الاخلاق المجلد 2

اشارة

شبر، عبدالله، 1774- 1826م.

الأخلاق/ تألیف عبدالله شبر؛ تحقیق علی القصیر. - کربلاء: قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة، 1429ق. = 2008م.

2ج. – (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة؛ 12)

المصادر : ص. 381 – 396؛ وکذلک فی الحاشیة.

1. الأخلاق الإسلامیة 2. الأخلاق - من الناحیة القرآنیة. 3. أحادیث أخلاقیة. ألف. القصیر، علی، 1967-    م، محقق. ب. عنوان.

3 الف 2 ش / BP 247 / 7

مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

الأخلاق

تألیف

السید عبدالله شبر

تحقیق

السید علی القصیر

الجزء الثانی

إصدار

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة

شعبة التحقیق

ص: 4

جمیع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسینیة المقدسة

الطبعة الأولی

1429ه_ - 2008م

العراق: کربلاء المقدسة-العتبة الحسینیة المقدسة-هاتف: 326499

Web: www.imamhussain-lib.com

E-mail: info@imamhussain-lib.com

ص: 5

الرکن الثالث: فی المهلکات من الأخلاق الردیة التی هی السموم القاتلة المهلکة للدین، وفیه أبواب

اشارة

ص: 6

ص: 7

الباب الأول: شهوة البطن

ص: 8

ص: 9

فی شهوة البطن

إعلم أن البطن علی التحقیق ینبوع الشهوات ومنبت الأدواء والآفات، إذ یتبعها شهوة الفرج وشدة الشبق(1) إلی المنکوحات، ثم یتبع شهوة المطعم والمنکح شدة الرغبة فی المال والجاه اللذین هما الوسیلة إلی التوسع فی المطعومات والمنکوحات، ویتبع استکثار المال والجاه أنواع الرعونات(2) وضروب المنافسات والمحاسدات، ویتولد من ذلک آفة الریاء وغائلة(3) التفاخر والتکاثر والکبریاء، ثم یتداعی ذلک إلی الحسد والحقد والعداوة والبغضاء، ثم یفضی ذلک بصاحبه إلی


1- الشبق: شدة الغلمة وطلب النکاح. یقال: رجل شبق وامرأة شبقة. وشبق الرجل، بالکسر، شبقا، فهو شبق: اشتدت غلمته، وکذلک المرأة. لسان العرب، ابن منظور: 10/ 171، مادة  "شبق".
2- رعن: الأرعن: الأهوج فی منطقه المسترخی.  والرعونة: الحمق والاسترخاء. رجل أرعن وامرأة رعناء، بینا الرعونة والرعن أیضا. لسان العرب، ابن منظور: 13/ 182، مادة  "رعن".
3- الغوائل جمع غائلة: وهی: الحقد. یقال: غاله یغوله غولا من باب قال: إذا ذهب به وأهلکه. مجمع البحرین، الشیخ الطریحی: 3/ 339، مادة  "غول".

ص: 10

اقتحام البغی والمنکر والفحشاء، وکل ذلک ثمرة إهمال المعدة وما یتولد من بطر(1) الشبع والامتلاء.

ولو ذلل العبد نفسه بالجوع وضیق مجاری الشیطان لأذعنت(2) نفسه لطاعة الله ولم تسلک سبیل البطر والطغیان، ولم ینجر به ذلک إلی الانهماک فی الدنیا وإیثار العاجلة علی العقبی، ولم یتکالب(3) هذا التکالب علی الدنیا(4). قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: لا یدخل ملکوت السماوات قلب من ملأ بطنه(5).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: الفکر نصف العبادة، وقلة الطعام هی العبادة(6).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم:لا تمیتوا القلوب بکثرة الطعام والشراب، فإن القلب کالزرع(7) یموت إذا کثر(8) علیه الماء(9).


1- البطر: الطغیان عند النعمة وطول الغنی. لسان العرب، ابن منظور: 4/ 69، مادة "بطر".
2- أذعن له: خضع وذل وأقر وأسرع فی الطاعة وانقاد کذعن، کفرح. القاموس المحیط، الفیروز آبادی: 4/225، فصل الذال.
3- من المجاز: الکلب (الحرص)، کلب علی  الشیء کلبا إذا اشتد حرصه علی طلب شیء. تاج العروس، الزبیدی: 1/459، مادة  "کلب".
4- أنظر: جامع السعادات، النراقی: 2/ 8، المقام الثالث، الشره. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/73، کتاب کسر الشهوتین.
5- المحجة البیضاء،الفیض الکاشانی:5/146،باب کسر الشهوتین،بیان فضیلة الجوع وذم الشبع.
6- المغنی عن حمل الأسفار، أبوالفضل العراقی:2/ 749،کتاب کسر الشهوتین/ ح2745.
7- فی شرح  ابن أبی الحدید: "فإن القلب یموت بهما کالزرع".
8- فی شرح ابن أبی الحدید:"إذا أکثر".
9- شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید: 19/ 187، باب الحکم والمواعظ، نبذة من الأقوال الحکمیة فی حمد القناعة وقلة الکلام.

ص: 11

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، حسب ابن آدم لقیمات یقمن صلبه، فإن کان هو فاعلاً لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه(1).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم: إن الشیطان لیجری من ابن آدم مجری الدم، فضیقوا مجاریه بالجوع والعطش(2).

وقال الصادق علیه السلام: إن البطن لیطغی من أکلة، وإن أقرب ما یکون العبد إلی الله تعالی إذا خف بطنه، وأبغض ما یکون العبد إلی الله تعالی إذا امتلأ بطنه(3).

وعنه علیه السلام(4) قال: لیس لابن آدم بد من أکلة یقیم بها صلبه، فإذا أکل أحدکم طعاماً فلیجعل ثلث بطنه للطعام وثلث بطنه للشراب وثلثه للنفس(5)، ولا تسمنوا سمن(6) الخنازیر للذبح(7).

وقال الباقر علیه السلام: ما من شیء أبغض إلی الله تعالی(8) من بطن مملوء(9).

وقال لقمان لابنه: یا بنی إذا امتلأت المعدة نامت الفکرة، وخرست الحکمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة(10).


1- المحجة البیضاء،الفیض الکاشانی:5/147،کتاب کسر الشهوتین،بیان فضیلة الجوع وذم الشبع.
2- أعلام الدین، الدیلمی: 121، باب صفة المؤمن.
3- أنظر: المحاسن، البرقی:2/446،کتاب المآکل،باب 44 النهی عن کثرة الطعام وکثرة الأکل/ح 6.
4- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
5- فی الکافی: "وثلث بطنه للنفس".
6- فی الکافی: "تسمن".
7- الکافی، الکلینی: 6/ 269 __ 270، کتاب الأطعمة، باب کراهیة کثر الأکل/ح9.
8- فی المحاسن: "إلی الله عزّوجل".
9- المحاسن، البرقی:2/447،کتاب المآکل،باب النهی عن کثرة الطعام وکثرة الأکل/ح8.
10- مجموعة ورام، ورام ابن أبی فراس: 1/ 102، باب تهذیب الأخلاق.

ص: 12

وفوائد الجوع کثیرة:

الأولی: صفاء القلب واتقاد(1) القریحة(2) ونفاذ البصیرة، فإن الشبع یورث البلادة(3) ویعمی القلب ویکثر البخار فی الدماغ کشبه السکر.

الثانیة: رقة القلب وصفاؤه الذی به یتهیأ لإدراک لذة المناجاة والتأثر بالذکر(4).

الثالثة: الانکسار والذل وزوال البطر والفرح والأشر(5) الذی هو مبدأ الطغیان والغفلة عن الله.


1- وقد: وقدت النار توقدت، وبابه وعد، ووقودا بالضم ووقیدا بالفتح وقدة بالکسر ووقدا ووقدانا بفتحتین فیهما وأوقدها هو واستوقدها أیضا، والاتقاد کالتوقد والوقود بالفتح الحطب وبالضم الاتقاد. مختار الصحاح، الرازی: 374، باب الواو, مادة  "وقد".
2- قرحا: رماه به واستقبله به. الاقتراح: ارتجال الکلام. والاقتراح ابتدع الشیء تبتدعه وتقترحه من ذات نفسک من غیر أن تسمعه، وقد اقترحه فیهما. لسان العرب، ابن منظور: 2/ 558، مادة "قرح".
3- البلادة ضد الذکاء. وقد بلد بالضم فهو بلید. الصحاح، الجوهری: 2/ 449، مادة "بلد".
4- قال السید الخوئی: الذکر، هو: الصلاة. کتاب الصلاة، السید الخوئی: 3/ 184، فصل فی القیام. قال الکاشانی: قیل، هو: الدعاء. بدائع الصنائع، أبو بکر الکاشانی: 2/ 136، فصل الوقوف بمزدلفة.
5- الأشر: البطر. وقد أشر بالکسر یأشر أشرا، فهو أشر وأشران. الصحاح، الجوهری: 2/ 579، مادة  "أشر".

ص: 13

الرابعة: أن لا ینسی بلاء الله وعذابه، ولا ینسی أهل البلاء، فإن الشبعان ینسی الجائعین وینسی الجوع، والفطن(1) لا یشاهد بلاءً إلا ویتذکر بلاء الآخرة، فیتذکر بالجوع جوع أهل النار وأن ((لَیْسَ لَهُمْ طَعٰامٌ إِلاّ مِن ضَرِیعٍ (6) لا یُسْمِنُ وَلا یُغْنِی مِن جُوعٍ))(2)، وبالعطش عطشهم وعطش أهل المحشر فی عرصات(3) القیامة.

الخامسة: کسر شهوات المعاصی کلها والاستیلاء علی النفس الأمارة بالسوء(4)، فإن منشأ المعاصی کلها الشهوات والقوی، ومادة الشهوات والقوی الأطعمة والأشربة.

السادسة: دفع النوم ودوام السهر، فإن من شبع شرب کثیراً، ومن کثر شربه کثر نومه، وفی کثرة النوم ضیاع العمر وفوت التهجد وبلادة الطبع وقساوة القلب.

السابعة: تیسیر المواظبة علی العبادة، لأن کثرة الأکل تحتاج إلی زمان یشتغل فیه بالأکل وتحصیله وتحصیل الآلة وأسبابه، والاشتغال بإدخاله وإخراجه.


1- الفطنة: کالفهم. والفطنة: ضد الغباوة. ورجل فطن بین الفطنة والفطن  وقد فطن لهذا الأمر. وأما الفطن فذو فطنة للأشیاء. لسان العرب، ابن منظور: 13/ 323،  مادة  "فطن".
2- سورة الغاشیة/ 6 __ 7.
3- العرصات: جمع عرصة، وقیل: هی کل موضع واسع لا بناء فیه. لسان العرب، ابن منظور: 7/ 53، فصل العین المهملة، مادة "عرص".
4- إشارة إلی قوله تعالی: ((وَما أُبَرِّئُ نَفْسِی إِنَّ النَّفْسَ لأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ ما رَحِمَ رَبِّی إِنَّ رَبِّی غَفُورٌ رَحِیمٌ )) سورة یوسف/53.

ص: 14

الثامنة: صحة البدن ودفع الأمراض، فإن سببها کثرة الأکل وحصول فضول الأخلاط فی المعدة والعروق، ثم المرض یمنع العبادات ویشوش القلب ویمنع من الذکر والفکر ویحوج إلی الفصد(1) والحجامة(2) والدواء والطبیب، وإلی مؤن وتبعات لا یخلو الإنسان فیها بعد التعب من أنواع المعاصی.

قال علیه السلام(3): المعدة بیت الداء، والحمیة رأس کل دواء(4)، وأعط کل بدن ما عودته(5).

التاسعة: خفة المؤونة.

العاشرة: التمکن من الإیثار والتصدق بالفاضل عن الضروری(6).

وفی مصباح الشریعة: قال الصادق علیه السلام: قلة الأکل محمودة علی کل حال وعند کل قوم، لأن فیها المصلحة للظاهر والباطن، والمحمود من المأکول أربعة: ضرورة، وعدة، وفتوح، وقوت. فالضرورة للأصفیاء، والعدة لقوم الأتقیاء، والفتوح للمتوکلین، والقوت للمؤمنین.


1- الفصد: شق العرق، فصده یفصده فصدا و فصادا، فهو مفصود و فصید. لسان العرب، ابن منظور: 3/ 336، مادة  "فصد".
2- الحجم: فعل الحاجم، وقد حجمه یحجمه من باب قتل: شرطه، فهو محجوم، واسم الصناعة، حجامة بکسر الحاء. والمحجم بالکسر والمحجمة: الآلة التی یجمع فیها دم الحجامة عند المص. مجمع البحرین، الطریحی: 445 __ 446، باب الحاء، مادة  "حجم".
3- النبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم.
4- فی العوالی: "والحمیة رأس الدواء".
5- عوالی  اللئالی، ابن أبی جمهور الأحسائی: 2/30، الباب الأول فی أحادیث المتعلقة بأبواب الفقه، المسلک الرابع/ح72 .
6- أنظر: إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3 / 77 __ 80، کتاب کسر الشهوتین، بیان فوائد الجوع وآفات الشبع.

ص: 15

ولیس شیء أضر لقلب المؤمن من کثرة الأکل، وهی مورثة شیئین: قسوة القلب، وهیجان الشهوة. والجوع أدام للمؤمن، وغذاء للروح، وطعام للقلب، وصحة للبدن(1)__ الحدیث.

واعلم أنه حیث کان طبع الإنسان طالباً لغایة الشبع جاء الشرع فی المبالغة فی الجوع، حتی یکون الطبع باعثاً والشرع مانعاً، فیتقاومان ویحصل الاعتدال والوسط المطلوب فی جمیع الأخلاق والأحوال، فالأفضل حینئذ بالإضافة إلی الطبع المعتدل أن یأکل بحیث لا یحس بثقل المعدة ولا بألم الجوع، فإن المقصود من الأکل بقاء الحیاة وقوة العبادة، وثقل الطعام یمنع العبادة وألم الجوع أیضاً یشغل القلب ویمنع منها، فالمقصود أن یأکل أکلاً معتدلاً بحیث لا یبقی للأکل فیه أثر، لیکون متشبهاً بالملائکة، فإنهم مقدسون عن ثقل الطعام وألم الجوع(2). وإلیه الإشارة بقوله تعالی:((کُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلا تُسْرِفُواْ))(3).

والقوام فیه أن لا یأکل طعاماً ولا یشرب شراباً حتی یشتهیه، ویکف نفسه عنهما وهی تشتهیه(4).


1- أنظر: مصباح الشریعة، الإمام الصادق علیه السلام: 77، الباب 34 فی الأکل.
2- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 67، الباب الثانی فیما یؤدی إلی مساوی الأخلاق، الفصل الأول الاعتدال فی شهوتی البطن والفرج. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/76 __ 80، کتاب کسر الشهوتین، بیان فوائد الجوع وآفات الشبع.
3- سورة الأعراف/ 31.
4- طب الأئمة، ابنا بسطام: 60، لوجع الخاصرة.

ص: 16

ص: 17

الباب الثانی: شهوة الفرج

ص: 18

ص: 19

فی شهوة الفرج

إعلم أن هذه الشهوة من أعظم المهلکات لابن آدم إن لم تضبط وتقهر وترد إلی حد الاعتدال، ولها طرفان: إفراط بأن تقهر العقل فتصرف همة الرجل إلی التمتع بالنساء والجواری فتحرمه عن سلوک طریق الآخرة وقد تقهر الدین وتجر إلی اقتحام الفواحش، وقد تنتهی به إلی الفسق البهیمی الذی ینشأ عن استیلاء الشهوة فیسخر الوهم العقل لخدمة الشهوة. وقد خلق العقل لیکون مطاعاً لا لیکون خادماً للشهوة محتالاً لأجلها، وهو مرض قلب فارغ لا همة له، ولذا قیل: إن الشیطان قال(1) للمرأة: أنت نصف جندی وأنت سهمی الذی أرمی به فلا أخطئ، وأنت موضع سری، وأنت رسولی فی حاجتی(2). فنصف جنده الشهوة ونصفه الغضب.

وأعظم الشهوة شهوة النساء، ویجب الاحتراز منها فی مبدأ الأمر بترک معاداة النظر والفکر، وإلا فإذا استحکم عسر دفعه، ولهذا قیل: إذا قام ذکر الرجل ذهب ثلثا عقله(3).


1- فی الإحیاء: "یقول".
2- إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 90، کتاب کسر الشهوتین، القول فی شهوة الفرج.
3- أنظر: جامع السعادات، النراقی: 2/ 12 __ 13، المقام الثالث، الشهوة الجنسیة. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 90، کتاب کسر  الشهوتین، القول فی شهوة الفرج.

ص: 20

وقال الله تعالی: ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَیَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ))(1).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: النظرة(2) سهم مسموم من سهام إبلیس، فمن ترکها خوفاً من الله أعطاه الله(3) إیماناً یجد حلاوته فی قلبه(4).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: إتقوا فتنة الدنیا وفتنة النساء، فإن أول فتنة بنی إسرائیل کانت من النساء(5).

وتفریط هذه الشهوة إما بالعفة الخارجة من الاعتدال أو بالضعف عن امتناع المنکوحة، وهو أیضاً مذموم، والمحمود أن تکون هذه الشهوة معتدلة منقادة للعقل والشرع فی الانبساط والانقباض، ومهما أفرطت فکسرها یکون بالجوع والصوم وبالتزویج. قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: معاشر الشباب علیکم بالباءة(6)، فمن لم یستطع فعلیه بالصوم، فإن الصوم(7) له وجاء(8). (9)


1- سورة النور/ 30.
2- فی الجامع: "النظر".
3- لیس فی الجامع لفظ الجلالة: "الله".
4- جامع الأخبار، الشعیری: 145، الفصل السابع والمائة فی الزنا.
5- کشف الخفاء، العجلونی: 1/ 39، الهمزة مع التاء المثناة/ ح76.
6- علیکم بالباءة، یعنی: النکاح والتزوج. یقال فیه الباءة والباء، وقد یقصر، وهو من الباءة: المنزل، لأن من تزوج امرأة بوأها منزلا. وقیل: لأن الرجل یتبوأ من أهله، أی: یستمکن کما یتبوأ من منزله. النهایة فی غریب الحدیث، ابن الأثیر: 1/ 157، باب الباء مع الواو، مادة "بوأ".
7- فی الإحیاء: "فالصوم".
8- وجی بوزن عصا، یرید التعب والحفی، إلا أن یراد فیه معنی الفتور. لأن من وجی فتر عن المشی، فشبه الصوم فی باب النکاح بالتعب فی باب المشی. لسان العرب، ابن منظور: 1/ 191. مادة  "وجأ".
9- إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 91، کتاب کسر الشهوتین، القول فی شهوة الفرج.

ص: 21

والحکمة فی إیجاد هذه الشهوة مع کثرة غوائلها وآفاتها بقاء النسل ودوام الوجود، وأن یقیس بلذتها لذات الآخرة، فإن لذة الوقاع لو دامت لکانت أقوی لذات الأجساد، کما أن ألم النار أعظم آلام الجسد، والترهیب والترغیب یسوقان الخلق إلی سعاداتهم وثوابهم(1).


1- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 68، الباب الثانی فیما یؤدی إلی مساوی الأخلاق، الفصل الأول الاعتدال فی شهوتی البطن والفرج. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/90 __ 91، کتاب کسر الشهوتین، القول فی شهوة الفرج.

ص: 22

ص: 23

الباب الثالث: اللسان

اشارة

ص: 24

ص: 25

فی اللسان

وهو من نعم الله العظیمة ولطائف صنعه الغریبة ومننه الجسیمة، فإنه صغیر جرمه عظیم طاعته وجُرمه، ولا یعلم الکفر والإیمان اللذان هما غایة الطاعة والطغیان إلا بشهادة اللسان، وما من موجود أو معدوم خالق أو مخلوق متخیل أو معلوم مظنون أو موهوم إلا واللسان یتناوله ویتعرض له بإثبات أو نفی بحق أو باطل.

وهذه الخاصیة لا توجد فی غیره من الأعضاء، فإن العین لا تصل إلی غیر الألوان والصور، والأذن لا تصل إلی غیر الأصوات، والید لا تصل إلی غیر الأجسام، وکذا سائر الأعضاء.

واللسان رحب المیدان، له فی الخیر والشر مجال واسع، فمن أهمله فرخی(1) العنان سلک به طرق الهلکة والخسران، إذ لا تعب فی تحریکه ولا مؤونة فی إطلاقه(2)، فینبغی ضبطه تحت حکم العقل والشرع.


1- المراخاة: أن ترخی رباطا أو ربقا، یقال: راخ له من خناقة، أی: رفه عنه. وأرخ له القید، أی:وسعه ولا تضیقه،وأرخ له الحبل،أی:وسع علیه فی تصرفه حتی یذهب حیث شاء. تاج العروس، الزبیدی: 10/147، مادة  "رخی".
2- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 69، الباب الثانی فیما یؤدی إلی مساوی الأخلاق، الفصل الأول الاعتدال فی شهوتی البطن والفرج. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/98، کتاب کسر الشهوتین، القول فی شهوة الفرج.

ص: 26

وحیث کان الطبع مائلاً إلی إطلاقه وإرخاء عنانه(1) جاء الشرع بالبحث علی إمساکه حتی یحصل التعادل، کما تقدم فی الجوع.

وتحقیق الکلام فیه یتم فی فصول:

الفصل الأول: فی خطر إطلاقه وفضیلة صمته

قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: من صمت نجا(2).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: الصمت حکمة، وقلیل فاعله(3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: من یتکفل(4) لی بما بین لحییه(5) ورجلیه أتکفل له بالجنة(6).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: من وقی شر قبقبه وذبذبه ولقلقه فقد وقی(7)، والقبقب: البطن(8). والذبذب: الفرج(9). واللقلق: اللسان(10).


1- العنان: سیر اللجام. النهایة فی غریب الحدیث، ابن الأثیر: 3/ 313، باب العین مع النون، مادة "عنن".
2- روضة الواعظین، الفتال النیسابوری: 2/ 469، مجلس فی ذکر حفظ اللسان والصدق والاشتغال عن عیوب الناس.
3- سبل السلام، العسقلانی: 4/ 180/ ح11.
4- فی سبل السلام: "تکفل".
5- انکسر أحد فکیه، أی: لحییه. لسان العرب، ابن منظور: 10/ 476، مادة  "فکک".
6- سبل السلام، العسقلانی: 4/ 180، باب الزهد والورع.
7- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 105، باب ما جاء فی الصمت وحفظ اللسان.
8- مجمع البحرین، الطریحی: 3/ 450، مادة "قبقب".
9- تاج العروس، الزبیدی: 1/ 251.
10- غریب الحدیث، ابن قتیبة: 1/ 170.

ص: 27

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: هل یکبُّ الناس علی مناخرهم(1) إلا حصائد ألسنتهم(2).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: من کان یؤمن بالله والیوم الآخر فلیقل خیراً أو لیصمت(3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: إن لسان المؤمن وراء قلبه، فإذا أراد أن یتکلم بشیء تدبره(4) بقلبه ثم أمضاه بلسانه،وإن لسان المنافق أمام قلبه فإذا همّ بشیء(5) أمضاه بلسانه ولم یتدبره بقلبه(6).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: من کثر کلامه کثر سقطه، ومن کثر سقطه کثرت ذنوبه، ومن کثرت ذنوبه کانت النار أولی به(7).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: أمسک لسانک فإنها صدقة تتصدق(8) بها علی نفسک. ثم قال صلی الله علیه وآله وسلم: ولا یعرف عبد حقیقة الإیمان حتی یخزن لسانه(9).

ومر أمیر المؤمنین علیه السلام برجل یتکلم بفضول الکلام، فوقف علیه فقال(10): یا هذا إنک تملی علی حافظیک کتاباً إلی ربک فتکلم بما یعنیک ودع ما لا یعنیک(11).


1- فی شرح ابن أبی الحدید: "وهل یکب الناس  فی النار علی مناخرهم".
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید:7/90، الخطب والأوامر، فصل فی مدح قلة الکلام وذم کثرته.
3- المغنی، ابن قدامه: 3/ 266، محذورات الإحرام وهی تسعة.
4- فی مجموعة ورام: "یدبره".
5- فی مجموعة ورام: "بالشیء".
6- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 106، باب ما جاء فی الصمت وحفظ اللسان.
7- إحیاء علوم الدین، الغزالی:3/101، کتاب آفات اللسان، بیان عظم خطر اللسان وفضیلة الصمت.
8- فی الکافی: "تصدق".
9- الکافی، الکلینی:2/114، کتاب الإیمان والکفر، باب الصمت وحفظ اللسان/ ح7.
10- فی الفقیه: "ثم قال".
11- من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق: 4/ 396، باب ذکر جمل من مناهی النبی صلی الله علیه وآله وسلم، من ألفاظ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الموجزة التی لم یسبق إلیها.

ص: 28

وعن السجاد علیه السلام قال: إن لسان ابن آدم یشرف علی جمیع جوارحه کل صباح فیقول: کیف أصبحتم؟ فیقولون: بخیر إن ترکتنا، ویقولون: الله الله فینا، ویناشدونه ویقولون: إنما نثاب ونعاقب بک(1).

وقال الباقر  علیه السلام: إن شیعتنا الخرس(2).

وقال الصادق علیه السلام: النوم راحة للجسد، والنطق راحة للروح، والسکوت راحة للعقل(3).

وقال(4): فی حکمة آل داود: علی العاقل أن یکون عارفاً بزمانه، مقبلاً علی شأنه، حافظاً للسانه(5).

وقال علیه السلام(6): قال لقمان لابنه: یا بنی إن کنت زعمت أن الکلام من فضة فإن السکوت من ذهب(7).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام: المرء مخبوء تحت لسانه، فزن کلامک واعرضه علی العقل والمعرفة، فإن کان لله وفی الله فتکلم(8) وإن کان غیر ذلک فالسکوت خیر منه(9).


1- الکافی،الکلینی:2/115،کتاب الإیمان والکفر،باب الصمت وحفظ اللسان/ ح13.
2- مشکاة الأنوار، الطبرسی: 175، الباب الثالث فی محاسن الأفعال وشرف الخصال وما یشبههما، الفصل العشرون فی حفظ اللسان.
3- من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق: 4/ 402، باب النوادر، من ألفاظ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الموجزة / ح102.
4- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
5- الکافی،الکلینی:2/ 116،کتاب الإیمان والکفر، باب الصمت وحفظ اللسان/ ح20.
6- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
7- الکافی، الکلینی:2/116،کتاب الإیمان والکفر، باب الصمت وحفظ اللسان/ح16.
8- فی المحجة: "فتکلموا به".
9- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 5/ 196 __ 197، کتاب آفات اللسان، بیان عظم خطر اللسان وفضیلة الصمت.

ص: 29

وسئل السجاد علیه السلام عن الکلام والسکوت أیهما أفضل؟ فقال علیه السلام: لکل واحد منهما آفات، فإذا سلما من الآفات فالکلام أفضل من السکوت. قیل: وکیف ذاک یا بن رسول الله؟ قال: لأن الله عزّوجل ما بعث الأنبیاء والأوصیاء بالسکوت، إنما بعثهم بالکلام، ولا استحقت الجنة بالسکوت، ولا استوجبت ولایة الله بالسکوت، ولا توقیت النار بالسکوت، ولا تجنب سخط الله بالسکوت، إنما ذلک کله بالکلام، ما کنت لأعدل القمر بالشمس إنک تصف فضل السکوت بالکلام ولست تصف فضل الکلام بالسکوت(1).

الفصل الثانی: فی آفات اللسان، وهی أمور

الأول: وهو أهونها وأحسنها __ التکلم فی المباح، وهو تضییع للعمر الشریف ویحاسب علیه ویکون قد استبدل الذی هو أدنی بالذی هو خیر(2).

روی أن لقمان دخل علی داود علیه السلام وهو یسرد الدرع ولم یکن رآها قبل ذلک، فجعل یتعجب مما یری، فأراد أن یسأله عن ذلک فمنعته الحکمة فأمسک نفسه ولم یسأله، فلما فرغ قام داود ولبسها فقال: نعم الدرع للحرب. فقال لقمان: الصمت حکم وقلیل فاعله __ أی حصل العلم به من غیر سؤال. وقیل: کان یتردد إلیه سنة وهو یرید أن یعلم ذلک ولم یسأل(3).


1- أنظر: الاحتجاج، الطبرسی: 2/ 315، احتجاجه علیه السلام فی أشیاء شتی من علوم الدین وذکر طرف من مواعظه البلیغة.
2- أنظر: إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 102، کتاب آفات اللسان، الآفة الأولی: الکلام فیما لا یعنیک.
3- أنظر: قصص الأنبیاء، الجزائری: 329، باب فیه قصص لقمان وحکمه علیه السلام.

ص: 30

وعلاج هذا أن یعلم أن الموت بین یدیه، وأنه مسؤول عن کل کلمة، وأن أنفاسه رأس ماله، وأن لسانه شبکة یقدر علی أن یقتنص بها الحور العین، فإهماله وتضییعه خسران. والعلاج من حیث العمل أن یلزم نفسه السکوت عن بعض ما یعنیه لیتعود اللسان ترک ما لا یعنیه.

الثانی: الخوض فی الباطل، وهو الکلام فی المعاصی، کحکایات أحوال النساء ومجالس الخمر ومقامات الفساق وتنعم الأغنیاء وتجبر الملوک وأحوالهم.

قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: إن الرجل لیتکلم بالکلمة یضحک(1) بها جلساءه یهوی(2) بها أبد من الثریا(3).(4)

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: أعظم الناس خطایا یوم القیامة هو(5) أکثرهم خوضاً فی الباطل(6).

وإلیه الإشارة بقوله تعالی:((وَکُنّا نَخُوضُ مَعَ الْخٰائِضِینَ))(7). ویدخل فی هذا الخوض حکایات البدع والمذاهب الفاسدة، فإن الحدیث فی ذلک کله خوض فی الباطل(8).


1- فی مجموعة ورام: "لیضحک".
2- فی مجموعة ورام: "فیهوی".
3- الثریا: من الکواکب، سمیت لغزارة نوئها. وقیل: سمیت بذلک لکثرة کواکبها مع صغر مرآتها. لسان العرب، ابن منظور: 14/ 112، مادة "ثرا".
4- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 111، باب ما جاء فی المراء والمزاح والسخریة.
5- لیس فی المحجة کلمة: "هو".
6- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی:5/207، کتاب آفات اللسان، الآفة الثالثة الخوض فی الباطل.
7- سورة التوبة/ 65.
8- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی:5/207، کتاب آفات اللسان، الآفة الثالثة الخوض فی الباطل.

ص: 31

الثالث: المراء(1) والمجادلة. قال صلی الله علیه وآله وسلم: لا تمار أخاک ولا تمازحه ولا تعده موعداً فتخلفه(2).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: من ترک المراء وهو محق بنی له(3) فی أعلی الجنة، ومن ترک المراء وهو مبطل بنی له بیت فی مربض الجنة(4).(5)

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: لا یستکمل عبد حقیقة الإیمان حتی یدع المراء والجدال(6) وإن کان محقاً(7).

وقال لقمان لابنه: یا بنی لا تجادل العلماء فیمقتوک(8).

واعلم أن المراء عبارة عن الطعن فی کلام الغیر لإظهار خلل فیه من غیر أن یرتبط به غرض سوی تحقیر الغیر وإظهار مزید الکیاسة(9). والجدال عبارة عن مراء یتعلق بإظهار المذاهب وتقریرها.


1- المراء: الجدال. والتماری والمماراة: المجادلة علی مذهب الشک والریبة. لسان العرب، ابن منظور: 15/ 278، مادة "مرا".
2- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 108، باب ما جاء فی المراء والمزاح والسخریة.
3- فی منیة المرید: "بنی له بیت".
4- فی منیة المرید: "فی ربض الجنة".
5- منیة المرید،الشهید الثانی:170،الباب الأول فی آداب المعلم والمتعلم،النوع الأول آداب اشترکا فیها،القسم الثانی آدابهما فی درسهما واشتغالهما،الثانی أن لا یسأل تعنتا وتعجیزا.
6- فی المحجة: "والجدل".
7- المحجة البیضاء،الفیض الکاشانی:5/208،کتاب آفات اللسان،الآفة الرابعة المراء والجدال.
8- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 109، باب ما جاء فی المراء والمزاح والسخریة.
9- الکیس: خلاف الحمق، والجماع، والطب، والجود، والعقل، والغلبة بالکیاسة، وقد کاسه یکیسه. القاموس المحیط، الفیروز آبادی: 2/ 248، مادة "الکیس".

ص: 32

الرابع: الخصومة، وهی لجاج فی الکلام لیستوفی به مال أو حق مقصود، وذلک تارة یکون ابتداءً وتارة یکون اعتراضاً، والمراء لا یکون إلا اعتراضاً علی کلام سبق.

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إن أبغض الرجال إلی الله الألد(1) الخصم(2).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: من جادل فی خصومة بغیر علم لم یزل فی سخط الله حتی ینزع(3).

الخامس: الفحش والسب وبذاءة اللسان، مصدره الخبث(4) واللؤم.

قال رسول صلی الله علیه وآله وسلم: إیاکم والفحش، فإن الله لا یحب الفحش ولا التفحش(5).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم:لیس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفحاش(6) ولا البذی(7).


1- رجل ألد بین اللدد، شدید الخصومة لغیرة. مجمع البحرین،الطریحی : 4/ 116، مادة "لدد".
2- مسند ابن راهویه، ابن راهویه: 3/ 653، بدء مسند عائشة. وقد أورده بهذا المضمون الفیض الکاشانی فی کتابه: المحجة البیضاء: 5/ 211، کتاب آفات اللسان، الآفة الخامسة: الخصومة.
3- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 109، باب ما جاء فی المراء والمزاح والسخریة.
4- الخبث: ضد الطیب. وقد خبث الشیء خباثة، وخبث الرجل خبثا، فهو خبیث، أی: خب ردئ. الصحاح، الجوهری: 1/ 281، فصل الخاء، مادة "خبث".
5- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 5/ 215، کتاب آفات اللسان، الآفة السابعة الفحش والسب  وبذاءة اللسان.
6- فی الجامع الصغیر: "ولا الفاحش".
7- الجامع الصغیر، السیوطی: 2/ 453/ ح7584.

ص: 33

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: الجنة حرام علی کل فاحش أن یدخلها(1).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: یا عائشة لو کان الفحش رجلاً لکان رجل سوء(2).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: إن الله لا یحب الفاحش المتفحش الصیاح(3) فی الأسواق(4).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله کفر(5).

السادس: اللعن لإنسان أو حیوان أو جماد. قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: المؤمن لیس بلعان(6).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه(7)، ومن کان یستحق اللعن لإبداعه فی الدین جاز لعنه بل وجب. قال تعالی:((أُولئِکَ عَلَیْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِکَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِینَ))(8). وقال تعالی:((أُولئِکَ یَلعَنُهُمُ اللّهُ وَیَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ))(9).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: لعن الله الکاذب(10) ولو کان مازحاً(11).


1- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 110، باب ما جاء فی المراء والمزاح والسخریة.
2- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 5/ 216، کتاب آفات اللسان، الآفة السابعة الفحش والسب وبذاءة اللسان.
3- فی الأدب المفرد: "ولا الصیاح".
4- الأدب المفرد، البخاری: 74، فضل من یعول یتیما له/ ح310.
5- مسند أحمد، أحمد بن حنبل: 1/ 385.
6- إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 111، کتاب آفات اللسان، الآفة الثامنة: اللعن.
7- مسند أحمد، أحمد بن حنبل: 5/ 15. وفی ذیل الحدیث: "ولا بالنار".
8- سورة البقرة/ 161.
9- سورة البقرة/ 159.
10- فی کشف الخفاء: "الکذاب".
11- کشف الخفاء، العجلونی: 2/ 143، حرف اللام/ ح2050.

ص: 34

وکان أمیر المؤمنین علیه السلام یقنت فی بعض نوافله بلعن صنمی قریش(1).(2)

السابع: الغناء والشعر. قال الله تعالی:((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ))(3). قال الصادق علیه السلام: هو الغناء(4).

وقال علیه السلام(5) فی قوله تعالی:((لا یَشْهَدُونَ الزُّورَ))(6) قال: الغناء(7).

وقال علیه السلام(8): الغناء عشر(9) النفاق(10).

وقال الباقر علیه السلام: الغناء مما وعد الله عزّوجل علیه النار، وتلا هذه الآیة:((وَمِنَ النّاسِ مَن یَشْرِی(11) لَهْوَ الْحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَن سَبِیلِ اللَّهِ))(12).(13)


1- أنظر: بحار الأنوار، العلامة المجلسی: 30/ 394، کتاب الفتن والمحن، باب 20/ ذیل حدیث 167. مستدرک الوسائل، المحدث النوری: 4/ 405، کتاب الصلاة، أبواب القنوت، باب 6 استحباب الدعاء فی القنوت بالمأثور/ ح8.
2- أنظر دعاء صنمی قریش: مصباح الکفعمی، الکفعمی: 552 __ 553، الفصل الرابع والأربعون فیما یتعلق فیما یعمل فی شعبان.
3- سورة الحج/ 30.
4- أنظر: الکافی، الکلینی: 6/ 431، کتاب الأشربة والأطعمة، باب الغناء/ ح1.
5- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
6- سورة الفرقان/ 72.
7- أنظر: دعائم الإسلام، المغربی: 2/ 208، کتاب النکاح، فصل 4 ذکر الدخول بالنساء ومعاشرتهن/ ح18.
8- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
9- قی ثواب الأعمال: "عش".
10- ثواب الأعمال، الشیخ الصدوق: 244، عقاب الخیانة والسرقة وشرب الخمر والزنا.
11- فی النص القرآنی: "من یشتری".
12- سورة لقمان/ 6.
13- الکافی، الکلینی: 6/ 431، کتاب الأشربة، باب الغناء/ ح4.

ص: 35

وأما الشعر فیطلق علی معنیین:

أحدهما: الکلام الموزون المقفی، سواء کان حقاً أو باطلاً، وعلی حقه یحمل حدیث: «إن من الشعر لحکمة(1)»(2) وما ورد فی مدح الشعر، فإن المراد به ما کان حقاً من الموزون المقفی الذی لیس فیه تمویه(3) ولا کذب.

والثانی: الکلام المشتمل علی التخیلات الکاذبة والتمویهات المزخرفة التی لا أصل ولا حقیقة لها، سواء کان لها وزن وقافیة أم لا، وعلیه یحمل ما ورد فی ذمه، وهو المراد من نسبة قریش القرآن إلی الشعر(4)، وقولهم للنبی صلی الله علیه وآله وسلم: إنه شاعر(5). وقال تعالی:((وَمٰا عَلَّمْنٰاهُ الشِّعْرَ وَمٰا یَنبَغِی لَهُ إِنْ هُوَ إِلاّ ذِکْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِینٌ))(6)، فإن القرآن لیس بموزون(7).

وقال الباقر علیه السلام فی قوله تعالی:((وَالشُّعَراء یَتَّبِعُهُمُ الْغٰاوُونَ))(8) هل رأیت شاعراً یتبعه أحد، إنما هم قوم تفقهوا لغیر الله فضلوا وأضلوا(9).


1- فی الفقیه: "إن من الشعر لحکمة وإن من البیان لسحرا".
2- من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق: 4/379، باب النوادر، ومن ألفاظ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الموجزة التی لم یسبق إلیها/ح43.
3- التمویه: اسم لکل حیلة لا تأثیر لها. ولا یقال تمویه إلا وقد عرف معناه والمقصد منه. ولهذا قیل التمویه ما لا یثبت، وقیل التمویه أن تری شیئا مجوزا بغیره کما یفعل مموه الحدید فیجوزه بالذهب. الفروق اللغویة، أبو هلال العسکری: 144/ الرقم 555 الفرق بین التمویه والسحر.
4- إشارة إلی قوله تعالی:((وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِیلاً ما تُؤْمِنُونَ)) سورة الحاقة/ 41. 
5- أنظر: متشابه القرآن، ابن شهر آشوب: 2/ 23.
6- سورة یس/ 69.
7- الخرائج  والجرائح، الراوندی: 3/ 1003، باب فی أن إعجاز القران المعانی التی اشتمل علیها من الفصاحة.
8- سورة الشعراء/ 224.
9- معانی الأخبار، الشیخ الصدوق: 385، باب نوادر المعانی/ ح19. ونص الحدیث: "فی قول الله عزوجل ((الشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ)) سورة الشعراء/ 224. قال: هل رأیت شاعرا یتبعه أحد، إنما هم قوم تفقهوا لغیر الدین فضلوا و أضلوا".

ص: 36

الثامن: المزاح، وأصله مذموم منهی عنه إلا القدر الیسیر فی غیر معصیة الله.

قال صلی الله علیه وآله وسلم: لا تمار أخاک ولا تمازحه(1). والمراد النهی عن الإفراط منه، لقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «إنی لأمزح ولا أقول إلا حقاً»(2).

وروی أنه صلی الله علیه وآله وسلم أتت عجوز إلیه فقال لها: لا تدخل الجنة عجوز. فبکت فقال صلی الله علیه وآله وسلم: إنک لست یومئذ بعجوز، قال الله تعالی:((إِنّا أَنشَأْناهُنَّ إِنشٰاء (35) فَجَعَلْنٰاهُنَّ أَبْکارًا (36) عُرُبًا أَتْرٰابًا))(3).(4)

وروی أنه جاءت إلیه صلی الله علیه وآله وسلم امرأة یقال لها أم أیمن(5) فقالت: إن زوجی یدعوک. فقال: ومن هذا هو الذی بعینه بیاض؟ فقالت: لا والله ما بعینه بیاض. فقال صلی الله علیه وآله وسلم: بلی إن بعینه بیاضاً. قالت: لا والله. فقال: ما من أحد إلا بعینه بیاض(6).


1- مجموعة ورام، وارم ابن أبی فراس: 1/ 111، باب ما جاء فی المراء والمزاح والسخریة.
2- کشف الغمة، الأربلی: 1/ 9، ذکر أسمائه صلی الله علیه وآله وسلم.
3- سورة الواقعة/ 35 __ 37.
4- أنظر:مجموعة ورام،وارم ابن أبی فراس:1/112،باب ما جاء فی المراء والمزاح والسخریة.
5- أم ایمن: حاضنة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، واسمها برکة الحبشیة ورثها النبی من أبیه. کانت وصیفة لعبد المطلب، وقیل کانت لآمنة أم رسول صلی الله علیه وآله وسلم، وکانت تحضنه حتی کبر، فأعتقها حین تزوج خدیجة، وتزوجها عبیدة بن زید بن الحارث الحبشی فولدت له أیمن وکنیت به. الدرجات الرفیعة، ابن معصوم: 439.
6- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 5/ 234، کتاب آفات اللسان، الآفة العاشرة: المزاح.

ص: 37

وجاءته امرأة أخری فقالت: یا رسول الله احملنی علی بعیر. فقال صلی الله علیه وآله وسلم: نحملک(1) علی ابن بعیر. فقالت: ما أصنع به لا یحملنی(2). فقال صلی الله علیه وآله وسلم: هل من بعیر(3) إلا وهو ابن بعیر(4).

وروی أنه صلی الله علیه وآله وسلم کان یأکل رطباً مع ابن عمه وأخیه أمیر المؤمنین، وکان یأکل ویضع النوی أمامه، فلما فرغا کان النوی کله مجتمعاً عند علی علیه السلام، فقال له: یا علی إنک لأکول. فقال له: یا رسول الله الأکول من یأکل الرطب ونواه(5).

التاسع: السخریة والاستهزاء، وهما حرام مهما کانا مؤذیین. قال تعالی:((لا یَسْخَرْ قَومٌ مِن قَوْمٍ عَسی أَن یَکُونُوا خَیْرًا مِنْهُمْ))(6).

ومعنی السخریة الاستحقار والاستهانة والتنبیه علی العیوب والنقائص علی وجه یضحک منه، وقد یکون ذلک بالمحاکاة بالقول والفعل، وقد یکون بالإشارة والإیماء.

وروی عنه صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال: إن المستهزئین بالناس یفتح لأحدهم باب من الجنة فیقال: هلم هلم، فیجیء بکربه وغمه، فإذا أتی أغلق دونه، ثم یفتح له باب آخر فیقال: هلم هلم فما یأتیه(7).


1- فی الإحیاء: "بل نحملک".
2- فی الإحیاء: "إنه لا یحملنی".
3- فی الإحیاء: "ما من ابن بعیر".
4- إحیاء علوم الدین،الغزالی:3/ 116 __ 117،کتاب آفات اللسان،الآفة العاشرة:المزاح.
5- أنظر: التحفة السنیة، السید الجزائری : 323. 
6- سورة الحجرات/ 11.
7- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 5/ 236، کتاب آفات اللسان، الآفة الحادیة عشر السخریة والاستهزاء.

ص: 38

العاشر: إفشاء السر، وهو منهی عنه لما فیه من الإیذاء والتهاون.

قال صلی الله علیه وآله وسلم: إذا حدث الرجل الحدیث ثم التفت فهی أمانة(1). وقال صلی الله علیه وآله وسلم: الحدیث بینکم أمانة(2).

الحادی عشر: الوعد الکاذب. قال صلی الله علیه وآله وسلم: العدة دین(3). وقال صلی الله علیه وآله وسلم: ثلاث من کن فیه فهو منافق وإن صام وصلی وزعم أنه مسلم: إذا(4) حدث کذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان(5).

الثانی عشر: الکذب فی القول والیمین، وهو من قبائح الذنوب وفواحش العیوب. قال صلی الله علیه وآله وسلم: کبرت خیانة أن تحدث أخاک حدیثاً هو لک مصدق وأنت له فیه(6) کاذب(7).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: الکذب ینقص الرزق(8).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: علی(9) کل خصلة یطبع أو یطوی علیها المؤمن إلا الخیانة والکذب(10).


1- سنن الترمذی، الترمذی: 3/ 230، باب ما جاء فی السخاء/ ح2025.
2- کتاب الصمت وآداب اللسان، ابن أبی الدنیا: 213، باب حفظ السر.
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید: 10/ 140، باب الخطب والأوامر، ذکر الآثار الواردة فی آفات اللسان.
4- فی صحیح ابن حبان: "من إذا".
5- صحیح ابن حبان، ابن حبان: 1/ 490/ ح256.
6- فی مجموعة ورام: "وأنت به".
7- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 164، باب الکذب.
8- العهود المحمدیة، الشعرانی: 867، النهی عن التهاون بالوقوع بالکذب.
9- لیس فی مجموعة ورام: "علی".
10- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 114، باب الکذب.

ص: 39

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: أعظم الخطایا عند الله اللسان الکذوب(1).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: ثلاث نفر لا یکلمهم الله یوم القیامة ولا ینظر إلیهم ولا یزکیهم: المنان بعطیة، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل(2) إزاره(3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: ما حلف حالف بالله فأدخل فیها مثل جناح بعوضة إلا کانت نکتة فی قلبه إلی یوم القیامة(4).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: ما لی أراکم تتهافتون فی الکذب تهافت الفراش فی النار، کل الکذب مکتوب کذباً لا محالة إلا أن یکذب الرجل فی الحرب فإن الحرب خدعة، أو یکون بین رجلین شحناء فیصلح بینهما، أو یحدث امرأته یرضیها(5).

الثالث عشر: الغیبة، وتحقیق الکلام فیها یتم بأمور:

الأول: فی ذمها، قال تعالی:((وَلا یَغْتَب بَعْضُکُم بَعْضا أَیُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَن یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتا فَکَرِهْتُمُوهُ))(6).


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید: 20/ 260، باب الحکم والمواعظ، الحکم المنسوبة/ح47.
2- أسبل أبزاره: أرخاه. امرأة مسبل: أسبلت ذیلها. وأسبل الفرس ذنبه: أرسله. أسبل فلان ثیابه إذا طولها وأرسلها إلی الأرض. لسان العرب، ابن منظور: 11/ 321، فصل السین المهملة، مادة "أسبل".
3- أنظر: مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 114، باب الکذب.
4- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 114، باب الکذب.
5- بحار الأنوار، المجلسی: 69/ 254، کتاب الإیمان والکفر، باب 114 الکذب وروایته وسماعه/ح20.
6- سورة الحجرات/ 12.

ص: 40

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: من مشی فی غیبة أخیه وکشف عورته کانت أول خطوة خطاها وصفها فی جهنم(1) وکشف الله عورته علی رؤوس الخلائق، ومن اغتاب مسلماً بطل صومه ونقض وضوؤه، فإن مات وهو کذلک مات وهو مستحل لما حرم الله(2).

وعن الصادق علیه السلام قال: قال رسول الله(3) الغیبة أسرع فی دین الرجل المسلم من الآکلة فی جوفه(4).

وقال علیه السلام(5): من قال فی مؤمن ما رأته عیناه وسمعته أذناه فهو من الذین قال الله عزّوجل: ((إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَن تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ)) (6).(7)

وقال علیه السلام(8): من روی علی مؤمن روایة یرید بها شینه وهدم مروته لیسقط عن أعین الناس أخرجه الله من ولایته إلی ولایة الشیطان فلا یقبله الشیطان(9).

وقال علیه السلام(10): الغیبة حرام علی کل مسلم، وإنها لتأکل الحسنات کما تأکل النار الحطب(11).


1- فی منیة المرید: "خطاها وضعها فی جهنم".
2- منیة المرید، الشهید الثانی: 10.
3- فی کشف الریبة: "قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: ... الحدیث".
4- کشف الریبة، الشهید الثانی: 10.
5- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
6- سورة النور/ 19.
7- الکافی، الکلینی: 2/ 357، کتاب الإیمان والکفر، باب الغیبة والبهت/ ح2.
8- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
9- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 2/ 209.
10- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
11- کشف الریبة، الشهید الثانی: 9.

ص: 41

الثانی: فی بیان معناها. قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: هل تدرون ما الغیبة، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذکرک أخاک بما یکره. قیل:أرأیت إن کان فی أخی ما أقول؟ قال:إن کان له ما تقول فقد اغتبته،فإن لم یکن فیه ما تقول فقد بهته(1).

وعن الصادق علیه السلام: هو أن تقول لأخیک فی دینه ما لم یفعل، وتثبّت علیه أمراً قد ستره الله علیه(2).

وفی روایة أخری: الغیبة أن تقول فی أخیک ما ستر الله علیه، وأما الأمر الظاهر فیه __ مثل الحدة والعجلة __ فلا(3).

واعلم أن الغیبة غیر مقصورة علی اللسان، بل تکون بالقول والکتابة والإشارة والإیماء(4) والغمز(5) والحرکة وکل ما یفهم المقصود. وقد قیل: «إن القلم أحد اللسانین»(6).

وروی عن عائشة(7) قالت: دخلت علینا امرأة فلما ولت أومأت بیدی (أی


1- أنظر: مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 118، باب الغیبة.
2- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 357، کتاب الإیمان والکفر، باب الغیبة والبهت/ ح3.
3- الکافی، الکلینی: 2/ 358، کتاب الإیمان والکفر، باب الغیبة والبهت/ ح7.
4- الإیماء: الإشارة بالأعضاء کالرأس والید والعین والحاجب. النهایة فی غریب الحدیث، ابن الأثیر: 1/ 82، مادة "أومأ".
5- الغمز: الإشارة بالجفن والحاجب. کتاب العین، الفراهیدی: 4/ 386، مادة  "غمز".
6- شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید: 9/ 67، حکم الغیبة فی الدین.
7- عائشة: بنت أبی بکر، تکنی بأم عبد الله، وأمها أم رومان، وسمعت أبا بکر بن أبی شیبة، یقول: توفیت عائشة سنة ثمان وخمسین. الآحاد والمثانی، الضحاک: 5/ 388، عائشة بنت أبی بکر.

ص: 42

قصیرة) فقال(1) صلی الله علیه وآله وسلم: قد(2) اغتبتیها(3).

ومن أقسامها أن یذکر عنده إنسان فیقول: الحمد لله الذی لم یبتلنا بطلب الدنیا وحب الجاه ونحو ذلک، فهو جمع بین ریاء وغیبة.

الثالث: فی الأسباب الباعثة علی الغیبة، وهی أمور: منها تشفی الغیظ بذکر مساوئ عدوه، ومنها موافقة الأقران ومساعدتهم فی التفکه فی أعراض الناس(4) حتی لا یستثقلوه ولا ینفروا عنه، ومنها العدد کقوله إن أکلت حراماً ففلان وفلان یأکله وإن فعلت کذا ففلان فعل ونحوه، ومنها الاستشعار من إنسان أنه سیقصده بطول لسانه فیه فیقدح  فی حاله حتی یسقط أثر شهادته، ومنها أن ینسب إلی شیء فیرید أن یبرأ منه بذکر الذی فعله, ومنها إرادة أن یرفع نفسه بنقص غیره بأن یقول فلان جاهل وفهمه رکیک وغرضه أنه أفضل منه، ومنها الحسد له بأن یرید زوال نعمة إکرام الناس له والثناء علیه بذکر عیوبه، ومنها اللعب والهزل والمطایبة فیذکر غیره حتی یضحک الناس، ومنها السخریة والاستهزاء استحقاراً له فإن ذلک قد یجری فی الحضور فیجری أیضاً فی الغیبة، ومنها التعجب من المنکر کأن یقول ما أعجب ما رأیت من فلان کذا وکذا، ومنها الرحمة وهو أن یغتم بسبب ما ابتلی به، ومنها الغضب لله علی منکر فعله فیذکره فی غیابه، وکان ینبغی له فی الثلاثة الأخیرة لو کان مخلصاً فیها أن لا یذکر الاسم.


1- فی کشف الریبة: "قال".
2- لیس فی کشف الریبة: "قد".
3- کشف الریبة، الشهید الثانی: 14، الفصل الأول.
4- قال الکرکی: "وضابط الغیبة المحرمة: ما یکون الغرض منها التفکه بعرض الغیر، ولیس مقصودا به غرض صحیح". رسائل الکرکی، المحقق الکرکی: 2/ 44، رسالة فی العدالة.

ص: 43

الرابع: فی العلاج، وهو قسمان إجمالی وتفصیلی:

أما الإجمالی فهو أن یعلم أنه معرض لسخط الله، وأنه أحبط حسنات نفسه واستحق دخول النار وکفی بذلک رادعاً عنها، وحکی أن رجلاً قال لآخر: «بلغنی أنک تغتابنی. فقال: ما بلغ من قدرک عندی أن أحکمک فی حسناتی»(1).

وأما التفصیلی فلینظر إلی السبب ویعالجه بضده، فإن کان هو الغضب فیعالجه بما یأتی فیه ویقول إن أمضیت غضبی فیه فلعل الله یمضی غضبه علیّ وقد قال صلی الله علیه وآله وسلم: إن لجهنم باباً لا یدخله(2) إلا من شفی غیظه بمعصیة الله(3).(4)

وإن کان هو الموافقة فلیعلم أنه تعرض لسخط الخالق فی رضاء المخلوق(5).


1- أنظر: کشف الریبة، الشهید الثانی: 23 __ 27، الفصل الثانی فی العلاج الذی یمنع الإنسان عن الغیبة.
2- فی مجموعة ورام: "لا یدخلها".
3- فی مجموعة ورام: "الله تعالی".
4- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 121، باب الغیبة.
5- قال المازندرانی: (یا عیسی إنی إن غضبت علیک لم ینفعک رضاء من رضی عنک وإن رضیت عنک لم یضرک غضب المغضبین) بفتح الضاد علی صیغة المفعول من أغضبه فهو مغضب وذلک مغضب. وفیه تنبیه علی وجوب ترک ما یوجب رضاء المخلوق إذا کان موجبا لغضب الخالق ووجوب طلب ما یوجب رضاء الخالق وإن کان موجبا لغضب المخلوق لأن المخلوق وجوده وعدمه سواء فکیف غضبه ورضاه وضره ونفعه. شرح أصول الکافی، محمد صالح المازندرانی: 12/125.

ص: 44

وأما تنزیه النفس فأن یعلم أنّ التعرض لمقت الخالق أشد من التعرض لمقت الخلق وسخط الله علیه متیقن ورضاء الناس مشکوک فیه.

وأما العدد فهو جهل، لأنه تعذر بالاقتداء بمن لا یجوز الاقتداء به، وکان کمن یلقی نفسه من شاهق(1) اقتداءً بغیره.

وأما قصد المباهاة(2) وتزکیة النفس فلیعلم أنه أبطل فضله ضد الله وهو من الناس فی خطر، فربما نال اعتقادهم فیه بخبث فعله فیکون قد ((خَسِرَ الدُّنْیا وَالآخِرَةَ))(3).

وأما الحسد فهو جمع بین عذابین دنیوی وأخروی، لأن الحاسد فی عذاب کما یأتی.

وأما الاستهزاء فمقصوده إخزاء  غیره عند الناس، وهو قد أخزی نفسه عند الله والملائکة والأنبیاء والأوصیاء، فهو بالاستهزاء علی نفسه(4).

وأما الترحم فهو وإن کان حسناً ولکن قد حسدک إبلیس بأن نقل من حسناتک إلیه ما هو أکثر من رحمتک.

وأما التعجب المخرج للغیبة فینبغی أن یتعجب بنفسه، حیث أهلک دینه بدین غیره أو بدنیاه وهو مع ذلک لا یأمن عقوبة الدنیا.


1- شاهق: ممتنع طولا، والجمع: شواهق. لسان العرب، ابن منظور: 10/ 192، مادة "شهق".
2- المباهاة: المفاخرة. مجمع البحرین، الشیخ الطریحی: 1/ 260، مادة "بهو".
3- سورة الحج/ 11.
4- أنظر: رسائل الشهید، الشهید الثانی: 299.

ص: 45

الخامس: فی بیان الأعذار المسوغة(1) للغیبة، وهی أمور:

الأول: التظلم عند من یرجو زوال ظلمه، قال تعالی: ((لا یُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ))(2). وقال صلی الله علیه وآله وسلم: لصاحب الحق مقال(3). وقال صلی الله علیه وآله وسلم: مطل الغنی ظلم(4). وقال(5) لیُّ الواجد ظلم یحل عرضه وعقوبته(6).

الثانی: الاستفتاء، کأن یقول للمفتی: قد ظلمنی أبی أو أخی فکیف طریقی فی الخلاص والأسلم التعریض وعدم ذکر الاسم.

الثالث: تحذیر المؤمن من الوقوع فی الخطر ونصح المستشیر، فإذا رأی متفقهاً یتلبس بما لیس من أهله فلک أن تنبه الناس علی نقصه وقصوره. وکذلک إذا استشیر فی شراء مملوک أو تزویج امرأة وکان مستحضراً للعیوب فلیذکرها، لما ورد من جواز الوقیعة فی أصحاب البدع(7)، وأن «المستشار مؤتمن»(8).


1- ساغ الشراب یسوغ سوغا، أی: سهل مدخله فی الحلق. الصحاح، الجوهری: 4/ 1322، مادة "سوغ".
2- سورة النساء/ 148.
3- کشف الریبة، الشهید الثانی: 33، الفصل الثالث فی الأعذار المرخصة فی الغیبة.
4- من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق: 4/380، باب النوادر، من ألفاظ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الموجزة / ح5819.
5- أی: "النبی صلی الله علیه وآله وسلم".
6- تفسیر القرطبی، القرطبی: 6/ 2، تفسیر سورة النساء.
7- البدعة: الحدث فی الدین بعد الإکمال. الصحاح، الجوهری: 3/ 1184، مادة "بدع".
8- عوالی اللئالی، ابن أبی جمهور الأحسائی: 1/439، الباب الأول فی الأحادیث المتعلقة بأبواب الفقه، المسلک الثالث/ ح156.

ص: 46

الرابع: الجرح للشاهد والراوی، صیانة لحقوق المسلمین وحفظاً للأحکام الشرعیة.

الخامس: أن یکون المقول فیه ذلک متظاهراً به کالفاسق  المتظاهر بفسقه. قال الصادق علیه السلام: إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غیبة له(1). وعن الباقر علیه السلام قال: ثلاثة لیس لهم حرمة: صاحب هوی مبتدع، والإمام الجائر، والفاسق المعلن بالفسق(2). وعن النبی صلی الله علیه وآله وسلم: من ألقی جلباب الحیاء عن وجهه فلا غیبة له(3). وعنه صلی الله علیه وآله وسلم: لیس لفاسق غیبة(4). وظاهر هذه الأخبار جواز غیبته وإن استنکف عن ذلک.

السادس: أن یکون الإنسان معروفاً باسم أو لقب یعرب عن غیبته، کالأعرج والأعمش(5) والأشتر(6) ونحوها إذا لم یمکن التعریف بدون ذلک. قال


1- مجمع الفائدة، المحقق الأردبیلی: 13/ 164.
2- قرب الإسناد، الحمیری: 82.
3- کشف الریبة، الشهید الثانی: 36، الفصل الثالث فی الأعذار المرخصة فی الغیبة.
4- مجمع الزوائد، الهیثمی: 1/ 149، باب لا یکفر أحد من أهل القبلة بذنب.
5- رجل أعمش، وامرأة عمشاء، أی: لا تزال عینها تسیل دمعا، ولا تکاد تبصر بها. کتاب العین، الفراهیدی: 1/ 267، مادة "عمش". الأعمش: الفاسد العین، الذی تغسق عیناه، ومثله الأرمص. تاج العروس، الزبیدی: 4/ 327، مادة "عمش".
6- ابن الأعرابی: یقال للرجل المشقوق الشفة السفلی أفلح، وفی العلیا أعلم، وفی الأنف أخرم، وفی الأذن أخرب، وفی الجفن أشتر، ویقال فیه کله أشرم. لسان العرب، ابن منظور: 12/ 321، مادة "شرم".

ص: 47

الصادق علیه السلام:جاءت زینب العطارة الحولاء(1)(2) إلی نساء النبی صلی الله علیه وآله وسلم __(3)الحدیث.


1- رجل أحول بین الحول وحول: جاء علی الأصل لسلامة فعله، ولأنهم شبهوا حرکة العین التابعة لها بحرف اللین التابع لها، فکأن فعلا فعیل، فکما یصح نحو طویل کذلک یصح حول من حیث شبهت فتحة العین بالألف من بعدها. وأحال عینه وأحولها: صیرها حولاء، وإذا کان الحول یحدث ویذهب قیل: احولت عینه احولالا واحوالت احویلالا. لسان العرب، ابن منظور: 11/ 191، مادة "حول".
2- زینب العطارة: عدها البرقی ممن روی عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. رجال البرقی، أحمد بن محمد البرقی: 61، من روی من النساء عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، زینب العطارة.
3- الکافی، الکلینی: 8/ 153 __ 155، کتاب  الروضة، حدیث زینب العطارة/ ح143. ونصه: «عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام، قَالَ: جاءَتْ زَیْنَبُ الْعَطّارَةُ الْحَوْلاءُ إِلی نِساءِ النَّبِیِّ صلی الله علیه وآله وسلم وَبَناتِهِ وَکانَتْ تَبِیعُ مِنْهُنَّ الْعِطْرَ فَجاءَ النَّبِیُّ  صلی الله علیه وآله وسلم وَهِیَ عِنْدَهُنَّ فَقالَ إِذا أَتَیْتِنا طابَتْ بُیُوتُنا فَقالَتْ بُیُوتُکَ بِرِیحِکَ أَطْیَبُ یا رَسُولَ اللَّهِ قالَ إِذا بِعْتِ فَأَحْسِنِی وَلا تَغُشِّی فَإِنَّهُ أَتْقی وَأَبْقی لِلْمالِ فَقالَتْ یا رَسُولَ اللّهِ ما أَتَیْتُ بِشَیْ ءٍ مِنْ بَیْعِی وَإِنَّما أَتَیْتُ أَسْأَلُکَ عَنْ عَظَمَةِ اللّهِ عزّوجل فَقالَ جَلَّ جَلالُ اللّهِ سأُحَدِّثُکِ عَنْ بَعْضِ ذلِکِ ثُمَّ قالَ إِنَّ هَذِهِ الأرْضَ بِمَنْ عَلَیْها عِنْدَ الَّتِی تَحْتَها کَحَلْقَةٍ مُلْقاةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ وَهاتانِ بِمَنْ فِیهِما وَمَنْ عَلَیْهِما عِنْدَ الَّتِی تَحْتَها کَحَلْقَةٍ مُلْقاةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ وَالثّالِثَةُ حَتّی انْتَهی إِلی السّابِعَةِ وَتلا هذِهِ الآیَةَ ((خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ)) سورة الطلاق/12. وَالسَّبْعُ الأَرَضِینَ بِمَنْ فِیهِنَّ وَمَنْ عَلَیْهِنَّ عَلی ظَهْرِ الدِّیکِ کَحَلْقَةٍ مُلْقاةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ والدِّیکُ لَهُ جَناحانِ جَناحٌ فِی الْمَشْرِقِ وَجَناحٌ فِی الْمَغْرِبِ وَرِجْلاهُ فِی التُّخُومِ وَالسَّبْعُ والدِّیکُ بِمَنْ فِیهِ وَمَنْ عَلَیْهِ عَلَی الصَّخْرَةِ کَحَلْقَةٍ مُلْقاةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ وَالصَّخْرَةُ بِمَنْ فِیها وَمَنْ عَلَیْها عَلی ظَهْرِ الْحُوتِ کَحَلْقَةٍ مُلْقاةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ وَالسَّبْعُ والدِّیکُ وَالصَّخْرَةُ وَالْحُوتُ بِمَنْ فِیهِ وَمَنْ عَلَیْهِ عَلَی الْبَحْرِ الْمُظْلِمِ کَحَلْقَةٍ مُلْقاةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ وَالسَّبْعُ والدِّیکُ وَالصَّخْرَةُ وَالْحُوتُ وَالْبَحْرُ الْمُظْلِمُ عَلی الْهَواءِ الذّاهِبِ کَحَلْقَةٍ مُلْقاةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ وَالسَّبْعُ والدِّیکُ وَالصَّخْرَةُ وَالْحُوتُ وَالْبَحْرُ الْمُظْلِمُ وَالْهَواءُ عَلَی الثَّری کَحَلْقَةٍ مُلْقاةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ ثُمَّ تَلا هذِهِ الآیَةَ ((لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَما فِی الأَرْضِ وَما بَیْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّری)) سورة طه/ 6. ثُمَّ انْقَطَعَ الْخَبَرُ عِنْدَ الثَّری وَالسَّبْعُ وَالدِّیکُ وَالصَّخْرَةُ وَالْحُوتُ وَالْبَحْرُ الْمُظْلِمُ وَالْهَواءُ وَالثَّری بِمَنْ فِیهِ وَمَنْ عَلَیْهِ عِنْدَ السَّماءِ الأُولی کَحَلْقَةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ وَهَذا کُلُّهُ وَسَماءُ الدُّنْیَا بِمَنْ عَلَیْها وَمَنْ فِیها عِنْدَ الَّتِی فَوْقَها کَحَلْقَةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ وَهاتانِ السَّماءانِ وَمَنْ فِیهِما وَمَنْ عَلَیْهِما عِنْدَ الَّتِی فَوْقَهُمَا کَحَلْقَةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ وَهَذِهِ الثَّلاثُ بِمَنْ فِیهِنَّ وَمَنْ عَلَیْهِنَّ عِنْدَ الرّابِعَةِ کَحَلْقَةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ حَتّی انْتَهی إِلی السّابِعَةِ وَهُنَّ وَمَنْ فِیهِنَّ وَمَنْ عَلَیْهِنَّ عِنْدَ الْبَحْرِ الْمَکْفُوفِ عَنْ أَهْلِ الأَرْضِ کَحَلْقَةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ وَهَذِهِ السَّبْعُ وَالْبَحْرُ الْمَکْفُوفُ عِنْدَ جِبالِ الْبَرَدِ کَحَلْقَةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ وَتَلا هَذِهِ الآیَةَ ((وَیُنَزِّلُ مِنَ السّماءِ مِنْ جِبالٍ فِیها مِنْ بَرَدٍ)) سورة النور/43. وَهَذِهِ السَّبْعُ وَالْبَحْرُ الْمَکْفُوفُ وَجِبالُ الْبَرَدِ عِنْدَ الْهَواءِ الَّذِی تَحارُ فِیهِ الْقُلُوبُ کَحَلْقَةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ وَهَذِهِ السَّبْعُ وَالْبَحْرُ الْمَکْفُوفُ وَجِبالُ الْبَرَدِ وَالْهَواءُ عِنْدَ حُجُبِ النُّورِ کَحَلْقَةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ وَهَذِهِ السَّبْعُ وَالْبَحْرُ الْمَکْفُوفُ وَجِبالُ الْبَرَدِ وَالْهَواءُ وَحُجُبُ النُّورِ عِنْدَ الْکُرْسِیِّ کَحَلْقَةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآیَةَ ((وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّماواتِ وَالأَرْضَ وَلا یَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ)) سورة البقرة/ 255. وَهَذِهِ السَّبْعُ وَالْبَحْرُ الْمَکْفُوفُ وَجِبالُ الْبَرَدِ وَالْهَواءُ وَحُجُبُ النُّورِ وَالْکُرْسِیُّ عِنْدَ الْعَرْشِ کَحَلْقَةٍ فِی فَلاةٍ قِیٍّ وَتَلا هَذِهِ الآیَةَ ((الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی)) سورة طه/ 5. وَفِی رِوایَةِ الْحَسَنِ: الْحُجُبُ قَبْلَ الْهَواءِ الَّذِی تَحَارُ فِیهِ الْقُلُوبُ».

ص: 48

السابع: إذ علم اثنان أو جماعة معصیة من آخر فذکرها بعضهم لبعض جاز ذلک، لأنها لا تؤثر عند السامع، وفیه أشکال.

الثامن: فی کفارة الغیبة. یجب علی المغتاب أن یندم ویتوب ویأسف علی ما فعله لیخرج عن حق الله. وهل یکفی الاستغفار أم لا بد من الاستحلال؟ وجهان بل قولان لتعارض الأخبار ظاهراً:

فعن الصادق قال: سئل النبی صلی الله علیه وآله وسلم: ما کفارة الاغتیاب؟ قال: تستغفر الله لمن اغتبته کلما ذکرته(1).

وفی العلل عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال: الغیبة أشد من الزنا. فقیل: یا رسول الله ولم ذلک؟ قال: أما صاحب الزنا یتوب فیتوب الله علیه، وأما صاحب الغیبة یتوب فلا یتوب الله علیه حتی یکون صاحبه الذی یحله(2).


1- الکافی، الکلینی: 2/ 357، کتاب الإیمان والکفر، باب الغیبة والبهت/ ح4.
2- أنظر: علل الشرائع، الشیخ الصدوق: 2/ 557، باب 345 العلة التی من أجلها صارت الغیبة أشد من الزنا/ ح1.

ص: 49

وقد روی عن الصادق علیه السلام ما یصلح للجمع بین الأقوال والأخبار. قالعلیه السلام(1): إن اغتبت فبلغ المغتاب فاستحل منه، وإن لم یلحقه فاستغفر الله(2) وذلک لأن فی الاستحلال مع عدم البلوغ إلیه إثارة للغیبة وجلباً للضغائن، وفی حکم من لم یبلغه من لم یقدر علی الوصول إلیه بموت أو غیبة.

الرابع عشر: النمیمة

قال تعالی:((هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِیمٍ (11) مَنّاعٍ لِلْخَیْرِ مُعْتَدٍ أَثِیمٍ (12) عُتُلّ بَعْدَ ذلِکَ زَنِیمٍ))(3) وقال تعالی: ((وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ))(4). قیل الهمزة: النمام، واللمزة: المغتاب(5).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: لا یدخل الجنة نمام(6).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: شرارکم المشاؤون بالنمیمة، المفرقون بین الأحبة، المبتغون للبراء المعایب(7).

وقال الباقر علیه السلام: الجنة محرمة علی المغتابین والمشائین بالنمیمة(8).


1- الإمام الصادق علیه السلام.
2- أنظر: مصباح الشریعة، الإمام الصادق علیه السلام: 205، الباب المائة فی الغیبة.
3- سورة القلم/ 11 __ 13.
4- سورة الهمزة/ 1.
5- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 5/ 275، کتاب آفات اللسان، الآفة السادسة عشر النمیمة.
6- کشف الریبة، الشهید الثانی: 41، الفصل الرابع فیما یلحق بالغیبة عند التدبر.
7- الکافی، الکلینی: 2/ 369، باب الإیمان والکفر، باب النمیمة/ ح3.
8- الکافی، الکلینی: 2/ 369، کتاب الإیمان والکفر، باب النمیمة / ح2. ونصه: «مُحَرَّمَةٌ الْجَنَّةُ عَلی الْقَتّاتِینَ الْمَشّاءِینَ بِالنَّمِیمَةِ».

ص: 50

والنمام هو من ینم قول الغیر إلی المقول فیه ویکشف ما یکره کشفه، سواء کرهه المنقول عنه أو المنقول إلیه: أو کرهه ثالث، وسواء کان الکشف بالقول أو بالکتابة أو بالرمز أو الإیماء، وسواء کان المنقول من الأعمال أو الأقوال، وسواء کان ذلک عیباً ونقصاناً علی المنقول عنه أو لا. فحقیقة النمیمة إفشاء السر وهتک الستر وکشفه.

ومن حملت إلیه النمیمة فعلیه بأمور ستة.

الأول: عدم تصدیقه لأنه فاسق وقد قال تعالی:((إِن جٰاءکُمْ فاسِقٌ بِنَبأٍ فَتَبَیَّنُوا))(1).

الثانی: أن ینهره عن ذلک لقوله تعالی: ((وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنکَرِ))(2).

الثالث: أن یبغضه لأنه بغیض الله.

الرابع: أن لا یظن المنقول عنه السوء، لقوله تعالی: ((اجْتَنِبُوا کَثِیراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ))(3).

الخامس: أن لا یحمله ذلک علی التجسس(4) والبحث لیتحقق حقیقة الحال، قال تعالی: ((وَلا تَجَسَّسُوا))(5).


1- سورة الحجرات/ 6.
2- سورة لقمان/ 17.
3- سورة الحجرات/ 12.
4- التجسس: التفتیش عن بواطن الأمور وأکثر ما یقال فی السر. النهایة فی غریب الحدیث، ابن الأثیر: 1/263، مادة "جسس".
5- سورة الحجرات/ 12.

ص: 51

السادس: أن لا یرضی لنفسه ما نهی عنه النمام فلا یحکی نمیمته ویقول قال فلان فیک کذا. وقد روی عن أمیر المؤمنین علیه السلام أن رجلاً أتاه یسعی إلیه برجل فقال: یا هذا نحن نسأل عما قلت فإن کنت صادقاً مقتناک(1) وإن کنت کاذباً عاقبناک. وإن شئت أن نقیلک(2) أقلناک. قال: أقلنی یا أمیر المؤمنین(3).

الخامس عشر: کلام ذی اللسانین

وهو الذی یتردد بین المتعادین ویکلم کل واحد بکلام یوافقه وذلک عین النفاق. قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: یجیء یوم القیامة ذو الوجهین دالعاً(4) لسانه فی قفاه وآخر من قدامه یلتهبان ناراً حتی یلتهبا خده(5)، ثم یقال: هذا(6) الذی کان فی الدنیا ذا وجهین وذا لسانین یعرف بذلک یوم القیامة.(7)

وقال الباقر علیه السلام: بئس العبد عبداً یکون ذا وجهین وذا لسانین یطری أخاه شاهداً ویأکله غائباً، إن أعطی حسده وإن أبتلی خذله.(8)


1- المقت:بغض من أمر قبیح رکبه،فهو مقیت،وقد مقت إلی الناس مقاتة،ومقته الناس مقتا. کتاب العین، الفراهیدی: 5/ 132، مادة "مقت".
2- أقال الله عثرتک و أقالکها، أی: صفح عنک. تاج العروس، الزبیدی: 8/ 92.
3- کشف الریبة، الشهید الثانی: 45، الفصل الرابع فیما یلحق بالغیبة عند التدبر.
4- دلع لسانه یدلع دلعا ودلوعا، أی: خرج من الفم، واسترخی وسقط علی عنفقته. کتاب العین، الفراهیدی: 2/ 41، مادة "دلع".
5- فی الخصال: "حتی یلهبا جسده".
6- فی الخصال: "ثم یقال له هذا".
7- الخصال، الشیخ الصدوق: 1/ 38، باب الاثنین، ما جاء فی ذی وجهین/ ح16.
8- إرشاد القلوب، الدیلمی: 1/ 178، الباب الحادی والخمسون فی أخبار عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة الأطهار.

ص: 52

السادس عشر: المدح

وفیه ست آفات أربع فی المادح:

الأولی: إنه قد یفرط فینتهی به الإفراط(1) إلی الکذب.

الثانیة: إنه قد یدخله الریاء(2)، فإنه بالمدح مظهر للحب وقد لا یکون مضمراً(3) له ولا معتقداً لما یقوله، فیکون مرائیاً(4) منافقاً.

الثالثة: إنه قد یقول ما لا یتحققه ولا سبیل له للاطلاع علیه.

الرابعة: إنه قد یفرح الممدوح وهو ظالم فاسق وذلک غیر جائز. قال صلی الله علیه وآله وسلم: إن الله لیغضب إذا مدح الفاسق(5).

واثنتان فی الممدوح: إحداهما أنه قد یحدث فیه کبر أو إعجاب وهما مهلکان. الثانیة أنه إذا أثنی علیه بالخیر فرح به وفتر ورضی عن نفسه.


1- الإفراط: إعجال الشیء فی الأمر قبل التثبت. یقال: أفرط فلان فی أمره، أی: عجل فیه. لسان العرب، ابن منظور: 7/ 369، مادة "فرط".
2- الریاء نفاق إلا أن المنافق یظهر غیر ما یسر، وذو الریا یبدی للناس خلاف ما یضمر. غریب الحدیث، ابن قتیبة: 1/ 185، ألفاظ من أحادیث المولد والمبعث.
3- أضمرت الشیء: أخفیته. لسان العرب، ابن منظور: 4/ 493، مادة "ضمر".
4- مرائیا یرائی الناس بقوله وعمله، لا یکون وعظه وکلامه حقیقة. النهایة فی غریب الحدیث، ابن الأثیر: 4/ 70.
5- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 5/ 283، کتاب آفات اللسان، الآفة الثامنة عشر المدح. کشف الخفاء، العجلونی: 2/ 248، حرف اللام والألف/ ح2474.

ص: 53

فإذا سلم المدح من هذه الآفات فلا بأس به(1). وروی عنه صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال: أحثوا التراب فی وجوه المداحین(2). وقال أمیر المؤمنین علیه السلام لما أثنی علیه: اللهم اغفر لی ما لا یعلمون ولا تؤخذنی بما یقولون واجعلنی خیراً مما یظنون(3).


1- أنظر لتمام الفصل الثانی وما ورد فی آفات اللسان: إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 105 __ 145، کتاب آفات اللسان. الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 69 __ 72، الباب الثانی فیما یؤدی إلی مساوی الأخلاق، الفصل الثانی فی اللسان وآفاته.
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید: 17/ 45، أبواب الکتب والرسائل، باب 53 ومن کتاب له علیه السلام کتبه للأشتر النخعی رحمه الله لما ولاه علی مصر وأعمالها، فصل النهی عن سماع السعایة وما هو. ونصه: «أحثوا فی وجوه المداحین التراب».
3- أنظر: نهج البلاغة، الشریف الرضی: 485، حکم أمیر المؤمنین/ الحکمة رقم 100.

ص: 54

ص: 55

الباب الرابع: الغضب

ص: 56

ص: 57

فی الغضب

وهو شعلة من النار اقتبست من ((نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ))(1) إلا أنها لا ((تَطَّلِعُ عَلَی الأَفْئِدَةِ))(2) وإنها لمستکنة فی طی(3) الفؤاد استکنان(4) الجمر تحت الرماد، ویستخرجها الکبر الدفین من قلب ((کُلُّ جَبّارٍ عَنِیدٍ))(5)، کما یستخرج الحجر النار من الحدید، وتستخرجها حمیة الدین من قلوب المؤمنین.

وسببه ثوران نار الغضب، وهی الحرارة المودعة فی الإنسان واشتعالها، فیغلی بها دم القلب وینتشر فی العروق ویرتفع إلی أعالی البدن کما ترتفع النار وکما یرتفع الماء الذی یغلی فی القدر، ولذلک ینصب إلی الوجه فیحمر الوجه والعین والبشرة لصفائها تحکی ما وراءها من حمرة الدم کما تحکی الزجاجة لون ما فیها.


1- سورة الهمزة/ 6.
2- سورة الهمزة/ 7.
3- الطیة تکون نزلا، وتکون منتوی، تقول: مضی فلان لطیته، أی: لنیته التی نواها. کتاب العین، الفراهیدی: 7/465، مادة "طوی".
4- منه الحدیث: "علی ما استکن"، أی: استتر. النهایة فی غریب الحدیث، ابن الأثیر: 4/ 206.
5- سورة إبراهیم/ 15.

ص: 58

وإنما ینبسط الدم إذا غضب علی من دونه واستشعر القدرة علیه، فإن صدر الغضب علی من هو فوقه وکان معه یأس من الانتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلی جوف القلب وصار حزناً، ولذلک یصفر اللون، وإن کان الغضب علی نظیر یشک فیه تولد منه تردد بین انقباض وانبساط فیحمر ویصفر ویضطرب.

وقوة الغضب محلها القلب، ومعناها غلیان دم القلب لطلب الانتقام، وإنما تتوجه هذه القوة عند ثورانها إلی دفع المؤذیات قبل وقوعها، وإلی التشفی والانتقام بعد وقوعها، والانتقام فوت هذه القوة وشهوتها وفیه لذتها ولا تسکن إلا به.

والناس فی هذه القوة علی درجات ثلاث فی أول الفطرة من التفریط(1) والإفراط(2) والاعتدال(3):

أما التفریط: فبفقد هذه القوة أو ضعفها، وذلک مذموم، وهو الذی یقال فیه إنه لا حمیة له، ومن ثمرته عدم الغیرة علی الحرام، واحتمال الذل وصغر النفس والخور(4) والسکوت عند مشاهدة المنکرات. وقد وصف الله تعالی خیار الصحابة بالشدة والحمیة فقال:((أَشِدّاء عَلَی الْکُفّارِ))(5) وقال تعالی:((یا أَیُّهَا النَّبِیُّ جاهِدِ


1- فرط فی الأمر یفرط فرطا، أی: قصر فیه وضیعه حتی فات، وکذلک التفریط. لسان العرب، ابن منظور: 7/ 368، مادة "فرط".
2- الإفراط: إعجال الشیء فی الأمر قبل التثبت. وأفرط فلان فی أمره،أی: عجل فیه جاوز القدر. کتاب العین، الفراهیدی: 7/419، مادة "فرط".
3- الاعتدال: توسط حال بین حالین فی کم أو کیف، وکل ما تناسب فقد اعتدل وکل ما أقمته فقد عدلته وعدلته. القاموس المحیط، الفیروز آبادی: 4/ 13، مادة "العدل".
4- الخور: رخاوة وضعف فی کل شیء، تقول خار یخور خورا، ورجل خوار، وخور تخویرا. کتاب العین، الفراهیدی: 4/ 302، مادة "خور".
5- سورة الفتح/ 29.

ص: 59

الْکُفّارَ وَالْمُنافِقِینَ وَاغْلُظْ عَلَیْهِمْ))(1) والشدة والغلظة من آثار قوة الغضب(2).

والإفراط: هو أن تغلب هذه الصفة حتی تخرج من سیاسة العقل والدین وطاعتهما فلا یبقی للمرء معها بصیرة ونظر وفکر واختیار، ویعمی ویصم عن کل موعظة، ومن آثاره تغیر اللون وشدة الرعدة فی الأطراف وخروج الأفعال عن الترتیب والنظام واضطراب الحرکة والکلام وانطلاق اللسان بالفحش والشتم(3) وقبح الکلام والضرب والتهجم(4)، ولذلک قال صلی الله علیه وآله وسلم: الغضب یفسد الإیمان کما یفسد الخل العسل(5).

وعن میسر(6) قال: ذکر الغضب عند أبی جعفر علیه السلام فقال: إن الرجل لیغضب فما یرضی أبداً حتی یدخل النار، فأیما رجل غضب علی قوم وهو قائم فلیجلس من فوره ذلک، فإنه سیذهب عنه رجز الشیطان، وأیما رجل غضب علی ذی رحم فلیدن منه فلیمسه، فإن الرحم إذا مست سکنت(7).


1- سورة التوبة/ 73.
2- أنظر: بحار الأنوار، المجلسی: 70/ 269، کتاب الإیمان والکفر، باب 132 ذم الغضب ومدح التنمر فی ذات الله.
3- الشتم: السب، والاسم الشتیمة. الصحاح، الجوهری: 5/ 1985، مادة "شتم".
4- هجم علی القوم یهجم هجوما: انتهی إلیهم بغتة. وقیل: دخل بغیر إذن. وقال الجوهری وغیره: وهجمت أنا علی الشیء بغتة أهجم هجوما وهجمت غیری، یتعدی ولا یتعدی. لسان العرب، ابن منظور: 12/600 __ 601، مادة "هجم".
5- الکافی، الکلینی: 2/ 302، کتاب الإیمان والکفر، باب الغضب/ ح1.
6- میسر بن عبد العزیز: بیاع الزطی، مات فی حیاة الصادق علیه السلام، وقیل: میسر بفتح المیم، من أصحاب الباقر  والصادق علیهما السلام. وقال الکشی: قال علی بن الحسن: إن میسر بن عبد العزیز کان کوفیا وکان ثقة. نقد الرجال، التفرشی: 4/ 446، الرقم 2.
7- الکافی، الکلینی: 2/ 302، کتاب الإیمان والکفر، باب الغضب/ ح2.

ص: 60

وعن أبی حمزة الثمالی(1) عنه علیه السلام(2) قال: إن الغضب جمرة من الشیطان توقد فی جوف ابن آدم، وإن أحدکم إذا غضب احمرت عیناه وانتفخت أوداجه ودخل الشیطان فیه، فإذا خاف أحدکم ذلک من نفسه فلیلزم الأرض، فإن رجز الشیطان یذهب عنه عند ذلک(3).

وعن الصادق علیه السلام: الغضب مفتاح کل شر(4).

وعنه علیه السلام(5) قال: من کف غضبه ستر الله عورته(6).

وعنه علیه السلام(7) قال: إن فی التوراة مکتوب: ابن آدم(8) اذکرنی حین تغضب أذکرک عند غضبی فلا أمحقک فی ما أمحق(9)، وإذا ظلمت بظلمة فارض بانتصاری لک فإن انتصاری لک خیر من انتصارک لنفسک(10).


1- ثابت بن دینار: أبو حمزة الثمالی، ودینار أبوه یکنی بأبی صفیة، کوفی، ثقة، لقی علی بن الحسین وأبا جعفر وأبا عبد الله وأبا الحسن علیهم السلام، وروی عنهم، وکان من خیار أصحابنا، وثقاتهم، ومعتمدهم فی الروایة والحدیث. نقد الرجال، التفرشی: 1/ 311 __ 312، ثابت بن دینار/ الرقم 14.
2- الإمام الباقر علیه السلام.
3- أنظر:الکافی،الکلینی:2/304 __ 305،کتاب الإیمان والکفر، باب الغضب/ح12.
4- إرشاد القلوب، الدیلمی: 1/ 177، الباب الحادی والخمسون فی أخبار عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة الأطهار علیهم السلام.
5- الإمام الصادق علیه السلام.
6- الکافی، الکلینی: 2/ 303، کتاب الإیمان والکفر، باب الغضب/ ح6.
7- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
8- فی الکافی: "یا ابن آدم".
9- فی الکافی: "فلا أمحقک فیمن أمحق".
10- الکافی، الکلینی: 2/ 304، کتاب الإیمان والکفر، باب الغضب/ ح 10.

ص: 61

وقال علیه السلام(1): من لم یملک غضبه لم یملک عقله(2).

وعنه علیه السلام(3) فی ما ناجی الله به موسی: یا موسی أمسک غضبک عمن ملکتک علیه أکف عنک غضبی(4).

واعلم أن قمع أصل الغیظ من القلب غیر ممکن، بل التکلیف إنما هو بکسر سورته(5) وتضعیفه حتی لا یشتد هیجان الغیظ فی الباطن، وینتهی ضعفه إلی أن یظهر أثره فی الوجه، بل ینبغی للإنسان أن یکون غضبه تحت إشارة العقل والشرع، فیغضب فی محل الغضب ویحلم فی محل التحلم، ولا یخرجه غضبه عن الاختیار. قال تعالی:((وَالْکاظِمِینَ الْغَیْظَ))(6) ولم یقل: والفاقدین الغیظ.

والأسباب المهیجة للغضب: الزهو(7)، والعجب، والهزل(8)، والهزء(9), والذل


1- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
2- الکافی، الکلینی: 2/ 305، کتاب الإیمان والکفر، باب الغضب/ ح13.
3- الإمام الباقر علیه السلام.
4- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 303، کتاب الإیمان والکفر، باب الغضب/ ح7.
5- سورة کل شیء: حده. لسان العرب، ابن منظور: 4/ 387، مادة "سور".
6- سورة آل عمران / 134.
7- الزهو: الکبر والعظمة. و المزهو: المعجب بنفسه. کتاب العین، الفراهیدی: 4/ 73، مادة "زهو".
8- الهزل: نقیض الجد. ورجل هزل ککتف: کثیره. والهزالة: الفکاهة. القاموس المحیط، الفیروز آبادی: 4/ 69، فصل الهاء، مادة "الهزل".
9- الهزء والهزؤ: السخریة. لسان العرب، ابن منظور: 1/ 183، مادة "هزأ".

ص: 62

والتعییر، والمماراة(1) والمضادة، والعذر، وشدة الحرص علی فضول المال والجاه. وهی بأجمعها أخلاق ردیئة مذمومة شرعاً.

ولا خلاص عن الغضب مع بقاء هذه الأسباب، فلا بد من إزالتها بأضدادها، فینبغی أن یمیت الزهو بالتواضع، والعجب بالمعرفة بنفسک, والفخر بمعرفة أنه من الرذائل وإنما الفخر بالفضائل، وأما الهزل فیزیله بالجد فی طلب الفضائل والأخلاق الحسنة، وأما الهزء فیزیله بالتکرم عن إیذاء الناس وبصیانة النفس عن أن یُستهزأ بک، وأما التعییر فبالحذر عن قول القبیح وصیانة النفس عن مرِّ الجواب، وأما شدة الحرص علی مزایا العیش فتزال بالقناعة بقدر الضرورة طلبا لعز الاستغناء وترفعاً عن ذل الحاجة.

وکل خلق من هذه الأخلاق یفتقر فی علاجه إلی ریاضة وتحمل مشقة، وأصل الریاضة فی إزالة هذه الأخلاق یرجع إلی معرفة غوائلها لترغب النفس عنها وتنفر عن قبحها. ثم المواظبة علی مباشرة أضدادها مدة مدیدة حتی تصیر بالعادة مألوفة هینة علی النفس، فإذا انمحت عن النفس فقد زکت وطهرت عن هذه الرذائل وتخلصت عن الغضب الذی یتولد منها(2).

وعلاجه عند هیجانه __ کما أشیر إلیه فی الأخبار المتقدمة __ الاستعاذة من الشیطان، والجلوس إن کان قائماً، والاضطجاع إن کان جالساً(3)، والوضوء أو


1- الامتراء فی الشیء: الشک فیه، وکذلک التماری. والمراء: المماراة والجدل. لسان العرب، ابن منظور: 15/ 278، مادة "مرا".
2- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 73 __ 78، الباب الثالث فی الغضب. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 147 __ 160، کتاب ذم الغضب والحقد والحسد.
3- إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 156، کتاب ذم الغضب والحقد والحسد، بیان علاج الغضب بعد هیجانه. ونص الحدیث: «إذا غضبت فإن کنت قائما فاقعد وإن کنت قاعدا فأتکئ وإن کنت متکئا فاضطجع».

ص: 63

الغسل بالماء البارد(1). قال صلی الله علیه وآله وسلم: إذا غضب أحدکم فلیتوضأ ولیغتسل فإن الغضب من النار(2). وأمر صلی الله علیه وآله وسلم بالاستعاذة من الشیطان، وأن یتفکر فی ما ورد فی فضائل کظم الغیظ والعفو والحلم والاحتمال(3). قال الله فی معرض المدح: ((وَالْکاظِمِینَ الْغَیْظَ))(4) وقال صلی الله علیه وآله وسلم: من کف غضبه کف الله عنه عذابه، ومن اعتذر إلی ربه قبل الله عذره، ومن خزن لسانه ستر الله عورته(5).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: أشدکم من ملک(6) نفسه عند الغضب، وأحلمکم من عفا عند القدرة(7).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: من أحب السبیل إلی الله تعالی جرعتان: جرعة غیظ تردها بحلم، وجرعة مصیبة تردها بصبر(8).


1- أنظر: بحار الأنوار، المجلسی: 70/ 272، کتاب الإیمان والکفر، باب 132 ذم الغضب ومدح التنمر فی ذات الله.
2- المصدر السابق.
3- أنظر: ما ورد فی الغیظ والعفو والحلم والاحتمال ما یلی: الکافی، الکلینی: 2/ 109، کتاب الإیمان والکفر، باب کظم الغیظ، و 2/ 107، باب العفو، و 2/ 111، باب الحلم.  من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق: 2/ 274. الاختصاص، المفید: 342. غرر الحکم، الآمدی: 246.  روضة الواعظین، النیسابوری: 2/ 376. 
4- سورة آل عمران/ 134.
5- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 5/ 308 __ 309، کتاب آفة الغضب والحقد والحسد، فضیلة کظم الغیظ.
6- فی الإحیاء: "غلب" بدل "ملک".
7- إحیاء علوم الدین،الغزالی:3/157،کتاب ذم الغضب والحقد والحسد،فضیلة کظم الغیظ.
8- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی:5/310،کتاب آفة الغضب والحقد والحسد،فضیلة کظم الغیظ.

ص: 64

وعن السجاد صلی الله علیه وآله وسلم قال: ما أحب أن لی بذل نفسی حمر النعم(1)، وما تجرعت جرعة أحب إلی من جرعة غیظ لا أکافی بها صاحبها(2).

وعن الباقر علیه السلام قال: من کظم غیظاً وهو یقدر علی إمضائه حشا الله قلبه أمناً وإیماناً یوم القیامة(3).

وعن الصادق علیه السلام قال: نعم الجرعة(4) الغیظ(5) لمن صبر علیها، فإن عظیم الأجر لمن عظم(6) البلاء، وما أحب الله قوماً إلا ابتلاهم(7).

وعنه علیه السلام(8): ما من عبد کظم(9) غیظا إلا زاده الله تعالی عزاً فی الدنیا وعزاً فی الآخرة(10).


1- فی الحدیث "ما أحب بذل نفسی حمر النعم " هی بضم حاء وسکون میم الإبل الحمر، وهی أنفس  أموال النعم وأقواها وأجلدها، فجعلت کنایة عن خیر الدنیا کله. مجمع البحرین، الطریحی: 1/ 573، باب الحاء.
2- الکافی، الکلینی: 2/109، کتاب الإیمان والکفر، باب کظم الغیظ/ ح1.
3- الکافی، الکلینی: 2/110، کتاب الإیمان والکفر، باب کظم الغیظ/ ح7.
4- جرع الغیظ: کظمه. وجرعه غصص الغیظ فتجرعه، أی:کظمه. لسان العرب، ابن منظور: 8/ 46، مادة "جرع".
5- الغیظ: غضب کامن للعاجز. الصحاح، الجوهری: 3/ 1176، مادة "غیظ".
6- فی مجموعة ورام: "عظیم" بدل "عظم".
7- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 2/ 189.
8- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
9- کظم الرجل غیظه: اجترعه. کتاب العین، الفراهیدی: 5/ 345، مادة "کظم".
10- أنظر: مشکاة الأنوار، الطبرسی: 217، الباب الرابع فی آداب المعاشرة مع الناس وما یتصل بها، الفصل الحادی عشر فی الحلم وکظم الغیظ والغضب.

ص: 65

وعنه علیه السلام(1): من کظم غیظاً ولو شاء أن یمضیه أمضاه ملأ الله قلبه یوم القیامة رضاه(2).

وعن الصادق علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: ما أعز الله بجهل قط، ولا أذل بحلم قط(3).

وعن حفص(4) قال: بعث الصادق علیه السلام غلاماً له فی حاجة فأبطأ، فخرج علیه السلام فی أثره فوجده نائماً، فجلس عند رأسه یروحه حتی انتبه فقال له أبو عبد الله علیه السلام: یا فلان والله ما ذلک لک تنام اللیل والنهار، لک اللیل ولنا منک النهار(5).


1- أی : «الإمام الصادق» علیه السلام.
2- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 5 / 310، کتاب آفة الغضب والحقد والحسد، فضیلة کظم الغیظ.
3- الکافی، الکلینی: 2/ 112، کتاب الإیمان والکفر، باب الحلم/ ح5.
4- حفص بن أبی عائشة المنقری بالولاء، الکوفی. محدث إمامی. روی عنه عبد الله الحجال. الفائق فی رواة وأصحاب الإمام الصادق علیه السلام، الشبستری:1/431/ الرقم 871، المنقری.
5- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 112، کتاب الإیمان والکفر، باب الحلم/ ح7.

ص: 66

ص: 67

الباب الخامس: الحقد

ص: 68

ص: 69

فی الحقد

إعلم أن الغضب إذا لزم کظمه لعجز عن التشفی فی الحال رجع إلی الباطن واحتقن فیه فصار حقداً، ومعنی الحقد أن یلزم قلبه استثقاله والبغضة له والتنفر عنه، وأن یدوم علی ذلک ویبقی، وقد قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: المؤمن لیس بحقود(1). والحقد ثمرة الغضب، والحقد یثمر ثمانیة أمور:

الأول: الحسد، وهو أن یحملک الحقد علی أن تتمنی زوال النعمة منه.

الثانی: أن تزید علی إضمار الحسد فی الباطن فتشمت بما یصیبه من البلاء.

الثالث: أن تهجره وتقطعه وإن أقبل علیک.

الرابع: أن تعرض عنه استصغاراً له.

الخامس: أن تتکلم فیه بما لا یحل من کذب وغیبة وإفشاء سر وهتک ستر وغیره.


1- منیة المرید، الشهید الثانی: 321، الباب الثالث فی المناظرة وشروطها وآدابها وآفاتها، الفصل الثانی فی آفات المناظرة وما یتولد منها من مهلکات الأخلاق.

ص: 70

السادس: أن تحاکیه استهزاءً وسخریة منه.

السابع: إیذاؤه بالضرب وما یؤلم بدنه.

الثامن: أن تمنعه حقه من صلة رحم أو قضاء دین أو رد مظلمة وکل ذلک حرام.

وأقل درجات الحقد أن یحتزر من الآفات الثمانیة، ولکن  تستثقله وتبغضه فی الباطن وتمتنع من البشاشة(1) والرفق والعنایة.

والأولی أن یبقی علی حالته السابقة معه، وإن أمکنه أن یزید فی الإحسان علی العفو مجاهدة للنفس وإرغاماً للشیطان فذلک مقام الصدیقین(2)، وهو من أفضل أعمال المقربین(3)، فللحقود ثلاثة أحوال عند القدرة.


1- البشاشة: طلاقة الوجه. ورجل هش بش، أی: طلق الوجه طیب. الصحاح، الجوهری: 3/ 996، مادة  "بشش".
2- الصدیق: من یصدق بکل أمر الله والنبی (صلی الله علیه وآله وسلم) لا یتخالجه شک فی شیء. العین، الفراهیدی: 5/ 56، مادة "صدق".
3- المقربین، أی: السابقین. بحار الأنوار، العلامة المجلسی: 66/157، کتاب الإیمان والکفر، باب 32 درجات الإیمان وحقائقه. قال أبی الفرج البغدادی: أصل الموالاة القرب، وأصل المعاداة البعد، فأولیاء الله هم الذین یتقربون إلیه بما یقربهم منه، وأعداؤه الذین أبعدهم منه بأعمالهم المقتضیة لطردهم وإبعادهم منه، فقسم أولیاؤه المقربین قسمین: أحدهما من تقرب إلیه بأداء الفرائض، ویشمل ذلک فعل الواجبات، وترک المحرمات، لأن ذلک کله من فرائض الله  التی افترضها علی عباده. والثانی: من تقرب إلیه بعد الفرائض بالنوافل. جامع العلوم والحکم، أبی الفرج البغدادی: 361.

ص: 71

أحدها: أن یستوفی حقه الذی یستحقه من غیر زیادة ونقصان، وهو العدل.

والثانی: أن یحسن إلیه بالعفو والصلة، و((ذٰلِکَ هُوَ الْفَضْلُ))(1).

والثالث: أن یطلبه بما لا یستحقه، وذلک هو الجور(2).

وعلاج الحقد أن یعلم أنه مهما کان فی قلبه حقد فلا یزال مغموماً مهموماً مبتلی معذباً فی الدنیا والآخرة، وأن ینظر فی فضیلة العفو والرفق(3).

قال تعالی:((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ))(4). وقال تعالی:((وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوی))(5).

وعن الصادق علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: ألا أخبرکم بخیر خلائق الدنیا والآخرة؟ العفو عمن ظلمک، وتصل من قطعک، والإحسان إلی من أساء إلیک، وإعطاء من حرمک(6).

وعنه علیه السلام(7) قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: علیکم بالعفو، فإن العفو لا یزید العبد إلا عزاً، فتعافوا یعزکم الله(8).


1- سورة فاطر/ 32.
2- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 79 __ 80، الفصل الثالث الحقد من نتائج الغضب. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 162 __ 163، القول فی معنی الحقد ونتائجه وفضیلة العفو والرفق.
3- أنظر: جامع السعادات، النراقی: 1/ 347، الحقد.
4- سورة الأعراف/ 199.
5- سورة البقرة/ 237.
6- الکافی، الکلینی: 2/ 107، کتاب الإیمان والکفر، باب العفو/ ح1.
7- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
8- الکافی، الکلینی: 2/ 108، کتاب الإیمان والکفر، باب العفو/ ح5.

ص: 72

وعن معتب(1) قال: کان أبو الحسن موسی علیه السلام فی حائط له یصرم(2)، فنظرت إلی غلام له قد أخذ کارة(3) من تمر فرمی بها وراء الحائط، فأتیته وأخذته وذهبت به إلیه. فقلت له: جعلت فداک إنی وجدت هذا وهذه الکارة. فقال للغلام: فلان. قال: لبیک. قال: أتجوع؟ قال: لا یا سیدی. قال: فتعری؟ قال: لا سیدی. قال: فلأی شیء أخذت هذا؟ قال: اشتهیت ذلک، قال: إذهب فهی لک، وقال: خلوا عنه(4).

وعن الکاظم علیه السلام قال: الرفق نصف العیش(5).


1- معتب: مولی أبی عبد الله الصادق علیه السلام، ثقة. رجال العلامة، العلامة الحلی: 170، الباب الحادی عشر فی الآحاد/ الرقم 6.
2- صرم الشیء: قطعه. وصرم الرجل: قطع کلامه. والانصرام: الانقطاع. والتصارم: التقاطع. والتصرم: التقطع. مختار الصحاح، الرازی : 192، مادة "صرم" .
3- الاکتیار: صرع الشیء بعضه علی بعض، وکور المتاع تکویرا: جمعه وشده. وقیل: ألقی بعضه علی بعض، ومنه: الکارة. عکم الثیاب، وکذا کارة القصار، لکونه یکور ثیابه  فی ثوب واحد ویحملها، فیکون بعضها علی بعض. تاج العروس، الزبیدی: 3/ 531، مادة "کور".
4- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 108، کتاب الإیمان والکفر، باب العفو/ ح7.
5- الکافی، الکلینی: 2/ 120، کتاب الإیمان و الکفر، باب الرفق/ ح11.

ص: 73

الباب السادس: الحسد

ص: 74

ص: 75

فی الحسد

   وهو من نتائج الحقد کما سبق، والحقد من نتائج الغضب، فهو فرع فرع الغضب. وللحسد من الفروع الذمیمة ما لا یکاد یحصی. قال الباقر علیه السلام: إن الحسد لیأکل الإیمان کما تأکل النار الحطب(1).

وقال الصادق علیه السلام: آفة الدین الحسد والعجب والفخر(2).

وعنه علیه السلام(3) قال: قال الله تعالی لموسی(4): یا بن عمران لا تحسدن الناس علی ما آتیتهم من فضلی، ولا تمدن عینیک إلی ذلک ولا تتبعه نفسک، فإن الحاسد ساخط لنعمی صادٌ لقسمی الذی قسمت بین عبادی، ومن یک کذلک فلست منه ولیس منی(5).


1- الکافی، الکلینی: 2/ 306، کتاب الإیمان والکفر، باب الحسد/ ذیل الحدیث 1.
2- منیة المرید، الشهید الثانی: 325، الباب الثالث فی المناظرة وشروطها وآدابها وآفاتها، الفصل الثانی فی آفات المناظرة وما یتولد منها من مهلکات الأخلاق.
3- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
4- فی الکافی: "قال الله عزّوجل لموسی بن عمران علیه السلام".
5- الکافی، الکلینی: 2/ 307، کتاب الإیمان والکفر، باب الحسد/ ح6.

ص: 76

وعنه علیه السلام(1) قال: اتقوا الله ولا یحسد بعضکم بعضاً __ الحدیث(2).

وفی مصباح الشریعة: قال الصادق علیه السلام: الحاسد مضر بنفسه قبل أن یضر بالمحسود، کإبلیس أورث بحسده لنفسه اللعنة ولآدم الاجتباء(3) والهدی والرفع إلی محل حقائق العهد والاصطفاء(4)، فکن محسوداً ولا تکن حاسداً، فإن میزان الحاسد أبداً خفیف یثقل میزان المحسود والرزق مقسوم فماذا ینفع الحسد الحاسد وما یضر المحسود الحسد، والحسد أصله من عمی القلب وجحود فضل الله وهما جناحان للکفر، وبالحسد وقع ابن آدم فی حسرة الأبد وهلک مهلکاً لا ینجو منه أبداً، ولا توبة للحاسد لأنه مصر علیه معتقد به مطبوع فیه، یبدو بلا معارض به ولا سبب، والطبع لا یتغیر عن الأصل وإن عولج(5).

ثم اعلم أنه لا حسد إلا علی نعمة، فإذا أنعم الله علی أخیک بنعمة فلک فیها حالتان:

إحداهما: أن تکره تلک النعمة وتحب زوالها، وهذه الحالة تسمی حسداً.


1- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
2- وسائل الشیعة، الحر العاملی: 15/ 365، کتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، باب 55 تحریم الحسد ووجوب اجتنابه دون الغبطة/ ح3.
3- اجتبی الرجل الرجل، إذا قربه، قال الله تعالی: ((فَاجْتَباهُ رَبُّهُ)) سورة القلم / 50، أی: قربه. کتاب العین، الفراهیدی: 6/ 192، مادة "جبی".
4- الاصطفاء: الاختیار، افتعال من الصفوة. والصفی: الخالص من کل شیء. واصطفاه: أخذه صفیا. لسان العرب، ابن منظور: 14/ 462، مادة "صفا".
5- أنظر: مصباح الشریعة، الإمام الصادق علیه السلام: 104، الباب الثامن والأربعون فی الحسد.

ص: 77

والثانیة: أن لا تحب زوالها ولا تکره وجودها ودوامها ولکنک تشتهی لنفسک مثلها، وهذه تسمی غبطة(1) ومنافسة، وقد یوضع أحد اللفظین بدل الآخر، ولا حجر فی الأسامی بعد فهم المعانی.

قال صلی الله علیه وآله وسلم: إن المؤمن یغبط والکافر یحسد(2)(3). وقال تعالی: ((وَ فِی ذٰلِکَ فَلْیَتَنٰافَسِ الْمُتَنٰافِسُونَ))(4).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: لا حسد إلا فی اثنین: رجل آتاه الله مالاً فسلطه الله علی هلکته(5) فی الحق، ورجل آتاه الله علماً فهو یعمل به ویعلمه الناس(6). فسمی الغبطة حسداً کما قد یسمی الحسد منافسة(7).


1- الاغتباط: شکر الله علی ما أنعم وأفضل وأعطی. والغبطة: المسرة. والغبطة أن تتمنی مثل حال المغبوط من غیر أن ترید زوالها ولا أن تتحول عنه ولیس  بحسد. لسان العرب، ابن منظور: 7/ 359، مادة "غبط".
2- فی کشف الریبة: "والمنافق یحسد".
3- کشف الریبة، الشهید الثانی: 57، الفصل الرابع فیما یلحق بالغیبة عند التدبر.
4- سورة المطففین/ 26.
5- فی کشف الریبة: "فسلطه علی هلکته".
6- کشف الریبة، الشهید الثانی: 57، الفصل الرابع فیما یلحق بالغیبة عند التدبر.
7- قال الشهید الثانی: "وإذ قد عرفت أنه لا حسد إلا علی نعمة فإذا أنعم الله علی أخیک بنعمة فلک فیها حالتان إحداهما: أن تکره تلک النعمة وتحب زوالها وهذه الحالة تسمی حسدا. والثانیة: أن لا تحب زوالها ولا تکره وجودها ودوامها ولکنک تشتهی لنفسک مثلها، وهذا یسمی: غبطة. وقد یخص باسم المنافسة، قال الله تعالی: ((وَفِی ذلِکَ فَلْیَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ)) سورة القلم/ 50. وقد تسمی المنافسة حسدا والحسد منافسة". کشف الریبة، الشهید الثانی: 56 __ 57، الفصل الرابع فیما یلحق بالغیبة عند التدبر.

ص: 78

والحسد حرام علی کل حال إلا فی نعمة أصابها فاجر أو کافر وهو یستعین بها علی تهیج الفتنة وإفساد ذات البین وإیذاء الخلق، فلا یضر کراهتها ومحبة زوالها من حیث هی آلة الفساد لا من حیث إنها نعمة، بحیث لو أمن فسادها لم یغمه تنعمه.

والحسد إنما یکثر بین أقوام تجمعهم روابط تتوارد علی أغراضهم، فإذا خالف واحد صاحبه فی غرض من أغراضه نفر(1) طبعه وأبغضه وثبت الحقد فیه، وحیث لا رابطة بین شخصین فلا تحاسد بینهما، فلذلک یحسد العالم العالم دون العابد، والتاجر یحسد مثله ولا یحسد العالم، ویحسد الرجل أخاه وابن عمه أکثر مما یحسد الأجانب، والمرأة تحسد ضرتها وسریة(2) زوجها أکثر مما تحسد أمّ الزوج وابنته، وذلک للتزاحم علی المقاصد.

وأسباب الحسد المذموم:

العداوة: بأن یکره النعمة علی المحسود لأنه عدوه، فلا یرید له الخیر.

أو التعزز: وهو أن یعلم أن المحسود یتکبر بالنعمة علیه وهو لا یطیق احتمال کبره وتفاخره لعزة نفسه.


1- نفر ینفر نفورا ونفارا: إذا فر وذهب. النهایة فی غریب الحدیث، ابن الأثیر: 5/ 92، مادة "نفر".
2- والسر: النکاح، لأنه یکتم. لسان العرب، ابن منظور: 4/ 358، مادة "سرر". تَسَرَّی الجاریةَ: من السُّرّیَّة، و قال یعقوب: أَصله تَسَرَّر من السُّرور، فأَبدلوا من إحدی الراءات یاء کما قالوا تقضَّی من تَقَضّضَ. لسان العرب، ابن منظور: 14/ 378، مادة "سرا".

ص: 79

أو الکبر: وهو أن یکون فی طبع الحاسد أن یتکبر علی المحسود ویمتنع ذلک علیه بنعمة.

أو التعجب: وهو أن تکون النعمة عظیمة والمنصب کبیراً، فیتعجب من فوز مثله بمثل تلک النعمة.

أو الخوف: من فوت المقاصد المحبوبة، وهو أن یخاف من فوت مقاصده بسبب نعمته، بأن یتوصل بها إلی مزاحمته فی أغراضه.

أو حب الریاسة: التی تبتنی علی الاختصاص بنعمة لا یساوی فیها، أو خبث نفس وبخلها وشحها بالخیر لعباد الله وإن کانت النعمة لا تثقل.

وقد تجتمع هذه الأسباب أو أکثرها فی شخص واحد فیعظم الحسد لذلک.

وعلاج الحسد علمی وعملی:

أما العلمی(1): فهو أن یعلم الحاسد أن للحسد ضرراً علیه فی الدنیا والدین، لأنه بالحسد سخط قضاء الله تعالی وکره نعمته التی قسمها لعباده وعدله الذی أقامه فی ملکه بخفی حکمته. وهذه جنایة عظیمة علی العدل الحکیم. علی أن الحاسد فارق أولیاء الله فی حبهم الخیر لعباد الله، وشارک إبلیس وسائر الکفار فی حبهم للمؤمنین البلایا وزوال النعم. قال تعالی: ((إِنْ تَمْسَسْکُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْکُمْ سَیِّئَةٌ یَفْرَحُوا بِهٰا))(2) وقال تعالی: ((وَدَّ کَثِیرٌ مِنْ أَهْلِ الْکِتٰابِ لَوْ یَرُدُّونَکُمْ مِنْ بَعْدِ إِیمٰانِکُمْ کُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ))(3).


1- فی المتن الأصلی: «ما العلمی»، والظاهر إنه محذوف الألف بسبب النسخ.
2- سورة آل عمران/ 120.
3- سورة البقرة/ 109.

ص: 80

وأما ضرره فی الدنیا فهو أن الحاسد لا یزال متألماً بالحسد مهموماً مغموماً معذباً، لأن أعداءه، لا تزال نعم الله تتجدد علیهم یوماً فیوماً وساعة فساعة ولا تزول النعمة عن المحسود بالحسد، ولو کان کذلک لما بقیت نعمة علی المؤمنین لحسد الکفار إیاهم، ولا ضرر علی المحسود أصلاً، لأن ما قدره الله تعالی له من النعم فلا حیلة فی دفعه، بل الضرر علی الحاسد کما عرفت.

والحسد ینفع المحسود فی الدنیا والآخرة:

أما فی الدنیا فهو أن أهم أغراض الخلق مساءة الأعداء وغمهم(1) وشقاوتهم وکونهم معذبین مغمومین، ولا عذاب أعظم مما فی الحاسد من ألم الحسد، وقد فعل الحاسد بنفسه ما هو مراد أعدائه.

وأما فی الدین فلأن المحسود مظلوم من جهة الحاسد، لا سیما إذا أخرجه الحسد إلی القول أو الفعل بالغیبة أو القدح(2) فیه وهتک(3) ستره وذکر مساوئه، فهذه هدایا یهدیها الحاسد إلی المحسود بانتقال حسناته إلی دیوانه، حتی یلقاه مفلساً محروماً من الحسنات، کما حرم من الراحة فی الدنیا فقد أضیف للمحسود نعمة إلی نعمة وإلی الحاسد شقاوة إلی شقاوة.


1- أمر غمة، أی: ملتبس. الصحاح، الجوهری: 5/ 1998، مادة "غمم". الغم والغمة: الکرب. لسان العرب، ابن منظور: 12/ 441، مادة "غمم".
2- قدح فی نسبه: طعن. مختار الصحاح، الرازی: 270، مادة "قدح".
3- هتک الستر: تمزیقه وخرقه. مجمع البحرین، الطریحی: 4/ 405، مادة "هتک".

ص: 81

وأما العلاج العملی: فهو أن یحکم الحسد وکل ما یتقاضاه من قول أو فعل، فینبغی أن یکلف نفسه بنقیضها، فإن بعثه الحسد علی القدح فیه کلف لسانه المدح له والثناء علیه، وإن حمله علی التکبر ألزم نفسه التواضع والاعتذار إلیه، وإن بعثه علی کف الأنعام عنه ألزم نفسه الزیادة. ومهما فعل ذلک عن تکلف وعرفه المحسود طاب قلبه وأحبه، ومهما أحبه عاد الحاسد وأحبه وتولدت بینهما الموافقة التی تقطع مادة الحسد، ویصیر ما تکلفه أولاً طبعاً آخر.

والأصل فی العلاج قمع أسباب الحسد من الکبر وعزة النفس وشدة الحرص کما یأتی إن شاء الله تعالی.

واعلم أن الحاسد له فی أعدائه ثلاثة أحوال:

الأولی: أن یحب مساءتهم بطبعه ولکنه یکره حبه لذلک ومیل قلبه إلیه بعقله، ویمقت(1) نفسه علیه ویودُّ أن یکون له حیلة فی إزالة ذلک المیل، وهذا القسم معفو عنه قطعاً لأنه غیر داخل تحت الاختیار.

الثانیة: أن یحب ذلک ویظهر الفرح بمساءته إما بلسانه أو بجوارحه، وهذا هو الحسد المحظور(2) قطعاً.

الثالثة: وهی بین الطرفین أن یحسد بالقلب من غیر مقته لنفسه علی حسده ومن غیر إنکار منه علی قلبه، لکن یحفظ جوارحه من طاعة الحسد فی مقتضاها،


1- المقت: بغض من أمر قبیح رکبه، فهو مقیت. کتاب العین، الفراهیدی: 5/ 132، مادة "مقت".
2- الحظر: یطلق بمعنی المنع والقطع، ومنه قولهم: حظرت علیه کذا، أی: منعته منه. والحظر: فهو خطاب الشارع بما فعله سبب للذم شرعا بوجه ما، من حیث هو فعله. ومن أسمائه أنه محرم ومعصیة وذنب. الأحکام، الآمدی: 1/113، الفصل الثانی  فی المحظور.

ص: 82

وهذا محل خلاف بین العارفین: فقیل إنه لا یخلو عن إثم بقدر قوة ذلک الحب وضعفه، لأنک وإن کفیت ظاهرک بالکلیة إلا أنک بباطنک تحب زوال النعمة، ولیس فی نفسک کراهة لهذه الحالة، فأنت أیضاً حسود عاصٍ لأن الحسد صفة القلب لا صفة الفعل(1)، قال تعالی: ((وَ لا یَجِدُونَ فِی صُدُورِهِمْ حٰاجَةً مِمّا أُوتُوا))(2) وقال: ((وَدُّوا لَوْ تَکْفُرُونَ کَما کَفَرُوا فَتَکُونُونَ سَوٰاءً))(3)، والفعل __ کالغیبة والوقیعة فی المحسود __ إنما هو عمل صادر عن الحسد لا عین الحسد.

وذهب ذاهبون إلی أنه لا یأثم إذا لم یظهر الحسد علی جوارحه، ویرشد إلیه کثیر من الأخبار: فروی من طرق العامة(4) بأسانید عدیدة عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم قال: وضع عن أمتی تسع خصال: الخطأ، والنسیان، وما لا یعلمون، وما لا یطیقون، وما اضطروا إلیه، وما استکرهوا علیه، والطیرة(5)، والوسوسة فی التفکیر(6) فی الخلق، والحسد ما لم یظهر بلسان أو ید(7).


1- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی:80 __ 85، الباب الثالث فی الغضب، الفصل 4 __ 7. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 167 __ 179، کتاب ذم الغضب والحقد والحسد، القول فی ذم الحسد وفی حقیقته وأسبابه ومعالجته وغایة الواجب فی إزالته.
2- سورة الحشر/ 9.
3- سورة النساء/ 89.
4- العامة: تطلق الکلمة علی جمیع المذاهب من غیر الشیعة، والذین یطلق علیهم: الخاصة، وهم شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام، الذین یعتقدون بولایته وخلافته وولایة وخلافة أبنائه المعصومین علیهم السلام. وقد مر سابقا ترجمة کلمة الخاصة فراجع.
5- الطیرة: بکسر الطاء وفتح الیاء، وقد تسکن: هی التشاؤم بالشیء. وهو مصدر تطیر. یقال: تطیر طیرة، وتخیر خیرة. النهایة فی غریب الحدیث، ابن الأثیر: 3/ 152، حرف الطاء.
6- فی الکافی: "التفکر" بدل "التفکیر".
7- الکافی، الکلینی: 2/ 463، کتاب الإیمان والکفر، باب ما رفع عن الأمة/ ح2.

ص: 83

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم قال: ثلاث لا ینجو منهن أحد: الظن، والطیرة، والحسد. وسأحدثکم بالمخرج من ذلک: إذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطیرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ(1)(2).

وفی روایة أخری: ثلاث لا ینجو منهن أحد وقلّ من ینجو منهن... إلی آخرها(3).

وفی روایة أخری: ثلاثة فی المؤمن له منهن مخرج، ومخرجه من الحسد أن لا یبغی(4).


1- البغی: التعدی. وبغی علیه استطال، وبابه رمی، وکل مجاوزة وإفراط علی المقدار الذی هو حد الشیء فهو بغی. مختار الصحاح، الرازی: 38، مادة "بغی".
2- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 127، باب ما جاء فی الحسد.
3- المصدر السابق.
4- بحار الأنوار،المجلسی:70/243،کتاب الإیمان والکفر،باب 131 الحسد/ بیان الحدیث1.

ص: 84

ص: 85

الباب السابع: الریاء

اشارة

ص: 86

ص: 87

فی الریاء وتحقیق الکلام فیه فی فصول

الفصل الأول: فی ذمه وحرمته

قال الله تعالی: ((وَیْلٌ(1) لِلْمُصَلِّینَ (4) الَّذِینَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سٰاهُونَ (5) الَّذِینَ هُمْ یُرٰاؤُنَ (6) وَیَمْنَعُونَ الْمٰاعُونَ))(2) وقال تعالی: ((یُرٰاؤُنَ النّاسَ وَلا یَذْکُرُونَ اللَّهَ إِلاّ قَلِیلاً))(3) وقال تعالی: ((کَالَّذِی یُنْفِقُ مٰالَهُ رِئاءَ النّاسِ))(4) وقال تعالی: ((فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا یُشْرِکْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً))(5).

وقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إن أخوف ما أخاف علیکم الشرک الأصغر. قالوا: وما الشرک الأصغر یا رسول الله؟ قال: الریاء(6)، یقول

 الله تعالی یوم القیامة إذا


1- فی النص القرآنی: "فویل".
2- سورة الماعون/ 4 __ 7.
3- سورة النساء/ 142.
4- سورة البقرة/ 264.
5- سورة الکهف/ 110.
6- فی المنیة: "هو الریاء".

ص: 88

جازی العباد بأعمالهم: اذهبوا إلی الذین کنتم تراؤون لهم(1) فی الدنیا فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء! (2).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: یقول الله تعالی: من عمل عملاً أشرک فیه غیری فهو له کله وأنا منه برئ، وأنا أغنی الأغنیاء عن الشرک(3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: لا یقبل الله عملاً فیه مقدار ذرة من ریاء(4).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: إن أدنی الریاء شرک(5).

وعن الصادق علیه السلام قال: قال الله تعالی(6): أنا خیر شریک، من أشرک معی غیری فی عمل عمله لم أقبله إلا ما کان لی خالصاً(7).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم قال(8): قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: سیأتی علی الناس زمان تخبث فیه سرائرهم وتحسن فیه علانیتهم طمعاً فی الدنیا، لا یریدون به ما عند ربهم، یکون دینهم ریاء، لا یخالطهم خوف، یعمهم الله بعقاب فیدعونه دعاء الغریق فلا یستجاب(9) لهم(10).


1- لیس فی المنیة: "لهم".
2- منیة المرید، الشهید الثانی: 317 __ 318، الباب الثالث فی المناظرة وشروطها وآدابها وآفاتها، الفصل الثانی فی آفات المناظرة وما یتولد منها من مهلکات الأخلاق.
3- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/ 140، کتاب ذم الجاه والریاء، بیان ذم الریاء.
4- عدة الداعی، ابن فهد الحلی: 228، الباب الرابع فی کیفیة الدعاء، القسم الثالث فی الآداب المتأخرة عن الدعاء. وفیه النص: "إن الله لا یقبل عملا فیه مثقال ذرة من ریاء".
5- عیون الحکم والمواعظ، اللیثی: 141، الفصل الثانی عشر.
6- فی الکافی:"عن علی بن سالم، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: قال الله عزّوجل: ... الحدیث".
7- الکافی، الکلینی: 2/ 295، کتاب الإیمان والکفر، باب الریاء/ ح 9.
8- فی الکافی: "عن أبی عبد الله علیه السلام، قال ... الحدیث".
9- فی الکافی: "فلا یستجیب".
10- الکافی، الکلینی: 2/ 296، کتاب الإیمان والکفر، باب الریاء/ ح 14.

ص: 89

وعنه علیه السلام(1) قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إن الملک یصعد بعمل العبد مبتهجاً(2) به، فإذا صعد بحسناته یقول الله(3): «اجعلوها فی سجین(4)، إنه لیس إیای أراد به»(5).


1- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
2- بهج به، أی: فرح به وسر. الصحاح، الجوهری: 1/ 300، مادة "بهج".
3- فی المنیة والبحار: "الله عزّوجل".
4- سجین (فیه کتاب الفجار) وقال ابن عباس رضی الله تعالی عنهما: ودواوینهم کما فی الصحاح، قال أبو عبیدة: وهو فعیل من السجن، کالفسیق من الفسق، ومنه قوله تعالی: ((کَلاّ إِنَّ کِتابَ الفُجّارِ لَفِی سِجِّینٍ)) (سورة المطففین/7) وقال ابن عرفة: هو من سجنت، أی: هو محبوس علیهم کی یجازوا بما فیه (و) قیل (واد فی جهنم أعاذنا الله تعالی منها) وجزم البیضاوی فی هود، أنه: جهنم نفسها. وقال ابن الأثیر: هو اسم علم للنار. وقال الراغب: هو اسم لجهنم بإزاء علیین، وزید لفظه تنبیها علی زیادة معناه. (أو حجر فی الأرض السابعة) و به فسرت الآیة أیضا. وقال مجاهد: هو اسم الأرض السابعة. وقیل فی سجین، أی: فی حساب. وقیل معنی الآیة: کتابهم فی حبس لخساسة منزلتهم عند الله عزّوجل، وأما قول الخفاجی: سجین کتاب جامع لأعمال الکفرة، فذکر الراغب: أن کل شئ ذکره الله عزّوجل بقوله: وما أدراک. فسره، وکل ما ذکره بقوله وما یدریک ترکه مبهما. وفی هذا الموضع ذکر: ((وَما أَدْراکَ ما سِجِّینٌ)) (سورة المطففین/ 8) وکذا فی قوله عزّوجل: ((وَما أَدْراکَ ما عِلِّیُّونَ)) (سورة المطففین/ 19) ثم فسر الکتاب لا السجین والعلیین، قال: وفی هذه لطیفة موضعها الکتب المطولات (و) السجین (العلانیة) یقال فعل ذلک سجینا، أی: علانیة. تاج العروس، الزبیدی: 9/ 231، فصل السین.
5- منیة المرید، الشهید الثانی: 318، الباب الثالث فی المناظرة وشروطها، الفصل الثانی فی آفات المناظرة. بحار الأنوار، المجلسی: 69/ 303، کتاب الإیمان والکفر، باب 116 الریاء/ ح50.

ص: 90

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: ثلاث علامات للمرائی: ینشط إذا رأی الناس، ویکسل إذا کان وحده، ویحب أن یحمد فی کل أموره(1)(2).

وقال علیه السلام(3): أخشوا الله خشیة لیست بتقدیر(4)، واعملوا فی غیر ریاء(5) ولا سمعة، فإنه من عمل لغیر الله وکّله الله إلی عمله(6).

وقال الصادق علیه السلام: اجعلوا أمرکم هذا لله ولا تجعلوه للناس، فإنه ما کان لله فهو لله وما کان للناس فلا یصعد إلی الله(7).

وعنه علیه السلام(8): کل ریاء شرک، إنه من عمل للناس کان ثوابه علی الناس، ومن عمل لله کان ثوابه علی الله(9).

وعنه علیه السلام(10) فی قول الله عزّوجل ((فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا یُشْرِکْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ))(11) قال: الرجل یعمل شیئاً من الثواب لا یطلب به وجه الله، إنما یطلب تزکیة الناس یشتهی أن یسمع به الناس، فهذا الذی


1- فی الکافی: "فی جمیع أموره".
2- الکافی، الکلینی: 2/ 295، کتاب الإیمان والکفر، باب الریاء/ ح8.
3- أی: "أمیر المؤمنین علیه السلام".
4- فی الکافی: "لیست بتعذیر".
5- فی الکافی: "واعملوا لله فی غیر ریاء".
6- الکافی، الکلینی: 2/ 297، کتاب الإیمان والکفر، باب الریاء/ ح17.
7- الکافی، الکلینی: 2/ 293، کتاب الإیمان والکفر، باب الریاء/ ح2.
8- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
9- مشکاة الأنوار، الطبرسی: 311، الفصل الثالث فی الریاء.
10- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
11- سورة الکهف/ 110.

ص: 91

أشرک بعبادة ربه. ثم قال: ما من عبد سرّ(1) خیراً فذهبت الأیام أبداً حتی یظهر الله له خیراً، وما من عبد یسر شراً فذهبت الأیام حتی یظهر الله له شراً(2).

وعنه علیه السلام(3): ما یصنع أحدکم إن یظهر حسناً ویسر سیئاً، ألیس یرجع إلی نفسه فیعلم أن ذلک لیس کذلک، والله تعالی(4) یقول: (( بَلِ الإِْنْسانُ عَلی نَفْسِهِ بَصِیرَةٌ))(5) إن السریرة إذا صحت قویت العلانیة(6).

الفصل الثانی: فی حقیقة الریاء والفرق بینه وبین السمعة وأقسام الریاء

أصل الریاء من الرؤیة: وهی طلب المنزلة فی قلوب الناس بإراءتهم خصال الخیر. والسمعة من السماع: وهی طلب المنزلة فی قلوب الناس بإسماعهم ما یوجب ذلک(7).

وحدّ الریاء: هو إرادة المنزلة بطاعة الله تعالی. والمرئی هو العابد. والرائی هو الناس المطلوب رؤیتهم لطلب المنزلة فی قلوبهم. والمراءی به هی الخصال التی قصد المرائی إظهارها. والریاء هو قصده إظهار ذلک.


1- فی الکافی: "أسر".
2- الکافی، الکلینی: 2/ 293 __ 294، کتاب الإیمان والکفر، باب الریاء/ ح4.
3- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
4- فی الکافی: "والله عزّوجل".
5- سورة القیامة/ 14.
6- الکافی، الکلینی: 2/ 295، کتاب الإیمان والکفر، باب الریاء/ ح11.
7- أنظر: بحار الأنوار، العلامة المجلسی: 69/ 266، کتاب الإیمان والکفر، باب 116 الریاء/ بیان الحدیث 1. 

ص: 92

والمراءی به کثیر وتجمعه خمسة أقسام، وهی: مجامع ما یتزین به العبد للناس البدن والزی، والقول، والعمل، والأتباع، والأشیاء الخارجة.

وأهل الدنیا یراؤون بهذه الأسباب الخمسة، إلا أن طلب الجاه وقصد الریاء بأعمال لیست من جملة الطاعات أهون الریاء بالطاعات.

القسم الأول: الریاء فی الدین بالبدن بإظهار النحول والصفار، لیوهم بذلک شدة الاجتهاد وعظم الحزن علی أمر الدین وغلبة خوف الآخرة وقلة الأکل وسهر اللیل، ویقرب منه خفض الصوت وإغارة العینین وذبول الشفتین لیوهم أنه مواظب علی الصوم، ولهذا قال عیسی علیه السلام: إذا صام أحدکم فلیدهن رأسه ویرجل شعره ویکحل عینیه(1). وذلک لخوف الریاء.

القسم الثانی: الریاء بالزی والهیئة، کتشعث(2) شعر الرأس وحلق الشارب وإطراق الرأس فی المشی والهدوء فی الحرکة وإبقاء أثر السجود علی الوجه وغلظ الثیاب وتشمیرها وترقیع الثوب لإظهار أنه متابع للسنة غیر مقبل علی الدنیا.

القسم الثالث: الریاء بالقول، کالوعظ والتذکیر والنطق بالحکمة وحفظ الأخبار والآثار وتحریک الشفتین بمحضر الناس والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر بمشهد الخلق ونحو ذلک.

الرابع: الریاء بالأعمال، کمراءاة المصلی بطول القیام والرکوع والسجود وإطراق الرأس وترک الالتفات ونحو ذلک.


1- إحیاء علوم الدین،الغزالی:3/263،کتاب ذم الجاه والریاء،بیان حقیقة الریاء وما یراءی به.
2- رجل أشعث شعث شعثان الرأس، وقد شعث شعثا وشعاثا وشعوثة وشعثته أنا تشعیثا، وهو المغبر الرأس، المتلبد الشعر جافا غیر دهین. کتاب العین، الفراهیدی: 1/ 244، مادة "شعث".

ص: 93

الخامس: المراءاة بالأصحاب والزائرین والمخالطین، بأن یکثر التردد إلی العلماء والعباد والزهاد والفقراء والمساکین، أو یصیر سبباً لکثرة ترددهم إلیه لیقال إنه عظیم الرتبة فی الدین(1).

الفصل الثالث: فی درجات الریاء

إعلم أن الریاء یتفاوت فبعضه أشد وأغلظ من بعض، ویختلف باختلاف أرکانه، وأرکانه ثلاثة: المراءی به، والمراءی لأجله، ونفس قصد الریاء:

الرکن الأول: نفس قصد الریاء وله درجات أربع:

«الأولی» __ وهی أغلظها __ أن لا یکون مراده الثواب أصلاً، کالذی یصلی بین أظهر الناس الفرض أو النفل ولو انفرد لم یصلِ.

«الثانیة» أن یکون له قصد الثواب أیضاً قصداً ضعیفاً.

«الثالثة» أن یکون قصد الثواب وقصد الریاء متساویین، بحیث لو کان کل منهما خالیاً من الآخر لم یبعثه علی العمل.

«الرابعة» أن یکون اطلاع الناس مرجحاً ومقویاً  لنشاطه، ولو لم یکن لکان لا یترک العبادة. والکل حرام ومبطل للعمل لما تقدم من قوله تعالی فی الحدیث القدسی: «أنا أغنی الأغنیاء عن الشرک»(2)، وقوله تعالی: ((وَلا


1- أنظر: إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 263 __ 264، کتاب ذم الجاه والریاء، بیان حقیقة الریاء وما یراءی به.
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید: 2/ 180، بیان الخطبة 32.

ص: 94

یُشْرِکْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً))(1). وقوله علیه السلام(2) فی علامة المرائی: یکسل فی الخلوة وینشط عند الناس(3).

الرکن الثانی: المراءی به وهو الطاعات، وهو ینقسم إلی: الریاء بأصول العبادات، وإلی الریاء بأوصافها:

القسم الأول: له درجات ثلاث:

«الأولی» الریاء بأصل الإیمان وهو أغلظ أبواب الریاء، وأصحابه من المنافقین المخلدین فی النار، وربما کان حال هذا أشد من الکافر حیث جمع بین کفر الباطن ونفاق الظاهر.


1- سورة الکهف/ 110.
2- أمیر المؤمنین علیه السلام.
3- الکافی، الکلینی: 2/ 295، کتاب الإیمان والکفر، باب الریاء/ ح8. وفیه النص: «ثَلاثُ عَلاماتٍ لِلْمُرائِی: یَنْشَطُ إِذَا رَأی النّاسَ، وَیَکْسَلُ إِذَا کَانَ وَحْدَهُ، وَیُحِبُّ أَنْ یُحْمَدَ فِی جَمِیعِ أُمُورِهِ».

ص: 95

«الثانیة» الریاء بأصول العبادات مع التصدیق بأصول الدین. کالریاء بالصلاة والزکاة والحج والجهاد، وهذا أهون من الأول.

«الثالثة» الریاء بالنوافل والسنن التی لو ترکها لا یعصی ولکن یکسل عنها فی الخلوة وینشط عند الناس.

القسم الثانی: الریاء بأوصاف العبادات لا بأصولها، وهی أیضاً علی ثلاث درجات:

«الأولی» أن یرائی بفعل ما فی ترکه نقصان العبادة، کالذی یکون غرضه تخفیف القراءة والرکوع والسجود فإذا رآه الناس أحسن الرکوع والسجود والقیام.

«الثانیة» أن یرائی بفعل ما لا نقصان فی ترکه ولکن فعله فی حکم التتمة والتکملة للعبادة، کالتطویل فی الرکوع والسجود ومدّ القیام وتحسین الاعتدال وطول القراءة والتأنی فیها وفی الأذکار.

«الثالثة» أن یرائی بزیادات خارجة عن نفس النوافل، کحضوره الجماعة قبل القوم وقصده الصف الأول ویمین الإمام(1) ونحو ذلک.

الرکن الثالث: المراءی لأجله وله درجات ثلاث:

«الأولی» وهی أشدها __ أن یکون مقصده التمکن من معصیة، کالذی یرائی بعباداته ویظهر التقوی والورع بکثرة النوافل والامتناع من أکل الشبهات، وغرضه أن یعرف بالأمانة فیولی القضاء والأوقاف والوصایا أو مال الأیتام فیأخذها أو یودع الودائع فیجحدها.

«الثانیة» أن یکون غرضه نیل حظ مباح من حظوظ الدنیا من مال أو نکاح امرأة جمیلة أو شریفة.

«الثالثة» أن یکون غرضه أن لا ینظر إلیه بعین النقص وأن یعدّ من الخاصة والزهاد، کالذی یمشی مستعجلاً فیطلع علیه الناس فیحسن المشی ویترک العجلة کی لا یقال إنه من أهل اللهو والسهو لا من أهل الوقار، أو یبدر منه المزاح فیخاف أن ینظر إلیه بعین الاحتقار فیتبع ذلک بالاستغفار وتنفس الصعداء وإظهار الحزن.


1- انظر: بحار الأنوار، المجلسی: 69/ 273، کتاب الإیمان والکفر، باب 116 الریاء/ بیان الحدیث 1.

ص: 96

تقسیم آخر الریاء منه: جلی، وخفی، وأجلی، وأخفی:

فالجلی الذی یبعث علی العمل ویحمل علیه.

وأخفی منه ما لا یحمل علی العمل بمجرده إلا أنه یخفف العمل، کالذی یعتاد التهجد کل لیلة ویثقل علیه، فإذا دخل علیه الضیوف نشط.

وأخفی من ذلک أن یعرض بإظهار العمل بالشمائل، کإظهار النحول والصفار وخفض الصوت وجفاف الریق وآثار الدموع وغلبة النعاس الدال علی طول التهجد.

وأخفی من ذلک أن یختفی بحیث لا یرید الإطلاع ولا یسر بظهور طاعته، ولکنه إذا رأی الناس أحب أن یبدأوه بالسلام، وأن یقابلوه بالبشاشة والتوقیر، وأن یثنوا علیه وینبسطوا فی قضاء حوائجه، ویوسعوا له فی المکان، وإن قصر فیه مقصر ثقل علی قلبه، ولو لم تسبق منه تلک الطاعات والعبادات لما توقع ذلک.

وقد یکون العمل مخفیاً قد قصد به وجه الله تعالی ولکن لما اتفق اطلاع غیره علیه استرّ بذلک، فإن کان قصده إخفاء الطاعة والإخلاص لله ولکن لما اطلع علیه الخلق علم أن الله أطلعهم علیه وأظهر الجمیل من أحواله فیستدل به علی حسن صنیع الله به ونظره له وإلطافه به، فیکون فرحه بجمیل نظر الله لا بحمد الناس وقیام المنزلة فی قلوبهم، ولا بأس بذلک، قال تعالی: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذٰلِکَ فَلْیَفْرَحُوا))(1)، وکذا إذا استدل بإظهار الله الجمیل وستره القبیح علیه فی الدنیا أنه کذلک یفعل به فی الآخرة، إذ قال صلی الله علیه وآله وسلم: ما ستر الله علی عبد فی الدنیا إلا ستر علیه فی الآخرة(2) فیکون الأول فرحاً بالقبول فی الحال.


1- سورة یونس/ 58.
2- عدة الداعی، ابن فهد الحلی: 224، الباب الرابع فی کیفیة الدعاء، القسم الثالث فی الآداب المتأخرة عن الدعاء.

ص: 97

وهذا التفات إلی المستقبل، وکذا إذا کان سروره من حیث رغبة المطلعین علی الاقتداء به فی الطاعة فیتضاعف بذلک أجره، فیکون له أجر العلانیة بما أظهر آخراً وأجر السر بما قصده أولاً، ومن اقتدی به فی طاعة فله أجر أعمال المقتدین به من غیر أن ینقص من أجورهم شیء(1).

وکذا إذا فرح بطاعتهم لله فی مدحهم إیاه وبحبهم للمطیع وبمیل قلوبهم إلی الطاعة، کما روی أن رجلاً قال لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: یا رسول الله أسرُّ العمل لا أحب أن یطلع علیه أحد، فیطلع علیه فیسرنی؟ قال: لک أجران أجر السر وأجر العلانیة(2).

وعن الباقر علیه السلام أنه سئل عن الرجل یعمل الشیء من الخیر فیراه إنسان فیسره ذلک؟ قال: لا بأس، ما من أحد إلا وهو یحب أن یظهر الله له فی الناس الخیر إذا لم یکن صنع ذلک لذلک(3).

وأما إذا کان فرحه وسروره من حیث قیام منزلته فی قلوب الناس حتی یمدحوه ویعظموه ویقوموا بقضاء حوائجه ویقابلوه بالإکرام فی مصادره وموارده فهو ریاء مذموم(4).

ومن جملة أقسام الریاء ترجیحه العمل فی الملأ علی الخلاء، وعدّ بعضهم عکسه أیضاً ریاء، لأنه لو کان عمله خالصاً لله لما تفاوت عنده الخلاء والملاء.


1- عن إسماعیل الجعفری، قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام، یقول: من استن بسنة عدل فاتبع کان له أجر من عمل بها من غیر أن ینقص من أجورهم شی ء، و من استن بسنة جور فاتبع کان له مثل وزر من عمل به من غیر أن ینقص من أوزارهم شی ء. المحاسن، البرقی:1/27، کتاب ثواب الأعمال، السادس ثواب من سن سنة عدل/ ح8.
2- بحار الأنوار،المجلسی:69/274،کتاب الإیمان والکفر،باب 116 الریاء/ بیان الحدیث1.
3- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 297، کتاب الإیمان والکفر، باب الریاء/ ح 18.
4- أنظر: إحیاء علوم الدین، الغزالی:3/ 266 __ 271،کتاب ذم الجاه والریاء، بیان درجات الریاء.

ص: 98

ومن جملة أقسامه ترک العمل خوفاً من الوقوع فی الریاء، فإنه قد أراح الشیطان من الإفساد.

تقسیم آخر قد یکون الریاء بغیر العبادات، وهو قد یکون مستحباً وقد یکون واجباً، إذ یجب علی المؤمن صیانة عرضه وأن لا یفعل ما یعاب علیه، فلا یلیق بذوی المروءات أن یرتکبوا الأمور الخسیسة بأنفسهم عند مشاهدة الناس وإن جاز لهم فی الخلوة، ولهذا ورد الأمر بالتزین(1) وإظهار النعمة(2) وإظهار الغنی(3) وکتم الفقر(4) ونحو ذلک من الشریعة المقدسة.

وروی أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أراد یوماً أن یخرج علی أصحابه وکان ینظر فی جب(5) من الماء ویسوی عمامته وشعره، فقیل له، أو تفعل ذلک یا رسول الله؟ قال: نعم إن الله یحب من العبد أن یتزین لإخوانه إذا خرج إلیهم(6).


1- قال تعالی: ((یا بَنِی آدَمَ خُذُوا زِینَتَکُمْ عِنْدَ کُلِّ مَسْجِدٍ وَکُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُسْرِفِینَ)) سورة الأعراف/31.
2- قال تعالی: ((یا أَیُّها الَّذِینَ آمَنُوا اذْکُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَیْکُمْ)) سورة الأحزاب/ 9.
3- قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «إظهار الغنی من الشکر». غرر الحکم، الآمدی: 279، طریق الشکر/ ح1.
4- قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: «یا علی إن الله جعل الفقر أمانة عند خلقه فمن ستره کان کالصائم القائم، و من أفشاه إلی من یقدر علی قضاء حاجته فلم یفعل فقد قتله، أما إنه ما قتله بسیف و لا رمح، و لکن بما أنکر من قلبه». جامع الأخبار، الشعیری: 112، الفصل الثامن والستون فی کتمان الفقر.
5- الجب: بئر غیر بعیدة القعر. کتاب العین، الفراهیدی: 6/ 25، مادة  "جب".
6- أنظر:إحیاء علوم الدین،الغزالی:3/265،کتاب ذم الجاه والریاء،بیان حقیقة الریاء وما یراءی به.

ص: 99

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: لیتزین أحدکم لأخیه المسلم کما یتزین للغریب الذی یحب أن یراه فی أحسن الهیئة(1).

وقال الصادق علیه السلام: الثوب النقی یکبت العدو(2)... وکل ذلک ریاء محبوب.

الفصل الرابع: فی سبب الریاء وعلاجه

إعلم أن الریاء بالعبادة إنما ینشأ من حب لذة الحمد، والفرار من ألم المذمة، والطمع مما فی أیدی الناس، فالعلاج أن یعرف العبد مضرة الریاء، وما یفوته من صلاح قلبه، وما یحرم عنه فی الحال من التوفیق وفی الآخرة من المنزلة عند الله، وما یتعرض له من العقاب والمقت(3) والخزی(4)، وما یفوته من ثواب الآخرة ورضاء الله وأنه قد أتعب بدنه وأحبط أجره، وقد خسر الدنیا والآخرة لما یتعرض له فی الدنیا من تشتت الهم بسبب ملاحظة قلوب الخلق، فإن رضاء الناس غایة لا تدرک(5)، وکلما یرضی به فریق یسخط به فریق، ورضاء بعضهم فی سخط بعض، ومن طلب رضاهم فی سخط الله سخط الله علیهم وأسخطهم علیه(6).


1- الکافی، الکلینی: 6/ 439 __ 440، کتاب الزی والتجمل والمروءة، باب التجمل وإظهار النعمة/ ح10.
2- الکافی، الکلینی: 6/ 441، کتاب الزی والتجمل والمروءة، باب اللباس/ ح1.
3- مقته مقتا: أبغضه. لسان العرب، ابن منظور: 2/ 90، مادة "مقت".
4- الخزی: ذل مع افتضاح، وقیل هو: الانقماع لقبح الفعل. الفروق اللغویة، العسکری: 215/ الرقم 840.
5- أنظر:مجموعة ورام،ورام بن أبی فراس:1/ 192، بیان الرخصة فی کتمان الذنوب.
6- أنظر: رسائل الشهید، الشهید الثانی: 1/ 153.

ص: 100

والأمور کلها والقلوب بید الله یقلبها کیف یشاء(1)، «ومن أصلح فی ما بینه وبین الله أصلح الله فی ما بینه وبین الناس»(2)، ومن أسخط الله الذی بیده جمیع الأمور برضاء الناس الذین ((لا یَمْلِکُونَ لأَِنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا))(3) ولا موتاً ولا حیاة ولا نشوراً(4) فهو أحمق سفیه(5)، وکیف یبعثه علی العمل الطمع بما فی أیدی الناس وهو یعلم أن الله هو المسخر للقلوب بالمنع والإعطاء.

ومهما تکن عند امرئ من خلیق__ة

وإن خالها تخفی علی الناس تعلم(6)

وربما کشف الله للناس خبث سره فیمقتوه ویکرهوه ویخسر الدنیا والآخرة، ولا بد من کشف سره علی رؤوس الأشهاد یوم حشر العباد، ولو أخلص لله عمله لکشف الله لهم إخلاصه وحببه إلیهم وسخرهم له، وأطلق ألسنتهم بحمده والثناء علیه. هذا کله مع أنه لا کمال فی مدحهم ولا نقص فی ذمهم، ولو کان راغباً فی


1- عن حمران قال سمعت أبا جعفر علیه السلام، یقول: «إذا کان الرجل علی یمینک علی رأی ثم تحول إلی یسارک فلا تقل إلا خیرا ولا تبرأ منه حتی تسمع منه ما سمعت وهو علی یمینک فإن القلوب بین إصبعین من أصابع الله یقلبها کیف یشاء ساعة کذا وساعة کذا وإن العبد ربما وفق للخیر». علل الشرائع، الصدوق: 2/ 604، باب 385 نوادر العلل/ ح75.
2- من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق: 4/ 396، من ألفاظ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الموجزة / ذیل حدیث 5845.
3- سورة الرعد/ 16.
4- إشارة إلی قوله تعالی: ((وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا یَخْلُقُونَ شَیْئاً وَهُمْ یُخْلَقُونَ وَلا یَمْلِکُونَ لأَِنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا یَمْلِکُونَ مَوْتاً وَلا حَیاةً وَلا نُشُوراً)) سورة الفرقان/ الآیة 3.
5- السفیه: الجاهل. لسان العرب، ابن منظور: 13/ 498، مادة "سفه".
6- شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید: 18/ 137. وفیه: قال زهیر بن أبی سلمی: البیت.

ص: 101

المدح وخائفاً من الذم فلیرغب فی مدح الملائکة المقربین، بل فی مدح رب العالمین، ولیخش من ذمه وذمهم.

ثم ینبغی أن یعود نفسه إخفاء العبادات وإغلاق الأبواب دونها کما تغلق الأبواب دون الفواحش، ویجعل قلبه قانعاً بعلم الله واطلاعه علی عبادته، ولا تنازعه نفسه إلی طلب علم غیر الله به، وإذا واظب علی ذلک مدة سقط عنه ثقله(1).

ولیستعن بالله ویجاهد، «فمن العبد المجاهدة ومن الله الهدایة»(2) ((وَالَّذِینَ جاهَدُوا فِینٰا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنا))(3) و((اللّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ))(4).


1- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 87 __ 88، الباب الرابع فی الریاء والکبر والعجب وعلاجهم، الفصل الأول الریاء فی العبادة. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 274 __ 277، کتاب ذم الجاه والریاء، بیان دواء الریاء وطریقة معالجة القلب فیه.
2- رسائل الشهید، الشهید الثانی: 156، أسرار الصلاة.
3- سورة العنکبوت/ 69.
4- سورة التوبة/ 120.

ص: 102

ص: 103

الباب الثامن: العجب

اشارة

ص: 104

ص: 105

فی العجب

وهو غالباً إنما یقع بعد تصفیة العمل من شوائب الریاء، والکلام فیه یقع فی فصول:

الفصل الأول: فی حقیقته وأقسامه والفرق بینه وبین الإدلال

العجب هو إعظام النعمة والرکون إلیها مع نسیان إضافتها إلی المنعم(1). وفی الکافی عن علی بن سوید(2) عن أبی الحسن علیه السلام(3) قال: سألته عن العجب الذی یفسد العمل؟ فقال: للعجب درجات: منها أن یزین للعبد سوء عمله فیراه حسناً ویحسب أنه یحسن صنعاً، ومنها أن یؤمن العبد بربه فیمنّ علی الله ولله علیه فیه المنّة(4).


1- الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 96، الفصل السادس فی العجب.
2- علی بن سوید: الظاهر من طریق السند وطبقته فی الحدیث أنه: علی بن سوید السائی  الثقة. أنظر: رجال الطوسی، الشیخ الطوسی: 359، باب العین / الرقم 6. معجم رجال الحدیث، السید الخوئی: 13/ 56 __ 57/ الرقم 8199.
3- الإمام موسی بن جعفر علیه السلام.
4- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 313، کتاب الإیمان والکفر، باب العجب/ ح 3.

ص: 106

ثم إذا کان خائفاً علی زوال تلک النعمة مشفقاً علی تکدرها أو یکون فرحه بها من حیث إنها من الله فلیس بمعجب، بل هو إعظام النعمة مع نسیان إضافتها إلی المنعم، وإذا انضاف إلی ذلک أن غلب علی نفسه أن له عند الله حقاً وأنه منه بمکان حتی توقع بعمله کرامة له فی الدنیا، واستبعد أن یجری علیه مکروه استبعاداً یزید علی استبعاده فی ما یجری علی الفساق سمی هذا الإدلال بالعمل، فکأنه یری لنفسه علی الله دالة. وکذلک قد یعطی لغیره شیئاً فیستعظمه ویمن علیه فیکون معجباً، فإن استخدمه واقترح علیه الاقتراحات أو استبعد تخلفه عن قضاء حقوقه کان مدلاً علیه.

وآفات العجب کثیرة، فإنه یدعو إلی الکبر لأنه أحد أسبابه، ویتولد من الکبر الآفات الکثیرة، ویدعو إلی نسیان الذنوب وإهمالها لظنه أنه مستغنٍ عن تفقدها، ویدعو إلی استعظام العبادات والطاعات والمنة بها علی الله، وکفی بذلک نقصاً. ویدعو إعجابه بها إلی التعامی عن آفاتها، والمعجب یغتر بنفسه وبربه ویأمن مکر الله ولا یأمن مکر الله إلا القوم الخاسرون(1).

ویمنعه العجب عن الاستشارة والاستفادة والتعلم، فیبقی فی ذل الجهل.

وربما یعجب برأیه الخطأ فی الأصول والفروع فیهلک(2).


1- إشارة لقوله تعالی: ((أَفَأَمِنُواْ مَکْرَ اللّهِ فَلا یَأْمَنُ مَکْرَ اللّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ)) سورة الأعراف/99.
2- أنظر:الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 97 __ 98، الباب الرابع فی الریاء والکبر والعجب وعلاجهم، الفصل السابع آفات العجب. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 325 __ 326، کتاب ذم الکبر والعجب، بیان آفة العجب.

ص: 107

الفصل الثانی: فی ما ورد فی ذمه

قال الله تعالی فی معرض الإنکار: ((وَیَوْمَ حُنَیْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْکُمْ کَثْرَتُکُمْ))(1) وقال تعالی: ((وَظَنُّوا أَنَّهُم مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِنَ اللّهِ فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَیْثُ لَمْ یَحْتَسِبُوا))(2) فرد علی الکفار فی إعجابهم بحصونهم وشوکتهم(3). وقال تعالی: ((الَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَهُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً))(4) وقال تعالی: ((أَفَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً))(5) وهو یرجع إلی العجب بالعمل(6).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: ثلاث مهلکات: شح مطاع، وهوی متبع، وإعجاب المرء بنفسه(7).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: لو لم تذنبوا لخشیت علیکم ما هو أکبر من ذلک: العجب العجب(8).


1- سورة التوبة/ 25.
2- سورة الحشر/ 2.
3- إحیاء علوم الدین،الغزالی: 3/ 325، کتاب ذم الکبر والعجب،بیان ذم العجب وآفاته.
4- سورة الکهف/ 104.
5- سورة فاطر/ 8.
6- إحیاء علوم الدین،الغزالی:3/325،کتاب ذم الکبر والعجب،بیان ذم العجب وآفاته.
7- عوالی اللئالی، ابن أبی جمهور: 1/ 273، الفصل العاشر فی أحادیث تتضمن شیئا من الآداب الدینیة/ ح96.
8- شرح أصول الکافی، المازندرانی: 8/200. بحار الأنوار، المجلسی: 69/329، کتاب الإیمان والکفر، باب 119 ذم الشکایة من الله وعدم الرضا بقسم الله / ح 12. وفی ذیل الحدیث: "العجب" مرة واحدة.

ص: 108

وقال الصادق علیه السلام: إن الله تعالی(1) علم أن الذنب خیر للمؤمن من العجب، ولولا ذلک ما ابتلی مؤمناً(2) بذنب أبداً(3).

وقال علیه السلام(4): من دخله العجب هلک(5).

وقال علیه السلام(6): إن الرجل لیذنب الذنب فیندم علیه ویعمل العمل فیسره ذلک فیتراخی عن حاله تلک، فلئن یکون علی حاله تلک خیر له مما دخل فیه(7).

وعنه علیه السلام(8) قال: أتی عالم عابداً فقال له: کیف صلواتک؟ فقال: مثلی یسأل عن صلواته وأنا أعبد الله منذ کذا وکذا. قال: فکیف بکاؤک؟ قال: أبکی حتی تجری دموعی. فقال العالم: إن ضحکک وأنت خائف أفضل من بکائک وأنت مدلّ إن المدل لا یصعد من عمله شیء(9).

وعنه علیه السلام(10) قال:دخل رجلان المسجد أحدهما عابد والآخر فاسق فخرجا من المسجد والفاسق صدّیق والعابد فاسق، وذلک أنه یدخل العابد المسجد مدلاً(11) بعبادته


1- لیس فی الکافی: "تعالی".
2- فی الکافی: "مؤمن" بدل "مؤمنا".
3- الکافی، الکلینی: 2/ 313، کتاب الإیمان والکفر، باب العجب/ ح1.
4- الإمام الصادق علیه السلام.
5- الکافی، الکلینی: 2/ 313، کتاب الإیمان والکفر، باب العجب/ ح2.
6- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
7- الکافی ، الکلینی : 2 / 313 ، کتاب الإیمان والکفر ، باب العجب/ح4.
8- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
9- أنظر: مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 2/ 206.
10- فی الکافی: "عن أحدهما علیهما السلام" أی: "الإمام الباقر علیه السلامأو الإمام الصادق علیه السلام".
11- المدل، بکسر المیم: الرجل الخفی الشخص. الصحاح، الجوهری: 5/ 1818، مادة "مدل".

ص: 109

یدل بها فتکون فکرته فی ذلک، وتکون فکرة الفاسق فی الندم علی نفسه ویستغفر الله مما صنع من الذنوب(1).

وعنه علیه السلام(2) قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: بینما موسی علیه السلام جالس إذ أقبل إبلیس وعلیه برنس ذو ألوان، فلما دنا منه خلع البرنس وقام إلی موسی علیه السلام فسلم علیه. فقال له موسی: من أنت؟ فقال أنا إبلیس. قال: أنت فلا أقرب الله دارک. قال: إنی إنما جئت لأسلم علیک لمکانک من الله تعالی. قال: فقال له موسی علیه السلام: فما هذا البرنس؟ قال: أختطف به قلوب بنی آدم. فقال له موسی: فأخبرنی بالذنب الذی إذا أذنبه ابن آدم استحوذت علیه؟ فقال: إذا أعجبته نفسه واستکثر عمله وصغر فی عینه ذنبه. وعنه علیه السلام(3) قال: قال الله تعالی لداود علیه السلام(4): یا داود بشر المذنبین أنی أقبل التوبة وأعفو عن الذنب وأنذر الصدیقین أن لا یعجبوا بأعمالهم، فإنه لیس عبد أنصبه للحساب إلا هلک(5).


1- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 314، کتاب الإیمان والکفر، باب العجب/ 6.
2- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
3- أی: "الإمام الصادق علیه السلام" والحدیث متصل مع ما قبله.
4- نبی الله داود علیه السلام: هو داود بن یسی، وقیل: إیشا بن عوبید بن بوعز، وقیل: عامر، وقیل: یاعز بن سلمون بن أحشون، وقیل: نحشون بن عمینا  داب، وقیل: عویناداب، من سلالة إسحاق بن إبراهیم الخلیل علیه السلام، ومعنی داود بالعبریة: الحبیب. ولد فی بیت لحم بفلسطین حوالی عام 1033 قبل میلاد المسیح علیه السلام، وقیل: قبل المیلاد ب_ 1071 سنة، وقیل: 1086 سنة قبل المیلاد. ولم یزل متصدرا للنبوة والملوکیة فی بنی إسرائیل أربعین سنة حتی توفی فجأة فی أورشلیم یوم السبت، وقیل: یوم الأربعاء، حدود عام 962، وقیل: عام 1015 قبل میلاد المسیح علیه السلام، بعد أن عمر 100 سنة، وقیل: 77 سنة، وقیل: 71 سنة، وقیل: 80 سنة، وقیل: 120 سنة، فدفنوه فی مدینة داود علی جبل صهیون بفلسطین. أعلام القرآن، عبد الحسین الشبستری : 361 __ 364، نبی الله داود علیه السلام.
5- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 314، کتاب الإیمان والکفر، باب العجب/ ح8.

ص: 110

وقال الصادق علیه السلام فی مصباح الشریعة: العجب کل العجب ممن یعجب بعمله وهو لا یدری بم یختم له، فمن أعجب بنفسه وفعله فقد ضل عن نهج الرشاد وادعی ما لیس له، والمدعی من غیر حق کاذب وإن خفیت دعواه وطال دهره، فإنه أول ما یفعل بالمعجب نزع ما أعجب به لیعلم أنه عاجز فقیر، ویشهد علی نفسه لتکون الحجة علیه أوکد __ کما فعل بإبلیس.

والعجب نبات حبها الکفر وأرضها النفاق وماؤها البغی وأغصانها الجهل وورقها الضلالة وثمرها اللعنة والخلود فی النار، فمن اختار العجب فقد بذر الکفر وزرع النفاق، ولابد من أن یثمر(1).

الفصل الثالث: فی علاج العجب إجمالا

فحیث کانت علة العجب الجهل المحض فالعلاج هو العلم والمعرفة المضادة لذلک الجهل، فلیفرض العجب بفعل داخل تحت اختیار العبد کالعبادات، فإن العجب بها أبلغ من العجب بالجمال والقوة والنسب مما لا یدخل تحت الاختیار، فیقال له الورع والتقوی والعبادة.

والعمل الذی به یعجب إما أن یکون یعجب به من حیث إنه فیه وهو محله ومجراه، أو من حیث إنه منه وبسببه وقدرته وقوته، فإن کان الأول فهو جهل، لأن المحل مستخر وإنما یجری فیه وعلیه من جهة غیره، وهو لا مدخل له فی الإیجاد والتحصیل، فکیف یعجب بما لیس إلیه. وإن کان الثانی فینبغی أن یتأمل فی قدرته وإرادته وأعضائه وسائر الأسباب التی بها یتم عمله أنها من أین کانت له، فإن کان علم أن جمیع ذلک نعمة من الله إلیه من غیر حق سبق له فینبغی أن یکون إعجابه بجود الله تعالی وکرمه وفضله، إذ تفضّل علیه بما لا یستحقه.


1- أنظر: مصباح الشریعة، الإمام الصادق علیه السلام:81، الباب السادس والثلاثون فی العجب.

ص: 111

وإن قال: وفقنی للعبادة لحبی له، فیقال له: ومن خلق الحب فی قلبک؟ فسیقول: هو، فیقال له: فالحب والعبادة کلاهما نعمتان من عنده ابتدأک بهما من غیر استحقاق من جهتک، إذ لا وسیلة لک ولا علاقة، فیکون الإعجاب بجوده تعالی إذ أنعم بوجودک ووجود صفاتک وأعمالک وأسباب أعمالک، فلا معنی لعجب العالم بعلمه والعابد بعبادته والجمیل بجماله والغنی بغنائه، لأن کل ذلک من فضل الله.

ومن العجائب أن تعجب بنفسک ولا تعجب بمن إلیه الأمر کله وبجوده وفضله وکرمه وإنعامه(1).

الفصل الرابع: فی أقسام العجب وتفصیل علاجه

إعلم أن الإنسان قد یعجب بالأسباب التی بها یتکبر وعلاجه ما یأتی فی التکبر، وقد یعجب بما لا یتکبر به کعجبه بالرأی الخطأ الذی تزین له بجهله وفی ما به العجب ثمانیة أقسام:

الأول: أن یعجب ببدنه فی جماله وهیئته وصحته وقوته وتناسب أشکاله وحسن صورته، وعلاجه التفکر فی أقذار باطنه وفی أول أمره وما إلیه یکون، وفی الوجوه الجمیلة والأبدان الناعمة کیف تمزقت فی التراب واستقذرها طباع أولی الألباب.

الثانی: القوة والبطش، کما حکی الله عن قوم قالوا ((مَنْ أَشَدُّ مِنّا قُوَّةً))(2) وعلاجه أن یعلم أن حمی یوم تضعف قوته، وأن البقة والذباب والشوکة تعجزه.


1- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 99 __ 100، الباب الرابع فی الریاء والکبر والعجب وعلاجهم، الفصل التاسع علاج العجب. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 325 __ 326، کتاب ذم الکبر والعجب، بیان آفة العجب.
2- سورة فصلت/ 15.

ص: 112

الثالث: العجب بالعقل والفطنة لدقائق الأمور من مصالح الدین والدنیا وعلاجه أن یشکر الله علی ما رزقه من العقل ویتفکر أنه بأدنی مرض یصیب دماغه کیف یختل عقله بحیث یصیر مضحکة للناس.

الرابع: العجب بالنسب الشریف کالهاشمی، وعلاجه أن یعلم أنه مهما خالف آباءه فی أفعالهم وأخلاقهم وظن أنه لحق بهم قد جهل(1)، ویحق أن یقال له:

ل___ئ_ن ف__خ_رت ب___آب___اء ذوی ن___س___ب(2)

لقد صدقت ولکن بئسما ولدوا(3)(4)


1- فی تفسیر علیّ بن إبراهیم: حدّثنی أبی، عن حنان بن سدیر، عن أبیه، عن أبی جعفرعلیه السلام: إن صفیّة بنت عبد المطّلب مات ابن لها. فأقبلت. فقال لها عمر: غطّی قرطک! فإنّ قرابتک من رسول اللّه (صلی الله علیه وآله وسلم) لا تنفعک شیئا. فقالت له: هل رأیت لی قرطا یا بن اللّخناء!؟ ثمّ دخلت علی رسول اللّه صلی الله علیه وآله وسلم. فأخبرته بذلک و بکت.  فخرج رسول اللّه (صلی الله علیه وآله وسلم) فنادی: الصّلاة جامعة! فاجتمع النّاس. فقال: ما بال أقوام یزعمون أنّ قرابتی لا تنفع!؟ لو قد قمت المقام المحمود، لشفعت فی أحوجکم. والحدیث طویل. أخذت منه موضع الحاجة. تفسیر القمی، القمی: 1/ 188، تفسیر سورة المائدة، أقسام الصوم. و فی مجمع البیان: و قال (صلی الله علیه وآله وسلم): کلّ حسب ونسب  منقطع، إلاّ حسبی ونسبی. مجمع البیان، الطبرسی: 7/ 211، تفسیر سورة المؤمنون. ونشیر ههنا بإیجاز أننا أوضحنا منابع المؤلف السید عبد الله شبر (قدس سره) فی کتابه هذا عن الفیض الکاشانی من مصنفاته، وهذا الأخیر قد اعتمد بالأخذ علی الغزالی وقد حدث مزج وخلط بین عقائد المدرستین حین النسخ دون الإشارة إلی ذلک، فأوجزنا الإشارة لعدم الإطالة.
2- فی البیت النص: "ذوی حسب".
3- البیت لابن الرومی.
4- دیوان ابن الرومی، ابن الرومی: 2/ 305، حرف الدال/ الرقم 660.

ص: 113

الخامس: العجب بنسب السلاطین والظلمة وأعوانهم دون نسب العلم والدین، وعلاجه أن یتفکر فی مخازیهم ومساوئهم وأنه ممقوتون عند الله وقد استحقوا النار وبئس القرار.

السادس: العجب بکثرة العدد من الخدم والغلمان والولد والأقارب والعشائر والأنصار، کما قال الکافرون: ((نَحْنُ أَکْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً))(1) والعلاج أن یتفکر فی ضعفه وضعفهم، وأنهم کلهم عبید وعجزة ((لا یَمْلِکُونَ لأَِنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا))(2)، ((وَلا مَوْتًا وَلا حَیاةً وَلا نُشُورًا))(3) و((کَم مِن فِئَةٍ قَلِیلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً کَثِیرَةً بِإِذْنِ اللّهِ))(4)، وکیف یعجب بهم وسیدفن فی قبره بعد نزول هادم اللذات ذلیلاً مهیناً لا ینفعه ولد ولا أهل ولا صاحب ولا حمیم، ویهربون منه ((یَوْمَ یَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِیهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِیهِ (35) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِیهِ (36) لِکُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ یَوْمَئِذٍ شَأْنٌ یُغْنِیهِ))(5).

السابع: العجب بالمال، کما قال من قال: ((أَنا أَکْثَرُ مِنکَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا))(6) وعلاجه التفکر فی آفات المال وغوائله وأنه غادٍ ورائح لا أصل له.

وم____ا ال____م__ال والأه____ل_ون إلا ودی_ع___ة

ولاب______د ی__وم__اً أن ت______رد ال_____ودائع(7)


1- سورة سبأ / 35.
2- سورة الرعد/ 16.
3- إشارة إلی قوله تعالی: ((وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا یَخْلُقُونَ شَیْئاً وَهُمْ یُخْلَقُونَ وَلا یَمْلِکُونَ لأَِنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا یَمْلِکُونَ مَوْتاً وَلا حَیاةً وَلا نُشُوراً)) سورة الفرقان/3.
4- سورة البقرة/ 249.
5- سورة عبس/ 34 __ 37.
6- سورة الکهف/ 34.
7- البیت للشاعر: لبید بن ربیعة العامری، المتوفی 41 ه_، أحد أصحاب المعلقات. دیوان لبید بن ربیعة، لبید بن ربیعة: 56، البیت ضمن قصیدة یرثی فیها أربدا أخاه.

ص: 114

وإلی أن فی الیهود والکفار من هو أکثر منه مالاً، فینبغی أن یکونوا أحسن منه.

الثامن: العجب بالرأی الخطأ(1)، کما قال تعالی: ((أَفَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً))(2) وقال تعالی: ((وَهُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعًا))(3) وعلاجه أن یکون متهماً لرأیه أبداً لا یغتر به إلا أن یشهد له قاطع من کتاب الله وسنة نبیه صلی الله علیه وآله وسلم، وعرض ذلک علی العلماء والعرفاء والصلحاء الماهرین(4).


1- أنظر: أسرار الصلاة، الشهید الثانی: 180 __ 182. جامع السعادات، النراقی: 1/ 371 __ 377، علاج العجب إجمالا وتفصیلا. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 329 __ 332، کتاب ذم الکبر والعجب، بیان أقسام ما به العجب و تفصیل علاجه.
2- سورة فاطر/ 8.
3- سورة الکهف/ 104.
4- مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَکَمِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی یَعْفُورٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنِی حُسَیْنُ بْنُ أَبِی الْعَلاءِ أَنَّهُ حَضَرَ ابْنَ أَبِی یَعْفُورٍ فِی هَذَا الْمَجْلِسِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ اخْتِلافِ الْحَدِیثِ، یَرْوِیهِ مَنْ نَثِقُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا نَثِقُ بِهِ، قَالَ: إِذَا وَرَدَ عَلَیْکُمْ حَدِیثٌ فَوَجَدْتُمْ لَهُ شَاهِداً مِنْ کِتَابِ اللَّهِ أَوْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله وسلم وَإِلاّ فَالَّذِی جَاءَکُمْ بِهِ أَوْلَی بِهِ. الکافی،الکلینی:1/ 69،کتاب فضل العلم،باب الأخذ بالسنة وشواهد الکتاب/ح2.

ص: 115

الباب التاسع: التکبر

اشارة

ص: 116

ص: 117

فی التکبر

وهو الاسترواح والرکون إلی رؤیة النفس فوق المتکبر علیه، وهو من نتائج العجب وبذلک یفترق عنه، فإن العجب لا یستدعی معجباً علیه والتکبر یستدعی متکبراً علیه(1)، والکلام فیه فی فصول:

الفصل الأول: فی ما ورد فی ذمه

قال الله تعالی: ((سَأَصْرِفُ عَنْ آیاتِیَ الَّذِینَ یَتَکَبَّرُونَ فِی الأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ))(2) وقال تعالی: ((کَذلِکَ یَطْبَعُ اللَّهُ عَلی قَلْبِ کُلِّ مُتَکَبِّرٍ جَبّارٍ))(3) وقال تعالی: ((وَاسْتَفْتَحُواْ وَخابَ کُلُّ جَبّارٍ عَنِیدٍ))(4) وقال تعالی: «إن الله لا یحب المتکبرین»(5).


1- أنظر: إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 303، کتاب ذم الکبر والعجب، بیان حقیقة الکبر وآفته.
2- سورة الأعراف/ 146.
3- سورة غافر/ 35. ونصها: ((کَذلِکَ یَطْبَعُ اللّهُ عَلی کُلِّ قَلْبِ مُتَکَبِّرٍ جَبّارٍ)).
4- سورة إبراهیم/ 15.
5- لا توجد آیة بهذا النص، وهذا النص ورد ضمن حدیث فی الأمالی للشیخ الطوسی: 673، المجلس 36/ ذیل ح26.

ص: 118

وقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: لا یدخل الجنة من کان فی قلبه مثقال حبة من خردل من کبر، ولا یدخل النار رجل فی قلبه مثقال حبة من إیمان(1).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم یقول الله تعالی: «الکبریاء ردائی والعظمة إزاری فمن نازعنی واحداً(2) منهما ألقیته فی جهنم»(3).

وفی الکافی عن الباقر علیه السلام قال: الکبر رداء الله، والمتکبر ینازع الله رداءه(4).

وعنه علیه السلام(5): العز رداء الله، والکبر رداؤه فمن تناول شیئاً منهما أکبه الله فی جهنم(6).

وعنه(7) عن الصادق علیه السلام قال: لا یدخل الجنة من فی قلبه مثقال ذرة من کبر(8).

وعن محمد بن مسلم(9) عن أحدهما(10) قال: لا یدخل الجنة من کان فی قلبه مثقال حبة من خردل من الکبر. قال: فاسترجعت. فقال: ما لک تسترجع؟ قلت: لما سمعت منک. فقال: لیس حیث تذهب، إنما أعنی الجحود، إنما هو الجحود(11).


1- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 198، بیان ذم الکبر.
2- فی مجموعة ورام: "فی واحد".
3- مجموعة ورام، ورام ابن أبی فراس: 1/ 198، بیان ذم الکبر. 
4- الکافی، الکلینی: 2/ 309: کتاب الإیمان والکفر، باب الکبر/ ح4.
5- أی: «الإمام الباقر علیه السلام».
6- ثواب الأعمال، الشیخ الصدوق: 221، کتاب عقاب الأعمال، عقاب المتکبر. وفیه النص: «العز رداء الله والکبریاء إزاره فمن تناول شیئا منه أکبه الله فی جهنم».
7- فی الکافی: "عن زرارة عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهما السلام".
8- الکافی، الکلینی: 2/ 310، کتاب الإیمان والکفر، باب الکبر/ ح6.
9- هو: محمد بن مسلم بن رباح أبو جعفر الأوقص الطحان، مولی ثقیف الأعور. وجه أصحابنا بالکوفة،فقیه،ورع،صحب أبا جعفر وأبا عبد الله علیهما السلام،وروی عنهما،وکان من أوثق الناس. رجال النجاشی، النجاشی: 323 _ 324، محمد بن مسلم بن رباح/ الرقم 882.
10- أی: "الإمام الباقر والإمام الصادق علیهما السلام".
11- الکافی، الکلینی: 2/ 310، کتاب الإیمان والکفر، باب الکبر/ ح7.

ص: 119

وعن الصادق علیه السلام قال: الکبر أن تغمص الناس وتسفه الحق(1).

وعنه علیه السلام(2) قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إن أعظم الکبر غمص(3) الخلق وسفه الحق. قال: قلت ما غمص الخلق وسفه الحق؟ قال: یجهل الحق ویطعن علی أهله، فمن فعل ذلک فقد نازع الله(4) رداءه(5).

وعنه علیه السلام(6) قال: إن فی جهنم لوادیاً للمتکبرین یقال له (سفرّ)(7) شکا إلی الله(8) شدة حره وسأله أن یأذن له أن یتنفس، فتنفس فأحرق جهنم(9).


1- وسائل الشیعة، الحر العاملی: 16/ 6، کتاب الجهاد، باب 60 حد التکبر والتجبر المحرمین/ ح2.
2- أ ی: "الإمام الصادق علیه السلام".
3- غمص: غمصه وغمصه یغمصه غمصا واغتمصه: حقره واستصغره ولم یره شیئا. قال أبو عبیدة وغیره: غمص فلان الناس وغمطهم وهو الاحتقار  لهم والازدراء بهم. اغتمصت فلانا اغتماص: احتقرته. وغمص علیه قولا قاله: عابه علیه. ورجل غمص علی النسب: عیاب. لسان العرب، ابن منظور: 7/ 61، فصل الغین المعجمة، مادة "غمص".
4- فی منیة المرید: "الله عزّوجل".
5- منیة المرید، الشهید الثانی: 330، الباب الثالث فی المناظرة وشروطها وآدابها وآفاتها، الفصل الثانی فی آفات المناظرة وما یتولد منها من مهلکات الأخلاق.
6- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
7- فی الکافی: "سقر". سقر بالتحریک: واد فی جهنم شدید الحر سأل الله أن یتنفس فتنفس فأحرق جهنم، فهو من أسماء النار. مجمع البحرین، الطریحی: 2/ 385، مادة "سقر".
8- فی الکافی: "الله عزّوجل".
9- الکافی، الکلینی: 2/ 310، کتاب الإیمان والکفر، باب الکبر/ ح10.

ص: 120

وعنه علیه السلام(1) قال: إن المتکبرین یجعلون فی صور الذر یتواطؤهم(2) الناس حتی یفرغ الله من الحساب(3).

وعن عمر بن یزید(4) قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام إننی آکل(5) الطعام الطیب وأشم الرائحة الطیبة وأرکب الدابة الفارهة ویتبعنی الغلام، فتری فی هذا شیئاً من التجبر فلا أفعله؟ فأطرق أبو عبد الله علیه السلام ثم قال: إنما الجبار الملعون من غمص الناس وجهل الحق. قال: فقلت له(6): أما الحق فلا أجهله والغمص لا أدری ما هو. قال: من حقر الناس وتجبر علیهم فذلک الجبار(7).

وعنه علیه السلام(8) قال: ما من أحد یتیه إلا من ذلة یجدها فی نفسه(9). وفی روایة أخری: ما من أحد(10) تکبر أو تجبر إلا لذلة وجدها فی نفسه(11).


1- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
2- فی الوسائل: "تتوطؤهم".
3- وسائل الشیعة، الحر العاملی: 15/ 375، کتاب الجهاد، باب 58 تحریم التکبر/ ح7.
4- الظاهر من کلام الکشی والطوسی عنه، وکلام النجاشی عن ابنه، أنه عمر بن یزید بیاع السابری: وهو مولی ثقیف، ثقة له کتاب. رجال الکشی،الکشی:331،ما روی فی عمر بن یزید بیاع السابری مولی ثقیف/الرقم605. رجال النجاشی، النجاشی: 364، محمد بن عمر بن یزید بیاع السابری/ الرقم 981. رجال الطوسی،الطوسی:339،باب العین، عمر بن یزید بیاع السابری/الرقم7.
5- فی منیة المرید: "إنی آکل".
6- فی منیة المرید: "قال عمر فقلت".
7- منیة المرید، الشهید الثانی: 330، الباب الثالث فی المناظرة وشروطها وآدابها وآفاتها، الفصل الثانی فی آفات المناظرة وما یتولد منها من مهلکات الأخلاق.
8- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
9- وسائل الشیعة، الحر العاملی: 15/ 380، کتاب الجهاد، باب 59 تحریم التجبر والتیه والاختیال/ ح2.
10- فی الکافی: "رجل" بدل "أحد".
11- الکافی، الکلینی: 2/ 312، کتاب الإیمان والکفر، باب الکبر/ ذیل حدیث 17.

ص: 121

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: لا ینظر الله إلی رجل یجر إزاره بطراً(1).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: ما زاد الله عبداً یعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله(2).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم: إنه لیعجبنی أن یحمل الرجل الشیء فی یده فیکون مهنة لأهله(3) یدفع به الکبر عن نفسه(4).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال لأصحابه: ما لی لا أری علیکم حلاوة العبادة. قالوا: وما حلاوة العبادة؟ قال: التواضع(5).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم قال: إذا رأیتم المتواضعین من أمتی فتواضعوا لهم، وإذا رأیتم المتکبرین فتکبروا علیهم، فإن ذلک لهم مذلة وصغار(6).

وعن الکاظم(7) علیه السلام قال: التواضع أن تعطی الناس ما تحب أن تعطاه(8).

الفصل الثانی: فی أقسام التکبر

للتکبر أقسام تنطبق علیه الأخبار السابقة، لأنه تارة یکون علی الحق، کما


1- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 199، بیان ذم الکبر.
2- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 200، بیان فضیلة التواضع.
3- فی مجموعة ورام: "یکون مهنئا لأهله".
4- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 201، بیان فضیلة التواضع.
5- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 201، بیان فضیلة التواضع. المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/ 222، کتاب ذم الکبر والعجب، بیان فضیلة التواضع.
6- المصدر السابق.
7- فی الکافی: "عن أبی الحسن الرضا علیه السلام".
8- الکافی، الکلینی: 2/ 124، کتاب الإیمان والکفر، باب التواضع/ ح13.

ص: 122

کان لنمرود(1)، فإنه کان یحدث نفسه بأن یقاتل رب السماء، وکما کان لمن یدعی الربوبیة مثل فرعون حیث قال: ((أَنا رَبُّکُمُ الأَعْلَی))(2)، إذ تکبر عن العبودیة لله، قال تعالی: ((إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِی سَیَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰاخِرِینَ))(3). ومن هذا القسم التکبر عن الدعاء والتضرع إلی الله تعالی.

وقد یکون علی الخلق: إما علی الأنبیاء والرسل والأئمة من حیث تعزز النفس وترفعها عن الانقیاد لبشر مثل سائر الناس، کما حکی الله عن قوم قالوا: ((أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَیْنِ مِثْلِنٰا))(4)، ((وإِنْ أَنتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنٰا))(5)، ((وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِثْلَکُمْ إِنَّکُمْ إِذًا لَخٰاسِرُونَ))(6)، وکما تکبر أئمة الجور عن الانقیاد والإطاعة لأئمة الحق.

وإما أن یکون سائر الناس، بأن یستعظم نفسه ویستحقر غیره، فإذا سمع الحق من عبد من عباد الله استنکف عن قبوله واشمأز(7) وجحده. ومن استعظم


1- نمرود: وقیل: نمروذ بن کنعان بن حام ابن نبی الله نوح علیه السلام، وقیل: نمرود بن کنعان بن سنحاریب بن نمرود بن کوش بن کنعان بن حام بن نوح علیه السلام، وقیل: هو نمرود بن کوش، وقیل: هو نمرود بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام ابن نبی الله نوح علیه السلام. أحد ملوک الکلدان فی بابل، وبعد أن ملک 67 سنة، وقیل: 400 سنة، وقیل: 1700 سنة، دخلت بعوضة فی أنفه فعذب بها 40 سنة، ثم هلک ببابل ودفن بها، وهناک ربوة بالقرب من بابل تعرف بقبر نمرود. أعلام القرآن، عبد الحسین الشبستری: 986 __ 987، نمرود.
2- سورة النازعات/ 24.
3- سورة غافر/ 60.
4- سورة المؤمنون/ 47.
5- سورة إبراهیم/ 10. ونصها: (( ... قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا ...)).
6- سورة المؤمنون/ 34.
7- الشمز:نفور النفس من الشیء تکرهه. وقال قتادة:اشمأزت:استکبرت وکفرت ونفرت. لسان العرب، ابن منظور:5/ 362، مادة "شمز".

ص: 123

نفسه فقد اعتقد لها صفة من صفات الکمال، وذلک یرجع إلی کمال دینی أو دنیوی، والدینی هو العلم والعمل، والدنیوی هو النسب والجمال والقوة والمال وکثرة الأنصار(1).

فإن کان تکبره بالعلم فعلاجه التفکر فی أنّ العلم قد دله علی أن الکبر لا یلیق إلا بالله تعالی، وأنه إذا تکبر صار ممقوتاً عند الله تعالی، وقد أحب الله منه أن یتواضع، فلابد أن یکلف نفسه ما یحبه مولاه، ولیعلم أن حجة الله علی أهل العلم أوکد. وقال الصادق علیه السلام(2): یغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن یغفر للعالم ذنب واحد(3). فإن رأی أعلم منه فلا معنی للتکبر علیه، وإن رأی مساویه فکذلک، وإن رأی أدون منه فلیعلم أن الحجة علیه أتم، وأن المدار علی الخاتمة.

وکذلک الکلام فی العمل، فإذا رأی أنه أصلح وأورع وأتقی من غیره تیقّن أن المدار لیس علی الأعمال بل علی الخاتمة، فیقول: لعل هذا ینجو وأهلک أنا، ولعل لهذا خلق کریم فی ما بینه وبین الله أستحق به النجاة وأنا بالعکس. ومن جوز أن یکون عند الله شقیاً فهو فی شغل شاغل عن التکبر.

ومن لم ینظر بعین الرضا إلی أعماله ویعتقد أن الله لو عامله بالعدل لاستحق العقاب علی حسناته بزعمه فضلاً عن سیئاته، فما له سبیل إلی التکبر، کما قال سید العابدین(4): إلهی من کانت محاسنه مساوئ کیف لا تکون مساوئه مساوئ(5).


1- أنظر: بحار الأنوار، المجلسی: 70/ 196، کتاب الإیمان والکفر، باب 130الکبر.
2- فی الکافی: "عن أبی عبد الله علیه السلام، قال: قال: یا حفص".
3- الکافی، الکلینی: 1/47، کتاب فضل العلم، باب لزوم الحجة علی العالم وتشدید الأمر علیه/ ح1.
4- فی الإقبال: "القول للإمام الحسین علیه السلام  ولیس للإمام سید العابدین علیه السلام".
5- إقبال الأعمال، ابن طاووس: 348، مبدأ ذکر الأعمال للأشهر الثلاثة، الباب الثالث فیما یختص بفوائد من شهر ذی الحجة، فصل فیما نذکره من أدعیة یوم عرفة. وفی نص الجملة:«إلهی من کانت محاسنه مساوی فکیف لا یکون مساویه مساوی».

ص: 124

وقال تعالی: ((وَالَّذِینَ یُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ))(1) أی یؤتون الطاعات وهم علی وجل عظیم من قبولها.

وإن کان تکبره بالنسب فهو تکبر بکمال غیره، ولو کان المنتسب إلیه حیاً لکان له أن یقول: الفضل لی وإنما أنت دودة خلقت من فضل فضلتی.

ولیعلم نسبه الحقیقی، فإن أباه القریب نطفة قذرة، وجده البعید تراب ذلیل(2). وجعل بدء خلق الإنسان من طین. ((ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِینٍ))(3).

وإن کان کبره بالجمال فعلاجه النظر إلی باطنه بعقله وفکره لیری من الفضائح ما یکدر علیه التعزز بجماله، فإن الأقذار فی جمیع أجزائه والرجیع فی أمعائه والبول فی مثانته والمخاط فی أنفه والبصاق فی فیه والوسخ فی أذنه والدم فی عروقه والصدید(4) تحت بشرته والصنان(5) تحت إبطه یغسل الغائط کل یوم دفعة أو دفعتین بیده ویتردد إلی الخلاء کل یوم مرة أو مرتین لیخرج من باطنه ما لو رآه بعینه لاستقذره فضلاً أن یمسه أو یشمه.


1- سورة المؤمنون/ 60.
2- أنظر: بحار الأنوار، المجلسی: 70/ 226 __ 227، کتاب الإیمان والکفر، باب 130 الکبر.
3- سورة السجدة/ 8.
4- الصدید القیح الذی کأنه ماء وفیه شکلة. وقد أصد الجرح وصدد، أی صار فیه المدة. الصدید: ما یسیل الدم المختلط بالقیح فی الجرح. لسان العرب، ابن منظور: 3/ 246، مادة "صدد".
5- الصنان:رائحة معاطن الجسد إذا تغیرت،وهی من أصن اللحم إذا أنتن.والصنان زفر الإبط. مجمع البحرین، الطریحی: 2/ 640، مادة "صنن".

ص: 125

وفی أول أمره خلق من الأقذار الشنیعة وتصور من النطفة وتغذی من دم الحیض وخرج من مجری البول إلی الرحم مفیض دم الحیض ثم مجری القذر. ولو ترک نفسه فی حیاته یوماً لم یتعهده بالتنظیف والغسل لثارت منه الأنتان والأقذار، وسیموت فیصیر جیفة أقذر من سائر الأقذار.

وإن کان تکبره بالقوة فعلاجه التفکر فی ما سلط علیه من العلل والأمراض وأنه لو توجع عرق واحد من بدنه لصار أعجز من کل عاجز وأذل من کل ذلیل، وأنه لو سلبه الذباب شیئاً لم یستنقذه منه، ولو دخلت بقة فی أنفه أو نملة فی أذنه لقتلته، ولو دخلت شوکة فی رجله لأعجزته، وأن حمی یوم تحلل من قوته ما لا ینجبر فی مدة. ثم إن اشتدت قوته فلا تزید علی قوة الحمار والفیل والجمل والبقر، وأی افتخار فی صفة تشرکه البهائم فیها.

وأما التکبر بالغنی وکثرة المال والأتباع فذلک تکبر بمعنی خارج من ذات الإنسان لا کالجمال والقوة والعمل، وهذا أقبح أنواع التکبر، فأف لشرف تسبقه الیهود والنصاری وسائر الکفار، وتف لشرف یأخذه السارق والسلطان.

هذا کله مضافاً إلی ما سلط علیه من الأمراض العظیمة والأسقام الجسیمة والآفات المختلفة والطبائع المتضادة من المرة والبلغم والریح والدم، لیهدم البعض من أجزائه البعض، شاء أم أبی، رضی أم سخط، فیجوع کرهاً ویعطش کرهاً ویمرض کرهاً ویموت کرهاً، لا یملک لنفسه نفعاً ولا ضراً(1) ولا خیراً ولا شراً، یرید أن یعلم الشیء فیجهله ویرید أن یذکر الشیء فینساه ویرید أن ینسی الشیء ویغفل عنه فلا ینساه، ویرید أن ینصرف قلبه إلی ما یهمه فیجول فی غیره فلا یملک قلبه ولا نفسه، یشتهی الشیء وربما یکون هلاکه فیه ویکره الشیء وتکون حیاته


1- إشارة إلی قوله تعالی فی سورة الأعراف/ الآیة: 188،ونصها: (( قُلْ لا أَمْلِکُ لِنَفْسِی نَفْعاً وَلا ضَرًّا)).

ص: 126

فیه، یستلذ الأطعمة فتهلکه وتردیه، ویستبشع الأدویة وهی تنفعه وتحییه، لا یأمن فی لحظة من لیله أو نهاره أن یسلب سمعه وبصره وعلمه وقدرته، وتفلج(1) أعضاؤه ویختلس(2) عقله وتختطف روحه ویسلب جمیع ما یهواه فی دنیاه، وهو مضطر ذلیل، إن ترک لم یبق وإن اختطف یفنی، عبد مملوک لا یقدر علی شیء.

فأین هو من التکبر والتجبر وهذا حاله بالفعل، وقد کان نطفة قذرة وسیکون جیفة منتنة یستقذره کل إنسان ویعود إلی ما کان، ولیته ترک تراباً، بل یحیا ویعاد لیقاسی الشدائد والآلام، ویحاسب ویعاقب علی ما سلف من الأیام، ویخرج من قبره بعد جمع أجزائه المتفرقة، ویخرج إلی أهوال القیامة فینظر إلی قیامة قائمة وسماء ممزقة مشققة وأرض مبدلة وجبال مسیرة ونجوم منکدرة وشمس منکسفة وأحوال مظلمة وملائکة غلاظ شداد وجحیم تزفر وجنة ینظر إلیها المجرم فیتحسر، ویری صحائف منشورة کتب فیها ما نطق به وعمل من قلیل وکثیر ونقیر(3) وقطمیر(4)، وقد أشار الله تعالی إلی مبدأ أمر الإنسان ومنتهاه وأواسط أحواله بقوله:((قُتِلَ الإِنسٰانُ مٰا أَکْفَرَهُ (17) مِنْ أَیّ شَیْءٍ خَلَقَهُ (18) مِن نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِیلَ یَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمٰاتَهُ فَأَقْبَرَهُ))(5).


1- الفلج فی الرجلین: تباعد ما بین القدمین آخرا. الأفلج: الذی فی یدیه اعوجاج. کتاب العین، الفراهیدی: 6/ 127 __ 128، مادة "فلج".
2- خلس الشیء من باب ضرب،واختلسه وتخلسه،أی: استلبه،والاسم الخلسة بالضم. مختار الصحاح، الرازی: 103، مادة "خلس".
3- تمت ترجمته سابقا.
4- قیل هی الجلدة الرقیقة علی ظهر النواة تنبت منها النخلة. مجمع البحرین، الطریحی: 3/ 527، مادة "قطمر".
5- سورة عبس/ 17 __ 21.

ص: 127

هذا کله العلاج العلمی وأما العملی فهو التواضع بالفعل لله تعالی ولسائر الخلق بالمواظبة علی أفعال المتواضعین(1) وأخلاقهم، فقد روی عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أنه(2) کان یأکل علی الأرض ویقول: إنما أنا عبد آکل کما یأکل العبد(3).

وقیل لسلمان(4): لِمَ لا تلبس ثوباً جدیداً؟ فقال: إنما أنا عبد فإذا أعتقت یوماً لبست. أشار به إلی العتق فی الآخرة(5).

ولا یتم التواضع __ بعد المعرفة __ إلا بالعمل، ولذلک أمر العرب الذین تکبروا علی الله ورسوله بالإیمان والصلاة معاً. وفی الصلاة أسرار لأجلها کانت عمود الدین(6)، ومن جملة أسرارها المثول قائماً وراکعاً وساجداً، وقد کانت العرب قدیماً یأنفون من الانحناء، فکان ربما یسقط من ید أحد سوطه فلا ینحنی لأخذه، وینقطع شراک نعله فلا ینکس رأسه لإصلاحه(7)، فلذلک أمروا بالرکوع والسجود(8).


1- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 91 __ 95، الباب الرابع فی الریاء والکبر و العجب وعلاجهما.
2- فی مجموعة ورام: "حتی إن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یأکل ... الخبر".
3- مجموعة ورام،ورام بن أبی فراس:1/208،بیان الطریق فی معالجة الکبر واکتساب التواضع.
4- سلمان الفارسی: مولی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، یکنی أبا عبد الله، أول الأرکان الأربعة، حاله عظیم جدا مشکور، لم یرتد. رجال العلامة، العلامة الحلی: 84، الباب العاشر فی الآحاد/ الرقم1.
5- مجموعة ورام،ورام بن أبی فراس:1/ 208،بیان الطریق ومعالجة الکبر واکتساب التواضع.
6- عن أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام، قال: الصلاة عمود  الدین مثلها کمثل عمود الفسطاط إذا ثبت العمود یثبت الأوتاد والأطناب وإذا مال العمود وانکسر لم یثبت وتد ولا طنب. المحاسن، البرقی: 1/ 44 __ 45، کتاب ثواب الأعمال، ثواب الصلاة/ ح60.
7- أنظر: مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 208، بیان الطریق فی معالجة الکبر واکتساب التواضع.
8- أنظر: بحار الأنوار، المجلسی: 70/ 227، کتاب الإیمان والکفر، باب 130 الکبر.

ص: 128

الفصل الثالث: فی المیزان والمعیار الذی یعرف به الإنسان نفسه هل هو متواضع أو متکبر

وإلا فقد یزعم الإنسان أنه متواضع ولیس فیه کبر مع أنه متکبر عند الله وقد ضل سعیه، والامتحانات لذلک فی الموازین، وهی خمسة:

الأول: أن یناظر فی مسألة مع واحد من أقرانه، فإن ظهر شیء من الحق علی لسان صاحبه فثقل علیه قبوله والانقیاد له والاعتراف به والشکر له علی تنبیهه فذلک یدل علی أن فیه کبراً وترفعاً، فلیتق الله ولیشتغل بعلاجه بالعلم بخبث نفسه وخطر عاقبته، والعمل بأن یکلف نفسه ما یثقل علیه من الاعتراف بالحق وإطلاق اللسان بالحمد والثناء، ویقر علی نفسه بالعجز ویشکره علی الاستفادة.

الثانی: أن یجتمع مع الأقران والأمثال فی المحافل ویقدمهم علی نفسه ویجلس فی الصدر تحتهم، فإن ثقل ذلک علیه فهو متکبر، فلیواظب علیه تکلفاً حتی یسقط عنه ثقله، وههنا للشیطان مکیدة، وهی أن یجلس فی صف النعال أو یجعل بینه وبین الأقران بعض الأرذال، فیظن أن ذلک تواضع وهو عین الکبر، فإن ذلک یخف علی نفوس المتکبرین، إذ یوهمون أنهم إنما ترکوا مکانهم بالاستحقار والتفضیل، فیکون قد تکبر وتکبر بإظهار التواضع أیضاً.

الثالث: أن یجیب دعوة الفقیر ویمر إلی السوق فی حاجة الرفقاء والأقارب، فإن ثقل ذلک علیه فهو کبر.

الرابع: أن یحمل حاجة نفسه وحاجة أهله ورفقائه من السوق إلی البیت، فإن أبت نفسه ذلک فهو کبر وریاء.

ص: 129

الخامس: أن لا یبالی بلبس الثیاب البذلة، فإن نفور النفس من ذلک فی الملأ ریاء وفی الخلوة کبر. وفی هذه الثلاثة یشترط الاعتیاد فی الأزمنة والأمکنة والأشخاص.

واعلم أن المحمود من التواضع أن یتواضع فی غیر مذلة ومن غیر تخاسس(1) فإن کلا الطرفین مذموم و«خیر الأمور أوسطها»(2)، فمن تقدم علی أمثاله فهو متکبر ومن تأخر عنهم فهو متواضع ، وأما إذا تواضع العالم للإسکاف(3) وأجلسه مکانه وسوی نعله فهو ملق(4) وتذلل و تخاسس(5).


1- الخسیس: الدنیء. الصحاح، الجوهری: 3/ 922، مادة "خسس". شیء خسیس وخساس ومخسوس: تافه. لسان العرب، ابن منظور: 6/ 64، مادة "خسس".
2- عوالی اللئالی، ابن أبی جمهور: 1/ 296، الفصل العاشر فی أحادیث تتضمن شیئا من الآداب الدینیة / ح199.
3- الإسکاف: کل صانع سوی الخفاف فإنه الأسکف، أو الإسکاف: النجار، وکل صانع بحدیدة. القاموس المحیط، الفیروز آبادی: 3/ 153، فصل السین.
4- الملق: الود واللطف الشدید. ورجل ملق: یعطی بلسانه ما لیس فی قلبه. الصحاح، الجوهری: 4 / 1556، مادة " ملق".
5- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/ 211 __ 272. کتاب ذم الکبر والعجب. جامع السعادات، النراقی: 1/ 379 __ 393، الکبر. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 303 __ 325، کتاب ذم الکبر والعجب.

ص: 130

ص: 131

الباب العاشر: الدنیا والآخرة

اشارة

ص: 132

ص: 133

فی الدنیا والآخرة وفیه فصول

الفصل الأول: فی معرفة الدنیا والآخرة

إعلم أن معرفة الدنیا والآخرة صعب شدید قد تحیّر فیه الفحول وتاه فیه أولو العقول: زعم قوم أن الدنیا عبارة عن المال، والحال أنه قد ورد مدحه فی الکتاب والسنة کثیراً، وقال صلی الله علیه وآله وسلم: نعم العون علی طاعة(1) الله المال(2).

وزعم قوم أن الدنیا هی الحیاة الدنیا، مع أنه بها یتوصل إلی السعادات الأبدیة ویتخلص من الشقاوة السرمدیة(3)، وقد قال صلی الله علیه وآله وسلم: نعم العون علی الآخرة الدنیا(4).


1- فی الکنز: "تقوی" بدل "طاعة".
2- کنز العمال، المتقی الهندی: 3/ 239، فی فوائد المال والدنیا المحمودة/ ح6342.
3- السرمد: الدائم الذی لا ینقطع. لسان العرب، ابن منظور: 3/ 212، مادة "سرمد".
4- الکافی، الکلینی: 5/ 72، کتاب المعیشة، باب الاستعانة بالدنیا علی الآخرة/ ح9.

ص: 134

وزعم آخرون أن الدنیا المذمومة عبارة عن المآکل اللذیذة والمطاعم الجیدة والثیاب الفاخرة والدیار العامرة والخدم والحشم والأصحاب والأعوان مع أن بعض الأنبیاء والأولیاء کانوا کذلک __ کیوسف وسلیمان __.

والتحقیق أن من کان مشغولاً بالعلم والعبادة والحج والجهاد والصدقات وأداء الزکوات وقضاء الحوائج وزیارة الإخوان وعیادة المرضی وتشییع الجنائز وحضور الجمعة والجماعة والمواظبة علی النوافل وسائر الطاعات قد یکون فی بحبحة(1) الدنیا، ویصدق علیه أنه طالب الدنیا وأنه ملعون وأعماله ملعونة مردودة غیر مقبولة، حیث لم یقصد بها وجه الله تعالی، ورب رجل کثیر المال والخدم والحشم حسن المطعم والمشرب جید الزی والملبس ذی دیار وسیعة وعمارات عالیة ونساء جمیلة ومراکب حسنة و((سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَکْوٰابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمٰارِقُ(2) مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرٰابِیُّ(3) مَبْثُوثَةٌ(4))) (5)، وهو من أهل الآخرة وأعماله مقبولة وسعیه مشکور، حیث قصد بجمیع ذلک التوصل إلی رضاء الله تعالی.


1- بحبوحة الدار: وسطها. یقال: تبحبح، إذا تمکن وتوسط المنزل والمقام. النهایة فی غریب الحدیث، ابن الأثیر: 1/99، باب الباء مع الحاء.
2- الفراء فی قوله تعالی: "ونمارق مصفوفة" سورة الغاشیة/ 15. هی: الوسائد، واحدتها: نمرقة، قال: وسمعت بعض کلب یقول: نمرقة، بالکسر. وفی الحدیث: اشتریت نمرقة، أی: وسادة، وهی بضم النون والراء وبکسرهما وبغیر هاء، وجمعها: نمارق. لسان العرب، ابن منظور: 10/ 361، مادة "نمرق".
3- قال الفراء: الزرابی: الطنافس.  وقال أبو عبیدة، هی: البسط. غریب الحدیث، ابن قتیبة: 2/ 171.
4- مبثوثة: مفرقة فی مجالسهم بکثرة. مجمع البحرین، الطریحی: 2/ 273، مادة "زرب".
5- سورة الغاشیة/ 13 __ 16.

ص: 135

فحینئذ الدنیا عبارة عن کل شیء یوجب البعد عن الله وإن کان صلاة وصوماً وحجاً وجهاداً وإنفاقاً وزهداً وقناعة، والآخرة کل شیء یوجب القرب من الله تعالی وإن کان مالاً ونساءً وخدماً وحشماً.

نعم فی أغلب الأوقات وأکثر الأشخاص لا یتمکن الإنسان من التقرب إلی الله تعالی والإخلاص له إلاّ بترک المباحات فضلاً عن الشبهات والمحرمات، ولذلک حث الأنبیاء الناس علی ترک ما یوجب المیل إلی الدنیا وإن کان یمکن أن یتوصل به إلی الآخرة، لأن النفوس ضعیفة والشیطان قوی.

وبتقریر آخر نقول: الدنیا والآخرة عبارتان عن حالتین من أحوال قلبک، والقریب الدانی منهما یسمی دنیاً لدنوه، وهو کل ما قبل الموت، والمتراخی المتأخر یسمی آخرة، وهو ما بعد الموت، فکل ما لک فیه حظ وغرض ونصیب وشهوة ولذة فی عاجل الحال قبل الوفاة فهی الدنیا فی حقک، إلا أن جمیع ما لک إلیه میل وفیه نصیب وحظ فلیس بمذموم، بل هو علی ثلاثة أقسام:

الأول: ما یصحبک فی الدنیا وتبقی معک ثمرته بعد الموت، وهو العلم بالله وصفاته وأفعاله، ((وَمَلآئِکَتِهِ وَکُتُبِهِ وَرُسُلِهِ))(1) وشرائعه وأحکامه والعمل الخالص لوجه الله، وقد یلتذ الإنسان فی الدنیا بالعلم والعبادة ویکونان عنده ألذ الأشیاء، ولذلک قال صلی الله علیه وآله وسلم: حبب إلی من دنیاکم ثلاث: الطیب، والنساء وقرة عینی فی الصلاة(2). فجعل الصلاة من جملة الدنیا لدخولها فی عالم الحس(3)


1- سورة البقرة/ 285.
2- معدن الجواهر، أبو الفتح الکراجکی: 31، باب ذکر ما جاء فی ثلاثة.
3- قال حمید الدین: "کان عالم العقل والنفس سابقا فی الإبداعیة علی عالم الحس الذی هو الدنیا". مصابیح الإمامة، حمید الدین الکرمانی: 42، المصباح الرابع فی إثبات صورة السیاسة الربانیة التی هی دار الجزاء ووجوبها، وأن دارها غیر دار الدنیا التی هی العالم الطبیعی.

ص: 136

والشهادة مع أنها من أفضل القربات، وهذا ونحوه وإن أطلق علیه لفظ الدنیا لدنوه ولکنه من الدنیا الممدوحة التی هی العون علی الآخرة لا المذمومة.

الثانی: نقیض الأول، وهو کل ما فیه حظ عاجل ولیس له ثمرة فی الآخرة، کالتلذذ بالمعاصی بل المباحات الزائدة علی قدر الضرورة والتنعم بالقناطیر(1) المقنطرة(2) من الذهب والفضة والخیل المسومة(3)(4) وهذه هی الدنیا المذمومة.


1- قال أبو عبیدة: القناطیر: واحدها قنطار، ولا تجد العرب تعرف وزنه، ولا واحد للقنطار من لفظه. وقال ثعلب: المعمول علیه عند العرب الأکثر أنه أربعة آلاف دینار، فإذا قالوا قناطیر مقنطرة، فهی اثنا عشر ألف دینار. وقیل: إن القنطار ملء جلد ثور ذهبا. و قیل: ثمانون ألفا. وقیل: هو جملة کثیرة مجهولة من المال. النهایة فی غریب الحدیث، ابن الأثیر: 4/ 113.
2- المقنطرة: المکملة، کما تقول بدرة مبدرة، وألف مؤلف، أی تام. وعن الفراء: المقنطرة المضعفة ککون القناطیر ثلاثة والمقنطرة تسعة. مجمع البحرین، الطریحی: 3/ 523، مادة "قطر".
3- السومة، بالضم: العلامة تجعل علی الشاة، وفی الحرب أیضا، تقول: منه تسوم. وقوله تعالی: ((حِجارَةً مِن طِینٍ (33)  مُسَوَّمَةً)) سورة الذاریات/ 33 __ 34، أی: علیها أمثال الخواتیم. الصحاح، الجوهری: 5/ 1955، مادة "سوم". لسان العرب، ابن منظور: 12/ 312، مادة "سوم".
4- إشارة إلی قوله تعالی: ((زُیِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَناطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِکَ مَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)) سورة آل عمران/ الآیة 14.

ص: 137

الثالث: وهو متوسط بین الطرفین،  وهو کل حظ عاجل معین علی أعمال الآخرة، وهو ما لابد منه للإنسان بحسب زیه وزمانه ومکانه من المأکول والملبوس والمشروب، فإذا تناوله الإنسان بقصد الاستعانة علی العلم والعمل والطاعات والعبادات وحفظ الحیاة وصیانة العرض ونحو ذلک مما أمر الشارع به فی الشریعة المقدسة، فلیس من الدنیا المذمومة فی شیء وإن قصد به الترفه والتلذد(1) والتنعم، أو استعان به علی المعاصی فهو من الدنیا، ولهذا ورد الحث علی طلب الحلال وتحصیل المال للکفاف(2)، فقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال(3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: ملعون من ألقی کله علی الناس(4).

وقال السجاد علیه السلام: الدنیا دنیاءان: دنیا بلاغ، ودنیا ملعونة(5).

وقال الباقر علیه السلام: من طلب الرزق فی الدنیا استعفافاً عن الناس وسعیاً(6) علی أهله وتعطفاً علی جاره لقی الله عزّوجل(7) ووجهه مثل القمر لیلة البدر(8).


1- لعله خطأ الناسخ وما یناسب سیاق الجملة: «التلذذ».
2- أنظر: جامع السعادات، النراقی: 2/ 25 __ 46. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 191 __ 196، کتاب ذم الدنیا.
3- تهذیب الأحکام،الشیخ الطوسی:6/324،کتاب المکاسب،باب 93 المکاسب/ح12.
4- تحف العقول، ابن شعبة الحرانی: 37، ما روی عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی قصار المعانی.
5- الکافی، الکلینی: 2/ 131، کتاب الإیمان والکفر، باب ذم الدنیا والزهد فیها/ ذیل الحدیث 11.
6- فی الکافی: "وتوسیعا".
7- فی الکافی: "لقی الله عزّوجل یوم القیامة".
8- الکافی،الکلینی:5/78، کتاب المعیشة،باب الحث علی الطلب والتعرض للرزق/ح5.

ص: 138

وقال الصادق علیه السلام: الکاد علی عیاله کالمجاهد فی سبیل الله(1).

وقال علیه السلام(2) فی رجل قال: لأقعدن فی بیتی ولأصلین ولأصومنَّ ولأعبدن ربی فأما رزقی فسیأتی قال: هذا أحد الثلاثة الذین لا یستجاب لهم(3).

وقال علیه السلام(4): إن الله(5) لیحب الاغتراب فی طلب الرزق(6).

وقال له رجل(7): والله إنا لنطلب الدنیا ونحب أن نؤتاها. فقال: تحب أن تصنع بها ماذا؟ قال: أعود بها علی نفسی وعیالی وأصل بها وأتصدق بها وأحج وأعتمر. فقال علیه السلام: لیس هذا طلب الدنیا هذا طلب الآخرة(8).

وقال علیه السلام(9): لیس منا من ترک دنیاه لآخرته(10).


1- الکافی، الکلینی: 5/ 88، کتاب المعیشة، باب من کد علی عیاله/ ح1.
2- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
3- أنظر: مستطرفات السرائر، ابن إدریس الحلی: 634.
4- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
5- فی الفقیه: "الله تبارک وتعالی".
6- من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق: 3/ 156، کتاب المعیشة، باب المعایش والمکاسب والفوائد والصناعات/ ح6.
7- فی الکافی: "عن عبد الله بن أبی یعفور، قال: قال رجل لأبی عبد الله علیه السلام: ... الحدیث".
8- الکافی، الکلینی: 5/ 72، کتاب المعیشة، باب الاستعانة بالدنیا علی الآخرة/ ح10.
9- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
10- من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق: 3/ 156، کتاب المعیشة، باب المعایش والمکاسب والفوائد والصناعات/ ح 3. نص الحدیث: "لیس منا من ترک دنیاه لآخرته ولا آخرته لدنیاه".

ص: 139

الفصل الثانی: فی ما ورد فی ذم الدنیا

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: الدنیا سجن المؤمن وجنة الکافر(1).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: لو کانت الدنیا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقی کافراً منها شربة ماء(2).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: الدنیا ملعونة، ملعون ما فیها إلا ما کان لله منها(3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: من أحب دنیاه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنیاه فآثروا ما یبقی علی ما یفنی(4).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: حب الدنیا رأس کل خطیئة(5).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: یا عجباً کل العجب للمصدق بدار الخلود وهو یسعی لدار الغرور(6).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: من أصبح والدنیا أکبر همه فلیس من الله فی شیء، وألزم الله قلبه أربع خصال: هماً لا ینقطع عنه أبداً، وشغلاً لا یتفرغ منه أبداً، وفقراً لا ینال غناه أبداً، وأملاً لا یبلغ منتهاه أبداً(7).


1- جامع الأخبار، الشعیری: 85، الفصل الحادی والأربعون فی معرفة المؤمن وعلاماته.
2- عوالی اللئالی، ابن أبی جمهور الأحسائی: 4/ 81، الجملة الثانیة فی الأحادیث المتعلقة بالعلم وأهله وحاملیه/ ح85.
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید:19/330، نبذ مما قیل فی حال الدنیا وهوانها واغترار الناس بها.
4- مجموعة ورام، ورام ابن أبی فراس: 1/ 128، باب ذم الدنیا.
5- التحصین، ابن فهد الحلی: 27، القطب الثالث فی فوائدها.
6- شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید:19/330، نبذ مما قیل فی حال الدنیا وهوانها واغترار الناس بها.
7- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 5/ 355، کتاب ذم الدنیا، بیان ذم الدنیا.

ص: 140

وروی أن عیسی علیه السلام اشتد به المطر والرعد والبرق یوماً، فجعل یطلب بیتاً یلجأ إلیه، فرفعت إلیه خیمة من بعید فأتاها فإذا فیها امرأة فحاد عنها، فإذا هو بکهف فی جبل فأتاه فإذا فیه أسد فوضع یده علی رأسه وقال: إلهی جعلت لکل شیء مأوی ولم تجعل لی مأوی. فأوحی الله إلیه: مأواک فی مستقر من رحمتی لأزوجنک یوم القیامة ألف حوراء خلقتها بیدی، ولأطعمن فی عرسک أربعة آلاف عام یوم منها کعمر الدنیا، ولآمرن منادیاً ینادی: أین الزهاد فی الدنیا زوروا عرس الزاهد عیسی بن مریم(1).

وقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: الدنیا دار من لا دار له، ولها یجمع من لا عقل له(2).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: ما لی والدنیا(3)، إنما مثلی ومثلها کمثل راکب(4) رفعت له شجرة فی یوم صائف فقال(5) تحتها ثم راح وترکها(6).

وقیل لأمیر المؤمنین علیه السلام: صف لنا الدنیا. فقال: وما أصف لک من دار من صح فیها ما أمن(7)، ومن سقم فیها ندم، ومن افتقر فیها حزن، ومن استغنی فیها فتن، فی حلالها الحساب وفی حرامها العقاب(8).


1- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 5/ 357 __ 358، کتاب ذم الدنیا، بیان ذم الدنیا.
2- الکافی، الکلینی:2/129، کتاب الإیمان والکفر، باب ذم الدنیا والزهد فیها / قطعة من الحدیث 8.
3- فی الکافی: "وللدنیا".
4- فی الکافی: "الراکب".
5- القائلة: الظهیرة. یقال: أتانا عند القائلة، وقد یکون بمعنی القیلولة أیضا، وهی: النوم فی الظهیرة. تقول: قال یقیل قیلولة، وقیلا، ومقیلا، وهو شاذ، فهو قائل وقوم قیل، مثل: صاحب وصحب. الصحاح، الجوهری: 5/1808، مادة "قیل".
6- الکافی، الکلینی: 2/ 134، کتاب الإیمان والکفر، باب ذم الدنیا والزهد فیها/ ح19.
7- فی مجموعة ورام:"من صح فیها أمن".
8- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 137، باب ذم الدنیا.

ص: 141

وقال علیه السلام(1): إنما هی ستة أشیاء مطعوم ومشروب وملبوس ومرکوب ومنکوح ومشموم: فأشرف المطعومات العسل وهو مذقة(2) ذباب، وأشرف المشروبات الماء یستوی فیه البر والفاجر، وأشرف الملبوسات الحریر وهو نسج دودة، وأشرف المرکوبات الفرس وعلیه یقتل الرجال، وأشرف المنکوحات المرأة وهی مبال(3) فی مبال، والله إن المرأة لتزین(4) أحسن شیء منها ویراد أقبح شیء منها، وأشرف المشمومات المسک وهو دم حیوان(5).

وقال الصادق علیه السلام: ما أعجب رسول الله(6) لشیء(7) من الدنیا إلا أن یکون فیها جائعاً خائفاً(8).

وقال لقمان لابنه: یا بنی بع دنیاک بآخرتک تربحهما جمیعاً، ولا تبع آخرتک بدنیاک فتخسرهما(9) جمیعاً(10).


1- أی: "الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام".
2- المذق: المزج والخلط. النهایة فی غریب الحدیث، ابن الأثیر: 4/ 311، مادة "مذق".
3- المبال: الفرج. تاج العروس: الزبیدی: 7/ 237.
4- فی المحجة: "لیزین".
5- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 5/ 362، کتاب ذم الدنیا، بیان ذم الدنیا.
6- فی الکافی: "رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم".
7- فی الکافی: "شیء".
8- الکافی، الکلینی : 2/ 129، کتاب الإیمان والکفر، باب ذم الدنیا والزهد فیها/ ح7.
9- فی مجموعة ورام: "تخسرهما".
10- مجموعة ورام، ورام ابن أبی فراس: 1/ 137، باب ذم الدنیا.

ص: 142

الفصل الثالث: فی ما ورد عن الأنبیاء والأوصیاء والحکماء فی أمثلة الدنیا

کان الحسن بن علی علیه السلام یقول(1):

ی____ا أه______ل ل___ذات دن__ی__ا لا ب___ق__اء لها

إن اغ__ت__راراً ب__ظ_ل زائ____ل ح___م_____ق(2)

مثلها بالظلّ من حیث إنه متحرک فی الحقیقة ساکن فی الظاهر، ولا تدرک.

ومثلها النبی صلی الله علیه وآله وسلم من حیث الاغترار بخیالاتها والإفلاس منها بقوله صلی الله علیه وآله وسلم:«الدنیا حلم وأهلها علیها مجازون معاقبون»(3) ومن حیث تلطفها لأهلها أولاً وإهلاکهم آخراً.

روی أن عیسی علیه السلام کوشف بالدنیا فرآها فی صورة عجوز هتماء(4) علیها من کل زینة، فقال لها: کم تزوجت؟ قالت: لا أحصیهم. قال: فکلهم مات عنک أو کلهم طلقک؟ قالت: بل کلهم قتلت. فقال علیه السلام: بؤساً لأزواجک الباقین کیف لا یعتبرون بالماضین، کیف تهلکینهم واحداً بعد واحد ولا یکونون منک علی حذر(5).


1- فی الأعلام: "یتمثل" بدل "یقول".
2- أعلام الدین، الدیلمی: 241، فیما أنزل الله علی عیسی ابن مریم علیه السلام من الوعظ.
3- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 145، باب ذم الدنیا.
4- : رجل أثرم، وامرأة ثرماء، وفیها الهتم، وهو: أن یسقط مقدم الأسنان، یقال: رجل أهتم، وامرأة هتماء، ویقال: ضربه فهتم فاه. الکنز اللغوی، ابن السکیت: 192.
5- أنظر: مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 146، باب ذم الدنیا.

ص: 143

ومن حیث إنها خلقت للاعتبار لا للعمار ورد فیها «إنها جسر(1) فاعبروها ولا تعمروها»(2).

وقال عیسی علیه السلام: الدنیا قنطرة(3) فاعبروها ولا تعمروها(4). وذلک لأن المیل الأول الذی هو علی رأس القنطرة المهد، والمیل الثانی اللحد، وبینهما مسافة محدودة، منهم من قطع ثلثها ونصفها وثلثیها، ومنهم من لم یبق له إلا خطوة واحدة، وهذا محتمل لکل أحد.

ومن زینها بأنواع الزینة واتخذها موطناً وهو عابر علیها بسرعة فهو فی غایة من الحمق والجهل.

ومن حیث حسن منظرها وقبح مخبرها قال فیها أمیر المؤمنین علیه السلام فی ما کتب إلی سلمان: مثل الدنیا مثل الحیة لین مسها ویقتل سمها، فأعرض عما یعجبک منها لقلة ما یصحبک منها، وضع عنک همومها لما أیقنت من فراقها، وکن أسر ما تکون منها أحذر ما تکون منها، فإن صاحبها کلما اطمأن بها إلی سرور أشخصته عنه مکرهاً __ والسلام(5).

ومن حیث تعذر الخلاص عن تبعاتها بعد الخوض فیها قال فیها النبی صلی الله علیه وآله وسلم: إنما مثل صاحب الدنیا کمثل الماشی فی الماء، هل یستطیع الذی یمشی فی الماء أن لا تبتل قدماه(6).


1- فی التفسیر: "معبر" بدل "جسر".
2- تفسیر البحر المحیط، أبی حیان الأندلسی: 8/ 68، تفسیر سورة الأحقاف.
3- القنطرة، معروفة: الجسر. لسان العرب، ابن منظور: 5/ 118، مادة " قنطر".
4- التحصین، ابن فهد الحلی: 30، القطب الثالث.
5- أنظر: الإرشاد، الشیخ المفید: 1/233،باب طرف من أخبار أمیر المؤمنین علیه السلام، فصل ومن کلامه علیه السلام فی صفة الدنیا و التحذیر منها.
6- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/ 12، کتاب ذم الدنیا، بیان صفة الدنیا بالأمثلة.

ص: 144

ومن حیث قلة الباقی منها بالإضافة إلی الماضی قال صلی الله علیه وآله وسلم: مثل هذه الدنیا مثل ثوب شق من أوله إلی آخرة فبقی بخیط فی آخره، فیوشک ذلک الخیط أن ینقطع(1).

ومن حیث أدائها إلی إهلاک طالبها قال فیها عیسی علیه السلام: مثل طالب الدنیا مثل شارب البحر(2) کلما ازداد عطشاً حتی تقتله(3).(4)

ومن حیث نسبتها إلی الآخرة قال فیها النبی صلی الله علیه وآله وسلم: «ما الدنیا فی الآخرة إلا کمثل(5) ما یجعل أحدکم إصبعه فی الیم(6) فلینظر بم یرجع»(7) إلیه من الأصل.

وقال الکاظم علیه السلام: إن لقمان قال لابنه: یا بنی إن الدنیا بحر عمیق قد غرق فیه عالم کثیر، فلتکن سفینتک فیها تقوی الله وحشوها الإیمان وشراعها التوکل وقیمتها(8) العقل ودلیلها العلم وسکانها الصبر(9).

وقال الباقر علیه السلام: مثل الحریص علی الدنیا کمثل دودة القز کلما ازدادت علی نفسها لفاً کان أبعد له من الخروج حتی تموت غماً(10).


1- مشکاة المصابیح، محمد بن عبد الله الخطیب: 3/ 1526، الفصل الثالث.
2- فی مجموعة ورام: "مثل شارب ماء البحر".
3- فی مجموعة ورام: "یقتله".
4- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 149، باب ذم الدنیا.
5- فی المشکاة: "إلا مثل".
6- الیم: البحر الذی لا یدرک قعره، ولا شطاه. کتاب العین، الفراهیدی: 8/ 431، مادة "یم".
7- مشکاة الأنوار، الطبرسی: 268، الفصل السابع فی ذم الدنیا.
8- فی التحف: "وقیمها".
9- تحف العقول، ابن شعبة الحرانی: 386، وصیة الإمام الکاظم علیه السلاملهشام بن الحکم/ قطعة من الحدیث.
10- الکافی، الکلینی:2/134،کتاب الإیمان والکفر،باب ذم الدنیا والزهد فیها/ح20.

ص: 145

ومن أحسن ما یمثل به حال الإنسان فی الدنیا بحال رجل یمشی فی صحراء وسیعة، فإذا بأسد عظیم ذی خلق جسیم مقبل علیه لیفترسه، فبقی هذا الضعیف المهان متحیراً مدهوشاً لا یدری ما الحیلة ولیس له سلاح یدفعه به ولا ملجأ یتحصن به ، فنظر إلی بئر هناک فولج (1) فیها  ((خائِفاً یَتَرَقَّبُ))(2)، فمنذ وصل إلی وسطها رأی حشیشاً نابتاً فی وسطها علی الحائط، فتشبث به وهو یعلم أنه لا یفیده ولکن الغریق یتشبث بالحشیش، فنظر إلی فوقه فرأی الأسد منتظراً لخروجه حتی یفترسه، فنظر إلی قعر البئر فرأی أفاعی أربعاً فاتحة فاها لالتقامه بعد السقوط، فبینما هو فی هذه الأهوال الجسیمة والأحوال العظیمة لا یمکنه الصعود من الأسد والهبوط من الأفاعی والحشیش لا یحتمله إذ قد خرج من الحائط جرذان أسود وأبیض وشرعا یقترضان ذلک الحشیش آناً فآناً، فبینما هو فی هذه الأحوال إذ رأی قلیلاً من العسل ممزوجاً ببعض التراب القذر قد اجتمع علیه الزنابیر والذباب، فشرع فی مخاصمتهم والأکل معهم وقد صرف جمیع باله وخاطره إلی ذلک العسل ونسی ما هو فیه من البلاء، فهذا مثل الإنسان فی انهماکه بلذات الدنیا.

فالأسد هو الموت الذی لا محیص منه ولا مفر عنه ((أَیْنَمٰا تَکُونُواْ یُدْرِککُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ کُنتُمْ فِی بُرُوجٍ مُشَیَّدَةٍ))(3) والأفاعی الأربع الأخلاط الأربعة(4) أیها


1- ولج یلج ولوجا ولجة: دخل. القاموس المحیط، الفیروز آبادی: 1/ 211، مادة "ولج".
2- سورة القصص/ 18.
3- سورة النساء/ 78.
4- رأی دیمقریطیس وشیعته: یقول فی المبدع الأول: إنه لیس هو العنصر فقط، ولا العقل فقط، بل الأخلاط الأربعة، وهی: الأسطقسات، أوائل الموجودات کلها. الملل والنحل، الشهرستانی: 171، الفصل الثانی الحکماء الأصول، الرقم 4 رأی دیمقریطیس وشیعته. الطبائع، أی: الأخلاط الأربعة، أو الأمزجة الأربعة، من الحار والبارد والرطب والیابس، أو الأربعة المرکبة من الحار الیابس والحار الرطب والبارد الیابس والبارد الرطب. تحب ما یشاکلها،أی: تطلب ما یوافقها فصاحب المزاج الحار  یطلب البارد والرطب یطلب الیابس، وهکذا. فاغتذ فی بعض النسخ بالغین والذال المعجمتین، أی: اجعل غذاءک، وفی بعضها بالمهملتین من الاعتیاد لم یغذه، یقال: غذوت الصبی اللبن فضمیر لم یغذه، إما راجع إلی الطعام، أی: لم یجعل الطعام غذاء لجسده، أو إلی الجسد، وعلی التقدیرین أحد المفعولین مقدر، والحاصل أنک إذا تناولت من الغذاء أکثر من قدر الحاجة یصیر ثقلا علی المعدة، وتعجز الطبیعة عن التصرف فیه، ولا ینضج، ولا یصیر جزء البدن، ویتولد منه الأمراض، ویصیر سببا للضعف، وکذلک الماء، أی: ینبغی أن تشرب من الماء أیضا قدر الحاجة. بحار الأنوار، العلامة المجلسی: 59/ 331، کتاب السماء والعالم، باب 90 الرسالة الذهبیة، ذکر فصول السنة.

ص: 146

غلب قتل الإنسان والبئر هو الدنیا، والحبل هو العمر، والجرذان اللیل والنهار یقرضان العمر، والعسل المخلوط بقذر التراب لذات الدنیا الممزوجة بالکدورات، والزنابیر والذباب هم أبناء الدنیا المتزاحمون علیها(1).


1- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/ 9 __ 18، کتاب ذم الدنیا، بیان صفة الدنیا بالأمثلة. جامع السعادات، النراقی: 2/ 41 __ 42، تذنیب تشبیهات الدنیا وأهلها. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 191 __ 195، کتاب ذم الدنیا، بیان صفة الدنیا بالأمثلة.

ص: 147

الباب الحادی عشر: المال

 

ص: 148

ص: 149

فی المال

إعلم أنه قد ورد من الشرع مدح المال وذمه، وقد تقدم من الأخبار ما یدل علی مدحه، وجمیع ما دل علی الحث علی الحج والزکاة والخمس والتصدق والهبة والعطیة والإحسان والإنعام والإطعام مما لا یتم إلا بالمال فهو مدح له، وقد سماه الله تعالی خیراً فی مواضع، فقال تعالی:((إِنْ تَرَکَ خَیْراً الْوَصِیَّةُ لِلْوالِدَیْنِ))(1)(2). وقال صلی الله علیه وآله وسلم:نعم المال الصالح للرجل الصالح(3).

وورد ذمه أیضاً فقال تعالی:((إِنَّمٰا أَمْوالُکُمْ وَأَوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ))(4) وقال تعالی:((لا تُلْهِکُمْ أَمْوٰالُکُمْ وَلا أَوْلادُکُمْ عَن ذِکْرِ اللّهِ وَمَن یَفْعَلْ ذلِکَ فَأُوْلئِکَ


1- سورة البقرة/ 180.
2- أنظر: مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 158، بیان مدح المال.
3- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 158، بیان مدح المال.
4- سورة التغابن/ 15.

ص: 150

هُمُ الْخاسِرُونَ))(1). وقال صلی الله علیه وآله وسلم: حب المال والشرف ینبتان النفاق کما ینبت الماء البقل(2). ونحوه کثیر(3).

والسر فی ذلک أن المال ذو وجهتین: نافعة، ومضرة، ومثاله مثال الحیة فیها سم وتریاق(4)، ففوائدها تریاقها وغوائلها(5) سمومها. والمال إن صرف فی طاعة الله ومرضاته کان من الآخرة، وإلا کان من الدنیا.

والمال فیه فوائد وغوائل، من عرفها وأخذ الفوائد واجتنب عن الغوائل نجا.

وفوائد المال الدنیویة معلومة ولهذا تهالک أهل الدنیا علیها، وأما الدینیة فهی ثلاثة أنواع:

الأول: ما ینفقه علی نفسه فی عبادة أو الاستعانة علیها.

والثانی: ما یصرفه إلی الناس، وهو أربعة أقسام: الصدقة، والمروة، ووقایة العرض، وأجرة الاستخدام:


1- سورة المنافقون/ 9.
2- منیة المرید، الشهید الثانی: 156، الباب الأول فی آداب المعلم والمتعلم، النوع الأول آداب اشترکا فیها، القسم الأول آدابهما فی أنفسهما، الأمر الثانی استعمال ما یعلمه کل  منهما،  الفصل الثانی فی الغرور فی طلب العلم و المغترین من أهل العلم.
3- أنظر فی حب المال: کتاب الزهد، الأهوازی: 58، باب 10 باب التواضع والکبر. الأمالی، الطوسی: 532، المجلس 19/ ح 1. معدن الجواهر، الکراجکی: 53، باب ذکر ما جاء فی ستة. غرر الحکم، الآمدی: 368، حب المال/ ح 8315. شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید: 7/253، الخطبة 113. أعلام الدین، الدیلمی: 195، وصیة النبی صلی الله علیه وآله وسلم لأبی ذر.
4- التریاق: لغة فی الدریاق، وهو: دواء. کتاب العین، الفراهیدی: 5/ 127، مادة "ترق".
5- الغائلة: الحقد الباطن. الغوائل: الدواهی. فلان قلیل الغائلة والمغالة، أی: الشر. لسان العرب، ابن منظور: 11/512، مادة "غیل".

ص: 151

أما الصدقة فقد حث الشارع علیها ورغب فیها بالثواب وقال إنها تطفئ غضب الرب(1).

وأما المروة وهی صرف المال إلی الأغنیاء والأشراف فی ضیافة وهدیة وإعانة وإطعام الطعام، وهذا أیضاً مما رغب الشارع فیه ووعد علیه الثواب.

وأما وقایة العرض وهو بذل المال لدفع هجو(2) الشعراء وثلب(3) السفهاء ودفع شر الأشرار، فمع تنجز فائدته فی الدنیا حث الشارع علیه أیضاً، قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: ما وقی المرء به(4) عرضه فهو له صدقة(5).

وأما الاستخدام فی الأعمال التی اضطر إلیها الإنسان من المأکول والمشروب والملبس ونحوها فهو ضروری لولاه لتعذر علیه سبیل الآخرة، ولو تولاها بنفسه لضاعت أوقاته وتعذر علیه الفکر والذکر.

النوع الثالث: ما لا یصرفه الإنسان إلی إنسان معین ولکن یحصل به خیر عام، کبناء المساجد والقناطر والرباطات ودار المرضی ونصب الحباب فی الطرق وغیر ذلک. هذا کله مضافاً إلی ما یتعلق بالحظوظ العاجلة من الخلاص من ذل السؤال وحقارة الفقر، ولکثرة الإخوان والأعوان والأصدقاء.


1- قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: "صدقة السر تطفئ غضب الرب". الکافی، الکلینی: 4/ 7، أبواب الصدقة، باب فضل صدقة السر/ ح1.
2- هجا یهجو هجاء، ممدود: الوقیعة فی الأشعار. کتاب العین، الفراهیدی: 4/ 65، مادة "هجو".
3- ثلبه ثلبا: إذا صرح بالعیب وتنقصه. الصحاح، الجوهری: 1/ 94، مادة "ثلب".
4- فی مجموعة ورام: "ما وقی به المرء".
5- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 160، بیان مدح المال والجمع بینه وبین الذم.

ص: 152

وأما الآفات فدینیة ودنیویة، أما الدینیة فثلاثة أنواع:

الأول: إنه یجر إلی المعاصی، فإن الشهوات متقاضیة(1) والعجز یحول بین المرء والمعصیة، ومن العصمة أن لا تقدر.

الثانی: أن یجر إلی التنعم فی المباحات، وربما لا یقدر علی التوصل إلیه بالکسب الحلال فیقتحم الشبهات ویخوض فی المراء والمداهنة والکذب والنفاق وسائر الأخلاق المردیة لتحصیل مطلوبه لیتیسر له التنعم.

الثالث: وهو الذی لا ینفک عنه أحد، وهو أنه یلهیه إصلاح ماله عن ذکر الله تعالی، وکل ما یشغل العبد عن الله فهو خسران، ولذلک قال عیسی علیه السلام: فی المال ثلاث آفات إن(2) یأخذه من غیر حله. فقیل: إن أخذه من حله؟ قال: یضعه فی غیر حقه. فقیل له(3): إن وضعه فی حقه؟ فقال: یشغله إصلاحه عن الله(4).

ومن أراد أن ینجو من غائلة المال فعلیه بأمور:

الأول: أن یعرف المقصود من المال، وأنه لماذا خلق، وأنه لِمَ یحتاج إلیه حتی لا یکتسب ولا یحفظ إلا قدر حاجته.

الثانی: أن یراعی جهة دخل المال، فیجتنب الحرام المحض وما الغالب علیه الحرام، ویجتنب الجهات المکروهة القادحة فی المروة.


1- انقضی الشیء وتقضی، أی: فنی وذهب. کتاب العین، الفراهیدی: 5/ 185، مادة "قضی".
2- فی المحجة: "أن".
3- لیس فی المحجة: "له".
4- المحجة البیضاء،الفیض الکاشانی:6/49،کتاب ذم المال،بیان تفصیل آفات المال وفوائده.

ص: 153

الثالث: أن یراعی جهة الخرج ویقتصد فی الإنفاق غیر مبذر ولا مقتر، قال تعالی:((وَالَّذِینَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ یُسْرِفُوا وَلَمْ یَقْتُرُوا وَکانَ بَیْنَ ذلِکَ قَواماً))(1).

الرابع: أن یضع ما اکتسبه من حله وحقه ولا یضعه فی غیر حقه، فإن الإثم فی الأخذ من غیر حقه والوضع فی غیر حقه سواء.

والخامس: أن یصلح نیته فی الأخذ والترک والإنفاق والإمساک فیأخذ ما یأخذ لیستعین به علی العبادات والطاعات، ویترک ما یترک زهداً فیه واستحقاراً له، وإذا فعل ذلک لم یضره وجود المال(2).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: لو أن رجلاً أخذ جمیع ما فی الأرض وأراد به وجه الله فهو زاهد، ولو أنه ترک الجمیع ولم یرد وجه الله فلیس بزاهد(3).

وقال علیه السلام(4): الزهد کله بین کلمتین من القرآن(5):((لِکَیْلا تَأْسَوْا عَلی مٰا فاتَکُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمٰا آتاکُمْ))(6) ومن لم یأس علی الماضی ولم یفرح بالآتی فقد أخذ الزهد بطرفیه(7).


1- سورة الفرقان/ 67.
2- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/ 40 __ 59، کتاب ذم المال. جامع السعادات، النراقی: 2/  46 __ 57. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 206 __ 215، کتاب ذم البخل و ذم حب المال.
3- الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی:119، الفصل الرابع النجاة من غائلة المال.
4- أی: "الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام".
5- فی النهج: "قال الله سبحانه" قبل الآیة.
6- سورة الحدید/ 23.
7- نهج البلاغة، الشریف الرضی: 553 __ 554، فصل نذکر فیه شیئا من غریب کلامه المحتاج إلی التفسیر/ ح439.

ص: 154

ص: 155

الباب الثانی عشر: الفقر

ص: 156

ص: 157

فی الفقر

وقد ورد مدحه وذمه أیضاً، وخلاصة الکلام فیه أن الفقر إما أن یکون إلی الله فقط لا إلی سواه __ بأن یکون متعففاً عن الناس غنی النفس __ هذا فی أعلی مراتب الکمال، وهو الذی قال فیه النبی صلی الله علیه وآله وسلم: الفقر فخری(1).

ومدح الله أهله بقوله:((یَحْسَبُهُمُ الْجٰاهِلُ أَغْنِیٰاء مِنَ التَّعَفُّفِ))(2).

وإما أن یکون إلی الناس، بأن یکون دائماً مظهراً للشکوی والحاجة متحملاً لذل السؤال والطمع بما فی أیدی الناس فهو فی أدنی مراتب النقص، وهو الذی قال فیه صلی الله علیه وآله وسلم: الفقر سواد الوجه فی الدارین(3). لأن صاحبه یکون ممقوتاً(4) عند الله وعند الناس، وصاحبه یخسر الدنیا والآخرة(5).


1- جامع الأخبار، تاج الدین الشعیری: 111، الفصل السابع والستون فی الفقراء.
2- سورة البقرة/ 273.
3- عوالی اللئالی، ابن أبی جمهور الأحسائی:1/40، الفصل الرابع فی ذکر أحادیث/ح41.
4- المقت: بغض من أمر قبیح رکبه، فهو مقیت. ومقته الناس مقتا فهو ممقوت. کتاب العین، الفراهیدی: 5/ 132، مادة "مقت".
5- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/ 46 __ 49، کتاب ذم المال، بیان تفصیل آفات المال و فوائده.

ص: 158

وإما أن یکون إلی الله مرة وإلی الناس أخری، وهو الذی قال فیه صلی الله علیه وآله وسلم: کاد الفقر أن یکون کفراً(1). لأنه شبیه بالشرک.

وینبغی للفقیر أن یکون قانعاً منقطع الطمع عن الخلق غیر ملتفت إلی ما فی أیدیهم، ولا حریصاً علی اکتساب المال کیف کان، ولا یمکنه ذلک إلا بأن یقنع بقدر الکفاف ویقصر الأمل، إذ لو کان حریصاً طماعاً لجره الحرص والطمع إلی مساوئ الأخلاق وارتکاب المنکرات(2). قال صلی الله علیه وآله وسلم: ما من أحد غنی ولا فقیر إلا ودّ یوم القیامة أنه کان أوتی قوتاً فی الدنیا(3).(4)

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: یا معاشر(5) الفقراء أعطوا الله الرضا من قلوبکم تطفروا(6) بثواب فقرکم وإلاّ فلا(7).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: ابن آدم إن کنت ترید من الدنیا ما یکفیک فإن أیسر ما فیها یکفیک، وإن کنت ترید(8) ما لا یکفیک فإن کل ما فیها لا یکفیک(9).


1- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 158، بیان مدح المال.
2- أنظر: إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 212، کتاب ذم البخل و ذم حب المال، بیان ذم الحرص والطمع.
3- فی الروضة: "أنه کان فی الدنیا أوتی قوتا".
4- روضة الواعظین، الفتال النیسابوری: 2/ 456، مجلس فی ذکر فضل الفقر والقوت.
5- فی الکنز: "یا معشر".
6- فی الکنز: «تظفروا».
7- کنز العمال، المتقی الهندی: 6/ 485، الإکمال من فرع فی لواحق الفقر/ ح16655.
8- فی الکافی: "وإن کنت إنما ترید".
9- الکافی، الکلینی: 2/ 138 __ 139، کتاب الإیمان والکفر، باب القناعة/ ح6.

ص: 159

وقال الباقر علیه السلام: إیاک أن تطمع بصرک إلی من هو فوقک، وکفی بما قال الله لنبیه صلی الله علیه وآله وسلم: ((وَلا(1) تُعْجِبْکَ أَمْوٰالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ))(2). وقال: ((وَلا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلی مٰا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَیاةِ الدُّنیا))(3) فإن دخلک من ذلک شیء فاذکر عیش رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فإنما کان قوته الشعیر وحلواه التمر ووقوده السعف إذا وجد(4).


1- فی النص القرآنی: "فلا"  بدل "ولا".
2- سورة التوبة/ 55.
3- سورة طه/ 131.
4- الکافی، الکلینی: 2/ 137 __ 138، کتاب الإیمان والکفر، باب القناعة/ ح1. وفیه النص: «عَنْ عَمْرِو بْنِ هِلالٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: إِیَّاکَ أَنْ تُطْمِحَ بَصَرَکَ إِلَی مَنْ فَوْقَکَ فَکَفَی بِمَا قَالَ اللَّهُ عزّوجل لِنَبِیِّهِ صلی الله علیه وآله وسلم: ((فَلا تُعْجِبْکَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ )) سورة التوبة/ 55. وَقَالَ: ((وَلا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلی ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَیاةِ الدُّنْیا)) سورة طه/ 131. فَإِنْ دَخَلَکَ مِنْ ذَلِکَ شَیْ ءٌ فَاذْکُرْ عَیْشَ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله وسلم فَإِنَّمَا کَانَ قُوتُهُ الشَّعِیرَ وَحَلْوَاهُ التَّمْرَ وَوَقُودُهُ السَّعَفَ إِذَا وَجَدَهُ».

ص: 160

ص: 161

الباب الثالث عشر: الجاه

اشارة

ص: 162

ص: 163

فی الجاه

وهو انتشار الصیت(1) والاشتهار، وحبه مذموم فی القرآن والأخبار، وهو آفة عظیمة فی الدین، والمحمود هو حب الخمول إلا من شهره الله من غیر تکلف طلب للشهرة.

قال الله تعالی:((تِلْکَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهٰا لِلَّذِینَ لا یُرِیدُونَ عُلُوّاً فِی الأَرْضِ وَلا فَسٰاداً وَالْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ))(2).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: حب الجاه والمال ینبتان النفاق فی القلب کما ینبت الماء البقل(3).


1- الصیت: الذکر الجمیل الذی ینتشر فی الناس. لسان العرب، ابن منظور: 2/ 58، مادة "صوت".
2- سورة القصص/83.
3- کشف الریبة، الشهید الثانی: 51، الفصل الرابع.

ص: 164

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: ما ذئبان ضاریان أرسلا فی زریبة غنم بأکثر فساداً من حب الجاه والمال(1).(2)

وقال علیه السلام(3): إنما هلک الناس باتباع الهوی وحب الثناء(4).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: تبذل لا تشهر ولا ترفع شخصک لتذکر بعلم، واکتم واصمت تسلم تسر الأبرار وتغیظ الفجار(5).

وقال الصادق علیه السلام: إیاکم وهؤلاء الرؤساء الذین یترأسون، فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلا هلک وأهلک(6).

وقال علیه السلام(7): ملعون من ترأس، ملعون من هم بها، ملعون من حدث بها نفسه(8).

وقال علیه السلام(9): رب ذی طمرین(10) لا یؤبه له لو أقسم علی الله لأبره(11).

وتحقیق الکلام فی الجاه فی فصول:


1- فی المحجة: "من حب الجاه والمال والشرف فی دین الرجل المسلم".
2- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/ 112، کتاب ذم الجاه والریاء، بیان ذم حب الجاه.
3- فی المحجة: "قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم لعلی علیه السلام".
4- المصدر السابق.
5- الإختصاص، الشیخ المفید: 232، حدیث فی زیارة المؤمن لله. وفیه النص: «قال أمیر المؤمنینعلیه السلام: تبذل لا تشهر، ووار شخصک لا تذکر، وتعلم، واکتم، و اصمت تسلم، قال: وأومأ بیده إلی صدره، فقال: یسر الأبرار ویغیظ الفجار».
6- الکافی، الکلینی: 2/ 297، کتاب الإیمان والکفر، باب طلب الرئاسة/ ح3.
7- أی: «الإمام الصادق علیه السلام».
8- الکافی، الکلینی: 2/ 298، کتاب الإیمان والکفر، باب طلب الرئاسة/ ح4.
9- فی مجموعة ورام: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.
10- فی مجموعة ورام: "رب أشعث أغبر ذی طمرین".
11- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 182، بیان ذم الاشتهار وفضیلة الخمول.

ص: 165

الفصل الأول: فی سبب حب الجاه

إعلم أن المال ملک الأعیان المنتفع بها، ومعنی الجاه ملک القلوب المطلوبة تعظیمها وطاعتها، والسبب فی حب المال هو السبب فی حب الجاه وزیادة، لأن ملک القلوب یتبعه ملک الأعیان، ویرجح الجاه علی المال من وجوه ثلاثة:

الأول: إن التواصل بالجاه إلی المال أیسر من التوصل بالمال إلی الجاه، إذ العالم والعابد الذی یرید حصول الجاه فی القلوب لو قصد اکتساب المال تیسر له، فإن أموال أرباب القلوب مسخرة للقلوب ومبذولة لمن اعتقد فیه الکمال، وأما الرجل الخسیس الذی لا یتصف بصفة کمال إذا وجد کنزاً ولم یکن له جاه یحفظ ماله وأراد أن یتوصل بالمال إلی الجاه لم یتیسر له.

الثانی: إن المال معرض للتلف بالغضب والسرقة والقلوب سالمة من ذلک، وإنما تغضب القلوب بقبح الحال وتغیر الاعتقاد، وذلک مما یهون دفعه.

الثالث: إن ملک القلوب ینمو ویسری ویتزاید من غیر حاجة إلی تعب لأن القلوب إذا أذعنت لشخص واعتقدت کماله نطقت وانطلقت الألسنة لا محالة بما فیها، وانتشر ذلک فی الأقطار والأمصار، ولا یزال فی زیادة اقتناص القلوب والنمو، والمال لا یمکن استنماؤه إلا بتعب شدید.

ولکن الجاه لیس بمذموم مطلقاً، بل هو کالمال ممدوح من جهة ومذموم من أخری، وکما أنه لابد للإنسان من أدنی مال لضرورة المطعم والملبس فلابد له من أدنی جاه لضرورة المعیشة مع الخلق کما یحتاج الإنسان إلی طعام یتناوله ویجوز أن یحب الطعام والمال الذی یباع به الطعام، وکذلک لا یخلو عن الحاجة إلی خادم یخدمه ورفیق یعینه وسلطان یحرسه ویدفع عنه ظلم الأشرار، فحبه لأن یکون له فی قلب

ص: 166

خادمه من المحل ما یدعوه إلی الخدمة لیس بمذموم، وکذا حبه لأن یکون له فی قلب رفیقه من المحل ما یحسن به مرافقته ومعاونته، وکذا حبه لأن یکون له فی قلب أستاذه من المحل ما یحسن به إرشاده وتعلیمه والعنایة به، وأن یکون له من المحل فی قلب السلطان ما یحثُه علی دفع الشر عنه، فإن الجاه وسیلة إلی الأغراض کالمال(1).

الفصل الثانی: فی علاج حب الجاه

إعلم أن من غلب علی قلبه حب الجاه صار مقصور الهم علی مراعاة الخلق مشغوفاً بالتودد إلیهم، وابتلی بالریاء والسمعة والنفاق والمداهنة والتساهل فی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ونحو ذلک، وعلاجه العلم والعمل:

أما العلم: أن یعلم أن السبب الذی لأجله أحب الجاه __ وهو کمال القدرة علی أشخاص الناس وعلی قلوبهم __ إن صفا وسلم فأخره الموت ولا ینفعه فی الآخرة لو لم یضره، ولو سجد له کل من علی وجه الأرض فعن قریب لا یبقی الساجد ولا المسجود له(2)، ویکون حاله کحال من مات قبله من ذوی الجاه مع المتواضعین له ، ولمثل هذا لا ینبغی أن یترک الدین الذی هو الحیاة الأبدیة التی لا انقطاع لها.

والکمال الحقیقی الذی یقرب صاحبه من الله ویبقی کمالاً للنفس بعد الموت لیس إلا العلم بالله وبصفاته وأفعاله، ثم الحریة وهی الخلاص من أسر الشهوات. هذا هو الکمال الباقی بعد الموت والباقیات الصالحات التی تبقی کمالاً للنفس.


1- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 128 __  129، الفصل الثانی. جامع السعادات، النراقی: 2/ 352 __ 354، الجاه أحب من المال. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/248 __ 249، کتاب ذم الجاه و الریاء، بیان سبب کون الجاه محبوبا.
2- تنبیه: المقصود بالمسجود له، هو: من غلب علی قلبه حب الجاه، وابتلی بالریاء، کما هو موضح أعلاه.

ص: 167

والمال والجاه هو الذی ینقضی سریعاً، وهو کما مثله الله تعالی:((إِنَّمٰا مَثَلُ الْحَیٰاةِ الدُّنْیٰا کَمٰاءٍ أَنزَلْنٰاهُ مِنَ السَّمٰاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبٰاتُ الأَرْضِ))(1)، وکل ((تَذْرُوهُ الرِّیٰاحُ))(2) بالموت فهو ((زَهْرَةَ الْحَیٰاةِ الدُّنیٰا))(3) وکل ما لا یقطعه الموت فهو من ((الْبٰاقِیٰاتُ الصّالِحٰاتُ))(4).

فمن عرف الکمال الحقیقی صغر الجاه فی عینه، إلا أن ذلک إنما یصغر فی عین من ینظر إلی الآخرة کأنه یشاهدها، ویستحقر العاجلة ویکون الموت کالحاصل عنده.

وأبصار أکثر الخلق ضعیفة تؤثر الدنیا علی الآخرة، کما قال تعالی: ((بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَیٰاةَ الدُّنْیٰا (16) وَالآخِرَةُ خَیْرٌ وَأَبْقی))(5) وقال تعالی: ((بَلْ تُحِبُّونَ الْعٰاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ))(6).

ومن کان کذلک فینبغی له العلاج بالعلم بالآفات العاجلة لصاحب الجاه، فإن صاحب الجاه مخاطر علی نفسه وماله، ومحمود مقصود بالإیذاء، مبتلی بالناس خص بالبلاء، من عرفته الناس یقاسی الشدائد العظیمة، ولأجلها یتمنی الخمول.

ولا یزال ذو الجاه خائفاً علی جاهه ومحترزاً من زوال منزلته عن القلوب والقلوب أشد تغییراً من القدر فی غلیانه، وهی مرددة بین الإقبال والإعراض، وما یبنی علی قلوب الخلق یضاهی ما یبنی علی أمواج البحر، فإنه لا ثبات له.


1- سورة یونس/ 24.
2- سورة الکهف/ 45.
3- سورة طه/ 131.
4- سورة الکهف/ 46.
5- سورة الأعلی/ 16 __ 17.
6- سورة القیامة/ 20 __ 21.

ص: 168

والاشتغال بمراعاة القلوب وحفظ الجاه ودفع کید الحساد ومنع أذی الأعداء اشتغال عن الله وتعرض لمقته فی العاجل والآجل. وجمیع ذلک غموم عاجلة مکدرة للذة الجاه الموهومة فضلاً عما یفوت فی الآخرة. هذا هو العلاج العلمی.

وأما العملی: فإسقاط الجاه عن قلوب الخلق بالأنس بالخمول والقناعة بالقبول من الخالق والاعتزال عن الناس والهجرة إلی مواضع الخمول، فإن المعتزل فی بیته فی البلدة التی هو بها مشهور لا یخلو عن حب المنزلة التی ترسخ له فی القلوب بسبب عزلته، ومن قنع استغنی عن الناس وانقطع طمعه عنهم، وإذا استغنی عنهم لم یکن لقیام منزلته فی قلوبهم عنده وزن، ویستعین علی ذلک بالأخبار الواردة فی ذم الجاه ومدح الخمول(1).

الفصل الثالث: فی حب المدح والثناء

وسببه شعور النفس بالکمال والدلالة علی أن الممدوح قد ملک قلب المادح وسخره، وملک القلوب أحب من ملک الأموال __ کما تقدم.

ولهذین السببین یکره الذم ویتألم به القلب، والسبب الثالث أن ثناء المثنی ومدح المادح سبب لاصطیاد قلب کل من یسمعه، لاسیما إذا کان ذلک ممن یلتفت إلی قوله ویعتد بشأنه، وهذا یختص بثناء یقع علی الملأ.

والرابع من المدح یدل علی حشمة الممدوح واضطرار المادح إلی إطلاق اللسان بالثناء علیه إما طوعاً أو قهراً، والحشمة أیضاً لذیذة لما فیها من القهر والقدرة، وقد تجتمع هذه الأسباب فیعظم الالتذاذ ویندفع استشعار الکمال بأن


1- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/ 128 __ 131، کتاب ذم الجاه والریاء، بیان علاج حب الجاه. جامع السعادات، النراقی: 2/ 364 __ 366، فصل علاج حب الجاه. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 254 __ 256، کتاب ذم الجاه والریاء، بیان علاج حب الجاه.

ص: 169

یعلم الممدوح أنه غیر صادق فی مدحه، فإن کان یعلم أن المادح لیس یعتقد ما یقوله بطلت اللذة الثابتة __ وهو استیلاؤه علی قلبه __ وبقیت لذة الاستیلاء بالحشمة.

وحب المدح والثناء کحب الجاه حرمة وإباحة ونفعاً وضراً، وعلاجه علاجه، وعلمه بأن الصفة الممدوح بها إن فقدت فاستهزاء وإن وجدت فالدنیویة کمال وهمی والدینیة موقوفة علی الخاتمة.

وعلاج کراهة الذم العلم بأن الصفة المذموم بها إن وجدت فتبصیر للعیوب، وفیه الفرح والشغل بالإزالة، وإن فقدت فکفارة للذنوب وفیه الشکر لله والترحم للذام حیث أهلک نفسه، کما قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم لما کسروا رباعیته: اللهم إهد قومی فإنهم لا یعلمون(1).

والإنسان یفرح ممن یذم عدوه وهو عدو نفسه، فینبغی أن یفرح إذا سمع ذمها ویشکر الذام علیها ویعتقد ذکاءه، وفطنته لما وقف علی عیوبها، فیکون ذلک کالتشفی له من نفسه ویکون غنیمة عنده إذ صار بالمذمة أوضع فی أعین الناس حتی لا یبتلی بفتنة الجاه، وإذا سبقت إلیه حسنات لم یتعب فیها فعساه یکون جبراً لعیوبه التی هو عاجز عن إماطتها.

ولو جاهد نفسه طول عمره فی هذه الخصلة الواحدة __ وهی أن یستوی عند ذامه ومادحه __ لکان له شغل شاغل فیه لا یتفرغ معه لغیره.

وبینه وبین السعادة عقبات کثیرة هذه إحدی تلک العقبات، ولا یقطع شیء منها إلا بالمجاهدة الشدیدة فی العمر الطویل(2).


1- أنظر: إیمان أبی طالب، السید فخار بن معد الموسوی: 155، الفصل الثانی.
2- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 129 __ 132، الفصل 2 __ 3. المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/ 131 __ 138، کتاب ذم الجاه والریاء. جامع السعادات، النراقی: 2/ 368 __ 372.

ص: 170

ص: 171

الباب الرابع عشر: الغرور

اشارة

ص: 172

ص: 173

فی الغرور وفیه فصول

الفصل الأول: فی حقیقته وذمه

إعلم أن مفتاح السعادة التیقظ والفطنة، ومنبع الشقاوة الغرور والغفلة، والغرور هو سکون النفس إلی ما یوافق الهوی ویمیل إلیه الطبع عن شبهة وخدعة من الشیطان، فمن اعتقد أنه علی خیر إما فی العاجل أو فی الآجل عن شبهة فاسدة فهو مغرور(1)، قال الله تعالی:((لا(2) تَغُرَّنَّکُمُ الْحَیاةُ الدُّنْیا وَلا یَغُرَّنَّکُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ))(3)، وقال تعالی:((وَلکِنَّکُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَکُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْکُمُ الأَْمانِیُّ حَتَّی جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّکُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ))(4).


1- ((وَلا یَغُرَّنَّکُم بِاللّهِ الْغَرُورُ)) سورة لقمان/ 33. الغرور، بالفتح: الشیطان، وکل من غر فهو غرور، وسمی  الشیطان غرورا لأنه یحمل الإنسان علی محابه ووراء ذلک ما یسوؤه. قال ابن السکیت: والغرور أیضا: ما رأیت له ظاهرا تحبه وفیه باطن مکروه ومجهول. والغرور بضم المعجمة: الباطل، مصدر غررت وما اغتر به من متاع الدنیا. مجمع البحرین، الشیخ الطریحی: 3 / 301، مادة "غرر".
2- فی النص القرآنی: "فلا".
3- سورة لقمان/ 33.
4- سورة الحدید/ 14.

ص: 174

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: حبذا نوم الأکیاس وفطرهم کیف یغبنون سهر الحمقی واجتهادهم، ولمثقال ذرة من صاحب تقوی ویقین أفضل من ملء الأرض من المغترین.

وکل ما ورد فی فضل العلم وذم الجهل فهو دلیل ذم الغرور، لأن الغرور(1) نوع من الجهل، والذین غرتهم الحیاة الدنیا بعض الکفار والعصاة الذین آثروا الحیاة الدنیا علی الآخرة قائلین: إن الدنیا نقد والآخرة نسیئة(2) والنقد خیر من النسیئة، ولذات الدنیا یقین والآخرة شک والیقین خیر من الشک.

وهذا عین الجهل، لأن الدنیا لو کانت ذهباً فانیاً والآخرة خزفاً باقیاً لکان الخزف الباقی خیراً من الذهب الفانی، فکیف والدنیا خزف فانٍ والآخرة ذهب باقٍ، کما قال تعالی:((ما عِنْدَکُمْ یَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ))(3) وقال تعالی: ((وَللآْخِرَةُ خَیْرٌ وَأَبْقی))(4) وقال تعالی: ((وَما الْحَیاةُ الدُّنْیا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ))(5).

وکون النقد خیراً من النسیئة مطلقاً ممنوع، فإن النسیئة العظیمة الکثیرة خیر من النقد القلیل الحقیر، وفعل هذا المغرور حجة علیه، فإنه یعطی خمسة دراهم نقداً لیأخذ عشرة نسیئة، ویترک لذائذ الأطعمة بتحذیر الطبیب نقداً خوفاً من ألم المرض النسیئة، ویتحمل المشاق والأسفار وقطع البحار نقداً لتوهم النفع نسیئة، وکذا التاجر فی سعیه وتصدیعه(6) علی یقین وفی ربحه علی شک، وکذا المتفقه فی


1- إحیاء علوم الدین،الغزالی:3/335،کتاب ذم الغرور،بیان ذم الغرور وحقیقته وأمثلته.
2- النسیئة: التأخیر. لسان العرب، ابن منظور: 1/ 147، مادة "کلأ ".
3- سورة النحل/ 96.
4- سورة الأعلی/ 17. ونصها: "والآخرة خیر وأبقی".
5- سورة آل عمران/ 185.
6- الرجل یصدع بالحق: یتکلم به جهارا. صدعتهم فتصدعوا، أی: فرقتهم فتفرقوا. کتاب العین، الفراهیدی: 1/ 291 _ 292، مادة "صدع".

ص: 175

اجتهاده شک وفی تعبه یقین، والمریض من مرارة الدواء علی یقین ومن الشفاء علی شک، فکون الیقین خیراً من الشک مطلقاً ممنوع، بل إذا کان مثله فالذی له شک فی الآخرة یجب علیه بحکم الحزم أن یقول: الصبر أیاماً قلائل فی هذا العمر القصیر قلیل بالإضافة إلی ما یقال من أمر الآخرة، فإن کان ما یقال فی الآخرة کذباً فما فاتنی إلا نعم حقیرة فانیة، وإن کان صدقاً خلدت فی النار أبد الآبدین وهذا لا یطاق.

هذا کله مع قطع النظر عن کون الآخرة یقیناً یحکم بها العقل السلیم والفهم المستقیم، وأخبر بها الأنبیاء والمرسلون والأولیاء والصالحون.

وأما الغرور بالله فمثل قول بعضهم: فإن کان لله معاد فنحن أحق به من غیرنا وأوفر حظاً وأسعد حالاً، کما أخبر الله تعالی من قول الرجلین المتحاورین. إذ قال: ((وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلی رَبِّی لأََجِدَنَّ خَیْراً مِنْها مُنْقَلَباً))(1).

وذلک لأنهم تارة ینظرون إلی نعم الله علیهم فی الدنیا فیقیسون علیها نعم الآخرة، وینظرون إلی تأخیر الله العذاب عنهم، فیقیسون علیه عذاب الآخرة، کما قال تعالی: ((وَیَقُولُونَ فِی أَنْفُسِهِمْ لَوْلا یُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ))(2).

وینظرون تارة إلی المؤمنین وهم فقراء شعث غبر، فیقولون: ((أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَیْهِمْ مِنْ بَیْنِنا))(3) ویقولون: ((لَوْ کانَ خَیْراً ما سَبَقُونا إِلَیْهِ))(4)، ویقولون:


1- سورة الکهف/ 36.
2- سورة المجادلة/ 8.
3- سورة الأنعام/ 53.
4- سورة الأحقاف/ 11.

ص: 176

قد أحسن الله إلینا بنعیم الدنیا، وکل محسن محب، والمحب یحسن فی المستقبل أیضاً، ولم یعلموا أن نعیم الدنیا ولذاتها والاستدراج فیها یدل علی الهوان، وأن هذه اللذات سموم قاتلات، وأن الله یحمی المؤمن من الدنیا کما یحمی الطبیب المریض عن الطعام.

ولو کانت الدنیا لها قدر عند الله لما سقی الکافر منها شربة ماء، وقال تعالی: ((أَ یَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِینَ (55) نُسارِعُ لَهُمْ فِی الْخَیْراتِ بَلْ لا یَشْعُرُونَ))(1) وقال تعالی:((سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ))(2) وقال تعالی:((فَتَحْنا عَلَیْهِمْ أَبْوابَ کُلِّ شَیْ ءٍ حَتّی إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ))(3).

ومنشأ هذا الغرور الجهل بالله وصفاته، فإن من عرفه لا یأمن مکره ولا یغیر به بأمثال هذه الخیالات، وینظر إلی فرعون وقارون وإلی ملوک الأرض کیف أحسن الله إلیهم ثم دمرهم تدمیراً ((وَمَکَرُوا وَمَکَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَیْرُ الْماکِرِینَ))(4)، ((وَلا یَأْمَنُ(5) مَکْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ)) (6).(7)


1- سورة المؤمنون/ 55 __ 56.
2- سورة الأعراف/ 182.
3- سورة الأنعام/ 44.
4- سورة آل عمران/ 54.
5- فی النص القرآنی: "فلا یأمن".
6- سورة الأعراف/ 99.
7- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/ 291 __ 302، کتاب ذم الغرور، بیان ذم الغرور وحقیقته وأمثلته. جامع السعادات، النراقی: 3/ 6 __ 12.  إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 335 __ 339، کتاب ذم الغرور، بیان ذم الغرور وحقیقته وأمثلته.

ص: 177

الفصل الثانی: فی بیان فرق المغترین وجهات غرورهم

اشارة

وهم کثیرون وجهات غرورهم مختلفة:

فمنهم: عصاة المؤمنین، یقولون إن الله کریم رحیم ونرجو رحمته وکرمه، وإن ((رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْ ءٍ))(1)، وأین معاصی العباد من رحمته، والرجاء مقام محمود. ووجه غرورهم ما یأتی إن شاء الله تعالی فی الرجاء من أن هذا تمنٍ علی الله وغرة به، فإن «من رجا شیئاً طلبه ومن خاف شیئاً(2)، هرب منه»(3)، وکما أن الذی یرجو ولداً ولم یتزوج أو تزوج ولم یجامع أو جامع ولم ینزل فهو أحمق، فکذا من رجا رحمة ربه ولم یعمل الصالحات ولم یترک السیئات، وقد قال تعالی: ((إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِیبٌ مِنَ الْمُحْسِنِینَ))(4) وقال تعالی:((إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَالَّذِینَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أُولئِکَ یَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ))(5) یعنی أن الرجاء إنما یلیق بمثلهم(6).

ومنهم: العلویة والهاشمیة، حیث اغتروا بالنسب وصلاح الآباء وعلو رتبتهم، وغفلوا عن کونهم مخالفین سیرة آبائهم فی التقوی والورع، وأنهم لیسوا بأکرم علی الله من آبائهم، وآباؤهم مع غایة التقوی والورع کانوا خائفین


1- سورة الأعراف/ 156.
2- فی الکافی: "من شیء" بدل "شیئا".
3- الکافی، الکلینی:2/68، کتاب الإیمان والکفر، باب الخوف والرجاء/ ذیل الحدیث5.
4- سورة الأعراف/ 56.
5- سورة البقرة/ 218.
6- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/215، بیان آفة العجب. وفیه النص: "یعنی الرجاء الذی یلیق بهم".

ص: 178

باکین(1)، وهم مع غایة المعاصی والمساوئ قد أصبحوا راجین آمنین(2). وربما سول الشیطان لهم أن إنساناً إذا أحب أحداً أحب أولاده تبعاً، وأن الله یحب آباءکم فهو یحبکم تبعاً، فلا یحتاج فی بذل الجهد فی الطاعات وترک المعاصی. وغفلوا عن أنه لیس بین الله وبین أحد قرابة، وأن الله إنما یحب المطیع ویبغض العاصی، وقد قال نوح: رب إن ابنی من أهلی فقال تعالی: ((إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صالِحٍ))(3) وإن إبراهیم استغفر لأبیه فلم ینفعه ذلک(4).


1- فی تفسیر علیّ بن إبراهیم: حدّثنی أبی، عن حنان بن سدیر، عن أبیه، عن أبی جعفر علیه السلام: إن صفیّة بنت عبد المطّلب مات ابن لها. فأقبلت. فقال لها عمر: غطّی قرطک! فإنّ قرابتک من رسول اللّه (صلی الله علیه وآله وسلم) لا تنفعک شیئا. فقالت له: هل رأیت لی قرطا یا بن اللّخناء!؟ ثمّ دخلت علی رسول اللّه (صلی الله علیه وآله وسلم). فأخبرته بذلک و بکت.  فخرج رسول اللّه (صلی الله علیه وآله وسلم) فنادی: الصّلاة جامعة! فاجتمع النّاس. فقال: ما بال أقوام یزعمون أنّ قرابتی لا تنفع!؟ لو قد قربت المقام المحمود، لشفعت فی أحوجکم. و الحدیث طویل. أخذت منه موضع الحاجة. تفسیر القمی، القمی: 1/ 188، تفسیر سورة المائدة، أقسام الصوم. وفی مجمع البیان: قال (صلی الله علیه وآله وسلم): کلّ حسب ونسب  منقطع، إلا حسبی ونسبی. مجمع البیان، الطبرسی: 7/211، تفسیر سورة المؤمنون. ونشیر ههنا بإیجاز أننا أوضحنا منابع المؤلف السید عبد الله شبر (قدس سره) فی کتابه هذا عن الفیض الکاشانی من مصنفاته، وهذا الأخیر قد اعتمد بالأخذ عن الغزالی وقد حدث مزج وخلط بین عقائد المدرستین حین النسخ دون الإشارة إلی ذلک، فأوجزنا الإشارة لعدم الإطالة.
2- إن هذا الکلام مخالف لعقائد الخاصة تماما حیث فیه الإشارة إلی أن آباء العلویین، أی: الأئمة علیهم السلام یصدر منهم الذنب، وهذا مناف للعصمة، لذا ننوه أن الکلام مأخوذ عن العامة فتأمل، والظن بعید أن یکون رأی السید المؤلف (قدس سره) أعلاه علی ما هو علیه من الورع کما هو مذکور.
3- سورة هود / 46.
4- قال القمی: قال إبراهیم لأبیه إن لم تعبد الأصنام استغفرت لک فلما لم یدع الأصنام تبرأ منه إبراهیم. تفسیر القمی، القمی: 1/ 306 ، مسجد ضرار.

ص: 179

ومن ظن أنه ینجو بتقوی أبیه فهو کمن ظن أنه یشبع بأکل أبیه ویروی بشرب أبیه ویصیر عالماً بعلم أبیه، ویصل إلی الکعبة ویراها بمسعی أبیه.

فصل: فی غرور أهل العلم

وهم فرق: فمنهم من أحکم العلوم العقلیة والشرعیة وتعمق فیها وغفل عن تفقد الجوارح وحفظها عن المعاصی وإلزامها الطاعات، وغفل عن أن العلم إذا لم یعمل به کان وزراً ووبالاً ولم یزدد من الله إلا بعداً، و«أن العلم یهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل»(1)، وأن «أشد الناس عذاباً یوم القیامة عالم لم ینفعه الله بعلمه(2)»(3).

ومنهم: من أحکم العلم والعمل وواظب علی الطاعات وترک المعاصی الظاهرة من الجوارح وأهمل تفقد الرئیس لیمحو عنه المعاصی المهلکة والسموم القاتلة التی تفوت حیاة الأبد، کالحسد والریاء والحقد والکبر والعجب وحب الجاه ونحوها، وربما لم یعرف حقائق هذه الأمور وأقسامها فضلاً عن علاجها ومعالجتها، وقد أکب علی الفضول وترک الفرض، وهو لم یتصف بحقیقة الإنسانیة، ویظن أنه قد بلغ من العلم مبلغاً لا یعذب الله مثله، بل یقبل فی الخلق شفاعته وأنه لا یطالبه بذنوبه لکرامته عند الله.


1- عوالی اللئالی، ابن أبی جمهور الأحسائی: 4 / 66 __ 67، الجملة الثانیة فی الأحادیث المتعلقة بالعلم وأهله وحاملیه/26.
2- فی المنیة: "لم ینفعه علمه".
3- منیة المرید، الشهید الثانی: 135، الباب الأول فی آداب المعلم والمتعلم، القسم الأول آدابهما فی أنفسهما، الأمر الأول.

ص: 180

ومنهم: من علموا هذه الأخلاق الباطنة وعلموا آفاتها وکیفیاتها إلا أنهم للعجب بأنفسهم یظنون أنهم منفکون عن الأخلاق المذمومة، وأنهم أرفع عند الله من أن یبتلیهم بها وإنما یبتلی بها العوام، ثم إذا ظهر علی أحدهم مخائل الکبر والرئاسة وطلب العلو والشرف قال: ما هذا کبر وإنما هذا طلب عز الدین وإظهار شرف العلم ونصرة دین الله وإرغام أنف المخالفین. ومهما انطلق اللسان بالحسد فی أقرانه وفی من رد علیه شیئاً من کلامه لم یظن بنفسه أن ذلک حسداً، ولکن قال: إنما هذا غضب للحق ورد علی المبطل فی عداوته وظلمه.

ثم لو طعن علیه غیره من أهل العلم لم یکن غضبه مثل غضبه الآن بل ربما یفرح به، وإذا خطر له خاطر الریاء قال: هیهات إنما غرضی من إظهار العلم والعمل اقتداء الخلق بی لیهتدوا إلی دین الله ویتخلصوا من عقاب الله.

ولا یتأمل المغرور أنه لیس یفرح باقتداء الناس بغیره کما یفرح باقتدائهم به، فلو کان غرضه صلاح الخلق لفرح بصلاحهم علی ید من کان.

وربما یتذکر هذا المعنی فلا یخلیه الشیطان أیضاً، بل یقول: إنما ذاک لأنهم إذا اهتدوا بی کان الأجر والثواب لی، وإنما فرحی بثواب الله لا بقول الخلق.

هذا ما یظنه بنفسه والله مطلع علی سریرته، وقد ((زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً))(1) وضل سعیه فی الحیاة الدنیا وهو یحسب أنه یحسن صنعاً(2).

ومنهم: قوم اقتصروا علی علم الفتاوی والحکومات والخصومات وتفاصیل المعاملات الدنیویة الجاریة بین الخلق لمصالح المعائش، وصرفوا أعمارهم فی معرفة دقائق السلم والإجارة والظهار واللعان والجراحات الدعاوی والبینات والحیض


1- سورة فاطر/ 8.
2- إشارة إلی قوله تعالی: ((الَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَهُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً)) سورة الکهف/ 104.

ص: 181

والاستحاضة، وضیعوا الأعمال المظاهرة والباطنة، ولم یتفقدوا الجوارح ولم یحرصوا اللسان عن الغیبة ولا البطن عن الحرام ولا الرجل عن المشی إلی السلاطین، ولم یعالجوا أمراض قلوبهم بالکبر والریاء والحقد والعجب والحسد وسائر المهلکات مما هو من الواجبات العینیة، واشتغل بفرض الکفایة والاشتغال بالکفائی(1) قبل الفراغ من العینی(2) معصیة.

ومثالهم مثال من به علة البواسیر(3) والسرسام(4)، وهو مشرف علی الهلاک محتاج إلی تعلم الدواء واستعماله، فاشتغل بتعلیم دواء الاستحاضة وبتکرار ذلک لیلاً ونهاراً مع علمه بأنه رجل لا یحیض ولا یستحیض، ولکن یقول: ربما وقعت الاستحاضة أو الحیض لامرأة تسألنی. وذلک غایة الغرور. وکذلک المتفقه المسکین الذی تسلط علیه حب الدنیا واتباع الشهوات والحسد والکبر والریاء وسائر المهلکات الباطنة، وربما یختطفه الموت قبل التوبة والتلافی فیلقی الله وهو علیه غضبان(5).


1- الواجب الکفائی: الواجب الذی لو قام به البعض بحد الکفایة (أی: بالعدد الکافی) سقط عن الآخرین، کغسل المیت. معجم ألفاظ الفقه الجعفری، د. أحمد فتح الله: 439.
2- الواجب العینی: ما یکلف به أعیان المکلفین ولا یسقط بفعل بعضهم له عن الباقین، أی: هو الواجب علی کل فرد مکلف، کالصلاة. معجم ألفاظ الفقه الجعفری، د. أحمد فتح الله: 438.
3- الباسور واحد البواسیر: وهی کالدمامیل فی المقعدة. مجمع البحرین، الشیخ الطریحی: 1/ 198، مادة "بسر".
4- السرسام: حمی دائمة مع صداع وثقل فی الرأس والعین وحمرة فیها شدیدة وکراهیة الضوء. مفاتیح العلوم، الخوارزمی: 1/ 96، الفصل الثانی فی الأمراض والأدواء.
5- قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: من تزین للناس بما یحب الله و بارز الله فی السر بما یکره الله لقی الله و هو علیه غضبان و له ماقت. قرب الإسناد، الحمیری: 45.

ص: 182

ومنهم: من اشتغل بعلم الکلام والمجادلة فی الأهواء والرد علی المخالفین وتتبع مناقضاتهم، واعتقدوا أنه لا یکون للعبد عمل إلا بالإیمان ولا یصلح الإیمان إلا بأن یتعلم جدلهم وما یسمونه أدلة عقائدهم، وظنوا أنه لا أحد أعرف بالله وصفاته منهم، وأنه لا إیمان لمن لا یعتقد مذهبهم ولم یتعلم علمهم، ودعا کل فرقة منهم إلی نفسه، وهم فرق کثیرة یکفّر بعضهم بعضاً ویلعن بعضهم بعضاً، فیهم الأشاعرة(1) والمعتزلة(2) والخوارج(3) والنواصب(4)، وهؤلاء مغرورون.

أما الفرقة الضالة منهم فلغفلتها عن ضلالها وظنها بنفسها النجاة، وأما الفرقة المحقة فإنما اغترارها من حیث إنها ظنت أن الجدل أهم الأمور وأفضل القربات، وقد ورد فی الحدیث النبوی: «ما ضل قوم قط بعد هدی إلا أوتوا الجدل وحرموا العمل»(5).


1- الأشاعرة: أصحاب أبی الحسن علی بن إسماعیل الأشعری، من أحفاد أبو موسی الأشعری. موسوعة الفرق والجماعات، د. عبد المنعم الحفنی: 82/ الرقم59 الأشعریة.
2- المعتزلة: مدرسة فکریة عقلیة أعطت للعقل القسط الأوفر، ومؤسس المذهب هو واصل بن عطاء تلمیذ الحسن البصری. وللمعتزلة ألقابا: العدلیة، الموحدة، أهل الحق، القدریة. الملل والنحل، جعفر السبحانی: 92 __ 93/ الرقم 11 المعتزلة.
3- الخوارج: هم الذین خرجوا علی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام)فی صفین بعد قبول التحکیم، ویقال للخوارج: الحروریة أیضا، و النواصب، و الشراة. موسوعة الفرق والجماعات، د.عبد المنعم الحفنی: 348 _ 349/ الرقم 374 الخوارج.
4- النواصب: جمع ناصبی، وهو الغالی فی بغض علی (علیه السلام). موسوعة الفرق والجماعات، د.عبد المنعم الحفنی: 349/ الرقم 374 الخوارج.
5- أنظر: منیة المرید، الشهید الثانی: 171، الباب الأول فی آداب المعلم والمتعلم، النوع الأول آداب اشترکا فیها، الثانی أن لا یسأل أحدا تعنتا وتعجیزا. المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/ 321، کتاب ذم الغرور.

ص: 183

ومنهم: من اشتغل بالوعظ، وأعلاهم رتبة من یتکلم فی أخلاق النفس وصفات القلب من الخوف والرجاء والصبر والشکر والتوکل والزهد والیقین والإخلاص والصدق ونظائرها، ویظن بنفسه أنه إذا تکلم بهذه الصفات ودعا الخلق إلیها صار موصوفاً بها، وهو منفک عنها عند الله إلا عن قدر یسیر لا ینفک عنه عوام المسلمین، والأکیاس یمتحنون أنفسهم فی هذه الصفات ویطالبونها بالحقیقة، ولا یقنعون منها بالتزویق.

ومنهم: من قنع بحفظ کلام الزهاد وأحادیثهم، فهو حافظ للکلمات جاهل بالمعانی غیر متصف بما یقول.

ومنهم: من استغرق أوقاته فی علم الحدیث(1) وسماعه وطلب الأسانید


1- الخبرُ والحدیثُ: بمعنی: هو کلامٌ یکون لِنسبَته خارجٌ فی أحدِ  الأزمنةِ تُطابِقُه أولا. وهو أعمُّ من أن یکون قولَ الرسولِ والإمام والصحابی والتابعی وغیرِهم. وفی معناه فعلُهم وتقریرُهم. وقد یُخَصُّ الثانی بما جاء عن المعصومِ،والأوّلُ بما جاء عن غیرِه،أو یُجعل الثانی أعمَّ مطلقاً. والأثرُ: أعمُّ مطلقاَ. والمتنُ: لفظُ الحدیثِ الذی یَتَقَوَّمُ بِه المعنی. والسندُ: طریقُ المتنِ. وقیل: الإخبارُ عن طَرِیقه. والإسنادُ: رَفعُ الحدیثِ إلی قائِله. والأولی ردُّ المعنی الثانی إلیه أیضاً. ثمّ الخبرُ، مُنحصِرٌ فی الصدقِ والکذبِ فی الأصحِّ؛ لأنّه إن طابَقَ الواقعُ المحکیَّ فالأوّلُ، وإلاّ فالثانی، سواءٌ وافَقَ اعتقاَدَ المُخبِرِ أم لا، وسواء قصد الخبرَ أم لا. ثمّ قد یُعلم صِدقُه قطعاً ضرورةً، کالمتواتر، وما عُلِمَ وجودُ مخبَرِه  کذلک. أو کَسْباً، کخبر الله تعالی، والرسولِ، والإمامِ، والأُمةِ، والمتواتِر معنی، والمحتفِّ بالقرائن، وما عُلِمَ وجودُ مُخبَرِه بالنظر. وقد یُعلم کذبُه کذلک بالمقایسةِ. وقد یحتمل الأمرین، کأکثرِ الأخبارِ. وینقسم مطلقاً إلی متواترٍ، وهو ما بَلَغَتْ رُواتُه فی الکثرةِ مَبْلَغاً أحالَت العادةُ تواطُؤهم علی الَکذبِ، واستمرَّ ذلک فی الطبقاتِ حیث تتعدّد، فیکون أوَّلُه کآخِره، ووسطُه کَطَرَفَیْه. ولا یَنْحَصِرُ ذلک فی عددٍ خاصٍّ. وشرطُ العِلم به انتفاؤه اضطراراً عن السامعِ، وأن لا تَسْبِقَ شُبهةٌ إلی السامعِ أو تقلیدٌ ینافی موجبَ خَبَرِه، واستنادُ المُخْبِرین إلی إحساسٍ. وهو مُتَحَقِّقٌ فی أصولِ الشرائعِ کثیراً، وقلیلٌ فی الأحادیث الخاصّةِ  وإن تَواتر مدلولُها، حتی قیل: مَن سُئل عن إبرازِ مثال لذلک أعیاه طلبُه. وحدیثُ (إنّما الأعمالُ بالنیّاتِ) لیس منه وإن  نقله عددُ التواترِ وأکثرُ؛ لأنّ ذلک طَرَأ فی وَسَطِ إسناده. وأکثرُ ما ادّعی تواترهُ من هذا القبیلِ. نعم، حدیثُ: «مَن کذب علیّ متعمّداً فَلْیَتَبَوّأ مقعدَه من النارِ» نَقَلَه مِن  الصَحابَة الجمُّ الغفیرُ. قیل: أربعون. وقیل: نَیِّفٌ وستّون، ولم یَزَل العددُ فی ازدیادٍ. وآحاد،  وهو ما لم یَنْتَه إلی المتواترِ منه. ثمّ هو مستفیضٌ إن زادتْ رُواتُه عن ثلاثةٍ،أو اثنین. ویقال له:المشهور أیضاً.وقد یُغایَر بینهما. وغریبٌ إن انفردَ به واحدٌ. وغیرُهما، وهو ما عدا ذلک. فمنه العزیزُ، ومنه المقبولُ، والمردودُ، والمُشْتَبَهُ. والأخبارُ مطلقاً غیرُ منحصرةٍ. ومَن بالغ فی تتبُّعها وحَصَرَها فی عددٍ فَبِحَسَبِ ما وَصَلَ إلیه. واعلم أنّ متنَ الحدیث نفسه لا مَدْخلَ له فی الاعتبار إلاّ نادراً، بل یَکتَسِبُ صفةً من القوّةِ والضعفِ وغیرِهما بِحَسَبِ أوصافِ الرواةِ مِنَ العَدالَةِ وعَدَمِها، أو الإسنادِ، مِن الاتّصالِ والانقطاعِ والإرسالِ وغیرِها. وتحریرُ البحث عن ذلک ینجرُّ إلی بیان أنواعه من الصحَّةِ وأضدادها، وإلی الجَرْحِ والتعدیلِ. والنظرُ إلی کیفیّةِ أخذهِ، وطُرقَ تحمُّلِه والبحثِ عن أسماء الرواة وأنسابِهم، ونحوِ ذلک. الرعایة لحال البدایة فی علم الدرایة، الشهید الثانی:28_29، المقدمة فی بیان أصوله واصطلاحاته.

ص: 184

الغریبة العالیة، وغفل عن التدبر فی دقائق معانیه.

ومنهم: من لم یغفل عن ذلک إلا أنه غفل عما هو أهم منه کما تقدم.

ص: 185

ومنهم: من اشتغل بعلم النحو(1) واللغة(2) والشعر(3) وغریب اللغة(4)، زاعماً أنه من علماء الأمة المغفور لهم، إذ قوام الدین بالکتاب والسنة وقوام الکتاب والسنة بعلم اللغة والنحو، فأفنی هؤلاء أعمارهم فی دقائق العربیة وغریب اللغة، ومثالهم کمن یفنی عمره فی تعلم الخط وتصحیح الحروف وتحسینها ویزعم أن العلوم لا یمکن حفظها إلا بالکتابة فلابد من تعلمها، ولو عقل لعلم أنه یکفیه أصل الخط بحیث یمکن أن یقرأ کیفما کان والباقی زائد علی الکفایة. بل مثالهم مثال من ضیع العمر فی تصحیح مخارج الحروف فی القرآن واقتصر علیه، وهو غرور إذ المقصود من الحروف المعانی(5).


1- علم النحو: علم بأصول تعرف بها أحوال أواخر الکلم الثلاث من حیث الإعراب والبناء وکیفیة ترکیب بعضها مع بعض. الهدایة فی النحو، المرکز العالمی للدراسات الإسلامیة: 16، الدرس الأول.
2- قال ابن سیده اللغة:اللسن وحدها أنها:(أصوات یعبر بها کل قوم عن أغراضهم) وقال غیره:هو الکلام المصطلح علیه بین کل قبیل، وهی فعلة من لغوت، أی: تکلمت أصلها لغوة ککرة وقلة وثبة لاماتها کلها واوات، وقال: الجوهر أصلها لغی أو لغو والهاء عوض زاد أبو البقاء ومصدره اللغو، وهو الطرح.  فالکلام لکثرة الحاجة إلیه یرمی به وحذفت الواو تخفیفا (ج لغات) قال الجوهری: وقال بعضهم: سمعت لغاتهم بفتح التاء وشبهها بالتاء التی یوقف علیها بالهاء انتهی. تاج العروس، الزبیدی: 10/ 328، مادة "اللغة".
3- الشعر: کلام منظوم بان عن المنثور الذی یستعمله الناس فی مخاطباتهم بما خص به من النظم الذی إن عدل به عن جهته مجته الأسماع وفسد علی الذوق. ونظمه معلوم محدود  فمن صح طبعه وذوقه لم یحتج إلی الاستعانة علی نظم الشعر بالعروض التی هی میزانه، ومن اضطرب علیه الذوق لم یستغن عن تصحیحه وتقویمه بمعرفة العروض والحذق بها. کتاب عیار الشعر، ابن طباطبا العلوی : 5 __ 6، مفهوم الشعر.
4- الغریب من الکلام إنما هو الغامض البعید من الفهم کالغریب من الناس. غریب الحدیث، ابن سلام: 1/1.
5- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/ 302 __ 336، کتاب ذم الغرور. جامع السعادات، النراقی: 13 __ 24. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 339 __ 353، کتاب ذم الغرور.

ص: 186

فصل: فی غرور أرباب العبادة والعمل

فمنهم: فرقة أهملوا الفرائض واشتغلوا بالفضائل والنوافل، وربما تعمقوا بالفضائل حتی خرجوا إلی العدوان والسرف، کالذی یغلب علیه الوسوسة(1) فی الوضوء فیبالغ فیه ولا یرتضی الماء المحکوم بطهارته فی فتوی الشرع، ویقدر الاحتمالات البعیدة فی النجاسة قریبة، وإذا آل الأمر إلی أکل الحلال قدر الاحتمالات القریبة بعیدة، وقد یطول الأمر فی وسواسه فی الوضوء والتطهیر حتی تضیع الصلاة ویخرجها عن وقتها.

ومنهم: من غلب علیه الوسوسة فی نیة الصلاة، فتفوته الجماعة ویخرج الوقت، وإن کبر ففی قلبه تردد فی صحّة نیته، ویفوته الحضور والخضوع والخشوع.

ومنهم: من یغلب علیه الوسوسة فی إخراج الحروف فلا یزال یعالجها حتی یذهل عن معانی القرآن.

ومنهم: من اغتر بقراءة القرآن فیهذُّه هذّاً(2)، وربما یختم فی الیوم واللیلة مرة ولسانه یجری به وقلبه یتردد فی أودیة الأمانی، والله تعالی یقول: ((لَوْ أَنْزَلْنا هذَا


1- الوسوسة: حدیث النفس. مختار الصحاح، الرازی: 369، مادة "وسوس". الوسوسة: الکلام الخفی فی اختلاط. وهی: حدیث النفس والأفکار. لسان العرب، ابن منظور: 6/255، مادة "وسس".
2- الهذ والهذذ: سرعة القطع وسرعة القراءة. لسان العرب، ابن منظور: 3/ 517، مادة "هذذ".

ص: 187

الْقُرْآنَ عَلی جَبَلٍ لَرَأَیْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْیَةِ اللَّهِ))(1) وقلبه لا یخشی، ولو قرأ قلیلاً مع تدبر وتفکر وآداب لکان خیراً من الکثیر بدونه.

ومنهم: من اغتر بالمواظبة علی الصوم، وعنی نفسه بالجوع والعطش ولم یحفظ لسانه من الغیبة وقلبه من الصفات الخبیثة، فقد أهمل الفرض وطلب النفل(2).

ومنهم: من اغتر بالحج وزیارات المشاهد، فیخرج إلی الحج والزیارة من غیر خروج عن المظالم وقضاء الدیون وطلب الزاد الحلال، ویضیع فی الطریق الصلاة، ویعجز عن طهارة الثوب والبدن.

ومنهم: من یتقلد إمامة مسجد أو أذانه ویظن أنه علی خیر، ولو أمَّ غیره أو أذَّن فی وقت غیبته قامت علیه القیامة ولو کان أورع منه وأعلم.

ومنهم: من یأمر الناس بالمعروف وینهی عن المنکر وینسی نفسه، وإذا أمر عنف وطلب الرئاسة والعز، وإذا ردّ علیه إذا باشر منکراً غضب وقال: أنا المحتسب فکیف ینکر علی، وإنما غرضه الرئاسة.

ومنهم: من جاور فی الحرمین أو المشاهد واغتر بذلک ولم یطهر ظاهره وباطنه من الآثام والخبائث، ولم یزل قلبه وعیناه ممتدة إلی أوساخ أموال الناس، وغفل عن أن مجاورته لحب الحمد، ولو لم یعلم أحد بمجاورته لما هانت علیه المجاورة.

ومنهم: من تزهد فی المأکل والملبس والمسکن وظن أنه من الزاهدین فی الدنیا، والله یعلم منه الرغبة فی الرئاسة والجاه والمنزلة فی قلوب الناس الذی هو أعظم لذات الدنیا.


1- سورة الحشر/ 21.
2- الأصل فی النفل: ما تطوع به المعطی مما لا یجب علیه، ومنه قیل لصلاة التطوع: نافلة. غریب الحدیث، ابن قتیبة: 1/46، النفل.

ص: 188

ومنهم: من یحرص علی التغافل لصلاة اللیل وسائر الرواتب ولا یجد للفریضة لذة ولا یشتد حرصه علی المبادرة إلیها فی أول الوقت.

ومنهم: من أشار إلیهم بعض العارفین: قوم تسموا بأهل الذکر والتصوف(1) والمسمون یدعون البراءة من التصنع والتکلف، یلبسون خرقاً ویجلسون حلقاً، یخترعون الأذکار ویتغنون بالأشعار ویعلنون  بالتهلیل ولیس لهم إلی العلم والمعرفة سبیل، ابتدعوا شهیقاً ونهیقاً(2) واخترعوا رقصاً وتصفیقاً، قد خاضوا الفتن وأخذوا بالبدع دون السنن، رفعوا أصواتهم بالنداء وصاحوا الصیحة الشنعاء.

ومنهم: من یدعی علم المعرفة ومشاهدة المعبود ومجاورة المقام المحمود والملازمة فی عین الشهود، ولا یعرف من هذه الأمور إلا الأسماء، ولکنه تلقف من الطامات کلمات یرددها لدی الأغبیاء کأنه یتکلم عن الوحی أو یخبر عن السماء، ینظر إلی اصناف العباد والعلماء بعین الازدراء یقول فی العباد إنهم أجراء


1- أصحاب التصوف، وهم: أصحاب الإباحة والقول بالحلول، وکان الحلاج یتخصص بإظهار التشیع، وإن کان ظاهر أمره التصوف، وهم قوم ملحدة وزنادقة، یموهون بمظاهرة کل فرقة بدینهم، ویدعون للحلاج الأباطیل، ویجرون فی ذلک مجری المجوس فی دعواهم لزردشت المعجزات، ومجری النصاری فی دعواهم لرهبانهم الآیات والبینات، والمجوس والنصاری أقرب إلی العمل بالعبادات منهم، و هم أبعد من الشرائع و العمل بها من النصاری والمجوس. بحار الأنوار، العلامة المجلسی: 25/ 345، کتاب الإمامة، أبواب علامات الإمام وصفاته وشرائطه، باب 10 نفی الغلو فی النبی والأئمة صلوات الله علیه وعلیهم وبیان معنی التفویض وما لا ینبغی أن ینسب إلیهم، فصل فی بیان معنی التفویض ومعانیه.
2- نهاق الحمار: صوته. وقد نهق ینهق وینهق نهیقا ونهاقا. الصحاح، الجوهری: 4/ 1562، مادة "نهق". النهیق: صوت الحمار. لسان العرب، ابن منظور: 10/ 361، مادة "نهق".

ص: 189

متعبون وفی العلماء إنهم بالحدیث عن الله لمحجوبون، ویدعی لنفسه من الکرامات ما لا یدعیه ملک مقرب، لا علماً أحکم ولا عملاً هذَّب، یأتی إلیه الجمع الرعاع الهمج من کل فج أکثر من إتیانهم مکة للحج، یزدحم إلیه الجمع ویلقون إلیه السمع، وربما یخرون له سجوداً کأنهم اتخذوا معبوداً، یقبلون یدیه ویتهافتون علی قدمیه، یأذن لهم فی الشهوات ویرخص لهم فی الشبهات، یأکل ویأکلون کما تأکل الأنعام ولا یبالون من حلال أصابوا أم من حرام، وهو لحلوائهم هاضم ولدینه وأدیانهم حاطم، ((لِیَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ کامِلَةً یَوْمَ الْقِیامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِینَ یُضِلُّونَهُمْ بِغَیْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما یَزِرُونَ)) (1).(2)

فصل: فی غرور أرباب الأموال

فمنهم: من یحرص علی بناء المساجد والمدارس والرباطات والقناطر وما یظهر للناس کافة ویکتبون أسماءهم بالآجر علیها لیتخلد ذکرهم ویبقی بعد الموت أثرهم، ویظنون أنهم قد استحقوا المغفرة وهم مغرورون لوجهین:

أحدهما: إنهم اکتسبوها من الشبهات إن خلصوا من الحرام.

والثانی: إن الریاء قد غلب علیهم، إذ لو کلف أحدهم أن ینفق دیناراً ولا یکتب اسمه علی الموضع أو لا یعرف لم تسمح نفسه بذلک والله مطلع علیه کتب اسمه أو لم یکتب، فلولا أنه یرید وجه الناس لا وجه الله لما افتقر إلی ذلک، وربما یکون فی جوار أحدهم أو فی بلده فقیر وصرف المال إلیه أهم من الصرف إلی المساجد وزینتها.


1- سورة النحل/ 25.
2- انظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/ 337 __ 344، کتاب ذم الغرور. جامع السعادات، النراقی: 3/ 25 __ 31. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 353 __ 359، کتاب ذم الغرور.

ص: 190

ومنهم: من ینفق الأموال فی الصدقات وعلی الفقراء والمساکین ولکن یطلب به المحافل الجامعة ومن الفقراء من عادته الشکر والإفشاء للمعروف، ویکرهون التصدق فی السر أو صرفه إلی غیر أولئک أو إلی غیر أصدقائهم والمترددین إلیهم مع کونهم أهم. وبعضهم یری إخفاء الفقیر لما أخذ منه جنایة عظیمة وکفراناً.

ومنهم: من یحرص علی إنفاق ماله فی الحج والزیارات، وربما  یترکون أرحامهم وجیرانهم جائعین.

ومنهم: من یحفظ ماله ویمسکه بحکم البخل ثم یشتغل بالعبادات البدنیة التی لا یحتاج فیها إلی نفقة کصیام النهار وقیام اللیل وختم القرآن وهو یظن أنه علی خیر لأن البخل المهلک قد استولی علی باطنه، وهم أحوج إلی قمعه بإخراج المال من طلب الفضائل. ومثالهم مثال من دخل فی ثوبه حیة وقد أشرف علی الهلاک وهو مشغول بصنع المبردات لیسکن به الصفراء.

ومنهم: من غلب علیه البخل، فلا تسمح نفسه إلا بأداء الزکاة فقط ثم یخرجها من المال الخبیث الردیء الذی یرغب عنه، ویخص بها من الفقراء من یخدمه ویتردد فی حوائجه ویظن أنه أداها لله(1).

وأصناف الغرور لا تحصی فلیتحذر منها. وفی مصباح الشریعة قال الصادق علیه السلام: المغرور فی الدنیا مسکین وفی الآخرة مغبون، لأنه باع الأفضل بالأدنی.

ولا تعجب من نفسک حیث ربما اغتررت بمالک وصحة جسمک لعلک تبقی وربما اغتررت بطول عمرک وأولادک وأصحابک لعلک تنجو بهم، وربما اغتررت بحالک ومنیتک وإصابتک مأمولک وهواک وظننت أنک صادق ومصیب، وربما


1- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/ 344 __  348، کتاب ذم الغرور. جامع السعادات، النراقی:3/ 31 __ 33. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/ 359 __ 362 ، کتاب ذم الغرور.

ص: 191

اغتررت بما تری الخلق من الندم علی تقصیرک فی العبادة ولعل الله یعلم من قلبک بخلاف ذلک، وربما أقمت نفسک علی العبادة متکلفاً والله یرید الإخلاص، وربما افتخرت بعلمک ونسبک وأنت غافل عن مضمرات ما فی علم الله، وربما توهمت أنک تدعو الله وأنت تدعو سواه، وربما حسبت أنک ناصح للخلق وأنت تریدهم لنفسک أن یمیلوا إلیک، وربما ذممت نفسک وأنت تمدحها فی الحقیقة.

واعلم أنک لن تخرج من ظلمات الغرور والتمنی إلا بصدق الإنابة إلی الله والإخبات له ومعرفة عیوب أحوالک من حیث لا یوافق العقل والعلم ولا یحتمله الدین والشریعة وسنن القدوة وأئمة الهدی، وإن کنت راضیاًَ بما أنت فیه فما أحد أشقی بعلمک منک وأضیع عمراً، فأورثت حسرة یوم القیامة(1).


1- مصباح الشریعة، الإمام الصادق علیه السلام: 142 __ 143، الباب السابع والستون فی الغرور. وفیه النص: «قال الصادق علیه السلام: المغرور فی الدنیا مسکین و فی الآخرة مغبون لأنه باع الأفضل بالأدنی ولا تعجب من نفسک فربما اغتررت بمالک وصحة جسدک لعلک أن تبقی و ربما اغتررت بطول عمرک وأولادک و أصحابک لعلک تنجو بهم و ربما اغتررت بجمالک ومنبتک وإصابتک مأمولک وهواک فظننت أنک صادق ومصیب وربما اغتررت بما تری الخلق من الندم علی تقصیرک فی العبادة ولعل الله تعالی یعلم من قلبک بخلاف ذلک وربما أقمت نفسک علی العبادة متکلفا والله یرید الإخلاص وربما توهمت أنک تدعو الله وأنت تدعو سواه وربما حسبت أنک ناصح للخلق وأنت تریدهم لنفسک أن یمیلوا إلیک وربما ذممت نفسک وأنت تمدحها علی الحقیقة واعلم أنک لن تخرج من ظلمات الغرور والتمنی إلا بصدق الإنابة إلی الله تعالی والإخبار له ومعرفة عیوب أحوالک من حیث لا یوافق العقل والعلم و لا یحتمله الدین والشریعة وسنن القدوة وأئمة الهدی وإن کنت راضیا بما أنت فیه فما أحد أشقی بعلمه وعمله منک وأضیع عمرا فأورثت حسرة یوم القیامة». أوردنا النص لأهمیته ولاعتماد السید المؤلف علیه من مصباح الشریعة للإمام الصادق علیه السلام، وقد نسخ الحدیث فی المتن باختلاف فی ألفاظه فذکرناه لإتمام الفائدة.

ص: 192

ص: 193

الرکن الرابع: فی المنجیات وفیه أبواب

اشارة

ص: 194

ص: 195

الباب الأول: التوبة

اشارة

ص: 196

ص: 197

فی التوبة وفیه فصول

الفصل الأول: فی حقیقة التوبة

وهی عبارة عن معنی ینتظم من ثلاثة أمور مترتبة: أولها العلم، وثانیها الحال، وثالثها الفعل. والأول موجب للثانی، والثانی موجب للثالث. والمراد بالعلم معرفة ضرر الذنوب وأنها السمومات المهلکة للدین المفوتة لحیاة الأبد، الحاجبة للعبد عن محبوبه من السعادة الأبدیة.

ثم یحصل من هذا العلم حال، وهو أن یثور من هذه المعرفة تألم القلب بسبب فوات المحبوب، فإن القلب مهما شعر بفوات محبوبه تألم، وینبعث من هذا الألم فی القلب حالة أخری تسمی إرادة وقصداً إلی فعل له تعلق بالحال بترک الذنب الذی کان له ملابساً، وبالاستقبال بالعزم علی ترک الذنب المفوت للمحبوب إلی آخر العمر، وبالماضی بتلافی ما فات بالجبر والقضاء إن کان قابلاً للجبر.

ص: 198

والعلم الأول هو مطلع هذه الخیرات، وهو عبارة عن الإیمان والتصدیق بأن الذنوب سموم مهلکة، وإذا أشرق علی القلب ثار الندم الباعث علی ما تقدم. وکثیراً ما یطلق اسم التوبة علی معنی الندم وحده ویجعل العلم کالسابق والمقدمة والترک کالثمرة والتابع، وبهذا الاعتبار قال صلی الله علیه وآله وسلم: الندم توبة(1). إذ لا یخلو الندم عن علم أوجبه وأثمره وعن عزم یتبعه ویتلوه.

الفصل الثانی: فی وجوبها وفضلها

لا ریب فی وجوب الإحتراز عن الأمراض والمهالک المفوتة لحیاة الجسد عقلاً وشرعاً، فوجوب الاحتراز عن أمراض الذنوب ومهلکات الخطایا المفوتة لحیاة الأبد بطریق أولی، وقال تعالی: ((تُوبُوا إِلَی اللَّهِ جَمِیعاً أَیُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ))(2) وقال تعالی: ((یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَی اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسی رَبُّکُمْ أَنْ یُکَفِّرَ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ))(3) والنصوح الخالص لله الخالی عن الشوائب. وقال تعالی: ((إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ التَّوّابِینَ وَیُحِبُّ الْمُطَهِّرِینَ(4)))(5).

وقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: التائب حبیب الله، والتائب من الذنب کمن لا ذنبه له(6).


1- من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق:4/380، باب النوادر، من ألفاظ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم/ ح49.
2- سورة النور/ 31.
3- سورة التحریم/ 8.
4- فی النص القرآنی: "المتطهرین".
5- سورة البقرة/ 222.
6- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/7، کتاب التوبة، بیان وجوب التوبة وفضلها. إحیاء علوم الدین، الغزالی:4/5، کتاب التوبة، بیان وجوب التوبة وفضلها.

ص: 199

وقال الباقر علیه السلام: الله أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أضل راحلته وزاده فی لیلة ظلماء فوجدها، فالله تعالی أشد فرحاً لتوبة عبده من ذلک الرجل براحلته حین وجدها(1).

وقال الصادق علیه السلام: إن الله(2) یفرح بتوبة عبده المؤمن إذا تاب کما یفرح أحدکم بضالته إذا وجدها(3).

وعنه علیه السلام(4) فی قوله تعالی: ((تُوبُوا إِلَی اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً))(5) قال: هو الذنب الذی لا یعود فیه أبداً. قیل: وأینا لم یعد؟ قال: یا فلان إن الله یحب من عباده المفتن التواب __ یعنی کثیر الذنب کثیر التوبة(6).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم(7): إذا تاب العبد توبة نصوحاً أحبه الله وستر علیه. قیل: وکیف یستر علیه؟ قال: یُنسی ملکیه ما کانا یکتبان علیه، ویوحی الله إلی جوارحه وإلی بقاع الأرض أن اکتمی علیه ذنوبه، فیلقی الله تعالی حین یلقاه ولیس شیء یشهد علیه بشیء من الذنوب(8).

وقال الباقر علیه السلام: التائب من الذنب کمن لا ذنب له، والمقیم علی الذنب وهو یستغفر(9) منه کالمستهزئ(10).


1- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/435، کتاب الإیمان والکفر، باب التوبة/ح8.
2- فی الکافی: "إن الله عزّوجل".
3- الکافی، الکلینی: 2/ 436، کتاب الإیمان والکفر، باب التوبة / ح13.
4- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
5- سورة التحریم/ 8.
6- أنظر: الزهد، الأهوازی: 72، باب 12 التوبة والاستغفار والندم والإقرار/ ح191.
7- فی الکافی  الحدیث یرویه  معاویة بن وهب عن الإمام الصادق علیه السلام.
8- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/436، کتاب الإیمان والکفر، باب التوبة/ ح12.
9- فی الکافی: "مستغفر".
10- الکافی، الکلینی: 2/ 435، کتاب الإیمان والکفر، باب التوبة/ ح10.

ص: 200

الفصل الثالث: فی فوریتها

أما فوریتها فلا ریب فیها، لأن دفع ضرر الذنوب فوری وجوبه، علی أن أصل التوبة هو معرفة کون المعاصی مهلکات، وهذا العلم من نفس الإیمان، وهو واجب فوری.

والعلم بضرر الذنوب إنما أرید لیکون باعثاً علی ترکها، فمن لم یترکها فهو فاقد لهذا الجزء من الإیمان، وهو المراد بقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «لا یزنی الزانی حین یزنی وهو مؤمن»(1). إذ لیس المراد نفی الإیمان بالله وصفاته وکتبه ورسله وملائکته، بل نفی الإیمان بکون الزنا مبعداً عن الله وموجباً للمقت، کما إذا قال الطبیب هذا سم فلا تتناوله، فإذا تناوله یقال تناول وهو غیر مؤمن، أی بقوله إنه سم مهلک، لا إنه غیر مؤمن بوجود الطبیب، لأن العالم بالسم لا یتناوله أصلاً، فالعاصی بالضرورة ناقص الإیمان.

ولیس الإیمان باباً واحداً، بل هو نیف وسبعون باباً أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذی عن الطریق. ومثله قول القائل: لیس الإنسان موجوداً واحداً بل هو نیف وسبعون موجوداً أعلاها القلب والروح وأدناها إماطة الأذی عن البشرة، بأن یکون مقصوص الشارب مقلم الأظفار نقی البشرة عن الخبث، حتی یتمیز عن البهائم المتلوثة بأرواثها المستکرهة الصور بطول مخالبها وأظلافها.

فالإیمان کالإنسان، وفقد شهادة التوحید یوجب البطلان بالکلیة کفقد الروح والذی لیس له إلا شهادة التوحید والرسالة کالإنسان مقطوع الأطراف مفقود العینین فاقد لجمیع أجزائه الظاهرة والباطنة إلا أصل الروح.


1- من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق: 4/ 22، باب ما جاء فی الزنا / ح11.

ص: 201

وکما أن من هذا حاله قریب من أن یموت فتزایله الروح الضعیفة المنفردة التی تخلف عنها الأعضاء التی تمدها وتقویها، فکذلک من لیس له إلا أصل الإیمان، وهو مقصر فی الأعمال قریب من أن تنقلع شجرة إیمانه إذا صدر منها الریاح العاصفة المحرکة للإیمان فی مقدمة قدوم ملک الموت ووروده، فکل إیمان لم یثبت فی النفس أصله ولم تنتشر فی الأعمال فروعه لم یثبت علی عواصف الأهوال عند ظهور ناصیة ملک الموت، وخیف علیه سوء الخاتمة إلا ما سقی بماء الطاعات علی توالی الأیام والساعات حتی رسخ وثبت.

وإنما انقطعت نیاط(1) العارفین خوفاً من دواهی(2) الموت ومقدماته الهائلة التی لا یثبت علیها إلا الأقلون، فالبدار البدار إلی التوبة قبل أن تعمل سموم الذنوب بروح الإیمان عملاً یجاوز الأمر فیه اختیار الأطباء ولا ینفع بعده الاحتماء، فلا ینفع بعد ذلک نصح الناصحین ووعظ الواعظین، ویحق الکلمة علیه بأنه من الهالکین(3).

الفصل الرابع: فی عمومها

إعلم أن وجوب التوبة عام فی الأشخاص والأحوال، فلا ینفک أحد عنه البتة، قال تعالی: ((وتُوبُوا إِلَی اللّهِ جَمِیعاً))(4) فعمم الخطاب، وکل إنسان لا یخلو


1- النیط: نیاط القلب، وهو العرق الذی القلب معلق به. النهایة فی غریب الحدیث، ابن الأثیر: 5/141، مادة "نیط".
2- الداهیة: الأمر العظیم، ودواهی الدهر ما یصیب الناس من عظیم نوبه. ویقال: دهته داهیة دهواء ودهیاء، وهو: توکید لها، ویقال: ما دهاک، أی: ما أصابک. مختار الصحاح، الرازی: 118، مادة "دهی".
3- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7 / 5 __ 15، کتاب التوبة. جامع السعادات، النراقی: 3 / 51 __ 60. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4 / 4 __ 8، کتاب التوبة.
4- سورة النور/ 31.

ص: 202

عن معصیة بجوارحه، فإن خلا فی بعض الأحوال عن معصیة الجوارح فلا یخلو عن الهم بالذنوب بالقلب، فإن خلا عن الهم فلا یخلو عن وسواس الشیطان بإیراد الخواطر المتفرقة المذهلة عن ذکر الله، فإن خلا عنه فلا یخلو عن الغفلة والقصور فی العلم بالله وصفاته وآثاره بحسب طاقته، وکل ذلک نقص وله أسباب وترک أسبابه بتشاغل أضدادها رجوع عن طریق إلی ضده.

والمراد بالتوبة الرجوع، ولا یتصور الخلو فی حق الآدمی عن هذا النقص، وإنما یتفاوتون فی المقادیر، وأما الأصل فلا بد منه.

إلا أن الأنبیاء والأوصیاء ذنوبهم لیست کذنوبنا(1)، فإنما هی ترک دوام الذکر والاشتغال بالمباحات وحرمانهم زیادة الأجر بسبب ذلک، ولهذا ورد: إن «حسنات الأبرار سیئات المقربین»(2) وقال الصادق علیه السلام: إن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یتوب إلی الله ویستغفره فی کل یوم ولیلة مائة مرة من غیر ذنب، إن الله یخص أولیاءه بالمصائب لیأجرهم علیها من غیر ذنب(3) __ أی کذنوبنا، فإن ذنب کل أحد إنما هو بحسب قدره ومنزلته عند الله.

وهذا باب شریف ینفتح منه معانی اعتراف الأنبیاء والأئمة علیهم السلام بذنوبهم وبکائهم وتضرعهم(4).


1- أنظر: الحدیث التالی لتستبین أن لیس للمعصومین علیهم السلام من ذنب.
2- کشف الغمة، الأربلی : 2/ 254 .
3- الکافی، الکلینی: 2/ 450، کتاب الإیمان والکفر، باب نادر/ ح2.
4- هذا مشابه لبحث النسب الآنف الذکر، وهو مما اختلط بین عقائد المدرستین حینما تم الإعتماد من قبل السید المؤلف (قدس سره) علی منابع العامة فی أصل فکرة البحث، وهذا القول مخالف لعقائد الخاصة ومخالف للعصمة، لذا نوهنا عنه.

ص: 203

ثم اعلم أنه لا یکفی فی تدارک الشهوات ترکها فی المستقبل، بل لابد من محو آثارها التی انطبعت فی القلب بنور الطاعات، قال صلی الله علیه وآله وسلم: أتبع السیئة بالحسنة تمحها(1).

وینبغی أن تکون الحسنة الماحیة للسیئة مناسبة لتلک السیئة، فیکفر سماع الملاهی بسماع القرآن وحضور المجالس التی یذکر الله فیها وأنبیاؤه وخلفاؤه(2)، ویکفر القعود بالمسجد جنباً(3) بالعبادة فیه ونحو ذلک، ولیس ذلک شرطاً.

روی أن رجلاً قال لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إنی عالجت امرأة فأصبت منها کل شیء إلا المسیس فاقض علی بحکم الله. فقال: أما صلیت معنا؟ فقال: بلی. فقال: إن الحسنات یذهبن السیئات(4).


1- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 89 __ 90، باب العتاب. وفیه: "اتبع السیئة الحسنة تمحها".
2- المقصود بهم الأئمة علیهم السلام ولیس سواهم.
3- الأصل فی المساجد مع المجنب قوله تعالی: ((یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُکاری حَتَّی تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَ لا جُنُباً إِلاَّ عابِرِی سَبِیلٍ حَتَّی تَغْتَسِلُوا...الآیة))  سورة النساء/ 43، وعن أبی جعفر علیه السلام فی الآیة قال: أن معناه لا تقربوا مواضع الصلاة من المساجد وأنتم جنب إلا مجتازین. وسائل الشیعة، الحر العاملی: 2/10، کتاب الطهارة، باب 15 جواز مرور الجنب والحائظ فی المساجد إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول صلی الله علیه وآله وسلم/ ح20. وأما القعود فهو منهی عنه فی المساجد علی جنب، وحیث الأخذ عن الغزالی فقد مزج القول ههنا بین عقائد الخاصة والعامة، وإلی هذا أشرنا للتنبیه مکررا.
4- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 85، کتاب التوبة، بیان ما ینبغی أن یبادر إلیه التائب. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 42، کتاب التوبة، بیان ما ینبغی إن جری علیه ذنب إما عن قصد وشهوة غالبة أو عن إلمام بحکم الاتفاق.

ص: 204

وینبغی أن یکون عن قرب عهد بالخطیئة، بأن یتندم علیها ویمحو أثرها قبل أن یتراکم الرین علی القلب فلا یقبل المحو، قال الله تعالی: ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَی اللَّهِ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ یَتُوبُونَ مِنْ قَرِیبٍ... (17) وَلَیْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئاتِ حَتَّی إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّی تُبْتُ الآْنَ))(1). قال الصادق علیه السلام: ذلک إذا عاین أمر الآخرة(2)، وذلک أن التوبة مقبولة قبل أن یعاین(3).

وعن النبی صلی الله علیه وآله وسلم(4) قال: من ترک المبادرة إلی التوبة بالتسویف کان بین خطرین عظیمین: أحدهما أن تتراکم الظلمة علی قلبه من المعاصی حتی یصیر ریناً(5) وطبعاً فلا یقبل المحو. والثانی أن یعاجله المرض أو الموت فلا یجد مهلة للاشتغال بالمحو(6). ولذلک ورد فی الخبر: «إن أکثر صیاح أهل النار التسویف(7)»(8).


1- سورة النساء/ 17 __ 18. والنص فی القرآن الکریم: ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَی اللّهِ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ یَتُوبُونَ مِن قَرِیبٍ فَأُوْلئِکَ یَتُوبُ اللّهُ عَلَیْهِمْ وَکانَ اللّهُ عَلِیماً حَکِیماً (17) وَلَیْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئاتِ حَتّی إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّی تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِینَ یَمُوتُونَ وَهُمْ کُفّارٌ أُوْلئِکَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذَاباً أَلِیماً)).
2- تفسیر الأصفی، الفیض الکاشانی: 1/ 200، تفسیر سورة النساء. تفسیر کنز الدقائق، المشهدی: 2/ 395، تفسیر سورة النساء.
3- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 440، کتاب الإیمان والکفر، باب فیما أعطی الله عزّوجل آدم علیه السلام وقت التوبة/ ح2.
4- فی الإحیاء ورد النص عن النبی لقمان علیه السلام من مواعظه لابنه.
5- الرین: الطبع علی القلب، ران یرین علی قلبه، أی: طبع. کتاب العین، الفراهیدی: 8/ 277، مادة "رین".
6- أنظر: إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 11 __ 12، کتاب التوبة، بیان أن وجوب التوبة عام فی الأشخاص والأحوال فلا ینفک عنه أحد البتة.
7- فی الإحیاء: "من التسویف".
8- إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 12، کتاب التوبة، بیان أن وجوب التوبة عام فی الأشخاص والأحوال فلا ینفک عنه أحد البتة.

ص: 205

الفصل الخامس: فی قبول التوبة

قال فی الإحیاء(1): إعلم أنک إذا فهمت معنی القبول لم تشک فی أن کل توبة صحیحة فهی مقبولة، فالناظرون بنور البصائر المستمدون من أنوار القرآن علموا أن کل قلب سلیم مقبول عند الله ومتنعم فی الآخرة فی جوار الله، ومستعد لأن ینظر بعینه الباقیة إلی وجه الله، وعلموا أن القلب خلق سلیماً فی الأصل، فکل مولود یولد علی الفطرة(2) وإنما تفوته السلامة بکدورة ترهق وجهه من غبرة الذنوب وظلمتها.

وعلموا أن نار الندم تحرق تلک الغبرة، وأن نور الحسنة تمحو عن وجه القلب ظلمة السیئة، وأنه لا طاقة لظلام المعاصی مع نور الحسنات کما لا طاقة لظلام اللیالی مع نور النهار، بل کما لا طاقة لکدورة الوسخ مع بیاض الصابون، فکما أن الثوب الوسخ لا یقبله الملک لأن یکون لبسه، فالقلب المظلم لا یقبله الله تعالی لأن یکون فی جواره، وکما أن استعمال الثوب فی الأعمال الخسیسة یوسخ الثوب وغسله بالصابون والماء الحار ینظفه لا محالة فاستعمال القلب فی الشهوات یوسخ القلب وغسله بماء الدموع وحرقة الندم تنظفه وتطهره وتزکیه.

وکل قلب زکی طاهر فهو مقبول، فعلی الإنسان التزکیة والتطهیر وعلی الله القبول، إلا أن یغوص الوسخ لطول تراکمه فی تجاویف الثوب وخلله، فلا یقوی الصابون علی قلعه. ومثال ذلک أن تتراکم الذنوب حتی یصیر طبعاً وریناً علی القلب، فمثل هذا القلب لا یرجع ولا یتوب.


1- کتاب إحیاء علوم الدین للغزالی.
2- قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: «کل مولود یولد علی الفطرة». الکافی،الکلینی:2/13،کتاب الإیمان والکفر،باب فطرة الخلق علی التوحید/ذیل الحدیث4.

ص: 206

نعم قد یقول باللسان تبت، فیکون ذلک کقول القصار بلسانه قد غسلت الثوب، وذلک لا ینظف الثوب أصلاً  ما لم یغیر صفة الثوب باستعمال ما یضاد الوصف المتمکن منه(1)، قال الله تعالی: ((وَهُوَ الَّذِی یَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ))(2) وقال: ((غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ))(3).

أقول: من طریق الخاصة(4) فی الکافی(5) عن الصادق أو الباقر علیه السلام: إن الله


1- أنظر: إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 12، کتاب التوبة، بیان أن التوبة إذا استجمعت شرائطها فهی مقبولة.
2- سورة الشوری/ 25.
3- سورة غافر/ 3.
4- قال الفاضل الهندی: الخاصة، أی:الإمامیة،فإنهم خواص الناس بالله ورسولهصلی الله علیه وآله وسلم والأئمةعلیهم السلام. کشف اللثام، الفاضل الهندی: 1/ 110. ولعل الفاضل الهندی اعتمد فی تعریفه علی منقولة عمار بن یاسر والتی فیها أن الشیعة هم الخاصة، ونصها: مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی،عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی،عَنْ عَلِیِّ بْنِ سَلاّرٍ أَبِی عَمْرَةَ،عَنْ أَبِی مَرْیَمَ الثَّقَفِیِّ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ، قَالَ: بَیْنَا أَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله وسلم إِذْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله وسلم: «إِنَّ الشِّیعَةَ الْخَاصَّةَ الْخَالِصَةَ مِنَّا أَهْلَ الْبَیْتِ، فَقَالَ عُمَرُ یَا رَسُولَ اللَّهِ عَرِّفْنَاهُمْ حَتَّی نَعْرِفَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله وسلم: مَا قُلْتُ لَکُمْ إِلاَّ وَأَنَا أُرِیدُ أَنْ أُخْبِرَکُمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله وسلم: أَنَا الدَّلِیلُ عَلَی اللَّهِ عزّوجل وَعَلِیٌّ نَصْرُ الدِّینِ وَ مَنَارُهُ أَهْلُ الْبَیْتِ وَهُمُ الْمَصَابِیحُ الَّذِینَ یُسْتَضَاءُ بِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ یَکُنْ قَلْبُهُ مُوَافِقاً لِهَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله وسلم مَا وُضِعَ الْقَلْبُ فِی ذَلِکَ الْمَوْضِعِ إِلاَّ لِیُوَافِقَ أَوْ لِیُخَالِفَ فَمَنْ کَانَ قَلْبُهُ مُوَافِقاً لَنَا أَهْلَ الْبَیْتِ کَانَ نَاجِیاً وَمَنْ کَانَ قَلْبُهُ مُخَالِفاً لَنَا أَهْلَ الْبَیْتِ کَانَ هَالِکاً». الکافی، الکلینی: 8/ 333، کتاب الروضة، حدیث الفقهاء والعلماء/ ح 518.
5- کتاب الکافی، للشیخ محمد بن یعقوب الکلینی، قیل فیه: قال الشیخ المفید، 413 ه_: "وهو من أجل کتب الشیعة وأکثرها فائدة". وقال الشهید محمد بن مکی، 786 ه_، فی إجازته لابن الخازن: "کتاب الکافی فی الحدیث الذی لم یعمل الإمامیة مثله". وقال المولی محمد أمین، 1036ه_: "سمعنا من مشایخنا  وعلمائنا انه لم یصنف فی الإسلام کتاب یوازیه أو یدانیه". قال الفیض: "الکافی .. أشرفها وأوثقها وأتمها وأجمعها،لاشتماله علی الأصول من بینها وخلوه من الفضول وشینها". الشیخ الکلینی البغدادی وکتابه الکافی، ثامر العمیدی: 154 __ 155، المبحث الثانی شهرة الکتاب.

ص: 207

عزّوجل قال لآدم علیه السلام: جعلت لک أن من عمل من ذریتک سیئة ثم استغفر غفرت له. قال: یا رب زدنی. قال: جعلت لهم التوبة حتی تبلغ النفس هذه. قال: یا رب حسبی(1).

وعن الباقر علیه السلام قال: إذا بلغت النفس هذه __ وأومأ(2) بیده إلی حلقه __ لم یکن للعالم توبة وکان للجاهل توبة(3).

وعن الصادق علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته، ثم قال: إن السنة لکثیر من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته ثم قال: إن الشهر لکثیر، ثم قال: من تاب قبل موته بجمعة قبل الله توبته، ثم قال: وإن الجمعة لکثیر من تاب قبل موته بیوم قبل الله توبته، ثم قال: إن یوماً لکثیر من تاب قبل أن یعاین قبل الله توبته(4).


1- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 440، کتاب الإیمان والکفر، باب فیما أعطی الله عز و جل آدمعلیه السلام وقت التوبة/ح1.
2- فی الکافی: "وأهوی".
3- الکافی، الکلینی: 2/440، کتاب الإیمان والکفر، باب فیما أعطی الله عزّوجل آدم علیه السلام وقت التوبة/ ح3.
4- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 440، کتاب الإیمان والکفر، باب فیما أعطی الله عزّوجل آدمعلیه السلام وقت التوبة/ ح2.

ص: 208

وزاد فی روایة الصدوق(1): من تاب قبل موته بساعة تاب الله علیه، ثم قال: وإن الساعة لکثیر من تاب وقد بلغت نفسه هنا __ وأشار بیده إلی حلقه __ تاب الله علیه(2).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: لو عملتم الخطایا حتی تبلغ السماء ثم ندمتم لتاب الله علیکم(3).

وقال الباقر علیه السلام لمحمد بن مسلم(4): ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له، فلیعمل المؤمن لما یستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما والله إنها لیست إلا لأهل الإیمان. قلت: فإن عاد بعد التوبة والاستغفار فی الذنوب وعاد فی التوبة؟ فقال علیه السلام: أتری العبد المؤمن یندم علی ذنبه ویستغفر الله منه ویتوب ثم لا یقبل الله توبته. قلت: فإنه فعل ذلک مراراً یذنب ثم یتوب ویستغفر؟ فقال: کلما عاد المؤمن


1- محمد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی، أبو جعفر، نزیل الری، شیخنا وفقیهنا ووجه الطائفة بخراسان. ورد بغداد سنة خمس وخمسین وثلاثمائة، وسمع منه شیوخ الطائفة وهو حدث السن، کان جلیلا حافظا للأحادیث، بصیرا بالرجال، ناقدا للأخبار، لم یر فی القمیین مثله فی حفظه وکثرة علمه، له نحو من ثلاثمائة مصنف، ذکرنا أکثرها فی کتابنا الکبیر، مات رضی الله عنه بالری سنة إحدی وثمانین وثلاثمائة. خلاصة الأقوال، العلامة الحلی: 248/ الرقم 45.
2- من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق: 1/ 133، باب غسل المیت/ ح9. 
3- إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 13، کتاب التوبة، بیان أن التوبة إذا استجمعت شرائطها فهی مقبولة لا محالة.
4- محمد بن مسلم بن رباح: أبو جعفر الأوقص الطحان، مولی ثقیف الأعور وجه من أصحابنا بالکوفة، ورع، فقیه، صاحب أبا جعفر وأبا عبد الله علیهما السلام، وروی عنهما، وکان من أوثق الناس. رجال العلامة، العلامة الحلی: 149، القسم الأول فیمن أعتمد علیه. الفصل الثالث والعشرون، الباب الأول محمد/ الرقم 59.

ص: 209

بالاستغفار والتوبة عاد الله علیه بالمغفرة، ((وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ))(1) یقبل التوبة ویعفو عن السیئات(2).(3)

وقال الصادق علیه السلام: إن الرجل لیذنب الذنب فیدخله الله به الجنة. قیل(4): یدخله الله بالذنب الجنة؟ قال: نعم، إنه لیذنب فلا یزال منه خائفاً ماقتاً لنفسه فیرحمه الله فیدخله الجنة(5).

الفصل السادس: فی تقسیم الذنوب التی یثاب منها

وتنحصر جمیع الذنوب فی أربع صفات: صفات ربوبیة، وشیطانیة، وبهیمیة، وسبعیة.. لکون طینة الإنسان معجونة من أخلاط مختلفة(6) یقتضی کل منها أثراً:


1- سورة المائدة / 98.
2- إشارة إلی قوله تعالی:((وَهُوَ الَّذِی یَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَیَعْفُوا عَنِ السَّیِّئاتِ وَیَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ)) سورة الشوری/25.
3- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 434، کتاب الإیمان والکفر، باب التوبة/ ح6.
4- فی الکافی: "قلت" بدل "قیل".
5- الکافی، الکلینی: 2/ 426، کتاب الإیمان والکفر، باب الاعتراف بالذنوب/ ح3.
6- رأی دیمقریطیس وشیعته: یقول فی المبدع الأول: إنه لیس هو العنصر فقط، ولا العقل فقط، بل الأخلاط الأربعة، وهی: الأسطقسات، أوائل الموجودات کلها. الملل والنحل، الشهرستانی:171، الفصل الثانی الحکماء الأصول،الرقم 4 رأی دیمقریطیس وشیعته. الطبائع، أی: الأخلاط الأربعة، أو الأمزجة الأربعة، من الحار والبارد والرطب والیابس، أو الأربعة المرکبة من الحار الیابس والحار الرطب والبارد الیابس والبارد الرطب. تحب ما یشاکلها، أی: تطلب ما یوافقها فصاحب المزاج الحار یطلب البارد والرطب یطلب الیابس، وهکذا. بحار الأنوار، العلامة المجلسی: 59/331، کتاب السماء والعالم، باب 90 الرسالة الذهبیة، ذکر فصول السنة.

ص: 210

فالربوبیة کالکبر والفخر والتجبر وحب المدح والثناء والعز ودوام البقاء وطلب الاستعلاء ونحوها، وهذه أم المهلکات.

والشیطانیة کالحسد والبغی والحیلة والخداع والأمر بالفساد والمنکر والغش والشقاق والدعوة إلی البدع والضلالة.

والبهیمیة کالشره والتکالب والحرص والزنا واللواط والسرقة وأکل مال الأیتام ونحوها.

والسبعیة یتشعب منها الغضب والحقد والتهجم علی الناس بالضرب والشتم والقتل واستهلاک الأموال ونحوها.

ثم هذه أمهات الذنوب ومنابعها، وتنفجر الذنوب من هذه المنابع علی الجوارح، فبعضها فی القلب خاصة کالکفر والبدعة والنفاق  وإضمار السوء للناس، وبعضها علی العین والسمع، وبعضها علی اللسان، وبعضها علی البطن والفرج، وبعضها علی الیدین والرجلین، وبعضها علی جمیع البدن.

وتنقسم قسمة ثانیة إلی ما بین العبد وبین الله وإلی ما یتعلق بحقوق العباد: فما یتعلق بالعبد خاصة کترکه الصلاة والصوم ونحوهما، وما یتعلق بحقوق العباد کترکه الزکاة وقتل النفس وغصب الأموال وشتم العرض.

وتنقسم قسمة ثالثة إلی کبائر وصغائر، قال الله تعالی: ((إِنْ تَجْتَنِبُوا کَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ))(1) وقال تعالی: ((والَّذِینَ(2) یَجْتَنِبُونَ کَبائِرَ الإِْثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ))(3).


1- سورة النساء/31.
2- فی النص القرآنی: "الذین" بلا "واو".
3- سورة النجم/ 32.

ص: 211

وقد اختلفت الأقوال والأخبار فی تعیین الکبائر، والأشهر أنها ما توعد الله علیه النار. فعن الصادق علیه السلام فی قوله تعالی: ((إِن تَجْتَنِبُواْ کَبٰآئِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ))(1) قال: الکبائر التی أوجب الله علیها النار(2).

وفی الصحیح(3) عن أبی جعفر الثانی(4) قال: سمعت أبی(5) یقول: سمعت أبی موسی بن جعفر یقول: دخل عمرو بن عبید(6) علی أبی عبد الله علیه السلام، فلما


1- سورة النساء/ 31.
2- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 276، کتاب الإیمان والکفر، باب الکبائر/ ح1.
3- تم بیان معنی الصحیح فیما تقدم.
4- قال الطبرسی فی ذکر الإمام التقی أبی حعفر محمد بن علی علیه السلام: «لقبه التقی والمنتجب والجواد والمرتضی، ویقال له: أبو جعفر الثانی». إعلام الوری، الطبرسی: 345، الرکن الثالث فی ذکر الأئمة من أبناء أمیر المؤمنین علیهم السلام، الباب الثامن فی ذکر الإمام التقی أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام، الفصل الأول فی تاریخ مولده ومبلغ سنه ووقت وفاته.
5- أی: "الإمام علی بن موسی الرضا علیه السلام".
6- هو: عمرو بن عبید البصری کما ذکره: من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق: 3/563، باب معرفة الکبائر/ ح2. علل الشرائع، الشیخ الصدوق: 2/ 391، باب 131 العلة التی من أجلها حرم الله تعالی الکبائر/ح1. عیون أخبار الرضا علیه السلام، الشیخ الصدوق: 1/285 __ 286، باب 28 فیما جاء عن الإمام علی بن موسی الرضا علیه السلام/ ح33. عده الشیخ من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام. رجال الطوسی، الشیخ الطوسی: 250، باب العین/ الرقم 412. قال القمی: کان من أصحاب أبی الحسن البصری وتلامیذه. قیل: کان أبوه شرطیا، وکان عمرو متزهدا فکانا إذا اجتازا معا علی الناس قالوا: هذا شر الناس أبو خیر الناس. مات عمرو فی سنة 144، وهو ابن أربع وستین سنة. واحتجاج هشام بن الحکم علیه فی مسجد البصرة فی سؤاله: ألک عین؟ الخ مشهور. الکنی والألقاب، الشیخ عباس القمی: 1/ 155 __ 156، أبو مروان.

ص: 212

سلم وجلس تلا هذه الآیة ((الَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبٰائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوٰاحِشَ))(1) ثم أمسک، فقال له علیه السلام ما أسکتک؟ قال: أحب أن أعرف الکبائر من کتاب الله فقال: نعم یا عمرو، أکبر الکبائر الإشراک بالله یقول الله ((مَن یُشْرِکْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَیهِ الْجَنَّةَ))(2)، وبعده الیأس من روح الله لأن الله یقول: ((إِنَّهُ لا یَیْأَسُ مِن رَوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْکافِرُونَ))(3)، ثم الأمن من مکر الله لأن الله تعالی یقول: ((فَلا یَأْمَنُ مَکْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخٰاسِرُونَ))(4)، ومنها عقوق الوالدین لأن الله جعل العاق جباراً شقیاً وقتل النفس التی حرم الله إلا بالحق لأن الله تعالی یقول: ((فَجَزآؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِیهٰا))(5) الآیة، وقذف المحصنة لأن الله تعالی یقول: ((لُعِنُوا فِی الدُّنْیٰا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذٰابٌ عَظِیمٌ))(6)، وأکل مال الیتیم لأن الله یقول: ((إِنَّمٰا یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ نٰاراً وَسَیَصْلَوْنَ سَعِیراً))(7)، والفرار من الزحف لأن الله یقول: ((وَمَن یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتٰالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلی فِئَةٍ فَقَدْ بٰاء بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَمَأْوٰاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِیرُ))(8)، وأکل الربا لأن الله یقول: ((الَّذِینَ یَأْکُلُونَ الرِّبٰا لا یَقُومُونَ إِلاّ کَمٰا یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطُهُ الشَّیْطانُ مِنَ الْمَسِّ))(9)، والسحر لأن الله یقول:((وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرٰاهُ مٰا لَهُ فِی الآخِرَةِ


1- سورة النجم/32.
2- سورة المائدة/ 72.
3- سورة یوسف/ 87.
4- سورة الأعراف/ 99.
5- سورة النساء/ 93.
6- سورة النور / 23 .
7- سورة النساء/ 10.
8- سورة الأنفال/ 16.
9- سورة البقرة/ 275.

ص: 213

مِنْ خَلاقٍ))(1)،والزنا لأن الله یقول:((وَمَن یَفْعَلْ ذلِکَ یَلْقَ أَثامًا (68) یُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَیَخْلُدْ فِیهِ مُهاناً))(2)، والیمین الغموس الفاجرة لأن الله یقول: ((الَّذِینَ یَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَیْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِیلاً أُوْلئِکَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِی الآخِرَةِ))(3)، والغلول لأن الله یقول: ((وَمَن یَغْلُلْ یَأْتِ بِما غَلَّ به(4) یَوْمَ الْقِیامَةِ))(5)، ومنع الزکاة المفروضة لأن الله یقول: ((فَتُکْوی بِها جِباهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ))(6)، وشهادة الزور، وکتمان الشهادة لأن الله یقول: ((وَمَن یَکْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ))(7)، وشرب الخمر لأن الله تعالی نهی عنها کما نهی عن عبادة الأوثان، وترک الصلاة متعمداً أو شیئاً مما فرض الله لأن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال:«من ترک الصلاة متعمداً فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله»، ونقض العهد وقطیعة الرحم لأن الله یقول: ((لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ))(8). قال: فخرج عمرو وله صراخ من بکائه، وهو یقول: هلک من قال برأیه ونازعکم فی الفضل والعلم(9).

فإن قیل: کیف ورد الشرع بما لم یبین حده، والکبائر مبهمة قد اختلفت فی الأخبار؟.


1- سورة البقرة/ 102.
2- سورة الفرقان/ 68 __ 69.
3- سورة آل عمران/ 77.
4- لیس فی النص القرآنی: "به".
5- سورة آل عمران/ 161. ونصها:((وَما کانَ لِنَبِیٍّ أَن یَغُلَّ وَمَن یَغْلُلْ یَأْتِ بِما غَلَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ ثُمَّ تُوَفّی کُلُّ نَفْسٍ مّا کَسَبَتْ وَهُمْ لا یُظْلَمُونَ)).
6- سورة التوبة/ 35.
7- سورة البقرة/ 283.
8- سورة الرعد/ 25.
9- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 285 __ 287،کتاب الإیمان والکفر،باب الکبائر/ح24.

ص: 214

فالجواب: إن کل ما لا یتعلق به حکم فی الدنیا جاز أن یتطرق إلیه الإبهام، والکبیرة علی الخصوص لا حکم لها فی الدنیا من حیث إنها کبیرة، فإن موجبات الحدود معلومة بأسامیها، وإنما حکم الکبیرة أن اجتنابها یکفر الصغائر(1) وأن الصلوات الخمس لا تکفرها، کما فی الحدیث النبوی: «الصلوات الخمس والجمعة إلی الجمعة تکفر ما بینهن إن اجتنب الکبائر»(2).

وهذا أمر  یتعلق بالآخرة والإبهام به ألیق حتی یکون الناس علی حذر ووجل، فلا یتجرأون علی الصغائر اعتماداً علی الصلوات الخمس واجتناب الکبائر، ثم اجتناب الکبیرة إنما یکفر الصغیرة(3).


1- قال الشیخ الطوسی: فعلی مذهب المعتزلة: من اجتنب الکبائر، وواقع الصغائر، فان الله یکفر الصغائر عنه، ولا یحسن مع اجتناب الکبائر عندهم المؤاخذة بالصغائر، ومتی آخذه بها کان ظالما. وعندنا: أنه یحسن من الله تعالی أن یؤاخذ العاصی بأی معصیة فعلها، ولا یجب علیه إسقاط عقاب معصیة لمکان اجتناب ما هو أکبر منها. التبیان، الشیخ الطوسی: 3/183، تفسیر سورة النساء.
2- المغنی عن حمل الأسفار، أبو الفضل العراقی: 2/ 987، کتاب التوبة/ ح3602. أورد الحدیث باختلاف یسیر علماء العامة فی کتبهم، منهم: أحمد بن حنبل فی المسند: 2 / 400. مسلم بن الحجاج النیسابوری فی الصحیح: 1/ 144، کتاب الطهارة. ابن ماجه فی سننه: 1/196. الترمذی فی سننه: 1/ 138. ولم یذکره الخاصة فی کتبهم، وهو عائد إلی ما قبله، أنظر الهامش السابق. وهذا إنما أورده المؤلف (قدس سره) عن الفیض الکاشانی، والذی أخذه بدوره عن الغزالی، وقد أوضحنا ذلک دون تفصیل لبیان وجه الإشکال، وعدم الخلط بین عقائد المدرستین حین مراجعة کتابنا هذا وعدم رؤیة تعلیق یوضح ذلک.
3- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7 / 28 __ 32، کتاب التوبة، الرکن الثانی فیما عنه وهی الذنوب صغائرها وکبائرها. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 15 __ 18، کتاب التوبة، الرکن الثانی فیما عنه التوبة وهی الذنوب صغائرها وکبائرها، بیان أقسام الذنوب بالإضافة إلی صفات العبد.

ص: 215

الفصل السابع: فی بیان ما تعظم به الصغائر

إعلم أن الصغیرة تکبر بأسباب:

الأول: الإصرار والمواظبة(1)، ففی الکافی عن الصادق علیه السلام قال: لا صغیرة مع الإصرار ولا کبیرة مع الاستغفار(2).

وعنه علیه السلام(3) قال: لا والله لا یقبل(4) شیئاً من طاعته علی الإصرار علی شیء من معاصیه(5).

وقال الباقر علیه السلام فی قوله تعالی: ((وَلَمْ یُصِرُّواْ عَلی ما فَعَلُواْ وَهُمْ یَعْلَمُونَ))(6) قال: الإصرار أن یذنب الذنب فلا یستغفر ولا یحدث نفسه بتوبة فذلک الإصرار(7).

وقد مثلوا  ذلک بقطرات من الماء تقع علی الحجر علی توالی فتؤثر فیه، وذلک القدر من الماء لو صب علیه دفعة لم یؤثر، ولذلک قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: خیر الأعمال أدومها وإن قلَّ(8).


1- وظب یظب وظوبا، وهو: المواظبة علی الشیء و المداومة والتعاهد. کتاب العین، الفراهیدی: 8/ 170، مادة "وظب". المواظبة: المثابرة علی الشیء، والمداومة علیه. لسان العرب، ابن منظور: 1/ 798، مادة "وظب".
2- الکافی، الکلینی:2/ 288،کتاب الإیمان والکفر، باب الإصرار علی الذنب/ح1.
3- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
4- فی الوسائل: "لا یقبل الله".
5- وسائل الشیعة، الحر العاملی: 15/ 337، کتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، باب 48 تحریم الإصرار علی الذنب/ ح1.
6- سورة آل عمران/ 135.
7- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 58 __ 59، کتاب التوبة، بیان ما تعظم به الصغائر من الذنوب.
8- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 58، کتاب التوبة، بیان ما تعظم به الصغائر من الذنوب. المغنی عن حمل الأسفار،أبو الفضل العراقی:2/998،کتاب التوبة/ح3627.

ص: 216

والأشیاء تُستبان بأضدادها(1)، فإذا کان النافع من العمل هو الدائم وإن قلَّ فکذلک القلیل من السیئات إذا دام عظم تأثیره فی ظلام القلب.

ومنها: أن یستصغر الذنب، فإن العبد کل ما استعظمه من نفسه صغر عند الله وکل ما استصغره کبر عند الله لأن استعظامه یصدر نفور القلب عنه وکراهته له، وذلک النفور یمنع من شدة تأثره به واستصغاره یصدر عن الإلف به، وذلک یوجب شدة الأثر فی القلب، والقلب هو المطلوب تنویره بالطاعات والمحذور تسویده بالسیئات، ولذلک لا یؤاخذ بما یجری علیه فی الغفلة.

وقد جاء فی الحدیث: إن(2) المؤمن یری ذنبه کالجبل فوقه یخاف أن یقع علیه، والمنافق یری ذنبه کذباب مرّ علی أنفه فأطاره(3).

وعن الصادق علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم(4): اتقوا المحقرات من الذنوب فإنها لا تغفر. قیل(5): وما المحقرات؟ قال: الرجل یذنب الذنب فیقول: طوبی لی لو لم یکن(6) غیر ذلک(7).


1- بحار الأنوار، العلامة المجلسی: 64/ 139، کتاب الإیمان والکفر، باب 4 فطرة الله سبحانه وصبغته، تفسیر.
2- لیس فی المحجة والإحیاء: "إن".
3- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 59، کتاب التوبة، بیان ما تعظم به الصغائر من الذنوب. إحیاء علوم الدین، الغزالی:4/29،کتاب التوبة،بیان ما تعظم به الصغائر من الذنوب.
4- فی الکافی: الحدیث یرویه الإمام الصادق علیه السلام ولیس فی الإسناد قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.
5- فی الکافی: "قلت".
6- فی الکافی: "لو لم یکن لی".
7- الکافی، الکلینی: 2/ 287، کتاب الإیمان والکفر، باب استصغار الذنب/ ح1.

ص: 217

وعن الکاظم علیه السلام قال: لا تستکثروا کثیر الخیر ولا تستقلوا قلیل الذنوب، فإن قلیل الذنوب یجتمع حتی یکون کثیراً، وخافوا الله فی السر حتی تعطوا من أنفسکم النصف(1).

ومنها: السرور بالصغیرة والفرح والتبجح بها، واعتداد التمکن من ذلک نعمة والغفلة عن کونه سبب الشقاوة، وکلما غلبت حلاوة الصغیرة عند الکبر کبرت الصغیرة وعظم أثرها فی تسوید قلبه، حتی إن من المذنبین من یتمدح بذنبه ویتبجح، ویقول المناظر فی مناظرته أما رأیتنی کیف فضحته.

والذنوب مهلکات، وینبغی أن یکون مرتکبها فی حزن وتأسف بسبب غلبة عدوه الشیطان علیه، والمریض الذی یفرح بأن ینکسر إناؤه الذی فیه دواؤه حتی یتخلص من ألم شربه لا یرجی شفاؤه.

ومنها: أن یتهاون بستر الله علیه وحلمه عنه وإمهاله إیاه، ولا یدری أنه إنما یمهل مقتاً لیزداد بالإمهال إثماً(2)، فیظن أن تمکنه من المعاصی عنایة من الله تعالی به، فیکون ذلک لأمنه من مکر الله وجهله بمکامن(3) الغرور، کما قال تعالی: ((وَیَقُولُونَ فِی أَنفُسِهِمْ لَوْلا یُعَذِّبُنا اللّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ یَصْلَوْنَها وَبِئْسَ(4) الْمَصِیرُ))(5).


1- الکافی، الکلینی: 2/ 287، کتاب الإیمان والکفر، باب استصغار الذنب/ ح2.
2- إشارة إلی قوله تعالی: ((إِنَّما نُمْلِی لَهُمْ لِیَزْدادُواْ إِثْماً)) سورة آل عمران/ 178.
3- کمن فلان یکمن کمونا، أی: اختفی فی مکمن لا یفطن له. کتاب العین، الفراهیدی: 5/ 386، مادة "کمن".
4- فی النص القرآنی: "فبئس".
5- سورة المجادلة/ 8.

ص: 218

ومنها: أن یأتی بالذنب ویظهره بأن یذکره بعد إتیانه أو یأتی به فی مشهد غیره، فإن ذلک جنایة منه علی ستر الله الذی أسدله علیه، وتحریک لرغبة الشر فی من أسمعه ذنبه أو أشهده فعله، فهما جنایتان انضمتا إلی جنایته فتغلظت به، فإن انضاف إلی ذلک الترغیب للغیر فیه والحمل علیه وتهیئة الأسباب له صارت جنایة رابعة وتفاحش الأمر. وهذا لأن من صفات الله ونعمه أنه یظهر الجمیل ویستر القبیح ولا یهتک الستر(1)، فالإظهار کفران لهذه النعمة.

وفی الکافی عن الرضا علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: المستتر بالحسنة تعدل(2) سبعین حسنة، والمذیع بالسیئة مخذول، والمستتر بها مغفور له(3).

وقال الصادق علیه السلام: من جاءنا یلتمس الفقه والقرآن وتفسیره فدعوه. ومن جاءنا یبدی عورة قد سترها الله علیه(4) فنحوه(5).

ومنها: أن یکون المذنب عالماً یقتدی به فإذا فعله بحیث یری ذلک منه کبر ذنبه، کلبس العالم الإبریسم(6) والذهب، وأخذه مال الشبهة من أموال


1- إشارة إلی دعاء النبی صلی الله علیه وآله وسلم المروی عن الإمام الصادق علیه السلام: «یَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِیلَ وَسَتَرَ الْقَبِیحَ یَا مَنْ لَمْ یَهْتِکِ السِّتْرَ وَلَمْ یُؤَاخِذْ بِالْجَرِیرَةِ یَا عَظِیمَ الْعَفْوِ یَا حَسَنَ التَّجَاوُزِ یَا وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ... الخبر». تهذیب الأحکام، الشیخ الطوسی: 3/84 __ 85، کتاب الصلاة، باب 5 الدعاء بین الرکعات، الدعاء فی الزیادة تمام المائة رکعة/ ح12.
2- فی الکافی: "یعدل".
3- الکافی، الکلینی: 2/ 428، کتاب الإیمان والکفر، باب ستر الذنوب/ ح2. وقد ورد الحدیث  کما جاء فی النص أعلاه فی: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 60، کتاب التوبة، بیان ما تعظم به الصغائر من الذنوب.
4- لیس فی الکافی: "علیه".
5- الکافی، الکلینی: 2/ 442، کتاب الإیمان والکفر، باب اللمم/ ح4.
6- الإبریسم: حریر. عَنْ أَبِی عُیَیْنَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: مَا یَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَلْبَسَ وَهِیَ مُحْرِمَةٌ؟ قَالَ: الثِّیَابُ کُلُّهَا مَا خَلا الْقُفَّازَیْنِ وَالْبُرْقُعَ وَالْحَرِیرَ قُلْتُ تَلْبَسُ الْخَزَّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَإِنَّ سَدَاهُ الإِبْرِیسَمُ وَهُوَ حَرِیرٌ قَالَ مَا لَمْ یَکُنْ حَرِیراً خَالِصاً فَلا بَأْسَ. الکافی، الکلینی: 4/ 345، کتاب الحج، باب ما یجوز للمحرمة أن تلبسه من الثیاب والحلی وما یکره لها من ذلک/ح 6.

ص: 219

السلاطین، ودخوله علی السلاطین وتودده إلیهم، ومساعدته إیاهم بترک الإنکار علیهم، وإطلاقه اللسان فی الغیبة والأعراض وتعدیه باللسان فی المناظرة وقصده الاستخفاف ونحو ذلک، فهذه الذنوب یتبع العالم علیها فیموت ویبقی ((شَرُّهُ مُسْتَطِیراً))(1) فی العالم مدداً متطاولة. فطوبی لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه.

وفی الخبر: من سنّ سنة سیئة فعلیه وزرها ووزر من عمل بها لا ینقص من أوزارهم شیء(2)، قال تعالی: ((وَنَکْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ))(3) والآثار ما یلحق الأعمال بعد انقضاء العمل والعامل، ولهذا قیل: «مثل زلة العالم مثل انکسار السفینة تغرق ویغرق أهلها»(4).(5)


1- سورة الإنسان/ 7.
2- أنظر: الفصول المختارة، الشیخ المفید: 136. وفیه النص: «قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: من سن سنة حسنة کان له أجرها وأجر من عمل بها إلی یوم القیامة ومن سن سنة سیئة کان علیه وزرها ووزر من عمل بها إلی یوم القیامة».
3- سورة یس/ 12.
4- غرر الحکم، الآمدی: 47، القسم الأول، باب الأول المعرفة، الفصل الثالث فی العالم، زلة العالم تفسد العوالم/ح233.وفیه النص: "زلة العالم کانکسار السفینة تغرق وتغرق معها غیرها".
5- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 298 __ 300، المقالة السادسة فی سایر الأعمال الصالحة، الباب الأول فی التوبة، الفصل الخامس الذنوب الصغیرة بوابة الذنوب الکبیرة. جامع السعادات، النراقی: 3 / 76 __ 80، فصل الصغائر قد تکون کبائر. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 29 __ 30، کتاب التوبة، بیان ما تعظم به الصغائر من الذنوب.

ص: 220

الفصل الثامن: فی تجزئة التوبة

وملخص الکلام فیها أن التوبة عن بعض الذنوب إما أن تکون عن الکبائر دون الصغائر أو عن الصغائر دون الکبائر أو عن کبیرة دون کبیرة:

أما الأول: فهو ممکن للعلم بأن الکبائر أعظم عند الله وأجلب لسخطه ومقته، والصغائر أقرب إلی تطرق العفو إلیه، وقد کثر التائبون ولم یکن أحد منهم معصوماً، فلا تستدعی التوبة العصمة. والطبیب قد یحذر المریض العسل تحذیراً شدیداً ویحذره السکر تحذیراً أخف منه علی وجه یظهر منه عدم ظهور أثره.

وأما القسم الثانی: فهو ممکن أیضاً لاعتقاده أن بعض الکبائر أشد وأغلظ عند الله، کالذی یتوب عن القتل والنهب والظلم ومظالم العباد لعلمه بأن دیوان العباد لا یترک، وما بینه وبین الله یسرع العفو إلیه.

الثالث: أن یتوب عن صغیرة وهو مصر علی کبیرة یعلم أنها کبیرة، کالذی یتوب عن الغیبة أو عن النظر إلی غیر المحرم أو ما یجری مجراه وهو مصر علی شرب الخمر، وهو ممکن إذ ما من مؤمن إلا وهو خائف علی معاصیه ونادم علی فعله ندماً إما ضعیفاً وإما قویاً، ولکن تکون لذة نفسه فی تلک المعصیة أقوی من ألم قلبه فی الخوف منها، لأسباب توجب ضعف الخوف من الجهل والغفلة وأسباب توجب قوة الشهوة، فیکون الندم موجوداً ولکن لا یکون العزم قویاً علیه.

ویقول: لله علی أمران ولی علی المخالفة فیه عقوبتان، وأنا ملی فی أحدهما بقهر الشیطان عاجز عنه فی الآخر فأقهره فی ما أقدر علیه، وأرجوه بمجاهدتی فیه أن یکفر عنی ما عجزت عنه بفرط شهوتی.

ص: 221

وهذا حال کل مسلم، وقد قال صلی الله علیه وآله وسلم: «الندم توبة»(1) ولم یشترط الندم عن کل ذنب، وقال علیه السلام(2): «التائب من الذنب کمن لا ذنب له»(3) ولم یقل التائب من الذنوب کلها.

الفصل التاسع: فی أقسام العباد فی التوبة

وهم طبقات:

الطبقة الأولی: أن یتوب العاصی ویستقیم إلی آخر عمره، فیتدارک ما فرط من أمره ولا یحدث نفسه بالعود إلی ذنوبه، إلا الزلات التی لا ینفک البشر عنها فی العادة، وهی التوبة النصوح.

الطبقة الثانیة: تائب سلک طریق الاستقامة فی أمهات الطاعات وکبائر الفواحش کلها، إلا أنه لیس ینفک عن ذنوب تعتریه لا عن عمد وتجرید قصد ولکن یبتلی بها فی مجاری أحواله، من غیر أن یقدم عزماً علی الإقدام علیها ولکنه إذا أقدم لام نفسه وندم وجدد عزمه علی عدم العود. وهذه رتبة عالیة وإن کانت نازلة عن الأولی ، وهی أغلب أحوال التائبین، لأن الشر معجون بطینة الآدمی قلما ینفک عنه، قال تعالی: ((الَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبائِرَ الإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ))(4) وقال تعالی: ((وَالَّذِینَ إِذا فَعَلُواْ فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَکَرُواْ اللّهَ


1- من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق: 4/ 380، باب النوادر، من ألفاظ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الموجزة/ ح49.
2- فی العیون: «عن علی بن أبی طالب علیه السلام، قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ... الحدیث».
3- عیون أخبار الرضا علیه السلام، الشیخ الصدوق: 2/ 74، باب 31 فیما جاء عن الرضا علیه السلام من الأخبار المجموعة/ ح347.
4- سورة النجم/ 32.

ص: 222

فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن یَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ))(1). وفی الحدیث. «خیارکم کل مفتن تواب»(2). وفی الروایة: «المؤمن کالسنبلة تفیء أحیاناً وتمیل أحیاناً»(3).

الطبقة الثالثة: أن یتوب ویستمر علی الاستقامة مدة ثم تغلبه شهوته فی بعض الذنوب فیقدم علیها عن قصد وصدق شهوة بعجزه عن قهر الشهوة، إلا أنه مع ذلک مواظب علی الطاعات وتارک جملة من السیئات مع القدرة والشهوة، وإنما قهرته هذه الشهوة الواحدة أو الشهوتان، وهو یودُّ قمعها ویقول: لیتنی لم افعل وسأتوب، ولکنه یسوّف نفسه فی التوبة یوماً بعد یوم، قال تعالی: ((وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صالِحًا وَآخَرَ سَیِّئاً))(4) فهو مرجو عسی الله أن یتوب علیه إذا تاب(5).

الطبقة الرابعة: أن یتوب ویستقیم مدة ثم یعود إلی مقارفة الذنب من غیر أن یحدث نفسه بالتوبة ومن غیر أن یتأسف علی فعله، بل ینهمک(6) انهماک الغافل فی إتباع الشهوات، فهذا أقبح حال التائبین وأمر فی مشیئة الله.


1- سورة آل عمران/ 135.
2- کنز العمال،المتقی الهندی:4/213،کتاب التوبة،الفصل الأول فی فضلها والترغیب فیها/ح10210.
3- المغنی عن حمل الأسفار، أبو الفضل العراقی: 2/ 1001، کتاب التوبة/ 3643.
4- سورة التوبة/ 102.
5- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: ((الَّذِینَ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَیِّئاً)) سورة التوبة/ 102. فَأُولَئِکَ قَوْمٌ مُؤْمِنُونَ یُحْدِثُونَ فِی إِیمَانِهِمْ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِی یَعِیبُهَا الْمُؤْمِنُونَ وَیَکْرَهُونَهَا فَأُولَئِکَ ((عَسَی اللَّهُ أَنْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ)) سورة التوبة/ 102. الکافی، الکلینی: 2/ 408، کتاب الإیمان والکفر، باب أصحاب الأعراف/ ح2.
6- انهمک فلان فی کذا، إذا لج وتمادی فیه. کتاب العین، الفراهیدی: 3/ 382، مادة "همک". انهمک الرجل فی الأمر، أی: جد ولج. الصحاح، الجوهری: 4/ 1617، مادة "همک".

ص: 223

الفصل العاشر: فی العلاج للإقبال علی التوبة

وهی أربعة أمور:

الأول: أن ینظر إلی الآیات والأخبار المخوفة للمذنبین والعاصین وما فیها من التهدید والوعید علی العقاب الشدید والعذاب الأکید، ففی بعض الأخبار من طرق الجمهور عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال: ما من یوم طلع فجره ولا لیلة غاب شفقها إلا وملکان یتجاوبان بأربعة أصوات: یقول أحدهما یا لیت هذا الخلق لم یخلقوا، ویقول الآخر یا لیتهم إذ خلقوا علموا لماذا خلقوا، فیقول الآخر ویا لیتهم إذ لم یعلموا لماذا خلقوا عملوا بما علموا فیقول الآخر ویا لیتهم إذ لم یعملوا بما علموا ترکوا الخوض فی ما لم یعلموا(1).

وفی روایة: تجالسوا فتذاکروا ما علموا، فیقول الآخر ویا لیتهم إذ لم یعملوا بما علموا تابوا عما عملوا(2).

وقال بعض العارفین(3): ما من عبد یعصی إلا استأذن مکانه من الأرض أن یخسف به، واستأذن سقفه من السماء أن یسقط علیه کسفاً، فیقول الله للأرض وللسماء، کفا عن عبدی وأمهلاه، فإنکما لم تخلقاه ولو خلقتماه لرحمتماه، لعله یتوب إلی فأغفر له، لعله یستبدل صالحاً فأبدله له حسنات، فذلک معنی قوله


1- ذکر صدر الحدیث أبو الفضل العراقی، فی المغنی عن حمل الأسفار: 2/ 1005، کتاب التوبة. وذکره باختلاف یسیر الفیض الکاشانی، فی المحجة البیضاء: 7/ 93 __ 94، کتاب التوبة، الرکن الرابع فی دواء التوبة.
2- أنظر: إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 46، کتاب التوبة، الرکن الرابع فی دواء التوبة وطریق العلاج.
3- قال الغزالی قبل إیراد الحدیث: "قال بعض السلف".

ص: 224

تعالی: ((إِنَّ اللَّهَ یُمْسِکُ السَّماواتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زالَتا إِنْ أَمْسَکَهُما مِنْ أَحَدٍ مِن بَعْدِهِ))(1).

الثانی: حکایات المذنبین التائبین وما جری علیهم من المصائب بسبب ذنوبهم.

الثالث: أن یتصور المذنب أن تعجیل العقوبة فی الدنیا متوقع علی الذنب، وأن کل ما یصیب العبد من المصائب بسبب جنایة صدرت منه، قال تعالی: ((وَما أَصابَکُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ فَبِما کَسَبَتْ أَیْدِیکُمْ وَیَعْفُوا عَنْ کَثِیرٍ))(2).

وقال الصادق علیه السلام فی هذه الآیة(3): لیس من التواء عرق ولا نکبة حجر ولا عثرة قدم ولا خدشة(4) عود إلا بذنب.(5)

وفی روایة أخری: أما إنه لیس من عرق یضرب ولا نکبة ولا صداع ولا مرض إلا بذنب، وذلک قول الله عزّوجل فی کتابه: ((ما أَصابَکُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ فَبِما کَسَبَتْ أَیْدِیکُمْ وَیَعْفُوا عَنْ کَثِیرٍ))(6) قال(7): وما یعفو الله أکثر مما یؤاخذ به(8).

وقال علیه السلام(9): إن الرجل یذنب الذنب فیحرم صلاة اللیل، وإن العمل السیئ أسرع فی صاحبه من السکین فی اللحم(10).


1- سورة فاطر/ 41.
2- سورة الشوری/ 30.
3- سورة الشوری/ 30.
4- فی الکافی: "ولا خدش".
5- الکافی، الکلینی: 2/ 445، کتاب الإیمان والکفر، باب تعجیل عقوبة الذنب/ ح6.
6- سورة الشوری/ 30.
7- فی الکافی: "قال: ثم قال".
8- الکافی، الکلینی: 2/ 269، کتاب الإیمان والکفر، باب الذنوب/ ح3.
9- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
10- الکافی، الکلینی: 2/ 272، کتاب الإیمان والکفر، باب الذنوب/ ح16.

ص: 225

الرابع: ذکر ما ورد من العقوبات علی آحاد الذنوب کالخمر والزنا والسرقة والقتل والغیبة والکبر والحسد، وهو مما لا یمکن حصره(1). وفی الحدیث یقول الله تعالی: «أدنی ما أصنع بالعبد إذا آثر شهوته علی طاعتی أن أحرمه لذیذ مناجاتی»(2).

وقال علیه السلام(3): من همّ بالسیئة فلا یعملها، فإنه ربما عمل العبد سیئة(4) فیراه الرب تبارک وتعالی فیقول: وعزتی(5) لا أغفر لک بعد ذلک أبداً(6).

وقال الکاظم علیه السلام: حق علی الله أن لا یعصی فی دار إلا أضحاها للشمس حتی یطهرها(7).(8)

وقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إن العبد لیحبس علی ذنب من ذنوبه مائة عام وإنه لینظر إلی أزواجه فی الجنة یتنعمن(9).


1- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 93 _ 97، کتاب التوبة، الرکن الرابع فی دواء التوبة وطریق العلاج لحل عقدة الإصرار. جامع السعادات، النراقی:3/ 89 ، فصل علاج الإصرار علی الذنوب. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 46 __ 48، کتاب التوبة، الرکن الرابع فی دواء التوبة وطریق العلاج لحل عقدة الإصرار.
2- إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 48، کتاب التوبة، الرکن الرابع فی دواء التوبة.
3- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
4- فی الوسائل: "السیئة".
5- فی الوسائل: "وعزتی وجلالی".
6- وسائل الشیعة، الحر العاملی: 15/ 303، کتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، باب 40 وجوب اجتناب الخطایا والذنوب/ح15.
7- فی الکافی: "تطهرها".
8- الکافی، الکلینی: 2/ 272، کتاب الإیمان والکفر، باب الذنوب/ ح18.
9- الکافی، الکلینی: 2/ 272، کتاب الإیمان والکفر، باب الذنوب/ ح19.

ص: 226

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام لقائل بحضرته: أستغفر الله: ثکلتک أمک، أتدری ما الاستغفار؟ إن الاستغفار درجة العلیین، وهو اسم واقع علی ستة معانٍ: أولها الندم علی ما مضی، والثانی العزم علی ترک العود إلیه أبداً، والثالث أن تؤدی إلی المخلوقین حقوقهم حتی تلقی الله أملس لیس علیک تبعة، والرابع أن تعمد إلی کل فریضة علیک ضیعتها تؤدی حقها، والخامس أن تعمد إلی اللحم الذی نبت علی السحت فتذیبه بالأحزان حتی یلصق الجلد بالعظم وینشأ بینهما لحم جدید، والسادس أن تذیق الجسم ألم الطاعة کما أذقته حلاوة المعصیة، فعند ذلک تقول: أستغفر الله(1).

وفی مصباح الشریعة: قال الصادق علیه السلام: التوبة حبل الله ومدد عنایته، ولابد للعبد من مداومة التوبة علی کل حال، فتوبة الأنبیاء من اضطراب السر، وتوبة الأولیاء من تلوین الخطرات، وتوبة الأصفیاء من التنفیس، وتوبة الخلص من الاشتغال بغیر الله، وتوبة العالم من الذنوب.

ولکل واحد منهم معرفة وعلم فی أصل توبته ومنتهی أمره، وذلک یطول شرحه هنا.

فأما توبة العالم فأن یغسل باطنه من الذنوب بماء الحسرة والاعتراف بجنایته دائماً، واعتقاد الندم علی ما مضی والخوف علی ما بقی من عمره، ولا یستصغر ذنوبه فیحمله ذلک إلی الکسل، ویدیم البکاء والأسف علی ما فاته من طاعة الله، ویحبس نفسه عن الشهوات، ویستغیث إلی الله لیحفظه علی وفاء توبته، ویعصمه من العود إلی ما سلف، ویروض نفسه فی میدان الجهاد والعباد، ویقضی الفوائت


1- أنظر: نهج البلاغة، الشریف الرضی: 549 __  550، فصل نذکر فیه شیئا من غریب کلامه المحتاج إلی التفسیر/ الحکمة رقم417.

ص: 227

من الفرائض، ویرد المظالم، ویعتزل قرناء السوء، ویسهر لیله ویظمأ نهاره، ویتفکر دائماً فی عاقبته، ویستعین بالله سائلاً منه الاستقامة فی سرائه وضرائه، ویثبت عند المحن والبلاء کی لا یسقط عن درجة التوابین، فإن ذلک طهارة من ذنوبه وزیادة فی عمله ورفعة فی درجاته قال الله عزّوجل: ((وَلَیَعْلَمَنَّ(1) اللّهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَلَیَعْلَمَنَّ الْکاذِبِینَ))(2).(3)


1- فی النص القرآنی : " فلیعلمن ".
2- سورة العنکبوت/ 3.
3- مصباح الشریعة، الإمام الصادق علیه السلام: 97 __ 98، الباب الرابع والأربعون فی التوبة. وفیه النص: «التوبة حبل الله و مدد عنایته ولا بد للعبد من مداومة التوبة علی کل حال وکل فرقة من العباد لهم توبة فتوبة الأنبیاء من اضطراب السر وتوبة الأولیاء من تلوین الخطرات وتوبة الأصفیاء من التنفیس وتوبة الخاص من الاشتغال بغیر الله تعالی وتوبة العام من الذنوب ولکل واحد منهم معرفة وعلم فی أصل توبته ومنتهی أمره وذلک یطول شرحه هاهنا فأما توبة العام فأن یغسل باطنه بماء الحسرة والاعتراف بجنایته دائما واعتقاد الندم علی ما مضی والخوف علی ما بقی من عمره ولا یستصغر ذنوبه فیحمله ذلک إلی الکسل ویدیم البکاء والأسف علی ما فاته من طاعة الله ویحبس نفسه عن الشهوات ویستغیث إلی الله تعالی لیحفظه علی وفاء توبته ویعصمه عن العود إلی ما أسلف ویراوض نفسه فی میدان الجهل والعبادة ویقضی عن الفوائت من الفرائض ویرد المظالم ویعتزل قرناء السوء ویسهر لیله ویظمأ نهاره ویتفکر دائما فی عاقبته ویستعین بالله سائلا منه الاستقامة وسراءه وضراءه وثبت عند المحن والبلاء کیلا یسقط عن درجة التوابین فإن فی ذلک طهارة من ذنوبه وزیادة فی علمه ورفعة فی درجاته قال الله تعالی شأنه العزیز ((فَلَیَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَلَیَعْلَمَنَّ الْکاذِبِینَ)) سورة العنکبوت/ 3. وقد أوردنا النص لأهمیته، ولاعتماد المؤلف "قدس سره" علی نسخة مصباح الشریعة، وبسبب وجود اختلافات فی الألفاظ تغیر جوهر المعنی حتی فی ذیل الحدیث عند ذکر الآیة الکریمة، لذا أوردنا النص من المصدر لإتمام الفائدة.

ص: 228

ص: 229

الباب الثانی: الصبر

اشارة

ص: 230

ص: 231

فی الصبر وفیه فصول

الفصل الأول: فی فضله

قال الله تعالی: ((إِنَّما یُوَفَّی الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَیْرِ حِسابٍ))(1) وقال تعالی: ((أُولئِکَ یُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَیْنِ بِما صَبَرُوا))(2) وقال تعالی: ((وَلَنَجْزِیَنَّ الَّذِینَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما کانُوا یَعْمَلُونَ))(3) وقال تعالی: ((وَتَمَّتْ کَلِمَتُ رَبِّکَ الْحُسْنی عَلی بَنِی إِسْرائِیلَ بِما صَبَرُوا))(4) وقال تعالی: ((وَجَعَلْناهُمْ(5) أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمّا صَبَرُوا))(6).


1- سورة الزمر/ 10.
2- سورة القصص/ 54.
3- سورة النحل/ 96.
4- سورة الأعراف/ 137.
5- فی النص القرآنی: "وجعلنا منهم".
6- سورة السجدة/ 24.

ص: 232

وما من طاعة إلا وأجرها بحساب إلا الصبر، ولأجل کون الصوم من الصبر(1) قال تعالی: «الصوم لی وأنا أجزی به»(2).

ووعد الصابرین بأنه معهم فقال: ((وَاصْبِر إِنَّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِینَ))(3).

وعلق النصرة علی الصبر فقال: ((بَلی إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَیَأْتُوکُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا یُمْدِدْکُمْ رَبُّکُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِکَةِ مُسَوِّمِینَ))(4).

وجمع للصابرین أموراً لم یجمعها لغیرهم فقال: ((أُولئِکَ عَلَیْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِکَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ))(5).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: الصبر نصف الإیمان(6).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: من أقل ما أوتیتم الیقین وعزیمة الصبر، ومن أعطی حظه منهما لم یبال ما فاته من قیام اللیل وصیام النهار(7).

وسئل صلی الله علیه وآله وسلم عن الإیمان فقال: الصبر والسماحة(8).


1- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 106، کتاب الصبر والشکر، الشطر الأول فی الصبر.
2- من لا یحضره الفقیه،الشیخ الصدوق:2/75، کتاب الصوم، باب فضل الصیام/ صدر الحدیث 4.
3- سورة الأنفال/ 46. ونصها : ((وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِینَ)).
4- سورة آل عمران/ 125.
5- سورة البقرة/ 157.
6- مسکن الفؤاد، الشهید الثانی: 41، الباب الثانی فی الصبر وما یلحق به. وفیه جمیع الشرح أعلاه من بدایة الباب الثانی مع نصوص الآیات الکریمة.
7- مسکن الفؤاد، الشهید الثانی: 41، الباب الثانی فی الصبر وما یلحق به. مستدرک الوسائل، المحدث النوری: 2/ 425، کتاب الطهارة، أبواب الدفن وما یناسبه، باب 64 استحباب الصبر علی البلاء/ صدر الحدیث 23.
8- شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید: 1/322، باب الخطب والأوامر، الخطبة رقم 23، فصل فی مدح الصبر وانتظار الفرج.

ص: 233

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: الصبر کنز من کنوز الجنة(1).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: أفضل الأعمال ما أکرهت علیه النفوس(2).

وقیل: أوحی الله إلی داود: تخلق بأخلاقی، أنا الصبور(3).

وقال الصادق علیه السلام: إذا دخل المؤمن قبره(4) کانت الصلاة عن یمینه والزکاة عن یساره، والبر مظل علیه(5)، ویتنحی الصبر ناحیة، فإذا دخل علیه الملکان اللذان یلیان مساءلته قال الصبر للصلاة والزکاة والبر: دونکم صاحبکم فإن عجزتم عنه فأنا دونه(6).

وعنه علیه السلام(7): من ابتلی من المؤمنین ببلاء فصبر علیه کان له مثل أجر ألف شهید(8).

وعنه علیه السلام(9) قال: إن الله تعالی أنعم(10) علی قوم فلم یشکروا فصارت علیهم وبالاً، وابتلی قوماً بالمصائب فصبروا فصارت علیهم نعمة(11).


1- مستدرک الوسائل، المحدث النوری: 2/425، کتاب الطهارة، أبواب الدفن وما یناسبه، باب 64 استحباب الصبر علی البلاء.
2- مسکن الفؤاد، الشهید الثانی: 42، الباب الثانی فی الصبر وما یلحق به.
3- أنظر:إرشاد القلوب،الدیلمی:1/127، الحکم والمواعظ، الباب الثامن والثلاثون فی الصبر. 
4- فی الکافی: "فی قبره".
5- فی الکافی: "مطل علیه".
6- الکافی، الکلینی: 2/ 90، کتاب الإیمان والکفر، باب الصبر/ ح 8.
7- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
8- مشکاة الأنوار، الطبرسی: 26، الباب الأول فی الإیمان والإسلام وما یتعلق بهما, الفصل الخامس فی الصبر.
9- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
10- فی مجموعة ورام: "إن الله أنعم".
11- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 2/ 187.

ص: 234

وعنه عن أبیه علیه السلام قال(1): من لا یعد الصبر لنوائب الدهر یعجز(2).

وعن الباقر علیه السلام قال: الجنة محفوفة بالمکاره والصبر. فمن صبر علی المکاره فی الدنیا دخل الجنة، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات، فمن أعطی نفسه لذتها وشهوتها دخل النار(3).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: بنی الإیمان علی أربع دعائم: الیقین، والصبر والجهاد، والعدل(4).

الفصل الثانی: فی حقیقته وأسامیه وأقسامه

إعلم أن القتال قائم بین باعث الدین وباعث الهوی، والحرب بینهما علی ساق، ومحل المعرکة قلب المؤمن، ومدد باعث الدین من الملائکة الناصرین لحزب الله، ومدد باعث الشهوة والهوی من الشیاطین الناصرین لأعداء الله فالصبر عبارة عن ثبات باعث الدین فی مقابلة باعث الشهوة.

ثم إنه ضربان(5): بدنی کتحمل المشاق بالبدن والثبات علیه، وهو إما بالفعل کتعاطی الأعمال الشاقة من العبادات، وإما بالاحتمال کالصبر علی


1- فی الکافی: حمید بن زیاد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن بعض أصحابه، عن أبان، عن عبدالرحمن بن سیابة، عن أبی النعمان، عن أبی عبدالله أو أبی جعفر علیهما السلام، قال: ... الحدیث.
2- الکافی، الکلینی: 2/ 93، کتاب الإیمان والکفر، باب الصبر/ ح24.
3- الکافی، الکلینی: 2/ 89، کتاب الإیمان والکفر، باب الصبر/ ح7.
4- بحار الأنوار، ألمجلسی: 79/ 137، کتاب الطهارة، الجنائز ومقدماتها ولواحقها، باب 18 فضل التعزی والصبر عند المصائب والمکاره.
5- الضرب: النحو والصنف، یقال: هذا ضرب ذاک، و ضریب ذاک، أی: مثله. کتاب العین، الفراهیدی: 7/ 31، مادة "ضرب".

ص: 235

الضرب الشدید والمرض العظیم والجراحات الهائلة، ونفسی وهو الصبر عن مشتهیات الطبع ومقتضیات الهوی، وهو إن کان عن شهوة البطن والفرج سمی عفة، وإن کان علی احتمال مکروه فإن کان فی مصیبة اقتصر علی اسم الصبر.

وضده حال یسمی الجزع(1) والهلع(2)، وهو إطلاق داعی الهوی لیسترسل فی رفع الصوت وضرب الخدود وشق(3) الجیوب(4) وغیرها.

وإن کان فی احتمال الغنی سمی ضبط النفس،ویضاده حالة تسمی البطر(5).

وإن کان فی الحرب سمی شجاعة، ویضاده الجبن.

وإن کان فی کظم الغیظ والغضب سمی حلماً،ویضاده التذمر(6) والغضب.

وإن کان فی نائبة من نوائب الزمان مضجرة(7) سمی سعة الصدر، ویضاده الضجر والتبرم وضیق الصدر.


1- الجزع بالتحریک: نقیض الصبر. الصحاح، الجوهری: 3/ 1196، مادة "جزع".
2- الهلاع: الجزع وأهلعنی: أجزعنی. کتاب العین، الفراهیدی: 1/ 107، مادة "هلع".
3- الشق: الفصل فی الشیء. لسان العرب، ابن منظور: 10/ 183، مادة "شقق".
4- الجیب: جیب القمیص والدرع، والجمع جیوب. لسان العرب، ابن منظور: 1/ 288، مادة "جیب".
5- البطر: قیل: التبختر، وقیل: قلة احتمال النعمة، وقیل: البطر الطغیان فی النعمة. لسان العرب، ابن منظور: 4/ 68، مادة "بطر".
6- تذمر إذا تغضب،یقال:سمعت له تذمر،أی:تغضبا،وظل فلان یتذمر علیه، إذا تنکر علیه وأوعده. تاج العروس، الزبیدی: 3/229.
7- الضجر: القلق من الغم، وتضجر: تبرم. لسان العرب، ابن منظور: 4/ 481، مادة "ضجر".

ص: 236

وإن کان فی إخفاء کلام سمی کتماناً وصاحبه کتوماً، وضده الإذاعة.

وإن کان فی فضول العیش سمی زهداً، ویضاده الحرص.

وإن کان صبراً علی قدر یسیر من الحظوظ سمی قناعة، ویضاده الشره.

فالصبر جامع لأکثر أخلاق الإیمان، وهو الرئیس الأعظم والإمام الأقوم فلذلک لما سئل صلی الله علیه وآله وسلم عن الإیمان(1) قال: الصبر(2).

ثم إن العبد لا یستغنی عن الصبر فی جمیع الأحوال، لأن ما یلقاه العبد فی الدنیا إما یوافق هواه وإما یکرهه، وحاله غیر خارج عن هذین القسمین، وهو محتاج إلی الصبر فی کل منهما:

أما النوع الأول: کالصحة والسلامة والمال والجاه وکثرة العشیرة واتساع الأسباب وکثرة الأتباع والأنصار وجمیع ملاذ الدنیا، فما أحوج العبد إلی الصبر فی هذه الأمور، لأنه إن لم یضبط نفسه عن الاسترسال والرکون إلیها والانهماک فی ملاذها المباحة أخرجه ذلک إلی البطر والطغیان، فإن ((الإِْنْسانَ لَیَطْغی (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنی))(3)، ولذا قال بعض العارفین: «البلاء یصبر علیه المؤمن، والعوافی لا یصبر علیها إلا صدیق»(4) لأنه مقرون بالقدرة، ومن العصمة أن لا تقدر.


1- فی المستدرک: "ما الإیمان".
2- مستدرک الوسائل، المحدث النوری: 2/425، کتاب الطهارة، أبواب الدفن وما یناسبه، باب 64 استحباب الصبر علی البلاء.
3- سورة العلق/ 6 __ 7.
4- إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 60، کتاب الصبر والشکر، بیان مضان الحاجة إلی الصبر وأن العبد لا یستغنی عنه فی حال من الأحوال.

ص: 237

ولذا حذر الله تعالی عباده عن فتنة المال والزوج والولد، فقال: ((یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُلْهِکُمْ أَمْوالُکُمْ وَلا أَوْلادُکُمْ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ))(1) وقال: ((إِنَّ مِنْ أَزْواجِکُمْ وَأَوْلادِکُمْ عَدُوًّ لَکُمْ))(2) وقال: (( أَنَّما أَمْوالُکُمْ وَأَوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ))(3).

وأما النوع الثانی: وهو ما لا یوافق الهوی __ فهو إما الذی یرتبط باختیار العبد کالطاعات والمعاصی أو لا یرتبط باختیاره کالمصائب والنوائب، أو لا یرتبط أوله باختیاره ولکن له اختیار فی إزالته کالتشفی من المؤذی والانتقام منه.

والقسم الأول: هو سائر أفعاله التی توصف کونها طاعة أو معصیة، أما الطاعة فالعبد یحتاج إلی الصبر علیها، لأن النفس بطبعها تنفر عن العبودیة وتشتهی الربوبیة.

ثم من الطاعات ما یکره بسبب الکسل کالصلاة، ومنها ما یکره بسبب البخل کالزکاة، ومنها ما یکره بسببهما معاً کالحج والجهاد، فالصبر علی الطاعة صبر علی الشدائد، ویحتاج فیه إلی ثلاثة أحوال:

الأولی: قبل الطاعة، وذلک فی تصحیح النیة والإخلاص، والصبر عن شوائب الریاء ومکائد النفس، وهو شدید ولذا قال صلی الله علیه وآله وسلم: إنما الأعمال بالنیات(4). وقال تعالی: ((وَما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ))(5) وقال تعالی: ((إِلاَّ الَّذِینَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ))(6).


1- سورة المنافقین/ 9.
2- سورة التغابن/14. ونصها:((یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِکُمْ وَأَوْلادِکُمْ عَدُوًّ لَکُمْ)).
3- سورة الأنفال/ 28.
4- تقریب المعارف، أبو الصلاح: 128، القسم الأول من تقریب المعارف فی الکلام.
5- سورة البینة/ 5.
6- سورة هود/ 11.

ص: 238

الثانیة: الصبر حالة العمل کی لا یغفل عن الله فی أثناء عمله، ویلازم الصبر عن دواعی الفتور إلی الفراغ، وهو أیضاً شدید.

الثالثة: الصبر بعد الفراغ من العمل عن إفشائه للسمعة والریاء، والصبر عن النظر إلیه بعین العجب وعن جمیع المبطلات، قال تعالی: ((وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَکُمْ))(1) وقال: ((وَ(2)لا تُبْطِلُواْ صَدَقاتِکُم بِالْمَنِّ وَالأذی))(3).

والضرب الثانی المعاصی، وما أحوج العبد إلی الصبر عنها، وأشدها المعاصی المألوفة بالعادة، سیما إذا سهل فعله کالغیبة والکذب والریاء والثناء لأن العادة طبیعة ثابتة فإذا انضافت إلی الشهوة تظاهر جندان من جنود الشیطان علی جند الله.

والقسم الثانی: ما لا یرتبط هجومه باختیاره وله اختیار فی دفعه، کما لو أوذی بقول أو فعل أو جنی علیه فی نفسه أو ماله فالصبر علی ذلک بترک المکافأة، ولذا قال تعالی: ((وَلَتَصْبِرَنَّ عَلی ما آذَیْتُمُونا))(4) وقال تعالی: ((وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَکَّلْ عَلی اللَّهِ))(5) وقال تعالی: ((فَاصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِیلاً))(6) وقال تعالی: ((وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِینَ أُوتُواْ الْکِتابَ مِن قَبْلِکُمْ وَمِنَ الَّذِینَ أَشْرَکُواْ أَذًی کَثِیرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذلِکَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ))(7). وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: صل من قطعک وأعط من حرمک وأعف عمن ظلمک(8).


1- سورة محمد/ 33.
2- لیس فی النص القرآنی "الواو".
3- سورة البقرة/ 264.
4- سورة إبراهیم/ 12. ونصها: ((وَلَنَصْبِرَنَّ عَلی ما آذَیْتُمُونا)).
5- سورة الأحزاب/ 48.
6- سورة المزمل/ 10. ونصها: ((وَاصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِیلاً)).
7- سورة آل عمران/ 186.
8- أنظر:کنز الفوائد، الکراجکی:2/31،فصل من عیون الحکم والنکت من جواهر الکلام.

ص: 239

القسم الثالث: ما لا یدخل تحت الاختیار أوله وآخره، کالمصائب مثل موت الأعزة وهلاک الأموال وزوال الصحة بالمرض وسائر أنواع البلاء، وهذا صبر مستنده الیقین، قال صلی الله علیه وآله وسلم: أسألک من الیقین ما یهون(1) به علیّ مصائب الدنیا(2). وقال صلی الله علیه وآله وسلم: قال الله تعالی(3): «إذا وجهت علی عبد(4) من عبیدی مصیبة فی بدنه أو ماله أو ولده ثم استقبل ذلک بصبر جمیل استحییت منه یوم القیامة أن أنصب له میزاناً أو أنشر له دیواناً»(5).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: انتظار الفرج بالصبر عبادة(6).

وقال علیه السلام(7): ما من عبد مؤمن أصیب بمصیبة فقال کما أمره الله تعالی «إنا لله وإنا إلیه راجعون اللهم أجرنی فی مصیبتی وأعقبنی خیراً منها» إلا فعل الله ذلک(8).(9)


1- فی المحجة: "ما تهون".
2- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 126، کتاب الصبر والشکر، بیان مظان الحاجة إلی الصبر.
3- فی الدعوات: "یقول الله عزّوجل".
4- فی الدعوات: "إذا وجهت إلی عبد".
5- الدعوات، الراوندی: 172، الباب الثالث فی ذکر المرض ومنافعه العاجلة والآجلة وما یجری مجراها، فصل فی صلاة المریض وصلاحه وأدبه ودعائه عند المرض/ ح35.
6- الدعوات، الراوندی: 41، الباب الأول، الفصل الثانی فی کیفیة الدعاء وآدابه وأوقات استجاباته/ ح77.
7- أی: "النبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم".
8- فی المحجة: "ذلک به".
9- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 126، کتاب الصبر والشکر، بیان مظان الحاجة إلی الصبر، القسم الثالث.

ص: 240

وفی الکافی عن علی علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: الصبر ثلاثة: صبر عند المصیبة، وصبر علی الطاعة، وصبر عن المعصیة، فمن صبر علی المصیبة حتی یردها بحسن عزائها کتب الله له ثلاثمائة درجة ما بین الدرجة إلی الدرجة کما بین السماء والأرض، ومن صبر علی الطاعة کتب الله له ستمائة درجه ما بین الدرجة إلی الدرجة کما بین تخوم الأرض إلی العرش، ومن صبر علی المعصیة کتب الله له تسعمائة درجة ما بین الدرجة إلی الدرجة کما بین تخوم الأرض إلی منتهی العرش(1).

وقال الباقر علیه السلام: الصبر صبران: صبر علی البلاء حسن جمیل، و(2) أفضل الصبرین الورع عن محارم الله(3).

واعلم أن الإنسان إنما یخرج من مقام الصابرین بالجزع وشق الجیوب وضرب الخدود والمبالغة فی الشکوی، وهذه الأمور داخلة تحت الاختیار، فینبغی أن یجتنب جمیعها ویظهر الرضا بالقضاء، لا أنه لا یکره المصیبة فی نفسه لأن ذلک غیر مختار فلا یخرجه ذلک عن حد الصابرین ولا توجع القلب وفیضان العین، ولذلک لما مات إبراهیم ولد النبی صلی الله علیه وآله وسلم فاضت عیناه، فقیل له: أما نهیتنا عن هذا؟ قال: إن هذا رحمة وإنما یرحم الله من عباده الرحماء(4) وقال صلی الله علیه وآله وسلم: تدمع العین ویحزن القلب ولا نقول ما یسخط الرب(5).


1- الکافی، الکلینی: 2/ 91، کتاب الإیمان والکفر، باب الصبر/ ح15.
2- لیس فی مجموعة ورام: حرف "الواو".
3- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 16.
4- أنظر: مسکن الفؤاد، الشهید الثانی: 105 __ 106، الباب الرابع فی البکاء.
5- أنظر: تحف العقول، الحرانی: 37، ما روی عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم، وروی عنه صلی الله علیه وآله وسلم فی قصار هذه المعانی.

ص: 241

بل ذلک أیضاً لا یخرج عن مقام الرضا، فإن المقدم علی الفصد(1) والحجامة راض به وهو متألم بسببه لا محالة. نعم من کمال الصبر کتمان المرض والفقر وسائر المصائب(2)، فعن الباقر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: قال الله تعالی: «من مرض فلم یشک إلی عواد أبدلته لحماً خیراً من لحمه ودماً خیراً من دمه، فإن عافیته عافیته ولا ذنب له، وإن قبضته قبضته إلی رحمتی»(3). وفُسّر التبدیل بأن یبدله لحماً ودماً وبشرة لم یذنب فیها، وفسرت الشکایة بأن یقول: ابتلیت بما لم یبتل به أحد وأصابنی ما لم یصب أحداً وقال علیه السلام(4): ولیس الشکوی أن یقول: سهرت البارحة وحممت الیوم ونحو هذا(5).

وسئل الباقر علیه السلام عن الصبر الجمیل فقال: ذاک صبر لیس فیه شکوی، وأما الشکایة إلی الله تعالی فلا بأس بها کما قال یعقوب: ((إِنَّما أَشْکُو بَثِّی وَحُزْنِی إِلَی اللّهِ))(6).(7)


1- الفصد قطع العروق. وافتصد فلان: قطع عرقه ففصد. کتاب العین، الفراهیدی: 7/ 102، مادة "فصد".
2- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 142 _ 148، المقالة الرابعة فی مکارم الأخلاق وتحصیلها، الباب الأول فی فضیلة الصبر. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 54 __ 66، کتاب الصبر والشکر.
3- أنظر: الکافی، الکلینی: 3/ 115،کتاب الجنائز، باب آخر منه/ ح1.
4- الإمام الصادق علیه السلام.
5- مشکاة الأنوار،الطبرسی:279، الباب السابع فی ذکر المصائب والشدائد والبلایا وما وعد الله من الثواب وذکر الموت،الفصل الأول فیما جاء فی الصبر علی المصائب/ذیل الحدیث.
6- سورة یوسف/ 86.
7- أنظر: التمحیص، الإسکافی: 63، باب 8 مدح الصبر وترک الشکوی والیقین والرضا بالبلوی/ ح22.

ص: 242

الفصل الثالث: فی دواء الصبر وعلاجه

إعلم أن «الذی أنزل الداء أنزل الدواء»(1) ووعد الشفاء، فالصبر وإن کان شاقاً ولکن یمکن تحصیله بمعجون العلم والعمل، بتقویة باعث الدین، وتضعیف باعث الهوی بالمجاهدة والریاضة وذکر قلة قدر الشدة ودقتها، وإضرار الجزع وقبحه، وأن یکثر فکره فی ما ورد فی فضل الصبر وحسن عواقبه فی الدنیا والآخرة(2) وأن یعلم أن ثواب الصبر علی المصیبة أکثر مما فات(3)، وأنه بسبب ذلک مغبوط بالمصیبة، إذ فاته ما لا یبقی معه إلا مدة الحیاة الدنیا وحصل له ما یبقی بعد موته أبد الدهر.

ومن أسلم خسیساً(4) فی نفیس(5) فلا ینبغی أن یحزن لفوات الخیس(6) فی


1- الدعوات، الراوندی: 180 __ 181، فصل فی التداوی بتربة مولانا وسیدنا أبی عبد الله الحسینعلیه السلام/ ح1.
2- نذکر ههنا بعض المصادر التی وضعت للصبر أبوابا، منها: الکافی، الکلینی: 2/ 87، کتاب الإیمان والکفر، باب الصبر. وسائل الشیعة، الحر العاملی: 3/ 255، باب 76 استحباب الصبر. ارشاد القلوب، الدیلمی: 1/ 126، الباب الثامن والثلاثون فی الصبر.
3- أنظر: غرر الحکم ودرر الکلم، الآمدی: 282، الباب الثانی النفس وما حولها، الفصل السابع فی الصبر والحلم والاستقامة، الصبر علی البلیة.
4- الخسیس: الدنیء. وخس الشیء یخس ویخس خسة و خساسة، فهو خسیس: رذل. لسان العرب، ابن منظور: 6/ 64، مادة "خسس".
5- النفیس والمنفس المال له قدر وخطر، ثم عم فقال: کل شیء له خطر وقدر فهو نفیس ومنفس. لسان العرب، ابن منظور: 6/ 238، مادة "نفس".
6- الإنسان یخیس فی المخیس حتی یبلغ منه شدة الغم والأذی ویذل ویهان. کتاب العین، الفراهیدی: 4/288، مادة "خیس".

ص: 243

الحال، وأن یعوّد هذا الباعث مصارعة باعث الهوی تدریجاً حتی یدرک لذة الظفر بها فیستجرئ علیها ویقوی منته فی مصارعتها، فإن الاعتیاد والممارسة للأعمال الشاقة تؤکد القوی التی تصدر منها تلک الأعمال، ومن عود نفسه مخالفة الهوی غلبها مهما أراد.

ثم إن کان ذلک بتعب قوی فتصبّر وإن کان بیسیر فصبر، وإن کان بجهد ففرض وإن کان بتلذذ فشکر، وهو بالغیبة عن حظوظ النفس والشهود مع الله تعالی وعدم التمیز بین الألم واللذة(1).


1- أنظر: جامع السعادات، النراقی: 3/ 299 __ 300، فصل طریق تحصیل الصبر. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 66 __ 70، کتاب الصبر والشکر، بیان دواء الصبر وما یستعان به علیه.

ص: 244

ص: 245

الباب الثالث: الرضا بالقضاء

ص: 246

ص: 247

فی الرضا بالقضاء

وهو ترک الاعتراض والسخط، قال الله تعالی: ((رَضِیَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ))(1).

وقال الصادق علیه السلام: رأس طاعة الله الصبر، والرضا فی ما أحب العبد أو کره، ولا یرضی عبد عن الله فی ما أحب أو کره إلاّ کان خیراً له فی ما أحب أو کره(2).

وقال علیه السلام(3): إن أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله(4).

وقال الکاظم علیه السلام: ینبغی لمن عقل عن الله أن لا یستبطئه فی رزقه ولا یتهمه فی قضائه(5).


1- سورة المائدة/ 119.
2- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 60، کتاب الإیمان والکفر، باب الرضا بالقضاء/ ح1.
3- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
4- مشکاة الأنوار، الطبرسی: 33، الباب الأول فی الإیمان والإسلام وما یتعلق به، الفصل السابع فی الرضا.
5- تحف العقول، الحرانی: 408، وروی عن الإمام الکاظم الأمین أبی إبراهیم ویکنی أبا الحسن موسی بن جعفر علیه السلام فی طوال هذه المعانی، وروی عنه علیه السلام فی قصار هذه المعانی.

ص: 248

وقال الصادق علیه السلام: قال الله عزّوجل: عبدی المؤمن لا أصرفه فی شیء إلا جعلت له خیراً(1)، فلیرض بقضائی ولیصبر علی بلائی ولیشکر نعمائی أکتبه یا محمد من الصدیقین عندی(2).

وقال علیه السلام(3): إن فی ما أوحی الله عزّوجل إلی موسی بن عمران: ما خلقت خلقاً أحب إلی من عبدی المؤمن، وإنی إنما أبتلیه لما هو خیر له، وأزوی عنه لما هو خیر له، وأعافیه لما هو خیر له، وأنا أعلم بما یصلح علیه عبدی فلیصبر علی بلائی ولیشکر نعمائی ولیرض بقضائی أکتبه فی الصدیقین عندی إذا عمل برضای وأطاع أمری(4).

وقال علیه السلام(5): عجبت للمرء المسلم لا یقضی الله عزّوجل له قضاء إلا کان خیراً له، وإن قرض(6) بالمقاریض(7) کان خیراً له، وإن ملک مشارق الأرض ومغاربها کان خیراً له(8).


1- فی الکافی: "جعلته خیرا له".
2- الکافی، الکلینی: 2/ 61، کتاب الإیمان والکفر، باب الرضا والقضاء/ ح6.
3- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
4- أنظر: مسکن الفؤاد، الشهید الثانی: 88، الباب الثالث فی الرضا.
5- الإمام الصادق علیه السلام.
6- القرض: القطع. قرضه یقرضه، بالکسر، قرضا وقرضه: قطعه. لسان العرب، ابن منظور: 7 / 216، مادة "قرض".
7- المقراض واحد المقاریض التی یقرض بها. مجمع البحرین، الطریحی: 3/ 488، مادة "قرض". المقراض: هو ما قصصت به. تاج العروس، الزبیدی: 4/ 422.
8- الکافی، الکلینی: 2/ 62، کتاب الإیمان والکفر، باب الرضا بالقضاء/ ح8.

ص: 249

وقال الباقر علیه السلام: أحق خلق الله أن یسلم لما قضی الله عزّوجل، من عرف الله عزّوجل ومن رضی بالقضاء أتی علیه القضاء وعظم الله أجره، ومن سخط القضاء مضی علیه القضاء فأحبط(1) الله أجره(2).

وقال السجاد علیه السلام: الزهد عشرة أجزاء، أعلی درجة الزهد أدنی درجة الورع، وأعلی درجة الورع أدنی درجة الیقین، وأعلی درجة الیقین أدنی درجة الرضا.(3)

وعن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أنه سأل طائفة من أصحابه فقال: ما أنتم؟ فقالوا: مؤمنون. فقال: ما علامة إیمانکم؟ فقالوا: نصبر عند البلاء ونشکر عند الرخاء ونرضی بمواقع القضاء. فقال صلی الله علیه وآله وسلم: مؤمنون ورب الکعبة(4). وفی روایة: حکماء علماء کادوا من فقههم أن یکونوا أنبیاء(5).

وههنا کلام، وهو أنه کیف یتصور الرضا بأنواع البلاء والابتلاء وما یخالف الهوی والطبع، وإنما یتصور الصبر فی هذه الأمور دون الرضا؟

فاعلم أن الرضا فرح الحب، فإذا حصلت المحبة حصل الرضا، ولذلک مرتبتان علیا وسفلی:

أما العلیا: فهو أن یبطل الإحساس بالألم حتی یجری علیه المؤلم ولا یحس وتصیبه الجراحة ولا یدرک ألمها، وشاهده فی عالم الأجسام الرجل المحارب، فإنه فی حال غضبه أو خوفه قد تصیبه جراحات عظیمة ولا یحس بها ولا بألمها، فإذا


1- فی مجموعة ورام: "وأحبط".
2- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 2/ 185.
3- مسکن الفؤاد، الشهید الثانی: 86، الباب الثالث فی الرضا.
4- أنظر: مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 229 __ 230، بیان الحب لله ولرسوله.
5- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 230، بیان الحب لله ولرسوله. السیرة النبویة، ابن کثیر: 4/ 181، وفد کندة.

ص: 250

رأی الدم استدل به علی الجراحة، وکذلک الذی یعدو فی شغل أو حاجة قد تصیبه شوکة فی قدمه ولا یحس بالألم لاشتغال قلبه، وإذا اشتغل القلب صار مستغرقاً بأمر من الأمور لم یدرک ما عداه، وکذا العاشق  والمحب إذا أصابه ألم __ سیما من المحبوب __ لا یدرکه لاستیلاء الحب علیه.

وأما المرتبة السفلی: فهو أن یحس به ویدرک ألمه ولکن یکون راضیاً به بل راغباً فیه مریداً له بعقله وإن کان کارهاً له بطبعه نظراً إلی ثوابه الذی أعد له. ونظیره فی عالم الأجسام الذی یلتمس من الفصاد الفصد(1) ومن الحجام الحجامة ومن الطبیب الدواء المر. فإنه یدرک ألمه إلا أنه راض به راغب فیه متقلد فیه المنة لما یعلم من العاقبة.

وقد حکی أن امرأة عثرت فانقطع ظفرها وسال الدم فضحکت، فقیل لها: أما تألمت؟ فقالت: لذة الأجر أنستنی الألم(2).

ویروی أن أهل مصر کانوا إذا جاعوا نظروا الی وجه یوسف علیه السلام فیشغلهم جماله عن الإحساس بألم الجوع(3).

وفی القرآن ما هو أبلغ من ذلک، وهو قطع النسوة أیدیهن ولم یحسن بذلک لما نظرن إلی جماله علیه السلام(4).


1- الفصد بالفتح فالسکون: قطع العرق، یقال فصد فصدا من باب ضرب، والاسم الفصاد. مجمع البحرین، الطریحی: 3/404، مادة "فصد".
2- أنظر: إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 303، کتاب المحبة والشوق والأنس والرضا، بیان حقیقة الرضا وتصوره.
3- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 8/ 92، کتاب المحبة والشوق والرضا والأنس، بیان حقیقة الرضا وتصوره فیما یخالف الهوی.
4- إشارة إلی قوله تعالی: ((فَلَمّا رَأَیْنَهُ أَکْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَیْدِیَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاّ مَلَکٌ کَرِیمٌ)) سورة یوسف/31.

ص: 251

واعلم أن الدعاء غیر مناقض للرضا، لأنه عبادة تعبدنا الله بها وجعل من لم یدعه مستکبراً علیه مستحقاً للعذاب، فقال تعالی: ((ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِی سَیَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِینَ))(1).

وکذا تعبدنا الله بإنکار المعاصی وکراهتها، فروی أن من شهد منکراً ورضی به فکأنه قد فعله(2). وفی آخر: لو أن عبداً قتل بالمشرق ورضی بقتله آخر بالمغرب کان شریکه فی قتله(3).

واعلم أن فائدة الرضا فی الحال فراغ القلب للعبادة والراحة من الهموم وفی المال رضوان الله والنجاة من غضبه، فقد قال سبحانه: من لم یرض بقضائی ولم یصبر علی بلائی فلیطلب رباً سوائی(4).

والطریق إلی تحصیله أن یعلم أن ما قضی الله سبحانه له فهو الأصلح بحاله وإن لم یبلغ علمه بسره وحکمته، ولا مدخل للهم فیه ولا یتبدل القضاء به، فإن ما قدر لا محالة یکون وما لم یقدر لا یکون، وما أحسن ما قیل(5):

م_____ا لا ی__ک_____ون ف__لا ی__ک__ون ب__ح__یل___ة

أب_داً وم__ا ه___و ک___ائ___ن س____ی____ک____ون(6)


1- سورة غافر/ 60.
2- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 8/ 95، کتاب المحبة والشوق والرضا، بیان أن الدعاء غیر مناقض للرضا ولا یخرج صاحبه عن مقام الرضا.
3- أنظر: روضة الواعظین، الفتال النیسابوری:2/ 461،مجلس فی ذکر قتل النفس والزنی.
4- أنظر: کنز الفوائد، الکراجکی: 1/ 360، فصل من القول فی القضاء والقدر.
5- القائل: الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام.
6- دیوان الإمام علی علیه السلام، الإمام علی علیه السلام: 451.

ص: 252

وحسرة الماضی وتدبیر الآتی یذهبان ببرکة الوقت بلا فائدة وتبقی تبعة السخط علیه، بل ینبغی أن یدهشه الحب عن الإحساس بالألم کالعاشق والحریص، وأن یهون علیه العلم بجزیل الثواب وعظیم الأجر کالمریض والتاجر المتحملین شدة الحجامة والسفر، فیفوض أمره إلی الله ((إِنَّ اللّهَ بَصِیرٌ بِالْعِبادِ))(1).(2)


1- سورة غافر/ 44.
2- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 150 __ 153، الباب الثانی فی الرضا وطریق تحصیله. جامع السعادات، النراقی: 3/ 208 __ 214. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 302 __ 308، کتاب المحبة والشوق والأنس والرضا، بیان حقیقة الرضا وتصوره فیما یخالف الهوی.

ص: 253

الباب الرابع: الشکر

اشارة

ص: 254

ص: 255

فی الشکر والکلام فیه فی فصول

الفصل الأول: فی فضله

إعلم أن الله تعالی قرن الشکر مع الذکر(1) فی قوله: ((وَلَذِکْرُ اللّهِ أَکْبَرُ))(2) فقال: ((اذْکُرُونِی أَذْکُرْکُمْ وَاشْکُرُواْ لِی وَلا تَکْفُرُونِ))(3) وقال تعالی: ((ما یَفْعَلُ اللّهُ بِعَذابِکُمْ إِن شَکَرْتُمْ وَآمَنتُمْ))(4) وقال تعالی: ((وَسَنَجْزِی الشّاکِرِینَ))(5) وقال تعالی: ((لَئِن شَکَرْتُمْ لأَزِیدَنَّکُمْ وَلَئِن کَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِی لَشَدِیدٌ))(6)، وقال تعالی: ((وَقَلِیلٌ مِنْ عِبادِیَ الشَّکُورُ))(7).


1- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 141، کتاب الصبر والشکر، بیان فضیلة الشکر.
2- سورة العنکبوت/ 45.
3- سورة البقرة/ 152. ونصها: ((فَاذْکُرُونِی أَذْکُرْکُمْ وَاشْکُرُوا لِی وَلا تَکْفُرُونِ)).
4- سورة النساء/ 147.
5- سورة آل عمران/ 145.
6- سورة إبراهیم/ 7.
7- سورة سبأ/ 13.

ص: 256

وفی الکافی عن الصادق علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: الطاعم الشاکر له من الأجر کأجر الصائم المحتسب والمعافی الشاکر له من الأجر کأجر المحروم القانع(1).

وعنه علیه السلام(2) قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: ما فتح الله علی عبد باب شکر فخزن عنه باب الزیادة(3).

وعنه علیه السلام(4) قال: من أعطی الشکر أعطی الزیادة، قال الله تعالی(5): ((لَئِن شَکَرْتُمْ لأَزِیدَنَّکُمْ))(6).(7)

وعنه علیه السلام(8) قال: ما أنعم الله علی عبد بنعمة(9) فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهراً بلسانه فتم کلامه حتی یؤمر له بالمزید(10).

وعن الباقر علیه السلام قال: کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عند عائشة لیلتها فقالت: یا رسول الله لم تتعب نفسک وقد غفر الله لک ما تقدم من ذنبک وما تأخر؟(11) فقال: یا عائشة ألا أکون عبداً شکوراً. قال: وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقوم علی أصابع


1- الکافی، الکلینی: 2/ 94، کتاب الإیمان والکفر، باب الشکر/ ح1.
2- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
3- وسائل الشیعة، الحر العاملی: 16/ 311، کتاب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، أبواب فعل المعروف، باب 8 تحریم کفر المعروف من الله کان أو من الناس/ ح5.
4- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
5- فی الکافی: "یقول الله عزّوجل".
6- سورة إبراهیم/ 7.
7- الکافی، الکلینی: 2/ 95، کتاب الإیمان والکفر، باب الشکر/ ح8.
8- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
9- فی المحجة: "من نعمة".
10- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 144، کتاب الصبر والشکر، بیان فضیلة الشکر.
11- إشارة الی قوله تعذالی فی سورة الفتح / الآیة 2: ((لِیَغْفِرَ لَکَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِکَ وَما تَأَخَّرَ...الآیة)).

ص: 257

رجلیه(1)، فأنزل الله سبحانه(2): ((طه (1) ما أَنزَلْنا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لِتَشْقی))(3).(4)

وعن الصادق علیه السلام قال مکتوب فی التوراة: أشکر من أنعم علیک وأنعم علی من شکرک، فإنه لا زوال للنعماء إذا شکرت ولا بقاء لها إذا کفرت، الشکر زیادة فی النعم وأمان من الغیر(5).

وسئل علیه السلام(6) عن قوله تعالی: ((وَأَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّکَ فَحَدِّثْ))(7)؟ قال: الذی أنعم الله علیک بما فضلک وأعطاک وأحسن علیک. ثم قال: فحدث بدینه وما أعطاه الله وما أنعم به علیه(8).

وقال علیه السلام(9): ثلاث لا یضر معهن شیء: الدعاء عند الکرب، والاستغفار عند الذنب، والشکر عند النعمة(10).

وقال علیه السلام(11): شکر النعمة اجتناب المحارم، وتمام الشکر قول الرجل ((الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ)) (12).(13)


1- فی الکافی: "علی أطراف أصابع رجلیه".
2- فی الکافی: "سبحانه وتعالی".
3- سورة طه/ 1 __ 2.
4- الکافی، الکلینی: 2/ 95، کتاب الإیمان والکفر، باب الشکر/ ح6.
5- الکافی، الکلینی: 2/ 94، کتاب الإیمان والکفر، باب الشکر/ ح3.
6- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
7- سورة الضحی/ 11.
8- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 94، کتاب الإیمان والکفر، باب الشکر/ ح5.
9- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
10- الکافی، الکلینی: 2/ 95، کتاب الإیمان والکفر، باب الشکر/ ح7.
11- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
12- سورة الفاتحة/ 2.
13- الکافی، الکلینی: 2/ 95، کتاب الإیمان والکفر، باب الشکر/ ح10.

ص: 258

وقال علیه السلام(1): شکر کل نعمة وإن عظمت أن یحمد(2) الله عزّوجل(3).

وقال علیه السلام(4): ما أنعم الله علی عبد بنعمة صغرت أو کبرت فقال: ((الْحَمْدُ للّهِ))(5) إلاّ أدی شکرها(6).

وقال علیه السلام(7): إن الرجل منکم لیشرب الشربة من الماء فیوجب الله بها الجنة، ثم قال علیه السلام: إنه لیأخذ الإناء فیضعه علی فیه فیسمی، ثم یشرب فینحیه وهو یشتهیه فیحمد الله، ثم یعود فیشرب ثم ینحیه فیحمد الله، فیوجب الله عزّوجل بها له الجنة(8).

وقال الکاظم علیه السلام: من حمد الله علی نعمة(9) فقد شکره، وکان الحمد أفضل من تلک النعمة(10).

وعن عمر بن یزید(11) قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام:إنی سألت الله عزّوجل أن


1- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
2- فی الخصال: "أن تحمد".
3- الخصال، الشیخ الصدوق: 1/ 21، باب الواحد، شکر کل نعمة خصلة/ ح73.
4- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
5- سورة الفاتحة/ 2.
6- الکافی، الکلینی: 2/ 96، کتاب الإیمان والکفر، باب الشکر/ ح14.
7- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
8- أنظر: جامع الأخبار، الشعیری: 127، الفصل الخامس والثمانون فی الشکر.
9- فی الکافی: "علی النعمة".
10- الکافی، الکلینی: 2/ 96، کتاب الإیمان والکفر، باب الشکر/ ح13.
11- الظاهر من کلام الکشی والطوسی عنه، وکلام النجاشی عن ابنه، أنه عمر بن یزید بیاع السابری: وهو مولی ثقیف، ثقة له کتاب. رجال الکشی، الکشی: 331، ما روی فی عمر بن یزید بیاع السابری مولی ثقیف/ الرقم 605. رجال النجاشی، النجاشی: 364، محمد بن عمر بن یزید بیاع السابری/ الرقم 981. رجال الطوسی،الطوسی:339، باب العین،عمر بن یزید بیاع السابری/ الرقم7.

ص: 259

یرزقنی مالاً فرزقنی، وإنی سألت الله أن یرزقنی ولداً فرزقنی، وسألته أن یرزقنی داراً فرزقنی، وقد خفت أن یکون ذلک استدراجاً. فقال: أما والله مع الحمد فلا.(1)

وعنه علیه السلام(2) أنه خرج من المسجد وقد ضاعت دابته، فقال: لئن ردها الله علی لأشکرن الله حق شکره، فما لبث أن أوتی بها فقال: الحمد لله. فقیل له: جعلت فداک ألیس قلت لأشکرن الله حق شکره؟ فقال علیه السلام: ألم تسمعنی قلت ((الْحَمْدُ للّهِ))(3).(4)

وعنه علیه السلام(5) قال: کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا ورد علیه أمر یسره قال:«الحمد لله علی هذه النعمة»، وإذا ورد علیه أمر یغتم به قال: «الحمد لله علی کل حال».(6)

وعنه علیه السلام(7) قال: تقول ثلاث مرات إذا نظرت إلی المبتلی من غیر أن تسمعه «الحمد لله الذی عافانی بما ابتلاک به ولو شاء لفعل»(8) من قال(9) ذلک لم یصبه ذلک البلاء أبداً(10).


1- الکافی، الکلینی: 2/ 97، کتاب الإیمان والکفر، باب الشکر/ ح17.
2- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
3- سورة الفاتحة/ 2.
4- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 97، کتاب الإیمان والکفر، باب الشکر/ ح18.
5- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
6- الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 155، الباب الثانی فی الرضا وطریق تحصیله،الفصل الثالث فی الشکر وطریق تحصیله.
7- الإمام الباقر علیه السلام.
8- فی الکافی: "ولو شاء فعل".
9- فی الکافی: «قال: من قال».
10- الکافی، الکلینی: 2/ 97، کتاب الإیمان والکفر، باب الشکر/ ح20.

ص: 260

الفصل الثانی: فی حده وحقیقته

إعلم أن الشکر من أفضل الأعمال، وهو ینتظم من علم وحال وعمل. فالعلم هو الأصل فیورث الحال، والحال یورث العمل، والعلم هو معرفة النعمة من المنعم، والحال هو الفرح الحاصل بإنعامه، والعمل هو القیام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه، ویتعلق ذلک العمل بالقلب وبالجوارح وباللسان.

وینبغی لمن أراد شکر الله أن یعلم بأن النعم کلها من الله تعالی، والوسائط مسخرون سخرهم لک برحمته وألقی فی قلوبهم من الاعتقاد والرأفة ما صاروا به مضطرین إلی الإیصال إلیک، وهذا هو الشکر بالقلب.

وأما الفرح بالنعم مع هیئة الخضوع والتواضع فهو أیضاً فی نفسه شکر علی حدة، کما أن المعرفة شکر، فإن کان فرحک بالنعم خاصة لا بالنعمة ولا بالإنعام بل من حیث إنک تقدر النعمة علی التوصل إلی القرب من المنعم فهو المرتبة العلیا من الشکر، وإمارته أن لا تفرح بنعم الدنیا إلا من حیث أنها مزرعة الآخرة ومعینة علیها، وتفرح بهذا المقدار وتحزن بکل نعمة تلهیک عن ذکر الله، وهذا أیضاً شکر بالقلب.

وأما العمل بموجب الفرح الحاصل من معرفة المنعم فهو یتعلق بالقلب واللسان والجوارح: أما بالقلب فقصد الخیر وإضماره لکافة الخلق، وأما باللسان فبإظهار الشکر لله بالتحمیدات الدالة علیه،وأما بالجوارح فاستعمال نعم الله فی طاعته والتوقی من الاستعانة بها علی معصیته، حتی إن شکر العینین أن یستر کل عیب یراه بمسلم، وشکر الأذنین أن یستر کل عیب یسمعه لمسلم، فیدخل هذا وأمثاله فی جملة شکر نعمة هذه الأعضاء(1).


1- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 153 __ 154، الباب الثانی فی الرضا وطریق تحصیله، الفصل الثالث فی الشکر وطریق تحصیله. المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 144__ 149، کتاب الصبر والشکر، بیان حد الشکر وحقیقته. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 72 __ 74، کتاب الصبر والشکر، بیان حد الشکر وحقیقته.

ص: 261

بل قال أرباب المعرفة(1): إن من کفر نعمة العین فقد کفر نعمة الشمس أیضاً، إذ الإبصار إنما یتم بها، وإنما خلقتا لیبصر بهما ما ینفعه فی دینه ودنیاه ویتقی بهما ما یضره فیهما، بل المراد من الخلق الأرض والسماء وخلق الدنیا وأسبابها أن یستعین الخلق بها علی الوصول إلی الله، ولا وصول إلیه إلا بمحبته والأنس به فی الدنیا والتجافی عن غرورها(2)، ولا أنس إلا بدوام الذکر، ولا محبة إلا بالمعرفة الحاصلة بدوام الفکر(3)، ولا یمکن الدوام علی الذکر والفکر إلا ببقاء البدن، ولا یبقی البدن إلا بالأرض والماء والهواء، ولا یتم ذلک إلا بخلق الأرض والسماء وخلق سائر الأعضاء، وکل ذلک لأجل البدن، والبدن مطیة(4) النفس، والراجع إلی الله هی المطمئنة(5) بطول العبادة والمعرفة، فکل من استعمل شیئاً فی غیر طاعة الله فقد کفر نعمة الله فی جمیع الأسباب التی لابد منها لإقدامه علی تلک المعصیة، ولذا کان الشاکر الحقیقی قلیلاً، قال تعالی: ((وَقَلِیلٌ مِنْ عِبادِیَ الشَّکُورُ)).(6)


1- القائل هو: محمد بن مرتضی المشهور بالملا محسن الفیض الکاشانی.
2- غرت: استغفلت. وغرته الدنیا غرورا من باب قعد: خدعته بزینتها. مجمع البحرین، الطریحی: 3/ 303، مادة "غرر".
3- قال أمیر المؤمنین علیه السلام: "الفکر إحدی الهدایتین". غرر الحکم، الآمدی: 1/ 56 / ح541.
4- المطا وزن عسی: الظهر، والجمع أمطاء، ومنه قیل: البعیر  "مطیة". مجمع البحرین، الطریحی: 4/ 211، مادة "مطو".
5- إشارة إلی قوله تعالی: ((یا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ)) سورة الفجر/ 27.
6- سورة سبأ/ 13.

ص: 262

الفصل الثالث: فی بیان معنی الشکر فی حقه تعالی

لعلک تقول: إن الشکر إنما یعقل فی حق منعم هو صاحب حظ فی الشکر، فإنا نشکر الملوک إما بالثناء لیزید محلهم فی القلوب ویظهر کرمهم عند الناس فیزید صیتهم(1) وجاههم، أو بالخدمة التی هی إعانة لهم علی بعض أغراضهم، أو بالمثول(2) بین أیدیهم فی صورة الخدم لتکثیر سوادهم وزیادة جاههم، وهذا کله محال فی حقه تعالی لوجهین.

أحدهما: إنه تعالی منزه عن الحظوظ والأغراض والحاجة ونشر الجاه والحشمة(3) وتکثیر السواد ونحو ذلک.

الثانی: إن جمیع ما نتعاطاه باختیارنا فهو نعمة أخری علینا من نعم الله، إذ جوارحنا وقدرتنا وإرادتنا وداعیتنا وسائر الأمور التی هی أسباب حرکتنا ونفس حرکتنا من خلق الله تعالی ونعمته، فکیف نشکر نعمته بنعمته؟.

ولو أعطانا الملک مرکوباً فأخذنا مرکوباً آخر له ورکبناه، وأعطانا مرکوباً آخر لم یکن الثانی شکراً للأول منا بل کان الثانی یحتاج إلی شکر کما یحتاج الأول، ثم لا یمکن شکر الشکر إلا بنعمة أخری فیؤدی ذلک إلی أن یکون الشکر محالاً فی حقه تعالی، وقد ورد الشرع به فکیف طریق الجمع بینهما؟.


1- الصیت: الذکر الجمیل الذی ینتشر فی الناس، دون القبیح. یقال ذهب صیته فی الناس. لسان العرب، ابن منظور: 2/ 58، مادة "صوت".
2- المثول: الانتصاب قائما، والفعل مثل یمثل. کتاب العین، الفراهیدی: 8/ 229، باب الثاء واللام والمیم معهما، مادة "مثل".
3- حشمة الرجل وحشمه محرکتین وأحشامه: خاصته الذین یغضبون له من أهل وعبید أو جیرة. والحشم محرکة للواحد والجمع: وهو العیال والقرابة أیضا. والحشمة بالکسر: الحیاء والانقباض. القاموس المحیط، الفیروز آبادی: 4/ 96، مادة "الحشمة".

ص: 263

فاعلم أن هذا الخاطر قد خطر لداود(1) أو لموسی(2) علی اختلاف الروایتین ففی الکافی عن الصادق علیه السلام قال: أوحی الله عزّوجل إلی موسی: یا موسی أشکرنی حق شکری. فقال: یا رب وکیف أشکرک حق شکرک ولیس من شکر أشرکک به إلا وأنت أنعمت به علی. قال: یا موسی الآن شکرتنی حیث علمت أن ذلک منی(3).

وفی حدیث آخر: وشکری لک نعمة أخری منک توجب الشکر لک. فقال تعالی: إذا عرفت أن النعم منی رضیت منک بذلک شکراً(4).


1- نبی الله داود علیه السلام: هو داود بن یسی، وقیل : إیشا بن عوبید بن بوعز، وقیل: عامر، وقیل: یاعز بن سلمون بن أحشون، وقیل: نحشون بن عمینا داب، وقیل: عویناداب، من سلالة إسحاق بن إبراهیم الخلیل علیه السلام، ومعنی داود بالعبریة: الحبیب. ولد فی بیت لحم بفلسطین حوالی عام 1033 قبل میلاد المسیح علیه السلام، وقیل: قبل المیلاد ب_ 1071 سنة، وقیل: 1086 سنة قبل المیلاد. توفی فجأة فی أورشلیم یوم السبت، وقیل: یوم الأربعاء، حدود عام 962، وقیل: عام 1015 قبل میلاد المسیح علیه السلام بعد أن عمر 100 سنة، وقیل: 77 سنة، وقیل: 71 سنة، وقیل: 80 سنة، وقیل: 120 سنة، فدفنوه فی مدینة داود علی جبل صهیون بفلسطین. أعلام القرآن، عبد الحسین الشبستری: 361 __ 364، نبی الله داود علیه السلام.
2- موسی بن عمران علیه السلام: هو موسی، وبالعبریة: موشی بن عمران، أو عمرام، أو عمرم بن قاهث بن لاوی ابن نبی الله یعقوب علیه السلام. ولد موسی علیه السلام، وذلک بین سنتی 1605 و1645 قبل المیلاد. توفی علی جبل نبو، وقیل: نبا بالقرب من جبل طور سیناء حدود سنة 1525 قبل المیلاد أیام التیه، ودفن هناک، ویدعی الیهود أن فلسطین قبرا لموسی علیه السلام یقصدونه فی کل سنة. توفی موسی علیه السلام وعمره 240 سنة، وقیل 120 سنة، وقیل 126 سنة، وقیل 137 سنة. أعلام القرآن، عبد الحسین الشبستری: 937 __ 944، موسی بن عمران علیه السلام.
3- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 98، کتاب الإیمان والکفر، باب الشکر/ ح27.
4- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 151 __ 152، کتاب الصبر والشکر، بیان کشف الغطاء عن الشکر فی حق الله سبحانه.

ص: 264

وعن السجاد علیه السلام أنه کان إذا قرأ هذه الآیة ((وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها))(1) قال: سبحان من لم یجعل فی أحد من معرفة نعمه إلا المعرفة بالتقصیر عن معرفتها کما لم یجعل فی أحد من معرفة إدراکه أکثر من العلم بأنه لا یدرکه(2).

والجواب عن الأول: إن طلب الله من عباده الشکر کسائر التکالیف یرجع نفعه إلیهم لا إلیه.

وإن أردت إیضاح ذلک فاعلم أن ملکاً من الملوک لو أرسل إلی عبد قد بعد عنه مرکوباً وملبوساً ونقداً لأجل زاده فی الطریق حتی یقطع به مسافة البعد ویقرب من حضرة الملک، فذلک الملک یتصور له حالتان: الأولی أن یکون قصده من إحضار عبده القیام ببعض مهماته والحظ بخدمته، والثانیة أن لا یکون له حظ فی حضوره أبداً ولا یزید حضوره فی ملکه مثقال ذرة، ولکنه قصد بذلک أن یحظی العبد بالقرب منه وینال سعادة حضرته لیرجع النفع إلی العبد نفسه لا إلی الملک، وإرادة الله الشکر من عباده مثال الحالة الثانیة.

الفصل الرابع: فی طریق تحصیل الشکر

وهو مرکب من العلم والعمل، بأن یعرف الله ویتفکر فی مصنوعاته وینظر إلی الأدنی فی الدنیا فیشکر الله، وإلی الأعلی فی الدین فیجتهد فی الوصول إلی مرتبته، ویشکر فی المصائب علی أنه لم یصب بأکبر منها، وأنها لم تکن مصیبة دینیة بل دنیویة، وأنه قد عجلت عقوبتها ولم تدخر للآخرة وأن ثوابها خیر له، وأنها تنقص من القلب حب الدنیا، بل ربما بغضت الدنیا التی حبها رأس کل


1- سورة النحل/ 18.
2- أنظر:تحف العقول،الحرانی:283،وروی عن الإمام سید العابدینعلیه السلام فی قصار هذه المعانی.

ص: 265

خطیئة إلیه، فهی فی الحقیقة نعم یجب الشکر علیها، إذ لا تخلو مصیبة عن تکفیر خطیئة أو ریاضة نفس أو رفع درجة(1).

ولیسأل الله العافیة فإنها خیر من البلاء(2)، فکان النبی والأئمة علیهم السلام یستعیضون بالله من بلاء الدنیا وبلاء الآخرة(3)، وکانوا یقولون: ((رَبَّنا آتِنا فِی الدُّنْیا حَسَنَةً وَفِی الآخِرَةِ حَسَنَةً))(4) وکانوا یستعیذون من شماتة الأعداء ومن سوء القضاء ومن حلول البلاء(5)، وقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: سلوا الله العافیة، فما أعطی(6) عبد أفضل من العافیة إلا الیقین(7). وأشار بالیقین إلی عافیة القلب من مرض الجهل(8).


1- قال الإمام علی علیه السلام: صبرک علی المصیبة یخفف الرزیة ویجزل المثوبة. غرر الحکم، الآمدی: 283، الصبر علی البلیة/ ح24.
2- ورد فی الخصال عن أمیر المؤمنینعلیه السلام: «سلوا الله العافیة من جهد البلاء فإن جهد البلاء ذهاب الدین». الخصال، الشیخ الصدوق: 2/620، علم أمیر المؤمنین علیه السلام أصحابه فی مجلس واحد أربعمائة باب.
3- ورد فی مهج الدعوات : «وأعوذ بک من الجهل والهزل ومن شر القول والفعل ومن سقم یشغلنی ومن صحة تلهینی وأعوذ بک من التعب والنصب والوصب والضیق والضنک والضلالة والغائلة والذلة والمسکنة والریاء والسمعة والندامة والحزن والخشوع والبغی والفتن ومن جمیع الآفات والسیئات وبلاء الدنیا والآخرة وأعوذ بک من الفواحش ما ظهر منها وما بطن وأعوذ بک من وسوسة الأنفس مما تحب من القول والفعل والعمل». مهج الدعوات، ابن طاووس: 101، دعاء أمیر المؤمنین علیه السلام.
4- سورة البقرة/ 206.
5- ورد فی مصباح الکفعمی: "أعذنی من شماتة الأعداء ومن حلول البلاء ومن الذل والعناء". مصباح الکفعمی، الکفعمی: 679، الفصل الثامن والأربعون فیما یعمل فی ذی الحجة.
6- فی المحجة: "أعطی" بدل "أعطی".
7- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی:7/235،کتاب الصبر والشکر،بیان فضل النعمة علی البلاء.
8- أنظر: جامع السعادات، النراقی: 3/ 273 __ 276، فصل طریق تحصیل الشکر. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 75 __ 79، کتاب الصبر والشکر، بیان طریق کشف الغطاء عن الشکر فی حق الله تعالی.

ص: 266

ص: 267

الباب الخامس: الرجاء والخوف

اشارة

ص: 268

ص: 269

فی الرجاء والخوف

وهما جناحان یطیر بهما المقربون إلی کل مقام محمود، ومطیتان بهما یقطع من طرق الآخرة کل عقبة کؤود، وتحقیقهما فی فصول:

الفصل الأول

الرجاء هو ارتیاح القلب لانتظار ما هو محبوب عنده، ولکن ذلک المحبوب متوقع لابد وأن یکون له سبب، فإن کان انتظاره لأجل حصول أکثر أسبابه فاسم الرجاء علیه صادق، وإن کان ذلک انتظاراً مع انخرام(1) أسبابه واضطرابها فاسم الغرور والحمق علیه أصدق من اسم الرجاء، وإن لم تکن الأسباب معلومة الوجود ولا معلومة الانتفاء فاسم التمنی أصدق علی انتظاره من اسم الرجاء.

وأیما کان فلا یطلق اسم الرجاء والخوف إلا علی ما یتردد فیه، أما ما یقطع به فلا، فلا یقال: أرجو طلوع الشمس وقت الطلوع وأخاف غروبها وقت الغروب، ویقال: أرجو نزول المطر وأخاف انقطاعه.


1- ما خرم منه شیئا، أی: ما نقص وما قطع. مختار الصحاح، الرازی: 98، مادة "خرم".

ص: 270

وقد علم أرباب القلوب والعرفان بالبیان والوجدان والعیان أن «الدنیا مزرعة الآخرة»(1) والقلب کالأرض والإیمان کالبذر فیه والطاعات جاریة مجری تقلیب الأرض وتطهیرها ومجری الأنهار وسیاق الماء إلیها، والقلب المحب للدنیا کالأرض السبخة(2) التی لا ینمو فیها البذر، ویوم القیامة یوم الحصاد، ولا یحصد أحد إلا ما زرع، ولا ینمی زرع إلا من بذر الإیمان، وقلما ینفع الإیمان مع خبث القلب بالأخلاق الردیئة، کما لا ینمی زرع فی أرض سبخة فلیقس رجاء العبد المغفرة برجاء صاحب الزرع.

فکل من طلب أرضاً طیبة وألقی فیها بذراً جیداً وأمده بما یحتاج إلیه من سوق الماء فی أوقاته ونقی الأرض عن الشوک والحشیش وسائر الموانع وجلس منتظراً من فضل الله دفع الصواعق المفسدة إلی أن یتم الزرع ویبلغ غایته سمی انتظاره رجاءً، وإن بث البذر فی أرض صلبة سبخة مرتفعة لا ینصب إلیها ماء ولم یشتغل بتعهد البذر أصلاً ثم انتظر الحصاد منه سمی انتظاره حمقاً وغروراً.

فینبغی للعبد أن یبث بذر الإیمان فی القلب ویسقیه بماء الطاعات ویطهر القلب عن شوک الأخلاق الردیئة وینتظر من فضل الله تثبیته علی ذلک إلی الموت وحسن الخاتمة المفضیة إلی المغفرة، فإذا فعل ذلک کان انتظاره رجاءً محموداً، وإن قطع عن بذر الإیمان تعهده بماء الطاعات أو ترک القلب مشحوناً


1- عوالی اللئالی، ابن أبی جمهور الأحسائی: 1/ 267، الفصل العاشر فی أحادیث تتضمن شیئا من الآداب الدینیة/ ح66.
2- السباخ: جمع سبخة، وهی الأرض التی تعلوها الملوحة ولا تکاد تنبت إلا بعض الشجر. النهایة فی غریب الحدیث، ابن الأثیر: 2/333، باب السین مع الباء، مادة "سبخ".

ص: 271

برذائل الأخلاق وانتظر المغفرة فانتظاره حمق وغرور لا رجاء، ولهذا قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: الدنیا مزرعة الآخرة(1). وقال صلی الله علیه وآله وسلم: الأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنی علی الله تعالی(2). وقال تعالی: ((إِنَّ الَّذِینَ آمَنُواْ وَالَّذِینَ هاجَرُواْ وَجاهَدُواْ فِی سَبِیلِ اللّهِ أُوْلئِکَ یَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ))(3) أی أولئک ینبغی لهم أن یرجوا لا سواهم.

وقال تعالی: ((فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْکِتابَ یَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدْنَی وَیَقُولُونَ سَیُغْفَرُ لَنا))(4).

وعن الصادق علیه السلام أنه قیل له: إن قوماً من موالیک یلمون بالمعاصی ویقولون: نرجو. فقال: کذبوا لیسوا لنا بموال، أولئک قوم ترجّحت بهم الأمانی: من رجا شیئاً عمل له، ومن خاف شیئاً هرب منه(5).

وقال علیه السلام(6): لا یکون المؤمن مؤمناً حتی یکون خائفاً راجیاً، ولا یکون خائفاً راجیاً حتی یکون عاملاً لما یخاف ویرجو(7).


1- عوالی اللئالی،ابن أبی جمهور الأحسائی: 1/ 267، المقدمة، الفصل العاشر فی أحادیث تتضمن شیئا من الآداب الدینیة/ ح66.
2- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 215، بیان آفة العجب. ونص الحدیث: «الکیس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنی علی الله».
3- سورة البقرة/ 218.
4- سورة الأعراف/ 169.
5- أنظر:الکافی،الکلینی:2/68 __ 69،کتاب الإیمان والکفر، باب الخوف والرجاء/ح6.
6- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
7- الکافی، الکلینی: 2/ 71، کتاب الإیمان والکفر، باب الخوف والرجاء/ ح11.

ص: 272

وقال حکیم(1): من خاف شیئاً هرب منه، ومن خاف الله هرب إلیه(2).

وقال آخر(3): من أعظم الاغترار التمادی فی الذنوب علی رجاء العفو من غیر ندامة، وتوقع القرب من الله عزّ وجل بغیر طاعة، وانتظار زرع الجنة ببذر النار، وطلب دار المطیعین بالمعاصی، وانتظار الجزاء بغیر عمل(4).

واعلم أن الرجاء یورث طول المجاهدة بالأعمال والمواظبة علی الطاعات فی جمیع الأحوال، ومن آثاره التلذذ بدوام الإقبال علی الله والتنعم بمناجاته والتلطف فی التملق له، فإن هذه الأحوال تظهر علی من یرجو مثله من العبید فکیف لا تظهر فی حق الله. ومن ذلک یعلم أن جلّ رجائنا بل کله حمق وغرور، فالمستعان بالله ولا حول ولا قوة إلا بالله(5).


1- أبو القاسم الحکیم: إسحاق القاضی أبو قاسم الحکیم، الفقیه الحنفی، توفی 197، سبع وتسعون ومائة، له مختصر فی الحیض. هدیة العارفین، إسماعیل باشا البغدادی: 1/ 196.
2- إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 136، کتاب الخوف والرجاء، بیان حقیقة الخوف. وفیه: قال أبوالقاسم الحکیم.
3- هو: یحیی بن معاذ بن جعفر الرازی، أبو زکریا: واعظ، زاهد، لم یکن له نظیر فی وقته. من أهل الری. أقام ببلخ، ومات فی نیسابور. توفی سنة 258 ه_ . الأعلام، الزرکلی: 8/ 172.
4- إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 125، کتاب الخوف والرجاء، بیان حقیقة الرجاء.
5- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 158 __ 160، الباب الثالث فی الرجاء والخوف. المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 249 __ 252، کتاب الخوف والرجاء، بیان حقیقة الرجاء. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 124 __ 126، کتاب الخوف والرجاء، بیان حقیقة الرجاء.

ص: 273

الفصل الثانی: فی فضل الرجاء وترجیحه علی الخوف

إعلم أن العمل علی الرجاء أعلی منه علی الخوف، لأن أقرب العباد إلی الله أحبهم إلیه، والحب یغلب بالرجاء. واعتبر ذلک بملکین یخدم أحدهما خوفاً من عقابه والآخر رجاءً لثوابه، ولذلک ورد فی الرجاء وحسن الظن رغائب، ولاسیما وقت الموت، قال الله تعالی: ((قُلْ یا عِبادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلی أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ))(1) وقال تعالی: ((إِنَّ رَبَّکَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلی ظُلْمِهِمْ))(2).

وعیّر الله قوماً فقال: ((وَذلِکُمْ ظَنُّکُمُ الَّذِی ظَنَنتُم بِرَبِّکُمْ أَرْداکُمْ))(3) وقال: ((وظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَکُنتُمْ قَوْمًا بُورًا))(4).

وفی أخبار یعقوب(5):إن الله تعالی أوحی إلیه:أتدری لِمَ فرقت بینک وبین یوسف(6)؟


1- سورة الزمر/ 53.
2- سورة الرعد/ 6.
3- سورة فصلت/ 23.
4- سورة الفتح/ 12.
5- یعقوب بن إسحاق بن إبراهیم الخلیل علیه السلام، وکان یعرف بإسرائیل، وهی کلمة عبریة، معناها: عبد الله، ویعقوب: اسم أعجمی. کان توأما مع أخیه عیص، أو عیصو، وأمه رفقة بنت بتوئیل أخی إبراهیم علیه السلام. وبعد أن أقام فی مصر 17 سنة  لبی نداء ربه وتوفی بها عن عمر ناهز 147 سنة، ودفن عند جبل المعظم، ثم حمل رفاته إلی فلسطین ودفن بها فی بیت المقدس عند مرقد أبیه إسحاق علیه السلام وذلک حسب وصیته. أعلام القرآن، عبد الحسین الشبستری: 1055 __ 1056، نبی الله یعقوب علیه السلام.
6- هو یوسف بن یعقوب بن إسحاق بن إبراهیم الخلیل علیه السلام وأمه راحیل، أحد أنبیاء بنی إسرائیل، وکان راسخ الإیمان صدیقا تقیا عفیفا صابرا، آیة فی الجمال، ومن أحسن الناس وجها، ولد فی فدان آرام فی العراق، ونشأ فی الشام تحت رعایة وتربیة أبیه یعقوب علیه السلام. توفی بمصر عن عمر قارب 120 سنة، وقیل: 110 سنوات، وأوصی بأن یحمل جثمانه إلی فلسطین، ویدفن عند آبائه. أعلام القرآن، عبد الحسین الشبستری: 1071 __ 1076، نبی الله یوسف علیه السلام.

ص: 274

لقولک: ((إِنِّی أَخافُ أَن یَأْکُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ))(1) لِمَ خفت الذئب ولم ترجنی؟ ولِمَ نظرت إلی غفلة إخوته ولم تنظر إلی حفظی له؟(2).

وقال علیه السلام(3): لا یموتن أحدکم إلا وهو یحسن الظن بالله(4).

وقال علیه السلام(5): یقول الله أنا عند ظن عبدی بی، فلیظنّ بی ما شاء(6).

ودخل علیه السلام(7) علی رجل وهو فی النزع(8) فقال: کیف تجدک؟ قال: أجدنی أخاف ذنوبی وأرجو رحمة ربی. فقال علیه السلام: ما اجتمعا فی قلب عبد فی هذا الموطن إلا أعطاه الله ما رجا وآمنه مما یخاف(9).


1- سورة یوسف/ 13. ونصها: ((وَأَخافُ أَنْ یَأْکُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ)).
2- فیض القدیر، المناوی: 2/ 332.
3- النبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم.
4- روضة الواعظین،الفتال النیسابوری:2/503،مجلس فی ذکر الرجاء وسعة رحمة الله تعالی.
5- أی: "النبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم".
6- أنظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید: 10/ 155، خطبة 186 له علیه السلام، ذکر الخوف وما ورد فیه من الآثار.
7- أی: "النبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم".
8- قولهم فلان فی النزع:أی فی قلع الحیاة. یقال:فلان ینزع نزعا إذا کان فی السیاق عند الموت. لسان العرب، ابن منظور: 8/349، فصل النون، مادة "نزع".
9- أنظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید: 10/ 155، خطبة 186 له علیه السلام، ذکر الخوف وما ورد فیه من الآثار.

ص: 275

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: إن الله یقول للعبد یوم القیامة: ما منعک إذ رأیت المنکر أن تنکر فإن لقنه الله حجته، قال: یا رب رجوتک وخفت الناس. قال: فیقول الله تعالی: قد غفرت لک(1).

وقال الباقر علیه السلام قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: قال الله تعالی: «لا یتکل العاملون علی أعمالهم التی یعملونها لثوابی، فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم أعمارهم فی عبادتی کانوا مقصرین غیر بالغین فی عبادتهم کنه عبادتی فی ما یطلبون عندی من کرامتی والنعیم فی جناتی ورفیع الدرجات العلی فی جواری، ولکن برحمتی فلیتقوا وفضلی فلیرجوا وإلی حسن الظن بی فلیطمئنوا، فإن رحمتی عند ذلک تدرکهم، فإنی أنا الله الرحمان الرحیم وبذلک تسمیت»(2).

وعنه علیه السلام(3) قال: وجدنا فی کتاب علی علیه السلام: إن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال وهو علی منبره: والذی لا إله إلا هو ما أعطی مؤمن خیر الدنیا والآخرة إلا بحسن ظنه بالله ورجائه له وحسن خلقه والکف عن اغتیاب المؤمنین، والذی لا إله إلا هو لا یعذب الله مؤمناً بعد التوبة والاستغفار إلا بسوء ظنه بالله وتقصیره من رجائه وسوء خلقه واغتیابه للمؤمنین، والذی لا إله إلا هو لا یحسن ظن مؤمن بالله إلا کان الله عند ظن عبده المؤمن، لأن الله کریم بیده الخیرات یستحی أن یکون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم یخالف ظنه ورجاه، فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إلیه(4).

وقال الصادق علیه السلام: حسن الظن بالله أن لا ترجوا إلا الله ولا تخاف إلا ذنبک(5).


1- أنظر: مسند أحمد، ابن حنبل: 3/ 27، مسند أبی سعید الخدری.
2- أنظر: أعلام الدین، الدیلمی: 42 __ 43، فصل فی السؤال والبیان.
3- أی: "الإمام الباقر علیه السلام".
4- أنظر: الکافی، الکلینی:2/71 __72، کتاب الإیمان والکفر، باب حسن الظن بالله عزّوجل/ ح2.
5- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 2/ 185.

ص: 276

الفصل الثالث: فی دواء الرجاء وسبب حصوله

إعلم أن هذا الدواء یحتاج إلیه أحد رجلین: إما رجل غلب علیه الیأس فیترک العبادة، وإما رجل غلب علیه الخوف فأسرف فی المواظبة علی العبادة حتی أضر بنفسه وأهله، وهما مائلان عن الاعتدال إلی طرفی الإفراط والتفریط فیحتاجان إلی علاج ودواء یردهما إلی الاعتدال.

وأما العاصی المغرور المتمنی علی الله مع الإعراض عن العبادة واقتحام المعاصی فالرجاء فی حقه سم قاتل، بل دواؤه الخوف والأسباب المهیجة له، ودواء الرجاء أمران: الاعتبار، والآیات والأخبار:

أما الاعتبار: فالتدبر فی کثرة نعم الله علی العبد فی الدنیا. وسوابق فضل الله من دون شفیع، وما وعد من جزیل ثوابه من دون استحقاق، وما أنعم بما یمد فی الدارین من دون سؤال وسعة الرحمة وسبقها الغضب، وأنه أرحم من الأم الشفیقة بأولادها الصغار، ورحمته فی الآخرة أوسع منها فی الدنیا کما ورد(1)، فهو لا محالة یرحمهم فی الآخرة کما رحمهم فی الدنیا.

والثانی: استقراء الآیات والأخبار الواردة فی فضل الرجاء(2)، سیما فی ما ورد فی أدعیة أئمة الهدی، ففی ما ورد عنهم علیهم السلام: إلهی أمرتنا أن نعفو عمن


1- إن النبی صلی الله علیه وآله وسلم قال: «إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بین الإنس والجن والبهائم والهوام فیها یتعاطفون وبها یتراحمون وبها یعطف الوحش علی ولدها فأخر الله تسعا وتسعین رحمة یرحم بها عباده یوم القیامة. نجم الحق، الحلی: 374، إیضاح خرافة الجبر.
2- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 256 __ 257، کتاب الخوف والرجاء، بیان دواء الرجاء والسبب الذی یحصل منه حال الرجاء ویغلب. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 127 __ 128، کتاب الخوف والرجاء، بیان دواء الرجاء والسبیل الذی یحصل منه حال الرجاء ویغلب.

ص: 277

ظلمنا وقد ظلمنا أنفسنا فاعف عنا فإنک أولی بذلک منا، وأمرتنا أن لا نرد سائلاً عن أبوابنا وقد جئناک سؤالاً فلا تردنا، وأمرتنا أن نعتق من ممالیکنا من قد شاب فی ملکنا وقد شبنا فی ملکک فأعتق رقابنا من النار، وأمرتنا بالإحسان إلی ما ملکت أیماننا ونحن أرقاؤک فأعتقنا من النار، وأمرتنا أن نتصدق علی فقرائنا ونحن فقراؤک فتصدق علینا(1).

وفیها: اللهم إنک قلت لنبیک صلی الله علیه وآله وسلم: ((وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضی))(2) اللهم إن نبیک لا یرضی بأن تعذب أحداً من أمته فی النار(3).

وهذا المضمون فی کلماتهم علیهم السلام کثیر(4).

الفصل الرابع: فی الخوف

الخوف عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مکروه فی الاستقبال وهو أیضاً ینتظم من علم وحال وعمل:

أما العلم: فهو العلم بالسبب المفضی إلی المکروه، کمن جنی علی ملک ثم وقع فی یده وهو یخاف القتل ویجوز العفو والإفلات، ولکن یکون تألم قلبه


1- أنظر: إقبال الأعمال، ابن طاووس: 76، فصل فیما نذکره من أدعیة تتکرر (متکررة) کل لیلة منه وقت السحر.
2- سورة الضحی/ 5.
3- أنظر: مفتاح الفلاح، الشیخ البهائی: 132، الباب الأول فیما یعمل ما بین طلوع الفجر إلی طلوع الشمس.
4- أنظر: إقبال الأعمال، ابن طاووس: 106، الباب الخامس فیما نذکره من سیاقة عمل الصائم فی نهاره، فصل فیما نذکره من الأدعیة والتسبیح والصلاة علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم المتکررة کل یوم من شهر رمضان.

ص: 278

بالخوف بحسب قوة علمه بالأسباب المفضیة إلی قتله، وهو تفاحش جنایته وکون الملک فی نفسه غضوباً منتقماً، وکون هذا الجانی عاطلاً عن کل حسنة تمحو أثر جنایته عند الملک، فالعلم بتظاهر هذه الأسباب سبب لقوة الخوف وشدة تألم القلب، ولسبب ضعف هذه الأسباب یضعف الخوف.

فهذا العلم سبب لاحتراق القلب وتألمه وخوفه وهو الحال، وهذا الحال یثمر فعلاً بالاستعداد والتهیؤ لما یصلح للعفو.

والخوف من الله تارة یکون بمعرفة الله تعالی ومعرفة صفاته، وتارة یکون بکثرة الجنایة من العبد بمقارفة المعاصی، وتارة یکون بهما جمیعاً وبحسب معرفته بعیوب نفسه ومعرفته بجلال الله، فأخوف الناس لربه أعرفهم بنفسه وبربه(1)، ولذلک قال صلی الله علیه وآله وسلم: أنا أخوفکم لله(2). ولذا قال تعالی: ((إِنَّما یَخْشَی اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماء))(3).

ثم إذا کملت تلک المعرفة وأورثت حال الخوف واحتراق القلب افضی أثر الحرقة من القلب علی القلب وعلی البدن وعلی الجوارح وعلی الصفات:

أما فی البدن فبالنحول والصفار والبکاء ونحو ذلک.

وأما فی الجوارح فبکفها عن المعاصی وتقییدها بالطاعات تلافیاً لما فرط واستعداداً للمستقبل، ولذلک قیل: لیس الخائف من یبکی ویمسح عینیه بل من یترک ما یخاف بأن یعاقب علیه(4).


1- عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: «أعرفکم بنفسه أعرفکم بربه». روضة الواعظین،الفتال النیسابوری:1/20،مجلس فی معرفة الله،باب الکلام فی النظر وما یؤدی إلیه.
2- المحجة البیضاء،الفیض الکاشانی:7/270،کتاب الخوف والرجاء،بیان حقیقة الخوف.
3- سورة فاطر/ 28.
4- أنظر: مجموعة ورام، ورام بن أبی  فراس: 2/ 132. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 136، کتاب الخوف والرجاء، بیان حقیقة الخوف.

ص: 279

وأما الصفات فهو أن یقمع الشهوات بالخوف ویؤدب الجوارح ویکدر اللذات، فتصیر المعاصی المحبوبة عنده مکروهة، کما یصیر العسل مکروهاً عند من یشتهیه إذا عرف أن فیه سماً، فتحترق الشهوات بالخوف وتتأدب الجوارح ویحصل فی القلب الذبول والخشوع والذلة والاستکانة، ویفارقه الکبر والحقد والحسد، بل یصیر مستوعب الهمة بخوفه والنظر فی خطر عاقبته فلا یتفرق لغیره ولا یکون له شغل إلا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة والضنة بالأنفاس واللحظات ومؤاخذة النفس فی الخطرات والخطوات والکلمات، فیکون ظاهره وباطنه مشغولاً بما هو خائف منه لا متسع فیه لغیره.

هذا حال من غلبه الخوف واستولی علیه، وأقل درجات الخوف مما یظهر أثره فی الأعمال الامتناع من المحظورات(1)، ویسمی الکف الحاصل من المحظورات ورعاً، فإن زادت قوته وکف عما یتطرق إلیه إمکان التحریم فیسمی ذلک تقوی، إذ التقوی أن یترک ما یریبه(2) إلی ما لا یریبه، وقد یحمله علی أن یترک ما لا بأس به مخافة ما به بأس وهو الصدق فی التقوی، فإذا انضم إلیه التجرد للخدمة فصار لا یبنی ما لا یسکنه ولا یجمع ما لا یأکله ولا یلتفت إلی  دنیا یعلم أنها تفارقه ولا یصرف إلی غیر الله تعالی نفساً من أنفاسه فهو الصدق وصاحبه جدیر بأن یسمی صدیقاً.

ویدخل فی الصدق التقوی، وفی التقوی الورع، وفی الورع العفة، فإنها عبارة عن الامتناع عن مقتضی الشهوات خاصة، فإذا الخوف یؤثر فی الجوارح بالکف والإقدام(3).


1- الحظر:هو خلاف الإباحة. المحظور: المحرم. لسان العرب، ابن منظور: 4/ 202، مادة "حظر".
2- الریب: الشک. والریب: ما رابک من أمر، والاسم الریبة بالکسر، وهی التهمة والشک. الصحاح، الجوهری: 1/141، مادة "ریب".
3- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 160 __ 161، الباب الثالث فی الرجاء والخوف، الفصل الأول حال من غلب علیه الخوف. المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 269 __ 271، کتاب الخوف والرجاء، بیان درجات الخوف واختلافه فی القوة والضعف. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 136 __ 137، کتاب الخوف والرجاء، بیان حقیقة الخوف.

ص: 280

الفصل الخامس: فی فضیلة الخوف وسببه والترغیب فیه

قال الله تعالی: ((إِنَّما یَخْشَی اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماء))(1) وقال تعالی: ((رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِکَ لِمَنْ خَشِیَ رَبَّهُ))(2) وقال تعالی: ((وَخافُونِ إِن کُنتُم مُؤْمِنِینَ))(3) وقال تعالی: ((سَیَذَّکَّرُ مَن یَخْشی))(4) وقال تعالی: ((فَلْیَضْحَکُواْ قَلِیلاً وَلْیَبْکُواْ کَثِیرًا))(5).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم:ما من مؤمن تخرج من عینیه دمعة وإن کانت مثل رأس الذباب من خشیة الله ثم تصیب شیئا من حر وجهه إلا حرمه الله علی النار(6).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: إذا اقشعر(7) قلب المؤمن(8) من خشیة الله تحاتت عنه خطایاه کما یتحات(9) من الشجر ورقها(10).


1- سورة فاطر/ 28.
2- سورة البینة/ 8.
3- سورة آل عمران/ 175.
4- سورة الأعلی/ 10.
5- سورة التوبة/ 82.
6- أنظر: أعلام الدین، الدیلمی: 274، من کلام سیدنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.
7- القشعریرة: اقشعر الجلد من فزع ونحوه. وکل شیء تغیر فهو مقشعر. کتاب العین، الفراهیدی: 2/ 287، مادة "قشعر".
8- فی الإحیاء: "قلب مؤمن".
9- الحت والإنحتات والتحات والتحتحت: سقوط الورق عن الغصن وغیره. تحاتت عنه ذنوبه، أی: سقطت. تاج العروس، الزبیدی: 1/ 536، فصل الحاء.
10- إحیاء علوم الدین،الغزالی:4/142،کتاب الخوف والرجاء،بیان فضیلة الخوف والترغیب فیه.

ص: 281

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: لا یلج(1) النار أحد بکی من خشیة الله حتی یعود اللبن فی الضرع(2).(3)

وقال الصادق علیه السلام لإسحاق بن عمار(4): یا إسحاق خف الله کأنک تراه وإن کنت لا تراه فإنه یراک، وإن کنت تری أنه لا یراک فقد کفرت، وإن کنت تعلم أنه یراک ثم برزت له بالمعصیة فقد جعلته من أهون الناظرین إلیک(5)(6).

وعنه علیه السلام(7) قال: من خاف الله خاف منه(8) کل شیء، ومن لم یخف الله أخافه الله من کل شیء(9).


1- ولج یلج بالکسر ولوجا، أی: دخل، وأولجه غیره:أدخله. مختار الصحاح، الرازی: 375، باب الواو، مادة "ولج".
2- الضرة: أصل الضرع الذی لا یخلو من اللبن، أو لا یکاد یخلو منه. والضرة: أصل الثدی. لسان العرب، ابن منظور:4/487، مادة "ضرر".
3- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/ 280، کتاب الخوف والرجاء، بیان فضیلة الخوف والترغیب فیه.
4- قال النجاشی: شیخ من أصحابنا ثقة. رجال النجاشی، النجاشی: 71، إسحاق بن عمار بن حیان مولی بنی تغلب أبو یعقوب الصیرفی/ الرقم 169. معجم رجال الحدیث، السید الخوئی: 3/ 49 _ 61، إسحاق بن عمار/الرقم 1158.
5- فی الکافی: "أهون الناظرین علیک".
6- الکافی، الکلینی: 2/ 68، کتاب الإیمان والکفر، باب الخوف والرجاء/ ح2.
7- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
8- فی المشکاة: "أخاف الله منه".
9- مشکاة الأنوار، الطبرسی: 117، الباب الثالث فی محاسن الأفعال وشرف الخصال وما یشبههما، الفصل الرابع فی الخوف والرجاء.

ص: 282

وعنه علیه السلام(1): من عرف الله خاف الله، ومن خاف الله سخت(2) نفسه عن الدنیا(3).

وعنه علیه السلام(4): إن من العبادة شدة الخوف من الله، قال تعالی: ((إِنَّما یَخْشَی اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماء))(5)، وقال تعالی: ((فَلا تَخْشَوُاْ النّاسَ وَاخْشَوْنِ))(6) وقال تعالی: ((وَمَن یَتَّقِ اللَّهَ یَجْعَل لَهُ مَخْرَجًا))(7). وقال علیه السلام(8): إن حبّ الشرف والذکر لا یکونان فی قلب الخائف الراهب(9).

وقال علیه السلام(10): المؤمن بین مخافتین: ذنب قد مضی لا یدری ما صنع الله فیه، وعمر قد بقی لا یدری ما یکتسب فیه من المهالک، فهو لا یصبح إلا خائفاً ولا یصلحه إلا الخوف(11).


1- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
2- سخیت نفسی وبنفسی عن الشیء: إذ ترکته، ولم تنازعک نفسک إلیه. کتاب العین، الفراهیدی: 4/ 289، مادة "سخو".
3- تحف العقول، الحرانی: 362، وروی عن الإمام الصادق أبی عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله علیه فی طوال هذه المعانی.
4- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
5- سورة فاطر/ 28.
6- سورة المائدة/ 44.
7- سورة الطلاق/ 2.
8- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
9- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 69، کتاب الإیمان والکفر، باب الخوف والرجاء/ ح7.
10- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
11- الکافی، الکلینی: 2/ 71، کتاب الإیمان والکفر، باب الخوف والرجاء/ ح12.

ص: 283

وعنه علیه السلام(1): لا یکون المؤمن مؤمناً حتی یکون خائفاً راجیاً، ولا یکون خائفاً راجیاً حتی یکون عاملاً لما یخاف ویرجو(2).

والخوف یحصل من الإیمان بالله وبرسوله، وبما جاء به الرسول من الحساب والعذاب والعقاب، ولحصول الخوف طریقان أحدهما أعلی من الآخر.

ومثال ذلک أن الصبی إذا کان فی بیت فدخل علیه سبع أو حیة ربما کان لا یخاف، بل ربما مد یده إلی الحیة لیأخذها ویلعب بها ولکن إذا کان معه أبوه ورآه الصبی قد ارتعدت فرائصه وهو یحتال فی الهرب وقد غلب علیه الخوف، حصل له الخوف من ذلک، لعلمه بأنه لا یخاف إلا من سبب مخوف فی نفسه، فخوف الأب عن بصیرة ومعرفة بصفة الحیة وسمها وسطوة السبع وبطشه، وخوف الولد إنما کان بمجرد التقلید، لأنه یحسن الظن بأبیه ویعلم أنه لا یخاف إلا من سبب مخوف، فیعلم أن السبع والحیة مخوفان ولا یعرف وجههما، وخوف الأنبیاء والأوصیاء والعلماء من القسم الأول وخوف عموم الخلق من المؤمنین من القسم الثانی.

ویکفی فی الخوف التفکیر فی الآیات القرآنیة، فإن أکثرها تخویفات وتهدیدات لمن تدبر، ولو لم یکن إلا قوله تعالی: ((سَنَفْرُغُ لَکُمْ أَیُّهَا الثَّقَلانِ))(3) وقوله تعالی: ((وَإِنِّی لَغَفَّارٌ لِمَن تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا ثُمَّ اهْتَدَی))(4) حیث علق المغفرة علی أربعة شروط یعجز العبد عن أحدها(5).


1- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
2- الأمالی، الشیخ المفید: 195، المجلس الثالث والعشرون/ ح27.
3- سورة الرحمن/ 31.
4- سورة طه/ 82.
5- إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 149، کتاب الخوف والرجاء، بیان الدواء الذی به یستجلب حال الخوف. وفیه: "عن آحادها" بدل "عن أحدها".

ص: 284

وقوله تعالی: ((فَأَمّا مَن تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا فَعَسی أَن یَکُونَ مِنَ الْمُفْلِحِینَ))(1) وقوله تعالی:((لِیَسْئَلَ الصّادِقِینَ عَن صِدْقِهِمْ))(2) وقوله تعالی: ((أَفَأَمِنُواْ مَکْرَ اللّهِ))(3) وقوله تعالی: ((وَإِن مِنکُمْ إِلاّ وارِدُها))(4) وقوله تعالی: ((اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ))(5) وقوله تعالی: ((وَقَدِمْنا إِلی ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنثُورًا))(6) وقوله تعالی: ((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسانَ لَفِی خُسْرٍ(2) إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ))(7) حیث شرط أربعة شروط للخلاص من الخسران(8)، لکان فیها الکفایة.

وروی أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم کان إذا هبت ریح عاصفة یتغیر وجهه ویقوم ویتردد فی الحجرة ویدخل ویخرج خوفاً من عذاب الله(9).

وقرأ صلی الله علیه وآله وسلم آیة فی سورة الحاقة فصعق(10). وقال تعالی:((فَخَرَّ موسی صَعِقًا))(11).


1- سورة القصص/ 67.
2- سورة الأحزاب/ 8.
3- سورة الأعراف/ 99.
4- سورة مریم/ 71.
5- سورة فصلت/ 40.
6- سورة الفرقان/ 23.
7- سورة العصر/ 1__3.
8- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/290، کتاب الخوف والرجاء،  بیان الدواء الذی به یستجلب حال الخوف.
9- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/305، کتاب الخوف والرجاء، بیان أحوال الأنبیاء والأولیاء والملائکة علیهم السلام فی الخوف.
10- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/305، کتاب الخوف والرجاء، بیان أحوال الأنبیاء والأولیاء والملائکة علیهم السلام فی الخوف. إحیاء علوم الدین: 4/158، کتاب الخوف والرجاء، بیان أحوال الأنبیاء والأولیاء والملائکة علیهم السلام فی الخوف.
11- سورة الأعراف/143.

ص: 285

وکان صلی الله علیه وآله وسلم إذا دخل فی الصلاة یسمع لصدره أزیز کأزیز المرجل(1).

وروی أن داود علیه السلام کان یقول فی مناجاته: إلهی إذا ذکرت خطیئتی ضاقت علیّ الأرض برحبها، وإذا ذکرت رحمتک ارتدت إلی روحی، سبحانک إلهی أتیت أطباء عبادک لیداووا خطیئتی فکلهم علیک یدلنی،فبؤساً للقانطین من رحمتک(2).

وقیل إنه علیه السلام(3) ذکر ما صدر منه ذات یوم فوثب صارخاً واضعاً یده علی رأسه حتی لحق بالجبال، فاجتمعت إلیه السباع فقال: ارجعوا لا أریدکم إنما أرید کل بکّاء علی خطیئته، فلا یستقبلنی إلا البکّاء(4).

وکان یعاتب فی کثرة البکاء فیقول: دعونی أبکی قبل خروج یوم البکاء قبل تحریق العظام(5) واشتعال الحشا، وقبل أن یؤمر بی ملائکة غلاظ شداد لا یعصون الله ما أمرهم ویفعلون ما یؤمرون(6).


1- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/305، کتاب الخوف والرجاء، بیان أحوال الأنبیاء والأولیاء والملائکة علیهم السلام فی الخوف. إحیاء علوم الدین، الغزالی  4/158، کتاب الخوف والرجاء، بیان أحوال الأنبیاء والأولیاء والملائکة علیهم السلام فی الخوف.
2- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/306، کتاب الخوف والرجاء، بیان أحوال الأنبیاء والأولیاء والملائکة علیهم السلام فی الخوف. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/159، کتاب الخوف والرجاء، بیان أحوال الأنبیاء والأولیاء والملائکة علیهم السلام فی الخوف.
3- نبی الله داود علیه أفضل الصلاة والسلام.
4- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/306، کتاب الخوف والرجاء، بیان أحوال الأنبیاء والأولیاء والملائکة علیهم السلام فی الخوف. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/159، کتاب الخوف والرجاء، بیان أحوال الأنبیاء والأولیاء والملائکة علیهم السلام فی الخوف.
5- فی المحجة: "قبل تخریق العظام".
6- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/306، کتاب الخوف والرجاء، بیان أحوال الأنبیاء والأولیاء والملائکة علیهم السلام فی الخوف.

ص: 286

وحکی أنه علیه السلام(1) کان إذا أراد أن ینوح مکث قبل ذلک سبعاً لا یأکل الطعام ولا یشرب الشراب ولا یقرب النساء، فإذا کان قبل ذلک بیوم أخرج له إلی البریة منبراً، فیأمر سلیمان أن ینادی بصوت یستقرئ البلاد وما حولها من الغیاض(2) والآکام(3) والجبال والبراری والصوامع(4) والبیع(5) فینادی: ألا من أراد أن یسمع نوح داود علی نفسه فلیأت. قال: فتأتی الوحوش من البراری والآکام وتأتی السباع من الغیاض وتأتی الهوام من الجبال وتأتی العذاری من خدورهن ویجتمع الناس لذلک الیوم، ویأتی داود حتی یرقی علی المنبر ویحیط به بنو إسرائیل وکل صنف علی حدة یحیطون به وسلیمان علیه السلام قائم علی رأسه، فیأخذ فی الثناء علی ربه، فیضجون بالبکاء والصراخ، ثم یأخذ فی ذکر الجنة والنار فتموت الهوام وطائفة من الوحوش والناس والسباع، ثم یأخذ فی أهوال القیامة، وفی النیاحة علی نفسه فیموت من کل نوع طائفة، فإذا رأی سلیمان کثرة الموتی قال: یا أبتاه قد مزقت المستمعین کل ممزق وماتت طوائف من بنی إسرائیل ومن الوحوش والهوام فیأخذ فی الدعاء، فبینا هو کذلک إذ ناداه بعض عباد بنی إسرائیل: یا داود


1- أی: "داود علیه أفضل الصلاة والسلام".
2- الغیاض: جمع غیضة. وهی: الشجر الملتف، لأنهم إذا نزلوها تفرقوا فیها فتمکن منهم العدو. لسان العرب، ابن منظور: 7/202، مادة "غیض".
3- آکام کجبل و أجبال. الأکمة: تل من القف وهو حجر واحد. لسان العرب، ابن منظور: 12/20، مادة "أکم".
4- الصوامع جمع صومعة النصاری، دقیقة الرأس. مجمع البحرین، الطریحی: 2/635، مادة "صمع".
5- البیعة: کنیسة النصاری، وجمعها بیع. کتاب العین، الفراهیدی: 2/265، مادة "بیع".

ص: 287

أعجلت بطلب الجزاء علی ربک؟ فیخر مغشیاً علیه، فإذا نظر سلیمان إلی ما أصابه أتی بسریر فحمله علیه ثم أمر منادیاً ینادی: ألا من کان له مع داود حمیم أو قریب فلیأت بسریر فلیحمله، فإن الذین کانوا معه قد قتلهم ذکر الجنة والنار، فکانت المرأة تأتی بالسریر وتحمل قریبها وتقول: یا من قتله ذکر النار یا من قتله خوف الله. ثم إذا أفاق داود قام ووضع یده علی رأسه ودخل بیت عبادته وأغلق بابه ویقول: یا إله داود أغضبان أنت علی داود. ولا یزال یناجی فیأتی سلیمان علیه السلام: فیقف علی الباب ویستأذن ثم یدخل ومعه قرص من شعیر ویقول: یا أبتاه تقوّ بهذا علی ما ترید، فیأکل من ذلک القرص ما شاء الله ثم یخرج إلی بنی إسرائیل فیکون بینهم(1).

ویحکی أن إبراهیم(2) علیه السلام کان إذا ذکر ما صدر منه یغشی علیه ویسمع


1- أنظر: إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/160، کتاب الخوف والرجاء، بیان أحوال الأنبیاء والأولیاء والملائکة علیهم السلام فی الخوف.
2- أبو الضیفان إبراهیم، وقیل: إبراهام، أو إبراهم، أو إبرهم، أو إبراهوم بن تارح، وقیل: تارخ بن ناحور بن سروج، وقیل: ساروغ بن رعو، وقیل: أرعو، وقیل: راغو بن فالج، وقیل: فالغ بن عابر بن شالح، وقیل: شالخ بن أرفخشد، وقیل: أرفکشاذ بن سالم ابن نبی الله نوح علیه السلام، الملقب بخلیل الله، وأمه أمیلة، وقیل: عوشاء، وقیل: بونابنت کریتابن کرثی. هو أبو الأنبیاء، وأحد الأنبیاء أولی العزم، أصحاب الشرائع العامة، وجد العبرانیین، والعرب المستعربة من ابنه اسماعیل علیه السلام. ولد فی غار بقریة کوثی، وقیل: کوثار من أرض بابل، وقیل: ولد بغدان آرام من قری الکوفة، وقیل: بمدینة أور من بلاد الکلدانیین، وقیل: بالسوس، وقیل: ولادته فی برزة شرقی دمشق سنة (1996) قبل میلاد المسیح علیه السلام. ولد إبراهیم علیه السلام وعمر أبیه 75 سنة. عاش 175 سنة، وقیل: 200 سنة، وقیل: 120 سنة، وقیل: 190 سنة، توفی بفلسطین فی أواخر القرن العشرین، أو أوائل القرن الحادی والعشرین قبل میلاد المسیح، فدفنه ولداه إسماعیل علیه السلام وإسحاق علیه السلام بمغارة المکفیلة فی حقل عفرون، وقیل: دفن فی قریة أربع أو المربعة قرب بیت المقدس عند زوجته سارة. أعلام القرآن، عبد الحسین الشبستری: 22 __ 24، إبراهیم الخلیل.

ص: 288

اضطراب قلبه میلاً فی میل، فیأتیه جبرئیل فیقول له: الجبار یقرئک السلام ویقول: هل رأیت خلیلاً یخاف خلیله؟ فیقول: یا جبرئیل إنی إذا ذکرت خطیئتی نسیت خلتی(1).

وکان یسمع أزیز(2) قلبه علیه السلام(3) إذا کان فی الصلاة مسیرة میل خوفاً من ربه(4).

ویکفیک فی ذلک بکاء الأئمة الطاهرین علیه السلام وخوفهم ومناجاتهم(5) فما بالنا لا نخاف ألکثرة طاعاتنا أم لقلة معاصینا أم لغفلتنا وقسوتنا؟! فلا قرب الرحیل ینبهنا ولا کثرة الذنوب تحرکنا ولا مشاهدة أحوال الخائفین تخوفنا ولا خوف سوء الخاتمة یزعجنا(6).


1- أنظر: إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/160، کتاب الخوف والرجاء، بیان أحوال الأنبیاء والأولیاء والملائکة علیهم السلام فی الخوف.
2- قوله: أزیز، یعنی: غلیان جوفه بالبکاء. غریب الحدیث، ابن سلام: 1/221.
3- أی: "النبی إبراهیم علیه السلام".
4- أنظر: إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/159، کتاب الخوف والرجاء، بیان أحوال الأنبیاء والأولیاء والملائکة علیهم السلام فی الخوف.
5- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 167، الباب الثالث فی الرجاء والخوف، الفصل الرابع الخوف من الله علی مقامین. جامع السعادات، النراقی: 1/261، فصل الخوف من الله أفضل الفضائل.
6- أنظر: کتاب تنزیه الأنبیاء، السید المرتضی علم الهدی، وفیه بیان تفصیلی حول عصمة وتنزیه الأنبیاء وکذلک الأئمة علیهم السلام، وأما ما یصدر عنهم من البکاء والمناجاة فهو لیس لذنب صدر منهم بل لمعرفتهم بالجنة والنار والأهوال وأنواع العذاب وما یجری علی المذنبین خاصة من أممهم ویستغفروا لهم رجاءً لعتقهم من الله الرحیم وهکذا بکاء الحقیقة والمعرفة والشوق والخوف من البعد عن منازل القرب التی لا تکون إلا للخواص ممن یصطفیهم کحبیبه المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم ووصیه المرتضی صلوات الله علیه.

ص: 289

الفصل السادس

قد تحصل من ملاحظة ما سبق أن الخوف من الله علی مقامین:

أحدهما: الخوف من عذابه، وهو خوف عموم الخلق المؤمنین بالجنة والنار، وإذا ضعف هذا الخوف فسببه ضعف الإیمان والغفلة، ویقوی بالتذکیر والوعظ وملازمة الفکر فی أهوال القیامة(1) وأصناف العذاب(2) والنظر فی أحوال الخائفین.

والثانی: وهو الأعلی __ أن یکون الله تعالی هو المخوف، بأن یخاف البعد والحجاب عنه، ویرجو القرب منه وهو خوف من عرفه من الأنبیاء والأوصیاء والعلماء ممن عرفوا من صفاته ما یقتضی الهیبة والخوف والحذر المطلعین علی سر قوله تعالی : ((وَیُحَذِّرُکُمُ اللّهُ نَفْسَهُ))(3).

ثم إن الخوف لا یتحقق إلا بانتظار مکروه: والمکروه إما أن یکون مکروهاً فی ذاته کالنار، وإما أن یکون مکروهاً لأنه یفضی إلی المکروه، کما تکره المعاصی لأدائها إلی العذاب.


1- من الأهوال التی أشیر إلیها فی القرآن الکریم قوله تعالی: ((وَمَنْ یُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ عَلی وُجُوهِهِمْ عُمْیاً وَبُکْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ کُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِیراً)) سورة الإسراء/97.
2- من أصناف العذاب التی ذکرت  فی القرآن الکریم:((یَوْمَ یَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَیَقُولُ ذُوقُوا ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)) سورة الشعراء/ 157.
3- سورة آل عمران/ 28.

ص: 290

والخائفون من القسم الثانی منهم من یغلب علیه خوف الموت قبل التوبة، أو خوف نقض التوبة، أو خوف ضعف القوة عن الوفاء بتمام حقوق الله، أو خوف زوال رقة القلب وتبدیلها بالقساوة، أو خوف المیل عن الاستقامة، أو خوف استیلاء العادة فی اتباع الشهوات المألوفة، أو خوف أن یکله الله إلی حسناته التی اتکل علیها وتعزز بها فی عباد الله، أو خوف البطر بکثرة نعم الله علیه، أو خوف الاشتغال عن الله بغیر الله، أو خوف الاستدراج بتواتر النعم، أو خوف انکشاف غوائل(1) طاعاته حتی یبدو له من الله ما لم یکن یحتسب،أو خوف تبعات الناس عنده فی الغیبة والخیانة والغش وإضمار السوء، أو خوف ما لا یدری أن یحدث فی بقیة عمره، أو خوف تعجیل العقوبة فی الدنیا والافتضاح قبل الموت، أو خوف الاغترار بزخارف(2) الدنیا، أو خوف خاتمة السوء، أو خوف اطلاع الله علی سریرته فی حال غفلته، أو خوف السابقة التی سبقت له فی الأزل.

وهذه کلها مخاوف العارفین، ولکل منها خصوص فائدة، وهو سلوک سبیل الحذر عما یفضی إلی المخوف فمن یخاف استیلاء العادة علیه فلیواظب علی الفطام عن العادة، والذی یخاف من اطلاع الله علی سریرته یشتغل بتطهیر قلبه... وهکذا.

وأما الخائفون من المکروه لذاته فمنهم من یغلب علیهم سکرات الموت(3)


1- الغوائل: الدواهی. وأتی غولا غائلة: أمرا داهیا منکرا. والغائلة الحقد الباطن والشر کالمغالة. القاموس المحیط، الفیروز آبادی: 4/27، مادة "غول".
2- الزخرف: الزینة، وبیت مزخرف. وتزخرف الرجل: تزین. کتاب العین، الفراهیدی: 4/ 338، مادة "زخرف".
3- إشارة إلی قوله تعالی:((وَجاءَتْ سَکْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِکَ ما کُنْتَ مِنْهُ  تَحِیدُ)) سورة ق/19.

ص: 291

وشدته أو سؤال منکر ونکیر(1) أو عذاب القبر أو هول المطلع(2) أو هیبة الموقف بین یدی الله تعالی أو الحیاء من کشف الستر أو السؤال عن النقیر(3) والقطمیر(4) أو الخوف من الصراط وحدته وکیفیة العبور علیه أو الخوف من النار وأغلالها(5) وأهوالها أو الخوف من الحرمان عن الجنة أو النعیم فی الملک المقیم أو من نقصان الدرجات أو الخوف من الحجاب عن الله، وهو أعلاها رتبة، وهو خوف العارفین من الأنبیاء والعلماء والصالحین(6).


1- عن الإمام الصادق علیه السلام قال: «یَجِی ءُ الْمَلَکَانِ مُنْکَرٌ وَنَکِیرٌ إِلَی الْمَیِّتِ حِینَ یُدْفَنُ أَصْوَاتُهُمَا کَالرَّعْدِ الْقَاصِفِ وَأَبْصَارُهُمَا کَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ یَخُطَّانِ الأَرْضَ بِأَنْیَابِهِمَا وَیَطَئَانِ فِی شُعُورِهِمَا فَیَسْأَلانِ الْمَیِّتَ مَنْ رَبُّکَ ... الحدیث». الکافی، الکلینی: 3/236 __ 237، کتاب الجنائز، باب المسألة فی القبر ومن یسأل/ ح7.
2- عن النبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم قال: «لا تتمنوا الموت فإن هول المطلع شدید وإن من سعادة المرء أن یطول عمره ویرزقه الله الإنابة إلی دار الخلود». الدعوات، الراوندی: 122، فصل فی فنون شتی من حالات العافیة/ ح297.
3- النقیر: النکتة فی ظهر النواة. تاج العروس، الزبیدی: 3/580.
4- القطمیر: وهی القشرة الدقیقة التی علی النواة، بین النواة والتمر. لسان العرب، ابن منظور: 5/108، مادة "قطمر".
5- الأصفاد: الأغلال. غریب الحدیث، الحربی: 2/707، باب صفد.
6- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 168 __ 170، الباب الثالث فی الرجاء والخوف، الفصل الخامس فی الخائفین. جامع السعادات، النراقی: 1 / 254 __ 257، فصل بم یتحقق الخوف. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 138 _ 140، کتاب الخوف والرجاء، بیان أقسام الخوف بالإضافة إلی ما یخاف منه.

ص: 292

الفصل السابع

قد عرفت توارد الأخبار فی فضیلة الخوف والرجاء، وربما یعتری الناظر الشک فی کون أیهما أفضل؟

فاعلم أن ذلک یضاهی قول القائل «الخبز أفضل أم الماء»(1).

وجوابه: إن الخبز أفضل للجائع والماء أفضل للعطشان، وإن اجتمعا نظر إلی الأغلب: فإن کان الجوع أغلب فالخبز أفضل، وإن کان العطش أغلب فالماء أفضل، وإن استویا فهما متساویان.

وکذا إن کان الغالب علی القلب داء الأمن من مکر الله والاغترار به فالخوف أفضل، وإن کان الأغلب هو الیأس والقنوط من رحمة الله فالرجاء أفضل.

وأما بالنسبة إلی المؤمن المتقی الذی ترک ظاهر الإثم وباطنه وخفیه وجلیه(2) فالأصلح به أن یعتدل خوفه ورجاؤه، کما ورد فی الأخبار، ففی الکافی عن الصادق علیه السلام وقد قیل له: ما کان فی وصیة لقمان؟ فقال: کان فیها الأعاجیب وکان أعجب ما کان فیها أن قال لابنه: خف الله خیفة لو جئته ببر الثقلین لعذبک، وارج الله رجاءً لو جئته بذنوب الثقلین لرحمک. ثم قال علیه السلام(3): کان أبی یقول: إنه لیس من عبد مؤمن إلا وفی قلبه نوران نور خیفة ونور رجاء، لو وزن هذا لم یزد علی هذا، ولو وزن هذا لم یزد علی هذا(4).


1- أنظر: بحار الأنوار، مجلسی: 84 / 10، کتاب الصلاة، باب 47: ما ینبغی أن یقرأ کل یوم ولیلة / بیان الحدیث 16.
2- أمر جلی: واضح. أجل لنا هذا الأمر، أی: أوضحه. کتاب العین، الفراهیدی: 6/180، مادة "جلو".
3- الإمام الصادق علیه السلام.
4- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 67، کتاب الإیمان والکفر، باب الخوف والرجاء/ ح1.

ص: 293

ویرشد إلی ذلک أیضاً قوله تعالی فی وصف من أثنی علیهم: ((وَیَدْعُونَنا رَهَبًا وَرَغَبًا))(1) وقوله تعالی: ((یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا))(2).

وغلبة الرجاء فی غالب الناس مستندها الاغترار وقلة المعرفة، والأصلح لهم قبل الإشراف علی الموت غلبة الخوف، وعند الموت غلبة الرجاء وحسن الظن کما ورد فی الأخبار(3)، والسر فی ذلک أن الخوف جار مجری السوط الباعث علی العمل، وقد انقضی وقت العمل، وهو لا یطیق هناک أسباب الخوف لأنها تقطع نیاط(4) قلبه وتعین علی تعجیل موته. وروح الرجاء یقوی قلبه ویحبب إلیه ربه الذی إلیه رجاؤه، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن کره لقاء الله کره الله لقاءه(5).

واعلم أن الرجاء محمود إلی حد، فإن تجاوز إلی الأمن فهو خسران، قال تعالی: ((وَلا یَأْمَنُ(6) مَکْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ))(7)، وکذا الخوف محمود إلی حد فإن جاوز إلی القنوط فهو ضلال ((وَمَن یَقْنَطُ مِن رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضّآلُّونَ))(8)، أو إلی الیأس فهو کفر و((لا یَیْأَسُ مِن رَوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْکافِرُونَ))(9).


1- سورة الأنبیاء/90. ونصها: ((وَیَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً)).
2- سورة السجدة/ 16.
3- أنظر: الکافی، الکلینی: کتاب الإیمان والکفر، باب الخوف والرجاء. جامع الأخبار، الشعیری: الفصل 54 فی الخوف والفصل  55 فی حسن الظن.
4- النیاط: عرق غلیظ قد علق به القلب من الوتدین. کتاب العین، الفراهیدی: 7/456، مادة "نوط".
5- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 164 _ 165، الباب الثالث فی الرجاء والخوف، الفصل الرابع الخوف من الله علی مقامین.
6- فی النص القرآنی: "فلا یأمن".
7- سورة آل عمران/54.
8- سورة الحجر/ 56.
9- سورة یوسف/ 87.

ص: 294

ص: 295

الباب السادس: الزهد

اشارة

ص: 296

ص: 297

فی الزهد والکلام فیه فی فصول

الفصل الأول

قال تعالی: ((مَن کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الدُّنْیا نُؤتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِی الآخِرَةِ مِن نَصِیبٍ))(1) وقال تعالی: ((وَلا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلی ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَیاةِ الدُّنیا لِنَفْتِنَهُمْ فِیهِ وَرِزْقُ رَبِّکَ خَیْرٌ وَأَبْقی))(2).

وفی الحدیث: أوحی الله إلی الدنیا أن اخدمی من خدمنی، ونغصی وکدری عیش من خدمک(3).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم(4): من أصبح وهمه الدنیا شتت(5) الله علیه أمره، وفرق


1- سورة الشوری/ 20.
2- سورة طه/ 131.
3- أنظر:العدد القویة،رضی الدین الحلی:150،الیوم السابع عشر،نبذة من أحوال الإمام الصادقعلیه السلام.
4- فی الزهد: "عن الإمام الصادق علیه السلام".
5- شتت الأمر شتا وشتاتا: تفرق. الصحاح، الجوهری: 1/254، مادة "شتت".

ص: 298

علیه ضیعته(1)، وجعل فقره بین عینیه، ولم یأته من الدنیا إلا ما کتب له، ومن أصبح وهمه الآخرة جمع الله له همه، وحفظ علیه ضیعته، وجعل غناه فی قلبه، وأتته الدنیا وهی راغمة(2).(3)

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: إذا رأیتم العبد قد أعطی صمتاً وزهداً فی الدنیا فاقربوا(4) منه، فإنه یلقی الحکمة، وقد قال الله تعالی: ((وَمَن یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْرًا کَثِیرًا))(5).(6)

وعنه علیه السلام(7): ازهد فی الدنیا یحبک الله، وازهد فی ما أیدی الناس یحبک الناس(8).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم: من أراد أن یؤتیه الله علماً بغیر تعلم وهدی بغیر هدایة فلیزهد فی الدنیا(9).


1- ضیعة الرجل: حرفته وصناعته ومعاشه وکسبه. یقال: ما ضیعتک؟ أی: ما حرفتک. لسان العرب، ابن منظور: 8/230، مادة "ضیع".
2- أرغمته: حملته علی ما لا یمتنع منه. کتاب العین، الفراهیدی: 4/417، مادة "رغم".
3- أنظر: الزهد، الأهوازی: 49، باب 8 ما جاء فی الدنیا ومن طلبها/ ح12.
4- فی المحجة: "فاقتربوا".
5- سورة البقرة/ 269.
6- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/351، کتاب الزهد والفقر، بیان فضیلة الزهد.
7- أی: "النبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم".
8- إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4 / 195، کتاب الفقر والزهد، الشطر الثانی من الکتاب فی الزهد.
9- إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/196، کتاب الفقر والزهد، الشطر الثانی من الکتاب فی الزهد، بیان حقیقة الزهد.

ص: 299

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: من زهد فی الدنیا أحل الله(1) الحکمة فی قلبه فأنطق بها(2) لسانه وعرفه داء الدنیا ودواءها وأخرجه سالماً إلی دار السلام(3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: من آثر الدنیا علی الآخرة ابتلاه الله بثلاث: همّ لا یفارق قلبه أبداً، وفقر لا یستغنی معه أبداً، وحرص لا یشبع معه أبداً(4).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: لا یستکمل العبد الإیمان حتی یکون أن لا یعرف أحب إلیه من أن یعرف، وحتی یکون قلة الشیء أحب إلیه من کثرته(5).

الفصل الثانی: فی حقیقته

الزهد هو صرف الرغبة عن الدنیا وعدم إرادتها بقلبه إلا بقدر ضرورة بدنه، وقد تقدم تحقیق معنی الدنیا، ومنه یعلم أن الزهد فی الدنیا لا ینافی کثرة المال والخدم ونحوهما إلا إذا کان محباً لها بقلبه وراغباً فیها وتشغله عن ذکر الله.

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: الزهد کله بین کلمتین من القرآن، قال سبحانه(6): ((لِکَیْلا تَأْسَوْا عَلی ما فاتَکُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاکُمْ))(7). ومن لم یأس علی الماضی ولم یفرح بالآتی فقد أخذ الزهد بطرفیه(8).


1- فی المحجة: "أدخل الله".
2- فی المحجة: "به" بدل "بها".
3- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/353، کتاب الفقر والزهد، بیان فضیلة الزهد.
4- المحجة البیضاء،الفیض الکاشانی:7/354 __ 355،کتاب الفقر والزهد،بیان فضیلة الزهد.
5- إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/195، کتاب الفقر والزهد، الشطر الثانی من الکتاب فی الزهد، بیان حقیقة الزهد.
6- فی نهج البلاغة: "قال الله سبحانه".
7- سورة الحدید/ 23.
8- نهج البلاغة، الشریف الرضی: 553 __ 554، حکم أمیر المؤمنین علیه السلام.

ص: 300

وقال علیه السلام(1): الزهد فی الدنیا قصر الأمل، وشکر کل نعمة، والورع عن کل ما حرم الله عزّوجل(2).

وقال الصادق علیه السلام: لیس الزهد فی الدنیا بإضاعة المال ولا تحریم الحلال، بل الزهد فی الدنیا أن لا تکون بما فی یدک أوثق منک بما عند الله(3).

نعم لما کان جمع المال ونحوه بالنسبة إلی حال أکثر الناس لضعف نفوسهم یحرک الرغبة فی الدنیا فزهدهم إنما یکون فی ترکه، کما ورد فی خبر آخر عن الصادق علیه السلام حیث سئل عن الزهد فقال: الذی یترک حلالها مخافة حسابه، ویترک حرامها مخافة عقابه(4).

وفی مصباح الشریعة: قال الصادق علیه السلام: الزهد مفتاح باب الآخرة والبراءة من النار، وهو ترکک کل شیء یشغلک عن الله من غیر تأسف علی فوتها ولا إعجاب فی ترکها ولا انتظار فرج منها وطلب محمدة علیها ولا عوض لها، بل تری فوتها راحة وکونها آفة، وتکون أبداً هارباً من الآفة معتصماً بالراحة. والزاهد الذی یختار الآخرة علی الدنیا والذل علی العز والجهد علی الراحة والجوع علی الشبع وعافیة الآجل علی محبة العاجل والذکر علی الغفلة، وتکون نفسه فی الدنیا وقلبه فی الآخرة(5).


1- أی: "أمیر المؤمنین علیه السلام".
2- الکافی، الکلینی: 5/71، کتاب المعیشة، باب معنی الزهد/ح3.
3- أنظر: التهذیب، الشیخ الطوسی:6/327، کتاب المکاسب، باب 93 المکاسب/ح20.
4- أنظر: روضة الواعظین، الفتال النیسابوری: 2/433، مجلس فی الزهد والتقوی.
5- أنظر: مصباح الشریعة، الإمام الصادق علیه السلام: 137، الباب الرابع والستون فی الزهد.

ص: 301

الفصل الثالث: فی أقسام الزهد ومراتبه

إعلم أن الزهد فی نفسه علی ثلاث درجات:

الأولی: وهی السفلی أن یزهد فی الدنیا وهو لها مشتهٍ وقلبه إلیها مائل ونفسه إلیها ملتفتة ولکنه یجاهدها ویکفها، وهی الدرجة الأولی من الزهد.

الثانیة: أن یترک الدنیا طوعاً لاستحقاره إیاها بالإضافة الی الآخرة المرغوب فیها، کالذی یترک درهماً لأجل درهمین، فإنه لا یشق علیه ذلک، وهو یظن بنفسه أنه ترک شیئاً له قدر لما هو أعظم قدراً منه.

الثالثة: وهی العلیا أن یزهد طوعاً ویزهد فی زهده فلا یری زهده، إذ لا یری أنه ترک شیئاً، حیث عرف أن الدنیا لا شیء، فیکون کمن ترک نواة وأخذ جوهرة، فلا یری ذلک معاوضة(1)، وهذا کمال الزهد.

ومثله مثل من منعه من باب الملک کلب علی بابه، فألقی إلیه لقمة خبز فشغله بنفسه ودخل الباب ونال القرب عند الملک حتی نفذ أمره فی جمیع مملکته، أفتری أنه یری لنفسه یداً عند الملک بلقمة خبز ألقاها إلی الکلب فی مقابلة ما ناله، فالشیطان کلب علی باب الله یمنع الناس من الدخول والدنیا کلقمة خبز یأکلها، فلذتها حال المضغ وتنقضی علی القرب بالابتلاع، ثم یبقی ثفله(2) فی المعدة، ثم ینتهی إلی النتن والقذر ویحتاج إلی إخراج الثفل، فمن یترکها لینال قرب الملک کیف یلتفت إلیها؟!.

وینقسم الزهد قسمة أخری بالإضافة إلی المرغوب فیه إلی ثلاث درجات:


1- العوض کعنب واحد الأعواض کأعناب،وأعاضنی،العوض وهو البدل.وإعتاض:أخذ العوض. مجمع البحرین، الطریحی: 3/278، مادة "عوض".
2- الثفل: ما رسب خثارته وعلا صفوه من الأشیاء کلها. لسان العرب، ابن منظور: 11/84، مادة "ثفل".

ص: 302

أسفلها: أن یکون المرغوب فیه النجاة من النار وسائر الآلام، کعذاب القبر ومناقشة الحساب وخطر الصراط، وهذا زهد الخائفین.

وأوسطها: أن یزهد رغبة فی ثواب الله ونعمته واللذات الموعودة فی جنته، وهذا زهد الراجین.

وأعلاها: أن لا یکون له رغبة إلا فی الله ولقائه، فلا یلتفت قلبه إلی الآلام لیقصد الخلاص منها ولا إلی اللذات لیقصد نیلها والظفر بها بل هو مستغرق الهم بالله، وهو الذی أصبح وهمه هم واحد، فهو لا یطلب غیر الله لأن من طلب غیر الله فقد عبده، وکل مطلوب معبود وکل عبد بالإضافة إلی مطلوبه، وهذا زهد المحبین والعارفین.

وینقسم أیضاً الی فرض ونفل وسلامة: فالفرض هو الزهد فی الحرام، والنفل هو الزهد فی الحلال، والسلامة هو الزهد فی الشبهات.

واعلم أن للزاهد الحقیقی ثلاث علامات:

الأولی: أن لا یفرح بموجود ولا یحزن علی مفقود، کما أشار إلیه أمیر المؤمنین فی الاستنباط من قوله تعالی: ((لِکَیْلا تَأْسَوْا عَلی ما فاتَکُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاکُمْ))(1) وهذا علامة الزهد فی المال(2).

والثانیة: أن یستوی عنده مادحه وذامه، وهو علامة الزهد فی الجاه.

والثالثة: أن یکون أنسه بالله تعالی والغالب علی قلبه حلاوة الطاعة.


1- سورة الحدید/ 23.
2- قال الباقر علیه السلام فی حدیث: «ألا وإن الزهد فی آیة من کتاب الله عزّوجل: ((لِکَیْلا تَأْسَوْا عَلی ما فاتَکُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاکُمْ))» سورة الحدید/ 23. معانی الأخبار، الشیخ الصدوق: 252، باب معنی الزهد/ ح4.

ص: 303

الفصل الرابع

لیعلم أن من ثمرة الزهد السخاء ومن ثمرة الرغبة فی الدنیا البخل، فالمال إن کان مفقوداً فالألیق بحال الإنسان القناعة، وإن کان موجوداً فالألیق بحال صاحبه السخاء والبذل لأهله واصطناع المعروف.

والسخاء من أخلاق الأنبیاء وأصول النجاة، والسخی حبیب الله.

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: السخاء شجرة من شجر الجنة أغصانها متدلیة علی الأرض(1)، فمن أخذ منها غصناً قاده ذلک الغصن إلی الجنة(2).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: قال جبرئیل: قال الله تعالی: «إن هذا دین ارتضیته لنفسی، ولن یصلحه إلاّ السخاء وحسن الخلق، فأکرموه بهما ما استطعتم»(3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: إن من موجبات المغفرة بذل الطعام وإفشاء السلام وحسن الکلام(4).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: تجافوا عن ذنب السخی، فإن الله أخذ بیده کلما عثر أقاله(5).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: طعام الجواد دواء، وطعام البخیل داء(6).


1- فی المحجة: "إلی الأرض".
2- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/59، کتاب ذم المال، بیان فضیلة السخاء.
3- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/170، بیان فضیلة السخاء.
4- أنظر: إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/217، کتاب ذم البخل وذم حب المال، بیان فضیلة السخاء.
5- أنظر: مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/171، بیان فضیلة السخاء.
6- طب النبی، المستغفری: 21.

ص: 304

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: إن السخی قریب من الله قریب من الناس قریب من الجنة بعید من النار، وإن البخیل بعید من الله بعید من الناس بعید من الجنة قریب من النار، وجاهل سخی أحب إلی الله من عابد بخیل، وأدوی الداء البخل(1).(2)

واعلم أن أرفع درجات السخاء الإیثار، وهو أن یجود بالمال مع الحاجة إلیه، قال الله تعالی فی معرض المدح: ((وَیُؤْثِرُونَ عَلی أَنفُسِهِمْ وَلَوْ کانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ))(3). وقال تعالی: ((وَیُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلی حُبِّهِ مِسْکِینًا وَیَتِیمًا وَأَسِیرًا))(4).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: أیما امرئ اشتهی شهوة فردّ شهوته وآثر علی نفسه غفر له(5).

وینبغی للفقیر أن لا یمنع بذل قلیل ما یفضل عنه، فإن ذلک جهد المقل، وفضله أکثر من أموال کثیرة تبذل عن ظهر غنی(6).


1- فی المحجة والإحیاء: "من عالم بخیل وأدوء الداء البخل".
2- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 6/62، کتاب ذم المال، بیان فضیلة السخاء. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 3/219، کتاب ذم البخل وذم حب المال، بیان فضیلة السخاء.
3- سورة الحشر/ 9.
4- سورة الإنسان/ 8.
5- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/172، بیان الإیثار.
6- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 120 __ 123، الفصل 5 __ 6. المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 7/357 __ 364، کتاب الفقر والزهد، بیان درجات الزهد وأقسامه. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 197 __ 201، کتاب الفقر والزهد، بیان درجات الزهد وأقسامه.

ص: 305

الباب السابع: محبة الله تعالی والأنس به

اشارة

ص: 306

ص: 307

فی محبة الله تعالی والأنس به وفیه فصول

الفصل الأول: فی حقیقتها

إعلم أن الحب للشیء عبارة عن المیل إلیه والالتذاذ به، وهو فرع معرفة ذلک الشیء، ومعرفته قد تکون بالحواس وقد تکون بالقلب، وکلما کانت المعرفة به أقوی واللذة أشد وأکثر کان الحب أقوی.

ولا ریب أن البصیرة الباطنة أقوی من البصر الظاهر، والقلب أشد إدراکاً من العین، وجمال المعانی المدرکة بالعقل أعظم من جمال الصور الظاهرة للأبصار، فتکون لا محالة لذة القلوب بما تدرکه من الأمور الشریفة الإلهیة التی تجل عن أن تدرکها الحواس أتم وأبلغ، فیکون میل الطبع السلیم والعقل الصحیح إلیه أقوی، فلا ینکر إذاً حب الله تعالی إلا من قعد به القصور فی درجة البهائم فلم یتجاوز إدراکه الحواس.

وکما أن الإنسان یحب نفسه وکمال نفسه وبقاء نفسه کذلک قد یحب غیره لذاته لا لحظ یناله منه وراء ذاته، بل تکون ذاته عین حظه، وهذا هو الحب الحقیقی البالغ الذی یوثق به.

ص: 308

وإن احتجت إلی شاهد علی ذلک فی عالم الدنیا فانظر إلی الطباع السلیمة کیف تراها تستلذ بالنظر إلی الأنوار والأزهار والأطیار الحسنة والألوان الملیحة، حتی إن الإنسان لتنفرج عنه الغموم بالنظر إلیها لا لطلب حظ وراء النظر.

وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعجبه النظر إلی الخضرة والماء الجاری(1)، فالخضرة والماء الجاری محبوبان لا لشرب الماء وأکل الخضرة.

ثم الحسن والجمال لیسا مقصورین علی مدرکات البصر ولا علی تناسب الخلقة، إذ یقال: هذا صوت حسن، وهذا خلق حسن، وهذا علم حسن، وهذه سیرة حسنة، ولیس شیء من هذه الصفات یدرک بالبصر. بل لیس الحسن والجمال مقصوراً علی مدرکات الحواس، إذ کثیر منها یدرک بالبصیرة الباطنة، ولذا تری الطباع السلیمة مجبولة(2) علی حب الأنبیاء والأئمة علیهم السلام مع أنهم لم یشاهدوهم.

ولما تواتر وصف أمیر المؤمنین بالشجاعة وحاتماً بالسخاء أحبتهما القلوب حباً ضروریاً بدون نظر إلی صورة محسوسة ولا عن حظ یناله المحب منهما.

ومن کانت البصیرة الباطنة أغلب علیه من الحواس الظاهرة کان حبه للمعانی الباطنة أکثر من حبة للمعانی الظاهرة.

ثم کل محب إما أن یحب نفسه أو یحب غیره، ومحبة الغیر إما لحسنه وجماله أو لإحسانه وکماله أو لمجانسة(3) بینه وبین المحب:


1- کنز العمال، المتقی الهندی: 7/150، أخلاق متفرقة/ ح18461.
2- الجبل: الخلق، جبلهم الله، فهم مجبولون. جبلة الإنسان علی هذا الأمر، أی: طبع علیه. کتاب العین، الفراهیدی: 6/137، مادة "جبل".
3- الجنس: الضرب من کل شیء. والجنس اعم من النوع، ومنه المجانسة والتجنیس. ویقال: هذا یجانس هذا، أی: یشاکله. لسان العرب، ابن منظور: 6/43، مادة "جنس".

ص: 309

أما محبة النفس فهی أشد وأقوی، لأن المحبة إنما تکون بقدر الملاءمة والمعرفة، ولا شیء أشد ملاءمة لأحد من نفسه، ولا هو لشیء أقوی معرفة منه بنفسه، ولهذا جعل معرفة نفسه مفتاحاً لمعرفة ربه، ووجود کل أحد فرع لوجود ربه، فمحبة نفسه ترجع إلی محبة ربه وإن لم یشعر المحب به.

وأما محبة الغیر لحسنه وجماله أو تقربه من الله وکماله فذلک لأن الجمال محبوب لذاته، سواء کان ذلک الجمال ظاهریاً صوریاً أو باطناً معنویاً، وکذا الکمال، والله تعالی هو الجمیل لذاته والکامل بذاته، وکل ملیح حسنه من جماله، وکل کامل فکماله فرع کماله، فما أحب أحد غیر خالقه ولکنه احتجب عنه تحت وجوه الأحباب وأستار الأسباب.

وکذا الکلام فی محبة الغیر للإحسان، فإن الإحسان أیضاً محبوب لذاته، سواء کان متعدیاً إلی المحب أم لا، ولا إحسان إلا من الله ولا محسن سوی الله جل شأنه، فإنه خالق الإحسان وذویه وجاعل أسبابه ودواعیه، وکل محسن فهو حسنة من حسنات قدرته وحسن فعاله، وقطرة من بحار کماله وأفضاله.

وأما محبة الغیر المجانسة فذلک لأن الجنس یمیل إلی الجنس، سواء کانت المجانسة لمعنی ظاهر کما أن الصبی یمیل إلی الصبی لصباه، أو لمعنی خفی کما یتفق بین شخصین من غیر ملاحظة جمال ولا طمع فی جاه أو مال، فإن «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناکر منها اختلف»(1)، وهذه المحبة فرع لمحبة النفس، فترجع إلی محبة الله کما عرفت.


1- من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق: 4/380، کتاب النوادر، من ألفاظ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الموجزة التی لم یسبق إلیها/ ح56.

ص: 310

فعلی کل وجه ما متعلق المحبة إلا الله، إلا أنه لا یعرف ذلک إلا أولیاؤه وأحباؤه، کما أشار إلیه سید الشهداء علیه السلام فی دعاء عرفة بقوله: وأنت الذی أزلت الأغیار عن قلوب أحبائک حتی لم یحبوا سواک ولم یلتجئوا إلی غیرک، فسبحان من احتجب عن أبصار العمیان غیرة علی جماله وجلاله أن یطلع علیه إلا من سبقت له منه الحسنی الذین هم عن نور الحجاب مبعدون، وترک الخاسرین فی ظلمات العمی یتیهون، وفی مسارح المحسوسات وشهوات البهائم یترددون، ((یَعْلَمُونَ ظاهِرًا مِنَ الْحَیاةِ الدُّنْیا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ غافِلُونَ(1))) (2).(3)

إذا عرفت هذا علمت فساد مقالة الزاعمین أن المحبة لا تکون إلا مع الجنس والمثل، ومحبة الله حقیقة ممتنعة.

الفصل الثانی: فی الشواهد علی محبة الله تعالی وفضلها

قال الله تعالی فی وصف أمیر المؤمنین وأولاده الطاهرین: ((سَوْفَ(4) یَأْتِی اللّهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَیُحِبُّونَهُ))(5) وقال تعالی: ((وَالَّذِینَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ))(6) وقال


1- فی النص القرآنی: "عن الآخرة هم غافلون".
2- سورة الروم/7.
3- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 178 __ 180، الباب الرابع فی المحبة والأنس، الفصل الأول المحبة بعد المعرفة والإدراک. المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 8/ 8 __ 16، کتاب المحبة والشوق والرضا والأنس، بیان حقیقة المحبة وأسبابها. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 259 __ 263، کتاب المحبة والشوق والأنس والرضا، بیان حقیقة المحبة وأسبابها وتحقیق معنی محبة العبد لله تعالی.
4- فی النص القرآنی: "فسوف".
5- سورة المائدة/ 54.
6- سورة البقرة/ 165.

ص: 311

تعالی: ((قُلْ إِن کانَ آباؤُکُمْ وَأَبْنآؤُکُمْ وَإِخْوانُکُمْ))(1) الی قوله تعالی: ((أَحَبَّ إِلَیْکُم مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ))(2) __ الآیة.

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: لا یؤمن أحدکم حتی یکون الله ورسوله أحب إلیه مما سواهما(3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم فی دعائه: اللهم ارزقنی حبک وحب من یحبک وحب ما یقربنی الی حبک، واجعل حبک أحب إلی من الماء البارد(4).

وفی الخبر المشهور(5) أن إبراهیم علیه السلام قال لملک الموت إذا جاءه لقبض روحه: هل رأیت خلیلاً یمیت خلیله؟ فأوحی الله إلیه: هل رأیت محباً یکره لقاء حبیبه؟ فقال یا ملک الموت الآن فاقبض(6).

وفی ما ناجی الله به موسی بن عمران: یا بن عمران کذب من زعم أنه یحبنی، فإذا جنه اللیل نام عنی، ألیس کل محب یحب خلوة حبیبه؟ هأنذا(7) یا بن عمران مطلع علی أحبائی، إذا جنهم اللیل حولت أبصارهم إلی من قلوبهم، ومثلت عقوبتی بین أعینهم یخاطبوننی عن المشاهدة ویکلموننی عن الحضور. یا بن


1- سورة التوبة/ 24.
2- سورة التوبة/ 24.
3- مسکن الفؤاد، الشهید الثانی: 17.
4- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 8/ 5 __ 6، کتاب المحبة والشوق والرضا والأنس.
5- الخبر المشهور: وهو ما شاع عند أهل الحدیث خاصة دون غیرهم بأن نقله منهم رواة کثیرون ولا یعلم هذا القسم إلا أهل الصناعة.أو عندهم وعند غیرهم،کحدیث «إنما الأعمال بالنیات» وأمره واضح،وهو بهذا المعنی أعم من الصحیح.أو عند غیرهم خاصة ولا أصل له عندهم وهو کثیر. الرعایة لحال البدایة فی علم الدرایة، الشهید الثانی: 80، المشهور.
6- أنظر: مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 223، بیان الحب لله ولرسوله(صلی الله علیه وآله وسلم).
7- فی الأمالی: «ها أناذا».

ص: 312

عمران هب لی من قلبک الخشوع ومن بدنک الخضوع ومن عینیک الدموع فی ظلم اللیل فإنک تجدنی قریباً(1).

وروی أن عیسی علیه السلام مر بثلاثة نفر قد نحلت أبدانهم وتغیرت ألوانهم، فقال لهم: ما الذی بلغ بکم ما أری؟ فقالوا: الخوف من النار. فقال: حق علی الله أن یؤمن الخائف، ثم جاوزهم إلی ثلاثة أُخر فإذا هم أشد نحولاً وتغیراً فقال: ما الذی بلغ بکم ما أری؟ قالوا: الشوق إلی الجنة. قال: حق علی الله أن یعطیکم ما ترجون. ثم جاوزهم إلی ثلاثة أُخر فإذا هم أشد نحولاً وتغیراً کأن علی وجوههم المرایا من النور، فقال: ما الذی بلغ بکم ما أری؟ قالوا: حب الله عزّوجل: فقال ثلاثاً: أنتم المقربون أنتم المقربون(2).

وروی الصدوق(3) فی علل الشرائع عن نبینا صلی الله علیه وآله وسلم أن شعیباً بکی من حب الله عزّوجل حتی عمی فرد الله علیه بصره، ثم بکی حتی عمی فرد الله علیه بصره، ثم بکی حتی عمی فرد الله علیه بصره، فلما کانت الرابعة أوحی الله إلیه: یا شعیب الی متی یکون هذا أبداً منک؟ إن یکن هذا خوفاً من النار فقد أجرتک وإن یکن شوقاً الی الجنة فقد ابحتک. فقال: إلهی وسیدی أنت تعلم أنی بکیت لا خوفاً


1- أنظر: الأمالی: الصدوق: 356 __ 357، المجلس السابع والخمسون/ ح1.
2- أنظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید: 10/ 156، من الخطبة رقم 186 له علیه السلام، ذکر الخوف وما ورد فیه من الآثار.
3- محمد بن علی بن الحسین بن بابویه: أبو جعفر، جلیل القدر، حفظة، بصیر بالفقه والأخبار، شیخ الطائفة وفقیهها ووجهها بخراسان، کان ورد بغداد سنة خمس وخمسین وثلاثمائة، سمع منه شیوخ الطائفة وهو حدیث السن، له مصنفات کثیرة لم یر فی القمیین مثله فی الحفظ وفی کثرة علمه، له نحو ثلاثمائة مصنف، مات بالری سنة إحدی وثمانین وثلاثمائة. رجال ابن داود، ابن داود: 179/ الرقم 1455.

ص: 313

من نارک ولا شوقاً الی جنتک ولکن عقد حبک علی قلبی فلست أصبر وأراک. فأوحی الله جل جلاله: أما إذا کان هذا هکذا فمن أجل هذا سأخدمک کلیمی موسی بن عمران(1).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام فی دعاء کمیل: فهبنی یا إلهی وسیدی ومولای وربی صبرت علی عذابک فکیف أصبر علی فراقک(2).

وقال ابنه سید الشهداء فی دعاء عرفة: أنت الذی أزلت الأغیار عن قلوب أحبائک حتی لم یحبوا سواک ولم یلجأوا إلی غیرک(3).

وقال علیه السلام(4): یا من أذاق أحباءه حلاوة المؤانسة فقاموا بین یدیه متملقین(5).

وفی المناجاة الإنجیلیة(6) المنسوبة إلی السجاد علیه السلام: وعزتک لقد أحببتک محبة استقرت فی قلبی حلاوتها وأنست نفسی بمباشرتها(7)، ومحال فی عدل أقضیتک أن تسد أسباب رحمتک عن معتقدی محبتک(8).


1- أنظر: علل الشرائع، الشیخ الصدوق: 1/ 57، باب 51 العلة التی من اجلها جعل الله عزّوجل موسی خادما لشعیب علیه السلام/ ح1.
2- إقبال الأعمال، ابن طاووس الحلی: 708، الباب التاسع فیما نذکره من فضل شهر شعبان وفوائده وکمال موائده وموارده.
3- إقبال الأعمال، ابن طاووس الحلی: 349، الباب الثالث فیما یختص بفوائد من شهر ذی الحجة وموائد للسالکین صوب المحجة، فصل فیما نذکره من أدعیة یوم عرفة.
4- أی: "الإمام الحسین بن علی علیهما السلام".
5- المصدر السابق.
6- قال الشیخ النمازی فی مستدرک البحار:المناجاة الإنجیلیة فیها جوامع العلوم والمعارف الحقة الإلهیة. مستدرک سفینة البحار، الشیخ النمازی:9/ 567، أدعیة المناجاة.
7- فی البحار: "نفسی ببشارتها".
8- بحار الأنوار، المجلسی: 91/ 169، کتاب الذکر والدعاء، باب 32 أدعیة المناجاة/ قطعة من المناجاة.

ص: 314

وفی مناجاته الأخری: إلهی فاجعلنا من الذین ترسخت أشجار(1) الشوق إلیک فی حدائق صدورهم، وأخذت لوعة محبتک بمجامع قلوبهم(2).

وقال علیه السلام(3): وألحقنا بعبادک الذین هم بالبدار إلیک یسارعون، وبابک علی الدوام یطرقون، وإیاک فی اللیل والنهار یعبدون، وهم من هیبتک مشفقون، الذین صفیت لهم المشارب وبلغتهم الرغائب(4).

وقال علیه السلام(5): وملأت حفائرهم من حبک، ورویتهم من صافی شراب ودک، فبک إلی لذیذ مناجاتک وصلوا، ومنک علی أقصی مقاصدهم حصلوا. ثم قال علیه السلام: فقد انقطعت إلیک همتی وانصرفت نحوک رغبتی، فأنت لا غیرک مرادی ولک لا سواک سهری وسهادی، ولقاؤک قرة عینی، ووصلک منی نفسی، وإلیک شوقی، وفی محبتک ولهی، وإلی هواک صبابتی، ورضاک بغیتی، ورؤیتک حاجتی، وجوارک طلبتی، وقربک غایة مسألتی، وفی مناجاتک روحی وراحتی، وعندک دواء علتی وشفاء غلتی وبرد لوعتی وکشف کربتی. ثم قال: ولا تقطعنی عنک یا نعیمی وجنتی ویا دنیای وآخرتی(6).


1- فی البحار: "توشحت أشجار".
2- بحار الأنوار، المجلسی: 91/ 150، کتاب الذکر والدعاء، باب 32 أدعیة المناجاة، المناجاة الثانیة عشر مناجاة العارفین لیوم الثلاثاء/ قطعة من المناجاة.
3- أی: "الإمام السجاد علیه السلام".
4- الصحیفة السجادیة، الإمام زین العابدین علیه السلام : 412 ، فی مناجاة المریدین. قطعة من المناجاة.
5- أی: "الإمام السجاد علیه السلام".
6- أنظر: الصحیفة السجادیة، الإمام زین العابدین علیه السلام : 413 ، فی مناجاة المریدین لیوم الجمعة.

ص: 315

وقال علیه السلام(1) أیضاً: إلهی من ذا الذی ذاق حلاوة محبتک فرام منک بدلاً، ومن ذا الذی آنس بقربک فابتغی عنک حولا. إلهی فاجعلنی ممن اصطفیته لقربک وولایتک، وأخلصته لودک ومحبتک، وشوقته إلی لقائک، وأرضیته بقضائک، ومنحته النظر إلی وجهک، وحبوته برضاک وأعذته من هجرک وقلاک. ثم قال علیه السلام(2): وهیمت قلبه لإرداتک، واجتبیته لمشاهدتک، وأخلیت وجهه لک، وفرغت فؤاده لحبک. ثم قال علیه السلام(3): اللهم اجعلنا ممن دأبهم الارتیاح إلیک والحنین، ودیدنهم الزفرة والأنین، وجباههم ساجدة لعظمتک، ودموعهم سائلة من خشیتک، وقلوبهم معلقة بمحبتک، وأفئدتهم منخلعة من هیبتک. یا من أنوار قدسه لا تزال شارقة وسبحات نور وجهه لقلوب عارفیه شائقة، یا منتهی قلوب المشتاقین، ویا غایة آمال المحبین، أسألک حبک وحب من یحبک وحب کل عمل یوصل إلی قربک وأن تجعلک أحب إلی ممن سواک(4).

وقال أیضاً(5): إلهی ما ألذ خواطر الإلهام بذکرک علی القلوب، وما أحلی المسیر إلیک فی مسالک العیوب، وما أطیب حبک، وما أعذب شرب قربک.(6) إلی أن قال(7): وغلتی لا یبردها إلاّ وصلک، ولوعتی لا یطفئها إلا لقاؤک، وشوقی


1- أی: "الإمام زین العابدین علیه السلام".
2- أی: "الإمام زین العابدین علیه السلام".
3- أی: "الإمام زین العابدین علیه السلام".
4- أنظر:الصحیفة السجادیة،الإمام زین العابدین علیه السلام:413 __ 414،فی مناجاة المحبین لیوم السبت.
5- أی: "الإمام السجاد علیه السلام".
6- أنظر: الصحیفة السجادیة، الإمام زین العابدین علیه السلام: 418، فی مناجاة العارفین لیوم الثلاثاء/ ذیل المناجاة.
7- أی: "الإمام زین العابدین علیه السلام".

ص: 316

إلیک لا یبله إلا النظر إلی وجهک، وقراری لا یقر دون دنوی منک، ولهفتی لا یردها إلا روحک، وسقمی لا یشفیه إلا طبک، وغمی لا یزیله إلا قربک، وجرحی لا یبرئه إلا صفحک، وصدأ قلبی(1) لا یجلوه إلا عفوک، ووسواس صدری لا یزیحه إلا منّک(2).

الفصل الثالث: فی معنی محبة الله سبحانه لعبده

یرجع معناها إلی کشف الحجاب عن قلبه حتی یراه بقلبه، وإلی تمکینه إیاه من القرب إلیه، وإلی إرادته ذلک به، وإلی تطهیر باطنه من حب غیره وتخلیته عن عوائق تحول بینه وبین مولاه حتی لا یسمع إلا بالحق ومن الحق ولا یبصره إلا به ولا ینطق إلا به، کما ورد فی الحدیث القدسی: لا یزال العبد یتقرب إلی بالنوافل حتی أحبه، فإذا أحببته کنت سمعه الذی یسمع به وبصره الذی یبصر به ولسانه الذی ینطق به(3).

فیکون تقربه بالنوافل سبباً لصفاء باطنه وارتفاع الحجاب عن قلبه وحصوله فی درجة القرب من ربه، وکل ذلک من فضل الله ولطفه به، قال تعالی: ((یُحِبُّهُمْ وَیُحِبُّونَهُ))(4) وقال: ((إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفًّا))(5) وقال: ((إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ التَّوّابِینَ وَیُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِینَ))(6).


1- فی الصحیفة السجادیة: "ورین قلبی".
2- الصحیفة السجادیة،الإمام زین العابدین:415، فی مناجاة المفتقرین/ قطعة من المناجاة.
3- أنظر: الکافی، الکلینی:2/352، کتاب الإیمان والکفر، باب من آذی المسلمین واحتقرهم/ح7.
4- سورة المائدة/ 54.
5- سورة الصف/ 4.
6- سورة البقرة/ 222.

ص: 317

وقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إن الله یعطی الدنیا من یحب ومن لا یحب، ولا یعطی الإیمان إلاّ من یحب(1).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: إذا أحب الله عبداً ابتلاه، فإن صبر اجتباه وإن رضی اصطفاه(2).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: إذا أحب الله عبداً جعل له واعظاً من نفسه وزاجراً من قلبه یأمره وینهاه(3).

وأخص علاماته حبه لله، فإن ذلک یدل علی حب الله عزّوجل له.

وأما الفعل الدال علی کونه محبوباً فهو أن یتولی الله أمره ظاهره وباطنه سره وجهره، فیکون هو المشیر علیه والمدبر لأموره والمزین لأخلاقه والمستعمل لجوارحه والمسدد لظاهره وباطنه والجاعل لهمومه هماً واحداً، والمبغض للدنیا فی قلبه والموحش له من غیره والمؤنس له بلذة المناجاة فی خلواته والکاشف له عن الحجب بینه وبین معرفته.

ثم اعلم أن الطریق إلی تحصیل المحبة وتقویتها تطهیر القلب عن شواغل الدنیا وعلائقها والتبتل إلی الله بالذکر والفکر، ثم إخراج حب غیر الله منه، فإن القلب مثل الإناء الذی لا یسع للخل مثلاً ما لم یخرج منه الماء، و((ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِن قَلْبَیْنِ فِی جَوْفِهِ))(4).


1- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 8/ 63 __ 64، کتاب المحبة والشوق والرضا والأنس، بیان محبة الله عزّوجل للعبد ومعناها.
2- أنظر: مسکن الفؤاد، الشهید الثانی: 84، الباب الثالث فی الرضا.
3- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 8/ 67، کتاب المحبة والشوق والرضا والأنس، بیان محبة الله عزّوجل للعبد ومعناها.
4- سورة الأحزاب/ 4.

ص: 318

وکمال الحب فی أن یحب الله بکل قلبه، وما دام یلتفت إلی غیره فزاویة من قلبه مشغولة لغیره، فبقدر ما یشتغل بغیر الله ینقص منه حب الله، إلا أن یکون التفاته الی الغیر من حیث إنه صنع الله وفعل الله ومظهر من مظاهر أسماء الله.

وبالجملة أن یحبه لله وفی الله کحب الأنبیاء المرسلین والأئمة الطاهرین والأولیاء والصالحین.

اللهم ارزقنا حبک وحب من یحبک وحب ما یقرب الی حبک، وهیئ لنا أسباب حبک حتی نحبک ونحب من یحبک بمحمد وآله(1).


1- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 8/ 43 __ 50، کتاب المحبة والشوق والرضا والأنس، بیان الأسباب المقویة لحب الله تعالی.

ص: 319

الباب الثامن: الیقین

اشارة

ص: 320

ص: 321

فی الیقین وفیه فصلان

الفصل الأول: فی فضله

قال الله تعالی: ((وَبِالآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ))(1).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: من(2) أقل ما أوتیتم الیقین وعزیمة الصبر، ومن أوتی حظه منهما لم یبال ما فاته من صیام النهار وقیام اللیل(3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم لما قیل له: رجل حسن الیقین کثیر الذنوب، ورجل مجتهد فی العبادة قلیل الیقین؟ فقال صلی الله علیه وآله وسلم: ما آدمی إلا وله ذنوب، ولکن من کان غریزته العقل وسجیته الیقین لم تضره الذنوب، لأنه کلما أذنب ذنباً تاب واستغفر وندم، فیکفّر ذنوبه ویبقی له فضل یدخل به الجنة(4).


1- سورة البقرة/ 4.
2- لیس فی جامع السعادات: "من".
3- جامع السعادات، النراقی: 1/ 154، الیقین.
4- أنظر: إحیاء علوم الدین، الغزالی: 1/ 72، کتاب العلم، الباب السادس فی آفات العلم وبیان علامات علماء الآخرة والعلماء السوء.

ص: 322

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: الیقین الإیمان کله(1).

وفی الکافی عن الصادق علیه السلام قال: لیس شیء إلا وله حد. قیل له: جعلت فداک فما حد التوکل؟ قال: الیقین.  قیل: فما حد الیقین؟ قال: ألا یخاف مع الله شیئاً(2).

وقال علیه السلام(3): من صحة یقین المسلم أن لا یُرضی الناس بسخط الله ولا یلومهم علی ما لم یؤته الله، فإن الرزق حرص حریص ولا یرده کراهیة کاره، ولو أن أحدکم فرّ من رزقه کما یفرّ من الموت لأدرکه رزقه کما یدرکه الموت، ثم قال علیه السلام(4): إن الله بعدله وقسطه جعل الروح والراحة فی الیقین والرضا، وجعل الهم والحزن فی الشک والسخط(5).

أراد علیه السلام(6) بقوله: «ولا یلومهم علی ما لم یؤته الله» أن لا یشکوهم علی ترک صلتهم إیاه بالمال ونحوه، فإن ذلک شیء لم یقدره الله له ولم یرزقه إیاه، ومن کان من أهل الیقین عرف أن ذلک کذلک فلا یلوم أحداً بذلک، وعرف أن ذلک مما اقتضته ذاته بحسب استحقاقه وما أوجبته حکمة الله فی أمره(7).

وقال علیه السلام(8): إن العمل الدائم القلیل علی الیقین أفضل عند الله من العمل الکثیر علی غیر یقین(9).


1- إرشاد القلوب، الدیلمی: 1/ 127، الباب الثامن والثلاثون فی الصبر.
2- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 57، کتاب الإیمان والکفر، باب فضل الیقین/ ح1.
3- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
4- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
5- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 57، کتاب الإیمان والکفر، باب فضل الیقین/ ح2.
6- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
7- أنظر: بحار الأنوار، المجلسی: 67/ 143، کتاب الإیمان والکفر، باب 52 الیقین والصبر علی الشدائد/ بیان العلامة المجلسی علی الحدیث 7.
8- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
9- الکافی، الکلینی: 2/ 57، کتاب الإیمان والکفر، باب فضل الیقین/ ح3.

ص: 323

وقال علیه السلام(1): قال أمیر المؤمنین علیه السلام علی المنبر: لا یجد أحدکم طعم الإیمان حتی یعلم أن ما أصابه لم یکن لیخطئه،وأن ما أخطأه(2) لم یکن لیصیبه(3).

وقال علیه السلام(4): إن أمیر المؤمنین جلس إلی حائط مائل یقضی بین الناس، فقال بعضهم: لا تقعد تحت هذا الحائط فإنه معور، فقال علیه السلام(5): حرس امرئ أجله، فلما قام علیه السلام سقط الحائط. قال: وکان علیه السلام مما یفعل هذا وأشباهه، وهذا الیقین(6).

وعن صفوان الجمال(7) قال: سألت الصادق علیه السلام(8) عن قول الله عزّوجل: ((وَأَمَّا الْجِدارُ فَکانَ لِغُلامَیْنِ یَتِیمَیْنِ فِی الْمَدِینَةِ وَکانَ تَحْتَهُ کَنزٌ لَهُما))(9) فقال: أما إنه ما کان ذهباً ولا فضة، وإنما کان أربع کلمات: لا إله إلا أنا من أیقن بالموت لم یضحک سنه، ومن أیقن بالحساب لم یفرح قلبه، ومن أیقن بالقدر لم یخش إلا الله(10).


1- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
2- فی مجموعة ورام: "وما أخطأه".
3- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 2/ 184.
4- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
5- أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام.
6- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 58، کتاب الإیمان والکفر، باب فضل الیقین/ ح5.
7- صفوان بن مهران بن المغیرة الأسدی، مولاهم ثم مولی بنی کاهل منهم، کوفی، ثقة، یکنی أبا محمد، کان یسکن بنی حرام بالکوفة. روی عن أبی عبد الله علیه السلام، وکان صفوان جمالا، له کتاب یرویه جماعة. رجال النجاشی، النجاشی: 198، باب الصاد/ الرقم 525.
8- فی الکافی: "سألت أبا عبد الله علیه السلام".
9- سورة الکهف/ 82.
10- الکافی، الکلینی: 2/ 58، باب الإیمان والکفر، باب فضل الیقین/ ح6.

ص: 324

هکذا رواه الکافی، ولعله سقط من النساخ شیء، وتأتی الکلمة الرابعة فی روایة أخری(1).

وعنه علیه السلام(2) قال: کان أمیر المؤمنین یقول: لا یجد عبد طعم الإیمان حتی یعلم أن ما أصابه لم یکن لیخطئه وأن ما أخطأه لم یکن لیصیبه، وأن الضار النافع هو الله عزّوجل(3).

وعن سعید بن قیس الهمدانی(4) قال: نظرت یوماً فی الحرب إلی رجل علیه ثوبان، فحرکت فرسی فإذا هو أمیر المؤمنین علیه السلام فقلت: یا أمیر المؤمنین فی مثل هذا الموضع؟ فقال: نعم یا سعید إنه لیس من عبد إلا وله من الله عزّوجل حافظة واقیة معه ملکان یحفظانه من أن یسقط من رأس جبل أو یقع فی بئر، فإذا نزل القضاء خلیا بینه وبین کل شیء(5).


1- عن العالم علیه السلام أنه سئل عن قول الله تبارک وتعالی : ((وَکانَ تَحْتَهُ کَنْزٌ لَهُما)) سورة الکهف/82. فقال: والله ما کان ذهبا ولا فضة ولکنه کان لوحا مکتوبا علیه أربعة أحرف: أنا الله لا إله إلا أنا من أیقن بالموت لم یضحک سنه، و من أیقن بالحساب لم یفرح قلبه، ومن أیقن بالقدر علم أنه لا یصیبه إلا ما قدر علیه. فقه الرضا، الإمام الرضا علیه السلام: 370 __ 371، باب 102 التواضع والزهد.
2- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
3- أنظر: مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 2/ 184.
4- سعید بن قیس الهمدانی الصائدی الکوفی. قال الفضل بن شاذان ومن التابعین الکبار ورؤسائهم وزهادهم فعد جماعة منهم سعید بن قیس. جامع الرواة، الأردبیلی: 1/ 361، باب السین.
5- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 59، کتاب الإیمان والکفر، باب فضل الیقین/ ح8.

ص: 325

وعن الرضا علیه السلام قال: کان فی الکنز الذی قال الله عزّوجل: ((وَکانَ تَحْتَهُ کَنزٌ لَهُما))(1) فیه بسم الله الرحمن الرحیم: عجبت لمن أیقن بالموت کیف یفرح، وعجبت لمن أیقن بالقدر کیف یحزن، وعجبت لمن رأی الدنیا وتقلبها کیف یرکن إلیها، وینبغی لمن عقل عن الله أن لا یتهمه فی قضائه ولا یستبطئه فی رزقه(2).

وعن الصادق علیه السلام قال: کان قنبر(3) غلام علی یحب علیاً علیه السلام حباً شدیداً، فإذا خرج علی خرج علی أثره بالسیف، فرآه ذات لیلة فقال له: یا قنبیر ما لک؟ فقال: جئت لأمشی خلفک یا أمیر المؤمنین. فقال: ویحک أمن أهل السماء تحرسنی أم من أهل الأرض؟ فقال: لا بل من أهل الأرض. فقال: إن أهل الأرض لا یستطیعون لی شیئاً إلا بإذن الله فارجع، فرجع(4).

وروی عنه(5) أنه قیل للرضا علیه السلام: إنک تتکلم بهذا الکلام والسیف یقطر دماً؟ فقال علیه السلام: إن لله وادیاً من ذهب حماه بأضعف خلقه وهو النمل، فلو رامه النجاشی لم یصله إلیه(6).


1- سورة الکهف/ 82.
2- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 59، کتاب الإیمان والکفر، باب فضل الیقین/ ح9.
3- قنبر مولی أمیر المؤمنین علیه السلام، قتله الحجاج علی حبه. رجال ابن داود، ابن داود الحلی: 278، باب القاف/الرقم 1206.
4- أنظر: مشکاة الأنوار، الطبرسی: 13، الباب الأول فی الإیمان والإسلام وما یتعلق بهما، الفصل الثالث فی الیقین.
5- أنظر: سند الحدیث ونصه فی الهامش الآتی.
6- الکافی، الکلینی: 2/ 59، کتاب الإیمان والکفر، باب فضل الیقین/ ح11. وفیه النص: «عَلِیُّ بْنُ إِبْراهِیمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی، عَنْ یُونُسَ، عَمَّنْ ذَکَرَهُ، قالَ: قِیلَ لِلرِّضا علیه السلام:إِنَّکَ تَتَکَلَّمُ بِهَذَا الْکَلامِ وَالسَّیْفُ یَقْطُرُ دَماً، فَقَالَ:إِنَّ لِلَّهِ وَادِیاً مِنْ ذَهَبٍ حَمَاهُ بِأَضْعَفِ خَلْقِهِ النَّمْلِ فَلَوْ رَامَهُ الْبَخَاتِیُّ لَمْ تَصِلْ إِلَیْهِ».

ص: 326

الفصل الثانی: فی حقیقة الیقین

الیقین أن یری الأشیاء کلها بقضها وقضیضها من مسبب الأسباب ومالک الرقاب، ولا یلتفت إلی الوسائط بل یری الوسائط کلها مسخرة لأمر الله وحکمه، وإذا علم ذلک وتحقق ما هنالک حصل له الوثوق بضمان الله للرزق فیقطع طمع قلبه عما فی أیدی الناس، ویعلم أن ما قدر له سیساق إلیه ثم أن یغلب علی قلبه أن من ((یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ (7) وَمَن یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ))(1)، ثم المعرفة بأن الله مطلع علیه فی کل حال عالم بسرائره وخبیر بضمائره، ومشاهد لهواجس(2) ضمیره وخفایا خواطره، فیکون متأدباً فی جمیع أحواله وأعماله مع الله تعالی، ویعبد الله کأنه یراه ویعلم بأنه یراه(3)، وتکون مبالغته فی عمارة باطنه وتطهیره وتزیینه لعین الله الکالئة(4) اشد من مبالغته فی تزیین ظاهره لسائر الناس(5).


1- سورة الزلزلة/ 7 __ 8.
2- الهجس: أن یحدث نفسه فی صدره مثل الوسواس. وهجس فی صدری شیء یهجس، أی: حدس. تاج العروس، الزبیدی: 4/271، مادة "الهجس".
3- قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی وصیة له لأبی ذر: «یا أبا ذر أعبد الله کأنک تراه، فإن کنت لا تراه فإنه عزوجل یراک». الأمالی، الطوسی: 526، المجلس 19.
4- کلأه یکلؤه کلأ وکلاء و کلاءة، بالکسر: حرسه وحفظه. لسان العرب، ابن منظور: 1/ 146، مادة "کلأ".
5- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق،  الفیض الکاشانی: 193، الباب الخامس فی الیقین والتوکل، الفصل الأول عظم شأن الیقین ودرجاته.

ص: 327

وفی مصباح الشریعة: قال الصادق علیه السلام: الیقین یوصل العبد إلی کل حال سنیٍّ ومقام عجیب، کذلک أخبر رسول الله عن عظم شأن الیقین حین ذکر عنده أن عیسی بن مریم علیه السلام کان یمشی علی الماء، فقال: لو زاد یقینه لمشی فی الهواء، فدل بهذا علی أن الأنبیاء مع جلالة محلهم من الله کانوا یتفاضلون علی حقیقة الیقین لا غیر، ولا نهایة لزیادة الیقین علی الأبد.

والمؤمنون أیضاً متفاوتون فی قوة الیقین وضعفه: فمن قوی منهم یقینه فعلامته التبری من الحول والقوة إلا بالله، والاستقامة علی أمر الله، وعبادته ظاهراً وباطناً، قد استوت عنده حالتا العدم والوجود والزیادة والنقصان والمدح والذم والعز والذل، لأنه یری کلها من عین واحدة.

ومن ضعف یقینه تعلق بالأسباب، ورخص لنفسه بذلک، واتبع العادات وأقاویل الناس لغیر حقیقة، والسعی فی أمور الدنیا وجمعها وإمساکها مقراً باللسان أنه لا مانع ولا معطی إلا الله، وأن العبد لا یصیبه إلا ما رزق وقسم له، والجهد لا یزید فی الرزق وینکر ذلک بفعله وقلبه(1)، قال الله تعالی: ((یَقُولُونَ بِأَفْواهِهِم ما لَیْسَ فِی قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِما یَکْتُمُونَ))(2).

وإنما عطف الله لعباده حیث أذن لهم فی الکسب والحرکات فی باب العیش ما لم یتعدوا حدوده ولا یترکوا من فرائضه وسنن نبیه فی جمیع حرکاتهم ولا یعدلوا عن محجة التوکل ولا یقفوا فی میدان الحرص، وأما إذا أبوا ذلک فارتبطوا بخلاف ما حدّ لهم کانوا من الهالکین الذین لیس معهم فی الحاصل إلا الدعاوی الکاذبة.


1- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 193 __ 194، الباب الخامس فی الیقین والتوکل، الفصل الأول عظم شأن الیقین ودرجاته.
2- سورة آل عمران/ 167.

ص: 328

وکل مکتسب لا یکون متوکلاً فلا یستجلب من کسبه إلی نفسه إلا حراماً وشبهة، وعلامته أن یؤثر ما یحصل من کسبه ویجوع وینفق فی سبیل الدین ولا یمسک، والمأذون بالکسب من کان بنفسه مکتسباً وبقلبه متوکلاً، وإن کثر المال عنده قام فیه کالأمین عالماً بأن کون ذلک وفوته سواء، وإن أمسک أمسک لله وإن أنفق أنفق فی ما أمره الله عزّوجل، ویکون منعه وعطاؤه فی الله(1).


1- أنظر: مصباح الشریعة، الإمام الصادق علیه السلام: 177 __ 179، الباب الرابع والثمانون فی الیقین.

ص: 329

الباب التاسع: التوکل

اشارة

 

ص: 330

ص: 331

فی التوکل والکلام فیه فی فصول

الفصل الأول: فی فضله

قال الله تعالی: ((وَعَلَی اللّهِ فَتَوَکَّلُواْ إِن کُنتُم مُّؤْمِنِینَ))(1) وقال: ((وَمَن یَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ))(2) وقال تعالی: ((إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُتَوَکِّلِینَ))(3). فأعظم بمقام موسوم بمحبة الله صاحبه ومضمون بکفایة الله لا بسه، فإن المحبوب لا یعذب ولا یبعد ولا یحجب(4).

وقال تعالی: ((أَلَیْسَ اللّهُ بِکافٍ عَبْدَهُ))(5) فطالب الکفایة من غیره هو التارک للتوکل وهو المکذب(6) بهذه الآیة(7).(8)


1- سورة المائدة/ 23.
2- سورة الطلاق/ 3.
3- سورة آل عمران/ 159.
4- أنظر: إرشاد القلوب، الدیلمی: 1/ 120، فی الحکم والمواعظ، الباب الخامس والثلاثون فی التوکل علی الله.
5- سورة الزمر/ 36.
6- فی مجموعة ورام: "مکذب".
7- سورة الزمر/ 36.
8- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 221، بیان فضیلة التوکل.

ص: 332

وقال تعالی: ((وَمَن یَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ))(1) أی عزیز لا یذل من استجار به ولا یضیع من لاذ به والتجأ إلی حماه، وحکیم لا یقصر عن تدبیر من توکل علی تدبیره(2).

وقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: لو أنکم تتوکلون علی الله حق توکله لرزقکم کما یرزق الطیر، تغدو خماصاً وتروح بطاناً(3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: من انقطع الی الله کفاه الله کل مؤونة ورزقه من حیث لا یحتسب، ومن انقطع الی الدنیا وکله الله إلیها(4).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم:من سره أن یکون أغنی الناس فلیکن بما فی ید الله أوثق منه بما فی یده(5).(6)

وعن الصادق علیه السلام:إن الغنی والعز یجولان،فإذا ظفرا بموضع التوکل أوطنا(7).(8)

وعن الکاظم علیه السلام فی قوله تعالی: ((وَمَن یَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ))(9) قال: للتوکل علی الله درجات: منها أن تتوکل علی الله فی أمورک کلها، فما فعل


1- سورة الأنفال/ 49.
2- أنظر: مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 221، بیان فضیلة التوکل.
3- جامع الأخبار، الشعیری: 117، الفصل الثالث والسبعون فی التوکل.
4- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 222، بیان فضیلة التوکل.
5- فی المشکاة: "أوثق منه فی یدیه".
6- مشکاة الأنوار، الطبرسی: 18، الباب الأول فی الإیمان والإسلام وما یتعلق بهما، الفصل الرابع فی التوکل علی الله والتفویض إلیه والتسلیم له/ ذیل الحدیث.
7- فی التحف: "أوطناه".
8- تحف العقول، الحرانی: 373، روی عن الإمام الصادق أبی عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله علیه فی طوال هذه المعانی، وروی عنه علیه السلام فی قصار هذه المعانی.
9- سورة الطلاق/ 3.

ص: 333

بک کنت عنه راضیاً، تعلم أنه لا یألوک إلا خیراً وفضلاً، وتعلم أن الحکم فی ذلک له، فتوکل علی الله بتفویض ذلک إلیه، وثق به فیها وفی غیرها(1).

ولعل سائر درجات التوکل أن یتوکل علی الله بعض أموره دون بعض، فتعددها بحسب کثر الأمور المتوکل فیها وقلّتها.

وعن الصادق علیه السلام: أوحی الله إلی داود: ما اعتصم بی عبد من عبادی دون أحد من خلقی عرفت ذلک من نیته، ثم تکیده السماوات والأرض ومن فیهن إلا جعلت له المخرج من بینهن، وما اعتصم أحد من عبادی بأحد من خلقی عرفت ذلک من نیته إلا قطعت أسباب السماوات من یدیه وأسخت الأرض من تحته، ولم أبال بأی واد هلک(2).

وعنه علیه السلام(3): إنه قرأ فی بعض الکتب أن الله تعالی یقول: وعزتی وجلالی ومجدی وارتفاعی علی عرشی لأقطعن أمل کل مؤمل غیری بالیأس، ولأکسونه ثوب المذلة عند الناس، ولأنحینه من قربی، ولأبعدنه من وصلی، أیؤمل غیری فی الشدائد، والشدائد بیدی، ویرجو غیری، ویقرع بالفکر باب غیری وبیدی مفاتیح الأبواب وهی مغلقة وبابی مفتوح لمن دعانی، فمن ذا الذی أمّلنی لنوائبی فقطعته دونها، ومن ذا الذی رجانی لعظیمة فقطعت رجاءه منی، جعلت آمال عبادی عندی محفوظة فلم یرضوا بحفظی، وملأت سماواتی ممن لا یمل تسبیحی، وأمرتهم أن لا یغلقوا الأبواب بینی وبین عبادی فلم یثقوا بقولی، ألم یعلم من


1- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/65، کتاب الإیمان والکفر، باب التفویض إلی الله والتوکل علیه/ح5.
2- أنظر: مشکاة الأنوار، الطبرسی: 16، الباب الأول فی الإیمان والإسلام وما یتعلق بهما، الفصل الرابع فی التوکل علی الله والتفویض إلیه والتسلیم له.
3- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".

ص: 334

طرقته نائبة من نوائبی أنه لا یملک کشفها أحد غیری، أفترانی أبدأ بالعطاء قبل المسألة ثم أسأل فلا أجیب سائلی، أبخیل أنا فیبخلنی عبدی، أو لیس الجود والکرم لی، أو لیس العفو والرحمة بیدی، أو لیس أنا محل الآمال فمن یقطعها دونی، أفلا یخشی المؤملون أن یؤملوا غیری، فلو أن أهل سماواتی وأهل أرضی أملوا جمیعاً ثم أعطیت کل واحد منهم مثل ما أمل الجمیع ما انتقص من ملکی مثل عضو ذرة، وکیف ینقص ملک أنا قیمته، فیا بؤساً للقانطین من رحمتی، ویا بؤساً لمن عصانی ولم یراقبنی(1).

الفصل الثانی: فی حقیقة التوکل

إعلم أن التوکل منزل من منازل الدین ومقام من مقامات الموقنین(2)، بل هو من معانی درجات المقربین(3)، وهو فی نفسه غامض من حیث العلم وشاق وقال علیه السلام(4): لا تنظروا إلی طول رکوع الرجل وسجوده، بل انظر الی خُلقه وعمله(5).


1-   أنظر: منیة المرید، الشهید الثانی: 160 __ 161، الباب الأول فی آداب المعلم والمتعلم، القسم الأول آدابهما فی أنفسهما، فی التوکل علی الله تعالی والاعتماد علیه.
2- الیقین: العلم و إزاحة الشک، و تحقیق الأمر. والیقین: نقیض الشک. لسان العرب، ابن منظور: 13/ 457، مادة "یقن".
3- قیل فی المقریبن، أنهم: علی علیه السلام وأصحابه. مناقب آل أبی طالب، ابن شهر آشوب: 3/ 231. قال الحسینی: فی تفسیر سورة الواقعة/ 88: ((فَأَمَّا إِن کَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِینَ))  قال: ذاک من کان منزله عند الإمام. تأویل الآیات، الحسینی: 631، تأویل سورة الواقعة. 
4- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
5- الکافی، الکلینی: 2/ 105، کتاب الإیمان والکفر، باب الصدق والأمانة/ ح12. وفیه النص: «قال أبو عبد الله علیه السلام: لا تنظروا إلی طول رکوع الرجل وسجوده فإن ذلک شیء اعتاده فلو ترکه استوحش لذلک ولکن انظروا إلی صدق حدیثه وأداء أمانته».

ص: 335

ووجه غموضه من حیث العلم أن ملاحظة الأسباب والاعتماد علیها شرک فی التوحید، والتباعد عنها بالکلیة طعن فی السنّة وقدح فی الشرع، والاعتماد علی الأسباب انغماس(1) فی غمرة(2) الجهل.

والتحقیق فیه أن التوکل المأمور به فی الشرع هو اعتماد القلب علی الله فی الأمور کلها وانقطاعه عما سواه، ولا ینافیه تحصیل الأسباب إذا لم یکن یسکن إلیها، وکان سکونه إلی الله تعالی دونها مجوزاً أن یؤتیه الله مطلوبه من حیث لا یحتسب دون هذه الأسباب التی حصلها، وأن یقطع الله هذه الأسباب عن مسبباتها، سواء کانت لجلب نفع متوقع أو لدفع ضرر منتظر أو لإزالة آفة واقعة، وسواء کانت مقطوعاً بها، کمد الید إلی الطعام لیصل إلی فیه، أو مظنونة کحمل الزاد للسفر وأخذ السلاح للعدو واتخاذ البضاعة للتجارة والادخار لتجدد الاضطرار والتداوی لإزالة الضرر والتحرز عن النوم فی مکمن السباع وممر السیل وتحت الحائط المائل وغلق الباب وعقل البعیر ونحو ذلک.

أما الموهومة کالرقیة(3) والطیرة(4) والاستقصاء(5) فی دقائق التدبیر، فیبطل بها


1- الغمس: إرساب الشیء فی الشیء. وقال علی بن حجر: الإغتماس أن یطیل اللبث فیه. لسان العرب، ابن منظور: 6/156، مادة "غمس".
2- الغمرة منهمک الباطل، ومرتکض الهول. ویقال: هو یضرب فی غمرة اللهو ویتسکع فی غمرة الفتنة، وغمرة الموت: شدة همومه. لسان العرب، ابن منظور: 5/29، مادة "غمر".
3- الرقیة: العوذة التی یرقی بها صاحب الآفة کالحمی والصرع وغیر ذلک من الآفات. النهایة فی غریب الحدیث، ابن الأثیر: 2/254، باب الراء مع القاف.
4- الطیرة بکسر الطاء وفتح الیاء، وقد تسکن: هی التشاؤم بالشیء. یقال: التطیر بالسوائح والبوارح من الطیر والظباء وغیرهما. وکان ذلک یصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله ونهی عنه، وأخبر أنه لیس له تأثیر فی جلب نفع أو دفع ضر. النهایة فی غریب الحدیث، ابن الأثیر: 3/152، باب الطاء مع الیاء.
5- القصا: البعد والناحیة. الصحاح، الجوهری: 6/ 2462، مادة "قصا".

ص: 336

التوکل، لأن أمثال ذلک لیست بأسباب عند العقلاء الألباء(1)، ولیست مما أمر الله بها، بل ورد النهی عنها.

ولیس معنی التوکل __ کما یظنه الحمقاء __ أنه ترک الکسب بالبدن وترک التدبیر بالقلب، والسقوط علی الأرض کالخرقة الملقاة واللحم علی الوضم(2)، فإن ذلک جهل محض(3)، وهو حرام فی الشرع، فإن الإنسان مکلف بطلب الرزق بالأسباب التی هداه الله إلیها من زراعة أو تجارة أو صناعة أو غیر ذلک مما أحله الله.

وکما أن الصلاة والصیام والحج عبادات کلف الله بها عباده یتقربون بها إلیه کذلک طلب الرزق الحلال عبادة کلفهم الله به لیتقربوا به إلیه، بل هو أفضل العبادات(4)، کما ورد فی الشرع: إن(5) العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال(6).

ولکنه سبحانه کلفهم أیضاً بأن لا یثقوا إلا به جل وعز ولا یثقوا بالأسباب کما أنه سبحانه کلفهم بأن لا یتکلوا علی أعمالهم الحسنة بل بفضل الله تعالی(7)


1- اللبیب: العاقل، والجمع ألباء. الصحاح، الجوهری: 1/216، مادة "لبب".
2- الوضم الخشبة أو الباریة التی یوضع علیها اللحم. غریب الحدیث، ابن سلام: 3/ 354.
3- المحض من کل شیء: الخالص. لسان العرب، ابن منظور: 7/ 227، مادة "محض".
4- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 197، الباب الخامس فی الیقین والتوکل، الفصل الرابع تحصیل الأسباب لا ینافی التوکل.
5- لیس فی التهذیب: "إن".
6- التهذیب، الشیخ الطوسی: 6/ 324، کتاب المکاسب، باب 93 المکاسب/ ح12.
7- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 194 __ 195، الباب الخامس فی الیقین والتوکل، الفصل الثانی التوکل باب الرزق والرحمة.

ص: 337

ولهذا ورد فی الشرع الأمر بالإجمال فی الطلب لا الترک بالکلیة ولا الإقبال علیه بالکلیة(1).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: ألا إنّ الروح الأمین نفث فی روعی أنه لا تموت نفس حتی تستکمل رزقها، فاتقوا الله عزّوجل وأجملوا فی الطلب(2).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: ما أجمل فی الطلب من رکب البحر(3).

وقال الصادق علیه السلام: لیکن طلبک المعیشة فوق کسب المضیع ودون طلب الحریص الراضی بدنیاه المطمئن إلیها، ولکن أنزل نفسک من ذلک بمنزلة المنصف(4) المتعفف ترفع نفسک عن منزلة الواهن(5) الضعیف، وتکتسب ما لابد منه(6)، إن الذین أعطوا المال ثم لم یشکروا لا مال لهم(7).

وقال علیه السلام(8): إذا فتحت بابک وبسطت بساطک فقد قضیت ما علیک(9). وإنما لا یبطل التوکل بالأسباب المقطوعة والمظنونة مع أن الله تعالی قادر علی إعطاء


1- أنظر:الکافی،الکلینی:5/80 __83،کتاب المعیشة،باب الإجمال فی الطلب/الأحادیث1__11.
2- الکافی، الکلینی: 5/ 80،کتاب المعیشة،  باب الإجمال فی الطلب/ صدر الحدیث 1.
3- من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق: 1/ 460، أبواب الصلاة وحدودها، باب الصلاة فی السفینة/ ح14.
4- فی التهذیب: "النصف" بدل "المنصف".
5- الواهن: الضعیف. سبل الهدی والرشاد، الصالحی الهاشمی: 5/ 173.
6- فی التهذیب: "ما لابد للمؤمن منه".
7- تهذیب الأحکام،الشیخ الطوسی:6/322،کتاب المکاسب،باب 93 المکاسب/ح3.
8- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
9- الکافی، الکلینی: 5/ 79، کتاب المعیشة، باب الإبلاء فی طلب الرزق/ ح1.

ص: 338

المطلوب بدون ذلک لأن الله سبحانه أبی(1) أن یجری الأشیاء إلا بالأسباب(2) کما قال الصادق علیه السلام؛ وأحب الله لعباده أن یطلبوا منه مقاصدهم بالأسباب التی سببها لذلک وأمرهم بذلک، قال الله تعالی: ((خُذُواْ حِذْرَکُمْ))(3) وقال فی کیفیة صلاة الخوف(4): ((وَلْیَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ))(5) وقال: ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَیْلِ))(6) وقال لموسی: ((فَأَسْرِ بِعِبادِی لَیْلاً))(7) والتحصن باللیل اختفاء عن أعین الأعداء دفعاً للضرر(8).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم للأعرابی لما أهمل البعیر وقال: توکلت علی الله «إعقل وتوکل»(9) الی غیر ذلک من الأخبار.

وروی أن زاهداً من الزهاد فارق الأمصار وقام فی سفح جبل وقال: لا أسأل أحداً شیئاً حتی یأتینی ربی برزقی. فقعد سبعاً فکاد یموت ولم یأته رزقه، فقال: یا رب إن أحییتنی فأتنی برزقی الذی قسمت لی وإلا فاقبضنی إلیک. فأوحی الله إلیه: وعزتی وجلالی لا أرزقک حتی تدخل الأمصار وتقعد بین


1- فی بصائر الدرجات: "أبی الله". 
2- بصائر الدرجات، الصفار: 6، باب 3 معرفة العالم الذی من عرفه عرف الله ومن أنکره أنکر الله تعالی والسبب الذی یوفق لمعرفته/ صدر الحدیث 1.
3- سورة النساء/ 71.
4- أنظر: تفسیر القمی، علی بن إبراهیم القمی: 1/ 79، تفسیر سورة البقرة.
5- سورة النساء/ 102.
6- سورة الأنفال/ 60.
7- سورة الدخان/ 23.
8- أنظر: جامع البیان، ابن جریر الطبری: 25/ 156، تفسیر سورة الدخان/ ح24056.
9- عوالی اللئالی، ابن أبی جمهور الأحسائی: 1/ 75، الفصل الرابع/ ح149.

ص: 339

الناس. فدخل المصر وأقام فجاء هذا بطعام وهذا بشراب، فأکل وشرب وأوجس فی نفسه ذلک، فأوحی إلیه أردت أن تذهب حکمتی بزهدک فی الدنیا، أما علمت أن أرزق عبدی بأیدی عبادی أحب إلی من أن أرزقه بید قدرتی(1).

وروی أن موسی علیه السلام اعتل بعلة فدخل علیه بنو إسرائیل فعرفوا علته فقالوا له: لو تداویت بکذا لبرئت. فقال: لا أتداوی حتی یعافینی الله من غیر دواء. فطالت علته فأوحی الله إلیه: وعزتی وجلالی لا أبرأتک حتی تتداوی بما ذکروه لک. فقال لهم: داوونی بما ذکرتم، فداووه فبرأ فأوجس فی نفسه ذلک فأوحی الله إلیه: أردت أن تبطل حکمتی بتوکلک علی، فمن أودع العقاقیر منافع الأشیاء غیری؟!(2).

الفصل الثالث: فی سببه ودوائه ودرجاته

إعلم أن من اعتقد اعتقاداً بأنه لا فاعل إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأن له تمام العلم والقدرة علی کفایة العباد، ثم تمام العطف والعنایة والتوجه بجملة العباد والآحاد، وأنه لیس وراء منتهی قدرته قدرة ولا وراء منتهی علمه علم ولا وراء منتهی عنایته عنایة اتکل لا محالة قلبه علی الله وحده ولم یلتفت إلی غیره بوجهه ولا إلی نفسه.

ومن لم یجد ذلک من نفسه فسببه أحد أمرین: إما ضعف الیقین، وإما ضعف القلب.


1- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 198 __ 199، الباب الخامس فی الیقین والتوکل، الفصل الرابع تحصیل الأسباب لا ینافی التوکل.
2-  أنظر: نفس المصدر السابق.

ص: 340

ومرضه باستیلاء الجبن علیه، وانزعاجه بسبب الأوهام الغالبة علیه، فإن القلب قد ینزعج تبعاً للوهم وطاعة له من غیر نقصان فی الیقین، کانزعاجه أن یبیت مع میت فی قبر أو فراش مع عدم نفرته عن سائر الجمادات، فالتوکل لا یتم إلا بقوة القلب وقوة الیقین جمیعاً، إذ بهما یحصل سکون القلب وطمأنینته فالسکون فی القلب شیء والیقین شیء آخر، فکم من یقین لا طمأنینة معه، کما قال تعالی لخلیله: ((أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلی وَ لکِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی))(1).

وکم من مطمئن لا یقین له کسائر أرباب الملل والمذاهب، فإن الیهودی مطمئن القلب إلی تهوده وکذا النصرانی ولا یقین لهما أصلاً، وإنما ((یَتَّبِعُونَ الظَّنَّ وَما تَهْوَی الأَنفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُم مِن رَبِّهِمُ الْهُدی))(2)، وهو سبب الیقین إلا أنهم معرضون.

واعلم أن الناس تتفاوت درجاتهم فی التوکل بحسب تفاوت مراتبهم فی قوة الیقین وضعفه، وفی قصر الأمل وطوله، وفی مدار الادخار بحسب الأمل وللمنفرد والمعیل: فمنهم من هو من المقربین(3)، ومنهم من هو من أصحاب الیمین(4)، ومنهم من لا توکل له أصلاً، وذلک بحسب عدم الوثوق بالأسباب أصلاً وقلته وکثرته.

ومن کمل إیمانه سقط وثوقه بالأسباب بالکلیة، فیرزقه الله من حیث لا یحتسب کسب أم لم یکتسب، إلا أنه لا یترک الکسب بل یتبع أمر الله فیه، ولیس وثوقه إلا بالله وحده دون کسبه(5).


1- سورة البقرة/ 260.
2- سورة النجم/ 23.
3- إشارة إلی قوله تعالی: ((فَأَمّا إِنْ کانَ مِنَ الْمُقَرَّبِینَ)) سورة الواقعة/ 88.
4- إشارة إلی قوله تعالی : ((وَأَمّا إِنْ کانَ مِنْ أَصْحابِ الْیَمِینِ)) سورة الواقعة/ 90.
5- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 196، الباب الخامس فی الیقین والتوکل، الفصل الثالث التوکل یبنی بقوة القلب والیقین.

ص: 341

قال الصادق علیه السلام: أبی الله عزّوجل(1) أن یجعل أرزاق المؤمنین إلا من حیث لا یحتسبون(2).

وإنما خصه بالمؤمنین لأن کمال الإیمان یقتضی أن لا یثق صاحبه بالأسباب وأن یتوکل علی الله عزّوجل وحده، وکمال الإیمان إنما یکون لصاحب العلم المکنون من الأنبیاء والأولیاء ((ذلِکَ فَضْلُ اللّهِ یُؤْتِیهِ مَن یَشاء))(3).

وقال السجاد علیه السلام: رأیت الخیر کله فی قطع الطمع عما فی أیدی الناس، ومن لم یرج الناس فی شیء وردَّ أمره إلی الله تعالی فی جمیع أموره استجاب الله تعالی له فی کل شیء(4).

وقال الباقر علیه السلام : بئس العبد عبد له طمع یقوده، وبئس العبد عبد له رغبة تذله(5).

وقال الصادق علیه السلام : شرف المؤمن قیام اللیل، وعزه استغناؤه عن الناس(6).


1- لیس فی التمحیص: "عزّوجل".
2- التمحیص، الإسکافی: 53، باب 6 وجوب الأرزاق و الإجمال فی الطلب/ ح104.
3- سورة المائدة/ 54.
4- أنظر:الکافی،الکلینی:2/148،کتاب الإیمان والکفر، باب الاستغناء عن الناس/ ح3.
5- الکافی، الکلینی: 2/ 320، کتاب الإیمان والکفر، باب الطمع/ ح2.
6- مشکاة الأنوار، الطبرسی: 126، الباب الثالث فی محاسن الأفعال وشرف الخصال وما یشبههما، الفصل السادس فی الغنی والفقر.

ص: 342

ص: 343

الباب العاشر: الصدق وأداء الأمانة

ص: 344

ص: 345

فی الصدق وأداء الأمانة

قال الله تعالی: ((کُونُواْ(1) مَعَ الصّادِقِینَ))(2) وقال تعالی: ((رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَیْهِ))(3).

وقال الصادق علیه السلام: إن الصادق أول ما یصدقه الله تعالی یعلم أنه صادق، فتصدقه نفسه تعلم أنه صادق(4).

وعنه علیه السلام(5): إن العبد لیصدق حتی یکتب عند الله من الصادقین، ویکذب حتی یکتب عند الله من الکاذبین، فإذا صدق قال الله تعالی(6) صدق وبرّ، وإذا کذب قال الله تعالی(7) کذب وفجر(8).


1- فی النص القرآنی: "وکونوا".
2- سورة التوبة/ 119.
3- سورة الأحزاب/ 23.
4- أنظر: ثواب الأعمال، الشیخ الصدوق: 178، ثواب الأعمال، ثواب الصدق.
5- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
6- فی الکافی: "عز  وجل" بدل "تعالی".
7- فی الکافی: "عز و جل" بدل "تعالی".
8- الکافی، الکلینی: 2/ 105، کتاب الإیمان والکفر، باب الصدق وأداء الأمانة/ ح9.

ص: 346

وفی روایة أخری: إن العبد لیصدق حتی یکتبه الله تعالی صدّیقاً(1).

وعنه علیه السلام(2) قال : کونوا دعاة الناس بالخیر بغیر ألسنتکم(3) لیروا منکم الاجتهاد والصدق والورع. (4)

وقال علیه السلام(5) لبعض أصحابه: أنظر ما بلغ علی علیه السلام عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فالزمه، فإن علیاً إنما بلغ عند رسول الله ما بلغ بصدق الحدیث وأداء الأمانة(6).

وقال علیه السلام(7): إن الله تعالی(8) لم یبعث نبیاً إلا بصدق الحدیث وأداء الأمانة إلی البر والفاجر(9).

وعن النبی صلی الله علیه وآله وسلم: أداء الأمانة یجلب الرزق، والخیانة تجلب الفقر(10).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام : أدوا الأمانات(11) ولو الی قاتل ولد الأنبیاء(12).


1- أنظر: المعجم الأوسط، الطبرانی : 8/ 32.
2- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
3- فی مجموعة ورام: «کونوا دعاة للناس إلی الخیر بغیر ألسنتکم».
4- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 12.
5- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
6- أنظر: مشکاة الأنوار، الطبرسی: 46، الباب الأول فی الإیمان والإسلام وما یتعلق بهما/ الفصل الثانی عشر فی التقوی والورع.
7- أی: «الإمام الصادق علیه السلام».
8- فی الکافی: "عز و جل" بدل "تعالی".
9- الکافی، الکلینی: 2/ 104، کتاب الإیمان والکفر، باب الصدق وأداء الأمانة/ ح1.
10- تحف العقول، الحرانی: 45، ماروی عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی طوال هذه المعانی, وروی عنه صلی الله علیه وآله وسلم فی قصار هذه المعانی. وفیه النص: «الأمانة تجلب الرزق والخیانة تجلب الفقر».
11- فی الکافی: "الأمانة" بدل "الأمانات".
12- الکافی، الکلینی: 5/ 133، کتاب المعیشة، باب أداء الأمانة/ ح3.

ص: 347

وعن الصادق علیه السلام:من ائتمنک بأمانة فأدها إلیه،ومن خانک فلا تخنه(1).

واعلم أن الصدق یکون فی الأقوال وفی الأعمال وفی الأحوال، وأدنی مراتب الصدق الصدق فی القول فی کل حال، وکماله بترک المعاریض من غیر ضرورة حذراً عن تفهیم الخلاف، وکسب القلب صورة کاذبة.

وینبغی أن یصدق فی القول مع الحق ومع الخلق، فمن قال «وجهت وجهی لله»(2) وفی قلبه سواه، أو ((إِیّاکَ نَعْبُدُ))(3) وهو یعبد الدنیا وهواه أو ((إِیّاکَ نَسْتَعِینُ))(4) وهو بغیر الله یستعین، فهو کاذب.

کما قال الفرید الوحید رحمه الله.

إی__________اک م________ن ق______ول به ت____ف____ن____د

ف___أن___ت ع_____ب______د ل____ه____واک ت____ع___ب_د

تل_ه_ج ف_____ی «إی_________اک ن____س__ت___ع__ی__ن»

وأن___ت غ_ی__ر الله ت__س___ت____ع____ی________ن(5)

ثم الصدق فی النیة، بأن یخلصها من الشوائب کما تقدم.

ثم فی العزم، وهو الجزم القوی علی الخیر، فإن الإنسان قد یقدم العزم علی العمل، فیقول فی نفسه «إن رزقنی الله مالاً تصدقت بجمیعه أو شطره» و«إذا لقیت عدواً فی سبیل الله قاتلته ولم أبال وإن قتلت». وقد یکون فی عزمه نوع میل وتردد، وضعف یضاد الصدق فی العزیمة.


1- من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق: 3/ 186، باب الدین والقرض/ ح20.
2- الکافی،الکلینی:3/310،کتاب الصلاة،باب افتتاح الصلاة والحد فی التکبیر/ح7.
3- سورة الفاتحة / 5.
4- سوری الفاتحة/ 5.
5- یقول النمازی فی مستدرک سفینة البحار قبل ذکر الأبیات، یناسب فی هذا المقام نقل هذه الأشعار من الدرة. وقد أوضحنا سابقا أن الدرة للسید مهدی بحر العلوم الطباطبائی (قدس سره). مستدرک سفینة البحار، النمازی: 7/ 65.

ص: 348

ثم فی الوفاء بالعزم، فالنفس قد تسخو بالعزم فی الحال، إذا لا مشقة فی الوعد، فإذا حقت الحقائق وحصل التمکن وهاجت الشهوات انحلت العزیمة، وهذا یضاد الصدق فیه، ولذلک قال تعالی: ((رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَیْهِ))(1).

ثم فی الأعمال، بأن یبذل جهده، بحیث لا یکون ظاهره مخالفاً لباطنه لا بأن یترک العمل بالمرة، بل بأن یسخر الباطن الی تصدیق الظاهر، وهذا غیر ریائی، لأن المرائی هو الذی یقصد ذلک لأجل الخلق، وربّ واقف علی هیئة الخشوع فی صلاته لیس یقصد به مشاهدة غیره، ولکن قلبه غافل عن الصلاة، فمن نظر إلیه رآه قائماً بین یدی الله، وهو بالباطن قائم فی السوق بین یدی شهوة من شهواته. وکذلک قد یمشی علی هیئة السکون والوقار، ولیس باطنه موصوفاً بذلک، فهذا غیر صادق فی عمله وإن لم یکن ملتفتاً إلی الخلق ولا مرائیاً إیاهم، ولا ینجو من هذا إلا باستواء السر والعلانیة، بأن یکون باطنه مثل ظاهره أو خیراً من ظاهره، وهذا کما قال أمیر المؤمنین علیه السلام: إنی والله ما أحثکم علی طاعة إلا وأسبقکم إلیها، ولا أنهاکم عن معصیة إلا وأتناهی قبلکم عنها(2).

ثم فی مقامات الدین، وهو أعلی درجات الصدق وأعزها، کالصدق فی الخوف والرجاء والتعظیم والزهد والحب والتوکل وسائر المکارم، فإن هذه الأمور لها مبادئ ینطلق الاسم بظهورها، ثم لها غایات وحقائق، والصادق المحقق من نال حقیقتها، قال الله تعالی: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ یَرْتابُوا)) الی قوله: ((أُوْلئِکَ هُمُ الصّادِقُونَ))(3) وقال عزّوجل: ((وَلکِنَّ الْبِرَّ مَنْ


1- سورة الأحزاب/ 23.
2- نهج البلاغة، الشریف الرضی: 1/ 250، خطب أمیر المؤمنین علیه السلام، الخطبة 175 له علیه السلام فی الموعظة وبیان قرباه من رسول الله.
3- سورة الحجرات/ 15.

ص: 349

آمَنَ بِاللّهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ))(1) ثم قال: ((وَالصّابِرِینَ فِی الْبَأْساء والضَّرّاء))(2) الی قوله: ((أُولئِکَ الَّذِینَ صَدَقُوا))(3).

وسئل أبو ذر(4)رضی الله عنه عن الإیمان فقرأ هذه الآیة(5)، فقیل له: سألناک عن الإیمان فقال: سألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن الإیمان فقرأ هذه الآیة(6).(7)

وإن أردت أیضاً أن تعرف معنی الصدق فی الخوف فاعلم أنه ما من عبد یؤمن بالله إلا وهو خائف خوفاً ینطبق علیه هذا الاسم، ولکنه خوف غیر بالغ درجة الصدق والحقیقة، ولذا تراه إذا خاف سلطاناً أو قاطع طریق فی سفر کیف یصفر لونه فترتعد فرائصه ویتنغص علیه عیشه ویتعذر علیه أکله ونومه، وینقسم علیه فکره حتی لا ینتفع به أهله وولده، وقد ینزعج عن الوطن فیستبدل بالأنس الوحشة وبالراحة التعب والمشقة والتعرض للأخطار، کل ذلک خوفاً من درک المحظور، فما بال من یدعی الخوف من الله ومن عذابه وعقابه وناره لا یظهر علیه شیء من ذلک


1- سورة البقرة/ 177.
2- سورة البقرة/ 177.
3- سورة البقرة/ 177.
4- جندب بن جنادة بن سفیان بن عبید، من بنی غفار، من کنانة بن خزیمة، أبو ذر: صحابی، من کبارهم. یقال أسلم بعد أربعة وکان خامسا. یضرب به المثل فی الصدق. هاجر بعد وفاة النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) إلی بادیة الشام. فأقام إلی أن توفی أبو بکر وعمر وولی عثمان، فسکن دمشق وجعل دیدنه تحریض الفقراء علی مشارکة الأغنیاء فی أموالهم. فشکاه معاویة إلی عثمان فاستقدمه عثمان إلی المدینة، فقدمها و استأنف نشر رأیه فی تقبیح منع الأغنیاء أموالهم عن الفقراء، فعلت الشکوی منه فأمره عثمان بالرحلة إلی الربذة فسکنها إلی أن مات (سنة 32 ه_). وکان کریما لا یخزن من المال قلیلا ولا کثیرا. الأعلام، الزرکلی: 2/140، أبو ذر الغفاری.
5- سورة الحجرات/ 15.
6- سورة الحجرات/ 15.
7- إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 340، کتاب النیة والإخلاص والصدق، الباب الثالث فی الصدق وفضیلته  وحقیقته، بیان حقیقة الصدق ومعناه ومراتبه.

ص: 350

عند جریان معصیته علیه، ولذا قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: لم أر مثل النار نام هاربها، ولم أر مثل الجنة نام طالبها(1). وهکذا الصدق فی الرجاء کما تقدم فی محله.

 وقد یکون العبد صادقاً فی جمیع الأمور، فیسمی صدیقاً، وقد یکون فی بعض دون بعض فیضاف الی ذلک البعض، بأن یسمی صادق القول أو العمل(2).

وفی مصباح الشریعة: قال الصادق علیه السلام: إذا أردت أن تعلم أصادق أنت أم کاذب فانظر فی قصد معناک وغور(3) دعواک وغیرها بقسطاس(4) من الله عزّوجل کأنک فی القیامة، قال الله: ((وَالْوَزْنُ یَوْمَئِذٍ الْحَقُّ))(5)، فإذا اعتدل معناک بدعواک ثبت لک الصدق.

وأدنی حد الصدق أن لا یخاف اللسان القلب ولا القلب اللسان. ومثل الصادق الموصوف بما ذکرنا کمثل النازع روحه إن لم ینزع، فماذا یصنع؟!(6).


1- أنظر: أعلام الدین، الدیلمی: 190، باب وصیة النبی صلی الله علیه وآله وسلم لأبی ذر.
2- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 201 __ 203، الباب السادس فی الصدق والأمانة. المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 8/ 140 __ 147، کتاب النیة والصدق والإخلاص، الباب الثالث. جامع السعادات، النراقی: 2/ 335 __ 339، تکمیل أقسام الصدق. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 336 __ 341، کتاب النیة والإخلاص والصدق، الباب الثالث فی الصدق وفضیلته وحقیقته.
3- الغور: القعر من کل شیء، والدخول فی الشیء. القاموس المحیط، الفیروز آبادی: 2/ 105، مادة "الغور".
4- القسطاس: أعدل الموازین وأقومها، وقیل: هو شاهین. والقسطاس: هو میزان العدل، أی: میزان کان من موازین الدراهم وغیرها. لسان العرب، ابن منظور: 6/ 176، مادة "قسطس".
5- سورة الأعراف/ 8.
6- أنظر: مصباح الشریعة، الإمام الصادق علیه السلام: 34 __ 35، الباب الخامس عشر فی الصدق.

ص: 351

الباب الحادی عشر: المحاسبة والمراقبة

اشارة

ص: 352

ص: 353

فی المحاسبة والمراقبة وفیه فصلان

الفصل الأول: فی المحاسبة

قال الله تعالی: ((وکَفی بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ حَسِیبًا))(1) وقال تعالی: ((وَنَضَعُ الْمَوازِینَ الْقِسْطَ لِیَوْمِ الْقِیامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئًا وَإِن کانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَیْنا بِها وَکَفی بِنا حاسِبِینَ))(2) وقال تعالی: ((وَوُضِعَ الْکِتابُ فَتَرَیَ الْمُجْرِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمّا فِیهِ وَیَقُولُونَ یا وَیْلَتَنا مالِ هذا الْکِتابِ لا یُغادِرُ صَغِیرَةً وَلا کَبِیرَةً إِلاّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِرًا وَلا یَظْلِمُ رَبُّکَ أَحَدًا))(3) وقال تعالی: ((یَوْمَ یَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِیعًا فَیُنَبِّئُهُم بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللّهُ وَنَسُوهُ وَاللّهُ عَلی کُلِّ شَیْءٍ شَهِیدٌ))(4) وقال تعالی: ((یَوْمَئِذٍ یَصْدُرُ النّاسُ أَشْتاتًا لِیُرَوْا أَعْمالَهُمْ (6) فَمَن یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْرًا یَرَهُ (7) وَمَن یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ))(5).


1- سورة الإسراء/ 17. ونصها: ((إقرأ کتابک کَفی بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ عَلَیْکَ حَسِیباً)).
2- سورة الأنبیاء/ 47.
3- سورة الکهف/ 49.
4- سورة المجادلة/ 36.
5- سورة الزلزلة/ 6 __ 8.

ص: 354

فعلم أرباب البصائر أن العلیم بالسرائر والمطلع علی الضمائر سیحاسبهم علی الصغیر والکبیر والجلیل والحقیر والنقیر والقطمیر، وعلی مثاقیل الذر من اللحظات والخطرات والغفلات والالتفاتات، ولا ینجیهم من هذه الأخطار العظیمة والأهوال الجسیمة إلا محاسبة أنفسهم فی الدنیا قبل أن یحاسبوا فی القیامة.

قال الصادق علیه السلام: إذ أراد أحدکم أن لا یسأل ربه شیئاً إلا أعطاه فلییأس من الناس کلهم، ولا یکون له رجاء إلا من عند الله(1)، فإذا علم الله ذلک من قلبه لم یسأله شیئاً إلا أعطاه، فحاسبوا أنفسکم قبل أن تحاسبوا علیها، فإن للقیامة خمسین موقفاً کل موقف مقام ألف سنة، ثم تلا علیه السلام(2): ((فِی یَوْمٍ کانَ مِقْدارُهُ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَةٍ))( (3).(4)

وفی روایة أخری: ینبغی أن یکون للعاقل أربع ساعات: ساعة یحاسب بها نفسه...(5).

وفی مصباح الشریعة: قال الصادق علیه السلام: لو لم یکن للحساب مهولة إلا حیاء العرض علی الله عزّوجل وفضیحة هتک الستر علی المخفیات یحق للمرء أن لا یهبط من رؤوس الجبال ولا یأوی الی عمران، ولا یشرب ولا ینام إلا عن اضطرار، ومثل ذلک یفعل من یری القیامة بأهوالها وشدائدها قائمة فی کل نفس، ویعاین بالقلب الوقوف بین یدی الجبار، حینئذ یأخذ نفسه بالمحاسبة، کأنه الی


1- فی مجموعة ورام: "الله عزّوجل".
2- لیس فی مجموعة ورام: "علیه السلام".
3- () سورة المعارج/ 4.
4- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 2/ 145 __ 146.
5- أنظر: روضة الواعظین، الفتال النیسابوری:1/4، مجلس فی ماهیة العقول وفصولها.

ص: 355

عرصاتها(1) مدعو وفی غمراتها(2) مسؤول، قال الله عزّوجل: ((وَإِن کانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَیْنا بِها وَکَفی بِنا حاسِبِینَ))(3).(4)

واعلم أن معنی المحاسبة أن یطالب نفسه أولاً بالفرائض التی هی بمنزلة رأس ماله، فإن أدتها علی وجهها شکر الله علیه ورغبها ومثلها، وإن فوتتها من أصلها طالبها بالقضاء، فإن أدتها ناقصة کلفها الجبران بالنوافل، وإن ارتکبت معصیة اشتغل بعتابها وتعذیبها ومعاقبتها، واستوفی منها ما یتدارک به ما فرط، کما یصنع التاجر بشریکه، فکما أنه یفتش فی حساب الدنیا عن الحبة والقیراط(5) فیحفظ مداخل الزیادة والنقصان حتی لا یغبن بشیء منها، فینبغی أن یتقی غائلة(6) النفس ومکرها، فإنها خداعة ملبسة مکارة، فلیطالبها أولاً بتصحیح الجواب عن جمیع ما یتکلم به طول نهاره، ولیتکفل بنفسه من الحساب ما سیتولی غیره فی صعید القیامة.

وهکذا عن نظره، بل عن خواطره وأفکاره وقیامه وقعوده وأکله وشربه ونومه، حتی عن سکوته لم سکت وعن سکونه لم سکن، فإذا عرف مجموع


1- العرصة: کل بقعة بین الدور واسعة لیس فیها بناء. العرصات: جمع عرصة، وقیل: هی کل موضع واسع لا بناء فیه. لسان العرب، ابن منظور: 7/ 52 __  53، مادة "عرص".
2- الغمرة: الشدة. وغمرة کل شیء: منهمکه وشدته کغمرة الهم والموت و نحوهما. لسان العرب، ابن منظور: 5/ 29، مادة "غمر".
3- سورة الأنبیاء/ 47.
4- أنظر:مصباح الشریعة،الإمام الصادق علیه السلام:85، الباب الثامن والثلاثون فی الحساب.
5- القیراط جزء من أجزاء الدینار، وهو نصف عشر فی أکثر البلاد. مجمع البحرین، الطریحی: 3/ 489، مادة "قرط".
6- کل ما اغتال الإنسان فأهلکه فهو غول. یقال: غالته غول، إذا وقع فی مهلکة. الصحاح، الجوهری: 5/ 1786، مادة "غول".

ص: 356

الواجب علی النفس وصح عنده قدر ما أدی الحق منه کان ذلک القدر محسوباً له، فیظهر له الباقی علیها، فلیثبته علیها ولیکتبه علی صحیفة قلبه کما یکتب الباقی الذی علی شریکه علی قلبه وعلی جریدته.

ثم النفس غریم(1) یمکن أن یستوفی منه الدیون، أما بعضها فبالغرامة والضمان وبعضها برد عینه، وبعضها بالعقوبة له علی ذلک، ولا یمکن شیء من ذلک إلا بعد تحقیق الحساب وتمییز الباقی من الحق الواجب علیه، فإذا حصل ذلک اشتغل بعده بالمطالب والاستیفاء(2).

قال الکاظم علیه السلام: لیس منا من لم یحاسب نفسه فی کل یوم، فإن عمل حسنة استزاد الله(3) وإن عمل سیئة استغفر الله منها وتاب إلیه(4).

وقال الباقر علیه السلام: لا یغرنک الناس(5) من نفسک، فإن الأمر یصل إلیک دونهم، ولا تقطع نهارک بکذا وکذا فإن معک من یحفظ علیک عملک فأحسن(6) فإنی لم أر شیئاً أحسن درکاً ولا أسرع طلباً من حسنة محدثة لذنب قدیم(7).


1- الغرم: الدین. رجل غرم: علیه دین. لسان العرب، ابن منظور: 12/ 436، مادة "غرم".
2-   أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 303 __ 305، الباب الثانی المحاسبة والمراقبة. جامع السعادات، النراقی: 3/ 101 __ 102، مقامات مرابطة العقل للنفس. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 351 __ 353، کتاب المراقبة والمحاسبة.
3- فی إرشاد القلوب: "الله عزّوجل".
4- إرشاد القلوب، الدیلمی: 1/ 182، فی الحکم والمواعظ، الباب الحادی والخمسون فی أخبار عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة الأطهار.
5- فی الکافی: "یا أبا النعمان لا یغرنک  الناس".
6- فی الکافی: "وأحسن".
7- الکافی، الکلینی: 2/ 454، کتاب الإیمان والکفر، باب محاسبة العمل/ ح3.

ص: 357

وقال الصادق علیه السلام: إن رجلاً أتی النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال له: یا رسول الله أوصنی. فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: فهل أنت مستوص إذا أنا أوصیتک؟(1) حتی قال له ذلک ثلاثاً وفی کلها یقول له الرجل: نعم یا رسول الله. فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: فإنی أوصیک إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته،فإن یک رشداً فأمضه،وإن یک غیاً فانته عنه(2).

الفصل الثانی: فی المراقبة

ینبغی للعبد أن یراقب نفسه عند الخوف فی الأعمال، ویلاحظها بالعین الکالئة، فإنها إن ترکت طغت فأفسدت وفسدت، ثم یراقب الله فی کل حرکة وسکون، وذلک بأن یعلم بأن الله مطلع علیه وعلی ضمائره خبیر بسرائره، رقیب علی أعمال عباده، قائم علی کل نفس بما کسبت، وأن سر القلب فی حقه مکشوف کما أن ظاهر البشرة للخلق مکشوف، بل أشد من ذلک، قال الله تعالی: ((أَلَمْ یَعْلَمْ بِأَنَّ اللّهَ یَری))(3) وقال تعالی: ((إِنَّ اللّهَ کانَ عَلَیْکُمْ رَقِیبًا))(4).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: الإحسان أن تعبد الله کأنک تراه،فإن لم تکن تراه فإنه یراک(5).

وفی الحدیث القدسی: إنما یسکن جنات عدن الذین إذا هموا بالمعاصی ذکروا عظمتی فراقبونی، والذین انحنت أصلابهم من خشیتی، وعزتی وجلالی إنی لأهم بعذاب أهل الأرض فإذا نظرت إلی أهل الجوع والعطش من مخافتی صرفت عنهم العذاب(6).


1- فی الکافی: "إن أنا أوصیتک".
2- الکافی، الکلینی: 8/ 150، کتاب الروضة، حدیث من ولد فی الإسلام/ ح5.
3- سورة العلق/ 14.
4- سورة النساء/ 1.
5- أنظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید: 11/ 203، بیان أحوال العارفین.
6- المحجة البیضاء،الفیض الکاشانی:8/ 156،کتاب المراقبة والمحاسبة،المرابطة الثانیة المراقبة.

ص: 358

وحکی أن زلیخا(1) لما خلت بیوسف قامت فغطت وجه صنمها، فقال یوسف: ما لک تستحین من مراقبة جماد ولا أستحی من مراقبة الملک الجبار(2).

والمراقبة تحصل من معرفة الله ، والعلم بأنه تعالی مطلع علی الضمائر عالم بما فی السرائر، بمرأی منهم وبمسمع، وهم بمرأی منه ومسمع.

والموقنون بهذه المعرفة مراقبتهم علی درجتین:

إحداهما: مراقبة المقربین، وهی مراقبة التعظیم والجلال، وهی أن یصیر القلب مستغرقاً بملاحظة ذلک الجلال ومنکسراً تحت الهیبة، فلا یبقی فیه متسع للالتفات إلی الغیر، وهذا هو الذی صار همه هماً واحداً وکفاه الله سائر الهموم.

والثانیة: مراقبة الورعین من أصحاب الیقین، وهم قوم غلب یقین اطلاع الله علی ظواهرهم وبواطنهم ولکن لم یدهشهم ملاحظة الجمال والجلال بل بقیت قلوبهم علی حد الاعتدال متسعة للتلفت الی الأحوال والأعمال والمراقبة فیها، وغلب علیهم الحیاء من الله فلا یقدمون ولا یحجمون(3) إلا بعد التثبت، ویمتنعون


1- زلیخا: هی زلیخا، وقیل: زلخا، وقیل: راعیل، وقیل: فکة بنت ملک المغرب هیموس، وقیل: رعاییل، وقیل: بوش، وأمها أخت الملک الریان بن الولید صاحب مصر. (زوجة قطفیر، وقیل: أطفیر، وقیل: هو طیفار بن رجیب وزیر ملک مصر، وکان یلقب بالعزیز، وهی تعرف بامرأة العزیز. تزوجها (النبی یوسف علیه السلام) وکانت قد تقدم بها السن، فطلبت منه أن یسأل الله أن یرد علیها شبابها وصباها، فطلب یوسف علیه السلام ذلک من الله سبحانه، فرد الله علیها شبابها وجمالها. أنجبت له ولدین : أفرایم ومنشا. أعلام القرآن، عبد الحسین الشبستری: 401 __ 402، زلیخا.
2- أنظر: مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 236، باب محاسبة النفس.
3- الإحجام: ضد الإقدام. أحجم عن الأمر: کف أو نکص هیبة. لسان العرب، ابن منظور: 12/ 116، مادة "حجم".

ص: 359

عن کل ما یفتضحون به فی القیامة، فإنهم یرون الله مطلعاً علیهم، فلا یحتاجون إلی انتظار القیامة.

فإن العبد لا یخلو إما أن یکون فی طاعة أو معصیة أو مباح. فمراقبته فی الطاعة بالإخلاص والإکمال ومراعاة الأدب وحراستها عن الآفات، ومراقبته فی المعصیة بالتوبة والندم والإقلاع والحیاء والاشتغال بالتکفیر، ومراقبته فی المباح بمراعاة الأدب، بأن یقعد مستقبل القبلة وینام علی الید الیمنی مستقبلاً الی غیر ذلک، فکل ذلک داخل فی المراقبة. وبشهود المنعم فی النعمة وبالشکر علیها، وبالصبر علی البلاء، فإن لکل واحد منها حدوداً لابد من مراعاتها بدوام المراقبة «ومن یتعد حدود الله فقد ظلم نفسه»(1).(2)


1- سورة الطلاق/ 1.
2- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 8/ 156 __ 162، کتاب المراقبة والمحاسبة، بیان حقیقة المراقبة ودرجاتها. الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 306 __ 307، الفصل الثانی مراقبة العبد لنفسه. جامع السعادات، النراقی: 3/ 97 __ 100، فصل مقامات مرابطة العقل للنفس. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 346 __ 351، کتاب المراقبة والمحاسبة، بیان حقیقة المراقبة ودرجاتها.

ص: 360

ص: 361

الباب الثانی عشر: التفکر والتدبر

ص: 362

ص: 363

فی التفکر والتدبر

قال الله تعالی: ((وَیَتَفَکَّرُونَ فِی خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ))(1) وقال تعالی: ((أَفَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها))(2).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: تفکر ساعة خیر من عبادة سنة(3).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: التفکر یدعو الی البر والعمل به(4).

وقال علیه السلام(5): نبه بالتفکر قلبک، وجاف(6) عن اللیل جنبک، واتق الله ربک(7).


1- سورة آل عمران/ 191.
2- سورة محمد/ 24.
3- تفسیر العیاشی، العیاشی: 2/ 208، تفسیر سورة الرعد/ ح 26.
4- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 2/ 184.
5- أی: "الإمام أمیر المؤمنین علی  بن أبی طالب علیه السلام".
6- جفا الشیء یجفو جفاء وتجافی:لم یلزم مکانه،کالسرج یجفو عن الظهر،وکالجنب یجفو عن الفراش. لسان العرب، ابن منظور: 14/ 147، مادة "جفا".
7- الکافی، الکلینی: 2/ 54، کتاب الإیمان والکفر، باب التفکر/ ح1.

ص: 364

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: تفکروا فی آلاء(1) الله ولا تفکروا فی الله، فإنکم لن تقدروا قدره(2).

وقال الباقر علیه السلام: إیاکم والتفکر فی الله، ولکن إذا أردتم أن تنظروا إلی عظمته(3) فانظروا إلی عظم خلقه(4).

وقال الصادق علیه السلام: من نظر فی الله کیف هو هلک(5).

واعلم أن التفکر الذی أشار إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام أنه یدعو الی البر والعمل به قد یکون فی الحسنات والسیئات بأن یتفکر العبد فی حسناته هل هی تامة أو ناقصة، موافقة للسیئة أو مخالفة لها، خالصة عن الشرک والشک أو مشوبة بهما، فیدعوه هذا التفکیر لا محالة إلی إصلاحها وتدارک ما فیها، وکذا إذا تفکر فی سیئاته وما یترتب علیها من العقوبات والبعد عن الله، فیدعوه ذلک إلی الانتهاء عنها وتدارکها بالتوبة والندم.

وقد یکون بالتفکر فی صفات الله وأفعاله، من لطفه بعباده وإحسانه إلیهم بسوابغ(6) النعماء وبسطة الآلاء، والتکلیف دون الطاقة، والوعد بالثواب الجزیل


1- ((آلاء الله)) سورة الأعراف/ 69، أی:نعمه، واحدها "ألی". وقیل: "الآلاء" هی: النعم الظاهرة. مجمع البحرین، الطریحی: 1/ 97، مادة "ألی".
2- بحار الأنوار، المجلسی: 68/ 322، کتاب الإیمان والکفر، أبواب مکارم الأخلاق،  باب80 التفکر والاعتبار والاتعاظ/ ح3. وفیه النص: «تفکروا فی آلاء الله فإنکم لن تقدروا قدره».
3- فی التوحید: "إلی عظمة الله".
4- التوحید،الشیخ الصدوق:458،باب 67 النهی عن الکلام والجدل والمراء فی الله عزّوجل/ ح20.
5- المحاسن،البرقی: 1/ 237، باب 24 جوامع من التوحید/ ح3.
6- نعمة سابغة، وأسبغ الله علیه النعمة: أکملها وأتمها ووسعها. لسان العرب، ابن منظور: 8/ 433، مادة "سبغ".

ص: 365

والثناء الجمیل علی العمل الحقیر القلیل، وتسخیره له ما فی السماوات والأرض وما بینهما(1) ونحو ذلک، فیدعوه ذلک الی البر والعمل به، والرغبة فی الطاعات والانتهاء عن المعاصی.

وهذا تفکیر المتوسطین، وإلیه الإشارة بقول الرضا علیه السلام: لیس العبادة کثرة الصلاة والصوم، إنما العبادة التفکر فی أمر الله(2).(3)

وسئل الصادق علیه السلام عما یروی الناس «إن تفکر ساعة خیر من قیام لیلة» قیل: کیف یتفکر؟ قال: تمر بالخربة أو بالدار فتقول: أین ساکنوک وأین بانوک ما لک لا تتکلمین؟(4).

وهذا التفکر دون الأولین فی الفضل، وللناس فیه مراتب(5).


1- إشارة إلی قوله تعالی فی سورة لقمان/ الآیة 20. ونصها: ((أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَکُمْ ما فِی السَّماواتِ وَما فِی الأَْرْضِ)).
2- فی مجموعة ورام: "الله عزّوجل".
3- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 2/ 183 __ 184.
4- أنظر: الکافی، الکلینی: 2/ 54 __ 55، کتاب الإیمان والکفر، باب التفکر/ ح2.
5- أنظر: الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 308 __ 309، الباب الثالث فی التفکر والتدبر.

ص: 366

ص: 367

الباب الثالث عشر: ذکر الموت وقصر الأمل

ص: 368

ص: 369

فی ذکر الموت وقصر الأمل

قال الله تعالی: ((کُلُّ نَفْسٍ ذآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَیاةُ الدُّنْیا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ))(1).

وقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: أکثروا ذکر هادم اللذات. قیل: وما هو یا رسول الله؟ قال: الموت، فما ذکره عبد علی الحقیقة فی سعة إلا ضاقت علیه الدنیا، ولا فی شدة إلا اتسعت علیه(2).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: الموت کفارة لکل مسلم(3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: تحفة المؤمن الموت(4).


1- سورة آل عمران/ 185.
2- أنظر: مصباح الشریعة، الإمام الصادق علیه السلام:171 __ 172، الباب الواحد والثمانون فی ذکر الموت.
3- مجموعة ورام، ورام بن أبی فراس: 1/ 268، بیان ذکر الموت.
4- الدعوات، الراوندی: 235، الباب الرابع فی أحوال الموت وأهواله، فصل فی ذکر الموت وفرحته وترحته/ ح1.

ص: 370

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: الموت الموت، ألا ولابد من الموت، جاء الموت بما فیه، جاء بالروح والراحة والکرّة المبارکة الی جنة عالیة، لأهل دار الخلود اللذین کان لها سعیهم وفیها رغبتهم(1).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: ما أنزل الموت حق منزلته من عدّ غداً من أجله(2).

وقال علیه السلام(3): ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل(4).

وکان یقول(5): لو رأی العبد أجله وسرعته إلیه لأبغض العمل من طلب الدنیا(6).

وقیل للباقر علیه السلام: حدثنی ما أنتفع به. قال(7): أکثر ذکر الموت، فإنه لم یکثر ذکره إنسان إلا زهد فی الدنیا(8).

وقال الصادق علیه السلام: إذا أنت حملت جنازة فکن کأنک أنت المحمول، وکأنک سألت ربک الرجوع إلی الدنیا ففعل، فانظر ماذا تستأنف. ثم قال: عجباً لقوم حبس أولهم عن آخرهم ثم نودی فیهم بالرحیل وهم یلعبون(9).


1- الکافی، الکلینی: 3/ 257 __ 258، کتاب الجنائز، باب النوادر/ صدر الحدیث 27.
2- الأمالی، الشیخ الصدوق: 108، المجلس الثالث والعشرون/ ح4.
3- أی: "الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام".
4- کتاب الزهد، الأهوازی: 81، باب 14 ذکر الموت والقبر/ ح10.
5- الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام.
6- الکافی، الکلینی: 3/ 259، کتاب الجنائز، باب النوادر/ ذیل الحدیث 30.
7- فی الکافی: "فقال یا أبا عبیدة ".
8- الکافی، الکلینی: 3/ 255، کتاب الجنائز، باب النوادر/ ح18.
9- أنظر: کتاب الزهد، الأهوازی: 77 __ 78، باب 14 ذکر الموت والقبر/ ح1.

ص: 371

وقال علیه السلام(1): ما خلق الله(2) یقیناً لا شک فیه أشبه بشک لا یقین فیه من الموت(3).

واعلم أن الموت هائل وخطره عظیم، وغفلتنا عنه لقلة فکرنا وذکرنا له، وإذا ذکرناه فلسنا نذکره بقلب فارغ بل بقلب مشغول بشهوات الدنیا، والطریق فیه تفریغ العبد قلبه عن کل شیء إلا عن ذکر الموت الذی بین یدیه کالذی یرید أن یسافر إلی مفازة(4) مخطرة أو یرکب البحر فإنه لا یتفکر إلا فیه، فإذا باشر ذکر الموت قلبه فیوشک أن یؤثر فیه، وعند ذلک یقل فرحه وسروره بالدنیا وینکر قلبه.

وأوقع طریق فیه أن یکثر ذکر أقرانه الذین مضوا قبله، فیتذکر موتهم ومصرعهم تحت التراب، ویتذکر صورهم فی مناصبهم وأحوالهم، وکیف تبددت أجزاؤهم فی قبورهم، وکیف أرملوا نساءهم وأیتموا أولادهم وضیعوا أموالهم وخلت منهم مساجدهم ومجالسهم، وانقطعت آثارهم، وأوحشت دیارهم.

ومهما تذکر رجلاً رجلاً وفصل فی قلبه حاله وکیفیة حیاته وتوهم صورته وتذکر نشاطه وتردده وأمله فی العیش والبقاء ونسیانه للموت وانخداعه بمؤاتاة الأسباب ورکونه إلی القوة والشباب ومیله الی الضحک واللهو وغفلته عما بین یدیه من الموت الذریع والهلاک السریع، وأنه کیف کان یتردد والآن قد تهدمت رجلاه


1- أی: "الإمام الصادق علیه السلام".
2- فی الفقیه: "الله عزّوجل".
3- من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق: 1/ 194،  باب النوادر/ ح596.
4- المفازة: المهلک. المفازة: المنجاة، وهی مفعلة من الفوز، یقال فاز فلان: إذا نجا. مجمع البحرین، الطریحی: 3/ 437، مادة "فوز".

ص: 372

ومفاصله، وکیف کان ینطق وقد أکل الدود لسانه، وکیف کان یضحک وقد أکل التراب أسنانه، وکیف کان یدبر لنفسه ما لا یحتاج إلیه الی عشر سنین فی وقت لم یکن بینه وبین الموت إلا شهر، وهو غافل عما یراد به حتی جاءه الموت فی وقت لا یحتسبه، فانکشفت له صورة ملک الموت، وقرع سمعه النداء إما بالجنة أو بالنار فعند ذلک ینظر فی نفسه أنه مثلهم وغفلته کغفلتهم، والسعید من اتعظ بغیره.

والذاکرون للموت علی أقسام: فمنهم المنهمک فی اللذات المنکب علی الشهوات، فهو إن اتفق ذکره للموت تأسف علی دنیاه واشتغل بمذمته وفرّ منه غفلة عن قوله تعالی: ((أَیْنَما تَکُونُواْ یُدْرِککُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ کُنتُمْ فِی بُرُوجٍ مُشَیَّدَةٍ))(1) وقوله تعالی: ((قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِی تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِیکُمْ))(2) ویزیده ذکر الموت من الله بعداً. نعم ربما استفاد تنغص نعیمه وتکدر لذته، فیتجافی عن الدنیا.

ومنهم: التائبون الذین یکثرون ذکر الموت لینبعث من قلوبهم الخوف والخشیة فیفوا بتمام التوبة، وربما کرهوا الموت خیفة من أن یختطفهم قبل تمام التوبة وقبل إصلاح الزاد، وهم معذورون فی کراهة الموت غیر داخلین فی قوله علیه السلام(3): «من کره لقاء الله کره الله لقاءه»(4) لأنهم یخافون فوت لقاء الله للقصور والتقصیر، فهم کالذی یتأخر عن لقاء الحبیب مشتغلاً بالاستعداد للقائه علی وجه یرضاه، فلا یعدّ کارهاً للقائه، وعلامة هذا أن یکون دائم الاستعداد له.


1- سورة النساء/ 78.
2- سورة الجمعة/ 8.
3- أی: "الإمام الصادق علیه السلام وفی ذیل الحدیث یروی الإمام الصادق علیه السلام هذا النص عن النبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم".
4- مصباح الشریعة، الإمام الصادق علیه السلام: 172، الباب الواحد والثمانون فی ذکر الموت / ذیل الحدیث.

ص: 373

ومنهم: العارفون الذین یکثرون ذکر الموت، لأنه موعد للقاء الحبیب والمحب لا ینسی موعد لقاء حبیبه وینبغی أن لا یحبوا الموت إلا لأجل التزود من الأعمال وتحسین الأخلاق والأحوال.

ومنهم: وهو الأعلی __ المفوضون، وهم الذین یفوضون أمرهم إلی الله ولا یختارون لأنفسهم موتاً ولا حیاة(1)، وأحب الأشیاء لدیهم ما یختار لهم مولاهم(2).


1- إشارة إلی قوله تعالی فی سورة الفرقان الآیة/3 : ((وَلا یَمْلِکُونَ لأَِنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا یَمْلِکُونَ مَوْتاً وَلا حَیاةً وَلا نُشُوراً)).
2- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 8/ 238 __ 244، کتاب ذکر الموت وما بعده. الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 312 __ 314، الباب الرابع فی ذکر الموت وقصر الأمل. جامع السعادات، النراقی: 3/ 45 __ 46، فصل مراتب الناس فی ذکر الموت. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 391 __ 393، کتاب ذکر الموت وما بعده.

ص: 374

ص: 375

الباب الرابع عشر: طول الأمل

ص: 376

ص: 377

فی طول الأمل

قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: إذا أصبحت فلا تحدث نفسک بالمساء، وإذا أمسیت فلا تحدث نفسک بالصباح، وخذ من دنیاک لآخرتک(1)، ومن حیاتک لموتک، ومن صحتک لسقمک، فإنک لا تدری ما اسمک غداً(2).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: إن اشد ما أخاف علیکم خصلتان: اتباع الهوی، وطول الأمل. فأما اتباع الهوی فإنه یعدل عن الحق، وأما طول الأمل فإنه یحبب الدنیا(3).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: أیها الناس أما تستحون من الله؟ قالوا: وما ذاک یا رسول الله؟ قال: تجمعون ما لا تأکلون، وتأملون ما لا تدرکون، وتبنون ما لا تسکنون(4).


1- فی مسکن الفؤاد: "وخذ من حیاتک لموتک "بدل" وخذ من دنیاک لآخرتک".
2- مسکن الفؤاد، الشهید الثانی: 16.
3- المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 8/ 244 __ 245، کتاب ذکر الموت وما بعده، الباب الثانی فی طول الأمل.
4- إحیاء علوم الدین،الغزالی:4/394، کتاب ذکر الموت وما بعده،فضیلة قصر الأمل.

ص: 378

وطول الأمل له سببان: أحدهما الجهل، والآخر حب الدنیا. فإنه إذا أنس بها وشهواتها ولذاتها وعلائقها ثقلت علی قلبه مفارقتها، فامتنع قلبه عن الفکر فی الموت الذی هو سبب مفارقتها، وکل من کره شیئاً رفعه من نفسه والإنسان مشغوف(1) بالأمانی الباطلة، فتمنی نفسه أبداً ما یوافق مراده وهو البقاء فی الدنیا، فلا یزال یتوهمه ویقرره فی نفسه ویقدر توابع البقاء وما یحتاج إلیه من مال وأهل ودار وأصدقاء ودواب وسائر أسباب الدنیا، فیصیر قلبه معکوفاً(2) علیها ویلهو عن ذکر الموت.

وأصل هذه الأمانی کلها حب الدنیا، وأما الأمل فإن الإنسان قد یعوّل(3) علی شبابه فیستبعد قرب الموت مع الشباب، ولیس یتفکر المسکین فی أن مشایخ بلده لو عدوا لکانوا أقل من عشر أهل البلد، وإنما قلوا لأن الموت فی الشباب أکثر، وإلی أن یموت شیخ یموت ألف صبی وشاب.

وقد یستبعد الموت لصحته ویستبعد الموت فجأة ولا یدری أن ذلک غیر بعید، وإن کان بعیداً ففجاء المرض غیر بعید، وکل مرض فإنما یقع فجأة، وإذا مرض لم یکن الموت بعیداً والموت لیس له وقت مخصوص من شاب وشیب وکهولة، ومن صیف وشتاء وخریف ولیل ونهار، لعدم اشتغاله بالاستعداد واستشعاره.


1- الشغاف ککتاب: غلاف القلب وهی جلدة دونه کالحجاب. ویقال: هو حبة القلب، وهی: علقة سوداء فی صمیمه. وشغف قلبه الهوی شغفا من باب نفع والاسم الشغف بفتحتین. وفلان مشغوف بفلانة، أی: ذهب به الحب إلی أقصی المذاهب. مجمع البحرین، الطریحی: 2/521، باب ما أوله الشین، مادة "شغف".
2- عکف بعکف ویعکف عکفا وعکوفا، وهو: إقبالک علی الشیء لا تصرف عنه وجهک. کتاب العین، الفراهیدی: 1/205، مادة "عکف".
3- عولت علیه: استعنت به. کتاب العین، الفراهیدی: 2/ 248، مادة "عول".

ص: 379

وعلاج الجهل الفکر الصافی من القلب الحاضر وسماع الحکمة البالغة من القلوب الطاهرة، وعلاج حب الدنیا الإیمان بالیوم الآخر وما فیه من عظیم العقاب وجزیل الثواب، وإذا حصل الیقین بذلک ارتحل عن قلبه حب الدنیا. وقد تقدم فی الزهد وحب الدنیا ما فیه بلاغ(1).

نسأل الله أن یحسن عملنا ویقصر أملنا، ویخرج حب الدنیا عن قلبنا، ویحبب إلینا لقاءه، ویوفقنا للأعمال الصالحة بحمد الله.

والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.

تم فی یوم الأربعاء سابع وعشرین ربیع الأول سنة 1225 ألف ومائتین وخمس وعشرین من الهجرة النبویة صلی الله علیه وآله وسلم.


1- أنظر: المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی: 8/ 246 __ 248، کتاب ذکر الموت وما بعده، بیان السبب فی طول الأمل وعلاجه. الحقایق فی محاسن الأخلاق، الفیض الکاشانی: 315 __ 317، الباب الرابع فی ذکر الموت وقصر الأمل، الفصل الرابع. إحیاء علوم الدین، الغزالی: 4/ 397 __ 398، کتاب ذکر الموت وما بعده، بیان السبب فی طول الأمل وعلاجه.

ص: 380

ص: 381

المصادر

1. أبجد العلوم، السید صدیق بن حسن خان القنوجی البخاری / الطبعة الأولی ____ بیروت 1420ه_ ____ نشر دار الکتب العلمیة.

2. الآحاد والمثانی، ابن أبی عاصم الضحاک / الطبعة الأولی ____ 1411 ه_ ___ نشر دار الدرایة.

3. الاحتجاج، أبو منصور احمد بن علی الطبرسی / 1403 ه_ ____ نشر المرتضی ____ مشهد.

4. الأحکام فی أصول الأحکام، علی بن محمد الآمدی / الطبعة الثانیة ___ 1402 ه_ ___ مؤسسة النور ____ نشر المکتب الإسلامی ____ دمشق.

5. إحیاء علوم الدین، محمد بن محمد الغزالی / 1421 ه_ ____ نشر دار الکتب العملیة ____ بیروت.

6. الاختصاص، محمد بن محمد بن النعمان (المفید)، الطبعة الأولی 1413 ه_ ____ نشر المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید ___ قم.

7. الأخوان، عبد الله بن عبید بن أبی الدنیا / نشر دار الاعتصام.

8. آداب الصحبة، أبی عبد الرحمن السلمی / الطبعة الأولی ___ 1410ه_ ____ نشر دار الصحابة للتراث.

9. الأدب المفرد، محمد بن إسماعیل البخاری / الطبعة الثالثة ___ 1409 ه_ ____ نشر دار البشائر الإسلامیة ____ بیروت.

10. أذکیاء الفقهاء والمحدثین، محمد رضا الحکیمی / الطبعة الأولی ____ 1418 ه_ ___ نشر مؤسسة الأعلمی للمطبوعات ____ بیروت.

11. الإرشاد، محمد بن محمد بن النعمان (المفید)، الطبعة الأولی ____ 1413 ه_ ____ نشر المؤتمر للشیخ المفید ____ قم.

ص: 382

12. إرشاد القلوب، الحسن بن أبی الحسن الدیلمی / الطبعة الأولی ___ 1412 ه_ ____ دار الشریف الرضی للنشر.

13. الاستبصار، الشیخ أبو جعفر الطوسی / الطبعة الثالثة 1390 ه_ ____ نشر دار الکتب الإسلامیة ____ طهران.

14. أسرار الصلاة، الشهید الثانی / الطبعة الأولی ____ 1410 ه_ ____ الدار الإسلامیة للطباعة ونشر والتوزیع ____ لبنان.

15. أسرار العبادات ، الفیض الکاشانی / الطبعة الأولی ____ 1426 ه_ ____ نشر ذوی القربی.

16. الأعلام، خیر الدین الزرکلی / الطبعة الخامسة ____ نشر دار العلم للملایین ____ بیروت.

17. أعلام الدین فی صفات المؤمنین، الحسن بن أبی الحسن الدیلمی / الطبعة الأولی ___ 1408 ه_ ____ نشر مؤسسة آل البیت علیهم السلام ____ قم.

18. أعلام القرآن، عبدالحسین الشبستری / الطبعة الأولی ____ 1421 ه_ ____ مرکز انتشارات دفتر تبلیغات إسلامی ____ قم.

19. إعلام الوری بأعلام الهدی، الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسی / الطبعة الثالثة ___ 1309 ه_ ____ نشر دار الکتب الإسلامیة ____ طهران.

20. أعیان الشیعة، حسن الأمین / الطبعة الخامسة ____ 1418 ه_ ____ بیروت ____ دار التعارف للمطبوعات.

21. إقبال الأعمال، علی بن طاووس الحلی / الطبعة الثانیة ____ 1367 ه_. ش ____ نشر دار الکتب الإسلامیة ____ طهران.

22. الأمالی، الصدوق / الطبعة الرابعة المصححة ___ 1404 ه_ ___ نشر المکتبة الإسلامیة ___ قم.

23. الأمالی، الطوسی / الطبعة الأولی ___ 1414 ه_ ___ دار الثقافة للنشر ___ قم.

24. الأمالی، المفید / الطبعة الثانیة 1413 ه_ ___ نشر المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید ___ قم.

25. أمل الآمل، محمد بن الحسن الحر العاملی / 1404 ه_ ___ نشر مکتبة الأندلس ___ بغداد.

26. إیمان أبو طالب، السید فخار بن معد الموسوی، الطبعة الأولی ___ 1410 ه_ ___ دار سید الشهداء للنشر ___ قم.

27. بحار الأنوار، محمد باقر بن محمد تقی المجلسی ___ الطبعة الرابعة ___ 1404 ه_ ___ نشر مؤسسة الوفاء ___ بیروت.

28. بدائع الصنائع، أبو بکر بن مسعود الکاشانی / الطبعة الأولی ___ 1409 ه_ ___ نشر المکتبة الحبیبیة ___ باکستان.

ص: 383

29. بشارة المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم لشیعة المرتضی، عماد الدین الطبری / الطبعة الثانیة ___ 1383 ه_ ___ نشر المکتبة الحیدریة ___ النجف.

30. بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروخ الصفار / الطبعة الثانیة ___ 1404 ه_ ___ نشر مکتبة أیة الله المرعشی النجفی ___ قم.

31. تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضی الزبیدی / نشر مکتبة الحیاة ___ بیروت.

32. تاریخ بغداد، احمد بن علی الخطیب البغدادی / الطبعة الأولی 1424 ه_ ___ نشر دار الفکر.

33. تاریخ دمشق الکبیر، ابن عساکر / الطبعة الأولی ___ 1421 ه_ ___ بیروت ___ نشر دار إحیاء التراث العربی ___ بیروت.

34. تاریخ المشاهد المشرفة، حسین أبو سعیدة الموسوی / الطبعة الثانیة ___ 1421 ه_ ___ مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزیع ___ بیروت.

35. تأویل الآیات الظاهرة فی فضائل العترة الطاهرة، شرف الدین علی الحسینی الأسترابادی / الطبعة الأولی ___ 1409 ه_ ___ نشر مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة ___ قم.

36. التبیان فی تفسیر القرآن، الشیخ أبی جعفر محمد بن الحسن الطوسی / الطبعة الأولی 1409 ه_ ___ نشر مکتب الأعلام الإسلامی.

37. التحصین فی صفات العارفین، احمد بن فهد الحلی / الطبعة الثانیة 1406 ه_ ___ نشر مدرسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف ___ قم.

38. تحف العقول، حسین بن شعبة الحرانی / الطبعة الثانیة 1404 ه_ ___ مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة ___ قم.

39. التحفة السنیة، السید عبدالله الجزائری / نسخة مخطوطة فی مکتبة الآستانة الرضویة المقدسة ___ تحت الرقم 2269.

40. تذکرة الموضوعات، محمد طاهر بن الهندی الفتنی.

41. تراجم الرجال،  احمد الحسینی / 1414 ه_ ___ نشر مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی ___ قم.

42. ترتیب إصلاح المنطق، ابن السکیت / الطبعة الأولی ___ 1412 ه_ ___ نشر مجمع البحوث الإسلامیة ___ مشهد.

ص: 384

43. تصحیح الاعتقاد، الشیخ المفید / الطبعة الأولی ___ 1413 ه_ ___ قم ___ نشر المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید.

44. التفسیر الأصفی، المولی محمد محسن الفیض الکاشانی / الطبعة الأولی ___ 1418 ه_ ___ مرکز انتشارات دفتر تبلیغات إسلامی ___ قم.

45. تفسیر الإمام العسکری، الإمام الحسن العسکری علیه السلام / الطبعة الأولی ___ 1409 ه_ ___ نشر مدرسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف ___ قم.

46. تفسیر البحر المحیط، محمد بن یوسف (أبی حیان الأندلسی) / الطبعة الأولی ___ 1422 ه_ ___ نشر دار الکتب العلمیة ___ بیروت.

47. تفسیر البغوی، أبو محمد الحسین بن مسعود الغراء البغوی / نشر دار المعرفة ___ بیروت.

48. تفسیر الثعالبی المسمی بالجواهر الحسان فی تفسیر القرآن، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبی / الطبعة الأولی ___ 1418 ه_ ___ نشر دار إحیاء التراث العربی ___ بیروت.

49. تفسیر الصافی، المولی محسن الفیض الکاشانی / الطبعة الثانیة ___ 1416 ه_ ___ نشر مکتبة الصدر ___ طهران.

50. تفسیر العیاشی، محمد بن مسعود العیاشی / 1380 ه_ ___ نشر المطبعة العلمیة ___ طهران.

51. تفسیر غریب القرآن الکریم، فخر الدین الطریحی / انتشارات الزاهدی ___ قم.

52. تفسیر فرات الکوفی، أبی القاسم فرات بن إبراهیم الکوفی / الطبعة الأولی ___ 1410 ه_ ___ مؤسسة الطبع والنشر فی وزارة الإرشاد الإسلامی.

53. تفسیر القمی، علی بن إبراهیم القمی / الطبعة الثالثة ___ 1404 ه_ ___ نشر مؤسسة دار الکتاب ______ قم.

54. التفسیر الکبیر أو مفتاح الغیب، فخر الدین محمد بن عمر الرازی / الطبعة الأولی ___ 1421 ه_ ___ نشر دار الکتب العلمیة ___ بیروت.

55. تفسیر کنز الدقائق، المیرزا محمد المشهدی القمی / الطبعة الأولی ___ 1407 ه_ ___ مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین ___ قم.

56. تفسیر الملا صدرا، صدر المتألهین محمد بن إبراهیم / الطبعة الثانیة ___ 1408 ه_ ___ منشورات بیدار ___ قم.

57. تفسیر نور الثقلین، عبد علی بن جمعة العروسی الحویزی / الطبعة الرابعة ___ 1412 ه_ ___ نشر مؤسسة إسماعیلیان ___ قم.

ص: 385

58. تقریب المعارف، تقی بن نجم الدین أبی الصلاح الحلبی / 1404 ه_ ___ مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة ___ قم.

59. تکملة أمل الآمل، حسن الصدر / 1406 ه_ ___ نشر مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی ____ قم.

60. تکملة الرجال، عبد النبی الکاظمی / الطبعة الأولی 1425 ه_ ___ نشر أنوار الهدی ___ قم.

61. التمحیص، محمد بن همام الإسکافی / الطبعة الأولی ___ 1404 ه_ ___ نشر مدرسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف ___ قم.

62. تهذیب الأحکام، الشیخ أبو جعفر الطوسی / الطبعة الرابعة ___ 1365 ش ___ نشر دار الکتب الإسلامیة ___ طهران.

63. التوحید، الشیخ محمد بن علی بن الحسین (الصدوق) / الطبعة الثانیة ___ 1398 ه_ مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة ___ قم.

64. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الشیخ محمد بن علی الصدوق / الطبعة الثانیة ___ 1406 ه_ ____ دار الشریف الرضی للنشر ___ قم.

65. جامع أحادیث الشیعة، إسماعیل المعزی الملایری / 1413 ه_ مطبعة المهر ___ قم.

66. جامع الأخبار، تاج الدین محمد بن محمد الشعیری / الطبعة الثانیة ___ 1405 ه_ ___ دار الرضی للنشر ___ قم.

67. جامع البیان عن تأویل آی القرآن، أبی جعفر محمد بن جریر الطبری ___ 1415 ه_ ___ نشر دار الفکر ___ بیروت.

68. جامع الرواة، محمد بن علی الأردبیلی / 1403 ه_ ___ نشر مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی ___ قم.

69. جامع السعادات، محمد مهدی النراقی / الطبعة السابعة ___ 1422 ه_ ___ نشر مؤسسة الأعلمی للمطبوعات ___ بیروت.

70. الجامع الصغیر، عبد الرحمن بن أبی بکر السیوطی / الطبعة الأولی 1401 ه_ ___ نشر دار الفکر ___ بیروت.

71. جامع العلوم والحکم فی شرح خمسین حدیثاً من جوامع الکلم / عبد الرحمن بن شهاب الدین البغدادی / الطبعة الأولی ___ 1965 م ___ دار العلوم الحدیثة للطباعة والنشر والتوزیع ____ لبنان.

72. الجامع لأحکام القرآن (تفسیر القرطبی)، محمد بن احمد القرطبی / 1405 ه_ ___ نشر مؤسسة التاریخ العربی ___ بیروت.

ص: 386

73. الجعفریات، محمد بن محمد الأشعث الکوفی / نشر مکتبة نینوی الحدیثة _____ طهران.

74. الحبل المتین، بهاء الدین العاملی / 1398 ه_ ___ نشر مکتبة بصیرتی ___ قم.

75. الحدائق الناظرة فی أحکام العترة الطاهرة، یوسف البحرانی / الطبعة الثالثة ___ 1413 ه_ ___ نشر دار الأضواء ___ بیروت.

76. حق الیقین، عبد الله شبر / الطبعة الأولی ___ 1418 ه_ ___ نشر مؤسسة الأعلمی ___ بیروت.

77. الحقایق فی محاسن الأخلاق، الملا محسن الفیض الکاشانی / الطبعة الثانیة ___ 1423 ه_ ___ نشر دار الکتاب الإسلامی ___ قم.

78. حلیة المتقین، محمد باقر المجلسی / الطبعة الأولی 1424 ه_ ___ منشورات ذوی القربی.

79. الخرائج والجرائح، قطب الدین الراوندی / الطبعة الأولی ___ 1409 ه_ ___ نشر مؤسسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف.

80. الخصال، محمد بن علی بن الحسین الصدوق / الطبعة الثانیة ___ 1403 ه_ ___ مؤسسة النشر الإسلامی ___ قم.

81.  خلاصة الأقوال، الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر الحلی / الطبعة الثانیة ___ 1381 ه_ ___ نشر المطبعة الحیدریة ___ النجف.

82. دراسات فی الأخلاق وشؤون الحکمة العملیة، حسین المظاهری / نشر دار التعارف للمطبوعات ____ بیروت.

83. الدرجات الرفیعة فی طبقات الشیعة، علی خان المدنی (ابن معصوم) / الطبعة الثانیة ___ 1397 ه_ ___ نشر مکتبة بصیرتی ___ قم.

84. دعائم الإسلام، النعمان بن محمد التمیمی المغربی / الطبعة الثانیة ___ 1385 ه_ ____ نشر دار المعارف ____ مصر  .

85. الدعوات، قطب الدین الراوندی / الطبعة الأولی ___ 1407 ه_ ___ نشر مدرسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف ____ قم.

86. الدمعة الساکبة فی أحوال النبی والعترة الطاهرة، المولی محمد باقر بن عبد الکریم البهبهانی / الطبعة الأولی 1408 ه_ ___ مؤسسة الأعلمی للمطبوعات ___ بیروت.

87. دیوان ابن الرومی، ابن الرومی / الطبعة الثانیة ___ 1998 م ___ دار ومکتبة الهلال للطباعة والنشر ___ بیروت.

88. دیوان الإمام علی علیه السلام، الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام / الطبعة الثانیة ___ 1411 ه_ ___ دار نداء الإسلام للنشر ___ قم.

ص: 387

89. دیوان لبید بن ربیعة، لبید بن ربیعة / الطبعة الأولی ___ 1425 ه_ ___ دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزیع ___ بیروت.

90. ذخیرة الحفاظ، محمد بن طاهر المقدسی / الطبعة الأولی ___ 1416 ه_ ___ نشر دار السلف ___ الریاض.

91. ذخیرة المعاد، ملا محمد باقر السبزواری / نشر مؤسسة آل البیت علیهم السلام.

92. الذریعة إلی تصانیف الشیعة، آقا بزرک الطهرانی / الطبعة الثانیة ___ 1403 ه_ ___ نشر دار الأضواء ___ بیروت.

93. ذکر أخبار أصبهان، احمد بن عبد الله الأصبهانی / 1934 م ___ نشر مطبعة بریل.

94. الذکری، الشهید الأول / طبعة حجریة غیر مرقمة / خط کرمانی سنة 1272 ش.

95. رجال ابن داود، الحسن بن علی بن داود الحلی / 1383 ه_ ___ مؤسسة النشر فی جامعة طهران ___ طهران.

96. رجال البرقی، احمد بن محمد بن خالد البرقی / 1383 ه_ ___ مؤسسة النشر فی جامعة طهران ___ طهران.

97. رجال الطوسی، الشیخ أبو جعفر الطوسی / الطبعة الأولی ___ 1415 ه_ ___ مؤسسة النشر الإسلامی.

98. رجال العلامة الحلی، الحسن بن یوسف الحلی / 1411 ه_ ___ نشر دار الذخائر ___ قم.

99. رجال الکشی، محمد بن عمر الکشی / 1348 ه__. ش ___ مؤسسة النشر فی جامعة مشهد.

100. رجال النجاشی، احمد بن علی النجاشی / 1407 ه_ ___ مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العملیة ___ قم.

101. رسائل الشهید الثانی، الشهید الثانی / نشر مکتبة بصیرتی ___ قم.

102. الرسائل العشر، الشیخ أبو جعفر الطوسی / 1404 ه_ ___ نشر جامعة المدرسین ___ قم.

103. رسائل الکرکی، الشیخ علی بن الحسین الکرکی / نشر مکتبة المرعشی ___ 1409 ه_ ___ قم.

104. الرعایة لحال البدایة فی علم الدرایة، الشهید الثانی / الطبعة الأولی ___ 1423 ه_ ___ نشر بوستان کتاب ___ قم.

105. روح المعانی فی تفسیر القرآن العظیم، الآلوسی / دار إحیاء التراث العربی ___ بیروت.

106. روضة الواعظین وبصیرة المتعظین، محمد بن حسن الفتال / دار الرضی للنشر ___ قم.

107. ریاض الصالحین، یحیی بن شرف النووی / الطبعة الثانیة ___ 1411 ه_ ___ نشر دار الفکر.

ص: 388

108. الزهد، الحسین بن سعید الأهوازی / الطبعة الثانیة ___ 1402 ه_ ___ نشر السید أبو الفضل الحسینیان.

109. سبل السلام، محمد بن إسماعیل الکحلانی / الطبعة الرابعة ___ 1379 ه_ ___ شرکة مکتبة ومطبعة مصطفی البابی الحلبی وأولاده بمصر.

110. سبل الهدی والرشاد فی سیرة خیرة العباد، محمد بن یوسف الصالحی الشامی / الطبعة الأولی ___ 1414 ه_ ___ نشر دار الکتب العلمیة ___ بیروت.

111. سفینة البحار ومدینة الحکم والآثار، عباس القمی / الطبعة الثالثة ___ 1422 ه_ ___ دار الأسوة للطباعة والنشر ___ قم.

112. سنن ابن ماجة، محمد بن یزید (ابن ماجة) / نشر دار الفکر ____ بیروت.

113. سنن أبی داود، أبی داود سلیمان بن الأشعث السجستانی / الطبعة الأولی ___ 1410 ه_ ___ نشر دار الفکر ___ بیروت.

114. سنن الترمذی، محمد بن عیسی الترمذی / 1403 ه_ ___ نشر دار الفکر ___ بیروت.

115. سنن النسائی، احمد بن شعیب النسائی / الطبعة الأولی ___ 1348 ه_ ___ نشر دار الفکر ____ بیروت.

116. سیر أعلام النبلاء، محمد بن احمد بن عثمان الذهبی / الطبعة الأولی ___ 1425 ه_ ___ نشر دار الکتب العلمیة ____ بیروت.

117. شرح الأسماء الحسنی، ملا هادی السبزواری / نشر مکتبة بصیرتی.

118. شرح أصول الکافی، المولی محمد صالح المازندرانی.

119. شرح نهج البلاغة، عبد الحمید بن هبة الله بن أبی الحدید المعتزلی / مکتبة آیة الله المرعشی النجفی ___ قم.

120. الشفا بتعریف حقوق المصطفی، أبی الفضل عیاض الیحصبی / 1409 ه_ ___ نشر دار الفکر ___ بیروت.

121. الشهید الأول محمد بن مکی، حسن الأمین / الطبعة الأولی ___ 1418 ه_ ___ الغدیر للطباعة والنشر ___ بیروت.

122. الشیخ الکلینی البغدادی وکتابه الکافی، ثامر هاشم حبیب العمیدی / الطبعة الأولی ___ 1414 ه_ ___ نشر مکتب الأعلام الإسلامی ___ قم.

123. الصحاح تاج اللغة وصحاح اللغة، إسماعیل بن حماد الجوهری / الطبعة الرابعة 1407 ه_ ___ نشر دار العلم للملایین ___ بیروت.

ص: 389

124. صحیح ابن حبان بترتیب ابن بلبان، علی بن بلبان (ابن حبان) / الطبعة الثانیة ___ 1414 ه_ ___ نشر مؤسسة الرسالة.

125. صحیح مسلم، مسلم بن الحجاج النیسابوری / نشر دار الفکر ___ بیروت.

126. صحیفة الرضا علیه السلام، الإمام علی بن موسی الرضا علیه السلام / الطبعة الأولی ___ 1406 ه_ ___ نشر المؤتمر العالمی للإمام الرضا علیه السلام.

127. الصحیفة السجادیة، الإمام زین العابدین علیه السلام / الطبعة الأولی ___ 1411 ه_ ___ نشر مؤسسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف.

128. الصلاة، الشیخ الأنصاری / الطبعة الأولی ___ 1415 ه_ ___ نشر مؤسسة باقری ___ قم.

129. الصمت وآداب اللسان، عبد الله بن محمد ابن أبی الدنیا / الطبعة الأولی ___ 1410 ه_ ___ نشر دار الکتاب العربی ___ بیروت.

130. طب الأئمة علیهم السلام، عبد الله شبر / الإرشاد للطباعة والنشر ___ بیروت.

131. طب الأئمة علیهم السلام، عبد الله وحسن أبناء بسطام / الطبعة الثانیة 1411 ه_ ___ دار الشریف الرضی للنشر _____ قم.

132. طبقات الشافعیة، عبد الرحیم الاسنوی / 1422 ه_ ___ دار الکتب العلمیة.

133. الطبقات الکبری، محمد بن سعد / نشر دار صادر ___ بیروت.

134. عدة الداعی ونجاح الساعی، احمد بن فهد الحلی / الطبعة الأولی ___ 1407 ه_ ___ نشر دار الکتاب الإسلامی.

135. العدد القویة لدفع المخاوف الیومیة، علی بن یوسف بن المطهر الحلی / الطبعة الأولی ___ 1408 ه_ ___ نشر مکتبة آیة الله المرعشی النجفی ___ قم.

136. علل الشرائع، الشیخ الصدوق / نشر مکتبة الداوری ___ قم.

137. عمدة الطالب فی انساب آل أبی طالب، احمد بن علی الحسینی ابن عنبة / الطبعة الأولی ___ 1425 ه_ ___ نشر مکتبة سماحة آیة الله المرعشی النجفی الکبری ___ قم.

138. عوالم العلوم والمعارف الإمام موسی بن جعفر علیهما السلام، عبد الله البحرانی / الطبعة الأولی ___ 1409 ه_ ___ مدرسة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف ___ قم.

139. عوالی اللئالی، محمد بن علی بن أبی جمهور الأحسائی / الطبعة الأولی ___ 1405 ه_ ___ دار سید الشهداء للنشر ___ قم.

ص: 390

140. عیار الشعر، محمد بن احمد بن طباطبا العلوی / الطبعة الأولی ___ 1426 ه_ ___ منشورات اتحاد الکتاب العرب ___ دمشق.

141. العین، الخلیل بن احمد الفراهیدی / الطبعة الثانیة ___ 1409 ه_ ___ نشر مؤسسة دار الهجرة ___ ایران.

142. عیون أخبار الرضا علیه السلام، محمد بن علی بن الحسین الصدوق / 1378 ه_ ___ دار العالم للنشر ___ جهان.

143. عیون الحکم والمواعظ، علی بن محمد اللیثی الواسطی / الطبعة الأولی ___ 1376 ش نشر دار الحدیث ___ قم.

144. غرر الحکم ودرر الکلم، عبد الواحد بن محمد التمیمی الآمدی / الطبعة الأولی ___ 1366 ه_ ___ نشر مکتب الإعلام الإسلامی ___ قم.

145. غریب الحدیث، إبراهیم بن إسحاق الحربی / الطبعة الأولی ___ 1405 ه_ ___ نشر دار المدنة للطباعة والنشر والتوزیع ___ جدة.

146. غریب الحدیث، عبد الله بن مسلم بن قتیبة الدینوری / الطبعة الأولی ___ 1408 ه_ ___ نشر دار الکتب العلمیة ___ بیروت.

147. غریب الحدیث، القاسم بن سلام الهروی / الطبعة الأولی ___ 1396 ه_ ___ نشر دار الکتاب العربی ___ بیروت.

148. الفائق فی رواة وأصحاب الإمام الصادق علیه السلام، عبدالحسین الشبستری / الطبعة الأولی ___ 1418 / مؤسسة النشر الإسلامی ___ قم.

149. الفردوس بمأثور الخطاب، شیرویه الدیلمی / الطبعة الأولی ___ 1406 ه_ ___ نشر دار الکتب العلمیة ___ بیروت.

150. الفصول المختارة، محمد بن محمد بن النعمان (المفید) / الطبعة الأولی ___ 1413 ه_ ___ نشر المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید ___ قم.

151. الفصول المهمة فی أصول الأئمة / محمد بن الحسن الحر العاملی / الطبعة الأولی ___ 1418 ه_ ___ نشر مؤسسة معارف إسلامی إمام رضا علیه السلام ___ قم.

152. فضائل الأشهر الثلاثة، محمد بن علی بن الحسین الصدوق / نشر مکتبة الداوری ___ قم.

153. فقه الإمام الرضا علیه السلام، الإمام علی بن موسی الرضا علیه السلام / الطبعة الأولی ___ 1406 ه_ ___ نشر المؤتمر العالمی للإمام الرضا علیه السلام ___ مشهد.

ص: 391

154. فلاح السائل ونجاح المسائل، السید علی بن طاووس الحلی / نشر مکتب الأعلام الإسلامی فی الحوزة العلمیة _____ قم.

155. فلسفة الأخلاق فی القرآن الکریم، محمد حسین الطباطبائی / الطبعة الأولی ___ 1416 ه_ ___ نشر دار الصفوة ___ بیروت.

156, فیض القدیر شرج الجامع الصغیر، محمد عبد الرؤوف المناوی / الطبعة الأولی ___ 1415 ه_ ___ نشر دار الکتب العلمیة ___ بیروت.

157, القاموس المحیط، الفیروز آبادی.

158. قرب الاسناد، عبد الله بن جعفر الحمیری / نشر مکتبة نینوی ___ طهران.

159. قصص الأنبیاء علیهم السلام، قطب الدین الراوندی / الطبعة الأولی ___ 1409 ه_ ___ مؤسسة البحوث الإسلامیة فی الآستانة الرضویة ___ مشهد المقدسة.

160. قصص الأنبیاء علیهم السلام، نعمة الله جزائری / 1404 ه_ ___ نشر مکتبة آیة الله المرعشی النجفی _____ قم.

161. القواعد والفوائد، محمد بن مکی العاملی (الشهید الأول) / نشر مکتبة المفید ___ قم.

162. الکافی، محمد بن یعقوب بن إسحاق الکلینی / الطبعة الرابعة ___ 1365 ش ___ نشر دار الکتب الإسلامیة ___ طهران.

163. کشاف القناع، منصور بن یونس البهوتی / الطبعة الأولی ___ 1418 ه_ ___ نشر محمد علی بیضون ___ بیروت.

164. کشف الخفاء ومزیل الالباس، إسماعیل بن محمد العجلونی / الطبعة الثانیة ___ 1408 ه_ ___ نشر دار الکتب العلمیة ___ بیروت.

165. کشف الریبة عن أحکام الغیبة، زین الدین بن علی الشهید الثانی / الطبعة الثالثة ___ 1390 ه_ ___ دار المرتضوی للنشر.

166. کشف الغمة فی معرفة الأئمة علیهم السلام، علی بن عیسی الاربلی / 1381 ه_ ___ نشر مکتبة بنی هاشمی ___ تبریز.

167. کشف اللثام، محمد بن الحسن الفاضل الهندی / الطبعة الأولی ___ 1416 ه_ ___ مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین ____ قم.

168. الکفایة فی علم الروایة، أبی احمد بن علی الخطیب البغدادی / الطبعة الأولی ___ 1405 ه_ ___ نشر دار الکتاب العربی ___ بیروت.

ص: 392

169. الکنی والألقاب، عباس القمی / الطبعة الثالثة ___ 1389 ه_ ___ منشورات مطبعة الحیدریة ___ النجف.

170. کنز العمال فی سنن الأقوال والأفعال، علی المتقی بن حسام الدین الهندی / 1409 ه_ ___ نشر مؤسسة الرسالة ___ بیروت.

171. کنز الفوائد، أبو الفتح الکراجکی / الطبعة الأولی ___ 1410 ه_ ___ نشر دار الذخائر ___ قم.

172. الکنز اللغوی فی اللسن العربی، نقلاً عن نسخ قدیمة، نشر د. أوغست هفنر.

173. لسان العرب، محمد بن مکرم ابن منظور / الطبعة الأولی ___ 1405 ه_ ___ نشر أدب الحوزة ___ قم.

174. لواقح الأنوار القدسیة فی بیان العهود المحمدیة، الشعرانی / الطبعة الثانیة 1393 ه_ ___ نشر مصطفی البابی الحلبی وأولاده ___ مصر.

175. متشابه القرآن، ابن شهر اشوب المازندرانی / 1369 ه_ / دار بیدار للنشر.

176. المجدی فی أنساب الطالبین، علی بن محمد العمری / الطبعة الثانیة ___ 1422 ه_ / مکتبة آیة الله المرعشی ___ قم.

177. مجمع البحرین، فخر الدین الطریحی / الطبعة الثانیة ___ 1408 ه_ ___ مکتب نشر الثقافة الإسلامیة.

178. مجمع البیان فی تفسیر القرآن، الفضل بن الحسن الطبرسی / الطبعة الأولی ___ 1415 ه_ ___ نشر مؤسسة الأعلمی للمطبوعات ___ بیروت.

179. مجمع الزوائد، نور الدین الهیثمی / 1408 ه_ ___ دار الکتب العلمیة ___ بیروت.

180. مجمع الفائدة والبرهان، المحقق أحمد الأردبیلی / 1403 ه_ ___ جامعة المدرسین ___ قم.

181. المجموع، محی الدین بن النووی / دار الفکر للطباعة والنشر.

182. المحاسن، احمد بن محمد البرقی / الطبعة الثانیة ___ 1371 ه__. ش ___ دار الکتب الإسلامیة ___ قم.

183. المحجة البیضاء، الفیض الکاشانی / الطبعة الثانیة ___ 1403 ه_ ___ مؤسسة الأعلمی للمطبوعات ___ بیروت.

184. مختار الصحاح، محمد بن أبی بکر الرازی / الطبعة الأولی ___ 1415 ه_ ___ دار الکتب العلمیة ___ بیروت.

185. مسالک الافهام، الشهید الثانی / الطبعة الأولی ___ 1413 ه_ ___ مؤسسة المعارف الإسلامیة ___ قم.

186. مستدرک سفینة البحار، علی النمازی / الطبعة الأولی ___ 1412 ه_ ___ مؤسسة البعثة ___ طهران.

ص: 393

187. مستدرک الوسائل، المحدث النوری / الطبعة الأولی ___ 1408 ه_ ___ مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث ___ قم.

188. مستطرفات السرائر، محمد بن إدریس الحلی / الطبعة الثانیة ___ 1411 ه_ ___ مؤسسة النشر الإسلامی ___ قم.

189. مسکن الفؤاد، الشهید الثانی ___ نشر مکتبة بصیرتی ___ قم.

190. مسند ابن راهویه، إسحاق بن إبراهیم المروزی / الطبعة الأولی ___ 1412 ه_ ___ نشر مکتبة الإیمان ___ المدینة المنورة.

191. مسند احمد، احمد بن حنبل / دار صادر ___ بیروت.

192. مسند الشامیین، سلیمان بن احمد الطبرانی / الطبعة الثانیة ___ 1417 ه_ ___ مؤسسة الرسالة ___ بیروت.

193. مسند الشهاب، محمد بن سلامة القضاعی / الطبعة الأولی ___ 1405 ه_ ___ مؤسسة الرسالة ____ بیروت.

194. مشاهیر علماء الأمصار، محمد بن حبان بن احمد البستی / 1959 م ___ دار الکتب العلمیة ____ بیروت.

195. مشکاة الأنوار، علی بن الحسن الطبرسی / الطبعة الثانیة ___ 1385 ه_ ___ نشر المکتبة الحیدریة فی النجف الأشرف.

196. مشکاة المصابیح، محمد بن عبد الله الخطیب التبریزی / الطبعة الثالثة ___ 1985 م __ المکتب الإسلامی ____ بیروت.

197. المصابیح فی إثبات الإمامة، احمد حمید الدین الکرمانی / الطبعة الأولی 1416 ه_ _____ دار المنتظر ____ بیروت.

198. مصابیح الأنوار، السید عبد الله شبر / الطبعة الثانیة ___ 1407 ه_ ___ مؤسسة النور للمطبوعات ___ بیروت.

199. مصادقة الأخوان، الشیخ الصدوق / 1402 ه_ ___ مطبعة الکرمانی ___ قم.

200. مصباح الشریعة، الإمام الصادق علیه السلام / الطبعة الأولی ___ 1400 ه_ ___ مؤسسة الأعلمی للمطبوعات.

201. مصباح الکفعمی، إبراهیم بن علی الکفعمی / الطبعة الثانیة ___ 1405 ه_ ___ دار الرضی ___ قم.

202. مصباح المتهجد، الشیخ الطوسی / الطبعة الأولی ___ 1411ه_ ___ مؤسسة فقه الشیعة ___ بیروت.

ص: 394

203. مصفی المقال فی مصنفی علم الرجال، آقا بزرک الطهرانی / الطبعة الثانیة ___ 1408 ه_ ___ دار العلوم ___ بیروت.

204. معارف الرجال، محمد حرز الدین / 1405 ه_ ___ مکتبة آیة الله المرعشی ___ قم.

205. معانی الأخبار، الشیخ الصدوق / 1403 ه_ ___ مؤسسة النشر الإسلامی ___ قم.

206. المعتبر، المحقق الحلی / 1364 ش / نشر مؤسسة سید الشهداء علیه السلام.

207. معجم ألفاظ الفقه الجعفری، د. احمد فتح الله / الطبعة الأولی ___ 1415 ه_.

208. المعجم الأوسط، سلیمان بن احمد الطبرانی / دار الحرمین.

209. معجم رجال الحدیث، السید أبو القاسم الخوئی / الطبعة الخامسة ___ 1413 ه_.

210. معجم رجال الفکر والأدب فی النجف، د. محمد هادی الأمینی / الطبعة الثانیة ___ 1413ه_.

211. معجم طبقات المتکلمین، اللجنة العلمیة فی مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام / الطبعة الأولی ___ 1424 ه_ ___ مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام ___ قم.

212. معجم الفروق اللغویة، أبو هلال العسکری / الطبعة الأولی ___ 1412 ه_ ___ نشر جامعة المدرسین ___ قم.

213. معجم المؤلفین، عمر رضا کحالة / دار إحیاء التراث العربی ___ نشر مکتبة المثنی ___ بیروت.

214. معجم المفسرین، عادل نویهض / الطبعة الثالثة ___ 1409 ه_ ___ مؤسسة نویهض الثقافیة للتألیف والترجمة والنشر ____ بیروت.

215. معدن الجوهر، أبو الفتح محمد بن علی الکراجکی / الطبعة الثانیة 1394 ه_. ش ___ نشر المکتبة الرضویة ___ طهران.

216. المغنی، عبد الله بن قدامه / نشر دار الکتاب العربی ___ بیروت.

217. المغنی عن حمل الأسفار، أبو الفضل العراقی / الطبعة الأولی ___ 1415 ه_ ___ نشر مکتبة طبریة ___ الریاض.

218. مفاتیح العلوم، محمد بن احمد الخوارزمی / نشر دار الکتب العلمیة ___ بیروت.

219. مفتاح الفلاح، الشیخ البهائی / الطبعة الأولی ___ 1405 ه_ ___ دار الأضواء ___ بیروت.

220. المقنعة، الشیخ المفید / الطبعة الأولی ___ 1413 ه_ ___ المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید ___ قم.

221. مکارم الأخلاق، الحسن بن الفضل الطبرسی / الطبعة الرابعة ___ 1412 ه_ ___ دار الشریف الرضی ___ قم.

ص: 395

222. الملل والنحل، جعفر السبحانی / الطبعة الأولی ___ 1425 ه_ ___ مؤسسة التاریخ العربی ___ بیروت.

223. الملل والنحل، الشهرستانی / الطبعة الأولی ___ 1981 م ___ مؤسسة ناصر للثقافة ___ بیروت.

224. من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق / الطبعة الثالثة 1413 ه_ ___ مؤسسة النشر الإسلامی ___ قم.

225. مناهل الضرب فی أنساب العرب، جعفر الحسینی / الطبعة الأولی ___ 1419 ه_ ___ مکتبة آیة الله المرعشی ___ قم.

226. منتهی الآمال، الشیخ عباس القمی / 1423 ه_ ____ الدار الإسلامیة للطباعة والنشر والتوزیع.

227. منیة المرید، الشهید الثانی / الطبعة الأولی ___ 1409 ه_ ___ مکتب الإعلام الإسلامی ___ قم.

228. مهج الدعوات، علی بن موسی بن طاووس / الطبعة الأولی ____ 1411 ه_ ____ نشر دار الذخائر ____ قم.

229. المهذب البارع، احمد بن فهد الحلی / 1413 ه_ ___ جامعة المدرسین ___ قم.

230. مواهب الجلیل، الحطاب الرعینی / الطبعة الأولی ___ 1416 ه_ ___ دار الکتب العلمیة ___ بیروت.

231. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن، عبد الأعلی السبزواری / الطبعة الثانیة ___ 1409 ه_ ___ نشر مؤسسة أهل البیت ___ بیروت.

232. موسوعة أنساب العشائر العراقیة، ثامر عبد الحسن العامری / الطبعة الأولی ___ 2004 م / دار الهادی للطباعة والنشر.

233. المیزان فی تفسیر القرآن، محمد حسین الطباطبائی / مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة ____ قم.

235. نضد القواعد الفقهیة، المقداد السیوری الحلی / نشر مکتبة آیة الله المرعشی.

236. نقد الرجال، مصطفی التفرشی / الطبعة الأولی ___ 1418 ه_ ___ مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث ___ قم.

237. النهایة فی غریب الحدیث، ابن الأثیر / الطبعة الرابعة ___ 1364ه_. ش ___ نشر مؤسسة إسماعیلیان ___ قم.

238. نهج البلاغة، الشریف الرضی / دار الهجرة للنشر ___ قم.

239. الهدایة فی النحو، المنسوب لأبی حیان / الطبعة الرابعة 1382 ه_. ش، تحقیق وتنقیح وتعلیق حسین شیر أفکن / نشر المرکز العالمی للدراسات الإسلامیة ___ قم.

240. هدایة المحدثین، محمد أمین الکاظمی / 1405 ه_ ___ نشر مکتبة آیة الله المرعشی ___ قم.

ص: 396

241. هدیة الأحباب، الشیخ عباس القمی / الطبعة الأولی ___ 1420 ه_ ___ نشر مؤسسة نشر الفقاهة ___ قم.

242. هدیة العارفین، إسماعیل باشا البغدادی / دار إحیاء التراث العربی ___ بیروت.

243. وسائل الشیعة، محمد بن الحسن الحر العاملی / الطبعة الأولی 1409 ه_ ___ مؤسسة آل البیت ___ قم.

244. وفیات الأعیان، احمد بن محمد بن خلکان / الطبعة الأولی 1417 ه_ ___ دار إحیاء التراث العربی ___ بیروت.

245. ینابیع المودة لذوی القربی، سلیمان بن إبراهیم القندوزی / الطبعة الأولی 1416 ه_ ___ طبع ونشر دار الأسوة.

ص: 397

المحتویات

الرکن الثالث: فی المهلکات من الأخلاق الردیة التی هی السموم القاتلة المهلکة للدین، وفیه أبواب

الباب الأول: شهوة البطن

الباب الثانی: شهوة الفرج

الباب الثالث: اللسان

الفصل الأول: فی خطر إطلاقه وفضیلة صمته

الفصل الثانی: فی آفات اللسان، وهی أمور

الباب الرابع: الغضب

الباب الخامس: الحقد

الباب السادس: الحسد

الباب السابع: الریاء

الفصل الأول: فی ذمه وحرمته

الفصل الثانی: فی حقیقة الریاء والفرق بینه وبین السمعة وأقسام الریاء

الفصل الثالث: فی درجات الریاء

الفصل الرابع: فی سبب الریاء وعلاجه

ص: 398

الباب الثامن: العجب

الفصل الأول: فی حقیقته وأقسامه والفرق بینه وبین الإدلال

الفصل الثانی: فی ما ورد فی ذمه

الفصل الثالث: فی علاج العجب إجمالا

الفصل الرابع: فی أقسام العجب وتفصیل علاجه

الباب التاسع: التکبر

الفصل الأول: فی ما ورد فی ذمه

الفصل الثانی: فی أقسام التکبر

الفصل الثالث: فی المیزان والمعیار الذی یعرف به الإنسان نفسه هل هو متواضع أو متکبر

الباب العاشر: الدنیا والآخرة

الفصل الأول: فی معرفة الدنیا والآخرة

الفصل الثانی: فی ما ورد فی ذم الدنیا

الفصل الثالث: فی ما ورد عن الأنبیاء والأوصیاء والحکماء فی أمثلة الدنیا

الباب الحادی عشر: المال

الباب الثانی عشر: الفقر

الباب الثالث عشر: الجاه

الفصل الأول: فی سبب حب الجاه

الفصل الثانی: فی علاج حب الجاه

الفصل الثالث: فی حب المدح والثناء

الباب الرابع عشر: الغرور

الفصل الأول: فی حقیقته وذمه

الفصل الثانی: فی بیان فرق المغترین وجهات غرورهم

فصل: فی غرور أهل العلم

فصل: فی غرور أرباب العبادة والعمل

فصل: فی غرور أرباب الأموال

ص: 399

الرکن الرابع: فی المنجیات وفیه أبواب

الباب الأول: التوبة

الفصل الأول: فی حقیقة التوبة

الفصل الثانی: فی وجوبها وفضلها

الفصل الثالث: فی فوریتها

الفصل الرابع: فی عمومها

الفصل الخامس: فی قبول التوبة

الفصل السادس: فی تقسیم الذنوب التی یثاب منها

الفصل السابع: فی بیان ما تعظم به الصغائر

الفصل الثامن: فی تجزئة التوبة

الفصل التاسع: فی أقسام العباد فی التوبة

الفصل العاشر: فی العلاج للإقبال علی التوبة

الباب الثانی: الصبر

الفصل الأول: فی فضله

الفصل الثانی: فی حقیقته وأسامیه وأقسامه

الفصل الثالث: فی دواء الصبر وعلاجه

الباب الثالث: الرضا بالقضاء

الباب الرابع: الشکر

الفصل الأول: فی فضله

الفصل الثانی: فی حده وحقیقته

الفصل الثالث: فی بیان معنی الشکر فی حقه تعالی

الفصل الرابع: فی طریق تحصیل الشکر

الباب الخامس: الرجاء والخوف

الفصل الأول

الفصل الثانی: فی فضل الرجاء وترجیحه علی الخوف

الفصل الثالث: فی دواء الرجاء وسبب حصوله

الفصل الرابع: فی الخوف

ص: 400

الفصل الخامس: فی فضیلة الخوف وسببه والترغیب فیه

الفصل السادس

الفصل السابع

الباب السادس: الزهد

الفصل الأول

الفصل الثانی: فی حقیقته

الفصل الثالث: فی أقسام الزهد ومراتبه

الفصل الرابع

الباب السابع: محبة الله تعالی والأنس به

الفصل الأول: فی حقیقتها

الفصل الثانی: فی الشواهد علی محبة الله تعالی وفضلها

الفصل الثالث: فی معنی محبة الله سبحانه لعبده

الباب الثامن: الیقین

الفصل الأول: فی فضله

الفصل الثانی: فی حقیقة الیقین

الباب التاسع: التوکل

الفصل الأول: فی فضله

الفصل الثانی: فی حقیقة التوکل

الفصل الثالث: فی سببه ودوائه ودرجاته

الباب العاشر: الصدق وأداء الأمانة

الباب الحادی عشر: المحاسبة والمراقبة

الفصل الأول: فی المحاسبة

الفصل الثانی: فی المراقبة

الباب الثانی عشر: التفکر والتدبر

الباب الثالث عشر: ذکر الموت وقصر الأمل

الباب الرابع عشر: طول الأمل

المصادر

المحتویات

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.