االآراء الفقهیه: (قسم البیع 2) المجلد 5

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: النجفي، هادي، 1342 -

عنوان واسم المؤلف: الاراء الفقهیة/ تالیف هادي النجفي.

تفاصيل المنشور: تهران: شب افروز، 1393.

مواصفات المظهر: 3 ج.

شابک : 0 20000 ریال: دوره: 978-964-7331-77-7 ؛ ج. 1: 978-964-7331-74-6 ؛ ج. 2: 978-964-7331-75-2 ؛ ج. 3: 978-964-7331-85-2-شابک : 978-600-92902-8-4

حالة الاستماع: فاپا/الاستعانة بمصادر خارجية.

لسان: العربية.

ملحوظة: ج. 2 و 3 ( الطبعة الأولى: 1429ق. = 1387).

ملحوظة: فهرس.

موضوع : المعاملات (فقه)

موضوع : أعمال الهرم

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

ترتيب الكونجرس: BP190/1/ن3آ36 1393

تصنيف ديوي: 297/372

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 3555378

ص: 1

اشارة

ص: 2

تقریظ سماحة المرجع الدینی الکبیر آیه الله العظمی الشیخ بشیر حسین نجفی _ دام ظله العالی _ من النجف الأشرف.

ص: 3

تقریظ مع تاریخ وضع اللمسات الأخیرة علی الجزء الخامس من کتاب

(الآراء الفقهیة) تألیف سماحة آیة اللّه الفقیه المحقّق و المجتهد المدقّق

الأستاذ الشیخ هادی النجفی آل صاحب الحاشیة _ دام ظله _

الحمد للّه الذی جعل اختلاف الفقهاء مثراةً وتمحیصا للآراء فی أحکام الشریعة الغرّاء و الصلاة و السلام علی سیّد المرسلین و صفوة الأنبیاء سیّدنا و نبیّنا أبیالقاسم محمّد و علی آله المیامین النجباء أمناء دار الفناء و شفعاء دار البقاء إلی یوم اللقاء.

ثمَّ أمّا بعد، فقد اطلعنی متفضّلاً سماحة آیة اللّه الفقیه النحریر و المجتهد المحقّق القدیر الأستاذ الشیخ هادی النجفی _ دام ظله _ علی المجلد الخامس من کتابه القیم النفیس الآراء الفقهیة _ قسم البیع(2) و کنت قد اطلعتُ علی المجلدین الثالث و الرابع من هذا الکتاب فإذا بهذا المجلّد ینتظم معهما من حیث التحقیق و دقّة النظر و سبر الآراء و مناقشاتِها فی سلک واحد کأنتظام الدرر الغوالی فی سموط النُضار و قد کفانا سماحة شیخنا المصنف _ دام ظله _ مؤونة إفاضة القول فی وصفه و بیان مزایاه فهو دالٌّ علی تبحر مؤلِّفه و إحاطته بمختلف آراء الفقهاء و مناقشتها مناقشة علمیّة موضوعیة علی قدر ما یقتضیه المقام و تستدعیه الحال من غیر حشو مملّ، و لا إیجازٍ مُخِلّ، فهو کما قال الشاعر

ص: 4

القدیم و أظنّه أباالطیب المتنبّی:

سبوحٌ لها منها علیها شواهدُ

و حسب هذا الکتاب تقویما(1) و مَثالةً أنْ بادرَ کبار الفقهاء و المجتهدین إلی تقریظه و التنویه به، و أمّا أنا فلا أنتظم فی سلک أولئک الأعاظم و إنّما جاء کلامی للإشارة إلی شهادات أولئک الأعلام إذ قد تکون شهادتی هنا من باب المصادرة علی المطلوب و قد حضرتنی أبیات علی جهة الارتجال فی تقریظ هذا الکتاب بعد أن استوفیتُ قراءته قراءةً مستأنیة و أفدتُ منه فوائد جلیلة لایستکثر علی مثل سماحة الشیخ المؤلِّف أن یُطرِف بها أهل الفضل و العلم و یُتحِفَ طلبة المعارف الإلهیة.

لِلْعَلَمِ (الهادِی) حَلیفِ التُقی مآثِرٌ قد عَزَّ شرْوَاهَا(2)

فَکَمْ لَهُ بِیْضُ أیَادٍ أتَتْ تَتْری لأهلِ الفَضْلِ أَسْدَاهَا

وَ کَمْ بُحُوثٍ خَاضَ فی لُجِّها مُوَضِّحا بالسَّبْرِ فَحْوَاهَا

وَ مُبْهَمَاتُ الفِقْهِ فی دِینِنا قَدْ کَشَفَ «الشَیْخُ» خَفَایَاهَا

فَهْوَ هُوَ البَحْرُ بِلا سَاحِلٍ إنْ حَرَّرَ القَوْلَ وَ إنْ فَاهَا

أَعْظِمْ بِهِ مِنْ (مَاتِنٍ) جِهْبَذٍ (هادٍ) بِهِ الإسلامُ قَدْ بَاهَی

وَ مِنْ (مُحَشٍّ) مِثلَمَا جَدُّهُ (مَعَالِمُ) الأُصُولِ حَشَّاهَا

ص: 5


1- 1 . تقویما: قَوّمَ الشی ء ذکر قیمته و العصریون یستعملونه بالیاء (قیْمَ) و هذا خطأ فاحش و کأنّهم اغتروا بظاهر کلمة (القیمة) وفاتهم أنَ أصل القیمة: (قِوْمَة) و إنّما قلبت الواو یاءً لسکونها و کَسْر ما قبلها تخفیفا فإذا استعمل الفعل فیکون بالواو (قوّمَ).
2- 2 . شرواها: مثلها.

وَ سِفْرُهُ (الآرَاءُ) مَوسُوعَةٌ(1) فی الفِقْهِ قَدْ جَلَّتْ مَزَایَاهَا

وَ مُذْ أتَی خَامِسُ أجْزَاءِهِ یَزُفُّ لِلْحَوْزَاتِ بُشْرَاهَا

بِمُنْتَهَی الضَبْطِ(2) لَقَدْ أرَّخُوا: مُخْتَلِفُ الآرَاءِ جَلاَّهَا(3)

9 1150 234 40

سنة 1433 ه_

و أشکر الأستاذ الخطاط الکبیر الشیخ علی بن حیدر الحسّانی النجفی الذی تطوع بأن یکتب ما أملی علیه بسبب ما عَرانی من ضعف الحال فی هذه الأیام، و الحمد للّه فی الأولی و الآخرة.

و أملاه فی المدرسة المهدیّة العلمیّة الدینیّة فی النجف الأشرف.

الأقل

عبدالستار عفا عنه الملیک الغفار

ص: 6


1- 1 . موسوعة: استعملتُ هذه الکلمة بناءً علی ما شاع فی لغة المتأخرین و إن لم یکن لها مدرک أصیل فی لغة الفصحاء.
2- 2 . بمنتهی الضبط: فی عبارة (بمنتهی الضبط) توریة و ذلک بإضافة حرف الطاء الذی هو فی آخر کلمة الضبط و قیمته (9) إلی مادة التاریخ.
3- 3 . جَلاّهَا: جاء الضمیر فی کلمة جلاّها مؤنثا علی حد قول العرب: قطعت بعض أصابعه. و قول الشّاعِر: و ما حُبُّ الدیار شغفن قلبی... الخ. فالتأنیث هنا لِمُراعاة المضاف إلیه.

فَصْلٌ: شرائط المتعاقدین

اشارة

ص: 7

ص: 8

شرائطُ المتعاقدین متعددة:

1_ البلوغ

2_ العقل

3_ القصد

4_ الاختیار

5_ إذن السیّد لو کان العاقد عبدا

6_ ملک أمر البیع إمّا بملک العوضین _ من دون حَجْر_ و إمّا بولایة التصرف و... .

ص: 9

1_ البلوغ:

اشارة

و هو تحوّل من مرحلة الصبا إلی الشباب بتغییرات خاصة معلومة فی الجسد و هو الورود فی عالَم الکبار.

علامة البلوغ هی خروج المنی فی النوم أو الیقظة، أو إنبات شعر الخشن علی العانة أو إکمال خمس عشرة سنةً قمریة(1) للذکر و تسع سنین قمریة(2) للأنثی، و فی فرض عدم معلومیة مقدار عمرها تعد رؤیة الدم بصفات الحیض أو الحمل یحکم بتحقق البلوغ قبلهما.

قال فی المفتاح: «و اشتراط البلوغ هو قضیة ما فی المبسوط(3) و الخلاف(4) أو صریحهما حیث قال فیهما: «لا یصحّ بیع الصبی و لا شراؤه أذن له الولی أم لم یأذن» و کذا قال فی المختلف(5)، و قضیة ما فی الوسیلة حیث قال: «یشترط کونهما _ یعنی المتعاقدین _ نافذی التصرف فی مالهما»(6)، و ما فی الغنیة حیث قال: «لا ینعقد بیع من لیس بکامل العقل و لا شراؤه و إن أجازه الولی بدلیل الإجماع و یحتجّ علی المخالف بما رووه من

ص: 10


1- 1 . و هی أقل من الشمسیة بمقدار 164 یوما تقریبا.
2- 2 . و هی أقل من الشمسیة بمقدار 98 یوما تقریبا.
3- 3 . المبسوط 2/163.
4- 4 . الخلاف 3/178، مسألة 294.
5- 5 . مختلف الشیعة 5/58.
6- 6 . الوسیلة /236.

رفع القلم عن الثلاثة»، الحدیث(1) (2)، و قضیة ما فی المراسم حیث ذکر فی الشرط العام «أن یکون المبیع ملک البائع أو ملک موکّله أو یکون أبا المالک و یکون هو صغیرا فإنّه یبیع علیه بلا ردّ»(3) انتهی، و صریح الشرائع(4) و النافع(5) و التذکرة(6) و نهایة الإحکام(7) و التحریر(8) [و القواعد(9)] و الإرشاد(10) و شرحه لولد المصنف(11)، و الدورس(12) و اللمعة(13) و المیسیة(14) و المسالک(15) و الروضة(16) و غیرها(17)»(18).

و استدلوا علیه بوجوه:

الأوّل: الاجماع

عن حجر التذکرة: «الصغیر محجور علیه بالنص و الإجماع _ سواءٌ کان ممیزا أولا

ص: 11


1- 1 . سنن البیهقی 6/57، مسند أحمد 6/100.
2- 2 . غنیة النزوع /210.
3- 3 . المراسم /171.
4- 4 . الشرائع 2/8.
5- 5 . المختصر النافع /118.
6- 6 . تذکرة الفقهاء 10/11.
7- 7 . نهایة الإحکام 2/453.
8- 8 . تحریر الأحکام الشرعیة 2/275.
9- 9 . قواعد الأحکام 2/17.
10- 10 . ارشاد الأذهان 1/360.
11- 11 . نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/545.
12- 12 . الدروس 3/192.
13- 13 . اللمعة /110.
14- 14 . نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/545.
15- 15 . المسالک 3/154.
16- 16 . الروضة البهیة 3/226.
17- 17 . کالکفایة 1/449 و الحدائق 18/367.
18- 18 . مفتاح الکرامة 12/545.

_ فی جمیع التصرفات إلاّ ما یستثنی کعباداته و إسلامه و إحرامه و تدبیره و وصیّته و إیصال الهدیّة و إذنه فی دخول الدار علی خلافٍ فی ذلک».(1)

و قال ولده فی شرح تنظّر والده فی صحة بیع الممیّز و شرائه: «ینشاء من أنّ البلوغ شرط إجماعا، قیل فی اعتبار الصیغة و صلاحیتها لترتب الحکم علیها لمساواته النائم و المجنون فی رفع القلم للحدیث...».(2)

و عن الدروس فی تعریف البیع: «و هو الإیجاب و القبول من الکاملین...(3) و یعنی بکمال المتعاقدین بلوغهما و عقلهما، فعقد الصبی باطل و إن أذن له الولی أو أجازه أو بلغ عشرا فی الأشهر، و کذا عقد المجنون»(4).

و أنت تری بأن التعبیر بالأشهر تضعیف للإجماع لا تأئیده و لیس فی کلامه المشهور کما حکاه عنه السیّد المجاهد(5) و الشیخ الأعظم(6).

و قال الفاضل المقداد فی آیات أحکامه: «اختلف فی معنی ابتلائهم، فقال أبوحنیفة: هو أن یدفع إلیه ما یتصرَّف فیه، و قال أصحابنا و الشافعیُّ و مالک: هو تتّبع أحواله فی ضبط أمواله و حُسن تصرّفه بأن یکل إلیه مقدمات البیع، لکن العقد لو وقع منه کان باطلاً، یلزم علی قول أبیحنیفة أن یکون العقد صحیحا»(7).

و أنت تری بأنّه نسب إلی أصحابنا عدم صحة عقد الصبی.

و قد ناقش الأردبیلی فی اجماع التذکرة و قال: «الإجماع مطلقا غیر ظاهر»(8).

ص: 12


1- 1 . تذکرة الفقهاء 14/185.
2- 2 . ایضاح الفوائد 2/55.
3- 3 . الدروس 3/191.
4- 4 . الدروس 3/192.
5- 5 . المناهل /286.
6- 6 . المکاسب 3/275.
7- 7 . کنز العرفان 2/102.
8- 8 . مجمع الفائدة و البرهان 8/152.

و قال السبزواری: «فیشترط أن یکون المتعاقدین(1) عاقلین بالغین _ علی المشهور_ مختارین...»(2).

نسب اعتبار البلوغ إلی المشهور.

قال فی الحدائق: «ظاهره [العلاّمة] دعوی الإجماع... مع أنّک قد عرفت وجود المخالف فی ذلک»(3). لأنّه نقل من جماعة من الأصحاب وجود القول بجواز بیع الصبی و شرائه إذا بلغ عشرا و کان عاقلاً و رُدوه بالضعف.(4)

و فی شرح القواعد: «و للإجماع محصلاً و منقولاً...»(5).

و فی المفتاح: «أنّ الإجماع منقول و معلوم فلا یلتفت إلی الخلاف النادر...»(6).

و فی الجواهر: «بلا خلاف معتد به أجده فیه بل الإجماع بقسمیه علیه...»(7).

و فی العناوین: «الإجماع المحصل من الأصحاب الظاهر بالتتبع فی کلامهم حیث إنّهم یشترطون ذلک فی جیمع العقود و الإیقاعات و هو الحجة و مخالفة من یذکر بعد ذلک من الأصحاب غیر قادحة فی الاجماع...»(8).

أقول: قد مرّ من الغنیة(9) إدعاء الإجماع علیه ولکن قال فی المکاسب: «المشهور... بطلان عقد الصبی»(10). و التعبیر بالمشهور فی کلامه و کلام السبزواری و

ص: 13


1- 1 . کذا فی الأصل، و الصواب المُتَعاقِدانِ.
2- 2 . الکفایة 1/449.
3- 3 . الحدائق 18/368.
4- 4 . راجع الحدائق 18/367.
5- 5 . شرح القواعد 2/39 للشیخ الأکبر الشیخ جعفر کاشف الغطاء.
6- 6 . مفتاح الکرامة 12/547.
7- 7 . الجواهر 22/260.
8- 8 . العناوین 2/674.
9- 9 . الغنیة /210.
10- 10 . المکاسب 3/275.

بالأشهر فی کلام الشهید لوجود الأقوال الاُخَر فیها و قد أنهاها الفقیه المامقانی(1) إلی سبعة أقوال.

و الحاصل: لو تم الإجماع _ و لم یتم لوجود سبعة أقوال فی المقام _ لا یفیدنا لاحتمال أن یکون مدرکیا و لیس بتعبدی و أشار إلی أنّ الإجماع یکون مدرکیا الشیخ الأعظم بقوله: «نعم لقائل أن یقول إنّ ما عرفت من المحقّق و العلاّمة و ولده و القاضی و غیرهم خصوصا المحقّق الثانی _ الذی بنی المسألة علی شرعیة أفعال الصبی _ یدل علی عدم تحقق الإجماع»(2).

مراده: تردّد المحقّق(3) فی اجارة الممیِّز بإذن الولی _ بعد ما جزم بالصحة فی العاریة _(4) و استشکال العلاّمة(5) فیها [أی فی الاجارة] _ بعد ما جزم بالبطلان _ فی التذکرة.(6)

و کذا قال فی القواعد: «و هل یصح بیع الممیّز و شِراؤُهُ مع إذن الولی نظر»(7).

و قال ولده فی شرحه: «ینشأ من أنّ البلوغ شرط إجماعا... و من وقوعها بإذن الولی فصار کما لو صدر منه، و الأقوی عدم الصحة»(8).

و کذا قال القاضی ابن البراج: «و إذا اشتری الصبی التاجر أرضا، و حجره أبوه علیه فدفعها مزارعة بالنصف إلی غیره، یزرعها ببذره و عمله فعمل علی ذلک کان الخارج للعامل و علیه نقصان الأرض، فإن لم یکن فی الأرض نقصان کان الخارج بینهما علی

ص: 14


1- 1 . غایة الآمال /322 و 321.
2- 2 . المکاسب 3/280.
3- 3 . الشرائع 2/141.
4- 4 . الشرائع 2/135.
5- 5 . قواعد الاحکام 2/281، تحریر الأحکام الشرعیة 3/80.
6- 6 . تذکرة الفقهاء 2/290 من الطبع الحجری (18/11).
7- 7 . قواعد الأحکام 1/137.
8- 8 . إیضاح الفوائد 2/55.

شرطهما، فإن کان البذر من جهة الدافع کان الخارج بینهما و له علیه عوض البذر فی جمیع الوجهین و یغرم نقصان الأرض و هکذا لو لم یخرج الأرض شیئا».(1)

حیث یری صحة شراء الصبی التاجر و هو بالطبع یکون ممیّزا رشیدا.

و کذا ابتناء المسألة عند المحقّق الثانی(2) علی شرعیة عبادات الصبی و تمرینیتها، دلیل علی عدم وجود إجماع مدرکی فی المقام.

و قال الشیخ الأعظم بعد نقل ما مرّ من حجر التذکرة: «و استثناء إیصال الهدیّة و إذنه فی دخول الدار، یکشف بفحواه عن شمول المستثنی منه لمطلق أَفعاله...»(3).

مراده: غرض العلاّمة أنّ قول الصبی و فعله کالعدم و لا یترتب علیه شیءٌ. لأصالة الاتصال فی الاستثناء فیندرج فیه جمیع أقواله و أفعاله إلاّ ما استثنی، فلو أجری الصبی العقد بوکالة عن غیره لا یصح لعدم العبرة به.

و فیه: لا یتم ما ذکره من أنّ معقد النص و الإجماع بقرینة اتصال الاستثناء یشمل موارد التی یکون الصبی فیها کمجرد آلة نحو إنشاء عقد وکالةً عن الغیر أو بأمر من ولیّه، لعدم استقلاله فی ذلک بل الصبی فیه عاقد محض بل آلة محض بل کاللسان من الإنسان، کما یظهر الإشکال من المحقّقین: الخراسانی(4) و الفقیه الیزدی(5) و الإیروانی(6) و الاصفهانی(7) قدس سرهم .

الثانی: آیة الابتلاء

و هی قوله تعالی: «و ابتلوا الیتمی حتّی إذا بلغوا النکاح فإن آنستم منهم رشدا

ص: 15


1- 1 . المهذب 2/20، مختلف الشیعة 6/188.
2- 2 . جامع المقاصد 5/194.
3- 3 . المکاسب 3/275.
4- 4 . حاشیة المکاسب /46.
5- 5 . حاشیته علی المکاسب 2/16.
6- 6 . حاشیته علی المکاسب 2/166.
7- 7 . حاشیة المکاسب 2/9.

فادفعوا إلیهم أموالهم...»(1).

و قال تعالی قبله فی صدر سورة النساء: «و ءَاتوا الیتمی أموالهم و لا تتبدَّلوا الخبیث بالطیب و لا تأکلوا أموالهم إلی أموالکم إنّه کان حوبا کبیرا»(2).

و کذا قال تعالی بعد الثانیة و قبل الاُولی: «و لا تُؤتُوا السفهاء أموالکم التی جعل اللّه لکم قیما و ارزقوهم فیها و اکسوهم و قولوا لهم قولاً معروفا»(3).

بتقریب: لابدّ من إعطاء أموال الیتامی إلیهم ولکن بشرط عدم السفاهة فیهم، لأنّ السفیه محجور علیه، فأمر سبحانه بامتحان الیتامی لخروجهم عن السفه بالبلوغ و الرشد _ و هو العقل الذی یتشخّص المصلحة عن المفسدة و یمکن به من إصلاح ماله _ و بعد حصول الأمرین المذکورین فی الآیة الشریفة و هما البلوغ و الرشد أمر بإعطاء أموالهم.

فیظهر توقف إعطاء أموالهم إلیهم علی أمرین: 1_ البلوغ 2_ الرشد.

و بعد الغاء الخصوصیة من الأیتام یمکن التعدی إلی کلِّ صبی غیر بالغ ولو لم یکن یَتِیْما له.

قال الشیخ فی تفسیره: «هذا خطاب لأولیاء الیتامی، أمر اللّه تعالی بأن یختبروا عقول الیتامی فی أفهامهم و صلاحهم فی أدیانهم و إصلاح أموالهم. و هو قول قتادة و الحسن و السُّدّی و مجاهد و ابن عباس و ابن زید. و قد بیّنا أنّ الاِبتِلاء معناه الإختبار فیما مضی.

و قوله: «حتی إذا بلغوا النکاح» معناه: حتّی یبلغوا الحدَّ الذی یقدرون علی مجامعة النساء و ینزل، و لیس المراد الإحتلام، لأنّ فی الناس مَن لایحتلم أو یتأخر إحتلامه و هو قول أکثر المفسرین، مجاهد و السُّدّی و ابن عباس و ابن زید. و منهم من قال: إذا کمل عقله و أونس منه الرشد سلم إلیه ماله و هو الأقوی. و منهم من قال: لا یسلم إلیه حتّی یکمل له خمس عشرة سنة، و إن کان عاقلاً لأنّ هذا حکم شرعی و بکمال العقل

ص: 16


1- 1 . سورة النساء /6.
2- 2 . سورة النساء /2.
3- 3 . سورة النساء /5.

تلزمه المعارف لا غیر، و قال أصحابنا: حدّ البلوغ إمّا بلوغ النکاح أو الإنبات فی العانة أو کمال خمس عشرة سنة.

و قوله: «فإن آنستم منهم رشدا» معناه: فإن وجدتم منهم رشدا و عرفتموه و هو قول ابن عباس... .

و اختلفوا فی معنی الرشد، فقال السُّدّی و قتادة: معناه عقلاً و دینا و صلاحا. و قال الحسن و ابن عباس: معناه صلاحا فی الدین و إصلاحا للمال. و قال مجاهد و الشعبی معناه: العقل، قال: لا یدفع إلی الیتیم ماله و إن أخذ بلحیته و إن کان شیخا حتّی یؤنس منه رشده: العقل. و قال ابن جُرَیْحٍ: صلاحا و علما بما یصلحه.

و الأقوی أن یحمل علی أنّ المراد به العقل و إصلاح المال علی ما قال ابن عباس و الحسن، و هو المروی عن أبیجعفر علیه السلام ، للاجماع علی أن من یکون کذلک لا یجوز علیه الحجر فی ماله و إن کان فاجرا فی دینه، فإذا کان ذلک إجماعا فکذلک إذا بلغ، و له مال فی ید وصی أبیه أو فی ید حاکم قد ولی ماله، وجب علیه أن یسلم إلیه ماله إذا کان عاقلاً مصلحا لماله و إن کان فاسقا فی دینه. و فی الآیة دلالة علی جواز الحجر علی العاقل إذا کان مفسدا فی ماله من حیث أنّه إذا کان عند البلوغ یجوز منعه المال إذا کان مفسدا له، فکذلک فی حال کمال العقل إذا صار بحیث یفسد المال جاز الحجر علیه و هو المشهور فی أخبارنا. و من الناس من قال: لا یجوز الحجر علی العاقل، ذکرناه فی الخلاف.

و قوله: «فادفعوا إلیهم أموالهم و لا تأکلوها إسرافا و بدارا»: فهو خطاب لاُولیاء الیتیم، أمرهم اللّه تعالی إذا بلغ الیتیم و أونس منه الرشد علی ما فسّرناه، أن یسلم إلیه ماله و لا یحبسه عنه...»(1).

أقول: الذی یَظْهَرُ من کلام الشیخُ لزومُ توفُّرِ الشرطین لدفعِ اموالهم وَهْما: البلوغُ و الرُّشَد کما صرح فی کلامه الأخیر و هو ظاهر علی بن ابراهیم القمی فی تفسیره(2) و

ص: 17


1- 1 . التبیان 3/(118-116).
2- 2 . تفسیر القمی /71 من الطبع الحجری، 1/131 من الطبع الحروفی.

تبعهما جماعة، منهم: القطب الراوندی فی فقه القرآن(1) و الطبرسی فی مجمع البیان(2) و أبوالفتوح الرازی فی روض الجنان(3) و کما یظهر ذلک من الفاضل المقداد فی کنز العرفان(4) و الفیض فی تفسیریه الصافی(5) و الأصفی.(6)

و ذهب جماعة من العامة إلی هذا القول منهم: الثعلبی فی تفسیره.(7)

ولکنَّ هناکَ قولاً آخَرَ: و هو أنّ البلوغ فی الآیة غایة لِلابتلاء، کما صرح به القطب الراوندی وقال: «وقت الاختبار یجب أن یکون قبل البلوغ»(8) و أمّا، تمام الموضوع لدفع أموالهم فهو الرشد فقط من دون بلوغ کما یظهر هذا القول من جماعة من المفسرین منهم: الزمخشری فی الکشاف(9) و الطبرسی فی جوامع الجامع(10) و البیضاوی فی أنوار التنزیل(11) و المشهدی فی کنز الدقائق(12).

و لذا قال المحقّق الإیروانی: «لا یبعد استفادة أنّ المدار فی صحة معاملات الصبی علی الرشد من الآیة «و ابتلوا الیتامی...» علی أن تکون الجملة الأخیرة استدراکا عن صدر الآیة و أنّه مع استیناس الرشد لا یتوقف فی دفع المال و لا ینتظر البلوغ و أنّ اعتبار البلوغ طریقیٌّ اعتبر أمارة إلی الرشد بلا موضوعیة له بل یستفاد هذا المعنی مِنْ عدّة من

ص: 18


1- 1 . فقه القرآن 2/73.
2- 2 . مجمع البیان 3/9.
3- 3 . روض الجنان 5/254.
4- 4 . کنز العرفان 2/103 و 104.
5- 5 . الصافی /108 من طبع الحجری.
6- 6 . الأصفی /138 و 139.
7- 7 . الکشف و البیان 3/254.
8- 8 . فقه القرآن 2/73.
9- 9 . الکشاف 1/473 و 474.
10- 10 . جوامع الجامع 1/237.
11- 11 . أنوار التنزیل /90 من الطبع الحجری.
12- 12 . کنز الدقائق 2/350.

الأخبار...»(1).

أقول: ظهر ممّا سردناه علیک أنّ فی الآیة الشریفة احتمالَیْن:

أحدهما: اعتبارا لبلوغ و الرشد معا.

و ثانیهما: اعتبار الرشد فقط و أنّ البلوغ غایة لِلاِبتلاء.

و إذا حَصَلَ الاحتمال بطل الاستدلال فلا یمکن التمسک بالآیة الشریفة لإثبات اعتبار البلوغ و لا نفیه(2)، و لعلّ هذا هو سرّ عدم استدلال الشیخ الأعظم رحمه الله بها و اللّه العالم.

الثالث: حدیث رفع القلم عن الصبی

قد ورد هذا المضمون فی عدّة من الروایات:

منها: خبر یونس بن ظبیان قال: أُتِیَ عُمَرُ بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها، فقال علی علیه السلام : أما علمت أنّ القلم یرفع عن ثلاثة: عن الصبی حتّی یحتلم، و عن المجنون حتّی یفیق و عن النائم حتّی یستیقظ.(3)

فی سند هذه الروایة إیرادات:

1_ الحسن بن محمّد بن الحسن السکونی: «روی عنه التلعکبری و سمع منه فی داره بالکوفة سنة 344 و لیس له منه الإجازة» کما فی باب من لم یرو عنهم علیهم السلام فی رجال الشیخ(4) و هو من مشایخ الصدوق فی هذه الروایة.

2_ و أمّا الحضرمی: «فهو زرعة بن محمّد قال النجاشی: «أبومحمّد الحضرمی ثقة روی عن أبی عبداللّه و أبی الحسن علیهماالسلام و کان صحب سماعة و أکثر عنه و وقف»(5).

ولکن بین هذا الحضرمی و هو زرعة بن محمّد و بین الصدوق ثلاث وسائط کما یظهر من

ص: 19


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/170.
2- 2 . کما یظهر هذ الاستدلال من العقد النضید 2/417.
3- 3 . وسائل الشیعة 1/45، ح11، الباب 4 من أبواب مقدمات العبادات.
4- 4 . رجال الشیخ /468، الرقم 34.
5- 5 . رجال النجاشی /176، الرقم 466.

سند النجاشی(1) إلیه أن ابن الولید استاد الصدوق یروی عنه بواسطتین. و روایة الصدوق عن زرعة بواسطة واحدة بعید جدّا، و إن کان المراد بالحضرمی غیره فلا ندری من هو؟

3_ و ابراهیم بن أبی معاویة: مهمل ابن مهمل و کلاهما فی السند.

و أمّا: سلیمان بن مهران فهو: أبومحمّد الأسدی مولاهم الأعمش الکوفی من رجال الصادق علیه السلام (2) و هو معتمَدٌ معتبرٌ جلیلٌ عظیمٌ معروف بالفضل و الثقة و الجلالة و التشیع و الاستقامة.

و العامة أیضا مُثْنُون علیه، مطبقون علی فضله و ثقته، مقرّون بجلالته مع اعترافهم بتشیعه... له ألف و ثلاثمائة حدیث. مات سنة ثمان و أربعین و مائة عن ثمان و ثمانین سنة» کما فی الرواشح السماویة(3) للمحقّق الداماد قدس سره .

4_ یونس بن ظبیان: «مولی، ضعیف جدّا لایلتفت إلی ما رواه، کلّ کتبه تخلیط» کما فی النجاشی(4). و هذا الذی یروی عن أبی عبداللّه علیه السلام فی القرن الثانی من الهجرة لا یتمکن من نقل واقعة من اوائل القرن الأوّل من دون واسطة.

فهذا حال سند روایة الخصال باختصارٍ.

ولکن ورد هذا المضمون مختصرا و هذه الروایة مُفَصَّلَةً فی إرشاد المفید قال: «فصلٌ: فی ذکر ماجاء من قضایاه [أی أمیرالمؤمنین] علیه السلام فی إمارة عمر بن خطاب: فمن ذلک ماجاءت به العامة و الخاصة...(5) و رووا: أنّ مجنونة علی عهد عمر فجربها رجلٌ، فقامت البینة علیها بذلک، فأمر عمر بجلدها الحد، فمُرّ بها علی أمیرالمؤمنین علیه السلام لِتُجْلَد، فقال: مابالُ مجنونة آل فلان تعتل(6)، فقیل له: أنّ رجلاً فجربها و هرب، و قامت البینة

ص: 20


1- 1 . رجال النجاشی /176، الرقم 466.
2- 2 . رجال الشیخ /206، الرقم 72.
3- 3 . کما فی الرواشح السماویة /132، الراشحة الثانیة و العشرون.
4- 4 . رجال النجاشی /448، الرقم 1210.
5- 5 . الإرشاد 1/202.
6- 6 . تعتل: تجذب جذبا عنیفا.

علیها، فأمر عمر بجلدها، فقال لهم: رُدّوها إلیه و قولوا له: أما علمتَ أنّ هذه مجنونة آل فلان، و أنّ النبیَّ صلی الله علیه و آله قال: رُفع القلمُ عن ثلاثة: عن المجنون حتّی یفیق، إنّها مغلوبة علی عقلها و نفسها، فُردّت إلی عمر، و قیل له ما قال أمیرالمؤمنین علیه السلام ، فقال: فرّج اللّه عنه، لقد کدتُ أن أهْلکَ فی جلدها. و درأ عنها الحدّ»(1).

مثل هذه القضیة المرویة فی کتب الخاصة(2) و العامة(3) لا یحتاج إلی السند لشهرتها.

و من الواضح أنّ المفید لم یذکر الاثنین الآخرین فی روایتها لأجل التلخیص و عدم وجود المصداق لهما فی القضیة.

و منها: خبر سلیمان المروزی عن الرضا علیه السلام أنّه قال فی حدیث: و إنّ الصبی لا یجری علیه القلم حتّی یبلغ.(4)

و منها: خبر أبی البختری عن جعفر علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن علی علیه السلام أنّه کان یقول فی المجنون و المعتوه الذی لا یفیق، و الصبی الذی لم یبلغ عمدهما خطأ تحمله العاقلة، و قد رفع عنهما القلم.(5)

و منها: موثقة عمار الساباطی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سألته عن الغلام متی تجب علیه الصلاة؟ فقال: إذا أتی علیه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلک فقد وجبت علیه

ص: 21


1- 1 . الإرشاد 1/204 و 203 و نقل عنه فی وسائل الشیعة 28/23، ح2، الباب 8 من أبواب مقدمات الحدود.
2- 2 . المناقب 2/366، بحارالأنوار 79/88، ح6 و 30/680 نقل عن مصادر العامة.
3- 3 . أنت تجد نحوها فی مسند أحمد 1/154، سنن أبی داود 4/140، مسند أبی یعلی 1/440، سنن الدار قطنی 3/138، ح173، سنن البیهقی 8/264، سنن سعید بن منصور 2/67، المستدرک علی الصحیحین 2/59.
4- 4 . فضائل الأشهر الثلاثة /116، ح111 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 1/87، ح9، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات.
5- 5 . وسائل 29/90، ح2، الباب 36 من أبواب القصاص فی النفس.

الصلاة و جری علیه القلم، و الجاریة مثل ذلک إن أتی لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلک، فقد وجبت علیها الصلاة و جری علیها القلم.(1)

فی هذه الموثقة ثلاثة أحکام مخالفة للإجماع:

1_ بلوغ الغلام بالسن هو الخامسة عشرة سنةً، أو خُروج المَنِیّ فی النوم أو الیقظة، أو نَبات الشعر الخشن فوق العانة، و قد اُدعِیَ الإجماع(2) علی السنّ.

2_ بلوغ الجاریة بثلاث عشرة سنة الواردة فی الروایة مخالف للإجماع.(3)

بل و قد اعتبر صاحب الجواهر(4) تسع سنین فی بلوغها ممّا استقر علیه المذهب.

3_ التساوی بین بلوغهما فی السن فهذا أیضا مخالف للإجماع.

فالأصحاب کلّهم أعرضوا عن هذه الموثقة و إعراضهم یوجب وهنها، ولکن یمکن الأخذ برفع القلم الوارد فیها لجواز التفکیک بینه و بین سنّ البلوغ الوارد فیها فی الحجیة.

و کونها «علی نسق واحد بنحو العطف و المعطوف علیه»(5) و «اندارجها فی عنوان الشاذ و النادر»(6) لا یضرّ بذلک بعد الذهاب إلی جواز التفکیک فی الحجیة.

ص: 22


1- 1 . وسائل الشیعة 1/45، ح12، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات.
2- 2 . قال فی مفتاح الکرامة 16/32: «و یدل علی المشهور فی الذکور [خمس عشرة سنة]» الاصول الکثیرة و الإجماعات التی کادت تبلغ اثْنَتَیْ عشرة إجماعا من صریح و ظاهر و مشعر به، بل هو معلوم، و مع ذلک قد اُیّدت بالشهرات المستفیض نقلها مع العلم بها و أخبار الباب و هی بین عامیة و خاصیة». و فی الجواهر 26/16: «علی المشهور بین الأصحاب فی المقام شهرة عظیمة کادت تکون إجماعا کما اعترف بذلک فی المسالک [4/144] بل نقلها مستفیض أو متواتر کالإجماع صریحا و ظاهرا...».
3- 3 . قال فی مفتاح الکرامة 16/34: «و یدل علی بلوغ الأنثی بالتسع الإجماعات من صریح و ظاهر و هی ثمانیة معتضدة بما سمعته من الشهرات و الأخبار المستفیضة».
4- 4 . قال فی الجواهر 26/38: «علی المشهور بین الأصحاب، بل هو الذی استقر علیه المذهب».
5- 5 . کما فی العقد النضید 2/421.
6- 6 . کما فی العقد النضید 2/421.

و الحاصل: حدیث رفع القلم عن الثلاثة تُلُقِّیَ بالقبول عند الخاصة و العامة و استدل فقهاء المدرستین بها مثلاً الشیخ استدل بها مکررا فی کتابیه المبسوط(1) و الخلاف(2)، و کذا الشریف المرتضی(3) و ابن ادریس اللذان لا یعملان بالخبر الواحد إلاّ إذا کان مجمعا علیه أو علیه قرینة القطع عملا بها فی بابی الوصیة(4) و الحدود(5) و غیرهما(6).

و هذه الشهرة(7) التی عمل بها نحو ابن ادریس و غیره قدس سرهم تحصل لنا القطع بصدوره عن النبی صلی الله علیه و آله و آله علیهم السلام حتی لو لم یکن السَّنَدُ تاما فی روایاته.

هذا کلّه بالنسبة إلی أسناد حدیث رفع القلم و أما دلالتها:

دلالة حدیث رفع القلم:

القلم المرفوع عن الثلاثة یحتمل أَحَدَ الاْءَمْرَیْنِ أو کِلَیْهِما:

الأوّل: المرفوع هو قلم التکلیف و الوضع کلاهما کما علیه صاحب الجواهر.(8)

الثانی: المرفوع هو قلم المؤاخذة و العقوبة الشرعیة دنیویة کانت أو اُخرویة، و الدنیویة بلا فرق بین کونها بدنیة نحو: القصاص و الحدود و التعزیرات، أو مالیة نحو: الدیات، و قلم المؤاخذة هو فعل الشارع و هو قابل للوضع و الرفع.

ص: 23


1- 1 . المبسوط 2/282، 3/3، 4/51، 5/52 و 194، 7/68، 8/21.
2- 2 . الخلاف 2/41 و 218 و 449، 3/179 و 353، 5/176 و 324، 6/389.
3- 3 . الناصریات /282.
4- 4 . السرائر 3/207.
5- 5 . السرائر 3/324 و 325.
6- 6 . السرائر 3/451.
7- 7 . راجع لأجل تحصیلها: جواهر الفقه لابن البراج /188، غنیة النزوع /43، المعتبر 2/290 و 767، تذکرة الفقهاء 4/336، 5/12 و 367، 6/99 و 100 و 147، 7/23 و 40، 9/294، نهایة الإحکام 2/159 و 455، مختلف الشیعة 1/445، 4/333 و 337، 9/282، إیضاح الفوائد 2/50، 4/101 و 520 و 600، المهذب البارع 5/192.
8- 8 . الجواهر 32/5 و فیه: «... نصوص رفع القلم الشامل للوضعی و التکلیفی...».

و لأحد أن یَقُوْلَ: بأنّ المرفوع عن الثلاثة هو الأقلام الثالثة: التکلیف و الوضع و المؤاخذة.

ولکن ناقش الشیخ الأعظم فی دلالة الحدیث بوجوه ثلاثة:

قال: «ففیه: أوّلاً: أنّ الظاهر منه قلم المؤاخذة لا قلم جعل الأحکام و لذا بنینا _ کالمشهور_ علی شرعیة عبادات الصبی.

الثانی: أنّ المشهور علی الألسنة أنّ الأحکام الوضعیة لیست مختصّة بالبالغین فلا مانع من أن یکون عقده سببا لوجوب الوفاء بعد البلوغ، أو علی الولی إذا وقع بإذنه أو إجازته، کما تکونُ جنابته سببا لوجوب غسله بعد البلوغ و حرمة تمکنه من مسّ المصحف.

و ثالثا: لو سلّمنا اختصاص الأحکام حتی الوضعیة بالبالغین، لکن لا مانع من کون فعل غیر البالغ موضوعا للأحکام المجعولة فی حقِّ البالغین، فیکون الفاعل _ کسائر غیر البالغین _ خارجا عن ذلک إلی وقت البلوغ»(1).

نقد الاشکال الأوّل للشیخ الأعظم

ذهب الشیخ الأعظم فی أوّل إشکالاته الثلاثَة إلی أن المرفوع هو قلم المؤاخذة فقط دون الأحکام التکلیفیة و الوضعیة، لأنّ المرفوع لابدّ أن یکون ثقیلاً و لیس الثقیل إلاّ المؤاخذة و إلاّ الحکم بما هو حکم من دون مؤاخذة لیس فیه ثقل حتّی یرفع.

مضافا إلی أنّ مورده مقام الامتنان و هو یصدق فی رفع المؤاخذة لا الأحکام. و إلاّ فأیّ امتنانٍ فی رفع حکم مشروعیة عبادات الصبی و الذهاب إلی تمرینیتها مع أنّ المختار هو القول بمشروعیتها.

ولکن یرد علیه أوّلاً: الأحکام التکلیفیة أیضا ففیها ثقل و إلاّ لم یصدق علیها مادة الکُلْفة و التکلیف، مضافا إلی وجود الثقل فی کثیر من الأحکام الوضعیة أیضا من الضمانات و الدِّیات و القصاص فیصدق علی رفعهما الامتنان.

ص: 24


1- 1 . المکاسب 3/278.

و ثانیا: بالنسبة إلی مشروعیة عبادات الصبی أنّها تجتمع مع رفع الأحکام التکلیفیة الإلزامیة، بحیث یرفع الإلزام من الصبی و یبقی الاستحباب و المشروعیة الذاتیة و الأمر غیر الإلزامی، و الامتنان أیضا یقتضی بقاء المشروعیة.

فَإنْ قلتَ: إنّ الأحکام الشرعیة المجعولة بسیطة و إذا انتفی الحکم اللزومی لم یبق منه الاستحباب و المشروعیة لبساطته.

قلتُ: نعم، بساطة الأحکام صحیحة، ولکن یمکن استفادة مشروعیة عبادات الصبی من الأخبار الواردة(1) فی حق أولیائه فی أمرهم إِیّاهُ بالصلاة و هو ابنُ سِتِّ سنین أو سبع، و من المعلوم أنّ الأمر بالأمر یدل علی مطلوبیة المامور به و مشروعیته، فبهذه الأخبار یُدْفَعُ الإشکال عن مشروعیة عبادات الصبی، و الأمر موکول إلی محلّه.

و ثالثا: لا یمکن الالتزام بأنّ المرفوع هو قلم المؤاخذة و رفع العقوبة، لأنّ رفعها یعنی رفع فعلیتها مع وجود استحقاق العقوبة، و من الواضح عدم امکان استحقاق العقوبة فی الثلاثة إلاّ فی الصبی الممیّز القابل للخطاب ولکن الإجماع و الضرورة ینفیان عنه الاستحقاق.

و رابعا: لا مضی لرفع المؤاخذة فی المقام إلاّ برفع منشأ استحقاقها و هو رفع الأحکام التکلیفیة.

نقل مقالة المحقّق الایروانی و نقده:

قال قدس سره : «... لا یجدی ذلک فی صحة الاستدلال بالحدیث لرفع التأثیر عن إنشاء الصغیر، و ذلک أنّ تأثیر الانشاء فی حصول عنوان المنشأ _ کعنوان النکاح و البیع و الهبة _ تأثیر تکوینی فی أمر اعتباری، فیکون کتأثیر سیفه فی القطع و قلمه فی الکتابة و هذا لا یرفعه حدیث الرفع. و أمّا رفع الآثار المترتبة شرعا علی العناوین المتولدة من إنشائه علی أن لا یکون البیع الحاصل بانشائه محکوما بأحکام البیع، فذلک فی البشاعة یساوق القول بعدم ترتیب أحکام الأموات علی من مات بسیفه أو أحکام المصحف علی ما کتبه بقلمه و

ص: 25


1- 1 . راجع وسائل الشیعة 4/18، الباب 3 من أبواب أعداد الفرائض من کتاب الصلاة.

هکذا. و معلوم بالقطع أن حدیث الرفع لا یرفع إلاّ أحکاما مترتبة بلا واسطة علی فعل الصغیر، لا أحکاما مترتبة حتّی مع الواسطة»(1).

و فیه: أوّلاً: لا یظهر لنا مراده قدس سره من «أنّ تأثیر الانشاء فی المنشأ تأثیر تکوینی فی أمر اعتباری»، بعد مغایرة عالَمی التکوین و الاعتبار فی الوجود.

و العجب من قَوْلِهِ: «أنّ الإنشانیات تتحقق من خلال الإنشاء تکوینیّا»(2).

و ثانیا: تنظیر انشاء الصبی بقتله بالسیف أو کتابته المصحف أو غَیْرِهِما من الامور التکوینیة لاوَجْهَ له؛ لأنّ حدوث المعاملات بالمعنی الأعم بالإنشاء یحتاج إلی إمضاء شرعی من الشارع و هو ینفی ذلک بالنسبة إلی الثلاثة.

و ثالثا: إذا تمکن الشارع من الرفع بالنسبة إلی الثلاثة و أحکامهم فما الفرق بین أحکام بلا واسطة و مع الواسطة؟! و حیث أنّ الاعتبار سهل و بید المعتبِر و یکفی فی صحتها عدم اللغویة فما الفرق بینهما؟!

اشکال المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله علی الشیخ الأعظم قدس سره و نقده:

قال قدس سره : «و یرد علیه: أنّ العقوبة و المؤاخذة _ کالمثوبة و الاُجرة من الاُمور التی لاصلة لها بعالَم الجعل بوجه، بل هی مترتبة علی الجعل ترتب الأثر علی ذی الأثر و علیه فلا معنی لتعلق الرفع بما لم یتعلق به الجعل»(3).

و فیه: العقاب _ و کذا الثواب _ یمکن أن یکون أمرا مجعولاً کما هو کذلک فی الاُمور الاعتباریة التی منها الشرعیات، فإذا کان أمرا مجعولاً یصح العفو عن العقوبة و التفضل و الإضعاف فی المثوبة، فلا یرد هذا الاشکال علی الشیخ الأعظم کما فی العقد النضید(4).

ص: 26


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/168.
2- 2 . العقد النضید 2/430.
3- 3 . مصباح الفقاهة 3/250.
4- 4 . راجع العقد النضید 2/424.

نقد اشکاله الثانی:

ذهب الشیخ الأعظم إلی التسالم مع القوم و قبول أنّ القلم الوارد فی حدیث یشمل الأحکام ولکنّه مختص بالأحکام التکلیفیة لا الوضعیة منها لأنّ المشهور یذهبون إلی ثبوت الأحکام الوضعیة فی حقّ غیر البالغین نحو الضمانات و الأحداث مثل الجنابة و مسّ المیت و الأخباث کنجاسته.

و إذا لم یرفع الأحکام الوضیعة عن الصبی فلا مانع من أن یکون عقده سببا لوجوب الوفاء به علیه بعد بلوغه، أو لوجوب الوفاء به علی ولیّه إذا وقع العقد بإذنه أو إجازته.

و یرد علیه: عدم ثبوت نسبة الشهرة فی ثبوت الأحکام الوضعیة إلی غَیْرِ البالغین کما اعترف به الشیخ الأعظم نَفْسُهُ فی أوّل کلامه: «المشهور... بطلان عقد الصبی»(1) و قد ادُّعِیَ علیه الإجماع فی الغنیة(2) و التذکرة(3) و فی کنز العرفان(4) نسبه إلی الأصحاب، و کذا یرد الإجماع فی کلام المتأخرین نحو: الشیخ جعفر(5) و السیّد العاملی(6) و صاحب الجواهر(7) و الفاضل المراغی(8) رحمهم الله کما مرّ.

و انتساب الشهرة إلی طرفی المسألة لا یَتَناسَبُ مع مقامه العلمی.

و تخصیص نفوذ بعض الموارد نحو: الوصیة و التدبیر فی حقّ الصبی لا یثبت جریان جمیع الأحکام الوضعیة فی حقّه، و المشهور هو الْبِناءُ علی فساد عقوده و

ص: 27


1- 1 . المکاسب 3/275.
2- 2 . الغنیة /210.
3- 3 . تذکرة الفقهاء 14/185.
4- 4 . کنز العرفان 2/102.
5- 5 . شرح القواعد 2/39.
6- 6 . مفتاح الکرامة 12/547.
7- 7 . الجواهر 22/260.
8- 8 . العناوین 2/674.

إیقاعاته إلاّ ما خرج بالدلیل کما یظهر من المحقّق الاصفهانی(1) قدس سره .

ولکن اعترض المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله علی الشیخ الأعظم بقوله: «ولکنّه یناقض ما قد بنی علیه فی اصوله من أنّ الأحکام الوضعیة منتزعة من الأحکام التکلیفیة، و إذا فرضنا انتفاء الحکم التکلیفی عن الصبی فلا منشأ _ هنا _ لانتزاع الحکم الوضعی»(2)

و قد سَبَقَهُ فی هذا الاشکال اُستاذه الأصفهانی حیث یقول: «إنّ الغرض من انتزاع الوضع من التکلیف، إن کان حقیقة انتزاع مفهوم یقابل التکلیف _ کما هو واضح _ فمن البیّن أنّ فعلیة الأمر الانتزاعی بفعلیة منشأ انتزاعه، فلا یعقل ضمان فعلی مع منشأ تقدیری، و إن کان الغرض أنّه لا معنی للوضع إلاّ نفس الحکم التکلیفی التعلیقی فهذه دعوی العینیة، لا دعوی الانتزاع و الاِثنینیة فی المفهوم...»(3).

و هذا لا یَرِدُ علی الشیخ الأعظم قدس سره لأنّه یری انتزاع الأحکام الوضعیة من الأحکام التکلیفیة ولو لم تکن فعلیة و منجزة، و حیث یمکن عنده تصوّر تکلیف غیر منجز فی حقِّ الصبی مثلاً و بأنّه معلَّقا علی بلوغه، فینتزع الحکم الوضعی منه و قد صرح بهذا البیان فی فرائده و قال: «و لم یدَّع أحد إرجاع الحکم الوضعی إلی التکلیف الفعلی المنجَّز حال استناد الحکم الوضعی إلی الشخص حتّی یدفع ذلک بما ذکره بعض من غفل عن مراد النافین(4): من أنّه قد یتحقّق الحکم الوضعی فی مورد غیرقابل للحکم التکلیفی کالصبی و النائم و شبههما»(5).

و المحقّق الاصفهانی رحمه الله بصیر بهذه المقالة و لذا قال فی أوّل کلامه الماضی: «قد اکتفی قدس سره کما فی اصوله بانتزاع الوضع من الحکم المعلّق علی البلوغ و قال بعدم

ص: 28


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/14.
2- 2 . مصباح الفقاهة 3/251.
3- 3 . حاشیة المکاسب 2/14.
4- 4 . إشارات الاصول /7، للحاجی محمّدابراهیم الکلباسی؛.
5- 5 . فرائد الاصول 3/126.

اختصاصه بالحکم الفعلی المنجز»(1).

فلم یرد هذا النقد علیه ولکن یرد علی المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله .

ولکن یمکن ردّ نقد الاصفهانی علی الشیخ الأعظم بأنّه قد خلط بین منشأ الانتزاع الفلسفی و الاصولی و مقاله بالنسبة إلی منشأ الانتزاع الفلسفی تام، ولکن منشأ الانتزاع الاصولی لیس فی الواقع منشأ انتزاع بل یکون مصححا للانتزاع و لذا یمکن أن یأخذ المصحح له من الحکم التکلیفی الذی لیس له الفعلیة و التنجیز نحو تصحیح حکم الضمان الوضعی لحکم الشارع بوجوب دفع الغرامة من الصبی بعد بلوغه، و هذا المقدار یصحح الانتزاع الاصولی و منشائه و یظهر هذا الرد من العقد النضید.(2)

نقد اشکاله الثالث:

ذهب الشیخ الأعظم؛ فی هذا الاشکال إلی التسالم الکامل مع القوم بأنّ حدیث الرفع یشمل الأحکام التکلیفیة و الوضعیة معا ولکن ما المانع من تأثیر عقد الصبی بالنسبة إلی غیره الکبیر الذی عقد مع الصبی من وجوب وفائه بالعقد و حرمة نقضه من جانبه و أمّا بالنسبة إلی الصبی بعد بلوغه أثّر العقد أثره و لزم علیه الوفاء.

و بالجملة: نظره فی هذا الاشکال إلی جواز التفکیک بین طرفی العقد فی لزوم الوفاء به بالنسبة إلی الصبی یأتی اللزوم بعد بلوغه و أمّا بالنسبة إلی الکبیر الذی عقد معه فیأتی اللزوم بعد عقده، نظیر ذلک مثل العقد بین الفضول و الأصیل، بحیث أن العقد و کما أنّ عقد الفضولی لا یترتب علیه الملکیة و کذلک عقد الصبی و الملکیة فیه منوط ببلوغه و کذلک وجوب الوفاء به، هذا توضیح الاشکال الثالث له قدس سره .

و یرد علیه: أوّلاً: بعد تَسْلِیْمِهِ بأنّ الأحکام الوضعیة لا تجری فی حقِّ الصبی، فما الفرق بین تأثیر إنشائه علی نحو الجزئیة _ نحو لزوم الوفاء من جانب الکبیر_ و عدم تأثیره علی نحو الکلّیّة التامة _نحو لزوم الوفاء من الجانبین _، کما أشار إلیه المحقّق

ص: 29


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/14.
2- 2 . العقد النضید 2/427.

الإیروانی قدس سره فی حاشیته علی المکاسب بقوله: «بعد الاعتراف باختصاص الأحکام الوضعیة بالبالغین لا یسعه الالتزام بأنّ إنشاء الصبی جزء المؤثّر فإنه یناقض ذلک، إذ لا فرق بین الالتزام بجزء المؤثر أو تمام المؤثر فی أنّه التزام بعموم الحکم الوضعی لأفعال الصبی»(1).

و ثانیا: کیف یمکن التََّفْکِیْکُ بین حکمی التکلیفی و الوضعی و بین طرفی العقد فی الحکم التکلیفی، و بین لزوم الوفاء بالعقد من طرف البالغ الکبیر و عدم حصول الملکیة له؟! و لعل إلی ما ذکرنا أشار المحقّق النائینی قدس سره بقوله: «عدم إمکان تفکیک الآثار بین البالغ و غیره فی ما کان ذات الفعل موضوعا للأثر، بل فی ما کان الأثر مترتبا علی الفعل القصدی أیضا، فإنّه لو أفاد عقد الصبی الملکیة فلا یمکن أن لا یکون مؤثرا فعلاً و یصیر ذا أثر بعد البلوغ، أنّ کون فعله موضوعا للأحکام المجعولة فی حقِّ البالغین فرع أن یکون فعله مؤثرا و هذا أوّل الکلام، لأنّه یحتمل أن یکون وجوده کعدمه کما فی عقد المجنون و مثله، فکیف یمکن أن یکون هذا الذی صدر من مثل المجنون موضوعا لحکم البالغ العاقل؟!»(2).

أقول: قوله: «إنّ کون فعله موضوعا» إلخ یمکن أن یشیر إلی الإشکال الأوّل.

فذلکة القول فی حدیث الرفع

المراد بالقلم فیه هو مطلق قلم التشریع بما فیه من الأحکام التکلیفیة و الوضعیة و إذا ارتفع التکلیف، یرتفع المؤاخذة و العقاب طبعا. کما یظهر ذلک من تسویة الصبی و تردیفه بالمجنون و النائم. و عدم وجود مانع من هذا الاطلاق حیث ناقشنا الإشکالات الواردة من الشیخ الأعظم قدس سره .

نعم، لا بأس بتخصیص هذا الإطلاق کما فی غیره من نفوذ حکمه بالنسبة الوصیة و التدبیر و العتق و إحرامه و اسلامه و عباداته کما مرّ عن التذکرة(3) و جنابته و نجاسته و

ص: 30


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/168.
2- 2 . منیة الطالب 1/360.
3- 3 . تذکرة الفقهاء 14/185.

ترتب بعض التعزیرات بالنسبة إلیه و بعض المجانین، ففی کلِّ مورد ثبت التخصیص فهو و إلاّ نتمسک باطلاق حدیث الرفع لنفی التکلیف و الوضع و المؤاخذة عنه و عن مثلیه.

الرابع: عدم جواز أمر الصبی

و المراد به عدم نفوذ تصرفاته بالبیع و الشراء و غیرهما من التصرفات، و إلغاء هذه التصرفات من الأثر و النفوذ و الصحة. کما قال السیّد العاملی: «و المراد بجواز أمره تصرّفه بالبیع و الشراء و نحوهما... عدم جواز أمره یعنی تصرّفه بجمیع أنواع التصرفات...»(1)

و قال الفاضل المراغی: «إنّ جواز الأمر عبارة عن النفوذ و الصحة...»(2).

و قد استدل بهذا الدلیل کلٌّ من أصحاب الحدائق(3) و الریاض(4) و المستند(5) و المفتاح(6) و العناوین(7) و الجواهر(8) و المکاسب(9).

و مستندهم عدّة من الروایات نَذْکُرُ ذَرْوا منها فیما یَلی مع بیانِ مَدی دلالتها المُدَّعاةِ:

فمنها: صحیحة عبداللّه بن سنان عن أبیعبداللّه علیه السلام قال: سأله أبی _ و أنا حاضر_ عن الیتیم متی یجوز أمره؟ قال: حتّی یبلغ أشدّه. قال: و ما أشدّه؟ قال: احتلامه، قال: قلت: قد یکون الغلام ابن ثَمانِیْ عشرة سنة أو أقل أو أکثر و لم یحتلم، قال: إذا بلغ و کتب علیه الشئ جاز أمره، إلاّ أن یکون سفیها أو ضعیفا.(10)

ص: 31


1- 1 . مفتاح الکرامة 12/548.
2- 2 . العناوین 2/676.
3- 3 . حدائق 18/369.
4- 4 . ریاض المسائل 8/217.
5- 5 . مستند الشیعة 14/263.
6- 6 . مفتاح الکرامة 12/548.
7- 7 . العناوین 2/675.
8- 8 . الجواهر 22/261.
9- 9 . المکاسب 3/276.
10- 10 . وسائل الشیعة 18/412، ح5، الباب 2 من أبواب کتاب الحجر.

و أنت تری بأنّه علیه السلام علّق جواز أمر الیتیم و نفوذ تصرفاته ببلوغه. و قد ورد تفسیر «أشدّه»(1) فی موثقة عبداللّه بن سنان(2) بِالاِحْتِلامِ و کذا فی معتبرة هشام بن سالم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: انقطاع یتم الیتیم الاحتلام و هو أشدّه، الحدیث.(3)

و منها: خبر حمران عن أبی جعفر علیه السلام فی حدیث قال: إنّ الجاریة لیست مثل الغلام، إنّ الجاریة إذا تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنین ذهب عنها الیتم و دفع إلیها مالها و جاز أمرها فی الشراء و البیع و اُقیمت علیها الحدود التامة و أخذت لها و بها، قال: و الغلام لا یجوز أمره فی الشراء و البیع و لا یخرج من الیتم حتی یبلغ خمس عشرة سنة أو یحتلم أو یشعر أو ینبت قبل ذلک.(4)

الروایة ضعیفة الإسناد بعبدالعزیز بن عبداللّه العبدی لتصریح النجاشی(5) بِضَعْفِهِ و أمّا غیره من رواتها فهم معتبرون عندنا. و دلالتها واضحة علی أن نفوذ أمره منوط بالبلوغ.

و منها: مرسلة الصدوق قال: قال أبوعبداللّه علیه السلام ءإذا بلغت الجاریة تسع سنین دفع إلیها مالها و جاز أمرها فی مالها و اُقیمت الحدود التامة لها و علیها.(6)

ولکن الشیخ الأعظم استشکل فی دلالة هذه الروایات بأن جواز أمره یعنی جواز أمره بالاستقلال، لا أنّه مسلوب العبارة بالکلّیّة و الشاهد علیه استثناء السفیه و من المعلوم أنّ السفیه لیس مسلوب العبارة بل هو محجور عن الاستقلال فی تصرفاته المالیة و ظهور الاستثناء فی المتصل لا المنقطع، و الصبی الذی لم یبلغ کذلک لیس مسلوب العبارة بالکلیة بل لایجوز و لاینفذ تصرفاته المستقلة و هذا نص عبارته بعد توضیحه:

ص: 32


1- 1 . سورة الأحقاف /15.
2- 2 . وسائل الشیعة 18/409، الباب 1 من أبواب کتاب الحجر، و 19/363، ح8، الباب 44 من أبواب الوصایا.
3- 3 . وسائل الشیعة 19/363، ح9.
4- 4 . وسائل الشیعة 18/410، ح1، الباب 2 من أبواب کتاب الحجر.
5- 5 . رجال النجاشی /244، الرقم 641.
6- 6 . وسائل الشیعة 18/411، ح3.

قال: «لکن الانصاف أن جواز الأمر فی هذه الروایات ظاهر فی استقلاله فی التصرف، لأنّ الجواز مرادف للمضیّ، فلا ینافی عدمه ثبوت الوقوف علی الإجازة، کما یقال: بیع الفضولی غیر ماض، بل موقوف.

و یشهد له الاستثناء فی بعض تلک الأخبار بقوله: «إلاّ أن یکون سفیها»، فلا دلالة لها حینئذ علی سلب عبارته، و أنّه إذا ساوم(1) ولیّه متاعا، و عین له قیمته و أمر الصبی بمجرد إیقاع العقد مع الطرف الآخر کان باطلاً، و کذا لو أوقع إیجاب النکاح أو قبوله لغیره بإذن ولیه»(2).

الخامس: النصوص الدالة علی أنّ عمد الصبی و خَطَؤُهُ

(3) سِیّانِ

منها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: عمد الصبی و خطأه واحد.(4)

و أنت تری بأنّها عامة تشمل الجنایات و غیرها و لم تکن مقیدة بخصوص الجنایات و لذا استدل بها الشیخ(5) علی ارتفاع الکفارة عن المحرّمات الصادرة من الصبی المُحْرِم و تبعه ابن ادریس.(6)

و إذا کان عمد الصبی و خَطَؤُهُ واحدا، یعنی أنَّ عمدَ خطأٌ، و إذا کان کذلک فیکون قصده لغوا شرعا و من المعلوم عدم تحقق الإنشاء من دون القصد، بل قوامها به.

فهذه الصحیحة تلغی جمیع عقود الصبی و إنشاءاته لعدم تحقق صدور القصد منه لأنّ عمده و خطأ واحد و من الواضح أنّ فی الخطأ لم یکن قصدا. فعقد الصبی باطل حتّی

ص: 33


1- 1 . المساومة: هی المجاذبة و المقاولة بین البائع و المشتری علی السلعة و فصل ثمنها.
2- 2 . المکاسب 3/277.
3- 3 . هذا هو الصحیح و أمّا «خطأه» کما فی الرسم القدیم خَطَأٌ.
4- 4 . وسائل الشیعة 29/400، ح2، الباب 11 من أبواب العاقلة.
5- 5 . المبسوط 1/329.
6- 6 . السرائر 1/636 و 637.

إذا کان بإذن ولیّه أو إنشائه بإذن لِولی.(1)

ثم فی دلالة هذه الصحیحة تتمة و مناقشة تأتی بَعْدُ.

و منها: معتبرة اسحاق بن عمار عن جعفر علیه السلام عن أبیه علیه السلام ، أنّ علیا علیه السلام کان یقول: عمد الصبیان خطأ تحمله (یُحمل علی) العاقلة.(2)

هذه المعتبرة مقیدة بالجنایة لتحمل العاقلة، ولکن لا تقیّد صحیحة محمّد بن مسلم الماضیة لأنّ کِلَیْهِما مُثْبَتَتانِ.

و منها: روایة الجعفریات بإسناده عن علی علیه السلام أنّه قال: لیس بین الصبیان قصاص، عمدهم خطأ، یکون فیه العقل.(3)

و سندها ضعیف بموسی بن اسماعیل لِمَجْهُوْلِیَّتِهِ.

و منها: مرسلة القاضی نعمان المصری عن علی علیه السلام أنّه قال: ما قَتَلَ المجنون المغلوب علی عقله و الصبی، فعمدهما خطأ علی عاقلتهما.(4)

و منها: مرسلة اُخری له عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال: و ما جنی الصبیُ و المجنون فعلی عاقلتهما.(5)

و منها: خبر أبی البختری(6) الماضی فی ذکر أحادیث رفع القلم.

و رفع القلم الوارد فی ذیل هذه الروایة لیست جملة مستأنفه بل هی مرتبطة بکون

ص: 34


1- 1 . کما یظهر ذلک من شیخنا الاستاذ قدس سره فی ارشاده 2/214 تبعا للشیخ الأعظم فی مکاسبه 3/282 حیث یقول: «و حینئذ فکلّ حکم شرعیٍّ تعلّق بالأفعال التی یعتبر فی ترتّب الحکم الشرعی علیها القصد _ بحیث لا عبرة بها إذا وقعت بغیر القصد _ فما یصدر منها عن الصبی قصدا بمنزلة الصادر عن غیره بلا قصد...».
2- 2 . وسائل الشیعة 29/400، ح3.
3- 3 . الجعفریات /124 و نحوها فی دعائم الاسلام 2/417، ح1453، و نقل عنهما فی مستدرک الوسائل 18/242، ح2، الباب 33 من أبواب القصاص.
4- 4 . دعائم الاسلام 2/417، ح1454، و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 18/243، ذیل ح3.
5- 5 . دعائم الاسلام 2/417، ح1454، و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 18/243، ح4.
6- 6 . وسائل الشیعة 29/90، ح2، الباب 36 من أبواب القصاص فی النفس.

الدیة علی العاقلة:

إمّا علی وجه العلّیة: بأنّ رفع القلم علّةٌ لوجوب الدیة علی العاقلة، لأنّ برفع القلم عن المجنون و الصبی یرفع المؤاخذة الاُخرویة و الدنیویة _ و هی إمّا القصاص و إمّا الدیة _ عنهما، و حیث لا یهدر دم امری مسلم تحمله العاقلة.

و إمّا علی وجه المعلولیة: بأنّ رفع القلم یکون معلولاً لتنزیل الشارع عمد المجنون و الصبی منزلة خطأهما و یکون قصدهما کلا قصد فحینئذ ارتفعت عنهما المؤاخذة الاُخرویة و الدنیویة.

و هذان الوجهان یشترکان فی ما نحن بصدده من عدم تحقق القصد من الصبی و حیث أنّ الإنشاء لایتحقق من دون قصد فلایتحقق منه إنشاء و لا عقد و لا إیقاع.

و یفترقان بالنسبة إلی الضمان بالإتلاف فعلی العلّیة لیس علیهما الضمان، لأنّ رفع القلم علّة لرفع المؤاخذات الاُخرویة و الدنیویة و منها الضمانات.

و أمّا علی المعلولیة، فتجری الضمانات لأنّ الشارع نزّل عمد الصبی منزلة خَطَئِهِ و حیث أن الضمانات تجری فی فرض الخطأ أیضا کما فی فرض العمد فلا یرفعه حدیث الرفع، لأنّ المعلول تابعٌ لعلّته سعة و ضیقا و حیث أن الضمان بالإتلاف یکون خارجا عن العلّة فهو خارج عن المعلول أیضا.

و هذا الافتراق لا یضرّ فی ما نحن بصدده کما بیّنه الشیخ الأعظم الأنصاری رحمه الله بقوله: «فإنّ ذکر رفع القلم» فی الذیل لیس له وجه ارتباط إلاّ بأن تکون معلولة لقوله: «عمدهما خطأ» یعنی أنّه لما کان قصدهما بمنزلة العدم فی نظر الشارع و فی الواقع رفع القلم عنهما. و لا یخفی أنّ ارتباطهما بالکلام علی وجه العلیة أو المعلولیة للحکم المذکور فی الروایة...»(1).

اعترض علیه المحقّق الاصفهانی قدس سره و ذهب إلی بطلان العلّیّة و المعلولیة فی هذا الذیل بجمیع وجوه العقلیة المتصورة بتفصیل مذکور فی کلامه ثم اختار فی آخر کلامه

ص: 35


1- 1 . المکاسب 3/283.

فی وجه ارتباط هذا الذیل بما قبله بأنّ: «تنزیل العمد منزلة الخطأ یقتضی بالمطابقة اثبات حکم الخطأ و هی الدیة علی العاقلة و یقتضی بالالتزام نفی حکم العمد و شبهه و هو جعل القصاص و الدیة فی مالهما، فحیث قال علیه السلام : «عمدهما خطأ»، فلذا أراد بیان ما یقتضیه بالمطابقة فقال علیه السلام : «تحمله العاقلة»، و أراد بیان ما یقتضیه بالالتزام فقال علیه السلام : «و قد رفع عنهما القلم» علی الترتیب بین الدلاتین»(1).

و تبعه فی نفی علیّة الذیل لما قبله و کذا المعلولیة المحققان الایروانی(2) و السیّد الخوئی رحمهماالله ، و استشکل الأخیر علی الشیخ الأعظم بقوله: «لا وجه لجعل رفع القلم علّة لکون الدیة علی العاقلة، لعدم العلیّة بینهما لا شرعا و لا عرفا و لا عقلاً، بل نسبة أحدهما إلی الآخر کوضع الحجر فی جنب الإنسان، و العجب من المصنف [الشیخ الاعظم] فإنّه قد التزم بثبوت العلّیّة و المعلولیة بین رفع القلم عن الصبی و بین ثبوت الدیة علی العاقلة، ولکن لم یستوضح المناسبة و السنخیة بینهما، غایة الأمر أنّه ثبت فی الشریعة المقدسة أنّ دم المسلم لا یذهب هدرا، و من الظاهر أنّ هذا الحکم مع مادلّ علی أنّ عمد الصبی خطأ یلازم ثبوت دیة الجنایة الصادرة من الصبی علی عاقلته.

و الصحیح أنّه لا ملازمة بینهما أیضا، لأنّ الحکمین المذکورین لا یدلاّن علی ثبوت الدیة علی خصوص العاقلة إذ یمکن أن تکون الدیة علی جمیع المسلمین أو من بیت المال أو غیر ذلک، کما أنّه لا وجه لجعل رفع القلم معلولاً لقوله علیه السلام : «عمدهما خطأ»، فإنّ رفع القلم مقوم لتنزیلِ العمد بمنزلة الخطأ لا أنّه معلول له»(3).

أقول: العلّیّة فی الاصول أعم من العلّیّة العقلیة و الشرعیة و العرفیة مثلاً یقال: «لا تشرب الخمر لأنّه مسکر و کلّ مسکرٍ حرام» فصارت المسکریة علّة لحرمة شرب الخمر.

ثم العلیة العقلیة فی الذیل لما قبله لا تَتُمُّ، لعدمها بین رفع القلم و سقوط القصاص و الدیة.

ص: 36


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/22.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/171.
3- 3 . مصباح الفقاهة 3/257.

و کذا العلّیّة الشرعیة، لعدم جعل الشارع العلّیّة لرفع القلم بالنسبة إلی عدم القصاص والدیة.

ولکن العلّیّة العرفیة و الاصولیة یمکن تصویرُهُما بأنّ الصبی إذا قتل شخصا لا یقتص منه و لا تتعلق الدیة بأمواله، لانّهما من مصادیق المؤاخذة و قلم المؤاخذة مرفوع عنه.

فحینئذ یمکن تصویر العلیة بالنسبة إلی الذیل خلافا للأعلام قدس سرهم و تبعا للعقد النضید.(1)

ثم المرفوع بقوله علیه السلام «رفع عنهما القلم» هو مطلق المؤاخذة و لایعقل تصویر الدلالة الالتزامیة فیه _ لأنّ المدلول الالتزامی هو المؤاخذة الخاصة _ أعنی ثبوت القصاص والدیة _ لا المؤاخذة المطلقة، و المرفوع فی الذیل هو المؤاخذة المطلقة فلا یمکن حملها علی المقیدة إلاّ علی نحو العلّیّة العرفیة الاصولیة المدعاة فی کلام الشیخ الأعظم و بهذا الأخیر یظهر المناقشة فی کلام المحقّق الاصفهانی رحمه الله .(2)

أخذ الصبی باتلافه مال الغیر

قال الشیخ الأعظم قدس سره : «ثم إنّ مقتضی عموم هذه الفقرة [و قد رفع عنهما القلم] _ بناءً علی کونّها علّة للحکم عدم مؤاخذتها بالإتلاف الحاصل منهما، کما هو ظاهر المحکی عن بعض إلاّ أن یلتزم بخروج ذلک من عموم رفع القلم و لا یخلو عن بعد»(3).

و اعترض علیه المحقّق الإیروانی بقوله: «لا یخفی ما فیه، فإنّه مع القرینة المتصلة بالکلام علی قصر المرفوع بقلم العمد و أنّ المرفوع أحکام اُخذ فی موضوعها العمد کیف یبقی لهذه الفقرة عموم بل یتعیّن أن یکون المرفوعُ بهذه الفقرة أحکاما اُخذ فی موضوعها العمد دون أحکام اُخذ فی موضوعها الخطأ، أو أحکام هی أعمّ من العمد و الخطأ _ کالضمانات _ فإنّ اطلاق أدلة تلک الأحکام یکون محفوظا علی حاله بلا دلیل حاکم

ص: 37


1- 1 . العقد النضید 2/254.
2- 2 . راجع العقد النضید 2/255.
3- 3 . المکاسب 3/283.

علیه.

بل أقول: هذا القصر الوارد علی هذه الفقرة بالقرینة المتصلة فی هذه الروایة یوجب سقوط سائر الروایات المشتملة علی رفع الحکم عن الصبی و المجنون عن العموم و الشمول لأحکام مختصّة بعنوان الخطأ أو عامّة لکلِّ من العمد و الخطأ»(1).

و أجاب عن الاعتراض الاُستاذ المحقّق _ مدظله _ أنّ الظاهر منه قدس سره اختصاص رفع القلم بالاُمور القصدیة المأخوذة فیها العمد، بالفرق بین أن یکون علّة أو معلولاً، و علی هذا بناءً علی العلّیّة، صارت ذکرها لغوا و لم تفد زائدا علی المعلول شیئا و یسقط القاعدة الدارجة أنّ العلّة، تعمّم و تخصّص هذا أوّلاً.

و ثانیا: علی فرض احتفاف خبر أبی البختری بالقرینة المانعة من إطلاق ذیله _ أی رفع القلم _ ولکن لایوجب نفی إطلاق غیرها من الروایات نحو صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: عمد الصبی و خَطَؤُهُ واحد(2)، و یأتی الکلام حولها. و کذا لا یوجب نفی إطلاق غیرها من روایات رفع القلم الماضیة لأنّهما مُثبتتان و لیستا بمتنافَیَتَیْنِ و مُتَخالِفَتَیْنِ و کذلک لا یثبت أنّ الحکم فیهما علی نحو صرف الوجود و أن یکون واحدا.

و بالجملة: علی فرض تقیید خبر أبی البختری بالقرینة، فغیرها من روایات عمد الصبی و رفع القلم مطلقة فیؤخذ باطلاقها.(3)

هذا، و قال المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله فی کیفیة توجّه الضمانات إلی الصبی مع رفع القلم عنه: «إنّ المراد من دلیل رفع القلم عن الصبی، إنّما هو رفع الأحکام الإلزامیة عنه منذ نعومة أظفاره إلی حدّ بلوغه، و هذا لا ینافی توجّه تلک الأحکام علیه بعد زمان البلوغ، و قد تقدّم أنّ فعل الصبی قد یکون موضوعا لتوجّه الأحکام الإلزامیة علیه بعد بلوغه»(4).

ص: 38


1- 1 . حاشیته علی المکاسب 2/172.
2- 2 . وسائل الشیعة 29/400، ح2.
3- 3 . العقد النضید 2/460 و 459.
4- 4 . مصباح الفقاهة 3/262.

ولکن یرد علیه: أوّلاً: رفع القلم لا یمکن أن یشمل إتلاف الصبی، لأنّه امتنانی، و رفع الضمان عن الصبی خلاف الامتنان علی المالک فلا یشمله رفع القلم و هذا الإشکال حلیٌّ.

و ثانیا: هذا السیّد المحقّق الجلیل ذهب إلی عدم ثبوت الخمس فی مال الصبی مستدلاّ برفع القلم بدلیل أنّ الرفع یشمل الأحکام الوضعیة و التکلیفیة، و الخمس من الوضعیات فیرتفع برفع القلم، ثم یَرِدُ علیه بأنّ الضمان أیضا من الوضعیات فیرتفع برفع القلم علی قوله و مبناه، فکیف یذهب إلی ثبوت الضمان و یختص رفع القلم بالأحکام الإلزامیة دون الوضعیات هنا. و هذا نَقْضٌ علیه قدس سره .

و الإیرادان للاستاذ المحقّق(1) _ مدظله _ .

و الحاصل: الضمان ثابت علی الصبی بإتلافه مال الغیر و لا یرفعه رفع القلم، لأنّ فی الرفع خلاف الامتنان، ولکن توجّه خطاب التکلیف بالأداء یکون بعد بلوغه.

ثم هل یمکن الأخذ بإطلاق عبارة «عمد الصبی و خَطَؤُهُ واحد»؟

الواردة فی صحیحة محمّد بن مسلم(2) الماضیة أم لا؟ ذهب القوم إلی عدم إمکان الأخذ بهذا الاطلاق و کلّ واحد منهم یستند إلی دلیل خاص:

مستند المحقّق الحائری قدس سره علی عدم الاطلاق و اختصاص الصحیحة بالجنایات

قال: «أوّلاً: إنّ الظاهر منه تنزیل العمد منزلة الخطأ و تشبیهه به فی الحکم، لا مجرد سلب حکم العمد و إلاّ لم یکن وجه لذکر الخطاء، بل کان ینبغی أن یقال: عمده کالعدم، فلابدّ أن یکون مصبّ هذه القضیة عملاً کان لعمده حکم و لخطائه حکم، فیحکم بأنّ عمده من الصبی بحکم الخطاء من غیره، و هو کما فی باب الجنایات فلا مساس له بالمعاملات و لا دخل له بمسألة سلب قصده و جعله کلا قصد مطلقا.

و ثانیا: الظاهر منه ما إذا کان عنوان العمل محفوظا مع کلِّ من العمد و الخطأ فلا

ص: 39


1- 1 . راجع العقد النضید 2/458.
2- 2 . وسائل الشیعة 29/400، ح2.

یصح إجراؤه فی عمل کان عنوانه متقوّما بالقصد و مع الحظأ یرتفع موضوعه فلا یتصور فی موضوعه الخطاء، و الأوّل کعنوان القتل، و الثانی کعنوان العقد و الإیقاع.

و بالجملة: فیختصّ الخبر بباب الجنایات...»(1).

و اعترض علیه تلمیذه المحقّق السیّدُ الخمینی رحمه الله و قال فی ردّ اشکاله الأوّل: «إنّ الأظهر فی مثل هذا التعبیر إرادة سلب الإثر عن العمد کما یقال: «فلان قوله و عدم قوله سواء» یراد أنّه لا یترتب علی قوله أثر، ولو منع هذا الظهور فلا أقل من اطلاقه لکلا الموردین _ أی العمد و الخطأ _ فلا وجه لاختصاصه بما ادعی»(2) _ أی عمد الصبی فی باب الجنایات فقط _ .

و قال فی ردّ اشکاله الثانی: «ففیه: ما لا یخفی، لأنّ الظاهر من قوله علیه السلام «عمده خطأ» أم «عمد و خطأه واحد»، أنّ کلّ ما صدر منه عمدا خطأٌ تنزیلاً، فالعقد الصادر منه علی قسمین: قسم صدر عمدا و قسم خطأً، کمن أراد تزویج فاطمة بزید فأخطأ و قال: زوّجت سکینة عَمْرا، أو أراد إجارة ملک فأنشأ بیعه خطأً، فکما أنّ الإنشاءَ الْخَطَئِیَّ لا یتریب علیه أثر فکذلک العمدی منه، فکلّ ما صدر منه و أمکن تقسیمه إلی العمد و الخطأ کان عمده بمنزلته، و الاختصاص بالأفعال الذی ذکرها بلا مخصص...»(3).

ثم اختار هو وجه عدم الاطلاق فی المقام بقوله: «ورود جمیع الروایات المتقدمة و غیرها الواردة فی المجنون و الأعمی فی مورد الجنایة و کون الحکم فیها معهودا یوهن الاطلاق، لقوة احتمال إتکال المتکلّم علی تلک المعهودیة فلم یذکر القید»(4).

دلیل المحقّق النائینی علی عدم الاطلاق

قال: «و الانصاف عدم دلالته علی حجره من مطلق الأفعال القصدیة و ذلک:

[1]: لتذلیل هذه الجملة فی بعض الأخبار بکون دیته علی عاقلته الموجب

ص: 40


1- 1 . کتاب البیع 1/209 و 208، لشیخنا آیة اللّه الشیخ محمّدعلی الأراکی.
2- 2 . کتاب البیع 2/27.
3- 3 . کتاب البیع 2/26.
4- 4 . کتاب البیع 2/26.

لاختصاصه بباب الجنایات، و تصیر قرینة علی إرادة ذلک منه حتّی فی الأخبار الغیر المذیلة بذلک الذیل.

[2]: و مع قطع النظر عن هذه القرینة یکون المتعارف فی التعبیر عن هاتین الکلمتین أعنی العمد و الخطأ هو باب الجنایات و باب کفارة الإحرام، و هذا التعارف أیضا یوجب صرفهما عن الظهور فی العموم...»(1).

ولکن یرد علی الأوّل: بأنّ صحیحة محمّد بن مسلم و غیرها من الروایات مثبتات و لا یمکن تقییدها بهنَّ، و لعدم إحراز أنّ المطلوب فیهنَّ شئ واحد.

و یرد علی الثانی: أنّ «الثابت عند الأصحاب أنّ ما یوجب سقوط الاطلاق هو التشکیک فی الصدق بنحو الظهور و الخفاء _ کالتشکیک فی صدق ما لا یؤکل لحمه علی الأنسان _ دون التعارف، حیث لا یوجب انصراف الاطلاق عن غیر المتعارف إلی خصوص المتعارف». کما قاله الاُستاذ المحقّق(2) _ مد ظله _ .

استدلال المحقّق الاصفهانی علی عدم الاطلاق

قال: «تارة للفعل العمدی حکم و للخاطیء(3) حکم آخر کما فی باب الجنایات من ثبوت القصاص فی العمد و الدیة فی مال الجانی فی شبه العمد و ثبوت الدیة علی العاقلة فی الخطأ، و اُخری للفعل العمدی حکم و لا حکم للخطأ کما فی محظورات الإحرام ما عدا الصید المترتب علیه الکفارة مطلقا، فغیر الصید مرتب علی عمده الکفارة دون خطائه، و مقتضی تنزیل العمد منزلة الخطأ فی الشق الأوّل ترتیب حکم الخطأ علی العمد المضاف إلی الصبی أو المجنون، و مقتضی تنزیل العمد منزلة الخطأ فی الشق الثانی عدم ترتیب حکم العمد علی هذا العمد الخاص... .

و علیه فالاستدل بعمد الصبی خطأ فی المعاملات باللحاظ الثانی حیث أنّ

ص: 41


1- 1 . المکاسب و البیع 1/401.
2- 2 . العقد النضید 2/443.
3- 3 . لو قالَ: لِلْمُخْطِئیِ... إلخ لأصابَ شاکِلةَ الصوابِ، لاِءن الخاطِی ء هو مُتعّمُد الخطیئة «لا یأکُلُهُ إلاّ الخاطِئُون».

المعاملات أمور عمدیة قصدیة، فإذا صدرت من الصبی الذی عمده خطأ لم یترتب علیها أحکامها و آثارها.

و فیه: إنّ الظاهر مقابلة العمد مع الخطأ لا القصد مع عدمه، و إنّما یتصور العمد و الخطأ فیما أمکن انقسامه إلیهما، بأن یکون وقوع مسببه علیه قهرا معقولاً، فتارة یصیب القصد بالاضافة إلی ما یترتب علیه، و اُخری یخطی عنه کالرمی الذی یترتب علیه القتل المقصود به تارة و غیر المقصود به اُخری، و لا یترتب علی الأسباب المعاملیة شئ قهرا حتّی یکون تارة مقصودا من السبب و اُخری غیر مقصود منه، لیوصف المترتب علیه بأنّه عمدیٌّ تارة و خطئیٌّ اُخری.

فإن قلت: من یقول بعدم تبعیة العقود للقصود و یدّعی أنّ ما قصد یمکن أن لا یقع، و أن یقع ما لم یقصد، کالمصنف [الشیخ الأنصاری] قدس سره فی مبحث المعاطاة(1) فلا محالة یتصور للعقد فردین عمدیا و خَطَئِیّا، باعتبار ما وقع للقصد و عدم موافقته للقصد.

قلت: أوّلاً: إنّا قد بیّنا فی محلّه أنّ الحقائق المعاملیة اُمور تسبیبیة مُتَقَوِّمة بالقصد، لا أنّها فقط تحتاج إلی سبب، و أنّ الاُمور المدّعی ترتبها علی ما لم یتسبب به إلیها، إمّا من قبیل ترتب الأحکام علی موضوعاتها، أو من قبیل ترتب المسببات علی أسبابها، لا من قبیل ترتب الاُمور التسبیبیة علی أسبابها.

و ثانیا: الفرق بین الأسباب الواقعیة بالإضافة إلی مسبباتها الخارجیة کالرمی بالنسبة إلی القتل و الأسباب الجعلیة بالإضافة إلی المسببات الاعتباریة کالعقد بالإضافة إلی الملکیة و الزوجیة و نحوهما _ أنّ ترتب مسببات الأسباب الخارجیة علی أسبابها أمر، و ترتب حکم شرعی علیها أمر آخر، کالقتل العمدی المحکوم شرعا بحکم، و الخطئی منه بحکم آخر. بخلاف ترتب المسببات الاعتباریة علی أسبابها الجعلیة، فإنّه عین کونها محکومة بشئ فی اعتبار الشارع، فمعنی ترتب الملکیة المطلقة علی العقد الذی قصد به الملکیة المقیدة کونه محکوما فی نظر الشارع بالتأثیر فی الملکیة، و کون

ص: 42


1- 1 . المکاسب 3/46 و ما بعدها.

عمد الصبی خطأ بهذا المعنی خلف فی المقام، لأنّ الفرض إسقاط عقده عن درجة الاعتبار، لا تأثیره شرعا فی شیء أصلاً فلا واقع حتّی یوصف بأنّه خطئی، فإمّا لا خطأ له و إمّا یکون تنزیل العمد منزلته هنا خلفا، فتدبره فإنّه حقیق به، هذا کلّه بناءً علی التحفظ علی التقابل بین العمد و الخطأ.

و أمّا بناءً علی أنّ المراد تنزیل قصد الصبی منزلة عدمه فربّما یشکل بأنّ العقد علی أی حال قصدی سواء لوحظ العقد الإنشائی و هو المتقوم بقصد ثبوت المعنی باللفظ، أو لوحظ العقد بالحمل الشائع أی التسبیب إلی الملکیة قصدا بلفظ أو فعل، فلیس للعقد بمعنییه فردان قصدی و غیرقصدی حتّی ینزل الأوّل منزلة الثانی.

و یمکن دفعه: بإرادة العقد الإنشائی المقصود به التسبیب إلی الملکیة تارة، و ما لا یقصد به التسبب _ بل هزیً مثلاً_ اُخری فنزّل المقصود به التسبب من غیر البالغ منزلة ما لا یقصد به التسبب.

نعم، یشکل بأنّ قصد التسبب دخیل فی صورة العقد بیعا بالحمل الشائع مثلاً عقلاً لا شرعا، فلیس للقصد دخل شرعا، بل عقلاً، و حیث لا أثر لنفس القصد شرعا، فلا معنی لتنزیله منزلة عدمه، فیکون مورد هذه الأخبار کالجنایات التی لوقوعها قصدیّا أثر شرعا»(1).

و یرد علیه: أوّلاً: صدق اطلاق العمد و الخطأ فی غیر الجنایات لیست مسألة عقلیة حیث بحث حولها هذا المحقّق النحریر بل مسألة عرفیة و لغویة، و الاستفادة من الأبحاث العقلیة حول المسائِل العرفیة و اللغویة یوجب التعجب التام!

و ثانیا: یطلق الخطأ فی الروایات علی الفعل الصادر خطأ من دون أیّ عنایة أو مجاز فی العبادات التی تعتبر فیها النیة المتقومة بالقصد، نحو خبر علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال: سألته عن الرجل یخطئ فی أذانه و إقامته فذکر قبل أن یقوم فی الصلاة، ما حاله؟ قال: إن کان أخطأ فی أذانه مضی علی صلاته، و إن کان فی إقامته

ص: 43


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/(19-17).

انصرف فأعادها وحدها، و إن ذکر بعد الفراغ من رکعة أو رکعتین مضی علی صلاته و أجزأه ذلک.(1)

و ثالثا: و یطلق الخطأ فی الروایات فی أسباب المعاملات من دون تحقق الخطأ فی مسبَّبه کما ورد فی مکاتبة محمّد بنُ شُعَیْبٍ قال: کتبت إلیه: إنّ رجلاً خطب إلی عمّ له ابنته فأمر بعض إخوانه أن یزوّجه ابنته التی خطبها و أنّ الرجل أخطا باسم الجاریة فسمّاها بغیر اسمها و کان اسمها فاطمة فسمّاها بغیر اسمها، و لیس للرجل ابنة باسم التی ذکر المزوِّج، فوقّع: لا بأس به.(2)

و الروایتان و إن کانتا ضعیفتین من حیث السند بعبداللّه بن الحسن حفید علی بن جعفر لعدم ورود توثیقه فی الأُولی، و بمحمّد بن شُعَیْبٍ الراوی عن الرضا علیه السلام ولکنّه إمامی مجهول فی الثانیة و لکن إثبات المسألة اللغوی لا یحتاج إلی صحة السند بل یحتاج إلی ورود اللغة و إفادتها المعنی من دون عنایة و مجاز و قرینة کما یظهر ذلک من الروایتین فلا یتم ما ذکره المحقّق الاصفهانی قدس سره ، و هذه المناقشة تظهر من الاُستاذ المحقّق(3) _ مد ظله _ .

المانع من انعقاد الاطلاق عند المحقّق الخوئی

قال قدس سره : «فاعلم أنّه لایمکن أن یراد الإطلاق من تلک الروایات لوجود المانع و عدم المقتضی:

أمّا وجود المانع: فلأنّ الأخذ بإطلاقها مخالف لضرورة المذهب و موجب لتأسیس فقه جدید، ضَرُورَةَ أن لازم العمل بإطلاقها هو أن لایبطل صوم الصبی مع عدم الاجتناب عن مبطلات الصوم، فإنّ ارتکابه بها خطأ لا ینقض الصوم و المفروض أنّ عمد الصبی خطأ.

و أیضا یَلْزَمُ من ذلک القول بصحة صلاة الصبی إذا ترک عمدا أجزاءها التی لا یضرّ

ص: 44


1- 1 . وسائل الشیعة 5/442، ح5، الباب 33 من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 . وسائل الشیعة 20/297، ح1، الباب 20 من أبواب عقد النکاح و اولیاء العقد.
3- 3 . العقد النضید 2/448.

ترکها خطأ بصلاة البالغین، هکذا الکلام فی ناحیة الزیادة العمدیة فیها.

بل یلزم منه الالتزام بصحة صلاة الصبیان إذا اقتصروا فیها بالنیة و التکبیر للإحرام و الرکوع و السجدة الواحدة و السلام، فإن ترک ماسوی ذلک خطأ لا یضرّ بصلاة البالغین، و المفروض أنّ عمد الصبی خطأ.

بل یلزم من العمل باطلاق تلک الروایات أن لا تصح عبادات الصبیان أصلاً، فإنّ صحتها متوقفة علی صدورها من الفاعل بالإرادة و الاختیار... و دعوی انصراف تلک الروایات عن هذه الموارد دعوی جزافیة.

أمّا عدم المقتضی للاطلاق فلأنّ تنزیل عمد الصبی منزلة خَطَئِهِ علی وجه الاطلاق یقتضی أن یکون هنا أثر خاص لکلِّ منهما عند صدورهما من البالغین، لکی یکون تنزیل عمد الصبی منزلة خَطَئِهِ بلحاظ ذلک الأثر... و من الواضح أنّه لا مصداق لهذه الکبری إلاّ الجنایات فإنّها إن صدرت من الجانی عمدا فیقتص منه، و إن صدرت منه خطأ فَدِیَتُها علی عاقلته و علی هذا فیصح تنزیل جنایة الصبی عمدا منزلة جنایته خطأ، فتکون دیتها مطلقا علی عاقلته، أمّا فی غیر الجنایات فلا مورد لمثل هذا التنزیل أصلاً.

نعم، قد ثبت أثر خاص لکلِّ من العمد و الخطأ فی الصلاة و فی تروک الإحرام... ولکن أمثال هذه الموارد خارجة عن حدود الروایات الواردة فی تنزیل عمد الصبی منزلة خَطَئِهِ، ضرورة أنّ الآثار المذکورة إنّما تترتب علی الخطأ _ فی تلک الموارد_ إذا صدر من غیر الصبی. أمّا إذا صدر من الصبی ارتفع أثره بحدیث الرفع...»(1).

اُورد علیه بإشکالین: الأوّل: قوله علیه السلام «عمد الصبی و خَطَؤُهُ واحد» ظاهر فی جملة «عمد الصبی کلا عمد»، فلا حاجة لوجود أثر مستقل فی کلِّ واحد منهما حتّی تختص بباب الجنایات.

و الثانی: لو تنزّلنا و قلنا بعدم هذا الظهور، فلا أقل من شمول إطلاق الروایة لجملة عمده کلا عمد و یشملها الاطلاق.

ص: 45


1- 1 . مصباح الفقاهة 3/(256-254).

ولکن یمکن أن یدافع عنه قدس سره و یجاب عن الأوّل: بعدم تحقق هذا الظهور و الفرق بین الجملتین واضح و لو أراد علیه السلام «عمد الصبی کلاعمد» لذکرها.

و عن الثانی: و حیث أنّ عدم العمد یکون معنی عاما بحیث یشمل السهو و النسیان و النوم و الغفلة و الخطأ فلا یمکن اطلاق کلمة «الخطاء» بحیث یشمل «لا عمد»، نعم إن کان اللفظ «لا عمد» فباطلاقها تشمل «الخطاء» و لا عکس، لأنّ عدم العمد أعم من الخطأ و الخطاء أخص منه دائما، فاطلاق الخطأ لا یشمل «لا عمد».(1)

و استشکل الاُستاذ المحقّق _ مدظله _ علی السیّد الخوئی رحمه الله بأنّا «إذا دقّقنا النظر فی هذه الأخبار نجد أنّ التنزیل فیها ناظر إلی وحدة آثار العمد مع الخطأ و أنّه کما للعمد أثر کذلک للخطأ أثر و هو عدم الحکم بمقتضی رفع القلم، فالشارع بهذه الأخبار وحدّ العمد و الخطأ فی عدم الأثر»(2).

أقول: و بالجملة: لا یمکن الأخذ باطلاق صحیحة محمّد بن مسلم، لأنّ إطلاقَها یستلزم تدوین فقه جدید کما مرّ من المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله فی وجود مانع من تحقق هذا الإطلاق و الحمدللّه.

و الحاصل: اعتبار البلوغ یکون من شرائط المتعاقدین _ علی نحو الاستقلال _ بدلالة حدیث رفع القلم عن الصبی و عدم جواز أمره و أمّا إذا کان مأذونا من ولیّه أو وکیلاً من غیره فتکون إنشاءاته و عقوده و إیقاعاته نافذة و مَنْشَأً للأثر.

قال المحقّق النائینی رحمه الله فی فتاویه: «لو کان الصبیّ واسطةً فی ایصال الثمن أو المثمن إلی البالغ و کان هو البائع أو المشتری فلا بأس بهذه المعاملة، ولو کان الصبی مستقلاً فی البیع أو الشراء و کان یبیع و یشتری لنفسه فالظاهر فساد المعاملة، و کذا لو کان بالغا غیر رشید، لکن لو أذن له الوصی [الولی] فی معاملة خاصة بعد تعیین العوضین فالظاهر الصحة، و کذا لو أمضی معاملته بعد صدورها منه، و اللّه العالم»(3).

ص: 46


1- 1 . یظهر الجوابان من العقد النضید 2/(448-446).
2- 2 . العقد النضید 2/450.
3- 3 . الفتاوی، الصادرة منه قدس سره 2/43، جواب رقم 467، طبع دار الهدی، 1426، قم المقدسة، شرحها حفیده العلاّمة الشیخ جعفر النائینی _ دامت برکاته _ .

ثم إنّ هاهنا فروعا لابدّ من التنبیه علیها:

الأوّل: ثبوت الضمان علی الصبی

قد مرّ ثبوت الضمان علیه بإتلافه مال الغیر، و یتعلَّق بماله و یجب علیه الأداء تکلیفا بعد بلوغه، و من البدیهی لو أدی ولیّه من مال نفسه أو ماله أو أدی هو نفسه من ماله فی صغره برئت ذمّته.

و لا یمکن مطالبة المالک من ولیّه إلاّ إذا کان للصبی مال عند ولیّه و لو أداه برئت ذمّته کما مرّ.

الثانی: هل یرتفع التعزیر عن الصبی؟

قال الشیخ الأعظم قدس سره : «ثم إنّ القلم المرفوع هو قلم المؤاخذة الموضوع علی البالغین، فلا ینافی ثبوت بعض العقوبات للصبی کالتعزیر»(1).

مراده قدس سره : ثبوت بعض التعزیرات للصبی نحو تعزیره لأجل تعلیم الصلاة و إقامتها أو لردعه عن بعض المعاصی کالزنا و اللواط و السرقة.

أقول(2): التعزیرات الواردة فی الشریعة المقدسة إن اُخذ فی موضوعها البلوغ فهی ترتفع عن الصبیان من دون جریان حدیث رفع القلم، لعدم تحقق الموضوع بالنسبة إلیهم.

و إن اُخذ فی موضوعها الصِّبا فهی باقیة و جاریة فی حقِّهم لتحقق موضوعها و هی الصباوة بالنسبة إلیهم و لا ینفیها حدیث رفع القلم کما هو واضح.

و إن کان موضوعها علی نحو لا بشرط بالنسبة إلی البلوغ و الصباوة و لم تقیّد بأحدهما فهی مرفوعة عنهم بإطلاق حدیث رفع القلم فلا تجری فی حقِّهم. لأنّ هذه لو خلیت و طبعها تجری فی حقّهم ولکن بعد ثبوت حدیث رفع القلم لا یتم جریانها لحکومته علیها.

ص: 47


1- 1 . المکاسب 3/284.
2- 2 . کما علیه المحقّق الخوئی فی مصباح الفقاهة 3/263، و الاستاذ المحقّق _ مدظله _ فی العقد النضید 2/461.
الثالث: هل یعتبر قصد الصبی أم لا؟

قال الشیخ الأعظم: «و الحاصل، أنّ مقتضی ما تقدّم من الإجماع المحکی فی البیع و غیره من العقود، و الأخبار المتقدمة _ بعد انضمام بعضها إلی بعض _ عدم الاعتبار بما یصدر من الصبی من الأفعال المعتبر فیها القصد إلی مقتضاها، کإنشاء العقود أصالةً و وکالةً، و القبض و الإقباض، و کلُّ التزامٍ علی نفسه من ضمانٍ أو إقرارٍ أو نذر أو إیجار»(1).

أقول: قد ناقشنا وجود الإجماع فی المقام و علی فرض وجوده لا یُسْتَفادَ منه حُکْمٌ لکونه مدرکیا، و مرّ أنّ المستفاد من الأدلة عدم نفوذ عقود الصبی و إیقاعاته علی نحو الاستقلال و إمّا إذا کان مأذونا من ولیّه أو وکیلاً من غیره فتکون نافذة، فلایمکن القول بعدم اعتبار قصد الصبی مطلقا، بل یمکن أنْ یقال: بأنّ أیّ فعل من أفعاله لا یعدّ فی الصرف تصرفا فی أمواله الموجودة علی نحو الاستقلال فلا مانع من نفوذه فیحکم بصحة صیده و حیازته و تحجیره و إحیائه الموات و نحوها.(2)

الرابع: هل یصحُّ قبض الصبی

قال العلاّمة: «کما لا تصح تصرفاته [الصبی] اللفظیة کذا لا یصحّ قبضه و لا یفید حصول الملک فی الهبة و إن اتّهب الولی له و لا لغیره و إن أمره الموهوب منه بالقبض.

و لو قال مستحقّ الدَّین للمدیون: سلِّم حقی إلی هذا الصبی، فسلّم قدر حقّه، لم یبرأ عن الدَّین و بقی المقبوض علی ملکه لا یضمنه الصبی لأنّ البراءة تستند إلی قبضٍ صحیح و لم یثبت»(3).

و نحوها فی نهایته و زاد: «... کما لو قال: ارْمِ حقّی فی البحر، فألقی قدر حقّه، بخلاف ما لو قال للمستودع: سلّم مالی إلی الصبی أو ألقه فی البحر فسلّم أو ألقی، لأنّه امتثل المأمور فی حقّه المعین فخرج عن العهدة.

و لو کانت الودیعة للصبی فسلّمها إلیه، ضمن و إن کان بإذن الولی، إذ لیس له

ص: 48


1- 1 . المکاسب 3/284.
2- 2 . کما علی المحقّق الخوئی فی مصباحه 3/264.
3- 3 . تذکرة الفقهاء 10/12.

تضییعها بأمر الولی»(1).

ذکر الشیخ الأعظم(2) هذین القَوْلَیْنِ نَقْلاً مِن العلاّمة من دون تفکیک بین الکتابین بل نسبهما إلی التذکرة فقط، و عبارته منقولة من السیّد العاملی ولکن الأخیر نسبها إلی الکتابین و قال: «فروع ذکرها فی التذکرة و نهایة الإحکام»(3).

و حیث لم یعلِّق علیه فهو مقبول عنده.

ولکنّ المحقّقَ السیّدَ الخوئی قدس سره اعترض علیه و علی العلاّمة بأنّ «قبض الصبی یفید الملکیة فی الهبة و غیرها لقیام السیرة علی ذلک، بل مقتضی جملة من الروایات الواردة فی جواز إعطاء الصدقة و الکفارة للصبیان هو صیرورتهما ملکا بمجرد القبض»(4).

و الاستاذ المحقّق(5) _ مدظله _ ناقش السیرة بنوعیها _ العقلائیة و المتشرعة _ بالإجماع المذکور فی کلام العلاّمة فی حجر التذکرة(6) الماضی، و الروایات بأنّها ضعیفة الإسناد و ما صح إسنادها فهی التی تنصّ علی إعطاء الزکاة للصبی بمعنی صرفه فی شؤونه لا تملیکه لأنّه یتوقف علی قبول ولیّه و الفرق بین التملیک و الصرف واضح. ثم علی فرض التنزل فهی مختصة بالزکاة و لایمکن التعدی من المورد إلی کلِّ ما یعتبر فیه القبض.

أقول: قد مرّ فی أوّل أدلة البلوغ دعوی الإجماع و المناقشة فیه، و العجب من الاستاذ(7) _ مدظله _ أنّه ناقش الإجماع ثم یراه رادِعا عن السیرة العقلائیة و هذه مسافة

ص: 49


1- 1 . نهایة الإحکام 2/455.
2- 2 . المکاسب 3/285.
3- 3 . مفتاح الکرامة 12/550.
4- 4 . مصباح الفقاهة 3/260.
5- 5 . العقد النضید 2/(463-465).
6- 6 . تذکرة الفقهاء 14/185.
7- 7 . راجع العقد النضید 2/416.

الخلف بین القول و العمل، و سیرة المتشرعة لم تَتَحَقَّقْ عنده.

و أمّا الروایات فلابدَّ من ملاحظتها و أذکر للباحث بَعْضَها المذکورة فی کلام المحقّق السیّد الخوئی قدس سره :

فمنها: معتبرة عبدالرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبی الحسن علیه السلام : رجل مسلم مملوک و مولاه رجل مسلم و له مال یزکّیه و للمملوک ولد صغیر حرّ، أیجزی مولاه أن یعطی ابن عبده من الزکاة؟ فقال: لا بأس به.(1)

و منها: صحیحة أبی بصیر قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : الرجل یموت و یترک العیال، أَیُعْطَوْنَ من الزکاة؟ قال: نعم، حتّی ینشأوا و یبلغوا و یسألوا من أین کانوا یعیشون إذا قطع ذلک عنهم، فقلت: إنّهم لا یعرفون؟ قال: یحفظ فیهم میتهم و یحبّب إلیهم دِیْن أبیهم فلا یلبثوا أن یهتمّوا بدین أبیهم، فإذا بلغوا و عدلوا إلی غیرکم فلاتعطوهم.(2)

و منها: موثقة یونس بن یعقوب قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : عیال المسلمین اُعطیهم من الزکاة فأشتری لهم منها ثیابا و طعاما و أری أنّ ذلک خیر لهم؟ قال: فقال: لا بأس.(3)

ذکر الاستاذ المحقّق(4) _ مدظله _ هذه الروایة فقط _ و لعلّ اقْتِصارَهُ علیها لأجل تمامیة إسنادها عنده _ و حملها علی صرف الزکاة علیهم کما هو ظاهرها.

ولکن یمکن أن یقال بإطلاق کلمة اُعطیهم و المذکور فی کلام السائل أحد أقسام الإعطاء و هو الصرف و أراه خیرا فیستفاد من الموثقة جواز الصرف فی شؤونهم لاعدم جواز إعطائهم بل یتعلَّق «لا بأس» بالإعطاء فیشمل الموردین و اللّه العالم.

و منها: خبر أبی خدیجة عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: ذریّة الرجل المسلم إذا مات یعطون من الزکاة و الفطرة کما کان یعطی أبوهم حتّی یبلغوا، فإذا بلغوا و عرفوا ما کان

ص: 50


1- 1 . وسائل الشیعة 9/294، ح1، الباب 45 من أبواب المستحقین للزکاة.
2- 2 . وسائل الشیعة 9/226، ح1، الباب 6 من أبواب المستحقین للزکاة.
3- 3 . وسائل الشیعة 9/227، ح3.
4- 4 . راجع العقد النضید 2/463.

أبوهم یعرف اُعطوا، و إن نصبوا لم یعطوا.(1)

و منها: معتبرة یونس بن عبدالرحمن عن أبی الحسن علیه السلام قال: سألته عن رجل علیه کفّارة إطعام عشرة مساکین أَیُعْطِی [یطعم] الصغار و الکبار سواء و النساء و الرجال أو یفضّل الکبار علی الصغار و الرجال علی النساء؟ فقال: کلّهم سواء، الحدیث.(2)

و أنت تری بأنّ الروایات حتّی الصحاح و المعتبرة منها لا تَخْتَصُّ بما ذکرهُ الاستاذ المحقّق _ مدظله _ و لا یمکن حمل الإعطاء فیها بالصرف فقط بل یکون ظهورها باعطاء و أمّا ما نقله الاستاذ _ مدظله _ من فتوی المحقّق السیّد الخوئی فی المنهاج حیث یقول: «و تُعطی أطفال المؤمنین و مجانینهم، فإن کان بنحو التملیک وجب قبول ولیّهم، و إن کان بنحو الصرف مباشرة أو أمین فلایحتاج إلی قبول الولی»(3)

فهو محمولٌ علی الاحتیاط فی الفتوی و هو دیدن الفقهاء و غیر خفی علی الاستاذ الفقیه المحقّق _ دام ظله _ .

الخامس: هل تنفذ وصیة الصبی أم لا؟

قال العلاّمة فی القواعد: «یشترط فیه: [فی الموصی] البلوغ و العقل و الحریة، فلا تنفذ وصیة الصبی و إن کان ممیِّزا فی المعروف و غیره علی رأی، و لا وصیّة المجنون مطلقا و لا السکران»(4).

و قال السیّد المتتبع العاملی فی شرحه: «و هو خیرة السرائر و التحریر و الإیضاح و شرح الإرشاد لفخر الإسلام و کذا التلخیص و التبصرة و کأنّه قال به فی المسالک و الروضة، و فی المختلف و المهذب البارع و المقتصر و جامع المقاصد أنّه أحوط... و ظاهر التذکرة و اللمعة و کذا النافع و الدروس التوقف و التردد بل قد یقال أنّه فی الشرائع

ص: 51


1- 1 . وسائل الشیعة 9/227، ح2.
2- 2 . وسائل الشیعة 22/387، ح3، الباب 17 من أبواب الکفارات.
3- 3 . منهاج الصالحین 1/314، فی اوصاف المستحقین للزکاة _ الأوّل الایمان _ الطبعة الثامنة و العشرون عام 1410ق.
4- 4 . قواعد الأحکام 2/447.

متوقف.

و اختیر فی المقنعة و المراسم و النهایة و المهذب و الغنیة و کشف الرموز و الإرشاد و الروض و الکفایة و المفاتیح و التحریر فی باب الوکالة جواز وصیة من بلغ عشرا ممیزا. فی البرِّ و المعروف و هو خیرة أبی صلاح و أبی علی... و هو ظاهر الفقیه لأنّه رواه فیه، بل و الوسیلة... و هو الظاهر من غایة المراد و یمکن أن یدعی أنّه ظاهر الشرائع و النافع و الدورس... و قد نفی عنه البأس فی التنقیح و قال أیضا: أنّه أحوط،... و قال فی کشف الرموز: ذهب الشیخ و المفید و سلاّر و ابوالصلاح و أتباعهم إلی أنّ وصیة مَن بلغ عشرا جائزة فی المعروف من وجوه البرِّ، انتهی. و هو یفید الشهرة بین المتقدمین إن لم یفد اجماعهم و لا ریب انّ المراد إذا کان ممیزا...»(1).

أقول: الظاهر نفوذ وصیة الصبی إذا بلغ عشرا لما ورد فی عدّة من الروایات الصحاح:

منها: صحیحة أبی بصیر المرادی عن أبی عبداللّه علیه السلام أنّه قال: إذا بلغ الغلام عشر سنین و اوصی بثلث ماله فی حقٍّ جازت وصیته، و إذا کان ابن سبع سنین فأوصی من ماله بالیسیر فی حقٍّ جازت وصیته.(2)

و منها: موثقة عبدالرحمن بن أبی عبداللّه علیه السلام _ فی حدیث _ قال: إذا بلغ الغلام عشر سنین جازت وصیته.(3)

و نحوها معتبرة اُخری له.(4)

و منها: معتبرة بل صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال: إذا أتی علی الغلام عشر سنین فإنّه یجوز له فی ماله ما أعتق أو تصدّق أو أوصی علی حدٍّ معروف و حقٍّ فهو

ص: 52


1- 1 . مفتاح الکرامة 9/388 من الطبعة الاُولی.
2- 2 . وسائل الشیعة 19/361، ح2، الباب 44 من أبواب کتاب للوصایا.
3- 3 . وسائل الشیعة 19/362، ح3.
4- 4 . وسائل الشیعة 19/362، ح5.

جائز.(1)

و منها: موثقة منصور بن حازم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سألته عن وصیّة الغلام هل تجوز؟ قال: إذا کان ابن عشر سنین جازت وصیته.(2)

و منها: موثقة أبی بصیر و أبی أیوب عن أبی عبداللّه علیه السلام فی الغلام ابن عشر سنین یوصی؟ قال: إذا أصاب موضع الوصیة جازت.(3)

و منها: موثقة ابن بکیر عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: یجوز طلاق الغلام إذا کان قد عقل و وصیَّتُهُ و صدَقتُهُ و إن لم یحتلم.(4)

الاستدلال یتم بناءً علی أنّ الوارد فی الموثقة کلمة «یجوز» کما هو الظاهر و الاُولی و فی أکثر نسخ الکافی و کذا ورد فی التهذیب 8/76، ح257 و الاستبصار 3/303، ح1075، ولکن فی بعض نسخه «لا یجوز» و بناءً علیه فلا یتم الاستدلال.

و منها: صحیحة محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبداللّه علیه السلام یقول: إنّ الغلام إذا حضره الموت فأوصی و لم یدرک جازت وصیته لذوی الأرحام و لم تجز للغرباء.(5)

و هذه الصحیحة تفصل بین نفوذ وصیته لذوی أرحامه و عدم نفوذها للغرباء و لابدّ من الأخذ بها و الحکم بعدم نفوذها لغرباء الصبی. و اللّه العالم.

السادس: قول الصبی معتبر فی الإذن بدخول الدار

قال العلاّمة: «و لو فتح الصبیُّ الباب و أذن فی الدخول عن إذن أهل الدار أو أوصل هدیّةً إلی إنسان عن إذن المُهْدی، فالأقرب: الاعتماد لتسامح السلف فیه»(6).

ص: 53


1- 1 . وسائل الشیعة 19/362، ح4.
2- 2 . وسائل الشیعة 19/363، ح7.
3- 3 . وسائل الشیعة 19/363، ح6.
4- 4 . الکافی 11/645، ح4 من طبعة دارالحدیث عام 1430، و نقل عنه فی وسائل الشیعة 22/78، ح5، الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.
5- 5 . وسائل الشیعة 19/360، ح1.
6- 6 . تذکرة الفقهاء 10/12.

أقول: الأدلة المانعة عن نفوذ أمر الصبی و حدیث رفع القلم لا تشمل هذین الفرعین لأنّهما خارجان عنها خروجا موضوعیا أی یخرجان تخصّصا لا تخصیصا.

أمّا الأوّل: و هو جواز الدخول فی الدار مع إذن الصبی الکاشف عن إذن أهله غالبا أو حصول الاطمئنان بإذن أهله نوعا، فهذا الکشف أو الاطمینان یتبعان جواز الدخول لا قول الصبی، فحینئذ لو لم یکشف أو لم یطمئن مَنْ یرید الدخول، فلا یجوز أن یدخل حتّی لو أذن له الصبی لأنّ المِلاک فیه الکشف أو الاطمینان الماضیان، و لذا لو کشف أو اطمئن من غیر إذن الصبی نحو فتح الباب مع الفاتح التصویری أو أنّه یری أنّ الباب عن عمدٍ مفتوحٌ نحو أبواب بیوت مراجع الدین فلا بأس بالدخول.

و أمّا الثانی: و هو إیصال الهدیة إلی المهدی إلیه بوساطة الصبی أیضا فلا یدخل فی الأدلة المانعة، لأنّ الصبی لیس إلاّ آلة فی إیصالها، کإرسال الهدیة بالبرید أو حیوان معلَّم و نَحْوِهِما.

السابع: طلاق الصبی الممیّز
اشارة

قال العلاّمة فی المختلف: «طلاق الصبی الممیِّز _ و هو الذی بلغ عشر سنین فصاعدا_ جوّزه الشیخ(1) هنا و تبعه ابن البراج(2) و ابن حمزة(3) و رواه الصدوق فی کتابه(4) عن زرعة عن سماعة... .

و سوّغ ابن الجنید أیضا طلاق الصبی إذا کان یعقل الطلاق و یضع الاُمور فی مواضعها، و من کان بغیر هذه المنزلة منهم لا طلاق له.

و قال الشیخ علی بن بابویه فی رسالته: و الغلام إذا طلّق للسنة فطلاقه جائز.

و قال أبو الصلاح: و اشترطنا صحة التصرف احترازا من الصبی و المجنون و

ص: 54


1- 1 . النهایة /518.
2- 2 . المهذب 2/288.
3- 3 . الوسیلة /323.
4- 4 . الفقیه 3/504، ح4769.

السکران و فاقد التحصیل بإحدی الآفات(1)، و أطلق.

و قال: سلار: من شرط المطلِّق أن یکون مالکا أمره.(2)

و هذه الأقاویل کلّها تُفِیْدُ المنع من طلاق الصبی.

و قال ابن ادریس لما نقل کلام الشیخ فی النهایة: الاُولی ترک العمل بهذه الروایة لأنّها مخالفة لاُصول المذهب و الأدلة المتظاهرة...(3).

و المعتمد أنّه لا یصح طلاق الغلام حتی یبلغ، لأنّه محجور علیه فی تصرفاته...»(4).

و قال سیّد الریاض: «(فلا اعتبار بطلاق الصبی) الغیر الممیز إجماعا و فیه أیضا علی الأشهر بل علیه کافة من تأخّر و هو الأظهر للأصل و أدلة الحجر عموما فی الأکثر أو فحوی فی الجمیع... (و)لکن ورد (فیمن بلغ) بحسب السن (عشرا روایة) المراد بها الجنس لتعددها (بالجواز) عمل بها النهایة و تبعه علیه جماعة کالقاضی و ابن حمزة... و هی و إن لم یکن (فیها ضعف) بالمعنی المصطلح إلاّ أنّها قاصرة عن المقاومة لما مرّ من حیث الاستفاضة و الاعتضاد بالأصل و العمومات و الشهرة العظیمة و الاولویة المتقدمة فحمل تلک علی هذه بالتقیید، المناقشة فیه واضحة... فالقول بهذه الروایة ضعیف البتة کالجواز المطلق فی ذی التمیز کما عن الإسکافی و جماعة و إن وردت به روایات بحسب الأسانید المعتبرة... لتطرّق النظر إلیها بما مضی مع لزوم تقییدها بالخبرین المقیدین إن عملنا بهما کتقییدهما بها»(5).

و قال صاحب الجواهر فی شرائط المطلِّق: «(البلوغ) بلاخلاف أجده فیه فی الجملة بل الإجماع بقسمیه علیه و النصوص به مستفیضة أو متواترة... (فلا اعتبار بعبارة

ص: 55


1- 1 . الکافی فی الفقه /305.
2- 2 . المراسم /161.
3- 3 . السرائر 2/693.
4- 4 . مختلف الشیعة 7/366 و 365.
5- 5 . ریاض المسائل 12/(197-195).

الصبی) قبل تمییزه قطعا، بل و بعده (قبل بلوغه عشرا) و إن حکی عن ابْنِ الجنید(1) أنّه أطلق صحة طلاقه مع تمییزه لمضمر سماعة(2)... و موثق ابن بکیر(3)... ولکن فی مرسل ابن أبی عمیر(4) الذی هو بحکم الصحیح عند الأصحاب... بل عن الشیخ(5) روایته عن ابن بکیر و تبعه فی المسالک(6)، و إن قیل: إنّه وهم(7)، و علی کلِّ حالٍ فیقید به اطلاق النصوص السابقة و لعلّه إلی ذلک أشار المصنف بقوله: (و فیمن بلغ عشرا عاقلاً و طلّق للسنة روایة بالجواز فیها ضعف) و إلاّ لیس فیما حضرنا من النصوص خبر جامع للوصفین، و حکی عن الشیخین و جماعة من القدماء العمل بذلک، إلاّ أنّ المشهور بین المتأخرین بل لعلّ علیه عامتهم اعتبار البلوغ بالعدد أو بالاحتلام أو بغیر ذلک من أماراته...»(8).

أقول: فظهر ممّا ذکرنا فساد طلاق الصبی غیر الممیِّز إجماعا و أمّا الصبی الممیِّز ففیه ثَلاثَةُ أقوال:

الأوّل: الصحة مطلقا و هو المحکی عن الصدوق فی الفقیه و والده و ابن الجنید.

الثانی: عدم الصحة مطلقا و هو المحکی عن أبی الصلاح و سلار و ابن ادریس و العلاّمة و سیّد الریاض و صاحب الجواهر و نسبه الأخیر إلی المشهور بین المتأخرین بل عامتهم.

الثالث: الصحة إذا بلغ عشرا و هو المحکی عن الشیخ و ابنی البراج و حمزة _ کما

ص: 56


1- 1 . کما مرّ من المختلف 7/366.
2- 2 . وسائل الشیعة 22/79، ح7.
3- 3 . وسائل الشیعة 22/78، ح5.
4- 4 . وسائل الشیعة 22/77، ح2.
5- 5 . التهذیب 8/75، ح173، وسائل الشیعة 22/78، ح6.
6- 6 . المسالک 9/9.
7- 7 . قائله صاحب الحدائق فیها 25/151.
8- 8 . الجواهر 32/5 و 4.

مرّ مصادر هذه المقالات فیما سبق _ .

فلابدّ من ملاحظة روایات الباب و هنّ علی طوائف:

الطائفة الاولی: ما یدل علی عدم نفوذه

منها: صحیحة أبی الصباح الکنانی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: لیس طلاق الصبی بشی ءٍ.(1)

و منها: معتبرة السکونی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: کلُّ طلاق جائز إلاّ طلاق المعتوه أو الصبی أو مُبَرْسَم أو مجنون أو مُکْرَه!(2)

و منها: معتبرة بل موثقة الحسین بن علوان عن جعفر بن محمّد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن علی علیه السلام قال: لا یجوز طلاق الغلام حتّی یحتلم.(3)

و منها: حسنة زکریا بن آدم قال: سألت الرضا علیه السلام عن طلاق السکران و الصبی و المعتوه و المغلوب علی عقله و من لم یتزوّج بعد، فقال: لا یجوز.(4)

و منها: خبر أبی بصیر عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: لا یجوز طلاق الصبی و لا السکران.(5)

الطائفة الثانیة: ما یدل علی نفوذه

منها: موثقة سماعة قال: سألته عن طلاق الغلام و لم یحتلم و صدقته؟ فقال: إذا طلّق للسنة و وضع الصدقة فی موضعها و حقّها، فلا بأس و هو جائز.(6)

لا بأس باضمارها لأنّ مضمِرها سماعة.

و منها: موثقة جمیل بن دراج عن أحدهما علیهماالسلام قال: یجوز طلاق الغلام إذا کان قد

ص: 57


1- 1 . وسائل الشیعة 22/77، ح1، الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.
2- 2 . وسائل الشیعة 22/77، ح3.
3- 3 . وسائل الشیعة 22/79، ح8.
4- 4 . وسائل الشیعة 22/83، ح7، الباب 34 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.
5- 5 . وسائل الشیعة 22/78، ح4.
6- 6 . وسائل الشیعة 22/79، ح7.

عقل و صدقته و وصیته و إن لم یحتلم.(1)

و منها: موثقة ابن بکیر عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: یجوز طلاق الغلام إذا کان قد عقل و وصیته و صدقته و إن لم یحتلم.(2)

بناء علی نقل «یجوز» کما هو الظاهر و أمّا بناءً علی ورود «لا یجوز» فَتُعَدُّ الروایة من الطائفة الاُولی.

الطائفة الثالثة: ما یدل علی نفوذ طلاقه إذا بلغ عشر سنین

منها: صحیح ابن أبی عمیر عن بعض رجاله عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: یجوز طلاق الصبی إذا بلغ عشر سنین.(3)

و منها: موثقة ابن بکیر عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: یجوز طلاق الصبی إذا بلغ عشر سنین.(4)

أقول: هذه الموثقة نقلها الشیخ عن الکلینی ولکنّها غیر موجودة فی الکافی بهذا السند(5)، و السند منقول قبلها بالنسبة إلی ما سبقها(6) و لذا ذهب بعض إلی خطأ الشیخ فی هذا النقل کما علیه السیّد صاحب المدارک فی نهایة المرام(7) بل یَری صاحب الحدائق «انّه وهم»(8)، ولکن الأصل یدل علی عدم خطأ الشیخ و السقط من نسّاخ الکافی و إن کان الأظهر الأولی بقرینة تداوُل الکُتُبِ الأربعة و دراستها لا سیّما الکافی الشریف کوْن السهو منه، و هو غیر ممتنعٍ فی جِبِلّةِ البشرِ إلاّ مَن عَصَمَهُ اللّه تعالی.

ص: 58


1- 1 . وسائل الشیعة 19/212، ح2، الباب 15 من أبواب کتاب الوقوف و الصدقات.
2- 2 . الکافی 11/645، ح4 (6/124) و نقل عنه فی وسائل الشیعة 22/78، ح5.
3- 3 . وسائل الشیعة 22/77، ح2.
4- 4 . التهذیب 8/75، ح173 و نقل عنه فی وسائل الشیعة 22/78، ح6.
5- 5 . بل الموجود فیه یکون بالسند الروایة السابقة الماضیة فی أوّل هذه الطائفة الأخیرة.
6- 6 . راجع الکافی 11/645 ذیل ح4 (6/124).
7- 7 . نهایة المرام 2/8.
8- 8 . الحدائق 25/151.

و حیث لم تتم موثقة ابن بکیر مع وجود إرسال فی روایة ابن أبی عمیر فالطائفة الثالثة منحلة عندنا، فتبقی الطائفتان الاْءُوْلَیانِ، الاولی منهما بإطلاقها تشمل الصبی الممیز و الثانیة منهما ظاهر فیها فتقیّدها، و نتیجتها نفوذ طلاق الصبی الممیز مطلقا کما علیه الصدوق و والده و ابن الجنید الإسکافی و اللّه العالم.

تتمة:

و أمّا ما ورد فی صحیحة الحلبی قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : الغلام له عشر سنین فیزوّجه أبوه فی صغره أیجوز طلاقه و هو ابن عشر سنین؟ قال: فقال: أمّا تزویجه فهو صحیح و أمّا طلاقه فینبغی أن تحبس علیه امرأته حتّی یدرک، فیعلم أنّه کان قد طلّق، فإن أقرّ بذلک و أمضاه فهی واحدة بائنة و هو خاطب من الخطاب، و إن انکر ذلک و أبی أن یمضیه فهی امرأته، الحدیث.(1)

و کذا ما ورد فی حسنة برید الکناسی عن أبی جعفر علیه السلام فی حدیث، قلت له: جعلت فداک، فإن طلّقها فی تلک الحال و لم یکن قد أدرک أیجوز طلاقه؟

فقال: إن کان قد مسّها فی الفرج فإنّ طلاقها جائز علیها و علیه، و إن لم یمسّها فی الفرج و لم یلّذ منها و لم تلّذ منه، فإنّها تعزل عنه و تصیر إلی أهلها فلا یراها و لا تقرّبه حتّی یدرک فیسأل و یقال له: إنّک کنت قد طلقت امرأتک فلانة فإن هو أقرّ بذلک و أجاز الطلاق کانت تطلیقة بائنة و کان خاطبا من الخطّاب.(2)

فلا یمکن الأخذ بهما لمخالفتهما مع الإجماع المُرَکَّبِ و عدم وجود القائل بالتفصیل بین الدخول و عدمه، و کذا لزوم صبر المرأة حتّی یُدْرِکَ الغلام و یُمْضِیَ ما فعله، و أمّا لو أنکر طلاقه فهی امرأته، فَلَمْ یقل به أحد، و الحاصل التفاصیل الواردة بالنسبة إلی طلاق الصبی فی هاتین الروایتین محلّ إعراض الأصحاب قدس سرهم و اللّه العالم.

ص: 59


1- 1 . وسائل الشیعة 26/220، ح4، الباب 11 من أبواب میراث الأزواج.
2- 2 . وسائل الشیعة 20/278، ح9، الباب 6 من أبواب عقد النکاح و اولیاء العقد.
الثامن: إسلام الصبی

قال الشیخ فی المبسوط: «و أمّا إن کان إسلامه معتبرا باسلام نفسه نُظرت، فإن کان طفلاً بحیث لا یعبر عن نفسه دون سبع سنین فإن أسلم فلا حکم له بلاخلاف، و إن کان مراهقا ممیّزا فأسلم فإنّ عند قوم لا یحکم باسلامه و لا بارتداده و یکون تبعا للوالدین غیر أنّه یفرق بینه و بینهما لکی لایفتناه.

و فیهم من قال: یحکم باسلامه ظاهرا، فإذا بلغ و وصف الاسلام کان مسلما من هذا الوقت، و قال قوم: یحکم بإسلامه و ارتداده غیر أنّه لا یقتل لأنّ هذا الوقت لیس بوقت للتعذیب حتّی یبلغ و لا یکون تبعا للوالدین و الأوّل أقوی»(1).

و قال فی الخلاف: «المراهق إذا أسلم حکم باسلامه فإن ارتدّ بعد ذلک، حکم بارتداده و إن لم یتب قُتل، و لا یعتبر اسلامه باسلام أبویه و به قال أبوحنیفة و أبویوسف و محمّد [بن الحسن الشیبانی] غیر أنّه قال: لا یقتل إن ارتد، لأنّ هذا الوقت لیس بوقت التعذیب حتّی یبلغ.

و قال الشافعی: لا یحکم بإسلامه و لا بارتداده و یکون تبعا لأبویه غیر أنّه یفرّق بینهما لکیلایفتناه، و به قال زُفَر.(2)

و فی أصحابه من قال: یحکم باسلامه ظاهرا، فإذا بلغ و وصف الاسلام یکون مسلما من هذا الوقت.

دلینا: ما رواه أصحابنا «إنّ الصبی إذا بلغ عشر سنین اُقیمت علیه الحدود التامة و اقتص منه، و نفذت وصیته و عتقه» و ذلک عام فی جمیع الحدود.

و أیضا قوله علیه السلام : «کلُّ مولودٍ یولود علی الفطرة فأبواه یهوّدانه و ینصّرانه و یمجّسانه، حتّی یعرب عنه لسانه فإمّا شاکرا أو کفورا» و هذا عام إلاّ من أخرجه الدلیل.

و أجاب أصحاب الشافعی عن ذلک بأن قالوا: حَکَمْنا بِإسلامه لأنّه یجوز أن یکون

ص: 60


1- 1 . المبسوط 3/345.
2- 2 . و هو مِنَ الأَحْنافِ.

بالغا، لأنّ أقل البلوغ عند الشافعی تسع سنین و عند أبی حنیفة إحدی عشرة سنة...»(1).

و قال الشهید بعد نقل هذه العبارة من الخلاف: «و هو قریب»(2).

و قال العلاّمة فی مختلف الشیعة بعد نقل قول الشیخ فی الکتابین: «و الذی قواه الشیخ فی المبسوط هو الأقوی، لأنّ التکالیف منوطة بالبلوغ و قبله لا تکلیف»(3).

و قال فی التحریر: «و إذا بلغ اللقیط و أسلم فهو مسلم... و لو کان صبیّا ممیّزا و وصف الاسلام حیل بینه و بین الکافر و الصبی غیر الممیز [و] المجنون لا یتصوّر اسلامهما إلاّ تبعا...»(4).

و قال فی لقطة التذکرة: «و أمّا الصبی فلا یصح إسلامه لأنّه غیر مکلّفٍ و لا اعتبار بعبارته فی العقود و غیرها سواء کان ممیّزا أولا»(5).

و قد مرّ من حجر تذکرته(6) أنّ اسلام الصبی یدخل فی مستثنیات محجوریته فیکون مقبولاً.

و قال فی القواعد: «الاسلام: و إنّما بحصل بالاستقلال بمباشرة البالغ العاقل دون الصبیّ و إن کان ممیّزا، لکن یفرّق بینه و بین أبویه خوف الاستزلال [الاستنزال(7)] و غیر الممیّز و المجنون لا یتصور إسلامهما إلاّ بالتبعیة...»(8).

و علّق علیه المحقّق الثانی بقوله: «لأنّه غیر مکلّف فلا یکون إقراره بالشهادتین

ص: 61


1- 1 . الخلاف 3/(593-591) مسألة 20.
2- 2 . الدروس 3/79.
3- 3 . مختلف الشیعة 6/109.
4- 4 . تحریر الأحکام الشرعیة 4/451.
5- 5 . تذکرة الفقهاء 17/336.
6- 6 . راجع تذکرة الفقهاء 14/185.
7- 7 . نسخةُ بدلٍ.
8- 8 . قواعد الأحکام 2/203.

معتدا به...»(1).

و قال ثانی الشهیدین: «و أمّا الصبی فلا یصح إسلامه مطلقا لأنّه غیر مکلّف و عبارته مسلوبة بالأصل و للشیخ رحمه الله قول بصحة إسلام المراهق و هو ضعیف...»(2).

و قال المحقّق الأردبیلی: «نعم، الحکم باسلام المراهق غیر بعید لعموم من قال: لا إله إلا اللّه محمّد رسول اللّه صلی الله علیه و آله فهو مسلم، و قاتلوهم حتّی یقولوا لا إله إلاّ اللّه و أمثاله کثیرة. و لأنّهم _ إذا قدروا علی الاستدلال و فهموا أدلة وجود الواجب و التوحید و ما یتوقّف علیه، و وجوب المعرفة و النظر فی المعرفة یمکن أن یجیب علیهم ذلک لأنّ دلیل وجوب المعرفة عقلی فکلّ مَنْ یعرف ذلک یدخل تحته و لا خصوصیة له بالبالغ و لا استثناء فی الأدلة العقلیة فلا یبعد تکلیفهم، بل یمکن أن یجب ذلک، فإذا اوجب علیهم یجب أن یصحّ منهم، بل یلزم من الحکم بالصحة وجوبه أیضا و یترتب علیه الأحکام.

و أمّا لو ارتد أحد منهم بعده، یمکن الحکم بعدم ارتداده لضعف عقله فإنّه لا استقلال بعقلهم، إذ قد یعرض لهم لصبوبتهم و قلّة تعقلهم شک، و لهذا یفعلون أفعالاً غیر مستقیمة مثل اللعب الذی یفعله الصبیان و إذا بلغوا لم یفعلوه یقینا، و للشبهة فیُدْرَأ الحدود بها، فإذا درأ عنهم الحدود لم یکونوا مرتدّین، و لا یدلّ علی عدم الإسلام و عدم اعتباره (و عدم) إجراء هذه الأحکام علیهم لأنّ هذه من الفروعات الفقهیة و قد أجمعوا علی عدم وجوب الفروع علیهم و عدم تکلیفهم بها، و لهذا صرح بعض العلماء بأنّ الواجبات الاُصولیة العقلیة تجب علی الصغیر قبل بلوغه دون الفرعیة.

و الظاهر أنّ ضابطه القدرة علی الفهم و الأخذ و الاستدلال علی وجه مقنع، ففی کلّ مَنْ و جد فیه ذلک یصحّ و یمکن أن یجب علیه ذلک المقدار و من لم یوجد فیه ذلک لم یجب»(3).

و استشکل علیه فی مفتاح الکرامة بقوله: «قلت: لا ریب أنّ الصبی قبل البلوغ

ص: 62


1- 1 . جامع المقاصد 6/119.
2- 2 . المسالک 12/475.
3- 3 . مجمع الفائدة و البرهان 10/411.

ضعیف العقل ناقص البصیرة قد غلبت علی عقله الصبوة و غمرته الشهوة و و ما یتراءی من قدرة بعض الصبیان فهو سریع الزوال و لهذا یفعل الأفعال الغیر المستقیمة المخالفة لأفعال الرجال کاللعب الذی یستقبحه إذا بلغ، و لذا لم یحکموا بردّته، لأنّه قد یعرض له لصبوته شک و لم یکلّفوه بالفروع مع أنّها أهون من الاُصول فکان فی الواقع غیر قادر علی الاستدلال و الأخبار کشفت عن ذلک و لا استثناء فی الدلیل العقلی. و إذا کان الأمر کما قلت فهلاّ جزمت به أنت و جزم به الشهید... .

نعم هناک إشکال مشترک الإلزام فی الاُصول و الفروع و هو أنّ الاُنثی أنقص عقلاً و اُوهن نفسا و أضعف رأیا فکیف فرّق الشارع بینهما فأوجب علیها المبادرة إلی تحصیل المعرفة بالاُصول و الفروع فی أوّل تمام تسع السنین؟ و قد قیل فی الجواب...»(1).

و قال فی الجواهر: «و ما عن خلاف الشیخ... مُنافٍ لمعلومیة اعتبار البلوغ فی التکلیف نصا و فتوی و سلب عبارته و فعله قبله إلاّ ما خرج بالدلیل کوصیته، و ما أرسله فی الخلاف... لا جابر له أعرض عنه الأصحاب کالمرسل عنه: کلّ مولود... مضافا إلی إجمال دلالته.

و أمّا قبول إسلام علی علیه السلام قبل البلوغ فهو من خواصه و خواص اولاده المعصومین علیهم السلام و أمثالهم کیحیی و عیسی علیهماالسلام و الحجة صاحب الأمر روحی له الفداء».

ثم اسْتَغْرَبَ کلام الأردبیلی و قال فی ردّه «إذ لا یخفی علیک ما فیه من کونه کالاجتهاد فی مقابلة المقطوع به نصا و فتویً مِنْ رفع القلم عن الصبی حتّی یبلغ و لعلّنا نقول بلزوم الإقرار علیه مع فرض وصوله إلی الواقع، إلاّ أنّ ذلک لاینافی عدم جریان الأحکام علیه و لیس فیه تخصیص للدلیل العقلی کما هو واضح»(2).

أقول: قد مرّ عن الحنفیّة(3) القول بقبول إسلام الصبی و عن الشافعیة(4) عدمه، و

ص: 63


1- 1 . مفتاح الکرامة 17/574 و 573.
2- 2 . الجواهر 38/(183-181).
3- 3 . الفقه علی المذاهب الأربعة 2/363.
4- 4 . الفقه علی المذاهب الأربعة 2/365.

مشهور الأصحاب عدمُ قبولهِ ولکن للشیخ فی الخلاف و العلاّمة فی حجر التذکرة و الشهید فی الدروس و الأردبیلی فی مجمع الفائدة و السیّد الخوئی فی المصباح(1) قول بقبول إسلامه.

و المختار هو قبول اسلام الصبی إذا کان ممیّزا و الوجه فی ذلک عدم تمامیة أدلة القول بأنّ الصبی مسلوب العبارة فعبارته و ألفاظه و أقواله معتبرةٌ إذا کان ممیّزا إلاّ خرج بالدلیل کاستقلاله فی العقود و الایقاعات لحجره. فحینئذ اسلامه مقبول.

و لأنّ الاسلام أمر واقعی یدور مدار الإقرار بالشهادتین _ التوحید و نبوة الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله _ و کلّ مَنْ أقرّ بالشهادتین فهو مسلم ولو کان صبیّا ممیّزا. و یترتب علیه حقن دمه و حرمة ماله و الحکم بطهارته و جواز نکاحه و حلّیّة ذبیحته و جریان التوارث فی حقِّه و وجوب تجهیزه إن مات.

و تدلّ علیه موثقة سماعة عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: _ فی الحدیث _ الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و التصدیق برسول اللّه صلی الله علیه و آله به حُقِنَت الدماءُ و علیه جرتْ المناکحُ و المواریث و علی ظاهره جماعةُ الناس، الحدیث.(2)

و خبر سفیان بن السِّمْطِ عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: _ فی حدیث _ الاسلام هو الظاهر الذی علیه الناس شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسولُ اللّه ِ و إقامُ الصلاة و إیتاءُ الزکاةِ و حِجُّ البیتِ و صیامُ شهرِ رمضانَ فهذا الإسلام، الحدیث.(3)

و اطلاق هاتین الروایتین یشمل للصبی الممیِّز ولکن لا تترتب علیه الأحکام الإلزامیة لجریان حدیث رفع القلم.

و نحوهما مرسلة القاضی نعمان المصری عن أبی عبداللّه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن أمیرالمؤمنین علیه السلام : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله کان إذا بعث جیشا أو سریة أوصی صاحبها بتقوی اللّه فی خاصة نفسه و مَن معه مِن المسلمین خیرا، و قال: اغزوا بسم اللّه و فی سبیل اللّه و علی

ص: 64


1- 1 . مصباح الفقاهة 3/235 و ما بعده.
2- 2 . الکافی 3/72، ح1 من الطبعة الحدیثة (2/25 من الطبعة السابقة).
3- 3 . الکافی 3/70، ح4 (2/24).

ملّة رسول اللّه، و لاتقاتلوا القوم حتّی تحتجّوا علیهم بأن تدعوهم إلی شهادة أن لا اله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه و الإقرار بما جئتُ به من عنداللّه فإن أجابوکم فإخوانکم فی الدین، الحدیث.(1)

و قبول اسلام الممیّز لیس لأجل التبعیة من والده أو أشرف أبویه، بل لأجل ما ذکرنا، و إن کانت روایة تبعیة الاولاد لآبائهم تامة فی محلّها و هی من المسلّمات عند الفقهاء العظام و قیام السیرة المتشرعة علیها، ولکن القدر المتیقن منها هو الطفل الصغیر الذی لم یبلغ إلی حدّ التمییز.

و یلحقون أطفال المؤمنین الذین ماتوا قبل البلوغ إلی آبائهم فی الجنة إقرارا(2) لأعین المومنین کما ورد فی خبر أبی بکر الحضرمی عن أبیعبداللّه علیه السلام فی قول اللّه عزّوجلّ: «و الذین آمنوا و اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بإیمان ألحقنابهم ذُرِّیَّتَهُمْ»(3) قال: فقال: قَصَرَت الأبناءُ عن عمل الآباء فألحقوا الأبناء بالآباء لِتَقَرَّ بذلک أعینهم.(4)

و أنت تری بأنّ الروایة مطلقة لا تختص بالابن الذی لا یبلغ، و یمکن القول بشمولها للأبناء البالغین، ولکنّها مختصة بالآخرة فقط و سند الصدوق(5) إلیها معتبر.

نعم ورد «فی حدیث آخر: أمّا أطفالُ المؤمنین فیلحقون بآبائهم، و اولادُ المشرکین یلحقون بآبائِهم و هو قول اللّه عزّوجلّ: «بایمان ألحقنابهم ذرّیّتهم».(6)

لا خلاف و لا إشکال فی دخول أطفال المؤمنین الجنة ولکن دخول أطفال المشرکین فی النار منوط بامتحان آخر یجری علیهم فی القیامة و هو کما ورد فی صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام فی حدیث: فیَبْعَثُ اللّه ُ إلیهم مَلَکا من الملائکةِ فَیُؤَجِّحُ

ص: 65


1- 1 . دعائم الاسلام 1/369 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 11/31، ح1.
2- 2 . أَقرّ عنیه إقْرارا. و لیس منْ: قَرّرَ تقریرا.
3- 3 . سورة الطور /21.
4- 4 . الکافی 5/612، ح6 (3/249).
5- 5 . راجع التوحید /394، ح7.
6- 6 . الکافی 5/611، ح3 (3/248).

لهم نارا ثمَّ یبعثُ اللّه ُ إلیهم ملکا فیقول لهم: إنّ ربَّکم یأمُرُکم أن تَثِبُوا فیها فمَنْ دخلها کانت علیه بردا و سلاما و اُدْخِلَ الجنةَ و من تَخَلَّفَ عنها دخل النار.(1)

و مثلها خبر عبداللّه بن سلام مولی رسول اللّه صلی الله علیه و آله .(2)

نعم، لو ارتدّ الصبی الممیّز عن الاسلام یلحق بالکفار ولکن لا تجری علیه أحکام الارتداد من وجوب قتله و تقسیم أمواله و بینونة زوجته لرفع القلم عن الصبی بالنسبة إلی الأحکام الإلزامیة.

التاسع: عبادات الصبی

العبادات إمّا واجبة و إمّا مستحبة:

لا إشکال فی صحة المستحبات بالنسبة إلی الصّبیان لشمول أدلتها لهم و لعدم التنافی بین حدیث رفع القلم عنه و إطلاقها _ حتی علی القول بأنّ المراد من رفع القلم هو قلم التشریع _ لأنّ المرفوع فیه الامتنان و لا منّة فی رفع المستحبات، بل المرفوع فیه الکلّفة و لا کلّفة فی المستحبات لجواز ترکها.

أمّا الواجبات من العبادات

فقد اتفقوا علی شرطیة البلوغ فی ترتب الوجوب و التحریم بمعنی عدم العقاب علی الصبی فی ترکه و فعله، و اختلفوا فی شرطیة البلوغ لشرعیة العبادات و صحتها علی أقوال:

الأوّل: التمرینیة المحضة: و المراد بها أنّ عباداته بالنسبة إلیه تمرینیة صِرْفَةٌ بجهة تمکّنه من الإتیان بها صحیحةً بعد بلوغه فحینئذ لا یترتب علیها ثواب له و ان کان لولیّه ثواب التمرین لذلک و هو مختار جماعة من الأصحاب منهم العلاّمة فی المختلف.(3)

الثانی: الشرعیة المحضة: بمعنی أنّ عباداته تکون کعبادات البالغین و مطلوبة من الشارع و یترتب علیها الثواب من اللّه تعالی له و هو المحکی عن مشهور الأصحاب

ص: 66


1- 1 . الکافی 5/609، ح1 (3/248).
2- 2 . التوحید /390، ح1، باب الأطفال و عدل اللّه عزّوجلّ فیهم.
3- 3 . مختلف الشیعة 3/386.

-رضوان اللّه تعالی علیهم _ کما حکاه عنهم صاحب الحدائق(1).

الثالث: الشرعیة التمرینیة: بمعنی أنّ الاتیان بهذه العبادات مطلوبٌ مِنْ قِبَلِ الشّارع ولکن لا لأنفسها بل لحصول التعوّد و التمرّن علی العمل بعد البلوغ، حکاه صاحب العناوین(2) عن جماعة من المتأخرین و جملة من معاصریه و اختاره، و کما یظهر هذا القول من الاستاذ المحقّق _ مدظله _ .(3)

و الفرق بین الأقوال: فی القول الأوّل لا یترتب علی عبادات الصبی ثواب له أصلاً، و علی القولین الأخیرین یترتب علیها الثواب له ولکن علی الثانی یترتب علی نفس عباداته من الصلاة و الصیام و علی الثالث یترتب علی التمرین بالعبادة لانفسها.

و کذلک تظهر الثمرة فی جواز نیابة الصبی عن میت، أوحیّ بالاُجرة أو بدونها، فعلی القول الثانی یجوز نیابته و علی القولین _ الأوّل و الثالث _ لا یجوز.

أمّا القول المختار و دلیله:

فقد یقال: اطلاق الخطابات الشرعیة نحو قوله تعالی: «اقیموا الصلاة»(4) «کُتب علیکم الصیام»(5) «للّه علی الناس حجّ البیت»(6) «و اعلموا انّما غنمتم من شی ءٍ فأنّ للّه خُمُسَهُ...»(7) تشمل الصبی الذی یتمشّی منه القصد فتصح منه العبادة و لایعارضه حدیث رفع القلم عن الصبی لأنّ المرفوع إن کان هو خصوص الموأخذة فواضح و إن کان المرفوع هو قلم التشریع و التکلیف و المؤاخذة _ کما نقول به _ فکذلک لأنّ لا امتنان فی رفع مشروعیة العمل و محبوبیّته، نعم الإلزام به و کُلفته و المؤاخذه فی ترکه مرفوعة و أمّا

ص: 67


1- 1 . الحدائق 13/53.
2- 2 . العناوین 2/666 و 672.
3- 3 . راجع تحقیق الاصول 3/378.
4- 4 . سورة البقرة /43.
5- 5 . سورة البقرة /183.
6- 6 . سورة آل عمران /97.
7- 7 . سورة الأنفال /41.

أصل مشروعیته و مطلوبیته باق کما هو مختار المحقّق العراقی(1) و السیّد الحکیم.(2)

و فیه: الوجوب بسیط و لیس مُرَکَّبا من طلب الفعل مع المنع من الترک حتّی حدیث رفع القلم یرفع المنع و یبقی طلب الفعل، بل حدیث الرفع یرفع أصل الوجوب البسیط بتمامه فلا یبقی دلیل علی مشروعیته، إلاّ علی القول بأنّ المرفوع هو المؤاخذة فقط ولکنه لا یتم عندنا، کما یظهر هذا الاشکال من السیّد الخوئی فی کتابیه.(3)

ولکن الدلیل التام علی مشروعیة عبادات الصبی هو الروایات الواردة علی الأمر بأمر الصبیان بالصلاة و الصوم، و بعضها فی تکلیفهم بالعبادات الدالة علی مشروعیتها(4):

منها: صحیحة محمّد بن مسلم* عن أحدهما علیهماالسلام فی الصبی متی یصلّی؟ فقال: إذا عقل الصلاة، قلت: متی یعقل الصلاة و تجب علیه؟ قال: لِسِتِّ سنین.(5)

و هذه الصحیحة محمولة علی الاستحباب لأنا نعلم بأنّ الوجوب مشروط بالبلوغ.

و منها: صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام عن أبیه علیه السلام قال: إنّا نأمر صبیاننا بالصلاة، إذا کانوا بنی خمس سنین، فمرّوا صبیانکم بالصلاة إذا کانوا بنی سبع سنین، الحدیث.(6)

و منها: خبر اسحاق بن عمار* عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: إذا أتی علی الصبی ست سنین وجب علیه الصلاة، و إذا أطاق الصوم وجب علیه الصیام.(7)

و هو محمولٌ علی الاستحباب، ولکنَّ فی السند ضَعفا بمحمّد بن الحصین لأنّه مهمل أو مجهول.

ص: 68


1- 1 . نهایة الأفکار 1/399.
2- 2 . حقائق الاصول 1/342.
3- 3 . مصباح الفقاهة 3/242، المحاضرات فی اصول الفقه 3/(266-264).
4- 4 . قد جعلت علامة * لما تدل علی مشروعیتها حتّی تتمیز من روایات الامر بالامر.
5- 5 . وسائل الشیعة 4/18، ح2، الباب 3 من أبواب أعداد الفرائض.
6- 6 . وسائل الشیعة 4/19، ح5.
7- 7 . وسائل الشیعة 4/19، ح4.

و منها: خبر عبداللّه بن فضالة عن أبی عبداللّه أو أبی جعفر علیهماالسلام _ فی حدیثٍ _ قال: سمعته یقول: یترک الغلام حتّی یتم له سبع سنین، فإذا تمّ له سبع سنین قیل له: اغسل وجهک و کفیک فإذا غسلهما قیل له: صلّ، ثمّ یترک حتّی یتم له تسع سنین، فإذا تمّت له عُلّم الوضوء و ضُرب علیه و اُمر بالصلاة و ضُرب علیها، فإذا تعلّم الوضوء و الصلاة غفر اللّه لوالدیه إن شاء اللّه.(1)

و منها: خبر الأربعمأة عن علی علیه السلام : عَلِّموا صبیانکم الصلاة و خذوهم بها إذا بلغوا ثمانی سنین.(2)

و منها: ما رواه السیّد فضل اللّه الراوندی بإسناده عن موسی بن جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال علی علیه السلام : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : مُروا صبیانکم بالصلاة إذا کانوا أبناء ست سنین و اضربوهم إذا کانوا أبناء سبع سنین و فرّقوا بینهم فی المضاجع إذا کانوا أبناء عشر سنین.(3)

و منها: خبر الجعفریات بإسناده عن جعفر بن محمّد علیه السلام عن أبیه علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله ، مُروا صبیانکم بالصلاة إذا کانوا أبناء عشر سنین.(4)

و منها: معتبرة الفُضَیْلِ بْنِ یَسار قال: کان علی بن الحسین علیه السلام یأمر الصبیان یجمعون بین المغرب و العشاء، و یقول: هو خیر من أن یناموا عنها.(5)

و منها: صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: إنّا نأمر صبیاننا بالصیام إذا کانوا بنی سبع سنین بما أطلقوا من صیام الیوم فإن کان إلی نصف النهار أو أکثر من ذلک أو أقل، فإذا غلبهم العطش و الغرث أفطروا حتّی یتعوّدوا الصوم و یطیقوه، فمرّوا صبیانکم إذا

ص: 69


1- 1 . وسائل الشیعة 4/20، ح7.
2- 2 . وسائل الشیعة 4/20، ح8.
3- 3 . مستدرک الوسائل 3/18، ح2، الباب 3 من أبواب أعداد الفرائض.
4- 4 . مستدرک الوسائل 3/19، ح3.
5- 5 . وسائل الشیعة 4/21، ح1، الباب 4 من أبواب أعداد الفرائض.

کانوا بنی تسع سنین بالصوم ما أطاقوا من صیام، فإذا غلبهم العطش أفطروا.(1)

الغرث: الجوع

و منها: صحیحة زرارة* عن أحدهما علیهماالسلام قال: إذا حَجَّ الرجل بِابْنِه و هو صغیر فإنّه یأمره یلبّی و یفرض الحج، فإن لم یُحسن أن یلبّی لبّوا عنه و یطاف به و یصلّی عنه، قلت: لیس لهم ما یذبحون، قال: یذبح عن الصغار و یصوم الکبار، و یتّقی علیهم ما یتّقی علی المحرم من الثیاب و الطیب، و إن قتل صیدا فعلی أبیه.(2)

منها: خبر أبان بن الحکم* قال: سمعت أبا عبداللّه علیه السلام یقول: الصبی إذا حجّ به فقد قضی حجة الإسلام حتّی یکبر، الحدیث.(3)

ولکن استشکل المحقّق الخراسانی(4) فی دلالة هذه الروایات بتوضیح منّا: بأنّ المحتمل فی مقام الثبوت بالنسبة إلیها ثلاثة وجوه:

الأوّل: أن یکون الغرض قائما بنفس الأمر، کأن یأمر بالأمر لمصلحة إثبات آمریة الثانی.

الثانی: أن یکون الغرض قائما بالفعل المأمور به _ الثانی _ کما فی قوله تعالی: «بلغ ما اُنزل الیک»(5).

الثالث: أن یکون الغرض قائما بالفعل الحاصل من المأمور _ الثالث _ بشخصه المنبعث من أمر هذا الآمر الثانی.

و مع هذه المحتملات الثلاثة لا یدلّ الأمر بالأمر فی مقام الإثبات علی کونه أمرا به إلاّ بقرینة تعیّن أنّه المحتمل الثالث، و هی مفقودة.

ص: 70


1- 1 . وسائل الشیعة 10/234، ح3، الباب 29 من أبواب من یصح منه الصوم.
2- 2 . وسائل الشیعة 11/288، ح5، الباب 17 من أبواب أقسام الحج.
3- 3 . وسائل الشیعة 11/45، ح1، الباب 13 من أبواب وجوب الحج و شرائطه.
4- 4 . راجع کفایة الاصول 1/269، مع تعلیقة الشیخ عباس علی الزارعی السبزواری، طبعة جماعة المدرسین، عام 1426.
5- 5 . سورة المائدة /67.

و تبعه فی هذه المحتملات و الإجمال المحقّق الروحانی(1) قدس سره .

جوابه: ما ذکره المحقّق الخراسانی قدس سره جار فی «العلم» لأنّه قد یؤخذ جزءً للموضوع و قد یؤخذ تمام الموضوع و قد یؤخذ طریقا ولکن الإرتکاز العرفی من الأمر هو الطریقیة إلی مطلوبیة الشی ء فقط(2) و الشاهد علیه «إذا أمر المولی أحد عبیده أن یأمر عبده الآخر بکذا، و اطّلع علیه العبد الآخر من غیر توسیط أمر المأمور و ترک الفعل، فإنّه مع اعترافه بالاطلاع یؤاخذه المولی بترکه»(3).

و احتمالان الآخران لا یقاومان هذ الإرتکاز العرفی و الظهور العقلائی، فما ذکره المحقّق الخراسانی رحمه الله لا یتم.

فحینئذ ما ورد من الروایات من أمر الاُولیاء اُولادهم بالعبادات تدلّ علی مطلوبیتها الشرعیة و محبوبیتها و مشروعیتها.

ولکن مع ذلک کلّه یظهر من الاُستاذ المحقّق _ مدظله _ علی فرض تسلیم ظهور الأمر عرفا فی الطریقیة لم تثمر شرعیة عبادات الصبی، «لأنّ غایة ما یفید ذلک هو تعلّق غرض للآمر الأوّل بذلک الفعل کالصلاة، ولکن هل الغرض هو نفس الغرض فی عبادات البالغین أو أنّ هناک فی أمر الصبی بالصلاة غرضا آخر؟... بل إنّها صریحة فی أنّه «التعوید» ففی صحیحة الحلبی المتقدمة(4)... و علی هذا فإنّ الغرض بالفعل متحقق، لکنّه غرض آخر غیر الغرض القائم بصلاة البالغین...».(5)

و العجب من سماحته _ مدظله _ کیف غفل بأنّ «التعود» الوارد فی صحیحة الحلبی لم یرد إلاّ فیها، و یردّ فی الصیام الباطل فقط و لا یمکن التعدی منه إلی غیرها من العبادات الصحیحة، و غایته أنّه یُعَدَّ من حِکمِ التشریع و ذلک لا یوجب قصر حکم

ص: 71


1- 1 . راجع منتقی الاُصول 2/515.
2- 2 . راجع المحاضرات 3/(266-264).
3- 3 . الشاهد مأخوذ من شیخنا الاستاذ رحمه الله فی کتابه «دروسٌ فی مسائل علم الاُصول» 2/293.
4- 4 . وسائل الشیعة 10/234، ح3.
5- 5 . تحقیق الاصول 3/378.

المشروع علی خصوصه کما هو واضح عنده و عند الکلّ، و کما اعترف بأنّه حکمة الفقیه السبزواری رحمه الله .(1)

و علیه دلالة الأمر الوارد بأمر الأولیاء أولادهم بالصلاة و الصیام علی مشروعیة عبادات الصبی تامَّةٌ کما علیه المحقّق السیّدُ الخوئی(2) و شیخنا الاستاذ(3) رحمهماالله .

مضافا إلی وجود عدّة من الروایات الواردة فی تکلیفهم بالعبادات الدالة علی مشروعیتها نحو: صحیحة محمّد بن مسلم و خبر اسحاق بن عمار و صحیحة زرارة و خبر أبان بن الحکم، الماضیات کلّها آنفا(4) و الحمدللّه أوّلاً و آخرا.

العاشر: التفصیل فی معاملات الصبی بین الخطیر و الحقیر

و المنع فی الأوّل و الجواز فی الثانی و یظهر هذا من الفیض الکاشانی قال فی مفاتیحه: «الأظهر جواز بیعه و شرائه فیما جرت العادة به منه فی الشیء الدون دفعا للحرج فی بعض الأحیان»(5).

و قال الشیخ اسداللّه التستری بعد نقل کلام صاحب المفاتیح: «و یمکن أن یستأنس لذلک، مضافا إلی السیرة المستمرة و قضاء الحاجة و الضرورة فی کلِّ من المعاملة و دفع العوض و أخذه منه، بما رواه الشیخ فی الموثق کالصحیح عن عبید بن زرارة قال: سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن شهادة الصبی و المملوک؟ فقال: علی قدرها یوم اُشهد تجوز فی الأمر الدون و لا تجوز فی الأمر الکثیر.(6)

و هذا القول لا یخلو مِنْ قوة إلاّ أنّ الأصحاب ترکوا العمل بالخبر، و أمّا السیرة و

ص: 72


1- 1 . مهذب الأحکام 16/277.
2- 2 . مصباح الفقاهة 3/243.
3- 3 . دروس فی مسائل علم الاصول 2/293.
4- 4 . مع علامة *.
5- 5 . مفاتیح الشرائع 3/46.
6- 6 . التهذیب 6/252، ح650 و نقل عنه فی وسائل الشیعة 27/344، ح5، الباب 22 من أبواب کتاب الشهادات.

الضرورة فالتمسک بهما فی مقابل إطلاق الآیة و الروایة و فتوی الإمامیة و غیرهم خروج عن جادة الصواب و عدول عن طریق الاحتیاط»(1).

وجوه الاستدلال علی هذا التفصیل:

الأوّل: الحرج

بتقریب: أنّ الحکم ببطلان المعاملة فی المحقرات یستلزم الحرج المنفی فی الشریعة المقدسة، فنفیه یقتضی صحتها، و هذا الدلیل مذکور فی کلام الفیض الذی هو المؤسِّس لهذا التفصیل.

و یرد علیه: أوّلاً: بمنع الصغری الوارد فی کلام الشیخ الأعظم حیث یقول: «فإن الحرج ممنوع سواء أراد أنّ الحرج یلزم من منعهم عن المعاملة فی المحقرات و التزام مباشرة البالغین لشرائها، أم أراد أنّه یلزم من التجنّب عن معاملتهم بعد بناء النسا علی نصب الصبیان للبیع و الشراء فی الأشیاء الحقیرة»(2).

ثم ذکر أنّه لو أراد استقلال الصبی فی البیع و الشراء بماله دون إذن الولی فی المحقرات یکون مخالفا للاجماع.(3)

و ثانیا: علی فرض تحقق الحرج فهو ینفی الحکم الشرعی و لایثبته کما مرّ مرارا. لأنّه من الأدلة النافیة للأحکام الشرعیة و لیس بمثبتها.

و ثالثا: یمکن القول بآلیة الصبی بالنسبة إلی المحقرات نحو أخذها و وضع أثمانها فی صندوق، أو دخول الحمام و وضع الاُجرة فی کوز الحمامی، أو شرب ماء السقائین و وضع القیمة المتعارفة فی الموضع المعدّ لها، فحینئذ یرتفع الحرج من الأساس و لایتم التفصیل.

رابعا: هذا کلّه علی مسلک المشهور من بطلان معاملات الصبی مطلقا و أمّا علی مسلک المختار من صحة بیع الصبی إذا کان مأذونا من ولیّه و کذا صِحّة شرائه و غیرهما

ص: 73


1- 1 . مقابس الأنوار /113.
2- 2 . المکاسب 3/287.
3- 3 . المکاسب 3/287.

من معاملاته فلا یکون حرجا أصلاً لأنّ الولی أجازه فیکون بیعه صحیحا و کذلک معاملاته.

الثانی: السیرة

و هی مذکورة فی کلام المحقّق التستری رحمه الله و مراده: قیام السیرة المستمرة الثابتة عند المتشرعة من الحکم بالصحة فی معاملات الصبی فی الأشیاء الحقیرة.

و یرد علیها: أوّلاً: نعم، وجود هذه السیرة عند المتشرعة ممّا لاینکر، ولکنّها لا تثبت صحة معاملات الصبی فی المحقرات، لإمکان القول بأنّه کالآلة فی غیرها من المعاملات الحقیرة و جعل الثمن فی المکان المعدّله کما مرّ.

و ثانیا: هذه السیرة لا تکشف عن نفوذ معاملاتهم استقلالاً، بل یمکن القول بجریانها لأجل تمامیة معاملاتهم بإذن اُولیائهم علی ما هو المختار من صحة بیع الصبی مع إذن ولیه.

و ثالثا: قد عرفت من المحقّق التستری المستدِل بها کلامه فی نقدها بأنّ «التمسک بها فی مقابل إطلاق الآیة و الروایة و فتوی الإمامیة و غیرهم خروج عن جادة الصواب و عدول عن طریق الاحتیاط»(1).

الثالث: موثقة عبید بن زرارة(2)

الماضیة المذکورة فی کلام المحقّق التستری مضافا إلی ما ورد من نقدها فی کلامه بأنّ الأصحاب ترکوا العمل بالخبر، یرد علیها:

أنّ الروایة مختصَّة بباب الشهادة و سریانها منها إلی المعاملات یکون أشبه شی ءٍ بالقیاس المردود فی الشریعة المقدسة و لعلّ مِنْ جِهَةِ أهمیة الشهادة و عدم تعطیل الحقوق وردت هذه الروایة.

ص: 74


1- 1 . مقابس الأنوار /113.
2- 2 . وسائل الشیعة 27/344، ح5.

الرابع: فعل أبی الدرداء (عُوَیْمِن بنْ زَیْدٍ)

قال العلاّمة فی التذکرة: «و لا فرق بین الشی ء الیسیر و الکثیر فی المنع من تصرّف غیر الممیّز. و قال أحمد: یصحّ تصرّف غیر الممیّز فی الشی ء الیسیر، لأنّ أبا الدرداء اشتری عصفورا من صبی و أرسله.

و فعله لیس حجةً، و جاز أن یکون قد عرف أنّه لیس ملکا للصبی فاستنقذة منه»(1).

أقول: قد یظهر من العلاّمة؛ تقریب الدلالة و نقدها فلا نعید.

الخامس: معتبرة السکونی

عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: نهی رسول اللّه صلی الله علیه و آله عن کسب الإماء فإنّها إن لم تجد زنت إلاّ أمة قد عُرفت بصنعة یدٍ، و نهی عن کسب الغلام الصغیر الذی لایحسن صناعة بیده فإنّه إن لم یجد سرق.(2)

للاستدلال بهذه الروایة أربعة تَقْرِیْباتٍ:

التقریب الأوّل: علّل النهی عن کسب الصبی بأنّه «إن لم یجد سرق» و مع إمکان التعلیل بعدم المقتضی لم تصل النوبة إلی التعلیل بوجود المانع، و إذا کانت معاملاته باطلة، فلا یحتاج إلی نسبة البطلان و التعلیل علیه بوجود المانع و هو احتمال مسروقیة المبیع. فالتعلیل بوجود المانع یستفاد منه صحة معاملات الصبی أوّلاً و بالذات، أو لا أقل من وجود مقتضی الصحة فیها، لأنّ مع وجود التعلیل الذاتی لم تصل النوبة إلی التعلیل العرضی.

التقریب الثانی: النهی الوارد فیها یکون نهیّا تنزیهیّا، لا تحریمیا فیکون ظاهرا فی الکراهة لا الحرمة، و لذا استفاد منها صاحب الوسائل الکراهة و قال فی عنوان الباب: «کراهة کسب الصبیان الذین لا یحسنون صناعة...»(3).

ص: 75


1- 1 . تذکرة الفقهاء 14/243.
2- 2 . وسائل الشیعة 17/163 ح1، الباب 33 من أبواب ما یکتسب به.
3- 3 . وسائل الشیعة 17/163.

و الکراهة فی المعاملة تَجْتَمِعُ مع الصحة حتّی فی مورد الکراهة و أمّا فی غیرها فواضح.

التقریب الثالث: سیاق الروایة یقتضی صحة معاملات الصبی لأنّ المعاملة علی مکتسبات الإماء صحیحة أوّلاً و بالذات ولکن نُهی عنها ثانیا و بالعرض باحتمال أنّها «إذا لم تجد زنت» فکذلک الأمر فی الصبی.

التقریب الرابع: تقیید الموضوع ب_«الذی لا یحسن صناعة بیده» ظاهرٌ فی عدم فساد معاملة الصبی، فلو کانت معاملته باطلة یلغی هذا التقیید، لأنّ معاملته باطلة سواء أحسن صناعةً أم لم یحسنها.

مع إضافة نکتة حتّی تَتمَّ دلالتها علی التفصیل المذکور و هی عدم معهودیة إیکال المعاملات الخطیرة و المهمّة إلی الصبیان و الإماء و العبید فی تلک العصور و فی زماننا هذا، فالنهی الوارد فیها یختص بالمحقّرات و تدلّ علی التفصیل، و لیس فیها إطلاق حتّی تشمل المعاملات المهمة الخطیرة و فحینئذ تدل علی المطلوب. کما تظهر هذه النکتة الأخیرة من المحقّق السیّد الخمینی(1) قدس سره و الاُستاذ المحقّق(2) _ مدظله _ .

و أمّا نقد تقاریب دلالتها:

قال المحقّق الاصفهانی فی نقد التقریب الأوّل: «أوّلاً: فبأنّ المراد بالکسب، و إن کان مکسوبه، لا المعنی المصدری و إلاّ فمع فرض الموضوع لا یعقل احتمال السرقة فیه، بل المکسوب العرفی أی ما استفاده بمعاملة أو بالتقاط أو بحیازة أو باستعاطاء من الغیر أو بسرقة، فلیس الاکتساب المعاملی مفروضا حتّی إذا لم یحرم مع العلم بعدم السرقة یکون دلیلاً علی نفوذ معاملته لیکون من قبیل الاستناد إلی المانع مع عدم المقتضی فی الحکم بعدم مقتضاه.

و أمّا ثانیا: فإنّه لو فرض تحقق الاکتساب المعاملی، کما إذا نهی عن التصرف فی

ص: 76


1- 1 . کتاب البیع 2/35.
2- 2 . العقد النضید 2/472.

ما اکتسبه بالمعاملة من لایبالی بالربا، فإنّ النهی بلحاظ هذه الحیثیة، لا بلحاظ إنفاذ معاملته مع عدم هذا الاحتمال، بل کسبه نافذ جائز بقواعده، فربّما یجوز و ربّما لا یجوز»(1).

و اعترض علیه المحقّق الأردکانی بقوله: «إمّا ما ذکره أوّلاً... ففیه: أوّلاً: أنّه لا یبعد دعوی ظهور الکسب فی المکسوب المعاملی.

و ثانیا: سلمنا أنّ المراد منه المکسوب العرفی الشامل لما استفاده بمعاملة أو بالتقاط أو بحیازة أو باستعطاء من الغیر أو بسرقة إلاّ أنّه یدل علی أنّه لولا احتمال کونه سرقة لما کان منهیّا و إلاّ لزم المحذور المذکور من الاستناد إلی المانع مع عدم المقتضی فی الحکم بعدم اقتضاه.

و أمّا ما ذکره ثانیا... ففیه: أنّه إذا کان النهی بلحاظ ذلک الاحتمال فیستفاد منه جواز التصرف فیما اکتسبه مع قطع النظر عنه فیکشف عن دخوله فی ملکه اللازم منه نفوذ معاملته و إلاّ لو لم یجز التصرف فیه مع قطع النظر عنه اللازم منه فساد معاملته من أصلها، لا وجه لکون النهی بلحاظ ذلک الاحتمال لاستلزامه المحذور المتقدّم»(2).

أقول: مضافا إلی ما ذکره المحقّق الأردکانی یمکن أن یرد علیه: بأنّ المعنی المصدری یمکن أن یجمع مع السرقة أو احتمالها لأنّه یبیع و یشتری و یکتسب مع الأموال المسروقة فیصدق علیه المعنی المصدری مع احتمال السرقة. هذا أوّلاً.

و ثانیا: یطرق فی النهی الحَیْثیّ أیضا نفوذ معاملته و إلاّ لایصح النهی عنها حتّی بهذه الحیثیة، لما مرّ فی تقریب الاستدلال.

و قال المحقّق الاصفهانی فی نقد التَّقْرِیبَیْنٍ: الثانی و الثالث: «أنّ النهی حَیْثِیٌّ جهتیٌ لرعایة هذا الاحتمال الراجح مع حفظ سائر الجهات، بحیث إذا أذن الولی فی التصرف فیما بید الغلام لا ترفع الکراهة مع هذا الاحتمال، و إلاّ مع عدم إذن الولی لا یجوز

ص: 77


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/26.
2- 2 . غنیة الطالب 2/255.

التصرف فیما بید الصبی و إن علم أنّه ملکه بالإرث لا بالمعاملة، فلابدّ من حمل النهی علی کونه من حیثیة خاصة لا مطلقا و بلحاظ تمام الجهات فتدبّره فإنّه حقیق به»(1)

و ردّه المحقّق الأردکانی بقوله: «ففیه: إنّ النهی إذا کان من حیثیة خاصة فالظاهر منه انتفائه من سائر الحیثیات و الجهات»(2).

أقول: یمکن اجتماع النهی الحیثیّ مع کونها نهیّا تنزیهیا و یستفاد من الأخیر الحکم بالصحة فی معاملاته و المعاملة معه، نعم، اعتبار السیاق عندنا محل تأمل بل منع فلا یتم التقریب الثالث فقط.

و أمّا ما ذکره المحقّق الأردکانی ففیه: إمکان اجتماع النهی الحیثیّ و الجهتی مع سائر الجهات و الحیثیات کما لا یخفی.

و قال المحقّق الاصفهانی فی نقد تقریب الرابع: «أنّ التقیید لتحقیق موضوع الکراهة فإنّ احتمال السرقة احتمالاً راجحا إنّما یکون فی حقَّ من لایحسن صناعة بیده دون من یحسنها»(3).

و ردّه المحقّق الأردکانی بقوله: «ففیه: إنّ الظاهر من التقیید انتفاء النهی عن کسب الغلام الذی یحسن الصناعة بیده، لأنّ من لایحسنها یکون احتمال السرقة فی حقّها راجحا بخلاف من یحسنها فإنّه یکون احتمال کونه ممّا اکتسبه بصناعة یده فی حقِّه احتمالاً راجحا فیدل علی نفوذ معاملته فی الجملة فتأمل»(4).

نقد الشیخ الأعظم علی دلالة المعتبرة:

یقول بتوضیح منّا: تَتُمُّ دلالتها علی التفصیل بتقریباتها المتعددة بناءً علی أن الکسب الوارد فیها اُرید به معناه المصدری من بیع أو شراءٍ أو تجارةٍ أو إجارةٍ و نحوها ولکن إن اُرید به معناه الاسم المصدری أی مکسوب الغلام و ما وقع فی یده لم تتم

ص: 78


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/26.
2- 2 . غنیة الطالب 2/255.
3- 3 . حاشیة المکاسب 2/26.
4- 4 . غنیة الطالب 2/255.

الدلالة.

و بناءً علی ارادة المکسوب من الکسب _ أی معناه الاسم المصدری _ لم یفرض فی الروایة کراهة معاملة الصبی حتی یستفاد منها صحتها، بل المراد منها حزازة التصرف فی ما بید الصبی بلا فرق بین کیفیة حصوله فیه من التقاط یجوز تملّکها، أو اُجرة إیجار، أو حیازة مباح، أو عمل من دون إیجار فأعطاه الآمر اُجرة مثله، أو غیرها من أنواع استحصال المال و اکتسابه.

فالمعتبرة تدل علی کراهة التصرف بما فی ید الصبی بالبیع و غیره من أنواع التصرف لاحتمال کونه من الوجوه المحرّمة، نظیر رجحان الاجتناب عن أموال غیره ممّن لا یبالی بالمحرّمات، و لا تدل علی کراهة المعاملة مع الصبی فلا تتم التقاریب المتعددة.(1)

و فیه: أوّلاً: هذا النقد مُنافٍ لما تقدم من الشیخ الأعظم(2) من عدم اعتبار قصد الصبی و قبضه و إقباضه(3) و إنشائه العقود أصالة و وکالة، فقصده بالنسبة إلی الحیازة و التملک باطل و کذلک إیجاره بل عمله لأنّه یتحققه من دون قصد امتثال أمر الآمر فلا یستحق حتّی اُجرة المثل، فلا یستحصل للصبی ما فی ید صحیح من هذه الاُمور، فلا یمکن لغیره _ بلا فرق بین الولی و غیره _ بل نفسه التصرف فیه بل لایجوز و یحرم، و لا یکون مکروها أو حزازة فی التصرف.

و ثانیا: حمل الکسب علی معناه الاسم المصدری بمعنی المکسوب یکون خلافا للظاهر و یحتاج إلی قرینة و هی مفقودةٌ فی المقام.

نقد المحقّق السیّدِ الخوئی فی دلالتها

قال قدس سره : «إنّ المراد من کلمة «الکسب» المضافة إلی کلمة «الغلام» فی الروایة إمّا المعنی المصدری، أو یراد منها المکسوب المعبر عنه باسم المصدر.

ص: 79


1- 1 . راجع المکاسب 3/287.
2- 2 . راجع المکاسب 3/284.
3- 3 . کما أشار إلیه الفقیه الیزدی فی حاشیته 2/23.

و علی الأوّل فالمراد من الکسب هو الکسب المتعارف أعنی به مباشرة الصبی التجارة عند احتیاج ولیه إلی ذلک، الا أنّ هذه المباشرة لیست مباشرة استقلالیة بل مباشرة تبعیة، و أنّ الصبی _ وقتئذ _ بمنزلة الآلة لولیه فی إیجاد المعاملة بینه و بین المشتری. و قد تعارف هذا المعنی فی الخارج کثیرا، إلاّ أنّ الامام علیه السلام [النبی صلی الله علیه و آله ] قد نهی عنه تنزیها معللاً بأنّه إذا لم یحصل من تجارته شی ء سرق خوفا من ولیه. و القرینة علی هذه الدعوی قوله علیه السلام فی صدر الروایة: نهی رسول اللّه صلی الله علیه و آله عن کسب الإماء فإنّها إن لم تجد زنت، مع أنّه لا شبهة فی نفوذ کسب الأمة بإذن مولاها. یوید ما ذکرناه: أنّ النبی صلی الله علیه و آله قد قیّد النهی عن کسب الأمة و الغلام بعدم معرفتهما صناعة الید، فإنّه مع العلم بذلک لایقع الصبی علی السرقة و لا أنّ الأمة تقع علی الزنا، لأنّه _ وقتئذ _ ینتفی ما یوجب السرقة و الزنا أعنی به الفقر، ضرورة أنّهما متمکّنان من تحصیل المال.

و علی الثانی: فالمراد من کسب الغلام ما یتحصله من الأموال بطریق الالتقاط أو الاستعطاء أو الحیازة من المباحات الأصلیة کما أنّ المراد من کسب الأمة علی هذا الاحتمال ما تتحصله بإحدی الطرق المذکورة.

و علیه فحکمة النهی عن کسب الغلام صیانته عن الاستراق من الناس کما أنّ حکمة النهی عن کسب الأمة محافظتها عن الفجور»(1).

و یرد علی قسمه الأوّل _ أی المعنی المصدری للکسب _ إذا کانت مباشرته للکسب تبعیة و أنه بمنزلة الآلة لولیه فلا یصدق علیه أنّه کسب الصبی و لا یَتَطَرَّقَ إلیه احتمال السرقة.

و کذلک إن کانت تبعیة کسبه عنده أنّه بمنزلة الصندوق و الکوز المعدّ لوضع المال فیه. هذا أوّلاً.

و ثانیا: إن کان مراده کسب الصبی بإذن ولیه و إن کان صحیحا عندنا ولکن القوم یذهبون إلی بطلان معاملاته مطلقا سواء کانت بإذن ولیّه أم لا.

ص: 80


1- 1 . مصباح الفقاهة 3/271 و 270.

و یرد علی قسمه الثانی _ أی المعنی اسم المصدری للکسب _ ما أَوْرَدْناهُ علی الشیخ الأعظم قدس سره بعنوان ثانیا، فلا نعید.

و الحاصل: حیث مرّت المناقشة فی نقود التقریبات و کذا المناقشة فی نَقْدَی الشیخ الأعظم و المحقّق السیّدِ الخوئی فلابدّ من الأخذ بدلالة معتبرة السکونی علی صحة معاملات الصبی الذی یحسن صنعة بل علی صحة معاملاته مطلقا بعد حمل النهی علی التنزیه و الکراهة بقرائن الصدر و التعلیل و التقیید، و السیاق عند من یعتبره، ولکن فی المحقرات فقط بقرینة عدم معهودیة إیکال المعاملات المهمّة إلیه فی تلک العصور، فتدلّ علی تفصیل الفیض الکاشانی.

بلا فرق بین مسلکی المشهور من بطلان معاملات الصبی و المسلک المختار من صحتها مع إذن الولی، فبدلالة هذه المعتبرة یحکم علی صحة معاملات الصبی فی المحقرات علی مسلک المشهور، و عدم احتیاجها إلی إذن الولی علی المسلک المختار.

فلا یتم ما ذکره الشیخ الأعظم بالنسبة إلی تفصیل الفیض من قوله: «و کیف ما کان فالقول المذکور فی غایة الضعیف»(1).

و نحنُ نُوافِقُ فی دلالة المُعْتَبَرَةِ فی الجملة الفقیه السیّد الیَزْدیَّ(2)، و بالجملة السیّد الخمینیَّ(3) و الشیخ الأرْدَکانیَّ(4) رحمهم الله ، و الحمدللّه.

الحادی عشر: التفصیل فی معاملات الصبی بین استقلاله و آلیّته

قال سیّد الریاض فیه: «نعم، الأظهر جوازه فیما کان فیه بمنزلة الآلة لمن له الأهلیة لتداوله فی الأعصار و الأمصار السابقة و اللاحقة من غیر نکیر بحیث یعدّ مثله إجماعا من المسلمین کافّةً. لکن ینبغی تخصیصه بما هو المعتاد فی أمثال هذه الأزمنة، فإنّه الذی

ص: 81


1- 1 . المکاسب 3/287.
2- 2 . راجع حاشیة المکاسب 2/23.
3- 3 . کتاب البیع 2/35.
4- 4 . غنیة الطالب 2/255.

یمکن فیه دعوی إتفاق الاُمة»(1).

و زاد تلمیذه السیّد العاملی علیه: «.. و هل معاطاة کما هو الظاهر أو إباحة اُخری غیر المعاطاة؟ احتمالان. و قد تقدّم لنا ما یرجح الأوّل»(2).

أقول: الحق أنّه بیع کما مرّ فی إمکان تحققته بالفعل، و الوجه فی کونه معاطاة هو الاکتفاء فی المعاملة بوصول کلٍّ من المالین إلی المالک الآخر مع رضا الطرفین، و بناءً علی عدم اعتبار التعاطی فیها، ولکن ناقش فی هذا التفصیل الشیخ الأعظم بوجهین:

الأوّل: عدم اعتبار سیرة المسلمین هنا لأنّها تمکن أن تکون حادثةً أو صادرةً ممّن یتساهلون بأحکام الشرع کما فعلهم بعضهم بالنسبة إلی بعض المعاصی نحو: الکذب و الغیبة و الرُشی و حلق اللُِّحی [بضمّ اللاّمِ و کَسْرِها]، قال الشیخ الأعظم: «و فیه إشکال، من جهة قوة احتمال کون السیرة ناشئة من عدم المبالاة فی الدین کما فی کثیر من سیرهم الفاسدة»(3)!

و فیه: بل یمکن أن یقال بأنّ السیرة تکون للعقلاء لا للمتشرعة حتّی یرد علیه ما ذکره الشیخ الأعظم و إن کان المذکور فی کلام سیّد الریاض هو سِیْرَة المتشرعة.

الثانی: الإحالة علی المجهول فی قوله: «بما هو المعتاد فی أمثال هذه الأزمنة» لعدم کونها منضبطة بل تختلف بحسب أعمار الطفل، قال الشیخ الأعظم، «فیَکِلون إلی من بلغ ست سنین شراءَ باقة بقل أو بیع بیضة دجاج بفَلْس، و إلی من بلغ ثَمانِیَ سنین اشتراء اللحم و الخبز و نحوهما، و إلی من بلغ أربع عشرة سنة شراء الثیاب بل الحیوان بل یکلون إلیه اُمور التجارة فی الأسواق و البلدان، و لا یفرّقون بینه و بین من أکمل خمس عشرة سنة... و لا أظن أنّ القائل بالصحة یلتزم العمل بالسیرة علی هذا التفصیل»(4).

و فیه: لا بأس بالأخذ بالسیرة فی هذا التفصیل المذکور فی کلامه کما یأتی من

ص: 82


1- 1 . ریاض المسائل 8/217.
2- 2 . مفتاح الکرامة 12/549.
3- 3 . المکاسب 3/288.
4- 4 . المکاسب 3/289.

الفقیه السیّد الیزدی رحمه الله .

ثم استشهد فی الردّ علی هذا التفصیل بین الآلیة و غیرها بکلام العلاّمة فی نهایته: «... و کذا لو عرض الصبی دینارا علی ناقد لینقده، أو متاعا علی مقوِّم لِیُقوِمه فأخذه لم یجز ردّه علی الصبی، بل علی ولیّه إن کان للصبی و علی مالکه إن کان لکامل»(1).

أقول: ولکن المختار هو ما علیه سیّد الریاض من نفوذ معاملاته إذا کان آلة لولیه أمّا بناءً علی مسلکنا فواضح و أمّا بناءً علی مسلک المشهور فالسیرة تقیّد بطلان معاملته و لا بأس بالتزام بالسیرة المذکورة فی کلام الشیخ الأعظم کما عن الفقیه السیّد الیزدی حیث یقول: «الالتزام به قریب جدّا»(2). و من الممکن حمل کلام العلاّمة علی استقلالیته حیث یقول بعد هذا الفرع من دون فصل: «فلو أمره ولی الصبی بالدفع إلیه فدفعه إلیه، برئ من ضمانه إن کان المال للولی...»(3). و هذا الأخیر محمول علی الآلیة و قد حکم فیها بالبَراءَةِ من الضمان.

و العجب من الشیخ الأعظم حَیْثُ استشکل فی الآلیة ثم ذکر تَعْمِیْمَها إلی المجنون و السکران بل البهائم و فی الاُمور الخطیرة. ثم خصّصها بالصبی و المحقرات لأنّهما المتیقن من السیرة.(4)

الثانی عشر: هل معاملة الصبی تفید إباحة التصرف؟

قال جَدُّنا کاشف الغطاء: «فلا یصح منه العقد بالأصالة أو الوکالة إلاّ بعد الثبوت، نعم تثبت الإباحة فی معاملة الممیّزین إذا جلسوا فی مقام اولیائهم أو تظاهروا علی رؤس الأشهاد حتّی یظنّ أنّ ذلک عن إذن من الاُولیاء خصوصا فی المحقرات. و لو قیل بتملّک الأخذ منهم لدلالة مأذونیته فی جمیع التصرفات فیکون موجبا قابلاً لم یکن بعیدا»(5).

ص: 83


1- 1 . نهایة الإحکام 2/454.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/24.
3- 3 . نهایة الإحکام 2/454.
4- 4 . راجع المکاسب 3/294.
5- 5 . کشف الغطاء 1/256.

و قال تلمیذه الشیخ أسداللّه التستری فی توضیح کلام استاذه: «انّه لما کان بناء المعاطاة علی حصول المراضاة کیف اتفق و کانت مفیدة لإباحة التصرف خاصة _ کما هو المشهور_ و جرت عادة الناس بالتسامح فی الأشیاء الیسیرة و الرضا باعتماد غیرهم فی التصرف فیها علی الأمارات المفیدة للظن بالرضا فی المعاوضات... _ إلی قوله _ فالتحقیق: أنّ هذا لیس مستثنی من کلام الأصحاب و لا منافیا له و لا یعتمد علی ذلک أیضا فی مقام الدعوی و لا فیما إذا طالب المالک بحقّه و أظهر عدم الرضا»(1).

ثم اعترض الشیخ الأعظم علی التلمیذ المُوَضِّح بإشکالین:

الأوّل: الاکتفاء فی المعاطاة بمجرد الرضا من دون إنشاء إباحة أو تملیک ممنوع(2) کما مرّ فی ثامن تنبیهات المعاطاة.(3)

الثانی: المناط فی تصحیح معاملة الصبی و کونها تفید الإباحة هو التراضی من المالکین و العلم به فی کلامه، و هذا أخص من المدّعی و هو ترتب الإباحة علی معاملة الصبی مطلقا.(4)

ثم اعترض الشیخ الأعظم علی کاشف الغطاء فی کلامه الأخیر من نفی البُعد عن ترتب الملک علی معاملة الصبی الممیّز إذا کان مأذونا من ولیّه، بإشکالین:

الأوّل: «إنّ تولّی وظیفة الغائب _ و هو مَنْ أذِنَ للصغیر_ إن کان بإذن منه فالمفروض انتفاؤه، و إن کان بمجرد العلم برضاه فالاکتفاء به فی الخروج عن موضوع الفضولی مشکل، بل ممنوع»(5).

الثانی: «إنّ المحسوس بالوجدان عدم قصد مَنْ یعامل مع الأطفال النیابة عمّن أذن

ص: 84


1- 1 . مقابس الأنوار /113 و نقل عنه الشیخ الأعظم فی المکاسب 3/291 و 290.
2- 2 . راجع المکاسب 3/292.
3- 3 . راجع المکاسب 3/112.
4- 4 . راجع المکاسب 3/293.
5- 5 . المکاسب 3/293.

للصبی»(1).

أقول: ولکن إشکاله الأوّل علی آخِرِ کلامِ الْجَدِّ قدس سره مُنافٍ لِقَوْلِهِ فی بیع الفضولی من ترجیح خروج المعاملة المقرونة برضا المالک عن بیع الفضولی موضوعا أو حکما حیث یقول الشیخ الأعظم هناک: «و إن کان الذی یقوی فی النفس _ لو لا خروجه عن ظاهر الأصحاب _ عدم توقّفه علی الإجازة اللاحقة بل یکفی فیه رضا المالک المقرون بالعقد سواء علم به العاقد، أو انکشف بعد العقد حصوله حینه، أو لم ینکشف أصلاً فیجب علی المالک فیما بینه و بین اللّه تعالی إمضاء ما رضی به و ترتیب الآثار علیه...»(2).

نبّه علی هذا التنافی المحقّق المروج(3) رحمه الله .

ثمّ إنَّ المذکور فی کلام الجد رحمه الله أنّ جلوس الصبیان مقام أولیائهم فی المعاملات أو تظاهراتهم علی رؤوس الأشهاد فیها یوجب حصول الظن النوعی بإذن أولیائهم لا سیما فی المحقرات و هذا الظن النوعی یعدّ أمارة عرفیة علی الإذن، و إذا نُسِبَت المعاملة إلی الولی صارت نافذة.

و هذا التقریرُ علی مسلکنا من صحة معاملاته بإذن ولیّه واضحٌ و علی مسلک المشهور من بطلان معاملاته یخصص بهذه الأمارة النوعیة و بعد نسبتها إلی الولی تکون صحیحة، و الحمدللّه.

ص: 85


1- 1 . المکاسب 3/294.
2- 2 . المکاسب 3/347.
3- 3 . هدی الطالب 4/87.

2_ العقل

اشارة

لم یذکره الشیخ الأعظمُ لوضوحهِ(1)، و لذا أذکره باختصار:

و قد صرّح باشتراطه کلٌّ من المحقّق فی الشرائع(2)، و العلاّمة فی القواعد(3) و التذکرة(4) و النهایة(5)، و الشهید الأوّل فی الدروس(6)، و الشهید الثانی فی المسالک(7)، و المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(8)، و الأردبیلی فی مجمع الفائدة(9)، و البحرانی فی الحدائق(10)، و أصحاب الریاض(11) و شرح القواعد(12) و المستند(13) و المفتاح(14) و

ص: 86


1- 1 . قل فی المفتاح 12/551 «و من ترکه فلبداهته...».
2- 2 . الشرائع 2/8.
3- 3 . قواعد الأحکام 2/17.
4- 4 . تذکرة الفقهاء 10/11.
5- 5 . نهایة الإحکام 2/455.
6- 6 . الدروس الشرعیة 3/192.
7- 7 . مسالک الأفهام 3/154.
8- 8 . جامع المقاصد 4/61.
9- 9 . مجمع الفائدة و البرهان 8/155.
10- 10 . الحدائق 18/367.
11- 11 . ریاض المسائل 8/216.
12- 12 . شرح القواعد 2/38.
13- 13 . مستند الشیعة 14/266.
14- 14 . مفتاح الکرامة 12/551.

الجواهر(1). قدس اللّه أسرارهم.

و استدل علیه بالأدلة التالیة:

أ: الکتاب

قال اللّه تعالی: «و لا تؤتوا السفهاء أموالکم التی جعل اللّه لکم قیاما»(2) و المجنون من أظهر مصادیق السفیه و لذا قالَ صاحب مجمع البیان فی مقام عَدِّ أقْسام السُّفَهاء: «... و ثالثها: أنّه عام فی کلّ سفیه من صبی أو مجنون أو محجور علیه للتبذیر و قریب منه ما روی عن أبی عبداللّه علیه السلام أنّه قال: إنّ السفیه شارب الخمر و من جری مجراه و هذا القول اُولی لعمومه»(3).

و قال الشیخ: «و الاولی حمل الآیة علی عمومها فی المنع من إعطاء المال السفیه، سواء کان رجلاً أو امرأة بالغا أو غیر بالغ. و السفیه هو الذی یستحق الحجر علیه لتضییعه ماله، و وضعه فی غیر موضعه...»(4).

ب: العقل

حاکم بعدم نفوذ معاملات المجنون فی الجملة و کلّ ما حکم به العقلُ حکم به الشَّرعُ. کما اطَبَقَتْ علیه الامامِیّةُ و سائِرُ الْعَدْلِیَّةِ.

و لعلّ أوّل من استدل بالعقل لاعتباره هو المحقّق الأردبیلی(5) و تبعه صاحب المفتاح(6).

و یمکن أن یقرر هذا الدلیل علی أنّ سیرة العقلاء جاریة علی عدم نفوذ معاملات

ص: 87


1- 1 . الجواهر 22/265.
2- 2 . سورة النساء /5.
3- 3 . مجمع البیان 3/8.
4- 4 . التبیان 3/113.
5- 5 . مجمع الفائدة و البرهان 8/155.
6- 6 . مفتاح الکرامة 12/551.

المجنون عندهم و لم یردع عنه الشارع بل یقرّرها و یمضیها بالدلیل السابق و الأدلة التالیة.

و بهذا التقریر یندفع توهم الدور فی الاستدلال علی اعتبار العقل فی المتعاملین بالعقل.

ج: الإجماع

الوارد فی کلام السیّد ابن زهرة فی الغنیة(1) و قال العلاّمة: «و لاخلاف بین العلماء کافّة فی الحجر علی المجنون مادام مجنونا و أنّه لا ینفذ شی ء من تصرفاته لسلب أهلیته عن ذلک»(2).

و صرح بادعاء الإجماع الأردبیلی(3) و کاشف الغطاء(4).

و سیّد الریاض(5) و الفاضل النراقی(6) نَفَیا الخلاف عنه و تبعهما صاحب الجواهر و زاد: «بل الإجماع بقسمیه علیه بل الضرورة من المذهب بل الدین...»(7).

د: السنة

تدل علیه منها حدیث رفع القلم لأنّ فیه: «... و عن المجنون حتّی یفیق»، الحدیث.(8)

و قد مرّ فی الدلیل الثالث من أدلة اعتبار البلوغ تصحیح سنده و دلالته علی رفع قلم التشریع فلا نعید.

ص: 88


1- 1 . الغنیة /210.
2- 2 . تذکرة الفقهاء 14/201.
3- 3 . مجمع الفائدة و البرهان 8/155.
4- 4 . شرح القواعد 2/42.
5- 5 . ریاض المسائل 8/216.
6- 6 . مستند الشیعة 14/266.
7- 7 . الجواهر 22/265.
8- 8 . الارشاد 1/202، وسائل الشیعة 1/45، ح11.

ه_ : عدم اعتبار قصده

اشارة

قال صاحب الجواهر فی تقریر هذا الدلیل: «لا لعدم القصد فإنّه قد یفرض فی بعض أفراد الجنون، بل لعدم اعتبار قصده و کون لفظه کلفظ النائم بل أصوات البهائم و هو المراد من رفع القلم عنه و عن الصبی فی الخبر...»(1).

أقول: عدم اعتبار قصد المجنون تام ولکن قد مرّ منّا فی الفرع الثالث و ما بعده من فروع البلوغ اعتبار قصد الصبی.

فرعان:
الأوّل:

قال فی التذکرة: «المجنون إن کان له حال إفاقة فباع أو اشتری فیها صحّ و إلاّ فلا. ولو ادّعی الجنون حال العقد، قُدّم قوله. ولو لم یعرف له حالة جنون قُدّم مدّعی الصحة»(2).

و قال فی حجرها: «نعم، ینفذ تصرّفه حال إفاقته إذا عُرف رشده و لا ینفذ حالة جنونه بلا خلاف»(3).

أقول: صحة معاملات المجنون الأدواری فی حال إفاقته مع تحقق سائر الشرائط تامة، و ما ذکره فی الادعاء الأوّل مطابق للأصل الأولی فی المعاملات و هو عدم نفوذها، الإدعاء الثانی مطابق للأصل العدمی و غیرهما محتاج إلی البینة.

الثانی:

و قال فیه أیضا: «لا ینعقد بیع المجنون و إن أذن ولیُّه، و لا المغمی علیه و لا السکران و لا الغافل و لا الناسی و لا النائم و الهازل و لا المکرَه»(4).

و قال فی النهایة: «لا عبرة بعبارة المجنون فی العقد إیجابا و قبولاً لنفسه و لغیره سواء أذن له الولی أو لا، و کذا المغمی علیه و السکران و الغافل و النائم، سواء رضی کلّ منهم بما فعله بعد زوال عذره أو لا، لارتفاع العقل الذی هو مناط صحة التصرفات فأشبه

ص: 89


1- 1 . الجواهر 22/265.
2- 2 . تذکرة الفقهاء 10/13.
3- 3 . تذکرة الفقهاء 14/201.
4- 4 . تذکرة الفقهاء 10/13.

غیر الممیز، و لقوله علیه السلام : رفع القلم عن ثلاثة...»(1).

قال فی المفتاح: «و نحوه ما فی الشرائع(2) و التحریر(3) و الإرشاد(4) و الدروس(5) تعلیق الإرشاد(6) و الروضة(7) و المسالک(8) و المیسیة و مجمع البرهان(9) و الکفایة(10) و المفاتیح(11) و حواشی الکتاب [قواعد الأحکام] و اللمعة(12) و جامع المقاصد(13) و ذلک کلّه ممّا لا ریب فیه عندهم قال فی الکفایة: «قالوا: ولو رضی کلّ منهم بما فعل بعد زوال عذره لم یصح عدا المکره [استنادا إلی تعلیلات اعتباریة من غیر نص، فالمسألة محل إشکال.]»(14)... و فی الحدائق: «أنّ ظاهرهم الاتفاق علی عدم صحة عقد ما عدا المکرَه إذا رضوا به بعد زوال العذر»(15)»(16).

ص: 90


1- 1 . نهایة الإحکام 2/455.
2- 2 . الشرائع 2/8.
3- 3 . تحریر الأحکام الشرعیة 2/276.
4- 4 . إرشاد الاذهان 1/360.
5- 5 . الدروس الشرعیة 3/192.
6- 6 . حاشیة الإرشاد /336 للمحق الثانی المطبوعة فی المجلد التاسع من حیاته و آثاره.
7- 7 . الروضة البهیة 3/226.
8- 8 . المسالک 3/155.
9- 9 . مجمع الفائدة و البرهان 8/151.
10- 10 . الکفایة 1/449.
11- 11 . مفاتیح الشرائع 3/46.
12- 12 . اللمعة الدمشقیة /110.
13- 13 . جامع المقاصد 4/61.
14- 14 . الکفایة 1/449.
15- 15 . الحدائق 18/373.
16- 16 . مفتاح الکرامة 12/552 و 553.

3_ القصد

اشارة

قال العلاّمة فی التذکرة: «و کذا القصد شرط فی البیع إجماعا»(1).

و فیها: «لو باع الهازل لم ینعقد عندنا لأنّه غیر قاصد فلا یترتّب علیه حکم. و للشافعی وجهان»(2).

و فی نهایته: «و یشترط الاختیار و القصد، فلاینعقد بیع المکره و لا شراؤه، و لا فاقد القصد لغفلة أو نوم أو هزل لعموم قوله تعالی: «إلاّ أن تکون تجارة عن تراض منکم»(3) فالمناط و هو التراضی إنّما یتحقق بالاختیار و القصد»(4).

و قال الشهید فی الدروس: «و قصدهما فلاینعقد من الغافل و النائم و الساهی و الهازل و الغالط»(5).

و قال سیّد الریاض: «یشترط فی المتعاقدین... و القصد»(6).

و فی المفتاح: «و قد نص علیه الأکثر و ظاهرهم عدم الخلاف فیه»(7).

ص: 91


1- 1 . تذکرة الفقهاء 10/13.
2- 2 . تذکرة الفقهاء 10/17.
3- 3 . سورة النساء /29.
4- 4 . نهایة الإحکام 2/455.
5- 5 . الدروس الشرعیة 3/192.
6- 6 . ریاض المسائل 8/216.
7- 7 . مفتاح الکرامة 12/554.

و فی المکاسب: «و من جملة شرائط المتعاقدین قصدهما لمدلول العقد الذی یتلفّظان به... لا خلاف فیه و لا إشکال...»(1).

و فی المصباح: «قد اتفقت کلمات الأصحاب _ رضوان اللّه علیهم _ علی هذا الشرط حتّی أرسلوه فی کتبهم الفقهیة إرسال المسلمات، و لذا لم ینقل الخلاف _ هنا _ من أحد، بل فی التذکرة ادعی الاجماع علی ذلک»(2).

و فی کتاب البیع: «لا شبهة فی اعتبار ذلک فی المعاملات الجاریة باللفظ و لا فی اعتبار القصد لمدلول العقد فی المعاطاة...»(3).

أقسام القصد

اشارة

الأوّل: قصد اللفظ لمتکلّمه و فی قباله المتلَّفِظ الغالط أو اللاعب أو الهازل أو الساهی فلو أراد أن یتکلَّم بکلمة «بعتُ» ولکن غلط أو لعب أو هزل أو سَها و قال «آجرتُ» فلا یصح.

الثانی: قصد الارادة الاستعمالیة لا لفظ فی معناه الحقیقی و فی قباله استعماله فی معناه المجازی نحو استعمال الإجارة فی معنی النکاح الموقّت فلا یتم.

الثالث: قصد المعنی بالارادة الجدیّة و فی قباله استعمال اللفظ فی الصیغ الانشائیة بغیر داعی الاتیان بها کالسخریة و المزاح و الترغیب و الترهیب و نحوها.

الرابع: قصد الداعی بمعنی أنّ المنشی لعقدٍ یُنْشِئُهُ بداعٍ من الدواعی فالبائع یُنْشِئُ البیع بداعی المنفعة و الناکح بداعی اللّذة أو التناسل و نحوها، و أمّا الإنشاء من دون الداعی فلا یفعله العاقل لأنّهم یرتبون أفعالهم علی مصالحهم، ولکنّه لو فرض تحقق انشاء من دون أی داع ینطبق علیه عنوان العقد فیتمّ.(4)

الخامس: القصد تارة یستعمل بمعنی الرضا کما ورد فی بعض التعبیرات بأنّ

ص: 92


1- 1 . المکاسب 3/295.
2- 2 . مصباح الفقاهة 3/275.
3- 3 . کتاب البیع 2/37 للسیّد الخمینی رحمه الله .
4- 4 . کما علیه صاحب العقد النضید 2/474.

المکرَه لا قصد له أو الفضولی، و المراد بالقصد هنا هو الرضا.

ثم إنّ محل البحث عن اعتبار القصد هو القسم الثالث، و القسمان الأوّلان یدخلان فیه أیضا، بمعنی عدم تحقق الارادة الجدیة إلاّ مع ارادة قصد اللفظ و استعماله فی معناه الحقیقی لا المجازی، فالأقسام الثلاثة الاُوَل یدخلن فی محلّ الکلام.

و العجب من المحقّق النائینی رحمه الله حیث ذهب إلی «أنّ القصد لا یطلق علی قصد اللفظ و قصد المعنی بجامع واحد، ضرورة أنّ اللفظ فی الاستعمال أمرٌ مغفولٌ عنه و لا یشعر به و لایلتفت إلیه، و إنّما الالتفات إلی المعنی و جعل اللفاظ فانیا فیه و هذا بخلاف المعنی حیث أنّه أمر ملتفت إلیه فیکون قصد اللفظ فی مقابل صدورها عن المتکلم فی حال النوم و السهو، و قصد المعنی بمعنی التفاته إلیه و کونه فی مقام إیقاعه علی المخاطب فی الأخبار أو إیجاده بآلة استعمال اللفظ فی المعنی فی الإنشاء فی مقابل الهزل...»(1).

وجه التعجب: أنّ الاختلاف فی المقصودین لایستلزم الاختلاف فی القصدین و تمایزهما، لأنّ المعتبر هو صدور اللفظ و المعنی عن قصد و ارادة، ولکن القصد الذی یتعلق باللفظ أمر آلی و القصد الذی یتعلق بالمعنی أَمْرٌ استقلالی و یمکن الجمع بین القصدین فلا وجه للقول بعدم وجود الجامع بینهما کما یظهر هذا من صاحب العقد النضید.(2)

و بما ذکرنا یظهر(3) بعض مواقع النظر فی کلام الشیخ الأعظم؛ و غیره، من أنّ القصد یعدّ من مقومات العقد حقیقة _ لا من شروط المتعاقدین _ بحیث لولاه لم یتحقق عنوان العقد و لعلّ اشار قدس سره إلیه بقوله: «و اشتراط القصد بهذا المعنی فی صحة العقد بل فی تحقق مفهومه...»(4).

و مِنْ جعله رحمه الله الهازل و الکاذب فی رتبة واحدة مع أنّهما یختلفان حقیقة و حکما

ص: 93


1- 1 . المکاسب و البیع 1/404.
2- 2 . العقد النضید 2/474.
3- 3 . کما علیه صاحب العقد النضید 2/473.
4- 4 . المکاسب 3/295.

فی قوله: «... کما فی الأمر الصوری فهو شبیه الکذب فی الإخبار کما فی الهازل...»(1).

کلام صاحب المسالک

قال فی المسالک: «الفرق بینهم [أی الصبی الممیز و المجنون و المغمی علیه و السکران، و المُکْرَه] و بین المکرَه واضح، إذ لا قصد لهم إلی العقد و لا أهلیة لهم، لفقد شرطه و هو العقل بخلاف المکرَه فإنّه بالغ عاقل و لیس ثَمَّ مانع إلاّ عدم القصد إلی العقد حین إیقاعه، و هو مجبور بلحوقه له بالاجازة، فیکون کعقد الفضولی حیث انتفی القصد إلیه من مالکه الذی یعتبر قصده حین العقد، فلما لحقه القصد بالاجازة صحّ»(2).

و قال بعد سطور: «و یمکن أن یقال: إنّ القصد من المکرَه حاصل دون من سبق لأنّ غیر العاقل لایقصد إلی اللفظ و لا إلی مدلوله بخلاف المکرَه فإنّه باعتبار کونه عاقلاً قاصد إلی ما یتلفظ به و یفعله بشعوره، لکنّه بالاکراه غیرقاصد إلی مدلوله و ذلک کافٍ فی صلاحیته و قبوله للصحة إذا لحقه القصد إلی مدلوله باجازته.

و مثله القول فی عقد الفضولی فإنّه قاصد إلی اللفظ الصادر منه، لأنّ المفروض أهلیته و جمعه للشرائط المعتبرة فی صحة العقد إلاّ الملک و لایتحقق منه قصد مدلوله -أعنی نقل الملک و التسلیط علی التصرف و غیرهما من أحکام العقد- لأنّ ذلک من وظائف المالک، فإذا أجازه المالک و قصد إلی ذلک صحّ»(3).

و استفاد الشیخ الأعظم من هذا المقالة الأخیرة عدم تحقق القصد فی عقد المکرَه و الفضولی و قال: «کما صرح به فی المسالک حیث قال: إنّهما قاصدان إلی اللفظ دون مدلوله»(4).

و المذکور فی کلامه رحمه الله معنی کلام ثانی الشهیدین قدس سره و قد ذکرت لک نصه.

و ردّه علیه بقوله: «لا دلیل علی اشتراط أزید من القصد المتحقّق فی صدق مفهوم

ص: 94


1- 1 . الکاسب 3/295.
2- 2 . المسالک 3/155.
3- 3 . المسالک 3/156.
4- 4 . المکاسب 3/295.

العقد»(1).

أقول: و تابع صاحب الجواهر(2) رحمه الله الشَّهِیْدَ الثانی فی المکرَه فقط فذهب إلی انتفاء قصده لو لا الإجماع علی صحة عقده المتعقب بالرضا، ولکن الظاهر تمامیة ما ذکره الشیخ الأعظم رحمه الله لأنّ القصد المعتبر فی صدق مفهوم العقد موجود فی عقد الفضولی و المکرَه و هما یقصدان العقد ولکن عقد الفضولی یفقد أمرین و هما انتساب العقد إلی المالک و رِضاهُ و بالاجازة یحصلان، و عقد المکرَه یفقد أمرا واحدا و هو الرضا بالعقد و بعد حصوله تمّ العقد. و یأتی توضیح أکثر فی هذا المجال فی أوّل بحث بیع المکرَه و بیع الفضولی فانتظر.

هل یعتبر تعیین المالکین فی صحة البیع؟
اشارة

هل یعتبر مضافا إلی قصد مدلول العقد تعیین مالکی العوضین أی البائع و المشتری، ثم علی فرض اعتباره هل یلزم تعریف البائع للمشتری و عکسه أم لا؟

توضیح مقالة صاحب المقابس

ذکر الشیخ اسداللّه التستری(3) قدس سره أنّ فی المسألة اُوجها و أقوالاً و أنّها فی غایة الاشکال و أنّه قد اضطربت فیها کلمات الأصحاب _ قدس اللّه أرواحهم _ فی تضاعیف أبواب الفقه، ثم قسّم المسألة إلی صور و ذکر حکمها:

الصورة الاولی: إذا کان البائع و المشتری متعیّنین فی متن العقد فلاتحتاج المعاملة إلی تعیینهما لتعینّهما واقعا فی متن العقد کما لو کان زید هو البائع و عمرو هو المشتری فیجریان العقد بنفسهما أو ولیّهما أو وکیلهما.

الصورة الثانیة: إذا کان البائع و المشتری غیر متعیّنین فی متن العقد فلابدّ من تعیینهما فی الخارج لإمکان أن یکون البائع أیّ منهما و کذا المشتری، کما لو کان العاقد وکیلاً عنهما فی البیع و الشراء أو ولیّا علیهما، و الأوّل نحو: توکیل زید و عمرو للمعاقد

ص: 95


1- 1 . المکاسب 3/296.
2- 2 . الجواهر 22/267.
3- 3 . راجع مقابس الأنوار /115، سطر 15.

فی تبدیل بیتهما إلی معملٍ، و توکیل بکر و خالد له فی تبدیل معملهما إلی بیتٍ، فحینئذ لابدّ للعاقد تعیین مالک البیت و مالک المعمل فی کلِّ عقد و کذلک أیّ منهما یکون بائعا أو مشتریا لترتب الأحکام المختصة بکلِّ واحد منهما. و الثانی: نحو: أن یکون العاقد حاکما شرعیا و ولیّا علی الطرفین فی طرف یوجد مفلَّسان و فی طرف آخر یوجد یتیمان و الحاکم یرید شراء مال المفلَّسین للیتیمین فلابدّ من تعیینهما فی کلّ عقدٍ.

و یمکن التمثیل للأوّل بأن یکون العاقد وکیلاً عن جماعة فی بیع صاع من صبرة بمبلغ معیّن، و هکذا یکون وکیلاً عن جماعة فی شراء صاع من صبرة بهذا المبلغ فحینئذ لابدّ من تعیین البائع و المشتری فی کلّ عقد لئلا یشتبه بین الجماعتین.

و الحاصل: فی هذه الصورة یجب علی العاقد أو الوکیل أو الولی تعیینهما حین صدور العقد بأیّ وجه من وجوه التعیین.

ثم فی فرض وجوب التعیین إن یعیّن فهو، و إن لم یعیّن بل یُطْلِقُ العقد فإن کانت هُناکَ قرینة ینصرف الاطلاق إلیها، فیؤخذ بالقرینة فینصرف الاطلاق و یَصِیْرُ کالتعیین نحو صدور المعاملة عن نفسه أو عن غیره وکالة، تحمل علی المباشرة لأنّ الوکالة تحتاج إلی مؤنة زائدة و هی مفقودة بالأصل.

و أمّا لو قصد العاقد الإبهام أو قصد التعیین بعد العقد، فلا ینسب المعاملة إلی رافع الإبهام و لا إلی المعیّن بعد العقد، فیکون العقد لغوا.(1)

الادلة الواردة فی مقالة التستری علی وجوب التعیین

الدلیل الأوّل: لزوم بقاء الملک بلا مالکٍ معیّنٍ

لو لم یعیّن العاقد البائع و المشتری لزم بقاء الملک بلا مالک معیّن فی الواقع و نفس الأمر و اللازم باطل و التالی مثله، لأنّ البیع تملیک و تملّک و هما مَنُوْطانِ بأمرین: مالکٌ و مملوکٌ، و إذا لم یکن المالک فی البیع معیّنا، لزم حصول الملکیّة من دون مالکٍ و هو مستحیلٌ.

ص: 96


1- 1 . تأتی الصورة الثالثة بعد ذکر أدلة التستری رحمه الله .

الدلیل الثانی: لزوم تحدید الْمُنْشَئ

هو المستفاد من الأدلة الشرعیة، و التحدید یَکُوْنُ من جهات متعددة:

منها: تحدید قسم العقد من أنّه بیع أو إجارة أو صلح أو نحوها.

منها: تحدیده من جهات الممیّزة نحو تعیین العوضین و المالکین.

و التردید فی أحدها یوجب بطلان العقد إجماعا، فتعیین المالک المعیّن یکون من الاُمور المعتبرة فی صحة العقد.

و قد عبّر الشیخ الأعظم عن هذا الدلیل بقوله: «و أن لا یحصل الجزم بشی ءٍ من العقود التی لم یتعیّن فیها العوضان و لا بشی ءٍ من الأحکام و الآثار المترتبة علی ذلک و فساد ذلک ظاهرٌ»(1).

الدلیل الثالث: جریان أصالة الفساد

أدلة نفوذ المعاملة منصرفة إلی المعاملة الشائعة المتداولة عند الناس و هم یُعَیِّنُوْنَ العوضین و المالکین و قسم العقد من کونه بیعا أو إجارة أو صلحا أو غیرها، و أمّا إذا لم یعیّن أحَدُ هذه الاُمور فلا تشمله أدلة نفوذ المعاملة و تصل النوبة إلی الأصل العملی فی المقام، و الأصل الأولی فی جیمع المعاملات هو الفساد و عدم جریان المعاملة و بقاء کلّ مال علی ملک مالکه الأوّل.(2)

مسألةٌ: ذکرها المحقّق التستری علی القول بالتعیین

مسألةٌ: ذکرها المحقّق التستری علی القول بالتعیین، لو اشتری الفضولی لغیره فی الذمّة، فإن عیّن ذلک الغیر تعیّن و وقف علی اجازته سواء ذکر اسمه أو عیّنه بالإشارة أو المشخصات الفردیة، و إن أبهم و لم یعیّن مع قصد الغیر بطل و لایتوقف إلی أن یوجد له مجیزٌ.

الصورة الثالثة: إن لم یتوقّف تعیّن المالک علی التعیین حال العقد بأن یکون العوضان معیّنین بحیث یُعلم من الخارج أنّ الثمن لزیدٍ و المثمنِ لِعَمْرٍوْ و هما یُعیّنانِ عاقدا

ص: 97


1- 1 . المکاسب 3/297.
2- 2 . فی هذا المجال راجع الآراء الفقهیة 4/203.

أو وکیلاً لِقِراءَةِ صیغة المعاملة أو إجرائها، فَإنْ قَرَأَ الصیغة أو أجری المعاملة من دون تعیین المالکین، فهل هذه المعاملة تکون صحیحة أو تتوقف علی تعیین البائع و المشتری فیها وجوه، ثلاثة:

الأوّل: لزوم التعیین أو الاطلاق المنصرف إلیه.

الثانی: عدم لزوم التعیین مطلقا سواءٌ صرّح بالخلاف أم لم یصرّح؟ لتعیّنه فی الواقع، فتّصح المعاملة و إن صرّح بالخلاف فضلاً عن قصده.

الثالث: التفصیل بین التصریح بالخلاف و عدمه، فإن صرّح بالخلاف بطلت المعاملة، و ان لم یصرّح صحت، و لاتتوقف الصحة علی التعیین لأنّه یکون معیّنا فی الخارج، نعم التصریح یکون مضرّا للصحة.

أقوی الوجوه عند صاحب المقابس هو القول الأخیر _ أی التفصیل _ و أوسطها هو الوسط _ أی عدم لزوم التعیین مطلقا _ و أشبهها للأصول هو القول الأوّل.

هذا ما أفاده المحقّق التستری(1) قدس سره .

أقول: مراده قدس سره من الاُصول هی أصالة الفساد الجاریة فی المعاملات و استصحاب بقاء کلٍّ من العوضین علی ملک مالکه الأوّل و أصالة عدم نقل کلٍّ من العوضین إلی الآخر و أصالة عدم ترتب الأثر.

و أمّا جعله القول الثانی هو الوسط فلا وجه له، لأنّ التعبیر بالوسط یکون صحیحا إذا کان بین القوی و الضَّعِیْفِ فیقع القول الوسط بینهما و أمّا إذا کان الأقوی عنده هو القول الثالث و الأشبه بالاُصول هو القول الأوّل فلا معنی للوسط.(2)

نقد الشیخ الأعظم علی المحقّق التستری صاحب المقابس

المستفاد من کلامه(3): البیع هی المبادلة و المعاوضة بین المالین و هی تقتضی

ص: 98


1- 1 . راجع مقابس الأنوار /(116-115) و نقل عنه فی المکاسب 3/(299-296).
2- 2 . کما علیه صاحبا «تحقیقٌ و تقریراتٌ فی باب البیع و الخیارات» 1/373، و العقد النضید 2/478.
3- 3 . راجع نصه فی المکاسب 3/299.

دخول العوضین فی ملک الآخر، أعنی خروج العین من ملک البائع إلی ملک المشتری و دخول الثمن فی ملکه و خروج الثمن من ملک المشتری و دخول العین فی ملکه، و حیث کانت هذه المبادلة هی حقیقة البیع فلا نحتاج مضافا إلی ما ذکرناه إلی تعیین المالکین، بل مجرد قصد المعاوضة کافٍ فی صدق البیع و لا یلزم إسناده إلی المالکین، و هذا الأمر بالنسبة إلی الأعیان الشخصیة واضح.

و أمّا فی الأعیان الکلّیّة فلابدّ من تعیین المالکین لا لأجل أن یکون تعیینهما شرطا مستقلاً فی العقد، _ کما علیه صاحب المقابس _ بل لأنّ تعیین المال فی الأعیان الکلّیّة مشروط بإضافتها إلی ذمّة خاصة معیّنة و إلاّ لایصدق علیها أنّها مال بل و لا ملک، و حیث أنّ البیع مبادلة مال بمال فلابدّ من إحراز مالیة الکلّی و هی لا تُحْرَزُ إلاّ بالإضافة إلی ذمّة معیّنة یتمکّن صاحبها من تسلمیها إلی المشتری فی التوقیت الخاص من النقد و النسیئة و السَّلم.

فحینئذ تعیین المالکین لیس شرطا مستقلاً فی البیع بل لیس شرطا أصلاً و نحن نستغنی عن هذه الشرطیة بواسطة حقیقة البیع التی هی المبادلة و المعاوضة بما مرّ تَفصیلُهُ و لعلّ احتیاج الأعیان الکلیة إلی ذمّه المالک یکونُ موجبا لمقالة المحقّق التستری من احتیاج البیع إلی تعیین المالکین.

ثم اعترض الشیخ الأعظم(1) علی وجوهه الثلاثَةِ فی الصورة الثالثة و هی إذا کان العوضان معیّنین فی الخارج إن قُصدت المعاوضة الحقیقیّة التی تستلزم عقلاً دخول کلٍّ من العوضین فی ملک الآخر فلا حاجة إلی تعیین مالکی العوضین لتعیّنهما بتعیّن العوضین بالملازمة، و إن قُصدت المعاوضة الصوریة فالبیع غیر منعقد فلا عبرة بتثلیث الوجوه.

ثم تعرّض لفرع ذکره التستری علی اعتبار القول الوسط _ و هو عدم لزوم التعیین مطلقا سواءٌ صرّح بالخلاف أم لم یصرّح _ و هو «لو باع مال نفسه عن الغیر، وقع

ص: 99


1- 1 . المکاسب 3/300.

عنه و لغی قصد کونه عن الغیر.» و قال فی ذیله: «فلا إشکال فی عدم وقوعه عن غیره و الظاهر وقوعه عن البائع و لغویة قصده عن الغیر لأنّه أمر غیر معقول لایتحقّق القصد إلیه حقیقة و هو معنی لغویّته.»(1).

أقول: یشترک الشیخ الأعظم مع التستری صاحب المقابس فی الْقَوْلِهِ بوقوعِ المعاملة فی هذا الفرع عن المالک العاقد نفسه و عدم وقوعه عن الغیر، ولکنَّهُما یختلفان فی دلیل الحکم، و هو عند التستری مقام الإثبات و هو الأخذ بأصالة الظهور فی «بعتُ» فی إرادة البیع لنفسه، و عند الشیخ الأعظم مقام الثبوت و هو أنّ قصد المعاوضة الحقیقیة یوجب تحققها عن المالک لا الغیر کما مرّ. و من المعلوم بعد فرض عدم إمکان المعاوضة الحقیقیة عن الغیر فی مقام الثبوت فلا نحتاج لنفیه إلی مقام الإثبات.

و فرّع الشیخ الأعظم علی بیانه فرعا آخَرَ و قال: «و لذا لو باع مال غیره عن نفسه وقع للغیر مع اجازته _ کما سیجیء(2)_ و لا یقع عن نفسه أبدا»(3). و الوجه فی تفریعه عدم تحقق المعاوضة الحقیقیة.

ثم استدرک من قوله: «لا یقع عن نفسه أبدا» بقوله: «نعم، لو ملکه فأجاز، قیل(4) بوقوعه له، لکن لا من حیث إیقاعه أوّلاً لنفسه، فإنّ القائل به لا یفرّق حینئذ بین بیعه عن نفسه أو عن مالکه، فقصد وقوعه عن نفسه لغو دائما و وجوده کعدمه»(5).

و مستند الحکم بالصحة، و توضیح کلام الشیخ الأعظم فی هذا الفرض دخوله فی مسألة «من باع شیئا ثم ملکه» و القائل بالصحة لایفرّق بین بیع مال الغیر عن نفسه ادعاءً و بین بیعه عن مالکه فضولاً، و عدم التفریق کاشف عن لغویة قصد وقوع البیع عن نفسه.

ص: 100


1- 1 . المکاسب 3/301.
2- 2 . فی المسألة الثالثة من بیع الفضولی فی المکاسب 3/376.
3- 3 . المکاسب 3/301.
4- 4 . القائل به المحقّق القمی فی الغنائم /554 ناسبا إیّاهُ إلی الأکثر، و جَدُّنا الشیخ جعفر کاشف الغطاء فی شرحه علی القواعد 2/92.
5- 5 . المکاسب 3/301.

ثم اعترض الشیخ الأعظم(1) علی نفسه بتوضیح منّا: لماذا نحکم بعدم اعتبار قصد العاقد و وقوع البیع الفضولی بالنسبة إلی المالک لدلالة المعاوضة الحقیقیة؟! بل یمکن أن نذهب من الطرف الآخر و نَقُوْلَ بأنّ ایقاع العقد عن نفس العاقد کما هو الظاهر من کلامه قرینة علی عدم تحقق المعاوضة الحقیقیة و بطلان البیع من رأسه، و الشاهد علیه حکم العلاّمة و الشهید فی عکس المثال المذکور بالبطلان.

حیث قال العلاّمة فی القواعد: «ولو قال [المالک للمرتهن] بِعهُ لنفسک، بطل الإذن، لأنّه لا یُتصوّر أن یبیع ملک غیره لنفسه»(2).

و قال: «و کذا لو دفع إلیه مالاً و أمره بشراء طعامٍ له لم یصحّ الشراء و لا یتعیّن له بالقبض»(3).

و قال الشهید فی الدروس: «ولو قال الراهن للمرتهن بعه لنفسک لم یصحّ البیع، لأنّ غیر المالک لا یبیع لنفسه، بل یقول: بِعه لی أو بِعه مطلقا علی الأقوی، حملاً علی الصحیح»(4).

و قال: «ولو دفع إلیه مالاً لیشتری به طعاما لنفسه بطل...»(5).

و أجاب(6) عن هذا الاعتراض بأنّ المعاملة المذکورة صحیحة لدلالة المعاوضة الحقیقیة کما مرّ و القصد المذکور لغوٌ، لأنّ مآل ذلک القصد إلی إرجاع فائدة البیع إلی الغیر، لا أنّ الغیر یکون أحد رکنی المعاوضة، فلا یعارض ظهور القصد للغیر دلالة المعاوضة الحقیقیة و لا یتم الاعتراض.

و مراد العَلَمَیْنِ و غیرِهِما من الحکم بالبطلان فی مثال الرهن و شِراءِ الطعام، عدم

ص: 101


1- 1 . المکاسب 3/301 قوله: «إلاّ یقال:...».
2- 2 . قواعد الأحکام 2/127.
3- 3 . قواعد الأحکام 2/87.
4- 4 . الدروس الشرعیة 3/409.
5- 5 . الدروس الشرعیة 3/211.
6- 6 . المکاسب 3/302 قوله: «ولکن الأقوی صحة المعاملة المذکورة...».

وقوعه للمخاطب و المأمور، لأنّه لیس أحد رکنی المعاوضة ولکنّه إذا باع لنفسه یقع لمالکه فضولیا و بعد اجازته یَصحُّ.

ثم جمع الشیخ الأعظم کلامه و قال: «و بالجملة فحکمهم بصحة بیع الفضولی و شرائه لنفسه و وقوعه للمالک، یدلّ علی عدم تأثیر قصد وقوع البیع لغیر المالک»(1).

أقول: قد عرفت فی ما نقلتُهُ لک من توضیح مقالة العَلَمین أنّ النزاع بینهما علمیٌّ بحت و لا تَتَرتَّبُ علیه ثمرة عملیّة و أنّهما فی مقام الإفتاء فی الفروع المذکورة مُتَّحِدان فلاینبغی صرف الوقت أکثر من هذا فی البحث العلمیّ المحض الذی لاتترتب علیه ثمرة عملیّة ولکن مع ذلک کلّه أذکر لک حصیلة البحث من دون تعرض إلی مقالتهما لأجل إیضاح الکلام.

حصیلة الکلام

البیع باعتبار مبیعه ینقسم إلی قسمین رئیسین:

الأوّل: البیع بالمبیع الشخصی و الأعیان الشخصیة بحیث یَتَعَیَّنُ المالک فی الواقع و نفس الأمر و المقام الثبوت فلانحتاج إلی تعیینه فی الخارج و فی ضمن العقد و المقام الإثبات بالقصد أو اللفظ.

فتعیینه لیس مقوما و لا شرطا للبیع فی هذا القسم و إذا وقع البیع علی المالین یدخل کلّ من العوضین فی ملک الآخر بلا فرق بین صدور العقد من المالکین أو وکیلهما أو ولیّهما، و کذا بلا فرق بین صدوره من المالک أو الفضولی، ولکن فی الأخیر مع الحاق اجازة المالک بالبیع.

و حیث کانت حقیقة البیع المبادلة و المعاوضة بین المالین و یدخل الثمن فی کیس من یخرج المثمن من ملکه و یدخل المثمن فی کیس من یخرج الثمن من ملکه فلابدّ فی عقد البیع أن لا یقصد خلاف مقتضی العقد، و الخلاف یتصور بوجوه مختلفة:

منها: أن یذکر أو یقصد دخول الثمن أو المثمن فی ملک غیر المتبایعین نحو شراء

ص: 102


1- 1 . المکاسب 3/302.

بیت لولده أو طعام للفقیر، و فی هذه الفروض ینتقل المبیع إلی المشتری أوّلاً و بالذات و ثانیا و بالعرض و بناقل شرعی ینتقل إلی الولد أو الفقیر أو غیرهما. فیکون البیع بما رسمت لک صَحِیْحا.

و منها: أن یذکر الخلاف من باب الخطأ فی التطبیق کوکیل من عدّة أشخاص فی بیع أموالهم فأخطَأَ فی ذکر موکّله فی عقد البیع فحینئذ العقد یکون صحیحا و البیع نافذا بدلالة المبادلة و المعاوضة اللَّتَیْنِ هما حقیقة البیع و یقع البیع عن مالک العین بلا احتیاج إلی اجازته المجدّدة لأنّ المجری للبیع کان وکیله.

و منها: أن یذکر الخلاف عالما عامدا من باب الاِدِّعاءِ علی أنّ غیر المالک مالک نحو: بیع الغاصبین و اللصوص فی الأموال المغصوبة و المسروقة فیقع البیع للمالک إذا أجاز.

الثانی: أن یکون المبیع کلّیّا _ بلا فرق بین أن یکون الکلّی فی المعیّن نحو صاعٍ من الصبرة أو الکلّی فی الذمة و کلاهما یَتَعَیَّنُ بمالک الکلّی فی الأوّل و بمَنْ یقع الکلّی علی ذمّته فی الثانی، و بهما یَتَعَیَّنُ فی الواقع و نفس الأمر و مقام الثبوت، فلا نفرّق فی عدم اشتراط التعیین بین المبیع الشخصی و الکلّی.

ولکن هذا کلّه بالنسبة إلی العقود التی لایکونُ طَرَفا العقد رکنا من أرکانِها نحو النکاح و الوقف و الهبة و الوصیة و الوکالة لأنّ الزوجَ و الزوجة الْمُعَیَّنَیْنِ یعدّان من أرکان عقد النکاح و کذا الموقوف علیهم، و الموهوب له، و الموصی و کذا الوصی، و الوکیل، و فی هذا الفرض لابدّ من تعیین طرفی العقد.

و ما ذکرنا یکون فی مقام الثبوت و مع وضوح هذا المقام فلاتصل النوبة إلی مقام الإثبات کما هو الواضح.

نعم، فی مقام الإثبات ینصرف العقد إلی مَنْ یتولّی له ما لم یصرّح بالخلاف، لأنّ فعل کلّ فاعل یُنسب إلیه و یحکم بوقوعه عنه ما لم ینصب قرینة حالیة أو مقالیة علی خلافه، فإذا قال «بعتُ» و لم یقم قرینة علیه فیقع عن نفسه.

ثم الإنشاء لابدّ أن یتعلَّق بالمعلوم و لو کان بالإجمال فیصح بیع أحد الاْءَصْوُعِ لأنّ

ص: 103

المبیع حینئذ هو الصاع المتعین المعلوم عنداللّه تعالی.

و کذا تَصحُّ الوصیة بأحد الشیئین أو الأشیاء أو لأحد الأشخاص المعینیین، لأنّها إن کانت عهدیة(1) فمرجعها إلی إیکال الأمر إلی الوصی و یکون من قبیل الواجب التخییری. و إن کانت تملیکیة(2) إذا أراد المعلوم عنداللّه صحت.

و کذا عَتْقُ مملوکٍ من العبید أو طلاق إحدی الزوجات یصحان إذا تعلّق الإنشاء بالمتعیّن الواقعی عنداللّه أو مَنْ یخرج بالقرعة أو یختاره و یتعیّنه فی ما بعد.

نعم، الإنشاء لایتعلّق بالمبهم المطلق إذْ لا معنی لإیجاده.

هل یعتبر تعیین مَنْ له العقد؟

بمعنی تعیین کلٍّ من البائع و المشتری للآخر فی مقام الإثبات، بأن یکون البائع عالما بمَنْ یقع الشراء له و المشتری عالما بمن یقع البیع له، و علم الموجب بأنّ القابل یقبل لنفسه أو لغیره، و علم القابل بأنّ الموجب یوجب لنفسه أو لغیره مع معلومیة الغیر عندهما.

و بعبارة اُخری: هل یعتبر فی صحة البیع أن یعرف المشتری مالک المبیع، بأن یعرف المشتری أنّ العاقد الموجب هل هو مالک المبیع أم وکیله؟ و یعرف البائع مالک الثمن بأن یعرف أنّ العاقد القابل هل هو مالک الثمن أو وکیله؟

و بعبارة ثالثة: أنّ تعیین المالکین ثبوتا یکفی فی صحة العقد أم لابدّ من معرفة کلٍّ منهما للآخر إثباتا؟

الأقوی عند الشیخ الأعظم(3) قدس سره هو اعتبار التعیین فی مقام الإثبات لوجهین:

الأوّل: حجیة ظاهر کلام المتعاقدین: تدل علی أنّهما یبیعان و یشتریان لأنفسهما و أمّا لو کان العقد لغیرهما فلابدّ من التنبیه و إقامة القرینة علیه.

ص: 104


1- 1 . الوصیة العهدیة: کان یوصی فیها بما یتعلّق بتجهیزه أو باستیجار الحج أو الصوم أو الصلاة أو الزیارات له. [کذا فی الوسیلة /187 للسیّد أبوالحسن الأصفهانی رحمه الله ].
2- 2 . الوصیة التملیکیة: کان یوصی بشی ء من ترکته لشخصٍ.
3- 3 . المکاسب 3/303.

الثانی: تبعیة العقود للقصود: حیث أنّ المتعاقدین لم یذکرا غیرهما فقصدهما إجراء العقد لأنفسهما فیقع العقد علی ذلک القصد لتبعیة العقد للقصد.

ثم ذکر حتّی علی القول بعدم الاعتبار: «لو صرّح بإرادة خصوص المخاطب اتبع قصده، فلا یجوز للقابل أن یقبل عن غیره»(1).

أقول: الوجه فی هذا الأخیر واضح لأنّ مع ارادة المخاطب لو قبل القابل عن غیره لم یطابق القبول الإیجاب فلایتمّ العقد. ثم استشهد بقول العلاّمة علی کلامه الأخیر فی التذکرة حیث یقول: «لو باع الفضولی أو اشتری مع جهل الآخر فإشکال ینشأ من أنّ الآخر قصد تملیک العاقد أمّا مع العلم فالأقوی ما تقدّم»(2).

مراد العلاّمة ممّا تقدّم هو وقوفه علی إجازة المالک ولکن ضعّف إشکاله الشیخ الأعظم(3) بأنّه مخالف للإجماع و السیرة إلاّ أنّه مبنّی علی کلامه من مراعاة ظاهر الکلام.

ثم یمکن أن یناقش فی وجهی الشیخ الأعظم لإثبات الاعتبار:

فی الأوّل: بعد حجیة الظواهر ولو کانت فی العقود، یمکن أن تکون مالکیة المبیع أو الثمن للغیر تکون قرینة عرفیة علی أرادته فی العقد.

و فی الثانی: بعد ثبوت القرینة فیکون ذاک الغیر مقصودا للعقد و بقاعدة تبعیة العقود للقصود یقع العقد له.

ثم اطلاق «أحل اللّه البیع»(4) و «تجارةً عن تَراضٍ»(5) و «افوا بالعقود»(6) یشمل مورد عدم معرفة متبایعین للآخر إثباتا، لأنّه بیع و تجارة و عقد عرفیٌّ فَتَشْملُهُ الإطلاقات، فیکفی تعیّنهما ثبوتا و فی نفس الأمر.

ص: 105


1- 1 . المکاسب 3/303.
2- 2 . تذکرة الفقهاء 10/17.
3- 3 . المکاسب 3/304.
4- 4 . سورة البقرة ء /275.
5- 5 . سورة النساء /29.
6- 6 . سورة المائدة /1.

حتّی فی العقود التی یکون طَرَفا العقد رکنا من أرکانِها نحو النکاح و الوقف و الهبة و الوصیة لا یعتبر ذکرهما فی مقام الإثبات و یکفی تعیینهما ثبوتا کما مرّ.

فظهر ممّا ذکرنا عدم تمامیة مقالة الشیخ اسداللّه التستری(1) قدس سره من الفرق فی المقام بین العقود التی لا یکونُ طَرَفا العقد رکنا من أرکانِها و بین ما یَکُوْنُ رکنا حیث ذهب فی الأوّل إلی عدم اعتبار التعیین فی مقام الإثبات، و فی الثانی إلی اعتباره، و استدل علی الاعتبار بأنّ الزوجین فی النکاح کالعوضین فی سائر العقود و تختلف الأغراض باختلافهما و إذا لم یتعیّن فی مقام الإثبات لم یتوارد القبول علی الإیجاب. و لفظ البیع و نحوه من العقود یطلق علی البیع لنفسه أو موکوله أو لمالکه، و أمّا الزواج و نحوهُ فلا.

ولکن أنت تری بأنّ الوجهین المذکورین فی کلامه قدس سره إنَّما یَأْتِیانِ للاعتبار فی مقام الثبوت لا الإثبات. فلا فرق فی عدم الاعتبار بین العقود و الحمدللّه.

ص: 106


1- 1 . مقابس الأنوار /115.

4_ الاختیار

اشارة

و المراد به أنّ القصد الذی قد مرّ اعتباره فی العقود هل یعتبر أن یکون من طیب النفس و الرضا، لا عدمهما _ الذی یُسَمّی إکراها _ و لیس المراد بالاختیار هنا الاختیار فی قبال الجبر و الإلجاء.

و لذا قال الشیخ الأعظم: «المراد به القصد إلی مضمون العقد عن طیب نفس فی مقابل الکراهة و عدم طیب النفس، لا الاختیار فی مقابل الجبر»(1).

و استدل علیه بوجوه:

الأوّل: الإجماع

قال الشیخ الأعظم: «و یدل علیه قبل الإجماع»(2).

لعلّ هذا تَلْوِیْحٌ منه إلی احتمال مدرکیة الإجماع و أنّ الأدلة غیره، کافیة فی إثباته.

قال الفقیه المتتبّع السیّد العاملی: «و اشتراط الاختیار و عدم صحة بیع المکرَه قد نفی عنه الخلاف فی الغنیة(3) و الریاض(4)، و استظهر ذلک _ أعنی عدم الخلاف _ فی مجمع البرهان(5)، و ادّعی علیه الإجماع فی التذکرة(6) و الحدائق(7) و ذلک فی غیر المکرَه بحقٍّ،

ص: 107


1- 1 . المکاسب 3/307.
2- 2 . المکاسب 3/307.
3- 3 . غنیة النزوع /214.
4- 4 . ریاض المسائل 8/216.
5- 5 . مجمع الفائدة و البرهان 8/155.
6- 6 . تذکرة الفقهاء 10/13.
7- 7 . الحدائق 18/374.

و أمّا فیه ففی الغنیة(1) أنّ صحة بیعه معه ممّا لاخلاف فیه، و علی ذلک نص جماعة(2) کثیرون»(3).

أقول: نفی الخلاف ثابت فی کلمات القوم و أمّا الإجماع فَلَمْ یرد فی التذکرة(4) إلاّ علی بطلان بیع التلجئة _ و یأتی الکلام فیها _ و فی الحدائق(5) أیضا نفی الخلاف فی اشتراط الاختیار، نعم قال بعد صفحة: «و هم قد سلّموا بأنّ عقد المکرَه حال الإکراه باطل إتفاقا»(6).

ولکن قال فی الجواهر: «و المکرَه بغیر حقّ الذی هو ممّا رفع الشارع الحکم عمّا أکره علیه من قول أو فعل بلاخلاف أجده فیه بیننا، بل الإجماع بقسمیه علیه، بل الضرورة من المذهب...»(7).

الثانی: الکتاب

یدل علیه قوله تعالی: «إلاّ أن تکون تجارةً عن تراضٍ منکم»(8)

قد مرّ منّا فی أوّل المجلد الأوّل من هذا الکتاب(9) البحث حول هذه الآیة الشریفة و قلنا هناک بأنّ الاستثناء الوارد فیها منقطع و هی تدل علی صحة کلّ تجارة تَقَعُ عن تراضی الطرفین، و حیث أنّ الرضا و طیب النفس مفقود فی بیع المکرَه فلا یدخل فی

ص: 108


1- 1 . غنیة النزوع /214.
2- 2 . منهم: ثانی الشهیدین فی المسالک 3/157 و الشیخ یوسف فی الحدائق 18/376.
3- 3 . مفتح الکرامة 12/553.
4- 4 . تذکرة الفقهاء 10/13.
5- 5 . الحدائق 18/373.
6- 6 . الحدائق 18/374.
7- 7 . الجواهر 22/265.
8- 8 . سورة النساء /29.
9- 9 . الأراء الفقهیة 1/13.

المستثنی و لا یحکم بصحته، بل یدخل فی المستثنی منه و هو قوله تعالی: «لا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل»(1) و یحکم ببطلانه.

الثالث: قوله صلی الله علیه و آله : لا یحلّ مال امری ءٍ مسلم إلاّ عن طیب نفسه.

(2)

قد مرّ فی الدلیل الثالث من أدلة قاعدة ما یضمن من هذا الکتاب(3) ورود روایات صحاح بهذا المضمون و کذا تمامیة دلالتها علی حرمة التصرف فی مال الغیر من دون طیب نفسه بلا فرق بین الْحُرْمَتَیْنِ: التکلیفیة و الوضعیة، و الأخیرة تدل علی بطلان بیع المکرَه، فراجع ما حررناه هناک و لا نعید.

الرابع: حدیث الرفع

اشارة

و هو صحیحة حریز بن عبداللّه عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : رفع عن اُمّتی تسعة أشیاء: الخطأ و النسیان و ما اُکرهوا علیه و ما لایعلمون و ما لایطیقون و ما اضطروا إلیه و الحسد و الطیرة و التفکر فی الوسوسة فی الخلوة [الخلق ن ل] ما لم ینطقوا بشفة.(4)

و ذکر الصدوق مثلها مرسلاً عن النبی صلی الله علیه و آله بلفظ «وُضع» بدل «رُفع» فی الفقیه و قال: قال النبی صلی الله علیه و آله : وضع عن اُمتی تسعة أشیاء: السهو و الخطأ و النسیان و ما اکرهوا علیه و ما لایعلمون و ما لایطیقون و الطیرة و الحسد و التفکر فی الوسوسة فی الخلق ما لم ینطق الانسان بشفة.(5)

و فی نوادر أحمد بن محمّد بن عیسی عن اسماعیل الجعفی عن أبی عبداللّه علیه السلام

ص: 109


1- 1 . سورة النساء /29.
2- 2 . عوالی اللآلی 2/113، ح309.
3- 3 . الآراء الفقهیة 4/342.
4- 4 . التوحید /353، ح24، الخصال 2/417، ح9 و نقل عنه فی وسائل الشیعة 15/369، ح1، الباب 56 من أبواب جهاد النفس.
5- 5 . الفقیه 1/59، ح132 و نقل عنه فی وسائل الشیعة 7/293، ح2، الباب 37 من أبواب قواطع الصلاة، و 8/249، ح2، الباب 30 من أبواب الخلل الواقع فی الصلاة.

قال: قال سمعته یقول: وضع عن هذه الاُمة ست خصال: الخطأ و النسیان و ما استکرهوا علیه و ما لایعلمون و ما لایطیقون و ما اضطّروا إلیه.(1)

و فیه عن ربعی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : عفی عن اُمتی ثلاث: الخطأ و النسیان و الاستکراه، قال أبو عبداللّه علیه السلام : و هنا رابعة: و هی ما لایطیقون.(2)

و فیه عن الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : وضع عن اُمّتی الخطأ و النسیان و ما استکرهوا علیه.(3)

و هذه الروایات الثلاثة الأخیرة معتبرة الإسناد.

وصف الشیخ الأعظم حدیث الرفع ب_«الخبر المتفق علیه بین المسلمین»(4) و أنت تجده فی کتب العامة أیضا فراجعها.(5)

ثم ظاهر حدیث الرفع هو رفع العقاب و المؤاخذة ولکن الأئمة علیهم السلام استشهدوا به فی رفع بعض الأحکام الوضعیة _ نحو بطلان الحلف بالطلاق والعتاق و الصدقة قال الشیخ الأعظم: «و الحلف بالطلاق و العتاق و إن لم یکن صحیحا عندنا من دون الإکراه أیضا، إلاّ أن مجرد استشهاد الإمام علیه السلام فی عدم وقوع آثار ما حلف به بوضع ما اُکرهوا علیه، یدلّ علی أنّ المراد بالنبوی لیس رفع خصوص المؤاخذة و العقاب الاُخروی.»(6) و ورد «لعموم المؤاخذة فیه لمطلق الإلزامن علیه بشی ءٍ»(7).

ص: 110


1- 1 . نوادر أحمد بن محمّد بن عیسی /74، ح157 و نقل عنه فی وسائل الشیعة 23/237، ح3، الباب 16 من أبواب کتاب الأیمان.
2- 2 . نوادر أحمد بن محمّد بن عیسی /74، ح158 و نقل عنه وسائل الشیعة 23/237، ح4.
3- 3 . نوادر أحمد بن محمّد بن عیسی /74: ح159 و نقل عنه فی وسائل الشیعة 23/237، ح5.
4- 4 . المکاسب 3/307.
5- 5 . نحو: سنن ابن ماجة 1/659، ح2043 و 2045، السنن الکبری للبیهقی 6/84، فتح الباری 11/478، المعجم الاُوسط للطبرانی 8/161، صحیح ابن حبان 16/202، کنزالعمال 4/232، ح10306 و 10307، الجامع الصغیر للسیوطی 1/277، ح1809.
6- 6 . المکاسب 3/308.
7- 7 . المکاسب 3/308.

و من الروایات المُسْتَشْهَد بِها فی المقام صحیحة صفوان بن یحیی و أحمد بن محمّد بن أبی نصر عن أبی الحسن علیه السلام فی الرجل یستکره علی الیمین فیحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما یملک أیلزمه ذلک؟ فقال: لا، قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : وضع عن امتی ما اُکرهوا علیه و ما لم یطیقوا و ما أخطأوا.(1)

و یمکن أن یستشهد بالروایات الواردة فی طلاق المکرَه و عتقه بضمیمة عدم الفرق و الفصل:

منها: صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال: سألته عن طلاق المکرَه و عتقه، فقال: لیس طلاقه بطلاق و لا عتقه بعتق، الحدیث.(2)

و منها: مرسل عبداللّه بن سنان عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سمعته یقول: لو أنّ رجلاً مسلما مرّ بقوم لیسوا بسلطان، فقهروه حتّی یتخوّف علی نفسه أن یعتق أو یطلق، ففعل لم یکن علیه شی ء.(3)

و منها: حسنة یحیی بن عبداللّه بن الحسن المثنی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سمعته یقول: لا یجوز طلاق فی استکراه... و إنّما الطلاق ما اُرید به الطلاق من غیر استکراه و لا إضرار، الحدیث.(4)

و منها: صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال: سألته عن عتق المکرَه؟ فقال: لیس عتقه بعتق.(5)

و منها: معتبرة برید و محمّد بن مسلم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: من اشتری طعام

ص: 111


1- 1 . وسائل الشیعة 23/226، ح12، الباب 12 من أبواب کتاب الأیمان.
2- 2 . وسائل الشیعة 23/41، ح2، الباب 19 من أبواب کتاب العتق _ وسائل الشیعة 22/86، ح1، الباب 37 من أبواب مقدمات الطلاق.
3- 3 . وسائل الشیعة 22/86، ح2.
4- 4 . وسائل الشیعة 22/87، ح4.
5- 5 . وسائل الشیعة 23/41، ح1.

قوم و هم له کارهون قُصّ لهم من لحمه یوم القیامة.(1)

یمکن أن یقال: إنّ ظاهر حدیث الرفع مطلق الآثار و هی أعم من المؤاخذة الدنیویة و الاُخرویة و غیرهما و ذلک لأنّ المرفوع التسعة تنزیلاً و جعلاً و لازمه التعمیم حتّی بالنسبة إلی الأحکام الوضعیة.(2)

أقول: إذا کان الفعل موضوعا لحکم آخر و یکون فی ثبوت ذلک الحکم ثقلاً یرفعه الحدیث بفقرتی «ما اضطروا إلیه و ما استکرهوا علیه فلا یترتب ذلک الحکم الوضعی نحو الإکراه فی البیع أو الطلاق أو العتق(3) بخلاف فقرة «لایعلمون» لأنّها تَرْفع التکلیف فقط لا الوضع فنحن نذهب إلی التفصیل بین فقرات حدیث الرفع فی شموله للأحکام الوضعیة، و فقرة الاضطرار و الاستکراه تشملها و أمّا ما لایعلمون فلا، و توضیحه یطلب من بحث الاُصول.

فحینئذ فلا نحتاج إلی الروایات المستشهد بها استقلالاً مستقلاً و لا بضمیمة عدم الفرق و الفصل، و اللّه العالم.

ثم لابدّ من التَذْکِیر بأُمُوْرٍ:
الأوّل: المراد من جملة: «المکرَة قاصد إلی اللفظ دون المعنی»

قال العلاّمة فی التحریر: «لو اُکره علی الطلاق فطلَّق ناویا له، فالأقرب أنّه غیر مکرَه، إذ لا إکراه علی القصد»(4).

و قال الشهید: «و یعنی بکمال المتعاقدین بلوغهما و عقلهما... و اختیارهما فعقد المکرَه باطل إلاّ أن یرضی بعد الاکراه، و الأقرب أنّ الرضا کاف فیمن قصد إلی اللفظ دون مدلوله فلو اُکره حتّی ارتفع قصده لم یؤثر الرضا کالسکران»(5).

ص: 112


1- 1 . وسائل الشیعة 17/338، ح11، الباب 1 من أبواب عقد البیع.
2- 2 . کما علیه الفقیه الیزدی فی حاشیته علی المکاسب 2/49.
3- 3 . راجع دروسٌ فی مسائل علم الأصول 4/258 لشیخنا الاُستاذ قدس سره .
4- 4 . تحریر الأحکام الشرعیة 4/51.
5- 5 . الدروس الشرعیة 3/192.

و قال ثانیه بعد نقل کلامه: «و هو تنبیه حسنٌ، إلاّ أنّ تحقق ذلک فی المکرَه بحیث یتلفظ بالعقد غیر قاصد إلی لفظه کالسکران نظر، فإنّ الإکراه علی اللفظ بحیث یکونُ حرکة اللسان من المکرِه غیر متحقق و لا مقدور للمکرِه. و إنّما یتحقق الإکراه بحمل المکرِه للمکرَه علی الفعل باختیاره، خوفا من المکرِه علی نفسه أو ماله أو ما فی حکمهما مع حضور عقله و تمییزه، بخلاف المجنون و السکران و نحوهما. غیر أنّ ما ادعاه ( رحمه الله ) إذا بلغ الإلجاء إلیه و تحقق وقوعه، فالأمر فیه کما قاله»(1).

و نحوه فی الروضة(2).

و قال فی طلاق المسالک: «لو قصد المکرَه إیقاع الطلاق ففی وقوعه وجهان، من أنّ الإکراه أسقط أثر اللفظ و مجرد النیة لا تعمل، و من حصول اللفظ و القصد. و هذا هو الأصح»(3).

و قال فی الروضة: «... کما لا اکراه لو ألزمه بالطلاق ففعله قاصدا إلیه»(4).

و قال سبطه السیّد محمّد العاملی: «و لو طلّق المکرَه ناویا الطلاق، قیل: یقع، و هو اختیار العلاّمة فی التحریر و جدّی فی الروضة و المسالک لحصول اللفظ و القصد، و لأنّ القصد لا إکراه علیه فلو لا حصول الرضا بالعقد لما قصد إلیه. و قیل: یبطل، إذا المفروض أنّه لو لا الاکراه لما فعله، و عقد المکرَه باطل بالنص و الإجماع، و المسالة محلّ إشکال»(5).

و قال الفاضل الأصبهانی بعد نقل کلام العلاّمة فی التحریر: «یعنی و إن ظن أنّه یلزمه لامجرد لفظه بالإجبار و إن کان لایریده، أمّا لو علم أنّه لا یلزمه إلاّ اللفظ و له

ص: 113


1- 1 . المسالک 3/156.
2- 2 . الروضة البهیة 3/226.
3- 3 . المسالک 9/22.
4- 4 . الروضة البهیة 6/21.
5- 5 . نهایة المرام 2/12.

تجریده عن القصد فلا شبهة فی عدم الإکراه»(1).

الظاهر من سیّد الریاض قبول کلام الشهیدین حیث علّل صحة عقد المکرَه بعد ارْتِضائِهِ بقوله: «بأنّه (المکرَه) بالغ رشید قاصد إلی اللفظ دون مدلوله و إنّما منع عدم الرضا فإذا أثّر العقد، کعقد الفضولی حیث انتفی القصد إلیه من مالکه مع تحقق القصد إلی اللفظ فی الجملة، فلمّا لحقته إجازة المالک أثّرت و لا یعتبر مقارنته للعقد للأصل»(2).

أقول: ولکن هذا الظاهر لایجتمع مع ما هو بصدده من تصحیح عقد المکرَه بعد الرضا به، فلابدّ من حمل لفظ «دون» علی مَعْنی «إذا عَرَضَ» أو «أمکن» أو «قد أمکن»(3) لا علی معنی «غیر»، فلا یُسْتَفادُ من عبارته قدس سره ما ذَهَبَ إلیه الشهیدانِ فی هذا الأمر.

و قال الفاضل النراقی: «دلّ العرف و انعقد الإجماع القطعی علی لزوم قصد النقل فی تحقق البیع أو التلفظ باللفظ الظاهر فیه أو الاتیان بعمل ظاهر فیه مع عدم العلم بعدم القصد من قرینة خارجیّة و عدم ضمّ ما یوجب ظهور عدم القصد... و لا شک أنّ الاکراه من الاُمور المنافیة لظهور القصد، بل یوجب ظهور خلافه فمعه لا یحکم بتحقّق البیع»(4).

أقول: ظاهر الفاضل النراقی رحمه الله تحقق قصد اللفظ و مدلوله فی عقد المکرَه ولکنّه نفی قصد تحقّق العقد و إنشائه و ترتب الأثر علیه.

و ناقش صاحب الجواهر الشهید الثانی و قال بعد نقل کلامه فی المسالک: «قلت: مرجع ذلک إلی أنّ الاکراه فی الظاهر دون الواقع، و قد تکرر من العامة و الخاصة خصوصا الشهید الثانی فی المسالک و الروضة فی المقام و فی البیع أنّ المکرَه حال إکراهه لا قصد له للمدلول، و إنّما هو قاصدٌ للفظ خاصة، و فیه منع واضح، ضرورة تحقق الإنشاء و القصد فیه و لذا ترتب علیه الأثر مع الاکراه بحقٍّ و مع تعقّب الاجازة بالعقد بل ظاهر قوله علیه السلام :

ص: 114


1- 1 . کشف اللثام 8/9.
2- 2 . ریاض المسائل 8/218.
3- 3 . فی جمهرة اللغة لابن دُرید: «دونک هذا الشی ء: إذا عَرَضَک و أمکنک [أی قد أمکنک] راجع ترتیب جمهرة اللغة 1/664.
4- 4 . مستند الشیعة 14/267.

«إنّما الطلاق»(1) إلی آخره تحقق الارادة من المکرَه، بل لعلّ عدم القصد للمدلول فی المکرَه من التوریة التی لم نوجبها علیه و حینئذ فالمکرَه قاصد علی نحو غیره إلاّ أنّه قصد اکراهٍ لا قصد اختیارٍ، و إن شئت عبّرت عن ذلک بالرضا و عدمه...»(2).

أقول: و أنت تری بأنّ صاحب الجواهر یری قصد اللفظ و مدلوله و تحقّق العقد و الإنشاء و ترتب الأثر علیه فی عقد المکرَه، ولکن لم یترتب علیه الأثر لفقد الاختیار و الرضا.

و أخرج الشیخ الأعظم مَعْنیً آخَرَ من کلامهم وردّ علی صاحب الجواهر و قال: «و لیس مرادهم [أی مراد العلاّمة و الشهیدین] أنّه لا قصد له إلاّ إلی مجرد التکلّم... فالمراد بعدم قصد المکرَه عدم القصد إلی وقوع مضمون العقد فی الخارج و أنّ الداعی له إلی الإنشاء لیس قصد وقوع مضمونه فی الخارج، لا أنّ کلامه الإنشائی مجرد عن المدلول، کیف و هو معلولٌ للکلام الإنشائی إذا کان مستعمَلاً غیر مهمل»(3).

و قال: «... لا ینبغی أن تحمل علی الکلام المجرد عن قصد المفهوم الذی لا یسمّی خبرا و لا إنشاءً و غیر ذلک ممّا یوجب القطع بأنّ المراد بالقصد المفقود فی المکرَه هو القصد إلی وقوع أثر العقد و مضمونه فی الواقع و عدم طیب النفس به، لا عدم إرادة المعنی من الکلام»(4).

و قال المحقّق النائینی فی معنی کلام الشهیدین: «أنّ المکرَه قاصد إلی اللفظ غیر قاصد إلی مدلوله، هو أنّ المکره لم یقصد ما هو ظاهر إنشاء کلّ منشِیء من رِضاهُ بوقوع المدلول فی الخارج، کما أنّ الفضولی لم یقصد ما هو ظاهر المعاملة من وقوعها لنفسه»(5).

ولکن اعترض المحقّق الإیروانی علی الشیخ الأعظم و قال: «إنّ الإکراه لایرتفع

ص: 115


1- 1 . وسائل الشیعة 22/87، ح4 حسنة یحیی بن عبداللّه بن الحسن المثنی الماضیة.
2- 2 . الجواهر 32/15.
3- 3 . المکاسب 3/309.
4- 4 . المکاسب 3/310.
5- 5 . منیة الطالب 1/381.

قصد اللفظ و لا قصد المعنی استعمالاً و لا القصد إلی تحقق المعنی خارجا، و إنّما المرتفع بالاکراه هو کون الداعی إلی اللفظ و الانشاء هو قصد تحقّق المعنی و لأجل غایة تحقّق المعنی المنشأ فی الخارج، فإنّ إنشائه حینئذ و بعد الإکراه لیس بذلک الداعی و إن کان قاصدا للمعنی مقارنا للإنشاء و إنّما إنشائه بداعی إکراه المکرِه بحیث لو کان الداعی إلیه قصد حصول المعنی بسببه خرج فعله عن الإکراه و إن قارن ذلک توعید المکرِه فإن مجرد المقارنة لا یجعله داخلاً تحت الإکراه و لعلّ مراد من قال: «إنَّ المکرَه إذا طلق ناویا فالأقرب وقوع الطلاق» هو هذه الصورة و إلاّ النیة لا ترتفع بالإکراه...»(1).

أقول: الظاهر عدم تمامیة مقالة الشهیدین من أنّ المکرَه قاصد لللفظ دون المعنی، لأنّ المکرَه یقصد اللفظ و المعنی لأنّه یستعمل اللفظ فی معناه، حتّی أنّه إنْ الإنشاء و الأثر المترتب من العقد إلاّ أنّ قصده یکون عن کُرْهٍ لا اختیار فلا یحصل طیب النفس المعتبر فی العقود فلا یقع، فظهر ممّا ذکرنا عدم تمامیة مقالة الشیخ الأعظم من انعدام قصد وقوع مضمون العقد فی الخارج من المکرَه _ و کما علیه ظاهر الفاضل النراقی _ و تمامیة مقالات المحقّقین صاحب الجواهر و النائینی و الإیروانی قدس سرهم ، و کما علیه الفاضل المراغی حیث یقول: «و أمّا المکرَه فهو قاصد للفظ و قاصد لمعنی التملیک و الأثر ولکنّه فات عنه الرضا و لا یخفی ذلک علی من تأمّل فی الجملة»(2). و قال: «المکرَه قاصد لللفظ و المعنی معا لکنّه فاقد للرضا و هو غیر قصد المعنی»(3).

الثانی: حقیقة الإکراه

لابدّ من تحدید موضوع الإکراه و بحیث یتمیّز من نظائره من الاضطرار و الجبر. و لمّا لم یکن فی المقام تحدید شرعیٌّ فیمکن أخذ موضوعه من اللغة و العرف:

قال الفیومی: «أکْرَهْتُهُ علی الأمر إکراها: حَمَلْتُهُ علیه قهرا، یقال: فعلتُهُ کَرْها

ص: 116


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/185.
2- 2 . العناوین 2/712.
3- 3 . العناوین 2/53.

بالفتح أی إکراها و علیه قوله تعالی «طوعا أو کَرْها»(1) فقابل بین الضدین، قال الزجاج کلّ ما فی القرآن من «الکُرْه» بالضم فالفتح فیه جائز إلاّ قوله فی سورة البقرة «کتب علیکم القتال و هو کُرْهٌ لکم»(2)»(3).

و قال الجوهری: «أکرهته علی کذا: حملتُهُ علیه کُرها»(4).

قال الشیخ: «و أمّا الإکراه فجملته: أنّ الاکراه یفتقر إلی ثلاثة شرائط:

أحدها: أن یکون المکرِه قاهرا غالبا مقتدرا علی المکرَه مثل سلطان أو لصٍّ أو متغلِّبٍ.

و الثانی: أن یغلب علی ظنِّ المکرَه أنّه إن امتنع من المراد منه وقع به فیما هو متوعّد به.

و الثالث: أن یکون الوعید بما یستضرّ به فی خاصّة نفسه»(5).

و قال المحقّق: «و لا یتحقق الإکراه ما لم یکمل اُمور ثلاثة: کون المکرِه قادرا علی فعل ما توعَّدَ به و غلبة الظن أنّه یفعل ذلک مع امتناع المکرَه و أن یکون ما توعّد به مضرّا بالمکرَه فی خاصة نفسه أو مَنْ یجری مجری نفسه کالأب و الولد، سواءٌ کان ذلک الضرر قتلاً أو جرحا أو شتما أو ضربا و یختلف بحسب منازل المکرَهین فی احتمال الإهانة و لا یتحقّق الإکراه مع الضرر الیسیر»(6).

و قال ثانی الشهیدین: «و یتحقّق [الاکراه] بالخوف من المخالفة علی نفسه أو ماله أو عرضه و یختلف ذلک بحسب اختلاف أحوال الناس فی احتمال الإهانة و عدمها»(7).

ص: 117


1- 1 . سور آل عمران /83، و التوبة /53، و الرعد /15، و فصلت /11.
2- 2 . سورة البقرة /216.
3- 3 . المصباح المنیر /532.
4- 4 . صحاح اللغة 6/2247.
5- 5 . المبسوط 5/51.
6- 6 . الشرائع 3/4.
7- 7 . المسالک 3/111.

و قال فیه أیضا: «الخوف علی النفس أو المال أو العرض علیه أو علی بعض المؤمنین علی وجه لا ینبغی تحمله عادةً بحسب حال المکرَه فی الرفعة و الضعة بالنسبة إلی الإهانة»(1).

و قال الشیخ الأعظم فی حقیقة الإکراه: «حمل الغیر علی ما یکرهه و یعتبر فی وقوع الفعل عن ذلک الحمل: اقترانه بوعید منه مظنون الترتب علی ترک ذلک الفعل مضّرٍ بحال الفاعل أو متعلِّقه نفسا أو عرضا أو مالاً»(2).

و یمکن أن یلاحظ علیه:

أوّلاً: الإکراه عند الشیخ الأعظم هو حَمْلُ الغیر و إجباره علی القیام بفعل، فحینئذ لو تخیّل الإکراه فی مورد و قام بالفعل الذی یرفعه، فالفعل یکون صحیحا علی حدّ تعریفه و یترتب علیه جمیع آثاره أمّا بناءً علی تعمیم الإکراه لمطلق فاقد الرضا و طیب النفس یکون باطلاً لفقد الرضا و طیب النفس لا لتخیّل التحمیل و الاکراه.

و ثانیا: الإکراه بناءً علی تعریفه قدس سره یحتاج إلی فعلیة تهدید الظالم و وعیده المظنون ترتبه علی ترک ذلک الفعل، ولکن الإکراه لا یحتاج إلی فعلیة الوعید و التهدید، بل لو احتمل المکرَهُ الضررَ احتمالاً عقلائیا من دون أن ینطق الظالم ببنت شفة لو لم یعمل علی طبق مطلوبه فحینئذ یصدق الإکراه أیضا.(3)

و ثالثا: «الفاعل أو متعلِّقه» فی کلام الشیخ الأعظم قدس سره یشمل نفس المکرَه أو والده أو ولده أو غیرهما ممّن یعدّ الضرر علیهم ضررا علی نفسه، ولکن الأصحاب(4) قدس سرهم الحقوا دفع الضرر عن المؤمنین الأجانب بالضرر علی نفس المکرَه أو ما یتعلّق به، فلابدّ فی کلامه من إضافة «أو غیره من المؤمنین».

و قد مرّ فی بحث الولایة من قبل الجائر من هذا الکتاب بماذا یتحقق الإکراه؟

ص: 118


1- 1 . المسالک 3/139.
2- 2 . المکاسب 3/311.
3- 3 . هاتان الملاحظتان فی العقد النضید 2/515 مع ألفاظنا.
4- 4 . راجع الآراءُ الفقهیّةُ 3/194.

فراجع ما حررناه هناک و لا نعید، و الحمدللّه.

الثالث: هل یعتبر فی صدق الإکراه عدم إمکان التفصّی عن الضرر؟
اشارة

إمکان التفصّی تارة یمکن بالتوریة و اُخری بغیرها فیقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل: التفصّی من الإکراه بالتوریة

قد مرّ تعریف التوریة فی بحث الکذب من المکاسب المحرّمه فی کتابنا هذا(1) و ذهبنا إلی أنّ التوریة داخلة فی موضوع الکذب ل_«أنّ المعتبر فی اتصاف الخبر بالصدق و الکذب هو ما یفهم من ظاهر الکلام لا ما هو المراد منه»(2) و نحنُ نُوافِقُ جَدّنا الشیخ جعفرا(3) و تِلْمِیْذَیْهِ صاحِبَی المفتاح(4) و الجواهر(5) أنْ التورِیَة تدخُلُ فی مَوْضُوْعِ الکَذِبِ أوْ حُکْمِهِ.

فحینئذ التفصی إلی التوریة لم یکن مندوحة للإکراه و هو صادق حتّی مع إمکان التوریة و یترتب علیه حکمه هذا هو المختار فی المقام.

و کما إنّ الشیخ الأعظم ذهب إلی عدم اعتبار إمکان التوریة فی صدق الإکراه _ کما هو مُخْتارُنا _ بأربعة وجوهٍ:

أ: عموم رفع الإکراه.

ب: خصوص النصوص الواردة فی طلاق المکرَه و عتقه.

ج: معاقد الإجماعات

د: الشهرات المدعات

و عقبه بقوله: «أنّ القدرة علی التوریة لا یخرج الکلام عن حیّز الإکراه عرفا»(6).

ص: 119


1- 1 . الآراءُ الفقهیةُ 3/64.
2- 2 . القوانین 1/419.
3- 3 . شرح القواعد 1/232.
4- 4 . مفتاح الکرامة 12/220.
5- 5 . الجواهر 22/72.
6- 6 . المکاسب 3/313.

ثم ذهب إلی اعتبار إمکان التفصی بغیر التوریة فی الإکراه و قال فی آخره: «و ما ذکرناه و إن کان جاریا فی التوریة إلاّ أنّ الشارع رخّص فی ترک التوریة... لما ذکرنا من ظهور النصوص و الفتاوی و بُعد حملها علی صورة العجز عن التوریة مع أنّ العجز عنها لو کان معتبرا لاُشیر إلیها فی تلک الأخبار الکثیرة(1) المجوّزة للحلف کاذبا عند الخوف و الإکراه خصوصا فی قضیة عمار و أبویه(2) حیث اُکرهوا علی الکفر... فقال له رسول اللّه صلی الله علیه و آله : «إن عادوا علیک فُعد»(3) و لم ینبّهه علی التوریة...»(4).

ثم ذهب إلی تحقّق موضوع الإکراه و لو مع إمکان التفصی بالتوریة لأنّ الأصحاب(5) ذکروا من شروط تحقّق الإکراه أن یعلم أو یظنّ المکرَه أنه لو امتنع ممّا اُکره علیه وقع فیما توعّد علیه، فحینئذ لو علم المکرِه أنّ المکرَه ورّی و أوجد صورة ما أمره المکرِه لا واقعه فیَعْلَمُ بامتناعه ممّا أمر به و یفعل بما یتوعّد به، فمع إمکان التوریة یصدق الإکراه موضوعا.

أقول: ما ذکره قدس سره فی ذیل التوریة فی هذا المقام تام ولکنّه اختار فی بحث الکذب

ص: 120


1- 1 . وسائل الشیعة 23/224، الباب 12 من أبواب کتاب الأیمان، و قد ذکرتها فی بحث مسوغات الکذب راجع الآراء الفقهیة 3/69 و ما بعده.
2- 2 . للروایات الواردة حولها راجع البرهان فی تفسیر القرآن 3/456 طبع مؤسسة البعثة، و تفسیر نورالثقلین 4/104 طبع بیروت عام 1422ق.
3- 3 . وسائل الشیعة 16/225، ح2، الباب 29 من أبواب الأمر و النهی، معتبرة مسعدة بن صدقة، و وردت الروایة فی الکتب العامیة أیضا نحو: تفسیر الطبری 7/651، تفسیر الفخر الرازی 10/124، تفسیر القرطبی 10/118، و أخرجها عبدالرزاق و ابن سعد و ابن جریر و ابن أبی حاتم و ابن مردویه و الحاکم و صححها و البیهقی فی الدلائل من طریق أبی عبیدة محمّد بن عمار کما فی الدر المنثور 5/170.
4- 4 . المکاسب 3/315.
5- 5 . راجع المبسوط 5/51، و الشرائع 3/4، و تحریر الأحکام الشرعیة 4/50، و الروضة البهیة 6/20، و نهایة المرام 2/11، و الکفایة 2/318.

أنّ لزوم مراعاة التوریة مطابق للقواعد(1) مع عدم تمامیة ما ذکره من الفرق بین المقامین(2). و لذا عدل عن مقالته و قال قبل بیان الفرق و بعده ما نصه: «هذا الحکم جیّد [أی مراعاة التوریة فی جواز الکذب] إلاّ أنّ مقتضی إطلاقات أدلة الترخیص فی الحلف کاذبا لدفع الضرر البدنی أو المالی عن نفسه أو أخیه عدم اعتبار ذلک...»(3). و قال أیضا: «... أمّا علی ما استظهرناه من الأخبار _ کما اعترف به جماعة _ من جوازه مع الاضطرار إلیه من غیر جهة العجز عن التوریة فلا فرق بینه و بین الإکراه... ولکن الأحوط التوریة فی البابین»(4).

و الحاصل: بالمآل یلحق الشیخ الأعظم قدس سره بقول عدم التفرقة بین بابی الکذب و الإکراه فی عدم مراعاة التوریة.

المقام الثانی: التفصّی من الإکراه بغیر التوریة

الظاهر أنّ إمکان التفصی من الإکراه بغیر التوریة خروج موضوعی عن الإکراه، بحیث لو أمکن التفصی لم یصدق أنّه مکرَه، لأنّ من شرائط تحقّق الإکراه «کون المکرِه قادرا علی فعل ما توَّعَد به» کما مرّ من المحقّق فی الشرائع(5)، و مع امکان التفصی لم یکن المکرِه قادرا علی فعل ما توعّدَ به و یخرج الإکراه عن موضوعه لعدم تحقّق أحد شرائطه.

کما یظهر ذلک من ثانی الشهیدین(6) و الشیخ یوسف(7) و الفاضل النراقی(8)

ص: 121


1- 1 . المکاسب 2/26.
2- 2 . راجع المکاسب 2/28.
3- 3 . المکاسب 2/24.
4- 4 . المکاسب 2/29.
5- 5 . الشرائع 3/4.
6- 6 . المسالک 9/18 و 19.
7- 7 . الحدائق 25/159.
8- 8 . مستند الشیعة 14/267.

-قدس اللّه أسرارهم- .

و لذا قال الشیخ الأعظم: «لکن الإنصاف أنّ وقوع الفعل عن الإکراه لا یتحقّق إلاّ مع العجز عن التفصی بغیر التوریة لأنّه یعتبر فیه أن یکون الداعی علیه هو خوف ترتب الضرر المتوعّد به علی الترک، و مع القدرة علی التفصّی لا یکون الضرر مترتبا علی ترک المکرَه علیه، بل علی ترکه و ترک التفصّی معا، فدفع الضرر یحصل بأحد الأمرین: من فعل المکرَه علیه و التفصّی، فهو [المکرَه] مختار فی کلٍّ منهما و لا یصدر کلٌّ منهما إلاّ باختیاره فلا إکراه»(1).

و هکذا اعترف بالخروج الموضوعی للإکراه مع إمکان التفصّی بغیر التوریة فی قوله: «ولکن الاُولی أن یفرّق بین إمکان التفصّی بالتوریة و إمکانه بغیرها بتحقق الموضوع [أی موضوع الإکراه] فی الأوّل دون الثانی»(2) و استدل بما مرّ فی المقام الأوّل.

و أمّا ما ورد فی کلامه من استظهار عدم اعتبار العجز عن التفصّی بوجه آخر غیر التوریة فی صدق الإکراه بخبر عبداللّه بن سنان فغیر تام من وجوه، نذکر لک أوّلاً الروایة، و ثانیا استدلال الشیخ الأعظم ثمّ وجوه المناقشة فیه ثالثا:

أمّا الروایة: فهی خبر عبداللّه بن سنان قال: قال أبو عبداللّه علیه السلام : لا یمین فی غضب و لا فی قطیعة رحم و لا فی جبر و لا فی إکراه، قال: قلت: أصلحک اللّه فما فرق بین الجبر و الإکراه؟ قال: الجبر من السلطان، و یکون الإکراه من الزوجة و الاُمّ و الأب و لیس ذلک بشی ءٍ.(3)

تقریب الاستدلال: فرّقت الروایة بین الجبر من السلطان الذی لا یمکن الفرار منه و بین الاکراه من الزوجة و الاُمّ و الأب الذین یمکن عادة التفصّی من إکْراهِهِمْ بالنسبة إلی الزوج و الولد، فیصدق الإکراه مع إمکان التفصّی منه بغیر التوریة ثمّ زاد علیه حتی مع إمکان التفصّی منه بالتوریة أیضا یصدق الإکراه لاتحاد المناط و لعدم الفرق بین التخلص

ص: 122


1- 1 . المکاسب 3/314.
2- 2 . المکاسب 3/316.
3- 3 . وسائل الشیعة 23/235، ح1، الباب 16 من أبواب کتاب الأیمان.

من الاکراه بالکلام أو الفعل الآخر.(1)

و أمّا وجوه المناقشة فی استظهاره فَهِیَ: أوّلاً: ضعف سند روایة ابن سنان بموسی بن سعدان الحناط کما قال النجاشی فی شأنه: «ضعیف فی الحدیث کوفی له کتب کثیرة»(2) و بعبداللّه بن قاسم المشترک بین جماعة کلّهم ضعفاء أو مهملین و لم یرد فیهم توثیق.(3)

و ثانیا: الصدق العرفی غیر قابل للتعبد، فلا یمکن استظهاره من الروایة تعبدا، و لا یستفاد منها إلحاق حکم الإکراه بهم تعبدا _ لا التعبد فی الصدق العرفی فی الموضوع _، لأنّ الحکم یدور مدار الإکراه فلایصلح الحاق غیره به.

و ثالثا: الاکراه من الزوجة و الاُمّ و الأب أمر ممکن بل واقع و لا یلزم فی صدق الإکراه کون المکرِه أقوی من المکرَه، لإمکانهم بهتک عِرْض الزوج و الولد.

و إذا جاء الإکراه من قبلهم موضوعا فلا یمکن الإلحاق بالإکراه حکما.

و رابعا: التقابل بین الجبر و الإکراه فی الروایة لجهة بیان التسویة بین الموارد، و عدم الفرق بین کون المکرِه: الجابِر الذی هو السلطان الجائر أو غیره مع صدق الإکراه فی کلیهما و لایعقل جعل السببیة للأخص بعد جعلها للأعم للزوم اللغویة.(4)

الرابع: هل الفرق بین الاکراه فی الْحُکْمَیْنِ التکلیفی والوضعی موجود أم لا؟

ذهب إلی الفرق الشیخ أسداللّه فی المقابس(5) و تبعه الشیخ الأعظم(6) و تلمیذه الفاضل المامقانی(7) قدس سرهم بحجة أنّ المجوّز فی الحکم التکلیفی قیام الإکراه علی خلافه و

ص: 123


1- 1 . راجع المکاسب 3/314.
2- 2 . رجال النجاشی /404، رقم 1072.
3- 3 . المعین علی معجم رجال الحدیث /347.
4- 4 . یظهر کلّها من السیّد الخمینی رحمه الله فی کتابه البیع 2/66.
5- 5 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /17.
6- 6 . المکاسب 3/317.
7- 7 . غایة الآمال /334.

هو لایصدق موضوعا مع إمکان التفصّی، بخلاف الحکم الوضعی لأنّ المناط فی صحة العقود هو طیب النفس و الرضا بها و مع فقدانه ولو مع إمکان التفصّی یصدق الإکراه و تبطل العقود.

فحینئذ نسبة الإکراه بین الحکمین هی العموم و الخصوص المطلق، الإکراه فی الحکم الوضعی یکون العام و فی الحکم التکلیفی یکون الخاص لأنّ المعتبر فیه عدم إمکان التفصّی و لا یکون عدم إمکان التفصّی معتبرا فی الإکراه فی الحکم الوضعی، ولکن النسبة بین مناط الإکراهین فی رفع کلِّ منهما هی العموم و الخصوص من وجه لأنّ المناط فی تحقق الاکراه فی الأحکام الوضعیة فقدان طیب النفس و المناط فی الأحکام التکلیفیة توقف دفع الضرر علی إتیان الفعل المکرَه علیه و بین المناطین مادة اجتماع و هی لو فعل ما اُکره علیه مِمّا لا یمکن التفصّی عنه مع عدم طیب النفس، و مادتی الافتراق، لو فعله مع طیب النفس و الاُخری لو فعله مع إمکان التفصّی و مع عدم طیب نفسه.

و لذا قال الشیخ الأعظم: «إنّ الاکراه الرافع لأثر الحکم التکلیفی أخص من الرافع لأثر الحکم الوضعی. ولو لوحظ ما هو المناط فی رفع کلّ منهما من دون ملاحظة عنوان الإکراه کانت النسبة بینهما العموم من وجه، لأنّ المناط فی رفع الحکم التکلیفی هو دفع الضرر و فی الحکم الوضعی هو عدم الارادة و طیب النفس...»(1).

ثم جاء بمثل فی المقام و قال: «من کان قاعدا فی مکان خاصّ خالٍ عن الغیر متفرغا لعبادة أو مطالعة فجاءه مَنْ أکرهه علی بیع شی ءٍ ممّا عنده و هو فی هذه الحال غیر قادر علی دفع ضرر و هو کاره للخروج عن ذلک المکان، لکن لو خرج کان له فی الخارج خدمٌ یکفونه شرّ المکرِه فالظاهر صدق الإکراه حینئذ بمعنی عدم طیب النفس لو باع ذلک الشی ء بخلاف مَنْ کان خدمه حاضرین عنده... ولو فرض فی ذلک المثال إکراهه علی محرّمٍ لم یعذر فیه بمجرد کراهة الخروج عن ذلک المنزل...»(2).

ص: 124


1- 1 . المکاسب 3/319.
2- 2 . المکاسب 3/317.

ثم تمسک بخبر عبداللّه بن سنان(1) الماضی و قال: «فالإکراه المعتبر فی تسویغ المحظورات هو الإکراه بمعنی الجبر المذکور فی الروایة و الرافع لأثر المعاملات هو الإکراه الذی ذکر فیها أنّه قد یکون من الأب و الولد و المرأة و المعیار فیه عدم طیب النفس فیها لا الضرورة و الإلجاء...»(2).

أقول: لا یمکننی موافقة الشیخ الأعظم فی الفرق بین الحکمین فی الإکراه لأنّ الإکراه فی کلیهما واحد و هو الإجبار و الإلزام و الحمل علی شی ءٍ بکره و إجبار کما مر عن الشیخ(3) و المحقّق(4)، فما ذکره قدس سره من مثاله لا یعدّ إکراها لا فی التکلیفیات و لا فی الوضعیات لإمکان التفصّی منه فی المثال بترک ذلک المکان و الخروج منه.

و أمّا تمسکه بخبر عبداللّه بن سنان فقد ظهر عدم تمامیته فی المناقشات الواردة حوله التی مرّ آنفا و مختصرها التسویة بین الجبر و الإکراه الواردتان فیها و یکون کلاهما شیئا واحدا و الإتیان بهما متعددا بجهة التنبیه علی أنّهما شی ءٌ واحدٌ، لأنّ الإکراه من الزوجة و الاُمّ و الأب قد یخفی علی الناظر کَوْنُهُ إکْراها.

و بالجملة: نحن نذهب إلی عدم الفرق فی الإکراه بین الْحُکْمَیْنِ: التکلیفی و الوضعی و قولُنا مُوافِقٌ للمشهور بین الأصحاب حیث لم یذکروا هذا الفرق فی المقام و جاء الفرق من قبل الأعلام الثلاثة و تبعهم المحقّق النائینی(5) _ قدس اللّه أسرارهم _ .

و من المصرحین بعدم الفرق السیّد الخمینی(6) رحمه الله و الاُستاذ المحقّق(7) _ مدظله _ و الحمدللّه.

ص: 125


1- 1 . وسائل الشیعة 23/235، ح1.
2- 2 . المکاسب 3/317 و 318.
3- 3 . المبسوط 5/51.
4- 4 . الشرائع 3/4.
5- 5 . راجع المکاسب و البیع 1/437 و مابعده.
6- 6 . کتاب البیع 2/67.
7- 7 . العقد النضید 2/535.
الخامس: الإکراه علی أحد الأمرین
اشارة

و هما إمّا تَکْلِیفِیّان أوْ وَضْعِیّانِ أو أحدهما تکلیفیٌّ و الآخر وضعیٌّ، فیقع الکلام فی ثلاثة مقامات:

المقام الأوّل: الاکراه علی الأمرین التکلیفیین

1_ و هما إن کانا مُحَرَّمَیْنِ تکلیفیین:

أ: و کانا متساویین فی ملاک التحریم و لم یکن أحدهما أشدّ مبغوضیة من الآخر فی نظر الشارع کان المکرَه مخیرا فی اختیار أیّ منهما لأنّ کُلاًّ منهما یعدّ من المکرَه علیه، نحو الإکراه علی شرب الخَمْرَیْن: الأحمر أو الأسود.

ب: و إن کانا غیر متساوِیی، الأقدام فی ملاک التحریم و کان أحدهما أشدّ مبغضویة من الآخر فی نظر الشارع فلابدّ من اختیار ما کان أقل مبغوضیة، نحو الإکراه علی شرب النجس أو الخمر. و الوجه فی ذلک لعدم کون الخمر بالخصوص موردا للإکراه هذا إذا کانا عَرْضیین.

ج: و أمّا إذا کانا طولیین بأن أکره علی شرب الخمر إمّا فی یوم الجمعة أو یوم السبت فلا یجوز له الشرب فی یوم الجمعة لأنّه غیر مکرَه علیه و قادر علی ترکه فلا تجوز المبادرة إلیه فی یوم الجمعة فحینئذ یکون متعلَّق الإکراه هو الفرد المتأخر فقط.

د: نعم، إذا کان طولیین ولکن الثانی منهما أشدّ حرمة و الأوّل أقل و یعلم المکرَه من الخارج ببقاء الإکراه إلی زمن الثانی فلابد أن یأتی بالأوّل لئلا یقع فی الثانی نحو: أن یکون الأوّل شرب الخمر و الثانی قتل النَّفْس، و الدلیل علیه عدم وقوعه فی ما یکون أشدّ حرمة من الأوّل.

2_ و إن کان الإکراه علی ترک أحد الواجبین:

أ: فإن کانا متساویین فی الملاک فللمکرَه التخییر نحو: ترک أداء الزکاة أو الخمس.

ب: و إن کانا مُخْتَلِفَیْنِ فیه فلابدّ للمکرَه من اختیار الأقل و ترک الأشدّ، نحو ترک أداء الحج أو الصلاة، فی شهر ذی الحجة، و الثانی یکون الأشدّ و الأهم.

هذا إذا کانا عَرْضیین، و أمّا إذا کانا طولیین فیکون:

ص: 126

ج: إذا کان اُکره علی ترک واجبین طولیین نحو ترک الظهرین أو المغربین، أو ترک صیام الیوم الأوّل من شهر رمضان أو الثانی منه فحینئذ لابدّ من الإتیان بالواجب الأوّل منهما لأنّه غیر مکرَه علی ترکه و قادر علی فعله فیتعیّن علیه ترک الثانی.

د: نعم، إذا کان الثانی أشدّ ملاکا و المکرَه یعلم ببقاء الإکراه إلی زمن الثانی فلابدّ من الاختیار الأوّل الذی یکون أقلّ ملاکا نحو: الإکراه علی ترک الإنفاق علی من یجب علیه إنفاقه أو ترک الصلاة، و الدلیل علیه عدم وقوعه فی ما یکون أشدّ حرمة.

هذا کلّه فی الواجبات الاستقلالیة و أمّا الواجبات الضمنیة فتسقط الواجب بالإکراه بترک جزئه إلاّ الصلاة کما هو المعلوم. فلذا یکونُ الإکراهُ علی ترک جزءٍ أو شرطٍ أو الاتیان بمانع مُوْجِبا لِسُقُوْطِ الواجب إلاّ فی باب الصلاة(1) و فیها لابدّ من ملاحظة دلیل الجزئیة أو الشرطیة أو المانعیة و الاتیان بالباقی لو کان الإکراه یتعلق بإحداهنَّ متعیّنا ولو یتعلق بإحداهنَّ متردّدا لابدّ من ملاحظة قُوَّةِ الأدلة و الإتیان بالأقوی، مثلاً لو کان مکرَها علی ترک القیام أو الطمأنینة فَلابدّ من الإتیان بالقیام لأنّ دلیله لفظی(2) و دلیلها إجماع، أو دار الإکراه بین الوقت أو الطهور و بین غیرهما من الأجزاء و الشرائط فلابدّ من تقدیمهما علی غیرهما، و التفصیل یطلب من باب التزاحم فی بحث الاُصول.

و بما ذکرنا قد عرفت عدم الفرق بین أن یکون مکرَها علی الاتیان بالمحرمین أو ترک الواجبین.

3_ و إن کان الاکراه علی ترک واجب أو الاتیان بمحرَّم:

نحو ترک الصلاة أو الزنا، فحینئذ لابدّ من ملاحظة قواعد باب التزاحم و فی المثال یقدّم ترک الصلاة.

ص: 127


1- 1 . لأنّ ورد فی صحیحة زرارة بالنسبة إلی المستحاضة:... ثم تصلّی و لا تدع الصلاة علی حال، فإن النبی صلی الله علیه و آله قال: الصلاة عماد دینکم. [وسائل الشیعة 2/373، ح5، الباب 1 من أبواب الاستحاضة].
2- 2 . ورد فی صحیحة جمیل عن أبی عبداللّه علیه السلام : ...لکنّه أعلم بنفسه إذا قوی فلیقم. [وسائل الشیعة 5/495، ح3، الباب 6 من أبواب القیام].

و بما ذکرنا من التفصیل تَظْهَرُ لَکَ مواقع النظر فی کلام الشیخ الأعظم حیث یقول: «و من هنا لم یتأمل أحد فی أنّه إذا اُکره الشخص علی أحد الأمرین المحرّمین لا بعینه فکلّ منهما وقع فی الخارج لا یتصف بالتحریم...»(1).

المقام الثانی: الإکراه علی الأمرین الوضعیین

سواء کانا عقدین نحو بیع داره أو أرضه، أو إیقاعین نحو طلاق إحدی زوجاته، أو عقد و إیقاع نحو بیع الدار أو طلاق زوجته.

قبل الْخَوْضِ فی البحث لابدّ من تقدیم مقدمة و هی تصویر الوجوب التخییری بحیث لا یتنافی مع حقیقة الوجوب و هو عدم جواز ترک متعلِّقه، و الوجه فی تقدیم هذه المقدمة لإنّ الاکراه علی الأمرین أیضا یشابه الوجوب التخییری فلابدّ من تبیین تصویرهما حیث لا یتنافی هذا مع الوجوب و ذلک مع الإکراه.

و لذا أقول: المبانی فی تصویر الوجوب التخییری متعددة:

منها: الجامع بین الفعلین أو الأفعال یکون متعلِّقا للأمر فیکون التخییر عقلیّا لا شرعیّا و هذا هو مختار المحقّق الخراسانی(2) قدس سره .

و منها: الوجوب التخییری فی الحقیقة وجوب تعیینی متعلَّق بکلٍّ من الفعلین لکنّه مشروط بترک الآخر.(3)

و منها: تعلّق الوجوب بکلّ منهما تعیینا مطلقا لکنّه یسقط بفعل الآخر. و قال المحقّق النائینی: «أنّه ممّا لایصح أن یتفوّه به أحد»(4).

و منها: وجوب المعین عنداللّه تعالی شأنه و هو ما یختاره المکلَّف فی علمه عزّوجلّ.

ص: 128


1- 1 . المکاسب 3/319.
2- 2 . کفایة الاُصول /140، طبعة مؤسسة آل البیت علیهم السلام .
3- 3 . نقلها المحقّق النائینی و اعترض علیه بأربعة إیرادات راجع أجود التقریرات 1/185، الطبعة الاُولی.
4- 4 . أجود التقریرات 1/182.

و منها: أن یکون الواجب أحدهما و هو علی مسلکین:

أ: أن یراد منه مفهوم أحدهما و عنوانه المنطبق علی کلٍّ من الأمرین فی نفسه.

ب: أن یراد منه واقع أحدهما غیر المعین المعبر عنه بالفرد علی سبیل البدل.

و المختار هو هذا الأخیر: و التکلیف یتعلق بالفرد علی البدل و بأحدهما لا بعینه، بمعنی کون کلّ منهما متعلِّقا للتکلیف الواحد ولکن علی البدل لا أحدهما المردد و لا کلاهما معا، فیکون الواجب أحدهما لا بعینه کما أنّ المحقّق النائینی رحمه الله موافقٌ لنا فی النتیجة، و السیّد الروحانی قدس سره فی الاستدلال و النتیجة و التفصیل یطلب من کتابه.(1)

و إذا کان هذا حال الوجوب التخییری و هو یتعلّق بالفرد علی البدل فکذلک الإکراه علی الأمرین أیضا یتعلّق بکلّ فرد منهما علی البدل و بأحدهما لا بعینه فیصدق علیه الاکراه و علی الفعل المأتی به بأنّه المکرَه علیه و علی الفاعل بأنّه مکرَه، بلا ریب و لا إشکال.

و لعلّ إلی هذا الاشکال _ و هو أنّ الإکراه یُنافی الاختیار بالنسبة إلی أخذ أحدهما أو أحدهم من المصادیق و الأفراد- أفتی العلاّمة فی ظاهر قواعده بصحة طلاق من أکره علی طلاق إحدی زوجتین فطلَّق إحداهما بعینها، و قال: «ولو ظهرت دلالة اختیاره صحّ طلاقه بأن یخالف المکرِه مثل أن یأمره بطلقةٍ فیطلّق اثنتین، أو بطلاق زوجةٍ فیطلّق غیرها، أو هی مع غیرها، أو بطلاق إحدی زوجتین لا بعینها فیطلّق معیّنةً، أو یأمره بالکنایة فیأتی بالصریح»(2).

و استشکل فی صدق الإکراه فی تحریره و قال: «... ولو اُکره علی طلاق إحدی زوجتیه، فطلّق معینةً، فإشکال»(3).

و تبعه المحقّق الثانی و قال فی کتاب الإقرار: «فرع: لو اُکره علی بیع أحد المالین من غیر تعیین فباع واحدا معیّنا ففی کون البیع مکرَها علیه تردد، و سیأتی إن شاء اللّه

ص: 129


1- 1 . راجع منتقی الاصول 2/(495-483).
2- 2 . قواعد الأحکام 3/122.
3- 3 . تحریر الأحکام الشرعیة 4/51.

تعالی فی الطلاق إنّه لو اُکره علی طلاق إحدی زوجتیه لا بعینها معیّنة وقع»(1).

أقول: لم یف المحقّق الکرکی قدس سره بوعده و لم یکتب کتاب الطلاق فی ضمن کتابه جامع المقاصد.

و جعل الشهید الثانی القول بصحة الطلاق هو المحتمل الضعیف فی مسالکه و قال: «و منها: لو أکرهه علی طلاق إحدی زوجتیه لا علی التعیین فطلّق واحدة بعینها، قیل یقع الطلاق، لأنّه الإکراه علی طلاق إحداهما لا علی طلاق هذه، و طلاق هذه طلاق إحداهما مع زیادة، و قد تقرّر فی الاُصول أنّ الأمر بالکلّی لیس أمرا بجزئیٍّ معیّن.

و یحتمل قویّا عدم الوقوع، لأنّ متعلَّق الإکراه و إن کان کلّیّا لکنّه یتأَدّی فی ضمن طلاق کلّ واحدة بعینها و بطلاق واحدة غیر معینة فکل واحد من الأفراد داخل فی المکرَه علیه و مدلول علیه بالتضمن. نعم، لو صرّح له بالحمل علی طلاق واحدة مبهمة _ بأن یقول: إحداکما طالق مثلاً_ فعدل عنه إلی طلاق معینة فلا شبهة هنا فی وقوع الطلاق علی المعیّنة لأنّه غیر مکرَه علیه جزما»(2).

و جعل فی الروضة القول بعدم الصحة هو الأقوی و قال: «ولو أکرهه علی طلاق إحدی الزوجتین فطلّق معینة فالأقوی أنّه إکراه، إذ لایتحقق فعل مقتضی أمره بدون إحدیهما، و کذا القول فی غیره من العقود و الایقاع»(3).

و السیّد السند(4) اختار کلام جده من طریق الاُمّ و قال: «إمّا لو أکرهه علی طلاق إحدی الزوجتین فطلّق معینة فالأصح أنّه إکراه، إذ لا یمکن التخلص من الضرر المتوعَّد به بدون ذلک»(5).

و تبعه المحقّق السبزواری و قال: «ولو اُکره علی طلاق إحدی زوجتیه لا علی

ص: 130


1- 1 . جامع المقاصد 9/206.
2- 2 . المسالک 9/21.
3- 3 . الروضة البهیة 6/21.
4- 4 . السیّد محمّد العاملی صاحب المدارک.
5- 5 . نهایة المرام 2/12.

التعیین فطلّق واحدة معینة، قیل: یقع، و الأقوی عدم الوقوع»(1).

و صاحب الحدائق بعد نقل کلام السیّد السند و جدّه فی الروضة ردّ المحتمل الضعیف فی کلام الجدّ بقوله: «و ردّ بأن متعلّق الاکراه و ان کان کلّیّا لکنّه یتأدی فی ضمن طلاق کلّ واحدة بعینها و طلاق واحدة غیر معینة، فکل واحد من الأفراد داخل فی المکرَه علیه و مدلول علیه بالتضمن.

نعم، لو صرّح له بالحمل علی طلاق واحدة مبهمة بأن یقول: إحداکما طالق مثلاً فعدل عنه إلی طلاق معیّنة فلا شبهة هنا فی وقوع الطلاق علی المعینة لأنّه غیر المکرَه علیه جزما، و أنت خبیر بأنّه بالنظر إلی هذه التعلیلات فإن القول الأوّل [أی قول السیّد السند و جده فی الروضة فی صدق الإکراه] هو الأقرب، إذ هو الأربط بالقواعد و الأنسب، إلاّ أنّک قد عرفت فی غیر موضع ممّا تقدم ما فی البناء علی أمثال هذه التعلیلات»(2).

و ذکر صاحب الجواهر رحمه الله فی الصور التی أتی المکرَه بغیر ما اُکره علیه و أن مخالفته له تشعر بالاختیار أو ترفع ظهور الکراهة، قال: «و منها: لو أکرهه علی طلاق إحدی زوجتیه فطلّق واحدة معیّنة، و فیه: أنّ ذلک أحد أفراد الکلّی المکرَه علیه، نعم، لو کان الإکراه علی الإبهام و عدل إلی التعیین وقوع علیها...»(3).

و قال الشیخ الأعظم: «... الأقوی _ وفاقا لکل من تعرّض للمسألة _ تحقق الاکراه لغة و عرفا، مع أنّه لو لم یکن هذا مکرَها علیه لم یتحقق الإکراه أصلاً، إذ الموجود فی الخارج دائما إحدی خصوصیات المکرَه علیه، إذ لایکاد یتفّق الإکراه، بجزئیٍّ حقیقیٍّ من جمیع الجهات...»(4).

أقول: بعد ما مرّ فی مقدمة هذا البحث من تقریر الإکراه علی الأمرین و أنّه کتصویر الوجوب التخییری بلا فرق، فالاختیار فی بعض المصادیق لا ینافی الإکراه، کما أنّ جواز

ص: 131


1- 1 . الکفایة 2/319.
2- 2 . الحدائق 25/163.
3- 3 . الجواهر 32/14.
4- 4 . المکاسب 3/320.

ترک بعض أفراد الواجب التخییری لا ینافی الوجوب.

فلو اُکره علی طلاق إحدی زوجتیه أو زوجاته فطلّق إحداهما أو إحداهنَّ، لا یقع لصدق الإکراه و ما ورد فی کلام العلاّمة من الحکم بالصحة أو الإشکال فی صدق الإکراه و تبعیّة المحقّق الثانی له تُحمل بما إذا قنع المکرِه بطلاق إحداهما مبهمة کما حمله بعض الأجلة علی ما نَسب إلیه المحقّق التستری(1). و ذکره الشیخ الأعظم.(2)

فحینئذ لو اُکره علی الأمرین الوضعیین سواء کانا عقدین أو إیقاعین أو عقد و إیقاع و اختار المکرَه أیَّا من طَرَفَی الإکراه _ بلا فرق بین کونه عقدا أو ایقاعا_ لم یقع و یحکم بفساده لأجل طریان الإکراه. هذا کلّه إذا کان الفردان عَرْضِیَّیْنِ.

و أمّا إذا کانا طولیین بأنّ أحدهما فی عمود الزمان یتأخر عن الآخر فهل للمکرَه أن یختار أیّهما شاء؟ أم لابدّ له من التأخیر، ولو أتی بالفرد المقدَّم کان صحیحا لأنّه لم یکره علیه بالخصوص و یتمکن من التأخیر إلی الفرد الأخیر؟

مثلاً لو کان مکرَها علی بیع داره فی یوم الجمعة أو السبت، فهل له أن یبادر ببیعه فی یوم الجمعة و هو کان عالما ببقاء الإکراه إلی یوم السبت؟ أم لیس له هذا البدار و لابدّ أن یأتی بالفرد الأخیر؟

ذهب المحقّق النائینی قدس سره إلی وجود الفارق بین المحرّمات و المعاملات فی الأفراد الطولیه بأنّ فی الأوّل لا یجوز البدار و لابدّ من التأخیر و الإتیان بالفرد الأخیر ولکن فی المعاملات یجوز البدار و یصدق الإکراه و قال بالنسبة إلی المعاملات: «... أمّا لو کان مکرَها فی بیع داره موسَّعا فلو کان مأیوسا من التخلّص عنه فإقدامه علی البیع فی أوّل الوقت لا یخرجه عن الإکراه، و أمّا لو احتمل التخلّص فلو باع أوّل الوقت فهو مختارٌ...»(3).

و اعترض علیه المحقّق السیّدُ الخوئی رحمه الله من عدم وجود الفارق بین المحرّمات و

ص: 132


1- 1 . مقابس الأنوار /118.
2- 2 . المکاسب 3/320.
3- 3 . منیة الطالب 1/395.

المعاملات لأنّ «الإتیان بالفرد المتقدّم مع سعة الوقت لا ینطبق علیه عنوان المکرَه علیه و لا المضطر إلیه لکی یرتفع حکمه، سواء أکان ذلک من قبیل المعاملات أم کان من قبیل الاُمور المحرّمة، فإنّ الذی یترتب علیه الضرر إنّما هو ترک المجموع، لا ترک خصوص الفرد الأوّل، و علیه فلا ملزم له فی فعله، نعم إذا ترکه لزمه الإتیان بالفرد الأخیر من جهة ترتب الضرر علی ترکه، و علی هذا فلو أکره أحدٌ علی بیع داره إمّا یوم الجمعة أو یوم السبت فبادر إلی بیعها یوم الجمعة فإنّه یحکم بصحة هذا البیع لصدوره عن الرضا و طیب النفس»(1).

أقول: الظاهر عدم الفرق بین المحرّمات و المعاملات فی الأفراد الطولیة من عدم صدق الإکراه إلاّ فی الفرد المتأخر، فلو أتی بغیره لم یکن مکرَها بالنسبة إلیه فیقع صحیحا فی المعاملات و حراما فی المحرّمات.

و ظهر ممّا ذکرنا أَنَّهُ لو کان مکرَها علی الأمرین الوضعیین کانَ أحدهما باطلاً و الآخر صحیحا، لو لم یکن الاکراه علی الصحیح کثلاث تطلیقات فی دفعة واحدة أو الطلاق الواحد، و کبیع مال الغیر أو بیع ماله، و کطلاق زوجة الغیر أو طلاق زوجته، و کبیع مال الوقف أو بیع ماله الشخصی، و کقرأة عقد الزواج علی بنت الغیر للمکرِه أو علی بنت المکرَه، ففی کلِّ هذه الأمثلة لابدّ للمکرَه أن یختار الأمر الوضعی الذی یکون باطلاً من قبل نفسه _ و هو الأمر الأوّل فی أمثلتنا_ لا الأمر الوضعی الثانی فی الأمثلة الذی یکون صحیحا لو لم یکن الإکراه، و الوجه فی ذلک بطلان هذه الموارد حتّی من دون الإکراه و معه بطریق اُولی، فلذا لو اختار الأمر الصحیح فی نفسه و هو غیر مکرَه بخصوصه وقع صحیحا، فلابدّ للمکرَه من ترکه و اختیار الشق الآخر الذی کان باطلاً، و إن کان فی النفس بالنسبة إلی هذا الاخیر شی ءٌ.

المقام الثالث: الاکراه علی الأمرین أحدهما تکلیفیٌّ و الآخر وضعیٌّ

إذا اُکره علی أحد الأمرین أحدهما تکلیفیٌّ کشرب الخمر أو ترک الصلاة و الآخر

ص: 133


1- 1 . مصباح الفقاهة 3/315.

وضعیٌّ کبیع داره أو طلاق زوجته، فحینئذ لابدّ للمکرَه أن یختار الأمر الوضعی و ترک الحرام التکلیفی أو الاتیان بالواجب، و الأمر الوضعی الذی أتی به لم یقع لأنّه المکرَه علیه. و هذا واضح لا ریب فیه.

و من هنا لو کان مکرَها علی الأمرین المرددین بین الحرام أو ترک الواجب و المباح فلابدّ له أن یختار المباح و لا یصدق الإکراه بالنسبة إلی الحرام أو ترک الواجب فلا یجوز الإیتان به أو الترک بذا.

مثلاً لو کان مکرها علی شرب أو أکل شی ءٍ مباحٍ یتنفر طبعه منه أو شرب الخمر أو ترک الصیام، فلابدّ له من الإتیان بالمباح.

و کذلک لو کان الإکراه مرددا بین أمر مباح و أمر وضعیّ نحو: الجماع مع زوجة المکرَه العجوز التی لا یریدها أو طلاق إحدی زوجاته و هی الشابة الجدیدة، فلابدّ له أن یختار المباح و ترک الأمر الوضعی و هو فی المثال الطلاق، فلو أتی بالطلاق لکان صحیحا، و إن کان فی النفس بالنسبة إلی هذا الأخیر شی ءٌ، و هو لو اختار الأمر الوضعی و أتی به من دون قصد و لأنّه کان مکرَها بالنسبة إلیه لعدم ارتضاء نفسه بالإتیان بهذا الشرب أو الأکل أو الجماع، لتنفر طبعه منها فیصدق الإکراه عرفا فلا أثر للأمر الوضعی المکرَه علیه أیّما کان من عقدٍ أو إیقاعٍ.

السادس: اکراه أحد الشخصین علی فعلٍ واحدٍ

و هذا الفعل الواحد إمّا تکلیفیٌّ أو وضعیٌّ.

أ: إمّا التکلیفی: فنحو إکراه أحد الشخصین علی شرب الخمر أو ترک الصلاة، یجوز لأحدهما ارتکابه دفعا للضرر المتوعد به من المکرِه، ولکن إن علم أو اطمأن بأنّ الآخر یفعله لکثرة خوفه أو لضعف إیمانه فلا یجوز للآخر الإتیان به. و إن علم أو اطمأن بأنّ الآخر لا یفعله أو حتّی احتمل احتمالاً عقلائیا بأنّه لایفعله یجوز له ارتکابه. و یکون هذا الإکراه مشابهً للوجوب الکفائی فی تصویره و تقریره.

ب: و إمّا الوضعیٌّ: فنحو إکراه أحد الشخصین علی بیع الدار و هما صاحب الدار و وکیله، أو العقد علی البنت و هما أبوها و جدّها، و الکلام فیه کالکلام فی التکلیفی بلا

ص: 134

فرق.

أمّا مقالة الشیخ الأعظم من: «انّ إکراه أحد الشخصین علی فعل واحد _ بمعنی إلزامه علیهما کفایةً و إیعادهما علی ترکه _ کإکراه شخصٍ واحدٍ علی أحد الفعلین، فی کون کلِّ منهما مُکرَها»(1).

لابدّ من تقیید جملة «کإکراه شخص واحد علی أحد الفعلین» بالعرضین، لأنّ قد مرّ عدم اتصاف الطولیین بالإکراه إلاّ الفرد الأخیر فقط. فلابدّ من تقیید الفعلین بالعرضیین عندنا، ولکن حیث أنّ الشیخ الأعظم لم یتعرّض فی ظاهر کلامه للفعلین الطولیین فهذا التقیید غیر لازم له.

السابع: متعلَّق الاکراه

الإکراه قد یتعلَّق بالمالک العاقد _ کما هو الغالب _ و قد یتعلَّق بالمالک دون العاقد و قد یتعلَّق بالعاقد دون المالک فللمسألة صُوَرٌ ثَلاثٌ:

الاُولی: تقدم الکلام فیها و أن حکمها بطلان العقد المکرَه علیه.

الثانیة: کالإکراه علی التوکیل لبیع داره أو طلاق زوجته، أعنی المکرِه الظالم _ و هو العاقد مثلاً_ أکره المالک أو الزوج علی إعطاء الوکالة له لبیع داره أو طلاق زوجته، أو أن یوکِّل غیر المکرِه فی البیع أو الطلاق. و حیث أنّ عقد الوکالة وقع عن کرهٍ فیکون باطلاً فلم یستند العقد کالبیع و الإیقاع کالطلاق إلی المالک و الزوج فلا إشکال فی عدم وقوعهما.

بعبارة اُخری: التوکیل حیث یکون إکراهیا فیکون کالعدم فلایقع العقد الذی أجراه هذا الوکیل الإکراهی.

نعم، لو لحقه الإجازة من المالک أو الزوج یکون فضولیا تتبعه الاجازة فبالنسبة إلی البیع یکون صحیحا و بالنسبة إلی الطلاق بناءً علی صحة الإیقاعات الفضولیة یکون صحیحا.

الثالثة: إکراه المالک غیرَه علی أن یکون وکیلاً عنه فی عقد أو إیقاع نحو: قول

ص: 135


1- 1 . المکاسب 3/321.

المالک لغیره: بع مالی أو طلِّق زوجتی و إلاّ... .

ذهب الشیخ الأعظم إلی أنّ «الأقوی هنا الصحة»(1).

و احتمل الشهید الثانی بعد أن جعل وقوع الطلاق _ مثلاً_ أصح الوجهین، عدم الوقوع و الصحة فی قوله: «لو قال: طلِّق زوجتی و إلاّ قتلتک أو غیر ذلک ممّا یتحقّق به الإکراه، فطلّق ففی وقوع الطلاق وجهان، أصحّهما الوقوع، لأنّه أبلغ فی الإذن، و وجه المنع: أنّ الإکراه یسقط حکم اللفظ، فصارکما لو قال لمجنون: طلّقها فطلّق. و الفرق بینهما: أنّ عبارة المجنون مسلوبة أصلاً، بخلاف عبارة المکرَه، فإنّها مسلوبة لعارض تخلّف القصد، فإذا کان الآمر قاصدا لم یقدح إکراه المأمور»(2).

و قال أیضا: «لو اُکره الوکیل علی الطلاق دون الموکِّل ففی صحته وجهان أیضا، من تحقّق اختیار الموکلِّ المالک للتصرف، و من سلب عبارة المباشر»(3).

ولکن التحقیق أنّ لهذه الصورة أقساما:

الأوّل: أن یکون الاکراه من المالک و کان العاقد الوکیل مکرَها فی إجراء عقده أو إیقاعه، فحینئذ لا إشکال فی صحة العقد أو الإیقاع لصحة انتسابهما إلی المالک فیتمّان، و اکراه العاقدِ أو عدم رضایته بالعقد لا یضرّ بصحته لأنّه أجنبیٌّ فی المقام و لا أثر لعدم رضایته بعد رضا المالک.

لا یقال: حدیث الرفع ینفی الصحة من هذا العقد لوجود الإکراه بالنسبة إلی العاقد.

لأنّا نقول: العاقد المکرَه لیس هنا لفعله أثر بالنسبة إلی شخصه حتّی یرفعه الحدیث، و أمّا جریان حدیث الرفع بالنسبة إلی المالک أیضا فَلایتم لأنّه أوّلاً: لم یکن مکرَها، بل هو المکرِه هنا، و ثانیا: یکون خلافا للامتنان.

إشکالٌ: عقد العاقد صحته مشروط بإحراز قصده و مع الإکراه لا یمکن إحرازه ببناء العقلاء فحینئذ لا یحکم بصحة عقد العاقد المکرَه لعدم إحراز قصده کما علیه

ص: 136


1- 1 . المکاسب 3/322.
2- 2 . المسالک 9/22.
3- 3 . المسالک 9/23.

المحقّق التستری قال فی مقابسه: «إنّ إرادة مدلول اللفظ لابدّ منها فی صحة العقد و إن تجرّدَ من الرضا به و لذلک بطل عقد الهازل و قاصد التوریة و نحوهما و إذا صدر العقد من مختار بالغ عاقل حکمنا بما هو الظاهر من حصول ذلک بخلاف ما إذا صدر من مکرَهٍ إذ لا ظهور لعبارته فی قصد المعنی المطلوب و لا عبرة بالدلالة المجردة عن الارادة، فکیف یحکم بالصحة بمجرد صدور العقد و الرضا...»(1).

أجاب عن هذا الاشکال صاحب الجواهر بقوله: «قلت: هذا مبنیٌّ أیضا علی ما سمعت من خلو المکرَه عن القصد و قد عرفت الحال»(2)، و قال قبله: «... فالمکرَه قاصد علی نحو غیره إلاّ أنّه قصد إکراه لا قصد اختیار، و إن شئت عبّرت عن ذلک بالرضا و عدمه»(3).

و أجاب الشیخ الأعظم عنه بوجهین(4) بتوضیح منّا:

1_ نعلم بأنّ العاقد المکرَه لایتکلّم لاغیّا و لا موریّا، فیکون قاصدا للعقد، لعدم وجود الشق الرابع.

2_ المالک فی ظهور العقد هو کون الفعل اختیاریا فی مقابل الاضطرار کحرکة ید المرتعشة، و من المعلوم أنّ الإکراه لا یصل إلی حدّ الاضطرار فیمکن إجراء اصالة القصد فی عقد المکرَه.

الثانی: أن یکون الإکراه من غیر المالک لغیر وکیله، کما إذا أکره زیدٌ عَمْرا علی بیع مال بکر أو طلاق زوجته، فیکون العقد أو الإیقاع فی هذا القسم فضولیّا یتوقف صحته علی الإجازة.

الثالث: أن یکون الإکراه من غیر المالک لوکیله _ أی لوکیل المالک _ و یکون العقد باطلاً لعدم انتساب العقد إلی المالک _و هو واضح _ و لا إلی وکیله لأنّه مُکْرَهٌ و عقد المکرَه

ص: 137


1- 1 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /18.
2- 2 . الجواهر 32/16.
3- 3 . الجواهر 32/15.
4- 4 . المکاسب 3/323.

باطلٌ.

نعم، إذا عُلم رضا المالک بالعقد و إذنه فیه حُکم بصحة العقد، لأنّ رضا الوکیل إنّما یعتبر بما أنّه طریق و کاشف عن رضا موکله، فلو عُلم رضا الموکل و إذنه بالعقد مع صدور العقد من الوکیل حُکم بصحته.

و ظهر ممّا کرنا آنفا عدم صحة قیاس المکرَه بالمجنون، لأنّه مسلوب العبارة فلا تأثیر لعقده بخلاف المکرَه.

الثامن: الاکراه علی بیع عبدٍ من عبدین

قال العلاّمة فی التذکرة: «لو أکرهه علی بیع عبد فباع اثنین أو نصفه فإشکال»(1).

ما یصدر من المکرَه من العقود و الإیقاعات مع متعلَّق الإکراه إمّا مساوٍ أو متباین أو یزید علیه أو ینقص منه، فهذه أَرْبَعُ صور:

الصورة الاولی: التساوی

بین العقد أو الإیقاع و ما تعلَّق به الإکراه نحو: الإکراه علی بیع داره الْخاصَّةِ أو إجراء الطلاق علی زوجته الخاصة، فأجری العقد أو الإیقاع علی طبق ما أکرهه علیه، و قد مرّ حکمه و هو البطلان.

الصورة الثانیة: التباین

إذا أکرهه علی بیع داره فأجری العقد و باع دکانه له، أو أکرهه علی طلاق زوجته فُلانَة فطلّق غیرها، فَلا إشکال فی صحة العقد و الإیقاع لأنّه غیر مکرَهٍ بالنسبة إلیه و أتی به بالاختیار فیقع.

«نعم، إذا کان بیع الکتاب لأجل احتمال أن یقنع المکرِه (بالکسر) به فیرفع الید عن الإکراهه کان باطلاً لا محالة، و ذلک لفقدانه طیب النفس و أنّه من جهة الاضطرار»(2).

ص: 138


1- 1 . تذکرة الفقهاء 10/14.
2- 2 . مصباح الفقاهة 3/323.

الصورة الثالثة: الزیادة

لو أتی بالمکرَه علیه مع زیادة و هی علی قِسْمَیْنِ:

القسم الأوّل: التدریجیة

کما لو أکرهه علی بیع داره فَباعَها له ثمّ باع داره الاْءُخْری أیضا له من دون إکراه علیها، أو أکره علی بیع أحد عبدیه فباع أحدهما ثمّ باع الآخر له، فحینئذ فَلا شبهة فی بطلان بیع الأوّل لأنّه مُکْرَهٌ علیه، و صحة بیع الثانی لأنّ البائع غیر مکرَه بالنسبة إلیه و فعله باختیاره.

و احتمل الشیخ الأعظم الرجوع إلی البائع فی تعیین البیع المکرَه علیه لو کان مثلیین نحو عبد من العبدین أو دار من الدارین لأنّه أعرف بقصده و قال: «مع احتمال الرجوع إلیه فی التعیین سواءً ادّعی العکس أم لا»(1). یعنی سواءً المکرَه ادعی أنّ الثانی هو المکرَه علیه أم الأوّل یؤخذ بقوله لأنّه لایعرف التعیین إلاّ من قِبَلِهِ فیتبع قوله.

و یرد علی هذا الاحتمال: بأنّه بعد تحقّق العقد الأوّل لم یبق موضوع للإکراه لکی یحتمل وقوع العقد الثانی عن کره حتّی یرجع إلی البائع فی التعیین.

و لا یقال: «بل لا یبعد صحة البیع الثانی حتّی فیما إذا کان متفرعا علی الإکراه و من تبعات بیع الأوّل کما إذا أکرهه الجائر علی بیع أحد مصراعی الباب فباعه، ثم باع المصراع الثانی فإنّ بیع المصراع الثانی و إن کان لأجل عدم الانتفاع به وحده و من تبعات البیع الأوّل لکنّه حیث وقع عن الرضا و بغیر کره فیحکم بصحته»(2).

لأنّا نقول: «فی الموارد التی لا یمکن للمالک إبقاء أحدهما فی ملکه و باع الآخر لکونه ضررا أو حرجا علیه کما فی الحیوان و ولده أو کأحد مصراعی الباب فیحکم ببطلان بیعهما باعتبار أنّ الحکم ببطلان أحدهما مقتضی رفع الإکراه و الحکم ببطلان الآخر مقتضی رفع الاضطرار إلیه، لأنّه لو لم یقدّم علی بیع الآخر یتوجه الضرر أو الحرج

ص: 139


1- 1 . المکاسب 3/324.
2- 2 . مصباح الفقاهة 3/324.

علیه...»(1).

القسم الثانی: الدفعیّة

لو أکره علی بیع إِحْدی داریه، فباع المکرَه داریه معا دفعة واحدة له أو أکره علی بیع أحد العبدین فباعهما معا له، قال الشیخ الأعظم فی حکمها: «ولو باعهما دفعة احتمل صحة الجمیع، لأنّه خلاف المکرَه علیه و الظاهر أنّه لم یقع شی ءٌ منهما عن إکراه، و بطلان الجمیع لوقوع أحدهما مکرَها علیه و لا ترجیح و الأوّل أقوی»(2).

و هنا احتمال ثالث ذهب إلیه المحقّق السَّیِّدُ الخوئی(3) و هو تعیین البیع المکرَه علیه بالقرعة و الحکم بالصحة بالنسبة إلی الآخر.

ثم اعترض علی نفسه بأنّ «القرعة إنّما یرجع إلیها فیما إذا کان المطلوب متعیّنا واقعا و مجهولاً ظاهرا، و من الواضح أنّ المکرَه علیه مرددٌ بین الأمرین ظاهرا و واقعا من غیر أن یکون له تعیین فی مرحلة من المرحلتین».

و أجاب عنه بأنّ أدلة القرعة مطلقة و أنّها تجری فی کلِّ أمر مشتبه أو مشکل، و من هنا ذهب الفقهاء إلی الرجوع إلی القرعة فیما إذا طلّق شخص إحدی زوجاته مِنْ غیر تعیین مع أنّ المطلقة حینئذ لا تعیین لها لا واقعا و لا ظاهرا.(4)

أقول: فی هذا الفرع لابدّ من القول بالصحة فی الجمیع لأنّه غیر مکرَه علی الجمیع و أتی به فالمکرَه علیه شی ءٌ و ما أتی به المکرَه شیئٌ آخَرُ، فیحکم بالصحة للجمیع لعدم صدق الإکراه فیه.

و بما ذکرنا لا یتم احتمال بطلان الجمیع بأنّ المکرَه علیه أحدهما و لا تعیین له فی الواقع، و الحکم بفساد أحدهما معیّنا دون الآخر ترجیح بلا مرجح.

و وجه عدم التمامیة: أنّ المکرَه علیه أحدهما بشرط أن لا یکون معه الآخر، و هو

ص: 140


1- 1 . إرشاد الطالب 2/254 مع تصرف مختصر.
2- 2 . المکاسب 3/324.
3- 3 . مصباح الفقاهة 3/324.
4- 4 . راجع مصباح الفقاهة 3/325.

أتی بکلیهما و هو أحدهما بشرط الآخر و من المعلوم أنّ الماهیة بشرط لا غیر الماهیة بشرط شی ء فلا ینطبق المکرَه علیه علی ما أتی به المکرَه، فیحکم بالصحة و لا نحتاج إلی التعیین فی المکرَه علیه حتّی نذهب إلی الفساد لعدم امکان الأخذ بأحدهما معیّنا دون الآخر حیث یکون ترجیحا بلا مرجح.

و کذا لا یتم ما ذکره المحقّق السَّیِّدُ الخوئی قدس سره من الاحتمال لأنّا لا نحتاج إلیه مضافا إلی عدم جواز تعیین الفاسد من الصحیح بالقرعة، لأنّ الأصحاب لم یعملوا بإطلاق أدلة القرعة _ لو کانت مطلقة _ بل عملوا بها فی موارد خاصة و هی موارد وجود القول بها فیها _«کما هو المشهور بین المعاصرین و غیرهم»(1)_ و لعلّ مثال الطلاق المذکور فی کلامه منها و أمّا فرعنا هذا فَلَمْ یقل أحد بالقرعة فیه إلاّ هُوَ فلا یمکن العمل بالقرعة فیه، و التفصیل یطلب من البحث حول قاعدة القرعة.

الصورة الرابعة: النقیصة

و هی بیع ما یکون أنقص من المکرَه علیه نحو: الإکراه علی بیع الدارین، فباع إِحْدَیْهِما أو طلاق الزوجتین فطلَّق إحدیهما.

لو أتی بهذه النقیصة رجاءً له بأنّ المکرِه اکتفی بذلک و لا یکرهه علی الآخر، فلا إشکال فی صدق الإکراه و بطلان العقد أو الإیقاع.

و کذلک لو أکرهه علی بیع داره فباع له نِصْفَها لرجاء أن یکتفی المکرِه به یصدق الإکراه و یحکم بالبطلان.

و الدلیل علیه: أنّ الإکراه علی المجموع إکراه علی البعض خارجا و واقعا.

التاسع: لو اُکره علی معیّن فضمّ غیره إلیه

باختیاره نحو: الإکراه علی طلاق زوجة معینة فطلَّق معها غیرها أیضا، أو الإکراه علی بیع الدار فضمّ إِلَیْها دکانه.

لا إشکال فی صحة طلاق غیر المکرَه علیها أو بیع الدکان، لانّهما وقعا باختیار و

ص: 141


1- 1 . راجع القواعد الفقهیة 1/432، للاُستاذ آیة اللّه الشیخ محمّدالفاضل اللنکرانی قدس سره .

من دون إکراهٍ و بطلان المکرَه علیها.

ولکن قال الشهید الثانی: «لو أکرهه علی طلاق زوجته فطلَّق زوجتین، فإن وقع ذلک بلفظ واحد کما قال له: طلِّق زوجتک زینب، فقال لها و لفاطمة: انتما طالقتان، وقع علیهما، لأنّ ذلک خلاف المکرَه علیه و قد عدل عنه إلی غیره فلا مانع من صحته، و إن قال: زینب طالق و فاطمة طالق، طُلّقت فاطمة و لم تُطَلّق زینب، لأنّها مکرَه علیها بخلاف الاُخری. و منهم من لم یفصّل بین العبارتین و أطلق الحکم بوقوع الطلاق علیهما، و الفرق متجه»(1).

جعل ثانی الشهیدین الصیغة الاُولی «أنتما طالقتان» من مصادیق الزیادة الدفعیة و حکم بالصحة فی الجمیع کما هو مختارنا فیما مرّ آنفا، و جعل الصیغة الثانیة «زینب طالق و فاطمة طالق» من مصادیق هذا الفرع الأخیر و حکم بالبطلان بالنسبة إلی المکرَه علیها و صحة طلاق غیر المکرَه علیها، فنحن موافق له فی الفرعین و بینهما بون بعید.

و تبعه صاحب الجواهر و قال: «لو اُکره علی طلاق زوجة معیّنة فطلَّقها مع غیرها بلفظ واحد فإنّه یشعر باختیاره أیضا، نعم لو طلّقهما بصیغتین وقع الطلاق علی غیر المکرَه علیها و بطل فی الاُخری، و قد یحتمل عدم الفرق بینهما»(2).

ولکن الشیخ أسداللّه التستری(3) لم یفرق بین إنشاء العقد أو الإیقاع بالصیغة الواحدة أو المتعددة بخلاف العَلَمین، و الظاهر تبعیة الشیخ الأعظم له حیث یقول: «ولو اُکره علی بیع معیّن فضمّ إلیه غیره و باعهما دفعة فالأقوی الصحة فی غیر ما اُکره علیه»(4).

أقول: تفصیل الشهید الثانی قدس سره تام عندنا لما مرّ فی الزیادة الدفعیة و هنا و الحمدللّه.

ص: 142


1- 1 . المسالک 9/21.
2- 2 . الجواهر 32/14.
3- 3 . راجع مقابس الأنوار، کتاب البیع /15.
4- 4 . المکاسب 3/324.
العاشر: دعوی الاکراه

قال فی المسالک: «لو تلفّظ بالطلاق ثم قال: کنتُ مکرَها و أنکرت المرأة، فإن کان هناک قرینة تدلّ علی صدقه _ بأن کان محبوسا أو فی ید متغلِّب و دلّت القرینة علی صدقه _ قبل قوله بیمینه و إلاّ فلا. ولو طلَّق فی المرض ثم قال: کنت مغشیّا علیَّ أو مسلوب القصد لم یقبل قوله إلاّ ببیّنة تقوم علی أنّه کان زائل العقل فی ذلک الوقت، لأنّ الأصل فی تصرّفات المکلَّف الصحة إلی أن یثبت خلافها. و إنّما عدلنا فی دعوی الإکراه عن ذلک بالقرائن لظهورها و کثرة وقوعها و وضوح قرائنها بخلاف المرض»(1).

و فی الحدائق یری مسألة الإکراه فی کلام الشهید الثانی هی أَمْرٌ: «مقطوع به فی کلام الأصحاب»(2) ولکن اعترض علیه فی مسألة المرض بقوله: «و إن ظهر من حال المریض اضطراب و اختلاط کعدم انتظام کلامه و تغیّر أحواله ثمّ ادعی زوال العقل و الحال کما فرضنا فإنّ الظاهر قبول قوله لعین ما ذکر فی المسألة الاولی اعتمادا علی القرائن فی الموضعین»(3).

و قال الشیخ الأعظم: «لکن فی سماع دعوی البائع ذلک [أی الاکراه] مع عدم الأمارات نظر»(4).

أقول: إن ادعی الإکراه و عنده القرائن یقبل قوله و إلاّ یحتاج إثباته إلی البیّنة الشرعیّة و کذا الأمر بالنسبة إلی المرض بلا فرق کما علی الأوّل ثانی الشهیدین و صاحب الحدائق و علی الثانی الأخیر فقط.

ص: 143


1- 1 . المسالک 9/23.
2- 2 . الحدائق 25/165.
3- 3 . الحدائق 25/165.
4- 4 . المکاسب 3/325.
الحادی عشر: طلاق المکرَه

قد مرّ فی الأمر الأوّل(1) کلام العلاّمة فی التحریر بأن: «لو اُکره علی الطلاق فطلَّق ناویا له فالأقرب أنّه غیر مکرَه، إذ لا اکراه علی القصد»(2).

فحکم قدس سره بِوُقُوْعِ الطلاق مستدِّلاً بأنّه غیر مکرَه فی نیّته و قصده و تبعه ثانی الشهیدین المسالک(3) و الروضة(4) کما مرّ.

ولکن الشیخ الأعظم(5) قسّم الفرع المذکور إلی سِتِّ صور:

1_ أن یکون الطلاق الصادر من المکرَه مقترنا بالرضا و طیب النفس من دون أن یستند وقوعه إلی الإکراه لا بنحو الداعی المستقل و لا منضما إلی غیره من الدواعی، بل یقترن الطلاق بما بعد الإکراه زمانا، نحو أن یکون الزوج قاصدا الطلاق ولکن قبل إجرائه الصیغة أکره الظالم مع جهله بحاله و قصده فجری الصیغة فوقع الطلاق، لأنه لم یستند إلی الإکراه أصلاً.

2_ أن یکون الإکراه جزءً لسبب الطلاق و وَجُزْؤُهُ الآخر سوء خُلقها أو انزجاره منها أو غیرهما من دواعی الطلاق، و الجزان یؤثران فی وقوع الطلاق فهل یحکم بصحته استنادا إلی الجزء المختار؟ أو یحکم ببطلانه استنادا إلی الجزء المکرَه علیه؟ کلٌّ محتملٌ.

ذهب السیّد الخوئی رحمه الله إلی البطلان «لأنّ المناط فی بطلان عقود المکرَه و إیقاعاته هو عدم وجود ما یقتضی الصحة لأنّ الأدلة علی اعتبار الرضا فی العقود و الإیقاعات ظاهرة فی کون الرضا سببا مستقلاً لصدورها، لا جزءً لذلک، و علیه فإذا اقترن الرضا بالإکراه و اجتمع معه استند الفعل إلیهما لا إلی الرضا فقط و حینئذ فالإکراه و إن لم یقتض الفساد، إلاّ أنّ ما یقتض الصحة _ أیضا _ غیر متحقّق، لعدم صدور الطلاق عن الارادة و

ص: 144


1- 1 . راجع هذا المجلد صفحة 112.
2- 2 . تحریر الأحکام الشرعیة 4/51.
3- 3 . المسالک 9/22.
4- 4 . الروضة البهیة 6/21.
5- 5 . المکاسب 3/327.

الرضا»(1).

و تابعه شیخنا الاُستاذ قدس سره و قال: «لا یبعد شمول حدیث رفع الاکراه علی الطلاق فی الفرض باعتبار أن رفعه یناسب الامتنان، حیث أنّ المفروض عدم وقوعه لو لا الإکراه»(2).

أقول: حیث یأتی الإکراه ولو علی سبیل جزء العلّة _ لا تامّتها _ یحکم بالبطلان، لأنّ النتیجة تتبع أخس المقدمتین أو المقدمات، و یصدق علی المطلِّق هنا بأنّه مکرَه ولو لا الإکراه لم یطلِّق لعدم تحقق العلّة التامة، فالحکم بالبطلان تام کما علیه العلمان رحمهماالله .

3_ أن یکون الداعی إلیه هو دفع الضرر الوارد علی المکرِه (بالکسر) کما إذا هدَّد شخصٌ والده بأن یقول له: «طلِّق ضرّة والدتی و إلاّ قتلتُ نفسی»، فطلَّق الوالد ضرّتها قاصدا الطلاق، و الطلاق باطل عندنا و یأتی کلام العلاّمة من الحکم بالصحة فی هذه الصورة.

4_ أن یکون الداعی إلی الطلاق شفقة دینیة علی المکرِه لئلا یقع فی معصیة کما إذا قال: «طلِّق زوجتک لأتزوّجها و إلاّ زنیتٌ بها» فطلَّقها قاصدا.

قال الشیخ الأعظم: «و الحکم فی الصورتین لا یخلو من إشکال»(3) أی الصورتین الثالثة و الرابعة.

أقول: یأتی کلام العلاّمة من الحکم بالصحة.

5_ أن یکون الطلاق لأجل التخلص مِن الضرر المتوعد به علی المکرَه لأجل اعتقاده بعد امکان التخلص إلاّ بایقاع الطلاق حقیقة لغفلته عن عدم توقف التخلص علی ذلک.

6_ أن یوقع الطلاق حقیقة لأجل التخلص من ظلم المکرِه، لجهل المکرَه برفع حکم الطلاق الإکراهی و هو (المکرَه) زعم أنّ الطلاق الإکراهی صحیح فطلَّق حقیقة.

ص: 145


1- 1 . مصباح الفقاهة 3/328.
2- 2 . إرشاد الطالب 2/257.
3- 3 . المکاسب 3/327.

قال الشیخ الأعظم: «و الحکم فی هاتین الصورتین [الأخیرتین] لا یخلو عن إشکال إلاّ أنّ تحقّق الإکراه أقرب»(1).

أقول: یأتی کلام العلاّمة فی هاتین الصورتین الأخیرتین أیضا، و بالجملة یأتی کلامه فی أربع صور من الصور السِّتِّ. ولکن الطلاق فی جمیع الصور الأَرْبَعِ الأخیرة باطل عندنا لصدق الإکراه. نعم، فی الصورة الرابعة _ الشفقة الدینیة _ لو لم تبلغ إلی حد الإکراه، و رضی بالطلاق قاصدا إلیه یکون صحیحا، کما عدّه شیخنا الاُستاذ(2) قدس سره الإظهر.

نعم، هنا صورتان لم یتعرض الشیخ الأعظم لهما.

7_ أن یطلقها علی إکراه ولکن یرضی به بعد التأمل لسوء خلقها أو لعدم تمکّنه من نفقتها أو غیرهما. و قد یقال بصحة هذا الطلاق للحوق الرضا به، و هذا هو الفرع الذی یأتی فی ما بعد فانتظر قلیلاً.

8_ أن یکون کل واحد من الرضا و الإکراه علّة تامة و سببا مستقلاً فی نفسه لوقوع الطلاق بحیث لو لم یکن إکراه لوقع الطلاق و هکذا العکس.

قوی المحقّق النائینی فساد الطلاق فی هذا الفرض و قال: «حیث لا یمکن توارد علّتین مستقلّتین علی معلول واحد فتصیر کلّ واحدة إذا اجتمعا جزء السبب و الفعل یسند الیهما معا. و هذه الصورة یحتمل فیها وجهان، ولکن الأقوی فیها االفساد لأنّها و إن لم تکن إکراهیا إلاّ أنّها لا تکون «تجارة عن تراض» أو أنّها و إن کانت عن رضا إلاّ أنّها عن إکراهٍ أیضا.

و کلّ علّتین مستقلّتین إذا وردتا علی معلول واحد و کان بینهما تدافع فلا یؤثر کلّ منهما کاجتماع الریا و قصد الأمر فی العبادات بل کاجتماع التبرید و قصد الأمر، نعم، لو کان التبرید ضمیمة لا داعیا مستقلاً صحت العبادة»(3).

و اعترض علیه تلمیذة السیّد الخوئی بقوله: «إِنّ الإکراه لا یقتضی الفساد لکی

ص: 146


1- 1 . المکاسب 3/328.
2- 2 . إرشاد الطالب 2/258.
3- 3 . منیة الطالب 1/406.

یکون المقام من قبیل توارد العلّتین المستقلّتین علی معلول واحد. بل مع وجود الإکراه ینعدم ما یقتضی الصحة، و إذا تحقق الرضا وُجد ما یقتضی الصحة، و علیه فیکون المقام من قبیل تعارض ما یقتضی الشی ء مع ما لایقتضیه، لا من قبیل تعارض المقتضین»(1) و حکم بالصحة.

أقول: یمکن أن یُناقش المحقّق السَّیِّد الخوئی قدس سره بأنّ فرض المقتضی لایجتمع مع العلّة التامة و السبب المستقل، فما ذکره قدس سره خارج عن محلِّ البحث، و أمّا ما ذکره من قَوْلِ المحقّق النائینی رحمه الله من «عدم إمکان توارد علّتین مستقلّتین علی معلول واحدً تام، ولکن هذا لا یوجب صیرورتهما العلّة الناقصة و جزء السبب کما قاله، بل الصحیح أنّ الفعل یستند إلی الاُولی منهما، فلو کان الرضا مقدَّم یستند الفعل إلیه، ولو کان الإکراه مقدَّما یستند الفعل إلیه ولکن حیث یتبعه الرضا و لحقه فیحکم بالصحة فی الفرضین، فنحن نوافق السیّد الخوئی من حکمه بالصحة ولکن طریق الاستدلال یختلف.

ثم إنّ هنا صورة تاسعة لابدّ أن نتعرض إلیها:

9_ لو قال الأجنبی: «طلِّق زوجتک و إلاّ قتلتُ نفسی» أو «زنیت بغیرها»، لا یجب الطلاق و لا یصدق الإکراه أیضا لأنّ الضرر المتوعد به لم یرد علی المکرَه بل یرد علی المکرِه نفسه، فلو طلَّقها قاصدا وقع، کما علیه شیخنا الاُستاذ(2) رحمه الله و المحقّق المروج(3) قدس سره .

الثانی عشر: صحة عقد المکرَه المتعقب بالرضا
اشارة

قال فی المفتاح: «المشهور أنّ المکرَه لو باع ثمّ رضی بعد زوال عذره انعقد بیعه. و فی الریاض(4) و الحدائق(5): أنّ ظاهرهم الاتفاق علی ذلک. و هو ظاهر الکفایة(6) حیث

ص: 147


1- 1 . مصباح الفقاهة 3/329.
2- 2 . إرشاد الطالب 2/258.
3- 3 . هدی الطالب 3/267.
4- 4 . ریاض المسائل 8/218.
5- 5 . الحدائق 18/373.
6- 6 . الکفایة 1/449.

قال: قالوا، فتأمل.

و قد یلوح ذلک من جامع المقاصد حیث قال: «إن کانت المسألة إجماعیة فلا بحث و إلاّ فللنظر فیه مجال»(1). و قد نص علی ذلک فی الشرائع(2) و التذکرة(3) و التحریر(4) و الإرشاد(5) و شرحه لفخر الإسلام(6) و نهایة الإحکام(7) و حواشی الشهید(8) و الدروس(9) و اللمعة(10) و الروضة(11) و المسالک(12) و المفاتیح(13). و ظاهر المحقّق الثانی فی تعلیق الإرشاد(14) و جامع المقاصد _ و قد سمعت کلامه فی الأخیر_ التوقف أو المیل إلی عدم الصحة کما هو خیرة مجمع البرهان(15) و فی الکفایة: أنّ فیه إشکالاً(16)، و فی طلاق الخلاف التصریح بعدم صحة عقده و الإجماع علیه قال: طلاق

ص: 148


1- 1 . جامع المقاصد 4/62.
2- 2 . الشرائع 2/8.
3- 3 . تذکرة الفقهاء 10/13.
4- 4 . تحریر الأحکام الشرعیة 2/276.
5- 5 . إرشاد الأذهان 1/360.
6- 6 . شرح الإرشاد / مخطوط.
7- 7 . نهایة الإحکام 2/456.
8- 8 . حواشی النجاریة للشهید /218.
9- 9 . الدروس 3/192.
10- 10 . اللمعة /110.
11- 11 . الروضة البهیة 3/226.
12- 12 . المسالک 3/155.
13- 13 . مفاتیح الشرائع 3/47.
14- 14 . حاشیة الإرشاد /336 المطبوعة فی المجلد التاسع من حیاة المحقّق الکرکی و آثاره.
15- 15 . مجمع الفائدة و البرهان 8/156.
16- 16 . الکفایة 1/449.

المکرَه و عتقه و سائر العقود التی یکره علیها لا تقع إجماعا منّا، و به قال الشافعی، و قال أبوحنیفة و أصحابه: طلاق المکرَه و عتاقه واقعٌ، و کذلک کلّ عقد یلحقه فسخ، فأمّا ما لایلحقه فسخ مثل البیع و الصلح و الإجارة فإنّه إذا اُکره ینعقد عقدا موقوفا فإن أجازها و إلاّ بطلت.(1) انتهی. فلیتأمل فی کلامه، بل قد یقال: إنّ الإجماع مقدوح بمصیر الأکثر إلی خلافه فی البیع کما عرفت، و فی النکاح بل فی الطلاق کما هو رأی بعض»(2).

و فی الجواهر: «علی المشهور نقلاً إن لم یکن تحصیلاً بل فی الریاض و الحدائق أنّ ظاهرهم الاتفاق علیه»(3).

و فی المکاسب: «ثم المشهور بین المتأخرین أنّه لو رضی المکرَه بما فعله صحّ العقد، بل عن الریاض تبعا للحدائق أنّ علیه إتفاقهم لأنّه عقد حقیقی فیؤثّر أثره مع اجتماع باقی شرائط البیع، و هو طیب النفس»(4).

أقول: المشهور - کما عرفت - هو الصحة، و القائل بالبطلان منحصر فی الشیخ فی الخلاف و المحقّق الثانی و الأردبیلی و السبزواری قال: «فالمسألة محل إشکال»، و صاحب الجواهر ذهب إلی التفصیل بین المکرَه القاصد للعقد فحکم بصحة عقده بعد تعقّبه بالرضا، و بین المکرَه الذی لیس له قصد العقد، فحکم ببطلان عقده لفوات القصد.(5)

ولکن استدلوا للبطلان بوجوه:

الأوّل: الاجماع

المنقول فی خلاف(6) الشیخ الذی مرّ آنفا.

و یرد علیه: أنَّ أوّل من خالفه هو الشیخ نفسه فی نهایته حیث یقول: «و لا یصحُّ

ص: 149


1- 1 . الخلاف 4/478، مسألة 44.
2- 2 . مفتاح الکرامة 12/554.
3- 3 . الجواهر 22/267.
4- 4 . المکاسب 3/328.
5- 5 . الجواهر 22/269.
6- 6 . الخلاف 4/478، مسألة 44.

بیعٌ بإکراه، و لا یَثْبُتُ إلاّ بایثار صاحبه»(1). مضافا إلی ما مرّ من ذهاب المشهور إلی القول بالصحة، فهذا الإجماع لا یتم بل هُوَ مقدوح فیه کما مرّ عن صاحب المفتاح.

الثانی: مقارنة طیب النفس للعقد

لیس شرط صحة العقد مطلق وجود الرضا المقارن له أو اللاحق به، بل هو خصوص الرضا المقارن لإنشاء العقد.

وَقَدْ أشار إلی هذا الاستدلال أو مایلیه المحقّق الثانی فی قوله: «و أعلم أنّ هذه المسألة إن کانت إجماعیة فلا بحث، و إلاّ فللنظر فیها مجال، لانتفاء القصد أصلا و رأسا مع عدم الرّضی، و لایتحقق العقد المشروط بالقصد إذا لم یتحقق الرضی، لأنّ الظاهر من کون العقود بالقصود، اعتبار القصد المقارن لها دون المتأخر».(2)

و فی الجواهر: «بعد ما عرفت من اعتبار مقارنة النیة بمعنی القصد للعمل»(3).

و یرد علیه: لم یدل دلیل علی هذه المقارنة، ولو شک فی اعتبارها إطلاق أدلة الوفاء بالعقد و حلّیّة البیع و تجارة عن تراض ینفیها.

الثالث: المکرَه لیس له قصد

المقارنة بین طیب النفس و العقد معتبرة فی مفهوم العقد، بحیث لو لم تکن لم یصدق أنّه عقد، لأنّ فقدان طیب النفس یوجب انتفاء القصد الجدّی لمدلول العقد فینتفی مفهوم العقد بانتفاء القصد.

کما أشار إلی هذا الاستدلال المحقّق الأردبیلی و قال: «... الظاهر البطلان حینئذٍ لعدم حصول القصد، بل و عدم صدور العقد عن تراض، و الظاهر اشتراطه علی ما هو ظاهر الآیة، و لأنّه لا اعتبار بذلک الإیجاب فی نظر الشارع، فهو بمنزلة العدم و هو الظاهر، لعدم الفرق بینه و بین غیره من الطفل و غیره، و الفرق(4) بین کلامهم (الطفل و المجنون و

ص: 150


1- 1 . النهایة /406.
2- 2 . جامع المقاصد 4/62.
3- 3 . الجواهر 22/267.
4- 4 . الفارق هو الشهید الثانی فی المسالک 3/155.

المغمی علیه و السکران) _ بأنّه لا اعتبار به بخلاف کلام المکرَه فإنّه معتبر إلاّ أنّه لارضاء معه، فإذا وجد الرضا صح لوجود شرطه _ بعیدٌ جدا لما عرفت.

و بالجملة: لا إجماع فیه و لا نص، و الأصل و الاستصحاب و عدم الأکل بالباطل إلاّ أن تکون تجارة عن تراض، و ما مرّ تدل علی عدم الانعقاد و هو ظاهر، إلاّ أنّ المشهور الصحة، و ما نعرف لهم دلیلاً، و هم أعرف رحمهم الله لعلّ لهم نصا ما نُقل إلینا»(1).

و فی الجواهر: «ضرورة عدم اندارجه فی العقود بعد فرض فقدان قصد العقدیة»(2).

و یرد علیه: قد مرّ فی الأمر الأوّل أنّ هنا قَصْدَیْنِ، القَصْد الاختیاری وَ الْقَصْد الإکراهی، فالمکرَه أیضا له القصد إلی مدلول العقد، مضافا إلی عدم ترتب انتفاء القصد الجدی علی فقدان طیب النفس، و الشاهد علیه بیع المضطر، و کذلک لایتم اعتبار هذه المقارنة فی مفهوم العقد و الشاهد علیه عقد الفضولی.

و لذا قال ثانی الشهیدین: «... فلا مانع من الصحة إلاّ تخیّل اشتراط مقارنة القصد للعقد و لا دلیل علیه، و ینبّه علی عدم اعتباره عقد الفضولی، و عموم الأمر بالوفاء بالعقد یشمله»(3).

الرابع: لیس لعقد المکرَه الصحة التأهلیة

لابدّ من المقارنة بین رضا العاقد و الإنشاء فی العقد، و حیث أنّ العقد الإکراهی فاقد لها، فلم یتحقق عقد حتّی نبحث عن صحته التأهلیة.

و یرد علیه نقضا: حکمهم بصحة عقد المکرَه بحقٍّ کما یأتی فیتحقّق العقد، و الحکم بصحة عقده (أی عقد المکرَه بحقّ) تعبدیّا فی غایة البعد، و کذلک عقد الفضولی.

و حَلاًَّ: بعدم اعتبار هذه المقارنة فی العقود و لم یدل دلیل علی اعتبارها فی مقام الإثبات و تحقق القصد من المکرَه إلی إنشاء العقد فیتحقق العقد بالصحة التأهلیة و هو

ص: 151


1- 1 . مجمع الفائدة و البرهان 8/156.
2- 2 . الجواهر 22/267.
3- 3 . المسالک 3/155.

منوط بالرضا، فإذا تحقق الرضا یتم العقد.

تأیید عدم اعتبار المقارنة بالبیع الفضولی

وَ أَیَّدَهُ الشیخ الأعظم(1) قدس سره بفحوی صحة عقد الفضولی، بتقریب و توضیح و نقد منّا:

رضایة المالک و طیب نفسه بالعقد فی الفضولی یستکشف من صحة عقده _ العقد الذی لم یَأْتِ به المالک أو حتّی لایعلم به إلاّ بعد مدّة من الزمن _ فرضایته و طیب نفسه بما أنشأه بنفسه و بأشر فیه لکن بالإکراه کان اُولی بالصحة. حیث أَثَّرَ رضاه و طیب نفسه فی إنشاء الأجنبی الفضولی فکان تأثیره فی إنشاء نفسه _ ولو کان بالإکراه _ بطریق اُولی.

و بعبارة اُخری: عقد الفضولی فاقد لأمرین: و هما انشاء البیع من المالک بالمباشرة أو بالتسبیب أو بالوکالة، و الرضا و طیب النفس و الإذن من المالک، و عقد المکرَه فاقد لأمر واحد و هو الرضا و طیب النفس، و إذا صح عقد الفضولی بالرضایة و الإذن، فتکون صحة عقد المکرَه بعد الرضایة و طیب النفس بطریق اُولی.

ولکن یمکن أن یناقش هذا التأیید أوّلاً: علی القول بأنّ صحة عقد الفضولی تکون علی خلاف القاعدة و بجهة الأخبار الخاصة و النصوص الواردة نحکم بصحته، فحینئذ فقدنا الاُولویة لأنّ الأخبار و النصوص فی المکرَه مفقودة.(2)

و ثانیا: «العقد الفضولی لا ینتسب إلی المالک إلاّ حین إجازته، فهو حین ما ینسب إلی المالک ینشأ من طیب نفسه و رضاه، هذا بخلاف عقد المکرَه، فإنّه حین صدوره من المالک و انتسابه إلیه قد حکم علیه بالفساد، و لم یصدر منه عقد ثانیا و إنّما رضی بالعقد السابق و هو لا ینقلب عمّا هو علیه»(3).

و یمکن الجواب عن المناقشتین:

أمّا الاُولی: فَهذِهِ المناقشة مبنائیة لأنّها لم ترد علی القول بأنّ صحة الفضولی علی

ص: 152


1- 1 . المکاسب 3/329.
2- 2 . کما ذکره الفقیه الیزدی فی حاشیته علی المکاسب 2/70.
3- 3 . مصباح الفقاهة 3/332، و قد اختصر مقالة استاذه النائینی فی المکاسب و البیع 1/458.

طبق القاعدة، و النصوص و الأخبار تؤیدها.

و أمّا الثانیة: فَقَدْ ناقَشَها المحقّق السیِّدُ الخوئی رحمه الله بأنّ التجارة بالمعنی المصدری لیس لها بقاء ولکن التجارة بالمعنی الاِْسْمِ المصدری لَها بقاء و بهذا المعنی الثانی اُمرنا بإنهاء العقد و إتمامه، فالتجارة الصادرة من المکرَه _ بالمعنی اسم المصدری _ إذا تعقبها الرضا و الإجازة یصدق علیها أنّها تجارة عن تراض فیدخل فی الآیة الشریفة فی المستثنی لا المستثنی منه و هی قوله تعالی: «یا أیها الذین آمنوا لا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل إلاّ أن تکون تجارةً عن تراض منکم»(1).(2)

التمسک بآیة التجارة علی بطلان عقد المکرَه المتعقَّب بالرضا

ثم الشیخ الأعظم(3) یناقش فی دلالة هذه الآیة الشریفة علی اعتبار المقارنة بین الرضا و العقد بمفهومی الحصر و الوصف.

و أمّا نفی مفهوم الحصر: فَإِنَّ استفادة الحصر من الاستثناء إِنَّما تَتُمُّ فی الاستثناء المتصل فقط و قال الشیخ الأعظم: و «أنّ دلالته علی الحصر ممنوعة لانقطاع الاستثناء _ کما هو ظاهر اللفظ و صریح المحکی عن جماعة من المفسرین(4)_ ضرورة عدم کون التجارة عن تراضٍ فردا من الباطل خارجا عن حکمه»(5).

أقول: مرّ فی أوّل الکتاب(6) من أنّ الاستثناء فیها منقطع.

و أمّا نفی مفهوم الوصف: فَعَلی القول به إنّما یتم إذا لم یرد الوصف مورد الغالب و إلاّ فلا مفهوم له کما فی الآیة الربائب(7)، و من المعلوم أنّ وصف التراضی فی الآیة

ص: 153


1- 1 . سورة النساء /29.
2- 2 . راجع الآراءُ الفقهیة 1/13.
3- 3 . المکاسب 3/331.
4- 4 . التبیان 3/178، مجمع البیان 2/36، الکشاف 1/502.
5- 5 . المکاسب 3/364.
6- 6 . راجع الآراءُ الفقهیة 1/13.
7- 7 . سورة النساء /23.

الشریفة ورد مورد الغالب لیس للاحتراز.

ثم قال: «و دعوی وقوعه هنا مقام الاحتراز ممنوعة»(1) و حاول الإجابة عن الدعوی فی بحث بیع الفضولی.(2)

و قال هناک: «و أمّا سیاق التحدید الموجب لثبوت مفهوم القید فهو _ مع تسلیمه _ مخصوص بما إذا لم یکن للقید فائدة اُخری ککونه واردا مورد الغالب کما فی ما نحن فیه و فی قوله تعالی: «و ربائبکم اللآتی فی حجورکم» مع احتمال أن یکون «عن تراض» خبرا بعد خبر لتکون علی قراءة نصب التجارة لا قیدا لها _ و إن کان غلبة توصیف النکرة تؤید التقیید _ فیکون المعنی: إلاّ أن یکون سبب الأکل تجارة و تکون عن تراض»(3).

أقول: الشیخ الأعظم قدس سره یستشکل فی مفهوم الحصر بأنّه یختص فی بحث الاستثناء بالمتصل منها، و فی مفهوم التحدید بالوصف بأنّه:

أوّلاً: مبنائیٌّ و جمع یقولون بأنّ تحدید الوصف لیس له مفهوم.

و ثانیا: علی فرض وجود المفهوم لتحدید الوصف یختص فی مفهوم لم یرد فی مورد الغالب.

و ثالثا: یحتمل أن یکون عن تراض خبرا للتجارة و لیس قیدا لها.

و رابعا: حتّی لو أنکر الاشکالات الثلاثة، عقد المکرَه بعد تعقّب الرضا یدخل فی تجارة عن تراض، لرضایة المکرَه بالعقد.(4) فالآیة الشریفة لا تدل علی بطلان عقد المکرَه بعد تعقب الرضا.

لا یقال(5): إِنّ الآیة الشریفة تدل علی الحصر و إن کان الاستثناء منقطعا، لأنّه

ص: 154


1- 1 . المکاسب 3/331.
2- 2 . المکاسب 3/331.
3- 3 . المکاسب 3/364.
4- 4 . کما ذکرها المحقّق المروج رحمه الله فی هدی الطالب 3/478.
5- 5 . کما علیه المحقّقان السیّدان الخوئی فی مصباح الفقاهة 4/81 و المروج فی هدی الطالب 3/292.

تعالی کان فی مقام بیان الأسباب المشروعة للمعاملات و فصّل بین صحیحها و فاسدها، و کان الإهمال مخلاًّ بالمقصود فلا محالة یستفاد الحصر من الآیة بالقرینة المقامیة.

لأنّا نقول: القرینة المقامیة غیر تامة عندنا، لأنّه تعالی لیس فی مقام بیان تمام الأسباب المشروعة لأکل المال فی المعاملات و الشاهد علیه أنّه تعالی لیس فی مقام بیان تمام الأسباب الغیر المشروعة لأکل المال فیها، فعدم تمامیة الأسباب یجری فی العقدین من الاستثناء أی المُستثنی و المستثنی منه، لأنّه تعالی لم یذکر مصادیق أکل المال بالباطل فی الآیة الشریفة کما لم یذکر انحاء أکل المال بالحقِّ و فقط ذکر العامل الرئیسی و هو التجارة عن تراض، و نحن نعلم بأنّ مصادیق أکل المال بالباطل فی الخارج کثیرون نحو: القمار و الربا و البیوع الفاسدة مثل بیع الخمر و الخنزیر و المیتة... و کذلک مصادیق أکل المال بالحقّ أیضا کثیرون نحو: الإرث و المهر و الصلح و الوقف و الإجارة و الهبة و... .

و إذا لم یکن تعالی فی مقام بیان جمیع الأسباب الباطلة و المشروعة فلا یکون إهمال بعضها بل کثیرها مخلاًّ بالمقصود و لا یستفاد مفهوم الحصر من الآیة الشریفة.

و أمّا التمسک بحدیث الرفع لبطلان عقد المکرَه المتعقَّب بالرضا

فَباطِلٌ عند الشیخ العظم(1) قدس سره لوجهین:

الأوّل: حدیث الرفع بفقرة «ما اُکرهوا علیه»(2) یرفع المؤاخذة و الأحکام الالزامیة نحو رفع حرمة شرب الخمر و حدّه، و أمّا «الحکم بوقوف عقد المکرَه علی رضاه راجعٌ إلی أنّ له أن یرضی بذلک، و هذا حقٌّ له لا علیه»(3) فلا یرتفع بحدیث الرفع الوارد فی مقام الامتنان.

ص: 155


1- 1 . المکاسب 3/332 و 331.
2- 2 . الخصال /417، ح9، التوحید 353، ح24 و نقل عنهما فی وسائل الشیعة 15/369، ح1، الباب 56 من أبواب جهاد النفس.
3- 3 . المکاسب 3/331.

لا یقال(1): الأمر کما ذکرتَ بالنسبة إلی المکرَه و أمّا بالنسبة إلی مَنْ اشتری منه، فلیس له أن یتصرف فی المثمن و یجب علیه الصبر حتّی یختار المکرَه الردّ أو أجاز البیع، و وجوب هذا الصبر علی المشتری ینفیه حدیث الرفع.

لأنّا نقول: حدیث الرفع یجری فی طرف المکرَه فقط، و أمّا بالنسبة إلی المکرِه فلا یجری، و کان علیه الصبر حتّی یختار المکرَه أحد طرفی العقد، و لا مانع من التفکیک بین طرفی العقد فی حکم عقدٍ شخصیٍ خاصٍ.

و هذا الأمر _ عدم جریان حدیث الرفع بالنسبة إلی حقّ المکرَه _ واضح علی القول بکون الرضا ناقلاً، إذ علیه لا ملکیة قبل الرضا فلا إلزام علی المکرَه أصلاً، و کذلک علی القول بالکشف _ ولکنه بعد التأمل _ لأنّ ما لم یتحقق من المکرَه الرضا بالعقد فلا کاشف عن تحقق الملکیة من حین العقد و مع عدم الکاشف فلا مؤاخذة و لا إلزام فلا یجری حدیث الرفع، لأنّه مرّ أنّه یجری فی رفع موارد المؤاخذة و الأحکام الالزامیة.

الثانی: یحتاج إلی مقدمة و هی:

الآثار المترتبة علی الأفعال علی ثلاثة أقسام:

1_ الأثر الَّذِیِ یترتب علی الفعل المقیَّد بالعمد کالقصاص فی قتل العمد

2_ الأثر الَّذِیِ یترتب علی الفعل الموصوف بکونه خطاءً أو نسیانا کما فی وجوب سجدتی السهو لنسیان التشهد أو الدیة الثابتة علی العاقلة فی الجنایة الخطائیة المحضة.

3_ الأثر الَّذِیِ یترتب علی ذات الفعل مع الغض عن طروء العناوین.

ثم حدیث الرفع لا یجری فی القسم الأوّل لأنّ القصاص ینفی بنفی موضوعه و هو العمد فلا یجری القصاص فی القتل الخطأ، و کذلک لا یجری فی القسم الثانی لاستحالة کون مقتضی الشی ءِ رافعا له، ولکنّه یجری فی القسم الثالث و هو الأثر الذی یترتب علی ذات الفعل.

بعد وضوح هذه المقدمة فَإِنَّ الأثر المترتب علی ذات العقد مجرد تحققه فی

ص: 156


1- 1 . مذکور فی کلامه بقوله: «نعم قد یلزم...» راجع المکاسب 3/331.

الخارج بأدلة صحة المعاملات هو الصحة و ما یَجْری علیها من الآثار، و هذا الأثر فی عقد المکرَه منفی بحدیث الرفع فلا یحکم بصحة عقد المکرَه و جریان آثارها علیه. فحدیث الرفع یَقْتَضِیْ رفع السببیة المستقلة عن العقد المجرد عن الرضا. ولکن لا ینافی ذلک کون العقد جزءً للسبب و وقوف تأثیره فی الرضا المتأخر.

ثم ناقش الشیخ الأعظم(1) هذا الوجه الثانی المذکور فی کلامه بما حاصله: حکومة حدیث الرفع علی الاطلاقات الدالة علی صحة العقود تقتضی تقیید الاطلاقات بمسبوقیة الرضا و طیب النفس و عدم الإکراه، و بعد هذا التقیید لم یبق دلیلٌ یدل علی صحة عقد المکرَه بعد تعقُّب الرضا، فیصل النوبة إلی الأصل العملی و هو یقتضی الفساد.

و أجاب بنفسه عن هذه المناقشة بما حاصله: المطلقات الواردة علی صحة العقود قُیّدت بالأدلة الأربعة الدالة علی حرمة أکل المال الباطل و مع عدم الرضایة، و بعد هذا التقیید تشمل العقود التی تقع بین طرفی العقد بالرضایة و طیب النفس بلا فرق بین المقارن منها أو المتأخر، فعلیه لیس لحدیث الرفع حکومة علی تلک المطلقات بعد تقییدها، لأنّها تشمل العقد المقرون بالرضا و کذلک العقد الملحوق بالرضا، و بعد حکم المطلقات بالصحة فلا یجری حدیث الرفع لأنّ جریانه مختص بما إذا کان الأثر مترتبا علی ذات الشی ء من غیر دخل الاختیار و الإکراه فیه، و ذات العقد هنا لا أثر له إلاّ أنّه جزء السبب الموثر و لا یمکن رفع هذا بحدیث الرفع.

أقول: یمکن ردّ وجهی الشیخ الأعظم و النقاش فیهما:

أمّا النقاش فی الأوّل: فَإِنَّ المرفوع بحدیث الرفع لیس منحصرا بالمؤاخذة و الأحکام الالزامیة بل المرفوع هو نفس المجعول الشرعی المتعلَّق بالمکرَه علیه و المترتب علیه من الأحکام التکلیفیة أو الوضعیة. فما ذکره قدس سره بالانحصار غیر تام. هذا أوّلاً.

و ثانیا: توقف عقد المکرَه علی الرضا المتأخر لم یکن حکما مجعولاً حتّی یقال

ص: 157


1- 1 . المکاسب 3/333.

أنّه حکم له لا علیه، فلا یشمله حدیث الرفع کما ذکره قدس سره _ هذا الاشکال یأتی بناءً علی اتحاد الحقّ و الحکم کما علیه جمع، منهم السیّد الخوئی قدس سره _ .

و ثالثا: المرفوع بحدیث الرفع هو الصحة فی العقد الإکراهی لکنّه لیس مطلقا، بل مادام الإکراه باقیّا لأنّ الأوّل (مطلقا) خلاف الامتنان، فإذا تعقَّب بالرضا یشمله الاطلاقات الدالة علی صحة العقود.

و أمّا النقاش فی الثانی فنقُوْلُ:

أوّلاً: مقتضی الاطلاقات هو سببیة العقد مطلقا لترتب الأثر علیه، لکن حدیث الرفع اقتضی عدمه فی ما إذا لم یکن العاقد راضیا به لا مقارنا للعقد و لا لاحقا به، فیبقی ما لحقه الرضا تحت المطلقات، فلا یرجع فیه إلی الأصل العملی المقتضی للفساد.

و ثانیا: و أمّا ما ذکره من تقیید المطلقات بمادلّ علی حرمة أکل المال بالباطل ثمّ ملاحظة النسبة بینها و بین حدیث الرفع: فَغَیْرُ تام، لأنّ حدیث الرفع یکون فی عرض سائر المقیدات و نتیجتها أنّ العقد الذی لم یکن مرضیا لا مقارنا للعقد و لا لاحقا به لم یؤثر أثره و یکون باطلاً. فیدخل عقد المکرَه المتعقَّب بالرضا تحت مطلقات صحة العقود.(1)

الثالث عشر: الرضا المتأخر ناقل أو کاشف؟

بعد البناء علی صحة عقد المکرَه إذا تعقبه الرضا کما علیه المشهور و الصحیح یجری هذا النزاع بأنّ الرضا المتأخر ناقلٌ أو کاشفٌ؟ و کذلک هذا النزاع مبنیٌّ علی کون الرضا بوجوده الخارجی دخیلاً فی صحة العقد، لاِءَنَّهُ لو کانت صِحَّتُهُ مَشْرُوْطَةً بالرضا المتأخر یتعیّن القول بالکشف، و لا یأتی احتمال النقل.

قال الشیخ الأعظم قدس سره : «مقتضی الأصل و عدم حدوث حِلّ مال الغیر إلاّ عن طیب نفسه هو الأوّل، إلاّ أنّ الأقوی بحسب الأدلة النقلیة هو الثانی»(2).

ص: 158


1- 1 . کما فی مصباح الفقاهة 3/337 و 335.
2- 2 . المکاسب 3/335.

مراده بالأصل: أصالة الفساد الجاریة فی المعاملات و هو استصحاب عدم ترتب الأثر و هو فی البیع النقل و الانتقال و جواز التصرف فی مال الغیر _ تدل علی النقل _ و لذا فسّره بواو العطف بعدم حدوث حلیّة مال الغیر إلاّ عن طیب نفسه. حتّی لا یلزم الجمع بین الأصل العملی و الدلیل الاجتهادی فی دلیل واحد، و هو کماتری لتأخر الأصل الْعَمَلِیّ عن الدلیل الاجتهادی رتبةً، و لئلا یلزم التمسک بالدلیل فی الشبهة المصداقیة، لأنّه لا یُعلم کون الرضا اللاحق مصداقا للرضا المنوط به الحِلّ.

و مراده بالأدلة النقلیة الدالة علی الکشف هی عدّة من الروایات التالیة:

منها: صحیحة محمّد بن قیس _ التی رواها المشایخ الثَّلاثَةُ _ عن أبی جعفر علیه السلام قال: قضی أمیرالمؤمنین علیه السلام فی ولیدةٍ باعها ابنُ سیدِها و أبوها غائب فاستولدها الذی اشتراها فَوَلَدَتْ منه غلاما ثم جاءَ سیدُها الأوّل، فخاصم سیّدها الآخر، فقال: ولیدتی باعها ابنی بغیر إذنی.

فقال: الحکم أن یأخذ ولیدتَهُ و ابنَها، فناشده الذی اشتراهَا، فقال له: خُذابنَهُ الذی باعک الولیدةَ حتّی یُنْفِذَلک البیع، فلمّا أخذه قال له أبوه: أرسل ابنی، قال: لا و اللّه ِ، لا اُرْسِلُ إلیک ابنک حتّی تُرْسِلَ ابنی، فلمّا رأی ذلک سیدُ الولیدة أجاز بیع ابنه.(1)

قال الشهید بعد ذکر الروایة: «و هی قضیة علیٍّ علیه السلام فی واقعة، و لعلّ ذلک استصلاح منه علیه السلام و فیها دلالة علی أنّ عقد الفضولی موقوف و علی أنّ الإجازة کاشفةٌ»(2).

و منها: صحیحة أبی عبیدة قال: سألتُ أباجعفر علیه السلام عن غلام و جاریة زوَّجَهُما ولیّان لهما، و هما غیر مدرکین، قال: فقال: النکاح جائز، أیّهما أدرک کان له الخیار، فإن ماتا قبل أن یدرکا فلا میراث بینهما و لا مهر، إلاّ أن یکونا قد أدرکا و رضیا.

قلت: فإن أدرک أحدهما قبل الآخر، قال: یجوز ذلک علیه إن هو رضی.

ص: 159


1- 1 . الکافی 10/209، ح12 (5/211)، الفقیه 3/222، ح382، التهذیب 7/488: و الاستبصار 3/205، و نقل عنهم فی وسائل الشیعة 21/203، ح1، الباب 88 من أبواب نکاح العبید و الإماء.
2- 2 . الدروس 3/233.

قلت: فإن کان الرجل الذی أدرک قبل الجاریة، و رضی النکاح، ثمَّ مات قبل أن تدرک الجاریة، أترثه؟ قال: نعم، یعزل میراثها منه حتّی تدرک، و تحلف باللّه ما دعاها إلی أخذ المیراث إلاّ رضاها بالتزویج، ثم یدفع إلیها المیراث و نصف المهر.

قلت: فإن ماتت الجاریة و لم تکن اُدرکت، أیرثها الزوج المدْرِک؟ قال: لا، لأنّ لها الخیار إذا أدرکت.

قلتُ: فإن کان أبوها هو الذی زوَّجها قبل أن تدرک، قال: یجوز علیها تزویج الأب، و یجوز علی الغلام، و المهر علی الأب للجاریة.(1)

و أنت تری بأنّ الإمام علیه السلام حکم بالتوارث بینهما إذا مات أحدهما، ولکن بعد إحلاف الحیّ علی أنّ إمضاءه لعقد النکاح لیس من ناحیة الطمع فی المال، بل من جهة رغبته فی النکاح و نحوها فی التقریب الروایة الآتیة:

و منها: صحیحة الحلبی قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : الغلام له عشر سنین فیزوّجه أبوه فی صغره، أیجوز طلاقه و هو ابن عشر سنین؟ قال: فقال: أمّا تزویجه فهو صحیح و أمّا طلاقه فینبغی أن تحبس علیه امرأته حتّی یدرک، فیعلم أنّه کان قد طلَّق، فإن أقر بذلک و أمضاه فهی واحدة بائنة و هو خاطب من الخطّاب، و إن أنکر ذلک و أبی أن یمضیه فهی امرأته.

قلت: فإن ماتت أو مات؟ قال: یوقف المیراث حتّی یدرک أیّهما بقی، ثم یحلف باللّه ما دعاه إلی أخذ المیراث إلاّ الرضا بالنکاح، و یدفع إلیه المیراث.(2)

و قال الشیخ الأعظم فی بحث بیع الفضولی بالنسبة إلی صحیحة أبی عبیدة الماضیة أنّها: «ظاهرة فی قول الکشف، إذ لو کان مال المیت قبل إجازة الزوجة باقیة علی ملک سائر الورثة، کان العزل مخالفا لقاعدة «تسلّط الناس علی أموالهم»، فاطلاق الحکم بالعزل منضمّا إلی عموم «الناس مسلطون علی أموالهم»، یفید أنّ العزل لاحتمال کون

ص: 160


1- 1 . وسائل الشیعة 26/219، ح1، الباب 11 من أبواب میراث الأزواج.
2- 2 . وسائل الشیعة 26/220، ح4.

الزوجة الغیر المدرِکة وارثةً فی الواقع، فکأنّه احتیاط فی الأموال قد غلّبه الشارع علی أصالة عدم الإجازة، کعزل نصیب الحمل و جعله أکثر ما یُحتمل»(1).

أقول: و أمّا بالنسبة إلی صحیحة محمّد بن قیس فَسَتَأْتی مُوهِناتٌ فی بحث الفضولی تُعَکِّرُ علی الاستدلال بها:

1_ منها: الحکم بأخذ الولیدة قبل أن یسمع من المشتری دعواه.

2_ و منها: الحکم بأخذ الولیدة و ابنها مع عدم السؤال أنّه یرید الإجازة أو لا؟

3_ و منها: الحکم بأخذ ابنها مع أنّه ولد الحر.

4_ و منها: الحکم بأخذ ابن السیّد مع أنّ ذلک لا یجوز.

5_ و منها: تعلیم الحیلة توسط الإمام علیه السلام مع أنّ ذلک لیس من وظیفة الحاکم.

6_ و منها: کون الإجازة بعد الرد.

ولکن قال الشیخ بالنسبة إلیها: «و جمیع ما ذکر فیها من الموهنات موهونةٌ»(2).

و یمکن أن یجاب عن الأوّل: الإمام علیه السلام عالِمٌ بالموضوع خارجا من عدم وقوع العقد بإذن السیّد أو رضاه و لذا أمر بأخذ الولیدة، مضافا إلی أنّ الولیدة ماله فأراد التسلیط علیه، و لیس فی البین محاکمة بل یسأل عن المسألة الشرعیة و أجابه الامام علیه السلام .

و عن الثانی: إِنَّ السیّد لَمْ یُرِدِ الإجازة و لذا أمر الإمام بأخذ الولیدة و ابنها، أمّا لو أراد الإجازة فَإِنَّهُ لا یُراجِعُ الامام علیه السلام .

و عن الثالث: أخذ الولد لأجل أخذ قیمته.

و عن الرابع: أمر بأخذ ابنه لأجل المطالبة بالثمن الذی دفعه إلیه.

و عن الخامس: لعلّ کانت هناک مصلحة تقتضیه، لأجل المصالحة بین الناس، أو تعلیمه أنّ للمشتری مطالبة البائع بثمنه.

و عن السادس: لم یرده السیّد بل لم یجزه أوّلاً، و عدم الإجازة غیر الردّ(3) و

ص: 161


1- 1 . المکاسب 3/410.
2- 2 . المکاسب 3/354.
3- 3 . راجع لتفصیل الموهنات و جوابها فی حاشیة الفقیه السیّد الیزدی علی المکاسب 2/110.

یأتی تفصیل الجواب عن هذا الاشکال فی بیع الفضولی.

و کذلک یأتی الْجَوابانِ العامّان عن هذه الموهنات فی بیع الفضولی فانتظر. فیمکن الأخذ بصحیحة محمّد بن قیس.

و أمّا بالنسبة إلی روایتی توارث الزوجین الصغیرین فَیُمْکِنُ أن یناقش فی دلالتها: أنّ الرِّوایَتَیْنِ وردتا فی نکاح الفضولی و التعدی منه إلی بیع المکرَه المتعقب بالرضا لا یتم لعدم الدلیل المثبت علیه، لوجود الفارق بینهما لأنّ معاملة الفضولی یستند إلی المالک من حین إجازته فیمکن الحکم بصحته من أوّل الأمر، ولکن بیع المکرَه لا یستند إلی المالک من أوّل الأمر لأنّه لایحکم بصحته إلاّ بعد تحقق الرضا و هذا الاشکال یأتی بالنسبة إلی صحیحة محمّد بن قیس أیضا.

ولکن یرد علیها: ظاهر الروایات أنَّ الاجازة و الرضا و إن کانت متأخرة عن العقد ولکنهما متعلِّقتان به و امضاء له و لازم ذلک هو الحکم بتأثیر العقد من أوّل العقد، فیتم القول بالکشف و یأتی توضیح ذلک فی بحث بیع الفضولی.

و الحاصل: مقتضی الأصل فی المقامین _ بیع المکرَه المتعقب بالرضا و بیع الفضولی _ هو النقل، لأنّ الشرط فی نفوذ العقد وجود الإجازة خارجا، و المشروط لا یتحقق إلاّ بعد تحقق شرطه و هو الإجازة، و هذا یعنی القول بالنقل.

ولکن مقتضی الدلیل الاجتهادی هو القول بالکشف، لأنّ الوارد فیها صحة العقد من أوّل الأمر فصارت الإجازة کاشفة.

و الحقّ فی المقتضین مع الشیخ الأعظم قدس سره .

إشکال: أنّ الأصل هنا و فی الفضولی هو الکشف، لأنّ متعلَّق الرضا هو النقل الواقع فی زمان العقد و الرضا تنفیذ لذلک و هذا یعنی کاشفیة الرضا لا ناقلیته. کما یظهر ذلک من صاحب الجواهر حیث صرّح فی الفضولی ب_ : «أنّ الأقوی کون الإجازة المتعقبة للعقد و غیره ممّا یعتبر فی الصحة کاشفة، وفاقا لصریح الشهیدین(1) و غیرهما(2)، بل فی

ص: 162


1- 1 . الدروس 3/192 و 233، و اللمعة /110، المسالک 3/158، الروضة البهیة 3/229.
2- 2 . منهم: الفاضل المقداد فی التنقیح الرائع 2/26، و المحقّق الکرکی فی جامع المقاصد .4/74

الریاض(1) أنّه الأشهر کما عن مجمع البرهان(2) أنّه مذهب الأکثر لأنّها رضی بمقتضی العقد الذی هو النقل حینه...»(3).

و قال فی بیع المکرَه: «... و لا ریب فی کونه حینئذ کالفضولی فتأمل جیدا... و علی کلِّ حالٍ فحیث یکون کالفضولی یجب انتظار غیر مجبور...»(4).

و ذکر الشیخ الأعظم عن هذا الکلام ب_«ربما یُدّعی» فی المکاسب(5).

و ردّه(6) بما حاصله: عدم تسلیم کون مقتضی العقد النقل من حینه، بل مقتضاه نفس النقل، لأنّ الشارع اعتبر رضایة المکرَه، و هذا الاعتبار دلیل علی تأثیره فی العقد و ترتب الأثر علیه، فیتم العقد و یؤثر أثره بعد الرضا و هذا یعنی النقل لا الکشف، کما حکم الشارع بتحقق الملک بعد القبول فی جمیع العقود، أو بعد القبض فی ما یعتبر فیه القبض کالصرف و السلَم و الهبة، أو بعد انقضاء زمن الخیار بناءً علی مسلک الشیخ(7) من توقف الملکیة علی انتها زمان الخیار.

إن قلت: توقف حکم الشارع علی الرضا لا یقتضی النقل، لأنّه حکم بعد الرضا ولکن متعلَّق الرضا هو النقل الواقع حین العقد و یحکم الشارع علی طبق المتعلَّق، و هذا یعنی الکشف.

قلت: لا یتخلَّف الجعل عن المجعول من حیث الزمان، و من المعلوم اعتبار الملکیة فی زمن الرضا فلابدّ من حصولها فی ذلک الزمان، و الشاهد علیه تحقق الفسخ و

ص: 163


1- 1 . ریاض المسائل 8/227.
2- 2 . مجمع الفائدة و البرهان 8/159.
3- 3 . الجواهر 22/285.
4- 4 . الجواهر 22/269.
5- 5 . المکاسب 3/335.
6- 6 . المکاسب 3/335.
7- 7 . الخلاف 3/22.

هو و إن کان حَلاًَّ للعقد السابق ولکنّه من حینه لا من حین العقد. و العبرة بزمان حدوث الفسخ لا بزمان متعلَّقه و هو العقد.

هذه المناقشة و الجواب أیضا کانا من الشیخ الأعظم(1) بتوضیح و تقریب و تهذیب منّا.

ولکن المحقّق السیّد الخوئی(2) تبعا لاُستاذه النائینی(3) یری أنّ الشارع یحکم بصحة العقد من حینه بعد الرضا، لأنّ الرضا یتعلّق بالعقد هنا و فی الفضولی معا و ردّ استشهاد الشیخ الأعظم بالفسخ لوجود الفارق بینه و بین ما نحن فیه لأنّ الفسخ عبارة عن حلّ العقد فیصیر من حین الفسخ و فی قباله إمضاؤه و إقراره و تثبیته، و أمّا الإجازة یقابلها الردّ، فلا منافاة بین أن یکون أثر الفسخ من حینه، و أثر الإجازة ترتیب أثر العقد من حینه، فالصحیح قیاس الإجازة مع الردّ دون الفسخ الذی یقاس بالجزم و الإبرام و الإقرار و التثبت.

و التفصیل یطلب من بیع الفضولی، و یأتی بحثه مفصلاً إن شاء اللّه تعالی.

الرابع عشر: الإکراه بحقٍّ

بطلان بیع المکرَه مختص بما إذا کان الإکراه بغیر حقٍّ، و أمّا إذا کان بحقٍ فَهُوَ صَحِیْحٌ و لا یضرّه الإکراه، و فی الغنیة(4) أن صحة بیعه معه ممّا لا خلاف فیه.

منها: کان علیه دین فیتوجَّه علیه بیع ماله لأداء دینه.

و منها: شراء مال اُسلم إلیه قیمته فأکرهه الحاکم علیه.

و منها: تقویم العبد علی مُعْتِقٍ نصیبه منه.

و منها: تقویم العبد فی فکّه من الرق لیرث.

و منها: إکراهه علی البیع لنفقته و نفقة زوجته و نفقة واجبی النفقة علیه مع

ص: 164


1- 1 . المکاسب 3/336.
2- 2 . مصباح الفقاهة 3/340.
3- 3 . المکاسب و البیع 1/474 و 475.
4- 4 . غنیة النزوع /214.

امتناعه.

و منها: بیع الحیوان إذا امتنع من الإنفاق علیه.

و منها: العبد إذا أسلم عند الکافر

و منها: العبد المسلم و المصحف إذا اشتراهما الکافر و سوَّغناه، فإنّهما یباعان علیه قهرا.

و منها: الطعام عند المجاعة یشتریه خائف التلف.

و منها: المحتکِر مع عدم وجود غیره و احتیاج الناس إلیه.

ذکر هذهِ الْوُجُوْهَ کلّها ثانی الشهیدین فی المسالک(1) و تبعه الشیخ یوسف فی الحدائق(2).

الخامس عشر: لو حصل الرضا بعد العقد بلافصل و...

قال جدنا الشیخ جعفر قدس سره : «ولو حصل الرضا بعد تمام العقد بلافصل، فلا بحث علی القول بالصحة. ولو فسخ فَسَدَ العقد. ولو استمر الجَبْرُ بلا فسخ، ثم تعقّب الرضا قَوِیَ وجه الصحة. و فی کونه کاشفا أو ناقلاً وجهان، أقواهما الأوّل. ولو بعّض الرضا أو غیّر الأجل أو بعض الشروط فالظاهر البطلان. ولو جبره علی البیع نقدا فآجر أو صالح أو أسلم فلا جبر. و ما اشتهر من أنّ الحیاء من آلات الجبر لا نعرف له وجها»(3).

و علّق تلمیذه صاحب الجواهر رحمه الله علی قوله «قوی وجه الصحة» بقوله: «قلت: لعلّ وجه العدم أنّه قد یقال بکفایة استمرار عدم الرضا فی فساد العقد بحیث لا تنفع معه الإجازة إذ دعوی احتیاج فسخه إلی اللفظ یدلّ علیه مریدا للإنشاء به لا دلیل علیه»(4).

و علّق علی قوله: «فالظاهر البطلان»: «أی لصدق الإکراه».(5)

ص: 165


1- 1 . المسالک 3/157.
2- 2 . الحدائق 18/376.
3- 3 . شرح القواعد 2/45.
4- 4 . الجواهر 22/269.
5- 5 . الجواهر 22/266.

و علّق علی قوله: «فلا جبر»: «قلتُ: المدار علی صدق الإکراه و مع الشک الأصل عدمه».(1)

السادس عشر: بیع التلجئة

قال فی التذکرة: «و فی معنی الإکراه بیع التلجئة و هو: أن یخاف أن یأخذ الظالم ملکه فیواطیء رجلاً علی إظهار شرائه منه و لا یرید بیعا حقیقیا، ذهب إلیه علماؤنا أجمع _ و به قال أحمد و أبو یوسف و محمّد _ لأنّهما لم یقصدا البیع فکانا کالهازلَیْن.

و قال أبو حنیفة و الشافعی: یصحّ بیع التلجئة لأنّه تمّ بأرکانه و شروطه خالیا عن مقارنة مُفْسِدٍ فصحّ کما لو اتّفقا علی شرطٍ فاسدٍ ثمّ عقدا بغیر شرط و نمنع المقدمات»(2).

و کذا قال فی نهایته: «و بیع التلجئة باطل، و هو أن یخاف أن یأخذ الظالم ملکه فیواطی رجلاً علی أن یظهر أنّه اشتراه منه لیحفظه من الظالم، لا یرید بیعا حقیقیّا لأنّهما لم یقصدا البیع فکانا کالهازِلَیْن»(3).

هذا تمام الکلام فی الشرط الرابع من شروط المتعاقدین، و هو الاختیار، و الحمدللّه.

ص: 166


1- 1 . الجواهر 22/266.
2- 2 . تذکرة الفقهاء 10/13.
3- 3 . نهایة الإحکام 2/456.

5_ إذن السیّد لو کان العاقد عبدا

اشارة

نتعرض للبحث تبعا للشیخ الأعظم قدس سره ولکن باختصار، و عدم وجدان موضوعه لا یوجب ترک استنباط أحکامه و مسائله و فروعه، نعم المناسِبُ فیه عدم التطویل.

قال المحقّق: «ولو باع المملوک أو اشتری بغیر إذن سیّده لم یصحّ، فإن أذن له جاز»(1).

الأقوال فی تصرفات العبد و هی ثلاثة:

الأوّل: العبد مهجور عن کلِّ فعل أو قولٍ من عقد و إیقاع أو عمل قلیل أو کثیر، صغیر أو کبیر، إلاّ ما ثبت جوازه بالدلیل».

الثانی: تصرفات العبد نافذة فی ما یتعلَّق به من نکاحه و طلاقه و فی ما یتبع به بعد عتقه کضمانه و نحوه و فی ما یکون راجعا إلی غیره نحو توکیله عن الغیر فی البیع أو الشراء أو عقد أو إیقاع، و بالجملة: فی کلِّ ما لایکون التصرف فیه تصرفا فی سلطنة مولاه یکون تصرفاته نافذة، و کلّ ما یعدّ التصرف فیه تصرفا فی سلطنة مولاه باطلة لأجل تعارضه لحقّ مولاه و سلطنته الحاکمة.

الثالث: نفوذ تصرفاته فی کلِّ ما لا یعدّ شیئا معتدّا به و مثلّه بأکله و شربه و نومه و تکلّمه. و عدم نفوذها فی ما یعدّ شیئا معتدا به بحسب العرف و العادة بلا فرق بین ما یتعلَّق بأمواله _ بناءً علی جواز ملکیته _ أو أموال سیّده من عقد أو إیقاع، و کذلک ما

ص: 167


1- 1 . الشرائع 2/8.

یتعلّق بسائر الناس من التصرف فی أموالهم و أنفسهم بعقد و إیقاع، فصحة هذا القسم یتوقف علی إذن مولاه و إجازته. فیحکم بلغویة تصرفاته من دون إذن مولاه فلا تصح وکالة العبد عن غیره. حتّی فی إجراء الصیغة فضلاً عن کونه وکیلاً مفوضا، و اختار الشیخ الأعظم(1) و المحقّق النائینی(2) هذا القسم الأخیر.

و استدل الشیخ الأعظم له بقوله تعالی: «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً عَبْدا مَمْلُوکا لا یَقْدِرُ علی شَیْء»(3).

و بصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام و أبی عبداللّه علیه السلام قالا: المملوک لا یجوز طلاقه و لا نکاحه إلاّ بإذن سیّده، قلت: فإن السیّد کان زوَّجه، بید مَنْ الطلاق؟ قال: بید السیّد «ضرب اللّه مثلاً عبدا مملوکا لا یقدر علی شی ء»، أفشی ءٌ الطلاق(4)

بتقریب: کلّ ما یصدق علیه أنّه شی ء معتد به فلایقدر العبد علی التصرف فیه شرعا من دون إذن مولاه. بلا فرق بین أنّه یرجع إلی نفسه _ فی حال عبودیته أو بعد فرض حریّته _ أو مولاه أو غیرهما، و بین إجراء العقد أو الإیقاع، و بین الالتزام بشی ءٍ و التعهد بضمان أو دین حالیّا کان أو استقبالیّا.

فالآیة الشریفة تدلّ علی عدم استقلال العبد فی جمیع تصرفاته مطلقا لعدم قدرته علیه أی عدم نفوذ تصرفاته، فیصیر شأن العبد شأن الصبی من عدم نفوذ تصرفاته إلاّ بإذن ولیّه. و الشاهد لما ذکرنا استشهاد الإمام علیه السلام بالآیة بعدم استقلاله فی الطلاق و کذلک النکاح.(5)

و لذا قال الشیخ الأعظم قدس سره : «و الظاهر من القدرة _ خصوصا بقرینة الروایة _ هو الاستقلال إذ المحتاج إلی غیره فی فعل غیر قادر علیه، فیُعلم عدم استقلاله فیما یصدق

ص: 168


1- 1 . المکاسب 3/338.
2- 2 . المکاسب و البیع 1/476.
3- 3 . سورة النحل /75.
4- 4 . وسائل الشیعة 22/101، ح1، الباب 45 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.
5- 5 . راجع وسائل الشیعة 21/113 و 114، الباب 23 و 24 من أبواب نکاح العبید و الإماء.

علیه أنّه شی ءٌ، فکلّ ما صدر عنه من دون مدخلیّة المولی فهو شرعا بمنزلة العدم، لا یترتب علیه الأثر المقصود منه...»(1).

و الحاصل: المملوکیة و الرقیة مساوقة للعجز و عدم القدرة. فلا نحتاج أن نأخذ «لا یقدر علی شی ء» قیدا توضیحیّا لا احترازیا کما علیه المحقّق النائینی(2) قدس سره . لأنّ المراد بها عدم نفوذ التصرف و هو حکم وضعی فلامعنی لأخذه قیدا للموضوع أو توضیحا له.(3)

فلا یجوز له التصرف فی أمواله وَ شُؤوْنِه و أمّا أموال و شُؤُوْن السیّد أیضا فکذلک لأنّه لا یقدر علی شیءٍ و نحوه أموال و شؤُوْن الآخَرِین و بالجملة مَنْ لیس له التصرف فی اُموره وَ شُؤُوْنه فاُمور الآخرین و شؤُوْنهم بطریق اُولی لیس له التصرف فیها بلا فرق بین مولاه و غیره.

فلا یتم ما ذکره المحقّق السَّیِّدُ الخوئی(4) قدس سره تبعا لصاحب الجواهر(5) رحمه الله من عدم نفوذ تصرفات العبد فی اُمور سیّده و آخرین لیس من جهة کونه عبدا مملوکا و التصرف فی اُمورهم لاتنفیه الآیة الشریفة بل یکون بجهة حرمة التصرف فی أموال الناس من دون إذنهم.

و الوجه فی عدم تمامیته: لأنّ هذا شی ءٌ لا یقدر العبد علیه، لا لکونه تصرفا فی لسانه الذی هو ملک السیّد فإنّه لا دلیل علی حرمته أوّلاً، و حرمته لاتُوْجِبُ الفساد ثانیا، فلا تکونُ حرمته منشأ التزام المشهور بفساد عقد العبد للغیر کما علیه المحقّق النائینی(6) رحمه الله .

ص: 169


1- 1 . المکاسب 3/338.
2- 2 . راجع المکاسب و البیع 1/477.
3- 3 . کما علیه المحقّق الخوئی راجع مصباح الفقاهة 3/343.
4- 4 . مصباح الفقاهة 3/344.
5- 5 . الجواهر 22/271 و 25/70.
6- 6 . منیة الطالب 1/432.

و یظهر الفرق بیننا و بینه: أنّا نحکم ببطلان عقود العبد و إیقاعاته للغیر مطلقا لأنّه لا یقدر علی شی ءٍ، ولکنّه قدس سره یحکم بصحتها إذا کان للغیر لأنّ رقیّته لایلازم سقوط ألفاظه و عباراته و عقوده و إیقاعاته.

نعم، لا یجوز له توکیل الغیر فی التصرف فی أمواله إلاّ مع إذن سیّده عندنا و عنده.

و أمّا هل یجوز له أن یتوکَّل عن غیره فی معاملة أو إیقاع؟ بناءً علی ما ذکرنا لا یجوز و وجهه واضح و أمّا بناءً علی ما ذکره یجوز.

و علی قولنا بعدم الجواز لو تصدی و تصرف فی مال الغیر وکالة عنه أو مال نفسه _ بناءً علی مالکیته _ من دون إذن سیّده _ و کان باطلاً _ ولکن أجازه المولی فی ما بعد، فهل یحکم بصحته أم لا؟

احتمل الشیخ الأعظم(1) أوّلاً عدم الصحة لأنّ المانع من الصحة لایرجع إلی العوضین بحیث لم یکونا ملکا للسیّد حتّی لم تصحها إجازة السیّد، بل المانع هو نفس الإنشاء الصادر من العبد استقلالاً بدون إذن سیّده و یحکم ببطلانه، و الإجازة اللاحقة من السیّد لا یخرجه من الاستقلال و البطلان لأنّ الشی ء لا ینقلب عما هو علیه.

ولکنّه قدس سره عدل عن عدم الصحة و ذهب إلی أنّ الأقوی(2) الصحة فی تصرفات العبد إذا لحقها الإجازة من سیّده، و استدل لها بوجوه ثلاثة:

الوجه الأوّل: العمومات و المطلقات الدالة علی صحة العقود تشمله، لأنّها تشمل العقد الصادر من الأحرار و العبید، و قد خرج منها العقد الصادر من العبد استقلالاً و من دون استناد إلی إذن المولی أصلاً لا سابقا و لا لاحقا، و یبقی الباقی تحتها.

و المخصص لها عدم ترتب الأثر علی العقد الصادر من العبد من دون إذن سیّده سابقا أو لاحقا، و یبقی الباقی تحتها.

ثمَّ لو شککنا فی المخصص بأن کان مرددا بین الأقل و الأکثر _ الأقل: العقد

ص: 170


1- 1 . المکاسب 3/338.
2- 2 . المکاسب 3/338.

الصادر من العبد دون إذن سیّده سابقا أو لاحقا، الأکثر: العقد الصادر منه من دون إذن سیّده سابقا فقط _ لابدَّ من الأخذ بالأقل، لأنّ المخصص المنفصل إذا کان مرددا بین الأقل و الأکثر لابدّ من الأخذ بالقدر المتیقن منه و هو الأقل.

و ما ذکره المحقّق النائینی من عدم «إجمال المخصص و هو مبیّنٌ، فإن دلیل اعتبار الإذن ظاهر فی الإذن السابق و الاجازة غیر الإذن»(1).

غیر تام، لأنّ الدلیل دالٌّ علی عدم استقلال العبد فی تصرفاته، و هذا غیر ظاهر فی الإذن السابق _ المدعی بنظره قدس سره کما أنّه ظاهرٌ فی الآیة الشریفة(2) و قَدْ مرّ، و أمّا صحیحة زرارة(3) فالَّذِیْ یُسْتَفادُ منها بطلان نکاح و طلاق العبد من دون إذن سیّده و بالاستقلال وَ هُوَ غیر ظاهر فی أنّ المراد بالإذن هو الإذن السابق فقط، فهذا الوجه تام.

الوجه الثانی: صحیحة زرارة الماضیه تدل علی صحة النکاح و الطلاق بالإذن، و حیث وردت عدّة من الروایات(4) فی صحة النکاح لو لحقه الإجازة، فیصحّ جمیع العقود بالإجازة اللاحقة لعدم الفرق بینها.

ثم توّجه و تفطّن الشیخ الأعظم قدس سره : بأنّ لازم هذا القول صحة الطلاق بالإجازة اللاحقة أیضا و لا یلتزمون بها، و هو إشکال علی هذا الوجه.

و ردّه: بأنّ الطلاق خرج بالدلیل الخارجی(5) و إلاّ نقول بصحته بالإجازة اللاحقة و بجهة التعمیم، و لا یلزم تأخیر البیان عن وقت الحاجة لأنّ الکلام مسوّق لنفی استقلال العبد فی الطلاق، لا لصحته مطلقا حتّی بالإجازة.

ص: 171


1- 1 . منیة الطالب 1/430.
2- 2 . سورة النحل /75.
3- 3 . وسائل الشیعة 22/101، ح1.
4- 4 . راجع وسائل الشیعة 21/114، الباب 24 من أبواب نکاح العبید و الإماء. منها: صحیحة زرارة، ح1، فی الباب المذکور، و موثقته، ح2.
5- 5 . راجع وسائل الشیعة 22/98، الباب 43 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه. ح4، صحیحة علی بن یقطین، و ح2، معتبرة لیث المرادی بناءً علی اعتبار أبی جمیلة.

ولکن یمکن أن یُناقَشَ بوجهین(1):

أوّلاً: یمکن أن یقال: بأن أدلة صحة النکاح بالإجازة اللاحقة حاکِمَةٌ علی الدلیل الدال علی اعتبار الإذن و یوسّع دائرة الموضوع تعبدا، فلایستفاد منها أعمیّة الإذن مفهوما من الإذن السابق و الإجازة اللاحقة.

و ثانیا: یمکن استظهار عکس ما ذکره الشیخ الأعظم قدس سره من الصحیحة بأن یقال: لما کانت الصحیحة مشتملة علی الطلاق الذی لا یصحّ بلحوق الإجازة نستشکف أنّ المراد من الإذن هو الإذن السابق، و صحة النکاح بالاجازة اللاحقة فإنّما یستفاد من الدلیل الخارجی فحینئذ لایلزم تأخیر البیان عن وقت الحاجة أصلاً حتّی أجاب عنه الشیخ الأعظم بهذا الجواب البارد.

و یظهر وجه عدم تمامیة جوابه بالنسبة إلی تأخیر البیان عن وقت حاجته فی الطلاق، بأنّه لو کانت الصحیحة مسوقة لبیان نفی استقلال العبد فی الطلاق لکانت کذلک فی النکاح أیضا، و لا تدلّ علی صحة النکاح بالأعم من الإذن و الإجازة، فمن أین تُستفاد الصحة بالإجازة من الصحیحة؟!

الوجه الثالث: الروایات الواردة فی صحة نکاح العبد إذا أجازه المولی _ بلا فرق بین أنّ المباشر لإجراء الصیغة هو العبد أو غیره _ و إذا صحّ نکاحه فیصحّ جمیع تصرفاته بلا فرق ولو کانت وکالة عن الغیر.

منها: صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال: سألته عن مملوک تزوّج بغیر إذن سیّده، فقال: ذاک إلی سیّده، إن شاء أجازه و إن شاء فرّق بینهما. قلتُ: أصلحک اللّه، إنّ الحکم بن عتیبة و ابراهیم النخعی و أصحابهما یقولون: إنّ أصل النکاح فاسد، و لا تحلّ إجازة السیّد له، فقال أبو جعفر علیه السلام : إنّه لم یعص اللّه و إنّما عصی سیّده، فإذا أجازه فهو له جائز.(2)

ص: 172


1- 1 . کما فی منیة الطالب 1/430.
2- 2 . وسائل الشیعة 21/114، ح1، الباب 24 من أبواب نکاح العبید و الإماء.

و منها: معتبرته بل موثقته عنه علیه السلام قال: سألته عن رجل تزوّج عبده بغیر إذنه فیدخل بها ثمّ اطلع علی ذلک مولاه؟ قال: ذاک لمولاه إن شاء فرّق بینهما، و إن شاء أجاز نکاحهما، فإن فرّق بینهما فللمرأة ما أصدقها، إلاّ أن یکون اعتدی فأصدقها صداقا کثیرا. و إن أجاز نکاحه فهما علی نکاحهما الأوّل. فقلت لأبی جعفر علیه السلام : فإن أصل النکاح کان عاصیا، فقال أبو جعفر علیه السلام : إنّما أتی شیئا حلالاً و لیس بعاصٍ للّه إنّما عصی سیّده و لم یعص اللّه، إنّ ذلک لیس کإتیان ما حرّم اللّه علیه من نکاح فی عدّة و أشباهه.(1)

و منها: صحیحة عبداللّه بن سنان عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: لا یجوز للعبد تحریر و لا تزویج و لا إعطاء من ماله إلاّ بإذن مولاه.(2)

و منها: صحیحة منصور بن حازم عن أبی عبداللّه علیه السلام فی مملوک تزوّج بغیر إذن مولاه، أ عاص للّه؟ قال: عاص لمولاه، قلت: حرام هو؟ قال: ما أزعم أنّه حرام و نوله(3) أن لا یفعل إلاّ بإذن مولاه.(4)

و منها: صحیحة معاویة بن وهب قال: جاء رجل إلی أبی عبداللّه علیه السلام فقال: إنّی کنتُ مملوکا لقوم و إنّی تزوّجتُ إمرأة حرّة بغیر إذن موالیَّ ثمّ اعتقونی بعد ذلک، فاُجدّد نکاحی إیّاها حین أعتقتُ؟ فقال له: أکانوا علموا أنّک تزوّجت امرأة و أنت مملوک لهم؟ فقال: نعم، و سکتوا عنّی و لم یغیّروا علیَّ، قال: فقال: سکوتهم عنک بعد علمهم إقرار منهم، أثبت علی نکاحک الأوّل.(5)

یمکن الاستدلال بهذه الروایات فی المقام بتقریبین:

التقریب الأوّل(6): ترک الاستفصال الوارد فی هذه الصحاح بین أن یکون العاقد

ص: 173


1- 1 . وسائل الشیعة 21/115، ح2.
2- 2 . وسائل الشیعة 21/113، ح1، الباب 23 من أبواب نکاح العبید و الإماء.
3- 3 . نولک أن تفعل: أی حقّک و ینبغی لک. [صحاح اللغة 5/1836].
4- 4 . وسائل الشیعة 21/113، ح2.
5- 5 . وسائل الشیعة 21/117، ح1، الباب 26 من أبواب نکاح العبید و الإماء.
6- 6 . المکاسب 3/339: یؤید المختار.

لصیغة النکاح هو العبد أو غیره، و إذا کانت إجازة المولی تصحح تصرف العبد فی سلطان المولی _ و هو تصرف العبد فی نفسه بالنکاح _، و لا یمکن أن یصحّ اسم المصدر _النکاح _ و لا یصح المصدر أی الإنشاء _ أعنی صیغة النکاح _ فصارت صیغة النکاح و النکاح صحیحة بالإجازة من المولی بلا فرق بین أنّه باشر فی إجراءها أو وَکّل غیره.

و إذا صح النکاح و هو تصرف العبد فی نفسه، _ أی سلطان المولی _ فبطریق الأولی تصحح الإجازة غیره من التصرفات فی ماله و نفسه و فی مال و نفس غیره بالوکالة عنه.

التقریب الثانی(1): التعلیل الوارد فی صحیحة زرارة ب_«أنّه لم یعص اللّه و إنّما عصی سیده»(2)، یستفاد منه کلّ ما لم یکن العبد عاصیا للّه تعالی بل عصی سیده فقط، یمکن تصحیحه بالإجازة من السیّد، فمعیار صحة معاملات العبد بعد عدم کونها مخالفة للّه تعالی هو إذن السیّد أو إجازته.

فکما یمکن تصحیح تصرفات العبد بالإجازة فی نفسه و ماله فکذلک یمکن تصحیح تصرفاته فی مال الغیر أو نفسه بالوکالة، لأنّ العبد فیها أیضا لم یعص اللّه، و بعد الإجازة یحکم بصحتها.

مناقشة المحقّق النائینی فی التقریب الأوّل

قال: «إنّ ترک الاستفصال و إن کان مفیدا للتعمیم فی باب النکاح و نحوه إلاّ أنّه للتعدی إلی غیر مورده لا یفید، لأنّه لو فرض بأنّه علیه السلام صرّح بأنّ نکاح العبد یصحّ بالإجازة ولو باشره بنفسه لما أمکن التعدی إلی مورد وکالة العبد لغیره أو إجرائه الصیغة و إیجاده العلقة فضولاً، لأنّ صحة نکاحه لنفسه و إن استلزم تصحیح جهة إصداره أیضا حیث إنّه الإجازة ترجع إلی ما یتعلّق مضمونه بالمولی فصحة جهة إصداره إنّما لوحظ معنیً حرفیّا، و إذا دلّ الدلیل علی صحة النتیجة بالإجازة فیدلّ علی صحة جهة الإصدار، لأنّها من

ص: 174


1- 1 . المکاسب 3/339: مع أنّ تعلیل الصحة بأنّه... .
2- 2 . وسائل الشیعة 21/114، ح1.

مقدمات حصول النتیجة إلاّ أنّ هذا الدلیل لایمکن أن یدلّ علی صحة جهة الإصدار إذا لوحظت معنیً اسمیّا، و عقد العبد لغیره فضولاً أو وکالةً جهة توقّفه علی إجازة المولی هو جهة إصداره و إلاّ فمضمونه غیر راجعٍ إلی المولی، و لم یدلّ دلیل عَلی أنّ الإجازة أیضا کالإذن فی جهة الإصدار کما لا یخفی.

إلاّ أن یقال: إنّ الأخبار الدالة علی صحة نکاح العبد إذا أجازه المولی الواردة فی ردّ حکم ابن عیینة و ابراهیم النخعی ظاهرة فی إعطاء قاعدةٍ کلیّةٍ و هی أنّ کلّما رجع جهة الصحة إلی إذن السیّد فإجازته کإذنه»(1).

و أجابه السیّد الخوئی بقوله: «ولکن لا وجه لهذه المناقشة بدیهة أن کون متعلَّق الإجازة ملحوظا للمجیز استقلالاً تارة و تبعا اُخری لایرتبط بجهة الاستدلال»(2).

أقول: و بعبارة اُخری: السیّد أجاز عقد العبد بما هو علیه من تمامیته کما إذا أجری صیغة النکاح لنفسه أو باع و اشتری من ماله و فیه، أو عدم تمامیته العقد لأنّه موقوف علی إجازة الغیر کما عقد لغیره أو باع و اشتری له فضولة و من دون إذنه و وکالته، و أمّا لو أذن له الغیر أو وکّله فیلحق بالقسم الأوّل من تمامیته العقد.

و بعبارة ثالثة: لا یترتب علی عقده سواء کان لنفسه أو لغیره _ مع إذنه أو بدونه _ أو لمولاه شیئا من الآثار إلاّ بعد إجازة المولی له و بالنسبة إلی الغیر مضافا إلیها مع وکالته أو إذنه أو إجازته.

فحینئذ شأن إجازة المولی له کشأن إجازة الزوجة لزوجها بالنسبة إلی نکاح بنت أخیها أو بنت أختها، و المتوقف علیها لیس صحة الإنشاء بل صحة ما یصدق علیه النکاح بالحمل الشائع.

فرع:

قال الشیخ الأعظم: «لو أمر العبد آمرٌ أن یشتری نفسه من مولاه فباعه مولاه صحّ و

ص: 175


1- 1 . منیة الطالب 1/431.
2- 2 . مصباح الفقاهة 3/350.

لزم، بناءً علی کفایة رضا المولی _ الحاصل من تعریضه للبیع _ من إذنه الصریح، بل یمکن جعل نفس الإیجاب موجبا للإذن الضمنی»(1).

أقول: قال شیخ الطائفة قدس سره : «إذا و کلّ رجلٌ عبدا فی شراء نفسه من سیّده فهل یصحّ ذلک أم لا؟ قیل فیه وجهان:

أحدهما: یصحّ کما لو وکّله فی شراء عبد آخر بإذن سیّده.

و الثانی: لا یصحّ ذلک لأنّ ید العبد کید سیّده و إیجابه و قبوله بإذنه بمنزلة إیجاب سیّده و قبوله، فإذا کان کذلک و اُوجب له سیّده فقبله هو صار کأن السیّد هو الموجب القابل للبیع و ذلک لا یصحّ فکذلک هاهنا. و الأوّل أقوی...»(2).

و نقل العلاّمة فی المختلف عن القاضی ابن البراج قوله: «الأقوی عندی أنّه لا یصحّ إلاّ أن یأذن له سیّده فی ذلک، فإن لم یأذن له فیه لم یصحّ»(3).

و أنت تری بأنّ استدلال القاضی ابن البراج علی البطلان لا یرجع إلی اتحاد الموجب و القابل الذی نسبه إلیه الشیخ الأعظم، بل القاضی یری البطلان إذا کانت الوکالة من دون إذن المولی و أمّا إذا کانت مع إذنه فیذهب إلی الصحة و لذا قال العلاّمة بعد نقل فتوی القاضی: «و الحقّ ما قَوّاه الشیخ لأنّ بیع مولاه رضا منه بالتوکیل»(4).

و نُسب(5) القول بالبطلان إلی القاضی فی بعض الکتب الفقهیة مطلقا أو مع الاستدلال له باتحاد الموجب و القابل و کلاّهما غیر تامین.

قد یناقش فی صحة هذا الشراء بوجهین:

الأوّل: اتحاد عبارة العبد مع عبارة السیّد فیلزم منه اتحاد القابل و الموجب فیبطل

ص: 176


1- 1 . المکاسب 3/342.
2- 2 . المبسوط 3/393.
3- 3 . مختلف الشیعة 6/35.
4- 4 . مختلف الشیعة 6/35.
5- 5 . و الناسب هو الصمیری فی غایة المرام 2/12، و صاحب الحدائق 22/50 و صاحب الجواهر 22/271 و الشیخ الأعظم فی المکاسب 3/343.

العقد به _ و قد مرّ فی أحد وجهی الشیخ _ .

و یرد علیه: أوّلاً: لا دلیل علی اعتبار التغایر بین الموجب و القابل و یکفی تغائرهما اعتبارا.

و ثانیا: المملوکیة لا توجب إتحاد العبد مع مولاه.

و ثالثا: هذا الدلیل لو تمّ یقتضی بطلان معاملات العبد الموکَّل عن غیره ولو أذن له سیّده بالوکالة، مع السیّد.

الثانی(1): لزم بالنسبة إلی المتعاقدین قابلیتهما للإنشاء عند تحقق الإیجاب و القبول، فلو فَقَدَ أیٌّ منهما القابلیة قبل تحقق العقد لاینعقد المعاهدة و المعاقدة، و حیث أنّ العبد فی الفرع المذکور غیر قابل لطرفی العقد لأنّه غیر مأذون منه فیحکم بفساد العقد.

و یرد علیه: القابلیة المذکورة لم یدل علیها دلیل نعم، المناط فی تحقق العقد هو ارتباط التزام الموجب بالتزام المشتری ولو لم یکن حین الایجاب قابلیة القابل و کذا عکسه. فلذا لو التفت أحدهما بإنشاء صاحبه و قبل فسخه و إبطاله، و أتی بما هو علیه لَکان العقد صحیحا. و المفروض الحاق الاجازة بالوکالة صریحا أو ضمنا فیصح قابلیة العبد فیتم المعاقدة.

هذا کلّه فی ما إذا وَکَّلَ المشتریُ العبدَ فی الاشتراء من سیّده.

و أمّا لو وکّله فی الاشتراء من وکیل المولی، فإن کان الوکیل وکیلاً مفوّضا فی اُمور المولی فلا شبهة فی أنّ شأنه شأن المولی و لا تردّ شبهة. و أمّا إن کان الوکیل وکیلاً فی خصوص إجراء الصیغة فلا شبهة فی احتیاج الاشتراء إلی الاجازة من المولی، و لعلّ نظر المحقّق و الشهید الثانیین(2) (3) من إطلاق القول بعدم الصحة فی الشراء من وکیل المولی إلی الصورة الأخیرة.

ص: 177


1- 1 . انظر المناقشة و جوابها فی المکاسب 3/343 قوله قدس سره : و لا یقدح عدم قابلیة المشتری للقبول... .
2- 2 . جامع المقاصد 4/68.
3- 3 . المسالک 3/158.

فرعٌ:

لم یذکره الشیخ الأعظم قدس سره و هو هل إجازة المولی لعقد العبد کاشفة أو ناقلة؟

مقتضی القاعدة هو النقل ولکن مقتضی الروایات هو الکشف کما یَدُلُّ علیه قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن وهب: «أثبت علی نکاحکَ الأوّل»(1)، و التفصیل یطلب من بیع الفضولی. و الحمدللّه.

ص: 178


1- 1 . وسائل الشیعة 21/117، ح1.

6_ أن یکونا مالکَیْن أو مأذونَیْن من المالک أو الشارع

من شروط المتعاقدین أن یکونا مالکین أو ولیّین لهما کالأب أو الجدّ للأب، أو مأذونین منهما کالوکیل أو الوصی، أو مأذونین من الشارع کالحاکم أو أمینه و وکیله.

و بعبارة اُخری: لابدّ أن یکونَ المُتَعاقِدانِ مالِکَی التصرف و الأمر و العقد إمّا بالملکیة للعوضین أو الإذن من المالک أو الشارع.

و العنوان المذکور فی أَعْلاهُ من الشیخ الاعظم(1)، و هو عند تلمیذه الفقیه المامقانی(2) من جوامع الکلم لشموله لجمیع أقسام من یصحّ منه البیع کالمالکین للعوضین و المأذونین منهم کوکلائهم، و المأذونین من الشارع، و هم الاُولیاء المنصوبون منه کالأب و الجدّ و الحاکم الشرعی و منصوبه و المأذون من قبله، و کذا المنصوب من الأب أو الجدّ قیّما علی الصغیر و نحوها من الموارد التی تنتفی الفضولیة منها.

فالاُولی أن یقال: لابدّ فی المتعاقدین أنّهما یملکان أمر العقد الذی یقومان به، و المراد بالملک هنا لیست المالکیة بل الاستیلاء علی العقد و الأمر. حتّی نفذ عقدهما، و إلاّ یرد علیه عقد الرهن علی العین المرهونة و تصرفات المریض فی مرض موته بالبیع المحاباتی فیما زاد علی الثلث و بیع السفیه و المفلَّس، لأنّ تصرفاتهم موصوفة بالفضولیة

ص: 179


1- 1 . المکاسب 3/345.
2- 2 . غایة الآمال /350.

مع أنّهم ملاّک، و أقرّ الشیخ الأعظم(1) بهذه النقوض و حکم بدخولها بعد سطور.

و توجیه العنوان بأنّ المراد منه شرطیة المالکیة فی نفوذ تصرفات المتعاقدین، مردود لأنّه ینتهی إلی الدور، لأنّ «لا شک أنّ شرط المطلوب هو شرط النفوذ، و ینتهی الأمر إلی صیرورة النفوذ شرطا فی نفوذ التصرف و هو دورٌ باطلٌ»(2).

ثم فرّع الشیخ الأعظم علی عنوانه: «فعقد الفضولی لا یصحّ»(3). تبعا للمحقق فی الشرائع حیث یقول: «و أن یکون البائع: مالکا أو ممّن له أن یبیع عن المالک کالأب و الجدّ للأب و الوکیل و الوصی و الحاکم و أمینه فلو باع ملک غیره وقف علی اجازة المالک أو ولیّه علی الأظهر»(4). و نحوه فی النافع(5).

و قال العلاّمة فی قواعده تبعا لاُستاده: «و یشترط کون البائع: مالکا أو ولیّا عنه، کالأب و الجدّ له و الحاکم و أمینه و الوصی، أو وکیلاً، فبیع الفضولی موقوف علی الإجازة علی رأی»(6). و نحوه فی التذکرة(7).

و قال الشهید فی الدروس: «و تملّکها أو حکمه کالأب و الجدّ و الوصی و الوکیل و الحاکم و أمینه و المقاصّ فبیع الفضولی غیر لازم...»(8).

و اعترض المحقّق الکرکی علی عبارة قواعد العلاّمة و قال: «هذا التفریع أیضا غیر جید لأنّ المتبادر من اشتراط ما ذکره بطلان البیع هنا، لانتفاء الشرط إن کان ذلک شرطا فی الصحة، أو عدم لزومه إن کان شرطا فی اللزوم، فکونه موقوفا علی الاجازة لا یظهر

ص: 180


1- 1 . المکاسب 3/346 قوله: «و کیف کان فیشمل العقد الصادر...».
2- 2 . العقد النضید 3/6.
3- 3 . المکاسب 3/345.
4- 4 . الشرائع 2/8.
5- 5 . المختصر النافع /118.
6- 6 . قواعد الأحکام 2/19.
7- 7 . تذکرة الفقهاء 10/14.
8- 8 . الدروس الشرعیة 3/192.

وجه تفریعه، إلاّ إذا حملنا العبارة علی أن الاشتراط فی اللزوم، و أنّ المراد بکونه موقوفا عدم لزومه، لأنّه فی قوّته، لکن قوله: (علی رأی) لا موقع له حینئذ، و کیف کان فالعبارة لا تخلو من تکلّف...»(1).

قد تصدی لدفع الإشکال الشهید الثانی و قال: «مقتضی التفریع أن یقال: فبیع الفضولی غیر صحیح لفقد الشرط، و هو کون البائع مالکا أو فی معناه، لکن لمّا کان المراد بالصحة هنا اللزوم کان قوله: «أنّه موقوف»، فی قوة قوله: «غیر لازم» المناسب للتفریع.

و فیه: مع إفادته الفائدة التصریح بالحکم المطلوب من بیع الفضولی، و علیه یترتّب الرأی المذکور بعده، لأنّه أیضا غیر لازم من التفریع، لکن اقتضاه الحکم بالوقوف بالقصد الثانی مراعاةً للإیجاز»(2).

و الشیخ الأعظم بعد تفسیر عدم الصحة فی بیع الفضولی بعدم اللزوم قال: «... فاعتراض جامع المقاصد علیه [أی علی العلاّمة فی عبارة القواعد] بأنّ التفریع فی غیر محلّه، لعلّه فی غیر محلّه»(3).

أقول: الظاهر عدم تمامیة هذا التفسیر، بل لعلّ المراد بها _ عدم الصحة _ هی عدم الصحة الفعلیة و موقوفیّة العقد علی اجازة المالک و عدم نفوذه، و عدم الصحة الفعلیة لا ینافی الصحة التأهلیة و توقفه علی الاجازة، مضاف إلی أنّ عدم اللزوم مذکور فی کلام المحقّق الکرکی علی نحو قضیة مانعة الجمع و لم یکن إبداعا من الشیخ الأعظم.

و الحاصل: اعتراض المحقّق الکرکی رحمه الله علی العلاّمة واردٌ و کذلک یَرِدُ علی المحقّق فی الشرائع و النافع، و الشهید فی الدروس و کل مَنْ فرّع بیع الفضولی علی العنوان، و جواب الشیخ الأعظم مأخوذ من أحد احتمالات الکرکی و لعلّه فی غیر محلّه لعدم مناسبته لقوله بعد ذلک: «علی رأی»، و لذا الفقیه المتتبع العاملی تابع الکرکی و قال: «کان التفریع غیر جیّد و قد أشار إلی ذلک فی جامع المقاصد و قد وقع عین ذلک للمحقّق

ص: 181


1- 1 . جامع المقاصد 4/68.
2- 2 . فوائد القواعد /531.
3- 3 . المکاسب 3/345.

فی الشرائع و النافع، و غیره و الأمر فیه سهل»(1).

فلا یتمّ عندی ما ذکره المحقّقون الشهیدی(2) و المروج(3) رحمه الله و شیخنا الاُستاذ(4) قدس سره فی توجیه کلام الشیخ الأعظم قدس سره فراجع.

نعم، لو کان المشروط مرددا علی نحو ما شرحه جدنا شارح القواعد یدفع الإشکال حیث یقول: «و یشترط فی لزوم البیع و نحوه أو صحته مع عدم تعقّبه بالإجازة...»(5).

ولکن حتّی التردید فی المشروط لا یفید لقوله «علی رأی».

ص: 182


1- 1 . مفتاح الکرامة 12/590.
2- 2 . هدایة الطالب 3/10.
3- 3 . هدی الطالب 4/348.
4- 4 . إرشاد الطالب 2/268.
5- 5 . شرح القواعد 2/69.

عقد الفضولی

تعریفه و الأقوال فیه

الفضول فی اللغة(1) جمع الفضل بمعنی الزیادة و قد استعمل الجمع استعمال المفرد فی ما لا خیر فیه، و لهذا نُسب إلیه علی لفظه فقیل: فضولیٌّ لِمَنْ یشتغل بما لا یعنیه، لأنّه جعل عَلَما علی نوع من الکلام فنزّل منزلة المفرد و سمّی بالواحد.

و فی الاصطلاح هو: «الکامل غیر المالک للتصرف فیه سواء کان غاصبا أو لا» کما عن الشهید(2). و هو واضح عند القوم.

و الفضولی فی العنوان صفة للعاقد و قدیوصف به نفس العقد و یقال: «العقد الفضول» و جعل الفضولی صفة للعقد مجاز من قبیل الوصف بحال متعلَّقه، و لذا قال الشیخ الأعظم «و لعلّه تسامح»(3) بالنسبة إلی الأخیر.

و بالجملة: هو کلُّ عقدٍ تام صدر ممّن لیس له ملکیّة العقد و أمره و نفوذه.

قال الجدّ العلاّمة التقی قدس سره : «المعروف بین الأصحاب أنّه لو باع مال غیره من غیر ولایة و لا وکالة وقف علی الإجازة، فإن أجازه المالک أو مَنْ یقوم مقامه صحّ و إلاّ بطل و لا یقع باطلاً من أصله.

و قد حکی القول به عن القدیمین(4) و المفید(5) و السیّد(6) و الشیخ فی النهایة(7) و

ص: 183


1- 1 . راجع کتب اللغة منها: المصباح المنیر /475.
2- 2 . غایة المراد 3/37.
3- 3 . المکاسب 3/346.
4- 4 . نقل العلاّمة عن ابن الجنید فی المختلف 5/53 و عن ابن أبی عقیل فیه 7/119.
5- 5 . المقنعة /606.
6- 6 . الناصریات /330، مسألة 154.
7- 7 . النهایة /385.

الدیلمی(1) و القاضی(2) و الطوسی(3) [و الحلّی(4)] و الحلبی(5) و المحقّق الکرکی(6) و السیوری(7) و جماعة من المتأخرین(8).

و قد حکی الشهرة علیه جماعة منهم: السیوری فی کنزالعرفان(9) و الشهید الثانی فی المسالک(10) و الروضة(11) و المحقّق الأردبیلی(12) و صاحب الکفایة(13) و المفاتیح(14).

و ذکره بلفظ «عندنا» فی مواضع من التذکرة(15)، و هو یشیر إلی الاجماع. و أسنده اُخری(16) إلی «علمائنا»، و هو أیضا ظاهر فی دعوی الاتفاق علیه.

و ذهب الشیخ فی الخلاف(17) و السیّد ابْنُ زُهْرَةَ فی الغنیة(18) إلی بطلانه من أصله

ص: 184


1- 1 . المراسم /148.
2- 2 . المهذب 1/350.
3- 3 . الوسیلة /249.
4- 4 . الشرائع 2/8، المختصر النافع /118.
5- 5 . الکافی فی الفقه /353 و 352 و 292.
6- 6 . جامع المقاصد 4/69 و 8/243.
7- 7 . التنقیح الرائع 2/25.
8- 8 . نحو صاحبی الریاض 8/222 و شرح القواعد 2/72.
9- 9 . کنزالعرفان 2/34.
10- 10 . المسالک 3/158، و فی 7/159: «بذهاب الأکثر إلی الصحة».
11- 11 . الروضة البهیة 3/229.
12- 12 . مجمع الفائدة 8/157.
13- 13 . کفایة الأحکام 1/449.
14- 14 . مفاتیح الشرائع 3/47.
15- 15 . تذکرة الفقهاء 10/19 و 215 و 218.
16- 16 . تذکرة الفقهاء 10/15.
17- 17 . الخلاف 3/168، 4/257.
18- 18 . غنیة النزوع /207.

مدّعیین علیه الإجماع. و به قال الحلّی فی السرائر(1)، و حکی القول به عن المبسوط(2) و الدیلمی فی ظاهر المراسم(3) و فخرالإسلام فی الإیضاح(4) و الشهید فی نکت الإرشاد(5) و السیّد الداماد(6). و حکاه المقداد عن شیخه(7). و هو الظاهر من المحقّق الأردبیلی(8) و المحدّث الحر العاملی(9). فی التذکرة(10) أنّه قول لنا فیه إشارة إلی قائله.

و الأظهر الأوّل»(11).

و کذلک لأجل تفصیل الأقوال راجع مفتاح الکرامة(12).

ص: 185


1- 1 . السرائر 2/275 و 415.
2- 2 . المبسوط 2/158 و 4/163.
3- 3 . المراسم /172.
4- 4 . إیضاح الفوائد 1/416، 3/27.
5- 5 . لم أجده فی غایة المراد و لعلّه استفاد ذلک من نقد الشهید علی الاستدلال للصحة بأنّه عقد صدر من أهله فی محلّه و قال: «و فیه نظر لأنّه من باب المصادرات». غایة المراد 3/40.
6- 6 . نقل صاحب الحدائق 18/377 عنه فی رسالته الرضاعیة. المسماة بضوابط الرضاع (کلمات المحقّقین) /56.
7- 7 . التنقیح الرائع 2/25 عن شیخه السعید.
8- 8 . مجمع الفائدة 8/158، زبدة البیان /428.
9- 9 . وسائل الشیعة 17/333، الباب 1 من أبواب عقد البیع و شروطه.
10- 10 . تذکرة الفقهاء 10/14.
11- 11 . تبصرة الفقهاء 3/332 و 331.
12- 12 . مفتاح الکرامة 12/590.

الاستدلال علی صحة عقد الفضولی

اشارة

قد استدل علی صحته بعدّة من الوجوه:

الوجه الأوّل: العمومات و الاطلاقات

الواردة فی العقود نحو قوله تعالی: «اوفوا بالعقود»(1) و العقد الفضولی عقد ینسب إلی مالکه بعد صدور الإجازة منه فیدخل فی عموم الآیة الشریفة.

و قوله تعالی: «تجارةً عن تراض»(2) و المعاملات الفضولیة تدخل فی إطلاق الآیة الشریفة بعد مجیء الإجازة من أربابها.

و قوله تعالی: «أحلّ اللّه البیع»(3) و البیع الفضولی یدخل فی إطلاق الآیة الشریفة، لأنّه بیع بعد قبول المالک له.

نعم، فی العقود و التجارات و البیوع لابدّ من انتسابها إلی أَوْلیائها، و الانتساب کما یتم بالمباشرة و الوکالة و الأذن السابق فکذلک یتم بالاجازة اللاحقة بلا ریب.

و لذا قال العلاّمة فی الاستدلال علی صحة بیع الفضولی: «لنا أنّه بیع صدر من أهله فی محلّه فکان صحیحا، و أمّا صدوره من أهله فلصدوره من بالغ عاقل مختار و من جمع هذه الصفات کان أهلاً للإیقاعات، و أمّا صدوره فی محلّه فلأنّه وقع علی عین یصحّ تملّکها و ینتفع بها و تقبل النقل من مالک إلی غیره، و أمّا الصحة فلثبوت المقتضی السالم عن معارضة کون الشی ء غیر مملوک للعاقد غیر مانع من صحة العقد، فإنّ المالک لو أذن

ص: 186


1- 1 . سورة المائدة /1.
2- 2 . سورة النساء /29.
3- 3 . سورة البقرة /275.

قبل البیع لصحّ فکذا بعده، إذ لا فارق بینهما»(1).

و اعترض علیه الشهید و قال: «فیه نظرٌ لأنّه من باب المصادرات»(2).

و لعلّ مراده قدس سره : أن جملة: «بیع أو عقد صدر من أهله و وقع فی محلّه» عین الدعوی و لذا الاستدل به یکون من المصادرة فی المطلوب.

ولکن ظهر ضعف اعتراض الشهید رحمه الله حیث یدخل عقد الفضولی تحت العمومات و الإطلاقات کما مرّ.

و اعترض المحقّق الإیروانی رحمه الله علی التمسک بالعمومات و الإطلاقات ب_ : «القطع بخروج زمان ما قبل الاجازة من عقد الفضولی، فإنّه لم یقل أحد بوجوب الوفاء علی المالک بأن یجیز العقد الصادر من الفضولی حتّی القائلین فی الاجازة بالکشف، و التمسک بالعموم بعد الاجازة مبنیّ علی ثبوت عموم أزمانی فی العمومات، و لیس له وجود و قد اعترف به المصنف(3) رحمه الله فی خیار الغبن»(4).

لا یدعی الشیخ الأعظم رحمه الله و المستدِل بالعمومات شمولها للعقد الفضولی من حین العقد ثم خروجه عنها إلی زمان الاجازة بالمخصصص ثم دخوله فیها بعد الاجازة حتّی یکون محتاجا إلی ثبوت العموم الأزمانی، بل یدعی: «زمان الاجازة إنّما هو أوّل زمان صار العقد الفضولی مصداقا للعمومات الدالة علی صحة العقود»(5).

ص: 187


1- 1 . مختلف الشیعة 5/54.
2- 2 . غایة المراد 3/40.
3- 3 . المکاسب 5/207.
4- 4 . حاشیة المکاسب 2/215.
5- 5 . کما فی مصباح الفقاهة 4/21.

الوجه الثانی: حدیث عروة البارقی

ورد فی مسند أحمد عن عروة بن أبی جَعْدٍ البارقی قال: عرض للنبی صلی الله علیه و آله جَلَب(1) فأعطانی دینارا و قال: أی عروة ائت الجَلَب فاشتر لناشاة، فاتیتُ الجلب فساومتُ صاحبه فاشتریتُ منه شاتین بدینار، فجئت أسوقهما _ أو قال: أقودهما _ فلقینی رجل فساومنی فأبیعه شاة بدنیار فجئتُ بالدینار و جئت بالشاة، فقلت: یا رسول اللّه هذا دینارکم و هذه شاتکم. قال: و صنعتَ کیف؟ قال: فحدثته الحدیث، فقال: اللهم بارک له فی صفقة یمینه، فلقد رأیتنی أقف بکناسة الکوفة فأربح أربعین ألفا قبل أن أصل إلی أهلی _ و کان یشتری الجواری و یبیع _(2).

الصَّفقَةُ: ضرب الید علی الید فی البیع و البیعة، کذا قاله الخلیل(3).

و فیه: عن عروة البارقی أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله بعث معه بدینار یشتری له أضحیة و قال: مرة أو شاة، فاشتری له اثنتین فباع واحدة بدینار و أتاه بالأُخری، فدعا له بالبرکة فی بیعه، فکان لو اشتری التراب لَرَبِحَ فیه.(4)

رواهما ابن الأثیر فی جامع الاُصول(5)، و صاحب التاج الجامع للاُصول(6).

الراوی و هو عروة مذکور فی کتاب «الإصابة فی تمییز الصحابة» و قال فی شأنه: «و حدیثه مشهور و هو الذی دفع إلیه النبی صلی الله علیه و آله دینارا لیشتری به شاة»(7).

أقول: روایة عروة وردت فی المستدرک عن أبی جعفر محمّد بن علی الطوسی صاحب الوسیلة فی کتابه الثاقب فی المناقب: عن عروة بن أبی جعد البارقی قال: قدم

ص: 188


1- 1 . الجَلَب: ما جُلب من خیل و ابل و متاع إلی الأسواق للبیع. [لسان العرب 1/268].
2- 2 . مسند أحمد 4/376، و روی البیهقی نحوها فی السنن الکبری 6/112.
3- 3 . کتاب العین /523.
4- 4 . مسند أحمد 4/375، و روی البیهقی نحوها فی السنن الکبری 6/112.
5- 5 . جامع الاُصول 12/289، ح 9231 و 9232.
6- 6 . التاج الجامع للاُصول 2/221.
7- 7 . الإصابة فی تمییز الصحابة لابن حَجَرٍ العسقلانیّ 2/476.

جَلَبٌ، فأعطانی النبی صلی الله علیه و آله دینارا، و قال: اشتر بها شاةً، فاشتریتُ شاتین بدینار فلحقنی رجلٌ فبعتُ أحدهما منه بدینار، ثمّ أتیتُ النبی صلی الله علیه و آله بشاة و دینار، فردّه علیَّ و قال: بارک اللّه لک فی صفقة یمینک، و لقد کنتُ أقوم بالکناسة _ أو قال: بالکوفة _ فأربحُ فی الیوم أربعین ألفا.(1)

رواها فی سنن الدار قطنی(2)، و سنن الترمذی(3).

و هناک روایة اُخری رواها شیخ الطائفة فی أمالیه بسنده المتصل عن حکیم بن حزام: أنّ النبی صلی الله علیه و آله بعث معه بدینار یشتری له اُضْحِیَّة، فاشتراها بدینار، و باعها بدینارین، فرجع فاشتری اُضحیة بدینار و جاء بدینار إلی النبی صلی الله علیه و آله فتصدّق به النبی صلی الله علیه و آله و دعا له أن یبارک له فی تجارته.(4)

و رواها البیهقی فی سننه(5).

و قال الشیخ فی شأن حکیم بن حزام: «بن خویلد بن أسد، و هو ابن عمّ الزبیر، و هو من المؤلّفة قلوبهم، و مات سنة خمس و خمسین، یکنی أبا خالد. قال الواقدی، سنة أربع و خمسین و هو ابن عشرین و مائة سنة»(6).

و أنت تری بأنّ الروایات کلّها مِنْ طَرِیْقِ العامَّةِ، ضعیفة الإسناد لاتُرْوی من طرقنا. و لذا قال الأردبیلی: «و معلوم عدم صحة الروایة»(7) و صاحب الحدائق(8) لا یراها حجة

ص: 189


1- 1 . الثاقب فی المناقب /112، ح108 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 13/245، ح1، الباب 18 من أبواب عقد البیع و شروطه.
2- 2 . سنن الدار قطنی 3/10، ح29.
3- 3 . سنن الترمذی 3/559، ح1258.
4- 4 . أمالی الطوسی، المجلس الرابع عشر، ح 38/399، رقم 890 و نقل عنه فی بحارالأنوار 100/136، ح4 (42/90).
5- 5 . سنن البیهقی 6/113.
6- 6 . أمالی الطوسی /400.
7- 7 . مجمع الفائدة و البرهان 8/158.
8- 8 . الحدائق 18/381.

«و إن اشتهر نقلها فی کتب الاستدلال حیث أنّها عامیة». هذا من جهة السند.

ولکن مع ذلک قال جدنا العلاّمة التقی رحمه الله : «روایة عروة البارقی المشهورة فی کتب الأصحاب و قد رواها الفریقان و اعتضدت بالشهرة العظیمة بین الفِرقة... و لا مانع من ضعف إسنادها بعد انجبارها بما عرفت»(1).

و وصف قبله جدّ أَوْلاده الشیخ جعفر حدیث عروة ب_ : «الذی أغنتْ مشهوریته و استفاضته عند الفریقین عن النظر فی سنده»(2).

و قال سیّد الریاض: «خبر البارقی العامی المشهور المجبور ضعفه... بالشهرة العظیمة...»(3).

و قال فی الجواهر: «خبر عروة البارقی الذی أغنت شهرته عند الفریقین عن النظر فی سنده... و المناقشة فی سنده مدفوعة بما عرفت من الانجبار»(4).

دلالة روایة عروة علی بیع الفضولی تکون من جهتین:

الاُولی: شِراؤُهُ شاتین للنبی صلی الله علیه و آله مع أنّه صلی الله علیه و آله أمره بشراء شاة واحدة فقد خرج عن مورد الوکالة فصار شِراؤُهُ فضولیا.

الثانیة: بیعه للواحدة منهما بعد الشراء، فإنّه فضولیٌّ، لاِءنَّهُ لیس له توکیل فی البیع.

یرد علی الأُولی: إذا وکّله صلی الله علیه و آله فی شراء شاة واحدة بدینار واحد، فبدلالة الفحوی أو الأَوْلویة وکّله فی شراء شاتین بدینار واحد. أو أنّ الإذنَ فی شراء شاة واحدة بدینار إذنٌ عرفا مطلقا فی شراء شاتین به أو لاأقل فی ما إذا کان الدینار مساویا لقیمة شاتین.

و یجاب عنه: الزیادة فی المثمن لایدُلُّ علیه الفحوی بل ما یَقْتَضِیْهِ الفحوی هو شراء شاة بنصف دینار، فما تقتضیه الأَوْلویة و الفحوی هو شراء بالثمن الأقل لا بالمثمن الأکثر. فیکون الشراءُ فضولیا.

ص: 190


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/334.
2- 2 . ریاض المسائل 8/223.
3- 3 . شرح القواعد 2/77.
4- 4 . الجواهر 22/276 (23/448).

قال فی الجواهر: «و الفحوی لا تجزی فی الوکالة قطعا _ لعدم الإنشاء و عدم الرضا فعلاً _ بل و لا فی إخراج العقد الفضولیة، بل أقصاها جواز الدفع و القبض و بها أقدم عروة علیهما، فلا إشکال حینئذ فی دلالة الخبر علی المطلوب»(1).

و یرد علی الثانیة: بأنّ عروة وکیل له صلی الله علیه و آله فی معاملاته أو مأْذونا مِنْ قِبَلِهِ صلی الله علیه و آله أو یکون فی المقام ما یدّل علی إذنه صلی الله علیه و آله ، و لیس فی الروایة إلاّ حکایة الحال فلا عموم فیها.

قال الإیروانی: «قضیة عروة لاشتباهها و احتمال مأذونیّة عروة من النبی صلی الله علیه و آله فی أمر المعاملات و ما یرجع إلی السوق لاتصلح للاستدلال بها فلا وجه لإتعاب النفس فیها»(2).

و تبعه المحقّق السَّیِّدُ الخوئی و قال: «إنّ کون الصادر من عروة فضولیّا... متوقف علی عدم کونه وکیلاً مطلقا و مفوّضا من النبی صلی الله علیه و آله فی أمر شراء الشاة أو مطلقا الذی سمّی فی لغة فارس بکلمة «وکیل خرج» و من المحتمل أن یکون هو کذلک و علیه، فلا یمکن الاستدلال بالروایة علی صحة بیع الفضولی إذ لا قرینة فی الروایة و لا من الخارج علی کون البیع الصادر من عروة فضولیا»(3).

و تبعهما فی العقد النضید و قال: «إنّ قضیة عروة مجملة لاحتمال کون عروة وکیلاً مفوّضا بأن کان قد وکّله رسول اللّه صلی الله علیه و آله و أعطاه الاختیار التام فی إنشاء البیع و المعاملة، و حینئذ یصحّ ما قام به من البیع و القبض و الإقباض و ذلک من جهة وکالته عنه لا من جهة الرضا المتأخر»(4).

و یجاب عنه: وکالته عنه صلی الله علیه و آله فی مطلق المعاملات أو کونه مأذونا فیه کذلک مخالف لظاهر الروایة و فهم الأصحاب قدس سرهم ، قال الجد التقی: «و الاحتجاج إنّما هو الظاهر الْمُنْجَبِرُ بفهمهم»(5).

ص: 191


1- 1 . الجواهر 22/277 (23/449 من طبع جماعة المدرسین).
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/216.
3- 3 . مصباح الفقاهة 4/25.
4- 4 . العقد النضید 3/18.
5- 5 . تبصرة الفقهاء 3/335.

و قال صاحب الجواهر: «ظاهر الخبر کون المحکی تمام ما وقع من النبی صلی الله علیه و آله و عروة، علی أنّ الأصل عدم غیره»(1).

و بما ذکرنا ظهر الجواب عن مناقشة أُخری و هی: کَوْنُ عروة عالما برضاه صلی الله علیه و آله من الفحوی و لذا تصدّی لدفع العوض لأنّه حرام بدون العلم، و إذا جاء العلم یمکن الاکتفاء به فی صحة التصرف و أنّه یقوم مقام التوکیل فیخرج به عن البیع الفضولی.

یظهر الجواب من مقالة صاحب الجواهر رحمه الله الماضیة آنفا و ما مرّ من أنّ العلم بالرضا و مجرد الفحوی یفیدان إباحة التصرف غیر الناقلة فی مال الغیر، و أمّا النقل و الانتقال و المعاملات فَتَحْتاجُ إلی الإجازة و الإذن الْخارِجِیَّیْنِ و هما مفقودان فی المقام، و قیام العلم بالرضا مقام التوکیل فی التصرفات الناقلة بحیث لا یحتاج معه إلی الإذن و الإجازة، لا یدل علیه دلیل، بل الدلیل علی خلافه.

نعم، غایة الأمر هذا العلم بالرضا و فحوی الإذن الأوّل یصححان دفع العوض و القبض و الإقباض فی مال الغیر، یخرجانه من عدم الجواز، ولکنّهما لایقومان مقام الإذن و الاجازة التی تصحح البیع الفضولی و کذلک لایقومان مقام التوکیل کما مرّ.

لا یقال: العلم بالرضا یکفی فی مجرد الإباحة دون البیع الناقل للعین، فعمل عروة هو مجرد إباحته التصرف فی شاة للغیر لا البیع الناقل.

لأنا نقول: الظاهر من قوله صلی الله علیه و آله : «بارک اللّه فی صفقة یمینک» هو البیع الناقل لا الإباحة فی التصرف فقط، کما فهمه معظم الفقهاء _ رضوان اللّه تعالی علیهم _ کذلک.

و المدار فی الأدلة ظاهرها لاسیما إذا کان منجبرا بفهم الأصحاب قدس سرهم .

و بما ذکرنا یظهر عدم تمامیة مقالة الشیخ الأعظم حیث یقول: «إنّ الظاهر علم عروة برضا النبی صلی الله علیه و آله بما یفعل و قد أقبض المبیع و قبض الثمن، و لا ریب أنّ الإقباض و القبض فی بیع الفضولی حرام، لکونه تصرّفا فی مال الغیر، فلابدّ إمّا من التزام أنّ عروة فعل الحرام فی القبض و الإقباض و هو مناف لتقریر النبی صلی الله علیه و آله . و إمّا من القول بأنّ البیع الذی یعلم بتعقّبه للإجازة یجوز التصرف فیه قبل الإجازة بناءً علی کون الإجازة

ص: 192


1- 1 . الجواهر 22/276 (23/449 من طبع جماعة المدرسین).

کاشفة _ و سیجیء ضعفه _ .

فیدور الأمر بین ثالث و هو جعل هذا الفرد من البیع _ و هو المقرون برضا المالک _ خارجا علی الفضولی... و رابع و هو علم عروة برضا النبی صلی الله علیه و آله بإقباض ماله للمشتری حتّی یستأذن و علم المشتری بکون البیع فضولیا حتّی یکون دفعه للثمن بید البائع علی وجه الأمانة... ولکن الظاهر هو أوّل الوجهین [أی الثالث] کما لایخفی»(1).

ثم احتمل(2) فی المقام احتمالاً خامسا و هو المعاطاة المفیدة للإباحة لا الملک لأنّ المناط فیها هو مجرد الرضا و وصول کلٍّ من العوضین إلی الآخر بأیّ نحو ولو کان -الواصل- صبیّا أو حیوانا، و لیس هذا معاملة الفضولی بل الفضولی هنا فقط صار آلة فی الإیصال و العبرة برضا المالک المقرون به.(3)

وجه الظهور: علم عروة البارقی برضا النبی صلی الله علیه و آله یصحح إقباض المثمن و قبض الثمن فلا یرتکب حراما، و البیع و کذا الشراء قبله یکونان فُضُوْلِیَّیْنِ یحتاجان إلی إجازة النبی صلی الله علیه و آله ، و أجازه صلی الله علیه و آله بالدعاء له، فالروایة تدلّ علی صحة بیع الفضولی من دون احتیاج إلی محتملات الشیخ الأعظم رحمه الله مضافا إلی ضعف جمیعها: أمّا الأوّلان: فقد ورد ضعفهما فی کلام الشیخ الأعظم فلا أُعید.

و أمّا الثالث: فَإِنَّ البیع الفضولی لا یخرجه علم الفضول برضا المالک عن الفضولیة، لما مرّ من أنّ التصرفات الناقلة تحتاج إلی الاستناد إلی المالک و هو لایتم إلاّ بالوکالة أو الإذن أو الإجازة، و لا یکفی فیها الرضا. نعم، الرضا یصحح التصرفات غیر الناقلة، فلا یتم هذا الاحتمال.

و کذلک یراها المحقّق الخراسانی(4) من الفضولی فی ما عقد علی ملک الغیر ولو کان عالما برضایته.

و أمّا الرابع: فَیَتمُّ فی مقام الثبوت و أمّا فی مقام الإثبات علم عروة برضا

ص: 193


1- 1 . المکاسب 3/351.
2- 2 . المکاسب 3/352.
3- 3 . راجع مصباح الفقاهة 4/(27-25).
4- 4 . حاشیة المکاسب /53.

النبی صلی الله علیه و آله یصحح قبضه المثمن فی الشراء و إقباضه المثمن فی البیع أیضا، و أمّا بالنسبة إلی البائع فی شرائه و المشتری فی بیعه حیث لم یرد فی روایته علمهما بأنّ الشراء و البیع فضولیان فإنّهما یعاملان مع عروة، وَ تَکُوْنُ المعاملة من جانبهما أصِیلَیْنِ تامَّیْنِ(1)، و لذا قَبَضَ البائعُ الدینار من عروة و المشتریُ الشاة منه. و بالجملة علمهما بالفضولیة و جعلهما عروة أمینا علی المثمن فی الشراء، و الثمن فی البیع فدون إثباتهما خرط القتاد.

مضافا إلی ما مرّ من صاحب الجواهر قدس سره من: «ظاهر الخبر کون المحکی تمام ما وقع من النبی صلی الله علیه و آله و عروة، علی أنّ الأصل عدم غیره»(2).

و بما ذکرنا ظهر عدم تمامیّة تطبیق شیخنا الاستاذ(3) قدس سره الروایة علی الاحتمال الرابع فی کلام الشیخ الأعظم رحمه الله . و إن کان هذا المحتمل یُوافق صحة بیع الفضولی.

و قال المحقّق الهَمَدانی رحمه الله : «یمکن أن یقال: إنّه لا یحتاج إلی علم المشتری بکونه فضولیّا و استیمانه بل یکفی علم عروة _ لو کان عالما_ بأنّ المشتری کان راضیا بالبیع علی أیّ حال ولو کان فضولیا، أنّه یکون راضیا بتصرف عروة فی ماله قبل انتقاله إلی النبی صلی الله علیه و آله »(4).

و أمّا الخامس: فَبَعْدَ قبول جریان الفضولیة فی المعاطاة لأنّها عندنا بیع کما مرّ مفصلاً فی بحثها لایضر هذا الاحتمال بالاستدلال و صحة الفضولی، ولکن لم یرد فی الروایة ما یدلّ علی أن فعل عروة کان معاطاةً. بل ورد فیها کَلِمَتا: «اشتریتُ» و «فأبیعه» و أنّهما غیر ظاهِرَتَیْنِ فی المعاطاة لو لم نقل بأنّهما ظاهرتان فی غیرها، لا سیما إذا کان ذلک الغیر علی نحو آلة إیصال مضافا إلی مخالفته لِفَقرَةِ: «بارک اللّه فی صفقة یمینک» لأنّ عروة

ص: 194


1- 1 . وجدتُ بعد کِتابَةِ هذا البیان فی حاشیة الأصفهانی 2/84 حیث یقول: «و أمّا قبض الثمن من المشتری فیکفی فی جوازه رضا المشتری فعلاً لإعتقاده أصالة عروة و تمامیة المعاملة و إن تخلف عن الواقع، لأنّ تخلّف الدواعی لا یضرّ بالرضا الفعلی».
2- 2 . الجواهر 22/276 (23/449).
3- 3 . إرشاد الطالب 3/293، طبعة عام 1431ق.
4- 4 . حاشیة المکاسب /197.

إذا کان آلة إیصال فلا یتم هذا التبریک.

و دعوی أنّ الغالب فی المعاملات هو المعاطاة فی ذاک الزمان مضافا إلی جزافیتها، أنّ هذه الغلبة _ لو سلمناها _ لا تفید إلاّ الظن و هو لا یغنی من الحقِّ شیئا کما یظهر هذا الأخیر من المحقّق السَّیِّدِ الخوئی(1).

و لذا قال السیّد الیزدی بالنسبة إلی هذا الاحتمال: لم أفهم وجه هذا الدعوی، و لم أدر من أین هذا الظهور»(2).

و العجب من المحقّق السَّیِّدِ الخوئی حیث یقول فی ضمن مناقشاته الشیخَ الأعظمَ ب_ : «أنّ ما صدر من عروة قضیة شخصیة واقعة فی مورد خاص و لم یعلم جهتها، فلا یمکن الاستدلال بها علی صحة البیع الفضولی و إن أصرّ علیه جمع من الفقهاء، و لا حملها علی الکبری المتقدمة»(3).

مراده من الکبری المتقدمة خروج العقد الصادر من الأجنبی مع العلم بالرضا الباطنی للمالک عن الفضولیة.

و أمّا الإجابة عنه: بأنّ «کونها قضیة فی واقعة غیر مانع عن الاستدلال به بعد ظهوره فیما هو المراد کما فی نظائره».(4)

فَعَجِیْبٌ لأنّ المناقش لا یری ظهور الروایة فی الفضولی.

و الحاصل: روایة عروة البارقی تدلّ علی صحة بیع الفضولی بعد ما مرّ من الإجابة عن الإشکالات الواردة علیها عندنا، خلافا لجماعة من المُحَشِّیْنَ علی المکاسب(5) و الفاضل النراقی(6) حیث یراها ضعیفة سندا و دلالةً.

ص: 195


1- 1 . مصباح الفقاهة 4/26.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/110.
3- 3 . مصباح الفقاهة 4/26.
4- 4 . أنوار الفقاهة 1/280.
5- 5 . نحو: الإشکوری فی بغیة الطالب 1/345، و السیّد الیزدی 2/110، و الشهیدی 3/21 و 22، و الإیروانی 2/216، و السیّد الحکیم /351، و السیّد القمی 2/285.
6- 6 . مستند الشیعة 14/275.

الوجه الثالث: صحیحة محمّد بن قیس

التی رواها المشایخ الثَلاثَةُ(1) بأسناد صحاح(2) عن محمّد بن قیس عن أبی جعفر(3) علیه السلام قضی أمیرالمؤمنین _ صلوات اللّه علیه _ فی ولیدة باعها ابن سیّدها و أبوه غائب فاستولدها الذی اشتراها فولدت منه غلاما، ثم جاءَ سیّدها الأوّل فخاصم سیّدها الآخر، فقال: ولیدتی باعها ابنی بغیر إذنی.

فقال: الحکم أن یأخذ ولیدته و ابنها، فناشده الذی اشتراها، فقال له: خذابنه الذی باعک الولیدة حتی یُنْفِذَ لک البیعَ، فلمّا أخذه قال له أبوه: أرسِلْ ابنی، قال: لا و اللّه، لا اُرْسِلُ إلیک ابنک حتی تُرسِلَ ابنی، فلمّا رأی ذلک سیّد الولیدة، أجاز بیع ابنه.(4)

قد مرّ البحث حول هذه الصحیحة فی بحث المقبوض بالعقد الفاسد(5)، و حول الموهنات الواردة حولها فی بحث بیع المکرَه(6)، فلا نعید.

و أمّا الاستدلال بها علی صحة بیع الفضولی فَیَقَعُ فی فقرَتَیْنِ منها:

الاُولی: ما ورد فی کلام أمیرالمؤمنین علیه السلام أنّه قال: «خُذْابَنُه الذی باعک الولیدة حتّی یُنْفِذَ(7) لک البیع».

الثانیة: قول أبی جعفر علیه السلام : «فلما رأی ذلک سیّدُ الولیدة أجاز بیع ابنه».

ولکِنْ هنا إشْکالان مَشْهُوْرانِ فی الاستدلال بها علی صحة بیع الفضولی لابدّ من التعرّض بهما و الجواب عنهما:

ص: 196


1- 1 . الکافی 10/209، ح12 (5/211)، الفقیه 3/222، ح3826، التهذیب 7/488، ح1960 و 7/74، ح319، و الاستبصار 3/205، ح739 و 3/85، ح288.
2- 2 . نعم، أحد سندی الشیخ فی التهذیب 7/488، ح1960 موثق بعلی بن الحسن بن فضال.
3- 3 . نقلتُ نص الحدیث من نقل الکلینی فی الکافی الشریف.
4- 4 . وسائل الشیعة 21/203، ح1، الباب 88 من أبواب نکاح العبید و الاماء.
5- 5 . الآراء الفقهیة 4/413.
6- 6 . راجع صفحة 157 من هذا المجلد.
7- 7 . فی الاستبصار، ح739 «حتّی ینقد»، و کذا احدی طبعات الکافی.

الإِشکال الأوّل: صدور الاجازة بعد الردّ

تقریب الاشکال: فی الصحیحة عدّة أُمور ظاهرها ردّ سیّد الولیدة بیع ابنه:

منها: قوله علیه السلام : «الحکم أن یأخذ ولیدته و ابنها». لأنّ هذا الحکم لا یصح إلاّ بعد الردّ.

و منها: قوله علیه السلام : «ثم جاء سیّدها الأوّل فخاصم سیّدها الآخر». لأنّ المخاصمة لو لم أقل بأنّها بعد الردّ لاأقل من أنّها ظاهرة فی الردّ.

و منها: مناشدة المشتری للإمام علیه السلام و جوابه علیه السلام له: «خذ ابنه الذی باعک الولیدة». لأنّ المناشدة و علاج الإمام علیه السلام لا یکون إلاّ بعد الرد.

و إذا ردّ سیّد الولیدة بیع ابنه الفضول فلیس له الاجازة بعد الردِّ إجماعا(1)، فلابدّ إمّا من حمل الصحیحة و الإجازة الواردة فی آخرها علی البیع الجدید _ و هو خلاف الظاهر_ أو من حملها علی قضاء أمیرالمؤمنین علیه السلام و حیله فیها التی کان یتوسل بها إلی ظهور ما هو الواقع _ کما عن العلاّمة المجلسی(2) رحمه الله - أو من حمله علی قضیة شخصیة فی واقعة بحیث لا یمکن استفادة الحکم العام منها _ کما عن المحقّق الخوئی(3) قدس سره _ .

جوابه: لم یکن فی الصحیحة ما یدلّ علی ردّ المالک للبیع، نعم لم یکن راضیا بالبیع کما یظهر ممّا مرّ فی الاشکال و عدم الرضایة غیر الردّ، لأنّ الردّ هو فسخ العقد و حلّه و رفضه کما علیه المحقّق الاصفهانی(4) رحمه الله ، أو «یکون متردّدا فی البیع من جهة ما یترتب علیه من مطالبةٍ من ابنه و تعاسره إیّاه، فإن رأی سهولة الخطب ردّه، و إلاّ أجازه لیخلِّص ابنه حسبما صدر منه اخیرا بعد تعاسر المشتری إیّاه»، کما علیه المحقّق التقی(5) قدس سره .

ص: 197


1- 1 . کما عن المحقّق التقی فی تبصرة الفقهاء 3/336.
2- 2 . راجع مرآة العقول 19/238.
3- 3 . مصباح الفقاهة 4/34.
4- 4 . راجع حاشیته للمکاسب 2/86.
5- 5 . تبصرة الفقهاء 3/337.

و الإِشکال(1) علی الأصفهانی بأنّ مفهوم الردّ یکون غیر الحلِّ، و الردّ یباین الإجازة و الحلّ یباین العقد، الإجازة کما یمکن أن تکون باللفظ یمکن أن تکون بالفعل و کذلک الردّ، لا یثمر لأنّ الردّ و إن یقابل الإجازة، و الحلّ مع العقد، فالمفهومان (الرد و الحلّ) مختلفان، ولکن فی بیع الفضولی و عند عامة الناس یستعملان بمعنی واحد، فإن أجاز انعقد البیع و إنْ ردّ انحل. نعم، الإجازة تتحقّق بالقول و الفعل معا.

و الحاصل: المالک یکون غیر راض بالبیع أو مترددا فیه ولکن بعد ما وقع رضی به أو رفع تردّده و أجاز البیع، و الشاهد عَلی بقاء البیع علی ما کان علیه من فضولیته بعد أخذ الولیدة و المخاصمة و المناشدة قوله علیه السلام : «حتی یُنْفِذَ» و «أجاز بیع ابنه». الظاهران فی نفوذ بیع ابنه الفضول و إجازة المالک له.

الإِشکال الثانی: اشتمال الصحیحة علی أُمور لا یقولون بها

قد مرّ فی الموهنات(2) ستة منها و جوابها فلا نعید، ولکن نضیف هنا:

أوّلاً: شمولها علی ما لا یقولون بها، لایمنع من العمل بالصحیحة فی غیرها لما ثبت فی محلّة من إمکان التبعیض فی الحجیّة.

و ثانیا: الحکم بأَخْذِ ولد المشتری لا یکون من جهة رقیّته للشبهة بل من جهة تقویمه و قبض ثمنه، و أخذ المشتری ولدَ المالک لأجل المطالبة بالثمن الذی دفعه إلیه للولیدة، و کذلک مرّ جواب الباقی من الموهنات.

و ثالثا: إِنَّ مولانا الإِمامَ أمیرَالْمُؤمنین علیه السلام اخْتارَ فی قضایاه بعض الطرق غیر المتعارفة لکشف الواقع المتلبس علی عامة الناس _ کما مرّ عن العلاّمة المجلسی(3) رحمه الله و ما ورد فی هذه الصحیحة یکون من هذه الطرق و الأسالیب غیر المتعارفة فلا یمکن أن یُعد هذا من الموهنات بل الکلّ یتعلّمون منه القضاء و أحکامه و قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله فی

ص: 198


1- 1 . کما فی العقد النضید 3/56.
2- 2 . راجع صفحة 157 من هذا المجلد.
3- 3 . مرآة العقول 19/238.

شأنه: «أقضاکم علیّ»(1).

و بالجملة: بعد دفع الإشکالین یمکن استفادة صحة بیع الفضولی من هذه الصحیحة کما علیه جلّ الأصحاب(2) _ قدس اللّه أسرارهم _ .

ص: 199


1- 1 . الغدیر 3/96، الاستیعاب 2/461، فتح الباری 10/487، شرح نهج البلاغة 7/219 لابن أبی الحدید، الجامع الصغیر 1/58، فیض القدیر 1/285، مطالب السؤل /23، مواقف القاضی الإیجی 3/276.
2- 2 . منهم: الشیخ جعفر فی شرح القواعد 2/80، و سیّد الریاض فیه 8/224، و العلاّمة التقی فی تبصرة الفقهاء 3/336، و صاحب المقابس فیه کتاب البیع /23 و صاحب الجواهر فیه 22/277 (23/449) و الشیخ الأعظم فی المکاسب 3/354 و 355.

الوجه الرابع: فحوی مادلّ علی صحة نکاح الفضولی

تَمَسَّکَ جَماعَةٌ من الفقهاء بفحوی الروایات الدالة علی صحة نکاح الفضولی، علی صحة بیع الفضولی نحو أصحاب غایة المراد(1) و غایة المرام(2) و شرح القواعد(3) و الریاض(4) و المناهل(5) و المقابس(6) و تبصرة الفقهاء(7) و المفتاح(8) و الجواهر(9) و المکاسب(10).

و بالإجماعات المنقولة فی صحة نکاح الفضولی کما عن الشریف المرتضی(11) مطلقا _ أی فی الحرّ و العبد _ و ابن ادریس(12) فی الحر خاصة و تبعه الشهید(13)، و الشیخ(14) فی العبد خاصة. و کذلک حکاها أصحاب الکتب الماضیة مطلقا منضمّا إلی الفاضل الأصبهانی(15).

مع العلم بأنّ الاحتیاط فی الفروج آکد و الأمر فیها أشدّ کما ورد فی حسنة العلاء

ص: 200


1- 1 . غایة المراد 3/41.
2- 2 . غایة المرام 2/11.
3- 3 . شرح القواعد 2/74.
4- 4 . ریاض المسائل 8/223.
5- 5 . المناهل /287.
6- 6 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /26.
7- 7 . تبصرة الفقهاء 3/333.
8- 8 . مفتاح الکرامة 12/602.
9- 9 . الجواهر 22/276 (23/447).
10- 10 . المکاسب 3/356.
11- 11 . الناصریات /330، مسألة 154.
12- 12 . السرائر 2/565.
13- 13 . غایة المراد 3/41.
14- 14 . الخلاف 4/266، مسألة 18.
15- 15 . کشف اللثام 7/102.

ابن سیابة عن أبی عبداللّه علیه السلام أنّه قال فی حدیث: إنّ النکاح أحری و أحری أن یحتاط فیه و هو فرج و منه یکون الولد، الحدیث.(1)

و فی صحیحة شعیب الحداد قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : رجل من موالیک یقرؤک السلام و أراد أن یتزوّج امرأة و قد وافقته و أعجبه بعض شأنها، و قد کان لها زوج فطلّقها علی غیر السنة، و قد کره أن یقدم علی تزویجها حتّی یستأمرک فتکون أنت تأمره، فقال أبوعبداللّه علیه السلام : هو الفرج و أمر الفرج شدید و منه یکون الولد و نحن نحتاط فلا یتزوّجها.(2)

و إذا تمّ نکاح الفضولی بما ورد فی الروایات الآتیة و الإجماعات المحکیة و کان الأمر فیها أشدّ بالنسبة إلی البیع و غیره فیدل الفحوی بالصحة فیه.

و هذا الفحوی _ و هو قیاس الاُولویة _ و ان لم یکن من دلالة اللفظ ولکنّه حجة عند الأکثر کما یستفاد ذلک من فروعهم من مقامات لا تحصی.(3)

و لذا قال الشهید رحمه الله : و «تکلُّفُ الفرقِ النظری بینهما _ أی بین النکاح و البیع _ فیه ما فیه، بل الاحتیاط فی الفروج اُولی»(4).

و قال سیّد الریاض فی کتاب النکاح: «و من هذه الأخبار _ و إن اختصّ مواردها بالنکاح _ یستفاد جواز الفضولی فی سائر العقود بفحوی الخطاب؛ للاتّفاق فتویً وروایةً علی شدّة أمر النکاح، و عدم جواز المسامحة فیه بما ربما یتسامح فی غیره، فإذا جاز الفضولی فی مثله جاز فی غیره بطریق أولی، کما لا یخفی علی أَولی البصیرة و النُهی»(5).

ص: 201


1- 1 . وسائل الشیعة 19/163، ح2، الباب 2 من أبواب کتاب الوکالة، و وسائل الشیعة 20/259، ح3، الباب 157 من أبواب مقدمات النکاح.
2- 2 . وسائل الشیعة 20/258، ح1، الباب 157 من أبواب مقدمات النکاح.
3- 3 . کما عن صاحب مفتاح الکرامة 12/602.
4- 4 . غایة المراد 3/41.
5- 5 . ریاض المسائل 11/104.

و أمّا الروایات الدالة علی صحة نکاح الفضولی فی الحرّ و العبد فَإِنَّها کثیرةٌ نذکر لک بعضها:

فمنها: مضمرة و صحیحة محمّد بن اسماعیل بن بزیع قال: سأله رجلٌ عن رجلٍ مات و ترک أخوین و ابنةً، و البنت صغیرة فعمد أحد الأخوین الوصی فزوّج الابنةَ من ابنه، ثمّ مات أبو الإبن المزوَّج فلمّا أن مات قال الآخر: أخی لم یزوِّج ابنه فزوّج الجاریة من ابنه، فقیل للجاریة: أیّ الزوجین أحبّ إلیک: الأوّل أو الآخر؟ قالت: الآخر.

ثم إنّ الأخ الثانی مات، و للأخ الأوّل ابن أکبر من الابن المزوَّج فقال للجاریة: اختاری أیّهما أحبّ إلیک: الزوج الأوّل أو الزوج الآخر؟

فقال: الروایة فیها أنّها للزوج الأخیر و ذلک أنّها تکون قد کانت أدرکت حین زوّجها و لیس لها أن تنقض ما عَقَدَتْهُ بعد إدراکها!(1)

الصحیحة مضمرة و ابن بزیع و إن أدرک الأئمة الکاظم و الرضاه و الجواد علیهم السلام ولکن الظاهر أنّ الروایة من الإمام الکاظم علیه السلام لأنّ ابن بزیع کان من موإلی أبی جعفر المنصور و هو کان معاصرا للإمام الکاظم علیه السلام و الإضمار یکون للتقیة التی ابْتُلِیَ بها ابن بزیع فلایضرّبها مضافا إلی جلالته و أنّه لم یرو من غیر المعصوم.

و لعلّ کلمة «ابنه» فی فقرة: «قال الآخر: أخی لم یزوج ابنه» تکون تصحیفا ل_«ابنته»، فیکون کلّ من الأخوین المتوفّیین زوّج الإبنة لابنه، فیکون التزویجان فضولیین.

و اختارت الإبنة الزوج الأخیر و قرّره الإمام علیه السلام ، ولکن علّله ضمنا بأنّه إن کان الثانی فضولیا أجازها و تصریحا بأن کان فی زمن بلوغها فکان بإذنها من حین العقد.

و منها: معتبرة محمّد بن الحسن الأشعری قال: کتب بعض بنی عمّی إلی أبی جعفر الثانی علیه السلام : ما تقول فی صبّیة زوّجها عمّها، فلمّا کبرت أبت التزویج، فکتب لی: لا تکره

ص: 202


1- 1 . الکافی 10/763، ح3 (5/397)، التهذیب 7/387، ح30، عنهما فی وسائل الشیعة 20/282، ح1، الباب 8 من أبواب عقد النکاح.

علی ذلک و الأمر أمرها.(1)

و منها: صحیحة أبی عبیدة قال: سألتُ أبا جعفر علیه السلام عن غلامٍ و جاریةٍ زوَّجُهما ولیّان لهما و هما غیر مدرکین.

قال: فقال: النکاح جائز، أیّهما أدرک کان له الخیار، فإن ماتا قبل أن یدرکا فلا میراث بینهما و لا مهر، إلاّ أن یکونا قد أدرکا و رضیا.

قلت: فإن أدرک أحدهما قبل الآخر؟

قال: یجوز ذلک علیه إن هو رضی.

قلت: فإن کان الرجل الذی أدرک قبل الجاریة و رضی النکاح، ثم مات قبل أن تدرک الجاریة، أترثه؟

قال: نعم، یعزل میراثها منه، حتّی تدرک و تحلف باللّه ما دعاها إلی أخذ المیراث إلاّ رضاها بالتزویج، ثمّ یدفع إلیها المیراث و نصف المهر.

قلت: فإن ماتت الجاریة و لم تکن أدرکت، أیرثها الزوج المدرِک؟

قال: لا، لأنّ لها الخیار إذا أَدرکت.

قلت: فإن کان أبوها هو الذی زوّجها قبل أن تدرک.

قال: یجوز علیها تزویج الأب، و یجوز علی الغلام، و المهر علی الأب للجاریة.(2)

عزل میراث الجاریة المتزوّجة _ من زوجها الصغیر الذی بلغ و أجاز نکاح ولیّه ثمّ مات _ حتّی تدرک و أجازت نکاح ولیّها و تحلف باللّه ما دعاها إلی أخذ المیراث إلاّ رضا بالتزویج، ثمّ اعطائها المیراث و نصف المهر، یدلّ علی صحة نکاحها الفضولی من حین العقد بعد إجازتها.

و منها: موثقة الفضل بن عبدالملک عن أبی عبداللّه علیه السلام _ فی حدیث _ قال: إذا زوّج الرجل ابنه فذاک إلی ابنه، و إذا زوّج الإبنة جاز.(3)

ص: 203


1- 1 . وسائل الشیعة 20/276، ح2، الباب 6 من أبواب عقد النکاح.
2- 2 . وسائل الشیعة 26/219، ح1، الباب 11 من أبواب میراث الأزواج.
3- 3 . وسائل الشیعة 20/277، ح4، و 21/287، ح1، الباب 28 من أبواب المهور.

فی المطبوعة من الکافی «إلی أبیه» بدل «إلی ابنه» ولکن فی بعض نسخه(1) و التهذیب(2) و الوافی(3) «إلی ابنه» و الاستدلال مبنیٌّ علی قرأة «ابنه».

و منها: خبر محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام أنّه سأله عن رجل زوّجته اُمُّه و هو غائب؟ قال: النکاح جائز، إن شاء المتزوِّج قَبِلَ، و إن شاء ترک المتزوِّج تزویجه فالمهر لازم لاُمّه.(4)

الروایة ضعیفة الإسناد باسماعیل بن سهل لأنّ النجاشی قال فی شأنه: «ضعّفه أصحابنا»(5).

و منها: صحیحة علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال: سألته عن مملوکة بین رجلین زوّجها أحدهما و الآخر غائب، هل یجوز النکاح؟ قال: إذا کره الغائب لم یجز النکاح.(6)

سند الشیخ فی التهذیب 8/220، ح704 مرسل لأنّه لم یذکر سنده إلی محمّد بن أحمد بن اسماعیل الهاشمی العلوی فی مشیخته و سند الحمیری أیضا ضعیف بعبداللّه بن الحسن بن علی بن جعفر علی المشهور، ولکن رواها علی بن جعفر فی کتابه و لصاحب الوسائل طریق صحیح إلی کتابه و لذا عبرنا عن الروایة بالصحیحة.

و منها: خبر عبید بن زرارة عن أبی عبداللّه علیه السلام فی عبد بین رجلین زوّجه أحدهما و الآخر لا یعلم، ثمّ انّه علم بعد ذلک، أله أن یفرّق بینهما؟ قال: للذی لم یعلم و لم یأذن أن یفرّق بینهما و إن شاء ترکه علی نکاحه.(7)

ص: 204


1- 1 . کما ذکرها فی هامش الکافی 10/771 طبع دارالحدیث.
2- 2 . التهذیب 7/389.
3- 3 . الوافی 21/415.
4- 4 . وسائل الشیعة 20/280، ح3، الباب 7 من أبواب عقد النکاح.
5- 5 . رجال النجاشی /28، رقم 56.
6- 6 . وسائل الشیعة 21/190، ح1، الباب 70 من أبواب نکاح العبید و الأماء.
7- 7 . وسائل الشیعة 21/116، ح1، الباب 25 من أبواب نکاح العبید و الأماء.

الروایة ضعیفة بعبد العزیز بن عبداللّه العبدی لأنّ النجاشی(1) ضعّفه.

ولکن الشیخ الأعظم(2) رحمه الله ناقش فی هذه الفحوی بالنص الوارد فی الردّ علی العامة الذین فرّقوا بین تزویج الوکیل المعزول مع جهله بالعزل و بین بیعه حیث أنّهم ذهبوا إلی الصحة فی البیع مستدلاًِّ بأنّ المال له عوض، و إلی البطلان فی النکاح لأنّ البُضْع لیس له عوض. ولکن فی النص ردّ الإمام علیه السلام علیهم بأنّ مقتضی الاحتیاط فی النکاح لتکوُّن الولد منه هو الصحة و هو اُولی بالاحتیاط فیحکم بصحته، فحینئذ صار الاستدلال علی عکس الفحوی المذکورة بأنّ فی کلِّ مورد صحت المعاملة المالیة صح النکاح و لا عکس، و الفحوی مبتنیّةٌ علی عکسه فلا یتم.

و بعبارة أُخری: النص یدل فی کلّ مورد صحّت المعاملات المالیة صحّ النکاح، فالبیع أصل و النکاح فرع و لا یمکن إثبات حکم الأصل بإثباته فی الفرع. و الفحوی المذکورة علی عکسه تقول بأنّ لو صح النکاح لصحت المعاملات المالیة فالنکاح أصل و البیع فرع، و أنت تری بأنّ النص یعارض الفحوی المدعاة.

و أمّا النص: فَهُوَ ماجاءَ فی حَسَنَةِ العَلاءِ بنِ سیابة قال: سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن امرأة وکّلت رجلاً بأن یزوّجها من رجل فقبل الوکالة فأشهدت له بذلک، فذهب الوکیل فزوّجها، ثمّ إنّها أنکرت ذلک الوکیل و زعمت أنّها عزلته عن الوکالة فأقامت شاهدین أنّها عزلته، فقال: ما یقول من قبلکم فی ذلک؟

قال: قلت: یقولون: ینظر فی ذلک فإن کانت عزلته قبل أن یزوّج فالوکالة باطلة و التزویج باطل، و إن عزلته و قد زوّجها فالتزویج ثابت علی ما زوّج الوکیل، و علی ما اتفق معها من الوکالة إذا لم یتعدّ شیئا ممّا أمرت به و اشترطت علیه فی الوکالة.

قال ثمّ قال: یعزلون الوکیل عن وکالتها و لم تعلمه بالعزل؟

قلت: نعم، یزعمون أنّها لو وکّلت رجلاً و أشهدت فی الملأ و قالت فی الملأ(3):

ص: 205


1- 1 . رجال النجاشی /244، رقم 641.
2- 2 . المکاسب 3/256 و ما بعده.
3- 3 . فی المطبوعة من وسائل الشیعة، طبعة آل البیت 19/163: «النملأ».

أشهدوا أنّی قد عزلته، أبطلت وکالته بلا أن یعلم بالعزل و ینقضون جمیع ما فعل الوکیل فی النکاح خاصة، و فی غیره لایبطلون الوکالة إلاّ أن یعلم الوکیل بالعزل، و یقولون: المال منه عوض لصاحبه و الفرج لیس منه عوض إذا وقع منه ولد.

فقال علیه السلام : سبحان اللّه ما أجور هذا الحکم و أفسده إنّ النکاح أحری و أحری أن یحتاط فیه و هو فرج و منه یکون الولد، إنّ علیّا علیه السلام أتته امرأة استعدته(1)(2) علی أخیها: فقالت: وکّلتُ أخی هذا بأن یزوجّنی رجلاً و أشهدتُ له ثمّ عزلته من ساعته تلک، فذهب فزوّجنی ولی بیّنةٌ أنّی عزلته قبل أن یزوِّجنی فأقامت البینة، فقال الأخ: یا أمیرالمؤمنین إنّها وکّلتنی و لم تُعلمنی أنّها عزلتنی عن الوکالة حتّی زوّجتها کما أمرتنی.

فقال علیه السلام لها: ما تقولین؟ قالت: قد أعلمته یا أمیرالمؤمنین، فقال لها: ألک بینة بذلک؟ فقالت: هؤلاء شهودی یشهدون، قال لهم: ما تقولون؟ قالوا: نشهد إنّها قالت: اشهدوا إنّی قد عزلت أخی فلانا عن الوکالة بتزویجی فلانا و إنّی مالکة لأمری قبل أن یزوِّجنی فلانا، فقال: أشهدتکم علی ذلک بعلم منه و محضر؟ قالوا: لا، قال: فتشهدون أنّها أعلمته العزل کما أعلمته الوکالة؟ قالوا: لا.

قال: أری الوکالة ثابتة و النکاح واقعا، أین الزوج؟ فجاء، فقال: خذ بیدها بارک اللّه لک فیها.

قالت: یا أمیرالمؤمنین أحلفه أنّی لم أعلمه العزل و أنّه لم یعلم بعزلی إیّاه قبل النکاح.

فقال: و تحلف؟ قال: نعم یا أمیرالمؤمنین فحلف و أثبت وکالته و أجاز النکاح.(3)

أقول: عَبَّرْتُ عن الروایة بالحسنة لأنّ سند الصدوق إلی العلاء بن سیابة صحیح، وَ قَدْ رَوی عنه أصحاب الإجماع نحو أبان بن عثمان و محمّد بن أبی عمیر و غیرهما و له

ص: 206


1- 1 . فی المطبوعة من وسائل الشیعة، طبعة آل البیت: «تستعدیه».
2- 2 . استعداه: استغاثه و استنصره. [قاموس اللغة].
3- 3 . الفقیه 3/84، ح3383، التهذیب 6/214، ح5، و نقل عنهما فی وسائل الشیعة 19/163، ح2، الباب 2 من أبواب کتاب الوکالة.

19 روایة فی الکتب الأربعة فلا یبعد القول بأنّه من المعاریف و لم یرد فیه قدح فهو معتبر أو لاأقل من حسنه. و سند الشیخ إلی العلاء أیضا صحیح.

و الوکالة عندنا عقد جائز من الطرفین فللوکیل أن یعزل نفسه مع حضور الموکّل و غیبته و کذا للموکِّل أن یعزل الوکیل، ولکن انعزاله مشروط ببلوغه إیّاه، فلو أنشأ عزله ولکن لم یطلّع الوکیل علیه لم ینعزل فلو أمضی أمرا قبل أن یبلغه العزل کان نافذا.

و الروایة ردّ علی العامة من حیث أنّهم یفرّقون بین النکاح و غیره و یبطلون الوکالة فی النکاح بالعزل ولو لم یطلّع علیه الوکیل، و فی غیره لا یبطلون الوکالة إلاّ باطلاع الوکیل علی عزله بدعوی أنّ «المال منه عوض لصاحبه و الفرج لیس منه عوض»، و تعّجب الإمام علیه السلام من هذا التفصیل الباطل و قال علیه السلام : «سبحان اللّه، ما أجور هذا الحکم و أفسده إنّ النکاح أحری و أحری أن یحتاط فیه و هو فرج و منه یکون الولد».

و أنت تری بأنّ مَصَبَّ الروایة ردّ تفصیل العامة بین النکاح و غیره فی الوکالة فأین هذا من وهن المدعی فی کلام الشیخ الأعظم بأنّها تدل علی عکس الفحوی؟!

و کذا لا یتم تعبیره عنها بالصحیحة(1) مع ما عرفت فی سندها. و لا یتم توجیهه(2) فی الاحتیاط الوارد فی کلام الإمام علیه السلام بالنسبة إلی النکاح من حمله علی الاحتیاط الإضافی لا الاحتیاط التام المدرِک به الواقع بل الإمام یکون فی مقام نفی تفصیلهم المبتنی علی الاستحسان فأرشدهم إلی جانب الاحتیاط تقیةً و جدلاً علیهم ثمّ ذکر لهم قضاء علی علیه السلام و حکمه بصحة النکاح ردّا علی تفصیلهم. فالمراد بالاحتیاط فی الروایة لیس احتیاطا إضافیا بل هو احتیاط جَدَلِّیٌّ و تقیَّتیٌّ حیث لم یتمکن من الردّ علیهم صریحا و الشاهد علیه تمسّکه علیه السلام بقضاء علی علیه السلام المقبول عندهم.(3)

و إلاّ الاحتیاط التام فی النکاح إمّا یکون بالطلاق أو بتجدید العقد علیها أو بإجازتها قبل ردّها کما هو الواضح.

ص: 207


1- 1 . المکاسب 3/358.
2- 2 . المکاسب 3/357.
3- 3 . کما یظهر من المحقّق الاصفهانی 2/91.

و بالجملة: الروایة لم توهن الفحوی و لم تکن صحیحة الإسناد و الاحتیاط فیها لم یکن الاحتیاط الاضافی بل یکون ردّا لاستحسانهم و هو احتیاط جدلّیّ و تقیّتیٌّ. فالفحوی تامة فی المقام تصحح بیع الفضولی کما علیه جمع من الأعلام و لا تتم القاعدة المدعاة من الشیخ الأعظم رحمه الله علی عکس الفحوی المذکورة بأنّ «إمضاء العقود المالیة یستلزم امضاء النکاح من دون العکس»(1).

ص: 208


1- 1 . المکاسب 3/358.

الوجه الخامس: ما ورد فی عامل المضاربة

لو خالف ما شرط علیه من تعیین السلعة الخاصة فاشتری غیرها أو المنع من السفر إلی مدینة خاصة فسافر أو المنع من المعاملة مع أشخاص معدودین فَاتَّجَرَ معهم و نحوها یکون العامل ضامنا و علیه الخسارة ولکن الربح بینهما علی ما شرطاه، و تقسیم الربح بینهم متوقف علی أحد الأمرین:

أ: بعد ظهور الربح یرضی المالک، و الرضا کاف عند الشیخ الأعظم ولو لم یکن فی البین استناد و إجازة، فیستأنس بها لصحة بیع الفضولی لاشتراکه مع مورد الروایات فی عدم لزوم الإذن السابق فی نقل المال.

ب: الإجازة اللاحقة من المالک تصحح معاملة العامل السابقة، و هذا یعنی صحة بیع الفضولی بعد تعقّبه بالإجازة.

قال الشیخ الأعظم ما نصه: «فإنّها اُبقیت علی ظاهرها من عدم توقف ملک الربح علی الإجازة _ کما نسب إلی ظاهر الأصحاب(1) و عدّ هذا خارجا عن بیع الفضولی بالنص کما فی المسالک(2) و غیره(3)_ کان فیها استئناس لحکم المسألة، من حیث عدم اعتبار إذن المالک سابقا فی نقل مال المالک إلی غیره.

و إن حملناها علی صورة رضا المالک بالمعاملة بعد ظهور الربح _ کما هو الغالب و مقتضی الجمع بین هذه الأخبار و بین مادلّ علی اعتبار رضا المالک فی نقل ماله و النهی عن أکل المال بالباطل _ اندرجت المعاملة فی الفضولی.

و صحّتها فی خصوص المورد و إن احتمل کونها للنص الخاص، إلاّ أنّها لا تخلو

ص: 209


1- 1 . راجع: جامع المقاصد 8/110، و المسالک 4/353، و الروضة 4/213، و ملاذ الأخیار 11/337 للعلاّمة محمّدباقر المجلسی، و ریاض المسائل 9/346، و المناهل /207، و المقابس، کتاب البیع /26، و الجواهر 26/354.
2- 2 . المسالک 4/352.
3- 3 . الحدائق 21/207، المناهل /207.

عن تأییدٍ للمطلب»(1).

هذا هو استدلال الشیخ الأعظم فی المقام.

و أمّا الروایات الواردة فکثیرة:

منها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام قال: سألته عن الرجل یعطی المال مضاربة و ینهی أن یخرج به فخرج؟ قال: یضمن المال و الربح بینهما.(2)

و منها: صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام أنّه قال فی الرجل یعطی المال فیقول له: أئت أرض کذا و کذا و لا تجاوزها و اشتر منها، قال: فإن جاوزها و هلک المال فهو ضامن، و إن اشتری متاعا فوضع فیه فهو علیه و إن ربح فهو بینهما.(3)

و منها: صحیحة الکنانی قال: سألت أباعبداللّه علیه السلام عن المضابة یعطی الرجل المال یخرج به إلی الأرض، و ینهی أن یخرج به إلی غیرها، فعصی فخرج به إلی أرض اُخری فعطب المال؟ فقال: هو ضامن، فإن سلم فربح فالربح بینهما.(4)

و منها: موثقة جمیل عن أبی عبداللّه علیه السلام فی رجل دفع إلی رجل مالاً یشتری به ضربا من المتاع مضاربة فذهب فاشتری به غیر الذی أمره، قال: هو ضامن و الربح بینهما علی ما شرط.(5)

و منها: موثقة أبی بصیر عن أبی عبداللّه علیه السلام فی الرجل یعطی الرجل مالاً مضاربة و ینهاه أن یخرج إلی أرض اُخری فعصاه، فقال: هو له ضامن و الربح بینهما إذا خالف شرطه و عصاه.(6)

و منها: خبر زید الشحام عن أبی عبداللّه علیه السلام فی المضاربة إذا أعطی الرجل المال و

ص: 210


1- 1 . المکاسب 3/359.
2- 2 . وسائل الشیعة 19/15، ح1، الباب 1 من أبواب کتاب المضاربة.
3- 3 . وسائل الشیعة 19/15، ح2.
4- 4 . وسائل الشیعة 19/17، ح6.
5- 5 . وسائل الشیعة 19/18، ح9.
6- 6 . وسائل الشیعة 19/18، ح10.

نهی أن یخرج بالمال إلی أرض اُخری فعصاه فخرج به، فقال: هو ضامن و الربح بینهما.(1)

الروایة ضعیفة الإسناد بأبی جمیلة المفضل بن صالح.

و منها: صحیحة اُخری للحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام أنّه قال فی المال الذی یعمل به مضاربة: له مِنْ الربح و لیس علیه من الوضیعة شی ء، إلاّ أن یخالف أمر صاحب المال، فإنّ العباس کان کثیر المال و کان یعطی الرجال یعملون به مضاربة و یشترط علیهم أن لا ینزلوا بطن وادٍ، و لا یشتروا ذا کبد رطبة فإن خالفت شیئا ممّا أمرتک به فأنت ضامن للمال.(2)

قال الشیخ أسداللّه التستری قدس سره بعد نقل موثقة جمیل الماضیة: «و یعضدها أخبار أُخَرُ قد عمل بها الأصحاب بلا خلاف یعرف بینهم، و وجه الاستدلال بها: أنّ العامل لم یکن وکیلاً فی تلک المعاملة، فلو بطل عقد الفضولی لبطل عقد العامل هنا أیضا، فوجب ردّ کلٍّ إلی صاحبه و لم یجز تقسیم الربح بینهما کما دلّت علیه _ أی علی تقسیم الربح بینهما _ الروایة، فهی محمولة علی تحقق الإجازة مع الربح کما هو الغالب دون الخسران، و إنّما قُسِّم الربح بینهما بناءً علی اطلاق عقد المضاربة و تعلِّقه بکلِّ عقدٍ صحیحٍ وقع بذلک المال برضا المالک سابقا أو لاحقا. و فی هذا کلامٌ یُبَیِّنُ فی محلِّه»(3).

و قال صاحب الجواهر رحمه الله فی کتاب المضاربة من کتابه فی ما إذا خالف العاملُ ما شرطه ربُّ المال علیه: «لم یمض إلاّ مع إجازة المالک، لکونه تصرفا قد وقع بدون إذن المالک، و هو غیر باطل عندنا و إنّما فضولیٌّ، فإن أجاز نفذ»(4).

أقول: لابدّ أوّلاً من توضیح محتملی کلام الشیخ الأعظم قدس سره ثمّ نقدهما:

أمّا الاحتمال الأوّل:

فحکم الإمام علیه السلام بتقسیم الربح فی عقد المضاربة التی خالف العامل فیها ما شرط

ص: 211


1- 1 . وسائل الشیعة 19/18، ح11.
2- 2 . وسائل الشیعة 19/17، ح7.
3- 3 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /26.
4- 4 . جواهر الکلام 26/351.

علیه صاحب المال، مع عدم التنبیه علی أنّ العامل لابدّ له من أخذ الإجازة من المالک فی هذه المعاملات المنهی عنها، فَهُوَ ظاهِرٌ فی اختصاص المضاربة بحکم تعبدیّ و هو صحة هذه المعاملات بلا توقف علی إجازة المالک، و إذا صحت معاملة من دون استیذان من المالک، یمکن أن یصحح بیع الفضولی من دون الإجازة السابقة و من دون النهی السابق من المالک مع الإجازة المتأخرة و لعلّ هذا هو المراد من الاستیناس فی کلامه رحمه الله .

و فیه: استفادة الاستیناس من هذه الروایات لایتم، لأنّ مع عدم لحوق إجازة ربّ المال یستفاد منها أنّ المورد من الموارد التی یکون التصرف فی مال الغیر نافذا بلا إذن مالکه أو إجازته اللاحقة کنفوذ التصدّق بالمال المجهول مالکه و کبیع الوکیل قبل بلوغ عزله إلیه، هذا أوّلاً.(1)

و ثانیا: علی فرض وجود الاستیناس، فَهُوَ لا یفید إلاّ الظن، و الظن لا یغنی من الحقّ شیئا.(2)

و ثالثا: اشتراک مورد النصوص مع العقد الفضول فی عدم اقتران العقد بإذن المالک لا یتقضی الاتحاد من جمیع الجهات، و الا لایحتاج عقد الفضولی حتّی إلی الإجازة اللاحقة، لفقدانها فی مورد النصوص.(3)

و أمّا الاحتمال الثانی:

فَتوضیحه: أنّ الغرض الواقعی من المضاربة هو تنمیة المال و إزدیاده، ولو شرط المالک علی العامل شروطا یراها أفضل لحصول هذا الغرض، ولو تخلف العامل و حصل علی الربح ظهر خطاء المالک و رضی بتصرفاته کما یظهر من المحقّق و الشهید الثانیین.(4)

و کذلک اقتضاء الجمع العرفی بین الضرورة الفقهیة و إطلاق نصوص المضاربة

ص: 212


1- 1 . یظهر من شیخنا الاُستاذ قدس سره فی إرشاد الطالب 3/305.
2- 2 . کما یظهر من المحقّق السیّد الخوئی فی مصباحه 4/52.
3- 3 . کما یظهر من المحقّق السیّد الخوئی فی مصباحه 4/52.
4- 4 . جامع المقاصد 8/85، و المسالک 4/353، و حاشیة المکاسب 2/221 للمحقّق الإیروانی، و حاشیة العروة الوثقی 5/165 للسیّد البروجردی.

یدلّنا علی حمل هذه النصوص علی صورة إجازة المالک بعد ظهور الربح، خصوصا بعد مطالبته بالربح فتکون إجازة عملیة فی نفوذ تصرفات العامل.

فلا یکون تملّک الربح فی نصوصها تعبّدا محضا.(1)

و فیه: بعد قبول الفضولیة فی هذه المعاملة لابدّ أن یکون تمام الربح للمالک، لا بعضها المقرَّر لأنّ عقد المضاربة بتعدی النهی تکون باطلة، فیصیر تصرفات العامل فضولیة و أجازها المالک فصارت صحیحة و تمام الربح یکون له، و لایستحق العامل حتّی اُجرة المثل، لأنّ عمله لم یصدر بأمر من المالک و لا إذنه.(2)

بعبارة أُخری: إنّ ما وقع علیه عقد المضاربة بین المالک و العامل، لم یوجده العامل لتخلفه عن الشروط، و ما اُوجده العامل غیر مربوط بالمضاربة بل هو عقد فضولی آخر فإن أجازه المالک ینتسب إلیه و الربح کلّه له، و إن لم یجزه بطل من أصله.

مضافا إلی أن لو صحت الإجازة اللاحقة المضاربة السابقة، لابدّ أن یکون التلف و الخسران علی المالک _ کما هو کذلک فی المضاربة _ لا علی العامل، مع أنّ النص یجعله علی العامل فقط.(3)

فحینئذ لابدّ من القول فی هذه الروایات بأنّها محمولة علی التعبد المحض و تختص بباب المضاربة فقط(4) و لا یمکن التعدی منها إلی غیرها من الأبواب نحو: الوکالة و البیع.

ص: 213


1- 1 . کما یظهر من المحقّق المروج فی هدی الطالب 4/433.
2- 2 . کما یظهر من شیخنا الاُستاذ قدس سره فی إرشاد الطالب 3/305 و قبله السیّد الخوئی فی مصباحه 4/52.
3- 3 . کما علیه المحقّق الخوئی فی مصباحه 4/53.
4- 4 . کما یظهر من الشیخ محمّد الحسین کاشف الغطاء و المحقّق العراقی فی تعلیقهما علی العروة الوثقی 5/165 و شیخنا الاُستاذ قدس سره فی إرشاده 3/311.

وجهان لتطبیق الروایات علی القواعد

الأوّل: ما ذکره صاحب العروة

قال الفقیه السیّدُ الیزدی رحمه الله : «فالاُولی أن یقال: إنّ مجرد منع المالک عن تصرف خاص أو السفر إلی جهة خاصة لایستلزم عدم الرخصة فی المعاملة، و بعبارة اُخری یمکن أن یکون منعه منعا تکلیفیا منه، لا وضعیّا حتّی یستلزم کون التصرف غیر مأذون فیه بالإذن الوضعی، و إن شئت فقل إنّها محمولة علی صورة تعدد المطلوب، فالضمان إنّما هو من جهة المخالفة فی المطلوب الثانی، و کون المعاملة صحیحة و الربح بینهما من جهة الموافقة فی المطلوب الأوّل و هو أصل التجارة المربحة و یشیر إلی ذلک ذیل صحیحة الحلبی(1) المشتملة علی قضیة العباس فإنّ ظاهره أنّه کان یشترط الضمان مع بقاء الإذن فی التجارة فیکون المراد من الاشتراط فیها الضمان لا تخصیص مورد الإذن فی التجارة و التقیید فیه، و علی هذا فلا دخل لها بمسألة الفضولی أصلاً»(2).

و تبعه المحقّق الاصفهانی فی حاشیته علی المکاسب.(3)

و یرد علیه: أوّلاً: بالنسبة إلی حمله المنع علی التکلیف لا الوضع، یمکن القول به فی العقود اللازمة بأن اشتراط العمل الخاص علی أحد المتعاقدین خارجا عن المعاملة فی ما إذا کان مدلول المعاملة أمرا مغایرا لإلزام الطرف کما إذا باع شیئا و اشترط علیه عدم تملیکه إلی شخص خاص، یمکن القول بصحه البیع و هذا الاشتراط یکون تکلیفا علی المشتری.

و أمّا فی العقود الإذنیة _ التی عقد المضاربة منها _ فَلا یمکن هذا الحمل التکلیفی، لأنّ الإذن ینافی مع التکلیف، فلا یتم الحمل علی التکلیف فی المضاربة و لابدّ من حمله علی التقیید و عدم صحة المضاربة إذا خالف الشرط، فیحنئذ تکون الروایات الواردة علی تقسیم الربح علی خلاف القواعد.

ص: 214


1- 1 . وسائل الشیعة 19/17، ح7.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/117
3- 3 . حاشیته علی المکاسب 2/93.

و ثانیا: بالنسبة إلی تعدد المطلوب، ظهر عدم إمکان الأخذ به، لأنّه لابدّ من حمل النهی علی التقیید و بعد التقیید یحکم بعدم صحة المضاربة إذا خالف الشرط، و هذا یعنی عدم تعدد المطلوب بل تکون هنا مضاربة مقیّدة بشروط، فاذا خالف الشرط لا تکون مضاربة أصلاً، فلا یتم تعدد المطلوب.

الثانی: مقالة المحقّق الإیروانی رحمه الله :

قال: «... بل من المحتمل قویّا وجود الرضا المقارن من ربّ المال بالمعاملة و إنّما قصّر إذنه بغیرها زعما منه أنّ المعاملة لیست معاملة رابحة فبعد ما انکشف أنّها رابحة ظهر أنّها کانت مشمولة لرضاه من ابتداء الأمر، و إن کانت خارجة عن مورد إذنه الصریح، هذا فی صورة الربح.

و أمّا فی صورة الخسران فقد حکم الإمام علیه السلام بأنّ العامل ضامن و معنی ضمانه هو تتمیمه لرأس المال فإمّا من کیسه مع إبقاء المعاملة أو بردّ المعاملة، و المالک راض فی صورة التتمیم من ماله بإبقاء المعاملة علی حالها»(1).

أقول: یرجع بیانه رحمه الله إلی الخطأ فی التطبیق و تخیّله عدم وجود النفع فی المنهی عنه، مع وجوده فیه واقعا.

و فیه: أوّلاً: لا یمکن القول بالخطأ فی التطبیق فی جمیع الموارد المنهی عنها، نعم فی موارد العلم بمطلق الاسترباح تجری و أمّا فی غیرها فلا، و یمکن أن ینهی المالک من تجارة فیها حضاضة عرفیة نحو الإتجار مع الکفار أو بیع السلاح أو المخدرات و نحوها، و فی هذه الفروض لایتم القول بالخطأ فی التطبیق.

و ثانیا: فی موارد العلم بمطلق الاسترباح لعلّ المعاملة التی عمل بها العامل یکون أقلّ ربحا من غیرها فلا یحصل غرض استرباح المالک، فلا یتم کبری الخطأ فی التطبیق حتّی فیها.

و ثالثا: لا دلیل علی اتباع غرض المالک فی العقود و الإیقاعات ما لم یبرز بمظهر

ص: 215


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/221.

خارجی و إلاّ یصح ذلک فی جمیع الموارد و یلزم منه تأسیس فقه جدید کما هو الواضح.(1)

و رابعا: کون الخسران علی العامل فی مورد الروایات لیس من ناحیة الاشتراط و إلاّ کان تخلفه موجبا للخیار، لا کون الوضیعة علی العامل، بل هو من قبیل اشترطا کون الوضیعة علی العامل فی صورة المخالفة إن اتفقت(2)، و إحراز رضایة المالک بعد جبران الخسارة من مال العامل بإبقاء المعاملة علی حاله دون إثباته خرط القتاد.

و الحاصل: لا یمکن من هذه الروایات استفادة صحة بیع الفضولی، بل هی نصوص تعبدیة یأخذ بها فی مورد خاصٍّ لصحة أسنادها و تمامیة دلالتها و عمل الأصحاب بها کما مرّ و لایمکن تطبیقها علی القواعد العامة فی الفقه، فیعمل بها علی الْقَدرِ المتیقن منها و اللّه العالم.

ص: 216


1- 1 . کما عن المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله فی مصباحه 4/55.
2- 2 . کما عن المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله فی مصباحه 4/56.

الوجه السادس: الروایات الواردة فی الاِتِّجار بمال الیتیم

قال المحقّق فی مَنْ تجب علیه الزکاة: «فالبلوغ یعتبر فی الذهب و الفضة إجماعا. نعم، إذا اتَّجرَ له مَنْ إلیه النظر استُحِبَّ له إخراج الزکاة من مال الطفل. و إن ضمنه و اتجَّرَ لنفسه و کان ملیّا و کان الربح له و یُسْتَحَبُّ له الزکاة، أمّا لو لم یکن ملیّا أو لم یکن ولیّا کان ضامنا و للیتیم الربح و لا زکاة هنا»(1).

فی الفرض الثانی من الأخیر فی کلام المحقّق قدس سره بأنّ المُتاجِر بمال الیتیم لو لم یکن الولیّ غنیّا أو لم یکن المتاجِر ولیّا کان ضامنا لماله و الربح للیتیم و لا زکاة هنا، ذهب جماعة من الفقهاء تبعا للشهید فی الدروس(2) من أنّ التجارة کانت بإذن الولی بعدها فتصیر من أفراد الفضولی.

منهم: المحقّق الثانی(3) و الشهید الثانی(4) و السیّد محمّد العاملی(5) و صاحب الحدائق(6) و صاحب الجواهر(7).

ولو حملت الروایات علی إطلاقها _ کما عن جماعة ممّن تقدّم _ لم تکن من أفراد الفضولی ولکن یستأنس بها له بما مرّ من عدم اعتبار الإذن السابق من المالک فی نقل ماله إلی الغیر، و لأنّ صحة الاتّجار بمال الغیر بدون إذن سابق و لا إجازة لاحقة یقتضی صحتها بعد الإجازة بطریق اُولی.

و من هذه الجماعة المتقدّمة: الشیخ(8) و ابن ادریس(9) و المحقّق(10) و العلاّمة(11)

ص: 217


1- 1 . الشرائع 1/128.
2- 2 . الدروس 1/229.
3- 3 . جامع المقاصد 3/5.
4- 4 . المسالک 1/375.
5- 5 . المدارک 5/30.
6- 6 . الحدائق 12/26.
7- 7 . الجواهر 15/23 طبعة اسلامیة.
8- 8 . النهایة /175، المبسوط 1/234.
9- 9 . السرائر 1/441.
10- 10 . الشرائع 1/128.
11- 11 . تذکرة الفقهاء 5/14، القواعد 1/329.

و ابنه(1). و تبعهم سیّد الریاض(2).

ولو حملت الروایات علی إِطلاقها ربما احتمل(3) دخولها فی مسألة الفضولی بأنّ الحکم بالصحة إجازة إلهیّة لاحقة للمعاملة، فتأمل.

هذه مقالة الشیخ الأعظم(4) حول هذا الوجه. و أمره بالتأمل لَعَلَّهُ إشارة إلی أنّ حکم الشارع أجنبیٌّ عن الإجازة اللاحقة للعقد لأنّه ثابت حین العقد و قبله و لیس حادثا بعد العقد حتی عُدّ من الإجازة اللاحقة، أو أنّ مورد عقد الفضولی هو إجازة مالک أمر العقد التی تکون جزء السبب المملِّک دون الشارع الذی تکون إجازته حکم العقد التام.(5) أو أنّ قیاس إذن مالک الحقیقی بإجازة مالک الاعتباری مع الفارق.

و قال قبله الشیخ جعفر کاشف الغطاء قدس سره : «و کذا [فیما دلّ علی حکم صحة الفضولی] الأخبار الواردة فی اقتراض مال الصبی _ مع عدم الإذن الشرعی _ لیتّجر به الدالة علی أنّ الربح للصبی و تطبیقها علی القواعد باشتراط الإجازة ممّن له أهلیتها أو بإغناء الموافقة للمصلحة الشرعیة عنها، اُولی من طرحها أو الجمود علیها فی مخالفة القاعدة»(6).

نقل صاحب الجواهر(7) عین عبارة اُستاذه الشیخ جعفر رحمهماالله .

ص: 218


1- 1 . إیضاح الفوائد 1/167.
2- 2 . ریاض المسائل 5/38.
3- 3 . الُمحْتَمِلُ هو الشیخ جعفر کاشف الغطاء فی شرحه علی القواعد 2/75 و تبعه تلمیذه صاحب الجواهر 23/450 (22/277).
4- 4 . راجع المکاسب 3/360.
5- 5 . کما ذکره المحقّق المروج فی هدی الطالب 4/442.
6- 6 . شرح القواعد 2/75.
7- 7 . الجواهر 23/450 (22/277).

و قال تلمیذه الآخر جدنا الشیخ محمّد تقی قدس سره : «... ولو لا صحة العقد حینئذ مع الإجازة لما أمکن تصحیح ذلک، فإنّ مقتضی الفساد تغریم المتصرف لمال الصبی لضمانه بالتصرف المذکور، و العوض إلی مالکه، فتملّک الصبی الربح مبنیٌّ فی(1) صحة العقد من جهة الإجازة و إن لم یصرّح به فی الروایة أو بعد حصول الربح یکون مصلحة للیتیم فیجیزه الولیّ»(2).

و قال السیّد محمّد بحرالعلوم رحمه الله : «و منها: ما ورد مستفیضا _ و فیه الصحیح و المعتبر _ فیمن اتّجر بمال الطفل لنفسه بغیر إذن ولیّه أنّه یضمن المال و الربح للطفل أو الیتیم، و التقریب فیه ما تقدّم حرفا بحرف»(3).

أقول: هاهنا مقامان من البحث:

المقام الأوّل: حکم التجارة بمال الیتیم بمقتضی القواعد الشرعیة الأوّلیة

التجارة بماله تارة تکون من الولیّ و اُخری من الأجنبیّ:

أمّا تصرّف الولی فهو علی قسمین:

أ: تارة یستقرض مال الیتیم و یتّجر به لنفسه، فیکون ضامنا لمال الیتیم بضمان القرض و تنتسب التجارة للولی و الربح یکون له. و النصوص أیضا تدلّ علی صحة هذا التصرف کما یأتی.

ب: اُخری یتصرف الولیّ فی مال الیتیم و یتّجر به للیتیم مضاربة بأنّ یجعل سهما من الربح له أو حتّی کلّه له، و لا شبهة فی صحة هذا التصرف لأنّه کان بمقضی ولایته، و لا ضمان علی الولیّ حینئذ لعدم الضمان علی الأمین و المحسن.

أمّا تصرّف الأجنبی فأیضا یکون علی قسمین:

أ: تارة یتعامل بثمن ما فی ذمّته ثم یسدّده من مال الیتیم، فمقتضی القواعد ضمانه بالنسبة إلی مال الیتیم لأنّه یتصرف فیه من دون إذن، و صحة معاملة المتعامل لنفسه و

ص: 219


1- 1 . کذا فی المطبوعة، و الاُولی تبدیله ب_«علی».
2- 2 . تبصرة الفقهاء 3/334.
3- 3 . بلغة الفقیه 2/214 و نقل عنه السیّد الخوئی فی مصباحه 4/58 و ردّ علیه.

تملّکه للربح.

ب: و اُخری یتعامل بعین مال الیتیم فمعاملته هذه تکون فضولیة و یتوقّف صحتها علی إجازة الولیّ فإن أجازها صحت و إلاّ تکون فاسدة.

هذا کلّه فی المقام الأوّل.(1)

المقام الثانی: ما یستفاد من النصوص فی حکم الإتجار بمال الیتیم

لابدّ أوّلاً من سرد الروایات ثمّ بیان ما یستفاد منها وَ هِیَ کثیرة:

منها: معتبرة أو صحیحة سعید السّمان قال: سمعت أباعبداللّه علیه السلام یقول: لیس فی مال الیتیم زکاة إلاّ أن یتّجر به، فإن اتّجر به فالربح للیتیم، و إن وضع فعلی الذی یتّجر به.(2)

و منها: صحیحة زرارة و بکیر عن أبی جعفر علیه السلام قال: لیس علی مال الیتیم زکاة إلاّ أن یتّجر به، فإن اتّجر به ففیه الزکاة و الربح للیتیم، و علی التاجر ضمان المال.(3)

و منها: معتبرة أبی الربیع قالت: سُئل أبو عبداللّه علیه السلام عن الرجل یکون فی یدیه لأخ له یتیم و هو وصیّه أیصلح له أن یعمل به؟ قال: نعم، کما یعمل بمال غیره و الربح بینهما، قال: قلت: فهل علیه الضمان؟ قال: لا، إذا کان ناظرا له.(4)

و منها: موثقة منصور الصیقل قال: سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن مال الیتیم یعمل به؟ قال: فقال: إذا کان عندک مالٌ و ضمنته فلک الربح و أنت ضامن للمال، و إن کان لا مال لک و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال.(5)

و منها: معتبرة أسباط بن سالم قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : کان لی أخ هلک، فأوصی إلی أخ أکبر منّی و أدخلنی معه فی الوصیة و ترک ابنا له صغیرا و له مال، أفیضرب

ص: 220


1- 1 . العقد النضید 3/79.
2- 2 . وسائل الشیعة 9/87، ح2، الباب 2 مَنْ أبواب من تجب علیه الزکاة.
3- 3 . وسائل الشیعة 9/89، ح8.
4- 4 . وسائل الشیعة 9/89، ح6.
5- 5 . وسائل الشیعة 9/89، ح7.

به أخی؟ فما کان من فضل سلّمه للیتیم و ضمّن له ماله؟ فقال: إن کان لأخیک مال یحیط بمال الیتیم إن تلف فلا بأس به، و إن لم یکن له مال فلا یعرض لمال الیتیم.(1)

و منها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی عبداللّه علیه السلام فی مال الیتیم، قال: العامل به ضامن و للیتیم الربح إذا لم یکن للعامل مال، و قال: إن عطب أدّاه.(2)

و منها: صحیحة ربعی بن عبداللّه عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: فی رجل عنده مال الیتیم، فقال: إن کان محتاجا و لیس له مال فلا یمسّ ماله، و إن هو اتجر به فالربح للیتیم و هو ضامن.(3)

و منها: خبر أسباط بن سالم قال: سألت أبا عبداللّه علیه السلام فقلت: أخی أمرنی أن أسألک عن مال الیتیم فی حجره یتّجر به؟ فقال: إن کان لأخیک مال یحیط بمال الیتیم إن تلف أو أصابه شی ء غرمه له و إلاّ فلا یتعرض لمال الیتیم.(4)

سند الروایة علی القول باعتبار سهل بن زیاد معتبر.

و منها: صحیحة منصور بن حازم عن أبی عبداللّه علیه السلام فی رجل ولیّ مال یتیم أیستقرض منه؟ فقال: إنّ علی بن الحسین علیه السلام قد کان یستقرض من مال أیتام کانوا فی حجره، فلا بأس بذلک.(5)

و منها: خبر البزنطی قال: سألت أبالحسن علیه السلام عن الرجل یکون فی یده مال لأیتام فیحتاج إلیه فیمدّ یده فیأخذه و ینوی أن یردّ، فقال: لاینبغی له أن یأکل إلاّ القصد و لا یسرف، فإن کان من نیّته أن لا یردّه علیهم فهو بالمنزل الذی قال اللّه عزّوجلّ: «إنّ الذین یأکلون أموال الیتامی ظلما»(6).(7)

ص: 221


1- 1 . وسائل الشیعة 17/257، ح1، الباب 75 من أبواب ما یکتسب به.
2- 2 . وسائل الشیعة 17/257، ح2.
3- 3 . وسائل الشیعة 17/257، ح3.
4- 4 . وسائل الشیعة 17/258، ح4.
5- 5 . وسائل الشیعة 17/258، ح1، الباب 76 من أبواب ما یکتسب به.
6- 6 . سورة النساء /10.
7- 7 . وسائل الشیعة 17/259، ح2.

سند الروایة علی القول باعتبار سهل بن زیاد معتبرٌ.

و منها: مرفوعة زرارة و محمّد بن مسلم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: مال الیتیم إن عمل به الذی وضع علی یدیه ضمن و للیتیم ربحه. قالا: قلنا له: قوله: «و من کان فقیرا فلیأکل بالمعروف»(1) قال: إنّما ذلک إذا حبس نفسه علیهم فی أموالهم فلم یجد نفسه فلیأکل بالمعروف من مالهم.(2)

یظهر من الروایات جواز استقراض الولیّ من مال الیتیم، و کذلک اتّجاره به لنفسه أولهما مضاربة أو للیتیم خاصة لکنّ الإتجار منوط بأنّ للولی مال یحیط بمال الیتیم، فإن کان له مال یحیط بماله یجوز له الإتجار به، و الربح علی ما قصد من أنّه مشترک أو للیتیم و لیس علی الولی ضمان، و ان لم یکن للولی مال یحیط بماله و اتّجر بمال الیتیم یکون الولی ضامنا للخسارة و الربح کلّه یکون للیتیم حینئذ. هذا ما یستفاد من الروایات بالنسبة إلی تصرفات الولی.

و أمّا الأجنبیُّ فَإِنْ کان مأذونا من الولی فی تصرفاته یجری علیه ما جری علی الولیّ طابقا النعل بالنعل و إن لم یکن له الإذن من الولی فلا یجوز له التصرف فی مال الیتیم فیکون ضامنا فی جمیع الأحوال و أمّا الربح الحاصل من تجارته لِمَنْ؟ له أو لهما أو للیتیم خاصة؟ إطلاق الروایات یدلّ علی أنّه للیتیم خاصة نحو: معتبرة أو صحیحة سعید السّمان(3) و صحیحة زرارة و بکیر.(4)

و أنت تری أَنَّ المستفاد من النصوص لا ینطبق علی القواعد الأوّلیة إلاّ فی استقراض الولی من مال الیتیم فقط، فهذه الروایات تؤخذ بها فی موردها الخاص تعبدا.

نعم، فی الفرض الأخیر و هو تصرف الأجنبی من دون الاستیذان من الولی، من

ص: 222


1- 1 . سورة النساء /6.
2- 2 . وسائل الشیعة 17/258، ح5.
3- 3 . وسائل الشیعة 9/87، ح2.
4- 4 . وسائل الشیعة 9/89، ح8.

الحکم بالضمان فی فرض الخسارة و الربح للیتیم کلّه یأتی فیه محتملات الشیخ الأعظم رحمه الله الثلاث، و لذا یمکن أن یکون دلیلاً علی صحة الفضولی علی الاحتمال الأوّل و هو ظهور إذن الولی بعد الربح، أو یستأنس منه الحکم الفضولی علی الاحتمال الثانی کما مرّ، و أمّا الاحتمال الثالث _ و هو الإجازة الالهیّة _ لم یتم بما مرّ.

و الحاصل: نحن مع الشیخ الأعظم رحمه الله و غیره من الأعلام الذی مرّ ذکرهم فی صحة الاستدلال بهذه الروایات و الحمدللّه.

ص: 223

الوجه السابع: روایة موسی بن أشْیَم

(1)

ذکرها الشیخ الأعظم(2) بعنوان المؤیِّد ولکن ظاهر المحقّق التستری(3) الاستدلال بها و جماعة(4) یردّون التأیِیْدَ و الدلالة.

و هی رِوایَةُ موسی بن أشْیَم عن أبی جعفر علیه السلام عن عبدٍ لقوم مأذون له فی التجارة دفع إلیه رجل ألف درهم فقال: اشتر بها نسمة و أعتقها عنّی و حجّ عنّی بالباقی ثمّ مات صاحب الألف فانطلق العبد فاشتری أباه فاعتقه عن المیت و دفع إلیه الباقی یحج عن المیت فحج عنه، و بلغ ذلک موالی أبیه و موإلیه و ورثة المیت جمیعا فاختصموا جمیعا فی الألف، فقال موالی العبد المعتَق: إنّما اشتریتَ أباک بمالنا، و قال الورثة: إنّما اشتریت أباک بمالنا، و قال موالی العبد: إنّما اشتریت أباک بمالنا، فقال أبوجعفر علیه السلام : أمّا الحجة فقد مضت بما فیها لا تردّ، و أمّا المعتَق فهو رُدّ فی الرقّ لموالی أبیه، و أیُّ الفریقین بعد أقاموا البینة علی أنّه اشتری أباه من أموالهم کان له رقا.(5)

و السند ضعیف بموسی بن أشیم لأنّه کان من الخطّابیّة _ و هم طائفة من الغلاة

ص: 224


1- 1 . ضبطه السیّد الجزائری فی شرح التهذیب «اُشَیْم» بضم الهمزة و فتح الشین کما فی هدایة الطالب 3/36. ولکن قال المامقانی: «أشْیَم: بفتح الهمزة و سکون الشین المعجمة و فتح الیاء المثناة من فوق بعدها میم وزان أحْمَر». تنقیح المقال 5/329. و قال ابن منظور فی لسان العرب 12/332: «الأشْیَمُ و شَیْمانُ: اسمان». و ضبطه فی هامش توضیح المشتبه 1/233.
2- 2 . المکاسب 3/361.
3- 3 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /26.
4- 4 . کالسیّد الیزدی فی حاشیته 2/121، و الأصفهانی فی حاشیته 2/94، و الإیروانی فی حاشیته 2/222، و المحقّق النائینی فی منیة الطالب 2/25، و السیّد الخوئی فی مصباحه 4/69، و محاضراته فی الفقه الجعفری 2/331.
5- 5 . وسائل الشیعة 18/280، ح1، الباب 25 من أبواب بیع الحیوان.

منسوبة إلی أبی الخطاب و تزعمون أنّ الأئمة علیهم السلام أنبیاء ثم آلهة _ و قُتل مع أبی الخطاب(1) و ذمّه الصادق علیه السلام و له روایة واحدة.

تقریب الاستدلال أو التأیِیْد: بالنسبة إلی العبد المعتَق ثلاث دعاوی موجودة:

أ: موالی الأب یدعون أنّ العبد المأذون إنّما اشْتُرِیَ بمالهم فیبطل الشراء لأنّه حینئذ یکون الثمن و المثمن من مال واحد فَالْمُعْتَق باق فی ملکهم.

ب: موالی العبد المأذون یدعون أنّ المعتق یشتری من مالهم فهو لهم، و حیث یکون العبد مأذونا فی الشراء لهم فلا یکون حینئذ فضولیا، بناءً علی أن یکون إذنه أو وکالته عامة بحیث یشمل شراء العبید، و إلاّ یکون الشراء بالنسبة إلیهم أیضا فضولیّا.

ج: ورثة المیت یدعون أنّ المعتَق یشتری من أموالهم فهو لهم، و حیث أنّهم لم یجیزوا هذا الشراء من قبل و هم یریدون العبد المعتق فتکون المعاملة بالنسبة إلیهم فضولیّةً، لبطلان الوکالة بموت الموکِّل و انتقال ماله إلی ورثته.

و فی إجابة الإمام علیه السلام حکم أوّلاً بصحة الحج ثمّ رجوع العبد المعتَق (الأب) إلی موإلیه السابق و المدعیان الآخران لابدّ أن یأتیا بالبیّنة، فأیّهما أتی بالبیّنة بأنّ العبد المعتَق (الأب) یشتری من ماله فهو له.

و یظهر الاستدلال بأنّ الإمام علیه السلام حکم بإعطاء الأب المعتَق إلی ورثة المیت بعد إقامة البینة مع أنّ المعاملة بالنسبة إلیهم فُضولیّةٌ و مطالبتهم الأب تکون فی حکم إجازتهم للبیع و بعد إقامة البینة من الشراء من مالهم فهو لهم. فیتم الاستدلال بها فی صحة العقد الفضولی أو التأئید له.

و لذا قال المحقّق التستری: بأنّه علیه السلام اکتفی فی الحکم بتملّک العبد بثبوت کون الشراء وقع بماله، فلو لم تکن إجازة المالک الفضولی کافیة فی صحة العقد لم یکن کذلک، لعدم استلزام العام للخاص فتدّبر»(2).

ص: 225


1- 1 . راجع معجم رجال الحدیث 19/17.
2- 2 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /26.

و قال الشیخ الأعظم: «بناءً علی أنّه لو لا کفایة الاشتراء بعین المال فی تملّک المبیع بعد مطالبته المتضّمنة لإجازة البیع، لم یکن مجرد دعوی الشراء بالمال و لا إقامة البینة علیها کافیة فی تملّک المبیع»(1).

ولکن یرد علی الاستدلال أو التأیِیْدِ: إذا کان العبد مأذونا فی التجارة من قِبَلِ موإلیه لهم و لغیرهم و أجری عقدا فتعیین مَنْ له العقد یکون بید العبد العاقد إذا اشتری بالذمة کما هو الغالب و المتعارف فی المعاملات، نعم إذا اشتری بالثمن الخارجی الخاص تکون المعاملة شخصیّة و لِمَنْ له الثمن، و الاستدلال أو التأیِیْدِ للفضولی یبتنی علی شخصیة المعاملة و تنفیه المتعارف و الغالبیة فی المعاملات هذا أوّلاً.

و فیه: مورد الروایة الشراء بمالهم _ و لذا ادعی کلّ من الورثة و المَوالی أنّ الشراء کان بمالهم _ و ظاهرها الشراء بالثمن الخارجی الخاص و عین أموالهم فتکون المعاملة شخصیّة و مضافا إلی أنّ الغالب فی المعاملات معاطاةٌ و هی لاتتم إلاّ بالمعاوضة بین الأعیان الخارجیة نوعا، و مضافا إلی أنّ حجیة قول من لایعلم الأمر إلاّ من قبله فی مقام التخاصم غیر ظاهرة بنحو الإطلاق کما عن المحقّق السیّد الخمینی(2) رحمه الله .

و ثانیا: الفضولیة لا تثبت إلاّ بعد سقوط الإذن و الوکالة و لا سبیل إلی إحراز السقوط إلاّ فی بعض محتملات الروایة کما مَرَّ.

و فیه: مورد الروایة الشراء بعد الموت و به تسقط الوکالة و تَتُمُّ الفضولیة.

و ثالثا: متن الروایة مخالف لعدّة من القواعد العامة الجاریة فی الفقه:

منها: عدم صحة حج العبد من دون إجازة مولاه، بعد ارجاع العبد إلی موإلیه الأوّلِیْنَ یظهر عدم تمامیة تحریره فحین الحج یکون عبدا و لم یأذن مولاه فیه و تصرف العبد بأعمال الحج فی نفسه تصرف فی ملک مولاه من دون إذنه و هو حرام و النهی فی العبادة مبطل لها.

ص: 226


1- 1 . المکاسب 3/361.
2- 2 . کتاب البیع 2/130.

و ما ذکره المحقّق السیّدُ الخمینی تحت عنوان: «یمکن أن یقال: أن قوله علیه السلام : «الحجة قد مضت بما فیها لا ترد»، لا یکون بصدد بیان حکم الحج صحة و فسادا، بل بصدد التقابل بینه و بین العبد، بأنّ العبد باق قابل للردّ دون الحج الذی مضی و تصرم...»(1).

غیر تام لأنّ «ظاهر مضی الحج صحته، و ظاهر عدم ردّه عدم جواز استرداد ما دفع إلیه بعنوان الاُجرة علی الحج»، کما عن شیخنا الاستاذ(2) رحمه الله .

و مضافا لأنّ «المراد بردّ العبد إلی موإلیه لیس هو الردّ الخارجی التکوینی بل المراد به الردّ التشریعی و هو الحکم برقّیّته، فالمقصود بعدم ردّ الحج بقرینة المقابلة هو عدم الردّ شرعا، أی الصحة»(3).

نعم، بطلان الحج لیس مستندا علی أنّ صحة حجّ العبید مشروطة بإذن الموالی _ کما علیه شیخنا الاُستاذ(4)_ أو أنّ الإذن المقارن شرط لصحة المناسک _ کما علیه المحقّق السیّد المروج(5)_ بل حجة الإسلام مشروطةٌ بالحریّة فقط و مع عدم إذن المولی تکونُ تصرفات العبد بأعمال الحج تصرفا فی ملک الغیر فیکون مَنْهِیّا عنه و باطلاً لاستلزام أنّ النهی فی العبادة یَدُلُّ علی البطلان، حتّی علی القول بجواز اجتماع الأمر و النهی علی المختار بأنّ المُبَعِّد لا یکون مُقَرِّبا.

و أمّا مع فرض غفلة العبد عن بطلان عتقه لا یترتب النهی _ لأنّ نهی الغافل قبیح _ و إذا لم یکن نَهْیا لا تبطل العبادة و یشملها مادل علی مشروعیة الحج عن نفسه أو غیره. فتکون الحجّة صحیحة، هذا غایة ما یمکن أن یقال فی تصحیح الحج فإن قبلتَ فهو و إلاّ فتحمل علی التعبد الخاص.

ص: 227


1- 1 . کتاب البیع 2/129.
2- 2 . إرشاد الطالب 3/318.
3- 3 . کما عن المحقّق المروج فی هدی الطالب 4/449.
4- 4 . إرشاد الطالب 3/318.
5- 5 . هدی الطالب 4/450.

و منها: مقتضی قواعد باب القضاء تقدیم قول الورثة لأنّهم منکرون لموافقة قولهم الحجّة لأنّ قول الوکیل حجّة فی المقام فیکون الورثة منکرا و غیرهم مدعیّا، فتقدیم قول موالی العبد المدعیین و إرجاعه رقّا لهم خلاف قواعد باب القضاء.

و فیه: أنّ العبد المأذون کان وکیلاً للمیت و بَطَلَتْ وکالته بموته و ظاهر الروایة وقوع الشراء و العتق و الحج بعد موت الموکِّل و بعد بطلان الوکالة لا یکون قول الوکیل حجّة حتّی یکون قول الورثة من حیث مطابقته مع قول الوکیل حجّة فیرتفع الاشکال من رأسه.

و منها: ما ورد فی الروایة من رجوع العبد إلی موإلیه السابقین کان مورد الاستصحاب لکنّه مخالف لأصالة الصحة الحاکمة علیه المقتضیة لخروج العبد عن ملکهم.

و فیه: مورد أصالة الصحة الشک فی صحة العقد بعد تحققه و وجوده و مع قابلیته للصحة أو الفساد، و أمّا إذا دار الأمر بین أمرین أحدهما الصحیح و الآخر لیس عقدا و معاملة أصلاً، لأنّ اشتراء العبد بمال مالکه لا یکون معاملة فیحنئذ لا یحرز العقدیة و الصحة بأصالة الصحة.

و بعبارة اُخری: أصالة الصحة لا تجری إلاّ مع إحراز عنوان العمل المشکوک صحته ککونه بیعا أو إجارة أو غیرهما إذ مع عدم إحراز عنوانه لا یترتب علی جریانها أثرا، بل یجری فیه أصالة العدم و ینفی ترتب العنوان الخاص ففی المقام یجری أصالة عدم وقوع البیع و تنفی البیعیّة و لا تصل النوبة إلی أصالة الصحة.

و منها: الرجوع إلی الموالی السابِقِیْنَ مطابق للاستصحاب ولکنه مخالف لقاعدة «من ملک شیئا ملک الاقرار به» لأنّ العبد المأذون المالک لأمر العقد یعترف بالشراء بمال المیت فیقدّم قوله علی الأصل العملی و هو الاستصحاب.

و قال الشیخ الأعظم بالنسبة إلی هذه القاعدة: «ولکن الانصاف أنّ القضیة المذکورة [قاعدة من ملک...] فی الجملة إجماعیة بمعنی أنّه ما من أحد من الأصحاب ممّن وصل إلینا کلامهم إلاّ و قد عمل بهذه القضیة فی بعض الموارد بحیث نعلم أن لا مستند له سواها، فإنّ من ذکرنا خلافهم إنّما خالفوا فی بعض موارد القاعدة ولکنّهم عملوا

ص: 228

بها فی مورد آخر»(1).

و فیه: نعم، علی قاعدة من ملک یعتبر قول العبد المأذون فی الشراء قبل موت صاحب الألف لأنّه کان مالکا حین الإقرار و کان إقراره حال تسلّطه علی الشراء بقرینة «ملک» الاُولی الواردة فی القاعدة، و أمّا بعد موته فلا عبرة بإقراره لارتفاع سلطنته و مالکیته لأمر العقد، لانعزال الوکیل بموت الموکِّل فلا یکون إقراره بعد الموت نافذا.

و منها: «الظاهر من الروایة أنّ الدافع دفع الألف بعنوان الوصیة فورثته یدّعون الشراء بالألف لیکون ولاء العتق لهم و یؤید ذلک قوله علیه السلام : «أمّا الحجة فقد مضت بما فیه لا تردّ» فالورثة لا ینکرون الوصیة حتّی یکون شراء العبد المأذون أباه فضولیا» کما عن المحقّق النائینی(2)، فلا یتم الحکم بارجاع العبد المعتَق إلی موالیه، و لا الحکم علیه لِمَنْ أقام البینة، لتمامیة عتقه فلا یرجع إلی الرق.

و فیه: لم یکن فی الروایة ما یدل علی صدور الوصیة من صاحب المال، و یمکن تصحیح الحج بما مرّ فلا نحتاج لتصحیحه إلی الوصیة، و الورثة لا یدعون ولاء العتق بل یدعون أنّه رقهم و لایعترفون بحرّیّته، مضافا إلی أن ولاء العتق مشروط بکون التبرع فی العتق، فلو کان العتق واجبا کالکفارة و النذر لم یثبت فحینئذ ثبوت ولاء العتق مشکوک فیه و مقتضی الأصل عدمه.

و بالجملة: حیث أجبنا عن المناقشات یمکن تأیید بیع الفضولی بروایة ابن اشیم کما علیه الشیخ الأعظم و تبعه المحقّقون الهَمَدانی(3) و الشهیدی(4) و الخمینی(5) و ظاهر شیخنا الاُستاذ(6) رحمه الله حیث استشکل علیه بضعف السند فقط.

ص: 229


1- 1 . الطهارة 2/450، رسائل فقهیة /194.
2- 2 . منیة الطالب 2/23.
3- 3 . حاشیة المکاسب /200.
4- 4 . هدایة الطالب 3/38.
5- 5 . کتاب البیع 2/129.
6- 6 . إرشاد الطالب 3/318.

الوجه الثامن: صحیحة الحلبی

التی رواها المشایخ الثلاثة بسند صحیح عنه قال: سألت أباعبداللّه علیه السلام عن رجل اشتری ثوبا (و لم یشترط علی صاحبه شیئا فکرهه) ثمّ ردّ علی صاحبه، فأبی أن یقیله إلاّ بوضعیة قال: لا یصلح له أن یأخذه بوضیعة، فإن جهل فأخذه فباعه بأکثر من ثمنه ردّ علی صاحبه الأوّل ما زاد.(1)

الإقالة بالوضعیة باطلة عند الأصحاب _ کما علیها الصحیحة _ إلاّ ابن الجنید.

قال فی القواعد: «الأقالة فسخ لا بیع فی حقّ المتعاقدین و غیرهما، و شرطها عدم الزیادة و النقصان فی الثمن فتبطل بدونه...»(2).

و قال فی شرحه فی المفتاح: «... و هی فسخ لا بیع إجماعا کما فی مجمع البرهان(3) و عندنا کما التذکرة(4) و الروضة(5)، و إلیه ذهبت الإمامیة کما فی کشف الحقّ(6) فی حقِّ المتعاقدین و غیرهما، سواء کان قبل القبض أو بعده کما فی الوسیلة(7) و الخلاف(8) و التحریر(9)، و سواء وقعت بلفظ الفسخ أم الإقالة کما فی التذکرة(10) و الروضة(11)، و لا تثبت بها الشفعة عندنا کما فی التذکرة(12)»(13).

ص: 230


1- 1 . وسائل الشیعة 18/71، ح1، الباب 17 من أبواب أحکام العقود.
2- 2 . قواعد الأحکام 2/97.
3- 3 . مجمع الفائدة و البرهان 9/46.
4- 4 . تذکرة الفقهاء 12/117.
5- 5 . الروضة البهیة 3/546.
6- 6 . نهج الحق و کشف الصدق /488.
7- 7 . الوسیلة /257.
8- 8 . الخلاف 3/205.
9- 9 . تحریر الأحکام الشرعیة 2/440.
10- 10 . تذکرة الفقهاء 12/117.
11- 11 . الروضة البهیة 3/546.
12- 12 . تذکرة الفقهاء 12/118.
13- 13 . مفتاح الکرامة 14/834.

و قال فی شرح قوله: «و شرطها...»: «إجماعا کما سمعت حکایته عن الخلاف(1) و کشف الحقّ(2) و به _ أی الشرط المذکور_ طفَحت عبارتهم... و لا فرق فی الزیادة بین أن تکون عینیة أو حکمیة...»(3).

و قال فی شرح قوله: «فتبطل بدونه»: أی الإقالة بدون الشرط کما فی الوسیلة(4) و الشرائع(5) و غیرهما(6) و استدل علیه فی الخلاف(7) بالإجماع المرکّب و ستسمع عن الشهید(8) نسبته إلی الأصحاب»(9).

و فی الجواهر: «... و اصطلح المتبایعان بزیادة أو نقیصة صح عند ابن الجنید و الأصحاب علی خلافه لأنّها فسخ لا بیع»(10).

و إذا کانت هذه الإقالة باطلة فالعین للمشتری، و البائع جاهل بأنّها له و باعه بأکثر من ثمنه الأوّل، لابدّ له من ردّ الزیادة إلی المشتری الأوّل لأنّ العین کانت له فیقع بیع البائع للعین فضولیّا و للعلم بإجازة المشتری الأوّل للبیع إذا أخبره بالمال عادة. فردّ الزیادة علی المشتری لا تتم إلاّ بصحة بیع الفضولی.

فالصحیحة تدلّ علی صحة بیع الفضولی و لذا استدلّ جماعة من الفقهاء بها:

منهم: الجدّ الشیخ جعفر قال: «و للصحیحة عن الصادق علیه السلام : أنّه لا یجوز لمن باع

ص: 231


1- 1 . الخلاف 3/205.
2- 2 . نهج الحق و کشف الصدق /488.
3- 3 . مفتاح الکرامة 14/835.
4- 4 . الوسیلة /257.
5- 5 . الشرائع 2/60.
6- 6 . کالکفایة 1/525.
7- 7 . الخلاف 3/206.
8- 8 . الحاشیة النجاریة /260.
9- 9 . مفتاح الکرامة 14/835.
10- 10 . الجواهر 24/353.

ثوبا أن یأخذه من المشتری بوضیعة فإن أخذه جهلاً فباعه بأکثر من ثمنه، ردّ علی صاحبه الأوّل مازاد»(1).

و قال الجدّ العلاّمة التقی رحمه الله : «و وجوب دفع الزاید علی صاحبه مبنیٌّ علی صحة العقد، للعلم بإجازته له إذا أخبره بالمال کما هو قضیة المقام و حینئذ فدلالتها علی المدّعی ظاهرة، و مع الغص عنه فلابدّ من تقیید إطلاقها بذلک للإجماع علی عدم صحة العقد مع عدم إجازة المالک»(2).

و أنت تری بأنّ الجدّین استدلاّ بالصحیحة له ولکن صاحبا الجواهر و المکاسب یؤیّدان صحة بیع الفضولی بالصحیحة.

قال صاحب الجواهر فی عداد المؤیدات: «و فیمن باع ثمّ أقال بوضیعة ثمَّ باع بأکثر من الثمن: أنّ الربح للمالک الذی اشتری أوّلاً»(3).

و قال الشیخ الأعظم: «فإنّ الحکم بردّ مازاد لاینطبق بظاهره إلاّ علی صحة بیع الفضولی لنفسه»(4).

و قال تلمیذه المامقانی: «و إذا صح بیع الفضولی لنفسه و لزم بإجازة المالک فصحة بیع الفضولی للمالک و لزومه بإجازته اُولی»(5).

و یری السیّد الحکیم عدم البأس بالاستدلال بها لصحة بیع الفضولی ولکن تأمّل فی آخر کلامه حیث یقول بعد روایة مسمع [التی تأتی]: «و قریب منه صحیح الحلبی الوارد فی الإقالة بوضیعة فتأمّل»(6).

ص: 232


1- 1 . شرح القواعد 2/79.
2- 2 . تبصرة الفقهاء 3/338.
3- 3 . الجواهر 23/451 (22/279).
4- 4 . المکاسب 3/362.
5- 5 . غایة الآمال /357.
6- 6 . نهج الفقاهة /359.

ولکن استشکل علی الاستدلال أو التأیید بوجوه:

الأوّل: الاحتمال البعید فی کلام الفقیه الیزدی

قال: «و یمکن علی بُعد أن یحمل علی شرائه ثانیا من المشتری بوضیعة و حینئذ فیکون المراد من عدم الصلاح الکراهة [و] من ردّ الزیادة ردّها علی وجه الاستحباب فلا دخل لها بالفضولی أصلاً، إذ یکون الثوب حینئذ للبائع لأنّه رجع إلیه بالشراء من المشتری بوضیعة و لا دخل له بصاحبه الأوّل و هو المشتری»(1).

و تبعه الشیخ أبوالحسن الشعرانی فی تعالیقه علی الوافی.(2)

أقول: و هذا الاحتمال کما إعترف ببعده الفقیه السیّدُ الیزدی رحمه الله لا یتم مع جملة «ثمّ ردّ علی صاحبه فأبی أن یقیله إلاّ بوضیعة» الواردة فی کلام السائل حیث صرّح بالإقالة و هو غیر البیع بل فسخه، و کذا لا یتم مع جواب الإمام علیه السلام : «لا یصلح له أن یأخذه بوضیعة» و هذ الأخذ یرجع إلی ذاک الردّ و هو إذا کانت الإقالة _ کما هو المستفاد من سُؤالِ الحلبی _ «لا یصلح» یحمل علی الحرمة الوضعیة لا الکراهة کما علیه الأصحاب من بطلان الإقالة بزیادة أو نقیصة کما مرّ من صاحبی المفتاح و الجواهر.(3)

و کذلک ظهور ردّ مازاد علی الوجوب لا ینکر، فحمله علی الاستحباب مشکل.

نعم، هناک خلاف فی ضبط کلمة «یقیله» بالیاء الثانیة و هی المرویة فی الفقیه(4) و الوافی(5) و الوسائل(6) و بعض نسخ الکافی(7) و مرآة العقول(8)، بتبدیله بالباء الموحدة

ص: 233


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/121.
2- 2 . الوافی 17/441.
3- 3 . الجواهر 24/353.
4- 4 . الفقیه 3/217، ح3806.
5- 5 . الوافی 17/441.
6- 6 . وسائل الشیعة 18/71، ح1.
7- 7 . کما فی الکافی 10/151.
8- 8 . مرآة العقول 19/212، حیث یقول فیه: «و یدلّ علی ما هو المشهور بین الأصحاب من أنّه لا یجوز الاقالة بزیادة علی الثمن و لا نقصان منه».

«یقبله» کما فی متن الکافی(1) و التهذیب(2). و علی القرأة الثانیة «یقبله» بالباء الموحدة یرفع البعد عن احتمال الفقیه الیزدی رحمه الله و یأتی فی المقام و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

اللهم إلاّ أن یقال: ولو کانت ما ورد فی الروایة کلمة «یقبله» بالباء الموحدة مع ذلک تدلّ علی الإقالة لا المعاملة الحدیثة بقرینة کلمة «ردّ» الواردة قبلها حیث لا یصدق الردّ إلاّ فی الإقالة، ولو کانت المعاملة الجدیدة لابدّ أن یقال «باع» أو «صالح» و نحوهما.

و هنا جواب آخر للسیّد الیزدی یأتی فی ضمن إِشْکالِ المحقّق الإیروانی فانتظر.

الثانی: مقالة المحقّق الإیروانی

قال: «ظاهر التعبیر بلفظ لا یصلح فی الصحیحة و ظاهر تعلیق ردّ مازاد علی بیع أخذه بأکثر ممّا أخذ دلیل الکراهة و أنّ ردّ مازاد علی وجه الاستحباب فتدلّ علی صحة الإقالة بوضیعة و «إلاّ»(3) باع أو لم یبع.

و علی تقدیر البیع بأیّ ثمن باع لم یکن له مخلص من المشتری الأوّل بل وجب علیه ردّ عین ماله فالصحیحة دلیل لابن الجنید القائل بصحة الإقالة بوضیعة و قد استدلوا بها علیه.

و أیضا لو کانت الإقالة باطلة و البیع الثانی فضولیّا لزم الاستجازة من المشتری الأوّل لا الحکم بردّ مازاد بضرس قاطع، إلاّ أن یقال: إنّ القطع حاصل برضاه إمّا مطلقا إذ رضی بالاقالة و مضی بسبیله أو فی صورة بناء البائع علی ردّ مازاد و هذا المقدار من الرضا کاف فی الإجازة و حینئذ یقال: إذا کان الرضا المذکور کافیا فی الإجازة کان کافیا فی خروج البیع عن الفضولیة إذا کان هذا الرضا سابقا علی العقد و من المعلوم سبق الرضا

ص: 234


1- 1 . کما فی الکافی 10/151.
2- 2 . التهذیب 7/56، ح42.
3- 3 . کذا فی المصدر و الظاهر زیادتها.

فی المقام علی العقد فلا تصلح الصحیحة للتأئید علی صحة الفضولی»(1).

أقول: و فیه: أوّلاً: لم تَکُنْ لفظة «لایصلح» ظاهِرَةً فی الکراهة و الشاهد علیها عدّة من الروایات التی تستعمل «لایصلح» فی الفساد و البطلان.(2) و لا أدری کیف یکون ظهور التعلیق فی الاستحباب حتّی فی المقام؟!

و ثانیا: علی تقدیر صحة الإقالة بالوضیعة _ کما علیه ابن الجنید _ کیف لم یکن مخلص من المشتری الأوّل و وجب علیه ردّ عین ماله، إذا کانت الإقالة بالوضیعة صحیحة تمّت مالکیة البائع علی العین فکیف وجب ردّ عین مال البائع إلی المشتری الأوّل؟! سبحان من لا یسهو.

و ثالثا: الإقالة باطلة و البیع الثانی یکون فضولیّا و لزم الاستجازة من المشتری الأوّل و یکفی فیها أخذه الزیادة و هذا الأخذ إجازة عملیّة فی بیع الفضولی.(3)

و الرضا لا یکفی فی الانتقالات کما مرّ مرارا، و لا یخرج البیع من الفضولیة. و بما ذکرنا یَظْهَرُ ضعف مقالة المحقّق الشهیدی حیث یقول: «لا وجه لذلک [تأئید بیع الفضولی بالصحیحة] أصلاً، إذ غایة ما یدلّ علیه قوله «لا یصلح» إنّما هو کراهة الإقالة بالوضیعة بل نفی رجحانها و أنّ طریق تدارک ذلک _ علی تقدیر الإقدام علیها _ ردّ مازاد علی صاحبه الأوّل فلا یرتبط بالفضولی، إذ الإقالة صحیحة إلاّ أنّها مکروهة و مع الصحة یکون البائع مالکا فیقع المبیع فی ملکه...»(4).

الثالث: احتمال المحقّق النائینی

قال: «و یحتمل أن یکون البائع اشتراه من المشتری ثانیا فیکون ردّ الزائد استحبابیّا. و یشهد لهذا قوله علیه السلام : «صاحبه الأوّل» فإنّ التعبیر بصاحبه الأوّل لا یناسب مع

ص: 235


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/223.
2- 2 . راجع وسائل الشیعة 17/341، ح1، الباب 4 من أبواب عقد البیع و شروطه، و 17/353، ح1 و 2 من الباب 11 من أبواب عقد البیع و شروطه.
3- 3 . کما علیه شیخنا الاُستاذ رحمه الله فی إرشاد الطالب 3/320.
4- 4 . هدایة الطالب 3/39.

کون الثوب ملکا للمشتری فعلاً»(1).

أقول: و فیه: مرّ هذا الاحتمال البعید من الفقیه السیّدِ الیزدی و المحقّقین الإیروانی و الشهیدی و قد عرفت ما فیه فلا نعید.

و قال السیّد الخوئی فی توضیح کلام استاده: «و الظاهر أنّ منشأ هذا الاحتمال إنّما هو ارجاع الضمیر فی کلمة «صاحبه» إلی لفظ «الثوب» فیکون معنی الروایة حینئذ أنّ البائع یردّ الزائد إلی صاحب الثوب و علیه فتدلّ الروایة علی أنّ من اشتری شیئا بثمن ثمّ باعه بأزید منه فیستحب له أن یردّ الزائد علی المالک الأوّل»(2).

و اعترض علیه بقوله: «إنّ ارجاع الضمیر إلی المال خلاف ظاهر الحدیث بملاحظه قوله علیه السلام : «ردّ» فإنّ وحدة السیاق تقتضی ارجاع الضمیر فی لفظة «صاحبه» إلی ما یرجع إلیه ضمیر «ردّ» یعنی أنّ البائع یردّ إلی صاحبه أی طرف معاملته الأوّل الذی هو المشتری الأوّل و علیه فلا یمکن استظهار أنّ البائع أیضا مالک و یحکم بذلک علی استحباب ردّ مازاد فی الإقالة، هذا.

مضافا إلی أنّا لو اغمضنا النظر عمّا ذکرناه أیضا لا یمکن إرجاع الضمیر إلی المال إذ البائع حینئذ لو ردّ لا یردّ إلاّ إلی المشتری و لیس هناک غیر المشتری مالک آخر یرد علیه مازاد، فلاوجه لوصف المشتری بالمالک الأوّل دفعا عن ردّه إلی غیره، و بالجملة لیس هناک مالک إلاّ المشتری و البائع، و البائع لا یردّ إلی نفسه فوصف المشتری بالمالک الأوّل لا یخلو عن البشاعة»(3).

أقول: و فیه: لا أدری کیف صار هذا الارجاع منشأ احتمال المحقّق النائینی، مضافا إلی أنّ الضمیر فی «صاحبه» و «یأخذه» و «فأخذه» و «فباعه» و «صاحبه الأوّل» فی کلّها یرجع إلی الثوب، و أمّا المراد من مجموع کلمتی «صاحبه الأوّل» فَهُوَ المشتری الأوّل، لأنّ هناک مُشْتَرِیَیْنِ الأوّل المستقیل الرادّ، و الثانی الذی اشتری بمازاد، فما

ص: 236


1- 1 . منیة الطالب 2/25.
2- 2 . مصباح الفقاهة 4/73.
3- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/401.

ذکره قدس سره من قوله: «و بالجملة لیس هناک مالک إلاّ المشتری و البائع» لم یتم لأنّ البائع باع ماله إمّا بالمشتری الأوّل أو الثانی و لذا عبرّ عن المشتری الأوّل بصاحبه الأوّل فی مقابل المشتری الثانی الذی هو صاحبه الثانی، و لا بشاعة فی البین.

الرابع: مقالة المحقّق السیّد الخوئی

و قد جمع و بیّن مقالتی استاذیه النائینی(1) و الأصفهانی(2) و قال: «إِنّ الروایة غریبة عن بیع الفضولی إذ البیع الواقع بالزیادة لیس بفضولی لأنّه لو کان فضولیّا لکان فضولیّا من أصله من غیر فرق بین وقوعه علی ما یساوی الثمن المطلوب له بردّه و بین الزائد علیه لأنّ معنی الإقالة إنّما هو انفساخ العقد من أصله و رجوع کلّ من العوضین إلی صاحبه الأوّل... فلا وجه حینئذ لکون الناقص ملکا للبائع فی فرض الوضیعة و کون الزائد ملکا للمشتری فی فرض الزیادة.

... و یضاف إلی ذلک [تبیین مقالة الأصفهانی] أنّه یمکن أن یکون للمشتری غرض خاص من الاستقالة فإذا لم یقبلها البائع حین الاستقالة فاته ذلک الغرض و إذن فلا تؤثر إقالته بعد مدّة طویلة خصوصا مع ترق القیمة السوقیة...»(3).

و قال: «... لو کان البیع الواقع علی الثوب فضولیا لتوقف نفوذه علی إجازة المشتری و لم یتعرض الإمام علیه السلام لها أصلاً مع أنّه لیس البیع بالزائد موردا لإجازة المشتری أصلاً إذ لعلّ المبیع صار موردا للترقی بحسب القیمة السوقیة فیما بین زمان الإقالة و زمان البیع...»(4).

و قال: «... و فی المقام یکون نفس إقدام المشتری علی الإقالة دالاًّ علی الرضا بالمبادلة بالأکثر بالدلالة الالتزامیة حیث إنّه دالّ بالدلالة المطابقیة علی رضاه بأخذ البائع الثوب بالوضیعة و یدلّ علی جواز أخذه بالأکثر لغیر البائع بالدلالة الالتزامیة و إن لم

ص: 237


1- 1 . منیة الطالب 2/25.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/95.
3- 3 . مصباح الفقاهة 4/70 و 71.
4- 4 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/333.

یعرفه و هی کافیة فی صحة المعاملة لما ذکرنا فی محلّه من أنّ نظر البائع فی المعاملة إلی استبدال ماله من دون نظر إلی مشتر خاص فهی قائمة بالمالین لا بالمتعاقدین... فهو بیع صحیح و لا ربط بالفضولی»(1).

أقول: یمکن أن یُناقَشَ فی وُجوهٍ: أوّلاً: عدم التعرض فی الصحیحة لصورتی تساوی الثمن مع ما ردّه البائع أوّلاً إلی المشتری أو نقصانه، لعدم ترتب الثمرة العملیة فی فرض التساوی و ندرة فرض النقصان، فما یقع غالبا هو صورة الزیادة و لذا تعرض لحکمها.

و ثانیا: فرض ترقی القیمة السوقیة لاسیما فی تلک الأیام و إن کان متصورا ولکنّه بعید فی الغایة بالنسبة إلی الإیام المعدودات.

و ثالثا: إقدام المشتری علی الإقالة لم یدلّ علی الرضا بالبیع، لأنّهما شیئان مختلفان أحدهما فسخ البیع و الآخر بیع و هما نقیضان. و إذا کانت الإقالة باطلة فالبیع فضولیّا یحتاج إلی إجازة المالک _ و هو هنا المشتری الأوّل _ و أجاز البیع عملاً بأخذه الزیادة.

و رابعا: کفایة الرضا فی المبادلات المالیة و المعاملات محلّ مناقشة بل منع کما مرّ مرارا.

الخامس: مقالة الفقیه المعاصر

قال السیّد محمّد سعید الحکیم _ مدظله _: «نعم، حمل النصوص علی صورة إجازة المشتری الأوّل للبیع لا یناسب اطلاقها الظاهر فی صحة البیع و استحقاق المشتری الزیادة بمجرد وقوعه من دون حاجة للإجازة. و لاسیما و أنّ عدم الإجازة قد یکون أنفع للمشتری لو بقی الأمر علی مقتضی القاعدة کما إذا ارتفعت قیمة الثوب إلی أکثر من ثمن البیع الثانی حیث یکون مقتضی القاعدة ضمان البائع له لو فرض عدم الإجازة و تعذر الاسترجاع الثوب بسبب أخذ المشتری الثانی له. فعدم التنبیه لذلک فی الصحیح و

ص: 238


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/401.

الاقتصار فیه علی استحقاق الزیادة من دون تنبیه لاشتراط الإجازة یناسب صحة البیع الثانی من دون حاجة للإجازة تعبدا ولو لأنّه الأنسب بفرض المالک غالبا و تجنّبا للمشاکل المترتبة علی بطلان البیع نظیر ما(1) سبق فی نصوص المضاربة و مِن ثَمَّ یشکل الاستدلال و الاستئناس بالصحیح فی المقام»(2).

أقول: و فیه: أوّلاً: لابدّ من حمل إطلاق النص _ لا النصوص _ علی صورة إجازة المشتری الأوّل للبیع، کَما مرّ من الجدّ العلاّمة التقی قدس سره : «للإجماع علی عدم صحة العقد مع عدم إجازة المالک»(3).

و ثانیا: إذا کان البیع الثانی صحیحا من دون الإجازة تعبدا فلا یکون أنفع للمشتری کما إذا ارتفعت القیمة السوقیة، لاِءَنَّهُ بعد الحکم بصحة البیع تعبدا لایستحقّ المشتری شیئا.

و ثالثا: مع إمکان الحمل علی القاعدة، حمل الصحیحة علی التعبد لا یتم.

و الحاصل: بعد الجواب عن الإشکالات تمَّ الاستدلال أو لاأقل من التأیید لصحة بیع الفضولی بالصحیحة والحمدللّه.

ص: 239


1- 1 . فی المصدر «ممّا».
2- 2 . مصباح المنهاج _ کتاب التجارة 2/216.
3- 3 . تبصرة الفقهاء 3/338.

الوجه التاسع: موثقة عبدالرحمن بن أبیعبداللّه

قال: سألتُ أباعبداللّه علیه السلام عن السِمْسار أ(1) یَشْتَری بالأجر فیُدْفَعُ إلیه الوَرِق و یشترط علیه أنَّکَ إن تأتی بما نشتری(2) فما شئتُ أخذتُهُ و ما شئتُ ترکته فیذهب فیشتری ثم یأتی بالمتاع فیقول: خُذ ما رضیتَ و دَعْ ما کرهتَ؟ قال: لا بأس.(3)

بتقریب من الشیخ الأعظم(4): أنّ محتملات الروایة ثلاثة:

الأوّل: أن یکون شراء السمسار _ و هو الدلال _ لنفسه، و یکون الوَرِق _ و هو الدرهم المضروب من الفضة جمعه اُوراق و وراق _ من المشتری علیه قرضا و یبیع ما اشتراه بالورق علی صاحب الورق المشتری و یؤدّی بذلک دینه. و یکون قوله علیه السلام : «یشتری بالأجر» قیدا توضیحیا لمعنی السمسار الذی هو الدلال. و هذا الاحتمال أجنبیٌّ عن الفضولی.

الثانی: أن یکون شرائه لمالک الورق _ المشتری _ بإذنه مع جعل الخیار له علی البائع بتمامیة البیع فی ما شاء المشتری و فسخه فی ما کره. و هذا الاحتمال أیضا بیع مع الإذن فیخرج عن الفضولی.

الثالث: أن یکون الشراء من السمسار لمالک الورق _ المشتری _ فضولیا بحیث یختار مایشاء و یأذن فیه و یردّ ما لا یرید و لم یأذن فی بیعه. و هذا الاحتمال الأخیر ینطبق علی الفضولی.

ثم: إذا کانت محتملات مورد السؤال متعددة و تشمل الثلاثة و لم یسأل الإمام علیه السلام عنها، و ترک الاستفصال یقتضی عموم الحکم لجمیع المحتملات التی منها شراء الفضولی، فیتمّ علی أن قوله علیه السلام : «لا بأس» یجری بالنسبة إلی الفضولی أیضا فیحکم بصحته.

أقول: محتملات الروایة لا تنحصر فی الثلاثة و یمکن أن یضاف إلیها:

ص: 240


1- 1 . فی الکافی 10/159، ح5: لیست همزة الاستفهام.
2- 2 . فی المصدر: تشتری.
3- 3 . وسائل الشیعة 18/74، ح2، الباب 20 من أبواب أحکام العقود.
4- 4 . المکاسب 3/363 و 362.

الرابع: أن یکون الغرض من دفع الورق مجرد دفعها إلی صاحب الأمتعة لیکون وثیقة عنده لدفع الأمتعة إلی السمسار لیشتری بعد ماشاء.(1)

الخامس: أن یکون شراء السمسار لنفسه من دون استقراض و من دون استیذان من صاحب الورق نظیر شراء الغاصب لنفسه.(2)

السادس: السمسار یشتری لنفسه بالورق الذی دفعه إلیه صاحبه، فالمبیع له ثمّ إن شاء المشتری صاحب الورق _ یشتری من السمسار و إن شاء ترک.(3)

السابع: «وقوع الاشتراء بالمساومة و إطلاقه علیه إطلاق شائع أو مجاز بالمشارفة و یکون دفع الورق لطمأنینة السمسار و هو کثیر الوقوع سیّما مع الدلال و السمسار». ذکر هذا الاحتمال صاحب البلغة و جعله أظهر الاحتمالات.(4)

و قال السیّد الخوئی فی ذیله: «و هذا الاحتمال أیضا لا بأس به»(5).

الثامن: الاحتمال الثانی مع عدم إعطاء صاحب الورق الأجرة علی شراء السمسار فی فرض عدم أخذه ما اشتراه السمسار.

هذا الاحتمال هو مختار شیخنا الاستاذ(6) قدس سره .

التاسع: البیع إذا وقع وقع للمالک، و الشراء إن وقع وقع للمشتری الذی صاحب الورق، و السمسار یعرض المتاع علی المشتری فقط و اختار هو ما اختار و حین اختیاره یعطی اُجرة السمسار و إلاّ فلا، و إعطائه الورق للسمسار لأجل أنّه صادق فی إرادة بیعه.

هذا الاحتمال هو مختارنا و هو أحد محتملی الفقیه المعاصر(7) و لعلّ المراد

ص: 241


1- 1 . کما فی بغیة الطالب 1/353.
2- 2 . کما فی بغیة الطالب 1/353.
3- 3 . کما فی حاشیة المکاسب للإیروانی 2/223.
4- 4 . بلغة الفقیه 2/219 و نقل عنه فی مصباح الفقاهة 4/76.
5- 5 . مصباح الفقاهة 4/76.
6- 6 . إرشاد الطالب 3/321.
7- 7 . مصباح المنهاج، کتاب التجارة 2/218.

بالاحتمال السابع الذی هو مختار صاحب البلغة أیضا هذا. فلا یتم العموم و لا الفضولی.

و غیرها من المحتملات و لا تضرّ بالاستدلال لو تمّ تعدّد مورد السؤال و ترک استفصال الإمام علیه السلام بحیث یقتضی عموم الحکم لجمیعها.

ولکن ناقش المحقّق الإیروانی فی تعدّد محتملات مورد السؤال عند السائل الذی یسأل مسألة صاحب الورق بأنّ موضوع السؤال عنده واضح و کان ما وقع بین صاحب الورق و السمسار عند السائل معیّنا و إنّما یسأل من حکمه فقط و أجابه الإمام علیه السلام بقوله: «لا باس».

«نعم، نحن لا نعلم ذلک الذی جری ماذا؟ و نحتمل أن یکون شی ء من الاُمور المذکورة، و هذا لایوجب الحکم بالعموم، فإنّ عدم الاستفصال الذی هو دلیل العموم هو عدم الاستفصال فی موضوع عدم تبیّن موضوع السؤال [عند السائل] لا موضوع تبیّنه [السائل] و کان الاشتباه فی حقِّ غیر المخاطبین کما فی المقام.(1)

و تبعه السیّد الخوئی رحمه الله و قال: «إنّما یتمسّک بترک الاستفصال فیما إذا کان المسئول عنه مرددا منقسما إلی أقسام عدیدة بأن کان حکما کلّیّا، و لا یجری ذلک فیما إذا کان المسؤول عنه قضیة شخصیّة»(2).

و یمکن أن یجاب عن هذه المناقشة: بعدم الفرق بین القضیّتین الشخصیة و الحقیقیة بالنسبة إلی ترک الاستفصال و إفادته العموم لأنّ الوجه فیه هو لزوم الإغراء بالجهل و فوات الغرض بلا فرق بین الحکم الکلّی _ القضیة الحقیقیة _ و الجزئی _ القضیة الشخصیة _ لأنّ فی کلِّ مورد ترک الاستفصال یوجب الإغراء بالجهل وفوات الغرض _ و لا یمکن انتساب الأمرین إلی الشارع _ فیحکم بإفادة ترک الاستفصال للعموم بلا فرق بین القضیتین.(3)

و أمّا ما أفاده المحقّق الإیروانی من تبیّن الموضوع عند السائل و عدمه عند غیر

ص: 242


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/224.
2- 2 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/335.
3- 3 . کما یظهر من المحقّق المروج راجع هدی الطالب 4/465.

المخاطبین فدون إثباته خرط القتاد.

و کذا ما ذکره السیّد الخوئی من قوله: «... إذا علم المسؤول مراد السائل بقرائن حالیة أو مقالیة فأجابه بشی ءٍ و نحن لم نعلم المراد و تردّدنا بین الاحتمالات فهذا کیف یمکن أن یکون دلیلاً علی العموم»(1).

ثم: لو تمّ ما أفاده المحقّقان الإیروانی و السیّد الخوئی رحمهماالله من عدم تمامیة العموم فتکونُ الروایة مجملة، کما اعترف به الفقیه المعاصر(2)_ مد ظله _ .

نعم، لو کانت الروایة ظاهرة فی إحدی المحتملات غیر الفضولی فلا یتم العموم لعدم جریان قاعدة ترک الاستفصال.

و ذهب جماعة إلی تعیّن الإحتمالین الأوّلین کما هو مختار المحقّقین الیزدی(3) و الأصفهانی(4) و الشریعتمداری(5) و الأردکانی(6) و المروج(7) و الاُستاذ المحقّق(8) _ مدظله _ .

و إلی تعیّن الاحتمال الأوّل الشهیدی(9).

و إلی تعیّن الاحتمال الثانی السیّد الإشکوری(10) و المحقّق النائینی(11) و السیّد

ص: 243


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/403.
2- 2 . مصباح المنهاج، کتاب التجارة 2/217.
3- 3 . حاشیة المکاسب 2/122.
4- 4 . حاشیته علی المکاسب 2/95.
5- 5 . تحقیق و تقریرات فی باب البیع و الخیارات 2/72.
6- 6 . غنیة الطالب 2/328.
7- 7 . هدی الطالب 4/463.
8- 8 . العقد النضید 3/94.
9- 9 . هدایة الطالب 3/40.
10- 10 . بغیة الطالب 1/354.
11- 11 . منیة الطالب 2/25.

الخوئی(1) و شیخنا الاُستاذ(2) قدس سره لکن مع تقیید کما مرّ و یأتی.

ولکن نفی المؤسس الحائری(3) البُعْدَ فی کونها ظاهرة فی الاحتمال الثالث أی الفضولی.

و قد مرّ أنّ الاحتمال السادس مُتَعَیِّنٌ عند المحقّق الإیروانی.

و الاحتمال السابع متعیّن عند صاحب البلغة.

و الاحتمال الثامن عند شیخنا الاُستاذ رحمه الله .

و قد مرّ أنّ الاحتمال المختار عندنا هو الاحتمال التاسع فلا یتم الاستدلال بها لصحة بیع الفضولی.

و أمّا ما ورد فی أحَدِ تقریرات السیّد الخوئی رحمه الله من: «أنّ الروایة غیر نقیة السند»(4).

و حمله الاُستاذ المحقّق(5) _ مدظله _ من أنّه یقصد اولئک الرواة الذین روی عنهم الحسن بن محمّد بن سماعة لجهالة «غیر واحد».

لا یتم لأنّ المراد بغیر واحد جماعة من الرواة و لاأقل من دخول ثقة فیهم، مضافا إلی أنّ الصدوق رواها فی الفقیه(6) بسند صحیح و الشیخ بسند مُوَثَّقٍ فی التهذیب(7).

ص: 244


1- 1 . مصباح الفقاهة 4/76، محاضرات فی الفقه الجعفری 2/335، التنقیح فی شرح المکاسب 1/403.
2- 2 . ارشاد الطالب 3/321 و 320.
3- 3 . کتاب البیع 1/308 لشیخنا آیة اللّه محمّد علی الأراکی.
4- 4 . مصباح الفقاهة 4/76.
5- 5 . العقد النضید 3/94.
6- 6 . الفقیه 3/218، ح3809.
7- 7 . التهذیب 7/56، ح43.

الوجه العاشر: معتبرة مسمع أبیسیّار

قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : إنّی کنتُ استودعتُ رجلاً مالاً فجحدنیه و حلف لی علیه ثمَّ جاء بعد ذلک بسنین بالمال الذی کنتُ استودعته إیّاه، فقال: هذا مالک فخُذه و هذه أربعة آلاف درهم ربحتها فی مالک فهی لک مع مالک و اجعلنی فی حلٍّ، فأخذت المال منه و أبیتُ أن آخذ الربح و اُوقفت المال الذی کنت استودعته و أتیت حتّی أستطلع رأیک فما تری؟ قال: فقال: خذ الربح و أعطه النصف و أحلّه، إنّ هذا رجل تائب و اللّه یحبُّ التوابین.(1)

سند الشیخ ضعیف بالحسن بن عُمارة، ذکره الشیخ فی أصحاب علی بن الحسین علیه السلام مع توصیفه بالکوفی(2) و فی أصحاب الباقر علیه السلام وصفه بأنّه عامیّ(3) و فی أصحاب الصادق علیه السلام قال: «الحسن بن عمارة بن المضرب أبو محمّد البجلی الکوفی اُسند عنه»(4).

و قال ابن حجر فی شأنه: «الحسن بن عمارة بن المضرب البجلی مولاهم الکوفی أبو محمّد کان علی قضاء بغداد فی خلافة المنصور...»(5).

و قال فی تقریب التهذیب الحسن بن عمارة البجلی مولاهم أبو محمّد الکوفی قاضی بغداد متروک من السابعة مات سنة ثلاث و خمسین [أی بعد المائة]»(6).

و قال الذهبی فی میزان الاعتدال: «الحسن بن عُمارة الکوفی الفقیه مولی بَجِیلة... _ ثم ذکر تضعیفه عن جماعة إلی أن قال: _ مات سنة ثلاث و خمسین و مائة و کان من کبار الفقهاء فی زمانه ولی قضاء بغداد»(7).

ص: 245


1- 1 . وسائل الشیعة 19/89، ح1، الباب 10 من أبواب کتاب الودیعة.
2- 2 . رجال الشیخ /88، الرقم 19.
3- 3 . رجال الشیخ /115، الرقم 17.
4- 4 . رجال الشیخ 166، الرقم 15.
5- 5 . تهذیب التهذیب 2/304، الرقم 532.
6- 6 . تقریب التهذیب 1/169، الرقم 298.
7- 7 . میزان الاعتدال 1/513، الرقم 1918.

قال الشیخ محیی الدّین المامقانی رحمه الله : «الذی یظهر من إصرار العامة علی تضعیفه -مع أنّه من قضاتهم- و روایة ثقات رواتنا مثل أبان بن عثمان الثقة الجلیل و الحسن بن محبوب الثقة الجلیل عنه، أنّ المترجَم إمّا کان متقیّا فی مذهبه و کان فی الباطن إمامیّا، أو أنّه کان عامیّا إلاّ أنّه غیر معاند للحقّ وثقة فی مذهبه عند رواتنا و حیث أنا لم نجزم بأحد الاحتمالین ینبغی أن نعده ممّن لم یتضح لنا حاله و إن کان المظنون کونه موثقا»(1).

أقول: الاحتمالان یجریان بالنسبة إلیه، و أمّا توثیقه فَلا یحصل العلم به إلاّ علی القول بأنّ أصحاب الإجماع لا یروون إلاّ عن الثقة و هو لا یتم عندی.

و کذلک الروایة ضعیفة بأبیه عُمارة بن المضرب و هو مهمل و لیس له إلاّ هذه الروایة. هذا کلّه بالنسبة إلی سند الشیخ.

ولکنّها مرویة فی الفقیه(2) بإسناده عن مسمع أبی سیار، و ذکر الصدوق سنده فی المشیخة هکذا: «و ما کان عن مسمع بن مالک البصری فقد رویته عن أبی _ رضی اللّه عنه _ عن سعد بن عبداللّه عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن الحسین بن سعید عن القاسم عن محمّد عن أبان عن مسمع بن مالک البصری و یقال له: مسمع بن عبدالمالک البصری لقبه کردین و هو عربی من بنی قیس بن ثعلبة و یکنی أبا سیار و یقال: إنّ الصادق علیه السلام قال له أوّل ما رآه: ما اسمک؟ فقال مسمع، فقال: ابن مَنْ؟ قال: ابن مالک، فقال: بل أنت مسمع بن عبدالملک»(3).

رجال السند کلّهم ثقات إلاّ القاسم بن محمّد الجوهری و هو معتبر عندنا فالسند معتبر، فصارت الروایة معتبرة الأسناد بسند الصدوق.

تقریب الاستدلال: أمر الإمام علیه السلام بأخذ الربح من جانب المالک لا یتم إلاّ بامضاء معاملات الودعی الجاحد حتّی یجوز له تملک ربحها و أمّا أمره علیه السلام باعطاء الودعی الجاحد التائب النصف فَهُوَ أمر استحبابی لأنّه تائب و یکون الإعطاء تشویقا له.

ص: 246


1- 1 . تعلیقه تحت عنوان حصیلة البحث علی کتاب والده تنقیح المقال 20/289.
2- 2 . الفقیه 3/305، ح4091.
3- 3 . الفقیه 4/451.

لم یذکر الشیخ الأعظم هذه المعتبرة ولکنَّ تمسّک بها جماعة من الأصحاب رحمهم الله :

منهم: الشیخ جعفر رحمه الله قال: «لروایة مسمع أبی سیّار عن الصادق علیه السلام _ فی رجل استودع رجلاً مالاً فجحده الودعی و استربح به أربعة آلاف درهم _ الدالة علی أنّ الربح لصاحب المال»(1).

و منهم: الجدّ العلاّمة التقی قال بعد نقل الروایة: «و الظاهر أنّ تملّکه للربح مبنیٌّ علی إجازته للعقد الصادر منه المشتمل علی الربح، و أمره علیه السلام بردّ نصف الربح علیه علی وجه الندب کما یشیر إلیه التعلیل المذکور و دلالتها علی المدّعی ظاهرة أیضا»(2).

و منهم: صاحب الجواهر قال فی ضمن المؤیدات: و کذ ما ورد فی ودعیّ جحد الودیعة و اتّجر بها: من أنّ الربح للمالک»(3).

و منهم: الفقیه الیزدی قال: فإنّ ظاهر ذیله أنّ تمام الربح له و أنّه أمره بإعطائه النصف منه من جهة أنّه تائب و هو لا ینطبق إلاّ علی صحة الفضولی»(4).

ولکن استشکل علیها المحقّق السیّدُ الخوئی بإشکالین و قال: «و فیه: أوّلاً: أنّ الروایة ضعیفة السند کما مرّ فلا یمکن الاستناد إلیها فی الحکم الشرعی.

و ثانیا: أنّ الاستدلال بها علی ما نحن فیه یتوقف علی وقوع المعاملة علی عین الودیعة إمّا بنحو المعاطاة أو بالعقد اللفظی ولکن لا قرینة فی الروایة علی ذلک»(5).

و یمکن الإجابة عنهما أمّا الأوّل: فَقَدْ عرفت ضعف سند الشیخ و اعتبار سند الصدوق بالروایة، لاسیما أنّ القاسم بن محمّد الجوهری المختلف فیه عند الأصحاب، فَهُوَ عند المحقّق السیّد الخوئی(6) رحمه الله معتبر فسند الصدوق عنده و عندنا معتبر(7)، فَرَمْیُهُ

ص: 247


1- 1 . شرح القواعد 2/79.
2- 2 . تبصرة الفقهاء 3/338.
3- 3 . الجواهر 23/450 (22/279).
4- 4 . حاشیة المکاسب 2/122.
5- 5 . مصباح الفقاهة 4/77.
6- 6 . راجع معجم رجال الحدیث 14/47، الرقم 9542.
7- 7 . راجع الآراء الفقهیة 3/352.

الروایةَ بضعف السند لا وجه لَهُ.

و أمّا الثانی: فَلَوْ لو کانت معاملات الودعی الجاحد بالکلّی فی الذمة لا بالعین المودعة عنده، یکون تمام الربح للودعی و لا یستحق أَبُوْسیّار شیئا منه، مع أنّ الإمام علیه السلام أمره بأخذ الربح، و هذا الأمر أقوی قرینة علی أنّ المعاملات وقعت علی عین الودیعة. و من المعلوم أنّ ارجاع نصف الربح من المالک علی الودعی یکون تفضلاً من المالک لأجل تشویق الودعی علی توبته.

و الشاهد لما ذکرنا مقالة المؤسس الحائری حیث یقول: «... أنّ البیع أو الشراء لما فی الذمّة إذا کان القصد حین المعاملة الدفع من عین مال الغیر یکون کالمعاملة الواردة علی عین المال ابتداءً فیندرج فی الفضولی و یرجع ربحها إلی صاحب العین و یناسب ذلک مع ارتکاز العرف، ألا تری أنّ العصاة و الظلمة مع شرائهم و تحصیلهم لما یملکونه غالبا بالثمن فی ذمّتهم یقال: إنّ ما بیدهم مالٌ لغیرهم، فإن لم یکن علی خلاف هذا المطلب إجماع نقول به...»(1).

لا یقال: «أنّ استحقاق مسمع للربح بتمامه قد یکون بسبب بذل الودعی له فی مقابل تحلیل مسمع له من دون أن یکون مسمع مستحقّا له بالأصل» کما عن الفقیه المعاصر _ مدظله _ .(2)

لأنّا نقول: البذل مقابل التحلیل و ان کان محتملاً و متعارفا فی العادة ولکنّه خلاف لظاهر المعتبرة حیث یقول الودعی فیها: «هذه أربعة آلاف درهم ربحتها فی مالک فهی لک مع مالک» فحکم الودعی بأنّ أربعة آلاف درهم للمالک و ربح ماله. و هذا مخالف للبذل مقابل التحلیل.

و قوله: «و اجعلنی فی حلٍّ» لا یدل علی أنّ البذل مقابل التحلیل.

فدلالة المعتبرة علی صحة بیع الفضولی تامة.

ص: 248


1- 1 . کتاب البیع 1/310 لشیخنا آیة اللّه الشیخ محمّد علی الأراکی.
2- 2 . منهاج المصباح، کتاب التجارة 2/221.

الوجه الحادی عشر: خبر أبیحمزة الثمالی

عن أبی جعفر علیه السلام قال: سألته عن الزکاة تجب علیَّ فی موضع لا یُمْکِنُنی أن اُؤَدِّیَهَا؟ قال: اعزلها فإن اتجرت بها فأنت ضامن لها و لها الربح، و إن تَوِیَتْ(1) فی حال ما عَزَلْتَها من غیر أن تشغلها فی تجارة فلیس علیک و إن لم تعزلها و اتّجرت بها فی جملة مالک فلها بقسطها من الربح و لا وضیعة(2) علیها.(3)

بتقریب: إذا وجبت الزکاة مع بِشَرائِطِها المعلومة فی مال یجب إخراجها و إن لم یتمکن المالک من أدائها یجب عزلها، فإن عزلها و تلفت من دون تفریط لیس علیه شی ء ولکن إن لم یعزلها و اتّجربها، یتعلّق بها الربح بقدرها من دون أن یتعلّق بها الضرر.

و تعلّق ربح التجارة بمال الزکاة من دون الضرر یکون من مصادیق بیع الفضولی الذی أجازه الشارع ولایة علی مستحقی الزکاة و حفظا لمنافعهم، و الضرر یکون فی مال المالک لأنّه یتصرف فی الزکاة من دون إجازة أربابها فیکون ضامنا لها و لا یتعلَّق بها الخسارة.

و استدلّ الفقیه السیّدُ الیزدی(4) علی صحة بیع الفضولی بهذه الروایة.

و یمکن أن یناقش علیه: بحمل الروایة علی التعبد کما هو الظاهر مضافا علی ضعف سندها بجهالة عمّن حدّث عنه علی بن محمّد و إهمال مَعَلَّی أو یَعْلی بن عبید فی کتب الرجل و لیس لهما _ علی فرض تعدّدهما _ إلاّ هذه الروایة، فالاستدلال بها لا یتم.

ص: 249


1- 1 . تویت: هلکت.
2- 2 . الوضیعة: الخسارة.
3- 3 . الکافی 7/361، ح2 (4/60) و نقل عنه فی وسائل الشیعة 9/307، ح3، الباب 52 من أبواب المستحقین للزکاة.
4- 4 . حاشیة المکاسب 2/123.

الوجه الثانی عشر: بیع عقیل دور النبی صلی الله علیه و آله و بنی هاشم

روت العامة فی صحاحهم(1) و سیرهم(2) أنّ عقیلاً عمد إلی دور بنیهاشم فی مکة _ و کانت قریش تعطی من لم یُسْلِم مالَ مَن أسْلَمَ بعد هجرة المسلمین إلی المدینة _ فباعها حتّی دار رسول اللّه صلی الله علیه و آله ، فلما دخل رسول اللّه صلی الله علیه و آله مکة یوم الفتح قال له اُسامة بن زید: أ تنزل غدا فی دارک یا رسول اللّه صلی الله علیه و آله ؟ فقال صلی الله علیه و آله : و هل ترک لنا عقیل من رِباع(3)؟!

وردت الروایة فی کتبنا التفسیریة(4) و الفقهیة(5) و التراجمیة(6).

و استدل بها الشیخ جعفر لصحة بیع الفضولی و قال: «و لحدیث بیع عقیل دار النبی صلی الله علیه و آله بمکة من دون إذنه فلمّا أخبره أجازه»(7).

و تبعه صهره العلاّمة التقی الجدّ و قال: «و منها: من أنّ عقیلاً باع دورا للنبی صلی الله علیه و آله بمکة من دون إذن، فلمّا أخبره بذلک أجازه»(8).

و قال قبلهما السیّد مهدی بحرالعلوم فی رسالة سمّاها «مبلغ النظر فی حکم قاصد الأربعة من مسائل السفر» بعد نقل الروایة: «و ظاهره أنّه أجاز ما صنعه عقیل تکرّما و

ص: 250


1- 1 . صحیح البخاری 2/181، صحیح مسلم 2/984، ح1351، سنن ابن ماجه 2/912، ح2730، مسند أحمد 5/202، فتح الباری 8/12، شرح مسلم للنووی 9/120، المستدرک للحاکم 2/602، المعجم الکبیر للطبرانی 1/168.
2- 2 . السیرة الحلبیة 3/85، المغازی للواقدی 2/829، أخبار مکة 2/161، سیر أعلام النبلاء 10/68.
3- 3 . رِباع جمع الرَّبْعُ: الدار بعینها حیث کانت. الصحاح 3/1211.
4- 4 . نحو: مجمع البیان 9/147 فی تفسیر الآیة 30 من سورة ق من الجزء السادس و العشرین.
5- 5 . نحو: تذکرة الفقهاء 10/40 و غیرها التی تذکر.
6- 6 . نحو: الدرجات الرفیعة /154 فی ترجمة عقیل، للسیّد علی خان المدنی صاحب شرح الصیحفة.
7- 7 . شرح القواعد 2/77.
8- 8 . تبصرة الفقهاء 3/338.

یستفاد منه صحة بیع الفضولی إذا تعقبه الإجازة ولو کان غصبا»(1).

أقول: علی فرض وقوع هذه القضیة _ کما أنّ الظاهر وقوعها حیث لم یرد من الأئمة المعصومین علیهم السلام نفیها _ و إجازة النبی صلی الله علیه و آله و بنیهاشم له، استفادة صحة بیع الفضولی منها لا ینکر.

فلا یصغی إلی مقالة الفاضل النراقی حیث یقول: «و احتجوا بما ورد من تقریر النبی صلی الله علیه و آله بیع عقیل داره بمکّة وضعفه ظاهر»(2).

ص: 251


1- 1 . نقلها بتمامها السیّد العاملی فی مفتاح الکرامة 10/(435-333)، و العبارة المنقولة فیه 10/370.
2- 2 . مستند الشیعة 14/276.

الوجه الثالث عشر: اجازة الوارث بالنسبة إلی الوصیة الزایدة علی الثلث

الوصیة جائزة و نافذة فی أموال الموصی إذا بلغت إلی حدّ ثلث أمواله، و أمّا مازاد علی الثلث فلا یجوز إلاّ بعد إمضاء الورثة و إجازتهم(1)، نعم لو أجاز بعضهم فی حیاة الموصی فلیس له الرجوع عنها بعد مماته.(2)

و کأنّ الوصیة من الموصی فی مازاد علی ثلث الأموال تصرف فی مال الورثة فلذا یحتاج إلی إذنهم و بعد الإِذن تکون نافذة، نظیر بیع الفضولی لکونه تصرفا فی مال المالک و بعد إذنه یکون نافِذا.

قال الشیخ جعفر: «و فی اجازة السیّد عقد العبد و الوارث للوصیة بمازاد علی الثلث إشعار بذلک»(3).

و تبعه العلاّمة التقی الجدّ و قال: «و ممّا یستأنس به للقول المذکور [صحة بیع الفضولی] دلّ علی صحة الوصیة الزایدة علی الثلث إذ أجازته الورثة»(4).

و ذکرها صاحب الجواهر(5) من المؤیدات.

أقول: الإشعار و الاستیناس و التأیِیْد لا بأس به، و أمّا دلالة فرع علی فرع آخر فَهِیَ من القیاس المحرّم عندنا مضافا إلی ما اُورده الفقیه السیّدَ الیزدی بقوله: «... فإنّ إجازته [الوارث] شرط فی نفوذ تصرف المیت لنفسه فلا دخل له بالمقام من إجازة المالک للعقد الواقع علی ماله علی أن یکون له، إذ من المعلوم أنّ الإجازة لا تصیّر الوصیة للوارث، بل توجب عدم انتقال المال إلیهم»(6).

و تبعه السیّد الخوئی(7).

ص: 252


1- 1 . راجع وسائل الشیعة 19/275، الباب 11 من أبواب کتاب الوصایا.
2- 2 . راجع وسائل الشیعة 19/283، الباب 13 من أبواب کتاب الوصایا.
3- 3 . شرح القواعد 2/76.
4- 4 . تبصرة الفقهاء 3/338.
5- 5 . الجواهر 23/451 (22/279).
6- 6 . حاشیة المکاسب 2/123.
7- 7 . مصباح الفقاهة 4/77.

الوجه الرابع عشر: التصدق بمجهول المالک و اللقطة

وردت فی بعض الروایات(1) التصدّق بمجهول المالک و اللقطة _ بعد الیأس عن الظفر بصاحبهما _ فإن جاء صاحبه و أمضی الصدقة مضت و إلاّ غرمها المتصدِّق و الثواب له.

و هذا التصدّق تصرف فی مال صاحبه و بعد إجازته لا یجوز له طلب المال من المتصدِّق و أمّا إذا لم یجز فیجوز له طلبب ماله من المتصدِّق.(2)

و أنت تری وُجُوْدَ التشابه بین هذ التصدّق بعد اجازة المالک ببیع الفضولی بل هو تصدّق الفضولی.

و عدّها الشیخ جعفر من الاُمورِ المُشْعِرَةِ بصحة بیع الفضولی و قال: «... و کذا الأخبار الدالة علی التصدّق بمجهول المالک عنه فإن جاء و أمضی الصدقة مضت و إلاّ عزم المتصدِّق و الثواب له لا یخلو من ظهور فی ذلک»(3).

و تبعه العلاّمة التقی الجد و قال: «و ممّا یستأنس به... و ما ورد فی التصدّق بمجهول المالک إن جاء صاحبها و أمضی الصدقة مضت، و إلاّ غرّمه المتصدِّق و إلاّ أجزأه»(4).

و جعلها صاحب الجواهر(5) من المؤیدات.

أقول: تصدّق الفضولی هنا واضح و صحیح و البیع مثله، و أمّا فرض الغرامة لأنّ صاحب المال یطلب ماله فیجب علی المتصدِّق أداء ماله إلیه لأنّه أتلفه علیه بالصدقة. فینطبق الحکم علی شطریه علی القواعد فلا نحتاج إلی تعبد شرعی فی المقام.

و ممّا ذکرنا یَظْهَرُ عدم تمامیة مقالة الفقیه السیّد الیزدی حیث یقول: «أنّ الإذن

ص: 253


1- 1 . راجع وسائل الشیعة 25/450، الباب 7 من أبواب کتاب اللقطة.
2- 2 . راجع ما حررته فی هذا المجال فی الآراء الفقهیة 3/349.
3- 3 . شرح القواعد 2/76.
4- 4 . تبصرة الفقهاء 3/338.
5- 5 . الجواهر 23/451 (22/279).

الشرعی حاصل فی التصدّق و هو صحیح علی کلّ حال أجاز المالک أو لا، و ضمانه علی فرض عدم الرضا حکم تعبدی، و عدم ضمانه فی غیر هذا الفرض حکم تعبدی»(1).

و تبعه السیّد الخوئی و قال: «أنّه لا شبهة فی صحة التصدّق هناک للإذن الشرعی و إن لم یرض به المالک، و إنّما الرضا یؤثر فی عدم الضمان تعبّدا کما أنّ عدمه یؤثر فی عدمه کذلک»(2).

أقول: الرضا بل الإذن یصحح تصدّق الفضولی و عدمه یصحح الضمان لأنّ المالک یطالب بماله فمِنْ أین نحتاج إلی التعبّد. نعم، فی فرض عدم وجدان المالک الإذن الشرعی من المالک الحقیقی یصحح التصدّق، و اللّه العالم.

ص: 254


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/123.
2- 2 . مصباح الفقاهة 4/77.

الوجه الخامس عشر: أخبار تحلیل خمس المناکح و المساکن

وردت عدّة من الروایات فی تحلیل خمس المناکح(1) و المساکن(2) و ورد فی بعضها(3) طلب الإجازة من الإمام علیه السلام فی مال الخمس فأجازهم.

بتقریب: إنّ الناس یشترون المساکن و المناکح و فیها حقّ الإمام علیه السلام ، أو غیرهما بالمال المخمّس ثمّ أجازهم الإمام علیه السلام و بعد إجازته تخرج المعاملة من الفضولیة أو الغصبیة بالنسبة إلی طرف الذی أحلّ له، فیمکن استفادة صحة الفضولی منها.

و لا ینافی تقدم صدور التحلیل أو الإجازة منهم لما ذکره فی الجواهر: «و قد عرفت أنّه لا ینافی الفضولیة تقدّم الإذن لخصوص المشتری و إن کان البائع باقیا علی غصبیّته نحو ما سمعته فی الخراج»(4).

و إمکان التفکیک فی صحة المعاملة بین الطرفین خلافا للفقیه المعاصر(5) _ مدظله _ حیث یری امتناعه.

قال الشیخ جعفر: «و فی أخبار الخمس من تحلیل المناکح و المساکن و خصوص ما صُرّح فیه منها بالشراء من مال الخمس من الجواری و إجازة الإمام لأهل الحقّ فی ذلک ما یُرشد إلیه و إن احتملت وجها آخر»(6).

ص: 255


1- 1 . منها: صحیحة أبی خدیجة سالم بن مکرم المرویة فی وسائل الشیعة 9/544، ح4، الباب 4 من أبواب الأنفال. و منها: صحیحة الفضلاء المرویة فی وسائل الشیعة 9/543، ح1. و منها: صحیحة ضریس الکناسی المرویة فی وسائل الشیعة 9/544، ح3. و منها: صحیحة الفضیل المرویة فی وسائل الشیعة 9/547، ح10.
2- 2 . منها: صحیحة أبی سیار مسمع بن عبدالملک المرویة فی وسائل الشیعة 9/548، ح12. و منها: صحیحة علی بن مهزیار المرویة فی وسائل الشیعة 9/501، ح5.
3- 3 . منها: معتبرة یونس بن یعقوب المرویة فی وسائل الشیعة 9/545، ح6.
4- 4 . الجواهر 23/451 (22/279).
5- 5 . مصباح المنهاج، کتاب التجارة 2/223.
6- 6 . شرح القواعد 2/76.

و لعلّ مراده من الوجه الآخر صدور الإجازة و الإذن قبل الشراء فتخرج المعاملة عن الفضولیة فلا یستفاد منها صحة بیع الفضولی.

و تبعه المحقّق التقی و قال: «و ممّا یستأنس... و کذا فیمن یشتری من مال الخمس من الجواری من إجازة الإمام علیه السلام ذلک لأهل الولایة، و ما ورد من تحلیل المناکح و المساکن لأهل الحقّ»(1).

و قال صاحب الجواهر فی ضمن المؤیدات: «و بالنصوص الواردة فی باب الخمس المشتمل. بعضها علی التصرف فیه من بعضهم و طلب الإجازة من الإمام علیه السلام فأجاز... بل فی نصوص المناکح و المساکن سیّما ما صُرّح فیه منها بالشراء من مال الخمس من الجواری المشتملة علی إجازة الإمام علیه السلام ذلک لأهل الحقّ ما یؤیّد ذلک أیضا»(2).

أقول: وجه التأیِیْدِ أو الاستیناس أو الإرشاد و عدم الاستدلال فی کلامهم هو وجود الاحتمال الآخر فی کلام الشیخ جعفر کما مرّ و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

نعم، هذا الاحتمال لا یجری بالنسبة إلی التصرف الفعلی فی مال المخمّس ثمّ الاستیذان من الإمام علیه السلام و صدور الإجازة منه علیه السلام ، و لیس هذه المعاملة إلاّ فضولیا بالنسبة إلی حقّه علیه السلام و حصّته علیه السلام و بعد صدور الإجازة منه علیه السلام تمت. فیتم الاستدلال بهذا الأخیر.

و لا یردّ علی هذا الأخیر ما ذکره شیخنا الاستاذ قدس سره من قوله: «و الصحیح أنّ التحلیل المزبور لا یرتبط بإجازة شراء الفضولی و لا بالتوکیل...»(3).

ص: 256


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/338.
2- 2 . الجواهر 23/451 (22/279).
3- 3 . إرشاد الطالب 3/325.

الوجه السادس عشر: اجازة السیّد عقد العبد

قد مرّ فی الشرط الخامس من شرائط المتعاقدین بأنّ إذن السیّد لو کان العاقد عبدا یصحح العقد. بلا فرق بین أن یکون العقد نکاحا(1) أو معاملة مالیّة. و أن یکون الإذن سابقا أو لاحقا. و الإذن اللاحق یسمّی إجازة غالبا. و مع لحوق الإجازة یکونُ عقد العبد صحیحا بلا فرق بین أن یعقد لنفسه أو لمولاه أو لغیرهما، نعم لو کان للغیر یحتاج إلی اذنه و إلاّ صار فضولیّا بالنسبة إلیه.

ثم إجازة السیّد تصحح عقد العبد فکذلک إجازة المالک تصحح بیع الفضولی.

و لذا قال الشیخ جعفر: «و فی إجازة السیّد عقد العبد... إشعار بذلک»(2).

و تبعه صهره العلامة التقی و قال: «... و من ذلک الأخبار الدالة علی صحة عقد العبید مع إجازة الولی فإنّه عقد فضولی قطعا، و من البیّن أنّ الأمر فی الفروج و شدّة الاحتیاط فیها آکد کما ورد فی الروایة(3) و نصّ علیه جماعة من الأجلة فیدلّ بالفحوی علی الصحة فی غیرها»(4).

أقول: قد مرّ البحث حول هذه الفحوی فی الوجه الرابع(5) من أدلة صحة بیع الفضولی فراجعه.

و تبعهما صاحب الجواهر و قال: «بل یؤیّده أیضا: ما ورد فی إجازة السیّد عقد العبد...»(6).

ص: 257


1- 1 . عدّة من الروایات تدلّ علی صحة نکاح العبد بعد إجازة مولاه من حین عقد النکاح راجع فی هذا المجال وسائل الشیعة 21/114، ح1 صحیحة زرارة، و وسائل الشیعة 21/115، ح2 موثقته، و وسائل الشیعة 21/116، ح1 خبر عبید بن زرارة، و وسائل الشیعة 21/117، ح1 صحیحة معاویة بن وهب، و وسائل الشیعة 21/118، ح1 حسنة علی بن جعفر، و غیرها.
2- 2 . شرح القواعد 2/76.
3- 3 . وسائل الشیعة 19/163، ح2 = 20/259، ح3 حسنة العلاء بن سیابة.
4- 4 . تبصرة الفقهاء 3/333.
5- 5 . راجع هذا المجلد صفحة 200.
6- 6 . الجواهر 23/451 (22/279).

الاستدلال علی بطلان عقد الفضولی

اشارة

احتجوا للبطلان بالأدلة الأربعة:

1_ الکتاب

قوله تعالی: «لا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل إلاّ أن تکون تجارة عن تراض»
اشارة

(1)

تمسّکوا بدلالة الآیة الشریفة علی البطلان بتقریبین:

التقریب الأوّل: الاستثناء یدل علی الحصر فی جواز أکل أموال الناس بالتجارة عن تراض فقط، و بیع الفضولی لیس تجارة عن تراض فأْکُل المال بسببه أَکْلٌ للمال بالباطل.

إن قلت: لحوق الإجازة یدرجه فی التجارة عن تراض فیجوز أکل المال به.

قلت: إذا لم یکن حین العقد ثَمَّةَ مِصْداقٌ للتجارة عن تراض، فَلُحُوقُ الإجازة بها لا یجعله مصداقا لها.

ناقش الشیخ الأعظم(2) فی هذا التقریب بأنّ الاستثناء یدل علی الحصر إذا کان متصلاً ولکنّه هنا منفصلاً لخروج تجارة عن تراض عن أکل المال بالباطل و تصریح جماعة من المفسرین کما مرّ(3) فی بحث بیع المکرَه فی التمسک بالآیة الشریفة علی بطلانه حتّی إذا تعقّبه الرضا.

ص: 258


1- 1 . سورة النساء /29.
2- 2 . المکاسب 3/364.
3- 3 . راجع هذا المجلد صفحة 153.

و اعترض علیه السیّد الخوئی؛ بوجوه: الأوّل: أنّ الاستثناء المنقطع من أوضح الأغلاط إذ لایصح أن یقال: ما رأیتُ عالما إلاّ الجاهل، و هو لایصدر من المبتدئین فی البلاغة فکیف بصدوره من اللّه العظیم و وجوده فی کتابه الکریم الذی نزل بعنوان الإعجاز و التحدی تعالی کلامه عزّوجلّ عن ذلک علوا کبیرا. فالاستثناء فی الآیة الشریفة استثناء متصل ولو کان ذلک بالعنایة.(1)

و الثانی: الاستثناء فی الآیة من قبیل المتصل دون المنقطع، إذ قد یحذف من الجملة شی ءٌ و یُقام مقامه علّته نظیر قوله تعالی: «و من کفر فإن اللّه غنیٌّ عن العالمین»(2) لأنّ التعلیل لیس مترتّبا علی الشرط المذکور فیه لأنّه تعالی غنّی علی أیّ حال حجّوا أم لم یحجّوا، کفروا أم آمنوا، إنّما هو تعلیل لما حذف عن الآیة... و فی المقام أیضا کذلک فکأنّ الآیة کذا: و لا تأکلوا أموالکم بینکم بشی ءٍ من الأسباب کالنهب و القمار و البیع _ فإنّها باطلة إلاّ إذا کان ذلک السبب تجارة عن تراض و علیه فالاستثناء متّصل مفرغ.(3)

و الثالث: ولو کان الاستثناء منقطعا یفید الحصر لأنّ اللّه تعالی کان بصدد بیان الأسباب المشروعة للمعاملات و تمییز صحیحها عن فاسدها و کان الاهمال مخّلا بالمقصود فلا محالة یستفاد الحصر من القرینة المقامیة و تحصل أنّها مسوقة لبیان حصر الأسباب الصحیحة بالتجارة عن تراض سواء أکان الاستثناء متصلاً أم کان منقطعا، فدلالة الآیة علی مفهوم الحصر ممّا لا ریب فیه و هو بطلان التجارة عن غیر تراض و منها بیع الفضولی.(4)

أقول: یرد علیه أوّلاً: لم یکن الاستثناء المنقطع من الأغلاط و لا من أوضحها بل هو نوع من الکلام و یحسن استعماله فی محلّه فلا إشکال فی وروده فی المعجزة الخالده

ص: 259


1- 1 . مصباح الفقاهة 4/79، نقلته مختصرا.
2- 2 . سورة آل عمران /97.
3- 3 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/338، التنقیح فی شرح المکاسب 1/406.
4- 4 . مصباح الفقاهة 4/81.

أعنی الکتاب الکریم، ولو لم یرد فیه فکیف یفسّر السیّد الخوئی رحمه الله قوله تعالی: «و إذ قلنا للملائکة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ إبلیس أبی و استکبر و کان من الکافرین»(1)، و قوله تعالی: «یوم لا ینفع مالٌ و لا بنون إلاّ من أتی اللّه بقلب سلیم»(2)، و قوله تعالی: «مالهم به من علمٍ إلاّ اتباعَ الظنِ»(3)، و هل تَتَمُّ الفصاحة وَ تَطَّرِدُ صِحّةُ الْمَعْنی فیها و نظائرها إلاّ بانقطاع الاستثناء.

و ثانیا: یمکن فی بَعْضِ الموارِدِ حذف الجزاء و قیام تعلیله مقامه نحو قوله تعالی: «و إن یسرق فقد سرق أخٌ له من قبل»(4)، ولکن الآیة الشریفة لم تکن کذلک، و لم تکن قرینة علی قیام تعلیل الجزاء مقامه بل القرینة علی خلافه و هی باء السببیة الواردة علی الباطل أی لم یأکلوا أموالکم بینکم بالأسباب الباطلة نحو القمار و السرقة و الزنا و الربا و شرب الخمر، و حیث لم یکن من أوّل الأمر تجارة عن تراض من الأسباب الباطلة فیکون الاستثناء منقطعا. و العجب منه قدس سره کیف یدخل البیع فی عنوان الباطل.

و ثالثا: الاستثناءُ منقطعٌ و لایستفاد منها حصر و لیست فی البین قرینة مقامیة تدل علی الحصر کما مرّ فی بحث بیع المکرَه(5) فراجع ما حررناه هناک و لا نعید.

و نضیف هنا بأنّ علی بن إبراهیم القمی فی تفسیره(6) و الطبرسی فی مجمعه(7) یذهبان إلی التوسّع فی مدلول الآیة بحیث تشمل أخذ المال من الظالم و فی موثقة سماعة(8) استشهد الإمام علیه السلام علی حرمة تصرّف الرجل فی أمواله مع تعلّق الدین بذمّته

ص: 260


1- 1 . سورة البقرة /35.
2- 2 . سورة الشعراء /89.
3- 3 . سورة النساء /157.
4- 4 . سورة یوسف /77.
5- 5 . راجع هذا المجلد صفحة 155.
6- 6 . تفسیر القمی 1/136.
7- 7 . مجمع البیان 2/36.
8- 8 . الکافی 9/587، ح2 (5/95).

بالآیة الشرفة و هذه تدل علی عدم الحصر.

التقریب الثانی: سیاق التحدید لأنّ کلّ وصف ورد فی مقام التحدید یدلّ علی اختصاص الحکم بمورد الوصف و إن لم نقل بمفهوم الوصف، و من المعلوم أنّ قید التراضی وصف ورد مورد التحدید فیدلّ علی انحصار جواز الأکل بمورد التراضی فقط، و التراضی فی بیع الفضولی مفقودٌ.

و اُورد علیه الشیخ الأعظم بالوجوة الأربعة الماضیة فی بحث بیع المکرَه(1) فلا نعید.

و ناقشه السیّد الخوئی رحمه الله فی عدم المفهوم فی تحدید الوصف بأنّ: نعم عدم المفهوم للوصف تام ولکن إذا کان الوصف فی مقام التحدید _ کما فی المقام _ یدلّ علی انتفاء الحکم عند انتفاء الحدّ نظیر قوله علیه السلام فی جواب السائل عمّا لا ینفعل بالملاقاة؟ کرّ من الماء(2).(3)

و ذکر التراضی فی الآیة من هذا القسم لأنّها متوجّة إلی فصل الأسباب الصحیحة للمعاملة عن الأسباب الباطلة لها و حصر أسبابها الصحیحة بالتجارة عن تراض.(4)

و کذلک ناقشه فی «احتمال أن یکون «عن تراض» خبرا بعد خبر لتکون علی قراءة نصب التجارة لا قیدا لها و إن کان غلبة توصیف النکرة تؤید التقیید...».

بقوله رحمه الله : «فلأنّه فی حدّ نفسه خلاف ظاهر الآیة، لأنّ ظاهر الآیة الشریفة أنّ الجمیع کلام واحد متصل لا أنّه خبر بعد خبر و قد اعترف قدس سره بأنّ غلبة وصف النکرة تؤید التقیید، هذا أوّلاً.

و ثانیا: فلو سلّمنا أنّه خبر بعد خبر فهل ذلک یرفع الإشکال، لأنّ معنی الآیة حینئذ

ص: 261


1- 1 . راجع هذا المجلد صفحة 154.
2- 2 . نحوها معتبرة بل صحیحة اسماعیل بن جابر راجع وسائل الشیعة 1/159، ح7، الباب 9 من أبواب الماء المطلق.
3- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/406.
4- 4 . مصباح الفقاهة 4/82.

کما مرّ أنّ السبب لابدّ أن یکون تجارة و لابدّ أن یکون عن تراض فبانتفاء کلّ واحد من الأمرین یرتفع الحلّیة و المفروض أنّ الفضولی لیس عن تراض»(1).

ثم قال: «و من هنا ظهر الجواب عمّا ذکره المحقّق صاحب المقابیس من أنّه یمکن أن یکون التقدیر علی کلتا القرائتین إلاّ «أن تکون تجارة کاملة عن تراض أو ممضاة عن تراض فیندرج عقد الفضولی فی الآیة لأنّ کماله و امضائه بالإجازة و هذا نظیر ما حکی فی المجمع(2) عن مذهب الإمامیة و الشافعیة و عن غیرهم من أنّ معنی التراضی بالتجارة امضاء البیع بالتفرّق أو التَّخایُر بعد العقد»(3)، فإنّ هذا أیضا بعید عن ظاهر الآیة و التزام بالتقدیر بلا ملزم»(4).

و لتوضیح هذا الأخیر راجع حاشیة المکاسب(5) للمحقّق الاصفهانی رحمه الله .

و اُضیف إلی مناقشاته علی الشیخ الأعظم فی قیده الوارد مورد الغالب بأنّ: «ظهور قید «عن تراض» [یکون] فی الاحتراز و التحدید و یؤکّده کونه نصّا قرآنیّا و قانونا تشریعیّا دستوریّا لایناسبه القید الغالبی بقدر ما یناسبه کونه قیدا احترازیا مع عدم الشاهد الواضح علی الاحتمال المقابل و مجرد الاحتمال لاینفع و لایقتضی إجمال الخطاب و لا یمسّ الظهور فی احترازیة القید»(6).

أقول: یمکن أن یدافع عن الشیخ الأعظم قدس سره و ردّا علی السیّد الخوئی فی مناقشته الاولی علیه: بأنّ الشیخ الأعظم لا یقول بعدم ثبوت المفهوم للتحدید بالوصف، بل یقول بأنّه مبنائی و الاستدلال لابدّ بأنّ یتم علی جمیع المبانی فلا یرد النقاش علیه.

و یمکن أن یجاب عن مناقشته الثانیة: «تکون» الواردة فی الآیة کما یمکن أن

ص: 262


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/406.
2- 2 . مجمع البیان 2/37.
3- 3 . مقابیس الأنوار /128.
4- 4 . مصباح الفقاهة 4/83.
5- 5 . حاشیته علی المکاسب 2/100.
6- 6 . بُشری الفقاهة 4/23 لآیة اللّه الشیخ محمّد أمین المامقانی _ مدظله _ .

تکون ناقصة، یمکن أن تکون تامة و ظهور الآیة الشریفة لا ینافی تمامیة کان، کما أنّ القراءة بِهِما موجودة، و القرینة علی تمامیته هی عدم الحصر و إذا کانت تامة فالأسباب الصحیحة لأکل المال شیئان هما: التجارة و الاکل عن تراض بحیث لو ینعدم کلاهما معا _ لاکل واحد منهما _ یرتفع الحلیّة.

و یمکن أن یجاب عن مناقشة تلمیذ الشیخ الأعظم لِشَیْخِهِ: بأنّ کون قید «عن تراض» نصا قرآنیا و قانونا تشریعیا دستوریّا لا یردّ القید الغالبی کما فی قید «فی حجورکم»(1) و الشاهد علی غالبیة «عن تراض» موجود و هو تحقق نوع التجارة مع تراضی الطرفین. نعم، یمکن أن یوجد تجارة لیست فیها رضایة أحد الأطراف نحو بیع المضطر.

فما ذکره الشیخ الأعظم تامٌ، و الذی یُهَوِّنُ الخطب أنّ المحقّق التستری و الشیخ الأعظم و السیّد الخوئی و تلمیذه و هذا القاصر کلنّا نری أنّ بیع الفضولی مع صدور الإجازة و الإذن من المالک یکون من مصادیق المستثنی أعنی «تجارة عن تراض» لا فرق بین القول بانقطاعه أو اتصاله، و دلالته علی الحصر أو عدمه، و تمامیة «تکون» أو ناقصیته، و غالبیّة قید «عن تراض» أو احترازیته، و خبریّة «عن تراض» بعد الخبر أو قیدیّته، فهذه المناقشات لا تثمر عملیّا و لا یتم الاستدلال علی بطلان بیع الفضولی بهذه الآیة الکریمة و الحمدللّه.

و لذا قال الجدّ الشیخ جعفر رحمه الله : «و أضعف منه [أی من الاستناد إلی الأخبار المنقولة عند العامة و الخاصة الآتیتان] الاستناد إلی آیة: «تجارة عن تراض» لأنّ التجارة لا تتمّ إلاّ بالنقل و الانتقال و هما ناشئان عن التراضی و إن تأخّر عنهما، و مثل ذلک کثیر فی أبواب النکاح، و لا بحث فی جریان الفضولی فیه»(2).

ص: 263


1- 1 . سورة النساء /23.
2- 2 . شرح القواعد 2/83.

2_ السنة

تمسّکوا لبطلان بیع الفضولی بعدّة من الروایات:

بعضها عامیات: نحو قوله صلی الله علیه و آله لحکیم بن حزام: لا تبع ما لیس عندک.(1)

و رواها الصدوق(2) فی حدیث مناهی النبی صلی الله علیه و آله من طریقنا هکذا: و نهی عن بیع ما لیس عندک.

ولکن سند الصدوق إلی حدیث مناهی النبی صلی الله علیه و آله ضعیف لوجود عدّة من المجاهیل فی السند و منهم شعیب بن واقد.

و العجب من المحقّق السیّد المروج(3) کیف حکم بصحة سند حدیث المناهی إلی شعیب بن واقد؟!

نعم، رواها الشیخ(4) بسنده الصحیح عن سلیمان بن صالح _ الجصاص الثقة _ عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: نهی رسول اللّه صلی الله علیه و آله عن سلف و بیع و عن بیعین فی بیع، و عن بیع ما لیس عندک و عن ربح ما لم یضمن.

و یراها الشیخ(5) نصا فی بطلان بیع الفضولی.

بتقریب: أنّ الفضول «باع ما لایقدر علی تسلیمه فأشبه الآبق و الطیر فی الهواء»(6)، و لأنّ جواز التصرف فی العقود معلول للملک و هو [الملک] سببٌ و علةٌ له

ص: 264


1- 1 . سنن ابن ماجه 2/737، ح2187، سنن أبی داود 3/283، ح3503، سنن الترمذی 3/534، ح1232، سنن النسانی 7/289، سنن البیهقی 5/267، 317، 339، مسند أحمد 4/403 و 455، المعجم الکبیر 3/217 و 218 للطبرانی.
2- 2 . الفقیه 4/8، ح4968 و نقل عنه فی وسائل الشیعة 17/357، ح12، الباب 12 من أبواب عقد البیع و شروطه، و 18/48، ح5، الباب 7 من أبواب أحکام العقود.
3- 3 . هدی الطالب 4/486.
4- 4 . التهذیب 7/230، ح1005 و نقل عنه فی وسائل الشیعة 18/47، ح2.
5- 5 . الخلاف 3/169، مسألة 275.
6- 6 . کما فی تذکرة الفقهاء 10/15.

[لجواز التصرف(1)]، و لأنّ «عدم حضوره عنده کنایة عن عدم تسلّطه علی تسلیمه لعدم تملّکه»(2)، و الحاصل: البیع لا یتم إلاّ فی الملک و حیث أنّ الفضول لا یکون مالکا فبیعه باطلٌ.

و یرد علیه: «النهی فی المعاملات لا یقتضی الفساد و نصرفه إلی باع عن نفسه و یمضی فیشتریه من مالکه لأنّه ذکره صلی الله علیه و آله جوابا لحکیم بن حزام حین سأله انه أنّه یبیع الشی ء ثم یمضی و یشتریه و یسلّمه و القدرة علی التسلیم من المالک موجودة إن أجازه»(3).

و «الأخبار العامیة علی ضعفها غیر واضحة الدلالة... لاحتماله المنع عن بیع غیر المقدور علی تسلیمه... و ربّما قیل(4): بانتقاضه ببیع الوکیل... و أنّ فی أخبارنا ما یعارض هذا الخبر معربا عن کون المنع مذهبا للعامة ففی الصحیح _ کما قیل(5)_ عمّن باع ما لیس عنده، قال: لا بأس، قلت: إنّ مَن عندنا یفسده، قال: و لِمَ؟ قلت: باع ما لیس عنده، قال ما یقول فی السلم قد باع صاحبه ما لیس عنده(6). فتأمل»(7).

و الفضول لا یبیع لنفسه حتّی یشمله النبوی الشریف بل یبیع لمالکه فیکون البیع فی ملکه و بعد إجازته ینسب إلیه و یقدر الفضول علی تسلیمه، و یتم البیع و بما ذکرنا صح تعجّب التستری(8) من الشیخ حیث یری هذا النبوی نصا فی بطلان بیع الفضولی.

و حاصل الرد: المراد من الموصول فی الحدیث الأعیان الشخصیة الخارجیة و إلاّ

ص: 265


1- 1 . کما فی مفتاح الکرامة 12/595.
2- 2 . کما فی المکاسب 3/365.
3- 3 . کما فی تذکرة الفقهاء 10/15.
4- 4 . کما فی الحدائق 18/379 و الریاض 8/222 و شرح القواعد 2/83.
5- 5 . القائل صاحب الریاض 8/226.
6- 6 . وسائل الشیعة 18/47، ح3، صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج.
7- 7 . مفتاح الکرامة 12/596 و 597.
8- 8 . مقابیس الأنوار، کتاب البیع /30.

جواز بیع الکلّی مطلقا _ حالاًّ و سلفا _ عند الإمامیة من الواضحات، و کذا عند العامة(1) ولکن فی خصوص بیعه سلفا لأنّهم لا یجوّزون بیع الکلّی حالاً، فلا یمکن الاستدلال به علی بطلان بیع الفضولی لأنّ الظاهر منه إرادة بیع شی ء لنفسه مع أنّه غیر مالک له حین المعاملة علی أن یمضی فیشتریه من مالکه و یدفعه إلی من باعه منه، و هذا غیر بیع الفضولی. هذا أوّلاً.

و منه یظهر أنّ ما ورد فی تقریرات المحقّق النائینی من «أنّ بیع الکلّی سلفا أو حالاًّ جائز باتفاق الفریقین»(2) غیر تام.

و ثانیا: لو تنزّلنا عن هذا الظاهر یکون الحدیث مجملاً إذ لا نعلم أنّ المراد منه إرادة مطلق بیع ما هو خارج عن ملکه _ حتّی یشمل بیع الفضولی _ أو خصوص البیع الشخصی لنفسه علی أن یمضی و یشتریه و یدفعه إلی المشتری، فلا یمکن التمسک به فی بطلان بیع الفضولی لإجماله.

و ثالثا: علی تقدیر أنّ المراد من الحدیث إرادة مطلق بیع ما هو خارج عن ملکه، لا یدلّ علی بطلان بیع الفضولی لجهتین:

1_ بیع الفضولی بعد إجازة المالک و استناد البیع إلیه یدخل فی عنوان بیع ما عنده و ما هو مالکه فیخرج من عموم الحدیث کما مرّ.

2_ و علی فرض عمومیته، هذا الحدیث بعمومه یدلّ علی بطلان بیع الفضولی و ما مرّ من الروایات الدالة علی صحته تدل بالخصوص علی صحته فیخصصن عمومه.

هذا توضیح ما أفاده الشیخ الأعظم(3) فی ردّه.

مقالة المحقّق النائینی

ولکن اعترض النائینی علی الشیخ الأعظم فی تخصیص عموم الحدیث بالروایات الخاصة الدالة علی صحة بیع الفضولی، لأنّه یری النسبة بینهما التباین لا العموم

ص: 266


1- 1 . الفقه علی المذاهب الأربعة 2/164 و 240 و 304.
2- 2 . منیة الطالب 2/28.
3- 3 . المکاسب 3/367 و 368.

و الخصوص و قال: «لو سلّم دلالتها [علی المنع بالعموم] فلا یمکن تخصیصها بالأدلة الدالة علی صحة الفضولی لأنّ تعارضهما لیس بالعموم و الخصوص المطلق [بل بالتباین[ بتقریب: أنّ مفاد الأدلة المانعة هو أنّ بیع مال الغیر لا یجوز سواء قصد لنفسه أم للمالک و سواء أجاز أم لم یجز.

و مفاد الأدلة المجوّزة صحة البیع المالک إذا أجاز لأنّه لم یکن البیع لنفسه أو للمالک بلا إجازته محلاًّ لتوهم الصحة حتّی یرد المنع بنحو العموم، بل التعارض بینهما بالتباین...»(1).

و ناقشه فی هذا الاعتراض السیّد الخوئی بقوله: «أنّ ما أفاده ذهول عن طریقة الجاهین و من جهة عدم التوجّه إلی أفعال الظالمین و المسلمین غیر المبالین بالدین، أفلا ینهبون أموال الناس و یبیعونها و الناس [الآخرون] یشترون منهم، و هذا فی زماننا کثیر فکیف بزمان الجاهلیة فإنّ النهب و السرقة کان شعارهم و کانوا یفتخرون بذلک بینهم أفلا یصحّ مع ذلک أن ینهاهم النبی صلی الله علیه و آله بقوله: «لا تبع ما لیس عندک» و من الظاهر أن [عموم[ نهیه صلی الله علیه و آله بمکان من الصحة و المتانة لیرتدعوا بذلک عن بیع أموال الناس و علیه فالنسبة بینهما عموم و خصوص فیتقدّم الروایات [الخاصة الدالة علی صحة الفضولی] علیه لا محالة هذا»(2).

مقالة المحقّق الإیروانی

یری الإیروانی النسبة بینهما هو العموم من وجه و قال: «... المنفی فی هذه الأخبار [لا تبع ما لیس عندک] لو کان هو البیع لنفسه کانت هذه الأخبار أخص من هذه الجهة و إن کانت أعمّ من حیث إجازة المالک فتکون النسبة عموما من وجه و تقدیم تلک علی هذه لیس اولی من العکس بتقدیم هذه و الحکم ببطلان البیع لنفسه و إن أجاز المالک کما قالوه فی بیع الغاصب...»(3).

ص: 267


1- 1 . منیة الطالب 2/29.
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/409.
3- 3 . حاشیته علی المکاسب 2/230.

مراده قدس سره : الحدیث عن بیع ما لیس عندک عام سواء تعقّبه الإجازة أم لا و یختص ببیع البائع لنفسه، و الروایات الدالة علی صحة الفضولی أیضا عام سواء باعه الفضولی لنفسه أو لمالکه ولکن إذا تعقّبه الإجازة.

فیتعارضان فی بیع الفضول لنفسه إذا تعقّبه الإجازة و لماذا فی محل الاجتماع تقدّمون الروایات الدالة علی صحة الفضولی؟ و لا یقدّمون الحدیث؟!

أجاب الإیروانی بنفسه عن الاشکال بقوله: «... إنّ نتیجة التعارض بین الطائفتین بالعموم من وجه هو التساقط و الرجوع إلی العمومات و مقتضی العمومات کما تقدّم هو الصحة»(1). هذا أوّلاً إذا تمّ العموم من وجه.

و ثانیا: علی فرض وجود هذه النسبة بین الحدیث و الروایات المجوّزة یکون مورد المعارضة بینهما و محل اجتماعهما هو بیع مال الغیر لنفسه مع لحوق الاجازة و هو خارج عن محل بحثنا فعلاً لأنّ محل البحث بیع الفضول مال الغیر مع عدم سبق النهی منه و صدور الاجازة منه بعد العقد.

و ثالثا: لا یتم العموم من وجه لأنّ الروایات الدالة علی صحة الفضولی لیس فیها ما یدّل علی صحة بیع الفضول لنفسه أو من دون إجازة المالک، غایة الأمر تدل علی صحة بیع الفضولی إذا باعه لمالکه مع صدور إجازته، فلم یکن بینهما نسبة و ترتفع المعارضة من رأسه، لأنّ الحدیث یختص ببیع البائع لنفسه سواء تعقّبه الإجازة أم لا، و الروایات المجوّزة تدل علی صحة بیع الفضول لمالکه مع صدور إجازته و لم یکن بینهما محل اجتماع.(2)

و من العامیات:

النبوی الآخر عنه صلی الله علیه و آله : لاطلاق إلاّ فی ما یملک و لا عتق إلاّ فی ما یملک و لا بیع إلاّ فی ما یملک.(3)

ص: 268


1- 1 . حاشیته علی المکاسب 2/230.
2- 2 . راجع محاضرات فی الفقه الجعفری 2/341.
3- 3 . سنن الترمذی 3/486، ح1181، مسند أحمد 2/207، السنن الکبری 7/318، سنن الدار قطنی 4/14، ح42، المصنَّف 6/417، ح11456 لعبد الرزاق، کنزالعمال 9/641، ح27779، مستدرک الحاکم 2/17.

رواها النوری فی مستدرکه(1) عن ابن أبی جمهور الأحسائی فی کتابه عوالی اللآلی(2) ثلاث مرات کلّها مرفوعات و بلفظ «لا تملک» بالتاء لا الیاء.

نعم، ورد فی صحیحة الصفار أنّه کتب إلی أبی محمّد الحسن بن علی العسکری علیه السلام : فی رجل باع قطاع أرضین فیحضره الخروج إلی مکة و القریة علی مراحل من منزله و لم یکن له من المقام ما یأتی بحدود أرضه و عرف حدود القریة الأربعة، فقال للشهود: أشهدوا أنّی قد بعتُ فلانا _ یعنی المشتری _ جمیع القریة التی حدّ منها کذا، و الثانی و الثالث و الرابع و إنّما له فی هذه القریة قطاع أرضین فهل یصلح للمشتری ذلک و إنّما له بعض هذه القریة و قد أقرّ له بکلّها؟ فوقع علیه السلام : لا یجوز بیع ما لیس یملک و قد وجب الشراء من البائع علی ما یملک.(3)

قال صاحب الحدائق: «و الأصحاب قد افتوا فی هذه المسألة التی هی مضمون هذه الروایة بلزوم البیع فیما یملکه و وقوفه فیما لا یملک علی الإجازة من المالک بمعنی أنّه صحیح لکونه فضولیّا موقوفا فی لزومه علی إجازة المالک، و الروایة _ کماتری _ تنادی بأنّه «لا یجوز» الدال علی التحریم، و لیس ثمة مانع یوجب التحریم سوی عدم صلاحیة المبیع للنقل بدون إذن مالکه»(4).

و فیه: علی فرض قبول ما ذکره قدس سره من المانع، لا یدخل فی بیع الفضولی لمالکه بعد صدور الإجازة منه التی هی إعلام و إظهار للرضا و إذن منه فلا یشمل الفضولی.

مضافا: إلی أنَّ ظاهرها بیع الفضول مال غیره لنفسه لا لمالکه من دون إذنه، أو عدم صحة البیع الواقع من غیر المالک علی الاستقلال من دون لحوق إجازة المالک و کلاهما

ص: 269


1- 1 . مستدرک الوسائل 13/230، ح3 و 4، و 15/293، ح5.
2- 2 . عوالی اللآلی 2/247، ح16، 3/205، ح38، 1/233، ح136.
3- 3 . وسائل الشیعة 17/339، ح1، الباب 2 من أبواب عقد البیع و شروطه.
4- 4 . الحدائق 18/386.

غیر مسألتنا هذه.

هذا کلّه بالنسبة إلی الصحیحة.

و أمّا النبوی الآخر بالتقریب و الردّ اللذین مَضَیا آنفا فی النبوی الأوّل فلا نعید بناءً علی القراءَةِ بصیغة المعلوم.

و أمّا بناءً علی القِراءَةِ بصیغة المجهول: فتکون دلیلاً علی بطلان بیع ما هو غیر مملوک کالسمک فی البحر و الطیر فی الهواء و الدابة الوحشیة علی الجبال، و کذا عتق العبد قبل استرقاقه بأن یقول: لو تملکّتُکَ فأنتَ حرّ، و کذا طلاق المرأة قبل تزوّجها بأن یقول: لو تزوّجُتکِ فأنتِ طالق، أو أن یطلّقها أوّلاً ثمّ یتزوّجها لیؤثر الطلاق بعد النکاح، و أنت تعلم بأنَّها کلّها خارجة عمّا نحن بصدده فی المقام من أدلة بطلان بیع الفضولی.

و أمّا غیر عامیات

فعدّة من الروایات:

منها: صحیحة محمّد بن القاسم بن الفضیل قال: سألت أباالحسن الأوّل علیه السلام عن رجل اشتری من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم، و کتب علیها کتابا بأنّها قد قبضت المال و لم تقبضه، فیعطیها المال أم یمنعها؟ قال: قل له لیمنعها أشدّ المنع فإنّها باعته مالم تملکه.(1)

قال الفیض: «فلانٌ کنایة عن العباس، و فی الکافی(2) من امرأة من العباسیین. و القطائع: محالّ ببغداد أقطعها المنصور لاُناس من أعیان دولته لیعمّروها و یسکنوها، و إنّما لم تملکها لأنّها کانت للإمام علیه السلام »(3).

أقول: القطائع: جمع القطیعة و هی طائفة من أرض الخراج و اسم للشی ء الذی یُقْطَع، و اسم لما ینقل من المال کالقری و الأراضی و الأبراج و الحصون.(4) و الظاهر أنّ

ص: 270


1- 1 . وسائل الشیعة 17/333، ح2، الباب 1 من أبواب عقد البیع و شروطه.
2- 2 . الکافی 9/712، ح8 (5/133).
3- 3 . الوافی 17/294، ح17310.
4- 4 . راجع القاموس المحیط 2/1008، و مجمع البحرین 4/381.

العراق کلّه مفتوح عنوة فکانت أراضیه ملْکا للمسلمین _ لا الإمام علیه السلام _ وَ لِذا نَهاهُ الإمام علیه السلام عن قَبْضِ الثمن.

قال الیاقوت الحموی فی معجم البلدان: «و أمّا القطیعة فلها معنیان:

أحدهما: ة ن یعمد الإمام الجائز الأمر و الطاعة إلی قطعة من الأرض یفرزها عمّا مجاورها و یهبها ممّن یری لیعمّرها و ینتفع بها، إمّا أن یجعلها منازل یسکنها من یشاء، و أمّا أن یجعلها مزدرعا ینتفع بما یحصل من غلّتها و لا خراج علیه فیها، و ربّما جعل علی مذدرعها خراج، و هذه حال قطائع المنصور و ولده بعده ببغداد فی محالّها فمن ذلک قطیعة الربیع و قطیعة أمّ جعفر و قطیعة فلان... .

القطیعة الاخری: فهی أن یقطع السلطان من یشاء من قواده و غیرهم القری و النواحی و یقطع علیهم عنها شیئا معلوما یؤدونه فی کلِّ عام قلَّ أو کثر، توفّر محصولها أو نزر لا مدخل للسلطان معه فی أکثر من ذلک»(1).

قال فی الحدائق فی تذییل الصحیحة: «فلو کان البیع الفضولی صحیحا _ کما یدّعونه _ و دفع الثمن للبائع الفضولی جائزا _ کما یقولونه _ لما أمر علیه السلام بمنعها أشدّ المنع معلَّلاً ذلک بأنّها باعت ما لا تملکه»(2).

ثمّ العجب من شیخنا الاستاذ قدس سره حیث یقول: «و لا یخفی ضعف الروایة سندا لعدم ثبوت توثیق لأبی عبداللّه البرقی [محمّد بن خالد]»(3).

لأنّ الشیخ(4) وثقه فی رجال الرضا علیه السلام و عدّه من أصحاب أبی الحسن موسی علیه السلام ، کما ذکره فی أصحاب الجواد علیه السلام قائلاً: «من أصحاب موسی بن جعفر و الرضا علیهماالسلام »(5). و

ص: 271


1- 1 . معجم البلدان 1/42.
2- 2 . الحدائق 18/386.
3- 3 . إرشاد الطالب 3/332.
4- 4 . رجال الشیخ /386، رقم 4.
5- 5 . رجال الشیخ /404، رقم 1.

أمّا مقالة النجاشی فی شأنه: «کان محمّد ضعیفا فی الحدیث»(1) یرجع إلی تضعیف حدیثه لا نفسه لأنّه یقال: «یروی عن الضعفاء و یعتمد المراسیل»(2) فیبقی توثیق الشیخ بلا معارض کما علیه السیّد الخوئی(3) و لذا وثّقه العلاّمة و قال: «و الاعتماد عندی علی قول الشیخ أبی جعفر الطوسی رحمه الله من تعدلیه»(4).

و الصحیحة منعت عن إقباض الثمن فی بیع الفضولی، و لا بأس بالالتزام بها و لا دلالة لها علی فساد بیع الفضولی بل تؤید صحته إذ لم یعلّل الإمام علیه السلام المنع عن إقباض الثمن ببطلان البیع بل علّله بأنّها باعت مالم تملکه مع أنّه لو کان باطلاً لکان التعلیل به اُولی و أنسب.(5)

و بعبارة اُخری: تدلّ علی «عدم جواز القبض و الإقباض للبائع غیر المالک و هذا أمر متسالم علیه بین القائلین بتمام بیع الفضولی بلحقوق الإجازة به و بین المنکرین له»(6).

مضافا إلی أنّها لم تبعه لمالکه _ و هو المسلمین _ بل باعته لنفسها مع ادعاء المالکیة فالروایة خارجة عن محلّ بحثنا فعلاً و هو بیع الفضولی لمالکه إذا تعقّبه الإجازة منه.

و منها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام فی حدیث قال: سأله رجل من أهل النیل عن أرض اشتراها بفم النیل، و أهل الأرض یقولون: هی أرضهم، و أهل الاُستان یقولون: هی من أرضنا، فقال: لاتشترها إلاّ برضا أهلها.(7)

ص: 272


1- 1 . رجال النجاشی /335، رقم 898.
2- 2 . رجال الغضائری /93، رقم 132.
3- 3 . راجع معجم رجال الحدیث 16/67، رقم 10688.
4- 4 . ترتیب خلاصة الأقوال 376، رقم 98.
5- 5 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 1/411.
6- 6 . إرشاد الطالب 3/332.
7- 7 . وسائل الشیعة 17/334، ح3.

النیل: موضع قریب ببغداد بینه و بین واسط(1) قال الیاقوت الحموی: «النیل: بکسر أوّله بلفظ النیل الذی تصبغ به الثیاب فی مواضع: أحدها: بلیدة فی سواد الکوفة قرب حلّة بنیمزید یخترقها خلیخ کبیر یتخلّج من الفرات الکبیر حفره الحجاج بن یوسف و سما بنیل مصر، و قیل: إنّ النیل هذأیستمدّ من صراة جاماسب ینسب إلیه خالد بن دینار النیلی...»(2).

و الاُستان: أربع کُوَر(3) ببغداد: عال و أعلی و أوسط و أسفل.(4)

قال صاحب الحدائق فی ذیلها: «لا یقال: إنّ السؤال فی الروایة إنّما وقع عن أرض متنازع فیها، معلوم عدم إجازة المالک فیها علی تقدیر الفضولیة.

لأنّا نقول: موضع الاستدلال فی الخبر إنّما هو قوله: «لا تشترها إلاّ برضا أهلها» الدال علی تحریم الشراء قبل تقدّم الرضا.

و دعوی قیام الإجازة المتأخرة مقام الرضا السابق، مع کونه لا دلیل علیه، مردود بما ینادی به الخبر من المنع و التحریم إلاّ مع تقدّم الرضا.

و حاصل معنی الجواب تطبیقا علی السؤال: أنّ الأرض المذکورة لما کانت محلّ النزاع فلا تشترها حتی تعلم مالکها من أیّ الفریقین و یکون راضیا بالبیع»(5).

أقول: اعتبر الإمام علیه السلام رضا أهلها _ أی أهل النیل _ دون أهل الاُستان لأنّهم ذَوُوْ الید علیها و الید أمارة للملکیة حتّی یثبت خلافها، و رضا المالک یدخل فی صحة البیع بلا کلام، و القائل بصحة بیع الفضولی مع لحوق الإجازة به یری الإجازة إظهارا لرضا المالک بالبیع و إلاّ لم یجزه.

ص: 273


1- 1 . فی القاموس المحیط 2/407: النیل _ بالکسر _ : نهر بمصر، و قریة بالکوفة، و اُخری بیزد، و بلدة بین بغداد و واسط.
2- 2 . معجم البلدان 5/334.
3- 3 . کُوَر: جمع الکورة: المدینة و الناحیة.
4- 4 . القاموس المحیط 2/1583، الوافی 18/992، ح18689.
5- 5 . الحدائق 18/387.

فالصحیحة لا تدلّ علی بطلان بیع الفضولی، فلا یتم ما ذکره صاحب الحدائق قدس سره .

و منها: ما ورد فی التوقیع الذی رواه الحمیری أنّه کتب إلی صاحب الزمان علیه السلام : أنّ بعض أصحابنا له ضیعة جدیدة بجنب ضیعة خراب للسلطان فیها حصة، و أکَرَتُهُ(1) ربّما زرعوا تنازعوا فی حدودها، و تؤذیهم عمّال السلطان، و تتعرض فی الکلِّ من غلات ضیعته، و لیس لها قیمة لخرابها و إنّما هی بائرة منذ عشرین سنة، و هو یتحرج من شرائها لأنّه یقال: إنّ هذه الحصة من هذه الضیعة کانت قبضت من الوقف قدیما للسلطان، فإن جاز شراؤها من السلطان کان ذلک صونا و صلاحا له و عمارة لضیعته، و أنّه یزرع هذه الحصة من القریة البائرة بفضل ماء ضیعته العامرة و ینحسم عن طمع اولیاء السلطان، و إن لم یجز ذلک عمل بما تأمره به إن شاء اللّه.

فأجابه علیه السلام : الضیعة لا یجوز ابتیاعها إلاّ من مالکها أو بأمره أو رضا منه.(2)

قال فی الحدائق: «و التقریب فیها ما تقدّم من تحریم الشراء إلاّ بعد تقدّم رضا المالک»(3).

أقول: الروایة مرسلة سندا. و لا تدلّ علی بطلان بیع الفضولی، لأنّه بعد صدور الإجازة من المالک یکون بیعا من المالک و بأمره و إجازته و رضایته، فإیرادها هنا بلا وجه و مرّ ما فی کلام صاحب الحدائق قدس سره .

و منها: معتبرة خالد بن الحجاج قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : الرجل یجی ء فیقول: اشتر هذا الثوب و أربحک کذا و کذا، قال: ألیس إن شاء ترک و إن شاء أخذ؟ قلت: بلی: قال: لا بأس به إنّما یحلّ الکلام و یحرم الکلام.(4)

و منها: صحیحة أخیه یحیی بن الحجاج قال: سألت أباعبداللّه علیه السلام عن رجل قال لی: اشتر هذا الثوب و هذه الدابة و بعنیها أربحک فیها کذا و کذا، قال، لا بأس بذلک،

ص: 274


1- 1 . الأکَرَة: جمع أکّار: الفلاح، راجع الصحاح 2/580.
2- 2 . وسائل الشیعة 17/337، ح8.
3- 3 . الحدائق 18/387.
4- 4 . وسائل الشیعة 18/50، ح4، الباب 8 من أبواب أحکام العقود.

اشترها و لا تواجبه البیع قبل أن تستوجبها أو تشتریها.(1)

بتقریب: أَنَّ الرِّوایَتَیْنِ تَدُلاّنِ عدم جواز بیع مال الغیر مطلقا إلاّ بعد دخوله فی ملک البائع و حیث أنّ الفضول یبیع مال غیره تنفیه الروایتان.

و یردّه: تنفی الروایتان بیع مال الغیر عن نفسه ثمَّ شرائه من مالک و تحویله للغیر، و هذا البیع الشخصی باطل عندنا، ولکن إذا کان علی وجه البیع الکلّی فلا إشکال فیه کما مرّ.

و لذا قال الشیخ الأعظم: «... و هذا المعنی یرجع إلی المراد من روایتی خالد و یحیی الآتیتین فی بیع الفضولی لنفسه و یکون بطلان البیع بمعنی عدم وقوع البیع للبائع بمجرد انتقاله إلیه بالشراء فلا ینافی أهلیّته لتعقّب الإجازة من المالک...»(2).

و مراده من هذا المعنی ما مرّ من البیع الشخصی لنفسه لا مالکه، و لا البیع الکلّی.

ثم قال بعد سطور: «و أمّا الروایتان فدلالتهما علی ما حملنا علیه السابقَیْن اُوضح»(3).

مراده قدس سره من السابقَیْن: النبویان السابقان کما عن الفقیه المامقانی(4) و أمّا المراد من الروایتین فَهُما روایتا خالد و یحیی ابنی الحجاج الماضیتان کما قاله الفقیه الیزدی(5) و المحقّقون الشهیدی(6) و الخوئی(7) و المروج(8) و شیخنا الاستاذ(9) رحمهم الله ، لا التوقیعان

ص: 275


1- 1 . وسائل الشیعة 18/52، ح13.
2- 2 . المکاسب 3/367.
3- 3 . المکاسب 3/368.
4- 4 . غایة الآمال /364.
5- 5 . حاشیة المکاسب 2/132.
6- 6 . هدایة الطالب 3/51.
7- 7 . مصباح الفقاهة 4/99.
8- 8 . هدی الطالب 4/500.
9- 9 . إرشاد الطالب 3/337.

للصفار و الحمیری کما عن الفقیه المامقانی(1) رحمه الله .

أعنی: لابدّ من أن تحملا علی النبویین اللذَیْن مرّا.

و منها: التوقیع المروی بسند معتبر و فیه: و أمّا ما سألت عنه من أمر الضیاع التی لناحیتنا هل یجوز القیام بعمارتها و أداء الخراج منها و صرف ما یفضل من دخلها إلی الناحیة احتسابا للأجر و تقرّبا إلیکم؟ فلا یحلّ لأحد أن یتصرف فی مال غیره بغیر إذنه، فکیف یحلّ ذلک فی مالنا؟! مَنْ فعل شیئا مِنْ ذلک لغیر أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرم علیه، و مَنْ أکل مِنْ مالنا شیئا فإنّما یأکل فی بطنه نارا و سیصلی سعیرا.(2)

صاحب الحدائق أصرّ علی أنّ عقد الفضول تصرف فی مال الغیر فیکون حراما و باطلاً و یقول: «... من حرمة التصرف فی مال الغیر بغیر إذنه إلاّ ما استثنی، و لیس منه هذا، و لا شک أنّ هذا العقد الواقع بغیر اذن المالک و ما یترتب علیه من دفع المبیع و قبض الثمن من ذلک القبیل، و إذنه أخیرا.

لا یخرج تلک التصرفات السابقة علی أن تکون غصبا.

نعم، یعفی عمّا جناه من ذلک کما لوجنی شخص علی شخص ثمّ أبرأه من ذلک. ولو لم یأذن المالک فإنّ حکم الغصب باق فیکون هو مؤاخذا لجمیع تصرفاته دینا و دنیا، أمّا الأوّل فبالمعاقبة و أمّا الثانی فبوجوب إرجاع کلّ إلی حقٍّ مستحقه»(3).

و قرّب المحقّق التقی الاستدلال بقوله: «أنّه تصرف فی ملک الغیر بغیر إذنه فیکون قبیحا عقلاً و شرعا فیکون فاسدا»(4).

و قرّبه الشیخ الأعظم بقوله: «و لا ریب أن بیع مال الغیر تصرّف فیه عرفا»(5).

ثم ردّ المحقّق التقی هذا الاستدلال و قال: «... و دعوی کونه تصرفا فی ملک الغیر

ص: 276


1- 1 . غایة الآمال /364.
2- 2 . وسائل الشیعة 9/540، ح7، الباب 3 من أبواب الأنفال.
3- 3 . الحدائق 18/382.
4- 4 . تبصرة الفقهاء 3/339.
5- 5 . المکاسب 3/371.

محرّما أوهن شی ءٍ، للمنع مِن عَدّ مجرد إیقاع الصیغة تصرفا عرفا و منع حرمة مثله لو عَدّ تصرفا، ولو سلّم کونه محرّما فبعثه علی الفساد ممنوع أیضا لکون النهی عنه لأمر خارج»(1).

و قال السیّد العاملی: «أمّا دعوی التصرف فممنوعة، لأنّ البیع بمجرّده مع کون المال عند صاحبه و أنّ أمره موکل إلیه إن شاء أجاز و إن شاء لم یجز لا یسّمی تصرفا»(2).

و کذلک قال صاحب الجواهر: «منع کون إیقاع لفظ العقد _ الذی لم نتحقّق تأثیره إلاّ برضا المالک _ تصرّفا فی مال الغیر، حتّی من الغاصب ضرورة أصالة براءة ذمّته من حرمة القول المزبور، نعم یحرم علیه تصرفاته فیه بالقبض و الإقباض و نحوهما. علی أنّ حرمة ذلک علیه لا تقتضی الفساد عقلاً بل و لا شرعا لعدم تعلّق النهی به علی وجهٍ یفهم منه عرفا ذلک»(3).

و قال الشیخ الأعظم: «و الجواب: أنّ العقد علی مال الغیر متوقّعا لإجازته غیر قاصد لترتیب الآثار علیها لیس تصرفا فیه»(4).

أقول: ردّ القوم تام و أنت تجد هذا الرد فی کلام صاحبی المقابس(5) و شرح القواعد(6).

هذا کُلُّهُ ما ذَکَرَهُ الشیخ الأعظم من الروایات، و بَقِیَ بعضها الاْآخَرُ وَ هُوَ مَذْکُوْرٌ فی کلام صاحب الحدائق(7) و ترکها الشیخ الأعظم لعلّ لوضوح جوابها عنده:

و استشهد صاحب الحدائق بالروایات الواردة فی النهی عن شراء الخیانة و

ص: 277


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/340.
2- 2 . مفتاح الکرامة 12/595.
3- 3 . الجواهر 23/457 (22/282).
4- 4 . المکاسب 3/371.
5- 5 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /28.
6- 6 . شرح القواعد 2/84.
7- 7 . الحدائق 18/387 و ما بعدها.

السرقة:

منها: موثقة سماعة قال: سألته عن شراء الخیانة و السرقة فقال: إذا عرفت أنّه کذلک فلا إلاّ أن یکون شیئا اشترتیه من العامل.(1)

قال صاحب الحدائق فی تقریب الاستدلال بها: «فقد نهی علیه السلام عن الشراء مع العلم و النهی دلیل التحریم، و لیس ذلک إلاّ من حیث أنْ المبیع غیر صالح للنقل لکون التصرف فیه غصبا محضا و التصرف فی المغصوب قبیح عقلاً و نقلاً. و الأصحاب فی مثل هذا یحکمون بالصحة و الوقوف علی الإجازة و هل هو إلاّ ردّ لهذا الخبر و نحوه...»(2).

و منها: فی حدیث مناهی النبی صلی الله علیه و آله : و من اشتری خیانة و هو یعلم فهو کالذی خانها.(3)

و منها: صحیحة أبی بصیر قال: سألت أحدهما علیهماالسلام عن شراء الخیانة و السرقة؟

قال: لا إلاّ أن یکون قد اختلط معه غیره، فأمّا السرقة بعینها فلا، إلاّ أن یکون من متاع السلطان فلا بأس بذلک.(4)

قال العلاّمة المجلسی رحمه الله : «قوله علیه السلام : إلاّ أن یکون من متاع السلطان، الظاهر أنّ الاستثناء منقطع و إنّما استثنی علیه السلام ذلک لأنّه کالسرقة و الخیانة من حیث أنّه لیس له أخذه. و علی هذا لا یبعد أن یکون الاستثناء متصلاً. و قیل(5): المعنی أنّه إذا کانت السرقة من مال السلطان یجوز للشیعة ابتیاعها بإذن الإمام. و قیل: اُرید به ما إذا سرق الانسان مال ظالمٍ علی وجه التقاص. و الأوّل اُوجه»(6).

و منها: معتبرة جراح المدائنی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: لا یصلح شراء السرقة و

ص: 278


1- 1 . وسائل الشیعة 17/336، الباب 1 من أبواب عقد البیع و شروطه.
2- 2 . الحدائق 18/387.
3- 3 . وسائل الشیعة 17/333، ح1.
4- 4 . وسائل الشیعة 17/335، ح4.
5- 5 . الظاهر أنه من الفیض فی الوافی 17/289 ذیل ح17302.
6- 6 . مرآة العقول 19/268.

الخیانة إذا عُرفت.(1)

و منها: صحیحة علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال: سألته عن رجل سرق جاریة ثمّ باعها یحلّ فرجها لمن اشتراها؟ قال: إذا أنباهم أنّها سرقة فلا یحلّ، و إن لم یعلم فلا بأس.(2)

قال صاحب الحدائق فی ذیل هذه الروایات: «فهذه جملة من الأخبار الواضحة الظهور کالنور علی الطور فی عدم جواز بیع الفضولی و عدم صحته ولو کان ما یدعونه من صحة بیع الفضولی و تصرفه بالدفع و القبض صحیحا و إنّما یتوقف علی الإجازة، لصرح به بعض هذه الأخبار أو اُشیر إلیه و لأجابوا علیهم السلام بالصحة، و إن کان اللزوم موقوفا علی الإجازة فی بعض هذه الأخبار إن لم یکن فی کلّها مع أنه لا أثر فیها لذلک ولو بالإشارة، فضلاً عن صریح العبارة»(3).

قال الجدّ فی نقد هذا الاستشهاد ما نصه: «... و أضعف من ذلک(4) الاحتجاج علی ذلک(5) بما ورد فی الأخبار من المنع عن شراء السرقة و الخیانة و المنع عن وطی الجاریة المسروقة إذا اشتراها عن السارق و نحو ذلک، فإن تلک الروایات ظاهرة جدّا بل صریحة فی غیر صورة رضا المالک و تنفیذه للبیع الواقع فلا وجه للاحتجاج بها فی المقام. و هو ظاهر علی أنّه لو سلّم اطلاقها فلا ریب فی تنزیلها علی غیر صورة الإجازة إذا قلنا بصحة فضولی الغاصب مع تعقّب الإجازة بناءً علی شمول الأدلة له فهی المقیّدة لإطلاقها و إن لم نقل بصحّته فلا کلام»(6).

و قال صاحب الجواهر فی نقده: «فمن الغریب الاستدلال بهذه النصوص علی

ص: 279


1- 1 . وسائل الشیعة 17/336، ح7.
2- 2 . وسائل الشیعة 17/338، ح12.
3- 3 . الحدائق 18/388.
4- 4 . أی: من الاستدلال بالروایات السابقة.
5- 5 . أی: علی بطلان بیع الفضولی.
6- 6 . تبصرة الفقهاء 3/341.

ذلک، فضلاً عن التبجّح(1) و التعجّب من الاهتداء إلیها دون الأصحاب، إذ لا یخفی أنّ العجب من ذلک أعظم»(2). و قال فی موضع آخر: «... أنّه لم یفهم محلّ النزاع و تخیّل أنّ القائل بالصحة یرید حصول أثرها من الملک و التملیک و جواز التصرف و غیر ذلک عدا اللزوم فأبرق و أرعد ثم ترنّم و غرّد(3) و ساق جملة من النصوص الدالة علی خلاف ذلک متبجّحا بالعثور علیها و الاهتداء إلی الاستدلال بها...»(4).

و قال السیّد الخوئی: «و یتوجّه علی الاستدلال بها علی ما نحن فیه أنّها ظاهرة فی إرادة التملّک من الابتیاع المذکور بحیث تترتب علیه الآثار نحو ترتّبها علی الابتیاع من المالک، فلا إشعار فی شی ء منها ببطلان بیع الفضولی فضلاً عن الدلالة علیه و من نظر إلیها بعین الإنصاف و جانب طریق الاعتساف یری صدق ما ذکرناه، و العجب من صاحب الحدائق مع تبحره فی الأخبار و غوره فیها قد خفی علیه ما ذکرناه مع أنّه من الوضوح بمکان بل هو کالنار علی المنار، و أعجب من ذلک أنّه مع عدم فهمه محل النزاع کما یظهر من کلامه المتقدّم حیث جعل بیع الفضولی تصرفا فی المغصوب ابتهج...»(5).

أقول: مضافا إلی ما ذکره الأعلام قدس سرهم فی نقده إِنّ النسبة بین الشراء و الخیانة و بین بیع الفضولی عن مالکه مع صدور الإجازة منه الذی هو محلّ بحثنا فعلاً، هی التباین، و الخلط بینهما یکون محلاًّ للتعجب، نعم، بینها و بَیْنَ بیع الغاصب الفضول مع تعقّب الإجازة نسبة کما مرّ عن الجدّ قدس سره .

و منها: معتبرة رُزَیْق بن الزبیر أبی العباس الخُلْقانی قال: کنت عند أبی عبداللّه علیه السلام إذ دخل علیه رجلان _ إلی أن قال _ فقال أحدهما: إنّه کان علیَّ مال لرجل من بنی عمار و له بذلک حقٌّ و شهودٌ فأخذ المال و لم استرجع منه الذکر بالحقّ و لا کتبت علیه کتابا و لا

ص: 280


1- 1 . بجح بالشی ء: إذا فخر به و تَبَجَّحَ به، کذلک. [موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 4/47].
2- 2 . الجواهر 23/461 (22/285).
3- 3 . غرّد: کلّ صائتٍ طَرِبَ الصوت فهو غَرِدٌ و قد غَرَّدَ تغریدا.[ترتیب کتاب العین /710].
4- 4 . الجواهر 23/453 (22/281).
5- 5 . مصباح الفقاهة 4/98.

أخذت منه براءة، و ذلک لأنّی و ثقت به و قلت له: مزّق الذکر بالحقّ الذی عندک، فمات و تهاون بذلک و لم یمزّقها، و عَقَب هذا أن طالبنی بالمال ورّاثه و حاکمونی و أخرجوا بذلک الذکر بالحقِّ و أقاموا العدول فشهدوا عند الحاکم فاُخذتُ بالمال و کان المال کثیرا فتوارثت من الحاکم فباع علیَّ قاضی الکوفة معیشة لی و قبض القوم المال، و هذا رجل من إخواننا إبتلی بشراء معیشتی من القاضی، ثمّ أنّ ورثة المیت أقروا أنّ المال کان أبوهم قد قبضه و قد سألوه أن یردّ علیّ معیشتی و یعطونه فی أنجم معلومة، فقال: إنّی اُحبّ أن تسأل أبا عبداللّه علیه السلام عن هذا، فقال الرجل _ یعنی المشتری _ جعلنی اللّه فداک کیف أصنع؟ فقال: تصنع أن ترجع بمالک علی الورثة و تردّ المعیشة إلی صاحبها، و تخرج یدک عنها، قال: فإذا أنا فعلت ذلک له أن یطالبنی بغیر هذا؟ قال: نعم، له أن یأخذ منک ما أخذت من الغلّة ثمن الثمار، و کلّ ما کان مرسوما فی المعیشة یوم اشتریتها یجب أن تردّ ذلک إلاّ ما کان من زرع زرعته أنت، فإنّ للزارع إمّا قیمة الزرع و إمّا أن یصبر علیک إلی وقت حصاد الزرع، فإن لم یفعل کان ذلک له و ردّ علیک القیمة و کان الزرع له، قلت: جعلت فداک فإن کان هذا قد أحدث فیها بناءً و غرس، قال: له قیمة ذلک أو یکون ذلک المحدِث بعینه یقلعه و یأخذه، قلت: أ رأیت إن کان فیها غرس أو بناء فقلع الغرس و هدم البناء، فقال: یرد ذلک إلی ما کان أو یعزم القیمة لصاحب الأرض، فإذا ردّ جمیع ما أخذ من غلاّتها إلی صاحبها و ردّ البناء و الغرس و کلّ محدَث إلی ما کان أو ردّ القیمة کذلک یجب علی صاحب الأرض أن یردّ علیه کلّ ما خرج عنه فی إصلاح المعیشة من قیمة غرس أو بناءٍ أو نفقة فی مصلحة المعیشة و دفع النوائب عنها کلّ ذلک فهو مردود إلیه.(1)

قال صاحب الحدائق فی تقریب الاستدلال بهذه المعتبرة: «هذا الخبر و إن تضمن أنّ البائع هو الحاکم و هو صحیح بحسب الظاهر، بناءً علی ما ورد عنهم علیهم السلام من الأخذ بأحکامهم فی زمان الهدنة و التقیة، إلاّ أنّه بعد ظهور الکاشف عن بطلانه و اعتراف الورثة بقبض الدین یکون من باب البیع الفضولی و هو کما سیأتی _ إن شاء اللّه تعالی _ علی

ص: 281


1- 1 . وسائل الشیعة 17/340، ح1، الباب 3 من أبواب عقد البیع و شروطه.

قسمین:

أحدهما: ما یکون المشتری عالما بالغصب و انّه لیس ملکا للبائع،

و ثانیهما: أن یکون جاهلاً أو أدعی البائع الإذن من المالک.

و ما اشتمل علیه الخبر من القسم الثانی إلاّ إنّ ما اشتمل علیه الخبر المذکور من رجوع المشتری بما أغترمه علی المالک خلاف ما سیأتی فی کلامهم من أنّه إنّما یرجع إلی البائع، و ما ذکره علیه السلام هو الاُوفق بالقواعد کما سیظهر لک...»(1).

و أجابه السیّد الخوئی بقوله: «أنّ الروایة أجنبیة عن بطلان بیع الفضولی، فإنّها لیست مسوّقة لبیان بطلان البیع حتّی مع الإجازة اللاحقة، بل هی ناظرة إلی بیان حکم الواقعة و أنّه بعد کشف الخلاف فلابدّ و أن یکون یرجع المال المأخوذ بلا حقٍّ إلی صاحبه»(2).

ص: 282


1- 1 . الحدائق 18/389.
2- 2 . مصباح الفقاهة 4/100.

3_ الإجماع المُدّعی علی البطلان

قال الشیخ فی الخلاف: «إذا باع انسانٌ ملک غیره بغیر إذنه، کان البیع باطلاً و به قال الشافعی. و قال أبوحنیفة: ینعقد البیع و یقف علی إجازة صاحبه و به قال قوم من أصحابنا.

دلیلنا: إجماع الفرقة و مَنْ خالف منهم لا یعتدّ بقوله، و لأنّه لا خلاف أنّه ممنوع من التصرف فی ملک غیره، و البیع تصرّف»(1).

أقول: أنت تری بأنّ الشیخ اعترف بخلاف قوم من أصحابنا لِلاْءجْماعِ و من المخالفین: الشیخ نفسه فی نهایته(2) و جماعة من المتقدمین علیه و أساتیده و معاصریه کالقدیمین(3) و أبی الصلاح(4) و المفید(5) و الشریف المرتضی(6) و سلاّر(7) و ابنَیْ البراج(8) و حمزة(9) و غیرهم کما مرّ(10). و مع وجود هذه الشهرة فی طرف الخلاف فَادِّعاءُ الإجماع لا یتم.

و ادّعی ابن زهرة(11) الإجماع أیضا و الحلّی(12) فی باب المضاربة عدم الخلاف فی بطلان شراء الغاصب إذا اشتری بعین المغصوب.

ص: 283


1- 1 . الخلاف 3/168، مسألة 275.
2- 2 . النهایة /385.
3- 3 . نقل العلاّمة عن ابن الجنید فی المخلتف 5/53 و عن ابن أبی عقیل فیه 7/119.
4- 4 . الکافی فی الفقه /353 و 352 و 292.
5- 5 . المقنعة /606.
6- 6 . الناصریات /330، مسألة 154.
7- 7 . المراسم /148.
8- 8 . المهذب 1/350.
9- 9 . الوسیلة /249.
10- 10 . راجع صفحة 179 من هذا المجلد.
11- 11 . غنیة النزوع /207.
12- 12 . السرائر 2/415.

و قد مرّ(1) فی أوّل البحث ذِکْرُ القائلین بالبطلان فلا نعید.

فظهر لک عدم تمامیة هذا الإجماع أوّلاً.

و ثانیا: لو تمّ هذا الإجماع المُدَّعی _ و لم یتم _ فَمِنَ المحتمل جدّا أنّه مدرکیّ و لیس بتعبدی و یکون مستندهم ما مرّ من أدلة البطلان فلا یفید فی المقام شیئا.

و لذا قال الشیخ جعفر رحمه الله : و أمّا القول بالفساد مع الإجازة فهو قول نادر، و من(2) زعم کثرة القائل به مستندا إلی اشتراطهم الملک فی صحة العقود فهو اشتباه منه، لأنّ مثل ذلک یجری علی لسان کلّ من الفریقین و مرادهم أنّ حصول الأثر موقوف علیه. و لم أعرف فیه قائلاً محقَّقا من القدماء سوی مَن ادعیا الإجماع فیه و تبعهما ابن ادریس و أنّی لهما بإثباته؟! و کیف یمکن العمل بروایتهما له بعد اتفاق الفقهاء متقدّمیهم و متأخّریهم _ سوی مَنْ شذّ منهم _ علی خلافه! فالاستناد إلی الإجماع لا وجه له»(3).

و قال الجدّ العلاّمة التقی: «و أمّا الإجماع فموهون باشتهار خلافه و ذهاب جماعة من أساطین المتقدمین إلی صحة بل ذهاب ناقله إلی خلافه حسبما عرفت»(4).

و قال السیّد العاملی: «و أمّا الإجماع فیوهنه عدم وجود القائل به غیر مدّعیه و مَنْ شذَّ ممّن تأخّر عن الشیخ، مع مخالفة الشیخ له فی النهایة و نسبة الخلاف فی «الخلاف» إلی قوم من أصحابنا و قد عرفت من ذهب إلی الصحة ممّن تقدّم علی الشیخ فینبغی تأویله إن أمکن أو طرحه»(5).

قال فی الجواهر: «و من الغریب دعوی الشیخ و ابن زهرة الإجماع علی ذلک، و لم نعرف القائل به مِنْ غیر مَن عرفت، بل المحکی عن أعاظم الأصحاب کالمفید و ابن الجنید و غیرهم الصحة أیضا. علی أنَّ المحکی عن نهایة الشیخ ذلک أیضا بل عبارته فی

ص: 284


1- 1 . راجع صفحة 180 من هذا المجلد.
2- 2 . هو صاحب الحدائق فیه 18/386.
3- 3 . شرح القواعد 2/82.
4- 4 . تبصرة الفقهاء 3/340.
5- 5 . مفتاح الکرامة 12/595.

محکّی المبسوط(1) غیر صریحة فی البطلان أیضا. فمثل هذا الإجماع الذی یقوی الظن بخلافه لم تثبت حجّیّته مضافا إلی قصوره عن معارضته بعض ما عرفت فضلاً عن جمیعه...»(2).

و قال الشیخ الأعظم: «عدم الظن بالإجماع، بل الظن بعدمه بعد ذهاب معظم القدماء... علی الصحة و إطباق المتأخّرین علیه عدا فخرالدّین(3) و بعض متأخّری المتأخرین(4)»(5).

و قال الفقیه السیّدُ الیزدی: «الإنصاف أنّ التمسک بالإجماع فی مثل المسألة علی أحد الطرفین أوهن شیءٍ»(6).

ص: 285


1- 1 . راجع المبسوط 2/100 و عبارته هکذا: «من باع ما لا یملک کان البیع باطلاً».
2- 2 . الجواهر 23/454 (22/281).
3- 3 . إیضاح الفوائد 1/416 و 417.
4- 4 . نحو الأردبیلی فی مجمع الفائدة 8/158، البحرانی فی الحدائق 18/378 و 391.
5- 5 . المکاسب 3/370.
6- 6 . حاشیة المکاسب 2/133.

4_ العقل

اشارة

مستقل ببطلان عقد الفضولی بالتقریب التالی:

التصرف فی مال الغیر بدون إذنه ظلم فی حقّ مالکه و الظلم قبیح عقلاً لاستقلال العقل بقبحه، و الرضا اللاحقّ لایرتفع هذا القبح لأنّ الشی ء لایتغیّر عما وقع علیه، و هذا القبح العقلی یستتبع النهی الشرعی بقاعدة کلّما حکم به العقل حکم به الشرع، هذِه کبری الاستدلال.

و أمّا صغراه: فَیَصْدُقُ علی بیع الفضول أو عقده التصرف کما صرّح به الشیخ فی الخلاف و قال: «... لا خلاف أنّه [الفضول] ممنوع من التصرف فی ملک غیره و البیع تصرف»(1).

و لأنّه لم یقصد بعقده الهزل و المزاح و إلاّ کان إنْشاؤُهُ لغوا و ساقطا عن درجة الاعتبار بل قصد النقل و الانتقال حقیقة و لا ریب فی کون ذلک تصرفا.

و النتیجة: یحکم العقل بقبح بیع الفضول و عقده الذی یتبع الحکم الشرعی بالبطلان.

و أجاب الشیخ الأعظم(2) عن هذا الاستدلال بوجوه خمسة:

الأوّل: منع الصغری: إنّ العقد علی مال الغیر مُتَوَقِّفُ عَلی إِجازَتِه غیر قاصد لترتیب الآثار علیه لیس تصرّفا فیه. و هذا الجواب تام کما مرّ فی ذیل التوقیع المروی بسند معتبر.

الثانی: منع الکبری: لأنّه لیس کلّ تصرّف فی مال الغیر منهیا عنه لجواز مثل الاستضاءة بنور الغیر و الاصطلاء بناره و الاتکاء عَلی جِدارِهِ و الاستظلال بشجرته التی تخرج إلی الشارع، فلو فرض أنّ العقد علی مال الغیر تصرف فهو من هذا القبیل ممّا استقلّ العقل بجوازه.

ص: 286


1- 1 . الخلاف 3/168.
2- 2 . راجع المکاسب 3/371.

الثالث: قد یفرض الکلام فیما إذا علم الإذن فی البیع من شاهد الحال أو المقال، و بناءً علی أنّ العلم بالإذن لا یخرجه عن الفضولی فیکون الدلیل أخص من المُدّعی.

الرابع: منع دلالة النهی و التحریم علی الفساد کالنهی عن البیع فی وقت النداء.

الخامس: أنّه لو دلّ هذا التحریم علی الفساد لدلّ علی بطلان البیع بمعنی عدم ترتّب الأثر علیه و عدم استقلاله فی ذلک، و لا ینکره القائل بالصحة لأنّ البیع بعد إجازة المالک یستند إلیه و یکون بیعه فیکون صحیحا بهذا الاستناد لا من جهة استناده إلی الفضول العاقد.

مناقشة أجوبة الشیخ الأعظم

الجواب الأوّل: تام لا نقاش فیه کما مرّ.

ولکن قال الفقیه السیّدُ الیزدی رحمه الله : «أنّ الفضولی إنّما یقصد النقل و الانتقال جدّا مطلقا، لا هزلاً و لا معلَّقا علی الإجازة، و إلاّ لم یکن صحیحا مع الإجازة أیضا و حینئذٍ فلا یبعد صدق التصرف علیه عرفا کما یصدق علی بیع الغاصب...»(1).

و یرد علیه أوّلاً: صرف قصد النقل و الانتقال لا یکون تصرفا عرفا و لا یقاس ببیع الغاصب الذی یری المال لنفسه و یبیع لنفسه.

و ثانیا: قد مرّ منّا فی بحث التعلیق فی العقود بأنّه لا یبطل العقد لا سیما إذا کان التعلیق علی ما تَتَوَقَّفُ صحة العقد علیه، و هذا الأخیر لا یوجب البطلان عند الکلّ نحو قول البائع: بعتک إن اشتریتَ أو رضیتَ، أو قول الزوج: فلانة هی طالق إن کانت زوجتی.(2)

الجواب الثانی: منع کون الاستضاءة و الاصطلاء و الإتکاء و الاستظلال من التصرف فی مال الغیر بل إنّها من قبیل الانتفاع بمال الغیر و هذا الانتفاع محکوم فی الشرع بالجواز، و بین العنوانین عموم و خصوص من وجه إذ قد یکون انتفاعا و لا یکون

ص: 287


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/133.
2- 2 . راجع مصباح الفقاهة 4/104، التنقیح فی شرح المکاسب 1/415.

تصرفا نحو أَمْثِلَتِنا الْمَذْکُورَةِ آنِفا، و قد یکون تصرفا و لا یکون انتفاعا نحو إتلاف مال الغیر عمدا من دون الانتفاع به، و قد یجمع بینهما نحو غصب أرض الغیر و زرعه أو السکونة فیه، و إجراء العقد علی مال الغیر فضولاً لایکون تصرفا و لا انتفاعا فیخرج من هذه الأمثلة.(1)

الجواب الثالث: هذا الجواب لا ینافی استدلال المستدل علی الفساد علی نحو الموجبة الجزئیة.

نعم، لو کان القائل بالفساد یرید السلب الکلّی فحینئذ یکفی فی نقضه الإیجاب الجزئی. فیکون الجواب تاما.(2)

الجواب الرابع: أُورد علیه المحقّق النائینی بکلام یطول ذکره فی الأُصول(3) و إجماله: أنّ النهی فی المعاملة تارةً یتعلّق بنفس السبب بما هو کالنهی عن البیع فی وقت النداء أو فی أثناء الصلاة مثلاً، فلا یدل علی الفساد لعدم الملازمة بین حرمة السبب و ترتب المسبب علیه و صحته.

و اُخری: یتعلّق بالمسبب کالنهی عن بیع الخمر أو عن بیع السلاح لاِءَعْداءِ الدین أو بیع المصحف من الکافر فیدلّ علی الفساد بالالتزام، لأنّ من شرائط صحة العقد الاختیار و القدرة علیه شرعا، و النهی عن الشی ء یدلّ علی سلب قدرة المکلف عنه شرعا و حیث یکون مسلوب القدرة عن إیقاعه و یوقعه یقع فاسدا.(4)

و اعترض المحقّق السیّد الخوئی علی أُستاذه نقضا و حلاًّ:

فأمّا النقض: فَهُوَ فیما لو کانت المعاملة واجبة کما لو اشترط بیع داره فی ضمن عقد لازم أو اضطرّ إلی بیعه لنفقة عیاله، لأنّ الواجبات أیضا غیر مقدورة شرعا لأنّ الأمر یسلب القدرة علی الترک کما إِنّ النهی یسلب القدرة عن الفعل، و لا یمکن الالتزام بفساد

ص: 288


1- 1 . راجع منیة الطالب 2/30، و إرشاد الطالب 3/339.
2- 2 . راجع مصباح الفقاهة 4/103.
3- 3 . راجع فوائد الاصول 2/471، فی النهی عن المعاملة.
4- 4 . منیة الطالب 2/31.

المعاملات الواجبة و إن عطف قدس سره الحرمة عَلی الْوُجُوْبِ فی تقریر بحثه و قال: «إنّ ما کان واجبا أو حراما یخرج عن تحت قدرة المکلّف»(1) الظاهر فی اشتراک المعاملات الواجبة مع المعاملات المحرّمة. ولکنّه لا یلتزم ببطلان المعاملات الواجبة.

و أمّا الحلّ: فما تکون المعاملات مشروطة بها هی القدرة الوضعیة أی العقلیة، لا التکلیفیة أی الشرعیة، و ما یسلبها الأمر و النهی هی الثانیة لا الاُولی و التفصیل یطلب من محلّه.(2)

ثم قرّب السیّد الخوئی جواب الشیخ الأعظم فی عدم دلالة النهی فی المقام علی الفساد بقوله: «أنّ النهی فی المعاملات تارة یتعلّق بنفس المعاملة _ کما فی النهی عن بیع الغرر مثلاً _، و اُخری یتعلّق بعنوان آخر متحد معها وجودا _ کما فی المقام _ فإن کان من قبیل الأوّل یدلّ علی الفساد _ لا لما ذکره الاُستاذ النائینی قدس سره من ملازمة النهی مع الفساد _ بل من جهة ظهور النهی حینئذ فی الفساد فیکون إرشادیا نظیر النهی المتعلَّق بالموانع أو الأمر المتعلَّق بالأجزاء فی المرکبات نحو: «لا تکفّر فی الصلاة» أو «اقرأ الحمد فیها».

و إن کان من قبیل الثانی لا یدلّ علی الفساد و إنّما یدل علی الحرمة التکلیفیة فقط، و المقام من هذا القبیل. فهذا الجواب من الشیخ الأعظم متین جدّا.(3)

أقول: و لذا قال المحقّق التقی: «ولو سلّم کونه [العقد تصرفا] محرّما فبعثه علی الفساد ممنوع أیضا، لکون النهی عنه لأمر خارج».(4)

الجواب الخامس: و مراده قدس سره أنّ البیع بعد الاجازة یکون بیع المالک و من هذه الجهة یکون صحیحا لا من جهة استناده إلی البائع الفضولی.

وَ ارْتَضی المحقّق النائینی هذا الجواب و قال: «... فالأوجه الإیراد [الجواب[ الخامس و هو أنّ الفساد من قبل الفضولی لا ینافی الصحة من قبل المالک بإجازته فإنّ

ص: 289


1- 1 . منیة الطالب 2/31.
2- 2 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/345، التنقیح فی شرح المکاسب 1/414.
3- 3 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/345، التنقیح فی شرح المکاسب 1/414.
4- 4 . تبصرة الفقهاء 3/340.

الفضولی أوجد المادّة القابلة لأنّ تُصوَّر بصورة المالکیة بإجازة المالک لأنّ جمیع شروط البیع المالکی موجودة فیه سوی الرضا و الاستناد إلیه، فإذا تحقّقت الإجازة تحقّقت الشرائط طرّا، لأنّ المفروض أنّ العقد من حیث الإنشاء تام...»(1).

و استشکل علیه السیّد الخوئی(2) بناءً علی ما یراه النائینی من أنّ نفس إنشاء البیع یکون منهیّا عنه و أنّ النهی یدلّ علی فساده، فحینئذ یکون ذات الإنشاء فاسدا و ملغاة شرعا و غیر قابل لترتب الأثر علیه ولو بعد الإجازة و لحوق الإجازة بالانشاء الفاسد غیر مُجْدٍ.

و أمّا بناءً علی مختار الشیخ الأعظم و السیّد الخوئی و مختارنا فیکون الجواب الخامس تامّا.

ثم ختم الشیخ الأعظم مقاله و قال: «و ممّا ذکرنا ظهر الجواب عمّا لو وقع العقد من الفضولی قاصدا لترتیب الأثر من دون مراجعة المشتری، بناءً علی أنّ العقد المقرون بهذا القصد قبیح محرّم، لا نفس القصد المقرون بهذا العقد»(3).

مراده من الجواب: هو جوابه الخامس من عدم ترتب الأثر علی العقد من الفضولی بالاستقلال، لا عدم ترتبه علیه مطلقا ولو مع إجازة المالک. فمراد بالفساد مع هذا القصد ما مرّ، و بناءً علی أنّ القصد لا یکون محرّما بل العقد المقرون بهذا القصد یکون قبیحا و محرَّما و فاسدا، و الاُولی بل الصواب تبدیل «المشتری» فی کلامه ب_«المالک» کما علیه المحقّق الشهیدی إِذْ قالَ: «حق العبارة أن یقول: من دون مراجعة المالک»(4).

ص: 290


1- 1 . منیة الطالب 2/31.
2- 2 . محاضرات فی الفقه الجعفری2/345، التنقیح فی شرح المکاسب 1/415.
3- 3 . المکاسب 3/371.
4- 4 . هدایة الطالب 3/54.
الاستدلال علی بطلان بیع الفضولی بوجوه اُخری
الأوّل: الفضولی غیر قادر علی تسلیم المبیع

قال العلاّمة فی عدّ أدلة البطلان: «... و لأنّه باع ما لا یقدر علی تسلیمه فأشبه الآبق و الطیر فی الهواء»(1).

و صاحب الحدائق(2) استدلّ به علی بطلان بیع الفضولی.

و أنت تری هذا الاستدلال فی کلام ولده(3) و السیّد المجاهد(4) و الشیخ أسداللّه(5) و الشیخ الأعظم(6).

و ردّه العلاّمة نفسه بقوله: «و القدرة علی التسلیم من المالک موجودة إن أجازه»(7).

و قال الشیخ جعفر: «و أضعف منها [أی من الأدلة السابقة علی بطلان عقد الفضولی] الاستناد إلی أنّه لا قدرة علی التسلیم فیه و هی شرط، لمنع الشرطیة فی العاقد

ص: 291


1- 1 . تذکرة الفقهاء 10/15.
2- 2 . الحدائق 18/382.
3- 3 . إیضاح الفوائد 1/417.
4- 4 . المناهل /288.
5- 5 . مقابس الأنوار /128.
6- 6 . المکاسب 3/372.
7- 7 . تذکرة الفقهاء 10/15.

و إلاّ بطل عقد أکثر الوکلاء و أمّا فی المالک فمسلَّمة و هی حاصلة»(1).

و قال جدی التقی: «و کذا الحال [أی هذا الاستدلال أو هن شی ءٍ] فی دعوی عدم القدرة علی التسلیم، إذ مع تعقّب الإجازة لا مانع من التسلیم. ولو فُرض مانعٌ خارجیٌّ عنه فهو خارج عن محلّ الکلام»(2).

و قال السیّد العاملی: «و القدرة علی التسلیم حاصلة(3) إذا أجاز المالک، لأنّه هو المخاطَب بالإیفاء و التسلیم و هوقادر علی ذلک، و لیس الفضولی إلاّ کالوکیل علی إیقاع الصیغة لا یترقّب منه إیفاءٌ و لا تسلیمٌ»(4).

و قال صاحب الجواهر: «و ما دلّ علی اعتبار القدرة علی تسلیمه، إنّما هو فی البائع ذی السلطنة الذی یراد منه الإقباض حتّی یقبض الثمن، لا البائع بمعنی العاقد، ضرورة تخلّفه فی الوکیل علی الصیغة و نحوه کما هو واضح»(5).

و قال الشیخ الأعظم بعد أن وصف الاستدلال بأقوی الوجوه فی ردّه: «مضافا إلی أنّ الفضولی قد یکون قادرا علی إرضاء المالک بأنّ هذا الشرط غیر معتبر فی العاقد قطعا، بل یکفی تحقّقه فی المالک فحینئذ یشترط فی صحّة العقد مع الإجازة قدرة المجیز علی تسلیمه أو قدرة المشتری علی تسلّمه علی ما سیجی ء(6)»(7).

و قال المحقّق النائینی: «مَنْ اعتبر قدرته علیه [أی علی التسلیم] و هو المالک قادر و من هو عاجز [الفضول] فلا یعتبر قدرته»(8).

ص: 292


1- 1 . شرح القواعد 2/84.
2- 2 . تبصرة الفقهاء 3/340.
3- 3 . ممکنة، نسخة بدل.
4- 4 . مفتاح الکرامة 12/596.
5- 5 . الجواهر 23/457 (22/283).
6- 6 . المکاسب 4/175، الثالث من شروط العوضین: القدرة علی التسلیم.
7- 7 . المکاسب 3/372.
8- 8 . منیة الطالب 2/31.

و قال المحقّق السیّدُ الخوئی: «جواب واضح کما ذکره [الشیخ الأعظم] قدس سره ، و لذا تری صحة عقد الوکیل فی إنشاء العقد فقط و إن لم یکن قادرا علی التسلیم فالمعتبَر قدرة المالک علی التسلیم، بل قدرة المشتری علی التَسَلُّم و إن لم یکن المالک قادرا علی التسلیم کالمال الواقع فی البحر إذا کان المشتری قادرا علی إخراجه و لم یکن البائع قادرا علیه، و تعبیر الفقهاء بالقدرة علی التسلیم من باب الغلبة. و بالجملة هذا الاستدلال لم نفهم له وجها»(1).

الثانی: الفضولی غیر قاصد للنقل و الانتقال فی عقده

قال الشیخ أسداللّه فی تقریب الاستدلال: «یشترط فی صحة العقد مقارنته لقصد المدلول فإنّ العقود تتبع القصود و هو منتف فی الفضولی لأنّه لا یتعلَّق إلاّ بالمقدور و النقل غیر مقدور له فیمتنع قصده»(2).

وَ قَد استفاد هذا الوجه من کلام ثانی الشهیدین(3) و ینسب إلی السیّد بحرالعلوم.(4)

و قال الشیخ الأعظم فی جوابه: «المعتبر فی العقد هو هذا القدر من القصد الموجود فی الفضولی و المکرَه لا أزید منه، بدلیل الإجماع علی صحّة نکاح الفضولی و بیع المکرَه. بحقٍّ، فإنّ دعوی عدم اعتبار القصد فی ذلک للإجماع کما تری»(5).

و قال المحقّق النائینی: «إنّ ما هو مناط العقدیّة _ و هو کون العاقد قاصدا للفظ و المعنی _ موجود فی عقد الفضولی و ما هو مفقود فی عقد الفضولی و مکرَه _ و هو قصد النتیجة _ لیس مناطا فی العقدیّة حتّی فی عقد المالک أیضا، فإنّ تحقّق المنشَأ فی عالم الاعتبار الذی هو من الأحکام الشرعیة الإمضائیة لا یعتبر قصده من المالک أیضا، بل لا یمکن أن تتعلَّق إرادته به، و إنّما هو من دواعی الإنشاء فلا یمکن إنشاء هذا المعنی من

ص: 293


1- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/346.
2- 2 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /27: العاشر.
3- 3 . راجع المسالک 3/156.
4- 4 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/346، إرشاد الطالب 3/343.
5- 5 . المکاسب 3/372.

المالک فضلاً عن الفضولی الذی لیس زمام أمره بیده، لأنّ ما یمکن إنشاؤه و إیجاده هو العلقة بین المال و الطرف، و أمّا تحقّقه بحیث یکون ممّا تعلَّق به الإمضاء الشرعی فهو من أحکام هذا الإنشاء لا من منشآت المنشی ء...»(1).

و قال السیّد الخوئی بعد مقالة استاذه: «... ولکن الذی یقتضیه النظر أنّ مراد السیّد [بحرالعلوم] قدس سره لیس ما استفادوا من کلامه لأنّ ما فهموه واضح الفسادکما أجابوا عنه، بل مراده أنّ بین قصد إنشاء المعنی باللفظ و قصد ترتب الأثر علیه واسطة و هی اعتبار التبادر فی نظره، و اعتباره بحیث یری فی عالم اعتباره خروج المبیع عن ملک البائع و دخول الثمن فی ملکه، و فی جانب المشتری بالعکس، و هذا الاعتبار و القصد یکون معتبرا فی صدق العقد و إلاّ لزم صحة عقد الهازل إذا تعقّبه الرضا، لأنّ قصد إنشاء المعنی باللفظ موجود فیه، و هو موجود حتّی فی الوکیل فی إجراء الصیغة فقط، و هذا المعنی غیر مقصود للفضولی.

و أصل هذا الدعوی _ و إن کان صحیحا جدّا _ ولکن کون الفضولی غیر قاصد لهذا المعنی ممنوع، بل هو أیضا یعتبر التبادل فی نظره لکن معلَّقا علی إجازة المالک، و التعلیق علی إجازة المالک لا یوجب الفساد فی العقد لکونها ممّا یتوقّف صحته علیها، و تقدّم أنّ التعلیق علی ما یکون العقد معلَّقا علیه واقعا لا یضرّ»(2).

أقول: و نحو ما تقدّمَ مذکورٌ فی الإرشاد(3).

و قد نقل الشیخ الأعظم هذین الاستدلالین فقط، ولکن أذکر لک الآن بعضها الآخر فخذ و اغتنم.

الثالث: قصد النقل شرط فی صحة العقد و هو مفقود فی الفضولی

شرط صحة العقد هو قصد نقل المبیع إلی المشتری و انتقال الثمن إلی البائع و هذا القصد مفقود فی بیع الفضولی و إذا انتفی الشرط ینتفی المشروط. أی العقد.

ص: 294


1- 1 . منیة الطالب 2/31.
2- 2 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/346.
3- 3 . إرشاد الطالب 3/343.

قال المحقّق التقی فی جوابه: «دعوی لزوم مقارنة الشرط للمشروط مسلّمة إن اُرید توقف التأثیر علیها بأن یکون ترتّب الأثر علی المشروط مقارنا لحصول الشرط و لا یلزم منه تقارنهما فی الوجود. ألا تری أنّ القبض فی المجلس شرط فی [صحة ن خ] بیع الصرف و السلّم مع أنّ القبض قد یتأخّر عن العقد و کذا الحال فی قبض الوقف و قبض الهبة.

علی أنّه قد یکون الشرط وجوده فی الجملة ولو متأخرا عن المشروط فلا یتوقف تأثیر المشروط علی وجوده حین تأثیره، فیکشف وجوده المتأخر عن اقتران الشرط بالمشروط حین التأثیر کما هو الحال فی المقام بناءً علی القول یکون الإجازة کاشفة»(1).

و قال قبله جد اُولاده الشیخ جعفر: «و أضعف منهنّ إیراد لزوم الخلوّ عن القصد المشروط فی العقد.

و فیه: أنّه إذا جُعل الشرط قصد النقل الشرعی فمسلَّم لکنّه فی محل المنع. و إن اُرید العرفی فهو حاصل. ثمّ مع الاکتفاء بالقصد ولو مع التردّد یندفع الإشکال. علی أنّ الاکتفاء بالقصد اللاّحق غیر بعید»(2).

أقول: هذا الوجه تَعْبِیْرٌ آخَرُ عن الوجه الثانی و یرد علیه ما یرد علی الوجه الثانی، مضافا إلی أنّ الشرط و المشروط فی عالم التکوین غیر الشرط و مشروطه فی عالم التشریع الذی یکون من الاعتبارات و أمره بید الشارع نحو شرطیة الغسل اللیلی للمستحاضة لصحة صیامها فی الیوم السابق و غیرها من الشروط المتأخرة فی الشریعة المقدسة، فقیاسُ أَحَدِ العالَمَیْن عَلی الآخر یکون مع الفارق.

الرابع: من لوازم صحة عقد البیع حلّیّة التصرف

و ترتب سائر الآثار و انتفاء اللازم فی المقام بالإجماع یکشف عن عدم الملزوم، و بتقریر آخر إن کان الفضولی داخلاً تحت عموم «اوفوا» و «أحل اللّه البیع» و نحوهما

ص: 295


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/340.
2- 2 . شرح القواعد 2/84.

وجب الحکم بوجوب الوفاء و حصول الملکیة و إلاّ فلا یکون صحیحا.

قال الفقیه السیّد الیزدی رحمه الله فی جوابه بعد أنّ قرّره: «و فیه: أنّ الرضا شرط بالإجماع و الأخبار فلابدّ من حصوله أیضا و بعده یترتب جمیع الأحکام فالمقام نظیر صحة البیع قبل القبض فی الصرفِ و السَّلَمِ»(1).

أقول: مراده من الرضا عنده هو الإذن عندنا.

الخامس: الرضا شرط فی صحة العقد و المفروض انتفاؤه حال العقد

قال المحقّق التقی فی تقریر هذا الوجه: «أنّ الرضا شرط فی صحة العقد إجماعا و المفروض انتفاؤه حال العقد و قضیة انتفاء الشرط انتفاء المشروط به و حصوله عقیب العقد غیر نافع، إذ قضیة الشرطیة اعتبار مقارنة الشرط، إذ لا فائدة فی حصول الشرط بعد انتفاء السبب المشروط به أعنی العقد کالصلاة المتعقّبة للطهارة»(2).

و قال السیّد الیزدی فی تقریره: «أنّ مقتضی شرطیة الرضا فی العقود و الإیقاعات وجوده حالها، و إلاّ فلا یثمر وجوده بعد انعدامها، کما أنّ هذا هو الحال فی سائر الشرائط من القصد للمدلول و الالتفات و المعلومیة و القدرة علی التسلیم و نحو ذلک»(3).

ثمّ أجابه المحقّق التقی بما مرّ فی جواب الوجه الثالث، و قال الفقیه السیّدُ الیزدی قدس سره فی جوابه: «إنّا نمنع شرطیته إلاّ فی النقل و الانتقال و لیس شرطا فی العقد إذ هو أوّل الکلام، و هذا بخلاف الالتفات و القصد إلی المدلول و نحو ذلک، و أمّا المعلومیة و القدرة علی التسلیم و نحوهما فقد ثبت من الأدلة وجوب اقتران العقد بها، و إلاّ أمکن أن یقال إذا عقد ثمَّ حصل العلم صح، و السرّ أنَّ البیع مع الجهل وقع غرریّا و کذا مع انتفاء القدرة علی التسلیم.

نعم، لقائل أن یقول: لِمَ لا یصح بعد حصول العلم و القدرة ولو أجاز العقد الواقع.

ص: 296


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/135.
2- 2 . تبصرة الفقهاء 3/339.
3- 3 . حاشیة المکاسب 2/135.

و الجواب: عدم الدلیل علی تأثیر مثل هذه الإجازة فتدبّر»(1).

أقول: الرضا عنده هو الإذن عندنا و القدرة علی التسلیم ترجع بالقدرة علی تسلّم المشتری کما مرّ فی الوجه الأوّل.

السادس: البیع بالنسبة إلی الأصیل غرریٌّ

للجهل بحصول أثره و قد نهی النبی صلی الله علیه و آله عن بیع الغَرَر.

أجاب الفقیه الیزدی رحمه الله عنه: «أنّ هذا إن قلنا باللزوم بالنسبة إلیه و إلاّ فلا غرر، مع أنّه قد یکون واثقا بإجازة المالک»(2).

و أضاف المحقّق السیّد الخوئی قدس سره علی جوابه: «أنّ عمدة الدلیل علی بطلان بیع الغرری إنّما هو الإجماع لأنّ النبوی ضعیف السند و غیر منجبر بشی ءٍ و المتیقن منه غیر ما نحن فیه»(3).

السابع: أصل الفساد

بتقریر: أنّ الأصل الأوَّلی فی المعاملات هو الفساد أعنی به عدم انتقال المالین إلی غیر صاحبه فلو شککنا فی صحة عقد الفضولی یجری فیه هذا الأصل و یحکم بفساده. و یمکن أن یعبّر عنه باستصحاب بقاء الملک. کما جری المقدس الأردبیلی(4) هذا الأصل.

قال الشیخ جعفر فی جوابه: «و أضعف من الجمیع الرجوع إلی الأصل بعد الشک فی دلالة أدلة الصحة لأنّا بیّنا قوة الأدلة علی وجه لا یمکن ردّها»(5).

و قال صهره التقی فی جواب هذا الوجه: «أمّا الأصل فبما عرفت من قیام الدلیل

ص: 297


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/135.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/135.
3- 3 . مصباح الفقاهة 4/104.
4- 4 . مجمع الفائدة و البرهان 8/158.
5- 5 . شرح القواعد 2/85.

علی الصحة، بل ما عرفت من الأصل الثانوی القاضی بصحة العقود کافٍ فی دفعه»(1).

و قال السیّد العاملی: «و احتج المانعون بالأصل... أمّا الأصل فمقطوعٌ بما ستسمعه»(2).

و قال فی الجواهر: «بالأصل المقطوع بذلک أیضا»(3).

أقول: مرادهما بالمقطوع هو أدلة الصحة التی هی تامَّةٌ عندهما و عند غیرهما.

ثمَّ هاهنا وجوه أُخَرُ أنهاها الشیخ أسداللّه فی مقابسه(4) إلی العشرة أغمضنا عنها روما للاختصار و اکْتِفاءً بما ذکرناهُ من الوجوهِ الحاکمة علی غیرها بِعَدَمِ الاعتبار.

ص: 298


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/340.
2- 2 . مفتاح الکرامة 12/595.
3- 3 . الجواهر 23/455 (22/281).
4- 4 . مقابس الأنوار /128.
ثم لابدّ هاهنا من التنبیه علی اُمور:
الأوّل: هل الرضا بالعقد یخرجه عن الفضولی؟

ذهب الشیخ الأعظم(1) قدس سره إلی صحة العقد الفضولی إذا کان مقترنا مع رضا المالک و طیب نفسه و عدم احتیاجه إلی لحوق الإجازة و استدل علیه بوجوه خمسة:

الوجه الأوّل: عموم قوله تعالی: «اوفوا بالعقود»(2)

عقد الفضول مع رضا المالک و طیب نفسه تشمله الآیة الشریفة فیجب الوفاء به.

و فیه: الآیة الشریفة خطاب للعاقدین بأنّ کل مکلّف یجب علیه الوفاء بعقد نفسه و الفضولی لا یتمکن من الوفاء به استقلالاً و من دون الإجازة اللاحقة للمالک، و مجرد رضا المالک و طیب نفسه لا یستند العقد إلیه و لا یصیر عقد الأجنبی عقد المالک بمجرد رضاه.

الوجه الثانی: قوله تعالی: «إلاّ أن تکون تجارة عن تراض»(3)

عقد الفضولی مع رضا المالک و طیب نفسه یکون مصداقا لِ_«تجارة عن تراض» فیحلّ أکل المال به و یکون صحیحا.

و فیه: لا تتحق «تجارة عن تراض» بمجرد الرضا الباطنی بالعقد، و أنّ التجارة لا یصدق إلاّ بعد إذن المالک، و لا یصدق بمجرد رضا المالک بعقد غیره أنّه اتّجر أو تکسّب.

ص: 299


1- 1 . المکاسب 3/(348-346).
2- 2 . سورة المائدة /1.
3- 3 . سورة النساء /29.

الوجه الثالث: قوله علیه السلام : «لایحلّ مال امْرِی ءٍ مسلم إلاّ عن طیب نفسه»

ورد شبیه هذه الفقرة فی صحیحة أبی أُسامة زید الشحام عن أبی عبداللّه علیه السلام عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله أَنّه قال فی خُطْبَتهِ بمِنی فی حجة الوداع حین قضی مناسکها: فإنّه لا یَحِلُّ دمُ امری ءٍ مسلمٍ و لا ماله إلا بطیبة نفسه و لا تظلموا أنفسکم و لا ترجعوا بعدی کفّارا.(1)

و رواها الکلینی بسند موثق عن سماعة أیضا(2) و الصدوق بهذا السند الأخیر فی الفقیه(3). و الشیخ الحر عن الصدوق و سند أوّل الکلینی فی الوسائل(4)، و عنه و عن سندی الکلینی فیه(5) أیضا.

قال المجلسی رحمه الله : «قوله صلی الله علیه و آله : إلاّ بطیبة نفسه، الاستثناء من المال فقط. قوله صلی الله علیه و آله : و لا تظلموا أنفسکم، أی بمخالفة اللّه تعالی فیما أمرتکم به و نهیتکم عنه فی هذه الخطبة أو مطلقا، أو لا یظلم بعضکم بعضا فإنّ المسلم بمنزلة نفس المسلم»(6).

و أمّا نصها فَقَدْ رَواهُ الأحسائی(7) و عنه النوری(8).

بتقریب: أنّ الرضا و طیب النفس موجود علی الفرض فیحلّ المال به و لا یحتاج إلی الإجازة.

و فیه: قال السیّد الخوئی رحمه الله : «أنّ الحلّ لو اُرید به الحلّ التکلیفی فهو خارج عن محل الکلام، لأنّه لیس بحثنا فی جواز إیقاع الإنشاء علی مال الغیر تکلیفا برضاه أو بدونه فإنّه أمر واضح.

ص: 300


1- 1 . الکافی 14/283، ح12 (7/273).
2- 2 . الکافی 14/287، ح5 (7/275).
3- 3 . الفقیه 4/94، ح5158.
4- 4 . وسائل الشیعة 5/120، ح1، الباب 3 من أبواب مکان المصلی.
5- 5 . وسائل الشیعة 29/10، ح3، الباب 1 من أبواب القصاص فی النفس.
6- 6 . مرآة العقول 24/9.
7- 7 . عوالی اللآلی 3/205، ح36.
8- 8 . مستدرک الوسائل 13/245.

و إن أُرید به الأعم _ کما هو الظاهر لأنّ الحلّ بمعنی الارسال و فتح الطریق فی مقابل السدّ _ فیرد علیه ما ذکرناه فی بعض مباحث الاُصول(1)... ردا علی أبی حنیفة حیث استدل علی عدم دلالة الاستثناء علی الحصر بقوله علیه السلام : لا صلاة إلاّ بطهور، و لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب، و قلنا إِنّه فی موارد نفی الحقیقة لیس الاستثناء حقیقیا کقوله: جاء القوم إلاّ زیدا لیدل علی الحصر و إنّما هی صورة استثناء. و فی الحقیقة اشارة إلی الشرطیة أو الجزئیة.

و بعبارة أُخری: لسان هذه التراکیب لبیان النفی _أی نفی الصحة _ عند فقدان القید لا الإثبات، أعنی کفایته فی الصحة و کونه علّة تامة لها... و غایة مفاده [النبوی[ اعتبار طیب النفس فی الحلّ، و أمّا کون الحلّ به فقط فلایُستفادُ منه، فلا ینافیه اعتبار الاستیذان بدلیل»(2).

الوجه الرابع: روایة عروة البارقی(3) الماضیة(4)

بتقریب: تقریر النبی صلی الله علیه و آله لفعل عروة یدلّ علی کفایة الرضا المقارن للعقد، لأنّ القبض و الإقباض الواردین فیها لا یحلّ بدون الرضا المقارن عند الکلّ.

و فیه: یمکن القول فی کفایة الرضا فی التصرفات الخارجیة و منها القبض و الإقباض، و إنّما الکلام فی کفایته فی التصرفات الاعتباریة و لا دلالة فیها علی ذلک.

الوجه الخامس: ما ورد فی نکاح العبد، و سکوت البکر

وردت عدة من الروایات(5) فی صحة نکاح العبد مع سکوت مولاه و عدم ردّه،

ص: 301


1- 1 . محاضرات فی اصول الفقه 4/294 بحث المفاهیم، طبع موسوعة السیّد الخوئی رحمه الله .
2- 2 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/307، و نحوها فی التنقیح فی شرح المکاسب 1/373.
3- 3 . مسند أحمد 4/376، السنن الکبری 6/112 للبیهقی، سنن الدار قطنی 3/10، ح29، سنن الترمذی 3/559، ح1258، و الثاقب فی المناقب /112، ح108 لابن حمزة الطوسی منّا.
4- 4 . فی أوّل بحث بیع الفضولی، الوجه الثانی.
5- 5 . منها: صحیحة معاویة بن وهب المرویة فی وسائل الشیعة 21/117، ح1، الباب 26 من أبواب نکاح العبید و الإماء. و منها: صحیحة اُخری له المرویة فی وسائل الشیعة 21/117، ح2. و منها: موثقة الحسن بن زیاد الطائی المرویة فی وسائل الشیعة 21/118، ح3.

وعدّة منها(1) فی أنّ سکوت البکر رضاها، فیظهر منهما کفایة الرضا فی العقود و منها عقد الفضولی.

و فیه: لا یبعد أن یکون سکوت المولی کاشفا عرفیا عن الرضا فیکون إذنا منه، مضافا إلی أنّ استناد العقد إلی العبد معلوم مع قطع النظر عن الرضا، و رضا المولی یصحّحه ولو لم یکن مبرزا لطیب نفسه نحو تزویج بنت أخ الزوجة أو بنت أُختها لأنّ استناد النکاح إلی الزوج معلوم و إنّما اعتبر فیه رضا العمّة أو الخالة فیکفی طیب نفسها وَ رِضاها ولو لم یکن مبرزا هناک، و هکذا بیع العین المرهونة.

و ثالثة: لابدّ من الاقتصار علی مورد الروایة حیث تکون علی خلاف القاعدة.

و أمّا سکوت الباکر فلا یبعد أن یکون کاشفا عرفیا عن الرضا لانّها لعفّتها تخجل عن التصریح فتسکت لا سیما فی تلک الأزمنة فیستکشف من سکوتها إذنها و لا یستدلّ بها فی المقام.

ثم قال الشیخ الأعظم: «ثم أنّه لو اُشکل فی عقود غیر المالک فلا ینبغی الاشکال فی عقد العبد _ نکاحا أو بیعا _ مع العلم برضا السیّد ولو لم یأذن له، لعدم تحقّق المعصیة التی هی مناط المنع فی الأخبار، و عدم منافاته لعدم استقلال العبد فی التصرّف»(2).

أقول: قد مرّ بعض روایات نکاح العبد فی الْوَجْهَیْنِ: الرابع(3) و السادس عشر(4)

ص: 302


1- 1 . منها: صحیحة البزنطی المرویة فی وسائل الشیعة 20/274، ح1، الباب 5 من أبواب عقد النکاح و اولیاء العقد. و منها: صحیحة داود بن سرحان المرویة فی وسائل الشیعة 20/274، ح2.
2- 2 . المکاسب 3/348.
3- 3 . راجع صفحة 201 من هذا المجلد.
4- 4 . راجع صفحة 254 من هذا المجلد.

من الاستدلال علی صحة بیع الفضولی، و ظهر ممّا ذکرنا هناک أنّ المولی إذا علم بنکاح العبد و لم یفرّق بینه و بین زوجته، تمّ نکاحه و صح، و لا یحتاج إلی الإذن بل لا یحتاج إلی الرضا و طیب نفسه.

ولکن هذا یختص بنکاحه و لا یجری فی غیره من عقوده و فیها یحتاج إلی الإذن و لا یکفی الرضا و طیب النفس، لأنّ العقود یحتاج إلی الاستناد، و الاستناد لا یتحقّق بالرضا و طیب النفس لما ذکره المحقّق النائینی من أنّ: «الاستناد و التنفیذ من الاُمور الإنشائیة و یکونان کسائر الإیقاعات لابدّ من إیجادهما إمّا باللفظ أو بالفعل، فلا الکراهة الباطنیة ردّ و لا الرضا الباطنی إجازة بل کلّ منهما یحتاج إلی کاشف»(1).

و هذا الکلام منه قدس سره هو القول الفصل فی المقام بلا فرق بین العبد و غیره، و لذا ما ذکره السیّد الخوئی رحمه الله من القول بالتفصیل بین الشیخ الأعظم و المحقّق النائینی رحمهماالله لم یرد علی الأخیر حیث یقول: «الصحیح هو التفصیل بین ما إذا کان العقد مستندا إلی مَنْ یعتبر استناده إلیه مع قطع النظر عن الرضا و الإجازة، و ما إذا کان استناده إلیه غیر ثابت و ارید إثباته بالرضا المقارن فیکفی الرضا و طیب النفس فی الأوّل دون الثانی، أمّا عدم الکفایة فی الثانی فلفساد استدلال المصنف بالوجوه المتقدمة»(2).

و الوجه فی عدم وروده لأنّ الکلام هنا فی القسم الثانی، و أمّا القسم الأوّل فَهُوَ الندم علی البیع بعد الرضا به إذا فرض الرضا المقارن أو بیع المکرَه إذا فرض الرضا المتأخر.

و أمّا ما ذکره الشیخ الأعظم من: «أنّ کلمات الأصحاب فی بعض المقامات یظهر منها خروج هذا الفرض عن الفضولی و عدم وقوفه علی الإجازة مثل قولهم فی الاستدلال علی الصحة: إنّ الشرائط کلّها حاصلة إلاّ رضا المالک، و قولهم: إنّ الإجازة لا یکفی فیها السکوت، لأنّه أعم من الرضا و نحو ذلک»(3).

ص: 303


1- 1 . منیة الطالب 2/3.
2- 2 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/306.
3- 3 . المکاسب 3/348.

فَقَد اعترض علیه المحقّق النائینی قدس سره و قال: «حمل الرضا فی أمثال هذه الکلمات إلی «الاختیار» لا «طیب النفس» و استعمال الرضا فی معنی الاختیار شایع و کثیر فی استعمالات أهل العرف و اللغة نحو قول بحرالعلوم فی الدرّة: کما ارتضاه المرتضی(1)، و قوله علیه السلام : فذلک رضا منه(2) الوارد فی أنّ إحداث ذی الخیار یوجب سقوط خیار، و قوله علیه السلام : و رضیکم خلفاء(3)، و قول العامة: إنّما سمّی الرضا علیه السلام بالرضا لأنّ المأمون اختاره ولیّ العهد»(4).

و أمّا اعتراض المحقّق السیّد الخوئی علی الشیخ الأعظم من أنّ: «لیس کلماتهم آیة و لا روایة لتکون حجة یتمسک بها»(5)، فَغَیْرُ تامٍّ لأنّ الأصحاب إذا اکتفوا بالرضا بمعنی طیب النفس فی هذه الکلمات، یظهر منها تمامیة القول بکفایة الرضا عندهم، و هذا القول هو مدعی الشیخ الأعظم، نعم، قولهم لیس بحجّة عندنا و لعلّ هذا الأخیر یکون مراد السیّد الخوئی فیکون تامّا.

قال الشیخ الأعظم: «ثم لو سلّم کونه فضولیّا، لکن لیس کلّ فضولیٍّ یتوقّف لزومه علی الإجازة، لأنّه لا دلیل علی توقّفه مطلقا علی الإجازة اللاحقة، کما هو أحد الاحتمالات فی من باع ملک غیره ثمّ ملکه»(6).

و یرد علیه: «إن دلّ دلیل علی کفایة الرضا المقارن فی صحة العقد، فالعقد المقرون به لا یکون فضولیا و إلاّ فلابدّ من الإجازة اللاحقة.

و بعبارة أُخری: إن قلنا بتحقّق الاستناد بمجرد الرضا و شمول عموم «اوفوا بالعقود» للعقد الفضولی المقرون برضا المالک فلا وجه لکونه فضولیّا و إلاّ فلابدّ من

ص: 304


1- 1 . الدرّة النجفیة /88.
2- 2 . وسائل الشیعة 18/13، الباب 4 من أبواب الخیار.
3- 3 . التهذیب 6/97 قطعة من الزیارة الجامعة.
4- 4 . منیة الطالب 2/5.
5- 5 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/309.
6- 6 . المکاسب 3/348.

الإجازة، و لا یکفی الرضا المقارن و لا واسطة بین الحدّین»(1).

ثم قال الشیخ الأعظم: «مع أنّه یمکن الاکتفاء فی الإجازة بالرضا الحاصل بعد البیع المذکور آنا ما، إذ وقوعه برضاه لا ینفکّ عن ذلک مع الالتفات»(2).

و یرد علیه: «الاکتفاء بالرضا الحاصل بعد البیع ولو آنا ما فی الإجازة لا معنی له، لأنّه لو کان مبرزا یکتفی بتحقّقه مقارنا للعقد، و إلاّ فلا یکتفی بالرضا الحاصل بعد البیع کما لا یکتفی بالمقارن منه»(3).

یمکن الاستدلال لقول الشیخ الأعظم بقوله علیه السلام : «لاتشترها إلاّ برضا أهلها»(4)، و قوله علیه السلام : «الضیعة لا یجوز ابتیاعها إلاّ من مالکها أو بأمره أو رضا منه»(5)، و قد مرّت الروایتان.

بتقریب: اکتفی فی الأُولی منهما بالرضا، و فی الثانیة قرن الرضا من المالک بالابتیاع منه أو أمره، فیستفاد منهما کفایة الرضا بدلاً من أمر المالک.

و فیه: أوّلاً: لا یبعد أن یراد به الرضا المبرز لا مطلقا.

و ثانیا: لو تنزّلنا یکون نظیر قوله علیه السلام : لا یحل مال امری ء مسلم إلاّ بطیب نفسه، من اعتبار الرضا و طیب النفس لا بدلیته للإذن و الإجازة لما مرّ من أنّ الاستناد المعتبر فی العقود لا یتم بالرضا و طیب النفس.

و ثالثا: لسانهما النفی لا الاثبات فلا یستفاد منه صحة العقد بمجرد رضا المالک و عدم تحقّق بقیة الشرائط بل استفاد منه اعتبار الرضا فی الصحة، فلا ینافیه اعتبار الإذن و الإجازة بدلیل مستقل.

ص: 305


1- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/309.
2- 2 . المکاسب 3/348.
3- 3 . محاضرات فی الفقه الجعری 2/309.
4- 4 . وسائل الشیعة 17/334، ح3، الباب 1 من أبواب عقد البیع و شروطه. صحیحة محمّد بن مسلم.
5- 5 . وسائل الشیعة 17/337، ح8، مرسلة توقیع الحمیری.
الثانی: هل یجری الفضولی فی الإیقاعات؟

أو أنّه مختص بالعقود فلا یجری فی الإیقاعات؟ ادعی الشهید(1) وجود الإتفاق علی بطلان الفضولی فی الإیقاعات.

قال الأردبیلی: «و الظاهر عدم القول به _ أی بالفضولی _ فی العتق لقولهم علیه السلام : لا عتق إلاّ فی ملک، و یمکن الجواز و التأویل کما لا بیع إلاّ فیما یملک»(2).

و استُدِلّ لعدم جریانه فی الإیقاعات بثلاثَةِ وجوه:

الأوّل: الإجماع لو لم یکن حاصلاً فی جمیعها، فهو موجود فی العتق و الطلاق و بعدم القول بالفصل نتعدی منهما إلی غیرهما من الإیقاعات.

و فیه: نعم قد ادُّعِیَ الإجماع فیهما ولکن من المحتمل استنادهم فی الطلاق إلی ما ورد من قوله علیه السلام : الطلاق بید من أخذ بالساق(3)، و فی العتق إلی قوله علیه السلام : لا عتق إلاّ بعد ملک(4)، و من الواضح عدم دلالتهما علی اعتبار الإذن السابق نظیر ما مرّ فی البیع من قوله علیه السلام : لا بیع إلاّ فی ملک، فالجواب کالجواب.(5) و الإجماع إذا احتمل کونه مدرکیّا فلا یفید شیئا.

مضافا إلی عدم اعتبار الإجماع المنقول.

و ثالثة: إنّهم فی فروع الطلاق و العتق ذهبوا إلی جریان الفضولی فیهما حیث ذکروا فی الطلاق الخلع إذا کان مال الخلع زائدا علی المهر أنّه موقف علی إجازة الزوجة، و فی عتق الراهن العبد المرهون بلا إذن المرتهن أنّه صحیح یتوقّف علی إجازة المرتهن أو فکّ الرهن(6)، کأنّهم نسوا فی البحث ما ادعوه أوّلاً من الإجماع فی بطلان الفضولی فی

ص: 306


1- 1 . غایة المراد 3/37.
2- 2 . مجمع الفائدة 9/163.
3- 3 . مستدرک الوسائل 15/307.
4- 4 . وسائل الشیعة 23/15، ح2 و 6، الباب 5 من أبواب کتاب العتق.
5- 5 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/305.
6- 6 . هدایة الطالب 3/11.

الإیقاع.

و رابعة: نمنع من عدم القول بالفصل و التعدی. علی فرض ثبوته(1) فیهما.(2)

الثانی: عدم جواز التعلیق فی الإیقاع، فلا یدخل الفضولی فیه.

و فیه: المشهور یذهب إلی عدم جواز التعلیق فی العقود أیضا کما مرّ سابقا و مفصلاً، فلو کان دلیلهم ذلک فلابدّ أن لایدخل الفضولی فی العقود أیضا و التالی باطل و المقدّم مثله.(3)

الثالث: العقود بما أنّها من فعل اثنین یعتبر لها بقاء، و لذا یتعلَّق بها الفسخ مع أنّه حلّ للعقد فی جهة بقائه، و فی الفضولی بإجازة المالک یتم تمام الموضوع و أمّا الإیقاع بما أنّه فعل واحد فیعتبر أمرا آنیّا فإن حصل ممّن له سلطنة علی ذلک الأمر فهو و إلاّ فلا یحصل ذلک الأمر أصلاً.

و فیه: أنّ ما ذُکر مجردُ ادعاءٍ لأنّه کیف یمکن الالتزام ببقاء العقد اعتبارا دون الإیقاع، مع أنّه لو لم یکن له بقاء فکیف یجوز للزوج فی الطلاق الرجعی إلغاء طلاقه بالرجوع، لأنّ الرجوع فی الطلاق کالرجوع فی الهبة.(4)

و مع عدم تمامیة الوجوه الثلاثة نقول: إن قلنا بصحة بیع الفضولی لشمول الاطلاقات و العمومات _ کما مرّ فی الوجه الأوّل من وجوه الاستدلال علی صحته _ فإلحاق سائر العقود به فی محلّه بل مقتضاها القول بالصحة فی الإیقاعات أیضا إلاّ ما خرج بالدلیل.(5)

و إن قلنا بصحته بالروایات الخاصة _ حیث لم ترد إلاّ فی النکاح و البیع _ فإلحاق

ص: 307


1- 1 . الإجماع.
2- 2 . أی الطلاق و العتق.
3- 3 . راجع هدایة الطالب 3/12.
4- 4 . إرشاد الطالب 3/284.
5- 5 . کما فی حاشیة المکاسب 2/99 للفقیه الیزدی رحمه الله .

سائر العقود بهما لا وجه له فکیف بالإیقاعات(1)؟

مع أنّک تری أنّهم یجرون الفضولی فی جمیع العقود، فهم یرونه علی الوجه الأوّل فالحکم بجریانه فی الإیقاعات تام إلاّ ما خرج بالدلیل. و الحمدللّه.

الثالث: هل یجری الفضولی فیما جرت فیه الوکالة من العبادات و نحوها؟

قال الجدّ الشیخ جعفر: «و فی جری الفضولی فیما جرت فیه الوکالة من العبادات -کالأخماس و الزکوات و أداء النذور و الوقوف و الصدقات و نحوها من مال مَنْ وجبت علیه أو من ماله- و فیما قام الأفعال مقام العقود و نحوه، و کذا الإیقاعات ممّا لم یقم الإجماع علی المنع فیها وجهان، أقواهما الجواز.

و یقوی جریانه فی الإجازة و إجازة الإجازة و هکذا. و یتفرّع علیها أحکام لا تخفی علی ذوی الأفهام»(2).

و اعترض علیه تلمیذه صاحب الجواهر و قال: «و إن کان قد یناقش فی فحوی أداء الخمس و الزکاة من مال مَنْ وجبت علیه إذا کان بوجه لا یصحّ له نیّة التقرّب فیه ولو لعدم العلم بالإذن فیه، بل فی جریانه فی إجازة الإجازة لأنّها من الإیقاع الذی علم عدم قیام الغیر مقامه فیه ولو أجاز بعد ذلک، ولکن الأمر سهل بعد ما عرفت من الاتحاد فی مدرک المسألة فلا حظ ما قدّمناه و تأمّل ذلک، فإنّ فیه ما اشتمل علی غیر العقد من القبض و الإقباض و نحوهما»(3).

أقول: نعم، «الأمر سهل بعد ما عرفت من الاتحاد فی مدرک المسألة» کما قاله صاحب الجواهر رحمه الله فیمکن القول بجریان الفضولی فی جمیع ما ذکره الجدّ قدس سره من العبادات التی تقبل الوکالة و حتّی الإجازة و إجازة الإجازة.

و ممّا ذکرناه یَظْهَرُ وضوح جریان الفضولی فی الشراء أیضا و فی غیره من العقود و لأجل التبرک نذکر لک کلام عَلَمَیْن من أعلام الفقه هما:

ص: 308


1- 1 . راجع محاضرات فی الفقه الجعفری 2/305.
2- 2 . شرح القواعد 2/85.
3- 3 . الجواهر 23/452 (22/280).

جدنا العلاّمة التقی قدس سره قال: «أنّه کما یجری الفضولی بالنسبة إلی البیع کذا یجری فی الشراء فیحکم بصحته مع الإجازة من غیر فرق لاتّحاد المناط و شمول الإطلاق للأمرین، و فی عدّة من الروایات المتقدمة(1) دلالة علیه أیضا»(2).

و السیّد العاملی قال: «و لیعلم أنّه لا فرق فی ذلک بین البیع و الشراء کما صرّح به جماعة منهم المصنف [العلاّمة الحلّی] فی نهایة الإحکام(3) و أشار إلیه فی التذکرة(4)، و الشهید فی مسائله المدوّنة، و المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(5) و إن کانت المسألة مفروضة فی البیع کالروایة.(6)

و أعلم أنّه یجری فی سائر العقود لأنّه إذا ثبت فی النکاح و البیع ثبت فی جمیع العقود، إذ لا قائل باختصاص الحکم بهما کما فی الروضة(7) ذکر ذلک فی کتاب النکاح.

نعم، قیل(8) باختصاصه بالنکاح، و قیل(9) ببطلانه فی النکاح و غیره»(10).

الرابع: صور بیع الفضولی

قال الشیخ الأعظم رحمه الله : إِنّ الفضولی قد یبیع للمالک و قد یبیع لنفسه و علی الأوّل

ص: 309


1- 1 . نحو حدیث عروة البارقی الذی مرّ فی الوجه الثانی من وجوه صحة بیع الفضولی.
2- 2 . تبصرة الفقهاء 3/341.
3- 3 . نهایة الإحکام 2/476.
4- 4 . تذکرة الفقهاء 10/217.
5- 5 . جامع المقاصد 4/69.
6- 6 . مراده من الروایة صحیحة محمّد بن قیس التی مرت فی الوجه الثالث من وجوه التی أقاموها لصحة بیع الفضولی.
7- 7 . الروضة البهیة 5/141.
8- 8 . نقله فی الروضة 5/141، و قال به صاحب الحدائق 23/257.
9- 9 . کما مرّ عن القائلین بالبطلان نحو: الشیخ فی المبسوط 4/163، و الفخر فی الإیضاح 3/27 و نقله صاحب الحدائق 18/377 عن میرالداماد.
10- 10 . مفتاح الکرامة 12/604.

فقد لا یسبقه منع من المالک و قد یسبقه المنع، فهنا مسائل ثلاث»(1).

الظاهر أنّ المسألة الاُولی _ و هی أن یبیع من لا یملک البیع للمالک من دون أن یسبقه منع منه _ تکون أساسا للمسالتین الاُخریتین _ .

الثانیة: أن یبیع للمالک مع سبق المنع منه.

و الثالثة: أن یبیع لغیر المالک إمّا لنفسه أو لشخص ثالث.

لأنّه لو قلنا بالفساد فی الاُولی فلابدّ من القول بالفساد فی الثانیة و الثالثة، و أمّا لو قلنا بالصحة فی الاُولی فیمکن مجال للبحث عنهما فیبحث فی الثانیة عن أنّ سبق المنع من المالک هل یوجب الفساد أم لا؟ و فی الثالثة عن أنّ وقوع البیع عن غیر المالک الذی هو مناف لمقتضی العقد هل یوجب الفساد أم لا؟(2)

و ما مرّ منّا إلی هنا من صحة بیع الفضولی کلّه کان فی المسألة الاُولی.

ص: 310


1- 1 . المکاسب 3/348.
2- 2 . راجع محاضرات فی الفقه الجعفری 2/311.

و أمّا المسألة الثانیة:

اشارة

فهی أن یبیع الفضولی مال غیره مع سبق منع مالکه، المشهور(1) علی صحته ولکن حُکی(2) عن فخر المحقّقین(3): أنّ بعض المجوّزین لبیع الفضولی اعتبر عدم سبق نهی المالک.

و یظهر ذلک من نکاح تذکرة والده حیث حمل النبوی: «أیّما عبد تزوّج بغیر إذن مولاه فهو عاهر»(4) _ بعد تضعیف سنده _ علی أنّه نکح بعد منع مولاه و کراهته فیقع باطلاً.(5)

و استظهر الشیخ أسداللّه(6) عدم الفرق بین النکاح و غیره.

و الفساد هو مُحْتَمَلُ کلام المحقّق الثانی فی بیع الغاصب: «نظرا إلی القرینة الدالة علی عدم الرضا و هی الغصب»(7). و إن اختار هو الصحة فیه.

قد یناقش(8) فی استظهار عدم الفرق بین النکاح و غیره بأنّ العلاّمة صرّح فی باب الوکالة(9) بعدم جواز بیع الوکیل الذی نهاه الموکِّل عن معاملة خاصة، ولکنّه لا یستلزم البطلان لتصریحه بصیرورة الوکیل المخالف لما عیّنه علیه الموکِّل فضولیا و أنّ عقده

ص: 311


1- 1 . کما فی المکاسب 3/373.
2- 2 . مقابس الأنوار /121.
3- 3 . ایضاح الفوائد 1/417 _ 2/314.
4- 4 . سنن الترمذی 3/419 و 420، ح1111 و 1112 _ سنن البیهقی 7/127.
5- 5 . تذکرة الفقهاء 2/588 من طبع الحجری.
6- 6 . مقابس الأنوار /121.
7- 7 . جامع المقاصد 4/69.
8- 8 . المناقش هو المحقّق المروج فی هدی الطالب 4/526.
9- 9 . تذکرة الفقهاء 15/97، مسألة 715.

موقوف علی الإجازة و لا یبطل رأسا.(1)

و لازمه اختصاص الحمل المزبور بنکاح العبد و لا سبیل لاستظهار عدم الفرق بین النکاح و غیره.

مستند القول بالفساد

1_ قال الشیخ الأعظم: «فهذا القول [الفساد] لا وجه له ظاهرا عدا تخیّل أنّ المستند فی عقد الفضولی هی روایة عروة المختصة بغیر المقام»(2).

فی بعض الکتب الفقهیة(3) ذُکرت روایة عروة فقط بعنوان دلیل صحة بیع الفضولی، و هی مختصة برضا النبی صلی الله علیه و آله بما صنعه عروة و عدم ورود نهی النبی صلی الله علیه و آله فلا یشمل صورة منع المالک و یجری فیها أصالة الفساد الجاریة فی العقود. هذا توضیح مقالة الشیخ الأعظم.

ولکن تخیّل وحدة الدلیل فی روایة عروة، لا أدری أَصَدَرَ من أحد أم لا؟! لأنّ المذکور فی کلام الفاضل النراقی القائل ببطلان بیع الفضولی _ کما مرّ_ : «فیعلم أنّ من یقتصر فی دلیل الخروج بخبر البارقی و نحوه یجب أن لا یصحّ عنده بیع الغاصب و لا تفید إجازة المالک فی الصحة...»(4).

و أنت تری بأنّه عطف عَلی خَبَرِ البارقی «و نحوه» و ذکر قبل ورقة بعض الأدلة الواردة فی صحة بیع الفضولی من الروایات فهو لا یری أنّ مستند عقد الفضولی هی روایة عروة فقط.

فالتخیل المذکور لم یصدر من الفاضل النراقی بل لم یصدر من متفقّةٍ فکیف بفقیهٍ.

2_ قال الشیخ الأعظم: «و أنّ العقد وقع منهیّا عنه فالمنع الموجود بعد العقد _ ولو

ص: 312


1- 1 . تذکرة الفقهاء 15/105، مسألة 720، و قواعد الأحکام 2/360 و فیه: «ولو خالفه فی البیع وقف علی الإجازة».
2- 2 . المکاسب 3/373.
3- 3 . نحو تذکرة الفقهاء 10/14 و مختلف الشیعة 5/54 و التنقیح الرائع 2/25.
4- 4 . مستند الشیعة 14/279.

آنّا ما_ کافٍ فی الردّ فلا ینفع الإجازة اللاحقة، بناءً علی أنّه لا یعتبر فی الردّ سوی عدم الرضا الباطنی بالعقد علی ما یقتضیه حکم بعضهم بأنّه إذا حلف الموکِّل علی نفی الإذن فی اشتراء الوکیل انفسخ العقد لأنّ الحلف علیه أمارة عدم الرضا»(1).

مراده من حکمهم هو هذا الفرع المذکور فی کلام المحقّق: «إذا اشتری انسانٌ سِلْعَةً و ادّعی أنّه وکیلٌ لإنسانٍ فانکر کان القول قوله مع یمینه و یقضی علی المشتری بالثمن، سواءٌ اشتری بعین أو فی الذمة، إلاّ أن یکون ذکر أنّه یبتاع له فی حالة العقد»(2).

و تبعه فی هذا الفرع العلاّمة(3) و المحقّق(4) و الشهید(5) الثاینین و السیّد العاملی(6) و صاحب الجواهر(7).

و غرضه من الاتیان بهذا الفرع و الاستشهاد به: أنّ المنع الموجود حال العقد من المالک یکون کافیّا فی بطلان بیع الفضولی و لا یحتاج إلی إنشاء ردّ جدید بعد عقد الفضولی، کما أنّ إنکار الوکالة کافٍ فی بطلان العقد الذی أنشاه الوکیل _ المدعی للوکالة _ و لا یحتاج إلی إنشاء ردّ جدید.

و کما لا تنفع إجازته بعد الإنکار لو أجاز الموکِّل عقد الوکیل فکذلک لا تنفع الإجازة بعد المنع الصادر من المالک لو أجاز عقد الفضولی.

و ردّ الشیخ الأعظم نفسه هذا الاستدلال بقوله: «و أمّا ما ذکر من المنع الباقی بعد العقد ولو آنا ما، فلم یدلّ دلیل علی کونه فسخا لا ینفع بعده الإجازة»(8).

ص: 313


1- 1 . المکاسب 3/374.
2- 2 . الشرائع 2/163، کتاب الوکالة _ التنازع _ المسألة الرابعة.
3- 3 . القواعد 2/367 _ البحث الثانی فی صور النزاع (أ).
4- 4 . جامع المقاصد 8/293.
5- 5 . المسالک 5/300.
6- 6 . مفتاح الکرامة 21/346.
7- 7 . جواهر الکلام 27/435.
8- 8 . المکاسب 3/375.

أقول: المنع السابق من المالک لا یستکشف منه إلاّ عدم الرضا الباطنی بالعقد و هو لایکفی فی الردّ. لأنّ الرد یحتاج إلی إبراز و إظهار و استناد إلی المالک، و عدم الرضا الباطنی أمر نفسانیٌّ و قلبیٌّ و جوانحیٌّ یحتاج إلی مبرز و مظهِرٍ و مستنِدٍ حتّی یفید فی الردّ کما مرّ آنفا بعدم کفایة الرضا الباطنی فی الإجازة أیضا.

و العجب من الشیخ الأعظم قدس سره یری کفایة الرضا الباطنی فی الإجازة و عدم کفایة عدمه فی الردّ، مع أنّ الأمرین من سنخ واحد و الفرق بینهما فی غیر محلّه. و لم یدّل دلیل علی الفرق.

و أمّا الاِستشهادُ بفرع مدعی الوکالة فَقَدْ قال الشیخ الأعظم فی نقده: «و ما ذکره من حلف الموکِّل غیر مسلَّمٍ، ولو سُلّم فمن جهة ظهور الإقدام علی الحلف علی ما أنکره فی ردّ البیع و عدم تسلیمه له»(1).

أقول: الحلف علی إنکار الوکالة یبطل الشراء للموکِّل _ المدعی علیه _ و یصیر الشراء للوکیل لأنّ الحلف علی إنکار الوکالة إظهار و ابراز للکراهة الباطنیة بالبیع و هذا الإظهار و الإبراز یکفی فی الردّ. فلا یستند الشراء إلی الموکِّل، فلا وجه للاستشهاد بهذا الفرع.

ثم لا أدری ما المراد من قوله قدس سره : «ما ذکره من حلف الموکِّل غیر مسلَّم». لاِءَنّ الْحِلْفَ لا یُحْکَمُ بِهِ علی ثبوت الوکالة قطعا و إذا انتفت الوکالة لا یستند الشراء إلی الموکِّل، و لعلّ مراده نفی الشراء له ظاهرا بالحلف، و أمّا لو کان وکیلاً عنه واقعا فیستند الشراء به و تمّ، و الإنکار و الحلف به یدل علی عدم الصحة ظاهرا لا واقعا.(2)

مستند القول بالصحة:
1_ العمومات و الاطلاقات

قال الشیخ الأعظم: «و کفایة العمومات»(3).

ص: 314


1- 1 . المکاسب 3/375.
2- 2 . کما عن الفقیه الیزدی فی حاشیته علی المکاسب 2/138.
3- 3 . المکاسب 3/374.

قد مرّ فی الوجه الأوّل من الاستدلال علی صحة عقد الفضولی دلالة العمومات و الإطلاقات علیها فلا نعید، و هما یدلان علی الصحة مع سبق منع المالک أیضا لأنّه مع لحوق الإجازة یکون مشمولاً للعمومات و الإطلاقات فی صورتی عدم منع المالک و منعه.

2_ و أمّا حدیث عروة البارقی

فلا یشمل صورة سبق منع المالک لأنّ النبی صلی الله علیه و آله أمره باشتراء شاة و لم ینه عن بیعها، فالحدیث لا یجری فی هذه الصورة.

3_ صحیحة محمّد بن قیس

قال الشیخ الأعظم: «مضافا إلی ترک الاستفصال فی صحیحة محمّد بن قیس»(1).

مراده قدس سره : أنّ الإمام علیه السلام لم یستفصل من سیّد الولیدة أنّه نهی عن بیع الولیدة قبل مسافرته أم لا، و ترک الاستفصال یفید العموم فیشمل صورة سبق نهی المالک.

و اعترض علیه السیّد الخوئی بأنّ قول «السائل: «ولیدتی باعها ابنی بغیر إذنی»(2) و عدم الإذن و إن کان لا ینافی المنع ولکن ظاهره فیه لا ینکر»(3).

أقول: حیث أنّ السائل فی مقام بیان طرح دعواه أو سوأله الشرعی عند أمیرالمؤمنین علیه السلام ولو کان نهی عن بیع الولیدة ذکره له و حیث لم یذکره فلم ینه عنه و هذا الاستدلال _ اطلاق الدعوی و عدم تقییده بنهیه _ یوجّه ترک استفصال الإمام علیه السلام فلا یدل علی عموم یشمل الصورتین فیتم اعتراض السیّد الخوئی بهذا البیان _ و أمّا ادّعاء ظهور عدم الإذن فی عدم المنع فَهُوَ قابل للمناقشة _ و لا تَتُمُّ مقالة الشیخ الأعظم رحمه الله فی المقام.

4_ فحوی أدلّة نکاح العبد بدون إذن مولاه

قال الشیخ الأعظم: «و جریانه... مع ظهور المنع فیها ولو بشاهد الحال بین الموالی

ص: 315


1- 1 . المکاسب 3/374.
2- 2 . وسائل الشیعة 21/203، ح1.
3- 3 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/347.

و العبید، مع أنّ روایة إجازته صریحة فی عدم قدح معصیة السیّد»(1).

مراده: أنّ التعلیل الوارد فی الروایتین: صحیحة زرارة و موثقته.(2) من «أنّه لم یعص اللّه و إنّما عصی سیّده» و «إنّما عصی سیّده و لم یعص اللّه» یدلّنا علی کبری کلّیّة و هی أنّ عصیان المخلوق یجبر برضاه دون عصیان الخالق فإنّه لا یجبر بشی ءٍ ففی کلّ مورد من العقود و الإیقاعات التی تجری فیها معصیة المخلوق کالبیع و النکاح و الطلاق و نحوها ترتفع برضاه الحاصل بعد العقد و لا یضرّ بصحته بعد الرضا، بخلاف موارد تجری فیها معصیة الخالق لعدم تصحیحها بشی ءٍ.

أقول: هذا البیان تام بناءً علی ما ذکرنا(3) من تمامیة فحوی ما دلّ علی صحة نکاح الفضولی علی صحته فی البیع بل فی جمیع العقود لأنّ الاحتیاط فی الفروج آکد و الأمر فیها أشدّ، ولکنّ بناءً علی مناقشة الشیخ الأعظم فی هذه الفحوی(4) و ذهابه علی عکسه بأنّ امضاء العقود المالیة یستلزم امضاء النکاح من دون العکس(5) فلا یتم ما ذکره قدس سره هنا لعدم تمامیة هذه الفحوی عنده، و سبحان من لا یسهو.

اللهم إلاّ أن یقال: «إِنّ تعلیل النکاح بعصیان السیّد من سنخ العلّة المنصوصة و الحکم ثابت فی جمیع العقود من باب انطباق الکلّی _ الذی هو موضوع الحکم _ علیها عرضا لا طولاً حتّی تصل النوبة إلی الاُولویة»(6). فیکون محور الاستدلال بالعلّة المنصوصة _ أو کبری کلّیة _ لا الفحوی المذکور سابقا فلا یتمّ الاشکال علی الشیخ الأعظم.

ولکن هذا البیان یُنافی قوله «فحوی أدلة نکاح العبد بدون إذن مولاه...».

ص: 316


1- 1 . المکاسب 3/374.
2- 2 . وسائل الشیعة 21/114، ح1 و 2، الباب 24 من أبواب النکاح العبید و الإماء.
3- 3 . مرّ فی الوجه الرابع من أدلة صحة بیع الفضولی راجع صفحة 197 من هذا المجلد.
4- 4 . المکاسب 3/356 و ما بعده.
5- 5 . المکاسب 3/358.
6- 6 . کما فی هدی الطالب 4/535.
5_ الاِتِّجار بمال الیتیم

قال الشیخ الأعظم: «مع جریان المؤیّدات المتقدمة له: من بیع مال الیتیم و المغصوب»(1).

أقول: قد مرّ فی الوجه السادس(2) الروایات الواردة فی الاِتِّجار بمال الیتیم و الاحتمالات الثلاثة حولها و تمامیة الاستدلال علی صحة بیع الفضولی هناک علی بعضها، و الکلام هنا الکلام.

و أمّا عطف المغصوب علی الیتیم إن کان عطف تفسیر فلا بأس به و إلاّ لم یتقدّم من الشیخ الأعظم شی ءٌ فی المغصوب حتّی یصح عطفه علی مال الیتیم.

اللهم إلاّ أن یقال: إِنّ مراده من المغصوب ما ورد فی معتبرة مسمع أبی سیار فی الوجه العاشر(3) من وجوه الاستدلال علی صحة بیع الفضولی و لا ریب فی أنّ الودیعة بید الودعی المنکر لها تَکونُ غصبا.

6_ ما ورد فی عامل المضاربة

قال الشیخ الأعظم: «و مخالفة العامل لما اشترط علیه ربّ المال الصریح فی منعه عمّا عداه»(4).

أقول: قد مرّ فی الوجه الخامس(5) من وجوه الاستدلال علی صحة بیع الفضولی تفصیل القول فی هذه الروایات و عدم إمکان استفادة صحة بیع الفضولی منها و أنّها نصوص تعبدیة یؤخذ بها فی مورده الخاص.

و الحاصل: تمامیة جریان بعض الأدلة الماضیة بالنسبة إلی الصورة الثانیة _ و هی

ص: 317


1- 1 . المکاسب 3/374.
2- 2 . راجع هذا المجلد صفحة 217.
3- 3 . راجع هذا المجلد صفحة 245.
4- 4 . المکاسب 3/374.
5- 5 . راجع هذا المجلد صفحة 209.

بیع الفضولی مع سبق نهی المالک _ فیحکم بصحته.

دفع وهم: هل یکون نهی المالک مانعا من صحته؟

یمکن أن یقرّب المانعیة بوجوه متعددة:

منها: إذا کان الردّ بعد العقد مانعا عن صحته بالإجازة کان النهی عنه اُولی بالمانعیة لأنّ الدفع أهون من الرفع.

و فیه: أوّلاً: منع الاولویة، لأنّ مانعیة الردّ ثبتت بالإجماع و المتیقن منه هو إنشاء الکراهة بقولٍ أو فعلٍ بعد العقد، و أمّا الکراهة الباطنیة المدلول علیها بالنهی السابق علی العقد و الباقیة إلی ما بعد العقد فخارج عن المتیقن منه.

و ثانیا: الردّ عرفا کالفسخ حلاّ للعقد ولکن الأوّل حلّ لصحته التأهلیة و الثانی حلّ لصحته الفعلیة، و لا یمکن حلّ العقد قبل وجوده و وقوعه فلایطلق علی النهی السابق الردّ.

و منها: العقد مع النهی السابق لا یضاف إلی المجیز بالإجازة.

و فیه: النهی السابق لا ینفصل ارتباط العقد و المجیز و للمالک أن یجیز العقد و ینفذه، و الشاهد علیه نهی التجار للدلالین عن معاملة خاصة و إجازتهم لها بعد وقوعها لمصالح.

و منها: النهی السابق یدل علی الکراهة الباطنیة و هی مانعة عن تحقق العقد و انتسابه إلی المالک.

و فیه: الکراهة الباطنیة لا تَمْنَعُ من تحقق العقد لا عرفا و لا شرعا. و الشاهد علیها صحة عقد النکاح علی المرأة التی تکره الزواج أو بیع المضطر.

نعم، عقد المکرَه یکون باطلاً و هو غیر من له الکراهة الباطنیة.

و الحاصل: عقد الفضولی مع سبق نهی المالک صحیح إذا أجازه المالک و نهیه السابق و کراهته الباطنیة لا یمنعان الصحة، و الحمدللّه.

و لذا قال السیّد العاملی فی کتاب الحجر: «و اشتراط بعضهم عدم مسبوقیّته بنهی المالک غیر جیّد علی إطلاقه، و إلاّ فالغاصب و العبد منهیّان شرعا عن التصرّف، فالأوّل

ص: 318

فی مال الغیر، و الثانی فی نفسه، بل قد نقول: إنّ هذا النهی مطلقا غیر مضرّ، لکنّ قضیة کلامهم فی هذا المقام أنّ الغرماء لو صرّحوا بالردّ لا ینفسخ العقد، فإنّما یعتبر کلامهم فی الإجازة لا فی الردّ، و أنّ الواقع موقع المجیز هو بقاء شیء من ماله یسع ذلک، فإن حصل ذلک کان إجازة و إلاّ کان ردّا، و قد نبّهنا علی ذلک فی باب البیع عند قوله «و الأقرب اشتراط أن یکون مجیزا فی الحال»(1) و بیّنّا الحال فی ذلک»(2).

ص: 319


1- 1 . قواعد الأحکام 2/19.
2- 2 . مفتاح الکرامة 16/251.

المسألة الثالثة: بیع الفضولی لنفسه

اشارة

قال الشیخ الأعظم: «و هذا غالبا یکون فی بیع الغاصب»(1).

الأقوال فی بیع الغاصب:
اشارة

أکثر الفقهاء عدّوا بیع الغاصب من أقسام بیع الفضولی و من أفراده کما صرّح به فخر المحقّقین فی الإیضاح(2)، و علی أنّه من أفراده والده العلاّمة فی التذکرة(3) و المختلف(4) و نهایة الإحکام(5) و الشهید فی الدروس(6) و حواشیه(7) و الفاضل المقداد فی التنقیح(8) و المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(9) و الصیمری فی غایة المرام(10).

القول الأوّل

قال الشیخ أسداللّه التستری: «... و هو قضیة إطلاق الباقین و اللازم من فتاواهم فی

ص: 320


1- 1 . المکاسب 3/376.
2- 2 . إیضاح الفوائد 1/417.
3- 3 . تذکرة الفقهاء 10/17 و 219.
4- 4 . مختلف الشیعة 5/55.
5- 5 . نهایة الإحکام 2/476.
6- 6 . الدروس 3/193.
7- 7 . نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/599.
8- 8 . التنقیح الرائع 2/27.
9- 9 . جامع المقاصد 4/76 و 77.
10- 10 . غایة المرام 2/15.

مسألة ترتیب مسلسلة العقود علی أحد العوضین»(1).

و قال فی الجواهر: «... و من هنا کان بیع الغاصب من الفضولی عند المعظم أو الجمیع»(2).

فعلی القول بصحة بیع الفضولی یکون بیع الغاصب صحیحا بإذن المالک. و هذا هو القول الأوّل.

و القول الثانی: هو البطلان مطلقا.
و القول الثالث: التفصیل بین الغاصب و غیره کما عن ابن ادریس فإنّ المحکی

و القول الثالث: التفصیل بین الغاصب و غیره کما عن ابن ادریس (3) فإنّ المحکی عنه نفی الخلاف فی بطلان شراء الغاصب إذا کان بعین المغصوب.

و القول الرابع: التفصیل المنسوب إلی العلاّمة و ولده و الشهید و قطب الدین بین

و القول الرابع: التفصیل المنسوب إلی العلاّمة و ولده و الشهید و قطب الدین بین علم المشتری بالغصبیة و جهله بها.(4)

أقول: بعد ظهور الأقوال الأربعة لابدّ من التَّذْکیر بأنّ هذا البیع لا یکون نادرا من غیر الغاصب خلافا لما یظهر من الشیخ الأعظم حیث یقول بأنّه «و قد یتّفق من غیره بزعم ملکیّة المبیع»(5)، بل کثیرا ما یقع کالبیوع الفاسدة المبنیّة علی الأمارات المعتبرة کالید و السوق و علی الاصول المعتبرة نحو الاستصحاب و أصالة الصحة و غیرها، وَ الْبائِعُوْنَ فی هذه الموارد یبیعون لأنفسهم باعتقاد الملکیة لهم و إذا ظهر بطلان اعتقادهم یکون مصداقا لهذه المسألة و ضرب الشیخ الأعظم مثلاً لهذه الموارد بصحیحة الحلبی(6) التی رواها المشایخ الثلاثة فی الإقالة بالوضیعة التی مرّ الاستدلال بها فی الوجه الثامن من وجوه

ص: 321


1- 1 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /31.
2- 2 . الجواهر 23/457 (22/282).
3- 3 . نقل عنه الفقیه الیزدی فی حاشیته علی المکاسب 2/138.
4- 4 . کما فی مفتاح الکرامة 12/600، و المکاسب 3/387 و حاشیة المکاسب 2/138 للسیّد الیزدی، و هدی الطالب 4/540.
5- 5 . المکاسب 3/376.
6- 6 . وسائل الشیعة 18/71، ح1، الباب 17 من أبواب أحکام العقود.

الاستدلال علی صحة الفضولی فراجعه(1) و التمثیل تام.

أدلة صحة بیع الفضولی لنفسه
1_ العمومات و الاطلاقات

بالتَّقْرِیب الذی مرّ فی المسألتین السابقتین، قال الشیخ الأعظم: «للعمومات المتقدمة بالتقریب المتقدّم»(2).

2_ فحوی الصحة فی النکاح

التی مرّت فی الوجه الرابع من وجوه الاستدلال علی المسألتین، و الفحوی تام عندنا و لم یتم عند الشیخ الأعظم کما مرّت، و الکبری الکلّیّة المستفادة من روایاتها و التعلیل الوارد فیها تام و تشمل هذه المسألة أیضا.

3_ صحیحة محمّد بن قیس

التی رواها المشایخ الثَّلاثُةُ فی قضاء أمیرالمؤمنین علیه السلام فی ولیدة باعها ابن سیّدها و أبوه غائب الخ(3). ظاهرة فی بیع الولیدة لِلابن لا الأب فضولة و هو عین مسألتنا هذه.

لأنّ الحکم مستفاد من ترک الاستفصال و هو أمارة العموم کما علیه السیّد الخوئی(4) ثمّ فرّق بین جریانه فی المسألتین الثانیة و الثالثة بعدم جریانه فی الثانیة و جریانه فی الثالثة، و التفصیل بین المسألتین بلا وجه کما یظهر من مقالتنا فی المسألة الثانیة حولها.(5) و إن کان السیّد الخوئی یمنع جریان ترک الاستفصال فی المسألة الثانیة بادعاء أنّ ظهور عدم الإذن فی عدم المنع لا ینکر ولکن هذا الظهور مفقود فی المسألة الثالثة فیجری ترک الاستفصال فتأمل.

ص: 322


1- 1 . راجع هذا المجلد صفحة 230.
2- 2 . المکاسب 3/376.
3- 3 . وسائل الشیعة 21/203، ح1، الباب 88 من أبواب نکاح العبید و الإماء.
4- 4 . مصباح الفقاهة 4/112.
5- 5 . راجع هذا المجلد صفحة 315.
4_ الروایات الواردة فی الاِتِّجار بمال الیتیم

لأنّ غیر الولی إذا اتَّجَرَ بمال الیتیم من دون إذن الولی یکون غاصبا و ضامنا لأصل ماله و الربح یکون للیتیم و لا زکاة هنا، و بعد أن یأخذ الیتیم ربحه یحکم بصحة معاملات المتاجر الغاصب و یمکن استفادة صحة بیع الفضولی فی هذه الصورة من هذه الروایات.(1)

5_ معتبرة مسمع أبی سیار

(2)

الماضیة(3) فی الوجه العاشر من وجوه الاستدلال علی صحة الفضولی، و الودعی الجاحد یکون غاصبا و أمر الإمام علیه السلام بأخذ نصف الربح منه و هذا الأخذ یکون إذنا و إجازة فی معاملاته السابقة الغاصبة فیکون بیع الفضولی لنفسه صحیح، و المعتبرة یکون کالنص فی صحته.

و هذا المقدار من الأدلة یکفی فی الحکم بالصحة و أمّا ادِّعاءُ جریان «أکثر ما تقدّم من المؤیدات»(4) کما عن الشیخ الأعظم فَهُوَ غیر تام، لعدم جریان غیر ما ذکرها إلاّ هذه المعتبرة و هی غیر مذکورة فی ما تقدّم من کلام الشیخ الأعظم _ و لعلّه لا تتم دلالتها علی صحة بیع الفضولی _ فالإدعاء فی غیر محلّه، و لذا استشکل علیه الفقیه الیزدی بقوله: «و المؤیدات المتقدمة أیضا غیر جاریة»(5).

ص: 323


1- 1 . راجع هذا المجلد صفحة 217.
2- 2 . وسائل الشیعة 19/89، ح1، الباب 10 من أبواب کتاب الودیعة.
3- 3 . راجع هذا المجلد صفحة 245.
4- 4 . المکاسب 3/376.
5- 5 . حاشیة المکاسب 2/138.
أدلة بطلان بیع الفضولی لنفسه و مناقشتها
اشارة

ذکر الشیخ الأعظم(1) خمسة وجوه للبطلان و ناقش الجمیع:

الوجه الأوّل: النبویان

الماضیان فی أوّل الاستدلال بالسنة الشریفة(2) علی بطلان بیع الفضولی و الجواب عنهما کالجواب فلا نعید.

قال الشیخ الأعظم: «بناءً علی اختصاص مورد الجمیع ببیع الفضولی لنفسه»(3).

و قال الفقیه السیّد الیزدی فی تبیین مراده: «یعنی بعد ما عرفت من اختصاص موردها بالبیع لنفسه و إلاّ فالاستدلال بها لیس مبنیّا علی الاختصاص، إذ مع الإطلاق أیضا یمکن الاستدلال بها للمقام بدعوی أنّ صورة البیع للمالک خارجة عنها بالدلیل، هذا إن قلنا فیه بالصحة، و إلاّ فالأمر أوضح»(4).

أقول: تبیینه تامٌّ، و بیع الفضولی بعد إجازة المالک یستند إلیه و یدخل فی عنوان بیع ما عنده و بیع ما یَمْلک بلا فرق بین بیعه للمالک أو مع سبق نهیه أو لنفس الفضولی و لذا قال الاُستاذ المحقّق _ مدظله _ «مع لحوق الإجازة یتبدّل الموضوع و یصحّ البیع»(5). هذا أوّلاً.

و ثانیا: علی فرض تعمیم الحدیثین علی صور بیع الفضولی أو اختصاص موردهما ببیعه لنفسه لا لمالکه یدلان علی بطلان صور بیع الفضولی أو الصورة الثالثة التی یبیع الفضولی لنفسه، و الأدلة الدالة علی صحة الفضولی عموما أو خصوص الصورة الثالثة یخصصن عموم الحدیثین بجریان قاعدة العام و الخاص.

ص: 324


1- 1 . راجع المکاسب 3/3786 و ما بعده.
2- 2 . راجع هذا المجلد صفحة 264 و 268.
3- 3 . المکاسب 3/376.
4- 4 . حاشیة المکاسب 2/138.
5- 5 . العقد النضید 3/140.
الوجه الثانی: اعتبار عدم سبق منع المالک

و هذا الاعتبار مفقود فی المغصوب و قد مرّ عن المحقّق الکرکی(1) بأنّ الغصب قرینة عدم الرضا و معلوم بأنّ عدم الرضا یعنی الکراهة و هی عبارة أُخری عن الردِّ، و بقاء هذه الکراهة _ أی الردّ _ بعد العقد ولو آنا ما کافٍ فی الردّ و البطلان و أجمع الأصحاب علی بطلان العقد بعد الرد و أنّ الإجازة بعد الرد لا تصححه

و ذکر هذا الوجه الشیخ أسداللّه التستری(2) و أحال جوابه علی ما ذکره فی المسألة الأُولی.

و ناقش فیه الشیخ الأعظم(3) بأمور:

الأوّل: الدلیل أخصّ من المدّعی، لأنّه مختص بالغاصب و البحث فی هذه الصورة أعمّ من الغاصب و غیره من الذین یرون مال الغیر ملکهم خطاءً.

الثانی: أنّ الغصب لیس قرینة علی عدم الرضا بالبیع مطلقا حتّی للمالک و رجوع الثمن إلیه، بل قرینة علی عدم الرضا بکون البیع للغاصب و رجوع الثمن إلیه، فلا یعدّ ردّا للبیع لمالکه و تملّکه للثمن.

الثالث: «قد عرفت أنّ سبق منع المالک غیر مؤثّر»، و أنّه لیس ردّا، و الکراهة السابقة بعد ورود الإجازة لا عبرة بها، مع أنّ أصل الکراهة غیر مضرّة بالصحة کما مرّ نظیره فی بیع المضطرّ.

الوجه الثالث: فقدان قصد المعاوضة الحقیقیة
اشارة

قال العلاّمة: «لا یتصوّر أن یبیع الإنسان مال غیره لنفسه»(4).

و مراده: اعتبار المعاوضة الحقیقیة فی البیع و هی دخول الثمن فی ملک مَنْ یخرج المبیع مِنْ ملکه و دخول المبیع فی ملک مَنْ یخرج الثمن مِنْ ملکه، و قصد هذه المعاوضة

ص: 325


1- 1 . جامع المقاصد 4/69.
2- 2 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /32.
3- 3 . راجع المکاسب 3/377.
4- 4 . تذکرة الفقهاء 13/246، و نحوها فی القواعد 2/127.

مفقودة فی بیع الفضولی لنفسه، لأنّه یرید خروج المبیع من ملک مالکه ولکن دخول الثمن فی ملک نفسه، و إذا لم یقصد المعاوضة الحقیقیّة لم یتحقق المعاقدة و ما هو مقوِّم للعقد فلم یتحقّق البیع.(1)

و أجاب الشیخ الأعظم عن هذا الوجه بجوابین
اشارة

(2):

الأوّل: الدلیل أخص من المدّعی لأنّه یختص بالغاصب

الأوّل: الدلیل أخص من المدّعی لأنّه یختص بالغاصب، و أمّا من کان معتقدا بملکیة المبیع له یتمشّی منه قصد المعاوضة الحقیقیة.

الثانی: الغاصب بعد أن یدعی أنّه مالک یقصد المعاوضة الحقیقیة

الثانی: الغاصب بعد أن یدعی أنّه مالک یقصد المعاوضة الحقیقیة، فقصد المعاوضة الحقیقیة موجودة و مبنیّة علی أمر غیر واقعی، و ادعاءه یکون نظیر المجاز الادّعائی فی الاُصول.

ثم اعترضوا علی جوابی الشیخ الأعظم بأُمور لا یتم بعضها:
الاعتراض الأوّل:

الاعتراض الأوّل: توجیه الشیخ الأعظم «یختصّ بالغاصب و الموضوع فی المسألة الثالثة أعمّ من الغاصب و یشمل البایع الذی یری نفسه مالکا جهلاً أو خطأً أو اجتهادا حیث لا یدّعی المالکیة بل یری نفسه مالکا حقیقةً منذ البدایة فجوابه رحمه الله أخص من المدّعی»(3).

و یرد علیه: أَنَّهُ لابدّ أن ینظر إلی جوابی الشیخ الأعظم معا و من الواضح أنّ من یری نفسه مالکا یتمشّی منه قصد المعاوضة الحقیقیة فیتمّ جوابه فی الفرضین.

اللهم إلاّ أن یقال: بعدم کفایة قصد المعاوضة الحقیقیة بل لابدّ من نفس المعاوضة الحقیقیة و هی مفقودة فی الفرضین فیعود الإشکال.

ولکن یمکن أن یقال: بتحقق المعاوضة الحقیقیّة بعد إجازة المالک و استناد البیع إلیه و أخذه للثمن أو ماشاء به، فیرتفع الإشکال من رأسه.

ص: 326


1- 1 . قد مرّ هذا الوجه الثانی و الثالث من وجوه الاستدلال علی بطلان بیع الفضولی بوجوه اُخری فراجع هذا المجلد صفحة 293 و 294.
2- 2 . راجع المکاسب 3/377 و 378.
3- 3 . العقد النضید 3/142.
الاعتراض الثانی: قال المحقّق الإیروانی

الاعتراض الثانی: قال المحقّق الإیروانی رحمه الله : «انّ دعوی الغاصب الملکیة تارة تکون من قبیل الواسطة فی الثبوت و اُخری من قبیل الواسطة فی العروض، أعنی: [1]تارة یقصد وقوع المعاوضة لنفسه و کان مصحّحه دعواه الملکیة کما تثبت الأظفار للمنیّة بدعوی أنّها سبع، [2] و اُخری یقصد وقوع المعاوضة للمالک الواقعی ثم یدّعی أنّه هو هو لأجل تملّک العوض... و فی هذا(1) یکون للغصب قصدان، قصد کبرویّ و هو قصد وقوع المعاملة للمالک الواقعی و آخر صغروی و هو قصد أنّه هو ذلک المالک الواقعی لأجل تلقی الثمن و و تملّکه، فإن کان الأوّل: اتّجه علیه أنّ ادّعاء کونه مالکا لا یصحّح القصد إلی المعاوضة الحقیقیة فإنّ المعاوضة المبنیّة علی الإدّعاء لا تکون حقیقّة، و کیف یکون حقیقیّا ما أساسه الإدّعاء و لا أدری کیف ذکر المصنف [الشیخ الأعظم] ذلک مع وضوح فساده، و هل یکون إثبات الأظفار علی وجه الحقیقة للسبع الإدعائی، فاذا کانت المعاملة الإدعائیة لم تجدها الإجازة فی صیرورتها حقیقیّة و فی ترتب الأثر علیها.

و إن کان الثانی: فالمعاملة و إن کانت حینئذ حقیقیة لکن الوجدان یکذّب أن یکون للغاصب قصدان و إنّما قصد واحد للمعاملة فی حقّ نفسه کالمالک الحقیقی فالادعاء إن کان فهی من قبیل الوسطة فی الثبوت دون العروض... _ إلی أن قال: _ کیف تکون المعاوضة المبنیّة علی أمر غیر حقیقی حقیقیة و هل یزید الفرع علی أصله و لعمری أنّ هذه الدعوی من المصنف رحمه الله فی غیر محلّها»(2).

و یرد علیه: أوّلاً: أَنَّ اعتراضه قدس سره ناشِئٌ من عدم الوصول إلی لبّ المراد فی مسلک الحقیقیة الاِدّعائیة فی باب المجاز و أنّه «لیس من وضع اللفظ محلّ اللفظ بل هو وضع المعنی محلّ المعنی»(3) فإذا جعل الغاصب نفسه مقام المالک ادعاءً ینشی ء منه قصد المعاوضة حقیقةً لا ادعاءً فیتمّ المطلوب.

و ثانیا: کثیرا ما یترتب علی أمر غیر حقیقی أُمُوْرٌ واقِعیَّةٌ و حقیقیّةٌ نحو عقد

ص: 327


1- 1 . أی الثانی.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/238 و 239.
3- 3 . کما علیه مؤسسها العلاّمة الجدّ فی وقایة الأذهان /106.

النکاح الذی لیس إلاّ أن یکون اعتباریا و یترتب علیه أُمُوْرٌ واقِعیَّةٌ و حقیقیّةٌ کالوطی و الولد و وجوب الإنفاق و الإرث و نحوها.

و ثالثا: لا نقول بصحة بیع الغاصب أو الذی یبیع لنفسه إلاّ بعد صدور الإجازة من المالک و بعدها یکون نظیر مَنْ باع شیئا وَ تَخیَّلَ أنّه لغیره فبان أنّه لنفسه، أو أنّه سرقة أو خیانة فبان أنّه لنفسه صح البیع بلا خلاف فی ذلک، أو تزوّج بامرأة، بتخیل أنّها خامسة أو ذات بعل أو اُخت زوجته فبانت أنّها لیست کذلک بل هی امرأة خلیّة یجوز تزویجها حکم بصحة النکاح اتفاقا.(1)

الاعتراض الثالث:

جواب الشیخ الأعظم رحمه الله بالنسبة إلی الغاصب یجری فی الغاصب الملتفت لغصبه النازل نفسه منزلة المالک ادعاءً و مجازا ثمّ بعد هذا الالتفات و التنزیل و الاِدّعاء أنشأ البیع فیتم بیعه عند الشیخ الأعظم، ولکن هذه القیود یغفل عَنْها الغاصب غالبا _ لو لم نقل دائما _ و مع غفلته لا یتم ما ذکره قدس سره .

و لذا قال الفقیه السیّدُ الیزدی رحمه الله : «... فإنّا لو سلَّمنا هذا الجعل من الغاصب غالبا فلا نسلّمه دائما، ولو کان الملاک ذلک لزم فی الحکم بصحته بالإجازة إحراز هذا الجعل منه بالعلم، إذ مع عدمه لا وجه للحمل علیه إلاّ من باب حمل فعله علی الصحة، و المفروض فساد فعله جهة حرمة بیعه...»(2).

الاعتراض الرابع:

لازم جواب الشیخ الأعظم هو التفصیل بین الغاصب الذی یدعی الملکیة لنفسه و الذی لایدّعیها، و هذا ممّا لا یلتزم به فقیهٌ، لأنّ المشهور عندهم تصحیح بیع الغاصب بالإجازة اللاحقة من المالک.

قال الفقیه السیّدُ الیزدی رحمه الله : «... و لازم هذا الوجه عدم الحکم بالصحة إذا علم منه

ص: 328


1- 1 . کما یظهر هذا الأخیر من السیّد الخوئی فی مصباح الفقاهة 4/112.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/139.

عدم التنزیل المذکور و لم یقل أحد بهذا التفصیل»(1).

الاعتراض الخامس:

وَ بِناءً علی جوابه قدس سره فلا یصحّ بیع الغاصب إلاّ بعد ادّعاء المالکیة، و إذا شککنا فی غاصب بأنّه هل یدعی المالکیة أم لا؟ تحقّق الشبهة المفهومیة و معها لا مجال للتمسّک بأصالة الصحة فی العمل الصادر منه حتّی نحکم بصحته بعد إجازة المالک الواقعی، لأنّ جریان أصالة الصحة متوقف علی إحراز أصل العمل _ و هو البیع هنا _ ثمَّ الشک فی اجتماع الشرائط و فقد الموانع، و مع عدم إحراز أصل العمل لا مجال لجریانها.(2) کما مرّ کلام الفقیه الیزدی فی عدم جواز التمسک بأصالة الصحة، فی ذیل الاعتراض الثالث.

لأجل هذه الاعتراضات تَصَدّی جماعة من الأعلام لدفع هذا الوجه الثالث و الیک أقْوالُهم:
جواب الفقیه السیّدِ الیزدی:

قال: «فالصواب فی الجواب أن یقال: حقیقة البیع لیس إلاّ مبادلة مال بمال من غیر نظر إلی کونه لنفسه أو لغیره، و هذا المعنی موجود فی بیع الغاصب، و قصد کونه لنفسه خارج عن حقیقته و لاینافیه أیضا، و لا فرق فیه بین الوجهین من التنزیل و عدمه»(3).

أقول: یأتی نقده فی ردّ جواب المحققق النائینی الآتی.

جواب المحقّق النائینی:

قال: «الحقّ امکان تحقّق قصد المعاوضة الحقیقیة من الغاصب فضلاً عن الجاهل المعتقِد بأنّه ملکه.

أمّا اجمالاً: فلما نری خارجا من قصد المعاوضة حقیقة من الظَلَمة و السرّاق بل لا یفرّقان بین ملکهما الموروثی و الملک الذی بیدهما من غیرهما.

ص: 329


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/139.
2- 2 . هذه الاعتراضات الثلاثة الأخیرة تظهر من العقد النضید 3/143.
3- 3 . حاشیة المکاسب 2/139.

و أمّا تفصیلاً: فلأنّ صدور المعاملة من الغاصب مبنیّ علی تجعّلٍ منه فی المالکیة بمعنی أنّه یغصب الإضافة الحاصلة بین المالک و ملکه و یسرقها و کأنّه یقطع حبل الملکیّة المتصلة بین المالک و ملکه و یوصله بنفسه، فبعد سرقة الإضافة یری السارق نفسه ذا إضافةٍ و ذا جدةٍ اعتباریة، فیبیع ما هو ملک له کسائر أمواله التی تحت سلطنته. و بهذا الاعتبار یصدر المعاوضة منه حقیقةً و یوقع التبدیل بین ملکی المالکین.

ثمّ لا یخفی أنّ هذه المقدمة المطویّة _ أی رؤیة نفسه مالکا _ لا تضرّ بالمعاملة و لیس من موانع العقد کمانعیة الفصل بین الإیجاب و القبول و نحو ذلک، فإنّ هذا البناء و التشریع کالبناء فی العبادات الغیر المضرّ بعبادیتها... .

ففی مقامنا لو قصد المعاوضة بین ملک نفسه و ملک غیره بأن باع مال الغیر لنفسه من دون بنائه علی ملکیة المبیع أو اعتقاده فهذه المعاوضة فاسدة لأنّه قصد تملّک الثمن بلا تملیک المثمن من ماله.

و اُخری: یقصد المعاوضة بین ملکی المالکین مع اعتقاده أو بنائه علی أنّه مالک فهذا البناء و الاعتقاد یلغی و یصحّ العقد بالاجازة و المَنْشَأ هو المجاز، لأنّ الإجازة تعلّقت بالتبدیل بین ملکی المالکین، لا بالقصد المقارن أو الخطأ فی التطبیق»(1).

و یرد علیه: أوّلاً: الغصب یتعلّق بمال الغیر أو حقّه و أمّا تعلّقه بالإضافة الملکیّة و سرقتها فهو ممّا لایمکن أن یُعْقَلَ، و لذا قال السیّد الخمینی: «إنّ سرقة الحقیقیّة غیر ممکنة و لا واقعة، و السرقة الإدعائیة لا تدفع الإشکال»(2).

و لعلّ لأجل عدم إمکان تعقّله عدل عنه فی دورته الأخیرة و لم یأت بهذا البیان بل قال: «تقوّم البیع و نحوه من عقود المعاوضات علی العوضین و أنّ المتعاملین لیسا رکنین فیها بخلاف النکاح...»(3).

و ثانیا: یتم ما ذکره من أن البیع هو المبادلة بین الملکین دون المالکین ولکن لا

ص: 330


1- 1 . منیة الطالب 2/36 و 35.
2- 2 . کتاب البیع 2/142.
3- 3 . المکاسب و البیع 2/47.

ینافی حصول المبادلة القهریة بین المالکین عند البیع فحینئذ یعود الإشکال من رأسه، لأنّ بیع الغاصب یوجب خروج المبیع من ملکیّة المالک الواقعی و دخول الثمن فی ملکیّة المالک الإدعائی.

و هذا الإشکال الأخیر أیضا یرد علی الفقیه السیّدِ الیزدی رحمه الله .

جواب المحقّق الإیروانی

قال: «منع توقّف المبادلة علی قصد دخول أحد العوضین فی ملک مالک الآخر و توضیح ذلک یتوقّف علی شرح حقیقة الملکیة:

فاعلم أنّ الملکیة علاقة اعتباریة بین المالک و المملوک تشبه العلاقة الحسیّة الحاصلة بین السلطان و المسلَّط و بین المستولی و المستولی علیه استیلاءً خارجیّا فکانّما هناک حبل واصل بینهما أحد طرفی هذا الحبل متصل بالمالک و الآخر متصل بالمملوک... و هذه الملکیّة و الاعتبار الوهمی قد تتغیّر بتغیّر المالک مع حفظ إضافتها إلی جانب المملوک کما تعطی فی مثل الدابة المقود عن یدک إلی غیرک، و یعبّر عن هذا فی المقام بالهبة فیقوم المالک و یجلس مالک آخر مکانه مع انحفاظ اضافة الملکیة فی جانب المملوک.

و قد تتغیّر بتغیّر المملوک مع حفظ إضافتها إلی المالک کما فی مثال الدابة محلّ رسن الدابة من رأس دابتک و تربطه بدابّة صاحبک بازاء أن یحلّ صاحب رسن دابته و تربطه بدابتک مع بقاء المُمْسَکَیْنِ فی أیدیکما و یعبّر عن هذا فی المقام بالبیع، فالبیع أن یأخذ کلّ من العوضین ملکیّة صاحبه و یعطیه ملکیة نفسه، و هذا تارة یکون مع انحفاظ الإضافة إلی المالکین کما فی [ما] ذکرناه من المثال و کما فی أغلب البیوع.

و اُخری: یکون مع نقل هذه الإضافة أیضا إمّا من المالکین جمیعا أو من أحدهما فیکون التبادل فی العینین فی ملکیتهما مع انتقال الملک من مالکه الأصلی إلی غیره فیکون هذا ثالث الأقسام و متضمّنا لمعنی البیع و الهبة جمیعا فکان لنا هبة ساذجة و بیع ساذج و مرکب من الأمرین... .

و من هنا ظهر أنّ حقیقة البیع و المعاوضة و المبادلة غیر متقوّمة بقصد دخول

ص: 331

العوض فی ملک مالک المعوّض، نعم إذا أطلق کان قضیته ذلک... .

و إن تعاسرت من هذا قلنا: فلاأقل من أن یکون ما یصنعه الغاصب أو کلّ بایع مال غیره لنفسه أو مشتری بماله لغیره هبّة معوّضة فیهب مال الغیر بازاء أن یهبه الطرف المقابل مال نفسه أو یهب ماله للغیر بازاء أن یهب الجانب الآخر ماله لغیره، و یکون القبول الطرف الآخر إنشاءً للهبة الاُخری فإن کان هذا من المالک صحّ بعموم أدلّة صحة المعاملات و خصوص أدلة صحة الهبّة، و إذا کان من الفضولی صحّ بإجازة المالک بدلیل صحة معاملة الفضولی ولکن لازم هذا أن یملک الغاصب الثمن بل لازم الأوّل أیضا ذلک...»(1). و لإجل تفصیل کلامه راجع إلی کتابه.

أقول: یرد علیه: أوّلاً: المبادلة تستلزم تبادل العوضین و دخول المعوّض فی ملک مَن خرج من ملکه العوض. و هی من العناوین ذات التعلّق و کلّ عنوان مبادلی یحتاج إلی طرف آخر لیتم من خلاله التبادل. فحقیقة المبادلة یتوقف علی المبدل و البدل فلا تَتَحَقَّقُ هذه المبادلة فی بیع الغاصب لخروج المال من ملک مالکه الواقعی و دخول الثمن فی ملک الغاصب.

و ثانیا: الملکیة تدخل فی الْعَناوِیْنِ ذات الإضافة الاعتباریة و تحتاج إلی المضاف و المضاف إلیه، ففی الهبة ذات المملوک تکون باقیة ولکن إضافتها الملکیة تتبدّل فی جهتی المالکیة و المملوکیة باعتبار تبدیل اضافة الملکیة و کذلک الحال فی البیع.

و تشبیهها [أی تشبیه اضافة الملکیة] بالرسن غیر تام لأنّ الملکیة من مقولة الإضافة و الرسن وجود رابطیٌّ و بینهما برزخ لا یبغیان.

و ثالثا: و أمّا تصویر بیع الغاصب من کونه مرکبا من البیع و الهبة فَغَیْرُ معقول لأنّ البیع عقد متقوّم بعدم المجانیة و الهبة عقد متقوّم بالمجانیة و الجمع بین المجانیة و عدمها فی عقد واحد من المحالات.

و رابعا: و تصویر بیع الغاصب بالهبة المعوّضة أیضا غیر تام لأنّ العقد أمرٌ انشائیٌ

ص: 332


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/(238-236).

قصدیٌ و ما یقوم به الغاصب هو البیع فکیف یمکن حمله علی الهبة المعوّضة مع عدم قصدها عند الغاصب.(1)

فلا یتم ما ذکره المحقّق الإیروانی قدس سره .

جواب المحقّق الاصفهانی:

قال بعد نقض بعض الاْءَجْوِبَةِ: «و التحقیق: إِنَّ البیع لیس من المعاوضة بالمعنی المزبور [أی المبادلة الحقیقیة الواردة فی کلام الشیخ الأعظم] حتّی یرد المحذور المذکور [أی الإشکال الذی طرحه الشیخ الأعظم] بل هو التملیک لا مجانا _ أی تملیک شی ءٍ فی قبال شی ءٍ بحیث لا یکون مجانا _ فالتملیک بإزاء سقوط الحقّ عن ذمّته تملیک شی ءٍ بازائه شی ء، لا بحیث یقوم مقامه فی ماله من الإضافة، بل قد مرّ فی محلّه(2) من أنّ البیع لا یجب أن یکون تملیکا کما فی بیع العبد بالزکاة فإنّ حقیقته قطع إضافة الملکیة بإزاء شی ء لا تملیک من یؤدی الزکاة فراجع ما قدمناه»(3).

و یرد علیه: أوّلاً: تعریف البیع بالتملیک لا مجانا لا یُطابق ما هو المرتکز عند العقلاء، لأنّه لیس عندهم مرکبا من أمر وجودی و أمر عدمی، مضافا إلی أنّ الأمر العدمی کیف یکون فصلاً للأمر الوجودی.

و ثانیا: لو تنزّلنا و قبلنا منه هذا التعریف الأخیر _ أی التملیک لا مجانا _ فکیف یمکن الجمع بینه و بین تعریفه فی أوّل البیع بأنّه «البیع: هو المعنی الذی یحصل بالتسبیب إلیه بإنشاء»(4).

و مراده بالأخیر أنّ البیع متقوّم بقصد التسبیب بإنشاء الملکیّة الشرعیة و العرفیة،

ص: 333


1- 1 . یظهر هذه الرودود من الاستاذ المحقّق _ مدظله _ بناءً علی ما ورد فی العقد النضید 3/(150-148).
2- 2 . راجع حاشیة المکاسب 1/64.
3- 3 . حاشیة المکاسب 2/118.
4- 4 . راجع حاشیة المکاسب 1/64.

مضافا إلی انّه لا یمکن أنْ یتمشی من الغاصب التسبیب بذلک.(1)

جواب المحقّق السیّدِ الخوئی:

ظهر منه قدس سره جوابان لهذا الإشکال فی الدورتین المختلفین من درسه الشریف:

1_ فی الدورة الاُولی تبع المحقّق السیّدِ الخوئی استاذَه الأصفهانی و قال: «حقیقة البیع... لیس إلاّ إعطاء لا مجان و لا یعتبر فیه دخول العوض فی کیس من خرج عن کیسه المعوّض و بالعکس، لما یرد علی العلاّمة و من تبعه [القائلین بهذا الاشتراط _ أی دخول العوض فی کیس مَنْ خرج عن کیسه المعوّض و بالعکس] من النقض ببیع الکلّی و بیع الاوقاف و الزکوات و أمثال ذلک فلا إشکال فی صحته، و أنّه یقع للمالک إذا أجاز، و مجرد اقتران الإنشاء بقصد لغو لا یمنع عن الصحة»(2).

یرد علیه غیر ما اُوردناه علی المحقّق الاصفهانی رحمه الله فی الإشکال الأوّل، أوّلاً: تعریف البیع بالإعطاء لا مجّانا مخالف لما اختاره فی تعریف البیع فی أوّل تقریر دروسه من أنّه «تبدیل عین بمال فی جهة الإضافة»(3). و بین التعریفین بون بعید وَ فَرْقٌ مَدِیْد.

و ثانیا: و ما اورده قدس سره من النقوض علی اشتراط العلاّمة لا یَرِدُ لأنّ بیع الکلّی یدلّ علی عدم اعتبار ملکیة المبیع لبائعه حین البیع، لا نفی الاشتراط المذکور.

و أمّا بیع الاوقاف و الزکوات فلا یدل علی نفی الاشتراط المذکور لأنّ فی هذه البیوع یدخل العوض فی کیس من یخرج عن کیسه المعوّض، لأنّ المخرِج عن کیسه هو الجامع المنطبق علی کلٍّ من الأصناف الثمانیة _ فی بیع الزکوات _ أو العنوان العام _ فی الوقف العام _ أو الأشخاص _ فی الوقف الخاص _ المعبّر عنهم بالموقوف علیهم فی الوقفین کما ذکره شیخنا الاستاذ(4) قدس سره .

2_ ولکن فی دورته الثانیة قال: «... حقیقة البیع عبارة عن الاعتبار النفسانی

ص: 334


1- 1 . الاشکالان للاستاذ المحقّق _ مدظله _ کما فی العقد النضید 3/152.
2- 2 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/350.
3- 3 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/16.
4- 4 . إرشاد الطالب 3/353.

المظهر بمبرز خارجی، و من الظاهر أنّه یمکن تحقق هذا المعنی بمحض وجود المتبائعین، و إن لم یکن فی العالَم شی ءٌ من الشرع و العرف، و أمّا کونه ممضی للعقلاء و الشرع فهو أمر خارج عن حقیقة البیع و إنّما هو من الأحکام اللاحقة له، و علی هذا فالبائع الغاصب مثلاً و إن قصد دخول الثمن فی ملکه مع أنّ المبیع قد خرج عن ملک غیره، ولکن الإخلال بذلک لا یوجب الاخلال بحقیقة البیع لأنّ قصد حقیقته لما کان مستلزما لقصد دخول أحد العوضین فی ملک من خرج الآخر عن ملکه تحققت المعاوضة حقیقة و إنْ انضم إلی ذلک قصد وقوعه لنفسه باعتبار تنزیل نفسه منزلة المالک، لأنّ تعیین المالک الواقعی غیر معتبر فی مفهوم تحقق حقیقة البیع بل القصد إلی العوض و تعیینه یغنی عن القصد إلی المالک و تعیینه»(1).

و یرد علیه: أوّلاً: ما ذکره بعنوان حقیقة البیع _ الاعتبار النفسانی المُظْهِر بمبرز خارجی _ لیس حقیقة البیع بل هو تعریف الإنشاء علی مبناه الخاص المتفرّد به(2) فی قبال المشهور _ حیث ذهب إلی أنّ الإنشاء أمر نفسانی أو اعتبار کذلک یظهر بمبرز خارجی نحو الجمل الإنشائیة _ و هو غیر تام عندنا و تفصیل البحث حول النقود الواردة علیه یطلب من أبحاثنا فی علم الاُصول.

و ثانیا: الغاصب الذی یقصد المعاوضة الحقیقیّة أمّا أن یدعی أنّه عنوان المالک الحقیقی أو شخصه و مصداقه، و الأوّل _ العنوان _ لا یصدر منه البیع لأنّ حقیقة المعاوضة فی شخص المالک و مصداقه، و العنوان بما هو عنوان لا ینشأ و لا یصدر منه شی ءٌ.

و الثانی _ شخص المالک و مصداقه _ و إن یمکن إصدار البیع منه ولکن البیع یقتضی التبادل فی إطار المالین المملوکین للمالکین و الغاصب أجنبیٌّ عنهما و یستلزم إصدار البیع منه دخول العوض فی ملک من لم یخرج من کیسه المعوّض فیعود الإشکال من رأسه(3)، و لعلّ السیّد الخوئی فَطنَ لعوده و لذا قال بعد ما ذکرناه عنه: «نعم، یعتبر فی

ص: 335


1- 1 . مصباح الفقاهة 4/114.
2- 2 . راجع لتفصیل البحث محاضرات فی اصول الفقه 1/99 و 98، طبع موسوعته.
3- 3 . راجع العقد النضید 3/153 بتقریر منّا.

مفهوم البیع قصد المتبائعین دخول العوض فی ملک من خرج المعوّض عن ملکه و بالعکس و إلاّ فلا یصدق علیه البیع، و علیه فلو اشترط علی البائع دخول الثمن فی ملک الأجنبی، أو اشترط علی المشتری دخول المبیع فی ملک غیره کان ذلک سببا لبطلان البیع جزما ضرورة أنّ الاشتراط المزبور علی خلاف مقتضی العقد»(1).

جواب المحقّق السیّد الخمینی رحمه الله :

قسّم الإشکال إلی قسمین العقلی و العقلائی، مراده بالأوّل هو قصد التسبّب بالإنشاء إلی الملکیة الشرعیة أو العرفیة کیف یتحقق من الغاصب الملتفت إلی غصبه و إلی أنّه غیر المالک، فهذا الاشکال یختص بالغاصب الملتفت.

و الثانی: أنّ البیع عبارة عن تملیک العین بالعوض و هو متقوّم بدخول الثمن فی ملک مَنْ یخرج من ملکه المثمن و هذا المعنی لا یتحقق فی بیع الغاصب لنفسه ولو تَمشّی منه القصد إلی التسبیب إلی الملکیّة الشرعیة أو العرفیة.

ثم قال فی دفع الإشکال العقلی: «إنّ الإیجاب و القبول فی البیع و سائر الأسباب فی المعاملات لا تکون أسبابا واقعیّة و علّلاً لإیجاد الملکیّة أو الزوجیّة و نحوهما، ضرورة أنّ المذکورات اُمور اعتباریة لا واقعیة لها فی غیر صقع الاعتبار، ولو کان الاعتبار اعتبار أمر خارج فلا تکون الملکیّة من الاُوصاف التکوینیة الموجودة فی الخارج، بل لو کان لها خارجیة تکون خارجیتها خارجیة اعتباریة لا واقعیّة، فلا یعقل أن تکون الأسباب علّلاً لها، لعدم إمکان علّیّتها لاعتبار العقلاء، بل له مبادٍ خاصة به فإنشاء أینما تحقق لا یوجد الملکیّة، بل قد یکون موضوعا لاعتبار العقلاء کالإیجاب و القبول من الأصلیین... ففی جمیع الموارد لا یکون إیجاد السبب موجبا لوجود المسبب أی الملکیة، و لیس التملیک و التملّک الواقعیان من قبیل الإیجاد و الوجود أو الکسر و الانکسار، بل الإیجاب و القبول موضوع لاعتبار العقلاء...»(2).

ص: 336


1- 1 . مصباح الفقاهة 4/114.
2- 2 . کتاب البیع 2/144.

و قال فی دفع الإشکال العقلائی: «إنّ ماهیة البیع عبارة عن مبادلة المال بالمال، و هذا المعنی لا یتقوّم بإخراج المال عن ملک البائع و إخراج العوض عن ملک الطرف کما فی بیع الوقف أو بیع وقف بمال وقف بناءً علی عدم کون الموقوفة ملکا لأحد و کمبادلة الزکاة بمثلها من ولیّین شرعیین.

نعم، بعد تأثیر الإیجاب و القبول بالمعنی الذی تقدَّم و صیرورة العین ملکا للمشتری غالبا، و فی المعاملات المتعارفة یسقط ملکیّة البائع عن المبیع و ملکیة المشتری عن الثمن و هذا غیر کونهما داخلاً فی ماهیة المعاملة، فالمعاملات المتعارفة من الفضولی لنفسه بل کلّ متعاملٍ هی المتبادلة بین المالین من غیر کون خروج العین من الملک و دخول الثمن فی الملک فی حریم الإنشاء فبیع الفضولی لنفسه کبیع الفضولی للمالک بل کبیع الأصلیین فی مقام الإنشاء... إلاّ أنّ بیع الأصیل بتعقّب القبول یصح و یصیر موضوعا للأثر و بیع الفضولی یحتاج إلی الإجازة، و بالإجازة یدخل الثمن فی ملک البائع و المثمن فی ملک المشتری، و نیّة الفضولی _ کون الثمن داخلاً فی ملکه _ لو فرض إمکانه أو دعواه کونه منه أو اعتقاد الجاهل به غیر مربوط بماهیة المعاملة و البیع. و علی ذلک یدفع إشکال(1) عدم لحوق الإجازة بالبیع المذکور، و أنّ ما وقع غیر مجاز و المجاز غیر واقع. و قد اتضح أنّ هذا الجواب یدفع الإشکالین...»(2).

المختار فی الجواب و نقد القسم الأخیر من جواب المحقّق السیّدِ الخمینی:

أقول: ما ذکره قدس سره فی دفع الإشکال العقلی تام، و هو ما أصرّ علیه من أنّها اُمور اعتباریة محضة و لا واقعیة لها أصلاً إلاّ فی عالَم الاعتبار، و لیس المراد بالانشاء هو استعمال اللفظ بقصد إیجاد المعنی فی وعائه و ترتب الإیجاد علی الإنشاء مباشرة و فعلاً، بحیث یکون الإنشاء علّة تامة لإیجاد المُنْشَأ، بل المراد به استعمال اللفظ فی مقام إیجاد المعنی فی وعائه المقرّر له علی نحو العلیّة الناقصة بحیث لو انضمّ إلیه ماله دخل و

ص: 337


1- 1 . هذا هو الإشکال الإتی فی الوجه الرابع فانتظر.
2- 2 . کتاب البیع 2/146 و 145.

تأثیر فی تحقّق المُنْشَأ فیترتب علیه و إلاّ رُوْعِیَ حتّی یَنْضَمَّ إلیه، فیکون الإنشاءُ جزءً للعلّة لا کلّها.(1) فیرتفع الإشکال من رأسه و أساسه ففی بیع الغاصب سواءً یکون ملتفتا أم غیر ملتفت و فی بیع الفضولی لنفسه روعی إنشاءُه حتّی یلحقه إجازة المالک فإن لحقه تمّ البیع و إلاّ فلا، و بهذا البیان یرتفع الإشکالین لأنّ بالإجازة تمّ الإنشاء و یدخل الثمن فی ملک المالک المجیز.

و أمّا ما ذکره فی دفع الاشکال العقلائی فَلَیْسَ تامّا عندنا لما مرّ من استلزام البیع تعویض طرفی الإضافة و إلاّ لایتحقق المبادلة الواقعیة کما مرّ من مناقشتنا الثانیة لِلْمُحَقِّقِ النائینی، و الأُولی لِلْمُحَقِّقِ الإیروانی و لا نعیدها.

مضافا: إلی عدم تمامیة مؤیداته فی بیع الوقف و نحوه کما مرّ فی مناقشتنا الثانیة لِلْجَوابِ الأوّل للمحقّق السیّدِ الخوئی فلا نعیدها.

و ثالثة: ما یرتفع به الإشکال هو الجواب عن الإشکال العقلی _ کما عرفت _ لا ما ذکره فی جواب الإشکال العقلائی لعدم تمامیته بالمناقشتین الماضیتین.

نعم، ما ذکره أخیرا من أنّ «بالإجازة یدخل الثمن فی ملک البائع و المثمن فی ملک المشتری» تام فیرتفع الإشکال العقلائی من أساسه.

و بما ذکرنا یظهر لک الجواب الصحیح عن الإشکال و الحمدللّه علی کلّ حالٍ.

تنبیهٌ:

قال العلاّمة: «لو اشتری الفضولی لغیره شیئا بمال نفسه فإن لم یُسمّه وقع العقد علی المباشر سواء أذن ذلک الغیر أو لا. و إن سمّاه فإن لم یأذن له لَغَت التسمیة، و به قال الشافعی... و الأقرب: البطلان فیما لو أذن، إذ لیس للإنسان أن یملک شیئا و الثمن علی غیره...»(2).

و أورد الشیخ أسداللّه التستری علیه بقوله: «و یلزم من کلامه أنّه لو باع مال

ص: 338


1- 1 . لتوضیحه راجع منتقی الاصول 1/134 و ما بعده.
2- 2 . تذکرة الفقهاء 10/218.

غیره لنفسه ثم أذن المالک _ أی أجاز _ علی ما وقع علیه العقد کان أیضا باطلاً للعلّة المذکورة»(1).

و ظاهره النقض علی العلاّمة بإلزامه بالبطلان _ بمقتضی تعلیله _ فی مسألتنا و هی بیع الفضولی مال غیره لنفسه مع ذهاب المشهور إلی صحته.

لأنّ التستری رحمه الله یری مسألتنا _ و هی بیع الفضولی مال غیره لنفسه _ و مسألة التی ذکرها العلاّمة _ و هی الشراءُ للغیر بمال نفسه و هی عکس تلک _ تکونا من باب واحد، لأنّ تنزیل الغیر منزلة نفسه ثابت فیهما.

و اعترض الشیخ الأعظم علی التستری و قال: «و قد تخیّل بعض المحقّقین أنّ البطلان هنا [أی فی مسألة العلاّمة و هی الشراء للغیر بمال نفسه] یستلزم البطلان للمقام و هو ما لو باع مال غیره لنفسه، لأنّه عکسه، و قد عرفت أنّ عکسه هو ما إذا قصد تملّک الثمن من دون بناءٍ و لا اعتقادٍ لتملّک المثمن، لأنّ مفروض الکلام فی وقوع المعاملة للمالک إذا أجاز»(2).

مراده من «قد عرفت» قوله قدس سره : «نعم، لو باع لنفسه من دون بناء علی ملکیّة المثمن و لا اعتقاد له، کانت المعاملة باطلة غیر واقعة له و لا للمالک لعدم تحقّق معنی المعاوضة»(3).

توضیح کلامه: مسألة العلاّمة _ الشراء للغیر بمال نفسه _ هِیَ علی عکس مسألتنا _ بیع الفضولی لنفسه مال غیره _ بناءً علی عدم إدعاء المالکیة من البائع الفضولی لنفسه للمثمن _ العین _ و قصد تملّکه الثمن، و یرد إشکال التستری علیه. و إمّا بناءً علی مقالة الشیخ الأعظم من ثبوت ادّعاء الملکیّة للبائع الفضولی لنفسه، فَلَیْسَتْ تلک عکس هذه، لأنّ فی مسألة العلاّمة هذا الادّعاء مفقود. فلا یرد إشکال التستری علی العلاّمة.

أقول: قد مرّ أنّ جواب الشیخ الأعظم قدس سره لم تصحح المعاوضة الحقیقیة فثبوت هذا

ص: 339


1- 1 . مقابس الأنوار _ کتاب البیع /32.
2- 2 . المکاسب 3/378.
3- 3 . المکاسب 3/378.

الإدعاء _ علی فرض الشیخ الأعظم _ و عدمه فی عکسه لا یفرّق بین المسألتین فلا یتم ردّ الشیخ الأعظم علی التستری، و إیراده واردٌ علی کلام العلاّمة.

و قد ظهر من جوابنا دفع إشکال المعاوضة الحقیقیة علی مسألتنا _ بیع الفضولی لنفسه _ و أمّا بالنسبة إلی فرع العلاّمة _ الشراء للغیر بمال نفسه _ فَیُمْکِنُ الحکم بصحته أیضا لأنّ ما هو المتعارف فی هذه الموارد توکیل للبائع فی تملیک العین إلی ذلک الغیر بعد دخوله فی ملک المشتری، فینحل إلی عقود، البیع و الوکالة و الهبة. کما یظهر الانحلال إلی هبة و بیع معا من جدی کاشف الغطاء(1) قدس سره و یأتی کلامه فی ما بعد فی الإشکال الآتی [الرابع] فانتظر.

و کذلک إذا قال للغیر: اشتر بمالی هذا لنفسک شیئا، فهذا الکلام أیضا توکیل للعاقد فی تملیک الشی ء لنفسه بعد الشراء و دخوله فی ملک صاحب المال، أو تملیک ذلک المال من المالک علی أن یصرفه العاقد فی شراء هذا الشی ء.(2)

الوجه الرابع: المُنْشَأُ غیرُ مُجازٍ و المُجازُ غیرُ مُنْشَأ
اشارة

بتقریب: إن أراد المالک أن یجیز البیع علی نحو اوقعه الفضولی بأن یکون راجعا إلی الفضولی فهذا لایقبل إجازة المالک لعدم صحة هذا البیع بواسطة عدم تحقّق المعاوضة الحقیقیّة لأنّ الثمن یدخل فی ملک غیر من خرج المثمن من ملکه.

و إن أراد المالک أن یجیز البیع لنفسه لا للفضولی فهذا أمر لم ینشأه الفضولی حتّی أجازه المالک، لأنّ الفضولی أنشأ البیع لنفسه لا لمالکه.

و هذا یعنی الواقع غیر مجاز و المجاز غیر واقع. و هو الإشکال الرابع الذی طرحه الشیخ الأعظم.(3)

و جوابه: یظهر ممّا ذکرنا فی جواب الإشکال الماضی من أنّ انشاء الفضولی بالنسبة إلی أصل البیع _ لا کونه لنفسه _ رُوعی حتّی یلحقه إجازة المالک و بعدها یصیر

ص: 340


1- 1 . شرح القواعد 2/85.
2- 2 . راجع إرشاد الطالب 3/353.
3- 3 . راجع المکاسب 3/378.

البیع، بیع المالک و یدخل الثمن فی کیسه فالمُنْشَأ و المُجاز کلاهما واحد، لأنّ الفضولی أنشأ أصل البیع و أجازه المالک فتمّ الجواب.

ولکن یظهر جوابٌ آخَرُ من المحقّق القمی فی أجوبة مسائله و کتابه قال فی مسألة مَن باع شیئا ثمّ ملکه و دفع إشکال عدم کون إجازة المالک الفعلی إیثاقا للعقد الذی اُوقعه الفضولی: «و یمکن دفعه و جعله من باب إیثاق العهد لو جعلنا الإجازة عقدا جدیدا کما هو أحد المحتملات فی الفضولی المعهود _ کما نُقل عن صاحب کتاب کشف الرموز(1) وفاقا لشیخه المحقّق _ علی أنّا نقول: إنّه لا مناص لهم أیضا عن ذلک أی إلتزام العقد الجدید فی بعض الصور. و توجیه صدقها علیه بملاحظة ما یشبه نوعا من الاستخدام(2)، فمعنی أجزت البیع، رضیتُ بالانتقال إلیه من باب البیع.

فاللام فی «البیع» أو الضمیر فی «أجزتها» راجع إلی الأثر المترتب علی مطلق البیع، لا البیع الخاص الواقع فی الخارج حتّی یقال: إنّه لیس رضا به و یکفی هذا فی صدق معنی الإجازة.

توضیحه: أنّ الإجازة فی صورة کون البائع غاصبا و قاصدا لبیع الملک لنفسه مصححة للبیع علی الأصح، کما ذهب إلیه الأکثر، و هو لیس فی معنی لحوق الإجازة بالعقد کما هو کذلک فی الفضولی المعهود، بل بمعنی تبدیل رضا الغاصب و بیعه لنفسه و قصده لوقوع البیع لنفسه برضا المالک، و وقوع البیع عنه. و الفرق واضح بین لحوق رضا المالک بمقتضی العقد و وقوعه من قبله بالعقد، و بین تبدیل الرضا و الإیقاع بتحقق لحوق الرضا من المالک عن المالک... و الحاصل: أنّ الإجازة فی بیع الغاصب إنّما هو فی معنی التزام ورود معاملة جدیدة علی مال المغصوب منه، لا إمضاء للعقد السابق...»(3).

ص: 341


1- 1 . کشف الرموز 1/445.
2- 2 . الاستخدام: هو أن یذکر لفظ له معنیان، فیراد به أحدُهما ثم یراد بالضمیر الراجع إلی ذلک اللفظ معناه للآخر، أو یراد بأحد ضمیریه أحد معنییه ثم بالآخر معناه الآخر. [التعریفات /15 للجرجانی]. و قد ألّفَ فیه جماعةُ و من الأدباء رسائِلَ مُسْتَقِلَّةً.
3- 3 . جامع الشتات 2/320 من الطبع الحروفی، (1/164 من الطبعة الحجریة).

و قال قبل أقل من خمسین صفحة: «... و التحقیق: و إن کان انتفاء الجنس بانتفاء الفصل _ أی انتفاء جنس التملیک بانتفاء فصله و هو وقوعه للغاصب _ و أنّه لا بقاء للجنس بعد انتفاء الفصل و أنّ عقد الغاصب حرام و فاسد بالنسبة نفسه، لکنّه عَقَدَ البیع عرفا. و فائدة ملاحظة الجنسی هنا الإشارة إلی الصیغة، یعنی: أنّ العقد الذی وقع بضمّ الصیغة إلی قصد کونها واقعةً علی المال المعیّن لنفس البائع الغاصب و المشتری العالِم، قد بدّلتُهُ بجریانها علی ذلک المال بعینه لنفسی، فیکون عقدا جدیدا کما هو أحد الأقوال فی الإجازة... فالمعیار هو وقوع الإیجاب و القبول علی ملکٍ معیّن... و لا یذهب علیک أنّ ما اخترناه من کون ذلک عقدا جدیدا لا ینافی القول بالکشف، إذ معناه: إنّی جعلتُ هذا العقد فی موضع ما اُوقعه الفضولی، لا أنّی جعلته ناقلاً من الحین کما هو الظاهر من لفظ العقد الجدید...»(1).

و ذهب إلی نظیر هذا الکلام فی کتابه غنائم الأیام(2) فراجعها.

و اعترض علیه الشیخ الأعظم(3) بما حاصله: إذا کانت الإجازة عقدا جدیدا یلزم انّها قامت مقام شیئین أحدهما الإیجاب و الآخر القبول.

بیان الملازمة: إیجاب العاقد الفضولی قد تبدّل بإیجاب المالک بسبب إجازته، و بعد تبدیل صیغة الإیجاب لا محالة صیغة القبول تتحوّل، مع أنّ المشتری لا یُنْشِئُ صیغة قبول جدید حتی یتملّک المبیع من جدید، فلابدّ حینئذ من الالتزام بقیام الإجازة مقام القبول أیضا، فبالنتیجة أَنَّ الإجازَةَ تقومُ مقام الإیجاب و القبول الْجَدِیْدَیْنِ.

و هذا القیام خلاف للإجماع و العقل: لأنّه لم یقل أحدٌ من الفقهاء بقیام الإجازة مقام الإیجاب و القبول. و لا یعقل أن یتغیّر الشی ء عمّا وقع علیه و یتبدّل بیع الفضولی ببیع المالک فلا یتم جواب المحقّق القمی قدس سره .

و قال الفاضِلُ الآبی رحمه الله : «و الذی نراه أنّ البحث مبنیٌّ علی أنّ النهی هل یدلّ فی

ص: 342


1- 1 . جامع الشتات 2/276 من الطبع الحروفی، (1/155 من الطبعة الحجریة).
2- 2 . غنائم الأیام /541، 554، 555 من الطبعة الحجریة.
3- 3 . المکاسب 3/380.

المعاملات علی فساد المنهی عنه أم لا؟ فمَنْ قال بالأوّل یلزمه القول بالبطلان، لأنّ الفاسد باطل، اللّهم إلاّ أن یقول: انّ عقد البیع لایستلزم لفظا مخصوصا أعنی «بعت» بل کلّ ما یدلّ علی الانتقال فهو عقد فلو (فمن ظ) یلتزم هذا القول یکون إجازة المالک عنده بمثابة (بمنزلة خ ل) عقد ثان، و من قال بالثانی فله أن یقول: العقد الأوّل لا یوصف بالصحة و لا الفساد، بل یقف علی إذن المالک فإن أذن فهو صحیح و إلاّ ففاسد.

و إذا تقرّر هذا فلا إشکال علی شیخنا(1) _ دام ظله _ لأنّ النهی عنده فی المعاملات لا یقتضی الفساد، و لا للبیع لفظ مخصوص، بل یشکل علی الشیخین لأنّهما یخالفانه فی المسألتین، و المختار عندنا اختیار شیخنا _ دام ظله _»(2).

یری السیّد العاملی هذا الکلام قولاً ثالثا فی الإجازة فی قبال الکشف و النقل، و قال: «و قضیة کلامه فی الکتاب المذکور أنّ الإجازة بیع فکأنّه قول ثالث کما ستسمع»(3).

و قال أیضا: «و قد سمعت ما فی کشف الرموز عن شیخه فکأنّه قول ثالث»(4).

و قال الشیخ الأعظم حول کلام الفاضل الأبی: «و أمّا القول بکون الإجازة عقدا مستأنفا فلم یعهد من أحد من العلماء و غیرهم و إنّما حکی کاشف الرموز عن شیخه أنّ الإجازة من مالک المبیع بیع مستقل فهو بیع بغیر لفظ البیع قائم مقام إیجاب البائع و ینضمّ إلیه القبول المتقدّم من المشتری»(5).

أقول: لابدّ من التنبیه علی أنّ کلام الفاضل الآبی یجری بالنسبة إلی الفضولی المعهود و جریانه بالنسبة إلی القسم الثالث من الفضولی علی القاعدة لا لتنصیص منه علیه.

و العجب من الشیخ الأعظم رحمه الله حیثث حمل کلام الفاضل الآبی علی أنّ الإجازة

ص: 343


1- 1 . و هو المحقّق الحلّی صاحب الشرائع.
2- 2 . کشف الرموز 1/445 و 446.
3- 3 . مفتاح الکرامة 12/601.
4- 4 . مفتاح الکرامة 12/606.
5- 5 . المکاسب 3/380.

بیع جدید «بغیر لفظ البیع قائم مقام إیجاب البائع و ینضم إلیه القبول المتقدّم من المشتری»(1) ولکن حمل کلام المحقّق القمی علی إذا کانت الإجازة عقدا جدیدا یلزم أنّها قامت مقام شیئین أحدهما الإیجاب و الآخر القبول و هذا القیام عنده مخالف للإجماع و العقل، مع تصریح المحقّق القمی رحمه الله بأنّ معنی کلامه: «إنّی جعلتُ هذا العقد فی موضع ما اُوقعه الفضولی»(2) أی الإیجاب فقط دون القبول، فلا یتم نقد الشیخ الأعظم علی المحقّق القمی.

جواب الشیخ الأعظم:

و حیث لم تَتُمّ مقالة المحقّق القمی عند الشیخ الأعظم قال: «فالاُولی فی الجواب منع مغایرة ما وقع لما اُجیز و توضیحه...»(3).

بَیانُنا: إِنَّ الفضولی لنفسه بإیجابه یقصد تملیک العین للمشتری بازاء الثمن، و لا یدلّ إیجابه علی کون العین ملکا له أو لغیره، ولکنّه حیث یبنی علی مالکیته للعین فلازم هذا الإدعاء تملک الثمن. و هذا الادعاء المترتب علیه تملک الثمن فهو خارج عن مدلول الإیجاب. فحینئذ یتحقق فی إیجابه قصد المعاوضة و المبادلة الحقیقیّة بین العین و الثمن، و المالک أجاز هذه المعاوضة و المبادلة الحقیقیّة و یتملّک الثمن، فما وقع عین المجاز و المجاز عین ما وقع.

ولکن یشکل جریان هذا الجواب بالنسبة إلی المشتری لنفسه بمال الغیر لأنّه أنشا مثلاً تملّک الثوب لنفسه و إذا أجازه مالک المال ینتقل الثوب إلیه و لا یدخل فی ملک المالک فلا یتمّ المبادلة الحقیقیة. و لذا لابدّ من الالتزام بکون الإجازة نقلاً مستأنفا بحیث ینتقل بها الثوب المشتری إلی مالک المال. فینصرف الإجازة عن معناها و هو التنفیذ.

و بهذا الأشکال تَعَلَّقَ نظر العلاّمة حیث یقول: «لو باع الفضولی أو اشتری مع جهل الآخر فإشکال ینشأ من أنّ الآخر إنّما قصد تملیک العاقد. أمّا مع العلم فالأقوی ما تقدّم

ص: 344


1- 1 . المکاسب 3/380.
2- 2 . جامع الشتات 2/276.
3- 3 . المکاسب 3/380.

_أی الوقوف علی الإجازة _ و فی الغاصب مع علم المشتری أشکل إذ لیس له الرجوع بما دفعه إلی الغاصب هنا»(1).

مراده من الاشکال: هو أنّ الآخر مع جهله بفضولیة العاقد یملّکه و مع التملیک یشکل الإجازة. و فی الغاصب _ مع علم المشتری _ یکون أشکل کما ذکره قدس سره .

عدّ المحقّق التستری کلام العلاّمة ثالثَ وجوه الإشکال علی بیع الغاصب لنفسه

عدّ المحقّق التستری کلام العلاّمة ثالثَ وجوه الإشکال علی بیع الغاصب لنفسه ثمّ ردّه بقوله: «و یلزم علیه أنّه لو باع الوکیل أو إشتری مع الآخر جری الإشکال. و أنّه لو علم الآخر بکونه فضولیّا و هو قد قصد البیع لنفسه کان أیضا موضع إشکال بعدم مطابقة القصدین»(2).

مراد التستری من نقضه علی العلاّمة أنّ: الآخر الجاهل بالفضولیة إذا أنشا المالکیة للفضول فلا یتمکن المالک من إجازة هذا الإنشاء، کذلک یقتضی هذا الإشکال بطلان عقد الوکیل أو الوِلیّ مع جهل الآخر بالوکالة أو الولایة مع أنّ الفقهاء یصححونه، و من هنا ظهر عدم العبرة بقصد الأصیل الجاهل و لا بخطابه للفضولی و لابدّ من الحکم بالصحة هنا أیضا.

و دَفَعَ الشیخُ الأعظمُ نقض التستری بأنّ: العاقد الجاهل بالوکالة

و دَفَعَ الشیخُ الأعظمُ نقض التستری بأنّ: العاقد الجاهل بالوکالة أو الولایة إنّما یقصد بخطابه العموم بحیث یشمل الوکیل أو الولی فلا یقصد شخص الطرف المقابل _ المخاطَب _ بحیث لا یعمّ غیره. بخلاف مَنْ یخاطب الفضولی فإنّه یقصد تملیک الثمن له بشخصه لا بما یعمّ الغیر و هو المالک، فالفرق بین الفضولی و الوکالة و الولایة موجود.

أقول: و أنت تری بأنّ هذا الفرق لا یتم.

ثم قال الشیخ الأعظم: «قد تفطن بعض المعاصرین(3) لهذا الإشکال [الذی مرّ بالنسبة إلی المشتری لنفسه بمال الغیر] فی بعض کلماته فالتزم تارة ببطلان شراء الغاصب لنفسه مع أنّه لا یخفی مخالفته للفتاوی و أکثر النصوص المتقدمة فی المسألة کما اعترف

ص: 345


1- 1 . تذکرة الفقهاء 10/17.
2- 2 . مقابس الأنوار _ کتاب البیع _ /33.
3- 3 . راجع مقابس الأنوار /131 و 132.

به أخیرا(1)، و اُخری بأنّ الإجازة إنّما تتعلّق بنفس مبادلة العوضین و إن کانت خصوصیة ملک المشتری الغاصب للمثمن مأخوذة فیها»(2).

و ردّ الشیخ الأعظم جواب الأخیر للمتفطن المعاصر له _ الذی ذکره بقوله و اُخری _ بقوله: «حقیقة العقد... تملّکتُ أو ملّکتُ هذا منک بهذه الدراهم لیس إلاّ إنشا تملّکه للمبیع، فإجازة هذا الإنشاء لا یحصل بها تملّک المالک الأصلی له، بل یتوقّف علی نقل مستأنف»(3).

مراده قدس سره : إنّ إجازة مضمون هذا العقد _ المشتری لنفسه بمال الغیر _ لو تمت تفید فی مالکیة المشتری الفضولی للمبیع و هو خلاف حقیقة المعاوضة، إذ یلزم خروج الثمن عن ملک مالکه من دون عوض، فلابد من إنشاء مستأنف یتوقف علیه انتقال المبیع _ المثمن _ إلی مالک الثمن و هذا هو عود الإشکال من جدیدٍ.

أقول: الظاهر أنّ الشیخ الأعظم حمل کلام المحقّق التستری عَلی ما لا یرضی به، لأنّه حمل القسم الأوّل من کلامه من بطلان شراء الغاصب لنفسه علی ما بعد إجازة الغاصب ثم اعترض علیه بأنّه مخالف «للفتاوی و أکثر النصوص» مع أنّ التستری بقرینة عِدْل الثانی لکلامه و هو الإجازة اراد البطلان قبل الإجازة و هو واضح.

و حمل القسم الأخیر من کلامه علی أنّ المالک أجاز أصل مبادلة العوضین ولکن خصوصیة انتقال المثمن إلی المشتری الغاصب أیضا مأخوذة فیها و استشکل علیه بعود إشکال عدم المعاوضة الحقیقیة، مع أنّ «إن» الواردة فی کلامه نافیة أعنی هذه الخصوصیة غیر مأخوذة فلا یعود الإشکال، فلا یتم نقد الشیخ الأعظم علی المحقّق التستری رحمهماالله و لعلّه بهذین الحملان فی کلامه خرج من الإنصاف فی حقّه و اللّه هو الغفور.

و حیث لَمْ یتم جواب المحقّق التستری عند الشیخ الأعظم قدس سره تصدی بنفسه

ص: 346


1- 1 . مقابس الأنوار _ کتاب البیع /33.
2- 2 . المکاسب 3/382.
3- 3 . المکاسب 3/382.

إلی جواب الإشکال بقوله: «فالأنسب فی التفصّی أن یقال...»(1).

و توضیحه: أنّ قصد المعاملة الحقیقیة یتمشّی من المالکین سواء کانا حقیقیین أو ادّعائیّین. و الحکم تابع للحیثیة التقییدیّة(2) الواقعیة لأنّها موضوع للحکم فإجازة المالک الحقیقی للثمن إجازة للعقد الواقع بین المالین لمالکیهما الواقعیین فینتقل المبیع _ المثمن _ إلی من هو مالک واقعی للثمن.

و المشتری لنفسه بمال الغیر و إن ادَّعی مالکیة الثمن و إلاّ بدون الادعاء لا تَتَحَقَّقُ منه المعاوضة الحقیقیّة ولکن لَمّا کانت حیثیة المالکیة حیثیة تقییدیه واقعیة فَتَقَعُ المعاملة للمالک الحقیقی بعد إجازته.

ولکن یرد علیه: أوّلاً: هذا الجواب یَبْتَنی علی جوابه عن الإشکال الثالث من أنّ الغاصب یدعی المالکیة بالنسبة إلی مایبیعه و قد عرفت عدم تمامیته فی محلّه فالبناء کذلک.

و ثانیا: الجهة المالکیة فی البیع و نحوه تکون من الجهات التعلیلیّة لا التقییدیّة ضرورة أنّ الغاصب أراد بصیغة بیعه نحو تملّکتُ خصوص نفسه لا المالک الواقعی و أنّه _أی نفسه الذی یدعی المالکیة _ لیس إلاّ الغاصب.

و ثالثا: علی فرض أنّها تقییدیّة و کون الحکم واردا علیها، نمنع اقتضاءها ما ذکره، إذ لابدّ فی ورود الحکم علی الجهة مطلقا من قابلیة المحلّ للإطلاق و إلاّ فلا یستلزم الإطلاق ألا تری أنّک إذا قلت لزید: «اُدخل داری من حیث إنّک صدیقی»، لا

ص: 347


1- 1 . المکاسب 3/383.
2- 2 . الحیثیّة التقییدیّة: إذا کانت الحیثیة علی نحو جزء الموضوع کناطق للإنسان، و الاختلاف فیها یوجب التکثر فی الموضوع یعنی ذاتها. و فی مقابلها الحیثیّة التعلیلیة: إذا کانت الحیثیة خارجا عن ذات الموضوع نحو کون الشی ء علةً أو معلولاً، لأنّهما خارجان عن الذات و ان کان نفس التقیّد و التحیّث داخلان، مشروطا علی أنّهما مأخوذان علی نحو التحیّث و التقیّد لا علی نحو القیدیّة. و الاختلاف فیها لا یوجب التکثر فی الموضوع بل یوجب تکثّر ما خرج عنه الموضوع.

یکون هذه الجملة الإذن لدخول مطلق صدیقک. ففی المقام و إن کان الغاصب یدعی الملکیّة و کان تملّکه للمثمن من هذه الجهة ولکنّه لا یقصد إلاّ تملّک نفسه لا المالک الواقعی.

هذه الردود الثلاثة للفقیه الیزدی(1) رحمه الله .

و رابعا: أنّ بناء الفضولی علی المالکیة أخصّ من المدّعی، إذ لیس بناء جمیع الفضولیین کالغاصبین علی مالکیتهم حتّی یقال: أنّهم طبقّوا طبیعی المالک الذی هو جهة تقییدیة علی أنفسهم.

و خامسا: فی فرض اعتبار المعاوضة الحقیقیة و أنّها من مقوّمات البیع لا یفید ادعاء المالکیة من الفضولی، لأنّ هذا الإدعاء و البناء لا یوجب الدخول فی ملک من یجب أن یدخل فی ملکه و لا یتغیّر الواقع عمّا وقع علیه، و لیس مملِّکا لا شرعا و لا عرفا.

و هذان الأخیران للمحقّق المروج(2) رحمه الله .

و حیث لَمْ یتم جواب الشیخ الأعظم ذهب تلمیذه الفقیه المامقانی إلی أنّ «الحقّ أنّ الحکم فی هذا المقام غیر مطابق للقواعد، فإن تم الإجماع أو دلالة النصوص فذاک، و إلاّ کان اللازم هو الحکم بالبطلان»(3).

ولکن قد مرّ منّا الجواب عن الإشکال و عن الشراء بمال الغیر فلا نعیدهما.

ثم تعرّض الشیخ الأعظم لِ_

جواب کاشف الغطاء قدس سره

قال جدی الفقیه الشیخ جعفر رحمه الله : «ولو أجازه [أی لو أجاز المالک بیع الغاصب] مع القصد لنفسه [أی لنفس الغاصب] علی نحو ما قصد [الغاصب] احتمل رجوعه إلی هبة و

ص: 348


1- 1 . راجع حاشیته علی المکاسب 2/146.
2- 2 . راجع هدی الطالب 4/584 و 585.
3- 3 . غایة الآمال /369.

بیع معا کقوله: اشتر بمالی لنفسک کذا»(1).

و قال الشیخ الأعظم: «مع أنّه ربّما یلتزم صحة أن یکون الإجازة لعقد الفضولی موجبة لصیرورة العوض ملکا للفضولی، ذکره شیخ مشایخنا فی شرحه علی القواعد و تبعه غیر واحد من أجلاّء تلامذته(2)»(3).

ثم ذکر(4) عن بعض تلامذته [أی بعض تلامذة الشیخ جعفر] _ و لعلّ المراد بالبعض أصحاب تبصرة الفقهاء(5) و المقابس(6) و الجواهر(7)_ فی الاستدلال له وجهین.

أحدهما: التملیک الضمنی:

بیع مال الغیر لنفسه أو شراء لنفسه بمال الغیر، بعد أن یجیزهما المالک، یدخل الثمن فی الأوّل و المثمن فی الثانی فی ملک الفضولی _ ولو آنا ما قبل بیعه أو شرائه _ حتّی یکون الانتقال من الفضولی صحیحا، ثمَّ هذه الإجازة یتضمن تملیک ضمنّی من المالک للغیر الفضولی، نظیر ما إذا قال: «اعتق عبدک عنّی» أو قال: «بع مالی عنک» أو «اشترلک بمالی کذا» فهو تملیک ضمنی حاصل ببیعه أو الشراء.

أقول: أصل هذا البیان _ علی ما وجدته مع قصر تتبعی _ للعلاّمة فی التذکرة حیث یقول: «إنّما یفتقر إلی الإیجاب و القبول فیما لیس بضمنّیٍ من البیوع، أمّا الضمنی ک_«اعتق عبدک عنّی بکذا» فیکتفی فیه الالتماس و الجواب و لا تعتبر الصیغ المتقدّمة إجماعا»(8).

ص: 349


1- 1 . شرح القواعد 2/85.
2- 2 . منهم المحقّق التستری فی مقابس الأنوار /132.
3- 3 . المکاسب 3/384.
4- 4 . المکاسب 3/384 و 385.
5- 5 . تبصرة الفقهاء 3/349 و 350.
6- 6 . مقابس الأنوار _ کتاب البیع /33، السطر 16.
7- 7 . الجواهر 23/364 طبع جماعة المدرسین (22/225 طبع الإسلامیة)، و 23/376 (22/232).
8- 8 . تذکرة الفقهاء 10/10.

ولکن یرد الشیخ الأعظم(1) علیه: أوّلاً: أنّ الصحة فی نفس هذه الأمثلة المذکورة ممنوعة بما مرّ فی تنبیه الرابع من بحث المعاطاة.(2) فکیف ببحثنا البیع أو الشراء لنفسه من مال الغیر أو به.

و ثانیا: قیاس الإجازة علی الإذن یکون مع الفارق، لأنّ دلالة الإذن یمکن أن تَکُوْنَ تامة لتقدیر الملک آنا ما قبل البیع للمخاطب و وقوع البیع فی ملکه حینئذ، بخلاف الإجازة لأنّها لا تتعلَّق إلاّ بما وقع فی السابق و هی رضا بما وقع و تنفیذ له و المفروض أنّ ما وقع هو تبدیل مال المالک، لا مال الفضولی العاقد.

و بعبارة أُخری: الإذن إعلامٌ للرضا بما یقع و الإجازة إعلامٌ للرضا بما وقع و بنیهما بون بعید.

أقول: و یمکن المناقشة فی الإیرادین: أمّا الأوّل: قد مرّ الصحة فی الأمثلة المذکورة بما مرّ فی التنبیه الواردة فی ذیل الوجه الثالث الماضی(3) فلا نعیده، و یمکن تطبیق بحثنا علیها.

و أمّا الثانی: فَنَعَمْ، قیاس الإجازة علی الإذن مع الفارق و هی (الإجازة) إعلام للرضا بما وقع و تنفیذ له و هو (الإذن) إعلام للرضا بما یقع، ولکن فی بحثنا ما وقع عبارة عن بیع مال الغیر لنفسه أو شراء لنفسه بمال الغیر، وجهة الاشتراک فی کلیهما قید لنفسه _لا لمالکه _ و القول بالتملیک الضمنی یصحح البیع أو الشراء مع هذا القید _ لنفسه _ و لا مانع من الالتزام به.

و ثانیهما(4):

لا یشترط کون أحد العوضین ملکا للعاقد الفضولی أو غیره فی انتقال بدله إلیه، بل یکفی أن یکون مأذنونا فی بیعه لنفسه، فیملک الثمن بانتقال المبیع عن مالکه إلی

ص: 350


1- 1 . المکاسب 3/385.
2- 2 . المکاسب 3/83 و 85.
3- 3 . راجع صفحة 335 من هذا المجلد.
4- 4 . المکاسب 3/385.

المشتری، فی ما قال له المالک: «بع هذا لنفسک».

و أمّا إذا قال له: «اشترلک بهذا» یکفی هذا البیان بعنوان الإذن فی الشراء لنفسه بهذا المال، فینتقل ملک الثمن من مالکه مع إذنه إلی البائع و یملک العاقد المبیع.

و یتفرّع علی هذا البیان: لو اتّفق بعد البیع أو الشراء فسخ المبادلة رجع الملک إلی مالکه دون العاقد سواء کان فضولیّا أو غیره.

و یرد علیه الشیخ الأعظم رحمه الله بقوله: «فلما عرفت(1) من منافاته لحقیقة البیع التی هی المبادلة، و لذا صرّح العلاّمة رحمه الله _ فی غیر موضع من کتبه _ تارة بأنّه «لا یتصوّر»(2) و اُخری بأنّه: «لا یعقل»(3) أن یشتری الإنسان بمال غیره شیئا، بل ادّعی بعضهم(4) فی مسألة قبض المبیع: عدم الخلاف فی بطلان قول مالک الثمن «اشتر لنفسک به طعاما» و قد صرح به الشیخ(5) و المحقّق(6) و غیرهما(7)»(8).

ثم استدرک علی نفسه بقوله: «نعم، سیأتی فی مسألة جواز تتبّع العقود للمالک مع

ص: 351


1- 1 . فی أوّل البیع و تعریفه قال: «هو فی الأصل _ کما عن المصباح _ مبادلة مالٍ بمالٍ». [المکاسب 3/7].
2- 2 . قال فی القواعد 2/127: «لا یُتصوّر أن یبیع ملک غیره لنفسه». و قال فی تذکرة الفقهاء 13/246: «لا یتصوّر أن یبیع الإنسان مال غیره لنفسه».
3- 3 . حکمه بالبطلان موجود فی القواعد 1/87 و تذکرة الفقهاء 10/106 و تحریر الأحکام الشرعیة 2/338.
4- 4 . و هو صاحب الجواهر قال: «بلا خلاف اُجده فیه لامتناع الشراء بمال الغیر لغیره مادام علی ملک الغیر ولو بإذنه». [الجواهر 23/174 من طبع الإسلامیة].
5- 5 . المبسوط 2/121.
6- 6 . الشرائع 2/26.
7- 7 . کالقاضی فی المهذب 1/387 و الشهید فی الدروس 3/211 و المحقّق الثانی فی جامع المقاصد 4/400 و الصیمری فی غایة المرام 2/58 و ثانی الشهیدین فی المسالک 3/252، راجع مفتاح الکرامة 14/678.
8- 8 . المکاسب 3/386.

علم المشتری بالغصب(1) أنّ ظاهر جماعة _ کقطب الدین و الشهید و غیرهما _: أنّ الغاصب مسلّط علی الثمن و إن لم یملکه، فإذا اشتری به شیئا ملکه، و ظاهر هذا إمکان أن لا یملک الثمن و یملک المثمن المشتری.

إلاّ أن یحمل ذلک منهم علی التزام تملّک البائع الغاصب للثمن مطلقا کما نسبه الفخر(2) رحمه الله إلی الأصحاب، أو آنا ما قبل أن یشتری به شیئا تصحیحا للشراء»(3).

أقول: یمکن أن یناقش: بأنّ عدم تصور أن یبیع الإنسان مال غیره لنفسه تام ولکنّه مقیدٌ بعدم إذن مالکه، ولکن مع إذنه یمکن أن یتصوّر بانحلال إذنه أو إجازته أو بیع العاقد أو نحوه إلی عقدین أو عقود مثل بیع وهبة، أو وکالة وهبة، أو بیع و صلح، أو بیع وهبة و وکالة أو نحوها.

و یمکن حمل کلام قطب الدین و الشهید و غیرهما بأنّ شراء الغاصب کان علی ذمّته و علی نحو ثمن الکلّی لا الشخصی فلا یحمل علی مقالة الفخر.

و الحاصل: یمکن تصحیح مقالة جدی الفقیه کاشف الغطاء رحمه الله و وَجْهَی استدلال بعض تلامذته علیه و هما صاحبا المقابس و الجواهر کما مرّ.

الوجه الخامس: التسلیطُ المجّانیُّ لا یکون بیعا
اشارة

إذا کان الأصیل عالما بغصبیة المبیع و مع ذلک یشتری من الغاصب و یدفع إلیه الثمن. فقد حکم الأصحاب [نحو العلاّمة فی التذکرة قال: «لو کان عالما لا یرجع بما اغترم و لا بالثمن مع علم الغصب مطلقا عند علمائنا»(4) _ و ظاهره دعوی الإجماع مع التلف و بدونه _ و مثله ما فی نهایة الإحکام و قال: «و اطلق علماؤنا ذلک»(5). و قال فی

ص: 352


1- 1 . المکاسب 3/471.
2- 2 . ایضاح الفوائد 1/417.
3- 3 . المکاسب 3/387.
4- 4 . تذکرة الفقهاء 10/18.
5- 5 . نهایة الإحکام 2/478.

المختلف(1) و ولده فی الإیضاح(2): «قال علماؤنا: لیس للمشتری الرجوع علی الغاصب» و أطلقوا القول فی ذلک. و نسب عدم الرجوع مع بقاء العین فی الإیضاح(3) أیضا فی مقامٍ آخر تارةً إلی قول الأصحاب و أُخری إلی نصّهم و فی موضع آخر(4) إلی کثیر منهم. و فی جامع المقاصد(5) یمتنع استرداده العین عند الأصحاب و إن بقیت العین، و فی موضع آخر من الکتاب(6) المذکور نسبته إلی ظاهر الأصحاب، و فی الروضة(7) نسبته إلی ظاهر کلامه و فی موضع آخر منه(8) إلی الأکثر، و فی المسالک(9) و الکفایة(10) و الریاض(11) نسبته إلی المشهور، کما یظهر کلّه من المفتاح(12) و فی الجواهر(13): ظهور إطباق الأصحاب، علیه[ بأنّ المالک لو ردّ البیع فلیس للمشتری الرجوع علی البائع بالثمن _ مطلقا أی سواء بقیت العین أم تلفت، أو مع بقائها خاصة _ و هذا الحکم یکشف عن أنّ الغاصب ملک الثمن بمجرد تسلیط الأصیل إیّاه، فلا یبقی موردٌ للحوق الإجازة، فلو أجاز و صحّ یکون بیعا بلا ثمن و هو مناف للمعاوضة الحقیقیة المعتبرة فی البیع فیکون باطلاً.

و هذا الإشکال مختص بصورة علم المشتری بالغصب فلا یجری فی صورة جهله

ص: 353


1- 1 . مختلف الشیعة 5/55.
2- 2 . إیضاح الفوائد 1/417.
3- 3 . إیضاح الفوائد 1/417.
4- 4 . إیضاح الفوائد 2/194.
5- 5 . جامع المقاصد 4/71.
6- 6 . جامع المقاصد 4/77.
7- 7 . الروضة البهیة 3/235.
8- 8 . الروضة البهیة 3/235.
9- 9 . المسالک 3/160.
10- 10 . الکفایة 1/450.
11- 11 . ریاض المسائل 8/228.
12- 12 . مفتاح الکرامة 12/615.
13- 13 . الجواهر 23/492 (22/306).

أو عدم غاصبیة العاقد.

و أصل هذا الاشکال من العلاّمة الحلّی حیث قال فی ما وُجد بخطه الشریف علی نسخة بعض تلامذته لکتابه القواعد و نقله الشهید فی الحواشی النجاریة و عنه صاحب مفتاح الکرامة قال: «و الفرق بین علم المشتری و جهله أنّ البیع إنّما یتحقّق مع الجهل بالغصبیة لیقع العقد شبیها بالصحیح و یقع فی ملک البائع فینتقل منه إلی المالک، أمّا مع علمه فلا یقع العقد صحیحا بوجهٍ فلا یستحق البائع الثمن حتّی یستحقّه المالک»(1).

و قال فی التذکرة فی العبارة الماضیة(2): «... و فی الغاصب مع علم المشتری أشکل، إذ لیس له الرجوع بما دفعه إلی الغاصب هنا»(3).

و قد أجاب عنه الشیخ الأعظم(4) بثلاثة وجوه:

الأوّل: لا نسلّم ما حکم به الأصحاب من انّه لیس للمشتری استرداد الثمن مع ردّ المالک.

و لذا حکم جماعة من الأصحاب بجواز رجوع المشتری إلی الثمن مع وجود عینه کالعلاّمة فی القواعد(5) و التذکرة(6) و المختلف(7) و نهایة الإحکام(8)، و ولده فی الإیضاح(9) و شرح الإرشاد(10)، و الشهید فی الدروس(11) و اللمعة(12)، و المحقّق الثانی فی

ص: 354


1- 1 . مفتاح الکرامة 12/599.
2- 2 . فی صفحة 341 من المخطوطة.
3- 3 . تذکرة الفقهاء 10/17.
4- 4 . المکاسب 3/388.
5- 5 . القواعد 2/19.
6- 6 . تذکرة الفقهاء 10/18.
7- 7 . مختلف الشیعة 5/56.
8- 8 . نهایة الإحکام 2/478.
9- 9 . إیضاح الفوائد 1/418.
10- 10 . شرح الإرشاد، مخطوط، نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/616.
11- 11 . الدروس 3/193.
12- 12 . اللمعة الدمشقیة /110.

جامع المقاصد(1)، و الشهید الثانی فی المسالک(2) و الروضة(3)، و السبزواری فی الکفایة(4).

و کأنّ المحقّق فی الشرائع(5) و العلاّمة فی غصب القواعد(6) متردّدان کصاحب مجمع البرهان(7) کما ذکره صاحب المفتاح(8).

و تبعهم جدی الشیخ جعفر.(9)

ولکن ذهب المحقّق(10) إلی القول بالرجوع بالثمن مطلقا _ أی مع وجود عینه و تلفه _ .

الثانی: إنّ المشتری لم یسلّط البائع علی ماله بوجه الاطلاق، سواء أجازه المالک أم ردّه، و إنّما سلّطه علیه علی تقدیر ردّ المالک، و أمّا فی صورة الإجازة فإنّما أعطاه للمالک فی مقابل المبیع، و علیه إذا أجازه المالک یتملّک الثمن لا محالة.

و بالجملة: بناءً علی تمامیة ما حکم به الأصحاب، إنّما یصح إذا کان التسلیط مطلقا لا مراعی علی إجازة المالک.

الثالث: الإشکال إنّما یتمّ بناءً علی القول بالنقل، و أمّا علی القول بالکشف فلا،

ص: 355


1- 1 . جامع المقاصد 4/71.
2- 2 . المسالک 3/161.
3- 3 . الروضة البهیة 3/235.
4- 4 . الکفایة 1/450.
5- 5 . الشرائع 2/8.
6- 6 . القواعد 2/238.
7- 7 . مجمع الفائدة 8/164 و 165.
8- 8 . مفتاح الکرامة 12/616.
9- 9 . شرح القواعد 2/105.
10- 10 . المسائل الطبریة، المطبوعة ضمن الرسائل التسع /306 و 307، و نقل عنه فی جامع المقاصد 4/77 و الجواهر 23/491 (22/305).

لأنّها تکشف حینئذ عن أنّ الثمن ملک للمالک من أوّل الأمر فیکون تسلیط المشتری للبائع علی ملک المالک لغوا.

و بعبارة اُخری: إِنّ الإشکال إنّما یتوجّه علی النقل، لأنّه حینئذ یکون المال منتقلاً إلی الغاصب قبل انتقاله إلی المالک المجیز، و أمّا علی الکشف فالإجازة تکشف من أنّ التسلیط کان لغوا و تسلیطا لمال الغیر.

الجوابان الأوّلان تامان، و أمّا الثالث: فهو مبنیٌّ علی القول بالکشف الحقیقی الدال علی تحقّق الملکیّة من حین العقد للمالک و أنّ الإجازة کاشفة عنها لاحقا، و لها المدخلیّة فی الکشف و الإثبات دون الثبوت و الواقع، فالإجازة علی الکشف الحقیقی لم یتأثر فی شی ءٍ. و لا یمکن الالتزام بهذا القول.

و أمّا علی القول بالکشف الحکمی _ أو اشتراط الإجازة بنحو الشرط المتأخر، أو اشتراط وصف التعقب، أو الکشف الاِنقلابی _ فلا یتم جوابه، لأنّ بناءً علیه یکون المال باقیا علی ملکیّة أصحابه فی حدّ الفاصل بین العقد و صدور الإجازة، و إنّما تحصل الملکیّة و اعتبارها من حین صدور الإجازة ولکن المعتبَر من زمن العقد بمعنی أن الإجازة و إن صدرت متأخرة إلاّ أنّها تشمل الفترة السابقة علی صدورها إلی حین إنشاء العقد _ و علی هذا القول (أی الکشف الحکمی) _ یکون الثمن فی الفترة الواقعة بین العقد إلی الإجازة للمشتری نفسه حقیقةً ولکن ینقلب إلی ملک المالک المجیز من حین صدور الإجازة بحیث تشمل ملکیته من حین العقد، فیکون تسلیط المشتری الأصیل الثمن للغاصب تسلیطا علی ماله نفسه لا مال الغیر.

ثمّ هذا الاشکال إنّما یتم بناءً علی جواز البیع من طرف الأصیل، إذا بناءً علی لزومه لیس للأصیل تملیک الثمن الغیر _ الغاصب هنا _ بالتسلیط أو بغیر تسلیط.(1)

ص: 356


1- 1 . راجع محاضرات فی الفقه الجعفری 2/352، التنقیح فی شرح المکاسب 1/424، العقد النضید 3/167.
تنبیه:

إنّ هاهنا مَسْأَلَتَیْنِ: الأُولی: «صحة بیع الفضولی لنفسه _ غاصبا کان أو غیره _ إنّما هو فی وقوعه للمالک إذا أجاز، و هو الذی لم یفرّق المشهور بینه و بین الفضولی البائع للمالک، لا لنفسه»(1).

الثانیة: البائع الفضولی لنفسه أو للمالک لو تملّک المبیع بعد العقد و أجازه فهل یصح لنفسه أم لا؟ لأنّ الکلام فی الاُولی «فی وقوع البیع للمالک»(2)، و فی الثانیة «فی وقوعه [للفضولی] العاقد إذا ملک»(3).

ولکن ظاهر عبارة الریاض خلط المسألتین قال: «فلو باع الفضولی ملک الغیر من دون إذنه مطلقا لم یلزم إجماعا، بل لم یصحّ إذا کان البیع لنفسه لا للمالک، فیمشی إلی المالک فیشتریه منه کما صرّح به جماعة کالفاضلین: العلاّمة فی جملة من کتبه کالمختلف(4) و التذکرة(5) مدّعیّا فیها عدم الخلاف فیه بین الطائفة، و المقداد فی شرح الکتاب(6) [المختصر] و غیرهما(7)...»(8).

قال جدی العلاّمة الشیخ محمّد تقی صاحب الهدایة: «و قد حکم فی الریاض بفساد المعاملة فی هذه الصورة [إذا کان البیع لنفسه لا للمالک فیمشی إلی المالک فیشتریه منه (المسألة الثانیة)] و عدم صحتها بتعقّب الإجازة حاکیا عن الجماعة... و أنت خبیر بأنّ الصورة المفروضة فی التذکرة ممّا لا ربط له بهذه المسألة، إذ لیس المقصود هناک

ص: 357


1- 1 . المکاسب 3/389.
2- 2 . المکاسب 3/389.
3- 3 . المکاسب 3/389.
4- 4 . المختلف 5/55.
5- 5 . تذکرة الفقهاء 10/17 و 219.
6- 6 . التنقیح الرائع 2/26.
7- 7 . کالشیخ فی الخلاف 3/168.
8- 8 . ریاض المسائل 8/221.

[المسألة الثانیة التی عنونها صاحب الریاض] تصحیح تلک المعاملة من جهة لحوق إجازة المالک، بل المقصود تصحیحها من جهة الشراء من المالک بعد ذلک، و لا ریب فی عدم صحتها حینئذ بذلک، و الظاهر عدم الخلاف بین الاُمّة فضلاً عن الفرقة، و الظاهر أنّ ذلک هو مقصود الجماعة،...»(1).

وَ قالَ الشیخ الأعظم: «و من هنا یعلم أن ما ذکره فی الریاض من أن بیع الفضولی لنفسه باطل... فی غیر محلّه، إلاّ أن یرید ما ذکرناه [أی المسألة الثانیة] و هو خلاف کلامه»(2).

هذا تمام الکلام فی المسألة الثالثة من بیع الفضولی _ و هی بیع الفضولی لنفسه _ و الحمدللّه.

ص: 358


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/343 و 342.
2- 2 . المکاسب 3/389.
بقی هنا أمران:
الأوّل: بیع الفضولی فی الذمة
اشارة

تعرّض له صاحب المقابس(1) و هو أن لا فرق فی بیع الفضولی بین کون مال الغیر عینا أو کلّیّا فی ذمّة الغیر _ بلا فرق بین کون مال الغیر ثمنا أو مثمنا _، و البائع الفضولی [1] تارةً یضیف الثمن أو المثمن إلی ذمّة خاصة من دون أن یعقِّبه بما ینافیه _ کإضافته إلی نفسه _ [2] و اُخری أن یجمع بین المتنافیین.

فیقع الکلام فی مَسْأَلَتَیْنِ:

المسألة الاُولی و صورها:
اشارة

و هی أن یضیف البائع الثمن أو المثمن إلی ذمّة خاصة، و تتصوّر علی ثَلاثِ صور:

أ: أن یکون الکلّی فی ذمّة غیر الفضولی قبل البیع

نحو: أن یبیع الفضولی طنّا من الحنطة مملوکا لعمروٍ فی ذمّة بکر، _ و الوجه فی اشتغال ذمّة بکر لایهمّنا لأنّه من الممکن أن یکون بسلف أو تلف أو غیرهما _ فباع الفضولی هذا الطن من الحنطة الذی کان ملکا لعمرو فی ذمّة بکر بکذا، فإن إجازه المالک _ و هو عمرو _ صحّ لعموم أدلة صحة بیع الفضولی و إن ردّه بطل.

ب: أن یکون الکلّی فی ذمّة نفس الفضولی

نحو: أن یکون البائع الفضولی _ و هو زید مثلاً _ مدیونا لِعَمْرٍوْ طَنّا من الحنطة، فباع هذه الحنطة الذمیّة لعمروٍ من بکرٍ بکذا، فالبکر یکون مشتریا لمال عمرو الذی فی ذمّة زید البائع، فإن أجاز عمرو البیع صحّ و یدخل الثمن فی ملکه و یشتغل ذمّة زید لبکرٍ.

ج: أن یجعل الکلّی متعلِّقا بذمّة المالک بنفس بیع الفضولی

نحو: باع الفضولی طنا من حنطة فی ذمّة عمروٍ لبکرٍ بکذا _ مع عدم اشتعال ذمّة عمرو شیئا من الحنطة لأحدٍ قبل هذا البیع _ و أجازه عمرو فیستقرّ فی ذمّته بنفس هذا

ص: 359


1- 1 . مقابس الأنوار _ کتاب البیع /40.

البیع.

ثمّ حیث أن بیع الأعیان الشخصیة فضولة لا یتوقف إلاّ علی إجازة المالک فلا نحتاج إلی تعیینه [أی المالک] و لذا قال الشیخ الأعظم: «إِنّ تعیین العوض فی الخارج یغنی عن قصد من وقع له العقد»(1).

و أمّا بالنسبة إلی الکلّیّ الذمّی فلمّا لم یکن موجودا فی الخارج توقّف تعیّنه علی إضافته إلی ذمّةٍ معیّنةٍ لیکون أمر الإجازة بیده، فلابدّ من تعیینه بتصریح من الفضولی بأن یقول: «بعتک طنا من الحنطة فی ذمّة زید بکذا». أو أن نیوی الفضولی وقوع البیع لزید _ ولو لم یصرح فی العقد باسمه بأن یقول: «بعتک طنا من الحنطة الذمّیّة بکذا» و یقصد اشتغال ذمّة زید به. و فی هذه الصورة الأخیرة المنویّة _ دون المصرحة _ إن أجاز زید صح بیع الفضول و اشتغلت ذمّة زید، و إن ردّ زیدٌ بطل البیع إلاّ فی صورة واحدة و هی ما إذا باع الفضول بقصد وقوعه فی ذمّة زید و أنکر المشتری علیه _ و حلف علی عدم علمه بالفضولیة _ فیقع حینئذ لنفس الفضول أو یبطل من رأسه؟

قولان: ذهب أصحاب المبسوط(2) و الشرائع(3) و القواعد(4) و الإیضاح(5) و جامع المقاصد(6) و المسالک(7) إلی وقوع العقد لنفسٍ الفضول حینئذ ظاهرا، و عن الشیخ و المحقّق و العلاّمة و المقداد(8) فی الکتب الماضیة واقعا. کما نسب(9) الأخیر إلی جماعة

ص: 360


1- 1 . المکاسب 3/390.
2- 2 . المبسوط 2/386.
3- 3 . الشرائع 2/158، و لأجل توضیح کلامه راجع الجواهر 27/403 طبع الإسلامیة.
4- 4 . قواعد الأحکام 2/360.
5- 5 . إیضاح الفوائد 2/347.
6- 6 . جامع المقاصد 8/251.
7- 7 . المسالک 4/379 و 5/300.
8- 8 . التنقیح الرائع 2/220.
9- 9 . الناسب هو السیّد العاملی فی مفتاح الکرامة 20/557.

فی بعض فروع المضاربة.(1)

و ذهب الشیخ الأعظم(2) إلی البطلان واقعا و عدم وقوعه للفضولی أیضا، ولکن لو لم یصدّقه الطرف الآخر علی قصد الفضولیة و حلف علی عدم علمه بالفضولیة حکم بوقوع العقد للفضولی بحسب الظاهر کما عن المحقّق و فخرالإسلام و الکرکی و ثانی الشهیدین فی الکتب الماضیة.

أقول: أمّا بحسب الحکم الواقعی فالحقّ هو البطلان کما اختاره الشیخ الأعظم قدس سره لأنّ مالیّة الکلّی إنّما هی بحسب إضافته إلی الذمم، فالکلّی المضاف إلی ذمّةٍ غیر الکلّی المضاف إلی ذمّة شخص آخر، و علیه فإذا وقع أحدهما متعلِّقا للعقد فلا معنی لصحة العقد بالنسبة إلی الآخر، و حیث لم یظهر أحدهما فیکون العقد باطلاً واقعا.

و أمّا بحسب الحکم الظاهری فی فرض الترافع فالمدّعی للفضولیة هو المدعی، لمخالفة قوله لظاهر العقد و لأصالة الصحة، و الطرف الآخر منکر لموافقة قوله لأصالة الصحة، و حیث إنّ القصد أمر قلبی لایمکن للمدّعی إقامة البینة علیه، تصل النوبة إلی حلف المنکر، و لابدّ للمنکر أن یحلف علی عدم قصد طرفه الفضولیة لا علی عدم العلم به، لأنّ عدم علمه لاینافی قصد طرفه الفضولیة و حیث إنّه لا یمکن للمنکر الحلف علی عدم قصد طرفه الفضولیة لکونه أمرا قلبیّا فلا محالة یردّ الحلف إلی المدّعی فیحلف و یحکم ببطلان العقد ظاهرا.

فاتضح أنّ الحقّ هو البطلان واقعا و ظاهرا.(3)

المسألة الثانیة: جمع العاقد بین المتنافیین
اشارة

قال الشیخ الأعظم: «بأن قال: «اشتریتُ هذا لفلان بدرهم فی ذمّتی» أو «اشتریتُ هذا لنفسی بدرهم فی ذمّة فلان».

ففی [المثال] الأوّل: یحتمل البطلان، لأنّه فی حکم شراء شی ءٍ للغیر بعین ماله، و

ص: 361


1- 1 . راجع الجواهر 26/384 طبع الإسلامیة.
2- 2 . المکاسب 3/390 و 391.
3- 3 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 1/426.

یحتمل إلغاء أحد القیدین و تصحیح المعاملة لنفسه أو للغیر.

و فی [المثال] الثانی: یحتمل کونه من قبیل شرائه لنفسه بعین مال الغیر فیقع للغیر بعد إجازته لکن بعد تصحیح المعاوضة [للغیر] بالبناء علی التملّک فی ذمّة الغیر اعتقادا [لعدم إمکان غصب الکلّی فی الذمّة]. و یحتمل الصحة [لنفسه] بإلغاء قید «ذمّة الغیر»، لأنّ تقیید الشراء أوّلاً بکونه لنفسه یوجب إلغاء ما ینافیه من إضافة الذمة إلی الغیر.

و المسألة تحتاج إلی تأمل»(1).

أقول: فی المثالین: بناءً علی ما اختاره الشیخ الأعظم فی معنی قصد المعاوضة الحقیقیة لابدّ من القول بالبطلان إذ یمتنع الجمع بین القیدین. أمّا ما ذکره من إلغاء أحد القیدین فتتم المعاملة لنفسه أو لغیره فَلا یتم لأنّ الکلام واحدٌ و مع وقوع قیدین متنافیین فی الکلام تبطل المعاملة للإجمال الحاصل.

و أمّا بناءً علی ما اخْتَرْنا فی معنی قصد المعاوضة الحقیقیة و تصحیح الشراء للغیر بمال نفسه من انحلال العقد إلی بیع و هبة مثلاً، فَیُحْکَمُ بالصحة فی المثالین، ولکن فی المثال الأوّل؛ الهبة أو الصلح عقد تحتاج إلی قبول الموهوب له أو المتصالح اللذین هما فلانٌ [الغیر]، و فی المثال الثانی إذا أجاز صاحب الذمة و هو الغیر.

و لذا قال الفقیه السیّدُ الیزدی: «إن قلنا بجواز الشراء للغیر بمال نفسه أو العکس فلا إشکال فی الصحة فی الصورة الاُولی بلا حاجة إلی الإجازة، و کذا فی الثانیة مع اجازة ذلک الغیر. و إن قلنا بمقالة المصنف [الشیخ الأعظم] من عدم الصحة فمقتضی القاعدة البطلان فیهما جزما، و ذلک لأنّ المفروض أنّه قاصد للقیدین عن جدٍ و هما متنافیان فلا وجه لإلغاء أحدهما و الأخذ بالآخر»(2).

ثمّ نَقَلَ الشیخ الأعظم کلاما من العلاّمة الحلّی بطوله

ثمّ نَقَلَ الشیخ الأعظم(3) کلاما من العلاّمة الحلّی بطوله نقتفی إثره:

قال فی تذکرة الفقهاء: «لو اشتری فضولیا فإن کان بعین مال الغیر فالخلاف فی

ص: 362


1- 1 . المکاسب 3/392.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/157.
3- 3 . المکاسب 3/392 و 393.

البطلان و الوقف علی الإجازة، إلاّ أنّ أبا حنیفة قال: یقع للمشتری بکلِّ حالٍ.

وإن کان فی الذمّة لغیره و أطلق اللفظ، قال علماؤنا: یقف علی الإجازة، فإن أجازه صحّ و لزمه أداء الثمن، و إن ردّ نفذ عن المباشر _ و به قال الشافعی فی القدیم و أحمد _ و إنّما یصحّ الشراء، لأنّه تصرّف فی ذمّته لا فی مال غیره، و إنّما وقف علی الإجازة لأنّه عقد الشراء له، فإن أجازه لزمه، و إن ردّه لزم مَنْ اشتراه، و لا فرق بین أن ینقد من مال الغیر أو لا.

و قال أبو حنیفة: یقع عن المباشر. و هو جدید للشافعی(1)».(2)

حمل الشیخ الأعظم(3) هذا الکلام من العلاّمة علی هذه المسألة الثانیة _ أی الجمع بین المتنافیین _ بقرینة تعلیله بقوله: «لأنّه تصرّف فی ذمّته [أی ذمّة نفسه أی المباشر] لا فی مال الغیر»، لأنّ هذا التعلیل لا یأتی بالنسبة إلی المسألة الاُولی _ قصد وقوع الکلّی فی ذمّة الغیر و تعیینه بالنیة، [الصورة ج] _ التی یمکن حمل صدر کلام العلاّمة علیه.

و الحقّ مع الشیخ الأعظم فی هذا الحمل کما أنّ المشهور ذهب _ فی فرض التنافی_ إلی أنّ الغیر إذا ردّ المعاملة تقع عن الفضولی، و یدل علیه قول العلاّمة: «قال علماؤنا».

و قال الشیخ الأعظم: «لکن أشرنا سابقا(4) إجمالاً إلی أنّ تطبیق هذا علی

ص: 363


1- 1 . أی فی مَذْحَبِهِ الجدید عَنْدَ مَا سَکَنَ فی مِصْر إِذْ إنَّهُ لَمّا کانَ فی الْعِراقِ کانَتْ له طریقةٌ فی استنباط الأَحْکامِ تقربُ مِنْ مَذْهَبِ أهْلِ الرأی، و عند ما نَزَلَ فی مِصْرَ عَدَلَ عن هذه الطریق وَ سَلَکَ مَسْلَکَ أهل الحدیث و لذلک کانوا یقولون: قال الشافعی فی القدیم، و قال الشافعی فی الجدید و لِکُلٍّ مِنْ مَذْهَبِیْهِ (القدیم و الجدید) رُواةٌ فمِنْ رواة القدیم الحسنِ الزغفرانی البغدادی و من رواة الجدید المُزَنی و البُوَیْطی.
2- 2 . تذکرة الفقهاء 10/15، فروع، فرع «ب».
3- 3 . المکاسب 3/393.
4- 4 . المکاسب 3/381.

القواعد مشکل»(1).

و علّله(2) بأنّ: المشتری العاقد، المباشر للعقد إن جعل المال فی ذمّة نفسه بالأصالة ولو رجّحنا نیّته من وقوع العقد لذلک الغیر و خروج العوض من ملک هذا العاقد یکون باطلاً واقعا لعدم تحقق المعاوضة الحقیقیة فی المقام. ولو رجحنا وقوع العقد لنفس العاقد المباشر صحّ العقد لتحقق المعاوضة الحقیقیة فلا وجه لوقوعه عن الغیر.

و المشتری المباشر للعقد إن جعل المال فی ذمّة نفسه نیابةً و وکالةً عن الغیر یترتب إشکالان:

أحدهما: صحة هذا العقد یبتنی علی جریان الفضولی فی الوکالة و هو مشکل، لأنّ الوکالة عبارة عن الاستنابة فی التصرف و الفضولی عبارة عن المباشرة فی التصرف من عند نفسه.

نعم، إن رجع مآل هذا العقد إلی أنّ الفضولی جعل نفسه نائبا عن الغیر و اشترا فی ذمّة الغیر _ بدون تحقق النیابة عنه و صدوره عن الغیر _ لا یترتب إشکال الوکالة الفضولیة ولکنّه یترتب إشکال عدم تحقق المعاوضة الحقیقیّة.

ثانیهما: لابدّ من الالتزام ببطلان المعاملة إن ردّها الغیر _ أی المنوب عنه _ لأنّ المفروض إنشاء الشراء له، لا أنّ المعاملة تقع عن المباشر العاقد.

نعم، فی هذا الفرض _ إذ جعل المشتری العاقد المال فی ذمّة نفسه نیابة عن الغیر _ و عجز عن إثبات النیابة علی البائع، و ردّها المنوب عنه _ الغیر _ تَقَعُ المعاملة علی العاقد فی الظاهر، کما نص علیه جماعة من الأصحاب(3) فی باب التوکیل.

و کیف ما کان المعاملة إمّا باطلة رأسا أو صحیحة للفضولی العاقد، و لا تکون

ص: 364


1- 1 . المکاسب 3/393.
2- 2 . راجع المکاسب 3/393 و 394.
3- 3 . نحو: الشیخ فی المبسوط 2/386، و المحقّق فی الشرائع 2/158، و العلاّمة فی القواعد 2/360، و ولده فی الإیضاح 2/347، و الکرکی فی جامع المقاصد 8/251، و ثانی الشهیدین فی المسالک 5/300، و لتوضیحه راجع الجواهر 27/403 من طبع الاسلامیة.

مردّدة فی الواقع بین الفضولی العاقد و مَنْ عقد له الشراء فلا وجه للقول بوقوع العقد مردّدا بین المباشر و المنوی.

ولکن یمکن تنزیل عبارة العلاّمة فی التذکرة علی وقوع المعاملة للمباشر ظاهرا _کما علیه جماعة من الأصحاب ولکنه بعید لأنّه علل کلامه و قال: «لأنّه تصرّف فی ذمّته» و هذا یقتضی وقوع العقد للمباشر واقعا لا ظاهرا.

هذا تمام کلام الشیخ الأعظم بتوضیح منّا.

بیان الفقیه السیّدِ الیزدی رحمه الله :

ولکن قال الفقیه الیزدی: «الظاهر أن مراده [العلاّمة] جعل الثمن کلّیا فی الذمة من غیر التفات إلی کونه فی ذمّة نفسه أو غیره، إلاّ أنّه قصد کون الشراء للغیر من غیر أن یذکره فی اللفظ، و علی هذا فیکون قوله «للغیر» خبرا بعد خبر، و أمّا احتمال کون مراده جعله فی ذمّة نفسه فهو مناف لما حکم به من الصحة للغیر إن أجاز، و کون الأداء واجبا علی ذلک الغیر، لأنّ لازم ذلک إمّا البطلان أو الصحة مع کون الثمن علی المباشر إن قلنا بصحة الشراء للغیر بمال نفسه، کما أنّ احتمال کون المراد جعله فی ذمّة ذلک الغیر، بأن یکون قوله «للغیر» قیدا لذمّته، لا خبرا بعد خبر منافٍ لما ذکره بقوله: «لأنّه تصرف فی ذمّته لا فی مال غیره» إذ مراده أنّه تصرّف فی ذمّة نفسه لا فی ذمّة غیره کما هو واضح.

و الحاصل: أنّ الظاهر من مجموع العبارة ما ذکرنا، من أنّ المراد الشراء فی الذمّة، بمعنی عدم کون الثمن عینا خارجیا من غیر تعیین لذمّة النفس أو الغیر، و من غیر التفات إلی ذلک، لکن مع قصد کون الشراء للغیر و حینئذ فیکمن تطبیقه علی القاعدة أیضا بدعوی أنَّ مقتضی شراء شی ءٍ فی الذمّة کون المباشر ملزما به و الحکم بکونه فی ذمّته لا من جهة الانصراف، بل من باب الحکم العرفی بذلک و إن أغمض عن الانصراف أیضا، إلاّ إذا عیّن کونه فی ذمّة الغیر، فحینئذ ینصرف إلی ذلک الغیر، أو قصد کون الشراء لذلک الغیر فحینئذ یجوز له أن یمضیه و یکون الثمن فی ذمّته، و مع عدم امضائه فالحکم العرفی الزام

ص: 365

المباشر...»(1).

بیان المحقّق النائینی لتطبیق الفرع علی القاعدة

وَ أَخَذَ المحقّق النائینی(2) أیضا بتطبیق هذا الفرع _ فی فرض التنافی إذا ردّ الغیر المعاملة تقع عن الفضولی _ علی القواعد بوجهین:

الأوّل: أن یکون مراد العاقد وقوع المعاملة لنفسه مع کون المال فی ذمّته و یکون قصده للغیر من باب جعل تولیة العقد للغیر، و تکون إجازة الغیر من قبیل القبول، و حینئذ فإن أجاز الغیر التولیة یکون البیع له و إلاّ یکون للعاقد، غایة الأمر أنّه یتوقف علی إحراز أنّ قصده للغیر من قبیل جعل التولیة له و إجازة الغیر من قبیل القبول.

الثانی: أن یکون مراد العاقد وقوع البیع للغیر و قَصَدَ إضافة الکلّی إلی ذمّة الغیر، لکنّه ضمن ذمّة الغیر بناءً علی أن لایکون الضمان موجبا لانتقال المال إلی ذمّة الضامن کما علیه العامة(3) فیکون کلّ منهما ضامنا بنحو الطولیة.

و اعترض السیّد الخوئی(4) علی الوجهین بما حاصِلُهُ:

یرد علی الأوّل: أوّلاً: احتساب قصد العاقد للغیر من باب جعل تولیة العقد له خلاف الفرض، لأنّ المفروض أنّه لو أجاز ینتقل المال من مالکه إلیه لا من ملک العاقد، و علی التولیة ینتقل المال من ملک المالک إلی العاقد و من ملک العاقد إلی ملک المجیز.

و ثانیا: أنّ ذلک لو تمّ فإنّما یتمّ فی شراء الفضولی متاعا بثمن فی ذمّته فیبیع ذلک المتاع تولیة للغیر، و أمّا إذا باع الفضولی شیئا فی ذمّته بثمن للغیر فلا معنی لبیع ذلک الشی ء تولیة للغیر لأنّه باع مال نفسه للمشتری و جعل ثمنه للغیر، و لم یبع شیئا للغیر حتی یصحّ بإجازته، مع أنّ کلامهم فی مطلق المعاملة الفضولیة سواء کان فی البیع أو الاشتراء.

ص: 366


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/158.
2- 2 . راجع منیة الطالب 2/47 و 48.
3- 3 . المغنی لابن قدامة 5/70 و 83، المجموع 14/24، المهذب 2/307.
4- 4 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/428، محاضرات فی الفقه الجعفری 2/356 و 357.

و ثالثا: أنّ الفضولی ربّما یموت قبل إجازة الغیر، فلو کانت الإجازة قبولاً لبیع التولیة فلا محالة یبطل البیع لخروج الموجب عن أهلیة العقد قبل تحقّق القبول مع أنّهم یلتزمون بالصحة فی هذا الفرض.

و یرد علی الثانی: أوّلاً: أنّه لو لم یجز الغیر العقد فلا معنی لوقوع العقد للضامن و کونه ملزما بالأداء.

و ثانیا: أنّه لو أجاز الغیر العقد و لم یؤد المال یلزم أن یکون الضامن ملزما بأدائه.

بیان السیّد الخوئی لتطبیقه علی القواعد

قال قدس سره : «یمکن حمله بحیث ینطبق علی القواعد علی ما إذا اشتری بالکلّی و التزم هو بأدائه إمّا من مال غیره فیکون الشراء للغیر، و إمّا من ماله فیکون الشراء لنفسه ولکن الملتزم بالأداء هو المباشر لا الغیر، و ینحلّ هذا الشراء إلی شرائین طولیین فیشتری للغیر فإن أجاز وقع له و إلاّ فیشتری لنفسه، و هذا التعلیق لا یوجب البطلان، لأنّه تعلیق علی ما توقّف صحة العقد علیه واقعا، لأنّ الدلیل علی مبطلیة التعلیق هو الإجماع، و المتیقّن منه غیر هذا المورد _ أی إنشاء بیعین طولیین _ فتشمله أدلة صحة البیع و العقود، و علیه فإذا أجاز الغیر وقع العقد له و إلاّ وقع للمباشر»(1).

ص: 367


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/427.
الثانی: جریان الفضولی فی المعاطاة
اشارة

هل یجری الفضولی فی العقد المعاطاتی کما یجری فی العقد اللفظی أم یختص بالثانی؟ فیه أقوال:

الأوّل: ذهب السیّد المجاهد رحمه الله إلی جریان الفضولی فی المعاطاة و قال: «لا فرق فی بیع الفضولی بین أن یکون معاطاة أو لا، فلا یشترط فی صحة بیع الفضولی عدم المعاطاة»(1).

الثانی: و ذهب الشیخ أسداللّه التستری إلی اختصاص الفضولی بالعقد اللفظی و قال: «تذنیب: فلیُعلم أنّ ما سبق کلّه فیما إذا باع أو إشتری الفضولی بالصیغة، فأمّا لو باع أو إشتری بطریق المعاطاة فإنّه یلغو و یفسد من أصله، و لا یقف علی الإجازة علی الأقرب للأصل و...»(2).

و تبعه المحقّق النائینی و قال: «الأقوی عدم جریان الفضولی فیها...»(3). و نقل عنه تقریراته الآخر: «فالحکم بإجرائه [أی إجراء الفضولی] فی المعاطاة فی غایة الإشکال».(4)

الثالث: ذهب الشیخ الأعظم(5) إلی التفصیل بین إفادة المعاطاة للإباحة فلا یجری الفضولی فیها، و بین إفادتها الملک فیجری الفضولی فیها.

أقول: بناءً علی مختارنا فی بحث المعاطاة من أنّها عقدٌ فعلیٌّ کالعقد اللفظی بلا فرق بینهما، الأمر یکون واضحا فی جریان الفضولی فیها، لأنّ الفضولی عندنا لا یکون علی خلاف القاعدة فلا یکون منحصرا بالنکاح و البیع اللفظی اللذین یختص بهما روایاته.

ص: 368


1- 1 . المناهل /289.
2- 2 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /41 و 42.
3- 3 . منیة الطالب 1/50.
4- 4 . المکاسب و البیع 2/74.
5- 5 . راجع المکاسب 3/394 إلی 397.

و أمّا بناءً علی أنّ المعاطاة تفید الملک:

فیجری الفضولی فیها أیضا لما ذکره الشیخ الأعظم رحمه الله بقوله: «لا فارق بینها [بین المعاطاة [و بین العقد [اللفظی] فإنّ التقابض بین الفضولیّین أو فضولیّ و أصیل إذا وقع بنیّة التملیک و التملّک فأجازه المالک فلا مانع من وقوع المجاز من حینه أو من حین الإجازة...»(1).

و استدلّ له بقوله تعالی: «أحلّ اللّه البیع»(2) بتقریب: أنّ عمومها یشملها لأنّ المعاطاة الفضولیة بیعٌ مُجازٌ. و یمکن أن یستدل بإطلاق قوله تعالی: «اوفوا بالعقود»(3) بالتقریب. و بقوله تعالی: «تجارةً عن تراض»(4) لشمولها لها.

و أیّده بروایة عروة البارقی(5) الماضیة بتقریب: «إنّ الظاهر وقوع المعاملة بالمعاطاة»(6).

لا یقال: یمکن أن یستدل بترک الاستفصال فی صحیحة محمّد بن قیس(7) التی رواها المشایخ الثَّلاثَةُ، بعد فرض صدق البیع علی البیع المعاطاتی، کما ذکره السیّد الیزدی(8).

لأنّا نقول: فی الجواب لابدّ من الإجابة بالنسبة إلی جهة السؤال و أمّا غیرها فتفرض صحیحةً بمقتضی الحمل علی الصحة، و إلاّ یمکن أن تسری الصحیحة بالنسبة

ص: 369


1- 1 . المکاسب 3/394.
2- 2 . سورة البقرة /275.
3- 3 . سورة المائدة /1.
4- 4 . سورة النساء /29.
5- 5 . مسند أحمد 4/376، السنن الکبری 6/112، سنن الدارقطنی 3/10، ح29، سنن الترمذی 3/559، ح1258، الثاقب فی المناقب /112، ح108 و عن الأخیر فی مستدرک الوسائل 13/245، ح1، الباب 18 من أبواب عقد البیع و شروطه.
6- 6 . المکاسب 3/395.
7- 7 . وسائل الشیعة 21/203، ح1، الباب 88 من أبواب نکاح العبید و الإماء.
8- 8 . حاشیة المکاسب 2/161.

إلی البیع الغرری أو غیره و أنّ الانشاء وقع بلفظ الماضی أو غیره و نحوهما، و هذه السرایة مردودٌ. کما ذکره السید الخوئی(1).

الاستدلال لاختصاص الفضولی بالعقد اللفظی
اشارة

استدلّ لمنع جریان الفضولی فی المعاطاة بأُمور:

الأمر الأوّل:

«إنّ الإقباض الذی یحصل به التملیک محرّم لکونه تصرّفا فی مال الغیر فلا یترتّب علیه الأثر»(2).

و ردّه الشیخ الأعظم بوجوه أربعة:

أولها: «قد لا یحتاج إلی إقباض مال الغیر، کما لو اشتری الفضولی لغیره فی الذمّة»(3)، فیکون الاستدلال أخصّا من المُدعی.

و ثانیها: «قد یقع الإقباض مقرونا برضا المالک، بناءً علی ظاهر کلامهم من أنّ العلم بالرضا لا یخرج المعاملة عن معاملة الفضولی»(4) فیکون الاستدلال أَخَصَّ من المُدعی أیضا لعدم حرمة هذا الإقباض.

و یظهر هذان الوجهان من الشیخ التستری(5) قدس سره .

و أمّا ما أضافه السیّد الیزدی إلی هذا الوجه بقوله: «و أیضا قد یقبض بتخیّل أنّه مأذون فی التصرف أو بتخیّل أنّه ماله أو نحو ذلک»(6) فَلا یتم، لأنّهما لیسا من موارد عدم حرمة الإقباض حتّی لا یکون فاسدا، بل من موارد عدم تنجز الحرمة و هو لا یرفع الفساد

ص: 370


1- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/360.
2- 2 . المکاسب 3/395.
3- 3 . المکاسب 3/395.
4- 4 . المکاسب 3/395.
5- 5 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /41 تحت عنوان «إن قلت».
6- 6 . حاشیته علی المکاسب 2/161.

المترتب علی الحرمة الواقعیة کما ذکره المحقّق المروج(1).

أقول: إذا اعتقد أنّ المال ملکه أو أنّه مأذونٌ فی التصرف و اشتری به شیئا أو تصرّف فیه بأنحاء التصرف ینتفی الحرمة واقعا کما فی موارد الغفلة و النسیان و الجهل المرکب کما علیه السیّد الخوئی.(2)

و ثالثها: «مع أنّ النهی لا یدلّ علی الفساد»(3) فی المعاملات لأنّه تکلیفیٌ کما هو المحقَّق فی محلّه، «و لعدم تعلِّقه بالإقباض من حیث إنّه بیع، بل به من حیث أنّه تصرف فی ملک الغیر»(4) کما ذکره الفقیه الیزدی.

و رابعها: بعد تسلیم تعلّق النهی بالإقباض من حیث کونه بیعا حتّی یدلّ علی الفساد _ لا من حیث أنّه تصرف فی مال الغیر _ نقول: «أنّه لو دلّ لدلّ علی عدم ترتّب الأثر المقصود و هو استقلال الإقباض فی السببیّة، فلا ینافی کونه جزءَ سبب»(5) لتحقق الأثر فی الخارج و الجزء الآخر هو الإجازة.

و بعبارة أُخری: لو سلّمنا أنّ النهی یدل علی الفساد، لا یقتضی إلاّ فساد المعاملة بالنسبة إلی مَنْ توجّه علیه _ و هو الفضولی _ لا بالنسبة إلی المالک بعد إجازته.(6)

الأمر الثانی:

ما ذکره الشیخ التستری و قال: «... إنّ المعاطاة منوطة بالتراضی و قصد الإباحة أو التملیک للمعیّن أو المقدّر فی الذمة _ بناءً علی جوازه _ و هما من وظائف المالک و لا یتصوّر صدورهما من غیره»(7).

ص: 371


1- 1 . هدی الطالب 4/652.
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/431.
3- 3 . المکاسب 3/395.
4- 4 . حاشیته علی المکاسب 2/161.
5- 5 . المکاسب 3/395.
6- 6 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/431.
7- 7 . مقابس الأنوار /138.

و ردّه الشیخ الأعظم(1) بما حاصله: منع کون حقیقة المعاطاة مجرد تراضی المالکین و قصد التملیک أو الإباحة، لأنّ القبض و الإقباض آلة للإنشاء کالصیغة، و لیسا کاشفین عن التراضی، بل هما سبب فعلیّ للتملیک أو الإباحة. و أمّا التراضی معتبر فی المعاطاة کما أنّه معتبر فی البیع القولی.

و لذا صرّح الشهید فی قواعده(2) بأنّ المعاطاة عند الفقهاء تکون من الأسباب الفعلیّة. بل «المعاطاة عندهم عقدٌ فعلیٌّ، و لذا ذکر بعض الحنفیة(3) القائلین بلزومها: أنّ البیع ینعقد بالإیجاب و القبول و بالتعاطی»(4).

أقول: لو تمّ کلام الشیخ التستری عمّ البیع القولی و لایختص بالمعاطاة فلا یصح القول بالفضولی مطلقا _ بلا فرق بین المعاطاة و البیع القولی _ مع أنّ جریان الفضولی فی البیع اللفظی مفروغ عنه. هذا نقض اعتراضه و هو أوّلاً.

و أمّا ثانیا: حلّه: إنشاء التملیک أمرٌ لا مؤونة فیه و یتحقّق من کلّ أحد فی کلّ مال لکلِّ شخص لأنّ الإنشاء قلیل المؤونة، و أمّا رضایة المالک فالمفروض أنّها حاصلة بعد المعاطاة.(5)

الأمر الثالث:

ما ذکره الشیخ التستری بقوله: «... [المعاطاة] مشروطة أیضا بتحقّق الإقباض من الطرفین [المالکین أو المأذونین] أو من أحدهما مقارنا للأمرین [أی مع قصد الإباحة أو التملیک]»(6).

فحینئذ لا أثر للقبض و الإقباض الصادرین من الفضولی الذی لیس بمالک و لا

ص: 372


1- 1 . المکاسب 3/395.
2- 2 . القواعد و الفوائد 1/50، القاعدة 17، 1/178 القاعدة 47.
3- 3 . راجع الفتاوی الهندیة 3/2، لجماعة من علماء الهند، طبع دار إحیاء التراث العربی، بیروت.
4- 4 . المکاسب 3/396.
5- 5 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 1/431.
6- 6 . مقابس الأنوار /138.

مأذون منه.

و ردّه الشیخ الأعظم بقوله: «و اعتبار مقارنة الرضا من المالک للإنشاء الفعلی دون القولی مع إتحاد أدلة اعتبار الرضا و طیب النفس فی حلّ مال الغیر لا یخلو عن تحکّم»(1).

أقول: مراده: التقارن بین رضا المالک و المعاملة _ مع وحدة الأدلة _ لو کان معتبرا یکون علی حدّ السواء بین البیع اللفظی و المعاطاة. أمّا اعتباره فی الثانی [المعاطاة] دون الأوّل [البیع اللفظی] فَهُوَ تحکّم.

ولکن هذا التقارن لایکون معتبرا أصلاً لما مرّ من صحة بیع الفضولی و المکرَه و المضطّر و الغصب بعد إجازة المالک و إعلام رضایته.

و لایخفی أنّ الأمرین الأخیرین الواردین فی کلام الشیخ التستری یُشَکِّلانِ دلیلاً واحدا فی کلامه و عنده و قوله «مشروطة» مبیِّنا للمعاطاة و إنّما أفردناهما تبعا لظاهر الشیخ الأعظم رحمهماالله .

الأمر الرابع:

العقد الفضولی هُوَ علی خلاف الأصل و القاعدة و إنّما تمّ فی الموارد التی ورد فیها النص من البیع و النکاح فقط، فلا یجری فی المعاطاة و لعلّ هذا مراد الشیخ أسداللّه التستری(2) من استدلاله للبطلان فی المعاطاة بالأصل.

و ردّه الشیخ الأعظم بقوله: «لکنّک قد عرفت أنّ عقد الفضولی لیس علی خلاف القاعدة»(3).

و یمکن أن یقال فی نقد الاستدلال: الفضولی یجری فی المعاطاة ولو کان علی خلاف القاعدة، لأنّ الروایات الواردة فی الفضولی عامة و لا تختص شی ءٌ منها بالبیع القولی و لم یفصّل فیها بین المعاطاة و العقد اللفظی.

ص: 373


1- 1 . المکاسب 3/396.
2- 2 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /42.
3- 3 . المکاسب 3/396.
الأمر الخامس:

ما ذکره المحقّق النائینی بقوله _ مختصرا _: «أمّا علی الإباحة: أنّ الإباحة المؤثرة هی التسلیط المالکی، لا تسلیط غیره، و إجازة المالک تسلیط الغیر هی بنفسها مؤثرة لا لکونها إجازة لإباحة الغیر، لأنّ العقود الإذنیة و الاُمور المتقومة برضا المالک لا تتوقّف علی سبب خاص، فإجازة الإباحة هی بنفسها إباحة... .

و أمّا بناءً علی الملک: فلأنّ الفعل الواقع من الفضولی لا یعنون إلاّ بعنوان الإعطاء و التبدیل المکانی، و أمّا فعل المالک فإنّه فی مقام البیع یعنون بالعنوان الثانوی بتبدیل طرف الإضافة و الفرق بین المعاطاة و بین البیع القولی: یمکن إنفکاک حاصل المصدر من المصدر فی الإنشاء القولی، فإذا أجاز المالک و أسنده إلی نفسه وقع له.

و أمّا الفعل الواقع من الفضولی فاسم المصدر منه لا ینفک عن مصدره بمعنی أنّه لیس للإعطاء اسم مصدر غیر العطاء و هذا لا ینفک عنه و بإجازة المالک لا ینقلب الفعل عمّا وقع علیه...»(1).

و قال فی توضیح ذلک: «فی الحکم بإجراء الفضولی فی المعاطاه إشکال بل منع، و توضیحه یتوقف علی بیان اُمور:

(الأوّل): إنّه قد تقدم مرارا من أنَّ البیع إمّا یراد به المعنی المصدری أعنی المعاملة الخاصة من حیث صدورها عن الفاعل بحیث یکون جهة صدورها ملحوظا، و إمّا یراد منه معنی الاسم المصدری و هو نفس تلک المعاملة بلا حیث إسنادها إلی الفاعل بل من حیث هی هی.

(الثانی): إنّ البیع القولی یتصور فی المعنیان معا دون الفعلی أمّا فی القولی فلأن آلة الإنشاء أعنی کلمة بعت المرکبة من الهیئة و المادة الواردة هیئتها علی مادتها یصح أن یراد من البیع الوارد علیه الهیئة بالمعنی المصدری، کما یصح أن یراد منه المعنی الاسم المصدری، و ذلک لوجود لفظ صالح لکلا المعنیین، و أمّا فی الفعلی، فلأنه لیس فی البین

ص: 374


1- 1 . منیة الطالب 2/52.

دال یمکن أن یراد منه المعنی المصدری تارة و الاسم المصدری أُخری، بل لیس فی البین إلاّ فعل خارجی تکوینی و هو ذلک الفعل المعاطاتی الذی هو مصداق للبیع و التملیک الصادر عن الفاعل و القائم به بالقیام الصدوری.

(الثالث): الإجازة فی بیع الفضولی القولی یمکن أن یتعلق فی عالم التصور بالبیع بالمعنی المصدری و یمکن أن یتعلَّق بمعنی الاسم المصدری و معنی تعلّقه بالأوّل هو صیرورة البیع الصادر عن الفضولی من حیث صدوره عنه بیعا للمجیز، و لازم تعلقه بالثانی هو صیرورة نفس الصادر عن الفضول هو بیع المجیز، لکن المطابق بالوجدان هو تعلق الإجازة بمعنی الاسم المصدری و ذلک لأنّ المعنی المصدری فعل تکوینی و له إضافة إلی الفاعل المباشر تکوینا و هذا غیر قابل لان یرتبط إلی المجیز بسبب الإجازة کالضرب الحاصل من الضارب حیث أنّه بالإجازة لایصیر فعل المجیز، و هذا بخلاف المعنی الاسم المصدری الذی هو لحاظ ذلک الحدث مقطوع النسبة عن فاعله إذ هو قابل لأن یسند إلی المجیز فعلی هذا فطبع الإجازة المؤثرة یقتضی تعلقها بمعنی الاسم المصدری، اللهم إلاّ أن یقوم دلیل علی تعیین تعلّقها بالمعنی المصدری فیصیر أمرا تعبدیا مخالفا مع القاعدة من هذه الجهة قد ثبت بالدلیل.

إذا تَحَقَّقَتْ هذه الأُمور، فنقول: إذا وقعت المعاطاة فضولیا فلا یخلو إمّا أن نقول بعدم قیام دلیل علی تعیین تعلّق الإجازة بالمعنی المصدری أو نقول بقیامه، و علی کلا التقدیرین لایتم القول بصحة الفضولی، أمّا علی الأوّل فلعدم المعنی الاسم المصدری فی المعاطاة حتّی تتعلق به الإجازة، و أمّا علی الثانی فلأنَّ الفضولی حینئذٍ یصیر مخالفا للقاعدة فیجب فیه الاقتصار علی ما ثبت فیه بالدلیل و هو منحصر بالقولی ولو سلم تعمیمه للفعلی بدعوی إطلاق خبر عروة مع ترک الاستفصال فیه عن اشترائه الشاة من کونه قولیا أو فعلیا علی أقرب الاحتمالین أو انصرافه إلی الفعلی علی أبعد الاحتمالین للزم التخصیص بباب البیع لعدم تمشی ذلک فی سائر أدلته التی العمدة منها واردة فی موارد النکاح لعدم تصویر المعاطاة فیه فاللازم حینئذٍ هو التفصیل فی جریان الفضولی فی المعاطاة بین البیع و بین غیره (و بالجملة) فالحکم بإجرائه فی المعاطاة فی غایة

ص: 375

الإشکال»(1).

و قال تلمیذه السیّد الخوئی فی توضیح کلامه: «إنّا إذا بنینا علی إفادة المعاطاة للإباحة فالمؤثر فیها هی التسلیط المالکی لا تسلیط غیره و إجازة المالک تسلیط الغیر، بنفسها مصداق للتسلیط المالکی لا أنّها توجب تأثیر التسلیط السابق الصادر من غیر المالک فإنّه لغو لا یترتّب علیه الأثر و إنّما یترتّب الأثر علی تسلیط المالک.

و أمّا إذا بنینا علی أنّها تفید الملک فأجازه المالک إنّما تتعلَّق بما یکون قابلاً للبقاء و هذا لایتحقّق إلاّ بالعقد اللفظی فإنّه بالعقد الذی هو بیع بالمعنی المصدری یتحقَّق أمّر قابل للبقاء و هو تبدیل طرفی الإضافة و یعبر عنه باسم المصدر و الإجازة اللاحقة إنّما تتعلَّق بهذا الأمر الباقی. و أمّا الفعل الصادر من الفضولی فهو لایعنون إلاّ بعنوان الإعطاء و التبدیل و المکانی و لیس له اسم مصدر غیر العطاء. و هذا لا ینفکّ عنه و لیس قابلاً للبقاء حتّی تتعلَّق به إجازة المالک»(2).

أقول: ما ذکره من أنّ البیع تارة: یراد منه المعنی المصدری أی المعاملة الخاصة من حیث صدورها عن الفاعل بحیث یکون جهة صدورها ملحوظا، و أُخری: یراد منه معنی الاسم المصدری و هو نفس تلک المعاملة لا حیث إسنادها إلی الفاعل بل من حیث هی هی، تام لا نقاش فیه.

و أمّا انحصار هذین المعنیین فی البیع القولی فقط دون البیع الفعلی الذی منه المعاطاة فَمَحَلُّ منع، بل هما یجریان فی المعاطاة أیضا، و کذلک ما ذکره فی معنی المعاطاة بأنّها هی الإعطاء، مع وضوح الفرق بینهما، و المعاطاة یعدّ بیعا و أمّا الإعطاء فلا!

و بالجملة: التفکیک بین المعنی المصدری و اسمه فی المعاطاة دون البیع القولی غیرتام. مضافا مع أنّ الإنشاء أمره سهلٌ و خفیف المؤونة و لا فرق بین أنّ سببه یکون اللفظ أو الفعل.

ص: 376


1- 1 . المکاسب و البیع 2/74 و 73.
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/432.

هذا کلّه بناءً علی أنّ المعاطاة تفید الملک، و قد عرفت جریان الفضولی فیها.

و أمّا بناءً علی أنّ المعاطاة تفید الإباحة:

فذهب الشیخ الأعظم إلی بطلان الفضولی فیها لوجود محذوری الإثباتی و الثبوتی:

و أمّا المحذور الإثباتی فهو قصور المقتضی بتقریب: «إنّ إفادة المعاملة المقصود بها الملک الإباحة خلاف القاعدة فیقتصر فیها علی صورة تعاطی المالکین»(1)، مراده قدس سره من القاعدة هی قاعدة تبعیّة العقود للقصود، و هی تقتضی حصول الملکیّة دون الإباحة، فحصول الإباحة من قصد الملکیّة یکون خلافا للقاعدة و لأنّ ما قصد لم یقع و ما وقع لم یقصد فیقتصر علی المتیقن من مورد الدلیل _ و هو الإجماع و تسالم الأصحاب _ و هو معاطاة الأصیلین دون الفضولی.

و أمّا المحذور الثبوتی فهو: «إنّ حصول الإباحة قبل الإجازة غیر ممکن و الآثار الاُخر _ مثل بیع المال علی القول بجواز مثل هذا التصرف _ إذا وقعت فی غیر زمان الإباحة الفعلیّة لم تؤثر أثرا، فإذا أجاز حدث الإباحة من حین الإجازة»(2).

مراده قدس سره : لغویّة تعاطی الفضولی _ ولو کان إنشاءً _ لأنّه علی القول بالکشف لا تحصل الإباحة الفعلیّة قبل الإجازة حتّی تکون الإجازة کاشفة عنها، و علی القول بالنقل إجازة المالک الْکاشِفَةِ عن رضاه و إذنه تکون العلّة لحدوث الإباحة فلا دخل لتعاطی الفضولی فیه و یکون لغوا.

و الآثار الأُخر: نحو البیع بتوسّط من أخذ العین بالمعاطاة الفضولیة _ بناءً علی الإباحة و علی جواز هذا التصرف _ لو یُوجب دخولَ المال المباح فی ملکه، خلافا للمتعاطی الأصیل فی هذا الحکم کما تقدّم فی ملزمات المعاطاة.(3) لأنّه هنا وَقَعَ فی غیر

ص: 377


1- 1 . المکاسب 3/397.
2- 2 . المکاسب 3/397.
3- 3 . راجع الآراءُ الفقهیة 4/165 و 169.

زمان الإباحة الفعلیّة فلا یفید شیئا.

ثم استدرک علی قوله: «و الآثار الأُخر» و قال: «اللهم إلاّ أن یقال: بکفایة وقوعها مع الإباحة الواقعیة [الشرعیة المستکشفة بالإجازة اللاحقة إلی ما قبلها إلی حین تعاطی الفضولی] إذا کشف عنها الإجازة فافهم»(1).

و لعلّ أمره بالتفهم إشارة إلی عدم تمامیة التفصیل بین الإباحة المالکیّة و الشرعیّة(2) أو إلی أنّ علی القول بالإباحة الشرعیة لا تعقل فی الإجازة إلاّ النقل و لا یتم الکشف، إذ لایعقل الکشف فی الإباحة الشرعیة التکلیفیّة لأنّ الحکم التکلیفی یتعلَّق بالمستقبل لا الماضی لمضی أمره.(3)

نقد مقالة الشیخ الأعظم علی القول بأنّ المعاطاة تفید الإباحة

أقول: إن کان مراده قدس سره من الإباحة هی الشرعیة الحاصلة من قصد التملیک کما هو ظاهر محذوره الإثباتی یمکن أن یناقش:

علی محذوره الإثباتی: بأنَّهُ علی القول بجریان الفضولی فی العقود علی وفاق القاعدة _ لا خلافها _ کما یظهر من الشیخ الأعظم(4) و نحن نقتفی أثره، بأَنَّ الْفُضُولیَّ یَجْرِی فی المعاطاة التی تفید الإباحة الشرعیة من قصد التملیک، لأنّ المالک یجیز ما أنشأه الفضولی من الملکیّة التی هی موضوع للحکم الشارع بالإباحة. و الوجه فی جریانه عموم دلیله و أنّه علی وفق القاعدة لا خلافها.

و إن کان مراده من الإباحة هی الإباحة المالکیة المجعولة من المالکین بالمعاطاة فلا یجری محذوره الإثباتی من أساسه لأنّه مبنیّ علی قاعدة تبعیّة العقود للقصود و هی فی هذا الفرض منتفیة لأنّ المالکین قصدا هذه الإباحة.

ص: 378


1- 1 . المکاسب 3/397.
2- 2 . کما فی هدی الطالب 4/669.
3- 3 . کما فی إرشاد الطالب 3/385.
4- 4 . المکاسب 3/396.

و أمّا بالنسبة إلی محذوره الثبوتی: و بناءً علی أنّ المراد من الإباحة هی الشرعیة الحاصلة من قصد التملیک، فالإجازة علی القول بالکشف الحقیقی یمکن الالتزام بجعل الإباحة الشرعیة من حین تعاطی الفضولی إلی حین الإجازة من الشارع الأقدس، و لأنّ الإباحة حکمه و یمکن جعله هذا الحکم من أوّل التعاطی و الإجازة کاشفة عنها. ولکن العمدة عدم وجود الدلیل فی المقام الإثبات علی هذا الکشف الحقیقی و إن کان فی المقام الثبوت ممکنا.

و أمّا علی القول بأّن الإجازة کاشفة علی نحو الکشف الانقلابی _ أو الحکمی _ فَلا تَحْصَلُ الإباحة الشرعیة بین التعاطی الفضولی و إجازة المالک، لأنّ الإجازة من حینها تحدث الإباحةَ الشرعیةَ _ و إن کانت تحدث الحکم الوضعی من حینها ولکن معتبَره من فعل الفضولی کما مرّ(1) و الانقلاب فی الحکم الوضعی ممکن أمّا الانقلاب فی الحکم التکلیفی فمستحیلٌ، فالإباحة الشرعیة تحصل من حین الإجازة و یأتی هذا المحذور و هو عدم حصول الإباحة الشرعیة قبل الإجازة.

و جریان المحذور علی القول بالنقل فی الإجازة واضح.

و أمّا بناءً علی أنّ المراد من الإباحة هی المالکیة فلا شبهة فی عدم جریان الفضولی فی المعاطاة لأنّ الإباحة لاتحصل قبل إجازة المالک علی جمیع المبانی فی الإجازة سواء قلنا بأنّها کاشفة حقیقیة أو الانقلابیة _ الحکمیة _ أو کانت ناقلة.

و الذی یسهّل الخطب عدم تمامیة هذه الأقوال فی المعاطاة عندنا و هی عقد أو إیقاع فعلیٌّ فی قبال العقود و الإیقاعات القولیة اللفظیة التی أُنْشِئَتْ بالصیغة، فتجری فی جمیعها إلاّ ما خرج بالدلیل و الحمدللّه الهادی إلی مَهْیَعِ السَّبیل.

ص: 379


1- 1 . راجع صفحة 352 من هذا المجلد.

ص: 380

وصلٌ: القول فی الإجازة

اشارة

ص: 381

ص: 382

صحة الفضولی یتوقّف علی الإجازة بالاِتفاق ولکن:

هل الإجازة کاشفةٌ أو ناقلة أو غیرهما؟

اشارة

یظهر أنّها کاشفة عن صحة العقد عن ظاهر جماعة منهم المحقّق فی النافع(1) و تلمیذه الفاضل الآبی فی کشف الرموز(2) و ابن فهد الحلّی فی المهذب البارع(3) و صریح جماعة أُخری نحو الشهید فی الدروس(4) و الحواشی النجاریة(5) و اللمعة(6) و الفاضل المقداد فی التنقیح(7) و المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(8) و الشیخ ابراهیم القطیفی فی إیضاح النافع(9) و الشیخ لطف اللّه المیسی العاملی فی المیسیة(10) و الشهید الثانی فی

ص: 383


1- 1 . المختصر النافع /118.
2- 2 . کشف الرموز 1/444 و 445.
3- 3 . المهذب البارع 2/356.
4- 4 . الدروس 3/192 و 233.
5- 5 . الحاشیة النجاریة /221 و نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/605.
6- 6 . اللمعة /110.
7- 7 . التنقیح الرائع 2/26.
8- 8 . جامع المقاصد 4/74 و 75.
9- 9 . إیضاح النافع /مخطوطة و نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/605.
10- 10 . المیسیة /مخطوطة و نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/605.

المسالک(1) و الروضة(2)، و قال سیّد الریاض: «قولان، الأظهر الأوّل [کاشفة] وفاقا للأشهر»(3) و فی جامع الشتات أنّ الکشف أنّه «مذهب الأکثر»(4) و فی موضع آخر منه «أنّه الأشهر الأقوی»(5).

و اختار المقدس الأردبیلی(6) أنّها ناقلة مع إقراره بأنّ الکشف مذهب الأکثر، و تبعه الفاضل النراقی(7)، و هی الظاهر من فخرالمحقّقین فی الإیضاح(8) و قد نقل عنه الشهید فی الحواشی النجاریة(9) وصرح به الفخر فی موضع آخر(10)، و إلیه مال الفاضل الأصبهانی فی کشف اللثام(11).

و لم یرجّح المحقّق الثانی فی تعلیقه علی الإرشاد(12)، و استشکل فیه العلاّمة فی القواعد(13) و تبعه السبزواری فی الکفایة(14).

و یظهر من الفاضل الآبی فی کشف الرموز(15) قولاً ثالثا فی الإجازة و هو أنّها «بیع

ص: 384


1- 1 . المسالک 3/158.
2- 2 . الروضة البهیة 3/229.
3- 3 . ریاض المسائل 8/227.
4- 4 . جامع الشتات 1/164 من الطبعة الحجریة (2/319 من طبع الحروفی).
5- 5 . جامع الشتات 1/155 من الطبعة الحجریة (2/279).
6- 6 . مجمع الفائدة 8/159.
7- 7 . مستند الشیعة 14/284.
8- 8 . إیضاح الفوائد 3/28.
9- 9 . لم أعثر علی هذا النقل فی الحاشیة النجاریة ولکن نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/605.
10- 10 . إیضاح الفوائد 1/420.
11- 11 . کشف اللثام 7/103.
12- 12 . حاشیة إرشاد الأذهان /337 المطبوعة فی المجلد التاسع من حیاة المحقّق الکرکی و آثاره.
13- 13 . قواعد الإحکام 2/19.
14- 14 . الکفایة 1/449.
15- 15 . کشف الرموز 1/446.

و بمثابة عقد ثانٍ». و أکثر ما ذکرناه من الأقوال یظهر من السیّد العاملی(1) رحمه الله .

ثمّ یقع الکلام فی مَقامَیْنِ:

المقام الأوّل: قد یقال بامتناع قولی الکشف و النقل فی مقام الثبوت

أمّا الکشف: فلاستلزامه کون الإجازة شرطا متأخرا و هو محال، ضرورة کون الشرط من أجزاء العلّة التامة و تقدّمها علی المعلول من الواضحات و إلاّ یلزم تأخر بعض أجزاء العلّة عن المعلول و هو مستحیل.(2)

و أمّا النقل: فلاستلزامه تأثیر المعدوم _ و هو العقد _ فی الموجود أی الملکیّة أو النقل، و أمّا انعدام العقد حال الإجازة فلکونه متصرم الوجود و أمّا تأثیره فی الوجود فلأنّ المفروض حصول الأثر و هو النقل و الانتقال حال الإجازة الواقعة بعد انعدام العقد. و لا یعقل تأثیر العدم فی الوجود.(3)

ولکن نقول: بعدم تمامیة هذین الدلیلین بالنسبة إلی قولی الکشف و النقل

و أمّا ردّ دلیل امتناع الکشف: فبما مرّ مرارا و تکرارا فی أبحاثنا الاُصولیة من أنّ امتناع تخلف المعلول عن العلّة إنّما فی عالَمِ التکوین و الوجود، ولکن فی العالَم الاعتبار و الجَعْل الذی تجری الأحکام الشرعیة فیه لیس کذلک أی لا تکون العلّة و المعلول و العلیّة بل الأمر یدور مدار الجعل و الاعتبار و بأیّ نحو جُعلت و اعتبرت تکون کذلک ولو علی نحو الشرط المتأخر کأجزاء من صوم النهار الذی یقع قبل غسل المستحاضة، و الغسل شرط لصحة تلک الأجزاء الماضیة بل کغسلها اللیلی لصوم النهار الماضی کما عن بعض، و لذا قال جدی الشیخ جعفر قدس سره : «و لیس فی تأخّر بعض الشروط غرابة لا فی عبادة و لا فی معاملة»(4). و تبعه تلمیذه صاحب الجواهر إذ ذَهَبَ إلی: «إنّ

ص: 385


1- 1 . مفتاح الکرامة 12/605 و 606.
2- 2 . کما ذکره الفخر باختصار فی الإیضاح 1/420.
3- 3 . کما ذکر الفخر نحوه فی إیضاح الفوائد 1/419.
4- 4 . شرح القواعد 2/95.

الشروط الشرعیة لیست کالعقلیة»(1). و التفصیل یطلب من بحث الشرط المتأخر فی علم الأُصول.

و أمّا ردّ دلیل امتناع النقل: فالعقد الذی یقع فی زمن الماضی ألفاظه تکون معدومة لأنّها من متصرمات الوجود و أمّا اعتباره و جعله الشرعی فی العالَم الاعتبار یکون باقیّا و یتم و یصح بالإجازة من المالک، و بردّه ینعدم و یبطل فی العالَم الاعتبار الشرعی.

و الدلیل علی البقاء الاعتباری عند العقلاء و المتشرعة هو صحة فسخ العقود الخیاریة و صحة الإقالة و صحة لحوق القبول بالإیجاب عرفا، فلا یلزم تأثیر المعدوم فی الموجود أصلاً.

المقام الثانی: دلیل القولین فی مقام الإثبات
ما استُدل به علی الکشف
الوجه الأوّل: حُکی عن المحقق و الشهید الثانییین بأن العقد بنفسه

الوجه الأوّل: حُکی(2) عن المحقّق و الشهید الثانیین(3) بأنّ العقد بنفسه و بدون ضمّ شی ء آخر یکون سببا لوجوب الوفاء فی قوله تعالی: «اوفوا بالعقود»(4) و یکون سببا لحصول الملکیة، و تَنْکَشِفُ تمامیة العقد بإجازة المالک و إعلام رِضاهُ، ولو لم یترتب الأثر لزم أن لایکون وجوب الوفاء بنفس العقد فقط و هو خلاف الفرض.

و ردّ الشیخ الأعظم(5) علی هذا الاستدلال بأنّ علّیّة العقد للملکیّة إذا صدر عن رضا المالک فهو مسلَّمٌ، ولکن فی الفضولی قبل الإجازة لا یُعلم رضا المالک أصلاً، فکیف یُحکم بالملکیّة قبل حصول الإجازة و أمّا بعدها فلا مانع من ترتب الملکیّة فتکون

ص: 386


1- 1 . الجواهر 23/462 و مابعده (22/286).
2- 2 . حکاه السیّد المجاهد فی المناهل /290، و السیّد العاملی فی مفتاح الکرامة 12/606 عن القائلین بالکشف.
3- 3 . جامع المقاصد 4/74 و 75، الروضة البهیة 3/229.
4- 4 . سورة المائدة /1.
5- 5 . المکاسب 3/400.

الإجازة ناقلة لا کاشِفَةً.

و أمّا إذا لم یصدر العقد عن رضا المالک فعلِّیته بالنسبة إلی الملکیّة محلّ منع واضح، لاعتبار رضا المالک فی العقود المالیة و غیرها.

ثمّ ذکر الشیخ الأعظم(1) تقریرا آخرا لهذا الدلیل، و هذا التقریر للشیخ الفقیه الشیخ محسن الأعسم فی کتابه «کشف الظُّلام فی شرح شرائع الاسلام»(2) المخطوط قال فیه: «احتج الکاشفون بأُمور: الأوّل: أنّ السبب الناقل للملک هو العقد المشروط بشرائط و کلّها حاصلة إلاّ رضا المالک، فإذا حصل الشرط عمل السبب التام. و اشتراط المقارنة فی تأثیر العقد محتاج إلی الدلیل بعد عموم الأمر بالوفاء بالعقود. فلو توقف العقد علی أمر آخر لزم أن لایکون الوفاء بالعقد خاصة، بل هو مع الأمر الآخر»(3).

و الفرق بین التقریرین: الإجازة اللاحقة ببیع الفضولی کاشفة عن وجود الرضا حال العقد فبها تحرز تمامیة عقد الفضولی للملکیّة.

ولکن الإجازة اللاحقة فی التقریر الثانی تکون بنفسها رضا بسببیّة العقد للملکیة.

و ردّ الشیخ الأعظم علی هذا التقریر بقوله: «انّه إذا اعترف أنّ رضا المالک من جملة الشروط فکیف یکون کاشفا عن وجود المشروط قبله؟»(4).

و بالجملة: ایراد الشیخ الأعظم یرجع إلی ما مرّ من امتناع القول بالکشف فی مقام الثبوت.

و حاصله: سببیة الإجازة اللاحقة _ و هی الرضا_ لحصول الملکیّة بالعقد، توجب حصول الملکیة بعد الإجازة و هذا هو القول بالنقل، ولو حصل الملکیة قبل حصول الإجازة، یلزم تقدّم المسبَّب علی السبب أو المشروط علی الشرط أو المعلول علی العلّة التامة و هو محال.

ص: 387


1- 1 . المکاسب 3/400.
2- 2 . کما نبّه علیه المحقّق الشهیدی فی هدایة الطالب 3/94.
3- 3 . کشف الظلام، المتاجر، مخطوط، نقل عنه المحقّق المروج فی هدی الطالب 5/20.
4- 4 . المکاسب 3/401.

قال: «و دعوی(1) أنّ الشروط الشرعیة لیست کالعقلیة، بل هی بحسب ما یقتضیه جعل الشارع، فقد یجعل الشارع ما یشبه تقدیم المسبَّب علی السبب کغُسل الجمعة یوم الخمیس [لمن خاف عدم وجدان الماء(2)] و إعطاء الفطرة قبل وقتها [من أوّل شهر رمضان(3)] فضلاً عن تقدُّم المشروط علی الشرط کغُسل الفجر بعد الفجر للمستحاضة الصائمة [لتبعیة حصوله للصوم لحصوله للصلاة(4)] و کغُسل العشائین لصوم الیوم ماضی علی القول به(5)»(6).

و هذه الدعوی مِنَ الشیخ الأعظم(7) مدفوعة بأنّ استحالة تقدّم المشروط علی الشرط أو المسبَّب علی السبب تکون من الأحکام العقلیة فلایمکن تخصیصها کاجتماع المتناقضین، و تکثیر الأمثلة لا یوجب وقوع المحال العقلی.

و الأمثلة التی تُوْهِمُ ذلک «لابدّ فیه من التزام أنّ المتأخّر لیس سببا أو شرطا، بل السبب و الشرط الأمر المنتزَع من ذلک»(8) و هو التعقّب و اللحوق ففی الغسل تعقّبه بیوم الجمعة و فی الفطرة تعقّبه بالإهلال و فی المستحاضة تعقّبه بالغُسل و فی الإجازة تعقّبها و لحوقها بالعقد، و اللحوق التعقّب أمر مقارن لا متأخر.

ثمّ یری الشیخ الأعظم(9) هذا الأمر الانتزاعی _ و هو التعقب و اللحوق _ خلاف

ص: 388


1- 1 . المدعی کما مرّ هو صاحب الجواهر 23/464 (22/287) لأنّه قال: «قد عرفت الفرق بینها [العلّة التامة أی العقلیة] و بین ما نحن فیه من العلل الشرعیة التی لا غرابة فی تأخّر الشرائط فیها _ فی عبادة و لا معاملة _ ولکن علی الوجه المزبور...».
2- 2 . راجع الشرائع 1/36.
3- 3 . راجع المسالک 1/452.
4- 4 . راجع الجواهر 3/644 من طبعة جماعة المدرسین (3/366 من طبعة الاسلامیة).
5- 5 . راجع مستند الشیعة 3/38 و 39.
6- 6 . المکاسب 3/401.
7- 7 . المکاسب 3/401.
8- 8 . المکاسب 3/401.
9- 9 . المکاسب 3/401.

ظاهر أدلة اعتبار التراضی و طیب النفس الظاهریْن فی موضوعیتهما دون الأمر الانتزاعی.(1)

ثمّ قال الشیخ الأعظم: «اللهم إلاّ أن یکون مراده [أی مراد هذا المدعی] بالشرط ما یتوقّف تأثیر السبب المتقدّم فی زمانه علی لحوقه»(2).

مراده: أن یجعل اتصاف الرضا و الإجازة بالشرطیة من الوصف بحال المتعلَّق، لاِءنَّهُ بناءً علی الکشف یتأثّر العقد من زمن وقوعه من الإجازة و یحکم بصحته من حینه، لأنّه ملحوق بالإجازة و الملحوقیة شرط مقارن للعقد، فتوصیف الرضا و الإجازة بالشرطیة یکون بحال متعلَّقه. و من قبیل المجاز فی الکلمة، لأنّ معنی الشرط اصطلاحا هو ما یتوقّف تأثیر المقتضی علی نفسه لا علی لحوقه کما فی هذا البیان.

ثمّ اعترض علیه الشیخ الأعظم بقوله: «و هذا [1] مع أنّه لا یستحقّ اطلاق الشرط علیه، [2] غیر صادق علی الرضا، لأنّ المستفاد من العقل و النقل اعتبار رضا المالک فی انتقال ماله، و أنّه لایحلّ لغیره بدون طیب النفس، و أنّه لاینفع لحوقه فی حلّ تصرف الغیر و انقطاع سلطنة المالک»(3).

و عطف علی هذا المقال قوله: «و ممّا ذکرنا یظهر ضعف ما احتمله فی المقام بعض الأعلام _ بل التزم به غیر واحد من المعاصرین _ من أنّ معنی شرطیة الإجازة مع کونها کاشفة، شرطیة الوصف المنتزع منها، و هو کونها لاحقة للعقد فی المستقبل، فالعلّة التامة: العقد الملحوق بالإجازة، و هذه صفة مقارنة للعقد و إن کان نفس الإجازة متأخّرة عنه»(4).

مراده: من بعض الأعلام هو جدّی العلاّمة الشیخ محمّدتقی صاحب الهدایة کما نقل عن الشیخ الأعظم تلمیذه الشیخ محمّدحسن المامقانی رحمه الله و قال: «و سمعت منه

ص: 389


1- 1 . کما فی هدی الطالب 5/27.
2- 2 . المکاسب 3/401.
3- 3 . المکاسب 3/402.
4- 4 . المکاسب 3/402.

شفاها فی بعض أبحاثه حکایته عن شرح التبصرة للشیخ الجلیل محمّدتقی الأصبهانی»(1).

و مراده من غیر واحد من المعاصرین هم أصحاب الفصول و المستند و أنوار الفقاهة و الجواهر.

فحینئذ لابدّ من نقل کلمات هؤلاء القوم حتّی تعرف حقیقة مرامهم فنقول:

قال العلاّمة الجدّ الشیخ محمّدتقی صاحب الهدایة رحمه الله : «و دعوی لزوم مقارنة الشرط للمشروط مسلّمة إن اُرید توقف التأثیر علیها بأن یکون ترتب الأثر علی المشروط مقارنا لحصول الشرط، و لا یلزم منه تقارنهما فی الوجود، ألا تری أنّ القبض فی المجلس شرط فی (صحة، ن ل) بیع الصرف و السَّلم مع أنّ القبض قد یتأخر عن العقد، و کذا الحال فی قبض الوقف و قبض الهبة.

علی أنّه قد یکون الشرط وجوده فی الجملة ولو متأخرا عن المشروط، فلا یتوقف تأثیر المشروط علی وجوده حین تأثیره، فیکشف وجوده المتأخر عن اقتران الشرط بالمشروط حین التأثیر کما هو الحال فی المقام بناءً علی القول بکون الإجازة کاشفة»(2).

و قال أخیه صاحب الفصول: «... و من هذا القبیل کلّ شی ءٍ یکون وقوعه مراعی بحصول شی ءٍ آخر کالصحة المراعاة بالإجازة فی الفضولی فإنّ شرط الصحة فیه کون العقد بحیث یتعقّبه الإجازة، و لیست مشروطة بنفس الإجازة، و إلاّ لامتنعت قبلها»(3).

و قال الفاضل النراقی: «و الحاصل: أنّه یتوقف تأثیر العقد علی وجود الإجازة لا بمعنی توقّفه علی وجودها الفعلی، بل علی وجودها ولو فی وقت آخر، فلو کان العقد فی الواقع بحیث تتعقّبه الإجازة بعد مدّة یکون حین الصدور سببا تاما، و إذا کان فی الواقع بحیث لم تتعقّبه الإجازة یکون فاسدا»(4).

ص: 390


1- 1 . غایة الآمال /375.
2- 2 . تبصرة الفقهاء 3/340؛ و کذا استظهر من عبارة هدایة المسترشدین 2/175.
3- 3 . الفصول الغرویة /80.
4- 4 . مستند الشیعة 14/283.

و قال خالی الشیخ حسن ابن الشیخ جعفر کاشف الغطاء رحمهماالله : «إنّ الإجازة ناقلة من حینها... أو کاشفة عن الصحة المتقدمة بمعنی: أنّ الصحة ثابتة من قبل إنکشف بها، لأنّها موقوفة علی حصول الشرط، و هو الرضا فی أحد الأزمنة ولو متأخرا، فبالإجازة بان حصوله. أو بمعنی أنّ الإجازة أثّرت فی صحة العقد الماضی حین صدوره، فبها انکشف أنّ العقد الأوّل کان صحیحا من حینه؟ وجوه أقواها الوسط و ربّما کان هو المشهور»(1).

أقول: هذه العبارة کما تری لَیْسَتْ صریحة فی شرطیة الوصف المنتزع.

و قال صاحب الجواهر فی عدّ معانی الکشف: «الثالث: _ و هو التحقیق _ أن یکون الشرط حصول الرضا ولو فی المستقبل، الذی یعلم بوقوعه من المالک مثلاً أو بإخبار المعصوم أو نحو ذلک، و المراد شرطیة الرضا علی هذا الوجه. و کأنّ هذا هو المتعیّن»(2).

و اعْتَرَضَ علیهم الشیخُ الأعظمُ بوجوه ثلاثة:

الأوّل: هذا البیان و التعریف _ و هو شرطیة اللحوق و التعقّب أو شرطیته فی الجملة ولو کان متأخرا عن المشروط کما یظهر من المحقّق التقی _ بالنسبة إلی الشرط غیر تام، لأنّ الشرط هو ما یتوقّف تأثیر المشروط علیه و لا یحصل المشروط من دون تحقّق شرطه.

الثانی: انتزاع التعقّب و اللحوق و الشرطیة فی الجملة من شرطیة الإجازة لبیع الفضولی خلاف ظاهر أدلة اعتبار التراضی و طیب النفس الظاهریْن فی موضوعیتهما و فعلیتهما.

الثالث: المستفاد من العقل و النقل اعتبار رضا المالک فی انتقال ماله و لا ینفع اللحوق و التعقّب بالنسبة إلی الرضا فی انقطاع سلطنة المالک و تصرفات الغیر فی ماله فعلاً.

و أنت تری بأنّ الاعتراض الثالث هُوَ عبارة أُخری عن الاِءعْتِراضِ الثانی.

ص: 391


1- 1 . أنوار الفقاهة / مخطوط، نقل عنه المحقّق المروج فی هدی الطالب 5/30.
2- 2 . الجواهر 23/466 (22/289).

و بعد هذه المناقشات علی لاِءعْلامِ الطائفة قال: «و قد التزم بعضهم بما یتفرّع علی هذا من أنّه إذا علم المشتری أنّ المالک للمبیع سیجیز العقد، حلّ له التصرّف فیه بمجرد العقد، و فیه: ما لا یخفی من المخالفةُ للأدلّة»(1).

مراده من هذا البعض هو صاحب الجواهر رحمه الله حیث یقول: «نعم، لو أخبر المعصوم بأنّه یحصل الرضا فعلاً من المالک الذی یؤثّر رضاه، کفی ذلک فی ترتّب الآثار الآن علیه لتحقّق الشرط حینئذ کتحقّقه بنفس وقوعه، إذ الشرط الحصول فعلاً ولو فی المستقبل، و لا ریب فی تحقّق الحصول فی المستقبل بالإخبار، أو لأنّ مثل هذا الشرط لا بأس بحصول مشروطه قبله بعد أن کان من الأوضاع الشرعیة التی منها ما یشبه تقدّم المعلول علی العلّة»(2).

و اعترض علیه: بأنّ التصرف فی مال الغیر قبل حصول الرضا و طیب النفس الفعلیان خلاف لأدلة اعتبارهما.

ولکن یمکن أن یدافع عن العلاّمة الجدّ و أتباعه فی قبال اعتراضات الشیخ الأعظم بمایلی:

الأوّل: تعریف الشرط بما یتوقف علیه المشروط صحیح بالنسبة إلی الشروط التکوینیة الخارجیة أمّا بالنسبة إلی الشروط الشرعیة فلا، کما یظهر ذلک من الأمثلة الأربعة المذکورة فی کلام الشیخ الأعظم(3) و الثلاثة المذکورة فی کلام العلاّمة الجدّ.

الثانی: لا یُنکر الظُّهُوْرُ الأوّلی لأدلة اعتبار التراضی و طیب النفس فی فعلیتهما و موضوعیتهما کما علیه الشیخ الأعظم ولکن لا نسلّم اعتبار رضا المالک و طیب نفسه الفعلیّین فی صحة الانتقال و حلّیّة التصرف، بل یکفی حصولهما و لحوقهما و تعقّبهما ولو فی ما بعد فیتمّ ما ذکره صاحب الجواهر من التفریع و حیث أنّ الإعتراض الثانی و الثالث واحد نکتفی بجواب واحد، و هذا کلّه فی توضیح کلام الشیخ الأعظم و نقده بالنسبة إلی

ص: 392


1- 1 . المکاسب 3/402.
2- 2 . الجواهر 23/466 (22/288).
3- 3 . المکاسب 3/401.

الوجه الأوّل من وجوه الاستدلال علی الکشف، و الحمدللّه علی الستر.

الوجه الثانی: للاستدلال علی الکشف
اشارة

قال الشیخ الأعظم عن هذا الوجه: «انّ الإجازة متعلّقة بالعقد، فهی رضا بمضمونه و لیس إلاّ نقل العوضین من حینه»(1).

و هذا الاستدلال لسیّد الریاض قال: «... إذ لیس معناها [الإجازة] إلاّ الرضا بمضمون العقد و لیس إلاّ إنشاء نقل العوضین من حینه»(2).

و للمحقّق القمی فی جامع شتاته(3) و غنائم أیامه(4).

و الاستدلال قِوامُهُ أُمورٌ ثلاثة:

الأوّل: متعلَّق الإجازة هو العقد کما أنّ متعلَّق الرد و الفسخ کذلک.

الثانی: عقد الفضولی یدل علی النقل من حین وقوعه.

الثالث: الإجازة هی رضا بمدلول العقد و مضمونه.

فالإجازة تصحّح استناد العقد إلی مالکه المجیز و تکون کاشفة عن صحة العقد من حین وقوعه.

ثمّ اورد علیه الشیخ الأعظم بوجوه ثلاثة:
الأوّل: مضمون العقد هو النقل ولکن من دون تقیّد بزمان وقوعه

الأوّل(5): مضمون العقد هو النقل ولکن من دون تقیّد بزمان وقوعه، و إن کان الزمان ظرف وجوده لأنّه من الزمانیات ولکن وقوعه فی زمان لا یدلّ علی أنّه مقیّد بذلک الزمان و «کما أنّ الشارع إذا أمضی نفس العقد وقع النقل من زمانه فکذلک إذا أمضی

ص: 393


1- 1 . المکاسب 3/400.
2- 2 . ریاض المسائل 8/227.
3- 3 . جامع الشتات 1/155 من الطبعة الحجریة (2/279).
4- 4 . غنائم الأیام /542 من الطبعة الحجریة.
5- 5 . المکاسب 3/403.

إجازة المالک وقع النقل من زمان الإجازة»(1).

أقول: کما أنّ العقد و مضمونه و هو النقل غیر مقیّد بالزمان، یمکن أن یقال بأنّ الإجازة أیضا کذلک غیر مقیّدة بالزمان فیمکن أن یتعلَّق بالعقد من حین وقوعه أو من حین وقوع الإجازة، فهذا البیان یکون أخص من مدعاه و هو الردّ علی القول بالکشف کما یظهر ذلک من المحقّق الإیروانی.(2)

ثمّ استشهد لمقالته بأنّ مقتضی القبول لیس وقوع الملک من زمان الإیجاب مع أنّ مقتضی القبول لیس إلاّ الرضا بمضمون الإیجاب، بل یتمّ العقد من حین القبول.

ولکن الاْءُولی تنظیر الإجازة بمقابلها و هو الفسخ، فکما أنّ الفسخ حلّ العقد من حینه لا من حین وقوع العقد، فکذلک الإجازة فإنّها تنفیذ العقد من حین وقوعها لا من حین وقوع العقد حتّی تدلّ علی الکشف(3) کما یأتی منه قدس سره .

ثمّ اعترض(4) علی استشهاده بوجود الفارق بین القبول و الإجازة، و هو العقد لا یتم إلاّ بالقبول و العقد سبب للملک فلا یتقدّم الملک علی سببه، ولکن فی الإجازة، العقد وقع تماما و هو السبب للنقل و الإجازة هی الرضا بمضمون العقد فیکشف صحته من حین تحقّقه.

و أجاب(5) عن الاِعتراض بأنّ: کما أنّ الإیجاب بنفسه لیس سببا للملک، کذلک عقد الفضولی لا یترتب علیه الأثر إلاّ بعد الإجازة فکلّ من القبول و الرضا جزءُ علّة الملک، فالفارق بینهما غیر موجود.

ثمّ استشهد(6) بتنظیر الإجازة و الفسخ، فکما أنّ الفسخ حلّ للعقد من حین وقوع

ص: 394


1- 1 . المکاسب 3/403.
2- 2 . حاشیة المکاسب 1/127.
3- 3 . کما فی هدی الطالب 5/39.
4- 4 . المکاسب 3/403 قوله: «و دعوی: أنّ العقد سبب للملک فلا یتقدّم علیه...».
5- 5 . المکاسب 3/403 قوله: «مدفوعة بأنّ سببیته...».
6- 6 . المکاسب 3/404 قوله: «و لأجل ما ذکرنا أیضا...».

الفسخ فکذلک الإجازة تثبت العقد من حینها، و السرّ فی ذلک کلّه عدم کون الزمان قیّدا للنقل فی البیع بل ظرفا له «فجمیع ما یتعلَّق بالعقد من الإمضاء و الردّ و الفسخ إنّما یتعلَّق بنفس المضمون دون المقیّد بذلک الزمان»(1).

ثمّ استشهد(2) بأمر آخر و هو: جواز إنشاء الإجازة بکل ما یدلّ علی الرضا بنفس عقد الفضولی أو بنتیجته فیمکن صدور الإجازة بمثل قول المالک: «رضیتُ بالعقد أو أجزته» أو قوله: «رضیتُ أو أجزتُ بانتقال مالی إلی المشتری» أو بالفعل الدال علیه نحو: تسلیم المبیع إلی المشتری أو أخذ الثمن منه أو تمکین المرأة نفسها من الزوج فی نکاح الفضولی.

فنفس إمکان صدور الإجازة بنتیجة العقد أو بالفعل یدلّ علی أنّ النقل وقع من حینها، لاِءَنَّهُ لم یُلاحَظْ فیهما زمان وقوع العقد.

ثمّ أتی(3) بتقریر آخر و هو: الإجازة تقوم مقامَ الرّضا و الإذنِ المَقْرُوْنَیْنِ بالعقد الفضولی و بهما یصیر المالک بمنزلة العاقد، فالإجازة إمّا شرط للعقد لکونها قائمة مقام الإذن الذی هو شرط للعقد. و إمّا جز سبب الملک لکونها قائمةً مقام إنشاء المالک، و علی الحالین لا یتم العقد و مضمونه _ و هو النقل _ إلاّ بعد صدور الإجازة التی هی شرط للعقد أو جزء سببٍ للملک الذی هو مضمون العقد.

و یری الفقیه السیِّدُ الیزدی(4) رحمه الله هذا التقریر دلیلاً مستقلاً لا دخل له بماضیه بل هو قریب بإشکاله الثانی الآتی.

ثمّ ردف الشیخ الأعظم هذا التقریر «بعبارة اُخری» و قال: «المؤثِّر هو العقد المرضیّ به، و المقیَّد من حیث أنّه مقیَّدٌ لا یوجد إلاّ بعد القید، و لا یکفی فی التأثیر وجود

ص: 395


1- 1 . المکاسب 3/404.
2- 2 . المکاسب 3/404 قوله: «و الحاصل: أنّه لا إشکال...».
3- 3 . المکاسب 3/404 قوله: «و بتقریر آخر أنّ الإجازة...».
4- 4 . حاشیة المکاسب 2/180.

ذات المقیَّد المجردة عن القید»(1).

أقول: الملکیة المجعولة المنشأ توسط العاقد، التی أجازها المالک تستحیل أن تکون مهملة _ أی غیر مقیّدة بشی ءٍ _ لأنّ العاقد المنشی الجاعل إمّا أن تجعل الملکیّة مطلقة _ أی من هذا الزمان إلی یوم القیامة أو حدوث ما یزیله _ أو مقیّدة بزمان _ کالملکیة بعد ساعة أو یوم أو اُسبوع أو شهر أو... _ و بما أنّها لا تکون مقیّدة فتکون مطلقة یعنی من زمان العقد إلی یوم القیامة، و الإجازة إنّما تعلّقت بتلک الملکیّة المطلقة یعنی من زمان العقد فلا محالة تکون الإجازة کاشفة.

و النقض بالقبول غیر وارد، لأنّ الملکیة المنشأة بالإیجاب مقیّدة بالقبول و لیست مطلقة فکأنّه قال: بعتک إن قبلتَ، و قد ذکرنا أنّ مثل هذا التعلیق فی العقود ممّا لا بأس به لأنّه تعیلق یقتضیه نفس العقد. فالملکیة أنشات معلّقة علی القبول فلا معنی لتقدّمها علیه بخلاف(2) الإجازة.

الثانی: قال ما حاصله: سلّمنا کون مضمون العقد هو النقل المقیّد

الثانی: قال(3) ما حاصله: سلّمنا کون مضمون العقد هو النقل المقیّد بالزمان و سلّمنا تعلّق الإجازة بهذا المضمون إلاّ أنّه لایترتّب علیه الملکیة الشرعیة، لتوقفها علی إمضاء الشارع، و إمضائه یتوقف علی إجازة المالک حتّی یشمله قوله تعالی «اوفوا بالعقود»(4)، فالملکیّة الشرعیة تحدث فی زمان إمضاء المالک لا إنشاء العاقد، و هذا یعنی أنّ الإجازة ناقلة و لیست بکاشفة.

فظهر مِنْ ذلِکَ عدم تمامیة الاستدلال علی الکشف بقوله تعالی «اوفوا بالعقود»، لأنّ وجوب الوفا یترتّب علی عقد المالک، و عقد الفضولی لا یصیر للمالک و لا یستند إلیه إلاّ بعد إجازته، و بعدها یترتب وجوب الوفاء بالعقد و هذا هو القول بالنقل.

ص: 396


1- 1 . المکاسب 3/404.
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/441.
3- 3 . المکاسب 3/405.
4- 4 . سورة المائدة /1.

و ظهر عدم تمامیة الاستدلال علی الکشف بقوله تعالی «أحل اللّه البیع»(1)، لأنّ الملک ینشأ من حلیّة التصرف و هی تتوقف علی الإجازة و الرضا من المالک، فقبلها لا یحلّ التصرف، «خصوصا إذا علم عدم رضایة المالک باطنا أو تردّده فی الفسخ و الإمضاء»(2)، فإذا لم یحلّ التصرف فلا یتحقّق الملکیة.

أقول: نعم، الشارع یحکم بالملکیّة بعد إجازة المالک إلاّ أنّه لا ینافی أن یحکم بعد الإجازة بالملکیة من أوّل الأمر، و لا مانع من تغایر زمانی الحکم و المحکوم به کما وقع عکس ذلک فی الوصیة حیث حکم الموصی بالملکیة للموصی له بعد موته _ فإذ جاز ذلک فلیکن عکسه أیضا جائزا، ففی المقام حکم الشارع بعد الإجازة بالملکیة المتقدّمة بعد العقد.(3)

و الشاهد علیه: ملاحظة باب الإجازة کما إذا اَجَّرَ الفضولی دار شخص من أوّل السنة فأجازها المالک بعد شهر مضت من أوّل السنة، حکم الشارع بعد الإجازة بصحة الإجارة ولکن المحکوم به هو ملکیة منافع الدار من أوّل السنة للمستأجر.(4)

و یمکن أن یورد علی هذا المقال بوجهین:

أ: إنّ الحکم بملکیة شی ءٍ لشخصین مستحیل و العبرة بتعدّد المتعلَّق لا بتعدّد زمان الاعتبار، فلو کان المتعلّق واحدا فالحکم علیه بحکمین متنافیین محال، ولو کان الحکمان و الاعتباران یتعلّقان بشی ء واحد فهذا مستحیل و إن کان زمانهما غیر واحد.

و أمّا إذا کان المتعلّق متعدّدا فیَصَحُّ أن یحکم علیهما بحکمین مختلفین ولو کانا فی زمان واحد. أو فی زمانین.

و فی المقام متعلّق الحکم و الاعتبار واحد و هو الملکیة قبل الإجازة، فقد یقال نعتبرها قبل الإجازة للمالک و بعدها للمشتری، فهی شی ءٌ واحد قد حکم به لشخصین و

ص: 397


1- 1 . سورة البقرة /275.
2- 2 . المکاسب 3/406.
3- 3 . کما یظهر من المحقّق الخراسانی فی حاشیته علی المکاسب /61.
4- 4 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 1/442.

هو مستحیل.

یظهر هذا البیان من المحقّق النائینی(1) فی بحث حکم الخروج من الأرض المغصوبة.

و أجاب عنه تلمیذه السیّد الخوئی رحمه الله : «أنّ ما أفاده إنّما یتم فی الأحکام البعثیة و الزجریة و هی التکلیفیّة فقط حیث أنّها تحتاج إلی المتعلَّق لا محالة، و الشی ء الواحد لا یمکن أن یبعث إلیه و یزجر عنه و لا یمکن إیجابه و تحریمه... و أمّا الأحکام الوضعیة فلا، لأنّها ناشئة من مصالح فی جعلها و لا مانع من أن یعتبر فی زمان شخصا مالکا لشی ءٍ لأجل مصلحة فی هذا الاعتبار، و أن یعتبر فی زمان آخر غیره مالکا له لأجل مصلحة اُخری و هذا أمر ممکن فی الاعتبار...»(2).

ب: ما ذکرتم من وجود الاعتبارین بالنسبة إلی متعلَّق واحد فی زمانین مختلفین إنّما یتم فی القضایا الخارجیة و الموالی العرفیة التی نظرها إلی البیوع الخارجیة، و أمّا فی القضایا الحقیقیة و الأحکام الشرعیة التی لا نظر فیها إلی الخارج فلا یتم بوجه، بل إنّما هی مترتّبه علی موضوعاتها المقدّرة الوجود و صادرة قبل خلق الخلق و العالَم أو حین نزول الشریعة فلا یتمّ أبدا، لأنّ الشارع إنّما اعتبر الملکیة قبل وجود المتبائعین لا محالة کما هو کذلک فی الأحکام التکلیفیة کوجوب الحج... .

و علیه فنقول: إنّ الشارع الذی اعتبر الملکیة هل اعتبرها من حین العقد أو من حین الإجازة فعلی الأوّل تکون الإجازة کاشفة حقیقة کما أنّها علی الثانی تکون ناقلة فلا یبقی لاستکشاف ما ذکرتموه مجال...»(3).

ثمّ أجاب السیّد الخوئی(4) عن هذا الإیراد بجوابین:

أحدهما: إنّ الشارع بالنسبة إلی الإعتباریات لیس جاعل بل هو لم یردع عنها و

ص: 398


1- 1 . راجع أجود التقریرات 2/188.
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/444.
3- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/445.
4- 4 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/446.

أمضاها بما لها عند العقلاء و فی المقام ما أتی به المالک هو الاعتبار بعد الإجازة المتعلِّقة بالملکیّة السابقة و المفروض أنّ الشارع قد أمضی هذ الاعتبار فی الفضولی فیقع الملکیة بعد الإجازة من أوّل العقد.

ثانیهما: و علی فرض أنّه جاعلٌ و معتبِرٌ و اعتباره أزلیٌّ، موضوع اعتباره هی الإجازة، لأنّه اعتبر ملکیّة المشتری من أوّل العقد إذا تحقّقت الإجازة و بعد ما تحقّقت فیتحقّق الحکم بالملکیة من أوّل الأمر کما فی وجوب الحج بالنسبة إلی الاستطاعة، فکون القضیة حقیقیّة و یترتّب الحکم فیها علی موضوعاتها المقدّرة غیر مضرّ بالاستدلال.

الثالث: قال ما حاصله: الإجازة لا توجب نفوذ العقد من حین

الثالث: قال(1) ما حاصله: الإجازة لا توجب نفوذ العقد من حین وقوعه، و إن کانت موجبةً لنفوذه من حین وقوعها، کما أنّ مضمون صیغة القبول _ و هو رضا بمضمون الإیجاب _ لا یوجب ترتّب الأثر من زمن الإیجاب. هذا أوّلاً.

و ثانیا: ولو کانت الإجازة موجبةً لنفوذ العقد من حین وقوعه، فلابدّ من رفع الید عن هذا الظهور لأنّه غیر معقول لاستلزامه استحالة انقلاب الشی ء عمّا وقع علیه، لأنّ عقد الفضولی لم یقع حین حدوثه مؤثّرا، فکیف یصیر مؤثرا بعد صدور الإجازة من زمان وقوعه؟(2)

و لذا لو ورد دلیلٌ علی وقوع عقد الفضولی من حینه بعد صدور الإجازة لابدّ من صرفه عن ظاهره و حمله علی «إرادة معاملة العقد بعد الإجازة معاملة العقد الواقع مؤثّرا من حیث ترتّب الآثار الممکنة»(3) نحو انتقال نماء المبیع بعد العقد إلی المشتری، و إن کان أصل الملک قبل الإجازة یکون للمالک و النماء یقع فی ملکه.

و هذا القول فی الکشف هو الکشف الحکمی و هو غیر الکشف الحقیقی و قال الشیخ الأعظم فی شأنه: «و لم أعرف من قال بهذا الوجه من الکشف إلاّ الاُستاذ

ص: 399


1- 1 . المکاسب 3/406.
2- 2 . هدی الطالب 5/53.
3- 3 . المکاسب 3/407.

شریف العلماء(1) فیما عثرت علیه من بعض تحقیقاته»(2).

ترجمة شریف العلماء المازندرانی

و یری الشیخ الأعظم(3) هذا القول فی الکشف خلاف ظاهر کلام القائلین به و استشهد بکلام العلاّمة فی القواعد حیث قال: «فی زمان الإنتقال إشکال»(4)، حیث جعل النزاع فی زمان الإنتقال.

و یرد علی أوّله: وجود الفارق بین صیغة القبول فی العقد، و الإجازة فی بیع

ص: 400


1- 1 . هو محمّد أو محمّدشریف بن حسنعلی الآملی المازندرانی، وُلد فی کربلا المقدسة و حضر علی السیّد محمّد المجاهد و والده صاحب الریاض و علی الأخیر تسع سنین، و قد یقال: حضر سنة علی المیرزا أبوالقاسم القمی صاحب القوانین و اشتغل بالسیاحة فی أطراف بلاد العجم و زار الإمام الرضا علیه السلام و رجع إلی کربلا و جلس علی کرسی التدریس فی مدرسة حسن خان، و له اهتمام تام فی أمر التدریس و لذا لم یوفّق للتألیف إلاّ أنّه کتب رسالة فی «أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرط الأمر» بالتفصیل. و کانَ له مجلسان للدرس، مجلس للمبتدئین و مجلس للمنتهین. و حضر علیه قریبا من ألف طالب و عالم أمثال الشیخ الأعظم و السیّد ابراهیم الموسوی القزوینیّ صاحب ضوابط الاُصول و الملاّ آغا الدربندی و السیّد محمّدشفیع الجابلقی و المولی اسماعیل الیزدی و سعیدالعلماء المازندرانی و الشیخ محمّدحسن آل یاسین. توفّی بمرض الطاعون فی سنة 1245 و دفن فی سرداب بیته قریبا من الجهة الجنوبیة للصحن الحسینی الشریف، و خلف ولدا ذکورا توفّی فی هذه السنة و لم یبق له من الاُولاد. راجع: الروضة البهیة /(11-9) لتلمیذه السیّد محمّدشفیع الجابلقی؛ معارف الرجال 2/298، رقم 358؛ أعیان الشیعة 9/364؛ و زندگانی و شخصیت شیخ انصاری /148؛الکنی و الألقاب 2/354، رقم 388 (طبعة جماعة المدرسین)؛ هدیة الأحباب /182؛ تکملة أمل الآمل 3/157، رقم 851؛ نجوم السماء 2/399، رقم 42؛ الکرام البررة 2/619، رقم 114؛ غرقاب /196، رقم 81.
2- 2 . المکاسب 3/407.
3- 3 . المکاسب 3/407.
4- 4 . القواعد 2/19.

الفضولی لأنّ العقد مقیّد بالقبول و معلَّق علیه کما مرّ(1)، ولکن الإجازة علی القول بالکشف کاشِفَةٌ عن صحة العقد من حین وقوعه و بینهما برزخ لا یبغیان.

و یرد علی ثانیه: ما ذکره مِنْ أنَّ عقد الفضولی لم یقع من حین حدوثه، أوّل الکلام و محل نزاع بین قولی الکشف و النقل فی الإجازة، فجعل محل النزاع من أرکان استدلاله و هذا لیس إلاّ مصادرة بالمطلوب. کما نبّه الفقیه السیّد الیزدی(2) علی أنّه أوّل الکلام.

ص: 401


1- 1 . فی نقد إشکاله الأوّل، صفحة 391 من هذا المجلد.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/181.

وجوه الکشف فی مقام الثبوت

اشارة

فسرّ الکشفیون الإجازة بوجوه متعددة و لهم مسالک مختلفة نعدّ لک أهمّها:

الأوّل: الکشف الحقیقی الشرطی

و هو الالتزام بأنّ الإجازة تکون شرطا متأخرا و المشهور یذهبون إلیه، و اعترض علیهم جمال المحقّقین فی حاشیته علی الروضة(1) بأنّ الشرط لا یتأخر.

الثانی: الکشف الحقیقی التعقّبی

و هو الالتزام بأن الشرط هو تعقّب العقد بالإجازة، لا نفس الإجازة، فرارا عن لزوم تأخر الشرط عن المشروط و یلتزم بعضهم بجواز التصرف قبل الإجازة لو علم تحقّقها فی مابعد، نُسب(2) هذا القول إلی جدّنا العلاّمة التقی صاحب الهدایة(3) و أخیه صاحب الفصول(4) و الفاضل النراقی(5) و خالی الشیخ حسن ابن الشیخ جعفر کاشف الغطاء(6) قدس سرهم .

ص: 402


1- 1 . حاشیة الروضة /358، لآقا جمال الخوانساری.
2- 2 . الناسب إلی الجدّ هو الفاضل المامقانی فی غایة الآمال /375.
3- 3 . تبصرة الفقهاء 3/340؛ هدایة المسترشدین /219 من طبعة مؤسسة آل البیت الحجریة (2/175 من طبعة جماعة المدرسین).
4- 4 . الفصول الغرویة /80.
5- 5 . مستند الشیعة 14/283.
6- 6 . أنوار الفقاهة / مخطوط قد مرّ عبارته فی صفحة 386 من هذا المجلد.
الثالث: الکشف الحقیقی التقدیری

و هو الالتزام بکفایة الرضا التقدیری المنکشف بالإجازة بمعنی أنّ المالک لو التفت لکان راضیا و الإجازة کاشفة عنه ککشف شاهد الحال عنه، هذا قول المحقّق الرشتی.(1)

الرابع: الکشف الحقیقی التامی

و هو الالتزام بأنّ الإجازة تکشف عن أنّ العقد هو سبب تام للملکیة و هو مذهب ثانی المحقّقیین(2) و الشهیدین(3) کما مرّ.

و هو المستفاد من کلام صاحب مفتاح الکرامة حیث یقول: «إنّ العقد سبب تامّ مع الإجازة و إن تأخرت عنه فعلاً فهو مراعی لا موقوف، فإن حصلت کشفت عن تأثیره من حین وقوعه لتقدّمه و تعلّق مقتضاها به، إذ المالک إنّما رضی بإنتقال ملکه عنه من وقت العقد فحینئذ هی شرط للعلم بالوقوع و التأثیر لا شرط للنقل، فلذا قلنا: إنّها کاشفة، و العقد مع عدم ظهورها موقوف لا نعلم سببیّته و لا تأثیرها ظاهرا إذا تجرّد عنها فلیتأمل جیّدا»(4).

و تبعه معاصره _ الشیخ جواد ملاّ کتاب قدس سره _ فی شرحه علی اللمعة(5): من أنّ الإجازة تکون نظیر التبادر علاّمةً کاشفةً عن وضع اللفظ المتبادر منه، و کعلامات البلوغ. ولکن عدّ الفقیه الیزدی(6) رحمه الله هذا الوجه وجها مستقلاً.

الخامس: الکشف الحقیقی الحصولی

و هو الالتزام بأنّ «الشرط حصول الرضا ولو فی المستقبل الذی یُعلم بوقوعه من

ص: 403


1- 1 . راجع کتاب الإجازة /184 للمحقّق الرشتی، الطبعة الحجریة.
2- 2 . جامع المقاصد 4/74.
3- 3 . الروضة البهیة 3/229.
4- 4 . مفتاح الکرامة 12/607.
5- 5 . شرح اللمعة / مخطوط، نقل عنه فی هدی الطالب 5/61.
6- 6 . حاشیة المکاسب 2/181.

المالک مثلاً أو بإخبار المعصوم علیه السلام أو نحو ذلک» کما علیه صاحب الجواهر(1) رحمه الله .

السادس: الکشف الحقیقی الدهری

الشرط المتأخر بوجوده الدهری یکون شرطا بمعنی أنّ جمیع الأجزاء و الشروط المتعددة و المتکثرة، تکون مجتمعة فی وعاء الدهر فلا تقدّم و لا تأخّر.

نسبه المحقّقان الخراسانی(2) و النائینی(3) إلی المیرزا الشیرازی الکبیر قدس سره مع أنّ الأخیر ذکر إعلام عدم رِضاه بهذه النسبة.

السابع: الکشف الحقیقی الحدوثی

و هو الالتزام بکون «ظرف حدوث الأثر و ترتّبه علی العقد زمان الإجازة، و ظرف الحادث المترتّب علیه زمان العقد»(4)، و بعبارة اُخری: الإجازة تکشف «عن حکم الشارع بعدها بحصول الملک من حین العقد کأنّها وقعت حینه، و حاصله: أنّ زمان حکم الشارع بالملکیة مابعد الإجازة و أمّا نفس الملکیة المحکوم بها فزمانها من حین وقوع العقد»(5) و هذا الوجه هو مختار المحقّق الشهیدی(6).

الثامن: الکشف الحکمی

«و هو إجراء أحکام الکشف بقدر الإمکان مع عدم تحقّق الملک فی الواقع إلاّ بعد الإجازة»(7).

و بعبارة أُخری: «أنّه یعامل بعد الإجازة معاملةَ العقد الواقع مؤثرا من حینه بالنسبة

ص: 404


1- 1 . الجواهر 23/466 (22/289).
2- 2 . فوائد الاُصول /58 للآخوند الخراسانی.
3- 3 . المکاسب و البیع 2/89.
4- 4 . هدایة الطالب 3/106.
5- 5 . هدایة الطالب 3/91.
6- 6 . هدایة الطالب 3/92.
7- 7 . المکاسب 3/408.

إلی ما أمکن من الآثار، و هذا نقل حقیقیٌّ فی حکم الکشف من بعض الجهات»(1).

قال الشیخ الأعظم: «و لم أعرف من قال بهذا الوجه من الکشف إلاّ الاستاذ شریف العلماء قدس سره فیما عثرت علیه من بعض تحقیقاته»(2).

و قال: «أنّ الأنسب بالقواعد و العمومات هو النقل ثمّ بعده الکشف الحکمی...»(3).

التاسع: الکشف الحکمی الإنقلابی

عقد الفضولی لا یفید شیئا بالنسبة إلی ملکیة المشتری للمبیع و ملک المالک باق علیه قبل الإجازة و أمّا بعدها ینقلب الأمر و یصیر المبیع ملکا للمشتری من حیث العقد، و الإجازة تکشف علی نحو الإنقلاب عن هذه الإنتقال.

یراه الاستاذ المحقّق _ مد ظله _: «أتقن الوجوه فی مقام الثبوت»(4). و اختاره صاحب بشری الفقاهة(5) _ مد ظله _ .

العاشر: الکشف الحکمی الصورتی

«و حاصله: أنّ کل أمر متقدّم یکون کالمادة الهیولائیة بالنسبة إلی أمر متأخر عنه و کان المتأخر کالصورة فی إفادة فعلیة ذاک الأمر یکون بوجوده منشاءً لتحقّق الفعلیة فی ذاک المتقدم»(6) «فمقتضی القاعدة ترتیب آثار الموضوع من أوّل تحقّقه»(7).

نقل المحقّق النائینی هذا الوجه عن استاذه المحقّق جدّی الشیخ محمّدباقر النجفی الأصفهانی(8) نجل صاحب الحاشیة أعلی اللّه مقامهما.

ص: 405


1- 1 . المکاسب 3/407.
2- 2 . المکاسب 3/407.
3- 3 . المکاسب 3/408.
4- 4 . العقد النضید 3/230.
5- 5 . بشری الفقاهة 4/65.
6- 6 . المکاسب و البیع 2/84.
7- 7 . منیة الطالب 2/61.
8- 8 . کتب المحقّق النائینی فی شأن ولده الشیخ محمّدحسین صاحب التفسیر و والده الشیخ محمّدباقر بقلمه الشریف ما نصه: «ولکن معظم تلمّذی و استفادتی کان من الحبر المحقّق الفرید و البحر الزاخر الوحید، مَنْ قلّ ان یسمح الزمان بمثیله أو یر عینه بعدیله شیخی العلاّمة الشیخ محمّدحسین سبط المحقّق التقی صاحب التعلیقة الکبری علی المعالم و کان فیمن ادرکته و رأیته حائزا فی علمه و عمله و زهده و ورعه و طول باعه فی العلوم العقلیة و النقلیة ما یبهر العقول و قد أکمل جمیع ذلک و لم یبلغ الأربعین من عمره و مع أنّه کان من ذوی الفنون الذین قلّ أنْ یعهد الدهر بأمثالهم ففی کلّ واحد منها کان أبا عذرته و الوحید فیه، و کان له فی علم الهیئة مسلک بین المسلکین به یتضح رموز الأخبار و ینحل مشکلاتها و لم یبرز من تصانیفه التی أخبرنی بها إلاّ الیسیر من تفسیره الذی لم یعمل مثله و قد أودع فیه ما ینبئ عن کمال تبحره و طول باعه، و کان قدس سره من أظهر مصادیق مَنْ وصفه أمیرالمؤمنین _ علیه و آله أفضل الصلوة و السلام _ فی خطبتی همام المرویة أحدهما فی الکافی [الکافی 3/573، ح1، باب المؤمن و علاماته و صفاته. (2/226)] و الاُخری فی النهج [نهج البلاغة، خطبة 193] : «یذکّر اللّه تعالی برؤیته و یدعو إلیه برویّته» [لم ترد هذه العبارة فی خطبة الهمام ولکن ورد فی الکافی 1/95، ح3، باب مجالسة العلماء (1/39) هکذا: «مَن تُذَکِّرکم اللّه ُ رُؤْیَتُهُ و یَزیدُ فی عِلْمِکُمْ مَنْطِقُهُ و یُرَغِّبُکُمْ فی الآخرة عَمَلُهُ»] و قد أثرتْ مواعظه الشافیة فی سنی إقامته بأصبهان من التقوی فی نفوس الخواص و العوام ما لایوصف، و قد انقطعتُ به و اعتکفتُ علیه و کنتُ أحضر جمیع أبحاثه الفقهیة و الأصولیة و الکلامیة، و اکتبها فی مجلس البحث بکمال السرعة مترجما لها بالعربیّة و أعرض علیه کراریسی و یتعجّبُ هو و جمیع مَنْ یحضره عن عدم فوت شی ء ممّا کان یفیده و یستنسخها الحاضرون، و قد طلبها منی أخوه الفقیه البارع الزکی حضرة الشیخ محمّدتقی المعروف بآقانجفی قدس سره لیطبعها و لم یرض هو _ طاب رمسه _ بذلک و منعنی عن دفعها الیه، و کان _ نوّر ضریحه _ أشفق بی من الوالد لولده و کثیرا ما یرغبّنی و یحثّنی إلی الحضور معه بحث والده الفقیه العلاّمة حجّة العصابة و وجهها الزاهر حضرة الآقا الشیخ محمّدباقر _ قدس سره الزکی _ ولکنّی کنتُ أرغب عن ذلک لعدم بلوغی من العمر مبلغا یلیق لی الحضور فی ذلک المجلس العظیم الذی کان یحضره أعاظم العلماء البارزین و کنت أنا ابن تسعة عشر أو العشرین إلی أن أخذنی ذات یوم بعد فراق عن بحثه معه و أحضرنی ذلک المحضر و أجلسنی بجنبه و أظهر من جمیل الصنع ما أسکن روعتی و أذهب خجلتی فکنت أحضر بعد ذلک بحثه و بعد الفراغ نحضر جمیعا بحث والده و استمر ذلک قریبا من خمسة العوام و کان عنوان بحثه حینئذٍ کتاب البیع و قد أدرکتُ بحثه من مبحث المعاطاة إلی الخیارات و شاهدتُ من تبحره و فقاهته و طول باعه فی تنقیح قواعد المعاملات و تفریع الفروع علیها مع ابتلائه بتلک الریاسة العظمی و استغراق أوقاته بشئونها ما لا یکاد ینقضی عجبی عنه مهما أتذکره و کان تهجّده و مناجاته بالأسحار و کثرة بکائه فیها یقلب القلوب القواسی و یزیل الجبال الرواسی و إذ شرع فی مبحث الخیارات أختار اللّه تعالی له دار کرامته و نعی نفسه المقدسة و فی الجمعة الاُولی أو الثانیة من ذی القعدة سنة 1299 أسرّ إلی ولده المعظم السابق ذکره شیخی العلاّمة الشیخ محمّدحسین قدس سره و کان هو موضع سرّه انّه ظهر له فی ذلک الیوم علامة دنو أجله و لم یذکر له أزید من ذلک و هو _ نوّر مضجعه _ حدثنی به بعد ذلک فأخذ فی تصفیة اُموره و تجهیز سفره إلی النجف الأشرف من ذلک الیوم مسرعا عجلاً، و فی الیوم الثانی من ذی الحجة تلک السنة خرج مِن أصبهان خروج من لایرجو العود أبدا و اختار شیخی المعظم المذکور من بین أولاده لصحبته و أخذنی معه و کنت عازما علی المسیر معهما فحالت العوائق بینی و بین نیّتی و کانت کبقیة سفره إلاّ ما حدثنی به ولده المحقّق المذکور أنّه جدّ فی السیر و لم یمکث فی البلاد الواقعة فی الطریق أزید من متعارف الزوّار و لا فی الکاظمیة المشرفة أزید من لیلة و ورد کربلا المقدّسة لیلة عاشورا و لم یقم فیها مع بُعد عهده بها و اشتیاقه إلیها أزید من ثلاث و فی الیوم الرابع خرج إلی النجف الأشرف و فی الیوم الثانی من وروده زار بعد خروجه عن الحضرة المقدّسة مقبرة جدّه الشیخ الأکبر فقیه العصابة و محیی ما درس من رسومها الشیخ جعفر _ أنار اللّه تعالی _ و عیّن موضع قبره فیها و خطه بعصاه و أمر أن یحفر مَن یحفره بحضرته فألح علیه مَن حضره مِن عشیرته بالقیام و تعهدوا له أنّهم یکفونه حفره، و دفع کفنه إلی مَن یعمل الأکفان لیکتب علیه آیا مِن القرآن بالتربة المقدّسة و أمره أن یعجّل فی إتمامه و لمّا رجع إلی أهله حمی تلک العشیة و لم یخرج بعده إلی أن خرج سریره و انتقل إلی الدرجات التی أعدّها لنزوله».

ص: 406

البحث حول الوجوه فی مقام الثبوت

الوجه الأوّل: الکشف الحقیقی الشرطی

استشکل الشیخ الأعظم علیه بأنّ الشرط المتأخر محالٌ عقلاً.

ص: 407

و قد مرّ(1) الجواب عنه فإمکان هذا الوجه عندنا باق و أجاب عنه المحقّق الخراسانی بخسمةِ أَجْوِبَةٍ استشکل فی أربعة منها کانت للقوم و اختار الخامس الذی لنفسه فراجع فوائده.(2)

الوجه الثانی: الکشف الحقیقی التعقبی

مرّ اعتراض الشیخ الأعظم علی أعلام القائلین بهذا القول و جوابه منّا فراجع(3).

الوجه الثالث: الکشف الحقیقی التقدیری

و هذا الوجه هو ما أفاده المحقّق المیرزا حبیب اللّه الرشتی رحمه الله من کفایة الرضا التقدیری فی صحة العقد، نظیر الإذن المستفاد من شاهد الحال، قال: «إنّ الإجازة کاشفة عن ذلک جدّا ولو بعد الردّ فإنّ الکراهة الباعثة علی الردّ من حیث خفاء الجهة الراجحة، فلا منافاة بین الردّ فعلاً و الرضا التقدیری...»(4).

و فیه: دعواه مرکبة من صغری و کبری، أمّا الأُولی: فهی أنّ الإجازة کاشفة عن الرضا التقدیری، و أمّا الثانیة: فهی أنّ الرضا التقدیری کاف فی صحة العقد.

و یمکن المناقشة فیهما:

أمّا الصغری: فیمکن أنّ یناقش فیها: بأنّ المراد من الکاشفیة إمّا:

أ: اللفظیة: ککاشفیة الجملة الخبریة عن المخبریة، فهی باطلة بالضرورة.

ب: العقلیة الإنّیة: ککاشفیة المعلول عن علته، بدعوی أنّ معلولیة الإجازة تدل علی علّیّة الرضا التقدیری، فهی أیضا باطلة لأنّ التقدیر و هو المحذوف و المعدوم لا یتصور أن یکون علّة، نعم، الرضا الفعلی یمکن أن تکون علّة لمعلول الإجازة ولکن بینهما _ الرضا التقدیری و الرضا الفعلی _ تنافی ظاهر.

ص: 408


1- 1 . راجع صفحة 380 من هذا المجلد.
2- 2 . فوائد الاصول /(60-55)، فائدة فی تقدّم الشرط علی المشروط.
3- 3 . راجع صفحة 386 من هذا المجلد.
4- 4 . کتاب الإجارة /184، الطبعة الحجریة.

ج: العرفیة: بدعوی أنّ الإجازة کاشفة عرفا عن الرضا التقدیری فهی أیضا باطله، لأنّ الرضا التقدیری معدوم و الإجازة موجودة و العرف لایری الملازمة بین الموجود و المعدوم.

و بالجملة: بطلان الصغری واضح لعدم دلالة الإجازة علی الرضا التقدیری بوجه من الوجوه.

و أمّا الکبری: فبما مرّ بأنّ الرضا الفعلی _ فضلاً عن التقدیری _ لا یکفی فی صحة العقد و العقود یحتاج إلی الانتساب و الاستناد إلی مالکه و هذا لا یتم إلاّ بإصدار الإذن سابقا أو لاحقا أو مقارنا.(1)

هذا مضافا إلی ورود الإشکالات الأربعة التی ذکرها هذا القائل العظیم علی مدعاه و أجاب عن ثلاث منها بجوابات لا یتم عندنا و ترک الجواب عن الرابع و لعلّ وجه ترکه معلومیته عن الأجوبة السابقة، فراجع کتابه.

الوجه الرابع: الکشف الحقیقی التامی

مرّ(2) استدلال القائلین بهذا القول فی الوجه الأوّل من وجوه الاستدلال علی الکشف بالتقریرین و مناقشات الشیخ الأعظم علیهما، فلا یمکن الأخذ بهذا الوجه و لا نعید الکلام فیه.

الوجه الخامس: الکشف الحقیقی الحصولی

قال صاحب الجواهر مضافا إلی ما نقلتُه عنه سابقا: «... ولکن لابدّ فیه من حصول الرضا ولو فی المستقبل و لا یکفی فیه الرضا التعلیقی بمعنی أنّه لو علم لرضی...»(3).

و لا بأس بهذا الوجه فی مقام الثبوت و أمّا اقامة الدلیل علیه فی مقام الإثبات فمشکل جدّا.

ص: 409


1- 1 . راجع کتاب البیع 2/(221-217) للمحقّق الخمینی رحمه الله .
2- 2 . راجع صفحة 382 من هذا المجلد.
3- 3 . الجواهر 23/467 (22/289).
الوجه السادس: الکشف الحقیقی الدهری

المنقول عن المیرزا الشیرازی الکبیر.

قال تلمیذه المحقّق الخراسانی فی فائدة فی تقدّم الشرط علی المشروط من فوائده ما نصه: «ثالثها: ما أفاده سیّدنا الاُستاد _ أطال اللّه بَقاءَهُ _ من أنّ الشرط فی هذه الموارد لیس المتقدّم أو المتأخر بوجودهما الکونی الزمانی لکی یلزم المحذور، بل بوجودهما الدهری المثالی، و هما بهذا الوجود لایکونان إلاّ مقارنتین للمشروط، فإنّ المتفرقات فی سلسلة الزمان مجتمعات فی وعاء الدهر(1)»(2).

«و توضیحه [فی کلام تلمیذه الآخر المحقّق النائینی] أنّ أهل المعقول قالوا بأنّ المتغیّرات فی وعاء الزمان ثابتات فی عالم الدهر، و مرادهم من هذه العبارة أنّ لکلِّ ماهیة نحوین من الوجود: وجود تفصیلی یختص بها الذی به موجودیة الماهیة فی عالم الزمان بنحو البسط و النشر و هو یتکثر بتکثر الماهیات، و وجود واحد جمعی فی عین وحدته وجود کلّ الماهیات فتکون الکلّ موجودة به علی نحو الجمع و اللف و هو المعبر عنه بعالم الدهر، فالأمر المتأخر و إن کان متأخرا بالوجود التفصیلی الزمانی لکنّه مقارن مع المتقدم بحسب وجوده الجمعی الدهری فهو شرط بهذا الوجود فلا تأخر للشرط...»(3).

و یرد علیه: هذا الوجه لایدفع إشکال الشرط المتأخر لأنّ «إجتماع الزمانیات فی عالم الدهر علی نحو الترتب نظیر إجتماع الخط المختلف الألوان بجمیع ألوانه المختلفة تحت نظر واحد حیث أنّ الألوان المختلفة مجتمعات فی النظر و اللحاظ علی ما هی علیه من الترتب کما لا یخفی»(4) کما قاله المحقّق النائینی.

قال المحقّق الخراسانی فی نقده: «قلتُ: لا یخفی أنّ ذلک و إن کان لطیفا فی نفسه إلاّ أنّه لا یکاد أن یکون شرطا للزمانی إلاّ الزمانی، مضافا إلی وضوح أنّ الشرط فی

ص: 410


1- 1 . واحد، نسخة بدل.
2- 2 . فوائد الاُصول /58.
3- 3 . المکاسب و البیع 2/89.
4- 4 . المکاسب و البیع 2/89.

الموارد حسب دلیله إنّما هو الشی ء بوجوده الکونی، ضرورة أنّ إجازة المالک فی الفضولی... بما هی إجازة... یکون شرطا، و هی کذلک لیست إلاّ زمانیة لأنّها بوجوده الدهری لا یکون محدودة بهذه الحدود، بل بحدود آخر یجتمع الشرط و المشروط فیها... و بهذا المعنی یکون الدهر مجمع المفترقات الزمانیة»(1).

بعبارة أُخری: الإجازة المعتبرة فی صحة بیع الفضولی هی الإجازة الواردة فی عمود الزمان بعد عقد الفضولی و أمّا الإجازة التی فی وعاء الدهر فلا عبرة بها فی الشروط الشرعیة و لوازمها و صحة بیع الفضولی.(2)

فلا یتم هذا الوجه.

الوجه السابع: الکشف الحقیقی الحدوثی

قال المحقّق المیرزا فتاح الشهیدی فی الاستدلال علی هذا الوجه _ و هو کما مرّ مختاره _ : «... فمقتضی أدلة الإمضاء فی مسألة الفضولی بحسب زمان حدوث الملکیّة و تحدیده بحدّ التقدّم علی الإجازة و التأخر عنها و التقارن لها هو الثالث بمعنی حدوثها بعدها بلا فصل، و أمّا إنّ الحادث هو الملکیة المقارنة لها المعبّر عنها بالنقل أو الملکیة السابقة علیها المعبّر عنها بالکشف فهو و إن کان لایستفاد من الأدلة العامة المذکورة بمجردها قاعدة مطردة فی هذا الباب تکون مرجعا فی موارد الشک، لکن لمّا کان الغالب عند المتعاقدین من أهل العرف هو تسبّب الملک عن العقد المرکب من الإیجاب و القبول، أمکن أن یقال: إنّ مقتضی القاعدة المستفادة من أدلة الإمضاء بضمیمة ملاحظة الغلبة المذکورة هو الکشف، أی کون الحادث بعد الإجازة هو الملک من حین العقد»(3).

أقول: قد مرّ(4) إمکان هذا الوجه فی الجواب عن الإشکال الثانی للشیخ الأعظم

ص: 411


1- 1 . فوائد الاُصول /58.
2- 2 . راجع العقد النضید 3/226.
3- 3 . هدایة الطالب 3/91.
4- 4 . راجع صفحة 391 من هذا المجلد.

عن الدلیل الثانی للکشفیین بما یظهر من المحقّق الخراسانی.(1)

و أمّا الاستدلال علیه بما ذکره المحقّق الشهیدی قدس سره من ضمیمة أنّ الغالب عند المتعاقدین من أهل العرف هو تسبّب الملک من العقد و أدلة إمضاء عقد الفضولی فَهُوَ غیر تام، لأنّه أقرّ بعدم استفادة الکشف من أدلة الإمضاء، و یمکن المناقشة فی الغلبة المدعاة بأنّها فی عقد الأصیل _ لا الفضولی _ أو علی فرض جریانها فی الفضولی، شمول دلیل الإمضاء لها أوّل الکلام، فإذا لم تتم الضَّمِیْمَتانِ لا ینتج الدلیل.

الوجه الثامن: الکشف الحکمی

و هو مختار شریف العلماء و یراه تلمیذه الشیخ الأعظم الأنسب بالقواعد و العمومات بعد النقل.

ولکن اعترض المحقّق السیّدُ الخوئی قدس سره علیه: «بأنّ الکشف الحکمی بمعنی تنزیل غیر المالک بمنزلة المالک فی جیمع الآثار لا یکون ممکنا ثبوتا، و ذلک لأنّ المنزّل علیه فی باب التنزیل قد یکون أمرا خارجیا کقوله الفقاع خمر و الصلاة طواف(2)، و قد یکون أمرا اعتباریا شرعیّا یکون وضعه و رفعه بید الشارع، ففی القسم الأوّل یصح التنزیل _ سواء کان فی بعض الآثار أو فی جمیعها _ و أمّا فی القسم الثانی فلا یصح التنزیل فیه إلاّ إذا کان فی بعض الآثار و أمّا فی تمام الآثار فلا معنی للتنزیل أصلاً بل یثبت حینئذ نفس المنزّل علیه، فإذا نزلت المطلقة الرجعیة مثلاً منزلة الزوجة فی جمیع الآثار فهی زوجة حقیقة، و هکذا إذا نزل غیر الواجب بمنزلة الواجب کذلک فهو واجب و لا معنی للتنزیل. و المقام من قبیل الثانی فإنّ الملکیة الشرعیة التی هی محلّ کلامنا اعتبار شرعی، فإذا نزل غیر المالک منزلة المالک فی جمیع الآثار فلا محالة اعتبر مالکا و علیه فالکشف الحکمی بهذا المعنی فاسد ثبوتا»(3).

ص: 412


1- 1 . حاشیة المکاسب /61.
2- 2 . کذا، ولکن الصحیح الطواف صلاة، کما یظهر من التنقیح فی شرح المکاسب 1/448.
3- 3 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/369؛ و نحوها فی التنقیح فی شرح المکاسب 1/448؛ و مصباح الفقاهة 4/152 و 153.

أقول: أوّلاً: شریف العلماء لا یقول بترتّب جمیع آثار الملک من حین العقد حتّی یرد إشکال السیّد الخوئی قدس سره علیه، بل یقول بترتّب ما أمکن من الآثار، و هذا غیر جمیع الآثار فلا یرد الاِعتراض.

و ثانیا: ما ورد فی کلامه من تنزیل المطلقة الرجعیة «منزلة الزوجة فی جمیع الآثار فهی زوجة حقیقة عجیبٌ، لأنّها إذا کانت زوجة حقیقة فکیف یمکن وصفها بالمطلقة، و ما ذکره لیس اعتبار الموضوع تنزیلاً بل هی حقیقة و هو غیر معقول، و مراد الشارع تحقّق جمیع آثار الزوجیة فی حقّها مع عدم تحقّق موضوع الزوجیة»(1).

الوجه التاسع: الکشف الحکمی الإنقلابی

مرّ(2) تعریفه و أنّ الاُستاذ المحقّق _ مد ظله _ یراه: «أتقن الوجوه فی مقام الثبوت حیث لا تعارضه الأدلة العقلیة و الارتکازات العرفیة، و بناءً علیه لابدّ من الحکم بثبوت الملکیة للأصیل قبل الإجازة، و بعدها ینقلب الاعتبار و تثبت الملکیة للمشتری من بدایة العقد»(3).

أقول: یمکن أن أُورد علیه أوّلاً: الشرط لا یتأخر کما مرّ عن جمال المحقّقین(4).

و فیه: مرّ جوابه من وجود الفارق بین عالَمی التکوین و التشریع فلا نعید.

و ثانیا: عدم معقولیة ثبوت حکمین متغایرین علی موضوع واحد و زمان واحد، و إن کان زمان الحکم و الاعتبار یکون متعددا کما مرّ عن المحقّق النائینی(5).

و فیه: عدم المعقولیة ثابت فی الأحکام التکلیفیة، و أمّا الوضعیة فلا و الحکم فیها

ص: 413


1- 1 . العقد النضید 3/230.
2- 2 . راجع صفحة 400 من هذا المجلد.
3- 3 . العقد النضید 3/230.
4- 4 . حاشیة الروضة /358.
5- 5 . أجود التقریرات 2/188.

ناشئة من مصالح فی جعلها و اعتبارها کما مرّ عن السیّد الخوئی(1)»(2).

و ثالثا: الاعتباران بالنسبة إلی متعلَّق واحد فی زمانین مختلفین إنّما یتمّ فی القضایا الخارجیة و أمّا فی القضایا الحقیقیة التی لا نظر فیها إلی الخارج فلا یمکن کما مرّ(3).

و فیه: الشارع بالنسبة إلی الأحکام الوضعیة لیس بجاعل بل هو ممضٍ لما یعتبره العقلاء فیها، مضافا إلی إمکان جعلها بأنّ موضوع الاعتبار الشرعی هی الإجازة، بحیث إذا تحقّقت الإجازة اعتبر الشارع ملکیة المشتری من أوّل العقد.(4) کما عن السیّد الخوئی(5).

و رابعا: ما مرّ(6) آنفا _ فی الوجه الثامن: الکشف الحکمی _ من السیّد الخوئی(7) من استحالة تنزیل تمام الآثار فی الأمر الاعتباری الشرعی.

و فیه: أوّلاً: هنا اعتباران لا اعتبار واحد.

و ثانیا: اختلاف زمان الاعتبارین یکفی فی الفرق بینهما.

و خامسا: عدم تمامیة هذا الوجه فی مقام الإثبات، و الأدلة لا تشمله کما علیه الاستاذ المحقّق(8) _ مد ظله _ . و هذا هو الإشکال الوحید فی هذا القسم.

ولکن مع ذلک کلّه قال صاحب بشری الفقاهة _ دام ظِلُّهُ _ : «إذن لا محذور فی

ص: 414


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/444.
2- 2 . راجع صفحة 393 من هذا المجلد.
3- 3 . راجع صفحة 393 من هذا المجلد.
4- 4 . راجع صفحة 393 من هذا المجلد.
5- 5 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/446.
6- 6 . راجع صفحة 407 من هذا المجلد.
7- 7 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/369؛ و نحوها فی التنقیح فی شرح المکاسب 1/448؛ و مصباح الفقاهة 4/152 و 153.
8- 8 . العقد النضید 3/230.

الکشف [الإنقلابی] المختار ثبوتا فإنّه معقول فی نفسه و ظاهر من الأدلة المطلقة إثباتا فیتعیّن التزامه من دون حاجة إلی دلالة خاصة إثباتیة، و مع ذلک دلّت بعض الروایات الخاصة علیه و یأتی التعرض لها و تقریب دلالتها...»(1).

الوجه العاشر: الکشف الحکمی الصورتی

هذا الوجه هو ما نقله المحقّق النائینی عن اُستاذه _ جدّی _ آیة اللّه العظمی الحاج الشیخ محمّدباقر النجفی الأصفهانی (1301-1235) نجل العلاّمة التقی صاحب هدایة المسترشدین (1248-1185ح) و اختاره و قال: «حاصله: أنّ کلّ ما یکون موضوعا لحکم من الأحکام بتوسّط الأمر المتأخر و العنوان اللاحق بحیث کان الأمر السابق بمنزلة المادّة الهیولائیة و العنوان المتأخر بمنزلة الصورة النوعیة فمقتضی القاعدة ترتیب آثار الموضوع من أوّل تحقّقه.

مثلاً: أخذ عنوان فاضل المؤنة موضوع الخمس و ذاته یتحقّق أوّل زمان ظهور الربح، ولکن اتصافه بعنوان فاضل المؤنة إنّما هو بعد انقضاء السنة. و هکذا موضوع الزکاة فی الغلات هو بلوغ المال بعد انعقاد الحبّ حدّ النصاب ولکنّه معنون ببلوغه هذا الحدّ بعد التصفیة، فبعد التصفیة لو کان بهذا الحدّ یکشف عن تعلّق الزکاة به حین انعقاد الحبّ.

و ثمرة هذا الکشف فی باب الخمس و الزکاة هی صحة أدائهما قبل تحقّق هذا العنوان. ولو أتلفهما مَنْ تعلَّقا بماله یحسبان علیه.

و هکذا صحة بیع الزکوی متوقفة علی إخراج حقّ الفقراء، فلو أخرجه الساعی أو الوالی أینما وجده یکشف عن صحة البیع من أوّل الأمر.

و هکذا فی مسألة الرکوع فإنّه بناءً علی أن یکون من أوّل التقوّس إلی آخر حدّ الإنحناء رکوعا یتوقف اتصاف الجزء الأوّل بکونه رکوعا علی لحوق الجزء الأخیر، ولکنّه بعد اللحوق یکشف عن کونه رکوعا من أوّل الأمر.

و بالجملة: کلّ أمرٍ متأخرٍ کان بمنزلة الصورة للأمر المتقدّم، فالمتقدّم یتحقّق من

ص: 415


1- 1 . بشری الفقاهة 4/65.

أوّل الأمر، و ینکشف بهذا المتأخر وجود المتقدّم فی ظرف وجوده»(1).

و قال فی تقریره الآخر: «بأنّه کان یجمع بین الأمرین: أعنی بین مفاد قول المحقّق الثانی قدس سره بکون الإجازة مصححة للاستناد و یجعل العقد مستندا إلی المالک المجیز، و بین کون الإجازة إنفاذا للعقد السابق و موجبة لتأثیره من حین وقوعه، ثمّ کان یتعدّی عن مورد الفضولی إلی أبواب اُخر و یدعی کون الکشف الحکمی علی القاعدة»(2).

«... و قد فرّع علی ما أفاده من انطباق الکشف الحکمی علی القاعدة فروعا کثیرة من أوّل الطهارة إلی کتاب الحج فی مدّة تقرب من أربعة أشهر، و لایخفی أنّه أحسن ما افید فی المقام»(3).

ثمّ قال: «و الأجود بحسب النظر هو تتمیم الکشف الحکمی علی القواعد بالتقریب... المنقول عن الشیخ محمّدباقر قدس سره و توضیحه یتوقف علی بیان اُمور:

الأوّل: إنّ ما یوجد من موارد الشرط المتأخر بحسب ما استقصیناه هو انطباقه علی ما أسسه من ضابط الکشف الحکمی أعنی کون الأمر المتأخر کالصورة بالنسبة إلی الأمر المتقدّم و الأمر المتقدّم کالمادة الهیولائیة، کما یظهر ذلک من المراجعة إلی موارد الشرط المتأخر، مثل الإجازة بالنسبة إلی العقد، و فک الرهانة بالنسبة إلی البیع الواقع علی العین المرهونة، و أداء الزکوة و الخمس بالنسبة إلی العقد الواقع علی العین الزکوی و الخمس، و إجازة العمّة و الخالة للعقد الواقع علی بنت الأخ أو اُخت، و سائر النظائر من غیر فرق، بین ما إذا کان العقد السابق واردا علی ملک الغیر کما فی باب الفضولی، أو علی ملک العاقد الذی یکون متعلَّق حقّ الغیر کما فی باب عین المرهونة قبل إذن المرتهن.

الثانی: إنّ کلّ أمر متأخر یکون کالصورة بالنسبة الأمر المتقدّم لا یخرج عن أحد نحوین، فإمّا أن یکون بمؤداه و مدلوله ناظرا إلی تنفیذ الأمر السابق و یکون مدلوله المطابقی إنفاذه و ذلک کالإجازة و مایؤدی معناها من الإمضاء أی إنشاء الإجازة بلفظ

ص: 416


1- 1 . منیة الطالب 2/62.
2- 2 . المکاسب و البیع 2/78.
3- 3 . المکاسب و البیع 2/84.

أمضیت و نحوه و إمّا یکون متمّما للأمر السابق و موجبا لفعلیته من غیر أن یکون مدلوله المطابقی إنفاذا له، و ذلک کما فی فک الرهانة حیث أنّه لیس ناظرا إلی إنفاذ البیع السابق کالإجازة لکنّه یوجب تمامیة البیع السابق بعد تحقّق تمام أرکانه، فکم فرق بین القبض فی باب السلم مثلاً، و بین فک الرهانة فی بیع عین المرهونة، حیث أنّ القبض لا یکون موجبا لتأثیر العقد السابق بخلاف فک الرهانة فإنّ الرهن کان مانعا عن نفوذ البیع و بالفک یرتفع المانع فیؤثر البیع برفع المانع عن تأثیره.

و إن شئت فقل: ضابط ما کان الأمر المتأخر کالصورة بالقیاس إلی الأمر المتقدّم، هو کون الأمر المتأخر موجبا لرفع المنع عن تأثیر الأمر المتقدّم من غیر فرق بین أن یکون المنع لأجل ورود العقد علی ملک الغیر أو وروده علی متعلَّق حقّ الغیر، و سواء کان لسان الأمر المتأخر لسان إنفاذ الأمر السابق أو صرف رفع المانع المترتب علیه إنفاذ الأمر السابق.

الثالث: إنّ معنی الکشف الحکمی هو ترتیب الآثار السابقة علی الأمر المتأخر المترتبة علی الأمر المتقدّم من حین تحقّق الأمر المتأخر لکن لا مطلقا بل کلّما یمکن ترتیبها زمان الأمر المتأخر فبالإجازة یترتب کلّ أثر ترتب علی الملکیة من حین العقد إلی زمان الإجازة من الآثار التی مافات وقت ترتّبها وقت الإجازة، و أمّا ما لا یمکن ترتیبها حین الإجازة فلا یترتّب بالإجازة، و علی هذا فلو وقع النکاح علی إمرئة ثمَّ زُنی بها فأجازت بعد الزنا لم یکن الزنا بذات البعل إذ الزنا بها إنّما هو بالوطی ء علی إمرئة تکون فی حال الزنا بهاذات البعل و هذه المرئة بالإجازة تصیر ذات البعل، فلا یمکن ترتیب آثار الزنا بذات البعل علی الزنا بها قبل الإجازة.

الرابع: إنّ المُنْشَأ بالعقد و إنْ لم یکن مقیدا بزمان الإنشاء عقلاً کما قدمناه، بمعنی أنّه لیس الملکیة المقیدة بکونها فی حال البیع مُنْشَأةً بالإنشاء. بل الملکیة بما هی بلا تقیید بزمان هی المُنْشَأ لکن العرف یرون المُنْشَأ حاصلاً حین الإنشاء أعنی بحسب الفهم العرفی یکون المُنْشَاء هو الملکیة المقیدة بحال الإنشاء، فإذا تعلَّق بها إجازة أو ما یؤدی مؤاده یرونها بسبب الإنفاذ اللاحق حاصلة من حین الإنشاء، فالإجازة اللاحقة تؤثر

ص: 417

عندهم فی تأثیر العقد السابق من حینه لا من حین الإجازة.

الخامس: إنّ ما ورد فی الشرع ممّا یدل علی الکشف یکون إمضاء لذاک الأمر الإرتکازی العرفی، و یکون جریا علی ما یفهم العرف من الکشف الحکمی، و ذلک کخبر محمّد بن قیس(1) المتقدّم الوارد فی قضاء أمیرالمؤمنین علیه السلام فی ولیدة باعها ابن سیّدها و أبوه غائب، و فیه قال علیه السلام : فلما رأی ذلک سیّد الولیدة أجاز بیع ابنه (الخ) حیث یترتّب علی إجازة سیّد الولیدة بیع ابنه، صیرورة الولیدة أم ولد للمشتری، بمعنی أنّ الإجازة و تنفیذ البیع تصیر مَنْشَأ لترتیب هذا الأثر أعنی صیرورة الولیدة اُم الولد فی زمان ولادتها الذی هو قبل الاجازة، و کالخبر(2) الوارد فی تزویج الصغیرین فضولاً الأمر بعزل المیراث من الزوج المدرِک الذی أجاز فمات بعد الإجازة للزوجة الغیر المدرکة إلی أن تدرک و تحلف علی أنّها أجازت للزواج لا لأجل أخذ الإرث، فإنّه یترتب علی إجازتها ملکیّة سهمها من الإرث من حین وفاة الزوج.

فإن قلت: الخبر الأوّل و إن کان یلائم الکشف الحکمی لکن الثانی لا یستقیم إلاّ علی الکشف الحقیقی بمعنی تحقّق الزوجیة من حین العقد واقعا لا تحقّقها من حین الإجازة مع ترتیب آثار الزوجیة من حین العقد و ذلک لعدم استقامة الحکم بعزل سهم الزوجة لو لا الکشف الحقیقی لأنّه یکون ملکا لسایر الورثة حینئذ، و إنّما یصیر ملکا للزوجة بالإجازة، فلا وجه للحکم بعزل ما دخل فی ملک الغیر واقعا کما لا یخفی.

قلت: الحکم بالعزل حکم احتیاطی شُرِعَ لرعایة حقّ الزوجة لئلا یضیع حقّها بعد الإجازة و لا محمل له إلاّ ما ذکرناه و إلاّ فلا یستقیم حتّی علی الکشف الحقیقی أیضا، و ذلک لانتقال الملک إلی سایر الورثة بواسطة استصحاب عدم صدور الإجازة عن الزوجة أی الأصل الجاری فی إثبات عدم تحقّق الأمر المتأخر فیما إذا کان له أثر فی المتقدِّم المعبر عنه بالاستصحاب فی الاُمور المستقبلة.

ص: 418


1- 1 . وسائل الشیعة 21/203، ح1، الباب 88 من أبواب نکاح العبید و الإماء، صحیحة.
2- 2 . وسائل الشیعة 26/219، ح1، الباب 11 من أبواب میراث الأزواج، صحیحة أبیعبیدة.

و الحاصل: إنّ المستفاد من أدلة الفضولی لیس أزید من الکشف الحکمی علی الضابط الذی مهّدناه فی تطبیقه علی القاعدة فیکون إمضاء للأمر الإرتکازی و علی هذا فیکون الکشف الحکمی مطابقا مع القاعدة فیقال به ولو فی غیر مورد الدلیل، و لا یجب فیه الاقتصار علی مورد و هو المطلوب»(1).

ولکن المحقّق النائینی مع اختیاره هذا القول و إثباته فی درسه اعترض علیه بقوله: «و فیه: أنّه إذا کان العنوان اللاحق بمنزلة الصورة و السابق بمنزلة المادّة فلابدّ من الالتزام بالنقل، لأنّ فعلیة الشی ء إنّما هی بالصورة، و بالجملة: مع دخل المتأخر فی تحقّق اتصاف السابق بوصف الموضوعیة یستحیل اتصافه بهذا الوصف قبل تحقّق المتأخر و مجردا عنه»(2).

و قال فی تقریره الآخر: «ولکنّه لا یخلو أیضا عن المنع حیث أنّ السؤال عن دخل الإجازة المتأخرة بعد باق علی حاله فیقال: ذلک الأمر المتأخر إمّا یکون دخیلاً فی نفح الصورة فی الأمر المتقدّم أو لا؟ و إن لم یکن دخیلاً یکون خلفا، و إن کان دخیلاً فلا تتحقّق له الصورة إلاّ عند تحقّق الأمر المتأخر فیجب ترتب الأثر المترتب علیه حین الأمر المتأخر لا أن یترتب علیه قبله»(3).

المناقشات

و جعل الاُستاذ المحقّق _ مد ظله _ هذا الاِعتراض هُوَ مناقشته الاُولی(4) علی النائینی! مع أنّه مذکور فی کلامه.

و أمّا مناقشته الثانیة و الثالثة فَهُما واردتان علی الأمر الرابع من أُمور النائینی:

فذهب من الثانیة(5) إلی عدم إمکان الجمع بین هذا الأمر و قاعدة العقود تابعة للقصود، لأنّ إذا باع البائع قاصدا به الملکیة الغیر المقیّدة کیف یحقّ للعرف أن یحمل بیعه

ص: 419


1- 1 . المکاسب و البیع 2/(89-85).
2- 2 . منیة الطالب 2/62.
3- 3 . المکاسب و البیع 2/84.
4- 4 . العقد النضید 3/216.
5- 5 . العقد النضید 3/216.

علی أنّه قاصد الملکیّة من حین العقد؟! و ما الدلیل علی حجیة هذا الحمل العرفی؟!

و ذهب فی الثالثة(1) إلی: أنّ الإرتکاز العرفی المُدعی لا یجمع مع التصریح بالکشف الحکمی بمعنی ترتب آثار الملکیة من حین العقد برغم عدم ثبوت الملکیة فی تلک الفترة!

و حاصل إشکاله الأخیر عدم إمکان الجمع بین الإرتکاز و التصریح.

الجواب عن المناقشات الثالثة

أقول: المحقّق النائینی یرفع الید عن المناقشة الأُولی و اختار قول اُستاذه و لعلّ الوجه فی ذلک: بأنّ فعلیة الهیولاء و المادة و نوعیتها تکون بالصورة و مادام لم یتحقّق الصورة لم یتحقّق المادة فعلاً بهذه الصورة الموجودة ولکن المادة قبلها موجودة فی نفس الأمر، و فی الفضولی ما لم یتحقّق الإجازة، لا یتحقّق العقد ولکن إذا تتحقّقت الإجازة وقع العقد من حینه و یترتب علیه آثاره من حین وقوعه، لا من حین الإجازة.

و أمّا المناقشة الثانیة: فَإنَّ الملکیة المطلقة عند العرف تُحمل علی وقوعها من حین العقد و هذا لا ینافی قاعدة العقود تتبع القصود کما أنّ البیع المطلق تحمل عند العرف علی النقد و الحال.

و أمّا المناقشة الثالثة: فَإنَّ الإرتکاز العرفی جارٍ بالنسبة إلی حمل الملکیة المطلقة علی وقوعها من حین العقد ولکن یقیّده بما بعد صدور الإجازة لزوم انتساب العقد إلی صاحب أمره و مالکه المعتبر عند العقلاء و الممضی بالأدلة الشرعیة.

فلا تتم الإشکالات الثلاثة و تمّ مختار الشیخ الجدّ قدس سره .

هذا کلّه بالنسبة إلی مقام الثبوت.

فذلکة الکلام حول الوجوه فی مقام الثبوت

قد عرفت استحالة الْوِجْهِ الثالث (الکشف الحقیقی التقدیری)، و الرابع (الکشف الحقیقی التامی)، و السادس (الکشف الحقیقی الدهری)، و الباقی منها فی مقام الثبوت ممکن فلابدّ من مراجعة مقام الإثبات لتعیین الوجه المختار، و الحمدللّه.

ص: 420


1- 1 . العقد النضید 3/217.

الوجوه فی مقام الإثبات

اشارة

أبحث فی هذا المقام عن الأدلة الواردة فی صحة بیع الفضولی و مدی دلالتها بالنسبة إلی أن الإجازة ناقلة أو کاشفه و فی الکشف تدلّ علی أیّ الوجوه من الوجوه الممکنة فی مقام الثبوت.

الأوّل: الإطلاقات و العمومات

نحو الآیات الثلاثِ(1)، و من الواضح أوّل زمان یصیر العقد الفضولی مصداقا لها هو زمن الإجازة فتدلّ علی النقل، لا الکشف، فلا أدری ما المراد من قول صاحب بشری الفقاهة(2) من ظهور الأدلة المطلقة فی الکشف الإنقلابی إثباتا؟!

الثانی: حدیث عروة البارقی

(3)

یدلّ علی الکشف الحقیقی الشرطی أو التعقبی لما ورد فیه من تصرف عروة فی الشاتین بالبیع و إقباض شاة إلی المشتری و قبض دینار منه، و لم ینه النبی صلی الله علیه و آله عَنْ هذه الأفعال.

ص: 421


1- 1 . سور المائدة /1؛ النساء /29؛ البقرة /275.
2- 2 . راجع بشری الفقاهة 4/65.
3- 3 . مسند احمد 4/376؛ السنن الکبری 6/112.
الثالث: صحیحة محمّد بن قیس

(1)

ظاهرة فی الکشف کما صرح به فی الدروس(2)، لأنّ المشتری وطئ الجاریة و رُزق منها الولد، و انتسب الولد إلیه و صار ابنه و صارت الجاریة أُمّ ولده، و لم ینه أمیرالمؤمنین علیه السلام من هذه الاُمور، ولکنّها ظاهرة فی أقسام الکشف الحقیقی الممکنة فی مقام الثبوت، کما یمکن حملها علی الکشف الحکمی الصورتی کما مرّ من المحقّق النائینی.(3)

الرابع: فحوی مادلّ علی صحة نکاح الفضولی

(4)

یدلّ علی النقل لا الکشف، لعدم جواز ترتّب آثار الزوجیة قبل الإجازة و الإذن.

الخامس: الروایات الواردة فی الإتجار بمال الیتیم

(5)

تدلّ علی الکشف فی بعض محتملاته _ و هو ظهور إذن الولی بعد الربح للأجنبی فی الإتجار بمال الیتیم _ ولکن الکشف الحقیقی بأقسامه الأربعة الممکنة.

السادس: معتبرة مسمع أبیسیّار

(6)

تدلّ علی الکشف الحقیقی بأقسامه الممکنة.

السابع: بیع عقیل دور النبی صلی الله علیه و آله و بنیهاشم

(7)

هذه الواقعة لا تدلّ علی أکثر من النقل.

ص: 422


1- 1 . وسائل الشیعة 21/203، ح1، الباب 88 من أبواب نکاح العبید و الإماء.
2- 2 . الدروس 3/233.
3- 3 . المکاسب و البیع 2/88.
4- 4 . راجع هذا المجلد صفحة 200.
5- 5 . راجع هذا المجلد، صفحة 217.
6- 6 . وسائل الشیعة 19/89، ح1، الباب 10 من أبواب کتاب الودیعة.
7- 7 . راجع هذا المجلد، صفحة 250، الوجه الثانیعشر.
الثامن: التصدق بمجهول المالک و اللقطة

(1)

یدلّ علی الکشف الحکمی بأقسامه الثلاث.

التاسع: أخبار تحلیل خمس فی الموارد الخاصة

(2)

تدلّ علی الکشف الحقیقی لوجود التصرفات فیها قبل إجازة الإمام علیه السلام ، بوجوه الممکنة.

العاشر: إجازة السیّد عقد العبد

(3)

ظاهرة فی الکشف الحقیقی بأقسامها الممکنة.

الحادی عشر: صحیحة أبیعبیدة

(4)

«ظاهرة فی قول الکشف، إذ لو کان مال المیت قبل إجازة الزوجة باقیة علی ملک سائر الورثة کان العزل مخالفا لقاعدة تسلّط الناس علی أموالهم...»(5).

کما یمکن حملها علی الکشف الحکمی الصورتی کما مرّ من المحقّق النائینی.(6)

فذلکة القول فی مقام الإثبات

قد عرفت نهوض الدلیل علی الکشف الحقیقی بأقسامه الممکنة _ و لاأقل من القسمین الأوّلین _ و علی الکشف الحکمی الصورتی، فلابدّ من القول بالکشف بهذه الأقسام الثلاثة أعنی الکشف الحقیقی الشرطی أو الکشف الحقیقی التعقبی أو الکشف الحکمی الصورتی، فاختر أیّ منها شئت، و الحمدللّه الکاشف بالتوفیق عن المبهمات، الواهِب لما یَشاءُ تحقیق الحقّ بالأدِلّة البیّنات.

ص: 423


1- 1 . راجع هذا المجلد، صفحة 253، الوجه الرابع عشر.
2- 2 . راجع هذا المجلد، صفحة 255، الوجه الخامس عشر.
3- 3 . راجع هذا المجلد، صفحة 257، الوجه السادس عشر.
4- 4 . وسائل الشیعة 26/219، ح1، الباب 11 من أبواب میراث الأزواج.
5- 5 . المکاسب 3/409.
6- 6 . المکاسب و البیع 2/88.

ثمرة النزاع بین الکشف و أقسامه و النقل

اشارة

هاهنا جهات ثلاث لابدّ من البحث حولها:

الجهة الاولی: الثمرة بین قسمی الکشف الحقیقی

و هما الأولان من أقسام الکشف الحقیقی أی الشرطی و التعقبی، ذهب الشیخ الأعظم بأنّ الثمرة بینهما «یظهر فی جواز التصرف کلّ منهما [أی من المتعاقدین] فیما إنتقل إلیه بإنشاء الفضولی إذا علم إجازة المالک فیما بعد»(1) بناءً علی التعقبی دون الشرطی.

و ظاهر کلامه: إنّ التصرف فیما إنتقل إلیه قبل الإجازة بناءً علی شرطیة الإجازة [القول الأوّل] حرام واقعا لأنّه تصرفٌ فی مال الغیر، و أمّا بناءً علی أنّ الشرط هو تعقب العقد بالإجازة [القول الثانی] فلا، لأنّ الإجازة تکشف عن أنّ العقد کان ملحوقا و متعقّبا بالإجازة واقعا، فیجوز التصرف واقعا.

و فیه: کلامه بالنسبة إلی التعقبی کلام متین و أمّا بالنسبة إلی الشرطی فلا، و لابدّ بأن یلتزم بإباحة التصرفات فیه واقعا، لأنّ فی الکشف الحقیقی الإجازة بوجودها المتأخر تؤثر فی الملکیة المتقدمة و تکشف عن الملکیة حال العقد فَتَجُوْزُ التصرفات واقعا. هذا أوّلاً.

ص: 424


1- 1 . المکاسب 3/410.

و ثانیا: إنّ قوله هنا مُنافٍ لِما یأتی لاحِقا منه: «فإن الوط ء علی الکشف الحقیقی حرام ظاهرا لأصالة عدم الإجازة، حلال واقعا لکشف الإجازة عن وقوعه فی ملکه»(1).

وجه التنافی: حکم أوّلاً بعدم حلیة التصرفات بناءً علی الکشف الحقیقی فیما إذا کان الإجازة شرطا، و ثانیا حکم بحلیة مثل الوط ء واقعا بناءً علی الکشف الحقیقی الشرطی. و القولان متنافیان(2).

و بالجملة: لم تظهر الثمرة بین قولی الکشف الحقیقی، لأنّها بناءً علی الشرطی تکون تصرفات المشتری إذا علم بلحوق الإجازة حلال ظاهرا و واقعا لتحقّق الملکیّة من حین العقد بعد الإجازة، و إن لم یعلم بلحوقها فإنّ تصرفاته محرّمة ظاهرا و محلّلة واقعا.

و أمّا بناءً علی التعقبی: فَالتصرفات _ إذا علم بلحوق الإجازة _ کانت محلّلة واقعا و ظاهرا لتحقّق الملکیة من حین العقد إذا لحقه الإجازة، و أمّا إذا لم یعلم بلحوق الإجازة فتکون تصرفاته محلّلة واقعا _ إذا لَحِقَتْها الإجازة _ و حَراما ظاهرا بمقتضی استصحاب عدم تحقّقها.

و الحاصل: لم تتحقّق الثمرة بین الکشف الحقیقی الشرطی و التعقبی خلافا للشیخ الأعظم قدس سره .

الجهة الثانیة: الثمرة بین الکشف الحقیقی و الحکمی

اشارة

قال الشیخ الأعظم: «و أمّا الثمرة بین الکشف الحقیقی و الحکمی مع کون نفس الإجازة شرطا یظهر فی مثل ما إذا وطئ المشتری الجاریة قبل إجازة مالکها فأجاز، فإنّ الوط ء علی الکشف الحقیقی حرام ظاهرا، لأصالة عدم الإجازة، حلال واقعا لکشف الإجازة عن وقوعه فی ملکه»(3).

ص: 425


1- 1 . المکاسب 3/410.
2- 2 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 1/451؛ و محاضرات فی الفقه الجعفری 2/371؛ کتاب البیع 2/252 للسیّد الخمینی رحمه الله .
3- 3 . المکاسب 3/410.

أقول: قد مرّ آنفا تنافی هذا القول _ أی الحلیة الواقعیة _ بناءً علی الکشف الحقیقی مع ما مرّ منه من الحرمة الواقعیة.

نعم، ما أفاده بناءً علی الکشف الحکمی من حرمة الوط ء واقعا تام، لأنّ قبل الإجازة الأمة باقیة علی ملک مالکها فیکون الوط ء فی غیر الملک و هو حرام ولو فرضناه عالما بأنّه سیعتبر مالکا لها، فالحرمة الواقعیة و الظاهریة _ لأصالة عدم تحقّق الإجازة _ جاریتان فی المقام.

و بالجملة: بناءً علی قولی الکشف الحقیقی الوط ء حرام ظاهرا و حلال واقعا، و علی الکشف الحکمی یکون حراما ظاهرا و واقعا. لعدم إمکان جریان الحلّیّة فی التصرف الواقع فی ملک الغیر.

ثمّ إنّ هاهنا فَرْعَیْنِ: تظهر الثمرة فیهما:

الفرع الأوّل:

ما قالَهُ الشیخ الأعظم: «ولو أولدها صارت اُمّ ولد علی الکشف الحقیقی و الحکمی لأنّ مقتضی جعل العقد الواقع ماضیا ترتّب حکم وقوع الوط ء فی الملک، و یحتمل عدم تحقّق الاستیلاد علی الحکمی، لعدم تحقّق حدوث الولد فی الملک و إن حکم بملکیّته للمشتری بعد ذلک»(1).

أقول: بناءً علی قولی الکشف الحقیقی لا إشکال فی صیرورة أمة اُمّ ولدا بالاستیلاد لأنّ الإجازة کاشفةٌ عن وقوع الوط ء فی ملک الواطی ء فتصیر الأمة اُم ولدٍ له.

و أمّا بناءً علی الکشف الحکمی فیحتمل الشیخ الأعظم احتمالین:

الأوّل: الأمة تصیر اُمّ ولد بالاستیلاد للزوم ترتیب أحکام الملکیة السابقة التی منها صیرورة الأمة اُمّ ولدٍ للمشتری.

الثانی: عدم صیرورتها اُمّ ولد لوقوع الوطی فی ملک الغیر، لأنّ من شرائط الاستیلاد وقوع الوطی فی ملک الواطی و حلّیته.

ص: 426


1- 1 . المکاسب 3/410.

وَ أصرّ المحقّق الإیروانی(1) رحمه الله علی الاحتمال الأوّل و أنّ الاستیلاد صحیح بدعوی أنّ الکشف الحکمی مشترک مع الکشف الحقیقی فی جمیع الآثار غایة الأمر أنّه محتاج إلی التنزیل دون الکشف الحقیقی.

و تبعه السیّد الخمینی(2) قدس سره .

ولکن المختار هو الاِحتمال الثانی لأنّ ظهور أدلة استیلاد الأمة یکون علی الوط ء الحلال، حین الوط ء، و حیث بناءً علی الکشف الحکمی یکون الأمة ملکا للغیر قبل الإجازة، فیقع الوط ء فی ملک الغیر فیکون حراما، فلا یتحقّق شرط الاستیلاد.

کما مرّ(3) من المحقّق النائینی قوله فی ترتیب الآثار الممکنة علی الکشف الحکمی: «فلو وقع النکاح علی إمرأة [فضولاً] ثمّ زُنی بها فأجازت بعد الزنا، لم یکن الزنا بذات البعل، إذ الزنا بها إنّما هو بالوطی ء علی إمرأة تکون فی حال الزنا بها ذات البعل و هذه المرأة بالإجازة تصیر ذات البعل، فلا یمکن ترتیب آثار الزنا بذات البعل علی الزنا بها قبل الإجازة»(4).

و قال: «... فالحقّ عدم صیرورة الموطوءة اُمّ ولدٍ بناءً علی الکشف الحکمی لأنّه إذا حرم علیه الوط ء واقعا لعدم کونها ملکا له فبالإجازة لا یمکن ترتیب هذا الأثر من حین العقد، لأنّ کون الموطوءة اُمّ ولدٍ مترتّب علی الملک، لا علی ما هو فی حکم الملک، ولو قلنا بأنّ الکشف الحکمی مطابق للقاعدة لأنّه لیس للمالک قلب الحرمة إلی الحلّیّة، و لا قلب غیر الملک إلی الملک، بل له إنفاذ ما وقع بالنسبة إلی الآثار التی یکون العقد بالنسبة إلیها تمام الموضوع... و هذا لا ینافی کون ولدها حرّا لأنّ الولد من النماء»(5).

أقول: الوط ء لابدّ أن یکون فی الملک حتّی یتحقّق الاستیلاد شرعا، و الزنا لابدّ أن

ص: 427


1- 1 . حاشیته علی المکاسب 2/216.
2- 2 . کتاب البیع 2/253.
3- 3 . راجع صفحة 412 من هذا المجلد.
4- 4 . المکاسب و البیع 2/87.
5- 5 . منیة الطالب 2/68.

یقع علی ذات البعل حتّی تتحقّق الحرمة الأبدیة و حدّ القتل، و حیث فی الموردین لم یتحقّق الملک و لا ذات البعل فلا یتحقّق الاستیلاد و لا الحرمة الأبدیة و القتل.

الفرع الثانی:
اشارة

قال الشیخ الأعظم: «ولو نقل المالک [اُمّ] الولد عن ملکه قبل الإجازة فأجاز، بطل النقل علی الکشف الحقیقی، لانکشاف وقوعه فی ملک الغیر _ مع إحتمال کون النقل بمنزلة الردّ _ و بقی صحیحا علی الکشف الحکمی، و علی المجیز قیمته [قیمتها]، لأنّه مقتضی الجمع بین جعل العقد ماضیا من حین وقوعه و مقتضی صحة النقل الواقع قبل حکم الشارع بهذا الجعل، کما فی الفسخ بالخیار مع انتقال متعلَّقه بنقلٍ لازم»(1).

اختلفت أنظار الأعلام حول ما هو الأرجح فی ضبط عبارة الشیخ الأعظم هل هی: «اُمّ الولد... و علی المجیز قیمتها»، أو «الولد... و علی المجیز قیمته»، و الفقهاء المامقانی(2)، و الیزدی(3)، و النائینی(4) و الإیروانی(5) علی الأوّل.

و الإشکوری(6) و الأصفهانی(7) و الخوئی(8) علی الثانی.

و نحن نبحث الفرع و ظهور الثمرة فیه علی النسختین:

النسخة الاُولی: «لو نقل المالک اُمّ الولد... و علی المجیز قیمتها».

توضیحها: لو نقل المالک أُمّ الولد _ التی باعها الفضولی و وطأها المشتری و

ص: 428


1- 1 . المکاسب 3/411.
2- 2 . غایة الآمال /380.
3- 3 . حاشیته علی المکاسب 2/188.
4- 4 . منیة الطالب 2/69 و 70.
5- 5 . حاشیته علی المکاسب 2/260.
6- 6 . بغیة الطالب 385/1.
7- 7 . حاشیته علی المکاسب 155/2.
8- 8 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/459؛ محاضرات فی الفقه الجعفری 2/378؛ مصباح الفقاهة 4/166.

صارت ذات ولدٍ منه _ عن ملکه ببیعٍ أو هبةٍ قبل أن یُجیز عقد الفضولی ثمّ أجازه:

بناءً علی الکشف الحقیقی _ و علی جهل المالک بالبیع الفضولی _ یحتمل الأمران:

الأوّل: بطلان النقل

لأنّ الإجازة المتأخرة کشفت عن دخول أُمّ الولد فی ملک مَن اشتراها من الفضولی من حین بیعها منه، فنقلُ المالک لأُم الولد نقلٌ لمالِ الغیر و هو غیر نافذ، فیحکم ببطلانه، و صحة بیع الفضولی بعد الإجازة.

الثانی: صحة النقل

لأنّ نقل المالک أَمَتَهُ قبل إجازة بیع الفضولی، یکون ردّا له، فیصح النقل و تبطل الإجازة لعدم وجود موضوع لها. لأنّ الأمة تنتقل إلی من اشتراها من مالِکِها لا من الفضولی.

و أمّا لو کان المالک عالما ببیع الفضولی و نقل الأمة إلی الغیر بهبةٍ أو بیعٍ، یکون هذا النقل ردّا لبیع الفضولی قطعا.

و بنا علی الکشف الحکمی: فیصحّ نقل المالک لأُمّ الولد، لأنّها باقیة علی ملکه، و إذا أجاز بیع الفضولی یکون صحیحا فیتحقّق من المالک عقدان صحیحان علی المبیع الواحد الشخصی _ أی الأمة _ فیتعیّن تسلیم الأمة إلی المشتری من الفضولی، و دفع قیمتها إلی من نقلها المالک إلیه.

نظیر تصرّف من علیه الخیار فی المبیع الخیاری بناقل لازمٍ إذا فسخ ذو الخیار بعد ذلک، حیث حکموا بصحة التصرف الناقل و بصحة الفسخ و اشتغال ذمّة مَنْ علیه الخیار بالبدل من المثل أو القیمة.(1) هذا کلّه بناءً علی النسخة الاُولی.

و أمّا النسخة الثانیة: «لو نقل المالک الولد... و علی المجیز قیمته».

فتوضیحها: لو نقل المالک الولد ثمّ أجاز بیع الفضولی فعلی الکشف الحقیقی

ص: 429


1- 1 . راجع هدی الطالب 5/85.

یبطل نقل الولد، لأنّ الإجازة کشفت عن کون الأمة و ولدها ملکا للمشتری من حین العقد، و نقل المالک للولد تصرّف فی ملک الغیر فیبطل.

و احتمل أن تکون الإجازة لغوا و بیع النماء [الولد] یکون ردّا للعقد الفضولی فیقع بیع الولد صحیحا لا محالة.

و بناءً علی الکشف الحکمی: یصحّ نقل الولد، لأنّه یکون نماءً لملکه و لم یتعلّق به حقّ غیره. و حیث أجاز بیع الفضولی للأمة فقد أتلف علی المشتری نماءها فیضمن المالک له بدله فیجب دفع قیمة الولد إلی المشتری.

هذا توضیح ما ذکره الشیخ الأعظم فی المقام.

أقول: التصرفات الصادرة من المجیز قبل الإجازة علی قِسْمَیْنِ:

الأوّل: التصرفات المنافیة للعقد الفضولی

و هی التصرفات التی لا یبقی معها محلٌّ للإجازة، کما إذا زُوّجت المرأةُ فضولاً ثمّ أنّها مع الجهل بالعقد الفضولی زَوّجتْ نفسَها من آخر، التزویج الثانی ینافی العقد الفضولی و لا یبقی معه محلٌّ للإجازة و یکون ردّا عملیّا للعقد الفضولی، إذا لایمکن تزویج المرأة من زوجین فی زمان واحد.

و أمّا مع العلم بالعقد الفضولی فإقدامها علی التزویج الثانی یعدّ ردّا لما أصدره من الفضولی قطعا.

إن قلت: یمکن أن یقال عکس ما ذکرنا بأنّ الإجازة المتأخرة تکشف عن العقد الثانی بأنّه وقع علی زوجة الغیر فیکون باطلاً و العقد الفضولی یکون تامّا.

قلت: المرأة تکون ذات اختیار و زوّجت نفسها من الثانی فشملتها العمومات فیصح عقدها. و بعد الحکم بصحة العقد الثانی لا یبقی محلٌّ للإجازة المتأخرة للعقد الفضولی لبطلان العقد علی المرأة المتزوّجة من الغیر. و لما مرّ فی باب الأمارات من الاُصول من أنّ الموضوع لأحد الدلیلین إذا کان تنجیزیّا و متحقّقا بالفعل فلا محالة یترتّب علیه حکمه و لایبقی محلّ لموضوع الدلیل الثانی المتوقف علی عدم موضوع الدلیل الأوّل.

ص: 430

و الحاصل: الأدلة العامة فی عقد الفضولی إنّما توجب صحة الفضولی من جهة استناده إلی من یملک أمر العقد، و هذا الاستناد لایتحقّق مع العقد الثانی فلا تشمله العمومات. و الأدلة الخاصة فی صحة الفضولی لا إطلاق لها حتّی تشمل ما نحن فیه.

و لا فرق فی ما ذکرناه بین کشفی الحقیقی و الحکمی.

الثانی: التصرفات غیر المنافیة للعقد الفضولی

و هی التصرفات التی یبقی معها محلٌّ للإجازة کما إذا باعَ المالکُ أمَتَهُ أو وهبها أو صالحها أو أعتقها ثمَّ علم أنّ الفضولی قد باعها من آخر فأجاز بیع الفضولی.

هذا التصرف لیس منافیا للعقد الفضولی لأنّ بقاء العوضین لیس شرطا فی الإجازة فلایعتبر وجودهما حین استناد العقد إلی المالک، لأنّ مع عدم بقائه ینتقل إلی البدل.

و الوجه فی ذلک: أنّ الإجازة کالفسخ و الردّ تتعلّق بالعقد و إن کان الردّ دفعا و الفسخ رفعا من حینهما و هما مشترکان فی تعلّقهما بالعقد. و تتبعهما الإجازة فالمعتبر أن یکون المجیز مالکا حین العقد لا حین الإجازة و إلاّ فلا تعقل الإجازة بناءً علی الکشف الحقیقی لأنّ المفروض أنّ المشتری صار مالکا للمال من حین العقد فالمال یکون ملکا له حین الإجازة و کان خارجا عن ملک المجیز حین الإجازة فلا یقبل الإجازة منه، فالمعتبر أن یکون المجیز مالکا للمال حین العقد لا حین الإجازة.(1)

و ممّا ذکرناه یَظْهَرُ عدم تمامیة مقالة المحقّق النائینی من الحکم بلغویة الإجازة فی ما نحن فیه لأنّ «المالک یجوز له التصرف فی متعلّق عقد الفضولی ولو کان عالما بصدور العقد منه، فإذا جاز له التصرف نفذ تصرفه و إذا نفذ فلا یبقی محلّ للإجازة لصیرورة المالک إجنبیّا»(2).

و قال المحقّق السیّد الخوئی فی مقالة استاذه: «و السرّ فیما أفاده أنّ الإجازة عنده

ص: 431


1- 1 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 1/456.
2- 2 . منیة الطالب 2/69.

تتعلّق بالعین لا بالعقد و من الواضح أنّ البیع أو العتق أو غیرهما من التصرفات الناقلة تخرج العین عن ملک المجیز فلا یبقی مجال للإجازة لانتفاء متعلّقها و موضوعها»(1).

أقول: وجه الظهور ما مرّ منّا من أنّ الإجازة کالفسخ و الردّ تتعلّق بالعقد لا بالعین.

ثمّ بناءً علی الکشف الحقیقی حیث لا یکون هذا التصرف _ النقل أو العتق _ منافیا للعقد الفضولی و یبقی محلّ الإجازة و أجاز المالک ینتقل المال _ الأمة _ إلی المشتری من حین العقد فیبطل النقل أو العتق کما احتمله الشیخ الأعظم(2) أوّلاً.

و أمّا بناءً علی الکشف الحکمی فانتقال المال _ الأمة _ إلی المشتری یکون بعد الإجازة فیکون المال باقیا علی ملک مالکه و انتقله إلی الغیر أو أعتقها فالإنتقال و العتق یکونان تامان. و کذلک الإجازة نافذة للعقد الفضولی و حیث أنّ المالک أتلف المال علی المشتری بالإنتقال أو العتق، فینتقل حقّ المشتری بالبدل من المثل أو القیمة. و هذا هو مقتضی الجمع بین الأدلة الدالة علی صحة تصرفات المالک فی ماله و بین أدله وجوب الوفا بالعقد بعد الإجازة.

هذا کلّه علی النسخة الأُولی أی أُم الولد.

و أمّا علی النسخة الثانیة أی الولد

فأقول: علی القول بالکشف الحقیقی: و جهل المالک بالبیع الفضولی لو نقل أو أعتق الولد [النماء] إلی الغیر ثمّ أجاز البیع الفضولی یبطل نقله أو عتقه، لأنّ بالاجازة تکشف عن ملکیة العین و بتبعها النماء [الولد] للمشتری، فالمالک باع ملک الغیر فیکون باطلاً أو لاأقلَّ مِنْ أَنْ یکون فضولیّا.

و أمّا احتمال صحة نقل الولد و لغویة الإجازة و بطلان الفضولی الذی ذکره الشیخ الأعظم لا یجری عندنا لأنّ مجرد بیع النماء [الولد] و التصرف فی منافع المبیع لایمکن أن یکون ردّا فعلیّا للمعاملة الصادرة فضولة، و السرّ فی ذلک أنّ الردّ کالإجازة من الاُمور

ص: 432


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/456.
2- 2 . المکاسب 3/411.

القصدیة، فاذا کان المالک جاهلاً بوقوع المعاملة الفضولیة أو باع النماء مع بنائه علی الإجازة لا یعدّ ذلک إنشاءً للردّ.

نعم، لو کان المالک عالما بالبیع الفضولی و قصد بنقل النماء [الولد] ردّ المعاملة الفضولیة یکون ذلک ردّا و یقع نقل النماء [الولد] صحیحا.

و أمّا بناءً علی الکشف الحکمی: و جهل المالک بالبیع الفضولی، فیکونُ تصرف المالک فی الولد [النماء] فی ملکه و یقع صحیحا إلاّ أنّه یدفع قیمة النماء [الولد] إلی المشتری بعد إجازة البیع، لدخول النماء [الولد] فی ملک المشتری بعد الإجازة و مقتضی الجمع بینهما هو الحکم بصحة النقل و تغریم القیمة للمشتری.

ولکن استشکل المحقّق النائینی علی ما ذکرناه _ و هو توضیح لمقالة الشیخ الأعظم _ بقوله: «... أنّ مثل هذا النماء المنفصل المستقل لا وجه لکونه تبعا للعین، فلو أجاز بیع الاُمّ فبناءً علی الکشف الحقیقی یصحّ أن یقال: الولد للمجاز له تبعا، لأنّه حدث فی ملکه. و أمّا بناءً علی الکشف الحکمی فالمفروض أنّه لم یحدث فی ملکه و إنّما یحکم تعبدا أو قاعدةً أنّه فی حکم حدوثه فی الملک، و هذا التعبد أو القاعدة إنّما یصح إذا کان للإجازة محلّ، و بعد صحة النقل لایتعلّق للمجاز له حقّ به حتّی یجب علی المجیز بدله جمعا بنی الحقّین»(1).

و أجابه تلمیذه السیّد الخوئی بقوله: «هذه المناقشة ظاهرة الاندفاع، لأنّ الحکم بالملکیة لیس بلحاظ حال الانعدام، و إنّما هو بلحاظ حال الوجود، فمن الآن یحکم بأنّ الموجود سابقا ملک للمشتری فیترتّب علیه وجوب دفع القیمة»(2).

و قال فی تقریره الآخر: «لأنّ زمان الإنتقال و إن کان هو زمان الإجازة ولکن تنتقل العین بالإجازة من زمان العقد فیترتب جمیع أحکام الملکیة من ذلک الزمان تنزیلاً علی الکشف الحکمی و تحقیقا علی ما ذکرنا من الکشف الحقیقی، و إذن فیکون المالک

ص: 433


1- 1 . منیة الطالب 2/70.
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/459.

ضامنا بالنماءات لو أتلفها و مع نقلها إلی الغیر فیکون المقام أیضا من صغریات تعاقب الأیدی کما عرفت فی الکشف الحقیقی و هذا واضح جدّا»(1).

و قال: «و المراد بالولد هو ولد الحیوان لا ولد الأمة فإنّه حرّ علی الکشف الحقیقی، و هکذا لو کانت النسخة اُمّ الولد فإنّ اُم الولد لا یجوز بیعها فی نفسها إلاّ فی الموارد المنصوصة»(2).

أقول: الظاهر أنّ المراد بالولد هو ولد الأمة لا ولد الحیوان بقرینة الفرع الأوّل _ أی الاستیلاد _ فیکون «ال» فی الولد للعهد الذهنی بالاستیلاد. و ولدها فی بعض الفروع یکون عبدا کما فی بعضها یکون حرّا.

هل النسخة الصحیحة هی أُمّ الولد أو الولد؟

الظاهر أنّ النسخة الصحیحة هی الولد لاِءَنَّهُ علی فرض اشتمال النسخة علی کلمة الاُمّ یلزم التهافت بین هذه العبارة و ما ذکره الشیخ الأعظم فی نفس الصفحة بعد أسطر من قوله: «و إن نافی الإجازة کإتلاف العین عقلاً أو شرعا _ کالعتق _ فات محلّها»(3).

لأنّه صریح فی أنّ تصرف المالک فی العین علی الکشف الحکمی مفوّت لمحل الإجازة، و أمّا العبارة السابقة _ بناءً علی اشتمالها علی کلمة الأُمّ لیکون التصرف فی العین _ فهی صریحةٌ بصحة تصرفه مع بقاء محلّ الإجازة و نفوذها لیکون علی المجیز قیمة ما نقله. فلابدّ أن تکون العبارة الأُولی ناظرة إلی تصرفه فی النماء فلا یفوت به محلّ الإجازة علی الکشف الحکمی، و العبارة الأخیرة ناظرة إلی تصرف المالک فی العین فیفوت به محلّ الإجازة، و هذا هو الذی یقتضیه حفظ مقام المصنف قدس سره ، کما نبّه علیه المحقّق السیّدُ الخوئی(4).

ص: 434


1- 1 . مصباح الفقاهة 4/166.
2- 2 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/378.
3- 3 . المکاسب 3/411.
4- 4 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/378؛ التنقیح فی شرح المکاسب 1/459.

أقول: و الشاهد علیه کلام الشیخ الأعظم فی أوّل «مسألة فی أحکام الردّ»(1) فراجعه و انتظر.

فذلکة القول فی حکم التصرفات الصادرة من المشتری

فی ما انتقل إلیه فضولة قبل الإجازة:

بناءً علی النقل: لا إشکال فی حرمة تصرفات المشتری قبل الإجازة ظاهرا و واقعا لأنّه تصرّف فی مال الغیر. و أمّا بحسب الوضعی أیضا تصرفاته باطل، نعم یکون فضولیا فلو أجاز المالک معاملته السابقة یدخل فی مسألة مَنْ باع شیئا ثمّ ملکه و سیاتی بحثه.

و أمّا بناءً علی الکشف الحقیقی: و بعد صدور الإجازة یکشف أن تصرفات المشتری قبلها کانت جائزة تکلیفا واقعیا و نافذة وضعا واقعا، نعم، تکون محرّمة ظاهرا لاستصحاب عدم لحوق الإجازة، فیکون المشتری متجریا فی الظاهر فقط، و لذا لو کانت تصرفاته عبادیا کالوضوء و الغسل بالماء المبیع فضولة یقع فاسدا لمنافاة الحرمة الظاهریة مع قصد القربة، إلاّ إذا کان جاهلاً بها.

و أمّا بناءً علی الکشف الحکمی: فتکونُ تصرفاته قبل الإجازة حراما تکلیفا واقعیا و ظاهریا لأنّه تصرّف فی مال الغیر و استصحاب عدم لحوق الإجازة.

و أمّا الحکم الوضعی فیها و إن کانت تصرفا فی ملک الغیر حدوثا ولکن بحسب البقاء _ و بعد الإجازة _ ملکٌ للمشتری فیجوز تصرفاته فیه و یمضی.

نعم، لا یتحقّق الاستیلاد و لا الزنا بذات البعل لأنّهما یتحقّقان من المملوک و الزوجة الفعلیین دون ما سیکون مملوکا أو زوجة. هذا فی الموردین بجهة ا لحکم الوضعی و أمّا وطی ء الأمّة یکون حراما تکلیفا لأنّه فی غیر ملک و الإجازة الآتیة لایحلّله لأنّ الشی ء لا ینقلب عمّا هو علیه کما مرّ.

ص: 435


1- 1 . المکاسب 3/477.

الجهة الثالثة: الثمرة بین الکشف و النقل

اشارة

و هی متعددة:

الاُولی: النماء

اشارة

قال الشیخ الأعظم: «فإنّه علی الکشف بقولٍ مطلقٍ _ أی بأقسامه المختلفة _ لِمَنْ إنتقل إلیه العین، و علی النقل لِمَنْ انتقلت عنه»(1).

و المراد بالنماء فی کلامه نماء المنفصل للعین المبیعة، و هو بناءً علی الکشف یکون لمشتری العین و بناءً علی النقل یکون لمالکها و هذا واضح لا ارتیاب فیه.

ولکنْ للشهید الثانی رحمه الله فی المقام کلام یحتاج إلی توجیه لأنّه قال: «... و تظهر الفائدة فی النماء. فإن جعلناها کاشفة فالنماء المنفصل المتخلل بین العقد و الإجازة الحاصل من المبیع للمشتری، و نماء الثمن المعین للبائع، ولو جعلناها ناقلة فهما للمالک المجیز»(2).

قال المحقّق جمال الدین الخوانساری فی حاشیته علی الروضة: «فقوله: «فهما للمالک المجیز»، کماتری إلاّ [1] أنّ یفرض کون العقد فضولیا من الطرفین و یکون المراد بکونهما للمالک المجیز کون کلٍّ منهما للمالک أصله المجیز. و فیه تکلّف.

[2] أو یقال: إنّ المراد أنّ کلاًّ منهما للمالک المجیز ولو فی صورتین. فنماء المبیع للبائع عند کونه فضولیا من قِبله، و نماء الثمن للمشتری إذا کان فضولیا من قِبله. و لم یتعرّض لنماء الطرف الآخر لظهوره بالمقایسة و لا یخفی بُعده.

[3] و یمکن أن یقال: فی صورة کون أحد الطرفین فضولیا: إنّ الطرف الآخر قد رضی و أجاز من حین العقد فَوَقع الانتقالُ من طرفه، و إنّما یبقی التزلزل من الطرف الآخر، فلا ینتقل منه إلاّ بعد الإجازة، و حینئذ فیکون نماءُ کلٍّ منهما قبل الإجازة للمالک المجیز، و فیه إشکال...»(3).

ص: 436


1- 1 . المکاسب 3/411.
2- 2 . الروضة البهیة 3/229.
3- 3 . حاشیة الروضة /358، الطبعة الحجریة، لآقا جمال الخوانساری.

ولکن قال الفقیه السیّدُ العاملی بعد نقل عبارة الروضة:«و فیه خفاءٌ. أمّا نماء المبیع فظاهرٌ. و أمّا الثمن فلأنّه انتقل عن المشتری من حین العقد بقبوله. و تصرف المشتری فی ملکه لایتوقف علی إجازة غیره»(1).

أقول: هذا الکلام قریب من التوجیه الثالث للمحقّق الخوانساری و هو: «أن یکون نماء کلّ من العوضین لشخص واحد علی القاعدة کما إذا کان البیع من طرف المبیع فضولیّا دون غیره، فیکون نماء المبیع للمالک المجیز لحدوثه فی ملکه و یکون نماء الثمن له أیضا لإقدام المشتری علی تملیکه له بإقدامه علی الشراء من الفضولی»(2).

و یری الشیخ الأعظم توجیه الأوّل من المحقّق جمال الدین الخوانساری _ الذی هو توجیه المراد بحمله علی خلاف الظاهر _ اُولی من توجیه الثالث فی کلامه و هو قریب من توجیه الفقیه السیّدِ العاملی _ الذی هو توجیه الحکم مع التحفظ علی ظاهر الکلام _ .

و لعلّ وجه الاُولویة فی کلامه: أنّه یرد علی التوجیه الأوّل أن یکون خلافا للظاهر فقط، لأنّ قوله: «فهما للمالک المجیز» ظاهر فی کون کلا النمائین لشخص واحد.

ولکن یردّ علی التوجیه الثالث: «أوّلاً: یمکن أن لایکون المشتری عالما بالفضولیة، بل تخیّل أنّ البائع مالک أو ولیّ أو وکیل.

و ثانیا: یمکن أن یکون الشراء أیضا فضولیا کالبیع.

و ثالثا: الاقدام علی التملیک لیس أحد المملکات.

و رابعا: المشتری لم یقدم علی تملیک النماء للبائع مجانا و إنّما أقدم علی تملیکه بعوض»(3).

و الحاصل: هذا التوجیه الثالث لا یتم صغریً و کبریً:

أمّا الصغری: «فلأنّ الشراء قد یکون فضولیّا کالبیع فلم یُقدم مالک الثمن علی التملیک، و قد یکون المشتری أصیلاً لکنّه جاهل بکون المعاملة فضولیة، و قد یکون

ص: 437


1- 1 . مفتاح الکرامة 12/608.
2- 2 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/380.
3- 3 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/380.

عالما بذلک ولکنّه اشتری بمال الصغیر الذی تحت ولایته فهو لم یقدم علی تملیک مال نفسه و إنّما أقدم علی تملیک مال الصغیر خلافا للمصلحة»(1).

و أمّا الکبری: «فلأنّ الإقدام لیس من أحد المملِّکات فی الشریعة المقدسة.

نعم، فی التسلیط الخارجی کلام بین الأعلام ولکنّه غیر المقام أعنی المعاملة الفضولیة کما لا یخفی»(2).

فرعٌ: تصرف المالک فی النماء

لو أقدم الفضولی علی بیع العین و تصرّف المالک فی نمائها کالثمرة أو البیض أو نحوهما. هل یصح هذا التصرف أم لا؟ و هل یعدّ ردّا لبیع الفضولی أم لا؟ و هل الفرق موجود بین صورتی علم المالک بالبیع و جهله أم لا؟

أقول: أمّا بناءً علی النقل: فَتَصحُّ تصرفاته فی النماء لاِءَنَّهُ تصرّف فی ملکه لعدم صدور الإجازة منه و بعد صدورها تمت و کانت نافذة بالنسبة إلی العین دون نمائها لفقد الموضوع بالنسبة إلی النماء بلا فرق بین صورتی علم المالک و جهله بالبیع.

و أمّا بناءً علی الکشف: إذا تصرّف المالک فی نمائها فَیُحکَمُ بصحة هذا التصرف و قد ثبت بالدلالة الالتزامیة أنّ العین کانت له و هذا یعدّ ردّا للبیع، لأنّ النماء فرع و تابع للعین و هی أصل، فی ما إذا کان عالما ببیع الفضولی، و أمّا إذا کان جاهلاً به فلا یعدّ ردا له.

نعم، إذا لم تتم الدلالة الالتزامیة فی مورد کما فی جهل المالک ببیع الفضولی أو أنّ المالک یری الفرق بین العین و نمائها و لایعدّ التصرف فی النماء التصرف فی العین، لأنّ النماء یکون منفصلاً فلایعدّ التصرف فی النماء ردّا لبیع الفضولی حتّی بناءً علی الکشف و له إجازته.

الثانیة: جواز فسخ الأصیل بناءً علی النقل

لا یخفی أنّ للمالک إمضاء العقد بالإجازة و حلّه بالردّ علی النقل و الکشف، و أمّا

ص: 438


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/462.
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/462.

الأصیل هل یجوز له أن یفسخ العقد و یرفع الید عن إلزامه ما لم یجیزه المالک أم لا؟

أقوال: ثالثها القول بالتفصیل بین الکشف و النقل، علی الأوّل لا یجوز لتمامیة العقد بالنسبة إلی الأصیل و علی الثانی یجوز لأنّ العقد بالنسبة إلیه غیر تام و له أن یفسخه و هو مختار الشیخ الأعظم حیث یقول: «أنّ فسخ الأصیل لإنشائه قبل إجازة الآخر مبطل له علی القول بالنقل دون الکشف بمعنی أنّه لو جعلناها ناقلة کان فسخ الأصیل کفسخ الموجب قبل قبول القابل فی کونه ملغیّا لإنشائه السابق، بخلاف ما لو جعلت کاشفة، فإنّ العقد تام من طرف الأصیل غایة الأمر تسلّط الآخر علی فسخه، و هذا مبنیٌّ علی ما تسالموا علیه من جواز إبطال أحد المتعاقدین لإنشائه قبل انشاء صاحبه، بل قبل تحقّق شرط صحة العقد کالقبض فی الهبة و الوقف و الصدقة»(1).

استدلّ الشیخ الأعظم فی کلامه بوجوه:

الأوّل: الإجماع علی بطلان العقد إذا تخلل الفسخ بین الإیجاب و القبول أو ما یقوم مقامهما من طرفی العقد. بل و بعد تحقّق الإیجاب و القبول و قبل وجود شرط الصحة کالقبض فی الهبة و الوقف و الصدقة و بیع الصرف و السلم.

الثانی: إذا رجع الموجِب مثلاً عن إیجابه قبل تحقّق القبول، لم یصدق العقد عرفا حتّی تشمله أدلة الصحة و اللزوم. فخروج هذا الإیجاب المعدَّل عنه موجِبُهُ عن أدلة صحة العقود و لزومه موضوعیٌّ لا حکمیٌّ تخصیصیٌّ.

الثالث: قال تلمیذه الفقیه المامقانی رحمه الله : «إنّ المصنف قدس سره کان یعلِّل جواز إبطال الإنشاء فی مجلس البحث بأنّ العقد عبارة عن المعاهدة المعبّر عنها بالفارسیة بقولهم: (پیمان)، و من المعلوم أنّ الموجب إذا رجع عن مضمون الإیجاب قبل القبول أو قبل وجود ما هو من شرائط صحة العقد کالقبض و نحوه انتفی معنی المعاهدة التی لیس قوام العقد إلاّ بها فینتفی العقد و هو معنی بطلانه»(2).

ص: 439


1- 1 . المکاسب 3/412.
2- 2 . غایة الآمال /380.

و أمّا الوجوه المذکورة فی کلام الشیخ الأعظم:

فالأوّل: تحقّق الإجماع علی بطلان العقد إذا تخلل الفسخ و الردّ بین الإیجاب و القبول تامٌ کما یرد الإجماع فی کلام صاحبی الجواهر(1) و العناوین(2).

و قد مرّ فی تنبیهات الموالاة بین الإیجاب و القبول قولنا: «الإجماع المحصّل من الأصحاب فی أبواب مختلفة من العقود المشروطة صحتها بعدم تخلّل الرد، و کذا الإجماع المحکی المستفیض علیه»(3).

و أمّا تخلّل الفسخ أو الرد بعد تحقّق الإیجاب و القبول و قبل وجود شرط الصحة فَهُوَ أیضا تام لما مرّ مِنْ قولنا: «و کذا الردّ یبطل بتخلله فی اثناء الإیجاب و القبول و کذلک یبطل بتخلّله بین العقد و القبض فی کلّ عقد یشترط فیه القبض کالوقف و الحبس و السکنی و الهبة و القرض و الصدقة و الصرف و السَّلم لعدم حصول التملیک ما لم یتحقّق القبض»(4). فهذا الدلیل تام.

فالثانی: أیضا تام لأنّ الردّ و الفسخ إذا تخلل بین الإیجاب و القبول لا یبقی إیجاب حتّی یلحقّه القبول هذا إذا کان من الموجب و إمّا إذا کان من القابل أیضا مبطل للإیجاب فلا ینفع القبول بعده، لأنّ مع تخلل الردّ لا یکون عقدا لا شرعا و لا عرفا حتّی یشمله إطلاقات صحة العقود و الأصل أیضا یقتضی فساده لأنّه هو الأصل فی العقود کما مرّ(5).

فالثالث: أیضا تام و هو عبارة اُخری عن الدلیل الثانی.

و بتمامیة هذه الوجوه إلی هنا تتم مقالة الشیخ الأعظم عندنا فی الأصیل بناءً علی النقل و أمّا بناءً علی الکشف فالکشف الحقیقی بوجوه المختلفة الماضیة یترتب الثمرة

ص: 440


1- 1 . الجواهر 29/47 و فیه: «بلا خلاف أجده فیه کما اعترف به بعضهم».
2- 2 . العناوین 2/177.
3- 3 . الآراء الفقهیة 4/242.
4- 4 . الآراء الفقهیة 4/242.
5- 5 . راجع الآراء الفقهیة 4/242.

لحصول النقل و الانتقال بالعقد و المفروض أنّ الإجازة تأتی فیتحقّق المعلَّق علیها و أمّا بناءً علی الکشف الحکمی بالْوُجُوْهِ الثلاثة من المطلق و الإنقلابی و الصورتی فلا تَتَرَتَّبُ هذه الثمرة لأنّ قبل لحوق الإجازة لا تعتبر الملکیة شرعا و عرفا فیتمکن الأصیل من الفسخ.

مقالة المحقّق النائینی و نقده

ولکن المحقّق النائینی ذهب إلی عدم نفوذ فسخ الأصیل و ردّه حتّی علی القول بالنقل و قال: «و الأقوی أنّه لا یجوز تصرّفه مطلقا، بناءً علی استفادة الحکم التکلیفی من قوله عزّ من قائل: «اوفوا بالعقود»(1) لدلالته علی أنّ کلّ منشئٍ و معاهدٍ ملزم بانشائه و عهد، فإن وجوب الوفاء تکلیفا لا معنی له إلاّ تعلّقه بفعل المتعاقدین أی: یتعلّق بالمعنی المصدری، فیجب علی کلٍّ منهما الالتزام بما اُلزم علی نفسه و هو: إیجاده المادّة بالهیئة سواء تحقّق الالتزام من الآخر أم لا...»(2).

مراده: مفاد العمومات و منها قوله تعالی «اوفوا بالعقود» هو الحکم التکلیفی لا الوضعی و علیه معناها لزوم إنها الالتزام تکلیفا لکلٍّ من طرفی العقد ولو لم یترتب علی العقد الحکم الوضعی و لأنّ الحکم التکلیفی المتعلَّق بالبائع غیر المتعلَّق بالمشتری فلا ینافی عدم ترتب الأثر الوضعی علیه فعلاً و قبل الإجازة فی بیع الفضولی.

و بعبارة أُخری: «إن کان المراد بالعقد فی الآیة معناه الاسم المصدری _ أعنی نتیجة العقد و هو حصول المبادلة و الملکیة فلا یمکن أن تعم عقد الأصیل قبل الإجازة لعدم حصول نتیجته حینئذ، و أمّا إن کان المراد معناه المصدری و هو الالتزام فلا مانع من شموله لالتزام المالک [الأصیل] فیجب علیه الوفاء و لا یجوز له الفسخ و هذا جار فی جمیع العقود إلاّ المنصوصة کالوقف قبل القبض، و لاینتقض ذلک بالإیجاب و القبول فإنّ العقد غیر متحقّق بمجرد الإیجاب قبل لحوق القبول»(3).

ص: 441


1- 1 . سورة المائدة /1.
2- 2 . منیة الطالب 2/78.
3- 3 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/382.

و یرد علیه: أوّلاً: لازم الحکم التکلیفی بوجوب الوفاء بالعقد هو جواز العقد لأنّ الأمر بإنهاء الالتزام إنّما یصح فیما إذا کان المخاطب متمکنا من عدمه، أی من رفع الید عن التزامه بحیث إذا خالف الحکم التکلیفی و فسخ العقد کان ذلک ممضی منه شرعا و هذا المعنی هو جواز العقد، فلابدّ من القول بأنّ وجوب الوفاء بالعقد یکون إرشادا إلی ترتیب آثار الملکیة، فلا یعم إلاّ العقد التام من حیث الأجزاء و الشرائط و یترتب علیه أثره و هو الملکیة.

و ثانیا: الخطاب التکلیفی إنّما یتوجه إلی المالکین و موضوعه العقد _ أی الارتباط بین التزامی المالکین _ و لیس التزام الأصیل مصداقا للعقد علی القول بالنقل ما لم تتحقّق الإجازة و بهذا یفرق المقام عن النذر، فللأصیل أن یرفع یده عن العقد فینتفی به موضوع الإجازة.(1)

أقول: قد مرّ منّا من فی بدایة الکتاب(2) استفادة صحة العقود و وجوب الوفاء بها من الآیة الشریفة أعنی: «اوفوا بالعقود»، فیُستفاد منها الْحُکْمانِ: التکلیفیٌ _ أی وجوب الوفاء بها و الإیفاء بها _ و الوضعی _ أی صحة العقود و تمامیتها _ فنحن نستفید منها الحکمین خلافا للعَلَمین _ النائینی و السیّد الخوئی رحمهماالله _ ولکن الأخیر هنا و فی بعض أبحاثه الفقهیة و إلاّ فهو _ أی السیّد الخوئی _ فی بعض أبحاثه الفقهیة الأُخر و الأُصولیة _ علی ما ببالی _ ذهب إلی امکان استفادة الحکمین من الآیة الشریفة و الجمع بینهما. کما هو مختارنا.

و علی القول المختار _ من إمکان الجمع بین الحکمین _ فنحن فی فسحة من إشکال المحقّق النائینی وَ جَوابِ السیّد الخوئی رحمهماالله لأنّا نستفید من الآیة الشریفة الحکمین _ أی التکلیفی و الوضعی معا _ فالآیة کما تدلّ علی لزوم الوفاء بالعقد کذلک تدلّ علی صِحَّتِهِ ولکن إذا رجع الموجِب عن إیجابه لم یبق العقد علی حاله و لم یکن فی

ص: 442


1- 1 . الإیرادان للمحقّق الخوئی فی محاضرات فی الفقه الجعفری 2/383.
2- 2 . الآراء الفقهیة 1/14.

البین إیجابا حتّی یلحقّه القبول أو الإجازة. فیتم إلی هنا مقالة الشیخ الأعظم رحمه الله .

اعتراض للمحقّق القمی(1) رحمه الله و نقده

تقریب هذا الاعتراض: ترتب الأثر علی جزء السبب _ و هو العقد أو انشاء الأصیل _ بعد انضمام الجزء الآخر و هو الإجازة من الأحکام الوضعیة و لا یعتبر فیه اختیار الأصیل لترتّبه و إرادته و عدم رجوعه عن انشائه.

و بعبارة اُخری: الإیجاب و القبول هما جزءان للسبب المؤثر فی عقد الفضولی و المفروض تحقّقهما، فإذا انضمّ إجازة المالک إلی العقد ترتّب علیه النقل قهرا، سواء رجع الأصیل عن انشائه قبل إجازة المالک أم لم یرجع، لأنّ اتصاف الإیجاب و القبول بعنوان «جزء السبب» قهری.

فلا فرق بین عدم تأثیر فسخ الأصیل بین قولی النقل و الکشف فی الإجازة، فلا یترتب هذه الثمرة.(2)

ولکن ردّه الشیخ الأعظم بقوله: «و فیه: أنّ الکلام فی أنّ عدم تخلّل الفسخ بین جزئی السبب شرط، فانضمام الجزء الآخر من دون تحقّق الشرط غیر مجدٍ فی وجود المسبّب»(3).

مراده: شرط تأثیر العقد بالإجازة و الحکم بصحته هو عدم تخلّل الفسخ بین الإیجاب و القبول فی العقود، و فی الفضولی بین الإیجاب و الإجازة، و إذا لم یتحقّق هذا الشرط المعتبَر، فَإِنَّ انضمام الجزء الآخر و هو الإجازة فی المقام لا یفید شیئا.

ثمّ قال الشیخ الأعظم رحمه الله : «فالاُولی فی سند المنع دفع احتمال اشتراط عدم تخلّل الفسخ بإطلاقات صحة العقود و لزومها»(4).

ص: 443


1- 1 . راجع عنائم الأیام /543 من الطبعة الحجریة، جامع الشتات 2/281 (1/156 من الطبعة الحجریة).
2- 2 . راجع هدی الطالب 5/104 و 105.
3- 3 . المکاسب 3/412.
4- 4 . المکاسب 3/413.

مراده: ردّ الشرطیة المدعاة بالإطلاقات الواردة فی صحة العقود و لزومها. و أجاب عنه بقوله: «و لا یخلو من إشکال»(1).

مراده من الإشکال ما مرّ فی دلیله الثانی من عدم صدق العقد العرفی بعد رجوع الموجِب عن إیجابه، فخروج المورد عن إطلاقات صحة العقود و لزومها موضوعیٌّ و تخصصیٌّ لا حکمیٌّ و تخصیصیٌّ حتّی تنفیه الإطلاقات و عدم ورود المخصّص.

نعم، یمکن أَنْ یُناقَشَ الشیخُ الأعظمُ بما ذکره السیّد الخمینی من: «... أنّ الفسخ هل هو هادم للعقد أم لا؟ فإن قلنا: أنّه هادم فلا فرق بین النقل و الکشف حتّی الحقیقی منه، لأنّ تعقب العقد بالإجازة إنّما هو مؤثر إذا لم ینهدم العقد، فإذا تخلّل بین العقد و الإجازة فسخ هادم، لم یبق عقد حتّی تتعقّبه الإجازة.

و بعبارة أُخری: إنّ العقد إذا تعقّبه الهدم قبل الإجازة، لم یکن فی علم اللّه من الأوّل عقدا متعقّبا بالإجازة حتّی یکون مؤثرا. و إن لم یکن هادما فلا فرق بینهما أیضا.

نعم، لو قلنا: بأنّه علی النقل هادم دون الکشف، یتم القول بالثمرة، لکن لا دلیل علی التفریق.

و ما قیل(2): من أنّ العقد تام من قبل الأصیل علی الکشف، لا یرجع إلی محصّل، فإنّ المراد من التمام إن رجع إلی أنّ الأصیل حصل منه ما هو مِنْ قِبَلِهِ من إنشاء العقد، فلا شبهة فی أنّه علی النقل أیضا کذلک، بل الموجِب أیضا حصل منه ما هو مِنْ قِبَلِهِ.

و إن رجع إلی أنّ النقل حاصل مِنْ قِبَلِهِ علی الکشف، فهو موقوف علی القول بأنّ الإجازة لا دخالة لها، أو أنّ الفسخ غیر هادم، فتمامیّة العقد موقوفة علی عدم الهادمیّة و هو أوّل الکلام»(3).

و بالجملة: ظهور هذه الثمرة بعد قبول هذه المقالة مشکل جدّا فنرفع الید عنها و لا نحتاج إلی البحث حولها فی الکشف و الحمدللّه.

ص: 444


1- 1 . المکاسب 3/413.
2- 2 . القائل هو الشیخ الأعظم کما مرّ، فی المکاسب 3/412.
3- 3 . کتاب البیع 2/256.

أقول: فسخ العقد هو حلّه من حینه _ أی من حین الفسخ _ لا هدمه من أصله، و الشاهد علیه، عدم جواز مطالبة المنافع من طرف الآخر، فالتعبیر بأنّ الفسخ هادم للعقد مسامحیٌّ.

الثالثة: تصرف الأصیل فیما انتقل عنه

اشارة

ذهب الشیخ الأعظم(1) إلی الجواز بناءً علی النقل حتّی علی القول بأنّ فسخه لفظا غیر مبطل لإنشائه و العدول من إیجابه لا یبطل العقد _ کما علیه المحقّقان القمی و النائینی رحمهماالله _ ، لأنّ الأصیل مادامَتِ الإجازَةُ لَمْ تَأْتِ مِنَ الْمالِکِ، فله أن یتصرف فی ماله لأنّ المال لم یخرج من ملکیته بناءً علی النقل. فهذا التصرف منه تکلیفا و وضعا جائز.

و قال: «و الحاصل: إنّ الفسخ القولی و إن قلنا أنّه غیر مبطل لإنشاء الأصیل، إلاّ أنّ له فعل ما ینافی انتقال المال عنه علی وجهٍ یفوّت محلّ الإجازة، فینفسخ العقد بنفسه بذلک»(2).

و استشهد بفرعین:
الأوّل: لو باع المالکُ جاریتَه بالشراء الفضولی

الأوّل: لو باع المالکُ جاریتَه بالشراء الفضولی، فمادام لم تصدر الإجازة من المشتری یجوز للمالک وطؤها لأنّها کما کانت ملکه باق علیها و لم ینتقل منه فلو استولدها و صارت اُمّ ولدٍ یفوت محلّ الإجازة لعدم صحة بیع أُمّ الولد.

الثانی: لو زوّجت الحرّة نفسها من فضولی جاز لها التزویج من الغیر
اشارة

الثانی: لو زوّجت الحرّة نفسها من فضولی جاز لها التزویج من الغیر ما لم تصدر الإجازة من الغیر، و التزویج الثانی یفوت محلّ الإجازة.

و فی الفرعین لو صدرت الإجازة من طرف الفضول لغت لعدم بقاء المحلّ قابلاً لقبولها.

ثمّ نقل الشیخ الأعظم(3) احتمال عدم جواز تصرف الأصیل فیما انتقل عنه حتّی علی القول بالنقل کما هو کذلک علی الکشف مستدلاًِّ له _ علی وجه لعلّ _ «لِجریان عموم

ص: 445


1- 1 . المکاسب 3/413.
2- 2 . المکاسب 3/413.
3- 3 . المکاسب 3/413.

وجوب الوفاء بالعقد فی حقِّ الأصیل و إن لم یجب فی الطرف الآخر»(1).

مراده: کون عقد الفضولی جامعا لجمیع شرائط العقد سوی الإجازة فیشمله عموم قوله تعالی: «اوفوا بالعقود»(2) فیجب علی الأصیل الوفاء به و مقتضاه عدم جواز تصرفه فیما انتقل عنه.(3)

و استظهر(4) هذا الاحتمال من کلام المحقّق الثانی فی مسألة شراء الغاصب بعین المال المغصوب حیث یقول: «و لیس لکلٍّ من البائع و الغاصب التصرف فی العین لإمکان إجازة المالک، خصوصا علی القول بأنّ الإجازة کاشفة»(5).

ثمّ ردّ هذا الاحتمال(6): بأنّ الإجازة بناءً علی النقل لها دخل فی العقد جزءً أو شرطا، فما لم تتحقّق الإجازة لم یتم العقد فلا یجب الوفاء به علی أحد من المتعاقدین، لأنّ موضوع وجوب الوفاء هو العقد المقیَّد بالإجازة و من الواضح أنّ المقیَّد لا یتحقّق إلاّ بعد وجود قیده.(7)

و الحاصل: یجوز للأصیل أن یتصرف فیما انتقل عنه _ تکلیفا و وضعا _ بناءً علی النقل.

أقول: یمکن أَنْ یُناقَشَ الشیخُ الأعظمُ بأنّ التفصیل بین الفسخ القولی و الفعلی ممنوعٌ، لأنّ آیة «اوفوا بالعقود» إن شملت الاْءَصِیْلَ فلا یجوز له الفسخ لا قولاً و لا فعلاً، و إن لم تَشْملْهُ فیجوز له الفسخ القولی کما یجوز له الفسخ الفعلی، فما ذکره تحت عنوان

ص: 446


1- 1 . المکاسب 3/413.
2- 2 . سورة المائدة /1.
3- 3 . راجع هدی الطالب 5/110.
4- 4 . المکاسب 3/413.
5- 5 . جامع المقاصد 6/331.
6- 6 . المکاسب 3/413.
7- 7 . راجع هدی الطالب 5/111.

«و الحاصل: أنّ الفسخ القولی و إن قلنا...»(1) الخ غیر تام.(2)

و ما ذکره الشیخ الأعظم من جواز تصرفات الأصیل فیما انتقل عنه تام بناءً علی النقل لأنّها من آثار الملکیة الشرعیة و مادامت الإجازة لم تصدر، فمِلْک الأصیل باق علی ماله فیجوز له التصرف فیه ولو التصرفات الناقلة کاستیلاد اُمّ الولد أو عتقها أو بیعها و غیرها.

و أمّا بناءً علی الکشف: فَقَدْ قال الشیخ الأعظم:

و أمّا بناءً علی الکشف: فَقَدْ قال الشیخ الأعظم: «فلا یجوز التصرف فیه علی ما یستفاد من کلمات جماعة کالعلاّمة(3) و السیّد العمیدی(4) و المحقّق الثانی(5) و ظاهر غیرهم(6)»(7).

و الوجه فی کلامه: تحقّق الملکیة من حین العقد لمن انتقل إلیه فیعدّ تصرف مَنْ انتقل عنه تصرفا فی ملک الغیر، و المسألة معنونة فی کلماتهم فی کتاب النکاح لا البیع کما تعرّض لأقوالهم الشیخ الأعظم فإنّا نقتفی أثره.

ثمّ نقل الشیخ الأعظم عن بعض معاصریه جواز تصرف

ثمّ نقل الشیخ الأعظم(8) عن بعض معاصریه جواز تصرف الأصیل فیما انتقل عنه للشک فی تحقّق الشرط _ و هو الإجازة اللاحقة _ و یسری هذا الشک فی تحقّق المشروط _ و هو الملکیة لمن انتقل إلیه _ فملکیته مشکوکة و الأصل عدم تحقّقها فلا ینتقل المال من الأصیل إلی غیره، فیجوز للأصیل التصرف فی ملکه.

ثمّ نقل عنه استدراکه: «نعم إذا حصلت الإجازة کشفت عن

ثمّ نقل عنه استدراکه: «نعم إذا حصلت الإجازة کشفت عن بطلان کلّ تصرّف

ص: 447


1- 1 . المکاسب 3/413.
2- 2 . کما یظهر من العقد النضید 3/255.
3- 3 . قواعد الأحکام 3/16.
4- 4 . کنز الفوائد 2/322 و 357.
5- 5 . جامع المقاصد 12/160 و 297 و 298.
6- 6 . کالفاضل الأصفهانی فی کشف اللثام 7/107 و الشیخ یوسف فی الحدائق 23/288 و 289.
7- 7 . المکاسب 3/414.
8- 8 . المکاسب 3/414.

منافٍ لانتقال المال إلی المجیز فیأخذ المال مع بقائه و بدله مع تلفه. قال: «نعم، لو علم بإجازة المالک لم یجز له التصرف» انتهی»(1).

أقول: فیری الشیخ الأعظم کلام معاصره تاما ولکن بناءً علی مذهبه فی الکشف الحقیقی التعقبی _ و هو الالتزام بأنّ الشرط هو تعقّب العقد بالإجازة، لا نفس الإجازة و قد نُسب هذا القول إلی جدی _ صاحب الهدایة _ و عمّی _ صاحب الفصول _ و خالی _ الشیخ حسن ابن الشیخ الأکبر _ و الفاضل النراقی قدس سرهم .(2)

هو _ معاصره _ هنا جدی الشیخ محمّدتقی صاحب الهدایة

و هو _ معاصره _ هنا جدی الشیخ محمّدتقی صاحب الهدایة قال فی کتاب فقهه تبصرة الفقهاء ما نصه: «رابعها: أنّه لو عقد فضولاً فهل للآخر التصرف فی متعلَّق العقد قبل إجازة المالک أو ردّه، أو لابدّ من توقّفه عن التصرف إلاّ بعد ظهور الردّ؟ یحتمل الثانی، نظرا إلی لزوم العقد من طرف المالک علی تقدیر إجازة الآخر، فیدور العقد حینئذ بین الصحیح و الفاسد، فلا یجوز له التصرف فیه إلاّ بعد انکشاف الحال لیجری علی مقتضاه.

و الأظهر جواز تصرفاته فیه أخذا بمقتضی الأصل لعدم العلم بصحة العقد المانع من التصرف فیه، لدورانه بین الصحیح و الفاسد.

و مجرد الاحتمال لا یقضی بارتفاع الحکم الثابت، بل لا مانع لسایر العقود الناقلة لعینه أو منافعه اللزوم أو غیره، غیر أنّه بعد حصول الإجازة یؤخذ بمقتضاه من الرجوع إلی العین مع بقائها و إلی عوضه مع تلفها.

نعم، لو علم بالفحوی إجازته له بعد ذلک لم یجز له التصرف فیه کما سنشیر إلیه إن شاء اللّه»(3).

ثمّ یقول الشیخ الأعظم: «ما ذکره البعض المعاصر صحیح

ثمّ یقول الشیخ الأعظم: «ما ذکره البعض المعاصر صحیح علی مذهبه فی الکشف من کون العقد مشروطا بتعقّبه بالإجازة، لعدم إحراز الشرط مع الشک فلا یجب

ص: 448


1- 1 . المکاسب 3/414.
2- 2 . راجع هذا المجلد صفحة 402.
3- 3 . تبصرة الفقهاء 3/352.

الوفاء به علی أحد من المتعاقدین»(1).

اعترض علیه الشیخ الأعظم: بأنّ مذهب المشهور فی الکشف

ولکن اعترض علیه الشیخ الأعظم(2): بأنّ مذهب المشهور فی الکشف هو الحقیقی الشرطی فیکون المؤثر التام فی الانتقال هو العقد، و قد تحقّق العقد _ و الإجازة لا تکون إلاّ شرطا متأخرا یکشف عن تحقّق العقد من حینه _ و إذا تحقّق العقد یجب علی الأصیل بمقتضی عموم وجوب الوفاء بالعقد و حرمة نقضه من جانبه، و الالتزام به و عدم نقضه، و لأنّ وجوب الوفاء علیه لیس مراعی بإجازة المالک بل مقتضی عمومه وجوب الوفاء علیه حتّی مع العلم بعدم إجازة المالک _ و من هنا ظهر أنّه لا فائدة فی أصالة عدم الإجازة _ .

نعم، «ردُّ المالکِ فسخٌ للعقد من طرف الأصیل، کما أنّ إجازته إمضاء له من طرف الفضولی»(3).

ثمّ ذکر توهما و هو: «أنّ العمل بمقتضی العقد کما یوجب حرمة

ثمّ ذکر توهما و هو: «أنّ العمل بمقتضی العقد کما یوجب حرمة تصرف الأصیل فیما انتقل عنه، کذلک یوجب جواز تصرفه فیما انتقل إلیه، لأنّ مقتضی العقد مبادلة المالین، فحرمة التصرف فی ماله مع حرمة التصرف فی عوضه ینافی مقتضی العقد، أعنی المبادلة»(4).

أقول: قد مرّ منّا(5) بأنّ بعضهم یلتزمون بجواز تصرف الأصیل فیما ینتقل إلیه قبل الإجازة لو علم بتحقّق الإجازة فی ما بعد. فهذا البعض یقرّون بهذه المبادلة بین المالین و عوضیّة کل واحد منهما بدلاً من الآخر فلا توهّم فی البین بل قول فی المقام.

ولکن الشیخ الأعظم ردّ هذا الذی سمّاه بالتوهم بأنّه مبنیٌّ

ولکن الشیخ الأعظم(6) ردّ هذا الذی سمّاه بالتوهم بأنّه مبنیٌّ علی استفادة

ص: 449


1- 1 . المکاسب 3/415.
2- 2 . راجع المکاسب 3/414 و 415.
3- 3 . المکاسب 3/415.
4- 4 . المکاسب 3/415.
5- 5 . راجع هذا المجلد صفحة 402.
6- 6 . المکاسب 3/416.

حکمین من وجوب وفاء العاقد الأصیل بما التزم به و هما حرمة التصرف فیما انتقل عنه و جواز تصرفه فیما انتقل إلیه، ولکن الصحیح أنّ أدلة وجوب الوفاء بالعقد لا یدلّ إلاّ علی الأوّل _ أی حرمة التصرف فیما انتقل عنه _ لأنّها هی مقتضی التزامه بخروج المال عن ملکه.

و أمّا دخول بدله فی ملکه فَهُوَ خارج عن التزامه و لیس من التزام علی نفسه بل هو ممّا جعله لنفسه فهو خارج عن مدلول التزامه علی نفسه، و إن کان داخلاً فی مفهوم المبادلة.

و حیث أَنَّ أدلة وجوب الوفاء بالعقد لا تشمل جواز تصرف الأصیل فیما انتقل إلیه، فالمرجع فی هذا التصرف هو الأصل العملی فی المقام و هی أصالة عدم الانتقال.

ثمّ تعرّض الشیخ الأعظم لما سمّاه دعوی: و هی إثبات جواز تصرف

ثمّ تعرّض الشیخ الأعظم(1) لما سمّاه دعوی: و هی إثبات جواز تصرف الأصیل فیما انتقل عنه و عدم حرمته بناءً علی الکشف بتقریب: التزام الأصیل بخروج ماله عن ملکه لم یکن مطلقا حتّی یحرم تصرّفه فیه بمقتضی عموم وجوب الوفاء بالعقود، بل کان معلَّقا علی تقدیر الإجازة و دخول مال الغیر فی ملکه و المبادلة بین المالین، و حیث لم یعلم الأصیل بتحقّق الإجازة، فتصرّفه فی ماله لایعدّ نقضا لما التزم به، لأنّ التزامه کان معلَّقا و هو لایعلم بتحقّق المعلَّق علیه و هی الإجازة.

ثمّ أتی الشیخ الأعظم(2) بتنظیر لهذه المسألة فی مسألة النذر المعلَّق علی شرط قبل تحقّق شرطه من جواز تصرف الناذر فی المنذور قبل تحقّق شرطه من دون لزوم حِنْث للنذر.

و دفعها بأمرین:
اشارة

و دفعها(3) بأمرین:

الأوّل: التزام الأصیل بنقل ماله إلی المالک

الأوّل: التزام الأصیل بنقل ماله إلی المالک غیر معلَّقٍ علی إجازة المالک بل هو مراعی علیها بحیث أنّها تکشف عن تحقّق المبادلة من زمن العقد، فالأصیل التزم بالمبادلة متوقّعا للإجازة لا مشروطً علیها أو معلَّقا علیها، فیجب علیه

ص: 450


1- 1 . المکاسب 3/416.
2- 2 . المکاسب 3/416.
3- 3 . المکاسب 3/416.

الوفاء بالتزامه و یحرم علیه نقضه إلی أن یحصل ما یتوقّعه من الإجازة فتم النقل و الانتقال من حین العقد، أو یصدر الردّ من المالک فینتقض التزام الأصیل به.

و بالجملة: تنظیر المقام بمسألة النذر قیاس مع الفارق، و الفرق تعلیق النذر علی الشرط ولکن التزام الأصیل غیر معلَّق علی الإجازة.

الثانی: جواز تصرف الناذر فی المال المنذور المشروط قبل تحقّق
اشارة

الثانی: جواز تصرف الناذر فی المال المنذور المشروط قبل تحقّق شرطه لا یخلو من إشکال و لم یتسالم الأصحاب علیه. فالمسألة فی المُنْظَرِ علیه أیضا غیر تام فما بالک بالمُنْظَر.

أقول:

یقع الکلام فی جِهَتَیْنِ:

الجهة الاُولی: نقد مقالة الشیخ الأعظم

الجهة الثانیة: البحث حول مسألة النذر المشروط و التصرف فی المنذور قبل تحقّق شرطه.

أمّا الجهة الاُولی:

فیرد علی الشیخ الأعظم أوّلاً: «إنّ موضوع وجوب الوفاء بالعقد إنّما هو الالتزام بالملکیّة، لا حصول نفس الملکیّة، و موضوع عدم جواز التصرف فی المال تکلیفا نفس الملکیّة و ما لم تحصل لا تشملها حرمة التصرف فی مال الغیر»(1). فما ذکره الشیخ الأعظم من أنّ «مقتضی العموم حرمة نقضه علی الأصیل مطلقا فکلّ تصرف یعدّ نقضا لعقد المبادلة... فهو غیر جائز»(2) غیر تام.

و ثانیا: ما ذکره من قوله قدس سره : «بل مقتضی العموم وجوبه [أی وجوب الوفاء بالعقد و حرمة تصرف الأصیل فیما انتقل عنه] حتّی مع العلم بعدم إجازة المالک...»(3). غیر تام لأنّ فی صورة العلم بعدم الإجازة یجوز تصرف الأصیل فی ماله، للعلم بعدم صدور الإجازة و عدم تمامیة العقد، فماله باق علی ملکه فیجوز له التصرف فی ماله و ملکه وجدانا.

ص: 451


1- 1 . مصباح الفقاهة 4/175.
2- 2 . المکاسب 3/415.
3- 3 . المکاسب 3/414.

و ثالثا: حکمه قدس سره بعموم شمول آیة «اوفوا بالعقود» بما التزم به لِلاْءَصِیْلِ، فی عقده مع الفضولی ما لم تَتَحَقَّقَ الإجازة من المالک، مشکل جدّا، و لأحدٍ أن یَقُوْلَ: أنّه تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة لذلک العام. لأنّ تمامیة العقد مَنُوْطَةٌ بصدور الإجازة من المالک، فما لم تصدر الإجازة منه نشک فی کون ما وقع من الأصیل و الفضولی أنّه عقدٌ أم لیس بشی ءٍ أصلاً، فنشک فی مصداقیة ما وقع عنهما بکونه عقدا أم لا؟ فلا یجوز التمسک بهذا العموم.

و بعبارة أُخری قوله تعالی: «اوفوا بالعقود» یدلّ علی وجوب الوفاء بالعقد الذی یراه العرف عقدا کما هو کذلک فی قوله تعالی: «أحل اللّه البیع»، و العرف لا یری عقد الفضولی و لا بیعه قبل صدور الإجازة من المالک عقدا تاما أو بیعا کذلک، فلا یمکن إثبات وجوب الوفاء به بالآیة الشریفة.

و رابعا: قوام البیع بمبادلة المالین و خروج أحد العوضین عن ملک أحد من المتبایعین و دخوله فی ملک الآخر و عکسه، و فی بیع الفضولی أیضا الأصیل یبدِّل ماله بمال المالک و انتقل ماله إلی المالک فی قبال انتقال مال المالک إلیه، فلا أدری ما المراد من قوله: «و أمّا قید» کونه بإزاء مال «فهو خارج عن الالتزام علی نفسه و إن کان داخلاً فی مفهوم المبادلة»(1)؟ الأصیل یلتزم علی نفسه بالبیع و هو المبادلة، و علیه قید «کونه بإزاء المال» داخل فی الالتزام، فإذا حرم علی الأصیل التصرف فیما انتقل عنه، فیجوز له التصرف فیما انتقل إلیه بهذه المبادلة التی هی قوام البیع، فالتفصیل بینهما غیر وجیه.

و خامسا: لا وجه لحرمة تصرف الأصیل فی ماله قبل صدور الإجازة من المالک، لأنّ ملکه باق علی ماله فیجوز له التصرف فی ملکه لا سیما إذا علم بعدم صدور الإجازة من المالک. نعم، لو تصرّف و صدر الإجازة من المالک تصیر تصرفاته حراما واقعا بناءً علی بعض أقسام صور الکشف الحقیقی نحو الشرطی منه، لکنّها کانت حلالاً ظاهرا. نعم، إذا علم بصدور الإجازة من المالک تکون تصرفاته حراما ظاهرا و واقعا.

ص: 452


1- 1 . المکاسب 3/416.

و إذا علم بعدم صدورها منه تکون تصرفاته حلالاً ظاهرا و واقعا.

و إذا لم یعلم بصدورها منه تکون تصرفاته حلالاً ظاهرا، فإذا صدرت منه تکون حراما واقعا، و إذا لم تصدر منه تکون حلالاً ظاهرا و واقعا.

فحکم الشیخ الأعظم بحرمة تصرفات الأصیل مطلقا ظاهرا و واقعا فی غیر محلّه.

و أمّا الجهة الثانیة: مسألة النذر المشروط

فأقول: قال المحقّق: «لو نذر عتق أمته إن وطأها صحّ، فإن أخرجها من ملکه انحلت الیمین. ولو أعادها بملک مستأنف لم تُعد الیمین»(1).

و اسْتُدلَّ(2) علیه بصحیحة محمّد بن مسلم عن أحدهما قال: سألته عن الرجل تکون له الأمة، فیقول: یوم یأتیها فهی حرّة، ثمّ یبیعها من رجلٍ ثمّ یشتریها بعد ذلک، قال: لا بأس بأن یأتیها، قد خرجت من ملکه.(3)

و الصحیحة کما تری مطلقة ولکن الأصحاب حملوها علی صورة النذر و أفتی بها جمعٌ منهم: الصدوق(4)و القاضی ابن البراج(5) و یحیی بن سعید(6) و العلاّمة فی الإرشاد(7) و التحریر(8) و الشهید(9) و ثانیة(10).

ص: 453


1- 1 . الشرائع 3/81.
2- 2 . کما فی المسالک 10/306 و الجواهر 34/131 و 35/412.
3- 3 . وسائل الشیعة 23/94، ح1، الباب 59 من أبواب کتاب العتق.
4- 4 . المقنع /157.
5- 5 . المهذب 2/360.
6- 6 . الجامع للشرائع /403.
7- 7 . إرشاد الأذهان 2/67.
8- 8 . تحریر الأحکام الشرعیة 4/203.
9- 9 . الدروس 2/205.
10- 10 . المسالک 10/306، و الروضة البهیة 6/296.

ولکن ابن ادریس(1) و العلاّمة فی بعض کتبه(2) و ولده(3) توقفوا عن الفتوی بمضمونها(4)، أو افتوا بعدم جواز التصرف فی المنذور المعلَّق علی الشرط قبل حصوله(5) أو إعادة النذر بملک مستأنف.(6)

ثمّ تعدّی بعض من الأصحاب من مسألة الأمة إلی غیرها و إلی التعلیق بغیر الوط ء کالشهید الثانی قال: «... و المتجه التعدّی نظرا إلی العلّة، و یتفرّع علی ذلک أیضا جواز التصرف فی المنذور المعلَّق علی شرطٍ لم یوجد، و هی مسألة إشکالیة. و العلاّمة اختار فی التحریر(7) عتقَ العبد لو نذر إن فعل کذا فهو حرٌّ، فباعه قبل الفعل ثمّ اشتراه ثمّ فعل. و ولدُه(8) استقرب عدمَ جواز التصرف فی المنذور المعلَّق علی الشرط قبل حصوله. و هذا الخبر حجة علیهما»(9).

و قال سبطه السیّد محمّد العاملی: «هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب و المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح... و لیس فی الروایة تصریح بنذر العتق إذا

ص: 454


1- 1 . قال ابن ادریس: «و قد رُوی أنّه إذا کان للرجل جاریة فنذر أنّه متی وَطِئَها کانت معتقة فإن وَطِئَها قبل أن یخرجها من ملکه انعتقت، و إن أخرجها ثمّ اشتراها بعد ذلک [و] وَطِئَها لم یقع بذلک عتق. و فقه هذه الروایة إن صحت: إنّه إذا أخرجها من ملکه انحل نذره، لأنّه نذر فی ملکه، فإذا زال ملکه عنها انحلّ نذره، و لا یصح فی ملک الغیر، فیحتاج إذا عادت إلی ملکه إلی دلیل علی عتقها»، السرائر 3/12 و 13.
2- 2 . القواعد 3/203، تحریر الأحکام الشرعیة 4/210، مختلف الشیعة 8/31.
3- 3 . إیضاح الفوائد 3/485.
4- 4 . کابن ادریس فی السرائر 3/12 و 13.
5- 5 . کالفخر المحقّقین فی إیضاح الفوائد 3/485.
6- 6 . کالعلامة فی التحریر 4/210.
7- 7 . تحریر الأحکام الشرعیة 4/210.
8- 8 . إیضاح الفوائد 3/485.
9- 9 . الروضة البهیة 6/296.

حصل الوطؤ بل الظاهر منها أنّ العتق وقع معلَّقا علی شرط، لکن الأصحاب حملوها علی النذر. و حملها ابن ادریس علی ما إذا تعلَّق النذر بوطئها و هی فی ملکه.

و لا ریب فی انحلال النذر بخروجها عن ملکه علی هذا التقدیر، کما أنّه لا إشکال فی عدم انحلاله إذا تعلَّق النذر بمطلق الوطؤ المتناول لما بعد خروجها عن الملک، و إنّما یقع الإشکال مع إطلاق النذر، و لایبعد مساواته لصورة التمیم»(1).

و قال الشیخ اسداللّه التستری: «و عندی أنّه إن کان النذر مشروطا صریحا أو ضمنا _ بما إذا وجد الشرط و المنذور باقٍ فی ملکه _ فإخراجه من الملک قبله جائز قطعا، لأنّ الالتزام بالنذر حینئذ بالنسبة إلی بقاء المنذور فی الملک کالواجب المشروط و لا یجب تحصیل مقدمته إجماعا _ ثمّ ذکر صحیحة محمّد بن مسلم، و حمل الأصحاب لها علی صورة النذر و قال: _ و فیه دلالة علی جواز البیع و علی سقوط النذر به و إن عادت إلی ملکه...»(2).

و قال صاحب الجواهر: «(لو نذر عتق أمته إن وطأها صحّ) لما عرفت من عموم أدلّة النذر و قابلیة للتّعلیق، و أنه لیس من العتق المعلّق و حینئذ (ف)تعتق أو تنعتق بتحقّق مسمی الوط ء نعم (إن أخرجها عن ملکه انحلّت الیمین فلو أعادها بملک مستأنف لم یعد الیمین) الذی کان ظاهره التعلیق علی الوط ء بالملک الأوّل، نحو ما سمعته فی الإیلاء، نعم لو قصد الأعم من العائد و الموجود فلا إشکال فی عدم الانحلال، کما لا إشکال فیه مع قصده الوط ء بالملک الموجود.

إنّما الکلام مع الإطلاق، و قد عرفت أنّ الظاهر منه ما ذکرناه، و یدلّ علیه مضافا إلی ذلک صحیح محمّد بن مسلم(3) عن أحدهما علیهماالسلام «سألته عن الرجل تکون له الأمة فقال: یوم یأتیها فهی حرّة، ثمّ یبیعها من رجل ثمّ یشتریها بعد ذلک، قال: لا بأس بأن یأتیها، قد خرجت عن ملکه» المحمول علی النذر و شبهه، لما عرفت من عدم جواز

ص: 455


1- 1 . نهایة المرام 2/267.
2- 2 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /111 و 112.
3- 3 . وسائل الشیعة 23/94، ح1.

التعلیق فی العتق، و فی الروضة(1) «و یشهد له تعلیله بأنها قد خرجت عن ملکه، ولو لم یکن منذورا لم یتوقف ذلک علی الخروج، کما لا یخفی» و إن کان فیه ما فیه. و علی کلِّ حال فقد فهم الأصحاب منها ذلک و عملوا به، بل فی المسالک(2) ما وقف علی رادّ لها إلاّ ما یظهر من ابن إدریس.

نعم فی الروضة(3) و کذا المسالک(4): «فی تعدیة الحکم إلی غیر الوط ء من الافعال و إلی غیر الأمة وجهان: من کونه قیاسا و الفرض مخالفة الحکم للأصل من حیث أَنّ خروجها عن ملکه لا مدخل له فی انحلال النذر، لأن غایته أن تصیر أجنبیّة منه و النذر یصحّ تعلیقه بالأجنبیّة کنذر عتقها إن ملکها، و هی فی ملک غیره ابتداءً کما تقدّم فی نظائره _ و فیه ما عرفت من ظهور النذر فی الوط ء بذلک الملک _ و من إیماء النّص إلی العلّة بقوله علیه السلام «قد خرجت عن ملکه» و ذلک یوجب التعدی إلی ما توجد فیه العلّة المنصوصة». و فی الروضة(5) «و هو المتّجه».

و فیه: أنّ المبنی إذا کان ما ذکرنا من الظهور ینبغی أن یکون المدار علیه، لا نفس الخروج عن الملک مطلقا، ضرورة إمکان الفرق بین الوط ء و غیره من الأفعال فی الظهور المزبور، بل ینبغی القطع بإیماء التعلیل إلی ذلک، لا أنّ الحکم تعبدی.

ثمّ قال فیهما(6) أیضا: «إنّ ظاهر الصّحیح المزبور جواز التصرف فی المنذور المعلّق علی شرط لم یوجد، و هی مسألة إشکالیة» ثمّ حکی فی الروضة عن الفاضل فی التحریر «اختیار عتق العبد لو نذر إن فعل کذا فهو حرّ فباعه قبل الفعل ثمّ اشتراه ثمّ فعل، و

ص: 456


1- 1 . الروضة البهیة 6/295.
2- 2 . المسالک 10/306.
3- 3 . الروضة البهیة 6/295.
4- 4 . المسالک 10/306.
5- 5 . الروضة البهیة 6/296.
6- 6 . الروضة البهیة 6/296، المسالک 10/306.

عن ولده أنّه استقرب [عدم(1)] جواز التصرف فی المنذور المعلَّق علی شرط قبل حصوله، و هذا الخبر حجّة علیهما»(2).

قلت: قد عرفت ما یمکن الجواب به عن الأوّل منهما، و أمّا مسألة التصرف فی المنذور المعلّق علی شرط فقد یقال: إن محلَّها ما لو کان المعلّق علیه متوقعا کَشِفاءِ المریض و نحوه، و أما مع فرض القطع بعدمه فلا إشکال فی الجواز، و الفرض فی المسألة أنّه بالخروج عن الملک یمتنع المعلَّق علیه بناءً علی أنّ المراد الوط ء بذلک الملک فتأمّل جیدا، و اللّه العالم»(3).

قال المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله : «الکلام فیها یقع من جهتین:

1_ من جهة الحکم التکلیفی 2_ من جهة الحکم الوضعی

أمّا الجهة الاُولی، فملخّص الکلام فیها: أنّ النذر إذا کان علی نحو الاطلاق المعبّر عنه بالمنجز و لم یکن مقیّدا بشی ء فلا ینبغی الإشکال فی أنّ التصرف فی المال المنذور للفقراء حرام، سواء کان النذر نذر نتیجة بأن ینذر انتقال الشاة إلی ملکهم أو کان نذر فعل کنذره أن یملّکها للفقراء، لأنّه تصرّف فیما یجب تملیکه للغیر فلا یجوز أکله و لا بیعه و لا غیرهما من التصرّفات المنافیة للوفاء بالنذر، و هذا ظاهر جدّا.

کما أنّه إذا کان علی نحو الواجب المعلّق بأن یکون النذر معلّقا علی شی ء إلاّ أنه من الآن یلتزم بالعمل و إن کان ظرف العمل متأخرا و هو زمان مجی ء ولده أو شفاء مریضه کما هو الظاهر فیما إذا کان المعلّق علیه أمرا متیقّن الحصول کما إذا قال: للّه علیّ کذا إذا جاء الغد، فلا إشکال أیضا فی عدم جواز التصرّف فی المال، لأنّ الوجوب فعلیّ و معه کیف یجوز له البیع أو الذبح و نحوهما.

و کذا الحال فیما إذا کان علی نحو الواجب المشروط إلاّ أنّ الشرط کان معلوم الحصول، و ذلک لما ذکرناه فی المقدّمات المفوّتة من أنّ تفویت الملاک الملزم قبیح فی

ص: 457


1- 1 . لیس فی المطبوعة ولکنّ الصحیح إثباتها.
2- 2 . الروضة البهیة 6/296.
3- 3 . الجواهر 34/131 و 132.

نظر العقل و هو کعصیان التکلیف المنجز عنده، و لا إشکال أنّه بذبح الشاة أو بیعها یعجز عن إستیفاء الملاک الذی یعلم أنّه یتوجّه علیه، فلا یجوز تفویت الملاک لأنّه روح الأمر و حقیقته.

و أمّا إذا کان مشروطا بشرط مجهول الحصول، فإن کان بنذره ذلک قاصدا لإبقاء الشاة أیضا إلی وقت حصول الشرط المجهول کما هو الغالب فی الناذرین فلا إشکال فی عدم جواز إتلافها و بیعها أو ذبحها، لأنّه بنذره ذلک أوجب أمرین: أحدهما تملیک الشاة للفقراء. و ثانیهما: إبقاؤها إلی زمان الشرط، و هذا نظیر ما ذکره الفقهاء فی الشروط من أنّه إذا باع داره بشرط أن یبیعها المشتری للبائع فیما إذا جاء بمثل الثمن، فهو بمنزلة اشتراط أن لا یبیعها المشتری للغیر.

و فی المقام أیضا یمکن أن یقال إنّه بنذره ذلک نذر أن یبقی المال إلی ذلک الوقت، و هذا من دون فرق بین أن یکون الشرط اختیاریا للناذر کما إذا نذر أن یفعل کذا إذا شرب التتن، و بین کونه غیر اختیاری له کما إذا نذر کذا إذا نزل المطرفی وقت معلوم، نعم لو فرضناه علی نحو الواجب المشروط من دون أن ینذر الإبقاء و غیره و کان الشرط مجهول الحصول، فلا مانع من التصرف فی المال ببیعه و ذبحه هذا کلّه بحسب الحکم التکلیفی.

و أمّا الجهة الثانیة: و هو الحکم الوضعی، فلا ینبغی الإشکال فی أنّ النذر إذا کان نذر نتیجة و کان مطلقا، أو کان مشروطا ولکن حصل شرطه لایصحّ التصرّف فی المال المنذور صرفه فی جهات خاصّة، لأنّه ملک الغیر حینئذ فلا تکون التصرّفات نافذة أبدا.

و أمّا فیما إذا کان نذر فعل و کان معلّقا أو مشروطا مع کون الشرط معلوم الحصول، أو غیر ذلک من الموارد التی حکمنا بعدم جواز التصرف فیها فی المال من دون تعلّق حقّ به و إنّما کان مجرد حکم تکلیفی بعدم الجواز، فهل تصحّ التصرفات فی المال حینئذ و تکون نافذة أو أنّها تقع باطلة؟ فقد وقع فیه الخلاف، فذهب بعضهم إلی الصحّة و النفوذ، و منعه بعض آخر بعد الاتّفاق علی صحّة التصرفات و نفوذها فی الموارد التی حکمنا بالجواز فیها تکلیفا.

و لا إشکال فی أنّ مقتضی العمومات و الإطلاقات صحّة التصرفات و المعاملات

ص: 458

الواقعة علی المال فی الموارد المبحوث عنها، و هذا ممّا لا کلام فیه، و إنّما المهمّ بیان ما استند إلیه المانعون فی المقام.

فقد استدلّوا علی بطلان البیع و سائر التصرّفات بوجهین:

أحدهما: أنّ الملک فی المعاملة یعتبر أن یکون طلقا و لا یصحّ بیع ما لیس بطلق کبیع الوقف و الرهن، و المال فی المقام کالرهن و الوقف لیس طلقا لتعلّق حقّ الفقراء أو السادات به أو حقّ غیرهما ممّا نذر صرفه فیه، و علیه یکون البیع الواقع علیه باطلاً، هذا.

و فیه: منع الصغری و الکبری، أمّا الصغری فلا، لانّ المفروض أنّ الموجود فی البین لیس إلاّ حکما تکلیفیا و لم یتعلّق بالمال حقّ بالنسبة إلی الغیر لعدم تحقّق شرطه، و الذی یوضّح ذلک و یدلّ علی أنّ الأمر بصرفه فی الجهات الخاصّة مجرد حکم تکلیفی و لیس هناک حقّ للغیر هو أنّه لایقبل السقوط بالاسقاط و لایسقط بشی ء، فلو فرضنا أنّ فقراء البلد اجتمعوا و أسقطوا حقّهم عن المال لایسقط وجوب الصرف بذلک بل یجب علیه الوفاء بالنذر علی تقدیر حصول شرطه، و من المعلوم أنّه لو کان حقّا لکان قابلاً للإسقاط لما ذکرناه فی أوائل البیع(1) من أنّ الفارق بین الحقّ و الحکم لیس إلاّ ذلک، و أنّ الأوّل یسقط بالاسقاط دون الثانی و إلاّ فکلّ حقّ حکم، فالملک طلق فی المقام.

و أمّا منع الکبری فلما سیأتی(2) من أنّ هذا العنوان أی اعتبار کون المبیع ملکا طلقا لم یرد فی شی ء من الآیات و الروایات و إنّما انتزعه الفقهاء من الموارد الخاصّة کالمنع عن بیع الوقف و الرهن و أمّ الولد و نحوها، فالعبرة إنّما هی بتلک الموارد لا بالعنوان فلا یمکن التعدّی عنها، و المقام لیس من قبیل الموارد المذکورة کما هو واضح، فعلی تقدیر تسلیم أنّ المال تعلّق به حقّ الغیر لا یمکن الالتزام ببطلان بیعه.

الثانی ممّا استدلّ به علی المنع: ما ذکره شیخنا الأُستاذ(3) قدس سره من أنّ الممنوع شرعا کالممتنع عقلاً، و بما أنّ الشارع أمر بصرف المال فی الجهات الخاصّة فبالملازمة

ص: 459


1- 1 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 1/30.
2- 2 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 2/252.
3- 3 . لا حظ منیة الطالب 2/83.

نستکشف أنّ ضدّها و هو التصرف فی المال و صرفه إلی غیر الجهات الخاصّة حرام و منهی عنه شرعا، فیکون تسلیمه إلی المشتری ضدّا لصرفه فی الجهات و محرّما شرعا، و الممنوع شرعا کالممتنع عقلاً فیکون النهی موجبا لسلب القدرة علی التسلیم، و من شرائط صحّة المعاملات هو القدرة علی تسلیم المبیع و بهذا بنی علی أنّ النهی المولوی فی المعاملات یوجب الفساد، هذا.

و فیه: أنّ المتّبع هو الدلیل الذی دلّ علی اشتراط القدرة علی التسلیم و هل أنّه دلّ علی اعتبار القدرة خارجا و تکوینا أو علی اعتبار القدرة شرعا أیضا، و لا إشکال أنّه إنّما یقتضی اعتبار القدرة علی التسلیم تکوینا، و لا إشکال أنّ الناذر قادر علیه خارجا فلا محالة یصحّ بیعه و إن ارتکب محرّما شرعیا حینئذ، و بالجملة أنّه لا تنافی و لا تضادّ بین حرمة التصرفات و نفوذها أبدا، فلذا یصحّ البیع فیما إذا حلف علی ترکه غایة الأمر أنّه عاصٍ للحکم التحریمی حینئذ، و القائل أنّ الممنوع شرعا کالممتنع عقلاً إن أراد بذلک أنّه غیر مقدور تکلیفا فهو مسلّم، و إن أراد أنّه غیر مقدور وضعا بمعنی أنّه غیر نافذ فهو أوّل الکلام کما لا یخفی.

فالمتحصل: أنّه لا مانع من الالتزام بصحة بیع المال الذی تعلَّق به النذر و وجب صرفه فی جهات معیّنة و إن کان ذلک معدما له حینئذ. ثمّ إنّه لا إشکال فی صحة البیع فیما إذا علم برجوعه إلی ملکه عند فعلیة النذر بحصول شرطه کما إذا علم أنّه یهبه له أو یبیحه أو یبیعه منه و هکذا، و لعلّ المانع یمنعه فی غیر تلک الصورة أیضا بل لا یکون التصرف حراما أیضا لعدم منافاته الوفاء بالنذر»(1).

تنبیه:

ثمّ استشهد الشیخ الأعظم علی قوله بِحُرْمَةِ تصرف الأصیل فیما انتقل عنه و وجوب الوفاء و الالتزام بما عقد علی نفسه بما ذکره القوم فی باب النکاح:

قال العلاّمة: «ولو تولّی الفضولی أحد طرفی العقد ثبت فی حقّ المباشر تحریم

ص: 460


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/(474-470).

المصاهرة فإن کان زوجا حرم علیه الخامسة و الأُخت و الأُمّ و البنت، إلاّ إذا فسخت _ علی إشکال _ فی الأُمّ، و فی الطلاق نظر، لترتّبه علی عقد لازم فلا یبیح المصاهرة، و إن کان المباشر زوجةً لم یحلّ لها نکاح غیره إلاّ إذا فسخ، و الطلاق هنا معتبر»(1).

و قال المحقّق الثانی: «لو تولّی العقد عن الرجل أو المرأة فضولی و باشر الآخر منهما العقد بنفسه، فقد علم من ما مضی أنّ العقد لازم بالنسبة إلی المباشر، و حینئذ فیثبت تحریم المصاهرة بالنسبة إلیه، لأنّ ذلک دائر مع النکاح الصحیح، و قد علمت أنّ النکاح صحیح بالنسبة إلیه حیث أنّه لازم من طرفه.

فالمباشر إمّا زوج أو زوجة، فإن کان زوجا حرم علیه نکاح الخامسة لو کانت المعقود علیها فضولاً رابعة و حرم علیه اُخت المعقود علیها و اُمّها و بنتها، لأن ذلک أثر النکاح الصحیح، إلاّ إذا فسخت المعقود علیها، فان التحریم ینتفی حینئذ لانتفاء مقتضیه.

و ذلک واضح فی الاُخت، فإنّها لا تحرم إلاّ جمعا لا عینا و قد انفسخ النکاح، و کذا البنت، فإنّها لا تحرم عینا إلاّ مع الدخول باُمّها.

أمّا الأُمّ، فإنّ فی بقاء تحریمها بعد الفسخ و زواله إشکال، ینشأ: من أن تحریم الأُمّ یثبت بالعقد الصحیح اللازم، و قد تبین أنّ العقد صحیح لازم من طرف المباشر، فیتعلّق به تحریم الاُمّ. و من أنّ الفسخ رفع النکاح من أصله، فارتفعت أحکامه.

و أیضا فإنّ النکاح لا یعقل ثبوته بمجرد القبول المعتبر من دون الإیجاب الشرعی، و إیجاب الفضولی لا أثر له من دون الرضی، و إذا لم یثبت النکاح لم یثبت التحریم.

و التحقیق: أن المباشرة من أحد الطرفین لاتقتضی ثبوت النکاح من ذلک الطرف الآخر لأنّ النکاح أمرٌ واحدٌ نسبیٌّ لا یعقل ثبوته إلاّ من الجانبین.

و إنّما قلنا إنّه یلزم فی حقِّ المباشر، بناءً علی أن الإجازة کاشفة عن ثبوت العقد و لزومه من حین وقوعه، کما أن عدمها کاشف عن عدم ذلک.

فلو فسخ المباشر ثمّ أجاز الآخر تَبَیَّنّا أنّ فسخه وقع بعد ثبوت العقد و لزومه فلم

ص: 461


1- 1 . قواعد الأحکام 3/16.

یؤثر شیئا، و الحکم بثبوت حرمة المصاهرة إنّما کان لأنّ العقد الواقع نقل عن حکم الحلّ الذی کان قبله، و إن کانت سببیته و عدم سببیته الآن غیر معلومة، فلم یبق حکم الأصل کما کان.

و مثله ما لو اشتبهت الزوجة المعقود علیها عقدا صحیحا لازما بغیرها، فإنّ تحریم المصاهرة ثابت بالنسبة إلیهما معا، و کذا القول فیما لو اشتبه الطاهر بالنجس و الحلال بالحرام.

و بهذا البیان یظهر أنّه مع الفسخ یتبیّن أنّه لا عقد أصلاً، فلا تحریم أصلاً، و هذا هو الأصح»(1).

قال الفاضل الأصفهانی: «(فإن کان زوجا حرم علیه الخامسة و الاُخت) بلا إشکال لصدق الجمع بین الاُختین و نکاح أربع بالنسبة إلیه، و لا یجدی التزلزل.

(و) لکلٍّ من (الأُمّ و البنت) للمعقود علیها فضولیا (إلاّ) أنّه قبل تبیّن حالها من الإجازة أو الفسخ لا إشکال فی الحرمة، لحرمة الجمع قطعا، و کذا إذا أجازت. و أمّا (إذا فسخت) فلا حرمة بلا إشکال فی البنت، و (علی إشکال فی الاُمّ) من أنّ الفسخ کاشف عن الفساد أو رافع له [أی للعقد] من حینه [أی من حین الفسخ] و الأوّل أصح، فإنّ الأصح أنّ الإجازة إمّا جزءٌ أو شرطٌ.

(و فی) إباحة المصاهرة مع (الطلاق) قبل تبیّن حال الآخر من الإجازة أو الفسخ (نظر لترتبه علی عقد لازم) و إلاّ وقف علی الإجازة، و لأنّه لایتعلّق إلاّ بالزوجیة، و لا زوجیة ما لم یلزم، و الفضولی غیر لازم ما لم یجز، فلا یصح هذا الطلاق (فلا یبیح المصاهرة).

و یحتمل الإباحة لأنّا إنّما نسلّم توقّفه علی اللزوم من قبله و هو حاصل أو نقول: إنّه إنّما یتوقّف علی نکاح صحیح، و الإجازة کاشفة عن الصحة لا متمّمة و الفسخ کاشف عن الفساد فالطلاق مراعی، فإن أجازت تبیّن صحته لصحة العقد و إلاّ تبیّن فساده

ص: 462


1- 1 . جامع المقاصد 12/(161-159).

لفساده، و علی التقدیرین یستباح المصاهرة إلاّ فی الاُمّ.

و قد یقال: لا عبرة بالطلاق مع الجهل بشرطه فلا یفید شیئا.

و یحتمل أن یکون أراده [أی أراد الطلاق] المصنف بأنْ أراد ترتبه علی عقد معلوم الصحة.

و یمکن أن یکون مراده النظر إباحته [أی الطلاق] الاُمّ من ترتبه [أی الطلاق[ علی عقد لازم أی تام، فلا یخلو إمّا أن یحکم بصحته [أی الطلاق] أو لا؟:

و علی کل لم یکن مفیدا للإباحة [أی لإباحة الاُمّ]، إذ علی الأوّل یلزم العقد الصحیح علی البنت، فلا تحلّ الاُمّ، و علی الثانی إن أجازت صح العقد فحرمت الاُمّ، و إن فسخت فالحکم ما تقدّم.

و علی احتمال الإباحة فیه [أی فی الطلاق] فإنّما أُبیحت [الأُمّ] لفساد العقد من أصله، لا للطلاق و من أنّه [أی الطلاق] بالنسبة إلیه [أی إلی الزوج المباشر] بمنزلة الفسخ قبل اللزوم بل قبل التمامیة، و منع توقّفه [أی الطلاق] علی اللزوم أو التمامیة، فلم یتم العقد علی البنت فتحلّ الاُمّ، سواء فسخت [الزوجة التی یکون العقد بالنسبة إلیها فضولیا[ بعده أم أجازت.

(و إن کان المباشر زوجة لم یحل لها نکاح غیره إلاّ إذا فسخ) و هل یحلّ لها حینئذ نکاح أبیه أو إبنه؟ فیه الوجهان فی إباحة الاُمّ بالفسخ، (و الإطلاق هنا معتبر) فإنّه إذا طلّق فقد أجاز قبله فلزم العقد»(1).

و قال الشیخ یوسف البحرانی بعد نقل کلام المحقّق و الشهید الثانیین من غیر ترتیب و بعد کلام الأوّل منهما: «و مرجعه إلی أنّ تحریم المصاهرة فی الصورة المذکورة إنّما هو من حیث وقوع الشبهة بهذا العقد فی أنّ المعقود علیها قبل الإجازة أو الفسخ زوجة أم لا؟ لا أنّ العقد کان لازما من جهة المباشرة کما ذکروه فیترتّب علیه أحکام المصاهرة.

ص: 463


1- 1 . کشف اللثام 7/107 و 108.

و الحقّ أنّ العقد فی الصورة المذکورة یکون موقوفا لا یحکم علیه بلزوم و لا بطلان إلی أن تلحقه الإجازة أو الفسخ فیظهر حاله بذلک، و الحکم باللزوم بمجرد کونه من أحد الطرفین لا یخلو من مناقشة و إشکال»(1).

قال صاحب الجواهر: «(ولو بلغ أحدهما فرضی) به (لزم العقد من جهته) بناءً علی أنّ الإجازة کاشفة، فالمراد باللزوم حینئذ من جهته عدم جواز فسخه له، بل فی القواعد(2) فی نحو المقام أنه نحرم المصاهرة علیه، بل فی کشف اللثام(3) نفی الإشکال فیه، فلا یجوز له إن کان الزوج نکاح الاُخت و الخامسة و کلّ من الأمّ و البنت إلاّ إذا فسخت الزوجة، فلا حرمة علی إشکال فی الأمّ، و فی الکشف(4) من أن الفسخ کاشف عن الفساد أو رافع له من حینه ثمّ قال فیها: و مع الطلاق نظر لترتبه علی عقد لازم، فلا یبیح المصاهرة إلی أن قال فیها: و إن کان الزوجة لم یحل لها نکاح غیره مطلقا إلاّ إذا فسخ، و الطلاق هنا معتبر، و فی الکشف(5) و هل لها نکاح أبیه أو ابنه؟ فیه الوجهان فی إباحة الأمّ بالفسخ، لکنّه قد یناقش باعتبار تحقّق النّکاح فی تحریم ذلک و لیس، إذ الفرض عدم حصول الإجازة من الآخر، و احتمال حصولها غیر کافٍ فی تحقّقها، بل الأصل یقتضی عدمها.

بل مقتضاه جواز ذلک کلّه له حتّی تحصل و إن انکشف بعد حصولها بطلان التصرف الحاصل بین العقد و بینها، فمن باع ماله من فضولی لم یمتنع علیه الانتفاع به ولو المتلَف.

اللّهم إلاّ أن یفرّق بینه و بین النّکاح المطلوب فیه الاحتیاط بالأنساب و غیرها.

أو یلتزم فیهما معا بالحرمة من باب المقدمة، ضرورة أنه علی الکشف بالمعنی المعروف عندهم یکون الأمر دائرا بین کونها أمّ امرأته مثلاً أو غیرها، فیحرم وطؤها مقدمة

ص: 464


1- 1 . الحدائق 23/289 و 290.
2- 2 . القواعد 3/16.
3- 3 . کشف اللثام 7/107.
4- 4 . کشف اللثام 7/107.
5- 5 . کشف اللثام 7/108.

لامتثال تحریم نکاح أمّ الزوجة، و یحرم علیه التصرف فی المال، لدورانه بین کونه ماله و مال غیره، فیجب اجتنابه مقدمة لامتثال حرمة التصرف فی مال الغیر، و بذلک ینقطع استصحاب الجواز السابق، فإنّه لایعارض باب المقدمة، بل لعلّ موضوع المستصحب غیرُ محقّقٍ بعد صدور ما یحتمل السّببیة منه المخرجة له عنه، کما أنّه لم یعلم تناول أد لة الحلِّ للفرض، إذهی نکاح غیر أ مّ المرأة، و لم یعلم کونها کذلک، هذا أقصی ما یمکن أن یقال.

لکن الإنصاف عدم خلوه مع ذلک عن الإشکال، خصوصا بعد ملاحظة أصل عدم حصول الإجازة.

و استصحاب أحکام الموضوع السابق(1)، مثل جریان هذا العقد و العزل فی خبر الحذاء(2) إنّما هو للاحتیاط فی حفظ المال، کالعزل للحمل، فهو مخصوص فی محلِّه، و لذا صرّحوا بإعطائه للوارث مع فرض طول الانتظار و نحوه بجنون و نحوه، فتأمّل.

فإنّه قد یقال بمعارضة أصالة عدم الإجازة بأصالة عدم حصول المبطل للعقد المتأهل للصحة، و الاستصحاب قد انقطع قطعا، ضرورة اندراجها فی المعقودة التی هی غیر نافذة العقد، نعم هی محتملة لکونها من ذی العقد المقبول أو المردود، و لا أصل ینقح ذلک، فیجب الاجتناب مقدمة کالمعقودة المشتبهة بغیرها، مؤیدا ذلک بتناول أمر الوفاء بالعقد الشامل لمثل هذا العقد للأصیل مثلاً، و لیس الوفاء به إلاّ المراعاة لحاله، و إجراء حکم المصاهرة و نحوها علیه، لأن الوفاء بکلِّ شی ء بحسب حاله، بل لعلّ الأمر بعزل المال فی الصحیح الآتی(3) لذلک.

نعم، من الغریب ما سمعته مع احتمال تحریم الأُمّ و الاب و الإبن بمجرد صدور العقد فضولاً الذی تعقَّبه عدم الإجازة ولو من طرف واحد، لإحتمال کون الفسخ من حینه، فإنّه لا یقتضیه أصل و لا قاعدة و لا فتوی، بل یمکن تحصیل الإجماع أو الضرورة بخلافه، و الطلاق غیر مجدٍ، ضرورة اعتبار تعقّبه للنّکاح، و الفرض عدم تمامیته لعدم

ص: 465


1- 1 . أی العقد الفضولی.
2- 2 . وسائل الشیعة 26/219، ح1.
3- 3 . وسائل الشیعة 26/219، ح1.

حصول الإجازة، و إن قلنا بکونها کاشفة بناءً علی مدخلیتها فی تأثیر الصّحة ولو علی جهة الکشف الشرعی فلا یؤثر الطلاق حینئذ فسخا، نعم علی ما حقّقناه سابقا(1) من عدم المدخلیة لها فی الصّحة، و أنّه یکفی فیها أن یرضی الذی هو فی علم اللّه کالمحقَّق یتّجه تأثیر الطلاق لو صادف الصّحة علی الأصح، لعدم اعتبار العلم بها فیه فتأمّل جیّدا، فإنّه دقیق»(2).

أقول: قد مرّ منّا بأنّ صاحب الجواهر قائل بالکشف الحقیقی الحصولی _ الوجه الخامس من وجوه الکشف الذی مرّ _ و هو یقول: «بأنّ الشرط حصول الرضا ولو فی المستقبل الذی یُعلم بوقوعه من المالک مثلاً أو بإخبار المعصوم علیه السلام أو نحو ذلک... ولکن لابدّ فیه من حصول الرضا ولو فی المستقبل و لا یکفی فیه الرضا التعلیقی بمعنی أنّه لو علم لرضِی...».

ثمّ ما ذکره قدس سره من قوله: «من الغریب... أو الضرورة بخِلافه متین جدّا.

و أمّا الطلاق قبل الإجازة فَلا یتم شرعا لعدم تمامیة النکاح حتّی یترتب علیه الطلاق، ولکن یمکن أن یقال بأنّ هذا الطلاق قبل الإجازة یعدّ فسخا عرفیا للنکاح الذی قبله فیمکن اعتباره فسخا عرفیّا لا طلاقا شرعیّا.

قال الشیخ الأعظم بعد نقل کلام العلاّمة فی القواعد: «و عن کشف اللثام نفی الإشکال و قد صرّح أیضا جماعة بلزوم النکاح المزبور من طرف الأصیل و فرّعوا علیه تحریم المصاهرة»(3).

أقول: قد مرّ کلام الفاضل الأصبهانی من نفیه الإشکال _ فی زمان الفاصل بین عقد الفضولی و الإجازة أو الردّ _ بالنسبة إلی حرمة الخامسة و الاُخت و الامّ و البنت، و أنت تری خلو عبارته من نفی الإشکال فی الاُمّ بالنسبة إلی حرمتها أو حلّیّتها.

و الظاهر أنّ الشیخ الأعظم استشهد بهذا الفرع فی کتاب النکاح علی قوله من

ص: 466


1- 1 . الجواهر 23/466 و 467 (22/289).
2- 2 . الجواهر 29/217 و 218.
3- 3 . المکاسب 3/417.

حرمة تصرف الأصیل فیما انتقل عنه کما مرّ فی أوّل التنبیه، فاستشهاده بکلام الفاضل الأصبهانی یرجع إلی مقصوده من حرمة تصرف الأصیل فیما انتقل عنه، فأتی بنفی الإشکال فی کلامه بالنسبة إلی حرمة الخامسة و الاُخت و الاُمّ و البنت. فلا یرجع نقل نفی الإشکال فی کلام الأصبهانی من الشیخ الأعظم إلی الاُمّ _ کما تراه المحقّق المروج(1) أنّه من المتعین _ ثمّ اعترض علیه بأنّه لم یجدِه، فاعتذر له بأنّه: «اعتمد فی نقل کلام الفاضل الأصفهانی علی مطلع کلام صاحب الجواهر(2)»(3).

ثمّ قال الشیخ الأعظم: «و أمّا مثل النظر إلی المزوّجة فضولاً و إلی اُمّها _ مثلاً _ و غیره ممّا لا یعدّ ترکه نقضا لما التزم العاقد علی نفسه، فهو باق تحت الاصول لأنّ ذلک من لوازم علاقة الزوجیة الغیر الثابتة، بل المنفیّة بالأصل.

فحرمة نقض العاقد لما عقد علی نفسه لا یتوقّف علی ثبوت نتیجة العقد _ أعنی علاقة الملک أو الزوجیة _ بل ثبوت النتیجة تابع لثبوت حرمة النقض من الطرفین»(4).

أقول: هذا البیان من الشیخ الأعظم تام بل ثبوت نتیجة العقد تابع لثبوت حرمة النقض من الطرفین کما ذکره قدس سره . فبالنسبة إلی مسألة النکاح الفضولی لا حرمة فی البین أبدا مادام لم یجز الذی أقام الفضولی العقد من طرفه، نعم، بعد إجازته تمَّ عقد و تترتب الحرمة. و أمّا قبلها فلا حرمة فی البین أصلاً بلا فرق بین أن یکون الفضولی من طرف الزوجة أو الزوج، فلو تزوّج الزوج المباشر الخامسة أو الاُخت أو الاُمّ أو البنت قبل الإجازة صح تزویجه و نفس هذا العقد یدلّ علی الفسخ العملی للعقد الفضولی السابق.

و کذا لو تزوّجت الزوجة المباشرة نفسها للغیر أو الأب أو الإبن قبل الإجازة یدلّ نفس هذا العقد الثانی علی الفسخ العملی للعقد الفضولی السابق.

فلا حرمة فی البین أصلاً. نعم، مادام هو أو هی علی عقدهما الفضولیان یجب

ص: 467


1- 1 . هدی الطالب 5/131.
2- 2 . الجواهر 29/217.
3- 3 . هدی الطالب 5/131.
4- 4 . المکاسب 3/417 و 418.

علیهما مراعاة الحرمة کما علیه صاحب الحدائق(1).

و بالجملة: هذه الثمرة _ حرمة تصرف الأصیل فی ما انتقل عنه _ لا تَتُمُّ عندنا و الحمدللّه.

الرابعة: سقوط أهلیة التملّک عن الأصیل

ثمّ تعرّض الشیخ الأعظم لأربع ثمرات ذکرها الشیخ الأکبر کاشف الغطاء بین النقل و الکشف فنحن نقتفی أثره:

قال الشیخ جعفر کاشف الغطاء: «و تظهر الثمرة أیضا فیما لو انسلخت قابلیة الملک عن أحدهما بموته قبل إجازة الآخر أو بعروض کفر _ بارتداد فطری أو غیره _ مع کون المبیع مسلما أو مصحفا إن لم نشترط فیها ما نشترطه من الاسلام حین العقد»(2).

مراده: یمکن الخروج عن قابلیة التملک بأحد اُمور ثلاثة:

1. الخروج العرفی عن قابلیة التملک کالموت.

2. الخروج التعبدی عن قابلیة تملک أمواله السابقة کالارتداد الفطری

3. الخروج التعبدی عن قابلیة تملک بعض أمواله نحو المصحف الشریف و العبد المسلم کالإرتداد الملّی.

و تظهر الثمرة بین الکشف و النقل بأنّ العاقد الأصیل إذا أنشا البیع أو الشراء و انسلخت عنه قابلیة التملیک بالموت أو الارتداد، صحت المعاملة بناءً علی الکشف لأنّه حین العقد کان قابلاً و انسلخت القابلیة عنه بعد العقد و بناءً علی النقل کانت المعاملة باطلة لأنّ حین الإجازة و الانتقال لم یکن الأصیل قابلاً للتملک.

و اعترض صاحب الجواهر علی أُستاذه و قال: «إنّ الأوّل و إن کان قد یشهد له خبر(3) الصغیرین اللذین مات أحدهما، لکن یمکن الجمود علیه و دعوی عدم الجواز فی

ص: 468


1- 1 . الحدائق 23/290.
2- 2 . شرح القواعد 2/96.
3- 3 . وسائل الشیعة 26/219، ح1، الباب 11 من أبواب میراث الأزواج، صحیحة الحذّاء.

غیره بناءً علی الکشف أیضا، ضرورة أنّه یمکن دعوی ظهور الأدلة فی اعتبار القابلیة حاله کالنقل أیضا، و أنّه لو لا الرضا لکان مالکا، بل لابدّ من اتصالها من حین العقد إلی حین الإجازة حتّی لا ینافی زمان التملّک الذی هو مستمرّ أیضا من حین العقد إلی حین الإجازة»(1).

مراده: اعتبار اتصال قابلیة التملّک بین زمانی العقد و الإجازة حتّی یستند خروج المال عن ملک کلّ واحد من المتبایعین إلی إجازة المجیز بحیث لولاها استمرت الملکیة و لم تنقطع إلاّ بالإجازة الموجبة للانتقال.

و دلیل اعتبار هذا الاتصال بعض النصوص الواردة فی صحة بیع الفضولی کصحیحة محمّد بن قیس(2) و موثقة جمیل(3)، إذ ظاهرهما بقاء الأصیل علی أهلیة التملک إلی ظرف الإجازة.

و ردّ الشیخ الاعظم(4) علی صاحب الجواهر بجوابین:

أحدهما: نقضی: قائلین بصحة بیع الفضولی بالإجازة تسالموا(5) فی مسألة ما لو تعاقب العقود المتعددة علی مال المجیز، مع أنّه علی القول بالکشف لیس مالکا حین الإجازة، لزوال ملکیته بها و صحة العقود المتعددة بعدها. و قد التزم صاحب الجواهر نفسه فیها بالصحة حیث یقول: «و أمّا ما بعده من العقود فلا ریب فی صحتها بناءً علی الکشف لوقوع التصرف حینئذ فی الملک. و أمّا علی النقل، فیحتمل البطلان لتعذّر الإجازة حینئذٍ من المالک... و الصحة مع الإجازة منه لکون الرضا الأوّل إنّما کان و المال لغیره و لعلّ الأوّل أقوی»(6).

ص: 469


1- 1 . الجواهر 23/469 (22/291).
2- 2 . وسائل الشیعة 21/203، ح1.
3- 3 . وسائل الشیعة 19/18، ح9.
4- 4 . المکاسب 3/419.
5- 5 . راجع جامع المقاصد 4/70؛ المسالک 3/158.
6- 6 . الجواهر 23/471 (22/292).

و الآخر: حلّی: ظهور بعض الأخبار بل صریح بعضها فی عدم اعتبار قابلیة تملیک أحد المتعاقدین حال إجازة الآخر، مضافا إلی فحوی بعضها الآخر.

الأوّل نحو: موثقة جمیل(1)، و الثانی نحو: روایة ابن أشیم(2)، و الثالث نحو: صحیحة الحذّاء(3).

ولکن المحقّق السیّد الخوئی اعترض علی الشیخ الأعظم و صاحب الجواهر کلیهما و قال: «و لا یخفی أنّ تلک الأخبار بأجمعها خارجة عن البیع الفضولی علی ما ذکرناه سابقا حتّی أنّ شیخنا الأنصاری لم یستدلّ علی صحة الفضولی بتلک الأخبار و أنّما ذکرها تأییدا، و علیه فلم ترد روایة منها فی الفضولی حتّی یستفاد منها عدم اعتبار استمرار القابلیة بالصراحة أو الظهور کما هو الظاهر.

و أمّا النقض الذی اورده علی صاحب الجواهر قدس سره فأعجب، لأنّ الکلام فی اعتبار قابلیة المتعاقدین فی نفسهما و أمّا الخروج عن المالکیة بالإجازة فهو ممّا لا مانع عنه أبدا، و من الظاهر أنّ المالک فی البیوع المتعاقبه لم یخرج عن أهلیة الملک و القابلیة لو لا الإجازة، فهذا النقض من مثله بالنسبة إلی صاحب الجواهر غریب، هذا کلّه بالنسبة إلی ما أفاده شیخنا الأنصاری قدس سره ».

أقول: ما ذکره المحقّق السیّد الخوئی بالنسبة إلی نقض الشیخ الأعظم تام، و أمّا ما ذکره بالنسبة إلی جوابه الحلّی فَغَیْرُ تام، لأنّه لو فُرض عدم تمامیة الاستدلال بهذه الروایات علی بیع الفضولی، _ و قد عرفت فی البحث عن أدلة صحة بیع الفضولی تمامیة فحوی ما دل علی صحة نکاح الفضولی أی صحیحة أبی عبیدة الحذاء _ کیف لا یمکن استفادة عدم اعتبار استمرار قابلیة تملّک عنها، مع أنّ هذا البحث الأخیر لا یکون من فروع بحث بیع الفضولی، و البحث فیه عام یشمل الفضولی و غیره، فهذا البیان من مثل السیّد الخوئی قدس سره _ و هو مرجع الطائفة _ غریب.

ص: 470


1- 1 . وسائل الشیعة 19/18، ح9.
2- 2 . وسائل الشیعة 18/280، ح1.
3- 3 . وسائل الشیعة 26/219، ح1.

ثمّ قال المحقّق السیّد الخوئی: «و أمّا ما ذکره صاحب الجواهر قدس سره فإن کان الخروج عن القابلیة بالموت فالظاهر أنّ المعاملة صحیحة علی کلا القولین من الکشف و النقل.

أمّا علی الکشف، فلوضوح أنّ الإجازة تکشف عن صحّة البیع حین العقد و هما کانا حیّین عند العقد، و خروج أحدهما عن الأهلیة بعده لا یوجب فساد المعاملة للعمومات و الاطلاقات الواردة فی صحّة بیع الفضولی الشاملة لما إذا خرج أحد المتعاقدین عن القابلیة حین الإجازة، نعم لو کان المدرک فی صحّة البیع الفضولی هو الأخبار الخاصّة المتقدّمة کروایة عروة البارقی أو صحیحة محمّد بن قیس و نحوهما، کان اللازم أن نقتصر علی موردها، و هما ظاهرتان فی حیاة المالکین و المتعاقدین، و لم یمکن التعدّی منهما إلی ما إذا خرجا عن الأهلیة بالموت إلاّ أنّک عرفت أنّ المدرک هو العمومات و هی شاملة للمقام من دون قصور.

و أمّا علی النقل، فلأنّ المعاملة إنّما تتقوّم بالمبادلة بین المالین و لا نظر فیها إلی المالکین، فإذا صدرت الإجازة من المالک المجیز فتتوقّف صحّة المعاملة علی إجازة وارث الأصیل الذی فرضناه خارجا عن الأهلیة بالموت، لأنّ الموت لا یوجب بطلان المعاملة حینئذ، غایة الأمر أن یکون بیعه بالنسبة إلی الوارث فضولیا لأنّه باع ما ملکه الوارث بعد ذلک فیتوقّف علی إجازة الوارث، و سیأتی فی المسألة الآتیة أنّه لا یعتبر فی المجیز أن یکون مالکا حین العقد علی ما ذهب إلیه الشیخ أسداللّه التستری، و لا مانع من أن یکون المجیز غیر المالک حین العقد، هذا کلّه بالنسبة إلی الموت.

و أمّا إذا کان الخروج عن الأهلیة بالارتداد و الکفر: فالظاهر کما نقل عن کاشف الغطاء و غیره أنّهم لم یفرّقوا فی المرتدّ الفطری بین کون المبیع مصحفا أو عبدا مسلما و بین کونه من الأشیاء الاُخر، و قد حکموا بالصحّة علی الکشف و البطلان علی النقل، ولکنّه مبنی علی أنّ الارتداد عن فطرة یوجب عدم قابلیة المرتدّ للملک مطلقا، إلاّ أنّ هذا ممّا لم یدلّ دلیل علی صحّته و إنّما و رد أنّ المرتدّ عن فطرة تقسّم أمواله بین ورثته و تنتقل إلیهم، و أمّا أنّه إذا اکتسب مالاً بعد الارتداد لایکون مالکا له فلایستفاد من شی ء،

ص: 471

و علیه لابدّ فی الفطری أیضا من التفصیل بین کون المبیع من قبیل المصحف و العبد المسلم و نحوهما ممّا لا یملکه الکافر و بین غیره فالثمرة تظهر فی بیع المصحف و العبد المسلم فإنّه علی الکشف یصحّ لأنّه کان مسلما حین العقد و علی النقل یکون باطلاً لأنّه حین الإجازة کافر و هو لایتملّک شیئا منهما کما لایخفی، و أمّا فی غیرهما کالفرش و الدار و نحوهما فلا یبطل علی النقل أیضا حتّی فی الارتداد عن فطرة، إذ لا دلیل علی أنّ المرتدّ الفطری لا یتملّک بعد الارتداد.

ثمّ لایخفی أنّ ما ذکرناه من بطلان بیع المصحف و نحوه عند ارتداد المشتری قبل الإجازة بناءً علی القول بالنقل إنّما هو فیما إذا کان الثمن کلّیا، و أمّا إذا کان شخصیا و کان الارتداد عن فطرة فهو ینتقل إلی ورثة المرتدّ فتکون المعاملة بقاءً علی مال الورثة فتتوقّف علی إجازتهم کما مرّ فی الموت، لأنّه بالنسبة إلی الوارث فضولی و لا یکون البیع باطلاً، فلا تکون حینئذ ثمرة بین القول بالکشف و القول بالنقل، و إنّما تظهر الثمرة عند کون الثمن کلّیا إذ لا مالیة له إلاّ بالاضافة و هو قد اُضیف إلی ذمّة المرتدّ، و لاینتقل إلی الورثة لمغایرة ما اُضیف إلی ذمّته بالنسبة إلی ما فی ذمّة الورثة.

و الحاصل: أنّ الارتداد موت شرعی، و علیه فلا فرق بینهما فی البیع الشخصی من حیث الصحّة فیهما علی کلا القولین من النقل و الکشف، غایة الأمر أنّها علی النقل تتوقّف علی إجازة الوارث فی کلّ واحد من الارتداد و الموت، لأنّه بالنسبة إلی الوارث فضولی فیهما، کما لا فرق بینهما فی البیع الکلّی من حیث البطلان فی کلیهما علی القول بالنقل دون الکشف، لأنّ ما فی ذمّة المیّت و المرتدّ غیر ما فی ذمّة وارثهما، فلا فرق بینهما من هذه الجهات. نعم یظهر الفرق بین الارتداد و الموت علی القول بالکشف فیما إذا کان الثمن عبارة عمّا فی ذمّة أحدهما من المنافع کما إذا اشتریا المصحف أو العبد المسلم فی مقابل أن یکنسا دار البائع أو فی مقابل عمل آخر، فإنّ البیع فی صورة الموت باطل، لعدم تمکّنه من الثمن و استحالة الکنس أو العمل فی حقّ المیّت فیبطل، اللهمّ إلاّ إذ حکمنا بالانتقال إلی القیمة، و هذا بخلاف المرتدّ فإنّ البیع لایبطل بالنسبة إلیه بل ینتقل المصحف أو العبد إلی الوارث و یلزم المرتدّ علی العمل من الکنس أو غیره لقدرته علیه إلاّ فیما إذا

ص: 472

کان العمل ممّا یشترط فیه الطهارة و الإسلام کالصوم و الصلاة، فالبیع بالنسبة إلی المیّت باطل لعدم قدرته علی تسلیم الثمن، و صحیح فی حقّ المرتدّ فلا تغفل، هذا کلّه بالنسبة إلی ارتفاع الأهلیة و القابلیة عن المالکین قبل الإجازة و بعد العقد»(1).

الخامسة: سقوط أحد العوضین عن المالیة

قال الشیخ الأکبر کاشف الغطاء: «و تظهر الثمرة أیضا فیما لو انسلخت قابلیة المنقول بتلفه أو انقلابه إلی النجس أو عروض النجاسة له مع میعانه إلی غیر ذلک»(2).

مراده: ظهور الثمرة بین قولی الکشف و النقل لو انسلخت قابلیة المال المنقول _ ثمنا کان أو مثمنا _ للملکیة من طرف الأصیل إمّا بسبب تلف ذلک المال، أو انقلابه إلی النجس نحو: غلیان عصیر العنبی، أو عروض النجاسة علیه بحیث لایقبل التطهیر نحو: اصابة عین النجاسة إلی اللبن أو الدهن المایع أو أمثالهما بحیث لا یقبل التطهیر، فعلی القول بالکشف یصح الشراء و یکون المشتری مالکا للعصیر العنبی مثلاً و یکون ضرره علیه، و علی القول بالنقل وقع السقوط فی ملک البائع الأصیل و بطل الانتقال و یکون ضرره علی البائع.

و اعترض صاحب الجواهر علی أُستاذه بقوله بعد الاعتراض علی الثمرة السابقة: «و منه تنقدح المناقشة فی الثانی، بل هی اوضح من الأوّل ضرورة کون المعتبر علی الکشف و النقل رضا المالک، و الفرض انتفاء ملکیته بانتفاء قابلیة العین لها»(3).

توضیحه: المعتبر فی باب الفضولی إجازة المالک و رضاه بالعقد، فلو انتفت قابلیة العین للتملّک کما إذا إنقلب الخلُّ خمرا بعد انشاء الفضولی لم یصدق علی المالک أنّه مالک هنا حتّی تؤثر إجازته فی صحة بیع الفضولی بلا فرق بین الکشف و النقل.

و بعبارة أُخری: سقوط المال عن الملکیة یوجب انتفاء عنوان المالک، لأنّ

ص: 473


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/(478-475).
2- 2 . شرح القواعد 2/96.
3- 3 . الجواهر 23/469 (22/291).

الملکیة هی اضافة المال أو الملک إلی مالکه، و إذا انتفی الملک انتفت الملکیة و عنوان المالک، و إذا انتفت المالک و الملکیة و الملک انتفی البیع فضولیّا کان أو غیره، نری الإجازة کاشفة أو ناقلة، و هذا هو وجه اُولویة انتفاء هذه الثمرة عند صاحب الجواهر.

و أجابه الشیخ الأعظم(1) بجوابین:

أحدهما: فحوی صحیحة الحذّاء(2)، لأنّ المفروض فیها موت الزوج الذی هو أحد الرکنین فی عقد النکاح و قد حکم بصحة العقد لو رضیت الزوجة بعد إدراکها و حلفها، فکذلک فی بیع الفضولی إذا سقط المبیع عن المالیة أو الملکیّة بعد العقد _ لأنّ المبیع لا یکون فی البیع أهم من الزوج فی النکاح _ فیحکم بصحة بیع الفضولی بعد إجازة المالک و یکون التلف علی المشتری بناءً علی النقل لأنّ التلف وقع فی ملکه.

ثانیهما: الإطلاق الوارد فی قضیة عروة البارقی الناشی ء من ترک الاستفصال الدالّ علی عدم اعتبار استمرار قابلیة الملک إلی زمان صدور الإجازة، لأنّ عروة إذا أخبر الرسول الخاتم صلی الله علیه و آله بما فعل قال صلی الله علیه و آله : «بارک اللّه لک فی صفقة یمینک»(3) و لم یستفصل عن موت الشاة أو ذبحها أو تلفها، و ترک الاستفصال دلیل علی عدم اعتبار استمرار القابلیة إلی زمان صدور الإجازة.

و قال المحقّق السیّد الخوئی: «و أمّا إذا ارتفعت القابلیة عن المالین و خرجا عن قابلیة التموّل بالتلف و شبهه کما إذا صار الخلّ خمرا لأنّه تلف شرعی قبل الإجازة، فیقع الکلام فیه من جهتین:

إحداهما: أنّ الخروج عن قابلیة التموّل هل یوجب بطلان العقد علی النقل دون الکشف، و یظهر الثمرة بینهما فی مثله أو لا؟

و ثانیهما: أنّ استمرار قابلیة التموّل فی المالین شرط فی صحّة العقد و الإجازة کما ادّعاه صاحب الجواهر أو أنّ الاستمرار غیر لازم؟

ص: 474


1- 1 . المکاسب 3/419.
2- 2 . وسائل الشیعة 26/219، ح1.
3- 3 . مسند احمد 4/376؛ السنن الکبری 6/112 للبیهقی.

فأمّا الکلام فی الجهة الاُولی فملخّصه: أنّ الخروج عن القابلیة بالتلف و نحوه إن کان قبل القبض فلا إشکال فی أنّه یوجب البطلان علی کلا القولین.

أمّا علی النقل، فلوضوح أنّ المال قد تلف قبل البیع و المعاملة علی المعدوم باطلة.

و أمّا علی الکشف، فلأنّ الإجازة و إن تکشف عن الملکیة من حین العقد إلاّ أنّ کلّ مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال مالکه فیوجب التلف انفساخ المعاملة، إذ المفروض أنّ المال لم یقبض، و معنی کلّ مبیع تلف قبل قبضه أنّ المال یدخل فی ملک البائع قبل التلف بآن و یتلف فی ملک البائع کنایةً عن انفساخ المعاملة و رجوع الثمن و المثمن إلی ملک مالکهما الأوّل فلا تظهر ثمرة بین القولین حینئذ.

و أمّا إذا خرجا عن القابلیة بالتلف و نحوه بعد القبض فلا مانع من الالتزام بالصحّة علی الکشف و البطلان علی النقل و تظهر الثمرة بینهما حینئذ.

و التلف بعد القبض یُتَصَوَّرُ علی وجهین:

أحدهما: ما إذا کان المبیع بید المشتری قبل المعاملة بإذن مالکه کما إذا استأجر الدار من مالکها و سکن فیها بإذنه ثمّ اشتراها بالبیع الفضولی و تلفت قبل الإجازة، فإنّ المعاملة صحیحة علی الکشف لأنّ الملکیة حصلت حین العقد و قد قبض المشتری المال، و التلف بعد القبض لا أثر له، و ذلک لأنّ المفروض أنّ المشتری قد قبض الدار من مالکها بإذنه و إن لم یقبضها المالک بعنوان المعاملة إلاّ أنّ قبضه صحیح و مستند إلی إجازة المالک و مثله یکفی فی القبض، ولکنّها باطلة علی النقل لأنّها تلفت قبل المعاملة، و القبض قبلها لا یوجب صحّة البیع أبدا لأنّها قد انعدمت و المعاملة علی المعدوم لا تصحّ.

و ثانیهما: ما إذا کان الفضولی وکیلاً من قبل المالک فی خصوص قبض کلّ ما للمالک من الأموال، و اشتری مالاً للمالک فضولاً و قد قبضه من البائع فتلف بعد القبض، فإنّه یصحّ علی الکشف لتقدّم الملکیة و القبض علی التلف، و المفروض أنّ القابض وکیل فی قبض أموال المالک و قبضه قبض المالک لا محالة، و یبطل علی النقل لانعدام المال قبل المعاملة.

ص: 475

و الغرض من هذا التطویل دفع ما أورده بعضهم و منهم شیخنا الأُستاذ(1) قدس سره علی کاشف الغطاء قدس سره فی المقام من أنّ المعاملة عند التلف باطلة علی کلا القولین، أمّا علی النقل فظاهر، و أمّا علی الکشف فلأجل أنّ کلّ مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، إلاّ أنّک عرفت أنّ التلف یمکن أن یتصوّر بعد القبض و علیه تظهر الثمرة بین القولین لا محالة، هذا.

ثمّ إنّ شیخنا الأنصاری(2) قدس سره مثّل للخروج عن المالیة بمثالین: التلف و عروض النجاسة علی المبیع مع میعانه، و لم نفهم الوجه فی المثال الثانی و أنّ عروض النجاسة علی المائعات کیف یخرج المائع عن المالیة و الملکیة مع أنّه قدس سره صرّح بجواز بیع المتنجّس کالدهن و نحوه للاستصباح أو لجعله صابونا بل لطلی السفن و نحوه، فلا یمکن المصیر إلی أنّ الدهن بتنجّسه یخرج عن المالیة، غایة الأمر أنّ بیعه غیر جائز فیما یتوقّف استعماله علی الطهارة إلاّ أنّه لایوجب الخروج عن المالیة و الملکیة بوجه حتّی أنّه لو أتلفه أحد نحکم بضمانه للمالک کما هو ظاهر.

نعم تظهر الثمرة بین القولین فی المثال إلاّ أنّه لا لأجل خروج المالین عن المالیة بل من جهة انتفاء شرط من شروط صحّة البیع، و علیه ینبغی أن یدرج ذلک فی المقام و یلحقّ بالقسمین المتقدّمین أعنی صورة خروج المالکین عن الأهلیة و صورة خروج المالین عن المالیة و یقال بظهور الثمرة فیما إذا خرج المالکان عن القابلیة أو خرج المالان عن التموّل أو انتفی شرط من شرائط صحّة البیع کما عرفت، هذا کلّه فی الجهة الاُولی.

أمّا الکلام فی الجهة الثانیة: فقد عرفت أنّ صاحب الجواهر قدس سره قد ادّعی ظهور الأدلّة فی اشتراط استمرار القابلیة و المالیة و الشرائط فی صحّة المعاملة و الإجازة، و قد تبعه بعض المتأخّرین و ذکروا أنّه لا إطلاق فی أدلّة صحّة الفضولی لیمکن التعدّی، بل لابدّ

ص: 476


1- 1 . منیة الطالب 2/85.
2- 2 . المکاسب 3/418.

من الاقتصار علی المقدار المتیقّن و هو صورة استمرار القابلیة و المالیة و الشرائط.

إلاّ أنّک عرفت أنّ ذلک إنّما یتمّ فیما إذا استدللنا علی صحّة الفضولی بالأخبار الخاصّة الواردة فی بعض الموارد المخصوصة، و أمّا إذا کان المدرک علی صحّة الفضولی هو الاطلاقات و العمومات فلا ینبغی الإشکال فی إطلاقها و شمولها للمقام و بها ندفع اشتراط الاستمرار بحسب القابلیة و المالیة و الشرائط، فلا یمکن المصیر إلی ما ذهب إلیه صاحب الجواهر قدس سره من بطلان المعاملة علی کلا القولین، بل قد عرفت أنّ الثمرة بینهما تظهر فی الموارد المتقدّمة، فما ذکره کاشف الغطاء هو الصحیح، هذا ما یرجع إلی کلمات صاحب الجواهر قدس سره .

و أمّا ما أفاده شیخنا الأنصاری فی مقام الجواب عن صاحب الجواهر قدس سره من أنّه لا دلیل علی استمرار القابلیة و المالیة فی المعاملة، بل الدلیل علی عدم الاشتراط موجود و هو الروایات الواردة فی صحّة الفضولی حیث إنّ ظاهر بعضها و صریح الآخر عدم اعتبار الحیاة فی المتعاقدین حال الإجازة، مضافا إلی إطلاق روایة عروة حیث لم یستفصل النبی صلی الله علیه و آله عن موت الشاة أو ذبحها و إتلافها، و إلی فحوی خبر تزویج الصغیرین.

فندفع بما ذکرناه سابقا من أنّه قدس سره أراد بالظاهر ما ورد فی المضاربة و فی الاتّجار بمال الیتیم من أنّ الربح للمالک و الصغیر، و الخسران علی العامل و المتصرّف، حیث إنّهما ظاهرتان فی الاطلاق و عدم التفصیل بین موت المالک و عدمه، إلاّ أنّک عرفت أنّهما أجنبیتان عن الفضولی و لا دلالة فیهما علی صحّته کی یتمسّک بهما فی المقام، و أمّا الصریح فلم نفهم أنّه ما أراد بالصریح فی الأخبار، إذ لا روایة صریحة فی ذلک بین الأخبار، و أمّا روایة ابن أشیم الواردة فی العبد المأذون فهی صریحة فی موت الموکّل و تدلّ علی صحّة بیع الوکیل فیما إذا مات الموکّل بعد البیع، و لا إشکال فی صحّة بیع الوکیل و معاملاته فیما إذا مات الموکّل بعد المعاملة، و هذه لا ربط لها بالمقام کما لا یخفی.

و أمّا ما استشهد به ثانیا ففیه: أنّ عدم الاستفصال لأجل الاطمئنان بعدم موت الشاة أو تلفها، إذ من البعید أن تموت الشاة فی ذلک الزمان القصیر المتخلّل بین بیعها و إجازة النبی صلی الله علیه و آله ، و علی تقدیر الشکّ فالاستصحاب جارٍ و أمّا ذبح الشاة و أنّه لم

ص: 477

یستفصل بین ذبحها و عدمه، ففیه: أنّ ذبحها لا یخرجها عن المالیة و الملکیة کما لا یخفی و الکلام فی خروج المالین عن المالیة فلا تغفل.

و أمّا استدلاله بروایة تزویج الصغیرین فهو عجیب، إذ علی تقدیر صحّتها فی موردها کیف یمکن التعدّی منها إلی المعاملات الفضولیة فإنّ التعدّی منها قیاس لا نقول به. و دعوی الفحوی و الأولویة کما صدرت منه قدس سره ممنوعة من جهة أنّا إنّما قلنا بدلالة الروایة الواردة فی صحّة النکاح الفضولی علی صحّة البیع الفضولی بالأولویة من أجل أنّ النکاح _ بما أنّ فیه الفروج و الأولاد _ أهم عند الشارع قطعا، فإذا صحّ الفضولی فی النکاح فتدلّ علی صحّته فی البیع بطریق أولی.

و أمّا فی المقام فیما أنّه لا یترتّب علی صحّة النکاح بعد فرض موت الزوج ولد و لا وط ء فلا یمکن التعدّی منه إلی البیع، إذ لا أهمیة له علیه و لا أولویة فی البین فکیف یمکن التعدّی عن صحّة النکاح بالإجازة الذی لا یترتّب علیه إلاّ إرث الزوجة إلی صحّة جمیع العقود الفضولیة لینتقل الثمن و المثمن إلی المالکین. فالمتحصّل أنّه لا یمکننا المساعدة علی شی ء ممّا أفاده فی المقام، هذا کلّه فیما إذا کان المالکان و المالان و البیع واجدین للقابلیة و المالیة و الشروط حین العقد ولکنّها ارتفعت بعد العقد إلی زمان الإجازة»(1).

السادسة: تجدّد القابلیة

قال الشیخ جعفر: «و فی مقابله [أی مقابل انسلاخ قابلیة الملکیة _ أی الثمرة الخامسة _] ما لو تجدّدت القابلیة قبل الإجازة بعد انعدامها حین العقد، کما لو تجدّدت الثمرة أو بدا صلاحُها بعد العقد قبل الإجازة»(2).

مراده: تجدد قابلیة الملک من تجدید الثمرة أو بدایة إصلاحها بعد العقد ولکن

ص: 478


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/(483-478).
2- 2 . شرح القواعد 2/96.

أمثلة الجدّ تَنْحَصِرُ بمقابلة الثمرة الخامسة أی تجدید المالیة لا تجدید المالکیة فتأمل.

ولکن یمکن تصویره فی ما إذا تجدّدت قابلیة الملک للمالک الذی بیعت مالُه فضولیّا، و کانت قابلیته حین العقد منسلخة لموته مثلاً ولکن الفضول لا یدری انّه مات، ولکن بعد عقد الفضولی و قبل الإجازة أحیاه اللّه تعالی و تجدّدت قابلیته للملک، فعلی القول بالکشف البیع باطل لأنّ البیع وقع فی زمن انسلاخ قابلیة المالک لملکه، و لا یمکن تصحیحه بالإجازة التی کانت کاشفة من وقوع النقل و الانتقال من حین العقد الفاقد لشرائط الصحة، و أمّا علی القول بأنّها ناقلة، حیث وقع النقل و الانتقال من حین الإجازة الناقلة و حین الإجازة تجدّد القابلیة تکون المعاملة صحیحة.

و هذه الثمرة هِیَ علی عکس الثمرة الرابعة و الخامسة و لذا قال الجدّ: «فی مقابله»(1) أی فی مقابله فی تجدید القابلیة و ظهور الثمرة.

و اعترض علیه فی الجواهر و قال: «و اوضح من ذلک فسادا، فاقد القابلیة للملک حین العقد ثمّ وجدت قبل الإجازة، فإنّه لا وجه للصحة علی الکشف کما هو واضح، و علی النقل أیضا لعدم قابلیة العقد حال وقوعه للنقل فلا تنفعه الإجازة بعد أن کان فی غیر محلِّه»(2).

و وافق الشیخُ الأعظم صاحبَ الجواهر فی الاعتراض و قال: «نعم، ما ذکره أخیرا من تجدّد القابلیة بعد العقد حال الإجازة لایصلح ثمرة للمسألة، لبطلان العقد ظاهرا علی القولین...»(3).

توضیح اعتراضهما: العقد لابدّ أن یکون تاما من جمیع الجهات حین العقد فی الفضولی إلاّ إجازة المالک، و حیث فی هذا الفرض انسلخت قابلیة الملک عن مالکه حین العقد یکون باطلاً بلافرق بین الکشف و النقل.

ص: 479


1- 1 . شرح القواعد 2/96.
2- 2 . الجواهر 23/469 (22/291).
3- 3 . المکاسب 3/420.

السابعة: فقد شرط العقد

قال جَدُّنا الشیخ جعفر: «و فیما لو قارن العقد فقد الشروط بقول مطلق ثمّ حصلت و بالعکس»(1).

توضیحه: لو کان الشرط مفقودا حین العقد ولکن تجدّد قبل الإجازة یکون العقد باطلاً علی الکشف لوقوع العقد فاقدا للشرط ولکن یکون صحیحا علی النقل لوقوع العقد واجدا للشرط حین النقل.

و أمّا عکسه: لو کان الشرط موجودا حین العقد ولکن فُقد قبل الإجازة، فیکونُ العقد صحیحا علی الکشف لوقوع العقد جامعا للشرائط، باطلاً علی النقل لوقوع النقل حین فقدان شرائط الصحة.

لم یتعرض صاحب الجواهر لهذه الثمرة ولکن الشیخ الأعظم اعترض علیه بما اعترض علی الثمرة السادسة لأنّه قال بعد ما نقلت عنه فیها: «... و کذا فیما لو قارن العقد فقد الشرط»(2).

ولکن قال المحقّق السیّد الخوئی: «و أمّا إذا انعکس الأمر کما إذا کان المالکان غیر واجدین للقابلیة أو کان العوضان فاقدین للمالیة أو کان البیع فاقدا للشروط حین العقد فصارا واجدین لها فی زمان الإجازة فقد ذکر شیخنا الأنصاری(3) قدس سره فی المقام أنّ المعاملة باطلة حینئذ علی کلا القولین لعدم تمامیة الشروط فی العقد، ثمّ ذکر أنّ باب المناقشة فی ذلک و إن کان واسعا إلاّ أنّ الأرجح فی النظر ما ذکرناه، هذا.

ولکن التحقیق أن یفصّل بین الشروط فإن کان الشرط راجعا إلی المتعاقدین: کالبلوغ و العقل و نحوهما و فرضنا أنّ أحدهما کان صبیّا حین العقد ثمّ بلغ حین الإجازة، فلا ینبغی الإشکال فی بطلان العقد علی کلا المسلکین، لأنّ عمد الصبی و خطأه سیّان، فلا اعتبار بما صدر منه حال کونه صبیّا، فلا عقد حتّی یصحّ علی الکشف أو

ص: 480


1- 1 . شرح القواعد 2/96.
2- 2 . المکاسب 3/420.
3- 3 . المکاسب 3/(418-420).

النقل.

و أمّا إذا کان الشرط من شروط نفس البیع: کعدم کونه غرریا و کان ذلک الشرط مفقودا حال العقد الفضولی ثمّ ارتفع الغرر قبل الإجازة کماإذا باعه صندوقا مقفّلاً من دون أن یعلم المشتری بما فی الصندوق من الأموال ثمّ علمه بعد البیع قبل الإجازة، فالمعاملة باطلة أیضا علی کلا المسلکین، لاشتراط عدم الغرر فی البیع حال الحدوث فوجوده مانع عن صحّة البیع لا محالة، و ارتفاعه بعد ذلک لاینفع فی صیرورة البیع صحیحا، فما أفاده متین فی هذه الصورة أیضا.

و أمّا إذا کان الشرط من شرائط المالین فهو ینقسم إلی قسمین:

فتارةً: یکون أحد المنقولین أو کلاهما ممّا لا مالیة له تکوینا أو ممّا حکم الشارع بعدم مالیته شرعا حین العقد ثمّ انقلب إلی المال حال الإجازة، و هذا أیضا لا مجال لصحّته علی کلا القولین، فإذا باع الثمرة قبل بدوّ صلاحها أی زمان کونها زهرا علی نحو الفضولی ثمّ بدا صلاحها حین الإجازة من المالک، أو کان المبیع خمرا حال العقد ثمّ صار خلاً حین الإجازة فإنّ العقد فی المثالین إنّما وقع علی المعدوم حقیقة أو شرعا، لأنّ الثمرة غیر موجودة قبل بدوّ الصلاح واقعا کما أنّ الخمر محکومة بعدم المالیة شرعا فلا محالة یکون باطلاً، إذ لا معنی لصحّة العقد علی المعدوم علی کلّ من المسلکین و أمّا ما وجد بعد ذلک فهو لم یقع علیه عقد حتّی یصحّ بالإجازة.

و اُخری: یکون کلّ واحد من المنقولین مالاً حقیقة ولکن تختلف أوصافهما فیتّصفان بشی ء حال العقد و بشی ء آخر حال الإجازة، و فی مثل هذا لا وجه للبطلان علی کلا المسلکین کما إذا کان المبیع وقفا أو ماءً متنجّسا أو اُمّ ولد حال العقد ثمّ صار الوقف موردا للخلاف بین أهله حتّی انتهی الأمر إلی القتل و الجدال فصار بیعه صحیحا حال الإجازة، أو طهّرنا الماء قبل صدور الإجازة من المالک فجاز بیعه بعد ما کان بیعه باطلاً لاشتراط الطهارة فی المبیع، أو مات ولد الاُمّ فصحّ بیعها حال الإجازة، و مثل ذلک صحیح علی کلا القولین، أمّا علی النقل فواضح لأنّه حین الإجازة مال یجوز بیعه و قد وقع العقد علی هذا المال فبالإجازة یستند إلی المالک و حین الاستناد هو واجد لشرط

ص: 481

الصحّة فتعمّه العمومات، و أمّا علی الکشف فلأنّ الإجازة لا تکشف عن الملکیة من حین العقد حتّی یقال إنّ المبیع حال العقد کان وقفا أو ماءً متنجّسا أو اُمّ ولد و کیف یحکم بدخولها فی ملک المشتری مع أنّ بیعها غیر صحیح حینئذ، و إنّما تکشف عن الملکیة من زمان صیرورة الوقف أو الماء أو الاُمّ ممّا یجوز بیعه لأجل ما طرأ علیها من المجوّزات، فما أفاده قدس سره من البطلان علی کلا القولین غیر تامّ فی هذه الصورة.

کما أنّ الشرط إذا کان راجعا إلی المالکین: لا إلی المتعاقدین و لا إلی المالین و لا إلی البیع کاشتراط الإسلام فی مالک الثمن فی بیع المصحف أو العبد المسلم، فلا مانع من الالتزام بصحّة البیع علی کلا القولین، أمّا علی القول بالنقل فلوضوح أنّ المشتری قد صار مسلما حال الإجازة، و أمّا علی الکشف فلأنّ الإجازة إنّما تکشف عن الملکیة من زمان إسلام المشتری للمصحف و العبد لا من زمان العقد حتّی یقال إنّه حین العقد محکوم بعدم التملّک لهما، فإذا باع الفضولی شیئا منهما من الکافر للنسیان أو الغفلة و الاشتباه ثمّ أسلم الکافر قبل الإجازة فهو صحیح علی کلا المسلکین، فلا وجه لما أفاده قدس سره من البطلان علی کلا القولین فی هذه الموارد کما هو ظاهر»(1).

الثامنة: ثمرات متعددة

وردت فی کلام جَدِنّا الشیخ جعفر رحمه الله قال: «و فی تعلّق الخیارات و الشفعة و عدم صحة التصرف من حین العقد، و احتساب مبدأ اوقات الخیار، و معرفة مجلس الصرف و السَلَم و اشتراط بقاء القابلیة بعقل و رشد إلی حین الإجازة حیث نلحقها بالعقد الجدید إلی غیر ذلک. و ترتّب ما یتعلّق بالعهود و النذور و الأیمان غیر محتاج إلی الإیضاح و البیان»(2).

أقول: الظاهر أنّه فی زماننا یحتاج إلی الإیضاح و البیان و لذا قال المحقّق السیّدُ

ص: 482


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/(485-483).
2- 2 . شرح القواعد 2/96 و 97.

المروج فی توضیح هذه الثمرات ما نصه: «أنّه إذا إختلف حال المبیع صحةً و عیبا بأن کان صحیحا حین العقد المفروض وقوعه یوم الجمعة، و صار معیبا حال الإجازة الصادرة یوم السبت مثلاً. فعلی القول بالکشف یکون البیع لازما، لحدوث العیب فی ملک المشتری، فلا خیار له. و علی القول بالنقل یکون البیع جائزا، لوقوع العیب فی ملک البائع، فیثبت الخیار للمشتری.

ولو إنعکس الأمر، بأن کان المبیعُ حینَ وقوع العقد معیبا، و صار صحیحا عند صدور الإجازة، فعلی القول بالکشف یثبت الخیار للمشتری، لوقوع البیع علی المعیب، و العیبُ یوجب الخیار. و علی القول بالنقل یکون العقد لازما، لکون المبیع صحیحا عند صدور الإجازة المتممةِ للبیع، هذا.

و کذا تظهر الثمرة فی خیار الغبن، کما إذا بیع المال فضولاً بأکثر من قیمته السوقیة، فصار المشتری مغبونا، و ترقّت قیمته حال الإجازة، فبناءً علی الکشف یثبت خیار الغبن للمشتری، دون النقل.

ولو إنعکس الأمر، بأن بیع المالُ بأقلّ من قیمته الواقعیة، ثمّ إنخفضت حال الإجازة. فعلی الکشف یثبت الخیار للبائع، دون النقل.

و أمّا خیار المجلس، فالظاهر عدم تعلُّقه بعقد الفضولی، لعدم إنطباق ما فی دلیله من أنّه «إذا إفترقا وجب البیع» علیه، إذ لا عبرة بافتراق غیر المتبایعیین عن مجلس العقد، و إن کان مجلس عقد الفضولی مجلس العقد. و علیه فیختص خیار المجلس بما یکون إفتراق المتعاقدین عنه سببا للزوم البیع.

و دعوی «ظهور الثمرة فیما لو استمرّ مجلسُ البیع لافضولی إلی زمان حضور المجیز، و أجاز، فیثبت خیارُ المجلس، لکونه مجلس البیع» غیر ظاهرة، إذ الکلام فی حسبان مبدأ خیار المجلس، و أنّه العقد أو الامضاء، و المفروض فی المثال وحدة المجلسین، و لا ریب فی کون مبدأ الخیار تفرقهما عنه بعد الإجازة سواء علی الکشف و النقل.

و سیأتی تفصیل الکلام _ فی اختصاص خیار المجلس بالأصیل، دون الفضولی و

ص: 483

کذا الوکیل فی الانشاء _ فی أوائل الخیارات إن شاء اللّه تعالی».

و قال فی ذیل حقّ الشفعة: «یعنی: فی مورد تبدل الشریک، کما إذا کانت الدارُ ملکا مشاعا لزید و عمرو، فباع الفضولی یوم السبت حصّةَ زیدٍ، و باع عمرو حصَّته یومَ الأحد، و أجاز زیدُ یومَ الإثنین. فبناءً علی الکشف یثبت حقُّ الشفعة لعمروٍ، لأنَّ حصّة زیدٍ إنتقلت إلی مَن إشتری من الفضول من یوم السبت، فلعمروٍ الأخذُ بالشفعة و فسخُ البیع الواقع یوم السبت، و ضمُّ حصّة زیدٍ _ المبیعة فضولاً _ إلی حصته.

فإن أخَذَ بالشفعة فهو، و إلاّ یثبت حقُّ الشفعة للمشتری من الفضولی، و له الأخذ به و فسخُ البیع الواقع یومَ الأحد بین عمروٍ و المشتری منه، لوقوع هذا البیع الثانی بعد تمامیّة البیع الأوّل المجاز من یوم السبت و إن صدرت الاجازةُ یوم الاثنین، و صیرورة المشتری من الفضولی شریکا للأصیل حینما باع حصته یوم الأحد.

و بناءً علی النقل ینعکس الأمر، فیثبت حقّ الشفعة من یوم الأحد لزیدٍ، لصیرورته شریکا مع المشتری من الأصیل و هو عمرو، فله إعمال حقِّه، و تملک حصة عمرو، ثمّ إجازة البیع الواقع علی حصته. و حیث إنّ المفروض عدمُ _ أخذ زیدٍ بحقِّ الشفعة _ و إنّما أجاز یوم الاثنین عقدَ الفضول _ فقد سقط حقّه، و یثبت للمشتری من عمروٍ حقُّ الشفعة علی المشتری من الفضولی».

و قال فی ذیل مبدأ الخیارات: «کما إذا بیعَ حیوانُ فضولاً، فإن مبدأ الثلاثة من حین العقد بناءً علی الکشف، و من حین الإجازة بناءً علی النقل، لتوقف تمامیة البیع علیها.

و کذا الحال لو بیع دار فضولاً، و إشترط المشتری لنفسه الخیار شهرا مثلاً، و أجاز المالک بعد أیامٍ، فبناءً علی الکشف یکون مبدأ الخیار حین العقد، و بناءً علی النقل حین الإجازة».

و قال فی ذیل معرفة مجلس الصرف و السّلَم: «فعلی القول بالکشف یکون المرادُ بالقبض فی المجلس المعتبر فی الصرف و السلم القبضَ فی مجلس العقد، و علی القول بالنقل یکون المرادُ القبض فی مجلس الإجازة».

و قال فی ذیل الأیمان: «کما إذا حلف زیدُ علی أن یتصدَّقَ بجمیع أمواله فی یوم

ص: 484

الغدیر مثلاً، و کان من جملة أمواله کتابُ المکاسب الذی إشتراه من فضولیٍّ، و لم یُجز مالکه إلاّ یوما بعد یوم الغدیر. فعلی القول بالکشف یجب علیه التصدق بکتاب المکاسب، لأنّه صار من أمواله حین الحلف. و علی القول بالنقل لا یجب علیه التصدُّق بالمکاسب، لعدم صیرورته ملکا له یومَ الغدیر.

ولو إنعکس الأمر، بأن بیعَ شی ءٌ من أمواله قبل الغدیر فضولاً، و أجازه بعده. فعلی الکشف لا یجب علیه التصدق، لخروجه عن ملکه قبل الغدیر. و بناءً علی النقل یجب علیه التصدق».

و قال فی ذیل النذور: «کما إذا نذر أن یعطی کتاب المکاسب مثلاً لزیدٍ المشتغل بتحصیل العلم، [فی یوم الجمعة] قد إشتری ذلک من فضولیٍّ یوم الخمیس، لکن لم یجزه مالکه إلاّ یوم السبت. فعلی القول بالکشف یجب الوفاءُ بالنذر، لکونه مالکا لکتاب یوم الجمعة. و علی القول بالنقل لا یجب، لعدم کونه مالکا للکتاب حال النذر»(1).

و اعترض صاحب الجواهر علی استاذه الشیخ جعفر بقوله: «و فیه أیضا: أنّ من المقطوع به عدم [کون [الإجازة من العقود، إذ لیست هی إلاّ الرضا بالعقد السابق.

کما لا یخفی علیک الحال بناءً علی کون المراد من الکشف ما سمعته سابقا _ فی أحد الاحتمالین _ من کون الرضا المتأخّر مؤثّرا فی اقتضاء العقد النقل سابقا، فیکون شبه تقدیم المسبّب علی السبب و یبقی العقد حینئذ مراعی...»(2).

و قال السیّد الخوئی رحمه الله : «ثمّ إنّ شیخنا الأنصاری ذکر أنّ الثمرة بین الکشف و النقل تظهر فی موارد اُخر کالنذر و الزکوات(3) و الخیارات و حقّ الشفعة.

أمّا النذر: فلأنّه إذا نذر کذا عند کونه مالکا للمال الفلانی فی الوقت الفلانی فیجب علیه الوفاء بالنذر بعد العقد علی المال المذکور ولو علی نحو الفضولی بناءً علی الکشف، لأنّ الإجازة إنّما تکشف عن الملکیة حال العقد، و هذا بخلاف القول بالنقل لأنّه قبل

ص: 485


1- 1 . هدی الطالب 5/(149-146).
2- 2 . الجواهر 23/470 (22/291).
3- 3 . لم یذکر الشیخ الأعظم الزکاة فی الثمرات [المؤلِّف].

الإجازة لم یملک المال حتّی یجب علیه الوفاء بالنذر.

و أمّا الزکاة: فالظاهر أنّه لا ثمرة فیها بین المسلکین، و ذلک لأنّ وجوب الزکاة لا یتوقّف علی الملکیة فقط لیجب إخراجها علی المشتری بعد العقد علی الکشف دون النقل، بل یتوقّف علی الملکیة مع التمکّن من التصرف فی المال، و فی المقام و إن تملّک المال قبل الإجازة علی الکشف إلاّ أنّه غیر متمکّن من التصرف فیه شرعا، فلا یفترق الحال فی الزکاة بالنسبة إلی المشتری بین القول بالکشف و القول بالنقل، و إنّما یجب علیه إخراج الزکاة بعد الإجازة علی کلا القولین.

نعم، تظهر الثمرة فیها بالنسبة إلی المالک، لأنّه علی القول بالکشف لا یجب علیه الزکاة، إذ المفروض أنّه خارج عن ملکه واقعا حتّی قبل الإجازة، و الزکاة إنّما تجب علی المالک کما لایخفی، و أمّا علی القول بالنقل فتجب علیه الزکاة لأنّه المالک حسب الفرض، و المفروض أنّه متمکّن من التصرف فیه أیضا.

و أمّا الخیارات: ففی مثل خیار الحیوان لا بأس بالثمرة بین المسلکین لأنّه إنّما ثبت لصاحب الحیوان کما فی الأخبار، فمع القول بالکشف فالمشتری صاحب للحیوان من حین العقد، و علی النقل إنّما یصیر مالکا بعد الإجازة لا من حین العقد فالثلاثة فی الخیار تحتسب من حین العقد علی الکشف و من حین الإجازة علی النقل.

و کذا تظهر الثمرة فی خیاری العیب و الغبن، فله الفسخ و الامضاء من حین العقد علی الکشف دون النقل، لأنّه علیه لم یملک المال حتّی یحکم بالخیار له من حین المعاملة، نعم لا یصحّ له مطالبة الارش من المالک فی خیار العیب قبل الإجازة ولو بناءً علی القول بالکشف، إذ للمالک أن یقول إنّی لم أرض بالمعاملة بعد فکیف تطالبنی بالأرش ولکنّه یتمکّن من الفسخ و الإمضاء، و هذا لا ینافی ما ذکرناه سابقا من أنّ الأصیل لا یتمکّن من الفسخ لأنّه إنّما یفسخ فی المقام من جهة الخیار.

و تظهر الثمرة(1) بین الفسخ و الردّ فی النماء المتخلّل بین العقد و الفسخ علی

ص: 486


1- 1 . أقول: إنّ هذه الثمرة تکون بین الفسخ و الردّ لا بین الکشف و النقل فذکرها هنا فی غیر محلّها إلاّ استطردا. [المؤلِّف].

القول بالکشف، ففی فرض الفسخ یکون نماء المبیع للمشتری و نماء الثمن للبائع و أمّا فی فرض الردّ فالأمر بالعکس.

و أمّا خیار المجلس: فیمکن أن یقال إنّه مترتّب علی الإجازة علی کلا القولین أمّا علی القول بالنقل فواضح لأنّ «البیّع» إنّما یصدق علیهما حین الإجازة دون قبلها، و أمّا علی القول بالکشف فلأنّ الإجازة و إن تکشف علی الملکیة حال العقد إلاّ أنّ الخیار لم یترتّب علی الملکیة فی الأخبار، بل علی عنوان «البَیِّع» کما فی الروایات، و لا إشکال أنّ البیع إنّما یسند إلی المالک بالإجازة و أمّا قبلها فلا بیع للمالک أبدا، فالبیّع إنّما یصدق علیه بالإجازة و إن کانت الملکیة متقدّمة علیه، و لا مانع من تغایر الملکیة و صدق عنوان البیّع و انفکاک أحدهما عن الآخر أبدا، و هذا کما إذا قلنا بصحّة البیع فیما إذا باع أحد ماله فعلاً قبل ستّة أشهر مثلاً بأن یکون البیع فعلاً و الملکیة قبل الأشهر الستّة حتّی تکون المنافع للمشتری من زمان الملکیة، فإنّ خیار المجلس إنّما یتحقّق حین البیع لا من حین الملکیة المتقدّمة و ذلک ظاهر، فالمناط بالمجلس حال الإجازة و لعلّه ظاهر. و أمّا ما عن شیخنا الاُستاذ(1) قدس سره من أنّه لا خیار فی أمثال المقام فلم نجد له وجها، لشمول إطلاق قوله علیه السلام «البیّعان بالخیار»(2) لهما بعد الإجازة کما ذکرناه فلا تغفل.

و أمّا حقّ الشفعة: فهو أیضا تظهر فیه الثمرة بین المسلکین، فإذا کان زید شریکا لعمرو فی دار فباع الفضولی حصّة زید من ثالث و قبل إجازة باعَ زَیْدٌ عَمْرا حصّة نفسه من شخص رابع ثمّ أجاز زید ما باعه الفضولی من حصّته، فعلی القول بالکشف فالشفعة للمشتری من الفضولی لأنّه صار شریکا مع عمرو فباع عمرو حصّته من آخر فله الشفعة، و علی القول بالنقل تکون الشفعة للمشتری من عمرو لأنّه صار شریکا مع زید فباع زید حصّته من آخر، فالشفعة للمشتری من عمرو لأنّه المالک الشریک عند بیع زید حصّته من

ص: 487


1- 1 . منیة الطالب 2/87.
2- 2 . وسائل الشیعة 18/5، أبواب الخیار الباب 1، ح1 و غیره.

الآخر و هو واضح»(1).

التاسعة: العقود المترتبة

اشارة

قال صاحب الجواهر: «و ربّما تظهر الثمرة أیضا: فیما لو ترتّب العقود علی المبیع أو الثمن أو علیهما فضولاً و لاریب فی أنّ للمالک تتبّع العقود و رعایة المصلحة له فیجیز ما شاء...»(2).

و قال الشیخ الأعظم: «و تظهر الثمرة أیضا فی العقود المترتبة علی الثمن أو المثمن و سیأتی إن شاء اللّه تعالی»(3).

و قال المحقّ السیّد المروج فی شرحه: «و حاصل هذه الثمرة: أنّه إذا باع مَن إشتری فضولاً متاعا، و کان بیعه له قبل إجازة مالک المتاع، ثمّ أجازه مالِکُه. فعلی القول بالکشف یصحّ البیعُ الثانی للمشتری، لوقوعه فی ملکه، بداهة أنَّ الإجازة أوجبتْ صحة شرائه، و صیرورة المتاع ملکا له، و وقوع البیع الثانی للمشتری فی ملکه. و علی النقل یدخل البیع الثانی _ الصادِرُ من المشتری _ فی مسألة: مَن باع شیئا ثمّ ملکه»(4).

أقول: یأتی هذا البحث من الشیخ الأعظم فی الأمر الثالث من الامور المتعلقة بالمجاز(5) و نحن نتعرض له تبعا للشیخ الأعظم هناک فانتظر.

و قال هناک: «و ملخّص ما ذکرنا: أنّه لو ترتّبت عقود متعددة علی مال المجیز، فإن وقعت من أشخاص متعددة کان إجازة وسطٍ منها فسخا لما قبله، و إجازةً لما بعده علی الکشف، و إن وقعت من شخص واحدٍ انعکس الأمر»(6).

ص: 488


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/(487-485).
2- 2 . الجواهر 23/470 (22/292).
3- 3 . المکاسب 3/420.
4- 4 . هدی الطالب 5/149.
5- 5 . المکاسب 3/469.
6- 6 . المکاسب 3/470.

ثمّ لابدّ من التنبیه علی أُمورٍ:

تنبیهات الإجازة:
الأوّل: لیس الخلاف فی الکشف و النقل مفهومیّا

قال جَدُّنا الشیخ جعفر کاشف الغطاء رحمه الله : «و هل بناءً القولین [أی الکشف و النقل] علی مقتضی الظاهر، فیجوز الانصراف عن مقتضی کلّ منهما بعد وجود الصارف من قبل العاقد أو من خارج، أو علی اللزوم فإذا تعذّر أحدهما أو صُرّح بخلافه بطلت؟ وجهان، أقواهما الثانی»(1).

و تبعه فی الجواهر و قال: «و علی کلّ حالٍ، فالظاهر أنّ بناءً القولین علی اعتبار ذلک شرعا لا أنّه فی حمل الإطلاق علیه و إلاّ فیجوز إرادة الکشف أو النقل بعد وجود الصارف من قبل العاقد أو الخارج بتعذّر أحدهما فیتّجه حینئذ البطلان مع ذلک، و به صرّح شیخنا فی شرحه»(2).

و قال الشیخ الأعظم: «أنّ الخلاف فی کون الإجازة کاشفة أو ناقلة لیس فی مفهومها اللغوی و معنی الإجازة وضعا أو انصرافا، بل فی حکمها الشرعی بحسب ملاحظة اعتبار رضا المالک و أدلة وجوب الوفاء بالعقود و غیرهما من الأدلة الخارجیة، فلو قصد المجیز الإمضاء من حین الإجازة علی القول بالکشف أو الإمضاء من حین العقد علی القول بالنقل، ففی صحتها وجهان»(3).

ص: 489


1- 1 . شرح القواعد 2/95.
2- 2 . الجواهر 23/467 (22/289).
3- 3 . المکاسب 3/421.

أقول: منشأ الخلاف فی الکشف أو النقل یحتمل أن یکون أحد أُمور ثلاثة:

الأوّل: فی سعة مفهوم اللغوی للإجازة وضیقه وضعا بحیث یشمل العقد من حینه أو من حین الإجازة و علی الأوّل یکون کاشفا و علی الثانی یکون ناقلاً.

و بعبارة أُخری: أنّها تنفیذ مضمون العقد لا غیر فیکون کاشفا، أو أنّها الرضا بمضمون العقد من حینها _ لا من حین العقد _ فیکون ناقلاً.

الثانی: فی مُنْصَرَف الاطلاق بحیث أنّها(1) هی طبیعیّة فی الکشف عن الرضا بالعقد و بنفسه(2) لا یقتضی الکشف أو النقل، فیدعی الکشفی انصراف هذا الاطلاق إلی ترتب أحکام المعاملة من حین العقد، و یدعی النقلی انصرافه إلی ترتب أحکامها من حین الإجازة.

و علی هذا الاحتمال یصحّ صرف الإطلاق بقرینة مقامیة أو حالیة أو مقالیة إلی أحد القولین.

الثالث: فی المستفاد من الأدلة الشرعیة، فالکشفی یدّعی أنّ الشارع حکم بأنّ الإجازة کاشفة و النقلی یدّعی أنّ المستفاد من الأدلة الشرعیة هو النقل.

و الظاهر أنّ منشأ الخلاف هو الثالث _ أی المستفاد من الأدلة الشرعیة _ لا الأوّل _ المفهوم اللغوی الوضعی _ و لا الثانی _ المنصرَف من الإطلاق _ .

ثمّ لو خالف کلٌّ منهما ما یعتقده _ اجتهادا أو تقلیدا _ یعنی أراد القائل بالکشف النقلَ، أو أراد القائل بالنقل الکشفَ، فهل یلغو قصد الخلاف و لا أثر له، أو یؤثر القصد و یوجب تبدیل الکشف بالنقل و عکسه، أو أنّ قصد الخلاف یوجب بطلان الإجازة من رأسها و یبقی العقد الفضولی متوقفا علی إجازة اُخری؟

وجوه و احتمالات، اختار کاشف الغطاء و صاحب الجواهر بطلان هذه الإجازة کما مرّ کلامهما، و أمّا الشیخ الأعظم ذکر احتمالی الصحة و البطلان من دون ترجیح بینهما

ص: 490


1- 1 . أی الإجازة.
2- 2 . أی طبیعی الرضا بالعقد.

کما مرّ.

بناءً علی أنّ منشأَ النزاع بین قولی الکشف و النقل سعة مفهوم اللغوی و ضیقه وضعا یحکم ببطلان ما لو خالف کلّ منهما ما یعتقده لأنّه استعمل اللفظ فی غیر معناه اللغوی الوضعی فیحکم ببطلان استعماله إلاّ أن أقام القرینة بأنّه استعمل اللفظ مجازا فی غیر ما وضع له.

و أمّا بناءً علی أنّ مَنْشَأَ النزاع کان فی منصرَف الإطلاق فَیُحْکَمُ بصحة مخالفة ما اعتقده، لإمکان تقیید کلّ إطلاقٍ بالقید، و هذا أحد مصادیقه ولکنّه لابدّ من إظهار القید و التقیید حالیة کانت أو مقامیة أو لفظیة.

و أمّا بناءً علی أنّ منشأ النزاع کان فی المستفاد من الأدلة الشرعیة ففیه وجوهٌ ثلاثة:

أ: وجه اللغویة: حیث أن قصد الخلافُ ینافی الوضع اللغوی أو المنصرَف من الإطلاق أو المستفاد من الأدلة الشرعیة فیکون ملغی و لا تأثیر له فیجری الکشف أو النقل.

ب: و وجه الصحة: متعلَّق الإجازة هو مضمون العقد بما یقصده المجیز، فالسبب التام هو العقد و الإجازة المقصودة من المجیز و بهما یحصل المسبَّب قهرا و هو ما أراده المجیز.

ج: و وجه البطلان: إنّ ما أجازه المجیز غیر الواقع و ما هو الواقع غیر ما أجازه المجیز، لأنّ الواقع هو النقل _ مثلاً _ ولکن المجیز أجاز بالکشف، أو أنّ الواقع هو الکشف _ مثلاً _ ولکن المجیز أجاز بالنقل، حینئذ المجاز غیر الواقع، و الواقع غیر المجاز.

و هذا الاحتمال الأخیر قوّاه خالی الفقیه الشیخ حسن بن جعفر کاشف الغطاء فی أنوار الفقاهة(1). و کما مرّ أنّه مختار والده و صاحب الجواهر رحمهماالله أیضا.

و حیث أنّ المستفاد من الأدلة الشرعیة هو محلّ الخلاف فلا یمکن تغییره بالقصد،

ص: 491


1- 1 . أنوار الفقاهة، کتاب البیع، مخطوطة.

لأنّه لیس من الأُمور القصدیة فهذه الإجازة المخالفة لما هو المستفاد من الأدلة الشرعیة تکون باطلة و لا یَثْبُتُ بها شَی ءٌ. ففی تصحیح بیع الفضولی نحتاج إلی الإجازة المستأنفة کما علیه الأعلام الثلاثة _ قدس اللّه أسرارهم _ .

و ممّا ذکرنا یظهر عدم تمامیة التفصیل بین الکشف و النقل، و الحکم بالفساد فی الأوّل و بالصحة فی الثانی کما یظهر من المحقّق السیِّدِ الخوئی(1) رحمه الله .

الثانی: هل الإجازة لابدّ أن تکون باللفظ أم لا؟

یمکن انعقاد البحث فی مَقامَیْنِ:

الأوّل: مقام الثبوت

هل یشترط الإنشاء فی الإجازة أم لا؟ و علی اعتبار الإنشاء هل یشترط أن یکون بالقول أم یکفی الفعل بدلاً من القول؟ و علی تقدیر اعتبار القول هل یشترط فیه الصراحة أو یکفی الکنایة؟

و علی تقدیر عدم اعتبار الإنشاء هل یکفی الرضا الباطنی المقارن للعقد بدلاً من الإجازة أم لا؟

و علی تقدیر عدم کفایة الرضا الباطنی هل یکفی الجمل الأخباریة بدلاً من الإجازة نحو: بارک اللّه و ماشاء اللّه و أحسنت و مثلها.

هذه وجوه و محتملات فی مقام الثبوت.

الثانی: مقام الإثبات

أ: هل یشترط فی الإجازة أن تکون انشاءً باللفظ؟

کما یظهر من الفاضل المقداد(2) و الشهید الثانی(3) و المحقّق القمی(4) و نسبه الفقیه

ص: 492


1- 1 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 1/488.
2- 2 . التنقیح الرائع 2/27.
3- 3 . الروضة البهیة 3/234.
4- 4 . جامع الشتات 1/154 من الطبعة الحجریة (2/273).

العاملی(1) إلی صریح جماعة و ظاهر آخرین.

ولکن قال الشیخ الأعظم ردّا علی العاملی: «فی النسبة نظر»(2).

1_ استدل علیه الفاضل المقداد(3) بأنّ الإجازة کالبیع فی استقرار الملک فکما أنّ البیع لا یتحقّق إلاّ باللفظ فکذلک الإجازة.

ولکن قال الشیخ الأعظم بعد نقله: «و هو یُشْبِهُ المصادرة»(4).

تقریب المصادرة: أنّ کون الإجازة مثل البیع فی اعتبار اللفظ فی أوّل الکلام لما مرّ سابقا من وقوع البیع بالمعاطاة.

فهذا التشبیه أوّلاً یرد علیه: بأنّه قیاس.

و ثانیا یرد علیه: بأنّ الحکم فی المقیس علیه غیر ثابت بل خلافه ثابت کما مرّ مفصلاً فی بحث المعاطاة فلا نعید.

2_ استدلّ علی اعتبار اللفظ فی الإجازة: بأنّ اللفظ بحکم الاستقراء فی العقود اللازمة معتبر، فلذا ذهبوا فی المعاطاة إلی القول بعدم لزومها.

قال الشیخ الأعظم عن هذا الاستدلال: «و یمکن أن یوجّه: بأنّ الاستقراء فی النواقل الاختیاریة اللازمة _ کالبیع و شبهه _ یقتضی اعتبار اللفظ، و من المعلوم أنّ النقل الحقیقی العرفی من المالک یحصل بتأثیر الإجازة»(5).

و فیه: أوّلاً: لو سلّمنا عدم اللزوم فی المعاطاة و بنینا علی اعتبار اللفظ فی العقود اللازمة، لانلتزم به فی المقام لأنّ الإجازة لیست عقدا و لا معاملة و لا بیعا. و إنّما هی من شرائط صحة البیع الحاصل باللفظ الذی أصدره الفضولی. و نحن إذا اعتبرنا اللفظ فی

ص: 493


1- 1 . مفتاح الکرامة 12/605، قال: «الإجازة کاشفة عن صحة العقد کما هو ظاهر جماعة و صریح» ثمّ ذکر عدّة من الکتب، و أنت تری بأنّ هذا البیان غیر ما فی المتن.
2- 2 . المکاسب 3/422.
3- 3 . التنقیح الرائع 2/27.
4- 4 . المکاسب 3/422.
5- 5 . المکاسب 3/422.

العقود فلا یمکن أن نعتبره فی شرائطها أیضا و لعلّه الظاهر.(1)

و ثانیا: قد مرّ منّا فی بحث المعاطاة عدم اعتبار اللفظ فی العقود لازمةً کانت أو جائزةً إلاّ ما خرج بالدلیل. فلا نسلّم اعتبار اللفظ فی العقود اللازمة و غیرها، فکذلک لا نسلّم القول بعدم لزوم المعاطاة.

فممّا ذکرنا یَظْهَرُ عدم اعتبار اللفظ فی انشاء الإجازة و هی کما یمکن إِنْشاؤُها باللفظ فکذلک یمکن انشاؤُها بالفعل و إن کان الاقتصار علی اللفظ هو الأحوط.(2)

ب: هل اللفظ أو الفعل الدالان علی الإجازة لابدّ أن یکونا صریحین فیها؟

أو أنّها تتحقّق بکلّ لفظ أو فعل یدلّ علیها؟

الظاهر هو الثانی و أنّ الإجازة تتحقّق بکلِّ لفظٍ أو فعلٍ یدلّ علیها و لا تحتاج إلی لفظ صریح کأجزتُ و أمضیتُ و أنفذتُ لعدم وجود الدلیل عی صراحة اللفظ أو الفعل.

بل الدلیل علی خلافه: کروایة عروة البارقی الوارد فیها قوله صلی الله علیه و آله : «بارک اللّه ُ فی صفقة یمینک»(3). فمن المعلوم أنّه بالالتزام و الکنایة یکشف عن الإجازة.

و کذا الروایات الواردة فی الإتجار بمال الیتیم.(4) و صحیحة الحلبی(5) و معتبرة مسمع أبی سیار(6) و قصة بیع عقیل دور النبی صلی الله علیه و آله و بنیهاشم(7). و التصدّق بمجهول المالک و اللقطة.(8)

ص: 494


1- 1 . کما علیه المحقّق الخوئی فی التنقیح فی شرح المکاسب 1/490.
2- 2 . کما علیه الشیخ حسن کاشف الغطاء فی أنوار الفقاهة، مخطوط.
3- 3 . مسند احمد 4/376.
4- 4 . راجع هذا المجلد صفحة 217، الوجه السادس.
5- 5 . وسائل الشیعة 18/71، ح1. راجع هذا المجلد صفحة 230، الوجه الثامن.
6- 6 . وسائل الشیعة 19/89، ح1، راجع هذا المجلد صفحة 245، الوجه العاشر.
7- 7 . راجع هذا المجلد صفحة 250، الوجه الثانی عشر.
8- 8 . راجع هذا المجلد صفحة 253، الوجه الرابع عشر.

ج: عدم کفایة الرضا الباطنی من الإجازة

ذهب الشیخ الأعظم(1) إلی أنّ العلم بالرضا یکفی فی صحة الإجازة و البیع کما أنّ الرضا الباطنی المقارن للعقد یخرجه عن الفضولی، فالرضا الباطنی بوجوده المقارن للعقد یخرج العقد من الفضولی و بوجوده المتأخر یکفی فی الإجازة، و لا یعتبر فیها الإبراز و الاستناد بمبرز و مستند فعلی أو قولی.

و استشهد علی قوله بکلمات جماعة من الأصحاب و عدّة من الروایات:

أمّا الکلمات فهی:

1_ تعلیل جماعة من الأصحاب فی «عدم کفایة السکوت فی الإجازة بکونه أعمّ من الرضا فلا یدلّ علیه، فالعدول عن التعلیل بعدم اللفظ إلی عدم الدلالة کالصریح»(2) فی اعتبار الرضا الباطنی و کفایته فی الإجازة.

کما قال العلاّمة فی هذا التعلیل: «لأنّ السکوت کما یحتمل الرضا یحتمل غیره»(3).

و قال ثانی الشهیدین: «لأنّ السکوت أعم من الرضا فلا یدلّ علیه»(4).

و کذا یظهر من صاحب الجواهر(5).

و یرد علیه: أنّ السکوت غیر الرضا لا أنّه أعمّ منه، و أمّا ما ذکره القوم بأنّ السکوت أعم من الرضا لعلّ مرادهم من حیث الکشف و الإبراز، لأنّ السکوت لا یکشف دائما عن الرضا، بل ربّما یوجد السکوت و الرضا مفقود. و من الواضح أنّ الأعم لا یدلّ علی الأخص، و معناه أنّه لابدّ فی الرضا من شی ءٍ مبرز عنه لا محالة.

بل قد مرّ منّا عدم کفایة الرضا الباطنی فی المعاملات و الانتقالات و لابدّ فیها من

ص: 495


1- 1 . المکاسب 3/422 و ما بعده.
2- 2 . المکاسب 3/423.
3- 3 . نهایة الإحکام 2/475.
4- 4 . الروضة البهیة 3/243.
5- 5 . الجواهر 23/473 (22/293).

الاستناد.

2_ انکار الموکّل الإذن فیما اوقعه الوکیل

«قالوا فی باب الوکالة: لو قال الوکیل: وکّلتنی علی شراء الجاریة بألفین، فقال الموکّل: بل بألفٍ، و کان الشراء بعین ماله، أنّه [الموکّل] یحلف علی نفی ما ادّعاه الوکیل و ینفسخ العقد، و لا یکون فضولیّا، لأنّ حلفه یدل علی عدم رضاه»(1).

و من القائلین بهذا القول فی الوکالة: المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(2) و فخرالمحقّقین فی إیضاح الفوائد(3) و المحدث البحرانی فی الحدائق(4).

قال الشیخ الأعظم: «و حکی عن آخرین أنّه إذا أنکر الموکّل الإذن فیما أوقعه الوکیل من المعاملة فحلف انفسخت، لأنّ الحلف یدلّ علی کراهتها»(5).

و یرد علیه: الشیخ الأعظم یکون فی مقام إثبات الرضا الباطنی بدلاً من الإجازة و فی هذا الفرع یثبت کفایة الردّ الفعلی، لأنّ الموکّل حیث أنکر الوکالة و حلف علیها تبطل الوکالة فی هذا الشراء و یصیر فضولیّا و نفس هذا التبری و الحلف علی نفی الإذن یُعدّ ردّا فعلیّا للبیع الفضولی. فما یثبت بهذا الفرع کفایة الردّ الفعلی فی المعاملات الفضولیة.

3_ کفایة السکوت بدلاً من الإجازة للعقد الواقع علی البکر فضولاً.

ذهب جماعة من الأصحاب بکفایة سکوت البکر المعقود علیها فضولاً بدلاً من إذنها و إجازتها.

قال المحقّق فی ما لو عقد علی صبیة _ صغیرة أو کبیرة _ غیر أبیها و جدّها: «لم یمض إلاّ مع إذنها أو إجازتها بعد العقد ولو کان أخا أو عمّا، و یُقْتَنَعُ من البکر بسکوتها

ص: 496


1- 1 . مفتاح الکرامة 12/609، 21/365؛ الجواهر 23/474 (22/295)، و 27/403 من طبعة الإسلامیة.
2- 2 . جامع المقاصد 8/303.
3- 3 . إیضاح الفوائد 2/360.
4- 4 . الحدائق 22/112.
5- 5 . المکاسب 3/423.

عند عرضِهِ علیها و تُکَلَّفُ الثیبُ النطقَ»(1).

و قال صاحب الجواهر فی ذیله: «عند المشهور بین الأصحاب»(2).

و صرح بهذه الشهرة الشهید الثانی(3) و صاحبا الحدائق(4) و الریاض(5).

و قال الشیخ الأعظم: «المراد کفایة السکوت الظاهر فی الرضا و إن لم یفد القطع، دفعا للحرج علیها و علینا»(6).

أقول: قد مرّ(7) الکلامُ بِکِفایةِ سُکُوْتِ البکر لأجل النصوص الواردة(8) فیها و لا یمکن التعدی منها إلی غیرها.

4_ قال الشیخ الأعظم: «ثمّ إنّ الظاهر أنّ کل من قال بکفایة الفعل الکاشف عن الرضا _ کأکل الثمن و تمکین الزوجة _ اکتفی به من جهة الرضا المدلول علیه به لا من جهة سببیّة الفعل تعبّدا»(9).

أقول: قد مرّ أنّ الإجازة کما تحقّقت بالقول تحقّقت بالفعل أیضا، لأنّ القول و الفعل عند العقلاء سیّان. لا أنّ الفعل یدلّ علی الرضا و هو المعتبَرّ، لأنّ المصحح فی المعاملات هو الاستناد و هو یتحقّق بالقول و الفعل، و لا یعتبر فیها کشف الرضا الباطنی و الفعل و کذا القول لم یکونا کاشفین عنه.

ص: 497


1- 1 . الشرائع 2/222.
2- 2 . الجواهر 29/203.
3- 3 . المسالک 7/164.
4- 4 . الحدائق 23/263.
5- 5 . ریاض المسائل 11/106.
6- 6 . المکاسب 3/423.
7- 7 . راجع هذا المجلد صفحة 302.
8- 8 . وسائل الشیعة 20/274، الباب 5 من أبواب عقد النکاح و اولیاء العقد، ح1، صحیحة احمد بن محمّد بن أبینصر البزنطی، و ح2 صحیحة داود بن سرحان.
9- 9 . المکاسب 3/424.

5_ صرح غیر واحد من الأصحاب(1) بأنّ المکرَه علی البیع لو رضی بما اُکره علیه صح ذلک، و لم یعبّروا عن رضایته بالإجازة، فیظهر أنّ الرضا هو المعتبَر.(2)

أقول: هذا الکلام من الشیخ الأعظم یشبه بالمصادرة إلی المطلوب، لأنّ بیع المکرَه تام إلاّ من جهة رضا المالک، فالاستناد فیه حاصلٌ و الرضا مفقودٌ و إذا حصل الرضا تمَّ بیعه. و لذا قال المحقّق: «لا یصح بیع الصبی و... المکرَه، ولو رضی کلّ منهم بما فعل بعد زوال عُذره، عدا المکرَه للوثوق بعبارته»(3).

بخلاف بیع الفضولی لأنّ المفقود فیه الاستناد ولو کان الرضا موجود، و الرضا الباطنی لا یکفی فی الاستناد، لأنّ الاستناد یحتاج إلی مبرز خارجی من قول أو فعل کما مرّ.

6_ قد مرّ(4) فی أوّل بحث الإجازة کلام ثانی المحقّقَیْن(5) و الشهیدین(6) بأنّ العقد سبب تام للملک لقوله تعالی: «اوفوا بالعقود» و ینکشف تمامیة العقد بإجازة المالک و إعلام رضایته.

استدلّ الشیخ الأعظم بکلامهما بأنّ العقد تام و انکشاف تمامیته یظهر بالرضا من دون حاجة إلی اللفظ.

أقول: لابدّ من مبرز و إعلام للرضا سواء فی ذلک القول أو الفعل و به تمّ الاستناد کما مرّ.

قد عرفت عدم تمامیة تمسّکه بکلمات الأصحاب _ قدس اللّه أسرارهم _ .

ص: 498


1- 1 . منهم المحقّق فی الشرائع 2/8؛ و العلاّمة فی القواعد 2/17؛ و الشهید فی الدروس 3/192 و اللمعة /110.
2- 2 . راجع المکاسب 3/424.
3- 3 . الشرائع 2/8.
4- 4 . راجع هذا المجلد صفحة 386.
5- 5 . جامع المقاصد 4/74 و 75.
6- 6 . الروضة البهیة 3/229.

و أمّا الروایات فمنها:

1_ صحیحة ابن بزیع قال: سألت أباالحسن علیه السلام عن امرأة ابتلیت بشرب النبیذ فسکرت فزوّجت نفسها رجلاً فی سکرها، ثمّ أفاقت فأنکرت ذلک، ثمّ ظنّت أنّه یلزمها ففزعت منه فأقامت مع الرجل علی ذلک التزویج، أحلال هولها أم التزویج فاسدٌ لمکان السکر و لا سبیل للزوج علیها؟

فقال: إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا منها.

قلت: و یجوز ذلک التزویج علیها؟ فقال: نعم.(1)

استدلّ(2) الشیخ الأعظم بجواب الإمام علیه السلام : «فذلک رضا منها»، بکفایة الرضا.

و یرد علیه: أوّلاً: لیس فی الروایة الرضا الباطنی فقط بل «أقامت معه بعد ما أفاقت» و هذه الإقامة بعد الإفاقة هی إبراز فعلی للرضا و إعلام له، و هذا غیر ما یرید الشیخ الأعظم إثباته من کفایة الرضا الباطنی فقط.

و ثانیا: لو سلّمنا کفایة مجرد الرضا الباطنی فی نکاح السکری للصحیحة، فَلا یمکن التعدی منه إلی الفضولی، لأنّ السکری زوّجت نفسها باللفظ مع سائر الشرائط إلاّ الاختیار و الرضا و القصد و إذا حصلت بعد الإفاقة تمّ نکاحها، و لیس نکاحها فضولیّا. کما یظهر من السیّد الخوئی(3).

و ثالثا: صحیحة ابن بزیع معرکة للآراء حتّی من فقیه واحد، و ما یکون کذلک کیف یمکن الاستدلال بها.

عمل بها الصدوق(4) و الشیخ(5) و القاضی(6) و من المقاربین لزماننا یری صاحب

ص: 499


1- 1 . وسائل الشیعة 20/294، ح1، الباب 14 من أبواب عقد النکاح و اولیاء العقد.
2- 2 . المکاسب 3/424.
3- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/491.
4- 4 . المقنع /102 و 103.
5- 5 . النهایة /468.
6- 6 . المهذب 2/196.

العروة(1) عدم البأس بالعمل بها و إن کان الأحوط خلافه _ و یأتی ردّه لها فی حاشیة مکاسبه _ و وافقه السیّد الحکیم فی المستمسک(2) _ مع ردّه لها فی حاشیة مکاسبه أیضا_.

ولکن ابن ادریس(3) و المحقّق(4) ردّاها قال الأخیر: «و فی السکران الذی لا یعقِلُ تردّدٌ، أظهرُهُ أنَّه لا یصِحُّ ولو أفاقَ فأجاز. و فی روایة: إذا زوّجَتْ السَکْری نفسَها ثمّ أفاقت فرضیت، أو دخل بها فأفاقت و أقرَّته کان ماضیا»(5).

ولکن العلاّمة حملها إلی عدم بلوغ السکر إلی حدّ عدم تحصیل القصد و قال: «و إن لم یبلغ السُّکْر إلی ذلک الحدّ صحّ العقد مع تقریرها إیّاه. و علیه تحمل الروایة»(6).

ولکن ردّ علیه الشهید الثانی(7) بما حاصله: هذا الحمل خلاف ظاهر الروایة و مخالف للقواعد العامة الدالة علی صحة العقد مع وجود قصد العاقد من دون حاجة إلی الإجازة بعده، فیردّ علیه ارتکاب هذین المحذورین، فطرح الروایة أُولی.

و حملها الفاضل الأصبهانی إلی مقام التنازع و الدعوی و الحکم الظاهری لا الواقعی، فلو تنازعا فی وقوع العقد مع القصد فادعی الزوج ذلک و انکرت المرأة تأتی هذه الصحیحة، قال: «قلتُ: و یمکن العمل بالخبر مع القول بقضیة الأصل التی هی فساد العقد بأنّ یکون الزوج جاهلاً بسکرها فإنّه حینئذ و إن لم یقع نکاح فی الواقع، لکنّه لا یُسمع فی حقّه قول المرأة، خصوصا بعد التمکین من الدخول و الإقامة معه، فلیس علیه مفارقتها و له إلزامها بحقوق الزوجیة، و أنّها مادامت تظنّ بصحة نکاحها لیس علیها شی ء، و الوط ء

ص: 500


1- 1 . العروة الوثقی 2/689، مسألة 13 أحکام العقد من کتاب النکاح. (5/603 من طبعة جماعة المدرسین).
2- 2 . مستمسک العروة الوثقی 14/388.
3- 3 . السرائر 2/571.
4- 4 . الشرائع 2/218.
5- 5 . الشرائع 2/218.
6- 6 . مختلف الشیعة 7/115.
7- 7 . المسالک 7/115.

الواقع فی تلک المدّة بالنسبة إلیه وط ء صحیح شرعی و بالنسبة إلیها وط ء شبهة و بعد ما علمت بالفساد فأحکام التزویج جائزة علیها أی ماضیة قهرا، ولکن لیس لها فیما بینها و بین اللّه حقوق الزوجیة و إن کان علیها الامتناع من التمکین منها ما أمکنها، مع أنّ فیه تأملاً»(1).

و حملها السیّد الیزدی فی حاشیة مکاسبه(2) علی أنّها وکلّت غیرها فی التزویج و هی سکری و حیث أنّ التوکیل باطل لفقد القصد، فلذا کان تزویجها فضولیّا موقوفا علی الإجازة و الإقامة مع الزوج إجازة فعلیّة، إلاّ أنّها مسبوقة بالردّ لقول الراوی: «فانکرت ذلک»، و المراد بالإنکار و إن کان هو الکراهة و الوحشة ممّا صدر منها، لکنّه کافٍ فی الردّ فلا عبرة بالإجازة بعده.

و ذهب السیّد الحکیم فی تعلیقه علی المکاسب(3) إلی عدم إمکان العمل بظاهرها.

و التفصیل یطلب من کتاب النکاح.

2_ الروایات الدالة علی أنّ سکوت المولی بعد علمه بتزویج عبده إقرارٌ منه علی تزویجه و یکون صحیحا.

منها: صحیحة معاویة بن وهب.(4)

و منها: صحیحته الأُخری.(5)

و منها: موثقة الحسن بن زیاد الطائی.(6)

بتقریب ذکره الشیخ الأعظم: «ما ورد فی عدّة من الأخبار من أنّ سکوت المولی

ص: 501


1- 1 . کشف اللثام 7/53 و 54.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/207.
3- 3 . نهج الفقاهة /245.
4- 4 . وسائل الشیعة 21/117، ح1، الباب 26 من أبواب نکاح العبید و الإماء.
5- 5 . وسائل الشیعة 21/117، ح2.
6- 6 . وسائل الشیعة 21/118، ح3.

بعد علمه بتزویج عبده إقرار منه له علیه»(1).

بعبارة أُخری: سکوته بعد علمه یدلّ علی رِضاهُ و الرضا الباطنی یکفی فی الإذن.

و یرد علیه: أوّلاً: سکوت المولی بالنسبة إلی نکاح عبده بعد علمه به یکون مبرزا عرفیا لإذنه، و الإبراز یکفی فی الاستناد کما مرّ.

و ثانیا: نکاح العبد لیس من قبیل المعاملات الفضولیة بل هو من أفعال نفسه ولکنّه متوقف علی إجازة مولاه، نظیر تزویج الزوج مع بنت أخی زوجته أو بنت أُختها، لأنّه متوقف علی إجازة زوجته، فإذا رضیت الزوجة أو رضی المولی فیتم النکاح. لأنّ هذا النکاح فاقد لبعض الشروط و مع حصولها تمّ النکاح و صحَّ.

بخلاف المعاملات الفضولیة التی لابدّ فیها من الاستناد بقولٍ أو فعلٍ و لا یکفی فیه الرضا الباطنی.

3_ «مادلّ علی أنّ قول المولی _ لعبده المتزوّج بغیر إذنه _ طلِّق، یدلّ علی الرضا بالنکاح فیصیر إجازة»(2).

نحو: حسنة علی بن جعفر.(3)

یرد علیه: أوّلاً: قول المولی: «طلِّق» إبراز و إظهار و استناد، و المولی فی هذه الحسنة لم یکن راضیا بنکاح عبده ولکن حیث استند النکاح إلیه فتمّ و هذا مناقضٌ مع مقالة الشیخ الأعظم التی أراد إثباتها من کفایة الرضا الباطنی.

و ثانیا: قد مرّ أنّ نکاح العبد لیس فضولیّا.

4_ و مادلّ «علی أنّ المانع من لزوم نکاح العبد بدون إذن مولاه معصیة المولی التی ترتفع بالرضا»(4).

ص: 502


1- 1 . المکاسب 3/424.
2- 2 . المکاسب 3/425.
3- 3 . وسائل الشیعة 21/118، ح1، الباب 27 من أبواب نکاح العبید و الإماء.
4- 4 . المکاسب 3/425.

منها: صحیحة زرارة.(1)

و منها: موثقة زرارة.(2)

یرد علیه: ما ذکرته آنفا فی ذیل الروایات الدالة علی أن سکوت المولی بعد علمه بتزویج عبده إقرار منه.

5_ «مادلّ علی أنّ التصرف من ذی الخیار رضا منه»(3).

منها: صحیحة علی بن رئاب.(4)

و منها: صحیحة محمّد بن الحسن الصفار.(5)

و منها: صحیحة أُخری لعلی بن رئاب.(6)

و یرد علیه: أوّلاً: معاملة المتصرِّف لم یکن فضولیا.

و ثانیا: التصرفُ فعلٌ و لم یکن الرضا الباطنی الذی ادعاه الشیخ الأعظم.

6_ قال الشیخ الأعظم: «غیر ذلک»(7).

أقول: لعلّه إشارة إلی ما ذکره صاحب الجواهر بقوله: «لفحوی بعض نصوص النکاح الفضولی: أنّه یحلف علی عدم الرضا فی نفسه فیما بینه و بین اللّه»(8).

و لعلّ مراد صاحب الجواهر من بعض النصوص هی: صحیحة أبیعبیدة(9) و فیها: «و تحلف باللّه ما دعاها إلی أخذ المیراث إلاّ رضا بالتزویج».

ص: 503


1- 1 . وسائل الشیعة 21/114، ح1، الباب 24 من أبواب نکاح العبید و الإماء.
2- 2 . وسائل الشیعة 21/115، ح2.
3- 3 . المکاسب 3/425.
4- 4 . وسائل الشیعة 18/13، ح1، الباب 4 من أبواب الخیار.
5- 5 . وسائل الشیعة 18/13، ح2.
6- 6 . وسائل الشیعة 18/13، ح3.
7- 7 . المکاسب 3/425.
8- 8 . الجواهر 23/474 (22/294).
9- 9 . وسائل الشیعة 26/219، ح1، الباب 11 من أبواب میراث الأزواج.

و خبر عبید بن زرارة.(1)

و یرد علیه: ما اوردتُهُ آنفا فی روایات التصرف من ذی الخیار.

فظهر لک إلی هنا عدم تمامیة الرضا الباطنی بدلاً من الإجازة و الاستناد و الحمدللّه.

بقی فی المقام: اعتراضٌ من الشیخ الأعظم علی نفسه(2)

تحت عنوان الباقی ذهب إلی اعتبار إِنشاء الإجازة و عدم کفایة مطلق الرضا فی تحقّق الرضا و استدلّ علیه بدلیل و أیّده بمؤیِّدٍ:

أمّا الدلیل: فإنَّ کفایة مطلق الرضا فی صحة بیع الفضولی بدلاً من الإجازة یستلزم الخروج عن عنوان الفضولیة إذا علم الفضول قبل بیعه رضا المالک أو أحرز الرضایة مقارنا للبیع و عدم احتیاجه إلی الإجازة المتأخرة حینئذ لأنّ المفروض شرطیة مطلق الرضا الباطنی، مع أنّ هذا البیان _ الخروج عن الفضولیة _ مخالف لمذهب الأصحاب _ قدس اللّه أسرارهم _ من اعتبار الإذن السابق فی الخروج عن الفضولیة سواء کان المالک راضیا حال العقد أو قبله أم لا. و إنّهم ذهبوا إلی أنّ مورد إحراز رضا المالک _ بلا إذن منه _ مشمول لعنوان الفضولی و یتوقف نفوذه علی الإجازة اللاحقّة، و هذا دلیل علی عدم اعتبار الرضا الباطنی عندهم فی المعاملات.

و أمّا المؤیِّد: لو کان مجرد الرضا الباطنی یعدّ إجازة لبیع الفضولی لکان عکسه مجرد الکراهة فیکفی فی الرد و بطلان الفضولی مع عدم القائل به، بل الأصحاب قدس سرهم یذهبون إلی خلافه فی الفرعین المتقدمین:

الأوّل: بیع المکرَه، و هو یقولون بصحته إذا لحقّته رضایة المالک فی ما بعد.

الثانی: صحة البیع الفضولی المسبوق بنهی المالک، إذا عدل المالک عن نهیه و أجاز البیع فی ما بعد.

ص: 504


1- 1 . وسائل الشیعة 21/330، ح14، الباب 58 من أبواب المهور.
2- 2 . المکاسب 3/425.

و هذان الفرعان شاهدان علی عدم اعتبار الکراهة الباطنیة فی الردّ.

أقول: یمکن أن یردّ علی دلیله: بأنّ بعض من الأصحاب ذهبوا إلی خروج البیع مع رضایة مالکه عن الفضولیة و جواز التصرف فیه و عدم احتیاجه بالإجازة اللاحقّة، کما مرّ هذا القول فی الأقوال الواردة فی وجوه الکشف: الثالث: الکشف الحقیقی التقدیری کما علیه المحقّق الرشتی، و الخامس: الکشف الحقیقی الحصولی کما علیه صاحب الجواهر فراجعهما.

و علی مؤیِّده: بعدم وجود الملازمة بین الرضا و الإجازة و بین الکراهة و الردّ، و وجود الفرق بینهما بأنّ مجرد الرضا تعدّ إجازة ولکن مجرد الکراهة لا تعدّ ردّا.

ولکن العمدة عدم تمامیة الدلیل علی کفایة مطلق الرضا الباطنی فی المعاملات و احتیاجها إلی الاستناد.

هذا تمام الکلام فی هذا التنبیه و الحمدللّه.

الثالث: اشتراط الإجازة بعدم سبق الردّ

قال الشیخ الأعظم: «من شروط الإجازة أن لا یسبقها الردّ، إذ مع الردّ ینفسخ العقد فلا یبقی ما یلحقه الإجازة»(1).

و قال السیّد العاملی: «و الردّ أن یقول: فسخت، ولو قال: لم أجز کان له الإجازة بعد ذلک کما صرّح به الشهید فی حواشیه فی باب النکاح، و یشهد له جملة من الأخبار و کلام الأصحاب(2)، و قد سمعت آنفا خبر الولیدة»(3).

و قال فی کتاب الحجر: «و قد قلنا فی باب البیع: إنّ الردّ الّذی یفسخ به الفضولی أن یقول: فسخت، فلو قال: لم أجز کان له الإجازة بعد ذلک کما تشهد به الأخبار، و به صرّح

ص: 505


1- 1 . المکاسب 3/426.
2- 2 . کما فی الروضة البهیة 3/234؛ و التنقیح الرائع 2/27.
3- 3 . مفتاح الکرامة 12/609.

الشهید فی باب النکاح، بل هو ظاهر الأصحاب»(1).

و استدلّ علیه بوجوه ثلاثة:

الأوّل: الإجماع

قال الشیخ الأعظم: «بعد ظهور الإجماع بل التصریح به فی کلام بعض مشایخنا»(2).

ورد التصریح بالإجماع فی الریاض(3) و المناهل(4) و شرح القواعد(5) و الجواهر(6) و العروة الوثقی(7)، و المراد ببعض مشایخنا یمکن أن یکون صاحب الجواهر کما عبّر عنه ب_ «بعض مشایخنا المعاصرین»(8)، و أمّا المراد(9) به هو السیّد المجاهد صاحب المناهل فبعید، لأنّ الشیخ الأعظم عبّر عنه ب_ «سیّد مشایخنا فی مناهله(10)» أو «بعض سادة مشایخنا»(11).

و أخذ المحقّق النائینی بهذا الإجماع و قال: «إنّ دعوی الإجماع من مثل المصنف رحمه الله [الشیخ الأعظم] کاشفٌ قطعیٌّ عن تسالم الحکم بین الأصحاب»(12).

ولکن یرد علی الإجماع: أوّلاً: ب_ «أنّ الإجماع لا أساس له فی المقام لما نُقل من

ص: 506


1- 1 . مفتاح الکرامة 16/251.
2- 2 . المکاسب 3/426.
3- 3 . ریاض المسائل 8/224.
4- 4 . المناهل /289.
5- 5 . شرح القواعد 2/80.
6- 6 . الجواهر 23/450 (22/278).
7- 7 . العروة الوثقی 5/658، کتاب الوصیة، مسألة 4، طبعة جماعة المدرسین.
8- 8 . المکاسب 1/377.
9- 9 . کما احتمله المحقّق المروج فی هدی الطالب 5/182.
10- 10 . المکاسب 5/142.
11- 11 . المکاسب 4/109.
12- 12 . المکاسب و البیع 2/129.

أنّ المسألة کانت مسکوتا عنها إلی زمان الشهید قدس سره و معه کیف یطمئن الإنسان بأنّ الحکم قد وصل یدا بیدٍ من زمن المعصومین علیهم السلام هذا»(1).

و ثانیا: الإجماع المنقول لیس بحجة

و ثالثا: الإجماع یمکن أن یکون مدرکیّا و مدرکه الوجوه التالیة و مع هذا الاحتمال لا یمکن الأخذ به.

الثانی: العقد ربط بین التزامین(2)

حقیقة العقد هی ربط إلتزام بالتزام آخر، و هذا الربط بینهما إنّما یحصل فیما إذا لم یکن هناک قاطع فی البین، و الردّ یقطع الارتباط بینهما، و هذا نظیر رجوع الموجِب عن الإیجاب فإنّه یمنع عن اتصال القبول بالإیجاب.

و فیه: أوّلاً: أنّ الردّ لو کان من طرف الأصیل لکان لما أفاده وجه و صار نظیر رجوع الموجِب عن الإیجاب، و أمّا الردّ من طرف المالک _ الذی تصدی الفضولی العقد عنه _ فتصریحه بعدم القبول و عدم انتساب العقد إلیه لا یقطع الارتباط، لأنّ لفظ «لا أقبل» لیس أزید من عدم الرضا واقعا، فکما أنّه إذا لم یکن راضیا بما أصدره الفضولی أوّلاً ثمّ رضی به لا یمنع عدم رضاه الواقعی عن الاتصال بین الالتزامین، فکذلک الحال فیما إذا صرّح بعدم القبول ثمّ أجازه بالالتماس و نحوه.(3)

و ثانیا: التنظیر فی غیر محلّه لأنّ رجوع الموجِب عن إیجابه إنّما یکون قبل تمامیة العقد و أمّا الردّ إنّما یقع بعد العقد و بینهما بون بعید.

و بالجملة: إذا ردّ المالک أوّلاً ثمّ رجع و أجاز العقد تمّ انتساب العقد إلیه و یصح العقد و تربط التزامه بالتزام الآخر و ردّ الأوّل لا یقطع هذا الربط.

ص: 507


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/493، و نحوها فی محاضرات فی الفقه الجعفری 2/404 و مصباح الفقاهة 4/211.
2- 2 . راجع المکاسب 3/426.
3- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/494.

اللهم إلاّ أن نقول بمقالة المحقّق الخراسانی(1) رحمه الله و حاصله: الظاهر اعتبار اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد إنّما هو لأجل أنّ الإجازة مع سبقه بالردّ لا توجب صحة إسناد العقد عرفا إلی المجیز، و الموجب لإسناده إلی المجیز هو الإجازة غیر المسبوقة بالردّ، و لاأقل من الشک فی إسناده إلیه مع سبق الإجازة به، فلا دلیل حینئذ علی نفوذ هذا العقد علی المجیز، لأنّ التمسک بالعمومات مع هذا الشک تمسک بالدلیل فی الشبهة المصداقیة، هذا.

الثالث: الردّ یؤثر لقاعدة السلطنة

المالک بمقتضی قاعدة السلطنة _ المقبولة عند العقلاء من ذهابهم إلی أنّ حقّ السلطنة علی المال للمالک _ یتمکّن من الردّ و الإجازة فی بیع الفضولی، و حیث یردّه المالک فلا یبقی بیعٌ حتّی یلحقه الإجازة.(2)

و فصّل المحقّق النائینی فی المقام بقوله: «لا إشکال فی سلطنة المالک علی إجازة العقد الصادر عن الفضولی و أنّ السلطنة علی الشی ء یقتضی أن یکون مسلِّطا علی عدیله، بحیث یکون له القدرة علی طرفی الشی ء و إنّما الکلام فی أنّ سلطنته هل هی علی الإجازة و عدم الإجازة.

و بعبارة أُخری: یکون سلطانا علی النقیضین بحیث یختار أحدهما، أو أنّه مسلِّط علی إمضاء العقد و إبطاله و ردّه، و یکون قدرته متعلِّقة بأمرین وجودیین و یکون التقابل بین متعلّقی قدرته بالتضاد لا بالسلب و الإیجاب؟

و لازم الأوّل [التناقض] عدم سقوط العقد عن قابلیة لحوق الإجازة بسبب الردّ لأنّ المالک حینئذٍ مخیّرٌ بین الإجازة و عدم الإجازة، و عدم الإجازة أمرٌ عدمیٌّ حاصل من أوّل العقد إلی زمان تحقّق الإجازة و الردّ لایوجب سقوط حقّ الإجازة، لأنّ حال المالک بالنسبة إلی ما بعد الردّ و قبله متساوٍ بالنسبة إلی تحقّق عدم الإجازة فکما أنّ عدم

ص: 508


1- 1 . راجع حاشیته علی المکاسب /66.
2- 2 . راجع المکاسب 3/426.

الإجازة قبل الردّ لا یمنع عن الإجازة فکذلک بعد الردّ.

و بالجملة فالردّ یصبح حینئذ أجنبیّا عن متعلَّق سلطنة المالک فیکون وجوده کعدمه.

و لازم الثانی [التضاد] هو سقوط حقّ المالک بسبب الردّ حیث أنّه أعمل حقّه و استوفاه بالردّ، و معه فلا یبقی شی ء حتّی یلحقه الإجازة»(1).

و یرد علی الدلیل و التفصیل: أوّلاً: الإجازة اللاحقة بعد الردّ توجب التردید فی ملکیة المجیز بعدها، لأنّ علی فرض تمامیة الإجازة تخرجُ العین من ملک المجیز و بعد خروجه من ملکه لا تجری قاعدة السلطنة أو حدیثها، لأنّهما فرع الملک و مَبْنیّانِ علیه، و علی فرض عدم تمامیة الإجازة تَبْقی العین فی ملکه و تجری القاعدة و حدیثها.

و حیث لم نعلم تمامیة الاجازة و عدمها فلا تجری قاعدة السلطنة و عدمها.

و ثانیا: بأنّ قاعدة السلطنة و حدیثها لا یُوْجِبان مشروعیة التصرفات المشکوکة بحسب الحکم التکلیفی أو الوضعی، أنّها جائزة بحسب التکلیف و الوضع.

بالجملة: القاعدة و حدیثها ساکتتان عنها، و علیه إذا اشتری لباسا و شکّ فی جواز لبسه من جهة أنّه من مختصات النساء فلا یمکن إثبات اللبس بعموم القاعدة أو حدیث السلطنة، فحینئذ إنّا نشکّ فی أنّ المالک هل یجوز أن یتصرّف فی ماله بقطع العلاقة الحاصلة بالبیع علی نحو لا یصحّ بالإجازة المتأخرة فلا یمکن التمسک بعموم السلطنة فی إثبات صحته و جوازه. هذا بالنسبة إلی الکبری.

و ثالثا: و أمّا الصغری: فَلاِءَنَّ المعاملة الفضولیة لم تحدث شیئا فی مال المالک حتّی نرفعه بقاعدة السلطنة أو حدیثها بناءً علی أنّه یثبت الجواز فی التصرفات المشکوک جوازها و صحّتها.(2)

و الحاصل: حیث لم تَتمّ الوجوه الثلاثة إلی هنا فیمکن أن نقول بأنّ الردّ من المالک

ص: 509


1- 1 . المکاسب و البیع 2/131.
2- 2 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 1/495.

لا یضرّ بالإجازة اللاحقة کما علیه الفقیه السیّدُ الیزدی حیث یقول: «الحقّ أنّ الردّ من المالک غیر مانع من الإجازة بعد ذلک، و لایوجب الفسخ و ذلک لعدم تمامیة الوجوه المذکورة»(1).

و تبعه المحقّقون السادة البروجردی(2) و الخوئی(3) و الخمینی(4).

و ظهر ممّا ذکرنا عدم تمامیة مقالة المحقّق النائینی من قیاس الردّ بالإجازة حیثث یقول: «... فردّه عقد الفضولی کجواز البیع له، فکما لا یجوز له فسخ البیع بعد صدوره منه فکذلک لا ینفذ منه إبطال ردّه بعد تحقّقه منه. و علی هذا، فمعنی سلطنته أن یکون کلا طرفی الإجازة و الردّ راجعا إلیه فإذا أعمل أحدهما فلا یبقی محلّ للآخر»(5).

و الوجه فی عدم تمامیته: أنّ القیاس بین الردّ و الإجازة مع الفارق لأنّ الإجازة توجب انقطاع سلطنة المالک علی المال کالبیع و الهبة و بعده لا معنی للردّ لأنّه صار ملکا للغیر، و هذا بخلاف الردّ قبل الإجازة، فإنّ غایة ما یترتّب علیه عدم بیع المالک فقط، و هذا لا ینافی بیعه بعد ذلک.(6)

لا یقال: جریان حدیث أو قاعدة السلطنة _ علی تقدیر جریانها _ للردّ یکون معارضا بجریانها فی الإجازة لأنّ نفوذ الردّ قبل الإجازة بمقتضی السلطنة یکون معارضا بنفوذ الإجازة بعد الردّ لأنّها أیضا من أنواع السلطنة.

فلا یمکن جریانها فی الردّ و الإجازة معا للمعارضة و لأحدهما دون الآخر یکون ترجّحا بلا مرجّح.

لأنّا نقول: المعارضة باطلة، لأنّ علی جریانها للردّ لا یبقی مَحَلٌّ للإجازة و علی

ص: 510


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/209.
2- 2 . فی تعلیقته علی العروة الوثقی 5/658، کتاب الوصیة، مسألة 4.
3- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/497.
4- 4 . کتاب البیع 2/293.
5- 5 . منیة الطالب 2/94.
6- 6 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 1/497.

فرض جریانها فی الإجازة فلا یبقی مَحَلٌّ للردّ و حیث أنّ المفروض تقدّم الردّ علی الإجازة فحیث یجری فی الردّ فلا یبقی مَحَلٌّ فی الإجازة. فالمعارضة مفقودةٌ نعم، أنّها تجری فی الردّ لما مرّ.

ثمّ یمکن الاستدلال علی عدم اعتبار الردّ فی بطلان بیع الفضولی إذا صدر بعده الإجازة بصحیحة محمّد بن قیس(1) الماضیة حیث أخذ الولیدة و ابنها ردّ عملیٌّ لبیع ولده الفضول، و بعد هذا الردّ العملی و ما وقع أجاز بیع ابنه.

اعترف الشیخ الأعظم(2) بظهور هذه الصحیحة فی صحة الإجازة بعد الردّ و لکن أُورد(3) علیها بأنّ الردّ الفعلی الموجود فی الصحیحة کأخذ المبیع غیر کافٍّ فی تحقّق الردّ بل لابدّ من إنشاء الفسخ و الردّ.

ثمّ اعترض(4) علی نفسه: بأنّ الرد فی المقام لیس بأولی من الفسخ فی المعاملات اللازمة الخیاریة بالعَرَض و قد صرّحوا بحصول الفسخ فیها بالفعل.

و أجاب عنه: ب_ «أنّ الفعل الذی یحصل به الفسخ _ فی المعاملات _ هو فعل لوازم ملک المبیع کالوط ء و العتق و نحوهما، لا مثل أخذ المبیع»(5).

ولکن یمکن إبرام جوابه بأنّ: تحقّق الفسخ الفعلی فی المعاملات اللازمة یکون من جهة أنّ المال خرج من ملک من له الخیار فتصرفه فیه بغیر عنوان الفسخ یکون محرّما شرعیّا فمقتضی حمل فعل المسلم علی الصحة و أنّه لا یفعل الحرام، یوجب حمل فعله و تصرفه و أخذه علی الفسخ. بخلاف تصرف المالک فی البیع الفضولی فإنّه تصرّف فی ماله ولو لم یکن بعنوان الردّ فیکون جائزا، فمن هذه الجهة یکون تصرّف من له الخیار فسخا و

ص: 511


1- 1 . وسائل الشیعة 21/203، ح1، الباب 88 من أبواب نکاح العبید و الإماء.
2- 2 . المکاسب 3/426.
3- 3 . المکاسب 3/427.
4- 4 . المکاسب 3/427.
5- 5 . المکاسب 3/427.

لا یکون تصرف المالک المجیز ردّا.(1) فلا یتحقّق الردّ بتصرف المالک فی بیع الفضولی.

أقول: بناءً علی مختارنا من عدم الفرق بین القول و الفعل، الردّ الفعلی تام و یثبت به الردّ إلاّ أنّه قد مرّ آنفا عَدَمُ اشتراط الإجازة بمسبوقیتها بعدم الردّ کما علی عدم الاشتراط جمع من الأعلام.

نعم، صحیحة محمّد بن قیس لم یثبت فیه عدم الرد الفعلی فیه کما مرّ(2) فی الاستدلال بها علی صحة بیع الفضولی.

و العجب من بعض المعاصرین _ مد ظله _ حیث اعترض علی استاذه المحقّق السیّدِ الخوئی بأنّه لماذا لا یری ظهور صحیحة محمّد بن قیس فی تحقّق الإجازة عقیب الرد ثمّ قال: «و یخیل لی أنّ الأُستاذ الجلیل قدس سره قد ذکر هذا الأمر فی أوائل فقاهته، و بعد نضوجها و اشتدادها رجع عنه و أقرَّ بما یوافق الفهم العرفی المحاوری للروایة علی ما أفاده و ألقاه علینا فی مجلس بحث نکاح العروة و افتی قدس سره به فی بیع «منهاج الصالحین»...»(3).

وجه التعجب: المحقّق السیّد الخوئی لا یری الصحیحة نصا و لا ظاهرا فی تحقّق الإجازة عقیب الردّ ولکن حیث یستشکل فی الأدلة الواردة فی کلام الشیخ الأعظم فی عدم نفوذ الإجازة بعد الردّ، یقول بتحقّقها بعد الردّ فی البیع(4) و النکاح(5) و فی منهاجه(6).

و تبعه فی کتاب فتواه تلمیذاه _ و هما استاذای(7)، و أمّا السیّد السیستانی(8) ففی

ص: 512


1- 1 . راجع محاضرات فی الفقه الجعفری 2/408؛ التنقیح فی شرح المکاسب 1/499.
2- 2 . راجع صفحة 192 من هذا المجلد.
3- 3 . بشری الفقاهة 4/132.
4- 4 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/407؛ مصباح الفقاهة 4/218؛ التنقیح فی شرح المکاسب 1/497.
5- 5 . المبانی فی شرح العروه الوثقی 33/261، طبع موسوعة الإمام الخوئی رحمه الله .
6- 6 . منهاج الصالحین 2/17.
7- 7 . منهاج الصالحین 2/22 لشیخنا الاستاذ التبریزی قدس سره ؛ منهاج الصالحین 3/24 لشیخنا الاستاذ الوحید الخراسانی _ مد ظله _ .
8- 8 . منهاج الصالحین 2/27 للسیّد السیستانی.

إشکاله علی فتوی المشهور فقط.

ولکن مع ذلک یری السیّد الخوئی رحمه الله أنّ الصحیحة لا تخلو عن الإشعار فی الردّ.(1)

و یمکن الاستدلال علی عدم الاشترط بصحیحة محمّد بن اسماعیل بن بزیع(2) الماضیة.

فإنّ قوله: «فأنکرت ذلک»، و قوله: «ففزعت منه» ظاهران فی إظهار التنفرو المخالفة للنکاح. و لاریب أنّهما کافٍ فی الردّ. و لا یعتبر فی الردّ أن تقول «رددتُ» أو «فسختُ» أو نحوهما.

و معنی الإنکار هنا و الإفزاع هما ما یقابلان الرضا و القبول، لا الإنکار لتحقّق الفعل منها، و هما ردّان فعلیان بل قولیان بلا إشکال کما علیه المحقّق السیّدُ الخمینی(3) رحمه الله .

لا یقال: إنّ مورد الروایة بقرینة «فزوجتْ نفسها» ظاهرة فی المباشرة فی التزویج منها لا التوکیل أو الفضولی لها، فحینئذ موردها غیر ما نحن فیه و هو الفضولی.(4)

لأنّا نقول: بأنّ التوکیل فی باب الزواج حتّی فی العصور المتقدمة کان شائِعا و «یوجب _ علی الأقل _ انقداح احتماله فحینئذ مع ترک الاستفصال تدلّ علی عدم الفرق بین المباشرة و التوکیل»(5)، مع أنّ البحث هنا حول أنّ الردّ هل یوجب انهدام العقد أم لا؟ و من هذه الجهة لا فرق بین إنشاء المباشری و إنشاء الفضولی.

ص: 513


1- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/407؛ مصباح الفقاهة 4/407؛ التنقیح فی شرح المکاسب 1/498.
2- 2 . وسائل الشیعة 20/294، ح1، الباب 14 من أبواب عقد النکاح و اُولیاء العقد.
3- 3 . کتاب البیع 2/291.
4- 4 . راجع البیع /396 تقریرات الفقیه آیة اللّه السیّد محمّد الحجة الکوهکمری قدس سره بقلم آیة اللّه الشیخ أبوطالب التجلیل رحمه الله .
5- 5 . کتاب البیع 2/292.

«ولو قیل: إنّ رضاها بالتزویج معلَّق علی اللزوم و الرضا المشروط و التعلیقیّ لا أثر له فلا یجوز الإتکال علی الروایة.(1)

یُقال: إنّ ظنّها باللزوم جهة تعلیلیّة و بعد ذلک رضیت به، و الرضا فی باب المعاملات لیس بمعنی طیب النفس بل أعمّ منه کما فی عقد المضطرّ کما مرّ»(2).

أقول: قد مرّ منّا(3) سابقا عدم إمکان التعدی منها إلی الفضولی لأنّ الحکم الوارد فیها یکون خلافا للقاعدة فیجب الاقتصار علیه و لا یمکن التعدی إلی غیره.

ثمّ قال المحقّق السیّدُ الخمینی: «ثمّ لو شککنا فی أنّ الردّ موجب للفسخ فاستصحاب بقاء العقد لا مانع منه فإنّ العقد إذا لحقته الإجازة یکون موضوعا لوجوب الوفاء فالعقد موجود بالأصل و لحوق الإجازة به وجدانیّ.

نعم، لو قلنا بأنّ العقد المتقیّد و المتّصف بکونه مرضیّا به و مُجازا موضوع لکان الأصل مثبتا»(4).

الرابع: الإجازة حقّ أو حکم؟

إذا کانت الإجازة حقّا ینتقل إلی ورثة المالک بعد موته و إذا کانت حکما فلا، لأنّ الحکم لا ینتقل.

قد مرّ منا(5) الفرق بین الحقّ و الحکم الترخیصی _ لا الإیجابی و التحریمی _ و قلنا: إنّ المجعول ابتداءً فی الحقّ هو السلطنة و فی الحکم هو الإباحة.

و بعبارة أُخری: الداعی إلی تشریع الحقّ هو الرعایة من الشارع لحال المکلّف و

ص: 514


1- 1 . البیع /397 تقریرات الفقیه آیة اللّه السیّد محمّد الحجة الکوهکمری قدس سره ، بقلم آیة اللّه الشیخ أبوطالب التجلیل رحمه الله .
2- 2 . کتاب البیع 2/292.
3- 3 . راجع صفحة 494 من هذا المجلد.
4- 4 . کتاب البیع 2/293.
5- 5 . راجع الآراء الفقهیة 4/17.

لیاقته للسلطنة ولکن الحکم الترخیصی الداعی إلی جعله خلوه من المصلحة و المفسدة فی نوعه.

ثمّ قد مرّ الکلامُ فی انتقال عدّة من الحقوق إلی الورثة بالموت نحو: حقّ الشفعة _ علی وجه _ و الخیار و القصاص و الرهانه و التحجیر و الشرط.

و قال الفقیه السیّد الیزدی(1): أنّ تشخیص صغریات الحقوق و الأحکام فی غایة الإشکال ثمّ نقل عن خالنا الفقیه الشیخ حسن ابن الشیخ جعفر کاشف الغطاء: «أنَّ ذلک ممّا یمیزه النبیه بذوقه و لیس له معیار کلّی»(2)، و نقل عن صاحب الجواهر قوله: «کلّ ما عُبّر عنه بالحقّ فی الأدلة الشرعیة فهو من الحقوق، و غیره یبنی علی کونه حکما فی صورة الشک لأنّ الأصل عدم ترتب آثار الحقّ فتدبّر»(3).

ثمّ إن کانت الإجازة حکما فلا تنتقل إلی الورثة بلا إشکال، نعم المال ینتقل إلیهم فلکلِّ من ینتقل إلیهم المال الإجازة فی نصیبه منه.

و إمّا إن کانت الإجازة حقّا ینتقل بعد موت المالک إلی ورثته _ علی قولٍ(4)_، ثمّ هل یرث کلّ واحد منهم الإجازة و الردّ بالنسبة إلی تمام المبیع علی حسب ما ذکروه فی إرث حقّ الخیار، أو یرث کلّ واحد منهم الإجازة بالنسبة إلی ما انتقل إلیه من المال و فی مال نفسه _ کما إذا کانت الإجازة حکما _، أو یرث کلّهم من حیث المجموع فلیس لواحد منهم الفسخ مستقلاً فلابدّ من جمیعهم إمّا الفسخ و إمّا الإجازة؟

وجوه أو أقوال.

ثمّ هذا البحث _ توریث الإجازة _ یجری لو لم نذهب إلی القول بلزوم أنّ المجیز لابدّ و أن یکون مالکا حین العقد، و إلاّ _ أی لو قلنا بلزومه _ فلا یجری توریث الإجازة

ص: 515


1- 1 . حاشیته علی المکاسب 2/211.
2- 2 . حاشیته علی المکاسب 2/212.
3- 3 . حاشیته علی المکاسب 2/212.
4- 4 . کما علیه المحقّقون المامقانی فی غایة الآمال /391، و الخراسانی فی حاشیته علی المکاسب /67 و السیّد الیزدی فی حاشیته علی المکاسب 2/212.

لأنّه حینئذ المجیز غیر المالک حین العقد، و لذا قال الشیخ الأعظم: «بناءً علی ما سیجی ء من جواز مغایرة المجیز و المالک حال العقد فی [بحث] من باع مال أبیه فبان میّتا»(1).

و الفرق بین توریث الإجازة و توریث المال: فی الأوّل یرثها الزوجة ولو کانت بالنسبة إلی العقار، لأنّها _ الزوجة _ من الورثة و فی الثانی لا یرثها لأنّها ممنوعة من إرث العقار علی المشهور.

و فی الأوّل تجری الإحتمالات الثلاثة الماضیة و فی الثانی یتعیّن الإحتمال الثانی فقط _ أی یرث کلّ واحد منهم الإجازة بالنسبة إلی ما انتقل إلیه من المال _ .

و الذی یُهَوِّنُ الخطب عدم تمامیة احتمال أن تکون الإجازة حقّا، بل علی الأقوی أنّها حکما شرعیّا فی المقام کما علیه ظاهر الشیخ الأعظم(2) و تبعه السیّدان الخوئی(3) و الخمینی(4) رحمهم الله .

الخامس: هل الإجازة إجازة فی القبض و الإقباض للفضولی؟

أقوال:

الأوّل: مَنْقُوْلٌ(5) عن شیخ الطائفة أنّ إجازة بیع الفضولی إجازة للقبض و الإقباض لأنّه قال فی نهایته: «و متی أمضی المغصوب منه البیع لم یکن له بعد ذلک درک علی المبتاع، و کان له الرجوع علی الغاصب بما قبضه من الثمن فیه»(6).

الثانی: إنکار تلازم إجازة بیع الفضولی مع إجازة القبض و هو الظاهر من العلاّمة حیث علَّق علی کلام الشیخ بقوله: «و فیه نظر، فإنّ إمضاء البیع لایوجب الإجازة فی

ص: 516


1- 1 . المکاسب 3/427.
2- 2 . المکاسب 3/427.
3- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 1/499.
4- 4 . کتاب البیع 2/295.
5- 5 . نقل عنه العلاّمة فی المختلف 5/57؛ و الشهید فی الدروس 3/194؛ و الفاضل المقداد فی التنقیح 2/27.
6- 6 . النهایة /402.

قبض الثمن فحینئذ للمالک مطالبة المشتری بالثمن، سواء کان قد دفعه إلی الغاصب أو لا، نعم، لو أجاز القبض کان ما قاله الشیخ حقّا»(1).

و تبع جَدُّنا الشیخُ جَعْفَرٌ العلاّمةَ و قال: «و إجازة القبض من حیث المعاملة إجازة للعقد دون العکس»(2).

و تبعهما صاحب الجواهر و قال: «ثمّ لا یخفی علیک أنّ إجازة العقد لیس إجازة للقبض من غیر فرق فی الثمن بین کونه عینا أو دینا خلافا للمحکی عن الشیخ فجعل إجازته إجازة للقبض. و لا ریب فی ضعفه، فلا یتشخّص الدین _ مثلاً _ بقبض الفضولی و لا یجری علیه حکم القبض الصحیح فی العین إلاّ بإجازة مستقلة لذلک بناءً علی ما عرفت من جریان حکم الفضولی فی الأقوال و الأفعال...»(3).

الثالث: و استحسن الشهیدُ قول العلاّمة مع تقیید و قال فی الدروس بعد نقل اختیار الشیخ: «... و اشترط الفاضل إجازة القبض و هو حسن إن کان الثمن فی الذمة»(4).

و تابع الفاضلُ المقدادُ الشهیدَ فی تقییده و قال: «لو کان البیع بالعین الحاضرة فإجازة البیع إجازة القبض»(5).

فملخص هذا القول هو التفصیل بین المبیع أو الثمن الشخصی الجزئی و الکلّی، بأنّ إجازة عقد الفضولی تکون إجازةً بالنسبة إلی قبض أو إقباض المبیع أو الثمن الشخصی الجزئی و لا تکون إجازة بالنسبة إلی قبض أو إقباض الکلّی.

الرابع: ذهب الشیخ الأعظم إلی تفصیل آخر فی المقام و قسّم المسألة علی ثلاثة أقسام:

أ: تارة القبض یکون جزءً للسبب المملِّک کما فی بیع الصرف و السلَّم ففی هذا

ص: 517


1- 1 . مختلف الشیعة 5/57.
2- 2 . شرح القواعد 2/95.
3- 3 . الجواهر 23/483 (22/300).
4- 4 . الدروس 3/194.
5- 5 . التنقیح الرائع 2/27.

القسم ذهب إلی وجود الملازمة بین إجازة عقد الفضولی و إجازة القبض للغویة إجازة البیع مجردّا عن إجازة القبض الذی هو جزء السبب.

و قال: «... فلو کان إجازة العقد دون القبض لغوا _ کما فی الصرف و السلَّم بعد قبض الفضولی و التفرّق _ کان إجازة العقد إجازةً للقبض، صونا للإجازة عن اللغویة. ولو قال: أجزت العقد دون القبض ففی بطلان العقد أو بطلان ردّ القبض وجهان»(1).

ب: و أُخری: القبض یکون وفاءً بالعقد من دون دخله فی ترتب الأثر علی العقد و یکون العوض شخصیّا، ففی هذا القسم ذهب(2) إلی عدم وجود الملازمة بین إجازة البیع و إجازة القبض، و توقف تحقّق الوفاء بالعقد علی إجازة القبض بخصوصها ولو بقرینة تدلّ علیها. خلافا للشیخ و الشهید و الفاضل المقداد حیث یروون الملازمة، و وفاقا للشیخ جعفر و صاحب الجواهر.

ج: و ثالثة: نفس القسم الثانی ولکن مع هذا الفرق: و هو أن یکون العوض کلّیّا فی الذمة، ففی هذا القسم استشکل فی وفاء أدلة صحة البیع الفضولی بإمضاء قبض الفضول و قال: «... و أمّا قبض الکلّی و تشخّصه به فوقوعه من الفضولی علی وجهٍ تصحّحه الإجازة یحتاج إلی دلیل معمِّمٍ لحکم عقد الفضولی لمثل القبض و الإقباض، و إتمام الدلیل علی ذلک لا یخلو عن صعوبة»(3).

توضیح الصعوبة: أدلة صحة عقد الفضولی تشمل العقد الذی هو من الإنشائیات دون القبض الذی هو فعل خارجی، فإجازة المجیز المالک یستند العقد إلیه و لا یتشخّص الکلی فی فردٍ من أفراده، و هذا التشخّص خارج عن مقتضی الإجازة فلا یتحقّق بها.

و تظهر الثمرة علی قول الشیخ الأعظم فی ما کان الثمن معیّنا فأجازه المالک فی قبضه فمرجع الإجازة إلی إسقاط الضمان عن المشتری و أنّه إذا تلف بعد ذلک فیخرج من مال المالک لا من مال المشتری، کما أنّ المثمن إذا کان معیّنا فمرجع الإجازة فی إقباضه

ص: 518


1- 1 . المکاسب 3/428 و 429.
2- 2 . المکاسب 3/428.
3- 3 . المکاسب 3/428.

إلی حصول المبیع فی ید المشتری برضا المالک، و لا یعتبر فی الإقباض إلاّ ذلک المعنی، إذ لا یشترط فیه أن یأخذه المالک بیده ثمّ یقبضه عنه المشتری، فلذا إذا کان المبیع بید المشتری سابقا فرضی به المالک صح الإقباض لا محالة و إذا تلف، تلف من مال المشتری.

و أمّا إذا کان الثمن أو المثمن کلّیّا یتشخص بالقبض و الإقباض فلا وجه لصحة الإجازة فیهما لأنّ قبض غیر المالک أو إقباضه لا یوجب تشخّص الکلّی فیما أخذه الفضولی أو أقبضه بوجه.(1)

أقول: یرد علی قسمه الأوّل [أ]: وجود الملازمة بین عقد الفضولی و إجازة القبض فی بیع الصرف و السلَّم لوجود اللغویة فی فرض عدم الملازمة، إنّما یتم فیما کان المجیز عارفا بالملازمة و لغویة إجازة البیع من دون إجازة القبض فیقصد إجازة القبض أیضا کما علیه السیّد الیزدی و قال: «هذا [صونا للإجازة عن اللغویة] انّما یتم إذا کان المجیز عالما بأنّ البیع بدون القبض باطل، و إلاّ فلا یحمل علی کونه إجازة للقبض أیضا...»(2).

و أمّا إذا کان جاهلاً بالملازمة و صورة اللغویة فی عدمها فلا وجه لکون إجازة البیع إجازة للقبض مع أنّها أمر قصدی لابدّ أن یقصد.

لهذا قال السیّد الیزدی: «لا وجه للوجه الثانی، إذ بعد کونه فی مقام الجدِّ لا معنی للحکم بصحة العقد و بطلان ردّ القبض، مع أنّه صرّح بعدم الرضا به، فالحکم ببطلان العقد متعیّن»(3).

و لذا أیضا قال جدی الشیخ محمّدتقی صاحب هدایة المسترشدین: «لو توقّف صحة البیع علی القبض کبیع الصرف و السَلَم و قد حصل القبض من الفضول فأجاز البیع، فإن کان بعد تفرّق المجلس و علمه به کان إجازة للقبض فی وجه قویّ، إذ لولاه لکان

ص: 519


1- 1 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 1/502.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/213.
3- 3 . حاشیة المکاسب 2/214.

إجازته للبیع لغوا، و لحمل فعل المسلم علی الصحة مع الإمکان. ولو کان جاهلاً بالتوقف ففیه إشکال، و إن کان المجلس باقیا بحسب اعتقاده»(1).

ثمّ ما ذکره الشیخ الأعظم بعده من إجازة العقد دون القبض من وجهین بلا وجه، لأنّ إذا أجاز العقد و ردّ القبض و البیع فی الصرف و السلّم مشروط بالقبض یبطل العقد قطعا لعدم تحقّق شرطه، فلا وجه لإحتمال الآخر من بطلان ردّ القبض مع تصریحه بالردّ.

و یرد علی قسمه الثانی [ب]: من ظهور الثمرة فی أنّ إجازة المالک فی الإقباض تدخل العین تحت ید المشتری الآخذ فإذا تلف المال تلف من مال المشتری، و فی القبض تدخل العین تحت ید المالک فإذا تلف، تلف من ماله.

لا یتم کما قیل: فی قبض الفضولی، لأنّ «المال بعد إجازة المالک أیضا غیر واصل إلیه بل بعد تحت ید الفضول فإذا تلف یصدق علیه التلف قبل القبض و أنّه من مال بائعه فیوجب انفساخ البیع»(2) لأنّ یشمله عموم «کلّ مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه»، و هذا حکم شرعی لایقبل الاسقاط من جانب المجیز حتّی یقال أنّه بالإجازة أسقط الضمان و معنی الضمان هنا هو إسقاط البیع.

و یرد علی قسمه الثالث [ج]: لو کان القبض و الإقباض یتم بإجازة المالک فیهما _ کما علیه الشیخ الأعظم فی القسم الثانی [ب] فلماذا منع عن ذلک فیما إذا کان الثمن و المثمن کلّیّا؟

لأنّ الشیخ الأعظم یجری الفضولی فی القبض و الإقباض بحیث تصححهما إجازة المالک فیهما، فهو یری شمول أدلة صحة الفضولی فی الفعل الخارجی و هو القبض و الإقباض، فإذا یجری الفضولی فیهما _ القبض و الإقباض _ و هما فعلان خارجیان فلماذا لا یری شمولها فی تعیین الکلّی فی الثمن أو المثمن بید الأجنبی و هما فعلان خارجیان أیضا، فالتفصیل بینهما بلا وجهٍ.

ص: 520


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/361.
2- 2 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/410.

و لذا نقول: کلّما یقبل الوکالة یقبل الإجازة و لا إشکال فی أنّ الوکیل یترتّب علی فعله جمیع ما یترتّب علی فعل موکّله، فکذلک لو لم یکن وکیلاً ولکن أجاز المالک فعله فیما بعد، فیصیر بالإجازة فعلُه فعلَ المجیز و ینتسب إلیه بلا فرق بین القبض و الإقباض و بلا فرق بین الثمن و المثمن الْکُلِّیَّیْنِ أَوِ الشَّخْصِیَّیْنِ. فبالإجازة یستند القبض و الإقباض إلی المجیز و کذلک التعیین فی الکلّی و بما ذکرنا یظهر الجواب عمّا اوردناه علی القسم الثانی [ب] من تقسیم الشیخ الأعظم و أنّ الایراد لا یتم.

ثمّ یظهر ممّا ذکرنا ضعف ما ذهب إلیه جمع من الاْءعْلامِ المحشین علی المکاسب من عدم جریان الفضولی فی الأفعال الخارجیة:

منهم: السیّد أبوالقاسم الإشکوری(1) حیث استشکل فی جریان الفضولی فی القبض.

و منهم: الفقیه السیّدُ الیزدی حیث یقول: «لا یخفی أنّ الفضولیة إنّما تجری فی التصرفات المعاملیة بناءً علی عموم دلیها، لا فی الأفعال الخارجیة التی لها آثار شرعیة، و القبض فی المعیّن من الأفعال الخارجیة فهو اُولی بالإشکال من القبض فی الکلّی، لأنّ تشخیص الکلّی المملوک بالفرد و تعیینه فیه نوع من المعاملة...»(2).

و منهم: المحقّق الخراسانی قال: «... لا یقال: إنّ قبض الفضولی بالإجازة صار قبض الأصیل فیکون التلف بذلک تلفا بعد القبض.

فإنّه یقال: لیس کلّ فعل یصّح انتسابه إلی غیر مُباشِرِهِ بإجازته، و القبض لم یعلم أنّه من قبیل العقد و البیع و نحوهما ممّا یصحّ انتسابه إلی غیر المباشر بالإجازة، أو من قبیل الأفعال الخارجیة التی لا یحدث له بذلک انتساب کالأکل و الشرب و غیرهما کما لا یخفی، بل دعوی أنّه مثلها غیر مجازفة و مجرد الفرق بینه و بینها من لزوم المباشرة فیها علی صحة انتسابها و عدم کفایة النیابة و الوکالة فیها أصلاً، بخلاف القبض، ضرورة کفایة

ص: 521


1- 1 . بُغیة الطالب 1/406.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/212.

الوکالة فی صحة انتسابه غیر مجد فی صحة الانتساب بمجرد الرضا و الإجازة، بعد عدم صدوره منه تسبیبا و لا مباشرة، و لا یبعد أن یکون مورد الإجازة هو خصوص العناوین الاعتباریة المنتزعة من أسباب خاصة یتوسّل بها إلیها کالبیع و العقد و البیعة و نحوها، ممّا یتوسّل إلیها بأسباب خاصة صادرة ممّن یقوم بها حقیقة أو من غیرها وکالة أو فضولة مع لحوق الإجازة بها، فالبیع و العقد حقیقة یقوم بالموکل و المجیز و ینسب إلیهما حیث تری صحة اعتبار العقد و البیع و انتزاعها بالإجازة للمجیز مثل اعتبارهما للأصیل أو لغیره بالتوکیل و هذا بخلاف نفس الأفعال الخارجیة کالقبض و الإیجاب و القبول، فإنّها لا یکادینسب إلی غیر المباشرة إلاّ تسبیبا، و لا مباشرة و لا تسبیب هاهنا من المجیز أصلاً، کما لا یخفی»(1).

و حاصل کلامه قدس سره أنّه قسّم الأفعال الخارجیة إلی ثلاثة أقسام:

1_ الأفعال التی لیس فیها قابلیة الصدور إلاّ مباشرة کالأکل و الشرب و النوم و الجماع حیث لا یمکن إسنادها إلاّ للمباشر.

2_ الأفعال التی لها قابلیة الصدور بالمباشرة أو بالتسبیب من خلال الوکالة أو الإذن السابق أو الإجازة اللاحقة کالبیع و العقد و البیعة.

3_ الأفعال التی هی الوسط بینهما فلها قابلیة أن تصدر بالمباشرة أو بالتسبیب من خلال الوکالة أو الإذن السابق أو الاستنابة، و أمّا من خلال الإجازة اللاحقة حیث یصدق علیها الفضولیة فلا، و القبض و الإقباض من هذا القبیل.

و تبعهم المحقّق السیّد الخمینی(2) حیث یری أنّ الأقوی عدم جریان الفضولیة فی القبض و الإقباض و قال: «... أنّ الفضولیة لا تجری فیما یعتبر من القبض و الإقباض فی باب المعاملات»(3).

أقول: سیرة العقلاء جاریة علی أنّ کُلَّ ما یقبل الوکالة یقبل الإجازة و حیث أنّ

ص: 522


1- 1 . حاشیة المکاسب /68.
2- 2 . کتاب البیع 2/296.
3- 3 . کتاب البیع 2/299.

القبض و الإقباض یقبلان الوکالة و کذلک الإجازة السابقة و هی الإذن و الاستنابة، و الإجازة اللاحقة و هی الفضولیة فهما مشمولان بذلک.

و إنّهم لا یروون الفرق من حیث تصحیح الانتساب إلی المالک أو مَنْ ولی أمره بین الوکالة و الاستنابة و الفضولیة.

و إنّهم لا یروون الفرق بین الفعل الحدوثی و غیره _ لو تمّ هذا التعبیر لأنّ جمیع الأفعال حدوثیٌّ _ فالتفصیل بینهما _ لو تمّت الاثنینیة _ کما عن شیخنا الاستاذ قدس سره فی غیر محلّه حیث یقول: «و الحاصل: أنّ إجازة القبض فی الحقیقة توکیل، فیکون البائع الفضولی مأذونا فی استیفاء الثمن و الإمساک به، و هذا بخلاف ما إذا کان الأثر مترتّبا علی الفعل الحدوثی فإنّه لا یفید فیه الإجازة اللاحقة مثلاً: للحاج ذبح هدیه بالاستنابة کما إذا أمر الآخر بذبحه، و أمّا إذا ذبح الآخر هدیه بتخیّل أنّه هدی نفسه أو عدوانا أو بقصد النیابة عن مالکه فلا یجری إجازة المالک فی إسقاط وجوب الهدیِ عن نفسه»(1).

أقول: إذا تمت السیرة فخروج الفعل الحدوثی یحتاج إلی دلیل خاص، لو کان نتعبد به، ولکن الظاهر أنّه مفقودٌ فتشمله السیرة و لا وجه للخروج.

نعم، الاستنابة فیما ذکره شیخنا الاستاذ قدس سره من الهدی أو رمی الجمار أو الطواف و السعی و نحوها هو الأحوط.

و المختار عندنا فی المقام: هو قول العلاّمة وَ جَدِّی کاشف الغطاء و صاحب الجواهر من عدم وجود الملازمة بین إجازة العقد و إجازة القبض و الإقباض مطلقا، نعم إذا أجاز القبض و الإقباض فلا فرق بین ثمن الشخصی أو الکلّی و مثمنه و لا فرق بین العین أو الدین و الحمدللّه.

السادس: عدم اشتراط الإجازة بالفوریة

قال الشهید: «و لا یشترط الإجازة فی الحال، و لا کون المجیز حاصلاً حین العقد

ص: 523


1- 1 . إرشاد الطالب 3/449.

فتصحّ إجازة الصبی و المجنون بعد الکمال...»(1).

و قال الفاضل المقداد: «لا یشترط الفوریة فی الإجازة، لما قلنا فی خبر البارقی فله الإجازة ما لم یرد أوّلاً...»(2).

و قال الشیخ جعفر: «و لا فوریة فی الإجازة علی الأقوی»(3).

و قال جدی الشیخ محمّدتقی: «أنّه لا یعتبر الفور فی الإجازة بعد علم المالک بالحال، بل یصحّ مع التراخی أیضا. و ربّما یحتمل أن تکون فوریة لما فی التراخی من إرجاء الأمر و إیصال الضرر إلی آخر فی کثیر من الصور.

و فیه: أنّه مع علمه بالحال أقدم علیه، فیکون الضرر آتیا إلیه من قبله.

و مع جهله و لحوق الضرر علیه یندفع ذلک بثبوت الخیار له کما مرّت الإشارة إلیه»(4).

و قال السیّد العاملی: «و لا یشترط فوریة الإجازة، فله الإجازة ما لم یرد کما فی الدروس و التنقیح و الریاض و الحدائق»(5).

ولکن قال محقّق کتاب مفتاح الکرامة رحمه الله فی تعلیقته: «لم نجد فی الریاض و الحدائق ما نسبه الشارح إلیهما لا فی البیع و لا فی النکاح الفضولیّین، فراجع»(6).

و قال السیّد المجاهد: «لا یشترط فی الإجازة الفوریة کما صرّح به فی الدروس، اللهم إلاّ أن یترتب الضرر علی من لا إجازة له، بحیث لا یتحمّل عادةً فیحتمل حینئذ إجبار من له الإجازة علی اختیار أحد الأمرین الفسخ أو الإمضاء إن أمکن، و إلاّ فیجوز

ص: 524


1- 1 . الدروس 3/193.
2- 2 . التنقیح الرائع 2/27.
3- 3 . شرح القواعد 2/100.
4- 4 . تبصرة الفقهاء 3/361.
5- 5 . مفتاح الکرامة 12/609.
6- 6 . مفتاح الکرامة 12/609.

الفسخ مطلقا»(1).

و قال الشیخُ الأعظمُ: «الإجازة لیست علی الفور...»(2).

الاستدلال علی عدم الفوریة:

یدلّ علیها مضافا للعمومات نحو قوله تعالی: «اوفوا بالعقود»(3) و الإطلاقات نحو قوله تعالی: «أحل اللّه البیع»(4) و «تجارة عن تراض»(5) أنّهما لم یقییدا بلحوق الإجازة فورا.

صحیحة محمّد بن قیس(6) المرویة فی قضا أمیرالمؤمنین علیه السلام فی ولیدة باعها أبن سیّدها و أبوها غائب، إلخ. حیث علّم علیه السلام المشتری بقوله: «خذابنه حتّی ینفذلک ما باعک»، و هذا التعلیم من الإمام علیه السلام یدلّ علی بقاء أهلیة الإجازة حتّی بعد شهور من البیع لأنّ المشتری وطأها فولدت له غلاما و أخذ الأب المالک الولیدة مع ابنها. فالصحیحة تدلّ علی عدم فوریة الإجازة و أنّها علی التراخی حتّی عدّة شهور.

قال الشیخ الأعظم: «و أکثر المؤیدات المذکورة بعدها»(7) [أی بعد صحیحة محمّد بن قیس].

مراده من المؤیدات: الأدلة التالیة:

منها: فحوی مادلّ علی صحة نکاح الفضولی، بما فیها من الروایات الدالة علی نکاح الصغیر أو الصغیرة حیث أنّهما أجازا بعد بلوغهما.

و منها: الروایات الواردة فی الأتجار بمال الیتیم، حیث أنّه أجاز بعد بلوغه.

ص: 525


1- 1 . المناهل /289.
2- 2 . المکاسب 3/429.
3- 3 . سورة المائدة /1.
4- 4 . سورة البقرة /275.
5- 5 . سورة النساء /29.
6- 6 . وسائل الشیعة 21/203، ح1، الباب 88 من أبواب نکاح العبید و الإماء.
7- 7 . المکاسب 3/429.

و منها: روایة موسی بن أشْیَم(1)، الظاهرة فی أنّ النزاع وقع بعد موت الدافع و مضی الحج.

و منها: صحیحة الحلبی(2)، لأنّ الأخذ بالوضعیة ثمّ البیع بأکثر ثمّ ردّ مازاد بانضمام الوضعیة إلی صاحبه لا یتحقّق عادة بالفور.

و منها: معتبرة مسمع أبیسیار(3)، لأنّ الودعی الجاحد جاء بالمال و ربحه أربعة آلاف درهم بعد سنین، و طلب من المالک الاستحلال.

و منها: بیع عَقِیل دور النبی صلی الله علیه و آله و بنیهاشم حیث لم یرد إجازتهم علی الفور، و من الواضح أنّها کانت بالتراخی بشهور أو لعلّ بسنین عادةً.

و منها: التصدّق بمجهول المالک و اللقطة، حیث یأتی الإذن من المالک غالبا بعد مدّة، لا علی الفور.

و منها: أخبار تحلیلُ خُمُسِ المناکح و المساکن(4) بعد التصرف فیهما و أخذ الإجازة فی المورد الخاص من الإمام علیه السلام .

فرع:

قال الشیخ الأعظم: «ولو لم یُجِزِ المالک و لم یردّ حتّی لزم تضرّر الأصیل بعدم تصرفه فیم انتقل عنه و إلیه _ علی القول بالکشف _ فالأقوی تدارکه بالخیار أو إجبار المالک علی أحد الأمرین»(5).

أقول: عدم إجازة المالک إذا وصل إلی حدّ الضرر بالنسبة إلی الأصیل فهل یدفع الضرر عنه بالخیار أو إجبار المالک علی أحد الأمرین _ من الإمضاء أو الردّ _ أو الفسخ مطلقا _ أی بلا فرق بین أن یکون الأصیل جاهلاً بالفضولیة أو عالما بها _ وجوه بل أقوال.

ص: 526


1- 1 . وسائل الشیعة 18/280، ح1.
2- 2 . وسائل الشیعة 18/71، ح1.
3- 3 . وسائل الشیعة 19/89، ح1.
4- 4 . راجع الوجه الخامس عشر من وجوه صحة بیع الفضولی، صفحة 252 من هذا المجلد.
5- 5 . المکاسب 3/429.

ذهب جدی الشیخ محمّدتقی(1) صاحب الهدایة إلی ثبوت الخیار فی فرض جهل الأصیل و أمّا مع علمه بالحال هو أقدم علیه فیکون الضرر آتیا إلیه من قبله فلا خیار، و تبعه الشیخ الأعظم(2) فی العِدْل الأوّل من اختیاره، و اختاره الفقیه الیزدی(3) ثانیا و بعد الإجبار، و الخیار هو مختار المحقّق الخراسانی(4).

و ذهب السیّد محمّد المجاهد(5) إلی إجبار المالک علی أحد الأمرین فی فرض إمکان الإجبار و تبعه الشیخ الأعظم(6) فی العِدْل الثانی من اختیاره، و اختار الفقیه الیزدی(7) أوّلاً الإجبار.

و ذهب السیّد المجاهد(8) إلی جواز الفسخ مطلقا للأصیل لو لم یتمکن من إجبار المالک.

ولکن بناءً علی المختار من عدم لزوم العقد من طرف الأصیل فالأمر واضح لأنّه یجوز له التصرف فی ما یملکه قبل الإجازة بأیّ نحو کان فلا یتضرّر أصلاً.

و أمّا بناءً علی لزوم العقد من طرف الأصیل کما علیه جمع من أصحابنا فیجوز له الفسخ، و بجواز فسخه یندفع عنه الضرر، ولکنّه یجری فی حقّه جواز الفسخ مطلقا أم إذا کان جاهلاً بالفضولیة؟ لأنّه إذا کان عالما بها یأتی إلیه الضرر من قبل نفسه و هو أقدم علیه. الأظهر هو الثانی.

و أمّا إجبار المالک علی أحد الأمرین _ الإجازة أو الردّ _ فلا وجه له أصلاً لأنّه

ص: 527


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/361.
2- 2 . المکاسب 3/429.
3- 3 . حاشیة المکاسب 2/214.
4- 4 . حاشیة المکاسب /70.
5- 5 . المناهل /289.
6- 6 . المکاسب 3/429.
7- 7 . حاشیة المکاسب 2/214.
8- 8 . المناهل /289.

مسلطٌ علی ماله و لم یحدث منه ما یوجب الإجبار و لم یدل دلیل علی جواز هذا الإجبار.

و أمّا ثبوت الخیار فلا یجری _ أیضا _ لأنّ بعض العقود غیر قابلة له لا بالجعل و لا بغیره کالنکاح إلاّ فی موجبات الخیار لعقد النکاح و أمّا فی غیرها فلا یثبت الخیار.

نعم، فی فرض جهل الأصیل و لحوق الضرر علیه لا یبعد الحکم بوجود الخیار له دفعا للضرر. کما علیه جدّنا الشیخ محمّدتقی(1) قدس سره و المحقّق الخراسانی(2) رحمه الله و الاُستاذ المحقّق(3) _ مد ظله _ .

و هو العِدْل الأوّل فی کلام الشیخ الأعظم(4) رحمه الله .

السابع: تطابق الإجازة و العقد (المجاز)
اشارة

هل تعتبر فی صحة الإجازة مطابقتها للعقد من حیث العموم و الخصوص أم لا؟ وجهان.

الوجه الأوّل: هو الحکم بلزوم التطابق بینهما، و علی المالک أن یجیز العقد بتمامه، لأنّ العقد واحد و المعاملة الحادثة واحدة و لا مجال لتبعّضها و إجازة جزءٍ منها دون الآخر.

الوجه الثانی: هو الحکم بعدم لزوم التطابق بینهما، لإمکان انحلال العقد و التبعّض فیه، فیمکن إجازة جزءٍ منها دون الآخر.

ص: 528


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/361.
2- 2 . حاشیة المکاسب /70.
3- 3 . العقد النضید 3/341.
4- 4 . المکاسب 3/429.
المسألة فی رأی الشیخ الأعظم

یری الشیخ الأعظم(1) أنّ التفصیل هو الأقوی و قسّم المسألة إلی صور ثَلاثٍ:

الصورة الاُولی: إذا وقع العقد علی کلٍّ و أجازه المالک علی جزءٍ، یصح العقد فی الجزء الذی أجازه المالک و یجبر الضرر علی الأصیل بخیار تبعّض الصفقة.

الصورة الثانیة: إذا کان الاِخْتِلافُ بین العقد و الإجازة علی نحو الإطلاق و الاِشتراط بحیث أوقع الفضولی العقد مشروطا ولکن المالک یجیزه من دون الشرط قد حکم الشیخ الأعظم(2) ببطلانها. لأنّه لا یری العقد قابلاً للتبعیض من حیث الشرط بخلاف الجزء. و إذا أبطل الشرط یسری بطلانه إلی العقد.

الصورة الثالثة: إذا کان الاِختلاف بین العقد و الإجازة علی نحو الإطلاق و الاِشتراط و علی عکس الصورة الثانیة بحیث أوقع الفضولی العقد مطلقا ولکن یجیزه المالک مشروطا فهاهنا ثلاثة احتمالات:

الأوّل: صحة العقد بشرط قبول الأصیل ذلک الشرط.

الثانی: صحة العقد مطلقا ولو لم یقبل الأصیل الشرط، لأنّ الإجازة تعلَّقت بِنَفْسِ العقد و صحّحته، و أمّا الشرط فلایجب الوفاء به، لأنّ الشرط الذی یجب الوفاء به هو خصوص الشرط الواقع فی ضمن العقد و أمّا إذا کان الشرط خارجا عن العقد فلا یجب الوفاء به، لعدم الدلیل علی وجوب الوفاء به.

الثالث: بطلان الإجازة و بتبعها یبطل العقد، لأنّ الشرط حیث لم یقع فی ضمن العقد فیکون باطلاً و یسری بطلان الشرط إلی المشروط و هو العقد لإنتفاء المشروط بإنتفاء شرطه. و لأنّ مجموع العقد و الشرط التزام واحد بسیط لا متعدد و حیث ینتفی الشرط ینتفی المشروط _ أی العقد _ . و لأنّ ما أجازه المالک علی نحو الاِشتراط لم یقع الفضولی العقد علیه و ما وقعه الفضولی العقد علیه لم یجزه المالک.

ص: 529


1- 1 . المکاسب 3/429.
2- 2 . المکاسب 3/430.

و یری الشیخ الأعظم(1) هذا الاِحتمال الثالث هو الأقوی. و هکذا یری الشیخ الأعظم المسألة.

المسألة فی رأی صاحب الهدایة

ولکن قال جدّی الشیخ محمّدتقی صاحب الهدایة _ أعلی اللّه مقامه الشریف _ : «أنّه لو أجاز العقد علی ما هو علیه لا کلام، و لو أجاز العقد فی البعض بقسط من الثمن فهل یصحّ ذلک؟ وجهان، أجودها الصحة إلاّ أنّه یتخیر المالک بین الفسخ و الإجازة لتبعیض الصفقة.

و لا فرق بین أن یجیز جُزْأً مشاعا أو معیّنا، و لا بین أن یکون المبیع أمورا عدیدة قد جمعها فی صفقة أو شیئا واحدا.

و أولی بالصحة ما لو کان لشخصین فأجاز أحدهما دون الآخر.

و یحتمل هنا سقوط الخیار مع علمه بکونه لمالکین؛ لإقدامه علیه لا سیّما مع ظنّه(2) عدم إجازة أحدهما.

ولو اشترط علیه شرطا فی ضمن العقد فأجازه بدون الشرط لم یبعد الحکم بالصحة إلاّ أنّه لابدّ حینئذ من قبول الآخر.

و هل یصحّ العقد قبل قبوله و له الخیار علی الفسخ أو یکون مراعی بقبوله فیصحّ معه و یفسد مع عدمه؟ وجهان.

و هل یجوز أن یشترط علیه فی ضمن الإجازة شیئا لم یشترط العاقد فی ضمن العقد، فینعقد الشرط مع قبول الآخر و یلتزم به حینئذ، وجهان:

[1] من عدم وقوع العقد علیه فلا تطابقه الإجازة.

[2] و من حصول الإجازة للعقد، و الشرط المذکور أمر خارج عن أصل العقد قد ألزمه به فی ضمن الإجازة المصحّحة للعقد، و قد أنیطت به الاجازة، فیلتزم به مع قبوله

ص: 530


1- 1 . المکاسب 3/430.
2- 2 . فی نسخة: «ظن».

بمقتضی قوله «المؤمنون عند شروطهم»، فهو بمنزلة وقوعه فی ضمن العقد لکون الإجازة من متّمماته.

و لایقصر ذلک عن الشرط الواقع فی ضمن القبول دون الإیجاب إذا رضی به الموجب کما إذا باعه شیئا فقبل ذلک علی أن یکون له الخیار فی مدّة معلومة فرضی البائع به؛ فإنّه لا یبعد إجراء حکم الشرط الواقع فی ضمن العقد علیه أخذا بمقتضی الإطلاق المذکور»(1).

المختار فی حکم المسألة

لا إشکال فی صحة العقد إذا تطابَقت الإجازة معه و لا إشکال فی البطلان إذا تباین الإجازة مع العقد.

و أمّا إذا لم تنطبق الإجازة مع العقد ولکن لم تتباین معه أیضا فتأتی هذه الصور:

الصورة الاُولی: إذا کانت المخالفة بین الإجازة و العقد بنحو الکلّیّة و الجزئیة تکون المعاملة صحیحة لإنحلال المعاملة عند العرف إلی بیوع متعددة، فیحکم بالصحة فیما أجازه المالک و البطلان فی ما لم یجزه، غایة الأمر للمشتری الأصیل خیار تبعض الصفقة دفعا للضرر المحتمل، و لما یأتی فی بیع مایملک و ما لایملک تفصیله من الانحلال.

الصورة الثانیة: إذا کانت المخالفة بینهما بنحو الإطلاق و التقیید. بحیث أوقع الفضولی العقد مشروطا بشرط للمالک علی الأصیل أو للأصیل علی المالک أو للفضولی علی أحدهما أو للأجنبی علی أحدهما و أجاز المالکُ العقدَ بلا شرط علی نحو الإطلاق.

فحینئذ یحکم بالصحة فی جمیع الصور إلاّ إذا کان الشرط للأصیل علی المالک فله _ أی للأصیل _ خیار الفسخ بجهة تخلف الشرط.

و الوجه فی ذلک أنّ تخلف الشرط لا یوجب بطلان العقد فی المعاملات، غایة الأمر یوجب خیار الفسخ لمن له الشرط، و لأنّ بطلان الشرط لم یسری إلی المشروط.

ص: 531


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/354 و 353.

فعلی ما ذکرنا یکون العقد صحیحا و لم یَحْتَجْ إلی قبول الأصیل بحیث یکون مراعی بقبوله _ کما هو أحد احتمالَیْ جدّی صاحب الهدایة رحمه الله .

و وافقنا فی الحکم بالصحة فی هذه الصورة المحقّق النائینی(1) قدس سره و ظاهر الفقیه الیزدی حیث یری أنّ الأمر فی الشرط أسهل منه فی الجزء(2)، خلافا للشیخ الأعظم(3) حیث حکم بالبطلان مطلقا _ أی بلا فرق بین أنّ الشرط لِمَنْ و علی من _ .

الصورة الثالثة: إذا کانت المخالفة بینهما بالإطلاق و التقیید ولکن أوقع الفضولی العقد مطلقا و أجازه المالک مشروطا بشرط له علی الأصیل أو للمشتری الأصیل علیه أو للفضولی علی أحدهما _ البائع المالک المجیز أو المشتری الأصیل _ أو للأجنبی کذلک.

فحینئذ یحکم بالصحة، ولکن فی الفروضِ التی کان الشرط فیها علی المشتری الأصیل لابدّ له من قبوله، فإذا قَبِلَ تمّ العقد و إلاّ بطل لإطلاق قَوْلِهِ صلی الله علیه و آله : «المؤمنون عند شروطهم»، و یصیر کالشرط الواقع فی ضمن القبول إذا رضی به الموجب کما مرّ من جدّی الشیخ محمّدتقی(4) رحمه الله و علیه الفقیه السیّدَ الیزدی(5)، و قال شیخنا الاُستاذ قدس سره فی هذه الصورة: «الأظهر صحة الإجازة مع رضا الأصیل بالشرط فیتم عقد الفضولی بها و یجب علی الأصیل رعایة الشرط أخذا بعموم وجوب الوفاء بالعقود و نفوذ الشروط، لأنّ الشرط فی الإجازة مع رضا الأصیل به لا یکون شرطا ابتدائیا، بل هو شرط فی البیع حیث إنّ تمامه و استناده إلی المالک یکون بالإجازة فیکون إلزام المالک إلزاما فی بیعه، نظیر إلزام المشتری فی قبوله البائع بأمرٍ و رضا البائع به بعد القبول فلاحظ و تدبّر»(6).

ص: 532


1- 1 . راجع منیة الطالب 2/103.
2- 2 . حاشیته علی المکاسب 2/215.
3- 3 . المکاسب 3/430.
4- 4 . تبصرة الفقهاء 3/354.
5- 5 . حاشیته علی المکاسب 2/215.
6- 6 . إرشاد الطالب 4/9.
الثامن: هل یعتبر فی الإجازة تعیین العقد؟

قال جدّی الشیخ محمّدتقی رحمه الله : «هل یعتبر فیها [أی فی الإجازة] تعیین العقد من کونه بیعا أو صلحا أو إجارةً(1) أو نکاحا أو یجوز إمضاء العقد الواقع منه کائنا ما کان، سواء علم کمیّة العقد أو جهل التعیین أو علم نوع العقد و شکّ فی الکمیّة أو جهلهما معا کما إذا أجاز کلّ عقد یتعلَّق به قد صدر منه فی هذا الیوم مع جهله بنوع العقد و تعدّد تلک العقود فیه إشکال.

و ظاهر ما ذکرناه من کونه بمنزلة الإذن السابق علی العقد، هو الوجه الثانی.

و هل یعتبر فیها علمه بوقوع العقد من الفضول أو یجوز إِمْضاؤُهُ لما یحتمل وقوعه أو علی تقدیر وقوعه کما إذا أَخْبَرَهُ مجیزٌ بوقوع(2) البیع فأجازه من دون أن یتحقّق عنده وقوعه ثمّ علم بالوقوع؟ وجهان. و یقوی الاکتفاء به فی المقام»(3).

أقول: إلی هنا ظهر أنّ عقد الفضولی تامٌ من جمیع الجهات إلاّ من حیث انتسابه إلی المالک و بالإجازة الصادرة منه یَتُمُّ هذا الانتساب الذی کان اعتباریّا، فلم یدلّ دلیل علی اعتبار تعیین العقد و للمالک أن یجیز العقد أیّا ما کان و کذلک الأمر فی الکمیّة التی وقع العقد علیها أو کمیّة العقود، و الوجه فی ذلک عدم الفرق بین الإذن السابق و الإذن اللاحقّ و أنّ هذه الاُمور کلّها قابلة للوکالة فکذلک للفضولیة و الأذن اللاحقّ، و کذلک الأمر بالنسبة إلی احتمال الوقوع ثمّ الإجازة ثمّ العلم بالوقوع فیکون العقد تاما.

التاسع: عدم اشتراط الشروط المعتبرة فی البیع، فی الإجازة

قال صاحب الهدایة: «هل یشترط فی الإجازة الشروط المعتبرة فی البیع کمعلومیة العوضین للمالک المجیز أو یکتفی بحصول تلک الشروط حال وقوع العقد؟ فلو تحقّق العلم بالعوضین للعاقدین کفی فی صحة العقد و إن جهل المجیز فیصحّ إجازته مع

ص: 533


1- 1 . فی المطبوعة «إجازة»، صححتُهُ بالسیاق.
2- 2 . فی المطبوعة «لوقوع».
3- 3 . تبصرة الفقهاء 3/360.

جهالته بها أو بأحدهما، فیرجع فی التعیین إلیهما أو إلی ما تقوم به النیة مع الإختلاف.

وجهان: [1] من أن البائع [أ]و المشتری علی الحقیقة هو المجیز فلابدّ من اعتبار شروط البیع بالنسبة إلیه.

[2] و أنّ البیع إنّما صدر عن العاقدین دون المجیز، فلا دلیل علی اعتبار تلک الشروط بالنسبة إلیه، فالإجازة المتأخرة بمنزلة التوکیل المتقدم، فکما لایعتبر تحقّق شروط البیع بالنسبة إلی الموکِّل فکذلک المجیز، و هذا هو الأظهر.

و یجری الکلام فی الشروط المنضّمة إلیه، و نحوها إذا جهلها و أجاز البیع علی ما وقع علیه»(1).

أقول: وَ بِهذا البیان من الجدّ الأمجد قدس سره یَنْحَلُّ کثیرٌ من الإشکالات فی الباب و هو أنّ «الإجازة المتأخرة بمنزلة التوکیل المتقدّم»، و قد أصرّنا علیه مررا و تکرارا و الآن وجدنا التصریح به فی کلامه قدس سره ، و مقالته بالنسبة إلی عدم اعتبار الشروط تامة.

و یأتی تفصیل هذا البحث فی الأمر الثانی من القول فی المجاز فانتظر.

العاشر: بعض شرائط الإجازة

قال الشیخ جعفر رحمه الله : «و یشترط فیها [فی الإجازة] الموافقة فی نفس العقد، و فی جنس الثمن و المثمن و المکان و الزمان و الوضع و غیر ذلک علی القولین [فی الإجازة یعنی الکشف و النقل]. و فی القدر وجهان.

ولو تعدّدت العقود متجانسة، فأجازها دفعة صحّ. و فی اعتبار المجلس کلام. ولو أجاز أحدها مبهما بطل. و فی المطلق بحث»(2).

مراده قدس سره : اعتبار تطابق العقد و الإجازة فی نوعه أی إذا کان العقد بیعا و أجاز المالک إجارةً فلا یفید و کذلک الأمر فی جنس الثمن و المثمن و مکان المبادلة بینهما و

ص: 534


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/359.
2- 2 . شرح القواعد 2/100.

زمانها، و أمّا فی مقدارهما فَوَجْهانِ من اعتبار الموافقة و عدمه.

و إذا وَقَعَتْ من الفضولی عُقُوْدٌ متجانسة متعددة علی أموال المالک فأجازها دفعة واحدة کلّها صح، ولو أجاز أحدها مبهما بطل لو لم یقم قرینة علی تعیینها، و أمّا فی الإجازة علی نحو الإطلاق بحث من شموله للجمیع فَیَصحُّ الکلّ و من إمکان تعینه _ أی العقد _ بالتقیید.

إلی هنا تم بحث الإجازة و تنبیهاتها و به تمّ الجزء الثانی من قسم البیع من کتابنا «الآراء الفقیهة»، فی صباح یوم الأحد 21 شهر صفر الخیر سنة 1433 علی ید مؤلِّفه العبد هادی النجفی ببلدة اصفهان صانها اللّه تعالی عن الحدثان.

و الحمدللّه أوّلاً و آخرا و ظاهرا و باطنا و صلی اللّه علی سیّدنا محمّد و آله الطیّبین الطاهرین المعصومین.

ص: 535

ص: 536

ص: 537

ص: 538

ص: 539

ص: 540

ص: 541

ص: 542

ص: 543

ص: 544

ص: 545

ص: 546

ص: 547

ص: 548

المطبوع من آثار المؤلِّف

* العربیة

_ موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام (12 مجلد)

_ الآراء الفقهیة قسم المکاسب المحرمة و البیع(1) و (2) (5 مجلد)

_ أجود البیان فی تفسیر القرآن (الجزء الثالث)

_ الأربعون حدیثا فی من یملأ الأرض قسطا و عدلاً

_ یوم الطّف

_ ألف حدیثٍ فی المؤمن

_ الکنز الجلّی لولدی علی

_ کتاب ابلیس اللعین

* الفارسیة

_ قبیله عالمان دین

_ از چشمه خورشید

_ ولایت و امامت

_ سه مقاله در اصل امامت

_ معراج مؤمن

_ اندوخته خداوند (ترجمة الأربعون حدیثا)

_ گنج نامه (ترجمة الکنز الجلّی)

_ سه سفرنامه

_ وادی مقدس

مقدمات علی الکتب:

_ مقدمة تبصرة الفقهاء، تألیف المحقّق التقی صاحب هدایة المسترشدین

_ مقدمة شرح هدایة المسترشدین، تألیف آیة اللّه الشیخ محمّدباقر النجفی الأصفهانی

_ مقدمة غرقاب، تألیف السیّد محمّدمهدی الشفتی حفید حجّة الإسلام الشفتی

_ مقدمه رساله صلاتیه، تألیف محقّق تقی صاحب هدایة المسترشدین

_ مقدمه و تصحیح و تحقیق رساله امجدیه (الطبع الرابع)، تألیف آیة اللّه علاّمه ابوالمجد شیخ محمّدرضا نجفی اصفهانی

_ مقدمه أساور من ذهب در شرح حال حضرت زینب علیهاالسلام ، تألیف آیة اللّه حاج شیخ مهدی نجفی

_ مقدمه زندگانی چهارده معصوم علیهم السلام ، تألیف مرحوم حجّة الإسلام شیخ غلامحسین رحیمی

_ مقدمه اختران فضیلت ج2، تألیف حجة الاسلام حاج شیخ ناصرالدّین انصاری قمی

تحت الطبع

_ تقریرات دروس علم رجال

ص: 549

بعض منشورات مکتبة آیة اللّه النجفی

1. تبصرة الفقهاء (ثلاث مجلّدات)، لآیة اللّه العظمی الشیخ محمّدتقی الرازی النجفی الأصفهانی قدس سره صاحب هدایة المسترشدین، تحقیق: السیّد صادق الحسینی الإشکوری.

2. رساله صلاتیه، له أیضا، بالفارسیة، تحقیق: الشیخ مهدی الباقری السیانی.

3. شرح هدایة المسترشدین، لآیة اللّه العظمی الشیخ محمّدباقر النجفی الأصفهانی نجل صاحب الهدایة (المتوفی عام 1301ق)، تحقیق: الشیخ مهدی الباقری السیانی.

4. اشارات ایمانیه، لآیة اللّه العظمی الشیخ محمّدتقی آقا النجفی الأصفهانی (المتوفی عام1332ق)، تحقیق: مهدی الرضوی مع مساعدة انجمن مفاخر فرهنگی ایران.

5. نقد فلسفة دارون، لآیة اللّه العظمی الشیخ ابوالمجد محمّدالرضا النجفی الأصفهانی (المتوفی عام 1362ق)، تحقیق: الدکتور حامد ناجی الأصفهانی مع مساعدة مکتبة المجلس الشوری الإسلامی.

6. الآراءُ الفقهیة - المکاسب المحرمة - و البیع (5 مجلّد)، لآیة اللّه الشیخ هادی النجفی.

7. ترجمة ارشاد الأذهان، للعلاّمة الحلّی، المترجم إلی الفارسیة: آیة اللّه الشیخ مهدی النجفی الأصفهانی (المتوفی عام 1393ق) مع مساعدة انجمن مفاخر فرهنگی ایران.

8. أساور من ذهب در احوال حضرت زینب (سلام اللّه علیها)، لآیة اللّه الشیخ مهدی النجفی الأصفهانی (المتوفی 1393ق) بالفارسیة، تحقیق: جویا جهانبخش.

9. الأرائک فی علم أصول الفقه، لآیة اللّه الشیخ مهدی النجفی الأصفهانی (المتوفی عام 1393ق)، مع مساعدة The open school شیکاگو آمریکا.

10. غرقاب (تراجم أعلام القرن الحادی عشر و ما بعده)، للسیّد محمّدمهدی الموسوی الشفتی (المتوفی عام 1326ق)، تحقیق: مهدی الباقری السیانی و محمود النعمتی.

11. ترجمة توحید المفضل إلی إنجلیسة، ترجم بأمر آیة اللّه الشیخ مهدی النجفی الأصفهانی، مع مساعدة The open schoolشیکاگو آمریکا، و انتشارات انصاریان قم.

12. الکنز الجلی لولدی علی (گنج نامه)، للشیخ هادی النجفی، ترجمة علی اصغر حبیبی.

ص: 550

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.