحادیثه فی کنز العمال:409/11 وقال فی مصادرها: ( ابن سعد ، حل - عن میسرة الفجر ، ابن سعد - عن ابن أبی الجدعاء ، طب - عن ابن عباس ). وقال فی هامشه: أخرجه الترمذی کتاب المناقب باب فضل البنی(ص)رقم( 3609 ) وقال: حسن صحیح غریب .

وفی:418/11 وص 449 وص 450 ، وقال فی مصادره ( حم ، طب ، ک ، حل ، هب - عن عرباض بن ساریة ) . ( حم وابن سعد ، طب ، ک ، حل هب - عن عرباض بن ساریة ) ( ابن سعد - عن مطرف بن عبدالله بن الشخیر ) ( ابن سعد - عن عبدالله بن شقیق عن أبیه أبی الجدعاء ، ابن قانع - عن عبدالله بن شقیق عن أبیه ، طب - عن ابن عباس ، ابن سعد - عن میسرة الفجر ) ( ابن عساکر - عن أبی هریرة )

ورواها السیوطی عن المصادر المتقدمة وغیرها فی الدر المنثور:139/1 وج 184/5 وص 207 وج 213/6 .

وروی إخواننا کذلک أحادیث متعددة عن اختیار الله تعالی لبنی هاشم تؤید هذه

ص: 80

الأحادیث ، ولیس هذا مقام الکلام فیها .

من روایات عالم طینة الخلق

مجمع الزوائد:9/128: (وعن بریدة قال: بعث رسول الله(ص)علیاً أمیراً علی الیمن ، وبعث خالد بن الولید علی الجبل ، فقال: إن اجتمعتما فعلی علی الناس ، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم یصیبوا مثله ، وأخذ علیٌّ جاریةً من الخمس ، فدعا خالد ابن الولید بریدة فقال: إغتنمها فأخبر

النبی(ص)ما صنع !

فقدمت المدینة ودخلت المسجد ورسول الله(ص)فی منزله ، وناس من أصحابه علی بابه ، فقالوا: ما الخبر یا بریدة ؟

فقلت: خیراً فتح الله علی المسلمین. فقالوا: ما أقدمک ؟ قلت: جاریة أخذها علی من الخمس ! فجئت لاخبر النبی(ص).

فقالوا: فأخبر النبی(ص)فإنه یسقط من عین النبی(ص)! ورسول الله(ص)یسمع الکلام ، فخرج مغضباً فقال: ما بال أقوام ینتقصون علیاً ! من تنقص علیاً فقد تنقصنی ، ومن فارق علیاً فقد فارقنی. إن علیاً منی وأنا منه ، خلق من طینتی وخلقت من طینة إبراهیم ، وأنا أفضل من إبراهیم ذریة بعضها من بعض والله سمیع علیم . یا بریدة أما علمت أن لعلی أکثر من الجاریة التی أخذ ، وأنه ولیکم بعدی ! فقلت: یا رسول الله بالصحبة إلا بسطت یدک فبایعتنی علی الإسلام جدیداً ! قال: فما فارقته حتی بایعته علی الإسلام. رواه الطبرانی فی الأوسط ، وفیه جماعة لم أعرفهم وحسین الأشقر ضعفه الجمهور ، ووثقه ابن حبان .

مجمع الزوائد:208/5: (وعن جابر - قال: لما قدم جعفر من أرض الحبشة تلقاه رسول الله ، فلما نظر إلی رسول الله حجل إعظاماً لرسول الله(ص)فقبل رسول الله

ص: 81

بین عینیه ، وقال له: یا حبیبی أنت أشبه الناس بخلقی وخلقی ، وخلقت من الطینة التی خلقت منها ، یا حبیبی حدثنی عن بعض عجائب أهل الحبشة. قال: نعم بأبی أنت وأمی یا رسول الله ، بینا أنا قائم فی بعض طرقها إذ أنا بعجوز علی رأسها مکیل ، وأقبل شاب یرکض علی فرس فزحمها وألقی المکیل عن رأسها ، واستوت قائمة وأتبعته البصر وهی تقول: الویل لک غداً إذا جلس الملک علی کرسیه فاقتص للمظلوم من الظالم ! قال جابر: فنظر إلی رسول الله(ص)وهو یقول: لا قدس الله أمة لا تأخذ للمظلوم حقه من الظالم غیر متعتع. رواه الطبرانی فی الأوسط وفیه مکی بن عبد الله الرعینی وهو ضعیف. انتهی. ورواه فی مجمع الزوائد:272/9 ، وروی أیضاً:

وعن أسامة بن زید أن النبی(ص)قال لجعفر: خلقک کخلقی وأشبه خلقی خلفک فأنت منی ، وأنت یا علی فمنی وأبو ولدی. رواه الطبرانی عن شیخه أحمد بن عبدالرحمن بن عفال وهو ضعیف .

کنز العمال:662/11: (خلق الناس من أشجار شتی ، وخلقت أنا وجعفر من طینة واحدة. ابن عساکر عن وهب بن جعفر بن محمد عن أبیه مرسلاً ، ووهب کان یضع الحدیث .

مسند جابر بن عبدالله ، عن مکی بن عبدالله الرعینی ، ثنا سفیان بن عیینة ، عن ابن الزبیر ، عن جابر قال: لما قدم جعفر من أرض الحبشة تلقاه رسول الله ، فلما نظر جعفر إلی رسول الله حجل إعظاماً منه لرسول الله(ص)، فقبل رسول الله بین عینیه وقال: یا حبیبی ! أنت أشبه الناس بخلقی وخلقی وخلقت من الطینة التی خلقت منها یا حبیبی. عق ، وأبو نعیم ، قال عق غیر محفوظ ، وقال فی المیزان: مکی له مناکیر ، وقال فی المغنی: تفرد عن ابن عیینة بحدیث عب. انتهی. ورواه

ص: 82

فی کنز العمال:662/11، بعدة روایات فی بعضها من طینتی وفی بعضها من شجرتی.

الکافی:2/2: (علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن حماد بن عیسی ، عن ربعی بن عبد الله عن رجل، عن علی بن الحسین (علیهماالسّلام) قال: إن الله عز وجل خلق النبیین من طینة علیین: قلوبهم وأبدانهم ، وخلق قلوب المؤمنین من تلک الطینة و ( جعل ) خلق أبدان المؤمنین من دون ذلک وخلق الکفار من طینة سجین ، قلوبهم وأبدانهم ، فخلط بین الطینتین ، فمن هذا یلد المؤمن الکافر ویلد الکافر المؤمن ، ومن هاهنا یصیب المؤمن السیئة ، ومن هاهنا یصیب الکافر الحسنة. فقلوب المؤمنین تحن إلی ما خلقوا منه وقلوب الکافرین تحن إلی ما خلقوا منه. انتهی. ورواه فی علل الشرائع:82/1 وروی فی/116: محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسن ، عن النضر بن شعیب ، عن عبدالغفار الجازی ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: إن الله عز وجل خلق المؤمن من طینة الجنة وخلق الکافر من طینة النار. وقال: إذا أراد الله عز وجل بعبد خیراً طیب روحه وجسده فلا یسمع شیئاً من الخیر إلا عرفه ولا یسمع شیئاً من المنکر إلا أنکره .

قال وسمعته یقول: الطینات ثلاث: طینة الأنبیاء والمؤمن من تلک الطینة إلا أن الأنبیاء هم من صفوتها ، هم الأصل ولهم فضلهم ، والمؤمنون الفرع من طین لازب ، کذلک لا یفرق الله عز وجل بینهم وبین شیعتهم. وقال: طینة الناصب من حمأ مسنون ، وأما المستضعفون فمن تراب ، لا یتحول مؤمن عن إیمانه ولا ناصب عن نصبه ، ولله المشیئة فیهم .

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن محبوب ، عن صالح بن سهل قال: قلت لابی

ص: 83

عبد الله(علیه السّلام): جعلت فداک من أی شئ خلق الله عزوجل طینة المؤمن ؟ فقال: من طینة الأنبیاء ، فلم تنجس أبداً .

محمد بن یحیی وغیره ، عن أحمد بن محمد وغیره ، عن محمد بن خلف ، عن أبی نهشل قال: حدثنی محمد بن إسماعیل ، عن أبی حمزة الثمالی قال: سمعت أبا جعفر(علیه السّلام)یقول: إن الله عز وجل خلقنا من أعلی علیین ، وخلق قلوب شیعتنا مما خلقنا منه ، وخلق أبدانهم من دون ذلک ، وقلوبهم تهوی إلینا لأنها خلقت مما خلقنا منه ، ثم تلا هذه الآیة: کَلاَّ إِنَّ کِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِی عِلِّیِّینَ وَمَا أَدْرَاکَ مَا عِلِّیُّونَ .کتاب مرقوم یشهده المقربون. وخلق عدونا من سجین ، وخلق قلوب شیعتهم مما خلقهم منه وأبدانهم من دون ذلک ، فقلوبهم تهوی إلیهم ، لأنها خلقت مما خلقوا منه ، ثم تلا هذه الآیة: کَلاَّ إِنَّ کِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِی سِجِّینٍ وَمَا أَدْرَاکَ مَا سِجِّینٌ کِتَابٌ مَرْقُومٌ وَیْلٌ یَوْمَئِذٍ لِلْمُکَذِّبِینَ . انتهی. ورواه فی علل الشرائع: 116/1

الکافی:389/1: (أحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن عیسی بن عبید ، عن محمد بن شعیب ، عن عمران بن إسحاق الزعفرانی ، عن محمد بن مروان ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: سمعته یقول: إن الله خلقنا من نور عظمته ، ثم صور خلقنا من طینة مخزونة مکنونة من تحت العرش ، فأسکن ذلک النور فیه ، فکنا نحن خلقاً وبشراً نورانیین لم یجعل لاحد فی مثل الذی خلقنا منه نصیباً ، وخلق أرواح شیعتنا من طینتنا وأبدانهم من طینة مخزونة مکنونة أسفل من تلک الطینة . . . الحدیث .

الکافی:402/1: (أحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسین ، عن منصور بن العباس ، عن صفوان بن یحیی ، عن عبد الله بن مسکان ، عن محمد بن عبد الخالق وأبی

ص: 84

بصیر قال: قال أبو عبد الله(علیه السّلام): یا أبا محمد . . . وإن عندنا سراً من سر الله وعلماً من علم الله أمرنا الله بتبلیغه ، فبلغنا عن الله عز وجل ما أمرنا بتبلیغه ، فلم نجد له موضعاً ولا أهلاً ولا حمالة یحتملونه حتی خلق الله لذلک أقواماً ، خلقوا من طینة خلق منها محمد وآله وذریته(علیهم السّلام) ومن نور خلق الله منه محمداً وذریته ، وصنعهم بفضل صنع رحمته التی صنع منها محمداً وذریته ، فبلغنا عن الله ما أمرنا بتبلیغه فقبلوه واحتملوا ذلک ، وبلغهم ذکرنا فمالت قلوبهم إلی معرفتنا وحدیثنا ، فلولا أنهم خلقوا من هذا لما کانوا کذلک ، لا والله ما احتملوه . . . الحدیث .

من آیات وروایات عالم الملکوت

قال تعالی: أَوَ لَمْ یَتَفَکَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِیرٌ مُبِینٌ أَوَ لَمْ یَنْظُرُوا فِی مَلَکُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَئْ وَأَنْ عَسَی أَنْ یَکُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَیِّ حَدِیثٍ بَعْدَهُ یُؤْمِنُونَ . الاعراف 184-185

وَکَذَلِکَ نُرِی إِبْرَاهِیمَ مَلَکُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِیَکُونَ مِنَ الْمُوقِنِینَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَیْهِ الْلَیْلُ رَآ کَوْکَبًا قَالَ هَذَا رَبِّی فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِینَ . فَلَمَّا رَءَا الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّی فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ یَهْدِنِی رَبِّی لأَکُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّینَ . الأنعام : 75 - 77

قُلْ مَنْ بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَئْ وَهُوَ یُجِیرُ وَلا یُجَارُ عَلَیْهِ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَیَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأَنَّی تُسْحَرُونَ . المؤمنون : 88 - 89

فَسُبْحَانَ الَّذِی بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَئْ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ . یس : 83

نهج البلاغة:162/1: (. . . هو القادر الذی إذا ارتمت الأوهام لتدرک منقطع قدرته، وحاول الفکر المبرأ من خطرات الوساوس أن یقع علیه فی عمیقات غیوب

ص: 85

ملکوته، وتولهت القلوب إلیه لتجری فی کیفیة صفاته ، وغمضت مداخل العقول فی حیث لا تبلغه ... .

نهج البلاغة:163/1: (وأرانا من ملکوت قدرته ، وعجائب ما نطقت به آثار حکمته ، واعتراف الحاجة من الخلق إلی أن یقیمها بمساک قدرته ، ما دلنا باضطرار قیام الحجة . . .

نهج البلاغة:168/1: (ثم خلق سبحانه لاسکان سماواته ، وعمارة الصفیح الأعلی من ملکوته ، خلقاً بدیعاً من ملائکته ملا بهم فروج فجاجها ، وحشی بهم فتوق أجوائها . وبین فجوات تلک الفروج زجل المسبحین منهم فی حظائر القدس وسترات الحجب وسرادقات المجد. ووراء ذلک الرجیج الذی تستک منه الأسماع . . . .

نهج البلاغة:45/2: (الحمد لله الذی انحسرت الأوصاف عن کنه معرفته ، وردعت عظمته العقول فلم تجد مساغاً إلی بلوغ غایة ملکوته... .

مستدرک الوسائل:185/11: (الآمدی فی الغرر ، عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)أنه قال: التفکر فی ملکوت السماوات والأرض عبادة المخلصین .

الکافی:35/1: (عن حفص بن غیاث قال: قال لی أبوعبدالله(علیه السّلام): من تعلم العلم وعمل به وعلم لله، دعی فی ملکوت السماوات عظیماً، فقیل: تعلم لله واعمل لله وعلم لله. انتهی .

وروی نحوه فی کنز العمال:164/10 وفی سنن الترمذی:155/4 ، وروی فی مجمع

ص: 86

الزوائد:248/10: ( البراء بن عازب قال قال رسول الله (ص): من قضی نهمته فی الدنیا حیل بینه وبین شهوته فی الآخرة ، ومن مد عینیه إلی زینة المترفین ، کان مهیناً فی ملکوت السموات. ومن صبر علی القوت الشدید صبراً جمیلاً أسکنه الله من الفردوس حیث شاء .

وسائل الشیعة:278/11: (ثم قال: وذلک إذا انتهکت المحارم ، واکتسب المآثم ، وتسلط الأشرار علی الاخیار ، ویفشو الکذب ، وتظهر الحاجة ، وتفشو الفاقة ، ویتباهون فی الناس ، ویستحسنون الکوبة والمعازف ، وینکر الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر .. إلی أن قال: فأولئک یدعون فی ملکوت السماء: الأرجاس الأنجاس.... الحدیث .

الکافی:93/1: (محمد بن أبی عبدالله رفعه قال: قال أبوعبدالله(علیه السّلام): یا ابن آدم لو أکل قلبک طائر لم یشبعه ، وبصرک لو وضع علیه خرق أبرة لغطاه ، ترید أن تعرف بهما ملکوت السماوات والأرض ، إن کنت صادقاً فهذه الشمس خلق من خلق الله فإن قدرت أن تملأ عینیک منها فهو کما تقول .

الکافی:273/1: (علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن ابن مسکان ، عن أبی بصیر قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: وَیَسْأَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی، قال: خلق أعظم من جبرئیل ومیکائیل ، کان مع رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو مع الأئمة ، وهو من الملکوت .

الکافی:263/2: (علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن النوفلی ، عن السکونی، عن أبی عبدالله(علیه السّلام) قال: قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): طوبی للمساکین بالصبر ، وهم الذین یرون ملکوت السماوات والأرض .

ص: 87

تفسیر الإمام العسکری/513:

وَکَذَلِکَ نُرِی إِبْرَاهِیمَ مَلَکُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِیَکُونَ مِنَ الْمُوقِنِینَ ، قوی الله بصره لما رفعه دون السماء حتی أبصر الأرض ومن علیها ظاهرین ومستترین ، فرأی رجلاً وامرأة علی فاحشة فدعا علیهما بالهلاک فهلکا ، ثم رأی آخرین فدعا علیهما بالهلاک فهلکا ، ثم رأی آخرین فهم بالدعاء علیهما ، فأوحی الله تعالی إلیه: یا إبراهیم أکفف دعوتک من عبادی وإمائی . . . الحدیث . انتهی . وروی نحوه فی الکافی:305/8 وفی کنز العمال:269/4 .

علل الشرائع:131/1: (قالوا حدثنا محمد بن أبی عبدالله الکوفی الأسدی ، عن موسی بن عمران النخعی، عن عمه الحسین بن یزید النوفلی، عن علی بن سالم عن أبیه ، عن ثابت بن دینار قال سألت زین العابدین علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب(علیه السّلام)عن الله جل جلاله: هل یوصف بمکان ؟ فقال: تعالی عن ذلک. قلت: فلم أسری بنبیه محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی السماء ؟ قال: لیریه ملکوت السموات ، وما فیها من عجائب صنعه وبدایع خلقه . . . .

علل الشرائع:15/1: (حدثنا علی بن أحمد ، عن محمد بن أبی عبدالله ، عن محمد بن إسماعیل البرمکی قال: حدثنا جعفر بن سلیمان بن أیوب الخزاز قال: حدثنا عبدالله بن الفضل الهاشمی قال: قلت لابی عبدالله(علیه السّلام): لأی علة جعل الله عز وجل الأرواح فی الأبدان بعد کونها فی ملکوته الأعلی فی أرفع محل ؟ فقال(علیه السّلام): إن الله تبارک وتعالی علم أن الأرواح فی شرفها وعلوها متی ما ترکت علی حالها نزع أکثرها إلی دعوی الربوبیة دونه عز وجل ، فجعلها بقدرته فی الأبدان التی قدر لها فی ابتداء التقدیر نظراً لها ورحمة بها ، وأحوج بعضها إلی بعض وعلق بعضها علی بعض ورفع بعضها علی بعض فی الدنیا ، ورفع بعضها

ص: 88

فوق بعض درجات فی الآخرة ، وکفی بعضها ببعض .

قلت: فقول الله عز وجل: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّی . فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَی .؟ قال: ذاک

رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )دنا من حجب النور فرأی ملکوت السموات ، ثم تدلی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فنظر من تحته إلی ملکوت الأرض حتی ظن أنه فی القرب من الأرض، کقاب قوسین أو أدنی .

وقد روت مصادر إخواننا السنة عدداً من الروایات عن عالم الملکوت ، کالتی رواها أحمد فی مسنده:263/2 ، من حدیث المعراج . . . فلما نزلت وانتهیت إلی سماء الدنیا فإذا أنا برهج ودخان وأصوات فقلت من هؤلاء ؟ قال: الشیاطین یحرفون علی أعین بنی آدم أن لا یتفکروا فی ملکوت السموات والأرض، ولولا ذلک لرأت العجائب .

وروی الهیثمی فی مجمع الزوائد:178/9: (وعن رقبة بن مصقلة قال لما حصر الحسین بن علی رضی الله عنهما قال: أخرجونی إلی الصحراء لعلی أتفکر أنظر فی ملکوت السماوات یعنی الآیات ، فلما أخرج به قال: اللهم إنی أحتسب نفسی عندک فإنها أعز الأنفس علیَّ ، وکان مما صنع الله له أنه أحتسب نفسه. رواه الطبرانی ورجاله رجال الصحیح ، إلا أن رقبة لم یسمع من الحسن فیما أعلم ، وقد سمع من أنس فیما قیل .

من آیات وروایات عالم الخزائن

وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَیْنَا فِیهَا رَوَاسِیَ وَأَنْبَتْنَا فِیهَا مِنْ کُلِّ شَئْ مَوْزُونٍ . وَجَعَلْنَا لَکُمْ فِیهَا مَعَایِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِینَ . وَإِنْ مِنْ شَئْ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ . الحجر : 19 - 21

ص: 89

الصحیفة السجادیة:71/1: (اللهم یا منتهی مطلب الحاجات ، ویا من عنده نیل الطلبات ، ویا من لا یبیع نعمه بالأثمان ، ویا من لا یکدر عطایاه بالإمتنان ، ویا من یستغنی به ولا یستغنی عنه، ویا من یرغب إلیه ولا یرغب عنه ، ویا من لا تفنی خزائنه المسائل ، ویا من لا تبدل حکمته الوسائل ، ویا من لا تنقطع عنه حوائج المحتاجین ، ویا من لا یعنیه دعاء الداعین... .

مصباح المتهجد/467: (سبحان الحی القیوم ، سبحان الدائم الباقی الذی لا یزول ، سبحان الذی لا تنقص خزائنه ، سبحان من لا ینفد ما عنده ، سبحان من لا تبید معالمه ، سبحان من لا یشاور فی أمره أحداً ، سبحان من لا إله غیره .

مصباح المتهجد/578: (الحمد لله الفاشی فی الخلق أمره وحمده ، الظاهر بالکرم مجده ، الباسط بالجود یده ، الذی لا تنقص خزائنه ، ولا تزیده کثرة العطاء إلا کرماً وجوداً ، إنه هو العزیز الوهاب .

مستدرک الحاکم:525/1: (عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه کان یدعو: اللهم احفظنی بالإسلام قائماً ، واحفظنی بالإسلام قاعداً ، واحفظنی بالإسلام راقداً ، ولا تشمت بی عدواً حاسداً. اللهم إنی أسألک من کل خیر خزائنه بیدک ، وأعوذ بک من کل شر خزائنه بیدک. هذا حدیث صحیح علی شرط البخاری ولم یخرجاه .

هذا ماتیسر لنا تتبعه من الأحادیث الدالة علی وجود الإنسان فی عوالم قبل الدنیا. وفیها بحوث شریفة فی عدد هذه العوالم وترتیبها وصفاتها ، قلما تعرض المتکلمون والمفسرون لبحثها .

وفیهابحوث أخری فی امتحان الإنسان فیها واختیاره الکفر أو الإیمان قبل وصوله

ص: 90

إلی عالم الأرض. وقد بحثها المفسرون والمتکلمون فی باب الجبر والاختیار ، والقضاء والقدر .

قال المجلسی(رحمه الله)فی بحار الأنوار:260/5: (بیان: إعلم أن أخبار هذا الباب من متشابهات الأخبار ومعضلات الآثار ، ولاصحابنا رضی الله عنهم فیها مسالک:

منها ، ما ذهب إلیه الأخباریون ، وهو أنا نؤمن بها مجملاً ، ونعترف بالجهل عن حقیقة معناها ، وعن أنها من أی جهة صدرت ، ونرد علمها إلی الأئمة(علیهم السّلام) .

ومنها ، أنها محمولة علی التقیة لموافقتها لروایات العامة ، ولما ذهبت إلیه الأشاعرة وهم جلهم ، ولمخالفتها

ظاهراً لما مر من أخبار الإختیار والإستطاعة .

ومنها ، أنها کنایة عن علمه تعالی بما هم إلیه صائرون ، فإنه تعالی لما خلقهم مع علمه بأحوالهم فکأنه خلقهم من طینات مختلفة .

ومنها ، أنها کنایة عن اختلاف استعداداتهم وقابلیاتهم ، وهذا أمر بین لا یمکن إنکاره ، فإنه لا شبهة فی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأبا جهل لیسا فی درجة واحدة من الإستعداد والقابلیة ، وهذا لا یستلزم سقوط التکلیف ، فإن الله تعالی کلف النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )حسب ما أعطاه من الاستعداد لتحصیل الکمالات ، وکلف أبا جهل حسب ما أعطاه من ذلک ، ولم یکلفه ما لیس فی وسعه ، ولم یجبره علی شئ من الشر والفساد .

ومنها ، أنه لما کلف الله تعالی الأرواح أولاً فی الذر وأخذ میثاقهم فاختاروا الخیر والشر باختیارهم فی ذلک الوقت ، وتفرع اختلاف الطینة علی ما اختاروه باختیارهم کما دل علیه بعض الأخبار السابقة ، فلا فساد فی ذلک .

ولا یخفی ما فیه وفی کثیر من الوجوه السابقة ، وترک الخوض فی أمثال تلک المسائل الغامضة التی تعجز عقولنا عن الاحاطة بکنهها أولی ، لا سیما فی تلک

ص: 91

المسألة التی نهی أئمتنا عن الخوض فیها. ( مسألة القضا والقدر ) .

ولنذکر بعض ما ذکره فی ذلک علماؤنا رضوان الله علیهم ومخالفوهم .

فمنها: ما ذکره الشیخ المفید قدس الله روحه فی جواب المسائل السرویة حیث سئل: ما قوله - أدام الله تأییده - فی معنی الأخبار المرویة عن الأئمة الهادیة(علیهم السّلام) فی الأشباح وخلق الله تعالی الأرواح قبل خلق آدم(علیه السّلام)بألفی عام ، وإخراج الذریة من صلبه علی صور الذر ، ومعنی قول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناکر منها اختلف .

الجواب: وبالله التوفیق ، إن الأخبار بذکر الأشباح تختلف ألفاظها ، وتتباین معانیها ، وقد بنت الغلاة علیها أباطیل کثیرة ، وصنفوا فیها کتباً لغوا فیها ، وهزئوا فیما أثبتوه منه فی معانیها ، وأضافوا ما حوته الکتب إلی جماعة من شیوخ أهل الحق وتخرصوا الباطل بإضافتها إلیهم ، من جملتها کتاب سموه کتاب ( الأشباح والأظلة ) نسبوه فی تألیفه إلی محمد بن سنان ، ولسنا نعلم صحة ما ذکروه فی هذا الباب عنه .

وإن کان صحیحاً فإن ابن سنان قد طعن علیه وهو متهم بالغلو ، فإن صدقوا فی إضافة هذا الکتاب إلیه فهو ضلال لضال عن الحق، وإن کذبوا فقد تحملوا أوزار ذلک.

والصحیح من حدیث الأشباح الروایة التی جاءت عن الثقاة بأن آدم(علیه السّلام)رأی علی العرش أشباحاً یلمع نورها فسأل الله تعالی عنها ، فأوحی إلیه أنها أشباح رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأمیر المؤمنین والحسن والحسین وفاطمة صلوات الله علیهم ، وأعلمه أنه لولا الأشباح التی رآها ما خلقه ولا خلق سماءً ولا أرضاً.

والوجه فیما أظهره الله تعالی من الأشباح والصور لادم أن دله علی تعظیمهم وتبجیلهم ،

ص: 92

وجعل ذلک إجلالاً لهم ومقدمة لما یفترضه من طاعتهم ، ودلیلاً علی أن مصالح الدین والدنیا لا تتم إلا بهم ، ولم یکونوا فی تلک الحال صوراً مجیبة، ولا أرواحاً ناطقة ، لکنها کانت علی مثل صورهم فی البشریة ، یدل علی ما یکونوا علیه فی المستقبل فی الهیئة ، والنور الذی جعله علیهم یدل علی نور الدین بهم وضیاء الحق بحججهم. وقد روی أن أسماءهم کانت مکتوبة إذ ذاک علی العرش ، وأن آدم(علیه السّلام)لما تاب إلی الله عز وجل وناجاه بقبول توبته سأله بحقهم علیه ومحلهم عنده فأجابه ، وهذا غیر منکر فی العقول ولا مضاد للشرع المنقول ، وقد رواه الصالحون الثقاة المأمونون ، وسلم لروایته طائفة الحق ، ولا طریق إلی إنکاره ، والله ولی التوفیق. انتهی .

ویدل کلام المفید(قدسّ سرّه)أن الغلاة فی عصره کانوا استغلوا أحادیث الأشباح والظلال وبنوا علیها أباطیل تخالف مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) ، فشنع بسببها الخصوم علی المذهب ، فنفی المفید دعوی الخصوم ، وفی نفس الوقت أثبت أحادیث الأشباح والظلال ، ثم فسرها بتفسیر یفهمه العوام ولا یثیر الخصوم .

وقال فی هامش الکافی:3/2: (الأخبار مستفیضة فی أن الله تعالی خلق السعداء من طینة علیین ( من الجنة ) وخلق الأشقیاء من طینة سجین ( من النار ) وکل یرجع إلی حکم طینته من السعادة والشقاء ، وقد أورد علیها: أولاً: بمخالفة الکتاب. وثانیاً: باستلزام الجبر الباطل .

أما البحث الأول ، فقد قال الله تعالی: هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ طِینٍ ، وقال: وبدأ خلق الإنسان من طین ، فأفاد أن الإنسان مخلوق من طین ، ثم قال تعالی: وَلِکُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّیهَا . . الآیة. وقال: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِیبَةٍ فِی الأَرْضِ وَلا فِی أَنْفُسِکُمْ إِلا فِی کِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا.. الآیة. فأفاد أن للإنسان غایة ونهایة من السعادة

ص: 93

والشقاء ، وهو متوجه إلیها سائر نحوها. وقال تعالی: کَمَا بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ فَرِیقًا هَدَی وَفَرِیقًا حَقَّ عَلَیْهِمُ الضَّلالَةُ . . الآیة. فأفاد أن ما ینتهی إلیه أمر الإنسان من السعادة والشقاء هو ماکان علیه فی بدء خلقه وقد کان فی بدء خلقه طیناً ، فهذه الطینة طینة سعادة وطینة شقاء ، وآخرالسعید إلی الجنة وآخرالشقی إلی النار ، فهما أولهما لکون الآخر هو الأول ، وحینئذ صح أن السعداء خلقوا من طینة الجنة والأشقیاء خلقوا من طینة النار. وقال تعالی: کَلا إِنَّ کِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِی عِلِّیِّینَ وَمَا أَدْرَاکَ مَا عِلِّیُّونَ کِتَابٌ مَرْقُومٌ یَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ، کَلا إِنَّ کِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِی سِجِّینٍ وَمَا أَدْرَاکَ مَا سِجِّینٌ کِتَابٌ مَرْقُومٌ وَیْلٌ یَوْمَئِذٍ لِلْمُکَذِّبِینَ.. الآیات. وهی تشعر بأن علیین وسجین هما ما ینتهی الیه أمر الأبرار والفجار من النعمة والعذاب ، فافهم .

وأما البحث الثانی، وهو أن أخبار الطینة تستلزم أن تکون السعادة والشقاء لازمین حتمیین للإنسان ، ومعه لا یکون أحدهما اختیاریاً کسبیاً للإنسان وهو الجبر الباطل . والجواب عنه ، أن اقتضاء الطینة للسعادة أو الشقاء لیس من قبل نفسها بل من قبل حکمه تعالی وقضائه ماقضی من سعادة وشقاء ، فیرجع الإشکال إلی سبق قضاء السعادة والشقاء فی حق الإنسان قبل أن یخلق ، وإن ذلک یستلزم الجبر. وقد ذکرنا هذا الإشکال مع جوابه فی باب المشیئة والإرادة فی المجلد الأول من الکتاب/150 ، وحاصل الجواب: أن القضاء متعلق بصدور الفعل عن اختیار العبد فهو فعل اختیاری فی عین أنه حتمی الوقوع ، ولم یتعلق بالفعل سواء اختاره العبد أو لم یختره ، حتی یلزم منه بطلان الإختیار. وأما شرح ما تشمل علیه هذه الأخبار تفصیلاً فأمر خارج عن مجال هذا البیان المختصر ، فلیرجع فیه إلی مطولات الشروح والتعالیق والله الهادی .( الطباطبائی ) انتهی .

ص: 94

ونختم بالقول: إن مسألة وجود الإنسان فی عوالم قبل عالم الأرض ، أوسع مما بحثه المتکلون والفلاسفة ، وهی تحتاج إلی تتبع کامل وبحث دقیق فی أحادیثها الشریفة ، للتوصل إلی عدد تلک العوالم وصفاتها ، ولا یبعد أنها تحل کثیراً من المشکلات ، ومنها مشکلة الجبر والاختیار ، وقد تبین من مجموعها أن أخذ المیثاق تم من الذر المأخوذ من طین آدم کما فی بعضها ، وفی عالم الظلال کما فی بعضها ، ومن المحتمل أنه حصل فی أکثر من عالم .

کما لا یصح استبعاد أن تکون الذرة إنساناً کاملاً عاقلاً بعد ما سمعنا عن عالم الذرة والجینات .

ولا یصح القول بأن عالم الذر هو عالم الملکوت وإن کان جزء من عالم الملکوت إلا من باب تسمیة الجزء باسم الکل. والملکوت کما رأیت فی آیاته وأحادیثه شامل لعوالم الشهادة والغیب ، والبعد عن الله تعالی والحضور ، وعالم الذر أو الظلال واحد من عوالم الحضور .

ص: 95

ص: 96

الفصل الثالث:الفطرة بمعنی الولادة فی الإسلام

اشارة

ص: 97

ص: 98

قولهم من ولد علی الإسلام فهو من أهل الجنة

الکافی:340/8:

قال علی بن الحسین: ولم یولد لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من خدیجة علی فطرة الإسلام إلا

فاطمة(علیهاالسّلام)وقد کانت خدیجة(علیهاالسّلام)ماتت قبل الهجرة بسنة ، ومات أبو طالب بعد موت خدیجة بسنة ، فلما فقدهما رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) سئم المقام بمکة ودخله حزن شدید وأشفق علی نفسه من کفار قریش ، فشکا إلی جبرئیل(علیه السّلام)ذلک ، فأوحی الله عز وجل إلیه: أخرج من القریة الظالم أهلها وهاجر إلی المدینة فلیس لک الیوم بمکة ناصر ، وانصب للمشرکین حرباً. فعند ذلک توجه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی المدینة. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار:117/19

مستدرک الوسائل:58/11:

وعن إسماعیل بن موسی ، بإسناده عن أبی البختری قال: لما انتهی علی(علیه السّلام)إلی البصرة خرج أهلها . . . إلی أن قال: فقاتلوهم وظهروا علیهم وولوا منهزمین ، فأمر علی منادیاً ینادی: لا تطعنوا فی غیر مقبل ، ولا تطلبوا مدبراً ، ولا تجهزوا علی جریح ، ومن ألقی سلاحه فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، وما کان بالعسکر فهو لکم مغنم ، وما کان فی الدور فهو میراث یقسم بینهم علی فرائض الله عز وجل ، فقام إلیه قوم من أصحابه فقالوا: یا أمیر المؤمنین من أین أحللت

ص: 99

لنا دماءهم وأموالهم وحرمت علینا نساءهم ؟ فقال: لأن القوم علی الفطرة ، وکان لهم ولاء قبل الفرقة ، وکان نکاحهم لرشدة. فلم یرضهم ذلک من کلامه. فقال لهم: هذه السیرة فی أهل القبلة فأنکرتموها ، فانظروا أیکم یأخذ عائشة فی سهمه ؟ ! فرضوا بما قال ، فاعترفوا صوابه وسلموا لامره. انتهی. ورواه المغربی فی شرح الأخبار:395/1 ، وروته أیضاً مصادر التاریخ .

القول بأن من ولد فی الإسلام فهو من أهل الجنة

الدر المنثور:115/2: وأخرج البیهقی عن ابن عابد قال: خرج رسول الله(ص)فی جنازة رجل فلما وضع قال عمر بن الخطاب: لا تصل علیه یا رسول الله فإنه رجل فاجر ، فالتفت رسول الله(ص)إلی الناس قال: هل رآه أحد منکم علی الإسلام ؟ فقال رجل: نعم یا رسول الله حرس لیلة فی سبیل الله ، فصلی علیه رسول الله(ص)وحثی علیه التراب وقال: أصحابک یظنون أنک من أهل النار ، وأنا أشهد أنک من أهل الجنة. وقال: یا عمر إنک لا تسأل عن أعمال الناس ولکن تسأل عن الفطرة .

صحیح مسلم:4/2: . . . فسمع رجلاً یقول الله اکبر ، الله اکبر ، فقال رسول الله (ص): علی الفطرة ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ، فقال رسول الله (ص): خرجت من النار ، فنظروا فإذا هو راعی معزی .

کنز العمال:366/8: کنا مع رسول الله(ص)فی سریة فسمعنا منادیاً ینادی: الله اکبر ، الله اکبر ، فقال

ص: 100

النبی (ص): علی الفطرة فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ، قال: خرج من النار ، فابتدرناه فإذا هو شاب حبشی یرعی غنماً له فی واد، فأدرک صلاة المغرب فأذن لنفسه - أبو الشیخ .

سنن الترمذی:87/3: ... واستمع ذات یوم فسمع رجلاً یقول: الله اکبر ، الله اکبر ، فقال: علی الفطرة ، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ، قال خرجت من النار .

مسند أحمد:241/31: ... نحن مع رسول الله(ص)فی سفر إذ سمع رجلاً یقول الله اکبر، الله اکبر ، فقال النبی(ص): علی الفطرة ، قال أشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فقال النبی (ص): خرج هذا من النار. انتهی .

وقد صحت الروایات عند اخواننا أن الخلیفة عمر قد وسع دائرة شفاعة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی تشمل المنافقین بل والکفار ، بل صحت روایاتهم بأن مذهب الخلیفة عمر أن جهنم تنتهی بعد مدة وینقل أهلها إلی الجنة.. إلخ. وسیأتی ذلک فی بحث الشفاعة إن شاء الله تعالی .

الفطرة والنبوة والشرائع الإلهیة

الکافی:424/8: علی بن إبراهیم، عن أبیه ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر، عن أبان بن عثمان، عن إسماعیل الجعفی ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: کانت شریعة نوح(علیه السّلام)أن یعبد الله بالتوحید والإخلاص وخلع الأنداد ، وهی الفطرة التی فطر الناس علیها ، وأخذ الله میثاقه علی نوح وعلی النبیین أن یعبدوا الله تبارک

وتعالی ولا یشرکوا به شیئاً،

ص: 101

وأمر بالصلاة والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والحلال والحرام، ولم یفرض علیه أحکام حدود ولا فرض مواریث فهذه شریعته ، فلبث فیهم نوح ألف سنة إلا خمسین عاماً یدعوهم سراً وعلانیة ، فلما أبوا وعتوا قال: رب إنی مغلوب فانتصر. فأوحی الله عز وجل إلیه أَنَّهُ لَنْ یُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِکَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا کَانُوا یَفْعَلُونَ. فلذلک قال نوح (علیه السّلام): وَلا یَلِدُوا إِلا فَاجِرًا کَفَّارًا. فأوحی الله عز وجل إلیه: أَنِ اصْنَعِ الْفُلْکَ. انتهی. ورواه العیاشئ فی تفسیره:144/2 ، ورواه فی بحار الأنوار: 331/11

الکافی:17/2

علی بن إبراهیم، عن أبیه ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، وعدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إبراهیم بن محمد الثقفی ، عن محمد بن مروان ، جمیعاً عن أبان بن عثمان ، عمن ذکره عن أبی عبدالله (علیه السّلام) قال: إن الله تبارک وتعالی أعطی محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )شرایع نوح وإبراهیم وموسی وعیسی(علیهم السّلام) : التوحید والاخلاص وخلع الأنداد والفطرة الحنفیة السمحة لا رهبانیة ولا سیاحة، أحل فیها الطیبات وحرم فیها الخبائث ، ووضع عنهم إصرهم والاغلال التی کانت علیهم ، ثم افترض علیه الصلاة والزکاة والصیام والحج والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والحلال والحرام والمواریث والحدود والفرائض والجهاد فی سبیل الله، وزاده الوضوء، وفضله بفاتحة الکتاب وخواتیم سورة البقرة والمفصل، وأحل له المغنم والفی ، ونصره بالرعب ، وجعل له الأرض مسجداً وطهوراً ، وأرسله کافة إلی الابیض والاسود والجن والانس ، وأعطاه الجزیة وأسر المشرکین وفداهم ، ثم کلفه ما لم یکلف أحداً من الأنبیاء ، أنزل علیه سیف من السماء فی غیر غمد وقیل له: قاتل فی سبیل الله لا تکلف إلا نفسک .

ص: 102

ورواه فی بحار الأنوار:317/72 وقال:

تبیین: قوله(علیه السّلام)( شرایع نوح ) یحتمل أن یکون المراد بالشرایع أصول الدین ، ویکون التوحید والإخلاص وخلع الأنداد بیاناً لها ، والفطرة الحنیفیة معطوفة علی الشرایع ، وإنما خص(علیه السّلام)ما به الاشتراک بهذه الثلاثة ، مع اشتراکه(علیه السّلام)معهم فی کثیر من العبادات لاختلاف الکیفیات فیها دون هذه الثلاثة ، ولعله(علیه السّلام)لم یرد حصر المشترکات فیما ذکر لعدم ذکر السائل أصول الدین کالعدل والمعاد، مع أنه یمکن إدخالها بعض ما ذکر ، لا سیما الإخلاص بتکلف .

ویمکن أن یکون المراد منها الأصول وأصول الفروع المشترکة وإن اختلفت فی الخصوصیات والکیفیات ، وحینئذ یکون جمیع تلک الفقرات إلی قوله(علیه السّلام) (وزاده) بیاناً للشرایع ، ویشکل حینئذ ذکر الرهبانیة والسیاحة ، إذ المشهور أن عدمهما من خصائص نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، إلا أن یقال المراد عدم الوجوب وهو مشترک ، أو یقال إنهما لم یکونا فی شریعة عیسی(علیه السّلام)أیضاً .

وإن استشکل بالجهاد وأنه لم یجاهد عیسی(علیه السّلام)فالجواب أنه یمکن أن یکون واجباً علیه لکن لم یتحقق شرائطه ، ولذا لم یجاهد .

ولعل قوله (علیه السّلام) ( زاده وفضله ) بهذا الوجه أوفق .

وکأن المراد بالتوحید نفی الشریک فی الخلق ، وبالاخلاص نفی الشریک فی العبادة ، و خلع الأنداد تأکید لهما ، أو المراد به ترک أتباع خلفاء الجور وأئمة الضلالة أو نفی الشرک الخفی ، أو المراد بالإخلاص نفی الشرک الخفی ، وبخلع الأنداد نفی الشریک فی استحقاق العبادة .

والأنداد: جمع ند ، وهو مثل الشئ الذی یضاده فی أموره ، ویناده أی یخالفه .

والفطرة: ملة الإسلام التی فطر الله الناس علیها ، کما مر .

ص: 103

والحنیفیة: المائلة من الباطل إلی الحق ، أو الموافقة لملة إبراهیم(علیه السّلام)قال فی النهایة: الحنیف عند العرب من کان علی دین إبراهیم ، وأصل الحنف المیل ، ومنه الحدیث بعثت بالحنیفیة السمحة السهلة ، وفی القاموس: السمحة الملة التی ما فیها ضیق .

بحار الأنوار:68/76:

مکا: عن الصادق(علیه السّلام)قال: کان بین نوح وإبراهیم (علیهماالسّلام) ألف سنة ، وکانت شریعة إبراهیم بالتوحید والاخلاص وخلع الانداد ، وهی الفطرة التی فطر الناس علیها وهی الحنیفیة. وأخذ علیه میثاقه وأن لا یعبد إلا الله ، ولا یشرک به شیئاً ، قال: وأمره بالصلاة والأمر والنهی ، ولم یحکم له أحکام فرض المواریث، وزاده فی الحنیفیة: الختان وقص الشارب ونتف الابط وتقلیم الاظفار وحلق العانة ، وأمره ببناء البیت والحج والمناسک ، فهذه کلها شریعته(علیه السّلام) .

معنی الفطرة والصبغة

اشارة

تفسیر التبیان:485/1: قوله تعالی: صِبْغَةَ اللهِ: معناه فطرة الله فی قول الحسن وقتادة وأبی العالیة ومجاهد وعطیة وابن زید والسدی .

وقال الفراء والبلخی: إنه شریعة الله فی الختان الذی هو التطهیر .

وقوله صبغة الله ، مأخوذ من الصبغ ، لأن بعض النصاری کانوا إذا ولد لهم مولود جعلوه فی ماء طهور یجعلون ذلک تطهیراً له ویسمونه العمودیة ، فقیل صبغة الله أی تطهیر الله ، تطهیرکم بتلک الصبغة وهو قول الفراء .

وقال قتادة: الیهود تصبغ أبناءها یهوداً والنصاری تصبغ أبناءها نصاری ، فهذا غیر

ص: 104

المعنی الأول ، وإنما معناه أنهم یلقنون أولادهم الیهودیة والنصرانیة ، فیصبغونهم بذلک لما یشربون قلوبهم منه ، فقیل صبغة الله التی أمر بها ورضیها یعنی الشریعة، لا صبغتکم .

وقال الجبائی: سمی الدین صبغة لأنه هیئة تظهر بالمشاهدة من أثر الطهارة والصلاة وغیر ذلک من الآثار الجمیلة التی هی کالصبغة ، وقال أمیة :

فی صبغة الله کان إذ نسی ال- هد وخلی الصواب إذ عزما

تفسیر التبیان:334/3:

وقوله: وَلامُرَنَّهُمْ فَلَیُغَیِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ: اختلفوا فی معناه فقال ابن عباس ، والربیع بن أنس ، عن أنس: إنه الأخصاء ، وکرهوا الأخصاء فی البهائم ، وبه قال سفیان ، وشهر بن حوشب ، وعکرمة ، وأبوصالح. وفی روایة أخری عن ابن عباس: فلیغیرن دین الله ، وبه قال إبراهیم ومجاهد ، وروی ذلک عن أبی جعفر وأبی عبدالله (علیهماالسّلام). قال مجاهد: کذب العبد یعنی عکرمة فی قوله إنه الأخصاء ، وإنما هو تغییر دین الله الذی فطر الناس علیه فی قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ. وهو قول قتادة والحسن والسدی والضحاک وابن زید .

وقال الکفعمی فی المصباح/340

الفاطر: أی المبتدع لأنه فطر الخلق أی ابتدعهم ، وخلقهم من الفطر وهو الشق ، ومنه: إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ، أی انشقت ، وقوله: تَکَادُ السَّمَوَاتُ یَتَفَطَّرْنَ ، أی یتشققن کأنه سبحانه شق العدم بإخراجنا منه، وقوله تعالی: فَاطِرِ السَّمَوَاتِ، أی مبدی خلقها.

بحار الأنوار:3/276-281: (سن: المحسن بن أحمد ، عن أبان الأحمر ، عن أبی

ص: 105

جعفر الأحول ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: عروة الله الوثقی التوحید ، والصبغة الإسلام .

بیان: قال البیضاوی فی قوله تعالی: صِبْغَةَ اللهِ: أی صبغنا الله صبغته وهی فطرة الله التی فطر الناس علیها ، فإنها حلیة الإنسان ، کما أن الصبغة حلیة المصبوغ ، أو هدانا هدایته وأرشدنا حجته ، أو طهر قلوبنا بالإیمان تطهیره. وسماه صبغة لأنه ظهر أثره علیهم ظهور الصبغ علی المصبوغ ، وتداخل قلوبهم تداخل الصبغ الثوب ، أو للمشاکلة فإن النصاری کانوا یغمسون أولادهم فی ماء أصفر یسمونه العمودیة ویقولون هو تطهیر لهم وبه تحقق نصرانیتهم .

مع: أبی ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن أبیه ، عن فضالة ، عن أبان ، عن أبی عبدالله (علیه السّلام) فی قول الله عز وجل: صِبْغَةَ اللهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ، قال: هی الإسلام .

شف: من کتاب القاضی القزوینی ، عن هارون بن موسی التلعکبری ، عن محمد بن سهل ، عن الحمیری ، عن ابن یزید ، عن علی بن حسان ، عن عبد الرحمن بن کثیر، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قوله الله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا، قال : هی التوحید ، وأن محمداً رسول الله ، وأن علیاً أمیر المؤمنین .

شی: عن زرارة ، عن أبی جعفر وحمران ، عن أبی عبدالله (علیهماالسّلام) قال: الصبغة الإسلام .

شی: عن عبدالرحمن بن کثیر ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)فی قول الله: صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة:

قال: الصبغة معرفة أمیر المؤمنین(علیه السّلام)بالولایة فی المیثاق .

بحار الأنوار:209/1: (ل: ماجیلویه ، عن محمد العطار ، عن الأشعری ، عن أحمد

ص: 106

بن محمد ، عن ابن معروف ، عن ابن مهزیار ، عن حکم بن بهلول ، عن ابن همام ، عن ابن أذینة ، عن أبان بن أبی عیاش ، عن سلیم بن قیس الهلالی قال: سمعت علیاً(علیه السّلام)یقول لأبی الطفیل عامر بن واثلة الکنانی: یا أبا الطفیل العلم علمان: علم لا یسع الناس إلا النظر فیه وهو صبغة الإسلام ، وعلم یسع الناس ترک النظر فیه وهو قدرة الله عز وجل .

بیان: قال الفیروزآبادی: الصبغة بالکسر: الدین والملة ، وصبغة الله: فطرة الله ، أو التی أمر الله بها محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهی الختانة. انتهی .

أقول: المراد بالصبغة هنا الملة أوکل ما یصبغ الإنسان بلون الإسلام من العقائد الحقة ، والأعمال الحسنة ، والأحکام الشرعیة .

وقدرة الله تعالی: لعل المراد بها هنا تقدیر الأعمال ، وتعلق قدرة الله بخلقها ، أی علم القضاء والقدر والجبر والإختیار ، فإنه قد نهی عن التفکر فیها .

وفی نهج البلاغة: أنه قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام)وقد سئل عن القدر فقال: طریق مظلم فلا تسلکوه. انتهی .

بحار الأنوار:130/67:

البقرة-138: صِبْغَةَ اللهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَ نَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ الروم-30:

فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ

کا: عن علی ، عن أبیه ومحمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد جمیعاً ، عن ابن محبوب ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قول الله عز وجل: صِبْغَةَ اللهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً، قال: الإسلام .

ص: 107

بیان: قیل علی هذه الأخبار یحتمل أن تکون ( صبغة ) منصوبة علی المصدر من مسلمون فی قوله تعالی قبل ذلک: لا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. ثم یحتمل أن یکون معناها وموردها مختصاً بالخواص والخلص المخاطبین ب(قولوا) فی صدر الآیات حیث قال: قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَیْنَا ، دون سائر أفراد بنی آدم بل یتعین هذا المعنی إن فسر الإسلام بالخضوع والانقیاد للأوامر والنواهی کما فعلوه ، وإن فسر بالمعنی العرفی فتوجیه التعمیم فیه کتوجیه التعمیم فی فطرة الله . . . .

وقیل: صبغة الله إبداع الممکنات وإخراجها من العدم إلی الوجود وإعطاء کل ما یلیق به من الصفات والغایات وغیرهما... .

وقیل: معناه کل مولود یولد علی معرفة الله والإقرار به ، فلا تجد أحداً إلا وهو یقر بأن الله صانعه ، وإن سماه بغیر اسمه أو عبد معه غیره ، ومنه حدیث حذیفة (علی غیر فطرة محمد ) أراد دین الإسلام الذی هو منسوب إلیه. انتهی .

وقال بعضهم: المراد بالفطرة کونه خلقاً قابلاً للهدایة ومتهیئاً لها ، لما أوجد فیه من القوة القابلة لها ، لأن فطرة الإسلام وصوابها موضوع فی العقول ، وإنما یدفع العقول عن إدراکها تغییر الابوین ، أو غیرهما .

وأجیب عنه بأن حمل الفطرة علی الإسلام لا یأباه العقل ، وظاهر الروایات یدل علیه . وحملها علی خلاف الظاهر لا وجه له من غیر مستند .

. . . لا تبدیل لخلق الله: أی بأن یکونوا کلهم أو بعضهم عند الخلق مشرکین ، بل کان کلهم مسلمین مقرین به أو قابلین للمعرفة ، وأراهم نفسه: أی بالرؤیة العقلیة الشبیهة بالرؤیة العینیة فی الظهور لیرسخ فیهم معرفته ، ویعرفوه فی دار التکلیف، ولولا تلک المعرفة المیثاقیة لم یحصل لهم تلک القابلیة ، وفسر(علیه السّلام)الفطرة فی

ص: 108

الحدیث بالمجبولیة علی معرفة الصانع والإذغان به. کذلک قوله فی هذه الآیة أیضاً محمولة علی هذا المعنی: ولئن سألتهم، أی کفار مکة کما ذکره المفسرون أو الاعم کما هو الاظهر من الخبر ، لیقولن الله ، لفطرتهم علی المعرفة. وقال البیضاوی: لوضوح الدلیل المانع من إسناد الخلق إلی غیره ، بحیث اضطروا إلی إذعانه .

والمشهور أنه مبنی علی أن کفار قریش لم یکونوا ینکرون أن الصانع هو الله ، بل کانوا یعبدون الأصنام لزعمهم أنها شفعاء عند الله ، وظاهر الخبر أن کل کافر لو خلی وطبعه وترک العصبیة ومتابعة الأهواء وتقلید الاسلاف والاباء، لاقر بذلک کما ورد ذلک الأخبار الکثیرة .

قال بعض المحققین: الدلیل علی ذلک ما تری أن الناس یتوکلون بحسب الجبلة علی الله ویتوجهون توجهاً غریزیاً إلی مسبب الأسباب ومسهل الأمور الصعاب ، وإن لم یتفطنوا لذلک، ویشهد لهذا قول الله عز وجل قال: أَرَأَیْتَکُمْ إِنْ أَتَاکُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْکُمُ السَّاعَةُ أَغَیْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ . بَلْ إِیَّاهُ تَدْعُونَ فَیَکْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَیْهِ إِنْ شَاءَ وَ تَنْسَوْنَ مَا تُشْرِکُونَ .

وفی تفسیر مولانا العسکری(علیه السّلام)أنه سئل مولانا الصادق عن الله فقال للسائل: یا عبدالله هل رکبت سفینة قط ؟ قال: بلی ، قال: فهل کسر بک حیث لا سفینة تنجیک ولا سباحة تغنیک ؟ قال بلی ، قال: فهل تعلق قلبک هناک أن شیئاً من الأشیاء قادر علی أن یخلصک من ورطتک ؟ قال: بلی ، قال الصادق: فذلک الشئ هو الله القادر علی الأنجاء حین لا منجی ، وعلی الإغاثة حین لا مغیث .

ولهذا جعلت الناس معذورین فی ترکهم اکتساب المعرفة بالله عزوجل متروکین علی ما فطروا علیه، مرضیاً عنهم بمجرد الإقرار بالقول ، ولم یکلفوا الإستدلالات

ص: 109

العلمیة فی ذلک ، وإنما التعمق لزیادة البصیرة ولطائفة مخصوصة. وأما الإستدلال فللرد علی أهل الضلال .

ثم إن أفهام الناس وعقولهم متفاوتة فی قبول مراتب العرفان ، وتحصیل الإطمینان کماً وکیفاً ، شدةً وضعفاً ، سرعةً وبطئاً ، حالاً وعلماً ، وکشفاً وعیاناً ، وإن کان أصل المعرفة فطریاً ، إما ضروری أو یهتدی إلیه بأدنی تنبیه ، فلکل طریقة هداه الله عز وجل إلیها إن کان من أهل الهدایة ، والطرق إلی الله بعدد أنفاس الخلائق ، وهم درجات عند الله ، یرفع الذین آمنوا منکم والذین أوتوا العلم درجات .

قال بعض المنسوبین إلی العلم: إعلم أن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله عز وجل ، فکأن هذا یقتضی أن یکون معرفته أول المعارف ، وأسبقها إلی الأفهام وأسهلها علی العقول ، ونری الأمر بالضد من ذلک ، فلا بد من بیان السبب فیه .

وإنما قلنا إن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله فمعنی لا تفهمه إلا بمثال ، هو: أنا إذا رأینا إنساناً یکتب أو یخیط مثلاً ، فإن کونه حیاً من أظهر الموجودات فحیاته وعلمه وقدرته للخیاطة أجلی عندنا من سائر صفاته الظاهرة والباطنة ، إذ صفاته الباطنة کشهوته وغضبه وخلقه وصحته ومرضه ، وکل ذلک لا نعرفه ، وصفاته الظاهرة لا نعرف بعضها ، وبعضها نشک فیه ، کمقدار طوله ، واختلاف لون بشرته وغیر ذلک من صفاته. أما حیاته وقدرته وإرادته وعلمه وکونه حیواناً فإنه جلی عندنا من غیر أن یتعلق حس البصر بحیاته وقدرته وإرادته ، فإن هذه الصفات لا تحس بشئ من الحواس الخمس ، ثم لا یمکن أن یعرف حیاته وقدرته وإرادته إلا بخیاطته وحرکته ، فلو نظرنا إلی کل ما فی العالم سواء لم نعرف به صفاته ، فما علیه إلا دلیل واحد ، وهو مع ذلک جلی واضح .

ص: 110

ووجود الله وقدرته وعلمه وسائر صفاته یشهد له بالضرورة کل ما نشاهده وندرکه بالحواس الظاهرة والباطنة من حجر ومدر ، ونبات وشجر ، وحیوان وسماء ، وأرض وکوکب ، وبر وبحر ، ونار وهواء ، وجوهر وعرض ، بل أول شاهد علیه أنفسنا ، وأجسامنا وأصنافنا ، وتقلب أحوالنا ، وتغیر قلوبنا ، وجمیع أطوارنا ، فی حرکاتنا وسکناتنا .

وأظهر الأشیاء فی علمنا أنفسنا ، ثم محسوساتنا بالحواس الخمس ، ثم مدرکاتنا بالبصیرة والعقل، وکل واحد من هذه المدرکات له مدرک واحد ، وشاهد ودلیل واحد ، وجمیع ما فی العالم شواهد ناطقة ، وأدلة شاهدة بوجود خالقها ومدبرها ومصرفها ومحرکها ، ودالة علی علمه وقدرته ولطفه وحکمته. والموجودات المدرکة لا حصر لها .

فإن کانت حیاة الکاتب ظاهرة عندنا ولیس یشهد له إلا شاهد واحد ، وهو ما أحسسنا من حرکة یده ، فکیف لا یتصور فی الوجود داخل نفوسنا وخارجها إلا وهو شاهد علیه وعلی عظمته وجلاله ، إذ کل ذرة فإنها تنادی بلسان حالها أنه لیس وجودها بنفسها ، ولا حرکتها بذاتها وإنما یحتاج إلی موجد ومحرک لها ، یشهد بذلک أولاً ترکیب أعضائنا وائتلاف عظامنا ، ولحومنا وأعصابنا ونبات شعورنا ، وتشکل أطرافنا ، وسائر أجزائنا الظاهرة والباطنة ، فإنا نعلم أنها لم تأتلف بنفسها ، کما نعلم أن ید الکاتب لم تتحرک بنفسها . ولکن لما لم یبق فی الوجود مدرک ، ومحسوس ومعقول ، وحاضر وغائب إلا وهو شاهد ومعرف عظم ظهوره ، فانبهرت العقول ، ودهشت عن إدراکه .

فإذن ما یقصر عن فهمه عقولنا له سببان: أحدهما خفاؤه فی نفسه وغموضه ، وذلک لا یخفی مثاله ، والآخر ما یتناهی وضوحه. وهذا کما أن الخفاش یبصر

ص: 111

باللیل ولا یبصر بالنهار ، لا لخفاء النهار واستتاره ، ولکن لشدة ظهوره ، فإن بصر الخفاش ضعیف یبهره نور الشمس إذا أشرق ، فیکون قوة ظهوره مع ضعف بصره سبباً لامتناع أبصاره فلا یری شیئاً إلا إذا امتزج الظلام بالضوء ، وضعف ظهوره. فکذلک عقولنا ضعیفة ، وجمال الحضرة الإلهیة فی نهایة الأشراق والإستنارة وفی غایة الإستغراق والشمول ، حتی لا یشذ عن ظهوره ذرة من ملکوت السماوات والأرض ، فصار ظهوره سبب خفائه ، فسبحان من احتجب بإشراق نوره ، واختفی عن البصائر والأبصار بظهوره . ولا تتعجب من اختفاء ذلک بسبب الظهور ، فإن الأشیاء تُستبان بأضدادها وما عم وجوده حتی لا ضد له عسر إدراکه ، فلو اختلفت الأشیاء فدل بعضها دون البعض أدرکت التفرقة علی قرب ،

ولما اشترکت فی الدلالة علی نسق واحد أشکل الأمر. ومثاله نور الشمس المشرق علی الأرض ، فإنا نعلم أنه عرض من الأعراض یحدث فی الأرض ، ویزول عند غیبة الشمس . . . .

الدر المنثور:155/5:

فَأَقِمْ وَجْهَکَ . . . الآیة . أخرج الفریابی وابن أبی شیبة وابن جریر وابن المنذر عن مجاهد (رض) قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا، قال: الدین الإسلام ، لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ ، قال لدین الله .

وأخرج ابن أبی حاتم عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله: لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ ، قال: دین الله. ذلک الدین القیم ، قال: القضاء القیم .

دور الفطرة فی المعرفة والثقافة والحضارة

تفسیر نور الثقلین:175/4:

فی توحید المفضل بن عمر المنقول عن أبی عبدالله الصادق(علیه السّلام)فی الرد علی

ص: 112

الدهریة:

تأمل یا مفضل ما أنعم الله تقدست أسماؤه به علی الإنسان من هذا النطق الذی یعبر به عما فی ضمیره وما یخطر بقلبه ونتیجة فکره ، به یفهم غیره ما فی نفسه ، ولولا ذلک کان بمنزلة البهائم المهملة التی لا تخبر عن نفسها بشئ ، ولا تفهم عن مخبر شیئاً ، وکذلک الکتابة التی بها تقید أخبار الماضین للباقین وأخبار الباقین للاتین وبها تجلد الکتب فی العلوم والآداب وغیرها ، وبها یحفظ الإنسان ذکر ما یجری بینه وبین غیره من المعاملات

والحساب ، ولولاها لا نقطع أخبار بعض الأزمنة عن بعض وأخبار الغائبین عن أوطانهم ، ودرست العلوم وضاعت الآداب ، وعظم ما یدخل علی الناس من الخلل فی أمورهم ومعاملاتهم ، وما یحتاجون إلی النظر فیه من أمر دینهم وما روی لهم مما لا یسعهم جهله .

ولعلک تظن أنها مما یخلص إلیه بالحیلة والفطنة ، ولیست مما أعطیه الإنسان من خلقه وطباعه. وکذلک الکلام إنما هو شئ یصطلح علیه الناس فیجری بینهم ، ولهذا صار یختلف فی الأمم المختلفة بألسن مختلفة ، وکذلک الکتابة ککتابة العربی والسریانی والعبرانی والرومی وغیرها من سایر الکتابة التی هی متفرقة فی الأمم ، إنما اصطلحوا علیها کما اصطلحوا علی الکلام .

فیقال لمن ادعی ذلک إن الإنسان وإن کان له فی الأمرین جمیعاً فعل أو حیلة ، فإن الشئ الذی یبلغ به ذلک الفعل والحیلة عطیة وهبة من الله عز وجل فی خلقه ، فإنه لولم یکن له لسان مهیأ للکلام وذهن یهتدی به للأمور، لم یکن لیتکلم أبداً، ولو لم یکن له کف مهیأة وأصابع للکتابة لم یکن لیکتب أبداً ، واعتبر ذلک من البهائم التی لا کلام لها ولا کتابة. فأصل ذلک فطرة الباری عز وجل ، وما تفضل به علی خلقه ، فمن شکر أثیب ، ومن کفر فإن الله غنی عن العالمین .

ص: 113

بحث فی دور الفطرة والنبوة فی الحیاة الإنسانیة

تفسیر المیزان:128/10:

قوله تعالی: وَمَا اخْتَلَفَ فِیهِ إِلا الَّذِینَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَیِّنَاتُ بَغْیًا بَیْنَهُمْ .

قد مر أن المراد به الإختلاف الواقع فی نفس الدین من حملته ، وحیث کان الدین من الفطرة کما یدل علیه قوله تعالی:

فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا . . . الروم : 30

علی أن الفطرة لا تنافی الغفلة والشبهة ولکن تنافی التعمد والبغی ، ولذلک خص البغی بالعلماء ومن استبانت له الآیات الإلهیة ، قال تعالی: وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَآ أُوْلَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ. البقره : 39 ، والآیات فی هذا المعنی کثیرة ، وقد قید الکفر فی جمیعها بتکذیب آیات الله ثم أوقع علیه الوعید. وبالجملة فالمراد بالآیة أن هذا الإختلاف ینتهی إلی بغی حملة الکتاب من بعد علم . . وقد تبین من الآیة:

أولاً: حد الدین ومعرفته وهو أنه نحو سلوک فی الحیاة الدنیا یتضمن صلاح الدنیا بما یوافق الکمال الأخروی والحیاة الدائمة الحقیقیة عند الله سبحانه ، فلابد فی الشریعة من قوانین تتعرض لحال المعاش علی قدر الإحتیاج .

وثانیاً: أن الدین أول ما ظهر ظهر رافعاً للإختلاف الناشئ عن الفطرة ، ثم استکمل رافعاً للإختلاف الفطری وغیر الفطری معاً .

وثالثاً: أن الدین لا یزال یستکمل حتی تستوعب قوانینه جهات الإحتیاج فی الحیاة فإذا

ص: 114

استوعبها ختم ختماً فلا دین بعده ، وبالعکس إذا کان دین من الأدیان خاتماً کان مستوعباً لرفع جمیع جهات الإحتیاج ، قال تعالی: مَا کَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِکُمْ وَلَکِنْ رَسُولَ اللهِ وَ خَاتَمَ النَّبِیِّینَ. الأحزاب : 40 ، وقال تعالی: وَنَزَّلْنَا عَلَیْکَ الْکِتَابَ تِبْیَانًا لِکُلِّ شَئْ النحل: 89 ، وقال تعالی: إِنَّهُ لَکِتَابٌ عَزِیزٌ . لا یَأْتِیهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ . حم السجدة : 42 .

ورابعاً: أن کل شریعة لاحقة أکمل من سابقتها .

وخامساً: السبب فی بعث الأنبیاء وإنزال الکتب ، وبعبارة أخری العلة فی الدعوة الدینیة هو أن الإنسان بحسب طبعه وفطرته سائر نحو الإختلاف ، کما أنه سالک نحو الإجتماع المدنی ، وإذا کانت الفطرة هی الهادیة إلی الإختلاف لم تتمکن من رفع الإختلاف ، وکیف یدفع شئ ما یجذبه إلیه نفسه ، فرفع الله سبحانه هذا الإختلاف بالنبوة والتشریع بهدایة النوع إلی کماله اللائق بحالهم المصلح لشأنهم.

وهذا الکمال کمال حقیقی داخل فی الصنع والإیجاد ، فما هو مقدمته کذلک ، وقد قال تعالی: الَّذِی أَعْطَی کُلَّ شَئٍْ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَی . طه : 50 ، فبین أن من شأنه وأمره تعالی أن یهدی کل شئ إلی ما یتم به خلقه ، ومن تمام خلقة الإنسان أن یهتدی إلی کمال وجوده فی الدنیا والآخرة ، وقد قال تعالی أیضاً: کُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ

رَبِّکَ وَمَا کَانَ عَطَاءُ رَبِّکَ مَحْظُورًا . الإسراء : 20 ، وهذه الآیة تفید أن شأنه تعالی هو الإمداد بالعطاء یمد کل من یحتاج إلی إمداده فی طریق حیاته ووجوده ویعطیه ما یستحقه ، وأن عطاءه غیر محظور ولا ممنوع من قبله تعالی إلا أن یمتنع ممتنع بسوء حظ نفسه من قبل نفسه لا من قبله تعالی .

ومن المعلوم أن الإنسان غیر متمکن من تتمیم هذه النقیصة من قبل نفسه ، فإن

ص: 115

فطرته هی المؤدیة إلی هذه النقیصة ، فکیف یقدر علی تتمیمها وتسویة طریق السعادة والکمال فی حیاته الإجتماعیة .

وإذا کانت الطبیعة الإنسانیة هی المؤدیة إلی هذا الإختلاف العائق للإنسان عن الوصول إلی کماله الحری به ، وهی قاصرة عن تدارک ما أدت إلیه وإصلاح ما أفسدته فالأصلاح لو کان یجب أن یکون من جهة غیر جهة الطبیعة وهی الجهة الإلهیة التی هی النبوة بالوحی ، ولذا عبر تعالی عن قیام الأنبیاء بهذا الأصلاح ورفع الإختلاف بالبعث ، ولم ینسبه فی القرآن کله إلا إلی نفسه ، مع أن قیام الأنبیاء کسائر الأمور له ارتباطات بالمادة بالروابط الزمانیة والمکانیة .

فالنبوة حالة إلهیة ، وإن شئت قل غیبیة ، نسبتها إلی هذه الحالة العمومیة من الإدراک والفعل نسبة الیقظة إلی النوم، بها یدرک الإنسان المعارف التی بها یرتفع الإختلاف والتناقض فی حیاة الإنسان ، وهذا الإدراک والتلقی من الغیب هو المسمی فی لسان القرآن بالوحی، والحالة

التی یتخذها الإنسان منه لنفسه بالنبوة .

ومن هنا یظهر أن هذا - أعنی تأدیة الفطرة إلی الإجتماع المدنی من جهة وإلی الإختلاف من جهة أخری وعنایته تعالی بالهدایة إلی تمام الخلقة - مبدأ حجة علی وجود النبوة ، وبعبارة أخری دلیل النبوة العامة .

تقریره: أن نوع الإنسان مستخدم بالطبع وهذا الإستخدام الفطری یؤدیه إلی الإجتماع المدنی وإلی الإختلاف والفساد فی جمیع شئون حیاته الذی یقضی التکوین والإیجاد برفعه ، ولا یرتفع إلا بقوانین تصلح الحیاة الإجتماعیة برفع الإختلاف عنها. وهدایة الإنسان إلی کماله وسعادته بأحد أمرین ، إما بفطرته وإما بأمر وراءه ، لکن الفطرة غیر کافیة فإنها هی المؤدیة إلی الإاختلاف فکیف ترفعه ، فوجب أن یکون بهدایة من غیر طریق الفطرة والطبیعة وهو التفهیم

ص: 116

الإالهی غیر الطبیعی المسمی بالنبوة والوحی ، وهذه الحجة مؤلفة من مقدمات مصرح بها فی کتاب الله تعالی کما عرفت فیما تقدم ، وکل واحدة من هذه المقدمات تجربیة بینتها التجربة للانسان تاریخ حیاتة واجتماعاته المتنوعة التی ظهرت وانقرضت فی طی القرون المتراکمة الماضیة إلی أقدم أعصار الحیاة الإنسانیة التی یذکرها التاریخ. فلا الإنسان انصرف فی حین من أحیان حیاته عن حکم الإاستخدام ، ولا استخدامه لم یؤد إلی الإاجتماع وقضی بحیاة فردیة ، ولا اجتماعه المکون خلا عن الإاختلاف ، ولا الإختلاف ارتفع بغیر قوانین اجتماعیة ، ولا أن فطرته وعقله الذی یعده عقلاً سلیماً قدرت علی وضع قوانین تقطع منابت الإختلاف وتقلع مادة الفساد .

وناهیک فی ذلک ما تشاهده من جریان الحوادث الإجتماعیة وما هو نصب عینیک من انحطاط الأخلاق وفساد عالم الإنسانیة والحروب المهلکة للحرث والنسل والمقاتل المبیدة للملایین بعد الملایین من الناس ، وسلطان التحکم ونفوذ الإستعباد فی نفوس البشر وأعراضهم وأموالهم فی هذا القرن الذی یسمی عصر المدنیة والرقی والثقافة والعلم ، فما ظنک بالقرون الخالیة أعصار الجهل والظلمة.

وأما أن الصنع والإیجاد یسوق کل موجود إلی کماله اللائق به فأمر جار فی کل موجود بحسب التجربة والبحث ، وکذا کون الخلقة والتکوین إذا اقتضی أثراً لم یقتض خلافه بعینه أمر مسلّم تثبته التجربة والبحث ، وأما أن التعلیم والتربیة الدینیین الصادرین من مصدر النبوة والوحی یقدران علی دفع هذا الإختلاف والفساد ، فأمر یصدقه البحث والتجربة معاً ، أما البحث فلان الدین یدعو إلی حقائق المعارف وفواضل الأخلاق ومحاسن الأفعال ، فصلاح العالم الإنسانی مفروض فیه ، وأما التجربة فالإسلام أثبت ذلک فی الیسیر من الزمان الذی کان

ص: 117

الحاکم فیه علی الإجتماع بین المسلمین هو الدین ، وأثبت ذلک بتربیة أفراد من الإنسان صلحت نفوسهم وأصلحوا نفوس غیرهم من الناس علی أن جهات الکمال والعروق النابضة فی هیکل الإجتماع المدنی الیوم التی تضمن حیاة الحضارة والرقی مرهونة للتقدم الإسلامی وسریانه فی العالم الدنیوی علی ما تعطیه التجزیة والتحلیل من غیر شک. انتهی .

وأنت تلاحظ أن صاحب المیزان(رحمه الله)فسر الفطرة بالغرائز الخیرة والشریرة معاً ، ولکن والذی یظهر من الأحادیث الشریفة اختصاصها ببعض الغرائز الخیرة .

تفسیر المیزان:151/11:

فلو کان فی الدنیا خیر مرجو وسعادة لوجب أن ینسب إلی الدین وتربیته. ویشهد بذلک ما نشاهده من أمر الأمم التی بنت اجتماعها علی کمال الطبیعة وأهملت أمر الدین والأخلاق فإنهم لم یلبثوا دون أن افتقدوا الصلاح والرحمة والمحبة وصفاء القلب وسائر الفضائل الخلقیة والفطریة ، مع وجود أصل الفطرة فیهم ، ولو کانت أصل الفطرة کافیة ولم تکن هذه الصفات بین البشر من البقایا الموروثة من الدین ، لما افتقدوا شیئاً من ذلک .

علی أن التاریخ أصدق شاهد علی الإقتباسات التی عملتها الأمم المسیحیة بعد الحروب الصلیبیة فاقتبسوا مهمات النکات من القوانین العامة الإسلامیة فتقلدوها وتقدموا بها ، والحال أن المسلمین اتخذوها وراءهم ظهریاً فتأخر هؤلاء وتقدم أولئک . . والکلام طویل الذیل .

وبالجملة الأصلان المذکوران - أعنی السرایة والوراثة وهما التقلید الغریزی فی الإنسان والتحفظ علی السیرة المألوفة - یوجبان نفوذ الروح الدینی فی

ص: 118

الإجتماعات کما یوجبان فی غیره ذلک ، وهو تأثیر فعلی .

فإن قلت: فعلی هذه فما فائدة الفطرة فإنها لا تغنی طائلاً ، وإنما أمر السعادة بید النبوة ، وما فائدة بناء التشریع علی أساس الفطرة علی ما تدعیه النبوة .

قلت: ما قدمناه فی بیان ما للفطرة من الإرتباط بسعادة الإنسان وکماله یکفی فی حل هذه الشبهة ، فإن السعادة والکمال الذی تجلبه النبوة إلی الإنسان لیس أمراً خارجاً عن هذا النوع ولا غریباً عن الفطرة ، فإن الفطرة هی التی تهتدی إلیه لکن هذا الإهتداء لا یتم لها بالفعل وحدها من غیر معین یعینها علی ذلک ، وهذا المعین الذی یعینها علی ذلک وهو حقیقة النبوة لیس أیضاً أمراً خارجاً عن الإنسانیة وکمالها منضماً إلی الإنسان کالحجر الموضوع فی جنب الإنسان مثلاً ، وإلا کان ما یعود منه إلی الإنسان أمراً غیر کماله وسعادته کالثقل الذی یضیفه الحجر إلی ثقل الإنسان فی وزنه ، بل هو أیضاً کمال فطری للإنسان مذخور فی هذا النوع وهو شعور خاص وإدراک مخصوص مکمون فی حقیقته لا یهتدی إلیه بالفعل إلا آحاد من النوع

أخذتهم العنایة الإلهیة ، کما أن للبالغ من الإنسان شعوراً خاصاً بلذة النکاح لا تهتدی إلیه بالفعل بقیة الأفراد غیر البالغین بالفعل ، وإن کان الجمیع من البالغ وغیر البالغ مشترکین فی الفطرة الإنسانیة والشعور شعور مرتبط بالفطرة. وبالجملة لاحقیقة النبوة أمر زائد علی إنسانیة الإنسان الذی یسمی نبیاً وخارج عن فطرته، ولا السعادة التی تهتدی سائر الأمة إلیها أمر خارج عن إنسانیتهم وفطرتهم غریب عما یستأنسه وجودهم الإنسانی ، وإلا لم تکن کمالاً وسعادة بالنسبه إلیهم .

فإن قلت: فیعود الإشکال علی هذا التقریر إلی النبوة فإن الفطرة علی هذا کافیة وحدها والنبوة غیر خارجة عن الفطرة . فإن المتحصل من هذا الکلام هو أن

ص: 119

النوع الإنسانی المتمدن بفطرته والمختلف فی اجتماعه یتمیز من بین أفراده آحاد من الصلحاء فطرتهم مستقیمة وعقولهم سلیمة عن الأوهام والتهوسات ورذائل الصفات ، فیهتدون بإستقامة فطرتهم وسلامة عقولهم إلی ما فیه صلاح الإجتماع وسعادة الإنسان فیضعون قوانین فیها مصلحة الناس وعمران الدنیا والآخرة ، فإن النبی هو الإنسان الصالح الذی له نبوغ اجتماعی .

قلت: کلا وإنما هو تفسیر لا ینطبق علی حقیقة النبوة ولا ما تستتبعه .

أما أولاً ، فلان ذلک فرض افترضه بعض علماء الإجتماع ممن لا قدم له فی البحث الدینی والفحص عن حقائق المبدأ والمعاد. فذکر أن النبوة نبوغ خاص اجتماعی استتبعته استقامة الفطرة وسلامة العقل ، وهذا النبوغ یدعوا إلی الفکر فی حال الإجتماع وما یصلح به هذا الإجتماع المختل وما یسعد به الإنسان الإجتماعی فهذا النابغة الإجتماعی هوالنبی والفکر الصالح المترشح من قواه الفکریة هو الوحی، والقوانین التی یجعلها لصلاح الإجتماع هو الدین ، وروحه الطاهر الذی یفیض هذه الأفکار إلی قواه الفکریة ولا یخون العالم الإنسانی بإتباع الهوی هو الروح الأمین وهو جبرائیل ، والموحی الحقیقی هو الله سبحانه والکتاب الذی یتضمن أفکاره العالیة الطاهرة هو الکتاب السماوی ، والملائکة هی القوی الطبیعیة أو الجهات الداعیة إلی الخیر ، والشیطان هی النفس الإمارة بالسوء أو القوی أو الجهات الداعیة إلی الشر والفساد ، وعلی هذا القیاس . وهذا فرض فاسد وقد مر فی البحث عن الإعجاز ، وأن النبوة بهذا المعنی لأن تسمی لعبة سیاسیة أولی بها من أن تسمی نبوة إلهیة .

وقد تقدم أن هذا الفکر الذی یسمی هؤلاء الباحثون نبوغه الخاص نبوة ، من خواص العقل العملی الذی یمیز بین خیر الأفعال وشرها بالمصلحة والمفسدة ،

ص: 120

وهو أمر مشترک بین العقلاء من أفراد الإنسان ومن هدایة الفطرة المشترکة ، وتقدم أیضاً إن هذا العقل بعینه هو الداعی إلی الإختلاف ، وإذا کان هذا شأنه لم یقدر من حیث هو کذلک علی رفع الإختلاف واحتاج فیه إلی متمم یتمم أمره ، وقد عرفت أنه یجب أن یکون هذا المتمم نوعاً خاصاً من الشعور یختص به بحسب الفعلیة بعض الآحاد من الإنسان ، وتهتدی به الفطرة إلی سعادة الإنسان الحقیقیة فی معاشه ومعاده .

ومن هنا یظهر أن هذا الشعور من غیر سنخ الشعور الفکری ، بمعنی أن ما یجده الإنسان من النتائج الفکریة من طریق مقدماتها العقلیة ، غیر ما یجده من طریق الشعور النبوی والطریق غیر الطریق .

ولا یشک الباحثون فی خواص النفس فی أن فی الإنسان شعوراً نفسیاً باطنیاً ، ربما یظهر فی بعض الآحاد من أفراده یفتح له باباً إلی عالم وراء هذا العالم ، ویعطیه عجائب من المعارف والمعلومات وراء ما یناله العقل والفکر ، صرح به جمیع علماء النفس من قدمائنا وجمع من علماء النفس من أوروبا مثل جمز الإنجلیزی وغیره .

فقد تحصل أن باب الوحی النبوی غیر باب الفکر العقلی ، وأن النبوة وکذا الشریعة والدین والکتاب والملک والشیطان لاینطبق علیها ما اختلقوه من المعانی.

أمور ورد أنها من الفطرة

من لا یحضره الفقیه:130/1:

وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن المجوس جزوا لحاهم ووفروا شواربهم ، وإنا نجز الشوارب ونعفی اللحی ، وهی الفطرة. انتهی. ورواه فی وسائل الشیعة:423/1

الخصال/310:

ص: 121

حدثنا أبو أحمد محمد بن جعفر البندار ، قال حدثنا جعفر بن محمد بن نوح ، قال حدثنا أبو محمد عبدالله بن أحمد بن حماد من أهل قومس ، قال حدثنا أبومحمد الحسن بن علی الحلوانی ، قال حدثنا بشر بن عمر ، قال حدثنا مالک بن أنس ، عن سعید بن أبی سعید المقبری ، عن أبی هریرة قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): خمس من الفطرة: تقلیم الأظفار: وقص الشارب ، ونتف الابط ، وحلق العانة ، والإختتان . انتهی . ورواه فی وسائل الشیعة:434/1

مستدرک الوسائل:120/2:

دعائم الإسلام: عن أمیر المؤمنین أنه قال: من الفطرة أن یستقبل بالعلیل القبلة إذا احتضر. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار:85/243 وروی نحوه الحاکم فی المستدرک: 1/353 والبیهقی فی سننه:384/3

الکافی:496/5:

عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبدالله بن عبدالرحمن ، عن مسمع أبی سیار ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من أحب أن یکون علی فطرتی فلیستن بسنتی وإن من سنتی النکاح .

بحار الأنوار:263/22:

کا: العدة ، عن سهل ، عن جعفر بن محمد الأشعری ، عن ابن القداح عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقالت: یا رسول الله إن عثمان یصوم النهار ویقوم اللیل، فخرج رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مغضباً یحمل نعلیه

ص: 122

حتی جاء إلی عثمان فوجده یصلی ، فانصرف عثمان حین رأی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقال له: یا عثمان لم یرسلنی الله بالرهبانیة، ولکن بعثنی بالحنیفیة السهلة السمحة، أصوم وأصلی وألمس أهلی،فمن أحب فطرتی فلیستن بسنتی ومن سنتی النکاح.

بحار الأنوار:220/103:

جع: قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): النکاح سنتی فمن رغب عن سنتی فلیس منی .

وقال: تناکحوا تکثروا فإنی أباهی بکم الأمم یوم القیامة ولو بالسقط .

وروی البخاری فی صحیحه:56/7:

. . . عن ابن عمر رضی الله عنهما عن النبی(ص)قال: من الفطرة قص الشارب . . . عن أبی هریرة روایة الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان ، والاستحداد ، ونتف الابط ، وتقلیم الأظفار ، وقص الشارب .

. . . عن نافع عن ابن عمر رضی الله عنهما أن رسول الله(ص)قال: من الفطرة حلق العانة ، وتقلیم الاظفار ، وقص الشارب .

... عن أبی هریرة (رض) سمعت

النبی(ص)یقول: الفطرة خمس: الختان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، وتقلیم الأظفار ، ونتف الاباط .

... عن ابن عمر عن النبی(ص)قال: خالفوا المشرکین ، ووفروا اللحی واحفوا الشوارب . انتهی . وروی نحوه فی:143/7 ورواه النسائی:14/1

وروی مسلم فی:153/1: عن عائشة . . . قالت: قال رسول الله(ص): عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحیة ، والسواک ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الابط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء. قال زکریا: قال

ص: 123

مصعب: ونسیت العاشرة إلا أن تکون المضمضة ، زاد قتیبة قال وکیع: انتقاص الماء ، یعنی الإستنجاء. انتهی. ورواه النسائی:126/8 ونحوه فی سنن ابن ماجة:107/1 والبیهقی فی سننه:3/1 .

وروی فی کنز العمال:520/9: عن مجاهد قال: غسل الدبر من الفطرة .

أمور ورد أنها تضر بالفطرة

الکافی:400/2: عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبی عبدالله ، عن عثمان بن عیسی ، عن رجل عن عبدالله(علیه السّلام)قال: من شک فی الله بعد مولده علی الفطرة لم یفئ إلی خیر أبداً .

شرح الأسماء الحسنی:43/2:

اللهم إن الطاعة تسرک والمعصیة لا تضرک ، فهب لی ما یسرک ، واغفر لی ما لا یضرک ، یا أرحم الراحمین .

أی: لو خلیتنی یا إلهی ونفسی الخائنة الجانیة وأوهامی المؤملة المرجیة ، فمن یزیل آثار زلاتی الجمة الکثیرة، کما هو مقتضی الجمع المضاف المفید للعموم ، لأن إمهال العظیم الصبور مدید موفور ، فإذا استحکمت الملکات الرذیلة وتجوهرت العادات السیئة صارت طبیعة ثانیة مخالفة للفطرة الأولی الإسلامیة (المحکمة الراسخة کیفاً ) والذاتی لا یتبدل ، والنفس موضوع بسیط ولا ضد له .

تهذیب الأحکام:269/3: . . . عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا: قال أبو جعفر(علیه السّلام): کان أمیر المؤمنین(علیه السّلام) یقول: من قرأ خلف إمام یأتم به فمات بعث علی غیر الفطرة .

ص: 124

کنز العمال:286/8: عن علی قال: من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة. لیس من الفطرة القراءة مع الإمام .

کنز العمال:62/3: لن تزال أمتی علی الفطرة ما لم یتخذوا الأمانة مغنماً ، والزکاة مغرماً ، عن ثوبان .

صحیح البخاری:192/1: شعبة عن سلیمان ، قال سمعت زید بن وهب قال رأی حذیفة رجلاً لا یتم الرکوع والسجود قال: ما صلیت ، ولو مت مت علی غیر الفطرة التی فطر الله محمداً(ص). انتهی. ونحوه فی سنن البیهقی:386/2 ، وکنز العمال:200/8 ، ومسند أحمد:384/5 .

ص: 125

ص: 126

الفصل الرابع : تقویة الفطرة وتضعیفها وإساءة استعمالها

اشارة

ص: 127

ص: 128

قابلیة الفطرة للتقویة والتخریب

بحار الأنوار:269/73: . . . ثم الناس فی هذه القوة علی درجات ثلاث فی أول الفطرة وبحسب ما یطرأ علیها من الأمور الخارجة من التفریط والإفراط والإعتدال ، أما التفریط فیفقد هذه القوة أو یضعفها بأن لا یستعملها فیما هو محمود عقلاً وشرعاً مثل دفع الضرر عن نفسه علی وجه سائغ ، والجهاد مع أعدائه والبطش علیهم ، وإقامة الحدود علی الوجه المعتبر ، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، فتحصل فیه ملکة الجبن بل ینتهی إلی عدم الغیرة علی حرمه وأشباه ذلک. انتهی. أقول: ویدل علیه أیضاً قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )( ولکن أبواه یهودانه أو ینصرانه ) .

بحار الأنوار:372/60:

الإقبال: عن الحسین بن علی (علیهماالسّلام) فی دعاء یوم عرفة:

. . . ابتدأتنی بنعمتک قبل أن أکون شیئاً مذکوراً وخلقتنی من التراب ، ثم أسکنتنی الأصلاب ، آمناً لریب المنون واختلاف الدهور ، فلم أزل ظاعناً من صلب إلی رحم فی تقادم الأیام الماضیة والقرون الخالیة ، لم تخرجنی لرأفتک

ص: 129

بی ولطفک لی وإحسانک إلی فی دولة أئمة الکفرة الذین نقضوا عهدک، وکذبوا رسلک ، لکنک أخرجتنی رأفةً منک وتحنناً علی للذی سبق لی من الهدی الذین یسرتنی وفیه أنشأتنی، ومن قبل ذلک رؤفت بی بجمیل صنعک ، وسوابغ نعمتک ، فابتدعت خلقی ، من منی یمنی ، ثم أسکنتنی فی ظلمات ثلاث بین لحم وجلد ودم، لم تشهرنی بخلقی ، ولم تجعل إلیَّ شیئاً من أمری ، ثم أخرجتنی إلی الدنیا تاماً سویاً،وحفظتنی فی المهد طفلاً صبیاً ، ورزقتنی من الغذاء لبناً مریاً، وعطفت علی قلوب الحواضن ، وکفلتنی الأمهات الرحائم ، وکلاتنی من طوارق الجان ، وسلمتنی من الزیادة والنقصان ، فتعالیت یا رحیم یا رحمان .

حتی إذا استهللت ناطقاً بالکلام ، أتممت علی سوابغ الانعام ، فربیتنی زائداً فی کل عام حتی إذا کملت فطرتی ، واعتدلت سریرتی ، أوجبت علیَّ حجتک بأن ألهمتنی معرفتک ، وروعتنی بعجائب فطرتک ، وأنطقتنی لما ذرأت لی فی سمائک وأرضک من بدائع خلقک ، ونبهتنی لذکرک وشکرک ، وواجب طاعتک وعبادتک ، وفهمتنی ما جاءت به رسلک.. إلخ. انتهی .

قال المجلسی(رحمه الله)الفطرة إشارة إلی قوة الأعضاء والقوی الظاهرة ، واعتدال السریرة إلی کمال القوی الباطنة . . . ألقیت فی روعی أی قلبی عجائب الفطرة ، لکنه بعید عن الشائع فی إطلاق هذا اللفظ بحسب اللغة. انتهی .

أقول: الظاهر أن معناه: جعلتنی أدرک روائع وعجائب ما فطرته من مخلوقاتک .

تفسیر المیزان:178/16:

الفطرة بناء نوع من الفطر بمعنی الإیجاد والإبداع ، وفطرة الله منصوب علی الأغراء أی إلزم الفطرة، ففیه إشارة إلی أن هذا الدین الذی یجب إقامة الوجه له، هو الذی تهتف به الخلقة وتهدی إلیه الفطرة الإلهیة التی لا تبدیل لها .

ص: 130

وذلک أنه لیس الدین إلا سنة الحیاة والسبیل التی یجب علی الإنسان أن یسلکها حتی یسعد فی حیاته ، فلا غایة للإنسان یتبعها إلا السعادة ، وقد هدی کل نوع من أنواع الخلیقة إلی سعادته التی هی بغیة حیاته بفطرته ونوع خلقته ، وجهزه فی وجوده بما یناسب غایته من التجهیز ، قال تعالی: رَبُّنَا الَّذِی أَعْطَی کُلَّ شَئْ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَی. طه : 50 ، وقال: الَّذِی خَلَقَ فَسَوَّی وَالَّذِی قَدَّرَ فَهَدَی. الأعلی : 3 . فالإنسان کسائر الأنواع المخلوقة مفطور بفطرة تهدیه إلی تتمیم نواقصه ورفع حوائجه وتهتف له بما ینفعه وما یضره فی حیاته ، قال تعالی: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا الشمس : 8 ، وهو مع ذلک مجهز بما یتم له به ما یجب له أن یقصده من العمل ، قال تعالی: ثُمَّ السَّبِیلَ یَسَّرَهُ . عبس : 20 .

فللإنسان فطرة خاصة تهدیه إلی سنة خاصة فی الحیاة وسبیل معینة ذات غایة مشخصة لیس له إلا أن یسلکها خاصة ، وهو قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا، ولیس الإنسان العائش فی هذه النشأة إلا نوعاً واحداً لا یختلف ما ینفعه وما یضره بالنظر إلی هذه البنیة المؤلفة من روح وبدن ، فما للإنسان من جهة أنه إنسان إلا سعادة واحدة وشقاء واحد ، فمن الضروری حینئذ أن یکون تجاه عمله سنة واحدة ثابتة یهدیه إلیها هاد واحد ثابت ، ولیکن ذاک الهادی هو الفطرة ونوع الخلقة ، ولذلک عقب قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی

فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ، بقوله: لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ ، فلو اختلفت سعادة الإنسان باختلاف أفراده لم ینعقد مجتمع واحد صالح یضمن سعادة الأفراد المجتمعین ، ولو اختلفت السعادة باختلاف الأقطار التی تعیش فیها الأمم المختلفة بمعنی أن یکون الأساس الوحید للسنة الإجتماعیة ، أعنی الدین هو ما یقتضیه حکم المنطقة ، کان الإنسان أنواعاً مختلفة باختلاف الأقطار ، ولو اختلفت السعادة باختلاف الأزمنة ، بمعنی أن

ص: 131

تکون الأعصار والقرون هی الأساس الوحید للسنة الدینیة، اختلفت نوعیة کل قرن وجیل مع من ورثوا من آبائهم أو أخلفوا من أبنائهم، ولم یسر الإجتماع الإنسانی سیر التکامل، ولم تکن الإنسانیة متوجهة من النقص إلی الکمال ، إذ لا یتحقق النقص والکمال إلا مع أمر مشترک ثابت محفوظ بینهما .

ولیس المراد بهذا إنکار أن یکون لاختلاف الأفراد أو الأمکنة أو الأزمنة بعض التأثیر فی انتظام السنة الدینیة فی الجملة ، بل إثبات أن الأساس للسنة الدینیة هو البنیة الإنسانیة التی هی حقیقة واحدة ثابتة مشترکة بین الأفراد ، فللإنسانیة سنة واحدة ثابتة بثبات أساسها الذی هو الإنسان ، وهی التی تدیر رحی الإنسانیة مع ما یلحق بها من السنن الجزئیة المختلفة باختلاف الأفراد أو الأمکنة أو الأزمنة. وهذا هو الذی یشیر إلی قوله بعد ذلک: الدِّینُ الْقَیِّمُ وَ لَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ . . . .

وللقوم فی مفردات الآیة ومعناها أقوال أخر متفرقة ، منها: أن المراد بإقامة الوجه تسدید العمل ، فإن الوجه هو ما یتوجه إلیه وهو العمل وإقامته تسدیده. وفیه أن وجه العمل هو غایته المقصودة منه وهی غیر العمل ، والذی فی الآیة هو: فَأَقِمْ وَجْهَکَ، ولم یقل فأقم وجه عملک . . . .

ومنها ، أن لا فی قوله: لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ ، تفید النهی أی لا تبدلوا خلق الله أی دینه الذی أمرتم بالتمسک به ، أولا تبدلوا خلق الله بإنکار دلالتة علی التوحید ، ومنه من نسب إلی ابن عباس أن المراد به النهی عن الخصاء .

وفیه ، أن لا دلیل علی أخذ الخلق بمعنی الدین ولا موجب لتسمیة الأعراض عن دلالة الخلقة أو إنکارها تبدیلاً لخلق الله ، وأما ما نسب إلی ابن عباس ففساده ظاهر .

ومنها ، ما ذکره الرازی فی التفسیر الکبیر قال: ویحتمل أن یقال خلق الله الخلق

ص: 132

لعبادته وهم کلهم عبیده لا تبدیل لخلق الله ، أی لیس کونهم عبیداً مثل کون المملوک عبداً للإنسان فإنه ینتقل عنه إلی غیره ویخرج عن ملکه بالعتق ، بل لا خروج للخلق عن العبادة والعبودیة. وهذا لبیان فساد قول من یقول العبادة لتحصیل الکمال والعبد یکمل بالعبادة فلا یبقی علیه تکلیف ، وقول المشرکین إن الناقص لا یصلح لعبادة الله، وإنما الإنسان عبد الکواکب والکواکب عبید الله، وقول النصاری إن عیسی کان یحل الله فیه وصار إلها ، فقال: لا تبدیل لخلق الله بل کلهم عبید لا خروج لهم عن ذلک. إنتهی .

وفیه، أنه مغالطة بین الملک والعبادة التکوینیین والملک والعبادة التشریعیین، فإن ملکه تعالی الذی لا یقبل الإنتقال والبطلان ملک تکوینی بمعنی قیام وجود الأشیاء به تعالی ، والعبادة التی بإزائه عبادة تکوینیة وهو خضوع ذوات الأشیاء له تعالی ، ولا تقبل التبدیل والترک کما فی قوله: وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ إسراء : 44 .

وأما العبادة الدینیة التی تقبل التبدیل والترک فهی عبادة تشریعیة بإزاء الملک التشریعی المعتبر له تعالی ، فأفهمه. ولو دل قوله لا تبدیل لخلق الله علی عدم تبدیل الملک والعبادة والعبودیة لدل علی التکوینی منهما ، والذی یبدله القائلون بارتفاع التکلیف عن الإنسان الکامل أو بعبادة الکواکب أو المسیح ، فإنما یعنون به التشریعی منهما .

تفسیر المیزان:312/5:

البیانات القرآنیة تجری فی بث المعارف الدینیة وتعلیم الناس العلم النافع هذا المجری ، وتراعی الطرق المتقدمة التی عینتها للحصول علی المعلومات ، فما کان من الجزئیات التی لها خواص تقبل الاحساس فإنها تصریح فیها إلی

ص: 133

الحواس کالآیات المشتملة علی قوله: ألم تر، أفلا یرون ، أفرأیتم، أفلا تبصرون، وغیر ذلک .

وما کان من الکلیات العقلیة مما یتعلق بالأمور الکلیة المادیة ، أو التی هی وراء عالم الشهادة ، فإنها تعتبر فیها العقل اعتباراً جازماً وإن کانت غائبة عن الحس خارجة عن محیط المادة والمادیات کغالب الآیات الراجعة إلی المبدأ والمعاد المشتملة علی أمثال قوله: لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ ، لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ ، لِقَوْمٍ یَذَّکَّرُونَ ، یَفْقَهُونَ ، وغیرها.

وما کان من القضایا العملیة التی لها مساس بالخیر والشر والنافع والضار فی العمل والتقوی والفجور ، فإنها تستند فیها إلی الإلهام الإلهی بذکر ما بتذکره یشعر الإنسان بإلهامه الباطنی کالآیات المشتملة علی مثل قوله: ذَلِکُمْ خَیْرٌ لَّکُمْ ، فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ، وَالإثْمَ وَالْبَغْیَ بِغَیْرِ الْحَقِّ، إِنَّ اللهَ لا یَهْدِی، وغیرها ، وعلیک بالتدبر فیها .

ومن هنا یظهر أولاً أن القرآن الکریم یُخطّئ طریق الحسیین وهم المعتمدون علی الحس والتجربة النافون للأحکام العقلیة الصرفة فی الابحاث العلمیة، وذلک أن أول ما یهتم القرآن به فی بیانه هو أمر توحید الله عز اسمه ، ثم یرجع إلیه ویبنی علیه جمیع المعارف الحقیقیة التی یبینها ویدعو إلیها .

ومن المعلوم أن التوحید أشد المسائل ابتعاداً من الحس وبینونة للمادة وارتباطاً بالأحکام العقلیة الصرفة. والقرآن یبین أن هذه المعارف الحقیقیة من الفطرة ، قال: فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللهِ. الروم : 30، أی أن الخلقة الإنسانیة نوع من الایجاد یستتبع هذه العلوم والإدراکات، ولا معنی لتبدیل خلق إلا أن یکون نفس التبدیل أیضاً من الخلق والإیجاد ، وأما تبدیل الإیجاد المطلق أی إبطال حکم الواقع فلا یتصور له معنی ، فلن یستطیع الإنسان وحاشا ذلک أن یبطل علومه الفطریة ویسلک فی الحیاة سبیلاً آخر غیر سبیلها

ص: 134

البتة .

وأما الانحراف المشهود عن أحکام الفطرة فلیس إبطالاً لحکمها ، بل استعمالاً لها غیر ما ینبغی من نحو الإستعمال ، نظیر ما ربما یتفق أن الرامی لا یصیب الهدف فی رمیته ، فإن آلة الرمی وسائر شرائطه موضوعه بالطبع للإصابة ، إلا أن الإستعمال یوقعها فی الغلط ، والسکاکین والمناشیر والمثاقب والإبر وأمثالها إذا عبئت فی الماکینات تعبئة معوجة تعمل عملها الذی فطرت علیه بعینه من قطع أو نشر أو ثقب وغیر ذلک ، لکن لا علی الوجه المقصود ، وأما الإنحراف عن العمل الفطری کأن یخاط بنشر المنشار بأن یعوض المنشار فعل الإبرة من فعل نفسه فیضع الخیاطة موضع النشر ، فمن المحال ذلک .

وهذا ظاهر لمن تأمل عامة ما استدل به القوم علی صحة طریقهم ، کقولهم إن الأبحاث العقلیة المحضة والقیاسات المؤلفة من مقدمات بعیدة من الحس یکثر وقوع الخطأ فیها ، کما یدل علیه کثرة الإختلافات فی المسائل العقلیة المحضة ، فلا ینبغی الإعتماد علیها لعدم إطمئنان النفس إلیها. وقولهم فی الإستدلال علی صحة طریق الحس والتجربة إن الحس آلة لنیل خواص الأشیاء بالضرورة وإذا أحس بأثر فی موضوع من الموضوعات علی شرائط مخصوصة ثم تکرر مشاهدة الأثر معه مع حفظ تلک الشرائط بعینها من غیر تخلف واختلاف، کشف ذلک عن أن هذا الأثر خاصة الموضوع من غیر اتفاق ، لأن الإتفاق ( الصدفة ) لا یدوم البتة .

والدلیلان کما تری سیقاً لإثبات وجوب الإعتماد علی الحس والتجربة ورفض السلوک العقلی المحض ، مع کون المقدمات المأخوذة فیهما جمیعاً مقدمات عقلیة خارجة عن الحس والتجربة ، ثم أرید بالأخذ بهذه المقدمات العقلیة

ص: 135

إبطال الأخذ بها، وهذا هو الذی تقدم أن الفطرة لن تبطل البتة ، وإنما یغلط الإنسان فی کیفیة استعمالها .

قدوات البشریة فی فطرتهم المستقیمة

آدم(علیه السّلام)فطرة الله تعالی

الصحیفة السجادیة:39/2: فی الصلاة علی آدم(علیه السّلام): اللهم وآدم بدیع فطرتک ، وأول معترف من الطین بربوبیتک ، وبکر حجتک علی عبادک وبریتک .

بحار الأنوار:230/101:

( زیارة أخری ) رواها الکفعمی فی البلدالأمین عن الصادق(علیه السّلام)قال: إذا وصلت إلی الفرات فاغتسل وألبس أنظف ثوب تقدر علیه ، ثم صر إلی القبر حافیاً وعلیک السکینة والوقار ، وقف بالباب وکبر أربعاً وثلاثین تکبیرة وقل: السلام علیک یا وارث آدم فطرة الله ، السلام علیک یا وارث نوح صفوة الله .

إبراهیم(علیه السّلام)إمام الإستقامة علی الفطرة

الصحیفة السجادیة:256/2: . . . یا موضع کل شکوی ، ویا شاهد کل نجوی ، ویا عالم کل خفیة ، ویا دافع کل بلیة ، یا کریم العفو ، یا حسن التجاوز ، توفنی علی ملة إبراهیم وفطرته ، وعلی دین محمد وسنته ، وعلی خیر الوفادة فتوفنی ، موالیاً لأولیائک ومعادیاً لأعدائک. اللهم إنی أسألک التوفیق لکل عمل أو قول أو فعل یقربنی إلیک زلفی، یا أرحم الراحمین .

ص: 136

الکافی:336/8:علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبان بن عثمان عن حجر ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: خالف إبراهیم(علیه السّلام)قومه وعاب آلهتهم حتی أدخل علی نمرود فخاصمه ، فقال إبراهیم(علیه السّلام): ربی الذی یحیی ویمیت قال: أنا أحیی وأمیت . قال إبراهیم: فإن الله یأتی بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ، فبهت الذی کفر والله لا یهدی القوم الظالمین .

وقال أبو جعفر(علیه السّلام): عاب آلهتهم فنظر نظرة فی النجوم فقال إنی سقیم ، قال أبو جعفر(علیه السّلام): والله ما کان سقیماً وما کذب ، فلما تولوا عنه مدبرین إلی عید لهم دخل إبراهیم(علیه السّلام)إلی آلهتهم بقدوم فکسرها إلا کبیراً لهم ووضع القدوم فی عنقه ، فرجعوا إلی آلهتهم فنظروا إلی ما صنع بها فقالوا: لا والله ما اجترأ علیها ولا کسرها إلا الفتی الذی کان یعیبها ویبرأ منها ، فلم یجدوا له قتلةً أعظم من النار ، فجمعوا له الحطب واستجادوه ، حتی إذا کان الیوم الذی یحرق فیه برز له نمرود وجنوده وقد بنی له بناء لینظر إلیه کیف تأخذه النار ، ووضع إبراهیم(علیه السّلام) فی منجنیق ، وقالت الأرض: یا رب لیس علی ظهری أحد یعبدک غیره یحرق بالنار ؟ قال الرب: إن دعانی کفیته .

فذکر أبان عن محمد بن مروان ، عمن رواه عن أبی جعفر(علیه السّلام)أن دعاء إبراهیم (علیه السّلام)یومئذ کان ( یا أحد یا أحد ، یا صمد یا صمد ، یا من لم یلد ولم یولد ولم یکن له کفواً أحد . ثم قال: توکلت علی الله ) فقال الرب تبارک وتعالی: کفیت ، فقال للنار: کُونِی بَرْدًا. قال فاضطربت أسنان إبراهیم(علیه السّلام)من البرد حتی قال الله عز وجل: وَسَلامًا عَلَی إِبْرَاهِیمَ. وانحط جبرئیل(علیه السّلام)وإذا هو جالس مع إبراهیم(علیه السّلام)

ص: 137

یحدثه فی النار ، قال نمرود: من اتخذ إلهاً فلیتخذ مثل إله إبراهیم ! قال: فقال عظیم من عظمائهم: إنی عزمت علی النار أن لا تحرقه ، قال فأخذ عنق من النار نحوه حتی أحرقه ! قال: فآمن له لوط ، وخرج مهاجراً إلی الشام هو وسارة ولوط .

- علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد جمیعاً ، عن الحسن بن محبوب ، عن إبراهیم بن أبی زیاد الکرخی قال: سمعت أبا عبدالله (علیه السّلام)یقول: ان إبراهیم(علیه السّلام)کان مولده بکوثی رباً ، وکان أبوه من أهلها وکانت أم إبراهیم وأم لوط سارة ورقة وفی نسخة رقیة أختین ، وهما ابنتان للاحج ، وکان لاحج نبیاً منذراً ولم یکن رسولاً ، وکان إبراهیم(علیه السّلام)فی شبیبته علی الفطرة التی فطر الله عز وجل الخلق علیها ، حتی هداه الله تبارک وتعالی إلی دینه واجتباه ، وإنه تزوج سارة ابنة لاحج وهی ابنة خالته ، وکانت سارة صاحبة ماشیة کثیرة وأرض واسعة وحال حسنة ، وکانت قد ملکت إبراهیم(علیه السّلام)جمیع ما کانت تملکه ، فقام فیه وأصلحه وکثرت الماشیة والزرع ، حتی لم یکن بأرض کوثی ربا رجل أحسن حالاً منه .

وإن إبراهیم(علیه السّلام)لما کسر أصنام نمرود أمر به نمرود فأوثق ، وعمل له حیراً وجمع له فیه الحطب وألهب فیه النار ، ثم قذف إبراهیم(علیه السّلام)فی النار لتحرقه ، ثم اعتزلوها حتی خمدت النار ، ثم أشرفوا علی الحیر فإذا هم بإبراهیم(علیه السّلام)سلیماً مطلقاً من وثاقه فأخبر نمرود خبره ، فأمرهم أن ینفوا إبراهیم(علیه السّلام)من بلاده وأن یمنعوه من الخروج بماشیته وماله ، فحاجهم إبراهیم(علیه السّلام)عند ذلک فقال: إن أخذتم ماشیتی ومالی فإن حقی علیکم أن تردوا علیَّ ما ذهب من عمری فی بلادکم ، واختصموا إلی قاضی نمرود فقضی علی إبراهیم (علیه السّلام) أن یسلم إلیهم

ص: 138

جمیع ما أصاب فی بلادهم ، وقضی علی أصحاب نمرود أن یردوا علی إبراهیم (علیه السّلام) ما ذهب من عمره فی بلادهم !

فأخبر بذلک نمرود فأمرهم أن یخلوا سبیله وسبیل ماشیته وما له وأن یخرجوه ، وقال: إنه إن بقی فی بلادکم أفسد دینکم وأضر بآلهتکم ، فأخرجوا إبراهیم ولوطاً معه صلی الله علیهما من بلادهم إلی الشام ، فخرج إبراهیم ومعه لوط لا یفارقه وسارة ، وقال لهم: إنی ذاهب إلی ربی سیهدین ، یعنی بیت المقدس .

فتحمل إبراهیم(علیه السّلام)بماشیته وماله وعمل تابوتاً وجعل فیه سارة وشد علیها الأغلاق غیرةً منه علیها ، ومضی حتی خرج من سلطان نمرود وصار إلی سلطان رجل من القبط یقال له عرارة ، فمر بعاشر له فاعترضه العاشر لیعشر ما معه ، فلما انتهی إلی العاشر ومعه التابوت .

قال العاشر لابراهیم(علیه السّلام): إفتح هذا التابوت حتی نعشر ما فیه .

فقال له إبراهیم(علیه السّلام): قل ما شئت فیه من ذهب أو فضة حتی نعطی عشره ولا نفتحه .

قال فأبی العاشر إلا فتحه ، قال وغضب إبراهیم(علیه السّلام)علی فتحه ، فلما بدت له سارة وکانت موصوفة بالحسن والجمال ، قال له العاشر: ما هذه المرأة منک ؟

قال إبراهیم(علیه السّلام): هی حرمتی وابنة خالتی .

فقال له العاشر: فما دعاک إلی أن خبیتها فی هذا التابوت ؟فقال إبراهیم(علیه السّلام): الغیرة علیها أن یراها أحد .

فقال له العاشر: لست أدعک تبرح حتی أعلم الملک حالها وحالک ، قال: فبعث رسولاً إلی الملک فأعلمه فبعث الملک رسولاً من قبله لیأتوه بالتابوت فأتوا لیذهبوا به. فقال لهم إبراهیم(علیه السّلام): إنی لست أفارق التابوت حتی تفارق روحی

ص: 139

جسدی ، فأخبروا الملک بذلک فأرسل الملک أن احملوه والتابوت معه ، فحملوا إبراهیم(علیه السّلام)والتابوت وجمیع ما کان معه حتی أدخل علی الملک فقاله له الملک: إفتح التابوت .

فقال إبراهیم(علیه السّلام): أیها الملک إن فیه حرمتی وابنة خالتی وأنا مفتد فتحه بجمیع ما معی. قال: فغضب الملک وأجبر إبراهیم(علیه السّلام)علی فتحه ، فلما رأی سارة لم یملک حلمه سفهه أن مد یده إلیها فأعرض إبراهیم(علیه السّلام)بوجهه عنها وعنه غیرة منه وقال: اللهم احبس یده عن حرمتی وابنة خالتی ، فلم تصل یده إلیها ولم ترجع إلیه !

فقال له الملک: إن إلهک الذی فعل بی هذا ؟

فقال له: نعم ، إن إلهی غیور یکره الحرام وهو الذی حال بینک وبین ما أردت من الحرام .

فقال له الملک: فادع إلهک یرد علیَّ یدی فإن أجابک فلم أعرض لها .

فقال إبراهیم(علیه السّلام): إلهی رد علیه یده لیکف عن حرمتی .

قال: فرد الله عز وجل علیه یده فأقبل الملک نحوها ببصره ، ثم أعاد بیده نحوها فأعرض إبراهیم(علیه السّلام)عنه بوجهه غیرة منه وقال: اللهم احبس یده عنها ، قال فیبست یده ولم تصل إلیها !

فقال الملک لابراهیم(علیه السّلام): ان إلهک لغیور وإنک لغیور فادع إلهک یرد علی یدی فإنه إن فعل لم أعد .

فقال له إبراهیم(علیه السّلام): أسأله ذلک علی أنک إن عدت لم تسألنی أن أسأله .

فقال الملک: نعم .

فقال إبراهیم(علیه السّلام): اللهم إن کان صادقاً فرد علیه یده ، فرجعت إلیه یده !

ص: 140

فلما رأی ذلک الملک من الغیرة ما رأی ورأی الآیة فی یده ، عظم إبراهیم(علیه السّلام) وهابه وأکرمه واتقاه ، وقال له: قد أمنت من أن أعرض لها أو لشئ مما معک ، فانطلق حیث شئت ولکن لی إلیک حاجة .

فقال إبراهیم(علیه السّلام): ما هی ؟

فقال له: أحب ان تأذن لی أن أخدمها قبطیة عندی جمیلة عاقلة تکون لها خادماً.

قال: فأذن له إبراهیم(علیه السّلام)فدعا بها فوهبها لسارة وهی هاجر أم إسماعیل(علیه السّلام) .

فسار إبراهیم(علیه السّلام)بجمیع ما معه وخرج الملک معه یمشئ خلف إبراهیم(علیه السّلام) إعظاماً لابراهیم(علیه السّلام)وهیبة له ، فأوحی الله تبارک وتعالی إلی إبراهیم أن قف ولا تمش قدام الجبار المتسلط ویمشئ هو خلفک ، ولکن اجعله أمامک وامش خلفه وعظمه وهبه ،

فإنه مسلط ولابد من إمرة فی الأرض برة أو فاجرة ، فوقف إبراهیم(علیه السّلام)وقال للملک: إمض فإن إلهی أوحی إلیَّ الساعة أن أعظمک وأهابک وأن أقدمک أمامی وأمشئ خلفک إجلالاً لک .

فقال له الملک: أوحی إلیک بهذا ؟ فقال له إبراهیم(علیه السّلام): نعم .

فقال له الملک: أشهد أن إلهک لرفیق حلیم کریم ، وإنک ترغبنی فی دینک .

قال: وودعه الملک فسار إبراهیم(علیه السّلام)حتی نزل بأعلی الشامات ، وخلف لوطاً(علیه السّلام) فی أدنی الشامات .

ثم إن إبراهیم(علیه السّلام)لما أبطأ علیه الولد قال لسارة: لو شئت لبعتنی هاجر لعل الله أن یرزقنا منها ولداً فیکون لنا خلفاً ، فابتاع إبراهیم(علیه السّلام)هاجر من سارة فوقع علیها فولدت اسماعیل. انتهی. ورواه فی تفسیر نور الثقلین:416/4 ورواه المجلسی فی بحار الأنوار:48/12 .

وفی هذا الحدیث من الحقائق والاضواء علی حیاة سیدنا إبراهیم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ما یرد

ص: 141

کثیراً من الشبه الواردة فی الإسرائیلیات ، والتهم التی اتهمه بها الیهود ، وقلدهم بعض المسلمین !!

نبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )رائد العارفین ورائد سعادتنا

نهج البلاغة:44/3:

... والرسول قد عرف عن الله وأخبرنا ، فهو رائد سعادتنا .

مروج الذهب للمسعودی:32/1:

فهذا ما روی عن أبی عبد الله جعفر بن محمد ، عن أبیه محمد بن علی ، عن أبیه علی بن الحسین ، عن أبیه الحسین بن علی، عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب کرم الله وجهه:

إن الله حین شاء تقدیر الخلیقة وذرأ البریة وإبداع المبدعات ، نصب الخلق فی صور کالهباء قبل دحو الأرض ورفع السماء ، وهو فی انفراد ملکوته وتوحد جبروته فأتاح ( فأساح ) نوراً من نوره فلمع ، و] نزع [ قبساً من ضیائه فسطع ، ثم اجتمع النور فی وسط تلک الصور الخفیة فوافق ذلک صورة نبینا محمد(ص)، فقال الله عز من قائل: أنت المختار المنتخب ، وعندک مستودع نوری وکنوز هدایتی، من أجلک أسطح البطحاء ، وأمرج الماء، وأرفع السماء ، وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار ، وأنصب أهل بیتک للهدایة ، وأوتیهم من مکنون علمی ما لا یشکل علیهم دقیق ولا یعییهم خفی ، وأجعلهم حجتی علی بریتی ، والمنبهین علی قدرتی ووحدانیتی ، ثم أخذ الله الشهادة علیهم بالربوبیة والإخلاص بالوحدانیة. فبعد أخذ ما أخذ من ذلک شاب ببصائر الخلق انتخاب محمد وآله ( فقبل أخذ ما أخذ جل شأنه ببصائر الخلق انتخب محمد وآله )

ص: 142

وأراهم أن الهدایة معه والنور له والإمامة فی آله ، تقدیماً لسنة العدل ، ولیکون الأعذار متقدماً .

ثم أخفی الله الخلیقة فی غیبه ، وغیبها فی مکنون علمه ، ثم نصب العوامل وبسط الزمان ، ومرج الماء ، وأثار الزبد ،

وأهاج الدخان ، فطفا عرشه علی الماء ، فسطح الأرض علی ظهر الماء ] وأخرج من الماء دخاناً فجعله السماء [ ثم استجلبهما إلی الطاعة فأذعنتا بالإستجابة .

ثم أنشأ الله الملائکة من أنوار أبدعها ، وأرواح اخترعها ، وقرن بتوحیده نبوة محمد(ص)، فشهرت فی السماء قبل بعثته فی الأرض ، فلما خلق آدم أبان فضله للملائکة ، وأراهم ما خصه به من سابق العلم من حیث عرفه عند استنبائه إیاه أسماء الأشیاء ، فجعل الله آدم محراباً وکعبة وباباً وقبلة أسجد إلیها الأبرار والروحانیین الأنوار ، ثم نبه آدم علی مستودعه ، وکشف له ] عن [ خطر ما ائتمنه علیه ، بعد ما سماه إماماً عند الملائکة ، فکان حظ آدم من الخیر ما أراه من مستودع نورنا ، ولم یزل الله تعالی یخبئ النور تحت الزمان إلی أن فضل محمداً (ص)فی ظاهر الفترات ، فدعا الناس ظاهراً وباطناً ، وندبهم سراً وإعلاناً ، واستدعی(علیه السّلام)التنبیه علی العهد الذی قدمه إلی الذر قبل النسل، فمن وافقه وقبس من مصباح النور المقدم اهتدی إلی سره ، واستبان واضح أمره ، ومن أبلسته الغفلة استحق السخط .

ثم انتقل النور إلی غرائزنا ، ولمع فی أئمتنا ، فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض ، فبنا النجاء ، ومنا مکنون العلم ، والینا مصیر الأمور ، وبمهدینا تنقطع الحجج ، خاتمة الأئمة ، ومنقذ الأمة ،وغایة النور ، ومصدر الأمور ، فنحن أفضل المخلوقین ، وأشرف الموحدین ، وحجج رب العالمین ، فلیهنأ بالنعمة من

ص: 143

تمسک بولایتنا ، وقبض علی عروتنا . انتهی. وروی شبیهاً به ابن الجوزی فی تذکرة الخواص ص128-130

- علل الشرائع:5/1:

حدثنا الحسن بن محمد سعید الهاشمی قال: حدثنا فرات بن إبراهیم بن فرات الکوفی قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علی الهمدانی ، قال حدثنی أبوالفضل العباس بن عبدالله البخاری ، قال حدثنا محمد بن القاسم بن إبراهیم بن محمد بن عبدالله بن القاسم بن محمد بن أبی بکر، قال حدثنا عبدالسلام بن صالح الهروی، عن علی بن موسی الرضا ، عن أبیه موسی بن جعفر ، عن أبیه جعفر بن محمد ، عن أبیه محمد بن علی ، عن أبیه علی بن الحسین ، عن أبیه الحسین بن علی ، عن أبیه علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما خلق الله خلقاً أفضل منی ولاأکرم علیه منی، قال علی(علیه السّلام)فقلت یا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئیل؟ فقال: یا علی إن الله تبارک وتعالی فضل أنبیاءه المرسلین علی ملائکته المقربین وفضلنی علی جمیع النبیین والمرسلین ، والفضل بعدی لک یا علی وللأئمة من بعدک ، وإن الملائکة لخدامنا وخدام محبینا. یا علی الذین یحملون العرش ومن حوله یسبحون بحمد ربهم ویستغفرون للذین آمنوا بولایتنا ، یا علی لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض ، فکیف لا نکون أفضل من الملائکة ، وقد سبقناهم إلی معرفة ربنا وتسبیحه وتهلیله وتقدیسه ، لأن أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحیده وتحمیده، ثم خلق الملائکة فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا ، فسبحنا لتعلم الملائکة إنا خلق مخلوقون ، وإنه منزه عن صفاتنا ، فسبحت الملائکة بتسبیحنا

ص: 144

ونزهته عن صفاتنا ، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائکة أن لا إله إلا الله وأنَّا عبید ولسنا بآلهة یجب أن نعبد معه أو دونه ، فقالوا: لا إله إلا الله ، فلما شاهدوا کبر محلنا کبرَّنا لتعلم الملائکة أن الله أکبر من أن ینال عظم المحل إلا به ، فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العز والقوة قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله لتعلم الملائکة أن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله ، فلما شاهدوا ما أنعم الله به علینا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا الحمد الله لتعلم الملائکة ما یحق الله تعالی ذکره علینا من الحمد علی نعمته ، فقالت الملائکة الحمد لله .

فبنا اهتدی إلی معرفة توحید الله وتسبیحه وتهلیله وتحمیده وتمجیده ، ثم أن الله تبارک وتعالی خلق آدم ، فأودعنا صلبه وأمر الملائکة بالسجود له تعظیماً لنا وإکراماً .

علل الشرائع:117/1:

- حدثنا محمد بن موسی بن المتوکل قال: حدثنا عبدالله بن جعفر الحمیری عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبدالرحمان بن کثیر ، عن داود الرقی ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: لما أراد الله عز وجل أن یخلق الخلق خلقهم ونشرهم بین یدیه ، ثم قال لهم: من ربکم ؟ فأول من نطق رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأمیر المؤمنین والأئمة صلوات علیهم أجمعین ، فقالوا: أنت ربنا ، فحمَّلهم العلم والدین ، ثم قال للملائکة: هؤلاء حملة دینی وعلمی وأمنائی فی خلقی وهم المسؤولون ، ثم قیل لبنی آدم أقروا لله بالربوبیة ولهؤلاء النفر بالطاعة والولایة ، فقالوا نعم ربنا أقررنا ، فقال الله جل جلاله للملائکة: إشهدوا ، فقالت الملائکة شهدنا . . . علی أن لا یقولوا غداً إنا کنا عن هذا غافلین ، أو یقولوا إنما أشرک

ص: 145

آباؤنا من قبل وکنا ذریة من بعدهم أفتهلکنا بما فعل المبطلون ، یا داود الأنبیاء مؤکدة علیهم فی المیثاق .

الإعتقادات للصدوق/67:

- . . . وأن محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) سیدهم وأفضلهم ، وأنه جاء بالحق وصدق المرسلین ، وأن الذین کذبوه لذائقوا العذاب الألیم . وأن الذین آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذی أنزل معه أولئک هم المفلحون الفائزون . ویجب أن یعتقد أن الله عز وجل لم یخلق خلقاً أفضل من محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأئمة(علیهم السّلام) ، وأنهم أحب الخلق إلی الله وأکرمهم ، وأولهم إقراراً به لما أخذ الله میثاق النبیین وأشهدهم علی أنفسهم ألست بربکم قالوا بلی. وأن الله بعث نبیه محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )للأنبیاء فی الذر. وأن الله عز وجل أعطی ما أعطی کل نبی علی قدر معرفته ، ومعرفة نبینا محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وسبقه إلی الإقرار به. ونعتقد: أن الله تبارک وتعالی خلق جمیع الخلق له ولاهل بیته(علیهم السّلام) ، وأنه لولاهم ما خلق الله سبحانه السماء والأرض ولا الجنة ولا النار ولا آدم ولا حواء ولا الملائکة ، ولا شیئاً مما خلق ، صلوات الله علیهم أجمعین. انتهی .

وقد أوردنا فی فصل الفطرة تحت عنوان: عوالم وجود الإنسان ، عدداً من أحادیث خلق نور النبی وآله صلی الله علیه وعلیهم قبل الخلق .

خط الفطرة لم ینقطع من ذریة إبراهیم

بحار الأنوار:117/15:

بیان: اتفقت الإمامیة رضوان الله علیهم علی أن والدی الرسول وکل أجداده إلی آدم(علیه السّلام)کانوا مسلمین ، بل کانوا من الصدیقین: إما أنبیاء مرسلین ، أو أوصیاء

ص: 146

معصومین ، ولعل بعضهم لم یظهر الإسلام لتقیة أو لمصلحة دینیة . . . .

ورووا عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: لم یزل ینقلنی الله من أصلاب الطاهرین إلی أرحام المطهرات ، حتی أخرجنی فی عالمکم هذا ، لم یدنسنی بدنس الجاهلیة. ولو کان من آبائه(علیه السّلام)کافر لم یصف جمیعهم بالطهارة ،مع قوله سبحانه: إنما المشرکون نجس . . .

وهذا المسلک ذهبت إلیه طائفة ، منهم الإمام فخر الدین الرازی ، فقال فی کتابه أسرار التنزیل ما نصه: قیل: إن آزر لم یکن والد إبراهیم بل کان عمه واحتجوا علیه بوجوه :

منها: أن آباء الأنبیاء ما کانوا کفاراً ، ویدل علیه وجوه: منها قوله تعالی: أَلَّذِی یَرَاکَ حِینَ تَقُومُ. وَتَقَلُّبَکَ فِی أَلسَّاجِدِینَ ... .

الثانیة: أن الأحادیث والاثار دلت علی أنه لم تخل الأرض من عهد نوح(علیه السّلام)إلی بعثة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی أن تقوم الساعة من ناس علی الفطرة یعبدون الله ویوحدونه ویصلون له ، وبهم تحفظ الأرض ، ولولاهم لهلکت الأرض ومن علیها ... .

وأما المخالفون: فذهب أکثرهم إلی کفر والدی الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکثیر من أجداده کعبد المطلب وهاشم وعبد مناف صلوات الله علیهم اجمعین ، وإجماعنا وأخبارنا متظافرة . . . وقال فی هامشه:

وذهب بعضهم إلی إیمان والدیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأجداده ، واستدلوا علیه بالکتاب والسنة ، منهم السیوطی ، قال فی کتاب مسالک الحنفاء: المسلک الثانی أنهما أی عبد الله وآمنة لم یثبت عنهما شرک ، بل کانا علی الحنیفیة دین جدهما إبراهیم علی نبینا وعلیه الصلاة والسلام... .

ثم قال ( السیوطی ): وعندی فی نصرة هذا المسلک وما ذهب إلیه الإمام فخر

ص: 147

الدین أمور: أحدها دلیل استنبطه مرکب من مقدمتین .

الأولی: أن الأحادیث الصحیحة دلت علی أن کل أصل من أصول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من آدم(علیه السّلام)إلی أبیه عبدالله ، فهو خیر أهل قرنه وأفضلهم ، ولا أحد فی قرنه ذلک خیر منه ولا أفضل .

الثانیة: إن الأحادیث والآثار دلت علی أنه لم تخل الأرض من عهد نوح(علیه السّلام)أو آدم(علیه السّلام)إلی بعثة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی أن تقوم الساعة من ناس علی الفطرة یعبدون الله ویوحدونه ویصلون له ، وبهم تحفظ الأرض ولولا هم لهلکت الأرض ومن علیها ، وإذا قرنت بین هاتین المقدمتین أنتج منهما قطعاً أن آباء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یکن فیهم مشرک، لأنه ثبت فی کل منهم أنه خیر قرنه ... ( ثم ذکر عن السیوطی آیات وأحادیث لإثبات ذلک منها ): ما ورد فی تفسیر قوله تعالی: وَجَعَلَهَا کَلِمَةً بَاقِیَةً فِی عَقِبِهِ ، تدل علی أن التوحید کان باقیاً فی ذریة إبراهیم(علیه السّلام)ولم یزل ناس من ذریته علی الفطرة یعبدون الله تعالی حتی تقوم الساعة . . . .

فحصل مما أوردناه أن آباء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من عهد إبراهیم إلی کعب بن لؤی کانوا کلهم علی دین إبراهیم (علیه السّلام) ... .

الدر المنثور:341/3:

وأخرج أبو الشیخ عن زید بن علی (رض) قال: قالت سارة رضی الله عنها لما بشرتها الملائکة(علیهم السّلام) : یا ویلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلی شیخاً إن هذا لشئ عجیب ، فقالت الملائکة ترد علی سارة: أتعجبین

من أمر الله رحمة الله وبرکاته علیکم أهل البیت إنه حمید مجید ، قال فهو کقوله: وَجَعَلَهَا کَلِمَةً بَاقِیَةً فِی عَقِبِهِ ، بمحمد(ص)من عقب إبراهیم .

ص: 148

الدر المنثور:87/4:

وأخرج ابن المنذر عن ابن جریج (رض) فی قوله: رب اجعلنی مقیم الصلاة ومن ذریتی ، قال فلن یزال من ذریة إبراهیم(علیه السّلام)ناس علی الفطرة یعبدون الله تعالی حتی تقوم الساعة .

الدر المنثور:16/6:

وأخرج ابن أبی حاتم عن عکرمة: وَجَعَلَهَا کَلِمَةً بَاقِیَةً فِی عَقِبِهِ ، قال: فی الإسلام أوصی بها ولده .

وأخرج عبد بن حمید وابن المنذر عن مجاهد: وجعلها کلمة باقیة فی عقبه... الآیة ، قال: الإخلاص والتوحید لا یزال فی ذریته من یقولها من بعده .

وأخرج عبد بن حمید عن ابن عباس: وَجَعَلَهَا کَلِمَةً بَاقِیَةً فِی عَقِبِهِ . . . الآیة ، قال: لا إله إلا الله ، فی عقبه: قال عقب إبراهیم ولده .

عمار علم الثابتین علی الفطرة بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

بحار الأنوار:320/22:

لی: بهذا الاسناد عن إبراهیم بن الحکم ، عن عبیدالله بن موسی ، عن سعد بن أوس ، عن

بلال بن یحیی العبسی قال: لما قتل عمار ( کذا والصحیح عثمان ) أتوا حذیفة فقالوا: یا عبدالله قتل هذا الرجل وقد اختلف الناس ، فما تقول ؟ قال إذا أتیتم فأجلسونی، قال: فأسندوه إلی صدر رجل منهم فقال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: أبو الیقظان علی الفطرة ثلاث مرات ، لن یدعها حتی یموت. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار:9/33 .

ص: 149

شرح الأخبار:412/1:

أبو أحمد بإسناده عن حذیفة بن الیمان ، أنه لما احتضر قیل له أوصنا ، فقال: أما إذا قلتم ذلک فأسندونی ، فأسندوه ، فقال: سمعت رسول الله صلوات الله علیه وآله یقول: أبو الیقظان علی الفطرة لا یدعها ثلاث مرات، لا یدعها حتی یموت.

روضة الواعظین للنیسابوری/286:

. . . وقال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: أبوالیقظان علی الفطرة ثلاث مرات لن یدعها حتی یموت ، وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما خیر عمار بین أمرین إلا اختار أشدهما .

مستدرک الحاکم:393/3:

. . . عن عائشة أنها قالت: أنظروا عمار بن یاسر فإنه یموت علی الفطرة ، إلا أن تدرکه هفوة من کبر . صحیح الإسناد .

. . . عن قیس بن أبی حازم قال قال عبدالله: ما أعلم أحداً خرج فی الفتنة یرید به وجه الله تعالی والدار الآخرة إلا عمار بن یاسر. صحیح الإسناد .

مجمع الزوائد:295/9:

وعن بلال بن یحیی قال: لما قتل عثمان (رض) أتی حذیفة فقیل له یا أبا عبدالله قتل هذا الرجل ، وقد اختلف الناس ، فما تقول ؟ قال أسندونی فأسندوه إلی ظهر رجل ، فقال: سمعت رسول الله(ص)یقول: أبو الیقظان علی الفطرة لا یدعها حتی یموت أو یمسه الهرم . رواه البزار والطبرانی فی الأوسط باختصار ، ورجالهما ثقات .

ص: 150

کنز العمال:723/11:

أبو الیقظان علی الفطرة ، أبوالیقظان علی الفطرة ، أبو الیقظان علی الفطرة ، لا یدعها حتی یموت أو یمسه الهرم. ن ، وابن سعد ، عد وضعفه ، عن حذیفة .

کنز العمال:532/13 و 537:

عن حذیفة قال: إن عماراً لا تصیبه الفتنة حتی یخرف ، سمعت رسول الله(ص) یقول: أبوالیقظان علی الفطرة لم یدعها حتی یموت ، أو ینسیه الهرم. کر. انتهی .

ملاحظة: من واضحات تاریخنا الإسلامی أن عمار بن یاسر (رض) وقف بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مع علی(علیه السّلام)فی مواجهة بیعة السقیفة ، ثم فی عهد أبی بکر وعمر ، وأحداث خلافة عثمان ، وکان عمار من قادة جیش علی(علیه السّلام)فی حرب الجمل ، وله فیها مواقف سجلها التاریخ ، ومنها مواقف مع عائشة ، ثم ختم الله له بالشهادة تحت رایة علی فی صفین ، وقتلته فئة معاویة الباغیة کما أخبر بذلک النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).. ولذلک لا یشک الإنسان بأن جعل النبی عماراً علماً علی خط الفطرة من بعده ، یعنی جعله علیاً(علیه السّلام)علماً للامة ، وتأکیده بأن خط علی من بعده هو خط الفطرة .

ومن الطبیعی أن تکون مواقف عمار إلی جانب علی ثقیلة علی عائشة وعلی قریش ، وأن لا یرووا فی حقه مثل هذه الشهادة النبویة التی تدینهم ، ولکنها کانت شهادة معروفة بین المسلمین ، ومن هنا أدخل خصوم علی(علیه السّلام)فی روایتها غمغمة واستثناءات وشروطاً لغرض إحباط مفعولها !

ویدل علی بطلان هذه الإضافات أن الشهادة النبویة وردت فی حق عمار مطلقة بنصوص صحیحة عندنا وعند إخواننا ولیس فیها تلک الإستثناءات. مضافاً إلی أن طبیعة مثل هذه الشهادة لا تقبل الإستثناء ، لأنه یؤدی إلی نسبة التناقض إلی النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )حیث یشهد لشخص بأنه علی الفطرة حتی یموت ، ویجعله علماً لأمته من

ص: 151

بعده ویأمرهم بأن یکونوا فی خطه ، ثم یستثنی من ذلک ویشترط شرطاً مبهماً یبطل کلامه الأول ، ویوقع الأمة فی الشک والریب ! !

وقد روی الهیثمی فی مجمع الزوائد:243/7 حدیثاً یدل علی مدی تأثیر هذه الشهادة النبویة ومدی حسد قریش لعلی(علیه السّلام)قال:

وعن سیار أبی الحکم قال: قالت بنو عبس لحذیفة: إن أمیر المؤمنین عثمان قد قتل فما تأمرنا ؟ قال آمرکم أن تلزموا عماراً. قالوا إن عماراً لا یفارق علیاً ! قال إن الحسد هو أهلک الجسد ، وإنما ینفرکم من عمار قربه من علی ؟ ! فوالله لعلی أفضل من عمار أبعد ما بین التراب والسحاب ، وإن عماراً لمن الاحباب. وهو یعلم أنهم إن لزموا عماراً کانوا مع علی. رواه الطبرانی ورجاله ثقات ، إلا أنی لم أعرف الرجل المبهم. انتهی. ولا یبعد أن یکون إسم بنی عبس وضع فی هذه الروایة بدل قریش لأن حسدة بنی هاشم الذین عناهم حذیفة والذین تحدث عنهم القرآن هم قبائل قریش ، ولیسوا بنی عبس أو تمیم .

علی (علیه السّلام) إمام الثابتین علی الفطرة

نهج البلاغة:105/1:

ومن کلام له(علیه السّلام)لأصحابه: أما إنه سیظهر علیکم بعدی رجل رحب البلعوم مندحق البطن یأکل ما یجد ویطلب ما لا یجد ، فاقتلوه ولن تقتلوه ، ألا وإنه سیأمرکم بسبی والبراءة منی ، فأما السب فسبونی فإنه لی زکاة ولکم نجاة ، وأما البراءة فلا تتبرؤوا منی فإنی ولدت علی الفطرة وسبقت إلی الإیمان والهجرة .

شرح الأخبار:159/1:

ص: 152

عن الشعبی أنه کان یقول: سمعت رشید الهجری والحارث الأعور الهمدانی وصعصعة بن صوحان العبدی وسالم بن دینار الأزدی ، کلهم یذکرون أنهم سمعوا علی بن أبی طالب(علیه السّلام)علی منبر الکوفة یقول فی خطبته: یا معشر أهل الکوفة ، والله لتصبرن علی قتال عدوکم أو لیسلطن الله علیکم أقواماً أنتم أولی بالحق منهم ، فیعذبکم الله بهم ثم یعذبهم بما شاء من عنده ، أَوَ من قتلة بالسیف تفرون إلی الموت علی الفراش. فإنی أشهد إنی سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: إن معالجة ملک الموت لأشد من ضربة ألف سیف ، أخبرنی جبرئیل یا علی إنه یصیبکم بعدی أَثَرةٌ وزلزال ، فعلیکم بالصبر الجمیل .

وقال لی أیضاً: قضاء مقضی علی لسان النبی الأمی: إنه لا یبغضک یا علی مؤمن ولا یحبک کافر ، وقد خاب من حمل ظلماً وافتری. ثم جعل یقول لنفسه: یا علی إنک میت مقتول ، بل مقتول إن شاء الله ، فما ینتظر أشقاها أن یخضب هذه من هذا ، ثم أمرَّ یده الیمنی علی لحیته، ثم وضعها علی رأسه ، ثم قال: أما لقد رأیت فی منامی أنه یهلک فی اثنان ولا ذنب لی: محب غال ، ومبغض قال. ثم قال: إلا أنکم ستعرضون علی البراءة منی فلا تتبرأ وا منی ، فإن صاحبکم والله علی فطرة الله التی فطر الناس علیها. ثم نزل عن المنبر .

شرح الأخبار:169/1:

. . . ثم قال: سیظهر علیکم بعدی رجل وإنه سیعرضکم علی سبی والبراءة منی ، فإن خفتموه فسبونی فإنما هی زکاة ونجاة ، وإن سألکم البراءة منی فلا تبرؤوا منی فإنی علی الفطرة .

مناقب أمیر المؤمنین:64/2

ص: 153

ثم قال: یکون بعدی أئمة یأمرونکم بسبی والبراءة منی ، أما السب فسبونی ، ولا تتبرؤوا منی فإنی ولدت علی الفطرة وأموت علی الفطرة إن شاء الله .

بحار الأنوار:350/36:

عن سعید بن المسیب قال: سمعت رجلاً یسأل ابن عباس عن علی بن أبی طالب فقال له ابن عباس: إن علی بن أبی طالب صلی القبلتین وبایع البیعتین ، ولم یعبد صنماً ولا وثناً ، ولم یضرب علی رأسه بزلم ولا قدح ، ولد علی الفطرة ولم یشرک بالله طرفة عین. فقال الرجل: إنی لم أسألک عن هذا إنما أسألک عن حمله سیفه علی عاتقه یختال به حتی أتی البصرة فقتل بها أربعین ألفاً ، ثم سار إلی الشام فلقی حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتی قتلهم ، ثم أتی النهروان وهم مسلمون فقتلهم عن آخرهم !

فقال له ابن عباس: أعلیٌّ أعلم عندک أم أنا ؟ فقال: لو کان علی أعلم عندی منک ما سألتک !

قال: فغضب ابن عباس حتی اشتد غضبه ثم قال: ثکلتک أمک علیٌّ علمنی ، وکان علمه من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ورسول الله علمه الله من فوق عرشه ، فعلم النبی من علم الله ، وعلم علی من علم النبی ، وعلمی من علم علی ، وعلم أصحاب محمد کلهم فی علم علی کالقطرة الواحدة فی سبعة أبحر !!

بحار الأنوار:316/43:

ما: بإسناد أخی دعبل عن الرضا عن آبائه(علیهم السّلام) عن علی بن أبی طالب(علیه السّلام)أنه قال: إلا

أنکم ستعرضون علی سبی ، فإن خفتم علی أنفسکم فسبونی ، إلا وأنکم ستعرضون علی البراءة منی فلا تفعلوا فإنی علی الفطرة . . .

ص: 154

فإن قیل: کیف علل نهیه لهم من البراءة منه بقوله: فإنی ولدت علی الفطرة ، فإن هذا التعلیل لا یختص به لأن کل ولد یولد علی الفطرة وإنما أبواه یهودانه وینصرانه ؟

والجواب: أنه علل نهیه لهم عن البراءة منه بمجموع أمور وهو کونه ولد علی الفطرة وسبق إلی الإیمان والهجرة ، ولم یعلل بآحاد هذا المجموع. ومراده هنا بالولادة علی الفطرة أنه لم یولد فی الجاهلیة لأنه ولد لثلاثین عاماً مضت من عام الفیل، والنبی أرسل لاربعین مضت من عام الفیل، وقد جاء فی الأخبار الصحیحة أنه مکث قبل الرسالة سنین عشراً یسمع الصوت ویری الضوء ولا یخاطبه أحد ، وکان ذلک إرهاصاً لرسالته فحکم تلک السنین العشر حکم أیام رسالته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فالمولود فیها إذا کان فی حجره وهو المتولی لتربیته مولود فی أیام کأیام النبوة ، ولیس بمولود فی جاهلیة محضة ، ففارقت حاله حال من یدعی له من الصحابة مماثلته فی الفضل .

وقد روی أن السنة التی ولد فیها هذه السنة التی بدی فیها رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فأسمع الهتاف من الأحجار والأشجار وکشف عن بصره ، فشاهد أنواراً وأشخاصاً ولم یخاطب منها بشئ ، وهذه السنة هی السنة التی ابتدأ فیها بالتبتل والإنقطاع والعزلة فی جبل حراء ، فلم یزل به حتی کوشف بالرسالة وأنزل علیه الوحی ، وکان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یتیمن بتلک السنة وبولادة علی(علیه السّلام)فیها ، ویسمیها سنة الخیر وسنة البرکة ، وقال لأهله لیلة ولادته ، وفیها شاهد ما شاهد من الکرامات والقدرة الإلهیة ولم یکن من قبلها شاهد من ذلک شیئاً: لقد ولد لنا مولود یفتح الله علینا به أبواباً کثیرة من النعمة والرحمة. وکان کما قال صلوات الله علیه ، فإنه کان ناصره والمحامی عنه وکاشف الغم عن وجهه ، وبسیفه ثبت دین الإسلام ورست

ص: 155

دعائمه وتمهدت قواعده .

وفی المسألة تفصیل آخر ، وهو أن یعنی بقوله: فإنی ولدت علی الفطرة التی لم تتغیر ولم تحل ، وذلک أن معنی قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): کل مولود یولد علی الفطرة ، أن کل مولود فإن الله تعالی قد هیأه بالعقل الذی خلقه فیه وبصحة الحواس والمشاعر لأن یتعلم التوحید والعدل ، ولم یجعل فیه مانعاً یمنعه من ذلک ، ولکن التربیة والعقیدة فی الوالدین والألف لاعتقادهما وحسن الظن فیهما یصده عما فطر علیه ، وأمیر المؤمنین(علیه السّلام)دون غیره ولد علی الفطرة التی لم تحل ، ولم یصد عن مقتضاها مانع ، لا من جانب الأبوین ولا من جهة غیرهما .

وغیره ولد علی الفطرة ولکنه حال عن مقتضاها وزال عن موجبها .

ویمکن أن یفسر أنه أراد بالفطرة العصمة ، وأنه منذ ولد لم یواقع قبیحاً ، ولا کان کافراً طرفة عین ، ولا مخطئاً ولا غالطاً فی شئ من الأشیاء المتعلقة بالدین ، وهذا تفسیر الإمامیة. انتهی .

أقول: التفسیران الأخیران اللذان ذکرهما المجلسی(رحمه الله)متحدان ، لأن قصد أمیر المؤمنین(علیه السّلام)والله أعلم ، إنی ولدت علی فطرة الله الصافیة ولم أدنسها بعبادة وثن ولا بارتکاب ذنب، وسبقت إلی الإیمان بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والوقوف معه والهجرة معه..

ولا شک أن فطرة الله تعالی التی خلق علیها ولیه ووزیر رسوله صلی الله علیهما أرقی من الفطرة العادیة التی یولد علیها کل مولود ، فالنبی وآله خیرة الله تعالی وفطرتهم خیرة الفطر ، وقد ورد فی الدعاء: یا دائم الفضل علی البریة ، یا باسط الیدین بالعطیة ، یا صاحب المواهب السنیة ، صل علی محمد وآله خیر الوری سجیة ، واغفر لنا یاذا العلی فی هذه العشیة .

وتوجد هنا مسألتان فی هذا الحدیث یناسب التعرض لهما ، وإن کان محلهما

ص: 156

باب الإمامة .

المسألة الأولی: أن الفرق بین السب والبراءة من وجهین:

أولهما، أن البعد السیاسی فی السب أقوی وأظهر منه فی البراءة، والبعد العقائدی فی البراءة أقوی وأظهر. فالخطر العقائدی علی المسلمین فی البراءة أکثر ، بینما سب السلطة له(علیه السّلام)وإجبارها المسلمین علی ذلک لاتصل خطورته إلی خطورة البراءة ، وإن کان فیه خطر کبیر علی أجیال المسلمین .

ولعل هذا هو مقصود الفقهاء الذین اعتبروا أن البراءة شهادة بالکفر بعکس السب واللعن ، قال السید الگلپایگانی(رحمه الله)فی الدر النضید:253/2: ولعل الفرق بین السب والبراءة حیث أمر بالأول ونهی عن الثانی ، أن السب صادر بالنسبة إلی المسلم أیضاً ، بخلاف البراءة فإنها تکون عن المشرکین والکافرین ، کما قال الله تعالی: بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَ رَسُولِهِ إلی الَّذِینَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِکِینَ. وکان من کان یأمر بالبراءة عن الإمام(علیه السّلام)یرید أن یجعل الإمام فی عداد المشرکین والخارجین عن الدین ، ومن کان یتبرأ منه صلوات الله علیه یعده من الکفار ، وبهذه المناسبة علل الإمام (علیه السّلام)نهیه عن البراءة بقوله: فإنی ولدت علی الفطرة وسبقت إلی الإیمان والهجرة وعلی هذا فلو أکره علی السب فسب فلا شئ علیه ، بل وربما کان محموداً علی فعله کما یشهد بذلک حکایة عمار ونزول الآیة الکریمة: مَنْ کَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِیمَانِهِ إِلا مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإیمَانِ. انتهی .

والفرق الثانی ، أن الحق الشخصی فی السب أقوی منه فی البراءة ، فالحق العام فی السب وإن کان عظیماً بسبب أنه ظلم وعدوان علی وصی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذی یمثل دین الله تعالی ، ولکن فیه حقاً شخصیاً أیضاً لأنه ظلم وعدوان علی شخص علی(علیه السّلام)وباعتبار هذا الحق الشخصی کان له(علیه السّلام)أن یجعل المؤمنین فی حل

ص: 157

عند الضرورة بخلاف البراءة منه. فکأنه(علیه السّلام)قال: بما أن السب مرکب من حقین ، فأنتم فی حل من حقی، ویبقی حق الله تعالی فهو حکم شرعی بینکم وبینه ، وهو تعالی یجیزه عند الضرورة. أما البراءة فحقها الالهی غالب ، لأن البراءة منی براءة من الفطرة النقیة التی أنا علیها، وبراءة من إیمانی بالله ورسوله وجهادی وهجرتی فلا أستطیع أن أجعلکم فی حل منها ، بل یجری علیها الحکم الشرعی .

والمسألة الثانیة: أن فقهاءنا رضوان الله علیهم أفتوا بجواز البراءة عند الضرورة المهمة کالخوف من القتل ، ولم یفت أحد منهم بوجوب تحمل القتل للتخلص من البراءة ، إلا ما یظهر من المفید کما سیأتی ، وذلک لأنه لم یثبت عندهم النص الذی تضمن النهی عن البراءة ، بل رووا تکذیب حدیث علی(علیه السّلام)، فقد روی الحمیری فی قرب الإسناد/12:

- عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، قال قیل له: إن الناس یروون أن علیاً(علیه السّلام)قال علی منبر الکوفة: أیها الناس إنکم ستدعون إلی سبی فسبونی ، ثم ستدعون إلی البراءة منی ، وإنی لعلی دین محمد. ولم یقل وتبرؤوا منی ، فقال له السائل: أرأیت إن اختار القتل دون البراءة منه ؟

فقال: والله ما ذلک علیه ، وما له إلا ما مضی علیه عمار بن یاسر حیث أکرهه أهل مکة وقلبه مطمئن بالإیمان ، فأنزل الله تبارک وتعالی فیه: إِلا مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإیمَانِ ، فقال له النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عندها: یا عمار إن عادوا فعد ، فقد أنزل الله عز وجل عذرک فی الکتاب وأمرک ان تعود إن عادوا . انتهی . وقد أفتی بهذا الحدیث ابن إدریس فی السرائر: 624/3 وأکثر فقهائنا .

لکن اختلفوا فی أن أیهما أرجح ، ولعل الذین ثبت عندهم النهی عن البراءة حملوه علی کراهة البراءة وترجیح تحمل القتل علیها ، ویشهد له ما رواه فی

ص: 158

وسائل الشیعة: 475/11 عن الکشی فی رجاله عن جبرئیل بن أحمد ، عن محمد بن عبد الله بن مهران ، عن محمد بن علی الصیرفی ، عن علی بن محمد عن یوسف بن عمران المیثمی قال: سمعت میثم النهروانی یقول: دعانی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السّلام)وقال: کیف أنت یا میثم إذا دعاک دعی بنی أمیة عبید الله بن زیاد إلی البراءة منی ؟

فقلت: یا أمیر المؤمنین أنا والله لا أبرأ منک ؟

قال: إذاً والله یقتلک ویصلبک .

قلت: أصبر فذاک فی الله قلیل !

فقال: یا میثم إذا تکون معی فی درجتی . . الحدیث. انتهی . وقال فی الوسائل: رواه الراوندی فی الخرائج والجرائح عن عمران عن أبیه میثم .

وفی المقابل توجد روایات یفهم منها ترجیح التقیة والبراءة ، ففی الوسائل:11 ص 475: . . . عن عبدالله بن عطاء قال: قلت لابی جعفر(علیه السّلام): رجلان من أهل الکوفة أخذا فقیل لهما إبرآ من أمیر المؤمنین(علیه السّلام)فبرئ واحد منهما وأبی الآخر، فخلی سبیل الذی بریء وقتل الآخر ، فقال: أما الذی بری فرجل فقیه فی دینه ، وأما الذی لم یبرأ فرجل تعجل إلی الجنة .

ولعل تعارض روایات الترجیح جعل السید الخوئی(رحمه الله)یفتی بتخییر المکلف وعدم ترجیح أی من التقیة أو الشهادة ، قال فی مستند العروة ( التنقیح ):4/264: وقد یقال إن ترک التقیة أرجح من التقیة بإظهار التبری منه(علیه السّلام)، وعلیه فیکون المقام من موارد التقیة المکروهة والمرجوحة ، وإذا قلنا بعکس ذلک وإن التقیة بإظهار التبری أرجح من ترکها فیکون المقام مثالاً للتقیة المستحبة لا محالة. والصحیح أن الأمرین متساویان ولا دلالة لشئ من الروایات علی أرجحیة

ص: 159

أحدهما عن الآخر ، أما روایة عبدالله بن عطاء فلأنها إنما دلت علی أن من ترک التقیة فقتل فقد تعجل إلی الجنة ، ولا دلالة لذلک علی أن ترک التقیة باختیار القتل أرجح من فعلها ، وذلک لأن العامل بالتقیة أیضاً من أهل الجنة وإنما لم یتعجل بل تأجل ، فلا یستفاد منه إلا تساویهما. انتهی .

لکن یبدو من المفید(رحمه الله)أنه یفتی بحرمة البراءة ووجوب تحمل القتل ، فقد عبر عن حدیث نهج البلاغة بأنه مستفیض ، وفیه نهی مشدد عن البراءة ، قال فی الإرشاد:322/1:

ومن ذلک ما استفاض عنه (علیه السّلام) من قوله: إنکم ستعرضون من بعدی علی سبی فسبونی ، فإن عرض علیکم البراءة منی فلا تبرؤوا منی فإنی ولدت علی الإسلام، فمن عرض علیه البراءة منی فلیمدد عنقه ، فمن تبرأ منی فلا دنیا له ولا آخرة ، وکان الأمر ذلک کما قال (علیه السّلام). انتهی .

وقد رد الشیخ الأنصاری علی القول بوجوب تحمل القتل ، فقال فی المکاسب/ 325: بل عن المفید فی الإرشاد أنه قد استفاض عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)أنه قال: ستعرضون من بعدی علی سبی فسبونی ، ومن عرض علیه البراءة فلیمدد عنقه ، فإن برأ منی فلا دنیا له ولا آخرة. وظاهرها حرمة التقیة فیها کالدماء ، ویمکن حملها علی أن المراد الإستمالة والترغیب إلی الرجوع حقیقة عن التشیع إلی النصب ، مضافاً إلی أن المروی فی بعض الروایات أن النهی من التبری مکذوب علی أمیر المؤمنین(علیه السّلام)وأنه لم ینه عنه. انتهی .

وذکر السید الگلپایگانی: أنه قد یجب العمل بالتقیة أحیاناً فلا بد من ملاحظة المصالح والمفاسد ، قال(رحمه الله)فی الدر النضید:253/4:

قلت: بل وربما یستفاد منه ( حدیث مسعدة ) ومن غیره أن

الأفضل له ذلک وإن

ص: 160

کان لو لم یجبهم إلی ذلک ولم یسب وقتل لذلک لم یکن آثماً ومؤاخذاً علیه ، بل هو مأجور وقد تعجل إلی جنات النعیم وإلی جوار الله رب العالمین ، علی حسب ما ورد فی بعض الروایات ، إلا أن التقیة أفضل. ومع ذلک کله لابد من ملاحظة المصالح والمفاسد والعمل علی وفقها ، فربما یترتب علی ترک التقیة وعلی قتله مثلاً مفاسد عظیمة ، فهنا لابد له من التقیة. انتهی .

ولا یبعد أن یکون أصل الحکم فی المسألة جواز الأمرین للمکلف ، وأنه قد یطرأ عنوان من المصلحة أو المفسدة الملزمة فیوجب اختیار التقیة أو اختیار تحمل الشهادة. ویکون تشخیص ذلک راجعاً إلی المکلف نفسه ، أو إلی أهل الخبرة .

ولایة علی(علیه السّلام)علامة علی صحة الفطرة وطیب المولد

شرح الأخبار:449/3:

- . . . عمران بن میثم قال: دخلت علی حبابة الوالبیة فسمعتها تقول: والله ما أحد علی الفطرة إلا نحن وشیعتنا ، والناس براء. وهذا صحیح لأن من لم یکن من شیعة محمد وآل محمد فهو من عدوهم ، وقال الله تعالی: هَذَا مِنْ شِیعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ، ومن کان عدواً لمحمد وآله لم یکن علی فطرة الإسلام. انتهی. وروی نحوه فی:573/3 .

وسائل الشیعة:160/20:

أقول: وفی الکشی، عن محمد بن مسعود بإسناده عن عمران بن میثم قال: دخلت أنا وعبایة الأسدی علی امرأة من بنی أسد یقال لها حبابة الوالبیة ، فقال لها عبایة:

ص: 161

تدرین من هذا الشاب الذی هو معی ؟ قالت: لا ، قال: مه ابن أخیک میثم.

قالت: إی والله إی والله ، ثم قالت: ألا أحدثکم بحدیث سمعته من أبی عبدالله الحسین بن علی(علیهم السّلام) ؟ قلنا بلی ، قالت: سمعت الحسین بن علی(علیه السّلام)یقول: نحن وشیعتنا علی الفطرة التی بعث الله علیها محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وسائر الناس منها براء .

مناقب أمیر المؤمنین:226/1:

. . . سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقول: یا علی أنت وشیعتک علی الفطرة ، وسائر الناس منهم براء

بحار الأنوار:23/67:

. . . یخرجونهم من النور إلی الظلمات ، قیل من نور الفطرة إلی فساد الإستعداد ، وفی الکافی عن الصادق(علیه السّلام): النور آل محمد ، والظلمات عدوهم .

تهذیب الأحکام:145/4:

- . . . عن الحرث بن المغیرة النصری قال: دخلت علی أبی جعفر(علیه السّلام)فجلست عنده ، فإذا نجیة قد استأذن علیه فأذن له ، فدخل فجثی علی رکبتیه ثم قال: جعلت فداک إنی أرید أن أسألک عن مسألة والله ما أرید بها إلا فکاک رقبتی من النار ، فکأنه رق له فاستوی جالساً فقال له . . . وقال: یا نجیة ما علی فطرة إبراهیم (علیهم السّلام) غیرنا وغیر شیعتنا. انتهی. وروی نحوه فی الاختصاص / 107 عن الإمام زین العابدین (علیه السّلام) .

بحار الأنوار:276/3:

فس: الحسین بن محمد ، عن معلی بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن

ص: 162

جعفر بن بشیر ، عن علی بن أبی حمزة ، عن أبی بصیر ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)فی قوله: فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا ، قال: الولایة .

کنز: محمد بن العباس ، عن أحمد بن الحسین بن سعید ، عن جعفر بن بشیر ، عن علی بن حمزة ، عن أبی بصیر ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: سألته عن قول الله عز وجل: فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ، قال: هی الولایة. انتهی. ورواه أیضاً فی:365/23 .

تفسیر القمی:154/2 و 155:

حدثنا الهیثم بن عبدالله الرمانی ، قال حدثنا علی بن موسی الرضا(علیه السّلام)، عن أبیه ، عن جده محمد بن علی بن الحسین(علیهم السّلام) فی قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ، قال: هو لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علی أمیر المؤمنین ولی الله ، إلی هاهنا التوحید .

التوحید للصدوق/328:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید(رحمه الله)قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن علی بن حسان الواسطی ، عن الحسن بن یونس ، عن عبدالرحمن بن کثیر مولی جعفر ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قول الله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ، قال: التوحید ، ومحمد رسول الله ، وعلی أمیر المؤمنین. انتهی. ورواه فرات الکوفی فی تفسیره/322، والمجلسی فی بحار الأنوار:276/3 وج277/26 والحویزی فی نور الثقلین:277/4 .

وفی بصائر الدرجات/78:

ص: 163

أحمد بن موسی ، عن الحسین بن موسی الخشاب ، عن علی بن حسان ، عن عبدالرحمان بن کثیر ، عن أبی عبد الله (علیه السّلام) فی قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا ، قال: فقال: علی التوحید ، ومحمد رسول الله ، وعلی أمیر المؤمنین .

وفی بحار الأنوار:276/3:

شی: عن عبدالرحمن بن کثیر ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قول الله: صِبْغَةَ اللهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ، قال: الصبغة معرفة أمیر المؤمنین (علیه السّلام) بالولایة فی المیثاق .

وفی المحاسن:138/1:

عن أبی عبدالله المداینی قال: قال أبو عبدالله(علیه السّلام): إذا برد علی قلب أحدکم حبنا فلیحمد الله علی أولی النعم ، قلت: علی فطرة الإسلام ؟ قال: لا ، ولکن علی طیب المولد ، إنه لا یحبنا إلا من طابت ولادته ، ولا یبغضنا إلا الملزق الذی تأتی به أمه من رجل آخر فتلزقه زوجها ، فیطلع علی عوراتهم ویرثهم أموالهم فلا یحبنا ذلک أبداً ، ولا یحبنا إلا من کان صفوة ، من أی الجِبَل کان. انتهی ، والجِبَل هی الجِبِلاَّت ، جمع جِبِلَّة. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار:27/152 .

مناقب آل أبی طالب:11/3:

وقال آخر:

أحب النبی وآل النبی

لانی ولدت علی الفطرة

إذا شک فی ولدوالد

فآیته البغض للعترة

ثواب الأعمال/174:

أبی(رحمه الله)قال حدثنی سعد بن عبدالله، قال حدثنی الحسن بن موسی الخشاب ، عن

ص: 164

عقیل بن المتوکل المکی ، یرفعه عن جعفر بن محمد ، عن أبیه عن جده(علیهم السّلام) ، قال: من صاغ خاتماً عقیقاً فنقش فیه (محمد نبی الله وعلی ولی الله) وقاه الله میتة السوء ولم یمت إلا علی الفطرة. ورواه فی وسائل الشیعة:403/3 .

ص: 165

ص: 166

الفصل الخامس :وجوب المعرفة والنظر

اشارة

ص: 167

ص: 168

وجوب معرفة الله تعالی ومنشؤها

وجوب معرفة الله تعالی وأنها أساس الدین

نهج البلاغة:14/1:

أول الدین معرفته ، وکمال معرفته التصدیق به ، وکمال التصدیق به توحیده ، وکمال توحیده الإخلاص له ، وکمال الإخلاص له نفی الصفات عنه ، لشهادة کل صفة أنها غیر الموصوف ، وشهادة کل موصوف أنه غیر الصفة . . .

الهدایة للصدوق/1:

یجب أن یعتقد أن الله تعالی واحد لیس کمثله شئ لا یحد ولایحس ولا یجس، ولا یدرک بالأوهام والأبصار ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، شاهد کل نجوی ، ومحیط بکل شئ ، لا یوصف بجسم ولا صورة ولا جوهر ولا عرض ولا سکون ولا حرکة ولا صعود ولا هبوط ولا قیام ولا قعود ولا ثقل ولا خفة ولا جیئة ولا ذهاب ولا مکان ولا زمان ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا فوق ولا أسفل ولا یمین ولا شمال ولا وراء ولا أمام ، وأنه لم یزل ولا یزال سمیعاً بصیراً حکیماً علیماً حیاً قیوماً قدوساً عزیزاً أحداً فرداً صمداً لم یلد ولم یولد ولم یکن له کفواً

ص: 169

أحد ، وأنه شئ لیس کمثله شئ وخارج من الحدین حد الأبطال وحد التشبیه ، خالق کل شئ ، لا إله إلا هو ، لا تدرکه الأبصار وهو یدرک الأبصار ، وهو اللطیف الخبیر .

وقال(علیه السّلام): من زعم أن الله تعالی من شئ أو فی شئ أو علی شئ فقد أشرک ، ثم قال(علیه السّلام): من زعم أن الله تعالی من شئ فقد جعله محدثاً ، ومن زعم أنه فی شئ فقد زعم أنه محصور ومن زعم أنه علی شئ فقد جعله محمولاً .

وقال فی هامشه:

قال الصدوق فی رسالة الإعتقادات بعد أن ذکر نحواً مما ذکر ما نصه: من قال بالتشبیه فهو مشرک ، ومن نسب إلی الإمامیة غیر ما وصف فی التوحید فهو کاذب ، وکل خبر یخالف ما ذکرت فی التوحید فهو موضوع مخترع ، وکل حدیث لا یوافق کتاب الله فهو باطل ، وإن وجد فی کتب علمائنا فهو مدلس ، والأخبار التی یتوسمها الجهال تشبیهاً لله تعالی بخلقه فمعانیها محمولة علی ما فی القرآن من نظائرها . . .

الإقتصاد للشیخ الطوسی/4:

الذی یلزم المکلف أمران: علم ، وعمل. فالعمل تابع للعلم ومبنی علیه. والذی یلزم العلم به أمران: التوحید ، والعدل .

فالعلم بالتوحید لا یتکامل إلا بمعرفة خمسة أشیاء: أحدها معرفة ما یتوصل به إلی معرفة الله تعالی ، والثانی معرفة الله علی جمیع صفاته ، والثالث معرفة کیفیة استحقاقه لتلک الصفات ، الرابع معرفة ما یجوز علیه وما لا یجوز ، الخامس معرفته بأنه واحد لا ثانی له فی القدم .

ص: 170

معرفة الله تعالی وتوحیده نصف الدین

التوحید للصدوق/68

حدثنا أبوعبدالله الحسین بن محمد الأشنانی الرازی العدل ببلخ ، قال: حدثنا علی بن مهرویه القزوینی ، عن داود بن سلیمان الفراء عن علی بن موسی الرضا ، عن أبیه ، عن آبائه ، عن علی(علیهم السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):

التوحید نصف الدین ، واستنزلوا الرزق بالصدقة. انتهی. ورواه فی دعائم الإسلام:1/13

لا تتحقق العبادة إلا بالمعرفة

علل الشرائع:9/1

حدثنا أبی (رض) قال: حدثنا أحمد بن إدریس ، عن الحسین بن عبیدالله ، عن الحسن بن علی بن أبی عثمان ، عن عبدالکریم بن عبدالله ، عن سلمة ابن عطاء ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: خرج الحسین بن علی (علیهماالسّلام) علی أصحابه فقال: أیها الناس إن الله جل ذکره ما خلق العباد إلا لیعرفوه فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه . . .

علل الشرائع:13/1

حدثنا محمد بن الشیبانی (رض) قال: حدثنا محمد بن أبی عبد الله الکوفی قال: حدثنا موسی بن عمران النخعی ، عن عمه الحسین بن یزید النوفلی ، عن علی بن سالم ، عن أبیه بصیر قال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، قال: خلقهم لیأمرهم بالعبادة ، قال: وسألته عن قول الله عز وجل: وَلا یَزَالُونَ مُخْتَلِفِینَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّکَ وَ لِذَلِکَ خَلَقَهُمْ ؟ قال: لیفعلوا ما یستوجبون به رحمته فیرحمهم .

ص: 171

جواهر الکلام:30/29

نعم ربما قیل بالتفصیل بین من کانت عبادته من الأعمال فالتزویج أفضل منها ، لإطلاق ما دل علی ذلک ، وبین من کانت عبادته تحصیل العلوم الدینیة فهی أفضل منه ، لأن کمال الإنسان العلم الذی هو الغرض الأصلی من خلقته ، قال الله تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، والمراد بها کما فی الحدیث المعرفة .

شرح الأسماء الحسنی:23/2

قوله (علیه السّلام): یا من دل علی ذاته بذاته .

وهو مجمع علیه للعرفاء الشامخین والعقلاء والمتکلمین ، بل جمیع إرسال الرسل وإنزال الکتب وإرشاد الکاملین المکملین إنما هو للإیصال إلی هذه البغیة العظمی والغبطة الکبری ، کما قال تعالی وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، وفی القدسی: خلقت الخلق لکی أعرف... .

فانظر إلی جعلهم غایة العمل هی المعرفة والشهود ، ولذا فسر المفسرون لیعبدون بقولهم لیعرفون .

شرح الأسماء الحسنی:189/1

. . . ولا یجوز للمؤمن إنکار ذلک الشهود لأن انکاره إنکار الکتب السماویة والسنن النبویة والآثار الولویة ، بل هو غایة إرسال المرسلین وإرشاد الأئمة الهادین وسیر السائرین وسلوک السالکین ، ولولاه لم یکن سماء ولا أرض ولا بسیط ولا مرکب ، کما قال تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ أی

ص: 172

لیعرفون. وفی الحدیث القدسی فخلقت الخلق لأعرف... .

الرواشح السماویة/21

. . . لأن المعرفة غایة وجودهم وغرض خلقهم کما فی قوله تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، أی لیعرفون ، ومعرفتهم بالله وبالیوم الآخر لا تحصل إلا من طریق النبوة والرسالة لأن عقولهم غیر کافیة فیها ، سیما ما یتعلق منها بأحوال المعاد وحشر العباد فیحتاجون إلی معلم بشری ...

فضل معرفة الله تعالی

الکافی:247/8 : (محمد بن سالم بن أبی سلمة ، عن أحمد بن الریان ، عن أبیه ، عن جمیل بن دراج، عن عبدالله(علیه السّلام)قال: لو یعلم الناس ما فی فضل معرفة الله عز وجل ما مدوا أعینهم إلی ما متع الله به الأعداء من زهرة الحیاة الدنیا ونعیمها ، وکانت دنیاهم أقل عندهم مما یطوونه بأرجلهم ، ولنعموا بمعرفة الله عز وجل وتلذذوا بها تلذذ من لم یزل فی روضات الجنان مع أولیاء الله .

إن معرفة الله عز وجل أنس من کل وحشة ، وصاحب من کل وحدة ، ونور من کل ظلمة ، وقوة من کل ضعف ، وشفاء من کل سقم .

ثم قال(علیه السّلام): وقد کان قبلکم قوم یقتلون ویحرقون وینشرون بالمناشیر وتضیق علیهم الأرض برحبها ، فما یردهم عما هم علیه شئ مما هم فیه ، من غیر ترة وتروا من فعل ذلک بهم ولا أذی ، بل ما نقموا منهم إلا أن یؤمنوا بالله العزیز الحمید ، فاسألوا ربکم درجاتهم واصبروا علی

نوائب دهرکم تدرکوا سعیهم .

مستدرک الوسائل:236/11 (وقال (علیه السّلام): أکثر الناس معرفة أخوفهم لربه .

ص: 173

الحث علی مجالسة أهل المعرفة

مستدرک الوسائل:8/832

الکشی فی الرجال: روی علی بن جعفر عن أبیه ، عن جده ، عن علی بن الحسین (علیهم السّلام) أنه کان یقول لبنیه: جالسوا أهل الدین والمعرفة ، فإن لم تقدروا علیهم فالوحدة آنس وأسلم ، فإن أبیتم مجالسة الناس ، فجالسوا أهل المروات ، فإنهم لا یرفثون فی مجالسهم. انتهی. ورواه فی مسائل علی بن جعفر/338

فضل من مات علی المعرفة

نهج البلاغة:133/2

. . . ولا تستعجلوا بما لم یعجله الله لکم. فإنه من مات منکم علی فراشه وهو علی معرفة حق ربه وحق رسوله وأهل بیته ، مات شهیداً ووقع أجره علی الله ، واستوجب ثواب ما نوی من صالح عمله. وقامت النیة مقام إصلاته لسیفه. وإن لکل شئ مدة وأجلاً .

نعمة معرفة حمد الله وشکره

الصحیفة السجادیة:22/1

والحمدلله الذی لو حبس عن عباده معرفة حمده علی ماأبلاهم من مننه المتتابعة، وأسبغ علیهم من نعمه المتظاهرة ، لتصرفوا فی مننه فلم یحمدوه ، وتوسعوا

فی رزقه فلم یشکروه ، ولو کانوا کذلک لخرجوا من حدود الإنسانیة إلی حد البهیمة ، فکانوا کما وصف فی محکم کتابه: إن هم إلا کالأنعام بل هم أضل سبیلاً . والحمد لله علی ما عرَّفنا من نفسه .

ص: 174

الکافی:394/8

علی بن محمد ، عن بعض أصحابه رفعه قال: کان علی بن الحسین(علیه السّلام)إذا قرأ هذه الآیة: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا ، یقول: سبحان من لم یجعل فی أحد من معرفه نعمه إلا المعرفة بالتقصیر عن معرفتها ، کما لم یجعل فی أحد من معرفة إدراکه أکثر من العلم أنه لا یدرکه ، فشکر عز وجل معرفة العارفین بالتقصیر عن معرفة شکره ، فجعل معرفتهم بالتقصیر شکراً ، کما جعل علم العالمین أنهم لا یدرکونه إیماناً. علماً منه أنه قدر وسع العباد فلا یجاوزون ذلک .

نعمة معرفة کرم الله وآلائه

الصحیفة السجادیة:407/2

وإن أنامتنی الغفلة عن الإستعداد للقائک ، فقد نبهتنی المعرفة بکرمک وآلائک ، وإن أوحش ما بینی وبینک فرط العصیان والطغیان ، فقد آنسنی بشری الغفران والرضوان .

الصحیفة السجادیة:225/2

فو عزتک لو انتهرتنی ما برحت عن بابک ، ولا کففت عن تملقک ، لما أُلهم قلبی من المعرفة بکرمک ، وسعة رحمتک ، إلی من یذهب العبد إلا إلی مولاه ، وإلی من یلتجی المخلوق إلا إلی خالقه .

معرفة الله لا تکون إلا بالله ومن الله

مصباح المتهجد/582

روی أبوحمزة الثمالی قال: کان علی بن الحسین سیدالعابدین صلوات الله علیهما یصلی عامة اللیل فی شهر رمضان ، فإذا کان السحر دعا بهذا الدعاء: إلهی لا

ص: 175

تؤدبنی بعقوبتک ولا تمکر بی فی حیلتک ، من أین لی الخیر یا رب ولا یوجد إلا من عندک ، ومن أین لی النجاة ولا تستطاع إلا بک ، لا الذی أحسن استغنی عن عونک ورحمتک، ولا الذی أساء واجترأ علیک ولم یرضک خرج عن قدرتک ، یا رب یا رب یا رب ، بک عرفتک وأنت دللتنی علیک ودعوتنی إلیک ، ولولا أنت لم أدر ما أنت . . . إلخ .

الکافی:851/1

علی بن محمد ، عمن ذکره ، عن أحمد بن عیسی ، عن محمد حمران ، عن الفضل بن السکن ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): إعرفوا الله بالله ، والرسول بالرسالة ، وأولی الأمر بالمعروف والعدل والاحسان .

ومعنی قوله(علیه السّلام): إعرفوا الله بالله ، یعنی أن الله خلق الأشخاص والأنوار والجواهر والأعیان ، فالأعیان الأبدان ، والجواهر الأرواح ، وهو عز وجل لا یشبه جسماً ولا روحاً ، ولیس لأحد فی خلق الروح الحساس الدراک أمر ولا

سبب ، هو المتفرد بخلق الأرواح والأجسام فإذا نفی عنه الشبهین: شبه الأبدان وشبه الأرواح فقد عرف الله بالله ، وإذا شبهه بالروح أو البدن أو النور ، فلم یعرف الله بالله .

لا یفوز الإنسان بالمعرفة إلا بإذن الله تعالی

أمالی المرتضی:301/1

إن قال قائل: ما تأویل قوله تعالی: ( وَمَا کَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللهِ وَیَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَی الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ ) یونس : 10 .

. . . فأما ظن السائل دخول الإرادة فی محتمل اللفظ فباطل ، لأن الاذن لا یحتمل

ص: 176

الإرادة فی اللغة ، ولو احتملها أیضاً لم یجب ما توهمه لأنه إذا قال إن الإیمان لا یقع إلا وأنا مرید له لم ینف أن یکون مریداً لما لم یقع، ولیس فی صریح الکلام ولا دلالته شئ من ذلک .

وأما قوله تعالی: وَیَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَی الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ ، فلم یعن بذلک الناقصی العقول، وإنما أراد الذین لم یعقلوا ولم یعلموا ما وجب علیهم علمه من معرفة الله خالقهم ، والإعتراف بنبوة رسله والإنقیاد إلی طاعتهم. ووصفهم تعالی بأنهم لا یعقلون تشبیهاً ، کما قال تعالی صُمٌّ بُکْمٌ عُمْیٌ ، وکما یصف أحدنا من لم یفطن لبعض الأمور أو لم یعلم ما هو مأمور بعمله بالجنون وفقد العقل .

الهدایة والإضلال من الله تعالی لکن الإضلال باستحقاق العبد

الکافی:163/1

محمد بن یحیی وغیره، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن محمد بن أبی عمیر، عن محمد بن حکیم قال: قلت لابی عبدالله(علیه السّلام): المعرفة من صنع من هی ؟ قال: من صنع الله ، لیس للعباد فیها صنع .

محمد بن أبی عبدالله ، عن سهل بن زیاد ، عن علی بن إسباط ، عن الحسین بن زید ، عن درست بن أبی منصور ، عمن حدثه ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: ستة أشیاء لیس للعباد فیها صنع: المعرفة والجهل والرضا والغضب والنوم والیقظة .

الکافی:165/1

باب الهدایة أنها من الله عز وجل: عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد بن إسماعیل ، عن إسماعیل السراج ، عن ابن مسکان ، عن ثابت بن سعید قال: قال أبوعبدالله: یا ثابت ما لکم وللناس ، کفوا عن الناس ولا تدعوا أحداً إلی أمرکم ، فوالله لو أن أهل السماوات وأهل الأرضین اجتمعوا

ص: 177

علی أن یهدوا عبداً یرید الله ضلالته ما استطاعوا أن یهدوه ، ولو أن أهل السماوات وأهل الأرضین اجتمعوا علی أن یضلوا عبداً یرید الله هدایته ما استطاعوا أن یضلوه ، کفوا عن الناس ولا یقول أحد: عمی وأخی وابن عمی وجاری ، فإن الله إذا أراد بعبد خیراً طیب روحه فلا یسمع معروفاً إلا عرفه ولا منکراً إلا أنکره ، ثم یقذف الله فی قلبه کلمة یجمع بها أمره .

علی بن إبراهیم بن هاشم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن محمد بن حمران ، عن سلیمان بن خالد ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: قال: إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خیراً نکت فی قلبه نکتة من نور وفتح مسامع قلبه ووکل به ملکاً یسدده ، وإذا أراد بعبد سوءاً نکت فی قلبه نکتة سوداء وسد مسامع قلبه ووکل به شیطاناً یضله، ثم تلا هذه الآیة: فَمَنْ یُرِدِ اللهُ أَنْ یَهْدِیَهُ یَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ وَمَنْ یُرِدْ أَنْ یُضِلَّهُ یَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَیِّقًا حَرَجًا کَأَنَّمَا یَصَّعَّدُ فِی السَّمَاءِ .

دعائم الإسلام:13/1

وروینا عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب صلوات الله علیه أنه سئل ما الإیمان وما الإسلام ؟

فقال: الإسلام الإقرار والإیمان الإقرار والمعرفة فمن عرفه الله نفسه ونبیه وإمامه ثم أقر بذلک فهو مؤمن .

قیل له: فالمعرفة من الله والإقرار من العبد ؟

قال: المعرفة من الله حجة ومنة ونعمة والإقرار من یمن الله به علی من یشاء ، والمعرفة صنع الله فی القلب ، والإقرار فعل القلب بمن من الله وعصمه ورحمه ، فمن لم یجعله الله عارفاً فلا حجة علیه ، وعلیه أن یقف ویکف عما لا یعلم ، ولا

ص: 178

یعذبه الله علی جهله ویثیبه علی عمله بالطاعة ویعذبه علی عمله بالمعصیة ، ولا یکون شئ من ذلک إلا بقضاء الله وقدره وبعلمه وبکتابه بغیر جبر ، لأنهم لو کانوا مجبورین لکانوا معذورین وغیر محمودین ، ومن جهل فعلیه أن یرد إلینا ما أشکل علیه ، قال الله عز وجل: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ . انتهی .

وقد عقد البخاری باباً فی:10/1 تحت عنوان ( باب قول النبی(ص)أنا أعلمکم بالله وإن المعرفة فعل القلب لقول الله تعالی ولکن یؤاخذکم بما کسبت قلوبکم ) ولکنه لم یرو حدیثاً علی أن المعرفة فعل القلب ، ومثل هذه الظاهرة متکررة فی البخاری ، حیث تجد عنواناً ولا معنون له .

دعاء طلب المعرفة من الله تعالی

مصباح المتهجد/411

وما روی عن أبی عمرو بن سعید العمری (رض) قال: أخبرنا جماعة ، عن محمد هرون بن موسی التلعکبری أن أبا علی محمد بن همام أخبره بهذا الدعاء ، وذکر أن الشیخ أبا عمرو العمری قدس الله روحه أملاه علیه وأمره أن یدعو به ، وهو الدعاء فی غیبة القائم من آل محمد علیه وعلیهم السلام :

اللهم عرفنی نفسک ، فإنک إن لم تعرفنی نفسک لم أعرف رسولک .

اللهم عرفنی رسولک ، فإنک إن لم تعرفنی رسولک لم أعرف حجتک .

اللهم عرفنی حجتک ، فإنک إن لم تعرفنی حجتک ضللت عن دینی .

الکافی:337/1

علی بن إبراهیم ، عن الحسن بن موسی الخشاب ، عن عبدالله بن موسی عن عبدالله بن بکیر ، عن زرارة قال: سمعت أباعبدالله(علیه السّلام)یقول: إن للغلام غیبة قبل

ص: 179

أن یقوم ، قال : قلت ولم ؟ قال: یخاف - وأومأ بیده إلی بطنه - ثم قال: یا زرارة وهو المنتظر ، وهو الذی یشک فی ولادته ، منهم من یقول مات أبوه بلا خلف ، ومنهم من یقول حمل ، ومنهم من یقول إنه ولد قبل موت أبیه بسنتین ، وهو المنتظر غیر أن الله عز وجل یحب أن یمتحن الشیعة ، فعند ذلک یرتاب المبطلون یا زرارة .

قال قلت: جعلت فداک إن أدرکت ذلک الزمان أی شئ أعمل ؟ قال: یا زرارة إذا أدرکت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء : اللهم عرفنی نفسک ، فإنک إن لم تعرفنی نفسک لم أعرف نبیک ، اللهم عرفنی رسولک ، فإنک إن لم تعرفنی رسولک لم أعرف حجتک ، اللهم عرفنی حجتک ، فإنک إن لم تعرفنی حجتک ضللت عن دینی .

ثم قال: یا زرارة لابد من قتل غلام بالمدینة ، قلت: جعلت فداک ألیس یقتله جیش السفیانی ؟ قال: لا ولکن یقتله جیش آل بنی فلان ، یجی حتی یدخل المدینة فیأخذ الغلام فیقتله ، فإذا قتله بغیاً وعدواناً وظلماً لا یمهلون ، فعند ذلک توقع الفرج إن شاء الله .

وسائل معرفة الله

أداة معرفة الله تعالی: العقل

الکافی:48/1

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن نوح بن شعیب النیسابوری ، عن عبید الله بن عبدالله الدهقان ، عن درست بن أبی منصور ، عن عروة بن أخی شعیب العقرقوفی عن شعیب ، عن أبی بصیر قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السّلام)یقول:

ص: 180

کان أمیر المؤمنین(علیه السّلام)یقول: یا طالب العلم إن العلم ذو فضائل کثیرة: فرأسه التواضع ، وعینه البراءة من الحسد ، وأذنه الفهم ، ولسانه الصدق ، وحفظه الفحص ، وقلبه حسن النیة وعقله معرفة الأشیاء والأمور ، ویده الرحمة ، ورجله زیارة العلماء .

الکافی:13/1

أبوعبدالله الأشعری ، عن بعض أصحابنا ، رفعه عن هشام بن الحکم قال: قال لی أبوالحسن موسی بن جعفر(علیهماالسّلام): یا هشام إن الله تبارک وتعالی بشر أهل العقل والفهم فی کتابه فقال: فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِکَ الَّذِینَ هَدَاهُمُ اللهُ وَ أُولَئِکَ هُمْ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ .

یا هشام ، إن الله تبارک وتعالی أکمل للناس الحجج بالعقول ، ونصر النبیین بالبیان، ودلهم علی ربوبیته بالأدلة فقال: « وَإِلَهُکُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِیمُ . إِنَّ فِی خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَ الأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْکِ الَّتِی تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِمَا یَنْفَعُ النَّاسَ وَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْیَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِیهَا مِنْ کُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِیفِ الرِّیَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَیْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لایَاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ » .

یا هشام ، قد جعل الله ذلک دلیلاً علی معرفته بأن لهم مدبراً فقال: « وَسَخَّرَ لَکُمُ اللَّیْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِی ذَلِکَ لایَاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ ». وقال: « هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ یُخْرِجُکُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّکُمْ ثُمَّ لِتَکُونُوا شُیُوخًا وَ مِنْکُمْ مَنْ یُتَوَفَّی مِنْ قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّی وَ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ ». وقال: « وَاخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْیَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ

ص: 181

تَصْرِیفِ الرِّیَاحِ آیَاتٌ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ ». وقال: « یُحْیِی الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَیَّنَّا لَکُمُ الأیَاتِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ » .

وقال: « وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَ زَرْعٌ وَنَخِیلٌ صِنْوَانٌ وَغَیْرُ صِنْوَانٍ یُسْقَی بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَی بَعْضٍ فِی الأُکُلِ إِنَّ فِی ذَلِکَ لایَاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ » .

وقال: « وَمِنْ آیَاتِهِ یُرِیکُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَیُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَیُحْیِی بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِی ذَلِکَ لآیَاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ » .

وقال: « قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّکُمْ عَلَیْکُمْ أَلا تُشْرِکُوا بِهِ شَیْئًا وَ بِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَکُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُکُمْ وَإِیَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِکُمْ وَصَّاکُمْ بِهِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ».

وقال: « هَلْ لَکُمْ مِمَّا مَلَکَتْ أَیْمَانُکُمْ مِنْ شُرَکَاءَ فِی مَا رَزَقْنَاکُمْ فَأَنْتُمْ فِیهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ کَخِیفَتِکُمْ أَنْفُسَکُمْ کَذَلِکَ نُفَصِّلُ الأیَاتِ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ » .

یا هشام ، ما بعث الله أنبیاءه ورسله إلی عباده إلا لیعقلوا عن الله ، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة ، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً ، وأکملهم عقلاً أرفعهم درجة فی الدنیا والآخرة .

یا هشام ، إن لله علی الناس حجتین: حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأما الظاهرة فالرسل والأنبیاء والأئمة(علیهم السّلام) ، وأما الباطنة فالعقول .

یا هشام ، إن العاقل الذی لا یشغل الحلال شکره ، ولا یغلب الحرام صبره .

یا هشام ، الصبر علی الوحدة علامة قوة العقل ، فمن عقل عن الله اعتزل أهل الدنیا والراغبین فیها ، ورغب فیما عند الله ، وکان الله أنسه فی الوحشة ، وصاحبه فی الوحدة ، وغناه فی العیلة ، ومعزه من غیر عشیرة .

ص: 182

یا هشام ، إن الله حکی عن قوم صالحین أنهم قالوا: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَیْتَنَا وَ هَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَةً إِنَّکَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ، حین علموا أن القلوب تزیغ وتعود إلی عماها ورداها. إنه لم یخف الله من لم یعقل عن الله ، ومن لم یعقل عن الله لم یعقد قلبه علی معرفة ثابتة یبصرها ویجد حقیقتها فی قلبه ، ولا یکون أحد کذلک إلا من کان قوله لفعله مصدقاً ، وسره لعلانیته موافقاً ، لأن الله تبارک اسمه لم یدل علی الباطن الخفی من العقل إلا بظاهر منه وناطق عنه .

رسائل الشریف المرتضی:127/1

المسألة التاسعة قد سئل(رحمه الله)عن الطریق إلی معرفة الله بمجرد العقل أو من طریق السمع

الجواب: إن الطریق إلی معرفة الله تعالی هو العقل ، ولا یجوز أن یکون السمع ، لأن السمع لا یکون دلیلاً علی الشئ إلا بعد معرفة الله وحکمته ، وإنه لا یفعل القبیح ولا یصدق الکذابین ، فکیف یدل السمع علی المعرفة. ووجه دلالته مبنی علی حصول المعارف بالله حتی یصح أن یوجب علیه النظر. ورددنا علی من یذهب من أصحابنا إلی أن معرفة الله تستفاد من قول الإمام ، لأن معرفة کون الإمام إماماً مبنیة علی المعرفة بالله تعالی . . . .

وبینا أن العاقل إذا نشأ بین الناس ، وسمع اختلافهم فی الدیانات ، وقول کثیر منهم أن للعالم صانعاً خلق العقلاء لیعرفوه ، ویستحقوا الثواب علی طاعاتهم ، وأن من فرط فی المعرفة استحق العقاب: لابد من کونه خائفاً من ترک النظر وإهماله ، لأن خوف الضرر وجهه علی وجوب کل نظر فی دین أو دنیا ، وأنه متی خاف الضرر وجب علیه النظر وقبح منه إهماله والاخلال به .

ص: 183

الرسالة السعدیة للعلامة الحلی/54

وخامسها: أن معرفة الله تعالی واجبة ، ولیس مدرک الوجوب السمع ، لأن معرفة الإیمان یتوقف علی معرفة الموجب ، فیستحیل معرفة الإیجاب قبل معرفة الموجب ، فلو أسندت معرفة الموجب به ، دار .

نهج الحق للعلامة الحلی/51

الحق أن وجوب معرفة الله تعالی مستفاد من العقل وإن کان السمع قد دل علیه بقوله: فاعلم أنه لا إله إلا الله ، لأن شکر المنعم واجب بالضرورة وآثار النعمة علینا ظاهرة ، فیجب أن نشکر فاعلها ، وإنما یحصل بمعرفته ، ولأن معرفة الله تعالی واقعة للخوف الحاصل من الإختلاف ، ودفع الخوف واجب بالضرورة .

وقالت الأشعریة: إن معرفة الله تعالی واجبة بالسمع لا بالعقل فلزمهم ارتکاب الدور المعلوم بالضرورة بطلانه، لأن معرفة الایجاب تتوقف علی معرفة الموجب فإن من لا نعرفه بشئ من الإعتبارات البتة نعلم بالضرورة أنا لا نعرف أنه أوجب ، فلو استفیدت معرفة الموجب من معرفة الایجاب لزم الدور المحال!

وأیضاً لو کانت المعرفة إنما تجب بالأمر لکان الأمر بها إما أن یتوجه إلی العارف بالله تعالی أو إلی غیر العارف والقسمان باطلان ، فتعلیل الایجاب بالأمر محال ، أما بطلان الأول فلانه یلزم منه تحصیل الحاصل وهو محال ، وأما بطلان الثانی: فلان غیر العارف بالله تعالی یستحیل أن یعرف أن الله قد أمره وأن امتثال أمره واجب ، وإذا استحال أن یعرف أن الله تعالی قد أمره وأن امتثال أمره واجب استحال أمره وإلا لزم تکلیف ما لا یطاق. وسیأتی بطلانه إن شاء الله تعالی .

ص: 184

لا یحاسب الله الناس إلا علی قدر معرفتهم ، وما بیَّن لهم ، وما آتاهم

الکافی:163/1-164

عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: إن الله لم ینعم علی عبد نعمة إلا وقد ألزمه فیها الحجة من الله ، فمن منَّ الله علیه فجعله قویاً فحجته علیه القیام بما کلفه ، واحتمال من هو دونه ممن هو أضعف منه ، فمن منَّ الله علیه فجعله موسعاً علیه فحجته علیه ماله ، ثم تعاهده الفقراء بعد بنوافله ، ومن منَّ الله علیه فجعله شریفاً فی بیته ، جمیلاً فی صورته ، فحجته علیه أن یحمد الله تعالی علی ذلک وأن لا یتطاول علی غیره ، فیمنع حقوق الضعفاء لحال شرفه وجماله .

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحجال ، عن ثعلبة بن میمون ، عن عبدالأعلی بن أعین قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)من لم یعرف شیئاً هل علیه شئ ؟ قال: لا .

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن ابن فضال ، عن داود بن فرقد عن أبی الحسن زکریا بن یحیی ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: ما حجب الله عن العباد فهو موضوع عنهم .

محمد بن یحیی وغیره ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسین بن سعید عن ابن أبی عمیر ، عن جمیل بن دراج ، عن ابن الطیار ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام) قال: إن الله احتج علی الناس بما آتاهم وعرفهم .

وبهذا الإسناد ، عن یونس ، عن حماد ، عن عبدالاعلی قال: قلت لابی عبدالله (علیه السّلام): أصلحک الله هل جعل فی الناس أداة ینالون بها المعرفة ؟ قال: فقال: لا، قلت: فهل کلفوا المعرفة ؟ قال: لا ، علی الله البیان: لا یُکَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ، لا یُکَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا ، قال: وسألته عن قوله: وَمَا کَانَ اللهُ لِیُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ

ص: 185

حَتَّی یُبَیِّنَ لَهُمْ مَا یَتَّقُونَ ، قال: حتی یعرفهم ما یرضیه وما یسخطه .

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن میمون ، عن حمزة بن محمد الطیار ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قول الله عز وجل: « وَمَا کَانَ اللهُ لِیُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّی یُبَیِّنَ لَهُمْ مَا یَتَّقُونَ ». قال: « حتی یعرفهم ما یرضیه وما یسخطه ». وقال: « فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا » ، قال: بین لها ما تأتی وما تترک ، وقال: « إِنَّا هَدَیْنَاهُ السَّبِیلَ إِمَّا شَاکِرًا وَ إِمَّا کَفُورًا » ، قال: عرفناه ، إما آخذ وإما تارک. وعن قوله: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَیْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَی عَلَی الْهُدَی ، قال: عرفناهم فاستحبوا العمی علی الهدی وهم یعرفون ؟ وفی روایة: بینا لهم .

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علی بن الحکم ، عن أبان الأحمر عن حمزة بن الطیار ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: أکتب فأملی علی: إن من قولنا أن الله یحتج علی العباد بما آتاهم وعرفهم ، ثم أرسل إلیهم رسولاً وأنزل علیهم الکتاب فأمر فیه ونهی ، أمر فیه بالصلاة والصیام فنام رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن الصلاة فقال: أنا أنیمک وأنا أوقظک فإذا قمت فصل لیعلموا إذا أصابهم ذلک کیف یصنعون ، لیس کما یقولون إذا نام عنها هلک ،وکذلک الصیام أنا أمرضک وأنا أصحک ، فإذا شفیتک فأقضه .

ثم قال أبو عبد الله(علیه السّلام): وکذلک إذا نظرت فی جمیع الأشیاء لم تجد أحداً فی ضیق ، ولم تجد أحداً إلا ولله علیه الحجة ولله فیه المشیئة ، ولا أقول: إنهم ما شاؤوا صنعوا ، ثم قال: إن الله یهدی ویضل ، وقال: وما أمروا إلا بدون سعتهم ، وکل شئ أمر الناس به فهم یسعون له ، وکل شئ لا یسعون له فهو موضوع عنهم ، ولکن الناس لا خیر فیهم ، ثم تلا(علیه السّلام): « لَیْسَ عَلَی الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَی الْمَرْضَی وَلا عَلَی الَّذِینَ لا یَجِدُونَ مَا یُنْفِقُونَ حَرَجٌ » - فوضع عنهم - ما علی المحسنین من سبیل

ص: 186

والله غفور رحیم. ولا علی الذین إذا ما أتوک لتحملهم - قال: فوضع عنهم لانهم لا یجدون .

الإعتقادات للصدوق/168

قال الشیخ أبوجعفر (رحمه الله): إعتقادنا فی ذلک أن الله تعالی فطر جمیع الخلق علی التوحید وذلک قوله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا . وقال الصادق(علیه السّلام) فی قوله تعالی: وَمَا کَانَ اللهُ لِیُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّی یُبَیِّنَ لَهُمْ مَا یَتَّقُونَ . وقال (علیه السّلام): حتی یعرفهم ما یرضیه وما یسخطه .

وقال فی قوله تعالی: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ، قال: بین لها ما تأتی وما تترک من المعاصی .

وقال فی قوله تعالی: إِنَّا هَدَیْنَاهُ السَّبِیلَ إِمَّا شَاکِرًا وَإِمَّا کَفُورًا ، قال: عرفناه إما آخذاً وإما تارکاً .

وفی قوله تعالی: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَیْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَی عَلَی الْهُدَی ، قال: وهم یعرفون .

وسئل عن قول الله عز وجل: وَهَدَیْنَاهُ النَّجْدَیْنِ ، قال: نجد الخیر ونجد الشر .

وقال (علیه السّلام): ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم .

وقال (علیه السّلام): إن الله تعالی احتج علی الناس بما آتاهم وعرفهم .

ص: 187

من أسباب المعرفة وآثارها

ما یورث المعرفة

مستدرک الوسائل:500/7

الحسن بن أبی الحسن الدیلمی فی إرشاد القلوب: عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال فی لیلة المعراج:

یا رب ما أول العبادة ؟ قال: أول العبادة الصمت والصوم ، قال: یا رب وما میراث الصوم؟ قال: یورث الحکمة ، والحکمة تورث المعرفة ، والمعرفة تورث الیقین، فإذا استیقن العبد لا یبالی کیف أصبح بعسر أم بیسر.

ما تورثه المعرفة

مستدرک الوسائل:185/11

. . . قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): فکر ساعة خیر من عبادة سنة ، ولا ینال منزلة التفکر إلا من خصه الله بنور المعرفة والتوحید .

ما یفسد المعرفة ویطفئ نورها

مستدرک الوسائل:218/16

الحسن بن فضل الطبرسی فی مکارم الاخلاق: عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: لا تشبعوا فیطفأ نور المعرفة من قلوبکم .

مستدرک الوسائل:213/16

القطب الراوندی فی لب اللباب: عن جعفر بن محمد (علیهما السلام) أنه قال:

ص: 188

فساد الجسد فی کثرة الطعام ، وفساد الزرع فی کسب الأثام ، وفساد المعرفة فی ترک

الصلاة علی خیر الأنام .

ص: 189

ص: 190

الفصل السادس :خطر ضلال الأمم بعد المعرفة

اشارة

ص: 191

ص: 192

کان نبینا یخاف علی أمته الضلال بعد المعرفة

الکافی:79/2

قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ثلاث أخافهن علی أمتی من بعدی: الضلالة بعد المعرفة ، ومضلات الفتن ، وشهوة البطن والفرج. انتهی.

ورواه فی وسائل الشیعة:11/198 وفی مستدرک الوسائل:276/11 وفی مسند الإمام زید/494

أمالی المفید/111

قال: أخبرنی أبوحفص عمر بن محمد الصیرفی قال: حدثنا علی بن مهرویه القزوینی قال: حدثنا داود بن سلیمان الغاری قال: حدثنا الرضا علی بن موسی قال: حدثنی موسی بن جعفر قال: حدثنی أبی جعفر بن محمد قال: حدثنی أبی محمد بن علی قال: حدثنی علی بن الحسین قال: حدثنی أبی الحسین بن علی قال: حدثنی أبی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ثلاثة أخافهن علی أمتی: الضلالة بعد المعرفة ، ومضلات الفتن ، وشهوة الفرج والبطن .

وقد روت هذا المعنی مصادر إخواننا السنة ، ففی مسند أحمد:420/4:

عن أبی برزة الأسلمی ، قال أبو الأشهب لا أعلمه إلا عن النبی(ص)قال: « إن مما

ص: 193

أخشی علیکم شهوات الغی فی بطونکم وفروجکم ومضلات الفتن ». وفی روایة ومضلات الهوی. انتهی. ورواه فی مجمع الزوائد:305/7 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحیح. ورواه فی کنز العمال:45/16 .

وضع المعرفة فی بنی اسرائیل بعد موسی

العهد القدیم:282/2

الإصحاح الرابع 1 إسمعوا قول الرب یا بنی اسرائیل. إن للرب محاکمة مع سکان الأرض لأنه لا أمانة ولا إحسان ولا معرفة الله فی الأرض. 2 لعنٌ وکذبٌ وقتل وسرقة وفسق.

یعتنفون ودماء تلحق دماء . . . .

قد هلک شعبی من عدم المعرفة. لأنک أنت رفضت المعرفة أرفضک أنا حتی لاتکهن لی . ولأنک نسیت شریعة إلهک أنسی أنا أیضاً بنیک .

العهد القدیم/254

الإصحاح الخامس والعشرون 1 وأقام إسرائیل فی شطیم وابتدأ الشعب یزنون مع بنات موآب. 2 فدعون الشعب إلی ذبائح آلهتهن فأکل الشعب وسجدوا لآلهتهن. 3 وتعلق إسرائیل ببعل فغور. فحمی غضب الرب علی إسرائیل .

العهد القدیم/296

الإصحاح الحادی عشر 1 فأحبب الرب إلهک واحفظ حقوقه وفرائضه وأحکامه ووصایاه کل الأیام. 2 واعلموا الیوم أنی لست أرید بنیکم الذین لم یعرفوا ولا رأوا تأدیب الرب إلهکم عظمته ویده الشدیدة وذراعه الرفیعة. 3 وآیاته وصنائعة التی عملها فی مصر بفرعون ملک مصر وبکل أرضه. 4 والتی عملها بجیش مصر

ص: 194

بخیلهم ومراکبهم حیث أطاف میاه بحر سوف علی وجوههم حین سعوا وراءکم فأبادهم الرب إلی هذا الیوم. 5 والتی عملها لکم فی البریة حتی جئتم إلی هذا المکان. 6 والتی عملها بداثان وأبیرام ابنی الیاب ابن راوبین اللذین فتحت الأرض فاها وابتلعتهما مع بیوتهما وخیامهما وکل الموجودات التابعة لهما فی وسط کل إسرائیل.... 27

البرکة إذا سمعتم لوصایا الرب إلهکم التی أنا أوصیکم بها الیوم. 28 واللعنة إذا لم تسمعوا لوصایا الرب إلهکم وزغتم عن الطریق التی أنا أوصیکم بها الیوم ، لتذهبوا وراء آلهة أخری لم تعرفوها .

العهد القدیم/300

الإصحاح الثالث عشر 1 إذا قام فی وسطک نبی أو حالم حلماً وأعطاک آیة أو أعجوبة 2 ولو حدثت الآیة أو الأعجوبة التی کلمک عنها قائلاً لنذهب وراء آلهة أخری لم نعرفها ونعبدها 3 فلا تسمع لکلام ذلک النبی أو الحالم ذلک الحلم ، لأن الرب إلهکم یمتحنکم لکی یعلم هل تحبون الرب إلهکم من کل قلوبکم ومن کل أنفسکم . . . .

وإذا أغواک سراً أخوک ابن أمک أو ابنک أو ابنتک أو امرأة حضنک أو صاحبک الذی مثل نفسک قائلاً: نذهب ونعبد آلهة أخری لم تعرفها أنت ولا آباؤک 7 من آلهة الشعوب الذین حولک القریبین منک أو البعیدین عنک من أقصاء الأرض إلی أقصائها 8 فلا ترض منه ولا تسمع لا ولا تشفق عینک علیه ولا ترق له ولا تستره... .

قد خرج أناس بنو لئیم من وسطک وطوحوا سکان مدینتهم قائلین: نذهب ونعبد آلهة أخری لم تعرفوها .

العهد القدیم/196

ص: 195

وقال الرب من أجل أن بنات صهیون یتشامخن ویمشین ممدودات الأعناق وغامزات بعیونهن وخاطرات فی مشیهن ویخشخشن بأرجلهن. 17 یصلع السید هامة بنات صهیون

ویعری الرب عورتهن. 18 ینزع السید فی ذلک الیوم زینة الخلاخیل والضفائر والاهلة. 19 والحلق والاساور والبراقع. 20 والعصائب والسلاسل والمناطق وحناجر الشمامات والاحراز. 21 والخواتم وخزائم الأنف. 22 والثیاب المزخرفة والعطف والأردیة والأکیاس. 23 والمرائی والقمصان والعمائم والازر. 24 فیکون عوض الطیب عفونة ، وعوض المنطقة حبل ، وعوض الجدائل قرعة ، وعوض الدیباج زنار مسح ، وعوض الجمال کی .

إتهامهم نبیهم موسی بأنه لم یعرف الله تعالی

العهد القدیم 142

وقال موسی للرب أنظر ، أنت قائل لی أصعد هذا الشعب ، وأنت لم تعرفنی من ترسل معی ، وأنت قد قلت عرفتک باسمک ، ووجدت أیضاً نعمة فی عینی ، 13 فالان إن کنت قد وجدت نعمة فی عینیک فعلمنی طریقک حتی أعرفک لکی أجد نعمة فی عینیک .

بولس یصف فساد الناس فی عصره وبعدهم عن المعرفة

العهد الجدید/246

الإصحاح الأول 21 لانهم لما عرفوا الله لم یمجدوه أو یشکروه کإله بل حمقوا فی أفکارهم وأظلم قلبهم الغبی. 22 وبینما هم یزعمون أنهم حکماء صاروا جهلاء. 23 وأبدلوا مجد الله الذی لا یفنی بشبه صورة الإنسان الذی یفنی والطیور والدواب والزحافات... .

ص: 196

وکذلک الذکور أیضاً تارکین استعمال الأنثی الطبیعی اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض فاعلین الفحشاء ذکوراً بذکور ونائلین فی أنفسهم جزاء ضلالهم المحق. 28 وکما لم یستحسنوا أن یبقوا الله فی معرفتهم أسلمهم الله إلی ذهن مرفوض لیفعلوا ما لا یلیق. 29 مملوئین من کل إثم وزناً وشر وطمع وخبث ، مشحونین حسداً وقتلاً وخصاماً ومکراً وسوءاً. 30 نمامین مفترین مبغضین لله ، ثالبین متعظمین مدعین مبتدعین شروراً ، غیر طائعین للوالدین. 31 بلا فهم ولا عهد ولا حنو ولا رضی ولا رحمة. 32 الذین إذ عرفوا حکم الله أن الذین یعملون مثل هذه یستوجبون الموت لا یفعلونها فقط ، بل أیضاً یسرون بالذین یعملون .

المعرفة التی دعا إلیها بولس الذی نَصَّر النصاری

العهد الجدید/381

رسالة بطرس الرسول الثانیة الإصحاح الأول. 1 سمعان بطرس عبد یسوع المسیح ورسوله إلی الذین نالوا معنا إیماناً ثمیناً مساویاً لنا ببر إلهنا والمخلص یسوع المسیح. 2 لتکثر لکم النعمة والسلام بمعرفة الله ویسوع ربنا. 3 کما أن قدرته الإلهیة قد وهبت لنا کل ما هو للحیاة والتقوی بمعرفة الذی دعانا بالمجد والفضیلة. 4 اللذین بهما قد وهب لنا المواعید العظمی والثمینة ، لکی تصیروابها شرکاء الطبیعة الإلهیة هاربین من الفساد الذی فی العالم بالشهوة . . . لأن هذه إذا کانت فیکم وکثرت تُصَیِّرکم لا متکاسلین ولا غیر مثمرین لمعرفة ربنا یسوع المسیح... .

العهد الجدید/389

الاصحاح الرابع 1 أیها الأحباء لا تصدقوا کل روح بل امتحنوا الأرواح هل هی

ص: 197

من الله لأن أنبیاء کذبة کثیرین قد خرجوا إلی العالم. 2 بهذا تعرفون روح الله. کل روح یعترف بیسوع المسیح أنه قد جاء فی الجسد فهو من الله. 3 وکل روح لا یعترف بیسوع المسیح أنه قد جاء فی الجسد فلیس من الله . . . نحن من الله فمن یعرف الله یسمع لنا ومن لیس من الله لا یسمع لنا. من هذا نعرف روح الحق وروح الضلال .

ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التی لله فینا. الله محبة ومن یثبت فی المحبة یثبت فی الله والله فیه .

العهد الجدید/390

الإصحاح الخامس 1 کل من یؤمن أن یسوع هو المسیح فقد ولد من الله ، وکل من یحب الوالد یحب المولود منه أیضاً. 2 بهذا نعرف إننا نحب أولاد الله إذا أحببنا الله وحفظنا وصایاه . . . ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصیرة لنعرف الحق ، ونحن فی الحق فی ابنه یسوع المسیح ، هذا هو الاله الحق والحیاة الابدیة. 21 أیها الأولاد إحفظوا أنفسکم من الأصنام .

متی اخترع المسیحیون التثلیث بعد التوحید

قاموس الکتاب المقدس/232

الثالوث الأقدس ( تثلیث ) عرف قانون الإیمان هذه العقیدة بالقول ( نؤمن بإله واحد الأب والابن والروح القدس إله واحد جوهر واحد متساوین فی القدرة والمجد ). فی طبیعة هذا الإله الواحد تظهر ثلاثة خواص أزلیة ، یعلنها الکتاب فی صورة شخصیات ( أقانیم ) متساویة. ومعرفتنا بهذه الشخصیة المثلثة الأقانیم لیست إلا حقاً سماویاً أعلنه لنا الکتاب فی العهد القدیم بصورة غیر واضحة

ص: 198

المعالم ، لکنه قدمه فی العهد الجدید واضحاً ، ویمکن أن نلخص العقیدة فی هذه النقاط الست التالیة:

1 - الکتاب المقدس یقدم لنا ثلاث شخصیات یعتبرهم شخص الله .

2 - هؤلاء الثلاثة یصفهم الکتاب بطریقة تجعلهم شخصیات متمیزة الواحدة عن الأخری .

3 - هذا التثلیث فی طبیعة الله لیس موقتاً أو ظاهریاً بل أبدی وحقیقی .

4 - هذا التثلیث لا یعنی ثلاثة آلهة بل إن هذه الشخصیات الثلاث جوهر واحد .

5 - الشخصیات الثلاث الأب والابن والروح القدس متساوون .

6 - ولا یوجد تناقض فی هذه العقیدة ، بل بالاحری أنها تقدم لنا المفتاح لفهم باقی العقائد المسیحیة. ولقد کانت هذه الحقیقة متضمنة فی تعلیم المسیح ( یو:9-141: 1 ویو 14: 26 ویو 15: 26 ) .

وقد تمسکت الکنیسة بما جاء واضحاً فی مت 28: 19 ، وتحدث الرسل مقدمین هذه الحقیقة فی 2 کو 13: 14 و 1 بط 1: 2 و 1 یو 5: 7 .

ولا نستطیع أن نغفل منظر معمودیة المسیح وفیه یسمنع صوت الأب واضحاً موجهاً إلی المسیح ، ویستقر الروح القدس علی رأس المسیح الابن فی شکل حمامة ( مت 3: 16 و 17 ومر 1: 10 و 11 ولو 3: 21 و 22 ویو 1: 32 و 33 ) .

ولقد کان یقین الکنیسة وإیمانها بلاهوت المسیح هو الدافع الحتمی لها لتصوغ حقیقة التثلیث فی قالب یجعلها المحور الذی تدور حوله کل معرفة المسیحیین بالله فی تلک البیئة الیهودیة أو الوثنیة وتقوم علیه .

والکلمة نفسها ( التثلیث أو الثالوث ) لم ترد فی الکتاب المقدس ، ویظن أن أول من صاغها واخترعها واستعملها هو ترتلیان فی القرن الثانی للمیلاد. ثم ظهر

ص: 199

سبیلیوس ببدعته فی منتصف القرن الثالث وحاول أن یفسر العقیدة بالقول: إن التثلیث لیس أمراً حقیقیاً لله لکنه مجرد إعلان خارجی ، فهو حادث موقت ولیس أبدیاً. ثم ظهرت بدعة إریوس الذی نادی بأن الاب وحده هو الأزلی بینما الابن والروح القدس مخلوقان متمیزان عن سائر الخلیقة .

وأخیراً ظهر إثناسیوس داحضاً هذه النظریات وواضعاً أساس العقیدة السلیمة التی قبلها واعتمدها مجمع نیقیة فی عام 325 میلادیة .

ولقد تبلور قانون الإیمان الاثناسیوسی علی ید اغسطینوس فی القرن الخامس ، وصار القانون عقیدة الکنیسة الفعلیة من ذلک التاریخ إلی یومنا هذا .

ص: 200

الفصل السابع : متی تجب المعرفة علی الإنسان

اشارة

ص: 201

ص: 202

فی أی سن یجب التفکیر والمعرفة

رسائل الشهید الثانی:135/2

إعلم أن المتکلمین حددوا وقت التکلیف بالمعرفة بالتمکن من العلم بالمسائل الأصولیة ، حیث قالوا فی باب التکلیف أن المکلف یشترط کونه قادراً علی ما کلف به ممیزاً بینه وبین غیره مما لم یکلف به متمکناً من العلم بما کلف به ، إذ التکلیف بدون ذلک محال. وظاهر أن هذا لا یتوقف علی تحقق البلوغ الشرعی بإحدی العلامات المذکورة فی کتب الفروع ، بل قد یکون قبل ذلک بسنتین أو بعده کذلک ، بحسب مراتب الإدراک قوة وضعفاً. وذکر بعض فقهائنا أن وقت التکلیف بالمعارف الإلهیة هو وقت التکلیف بالأعمال الشرعیة ، إلا أنه یجب أولاً بعد تحقق البلوغ والعقل المسارعة إلی تحصیل المعارف قبل الإتیان بالأعمال .

أقول: هذا غیر جید ، لأنه یلزم منه أن یکون الاناث أکمل من الذکور ، لأن الأنثی تخاطب بالعبادات عند کمال التسع إذا کانت عاقلة ، فتخاطب بالمعرفة أیضاً عند ذلک، والصبی لا یبلغ عند کمال التسع بالإحتلام ولا بالانبات علی ما جرت به العادة، فلا یخاطب بالمعرفة وإن کان ممیزاً عاقلاً لعدم خطابه بالعبادات ، فتکون أکمل منه استعداداً للمعارف ، وهو بعید عن مدارک العقل والنقل. ومن

ص: 203

ثم ذهب بعض العلماء إلی وجوب المعرفة علی من بلغ عشراً عاقلاً ، ونسب ذلک إلی الشیخ أبی جعفر الطوسی(قدسّ سرّه)وأیضاً هذا لا یوافق ما هو الحق من أن معرفة الله تعالی واجبة عقلاً لا سمعاً ، لأنا لو قلنا إن المعرفة لا تجب إلا بعد تحقق البلوغ الشرعی الذی هو مناط وجوب العبادات الشرعیة ، لکنا قد أوجبنا المعرفة بالشرع لا بالعقل ، لأن البلوغ المذکور إنما علم من الشرع ، ولیس فی العقل ما یدل علی أن وجوب المعرفة إنما یکون عند البلوغ المذکور ، فلو وجبت عنده لکان الوجوب معلوماً من الشرع ، لا من العقل .

لا یقال: العقل إنما دل علی وجوب المعرفة فی الجملة دون تحدید وقته ، والشرع إنما دل علی تحدید وقت الوجوب وهو غیر الوجوب ، فلا یلزم کون الوجوب شرعیاً .

لأنا نقول: لا نسلم أن فی الشرع ما یدل علی تحدید وقت وجوب المعرفة أیضاً، بل إنما دل علی تحدید وقت العبادات فقط ، نعم دل الشرع علی تقدم المعرفة علی العبادات فی الجملة ، وهو أعم من تعیین وقت التقدم ، فلا یدل علیه .

وأیضاً لامعنی لکون العقل یدل علی وجوب المعرفة فی الجملة من دون اطلاعه علی وقت الوجوب ، إذ لا ریب أنه یلزم من الحکم بوجوبها کونها واجبة فی وقت الحکم .

والحاصل: أنه لا یمکن العلم بوجوبها إلا بعد العلم بوقت وجوبها ، فالوقت کما أنه ظرف لها فهو ظرف للوجوب أیضاً .

وتوضیحه: أن العبد متی لاحظ هذه النعم علیه وعلم أن هناک منعماً أنعم بها علیه ، أوجب علی نفسه شکره علیها فی ذلک الوقت ، خوفاً من أن یسلبه إیاها لو لم یشکره ، وحیث أنه لم یعرفه بعد یوجب علی نفسه النظر فی معرفته فی ذلک

ص: 204

الوقت لیمکنه شکره ، فقد علم أنه یلزم من وجوب المعرفة بالعقل معرفة وقتها أیضاً .

نعم ما ذکروه إنما یتم علی مذهب الأشاعرة ، حیث أن وجوب المعرفة عندهم سمعی .

فإن قلت: قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): رفع القلم عن الصبی حتی یبلغ ، فیه دلالة علی تحدید وقت وجوب المعرفة بالبلوغ الشرعی ، لأن رفع القلم کنایة عن رفع التکلیف وعدم جریانه علیه إلی الغایة المذکورة ، فقبلها لا یکون مکلفاً بشئ ، سواء کان قد عقل أم لا .

قلت: لا نسلم دلالته علی ذلک ، بل إن دل فإنما یدل علی أن البلوغ الشرعی غایة لرفع التکلیف مطلقاً. وإن کان عقلیاً ، فیبقی الدلیل الدال علی کون التکلیف بالمعرفة عقلیاً سالماً عن المعارض ، فإنه یستلزم تحدید وقت وجوب المعرفة بکمال العقل ، کما تقدمت الإشارة إلیه .

والحاصل: أن عموم رفع القلم مخصص بالدلیل العقلی ، وقد عرف العقل الذی هو مناط التکالیف الشرعیة بأنه قوة للنفس بها تستعد للعلوم والإدراکات ، وهو المعنی بقولهم غریزة یتبعها العلم بالضروریات عند سلامة الآلات ، وهذا التفسیر اختاره المحقق الطوسی(رحمه الله)وجماعة .

مجمع الفائدة والبرهان:409/10

المراهق إذا أسلم حکم بإسلامه ، فإن ارتد بعد ذلک یحکم بارتداده وإن لم یتب قتل . . .

وقال أبو حنیفة: یصح إسلامه وهو مکلف بالإسلام ، وإلیه ذهب بعض أصحابنا

ص: 205

، لأنه یمکنه معرفة التوحید بالنظر والإستدلال ، فصح منه کالبالغ ، ونقل الشیخ عن أصحابه أنهم حکموا بإسلام علی(علیه السّلام)وهو غیر بالغ وحکم بإسلامه بالإجماع. والإستدلال بالروایة مشکل ، لعدم ظهور الصحة والدلالة علی هذا المطلب ، وما نقل عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)مما لا یقاس علیه غیره ، فإن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والأئمة(علیهم السّلام) لیسوا من قبیل سائر الناس ، ولهذا حکموا بکون الحجة صلوات الله وسلامه علیه إماماً مع کونه ابن خمس سنین .

نعم الحکم بإسلام المراهق غیر بعید لعموم من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فهو مسلم ، وقاتلوهم حتی یقولوا لا إله إلا الله ، وأمثاله کثیرة. ولأنهم إذا قدروا علی الإستدلال وفهموا أدلة وجود الواجب والتوحید وما یتوقف علیه، ووجوب المعرفة والنظر فی المعرفة ، یمکن أن یجب علیهم ذلک ، لأن دلیل وجوب المعرفة عقلی ، فکل من یعرف ذلک یدخل تحته ، ولا خصوصیة له بالبالغ ، ولا استثناء فی الأدلة العقلیة ، فلا یبعد تکلیفهم ، بل یمکن أن یجب ذلک ، فإذا أوجب علیهم یجب أن یصح منهم ، بل یلزم من الحکم بالصحة وجوبه أیضاً ، ویترتب علیه الأحکام . . . وقد أجمعوا علی عدم وجوب الفروع علیهم وعدم تکلیفهم بها ، ولهذا صرح بعض العلماء بأن الواجبات الأصولیة العقلیة تجب علی الصغیر قبل بلوغه دون الفرعیة. والظاهر أن ضابطة القدرة علی الفهم والأخذ والإستدلال علی وجه مقنع ، ففی کل من وجب فیه ذلک یصح ویمکن أن یجب علیه ذلک المقدار ، ومن لم یوجد فیه ذلک لم یجب. وقال فی الدروس ، وهو لما قاله الشیخ قریب ولا شک أنه أحوط ، وما استدل به الشیخ مؤید فقوله قریب .

قال فی التذکرة: غیر الممیز والمجنون لا یصح إسلامهما مباشرة إجماعاً ولا

ص: 206

یحکم بإسلامهما إلا بالتبعیة لغیره. فیرید بهما من لا قدرة له علی الإستدلال ، ولا یفهم وجوب المعرفة ونحوه ، وجنون المجنون أخرجه عن الفهم والقدرة علی الإستفهام والإستدلال مثل غیر الممیز ، وأما إذا کان لهم فهم مستقل لا یبعد اعتباره حینئذ وإجراء الأحکام فی حقه علیه ، فتأمل .

حکم الإنسان فی مرحلة التفکیر والبحث

رسائل الشهید الثانی:133/2

المبحث الثالث فی أن الإنسان فی زمان مهلة النظر . . . هل هو کافر أو مؤمن ؟ جزم السید الشریف المرتضی (رض) بکفره ، واستشکل بعضهم. والظاهر أن محل النزاع فی من لم یسبق منه اعتقاد ما یوجب الکفر ، فإنه فی زمان طلب الحق بالنظر فیه مع بقاء ذلک الإعتقاد لا ریب فی کفره. بل النزاع فی من هو فی أول مراتب التکلیف إذا وجه نفسه للنظر فی تحقیق الحق لیعتقده ولم یکن معتقداً لما یوجب الکفر بل هو متردد حتی یرجح عنده شئ فیعتقده. وکذا من سبق له اعتقاد ما یوجب الکفر رجع عنه إلی الشک بسبب نظره فی تحقیق الحق ولما یترجح عنده الحق ، فهذان هل هما کافران فی مدة النظر أم لا ؟

أقول: ما تقدم من تعریف الکفر بأنه عدم الإیمان مما من شأنه أن یکون مؤمناً یقتضی الحکم بکفرهما حالة النظر ، لصدق عدم الإیمان علیهما فی تلک الحالة، وهذا مشکل جداً ، لأنه یقتضی الحکم بکفر کل أحد أول کمال عقله الذی هو أول وقت التکلیف بالمعرفة ، لأنه أول وقت إمکان النظر ، إذ النظر قبله لا عبرة به ، ویقتضی أن یکون من أدرکه الموت فی تلک الحالة مخلداً فی جهنم. ولا یخفی بعد ذلک عن حکمة الله تعالی وعدله ، ولزوم: إما تکلیف ما لا یطاق إن

ص: 207

عذبه علی ترک الإیمان ، حیث لم یمض له وقت یمکن تحصیله فیه قبل الموت کما هو المفروض، أو الظلم الصرف إن لم یقدر علی ذلک ، تعالی الله عن ذلک، إذ لم یسبق له إعتقاد ما یوجب الکفر کما هو المفروض أیضاً ، لیکون التعذیب علیه .

ویلزم من ذلک القدح فی صحة تعریف الکفر بذلک. اللهم إلا أن یقال: إن مثل هذا النوع من الکفر لا یعذب صاحبه ، لکن لا یلزم منه القدح فی الإجماع علی أن کل کافر مخلد فی النار ، ولیس بعیداً التزام ذلک ، وأن یکون المراد من الکافر المخلد من کان کفره عن اعتقاد ، فیکون الإجماع مخصوصاً بمن عدا الأول .

إن قلت: إن لم یکن هذا الشخص من أهل النار ، یلزم أن یکون من أهل الجنة ،إذ لا واسطة بینهما فی الآخرة علی المذهب الحق ، فیلزم أن یخلد فی الجنة من لا إیمان له أصلاً کما هو المفروض ، وهو مخالف لما انعقد علیه الإجماع من أن غیر المؤمن لا یدخل الجنة .

قلت: یجوز أن یکون إدخاله الجنة تفضلاً من الله تعالی کالأطفال ، ویکون الإجماع مخصوصاً بمن کلف الإیمان ومضت علیه مدة کان یمکنه تحصیله فیها فقصر .

وأقول أیضاً: الذی یقتضیه النظر إن هذا الشخص لا یحکم علیه بکفر ولا بإیمان فی زمان النظر حقیقة بل تبعاً کالأطفال ، فإنه لم یتحقق له التکلیف التام لیخرج عن حکم الأطفال ، فهو باق علی ذلک إلی أن یمضی علیه زمان یمکن فیه النظر الموصل إلی الإیمان ، لکن هذا لا یتم فی من لم یسبق له کفر ، کمن هو فی أول بلوغه. أما من سبق له اعتقاد الکفر ثم رجع عنه إلی الشک ، فیتم فیه .

ص: 208

تجب المعرفة بالتفکیر ولا یصح فیها التقلید

الاقتصاد للشیخ الطوسی/9

الطریق إلی معرفة الأشیاء أربعة لا خامس لها:

أولها ، أن یعلم الشئ ضرورة لکونه مرکوزاً فی العقول ، کالعلم بأن الإثنین أکثر من واحد ، وأن الجسم الواحد لا یکون فی مکانین فی حالة واحدة ، وأن الجسمین لا یکونان مکان واحد فی حالة واحدة ، والشئ لا یخلو من أن یکون ثابتاً أو منفیاً ، وغیر ذلک مما هو مرکوز فی العقول .

والثانی، أن یعلم من جهة الإدراک إذا أدرک وارتفع اللبس ، کالعلم بالمشاهدات والمدرکات بسائر الحواس .

والثالث ، أن یعلم بالأخبار کالعلم بالبلدان والوقائع وأخبار الملوک وغیر ذلک .

والرابع ، أن یعلم بالنظر والإستدلال .

والعلم بالله تعالی لیس بحاصل من الوجه الأول ، لأن ما یعلم ضرورة لا یختلف العقلاء فیه بل یتفقون علیه ، ولذلک لا یختلفون فی أن الواحد لا یکون أکثر من اثنین ، وأن الشبر لا یطابق الذراع . والعلم بالله فیه خلاف بین العقلاء فکیف یجوز أن یکون ضروریاً .

ولیس الإدراک أیضاً طریق العلم بمعرفة الله تعالی ، لأنه تعالی لیس بمدرک بشئ من الحواس علی ما سنبینه فیما بعد ، ولو کان مدرکاً محسوساً لأدرکناه مع صحة حواسنا وارتفاع الموانع المعقولة .

والخبر أیضاً لا یمکن أن یکون طریقاً إلی معرفته ، لأن الخبر الذی یوجب العلم هو ما کان مستنداً إلی مشاهدة وإدراک ، کالبلدان والوقائع وغیر ذلک ، وقد بینا أنه لیس بمدرک ، والخبر الذی لا یستند إلی الإدراک لا یوجب العلم. ألا تری

ص: 209

أن جمیع المسلمین یخبرون من خالفهم بصدق محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلا یحصل لمخالفیهم العلم به لأن ذلک طریقه الدلیل ، وکذلک جمیع الموحدین یخبرون الملحدة بحدوث العالم فلا یحصل لهم العلم به لأن ذلک طریقه الدلیل .

فإذا بطل أن یکون طریق معرفته الضرورة أو المشاهدة أو الخبر ، لم یبق إلا أن یکون طریقة النظر .

فإن قیل: أین أنتم عن تقلید المتقدمین ؟

قلنا: التقلید إن أرید به قبول قول الغیر من غیر حجة وهو حقیقة التقلید فذلک قبیح فی العقول ، لأن فیه إقداماً علی ما لا یأمن کون ما یعتقده عند التقلید جهلاً لتعریه من الدلیل ، والأقدام علی ذلک قبیح فی العقول ، ولانه لیس فی العقول أن تقلید الموحد أولی من تقلید الملحد إذا رفعنا النظر والبحث عن أوهامنا ولا یجوز أن یتساوی الحق والباطل .

فإن قیل: نقلد المحق دون المبطل .

قلنا: العلم بکونه محقاً لا یمکن حصوله إلا بالنظر ، لانا إن علمناه بتقلید آخر أدی إلی التسلسل ، وإن علمناه بدلیل فالدلیل الدال علی وجوب القبول منه یخرجه عن باب التقلید ، ولذلک لم یکن أحدنا مقلداً للنبی أو المعصوم فیما نقبله منه لقیام الدلیل علی صحة ما یقوله .

ولیس یمکن أن یقال: نقلد الأکثر ونرجع إلیهم ، وذلک لأن الأکثر قد یکونون علی ضلال بل ذلک هو المعتاد المعروف ، ألا تری أن الفرق المبطلة بالإضافة إلی الفرق المحقة جزء من کل وقلیل من کثیر .

ولا یمکن أن یعتبر أیضاً بالزهد والورع ، لأن مثل ذلک یتفق فی المبطلین ، فلذلک تری رهبان النصاری علی غایة العبادة ورفض الدنیا مع أنهم علی باطل

ص: 210

فعلم بذلک أجمع فساد التقلید .

فإن قیل: هذا القول یؤدی إلی تضلیل أکثر الخلق وتکفیرهم ، لأن أکثر من تعنون من العقلاء لا یعرفون ما یقولونه ، من الفقهاء والأدباء والرؤساء والتجار وجمهور العوام ، ولا یهتدون إلی ما یقولونه ، وإنما یختص بذلک طائفة یسیرة من المتکلمین ، وجمیع من خالفهم یبدعهم فی ذلک ، ویؤدی إلی تکفیر الصحابة والتابعین وأهل الأمصار ، لأنه معلوم أن أحداً من الصحابة والتابعین لم یتکلم فیما تکلم فیه المتکلمون ولا سمع منه حرف واحد ولا نقل عنهم شئ منه ، فکیف یقال بمذهب یؤدی إلی تکفیر أکثر الأمة وتضلیلها ، وهذا باب ینبغی أن یزهد فیه ویرغب عنه .

قیل: هذا غلط فاحش وظن بعید ، وسوء ظن بمن أوجب النظر المؤدی إلی معرفة الله ، ولسنا نرید بالنظر المناظرة والمحاجة والمخاصمة والمحاورة التی یتداولها المتکلمون ویجری بینهم ، فإن جمیع ذلک صناعة فیها فضیلة وإن لم تکن واجبة ، وإنما أوجبنا النظر الذی هو الفکر فی الأدلة الموصلة إلی توحید الله تعالی وعدله ومعرفة نبیه وصحة ما جاء به ، وکیف یکون ذلک منهیاً عنه أو غیر واجب والنبی(علیه السّلام)لم یوجب القبول منه علی أحد إلا

بعد إظهار الإعلام والمعجزة من القرآن وغیره ، ولم یقل لأحد إنه یجب علیک القبول من غیر آیة ولا دلالة. وکذلک تضمن القرآن من أوله إلی آخره التنبیه علی الأدلة ووجوب النظر ، قال الله تعالی: أَوَ لَمْ یَنْظُرُوا فِی مَلَکُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَئْ وقال: أَفَلا یَنْظُرُونَ إلی الإبِلِ کَیْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَی السَّمَاءِ کَیْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَی الْجِبَالِ کَیْفَ نُصِبَتْ. وَإِلَی الأَرْضِ کَیْفَ سُطِحَتْ. وقال: وَفِی أَنْفُسِکُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ. وقال: قتل الإنسان ما أکفره. من أی شئ خلقه. من نطفة خلقه.

ص: 211

الآیة. وقال: إِنَّ فِی خَلْقِ السَّمَوِاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ لایَاتٍ لأُولِی الأَلْبَابِ. إلی قوله: إِنَّکَ لا تُخْلِفُ الْمِیعَادَ. وقال: فَلْیَنْظُرِ الإنْسَانُ إلی طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ، ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا، إلی قوله: مَتَاعًا لَکُمْ وَلأَنْعَامِکُمْ. وقال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِینٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِی قَرَارٍ مَکِینٍ. إلی قوله فَتَبَارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِینَ. وقال: إِنَّ فِی ذَلِکَ لایَاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ ، لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ ، ولأُولِی الأَلْبَابِ ، ولمن کان له قلب ، یعنی عقل. وغیر ذلک من الآیات التی تعدادها یطول .

وکیف یحث تعالی علی النظر وینبه علی الأدلة وینصبها ویدعو إلی النظر فیها ، ومع ذلک یحرمها. إن هذا لا یتصوره إلا غبیٌّ جاهل. فأما من أومی إلیه من الصحابة والتابعین وأهل الأعصار من الفقهاء والفضلاء والتجار والعوام ، فأول ما فیه أنه غیر مسلم ، بل کلام الصحابة والتابعین مملؤ من ذلک .

. . . وروی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنه قال: أعرفکم بنفسه أعرفکم بربه. وقال أمیر المؤمنین(علیه السّلام)فی خطبته المعروفة: أول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفته توحیده ، ونظام توحیده نفی الصفات عنه ، لشهادة العقول إن من حلته الصفات فهو مخلوق ، وشهادتها أنه خالق لیس بمخلوق ثم قال: بصنع الله یستدل علیه ، وبالعقول یعتقد معرفته ، وبالنظر یثبت حجته ، معلوم بالدلالات، مشهور بالبینات، إلی آخر الخطبة. وخطبه فی هذا المعنی أکثر من أن تحصی .

وقال الحسن(علیه السّلام): والله ما یعبد الله إلا من عرفه ، فأما من لم یعرفه فإنما یعبده هکذا ضلالاً ، وأشار بیده .

وقال الصادق(علیه السّلام): وجدت علم الناس فی أربع: أولها أن تعرف ربک ، والثانی أن تعرف ما صنع بک ، والثالث أن تعرف ما أراد منک ، والرابع أن تعرف ما

ص: 212

یخرجک من دینک... .

فإن قالوا: أکثر من أومأتم إلیه إذا سألته عن ذلک لا یحسن الجواب عنه .

قلنا: وذلک أیضاً لا یلزم ، لأنه لا یمتنع أن یکون عارفاً علی الجملة وإن تعذرت علیه العبارة عما یعتقده ، فتعذر العبارة عما فی النفس لا یدل علی بطلان ذلک ولا ارتفاعه .

الرسالة السعدیة للعلامة الحلی/3-9

وقد حرم الله تعالی علی جمیع العبید سلوک طریق التقلید ، بل أوجب البحث فی أصول العقاید الیقینیة وتحصیلها باستعمال البراهین القطعیة . . . المقدمة

الثانیة فی تحریم التقلید. طلب الله تعالی من المکلف اعتقاداً جازماً یقینیاً مأخوذاً من الحجج والأدلة ، وذلک فی المسائل الأصولیة ، واعتقاداً مستفاداً إما من الحجة ، أو من التقلید فی المسائل الفروعیة .

رسائل المحقق الکرکی:59/1

یجب علی کل مکلف حرّ وعبد ذکر وأنثی أن یعرف الأصول الخمسة التی هی أرکان الإیمان ، وهی: التوحید ، والعدل ، والنبوة ، والإمامة ، والمعاد ، بالدلیل لا بالتقلید. ومن جهل شیئاً من ذلک لم ینتظم فی سلک المؤمنین ، واستحق العقاب الدائم مع الکافرین .

رسائل المحقق الکرکی:80/1 وج 173/3

ویجب أمام فعلها معرفة الله تعالی ، وصفاته الثبوتیة والسلبیة ، وعدله وحکمته ، ونبوة نبینا محمد صلوات الله علیه وآله ، وإمامة الائمة(علیهم السّلام) والإقرار بکل ما جاء

ص: 213

به النبی صلوات الله علیه وآله من أحوال المعاد ، بالدلیل لا بالتقلید .

قوله: بالدلیل لا بالتقلید ، الدلیل هو ما یلزم من العلم به العلم بشئ آخر إثباتاً أو نفیاً. والتقلید هو الأخذ بقول الغیر من غیر حجة ملزمة ، مأخوذ من تقلیده بالقلادة وجعلها عنقه کأن المقلد یجعل ما یعتقده من قول الغیر من حق أو باطل قلادة فی عنق من قلده .

رسائل الشهید الثانی:56/2

إعلم أن العلماء أطبقوا علی وجوب معرفة الله تعالی بالنظر وأنها لا تحصل بالتقلید ، إلا من شذ منهم کعبدالله بن الحسن العنبری والحشویة والتعلیمیة ، حیث ذهبوا إلی جواز التقلید فی العقائد الأصولیة ، کوجود الصانع وما یجب له ویمتنع ، والنبوة ، والعدل وغیرها ، بل ذهب إلی وجوبه .

لکن اختلف القائلون بوجوب المعرفة فی أنه عقلی أو سمعی ، فالإمامیة والمعتزلة علی الأول والأشعریة علی الثانی ، ولا غرض لنا هنا ببیان ذلک ، بل ببیان أصل الوجوب المتفق علیه .

من ذلک: أن لله تعالی علی عبده نعماً ظاهرة وباطنة لا تحصی ، یعلم ذلک کل عاقل ، ویعلم أنها لیست منه ولا من مخلوق مثله. ویعلم أیضاً أنه إذا لم یعترف بإنعام ذلک المنعم ولم یذعن بکونه هو المنعم لا غیره ولم یسع فی تحصیل مرضاته، ذمه العقلاء ، ورأوا سلب تلک النعم عنه حسناً ، وحینئذ فتحکم ضرورة العقل بوجوب شکر ذلک المنعم. ومن المعلوم أن شکره علی وجه یلیق بکمال ذاته یتوقف علی معرفته ، وهی لا تحصل بالظنیات کالتقلید وغیره ، لاحتمال کذب المخبر وخطأ الإمارة ، فلابد من النظر المفید للعلم .

وهذا الدلیل إنما یستقیم علی قاعدة الحسن والقبح ، والأشاعرة ینکرون ذلک ،

ص: 214

لکنه کما یدل علی وجوب المعرفة بالدلیل، یدل أیضاً علی کون الوجوب عقلیاً.

واعترض أیضاً بأنه مبنی علی وجوب ما لا یتم الواجب المطلق الابه ، وفیه أیضاً منع للأشاعرة. ومن ذلک أن الأمة اجتمعت علی وجوب المعرفة، والتقلید وما فی حکمه لا یوجب العلم ، إذ لو أوجبه لزم اجتماع الضدین فی مثل تقلید من یعتقد حدوث العالم ویعتقد قدمه .

وقد اعترض علی هذا بمنع الإجماع ، کیف والمخالف معروف ، بل عورض بوقوع الإجماع علی خلافه ، وذلک لتقریر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأصحابه العوام علی إیمانهم وهم الأکثرون فی کل عصر ، مع عدم الإستفسار عن الدلائل الدالة علی الصانع وصفاته ، مع أنهم کانوا لا یعلمونها ، وإنما کانوا مقرین باللسان ومقلدین فی المعارف ، ولو کانت المعرفة واجبة لما جاز تقریرهم علی ذلک مع الحکم بإیمانهم .

وأجیب عن هذا: بأنهم کانوا یعلمون الأدلة إجمالاً، کدلیل الاعرابی حیث قال: البعرة تدل علی البعیر ، وأثر الاقدام علی المسیر ، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدلان علی اللطیف الخبیر ؟! فلذا أقروا ولم یسألوا عن اعتقاداتهم، أو أنهم کان یقبل منهم ذلک للتمرین ، ثم یبین لهم ما یجب علیهم من المعارف بعد حین .

ومن ذلک: الإجماع أنه لا یجوز تقلید غیر المحق ، وإنما یعلم المحق من غیره بالنظر فی أن ما یقوله حق أم لا ، وحینئذ فلا یجوز له التقلید إلا بعدالنظر والإستدلال ، وإذا صار مستدلاً امتنع کونه مقلداً ، فامتنع التقلید فی المعارف الإلهیة .

ونقض ذلک بلزوم مثله فی الشرعیات ، فإنه لا یجوز تقلید المفتی إلا إذا کانت

ص: 215

فتیاه عن دلیل شرعی ، فإن اکتفی فی الإطلاع علی ذلک بالظن وإن کان مخطئاً فی نفس الأمر لحط ذلک عنه ، فلیجز مثله فی مسائل الأصول .

وأجیب بالفرق بأن الخطأ فی مسائل الأصول یقتضی الکفر بخلافه فی الفروع ، فساغ فی الثانیة مالم یسغ فی الأولی .

إحتج من أوجب التقلید فی مسائل الأصول بأن العلم بأمر الله غیر ممکن ، لأن المکلف به إن لم یکن عالماً به تعالی إمتنع أن یکون عالماً بأمره ، وحال امتناع کونه عالماً بأمره یمتنع کونه مأموراً من قبله ، وإلا لزم تکلیف ما لا یطاق ، وإن کان عالماً به استحال أیضاً أمره بالعلم به لاستحالة تحصیل الحاصل .

والجواب عن ذلک علی قواعد الإمامیة والمعتزلة ظاهر ، فإن وجوب النظر والمعرفة عندهم عقلی لا سمعی . نعم یلزم ذلک علی قواعد الأشاعرة ، إذ الوجوب عندهم سمعی .

أقول: ویجاب أیضاً معارضةً ، بأن هذا الدلیل کما یدل علی امتناع العلم بالمعارف الأصولیة ، یدل علی امتناع التقلید فیها أیضاً ، فینسد باب المعرفة بالله تعالی ، وکل من یرجع إلیه فی التقلید لابد وأن یکون عالماً بالمسائل الأصولیة لیصح تقلیده ، ثم یجری الدلیل فیه فیقال: علم هذا الشخص بالله تعالی غیر ممکن ، لأنه حین کلف به إن لم یکن عالماً به تعالی استحال أن یکون عالماً بأمره بالمقدمات ، وکل ما أجابوا به فهو جوابنا ، ولا مخلص لهم إلا أن یعترفوا بأن وجوب المعرفة عقلی ، فیبطل ما ادعوه من أن العلم بالله تعالی غیر ممکن ، أو سمعی فکذلک .

فإن قیل: ربما حصل العلم لبعض الناس بتصفیة النفس أو إلهام إلی غیر ذلک فیقلده الباقون .

ص: 216

قلنا: هذا أیضاً یبطل قولکم أن العلم بالله تعالی غیر ممکن ، نعم ما ذکروه یصلح أن یکون دلیلاً علی امتناع المعرفة بالسمع ، فیکون حجة علی الأشاعرة ، لا دلیلاً علی وجوب التقلید .

واحتجوا أیضاً بأن النهی عن النظر قد ورد فی قوله تعالی: مَا یُجَادِلُ فِی آیَاتِ اللهِ إِلا الَّذِینَ کَفَرُوا . والنظر یفتح باب الجدال فیحرم. ولانه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رأی الصحابة یتکلمون فی مسألة القدر ، فنهی عن الکلام فیها وقال: إنما هلک من کان قبلکم بخوضهم هذا ، ولقوله(علیه السّلام): علیکم بدین العجائز ، والمراد ترک النظر ، فلو کان واجباً لم یکن منهیاً عنه .

وأجیب عن الأول: إن المراد الجدال بالباطل ، کما فی قوله تعالی: وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِیُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ، لا الجدال بالحق لقوله تعالی: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ، والأمر بذلک یدل علی أن الجدال مطلقاً لیس منهیاً عنه .

وعن الثانی: بأن نهیهم عن الکلام فی مسألة القدر علی تقدیر تسلیمه لا یدل علی النهی عن مطلق النظر ، بل عنه فی مسألة القدر، کیف وقد ورد الإنکار علی تارک النظر فی قوله تعالی: أَوَ لَمْ یَتَفَکَّرُوا فِی أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللهُ ، وقد أثنی علی فاعله فی قوله تعالی: وَیَتَفَکَّرُونَ فِی خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ .

علی أن نهیهم عن الخوض فی القدر لعله لکونه أمراً غیبیاً وبحراً عمیقاً ، کما أشار إلیه علی(علیه السّلام)بقوله: بحر عمیق فلا تلجه . بل کان مراد النبی تفویض مثل ذلک إلی الله تعالی ، لأن ذلک لیس من الأصول التی یجب اعتقادها، والبحث عنها مفصلة .

وهاهنا جواب آخر عنهما معاً ، وهو أن النهی فی الآیة والحدیث مع قطع النظر عما ذکرناه إنما یدل علی النهی عن الجدال الذی لا یکون إلا عن متعدد ،

ص: 217

بخلاف النظر فإنه یکون من واحد ، فهو نصب الدلیل علی غیر المدعی .

وعن الثالث: بالمنع من صحة نسبته إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فإن بعضهم ذکر أنه من مصنوعات سفیان الثوری ، فإنه روی أن عمر بن عبدالله المعتزلی قال: إن بین الکفر والإیمان منزلة بین منزلتین ، فقالت عجوز ، قال الله تعالی: هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ فَمِنْکُمْ کَافِرٌ وَمِنْکُمْ مُؤْمِنٌ ، فلم یجعل من عباده إلا الکافر والمؤمن ، فسمع سفیان کلامها ، فقال: علیکم بدین العجائز .

علی أنه لو سلم فالمراد به التفویض إلی الله تعالی فی قضائه وحکمه والإنقیاد له فی أمره ونهیه .

واحتج من جوز التقلید : بأنه لو وجب النظر فی المعارف الإلهیة لوجد من الصحابة ، إذ هم أولی به من غیرهم ، ولم یوجد ، وإلا لنقل کما نقل عنهم النظر والمناظرة فی المسائل الفقهیة ، فحیث لم ینقل لم یقع ، فلم یجب .

وأجیب: بالتزام کونهم أولی به لکنهم نظروا ، وإلا لزم نسبتهم إلی الجهل بمعرفة الله تعالی ، وکون الواحد منا أفضل منهم ، وهو باطل إجماعاً ، وإذا کانوا عالمین ولیس بالضرورة فهو بالنظر والإستدلال . وأما إنه لم ینقل النظر والمناظرة فلاتفاقهم علی العقائد الحقة، لوضوح الأمر عندهم، حیث کانوا ینقلون عقائدهم عمن لا ینطق عن الهوی ، فلم یحتاجوا إلی کثرة البحث والنظر ، بخلاف الأخلاف بعدهم فإنهم لما کثرت شبه الضالین ، واختلفت أنظار طالبی الیقین لتفاوت أذهانهم فی إصابة الحق ، احتاجوا إلی النظر والمناظرة ، لیدفعوا بذلک شبه المضلین ویقفوا علی الیقین .

أما المسائل الفروع ، فإنها لما کانت أموراً ظنیة اجتهادیة خفیة ، لکثرة تعارض الإمارات فیها ، وقع بینهم الخلاف فیها والمناظرة والتخطئة لبعضهم من بعض ،

ص: 218

فلذا نقل .

واحتجوا أیضاً: بأن النظر مظنة الوقوع فی الشبهات والتورط فی الضلالات بخلاف التقلید فإنه أبعد عن ذلک وأقرب إلی

السلامة فیکون أولی، ولأن الأصول أغمض أدلة من الفروع وأخفی ، فإذا جاز التقلید فی الأسهل جاز فی الأصعب بطریق أولی، ولأنهما سواء فی التکلیف بهما، فإذا جاز فی الفروع فلیجز فی الأصول .

وأجیب عن الأول: بأن اعتقاد المعتقد إن کان عن تقلید ، لزم إما التسلسل ، أو الإنتهاء إلی من یعتقد عن نظر لإنتفاء الضرورة ، فیلزم ما ذکرتم من المحذور مع زیادة وهی احتمال کذب المخبر ، بخلاف الناظر مع نفسه ، فإنه لا یکابر نفسه فیما أدی إلیه نظره .

علی أنه لو اتفق الإنتهاء إلی من اتفق له العلم بغیر النظر کتصفیة الباطن کما ذهب إلیه بعضهم ، أو بالإلهام ، أو بخلق العلم فیه ضرورة ، فهو إنما یکون لأفراد نادرة ،لانه علی خلاف العادة ، فلا یتیسر لکل أحد الوصول إلیه مشافهة بل بالوسائط ، فیکثر احتمال الکذب ، بخلاف الناظر فإنه لایکابر نفسه، ولأنه أقرب إلی الوقوع فی الصواب .

إن قلت: ما ذکرت من الجواب إنما یدل علی کون النظر أولی من التقلید ، ولا یدل علی عدم جوازه ، فجواز التقلید باق لم یندفع ، علی أن ما ذکرته من احتمال الکذب جار فی الفروع ، فلو منع من التقلید فیها لمنع فی الأصول .

قلت: متی سلمت الأولویة وجب العمل بها ، وإلا لزم العمل بالمرجوح مع تیسر العمل بالراجح ، وهو باطل بالإجماع ، لا سیما فی الإعتقادیات .

وأما الجواب عن العلاوة ، فلانه لما کان الطریق إلی العمل بالفروع إنما هو

ص: 219

النقل ساغ لنا التقلید فیها ، ولم یقدح احتمال کذب المخبر ، وإلا لانسد باب العمل فیها ،بخلاف الإعتقادات فإن الطریق إلیها بالنظر میسر ، فاعتبر قدح الإحتمال فی التقلید فیها .

وأما احتمال الخطأ فی النظر ، فإنه وإن أمکن إلا أنه نادر جداً بالقیاس إلی الخطأ فی النقل ، فکان النظر أرجح ، وقد بینا أن العمل بالأرجح واجب .

وأجیب عن الثانی: أولاً بالمنع من کونها أغمض أدلة ، بل الأمر بالعکس لتوقف الشرعیات علی العقلیات عملاً وعلماً .

وثانیاً بالمنع من الملازمة ، فإن کونها أغمض أدلة لا یستلزم جواز التقلید فیها فضلاً عن کونه أولی ، لأن المطلوب فیها الیقین ، بخلاف الشرعیات فإن المطلوب فیها الظن اتفاقاً. ومن هذا ظهر الجواب عن الثالث .

واحتجوا أیضاً: بأن هذه العلوم إنما تحصل بعد الممارسة الکثیرة والبحث الطویل ، وأکثر الصحابة لم یمارسوا شیئاً منها ، فکان اعتقادهم عن تقلید .

وأجیب: بأنهم لمشاهدتهم المعجزات وقوة معارفهم بکثرة البینات من صاحب الوحی(علیه السّلام)لم یحتاجوا فی تیقن تلک المعارف إلی بحث کثیر فی طلب الأدلة علیها .

أقول: ومما یبطل به مذهب القائلین بالتقلید أنه إما أن یفید العلم أولاً ، فإن أفاده لزم اجتماع الضدین فیما لو

قلد واحداً فی قدم العالم وآخر فی حدوثه ، وهو ظاهر. وإن لم یفده وجب ترجیح النظر علیه ، إذ من المعلوم ضرورة أن النظر الصحیح یفید العلم ، فإذا ترجح النظر علیه وجب اعتباره وترک المرجوح اجماعاً .

وأقول: مما یدل علی اعتبار الیقین فی الإیمان أن الأمة فیه علی قولین: قول

ص: 220

باعتبار الیقین فیما یتحقق به الإیمان. وقول بالإکتفاء بالتقلید أو ما فی حکمه فإذا انتفی الثانی بما ذکرناه من الأدلة ثبت الأول .

وأقول أیضاً مما یصلح شاهداً علی ذلک قوله تعالی: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لَکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا یَدْخُلِ الإیمَانُ فِی قُلُوبِکُمْ ، فنفی ما زعموه إیماناً ، وهو التصدیق القولی ، بل ماسوی التصدیق الجازم ، حیث لم یثبت لهم من الإیمان إلا ما دخل القلب. ولا ریب أن ما دخل القلب یحصل به الإطمئنان ، ولا إطمئنان فی الظن وشبهه لتجویز النقیض معه ، فیکون الثبات والجزم معتبراً فی الإیمان .

فإن قلت: قوله تعالی حکایة عن إبراهیم: أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ ؟ قَالَ بَلَی وَلَکِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی ، یدل علی أن الجزم والثبات غیر معتبر فی الإیمان ، وإلا لما أخبر(علیه السّلام)عن نفسه بالإیمان ، بقوله بلی مع أن قوله ( وَلَکِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی ) یدل علی أنه لم یکن مطمئناً فلم یکن جازماً .

قلت: یمکن الجواب بأنه(علیه السّلام)طلب العلم بطریق المشاهدة ، لیکون العلم بإحیاء الموتی حاصلاً له من طریق الأبصار والمشاهدة ، ویکون المراد من اطمئنان قلبه (علیه السّلام)استقراره وعدم طلبه لشئ آخر بعد المشاهدة ، مع کونه موقناً بإحیاء الموتی قبل المشاهدة. أیضاً ولیس المراد أنه لم یکن متیقناً قبل الارائة ، فلم یکن مطمئناً لیلزم تحقق الإیمان مع الظن فقط .

وأیضاً إنما طلب(علیه السّلام)کیفیة الأحیاء ، فخوطب بالإستفهام التقریری علی الإیمان بالکیف الذی هو نفس الاحیاء ، لأن التصدیق به مقدم علی التصدیق بالکیفیة فأجاب(علیه السّلام)بلی آمنت بقدرة الله تعالی علی الأحیاء ، لکنی أرید الإطلاع علی کیفیة الأحیاء ، لیطمئن قلبی بمعرفة تلک الکیفیة الغریبة ، البدیعة ، ولا ریب أن

ص: 221

الجهل بمعرفة تلک الکیفیة لا یضر بالإیمان ، ولا یتوقف علی معرفتها . وأما سؤال الله سبحانه عن ذلک مع کونه عالماً بالسرائر ، فهو من قبیل خطاب المحب لحبیبه .

إن قلت: فما الجواب أیضاً عن قوله تعالی: وَمَا یُؤْمِنُ أَکْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِکُونَ ، فإنه یفهم من الآیة الکریمة وصف الکافر المشرک بالإیمان حال شرکه ، إذ الجملة الإسمیة حالیة ، فضلاً عن الإکتفاء بالظن وما فی حکمه فی الإیمان ، وهو ینافی اعتبار الیقین .

قلت: لا ، فإن الآیة الکریمة إنما دلت علی إخباره تعالی عنهم بالإیمان بالصانع والتصدیق بوجوده ، لکنهم لم یوحدوه فی حالة تصدیقهم به ، بل اعتقدوا له شریکاً تعالی الله عما یشرکون. وحینئذ فیجوز کونهم جازمین بوجود الصانع تعالی مع کونهم غیر موحدین ، فإن التوحید مطلب آخر ، فکفرهم کان کذلک، فلم یتحقق لهم الإیمان الشرعی بل الإیمان جزء منه ، وهو غیر کاف .

علی أنه یجوز أن یکون المراد من الإیمان المنسوب إلیهم فی الآیة الکریمة التصدیق اللغوی ، وقد بینا سابقاً أنه أعم من الشرعی ، ولیس النزاع فیه بل فی الشرعی. ویکون المعنی والله أعلم: ومایؤمن أکثرهم بلسانه إلا وهو مشرک بقلبه، أی حال إشراکه بقلبه ، نعوذ بالله من الضلالة. ونسأله حسن الهدایة. هذا ما تیسر لنا من المقال فی هذا المقام .

شرح المقاصد للتفتازانی:266/1

. . . الثالث: أنا لا نسلم أن المعرفة الکاملة لا تحصل إلا بالنظر ، بل قد تحصل بالتعلیم علی ما یراه الملاحدة . . أو بقول المعصوم علی ما یراه الشیعة . . .

ص: 222

الفصل الثامن : المعرفة والعمل

اشارة

ص: 223

ص: 224

اشتراط کل من المعرفة والعمل بالآخر

نهج البلاغة:50/4

وسئل(علیه السّلام)عن الإیمان فقال: الإیمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأرکان .

نهج البلاغة:32/2

. . . وأنه لا ینبغی لمن عرف عظمة الله أن یتعظم ، فإن رفعة الذین یعلمون ما عظمته أن یتواضعوا له ، وسلامة الذین یعلمون ما قدرته أن یستسلموا له .

الکافی:44/1

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسکان ، عن حسین الصیقل قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السّلام)یقول: لا یقبل الله عملاً إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل ، فمن عرف دلته المعرفة علی العمل ، ومن لم یعمل فلا معرفة له. ألا إن الإیمان بعضه من بعض .

الکافی:2/33-37

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن بکر بن صالح ، عن القاسم بن برید قال: حدثنا أبوعمرو الزبیری، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: قلت له: أیها العالم أخبرنی أی

ص: 225

الأعمال أفضل عند الله ؟ قال: ما لا یقبل الله شیئاً إلا به ، قلت: وما هو ؟ قال: الإیمان بالله الذی لا إلا هو ، أعلی الأعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظاً ، قال: قلت ألا تخبرنی عن الإیمان أقَوْلٌ هو وعمل أم قولٌ بلا عمل؟ فقال: الإیمان عمل کله والقول بعض ذلک العمل ، بفرض من الله ، بین فی کتابه ، واضح نوره، ثابتة حجته ، یشهد له به الکتاب ویدعوه إلیه .

قال: قلت: صفه لی جعلت فداک حتی أفهمه .

قال: الإیمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل ، فمنه التام المنتهی تمامه ومنه الناقص البین نقصانه ومنه الراحج الزائد رجحانه .

قلت: إن الإیمان لیتم وینقص ویزید ؟

قال: نعم .

قلت: کیف ذلک ؟

قال: لأن الله تبارک وتعالی فرض الإیمان علی جوارح ابن آدم وقسمه علیها وفرقه فیها ، فلیس من جوارحه جارحة إلا وقد وکلت من الإیمان بغیر ما وکلت به أختها ، فمنها قلبه الذی به یعقل ویفقه ویفهم وهو أمیر بدنه الذی لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأیه وأمره ، ومنها عیناه اللتان یبصر بهما ، وأذناه اللتان یسمع بهما ، ویداه اللتان یبطش بهما ، ورجلاه اللتان یمشی بهما ، وفرجه الذی الباه من قبله ، ولسانه الذی ینطق به ، ورأسه الذی فیه وجهه. فلیس من هذه جارحة إلا وقد وکلت من الإیمان بغیر ما وکلت به أختها بفرض من الله تبارک اسمه ، ینطق به الکتاب لها ویشهد به علیها .

ففرض علی القلب غیر ما فرض علی السمع، وفرض علی السمع وغیر ما فرض علی العینین ، وفرض علی العینین غیر ما فرض علی اللسان ، وفرض علی اللسان

ص: 226

غیر ما فرض علی الیدین ، وفرض علی الیدین غیر ما فرض علی الرجلین ، وفرض علی الرجلین غیر ما فرض علی الفرج ، وفرض علی الفرج غیر ما فرض علی الوجه .

فأما ما فرض علی القلب من الإیمان فالإقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسلیم بأن لا إله إلا الله وحده لا شریک له ، إلهاً واحداً ، لم یتخذ صاحبةً ولا ولداً ، وأن محمداً عبده ورسوله صلوات الله علیه وآله ، والإقرار بما جاء من عند الله من نبی أو کتاب ، فذلک ما فرض الله علی القلب من الإقرار والمعرفة وهو عمله، وهو قول الله عز وجل: « إِلا مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإیمَانِ وَلَکِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْکُفْرِ صَدْرًا».

وقال: « أَلا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ . » .

وقال: « الذین آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم » .

وقال: « وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِی أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحَاسِبْکُمْ بِهِ اللَّهُ فَیَغْفِرُ لِمَنْ یَشَاءُ وَیُعَذِّبُ مَنْ یَشَاءُ . . » فذلک ما فرض الله عز وجل علی القلب من الإقرار والمعرفة وهو عمله وهو رأس الإیمان .

وفرض الله علی اللسان القول التعبیر عن القلب بما عقد علیه وأقر به ، قال الله تبارک وتعالی: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ، وقال: قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْنَا وَأُنْزِلَ إِلَیْکُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُکُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. فهذا ما فرض الله علی اللسان ، وهو عمله .

وفرض علی السمع أن یتنزه عن الإستماع إلی ما حرم الله وأن یعرض عما لا یحل له مما نهی الله عز وجل عنه والأصغاء إلی ما أسخط الله عز وجل ، فقال فی ذلک: « وَقَدْ نَزَّلَ عَلَیْکُمْ فِی الْکِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آیَاتِ اللهِ یُکْفَرُ بِهَا وَ یُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّی یَخُوضُوا فِی حَدِیثٍ غَیْرِهِ » ، ثم استثنی الله عز وجل موضع النسیان فقال:

ص: 227

« َإِمَّا یُنْسِیَنَّکَ الشَّیْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّکْرَی مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ . وقال: فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِینَ

یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِکَ الَّذِینَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِکَ هُمْ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ .» .

وقال عز وجل: « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ، وَالَّذِینَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ، وَالَّذِینَ هُمْ لِلزَّکَوةِ فَاعِلُونَ .» .

وقال: « وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَکُمْ أَعْمَالُکُمْ» .

وقال: « وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کِرَامًا ». فهذا ما فرض الله علی السمع من الإیمان أن لا یصغی إلی ما لا یحل له ، وهو عمله وهو من الإیمان .

وفرض علی البصر أن لا ینظر إلی ما حرم الله علیه ، وأن یعرض عما نهی الله عنه مما لا یحل له ، وهو عمله وهو من الإیمان ، فقال تبارک وتعالی: قُلْ لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَیَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ، فنهاهم أن ینظروا إلی عوراتهم وأن ینظر المرء إلی فرج أخیه ویحفظ فرجه أن ینظر إلیه. وقال: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَیَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ، من أن تنظر إحداهن إلی فرج أختها وتحفظ فرجها من أن ینظر إلیها .

وقال: کل شئ فی القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا، إلا هذه الآیة فإنها من النظر. ثم نظم ما فرض علی القلب واللسان والسمع والبصر فی آیة أخری فقال: «وَمَا کُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ یَشْهَدَ عَلَیْکُمْ سَمْعُکُمْ وَ لا أَبْصَارُکُمْ وَ لا جُلُودُکُمْ » ، یعنی بالجلود: الفروج والافخاذ .

وقال: « وَلا تَقْفُ مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ کُلُّ أُولَئِکَ کَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ». فهذا ما فرض الله علی العینین من غض البصر عما حرم الله عز وجل ، وهو عملهما وهو من الإیمان .

ص: 228

وفرض الله علی الیدین أن لا یبطش بهما إلی ما حرم الله ، وأن یبطش بهما إلی ما أمر الله عز وجل ، وفرض علیهما من الصدقة وصلة الرحم والجهاد فی سبیل الله والطهور للصلاة ، فقال: « یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إلی الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیْدِیَکُمْ إلی الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِکُمْ وَأَرْجُلَکُمْ إلی الْکَعْبَیْنِ ». وقال: « فَإِذَا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّی إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّی تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ». فهذا ما فرض الله علی الیدین لأن الضرب من علاجهما.

وفرض علی الرجلین أن لا یمشی بهما إلی شئ من معاصی الله ، وفرض علیهما المشی إلی ما یرضی الله عز وجل فقال: « وَلا تَمْشِ فِی الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّکَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً » ، وقال: « وَاقْصِدْ فِی مَشْیِکَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِکَ إِنَّ أَنْکَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِیرِ » ، وقال فیما شهدت الأیدی والأرجل علی أنفسهما وعلی أربابهما من تضییعهما لما أمر الله عز وجل به وفرضه علیهما: « الْیَوْمَ نَخْتِمُ عَلَی أَفْوَاهِهِمْ وَ تُکَلِّمُنَا أَیْدِیهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ » .

فهذا أیضاً ممافرض الله علی الیدین وعلی الرجلین وهو عملهما وهو من الإیمان.

وفرض علی الوجه السجود له باللیل والنهار فی مواقیت الصلاة فقال: « یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ارْکَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّکُمْ وَ افْعَلُوا الْخَیْرَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ ». فهذه فریضة جامعة علی الوجه والیدین والرجلین ، وقال فی موضع آخر: « وَأَنَّ

الْمَسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا » .

وقال فیما فرض علی الجوارح من الطهور والصلاة بها وذلک أن الله عز وجل لما صرف نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی الکعبة عن البیت المقدس فأنزل الله عز وجل: « وَمَا کَانَ اللهُ لِیُضِیعَ إِیمَانَکُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِیمٌ .» ، فسمی الصلاة إیماناً فمن لقی الله عز

ص: 229

وجل حافظاً لجوارحه موفیاً کل جارحة من جوارحه ما فرض الله عز وجل علیها لقی الله عز وجل مستکملاً لإیمانه ، وهو من أهل الجنة. ومن خان فی شئ منها أو تعدی ما أمر الله عز وجل فیها لقی الله عز وجل ناقص الإیمان .

قلت: قد فهمت نقصان الإیمان وتمامه ، فمن أین جاءت زیادته .

فقال: قول الله عز وجل: « وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ أَیُّکُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِیمَانًا فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِیمَانًا وَهُمْ یَسْتَبْشِرُونَ . وَأَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلی رِجْسِهِمْ ». وقال: « نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْیَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْنَاهُمْ هُدًی » ، ولو کان کله واحداً لا زیادة فیه ولا نقصان لم یکن لاحد منهم فضل علی الآخر ، ولاستوت النعم فیه ولاستوی الناس وبطل التفضیل . ولکن بتمام الإیمان دخل المؤمنون الجنة وبالزیادة فی الإیمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله ، وبالنقصان دخل المفرطون النار .

الکافی:2/553

عنه ، عن أبی إبراهیم(علیه السّلام)دعاء فی الرزق:

یا الله یا الله یا الله ، أسألک بحق من حقه علیک عظیم أن تصلی علی محمد وآل محمد ، وأن ترزقنی العمل بما علمتنی من معرفة حقک ، وأن تبسط علی ما حظرت من رزقک .

دعائم الإسلام:1/52

. . . ثم قال أبو عبد الله جعفر بن محمد صلی الله علیه . . . وإنما یقبل الله عز وجل العمل من العباد بالفرائض التی افترضها علیهم بعد معرفة من جاء بها من عنده ودعاهم إلیه ، فأول ذلک معرفة من دعا إلیه ، وهو الله الذی لا إله إلا هو وحده ، والإقرار بربوبیته ، ومعرفة الرسول الذی بلغ عنه ، وقبول ما جاء به ، ثم معرفة

ص: 230

الوصی ثم معرفة الأئمة بعد الرسل الذین افترض الله طاعتهم فی کل عصر وزمان علی أهله ، والإیمان والتصدیق بأول الرسل والأئمة وآخرهم. ثم العمل بما افترض الله عز وجل علی العباد من الطاعات ظاهراً وباطناً ، واجتناب ما حرم الله عز وجل علیهم ظاهره وباطنه ، وإنما حرم الظاهر بالباطن ، والباطن بالظاهر معاً جمیعاً ، والأصل والفرع ، فباطن الحرام حرام کظاهره ، ولا یسع تحلیل أحدهما ، ولا یجوز ولا یحل إباحة شئ منه ، وکذلک الطاعات مفروض علی العباد إقامتها ، ظاهرها وباطنها ، لا یجزی إقامة ظاهر منها دون باطن ولا باطن دون ظاهر ، ولا تجوز صلاة الظاهر مع ترک صلاة الباطن ، ولا صلاة الباطن مع ترک صلاة الظاهر. وکذلک الزکاة ، والصوم والحج والعمرة ،

وجمیع فرائض الله افترضها علی عباده ، وحرماته وشعائره.

وسائل الشیعة:11/260

وفی عیون الأخبار بأسانیده عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا(علیه السّلام)فی کتابه إلی المأمون قال: الإیمان هو أداء الأمانة ، واجتناب جمیع الکبائر ، وهو معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأرکان. إلی أن قال: واجتناب الکبائر وهی: قتل النفس التی حرم الله تعالی ، والزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، وعقوق الوالدین ، والفرار من الزحف ، وأکل مال الیتیم ظلماً ، وأکل المیتة والدم ولحم الخنزیر وما أهل لغیر الله به من غیر ضرورة ، وأکل الربا بعد البینة ، والسحت ، والمیسر وهو القمار، والبخس فی المکیال والمیزان ، وقذف المحصنات ، والزنا، واللواط ، والیأس من روح الله ، والأمن من مکر الله ، والقنوط من رحمة الله ، ومعونة الظالمین ، والرکون الیهم ، والیمین الغموس ، وحبس الحقوق من غیر عسر ، والکذب والکبر ، والاسراف والتبذیر ، والخیانة ، والإستخفاف بالحج ،

ص: 231

والمحاربة لأولیاء الله ، والإشتغال بالملاهی ، والإصرار علی الذنوب. ورواه ابن شعبة فی (تحف العقول) مرسلاً نحوه .

وروت مصادر إخواننا السنة اقتران المعرفة والعمل عن علی(علیه السّلام)، ففی کنز العمال: 1/273 ، عن علی قال: سألت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن الإیمان ما هو ؟ قال: معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ،

وعمل بالارکان - أبو عمرو بن حمدان فی فوائده .

وفی سنن ابن ماجة:1/25

حدثنا سهل بن أبی سهل ومحمد بن إسماعیل قالا ثنا عبدالسلام بن صالح أبو الصلت الهروی ، ثنا علی بن موسی الرضا ، عن أبیه ، عن جعفر بن محمد ، عن أبیه ، عن علی بن الحسین ، عن أبیه ، عن علی بن أبی طالب قال: قال رسول الله (ص): الإیمان معرفة بالقلب ، وقول باللسان ، وعمل بالأرکان. قال أبو الصلت:

لو قری هذا الإسناد علی مجنون لبرأ. انتهی ورواه البیهقی فی شعب الإیمان:1/47 ورواه فی کنز العمال:1/273 ، بعدة روایات عن علی(علیه السّلام). ونحوه الجزری فی أسنی المطالب:1/125 .

وفی مروج الذهب للمسعودی:4/171

قال علی بن محمد بن علی بن موسی عن أبیه عن أجداده عن علی (رض) قال: قال رسول الله (ص): أکتب یا علی ، قلت وما أکتب ؟

قال لی: أکتب: بسم الله الرحمن الرحیم. الإیمان ما وقرته القلوب ، وصدقته الأعمال ، والإسلام ما جری به اللسان ، به المناکحة .

وفی إرشاد الساری:1/86-87

الإیمان قول وفعل.. وهو موافق لقول السلف ، اعتقاد بالقلب ونطق اللسان. وقال

ص: 232

المتأخرون منهم الأشعریة ، ووافقهم ابن الراوندی من المعتزلة: هو تصدیق الرسول (ص) بما علم مجیئه به... .

إذا تقرر هذا فاعلم أن الإیمان ( یزید ) بالطاعة ( وینقص ) بالمعصیه کما عند المؤلف وغیره وأخرجه أبو نعیم . . . بل قال به من الصحابة عمر بن الخطاب وعلی بن أبی طالب . . . ومن التابعین کعب الأحبار . . . وعمر بن عبدالعزیز . . . أما توقف مالک(رحمه الله)عن القول بنقصانه فخشیة أن یتأول علیه موافقة الخوارج .

أفضل الأعمال بعد معرفة العقائد

الکافی:2/130 و 317: محمد بن مسلم بن عبید الله قال سئل علی بن الحسین (علیهماالسّلام) أی الأعمال أفضل عند الله ؟ قال: ما من عمل بعد معرفة الله عز وجل ومعرفة رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أفضل من بغض الدنیا فإن لذلک لشعباً کثیرة ، وللمعاصی شعب فأول ما عصی الله به الکبر ، معصیة إبلیس حین أبی واستکبر وکان من الکافرین ، ثم الحرص وهی معصیة آدم وحواء (علیهماالسّلام)حین قال الله عز وجل لهما: فَکُلا مِنْ حَیْثُ شِئْتُمَ وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونَا مِنَ الظَّالِمِینَ . فأخذا ما لا حاجة بهما إلیه ، فدخل ذلک علی ذریتهما إلی یوم القیامة ، وذلک أن أکثر ما یطلب ابن آدم ما لا حاجة به إلیه ، ثم الحسد وهی معصیة ابن آدم حیث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلک حب النساء وحب الدنیا وحب الرئاسة وحب الراحة وحب الکلام وحب العلو والثروة ، فصرن سبع خصال فاجتمعن کلهن فی حب الدنیا، فقال الأنبیاء والعلماء بعد معرفة ذلک: حب الدنیا رأس کل خطیئة ، والدنیا دنیا آن: دنیا بلاغ ، ودنیا ملعونة. انتهی. ورواه فی وسائل الشیعة:11/308 .

ص: 233

الکافی:3/264

- حدثنی محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسن بن محبوب ، عن معاویة بن وهب قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)عن أفضل ما یتقرب به العباد إلی ربهم وأحب ذلک إلی الله عز وجل ما هو ؟ فقال: ما أعلم شیئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ، ألا تری أن العبد الصالح عیسی ابن مریم(علیه السّلام) قال: « وأوصانی بالصلاة والزکوة ما دمت حیاً ». انتهی. ورواه فی وسائل الشیعة:1/17 وج 11/308 .

أقل ما یجب ، وأقصی ما یمکن ، من المعرفة

الکافی:1/91

محمد بن أبی عبدالله رفعه ، عن عبدالعزیز بن المهتدی قال: سألت الرضا(علیه السّلام) عن التوحید ، فقال: کل من قرأ قل هو الله احد وآمن بها فقد عرف التوحید ، قلت: کیف یقرؤها ؟ قال: کما یقرؤها الناس وزاد فیه کذلک الله ربی ، کذلک الله ربی .

الکافی:1/91

أحمد بن ادریس ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان بن یحیی ، عن أبی أیوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: إن الیهود سألوا رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقالوا: أنسب لناربک ، فلبث ثلاثاً لا یجیبهم ثم نزل: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، إلی آخرها .

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، ومحمد بن الحسین ، عن ابن محبوب ، عن حماد بن عمرو النصیبی ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: سألت أبا عبدالله عن قل هو الله أحد ، فقال: نسبة الله إلی خلقه أحداً صمداً أزلیاً صمدیاً لا

ص: 234

ظل له یمسکه وهو یمسک الأشیاء بأظلتها ، عارف بالمجهول ، معروف عند کل جاهل ، فردانیاً ، لا خلقه فیه ولا هو خلقه ، غیر محسوس ولا محسوس ، لا تدرکه الأبصار ، علا فقرب ودنا فبعد ، وعصی فغفر وأطیع فشکر ، لا تحویه أرضه ولا تقله سماواته ، حامل الأشیاء بقدرته ، دیمومی أزلی، لا ینسی ولا یلهو ولا یغلط ولا یلعب ، ولا لإرادته فصل وفصله جزاء وأمره واقع ، لم یلد فیورث ولم یولد فیشارک ، ولم یکن له کفواً أحد .

دعائم الإسلام:1/13

وعنه صلوات الله علیه أنه قیل له: یا أمیر المؤمنین ما أدنی ما یکون به العبد مؤمناً، وما أدنی ما یکون به کافراً ، وما أدنی ما یکون به ضالاً ؟

قال: أدنی ما یکون به مؤمناً أن یعرفه الله نفسه فیقر له بالطاعة ، وأن یعرفه الله نبیه (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیقر له بالطاعة ، وأن یعرفه الله حجته فی أرضه وشاهده علی خلقه فیعتقد إمامته فیقر له بالطاعة .

قیل: وإن جهل غیر ذلک ؟ قال: نعم ولکن إذا أمر أطاع وإذا نهی انتهی .

وأدنی ما یصیر به مشرکاً أن یتدین بشئ مما نهی الله عنه فیزعم أن الله أمر به ، ثم ینصبه دیناً ویزعم أنه یعبد الذی أمر به وهو غیر الله عزوجل. وأدنی ما یکون به ضالاً أن لا یعرف حجة الله فی أرضه وشاهده علی خلقه فیأتم به .

الرسائل للشیخ الأنصاری:1/275

وقد ذکر العلامة فی الباب الحادی عشر فیما یجب معرفته علی کل مکلف ، من تفاصیل التوحید والنبوة والإمامة والمعاد ، أموراً لا دلیل علی وجوبها کذلک ، مدعیاً أن الجاهل بها عن نظر وإستدلال خارج عن ربقة الإیمان مستحق للعذاب

ص: 235

الدائم. وهو فی غایة الإشکال .

نعم یمکن أن یقال: إن مقتضی عموم وجوب المعرفة ، مثل قوله تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، أی لیعرفون. وقوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وما أعلم بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس ، بناء علی أن الأفضلیة من الواجب ، خصوصاً مثل الصلاة ، تستلزم الوجوب .

وکذا عمومات وجوب التفقه فی الدین الشامل للمعارف بقرینة استشهاد الإمام (علیه السّلام)بها ، لوجوب النفر لمعرفة الإمام بعد موت الإمام السابق(علیه السّلام)وعمومات طلب العلم هو وجوب معرفة الله جل ذکره ومعرفة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والإمام(علیه السّلام)ومعرفة ما جاء به النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علی کل قادر یتمکن من تحصیل العلم ، فیجب الفحص حتی یحصل الیأس ، فإن حصل العلم بشئ من هذه التفاصیل إعتقد وتدین به ، وإلا توقف ولم یتدین بالظن لو حصل له .

ومن هنا قد یقال: إن الإشتغال بالعلم المتکفل لمعرفة الله ومعرفة أولیائه صلوات الله علیهم أهم من الإشتغال بعلم المسائل العلمیة بل هو المتعین ، لأن العمل یصح عن تقلید ، فلا یکون الإشتغال بعلمه إلا کفائیاً بخلاف المعرفة .

هذا ، ولکن الإنصاف ممن جانب الإعتساف یقتضی الإذعان بعدم التمکن من ذلک إلا للأوحدی من الناس ، لأن المعرفة المذکورة لا تحصل إلا بعد تحصیل قوة استنباط المطالب من الأخبار وقوة نظریة أخری لئلا یأخذ بالأخبار المخالفة للبراهین العقلیة ، ومثل هذا الشخص مجتهد فی الفروع قطعاً، فیحرم علیه التقلید. ودعوی جوازه له للضرورة لیس بأولی من دعوی جواز ترک الإشتغال بالمعرفة التی لا تحصل غالباً بالأعمال المبتنیة علی التقلید .

هذا إذا لم یتعین علیه الإفتاء والمرافعة لأجل قلة المجتهدین. وأما فی مثل زماننا

ص: 236

فالأمر واضح .

فلا تغتر حینئذ بمن قصر استعداده أو همته عن تحصیل مقدمات استنباط المطالب الإعتقادیة الأصولیة والعلمیة عن الأدلة العقلیة والنقلیة ، فیترکها مبغضاً لها لأن الناس أعداء ما جهلوا، ویشتغل بمعرفة صفات الرب جل ذکره وأوصاف حججه صلوات الله علیهم بنظر فی الأخبار لا یعرف به من ألفاظها الفاعل من المفعول ، فضلاً عن معرفة الخاص من العام. وبنظر فی المطالب العقلیة لا یعرف به البدیهیات منها ، ویشتغل فی خلال ذلک بالتشنیع علی حملة الشریعة العملیة واستهزائهم بقصور الفهم وسوء النیة ، فیسأتیهم أنباء ما کانوا به یستهزئون. هذا کله حال وجوب المعرفة مستقلاً .

وأما اعتبار ذلک فی الإسلام أو الإیمان فلا دلیل علیه ، بل یدل علی خلافه الأخبار الکثیرة المفسرة لمعنی الإسلام والإیمان .

ففی روایة محمد بن سالم عن أبی جعفر(علیه السّلام)المرویة فی الکافی: إن الله عز وجل بعث محمداً (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهو بمکة عشر سنین ، ولم یمت بمکة فی تلک العشر سنین أحد یشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، إلا أدخله الله الجنة بإقراره وهو إیمان التصدیق .

فإن الظاهر أن حقیقة الإیمان التی یخرج الإنسان بها عن حد الکفر الموجب للخلود فی النار لم تتغیر بعد انتشار الشریعة . نعم ظهر فی الشریعة أمور صارت ضروریة الثبوت من النبی(ص)، فیعتبر فی الإسلام عدم إنکارها .

لکن هذا لا یوجب التغییر ، فإن المقصود أنه لم یعتبر فی الإیمان أزید من التوحید والتصدیق بالنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وبکونه رسولاً صادقاً فیما یبلغ. ولیس المراد معرفة تفاصیل ذلک ، وإلا لم یکن من آمن بمکة من أهل الجنة أو کان حقیقة

ص: 237

الإیمان بعد انتشار الشریعة غیرها فی صدر الإسلام .

وفی روایة سلیم بن قیس عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام): إن أدنی ما یکون به العبد مؤمناً أن یعرفه الله تبارک وتعالی إیاه فیقر له بالطاعة، ویعرفه نبیه فیقر له بالطاعة ، ویعرفه إمامه وحجته فی أرضه وشاهده علی خلقه فیقر له بالطاعة .

فقلت له: یا أمیر المؤمنین ! وإن جهل جمیع الأشیاء إلا ما وصفت قال: نعم. وهی صریحة فی المدعی .

وفی روایة أبی بصیر عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: جعلت فداک ، أخبرنی عن الدین الذی افترضه الله تعالی علی العباد ما لایسعهم جهله ولا یقبل منهم غیره، ما هو ؟ فقال: أعده علی ، فأعاد علیه ، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإیتاء الزکاة ، وحج البیت من استطاع إلیه سبیلاً ، وصوم شهر رمضان ، ثم سکت قلیلاً ، ثم قال: والولایة والولایة ، مرتین ثم قال: هذا الذی فرض الله عز وجل علی العباد ، لا یسأل الرب العباد یوم القیامة ، فیقول: ألا زدتنی علی ما افترضت علیک ، ولکن من زاد زاده الله. إن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سن سنة حسنة ینبغی للناس الأخذ بها .

ونحوها روایة عیسی بن السری ، قلت لابی عبد الله(علیه السّلام): حدثنی عما بنیت علیه دعائم الإسلام التی إذا أخذت بها زکی عملی . . . .

وفی روایة أبی الیسع قال: قلت لابی عبد الله(علیه السّلام): أخبرنی عن دعائم الإسلام التی لا یسع أحداً التقصیر عن معرفة شئ منها . . . (وقد أوردنا الروایتین فی بحث معرفة الإمام )

وفی روایة إسماعیل: قال: سألت أبا جعفر(علیه السّلام)عن الدین الذی لا یسع العباد جهله فقال: الدین واسع ، وإن الخوارج ضیقوا علی أنفسهم بجهلهم .

ص: 238

فقلت: جعلت فداک أما أحدثک بدینی الذی أنا علیه. فقال: بلی. قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، والإقرار بما جاء به من عند الله، وأتولاکم وأبرأ من عدوکم ومن رکب رقابکم وتأمر علیکم وظلمکم حقکم. فقال: ما جهلت شیئاً. فقال: هو والله الذی نحن علیه. فقلت: فهل یسلم أحد لا یعرف هذا الأمر. قال: لا إلا المستضعفین. قلت: من هم قال: نساؤکم وأولادکم. قال: أرأیت أم أیمن! فإنی أشهد أنها من أهل الجنة ، وما کانت تعرف ما أنتم علیه .

فإن فی قوله ( ما جهلت شیئاً ) دلالة واضحة علی عدم اعتبار الزائد فی أصل الدین. والمستفاد من الأخبار المصرحة بعدم اعتبار معرفة أزید مما ذکر فیها فی الدین ، وهو الظاهر أیضاً من جماعة من علمائنا الأخیار کالشهیدین فی الألفیة وشرحها ، والمحقق الثانی فی الجعفریة ، وشارحها وغیرهم ، وهو أنه یکفی فی معرفة الرب التصدیق بکونه موجوداً وواجب الوجود لذاته والتصدیق بصفاته الثبوتیة الراجعة إلی صفتی العلم والقدرة ونفی الصفات الراجعة إلی الحاجة والحدوث ،وأنه لا یصدر منه القبیح فعلاً أو ترکاً .

والمراد بمعرفة هذه الأمور رکوزها فی اعتقاد المکلف ، بحیث إذا سألته عن شئ مما ذکر أجاب بما هو الحق فیه ، وإن لم یعرف التعبیر عنه بالعبارات المتعارفة علی ألسنة الخواص .

ویکفی فی معرفة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) معرفة شخصه بالنسب المعروف المختص به ، والتصدیق بنبوته وصدقه ، فلا یعتبر فی ذلک الإعتقاد بعصمته ، أعنی کونه معصوماً بالملکة من أول عمر إلی آخره. قال فی المقاصد العلیة: ویمکن اعتبار ذلک ، لأن الغرض المقصود من الرسالة لا یتم إلا به ، فینتفی بالفائدة التی

ص: 239

باعتبارها وجب إرسال الرسل. وهو ظاهر بعض کتب العقائد المصدرة بأن من جهل ما ذکروه فیها فلیس مؤمناً مع ذکرهم ذلک ، والأول غیر بعید عن الصواب. انتهی .

أقول: والظاهر أن مراده ببعض کتب العقائد هو الباب الحادی عشر للعلامة (قدسّ سرّه)حیث ذکر تلک العبارة ، بل ظاهره دعوی إجماع العلماء علیه .

نعم یمکن أن یقال: إن معرفة ما عدا النبوة واجبة بالإستقلال علی من هو متمکن منه بحسب الإستعداد وعدم الموانع ، لما ذکرنا من عمومات وجوب التفقه وکون المعرفة أفضل من الصلوات الواجبة ، وأن الجهل بمراتب سفراء الله جل ذکره مع تیسر العلم بها تقصیر فی حقهم وتفریط فی حبهم ونقص یجب بحکم العقل رفعه ، بل من أعظم النقائص .

وقد أومأ النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) إلی ذلک حیث قال مشیراً إلی بعض العلوم الخارجة من العلوم الشرعیة: إن ذلک علم لا یضر جهله. ثم قال: إنما العلوم ثلاثة ، آیة محکمة وفریضة عادلة وسنة قائمة ، وما سواهن فهو فضل .

وقد أشار إلی ذلک رئیس المحدثین فی دیباجة الکافی ، حیث قسم الناس إلی أهل الصحة والسلامة وأهل المرض والزمانة ، وذکر وضع التکلیف عن الفرقة الأخیرة .

ویکفی فی معرفة الأئمة صلوات الله علیهم ، معرفتهم بنسبهم المعروف والتصدیق بأنهم أئمة یهدون بالحق ویجب الإنقیاد إلیهم والأخذ منهم . وفی وجوب الزائد علی ما ذکر من عصمتهم الوجهان. وقد ورد فی بعض الأخبار تفسیر معرفة حق الإمام بمعرفة کونه إماماً مفترض الطاعة .

ویکفی فی التصدیق بما جاء به النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) التصدیق بما علم مجیؤه به متواتراً

ص: 240

من أحوال المبدأ والمعاد، کالتکلیف بالعبادات والسؤال فی القبر وعذابه والمعاد الجسمانی والحساب والصراط والمیزان والجنة والنار إجمالاً، مع تأمل فی اعتبار معرفة ما عدا المعاد الجسمانی من تلک الأمور فی الإیمان المقابل للکفر الموجب للخلود فی النار ، للأخبار المتقدمة المستفیضة والسیرة المستمرة ، فإنا نعلم بالوجدان جهل کثیر من الناس بها من أول البعثة إلی یومنا هذا. ویمکن أن یقال: إن المعتبرهو عدم إنکار هذه الأمور وغیرها من الضروریات ، لا وجوب الإعتقاد بها ، علی ما یظهر من بعض الأخبار ، من أن الشاک إذا لم یکن جاحداً فلیس بکافر. ففی روایة زرارة عن أبی عبدالله(علیه السّلام): لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم یجحدوا لم یکفروا. ونحوها غیرها. ویؤیدها ما عن کتاب الغیبة للشیخ(قدسّ سرّه) بإسناده عن الصادق(علیه السّلام): إن جماعة یقال لهم الحقیة ، وهم الذین یقسمون بحق علی ولا یعرفون حقه وفضله ، وهم یدخلون الجنة .

وبالجملة ، فالقول بأنه یکفی فی الإیمان الإعتقاد بوجود الواجب الجامع للکمالات المنزه عن النقائص وبنبوة محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وبإمامة الائمة(علیهم السّلام) والبراءة من أعدائهم ، والإعتقاد بالمعاد الجسمانی الذی لا ینفک غالباً عن الإعتقادات السابقة غیر بعید ، بالنظر إلی الأخبار والسیرة المستمرة .

وأما التدین بسائر الضروریات ففی اشتراطه ، أو کفایة عدم إنکارها ، أو عدم اشتراطه أیضاً ، فلا یضر إنکارها إلا مع العلم بکونها من الدین وجوه ، أقواها الأخیر ثم الأوسط. وما استقربناه فی ما یعتبر فی الإیمان وجدته بعد ذلک فی کلام محکی عن المحقق الورع الأردبیلی فی شرح الإرشاد

کفایة الأصول/329

ص: 241

نعم یجب تحصیل العلم فی بعض الإعتقادات لو أمکن ، من باب وجوب المعرفة لنفسها کمعرفة الواجب تعالی وصفاته ، أداء لشکر بعض نعمائه ، ومعرفة أنبیائه فإنهم وسائط نعمه وآلائه ، بل وکذا معرفة الإمام(علیه السّلام)علی وجه صحیح ، فالعقل یستقل بوجوب معرفة النبی ووصیه لذلک ، ولإحتمال الضرر فی ترکه .

ولا یجب عقلاً معرفة غیر ما ذکر ، إلا ما وجب شرعاً معرفته کمعرفة الإمام(علیه السّلام) علی وجه آخر غیر صحیح ، أو أمر آخر مما دل الشرع علی وجوب معرفته ، وما لا دلالة علی وجوب معرفته بالخصوص ، لا من العقل ولا من النقل ، کان أصالة البراءة من وجوب معرفته محکمة. ولا دلالة لمثل قوله تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ . . الآیة ، ولا لقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وما أعلم شیئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس. ولا لما دل علی وجوب التفقه وطلب العلم من الآیات والروایات علی وجوب معرفته بالعموم ، ضرورة أن المراد من ( لیعبدون ) هو خصوص عبادة الله ومعرفته ، والنبوی إنما هو بصدد بیان فضیلة الصلوات لا بیان حکم المعرفة ، فلا إطلاق فیه أصلاً. ومثل آیة النفر ، إنما هو بصدد بیان الطریق المتوسل به إلی التفقه الواجب ، لا بیان ما یجب فقهه ومعرفته ، کما لا یخفی. وکذا ما دل علی وجوب طلب العلم إنما هو بصدد الحث علی طلبه لا بصدد بیان ما یجب العلم به .

ثم إنه لا یجوز الإکتفاء بالظن فیما یجب معرفته عقلاً أو شرعاً حیث أنه لیس بمعرفة قطعاً ، فلا بد من تحصیل العلم لو أمکن ، ومع العجز عنه کان معذوراً إن کان عن قصور لغفلة أو لغموضة المطلب مع قلة الإستعداد ، کما هو المشاهد فی کثیر من النساء بل الرجال ، بخلاف ما إذا کان عن تقصیر فی الإجتهاد ، ولو لأجل حب طریقة الآباء والأجداد واتباع سیرة السلف ، فإنه کالجبلی للخلف ،

ص: 242

وقلما عنه تخلف. ولا یصغی إلی ما ربما قیل: بعدم وجود القاصر فیها ، لکنه إنما یکون معذوراً غیر معاقب علی عدم معرفة الحق ، إذا لم یکن یعانده بل کان ینقاد له علی إجماله لو احتمله .

حاشیة السید البروجردی علی کفایة الأصول:193/2

فصل. إنما الثابت بمقدمات دلیل الإنسداد فی الأحکام هو حجیة الظن فیها ، لا حجیته فی تطبیق المأتی به فی الخارج معها ، فیتبع مثلاً فی وجوب صلاة الجمعة یومها ، لا فی إتیانها ، بل لا بد من علم أو علمی بإتیانها ، کما لا یخفی. نعم ربما یجری نظیر مقدمة الإنسداد فی الأحکام فی بعض الموضوعات الخارجیة ، من إنسداد باب العلم به غالباً ، وإهتمام الشارع به بحیث علم بعدم الرضا بمخالفة الواقع بإجراء الأصول فیه مهما أمکن ، وعدم وجوب الإحتیاط شرعاً أو عدم إمکانه عقلاً ، کما فی موارد الضرر المردد أمره بین الوجوب والحرمة مثلاً ، فلا محیص عن اتباع الظن حینئذ أیضاً ، فافهم .

خاتمة: یذکر فیها أمران استطراداً:

الأول: هل الظن کما یتبع عند الإنسداد عقلاً فی الفروع العملیة ، المطلوب فیهاأولاً العمل بالجوارح ، یتبع فی الأصول الإعتقادیة المطلوب فیها عمل الجوانح من الإعتقاد به وعقد القلب علیه وتحمله والإنقیاد له ، أو لا. الظاهر لا ، فإن الأمر الإعتقادی وإن أنسد باب القطع به ، إلا أن باب الإعتقاد إجمالاً - بما هو واقعه والإنقیاد له وتحمله - غیر منسد ، بخلاف العمل بالجوارح فإنه لا یکاد یعلم مطابقته مع ما هو واقعه إلا بالإحتیاط ، والمفروض عدم وجوبه شرعاً ، أو عدم جوازه عقلاً ، ولا أقرب من العمل علی وفق الظن. وبالجملة: لا موجب مع

ص: 243

إنسداد باب العلم فی الإعتقادیات لترتیب الأعمال الجوانحیة علی الظن فیها ، مع إمکان ترتیبها علی ما هو الواقع فیها ، فلا یتحمل إلا لما هو الواقع ، ولا ینقاد إلا له ، لا لما هو مظنونه ، وهذا بخلاف العلمیات ، فإنه لا محیص عن العمل بالظن فیها مع مقدمات الإنسداد .

نعم یجب تحصیل العلم فی بعض الإعتقادات لو أمکن ، من باب وجوب المعرفة لنفسها ، کمعرفة الواجب تعالی وصفاته أداء لشکر بعض نعمائه ، ومعرفة أنبیائه ، فإنهم وسائط نعمه وآلائه ، بل وکذا معرفة الإمام(علیه السّلام)علی وجه صحیح ، فالعقل یستقل بوجوب معرفة النبی ووصیه لذلک ، ولاحتمال الضرر فی ترکه ، ولا یجب عقلاً معرفة غیر ما ذکر، إلا ما وجب شرعاً معرفته، کمعرفة الإمام(علیه السّلام) علی وجه آخر غیر صحیح ، أو أمر آخر مما دل الشرع علی

وجوب معرفته ، وما لا دلالة علی وجوب معرفته بالخصوص ، لا من العقل ولا من النقل ، کان أصالة البراءة من وجوب معرفته محکمة .

ولا دلالة لمثل قوله تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ . . الآیة ، ولا لقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وما أعلم شیئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس، ولا لما دل علی وجوب التفقه وطلب العلم من الآیات والروایات علی وجوب معرفته بالعموم ، ضرورة أن المراد من ( لیعبدون ) هو خصوص عبادة الله ومعرفته ، والنبوی إنما هو بصدد بیان فضیلة الصلوات لا بیان حکم المعرفة ، فلا إطلاق فیه أصلاً ، ومثل آیة النفر إنما هو بصدد بیان الطریق المتوسل به إلی التفقه الواجب ، لا بیان ما یجب فقهه ومعرفته کما لا یخفی ، وکذا ما دل علی وجوب طلب العلم إنما هو بصدد الحث علی طلبه ، لا بصدد بیان ما یجب العلم به .

ثم إنه لا یجوز الإکتفاء بالظن فیما یجب معرفته عقلاً أو شرعاً ، حیث أنه لیس

ص: 244

بمعرفة قطعاً ، فلا بد من تحصیل العلم لو أمکن ، ومع العجز عنه کان معذوراً إن کان عن قصور لغفلة أو لغموضة المطلب مع قلة الإستعداد ، کما هو المشاهد فی کثیر من النساء بل الرجال ، بخلاف ما إذا کان عن تقصیر فی الإجتهاد ، ولو لاجل حب طریقة الآباء والأجداد واتباع سیرة السلف ، فإنه کالجبلی ، وقلما عنه تخلف .

والمراد من المجاهدة فی قوله تعالی: وَالَّذِینَ جَاهَدُوا فِینَا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنَا ،بتخلیتها عن الرذائل وتحلیتها بالفضائل ، وهی التی کانت أکبر من الجهاد ، لا النظر والإجتهاد ، وإلا لأدی إلی الهدایة ، مع أنه یؤدی إلی الجهالة والضلالة ، إلا إذا کانت هناک منه تعالی عنایة ، فإنه غالباً بصدد إثبات أن ما وجد آباءه علیه هو الحق ، لا بصدد الحق ، فیکون مقصراً مع اجتهاده ومؤاخذ إذا أخطأ علی قطعه واعتقاده .

ثم لا إستقلال للعقل بوجوب تحصیل الظن مع الیأس عن تحصیل العلم ، فیما یجب تحصیله عقلا لو أمکن ، لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوبه بل بعدم جوازه ، لما أشرنا إلیه من أن الأمور الإعتقادیة مع عدم القطع بها أمکن الإعتقاد بما هو واقعها والإنقیاد لها ، فلا إلجاء فیها أصلاً إلی التنزل إلی الظن فیما انسد فیه باب العلم ، بخلاف الفروع العملیة کما لا یخفی .

وکذلک لا دلالة من النقل علی وجوبه فیما یجب معرفته مع الامکان شرعاً ، بل الأدلة الدالة علی النهی عن اتباع الظن ، دلیل علی عدم جوازه أیضاً .

وقد انقدح من مطاوی ما ذکرنا أن القاصر یکون فی الإعتقادیات للغفلة ، أو عدم الإستعداد للإجتهاد فیها ، لعدم وضوح الأمر فیها بمثابة لا یکون الجهل بها إلا عن نقص کما لا یخفی ، فیکون معذوراً عقلاً .

ص: 245

ولا یصغی إلی ما ربما قیل بعدم وجود القاصر فیها ، لکنه إنما یکون معذوراً غیر معاقب علی عدم معرفة الحق ، إذا لم یکن یعانده ، بل کان ینقاد له علی إجماله لو احتمله .

حقائق الأصول:2/211

قوله: فإن الأمر الإعتقادی ، یعنی أن العمل علی الظن فی الأصول الإعتقادیة یتوقف علی تتمیم مقدمات الإنسداد فیها وهو غیر ممکن إذ منها عدم إمکان الإحتیاط الموجب للدوران بین الأخذ بالطرف المظنون والموهوم ، وبقاعدة قبح ترجیح المرجوح یتعین الأول ، وفی المقام لا مجال للدوران المذکور لإمکان الإعتقاد بها إجمالاً علی ما هی علیه واقعاً ، إلا أن یدعی وجوب الإعتقاد بها تفصیلاً حتی فی حال الجهل ، فإنه حیث لا یمکن العلم بها لابد من سلوک الظن لأنه أقرب إلی الواقع، لکن لابد من الإلتزام بالکشف إذ لو لم تکشف المقدمات عن کون الظن حجة شرعاً کان الإعتقاد المطابق له تشریعاً محرماً عقلاً ، فتأمل جیداً .

إلا أن دعوی وجوب الإعتقاد تفصیلاً مطلقاً لا دلیل علیها من عقل أو شرع فلاحظ .

قوله: کمعرفة الواجب تعالی ، لا ریب ظاهراً فی وجوب هذه المعارف وإنما الخلاف فی وجوبها عقلاً أو شرعاً ، فالمحکی عن العدلیة الأول ، وعن الأشاعرة الثانی ، والخلاف فی ذلک منهم مبنی علی الخلاف فی ثبوت قاعدة التحسین والتقبیح العقلیین ، فعلی القول بها - کما هو مذهب الأولین - تکون واجبة عقلاً لأن شکر المنعم ودفع الخوف عن النفس واجبان وهما یتوقفان علی المعرفة وما یتوقف علیه الواجب واجب ، وظاهر تقریر هذا الدلیل کون وجوب المعرفة

ص: 246

غیری ، والمصنف(رحمه الله)جعل وجوبها نفسیاً بناء منه علی کون المعرفة بنفسها شکراً ، فإذا کان الشکر واجباً عقلاً لکونه حسناً بنفسه کانت المعرفة بنفسها واجبة لا أنها مقدمة لواجب ، ولذا قال فی تعلیل وجوبها: أداء لشکر بعض . . . الخ .

نعم لو کان الشکر واجباً من باب وجوب دفع الضرر کان وجوبه غیریاً فیکون وجوب المعرفة حینئذ غیریاً ، بل لو قلنا حینئذ بأن وجوب دفع الضرر لیس عقلیاً بل فطریاً کان وجوبها فطریاً غیریاً لا عقلیاً لا نفسیاً ولا غیریاً .

والإنصاف یقتضی التأمل فی وجوب الشکر لنفسه وإن کان حسناً لأن حسنه لا یلازم وجوبه ، نعم هو واجب من باب وجوب دفع الضرر المحتمل ، فیکون وجوب المعرفة غیریاً لا نفسیاً . وأما کونه عقلیاً أو فطریاً فقد عرفت فیما سبق تحقیقه. فلاحظ .

ثم إنه قد یتوهم کون وجوب المعرفة غیریاً من جهة توقف الإعتقاد علیها ، لکنه إنما یتم لو کان الإعتقاد واجباً تفصیلاً مطلقاً غیر مشروط بالمعرفة مع توقفه علی المعرفة ، وقد عرفت الإشکال فی الأول ، کما یمکن منع الثانی لإمکان تحقق الإعتقاد بلا معرفة غایة الأمر أنه تشریع محرم عقلاً لکن تحریمه کذلک لا یقتضی وجوب المعرفة. نعم لو کان الواجب عقلاً هو الإعتقاد عن معرفة کانت واجبة لغیرها لکنه أول الکلام .

قوله: فإنهم وسائط ، یعنی فتکون معرفتهم أداء للشکر الواجب ، وکذا معرفة الإمام(علیه السّلام)علی وجه صحیح ( هامش: وهو کون الإمامة کالنبوة منصباً إلهیاً یحتاج إلی تعیینه تعالی ونصبه لا أنها من الفروع المتعلقة بأفعال المکلفین وهو الوجه الآخر منه (قدسّ سرّه) ، فالعقل یستقل بوجوب معرفة النبی ووصیه لذلک

ص: 247

ولاحتمال الضرر فی ترکه، ولا یجب عقلاً معرفة غیر ما ذکر إلا ما وجب شرعاً معرفته - کمعرفة الإمام(علیه السّلام) - علی وجه آخر غیر صحیح أو أمر آخر مما دل الشرع علی وجوب معرفته ، وما لا دلالة علی وجوب معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النقل کان أصالة البراءة من وجوب معرفته محکمة ، ولا دلالة لمثل قوله تعالی: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإنْسَ ، الآیة ولا لقوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وما أعلم شیئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس ، ولا لما دل علی وجوب التفقه وطلب العلم من الآیات والروایات علی وجوب معرفته بالعموم أن المراد من: لیعبدون ، هو خصوص عبادة الله ومعرفته والنبوی إنما هو بصدد بیان فضیلة الصلوات لا بیان حکم المعرفة فتجب .

قوله: وکذا معرفة الإمام(علیه السّلام)، یعنی واجبة لنفسها لأن الإمامة کالنبوة من المناصب الإلهیة فیکون الإمام(علیه السّلام)من وسائط النعم فتجب معرفته کمعرفة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهذا هو الوجه الصحیح ... .

نهایة الافکار:2/188

أما المقام الأول ، فلا ینبغی الإشکال فی وجوب تحصیل معرفة الواجب تعالی ومعرفة ما یرجع إلیه من صفات الجمال والجلال ، ککونه واحداً قادراً عالماً مریداً حیاً غنیاً لم یکن له نظیر ولا شبیه ، ولم یکن بجسم ولا مرئی ولا له حیز ونحو ذلک . . کما لا إشکال أیضاً فی کون الوجوب المزبور نفسیاً ، لأن المعرفة بالمبدأ سبحانه هی الغایة القصوی والغرض الأصلی من خلق العباد وبعث الرسل کما ینبی عنه قوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، حیث أن حقیقة العبودیة هی المعرفة ولا ینافی ذلک مقدمیتها لواجب آخر عقلی أو شرعی

ص: 248

کالتدین والإنقیاد ونحوه. ثم إن عمدة الدلیل علی وجوب المعرفة إنما هو حکم العقل الفطری واستقلاله بوجوب تحصیل المعرفة بالمبدأ تعالی علی کل مکلف بمناط شکر المنعم باعتبار کونها من مراتب أداء شکره فیجب بحکم العقل تحصیل المعرفة به سبحانه ، وبما یرجع إلیه من صفات الجمال والجلال ، بل ویجب أیضاً معرفة أنبیائه ورسله وحججه الذین هم وسائط نعمه وفیضه .

وإلا فمع الأغماض عن هذا الحکم العقلی الفطری لا تجدی الأدلة السمعیة کتاباً وسنة من نحو قوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، لعدم تمامیة مثل هذه

الإستدلالات للجاهل بهما لا إلزاماً ولا إقناعاً ، لأن دلیلیتهما فرع الإعتقاد بهما وبکلامهما ، وحینئذ فالعمدة فی الدلیل علی الوجوب هو حکم العقل الفطری .

نعم بعد تحصیل المعرفة بالمبدأ ووسائط نعمه بحکم العقل ، لا بأس بالإستدلال بالکتاب والسنة لإثبات وجوب المعرفة لما عداهما فی فرض تمامیة إطلاق تلک الأدلة من حیث متعلق المعرفة ، وإلا فبناء علی عدم إطلاقها من هذه الجهة فلا مجال للتمسک بها أیضاً .

ثم إنه مما ذکرنا ظهر الحال فی المقام الثانی ، حیث أنه بعد ما وجب تحصیل المعرفة بالواجب تعالی وبوسائط نعمه یجب بحکم العقل الإعتقاد وعقد القلب والانقیاد له سبحانه ، لکون مثله أیضاً من مراتب أداء شکره الواجب علیه. بل الظاهر أن وجوب ذلک أیضاً کوجوب أصل المعرفة مطلق غیر مشروط بحصول العلم من الخارج ، فیجب علیه حینئذ تحصیل العلم مقدمة للإنقیاد الواجب .

هذا کله بالنسبة إلی أصل وجوب المعرفة ، وأما المقدار الواجب منها فإنما هو المعرفة بالمبدأ جل شأنه وبوحدانیته وبما یرجع إلیه من صفات الجمال والجلال

ص: 249

، وکذا معرفة أنبیائه ورسله وحججه الذین هم وسائط نعمه وفیضه ، وکذلک الحشر والنشر ولو بنحو الاجمال .

وأما ما عدا ذلک کتفاصیل التوحید وکیفیة علمه وإرادته سبحانه ، وتفاصیل المحشر وخصوصیاته ، وأن المیزان والصراط بأی کیفیة ، ونحو ذلک فلا یجب تحصیل العلم ولا الإعتقاد بها بتلک الخصوصیات .

نعم فی فرض حصول العلم بها من الخارج یجب الإعتقاد وعقد القلب بها. فوجوب الإعتقاد بخصوصیات الأامور المزبورة إنما کان مشروطاً بحصول العلم بها من باب الإتفاق ، لا أن وجوبها مطلق حتی یجب تحصیل العلم بها من باب المقدمة. نعم الواجب علی المکلف هو الإعتقاد الإجمالی بما هو الواقع ونفس الأمر فیعتقد وینقاد بتلک الأمور علی ما هی علیها فی الواقع ونفس الأمر .

ومن هذا البیان ظهر الحال فی المقام الثالث أیضاً ، فإن مقتضی الأصل فیما عدا المقدار المزبور هو عدم وجوب تحصیل المعرفة زائداً علی المقدار الذی یستقل العقل بوجوب تحصیله ، إلا ما ثبت من الخارج وجوب الإعتقاد به من ضرورة ونحوه کالمعاد الجسمانی .

وأما الإستدلال علی وجوب المعرفة بتفاصیل الأمور المزبورة بما ورد من الأدلة النقلیة کتاباً وسنة کقوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ، وعموم آیة النفر ، وقوله(علیه السّلام): لا أعلم شیئاً بعد المعرفة أفضل من الصلوات الخمس ، وقوله: طلب العلم فریضة علی کل مسلم ومسلمة ، فیدفعه مضافاً إلی قضاء العادة بامتناع حصول المعرفة بما ذکر إلا للأوحدی من الناس ، أنه لا إطلاق لها من حیث متعلق المعرفة لأنها بین ما کان فی مقام بیان فضیلة الصلاة والحث والترغیب إلیها لا فی مقام بیان حکم المعرفة ، وبین ما کان بصدد إثبات أصل

ص: 250

وجوب المعرفة بالمبدأ ورسله وحججه لا فی مقام وجوبها علی الإطلاق ، حتی بالنسبة إلی التفاصیل المزبورة. وعلیه فعند الشک لابد من الرجوع إلی الأصل المقتضی لعدم وجوبها .

نعم حیث قلنا بعدم وجوب تحصیل المعرفة فی الزائد عن المقدار المعلوم فلیس له إنکاره والحجد به ، إذ لا یستلزم عدم وجوب المعرفة بشئ جواز إنکاره ، بل ربما یکون إنکاره حراماً علیه ، بل موجباً لکفره إذا کان من الضروریات ، لما یظهر منهم من التسالم علی کفر منکر ضروری الدین کالمعراج والمعاد الجسمانی ونحوهما . فلا بد لمثل هذا الشخص حینئذ من الإعتقاد إجمالاً بما هو الواقع .

شرح المواقف للجرجانی:8/105

... والجواب منع التکلیف بکمال معرفته إذ هو أی التکلیف بقدر وسعنا فنحن مکلفون بأن نعرف من صفاته ما یتوقف تصدیق النبی(علیه السّلام)علی العلم به لا بمعرفة صفات أخری. أو بأن نقول سلمنا تکلیفنا بکمال معرفته لکن لا یلزم من التکلیف به حصوله من جمیع المکلفین بل ربما یعرفه معرفة کاملة بعض منهم کالأنبیاء والکاملین من أتباعهم ... . فإن قلت: مرادهم أنا مکلفون بکمال معرفة ممکنة ، وقد لا یسلمون کون معرفته تعالی بالکنه ممکنة .

قلت: لو سلم فلعل له تعالی صفة لا یمکن لنا معرفتها أیضاً فلا یتجه لهم بما ذکروه نفی صفة غیر السمع بالکلیة ، فتأمل .

قوله: فنحن مکلفون إلی آخره.. هذا مترتب علی منة التکلیف بکمال المعرفة،

ص: 251

ثم الترتب باعتبار الأخبار نظیره الفاء فی قوله تعالی: وَمَا بِکُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ، أی إذا کان التکلیف بکمال المعرفة ممنوعاً فأخبرکم أنا مکلفون بکذا لا بکذا ، وحینئذ لا یرد أن مثل السمع والبصر والکلام داخل تحت الوسع ، فیقتضی قوله إذ هو بقدر وسعنا أن نکون مکلفین بمعرفته أیضاً مع أن التفریع یقتضی عدم التکلیف بها ، إذ لا یتوقف تصدیق النبی(علیه السّلام)علی شئ منها ، فتدبر .

المعرفة لا تتوقف علی علم الکلام

مستدرک الوسائل:1/161

فقه الرضا(علیه السّلام): إیاک والخصومة فإنها تورث الشک وتحبط العمل ، وتردی صاحبها ، وعسی أن یتکلم بشئ لا یغفر له .

ونروی: إنه کان فیما مضی قوم انتهی بهم الکلام إلی الله عز وجل فتحیروا ، فإن کان الرجل لیدعی من بین یدیه فیجیب من خلفه .

وأروی: تکلموا فیما دون العرش ، فإن قوماً تکلموا فی الله عز وجل فتاهوا .

وأروی عن العالم: وسألته عن شئ من الصفات فقال: لا تتجاوز ما فی القرآن .

وأروی: إنه قری بین یدی العالم(علیه السّلام)قوله: لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ ، فقال: إنما عنی أبصار القلوب وهی الاوهام ، فقال: لا تدرک الأوهام کیفیته ، وهو یدرک کل وهم ، وأما عیون البشر فلا تلحقه ، لأنه لا یحل فلا یوصف. هذا ما نحن علیه کلنا .

رسائل الشهید الثانی:2/174

التوحید علی ثلاثة أقسام:

الأول: توحید الذات ونفی الشریک فی واجب الوجود .

ص: 252

الثانی: بحسب الصفات هو نفی الصفة الموجودة القائمة بذاته تعالی .

الثالث: توحیده تعالی بحسب العبودیة وتخصیص العبادة له جل جلاله .

والعمدة فی الإستدلال علی الأول قوله تعالی: لَوْ کَانَ فِیهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا. والدلیل علی الثانی والثالث قوله تعالی: وَلا یُشْرِکْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ، وقول مولانا أمیر المؤمنین(علیه السّلام): إن أول الدین معرفته ، وکمال معرفته التصدیق به ، وکمال التصدیق به توحیده ، وکمال توحیده الإخلاص له ، وکمال الإخلاص له نفی الصفات عنه ، بشهادة کل صفة أنها غیر الموصوف وشهادة کل موصوف أنه غیر الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله. صدق ولی الله(علیه السّلام). وروی محمد بن أبی عمیر عن الکاظم(علیه السّلام)حین سأله عن التوحید ؟ فقال: یا أبا أحمد لا تجاوز فی التوحید عما ذکره الله تعالی فی کتابه

فتهلک .

وسائر صفاته الثبوتیة مذکورة فی القرآن ، مصرحة بواجب الوجود ، وهو دلیل علی نفی الصفات السلبیة ، لإستلزامها الامکان المضاد للوجوب. وباقی الأصول من النبوة والإمامة والمعاد الجسمانی مستفاد من الکتاب العزیز والسنة النبویة والإمامیة ، بحیث لا مزید علیها .

فظهر أن تحصیل الإیمان لا یتوقف علی تعلم علم الکلام ولا المنطق، ولا غیرها من العلوم المدونة، بل یکفی مجرد الفطرة الإنسانیة علی اختلاف مراتبها ، والتنبیهات الشرعیة من الکتاب والسنة المتواترة أو الشائعة المشهورة ، بحیث یحصل من العلم بها العلم بالمسائل المذکورة. وکل ممکن برهان ، وکل آیة حجة ، وکل حدیث دلیل ، وفهم المقصود استدلال ، وکل عاقل مستدل ، وإن لم یعلم الصغری ولا الکبری ولا التالی ولا المقدم ، بهذه العبارات والقانونات

ص: 253

والإصطلاحات .

رسائل الشهید الثانی:2/176

الباب السادس ، فی الکلام علی تعلم علم الکلام ، واعلم أنه علم إسلامی وضعه المتکلمون لمعرفة الصانع وصفاته العلیا ، وزعموا أن الطریق منحصر فیه وهو أقرب الطرق. والحق أنه أبعدها وأصعبها وأکثرها خوفاً وخطراً ، ولذلک نهی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن الغور فیه ، حیث روی أنه مر علی شخصین متباحثین علی مسألة ،

کالقضاء والقدر ، فغضب(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی احمرت وجنتاه .

وروی هارون بن موسی التلعکبری أستاد شیخنا المفید قدس سرهما، عن عبدالله ابن سنان قال: أردت الدخول علی أبی عبدالله(علیه السّلام) ، فقال لی مؤمن الطاق ، استأذن لی علی أبی عبدالله(علیه السّلام)، فقلت: نعم ، فدخلت علیه فاعلمته مکانه ، فقال (علیه السّلام): یابن سنان لا تأذن له علی ، فإن الکلام والخصومات یفسدان النیة وتمحق الدین .

وعن عاصم بن حمید الحناط عن أبی عبیدة الحذاء قال: قال لی أبوجعفر(علیه السّلام) وأنا عنده: إیاک وأصحاب الکلام والخصومات ومجالستهم ، فإنهم ترکوا ما أمروا بعلمه وتکلفوا ما لم یؤمروا بعلمه حین تکلفوا أهل أبناء السماء. یا أبا عبیدة خالط الناس بأخلاقهم وزائلهم فی أعمالهم ، یا أبا عبیدة إنا لا نعد الرجل فقیهاً عالماً حتی یعرف لحن القول ، وهو قوله تعالی: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِی لَحْنِ الْقَوْلِ .

وعن جمیل بن دراج قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السّلام)یقول: متکلموا هذه الأمة من شرار أمتی ومن هم منهم .

وعنه (علیه السّلام): یهلک أهل الکلام وینجو المسلمون .

ص: 254

وورد فی موضع آخر: إن شر هذه الأمة المتکلمون .

وروی أن یونس قال للصادق(علیه السّلام): جعلت فداک إنی سمعت أنک تنهی عن الکلام تقول: ویل لاصحاب الکلام. فقال(علیه السّلام): إنما قلت ویل لهم إن ترکوا ما أقول وذهبوا إلی ما یقولون .

أقول: یمکن أن یکون هذا إشارة إلی أنهم ترکوا التشبیهات کما عرفت الواردة فی القرآن والآثار النبویة والإمامیة صلوات الله علیهم، وعدلوا عنها إلی خیالاتهم الفاسدة وحکایاتهم الباردة ، المذکورة فی الکتب الکلامیة .

قال سید المحققین رضی الدین علی بن طاووس(قدسّ سرّه): مثل مشائخ المعتزلة فی تعلیمهم معرفة الصانع ، کمثل شخص أراد أن یعرف غیره النار ، فقال: یا هذا معرفتها تحتاج إلی أسباب: أحدها الحجر ولا یوجد إلا طریق مکة. والثانی الحدید وصفته کذا وکذا. والثالث حراق علی هذه الصفة. والرابع مکان خال عن شدة الهواء ، فأخذ المسکین فی تحصیل هذه الأسباب .

ولو قال له فی أول الحال: إن هذه الجسم المضی الذی تشاهده هو النار التی تطلبها لأراح واستراح .

فمثل هذا العالم حقیق أن یقال إنه قد أضل ، ولا یقال إنه قد هدی ، أو عدل بالخلائق ( فی معرفة الخالق ) إلی تلک الطرائق الضیقة البعیدة ، وضیق علیهم سبیل الحقیقة ، کما عدل من أراد تعریف النار المعلومة بالإضطرار إلی استخراجها من الأخبار .

أقول: هذا حال الکلام الذی کان فی أول الإسلام ، ولا شک أنه ما کان بهذه المثابة من البحث والخصومة ، فما ظنک بهذه المباحثات والخصومات الشائعة فی زماننا. ولیت شعری أن هؤلاء الجماعة هل لهم دلیل عقلی ونقلی علی وجوبه

ص: 255

واستحبابه ؟ أو مجرد تقلید آبائهم وأسلافهم ، وأنهم علی آثارهم لمقتدون. وأنهم هل یقرون بإیمان السابقین أو ینکرونه ؟ وهل یعترفون بإیمان العوام الغافلین عنه أو لا یعترفون ؟ فإن أقروا واعترفوا فما فائدته ؟ وإلا فکیف یعاشرونهم بالرطوبات ؟ مع اعتقادهم بأن عدم المعرفة بالأصول کفر والکافر نجس. وکیف یجوز الإشتغال بالواجب مع استلزامه ترک ما هو أوجب ؟ فذرهم یخوضوا ویلعبوا حتی یلاقوا یومهم الذی کانوا یوعدون .

ویکفی الدلیل الاجمالی فی المعرفة

الاقتصاد للشیخ الطوسی/15

فإن قیل: قد ذکرتم أنه یخرج الإنسان عن حد التقلید بعلم الجملة ، ما حد ذلک بینوه لنقف علیه ؟

قلنا: أحوال الناس تختلف فی ذلک: فمنهم من یکفیه الشئ الیسیر ، ومنهم من یحتاج إلی أکثر منه بحسب ذکائه وفطنته وخاطره ، حتی یزید بعضهم علی بعض إلی أن یبلغ إلی حد لا یجوز له الإقتصار علی علم الجملة بل یلزمه علی التفصیل لکثرة خواطره وتواتر شبهاته. ولیس یمکن حصر ذلک لشئ لا یمکن الزیادة علیه ولا النقصان عنه .

فإن قیل: فعلی کل حال بینوا لذلک مثالاً علی وجه التقریب .

قلنا: أما علی وجه التقریب فإنا نقول: من فکر فی نفسه فعلم أنه لم یکن موجوداً ثم وجد نطفة ثم صار علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم جنیناً فی بطن أمه میتاً ثم صار حیاً فبقی مدة ثم ولد صغیراً ، فتتقلب به الأحوال من صغر إلی کبر ومن طفولة إلی رجلة ومن عدم عقل إلی عقل کامل ثم إلی الشیخوخة وإلی الهرم ثم

ص: 256

الموت ، وغیر ذلک من أحواله ، عَلِمَ أن هنا من یصرفه هذا التصریف ویفعل به هذا الفعل ، لأنه یعجز عن فعل ذلک بنفسه ، وحال غیره من أمثاله حاله من العجز عن مثل ذلک. فعلم بذلک أنه لابد من أن یکون هناک من هو قادر علی ذلک مخالف له ، لأنه لو کان مثله لکان حکمه حکمه. ویعلم أنه لا بد أن یکون عالماً من حیث أن ذلک فی غایة الحکمة والإتساق ، مع علمه الحاصل بأن بعض ذلک لا یصدر ممن لیس بعالم ، وبهذا القدر یکون عالماً بالله تعالی علی الجملة .

وهکذا إذا نظر فی بذر یبذر فینبت منه أنواع الزرع والغرس ویصعد إلی منتهاه ، فمنه ما یصیر شجراً عظیماً یخرج منه أنواع الفواکه والملاذ ، ومنه ما یصیر زرعاً یخرج منه أنواع الأقوات ، ومنه ما یخرج منه أنواع المشمومات الطیبة الروائح ، ومنه ما یکون خشبه فی غایة الطیب کالعود الرطب وغیر ذلک ، وکالمسک الذی یخرج من بعض الظباء والعنبر الذی یخرج من البحر ، فیعلم بذلک أن مصرف ذلک وصانعه قادر عالم لتأتی ذلک وإتساقه ، ولعجزه وعجز أمثاله عن ذلک ،فیعلم بذلک أنه مخالف لجمیع أمثاله ، فیکون عارفاً بالله علی الجملة .

وکذلک إذا نظر إلی السماء صاحیة فتهب الریاح وینشأ السحاب ویصعد ولا یزال یتکاثف ویظهر فیه الرعد والبرق والصواعق ، ثم ینزل منه من المیاه والبحار العظیمة التی تجری منها الأنهار العظیمة والأودیة الوسیعة ، وربما کان فیه من البرد مثل الجبال ، کل ذلک فی ساعة واحدة ثم تنقشع السماء وتبدو الکواکب وتطلع الشمس أو القمر کأن ما کان لم یکن من غیر تراخ ولا زمان بعید ، فیعلم ببدیهة أنه لابد أن یکون من صح ذلک منه قادراً علیه ممکن منه ، وأنه مخالف له ولأمثاله ، فیکون عند ذلک عارفاً بالله. وأمثال ذلک کثیرة لا نطول بذکره .

فمتی عرف الإنسان هذه الجملة وفکر فیها هذا الفکر واعتقد هذا الإعتقاد ، فإن

ص: 257

مضی علی ذلک ولم یشعثه خاطر ولا طرقته شبهة فهو ناج متخلص .

وأکثر من أشرتم إلیه یجوز أن یکون هذه صفته ، وإن بحث عن ذلک وعن علل ذلک فطرقته شبهات وخطرت له خطرات وأدخل علیه قوم ملحدون ما حیره وبلبله فحینئذ یلزمه التفتیش ولا تکفیه هذه الجملة ، ویجب علیه أن یتکلف البحث والنظر علی ما سنبینه لیسلم من ذلک ویحصل له العلم علی التفصیل .

ونحن نبین ذلک فی الفصل الذی یلی هذا الفصل علی ما وعدنا به إنشاء الله .

فإن قیل: أصحاب الجُمَل ( بضم الجیم أی أصحاب المعرفة الإجمالیة ) علی ما ذکرتم لا یمکنهم أن یعرفوا صفات الله تعالی وما یجوز علیه وما لا یجوز علیه منها علی طریق الجمله ، وإذا لم یمکنهم ذلک لم یمکنهم أن یعلموا أن أفعاله کلها حکمة ولا حسن التکلیف ولا النبوات ولا الشرعیات ، لأن معرفة هذه الأشیاء لا یمکن إلا بعد معرفة الله تعالی علی طریق التفصیل .

قلنا: یمکن معرفة جمیع ذلک علی وجه الجملة ، لأنه إذا علم بما قدمناه من الافعال ووجوب کونه قادراً عالماً ، وعلم أنه لا یجوز أن یکون قادراً بقدرة محدثة لأنها کانت تجب أن تکون من فعله ، وقد تقرر أن المحدث لابد له من محدث ، وفاعلها یجب أن یکون قادراً أولاً ، فلولا تقدم کونه قادراً قبل ذلک لما صح منه تعالی فعل القدرة ، فیعلم أنه لم یکن قادراً بقدرة محدثة ، ولأجله علم أنه کذلک لامر لا اختصاص له بمقدور دون مقدور ، فیعلم أنه یجب أن یکون قادراً علی جمیع الأجناس ومن کل جنس علی ما لا یتناهی لفقد التخصیص .

وکذلک إذا علم بالمحکم من أفعاله کونه عالماً علم أن ما لاجله علم ما علمه لا اختصاص له بمعلوم دون معلوم ، إذ المخصص هو العلم المحدث والعلم لا یقع

ص: 258

إلا من عالم ، فلابد أن یتقدم کونه عالماً لا بعلم محدث ، وما لأجله علم لا اختصاص له بمعلوم دون معلوم ، فیعلم أنه عالم

بما لا یتناهی وبکل ما یصح أن یکون معلوماً لفقد الاختصاص. فیعلم أنه لا یشبه الأشیاء ، لأنه لو أشبهها لکان مثلها فی کونها محدثة ، لأن المثلین لا یکون أحدهما قدیماً والآخر محدثاً. ویعلم أنه غیر محتاج ، لأن الحاجة من صفات الاجسام ، لأنها تکون إلی جلب المنافع ودفع المضار وهما من صفات الأجسام ، فیعلم عند ذلک أنه غنی. ویعلم أنه لا تجوز علیه الرؤیة والإدراکات ، لأنه لا یصح أن یدرک إلا ما یکون هو أو محله فی جهة ، وذلک یقتضی کونه جسماً أو حالاً فی جسم ، وهکذا یقتضی حدوثه وقد علم أنه قدیم. وإذا علم أنه عالم بجیمع المعلومات ، وعلم کونه غنیاً ، علم أن جمیع أفعاله حکمة وصواب ولها وجه حسن وأن لم یعلمه مفصلاً ، لأن القبیح لا یفعله إلا من هو جاهل بقبحه أو محتاج إلیه وکلاهما منتفیان عنه ، فیقطع عند ذلک علی حسن جمیع أفعاله من خلق الخلق والتکلیف وفعل الآلام وخلق المؤذیات من الهوام والسباع وغیر ذلک .

ویعلم أیضاً عند ذلک صحة النبوات ، لأن النبی إذا ادعی النبوة وظهر علی یده علم معجز یعجز عن فعله جمیع المحدثین علم أنه من فعل الله ، ولو لا صدقه لما فعله ، لأن تصدیق الکذاب لا یحسن ، وقد أمن ذلک بکونه عالماً غنیاً. فإذا علم صدق الأنبیاء بذلک علم صحة ما أتوا به من الشرعیات والعبادات ، لکونهم صادقین علی الله ، وأنه لا یتعبد الخلق إلا بما فیه مصلحتهم .

وإذا ثبت له هذه العلوم فتشاغل بالعبادة أو بالمعیشة ولم تخطر له شبهة ولا أورد علیه ما یقدح فیما علمه ، ولا فکر هو فی فروع ذلک ، لم یلزمه أکثر من ذلک. ومتی أورد علیه شبهة فإن تصورها قادحة فیما علمه یلزمه حینئذ النظر فیها حتی

ص: 259

یحلها لیسلم له ما علمه ، وإن لم یتصورها قادحة ولا اعتقد أنها تؤثر فیما علمه لم یلزمه النظر فیها ولا التشاغل بها .

وهذه أحوال أکثر العوام وأصحاب المعایش والمترفین ، فإنهم لیس یکادون یلتفتون إلی شبهة تورد علیهم ولا یقبلونها ولا یتصورونها قادحة فیما اعتقدوه ، بل ربما أعرضوا عنها واستغنوا عن سماعها وإیرادها وقالوا: لا تفسدوا علینا ما علمناه. وقد شاهدت جماعة هذه صورتهم. فبان بهذه الجملة ما أشرنا إلیه من أحوال أصحاب الجُمَل .

رسائل الشهید الثانی:2/142

الثانی فی بیان معنی الدلیل الذی یکفی فی حصول المعرفة المحققة للایمان عند من لا یکتفی بالتقلید فی المعرفة .

إعلم أن الدلیل بمعنی الدال ، وهو لغة المرشد ، وهو الناصب للدلیل کالصانع ، فإنه نصب العالم دلیلاً علیه ، والذاکر له کالعالم ، فإنه دال بمعنی أنه یذکرون العالم دلیلاً علی الصانع ، ویقال لما به الإرشاد کالعالم ، لأنه بالنظر

فیه یحصل الإرشاد ، أی الإطلاع علی الصانع تعالی .

واصطلاحاً: هو ما یمکن التوصل بصحیح النظر فیه إلی مطلوب خبری ، وهذا یشمل الإمارة ، لأنها توصل بالنظر فیها إلی الظن بمطلوب خبری ، کالنظر إلی الغیم الرطب فی فصل الشتاء ، فإن التأمل فیه یوجب الظن بنزول المطر فیه. وقیل: إنه ما یمکن التوصل به إلی العلم بمطلوب خبری ، فلا یشمل الإمارة. وهذان التعریفان للأصولیین . وقوله: ما یمکن ، یشمل ما نظر فیه بالفعل وأوجب المطلوب وما لم ینظر فیه بعد ، فالعالم قبل النظر فیه دلیل علی وجود الصانع عند

ص: 260

الأصولیین دون المنطقیین حیث عرفوه بأنه قولان فصاعداً یکون عنهما قول آخر ، وهذا یشمل الإمارة ، وقیل: قولان فصاعداً یلزم عنه لذاته قول آخر ، وهذا لا یشمل الإمارة. فالدلیل عندهم إنما یصدق علی القضایا المصدق بها حالة النظر فیها أی ترتیبها ، لأنها الحالة التی تکون فیه أو یلزم منها قول آخر .

ویمکن أن یقال: علی اعتبار اللزوم لا یصدق الدلیل علی المقدمات حال ترتیبها، لأن اللزوم لا یحصل عنده بل بعده. اللهم إلا أن یراد باللزوم اللغوی ، أی الإستتباع .

ثم إن الذی یکفی إعتباره فی تحقق الإیمان من هذه التعاریف هو التعریف الثانی للأصولیین لکن بعد النظر فیما یمکن التوصل به ، لا الأول ، لأن ما یفید الظن بالمعارف الأصولیة غیر کاف فی تحقق الإیمان علی المذهب الحق .

ولا یعتبر فی تحققه شئ من تعریف المنطقیین ، لأن العلم بترتیب المقدمات وتفصیلها علی الوجه المعتبر عندهم غیر لازم فی حصول الإیمان ، بل اللازم من الدلیل فیه ما تطمئن به النفس بحسب استعدادها ویسکن إلیه القلب ، بحیث یکون ذلک ثابتاً مانعاً من تطرق الشک والشبهة إلی عقیدة المکلف ، وهذا یتفق کثیراً بملاحظة الدلیل إجمالاً ، کما هو الواقع لأکثر الناس .

أقول: یمکن أن یقال أن حصول العلم عن الدلیل لا یکون إلا بعد ترتیب المقدمات علی الوجه التفصیلی المعتبر فی شرائط الإستدلال ، وحصوله فی النفس وإن لم یحصل الشعور بذلک الترتیب ، إذ لیس کل ما اتصفت به النفس تشعر به ، إذ العلم بالعلم غیر لازم .

والحاصل أن الترتیب المذکور طبیعی لکل نفس ناطقة مرکوز فیها. وهذا معنی ما قالوه من أن الشکل الأول بدیهی الإنتاج لقربه من الطبع ، فدل علی أن فی

ص: 261

الطبیعة ترتیباً مطبوعاً متی أشرفت علیه النفس حصل به العلم ، وحینئذ فالمعتبر فی حصول العلم بالدلیل لیس إلا ما ذکره المنطقیون. والخلاف بینهم وبین الأصولیین لیس إلا فی التسمیة ، لانهم یطلقون الدلیل علی نفس المحسوس کالعالم ، وأهل المعقول لا یطلقونه إلا علی نفس المعقول کالقضایا المرتبة ، مع أن حصول العلم بالفعل علی الإصطلاحین یتوقف علی ترتیب القضایا المعقولة ، وما نحن فیه من هذا القبیل ،فإن حصول الإیمان بالفعل أعنی التصدیق بالمعارف الإلهیة إنمایکون بعد الترتیب المذکور .

فقولهم إن الدلیل الإجمالی کاف فی الإیمان لا یخلو عن مسامحة ، لما بینا من أن الترتیب لابد منه فی النظریات ، وکأنهم أرادوا بالإجمال عدم الشعور بذلک الترتیب وعدم العلم بشرائط الإستدلال، لا عدم حصول ذلک فی النفس ، والثانی هو المعتبر فی حصول العلم دون الأول. نعم الأول إنما یعتبر فی المناظرات ودفع المغالطات ورد الشبهة وإلزام الخصوم .

ویؤید ما ذکرناه أنک لا تجد فی مباحث الدلیل وتعریفه إشارة إلی أنه قد یکون تفصیلیاً وقد یکون إجمالیاً ، وما یوجد فی مباحث الإیمان من أنه یکفی فیه الدلیل الجملی ، فقد بینا المراد منه .

العجز عن معرفة ذات الله تعالی

الکافی:1/92

باب النهی عن الکلام فی الکیفیة:

محمد بن الحسن ، عن سهل بن زیاد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علی بن رئاب ، عن أبی بصیر قال: قال أبوجعفر(علیه السّلام): تکلموا فی خلق الله ولا تتکلموا فی

ص: 262

الله فإن الکلام فی الله لا یزداد صاحبه إلا تحیراً. وفی روایة أخری عن حریز: تکلموا فی کل شئ ولا تتکلموا فی

ذات الله .

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبی عمیر ، عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن سلیمان بن خالد قال: قال أبو عبدالله(علیه السّلام): إن الله عز وجل یقول: وَأَنَّ إلی رَبِّکَ الْمُنْتَهَی ، فإذا انتهی الکلام إلی الله فأمسکوا .

علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن ابن أبی عمیر عن أبی أیوب ، عن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبدالله(علیه السّلام): یا محمد إن الناس لا یزال بهم المنطق حتی یتکلموا فی الله ، فإذا سمعتم ذلک فقولوا: لا إله إلا الله الواحد الذی لیس کمثله شئ .

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابه ، عن الحسین بن المیاح ، عن أبیه قال سمعت أبا عبدالله(علیه السّلام)یقول: من نظر فی الله کیف هو ؟ هلک .

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن عبدالحمید ، عن العلاء بن رزین ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: إیاکم والتفکر فی الله ، ولکن إذا أردتم أن تنظروا إلی عظمته فانظروا إلی عظیم خلقه .

محمد بن أبی عبدالله رفعه قال: قال أبوعبدالله(علیه السّلام): یا ابن آدم لو أکل قلبک طائر لم یشبعه ، وبصرک لو وضع علیه خرق إبرة لغطاه ، ترید أن تعرف بهما ملکوت السماوات والأرض، إن کنت صادقاً فهذه الشمس خلق من خلق الله، فإن قدرت تملأ عینیک منها فهو کما تقول .

نهج البلاغة:2/67

... فمن هداک لإجترار الغذاء من ثدی أمک ، وعرفک عند الحاجة مواضع طلبک

ص: 263

وإرادتک. هیهات ، إن من یعجز عن صفات ذی الهیئة والأدوات فهو عن صفات خالقه أعجز. وَمِن تناولِه بحدود المخلوقین أبعد .

نهج البلاغة:2/119

ومن خطبة له(علیه السّلام)فی التوحید وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة:

ما وحده من کیفه ، ولا حقیقته أصاب من مَثَّله ، ولا إیاه عنی من شَبَّهه ، ولا صمده من أشار إلیه وتوهمه .

کل معروف بنفسه مصنوع ، وکل قائم فی سواه معلول .

فاعلٌ لا باضطراب آلة ، مقدر لا بجول فکرة ، غنی لا بإستفادة ، لا تصحبه الأوقات ، ولا ترفده الأدوات ، سبق الأوقات کونه ، والعدم وجوده ، والإبتداء أزله .

بتشعیره المشاعر عُرِفَ أن لا مُشْعِرَ له ، وبمضادته بین الأمور عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بین الأشیاء عُرِفَ أن لا قرین له ، ضاد النور بالظلمة ، والوضوح بالبهمة والجمود بالبلل... .

نهج البلاغة:1/158

ومن خطبة له(علیه السّلام): الحمد لله المعروف من غیر رؤیة ، والخالق من غیر رَوِیَّة ، الذی لم یزل قائماً دائماً إذ لا سماء ذات أبراج ، ولا حجب ذات أرتاج ، ولا لیل داج، ولا بحر ساج ، ولا جبل ذو فجاج... .

نهج البلاغة:1/164

ص: 264

... وأشهد أن من شبهک بتباین أعضاء خلقک، وتلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبیر حکمتک ، لم یعقد غیب ضمیره علی معرفتک ، ولم یباشر قلبه الیقین بأنه لا ند لک وکأنه لم یسمع تبرأ التابعین من المتبوعین ، إذ یقولون: تَأَللهِ إِنْ کُنَّا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ إِذْ نُسَوِّیکُمْ بِرَبِّ أَلْعَالَمِینَ. کذب العادلون بک ، إذ شبهوک بأصنامهم، ونحلوک حلیة المخلوقین بأوهامهم ، وجزؤوک تجزئة المجسمات بخواطرهم ، وقدروک علی الخلقة المختلفة القوی بقرائح عقولهم ... .

الکافی:1/137

علی بن محمد ، عن صالح بن أبی حماد ، عن الحسین بن یزید ، عن الحسن بن علی ابن أبی حمزة ، عن إبراهیم عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: إن الله تبارک اسمه ، وتعالی ذکره ، وجل ثناؤه ، سبحانه وتقدس ، وتفرد وتوحد، ولم یزل ولا یزال ، وهو الأول والآخر و الظاهر والباطن فلا أول لأولیته، رفیعٌ فی أعلی علوه ، شامخ الأرکان ، رفیع البنیان عظیم السلطان ، منیف الآلاء ، سنی العلیاء ، الذی عجز الواصفون عن کنه صفته ، ولا یطیقون حمل معرفة إلهیته ، ولا یحدون حدوده ، لأنه بالکیفیة لا یتناهی إلیه .

علی بن إبراهیم ، عن المختار بن محمد بن المختار ومحمد بن الحسن ، عن عبدالله ابن الحسن العلوی جمیعاً ، عن الفتح بن یزید الجرجانی قال: ضمنی وأبا الحسن(علیه السّلام)الطریق فی منصرفی من مکة إلی خراسان وهو سائر إلی العراق ، فسمعته یقول: من اتقی الله یتقی ، ومن أطاع الله یطاع ، فتلطفت الوصول إلیه ، فوصلت فسلمت علیه ، فرد علی السلام ثم قال: یا فتح من أرضی الخالق لم یبال بسخط المخلوق ،

ص: 265

ومن أسخط الخالق فقمن أن یسلط الله علیه سخط المخلوق ، وإن الخالق لا یوصف إلا بما وصف به نفسه ، وأنی یوصف الذی تعجز الحواس أن تدرکه ، والأوهام أن تناله ، والخطرات أن تحده ، والأبصار عن الإحاطة به ، جل عما وصفه الواصفون ، وتعالی عما ینعته الناعتون ، نأی فی قربه ، وقرب فی نأیه ، فهو فی نأیه قریب ، وفی قربه بعید ، کیَّف الکیف فلا یقال: کیف ؟ وأیَّن الاین فلا یقال: أین ؟ إذ هو منقطع الکیفوفیة والاینونیة .

النهی عن الفضولیة فی معرفة الله تعالی

مستدرک الوسائل:12/47

محمد بن مسعود العیاشی فی تفسیره: عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبیه (علیهماالسّلام): إن رجلاً قال لامیر المؤمنین(علیه السّلام): هل تصف ربنا نزداد له حباً وبه معرفة ؟ فغضب وخطب الناس ، فقال فیما قال:

علیک یا عبدالله بما دلک علیه القرآن من صفته ، وتقدمک فیه الرسول من معرفته، فائتم به ، واستضی بنور هدایته ، فإنما هی نعمة وحکمة أوتیتها ، فخذ ما أوتیت وکن من الشاکرین ، وما کلفک الشیطان علمه مما لیس علیک فی الکتاب فرضه ، ولا فی سنة الرسول وأئمة الهدی أثره ، فکل علمه إلی الله ، ولا تقدر عظمة الله علیه قدر عقلک ، فتکون من الهالکین ، وأعلم یا عبدالله أن الراسخین فی العلم ، هم الذین أغناهم الله عن الاقتحام علی السدد المضروبة دون الغیوب ، إقراراً بجهل ما جهلوا تفسیره من الغیب المحجوب ، فقالوا: آمنا به کل من عند ربنا ، وقد مدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم یحیطوا به علماً ، وسمی ترکهم التعمق فیما لم یکلفهم البحث عن کنهه رسوخاً .

ص: 266

الفصل التاسع : أنواع من المعرفة والعارفین

اشارة

ص: 267

ص: 268

المعرفة الحقیقیة والمعرفة الشکلیة

الصحیفة السجادیة:2/108

... عن ثابت البنانی قال: کنت حاجاً وجماعة عباد البصرة مثل أیوب السجستانی، وصالح المری ، وعتبة الغلام

، وحبیب الفارسی ، ومالک بن دینار ، فلما أن دخلنا مکة رأینا الماء ضیقاً ، وقد اشتد بالناس العطش لقلة الغیث ، ففزع إلینا أهل مکة والحجاج یسألوننا أن نستسقی لهم ، فأتینا الکعبة وطفنا بها، ثم سألنا الله خاضعین متضرعین بها ، فمنعنا الإجابة. فبینما نحن کذلک إذا نحن بفتی قد أقبل وقد أکربته أحزانه وأقلقته أشجانه ، فطاف بالکعبة أشواطاً ، ثم أقبل علینا ، فقال: یا مالک بن دینار ویا ثابت البنانی ویا صالح المری ویا عتبة الغلام ویا حبیب الفارسی ویا سعد ویا عمر ویا صالح الأعمی ویا رابعة ویا سعدانة ویا جعفر بن سلیمان ، فقلنا: لبیک وسعدیک یا فتی. فقال: أما فیکم أحد یحبه الرحمن ؟ فقلنا: یا فتی علینا الدعاء وعلیه الإجابة ، فقال: أبعدوا عن الکعبة فلو کان فیکم أحد یحبه الرحمن لأجابه !

ثم أتی الکعبة فخر ساجداً ، فسمعته یقول فی سجوده: سیدی بحبک لی إلا سقیتهم الغیث. قال: فما استتم الکلام حتی أتاهم الغیث کأفواه القرب. فقلت: یا فتی من أین علمت أنه یحبک ؟ قال: لو لم یحبنی لم یستزرنی ، فلما استزارنی

ص: 269

علمت أنه یحبنی ، فسألته بحبه لی فأجابنی. ثم ولی عنا وأنشأ یقول:

من عرف الرب فلم تُغْنِهِ

معرفة الرب فذاک الشقِی

ما ضر ذو الطاعة ما ناله

فی طاعة الله وما ذا لقِی

ما یصنع العبد بغیر التقی

والعز کل العز للمتقِی

فقلت یا أهل مکة من هذا الفتی ؟ قالوا: علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب. ورواه فی مستدرک الوسائل:6/209

تحیر المتصوفة فی دور العقل فی المعرفة

التعرف لمذهب أهل التصوف للکلاباذی/63-67 (تحقیق د. عبد الحلیم محمود طبع عیسی الحلبی مصر 1960 )

قولهم فی معرفة الله تعالی:

أجمعوا علی أن الدلیل علی الله هو الله وحده ، وسبیل العقل عندهم سبیل العاقل فی حاجته إلی الدلیل لأنه محدث ، والمحدث لا یدل إلا علی مثله. وقال رجل للنوری: ما الدلیل علی الله ؟ قال: الله. قال فما العقل ؟ قال العقل عاجز ، والعاجز لا یدل إلا علی عاجز مثله !

وقال ابن عطاء: العقل آلة للعبودیة لا للأشراف علی الربوبیة. وقال غیره: العقل یجول حول الکون ، فإذا نظر إلی المکون ذاب. وقال أبوبکر القحطبی: من لحقته العقول فهوت مقهورة إلا من جهة الإثبات ، ولولا أنه تعرف إلیها بالألطاف لما أدرکته من جهة الإثبات . وأنشدونا لبعض الکبار:

من رامه بالعقل مسترشداً

سرحه فی حیرة یلهو

وشاب بالتلبیس أسراره

یقول من حیرته هل هو

ص: 270

وقال بعض الکبار من المشایخ: البادی من المکونات معروف بنفسه لهجوم العقل علیه ، والحق أعز من أن تهجم العقول علیه وإنه عرفنا نفسه أنه ربنا فقال: أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ ؟ ولم یقل: من أنا ؟ فتهجم العقول علیه حین بدأ معرفاً ، فلذلک انفرد عن العقول ، وتنزه عن التحصل غیر الإثبات .

وأجمعوا أنه لا یعرفه إلا ذو عقل ، لأن العقل آلة للعبد یعرف به ما عرف ، وهو بنفسه لا یعرف الله تعالی .

وقال أبوبکر السباک: لما خلق الله العقل قال له: من أنا ؟ فسکت فکحله بنور الوحدانیة ففتح عینیه فقال: أنت الله لا إله إلا أنت. فلم یکن للعقل أن یعرف الله إلا الله .

تحیرهم فی الفرق بین العلم والمعرفة

ثم اختلفوا فی المعرفة نفسها: ما هی ؟ والفرق بینها وبین العلم .

فقال الجنید: المعرفة وجود جهلک عند قیام علمه. قیل له زدنا ، قال: هو العارف وهو المعروف. معناه: إنک جاهل به من حیث أنت ، وإنما عرفته من حیث هو ، وهو کما قال سهل: المعرفة هی المعرفة بالجهل .

وقال سهل: العلم یثبت بالمعرفة ، والعقل یثبت بالعلم ، وأما المعرفة فإنها تثبت بذاتها. معناه: إن الله إذا عرف عبداً نفسه فعرف الله تعالی بتعرفه إلیه ، أحدث له بعد ذلک علماً ، فأدرک العلم بالمعرفة وقام العقل فیه بالعلم

الذی أحدثه فیه .

وقال غیره: تبین الأشیاء علی الظاهر علم ، وتبینها علی استکشاف بواطنها معرفة. وقال غیره: أباح العلم للعامة وخص أولیاءه بالمعرفة .

وقال أبوبکر الوراق: المعرفة معرفة الأشیاء بصورها وسماتها ، والعلم علم الأشیاء

ص: 271

بحقائقها .

وقال أبو سعید الخراز: المعرفة بالله هی علم الطلب لله من قبل الوجود له ، والعلم بالله هو بعد الوجود ، فالعلم بالله أخفی وأدق من المعرفة بالله .

وقال فارس: المعرفة هی المستوفیة فی کنه المعروف .

وقال غیره: المعرفة هی حقر الأقدار إلا قدر الله ، وأن لا یشهد مع قدر الله قدراً .

وقیل لذی النون: بم عرفت ربک ؟ قال: ما هممت بمعصیة فذکرت جلال الله إلا استحییت منه. جعل معرفته بقرب الله منه دلالة المعرفة له .

وقیل لعلیان: کیف حالک مع المولی ؟ قال: ما جفوته منذ عرفته. قیل له: متی عرفته ؟ قال: منذ سمونی مجنوناً. جعل دلالة معرفة له تعظیم قدره عنده .

قال سهل: سبحان من لم یدرک العباد من معرفته إلا عجزاً عن معرفته .

تصوراتهم عن العارف بالله تعالی

التعرف لمذهب أهل التصوف للکلاباذی/136-138

سئل الحسن بن علی بن یزدانیار: متی یکون العارف بمشهد الحق ؟ قال: إذا بدا الشاهد ، وفنی الشواهد ، وذهب الحواس ، واضمحل الإخلاص .

معنی بدا الشاهد: یعنی شاهد الحق ، وهو أفعاله بک مما سبق منه إلیک من بره لک ، وإکرامه إیاک بمعرفته ، وتوحیده ، والإیمان به ، تفنی رؤیة ذلک منک رؤیة أفعالک وبرک وطاعتک ، فتری کثیر ما منک مستغرقاً فی قلیل ما منه ، وإن کان ما منه لیس بقلیل ، وما منک لیس بکثیر .

وفناء الشواهد: بسقوط رؤیة الخلق عنک ، بمعنی الضر والنفع والذم والمدح .

وذهاب الحواس هو معنی قوله: فبی ینطق وبی یبصر ، الحدیث.

ص: 272

ومعنی اضمحل الإخلاص: أن لا یراک مخلصاً ، وما خلص من أفعالک خلص ، ولن یخلص أبداً إذا رأیت صفتک ، فإن أوصافک معلولة مثلک .

سئل ذوالنون ، عن نهایة العارف ، فقال: إذا کان کما کان حیث کان قبل أن یکون ، معناه: أن یشاهد الله وأفعاله دون شاهده وأفعاله .

قال بعضهم: أعرف الخلق بالله أشدهم تحیراً فیه .

قیل لذی النون: ما أول درجة یرقاها العارف ؟

فقال: التحیر ، ثم الافتقار ، ثم الإتصال ، ثم التحیر .

الحیرة الأولی فی أفعاله به ونعمه عنده ، فلا یری شکره یوازی نعمه ، وهو یعلم أنه مطالب بشکرها ، وإن شکر کان شکره نعمة یجب علیه شکرها ، ولا یری أفعاله أهلاً أن یقابله بها استحقاراً لها ، ویراها واجبة علیه ، لا یجوز له التخلف عنها .

وقیل قام الشبلی یوماً یصلی فبقی طویلاً ثم صلی ، فلما انفتل عن صلاته قال: یا ویلاه إن صلیت جحدت ، وإن لم أصل کفرت .

أی جحدت عظم النعمة وکمال الفضل حیث قابلت ذلک بفعلی شکراً له مع حقارته. ثم أنشد:

الحمد لله علی أننی

کضفدع یسکن فی الیم

إن هی فاهت ملات فمها

أو سکتت ماتت من الغم

والحیرة الأخیرة: أن یتحیر فی متاهات التوحید ، فیضل فهمه ویخنس عقله فی عظم قدرة الله تعالی وهیبته وجلاله. وقد قیل: دون التوحید متاهات تضل فیها الأفکار .

سأل أبو السوداء بعض الکبار فقال: هل للعارف وقت ؟ قال:

لا. فقال: لم ؟ قال:

ص: 273

لأن الوقت فرجة تنفس عن الکربة ، والمعرفة أمواج تغط ، وترفع وتحط ، فالعارف وقته أسود مظلم. ثم قال:

شرط المعارف محو الکل منک إذا

بدا المرید بلحظ غیر مطلع

قال فارس العارف: من کان علمه حالة ، وکانت حرکاته غلبة علیه .

سئل الجنید عن العارف فقال: لون الماء لون الإناء. یعنی أنه یکون فی کل حال بما هو أولی فتختلف أحواله ، ولذلک

قیل: هو ابن وقته .

سئل ذو النون عن العارف ، فقال: کان هاهنا فذهب. یعنی أنک لا تراه فی وقتین بحالة واحدة ، لأن مصرفه غیره. وأنشدونا لابن عطاء:

ولو نطقت فی السن الدهر خبرت

بأنی فی ثوب الصبابة أرفل

وما أن لها علم بقدری وموضعی

وما ذاک موهوم لانی أنقل

وقال سهل بن عبدالله: أول مقام فی المعرفة أن یعطی العبد یقیناً فی سره تسکن به جوارحه، وتوکلاً فی جوارحه یسلم به فی دنیاه، وحیاة فی قلبه یفوز بها فی عقباه .

قلنا: العارف هو الذی بذل مجهوده فیما لله ، وتحقق معرفته بما من الله ، وصح رجوعه من الأشیاء إلی الله. قال الله تعالی: تری أعینهم تفیض من الدمع مما عرفوا من الحق .

المؤلفة قلوبهم بالمال لکی یعرفوا

اجتهد الخلیفة عمر بن الخطاب فی آیة المؤلفة قلوبهم فأسقط سهمهم رغم نص الآیة علیه ، وقد خالفه فی ذلک علی والأئمة من أهل البیت(علیهم السّلام) وعدد من الصحابة لأن الآیة نصت علی ذلک ولا یجوز نسخها بالإجتهاد !

ص: 274

الکافی:2/412

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زیاد ، عن علی بن حسان، عن موسی بن بکر، عن رجل قال: قال أبو جعفر(علیه السّلام): ما کانت المؤلفة قلوبهم قط أکثر منهم الیوم ، وهم قوم وحدوا الله وخرجوا من الشرک ولم تدخل معرفة محمد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قلوبهم وما جاء به ، فتألفهم رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وتألفهم المؤمنون بعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لکی ما یعرفوا .

مجمع الفائدة والبرهان:4/158

الرابع: المؤلفة قلوبهم ، قال المصنف فی المنتهی: أجمع علمائنا علی أن من المشرکین قوم مؤلفة یستمالون بالزکاة لمعاونة المسلمین ، ونقل فی التهذیب من تفسیر علی بن إبراهیم ، عن العالم(علیه السّلام)أنه قال: والمؤلفة قلوبهم قال: هم قوم وحدوا الله وخلعوا عبادة من دون الله ولم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمداً رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فکان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یتألفهم یعلمهم ویعرفهم کیما یعرفوا ، فجعل لهم نصیباً فی الصدقات لکی یعرفوا ویرغبوا .

راجع أیضاً: الحدائق الناضرة:12/175 ، وذخیرة المعاد/454 ، ومستند الشیعة:2/46 ، وجواهر الکلام:15/339 ، وفقه السید الخوئی:23/247 ، ومصباح الفقیة:3/95 ، وغیرها من مصادر الحدیث والفقه والتفسیر .

دعوة العدو فی الجهاد إلی معرفة الله تعالی

الکافی:5/36

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقری ، عن سفیان بن عیینة ، عن الزهری قال: دخل رجال من قریش علی علی بن الحسین صلوات الله

ص: 275

علیهما، فسألوه کیف الدعوة إلی الدین ؟ قال: تقول: بسم الله الرحمن الرحیم أدعوکم إلی الله عز وجل وإلی دینه ، وجماعه أمران: أحدهما معرفة الله عز وجل ، والآخر العمل برضوانه ، وأن معرفة الله عز وجل أن یعرف بالوحدانیة والرأفة والرحمة والعزة والعلم والقدرة والعلو علی کل شئ وأنه النافع الضار ، القاهر لکل شئ، الذی لا تدرکه الأبصار وهو یدرک الابصار وهو اللطیف الخبیر وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن ما جاء به هو الحق من عند الله عز وجل ، وما سواه هو الباطل ، فإذا أجابوا ذلک فلهم ما للمسلمین وعلیهم ما علی المسلمین .

عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبدالله بن عبدالرحمن ، عن مسمع بن عبدالملک ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): لما وجهنی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی الیمن قال:یا علی لا تقاتل أحداً حتی تدعوه إلی الإسلام ، وأیم الله لأن یهدی الله عز وجل علی یدیک رجلاً خیر لک مما طلعت علیه الشمس وغربت ، ولک ولاؤه. انتهی. وروی نحو الحدیث الأول فی تهذیب الأحکام:6/141

معرفة أهل الآخرة بدیهیة لا کسبیة

رسائل الشریف المرتضی:2/133

قال المرتضی (رض): سألت بیان أحکام أهل الآخرة فی معارفهم وأحوالهم ، وأنا ذاکر من ذلک جملة وجیزة: إعلم أن لأهل الآخرة ثلاث أحوال: حال ثواب ، وحال عقاب ، وحال أخری للمحاسبة. ویعمهم فی هذه الأحوال الثلاث سقوط التکلیف عنهم ، وأن معارفهم ضروریة ، وأنهم ملجؤون إلی الإمتناع من القبیح وإن کانوا مختارین لأفعالهم مؤثرین لها، وهذا هو الصحیح دون ما ذهب إلیه من خالف هذه الجملة... .

ص: 276

وأما الذی یدل علی أن أهل الآخرة لابد أن یکونوا عارفین بالله تعالی وأحواله ، فهو أن المثاب متی لم یعرفه تعالی ، لم یصح منه معرفة کون الثواب ثواباً وواصلاً إلیه علی الوجه الذی یستحقه ، وأنه دائم غیر منقطع ، وإذا کانت هذه المعارف واجبة فما لا یتم هذه المعرفة إلا به - من معرفة الله تعالی وإکمال العقل وغیرهما - لابد من حصوله .

بحث للشیخ الطوسی فی تعریف الإیمان والکفر

الاقتصاد/140

الإیمان هو التصدیق بالقلب، ولا إعتبار بما یجری علی اللسان، وکل من کان عارفاً بالله وبنبیه وبکل ما أوجب الله علیه معرفته مقراً بذلک مصدقاً به فهو مؤمن. والکفر نقیض ذلک ، وهو الجحود بالقلب دون اللسان مما أوجب الله تعالی علیه المعرفة به ، ویعلم بدلیل شرعی أنه یستحق العقاب الدائم الکثیر .

وفی المرجئة من قال: الإیمان هو التصدیق باللسان خاصة وکذلک الکفر هو الجحود باللسان ، والفسق هو کل ما خرج به عن طاعة الله تعالی إلی معصیته ، سواء کان صغیراً أو کبیراً. وفیهم من ذهب إلی أن الإیمان هو التصدیق بالقلب واللسان معاً ، والکفر هو الجحود بهما .

وفی أصحابنا من قال: الإیمان هو التصدیق بالقلب واللسان والعمل بالجوارح ، وعلیه دلت کثیر من الأخبار المرویة عن الائمة(علیهم السّلام) .

وقالت المعتزلة: الإیمان إسم للطاعات ، ومنهم من جعل النوافل والفرائض من الإیمان ، ومنهم من قال النوافل خارجة عن الإیمان. والإسلام والدین عندهم شئ واحد ، والفسق عندهم عبارة عن کل معصیة یستحق بها العقاب ، والصغائر

ص: 277

التی تقع عندهم مکفرة لا تسمی فسقاً. والکفر عندهم هو ما یستحق به عقاب عظیم ، وأجریت علی فاعله أحکام مخصوصة ، فمرتکب الکبیرة عندهم لیس بمؤمن ولا کافر بل هو فاسق .

وقالت الخوارج قریباً من قول المعتزلة إلا أنهم لا یسمون الکبائر کلها کفراً ، وفیهم من یسمیها شرکاً .

والفضیلیة منهم تسمی کل معصیة کفراً صغیرة کانت أو کبیرة .

والزیدیة من کان منهم علی مذهب الناصر یسمون الکبائر کفر نعمة ، والباقون یذهبون مذهب المعتزلة .

والذی یدل علی ما قلناه: أولاً ، هو أن الإیمان فی اللغة هو التصدیق ، ولا یسمون أفعال الجوارح إیماناً ، ولا خلاف بینهم فیه .

ویدل علیه أیضاً قولهم: فلان یؤمن بکذا وکذا وفلان لا یؤمن بکذا. وقال تعالی: یُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ. وقال: وما أنت بمؤمن لنا ، أی بمصدق ، وإذا کان فائدة هذه اللفظة فی اللغة ما قلناه وجب إطلاق ذلک علیها إلا أن یمنع مانع ، ومن ادعی الانتقال فعلیه الدلالة ، وقد قال الله تعالی: بِلِسَانٍ عَرَبِیٍّ مُبِینٍ. وقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ. وقال: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِیًّا. وکل ذلک یقتضی حمل هذه اللفظة علی مقتضی اللغة. ولیس إذا کان هاهنا ألفاظ منتقلة وجب أن یحکم فی جمیع الألفاظ بذلک ، وإنما ینتقل عما ینتقل بدلیل یوجب ذلک. وإن کان فی المرجئة من قال لیس هاهنا لفظ منتقل ولا یحتاج إلی ذلک .

ولا یلزمنا أن نسمی کل مصدق مؤمنا لأنا إنما نطلق ذلک علی من صدق بجمیع ما أوجبه الله علیه. والإجماع مانع من تسمیة من صدق بالجبت والطاغوت مؤمناً ، فمنعنا ذلک بدلیل وخصصنا موجب اللغة ، وجری ذلک مجری تخصیص العرف

ص: 278

لفظ الدابة ببهیمة مخصوصة ، وإن کان موجب اللغة یقتضی تسمیة کل ما دب دابة ، ویکون ذلک تخصیصاً لا نقلاً. فعلی موجب هذا ، یلزم من ادعی انتقال هذه اللفظة إلی أفعال الجوارح أن یدل علیه .

ولیس لأحد أن یقول: إن العرف لا یعرف التصدیق فیه إلا بالقول ، فکیف حملتموه علی ما یختص القلب ؟

قلنا: العرف یعرف بالتصدیق باللسان والقلب ، لانهم یصفون الاخرس بأنه مؤمن وکذلک الساکت، ویقولون: فلان یصدق بکذا وکذا وفلان لا یصدق ، ویریدون ما یرجع إلی القلب ، فلم یخرج بما قلناه عن موجب اللغة .

وإنما منعنا إطلاقه فی المصدق باللسان لأنه لو جاز ذلک لوجب تسمیته بالإیمان وإن علم جحوده بالقلب ، والإجماع مانع من ذلک .

... وأما الکفر فقد قلنا إنه عند المرجئة من أفعال القلوب ، وهو جحد ما أوجب الله تعالی معرفته مما علیه دلیل قاطع کالتوحید والعدل والنبوة وغیر ذلک ، وأما فی اللغة فهو الستر والجحود ، وفی الشرع عبارة عما یستحق به العقاب الدائم الکثیر ، ویلحق بفاعله أحکام شرعیة کمنع التوارث والتناکح .

والعلم بکون المعصیة کفراً طریقه السمع لا مجال للعقل فیه ، لأن مقادیر العقاب لا تعلم عقلاً ، وقد أجمعت الأمة علی أن الإخلال بمعرفة الله تعالی و توحیده وعدله وجحد نبوة رسله کفر ، لا یخالف فیه إلا أصحاب المعارف الذین بینا فساد قولهم .

ولا فرق بین أن یکون شاکاً فی هذه الأشیاء أو یکون معتقداً لما یقدح فی حصولها ، لأن الاخلال بالواجب یعم الکل .

فعلی هذا ، المجبرة والمشبهة کفار ، وکذلک من قال بالصفات القدیمة لأن

ص: 279

اعتقادهم الفاسد فی هذه الأشیاء ینافی الإعتقاد الصحیح من المعرفة بالله تعالی وعدله وحکمته .

بحث للشهید الثانی فی تعریف الإیمان والکفر

رسائل الشهید الثانی:2/50

فی تعریف الإیمان لغة وشرعاً ، فاعلم أن الإیمان لغةً: التصدیق ، کما نص علیه أهلها ، وهو إفعال من الأمن ، بمعنی سکون النفس واطمئنانها لعدم ما یوجب الخوف لها ، وحینئذ فکان حقیقة آمن به سکنت نفسه واطمأنت بسبب قبول قوله وامتثال أمره ، فتکون الباء للسببیة. ویحتمل أن یکون بمعنی آمنه التکذیب والمخالفة ، کما ذکره بعضهم فتکون الباء فیه زائدة ، والأول أولی کما لا یخفی وأوفق لمعنی التصدیق ، وهو یتعدی باللام کقوله تعالی: وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ، فَأَمَنَ لَهُ لُوطٌ . وبالباء کقوله تعالی: آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ .

وأما التصدیق: فقد قیل أنه القبول والإذعان بالقلب ، کما ذکره أهل المیزان .

ویمکن أن یقال: معناه قبول الخبر أعم من أن یکون بالجنان أو باللسان ، ویدل علیه قوله تعالی: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا. فأخبروا عن أنفسهم بالإیمان وهم من أهل اللسان ، مع أن الواقع منهم هو الإعتراف باللسان دون الجنان ، لنفیه عنهم بقوله تعالی: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا . وإثبات الإعتراف بقوله تعالی: وَلَکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ، الدال علی کونه إقراراً بالشهادتین ، وقد سموه إیماناً بحسب عرفهم ، والذی نفاه الله عنهم إنما هو الإیمان فی عرف الشرع .

ص: 280

إن قلت: یحتمل أن یکون ما ادعوه من الإیمان هو الشرعی ، حیث سمعوا الشارع کلفهم بالإیمان ، فیکون المنفی عنهم هو ما ادعوا ثبوته لهم ، فلم یبق فی الآیة دلالة علی أنهم أرادوا اللغوی .

قلت: الظاهر أنه فی ذلک الوقت لم تکن الحقائق الشرعیة متقررة عندهم ، لبعدهم عن مدارک الشرعیات، فلا یکون المخبر عنه إلا ما یسمونه إیماناً عندهم.

وقوله تعالی: آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ، وقوله تعالی: وَمِنَ النَّاسِ مَن یَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْیَوْمِ الآخِرِ وَ مَا هُمْ بِمُؤْمِنِینَ .

وجه الدلالة فی هذه الآیات أن الإیمان فی اللغة التصدیق ، وقد وقع فی الأخبار عنهم أنهم آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم ، فیلزم صحة إطلاق التصدیق علی الإقرار باللسان وإن لم یوافقه الجنان. وعلی هذا فیکون المنفی هو الإیمان الشرعی أعنی القلبی ، جمعاً بین صحة النفی والإثبات فی هذه الآیات .

لا یقال: هذا الإطلاق مجاز ، وإلا لزم الإشتراک ، والمجاز خیر منه .

لانا نقول: هو من قبیل المشترک المعنوی لا اللفظی ، ومعناه قبول الخبر أعم من أن یکون باللسان أو بالجنان ، واستعمال اللفظ الکلی فی أحد أفراد معناه باعتبار تحقق الکلی فی ضمنه حقیقة لا مجازاً ، کما هو المقرر فی بحث الالفاظ .

فإن قلت: إن المتبادر من معنی الإیمان هو التصدیق القلبی عند الإطلاق، وأیضاً یصح سلب الإیمان عمن أنکر بقلبه وإن أقر بلسانه ، والأول علامة الحقیقة والثانی علامة المجاز .

قلت: الجواب عن الأول أن التبادر لا یدل علی أکثر من کون المتبادر هو الحقیقی لا المجازی ، لکن لا یدل علی کون الحقیقة لغویة أو عرفیة ، وحینئذ فلا یتعین أن اللغوی هو التصدیق القلبی ، فلعله العرفی الشرعی .

ص: 281

إن قلت: الأصل عدم النقل ، فیتعین اللغوی .

قلت: لا ریب أن المعنی اللغوی الذی هو مطلق التصدیق لم یبق علی إطلاقه بل أخرج عنه إما بالتخصیص عند بعض أو النقل عند آخرین. ومما یدل علی ذلک أن الإیمان الشرعی هو التصدیق بالله وحده وصفاته وعدله ، وبنبوة نبینا محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبما علم بالضرورة مجیئه به لا ما وقع فیه الخلاف وعلی هذا أکثر المسلمین. وزاد الإمامیة التصدیق بإمامة إمام الزمان ، لأنه من ضروریات مذهبهم أیضاً أنه مما جاء به النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وقد عرفت أن الإیمان فی اللغة التصدیق مطلقاً ، وهذا أخص منه .

ویؤید ذلک قوله تعالی: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَ رَسُولِهِ. أخبر عنهم تعالی بالإیمان ، ثم أمرهم بإنشائه فلابد أن یکون الثانی غیر الأول ، وإلا لکان أمراً

بتحصیل الحاصل. وإذا حصلت المغایرة کان الثانی المأمور به هو الشرعی ، حیث لم یکن حاصلاً لهم ، إذ لا محتمل غیره إلا التأکید ، والتأسیس خیر منه. وعن الثانی بالمنع من کون ما صح سلبه هو الإیمان اللغوی بل الشرعی ، ولیس النزاع فیه .

إن قلت: ما ذکرته معارض بما ذکره أهل المیزان فی تقسیم العلم إلی التصور والتصدیق ، من أن المراد بالتصدیق الإذعان القلبی ، فیکون فی اللغة کذلک لأن الأصل عدم النقل .

قلت: قد بینا سابقاً أن الخروج عن هذا الأصل ولو سلم فلا دلالة فی ذلک علی حصر معنی التصدیق مطلقاً فی الإذعان القلبی ، بل التصدیق الذی هو قسم من العلم ولیس محل النزاع .

علی أنا نقول: لو سلمنا صحة الإطلاق مجازاً ثبت مطلوبنا أیضاً ، لانا لم ندع إلا

ص: 282

أن معناه قبول الخبر مطلقاً ، ولا ریب أن الألفاظ المستعملة لغة فی معنی من المعانی حقیقة أو مجازاً تعد من اللغة ، وهذا ظاهر .

واما الإیمان الشرعی: فقد اختلفت فی بیان حقیقته العبارات بحسب اختلاف الإعتبارات. وبیان ذلک: إن الإیمان شرعاً: إما أن یکون من أفعال القلوب فقط ، أو من أفعال الجوارح فقط ، أو منهما معاً. فإن کان الأول فهو التصدیق بالقلب فقط ، وهو مذهب الأشاعرة وجمع من متقدمی الإمامیة ومتأخریهم ، ومنهم المحقق الطوسی(رحمه الله)فی فصوله ، لکن اختلفوا فی معنی التصدیق فقال أصحابنا: هو العلم. وقال الأشعریة: هو التصدیق النفسانی ، وعنوا به أنه عبارة عن ربط القلب علی ما علم من أخبار المخبر ، فهو أمر کسبی یثبت باختیار المصدق ، ولذا یثاب علیه بخلاف العلم والمعرفة ، فإنها ربما تحصل بلا کسب ، کما فی الضرویات .

وقد ذکر حاصل ذلک بعض المحققین ، فقال: التصدیق هو أن تنسب باختیارک الصدق للمخبر حتی لو وقع ذلک فی القلب من غیر اختیار لم یکن تصدیقاً وإن کان معرفة ، وسنبین إن شاء الله تعالی [ قصور ] ذلک .

وإن کان الثانی ، فإما أن یکون عبارة عن التلفظ بالشهادتین فقط ، وهو مذهب الکرامیة. أوعن جمیع أفعال الجوارح من الطاعات بأسرها فرضاً ونفلاً ، وهو مذهب الخوارج وقدماء المعتزلة والغلاة والقاضی عبدالجبار. أو عن جمیعها من الواجبات وترک المحظورات دون النوافل ، وهو مذهب أبی علی الجبائی وابنه هاشم وأکثر معتزلة البصرة .

وإن کان الثالث ، فهو إما أن یکون عبارة عن أفعال القلوب مع جمیع أفعال الجوارح من الطاعات ، وهو قول المحدثین وجمع من السلف کابن مجاهد

ص: 283

وغیره ، فإنهم قالوا: إن الإیمان تصدیق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأرکان .

وإما أن یکون عبارة عن التصدیق مع کلمتی الشهادة ، ونسب إلی طائفة ، منهم أبوحنیفة .

أو یکون عبارة عن التصدیق بالقلب مع الإقرار باللسان ، وهو مذهب المحقق نصیر الدین الطوسی(رحمه الله)فی تجریده ، فهذه سبعة مذاهب ذکرت فی الشرح الجدید للتجرید وغیره .

واعلم أن مفهوم الإیمان علی المذهب الأول یکون تخصیصاً للمعنی اللغوی ، وأما علی المذاهب الباقیة فهومنقول ، والتخصیص خیر من النقل .

وهنا بحث وهو أن القائلین بأن الإیمان عبارة عن فعل الطاعات ، کقدماء المعتزلة والعلاف والخوارج ، لا ریب أنهم یوجبون اعتقاد مسائل الأصول ، وحینئذ فما الفرق بینهم وبین القائلین بأنه عبارة عن أفعال القلوب والجوارح ؟

ویمکن الجواب ، بأن اعتقاد المعارف شرط عند الأولین وشطر عند الاخرین...

إعلم أن المحقق الطوسی(رحمه الله)ذکر فی قواعد العقائد أن أصول الإیمان عند الشیعة ثلاثة: التصدیق بوحدانیة الله تعالی فی ذاته تعالی ، والعدل فی أفعاله ، والتصدیق بنبوة الأنبیاء(علیهم السّلام) والتصدیق بإمامة الأئمة المعصومین من بعد الأنبیاء (علیهم السّلام) .

وقال أهل السنة: إن الإیمان هو التصدیق بالله تعالی ، وبکون النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )صادقاً ، والتصدیق بالأحکام التی یعلم یقیناً أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حکم بها دون ما فیه اختلاف واشتباه .

والکفر یقابل الإیمان ، والذنب یقابل العمل الصالح، وینقسم إلی کبائر وصغائر .

ویستحق المؤمن بالإجماع الخلود فی الجنة ، ویستحق الکافر الخلود فی العقاب.

ص: 284

انتهی .

وذکر فی الشرح الجدید للتجرید أن الإیمان فی الشرع عند الأشاعرة هو التصدیق للرسول فیما علم مجیئه به ضرورة ، فتفصیلاً فیما علم تفصیلاً ، وإجمالاً فیما علم إجمالاً ، فهو فی الشرع تصدیق خاص. انتهی .

فهؤلاء اتفقوا علی أن حقیقة الإیمان هی التصدیق فقط ، وإن اختلفوا فی المقدار المصدق به. والکلام هاهنا فی مقامین:

الأول: فی أن التصدیق الذی هو الإیمان المراد به الیقین الجازم الثابت ، کما یظهر من کلام من حکینا عنه .

الثانی: فی أن الأعمال لیست جزء من حقیقة الإیمان الحقیقی ، بل هی جزء من الإیمان الکمالی. أما الدلیل علی الأول فآیات بینات:

منها قوله تعالی: إِنَّ الظَّنَّ لا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئًا. والإیمان حق للنص والإجماع ، فلا یکفی فی حصوله وتحققه الظن .

ومنها: إن یتبعون إلا الظن ، إن هم إلا یظنون ، إن بعض الظن إثم. فهذه قد اشترکت فی التوبیخ علی اتباع الظن ، والإیمان لا یوبخ من حصل له بالإجماع ، فلا یکون ظناً .

ومنها قوله: إنما المؤمنون الذین آمنوا بالله ورسوله ثم لم یرتابوا. فنفی عنهم الریب ، فیکون الثابت هو الیقین .

إن قلت: هذه الآیة الکریمة لا تدل علی المدعی بل علی خلافه ، وهو عدم اعتبار الیقین فی الإیمان ، وذلک أنها إنما دلت علی حصر الإیمان فیما عدا الشک ، فیصدق الإیمان علی الظن .

قلت: الظن فی معرض الریب ، لأن النقیض مجوز فیه ویقوی بأدنی تشکیک ،

ص: 285

فصاحبه لا یخلو من ریب حیث أنه دائماً یجوز النقیض ، علی أن الریب قد یطلق علی ما هو أعم من الشک ، یقال: لا أرتاب فی کذا. ویرید أنه منه علی یقین ، وهذا شائع ذائع .

ومن السنة المطهرة قوله (علیه السّلام): یا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبی علی دینک، فلو لم یکن ثبات القلب شرطاً فی الإیمان لما طلبه(علیه السّلام)، والثبات هو الجزم والمطابقة ، والظن لإثبات فیه ، إذ یجوز ارتفاعه .

وفیه ، منع کون الثبات شرطاً فی تحقیق الإیمان ، ویجوز أن یکون(علیه السّلام)طلبه لکونه الفرد الأکمل ، وهو لا نزاع فیه .

ومن جملة الدلائل علی ذلک أیضاً الإجماع ، حیث ادعی بعضهم أنه یجب معرفة الله تعالی التی لا یتحقق الإیمان بها إلا بالدلیل إجماعاً من العلماء کافة ، والدلیل ما أفاد العلم ، والظن لا یفیده .

وفی صحة دعوی الإجماع بحث ، لوقوع الخلاف فی جواز التقلید فی المعارف الأصولیة ، کما سنذکره إن شاء الله تعالی .

واعلم أن جمیع ما ذکرناه من الأدلة لا یفید شئ منه العلم بأن الجزم والثبات معتبر فی التصدیق الذی هو الإیمان إنما یفید الظن باعتبارهما ، لأن الآیات قابلة للتأویل وغیرها کذلک ، مع کونها من الاحاد .

ومن الآیات أیضاً قوله تعالی: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ . واعترض علی هذا الدلیل بأنه أخص من المدعی ، فإنه إنما یدل علی اعتبار الیقین فی بعض المعارف ، وهو التوحید دون غیره ، والمدعی اعتبار الیقین فی کل ما التصدیق به شرط فی تحقق الإیمان ، کالعدل والنبوة والمعاد وغیرها .

وأجیب بأنه لا قائل بالفرق ، فإن کل من اعتبر الیقین اعتبره فی الجمیع ، ومن لم

ص: 286

یعتبره لم یعتبره فی شئ منها. واعلم أن ما ذکرناه علی ما تقدم وارد هاهنا أیضاً .

واعترض أیضاً بأن الآیة الکریمة خطاب للرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، فهی إنما تدل علی وجوب العلم علیه وحده دون غیره .

وأجیب بأن ذلک لیس من خصوصیاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالإجماع ، وقد دل دلیل وجوب التأسی به علی وجوب اتباعه ، فیجب علی باقی المکلفین تحصیل العلم بالعقائد الأصولیة .

وأیضاً أورد أنه إنما یفید الوجوب لو ثبت أن الأمر للوجوب ، وفیه منع لاحتماله غیره ، وکذا یتوقف علی کون المراد من العلم هاهنا القطعی ، وهو غیر معلوم ، إذ یحتمل أن یراد به الظن الغالب، وهو یحصل بالتقلید. وبالجملة فهو دلیل ظنی.

وأما المقالة الثانیة وهو أن الأعمال لیست جزء من الإیمان ولا نفسه فالدلیل علیه من الکتاب العزیز ، والسنة المطهرة ، والإجماع .

أما الکتاب ، فمنه قوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ، فإن العطف یقتضی المغایرة ، وعدم دخول المعطوف فی المعطوف علیه ، فلو کان عمل الصالحات جزء من الإیمان أو نفسه لزم خلو العطف عن الفائدة لکونه تکراراً .

وَرُدَّ ذلک بأن الصالحات جمع معرف یشمل الفرض والنفل ، والقائل بکون الطاعات جزء من الإیمان یرید بها فعل الواجبات واجتناب المحرمات ، وحینئذ فیصح العطف لحصول المغایرة المفیدة لعموم المعطوف ، فلم یدخل کله فی المعطوف علیه، نعم ذلک یصلح دلیلاً علی إبطال مذهب القائلین بکون المندوب داخلاً فی حقیقة الإیمان کالخوارج .

ومنه قوله تعالی: وَمَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، أی حالة إیمانه ، فإن عمل الصالحات فی حالة الإیمان یقتضی المغایرة لما أضیف إلی تلک الحالة وقارنه

ص: 287

فیها ، وإلا لصار المعنی: ومن یعمل بعض الإیمان حال حصول ذلک البعض ، أو ومن یعمل من الإیمان حال حصوله ، وحینئذ فیلزم تقدم الشئ علی نفسه وتحصیل الحاصل .

إن قلت: الآیة الکریمة إنما تدل علی المغایرة فی الجملة ، لکن لا یلزم من ذلک أن لا تکون الأعمال جزءاً ، فإن

المعنی والله أعلم: ومن یعمل من الصالحات حال إیمانه ، أی تصدیقه بالمعارف الإلهیة ، وحینئذ فیجوز أن یکون الإیمان الشرعی بمجموع الجزئین ، أی عمل الصالحات والتصدیق المذکور ، فالمغایرة إنما هی بین جزئی الإیمان ولا محذور فیه ، بل لابد منه وإلا لما تحقق الکل ، بل لابد لنفی ذلک من دلیل .

قلت: من المعلوم أن الإیمان قد غیر عن معناه لغة ، فأما التصدیق بالمعارف فقط فیکون تخصیصاً ، أو مع الأعمال فیکون نقلاً ، لکن الأول أولی ، لأن التخصیص خیر من النقل . ووجه الإستدلال بالآیة أیضاً بأن ظاهرها کون الإیمان الشرعی شرطاً لصحة الأعمال ، حیث جعل سعیه مقبولاً إذا وقع حال الإیمان ، فلابد أن یکون الإیمان غیر الأعمال ، وإلا لزم إشتراط الشئ بنفسه .

ویرد علی هذا ما ورد علی الأول بعینه ، نعم اللازم هنا أن یکون أحد جزئی المرکب شرطاً لصحة الآخر ولا محذور فیه .

والجواب عن هذا هو الجواب عن ذلک فتأمل .

ومنه قوله تعالی: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا... فإنه أثبت الإیمان لمن ارتکب بعض المعاصی ، فلو کان ترک المنهیات جزء من الإیمان لزم تحقق الإیمان وعدم تحققه فی موضع واحد فی حالة واحدة وهو محال .

ص: 288

ولهم أن یجیبوا عن ذلک بمنع تحقق الإیمان حالة ارتکاب المنهی ، وکون تسمیتهم بالمؤمنین باعتبار ما کانوا علیه وخصوصاً علی مذهب المعتزلة ، فإنهم لا یشترطون فی صدق المشتق علی حقیقة بقاء المعنی المشتق منه .

ویمکن دفعه بأن الشارع قد منع من جواز إطلاق المؤمن علی من تحقق کفره وعکسه ، والکلام فی خطاب الشارع ، فلا نسلم لهم الجواب .

ومنه قوله تعالی: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَکُونُوا مَعَ الصَّادِقِینَ ، فإن أمرهم بالتقوی التی لا تحصل إلا بفعل الطاعات والإنزجار عن المنهیات مع وصفهم بالإیمان ، یدل علی عدم حصول التقوی لهم ، وإلا لما أمروا بها مع حصول الإیمان لو صفهم به ، فلا تکون الأعمال نفس الإیمان ولا جزء منه ، وإلا لکان أمراً بتحصیل الحاصل .

ویرد علیه ، جواز أن یراد من الإیمان الذی وصفوا به اللغوی ، ویکون المأمور به هو الشرعی وهو الطاعات ، أو جزؤه عند من یقول بالجزئیة. ویجاب عنه بنحو ما أجیب عما أورد علی الدلیل الثانی ، فلیتأمل .

ومنه أیضاً الآیات الدالة علی کون القلب محلاً للایمان من دون ضمیمة شئآخر ، کقوله تعالی: أُولَئِکَ کَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ الإیمَانَ . أی جمعه وأثبته فیها والله أعلم .

ولو کان الإقرار غیره من الأعمال نفس الإیمان أو جزءه ، لما کان القلب محل جمعه ، بل هو مع اللسان وحده ، أو مع بقیة الجوارح علی اختلاف الآراء .

وقوله تعالی: وَلَمَّا یَدْخُلِ الإیمَانُ فِی قُلُوبِکُمْ . ولو کان غیر القلب من أعمال الجوارح نفس الإیمان أو جزءه ، لما جعل کله محل القلب ، کما هو ظاهر الآیة الکریمة .

ص: 289

وقوله تعالی: وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإیمَانِ. فإن إطمئنانه بالإیمان یقتضی تعلقه کله به ، وإلا لکان مطمئناً ببعضه لا کله .

أقول: یرد علی الأخیر أنه لا یلزم من اطمئنانه بالإیمان کونه محلاً له ، إذ من الجائز کونه عبارة عن الطاعات وحدها ، أو مع شئ آخر واطمئنان القلب لإطلاعه علی حصول ذلک ، فإن القلب یطلع علی الأعمال .

ویرد علی الأولین أن الإیمان المکتوب والداخل فی القلب إنما هو العقائد الأصولیة ، ولا یدل علی حصر الإیمان فی ذلک ، ونحن لا نمنع ذلک بل نقول بإعتبار ذلک فی الإیمان إما علی طریق الشرطیة لصحته ، أو الجزئیة له ، إذ من یزعم أنه الطاعات فقط لابد من حصول ذلک التصدیق عنده أیضاً لتصح تلک الأعمال ، غایة الأمر أنه شرط للإیمان أو جزؤه لا نفسه ، کما تقدمت الاشارة إلیه .

نعم هما یدلان علی بطلان مذهب الکرامیة ، حیث یکتفون فی تحققه بلفظ الشهادتین من غیر شئ آخر أصلاً لا شرطاً ولا جزءاً .

قیل: وکذا آیات الطبع والختم تشعر بأن محل الإیمان القلب ، کقوله تعالی: أُولَئِکَ الَّذِینَ طَبَعَ اللهُ عَلَی قُلُوبِهِمْ . . . فَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ . . . وَخَتَمَ عَلَی سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَی بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ یَهْدِیهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ . وفیه ما تقدم .

وأما السنة المطهرة ، فکقوله(علیه السّلام): یا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبی علی دینک ، وجه الدلالة فیه أن المراد من الدین هنا الإیمان ، لأن طلب تثبیت القلب علیه یدل علی أنه متعلق بالإعتقاد ، ولیس هناک شئ آخر غیر الإیمان من الإعتقاد یصلح لثبات القلب علیه بحیث یسمی دیناً ، فتعین أن یکون هو الإیمان، وحیث لم یطلب غیره فی حصول الإیمان علم أن الإیمان یتعلق بالقلب لا بغیره .

ص: 290

وکذا ما روی أن جبرئیل(علیه السّلام)أتی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فسأله عن الإیمان ؟ فقال: أن تؤمن بالله ورسوله والیوم الاخر. ومعنی ذلک: أن تصدق بالله ورسله والیوم الآخر ، فلو کان فعل الجوارح أو غیره من الإیمان لذکره له ، حیث سأله الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عما هو الإیمان المطلوب للشارع .

وإن قیل: ظاهر الحدیث فیه مناقشة ، وذلک أن الرسول(علیه السّلام)سأله عن حقیقة الإیمان ، فکان من حق الجواب فی شرح معناه أن یقال: أن تصدق بالله لا أن تؤمن ، لأن أن مع الفعل فی تأویل المصدر ، فیصیر حاصله الإیمان هو الإیمان بالله ، فیلزم منه تعریف الشئ بنفسه فی الجملة ، وذلک لا یلیق بنفس الأمر .

والجواب أن المراد من قوله: أن تؤمن بالله ، أن تصدق ، وقد کان التصدیق معلوماً له(علیه السّلام)لغة ، فلم یکن تعریف الشئ بنفسه ، فهذا إنما یکون بالقیاس إلی غیرهما (علیهماالسّلام) ، وإلا فالسائل والمسؤول غنیان عن معرفة المعانی من الألفاظ .

وأما الإجماع ، فهو أن الأمة أجمعت علی أن الإیمان شرط لسائر العبادات ، والشئ لا یکون شرطاً لنفسه ، فلا یکون الإیمان هو العبادات .

أقول: علی تقدیر تسلیم دعوی الإجماع ، فللخصوم أن یقولوا: نحن نقول بکون التصدیق بمسائل الأصول شرطاً لصحة العبادات التی هی الإیمان ، ولا یلزمنا بذلک أن یکون تلک المسائل هی الإیمان ، فإن سمیتموها إیماناً بالمعنی اللغوی فلا مشاحة فی ذلک ، وإن قلتم بل هی الإیمان الشرعی ، فهو محل النزاع ودلیلکم لا یدل علیه .

وأجمعت أیضاً علی أن فساد العبادات لا یوجب فساد الإیمان ، وذلک یقتضی کون الإیمان غیر أعمال الجوارح .

أقول: إن صح نقل الإجماع ، فلا ریب فی دلالته علی المدعی ، وسلامته عن

ص: 291

المطاعن المتقدمة .

هل یمکن أن یصیر المؤمن کافراً

... المؤمن هل یجوز أن یکفر بعد إیمانه أم لا ؟ ذهب إلی الأول جماعة من العلماء ، وظاهر القرآن العزیز یدل علیه فی آیات کثیرة ، کقوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا ثُمَّ کَفَرُوا ... إلی غیر ذلک من الآیات ، ولو کان التصدیق بالمعارف الأصولیة یعتبر فیه الجزم والثبات لما صح ذلک ، إذ الیقین لا یزول بالأضعف ، ولا ریب أن موجب الکفر أضعف مما یوجب الإیمان .

قلت: لا ریب أن الإیمان من الکیفیات النفسانیة ، إذ هو نوع من العلم علی ما هو الحق ، فهو عرض، وقبوله للزوال بعروض ضده أو مثله ، عند من یقول الأعراض لا تبقی زمانین کالأشاعرة ظاهر. وکذا علی القول بأن الباقی محتاج إلی المؤثر فی بقائه أو غیر محتاج مع قطع النظر عن بقاء الأعراض زمانین ، لأن الفاعل مختار ، فیصح منه الإیجاد والإعدام فی کل وقت. غایة الأمر أن تبدیل الإیمان بالکفر لا یجوز أن یکون من فعل الله تعالی علی ما تقتضیه قواعد العدلیة ، من أن العبد له فعل ، وأن اللطف واجب علی الله تعالی ، ولو کان التبدیل منه تعالی لنافی اللطف . علی أنا نقول : قد یستند الکفر إلی الفعل دون الإعتقاد ، فیجامع الجزم الیقین فی المعارف الأصولیة ، کما فی السجود للصنم وإلقاء المصاحف فی القاذورات مع کونه مصدقاً بالمعارف .

إن قلت: فعلی هذا یلزم جواز اجتماع الإیمان والکفر فی محل واحد وزمان واحد ، وهو محال ، لأن الکفر عدم الإیمان عما من شأنه أن یکون مؤمناً .

قلت: الإیمان هو التصدیق بالأصول المذکورة بشرط عدم السجود وغیره مما

ص: 292

یوجب فعله الکفر بدلالة الشارع علیه ، وانتفاء الشرط یستلزم انتفاء المشروط .

ثانیها یلزم أن یکون الظان ولو فی أحد من الأصول الخمسة کافراً وإن کان عالماًبالباقی ، لأن الظن من أضداد الیقین فلا یجامعه. فیلزم ( القول ) بکفر مستضعفی المسلمین بل کثیر من عوامهم ، لعدم التصدیق فی الأول والثبات فی الثانی ، کما نشاهد من تشککهم عند التشکیک ، مع أن الشارع حکم بإسلامهم وأجری علیهم أحکامه. ومن هاهنا اکتفی بعض العلماء فی الإیمان بالتقلید ، کما تقدمت الاشارة إلیه .

ویمکن الجواب عن ذلک: بأن من یشترط الیقین یلتزم الحکم بکفرهم لو علم کون اعتقادهم بالمعارف عن ظن ، لکن هذا الإلتزام فی المستضعف فی غایة البعد والضعف. وأما إجراء الأحکام الشرعیة فإنما هو للاکتفاء بالظاهر إذ هو المدار فی إجراء الأحکام الشرعیة فهو لا ینافی کون المجری علیه کذلک کافراً فی نفس الأمر. وبالجملة ، فالکلام إنما هو فی بیان ما یتحقق به کون المکلف مؤمناً عند الله سبحانه ، وأما عندنا فیکفی ما یفید الظن حصول ذلک له ، کإقراره بالمعارف الأصولیة مختاراً غیر مستهزی ، لتعذر العلم علینا غالباً بحصول ذلک له.

ثالثها: أنه إذا کان الإیمان هو التصدیق الجازم الثابت ، فلا یمکن الحکم بإیمان أحد حتی نعلم یقیناً أن تصدیقه بما ذکر یقینی ، وأنی لنا بذلک ، ولا یطلع علی الضمائر إلا خالق السرائر .

والجواب عن هذا هو الجواب عن الثانی .

رابعها: انتقاض حد الإیمان والکفر جمعاًومنعاً بحالة النوم والغفلة وکذا بالصبی لأنه إن کان مصدقاً فهو مؤمن وإلا فکافر ، لعدم الواسطة ، مع أن الشارع لم یحکم علیه بشئ منهما حقیقة بل تبعاً .

ص: 293

وأجیب عن الأولین بأن التصدیق باق لم یزل ، والذهول والغفلة إنما هو عن حصوله واتصاف النفس به ، إذ العلم بالعلم وبصفات النفس غیر لازم، ولا عدمه ینافی حصولهما .

علی أن الشارع جعل الأمر المحقق الذی لم یطرأ علیه ما یضاده ویزیله فی حکم الباقی ، فسمی من اتصف بالإیمان مؤمناً ، سواء کان مستشعراً بإیمان نفسه ، أو غافلاً عن ذلک مع اتصاف نفسه به .

وعن الثالث بأن الکلام فی الإیمان الشرعی فهو من أفراد التکلیف ، فلا یوصف الصبی بشئ منها حقیقة ، لعدم دخوله فی المکلف ، نعم یوصف تبعاً .

هل تزول المعرفة والإیمان بإنکار الضروری ؟

نهایة الافکار:2/190

وحیث انجر الکلام إلی هنا ینبغی عطف الکلام إلی بیان أن کفر منکر الضروری هل هو لمحض إنکاره أو أنه من جهة استتباعه لتکذیب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وتظهر الثمرة فیما لو کان منشأ الإنکار الإعتقاد بعدم صدور ما أنکره عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، أو اشتباه الأمر علیه ، فإنه علی الأول

یحکم علیه بالکفر ویرتب علیه آثاره بمحض إنکاره ، بخلاف الثانی حیث لا یحکم علیه بالکفر فی الفرض المزبور .

فنقول: إن ظاهر إطلاق کلماتهم فی کفر منکر الضروری وإن کان یقتضی الوجه الأول ، ولکن النظر الدقیق فیها یقتضی خلافه ، وذلک لما هو المعلوم من انصراف إطلاق کلماتهم إلی المنکر المنتحل للاسلام المعاشر للمسلمین. ومن الواضح ظهور إنکار مثل هذا الشخص فی تکذیبه للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومع هذا الانصراف

ص: 294

لا مجال للأخذ بإطلاق کلامهم فی الحکم بکفر منکر الضروری حتی مع العلم بعدم رجوع إنکاره إلی تکذیب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وبعد عدم دلیل فی البین علی ثبوت الکفر بمحض الإنکار أمکن الإلتزام بعدم الکفر فیمن یحتمل فی حقه الشبهة وخفاء الأمر علیه بحسب ظهور حاله کما فیمن هو قریب عهد بالإسلام عاش فی البوادی ولم یختلط بالمسلمین ، حیث أن إنکار مثله لا یکون له ظهور فی تکذیب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وبذلک یندفع ما قد یتوهم من اقتضاء البیان المزبور عدم الحکم بالکفر حتی فی من نشأ فی الإسلام وعاشر المسلمین مع احتمال الشبهة فی حقه خصوصاً مع دعواه عدم اعتقاده بصدور ما أنکره عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنه من الموضوعات. إذ نقول إنه کذلک لولا ظهور حال مثله فی تکذیب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعدم خفاء شئ علیه من أساس الدین وضروریاته ، حیث أن العادة قاضیة بأن من عاشر المسلمین مدة مدیدة من عمره لا یخفی علیه شئ من أساس الدین وضروریاته فضلاً عمن کان مسلماً وکان نشوؤه من صغره بین المسلمین ، فإنکار مثل هذا الشخص یکشف لا محالة بمقتضی ظهور حاله عن تکذیب النبی بحیث لو ادعی جهله بذلک أو اعتقاده بعدم صدور ما أنکره عن النبی لا یسمع منه بل یحکم بکفره .

وهذا بخلاف غیره ممن کان نشوه فی البوادی أو البلاد التی لا یوجد فیها المسلم فإن ظهور حاله ربما یکون علی العکس ، ومن ذلک لا نحکم بکفره بمجرد انکاره لشئ من ضروریات الدین خصوصاً مع دعواه عدم علمه بکون ما أنکره صادراً عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

بل ولعل فی جعل مدار الکفر علی إنکار الضروری دلالة علی ما ذکرنا من طریقیة الإنکار للتکذیب بلحاظ بُعد خفاء ما هو أساس الدین وضروریاته علی

ص: 295

المنتحل للإسلام المعاشر مع المسلمین ، بخلاف غیر الضروری حیث لا بُعد فی خفائه ، وإلا فلا فرق فی استلزام الإنکار للتکذیب بین الضروری وغیره ، وحینئذ فیمکن الجمع بین إطلاق کلامهم فی کفر منکر الضروری وبین ما هو الظاهر من طریقیة الإنکار للتکذیب بحمل الإطلاقات علی المنکر المنتحل للإسلام المعاشر مع المسلمین برهة من عمره .

وقد یستدل علی استتباع مجرد الإنکار للکفر بما رواه زرارة عن أبی عبدالله (علیه السّلام)من قوله: لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم یجحدوا لم یکفروا ، ولکن یدفعه ظهور الروایة فی الإنکار الناشئ عن العناد إذ الجحد لیس إلا عبارة عن ذلک ومن المعلوم عدم صلاحیة مثله للدلالة علی ثبوت الکفر بمحض الإنکار ، ومجرد کون الإنکار العنادی موجباً للکفر لا یقتضی تسریة الحکم إلی مطلق الإنکار ، ومن ذلک نقول أن الإنکار العنادی موجب للکفر مطلقاً ولو فی غیر الضروری .

هذا کله فی صورة التمکن من تحصیل العلم والإعتقاد الجزمی ، ولقد عرفت وجوبه علیه فیما یرجع إلی الله جل شأنه وما یرجع إلی أنبیائه ورسله وحججه وأنه مع الإخلال به یکون معاقباً لا محالة .

نعم یبقی الکلام حینئذ فی کفره وترتیب آثاره علیه من النجاسة وغیرها مع الإخلال بتحصیل المعرفة ، فنقول:

أما مع عدم إظهاره للشهادتین فلا إشکال فی کفره وترتیب آثاره علیه من النجاسة وعدم الارث والمناکحة. وأما مع إظهار الشهادتین ففیه إشکال ینشأ من کفایة مجرد إظهار الشهادتین مع عدم الإنکار فی الحکم بالإسلام ، ومن عدم کفایته ولزوم الإعتقاد فی الباطن أیضاً .

ص: 296

ولکنه لا ینبغی التأمل فی عدم کفایته ، فإن حقیقة الإسلام عبارة عن الإعتقاد بالواجب تعالی والتصدیق بالنبی(علیه السّلام)بکونه رسولاً من عند الله سبحانه ، وأن الإکتفاء بإظهار الشهادتین من جهة کونه أمارة علی الإعتقاد فی الباطن کما یظهر ذلک أیضاً من النصوص الکثیرة . ولا ینافی ذلک ما یترائی فی صدر الإسلام من معاملة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مع المنافقین معاملة

الإسلام بمجرد إظهارهم الشهادتین مع علمه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بعدم کونهم مؤمنین بالله ولا مصدقین برسوله واقعاً ، وأن إظهارهم الشهادتین کان لمحض الصورة ، إما لاجل خوفهم من القتل ، وإما لبعض المصالح المنظورة لهم کالوصول إلی مقام الریاسة والامال الدنیویة لما سمعوا وعلموا من الکهنة بارتقاء الإسلام وتفوقه علی سائر المذاهب والأدیان ، مع أنهم لم یؤمنوا بالله طرفة عین کما نطقت به الأخبار والاثار المرویة عن الأئمة الأطهار .

إذ نقول إن فی معاملة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والوصی مع هؤلاء المنافقین فی الصدر الأول معاملة الإسلام بمحض إظهارهم الشهادتین وجوها ومصالح شتی:

منها: تکثیر جمعیة المسلمین وازدیادهم فی قبال الکفار وعبدة الأوثان الموجب لازدیاد صولة المسلمین فی أنظار المشرکین .

ومنها: حفظ من فی أصلابهم من المؤمنین الذین یوجدون بعد ذلک .

ومنها: تعلیم الأمة فی الأخذ بما یقتضیه ظاهر القول بالشهادتین فی الکشف عن الإعتقاد فی الباطن ، فإنه لو فتح مثل هذا الباب فی الصدر الأول لقتل کل أحد صاحبه لاجل ما کان بینهم من العداوة فی الجاهلیة بدعوی أن اعتقاده علی خلاف ما یظهره باللسان وأن إظهار الشهادتین کان لأجل الخوف من القتل أو الطمع فی الشرکة فی أخذ الغنیمه ، ومثله لا یزید المسلمین وشوکتهم إلا ضعفاً

ص: 297

کما یشهد لذلک الآیة الشریفة: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَی إِلَیْکُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ، وقضیة أسامة بن زید فی ذلک معروفة .

ومنها: غیر ذلک من المصالح التی لاحظها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مع علمه بکونهم حقیقة غیر مؤمنین علی ما نطق به الکتاب المبین فی مواضع عدیدة فی قوله سبحانه: یَحْلِفُونَ

بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْکُمْ وَمَا هُمْ مِنْکُمْ ، وقوله: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلی بَعْضٍ ... الخ. وغیر ذلک من الآیات الکثیرة .

وأین ذلک وزماننا هذا الذی قد کثر فیه المسلمون کثرة عظیمة ، وحینئذ فلا یمکن الإلتزام بترتیب آثار الإسلام علی مجرد إظهار الشهادتین مع العلم بعدم کون إظهارها إلا صوریاً محضاً خصوصاً مع ظهور اعتبار القول فی کونه لأجل الحکایة والطریقیة عن الإعتقاد فی الباطن ، بل لابد من ترتیب آثار الکفر علیه فی الفرض المزبور .

هل أن الکافر یعرف الله تعالی ؟

مسالک الافهام:2/75

النیة معتبرة فی الکفارة لأنها عبادة تقع علی وجوه مختلفة فلا یتمیز المقصد منها بالنیة لقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنما الأعمال بالنیات ویعتبر فیها نیة القربة لقوله تعالی: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِیَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ. وهذا هو القدر المتفق علیه منها ... .

إذا تقرر ذلک فقد فرع المصنف علی اعتبار نیة القربة به أنه لا یصح من الکافر کتابیاً کان أم غیره ، محتجاً بتعذر نیة القربة فی حقه ، وفیه نظر ، لأنه إن أراد بنیة القربة المتعذرة منه نیة إیقاع الفعل طلباً للتقرب إلی الله بواسطه نیل الثواب أو ما جری مجری ذلک سواء حصل له ما نواه أم لا، منعنا من تعذر نیة القربة من مطلق

ص: 298

الکافر ، لأن من اعترف منهم بالله تعالی وکان کفره بجحد نبوة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو غیره من الأنبیاء أو بعض شرایع الإسلام یمکن منه هذا النوع من التقرب ، وإنما یمتنع من الکافر المعطل الذی لا یعترف بوجود الله تعالی کالدهری وبعض عبدة الأصنام ، وإن أراد بها إیقاعه علی وجه التقرب إلی الله تعالی بحیث یستحق بها الثواب طالبناه بدلیل علی اشتراط مثل ذلک وعارضناه بعبارة المخالف من المسلمین وعتقه فإنه لا یستتبع الثواب عنده مع صحة عتقه ، وفی صحة عبادات غیره بحث فُرِد فی محله .

وبالجملة فکلامهم فی هذا الباب مختلف غیر منقح ، لانهم تارة یحکمون ببطلان عبادة الکافر مطلقاً استناداً إلی تعذر نیة القربة منه ، ومقتضی ذلک إرادة المعنی الثانی لأن ذلک هو المتعذر منه لا الأول ، وتارة یجوزون منه بعض العبادات کالعتق وسیأتی تجویز جماعة من الأصحاب له منه ، مع اشتراط القربة فیه نظراً إلی ما ذکرناه من الوجه فی الأول .

وقد وقع الخلاف بینهم فی وقفه وصدقته وعتقه المتبرع به ونحو ذلک من التصرفات المالیة المعتبر فیها القربة ، واتفقوا علی عدم صحة العبادات البدنیة منه نظراً إلی أن المال یراعی فیه جانب المدفوع إلیه ولو بفک الرقبة من الرق فیرجح فیه جانب القربات بخلاف العبادات البدنیة ، ومن ثم ذهب بعض العامة إلی عدم اشتراط النیة فی العتق والإطعام واعتبرها فی الصیام ، إلا أن هذا الإعتبار غیر منضبط عند الأصحاب کما أشرنا إلیه ، وسیأتی له فی العتق زیادة بحث .

ثم عد إلی العبارة واعلم أن قوله ذمیاً کان الکافر أو حربیاً أو مرتداً لا یظهر للتسویة بین هذه الفرق مزیة ، لأن الکافر المقر بالله تعالی لا یفرق فیه بین الذمی والحربی ، وإن افترقا فی الإقرار بالجزیة فإن ذلک أمر خارج عن هذا المطلق ،

ص: 299

وإنما حق التسویة بین أصناف الکفار أن یقول سواء کان مقراً بالله کالکتابی أم جاحداً له کالوثنی ، لأن ذلک هو موضع الإشکال ومحل الخلاف .

وأما ما قاله بعضهم من أن الکافر مطلقاً لا یعرف الله تعالی علی الوجه المعتبر ولو عرفه لأقر بجمیع رسله ودین الإسلام فهو کلام بعید عن التحقیق جداً ، ولا ملازمة بین الأمرین کما لا ملازمة بین معرفة المسلم لله تعالی ومعرفة دین الحق من فرق الإسلام ، وکل حزب بما لدیهم فرحون .

مسالک الافهام:2/153

قوله: ویصح الیمین من الکافر .. إلخ.

إذا حلف الکافر بالله تعالی علی شئ سواء کان مقراً بالله کالیهودی والنصرانی ، أو من کفر بجحد فریضة من المسلمین ، أو غیر مقر به کالوثنی ، ففی انعقاد یمینه أقوال أشهرها الأول ، وهو الذی اختاره المصنف والشیخ فی المبسوط وأتباعه وأکثر المتأخرین لوجود المقتضی وهو حلفه بالله تعالی مع باقی الشرایط وانتفاء المانع ، إذ لیس هناک إلا کفره وهو غیر مانع لتناول الأدلة الدالة علی انعقاد الیمین له من الآیات والأخبار، ولأن الکفار مخاطبون بفروع الشرایع فیدخلون تحت عموم قوله تعالی: وَلَکِنْ یُؤَاخِذُکُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَیْمَانَ ، وغیره .

وقال الشیخ فی الخلاف وابن إدریس: لا ینعقد مطلقاً لأن شرط صحتها الحلف بالله والکافر لا یعرف الله ، وفی إطلاق القولین معاً منع ظاهر .

وفصل العلامة جیداً فی المختلف فقال: إن کان کفره باعتبار جهله بالله وعدم علمه به لم ینعقد یمینه لأنه یحلف بغیر الله ، ولو عبر به فعبارته لغو لعدم اعتقاده ما یقتضی تعظیمه بالحلف به ، وإن کان جحده باعتبار جحد نبوة أو فریضة

ص: 300

انعقدت یمینه ، لوجود المقتضی وهو الحلف بالله تعالی من عارف به إلی آخر ما اعتبر. وتوقف فعل المحلوف علیه لو کان طاعة ، والتکفیر علی تقدیر الحنث علی الإسلام لا یمنع أصل الإنعقاد ، لأنه مشروط بشرط زاید علی أصل الیمین فلا ملازمة بینهما .

وفائدة الصحة تظهر فی بقاء الیمین لو أسلم فی المطلقة أو قبل خروج وقت الموقتة ، وفی العقاب علی متعلقها لو مات علی کفره ولما یفعله لا فی تدارک الکفارة ولو سبق الحنث الإسلام ، لأنها تسقط به عنه.

قوله: وفی صحة التکفیر .. إلخ. إذا قلنا بصحة یمین الکافر علی بعض الوجوه وحنث فی یمینه وجبت علیه الکفارة مطلقاً ، ومذهب الأصحاب عدم صحتها منه حال الکفر لأنها من العبادات المشروطة بنیة القربة ، وهی متعذرة فی حقة سواء عرف الله أم لا ، لأن المراد من القربة ما یترتب علیه الثواب وهو منتف فی حقه .

والمصنف(رحمه الله)تردد فی ذلک ، ووجه التردد ما ذکر ومن احتمال أن یراد بالقربة قصد التقرب إلی الله تعالی سواء حصل له القرب والثواب أم لا کما سبق تحقیقه فی عتق الکافر ، ومن حیث أن بعض خصال الکفارة قد یشک فی اعتبار نیة القربة فیها کالإطعام والکسوة کما یقوله العامة فإنهم لا یعتبرون النیة إلا فی الصوم من خصالها ویجوزون الإطعام ونحوه بدونها ، ولکن مذهب الأصحاب اعتبار نیة القربة فی جمیع خصالها ، وظاهرهم اختیار المعنی الأول من معانی القربة ، ومن ثم أبطلوا عبادات الکافر ، ومن اختار منهم صحة یمینه منع من صحة التکفیر منه مادام علی کفره ، فما تردد المصنف(رحمه الله)فیه لا یظهر فیه خلاف معتد به .

ص: 301

بحث فی معرفة الله تعالی عن طریق معرفة النفس

تفسیر المیزان للطباطبائی:6/169 وما بعدها

فی الغرر والدرر للآمدی عن علی(علیه السّلام) قال: من عرف نفسه عرف ربه .

أقول ورواه الفریقان عن النبی أیضاً وهو حدیث مشهور ، وقد ذکر بعض العلماء أنه من تعلیق المحال ، ومفاده استحالة معرفة النفس لإستحالة الاحاطة العلمیة بالله سبحانه. ورد أولاً ، بقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی روایة أخری: أعرفکم بنفسه أعرفکم بربه. وثانیاً ، بأن الحدیث فی معنی عکس النقیض ، لقوله تعالی: وَلا تَکُونُوا کَالَّذِینَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ .

وفیه عنه(علیه السّلام): قال الکیس من عرف نفسه وأخلص أعماله .

أقول: تقدم فی البیان السابق معنی ارتباط الإخلاص وتفرعه علی الإشتغال بمعرفة النفس .

وفیه عنه(علیه السّلام): قال المعرفة بالنفس أنفع المعرفتین .

أقول: الظاهر أن المراد بالمعرفتین المعرفة بالآیات الأنفسیة والمعرفة بالآیات الآفاقیة ، قال تعالی: سَنُرِیهِمْ آیَاتِنَا فِی الأفَاقِ وَفِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَ لَمْ یَکْفِ بِرَبِّکَ أَنَّهُ عَلَی کُلِّ شَئٍْ شَهِیدٌ . حم السجده : 53 ، وقال تعالی: وَفِی الأَرْضِ آیَاتٌ لِلْمُوقِنِینَ وَفِی أَنْفُسِکُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ . الذاریات : 21 .

وکون السیر الأنفسی أنفع من السیرالآفاقی لعله لکون المعرفة النفسانیة لا تنفک عادةً من إصلاح أوصافها وأعمالها بخلاف المعرفة الآفاقیة ، وذلک أن کون معرفة الآیات نافعة إنما هو لأن معرفة الآیات بما هی آیات موصلة إلی معرفة الله

ص: 302

سبحانه وأسمائه وصفاته وأفعاله ، ککونه تعالی حیاً لا یعرضه موت ، وقادراً لا یشوبه ، عجز وعالماً لا یخالطه جهل ، وأنه تعالی هو الخالق لکل شئ ، والمالک لکل شئ ، والرب القائم علی کل نفس بما کسبت ، خلق الخلق لا لحاجة منه إلیهم بل لینعم علیهم بما استحقوه ، ثم یجمعهم لیوم الجمع لا ریب فیه ، لیجزی الذین أساؤوا بما عملوا ویجزی الذین احسنوا بالحسنی .

وهذه وأمثالها معارف حقة ، إذا تناولها الإنسان وأتقنها مثلت له حقیقه حیاته وأنها حیاة مؤبدة ذات سعادة دائمة أو شقوة لازمة ، ولیست بتلک المتهوسة المنقطعة اللاهیة اللاغیة .

وهذا موقف علمی یهدی الإنسان إلی تکالیف ووظائف بالنسبة إلی ربه وبالنسبة إلی أبناء نوعه فی الحیاة الدنیا والحیاة الآخرة ، وهی التی نسمیها بالدین ، فإن السنة التی یلتزمها الإنسان فی حیاته ولا یخلو عنها حتی البدوی والهمجی ، إنما یضعها ویلتزمها أو یأخذها ویلتزمها لنفسه من حیث أنه یقدر لنفسه نوعاً من الحیاة أی نوع کان، ثم یعمل بما استحسنه من السنة لاسعاد تلک الحیاة،

وهذا من الوضوح بمکان .

فالحیاة التی یقدرها الإنسان لنفسه تمثل له الحوائج المناسبة لها فیهتدی بها إلی الأعمال التی تضمن عادة رفع تلک الحوائج فیطبق الإنسان عمله علیها ، وهو السنة أو الدین .

فتلخص مما ذکرنا أن النظر فی الآیات الأنفسیة والآفاقیة ومعرفة الله سبحانه بها یهتدی الإنسان إلی التمسک بالدین الحق والشریعة الإلهیة ، من جهه تمثیل المعرفة المذکورة الحیاة الإنسانیة المؤبدة له عند ذلک ، وتعلقها بالتوحید والمعاد والنبوة .

ص: 303

وهذه الهدایة إلی الإیمان والتقوی یشترک فیها الطریقان معاً ، أعنی طریقی النظر إلی الآفاق والأنفس ، فهما نافعان جمیعاً ، غیر أن النظر إلی آیات النفس أنفع ، فإنه لا یخلو من العثور علی ذات النفس وقواها وأدواتها الروحیة والبدنیة وما یعرضها من الإعتدال فی أمرها أو طغیانها أو خمودها ، والملکات الفاضلة أو الرذیلة والأحوال الحسنة أو السیئة التی تقارنها .

واشتغال الإنسان بمعرفة هذه الأمور والإذعان بما یلزمها من أمن أو خطر وسعادة أو شقاوة لا ینفک من أن یعرفه الداء والدواء من موقف قریب ، فیشتغل بإصلاح الفاسد منها والإلتزام بصحیحها ، بخلاف النظر فی الآیات الافاقیة ، فإنه إن دعا إلی إصلاح النفس وتطهیرها من سفاسف الأخلاق ورذائلها وتحلیتها بالفضائل الروحیة ، لکنه ینادی لذلک من مکان بعید ، وهو ظاهر .

وللروایة معنی آخر أدق مستخرج من نتائج الأبحاث الحقیقیة فی علم النفس ، وهو أن النظر فی الآیات الآفاقیة والمعرفة الحاصلة من ذلک نظر فکری وعلم حصولی ، بخلاف النظر فی النفس وقواها وأطوار وجودها والمعرفة المتجلیة منها ، فإنه نظر شهودی وعلم حضوری ، والتصدیق الفکری یحتاج فی تحققه إلی نظم الأقیسه واستعمال البرهان وهو باق ما دام الإنسان متوجهاً إلی مقدماته غیر ذاهل عنها ولا مشتغل بغیرها ، ولذلک یزول العلم بزوال الأشراف علی دلیله وتکثر فیه الشبهات ویثور فیه الإختلاف .

وهذا بخلاف العلم النفسانی بالنفس وقواها وأطوار وجودها فإنه من العیان ، فإذا اشتغل الإنسان بالنظر إلی آیات نفسه وشاهد فقرها إلی ربها وحاجتها فی جمیع أطوار وجودها وجد أمراً عجیباً ، وجد نفسه متعلقة بالعظمة والکبریاء متصلة فی وجودها وحیاتها وعلمها وقدرتها وسمعها وبصرها وإرادتها وحبها وسائر صفاتها

ص: 304

وأفعالها ، بما لا یتناهی بهاءً وسناءً وجمالاً وجلالاً وکمالاً من الوجود والحیاة والعلم والقدرة وغیرها من کل کمال .

وشاهد ما تقدم بیانه أن النفس الإنسانیة لا شأن لها إلا فی نفسها ، ولا مخرج لها من نفسها ، ولا شغل لها إلا السیر الإضطراری فی مسیر نفسها ، وإنها منقطعة عن کل شئ کانت تظن أنها مجتمعه معه مختلطه به إلا ربها ، المحیط بباطنها وظاهرها وکل شئ دونها ، فوجدت أنها دائماً فی خلا مع ربها وإن کانت فی ملا من الناس .

وعند ذلک تنصرف عن کل شیء وتتوجه إلی ربها وتنسی کل شئ ، وتذکر ربها فلا یحجبه عنها حجاب ، ولا تستتر عنه بستر ، وهو حق المعرفة الذی قدر للإنسان .

وهذه المعرفة الأحری بها أن تسمی بمعرفة الله بالله ... .

وأما المعرفة الفکریة التی یفیدها النظر فی الآیات الآفاقیة سواء حصلت من قیاس أو حدس أو غیر ذلک ، فإنما هی معرفة بصورة ذهنیة عن صورة ذهنیة ، وجل الاله أن یحیط به ذهن أو تساوی ذاته صورة مختلقة اختلقها خلق من خلقه ، ولا یحیطون به علما .

وقد روی فی الإرشاد والإحتجاج علی ما فی البحار ، عن الشعبی ، عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)فی کلام له: إن الله أجل من أن یحتجب عن شئ أو یحتجب عنه شئ .

وفی التوحید، عن موسی بن جعفر(علیه السّلام)فی کلام له: لیس بینه وبین خلقه حجاب غیر خلقه ، احتجب بغیر حجاب محجوب ، واستتر بغیر ستر مستور ، لا إله إلا هو الکبیر المتعال .

ص: 305

وفی التوحید مسنداً عن عبد الاعلی، عن الصادق(علیه السّلام)فی حدیث: ومن زعم أنه یعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال ، فهو مشرک ،لأن الحجاب والصورة والمثال غیره ، وإنما هو واحد موحد ، فکیف یوحد من زعم أنه یوحده بغیره ! إنما عرف الله من عرفه بالله ، فمن لم یعرفه به فلیس یعرفه ، إنما یعرف غیره.. الحدیث .

والأخبار المأثورة عن أئمة أهل البیت(علیه السّلام)فی معنی ما قدمناه کثیرة جداً لعل الله یوفقنا لایرادها وشرحها فی ماسیأتی إن شاء الله العزیز من تفسیر سورة الاعراف.

فقد تحصل أن النظر فی آیات الانفس أنفس وأغلی قیمةً ، وأنه هو المنتج لحقیقة المعرفة فحسب ، وعلی هذا فعده(علیه السّلام)إیاها أنفع المعرفتین لا معرفة متعینة إنما هو لأن العامة من الناس قاصرون عن نیلها ، وقد أطبق الکتاب والسنة وجرت السیرة الطاهرة النبویة وسیرة أهل بیته الطاهرین علی قبول من آمن بالله عن نظر آفاقی وهو النظر الشائع بین المؤمنین. فالطریقان نافعان جمیعاً ، لکن النفع فی طریق النفس أتم وأغزر .

وفی الدرر والغرر عن علی(علیه السّلام)قال: العارف من عرف نفسه فاعتقها ونزهها عن کل ما یبعدها. أقول: أی أعتقها عن إسارة الهوی وَرِقِّیة الشهوات .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: أعظم الجهل جهل الإنسان أمر نفسه .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: أعظم الحکمه معرفة الإنسان نفسه .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: أکثر الناس معرفة لنفسه أخوفهم لربه. أقول: وذلک لکونه أعلمهم بربه وأعرفهم به ، وقد قال الله سبحانه: إِنَّمَا یَخْشَی اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ .

وفیه ، عنه (علیه السّلام) قال: أفضل العقل معرفة المرء بنفسه ، فمن عرف نفسه عقل ، ومن جهلها ضل .

ص: 306

وفیه ، عنه (علیه السّلام) قال: عجبت لمن ینشد ضالته وقد أضل نفسه فلا یطلبها .

وفیه ، عنه (علیه السّلام) قال: عجبت لمن یجهل نفسه کیف یعرف ربه .

وفیه ، عنه (علیه السّلام) قال: غایه المعرفة أن یعرف المرء نفسه. أقول: وقد تقدم وجه کونها غایة المعرفة فإنها المعرفة حقیقة .

وفیه ، عنه (علیه السّلام) قال: کیف یعرف غیره من یجهل نفسه .

وفیه ، عنه (علیه السّلام) قال: کفی بالمرء معرفةً أن یعرف نفسه ، وکفی بالمرء جهلاً أن یجهل نفسه .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: من عرف نفسه تجرد. أقول: أی تجرد عن علائق الدنیا ، أو تجرد عن الناس بالإعتزال عنهم ، أو تجرد عن کل شئ بالإخلاص لله .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: من عرف نفسه جاهدها ، ومن جهل نفسه أهملها .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: من عرف نفسه جل أمره .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: من عرف نفسه کان لغیره أعرف ، ومن جهل نفسه کان بغیره أجهل .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: من عرف نفسه فقد انتهی إلی غایة کل معرفة وعلم .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: من لم یعرف نفسه بعد عن سبیل النجاة ، وخبط فی الضلال والجهالات .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: معرفة النفس أنفع المعارف .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: نال الفوز الأکبر من ظفر بمعرفة النفس .

وفیه ، عنه(علیه السّلام)قال: لا تجهل نفسک فإن الجاهل معرفة نفسه جاهل بکل شئ .

وفی تحف العقول ، عن الصادق(علیه السّلام)فی حدیث: من زعم أنه یعرف الله بتوهم القلوب فهو مشرک ، ومن زعم أنه یعرف الله بالإسم دون المعنی فقد أقر بالطعن

ص: 307

لأن الإسم محدث ، ومن زعم أنه یعبد الإسم والمعنی فقد جعل مع الله شریکاً ، ومن زعم أنه یعبد بالصفة لا بالإدراک فقد أحال علی غائب ، ومن زعم أنه یضیف الموصوف إلی الصفة فقد صغر بالکبیر ، وما قدروا الله حق قدره .

قیل له: فکیف سبیل التوحید ؟ قال: باب البحث ممکن وطلب المخرج موجود ، إن معرفة عین الشاهد قبل صفته ، ومعرفة صفة الغائب قبل عینه. قیل وکیف یعرف عین الشاهد قبل صفته ؟ قال: تعرفه وتعلم علمه ، وتعرف نفسک به ولا تعرف نفسک من نفسک ، وتعلم أن ما فیه له وبه ، کما قالوا لیوسف إنک لانت یوسف ، قال أنا یوسف وهذا أخی ، فعرفوه به ولم یعرفوه بغیره ولا أثبتوه من أنفسهم بتوهم القلوب . . . الحدیث .

أقول: قد أوضحنا فی ذیل قوله(علیه السّلام): المعرفة بالنفس أنفع المعرفتین ، الروایة الثانیة من الباب أن الإنسان إذا اشتغل بآیة نفسه وخلا بها عن غیرها انقطع إلی ربه من کل شئ ، وعقب ذلک معرفة ربه معرفة بلا توسیط وسط وعلماً بلا تسبیب سبب ، إذ الإنقطاع یرفع کل حجاب مضروب، وعند ذلک یذهل الإنسان بمشاهدة ساحة العظمة والکبریاء عن نفسه. وأحری بهذه المعرفة أن تسمی معرفة الله بالله . . . وانکشف له عند ذلک من حقیقه نفسه أنها الفقیرة إلی الله سبحانه المملوکة له ملکاً لا تستقل بشئ دونه، وهذا هو المراد بقوله (علیه السّلام): تعرف نفسک به ، ولا تعرف نفسک بنفسک من نفسک ، وتعلم أن ما فیه له وبه .

وفی هذا المعنی ما رواه المسعودی فی إثبات الوصیة عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)قال فی خطبة له: فسبحانک ملات کل شئ وباینت کل شئ ، فأنت لا یفقدک شئ وأنت الفعال لما تشاء . . . إلی أن قال: سبحانک أی عین تقوم نصب بهاء نورک وترقی إلی نور ضیاء قدرتک ، وأی فهم یفهم ما دون ذلک إلا أبصار کشفت

ص: 308

عنها الأغطیة وهتکت عنها الحجب العمیة فرقت أرواحها علی أطراف أجنحة الأرواح ، فناجوک فی أرکانک وولجوا بین أنوار بهائک ، ونظروا من مرتقی التربة إلی مستوی کبریائک ، فسماهم أهل الملکوت زواراً ، ودعاهم أهل الجبروت عماراً .

وفی البحار عن إرشاد الدیلمی وذکر بعد ذلک سندین لهذا الحدیث وفیه: فمن عمل برضائی ألزمه ثلاث خصال: أعرفه شکراً لا یخالطه الجهل ، وذکراً لا یخالطه النسیان ، ومحبةً لا یؤثر علی محبتی محبة المخلوقین. فإذا أحبنی أحببته وأفتح عین قلبه إلی جلالی ولا أخفی علیه خاصة خلقی وأناجیه فی ظلم اللیل ونور النهار ، حتی ینقطع حدیثه مع المخلوقین ومجالسته معهم ، واسمعه کلامی وکلام ملائکتی وأعرفه السر الذی سترته عن خلقی، وألبسه الحیاء حتی یستحیی منه الخلق کلهم ، ویمشئ علی الأرض مغفوراً له ، واجعل قلبه واعیاً وبصیراً ، ولا أخفی علیه شیئاً من جنة ولا نار ، وأعرفه ما یمر علی الناس فی القیامة من الهول والشدة ، وما أحاسب به الأغنیاء والفقراء والجهال والعلماء ، وأنومه فی قبره وأنزل علیه منکراً ونکیراً حتی یسألاه ، ولا یری غم الموت وظلمة القبر واللحد وهول المطلع ، ثم أنصب له میزانه وأنشر دیوانه ، ثم أضع کتابه فی یمینه فیقرؤه منشوراً ، ثم لا أجعل بینی وبینه ترجماناً. فهذه صفات المحبین.

یا أحمد إجعل همک هماً واحداً ، واجعل لسانک لساناً واحداً ، واجعل بدنک حیاً لا یغفل أبداً ، من یغفل عنی لا أبالی بأی واد هلک .

والروایات الثلاثة الأخیرة وإن لم تکن من أخبار هذا البحث المعقود علی الإستقامة ، إلا أنا إنما أوردناها لیقضی الناقد البصیر بما قدمناه من أن المعرفة الحقیقیة لا تستوفی بالعلم الفکری حق استیفائها ، فإن الروایات تذکر أموراً من

ص: 309

المواهب الإلهیة المخصوصة بأولیائه لاینتجها السیر الفکری البتة. وهی أخبار مستقیمة صحیحة یشهد علی صحتها الکتاب الإلهی علی ما سنبین ذلک فیما سیوافیک من تفسیر سوره الأعراف إن شاء الله العزیز... .

وأما سائر الفرق المذهبیة من الهنود ، کالجوکیة أصحاب الأنفاس والأوهام ، وکأصحاب الروحانیات ، وأصحاب الحکمة ، وغیرهم ، فلکل طائفة منهم ریاضات شاقة عملیة لا تخلو عن العزلة وتحریم اللذائذ الشهوانیة علی النفس .

وأما البوذیة فبناء مذهبهم علی تهذیب النفس ومخالفة هواها وتحریم لذائذها علیها للحصول علی حقیقة المعرفة ، وقد کان هذا هو الطریقة التی سلکها بوذا نفسه فی حیاته فالمنقول أنه کان من أبناء الملوک أو الرؤساء فرفض زخارف الحیاة وهجر أریکة العرش إلی غابة موحشة لزمها فی ریعان شبابه واعتزل الناس وترک التمتع بمزایا الحیاة وأقبل علی ریاضة نفسه والتفکر فی أسرار الخلقة ، حتی قذفت المعرفة فی قلبه وسنه إذ ذاک ستة وثلاثون ، وعند ذاک خرج إلی الناس فدعاهم إلی ترویض النفس وتحصیل المعرفة ، ولم یزل علی ذلک قریباً من أربع وأربعین سنة علی ما فی التواریخ .

وأما الصابئون ، ونعنی بهم أصحاب الروحانیات فهم وإن أنکروا أمر النبوة غیر أن لهم فی طریق الوصول إلی کمال المعرفة النفسانیة طرقاً لا تختلف کثیراًعن طرق البراهمة والبوذیین ، قالوا علی ما فی الملل والنحل: أن الواجب علینا أن نطهر نفوسنا عن دنس الشهوات الطبیعیة ، ونهذب أخلاقنا عن علائق القوی الشهوانیة والغضبیة ، حتی یحصل مناسبة ما بیننا وبین الروحانیات ، فنسأل حاجاتنا منهم ونعرض أحوالنا علیهم ونصبوا فی جمیع أمورنا إلیهم ، فیشفعون لنا إلی خالقنا وخالقهم ورازقنا ورازقهم .

ص: 310

وهذا التطهیر لیس یحصل إلا باکتسابنا وریاضتنا ، وفطامنا أنفسنا عن دنیئات الشهوات ، استمداداً من جهة الروحانیات ، والإستمداد هو التضرع والإبتهال بالدعوات وإقامة الصلوات ، وبذل الزکوات ، والصیام عن المطعومات والمشروبات ، وتقریب القرابین والذبائح ، وتبخیر البخورات وتعزیم العزائم ، فیحصل لنفوسنا استعداد واستمداد من غیر واسطة. انتهی .

وهؤلاء وإن اختلفوا فیما بین أنفسهم بعض الإختلاف فی العقائد العامة الراجعة إلی الخلق والایجاد لکنهم متفقوا الرأی فی وجوب ترویض النفس للحصول علی کمال المعرفة وسعادة النشأة .

وأما المانویة من الثنویة ، فاستقرار مذهبهم علی کون النفس من عالم النور العلوی وهبوطها إلی هذه الشبکات المادیة المظلمة المسماة بالأبدان ، وأن سعادتها وکمالها التخلص من دار الظلمة إلی ساحة النور ، إما اختیاراً بالترویض النفسانی ، وإما اضطراراً بالموت الطبیعی المعروف .

وأما أهل الکتاب ونعنی بهم الیهود و النصاری والمجوس ، فکتبهم المقدسة وهی العهد العتیق والعهد الجدید وأوستا ، مشحونة بالدعوة إلی إصلاح النفس وتهذیبها ومخالفة هواها. ولاتزال کتب العهدین تذکر الزهد فی الدنیا والإشتغال بتطهیر السر ، ولا یزال یتربی بینهم جم غفیر من الزهاد وتارکی الدنیا ، جیلاً بعد جیل وخاصة النصاری فإن من سننهم المتبعة الرهبانیة. وقد ذکر أمر رهبانیتهم فی القرآن الشریف قال تعالی: ذَلِکَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّیسیِنَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ. المائده : 82 ، وقال تعالی: وَرَهْبَانِیَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا کَتَبْنَاهَا عَلَیْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَایَتِهَا ، الحدید : 27 . کما ذکر المتعبدون من الیهود فی قوله: لَیْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ یَتْلُونَ آیَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّیْلِ وَهُمْ یَسْجُدُونَ ، یُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ وَیَأْمُرُونَ

ص: 311

بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَیُسَارِعُونَ فِی الْخَیْرَاتِ وَأُولَئِکَ مِنَ الصَّالِحِینَ. آل عمران : 114 .

وأما الفرق المختلفة من أصحاب الإرتیاضات والأعمال النفسیة کأصحاب السحر والسیمیاء ، وأصحاب الطلسمات وتسخیر الأرواح والجن وروحانیات الحروف والکواکب وغیرها ، وأصحاب الإحضار وتسخیر النفوس ، فلکل منهم ارتیاضات نفسیة خاصة تنتج نوعاً من السلطة علی أمر النفس .

وجملة الأمر علی ما یتحصل من جمیع ما مر: أن الوجهة الأخیرة لجمیع أرباب الأدیان والمذاهب والأعمال هو تهذیب النفس بترک هواها والإشتغال بتطهیرها من شوب الأخلاق والأحوال غیر المناسبة للمطلوب .

لعلک ترجع وتقول إن الذی ثبت من سنن أرباب المذاهب والطرق وسیرهم هو الزهد فی الدنیا وهو غیر مسألة معرفة النفس أو الإشتغال بأمر النفس بالمعنی الذی تقدم البحث عنه. وبلفظ أوضح: الذی یندب إلیه الأدیان والمذاهب التی تدعو إلی العبودیة بنحو أن یتزهد الإنسان نوع تزهد فی الدنیا بإتیان الأعمال الصالحة وترک الهوی والاثام ورذائل الأخلاق لیتهیأ بذلک لأحسن الجزاء ، إما فی الآخرة کما تصرح به الأدیان النبویة کالیهودیة والنصرانیة والإسلام ، أو فی الدنیا کما استقر علیه دین الوثنیة ومذهب التناسخ وغیرهما ، فالمتعبد علی حسب الدستور الدینی یأتی بما ندب إلیه من نوع التزهد من غیر أن یخطر بباله أن هناک نفساً مجردة وأن لها نوعاً من المعرفة فیه سعادتها وکمال وجودها .

وکذلک الواحد من أصحاب الریاضات علی اختلاف طرقها وسننها إنما یرتاض بما یرتاض من مشاق الأعمال ولا همَّ له فی ذلک إلا حیازه المقام الموعود فیها والتسلط علی نتیجه العمل کنفوذ الإرادة مثلاً ،وهو فی غفلة من أمر النفس المذکور من حین یأخذ فی عمله إلی حین یختمه. علی أن فی هؤلاء من لا یری

ص: 312

فی النفس إلا أنها أمر مادی طبیعی کالدم أو الروح البخار أو الأجزاء الأصلیة ، ومن یری أن النفس جسم لطیف مشاکل للبدن العنصری حال فیه وهو الحامل للحیاة ، فکیف یسوغ القول بکون الجمیع یرومون بذلک أمر معرفة النفس .

لکنه ینبغی لک أن تتذکر ما تقدم ذکره أن الإنسان فی جمیع هذه المواقف التی یأتی فیها بأعمال تصرف النفس عن الإشتغال بالأمور الخارجیة والتمتعات المتفننة المادیة إلی نفسها ، للحصول علی خواص وآثار لا توصل إلیها الأسباب المادیة والعوامل الطبیعیة العادیة ، لا یرید إلا الإنفصال عن العلل والأسباب الخارجیة والإستقلال بنفسه للحصول علی نتائج خاصة لا سبیل للعوامل المادیة العادیة إلیها .

فالمتدین المتزهد فی دینه یری أن من الواجب الإنسانی أن یختار لنفسه سعادته الحقیقیة ، وهی الحیاه الطیبة الأخرویة عند المنتحلین بالمعاد ، والحیاة السعیدة الدنیویة التی تجمع له الخیر وتدفع عنه الشر عند المنکرین له کالوثنیة وأصحاب التناسخ ، ثم یری أن الإسترسال فی التمتعات الحیوانیة لا تحوز له سعادته ولا تسلک به إلی غرضه ، فلا محیص له عن رفض الهوی وترک الإنطلاق إلی کل ما تتهوسه نفسه بأسبابها العادیة فی الجملة ، والإنجذاب إلی سبب أو أسباب فوق الأسباب المادیة العادیة بالتقرب إلیه والإتصال به ، وأن هذا التقرب والإتصال إنما یتأتی بالخضوع له والتسلیم لامره ، وذلک أمر روحی نفسانی لا ینحفظ إلا بأعمال وتروک بدنیة ، وهذه هی العبادة الدینیة من صلاة ونسک أو ما یرجع إلی ذلک .

فالأعمال والمجاهدات والإرتیاضات الدینیة ترجع جمیعاً إلی نوع من الإشتغال بأمر النفس ، والإنسان یری بالفطرة أنه لا یأخذ شیئاً ولا یترک شیناً إلا لنفع نفسه،

ص: 313

وقد تقدم أن الإنسان لا یخلو ولا لحظة من لحظات وجوده من مشاهدة نفسه وحضور ذاته ، وأنه لا یخطی فی شعوره هذا البتة ، وإن أخطأ فإنما یخطی فی تفسیره بحسب الرأی النظری والبحث الفکری .

فظهر بهذا البیان أن الأدیان والمذاهب علی اختلاف سننها وطرقها تروم الإشتغال بأمر النفس فی الجملة ، سواء علم بذلک المنتحلون بها أم لم یعلموا. وکذلک الواحد من أصحاب الریاضات والمجاهدات وإن لم یکن منتحلاً بدیلاً ولا مؤمناً بأمر حقیقة النفس ، لا یقصد بنوع ریاضته التی یرتاض بها إلا الحصول علی نتیجتها الموعودة له ، ولیست النتیجة الموعودة مرتبطة بالأعمال والتروک التی یأتی بها ارتباطاً طبیعیاً نظیر الإرتباط الواقع بین الأسباب الطبیعیة ومسبباتها ، بل هو ارتباط إرادی غیر مادی متعلق بشعور المرتاض وإرادته المحفوظین بنوع العمل الذی یأتی به ، دائر بین نفس المرتاض وبین النتیجة الموعودة .

فحقیقة الریاضة المذکورة هی تأیید النفس وتکمیلها فی شعورها وإرادتها للنتیجة المطلوبة. وإن شئت قلت: أثر الریاضة أن تحصل للنفس حالة العلم بأن المطلوب مقدور لها ، فإذا صحت الریاضة وتمت صارت بحیث لو أرادت المطلوب مطلقاً أو أرادته علی شرائط خاصة ، کإحضار الروح للصبی غیر المراهق فی المرآة ، حصل المطلوب .

وإلی هذا الباب یرجع معنی ما روی: أنه ذکر عند النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن بعض أصحاب عیسی(علیه السّلام)کان یمشئ علی الماء فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لو کان یقینه أشد من ذلک لمشی علی الهواء ، فالحدیث کما تری یومئ إلی أن الأمر یدور مدار الیقین بالله سبحانه وإمحاء الأسباب الکونیة عن الإستقلال فی التأثیر .

فإلی أی مبلغ بلغ رکون الإنسان إلی القدرة المطلقة الإلهیة انقادت له الأشیاء

ص: 314

علی قدره ، فافهم ذلک .

ومن أجمع القول فی هذا الشأن قول الصادق(علیه السّلام): ما ضعف بدن عما قویت علیه النیة. وقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الحدیث المتواتر: إنما الأعمال بالنیات .

فقد تبین أن الاثار الدینیة للاعمال والعبادات وکذلک آثار الریاضات والمجاهدات إنما تستقر الرابطة بینها وبین النفس الإنسانیة بشؤونها الباطنیة ، فالإشتغال بشئ منها اشتغال بأمر النفس... .

إیاک أن یشتبه علیک الأمر فتستنتج من الأبحاث السابقة أن الدین هو العرفان والتصوف ، أعنی معرفة النفس کما توهمه بعض الباحثین من المادیین ، فقسم المسلک الحیوی الدائر بین الناس إلی قسمین المادیة والعرفان وهو الدین. وذلک أن الذی یعقد علیه الدین أن للانسان سعادة حقیقیة لیس ینالها إلا بالخضوع لما فوق الطبیعة ، ورفض الإقتصار علی التمتعات المادیة .

وقد أنتجت الابحاث السابقة أن الأدیان أیما کانت من حق أو باطل تستعمل تربیة الناس وسوقهم إلی السعادة التی تعدهم إیاها ، وتدعوهم إلیها إصلاح لنفس وتهذیبها إصلاحاً وتهذیباً یناسب المطلوب. وأین هذا من کون عرفان النفس هو الدین .

فالدین یدعو إلی عبادة الاله سبحانه من غیر واسطة ، أو بواسطة الشفعاء والشرکاء ، لأن فیها السعادة الإنسانیة والحیاة الطیبة التی لا بغیة للإنسان دونها ، ولا ینالها الإنسان ولن ینالها إلا بنفس طاهرة مطهرة من ألواث التعلق بالمادیات والتمتعات المرسلة الحیوانیة ، فمست الحاجة إلی أن یدرج فی أجزاء دعوته إصلاح النفس وتطهیرها لیستعد المنتحل به المتربی فی حجره للتلبس بالخیر والسعادة ولا یکون کمن یتناول الشئ بإحدی یدیه ویدفعه بالأخری .

ص: 315

فالدین أمر وعرفان النفس أمر آخر وراءه وإن استلزم الدین العرفان نوعاً من الإستلزام .

وبنظیر البیان یتبین أن طرق الریاضة والمجاهدة المسلوکة لمقاصد متنوعة غریبة عن العادة أیضاً غیر عرفان النفس وإن ارتبط البعض بالبعض نحواً من الإرتباط .

نعم لنا أن نقضی بأمر وهو: إن عرفان النفس بأی طریق من الطرق فرض السلوک إلیه إنما هو أمر مأخوذ من الدین ، کما أن البحث البالغ الحر یعطی أن الأدیان علی اختلافها وتشتتها إنما انشعبت هذه الانشعابات من دین واحد عریق تدعو إلیه الفطرة الإنسانیة وهو دین التوحید .

فإنا إذا راجعنا فطرتنا الساذجة بالأغماض عن التعصبات الطارئة علینا بالوراثة من أسلافنا أو بالسرایة من أمثالنا لم نرتب فی أن العالم علی وحدته فی کثرته وارتباط أجزائه فی عین تشتتها ، ینتهی إلی سبب واحد فوق الأسباب وهو الحق الذی یجب الخضوع لجانبه ، وترتیب السلوک الحیوی علی حسب تدبیره وتربیته ، وهو الدین المبنی علی التوحید .

والتأمل العمیق فی جمیع الأدیان والنحل یعطی أنها مشتملة نوع اشتمال علی هذا الروح الحی حتی الوثنیة والثنویة ، وإنما وقع الإختلاف فی تطبیق السنة الدینیة علی هذا الأصل والإصابة والخطأ فیه ، فمن قائل مثلاً أنه أقرب إلینا من حبل الورید وهو معنا أینما کنا لیس لنا من دونه من ولی ولا شفیع ، فمن الواجب عبادته وحده من غیر إشراک ، ومن قائل أن تسفل الإنسان الأرضی وخسة جوهره لا یدع له مخلصاً إلی الإتصال بذاک الجناب، وأین التراب ورب الأرباب فمن الواجب أن نتقرب إلی بعض عباده المکرمین المتجردین عن جلباب المادة ، الطاهرین المطهرین من ألواث الطبیعة ، وهم روحانیات الکواکب ، أو أرباب

ص: 316

الأنواع ، أو المقربون من الإنسان ، وما نعبدهم إلا لیقربونا إلی الله زلفی. وإذ کانوا غائبین عن حواسنا متعالین عن جهاتنا کان من الواجب أن نجسدهم بالأنصاب والأصنام حتی یتم بذلک أمر التقرب العبادی . وعلی هذا القیاس فی سائر الأدیان والملل ، فلا نجد فی متونها إلا ما هو بحسب الحقیقة نحو توجیه لتوحید الاله عز اسمه .

ومن المعلوم أن السنن الدائرة بین الناس وإن انشعبت أی انشعاب واختلفت أی إختلاف شدید ، فإنها تمیل إلی التوحد إذا رجعنا إلی سابق عهودها القهقری ، وتنتهی بالآخرة إلی دین الفطرة الساذجة الإنسانیة وهو التوحید .

فدین التوحید أبو الأدیان وهی أبناء له صالحة أو طالحة .

ثم إن الدین الفطری إنما یعتبر أمر عرفان النفس لیتوصل به إلی السعادة الإنسانیة التی یدعو إلیها ، وهی معرفة الإله التی هی المطلوب الأخیر عنده .

وبعبارة أخری: الدین إنما یدعو إلی عرفان النفس دعوة طریقیة لا غائیة ، فإن الذوق الدینی لا یرتضی الإشتغال بأمر إلا فی سبیل العبودیة ، وإن الدین عند الله الإسلام ولا یرضی لعباده الکفر ، فکیف یرضی بعرفان النفس إذا استقل بالمطلوبیة .

ومن هنا یظهر أن العرفان ینتهی إلی أصل الدین الفطری إذ لیس هو بنفسه أمراً مستقلاً تدعو إلیه الفطرة الإنسانیة ، حتی تنتهی فروعه وأغصانه إلی أصل واحد هو العرفان الفطری .

ویمکن أن یستأنس فی ذلک بأمر آخر وهو: أن الإنسانیة وإن اندفعت بالفطرة إلی الإجتماع والمدنیة لاسعاد الحیاة ، وأثبت النقل والبحث أن رجالاً أو أقواماً اجتماعیین دعوا إلی طرائق قومیة أو وضعوا سنناً اجتماعیة وأجروها بین أممهم ،

ص: 317

کسنن القبائل ، والسنن الملوکیة ، والدیمقراطیة ، ونحوها ، ولم یثبت بنقل أو بحث أن یدعو إلی عرفان النفس وتهذیب أخلاقها أحد من غیر أهل الدین فی طول التاریخ البشری .

نعم من الممکن أن یکون بعض أصحاب هذه الطرق غیر الدینیة ، کأصحاب السحر والأرواح ونحوهما إنما تنبه إلی هذا النوع من عرفان النفس من غیر طریق الدین ، لکن لا من جهة الفطرة ، إذ الفطرة لا حکم لها فی ذلک کما عرفت ، بل من جهه مشاهدة بعض الآثار النفسانیة الغریبة علی سبیل الإتفاق ، فتتوق نفسه إلی الظفر بمنزلة نفسانیة یملک بها أعمالاً عجیبة وتصرفات فی الکون نادرة تستغربها النفوس ، فیدفعه هذا التوقان إلی البحث عنه والسلوک إلیه ، ثم السلوک بعد السلوک یمهد السبیل إلی المطلوب ویسهل الوعر منه .

یحکی عن کثیر من صلحائنا من أهل الدین أنهم نالوا فی خلال مجاهداتهم الدینیة کرامات خارقة للعادة ، وحوادث غریبة اختصوا بها من بین أمثالهم کتمثل أمور لأبصارهم غائبة عن أبصار غیرهم ، ومشاهدة أشخاص أو وقائع لا یشاهدها حواس من دونهم من الناس ، واستجابة للدعوة وشفاء المریض الذی لا مطمع لنجاح المداواة فیه ، والنجاة من المخاطر والمهالک من غیر طریق العادة .

وقد یتفق نظائر ذلک لغیر أهل الصلاح إذا کان ذا نیة صادقة ونفس منقطعة ، فهؤلاء یرون ما یرون وهم علی غفلة من سببه القریب ، وإنما یسندون ذلک إلی الله سبحانه من غیر توسیط وسط .

وإستناد الأمور إلیه تعالی وإن کان حقاً لا محیص عن الإعتراف به ، لکن نفی الأسباب المتوسطة مما لا مطمع فیه .

وربما أحضر الروحی روح أحد من الناس فی مرآة أو ماء ونحوه بالتصرف فی

ص: 318

نفس صبی علی ما هو المتعارف ، وهو کغیره یری أن الصبی إنما یبصره بالبصر الحسی ، وأن بین أبصار سائر الناظرین وبین الروح المحضر حجاباً مضروباً ، لو کشف عنه

لکانوا مثل الصبی فی الظفر بمشاهدته .

وربما وجدوا الأرواح المحضرة أنها تکذب فی أخبارها فیکون عجباً لأن عالم الأرواح عالم الطهارة والصفاء لا سبیل للکذب والفریة والزور إلیه .

وربما أحضروا روح إنسان حی فیستنطقونه بأسراره وضمائره وصاحب الروح فی حالة الیقظة مشغول بأشغاله وحوائجه الیومیة لا خبر عنده من أن روحه محضر مستنطق یبث من القول ما لا یرضی هو ببثه .

وربما نوم الإنسان تنویماً مغناطیسیاً ، ثم لقن بعمل حتی ینعم بقبوله ، فإذا أوقظ ومضی لشأنه أتی بالعمل الذی لقنه علی الشریطة التی أرید بها وهو غافل عما لقنوه ، وعن إنعامه بقبوله .

وبعض الروحیین لما شاهدوا صوراً روحیة تماثل الصور الإنسانیة أو صور بعض الحیوان ظنوا أن هذه الصور فی عالم المادة وظرف الطبیعة المتغیرة ، وخاصة بعض من لا یری لغیر الأمر المادی وجوداً ، حتی حاول بعض هؤلاء أن یخترع أدوات صناعیة یصطاد بها الأرواح ! کل ذلک استناداً منهم إلی فرضیة افترضوها فی النفس أنها مبدأ مادی أو خاصة لمبدأ مادی ، یفعل بالشعور والإرادة ، مع أنهم لم یحلوا مشکلة الحیاة والشعور حتی الیوم .

ونظیر هذه الفرضیة فرضیة من یری أن الروح جسم لطیف مشاکل للبدن العنصری فی هیئاته وأشکاله ، لما وجدوا أن الإنسان یری نفسه فی المنام وهو علی هیئته فی

الیقظه ، وربما یمثل لأرباب المجاهدات صور أنفسهم قبالاً خارج أبدانهم وهی مشاکلة للصورة البدنیة مشاکلة تامة ، فحکموا أن الروح جسم

ص: 319

لطیف حال البدن العنصری مادام الإنسان حیاً فإذا فارق البدن کان هو الموت .

وقد فاتهم أن هذه صورة إدراکیة قائمة بشعور الإنسان نظیره صورته التی یدرکها من بدنه ، ونظیره صور سائر الأشیاء الخارجة المنفصلة عن بدنه ، وربما تظهر هذه الصورة المنفصلة لبعض أرباب المجاهدة أکثر من واحدة ، أو فی هیئة غیر هیئة نفسه ، وربما یری نفسه عین نفس غیره من أفراد الناس ، فإذا لم یحکموا فی هذه الصور المذکور أنها هی صورة الروح ، فجدیر بهم أن لا یحکموا فی الصورة الواحدة المشاکلة التی تتراءی لارباب المجاهدات أنها صورة الروح .

وحقیقة الأمر أن هؤلاء نالوا شیئاً من معارف النفس وفاتهم معرفة حقیقتها ، فأخطاوا فی تفسیر ما نالوه ، وضلوا فی توجیه أمره . والحق الذی یهدی إلیه البرهان والتجربة أن حقیقة النفس التی هی هذا الشعور المتعقل المحکی عنه بقولنا ( أنا ) أمر مغایر فی جوهره لهذه الأمور المادیة کما تقدم ، وأن أقسام شعوره وأنواع إدراکاته من حس أو خیال أو تعقل من جهة کونها مدرکات إنما هی متقررة فی عالمه وظرفه غیر الخواص الطبیعیة الحاصلة فی أعضاء الحس والإدراک من البدن ، فإنها أفعال وانفعالات مادیة فاقدة فی نفسها للحیاة والشعور ، فهذه الأمور المشهودة الخاصة بالصلحاء وأرباب المجاهدات والریاضات غیر خارجة عن حیطة نفوسهم ، وإنما الشأن فی أن هذه المعلومات والمعارف کیف استقرت فی النفس وأین محلها منها ، وأن للنفس سمة علیة لجمیع الحوادث والأمور المرتبطة بها ارتباطاً ما. فجمیع هذه الأمور الغریبة المطاوعة لأهل الریاضة والمجاهدة ، إنما ترتضع من إرادتهم ومشیئتهم ، والإرادة ناشئة من الشعور، فللشعور الإنسانی دخل فی جمیع الحوادث المرتبطة به والأمور المماسة

ص: 320

له .

فمن الحری أن نقسم المشتغلین بعرفان النفس فی الجملة إلی طائفتین ، إحداهما: المشتغلون بالإشتغال بإحراز شئ من آثار النفس الغریبة الخارجة عن حومة المتعارف من الأسباب والمسببات المادیة کأصحاب السحر والطلسمات وأصحاب تسخیر روحانیات الکواکب والموکلین علی الأمور والجن وأرواح الآدمیین وأصحاب الدعوات والعزائم ونحو ذلک .

والثانیة: المشتغلون بمعرفة النفس بالانصراف عن الأمور الخارجة عنها والانجذاب نحوها ، للغور فیها ومشاهدة جوهرها وشؤونها کالمتصوفة علی اختلاف طبقاتهم ومسالکهم .

ولیس التصوف مما أبدعه المسلمون من عند أنفسهم لما ( ثبت ) أنه یوجد بین الأمم التی تتقدمهم فی النشوء کالنصاری وغیرهم ، حتی الوثنیة من البرهمانیة والبوذیة ، ففیهم من یسلک الطریقة حتی الیوم ، بل هی طریقة موروثة ورثوها من أسلافهم. لکن لا بمعنی الأخذ والتقلید العادی کوراثة الناس ألوان المدنیة بعضهم من بعض ، وأمة منهم متأخرة من أمة منهم متقدمة ، کما جری علی ذلک عده من الباحثین الأدیان والمذاهب وذلک لما عرفت فی الفصول السابقة من أن دین الفطرة یهدی إلی الزهد ، والزهد یرشد إلی عرفان النفس .

فاستقرار الدین بین أمة وتمکنه من قلوبهم یعدهم ویهیؤهم لأن تنشأ بینهم طریقة عرفان النفس لا محالة ، ویأخذ بها بعض من تمت فی حقه العوامل المقتضیة لذلک. فمکث الحیاة الدینیة فی أمة من الأمم برهه معتداً بها ینشئ بینهم هذه الطریقة لا محالة صحیحة أو فاسدة ، وإن انقطعوا عن غیرهم من الأمم الدینیة کل الإنقطاع. وما هذا شأنه لا ینبغی أن یعد من السنن الموروثة

ص: 321

التی یأخذها جیل عن جیل .

ثم ینبغی أن نقسم أصحاب القسم الثانی من القسمین المتقدمین وهم أهل العرفان حقیقة إلی طائفتین: فطائفة ، منهم یسلکون الطریقة لنفسها فیرزقون شیئاً من معارفها من غیر أن یتم لهم تمام المعرفة لها ، لأنهم لما کانوا لا یریدون غیر النفس فهم فی غفلة عن أمر صانعها

وهو الله عز اسمه الذی هو السبب الحق الأخذ بناصیة النفس فی وجودها وآثار وجودها. وکیف یسع الإنسان تمام معرفة شئ مع الذهول عن معرفة أسباب وجوده وخاصة السبب الذی هو سبب کل سبب ، وهل هو إلا کمن یدعی معرفة السریر علی جهل منه بالنجار وقدومه ومنشاره ، وغرضه فی صنعه ، إلی غیر ذلک من علل وجود السریر .

ومن الحری بهذا النوع من معرفة النفس أن یسمی کهانة بما فی ذیله من الحصول علی شئ من علوم النفس وآثارها .

وطائفة منهم یقصدون طریقة معرفة النفس لتکون ذریعة لهم إلی معرفة الرب تعالی ، وطریقتهم هذه هی التی یرتضیها الدین فی الجملة وهی أن یشتغل الإنسان بمعرفة نفسه بما أنها آیة من آیات ربه وأقرب آیة ، وتکون النفس طریقاً مسلوکاً والله سبحانه هو الغایة التی یسلک إلیها ، وأن إلی ربک المنتهی .

وهؤلاء طوائف مختلفة ذووا مذاهب متشتتة فی الأمم والنحل ، ولیس لنا کثیر خبرة بمذاهب غیر المسلمین منهم وطرائقهم التی یسلکونها. وأما المسلمون فطرقهم فیها کثیرة ربما انهیت بحسب الأصول إلی خمس وعشرین سلسلة ، تنشعب من کل سلسلة منها سلاسل جزئیة أخر ، وقد استندوا فیها إلا واحدة ، إلی علی علیه أفضل السلام .

وهناک رجال منهم لا ینتمون إلی واحدة من هذه السلاسل ویسمون الأویسیة

ص: 322

نسبة إلی أویس القرنی ، وهناک آخرون منهم لا یتسمون بإسم ولا یتظاهرون بشعار .

ولهم کتب ورسائل مسفورة ترجموا فیها عن سلاسلهم وطرقهم والنوامیس والآداب التی لهم عن رجالهم ، وضبطوا فیها المنقول من مکاشفاتهم ، وأعربوا فیها عن حججهم ومقاصدهم التی بنوها علیها، من أراد الوقوف علیها فلیراجعها.

وأما البحث عن تفصیل الطرق والمسالک وتصحیح الصحیح ونقد الفاسد ، فله مقام آخر ، وقد تقدم فی الجزء الخامس من هذا الکتاب بحث لا یخلو عن نفع فی هذا الباب ، فهذه خلاصه ما أردنا إیراده من البحث المتعلق بمعنی معرفة النفس .

واعلم أن عرفان النفس بغیة عملیة لا یحصل تمام المعرفة بها إلا من طریق السلوک العملی دون النظری .

وأما علم النفس الذی دَوَّنه أرباب النظر من القدماء فلیس یغنی من ذلک شیئاً ، وکذلک فن النفس العملی الذی دونه المتأخرون حدیثاً ، فإنما هو شعبة من فن الاخلاق علی ما دونه القدماء ، والله الهادی. انتهی .

الموقف الفقهی من الدعوة إلی معرفة الله تعالی عن طریق معرفة النفس

ما ذکره صاحب المیزان(رحمه الله)من الطریقین لمعرفة الله تعالی: طریق النظر فی الآفاق وطریق النظر فی الأنفس ، مطلب شائع بین العرفانیین والمتصوفة، والظاهر أنهم

أخذوه من قوله تعالی ( سَنُرِیهِمْ آیَاتِنَا فِی الأفَاقِ وَفِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) ولابد هنا من تسجیل الملاحظات التالیة:

أولاً: وردت أحادیث شریفة فی تفسیر الآیة المذکورة بأنها من علامات ظهور

ص: 323

الإمام المهدی(علیه السّلام)أو من الاحداث التی تظهر علی یده ، وأن المقصود بالآفاق آفاق الأرض حیث ( تنتقض الأطراف علیهم ) أی علی الجبارین قرب ظهوره (علیه السّلام). ویؤید ذلک سین الإستقبال فی الآیة ، التی تخبر عن حدث فی المستقبل ، وإلا لقال ( ولقد أریناهم آیاتنا فی الآفاق وفی أنفسهم ) مثلاً. أو قال ( أو لم ینظروا فی الآفاق ) کما قال تعالی (أَوَ لَمْ یَنْظُرُوا فِی مَلَکُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) .

ثانیاً: لا شک أن النظر فی ملکوت السماوات والأرض ، أی فیما یمکن للإنسان معرفته وفهمه وأخذ العبرة منه ، أمر محبوب شرعاً وموصل إلی معرفة الله تعالی وزیادة الإیمان به. قال تعالی: أَوَ لَمْ یَنْظُرُوا فِی مَلَکُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَئْ وَأَنْ عَسَی أَنْ یَکُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَیِّ حَدِیثٍ بَعْدَهُ یُؤْمِنُونَ الاعراف : 185 ، ولکن نفس الإنسان جزء من هذا الملکوت وواحدة من هذه الآفاق ، ولیست طریقاً فی مقابل بقیة الآفاق .

ثالثاً: لم أجد سنداً للحدیث الذی ذکره ( المعرفة بالنفس أنفع المعرفتین ) ومن البعید أن یکون حدیثاً شریفاً ، وعلی فرض صحته لا یصح تفسیره بما ذکره (رحمه الله)فإن المقابل لمعرفة الله بالنفس معرفة الله بالله تعالی ، أو معرفة الله بأنبیائه وأولیائه ، أو معرفة الله بآیاته غیر النفس..فمن أین جعل(رحمه الله)المعرفة التی تقابل معرفة النفس ، معرفة الآفاق وحصره المقابلة بها. ثم إذا کانت المعرفة بالسیر الآفاقی تشمل معرفة الله بالله تعالی وبأولیائه صلوات الله علیهم ، فکیف یصح تفضیل معرفته عن طریق النفس علی هذه المعرفة ؟!

رابعاً: تقدم بحث الحد الأدنی الواجب من معرفة الله تعالی ، ولم یتعرض الفقهاء والمتکلمون إلی طرقه ، ولم یفضلوا بعضها علی بعض. کما تقدم أن معرفة الله هی من صنعه تعالی فی نفس الإنسان وألطافه به ، ولا صنع للإنسان فیها .

ص: 324

خامساً: لا شک فی صحة ما ذکره(رحمه الله)من أن تزکیة النفس وتهذیبها من الرذائل والشهوات والتعلق بحطام الدنیا ومتاعها ، مقدمة لازمة لتحقیق هدف الدین الذی هو عبادة الله تعالی. قال تعالی ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ) وقال تعالی ( هُوَ الَّذِی بَعَثَ فِی الأُمِّیِّینَ رَسُولاً مِنْهُمْ یَتْلُواْ عَلَیْهِمْ آیَاتِهِ وَیُزَکِّیهِمْ ) ولکن الوارد فی القرآن الکریم والأحادیث الشریفة هو تزکیة النفس وجهاد النفس ومخالفة النفس ، وهی أمور عملیة غیر ما یطرحه المتصوفة والعرفاء من معرفة النفس ، وإن کانت تزکیة النفس تتوقف علی قدر من معرفتها .

سادساً: لو سلمنا أن تزکیة النفس ومخالفتها وجهادها هی نفس معرفة النفس التی طرحها المتصوفة والعرفاء ، ولکن الدعوة إلی معرفة الله تعالی وطاعته عن طریق معرفة النفس علی إجمالها وإهمالها تتضمن مخاطر عدیدة لا یمکن قبولها ، لأنها تتسع للضد والنقیض فی الأسالیب والاهداف والقدوات . . جمیعاً .

فبعض الدعوات إلی معرفة الله تعالی عن طریق معرفة النفس تتبنی العزلة والرهبانیة ، وبعضها یتبنی إصلاح النفس والمجتمع والحکم. وبعضها یدعو إلی التقید بأحکام الشریعة المقررة فی هذا المذهب أو ذاک . . . وبعضها یدعو إلی تقلید الأستاذ شیخ الطریقة أو أستاذ الأخلاق وما شابه، دون الحاجة إلی أخذ أی مفهوم أو حکم شرعی من غیره !

وبعضها یدعی أنه یتصل بالله تعالی عن طریق المعرفة فیلهم العقائد والأحکام الشرعیة ، ولا یحتاج عند ذلک إلی شریعة ! بل ولا إلی نبوة !!

وبعض الدعوات تجعل قدوتها فی المعرفة بعض الصحابة أو الأولیاء الذین لم یجعلهم الله تعالی ولا رسوله قدوة. بل قد یتخذ بعضهم قدوة من العرفاء والمتصوفة غیر المسلمین .. إلی آخر ما هنالک من تعدد الأسالیب والأهداف

ص: 325

والقدوات .

ولهذا ، فإن من المشکل جداً أن ندعو الناس إلی معرفة الله تعالی عن طریق معرفة النفس ، ونقول لهم اقتدوا بأستاذکم حتی یصل أحدکم إلی الله تعالی فیصیر أستاذاً مجتهداً ! فما أیسر أن یجلس الشیطان فی

هذا الطریق وینحرف بالإنسان !

سابعاً: بما أن حب الذات أقوی غرائز الإنسان علی الإطلاق ، فإن دعوة العوام بل وأکثر المتعلمین إلی سلوک طریق العرفان والتصوف بدون تحدید الوسائل والأهداف والقدوة ، یجعلهم فی معرض الوقوع فی عبادة الذات وتعظیمها ، فیتخیل أحدهم أنه وصل إلی الله تعالی ، وحصل علی ارتباط به ، وصار صاحب أسرار إلهیة ، ویزین له الشیطان العیش فی عالم من نسیج الخیال وحب الذات ، وقد تظهر منه ادعاءات باطلة واتجاهات منحرفة ، أعاذنا الله وجمیع المؤمنین .

لذلک فإن الإئتمام فی المعرفة وتعیین وسائلها وهدفها من أول ضروریاتها ، فالواجب الترکیز علی القدوة فی معرفة النفس والسلوک ، قبل الدعوة إلی سلوک طریق لا إمام له .

ثامناً: ما دامت معرفة النفس عند المتصوفة طریقاً إلی معرفة الله تعالی ، ومعرفة الله تعالی طریقاً إلی عبادته ، فالهدف المتفق علیه عند الجمیع هو عبادة الله سبحانه. وهذه العبادة التی هی غایة الخلق وطریق التکامل الإنسانی الوحید ، إنما تحصل بإطاعته سبحانه ، وإطاعة رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وإطاعة أهل بیته(علیهم السّلام) أولی الأمر الذین أمرنا الله ورسوله بإطاعتهم والاقتداء بهم . .

ولذلک فلابد فی الدعوة إلی المعرفة والعرفان وتزکیة النفس وتطهیرها وجهادها وغرس الفضائل فیها .. أن تتقید بإطاعة الأحکام الشرعیة کاملة ، وتتخذ من

ص: 326

النبی وآله صلی الله علیه وعلیهم قدوة وأئمة فی المسلک والسلوک .. حتی تکون طریقاً صحیحاً فی الحیاة ، موصلة إلی رضوان الله تعالی. ولذلک أجاب أحد الفقهاء شخصاً سأله ما هو العرفان ، وکیف یکون الإنسان عارفاً ، فقال له: هذه الأحکام الشرعیة التی تطبقها یومیاً فتصلی وتقوم بالواجبات وتترک المحرمات هی العرفان ، وأنت بسلوکک هذا تمارس المعرفة .

ومن الطبیعی أن یکون ذلک السلوک علی درجات ومراتب ومقامات ، ولکنها تتحق من هذا الطریق الذی سلکه النبی وآله وتلامذتهم ، لا من غیره .

ص: 327

ص: 328

الفصل العاشر : معرفة النبی والأئمة صلوات الله علیهم

اشارة

ص: 329

ص: 330

یجب علی کل الناس معرفة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

الکافی:1/168

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن العباس بن عمر الفقیمی ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)أنه قال للزندیق الذی سأله من أین أثبتت الأنبیاء والرسل ؟ قال: أنه لما أثبتنا أن لنا خالقاًصانعاً متعالیاً عنا وعن جمیع ما خلق ، وکان ذلک الصانع حکیماً متعالیاً لم یجز أن یشاهده خلقه ولا یلامسوه ، فیباشرهم ویباشروه ویحاجهم ویحاجوه ، ثبت أن له سفراء فی خلقه ، یعبرون عنه إلی خلقه وعباده، ویدلونهم علی مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفی ترکه فناوهم ، فثبت الأمرون والناهون عن الحکیم العلیم فی خلقه والمعبرون عنه عز وجل ، وهم الأنبیاء(علیهم السّلام) وصفوته من خلقه ، حکماء مؤدبین بالحکمة ، مبعوثین بها ، غیر مشارکین للناس - علی مشارکتهم لهم فی الخلق والترکیب - فی شئ من أحوالهم ، مؤیدین من عند الحکیم العلیم بالحکمة ، ثم ثبت ذلک فی کل دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبیاء من الدلائل والبراهین ، لکیلا تخلو أرض الله من حجة ، یکون معه علم یدل علی صدق مقالته وجواز عدالته .

دعائم الإسلام:1/5

فأما ما فرض علی القلب من الإیمان فالإقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسلیم

ص: 331

بأن الله تبارک وتعالی هو الواحد ، لا إله إلا هو وحده لا شریک له إلهاً واحداً أحداً صمداً لم یتخذ صاحبة ولا ولداً ، وأن محمداً عبده ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والإقرار بما کان من عند الله من نبی أو کتاب ، وذلک ما فرض علی القلب من الإقرار والمعرفة .

الهدایة للصدوق/5

یجب أن یعتقد أن النبوة حق کما اعتقدنا أن التوحید حق ، والأنبیاء الذین بعثهم الله مئة ألف نبی وأربعة وعشرون ألف نبی ،جاؤوا بالحق من عند الحق وأن قولهم قول الله وأمرهم أمر الله وطاعتهم طاعة الله ومعصیتهم معصیة الله ، فإنهم لم ینطقوا إلا عن الله تبارک وتعالی وعن وحیه. وأن سادة الأنبیاء خمسة الذین علیهم دارت الرحی ، وهم أصحاب الشرایع وهم أولوا العزم: نوح ، وإبراهیم ، وموسی ، وعیسی، ومحمد صلوات الله علیهم ، وأن محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سیدهم وأفضلهم ، وأنه جاء بالحق وصدق المرسلین ، وأن الذین کذبوه لذائقوا العذاب الألیم ، وأن الذین آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذی أنزل معه أولئک هم المفلحون .

ویجب أن یعتقد أن الله تعالی لم یخلق خلقاً أفضل من محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومن بعده الأئمة صلوات الله علیهم ، وأنهم أحب الخلق إلی الله عز وجل وأکرمهم علیه ، وأولهم إقراراً به لما أخذ الله میثاق النببین من الذر ، وأشهدهم علی أنفسهم ألست بربکم قالوا بلی ، وأن الله بعث نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الذر ، وأن الله أعطی ما أعطی کل نبی علی قدر معرفته ، ونبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سبقهم إلی الإقرار به .

ویعتقد أن الله تبارک وتعالی خلق جمیع ما خلق له ولاهل بیته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنه لولاهم ما خلق السماء والأرض ، ولا الجنة والنار ، ولا آدم ولا حواء ولا الملائکة ، ولا

ص: 332

شیئاً مما خلق ، صلوات الله علیهم أجمعین... .

رسائل الشهید الثانی:2/144

الثالث ، فی بیان المعارف التی یحصل بها الإیمان ، وهی خمسة أصول: الأصل الأول ، معرفة الله تعالی وتقدس. المراد بها التصدیق الجازم الثابت بأنه تعالی موجود أزلاً وأبداً ، واجب الوجود لذاته... .

الأصل الثانی ، التصدیق بعدله ، أی بأنه عادل. والتصدیق بحکمته... .

الأصل الثالث ، التصدیق بنبوة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبجمیع ما جاء به ، تفصیلاً فیما علم تفصیلاً ، وإجمالاً فیما علم إجمالاً. ولیس بعیداً أن یکون التصدیق الإجمالی بجمیع ما جاء به(علیه السّلام)کافیاً فی تحقق الإیمان ، وإن کان المکلف قادراً علی العلم بذلک تفصیلاً یجب العلم بتفاصیل ما جاء به من الشرائع للعمل به .

وأما تفصیل ما أخبر به من أحوال المبدأ والمعاد ، کالتکلیف بالعبادات ، والسؤال فی القبر وعذابه ، والمعاد الجسمانی ، والحساب والصراط ، والجنة ، والنار ، والمیزان ، وتطایر الکتب ، مما ثبت مجیؤه به تواتراً ، فهل التصدیق بتفاصیله معتبرة فی تحقق الإیمان ؟ صرح باعتباره جمع من العلماء. والظاهر أن التصدیق به إجمالاً کاف، بمعنی أن المکلف لو اعتقد حقیة کل ما أخبر به(علیه السّلام) بحیث کلما ثبت عنده جزئی منها صدق به تفصیلاً کان مؤمناً وإن لم یطلع علی تفاصیل تلک الجزئیات بعد ، ویؤید ذلک أن أکثر الناس فی الصدر الأول لم یکونوا عالمین بهذه التفاصیل فی الأول ، بل کانوا یطلعون علیها وقتاً فوقتاً ، مع الحکم بإیمانهم فی کل وقت من حین التصدیق بالوحدانیة والرسالة ، بل هذا حال أکثر الناس فی جمیع الاعصار کما هو المشاهد ، فلو اعتبرناه لزم خروج

ص: 333

أکثر أهل الإیمان عنه ، وهو بعید عن حکمة العزیز الحکیم. نعم العلم بذلک لا ریب أنه من مکملات الإیمان . . . .

کشف الغطاء/4

. . . ثم لا تجب علی الأمم اللاحقة معرفة الأنبیاء السابقین، نعم ربما وجب معرفة أن لله أنبیاء قد سبقت دعوتهم وانقرضت ملتهم علی الاجمال. ویجب معرفة عصمته بالدلیل ، ویکفی فیه أنه لو جاز علیه الخطأ والخطیئة لم یبق وثوق بإخباره ولا إعتماد علی وعده ووعیده ، فتنتفی فائدة البعثة .

یعرف النبی بالمعجزة والإمام بالنص والمعجزة

رسائل الشریف المرتضی:3/18

باب ما یجب اعتقاده فی النبوة. متی علم الله سبحانه أن لنا فی بعض الأفعال مصالح وألطافاً ، أو فیها ما هو مفسدة فی الدین ، والعقل لا یدل علیها ، وجب بعثة الرسول لتعریفه ، ولا سبیل إلی تصدیقه إلا بالمعجز. وصفة المعجز أن یکون خارقاً للعادة ، ومطابقاً لدعوی الرسول ومتعلقاً بها ، وأن یکون متعذراً فی جنسه أو صفته المخصوصة علی الخلق ، ویکون من فعله تعالی أو جاریاً مجری فعله تعالی ، وإذا وقع موقع التصدیق فلا بد من دلالته علی المصدق وإلا کان قبیحاً .

. . . باب ما یجب إعتقاده فی الإمامة وما یتصل به أوجب فی الإمام عصمته ، لأنه لو لم یکن کذلک لکانت الحاجة إلیه فیه، وهذا یتناهی من الرؤساء والإنتهاء إلی رئیس معصوم. وواجب أن یکون أفضل من رعیته وأعلم ، لقبح تقدیم المفضول علی الفاضل فیما کان أفضل منه فیه فی العقول. فإذا وجبت عصمته وجب النص من الله تعالی علیه وبطل إختیار الإمامة ، لأن العصمة لا طریق للأنام إلی العلم

ص: 334

بمن هو علیها .

الاقتصاد للشیخ الطوسی/151

ولا طریق إلی معرفة النبی إلا بالمعجز ، والمعجز فی اللغة عبارة عمن جعل غیره عاجزاً ، مثل المقدور الذی یجعل غیره قادراً إلا أنه صار بالعرف عبارة عما یدل علی صدق من ظهر علی یده واختص به ، والمعتمد علی ما فی العرف دون مجرد اللغة .

والمعجز یدل علی ما قلناه بشروط: أولها أن یکون خارقاً للعادة ، والثانی یکون من فعل الله أو جاریاً مجری فعله ، والثالث أن یتعذر علی الخلق جنسه أو صفته المخصوصة ، والرابع أن یتعلق بالمدعی علی وجه التصدیق لدعواه .

. . . فعلی هذا لا یلزم أن یظهر الله علی ید کل إمام معجزاً ، لأنه یجوز أن یعلم إمامته بنص أو طریق آخر ، ومتی فرضنا أنه لا طریق إلی معرفة إمامته إلا المعجز وجب إظهار ذلک علیه وجری مجری النبی سواء ، لأنه لابد لنا من معرفته کما لابد لنا من معرفة النبی المتحمل لمصالحنا.

ولو فرضنا فی نبی علمنا نبوته بالمعجز أنه نص علی نبی آخر لاغنی ذلک عن ظهور المعجز علی ید النبی الثانی ، بأن نقول: النبی الأول أعلمنا أنه نبی ، کما یعلم بنص إمام علی إمامته ولا یحتاج إلی معجز .

وتجب معرفة الأئمة لأن الله تعالی فرض طاعتهم

رسائل الشهید الثانی:2/145

الأصل الرابع: التصدیق بإمامة الإثنی عشر صلوات الله علیهم أجمعین ، وهذا الأصل اعتبرته فی تحقق الإیمان الطائفة المحقة الإمامیة، حتی أنه من ضروریات

ص: 335

مذهبهم ، دون غیرهم من المخالفین ، فإنه عندهم من الفروع . . . .

الکافی:1/180

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبیه ، عمن ذکره ، عن محمد بن عبدالرحمن بن أبی لیلی ، عن أبیه ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: إنکم لا تکونون صالحین حتی تعرفوا ولا تعرفوا ، حتی تصدقوا ولا تصدقوا ، حتی تسلموا ، أبواباً أربعة لا یصلح أولها إلا بآخرها . . . إنما یتقبل الله من المتقین ، فمن اتقی الله فیما أمره لقی الله مؤمناً بما جاء به محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هیهات هیهات فات قوم وماتوا قبل أن یهتدوا وظنوا أنهم آمنوا ، وأشرکوا من حیث لا یعلمون. إنه من أتی البیوت من أبوابها اهتدی ، ومن أخذ فی غیرها سلک طریق الردی ، وصل الله طاعة ولی أمره بطاعة رسوله ، وطاعة رسوله بطاعته ، فمن ترک طاعة ولاة الأمر لم یطع الله ولا رسوله ، وهو الإقرار بما أنزل من عند الله عز وجل ، خذوا زینتکم عند کل مسجد والتمسوا البیوت التی أذن الله أن ترفع ویذکر فیها اسمه ، فإنه أخبرکم أنهم رجال لا تلهیهم تجارة ولا بیع عن ذکر الله وإقام الصلاة وإیتاء الزکاة یخافون یوماً تتقلب فیه القلوب والأبصار .

إن الله قد استخلص الرسل لأمره ، ثم استخلصهم مصدقین بذلک فی نذره فقال: وإن من أمة إلا خلا فیها نذیر ، تاه من جهل ، واهتدی من أبصر وعقل. إن الله عز وجل یقول: فَإِنَّهَا لا تَعْمَی الأَبْصَارُ وَلَکِنْ تَعْمَی الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ ، وکیف یهتدی من لا یبصر ؟ وکیف یبصر من لم یتدبر ؟ إتبعوا رسول الله وأهل بیته وأقروا بما نزل من عند الله واتبعوا آثار الهدی، فإنهم علامات الإمامة والتقی، واعلموا أنه لو أنکر رجل عیسی ابن مریم(علیه السّلام)وأقر بمن سواه من الرسل لم

ص: 336

یؤمن. اقتصوا الطریق بالتماس المنار والتمسوا من وراء الحجب الآثار ، تستکملوا أمر دینکم وتؤمنوا بالله ربکم . . .

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن حماد بن عیسی ، عن حریز ، عن زرارة ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشیاء ورضا الرحمن تبارک وتعالی: الطاعة للإمام بعد معرفته ، ثم قال: إن الله تبارک وتعالی یقول: مَنْ یُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّی فَمَا أَرْسَلْنَاکَ عَلَیْهِمْ حَفِیظًا .

الحسین بن محمد الأشعری ، عن معلی بن محمد ، عن الحسن بن علی الوشاء عن أبان بن عثمان ، عن أبی الصباح قال: أشهد أنی سمعت أبا عبدالله(علیه السّلام)یقول: أشهد أن علیاً إمام فرض الله طاعته ، وأن الحسن إمام فرض الله طاعته ، الحسین إمام فرض الله طاعته ، وأن علی بن الحسین إمام فرض الله طاعته ، وأن محمد بن علی إمام فرض الله طاعته .

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید ، عن حماد بن عیسی عن الحسین بن المختار ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)فی قول الله عز وجل: وَآتَیْنَاهُمْ مُلْکًا عَظِیمًا . قال: الطاعة المفروضة .

أحمد بن محمد ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن سیف بن عمیرة ، عن أبی الصباح الکنانی قال: قال أبو عبدالله(علیه السّلام): نحن قوم فرض الله عز وجل طاعتنا ، ولنا صفوا المال ، ونحن الراسخون فی العلم ، ونحن المحسودون الذین قال الله: أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَی مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ .

أحمد بن محمد ، عن علی بن الحکم ، عن الحسین بن أبی العلاء قال: ذکرت لابی عبد الله(علیه السّلام)قولنا فی الاوصیاء أن طاعتهم مفترضة قال فقال: نعم ، هم الذین قال الله تعالی: أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأَمْرِ مِنْکُمْ. وهم الذین قال الله

ص: 337

عز وجل: إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا .

وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن محمد ، عن معمر بن خلاد قال: سأل رجل فارسی الحسن(علیه السّلام)فقال: طاعتک مفترضة ؟ فقال نعم ، قال: مثل طاعة علی ابن أبی طالب(علیه السّلام)؟

فقال: نعم .

وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن محمد عن علی بن الحکم ، عن علی بن أبی حمزة عن بصیر ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال سألته عن الأئمة هل یجرون فی الأمر والطاعة مجری واحداً ؟ قال: نعم .

علی ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن محمد بن الفضیل قال: سألته عن أفضل ما یتقرب به العباد إلی الله عز وجل ، قال: أفضل ما یتقرب به العباد إلی الله عز وجل طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أولی الأمر ، قال أبو جعفر(علیه السّلام): حبنا إیمان وبغضنا کفر .

محمد بن الحسن ، عن سهل بن زیاد ، عن محمد بن عیسی ، عن فضالة بن أیوب ، عن أبان ، عن عبدالله بن سنان ، عن إسماعیل بن جابر ، قال: قلت لأبی جعفر(علیه السّلام): أعرض علیک دینی الذی أدین الله عز وجل به ؟ قال: فقال هات ، قال فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له وأن محمداً عبده ورسوله والإقرار بما جاء به من عند الله ، وأن علیاً کان إماماً فرض الله طاعته ، ثم کان بعده الحسن إماماً فرض الله طاعته ، ثم کان بعده الحسین إماماً فرض الله طاعته ، ثم کان بعده علی بن الحسین إماماً فرض الله طاعته حتی انتهی الأمر إلیه ، ثم قلت: أنت یرحمک الله ؟ قال: فقال: هذا دین الله ودین ملائکته .

دعائم الإسلام:1/52

ص: 338

. . . ثم قال أبوعبدالله جعفر بن محمد صلی الله علیه . . . وإنما یقبل الله عز وجل العمل من العباد بالفرائض التی افترضها علیهم بعد معرفة من جاء بها من عنده ، ودعاهم إلیه ، فأول ذلک معرفة من دعا إلیه ، وهو الله الذی لا إله إلا هو وحده والإقرار بربوبیته ، ومعرفة الرسول الذی بلغ عنه ، وقبول ما جاء به ، ثم معرفة الوصی ، ثم معرفة الأئمة بعد الرسل الذین افترض الله طاعتهم فی کل عصر وزمان علی أهله ، والإیمان والتصدیق بأول الرسل والأئمة وآخرهم. ثم العمل بما افترض الله عز وجل علی العباد من الطاعات ظاهراً وباطناً ، واجتناب ما حرم الله عز وجل علیهم ظاهره وباطنه... .

الهدایة للصدوق/6

باب الإمامة. یجب أن یعتقد أن الإمامة حق ، کما اعتقد أن النبوة حق ، ویعتقد أن الله عز وجل الذی جعل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )نبیاً هو الذی جعل الإمام إماماً ، وأن نصب الإمام واختیاره إلی الله عز وجل ، وأن فضله منه .

ویجب أن یعتقد أنه یلزمنا من طاعة الإمام ما یلزمنا من طاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکل فضل آتاه الله عز وجل نبیه فقد آتاه الإمام إلا النبوة ... .

باب معرفة الأئمة الذین هم حجج الله علی خلقه بعد نبیه صلوات الله علیه وعلیهم بأسمائهم .

یجب أن یعتقد أن حجج الله عز وجل علی خلقه بعد نبیه محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الأئمة الإثنا عشر: أولهم أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ثم الحسن ، ثم الحسین ، ثم علی بن الحسین ، ثم محمد بن علی ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسی بن جعفر ، ثم الرضا علی بن موسی ، ثم محمد بن علی ، ثم علی بن محمد ، ثم الحسن بن علی ، ثم الحجة القائم صاحب الزمان خلیفة الله فی أرضه ، صلوات الله علیهم

ص: 339

أجمعین .

ویجب أن یعتقد أنهم أولوا الأمر الذین أمر الله بطاعتهم ، وأنهم الشهداء علی الناس ، وأنهم أبواب الله والسبیل إلیه والأدلاء علیه ، وأنهم عیبة علمه وتراجمة وحیه وأرکان توحیده ، وأنهم معصومون من الخطأ والزلل ، وأنهم الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیراً ، وأن لهم المعجزات والدلائل ، وأنهم أمان لأهل الأرض کما أن النجوم أمان لأهل السماوات ، ومَثَلُهم فی هذه الأمة کمثل سفینة نوح وباب حطة الله ، وأنهم عباد الله المکرمون الذین لا یسبقونه بالقول وهم بأمره یعملون. ویجب أن یعتقد أن حبهم إیمان وبغضهم کفر ، وأن أمرهم أمر الله ونهیهم نهی الله ، وطاعتهم طاعة الله ومعصیتهم معصیة الله ، وولیهم ولی الله وعدوهم عدو الله .

ویجب أن یعتقد أن حجة الله فی أرضه وخلیفته علی عباده فی زماننا هذا هو القائم المنتظر ابن الحسن بن علی بن محمد بن علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) ، وأنه هو الذی أخبر النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )به عن الله عز وجل بإسمه ونسبه ، وأنه هو الذی یملا الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً ،وأنه هو الذی یظهر الله عز وجل به دینه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الدین کله ولو کره المشرکون ، وأنه هو الذی یفتح الله عز وجل علی یده مشارق الأرض ومغاربها ، حتی لا یبقی مکان إلا ینادی فیه بالأذان ویکون الدین کله لله ، وأنه هو المهدی الذی إذا خرج نزل عیسی بن مریم(علیه السّلام)فصلی خلفه ، ویکون إذا صلی خلفه مصلیاً خلف الرسول (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأنه خلیفته .

ویجب أن یعتقد أنه لا یجوز أن یکون القائم غیره ، بقی فی غیبته ما بقی ، ولو

ص: 340

بقی فی غیبته عمر الدنیا لم یکن القائم غیره ، لأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأئمة(علیهم السّلام) عرفوا باسمه ونسبه ونصوا به وبشروا .

ویجب أن یتبرأ إلی الله عز وجل من الأوثان الأربعة: یغوث ویعوق ونسر وهبل ، ومن الأنداد الأربع اللات والعزی ومناة والشعری ، وممن عبدوهم ومن جمیع أشیاعهم وأتباعهم ، ویعتقد فیهم أنهم أعداء الله وأعداء رسوله وأنهم شر خلق الله ، ولا یتم الإقرار بجمیع ما ذکرناه إلا بالتبری منهم .

المقنعة/32

ویجب علی کل مکلف أن یعرف إمام زمانه ، ویعتقد إمامته وفرض طاعته ، وأنه أفضل أهل عصره وسید قومه ، وأنهم فی العصمة والکمال کالأنبیاء(علیهم السّلام) یعتقد أن کل رسول لله تعالی فهو نبی إمام ، ولیس کل إمام نبیاً ولا رسولاً ، وأن الأئمة بعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حجج الله تعالی وأولیائه وخاصة أصفیاء الله

، أولهم وسیدهم أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، علیه أفضل السلام ، وبعده الحسن والحسین ، ثم علی بن الحسین ، ثم محمد بن علی بن الحسین ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسی بن جعفر ، ثم علی بن موسی ، ثم محمد بن علی بن موسی ، ثم علی بن محمد بن علی ، ثم الحسن بن علی بن محمد ، ثم الحجة القائم بالحق ابن الحسن بن علی بن محمد بن علی بن موسی(علیهم السّلام) ، لاإمامة لاحد بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )غیرهم ، ولا یستحقها سواهم ، وأنهم الحجة علی کافة الانام کالأنبیاء(علیهم السّلام) وأنهم أفضل خلق الله بعد نبیه علیه وآله السلام ، والشهداء علی رعایاهم یوم القیامة ، کما أن الأنبیاء(علیهم السّلام) شهداء الله علی أممهم ، وأنه بمعرفتهم وولایتهم تقبل الأعمال ، وبعداوتهم والجهل بهم

ص: 341

یستحق النار .

رسائل الکرکی:2/298

مسألة: معرفة تعداد الأئمة(علیهم السّلام) شرط فی صحة عقد النکاح ، أم یکفی معرفتهم وإعتقاد إمامتهم إجمالاً من الزوجین من غیر معرفة التعداد علی الترتیب أو من غیر تعداد مطلقاً ؟

الجواب: إن کانت الزوجة عارفة فلا بد من معرفة الزوج .

العروة الوثقی:2/318

مسألة: استشکل بعض العلماء فی جواز إعطاء الزکاة لعوام المؤمنین الذین لا یعرفون الله إلا بهذا اللفظ ، أو النبی أو

الأئمة کلاً أو بعضاً ، شیئاً من المعارف ، الخمس واستقرب عدم الأجزاء ، بل ذکر بعض آخر أنه لا یکفی معرفة الأئمة بأسمائهم بل لابد فی کل واحد أن یعرف أنه من هو وابن من ، فیشترط تعیینه وتمییزه عن غیره ، وأن یعرف الترتیب فی خلافتهم ، ولو لم یعلم أنه هل یعرف ما یلزم معرفته أم لا یعتبر الفحص عن حاله ، ولا یکفی الإقرار الإجمالی بأنی مسلم مؤمن واثنی عشری. وما ذکروه مشکل جداً ، بل الاقوی کفایة الإقرار الإجمالی وإن لم یعرف أسماؤهم أیضاً فضلاً عن أسماء آبائهم والترتیب فی خلافتهم .

وتجب معرفتهم لأن الله تعالی فرض مودتهم

الغدیر للامینی:2/324

أخرج القاضی عیاض فی الشفاء عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: معرفة آل محمد براءة من النار ، وحب آل محمد جواز علی الصراط ، والولایة لآل محمد أمان من

ص: 342

العذاب. ویوجد فی الصواعق/139 ، والإتحاف/15 ، ورشفة الصادی/459 .

الغدیر:2/307

أخرج الحافظ أبو عبد الله الملا فی سیرته أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إن الله جعل أجری علیکم المودة فی أهل بیتی ، وإنی سائلکم غداً عنهم. ورواه محب الدین الطبری فی الذخائر/25 وابن حجر فی الصواعق/102 و 136 والسمهودی فی جواهر العقدین .

قال جابر بن عبدالله: جاء أعرابی إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقال: یا محمد أعرض علی الإسلام .

فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له ، وأن محمداً عبده ورسوله .

قال: تسألنی علیه أجراً قال: لا ، إلا المودة فی القربی .

قال: قرابتی أو قرابتک !

قال: قرابتی .

قال: هات أبایعک ، فعلی من لا یحبک ولا یحب قرابتک لعنة الله .

فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): آمین .

أخرجه الحافظ الکنجی فی الکفایة/31 من طریق الحافظ أبی نعیم ، عن محمد بن أحمد بن مخلد ، عن الحافظ ابن أبی شیبة بإسناده .

وأخرج الحافظ الطبری ، وابن عساکر ، والحاکم الحسکانی فی شواهد التنزیل لقواعد التفضیل ، بعدة طرق عن أبی أمامة الباهلی ، قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الله خلق الأنبیاء من أشجار شتی ، وخلقنی من شجرة واحدة ، فأنا أصلها وعلی فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسین ثمرها ، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ عنها هوی ، ولو أن عبداً عبد الله بین الصفا والمروة ألف عام ثم

ص: 343

ألف عام ثم ألف عام ، ثم لم یدرک محبتنا ، أکبه الله علی منخریه فی النار. ثم تلا: قل لا أسألکم علیه أجراً إلا المودة فی القربی .

الغدیر:1/242

شمس الدین أبوالمظفر سبط ابن الجوزی الحنفی المتوفی 654 ، رواه فی تذکرته/19

قال: ذکر أبوإسحاق الثعلبی فی تفسیره بإسناده أن النبی(ص)لما قال ذلک ( یعنی حدیث الولایة ) طار فی الأقطار وشاع فی البلاد والأمصار فبلغ ذلک الحرث بن النعمان الفهری فأتاه علی ناقة له فأناخها علی باب المسجد ، ثم عقلها وجاء فدخل فی المسجد فجثا بین یدی رسول الله(ص)فقال: یا محمد إنک أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنک رسول الله فقبلنا منک ذلک ، وإنک أمرتنا أن نصلی خمس صلوات فی الیوم واللیلة ونصوم رمضان ونحج البیت ونزکی أموالنا فقبلنا منک ذلک ، ثم لم ترض بهذا حتی رفعت بضبعی ابن عمک وفضلته علی الناس وقلت: من کنت مولاه فعلی مولاه. فهذا شئ منک أو من الله ؟ !

فقال رسول الله(ص)وقد احمرت عیناه: والله الذی لا إله إلا هو ما هو إلا من الله .

فولی الحرث وهو یقول: اللهم إن کان ما یقول محمد حقاً فأرسل من السماء علینا حجارة أو ائتنا بعذاب ألیم ! قال: فوالله ما بلغ ناقته حتی رماه الله من السماء بحجر فوقع علی هامته فخرج من دبره و مات ، وأنزل الله تعالی: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ . الآیات... .

شمس الدین الشربینی القاهری الشافعی المتوفی 977 ( المترجم/135 ) قال: فی تفسیره السراج المنیر 4/364: اختلف فی هذا الداعی فقال ابن عباس: هو النضر بن الحرث ، وقیل: هو الحرث بن النعمان . . . انتهی .

ص: 344

ملاحظة: لا ینافی هذا الحدیث نزول الآیة فی مکة ، لأن ما وقع فی المدینة یکون تأویلها ، فیکون المعنی أن الحرث الفهری هو السائل بالعذاب الذی أخبر عنه الله تعالی قبل ذلک ، أو یکون مصداقاً للسائلین بالعذاب.

علی أنه لا مانع من القول بنزول جبرئیل مرة أخری بالآیة مؤکداً حادثة تأویلها ، بل لا مانع من نزول الآیة مرتین .

الشفا للقاضی عیاض جزء 2/47

فصل. ومن توقیره(ص)وبره بر آله وذریته وأمهات المؤمنین أزواجه کما حض علیه(ص)وسلکه السلف الصالح رضی الله عنهم ، قال الله تعالی: إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ ، الآیة. وقال تعالی: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ .

أخبرنا الشیخ أبو محمد بن أحمد العدل من کتابه وکتبت من أصله ، حدثنا أبو الحسن المقری الفرغانی ، حدثتنی أم القاسم بنت الشیخ أبی بکر الخفاف ، قالت حدثنی أبی حدثنا خاتم هو ابن عقیل ، حدثنا یحیی هو ابن اسماعیل ، حدثنا یحیی هو الحمائی ، حدثنا وکیع ، عن أبیه ، عن سعید بن مسروق ، عن یزید بن حیان ، عن زید بن أرقم (رض) قال قال رسول الله (ص): أنشدکم الله أهل بیتی ، ثلاثاً. قلنا لزید: من أهل بیته ؟ قال آل علی وآل جعفر وآل عقیل وآل العباس .

وقال (ص): إنی تارک فیکم ما إن أخذتم به لم تضلوا: کتاب الله وعترتی أهل بیتی ، فانظروا کیف تخلفونی فیهما .

وقال (ص): معرفة آل محمد(ص)براءة من النار ، وحب آل محمد جواز علی الصراط ، والولایة لآل محمد أمان من العذاب .

ص: 345

قال بعض العلماء: معرفتهم هی معرفة مکانهم من النبی(ص)وإذا عرفهم بذلک ، عرف وجوب حقهم وحرمتهم بسببه. انتهی .

ونلاحظ أن القاضی عیاضاً قد بتر حدیث الغدیر الذی یرویه مسلم وغیره ، فلم یرو إلا جزءً من آخره، ثم فسر معرفة آل محمد بأنها معرفة نسبهم من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أو معرفة معزته لهم، مدعیاً أن الإنسان یستحق براءة من النار ! ! وهذا من عجائب الفتاوی التی تجعل الجنة مشروطة بمعرفة نسب آل النبی صلی الله علیه وعلیهم ! أما اتِّباعهم وإطاعتهم ، وموالاة من ولیهم ومعاداة عدوهم فلا یجب منه شی..!

وقد تعرض السید شرف الدین لهذا الحدیث فی المراجعات/82 وقال فی هامشه:

أورده القاضی عیاض فی الفصل الذی عقده لبیان أن من توقیره وبره(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بر آله وذریته ، من کتاب الشفا فی أول/40 من قسمه الثانی طبع الاستانة سنة 1328 ، وأنت تعلم أن لیس المراد من معرفتهم هنا مجرد معرفة أسمائهم وأشخاصهم وکونهم أرحام رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فإن أبا جهل وأبا لهب لیعرفان ذلک کله ، وإنما المراد معرفة أنهم أولوا الأمر بعد رسول الله علی حد قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة. انتهی .

ومن الطریف أن القاضی عیاضاً روی بعد هذا الحدیث أحادیث أخری تفسر معرفة أهل البیت(علیهم السّلام) بخلاف ما فسرها ، قال:

وعن عمر بن أبی سلمة لما نزلت: إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ ، الآیة - وذلک فی بیت أم سلمة - دعا فاطمة وحسناً وحسیناً فجللهم بکساء وعلی خلف ظهره ثم قال:اللهم هؤلاء أهل بیتی فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا.

وعن سعد بن أبی وقاص: لما نزلت آیة المباهلة دعا النبی(ص)علیاً وحسناً وحسیناً وفاطمة وقال: اللهم هؤلاء أهلی .

ص: 346

وقال النبی(ص)فی علی: من کنت مولاه فعلی مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وقال فیه: لا یحبک إلا مؤمن ولا یبغضک إلا منافق . . . وقال أبو بکر (رض): إرقبوا محمداً فی أهل بیته. انتهی !

وتجب معرفتهم لأن الله تعالی فرض الصلاة علیهم

رسائل الشریف المرتضی:2/249

الرسالة الباهرة فی العترة الطاهرة. بسم الله الرحمن الرحیم. قال (رض): مما یدل أیضاً علی تقدیمهم(علیهم السّلام) وتعظیمهم علی البشر أن الله تعالی دلنا علی أن المعرفة بهم کالمعرفة به تعالی فی أنها إیمان وإسلام ، وإن الجهل والشک فیهم کالجهل به والشک فیه فی أنه کفر وخروج من الإیمان ، وهذه منزلة لیس لاحد من البشر إلا لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبعده لامیر المؤمنین(علیه السّلام)والأئمة من ولده علی جماعتهم السلام. لأن المعرفة بنبوة الأنبیاء المتقدمین من آدم إلی

عیسی(علیهم السّلام) أجمعین غیر واجبة علینا ولا تعلق لها بشئ من تکالیفنا ، ولولا أن القرآن ورد بنبوة من سمی فیه من الأنبیاء المتقدمین فعرفناهم تصدیقاً للقرآن وإلا فلا وجه لوجوب معرفتهم علینا، ولا تعلق لها بشئ من أحوال تکلیفنا .

وبقی علینا أن ندل علی أن الأمر علی ما ادعیناه .

والذی یدل علی أن المعرفة بإمامة من ذکرناه(علیهم السّلام) من جملة الإیمان وأن الإخلال بها کفر ورجوع عن الإیمان ، إجماع الشیعة الإمامیة علی ذلک فإنهم لا یختلفون فیه ، وإجماعهم حجة بدلالة أن قول الحجة المعصوم الذی قد دلت العقول علی وجوده فی کل زمان فی جملتهم وفی زمرتهم ، وقد دللنا علی هذه الطریقة فی مواضع کثیرة من کتبنا واستوفیناها فی جواب التبانیات خاصة ، وفی

ص: 347

کتاب نصرة ما انفردت به الشیعة الإمامیة من المسائل الفقهیة ، فإن هذا الکتاب مبنی علی صحة هذا الأصل .

ویمکن أن یستدل علی وجوب المعرفة بهم(علیهم السّلام) بإجماع الأمة ، مضافاً إلی ما بیناه من إجماع الإمامیة وذلک أن جمیع أصحاب الشافعی یذهبون إلی أن الصلاة علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی التشهد الاخیر فرض واجب ورکن من أرکان الصلاة من أخل به فلا صلاة له ، وأکثرهم یقول: إن الصلاة فی هذا التشهد علی آل النبی علیهم الصلوات فی الوجوب واللزوم ووقوف أجزاء الصلاة علیها کالصلاة علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والباقون منهم یذهبون إلی أن الصلاة علی الال مستحبة ولیست بواجبة .

فعلی القول الأول لابد لکل من وجبت علیه الصلاة من معرفتهم من حیث کان واجباً علیه الصلاة علیهم ، فإن الصلاة علیهم فرع علی المعرفة بهم ، ومن ذهب إلی أن ذلک مستحب فهو من جملة العبادة وإن کان مسنوناً مستحباً والتعبد به یقتضی التعبد بما لا یتم إلا به من المعرفة. ومن عدا أصحاب الشافعی لا ینکرون أن الصلاة علی النبی وآله فی التشهد مستحبة ، وأی شبهة تبقی مع هذا فی أنهم(علیهم السّلام) أفضل الناس وإجلالهم وذکرهم واجب فی الصلاة .

وعند أکثر الأمة من الشیعة الإمامیة وجمهور أصحاب الشافعی أن الصلاة تبطل بترکه وهل مثل هذه الفضیلة لمخلوق سواهم أو تتعداهم ؟

ومما یمکن الإستدلال به علی ذلک أن الله تعالی قد ألهم جمیع القلوب ، وغرس فی کل النفوس تعظیم شأنهم وإجلال قدرهم علی تباین مذاهبهم واختلاف دیاناتهم ونحلهم ، وما اجتمع هؤلاء المختلفون المتباینون مع تشتت الاهواء وتشعب الاراء علی شئ کإجماعهم علی تعظیم من ذکرناه وإکبارهم ، إنهم

ص: 348

یزورون قبورهم ویقصدون من شاحط البلاد وشاطئها مشاهدهم ومدافنهم والمواضع التی وسمت بصلاتهم فیها وحلولهم بها ، وینفقون فی ذلک الأموال ویستنفدون الأحوال ، فقد أخبرنی من لا أحصیه کثرة أن أهل نیسابور ومن والاها من تلک البلدان یخرجون فی کل سنة إلی

طوس لزیارة الإمام أبی الحسن علی بن موسی الرضا صلوات الله علیهما بالجمال الکثیرة والاهبة التی لا توجد مثلها إلا للحج إلی بیت الله. وهذا مع المعروف من انحراف أهل خراسان عن هذه الجهة وازورارهم عن هذا الشعب .

وما تسخیر هذه القلوب القاسیة وعطف هذه الأمم البائنة إلا کالخارق للعادات والخارج عن الأمور المألوفات ، وإلا فما الحامل للمخالفین لهذه النحلة المنحازین عن هذه الجملة علی أن یراوحوا هذه المشاهد ویغادوها ویستنزلوا عندها من الله تعالی الأرزاق ویستفتحوا الإغلال ویطلبوا ببرکاتها الحاجات ویستدفعوا البلیات ، والأحوال الظاهرة کلها لا توجب ذلک ولا تقتضیه ولا تستدعیه وإلا فعلوا ذلک فیمن یعتقدونهم ، وأکثرهم یعتقدون إمامته وفرض طاعته ، وأنه فی الدیانة موافق لهم غیر مخالف ومساعد غیر معاند .

ومن المحال أن یکونوا فعلوا ذلک لداع من دواعی الدنیا ، فإن الدنیا عند غیر هذه الطائفة موجودة وعندها هی مفقودة ، ولا لتقیة واستصلاح ، فإن التقیة هی فیهم لا منهم ولا خوف من جهتهم ولا سلطان لهم ، وکل خوف إنما هو علیهم فلم یبق إلا داعی الدین ، وذلک هو الأمر الغریب العجیب الذی لا ینفذ فی مثله إلا مشیة الله وقدرة القهار التی تذلل الصعاب ، وتقود بأزمتها الرقاب .

ولیس لمن جهل هذه المزیة أو تجاهلها وتعامی عنها وهو یبصرها أن یقول: إن العلة فی تعظیم غیر فرق الشیعة لهؤلاء القوم لیست ما عظمتموه وفخمتموه

ص: 349

وادعیتم خرقه للعادة وخروجه من الطبیعة ، بل هی لأن هؤلاء القوم من عترة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکل من عظم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلا بد من أن یکون لعترته وأهل بیته معظماً مکرماً ، وإذا انضاف إلی القرابة الزهد وهجر الدنیا والعفة والعلم زاد الإجلال والإکرام لزیادة أسبابهما .

والجواب عن هذه الشبهة الضعیفة: أنه شارک أئمتنا(علیهم السّلام) فی حسبهم ونسبهم وقراباتهم من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) غیرهم ، وکانت لکثیر منهم عبادات ظاهرة وزهادة فی الدنیا بادیة ، وسمات جمیلة وصفات حسنة ، من ولد أبیهم علیه وآله السلام ، ومن ولد العباس رضوان الله علیه ، فما رأینا من الإجماع علی تعظیمهم وزیارة مدافنهم والاستشفاع بهم فی الاغراض ، والاستدفاع بمکانهم للأعراض والأمراض ، وما وجدنا مشاهداً معایناً فی هذا الشراک ، وإلا فمن ذا الذی أجمع علی فرط إعظامه وإجلاله من سائر صنوف العترة فی هذه الحالة یجری مجری الباقر والصادق والکاظم والرضا صلوات الله علیهم أجمعین ، لأن من عدا من ذکرناه من صلحاء العترة وزهادها ممن یعظمه فریق من الأمة ویعرض عنه فریق، ومن عظمه منهم وقدمه لا ینتهی فی الاجلال والاعظام إلی الغایة التی ینتهی إلیها من ذکرناه .

ولو لا أن تفصیل هذه الجملة ملحوظ معلوم لفصلناها علی طول ذلک ولاسمینا من کنینا عنه ونظرنا بین کل معظم مقدم من العترة لیعلم أن الذی ذکرناه هو الحق الواضح ، وما عداه هو الباطل الماضح .

وبعد فمعلوم ضرورة أن الباقر والصادق ومن ولیهما من الأئمة صلوات الله علیهم أجمعین کانوا فی الدیانة والإعتقاد وما یفتون من حلال وحرام علی خلاف ما یذهب إلیه مخالفوا الإمامیة ، وإن ظهر شک فی ذلک کله فلا شک ولا شبهة علی

ص: 350

منصف فی أنهم لم یکونوا علی مذهب الفرقة المختلفة المجتمعة علی تعظیمهم والتقرب إلی الله تعالی بهم .

وکیف یعترض ریب فیما ذکرناه ، ومعلوم ضرورة أن شیوخ الإمامیة وسلفهم فی تلک الازمان کانوا بطانة للصادق والکاظم والباقر(علیهم السّلام) وملازمین لهم ومتمسکین بهم ، ومظهرین أن کل شئ یعتقدونه وینتحلونه ویصححونه أو یبطنونه فعنهم تلقوه ومنهم أخذوه ، فلو لم یکونوا عنهم بذلک راضین وعلیه مقرین لابوا علیهم نسبة تلک المذاهب إلیهم وهم منها بریئون خلیون ، ولنفوا ما بینهم من مواصلة ومجالسة وملازمة وموالاة ومصافاة ومدح وإطراء وثناء ، ولابدلوه بالذم واللوم والبراءة والعداوة ، فلو لم یکونوا(علیهم السّلام) لهذه المذاهب معتقدین وبها راضین لبان لنا واتضح ، ولو لم یکن إلا هذه الدلالة لکفت وأغنت. وکیف یطیب قلب عاقل أو یسوغ فی الدین لأحد أن یعظم فی الدین من هو علی خلاف ما یعتقد أنه الحق وما سواه باطل ، ثم

ینتهی فی التعظیمات والکرامات إلی أبعد الغایات وأقصی النهایات ، وهل جرت بمثل هذا عادة أو مضت علیه سنة ؟

أو لا یرون أن الإمامیة لا تلتفت إلی من خالفها من العترة وحاد عن جادتها فی الدیانة ومحجتها فی الولایة ، ولا تسمح له بشئ من المدح والتعظیم فضلاً عن غایته وأقصی نهایته ، بل تتبرأ منه وتعادیه وتجریه فی جمیع الأحکام مجری من لا نسب له ولا حسب له ولا قرابة ولا علقة. وهذا یوقظ علی أن الله خرق فی هذه العصابة العادات وقلب الجبلات ، لیبین من عظیم منزلتهم وشریف مرتبتهم. وهذه فضیلة تزید علی الفضائل وتربی علی جمیع الخصائص والمناقب ، وکفی بها برهاناً لائحاً ومیزاناً راجحاً ، والحمد لله رب العالمین. انتهی .

ص: 351

ملاحظة: نعرف قوة استدلال الشریف الرضی قدس الله نفسه عندما نلاحظ أن نیشابور کانت مرکزاً للعلماء والمذاهب المخالفة لأهل البیت(علیهم السّلام) فمنها أئمة الحدیث وأساتیذ أصحاب الصحاح والشخصیات العلمیة السنیة. بل کانت إلی القرن السادس العاصمة العلمیة للسنة ، ومع ذلک کانت تخرج کلها لزیارة قبر الإمام الرضا(علیهم السّلام) فی طوس ، کل سنة بقوافل کقوافل الحج !! ولا یتسع المقام للتفصیل .

الغدیر للامینی:2/303

فی المقام أخبار کثیرة وکلمات ضافیة توجد فی طیات کتب الفقه والتفسیر والحدیث. ذکر ابن حجر فی الصواعق/87

قوله تعالی: إِنَّ اللهَ وَمَلائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی النَّبِیِّ یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیمًا. وروی جملة من الأخبار الصحیحة الواردة فیها وأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قرن الصلاة علی آله بالصلاة علیه لما سئل عن کیفیة الصلاة والسلام علیه ، ثم قال: وهذا دلیل ظاهر علی أن الأمر بالصلاة علی أهل بیته وبقیة آله مراد من هذه الآیة ، وإلا لم یسألوا عن الصلاة علی أهل بیته وآله عقب نزولها ، ولم یجابوا بما ذکر ، فلما أجیبوا به دل علی أن الصلاة علیهم من جملة المأمور به ، وأنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أقامهم فی ذلک مقام نفسه ، لأن القصد من الصلاة علیه مزید تعظیمه ومنه تعظیمهم، ومن ثم لما دخل من مر فی الکساء قال: اللهم إنهم منی وأنا منهم فاجعل صلاتک ورحمتک ومغفرتک ورضوانک علیَّ وعلیهم. وقضیة استجابة هذا الدعاء: أن الله صلی علیهم معه ، فحینئذ طلب من المؤمنین صلاتهم علیهم معه .

ویروی: لا تصلوا علی الصلاة البتراء ، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون اللهم صل علی محمد وتمسکون ، بل قولوا اللهم صلِّ علی محمد وعلی آل

ص: 352

محمد. ثم نقل للامام الشافعی قوله:

یا أهل بیت رسول الله حبکم

فرض من الله فی القرآن أنزله

کفاکم من عظیم القدر أنکم

من لم یصل علیکم لا صلاة له

فقال: فیحتمل لا صلاة له صحیحة ، فیکون موافقاً لقوله بوجوب الصلاة علی الال ،ویحتمل لا صلاة کاملة فیوافق أظهر قولیه .

وقال فی هامش الغدیر: نسبهما إلی الإمام الشافعی الزرقانی فی شرح المواهب: 7/7 وجمع آخرون .

وقال ابن حجر فی/139 من الصواعق: أخرج الدار قطنی والبیهقی حدیث: من صلی صلاة ولم یصل فیها علیّ وعلی أهل بیتی لم تقبل منه. وکأن هذا الحدیث هو مستند قول الشافعی(رض): إن الصلاة علی الآل من واجبات الصلاة کالصلاة علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لکنه ضعیف ، فمستنده الأمر فی الحدیث المتفق علیه: قولوا اللهم صل علی محمد وعلی آل محمد ، والأمر للوجوب حقیقة علی الأصح .

وقال الرازی فی تفسیره:7/391: إن الدعاء للآل منصب عظیم ، ولذلک جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد فی الصلاة ، وقوله: اللهم صلِّ علی محمد وآل محمد وارحم محمداً وآل محمد ، وهذا التعظیم لم یوجد فی حق غیر الآل ، فکل ذلک یدل علی أن حب آل محمد واجب .

وقال: أهل بیته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ساووه فی خمسة أشیاء: فی الصلاة علیه وعلیهم فی التشهد. وفی السلام. والطهارة. وفی تحریم الصدقة. وفی المحبة .

وقال النیسابوری فی تفسیره عند قوله تعالی: قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی ، کفی شرفاً لال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وفخراً ختم التشهد بذکرهم والصلاة علیهم فی کل صلاة .

ص: 353

وروی محب الدین الطبری فی الذخایر/19 عن جابر (رض) أنه کان یقول: لو صلیت صلاة لم أصل فیها علی محمد وعلی آل محمد ، ما رأیت أنها تقبل .

وأخرج القاضی عیاض فی الشفا عن ابن مسعود مرفوعاً: من صلی صلاة لم یصل علیَّ فیها وعلی أهل بیتی ، لم تقبل منه .

وللقاضی الخفاجی الحنفی فی شرح الشفا 3/500-505 فوائد جمة حول المسألة وذکر مختصر ما صنفه الإمام الخیصری فی المسألة سماه: زهر الریاض فی رد ما شنعه القاضی عیاض .

وصور الصلوات المأثورة علی النبی وآله مذکورة فی ( شفاء السقام ) لتقی الدین السبکی/181-187 ، وأورد جملة منها الحافظ الهیثمی فی مجمع الزوائد: 10/163 وأول لفظ ذکره عن بریدة قال: قلنا یا رسول الله قد علمنا کیف نسلم علیک ، فکیف نصلی علیک؟ قال قولوا: اللهم اجعل صلواتک ورحمتک وبرکاتک علی محمد وآل محمد ، کما جعلتها علی آل إبراهیم إنک حمید مجید. انتهی .

وقد روت مصادر إخواننا السنة هذا الحدیث وصححته ، ولکنهم لا یعملون به إلا فی صلاتهم ، فتراهم غالباً یصلون علی النبی وحده فی غیر صلاتهم ، حتی فی أدعیتهم ، مع أنهم رووا أن الدعاء لا یقبل ولا یصعد إلی الله تعالی إذا لم یصل معه علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ورووا أن النبی علمهم کیفیة الصلاة علیه ، فکأن استجابة أدعیتهم لیست مهمة عندهم !

ولا یسع المجال لایراد الأحادیث الکثیرة فی فضل الصلاة علی النبی وآله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأحکامها وکیفیتها التی یسمونها الصلاة الإبراهیمیة ، وهی جدیرة ببحث مفصل ، وقد ألف فیها عدد من القدماء رسائل مستقلة .

وقد روی أحادیث الصلاة الابراهیمیة الإمام مالک فی کتاب الموطأ:1/165 ، وکتاب

ص: 354

المسند/349 ، وکتاب الام:1/140 ، والبخاری فی صحیحه:4/118 - 19 وج 6/27 وج 7/156-157 ، ومسلم:2/16-17 ، وابن ماجة:1/293 ، وأبو داود:1/221-222 ، والترمذی:5/38 ، والنسائی:3/45-50 ، وأحمد:4/118-119 وص 244 وج 5/353 وص 424 ، والدارمی:1/165 وص 309، والحاکم:1/268-270 ، والبیهقی فی سننه:2/146-153 وص 378-379 ، والهیثمی فی مجمع الزوائد:2/144-145 ، والهندی فی کنز العمال:2/266-283 وج 5 ، وأورد السیوطی عدداً کبیراً من أحادیثها فی الدر المنثور:5/215-220 ، وغیره من المفسرین ، والفقهاء کالنووی فی المجموع:3/466 ، وابن قدامة فی المغنی:1/580 ، وابن حزم فی المحلی:3/272.... ولا نطیل بذکر کلماتهم .

الشفا للقاضی عیاض جزء 2/64

...فی الحدیث: لا صلاة لمن لم یصل علی ، قال ابن القصار معناه کاملة أو لمن لم یصل علی مرة فی عمره. وضعف أهل الحدیث کلهم روایة هذا الحدیث .

وفی حدیث أبی جعفر عن ابن مسعود عن النبی (ص): من صلی صلاة لم یصل فیها علی وعلی أهل بیتی لم تقبل منه. قال الدارقطنی: الصواب أنه من قول أبی جعفر محمد بن الحسین: لو صلیت صلاة لم أصل فیها علی النبی(ص)ولا علی أهل بیته لرأیت أنها لا تتم . . . .

فقال النبی (ص): عجل هذا ، ثم دعاه فقال له ولغیره: إذا صلی أحدکم فلیبدأ بتحمید الله والثناء علیه ، ثم لیصل علی النبی(ص)، ثم لیدع بعد بما شاء ، ویروی من غیر هذا السید بتمجید الله وهو أصح .

وعن عمر بن الخطاب (رض) قال: الدعاء والصلاة معلق بین السماء والأرض فلا یصعد إلی الله منه شئ حتی یصلی علی النبی(ص).

ص: 355

وقال الأردبیلی فی زبدة البیان/84

التاسعة: إِنَّ اللهَ وَ مَلائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی النَّبِیِّ یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیمًا . . .

قال فی الکشاف: الصلاة علیه واجبة ، وقد اختلفوا فی حال وجوبها ، فمنهم من أوجبها کلما جری ذکره ، وفی الحدیث: من ذکرت عنده فلم یصل علی فدخل النار فأبعده الله . . . ومنهم من قال: تجب فی کل مجلس مرة ، وإن تکرر ذکره ، کما قیل فی آیة السجدة ، وتسمیت العاطس وکذلک فی کل دعاء فی أوله وآخره ، ومنهم من أوجبها فی العمر مرة وکذا قال فی إظهار الشهادتین مرة ، والذی یقتضیه الإحتیاط الصلاة علیه عند کل ذکر ، لما ورد من الأخبار. انتهی .

والأخبار من طرقنا أیضاً مثل الأول موجودة مع صحة بعضها ، ولا شک أن احتیاط الکشاف أحوط ، واختار فی کنز العرفان الوجوب کلما ذکر وقال إنه اختیار الکشاف . . . ثم قال فی الکشاف: فإن قلت: فما تقول فی الصلاة علی غیره(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

قلت: القیاس یقتضی جواز الصلاة علی کل مؤمن ، لقوله تعالی: هُوَ الَّذِی یُصَلِّی عَلَیْکُمْ وَ مَلائِکَتُهُ ، وقوله: وصل علیهم إن صلوتک سکن لهم ، وقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): اللهم صل علی آل أبی أوفی ، ولکن للعلماء تفصیلاً فی ذلک ، وهو أنها إن کان علی سبیل التبع کقولک صلی الله علی النبی وآله ، فلا کلام فیها ، وأما إذا أفرد غیره من أهل البیت بالصلاة کما یفرد هو ، فمکروه لأن ذلک صار شعاراً لذکر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ولانه یؤدی إلی الاتهام بالرفض ! ( راجع تفسیر الکشاف:2/549 )

ولا یخفی ما فیه فإن ما ذکره برهان لا قیاس ، وإن البرهان من العقل والنقل کتاباً وسنة کما نقله ، ومثله قوله تعالی: وَبَشِّرِ الصَّابِرِینَ الَّذِینَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِیبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِکَ عَلَیْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ، فإنها تدل علی أن صلوات الله

ص: 356

علی من یقول هذا بعد المصیبة ، ولا شک فی صدوره کذلک عن أهل البیت بل غیرهم أیضاً. فإذا ثبت لهم الصلاة من الله فیجوز القول بذلک لهم، وهو ظاهر اقتضی جوازه مطلقاً ، بل الإنفراد بخصوصه فلا مجال للتفصیل.... وإنما صار ذلک شعار الرافضة لانهم فعلوا ذلک ، وترکه غیرهم بغیر وجه ، وإلا فهو مقتضی البرهان ، ومع ذلک لا یستلزم کونه شعاراً لهم ، ومتداولاً بینهم ترکه ، وإلا یلزم ترک العبادات کذلک فإنها شعارهم .

وبالجملة لا ینبغی منع ما یقتضی العقل والنقل جوازه بل استحبابه وکونه عبادة ، بسبب أن جماعة من المسلمین یفعلون هذه السنة والعبادة ، فإن ذلک تعصب وعناد محض ، ولیس فیه تقرب إلی الله تعالی وطلب لمرضاته وعمل لله تعالی وهو ظاهر ، ولا یناسب من العلماء العمل إلا لله .

ولهم أمثال ذلک کثیرة ، مثل ما ورد فی تسنیم القبور أن المستحب هو التسطیح ، ولکن هو شعار للرفضة فالتسنیم خیر منه ، وکذلک فی التختم بالیمین وغیر ذلک، ومنه ذکر ( علی ) بعد قوله صلی الله علیه وعلی آله ، وترک الآل معه(ص)مع أنه مرغوب بغیر نزاع، وإنما النزاع کان فی الأفراد ، فإنهم یترکون الآل معه ویقولون صلی الله علیه !

والعجب أنهم یترکون الآل وفی حدیث کعب حیث یقولون سأله عن کیفیة الصلاة علیه ، فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قولوا: اللهم صل علی محمد وآل محمد کما صلیت علی إبراهیم وآل إبراهیم . . إلخ. فتأمل .

وقال ابن أبی جمهور الإحسائی عن الصلاة البتراء فی کتابه غوالی اللئالی:2/40 : وبمعناه ما رواه الإمام السخاوی الشافعی فی القول البدیع فی الصلاة علی الحبیب الشفیع فی الباب الأول ، فی الأمر بالصلاة علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولفظ الحدیث:

ص: 357

ویروی عنه(ص)مما لم أقف علی إسناده: لا تصلوا علیَّ الصلاة البتیرا ، قالوا وما الصلاة البتیرا یا رسول الله ؟ قال: تقولوا: اللهم صل علی محمد وتمسکون ، بل قولوا اللهم صل علی محمد وعلی آل محمد. أخرجه أبو سعد فی شرف المصطفی. انتهی .

ملاحظة: کان أکثر علماء السنة فی القرون الماضیة یصلون علی النبی فی کتبهم بصیغة (علیهماالسّلام) ونلاحظ ذلک بوضوح فی مخطوطات کتبهم التی وصلت إلینا سالمة ولم تمسها ید المحرفین والنواصب. ویظهر أن حذف الصلاة علی آل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )انتشر مع موجة التعصب العثمانی الأخیرة ضد الشیعة. وقد ورث هذه الموجة وأفرط فیها الوهابیون و ( المحققون ) والناشرون الذین أطعموهم من سحت أموالهم ، فمدوا أیدیهم إلی کتب التراث وخانوا مؤلفیها فحذفوا منها وحرفوا کثیراً من المواضع ، ومن ذلک عبارة(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ووضعوا بدلها(ص).

والحمدلله أنه بقی فی المحققین والناشرین أفراد أمناء وأصحاب ضمائر مستقیمة أثبتوا الصلاة علی آل النبی کما وردت فی مخطوطات المؤلفین مثل مستدرک الحاکم. کما بقیت النسخ المخطوطة ومصوراتها وستبقی شاهدة علی نواصب التحقیق والنشر .

کما ینبغی الاشارة إلی أن المسلمین الاوائل فهموا معنی التسلیم فی قوله تعالی: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیمًا ، بأنه التسلیم لأمر النبی ولیس السلام علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأنه لم یقل وسلموا سلاماً. ولذا نجد أن الصلاة علیه استعملت مجردة فی القرون الأولی بدون ( وسلم ) وإن کان الدعاء بتسلیم الله علیه من نوع الدعاء بالصلاة علیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وسلم تسلیماً کثیراً ، ولکنی أظن أنهم بعد أن حذفوا کلمة

ص: 358

(وآله) التی کانت سائدة عند الجمیع قروناً طویلة وجدوا خلاً فملؤوه بکلمة (وسلم) . وهذا موضوع مهم ، یحتاج إلی بحث واسع موثق .

وتجب معرفتهم لانهم أهل الذکر الذین أمرنا الله بسؤالهم

بصائر الدرجات/37-41

حدثنا العباس بن معروف ، عن حماد بن عیسی ، عن عمرو بن یزید ، قال قال أبو جعفر (علیه السّلام): وإنه لذکر لک ولقومک وسوف تسألون ، قال: رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأهل بیته أهل الذکر وهم المسؤولون .

حدثنا یعقوب بن یزید ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أذینه ، عن برید ، عن معاویة قال أبوجعفر(علیه السّلام)فی قول الله تبارک وتعالی: وَإِنَّهُ لَذِکْرٌ لَکَ وَلِقَوْمِکَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ ، قال: إنما عنانا بها ، نحن أهل الذکر ونحن المسؤولون . . . .

حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن أبی عثمان ، عن المعلی بن خنیس، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قول الله تعالی: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ، قال هم آل محمد ، فذکرنا له حدیث الکلبی أنه قال: هی فی أهل الکتاب ، قال فلعنه وکذبه .

حدثنا السندی بن محمد ، عن علا ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال قلت له إن من عندنا یزعمون أن قول الله تعالی: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ، أنهم الیهود والنصاری ، قال: إذاً یدعونهم

إلی دینهم ، ثم أشار بیده إلی صدره فقال: نحن أهل الذکر ونحن المسؤولون .

حدثنا عبدالله بن جعفر ، عن محمد بن عیسی ، عن محمد بن سنان ، عن إسماعیل بن جابر وعبدالکریم ، عن عبدالحمید بن أبی الدیلم ، عن أبی عبدالله

ص: 359

(علیه السّلام)فی قول الله تعالی: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ، قال: کتاب الله الذکر ، وأهله آل محمد الذین أمر الله بسؤالهم ولم یؤمروا بسؤال الجهال. وسمی الله القرآن ذکراً فقال: وأنزلنا إلیک الذکر لتبین للناس مانزل إلیهم ولعلهم یتفکرون .

روضة الواعظین/203

وقال الباقر(علیه السّلام)فی قوله تعالی: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ، قال نحن أهل الذکر. قال أبو زرعة: صدق محمد بن علی ، ولعمری إن أبا جعفر لمن أکبر العلماء .

العمدة/303

ومنها قوله تعالی: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. وهذا أیضاً غایة فی الأمر باتباعه ، لموضع الأمر بسؤاله ، وبجعله تعالی أهل الذکر ، والذکر هو القرآن ، وهو أهله بنص کتاب الله تعالی ، فوجب اتباعه واتباع ذریته ، لموضع الأمر بسؤالهم .

نهج الحق/210

الثالثة والثمانون: روی الحافظ ، محمد

بن موسی الشیرازی من علماء الجمهور ، واستخرجه من التفاسیر الإثنی عشر ، عن ابن عباس فی قوله تعالی: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ ، قال: هم محمد ، وعلی ، وفاطمة ، والحسن ، والحسین. هم أهل الذکر ، والعلم ، والعقل ، والبیان ، وهم أهل بیت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائکة ، والله ما سمی المؤمن مؤمناً إلا کرامة لامیر المؤمنین. ورواه سفیان الثوری عن السدی عن الحارث .

ص: 360

أمان الأمة/196

وأخرج الثعلبی فی تفسیره الکبیر فی تفسیر قوله تعالی: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، عن جابر قال: قال علی بن أبی طالب: نحن أهل الذکر. وأخرجه الطبری فی تفسیره. وأخرج الحسکانی فی ذلک روایات غیرها .

الخطط السیاسیة لتوحید الامة/97

وما یؤکد أنهم أولو الأمر وأهل الذکر: أن الهدایة لا تدرک بعد النبی إلا بالقرآن وبهم معاً ، وأن الضلالة لا یمکن تجنبها إلا بالقرآن وبهم معاً ، فهم أحد الثقلین بالنص ، وإن کنت فی شک من ذلک فارجع مشکوراً إلی صحیح الترمذی:5/328 حدیث 3874 ، وجامع الأصول لابن الاثیر:1/187 حدیث 65 ، والمعجم الکبیر للطبرانی/137 ، ومشکاة المصابیح:2/258 ، وإحیاء المیت للسیوطی بهامش الاتحاف /114 ، والفتح الکبیر للنبهانی:1/503 وج 3/385 والصواعق المحرقة لابن حجر/147 و 226 ، والمعجم الصغیر للطبرانی:1/135 ، ومقتل الحسین للخوارزمی:1/104 ، والطبقات الکبری لابن سعد:2/194 ، وخصائص النسائی/21 ، ومجمع الزوائد للهیثمی:5/195. ولولا الرغبة بالاختصار لذکرت لک 192 مرجعاً .

الخطط السیاسیة لتوحید الأمة/266

فإذا ذکر ذاکر أن الله تعالی قد أذهب الرجس عن أهل البیت وطهرهم تطهیراً ، جاءک الجواب سریعاً ، إن أهل البیت هم نساء النبی وحدهن ، ومنهم من یتبرع بالمباهلة إذا کان أهل البیت غیر نساء النبی !

وإذا قیل إن النبی لا یسأل أجراً إلا المودة فی القربی ، قیل: کل قریش قرابة النبی ، بل کل العالم أقارب النبی ، وهو جد التقی ولو کان عبداً حبشیاً !

ص: 361

وإذا قیل: هم أهل الذکر. قیل لک: إن العلماء هم أهل الذکر ، وهم ورثة الأنبیاء!

وباختصار فلا تجد نصاً فی القرآن الکریم یتعلق بأهل البیت الکرام أو ببنی هاشم ، إلا وقد حضرت له البطون ومن والاها عشرات التفسیرات والتأویلات لإخراجه عن معناه الخاص بأهل البیت الکرام ! ولا تجد فضلاً اختص به أهل البیت الکرام إلا وقد أوجدت بطون قریش لرجالاتها فضلاً یعادله عن طریق التفسیر والتأویل ! ومع سیطرة البطون وإشرافها علی وسائل الأعلام ، وهیمنتها علی الدولة الإسلامیة خلطت کافة الأوراق ، حتی إذا أخرجت یدک لم تکد تراها .

معالم الفتن لسعید أیوب:1/123

والخلاصة: إن الروایات التی فسرت الآیة بینت أن الذکر رسول الله وأن عترته أهله. وروی فی قوله عز وجل: وَأْمُرْ أَهْلَکَ بِالصَّلَوةِ وَاصْطَبِرْ عَلَیْهَا ، إن الآیة مکیة وعلی هذا فالمراد بقوله: أهلک ، بحسب وقت النزول خدیجة زوج النبی (ص) وعلی بن أبی طالب ، وکان من أهله وفی بیته أو هما وبعض بنات النبی(ص). وعلی هذا فإن القول بأن أهله جمیع متبعیه من أمته غیر سدید . . . وروی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ظل یأمر أهله بالصلاة فی مکة والمدینة حتی فارق الدنیا .

وفی الدر المنثور أخرج الطبرانی فی الأوسط وأبونعیم فی الحلیة والبیهقی فی شعب الإیمان بسند صحیح عن عبدالله بن سلام قال: کان النبی(ص)إذا نزلت بأهله شدة أو ضیق أمرهم بالصلاة وتلا: وأمر أهلک بالصلاة ، وروی أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یجی إلی باب علی وفاطمة ثمانیة أشهر ، وفی روایة تسعة أشهر ویقول: الصلاة رحمکم الله. إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرُکُمْ تَطْهِیراً... .

ص: 362

وتجب معرفتهم لأن الأعمال لا تقبل إلا بولایتهم

الکافی:1/183

محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسین ، عن صفوان بن یحیی ، عن العلاء بن رزین عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر(علیه السّلام)یقول: کل من دان الله عز وجل بعبادة یجهد فیها نفسه ولا إمام له من الله فسعیه غیر مقبول ، وهو ضال متحیر والله شأنی لأعماله ، ومثله کمثل شاة ضلت عن راعیها وقطیعها ، فهجمت ذاهبة وجائیة یومها ، فلما جنها اللیل بصرت بقطیع غنم مع راعیها ، فحنت إلیها واغترت بها ، فباتت معها فی مربضها فلما أن ساق الراعی قطیعة أنکرت راعیها وقطیعها ، فهجمت متحیرة تطلب راعیها وقطیعها فبصرت بغنم مع راعیها فحنت إلیها واغترت بها فصاح بها الراعی: الحقی براعیک ، وقطیعک فأنت تائهة متحیرة عن راعیک وقطیعک ، فهجمت ذعرة متحیرة تائهة لا راعی لها یرشدها إلی مرعاها أو یردها ، فبینا هی کذلک إذا اغتنم الذئب ضیعتها فأکلها ، وکذلک والله یا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عز وجل. انتهی. ونحوه فی المحاسن/92 ، وتفسیر العیاشی:2/252 .

علل الشرائع:1/250

حدثنا محمد بن علی ماجیلویه(رحمه الله)، عن عمه محمد بن أبی القاسم ، عن یحیی بن علی الکوفی ، عن محمد بن سنان ، عن صباح المداینی ، عن المفضل بن عمر ، أن أباعبدالله(علیه السّلام)کتب إلیه کتاباً فیه: إن الله تعالی لم یبعث نبیاً قط یدعو إلی معرفة الله لیس معها طاعة فی أمر ولا نهی ، وإنما یقبل الله من العباد العمل

ص: 363

بالفرایض التی فرضها الله علی حدودها ، مع معرفة من دعا إلیه. ومن أطاع وحرم الحرام ظاهره وباطنه وصلی وصام وحج واعتمر وعظم حرمات الله کلها ولم یدع منها شیئاً ، وعمل بالبر کله ومکارم الاخلاق کلها وتجنب سیئها .

ومن زعم أنه یحل الحلال ویحرم الحرام بغیر معرفة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یحل لله حلالاً ولم یحرم له حراماً ، وإن من صلی وزکی وحج واعتمر وفعل ( البر ) کله بغیر معرفة من افترض الله علیه طاعته ، فلم یفعل شیئاً من ذلک ، لم یصل ولم یصم ولم یزک ولم یحج ولم یعتمر ولم یغتسل من الجنابة ولم یتطهر ولم یحرم لله ، ولیس له صلاة وإن رکع وإن سجد ، ولا له زکاة ولا حج ، وإنما ذلک کله یکون بمعرفة رجل مَنَّ الله تعالی علی خلقته بطاعته وأمر بالأخذ عنه ، فمن عرفه وأخذ عنه أطاع الله .

ومن زعم أن ذلک إنما هی المعرفة وأنه إذا عرف اکتفی بغیر طاعة فقد کذب وأشرک ، وإنما قیل إعرف واعمل ما شئت من الخیر فإنه لا یقبل منک ذلک بغیر معرفة ، فإذا عرفت فاعمل لنفسک ما شئت من الطاعة قل أو کثر ، فإنه مقبول منک. انتهی. ورواه فی وسائل الشیعة:1/95 .

وسائل الشیعة:1/90

وعن علی بن إبراهیم ، عن أبیه وعن عبدالله بن الصلت جمیعاً ، عن حماد بن عیسی ، عن حریز بن عبدالله ، عن زرارة ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)( فی حدیث ) قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشیاء ورضا الرحمان الطاعة للإمام بعد معرفته ، أما لو أن رجلاً قام لیله وصام نهاره ، وتصدق بجمیع ماله وحج جمیع دهره ، ولم یعرف

ولایة ولی الله فیوالیه وتکون جمیع أعماله بدلالته إلیه ، ما کان له علی الله حق فی ثوابه ولا کان من أهل الإیمان. ورواه البرقی فی

ص: 364

المحاسن عن عبدالله بن الصلت بالإسناد .

وعن محمد بن الحسن ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن علی بن عقبة ، عن أبیه عقبة بن خالد ، عن میسر ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)( فی حدیث ) قال: إن أفضل البقاع ما بین الرکن والمقام ، وباب الکعبة وذاک حطیم إسماعیل ، ووالله لو أن عبداً صف قدمیه فی ذلک المکان ، وقام اللیل مصلیاً حتی یجیئه النهار ، وصام النهار حتی یجیئه اللیل ، ولم یعرف حقنا وحرمتنا أهل البیت لم یقبل الله منه شیئاً أبداً .

علی بن إبراهیم فی تفسیره ، عن أحمد بن علی ، عن الحسین بن عبید الله ، عن السندی بن محمد ، عن أبان ، عن الحارث ، عن عمرو ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)فی قوله تعالی: وَإِنِّی لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَی ، قال: ألا تری کیف اشترط ولم تنفعه التوبة والإیمان والعمل الصالح حتی اهتدی ؟ والله لو جهد أن یعمل ما قبل منه حتی یهتدی ، قال: قلت: إلی من جعلنی الله فداک ؟ قال: إلینا. أقول: والأحادیث فی ذلک کثیرة جداً .

مستدرک الوسائل:1/149-155

وعن سلام بن سعید المخزومی عن یونس بن حباب عن علی بن الحسین(علیه السّلام) قال قام رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فحمد الله وأثنی علیه ثم قال: ما بال

أقوام إذا ذکر عندهم آل إبراهیم وآل عمران فرحوا واستبشروا ، وإذا ذکر عندهم آل محمد اشمأزت قلوبهم ! والذی نفس محمد بیده لو أن عبداً جاء یوم القیامة بعمل سبعین نبیاً ما قبل الله ذلک منه حتی یلقی الله بولایتی وولایة أهل بیتی !

ورواه ابن الشیخ الطوسی فی أمالیه ، عن أبیه ، عن المفید ، عن علی بن خالد المراغی ، عن الحسن بن علی الکوفی ، عن إسماعیل بن محمد المزنی ، عن

ص: 365

سلام بن أبی عمرة ، عن سعد بن سعید ، مثله .

(وقال فی هامشه: کتاب سلام بن أبی عمرة/117 ، أمالی الطوسی:1/140 باختلاف یسیر وعنه فی بحار الأنوار:27/172 ح 15 ) .

أحمد بن محمد بن خالد البرقی فی المحاسن ، عن خلاد المقری ، عن قیس بن الربیع ، عن لیث بن سلیمان ، عن ابن أبی لیلی ، عن الحسین بن علی(علیه السّلام)قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إلزموا مودتنا أهل البیت فإنه من لقی الله وهو یودنا أهل البیت دخل الجنة بشفاعتنا. والذی نفسی بیده لا ینتفع عبد بعلمه إلا بمعرفة حقنا .

( وقال فی هامشه: المحاسن/61 ح 105 ، أمالی المفید/43 ح2 باختلاف یسیر. أمالی المفید/13 ح 1 ، عنه فی بحار الأنوار:75/101 ح 7 )

وعن أبیه ، عن أبی منصور السکری ، عن جده علی بن عمر عن العباس بن یوسف الشکلی ، عن عبید الله بن هشام ، عن محمد بن مصعب ، عن الهیثم بن حماد عن یزید الرقاشئ ، عن أنس بن مالک ، قال رجعنا مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قافلین من تبوک ، فقال لی فی بعض الطریق ألقوا لی الأحلاس والأقتاب ففعلوا ، فصعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فحمد الله وأثنی علیه بما هو أهله ، ثم قال معاشر: الناس ما لی إذا ذکر آل إبراهیم تهللت وجوهکم ، وإذا ذکر آل محمد کأنما یفقأ فی وجوهکم حب الرمان ، فوالذی بعثنی بالحق نبیاً لو جاء أحدکم یوم القیامة بأعمال کأمثال الجبال ولم یجی بولایة علی بن أبی طالب أکبه الله عز وجل فی النار .

( وقال فی هامشه: أمالی الطوسی:1/314 باختلاف یسیر ، عنه فی بحار الأنوار: 27/171 ح 12. الاحلاس: واحده حلس بکسر فسکون کحمل وأحمال: کساء یوضع علی ظهر البعیر تحت القتب -لسان العرب:6/54 ، مجمع البحرین:4/63

ص: 366

حلس ، والأقتاب: جمع قتب وهو بالتحریک: رحل البعیر - لسان العرب:1/660 ، مجمع البحرین:2/139 قتب ) .

الغدیر للامینی:2/301

عن ابن عباس فی حدیث عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لو أن رجلاً صفن بین الرکن والمقام فصلی وصام ثم لقی الله وهو مبغض لأهل بیت محمد ، دخل النار. أخرجه الحاکم فی المستدرک 3/149 وصححه ، والذهبی فی تلخیصه .

وأخرج الطبرانی فی الأوسط من طریق أبی لیلی ، عن الإمام السبط الشهید ، عن جده رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) انه قال: إلزموا مودتنا أهل البیت فإنه من لقی الله عز وجل وهو یودنا دخل الجنة بشفاعتنا ، والذی نفسی بیده لا ینفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقنا. و ذکره الهیثمی فی المجمع 9/172 ، وابن حجر فی الصواعق ، ومحمد سلیمان محفوظ فی أعجب ما رأیت 1/8 والنبهانی فی الشرف المؤبد/96 والحضرمی فی رشفة الصادی/43 .

وأخرج الحافظ السمان فی أمالیه بإسناده عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لو أن عبداً عبدالله سبعة آلاف سنة و( هو ) عمر الدنیا ثم أتی الله عز وجل یبغض علی بن أبی طالب جاحداً لحقه ناکثاً لولایته ، لاتعس الله خیره وجدع أنفه. وذکره القرشئ فی شمس الأخبار/40 .

وأخرج الخوارزمی فی المناقب/39 عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال لعلی: یا علی لو أن عبداً عبد الله عز وجل مثل ما قام نوح فی قومه وکان له مثل أحد ذهباً فأنفقه فی سبیل الله ، ومد فی عمره حتی حج ألف عام علی قدمیه ، ثم قتل بین الصفا والمروة مظلوماً ، ثم لم یوالک یا علی ، لم یشم رائحة الجنة ولم یدخلها .

عن أم سلمة عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: یا أم سلمة أتعرفینه ؟ قلت: نعم هذا علی

ص: 367

بن أبی طالب. قال: صدقت، سجیته سجیتی ودمه دمی وهو عیبة علمی ، فاسمعی واشهدی لو أن عبداً من عباد الله عز وجل عبد الله ألف عام بین الرکن والمقام ثم لقی الله عز وجل مبغضاً لعلی بن أبی طالب وعترتی ، أکبه الله تعالی علی منخره یوم القیامة فی نار جهنم .

أخرجه الحافظ الکنجی بإسناده من طریق الحافظ أبی الفضل السلامی ثم قال: هذا حدیث سنده مشهور عند أهل النقل .

وأخرج ابن عساکر فی تاریخه مسنداً عن جابر بن عبدالله عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حدیث: یا علی لو أن أمتی صاموا حتی یکونوا کالحنایا ، وصلوا حتی یکونوا کالاوتار ، ثم أبغضوک لأکبهم الله فی النار .

وذکره الکنجی فی الکفایة/179 ، وأخرجه الفقیه ابن المغازلی فی المناقب ، ونقله عنه القرشئ فی شمس الأخبار/33 ورواه شیخ الإسلام الحموینی فی الفراید فی الباب الأول. وهناک أخبار کثیرة تضاهی هذه فی ولاء أمیر المؤمنین وعترته لا یسعنا ذکرها... .

- قال الشیخ أبوبکر بن شهاب السقاف، وهو شیخ محمد بن عقیل الحضرمی صاحب النصائح الکافیة:

حب آل البیت قربَهْ

وهو أسمی الحب رتبَهْ

ذنب من والأهم

یغسله مزن المحبَّهْ

والذی یبغضهم لا

یسکن الإیمان قلبَهْ

علمه والنسک رجسٌ

عسلٌ فی ضَرْعِ کلبَهْ

لعن الله عدو الآل

إبلیس وحزبَهْ

ص: 368

وتجب معرفتهم لأنهم محال معرفة الله تعالی

الکافی:4/578

محمد بن یحیی ، عن محمد بن أحمد ، عن هارون بن مسلم ، عن علی بن حسان، عن الرضا(علیه السّلام)قال: سئل أبی ، عن إتیان قبر الحسین(علیه السّلام)فقال: صلوا فی المساجد حوله ویجزی فی المواضع کلها أن تقول: السلام علی أولیاء الله وأصفیائه ، السلام علی أمناء الله وأحبائه ، السلام علی أنصار الله وخلفائه ، السلام علی محال معرفة الله ، السلام علی مساکن ذکر الله ، السلام علی مظهری أمر الله ونهیه ، السلام علی الدعاة إلی الله ، السلام علی المستقرین فی مرضات الله ، السلام علی الممحصین فی طاعة الله ، السلام علی الأدلاء علی الله ، السلام علی الذین من والأهم فقد وال الله ومن عاداهم فقد عادی الله ومن عرفهم فقد عرف الله ومن جهلهم فقد جهل الله ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله ومن تخلی منهم فقد تخلی من الله. انتهی .ورواه فی من لا یحضره الفقیه:2/608

من لا یحضره الفقیه:2/609

... السلام علی أئمة الهدی ، ومصابیح الدجی وأعلام التقی ، وذوی النهی ، وأولی الحجی ، وکهف الوری ، وورثة الأنبیاء ، والمثل الأعلی ، والدعوة الحسنی ، وحجج الله علی أهل الدنیا والآخرة والأولی ، ورحمة الله وبرکاته ، السلام علی محال معرفة الله ، ومساکن برکة الله ، ومعادن حکمة الله وحفظة سر الله ، وحملة کتاب الله ، وأوصیاء نبی الله ، وذریة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ورحمة الله وبرکاته . . . .

ص: 369

المزار/176

باب زیارة جامعة لسائر الأئمة(علیهم السّلام) وتجزؤک فی جمیع المشاهد علی ساکنیها السلام أن تقول: السلام علی أولیاء الله وأصفیائه ، السلام علی أمناء الله وأحبائه ، السلام علی أنصار الله وخلفائه ، السلام علی محال معرفة الله ، السلام علی معادن حکمة الله ، السلام علی مساکن ذکر الله ، السلام علی عباد الله المکرمین الذین لا یسبقونه بالقول ، وهم بأمره یعملون... .

وتجب معرفتهم لأنها طریق معرفة الله تعالی

الکافی:1/180

الحسین بن محمد ، عن معلی بن محمد ، عن الحسن بن علی الوشاء قال: حدثنا محمد بن الفضیل ، عن أبی حمزة قال قال لی أبو جعفر(علیه السّلام): إنما یعبد الله من یعرف الله ، فأما من لا یعرف الله فإنما یعبده هکذا ضلالاً. قلت: جعلت فداک فما معرفة الله؟ قال: تصدیق الله عز وجل وتصدیق رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وموالاة علی(علیه السّلام) والإئتمام به وبأئمة الهدی(علیهم السّلام) والبراءة إلی الله عز وجل من عدوهم ، وهکذا یعرف الله عز وجل.

علل الشرائع:1/9

حدثنا أبی (رض) قال: حدثنا أحمد بن إدریس ، عن الحسین بن عبید الله ، عن الحسن بن علی بن أبی عثمان ، عن عبدالکریم بن عبدالله ، عن سلمة ابن عطا ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: خرج الحسین بن علی (علیهماالسّلام) علی أصحابه فقال أیها الناس: إن الله جل ذکره ما خلق العباد إلا لیعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه فإذا عبدوا استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه .

ص: 370

فقال له رجل: یابن رسول الله بأبی أنت وأمی فما معرفة الله ؟ قال معرفة أهل کل زمان إمامهم الذی یجب علیهم طاعته ؟

قال مصنف هذا الکتاب یعنی ذلک: أن یعلم أهل کل زمان أن الله هو الذی لا یخلیهم فی کل زمان عن إمام معصوم ، فمن عبد رباً لم یقم لهم الحجة فإنما عبد غیر الله عز وجل .

وتجب معرفتهم لحدیث: من مات ولم یعرف إمام زمانه

هذا الحدیث بصیغه المتعددة متواتر فی مصادرنا ومصادر إخواننا السنة ، ولکن المهم معرفة صیغته الأصلیة وظروفه التی قاله فیها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأنه نص علی الوصیة بنظام الإمامة من بعده(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

لذلک نورد صِیَغَه وتطبیقاته علی مذهب أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ثم علی مذاهب إخواننا السنة ، لکی نستکشف منها أصل الحدیث. وقد أوردنا عدداً من صیغه ومصادره فی ( معجم أحادیث الإمام المهدی(علیه السّلام)) ونضیف إلیها هنا ما عثرنا علیه مجدداً .

صیغ الحدیث فی مصادر مذهب أهل البیت

المجموعة الأولی: فی وجوب معرفة الإمام من أهل البیت(علیهم السّلام)

روی البرقی فی المحاسن:1/153:

عنه ( أحمد بن أبی عبدالله البرقی ) عن أبیه ، عن النضر بن سوید ، عن یحیی الحلبی ، عن بشیر الدهان قال قال أبو عبد الله (علیه السّلام): قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات

ص: 371

وهو لا یعرف إمامه مات میتة جاهلیة ، ثم قال: فعلیکم بالطاعة ، قد رأیتم أصحاب علی ، وأنتم تأتمون بمن لا یعذر الناس بجهالته ، لنا کرائم القرآن ، ونحن أقوام افترض الله طاعتنا ، ولنا الانفال ولنا صفو المال .

وروی فی/154: عنه ( أحمد بن عبدالله البرقی ) عن أبیه ، عن النضر ، عن یحیی الحلبی ، عن حسین بن أبی العلاء قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)عن قول رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات لیس له إمام مات میتة جاهلیة ، فقال: نعم ، لو أن الناس تبعوا علی بن الحسین (علیهماالسّلام) وترکوا عبدالملک بن مروان اهتدوا ، فقلنا من مات لا یعرف إمامه مات میتة جاهلیة میتة کفر ؟ فقال: لا ، میتة ضلال .

وفی تفسیر العیاشی:2/303 ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: لا تترک الأرض بغیر إمام یحل حلال الله ویحرم حرامه ، وهو قول الله: یوم ندعو کل أناس بإمامهم ، ثم قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیة. فمدوا أعناقهم ، وفتحوا أعینهم ، فقال أبو عبد الله(علیه السّلام): لیست الجاهلیة الجهلاء .

وروی الکلینی فی الکافی:1/376

الحسین بن محمد ، عن معلی بن محمد ، عن الحسن بن علی الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبی أذینة ، عن الفضیل بن یسار قال: إبتدأنا أبو عبدالله(علیه السّلام)یوماً وقال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات ولیس علیه إمام فمیتته میتة جاهلیة. فقلت: قال ذلک رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟ فقال: إی والله قد قال. قلت: فکل من مات ولیس له إمام فمیتته میتة جاهلیة ؟ قال: نعم .

وفیها: الحسین بن محمد ، عن معلی بن محمد ، عن الوشاء قال: حدثنی عبدالکریم بن عمرو ، عن ابن أبی یعفور قال: سألت أبا عبدالله(علیه السّلام)عن قول

ص: 372

رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات ولیس له إمام فمیتته میتة جاهلیة ، قال قلت میتة کفر ؟ قال: میتة ضلال ، قلت: فمن مات الیوم ولیس له إمام فمیتته میتة جاهلیة ؟ فقال: نعم .

وفی/377: أحمد بن إدریس، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان، عن الفضیل، عن الحارث بن المغیرة قال: قلت لابی عبدالله(علیه السّلام): قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات لا یعرف إمامه ، مات میتة جاهلیة ؟ قال: نعم ، قلت: جاهلیة جهلاء جاهلیة لا یعرف امامه ؟ قال: جاهلیة کفر ونفاق وضلال .

وفی/378: علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس بن عبدالرحمن، قال: حدثنا حماد ، عن عبدالاعلی قال: سألت أبا عبدالله (علیه السّلام) عن قول العامة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال فقال: الحق والله . . . الحدیث-کما فی روایته الثانیة بتفاوت .

وفی:1/371: عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علی بن النعمان ، عن محمد بن مروان ، عن فضیل بن یسار قال: سمعت أبا جعفر(علیه السّلام)یقول: من مات ولیس له إمام فمیتته میتة جاهلیة ، ومن مات وهو عارف لامامه لم یضره تقدم هذا أو تأخر. ومن مات وهو عارف لامامه کان کمن هو مع القائم فی فسطاطه .

وفی:1/390: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن ابن سنان، عن ابن مسکان عن سدیر قال: قلت لابی جعفر(علیه السّلام): إنی ترکت موالیک مختلفین یتبرأ بعضهم من بعض قال: فقال: وما أنت وذاک ، إنما کلف الناس ثلاثة: معرفة الأئمة ، والتسلیم لهم فیما ورد علیهم ، والرد إلیهم فیما اختلفوا فیه .

وفی:8/146: یحیی الحلبی ، عن بشیر الکناسی قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السّلام)یقول: وصلتم وقطع الناس ، وأحببتم وأبغض الناس ، وعرفتم وأنکر الناس ، وهو الحق، إن الله اتخذ محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عبداً قبل أن یتخذه نبیاً وإن علیاً(علیه السّلام)کان عبداً ناصحاً لله

ص: 373

عز وجل فنصحه وأحب الله عز وجل فأحبه، إن حقنا فی کتاب الله بین ، لنا صفو الأموال ولنا الأنفال وإنا قوم فرض الله عزو جل طاعتنا وإنکم تأتمون بمن لا یعذر الناس بجهالته ، وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات ولیس له إمام مات میتة جاهلیة ، علیکم بالطاعة فقد رأیتم أصحاب علی(علیه السّلام) .

الغیبة للنعمانی/127-130: کما فی المحاسن ، بسند آخر، عن معاویة بن وهب... .

رجال الکشی/424: قریباً من روایة الکافی الخامسة .

کمال الدین:2/413: عن سلیم بن قیس الهلالی أنه سمع من سلمان ومن أبی ذر ومن المقداد حدیثاً عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: من مات.. ولیس له إمام مات میتة جاهلیة ، ثم عرضه علی جابر وابن عباس فقالا: صدقوا وبروا ، وقد شهدنا ذلک وسمعناه من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وإن سلمان قال: یا رسول الله إنک قلت من مات ولیس له إمام مات میتة جاهلیة ، من هذا الإمام ؟ قال: من أوصیائی یا سلمان ، فمن مات من أمتی ولیس له إمام منهم یعرفه فهی میتة جاهلیة ، فإن جهله وعاداه فهو مشرک ، وإن جهله ولم یعاده ولم یوال له عدواً فهو جاهل ولیس بمشرک. انتهی. ومثله فی الإمامة والتبصرة/33

ثواب الأعمال/205: قریباً من روایة الکافی الخامسة .

عیون أخبار الرضا:2/58: عن علی بن أبی طالب قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات ولیس له إمام من ولدی مات میتة جاهلیة ، ویؤخذ بما عمل فی الجاهلیة والإسلام .

الإختصاص/268: عن عمر بن یزید ، عن أبی الحسن الأول(علیه السّلام)قال سمعته یقول: من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیة ، إمام حی یعرفه ، فقلت: لم أسمع أباک

ص: 374

یذکر هذا یعنی إماماً حیاً فقال: قد والله قال ذاک رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات ولیس له إمام یسمع له ویطیع مات میتة جاهلیة .

رسائل المفید/384: کما فی المحاسن ، عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقال: خبر صحیح یشهد به إجماع أهل الآثار ویقوی منار صریح القرآن حیث یقول جل اسمه: یوم ندعو کل أناس بإمامهم ، فمن أوتی کتابه بیمینه فأولئک یقرؤون کتابهم ولا یظلمون فتیلاً .

دعائم الإسلام:1/27: وعنه ( الإمام الصادق(علیه السّلام) ) أنه قال فی قول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات لا یعرف إمام دهره مات میتة جاهلیة ، فقال: إماماً حیاً. قیل له: لم نسمع حیاً ، قال: قد قال والله ذلک ، یعنی رسول الله .

وعنه(علیه السّلام)أنه قال فی قول الله عز وجل یوم ندعو کل أناس بإمامهم ، فقال: بمن کانوا یأتمون به فی الدنیا ، یدعی علیٌّ بالقرن الذی کان فیه ، والحسن بالقرن الذی کان فیه، والحسین بالقرن الذی کان فیه ، وعدد الأئمة ، ثم قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات لا یعرف إمام دهره مات میتة جاهلیة. انتهی. ورواه فی مناقب آل أبی طالب:1/212 وج 2/246 و:3/18 وص413 ، بعدة روایات. ورواه الحر العاملی فی وسائل الشیعة:13/352 .

وروی نحوه فی:18/565 وفی:11/491 وقال: ورواه علی بن عیسی فی کشف الغمة نقلاً عن الطبرسی فی إعلام الوری. وفی کنز الفوائد/151: بسند آخر ، عن علی(علیه السّلام)قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): - کما فی روایة العیون .وفی تلخیص الشافی: 4/132: کما فی رسائل المفید ، مرسلاً . وفی إثبات الهداة:1/87: عن روایات الکافی. وفی غایة المرام/266 - عن روایة

الکافی الخامسة بتفاوت یسیر. وفی /273 - عن روایة العیاشئ الثانیة. وفی تفسیر البرهان:1/382 - عن روایة الکافی

ص: 375

الخامسة .وفی/386 - عن روایة العیاشی الأولی. وفی:2/430 - عن روایة العیاشی الثانیة. وفی تفسیر نور الثقلین:1/503 - عن روایتی الکافی السادسة والخامسة. وفی بحار الأنوار: 8/12 - عن روایة العیاشی الثانیة. وفی: 23/76 - عن روایة المحاسن الأولی. وفی/81 - عن روایة العیون . وفی/92 - عن کنز الکراجکی بتفاوت یسیر. وفی/78 - عن النعمانی. وفی/85 - عن ثواب الأعمال .وفی/88 - عن کمال الدین . وفی/89 - عن رجال الکشئ . وفی/92 - عن الاختصاص . وفی:68/337 - عن روایة الکافی السادسة . وفی/387 - عن روایة العیاشی الأولی ، وفیه ( عیسی بن السری ، بدل یحیی بن السری ).

المجموعة الثانیة: فی أن معرفتهم وولایتهم من دعائم الإسلام

روی الکلینی فی الکافی:2/19

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان بن یحیی ، عن عیسی بن السری الیسع قال: قلت لابی عبدالله(علیه السّلام): أخبرنی بدعائم الإسلام التی لا یسع أحد التقصیر عن معرفة شئ منها ، الذی من قصر عن معرفة شئ منها فسد دینه ولم یقبل الله منه عمله ، ومن عرفها وعمل بها صلح له دینه وقبل منه عمله ، ولم یضق به مما هو فیه لجهل شئ من الأمور جهله ؟

فقال: شهادة أن لا إله إلا الله ، والإیمان بأن محمداً رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والإقرار بما جاء به من عند الله ، وحق فی الأاموال الزکاة ، والولایة التی أمر الله عز وجل بها ولایة آل محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). قال: فقلت له: هل فی الولایة فضل یعرف لمن أخذ به ؟

قال: نعم قال الله عز وجل: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأَمْرِ مِنْکُمْ . وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات ولا یعرف إمامه مات میتة جاهلیة. وکان رسول

ص: 376

الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکان علیاً(علیه السّلام)وقال الاخرون: کان معاویة ، ثم کان الحسن (علیه السّلام)ثم کان الحسین(علیه السّلام)وقال الآخرون: یزید بن معاویة وحسین بن علی ، ولا سواء ولا سواء .

قال: ثم سکت ثم قال: أزیدک ؟ فقال له حکم الأعور: نعم جعلت فداک قال: ثم کان علی بن الحسین ثم کان محمد بن علی أبو جعفر وکانت الشیعة قبل أن یکون أبو جعفر وهم لا یعرفون مناسک حجهم وحلالهم وحرامهم حتی کان أبوجعفر ففتح لهم وبین لهم مناسک حجهم وحلالهم وحرامهم حتی صار الناس یحتاجون إلیهم من بعد ما کانوا یحتاجون إلی الناس ، وهکذا یکون الأمر ، والأرض لا تکون إلا بإمام، ومن مات لا یعرف إمامه مات میتة جاهلیة ، وأحوج ما تکون إلی ما أنت علیه إذا بلغت نفسک هذه، وأهوی بیده إلی حلقه، وانقطعت عنک الدنیا تقول: لقد کنت علی أمر حسن. انتهی. ومثله فی تفسیر العیاشی:1/252 .

وفی الکافی:2/21 علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن حماد بن عثمان

، عن عیسی بن السری قال قلت لابی عبدالله (علیه السّلام).... کما فی روایة العیاشی الأولی ، وزاد فیه: وأحوج ما یکون أحدکم إلی معرفته إذا بلغت نفسه هاهنا قال وأهوی بیده إلی صدره ، یقول حینئذ: لقد کنت علی أمر حسن. انتهی. ونحوه فی المحاسن/92 ونحوه فی وسائل الشیعة:20/287 عن النجاشئ 209 وخلاصة الرجال/60 والشیخ/257 والفهرست/143 وجامع الرواة:ص 651 والکشی/ 1. 36 .

وفی رجال الکشی/424: جعفر بن أحمد ، عن صفوان ، عن أبی الیسع قال قلت لابی عبدالله(علیه السّلام)حدثنی عن دعائم الإسلام التی بنی علیها ولا یسع أحداً من

ص: 377

الناس تقصیر عن شئ منها . . . کما فی روایة الکافی الثانیة بتفاوت . وفی ثواب الأعمال/205 - کما فی روایة الکافی الأخیرة . وفی تفسیر الصافی: 1/463 - عن روایة الکافی الثانیة . وفی تفسیر البرهان:1/383 - عن روایة الکافی الثانیة، بتفاوت یسیر . وفی بحار الأنوار:23/289 ب 4 ح 35 - عن روایة الکافی الثانیة. وفی تفسیر نور الثقلین:1/503 - عن روایة الکافی الثانیة . وفی تنقیح المقال/360-عن الکشی .

المجموعة الثالثة: فی أن الإمام من أهل البیت قد یغیب

روی الصدوق فی کمال الدین:2/409

حدثنا محمد بن إبراهیم بن إسحاق (رض) قال: حدثنی أبوعلی بن همام قال: سمعت محمد بن عثمان العمری قدس الله روحه یقول: سمعت أبی یقول سئل أبو محمد الحسن بن علی (علیهماالسّلام) وأنا عنده عن الخبر الذی روی عن آبائه(علیهم السّلام) : إن الأرض لا تخلو من حجة لله علی خلقه إلی یوم القیامة ، وإن من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة ، فقال: إن هذا حق کما أن النهار حق ، فقیل له: یا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدک ؟ فقال: إبنی محمد هو الإمام والحجة بعدی ، من مات ولم یعرفه مات میتة جاهلیة ، أما إن له غیبة یحار فیها الجاهلون ، ویهلک فیها المبطلون ، ویکذب فیها الوقاتون ، ثم یخرج فکأنی أنظر إلی الاعلام البیض تخفق فوق رأسه بنجف الکوفة .

وفی کفایة الاثر/292: أخبرنا أبوالمفضل(رحمه الله)قال: حدثنی أبو همام قال: سمعت محمد بن عثمان العمری قدس الله روحه یقول: - کما فی کمال الدین .

وفی إعلام الوری/415 و442 - کما فی کمال الدین بتفاوت یسیر عن الإمام الباقر .وفی کشف الغمة: 3/318 - عن إعلام الوری ، بتفاوت یسیر .وفی إثبات الهداة:

ص: 378

3/482 - عن کمال الدین، وقال: ورواه علی بن محمد الخزاز فی کتاب الکفایة. وفی وسائل الشیعة:11/491 - أوله ، عن إعلام الوری .وفی حلیة الابرار:2/552 - کما فی کمال الدین ، عن ابن بابویه . وفی بحار الأنوار:58/160 - عن کمال الدین ، وأشار إلی مثله عن کفایة الأثر .وفی منتخب الاثر/226 - عن کفایة الأثر.

کما توجد فی مصادرنا أحادیث أخری عدیدة ، یمکن أن تصل إلی مجموعات أخری:

-کالذی رواه فی الکافی:1/397

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن منصور ، عن فضل الاعور ، عن أبی عبیدة الحذاء قال: کنا زمان أبی جعفر(علیه السّلام)حین قبض نتردد کالغنم لا راعی لها ، فلقینا سالم بن أبی حفصة فقال لی: یا أبا عبیدة من إمامک ؟ فقلت أئمتی آل محمد فقال: هلکت وأهلکت أما سمعت أنا وأنت أبا جعفر(علیه السّلام)یقول: من مات ولیس علیه إمام مات میتة جاهلیة ؟ فقلت: بلی لعمری ، ولقد کان قبل ذلک بثلاث أو نحوها دخلت علی أبی عبدالله(علیه السّلام)فرزق الله المعرفة فقلت لأبی عبدالله(علیه السّلام): إن سالماً قال لی کذا وکذا ، قال فقال: یا أبا عبیدة أنه لا یموت منا میت حتی یخلف من بعده من یعمل بمثل عمله ویسیر بسیرته ویدعو إلی ما دعا إلیه ، یا أبا عبیدة إنه لم یمنع ما أعطی داود أن أعطی سلیمان ، ثم قال: یا أبا عبیدة إذا قام قائم آل محمد(علیه السّلام)حکم بحکم داود وسلیمان لا یسأل بینة. انتهی. وروی مثله فی بصائر الدجات/259 ، ونحوه فی/509 وص 510

والذی رواه فی أعلام الدین/459

وسأله أبوبصیر عن قول الله تعالی: وَمَنْ یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْرًا کَثِیرًا ، ما عنی

ص: 379

بذلک ؟ فقال: معرفة الإمام واجتناب الکبائر ، ومن مات ولیس فی رقبته بیعة لإمام مات میتة جاهلیة ، ولا یعذر الناس حتی یعرفوا إمامهم ، فمن مات وهو عارف بالإمامة لم یضره تقدم هذا الأمر أو تأخر ، فکان کمن هو مع القائم فی فسطاطه.

قال: ثم مکث هنیئة ثم قال: لا بل کمن قاتل معه ، ثم قال: لا بل والله کمن استشهد مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). انتهی. ورواه فی بحار الأنوار:27/126 - عن أعلام الدین .

تفسیر الحدیث فی مذهب أهل البیت(علیهم السّلام)

فی هذا الحدیث الشریف عناصر ومفاهیم عدیدة ، نذکر أهمها:

المفهوم الأول: أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بلغ الأمة نظام الإمامة من بعده، وأنه الطریق الوحید لضمان عدم الوقوع فی الجاهلیة. وأن الله تعالی جعل الإمام رکناً عملیاً من أرکان الإسلام مثل الصلاة والزکاة والحج، وجعل طاعته فریضة علی کل مسلم.

روی فی الإمامة والتبصرة/63

سعد ، عن محمد بن عیسی بن عبید ، عن حماد بن عیسی ، عن إسماعیل بن جعفر: عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: جاء رجل إلی أبی عبدالله(علیه السّلام)فسأله عن الأئمة (علیهم السّلام) فسماهم حتی انتهی إلی ابنه ، ثم قال: والأمر هکذا یکون ، والأرض لا تصلح إلا بإمام ، قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات لا یعرف إمامه ، مات میتة جاهلیة. ثلاث مرات .

المفهوم الثانی: أن الأئمة الذین قصدهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هم الأئمة من ذریته(علیهم السّلام) فقد أخبره الله تعالی أنهم سیکونون فی الأمة فی کل عصر مع القرآن لا یفترقان حتی یردا علیه الحوض ، کما ورد فی حدیث الثقلین الذی صح عند الجمیع .

ص: 380

بل روت مصادرنا أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد نص فی هذا الحدیث علی أن الأئمة من ذریته ففی مستدرک الوسائل:18/176 قال:

أبو الفتح الکراجکی فی کنز الفوائد ، عن محمد بن أحمد بن شاذان القمی عن أحمد بن محمد بن عبید الله بن عیاش ، عن محمد بن عمر ، عن الحسن بن عبد الله بن محمد بن العباس الرازی ، عن أبیه ، عن علی بن موسی الرضا، عن آبائه ، عن أمیر المؤمنین(علیهم السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات ولیس له إمام من ولدی مات میتة جاهلیة ، یؤخذ بما عمل فی الجاهلیة والإسلام. انتهی. ورواه فی تفسیر نور الثقلین:1/503 وص540 وج 2/282 وج 3/194 وج 4/240 وتفسیر کنز الدقائق: 2/595 ، وغیرها .

وقد روی جمیع المسلمین شهادات النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حق علی والحسن والحسین (علیهم السّلام) وروی الشیعة شهاداته وشهادات علی والحسنین فی حق بقیة الائمة(علیهم السّلام) ومن ذلک:

ما رواه البرقی فی المحاسن/155: عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن میمون ، عن بشیر العطار ، قال: قال أبو عبدالله(علیه السّلام): یوم ندعو کل أناس بإمامهم ، ثم قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعنی إمامکم ، وکم من إمام یجی یوم القیامة یلعن أصحابه ویلعنونه ، نحن ذریة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأمنا فاطمة(علیهاالسّلام)وما آتی الله أحداً من المرسلین شیئاً إلا وقد آتاه محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما آتی المرسلین من قبله ، ثم تلا: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِکَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّیَّةً .

وروی الطبرسی فی أعلام الدین/459: عن أبی بصیر عن الإمام الصادق(علیه السّلام)فی قول الله تعالی:

وَمَنْ یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْرًا کَثِیرًا ، ما عنی بذلک ؟ فقال: معرفة الإمام واجتناب الکبائر ، ومن مات ولیس فی رقبته بیعة لامام مات میتة جاهلیة ،

ص: 381

ولا یعذر الناس حتی یعرفوا إمامهم .

المفهوم الثالث: أن هذا الحدیث الثابت المتواتر ، یؤید نفی أهل البیت وشیعتهم للروایات القائلة بأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یوص بشئ فی أمر الخلافة ، لأنه یدل علی أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد أرسی نظام الإمامة وعین أشخاصه من ذریته ، کما أمره الله تعالی ، وهو فی هذا الحدیث یوجه الأمة إلی ضرورة معرفة الإمام فی کل عصر ، فإن تعبیر ( لا یعرف إمام زمانه ) یدل علی أن مشکلة وجود الإمام فی کل زمان محلولة فی الإسلام بتکفل الله تعالی ببقاء ذریة نبیه إلی یوم القیامة واختیاره إماماً منهم فی کل عصر ، وإنما هی مشکلة المسلمین فی أن یعرفوا إمام زمانهم ویبایعوه !

والمتأمل فی الحدیث الشریف یری أن اختیار الله تعالی محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )للنبوة واختیار آله من بعده للامامة ، منسجم مع سنة الله تعالی فی الأنبیاء السابقین وذریاتهم ، وبالتالی فالحدیث بعید کل البعد عن عالم اختیار الناس لانفسهم بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبعیدٌ عن منطق تقسیم الأمر بین بنی هاشم الذین کانت لهم النبوة ، وبین قبائل قریش الذین ینبغی أن تکون لهم الخلافة مناوبةً أو مغالبةً کما قالوا.... إلی آخر المنطق القرشئ القبلی الذی ظهر فی مرض النبی ویوم وفاته ، وانتصر فی السقیفة فی فترة انشغال أهل البیت بجنازة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! وسیطر علی الحکم فی تاریخنا الإسلامی إلی أن انتهی علی ید العثمانیین بأسوأ نهایة !

المفهوم الرابع: أن المسلم فی کل عصر لا یتم إسلامه حتی یبایع الإمام من ذریة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأن یعتقد به ویعترف بما له من حق الطاعة بأمر الله تعالی وأمر رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). فالذی لا یعرف الإمام یکون فیه نوع من الجهل والجاهلیة ، وإن مات علی ذلک مات علی نوع من الجاهلیة .

ص: 382

المفهوم الخامس: أن أهل بیت النبی صلی الله علیه وعلیهم هم امتحان الأمة بعد نبیها ، فهم میزان الإسلام والجاهلیة ، وهم میزان الإیمان والنفاق ، وهم میزان الوفاء للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وإطاعته بعد رحیله أو عصیانه. وقد وردت أحادیث کثیرة فی مصادر الطرفین تنص علی هذه المفاهیم الإسلامیة وتؤکدها وتؤیدها .

من ذلک ما روته مصادر الطرفین وصححه علماء الحدیث ، من أن بغض علی (علیه السّلام)علامة علی النفاق وعدم الإیمان بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

فقد روی أحمد فی مسنده:1/95 وص 128 وص 292 عن زر بن حبیش عن علی (رض) قال: عهد إلیَّ النبی(ص)أنه لا یحبک إلا مؤمن ولا یبغضک إلا منافق. ورواه الترمذی فی سننه:5/306 ، وقال الترمذی فی سننه:5/298:

حدثنا قتیبة أخبرنا جعفر بن سلیمان ، عن أبی هارون العبدی ، عن أبی سعید الخدری قال: إن کنا لنعرف المنافقین نحن معشر الأنصار ببغضهم علی بن أبی

طالب. هذا حدیث غریب. وقد تکلم شعبة فی أبی هارون العبدی ، وقد روی هذا عن الأعمش عن أبی صالح عن سعید .

وقال الهیثمی فی مجمع الزوائد:9/132

وعن جابر بن عبدالله قال: والله ما کنا نعرف منافقینا علی عهد رسول الله(ص)إلا ببغضهم علیاً. رواه الطبرانی فی الأوسط والبزار بنحوه ، إلا أنه قال ما کنا نعرف منافقینا معشر الأنصار ، بأسانید کلها ضعیفة (.... ) .

وعن ابن عباس قال: نظر رسول الله(ص)إلی علی فقال: لا یحبک إلا مؤمن ولا یبغضک إلا منافق ، من أحبک فقد أحبنی ومن أبغضک فقد أبغضنی ، وحبیبی حبیب الله وبغیضی بغیض الله ، ویل لمن أبغضک بعدی. رواه الطبرانی فی الأوسط ورجاله ثقات إلا أن فی ترجمة أبی الأزهر أحمد بن الأزهر النیسابوری

ص: 383

أن معمراً کان له ابن أخ رافضی فأدخل هذا الحدیث فی کتبه ، وکان معمر مهیباً لا یراجع وسمعه عبدالرزاق. وعن عمران بن الحصین أن رسول الله(ص) قال لعلی: لا یحبک إلا مؤمن ولا یبغضک إلا منافق. رواه الطبرانی فی الأوسط ، وفیه محمد بن کثیر الکوفی حرق أحمد حدیثه وضعفه الجمهور ووثقه ابن معین ، وعثمان بن هشام لم أعرفه ، وبقیة رجاله ثقات ( . . . ) .

-وروی فی کنز العمال:13/106

عن أبی ذر قال: ما کنا نعرف المنافقین علی عهد رسول الله(ص)إلا بثلاث: بتکذیبهم الله ورسوله ، والتخلف عن الصلاة وببغضهم علی بن أبی طالب. خط ، فی المتفق .

وروی الحاکم فی المستدرک:3/128

... عن ابن عباس رضی الله عنهما قال نظر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی علی فقال: یا علی أنت سید فی الدنیا ، سید فی الآخرة ، حبیبک حبیبی وحبیبی حبیب الله ، وعدوک عدوی وعدوی عدو الله ، والویل لمن أبغضک بعدی. صحیح علی شرط الشیخین ، وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة ، وإذا تفرد الثقة بحدیث فهو علی أصلهم صحیح .

وروی الحاکم فی:3/135

... سمعت عمار بن یاسر (رض) یقول سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول لعلی: یا علی طوبی لمن أحبک وصدق فیک ، وویل لمن أبغضک وکذب فیک. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه .

وروی الحاکم فی:3/142 ، أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد أخبر علیاً بأن الأمة ستغدر به من بعده!

ص: 384

فقال: عن حیان الأسدی سمعت علیاً یقول قال لی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الأمة ستغدر بک بعدی ، وأنت تعیش علی ملتی وتقتل علی سنتی. من أحبک أحبنی ومن أبغضک أبغضنی، وإن هذه ستخضب من هذا یعنی لحیته من رأسه. صحیح. انتهی .

بل روی الشیعة والسنة إخبار النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأن مبغض علی(علیه السّلام) (یموت میتة جاهلیة) فقد روی الصدوق فی علل الشرائع:1/157:

حدثنی الحسین بن یحیی بن ضریس ، عن معاویة بن صالح بن ضریس البجلی قال: حدثنا أبوعوانة قال: حدثنا محمد بن یزید وهشام الزراعی قال: حدثنی عبدالله بن میمون الطهوی قال: حدثنا لیث ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال بینا أنا مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی نخیل المدینة وهو یطلب علیاً(علیه السّلام)إذا انتهی إلی حایط فاطلع فیه فنظر إلی علی وهو یعمل فی الأرض وقد اغْبَارَّ ، فقال: ما ألوم الناس أن یکنوک أبا تراب ، فلقد رأیت علیاً تمعر وجهه وتغیر لونه واشتد ذلک علیه ، فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ألا أرضیک یا علی ؟ قال: نعم یا رسول الله، فأخذ بیده فقال: أنت أخی ووزیری وخلیفتی فی أهلی تقضی دینی وتبری ذمتی ، من أحبک فی حیاة منی فقد قضی له بالجنة، ومن أحبک فی حیاة منک بعدی ختم الله له بالامن والإیمان، ومن أحبک بعدک ولم یرک ختم الله له بالامن والإیمان وآمنه یوم الفزع الأکبر ، ومن مات وهو یبغضک یا علی مات میتة جاهلیة یحاسبه الله عز وجل بما عمل فی الإسلام .وروی نحوه فی ص144 ، وروی نحوه المغربی فی شرح الأخبار: 1/113 ، وقال فی/157: وبآخر عن علی صلوات الله علیه ، أنه قال: قال لی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الله أمرنی أن أدنیک فلا أقصیک ، وأن أعلمک فلا أجفوک ، وحق علی أطیع ربی عز وجل ، وحق علیک أن تعی. یا علی من مات وهو یحبک کتب

ص: 385

الله له بالأمن والأمان ما طلعت شمس وما غربت ، ومن مات وهو یبغضک مات میتة الجاهلیة وحوسب بعمله فی الإسلام. انتهی. وروی فی: 2/477: یا علی إنه من أبغضک فی حیاتی وبعد موتی مات میتة جاهلیة ، وحوسب بعمله فی الإسلام. یا علی أنت معی فی الجنة. انتهی. وروی نحوه فی مستدرک الوسائل: 18/181 وص 187 وص 182 وفیه ( من مات لا یعرف إمام دهره .. )

وروی محمد بن سلیمان فی مناقب أمیر المؤمنین:1/320 ، وروی نحوه فی:2/486 فقال: محمد بن منصور عن أبی هشام الرفاعی محمد بن یزید ، عن عبدالله بن میمون الطهوی، عن لیث عن مجاهد: عن ابن عمر قال: بینا أنا مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی نخل بالمدینة وهو یطلب علیاً إذ انتهی إلی حائط فاطلع فیه فنظر إلی علی وهو یعمل فی الأرض وقد أغبار فقال له: ما ألوم الناس أن یکنوک بأبی تراب. قال ابن عمر: فلقد رأیت علیاً تمعر وجهه وتغیر لونه واشتد ذلک علیه فقال له النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ألا أرضیک یا علی ؟ قال: بلی یا رسول الله ، قال: أنت أخی ووزیری وخلیفتی فی أهلی، تقضی دینی وتبری ذمتی. من أحبک فی حیاة منی فقد قضی نحبه ، ومن أحبک فی حیاة منک بعدی فقد ختم الله له بالامن والإیمان ، ومن أحبک بعدک ولم یرک ختم الله له بالامن والإیمان وآمنه یوم الفزع الأکبر. ومن مات وهو یبغضک یا علی مات میتة جاهلیة یهودیاً أو نصرانیاً ، ویحاسبه الله بما عمل فی الإسلام. ثم قال ابن عمر: لقد سماه الله فی أکثر من ثلاثین آیة سماه فیها کلها مؤمناً .

وقال فی هامشه: هذا الحدیث - أو قریب منه سند ومتناً - رواه الحافظ الطبرانی فی الحدیث: 100 أو ما حوله من مسند عبدالله بن عمر من کتاب المعجم الکبیر:3 من

المخطوطة الورق 20/ب .

ص: 386

ورواه الهیثمی فی مجمع الزوائد:9/121 ، وتوقف فی صحته ، قال: رواه الطبرانی وفیه من لم أعرفه. وقال عن روایة أخری له: رواه أبو یعلی وفیه زکریا الأصبهانی وهو ضعیف. وقال عن روایة ثالثة له فی:9/111: رواه الطبرانی فی الکبیر والأوسط وفیه حامد بن آدم المروزی وهو کذاب. وقال عن روایة رابعة له: رواه الطبرانی فی الأوسط وفیه أشعث ابن عم الحسن بن صالح وهو ضعیف ولم أعرفه. انتهی. وقد رأیت تضعیفه للأحادیث المتقدمة التی صححها الحاکم علی شرط الشیخین وعلی شرطه !

ولکن الهندی رواه ووثقه ، قال فی کنز العمال:11/610 و:13/159:

عن علی قال: طلبنی رسول الله(ص)فوجدنی فی جدول نائماً فقال: قم ما ألوم الناس یسمونک أبا تراب ، قال فرآنی کأنی وجدت فی نفسی من ذلک: قم والله لأرضینک ! أنت أخی وأبو ولدی ، تقاتل عن سنتی وتبری ذمتی ، من مات فی عهدی فهو کنز الله ، ومن مات فی عهدک فقد قضی نحبه ، ومن مات بحبک بعد موتک ختم الله له بالأمن والإیمان ما طلعت شمس أو غربت ، ومن مات یبغضک مات میتة جاهلیة وحوسب بما عمل فی الإسلام. ع ، قال البوصیری: رواته ثقات. انتهی .

المفهوم السادس: أن معنی (مات میتة جاهلیة) یتفاوت حسب حالة الشخص فقد روی فی الکافی:1/377 . . . عن الحارث بن المغیرة قال: قلت لأبی عبدالله (علیه السّلام): قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من مات لا یعرف إمامه مات میتة جاهلیة ؟ قال: نعم ، قلت جاهلیة جهلاء أو جاهلیة لا یعرف إمامه ؟ قال جاهلیة کفر ونفاق وضلال. ونحوه فی المحاسن/155 ونحوه فی الإمامة والتبصرة 82 عن الإمام الباقر

ص: 387

(علیه السّلام)وفی روایة منها ( مات میتة جاهلیة کفر وشرک وضلال ) .

وروی الصدوق فی کمال الدین:2/413: عن سلیم بن قیس الهلالی . . . عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: من مات ولیس له إمام مات میتة جاهلیة . . . وإن سلمان قال: یا رسول الله إنک قلت من مات ولیس له إمام مات میتة جاهلیة ، من هذا الإمام ؟ قال: من أوصیائی یا سلمان ، فمن مات من أمتی ولیس له إمام منهم یعرفه فهی میتة جاهلیة ، فإن جهله وعاداه فهو مشرک ، وإن جهله ولم یعاده ولم یوال له عدواً فهو جاهل ولیس بمشرک. انتهی. ونحوه فی/668 .

وهذا الحکم النبوی غیر عجیب ، وإن بدا شدیداً ، لأن الجمیع رووا عنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من أبغض أهل البیت(علیهم السّلام) أو نصب لهم العداوة فهو کافر . ولا یتسع المجال لاستعراض حکم الناصبی والنواصب فی مصادر فقه الطرفین. ولذلک فإن قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): مات میتة جاهلیة ، وقوله فی هذا الحدیث: فإن جهله وعاداه فهو مشرک ، منسجم مع آیة المودة فی القربی ، وما رواه الجمیع فی تفسیرها. أما إذا کان موقف المسلم الجهل بأهل البیت(علیهم السّلام) بدون موقف عدائی منهم . . فلا یکون ناصبیاً.

وفی الحدیث الذی وثقه البوصیری دلالة مهمة علی أن محب علی (علیه السّلام)یموت علی الإسلام ولا یحاسب بما عمل فی الإسلام ، وأن مبغضه یموت علی جاهلیة ویحاسب بما عمل فی الجاهلیة وفی الإسلام !! فیکون علی علیه السلام میزاناً لجمیع الأمة مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

تفسیر الشیعة الزیدیة للحدیث

مسند زید بن علی/361

حدثنی زید بن علی عن أبیه عن جده عن علی ( ع م ) قال: من مات ولیس له

ص: 388

إمام مات میتة جاهلیة إذا کان الإمام عدلاً براً تقیاً .

الأحکام فی الحلال والحرام:2/466

تقریب القول فیما روی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: من مات لا یعرف إمامه مات میتة جاهلیة .

قال یحیی بن الحسین صلوات الله علیه: إذا کان فی عصر هذا الإنسان إمام قائم زکی ، تقی ، علم ، نقی ، فلم یعرفه ولم ینصره وترکه وخذله ومات علی ذلک مات میتة جاهلیة ، فإذا لم یکن إمام ظاهر معروف باسمه مفهوم بقیامه ، فالإمام الرسول والقرآن وأمیر المؤمنین ، وممن کان علی سیرته وفی صفته من ولده .

فتجب معرفة ما ذکرنا علی جمیع الانام إذا لم یعلم فی الأرض فی ذلک العصر إمام ، ویجب علیهم أن یعلموا أن هذا الأمر فی ولد رسول الله صلی الله علیه وعلی آله وسلم خاصاً دون غیرهم ، وأنه لا یعدم فی کل عصر حجة لله یظهر منهم إمام یأمربالمعروف وینهی عن المنکر ، فإذا علم کلما ذکرنا وکان الأمر عنده علی ما شرحنا ثم مات فقد نجا من المیتة الجاهلیة ومات علی المیتة الملیة، ومن جهل ذلک ولم یقل به ولم یعتقده فقد خرج من المیتة الملیة ومات علی المیتة الجاهلیة. هذا تفسیر الحدیث ومعناه .

الفرق بین صیغ الحدیث فی مصادرنا ومصادر إخواننا

روت مصادر إخواننا السنة هذا الحدیث بشکل واسع وصیغ متعددة ، وفی بعضها لفظة: إمام کما فی مصادرنا ، وفی أکثر صیغه حلت محلها لفظة: أمیر. وقد خلت صیغه عندهم تقریباً من مادة معرفة الإمام وحلت محلها بیعة الإمام أو الأمیر .

ونلاحظ وجود عناصر جدیدة فی روایاتهم ، منها أن یکون ذلک الإمام إمام

ص: 389

جماعة ، والمقصود به الذی یستطیع أن یسیطر علی أکثریة الناس فی منطقته ، مهما کان أسلوبه فی السیطرة ، فهو فی مصطلح إخواننا إمام جماعة ، ومن یعارضه إمام فرقة .

ومنها ، حرمة نکث بیعته والخروج علیه .

ومنها ، أنه لا یشترط فیه أی شروط إلا أن یکون من قبائل قریش ، ویسیطر علی أکثریة الناس فی بلده ، أو أکثریة الأمة . .

ومنها ، أنه لا یجوز لغیر قریش أن تتصدی لحکم المسلمین أو تطمع فیه ، کما أن الصراع القبلی بین قبائل قریش علی

الخلافة حرام . . . إلی آخر الإضافات التی تعکس الخلاف الدموی علی الخلافة ومحاولة فرقائه بإسناد مواقفهم بتطویر هذا الحدیث وغیره ! کما روت مصادر إخواننا تطبیقات الصحابة والتابعین لهذا الحدیث ، خاصة عبدالله بن عمر ، وأبی سعید الخدری .

والسبب فی سعة روایته عندهم أن أصل الحدیث کان مشهوراً ، وکانت السلطة تحتاج إلیه - بشرط تحریفه ومصادرته-لیکون شعاراً لإثبات شرعیتها ثم لتحریم الخروج علیها ، ولذلک کثر توظیفه لمصلحة الحاکم حتی لو کان فی أول أمره خارجاً علی الشرعیة وتسلط علی المسلمین بالقهر والغلبة ، فقد استشهد بهذا الحدیث معاویة بن أبی سفیان ، قال الهیثمی فی مجمع الزوائد:5/218: عن معاویة قال: قال رسول الله (ص): من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیة. وفی روایة من مات ولیس من عنقه بیعة مات میتة جاهلیة. انتهی .

ولکن مهما کانت الفروقات فی صیغ الحدیث، ففیه عنصران ثابتان عند الطرفین، وهما أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )تحدث عن نظام الحکم من بعده. وأنه تحدث عن الإمام ونظام الإمامة ولم یتحدث عن نظام الخلافة .

ص: 390

وهذه الحقیقة رأس خیط فی الإعتقاد بأن الله تعالی قد اختار نوع نظام الحکم للامة بعد نبیها(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ووضع له آلیة ، وأن هذا الحدیث إحدی مفردات هذه الآلیة التی وصلت إلینا باتفاق جمیع الأطراف !

ومن السهل أن نتعقل معنی الحدیث أو صیغة الحکم الإسلامی علی مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) وأن الله تعالی اختار ذریة نبیه للامامة من بعده ، وضَمِن بقدرته استمرار وجود إمام منهم فی کل عصر ، وکلف الأمة بمعرفته وبیعته ، وجعل خاتمهم الإمام المهدی الموعود(علیه السّلام)الذی یظهر سبحانه علی یده دینه علی الدین کله، ویملا به الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً ، علی حد تعبیر جده المصطفی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وأما علی مذهب إخواننا السنة فمن المشکل أن یتعقل الإنسان أن مشروع الله تعالی لخاتم الأدیان هو نظام الخلافة الذی بدأ یوم وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی السقیفة ، وامتد فی تاریخ الأمة صراعات متصلة علی الخلافة وأمواجاً من الإنقسامات والدماء ، حتی انتهی بسقوط الخلافة العثمانیة ، واستسلام الأمة استسلاماً ذلیلاً لأعدائها الغربیین !!

روایات إخواننا التی وردت فیها لفظة إمام

روی أحمد فی مسنده:4/96

عن عاصم عن أبی صالح ، عن معاویة ، قال قال رسول الله (ص): من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیة .

وروی الطیالسی فی مسنده/1259

حدثنا أبوداود قال: حدثنا خارجة بن مصعب ، عن زید بن أسلم ، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله(ص)یقول: من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیة ، ومن نزع

ص: 391

یداً من طاعة جاء یوم القیامة لا حجة له .

وروی ابن حبان فی صحیحه:7/49

عن معاویة ، قال: قال رسول الله (ص): من مات ولیس له مات میتة جاهلیة. وقال ابن حبان: قوله (ص): مات میتة الجاهلیة معناه: من مات ولم یعتقد أن له إماماً یدعو الناس إلی طاعة الله حتی یکون قوام الإسلام به عند الحوادث والنوازل ، مقتنعاً فی الإنقیاد علی من لیس نعته ما وصفنا ، مات میتة جاهلیة .

وروی الطبرانی فی معجمه الکبیر:10/350

حدثنا الحسن بن جریر الصوری ، ثنا أبو الجماهر، ثنا خلید بن دعلج ، عن قتادة، عن سعید بن المسیب ، عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): من فارق جماعة المسلمین قید شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، ومن مات لیس علیه إمام فمیتته جاهلیة ، ومن مات تحت رایة عمیة یدعو إلی عصبة أو ینصر عصبة فقتلته جاهلیة .

وروی الحاکم فی المستدرک:1/117

.. من خرج من الجماعة قید شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتی یراجعه. وقال: من مات ولیس علیه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلیة .

وروی الهیثمی فی مجمع الزوائد:5/218-219

عن معاویة قال: قال رسول الله(ص)من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیة. وفی روایة من مات ولیس فی عنقه بیعة مات میتة جاهلیة. رواه الطبرانی وإسنادهما ضعیف. انتهی. ولکنه مال إلی تصحیحه فی:5/225

وعن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (ص): ألا إن الجنة لا تحل لعاص ، ومن

ص: 392

لقی الله ناکثاً بیعته لقیه وهو أجذم ، ومن خرج من الجماعة قید شبر متعمداً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، ومن مات لیس لإمام جماعة علیه طاعة مات میتة جاهلیة. رواه الطبرانی وفیه عمرو بن واقد وهو متروک .

وعن أبی الدرداء قال قام فینا رسول الله(ص)فقال: ألا إن الجنة لا تحل لعاص ، من لقی الله وهو ناکث بیعته یوم القیامة لقیه وهو أجذم ، ومن خرج من الطاعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، ومن أصبح لیس لأمیر جماعة علیه طاعة بعثه الله یوم القیامة من میتة جاهلیة ، ولو أعذر عبد أسنه الناس یوم القیامة . رواه الطبرانی وعمر بن رویبة وهو متروک .

وروی النووی فی المجموع:19/190

حدیث مسلم الآتی وقال: وأخرجه عن زید بن أسلم عن أبیه عن ابن عمر بمعنی حدیث نافع ، وأخرجه الحاکم عن ابن عمر بلفظ: من خرج من الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتی یراجعه ، ومن مات ولیس علیه إمام جماعة فإن میتته میتة جاهلیة. وأخرج مسلم من حدیث أبی هریرة بلفظ: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمیتته جاهلیة. انتهی. ورواه البیهقی فی سننه: 8/156 .

وروی فی کنز العمال:1/103: من مات بغیرإمام مات میتة جاهلیة. حم ، طب ، عن معاویة .

وروی فی کنز العمال:1/207-208

من خرج من الجماعة قید شبر فقد خلع ربقه الإسلام من عنقه حتی یراجعه. ومن مات ولیس علیه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلیة. ک ، عن ابن عمر .

من فارق المسلمین قید شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، ومن مات لیس علیه إمام فمیتته میتة الجاهلیة ، ومن مات تحت رایة عمیة یدعو إلی عصیبة أو

ص: 393

ینصر عصیبة فقتلته جاهلیة. طب .

من فارق جماعة المسلمین شبراً أخرج من عنقه ربقة الإسلام ، والمخالفین بألویتهم یتناولونها یوم القیامة من وراء ظهورهم ، ومن مات من غیر إمام جماعة مات میتة جاهلیة. ک ، عن ابن عمر .

وفی کنز العمال أیضاً:6/65

من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیة ، ومن نزع یداً من طاعة جاء یوم القیامة لا حجة له. ط ، حل ، عن ابن عمر .

روایاتهم التی فیها لفظ طاعة

روی ابن أبی شیبة فی مصنفه:15/38

حدثنا علی بن حفص ، عن شریک ، عن عاصم ، عن عبدالله بن عامر ، عن أبیه قال: قال رسول الله (ص): من مات ولا طاعة علیه مات میتة جاهلیة ، ومن خلعها بعد عقده إیاها فلا حجة له .

وروی أحمد فی مسنده:3/446

عن عبدالله بن عامر ، یعنی ابن ربیعة عن أبیه قال: قال رسول الله (ص): من مات ولیست علیه طاعة مات میتة جاهلیة ، فإن خلعها من بعد عقدها فی عنقه لقی الله تبارک وتعالی ولیست له حجة. وقال قال الحسن: بعد عقده إیاها فی عنقه .

وروی البخاری فی تاریخه:6/445 ، أوله ، کما فی ابن أبی شیبة .

ورواه الهیثمی فی مجمع الزوائد:5/223 وقال: رواه أحمد ، وأبو یعلی ، والبزار ، والطبرانی. وروی نحوه فی:2/252 . . وغیرهم . . . وغیرهم .

ص: 394

روایاتهم التی توجب طاعة الحاکم الجائر

وهی کثیرة جداً فی مصادر إخواننا ، وقد وصل فیها التحذیر إلی حد اعتبار الثائر علی الحاکم الجائر خارجاً عن الإسلام ، باغیاً ، واجب القتل ، مهدور الدم ، یموت موتة جاهلیة وأنه کافر مخلد فی النار ، لکنه إذا انتصر صار حاکماً شرعیاً واجب الطاعة ، وصار الخارج علیه ملعوناً کما کان هو ملعوناً قبل ساعة . . وهکذا تصنع السیاسة ومخالفة الرسول ! !

روی مسلم فی صحیحه:6/21

عن أبی هریرة عن النبی(ص)أنه قال: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات میتة جاهلیة .

وروی مسلم فی:6/22

عن الحسن بن الربیع ، عن حماد قال: من رأی من أمیره شیئاً یکرهه فلیصبر علیه، فإنه لیس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات علیه إلا مات میتة جاهلیة . . . انتهی. وروی نحوه ابن ماجة:2/1302

وروی الحاکم فی المستدرک:1/118

عن أبی هریرة أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: من فارق الجماعة فمات ، مات موتة جاهلیة. انتهی. وروی نحوه أحمد فی مسنده:2/93 وص 123 وص 154 وص 296 وص 306 وص 488 وج 3/445 و446

وروی الهیثمی فی مجمع الزوائد:5/218

وعن أبی هریرة أن رسول الله(ص)قال: سیلیکم بعدی ولاة ، فیلیکم البر ببره

ص: 395

والفاجر بفجوره ، فاسمعوا لهم. انتهی. والنسائی:7/123 ، والدارمی:2/241 ، والبیهقی فی سننه:8/157 ، والهیثمی فی مجمع الزوائد:1/324 وج 6/286 ، وکنز العمال:3/509 وج 6/52 ، وابن حزم فی المحلی:9/359..، وغیرهم..، وغیرهم. .

مدرسة البخاری فی تفسیر هذا الحدیث

لعل أکثر هذا الروایات صراحة فی التأکید علی حرمة الخروج علی الحاکم ، تلک التی تحذر المسلمین من موتة الجاهلیة إذا هم لم یطیعوه ویتحملوا منه مهما کانت أعماله مکروهة ، وقد اقتصر البخاری فی صحیحه علی هذه الروایات فلم یرو شیئاً فی التحذیر من میتة الجاهلیة غیرها ! ولان إطاعة الحاکم عنده ولو کان جائراً هی الضمان الوحید لعدم رجوع المسلم إلی الجاهلیة ، قال فی صحیحه: 8/87:

. . . عن أبی رجاء عن ابن عباس عن النبی صلی الله وسلم قال: من کره من أمیره شیئاً فلیصبر ، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات میتة جاهلیة. ورواه أیضاً فی نفس الصفحة بعدة روایات. ورواه أیضاً فی: 8/105 ، ورواه مسلم فی صحیحه: 6/21 ، والبیهقی فی سننه:8/156 - 157 وج 10/234 ، وأحمد فی مسنده:1/297 وص 310 ، ونحوه فی:2/70 وص93 وص123 وص 445 وفی:3/446.

وروی الهیثمی فی مجمع الزوائد:5/219 اعلاناً من الله ورسوله ببراءة ذمة المسلمین عند الله تعالی فی طاعتهم لحکام الجور ، قال:

عن المقدام بن معدی کرب أن رسول الله(ص)قال: أطیعوا أمراءکم مهما کان ، فإن أمروکم بشئ مما جئتکم به فإنهم یؤجرون علیه وتؤجرون بطاعتهم ، وأن أمروکم بشئ مما لم آتکم به فإنه علیهم وأنتم منه براء ، ذلکم بأنکم إذا لقیتم

ص: 396

الله قلتم ربنا لا ظلم فیقول لا ظلم ، فتقولون ربنا أرسلت إلینا رسلاً فأطعناهم بإذنک واستخلفت علینا خلفاء فأطعناهم بإذنک ، وأمرت علینا أمراء فأطعناهم بإذنک ، فیقول صدقهم هو علیهم وأنتم منه براء. رواه الطبرانی وفیه إسحق بن إبراهیم بن زبریق وثقه أبو حاتم وضعفه النسائی ، وبقیة رجاله ثقات. انتهی .

والفریة الکبری فی هذا الحدیث أن الحاکم الجائر قد استخلفه الله تعالی علی عباده وأمرهم بطاعته مهما عصی الله تعالی (واستخلفت علینا خلفاء فأطعناهم بإذنک

) بل ادعی واضع الحدیث أن ذلک یشمل عمال الحاکم وموظفیه أیضاً (وأمرت علینا أمراء فأطعناهم بإذنک ) !

ومن العجیب أن مخالفی أهل البیت(علیهم السّلام) یستکثرون أن یکون الله عزوجل اختار لهذه الأمة اثنی عشر إماماً بعد نبیها من ذریته ، وقد صحت روایاته عند الطرفین ، ولا یستکثرون مافی مصادرهم وعقائدهم من الإفتراء علی الله تعالی بأنه اختار کل الحکام والطغاة والمفسدین فی الأرض بل والکفار المستعمرین أئمة وحکاماً وأمر المسلمین بطاعتهم !!

عبدالله بن عمر یطبق تفسیر إخواننا للحدیث

من أبرز من روی عنه حدیث المیتة الجاهلیة عبدالله بن عمر ، وقد اقترنت روایته بقصة عبد الله مع الحدیث وتطبیقاته له فی حیاته التی امتدت إلی زمن الحجاج الثقفی وخلافة عبد الملک بن مروان ، وقد ذکرت مصادر الحدیث والتاریخ والفقه أن عبدالله بن عمر کان یعارض کل تحرک ضد الحاکم مهما فسق وطغی بحجة هذا الحدیث ، لأن المهم برأیه أن یکون فی عنق المسلم بیعة لأحد ، أی أحد ، وأن لا ینام علی فراشه لیلة إلا والبیعة فی عنقه ، حتی لا یموت موتة

ص: 397

جاهلیة ! !

روی مسلم صحیحه:6/22

عن زید بن محمد عن نافع قال: جاء عبدالله بن عمر إلی عبدالله بن مطیع حین کان من أمر الحرة ما کان زمن یزید بن معاویة فقال: إطرحوا لأبی عبدالرحمن وسادة، فقال: إنی لم آتک لأجلس ، أتیتک لأحدثک حدیثاً سمعت رسول الله (ص)یقوله ، سمعت رسول الله(ص)یقول: من خلع یداً من طاعة لقی الله یوم القیامة لا حجة له ، ومن مات ولیس فی عنقه بیعة مات میتة جاهلیة .

وروی ابن سعد فی الطبقات:5/144

عن أمیة بن محمد بن عبدالله بن مطیع ، أن عبدالله بن مطیع أراد أن یفر من المدینة لیالی فتنة یزید بن معاویة ، فسمع بذلک عبدالله بن عمر فخرج إلیه حتی جاءه قال: أین ترید یابن عم ؟ فقال: لا أعطیهم طاعة أبداً ، فقال: یابن عم ، لا تفعل فإنی أشهد أنی سمعت رسول الله(ص)یقول: من مات ولا بیعة علیه مات میتة جاهلیة. انتهی. وروی نحوه أحمد فی مسنده:3/1478 - 1479: عن عبد الله بن عمر. وروی نحوه الحاکم فی المستدرک:1/77 وقال: هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین. وقد حدث به الحجاج بن محمد أیضاً عن اللیث ولم یخرجاه. ورواه الطبرانی الأوسط:1/175 - کما فی ابن سعد..ورواه غیرهم. .

وعبد الله بن مطیع الذی ذهب إلیه عبدالله بن عمر لینصحه بالتسلیم هو الذی اختاره أهل المدینة أمیراً علیهم عندما ثاروا علی ظلم بنی أمیة وطردوهم من المدینة ، فأرسل یزید جیشاً من الشام لغزو مدینة الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وجرت بین أهلها بقیادة ابن مطیع وبین جیش یزید معرکة الحرة المشهورة التی استشهد فیها مئات

ص: 398

ممن بقی من الأنصار والمهاجرین ، واستباح علی أثرها

جیش یزید المدینة ، وعاث فیها فساداً وتعدیاً علی الحرمات والأعراض ، وأخذوا البیعة من أهلها وختموهم فی أعناقهم علی أنهم عبید أقنان لیزید !

قال الذهبی فی تاریخ الإسلام:6/314: وعن إسحاق بن یزید قال: رأیت أنساً (رض) مختوماً فی عنقه ، ختمه الحجاج ، أراد أن یذله بذلک . . . وقال عمر بن عبد العزیز: لو تخابثت الأمم وجئنا بالحجاج لغلبناهم . . . وقال عاصم بن أبی النجود: ما بقیت لله حرمة إلا وقد انتهکها الحجاج ! انتهی .

ولا بد أن یکون هذا الختم فی زمن الحجاج ختماً آخر ختمه بنو أمیة فی أعناق أهل المدینة !!

وقال الذهبی فی:5/274

جمع ابن عمر بنیه وأهله ، وقال: أما بعد فإنا قد بایعنا هذا الرجل علی بیع الله ورسوله وإنی سمعت رسول الله(ص)یقول: إن الغادر ینصب له لواء یوم القیامة یقال هذه غدرة فلان . . . فلا یخلعن منکم أحد یزید .

وقال الشاطبی فی الاعتصام 2/128 - 29

عن نافع قال: لما خلع أهل المدینة یزید بن معاویة جمع إبن عمر حشده وولده وقال: إنی سمعت رسول الله یقول: لینصب لکل غادر لواء یوم القیامة. وإنا قد بایعنا هذا الرجل وإنی لا أعلم أحداً منکم خلعه ولا تابع فی هذا الأمر ، إلا کانت الفیصل بینی وبینه .

قال ابن العربی: وقد قال ابن الخیاط إن بیعة عبد الله لیزید کانت کرهاً ، وأین یزید من ابن عمر ؟ ولکن رأی بدینه وعلمه التسلیم لامر الله والفرار عن التعرض لفتنة فیها من ذهاب الأموال والأنفس ما لا یخفی .

ص: 399

وقال النووی فی شرح مسلم:6/22

. . . ومن مات ولیس فی عنقه بیعة مات میته جاهلیة . . . فی هذا دلیل علی مذهب عبد الله بن عمر کمذهب الأکثرین فی منع القیام علی الإمام وخلعه إذا حدث فسقه

وقال الشاطبی فی الاعتصام:2/128

قیل لیحیی بن یحیی: البیعة مکروهة ؟ قال لا ، قیل له: فإن کانوا أئمة جور ؟ فقال: قد بایع ابن عمر لعبد الملک بن مروان ، وبالسیف أخذ الملک !

وقال ابن حزم فی المحلی:1/45-46

مسألة . . . ومن بات لیلة ولیس فی عنقه بیعة مات میتة جاهلیة . . . عن عبدالله بن عمر قال قال رسول الله (ص): من خلع یداً من طاعة لقی الله یوم القیامة لا حجة له ، ومن مات ولیس فی عنقه بیعة مات میتة جاهلیة .

وقال ابن باز فی فتاویه:4/303

فی صحیح البخاری: أن عبد الله بن عمر کان یصلی خلف الحجاج بن یوسف الثقفی وکذا أنس بن مالک ، وکان الحجاج فاسقاً ظالماً. انتهی .

- ولکن النووی ادعی أن بیعة إبن عمر لعبد الملک کانت أیضاً خوفاً وتقیة من بنی أمیة ، قال فی شرح مسلم 8 جزء 16/98:

. . . قوله رأیت عبد الله بن الزبیر علی عقبة المدینة فجعلت قریش تمر علیه والناس حتی مر علیه عبد الله بن عمر فوقف علیه فقال: السلام علیک أبا حبیب. فیه استحباب السلام علی المیت فی قبره وغیره وتکریر السلام ثلاثاً. وفیه منقبة

ص: 400

لابن عمر لقوله الحق فی الملأ وعدم اکتراثه بالحجاج ، لأنه یعلم أنه یبلغه مقامه علیه وقوله وثناؤه علیه ، فلم یمنعه ذلک أن یقول الحق ویشهد لابن الزبیر بما یعلمه فیه من الخیر وبطلان ما أشاع عنه الحجاج من قوله إنه عدو الله وظالم.. ومذهب أهل الحق أن ابن الزبیر کان مظلوماً وأن الحجاج ورفقته کانوا خوارج علیه .

وامتنع عبدالله بن عمر عن بیعة علیٍّ ، ثم ندم

قال المسعودی فی مروج الذهب:2/361

وقعد عن بیعة علی جماعة عثمانیة لم یروا إلا الخروج عن الأمر ، منهم سعد بن أبی وقاص ، وعبد الله بن عمر ، وبایع ( عبد الله بن عمر ) یزید بعد ذلک ، والحجاج لعبد الملک بن مروان .

وقال ابن الاثیر فی أسد الغابة:2/229-228

ولم یقاتل فی شئ من الفتن ولم یشهد مع علی شیئاً من حروبه حین أشکلت علیه ، ثم کان بعد ذلک یندم علی ترک القتال معه. أخبرنا القاضی أبوغانم محمد بن هبة الله ابن محمد بن أبی جرادة . . . حدثنا عبدالله بن حبیب أخبرنی أبی قال قال ابن عمر حین حضره الموت: ما أجد فی نفسی من الدنیا إلا أنی لم أقاتل الفئة الباغیة ، أخرجه أبو عمر ، وزاد فیه مع علی .

وقال ابن عبد البر فی الاستیعاب:1/-77

وصح عن عبدالله بن عمر من وجوه أنه قال: ما آسی علی شئ کما آسی أنی لم أقاتل الفئه الباغیة مع علی (رض). ونحوه فی:3/953

ورووا أن ندمه علی عدم إطاعة علی کان شدیداً إلی حد أنه کاد أن یثور فی

ص: 401

وجه معاویة. فقد روی البخاری فی صحیحه:3 جزء 5/48: قال خطب معاویة فقال: من کان یرید أن یتکلم فی هذا الأمر فلیطلع لنا قرنه ، فلنحن أحق به منه ومن أبیه ! قال حبیب بن مسلمة: فهلا أجبته ؟ قال عبد الله: هممت أن أقول: أحق بهذا الأمر منک من قاتلک وأباک علی الإسلام ، فخشیت أقول کلمة تفرق بین الجمع ! وجاء فی تاریخ الإسلام للذهبی:3/553 و: 5/463: قال ابن عمر: فحللت حبوتی وهممت أن أقول: أحق به من قاتلک وأباک علی الإسلام !

ثم کانت علاقاته حسنة مع بنی أمیة ومع الثائرین علیهم

روی البخاری فی الادب المفرد/299

عن عبد الله بن دینار أن عبد الله بن عمر کتب إلی عبد الملک ابن مروان یبایعه فکتب إلیه . . فإنی أحمد إلیک الله الذی لا إله إلا هو ، وأقر لک بالسمع والطاعة .

وقال الذهبی فی تاریخ الإسلام:8/195

عن عمیر بن هانی قال: وجهنی عبد الملک بکتاب إلی الحجاج وهو محاصر ابن الزبیر ، وقد نصب المنجنیق یرمی علی البیت ، فرأیت ابن عمر إذا أقیمت الصلاة صلی مع الحجاج ، وإذا حضر ابن الزبیر المسجد صلی معه .

وقال ابن أبی شیبة فی المصنف:4/340

عن مغیرة عن رجل أنه رأی ابن عمر صلی خلف ابن الزبیر بمنی رکعتین ، قال: ورأیته صلی خلف الحجاج أربعاً !

وقال الذهبی فی تاریخ الإسلام:5/60

وکان المختار محسناً إلی ابن عمر یبعث إلیه بالجوائز والعطایا لأنه کان زوج

ص: 402

أخت المختار . . وکان ( المختار ) غلاماً یعرف بالانقطاع إلی بنی هاشم ثم خرج فی آخر خلافة معاویة إلی البصرة فأقام بها یظهر ذکر الحسین ، فأخبر بذلک عبید الله بن زیاد فأخذه وجلده مائة وبعث به إلی الطائف . . . ثم أن عبدالله بن عمر کتب فیه إلی یزید لما بکت صفیة أخت المختار علی زوجها ابن عمر . . . فکتب یزید إلی عبید الله فأخرجه . . . فأتی الحجاز واجتمع بابن الزبیر فحضه علی أن یبایع الناس .

وقال الذهبی فی تاریخ الإسلام:5/462: إن المختار بن أبی عبیدة کان یرسل إلی ابن عمر المال فیقبله .

وروت مصادر الشیعة احتیاطاً غریباً له فی تطبیق الحدیث

قال الطبری الشیعی فی کتابه المسترشد/16

عبدالله بن عمر الذی قعد عن بیعة علی(علیه السّلام)ثم مضی إلی الحجاج فطرقه لیلاً فقال: هات یدک لأبایعک لأمیر المؤمنین عبد الملک فإنی سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقول: من مات ولیس علیه إمام فمیتته جاهلیة ، حتی أنکرها علیه الحجاج مع کفره وعتوه .

وروی ذلک المحدث القمی فی الکنی والألقاب ، وفیه: فأخرج الحجاج رجله وقال: خذ رجلی فإن یدی مشغولة ، فقال ابن عمر: أتستهزی منی ؟ ! قال الحجاج: یا أحمق بنی عدی ما بایعت علیاً وتقول الیوم: من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة ! أو ما کان علیٌّ إمام زمانک ؟ ! والله ما جئت إلیَّ لقول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بل جئت مخافة تلک الشجرة التی صلب علیها ابن الزبیر. انتهی .

ص: 403

ولم یزد أحد علی ابن عمر فی تطبیق الحدیث إلا أبو سعید الخدری

- مجمع الزوائد:5/219

وعن بشر بن حرب أن ابن عمر أتی أبا سعید فقال: یا أبا سعید ألم أخبر أنک بایعت أمیرین قبل أن تجتمع الناس علی أمیر واحد ؟ قال نعم بایعت ابن الزبیر ، فجاء أهل الشام فساقونی إلی حبیش بن دلجة فبایعته ! فقال ابن عمر: إیاها کنت أخاف ؟ !

قال أبو سعید: یا أبا عبدالرحمن ألم تسمع أن رسول الله(ص)قال: من استطاع أن لا ینام یوماً ولا یصبح صباحاً ولا یمسی مساء إلا وعلیه أمیر ؟ قال نعم ، ولکنی أکره أن أبایع أمیرین من قبل أن یجتمع الناس علی أمیر واحد . انتهی . وقال الهیثمی: رواه أحمد ، وبشر بن حرب ضعیف .

تحیر إخواننا السنة فی هذا الحدیث قدیماً وحدیثاً

لا مشکلة عندنا نحن الشیعة بسبب هذا الحدیث بل هو منسجم مع مذهبنا ، وهو من أدلتنا علی نظام الإمامة فی الإسلام وأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد بلغه إلی الأمة ، وقد ثبت عندنا بأدلة قاطعة أن الله تعالی جعل إمامة هذه الأمة فی ذریة نبیها ، وکفاها مؤونة اختیار الحاکم وأخطار الصراع علی الحکم ، لو أنها أطاعت. أما إذا أعرضت الأمة عنهم ومشت خلف آخرین فالمشکلة مشکلتها ، ولا یتغیر من أمر الله تعالی شئ ، ولا تبطل إمامة الأئمة الذین اختارهم الله تعالی .

أما طریق معرفة الإمام فهی النص علیه من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو من الإمام السابق ، کما أنه یعرف بما یجریه الله تعالی علی یده من المعجزات والدلالات لإثبات إمامته، وسیأتی ذلک فی بحث الإمامة إن شاء الله تعالی .

ص: 404

ولکن هذا الحدیث ، سبب مشکلة لا تنحل عند إخواننا السنة ، مهما تکن صیغه التی رووه بها ، لأنه یوجب علیهم معرفة الإمام فی کل عصر أو بیعته ، وإلا فإنهم یموتون موتة جاهلیة علی غیر الإسلام !

فلا مخرج للسنی من الموتة الجاهلیة ، إلا بأحد أمور أربعة: بأن یصیر شیعیاً ، أو یبایع إماماً قرشیاً جامع الشروط ، أو یلتزم بأن الإمام الشرعی فی الإسلام کل من تسلط علی المسلمین ولو بالحدید والنار ، فتجب بیعته وطاعته مهما عصی الله تعالی، أو یکون علی مذهب حرکة التکفیر والهجرة ! ومن لم یفعل ذلک ومات، فموتته جاهلیة ! !

قال الشهید الثانی فی رسائله:2/150

واعلم أن من مشاهیر الأحادیث بین العامة والخاصة وقد أوردها العامة فی کتب أصولهم وفروعهم أن: من مات ولم یعرف إمام زمانه فقد مات میتة جاهلیة ، فنحن والحمد لله نعرف إمام زماننا فی کل وقت ، ولم یمت أحد من الإمامیة میتة جاهلیة ، بخلاف غیرنا من أهل الخلاف فإنهم لو سئلوا عن إمام زمانهم لسکتوا ولم یجدوا إلی الجواب سبیلاً ، وتشتت کلمتهم فی ذلک ، فقائل بأن إمامهم القرآن العزیز ، وهؤلاء یحتج علیهم بأن القرآن العزیز قد نطق بأن الإمام والمطاع غیره ، حیث قال الله تعالی: أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأَمْرِ مِنْکُمْ .

علی أنه لو سلم لهم ذلک لزمهم اجتماع إمامین فی زمان واحد ، وهو باطل بالإجماع منا ومنهم، کما صرحوا به فی کتب أصولهم ، وذلک لأن القرآن العزیز منذ رحلة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من الدنیا ، وقد حکموا بإمامة الأربعة الخلفاء فی وقت وجود القرآن العزیز ، فیلزم ما ذکرناه .

ص: 405

وقائل إن الأمویین والعباسیین کانوا أئمة بعد الخلفاء الأربعة الماضین ، ثم استشکل هذا القائل الأمر بعد هؤلاء المذکورین ، فهو أیضاً ممن لا یعرف إمام زمانه .

فإن قالوا: إن الآیة الکریمة دلت علی أن کل ذی أمر تجب طاعته ، وأولوا الأمر من الملوک موجودون فی کل زمان ، فیکون الإمام أو من یقوم مقامه متحققاً .

قلنا لهم ، أولاً: إنکم أجمعتم علی عدم جواز تعدد الإمام فی عصر واحد ، فمن یکون منهم إماماً ؟ ولا یمکنهم الجواب باختیار واحد لأنا نجد الأمة مختلفة باختلافهم ، فإن أهل کل مملکة یطیعون ملیکهم مع اختلاف أولئک الملوک ، فیلزم اجتماع الأمة علی الخطأ ، وهو عدم نصب إمام مطاع فی الکل وهو باطل ، لأن الأمة معصومة بالإجماع منهم ، ومنا بدخول المعصوم عندنا .

ولا یرد مثل ذلک علینا ، لأن الإمامة عندنا بنص الله تعالی ورسوله ، وقد وقعا ، لا بنصب ( أهل ) الشریعة ، والإمام عندنا موجود فی کل زمان ، وإنما غاب عنا خوفاً أو لحکمة مخفیة ، وبرکاته وآثاره لم تنقطع عن شیعته فی وقت من الأوقات وإن لم یشاهده أکثرهم ، فإن الغرض من الإمامة الأول لا الثانی .

وثانیاً ، بأن ما ذکرتم من الملوک ظلمة جائرون لا یقومون بصلاح الشریعة فی الدنیا فضلاً عن الدین ، وقد قال تعالی عز من قائل: لا یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ ، أی لا تنال الظالمین ولایتی ، والإمامة من أعظم الولایات. انتهی .

ص: 406

معرفة الإمام هی الحکمة

الکافی:1/182

علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن أیوب بن الحر ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبدالله (علیه السّلام) فی قول الله عز وجل: وَمَنْ یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْرًا کَثِیرًا ، فقال: طاعة الله ومعرفة الإمام .

الکافی:2/284

یونس ، عن ابن مسکان ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال سمعته یقول: ومن یؤت الحکمة فقد أوتی خبراً کثیراً. قال: معرفة الإمام ، واجتناب الکبائر التی أوجب الله علیها النار. انتهی. ورواه فی مستدرک الوسائل:11/354 .

لا یمکن للناس معرفة الإمام المعصوم لیختاروه

الکافی:1/201

( عن الإمام الرضا(علیه السّلام)من حدیث طویل ): الإمام واحد دهره ، لا یدانیه أحد ، ولا یعادله عالم ، ولا یوجد منه بدل ، ولا له مثل ولا نظیر ، مخصوص بالفضل کله من غیر

طلب منه له ولا إکتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهاب. فمن ذا الذی یبلغ معرفة الإمام أو یمکنه اختیاره، هیهات هیهات ضلت العقول وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب وخسئت العیون ، وتصاغرت العظماء ، وتحیرت الحکماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الالباء ، وکلت الشعراء ، وعجزت الأدباء ، وعییت البلغاء ، عن وصف شأن من شأنه ، أو فضیلة من فضائله ، وأقرت بالعجز والتقصیر .

ص: 407

وکیف یوصف بکله، أو ینعت بکنهه ، أو یفهم شئ من أمره ، أو یوجد من یقوم مقامه ویغنی غناه ، لا کیف وأنی ؟ وهو بحیث النجم من ید المتناولین ووصف الواصفین، فأین الاختیار من هذا ؟ وأین العقول عن هذا؟ وأین یوجد مثل هذا؟! أتظنون أن ذلک یوجد فی غیر آل الرسول محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، کذبتهم والله أنفسهم... .

معنی: إعرف الإمام ثم اعمل ما شئت

وسائل الشیعة:1/88

محمد بن علی بن الحسین ، فی معانی الأخبار عن أبیه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن أبیه ، عن علی بن النعمان ، عن فضیل بن عثمان ، قال: سئل أبوعبدالله(علیه السّلام)عما روی عن أبیه: إذا عرفت فاعمل ما شئت ، وأنهم یستحلون بعد ذلک کل محرم ، فقال: ما لهم لعنهم الله ؟ إنما قال أبی (علیه السّلام): إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خیر یقبل منک .

دعائم الإسلام:1/52

وعن أبی عبدالله جعفر بن محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن رجلاً من أصحابه ذکر له عن بعض من مرق من شیعته واستحل المحارم ممن کان یعد من شیعته ، وقال: إنهم یقولون الدین المعرفة ، فإذا عرفت الإمام فاعمل ما شئت ، فقال أبو عبد الله جعفر بن محمد: إنا لله وإنا إلیه راجعون ، تأمَّل الکفرة ما لا یعلمون ، وإنما قیل إعرف الإمام واعمل ما شئت من الطاعة فإنها مقبولة منک ، لأنه لا یقبل الله عز وجل عملاً بغیر معرفة. ولو أن الرجل عمل أعمال البر کلها وصام دهره وقام لیله ، وأنفق ماله فی سبیل الله ، وعمل بجمیع طاعات الله عمره کله ، ولم یعرف نبیه الذی جاء بتلک الفرائض ثم معرفة وصیه والأئمة من بعده .

ص: 408

مستدرک الوسائل:1/174

وعنه (علیه السّلام) أن رجلاً من أصحابه ذکر له عن بعض من مرق من شیعته واستحل المحارم وأنهم یقولون إنما الدین المعرفة فإذا عرفت الإمام فاعمل ما شئت ! فقال أبوعبدالله(علیه السّلام): إنا لله وإنا إلیه راجعون ، تأول الکفرة ما لا یعلمون ، وإنما قیل إعرف واعمل ما شئت من الطاعة فإنه مقبول منک ، لأنه لا یقبل الله عملاً من عامل بغیر معرفة. لو أن رجلاً عمل أعمال البر کلها وصام دهره وقام لیله وأنفق ماله فی سبیل الله وعمل بجمیع طاعة الله عمره کله ولم یعرف نبیه الذی جاء بتلک الفرائض فیؤمن به ویصدقه ، وإمام عصره الذی افترض الله طاعته فیطیعه ، لم ینفعه الله بشئ من عمله ، قال الله عز وجل فی مثل هؤلاء: وقدمنا إلی ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً .

بعلی عرف المؤمنون بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

أمالی المفید/213

حدثنا أبوجعفر محمد بن علی بن الحسین قال: حدثنی أبی قال: حدثنی محمد بن یحیی العطار قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عیسی ، عن علی بن الحکم، عن هشام بن سالم ، عن سلیمان بن خالد ، عن أبی عبدالله جعفر بن محمد الصادق ، عن آبائه(علیهم السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعلی(علیه السّلام): یا علی أنت منی وأنا منک: ولیک ولیی وولیی ولی الله ، وعدوک عدوی وعدوی عدو الله .

یا علی أنا حرب لمن حاربک ، وسلم لمن سالمک .

یا علی لک کنز فی الجنة وأنت ذو قرنیها .

ص: 409

یا علی أنت قسیم الجنة والنار، لا یدخل الجنة إلا من عرفک وعرفته ، ولا یدخل النار إلا من أنکرک وأنکرته .

یا علی أنت والأئمة من ولدک علی الأراف یوم القیامة تعرف المجرمین بسیماهم ، والمؤمنین بعلاماتهم .

یا علی لولاک لم یعرف المؤمنون بعدی. انتهی. وقد تقدم أن المؤمنین والمنافقین کانوا یُعْرَفون حتی فی زمان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بموقفهم النفسی من علی(علیه السّلام).

معرفة الآخرة والمعاد والحساب

رسائل الشهید الثانی/145

الأصل الخامس ، المعاد الجسمانی. اتفق المسلمون قاطبة علی إثباته ، وذهب الفلاسفة إلی نفیه وقالوا بالروحانی. والمراد من الأول إعادة البدن بعد فنائه ما کان علیه قبله . . . لنفع دائم أو ضرر دائم ، أو منقطع یتعلقان به ، وذهب جمع من الأشاعرة إلی أن المراد منه هو إعادة مثل البدن لا هو نفسه ، وهو ضعیف لما سیأتی. واعلم أن العقل لا یستقل بإثبات المعاد البدنی کاستقلاله بإثبات الصانع تعالی ووحدته ، بل إنما ثبت علی وجه یقطع العقل بوقوعه بمعونة السمع .

کشف الغطاء/5

والمقدار الواجب بعد معرفة أصل المعاد ، معرفة الحساب وترتب الثواب والعقاب. ولا یجب المعرفة علی التحقیق التی لا یصلها إلا صاحب النظر الدقیق کالعلم بأن الأبدان هل تعود بذواتها أو إنما یعود ما یماثلها بهیئاتها، وإن الأرواح هل تعدم کالأجساد أو تبقی مستمرة حتی تتصل بالأبدان عند المعاد ، وأن

ص: 410

المعاد هل یختص بالإنسان أو یجری علی کافة ضروب الحیوان ، وأن عودها بحکم الله دفعی أو تدریجی .

وحیث لزمه معرفة الجنان وتصور النیران ، لا یلزم معرفة وجودهما الآن ولا العلم بأنهما فی السماء أو فی الأرض أو یختلفان .

وکذا حیث یجب معرفة المیزان ، لا یجب علیه معرفة أنها میزان معنویة أو لها کفتان ، ولا یلزم معرفة أن الصراط جسم دقیق أو هو عبارة عن الإستقامة المعنویة علی خلاف التحقیق .

والغرض أنه لا یشترط فی تحقق الإسلام معرفة أنهما من الاجسام وإن کانت الجسمیة هی الاوفق بالإعتبار ، وربما وجب القول بها عملاً بظاهر الأخبار .

ولا تجب معرفة أن الأعمال هل تعود إلی الاجرام وهل ترجع بعد المعنویة إلی صور الأجسام ، ولا یلزم معرفة عدد الجنان والنیران وإدراک کنه حقیقة الحور والولدان .

وحیث لزم العلم بشفاعة خاتم الأنبیاء لا یلزم معرفة مقدار تأثیرها فی حق الأشقیاء .

وحیث یلزم معرفة الحوض لا یجب علیه توصیفه ولا تحدیده وتعریفه، ولا یلزم معرفة ضروب العذاب وکیفیة ما یلقاه العصاة من أنواع النکال والعقاب. انتهی. ونکتفی هنا بهذه السطور عن معرفة الآخرة والمعاد ، وستأتی مسائله فی محالها إن شاء الله تعالی .

تم المجلد الأول من کتاب العقائد الإسلامیة

ویلیه المجلد الثانی إن شاء الله تعالی ، وأوله بحث الرؤیة .

ص: 411

ص: 412

فهرس المجلد الأول

الفصل الأول: الفطرة...........................................5

آیات فطرة السماوات والکون..................................7

فطرة الله التی فطر الناس علیها..........................9

الفطرة الأولی والفطرة الثانیة.............................10

الفطرة حالة استعداد لا تعنی الاجبار وسلب الإختیار12

الفصل الثانی:الفطرة........................................21

عالم الذر......................................................23

تذکیر الأنبیاء بمیثاق الفطرة..............................28

کل مولود یولد علی الفطرة...............................30

وکل الحیوانات فطرت علی معرفة الله تعالی..........35

التوجه الفطری إلی الله تعالی...........................35

عوالم وجود الإنسان.......................................64

من روایات عالم الاظلة....................................72

من روایات عالم طینة الخلق..............................81

من آیات وروایات عالم الملکوت............................85

الفصل الثالث: الفطرة بمعنی الولادة فی الإسلام97

قولهم من ولد علی الإسلام فهو من أهل الجنة99

ص: 413

القول بأن من ولد فی الإسلام فهو من أهل الجنة100

الفطرة والنبوة والشرائع الإلهیة........................101

معنی الفطرة والصبغة...................................104

بحث فی دور الفطرة والنبوة فی الحیاة الإنسانیة114

أمور ورد أنها من الفطرة.................................121

أمور ورد أنها من الفطرة ...................................124

الفصل الرابع : تقویة الفطرة وتضعیفها وإساءة استعمالها127

قابلیة الفطرة للتقویة والتخریب...............................129

قدوات البشریة فی فطرتهم المستقیمة..................136

آدم(علیه السّلام)فطرة الله تعالی ...........................136

إبراهیم(علیه السّلام)إمام الإستقامة علی الفطرة 136

نبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )رائد العارفین ورائد سعادتنا142

خط الفطرة لم ینقطع من ذریة إبراهیم ................146

عمار علم الثابتین علی الفطرة بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) 149

علی (علیه السّلام) إمام الثابتین علی الفطرة152

ولایة علی(علیه السّلام)علامة علی صحة الفطرة وطیب المولد 161

الفصل الخامس :وجوب المعرفة والنظر..................167

وجوب معرفة الله تعالی ومنشؤها.......................169

وجوب معرفة الله تعالی ومنشؤها.........................171

لا تتحقق العبادة إلا بالمعرفة...............................171

فضل معرفة الله تعالی .......................................173

ص: 414

الحث علی مجالسة أهل المعرفة...........................174

فضل من مات علی المعرفة ..................................174

نعمة معرفة حمد الله وشکره ................................174

نعمة معرفة کرم الله وآلائه.....................................175

معرفة الله لا تکون إلا بالله ومن الله ..........................175

لا یفوز الإنسان بالمعرفة إلا بإذن الله تعالی ..........176

الهدایة والإضلال من الله تعالی لکن الإضلال باستحقاق العبد177

دعاء طلب المعرفة من الله تعالی........................179

وسائل معرفة الله ............................................180

أداة معرفة الله تعالی: العقل............................180

من أسباب المعرفة وآثارها ................................188

ما یورث المعرفة .............................................188

ما تورثه المعرفة ............................................188

ما یفسد المعرفة ویطفئ نورها..........................188

الفصل السادس :خطر ضلال الأمم بعد المعرفة191

کان نبینا یخاف علی أمته الضلال بعد المعرفة 193

وضع المعرفة فی بنی اسرائیل بعد موسی 194

إتهامهم نبیهم موسی بأنه لم یعرف الله تعالی 196

بولس یصف فساد الناس فی عصره وبعدهم عن المعرفة 196

المعرفة التی دعا إلیها بولس الذی نَصَّر النصاری 197

متی اخترع المسیحیون التثلیث بعد التوحید 198

الفصل السابع : متی تجب المعرفة علی الإنسان201

ص: 415

فی أی سن یجب التفکیر والمعرفة.....................203

حکم الإنسان فی مرحلة التفکیر والبحث .............207

تجب المعرفة بالتفکیر ولا یصح فیها التقلید ...........209

الفصل الثامن : المعرفة والعمل...........................223

اشتراط کل من المعرفة والعمل بالآخر ..................225

أفضل الأعمال بعد معرفة العقائد...........................233

أقل ما یجب ، وأقصی ما یمکن ، من المعرفة 234

المعرفة لا تتوقف علی علم الکلام......................252

ویکفی الدلیل الاجمالی فی المعرفة....................256

العجز عن معرفة ذات الله تعالی..........................266

الفصل التاسع : أنواع من المعرفة والعارفین267

المعرفة الحقیقیة والمعرفة الشکلیة269

تحیر المتصوفة فی دور العقل فی المعرفة 270

تحیرهم فی الفرق بین العلم والمعرفة......271

تصوراتهم عن العارف بالله تعالی...............272

المؤلفة قلوبهم بالمال لکی یعرفوا..............274

دعوة العدو فی الجهاد إلی معرفة الله تعالی 275

معرفة أهل الآخرة بدیهیة لا کسبیة ..............276

بحث للشیخ الطوسی فی تعریف الإیمان والکفر 277

ص: 416

بحث للشهید الثانی فی تعریف الإیمان والکفر 280

هل یمکن أن یصیر المؤمن کافراً.....................292

هل تزول المعرفة والإیمان بإنکار الضروری ؟ 294

هل أن الکافر یعرف الله تعالی ؟ 298

بحث فی معرفة الله تعالی عن طریق معرفة النفس 302

الفصل العاشر : معرفة النبی والأئمة صلوات الله علیهم329

یجب علی کل الناس معرفة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )331

یعرف النبی بالمعجزة والإمام بالنص والمعجزة 334

وتجب معرفة الأئمة لأن الله تعالی فرض طاعتهم 335

وتجب معرفتهم لأن الله تعالی فرض مودتهم 342

وتجب معرفتهم لأن الله تعالی فرض الصلاة علیهم347

وتجب معرفتهم لانهم أهل الذکر الذین أمرنا الله بسؤالهم 359

وتجب معرفتهم لأن الأعمال لا تقبل إلا بولایتهم 363

وتجب معرفتهم لأنهم محال معرفة الله تعالی 369

وتجب معرفتهم لأنها طریق معرفة الله تعالی 370

وتجب معرفتهم لحدیث: من مات ولم یعرف إمام زمانه 371

صیغ الحدیث فی مصادر مذهب أهل البیت.............371

کما توجد فی مصادرنا أحادیث أخری عدیدة ، یمکن أن تصل إلی مجموعات أخری: 379

تفسیر الحدیث فی مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) 380

تفسیر الشیعة الزیدیة للحدیث..............................388

روایاتهم التی فیها لفظ طاعة................................394

ص: 417

روایاتهم التی توجب طاعة الحاکم الجائر .............395

مدرسة البخاری فی تفسیر هذا الحدیث 396

عبدالله بن عمر یطبق تفسیر إخواننا للحدیث 397

وامتنع عبدالله بن عمر عن بیعة علیٍّ ، ثم ندم 401

تحیر إخواننا السنة فی هذا الحدیث قدیماً وحدیثاً 404

معرفة الإمام هی الحکمة 407

لا یمکن للناس معرفة الإمام المعصوم لیختاروه 407

معنی: إعرف الإمام ثم اعمل ما شئت 408

بعلی عرف المؤمنون بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )409

معرفة الآخرة والمعاد والحساب410

ص: 418

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.