البضاعةالمزجاة: شرح کتاب الروضه من الکافی المجلد 3

هویة الکتاب

سرشناسه : قاریاغدی، محمدحسین، توشیحگر

عنوان قراردادی : الکافی. روضه. شرح

عنوان و نام پديدآور : البضاعةالمزجاة: شرح کتاب الروضه من الکافی/ محمدحسین قاریاغدی ؛ تحقیق حمید الاحمدی الجلفائی.

مشخصات نشر : قم: موسسه دارالحدیث العلمیه والثقافیه، مرکز للطباعه والنشر؛ تهران: کتابخانه٬ موزه و مرکز اسناد مجلس شورای اسلامی،1430ق.= 1388 -

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : الشروح والحواشی علی الکافی؛ 14.

مرکز بحوث دارالحدیث؛ 156.

مجموعه آثارالموتمرالدولی الذکری ثقةالاسلام الکلینی(ره)؛ 24 ، 25

شابک : دوره: 978-964-493-329-5 ؛ 70000 ریال: ج. 1 : 978-964-493-319-6

يادداشت : عربی.

يادداشت : کتاب حاضر شرحی بر کتاب "اصول الکافی" تالیف "محمدبن یعقوب کلینی" است.

یادداشت : کتابنامه.

عنوان دیگر : شرح کتاب الروضه من الکافی.

موضوع : کلینی، محمد بن یعقوب - 329ق. . الکافی. روضه -- نقد و تفسیر

موضوع : احادیث شیعه -- قرن 4ق.

شناسه افزوده : احمدی جلفایی، حمید، 1357 -

شناسه افزوده : کلینی، محمد بن یعقوب - 329ق. . الکافی. روضه. شرح

شناسه افزوده : ایران. مجلس شورای اسلامی. کتابخانه، موزه و مرکز اسناد

شناسه افزوده : دار الحدیث. مرکز چاپ و نشر

رده بندی کنگره : BP129/ک8ک240216 1388

رده بندی دیویی : 297/212

شماره کتابشناسی ملی : 1852989

ص: 1

اشاره

مرکز البحوث

موسسة دارالحديث العلمیة الثقافیة

ص: 2

البضاعَةُ الْمُزْجَاةُ

(شرح کتاب الروضة من الكافي)

مُحَمَّدْ حُسَيْنُ بْنُ قَارُ يَا غَدِي

(م 1089 ق.)

المجلد الثالث

تَحْقِيقُ

حَمِيدِ الْأَحْمَدِي الْجُلْفَائِيِّ

مجموعة آثار المؤتمر الدولي لذكرى الشيخ ثقة الإسلام الكليني - ٢٤

ص: 3

البضاعة المزجاة /

محمد حسين بن قارياغدي

تحقيق : حميد الأحمدي الجلفائي

الإخراج الفنى : محمد كريم صالحي ، مجيد بابكي

الناشر : دار الحديث للطباعة والنشر

الطبعة : الأولى ، ١٤٢٩ ق / ١٣٨٧ ش

المطبعة : دار الحديث

الكمية : ؟؟؟؟

الثمن : ؟؟؟؟

دار الحديث للطباعة والنشر

مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية

دارالحديث للطباعة والنشر : قم ، شارع معلّم ، قرب ساحة الشهداء ، الرقم ١٢٥

الهاتف : ٠٢١٧٧٤١٦٥٠ - ٠٢٥١٧٧٤٠٥٢٣ ص ب : ٤٤٦٨ / ٣٧١٨٥

hadith@hadith.net

http://www.hadith.net

ص: 4

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

متن الحديث العاشر و المائتين

اشارة

[بسم اللّه الرحمن الرحيم]

عَنْهُ عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبي حَمَزة، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ:

عَنْ أبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ» وَسَلِّمُوا لِلْاءِمَامِ تَسْلِيما «أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَ_رِكُم» رِضا لَهُ «مَّا فَعَلُوهُ إِلَا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ» أَنَّ أَهْلَ الْخِلَافِ «فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا» (1) وَفِي هذِهِ الْايَةِ: «ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ» مِنْ (2) أَمْرِ الْولِي «وَيُسَلِّمُوا» لِلّهِ الطَّاعَةَ «تَسْلِيمًا» (3) ».

شرح الحديث

قوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا» الآية.

اعلم أنّ الآيات المذكورة في هذا الخبر وتالييه في سورة النساء، ولنذكر قبل الخوض فيما هو المقصود من شرح الحديث ترتيب تلك الآيات وما قبلها وما بعدها، وقول بعض المفسِّرين في تفسيرها؛ ليزداد بصيرة في المقصود. وقال عزّ وجلّ: «إِنَّ اللّه َ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّه َ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللّه َكَانَ سَمِيعا بَصِيرا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» . (4).

قال البيضاوي: يريد [بهم] أمراء المسلمين في عهد الرسول وبعده، ويندرج فيهم الخلفاء والقضاة واُمراء السريّة، أمر الناس بطاعتهم بعدما أمرهم بالعدل منبّها على أنّ وجوب

ص: 5


1- . النساء (4): 66.
2- . في بعض نسخ الكافي: «في».
3- . النساء (4): 65.
4- . النساء (4): 58 و 59.

طاعتهم ما داموا على الحقّ.

وقيل: علماء الشرع؛ لقوله تعالى: «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي اْلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» (1).

«فَإِن تَنَ_زَعْتُمْ» أنتم واُولوا الأمر منكم «فِى شَىْ ءٍ» من اُمور الدّين، وهو يؤيّد الوجه الأوّل؛ إذ ليس للمقلِّد أن ينازع المجتهد في حكمه بخلاف المرؤوس، إلّا أن يُقال: الخطاب لاُولي الأمر على طريقة الالتفات. «فَرُدُّوهُ» فراجعوا فيه «إِلَى اللَّهِ» إلى كتابه «وَالرَّسُولِ» بالسؤال عنه في زمانه والمراجعة إلى سنّته بعده.

واستدلّ به منكروا القياس، وقالوا: إنّ اللّه تعالى أوجب ردّ المختلف إلى الكتاب والسنّة دون القياس. واُجيب: بأنّ ردّ المختلف إلى المنصوص عليه إنّما يكون بالتمثيل والبناء عليه، وهو القياس، ويؤيّد ذلك الأمر به بعد الأمر بطاعة اللّه وطاعة الرسول؛ فإنّه يدلّ على أنّ الأحكام ثلاثه؛ مثبت بالكتاب، ومثبت بالسنّة، ومثبت بالردّ إليهما على وجه القياس.

«إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْأَخِرِ» ؛ فإنّ الإيمان يوجب ذلك.

«ذَ لِكَ» أي الردّ «خَيْرٌ» خيرٌ لكم «وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً» : عاقبة، أو أحسن تأويلاً من تأويلكم بلا ردّ.

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ» (2). عن ابن عبّاس رضى الله عنه: أنّ منافقا خاصم يهوديّا، فدعاه اليهودي إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف، ثمّ إنّهما احتكما إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ، فحكم لليهودي، فلم يرض المنافق، وقال: نتحاكم إلى عمر، فقال اليهودي لعمر: قضى لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلم يرض بقضائه، وخاصم إليك، فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ فقال: نعم، فقال: مكانكما حتّى أخرج إليكما، فدخل، فأخذ سيفه، ثمّ خرج، فضرب عنق المنافق حتّى بَرَد، وقال: هكذا أقضي لمَن لم يرض بقضاء اللّه ورسوله، فنزلت، وقال جبرئيل: إنّ عمر فرّق بين الحقّ والباطل، فسُمّي الفاروق والطاغوت على هذا كعب بن الأشرف(3). وفي معناه من يحكم بالباطل، ويؤثر لأجله يسمّى بذلك لفرط طغيانه، أو للتشبّه بالشيطان، أو لأنّ التحاكم إليه

ص: 6


1- . . النساء (4): 83
2- النساء (4): 60
3- اُنظر: تفسير الآلوسي، ج 18، ص 194؛ أحكام القرآن لابن عربي، ج1، ص 577

تحاكم إلى الشيطان من حيث إنّه الحامل عليه، كما قال: «وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدا» (1). وقرئ: «أن يكفروا بها» (2). على أنّ الطاغوت جمع كقوله تعالى: «أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ» (3). «لوَ إِذَا [قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ» و قرئ: «تعالوا» بضمّ اللام، على أنّه حذف لام الفعل اعتباطا، ثمّ ضمّ اللام لواو الضمير. «رَأَيْتَ الْمُنَ_فِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا» (4). مصدر، أو اسم للمصدر وهو الصدّ، والفرق بينه وبين السدّ أنّه غير محسوس، والسدّ محسوس. و«يصدّون» في موقع الحال، «فَكَيْفَ» يكون حالهم «إِذَآ أَصَ_بَتْهُم مُّصِيبَةُ» كقتل عمر المنافق، أو النقمة من اللّه «بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ» من التحاكم إلى غيرك، وعدم الرِّضا بحكمك «ثُمَّ جَآءُوكَ» حين يصابون للاعتذار، عطف على «أصابتهم». وقيل: على «يصدّون»، وما بينهما اعتراض. «يَحْلِفُونَ بِاللّه ِ» تعالى «إِنْ أَرَدْنَا إِلَا إِحْسَانا وَتَوْفِيقا» (5). ما أردنا بذلك إلّا الفصل بالوجه الأحسن، والتوفيق بين الخصمين، ولم نرد مخالفتك. وقيل: جاء أصحاب القتيل طالبين بدمه وقالوا: ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلّا أن يحسن إلى صاحبنا، ويوفّق بينه وبين خصمه(6).

«أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّه ُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ» من النفاق، فلا يُغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب.

«فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ» أي عن عقابهم؛ لمصلحة في استبقائهم، وعن قبول معذرتهم. «وَعِظْهُمْ» بلسانك، وكفّهم عمّا هم عليه.

«وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ» أي في معنى أنفسهم، أو خاليا بهم؛ فإنّ النصح في السرّ أنجع.

«قَوْلاً بَلِيغا» (7) يبلغ منهم ويؤثّر فيهم؛ أمّرَه بالتجافي عن ذنوبهم، والنصح لهم،

ص: 7


1- النساء (4): 60
2- . حكي عن عبّاس بن المفضل. اُنظر: الكشّاف، ج 1، ص 536؛ تفسير أبي السعود، ج 2، ص 195
3- .البقرة (2): 257
4- النساء (4): 61
5- . النساء (4): 62
6- اُنظر: تفسير الآلوسي، ج 5، ص 69؛ التفسير الكبير، ج 5، ص 204
7- . النساء (4): 63

والمبالغة فيه بالترغيب والترهيب؛ وذلك [مقتضي] (1) شفقة الأنبياء وتعليق الظرف ب «بليغا» على معنى بليغا في أنفسهم مؤثّرا فيها ضعيف؛ لأنّ معمول الصفة لا يتقدّم الموصوف، والقول البليغ في الأصل هو الذي يطابق مدلوله المقصود به.

«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه ِ» بسبب إذنه في طاعته، وأمره المبعوث إليهم بأن يطيعوه، وكأنّه احتجّ بذلك على أنّ الذي لم يرض بحكمه وإن أظهر الإسلام كان كافرا مستوجب القتل.

«وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ» بالنفاق، أو التحاكم إلى الطاغوت.

«جَاءُوكَ» تائبين من ذلك، وهو خبر «إنّ»، و «إذ» متعلّق بقوله: «فَاسْتَغْفَرُوا اللّه َ» بالتوبة والإخلاص.

«وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ» ؛ وإنّما عدل عن الخطاب تفخيما لشأنه، وتنبيها على أنّ من حقّ الرسول أن يقبل اعتذار التائب وإن عظُم جرمه، ويشفع له، ومن منصبه أن يشفع في كبائر الذنوب.

«لَوَجَدُوا اللّه َ تَوَّابا رَحِيما» (2) يعلمون قابلاً لتوبتهم، متفضّلاً عليهم بالرحمة، وإن فسّر وجد بصادف كان «تَوَّابا» حالاً.

«فَلَا وَرَبِّكَ» أي فوربّك، و«لا» مزيدة لتأكيد القسم، لا لتظاهر لا في قوله: «لَا يُؤْمِنُونَ» ؛ لأنّها تزاد في الإثبات، كقوله: «لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ» (3).

«حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ» فيما اختلف بينهم واختلط، ومنه الشجر لتداخل أغصانه.

«ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجا مِمَّا قَضَيْتَ» ضيقا ممّا حكمت به، أو من حكمك، أو شكّا من أجله؛ فإنّ الشاكّ في ضيق من أمره.

«وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما» (4) وينقادوا لك انقيادا بظاهرهم وباطنهم.

«وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ» ؛ تعرّضوا بها للقتل في الجهاد، أو اقتلوها كما قتل بنو إسرائيل، و«أن» مصدريّة، أو مفسّرة؛ لأنّ «كتبنا» في معنى «أمرنا».

«أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» إلّا اُناس قليل منهم وهم المخلصون لما بيّن أنّ إيمانهم لا يتمّ إلّا بأن يسلّموا حقّ التسليم، نبّه على قصور

ص: 8


1- . أثبتناه من المصدر
2- . النساء (4): 64
3- البلد (90): 1
4- . النساء (4): 65

أكثرهم ووهن إيمانهم.

«وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ» من متابعة الرسول ومطاوعته طوعا ورغبةً.

«لَكَانَ خَيْرا لَهُمْ» في عاجلهم وآجلهم «وَأَشَدَّ تَثْبِيتا» (1). في دينهم؛ لأنّه أشدّ في تحصيل العلم ونفي الشكّ، وتثبيتا لثواب أعمالهم، ونصبه على التمييز.

«وَإِذا لَاتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرا عَظِيما» (2). جواب لسؤال مقدّر، فكأنّه قيل: وما يكون لهم بعد التثبيت؟ فقال: وإذا لو ثبتوا لآتيناهم؛ لأنّ «إذا» جواب وجزاء «لَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطا مُسْتَقِيما» (3). يصِلون بسلوكه جناب القدس، وتفتح لهم أبواب الغيب، انتهى(4).

وإذا تمهّد هذا فلنرجع على شرح الحديث. قوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ» ؛ قيل: أي على أهل النفاق والتحاكم إلى الطاغوت وأهل الخلاف المنكرين لوالي الحقّ «أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ» ؛ أي أنفسكم الأمّارة بالسياسات العقليّة والآداب الشرعيّة(5).

والظاهر من هذا الخبر أنّ قوله: «وَيُسَلِّمُوا» للإمام «تَسْلِيمًا» (6) كان داخلاً في القرآن في قراءتهم عليهم السلام ، ويحتمل كونه من كلامه عليه السلام للبيان والتفسير؛ أي المراد بالقتل في هذه الآية القتل الذي يكون في أمر التسليم للإمام، والاحتمالان جاريان فيما يذكر بعدُ في هذا الخبر وفي الأخبار الآتية.

«أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَ_رِكُم» ؛ قيل: للجهاد ولقاء العدوّ المحتاج إلى قطع المسافة(7).

(رضا له) مفعول له، أو تمييز؛ أي يكون خروجكم لرضاء الإمام، أو على وفق رضائه لا لطلب الدُّنيا وحيازتها.

«مَّا فَعَلُوهُ إِلَا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ» (8).

في بعض: «قليلاً» بالنصب، (9). وكأنّه من طغيان القلم.

ص: 9


1- . النساء (4): 66
2- . النساء (4): 67
3- . النساء (4): 68
4- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 205 _ 213 (مع اختلاف في اللفظ والتلخيص)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 240 (مع اختلاف يسير)
6- . النساء (4): 65
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 240
8- النساء 04): 66
9- . نُقل عن مصاحف أهل الشام. اُنظر: مجمع البيان، ج 5، ص 222

(ولو أنّ أهل الخلاف)؛ هم المكتوب عليهم. ولعلّه بيان لمرجع الضمير في قوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ» ممّا فيه صلاحهم في الدارين «لَكَانَ خَيْرا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتا» كلّ من لفظي الخير والشرّ إمّا مجرّد عن معنى التفضيل، أو مبنيّ على فرض الفضل في المفضل عليه.

وفي هذه الآية عطف على قوله: «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ» أي وفي تفسير هذه الآية: «ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجا» (1). قال الجوهري:

مَكان حَرِجٌ و حَرَجٌ، أي ضيّق كثير الشجر، لا يصل إليه الراعية. و قرئ: «يَجْعَلْ صَدْرَهُو ضَيِّقًا حَرَجًا» (2). و «حرجا» وقد حرج صدره يحرج حرجا(3).

(من أمر الوالي) أي في نصبه، والتنصيص بولايته، وأمر الناس بإطاعته.

«وَيُسَلِّمُوا» للّه الطاعة «تَسْلِيمًا» ؛ يحتمل أن يكون الجار متعلّقا بالتسليم، أو بالطاعة، ويكون اللّام للتعليل، أو الصلة، ويكون الطاعة للّه ، أو للإمام.

متن الحديث الحادي عشر والمائتين

اشارة

عَلِيٌّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي جُنَادَةَ الْحُصَيْنِ بْنِ الْمُخَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ وَرْقَاءَ بْنِ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ السَّلُولِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله :

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ ما فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ» : «فَقَدْ سَبَقَتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الشَّقَاءِ ، وَسَبَقَ لَهُمُ الْعَذَابُ «وَقُلْ لَهُمْ فِى أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغا» (4). » .

شرح الحديث

السند ضعيف، وجُنادة بضمّ الجيم.

وقال الجوهري:

سلول: قبيلة من هوازن وهم بنو مرّة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. وسلول: اسم اُمّهم نسبوا إليها(5).

ص: 10


1- النساء (4): 65
2- الأنعام (6): 125
3- الصحاح، ج 1، ص 305 (حرج) مع التلخيص
4- . النساء (4): 63
5- الصحاح، ج 5، ص 1731 (سلل)

وقال العلّامة رحمه الله في الإيضاح:

حُصَيْن، بالحاء المهملة المضمومة والصّاد المهملة المفتوحة وإسكان الياء والنون، أخيرا ابن المخارق بالخاء المعجمة بعد الميم والراء بعد الألف والقاف، أخيرا ابن عبد الرحمن بن ورقاء ممدوودا _ ابن حُبشي _ بضمّ الحاء المهملة، وإسكان الباء المنقّطة تحتها نقطة، وكسر الشين المعجّمة. وحُبشي، صاحب النبي صلى الله عليه و آله ، روى عنه ثلاثة أحاديث؛ أحدها: «عليٌ منّي وأنا منه»(1).

وقال في الخلاصة:

الحُضين _ بضمّ الحاء، وفتح الضاد المعجمة _ : ابن المخارق بن عبد الرحمن بن ورقاء بن حبشي بن جنادة أبو جنادة السلولي. وقيل في حصين بعض القول، وضُعّف بعض التضعيف، انتهى(2). وكذا في النجاشي(3).

وفي نسخ الكتاب: «الحصين» بالحاء المهملة موافق للإيضاح.

قوله: تعالى: «الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّه ُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ» . المشار إليهم بأولئك هم المنافقون المتحاكمون إلى الطاغوت المعتذرون بأنّهم ما أرادوا بذلك «إِلَا إِحْسَ_نًا وَتَوْفِيقًا» (4) الحالفون على ذلك حلفا كاذبا.

وقوله: (فقد سبقت...) يحتمل التنزيل والتفسير كما أشرنا إليه.

والشقاء _ والشقاوة _ بالفتح نقيض السعادة: هي إنّما أمر اللّه تعالى بالإعراض عنهم؛ لسبق علمه تعالى بشقائهم، وسبق تقديرات العذاب بسوء اختيارهم. ولعلّ المراد بالإعراض لعدم المبالغة والاهتمام في دعوتهم، وعدم الحزن على امتناعهم من القبول، أو عدم جبرهم على الإسلام.

«وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغا» (5) كان إسقاط قوله تعالى وعظهم، وعدم التعرّض لذكره للظهور، أو لعدمه في قراءتهم:، ويحتمل كونه من النسّاخ.

ص: 11


1- إيضاح الاشتباه، ص 165، الرقم 236
2- الخلاصة، ص 342
3- رجال النجاشي، ص 376، الرقم 1416
4- . النساء (4): 62
5- . النساء (4): 63

متن الحديث الثاني عشر والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ :

تَلَا أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (1) فَإِنْ خِفْتُمْ تَنَازُعا فِى الْأَمْرِ فَأَرْجِعُوهُ إِلَى اللّهِ وَإِلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ. ثُمَّ قَالَ : «كَيْفَ يَأْمُرُ بِطَاعَتِهِمْ وَيُرَخِّصُ فِي مُنَازَعَتِهِمْ؟ إِنَّمَا قَالَ ذلِكَ لِلْمَأْمُورِينَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ : أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (فأرجعوه).

قال الجوهري: «رجع بنفسه رجوعا ورجوع غيره، وهذيل تقول: أرجعه غيره(2).

وقوله: «فَإِنْ خِفْتُمْ» إلى قوله: «وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» ، فيه الاحتمالان السابقان، والغرض أنّه ليس المراد بالتنازع تنازع اُولي الأمر بينهم، ولا تنازع الرعيّة معهم كما ذهب إليه العامّة، (3).

بل هو خطاب للرعيّة خاصّة، كما أشار إليه بقوله: (كيف يأمر بطاعتهم)؛ أي في طاعة اُولي الأمر. والاستفهام للإنكار.

(ويرخّص في منازعتهم) أي ويرخّص الناس المأمورين بطاعتهم في أن ينازعوا معهم، بل إنّما قال ذلك إشارة إلى قوله: «فَإِنْ خِفْتُمْ» إلى آخره.

(للمأمورين الذين قيل لهم: أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول).

والحاصل: أنّه إن اشتبه عليكم أمر، وخفتم فيه تنازعا؛ لعدم علمكم بحقيقته، فردّوه إلى اللّه وإلى الرسول واُولي الأمر منكم.

ويظهر من كثير من الأخبار أنّ قوله: «وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» كان داخلاً هنا في التنزيل، فأسقط.

ص: 12


1- . النساء (4): 59
2- الصحاح، ج 3، ص 1216 (رجع)
3- اُنظر: الكشّاف، ج 1، ص 535؛ أحكام القرآن للشافعي، ج 1، ص 29؛ جامع البيان، ج 5، ص 205

متن الحديث الثالث عشر و المأتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ : «إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله سَأَلَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام : كَيْفَ كَانَ مَهْلَكُ قَوْمِ صَالِحٍ عليه السلام ؟

فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ صَالِحا بُعِثَ إِلى قَوْمِهِ وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً ، فَلَبِثَ فِيهِمْ حَتّى بَلَغَ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ لَا يُجِيبُونَهُ إِلى خَيْرٍ» .

قَالَ : «وَكَانَ لَهُمْ سَبْعُونَ صَنَما يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَلَمَّا رَأى ذلِكَ مِنْهُمْ قَالَ : يَا قَوْمِ ، بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ وَأَنَا ابْنُ سِتَّ عَشَرَ سَنَةً ، وَقَدْ بَلَغْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ وَأَنَا أَعْرِضُ عَلَيْكُمْ أَمْرَيْنِ : إِنْ شِئْتُمْ فَاسْأَلُونِي حَتّى أَسْأَلَ إِلهِي فَيُجِيبَكُمْ فِيمَا سَأَلْتُمُونِي السَّاعَةَ ، وَإِنْ شِئْتُمْ سَأَلْتُ آلِهَتَكُمْ ، فَإِنْ أَجَابَتْنِي بِالَّذِي أَسْأَلُهَا خَرَجْتُ عَنْكُمْ ، فَقَدْ سَئِمْتُكُمْ وَسَئِمْتُمُونِي . قَالُوا : قَدْ أَنْصَفْتَ يَا صَالِحُ ؛ فَاتَّعَدُوا لِيَوْمٍ يَخْرُجُونَ فِيهِ» .

قَالَ : «فَخَرَجُوا (1) بِأَصْنَامِهِمْ إِلى ظَهْرِهِمْ ، ثُمَّ قَرَّبُوا طَعَامَهُمْ وَشَرَابَهُمْ ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا ، فَلَمَّا أَنْ فَرَغُوا دَعَوْهُ ، فَقَالُوا : يَا صَالِحُ سَلْ ، فَقَالَ لِكَبِيرِهِمْ : مَا اسْمُ هذَا؟ قَالُوا : فُلَانٌ ، فَقَالَ لَهُ صَالِحٌ : يَا فُلَانُ ، أَجِبْ ، فَلَمْ يُجِبْهُ ، فَقَالَ صَالِحُ : مَا لَهُ لَا يُجِيبُ؟ قَالُوا : ادْعُ غَيْرَهُ» .

قَالَ : «فَدَعَاهَا كُلَّهَا بِأَسْمَائِهَا ، فَلَمْ يُجِبْهُ مِنْهَا شَيْءٌ ، فَأَقْبَلُوا عَلى أَصْنَامِهِمْ ، فَقَالُوا لَهَا : مَا لَكِ لَا تُجِيبِينَ صَالِحا؟ فَلَمْ تُجِبْ ، فَقَالُوا : تَنَحَّ عَنَّا ، وَدَعْنَا وَآلِهَتَنَا سَاعَةً، ثُمَّ نَحَّوْا بُسُطَهُمْ وَفُرُشَهُمْ وَنَحَّوْا ثِيَابَهُمْ، وَتَمَرَّغُوا عَلَى التُّرَابِ ، وَطَرَحُوا التُّرَابَ عَلى رُؤُوسِهِمْ ، وَقَالُوا لِأَصْنَامِهِمْ : لَئِنْ لَمْ تُجِيبِي صَالِحا الْيَوْمَ لَتُفْضَحِي» .

قَالَ : «ثُمَّ دَعَوْهُ ، فَقَالُوا : يَا صَالِحُ ادْعُهَا ، فَدَعَاهَا فَلَمْ تُجِبْهُ ، فَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْمِ ، قَدْ ذَهَبَ صَدْرُ النَّهَارِ وَلَا أَرى آلِهَتَكُمْ يُجِيبُونِي ، فَاسْأَلُونِي حَتّى أَدْعُوَ إِلهِي فَيُجِيبَكُمُ السَّاعَةَ ، فَانْتَدَبَ لَهُ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْ كُبَرَائِهِمْ وَالْمَنْظُورِ إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ ، فَقَالُوا : يَا صَالِحُ ، نَحْنُ نَسْأَلُكَ ، فَإِنْ أَجَابَكَ رَبُّكَ اتَّبَعْنَاكَ وَأَجَبْنَاكَ وَيُبَايِعُكَ (2). جَمِيعُ أَهْلِ قَرْيَتِنَا ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ عليه السلام : سَلُونِي مَا شِئْتُمْ ، فَقَالُوا : تَقَدَّمْ بِنَا

ص: 13


1- . في النسخة: «فخرج»
2- . في بعض النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «و بايعك»

إِلى هذَا الْجَبَلِ _ وَكَانَ الْجَبَلُ قَرِيبا مِنْهُمْ _ فَانْطَلَقَ مَعَهُمْ صَالِحٌ ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْجَبَلِ، قَالُوا: يَا صَالِحُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِنْ هذَا الْجَبَلِ السَّاعَةَ نَاقَةً حَمْرَاءَ شَقْرَاءَ وَبْرَاءَ عُشَرَاءَ بَيْنَ جَنْبَيْهَا مِيلٌ ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ : لَقَدْ سَأَلْتُمُونِي شَيْئا يَعْظُمُ عَلَيَّ ، وَيَهُونُ عَلى رَبِّي جَلَّ وَعَزَّ» .

قَالَ : «فَسَأَلَ اللّهَ تَعَالى [صَالِحٌ] ذلِكَ ، فَانْصَدَعَ الْجَبَلُ صَدْعا كَادَتْ تَطِيرُ مِنْهُ عُقُولُهُمْ لَمَّا سَمِعُوا ذلِكَ ، ثُمَّ اضْطَرَبَ ذلِكَ الْجَبَلُ اضْطِرَابا شَدِيدا كَالْمَرْأَةِ إِذَا أَخَذَهَا الْمَخَاضُ ، [ثُمَّ] لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَا رَأْسُهَا قَدْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذلِكَ الصَّدْعِ ، فَمَا اسْتُتِمَّتْ رَقَبَتُهَا حَتّى اجْتَرَّتْ ، ثُمَّ خَرَجَ سَائِرُ جَسَدِهَا ، ثُمَّ اسْتَوَتْ قَائِمَةً عَلَى الْأَرْضِ ، فَلَمَّا رَأَوْا ذلِكَ ، قَالُوا : يَا صَالِحُ ، مَا أَسْرَعَ مَا أَجَابَكَ رَبُّكَ؟ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا فَصِيلَهَا ، فَسَأَلَ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ ذلِكَ ، فَرَمَتْ بِهِ فَدَبَّ حَوْلَهَا ، فَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْمِ ، أَبَقِيَ شَيْءٌ؟ قَالُوا : لَا ، انْطَلِقْ بِنَا إِلى قَوْمِنَا نُخْبِرْهُمْ بِمَا رَأَيْنَا وَيُؤْمِنُونَ بِكَ» .

قَالَ : «فَرَجَعُوا فَلَمْ يَبْلُغِ السَّبْعُونَ إِلَيْهِمْ حَتّى ارْتَدَّ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا ، وَقَالُوا : سِحْرٌ وَكَذِبٌ ، قَالَ : فَانْتَهُوا إِلَى الْجَمِيعِ ، فَقَالَ السِّتَّةُ : حَقٌّ ، وَقَالَ الْجَمِيعُ : كَذِبٌ وَسِحْرٌ» .

قَالَ : «فَانْصَرَفُوا عَلى ذلِكَ ، ثُمَّ ارْتَابَ مِنَ السِّتَّةِ وَاحِدٌ ، فَكَانَ فِيمَنْ عَقَرَهَا» .

قَالَ ابْنُ مَحْبُوبٍ : فَحَدَّثْتُ بِهذَا الْحَدِيثِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا يُقَالُ لَهُ : سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ رَأَى الْجَبَلَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ بِالشَّامِ ، قَالَ : فَرَأَيْتُ جَنْبَهَا قَدْ حَكَّ الْجَبَلَ ، فَأَثَّرَ جَنْبُهَا فِيهِ وَجَبَلٌ آخَرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هذَا مِيلٌ .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (مهلك قوم صالح) بفتح الميم؛ أي سبب هلاكهم، ليطابق الجواب السؤال، فتدبّر.

في الصحاح: «هلك الشيء يهلك هلاكا وهلوكا ومهلكا ومَهْلُكا وتهلكة، والاسم الهُلك بالضمّ»(1).

وقوله: (سئمتكم).

في القاموس: «سئم الشيء ومنه _ كقرح _ سئما وساما وسأمة وسَآمة: ملّ فهو سؤوم، وأسأمته»(2).

ص: 14


1- الصحاح، ج 4، ص 1616 (هلك)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 127 (سأم)

وقوله: (فاتّعدوا).

في القاموس: «تواعدوا واتّعدوا، والأولى في الخير، والثانية في الشرّ»(1).

وقوله: (فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم).

في بعض النسخ: «على ظهورهم». والباء للتعدية، ولعلّ المراد بظهرهم ظهر بلدهم.

في القاموس: الظهر: خلاف البطن، وطريق البرّ، وما غلظ من الأرض وارتفع، الجمع: أظهر وظهور وظهران(2).

وقوله: (فقال لكبيرهم: ما اسمُ هذا).

الظاهر أنّه قال لكبير القوم ورئيسهم مشيرا إلى بعض الأصنام: ما اسم هذا الصنم.

وقيل: المراد بالكبير كبير الأصنام، وإرجاع ضمير ذوي العقول إليها بناءً على زعمهم، وفيه تكلّف على أنّ كون اللّام صلة للقول مانع من إرادة هذا المعنى(3).

وقوله: (تمرّغوا).

يُقال: مرغ الدابّة في التراب تمريغا، أي قلّبها، وتمرّغ: تقلّب.

وقوله: (لتفضحي) في بعض النسخ: «لتفضحني». وفي بعضها: «لفضحني». وفي بعضها: «لتفتضحني». وفي بعضها: «لتفضحنا». وفي بعضها: «لتفضحن». يُقال: فضحه _ كمنعه _ : إذا كشف مساويه فافتضح، والاسم: الفضيحة.

وقوله: (دعوه).

الضمير للصالح.

وقوله: (فانتدب له).

ندبه لأمرٍ فانتدب له؛ أي دعاه فأجابه سريعا.

وقوله: (شقراء وبرآء وعشرآء).

ص: 15


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 346 (وعد)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 82 (ظهر)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 78

قال الجوهري: الشقرة لون الأشقر، وهي في الإنسان حمرة صافية وبشرته مائلة إلى البياض. وفي الخيل يحمّر معها العرف والذنب.

وفي البعير شدّة الحمرة(1). وقال: «وبر البعير فهو وِبَر، إذا كان كثير الوبر»(2).

وقال الفيروزآبادي: «الوبر _ محرّكة _ : صوف الإبل والأرنب ونحوها، وهو وَبِرٌ، وهي وَبِرَة وبراء»(3).

وقال: العشراء من النوق: التي لحملها عشرة أشهر، أو ثمانية، أو هي كالنفساء من النساء، الجمع: عشراوات وعشار(4).

وفي النهاية:

العُشراء _ بالضمّ وفتح الشين والمدّ _ : التي أتى على حملها عشرة أشهر، ثمّ اتّسع فيه، فقيل: لكلّ حامل عشراء، وأكثر ما يطلق على الإبل والخيل(5).

(بين جنبيها ميل) أي يكون عرضها مقدار ميل، وهو ثُلث فرسخ.

(ويهون على ربّي).

الظاهر أنّ «يهون» على صيغة المجرّد، و«على» حرف جرّ. ويحتمل أن يكون من التهوين، و«عليَّ» بتشديد الياء. في الصحاح: «الهَوْن، مصدر هانَ عليه الشيء، أي خفّ. وهوّنه اللّه عليه، أي سهّله وخفّفه»(6).

وقوله: (فانصدع الجبل) إلى قوله: (المخاض).

الصدع: الشقّ. والانصداع: الانشقاق. والمَخاض _ بالفتح _ : وجع الولادة.

(ثمّ لم يفجأهم) أي لم يظهر لهم فجأة شيء؛ يُقال: فجأه _ كمنعه وسمعه _ : إذا هجم عليه.

وقوله: (طلع) أي ظهر وخرج.

ص: 16


1- الصحاح، ج 2، ص 701 (شقر) مع اختلاف يسير و تلخيص
2- الصحاح، ج 2، ص 842 (وبر)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 151 (وبر)
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 90 (عشر)
5- النهاية، ج 3، ص 240 (عشر)
6- الصحاح، ج 6، ص 2218 (هون)

وقوله: (فما استمّت رقبتها).

أتمّه وتمّمه واستتمّه بمعنى.

ورقبتها _ بالرفع، أو بالنصب _ أي فما اُكملت رقبتها الخروج، أو فما اُكملت تلك الناقة إخراج رقبتها من ذلك بالصدع، ولم تخرجها بتمامها.

(حتّى اجترّت).

قال الجزري: «الجرّة: ما يخرجه البعير من بطنه ليمضغه ثمّ يبتلعه. يُقال: اجترّ البعير يجترّ»(1).

وقوله: (فصيلها).

في الصحاح: «الفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن اُمّه. والجمع: فُصلان، وفصال»(2).

والباء في قوله: (فرمت به) للتعدية؛ أي ألقت تلك الناقة فصيلها وطرحته.

(فدبّ حولها) أي فمشى ذلك الفصيل حول الناقة؛ يُقال: دبّ الصبيّ، أو الشيخ، أي مشى مشيا رويدا.

و قوله: (إلي الجميع).

في الصحاح: «الجميع: ضدّ المتفرّق. والجميع: الجيش. والجميع: الحيّ المجتمع»(3).

وقوله: (جنبها) مبتدأ، و(قد حكّ الجبل) خبره. وكون الأوّل مفعول «رأيت»، والثاني حالاً عنه، أو كونهما مفعولين له بعيد.

وقوله: (وجبل آخر بينه وبين هذا ميل).

حاصله أنّه رأى جبلين بينهما قدر ميل بقدر عرض تلك الناقة، وكان في كلّ من الجبلين أثر جنبها.

متن الحديث الرابع عشر و المأتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

ص: 17


1- النهاية، ج 1، ص 259 (جرر)
2- الصحاح، ج 5، ص 1791 (فصل)
3- الصحاح، ج 3، ص 1200 (جمع)

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقالُوا أَ بَشَرا مِنّا واحِدا نَتَّبِعُهُ إِنّا إِذا لَفِى ضَلالٍ وَسُعُرٍ * أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذّابٌ أَشِرٌ» (1). ؟

قَالَ : «هذَا كَانَ بِمَا (2) كَذَّبُوا (3). صَالِحا ، وَمَا أَهْلَكَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ قَوْما قَطُّ حَتّى يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ قَبْلَ ذلِكَ الرُّسُلَ ، فَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ ، فَبَعَثَ اللّهُ إِلَيْهِمْ صَالِحا ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللّهِ ، فَلَمْ يُجِيبُوهُ (4). وَعَتَوْا عَلَيْهِ ، (5). وَقَالُوا : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تُخْرِجَ لَنَا مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ نَاقَةً عُشَرَاءَ ، وَكَانَتِ الصَّخْرَةُ يُعَظِّمُونَهَا وَيَعْبُدُونَهَا ، وَيُذَبِّحُونَ عِنْدَهَا فِي رَأْسِ كُلِّ سَنَةٍ ، وَيَجْتَمِعُونَ عِنْدَهَا ، فَقَالُوا لَهُ : إِنْ كُنْتَ كَمَا تَزْعُمُ نَبِيّا رَسُولًا ، فَادْعُ لَنَا إِلهَكَ حَتّى يُخْرِجَ (6). لَنَا مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ نَاقَةً عُشَرَاءَ ، فَأَخْرَجَهَا اللّهُ كَمَا طَلَبُوا مِنْهُ .

ثُمَّ أَوْحَى اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ إِلَيْهِ أَنْ يَا صَالِحُ ، قُلْ لَهُمْ : إِنَّ اللّهَ قَدْ جَعَلَ لِهذِهِ النَّاقَةِ مِنَ الْمَاءِ (7) شِرْبَ يَوْمٍ ، وَلَكُمْ شِرْبَ يَوْمٍ ، فَكَانَتِ (8). النَّاقَةُ إِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهَا شَرِبَتِ الْمَاءَ ذلِكَ الْيَوْمَ ، فَيَحْلُبُونَهَا ، فَلَا يَبْقى صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ إِلَا شَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا يَوْمَهُمْ ذلِكَ ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ وَأَصْبَحُوا غَدَوْا إِلى مَائِهِمْ ، فَشَرِبُوا مِنْهُ ذلِكَ الْيَوْمَ ، وَلَمْ تَشْرَبِ النَّاقَةُ ذلِكَ الْيَوْمَ ، فَمَكَثُوا بِذلِكَ مَا شَاءَ اللّهُ .

ثُمَّ إِنَّهُمْ عَتَوْا عَلَى اللّهِ ، وَمَشى بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ ، وَقَالُوا : اعْقِرُوا هذِهِ النَّاقَةَ وَاسْتَرِيحُوا مِنْهَا ، لَا نَرْضى أَنْ يَكُونَ لَنَا شِرْبُ يَوْمٍ ، وَلَهَا شِرْبُ يَوْمٍ .

ثُمَّ قَالُوا : مَنِ الَّذِي يَلِي قَتْلَهَا ، وَنَجْعَلَ لَهُ جُعْلًا مَا أَحَبَّ؟ فَجَاءَهُمْ (9) رَجُلٌ أَحْمَرُ أَشْقَرُ أَزْرَقُ وَلَدُ زِنًى لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ ، يُقَالُ لَهُ : قُدَارٌ ، شَقِيٌّ مِنَ الْأَشْقِيَاءِ مَشْؤُومٌ عَلَيْهِمْ ، فَجَعَلُوا لَهُ جُعْلًا ، فَلَمَّا تَوَجَّهَتِ النَّاقَةُ إِلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَتْ تَرِدُهُ ، تَرَكَهَا حَتّى شَرِبَتِ الْمَاءَ ، وَأَقْبَلَتْ رَاجِعَةً ، فَقَعَدَ لَهَا فِي طَرِيقِهَا ، فَضَرَبَهَا بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً ، فَلَمْ تَعْمَلْ شَيْئا ، فَضَرَبَهَا ضَرْبَةً أُخْرى ، فَقَتَلَهَا وَخَرَّتْ إِلَى الْأَرْضِ عَلى جَنْبِهَا ، وَهَرَبَ فَصِيلُهَا حَتّى صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ ، فَرَغى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِلَى السَّمَاءِ ، وَأَقْبَلَ قَوْمُ

ص: 18


1- . القمر (54): 23 _ 25
2- . في بعض النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة والوافي: «فيما»
3- . في الطبعة القديمة: + «به»
4- . في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «فلم يجيبوا»
5- . في أكثر النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: + «عتوّا»
6- . في بعض نسخ الكافي والطبعة القديمة: «تخرج»
7- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني والبحار: - «من الماء»
8- . في الطبعة القديمة: «وكانت»
9- . في النسخة: «فجاء»

صَالِحٍ ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْهُمْ (1) إِلَا شَرِكَهُ فِي ضَرْبَتِهِ ، وَاقْتَسَمُوا لَحْمَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ إِلَا أَكَلَ مِنْهَا .

فَلَمَّا رَأى ذلِكَ [صَالِحٌ] أَقْبَلَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : يَا قَوْمِ ، مَا دَعَاكُمْ إِلى مَا صَنَعْتُمْ؟ أَ عَصَيْتُمْ رَبَّكُمْ؟

فَأَوْحَى اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ إِلى صَالِحٍ عليه السلام أَنَّ قَوْمَكَ قَدْ طَغَوْا وَبَغَوْا ، وَقَتَلُوا نَاقَةً بَعَثْتُهَا إِلَيْهِمْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِيهَا ضَرَرٌ ، وَكَانَ لَهُمْ مِنْهَا أَعْظَمُ الْمَنْفَعَةِ ، فَقُلْ لَهُمْ : إِنِّي مُرْسِلٌ عَلَيْكُمْ عَذَابِي إِلى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، فَإِنْ هُمْ تَابُوا وَرَجَعُوا ، قَبِلْتُ تَوْبَتَهُمْ ، وَصَدَدْتُ عَنْهُمْ ، وَإِنْ هُمْ لَمْ يَتُوبُوا وَلَمْ يَرْجِعُوا ، بَعَثْتُ عَلَيْهِمْ عَذَابِي فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ .

فَأَتَاهُمْ صَالِحٌ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْمِ ، إِنِّي رَسُولُ رَبِّكُمْ إِلَيْكُمْ وَهُوَ يَقُولُ لَكُمْ : إِنْ أَنْتُمْ تُبْتُمْ وَرَجَعْتُمْ وَاسْتَغْفَرْتُمْ ، غَفَرْتُ لَكُمْ وَتُبْتُ عَلَيْكُمْ ، فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ ذلِكَ كَانُوا أَعْتى مَا كَانُوا وَأَخْبَثَ ، وَقَالُوا : يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ .

قَالَ : يَا قَوْمِ ، إِنَّكُمْ تُصْبِحُونَ غَدا وَوُجُوهُكُمْ مُصْفَرَّةٌ ، وَالْيَوْمَ الثَّانِيَ وُجُوهُكُمْ مُحْمَرَّةٌ ، وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ وُجُوهُكُمْ مُسْوَدَّةٌ .

فَلَمَّا أَنْ كَانَ أَوَّلُ يَوْمٍ، أَصْبَحُوا وَوُجُوهُهُمْ مُصْفَرَّةٌ، فَمَشى بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ، وَقَالُوا : قَدْ جَاءَكُمْ مَا قَالَ لَكُمْ صَالِحٌ ، فَقَالَ الْعُتَاةُ [مِنْهُمْ] : لَا نَسْمَعُ قَوْلَ صَالِحٍ ، وَلَا نَقْبَلُ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَ عَظِيما .

فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي ، أَصْبَحَتْ وُجُوهُهُمْ مُحْمَرَّةً ، فَمَشى بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ ، فَقَالُوا : يَا قَوْمِ ، قَدْ جَاءَكُمْ مَا قَالَ لَكُمْ صَالِحٌ ، فَقَالَ الْعُتَاةُ مِنْهُمْ : لَوْ أُهْلِكْنَا جَمِيعا مَا سَمِعْنَا قَوْلَ صَالِحٍ ، وَلَا تَرَكْنَا آلِهَتَنَا الَّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَهَا ، وَلَمْ يَتُوبُوا وَلَمْ يَرْجِعُوا .

فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ ، أَصْبَحُوا وَ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ، فَمَشَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَقَالُوا (2) : يَا قَوْمِ ، أَتَاكُمْ مَا قَالَ لَكُمْ صَالِحٌ ، فَقَالَ الْعُتَاةُ [مِنْهُمْ] : قَدْ أَتَانَا مَا قَالَ لَنَا صَالِحٌ .

فَلَمَّا كَانَ نِصْفُ اللَّيْلِ ، أَتَاهُمْ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَصَرَخَ بِهِمْ صَرْخَةً خَرَقَتْ تِلْكَ الصَّرْخَةُ أَسْمَاعَهُمْ ، وَفَلَقَتْ قُلُوبَهُمْ ، وَصَدَعَتْ أَكْبَادَهُمْ ، وَقَدْ كَانُوا فِي تِلْكَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ (3) قَدْ تَحَنَّطُوا وَتَكَفَّنُوا ، وَعَلِمُوا

ص: 19


1- . في بعض نسخ الكافي: - «منهم»
2- . في النسخة وأكثر النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة والبحار: «فقالوا»
3- . في أكثر نسخ الكافي والبحار: «أيّام»

أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ بِهِمْ ، فَمَاتُوا أَجْمَعِينَ (1) فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ : صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ نَاعِقَةٌ وَلَا رَاغِيَةٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَا أَهْلَكَهُ اللّهُ ، فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ وَمَضَاجِعِهِمْ مَوْتى أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ أَرْسَلَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مَعَ الصَّيْحَةِ النَّارَ مِنَ السَّمَاءِ ، فَأَحْرَقَتْهُمْ أَجْمَعِينَ ؛ وَكَانَتْ هذِهِ قِصَّتَهُمْ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ» (2) .

قال البيضاوي: «بالإنذارات والمواعظ والرسل»(3). وأقول: كأنّه جعل النذر جمع النذير، كرغف جمع رغيف.

وفي القاموس:

نذر بالشيء _ كفرح _ : عَلِمَه فحذّره. وأنذره بالأمر إنذارا ونذيرا: أعلمه، وحذّره، وخوّفه في إبلاغه. والاسم النذر بضمّتين، ومنه: «فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ» (4). (5).

وفي الصحاح: «ثمود: قبيلة من العرب الاُولى، وهم قوم صالح عليه السلام ، يصرف ولا يصرف»(6).

«فَقَالُوا أَبَشَرا مِنَّا» أي من جنسنا وجملتنا، لا فضلَ له علينا، وانتصابه بفعل يفسّره ما بعده.

«وَاحِدا» : منفردا لا تبع له، أو من آحادهم دون أشرافهم. وقيل: الاستفهام للإنكار والتوبيخ(7).

«نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ» (8).

قال البيضاوي: «كأنّهم عكسوا عليه، فرتّبوا على اتّباعهم إيّاه ما رتّبه على ترك اتّباعهم له»(9).

وقيل: السعر: الجنون، ومنه ناقةٌ مسعورة(10).

ص: 20


1- . في الطبعة القديمة والوافي: «أجمعون»
2- . القمر (54): 23
3- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 267
4- . القمر (54): 16
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 140 (نذر) مع التلخيص
6- الصحاح، ج 2، ص 451 (ثمد)
7- ذهب إليه الزمخشري في الكشّاف، ج 4، ص 39؛ والسمعاني في تفسيره، ج 5، ص 313؛ والبيضاوي في تفسيره، ج 5، ص 267
8- القمر (54): 24
9- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 267
10- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 80

«أَؤُلْقِىَ الذِّكْرُ» الكتاب والوحي «عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا» وفينا من هو أحقّ بذلك.

وقيل: كأنّهم ظنّوا أنّ البشريّة مانعة للرسالة، وإلّا لجاز اتّصاف كلّ أحد بها، ولم يعلموا أنّها متوقّفة على صفات لا توجد في كلّ أحد(1). «بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ» (2).

الأشر _ محرّكة _ : البطر، والكبر، والحيرة. أَشِرَ _ كفرح _ فهو أشر ككتف؛ يعني حَملَه بطره على الترفّع علينا بادّعائه الرسالة ومبالغته في الكذب.

(وعتوا عليه عتوّا)(3).

يُقال: عتا عتوّا وعتيّا، أي استكبر، وجاوز الحدّ، فهو عات.

وقوله: (الصمّاء) أي الصلبة المصمّمة.

وقوله: (شرب يوم الشرب) بالكسر: الحظّ، والنصيب من الماء.

قيل: إذا كان يوم شربها ما ترفع رأسها من البئر حتّى تشرب كلّ ماء فيها(4).

وقوله: (اعقروا هذه الناقة).

العقر: الجرح، وفعله كضرب، والمراد هنا النحر.

نقل البيضاوي أنّها كانت تصيف بظهر الوادي، فتهرب منها أنعامهم إلى بطنه، وتشتدّ ببطنه، فتهرب مواشيهم إلى ظهره، فشقَّ ذلك عليهم ودعاهم إلى عقرها(5).

فقوله: (لا نرضى أن يكون لنا شرب يوم) علّة وداعية اُخرى لعقرها.

وقوله: (جُعْلًا).

قال الجزري: الجعل: الاسم بالضمّ، والمصدر بالفتح. يُقال: جعلت لك كذا جَعْلاً وجُعلاً، وهو الاُجرة على الشيء قولاً وفعلاً(6).

وقوله: (أشقر).

ص: 21


1- قاله المحقّق المازندارني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 246
2- القمر (54): 25
3- في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: - «عتوّا»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 246
5- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 267
6- النهاية، ج 1، ص 277 (جعل)

قال الجوهري: الشقرة: لون الأشقر، وهي في الإنسان حمرة صافية، وبشرته مائلة إلى البياض. وفي الخيل يحمّر منها العرف والذنب. وفي البعير شدّة الحمرة(1).

وقوله: (أزرق).

يعني أزرق العين.

وقوله: (لا يعرف له أب).

في القاموس: «قُدار: كهما بن سالف عاقر الناقة»(2). ومثله قال بعض المفسّرين(3).

وقيل: إنّما كان ينسب إلى سالف؛ لأنّه ولد على فراشه(4).

وقوله: (مشؤمٌ عليهم).

أي يعدّونه بينهم شؤما، أو يرى شأمته إليهم حيث عقر الناقة، وصار ذلك سببا لاستئصالهم.

في القاموس: الشؤم _ بالهمزة _ : ضدّ اليُمن. وشؤم عليهم _ ككرم، وعُتيَ _ : صار شؤما عليهم ورجلٌ مشؤم ومشوم(5).

وقوله: (فرغى).

في القاموس: «رغا البعير والضبع والنعام رُغاءً _ بالضمّ _ : صوّتت، فضجّت»(6).

وقال بعض المفسّرين: لأنّ فصيلها كان شبيها بها في العظم، فلمّا عقروا اُمّها رقى جبلاً اسمها قارة فرغى ثلاثا، فقال صالح: أدركوا الفصيل، عسى أن يرفع عنكم العذاب، فلم يقدروا عليه فإذا انفجرت الصخرة بعد رغائه فدخلها(7).

وقوله: (صددت عنهم) أي صرفت عنهم العذاب؛ يُقال: صدَّه عن الأمر _ كمدّه _ صدّا، أي

ص: 22


1- الصحاح، ج 2، ص 701 (شقر) مع الاختلاف و التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 114 (قدر) مع التلخيص
3- اُنظر: تفسير البيضاوي، ج 5، ص 497
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 81
5- القاموس الميحط، ج 4، ص 134 (شأم)
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 335 (رغا)
7- قاله البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 37 (مع اختلاف في اللفظ)

منعه، وصرفه عنه.

وقوله: (فصرخ بهم) إلى قوله: (في طرفة عين).

الصرخة: الصيحة الشديدة.

والخرق: المزق، والشقّ.

والإسماع: جمع السمع. والفلق: الشقّ. والصدع: الشقّ في شيء صلب.

والأكباد: جمع الكبد، بالفتح والكسرككتف.

والحنوط _ بالفتح _ : كلّ طيب يحنّط للميّت. والتحنّط: استعماله.

وطرف بصره، أي أطبق أحد جفنيه على الآخر، والمرّة منه طَرفة بالفتح.

وقوله: (فلم يبق لهم ناعقة ولا راغية).

هذا الكلام يجري مجرى الأمثال، ضربٌ للمبالغة في إحاطة الهلاك وشمول العذاب بحيث لا يبقى أحد. قال الجوهري:

النعيق: صوت الراعي لغنمه. ينعق بالكسر نعيقا ونعاقا، أي صاح بها، وزجرها. وحكى ابن كيسان نعق الغراب أيضا بعين غير معجمة؛ أي صاح، انتهى.

والراعية: الماشية.

وفي بعض النسخ: «فلم يبق منهم ثاغية ولا راغية». قال الجوهري:

الثغاء: صوت الشاة والمعز وما شاكلها. والثاغية: الشاة. وقد ثغت تثغو ثغاية، أي صاحت، يُقال: ما له ثاغية ولا راغية. فالثاغية: الشاة. والراغية: البعير، وما بالدار ثاغ ولا راغ، أي أحد، انتهى(1).

متن الحديث الخامس عشر والمائتين

اشارة

متن الحديث الخامس عشر والمائتين8813.

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيِّ ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي فَرْوَةُ :عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : ذَاكَرْتُهُ شَيْئا مِنْ أَمْرِهِمَا ، فَقَالَ : «ضَرَبُوكُمْ عَلى دَمِ عُثْمَانَ ثَمَانِينَ سَنَةً وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ ظَالِما ، فَكَيْفَ يَا فَرْوَةُ إِذَا ذَكَرْتُمْ صَنَمَيْهِمْ؟» .

ص: 23


1- الصحاح، ج 6، ص 2293 (ثغو)

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (شيئا من أمرهما) أي أمر العمرين، وظلمهما على أهل البيت عليهم السلام .

(فقال: ضربوكم على دم عثمان).

يحتمل كونه من الضرب. أو التضريب. قال الفيروزآبادي: «ضرب على يديه: أمسك. والشيء: خلط. كضربه وضاربه، فضربه كنصره عليه في الضرب»(1).

وفي بعض النسخ: «على قتل عثمان».

(ثمانين سنة)؛ هي مدّة ملك بني اُميّة تقريبا.

وهذه الكلام صدر منه عليه السلام في أواسط عمره؛ لأنّه عليه السلام ولد في سبع و خمسين، وقبض سنة أربع عشر ومائه، وله سبع وخمسون سنة.

وقوله: (صنميهم) أي معبوديهم وشيخيهم اللذين يطيعونهما و يوّقرونهما، كعبدة الأصنام، فتعصّبهم لهما أشدّ من تعصّبهم لعثمان.

والغرض من هذا الحديث الحثّ والترغيب على التقيّة.

متن الحديث السادس عشر والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ سَدِيرٍ ، قَالَ :

كُنَّا عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَذَكَرْنَا مَا أَحْدَثَ النَّاسُ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه و آله ، وَاسْتِذْلَالَهُمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ (2). رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ (3). : أَصْلَحَكَ اللّهُ ، فَأَيْنَ كَانَ عِزُّ بَنِي هَاشِمٍ وَمَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْعَدَدِ؟ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَمَنْ (4). كَانَ بَقِيَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ؟ إِنَّمَا كَانَ جَعْفَرٌ وَ حَمْزَةُ ، فَمَضَيَا ، وَبَقِيَ مَعَهُ رَجُلَانِ ضَعِيفَانِ ذَلِيلَانِ ، حَدِيثَا عَهْدٍ بِالْاءِسْلَامِ : عَبَّاسٌ وَعَقِيلٌ ، وَكَانَا مِنَ الطُّلَقَاءِ ، أَمَا وَاللّهِ لَوْ أَنَّ حَمْزَةَ وَجَعْفَرا كَانَا بِحَضْرَتِهِمَا [مَا وَصَلَا إِلى] مَا وَصَلَا إِلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَا شَاهِدَيْهِمَا لَأَتْلَفَا نَفْسَيْهِمَا» (5).

ص: 24


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 96 (ضرب) مع التلخيص
2- . في بعض نسخ الكافي: + «له»
3- . في بعض نسخ الكافي: - «من القوم»
4- . في بعض نسخ الكافي: «من» بدون الواو
5- في بعض نسخ الكافي والوافي: «أنفسهما»

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (من العدد) بفتح العين، أو بضمّها جمع عدّة بالضمّ.

قال الجوهري:

عددت الشيء عدّا: أحصيته، والاسم: العدد. والعُدّة _ بالضمّ _ : الاستعداد، ويُقال: كونوا على عُدّة. والعُدّة أيضا: ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسلاح(1).

وقوله: (وكانا من الطلقاء) بضمّ الأوّل وفتح الثاني، جمع طليق، كأمير، وهو الأسير اُطلق عنه أساره، فعيل بمعنى مفعول، وكان النبيّ صلى الله عليه و آله أسرهما في غزاة بدر، وأخذ منهما الفداء وأطلقهما ولم يسترقهما.

وقوله: (بحضرتهما) أي حاضرين عند العمر بن حصين، أرادا ما أرادا. وحضرة الرجل _ بالفتح _ : قربه وفِناءه. قاله الجوهري(2).

وفي القاموس: «كان بحضرته _ مثلّثة _ وحضرته _ محرّكة ومحضره بمعنى»(3).

وقوله: (ما وصلا إلى ما وصلا إليه) أي لم يتمكّنا من الوصول إلى ما وصلا إليه من غصب الخلافة وإجراء الظلم والجور على أهل بيت العصمة عليهم السلام وشيعتهم.

وقوله: (لأتلفا نفسيهما).

المناسب للسياق إرجاع الضمير في «نفسيهما» إلى العمرين، لا إلى حمزة وجعفر، أي لقتلاهما.

وفي بعض النسخ: «نفسهما».

متن الحديث السابع عشر والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ :

ص: 25


1- الصحاح، ج 2، ص 505 (عدد) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 2، ص 632 (حضر)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 10 (حضر)

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَنِ اشْتَكَى الْوَاهِيَةَ ، (1). أَوْ كَانَ بِهِ صُدَاعٌ أَوْ غَمَرَهُ (2). بَوْلِهِ ، (3). فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلى ذلِكَ الْمَوْضِعِ ، وَلْيَقُلْ : اسْكُنْ سَكَّنْتُكَ بِالَّذِي سَكَنَ لَهُ مَا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف إن كان «إسماعيل بن مسلم» هو السكوني، وإلّا فمجهول.

قوله: (اشكتى الواهية)(4).

يُقال: شكوت فلانا: إذا أخبرت عنه بسوء فعله بك. واشكتى فلان عضوا من أعضائه. وقيل: «الواهية _ بالياء المثنّاة التحتانيّة _ : الجراحة، والدُمل، والخراج، ونحوهما ممّا يخرج في البدن»(5). وفي القاموس: الوهى: الشقّ في الشيء، وهي كوعى وولّى، تخرّق وانشقّ واسترخى رباطه»(6).

وفي بعض النسخ: «الواهنة» بالنون. قال الفيروزآبادي:

الواهنة: ريح تأخذ في المنكبين أو في العضدين أو في الأخدعين عند الكبر، والقُصرى، وفقرة في القفا والعضد(7). وقال: «الأخدع: عرق في المحجمتين، وهو شعبة من الوريد»(8).

وقال: القيصري: أسفل الأضلاع، أو آخر ضلع في الجنب وأصل العنق»(9).

وفي بعضها: «الداهية». وكأنّ المراد بها مطلق المرض والألم. قال الجوهري: «الداهية: الأمر العظيم. ودواهي الدهر: ما يُصيب الناس من عظيم نُؤبه»(10).

(أو كان به صداع).

الهمزة ليست في بعض النسخ. والصّداع _ بالضمّ _ : وجع الرأس.

ص: 26


1- . في كلتا الطبعتين: «الواهنة»
2- في كلتا الطبعتين: «عمزة». وفي الوافي والبحار: «غمزة»
3- . في كلتا الطبعتين: «بولٍ». وفي بعض نسخ الكافي: «تؤلمه»
4- في كلتا الطبعتين: «الواهنة»
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 248
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 402 (وهي)
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 276 (وهن)
8- القاموس المحيط، ج 3، ص 17 (خدع)
9- القاموس المحيط، ج 2، ص 118 (قصر)
10- الصحاح، ج 6، ص 2344 (دهو)

(أو غمره بوله).

«غمر» على صيغة الفعل، و«بوله» فاعله.

في القاموس: «غمر الماء غمارة: كثر. وغمرة الشيء: شدّته، ومزدحمه»(1).

وفي بعض النسخ: «غمرة بوله» على الإضافة. وفي بعضها: «غمرة بول». وفي بعضها: «غمزه» بالزاء من الغمز وهو العصر. ولعلّ المراد على بعض التقادير احتباس البول، وعلى بعضها حرقة، وعلى بعضها سَلَسَهُ، فتدبّر.

(فليضع يده).

قيل: الأولى وضع اليمنى(2).

وقوله: (بالذي سكن له) أي لأمره وحكمه.

قيل: الباء للقسم متعلّق «سكن» و«سكّنتك» على التنازع. وذكر الموصول للإشعار بصلته إلى المقصود، والرغبة في حصوله. وفي ذكر هذين الوصفين له تعالى ترغيب للمخاطب بعدم ردّ مطلوبه بعد تذكيره بأنّه تعالى يسمع ويعلم ما جرى بينهما. وربما يستبعد الخطاب إلى الجوع، ودفع بأنّه _ عزّ وجلّ _ قادر على إسماعه وإفهامه، وهو على كلّ شيء قدير(3).

ثمّ اعلم أنّ هذه الفقرة إشارة إلى قوله تعالى: «وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (4) . قال البيضاوي:

«سكن» من السّكنى، وتعديته ب «في» كما في قوله: «وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا» (5) .

والمعنى: واشتملا عليه، أو من السكون؛ أي ما سكن فيهما، أو تحرّك واكتفى بأحد الضدّين عن الآخر(6).

متن الحديث الثامن عشر والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ (7). وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ

ص: 27


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 104 (غمر)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 248
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 248
4- . الأنعام (6): 13
5- . إبراهيم (14): 45
6- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 395.
7- . في بعض نسخ الكافي: «أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر «بدل» أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر»

بْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «الْحَزْمُ فِي الْقَلْبِ ، وَالرَّحْمَةُ وَالْغِلْظَةُ فِي الْكَبِدِ ، وَالْحَيَاءُ فِي الرِّيَةِ» .

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ لِأَبِي جَمِيلَةَ : «الْعَقْلُ مَسْكَنُهُ فِي الْقَلْبِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف، والحسن عطف على ابن أبي نصر.

قوله: (الحزم في القلب).

في الصحاح:

حزمت الشيء حزما: شددته. والحزم: ضبط الرجل أمره، وأخذه بالثقة. وقد حَزُمَ الرجل _ بالضمّ _ حزامة، فهو حازم(1).

ولعلّ نسبة الحزم إلى القلب لأنّ المراد به الجسم الصنوبري الثابت في داخل الصدر، ولقوّته مدخل في حسن التدبير، أو لأنّ المراد به النفس، والتعبير به عنهما شايع باعتبار شدّة تعلّقها به.

(والرحمة، والغلظة في الكبد).

في القاموس: «الكبد _ بالفتح والكسر، وككتف _ معروف، وقد يذكّر»(2).

وفيه: «الغلظة _ مثلّثة _ والغِلاظة بالكسر، وكعِنَب: ضدّ الرقّة»(3).

وفيه: «الرحمة _ وتحرّك _ : الرقّة، والمغفرة، والتعطّف»(4).

ولعلّ نسبتهما إلى الكبد لأنّهما يتكوّنان من الأخلاط المتولّدة فيه، كما قيل(5).

ويحتمل أن يكون لبعض خواصّه مدخلاً في حصولهما.

(والحياء في الرية).

الحياء _ بالمدّ _ : الخجل، والانقباض، وعرّفوه بأنّه حالة للنفس مانعة من القبائح خوفا من اللؤم.

والرئة _ بالهمزة _ : موضع النفس والريح من الحيوان. قال الجوهري في

ص: 28


1- الصحاح، ج 5، ص 1898 (حزم)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 331 (كبد)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 397 (غلظ)
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 117 (رحم)
5- ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 85

الناقص المهموز العين: «بالرئة: السّحر، مهموزة، وتُجمع على رئين، والهاء عوض من الياء» انتهى(1).

وقوله: (العقل مسكنة في القلب).

قال الفاضل الإسترآبادي في شرح هذا الحديث: كان المراد أن لا يفيض من المبدء حالة على الأرواح المخزونة في تلك الأعضاء، ويتسبّب ذلك فيضان تلك الاُمور على الناطقة(2).

متن الحديث التاسع عشر والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ ، قَالَ :

اشْتَكى غُلَامٌ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، (3). فَسَأَلَ عَنْهُ ، فَقِيلَ : إِنَّ (4). بِهِ طُحَالًا .

فَقَالَ : «أَطْعِمُوهُ الْكُرَّاثَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَأَطْعَمُوهُ (5) إِيَّاهُ ، فَقَعَدَ الدَّمُ ، ثُمَّ بَرَأَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

والطحال _ بالكسر، والتخفيف _ : لحمة معروفة فارسيّه «سپرز».

والكرّاث _ كرمّان وكتّان _ : بقل، يقال بالفارسيّة: «كندنا».

وقوله: (فقعد الدم ثمّ برأ).

القعود: السكون. والبراء من المرض بالضمّ والفتح، وفعله كمنع وعلم، ولعلّ طحاله كان من فساد الدم وهيجانه، فلمّا سكن برأ.

وقيل: يحتمل أن يكون المراد أنّه انفصل عنه الدم فبرأ، أو أنّهم ظنّوا أنّه الطحال فأخطأوا(6). وكلاهما بعيد.

ص: 29


1- الصحاح، ج 6، ص 2349 (رأي)
2- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 249
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي والوسائل: «لأبي الحسن» بدل «إلى أبي الحسن»
4- . في الطبعة القديمة: «إنّه»
5- . في الطبعة القديمة: «فأطعمناه»
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 86

متن الحديث العشرين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَشَكَوْتُ إِلَيْهِ ضَعْفَ مَعِدَتِي ، فَقَالَ : «اشْرَبِ الْحَزَاءَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ» فَفَعَلْتُ ، فَوَجَدْتُ مِنْهُ مَا أُحِبُّ .

شرح الحديث

السند مجهول.

وفي القاموس: الحزاء _ بالحاء المهملة والزاء المعجمة، يمدّ ويقصّر _ : منبت. الواحدة: حزاة، و حزاءة. وغلط الجوهري فذكره بالخاء(1).

وقال الجزري: «الحزاة: نبت بالبادية يشبه الكرفس إلّا أنّه أعرض ورقا منه، والحزاء جنس لها»(2).

وأقول: هو نبت يسمّى بزوفرا، وله نور أصفر، وأكثر ما يكون في همدان وما والاها، وأهلها يسمّونه گل «ش ماست» به، (3). ويوضع في الخلّ.

متن الحديث الواحد والعشرين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْأَوَّلَ عليه السلام يَقُولُ : «مِنَ (4) الرِّيحِ الشَّابِكَةِ (5). وَالْحَامِ وَالْاءِبْرِدَةِ فِي الْمَفَاصِلِ تَأْخُذُ كَفَّ حُلْبَةٍ وَكَفَّ تِينٍ يَابِسٍ تَغْمُرُهُمَا (6). بِالْمَاءِ ، وَتَطْبُخُهُمَا فِي قِدْرٍ نَظِيفَةٍ ، ثُمَّ تُصَفِّي ، ثُمَّ تُبَرِّدُ ، ثُمَّ تَشْرَبُهُ يَوْما وَتَغِبُّ يَوْما حَتّى تَشْرَبَ مِنْهُ تَمَامَ أَيَّامِكَ قَدْرَ قَدَحٍ رَوِيٍّ» .

ص: 30


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 317 (حزي)
2- النهاية، ج 1، ص 381 (حزي)
3- . كذا في النسخة
4- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «مَن به»
5- في بعض نسخ الكافي: «الشاكية». وفي بعضها وشرح المازندراني: «الشايكة»
6- . في بعض نسخ الكافي: «تغمزها». وفي بعضها: «تغمرها»

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (الريح الشابكة) بالباء الموحّدة في النسخ التي رأيناه.

قال الجوهري: «الشبك: الخلط، والتداخل، ومنه تشبيك الأصابع»(1).

وقال في المغرب: «شبكتهم الريح، أي جعلتهم كالشبكة في تداخل الأعضاء او انقباضها» انتهى(2).

فلعلّ المراد التي تحدث في الجلد فتشبك اللّحم والجلد.

وبعض الشارحين ضبطهما بالياء المثنّاة التحتانيّة، وفسّرها بالشديدة الحديدة، وقال: «إنّها من الشوكة، وهي الشدّة والحدّة، وهو داء معروف، وحمرة تعلو الوجه والجسد» (3). انتهى.

و«الحام» كأنّه بتخفيف الميم: الدّوار، وهو بالضمّ والفتح شبه الدوران يأخذ في الرأس، من قولهم حام الطاير وغيره حول الشيء يحوم حوما: إذا دار. قال الفيروزآبادي: «الحوم: التي تدور في الرأس»(4).

ويحتمل كونه من حَمِي النهار كرضي، وحِمى التنّور، أي شدّة حرّه، والمصدر فيهما الكِمى بالكسر.

وقيل: الحامّ _ بتشديد الميم _ الحارّ، كالريح الحارّة من الحمّة وهي الحرارة»(5).

و(الإبردة) في المفاصل. قال في النهاية: «الإبردة _ بكسر الهمزة والراء _ : علّة معروفة من غلبة البرد والرطوبة يفتر عن الجماع» انتهى(6).

و(المفاصل): جمع مفصل، وهو كلّ ملتقى عظمين من الجسد.

وقوله: (حُلبة) بالضمّ: نبت نافع للصدر والسعاد والربو والبلغم والبواسير والظهر والكبد والمثانة والباه.

كذا في القاموس(7).

ونقل عن طريق العامّة: «لو يعلم الناس ما في الحُلبة لاشتروها ولو بوزنها ذهبا».

ص: 31


1- الصحاح، ج 4، ص 1593 (شبك)
2- المغرب، ص 244 (شبك)
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 249
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 102 (حوم)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 249
6- النهاية، ج 1، ص 14 (برد)
7- القاموس المحيط، ج 1، ص 58 (حلب)

واعلم أنّ المراد بالحُلبة هنا ما يسمّيه أهل الفرس: شنبليلة»(1). وأمّا الحُلبة بمعنى العرقج، أو ثمرة العضاة، فليست بمقصودة هنا.

(ثمّ تشربه يوما، وتَغبّ يوما).

قال الجوهري: الغبّ: أن ترد الإبل الماء يوما وتدعه يوما، تقول: غبّ الإبل تغبّ غبّا. قال الكسائي: أغببت القوم، وغببت عنهم أيضا: إذا جئت يوما وتركت(2).

(حتّى تشرب منه تمام أيّامك قدر قدح).

القَدح _ بالتحريك _ : الآنية تروى الرجلين، أو اسم لجميع الصغار والكبار.

وقال [الفيروزآبادي]: «مآء روي وروى وروا كغني وإلى وسماء: كثير مُروٍ» (3). ؛ أي دافع للعطش.

ولعلّ وصف القدح بالروي كناية عن تملّئه، أو عن كبره. ويحتمل أن يكون المشروب في كلّ مرّة قدحا، أو تفريق قدح على الأيّام.

وقيل: الظاهر أنّ أيّام الشرب ثلاثة؛ لأنّها أقلّ الجمع، (4). وعندي فيه تأمّل.

متن الحديث الثاني والعشرين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ نُوحِ بْنِ شُعَيْبٍ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ :عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : «مَنْ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ مَاءُ الظَّهْرِ ، فَلْيَنْفَعْ لَهُ اللَّبَنُ الْحَلِيبُ وَالْعَسَلُ» .

شرح الحديث

السند مجهول. وقيل: ضعيف(5).

قوله عليه السلام : (من تغيّر عليه ماء الظهر).

أنّ المراد بماء الظهر المني، كما هو المتعارف عند الأطبّاء، وبتغييره قلّته، وضعفه

ص: 32


1- اُنظر: لسان العرب، ج 1، ص 333 (حلب)
2- الصحاح، ج 1، ص 190 (غبب)
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 337 (روي)
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 250
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 95

الموجب لقلّة الباه.

وقيل: أي ينقطع الولد من مائه(1).

(فلينفع له اللبن الحليب والعسل).

الضمير المجرور في الموضعين عائد إلى الموصول. ويحتمل عود الثاني إلى ماء الظهر.

قال الفيروزآبادي:

الحلب _ ويحرّك _ : استخراج ما في الضرع من اللّبن. والحليب: اللّبن المحلوب، أو الحليب: ما لم يتغيّر طعمه(2).

أقول: لعلّ المراد بالحليب هنا المعنى الثاني، أو يكون وصف اللبن به احتراز من المصنوع؛ إذ قد يطلق اللبن على المصنوع منه أيضا.

وقوله عليه السلام : «لينفع» بالفاء في النسخ التي رأيناه. ويحتمل كون اللام للتأكيد، وكونه لام الأمر.

وقرأ بعض الأفاضل: «لينقع» بالقاف، وقال: الإنقاع: الجمع، والخلط، وكلّ ما اُلقي في ماء فقد أنقع. والنقوع _ بالفتح _ : ما ينقع في الماء ليلاً ليشرب نهارا من غير طبخ وبالعكس، انتهى(3).

ويحتمل على هذه النسخة كونه من النقع. يُقال: دواء ناقع ونقع، أي نافع ومؤثّر.

متن الحديث الثالث والعشرين والمائتين

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، (4). عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ ، عَنْ حُمْرَانَ ، قَالَ :

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «فِيمَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ؟» .

قُلْتُ : يَزْعُمُونَ أَنَّ الْحِجَامَةَ فِي يَوْمِ الثَّلَاثَاءِ أَصْلَحُ .

قَالَ : فَقَالَ لِي (5) : «وَإِلى مَا يَذْهَبُونَ فِي ذلِكَ؟» .

ص: 33


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 95
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 57 (حلب)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 250
4- في كثير من نسخ الكافي: «عليّ بن محمّد». والظاهر أنّه سهو؛ لكثرة روايات الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد من جهة، وكثرة روايات هذا المعلّى عن محمّد بن جمهور من جهة اُخرى. اُنظر: معجم رجال الحديث، ج 6، ص 343 _ 348
5- . في أكثر نسخ الكافي: - «لي»

قُلْتُ : يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَوْمُ الدَّمِ .

قَالَ : فَقَالَ : «صَدَقُوا ، فَأَحْرى أَنْ لَا يُهَيِّجُوهُ فِي يَوْمِهِ ، أَمَا عَلِمُوا أَنَّ فِي يَوْمِ الثَّلَاثَاءِ سَاعَةً مَنْ وَافَقَهَا لَمْ يَرْقَ دَمُهُ حَتّى يَمُوتَ ، أَوْ مَا شَاءَ اللّهُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (فيمَ يختلف الناس).

الاختلاف: ضدّ الاتّفاق. والاختلاف أيضا: التردّد. يُقال: اختلف: إذا جاء وذهب.

ولعلّه على الثاني عبارة عن التعارف والشيوع، وكثرة الأخذ والاستعمال.

والظاهر أنّ المراد بالناس المخالفون.

وقوله: (قلت: يزعمون أنّ الحجامة يوم الثلاثاء أصلح) جواب عن بعض موارد الاختلاف.

والزعم _ مثلّثة _ : القول، والدعوى حقّا كان أو باطلاً، وفعله كنصر.

وقال الجوهري:

الحجم: فعل الحاجم. وقد [حجمه] يحجمه فهو محجوم، والاسم: الحجامة. والمحجم والمحجمة قاروته، وقد احتجمت من الدم، ابن السكيت. يُقال: ما حجم الصبي ثَدي اُمّه، أي ما مصّه(1).

قال: (فقال: وإلى ما يذهبون في ذلك؟) أي إلى أيّ شيء يستندون في هذا الزعم؟

قلت: (يزعمون أنّه يوم الدم).

روى الصدوق بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «يوم الثلاثاء يوم حرب ودم»(2).

قال بعض الفضلاء: «يمكن حمله على أنّ المراد يوم غليان ودم»(3). فعلى هذا قوله عليه السلام : (فأحرى) _ أي أجدر وأليق، (أن لا يهيّجوه)، يُقال: يهيّجه تهييجا، أي أثاره في يومه _ معناه: أنّ الدم إذا غلى في ذلك اليوم، واختلطه فاسده الذي ينتفع بإخراجه، بغير فاسده الذي يضرّ إخراجه فينبغي أن لا يهيّجوه ولا يخرجوه من موضعه، ونظيره ما قال الأطبّاء: إنّ إخراج الدم

ص: 34


1- الصحاح، ج 5، ص 1894 (حجم)
2- رواه في الخصال، ص 384؛ وعلل الشرائع، ج 2، ص 598
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 87

في وقت امتزاج الفضلين لا ينفع، بل ربما يضرّ لاختلاط الدم في ذلك الوقت وامتزاجه.

(أما علموا أنّ في يوم الثلاثاء ساعة من وافقها).

قال الجوهري: «وافقته، أي صادفته»(1). وقال: «صادفت فلانا: وجدته»(2). والمراد مصادفة الاحتجام في تلك الساعة.

(لم يَرق دمه حتّى يموت).

قال الجوهري في المهموز اللام: «رقأ الدمع يرقأ رقوءا: أسكن، وكذلك الدم. وأرقأ اللّه دمعه: سكّنه»(3).

ولعلّ المراد عدم انقطاع الدم على أن يموت بكثرة سيلانه.

وقيل: يحتمل أن يكون كناية عن سرعة ورود الموت بسبب ذلك؛ أي يموت في أثناء الحجامة(4).

(أو ما شاء اللّه )

لعلّ المراد أنّه لم ينقطع إلى زمانٍ طويل وإن لم يمت. ويحتمل أن يكون الترديد من الراوي.

وقيل: أي ما شاء اللّه من بلاءٍ عظيم، ومرض يعسُر علاجه(5).

قال بعض الشارحين: دلَّ هذا الخبر على كراهة الحجامة في يوم الثلاثاء، (6) وحمله على التحريم باعتبار أنّه مظنّة الوقوع إلى التهلكة، بعيد.

متن الحديث الرابع والعشرين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْكُوفِيِّينَ ، عَنْ أَبِي عُرْوَةَ أَخِي شُعَيْبٍ ، أَوْ عَنْ شُعَيْبٍ الْعَقَرْقُوفِيِّ ، قَالَ :

دَخَلْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام وَهُوَ يَحْتَجِمُ (7). يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فِي الْحَبْسِ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ هذَا يَوْمٌ يَقُولُ النَّاسُ : إِنَّ مَنِ احْتَجَمَ فِيهِ أَصَابَهُ الْبَرَصُ؟

ص: 35


1- الصحاح، ج 4، ص 1567 (وفق)
2- الصحاح، ج 4، ص 1384 (صدف)
3- الصحاح، ج 1، ص 53 (رقأ)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 87
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 87
6- . ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 87
7- . في أكثر نسخ الكافي: «محتجم»

فَقَالَ : «إِنَّمَا يُخَافُ ذلِكَ عَلى مَنْ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ فِي حَيْضِهَا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (إنّما يخاف ذلك على من حملته اُمّه في حيضها).

الظاهر أنّ المشار إليه بذلك كون الاحتجام في يوم الأربعاء سببا لإصابة البرص.

وقال بعض الفضلاء: «المشار إليه البرص مطلقا، لا مع الاحتجام في ذلك اليوم» (1). فتأمّل.

متن الحديث الخامس والعشرين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَا تَحْتَجِمُوا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَعَ الزَّوَالِ ؛ فَإِنَّ مَنِ احْتَجَمَ مَعَ الزَّوَالِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَا نَفْسَهُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (لا تحتجموا في يوم الجمعة مع الزوال) إلى آخره.

اختلف الأخبار في الاحتجام في يوم الجمعة وفي بعض أيّام الاُسبوع، ولنذكر هنا نبذة منها ممّا يتعلّق بكلّ يوم من أيّام الاُسبوع؛ أمّا يوم الجمعة فهذا الخبر يدلّ على كراهة الاحتجام فيها مع الزوال، ومثله ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : «أنّ في الجمعة ساعة لا يحتجم [فيها] أحدٌ إلّا مات»(2).

وروى الصدوق بإسناده عن محمّد بن رياح القلّاء، قال: رأيت أبا إبراهيم عليه السلام يحتجم يوم الجمعة، فقلت: جعلت فداك، تحتجم يوم الجمعة؟ قال: «اقرأ آية الكرسي، فإذا هاج بك الدم _ ليلاً كان أو نهارا _ فاقرأ آية الكرسي واحتجم»(3).

ص: 36


1- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 90
2- تحف العقول، ص 124؛ الخصال، ج 2، ص 636، ضمن الحديث 10
3- الخصال، ج 2، ص 390، ح 83. و عنه في بحار الأنوار، ج 62، ص 109، ح 6

وروى عن عبد الرحمان بن عمرو بن أسلم، قال: رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام احتجم يوم الأربعاء وهو محموم فلم تتركه الحمّى(1).

وروى بإسناده عن مقاتل بن مقاتل، قال: رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام في يوم الجمعة في وقت الزوال على ظهر الطريق يحتجم وهو محرم(2).

أقول: يمكن حمل هذه الأخبار على الضرورة في بعضها إيماء على ذلك، وأمّا يوم السبت فقد روي في طبّ الأئمّة عن طلحة بن زيد، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الحجامة يوم السبت ويوم الأربعاء وحدّثته بالحديث [الذي] ترويه العامّة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأنكره وقال: (3) الصحيح عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «إذا تبيغ بأحدكم الدم، فليحتجم، لا يقتله، ثمّ قال: ما علمت أحدا من أهل بيتي يرى به بأسا»(4).

أقول: الظاهر حمل هذا الخبر على الضرورة كما يشعر بها التبيّغ، قال الجوهري:

تبيّغ أي هاج به. وحكى ابن السكّيت عن الفرّاء: تبوّغ الرجل بصاحبه [فغلبه، وتبوّغ الدم بصاحبه]، وفي الحديث: «عليكم بالحجامة لا يتبيّغ بأحدكم الدم فيقتله، أي لا يتهيّج، ويقال: أصله يتبغّى من البغي، فقلب مثل، جذب وجبذ(5).

وأمّا يوم الأحد فقد روى الصدوق رحمه الله بإسناده عن خلف بن حمّاد، عن رجل، عن أبي عبداللّه عليه السلام : أنّه مرَّ بقومٍ يحتجمون، فقال: «ما عليكم لو أخّرتموه إلى عشيّة الأحد، فكان يكون أنزل للداء»(6).

وأمّا يوم الاثنين فقد روى الصدوق بإسناده عن يونس بن يعقوب، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «احتجم رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم الاثنين وأعطى الحجّام برّا»(7). وروى بإسناد آخر عنه عليه السلام ، قال: «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يحتجم يوم الاثنين بعد العصر»(8).

وروى بإسناد آخر عنه عليه السلام ، قال: «الحجامة يوم الاثنين من آخر النهار تسلّ الداء سلّاً من البدن»(9).

ص: 37


1- الخصال، ج 2، ص 386، ح 71
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 16، ح 38. وعنه في بحار الأنوار، ج 59، ص 32، ح 2
3- . في المصدر: «وأنكروه وقالوا»
4- طبّ الأئمّة، ص 56؛ بحار الأنوار، ج 63، ح 118، ح 36
5- الصحاح، ج 4، ص 1317 (بوغ)
6- الخصال، ص 383، ح 60
7- الخصال، ص 384، ح 63
8- الخصال، ص 384، ح 64
9- الخصال، ص 385، ح 65

وروى في طبّ الأئمّة عن الرضا عليه السلام أنّه قال: «حجامة الاثنين لنا، والثلاثاء لبني اُميّة»(1). وأمّا يوم الثلاثاء، فالخبر الذي تقدّم ذكره في الكتاب، وهو الذي نقلناه من طبّ الأئمّة يدلّ على مرجوحيّة الحجامة فيه، ويعارضهما أخبار اُخر فيما رواه الصدوق رحمه الله في كتاب الخصال بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة، أو أربع عشرة، (2) أو لإحدى وعشرين من الشهر، كانت له شفاء [من كلّ داء] من أدواء السنة كلّها، وكانت لما سوى ذلك شفاء من وجع الرأس والأضراس والجنون والجذام والبرص»(3).

قيل: يمكن حمله على التقيّة، مع كون أكثر رجاله من العامّة(4).

ومنها: ما روي في طبّ الأئمّة مرسلاً عن أبي عبداللّه عليه السلام : أوّل ثلاثاء تدخل في شهر آذار بالروميّة الحجامة فيه مصحّة سنة بإذن اللّه »(5).

وروى أيضا مرسلاً عنهم عليهم السلام : «أنّ الحجامة يوم الثلاثاء لسبعة عشر من الهلال مصحّة سنة»(6).

قال بعض الفضلاء: «يمكن الجمع مع تكافؤ الأسانيد بتخصيص خبر أبي سعيد بهذين الخبرين» (7). فتأمّل.

ومنها: ما نقلناه سابقا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: «يوم الثلاثاء يوم حربٍ ودم». وقد ذكرنا هناك ما يصلح كونه وجها للجمع، فتذكّر.

وأمّا يوم الأربعاء، فقد روى الصدوق رحمه الله في كتاب الخصال بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، قال: «توقّوا الحجامة يوم الأربعاء والنورة؛ فإنّ يوم الأربعاء يوم نحس مستمرّ، وفيه خلقت جهنّم»(8).

وروى في الفقيه في خبر مناهي النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه نهى عن الحجامة يوم الأربعاء(9).

ص: 38


1- طبّ الأئمّة، ص 139
2- . في المصدر: «أو تسع عشرة»
3- الخصال، ص 385، ح 68
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 87
5- طبّ الأئمّة، ص 56
6- نفس المصدر
7- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 88
8- الخصال، ص 387، ح 76
9- الفقيه، ج 4، ص 10، ح 4968

فهذان الخبران يدلّان على مرجوحيّة الحجامة فيه.

وما روي في نفي البأس عن الاحتجام فيه، لا ينافي الكراهة، مثل خبر شعيب العقرقوفي المتقدّم ذكره في الكتاب، وخبر مفضّل بن عمر المذكور فيما يتعلّق بالسبت.

وما رواه الصدوق بإسناده عن يعقوب بن يزيد، عن بعض أصحابنا، قال: دخلت على أبي الحسن العسكري عليه السلام يوم الأربعاء وهو يحتجم، فقلت له: إنّ أهل الحرمين يروون عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «مَن احتجم يوم الأربعاء، فأصابه بياض، فلا يلومنَّ إلّا نفسه»؟ فقال: «كذبوا، إنّما يُصيب ذلك من حملته اُمّه من طمث»(1).

وروى بإسناده عن محمّد بن أحمد الدقّاق البغدادي، قال: كتبت إلى أبي الحسن الثاني عليه السلام أسأله عن الحجامة يوم الأربعاء لا يدور، فكتب عليه السلام : من احتجم يوم الأربعاء لا يدور خلافا على أهل الطيرة عُوفي من كلّ آفة، ووُقي من كلّ عاهة، ولم تخضرّ محاجمه»(2).

وروى بإسناده عن حذيفة بن منصور، قال: رأيت أبا عبداللّه عليه السلام احتجم يوم الأربعاء بعد العصر(3).

ويمكن حمل هذا الخبر على الضرورة.

وأمّا يوم الخميس فقد روى الصدوق رحمه الله في الخصال عن معتب بن المبارك، قال: دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام في يوم خميس وهو يحتجم، فقلت له: يابن رسول اللّه أتحتجم في يوم الخميس؟ قال: «نعم، من كان [منكم] محتجما فليحتجم يوم الخميس؛ فإنّ كلّ عشيّة جمعة يبتدر [الدم] فرقا من القيامة، ولا يرجع إلى وكره إلى غداة الخميس» إلى أن قال: وقال أبو عبداللّه عليه السلام : «من احتجم في آخر خميس من الشهر في أوّل النهار سُلَّ منه الداء سلّاً»(4).

وروى بإسناده عن سليمان الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: «قلّموا أظفاركم يوم الثلاثاء، واستحمّوا الأربعاء، وأصيبوا من الحجامة حاجتكم يوم الخميس، وتطيّبوا بأطيب طيبكم يوم الجمعة»(5).

ص: 39


1- الخصال، ص 386، ح 70
2- الخصال، ص 387، ح 72
3- الخصال، ص 387، ح 75
4- الخصال، ص 389، ح 79
5- الخصال، ص 389، ح 79

متن الحديث السادس والعشرين و المائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ مُعَتِّبٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «الدَّوَاءُ أَرْبَعَةٌ : السَّعُوطُ ، وَالْحِجَامَةُ ، وَالنُّورَةُ ، وَالْحُقْنَةُ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (الدواء أربعة).

لعلّ اختصاصها بالذكر لكونها معظم الأدوية وأنفعها في الأمراض المخصوصة، فكان غيرها من الأدوية بالنسبة إليها ليست بدواء. قال الفيروزآبادي: «الدّواء _ مثلّثة _ : ما داويت به، وبالقصر: المرض»(1).

(السعوط)

في القاموس: سعطه الدواء _ كمنعه ونصره _ وأسعطه إيّاه: أدخله في أنفه. والسّعوط _ كصبور _ : ذلك الدواء. والمُسعط بالضمّ وكمنبر _ : ما يجعل فيه ويصبّ منه في الأنف(2).

(والحجامة) بالكسر.

(والنورة) بالضمّ.

(والحقنة).

في القاموس: حقنه: حبسه، كاحتقنه. واللّبن في السّقاء: صبّته، ليخرج زبدته. والحُقنة _ بالضمّ _ : كلّ داء يُحقنُ به المريض(3).

متن الحديث السابع و العشرين و المائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ ، قَالَ :

ص: 40


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 329 (دوي)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 364 (سعط)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 216 (حقن) مع التلخيص

شَكَا رَجُلٌ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام السُّعَالَ وَأَنَا حَاضِرٌ ، فَقَالَ لَهُ : «خُذْ فِي رَاحَتِكَ شَيْئا مِنْ كَاشِمٍ وَمِثْلَهُ مِنْ (1). سُكَّرٍ ، فَاسْتَفَّهُ يَوْما أَوْ يَوْمَيْنِ» . قَالَ ابْنُ أُذَيْنَةَ : فَلَقِيتُ الرَّجُلَ بَعْدَ ذلِكَ ، فَقَالَ : مَا فَعَلْتُهُ إِلَا مَرَّةً وَاحِدَةً (2). حَتّى ذَهَبَ .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (شكا رجل إلى أبي عبداللّه عليه السلام السُّعال).

في القاموس: سعل _ كنصر _ سُعالاً وسُعلة _ بضمّهما _ ، وهي حركة تدفع بها الطبيعة أذى عن الرية والأعضاء التي تتّصل بها(3).

(خُذ في راحتك شيئا من كاشم).

قال الجوهري: «الراح: جمع راحة، وهي الكفّ»(4).

وفي القاموس: «الكاشم: الأنجذان الرومي»(5).

قال صاحب الاختيارات: «الأنجدان، يُقال له بالفارسيّة: انگُدان، وانگوان، وهو شجرة الحثيث، والحلتيث صمغها». وقال: «الأنجدان الرومي، يسمّى سياليوس، وبرزه يسمّى كاشم، والأنجدان الخراساني يسمّى أصله اشترغاز» انتهى(6).

(فاستفّه يوما أو يومين).

قال الجوهري: سفِفت الدواء _ بالكسر _ وأسففته بمعنى: إذا أخذته غير ملتوت. وكذلك السويق، وكلّ دواء يؤخذ غير معجون، فهو سفوف بفتح السّين(7).

متن الحديث الثامن و العشرين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جَنَاحٍ ، عَنْ رَجُلٍ :

ص: 41


1- . في بعض نسخ الكافي: - «من»
2- . في بعض نسخ الكافي: - «واحدة»
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 395 (سعل)
4- الصحاح، ج 1، ص 356 (روح)
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 171 (كشم)
6- لم نعثر عليه
7- الصحاح، ج 4، ص 1374 (سفف)

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عليه السلام شَكَا إِلى رَبِّهِ تَعَالَى الْبِلَّةَ وَالرُّطُوبَةَ ، فَأَمَرَ (1). اللّهُ تَعَالى أَنْ يَأْخُذَ الْهَلِيلَجَ (2). وَالْبِلِيلَجَ وَالْأَمْلَجَ ، فَيَعْجِنَهُ بِالْعَسَلِ وَيَأْخُذَهُ» . ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «هُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ عِنْدَكُمُ الطَّرِيفِلَ (3). » .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (شكا إلى ربّه البلّة).

قال الجوهري: «ريح بلّة: فيها بَلَلٌ. والبُلّة _ بالضمّ _ : ابتلال الرطب. والبِلّة _ بالكسر _ : النداوة»(4).

يحتمل هنا إرادة كلّ من المعاني الثلاثة، أي الرياح الباردة المماثلة في العروق، وابتلال اللحم والرطوبات الفصليّة فيه، أو في الأحشاء، أو في المزاج. وعلى الأخير يكون عطف قوله: «والرطوبة» للتفسير.

قال الجوهري: «الرّطب: خلاف اليابس، تقول: رطبَ الشيء رطوبة، فهو رطب»(5).

(فأمره اللّه أن يأخذ الهليلج).

معرّب هليله. وفي بعض النسخ: «الإهليلج». قال الفيروزآبادي: «الإهليلج _ وقد يكسر اللام الثانية، والوحدة بهاء _ : ثمر معروف»(6).

(والبليلج) معرّب بليلة.

(والأملج) معرّب الأمله.

(فيعجنه بالعسل)؛ الضمير للمأخوذ.

وفي القاموس: عجنه يعجُنَه ويعجِنه فهو معجون وعجين: اعتمد عليه بجميع كفّه يغمزه»(7).

(ويأخذه) أي يتناوله ويأكله.

والضمير للمعجون.

ص: 42


1- . في بعض نسخ الكافي: «فأمره»
2- . في بعض نسخ الكافي: «الإهليلج»
3- . في بعض نسخ الكافي: «اطريفل»
4- الصحاح، ج 4، ص 1638 (بلل)
5- الصحاح، ج 1، ص 136 (رطب)
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 213 (هللج)
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 246 (عجن)

(ثمّ قال أبو عبداللّه عليه السلام : هو الذي يسمّونه عندكم الطّريفل).

وفي بعض النسخ: «اطريفل».

أقول: هذا هو الذي يسمّيه الأطبّاء بالأطريفل الصغير، ويقولون: إنّه نافع من استرخاء المعدة ورطوبتها، ومن رياح البواسير، ويصفّي الذهن، وصفته وكيفيّة أعماله عندهم أن يؤخذ هليلج أصفر وأسود وكابلي وقشر الأملج من كلّ واحد عشرة دراهم يدقّ وينخل ويليت بدهن اللّوز ويعجن بالعسل، وبعضهم اعتبر في العسل كونه منزوعة الرغوة، وكونه ثلاثة أمثال الأجزاء المذكورة، وقالوا: إنّه يستعمل بعد مضيّ شهرين، وإنّ قوّته تبقى على سنتين، والشربة منه مثقال على مثقالين.

وقيل: ثلاث دراهم.

متن الحديث التاسع و العشرين و المائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى ، عَنْ أَخِيهِ الْعَلَاءِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْحَسَنِ الْمُتَطَبِّبِ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : إِنِّي رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ ، وَلِيَ بِالطِّبِّ بَصَرٌ ، وَطِبِّي طِبٌّ عَرَبِيٌّ ، وَلَسْتُ آخُذُ عَلَيْهِ صَفَدا . فَقَالَ : «لَابَأْسَ» .

قُلْتُ : إِنَّا نَبُطُّ الْجُرْحَ ، وَنَكْوِي بِالنَّارِ؟ قَالَ : «لَا بَأْسَ» .

قُلْتُ : وَنَسْقِي هذِهِ السُّمُومَ الْأَسْمَحِيقُونَ وَالْغَارِيقُونَ؟ قَالَ : «لَا بَأْسَ» .

قُلْتُ : إِنَّهُ رُبَّمَا مَاتَ؟ قَالَ : «وَإِنْ مَاتَ» .

قُلْتُ : نَسْقِي عَلَيْهِ النَّبِيذَ؟

قَالَ : «لَيْسَ فِي حَرَامٍ شِفَاءٌ ، قَدِ اشْتَكى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ : بِكَ ذَاتُ الْجَنْبِ ، فَقَالَ : أَنَا أَكْرَمُ عَلَى اللّهِ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَنِي بِذَاتِ الْجَنْبِ» قَالَ : «فَأَمَرَ ، فَلُدَّ بِصَبِرٍ» .

شرح الحديث

السند مجهول وضعيف.

قوله: (عن إسماعيل بن الحسن المتطبّب).

العلاء وإسماعيل مجهولان.

ص: 43

وقال الفيروزآبادي:

الطبّ _ مثلّثة الطّاء _ : علاج الجسم والنفس، يطبّ ويطبّب، وبالفتح، أي هو الحاذق بعلمه كالطبيب. والمتطبّب: المتعاطي علم الطبّ(1).

(ولي بالطبّ بصر).

أي علمٌ وبصيرة. قال في القاموس:

البصر _ محرّكة _ : حسّ العين. ومن القلب: نظره، وخاطره. وبَصُرَ _ ككرم وفرح _ بَصَرا وبصارة، ويكسر: صار مُبصِرا. والبصير: المُبصِر، والعالم. وبالهاء: عقيدة القلب، والفطنة(2).

(وطبّي طبٌّ عربيّ).

قيل: الغرض من هذا الكلام إشعاره بكونه ماهرا بمعنى الأدوية المعروفة بين مَهَرة العرب(3).

(ولستُ آخذ عليه صفدا).

قال الجوهري: «الصَفَد _ بالتحريك _ : العطاء. والصَّفد: الوِثاق»(4). والمراد به هنا الأخير إمّا مطلقا أو مع الشرط.

(قلت: إنّا نبطّ الجرح).

بطُّ الجراحة: شقّها، وفعله كذا.

وقال الجوهري: «جرحه جرحا، والاسم: الجرح بالضمّ، والجمع: جروح»(5).

(ونكوي بالنار).

في القاموس: «كواه يكويه كيّا: أحرق جلده بحديدة ونحوها، وهي الكِواة»(6).

(قال: لا بأس).

قيل: نفى البأس من الكيّ مقيّد بما إذا ظنّت منفعته ودعت إليه الحاجة، والنهي عنه في بعض المواضع هو إذا وجد عنه غنى، وينبغي أن يؤخّر العلاج به حتّى تدعو الضرورة إليه

ص: 44


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 96 (طبب)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 372 (بصر)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 252
4- الصحاح، ج 2، ص 498 (صفد)
5- الصحاح، ج 358 (جرح)
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 384 (كوه)

لما فيه من استعجال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف منه، ومن المشهور: «آخر الدواء الكيّ».

(قلت: ونسقي هذه السموم الأسمحيقون).

كذا في نسخ الكتاب، ولم نره في كتب اللغة. وأمّا في كتب الطبّ: «الأصطمخيقون» من الحبوبات المركّبة، دواء نافع للأمراض البلغميّة والسوداويّة، ومفتح للقولنج. ولعلّ ما في نسخ الكتاب تصحيف.

(والغاريقون).

في القاموس: غاريقون أو أغاريقون: أصل نبات أو شيء يتكوّن في الأشجار المسوّسة، ترياق للسموم، مفتح مسهّل للخلط الكدر، مفرّح صالح للنساء والمفاصل، ومن عتق عليه، لا يلسعه عقرب(1).

(قال: وإن مات).

قيل: فيه تجويز للطبيب الحاذق علما [و عملاً] في المعالجة وإن انجرّت إلى الموت، لكن بشرط تشخيص المرض وسببه، مع عدم التقصير في تحقيق أحوال المريض واستعماله الأدوية على القوانين المعتبرة، ولا ينافي الجواز ضمانه المشهور بين الأصحاب، وتفصيل الاختلاف في الضمان ومواضع عدمه في كتب الفروع(2).

(قلت: فسقى عليه النبيذ).

لعلّ كلمة «على» زائدة، والضمير عائد إلى المريض.

وفي القاموس: سقاه يسقيه وأسقاه وسقّاه»(3).

والنبيذ: ما نبُذ من عصير ونحوه من الأشربة المسكرة، سواء اتّخذ من التمر أو الزبيب أو العسل أو النارجيل أو غيرها. وقال في النهاية: «يُقال للخمر المتّخذ (4). من العنب نبيذ، كما يقال للنبيذ خمر»(5).

ص: 45


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 271 (غرق)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 253
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 343 (سقي)
4- . في المصدر: «المعتصر»
5- النهاية، ج 5، ص 7 (نبذ)

(قال: ليس في حرام شفاء).

ظاهره منع التداوي بالمحرم مطلقا أكلاً وشربا وطلاءً وضمادا واستحالاً، مفردا أو مركّبا، اختيارا أو اضطرارا. ويؤيّده كثير من الأخبار، منها ما روي: «أنّ اللّه تعالى لم يجعل في شيء ممّا حرّم اللّه دواء ولا شفاء»(1). و«أنّ من اكتحل بميل من مسكر كحّله اللّه بميل من نار»(2).

ولكن مذهب كثير من الأصحاب جوازه اضطرارا، وحملوا أخبار المنع على الاختيار، وحملها بعضهم على طلب الصحّة لا طلب السلامة من التلف.

وقيل: الرواية دلّت على أنّه ليس فيما اتّصف بالحرمة شفاء، والحرام عند الضرورة وكونه دواء ليس بحرام، بل هو حينئذٍ حلال(3).

وهذا القول مع كون قائله غير معلوم بعيد جدّا؛ لأنّ الأخبار صريحة في منع استعماله للتداوي.

وقال العلّامة في كتاب الإرشاد: يباح للمضطرّ، وهو خائف التلف لو لم يتناول، أو المرض، أو عسر علاجه، أو الضعف عن مصاحبة الرفقة مع خوف العطب عند التخلّف، أو من الركوب المؤدّي إلى الهلاك، تناول كلّ المحرّمات إلّا الباغي، وهو الخارج على الإمام والعادي، وهو قاطع الطريق.

ثمّ قال: ولا يجوز التداوي بشيء من الأنبذة ولا بشيء من الأدوية معها شيء من المسكر، أكلاً وشربا، ويجوز عند الضرورة التداوي به للعين(4).

أقول: كان كلامه الأخير استثناء عن الأوّل.

وقال بعض الأفاضل: الظاهر أنّ كلامه الثاني لكونه دالّاً على عدم جواز استعماله أكلاً وشربا عند

ص: 46


1- لم نعثر على مصدره، و نقله أيضا المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 252
2- الكافي، ج 6، ص 414، ح 7؛ الفقيه، ج 3، ص 570، ح 4947؛ التهذيب، ج 9، ص 114، ح 492؛ ثواب الأعمال، ص 243
3- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 253
4- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 114

الضرورة في غير العين، ينافي الأوّل لدلالته على جواز تناول كلّ المحرّمات عند الضرورة من غير فرق بين الخمر وغيرها من المحرّمات، والقول بأنّه رجوع عن الأوّل بعيد، وحمل كلّ المحرّمات على غير الأنبذة أبعد، انتهى(1).

وعلى ما قلنا فلا إشكال. وقال الشهيد الثاني:

جواز تناول المحرّمات غير الخمر عند الاضطرار موضع وفاق، وأمّا الخمر فقد قيل بالمنع مطلقا. وقيل بالجواز مع عدم قيام غيرها مقامها وهو ظاهر عبارة العلّامة في الإرشاد، انتهى(2).

وقيل: كأنّه أراد بهما العبارة الاُولى، فتأمّل(3).

ومصرّح الدروس جواز استعمالها للضرورة مطلقا(4).

(قد اشتكى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ).

قال الجوهري: شكوت فلانا: إذا أخبرت عنه بسوء فعله بك. واشتكيته، مثل شكوته، واشتكى عضوا من أعضائه، وتشكّى بمعنى(5).

قيل: لعلّه استشهاد للتداوي بالدواء المرّ(6).

(فقالت له عائشة: بك ذات الجَنب).

هو ورم في الغشاء المستبطن لأضلاع الصدر الملبس عليها من داخل الصدر؛ فإنّ الصدر مركّب من أربعة عشر ضلعا، من كلّ جانب سبعة، وبين كلّ اثنين منهما عضل به يكون انبساط الصدر وانقباضه؛ فإنّه يحيط بهذه الأضلاع والعضلات كما تدور وتنحني من داخل غشاء واحد، فإذا عرض في هذا الغشاء ورم سمّاه الأطبّاء بذات الجَنب الخالص والصحيح، أو ورم في الحجاب الحاجز بين آلات الغذاء وآلات النَفَس، إمّا في الجانب الأيمن منهما، إمّا في الجانب الأيسر، أو في الجانبين جميعا، لكن هذا الأخير يعدمه من أقسام ذات الصدر، وقد يحدث هذا الورم في العضلات التي بين الأضلاع، وفي الغشائيّة

ص: 47


1- لم نعثر على قائله
2- الروضة البهيّة، ج 2، ص 114
3- اُنظر: إرشاد الأذهان، ج 2، ص 114
4- اُنظر: الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 23
5- الصحاح، ج 6، ص 2394 (شكي)
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 93

المجلّل للأضلاع من خارج، إمّا بمشاركته الجلد، أو بغير مشاركته، ويسمّى هذا القسم بذات الجَنب الغير الخالص والغير الصحيح.

(فقال: أنا أكرم على اللّه من أن يبتليني بذات الجنب)

قيل: لعلّه لاستلزام ذلك المرض من اختلال العقل وتشوّش الدماغ غالبا(1).

وقيل: لأنّ هذه العلّة قاتلة، أو لأنّه عليه السلام أطهر من أن يُبتلى بها ويتدنّس بقيحها، أو لغير ذلك.

(قال) الصادق عليه السلام : (فأمر) رسول اللّه صلى الله عليه و آله (فَلُدَّ بصبر).

«لُدَّ» على البناء للمفعول. قال في القاموس: اللدود _ كصبور _ :

ما يصبّ بالمسعط من الدواء في أحد شقّي الفم. وقد لدّه لدّا ولدودا، ولدّه إِيّاه، وألدّه، ولُدَّ فهو ملدود(2).

وقال: «الصبر ككتف، ولا يسكن إلّا في ضرورة الشّعر»(3).

متن الحديث الثلاثين و المائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : الرَّجُلُ يَشْرَبُ الدَّوَاءَ ، وَيَقْطَعُ الْعِرْقَ ، وَرُبَّمَا انْتَفَعَ بِهِ ، وَرُبَّمَا قَتَلَهُ؟ قَالَ : «يَقْطَعُ وَيَشْرَبُ» .

شرح الحديث

السند حسن وموثّق.

قوله: (يقطع ويشرب).

فيه دلالة على جواز التداوي بالأدوية وارتكاب الاُمور الخطيرة للمعالجة، ولكن ينبغي أن يقيّد بحذاقة المعالج.

وقيل: المراد بقطع العِرق: فصدُه، وهو شقّه(4).

أقول: لعلّ المراد ما هو أعمّ من ذلك.

ص: 48


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 93
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 335 (لدد)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 67 (صبر)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 254

متن الحديث الواحد والثلاثين والمائتين

اشارة

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ ، قَالَ :

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام ، فَرَآنِي أَتَأَوَّهُ ، فَقَالَ : «مَا لَكَ؟» قُلْتُ : ضِرْسِي ، فَقَالَ : «لَوِ احْتَجَمْتَ» فَاحْتَجَمْتُ فَسَكَنَ ، فَأَعْلَمْتُهُ ، (1) فَقَالَ لِي (2) : «مَا تَدَاوَى النَّاسُ بِشَيْءٍ خَيْرٍ مِنْ مَصَّةِ دَمٍ ، أَمْ مُزْعَةِ (3). عَسَلٍ» .

قَالَ : قُلْتُ (4) : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا الْمُزْعَةُ (5). عَسَلٍ؟

قَالَ : «لَعْقَةُ عَسَلٍ» .

شرح الحديث

السند مجهول، والمشهور أنّ حمزة الطيّار مات في حياة الصادق عليه السلام ، فروايته عن أبي الحسن عليه السلام كان في زمن حياة أبيه عليه السلام .

قوله: (عن حمزة بن الطيّار).

روى الكشّي ما يدلّ على وفاته في حياة الصادق عليه السلام ، (6) فلعلّ روايته عن أبي الحسن عليه السلام كان في زمن حياة أبيه عليه السلام .

(فرآني أتأوّه).

قال الجوهري: أَوْهِ من كذا، ساكنة الواو، إنّما هو توجّع. وبعضهم يقول: آوّه بالمدّ والتشديد وفتح الواو وساكنة الهاء، وتأوّه تأوّها: إذا قال أوه(7).

(قلت: ضِرسي) أي ضرسي وجع، أو اشتكى ضرسي، ونحو ذلك.

وفي القاموس: «الضِرس _ بالكسر _ : السِّنّ، مذكّر»(8).

ص: 49


1- . في أكثر نسخ الكافي: «وأعلمته»
2- . في بعض نسخ الكافي: - «لي»
3- . في بعض نسخ الكافي: «مرغة» بتقديم الراء المهملة
4- . في بعض نسخ الكافي: «فقلت»
5- . في بعض نسخ الكافي: «المرغة»
6- . اُنظر: رجال الكشّي، ص 349، الرقم 651
7- الصحاح، ج 6، ص 2225 (أوه)
8- القاموس المحيط، ج 2، ص 224 (ضرس)

(فقال: لو احتجمت).

كلمة «لو» للتمنّي، أو للشرط بتقدير الجزاء؛ أي كان حسنا، أو شفاء، ونحوهما.

(أو مزعة عسل).

المزعة، بالراء المعجمة والعين المهملة. قال الجوهري:

المُزْعة _ بالضمّ _ : قطعة لحم. يُقال: ما عليه مزعة لحم، وما في الإناء مزعة من الماء؛ أي جرعة. والمِزعة _ بالكسر _ من الريش والقطن، مثل المزقة من الخرق(1).

(قال: لَعقة عسل).

في القاموس: لعِقَهُ _ كسمعه _ لعقة، ويضمّ: لحسه. واللعقة: المرّة الواحدة. وبالضمّ: ما تأخذه في الملعقة(2).

متن الحديث الثاني و الثلاثين و المائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام يَقُولُ : «دَوَاءُ الضِّرْسِ تَأْخُذُ حَنْظَلَةً فَتُقَشِّرُهَا ، ثُمَّ تَسْتَخْرِجُ دُهْنَهَا ، فَإِنْ كَانَ الضِّرْسُ مَأْكُولًا مُنْحَفِرا ، تُقَطِّرُ فِيهِ قَطَرَاتٍ ، وَتَجْعَلُ مِنْهُ فِي قُطْنَةٍ (3) شَيْئا ، وَتَجْعَلُ فِي جَوْفِ الضِّرْسِ ، وَيَنَامُ صَاحِبُهُ مُسْتَلْقِيا ، يَأْخُذُهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ ، فَإِنْ كَانَ الضِّرْسُ لَا أَكْلَ فِيهِ وَكَانَتْ رِيحا ، قَطِّرْ فِي الْأُذُنِ الَّتِي تَلِي ذلِكَ الضِّرْسَ لَيَالِيَ ، كُلَّ لَيْلَةٍ قَطْرَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ قَطَرَاتٍ ، يَبْرَأْ بِإِذْنِ اللّهِ» .

قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : «لِوَجَعِ الْفَمِ وَالدَّمِ _ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْأَسْنَانِ _ وَالضَّرَبَانِ وَالْحُمْرَةِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْفَمِ تَأْخُذُ حَنْظَلَةً رَطْبَةً قَدِ اصْفَرَّتْ ، فَيَجْعَلُ (4). عَلَيْهَا قَالَبا مِنْ طِينٍ ، ثُمَّ يَثْقُبُ رَأْسَهَا ، وَيُدْخِلُ سِكِّينا جَوْفَهَا ، فَيَحُكُّ جَوَانِبَهَا بِرِفْقٍ ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَيْهَا خَلَّ خَمْرٍ حَامِضا شَدِيدَ الْحُمُوضَةِ ، ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى النَّارِ ، فَيُغْلِيهَا غَلَيَانا شَدِيدا ، ثُمَّ يَأْخُذُ صَاحِبُهُ مِنْهُ كُلَّمَا احْتَمَلَ ظُفُرُهُ ، فَيَدْلُكُ بِهِ فِيهِ ، (5) وَيَتَمَضْمَضُ بِخَلٍّ ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُحَوِّلَ مَا فِي الْحَنْظَلَةِ فِي زُجَاجَةٍ أَوْ بُسْتُوقَةٍ فَعَلَ ، وَكُلَّمَا فَنِيَ خَلُّهُ

ص: 50


1- الصحاح، ج 3، ص 1284 (مزع)
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 280 (لعق) مع التلخيص
3- . في بعض نسخ الكافي: «قطن»
4- . في الطبعة الجديدة: «فتجعل» و كذا في الأفعال الآتية
5- . في بعض نسخ الكافي و الوافي: «فمه»

أَعَادَ مَكَانَهُ ، وَكُلَّمَا عَتَقَ كَانَ خَيْرا لَهُ إِنْ شَاءَ اللّهُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (تأخذ حنظلة).

الحنظل _ كجعفر _ : معروف، الواحدة: حنظلة. ويُقال له الشَّرى والعلقم أيضا.

(فتقشّرها).

القشر _ بالكسر _ : غشاء الشيء خلقة أو عرضا، وكلّ ملبوس. يقال: قَشَرَ العود _ كضرب _ وقشّره تقشيرا: إذا نزع عنه القشر.

(ثمّ تستخرج دهنها).

قال الجوهري:

الدهن: معروف. والدهّان أيضا: المطر الضعيف، واحدها: دُهن بالضمّ، عن أبي زيد. ودَهَن المطر الأرض: إذا بلّها بلّاً يسيرا(1).

أقول: لعلّ المراد بالدّهن هنا الدّهن المعروف وهو ما يستخرج من الأجسام من الدسومات، إمّا بنفسها، أو بعلاج، كدهن اللّوز ودهن الورد.

وقيل: المراد به هنا الرطوبة والبلّة، واستشهد بقول الفيروزآبادي: «دهن رأسه وغيره دهنا ودهنة: بلّه. والاسم: الدُّهن بالضمّ» (2). فتأمّل(3).

(فإن كان الضرس مأكولاً منحفرا).

قال الجوهري: «حفرت السنّ حَفرا: فَسَدَتْ اُصولها»(4). وقيل: سنّ محفور وبه حَفَرٌ(5).

وفي القاموس: الحَفَر _ بالتحريك _ : سلاق في اُصول الأسنان، أو صفرة تعلوها، ويسكّن، والفعل كعني وضرب وسمع(6).

(تقطر فيه قطرات).

ص: 51


1- الصحاح، ج 5، ص 2116 (دهن)
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 224 (دهن)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 255
4- الصحاح، ج 2، ص 635 (حفر) مع اختلاف
5- لم نعثر على قائله
6- القاموس المحيط، ج 2، ص 12 (حفر)

في القاموس: قطر الماء والدمع قطرا وقطورا وقطرانا _ محرّكة _ وقطره اللّه وأقطره [وقطّره].

والقطر: ما قطر. الواحدة: قطرة(1). وقال الجوهري: «التقطير: الإسالة قطرة قطرة»(2).

(وكانت ريحا).

لعلّ المستتر في «كانت» راجع إلى العلّة، أو إلى الوجع. والتأنيث باعتبار الخبر ف «قَطّر» بصيغة الأمر، أو بصيغة الماضي المجهول.

(والضَّرَبان) محرّكة: اختلاج الجرح أو العرق واضطرابهما من الوجع، وفعله كضرب.

(فيجعل عليها قالبا من طين) أي يطلي أطرافها الخارجة بالطين لئلّا تفسدها النار بعد وضعها عليها، ولئلّا يخرج منها شيء بالثقب والخرق.

والمستتر في «يجعل» راجع إلى الأخذ. وفي بعض النسخ: «تجعل» بصيغة الخطاب، وكذا في الأفعال الآتية.

قال الجوهري: «القالَب _ بالفتح _ : قالب الخفّ. والقالِب _ بالكسر _ : البسر الأحمر»(3).

وفي القاموس: «القالبُ: البسر الأحمر، وكالمثال تفرغ فيه الجواهر، وفتح لامه أكثر»(4).

(ثمّ يصبّ عليها خلّ خمر).

الظاهر أنّ المراد به الخلّ العنبي، وإضافته إلى الخمر للتمييز بين سائر أقسام الخلّ، كخلّ العنصل مثلاً.

وقال بعض الفضلاء: «المراد به الخلّ الذي كان خمرا، وصارت بالعلاج خلّاً»(5).

(فيغليها غَلَيانا شديدا).

في القاموس: «غلت القدر تغلي غليا وغليانا، وأغلاها وغلّاها»(6).

(وان أحبّ أن يحول ما في الحنظلة) أي يهريقه.

ص: 52


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 119 (قطر)
2- الصحاح، ج 2، ص 796 (قطر) مع اختلاف في اللفظ
3- الصحاح، ج 1، ص 206 (قلب)
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 119 (قلب)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 95
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 371 (غلي)

(في زجاجة).

في القاموس: «الزجاج معروف، ويثلّث»(1).

(أو بستوقة فَعَل).

قال في المغرب: «البستوقة _ بالضمّ _ : من الفخار، معرّب بستود»(2).

في القاموس: «الفخارة _ كجبانة _ : الجرّة. الجمع: الفخار، أو هو الخزف»(3).

(وكلّ ما عتق كان خيرا له).

العتيق: القديم من كلّ شيء. والعتيق: الكريم من كلّ شيء، والخيار من كلّ شيء. والفعل من الكلّ ككرم أو كضرب ونصر أيضا. والمصدر من الأوّل العتاقة، ومن الأخيرين العتق. والظاهر أنّ المستتر في «عتق» راجع إلى الخلّ.

متن الحديث الثالث والثلاثين والمائين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَيَابَةَ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : جُعِلْتُ لَكَ الْفِدَاءَ ، (4) إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ : إِنَّ النُّجُومَ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ فِيهَا وَهِيَ تُعْجِبُنِي ، فَإِنْ كَانَتْ تُضِرُّ بِدِينِي ، فَلَا حَاجَةَ لِي فِي شَيْءٍ يُضِرُّ بِدِينِي ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُضِرُّ بِدِينِي ، فَوَ اللّهِ إِنِّي لَأَشْتَهِيهَا ، وَأَشْتَهِي النَّظَرَ فِيهَا .

فَقَالَ : «لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ ، لَاتُضِرُّ (5) بِدِينِكَ» .

ثُمَّ (6) قَالَ : «إِنَّكُمْ تَنْظُرُونَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا كَثِيرُهُ لَا يُدْرَكُ ، وَقَلِيلُهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ ، تَحْسُبُونَ (7) عَلى طَالِعِ الْقَمَرِ» .

ثُمَّ قَالَ : «أَتَدْرِي كَمْ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالزُّهَرَةِ مِنْ دَقِيقَةٍ؟».

ص: 53


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 191 (زجج)
2- لم نعثر عليه في المغرب، لكن اُنظر: القاموس المحيط، ج 2، ص 1153 (بستق)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 108 (فخر)
4- . في أكثر نسخ الكافي: - «إنّ»
5- . في بعض نسخ الكافي و الوافي: «لا يضرّ»
6- . في بعض نسخ الكافي: - «ثمّ»
7- . في بعض نسخ الكافي: «يحسبون»

قُلْتُ : لَا وَاللّهِ .

قَالَ : «أَ فَتَدْرِي كَمْ بَيْنَ الزُّهَرَةِ وَبَيْنَ الْقَمَرِ مِنْ دَقِيقَةٍ؟» .

قُلْتُ : لَا .

قَالَ : «أَفَتَدْرِي كَمْ بَيْنَ الشَّمْسِ وَبَيْنَ السُّنْبُلَةِ مِنْ دَقِيقَةٍ؟» .

قُلْتُ : لَا وَاللّهِ ، مَا سَمِعْتُ (1) مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُنَجِّمِينَ قَطُّ .

قَالَ : «أَفَتَدْرِي كَمْ بَيْنَ السُّنْبُلَةِ (2) وَبَيْنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مِنْ دَقِيقَةٍ؟» .

قُلْتُ : لَا وَاللّهِ ، مَا سَمِعْتُهُ مِنَ مُنَجِّمٍ قَطُّ .

قَالَ : «مَا بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلى صَاحِبِهِ سِتُّونَ (3) أَوْ تِسْعُونَ (4) دَقِيقَةً» شَكَّ عَبْدُ الرَّحْمنِ .

ثُمَّ قَالَ : «يَا عَبْدَ الرَّحْمنِ ، هذَا حِسَابٌ إِذَا حَسَبَهُ الرَّجُلُ وَوَقَعَ عَلَيْهِ ، عَرَفَ الْقَصَبَةَ الَّتِي وَسَطَ الْأَجَمَةِ ، وَعَدَدَ مَا عَنْ يَمِينِهَا ، وَعَدَدَ مَا عَنْ يَسَارِهَا ، وَعَدَدَ مَا خَلْفَهَا ، وَعَدَدَ مَا أَمَامَهَا حَتّى لَا يَخْفى عَلَيْهِ مِنْ قَصَبِ الْأَجَمَةِ وَاحِدَةٌ» .

شرح الحديث

السند مجهول كالحسن.

قوله عليه السلام : (لا تضرّ بدينك).

لعلّ عدم الإضرار بالدِّين باعتبار عدم الاختلال العقائد الدينيّة بحيث يعدّ من الكفّار، وهذا لا ينافي كراهة تحصيلها، أو حرمته، كما ذهب إليه بعض الأصحاب.

وقال بعض الشارحين: لأنّها لا تنافيه ولا يستلزم ما ينافيه، وما ورد في بعض الروايات من ذمّها وذمّ أهلها، وهو مستمسك مَن قال: لا يحلّ النظر فيها، محمول على أنّه علمٌ لا يدرك كلّه، فيظنّ أهله أنّ الحكم مترتّب على المدرك، وأنّه مستقلّ فيه، والحال أنّه مترتّب على مجموع المدرك وغير المدرك، أو أنّ غير المدرك مانع منه، وهذا جهل، ولهذا يتخلّف الحكم في كثير من المواضع، أو على أنّ ذلك إذا اعتقد أنّ الآثار الفلكيّة علّة

ص: 54


1- . في أكثر نسخ الكافي: «ما سمعته»
2- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «السكينة»
3- . في أكثر نسخ الكافي: «ستّين»
4- . في أكثر نسخ الكافي: «تسعين»

مستقلّة على ما يترتّب عليها، وأمّا إذا اعتقد أنّ ذلك من الفاعل الحقيقي عند تلك الآثار [فلا تضرّ]، أو على أنّها ليست من العلوم الدينيّة المطلوبة للشارع، النافعة في الآخرة، فصرف الفكر في تحصيله المانع من صرفه في تحصيل تلك العلوم موجب لذمّها، انتهى(1).

وقال الشهيد رحمه الله في الدروس:

يحرم اعتقاد تأثير النجوم مستقلّة أو بالشركة، والأخبار عن الكائنات بسببها، أمّا لو أخبر بجريان العادة أنّ اللّه يفعل كذا عند كذا لم يحرم، وإن كره على أنّ العادة [فيها ]لا تطرد إلّا فيما قلّ.

أمّا علم النجوم فقد حرّمه بعض الأصحاب، ولعلّه لما فيه من التعرّض للمحظور من اعتقاد التأثير، أو لأنّ أحكامه تخمينيّة.

وأمّا علم هيئة الأفلاك فليس حراما، بل ربّما كان مستحبّا؛ لما فيه من الاطّلاع على حكمة اللّه وعظمة قدرته، انتهى(2).

وسيجيء لهذا زيادة تحقيق إن شاء اللّه تعالى.

(كثيره لا يُدرك)؛ لأنّ العقول قاصرة عن الوصول إليه لكونه من العلوم الغيبيّة التي استأثر اللّه تعالى بها، ولا يظهر عليه إلّا من ارتضى من رسولٍ ومَن يَحذو حذوه.

(وقليله) الذي يستقلّ العقول بإدراكه.

(لا يُنْتَفَعُ به)؛ لأنّ اُصوله وقواعده مستندة بعضها إلى بعض، بحيث لا يمكن الانتفاع بها، ولا الوصول إلى ما هو مقصود منها إلّا بإدراك جميعها، وإذا لم يمكن إدراك الجميع لأحد فلا ينتفع بالبعض المُدرك منها، وناهيك منه أنّهم رصدوا من الثوابت بعضها، وعيّنوا بزعمهم مواضعها ومواقعها، ورتّبوا عليها أحكاما، ولم يحط علمهم بغير المرصّدة منها باعترافهم، فلعلّ الأحكام المرتّبة على المرصودة منها على تقدير تمامها مشروطة بعدم اقتضاء الغير المرصودة نقيضها، فلا يمكن لهم القطع بل الظنّ بترتّب الأحكام عليها.

(تحسبون على طالع القمر).

ص: 55


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 256 و 257
2- الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 165

قال الجوهري: حسبته أحسبه _ بالضمّ _ حسبا وحسابا [وحسبانا] وحسابة: إذا عددته. وحَسبتُه صالحا أحسبه _ بالفتح _ محسَبة ومحسِبة وحِسابا _ بالكسر _ : أي ظننته. ويقال: أحسبه _ بالكسر _ وهو شاذّ(1).

وفي القاموس: «طلع الكواكب _ كمنع _ طلوعا: ظهر. وطلع فلان علينا _ كمنع ونصر _ : أتانا. وعنهم: غاب، ضدّ»(2).

أي أنّكم تعدّون وتظنّون وتبنون كثيرا من أحكامكم على طالع القمر، وملاحظة نظراته مع السيّارات، من التسديس والتربيع والتثليث والمقابلة والمقارنة وتحت الشعاع وخروج الشعاع، وكونه طالعا أو غاربا، وترتّبون على تلك الأوضاع أحكاما كثيرة، مع أنّ أوضاعه مع السيّارات بل مع الثوابت أيضا غير متناهية، ويترتّب على كلّ منها أحكاما كثيرة، وأنتم تغفلون عنها.

ولعلّ تخصيص طالع القمر بالذِّكر لكونه عمدة في أحكامهم.

وقيل: يظهر منه أنّه كان مدار أحكام هؤلاء على القمر، وكانوا لا يلتفتون إلى أوضاع الكواكب الاُخر، (3) فتأمّل.

(ثمّ قال: أتدري كم بين المشتري والزهرة من دقيقة) إلى قوله عليه السلام : (ما بين كلّ واحدٍ منهما إلى صاحبه ستّون أو تسعون دقيقة).

قيل: الظاهر أنّه أراد بهذه النسب المذكورة النسب الواقعة عند السؤال، وإلّا فالظاهر أنّها تزيد وتنقص وتنتفي بحسب التفاوت في القُرب والبُعد والاجتماع، وأنّ الأحكام تختلف باختلافهما(4). وما قيل من أنّه يحتمل أن يكون المراد بعد فلك أحدهما عن فلك الآخر، (5) فبُعده أظهر من أن يخفى.

ص: 56


1- الصحاح، ج 1، ص 110 _ 112 (حسب) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 59 (طلع)
3- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 95
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 257
5- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 95

وفي بعض النسخ: «السكينة» بدل «السنبلة»، ولعلّ السكينة اسم كوكب غير معروف.

(شكّ عبد الرحمان)؛ يحتمل كونه بصيغة الفعل، أو بصيغة المصدر؛ أي هذا الشكّ شكّ عبد الرحمن.

(ثمّ قال: يا عبد الرحمن، هذا الحساب) المذكور، حساب (إذا حَسَبَه الرجل) وعدّه (ووقع عليه) أي وصل إليه، وأحاط به.

قال الجوهري: «وقع الشيء وقوعا: سقط»(1).

(عرف القصبة التي وسط الأجمة).

قال في القاموس: «القصب _ محرّكة _ : كلّ نبات ذي أنابيب. الواحدة قَصَبَة»(2).

و«الأجَمَة» _ محرّكة _ : القَصَب الكثير الملتفّ. الجمع: أجم _ بالضمّ وبضمّتين وبالتحريك _ والآجام وإجام وأجَمات. قال بعض الشارحين: المراد بالرجل الماهر العالم بعلم النجوم، المحيط علمه بحقائقها؛ فإنّه إذا عرف النِّسب المخصوصة والمناسبة بينها، وحسب بالحساب المعلوم عنده، ينتقل ذهنه اللّطيف منها إلى ما في اللوح المحفوظ من صور الكائنات وترتيبها ومواضعها وأعدادها وكيفيّاتها وسائر أحوالها المثبتة فيه، حتّى لا يخفى عليه ما في وسط الأجمة، انتهى(3).

أقول: ممّا يناسب هذا المقام ذكر نبذة من الأخبار الواردة في علم النجوم والأخبار بعلمه وتعلّمه وتعليمه، وذكر جملة من كلام أصحابنا _ رضوان اللّه عليهم _ في هذا الباب.

أمّا الأخبار، فمنها ما تقدّم ذكره آنفا.

ومنها: ما سيجيء في الكتاب، ونتكلّم عليها هناك إن شاء اللّه تعالى.

ومنها: أخبار اُخر نذكر منها هنا اثنين وثلاثين خبرا:

الأوّل منها: ما رواه الصدوق في كتاب الخصال بإسناده عن عبداللّه بن عوف، قال: لمّا أراد أمير المؤمنين عليه السلام المسير إلى النهروان أتاه مُنجِّمٌ فقال له: يا أمير المؤمنين، لما

ص: 57


1- الصحاح، ج 3، ص 1302 (وقع)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 116 (قصب)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 257

تَسرْ في هذه الساعة، وسِر في ثلاث ساعات يمضين من النهار.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «ولِمَ ذاك؟».

قال: لأنّك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك أذىً وضرٌّ شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت وظهرت وأصبت كلّ ما طلبت.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «أتدري ما في بطن هذه الدابّة، أذكرٌ أم اُنثى؟».

قال: إن حسبتُ علمتُ.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «مَن صدّقك على هذا القول كذّب بالقرآن: «إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ مَا فِى الْأَرْحَامِ وَ مَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَ مَا تَدْرِى نَفْسُ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُ» ، (1). ما كان محمّد صلى الله عليه و آله يدّعي ما ادّعيت، أتزعَم أنّك تهتدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، والساعة التي من سار فيها حاق به الضرّ، مَن صدّقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة باللّه _ عزّ وجلّ _ في ذلك الوجه، وأحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه، وينبغي [له] أن يُولِيَك الحمد دون ربّه عزّ وجلّ، فمَن آمَن لك بهذا فقد اتّخذك من دون اللّه ندّا وضدّا». ثمّ قال عليه السلام : «اللَّهُمَّ لا طير إلّا طيرك، ولا ضير إلّا ضيرك، ولا خير إلّا خيرك، ولا إله غيرك، بل نكذّبك ونخالفك، ونسير في الساعة التي نهيت عنها»(2).

أقول: الطير _ بالفتح اسم من التطيّر، وهو التشأمّ بالفأل الرديء. وهذا الخبر صريح في عدم جواز العمل بقول المنجِّم واختياراته، وفي لزوم مخالفته.

ومنها: ما رواه السيّد الرضيّ رضى الله عنه في نهج البلاغة قال:

ومن كلامٍ له قال لبعض أصحابه لمّا عزم على المسير إلى الخوارج، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن سرت في هذا الوقت، خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم.

فقال له عليه السلام : «أتزعَم أنّك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، وتخوّف الساعة التي من سار فيها حاق به الضرّ، فمن صدّقك بهذا فقد كذّب القرآن، واستغنى عن

ص: 58


1- . لقمان (31): 34
2- لم نعثر على الحديث في الخصال، ولكن رواه في أماليه، ص 415، المجلس 64، ح 16

الاستعانة باللّه في نيل المحبوب ودفع المكروه، وينبغي في قولك للعامل بأمرك أن يُولِيَك الحمد دون ربّه؛ لأنّك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وأمِنَ الضرّ».

ثمّ أقبل عليه السلام على الناس، فقال: «أيُّها الناس، إيّاكم وتعلّم النجوم إلّا ما يُهتدى به في برّ أو بحر؛ فإنّها تدعو إلى الكهانة، [و] المنجّم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، سِيرُوا على اسم اللّه سبحانه وعونه»(1).

وروى الشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج مثله عنه عليه السلام (2).

أقول: دلَّ هذا الخبر بمثل ما دلّ عليه سابقه مع التحذير عن تعلّم النجوم.

منها: رواه الصدوق رحمه الله في الخصال بإسناده عن أبان بن تغلب، قال:

كنت عند أبي عبداللّه عليه السلام إذ دخل عليه رجلٌ من أهل اليمن، فسلّم عليه، فردَّ السلام عليه.

فقال له: «مرحبا بك يا سعد».

فقال له الرجل: بهذا الاسم سمّتني اُمّي، وما أقلّ من يعرفني به!

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت يا سعد المولى».

فقال له الرجل: جُعلت فداك، بهذا كنت اُلقّب!

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «لا خير في اللّقب؛ إنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ يقول في كتابه: «وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْاءِيمَانِ» (3). ، ما صناعتك يا سعد؟».

فقال: جُعلت فداك، إنّا من أهل بيت ننظر في النجوم لا نقول: إنّ باليمن أحدا أعلم بالنجوم منّا.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «فأسألك؟».

فقال اليماني: سَلْ عمّا أحببت من النجوم؛ فإنّي اُجيبك عن ذلك بعلم.

فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «كم ضوء الشمس على ضوء القمر درجة؟»

فقال اليماني: لا أدري.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت، فكم ضوء القمر على ضوء الزهرة درجة؟»

ص: 59


1- نهج البلاغة، ص 105، الكلام 79
2- الاحتجاج، ج 1، ص 239
3- . الحجرات (49): 11

فقال اليماني: لا أدري.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت، فكم ضوء المشتري على ضوء عطارد درجة؟»

فقال اليماني: لا أدري.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت، فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الإبل؟».

فقال اليماني: لا أدري.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت، فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر؟».

فقال اليماني: لا أدري.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت، فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب؟».

فقال اليماني: لا أدري.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت في قولك لا أدري، فما زحل عندكم في النجوم؟».

فقال اليماني: نجمٌ نحس.

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «مَه، لا تقولنّ هذا؛ فإنّه نجم أمير المؤمنين عليه السلام وهو نجم الأوصياء عليهم السلام ، وهو النجم الثاقب الذي قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في كتابه».

فقال له اليماني: فما يعني بالثاقب؟

قال: «إنّ مطلعه في السماء السابعة، وأنّه ثقب بضوءه حتّى ضاء في سماء الدُّنيا، فمن ثمّ سمّاه اللّه _ عزّ وجلّ _ النجم الثاقب. يا أخا اليمن، عندكم علماء؟»

فقال اليماني: نعم جعلت فداك، إنّ باليمن قوما ليسوا كالأحد من الناس في علمهم.

فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «وما يبلغ مِن علم عالمهم؟»

فقال له اليماني: إنّ عالمهم ليزجر الطير ويقفوا الأثر في الساعة الواحدة مسيرة شهر للراكب المجدّ.

فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «فإنّ عالم المدينة أعلم من عالم اليمن».

فقال اليماني: ما بلغ من علم عالم المدينة؟

فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «إنّ عالم المدينة ينتهي إلى حيث لا يقفو الأثر، ويزجر الطير، ويعلم ما في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس تقطع اثني عشر برجا واثني عشر برّا واثني عشر بحرا واثني عشر عالما».

ص: 60

قال: فقال اليماني: جُعلت فداك، ما ظننت أنّ أحدا يعلم هذا، أو يدري ما كُنهه!

قال: ثمّ قام اليماني، فخرج(1).

وهذا الحديث رواه أبو طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج بتفاوت ما عن أبان بن تغلب عنه عليه السلام ، (2).

وفيه دلالة باختصاص علم النجوم بأهل البيت عليهم السلام .

قال في القاموس: «زجر الطير: تفاءل به وتطيّر. والزجر: العيافة، والتكهّن»(3).

وقال:

عفت الطير أعفيها عيافة: زجرتها، وهو أن تعتبر بأسمائها ومساقطها وأنواعها، فتتسعّد أو تتشأم. والعائف: المتكهّن بالطير أو غيرها(4).

ثمّ منها ما رواه في كتاب الاحتجاج عن هشام بن الحكم في خبر الزنديق الذي سأل أبا عبداللّه عليه السلام فكان فيما سأله: ما تقول فيمن زعم أنّ هذا التدبير الذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة؟

قال عليه السلام : «يحتاجون إلى دليل أنّ هذا العالم الأكبر والعالم الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك، وتدور حيث دارت، متعبة لا تفتر، وسائرة لا تقف». ثمّ قال: «إنّ لكلّ نجم منها موكّل مدبّر، فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيّين، فلو كانت قديمة أزليّة لا تتغيّر من حال إلى حال.

ثمّ قال: فما تقول في علم النجوم؟

قال: «هو علم قلّت منافعه، وكثُرت مضرّاته، لأنّه لا يدفع به المقدور، ولا يتّقى به المحذور، إن أخبر المنجّم بالبلاء لم ينجه التحرّز من القضاء، وإن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله، وإن حدث به سوء لم يمكنه صرفه، والمنجّم يضادّ اللّه في علمه بزعمه أنّه يردّ قضاء اللّه عن خلقه»(5).

قيل: هذا الخبر وإن كان فيه إشعار بكونها علامات، لكن يدلّ على نفي تأثيرها، وعدم جواز الاعتماد [عليها] حتّى في اختيارات الساعة(6).

منها: ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن أبي الحصين، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام

ص: 61


1- الخصال، ج 2، ص 489، ح 68
2- الاحتجاج، ج 2، ص 352
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 38 (زجر)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 179 (عوف)
5- الاحتجاج، ج 2، ص 93
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 470

يقول: «سئل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الساعة، فقال: عند إيمان بالنجوم، وتكذيب بالقدر»(1).

ومنها: ما رواه في الخصال أيضا بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام ، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أربعة لا تزال في اُمّتي إلى يوم القيامة: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة» (2). الحديث.

أقول: المراد الاستسقاء بتأثيرات النجوم.

قيل: هذان الخبران يدلّان على عدم جواز الاعتقاد بأحكام النجوم، ويحتمل أن يكون المراد اعتقاد تأثيرها(3).

منها: ما رواه أيضا بإسناده عن الباقر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام ، قال: «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن خصال _ إلى أن قال _ : وعن النظر في النجوم»(4).

أقول: لعلّ المراد بالنظر التأمّل في استخراج الأحكام منها، ويحتمل إرادة الأعمّ منه ومن تعليمها وتعلّمها، وظاهر النهي الحرمة.

ومنها: ما رواه أيضا بإسناده عن نصر بن قابوس، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «المنجّم ملعون، والكاهن والساحر ملعون، والمغنّية ملعونة، ومن آواها وأكل كسبها ملعون».

وقال عليه السلام : «المنجّم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار»(5).

وقال الصدوق رحمه الله بعد ذكر هذا الخبر: «المنجّم الملعون هو الذي يقول بقدم الفلك، ولا يقول بمفلكه وخالقه عزّ وجلّ»(6).

منها: ما رواه السيّد ابن طاووس رحمه الله في كتاب فتح الأبواب، قال:

ذكر الشيخ الفاضل محمّد بن علي بن محمّد في كتابٍ له في العمل ما هذا لفظه: دعاء الاستخارة عن الصادق عليه السلام تقوله بعد فراغك من صلاة الاستخارة، تقول: «اللَّهُمَّ إنّك خلقت أقواما يلجئون إلى مطالع النجوم لأوقات حركاتهم وسكونهم

ص: 62


1- الخصال، ج 1، ص 62، ح 87
2- . الخصال، ج 1، ص 226، ح 60
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 470
4- الخصال، ج 1، ص 417، ح 10
5- الخصال، ج 1، ص 297، ح 67
6- نفس المصدر، ذيل الحديث

وتصرّفهم وعقدهم، وخلقتني أبرأُ إليك من اللّجإ إليها، ومن طلب الاختيارات بها، وأيقن أنّك لم تطلع أحدا على غيبك في مواقعها، ولم تسهّل له السبيل إلى تحصيل أفاعيلها، وأنّك قادرٌ على نقلها في مدارتها في مسيرها عن السّعود العامّة والخاصّة إلى النحوس، ومن النحوس الشاملة والمفردة إلى السعود؛ لأنّك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك اُمّ الكتاب، ولأنّها خلقٌ من خلقك، وصنعةٌ من صنيعك (1). ، وما أسعدت من اعتمد على مخلوقٍ مثله، واستمدّ الاختيار لنفسه، وهم اُولئك، ولا أشقيت من اعتمد على الخالق الذي أنت هو، لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، وأسألُك بما تملكه وتقدر عليه، وأنت به ملي وعنه غنيّ، وإليه غير محتاج، وبه غير مكترث، من الخيرة الجامعة للسلامة والعافية والغنيمة لعبدك» إلى آخر الدّعاء(2).

منها: ما رواه السيّد أيضا في كتاب فرج المهموم بإسناده عن محمّد بن يعقوب الكليني _ طاب ثراه _ وأنّه قال في كتاب تعبير الرؤيا بإسناده عن محمّد بن غانم، قال: قلتُ أبو عبداللّه عليه السلام : قومٌ يقولون: إنّ النجوم أصحّ من الرؤيا؟ [فقال عليه السلام :] «وذلك كان صحيح حين لم ترد الشمس على يوشع بن نون وعلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا ردّ اللّه _ عزّ وجلّ _ الشمس عليهما، ضلَّ فيهما علماء النجوم، فمنهم مُصيبٌ ومنهم مخطئ»(3).

منها: ما رواه السيّد أيضا من كتاب نوادر الحكمة تأليف محمّد بن أحمد بن عبداللّه القمّي، رواه عن الرضا عليه السلام ، قال: قال أبو الحسن عليه السلام للحسن بن سهل: «كيف حسابك للنجوم؟» فقال: ما بقي منها شيء إلّا وقد تعلّمته.

فقال أبوالحسن عليه السلام : «كم لنور الشمس على نور القمر فضل درجة، وكم لنور القمر على نور المشتري فضل درجة، وكم لنور المشتري على نور الزهرة فضل درجة؟».

فقال: لا أدري.

فقال: «ليس في يدك شيء، [إنّ] هذا أيسره»(4).

قيل: يفهم منه أنّ لأمثال هذه مدخلاً في الأحكام النجوميّة، والمنجّمون لا يعرفونها، فلا يجوز إخبارهم بما لا يعرفون حقيقتها(5).

ص: 63


1- . في المصدر: «صنعتك»
2- فتح الأبواب، ص 198
3- فرج المهموم، ص 87
4- فرج المهموم، ص 93
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 474

منها: ما رواه السيّد من كتاب التوقيعات للحميري، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، بإسناده قال: كتب مصقلة بن إسحاق إلى عليّ بن جعفر رقعة يعلمه فيها أنّ المنجّم كتب ميلاده، ووقّت عمره وقتا، وقد قارب ذلك الوقت وخاف على نفسه، فأوصل عليّ بن جعفر رقعته إلى الكاظم عليه السلام ، فكتب عليه السلام إليه رقعة طويلة أمره فيها بالصوم والصِّلة والبرّ والصدقة والاستغفار، وكتب في آخرها: «فقد واللّه ساءنا أمره فوق ما أصف، على أنّي أرجو أن يزيد اللّه في عمره، ويبطل قول المنجّم فيما اطّلعه على الغيب، والحمدُ للّه »(1).

منها: ما رواه الصدوق في الفقيه بسندٍ صحيح عن ابن أبي عمير أنّه قال: كنت أنظر في النجوم وأعرفُها وأعرف الطالع، فيدخلني من ذلك شيء، فشكوت ذلك إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام، فقال: «إذا وقع في نفسك شيء، فتصدّق على أوّل مسكين، ثمّ امض؛ فإنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ يدفع عنك»(2).

أقول: هذا الخبر كسابقه يدلّ على أنّ تأثيرها من حيث تأثّر النفس بها، وأنّه يمكن دفع هذا الأثر بالصدقة.

منها: ما رواه في الفقيه أيضا بسندٍ حَسن عن عبد الملك بن أعين، قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي قد ابْتُليتُ بهذا العلم، فاُريد الحاجة، فإذا نظرت إلى الطالع ورأيت الطالعَ الشرّ، جلست ولم أذهب فيها؛ وإذا رأيت الطالع الخير، ذهبت في الحاجة؟

فقال لي: «تقضي؟» قلت: نعم. قال: «أحرقْ كُتُبَك»(3).

قال بعض العلماء:

وذلك لأنّ كثيره لا يدرك، وقليله لا ينفع، ولأنّ حكمة اللّه تقتضي أن لا يعلم الناس الاُمور قبل وقوعها؛ لأنّ العلم بها قبل وقوعها يؤدّي في الأكثر إلى الفساد إلّا لأهل التّقى، وقليلٌ ما هم، ولهذا حرّم الكهانة ونحوها، انتهى(4).

وأقول: الظاهر أنّ قوله عليه السلام : «تُقضى» بالبناء للمفعول، والمستتر فيه راجع إلى الحاجة، واحتمال كونه بصيغة المخاطب المعلوم؛ أي تحكم للناس بأمثال ذلك، وتخبرهم بأحكام

ص: 64


1- فرج المهموم، ص 114
2- الفقيه، ج 2، ص 269، ح 2406
3- الفقيه، ج 2، ص 269، ح 2406
4- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 521

النجوم وسعدها ونحسها، بعيد جدّا، كما أنّ تأويل الخبر بأنّ المراد تحكم بأنّ للنجوم تأثيرا تعسّف وتحكّم.

منها: ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره، بإسناده عن أبي عبد الرحمن السلمي: أنّ عليّا عليه السلام قرأ بهم الواقعة: «وتجعلون شكركم أنّكم تكذّبون»، فلمّا انصرف قال: «إنّي قد عرفت أنّه سيقول قائل: لِمَ قرأ هكذا قرأتها؛ لأنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقرؤها كذلك، وكانوا إذا أمطروا قالوا: أمطرنا بنَوء كذا وكذا، فأنزل اللّه : وتجعلون شكركم أنّكم تكذّبون»(1).

أقول: في هذا الخبر دلالة صريحة بعدم جواز استثناد الحوادث على تأثيرات النجوم وأوضاعها.

قال الجوهري: النّوء: سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر، وطلوع رقيبه من المشرق، يقابله من ساعته في كلّ ليلة إلى ثلاثة عشر يوما، وهكذا كلّ نجم منها إلى انقضاء السنة، ما خلا الجبهة، فإنّ لها أربعة عشر يوما.

قال أبو عبيد: ولم نسمع في النّوء أنّه السقوط إلّا في هذا الموضع، وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحرّ والبرد إلى الساقط منها.

وقال الأصمعي: إلى الطالع منها [في سلطانه] فتقول: مطرنا بنوء كذا. والجمع: أنواء، ونواءن، مثل عبد وعبدان، وبطن وبطنان(2).

منها: ما رواه الصدوق في معاني الأخبار بإسناده عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: «ثلاثة من عمل الجاهليّة: الفخر بالأنساب، والطعن في الأحساب، والاستسقاء [بالأنواء]»(3).

منها: ما رواه العيّاشي مرسلاً عن يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قوله تعالى: «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّه ِ إِلَا وَهُمْ مُشْرِكُونَ» ؟ (4). قال: «كانوا يمطرون (5). بنوء كذا وبنوء كذا، ومنهم أنّهم كانوا يأتون الكهّان، فيصدّقونهم بما يقولون»(6).

ص: 65


1- تفسير القمّي، ج 2، ص 349
2- الصحاح، ج 1، ص 79 (نوأ)
3- معاني الأخبار، ص 326، ح 1
4- . يوسف (12): 106
5- . في المصدر: «يقولون نمطر «بدل» يمطرون»
6- تفسير العيّاشي، ج 2، ص 199، ح 91

منها: ما رواه الكليني عن أبا عبداللّه عليه السلام : كان بيني وبين رجلٍ قسمة أرض، وكان الرجل صاحب نجوم، وكان يتوخّى ساعة السّعود، فيخرج فيها، وأخرج أنا في ساعة النحوس، فاقتسمنا، فخرج لي خير القسمين، فضرب الرجل يده اليُمنى على اليُسرى، ثمّ قال: ما رأيت كاليوم قطّ. قلت: ما ذاك؟ قال: إنّي صاحب نجوم، أخرجتُك في ساعة النحوس، وخرجتُ أنا في ساعة السعود، ثمّ قسمنا فخرج لك خيرُ القسمين.

فقلت: ألا اُحدّثك بحديث حدّثني أبي، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من سَرّه أن يدفع اللّه عنه نحس يومه فليفتتح يومه بصدقة يُذهب اللّه بها [عنه] نحس يومه، ومَن أحبّ أن يذهب اللّه عنه نحس ليلته فليفتتح ليلته بصدقة يدفع اللّه عنه بليلته». فقلت: إنّي افتتحتُ خروجي بصدقة، فهذا خيرٌ لك من النجوم(1).

قيل: هذا الخبر يدلّ على أنّه لو كان لها نحوسة، فهي تدفع بالصدقة، وأنّه لا ينبغي مراعاتها، بل ينبغي التوسّل في دفع أمثال ذلك بما ورد عن المعصومين عليهم السلام من الدّعاء والصدقة والتوكّل على اللّه (2).

منها: ما رواه السيّد ابن طاووس، قال: وجدت في أصل من اُصول أصحابنا اسمه كتاب التجمّل، بإسناده عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: «كان قد علم نبوّة نوح عليه السلام بالنجوم»(3).

قال بعض الأفاضل:

هذا الخبر مرسلاً ويدلّ على أنّه يمكن أن يعرف بعض الأشياء بالنجوم، ولا يدلّ على جواز النظر في علمها، واستخراج الأحكام منها، وكذا الأخبار التي أوردها بأنّ ولادة إبراهيم عليه السلام عُرفت بالنجوم، وكذا بعثة النبيّ صلى الله عليه و آله وغيرها من الحوادث، إذ شيء منها لا يعارض أخبار المنع ولا ينافيها(4).

أقول: وكذا لا يدلّ هذه الأخبار وأمثالها على كون النجوم مؤثّرة، إذ يجوز كونها علامات لحدوث تلك الآثار، كما سنبيّنه فيما بعد إن شاء اللّه .

منها: ما رواه السيّد أيضا في رسالة النجوم، قال:

وجدتُ في كتاب عتيق عن عطاء، قال: قيل لعليّ بن أبي طالب عليه السلام : هل كان للنجوم

ص: 66


1- الكافي، ج 4، ص 6، ح 9
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 480
3- فرج المهموم، ص 24
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 470

أصل؟ قال: «نعم، نبيّ من الأنبياء قال له قومه: إنّا لا نؤمن لك حتّى تعلّمنا بدء الخلق وآجالها، فأوحى اللّه _ عزّ وجلّ _ إلى غمامة فأمطرتهم، واستنقع حول الجبل ماءً صافيا، ثمّ أوحى اللّه _ عزّ وجلّ _ إلى الشمس والقمر والنجوم أن تجري في ذلك الماء، ثمّ أوحى اللّه إلى ذلك النبيّ عليه السلام أن يرتقي هو وقومه على الجبل، فارتقوا الجبل فقاموا على الماء حتّى عرفوا بدء الخلق وآجالهم بمجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار، وكان أحدهم يعلم من يموت، ومتى يمرض، ومن ذا الذي يولد له، ومن ذا الذي لا يولد له، فبقوا كذلك برهة من دهرهم، ثمّ إنّ داود عليه السلام قاتلهم على الكفر، فأخرجوا على داود عليه السلام في القتال من لم يحضر أجله ومن حضر أجله خلّفوه في بيوتهم، فكان يقتل أصحاب داود عليه السلام ، ولا يقتل من هؤلاء أحدٌ، فقال داود عليه السلام : ربِّ اُقاتل على طاعتك، ويُقاتل هؤلاء على معصيتك، يقتل أصحابي ولا يقتل من هؤلاء أحد، فأوحى اللّه _ عزّ وجلّ _ : إنّي كنت علّمتهم بدء الخلق والآجال، إنّما أخرجوا إليك من لم يحضر أجله ومن حضر أجله خلّفوه في بيوتهم، فمن ثمّ يقتل من أصحابك ولا يقتل منهم أحد. قال داود عليه السلام : يا ربِّ، ماذا علّمتهم؟ قال: على مجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار». قال: «فدعا اللّه _ عزّ وجلّ _ فحبس الشمس عليهم، فزاد في النهار واختلطت الزيادة بالليل والنهار، فلم يعرفوا قدر الزيادة فاختلط حسابهم». وقال عليّ عليه السلام : «فمن ثمّ كره النظر في علم النجوم»(1).

قال بعض الأفاضل: هذا الحديث مع إرساله وضعفه يدلّ على أنّ لهذا العلم كانت حقيقة، فبطلت في الآن، وظاهر التعليل والتفريع أن تكون الكراهة هنا بمعنى الحرمة، انتهى(2).

وفيه نظر.

منها: ما رواه في نهج البلاغة في ذيل خطبة الأشباح في صفة السماء: «وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها، وقمرَها آية مَمْحوّة من ليلها _ إلى أن قال: _ وأجراها على أذلال تَسخيرها من ثَبات ثابتهاء ومسير سائرها، وهبوطها وصعودها، ونحوسها وسعودها»(3).

ص: 67


1- فرج المهموم، ص 22 (مع اختلاف في بعض الألفاظ)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 473
3- نهج البلاغة، ص 127، الخطبة 91

قال الجوهري: «يُقال: دَعْهُ على أذلاله، أي على حاله. واُمور اللّه جارية على أذلالها، أي على مجاريها وطرقها»(1).

أقول: فيه دلالة على أنّ للكواكب سعدا ونحسا، ولا يدلّ على إمكان إحاطة علم غير المعصوم بهما، فلا منافاة بينه وبين الأخبار السابقة.

منها: ما رواه ابن طاووس رحمه الله قال: رويت بعدّة طرق إلى يونس بن عبد الرحمن في جامعه الصغير قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : جُعلت فداك، أخبرني عن علم النجوم ما هو؟

قال: «هو علمٌ من علم الأنبياء».

قال: فقلت: أ كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام يعلمه؟ فقال: «كان أعلم الناس به»(2).

منها: ما رواه السيّد أيضا في كتاب مسائل الصباح بن نضر الهندي، ورواية أبي العبّاس بن نوح، ومحمّد بن أحمد الصفواني، بالإسناد المتّصل فيه عن الريّان بن الصلت: أنّ الصباح سأل الرضا عليه السلام عن علم النجوم، فقال: «هو علمٌ في أصل صحيح، ذكروا [أنّ] أوّل كلّ من تكلّم في النجوم إدريس عليه السلام ، وكان ذو القرنين به ماهرا، وأصل هذا العلم من عند اللّه عزّ وجلّ، ويُقال: إنّ اللّه بعث المنجّم الذي يُقال له: «المشتري» إلى الأرض في صورة رجل، فأتى بلد العجم، فعلّمهم في حديثٍ طويل، فلم يستكملوا ذلك، فأتى بلد الهند، فعلّم رجلاً منهم، فمن هناك صار علم النجوم بها.

وقد قال قوم: هو علمٌ من علم الأنبياء، وخصّوا به لأسبابٍ شتّى، فلم يتدرك المنجّمون الدقيق منها، فشابوا الحقّ بالكذب»(3).

أقول: آخر هذا الخبر صريح باختصاص هذا العلم بالأنبياء عليهم السلام ، وإن كان في بعض فقراته إشعارٌ بخلاف ذلك، لكن فيها شائبة من التقيّة، كما لا يخفى على مَن له معرفة بأساليب الأخبار الواردة عن أهل البيت عليهم السلام ، سيّما ورود هذا الخبر في زمن استيلاء المأمون وخوضه وولوعه بفنون الفلسفة، واهتمامه في ترويجها فيما بين الناس مشهور، وفي كتب السِّير مسطور.

منها: ما رواه السيّد المذكور في كتاب فرج المهموم عن كتاب نزهة الكرام وبستان العوام تأليف محمّد بن الحسين بن الحسن المرادي: أنّ هارون الرشيد أنفذ على موسى بن

ص: 68


1- الصحاح، ج 4، ص 1702 (ذلل)
2- فرج المهموم، ص 23
3- فرج المهموم، ص 94

جعفر عليهماالسلام فأحضره، فلمّا حضر عنده قال: إنّ الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم، وإنّ معرفتكم بها معرفةٌ جيّدة، وفقهاء العامّة يقولون: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: إذا ذكر أصحابي فاسكتوا، وإذا ذكر القدر فاسكتوا، وإذا ذكر النجوم فاسكتوا، وأمير المؤمنين [عليٌّ ]كان أعلم الخلائق بعلم النجوم وأولادُه وذرّيّته، الذين تقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها، فقال له الكاظم عليه السلام : هذا حديثٌ ضعيف، وإسناده مطعون فيه، واللّه _ تبارك وتعالى _ قد مدح النجوم، ولولا أنّ النجوم صحيحة ما مدحها اللّه عزّ وجلّ، والأنبياء عليهم السلام كانوا عاملين بها، وقد قال اللّه تعالى في حقّ إبراهيم خليل الرحمن: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ» »(1). وقال في موضعٍ آخر: «فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ» (2). ، وقال: «إدريس عليه السلام كان أعلم زمانه بالنجوم، واللّه تعالى قد أقسم بها وقال: «فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ» (3). ، وقال في موضعٍ [آخر]: «وَالنَّازِعَاتِ غَرْقا» (4). مع قوله: «فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرا» (5). ويعني بذلك اثني عشر برجا، وسبعة سيّارات، والذي يظهر بالليل والنهار [هي] بأمر اللّه عزّ وجلّ، وبعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم، وهو علم الأنبياء والأوصياء وورثة الأنبياء، الذين قال اللّه عزّ وجلّ: «وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» (6). ، ونحن نعرف هذا العلم وما ننكره».

فقال له هارون: باللّه عليك يا موسى، هذا العلم لا تظهروه عند الجهّال وعوامّ الناس حتّى لا يشقون عليك ويفتتن العوام به، وغطّ هذا العلم، وارجع إلى حرم جدّك(7).

أقول: هذا الخبر مع إرسال سنده لا ينافي اختصاص هذا العلم بأهل العصمة عليهم السلام ، وفي قوله عليه السلام : «ونحن نعرف هذا العلم وما ننكره» إيماء إلى ذلك، كما لا يخفى.

منها: ما رواه السيّد عن كتاب معاوية بن حكيم، عن محمّد بن زياد، عن محمّد بن يحيى الخثعمي، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن النجوم [أ] حقٌّ هي؟ قال لي: «نعم». فقلت له: وفي الأرض مَن يعلمها؟ قال: «نعم، في الأرض من يعلمها»(8).

ص: 69


1- الأنعام (6): 75
2- الصافّات (37): 88 _ 89
3- . الواقعة (56): 75 _ 76
4- . النازعات (79): 1
5- . النازعات (79): 5
6- . النحل (16): 16
7- فرج المهموم، ص 108 (مع تلخيص واختلاف في اللفظ)
8- فرج المهموم، ص 91

أقول: الكلام في هذا الخبر كالكلام في سابقه.

منها: ما رواه السيّد عن الكتاب المذكور مرسلاً عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: «في السماء أربعة نجوم ما يعلمها إلّا أهل بيتٍ من العرب وأهل بيتٍ من الهند، يعرفون منهما نجما واحدا، فلذلك قام حسابهم»(1).

أقول: أنت خبير بأنّ كون أهل بيت من الهند عارفا بنجمٍ واحد من الأربعة، لا يدلّ على إحاطة علمهم بالنجوم وكونهم كاملين فيها، بل يدلّ على خلاف ذلك، وأيضا لا دلالة فيه على جواز النظر فيها، والعمل بها، والإخبار بأحكامها.

منها: ما رواه السيّد عن كتاب الدلائل لعبداللّه بن جعفر الحميري، بإسناده عن بيّاع السابري، قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ لي في النظرة في النجوم لذّة، وهي معيبة عند الناس، فإن كان فيها إثم تركت ذلك، وإن لم يكن فيها إثم فإنّ لي فيها لذّة؟

قال: فقال: «تعدّ الطّوالع؟»

قلت: نعم، فعددتها له.

فقال: «كم تسقى الشمس من نورها القمر؟»

قلت: هذا شيء لم أسمعه قطّ.

فقال: «وكم تسقى الزهرة الشمس من نورها؟»

قلت: ولا هذا.

قال: «فكم تسقى الشمس من اللّوح المحفوظ من نوره؟».

قلت: وهذا شيءٌ ما أسمعه قطّ.

قال: فقال: «هذا شيء إذا عرفه الرجل عرف أوسط قصبة في الاجمة». ثمّ قال: «ليس يعلم النجوم إلّا أهل بيتٍ من قريش وأهل بيت من الهند»(2).

منها: ما رواه السيّد من كتاب التجمّل، بإسناده عن حفص بن البختري، قال: ذكرت النجوم عند أبي عبداللّه عليه السلام فقال: «ما يعلمها إلّا أهل بيت بالهند وأهل بيت من العرب»(3).

منها: ما رواه السيّد من الكتاب المذكور عن محمّد وهارون ابني أبي سهل، أنّهما كتبا إلى

ص: 70


1- فرج المهموم، ص 91
2- فرج المهموم، ص 97
3- فرج المهموم، ص 100

أبي عبداللّه عليه السلام : أنّ أبانا وجدّنا كانا ينظران في النجوم، فهل يحلّ النظر فيها؟ قال: «نعم»(1).

وفيه أيضا أنّهما كتبا إليه: نحن وُلد نوبخت المنجّم، وقد كتبنا إليك: هل يحلّ النظر فيها؟

فكتبت: نعم. والمنجِّمون يختلفون في صفة الفلك؛ فبعضهم يقول: إنّ الفلك فيه النجوم والشمس والقمر معلّق [بالسماء] وهو دون السماء، وهو الذي يدور بالنجوم والشمس والقمر، وأنّها لا تتحرّك ولا تدور. و[بعضهم] يقولون: دوران الفلك تحت الأرض، وإنّ الشمس تدور مع الفلك تحت الأرض فتغيب في المغرب تحت الأرض، وتطلع بالغداة من المشرق، فكتب عليه السلام : «نعم، ما لم يخرج من التوحيد»(2).

أقول: الظاهر أنّ المراد بالنجوم في هذا الخبر علم الهيئة، لا الأحكام النجومي، فيدلّ على جواز النظر في الهيئة ما لم يخلّ بالتوحيد.

منها: ما رواه السيّد عن الكتاب المذكور هكذا: أبو محمّد، عن الحسن بن عمر، عن أبيه، (3). عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله تعالى: «يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ» ، (4). قال: «كان القمر منحوسا بزحل»(5).

هذا الخبر يدلّ على نحوسة بعض أوضاع الكواكب ونظراتها، ولا يدلّ على نحوسة زحل، فلا ينافي ما مرّ من خبر أبان بن تغلب.

منها: ما رواه محمّد بن شهرآشوب في كتاب المناقب مرسلاً عن أبي بصير، قال: رأيت رجلاً يسأل أبا عبداللّه عليه السلام عن النجوم، فلمّا خرج من عنده قلت له: هذا علمٌ له أصل؟ قال: «نعم».

قلت: حدِّثني عنه؟ قال: «اُحدّثك عنه [بالصعب] يا سعد، ولا اُحدّثك بالنحس، إنّ اللّه _ جلّ اسمه _ فرض صلاة الفجر لأوّل ساعة، فهو فرض، وهي سعد، وفرض الظهر لسبع ساعات وهو فرض، وهي سعد، وجعل العصر لتسع ساعات، وهو فرض، وهي سعد»(6).

قال بعض الأفاضل: «يدلّ هذا الخبر على أنّ له أصل، ولا ينبغي طلبه وتحصيله والنظر فيه إلّا بقدر ما يعلم به أوقات الفرائض»(7).

ص: 71


1- فرج المهموم، ص 100
2- فرج المهموم، ص 100
3- . في المصدر: - «عن أبيه»
4- . القمر : 19
5- فرج المهموم، ص 100 و 101
6- المناقب، ج 4، ص 265
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 477

أقول: هذه جملة من الأخبار الوارده في هذا الباب، وتركنا بعضها خوفا من الإطناب، ونرجو من اللّه سبحانه أن يكون فيما أوردناه هنا مع ما يتعلّق بكلّ منها غنىً وكفاية لطالبي الحقّ والصواب، ولنذكر نبذة من مذهب الأصحاب لتكون تبصرةً وذكرى لاُولي الألباب.

قال الشيخ المفيد _ قدّس اللّه روحه _ في كتاب المقالات على ما نقل عنه السيّد ابن طاووس رحمه الله:

أقول: إنّ الشمس والقمر وسائر النجوم أجسام ناريّة، لا حياة لها ولا موت، خلقها اللّه تعالى لينتفع بها عباده، وجعلها زينة لسماواته، وآية من آياته، كما قال سبحانه: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّه ُ ذَلِكَ إِلَا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْايَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» (1). ، وقال تعالى: «وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» (2). ، وقال تعالى: «وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ» (3). ، فأمّا الأحكام على الكائنات بدلالتها والكلام على مدلول حركاتها، فإنّ العقل لا يمنع منه، ولسنا ندفع أن يكون اللّه تعالى أعلمه بعض أنبيائه وجعله علما له على صدقه، (4). غير انّا لا نقطع عليه، ولا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية، وأمّا ما نجده من أحكام المنجِّمين في هذا الوقت وإصابة بعضهم فيه، فإنّه لا ينكر أن يكون ذلك بضرب من التجربة وبدليل عادة، وقد يختلف أحيانا، ويخطئ المعتمد عليه كثيرا، ولا تصحّ إصابته فيه أبدا؛ لأنّه ليس بجارٍ مجرى دلائل العقول ولا براهين الكتاب و[لا ]أخبار الرسول صلى الله عليه و آله ، وهذا مذهب جمهور المتكلِّمين من متكلِّمي أهل العدل، وإليه ذهب بنو نوبخت _ رحمهم اللّه _ من الإماميّة، وأبو القاسم، وأبو عليّ من المعتزلة، انتهى(5).

وقال السيّد المرتضى رضى الله عنه في جواب المسائل السلّاريّة بعدما أبطل كونها مؤثّرة بالأدلّة والبراهين:

وأمّا الوجه الآخر، وهو أن يكون اللّه تعالى أجرى العادة بأن يفعل أفعالاً مخصوصة عند طلوع كوكب أو غروبه واتّصاله أو مفارقته. وقد بيّنا أنّ ذلك ليس بمذهب

ص: 72


1- . يونس (10): 5
2- . النحل (16): 16
3- . فصّلت (41): 12
4- . في المصدر: - «ولسنا _ إلى قوله: - على صدقه»
5- اوائل المقالات، ص 264؛ فرج المهموم، ص 38

المنجِّمين البتّة، وإنّما يتجمّلون الآن بالظاهر، وأنّه قد كان جائزا أن يجري اللّه العادة بذلك، لكن لا طريق إلى العلم بأنّ ذلك قد وقع وثبت.

ومن أين لنا طريق أنّ اللّه تعالى أجرى العادة بأن يكون زحل والمرّيخ إذا كان في درجة الطالع كان نحسا، وأنّ المشتري إذا كان كذلك كان سعدا؟! وأيّ سمع مقطوع به جاء بذلك؟! وأيّ بنيّ خبّر به واستفيد من جهته؟! فإن عوّلوا في ذلك على التجربة بأنّا جرّبنا ذلك ومن كان قبلنا، فوجدناه على هذه الصفة، وإذا لم يكن موجبا فيجب أن يكون معتادا. قلنا: ومن سلّم لكم صحّة هذه التجربة وانتظامها واطّرادها، وقد رأينا خطأكم فيها أكثر من صوابكم، وصدقكم أقلّ من كذبكم، فألّا نسبتم الصحّة إذا اتّفقت منكم إلى الاتّفاق الذي يقع من المخمّن والمرجّم. فقد رأينا من يصيب من هؤلاء أكثر ممّا يخطئ، وهو على غير أصلٍ معتمد ولا قاعدة صحيحة. فإن قلتم: سبب خطأ المنجّم زلل دخل عليه في أخذ الطالع أوّل سير الكواكب.

قلنا: ولِمَ لا كانت أصابته سببها الاتّفاق والتخمين، وإنّما كان يصحّ لكم هذا التأويل والتخريج لو كان على صحّة أحكام النجوم دليلٌ قاطع هو غير إصابة المنجّم، فأمّا إذا كان دليل صحّة الأحكام الإصابة، فألّا كان دليل فسادها الخطأ [فما أحدهما في المقابلة إلّا كصاحبه].

[و]ممّا أفحم به القائلون بصحّة الأحكام، ولم يتحصّل عنه منهم جواب، إن قيل لهم في شيء بعينه: خذوا الطالع، واحكموا هل يؤخذ أو يُترك، فإن حكموا إمّا بالأخذ أو الترك خُولفوا خلاف ما خبّروا به، وقد أعضلتهم هذه المسألة والتعريف.

ثمّ قال رحمه الله ما معناه: إنّ معجزات الأنبياء عليهم السلام إخبارهم بالغيوب، فكيف يقدر عليها غيرهم؟ فيصير ذلك مانعا أن يكون ذلك معجزا لهم.

ثمّ قال رحمه الله:

والفرق بين ذلك وبين ما يخبرون به من تأثير الكواكب في أجسامنا، فالفرق بين الأمرين أنّ الكسوفات واقترانات الكواكب وانفصالها طريقه الحساب وسير الكواكب، وله اُصول صحيحة وقواعد سديدة. وليس كذلك ما يدّعونه من تأثير الكواكب الخير والشرّ والنفع والضرّ.

ولو لم يكن في الفرق بين الأمرين إلّا الإصابة الدائمة المتّصلة في الكسوفات وما يجري مجراها، فلا يكاد يبيّن [فيهما ]خطأ البتّة، فإنّ الخطأ المعهود الدائم إنّما هو

ص: 73

في الأحكام الباقية، حتّى أنّ الصواب هو العزيز فيها، وممّا يتّفق فيها من إصابة فقد يتّفق من المخمّن أكثر منه، فحمل أحد الأمرين على الآخر قلّة دين وحياء(1).

وقال رضى الله عنه في كتاب الغرر والدرر نحوا من ذلك وأشبع القول فيه، وقال في تضاعيف ما استدلّ به على عدم كون الكواكب مؤثّرة:

وأقوى من ذلك كلّه في نفي كون الفلك وما فيه من شمس وقمر وكوكب أحياءا، السمع والإجماع، وأنّه لا خلاف بين المسلمين في ارتفاع الحياة عن الفلك وما يشتمل عليه من الكواكب، وأنّها مسخّرة مدبّرة مصرّفة، وذلك معلوم من دين رسول اللّه صلى الله عليه و آله ضرورة(2).

وقال في آخر كلامه:

قد أجمع المسلمون قديما وحديثا على تكذيب المنجّمين والشهادة بفساد مذاهبهم وبطلان أحكامهم، ومعلوم من دين الرسول صلى الله عليه و آله ضرورة التكذيب بما يدّعيه المنجّمون، والإزراء عليهم والتعجيز لهم، وفي الروايات عنه صلى الله عليه و آله من ذلك ما لا يُحصى كثرةً، وكذا عن علماء أهل البيت عليهم السلام وخيار أصحابه، فما زالوا يبرؤون من مذاهب المنجّمين ويعدّونها ضلالاً ومحالاً، وما اشتهر هذه الشهرة في دين الإسلام كيف يغتر بخلافه منتسب إلى الملّة، ومصلّ إلى القبلة، انتهى(3).

وأمّا السيّد ابن طاووس رحمه الله فقد عمل في هذا الباب رسالة، وبالغ فيها في الإنكار على كون النجوم ذوات إرادة أو فاعلة أو مؤثّرة، واستدلّ عليه بدلائل، ونقل كلام جماعة من الأفاضل تأييدا لما ذهب إليه، لكن أثبت كونها علامات ودلالات على ما يحدث من الحوادث والكائنات، بحيث يجوز للقادر الحكيم أن يغيّرها ويبدّلها لأسبابٍ ودواعي على وفق إرادته وحكمته، وجوّز تعليمها وتعلّمها والنظر فيها(4).

وقال العلّامة رحمه الله في كتاب منتهى المطلب:

التنجيم حرام، وكذا تعلّم النجوم مع اعتقاد أنّها مؤثّرة، أو أنّ لها مدخلاً في التأثير بالنفع والضرّ.

ص: 74


1- رسائل المرتضى، ج 2، ص 304 _ 311
2- نقل عنه العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار، ج 55، ص 282 _ 290
3- بحار الأنوار، ج 55، ص 289
4- اُنظر: فرج المهموم، ص 1 _ 260

وبالجملة: كلّ من لم يعتقد ربط الحركات النفسانيّة والطبيعيّة بالحركات الفلكيّة والاتّصالات [الكوكبيّة] كامز، وأخذ الاُجرة على ذلك حرام، وأمّا من يتعلّم النجوم ليعرف قدم سير الكواكب وبعده وأحواله من الربيع والخريف وغيرهما فإنّه لا بأس به(1). ونحوه قال في التحرير (2). والقواعد(3). وقال الشهيد رحمه الله في قواعده: كلّ من اعتقد في الكواكب أنّها مدبّرة لهذا العالم، وموجدة ما فيه، فلا ريب أنّه كافر. وإن اعتقد أنّها تفعل الآثار المنسوبة إليها، واللّه سبحانه هو المؤثّر الأعظم، كما يقوله أهل العدل، فهو مخطئ؛ إذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي ولا نقلي. وبعض الأشعريّة يكفّرون هذا، كما يكفّرون الأوّل(4). وأوردوا على أنفسهم عدم إكفار المعتزلة، وكلّ من قال بفعل العبد. وفرّقوا بأنّ الإنسان وغيره من الحيوان يوجد فعله مع أنّ التذلّل ظاهر عليه، (5). فلا يحصل منه اهتضام لجانب الربوبيّة، بخلاف الكواكب؛ فإنّها غائبة عنه، فربما أدّى ذلك إلى اعتقاد استقلالها وفتح باب الكفر.

وأمّا ما يُقال من أنّ استناد الأفعال إليها كاستناد الإحراق إلى النار وغيرها من العاديّات؛ بمعنى أنّ اللّه تعالى أجرى عادته أنّها إذا كانت [على شكل ]مخصوص، أووضع مخصوص، تفعل ما ينسب إليها، ويكون ربط المسبّبات بها كربط مسبّبات الأدوية والأغذية بها مجازا، باعتبار الربط العادي، لا الفعل الحقيقي، فهذا لا يكفر معتقده، ولكنّه مخطئ أيضا، وإن كان أقلّ خطأً من الأوّل؛ لأنّ وقوع هذه الآثار عندها ليس بدائم ولا أكثري، انتهى(6).

وقد نقلنا كلامه رحمه اللهمن الدروس في ضمن شرح الحديث، فتذكّر.

وقال المحقّق الشيخ عليّ رحمه الله:

التنجيم: الإخبار عن أحكام النجوم باعتبار الحركات الفلكيّة والاتّصالات الكوكبيّة التي مرجعها إلى القياس والتخمين _ إلى أن قال: _ وقد ورد عن صاحب الشرع

ص: 75


1- منتهى المطلب، ج 2، ص 1014
2- . اُنظر: تحرير الأحكام، ج 2، ص 261
3- اُنظر: قواعد الأحكام، ج 2، ص 9
4- حكي عن بعض الفقهاء المعاصرين للشيخ عزّ الدين بن عبد السلام (م 660ه). اُنظر: الفروق اللغويّة، ج 1، ص 126
5- . في المصدر: «التذلّل والعبوديّة ظاهرة عليه»
6- القواعد والفوائد، ج 2، ص 35 و 36

النهي عن تعلّم النجوم بأبلغ وجوهه، حتّى قال أمير المؤمنين عليه السلام : «إيّاكم وتعلّم النجوم إلّا ما يهتدى به في برٍّ أو بحر؛ فإنّها تدعو إلى الكهانة، والمنجّم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار»(1).

إذا تقرّر ذلك فاعلم أنّ التنجيم مع اعتقاد أنّ للنجوم تأثيرا في الموجودات السفليّة ولو على جهة المدخليّة حرام، وكذا تعلّم النجوم على هذا الوجه، بل هذا الاعتقاد كفرٌ في نفسه، نعوذ باللّه منه.

أمّا التنجيم لا على هذا الوجه مع التحرّز عن الكذب فإنّه جائز، فقد ثبت كراهيّة التزويج وسفر الحجّ في العقرب، وذلك من هذا القبيل. نعم، هو مكروه، لأنّه ينجرّ إلى الاعتقاد الفاسد، وقد ورد النهي عنه مطلقا حسما للمادّة(2).

وقال الشيخ البهائي رحمه الله:

ما يدّعيه المنجّمون من ارتباط بعض الحوادث السفليّة بالأجرام العلويّة إن زعموا أنّ تلك الأجرام هي العلّة المؤثّرة في تلك الحوادث بالاستقلال، أو أنّها شريكة في التأثير، فهذا لا يحلّ للمسلم اعتقاده. وعلم النجوم المبتني على هذا كفر، والعياذ باللّه ، وعلى هذا حمل ما ورد في الحديث من التحذير من علم النجوم والنهي عن اعتقاد صحّته.

وإن قالوا: إنّ اتّصالات تلك الأجرام وما يعرض لها من الأوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم ممّا يوجده اللّه سبحانه بقدرته وإرادته، كما أنّ حركات النبض واختلافات أوضاعه علامات يستدلّ بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصحّة واشتداد المرض ونحو ذلك، وكما يستدلّ باختلاج [بعض] الأعضاء على بعض الأحوال المستقبلة، فهذا لا مانع منه، ولا حرج في اعتقاده.

وما روي من صحّة علم النجوم وجواز تعلّمه محمولٌ على هذا المعنى، انتهى(3). ثمّ اعلم يا أخي _ وفّقك اللّه للرّشاد والسداد _ أنّ ما رويناه من الأخبار، منه آياتٌ محكمات هُن اُمّ الكتاب، واُخر متشابهات، فإن أمعنت النظر في محكماته، ورددت إليها متشابهاته، واتّبعت سبيل المؤمنين، ولم تشقّ عصا المسلمين، وقلت «لَا أُحِبُّ الْافِلِينَ»، (4). و

ص: 76


1- نهج البلاغة، ج 1، ص 129، الكلام 79
2- جامع المقاصد، ج 4، ص 32
3- الحديقة الهلاليّة، ص 139 و 140
4- الأنعام (6): 76

«يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِى ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ* إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ» (1). كنت من المتّقين الموحِّدين، الذين طوبى لهم وحسن مآب، «جَنَّ_تِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَ بُ» ، (2). وأمّا «الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَ_بَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ» ، (3). بل «عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْالِهَةَ إِلَها وَاحِدا إِنَّ هَذَا لَشَىْ ءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَىْ ءٌ يُرَادُ* مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْاخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَا اخْتِلَاقٌ» ، (4). «أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ* أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ* جُندٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنْ الْأَحْزَابِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ* وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ* إِنْ كُلٌّ إِلَا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ» (5).

متن الحديث الرابع والثلاثين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ قِرْوَاشٍ الْجَمَّالُ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ الْجِمَالِ يَكُونُ بِهَا الْجَرَبُ : أَعْزِلُهَا مِنْ إِبِلِي مَخَافَةَ أَنْ يُعْدِيَهَا جَرَبُهَا ، وَالدَّابَّةِ رُبَّمَا صَفَرْتُ لَهَا حَتّى تَشْرَبَ الْمَاءَ؟

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّ أَعْرَابِيّا أَتى رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، إِنِّي أُصِيبُ الشَّاةَ وَالْبَقَرَةَ وَالنَّاقَةَ بِالثَّمَنِ الْيَسِيرِ وَبِهَا جَرَبٌ ، فَأَكْرَهُ شِرَاءَهَا مَخَافَةَ أَنْ يُعْدِيَ ذلِكَ الْجَرَبُ إِبِلِي وَغَنَمِي؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يَا أَعْرَابِيُّ ، فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَا عَدْوى ، وَلَا طِيَرَةَ ، وَلَا هَامَةَ ، وَلَا شُؤْمَ ، وَلَا صَفَرَ ، وَلَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ ، وَلَا تَعَرُّبَ بَعْدَ هِجْرَةٍ ، (6) وَلَا صَمْتَ يَوْما إِلَى اللَّيْلِ ، وَلَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ ، وَلَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ ، وَلَا يُتْمَ بَعْدَ إِدْرَاكٍ» .

ص: 77


1- الأنعام (6): 78 و 79
2- ص (38): 50
3- آل عمران (3): 7
4- ص (38): 4 _ 7
5- ص (38): 9 _ 14
6- . في بعض نسخ الكافي: «الهجرة»

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (النضر بن قِرواش).

في القاموس: «القِرواش _ بالكسر _ : الطفيلي، والعظيم الرأس»(1).

(عن الجمال يكون بها الجرب).

هو بالتحريك: داءٌ معروف.

(أعزلها) عن أهلي (مخافة أن يُعديها جربُها).

الضمير الأوّل والثالث للجمال، والثاني للإبل.

و«جرب» فاعل «يُعدّي».

في القاموس: «أعدى الأمر: جاوز غيره إليه»(2).

وقال الجوهري:

«العَدْوى: ما يُعدى من جرب وغيره، وهي مجاوزته من صاحبه إلى غيره. يقال: أعدى فلان فلانا من خلقه، أو من علّةٍ به، أو جرب. وفي الحديث: لا عَدوى، أي لا يعدى شيء شيئا(3).

(والدابّة ربّما صفرت لها حتّى تشرب الماء)

هذا سؤال آخر؛ يعني هل يجوز الصفر للدابّة أم لا؟ في القاموس: «الصفير من الأصوات، وقد صفره يصفر صفيرا وصفر وبالحمار: دعاه للماء»(4).

وفي النهاية: «الصّفير: هو الصوت بالفم والشفتين»(5).

(يا أعرابي، فمن أعدى الأوّل).

المستتر في «أعدى» راجع إلى الموصول، و«الأوّل» مفعوله، أي ممّن حصل فيه الجرب.

توهّم الأعرابي أنّ المرض يتعدّى بنفسه، فردّ عليه السلام ما توهّمه، وأعلمه بأنّه ليس كذلك، بل

ص: 78


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 284 (قرش)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 360 (عدو)
3- الصحاح، ج 6، ص 2421 (عدو)
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 71 (صفر)
5- النهاية، ج 3، ص 36 (صفر)

هو بمشيئة اللّه عزّ وجلّ، ومنه الدّاء والشفاء.

وقوله: (لا عدوى).

قال في النهاية:

فيه: لا عدوى، ولا صفر. العدوى: اسم من الإعداء، كالرعوى والبقوى من الإرعاء والابقاء. يُقال: أعداه الداء يُعديه إعداء، وهو أن يصيبه مثل ما بصاحب الدّاء، وذلك أن يكون ببعير جرب مثلاً فتّتقي مخالطته بإبل اُخرى، حذرا أن يتعدّى إليها ما به من الجرب، فيصيبها ما أصابه. وقد أبطله الإسلام؛ لأنّهم كانوا يظنّون أنّ المرض بنفسه يتعدّى، فأعلمهم النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه ليس الأمر كذلك، وإنّما اللّه تعالى هو الذي يُمرض ويُنزل الداء، ولهذا قال في بعض الأحاديث: فمن أعدى الأوّل، أي من أين صار فيه الجرب، انتهى(1).

وقال الطّيبي:

العدوى: مجاوزة العلّة، أو الخلق إلى الغير، وهو بزعم أهل الطبّ في سبع: الجذام، والجرب، والجدري، والحصبة، والبخر، والرمد، والأمراض الوبائيّة. فأبطله الشرع، أي لا تسري علّته إلى شخص. وقيل: بل نفى استقلال تأثيره، بل هو متعلّق بمشيئة اللّه تعالى، ولذا منع من مقاربته كمقاربة الجدار المائل والسفينة المعيبة. وأجاب الأوّلون: بأنّ النهي عنها للشفقة خشية أن يعتقد حقّيّته إن اتّفق إصابة عاهة(2).

أقول: توضيح المقام ما قيل إنّه اختلف في قوله عليه السلام : «لا عدوى»، فحمله الأكثر على أنّ المراد به إبطاله في نفسه كما هو الظاهر.

وقيل: ليس المراد إبطاله في نفسه، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «فرّ من المجذوم فرارك من الأسد»، وإنّما المراد نفي ما يعتقدونه من أنّ تلك العلل المعدية مؤثّرة بنفسها مستقلّة في التأثير، فأعلمهم أنّ الأمر ليس كذلك، وإنّما هو بمشيئته _ عزّ وجلّ _ وفعله، وبيّن بقوله: «فرّ من المجذوم» أنّ مخالطة ذي العلّة أحد أسباب العلّة، فليتّق كما يتّقى الجدار المائل(3). وقد يرجّح الثاني لما فيه من التوفيق بين الأحاديث والاُصول الطبيّة التي ورد الشرع باعتبارها على وجه لا يناقض اُصول التوحيد. وأجاب

ص: 79


1- النهاية، ج 3، ص 192 (عدو)
2- نقل عنه العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار، ج 55، ص 319
3- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 246 و 247

الأوّلون عن حديث الفرار بأنّه عليه السلام أمر بالفرار من المجذوم خوفَ أن يقع في العلّة اتّفاقا، فيعتقد أنّ العدوى حقّ وله حقيقة(1).

وبالجملة: المراد نفي استقلال العدوى بدون مدخليّة مشيئة اللّه عزّ وجلّ، بل مع الاستعاذة باللّه لصرفه عنه، فلا ينافي الأمر بالفرار من المجذوم وأمثاله لعامّة الناس الذين لضعف يقينهم لا يستعيذون به تعالى، وتتأثّر نفوسهم بأمثاله.

وقد روي أنّ عليّ ابن الحسين عليهماالسلام أكل مع المجذومين، ودعاهم إلى طعامه، وشاركهم في الأكل(2).

وقيل: الجذام مستثنى من هذه الكلّيّة(3).

(ولا طيرة).

هذه كسابقها يحتمل الوجهين. وقيل: المراد أنّه لا يجوز التطيّر، أي الفأل الرديء والتشاؤم به بتأثير الاُمور على الاستقلال، بل مع قوّة النفس وعدم التأثّر بها والتوكّل على اللّه تعالى يرتفع تأثيرها، ويؤيّده ما ورد في بعض الأدعية من الاستعاذة منها(4).

قال ابن الأثير:

فيه: لا عدوى، ولا طيرة؛ الطيرة _ بكسر الطاء وفتح الياء، وقد تسكن _ : هي التشاؤم بالشيء، وهو مصدر تطير طيرة، وتخير خيرة، ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما، وأصله فيما يقال: التطيّر بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما. وكان ذلك يصدّهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع، وأبطله ونهى عنه، وأخبر أنّه ليس له تأثير في جلب نفع أودفع ضرّ(5).

وقال الجوهري: برح الظبي بالفتح بروحا: إذا أولاك مياسره يمرّ من ميامنك إلى مياسرك، والعرب تتطيّر بالبارح وتتفاءل بالسانح؛ لأنّه لا يمكنك أن ترميه حتّى تنحرف(6).

وقال:

السنيح والسانح: ما ولّاك ميامنه من ظبي أو طائر أو غيرهما. تقول: سنح لي

ص: 80


1- . ولا يخفى على ذي قريحة أنّ هذا التأويل ركيك، ومعنى الحديث ما قالوا، واللّه أعلم
2- اُنظر: بحار الأنوار، ج 55، ص 319
3- نقله العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار، ج 55، ص 319
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 97
5- النهاية، ج 3، ص 152 (طير)
6- الصحاح، ج 1، ص 356 (برح)

الظبي يسنح سنوحا: إذا مرَّ مياسرك إلى إلى ميامنك. [والعرب] تتيمّنَ بالسانح وتتشاءم بالبارح(1).

(ولا هامة).

قال في النهاية:

فيه: لا عدوى، ولا هامة. الهامة: الرأس، واسم طائر. وهو المراد في الحديث؛ وذلك أنّهم كانوا يتشاءمّون بها، وهي من طير الليل. وقيل: هي البومة. وقيل: إنّ العرب كانت تزعم أنّ روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة، فتقول: أسقوني أسقوني، فإذا أدرك بثأره طارت. وقيل: كانوا يزعمون أنّ عظام الميّت. وقيل: روحه تصير هامة فتطير، ويسمّونه الصدى، فنفاه الإسلام ونهاهم عنه. وذكره الهروي في الهاء والواو، وذكره الجوهري في الهاء والياء، انتهى(2).

ونقل عن المازري: أنّ المشهور في الهامة تخفيف الميم. وقيل بالتشديد، واختلف في تأويلها، ثمّ ذكر الأقوال التي ذكرها ابن الأثير، ثمّ قال: «البومة هي الطائر المعروف، وكانوا يرون أنّها إذا سقطت على دار أحد يراها ناعية لنفسه، أو لبعض أهله»(3).

(ولا شؤم).

الشؤم _ بالضمّ وسكون الهمزة _ : نقيض اليُمن. وهذا كالتأكيد للسابق.

وقيل: كانوا يعتقدون أنّ هذه الدار شؤم: يعني أنّ سكناها سببٌ للضرر والهلاك إذا شاهدوا ذلك مرارا، وأنّ هذا الرجل [والمرأة ]والغلام والفرس شؤم لعدم الفوز بالمطالب، أو وجدان الضرر عند رؤيتهم، أو لغير ذلك، فنفاه عليه السلام ؛ لأنّه أمرٌ وهمي لا تأثير له في نفس الأمر، ولو فرض تأثير ما، فإنّما هو مستند إلى التوهّم، ولو أرادوا بشؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها أو غير ذلك من الاُمور التي توجب نقصان الميل إليها، وبشؤم الفرس نقص كماله، وبشؤم الغلام والمرأة عدم موافقتهما إلى غير ذلك من الاُمور المنفّرة للطبع، فلذلك أمر آخر أذن الشارع لمَن كره شيئا منها أن يتركه ويستبدل منه ما تطيب به نفسه.

ص: 81


1- الصحاح، ج 1، ص 356 (برح)
2- النهاية، ج 5، ص 283 (هوم)
3- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 260

فإن قلت: الفاختة شؤم، لقول الصادق عليه السلام لابنه إسماعيل حين رآها في بيته: «هذا الطير المشؤوم أخرجوه؛ فإنّه يقول فقدتكم، فافقدوه قبل أن يفقدكم، فكيف يصحّ [نفي] الشوم على الإطلاق؟ قلت: شؤم الفاختة لأمر محقّق وهو الدّعاء على صاحب البيت بالهلاك. والمقصود نفي الشؤم المستند إلى مجرّد التوهّم وسوء الظنّ(1).

(ولا صفر).

قال في النهاية: فيه: لا عدوى، ولا هامة، ولا صفر. كانت العرب تزعم أنّ في البطن حيّة يُقال لها الصَفَر، تصيب الإنسان إذ جاع وتؤذيه، وأنّها تعدي، فأبطل الإسلام ذلك. وقيل: أراد به النسئ الذي كانوا يفعلونه في الجاهليّة، وهو تأخير المحرّم إلى صفر، ويجعلون الصفر هو الشهر الحرام، فأبطله، انتهى(2).

وقيل: المراد الشهر المعروف، كانوا يتشاءمون بدخوله؛ لزعمهم أنّه تكثر فيه الدواهي والفتن، فنفاه الشارع(3).

وقال في القاموس:

الصفر _ بالتحريك _ : داءٌ في البطن يصفر الوجه، وتأخير المحرّم إلى صفر، ومنه: «لا صفر»، أو من الأوّل لزعمهم أنّه يعدي، وحيّة في البطن تلزق بالضلوع فتعضها، أو دابّة تعض الضلوع والشراسيف، أو دود في البطن، كالصُّفار بالضم، والجوع.

وصفر: الشهر بعد المحرّم، وقد يمنع، انتهى(4).

وقيل: يحتمل أن يكون المراد هنا النهي عن الصفير للدابّة، (5) وهو بعيد جدّا. والظاهر أنّ جوابه سقط من الرواية، ويظهر من بعض الأخبار كراهته.

(ولا رَضاع بعد فصال).

قال الجوهري: «فصلتُ الرضيع عن اُمّه فصالاً: إذا فطمته» (6). أي لا حكم للرِّضاع بعد

ص: 82


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 260. والحديث المذكور رواه الكليني رحمه الله في الكافي، ج 6، ص 551
2- النهاية، ج 3، ص 35 (صفر)
3- قاله الطريحي رحمه الله في مجمع البحرين، ج 3، ص 367 (صفر)
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 71 (صفر) مع التلخيص
5- . حكاه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 258
6- . الصحاح، ج 5، ص 1790 (فصل)

انقضاء المدّة التي يتحقّق فيها الرضاع شرعا، وهي حولان كاملان، فلو حصل الحدّ المعتبر في الرضاع كلّاً أو بعضا بعد تلك المدّة لم ينشر حرمته. ونقل عن الشهيد الإجماع على ذلك، (1).

وخلاف ابن الجنيد لا يقدح لتأخّره عنه(2).

(ولا تعرّب بعد هجرة).

قال في النهاية:

التعرّب: هو أن يعود إلى البادية ويُقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا، و كان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدّونه كالمرتدّ(3). وقال الجوهري: «الهجرة والمهاجرة من أرض إلى أرض: تركَ الاُولى للثانية»(4).

وقال بعض الشارحين:

الهجرة تُطلق على معان:

الأوّل: الانتقال من البَدْو والقرى وغيرها من المساكن إلى مدينة الرسول صلى الله عليه و آله لنصرته، وهي تنقسم إلى قسمين:

الأوّل إنشاؤها قبل الفتح. ولا خلاف في وجوبها، وتحريم التعرّب بعدها وقبل الفتح عند الخاصّة والعامّة. قال الصادق عليه السلام : «التعرّب بعد الهجرة من الكبائر»(5). وأمّا تعرّبه بعد الفتح، فالظاهر أنّه أيضا حرام للاستصحاب، ولظاهر ما نقلناه عن الصادق عليه السلام . ويحتمل عدمه؛ لكثرة الناصر وقوّة الدِّين بعد الفتح احتمالاً بعيدا. والعامّة اختلفوا في تحريمه بعده؛ قال الآبي: «المجمع على حرمته من التعرّب ما كان في زمن النبيّ صلى الله عليه و آله قبل الفتح، وأمّا بعده فقيل: يسقط فرض المقام بالمدينة(6).

وثانيهما إنشاؤها بعد الفتح في حياة النبيّ صلى الله عليه و آله ووجوب الهجرة وتحريم التعرّب بعدها محتمل لتحقّق كثرة الناصر، ولم يحضرني الآن قول من علمائنا وحديث من رواياتنا في ذلك، واختلفت العامّة فيه. قال القرطبي: «الهجرة بعد الفتح، قيل: إنّها واجبة. وقيل: مندوبة»(7). أقول: يدلّ على الثاني ما رواه مسلم عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «لا

ص: 83


1- . اُنظر: الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 225
2- اُنظر: مختلف الشيعة، ج 2، ص 633
3- النهاية، ج 3، ص 202 (عرب)
4- الصحاح، ج 2، ص 851 (هجر)
5- اُنظر: بحار الأنوار، ج 85، ص 60
6- لم نعثر على قوله
7- تفسير القرطبي، ج 5، ص 308

هجرة بعد الفتح»؛ (1). إذ الظاهر أنّ معناه لا إنشاء هجرة بعده، ويبقى النظر في إدامتها على ما مرّ.

الثاني: الانتقال من دار الكفر إلى الإسلام.

قال الشهيد الثاني: «هذا الحكم باقٍ إلى اليوم؛ إذ لم تنقطع الهجرة بعد الفتح عندنا»(2).

أقول: قوله «عندنا» يشعر بانقطاع الهجرة بهذا المعنى عند العامّة، وليس كذلك. قال المارزي: «قال العلماء: إنّ الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبة إلى قيام الساعة، وعلى هذا لا يجوز للمسلم دخول بلد الكفر إلّا لضرورة في الدِّين كالدخول لفداء المسلم»، (3). وقد أبطل مالك شهادة من دخل دار الحرب للتجارة، هذا كلامه.

الثالث: الانتقال من البَدو والقرى إلى الأمصار لتحصيل علوم الدِّين؛ فإنّ الغالب من أهل القرى والبَدْو الجفاء والغلظة، لكن في تحريم التعرّب بعد الهجرة وتكميل النفس محلّ كلام، انتهى(4).

(ولا صمت يوما إلى الليل) أي لا يجوز التعبّد بصوم الصمت، وهو أن ينوي الصوم ساكتا إلى الليل، وهو حرام في شرعنا، لا الصوم ساكتا بدون جعله وصفا للصوم بالنيّة.

(ولا طلاق قبل نكاح).

كأن يقول: إذا زوّجت فلانة فهي طالق، فلا يقع هذا الطلاق ولا حكم له.

وقس عليه قوله صلى الله عليه و آله : (ولا عتق قبل ملك، ولا يُتْمَ بعد إدراك) أي بلوغ.

يُقال: أدرك الغلام: إذا بلغ. وفي القاموس:

اليُتُم _ بالضمّ _ : فقدان الأب، ويُحرّك. وفي البهائم: فقدان الاُمّ. وقد يتم _ كضرب وعلم _ يتما، ويفتح، وهو يتيم ويتمان: ما لم يبلغ الحُلم، انتهى(5). أي يرتفع الأحكام المتعلّقة باليتيم من كونه محجورا عليه، ومولّى عليه، ونحوهما بعد بلوغه.

ص: 84


1- صحيح مسلم، ج 6، ص 28
2- مسالك الأفهام، ج 1، ص 316
3- . لم نعثر على قوله في موضع
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 261 (مع التلخيص)
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 193 (تيم)

متن الحديث الخامس و الثلاثين و المائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ (1) ، قَالَ :قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «الطِّيَرَةُ عَلى مَا تَجْعَلُهَا، إِنْ هَوَّنْتَهَا تَهَوَّنَتْ ، وَإِنْ شَدَّدْتَهَا تَشَدَّدَتْ ، وَإِنْ لَمْ تَجْعَلْهَا شَيْئا لَمْ تَكُنْ شَيْئا» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (الطيرة على ما تجعلها، إن هوّنتها) _ أي سهّلتها، وخففتها (تهوّنت، وإن شددتها تشدّدت).

التشديد: خلاف التخفيف.

(وإن لم تجعلها شيئا لم تكن شيئا).

فيه دلالة على أنّ الطيرة لا حقيقة لها، بل هو أمرٌ وهمي، فمن كانت له نفس قويّة ولم يَعْتَنِ بها وبتأثيرها لم يتأثّر أصلاً، ومَن كانت نفسه ضعيفة واعتنى بها وعدّها شيئا، فربّما يتأثّر منها.

متن الحديث السادس والثلاثين و المائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ السَّكُونِيِّ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : كَفَّارَةُ الطِّيَرَةِ التَّوَكُّلُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (كفّارة الطيرة التوكّل).

لعلّ المراد أنّ التوكّل على اللّه تعالى وتفويض الاُمور إليه يدفع تأثير الطيرة في النفس والأهل والمال، كما ترفع الكفّارة تأثير الذنب، أو أنّ التوكّل عليه تعالى يكفّر ذنب ما خطر

ص: 85


1- هو عمرو بن حريث الصيرفي. اُنظر: رجال النجاشي، ص 289، الرقم 775

بالبال من التشاءمّ بالأشياء التي نهى عن التشاءم بها.

قال ابن الأثير في النهاية: ومنه الحديث: الطيرة شرك، وما منّا ولكنّ اللّه يذهبه بالتوكّل. كذا جاء في الحديث مقطوعا، ولم يذكر المستثنى؛ أي إلّا وقد يعتريه التطيّر وتسبق إلى قلبه الكراهة. فحذف اختصارا واعتمادا على فهم السامع. وإنّما جعل الطيرة من الشرك؛ لأنّهم كانوا يعتقدون أنّ التطيّر يجلب لهم نفعا، أو يدفع عنهم ضرّا إذا عملوا بموجبه، فكأنّهم أشركوه مع اللّه تعالى في ذلك.

وقوله: «ولكن اللّه يذهبه بالتوكّل» معناه إذا خطر له عارض التطيّر، فتوكّل على اللّه تعالى، وسلّم إليه، ولم يعمل بذلك الخاطر غفره اللّه له، ولم يؤاخذه به، انتهى(1).

متن الحديث السابع و الثلاثين و المائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ وَغَيْرِهِ ، عَنْ بَعْضِهِمْ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ؛ وَبَعْضِهِمْ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام :فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ» (2).

فَقَالَ : «إِنَّ هؤُلَاءِ أَهْلُ مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ الشَّامِ ، وَكَانُوا سَبْعِينَ أَلْفَ بَيْتٍ ، وَكَانَ الطَّاعُونُ يَقَعُ فِيهِمْ فِي كُلِّ أَوَانٍ ، فَكَانُوا إِذَا أَحَسُّوا بِهِ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ الْأَغْنِيَاءُ لِقُوَّتِهِمْ ، وَبَقِيَ فِيهَا الْفُقَرَاءُ لِضَعْفِهِمْ ، فَكَانَ الْمَوْتُ يَكْثُرُ فِي الَّذِينَ أَقَامُوا ، وَيَقِلُّ فِي الَّذِينَ خَرَجُوا ، فَيَقُولُ الَّذِينَ خَرَجُوا : لَوْ كُنَّا أَقَمْنَا لَكَثُرَ فِينَا الْمَوْتُ ، وَيَقُولُ الَّذِينَ أَقَامُوا : لَوْ كُنَّا خَرَجْنَا لَقَلَّ فِينَا الْمَوْتُ» .

قَالَ : «فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ جَمِيعا أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ فِيهِمْ وَأَحَسُّوا بِهِ خَرَجُوا كُلُّهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بِالطَّاعُونِ خَرَجُوا جَمِيعا ، وَتَنَحَّوْا عَنِ الطَّاعُونِ حَذَرَ الْمَوْتِ ، فَسَارُوا فِي الْبِلَادِ مَا شَاءَ اللّهُ .

ثُمَّ إِنَّهُمْ مَرُّوا بِمَدِينَةٍ خَرِبَةٍ قَدْ جَلَا (3) أَهْلُهَا عَنْهَا ، وَأَفْنَاهُمُ الطَّاعُونُ ، فَنَزَلُوا بِهَا ، فَلَمَّا حَطُّوا رِحَالَهُمْ وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ، (4) قَالَ لَهُمُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ : مُوتُوا جَمِيعا ، فَمَاتُوا مِنْ سَاعَتِهِمْ ، وَصَارُوا رَمِيما يَلُوحُ (5) ، وَكَانُوا عَلى طَرِيقِ الْمَارَّةِ ، فَكَنَسَتْهُمُ الْمَارَّةُ ، فَنَحَّوْهُمْ وَجَمَعُوهُمْ فِي مَوْضِعٍ ، فَمَرَّ بِهِمْ

ص: 86


1- النهاية، ج 3، ص 152 (طير) مع التلخيص
2- . البقرة (2): 243
3- . في بعض نسخ الكافي: «قد خلا»
4- . في بعض نسخ الكافي: - «بها»
5- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «تلوح»

نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ : حِزْقِيلُ ، (1). فَلَمَّا رَأى تِلْكَ الْعِظَامَ بَكى وَاسْتَعْبَرَ ، وَقَالَ : يَا رَبِّ ، لَوْ شِئْتَ لَأَحْيَيْتَهُمُ السَّاعَةَ كَمَا أَمَتَّهُمْ ، فَعَمَرُوا بِلَادَكَ ، وَوَلَدُوا عِبَادَكَ ، وَعَبَدُوكَ مَعَ مَنْ يَعْبُدُكَ مِنْ خَلْقِكَ . فَأَوْحَى اللّهُ تَعَالى إِلَيْهِ : أَفَتُحِبُّ ذلِكَ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا رَبِّ فَأَحْيِهِمْ» (2).

قَالَ : «فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَيْهِ (3) : أَنْ قُلْ كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ الَّذِي أَمَرَهُ (4). اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يَقُولَهُ» فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «وَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ ، فَلَمَّا قَالَ حِزْقِيلُ (5) ذلِكَ الْكَلَامَ ، نَظَرَ إِلَى الْعِظَامِ يَطِيرُ بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ ، فَعَادُوا أَحْيَاءً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ ، يُسَبِّحُونَ اللّهَ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ وَيُكَبِّرُونَهُ وَيُهَلِّلُونَهُ ، فَقَالَ حِزْقِيلُ (6). عِنْدَ ذلِكَ : أَشْهَدُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .

قَالَ عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ : فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «فِيهِمْ نَزَلَتْ هذِهِ الْايَةُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ» .

قال البيضاوي: تعجيب وتقرير لمَن سمع بقصّتهم من أهل الكتاب وأرباب التواريخ، وقد يخاطب به من لم ير ولم يسمع؛ فإنّه صار مثلاً في التعجّب.

«إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ» ؛ يريد أهل داوردان قرية قبل واسط وقع فيها طاعون، فخرجوا هاربين، فأماتهم اللّه ثمّ أحياهم ليعتبروا ويتيقّنوا أن لا مفرّ من قضاء اللّه وقدره.

وقيل: إنّ (7) قوما من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد، فهربوا حذر الموت، فأماتهم اللّه ثمانية أيّام ثمّ أحياهم.

«وَهُمْ أُلُوفٌ» ؛ أي ألوف كثيرة. قيل: عشرة. وقيل: ثمانون(8). وقيل: سبعون. [وقيل: ]متألّفون، جمع إلف وآلف، كقاعد وقعود، والواو للحال.

ص: 87


1- . في بعض نسخ الكافي: «حزقيل» بتقديم الخاء المعجمة
2- في بعض نسخ الكافي: «فأحياهم اللّه » بدل «فأحيهم»
3- . في بعض نسخ الكافي: - «إليه»
4- . في بعض نسخ الكافي: «أمر»
5- . في بعض نسخ الكافي: «خرقيل»
6- . في بعض نسخ الكافي: «خرقيل»
7- . في المصدر: «أو» بدل «و قيل: إنّ»
8- في المصدر: «ثلاثون»

«حَذَرَ الْمَوْتِ» ، مفعول له.

«فَقَالَ لَهُمْ اللّه ُ مُوتُوا» ؛ أي قال لهم اللّه : موتوا، فماتوا، كقوله: «كُنْ فَيَكُونْ» (1).

و إنّما لم يقل: «فأماتهم اللّه » للدلالة على أنّهم ماتوا ميتة رجل واحد من غير علّة بمشيئته وأمره، وتلك ميتة خارجة عن العادة، كأنّهم اُمروا بشيء فامتثلوه امتثالاً من غير إباء ولا توقّف، كقوله: «كُنْ فَيَكُونْ» .

وقيل (2) : ناداهم به ملك، وإنّما أسند إلى اللّه تخويفا وتهويلاً.

«ثُمَّ أَحْيَاهُمْ» . قيل: مرَّ حزقيل عليه السلام على أهل داوردان، وقد عريت عظامهم، وتفرّقت أوصالهم، فتعجّب وحمد اللّه ، فأوحى اللّه إليه ناد فيهم: أن قوموا بإذن اللّه ، فنادى، فقاموا يقولون: سبحانك اللّهمّ وبحمدك، لا إله إلّا أنت.

وفائدة القصّة تشجيع المسلمين على الجهاد، والتعرّض للشهادة، وحثّهم على التوكّل والاستسلام لقضاء اللّه ، انتهى(3).

وقال الشيخ الطبرسي في تفسير هذه الآية:

«أَلَمْ تَرَ)؛ أي ألم تعلم يا محمّد، أو يا أيّها السامع، أولم ينته علمك إلى خبر هؤلاء.

«الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ» ؛ قيل: هم قوم من بني إسرائيل فرّوا من طاعون وقع بأرضهم، عن الحسن.

وقيل: فرّوا من الجهاد، وقد كتب عليهم، عن الضحّاك ومقاتل. واحتجّا بقوله عقيب الآية: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ» .

وقيل: هم قوم حزقيل، وهو ثالث خلفاء بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام ؛ وذلك أنّ القيّم بأمر بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام كان يوشع بن نون، ثمّ كالب بن يوقنا، ثمّ حزقيل.

وقد كان يُقال له ابن العجوز؛ وذلك أنّ اُمّه كانت عجوزا، فسألت اللّه الولد، وقد كَبَرَت وعَقَمت، فوهب اللّه سبحانه لها.

وقال الحسن: هو ذو الكفل، وإنّما سمّي حزقيل ذا الكفل؛ لأنّه كفل سبعين نبيّا نجّاهم من القتل، وقال لهم: اذهبوا فإنّي إن قُتلت كان خيرا من أن تقتلوا جميعا، فلمّا جاء اليهود وسألوا حزقيل عن الأنبياء السبعين، قال: إنّهم ذهبوا فلا أدري أين

ص: 88


1- تفسير البيضاوي، ج 1، ص 541
2- . إدامة قول البيضاوي فى تفسيره
3- تفسير البيضاوى، ج 1، ص 541 و 542

هُم، ومنع اللّه ذا الكفل منهم.

«وَهُمْ أُلُوفٌ» ؛ أجمع أهل التفسير على أنّ المراد بألوف [هنا] كثرة العدد، إلّا ابن يزيد؛ فإنّه قال: معناه: خرجوا مؤتلفي القلوب لم يخرجوا عن تباغض، فجعله جمع آلف، مثل قاعد وقعود وشاهد وشهود.

واختلف من قال المراد به العدد الكثير، فقيل: كانوا ثلاثة آلاف، عن عطاء الخراساني. وقيل: ثمانية آلاف، عن مقاتل والكلبي. وقيل: عشرة آلاف، عن أبي روق. وقيل: بضعة وثلاثين ألفا، عن السدّي، وقيل: أربعين ألفا، عن ابن عبّاس وابن جريج. وقيل: سبعين ألفا، عن عطاء بن أبي رياح. وقيل: كانوا عددا كثيرا، عن الضحّاك. والذي: يقتضي [به] الظاهر أنّهم كانوا أكثر من عشرة آلاف؛ لأنّ بناء «فعول» للكثرة، وهو ما زاد على العشرة وما نقص عنها، يُقال: فيه عشرة آلاف، ولا يُقال: فيه عشرة ألوف.

«حَذَرَ الْمَوْتِ» ؛ أي من خوف الموت.

«فَقَالَ لَهُمْ اللّه ُ مُوتُوا» ؛ قيل في معناه قولان؛

أحدهما: أنّ معناه: أماتهم اللّه ، كما يُقال: قالت السماء، فهطلت. معناه: فهطلت السماء. وقلت برأيي كذا، ومعناه: أشرت برأسي وبيدي. وذلك لما كان القول في الأكثر استفتاحا للفعل، كالقول الذي هو تسمية وما جرى مجراه ممّا كان يستفتح به الفعل، صار معناه: قالت السماء فهطلت، أي استفتحت بالهَطل (1) ، كذلك معناه هاهنا: فاستفتح اللّه بإماتتهم.

والثاني: أنّ معناه: أماتهم اللّه بقول سمعته الملائكة لضرب من العبرة. ثُمَّ أَحْيَاهُمْ اللّه بدعاء نبيّهم حزقيل، عن ابن عبّاس، وقيل: إنّه شمعون نبيّ من أنبياء بني إسرائيل، انتهى(2).

(وصاروا رميما يلوح).

الجملة صفة «رميما»، أي: صاروا عظاما بالية خالية من الجلد واللحم، ظاهرة مكشوفة أو متلألاة.

قال الجوهري: الرمّة _ بالكسر _ : العظام البالية. والجمع: رِمَم ورِمام. تقول منه: رمّ العظم يَرِمّ _

ص: 89


1- . في المصدر: «بالهطلان»
2- تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 132 و 133

بالكسر _ رمّة، أي بلى، فهو رميم. وإنّما قال تعالى: «مَنْ يُحْىِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ» (1). ؛ لأنّ فعيلاً وفعولاً قد يستوي فيهما المذكّر والمؤنّث والجمع، مثل رسول وعدوّ وصديق(2)

وفي القاموس: «أ لاح: بدا. وسُهَيْل: تلألأ»(3).

وفي بعض النسخ: «عظاما» بدل «رميما».

(يُقال له حزقيل) بتقديم الحاء المهملة على الزاء المعجمة.

وفي القاموس: «حِزقِل [أو حزقيل] _ كزبرج وزنبيل _ : اسم نبيّ من الأنبياء عليهم السلام »(4).

(قال: نعم يا ربّ، فأحيهم).

وفي بعض النسخ: «فأحياهم اللّه » بدل «فأحيهم». وحينئذٍ يكون قوله: «فأوحى اللّه _ عزّ وجلّ _ إليه»؛ بيانا وتفصيلاً للإحياء.

قال بعض الأفاضل:

هذه الآية مع الخبر دلالة على مدح التوكّل على اللّه وذمّ الفرار من قضاء اللّه ومن الطاعون، وقد ورد بعض الأخبار بجواز الفرار من الطاعون ونفى البأس عنه(5).

متن الحديث الثامن و الثلاثين و المائتين

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ ، (6) عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ يَعْقُوبَ عليه السلام لِبَنِيهِ : «اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ» (7) أَ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَيٌّ وَقَدْ فَارَقَهُ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً؟ قَالَ : «نَعَمْ» .

قَالَ : قُلْتُ : كَيْفَ عَلِمَ؟

قَالَ : «إِنَّهُ دَعَا فِي السَّحَرِ ، وَسَأَلَ اللّهَ أَنْ يَهْبِطَ عَلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ ، فَهَبَطَ عَلَيْهِ بُرْيَالُ وَهُوَ مَلَكُ الْمَوْتِ ، فَقَالَ لَهُ بريالُ : مَا حَاجَتُكَ يَا يَعْقُوبُ؟ قَالَ : أَخْبِرْنِي عَنِ الْأَرْوَاحِ تَقْبِضُهَا مُجْتَمِعَةً أَوْ

ص: 90


1- . يس (36): 78
2- الصحاح، ج 5، ص 1937 (رمم)
3- القاموس المحيط، ج 5، ص 1937 (لوح)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 357 (حزقل)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 103
6- . السند معلّق على سابقه، و يروي عن ابن محبوب عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد
7- . يوسف (12): 87

مُتَفَرِّقَةً؟ قَالَ : بَلْ أَقْبِضُهَا مُتَفَرِّقَةً ، رُوحا رُوحا ، قَالَ لَهُ (1) : فَأَخْبِرْنِي هَلْ مَرَّ بِكَ رُوحُ يُوسُفَ فِيمَا مَرَّ بِكَ؟ قَالَ (2) : لَا ، فَعَلِمَ يَعْقُوبُ أَنَّهُ حَيٌّ ، فَعِنْدَ ذلِكَ قَالَ لِوُلْدِهِ : «اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ» » .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله تعالى: «اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ» .

قال البيضاوي: «يعني فتعرّفوا منهما، وتفحّصوا عن حالهما. والتحسّس: طلب الإحساس»(3).

وقال الجوهري: «تحسّس من الشيء: تخبّر خبره»(4).

(فهبط عليه بُرْيال).

يفهم من كلام صاحب القاموس (5) أنّه بضمّ الباء وسكون الراء.

(تقبضها مجتمعة أو متفرِّقة).

قيل: لعلّ السؤال عن الاجتماع والتفرّق في الأخذ لأنّه إذا قبضها مجتمعة يمكن أن يغفل عن خصوص كلّ واحد بخلاف ما إذا أخذ روحا روحا، أو لأنّه إذا قبضها مجتمعة يمكن أن تسلّم إليه بعد مرور الأيّام ليجتمع عدد كثير منها، ولمّا يصل إليه روح يوسف عليه السلام بعدُ لذلك، وهذا الملك إمّا عزرائيل ويقبض الأرواح من أعوانه، وإمّا غيره فيقبض منه، والأخير أظهر(6).

متن الحديث التاسع و الثلاثين و المائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْقُمِّيِّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ :

ص: 91


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: - «له»
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فقال»
3- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 306
4- الصحاح، ج 3، ص 918 (حسس) مع اختلاف في اللفظ
5- . لم نعثر على كلام في القاموس يفهم منه هذا، ولم نعثر على قول آخر من أهل اللغة يؤيّد في ضبطه إلّا ما صرّح به ابن حجر العسقلاني (م 852ه) في كتابه تبصير المنتبه، ج 1، ص 219 بأنّه يقرأ بضمّ الباء و سكون الراء
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 104

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَحَسِبُوا أَلّا تَكُونَ فِتْنَةٌ» قَالَ : «حَيْثُ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ «فَعَمُوا وَصَمُّوا» حَيْثُ قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله «ثُمَّ تابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ» حَيْثُ قَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، قَالَ : «ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا» (1) إِلَى السَّاعَةِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله تعالى: «وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ» .

قال البيضاوي:

أي وحسب بنو إسرائيل أن لا يصيبهم بلاء وعذاب بقتل الأنبياء وتكذيبهم.

«فَعَمُوا» عن الدِّين، أو الدلائل والهدى.

«وَصَمُّوا» عن استماع الحقّ، كما فعلوا حين عبدوا العجل.

«ثُمَّ تَابَ اللّه ُ عَلَيْهِمْ» ، أي ثمّ تابوا فتاب اللّه عليهم.

ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا» كرّة اُخرى، انتهى(2).

اعلم أنّ هذه الآية مع عدّة آيات قبلها في سورة المائدة هكذا: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّه ُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللّه َ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْاءِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانا وَكُفْرا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّه ِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ وَعَمِلَ صَالِحا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقا كَذَّبُوا وَفَرِيقا يَقْتُلُونَ * وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللّه ُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللّه ُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ» (3). ، وظاهر السياق يكون ضمير الجمع في «حسبوا» وفيما بعده راجعا على بني إسرائيل، كما نقلنا عن البيضاوي. وعلى تفسيره عليه السلام تكون ضمائر الجمع راجعة إلى الصحابة

ص: 92


1- . المائدة (5): 71
2- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 351
3- المائدة (5): 67 _ 71

الذين خالفوا أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ بايعوه ثمّ نكثوا، فبناء هذا التفسير إمّا على تفسير بطن الآية، أو على إرجاع الضمائر إلى الناس، أو إلى القوم الكافرين المذكورين في الآية السابقة، فتدبّر.

فعلى هذا، المراد بالفتنة في قوله تعالى: «وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ» الفتنة في الدِّين، والخروج من قوانيه، حيث كان النبيّ صلى الله عليه و آله بين أظهرهم؛ أي عند حياته عليه السلام وكونه بينهم. قال في القاموس: «هو بين ظهريَهْم وظهرانَيهم _ ولا تكسر النون _ وبين أظهرهم، أي وسطهم وفي معظمهم»(1).

ويحتمل أن يكون «حيث» ظرفا للحسبان، فتكون الفتنة هي الفتنة التي حدثت بعد قبض النبيّ صلى الله عليه و آله ، أو يكون ظرفا له وللفتنة معا، والأوّل أظهر.

«فَعَمُوا» عن دين الحقّ «وَصَمُّوا» ؛ عن استماعه وقبوله.

(حيث قُبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) أي بعد قبضه ووفاته.

(ثمّ تاب اللّه عليهم).

في القاموس: «تاب اللّه عليه: وفّقه للتوبة، أو رجع به من التشديد إلى التخفيف، أو رجع عليه بفضله وقبوله»(2).

(حيث قام أمير المؤمنين عليه السلام ) أي عند قيامه عليه السلام بالخلافة.

(ثمّ عموا وصمّوا إلى الساعة) إلى قيام القائم عليه السلام .

قال بعض الشارحين: المقصود أنّ حكم الآية كلّي صادق على [كلّ] من كان على الحقّ فرجع عنه ثمّ عاد إليه ثمّ رجع عنه، والمذكورون في هذه الآية من جملتهم فلا يرد أنّ الآية في ذمّ بني إسرائيل بقرينة السابق واللّاحق(3).

متن الحديث الأربعين و المائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ

ص: 93


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 82 (ظهر)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 40 (توب)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 264

داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» (1). قَالَ : «الْخَنَازِيرُ عَلى لِسَانِ دَاوُدَ ، وَالْقِرَدَةُ عَلى لِسَانِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ عليهماالسلام» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» .

قال البيضاوي: أي لعنهم اللّه في الزبور والإنجيل على لسانهما. وقيل: [إنّ] أهل أيلة لمّا اعتدوا في السبت لعنهم [اللّه على لسان] داود، فمسخهم اللّه قردة، وأصحاب المائدة لمّا كفروا دعا عليهم عيسى ولُعنوا فأصبحوا خنازير، وكانوا خمسة آلاف رجل(2).

وقال الشيخ الطبرسي: قيل في معناه أقوال، أحدها: أنّ معناه لعنوا على لسان داود فصاروا قردة، وعلى لسان عيسى فصاروا خنازير. عن الحسن ومجاهد وقتادة.

وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام : «أمّا داود، فإنّه لعن أهل أيلة لمّا اعتدوا في سبتهم، وكان اعتداؤهم في زمانه، فقال: [اللّهمّ] ألبسهم اللعنة مثل الرداء، ومثل المنطقة على الحقوين، فمسخهم اللّه قردة.

وأمّا عيسى، فإنّه لعن الذين اُنزلت عليهم المائدة، ثمّ كفروا بعد ذلك».

وثانيها ما قاله ابن عبّاس: أنّه يريد في الزبور والإنجيل. ومعنى هذا أنّ اللّه تعالى لعن في الزبور من يكفر من بني إسرائيل، وفي الإنجيل كذلك، فلذلك قيل: على لسان داود وعيسى.

وثالثها أن يكون عيسى وداود علما أنّ محمّدا نبيٌّ مبعوث، ولعنا من يكفر به. عن الزجاج.

والأوّل أصحّ(3).

(قال: الخنازير على لسان داود، والقردة على لسان عيسى بن مريم).

كذا في تفسير العيّاشي وتفسير عليّ بن إبراهيم، لكن المشهور فيما بين المفسّرين

ص: 94


1- . المائدة (5): 87
2- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 355
3- تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 396

والمؤرِّخين وفي كثير من أخبارنا عكس ذلك، أعني أنّهم مسخوا قردة على لسان داود، ومسخوا خنازير على لسان عيسى بن مريم، ويؤيّد المشهور ظاهر قوله تعالى في قصّة أصحاب السبت: «فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً» (1). قال بعض الأفاضل:

يمكن توجيه الأوّل بوجهين: الأوّل: أن لا يكون هذا الخبر إشارة إلى قصّة أصحاب السبت، بل يكون مسخهم في زمان داود عليه السلام مرّتين.

والثاني أن يكونوا مسخوا في زمان النبيّين معا قردة وخنازير، ويكون المراد في الآية جعل بعضهم قردة(2).

متن الحديث الواحد و الأربعين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ عِمْرَانَ (3). بْنِ مِيثَمٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَرَأَ رَجُلٌ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ» (4) » فَقَالَ : «بَلى وَاللّهِ لَقَدْ كَذَّبُوهُ أَشَدَّ التَّكْذِيبِ ، وَلكِنَّهَا مُخَفَّفَةٌ «لا يُكْذِبُونَكَ» : لَا يَأْتُونَ بِبَاطِلٍ يُكَذِّبُونَ بِهِ حَقَّكَ» .

شرح الحديث

السند صحيح على الظاهر.

قوله عليه السلام : (قرأ رجلٌ على أمير المؤمنين عليه السلام ).

قيل: الظاهر أنّ الرجل أراد بآيات اللّه أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة عليهم السلام ، وقد روي تفسيرها بهم، ولا ينافيه صدقها على آيات القرآن أيضا(5).

(فإنّهم لا يكذّبونك).

قال البيضاوي:

يعني أنّهم لا يكذّبونك في الحقيقة. وقرأ نافع والكسائي: «لا يكذّبونك» من

ص: 95


1- البقرة (2): 65
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 105
3- . في تفسير العيّاشي، ج 1، ص 359: «عمّار»
4- . الأنعام (6): 33
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 264

الكذب، إذا وجده كاذبا، أو نسبة إلى الكذب.

«وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّه ِ يَجْحَدُونَ» ولكنّهم يجحدون بآيات اللّه ويكذبونها، فوضع الظالمين موضع الضمير للدلالة على أنّهم ظلموا بجحودهم، أو جحدوا لتمرّنهم على الظلم، والباء لتضمين الجحود معنى التكذيب(1).

قال الشيخ الطبرسي رحمه الله: قرأ نافع والكسائي والأعشى عن أبي بكر: «لا يكذبونك» بالتخفيف، وهو قراءة علي عليه السلام ، والمرويّ عن جعفر الصادق عليه السلام والباقون: «يكذّبونك» بفتح الكاف والتشديد.

فمن ثقّل فهو من «فعّلته» إذا نسبته إلى الفعل، مثل زنّيته وفسّقته، إذا نسبته إلى الزنا، وقد جاء في هذا المعنى: «أفعلته»، يُقال: أسقيته، أي قلت له: سقاك اللّه ، فيجوز على هذا أن يكون معنى القرائتين واحدا، ويجوز أن يكون «لا يكذبونك» [أي] لا يصادفونك كاذبا، كما تقول: أحمدته، إذا أصبته محمودا.

قال أحمد بن يحيى: كان الكسائي يحكي عن العرب: أكذبت الرجل، إذا أخبرت أنّه جاءك بكذب. وكذبته: إذا أخبرت أنّه كذّاب(2).

ثمّ قال:

واختلف في معناه على وجوه:

أحدها: أنّ معناه: لا يكذبونك بقلوبهم اعتقادا، وإن كانوا يظهرون بأفواههم التكذيب عنادا، وهو قول أكثر المفسّرين، عن أبي صالح، وقتادة، والسدي، وغيرهم، قالوا: يريد أنّهم يعلمون أنّك رسول، ولكن يجحدون بعد المعرفة، ويشهد لهذا الوجه ما روى سلام بن مسكين عن أبي يزيد المدني: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لقي أبا جهل، فصافحه أبو جهل، فقيل له في ذلك، فقال: واللّه إنّي لأعلم أنّه صادق، ولكنّا متى كنّا تبعا لعبد مناف، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

وقال السّدي؛ التقى أخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام، فقال له: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمّد أصادقٌ هو أم كاذب؟ فإنّه ليس هنا أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا.

فقال أبوجهل: ويحك، واللّه إنّ محمّدا لصادق، وما كذب قطّ، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والنبوّة، فما يكون لسائر قريش؟

ص: 96


1- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 404
2- تفسير مجمع البيان، ج 4، ص 41 و 42 (مع التلخيص)

وثانيها: أنّ المعنى لا يكذبوك بحجّة، ولا يتمكّنون من إبطال ما جئت به ببرهان، ويدلّ عليه ما روي عن عليّ عليه السلام أنّه كان يقرأ: «لا يكذبونك» ويقول: «إنّ المراد بها أنّهم لا يأتون بحقّ هو أحقّ من حقّك».

وثالثها: إنّ المراد: لا يصادفونك كاذبا، تقول العرب: قاتلناكم فما أجبناكم، أي ما أصبناكم جبناء. ولا يختصّ هذا الوجه بالقراءة بالتخفيف دون التشديد؛ لأنّ أفعلت وفعلت يجوزان في هذا الموضع، وأفعلت هو الأصل فيه، ثمّ يشدّد تأكيدا مثل: أكرمت وكرّمت، وأعظمت وعظّمت، إلّا أنّ التخفيف أشبه بهذا الوجه.

ورابعها: إنّ المراد لا ينسبونك إلى الكذب فيما أتيت به؛ لأنّك كنت عندهم أمينا صدوقا، وإنّما يدفعون ما أتيت به، ويقصدون التكذيب بآيات اللّه . ويقوّي هذا الوجه قوله: «وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّه ِ يَجْحَدُونَ» وقوله: «وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ» (1). ولم يقل: وكذبك قومك. وما روي أنّ أبا جهل قال للنبيّ صلى الله عليه و آله : ما نتّهمك ولا نكذّبك، ولكنّا نتّهم الذي جئت به ونكذّبه.

وخامسها: أنّ المراد أنّهم لا يكذبونك بل يكذّبونني؛ فإنّ تكذيبك راجع اليّ، ولست مختصّا به؛ لأنّك رسول [اللّه ]، فمن ردّ عليك فقد ردّ عليَّ، ومَن كذّبك فقد كذّبني، وذلك تسليةً منه تعالى للنبيّ صلى الله عليه و آله .

وقوله: «وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّه ِ» أي بالقرآن والمعجزات «يَجْحَدُونَ» بغير حجّة، سفها وجهلاً وعنادا، ودخلت الباء في «بِآيَاتِ اللّه ِ» والجحد يتعدّى بغير الجار [والمجرور]؛ لأنّ معناه هنا التكذيب، أي يكذبون بآيات اللّه .

وقال أبو علي: الباء تتعلّق بالظالمين، والمعنى: ولكن بردّ آيات اللّه ، أو إنكار آيات اللّه ، يجحدون ما عرفوه من صدقك وأمانتك(2).

(فقال: بلى، ولكن (3) كذّبوه أشدّ التكذيب).

لعلّ المراد أنّ التكذيب النسبة إلى الكذب، ولا شكّ في وقوعه في حقّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلا معنى لنفيه؛ لأنّه خلاف الواقع، فينبغي قرائتها بالتخفيف، كما أشار إليه بقوله: (ولكنّها مخفّفة).

ص: 97


1- . الأنعام (6): 66
2- تفسير مجمع البيان، ج 4، ص 42 _ 44 (مع التلخيص)
3- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «واللّه لقد» بدل «ولكن»

ضمير التأنيث لكلمة «لا يكذّبونك» أو لصيغته أو للآية، والتخفيف باعتبار بعضها، وقوله عليه السلام : (لا يُكْذبونك) بيان للتخفيف؛ يعني أنّها من أكذبه لا من كذّبه.

وقوله عليه السلام : (لا يأتون بباطل يكذّبون به حقّك) تفسير لقوله: «لا يُكذبونك» بالتخفيف.

قال الجوهري:

أكذبت الرجل: ألفيته كاذبا. وكذّبته: إذا قلت له: كذبتَ.

قال الكسائي: أكذبته: إذا أخبرت أنّه جاء بالكذب ورواه. وكذّبته: إذا أخبرت أنّه كاذب.

وقال ثعلب: أكذبه وكذبه بمعنى، وقد يكون أكذبه بمعنى بيّن كذبه، وقد يكون بمعنى حمله على الكذب، وبمعنى وجده كاذبا، انتهى(1).

أقول: لعلّ المراد: أنّهم لا يقدرون بإتيان شبهة باطلة وأمارة كاذبة، بحيث يمكنهم أن ينسبوا حقّك إلى الكذب، أو يبيّنون كذبه، أو يصادفونه ويجدونه كاذبا. ويمكن قراءة قوله عليه السلام : «لا يكذبون به حقّك» بالتشديد والتخفيف.

متن الحديث الثاني و الأربعين والمائتين

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَحَدِهِمَا عليهماالسلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِبا أَوْ قالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ» (2) ؟

قَالَ : «نَزَلَتْ فِي ابْنِ أَبِي سَرْحٍ الَّذِي كَانَ عُثْمَانُ اسْتَعْمَلَهُ عَلى مِصْرَ ، وَهُوَ مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ هَدَرَ (3) دَمَهُ ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَإِذَا أَنْزَلَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (4). كَتَبَ : إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، فَيَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : دَعْهَا ، فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ يَقُولُ لِلْمُنَافِقِينَ : إِنِّي لَأَقُولُ مِنْ نَفْسِي مِثْلَ مَا يَجِيءُ بِهِ ، فَمَا يُغَيِّرُ عَلَيَّ ، فَأَنْزَلَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ فِيهِ الَّذِي أَنْزَلَ» .

ص: 98


1- الصحاح، ج 1، ص 210 (كذب)
2- . الأنعام (6): 93
3- . في بعض نسخ الكافي: «نذر»
4- . البقرة (2): 220؛ الأنفال (8): 10

شرح الحديث

السند صحيح على المشهور.

قوله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللّه ِ كَذِبا أَوْ قَالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ» .

تتمّة الآية في سورة الأنعام هكذا: «وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللّه ُ» .

قال الشيخ الطبرسي: اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية؛ فقيل: نزلت في مُسَيْلَمة حيث ادّعى النبوّة، إلى قوله: «وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ» ، و قوله: «سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللّه ُ» في عبداللّه بن سعيد بن أبي سرح؛ فإنّه كان يكتب الوحي للنبيّ صلى الله عليه و آله ، فكان إذا قال له: اكتب عليما حكيما، كتب غفورا رحيما، وإذا قال له: اكتب غفورا رحيما، كتب عليما حكيما، وارتدّ ولحق بمكّة، وقال: إنّي اُنزل مثل ما أنزل اللّه . عن عكرمة، وابن عبّاس، ومجاهد، والسّدي، وإليه ذهب الفرّاء، والزجّاج، والجبائي، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام . وقال قوم: نزلت في ابن أبي سرح خاصّة.

وقال قوم: نزلت في مُسَيلمة خاصّة(1).

ثمّ قال:

هذا استفهام في معنى الإنكار، أي لا أحد أظلم ممّن كذب على اللّه ، فادّعى أنّه نبيّ، وليس بنبنيّ.

«أَوْ قالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ» أي يدّعي الوحي ولا يأتيه، ولا يجوز في حكمة اللّه سبحانه أن يبعث كذّابا، وهذا وإن كان داخلاً في الافتراء، فإنّما أفرد بالذكر تعظيما.

«وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللّه ُ» . قال الزجاج: هذا جواب لقولهم: ولو نشاء لقلنا مثل هذا، فادّعوا، ثمّ لم يفعلوا، وبذلوا النفوس والأموال، واستعملوا سائر الحيل في إطفاء نور اللّه ، وأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره.

وقيل: المراد به عبداللّه بن سعد بن أبي سرح، أملى عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ» إلى قوله: «ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقا آخَرَ» ، (2) فجرى على لسان ابن أبي سرح: «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَ__لِقِينَ» ، فأملاه عليه،

ص: 99


1- تفسير مجمع البيان، ج 4، ص 111 و 112
2- . المؤمنون (40): 12 _ 14

وقال: هكذا أنزل، فارتدّ عدوّ اللّه .

وقال: لئن كان محمّد صادقا، فلقد اُوحي إليَّ كما اُوحي إليه، ولئن كان كاذبا، فلقد قلت كما قال، وارتدّ عن الإسلام، وهَدرَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دَمَهُ، فلمّا كان يوم الفتح جاء [به] عثمان وقد أخذ بيده ورسول اللّه صلى الله عليه و آله في المسجد، فقال: يا رسول اللّه ، اُعف عنه، فسكت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ أعاد فسكت، ثمّ أعاد فقال: هو لك، فلمّا مرّ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ألم أقل مَن رآه فليقتله، فقال عبّاد بن بشر: كانت عيني إليك يا رسول اللّه أن تشير إليَّ فأقتله، فقال صلى الله عليه و آله : الأنبياء لا يقتلون بالإشارة(1).

(قال: نزلت في ابن أبي سرح) بفتح السين وسكون الراء.

واسمه عبداللّه بن سعد بن أبي سرح، كما مرّ.

(الذي كان عثمان استعمله على مصر).

هذا من جملة مطاعن عثمان حيث سلّطه على المسلمين مع أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أهدر دمه.

وقيل: قد احتجّوا عليه في ذلك وشنّعوه به حين أرادوا قتله(2).

(وهو ممّن كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة هدر دمه).

في القاموس: الهَدر _ محرّكة _ : ما يبطل من دم وغيره، هَدَرَ يَهْدِرُ ويهدُر هَدَرا وهَدِرا وهدرته، لازم متعد وأهدرته، فعل وأفعل بمعنى(3).

(فيقول له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : دعها) أي الآية.

ولعلّ المراد: اُتركها ولا تكتبها كما كتبت، بل اكتبها كما اُنزل، أو اسقطها وغيّرها، واكتب مكانها كما اُنزل.

قيل: معناه: دعها بحالها؛ فإنّها سترجع إلى ما اُنزل بأمر اللّه تعالى، وأيّده بما ذكر بعض المفسّرين أنّه قد يتغيّر من الغيب بقدرة اللّه تعالى لفظ عليم بلفظ عزيز من غير أن يكتبه كاتب(4).

ص: 100


1- تفسير مجمع البيان، ج 4، ص 112
2- ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 111
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 159 (هدر)
4- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 265 بعنوان «قيل»

(فإنّ اللّه عليمٌ حكيم)؛ يعني هذا كلام حقّ، ولكن ليس هنا موضع ذكره، فاكتب هنا: أنّ اللّه عزيزٌ حكيم؛ لأنّه هو المنزل هنا.

(وكان ابن أبي سرح يقول للمنافقين: إنّي لأقول من نفسي) أي من عندي (مثل ما يجيءُ به).

الضمير المستتر لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والبارز للموصول، فما يغيّر عليَّ هذا الأخبار على ما قلنا في شرح قوله صلى الله عليه و آله : «دعها» يكون افتراء منه لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وقيل: يمكن أن يكون إشارة إلى ما جرى على لسانه، ونزل الوحي مطابقا كما مرّ في قوله تعالى: «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَ__لِقِينَ» (1).

وأمّا على ما قيل من أنّ معناه: دعها بحالها، إلى آخره، فلا إشكال.

(فأنزل اللّه _ تبارك وتعالى _ فيه) أي في ابن أبي سرح (الذي أنزل).

الظاهر أنّ الموصول إشارة إلى قوله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى..» الآية.

متن الحديث الثالث و الأربعين و ا لمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ» (2).

فَقَالَ : «لَمْ يَجِئْ تَأْوِيلُ هذِهِ الْايَةِ بَعْدُ ، إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَخَّصَ لَهُمْ لِحَاجَتِهِ وَحَاجَةِ أَصْحَابِهِ ، فَلَوْ قَدْ جَاءَ تَأْوِيلُهَا لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ ، وَلكِنَّهُمْ (3) يُقْتَلُونَ حَتّى يُوَحَّدَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَحَتّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ» .

قال الطبرسي رحمه الله: هذا خطاب للنبيّ صلى الله عليه و آله والمؤمنين أن يقتلوا الكفّار.

ص: 101


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 111
2- الأنفال (8): 39
3- . في الطبعة القديمة: «لكنّهم» بدون الواو

«حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ» أي شرك، عن ابن عبّاس والحسن. ومعناه: حتّى لا يكون كافر بغير عهد؛ لأنّ الكافر إذا كان بغير عهد كان عزيزا في قومه، يدعو الناس إلى دينه، فتكون الفتنة في الدِّين. وقيل: حتّى لا يفتن مؤمن عن دينه.

«وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للّه ِِ» (1). ؛ أي ويجتمع أهل الحقّ وأهل الباطل على الدِّين الحقّ فيما يعتقدونه، ويعملون به، فيكون الدِّين حينئذٍ كلّه للّه باجتماع الناس عليه.

وروى زرارة وغيره عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: لم يجي تأويل هذه الآية، ولو قد قام قائمنا بعد، سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية، وليبلّغنّ دين محمّد صلى الله عليه و آله ما بلغ الليل حتّى لا يكون مشرك على ظهر الأرض(2).

(لم يجئ تأويل هذه الآية بَعدُ).

بل يجئ تأويلها عند قيام القائم عليه السلام ، وأشار إلى عدم مجي تأويله في زمن حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقوله: (إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله رخّص لهم)؛ أي لأهل الكتاب، ولبعض أهل الشرك والنفاق في نفاقهم على نحلتهم بقبول الجزية من أهل الكتاب، والفداء من المشركين وإظهار الإسلام من المنافقين.

قال الجوهري: «رخّص: أي لم يستقص»(3).

(لحاجتة).

اللّام تعليل للترخيص.

(وحاجه أصحابه) إلى أخذ الجزية والفدية لإصلاح حالهم، وقبول إظهار الإسلام من أهل النفاق، لظهور الكثرة في المسلمين، وغيره من المصالح.

وقوله عليه السلام : (ولكنّهم يُقتلون) على البناء للمفعول، وضمير الجمع عائد إلى فرق الباطل.

(حتّى يوحّد اللّه عزّ وجلّ) إلى آخره، إشارة إلى مجي تأويلها بعد ظهور دولة الحقّ.

متن الحديث الرابع والأربعين والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ :

ص: 102


1- الأنفال (8): 39
2- تفسير مجمع البيان، ج 4، ص 467
3- الصحاح، ج 3، ص 1041 (رخص)

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي هذِهِ الْايَةِ «يا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لِمَنْ فِى أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللّهُ فِى قُلُوبِكُمْ خَيْرا يُؤْتِكُمْ خَيْرا مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ» (1).

قَالَ : «نَزَلَتْ فِي الْعَبَّاسِ وَعَقِيلٍ وَنَوْفَلٍ» .

وَقَالَ (2) : «إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَهى يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ يُقْتَلَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ ، فَأُسِرُوا ، فَأَرْسَلَ عَلِيّا عليه السلام ، فَقَالَ : انْظُرْ مَنْ هاهُنَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ؟» .

قَالَ : «فَمَرَّ عَلِيٌّ عليه السلام عَلى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ _ كَرَّمَ اللّهُ وَجْهَهُ _ فَحَادَ عَنْهُ ، فَقَالَ لَهُ عَقِيلٌ : يَا ابْنَ أُمِّ، عَلَيَّ ، أَمَا وَاللّهِ لَقَدْ رَأَيْتَ مَكَانِي» .

قَالَ : «فَرَجَعَ إِلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَقَالَ : هذَا أَبُو الْفَضْلِ فِي يَدِ فُلَانٍ ، وَهذَا عَقِيلٌ فِي يَدِ فُلَانٍ ، وَهذَا نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ فِي يَدِ فُلَانٍ ، فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى انْتَهى إِلى عَقِيلٍ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا يَزِيدَ ، قُتِلَ أَبُو جَهْلٍ ، فَقَالَ (3). : إِذا لَا تُنَازَعُونِي (4). فِي تِهَامَةَ ، فَقَالَ : إِنْ كُنْتُمْ أَثْخَنْتُمُ الْقَوْمَ ، وَإِلَا فَارْكَبُوا أَكْتَافَهُمْ . قَالَ (5). : فَجِيءَ بِالْعَبَّاسِ ، فَقِيلَ لَهُ : افْدِ نَفْسَكَ ، وَافْدِ ابْنَ أَخِيكَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، تَتْرُكُنِي أَسْأَلُ قُرَيْشا فِي كَفِّي ، فَقَالَ : أَعْطِ مِمَّا (6). خَلَّفْتَ عِنْدَ أُمِّ الْفَضْلِ ، وَقُلْتَ لَهَا : إِنْ أَصَابَنِي فِي وَجْهِي هذَا شَيْءٌ فَأَنْفِقِيهِ عَلى وُلْدِكِ وَنَفْسِكِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ أَخِي مَنْ أَخْبَرَكَ بِهذَا؟ فَقَالَ : أَتَانِي بِهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام مِنْ عِنْدِ اللّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ ، فَقَالَ: وَمَحْلُوفِهِ (7). مَا عَلِمَ بِهذَا أَحَدٌ إِلَا أَنَا وَهِيَ ، أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللّهِ» .

قَالَ : «فَرَجَعَ الْأَسْرى كُلُّهُمْ مُشْرِكِينَ إِلَا الْعَبَّاسُ وَعَقِيلٌ وَنَوْفَلٌ كَرَّمَ اللّهُ وُجُوهَهُمْ ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هذِهِ الْايَةُ «قُلْ لِمَنْ فِى أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللّهُ فِى قُلُوبِكُمْ خَيْرا» إِلى آخِرِ الْايَةِ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ» .

قال الشيخ الطبرسي قدس سره : «إنّما ذكر الأيدي لأنّ من كان في وثاقهم فهو بمنزلة من يكون

ص: 103


1- الأنفال (8): 70. وفي بعض نسخ الكافي والوافي: - «ويغفر لكم»
2- . في بعض نسخ الكافي: «ثمّ قال»
3- . في بعض نسخ الكافي: - «فقال»
4- . في بعض نسخ الكافي و الطبعة القديمة والوافي: «لا تنازعون»
5- . في بعض نسخ الكافي والطبعة القديمة: «فقال»
6- . في أكثر نسخ الكافي: «ما»
7- . في بعض نسخ الكافي: «ومخلوقه»

في أيديهم؛ لاستيلائهم عليه»(1).

«مِنْ الْأَسْرَى» في بعض نسخ الكتاب: «الأسارى» وهو قراءة أبي عمر. وقال الطبرسي:

يعني اسراء بدر الذين أخذ منهم الفداء.

«إِنْ يَعْلَمْ اللّه ُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرا» أي إسلاما وإخلاصا، أو رغبة في الإيمان، وصحّة نيّة.

«يُؤْتِكُمْ» أي يعطيكم خيرا.

«مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ» من الفداء، إمّا في الدُّنيا [والآخرة]، وإمّا في الآخرة.

«وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّه ُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (2) .

روي عن العبّاس بن عبد المطّلب أنّه قال: نزلت هذه الآية فيَّ وفي أصحابي، كان معي عشرون أوقية ذهبا، فأخذت منّي، فأعطاني اللّه مكانها عشرين عبدا، كلّ منهم يضرب بمال كثير، وأدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان العشرين أوقية، وأعطاني زمزم، وما أحبّ أنّ لي بها جميع أموال أهل مكّة، وأنا أنتظر المغفرة من ربّي.

قال قتادة: ذكر لنا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفا، وقد توضّأ لصلاة الظهر، فما صلّى يومئذٍ حتّى فرّقه، وأمر العبّاس أن يأخذ منه ويحثي، فأخذ، فكان العبّاس يقول: هذا خيرٌ ممّا اُخذ منّا، وأرجو المغفرة(3).

(قال: نزلت في العبّاس) بن عبد المطّلب (وعقيل) بن أبي طالب بن عبد المطّلب (ونوفل) بن جعفر بن الحارث بن عبد المطّلب.

(وقال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى يوم بدر أن يقتل) على البناء للمفعول.

وقوله: (أحد من بني هاشم)؛ قائم مقام فاعله.

وقوله: (وأبو البختري) بفتح الباء، عطف على «أحد»، وليس هو من بني هاشم.

وقيل: اسمه العاص بن هشام بن الحرب بن أسد(4).

وضمير الجمع في قوله: (فاُسروا) على صيغة المجهول راجع إلى بني هاشم فقط؛ لأنّ أبا البختري لمّا لم يقبل أمان النبيّ صلى الله عليه و آله ذلك اليوم قُتل في المعركة، ولم يكن من الاُسراء.

ص: 104


1- مجمع البيان، ج 4، ص 495
2- . الأنفال (8): 70
3- مجمع البيان، ج 4، ص 495 و 496 (مع تلخيص)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 112

قال ابن أبي الحديد:

قال الواقدي: نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قتل أبي البختري وكان قد لبس السلاح بمكّة يوما قبل الهجرة في بعض ما كان ينال النبيّ صلى الله عليه و آله من الأذى، وقال: لا يعرض أحد لمحمّد بأذى إلّا وضعت فيه السلاح، فشكر ذلك له النبيّ صلى الله عليه و آله .

وقال أبو داود المازني: فلحقته يوم بدر، فقلت له: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى عن قتلك إن أعطيت بيدك، قال: وما تريد إلى أن كان قد نهى عن قتلي، فقد كنت أبليته ذلك، فإمّا أن أعطي بيدي، فواللّات والعزّى لقد علمت نسوة بمكّة أنّي لا أعطي بيدي، وقد عرفت أنّك لا تدعني، فافعل الذي تريد، فرماه أبو داود بسهم، وقال: اللَّهُمَّ سهمك، وأبو البختري عبدك، فَضَعهُ في مقتله، وأبو البختري دارع، ففتق السهم الدرع فقتله.

قال الواقدي: ويُقال: إنّ المجذر بن ذياد قتل أبا البختري ولا يعرفه، وقال المجذر في ذلك شعرا عرف منه أنّه قاتله.

وفي رواية محمّد بن إسحاق أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى يوم بدر عن قتل أبي البختري، واسمه الوليد بن هشام بن الحرث بن أسد بن عبد العزّى؛ لأنّه كان أكفّ الناس عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمكّة، كان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه، وكان فيمن قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم، فلقيه المجذر بن ذياد البلوي حليف الأنصار، فقال له: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهانا عن قتلك، ومع أبي البختري زميل له خرج معه من مكّة يقال له جنادة بن مليحة، فقال أبو البختري وزميلي: قال المجذر: واللّه ما نحن بتاركي زميلك، ما نهانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا عنك وحدك، قال: إذا واللّه لأموتنّ أنا وهو جميعا، لا تتحدّث عنّي نساء أهل مكّة أنّي تركت زميلي حرصا على الحياة، فنازله المجذر وارتجز أبو البختري، فقال:

لن يسلّم ابن حرّة زميله***حتّى يموت أو يرى سبيله

ثمّ اقتتلا، فقتله المجذر، وجاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخبره، وقال: والذي بعثك بالحقّ، لقد جهدت أن يستأسر فآتيك به، فأبى إلّا القتال، فقاتلته فقتلته.

ثمّ قال: قال محمّد بن إسحاق: وقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أوّل الوقعة نهى أن يقتل أحدٌ من بني هاشم(1).

ص: 105


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 114، ص 133 و 134. وانظر: مغازي الواقدي، ص 75

وروى بإسناده عن ابن عبّاس أنّه قال: قال النبيّ صلى الله عليه و آله لأصحابه: «إنّي قد عرفت أنّ رجلاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها، لا حاجة لنا بقتلهم، فمن لقى منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقى أبا البختري فلا يقتله، ومن لقى العبّاس بن عبد المطّلب عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلا يقتله، فإنّما اُخرج مستكرها»(1).

(فحادَ عنه).

قال الجوهري: «حاد عن الشيء يحيد: مالَ عنه وعدل»(2).

وقال في المصباح: «حادَ عن الشيء: تنحّى وبَعُدَ»(3).

(فقال له عقيل: يابن اُمّ، عَلَيَ) أي أقبل عليَّ، يُقال: أقبل عليه بوجهه. وذكر الاُمّ للترقيق والاستعطاف.

(واللّه لقد رأيت مكاني).

المكان: الموضع، وكنّى عن الحالة، وهنا كناية عن ذلّ الحبس والأسر.

وقيل: إرادة المنزلة والقرابة منه عليه السلام من المكان، محتمل بعيده(4).

(وقال: هذا أبو الفضل).

هو كنية العبّاس.

(فقال له) رسول اللّه صلى الله عليه و آله : (يا أبا يزيد، قتل أبو جهل).

لعلّ تخصيصه بالذِّكر كونه من أعظم أهل العناد والفساد.

(إذا لا تُنازعوني في تهامة).

في القاموس: «تِهامة _ بالكسر _ : مكّة شرّفها اللّه ، وأرض معروف لا بلد، ووهم الجوهري» (5) .

(فقال).

قيل: المستتر فيه راجع إلى عقيل، (6) والظاهر إرجاعه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ص: 106


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 14، ص 183
2- الصحاح، ج 2، ص 467 (حيد)
3- المصباح المنير، ص 158 (حاد)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 268
5- . القاموس الرجال، ج 4، ص 84 (تهم)
6- . لم نعثر على قائله

(إن كنتم أثخنتم القوم).

قال الجوهري: «أثخنته الجراحة: أوهنته»(1).

وفي القاموس:

أثخن في العدوّ: بالغ الجراحة فيهم. وفلانا: أوهنه. «حَتَّى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ» (2) : أي غلبتموهم وكثر فيهم الجراح(3).

(وإلّا فاركبوا أكتافهم).

لعلّه كناية عن شدّهم وإمساكهم وقفلهم عن الفرار. قال الجوهري: «ركبَ ركوبا، وركَبَه يركُبَهُ مثال كتب يكتب، إذا ضربه بركبته، وكذلك إذا ضرب ركبته»(4).

وقال:

الكِتْف والكَتِف، مثال كِذب وكَذِب، والجمع: الأكتاف. وكتفت الرجل: أي شددت يديه إلى خلف بالكتاف، وهو حبل يشدّ به، انتهى(5).

وقيل: ركوب الأكتاف كناية عن شدّة وثاقهم، أي إن ضعفوا بالجراحات، ولا يقدرون على الهرب، فخلّوهم، وإلّا فشدّوهم لئلّا يهربوا، وتكونوا راكبين على أكتافهم، أي مسلّطين عليهم(6).

(فقيل له: افد نفسك).

في القاموس: «فداه يفديه فداء وفِدىً: أعطى شيئا فأنقذه. والفِداء _ ككساء، وكعلى، وإلى: ذلك المعطى»(7).

(وَافْد ابن أخيك).

أي عقيلاً. ويحتمل أن يُراد بابن الأخ الجنس الشامل له ولنوفل. وفي بعض النسخ: «ابني أخيك» أي ابني أخويك: عقيلاً ونوفلاً.

(فقال: يا محمّد، تتركني أسأل قريشا في كفّي)؛ لتحصيل الفداء، أو لأنّي إذا فاديت نفسي فلا يبقى لي شيء من المال، فأحتاج إلى السؤال بالكفّ.

ص: 107


1- الصحاح، ج 5، ص 2087 (ثخن)
2- . محمّد (47): 4
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 206 (ثخن)
4- الصحاح، ج 1، ص 139 (ركب) مع التلخيص
5- الصحاح، ج 4، ص 1420 (كتب) مع التلخيص
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 114
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 373 (فدي)

(فقال: اعط ما (1) خلّفت عند اُمّ الفضل).

قيل: هي زوجة العبّاس(2).

(فقال: ومحلوفه).

ولعلّ للقسم. وفي كثير من النسخ: «ومحلوفة» بالتاء. قال الفيروزآبادي:

حلف يحلف حلفا _ ويكسر _ وحلفا ككتف، ومحلوفا ومحلوفة. ويقال: لا ومحلوفائه _ بالمدّ _ ومحلوفة باللّه : أي أحلف محلوفة، أي قسما، انتهى(3).

وقيل: الظاهر أنّه حلف باللّات والعزّى، فكره صلى الله عليه و آله التكلّم به، فعبّر عنه بمحلوفه، أي بالذي حلف به. وفي الكشّاف: «أنّه حلف باللّه » (4). (5).

وفي بعض النسخ: «ومخلوفه». وفي بعضها: «ومخلوفة» بالخاء المعجمة فيهما، ولعلّهما تصحيف.

(ما علم بهذا أحد إلّا أنا وهي) أي اُمّ الفضل.

(أشهدُ أنّك رسول اللّه ).

قال ابن أبي الحديد:

قال محمّد بن إسحاق: فلمّا قدم بالأسارى إلى المدينة، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : افد نفسك يا عبّاس وابني أخويك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب وحليفك عقبة بن عمرو، فإنّك ذو مال، فقال العبّاس: يا رسول اللّه ، إنّي كنت مسلما، ولكن القوم استكرهوني. فقال صلى الله عليه و آله : اللّه أعلم بإسلامك، إن يكن ما قلت حقّا فإنّ اللّه يجزيك، وأمّا ظاهر أمرك فقد كان علينا، فافتد نفسك، وقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخذ منه عشرين أوقية من ذهب أصابها معه حين اُسِرَ. فقال العبّاس: يا رسول اللّه ، احسبها لي من فدائي. فقال صلى الله عليه و آله : ذاك شيء أعطانا اللّه منك. فقال: يا رسول اللّه ، فإنّه ليس لي مالٌ. فقال: أين المال الذي وضعته بمكّة حين خرجت من عند اُمّ الفضل بنت الحارث، وليس معكما أحدٌ، ثمّ قلت: إن اُصبت في سفري هذا

ص: 108


1- هكذا في أكثر نسخ الكافي. وفي المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا وكلتا الطبعتين: «ممّا»
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 268
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 129 (حلف)
4- . الكشّاف، ج 1، ص 298 و 386
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 115

فللفضل كذا وكذا، ولعبداللّه كذا وكذا، ولقثم كذا وكذا؟ فقال العبّاس: والذي بعثك بالحقّ يا رسول اللّه ، ما علم بهذا أحدٌ غيري وغيرها، وإنّي لأعلم أنّك رسول اللّه ، ثمّ فدى نفسه وابني أخويه [وحليفه](1).

(وفيهم نزلت هذه الآية: «قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَسْارَى» .

في بعض النسخ: «الأسرى» كما في صدر الحديث.

وفي القاموس: «الأسير: الأخيذ، والمقيّد، والمسجون. والجمع: أُسراء، واُسارى، وأَسارى، وأسرى»(2).

متن الحديث الخامس والأربعين والمائتين

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَحَدِهِمَا عليهماالسلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ» (3) : «نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ وَ الْعَبَّاسِ وَشَيْبَةَ ، إِنَّهُمْ فَخَرُوا بِالسِّقَايَةِ وَالْحِجَابَةِ ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ «أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ» وَكَانَ عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ (4) وَجَعْفَرٌ _ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِمُ _ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ ، وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّهِ» .

شرح الحديث

السند صحيح على المشهور.

قوله تعالى: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ» الآية.

قال الشيخ الطبرسي:

قيل: إنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب وعبّاس بن عبد المطّلب وطلحة بن شيبة، وذلك أنّهم افتخروا، فقال طلحة: أنا صاحب البيت، وبيدي مفتاحه، ولو أشاء بتُّ فيه. وقال العبّاس: أنا صاحب السِّقاية، والقائم عليها.

ص: 109


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 14، ص 184
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 364 (أسر)
3- . التوبة (9): 19
4- . في تفسير العيّاشي، ج 2، ص 83، ح 35: + «والعبّاس»

وقال عليّ عليه السلام : «لا أدري ما تقولان، لقد صلّيت إلى القبلة ستّة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد». عن الحسن والشعبي ومحمّد بن كعب.

وقيل: إنّ عليّا عليه السلام قال للعبّاس: «يا عمّ، ألا تهاجر، وألا تلحق برسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟»

فقال: ألستُ في أفضل من الهجرة اُعمّر المسجد الحرام، وأسقي حاجّ بيت اللّه ؟

فنزلت: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ» . عن ابن سيرين ومرّة الهمداني.

وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: بينا شيبة والعبّاس يتفاخران إذ مرَّ بهما عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال: «بماذا تتفاخران؟»

فقال العبّاس: لقد اُوتيت من الفضل ما لم يؤت أحدٌ: سقاية الحاجّ.

وقال شيبة: اُوتيت عمارة المسجد الحرام، فقال عليّ عليه السلام : «استحييت لكما، فقد اُوتيتُ على صغري ما لم تؤتيا».

فقالا: وما اُوتيت يا عليّ؟

قال: «ضربت خراطيمكما بالسيف حتّى آمنتما باللّه ورسوله».

فقام العبّاس مغضبا يجرّ ذيله حتّى دخل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال: أما ترى إلى ما يستقبلني به عليّ؟ فقال صلى الله عليه و آله : «ادعو لي عليّا» فدُعيَ له، فقال: «ما حملك على ما استقبلت به عمّك؟» فقال: «يا رسول اللّه ، صدمته بالحقّ، فمن شاء فليغضب، ومن شاء فليرض». فنزل جبرئيل وقال: «يا محمّد، إنّ ربّك يقرأك السلام ويقول: اُتل عليهم: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ» الآيات، انتهى(1).

وقال البيضاوي:

السقاية والعمارة مصدر أسقى وعَمَر، فلا يشبّهان بالجثث، بل لابدّ من إضمار تقديره: أجعلتم أهل سقاية الحاجّ كمَن آمن، أو: أجعلتم سقاية الحاجّ كإيمان من آمن.

ويؤيّد الأوّل قراءة من قرأ: «سقاة الحاجّ وعمرة المسجد»، والمعنى إنكار أن يشبّه المشركون وأعمالهم المحبطة بالمؤمنين وأعمالهم المثبتة، ثمّ قرّر ذلك بقوله تعالى: «لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّه ِ» وبيّن عدم تساويهم بقوله: «وَاللّه ُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» (2).

ص: 110


1- مجمع البيان، ج 5، ص 27 و 28
2- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 136

(إنّهم فخروا بالسقاية والحجابة).

ضمير الجمع راجع إلى العبّاس وتبعته في السقاية، وإلى شيبة وسدنته. قال الفيروزآبادي: «الحاجب: البوّاب. الجمع: حجبة، وحجّاب. وخطّته: الحجابة»(1). وقال: «الخطّة _ بالضمّ _ : الأمر»(2).

متن الحديث السادس و الأربعين و المائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ : «وَإِذا مَسَّ الْاءِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيبا إِلَيْهِ» قَالَ : «نَزَلَتْ فِي أَبِي الْفَصِيلِ، (3) إِنَّهُ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عِنْدَهُ سَاحِرا ، فَكَانَ إِذَا مَسَّهُ الضُّرُّ _ يَعْنِي السُّقْمَ _ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبا إِلَيْهِ _ يَعْنِي تَائِبا إِلَيْهِ _ مِنْ قَوْلِهِ فِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَا يَقُولُ «ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ» يَعْنِي الْعَافِيَةَ «نَسِىَ ما كانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ» يَعْنِي نَسِيَ التَّوْبَةَ إِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِمَّا كَانَ يَقُولُ فِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِنَّهُ سَاحِرٌ ، وَلِذلِكَ قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النّارِ» (4). يَعْنِي إِمْرَتَكَ عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَمِنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله » .

قَالَ : ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «ثُمَّ عُطِفَ الْقَوْلُ مِنَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي عَلِيٍّ عليه السلام يُخْبِرُ بِحَالِهِ وَفَضْلِهِ عِنْدَ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، فَقَالَ : «أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِدا وَقائِما يَحْذَرُ الْاخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ» أَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّهِ «وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» أَنْ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّهِ ، وَأَنَّهُ سَاحِرٌ كَذَّابٌ «إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ» (5). » .

قَالَ : ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «هذَا تَأْوِيلُهُ يَا عَمَّارُ» .

شرح الحديث

السند موثّق على المشهور.

ص: 111


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 52 (حجب)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 358 (خطط)
3- . في بعض نسخ الكافي: «أبي الفضل»
4- . الزمر (39): 8
5- . الزمر (39): 9

قوله عزّ وجلّ: «وَإِذَا مَسَّ الْاءِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبا إِلَيْهِ» ؛ قال البيضاوي:

لزوال ما ينازع العقل في الدلالة على أنّ مبدأ الكلّ منه.

«ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ» أعطاه من الخول وهو التعهّد، أو الخول وهو الافتخار.

«نِعْمَةً مِنْهُ» من اللّه .

«نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ» أي الضرّ الذي كان يدعو اللّه إلى كشفه، أو ربّه الذي كان يتضرّع إليه.

و «مَا» مثل الذي في قوله: «وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى» (1) .

«مِنْ قَبْلُ» : من قبل النعمة.

«وَجَعَلَ للّه ِ أَنْدَادا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ» وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس بفتح الياء.

والضلال والإضلال لما كانا نتيجة جعله صحّ تعليله بهما، وإن لم يكونا غرضين.

«قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً» أمر تهديد فيه إشعار بأنّ الكفر نوع تشهٍّ لا سند له، وإقناط للكافرين من التمتّع في الآخرة، ولذلك علّل بقوله: «إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» ؛ على سبيل الاستئناف للمبالغة.

«أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ» : قائم بوظائف الطاعات.

«آنَاءَ اللَّيْلِ» : ساعاته. و«أم» متّصلة بمحذوف تقديره: الكافر [خير] أم من هو قانت. أو منقطعة، والمعنى: بل أمّن هو قانت كمن هو ضدّه. وقرأ الحجازيّان وحمزة بتخفيف الميم بمعنى: أَمَنْ هو قانت [للّه ] كمَن جعل له أندادا.

«سَاجِدا وَقَائِما» ؛ حالان من ضمير «قانت». وقرئا بالرفع على الخبر بعد الخبر، والواو للجمع بين الصفتين.

«يَحْذَرُ الْاخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ» ؛ في موقع الحال، أو الاستئناف للتعليل.

«قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» ؛ نفى لاستواء الفريقين باعتبار القوّة العمليّة بعد نفيه باعتبار القوّة العمليّة على وجه أبلغ لمزيد [فضل] العلم.

وقيل: تقرير للأوّل على سبيل التشبيه، أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون لا يستوي القانتون والعاصون.

«إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» بأمثال هذه البيانات(2).

ص: 112


1- الليل (92): 3
2- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 59 و 60

(قال: نزلت في أبي الفصيل).

في القاموس: «الفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن اُمّه. الجمع: فُصلان بالضمّ والكسر وككتاب» انتهى(1).

والمراد به هنا أبو بكر بن أبي قحافة. وقيل: هذا التعبير إمّا من الإمام عليه السلام ، أو من أحد الرواة تقيّة(2).

وقال بعض الأفاضل: «إنّ اسم أبا بكر عبد العزّى وكنيته أبو الفصيل، فسمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله عبداللّه وكنّاه أبو بكر»(3).

وقيل: هو كناية عن أبي بكر، لأنّ الفصيل _ كما عرفت _ ولد الناقة، والبكر الفتى من الإبل، فهما متقاربان معنى. وروي أنّ أبا سفيان قال يوم غصب الخلافة: لأملأنّها على أبي فصيل خيلاً ورجلاً. وذكر السيّد الشريف في بعض حواشيه، وقد يعتبر في الكنى المعاني الأصليّة، كما روي أنّ في بعض الغزوات نادى بعض المشركين أبا بكر أبا الفصيل(4).

(إنّه كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله عنده ساحرا).

الضمير في الموضعين راجع إلى أبي الفصيل، وهذه الرواية كغيرها من الروايات المتكثّرة صريح في كونه منافقا، وفي ارتداده مرّةً بعد اُخرى.

(من قوله في رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما يقول) من أنّه ساحر أو الأعمّ منه.

(يعني إمرتك على الناس) تفسير وبيان لقوله تعالى: «بِكُفْرِكَ» ، أو للتمتّع بالكفر.

قال الفيروزآبادي: «الأمر: مصدر أمّر علينا _ مثلّثة _ إذا ولّي. والاسم: الإمرة بالكسر. وقول الجوهري: مصدر وهم»(5).

وقوله عليه السلام : (بغير حقّ) متعلّق بالإمرة. والباء للتلبّس، أو حال عنها.

وقوله: (من اللّه ومن رسوله صلى الله عليه و آله ) متعلّق بالحقّ. و«من» للابتداء، أو صفة له.

وقوله عليه السلام : (عُطف القول) على البناء للمفعول.

وكلمة «في» في قوله: (في عليّ عليه السلام ) إمّا تعليليّة، أو بمعنى «إلى».

ص: 113


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 30 (فصل)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 118
3- لم نعثر على قائله
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 118
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 365 (أمر)

«ساجِدا وَقائِما» .

قيل: تقديم السجود والاهتمام به لكونه أرفع منازل العابدين(1).

«يَحْذَرُ الْاخِرَةَ» الآية.

أي عقوباتها وأهوالها. قال بعض الشارحين:

هو استيناف للتعليل، كأنّه [قيل:] ما سبب قنوته وقيامه وسجوده؟ فاُجيب ببيان سببها. أو في موضع النصب على الحال، ولعلّ النكتة في إيراد بعض الأحوال جملة وبعضها مفردة هي التنبيه على استمرار الحذر والرجاء ووجود كلّ منهما في زمان وجود الآخر بخلاف السجود والقيام، وإنّما آثر الحذر على الخوف مع أنّ الخوف في مقابل الرجاء لكونه أبلغ من الخوف؛ إذ هو خوف مع الاحتراز(2).

(وأنّه ساحرٌ كذّاب) على قوله تعالى: «لَا يَعْلَمُونَ» ، بتقدير فعل، أي: يقولون أو يعتقدون أنّه ساحرٌ كذّاب.

متن الحديث السابع و الأربعين و المائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ :

عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، قَالَ : تَلَوْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام «ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ» (3).

فَقَالَ : «ذُو عَدْلٍ مِنْكُمْ ، هذَا مِمَّا أَخْطَأَتْ فِيهِ الْكُتَّابُ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله تعالى: «ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ» .

قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في سورة المائدة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ» (4) .

(فقال: ذو عدل منكم) يعني أنّ المنزل: «ذو عدل» بلفظ الإفراد، ولعلّ المراد به حينئذٍ

ص: 114


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار، ج 66، ص 304
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 129 (مع اختلاف يسير في اللفظ)
3- المائدة (5): 95 و 106
4- . المائدة (5): الآية 95

النبيّ والإمام.

وقيل: على قراءة التثنية أيضا يحتمل أن يكون المراد النبيّ والإمام جميعا(1).

قال الشيخ الطبرسي رحمه الله: وقراءة محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام وجعفر بن محمّد الصادق عليه السلام : «يحكم به ذو عدل منكم»(2).

وقال البيضاوي: «وقرئ «ذو عدل» على إرادة الجنس، أو الإمام»(3).

متن الحديث الثامن والأربعين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ رَجُلٍ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : « «لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ» لَمْ تُبْدَ لَكُمْ «إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» (4) » .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله تعالى: «لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ» .

جملة «لم تبد لكم» صفة للأشياء، ولعلّ هذه الزيادة موجودة في مصحفهم عليهم السلام . ويحتمل أن يكون ذكرها عليه السلام تفسيرا، لا تنزيلاً.

«إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» .

قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في سورة المائدة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ» (5).

قال البيضاوي: الشرطيّة، وما عطف عليها صفتان لأشياء، والمعنى: لا تسألوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن أشياء إن تظهر لكم تغمّكم، وإن تسألوا عنها في زمان الوحي تظهر [لكم]، وهما كمقدّمتين تنتجّان ما يمنع السؤال، وهو أنّه ممّا يغمّهم، والعاقل لا يفعل ما يغمّه. «عَفَا اللّه ُ عَنْهَا» صفة اُخرى، أي عن أشياء عفا اللّه عنها، ولم يكلّف بها؛ إذ روي أنّه

ص: 115


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 271
2- مجمع البيان، ج 3، ص 416
3- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 367
4- . المائدة (5): 101
5- المائدة (5): 101

لمّا نزلت «وَللّه ِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» (1) قال سراقة بن مالك: أكلّ عام؟ فأعرض عنه رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى أعادها ثلاثا، فقال: «لا، ولو قلت: نعم، لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، ولو تركتم لكفرتم، فاتركوني ما تركتكم» فنزلت. أو استئناف، أي عفا اللّه عمّا سلف من مسألتكم، فلا تعودوا إلى مثلها.

«وَاللّه ُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» لا يعاجلكم بعقوبة ما يفرط منكم، ويعفو عن كثير.

وعن ابن عبّاس رضى الله عنه أنّه عليه السلام يخطب ذات يوم غضبان من كثرة ما يسألون عنه ممّا لا يعنيهم، فقال: «لا اُسئل عن شيء إلّا واُجيب» فقال رجل: أين أبي؟ فقال: «في النار».

وقال آخر: مَن أبي؟ فقال: «حذافة» وكان يُدعى لغيره، فنزلت، انتهى(2)

وقيل في سبب نزول هذه الآية: أنّه كان قوم يسألون رسول اللّه صلى الله عليه و آله استهزاءً مرّة وامتحانا مرّة، فيقول له بعضهم: مَن أبي؟ ويقول الآخر: أين أبي؟ ويقول الآخر إذا ضلّت ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل اللّه _ عزّ وجلّ _ هذه الآية. وهذه الرواية مرويّة عن ابن عبّاس. وقيل: نزلت حين سألوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله . عن البَحِيرَة وَالسَائِبَة وَالوَصِيلَة والحامي(3).

متن الحديث التاسع والأربعين والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ ، قَالَ :

تَلَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ» الْحُسْنى «صِدْقا وَعَدْلًا» (4) » فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّمَا نَقْرَؤُهَا «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلًا» ؟ فَقَالَ : «إِنَّ فِيهَا الْحُسْنى» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عزّ وجلّ: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ (الحسنى) صِدْقا وَعَدْلاً» .

هذه الآية في سورة الأنعام هكذا: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (5) . وقرئ: «كلمات ربّك». وقال البيضاوي في تفسيرها:

ص: 116


1- . آل عمران (3): 97
2- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 470 و 471 (مع التلخيص)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 120
4- . الأنعام (6): 115
5- الأنعام (6): 115

«وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ» بلغت الغاية أخباره ومواعيده وأحكامه «صِدْقا» في الأخبار والمواعيد «وَعَدْلاً» في الأقضية والأحكام، ونصبهما يحتمل التمييز والحال والمفعول له «لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ» لا أحد يبدّل شيئا منها بما هو صدق وعدل، أو لا أحد يقدر أن يحرّفها شايعا ذايعا كما فعل بالتوراة، على أنّ المراد بها القرآن؛ ليكون ضمانا لها من اللّه بالحفظ لقوله تعالى: «وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (1). أو لا نبيّ ولا كتاب بعدها ينسخها ويبدّل أحكامها.

وقرأ الكوفيّون ويعقوب: «كلمة ربّك» أي ما تكلّم به، أو القرآن. «وَهُوَ السَّمِيعُ» بما يقولون «الْعَلِيمُ» بما يضمرون، فلا يهملهم، انتهى(2).

أقول: يفهم من بعض الأخبار أنّ المراد بالكلمة إمام الحقّ. ويحتمل أن يُراد بها ما شرّع اللّه لعباده من الدِّين.

وقال بعض الفضلاء:

كان المراد بالكلمة الإمام الذي يتعلّق حكم اللّه بوجوده عينا، وبتمامها كون وجوده العيني على نحو وجوده في العلم الأوّلي، وبالصدق مطابقة الوجود العيني للوجود العلمي، وبالعدل عدم الجور في هذا الحكم، والتقدير: بل هو محض العدل، وبالسماع سماع ما يقول ويقولون فيه، وبالعلم العلم بما يعتقد ويعتقدون فيه(3).

(فقلت: جعلت فداك إنّما نقرأها: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلاً» .

هذه الفقرة ليست في بعض النسخ.

(فقال: إنّ فيها الحسنى).

دلّ بظاهره على أنّه كان فيها لفظ «الحسنى» فتركت، فتأمّل.

متن الحديث الخمسين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْأَصَمِّ ، (4) عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْقَاسِمِ الْبَطَلِ :

ص: 117


1- الحجر (15): 9
2- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 445 مع اختلاف يسير فى اللفظ
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 6، ص 357 مع اختلاف يسير فى اللفظ
4- . في بعض نسخ الكافي: - «الأصمّ»

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ (1) تَعَالى : «وَقَضَيْنا إِلى بَنِى إِسْرائِيلَ فِى الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِى الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ» قَالَ : «قَتْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَطَعْنُ الْحَسَنِ عليه السلام . «وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرا» قَالَ : «قَتْلُ الْحُسَيْنِ عليه السلام . «فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما» : فَإِذَا جَاءَ نَصْرُ دَمِ الْحُسَيْنِ عليه السلام «بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادا لَنا أُولِى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ» ؛ قَوْمٌ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْقَائِمِ عليه السلام ، فَلَا يَدَعُونَ وِتْرا لآِلِ مُحَمَّدٍ إِلَا قَتَلُوهُ . «وَكانَ وَعْدا مَفْعُولًا» : خُرُوجُ الْقَائِمِ عليه السلام . «ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ» (2). : خُرُوجُ الْحُسَيْنِ عليه السلام فِي سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ ، عَلَيْهِمُ الْبَيْضُ الْمُذَهَّبُ ، لِكُلِّ بَيْضَةٍ وَجْهَانِ ، الْمُؤَدُّونَ إِلَى النَّاسِ أَنَّ هذَا الْحُسَيْنَ قَدْ خَرَجَ حَتّى لَا يَشُكَّ الْمُؤْمِنُونَ فِيهِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِدَجَّالٍ وَلَا شَيْطَانٍ ، وَالْحُجَّةُ الْقَائِمُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ، فَإِذَا اسْتَقَرَّتِ الْمَعْرِفَةُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ الْحُسَيْنُ عليه السلام ، جَاءَ الْحُجَّةَ الْمَوْتُ ، فَيَكُونُ الَّذِي يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ وَيُحَنِّطُهُ وَيَلْحَدُهُ فِي حُفْرَتِهِ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهماالسلام ، وَلَا يَلِي الْوَصِيَّ إِلَا الْوَصِيُّ (3). » .

شرح الحديث

السند ضعيف. و«شمون» بفتح الشين المعجمة وضمّ الميم المشدّدة.

قوله تعالى: «وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ» .

قال البيضاوي:

وأوحينا إليه وحيا [مقضيّا] مبتوتا.

«فِي الْكِتَابِ» : في التوراة.

«لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ» جواب قسم محذوف، أو قضينا على إجراء القضاء المبتوت مجرى القسم.

«مَرَّتَيْنِ» : إفسادتين؛ اُولاهما مخالفة أحكام التوراة وقتل شعياء وارمياء، وثانيهما: قتل زكريّا ويحيى، وقصد مثل عيسى عليه السلام .

«وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّا كَبِيرا» (4) ولتستكبرنّ عن طاعة اللّه ، أو لتظلمنّ بالناس.

«فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا» : وعد عقاب اُولاهما «بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادا لَنَا» بخت نصر عامل لهراسف على بابل وجنوده.

ص: 118


1- . في بعض نسخ الكافي: «قول اللّه »
2- . الإسراء (17): 4 _ 6
3- . في بعض نسخ الكافي: «وصّى»
4- الإسراء(17): 4

وقيل: جالوت الجزري. وقيل: سنحاريب من أهل نينوى.

«أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ» : ذوي قوّة وبطش في الحرب شديد «فَجَاسُوا» : تردّدوا لطلبكم. وقرئ بالحاء، وهما اخوان. «خِلَالَ الدِّيَارِ» : وسطها للقتل والغارة، فقتلوا كبارهم، وسبّوا صغارهم، وحرقوا التوراة، وخرّبوا المسجد.

والمعتزلة لمّا منعوا تسليط [اللّه ] الكافر على ذلك أوّلوا البعث بالتخلية وعدم المنع.

«وَكَانَ وَعْدا مَفْعُولاً» : وكان وعد عقابهم لابدّ أن يفعل.

«ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ» أي الدولة والغلبة «عَلَيْهِمْ» على الذين بعثوا عليكم، وذلك بأن ألقى اللّه في قلب بهمن بن اسفنديار لمّا ورث الملك من جدّه كشتاسف بن لهراسف شفقة عليهم، فردّ اُسراءهم على الشام وملك دانيال عليهم فاستولوا على من كان فيها من أتباع بخت نصر، أو بأن سلّط داود على جالوت فقتله.

«وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرا» ممّا كنتم، والنفير من ينفر مع الرجل من قومه. وقيل: جمع نفر، وهم المجتمعون للذهاب إلى العدوّ(1).

(قال: قتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام وطعن الحسن عليه السلام ).

في القاموس: «طعنه بالرمح _ كمنعه ونصره _ طعنا: ضربه ووخزه، فهو مطعون وطعين.

وفيه بالقول طعنا وطعنانا»(2) أقول: الظاهر أنّه إشارة إلى ما فعل جرّاح بن قبيصة الأسدي الخارجي من طعنه عليه السلام بالعصا في ساباط المداين. ويحتمل أن يكون كناية عن قتله عليه السلام ، واحتمال إرادة ما وقع من الناس من الطعن والسبّ والإيذاء والإهانة بالنسبة إليه عليه السلام بعد صلحه مع معاوية، بعيد.

فإن قلت: ظاهر الآية في قصّة بني إسرائيل، فما وجه تفسيره عليه السلام الآية بما فسّره؟

قلت: لعلّ الوجه ما أفاده بعض الأفاضل: أنّه تعالى لما قال قبل هذه الآية: «وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّه ِ تَبْدِيلاً» (3). ، وبيّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّ كلّما وقع في بني إسرائيل يقع مثله في هذه الاُمّة بما سيقع من نظيره فيهم، فإفساد هذه الاُمّة مرّتين إشارة إلى قتل أمير المؤمنين عليه السلام ، وطعن الحسن عليه السلام (4).

ص: 119


1- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 422 و 423
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 244 (طعن)
3- . الآية في سورة الأحزاب (33): 62؛ والفتح (48): 23، ولم يذكر في المصدر أنّ الآية قبل هذه الآية المذكورة، والظاهر أنّ «قبل هذه الآية» سهو من الشارح رحمه الله
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 122

وقيل: لما كانت بنو اُميّة وقريش وأكثر العرب من أولاد إسرائيل يعقوب عليه السلام ، فمن شاركهم في الإفساد المذكور من غيرهم فحكمه حكمهم، فهو داخل فيهم من باب التغليب(1).

( «وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّا كَبِيرا» قال: قتل الحسين عليه السلام ).

قال الجوهري: علا في المكان يعلو علوّا، وعلى في الشرف يعلى علاءً، ويقال: علا أيضا _ بالفتح _ يعلى، وعلوتُ الرّجل: غلبته. وعلوته بالسيف: ضربته. وعلا في الأرض: تكبّر، علوّا في هذا كلّه، انتهى(2).

ويحتمل هنا إرادة كلّ من المعاني الثلاثة الأخيرة، وأمّا الأوّلان فلا يناسبان المقام إلّا بتكلّف، بل ربّما يدّعى امتناع إرادة الثاني، فتدبّر.

«فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا» .

يحتمل على تفسيره عليه السلام إرجاع ضمير التثنية إلى الطائفتين اللّتين وعد اللّه سبحانه بتسلّطهما على المفسدين، ونصرتهما للمظلومين، من آل سيّد المرسلين، المفهومتين من قوله تعالى: «لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ» ؛ فإنّه كما فهم منه الظالمون القاهرون، كذلك فهم منه المظلومون المقهورون، فافهم.

فعلى هذا يكون قوله عليه السلام : (فإذا جاء نصر دم الحسين عليه السلام ) إشارة إلى الغرض الأصلي من بعث هذه الطائفة، وبيان سببه مدح المخاطبون في قوله تعالى: «بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ» الظالمون وتبعتهم ومن رضى بفعالهم، هذا ما خطر بالبال، وهو عليه السلام أعلم بمراده وأعرف بحقيقة الحال.

«عِبَادا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ» .

قال الجوهري: «البأس: العذاب، والشدّة في الحرب. بؤس [الرجل] فهو بئيس: أي شديد. والبئيس: الشجاع أيضا»(3).

«فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ» .

في القاموس: «الجوس: طلب الشيء بالاستقصاء، والتردّد خلال [الدور و] البيوت في

ص: 120


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 273
2- الصحاح، ج 6، ص 2435 (علو) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 906 (بأس) مع التلخيص

الغارة، والطواف فيها»(1).

وقال: «خلال الدِّيار: ما حوالي حدودها، وما بين بيوتها»(2).

(قومٌ يبعثهم اللّه قبل خروج القائم عليه السلام ) خبر مبتدأ محذوف، أي هم أو تلك العباد قوم، ولعلّ المراد بهم أبو مسلم والمسيّب والمختار وأتباعهم وأضرابهم.

(فلا يدعون) أي لا يتركون، من قولهم: دَعْ ذا، أي اُتركه.

(وترا لآل محمّد إلّا قتلوه).

قال في القاموس: «الوتر _ [بالكسر] ويفتح _ : الفرد، أو ما لم يتشفّع من العدد، والذحل، أو الظلم فيه. ووتره ماله: نقصه إيّاه»(3).

وقال: الذحل: الثأر، أو طلب مكافأة بجناية جنيت عليك، أو عداوة اُتيت إليك، أو هو العداوة والحقد(4).

أقول: يحتمل هنا إرادة المعنى الأوّل، أي لا يتركون أحدا ممّن ظلم آل محمّد إلّا ينتقمون منه ويقتلونه.

والأظهر إرادة المعاني الاُخر، أي لا يتركون صاحب وتر، وذحل، أو ظلم، أو نقص، لحقّ آل محمّد إلّا قتلوه.

«وَكَانَ وَعْدا مَفْعُولاً» .

خروج القائم عليه السلام . الظاهر أنّ خروج القائم اسم «كان».

وفي تفسير العيّاشي: «قبل خروج القائم»، (5) ولعلّه أظهر، وحينئذٍ اسم «كان» ضمير القوم المبعوثين.

«ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ» .

في القاموس: «الكرّة: المرّة، والحملة» انتهى(6). وقيل: هي الرجعة(7) وقد نقلنا من

ص: 121


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 205 (جوس)
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 370 (خلل)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 152 (وتر) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 379 (ذحل)
5- . تفسير العيّاشي، ج 2، ص 281
6- القاموس المحيط، ج 2، ص 126 (كرر)
7- اُنظر: شرح المازندراني، ج 12، ص 378

البيضاوي تفسيرها بالدولة والغلبة(1).

(خروج الحسين عليه السلام ).

الظاهر أنّه تفسير للكرّة، وأنّ المخاطبين هنا غير المخاطبين سابقا.

وقال بعض الأفاضل: يحتمل على بُعد أن يكون الخِطاب في صدر الآية إلى الشيعة الذين قصّروا في نصرة أئمّة الحقّ حتّى ظلموا وقتلوا، فسلّط اللّه عليهم من خرج بعد قتل الحسين عليه السلام كالحجّاج وأبي مسلم وبني العبّاس، فالكرّة لأئمّة هؤلاء المخاطبين على المخالفين.

ثمّ قال: «والظاهر أنّه عليه السلام فسّر الكرّة بالرجعة» انتهى(2).

والظاهر أنّ كلمة «في» في قوله عليه السلام : (في سبعين من أصحابه) بمعنى «مع»، وأنّ المراد بالسبعين أصحابه الذين استشهدوا معه عليه السلام .

(عليهم البيض المذهّب).

البيض _ بالفتح _ جمع بيضة: الحديد. وفي القاموس: «الذهب: التبر. وأذهبه: طلاه به، كذهّبه، فهو مُذَّهَبٌ، وذهيب، ومذهب»(3).

(لكل بيضة وجهان).

قيل: لعلّ المراد أنّها صُقِلَت وذُهِبَتْ في موضعين: أمامها وخلفها(4).

(المؤدّون إلى الناس) خبر مبتدأ محذوف، أي هم المؤدّون. والجملة حال عن الأصحاب.

(والحجّة القائم بين أظهرهم).

الواو للحال.

(جاء الحجّة الموت).

هو فاعل «جاء»، و«الحجّة» مفعول، والمراد به القائم عليه السلام .

(فيكون الذي يغسّله ويكفّنه ويحنّطه ويلحده).

ص: 122


1- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 432
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 123
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 70 (ذهب)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 123

في القاموس: «اللّحد _ ويضمّ _ : الشقّ يكون في عرض [القبر]. ولحد القبر _ كمنع _ وألحده: عمل له لحدا. والميّت: دفنه»(1).

(في حفرته) أي في قبره، وهو بضمّ الحاء وسكون الفاء بدليل جمعه على حُفَر.

(الحسين عليه السلام بن عليّ عليه السلام ).

قيل: إنّما يغسله الحسين عليه السلام ؛ لأنّه من بين الأئمّة شهيد في المعركة، لا يجب عليه الغسل، وإن مات بعد الرجعة أيضا (2).

متن الحديث الواحد و الخمسين والمائتين

اشارة

سَهْلٌ ، (3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ التَّمِيمِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْخَثْعَمِيُّ ، قَالَ :قَالَ : «لَمَّا سَيَّرَ عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ ، شَيَّعَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَعَقِيلٌ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عليهم السلام وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْوَدَاعِ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : يَا أَبَا ذَرٍّ ، إِنَّكَ إِنَّمَا غَضِبْتَ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَهُ ، إِنَّ الْقَوْمَ خَافُوكَ عَلى دُنْيَاهُمْ ، وَخِفْتَهُمْ عَلى دِينِكَ ، فَأَرْحَلُوكَ عَنِ الْفِنَاءِ ، وَامْتَحَنُوكَ بِالْبَلَاءِ ، وَ وَاللّهِ لَوْ كَانَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ عَلى عَبْدٍ رَتْقا ، ثُمَّ اتَّقَى اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ، جَعَلَ لَهُ مِنْهَا مَخْرَجا ، فَلَا يُؤْنِسْكَ إِلَا الْحَقُّ ، وَلَا يُوحِشْكَ إِلَا الْبَاطِلُ .

ثُمَّ تَكَلَّمَ عَقِيلٌ ، فَقَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّا نُحِبُّكَ ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّكَ تُحِبُّنَا ، وَأَنْتَ قَدْ حَفِظْتَ فِينَا مَا ضَيَّعَ النَّاسُ إِلَا الْقَلِيلَ ، فَثَوَابُكَ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلِذلِكَ أَخْرَجَكَ الْمُخْرِجُونَ ، وَسَيَّرَكَ الْمُسَيِّرُونَ ، فَثَوَابُكَ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَاتَّقِ اللّهَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِعْفَاءَكَ الْبَلَاءَ مِنَ الْجَزَعِ ، وَاسْتِبْطَاءَكَ الْعَافِيَةَ مِنَ الْيَأْسِ (4) ، فَدَعِ الْيَأْسَ (5) وَالْجَزَعَ ، وَقُلْ : حَسْبِيَ اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .

ثُمَّ تَكَلَّمَ الْحَسَنُ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا عَمَّاهْ ، إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ أَتَوْا إِلَيْكَ مَا قَدْ تَرى ، وَإِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلى ، فَدَعْ عَنْكَ ذِكْرَ الدُّنْيَا بِذِكْرِ فِرَاقِهَا وَشِدَّةِ مَا يَرِدُ عَلَيْكَ لِرَخَاءِ (6) مَا بَعْدَهَا ، وَاصْبِرْ حَتّى تَلْقى نَبِيَّكَ _ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ _ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ إِنْ شَاءَ اللّهُ .

ص: 123


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 335 (لحد) مع التلخيص
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 123
3- . السند معلّق على سابقه، ويروي سهل عن العدّة
4- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: «الإياس»
5- . في شرح المازندراني وبعض نسخ الكافي: «الإياس»
6- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «لرجاء»

ثُمَّ تَكَلَّمَ الْحُسَيْنُ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا عَمَّاهْ ، إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ قَادِرٌ أَنْ يُغَيِّرَ مَا تَرى ، وَهُوَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ ، إِنَّ الْقَوْمَ مَنَعُوكَ دُنْيَاهُمْ ، وَمَنَعْتَهُمْ دِينَكَ ، فَمَا أَغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ ، وَمَا (1) أَحْوَجَهُمْ إِلى مَا مَنَعْتَهُمْ ، فَعَلَيْكَ بِالصَّبْرِ ؛ فَإِنَّ (2) الْخَيْرَ فِي الصَّبْرِ ، وَالصَّبْرَ مِنَ الْكَرَمِ ، وَدَعِ الْجَزَعَ ؛ فَإِنَّ الْجَزَعَ لَا يُغْنِيكَ .

ثُمَّ تَكَلَّمَ عَمَّارٌ _ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ _ فَقَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَوْحَشَ اللّهُ مَنْ أَوْحَشَكَ ، وَأَخَافَ مَنْ أَخَافَكَ ، إِنَّهُ وَاللّهِ مَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يَقُولُوا الْحَقَّ (3).

إِلَا الرُّكُونُ إِلَى الدُّنْيَا وَالْحُبُّ لَهَا ، أَلَا إِنَّمَا الطَّاعَةُ مَعَ الْجَمَاعَةِ ، وَالْمُلْكُ لِمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ هؤُلَاءِ الْقَوْمَ دَعَوُا النَّاسَ إِلى دُنْيَاهُمْ ، فَأَجَابُوهُمْ إِلَيْهَا ، وَوَهَبُوا لَهُمْ دِينَهُمْ ، فَخَسِرُوا الدُّنْيَا وَالْاخِرَةَ ، وَذلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ .

ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : عَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، بِأَبِي وَأُمِّي هذِهِ الْوُجُوهُ ، فَإِنِّي إِذَا رَأَيْتُكُمْ ذَكَرْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِكُمْ ، وَمَا لِي بِالْمَدِينَةِ شَجَنٌ وَلَا سَكَنٌ (4) غَيْرُكُمْ ، وَإِنَّهُ ثَقُلَ عَلى عُثْمَانَ جِوَارِي بِالْمَدِينَةِ ، كَمَا ثَقُلَ عَلى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ ، فَآلى أَنْ يُسَيِّرَنِي إِلى بَلْدَةٍ ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهِ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ إِلَى الْكُوفَةِ ، فَزَعَمَ أَنَّهُ يَخَافُ أَنْ أُفْسِدَ عَلى أَخِيهِ النَّاسَ بِالْكُوفَةِ ، وَآلى بِاللّهِ لَيُسَيِّرُنِي إِلى بَلْدَةٍ لَا أَرى فِيهَا (5) أَنِيسا ، وَلَا أَسْمَعُ بِهَا حَسِيسا ، وَإِنِّي وَاللّهِ مَا أُرِيدُ إِلَا اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ صَاحِبا ، وَمَا لِي مَعَ اللّهِ وَحْشَةٌ ، حَسْبِيَ اللّهُ ، لَا إِلهَ إِلَا هُوَ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى سَيِّدِنَا (6). مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (لمّا سيَّر عثمانُ أبا ذرّ إلى الربذة).

التسيير: الحمل على السّير، والذهاب، والإخراج من البلد.

وأبو ذرّ _ بتشديد الرّاء _ : كنية جندب بن جنادة الغفاري. والغفار _ ككتاب _ : قبيلة من كنانة.

ص: 124


1- . في أكثر نسخ الكافي وشرح المازندراني: - «ما»
2- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «وإنّ»
3- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني: - «الحقّ»
4- . في الطبعة القديمة: «لأسكن بدل «ولا سكن»
5- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «بها»
6- . في بعض نسخ الكافي: - «سيّدنا»

وفي القاموس: «الرَبَذَة _ بالتحريك _ : مدفن أبي ذرّ الغفاري قُرب المدينة»(1).

(فلمّا كان عند الوداع).

قال الجوهري: «هي التوديع عند الرحيل، والاسم: الوداع بالفتح»(2).

(قال أمير المؤمنين عليه السلام : يا أبا ذرّ، [إنّك] إنّما غضبتَ للّه عزّ وجلّ) على البناء للفاعل، أو للمفعول؛ يعني بأنّ إنكارك وغضبك بما كنت أنكرت من أمر عثمان حتّى صرت عنده مغضوبا مبغوضا إنّما هو لوجه اللّه .

وكذا قوله عليه السلام : (فَارْجُ من غضبتَ له) يحتمل الوجهين.

(إنّ القوم خافوك على دنياهم) لئلّا تفسدها عليهم، وتنفّر الناس عنهم.

(وخِفْتَهم على دينك) لئلّا يفسدوه عليك، ويردّوك على أعقابك بالطمع في دنياهم، والمداراة والمماشاة معهم، كما فعلوا بكثير من الناس، فضلّوا وأضلّوا.

(فأرحلوك عن الفناء).

قال الجوهري: «رحلته: إذا أعطيته راحلة. ورحّلته بالتشديد: إذا أظعنته من مكانه، وأرسلته»(3).

وقال: «فناء الدار: ما امتدّ من جوانبها» انتهى(4).

أقول: لعلّ الإرحال هنا بمعنى الترحيل، أو كناية عنه. والمراد بالفناء، إمّا فناء دارهم وجوارهم، أو فناء دار أبي ذرّ، أو فناء المدينة، أو فناء الروضة المقدّسة.

(وامتحنوك بالبلاء).

قال الجوهري: «محنته وامتحنته: أي أختبرته. والاسم: المحنة»(5).

وفي القاموس: «محنه _ كمنعه _ : ضربه، واختبره، كامتحنه»(6). ولعلّ المراد هنا: أوقعوك في محنة البلاء.

(واللّه لو كانت السماوات والأرض على عبدٍ رتقا).

قال الجوهري: «الرتق: ضدّ الفتق. وقد رتقت الفتق أرتقه، فارتتق، أي التأم، ومنه قوله

ص: 125


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 353 (ربذ)
2- الصحاح، ج 3، ص 1295 (رحل)
3- الصحاح، ج 6، ص 2457 (فني)
4- القاموس المحيط، ج 6، ص 2457 (فني)
5- الصحاح، ج 6، ص 2201 (محن)
6- القاموس المحيط، ج 4ف ص 270 (محن)

تعالى: «كَانَتَا رَتْقا فَفَتَقْنَاهُمَا» (1). (2).

(ثمّ اتّقى اللّه جعل له [منها] مخرجا).

لعلّ ضمير «منها» راجع إلى التقوى، و«من» للتعليل، أو للابتداء. ويحتمل إرجاعه إلى السماوات والأرض، وإرادة رتقهما، أي جعل له من رتقهما مخرجا.

قيل: هذا الكلام بشارة لأبي ذرّ بخلاصه ممّا هو فيه من ضيق الحال بسبب الإخراج، وشرطه في ذلك تقوى اللّه إشارة إلى قوله تعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللّه َ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا» (3). الآية.

وكنّى عليه السلام برتق السماوات والأرض على العبد عن غاية الشدّة مبالغة لبيان فضل التقوى(4).

(وأنت قد حفظت فينا ما ضيّع الناس إلّا القليل) استثناء من تضييع الناس، لا من حفظ أبي ذرّ.

ثمّ رغّبه في الصبر على البلاء، وتلقّيه بالقبول، وتوقّع حضور العافية وعدم اليأس منها، فقال: (واعلم أنّ استغفاءك البلاء من الجزع، واستبطاءك [العافية] من اليأس).

في بعض النسخ: «من الإياس».

قال في القاموس: «أيِسَ _ كسمعَ _ إياسا: قنط»(5).

وقال: «الاستعفاء: طلبك ممّن يكلفّك أن يعفيك منه»(6).

وقوله: «من الجزع» خبر «أنَّ». وكذا قوله: «من اليأس».

(فدَع اليأس).

في بعض النسخ: «الإياس».

(ثمّ تكلّم الحسن عليه السلام ، فقال: يا عمّاه).

العمّ: أخو الأب. والمراد هنا الإخوة في الدِّين.

(إنّ القوم قد أتوا إليك ما قد ترى).

من الإيذاء، والإهانة، والإخراج من البلد. قال في القاموس: «أتى إليه الشيء: ساقه»(7).

ص: 126


1- الأنبياء (21): 30
2- الصحاح، ج 4، ص 480 (رتق)
3- الطلاق (65): 2
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 275
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 199 (أيس)
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 364 (عفو)
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 297 (أتي)

(وإنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ بالمنظر الأعلى).

كناية عن علمه تعالى بما يصدر عنهم، وأنّه لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء.

قال في القاموس: نظره _ كنصره، وسمعه _ وإليه نظرا، أو منظرا، أو نظرانا، ومنظرة: تأمّله بعينه. والمنظر والمنظرة: ما نظرت إليه، فأعجبك أو ساءك(1).

(ثمّ تكلّم الحسين عليه السلام ) إلى قوله: (قادر أن يغيّر ماترى).

لعلّ الموصول إشارة إلى استخفافهم بأبي ذرّ، وعدم رعاية حقوقه، أو إلى ضعف أهل الحقّ وقوّة أهل الباطل.

(وهو كلّ يوم في شأن).

في القاموس: «الشأن: الخطب، والأمر»(2).

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ» : (3).

كلّ وقت يحدث أشخاصا، ويجدّد أحوالاً على ما سبق به قضاؤه. وفي الحديث: من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرّج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين. وهو ردّ لقول اليهود: إنّ اللّه لا يقض يوم السبت شيئا، انتهى(4).

(فما أغناك عمّا منعوك) من دنياهم (وما أحوجهم إلى ما منعتهم) من دينك.

وكلمة «ما» في الموضعين للتعجّب.

(أوحش اللّه مَنْ أوحشك).

قال الجوهري: «الوحشة: الخلوة، والهمّ. أوحشه فاستوحش»(5).

(ما منع الناس أن يقولوا الحقّ).

لفظ «الحقّ» ليس في بعض النسخ، لكنّه مراد.

وقيل على هذه النسخة: يعني يتكلّموا في نصرتك، ودفع الظلم عنك(6).

(إلّا الركون) أي الميل والسكون.

ص: 127


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 144 (نظر) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 248 (شأن)
3- الرحمن (55): 29
4- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 276
5- الصحاح، ج 3، ص 1025 (وحش)
6- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 396

(إلى الدُّنيا والحبّ لها، ألا إنّما الطاعة مع الجماعة).

لعلّ المراد أنّ طاعة اللّه لا يتيسّر إلّا مع جماعة أهل الحقّ، وهم الأئمّة عليهم السلام وشيعتهم. أو المراد أنّ أكثر الناس يتّبعون الجماعات، ولا يلحظون في ذلك كونه حقّا أو باطلاً.

ويؤيّد الثاني قوله: (والملك لمَن غلب عليه)؛ أي السلطنة الدنيويّة لمن غلب عليها وقهر الناس بقبولها، وإن كان على الباطل.

(فخسروا الدُّنيا) بذهاب عصمتهم (والآخرة) بحبوط عملهم.

(وذلك هو الخسران المبين)؛ إذ لا خسران مثله. قال الجوهري: «بانَ الشيء بيانا: اتّضح، فهو بيِّن. وكذلك أبان الشيء، فهو مبين. وأبنته أنا: أوضحته»(1).

(بأبي واُمّي هذه الوجوه).

إشارة إلى وجوه الحاضرين، أو إلى أشخاصهم وأعيانهم. قال في القاموس: «الوجه: معروف، ومستقبل كلّ شيء. الجمع: أوجه، ووجوه، وأجوه، ونفس الشيء، وسيّد القوم، الجمع: وجوه»(2).

(وما لي بالمدينة شجنٌ ولا سكن غيركم).

قال في القاموس: «الشجن _ محرّكة _ : الهمّ، والحزن، والحاجة حيث كانت. الجمع: شجون، وأشجان»(3).

وقال: «سكن إليه سكونا: قرَّ. والاسم: السّكن _ محرّكة _ [والسكنى] وكبشرى. والسّكن: أهل الدار، وبالتحريك: ما يسكن إليه»(4).

(فآلى أن يسيّرني إلى بلدة).

في القاموس: «آلى وائتلى وتألّى: أقسم»(5).

(أن أفسد على أخيه الناس بالكوفة).

المراد بأخيه الوليد بن عقبة أخو عثمان لاُمّه، وكان عثمان ولّاه الكوفة. وذكر الزمخشري وغيره: أنّه صلّى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعا، ثمّ قال: هل أزيدكم، انتهى(6).

ص: 128


1- الصحاح، ج 5، ص 2083 (بين)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 295 (وجه)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 239 (شجن)
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 235 (سكن)
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 300 (ألو)
6- اُنظر: الكشّاف، ج 3، ص 559؛ الكامل لابن الأثير، ج 2، ص 52؛ أسد الغابة للجزري، ج 5، ص 91

(لا أرى فيها).

في بعض النسخ: «بها».

(أنيسا، ولا أسمع بها حسيسا).

قال الجوهري: «الحسّ والحسيس: الصوت الخفيّ»(1).

متن الحديث الثاني والخمسين والمائتين

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ وَالْحَجَّالِ جَمِيعا ، عَنْ ثَعْلَبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ مَسْلَمَةَ (2). الْجَرِيرِيِّ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : يُوَبِّخُونَّا وَيُكَذِّبُونَّا إِنَّا نَقُولُ : إِنَّ صَيْحَتَيْنِ تَكُونَانِ ، يَقُولُونَ : مِنْ أَيْنَ تُعْرَفُ (3) الْمُحِقَّةُ مِنَ الْمُبْطِلَةِ إِذَا كَانَتَا؟

قَالَ : «فَمَا ذَا تَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ؟» .

قُلْتُ : مَا نَرُدُّ عَلَيْهِمْ شَيْئا .

قَالَ : «قُولُوا : يُصَدِّقُ بِهَا _ إِذَا كَانَتْ _ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِهَا مِنْ قَبْلُ ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ : «أَفَمَنْ يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّى إِلّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» (4). » .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : يوبّخونا) أي المخالفون لنا. والتوبيخ: اللؤم، والتأنيب.

(ويكذّبونا) فيما نقول، وهو (إنّا نقول: إنّ صيحتين تكونان): تقعان، وتوجدان عند ظهور القائم عليه السلام ؛ صيحة في أوّل اليوم بأنّ فلان بن فلان وشيعته هم الفائزون، وصيحة في الآخرة بأنّ عثمان وشيعته هم الفائزون، كما سيأتي.

(يقولون: من أين تعرف) على البناء للمفعول.

ص: 129


1- الصحاح، ج 3، ص 916 (حسس)
2- . المذكور في رجال الطوسي، ص 265، ح 3803 هو عبد الرحمن بن سلمة الجريري، وفي رجال البرقي، ص 24 هو عبد الرحمن بن مسلمة الحريري
3- . في بعض نسخ الكافي: «يعرف»
4- . يونس (10): 35

(المحقّة من المبطلة) أي الصيحة المحقّة من الصيحة المبطلة، واتّصافهما بالإحقاق والإبطال باعتبار اتّصاف صاحبها وهو المنادي بهما، والحقّ ضدّ الباطل.

والإحقاق: الإيجاب، والإثبات، والغلبة على الحقّ، والتثبيت عليه، ويقابله الإبطال.

(إذا كانتا) أي وقعتا.

(قال: فما ذا تردّون عليهم؟).

قال الجوهري: «ردّ عليه الشيء: إذا لم يقبله. وكذلك إذا أخطأه. وردّ إليه جوابا: أي رجع»(1).

(قال: قولوا يصدّق بها) أي بالمحقّة.

(إذا كانت) أي وقعت.

و«يصدّق» على البناء للفاعل. وقوله: (من كان يؤمن بها) فاعله.

(من قبل) أي من قبل وقوعها.

والمراد: أنّه يؤمن بتلك الصيحة المحقّة من علم بأخبار الأئمّة الحقّ أنّ المنادي الأوّل هو المحقّ لا غير.

(إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ يقول) في سورة يونس: «قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلْ اللّه ُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَا أَنْ يُهْدَى» (2).

قال البيضاوي:

أي أم الذي لا يهتدي إلّا أن يهدى، أو لا يهدي غيره إلّا أن يهديه اللّه ، وهذا حال أشراف شركائهم كالملائكة والمسيح وعزير. وقرأ ابن كثير وورش عن نافع وابن عامر: «يهدّى» بفتح الهاء وتشديد [الدال]، ويعقوب وحفص بالكسر والتشديد، والأصل: «يهتدي» فاُدغم وفتحت الهاء بحركة التاء وكسرت لالتقاء الساكنين.

«فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» بما يقتضي صريح العقل بطلانه، انتهى(3).

وأقول: بناء هذا التفسير على كون الموصول الأوّل عبارة عن اللّه سبحانه، والموصول الثاني عبارة عن أشراف آلهة المشركين كالملائكة والمسيح وعزير، فإنّهم لا يهتدون بأنفسهم إلّا أن يهديهم اللّه .

ويؤيّد أوّل الآية، وقد مرّ في كتاب الحجّة تفسير الموصول الأوّل بأمير المؤمنين عليه السلام والثاني بالثلاثة.

ص: 130


1- الصحاح، ج 2، ص 473 (ردد)
2- يونس (10): 35
3- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 197 (مع التلخيص)

إذا تمهّد هذا فنقول: لعلّ وجه انطباق الآية على ما ذكر أنّه لابدّ من تصديق أهل العصمة في كلّ ما يخبرون به؛ لأنّهم هم الهادون إلى الحقّ لهداية اللّه _ عزّ وجلّ _ والعالمون بجميع ما يحتاج إليه من أمر الدِّين والدُّنيا، بخلاف غيرهم من الجهلة.

وقيل في وجه الانطباق: إنّ الموصول في الآية مَن له الصيحة الاُولى، والموصول الثاني مَن له الصيحة الثانية، والأوّل أحقّ بالاتّباع، وليس ذلك إلّا لظهور الحقّ في قلوب المستعدّين لقبوله(1).

وقيل: يحتمل أن يكون المراد منه بعد ظهور من ينادي _ أي القائم عليه السلام _ يعلم حقّيّته بعلمه الكامل، كما قال تعالى: «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ» الآية. أو المراد أنّه يظهر من الآية أنّ للحقّ ظهورا، حيث قال في مقام الاحتجاج على الكفّار: «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ» ، فالحقّ ظاهر، لكن يتعامى عنه بعض الناس(2).

متن الحديث الثالث والخمسين والمائتين

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ وَالْحَجَّالِ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، قَالَ :

سَمِعَ رَجُلٌ مِنَ الْعِجْلِيَّةِ هذَا الْحَدِيثَ قَوْلَهُ : «يُنَادِي مُنَادٍ : أَلَا إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَشِيعَتَهُ هُمُ الْفَائِزُونَ أَوَّلَ النَّهَارِ ، وَيُنَادِي آخِرَ النَّهَارِ : أَلَا إِنَّ عُثْمَانَ وَشِيعَتَهُ هُمُ الْفَائِزُونَ». قَالَ : «وَيُنَادِي أَوَّلَ النَّهَارِ (3) مُنَادِي آخِرِ النَّهَارِ».

فَقَالَ الرَّجُلُ : فَمَا يُدْرِينَا أَيُّمَا الصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبَ؟

فَقَالَ : «يُصَدِّقُهُ عَلَيْهَا مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُنَادِيَ ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ : «أَ فَمَنْ يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّى إِلّا أَنْ يُهْدى» (4) الْايَةَ» .

شرح الحديث

السند صحيح، وضمير «عنه» راجع إلى أبي عليّ الأشعري.

قوله: (العجليّة).

ص: 131


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 277
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 126
3- . في الوافي + «غير»
4- . يونس (10): 35

كان منسوب إلى طائفة من بني عجل. قال الجوهري: «عجل: قبيلة من ربيعة، وهو عجل بن لجيم بن صعب علي بن بكر بن وائل»(1).

وما قيل من أنّه يحتمل أن يكون كناية عمّن قدّم عجل هذه الاُمّة، وسامريّها على أمير المؤمنين عليه السلام ، (2) فبعيد جدّا.

قوله: (هذا الحديث قوله: ينادي مناد).

الظاهر أنّ «قوله» بالنصب بيان أو بدل ل«هذا الحديث»، وأنّ الضمير راجع إلى المعصوم وأنّه أبو عبداللّه عليه السلام .

(ألّا إنّ فلان بن فلان وشيعته هم الفائزون).

يظهر من بعض الأخبار أنّ المراد بفلان بن فلان القائم عليه السلام . روى الصدوق رحمه الله في كتاب كمال الدِّين بإسناده عن زرارة، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: «ينادي مناد باسم القائم عليه السلام ». قلت: خاصّ أو عامّ؟ قال: «عامّ يسمع كلّ قوم بلسانهم». قلت: فمن يخالف القائم عليه السلام وقد نودي باسمه؟ قال: «لا يدعهم إبليس ينادي في آخر الليل ليشكّك (3). الناس»(4).

(قال: وينادي أوّل النهار منادي آخر النهار).

الظاهر أنّ القائل هو الإمام عليه السلام ، وهذا بظاهره يدلّ على اتّحاد المناديين، وهو مخالف لما رواه في كتاب كمال الدِّين وتمام النعمة بإسناده عن المعلّى بن خنيس، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: «صوت جبرئيل من السماء، وصوت إبليس من الأرض، فاتّبعوا الصوت الأوّل، وإيّاكم [والأخير] أن تفتتنوا به»، (5). وما رويناه سابقا من ذلك الكتاب أيضا يوهم المخالفة. ويمكن أن يقال: إنّ ما رواه الصدوق من الخبرين لا يدلّان إلّا على اختلاف المناديين في الجملة، لا على اختلافهما في أوّل النهار وآخره، فلا منافاة.

وقال بعض الأفاضل في وجه التوفيق: لعلّ المراد أنّ منادي النهار ومنادي آخره شبيهان بحسب الصوت. أو المراد أنّ منادي آخر النهار ينادي أوّل النهار أيضا، إمّا موافقا للمنادي

ص: 132


1- الصحاح، ج 5، ص 1759 (عجل)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 127
3- . في المصدر: «ويشكّك»
4- كمال الدين، ص 65، ح 8. وعنه في بحار الأنوار، ج 52، ص 205، ح 35
5- . كمال الدين، ص 652، ح 13

الأوّل، أو كما ينادي آخر النهار.

قال: ويحتمل أن يقرأ على البناء للمجهول، أي يخبر منادي أوّل النهار عن منادي آخر النهار، ويقول: إنّه شيطان، فلا تتّبعوه كما اُفيد، انتهى(1).

وقيل: هذا الخبر يعني الخبر المذكور في الكتاب من باب الاستفهام الإنكاري، والتقدير: ولا ينادي، كما في قول الهذلي: «تاللّه يبقى على الأيّام ذو حياة». قال الجواهري: أي لا يبقى، انتهى(2).

ولا يخفى عليك ما في هذه التوجيهات من التكلّفات البعيدة، والظاهر ما قلناه أوّلاً، واللّه تعالى أعلم.

(فقال) أي الإمام، أو الراوي الذي يناظر العجلي، والأوّل أنسب.

(يصدّقه) أي الصادق، أو المنادي.

(عليها) أي على الصيحة الاُولى.

وقوله: (من كان يؤمن بها) فاعل «يصدّق».

متن الحديث الرابع والخمسين والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَا تَرَوْنَ مَا تُحِبُّونَ حَتّى يَخْتَلِفَ بَنُو فُلَانٍ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا طَمِعَ النَّاسُ ، وَتَفَرَّقَتِ (3) الْكَلِمَةُ ، وَخَرَجَ السُّفْيَانِيُّ» .

شرح الحديث

السند حسن، أو موثّق.

قوله: (لا ترون ما تحبّون)؛ يعني ظهور دولة الحقّ ورواجها.

(حتّى يختلف بنو فلان).

ص: 133


1- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 127
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 278
3- . في بعض نسخ الكافي: «وتفرّق»

قيل: المراد بهم بنو العبّاس. والظاهر أنّ [المراد] بالاختلاف ضدّ الاتّفاق، والمراد ظهور الهرج منهم، أو كناية عن زوال ملكهم وذهاب دولتهم. وفسّره بعض بمجيء بعضهم عقيب بعض حتّى ينتهي دولتهم(1).

وقوله: (طمع الناس)؛ يعني في الملك والسلطنة، وقامت من كلّ ناحية فرقة، واختلفت الروايات، كما يدلّ عليه بعض الروايات.

(وتفرّقت الكلمة).

هي اللفظة من القول، وقد تطلق على الأمر والحكم والعهد والبيعة والشأن والحال.

(وخرج السفياني).

قيل: الدجّال(2).

وقال الأمين الإسترآبادي رحمه الله: المراد أنّ بعد بني العبّاس لم يتّفق الملوك على خليفة، وهذا معنى تفرّق الكلمة، ثمّ تمضي بعد ذلك مدّة مديدة إلى خروج السفياني، ثمّ إلى ظهور المهدي عليه السلام (3).

متن الحديث الخامس والخمسين و المائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ وَغَيْرِهِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الصَّبَّاحِ ، قَالَ : سَمِعْتُ شَيْخا يَذْكُرُ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، قَالَ :

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الدَّوَانِيقِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ ابْتِدَاءً مِنْ نَفْسِهِ : يَا سَيْفَ بْنَ عَمِيرَةَ ، لَا بُدَّ مِنْ مُنَادٍ يُنَادِي بِاسْمِ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ أَبِي طَالِبٍ .

قُلْتُ : يَرْوِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ؟

قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَسَمِعَتْ أُذُنِي مِنْهُ يَقُولُ : لَا بُدَّ مِنْ مُنَادٍ يُنَادِي بِاسْمِ رَجُلٍ (4).

قُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ هذَا الْحَدِيثَ مَا سَمِعْتُ بِمِثْلِهِ قَطُّ .

ص: 134


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 278
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 279
3- نقل عنه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 128
4- في أكثر نسخ الكافي: - «قلت: يرويه _ إلى قوله: _ ينادي باسم رجل»

فَقَالَ لِي : يَا سَيْفُ ، إِذَا كَانَ ذلِكَ فَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يُجِيبُهُ ، أَمَا إِنَّهُ أَحَدُ بَنِي عَمِّنَا .

قُلْتُ : أَيُّ بَنِي عَمِّكُمْ؟

قَالَ : رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ عليهاالسلام .

ثُمَّ قَالَ : يَا سَيْفُ ، لَوْ لَا أَنِّي سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُهُ (1) ثُمَّ حَدَّثَنِي بِهِ أَهْلُ الْأَرْضِ مَا قَبِلْتُهُ مِنْهُمْ ، وَلكِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام .

شرح الحديث

السند مجهول.

ولا يخفى أنّ المناسب ذكر هذا العنوان قبل الخبرين السابقين.

قوله: (باسم رجل من ولد أبي طالب)

قد مرّ أنّه الصاحب عليه السلام .

وقوله: (قلت يرويه) إلى آخره، قوله: (باسم رجل) ليس في بعض النسخ.

وضمير «منه» راجع إلى محمّد بن علي عليهماالسلام؛ بقرينة المقام، أو لكونه معهودا، كما يفهم من آخر الحديث.

وفي بعض النسخ: «منها» بدل «منه». ولعلّ الضمير حينئذٍ راجع إلى الحكاية، أو الرواية المسموعة. وذكر «الاُذن» للإشعار بأنّه سمع منه بلا واسطة.

وقوله: (فنحن أوّل من يجيبه) كذب عدوّ اللّه إلّا أن يجيب نداء أخيه، ووليّه الشيطان.

وقوله: (أما إنّة) أي الذي ينادي باسمه.

وقوله: (ولكنّه محمّد بن عليّ عليهماالسلام).

غرضه منه التنبيه بأنّ قوله عليه السلام حقّ، وأنّه لا يخفى صدق حديثه وجلالة قدره على الخاصّ والعامّ.

متن الحديث السادس و الخمسين والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :

ص: 135


1- . في بعض نسخ الكافي: «يقول»

كُنْتُ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام جَالِسا فِي الْمَسْجِدِ إِذْ أَقْبَلَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ (1). وَأَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو الدَّوَانِيقِ ، فَقَعَدُوا نَاحِيَةً مِنَ الْمَسْجِدِ ، فَقِيلَ لَهُمْ : هذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ جَالِسٌ ، فَقَامَ إِلَيْهِ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ ، وَقَعَدَ أَبُو الدَّوَانِيقِ مَكَانَهُ حَتّى سَلَّمُوا عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «مَا مَنَعَ جَبَّارَكُمْ مِنْ (2) أَنْ يَأْتِيَنِي؟» فَعَذَّرُوهُ عِنْدَهُ .

فَقَالَ عِنْدَ ذلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام : «أَمَا وَاللّهِ ، لَا تَذْهَبُ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ حَتّى يَمْلِكَ مَا بَيْنَ قُطْرَيْهَا ، ثُمَّ لَيَطَأَنَّ الرِّجَالُ عَقِبَهُ ، ثُمَّ لَيَذِلَّنَّ (3) لَهُ رِقَابُ الرِّجَالِ ، ثُمَّ لَيَمْلِكَنَّ مُلْكا شَدِيدا» .

فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ : وَإِنَّ مُلْكَنَا قَبْلَ مُلْكِكُمْ؟

قَالَ : «نَعَمْ يَا دَاوُدُ ، إِنَّ مُلْكَكُمْ قَبْلَ مُلْكِنَا ، وَسُلْطَانَكُمْ قَبْلَ سُلْطَانِنَا» .

فَقَالَ لَهُ (4) : أَصْلَحَكَ اللّهُ ، فَهَلْ لَهُ مِنْ مُدَّةٍ؟

فَقَالَ (5) : «نَعَمْ يَا دَاوُدُ ، وَاللّهِ لَا يَمْلِكُ بَنُو أُمَيَّةَ يَوْما إِلَا مَلَكْتُمْ مِثْلَيْهِ ، وَلَا سَنَةً إِلَا مَلَكْتُمْ مِثْلَيْهَا ، وَلَيَتَلَقَّفُهَا (6) الصِّبْيَانُ مِنْكُمْ كَمَا تَلَقَّفُ (7) الصِّبْيَانُ الْكُرَةَ» .

فَقَامَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ عِنْدِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فَرِحا يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَ أَبَا الدَّوَانِيقِ بِذلِكَ ، فَلَمَّا نَهَضَا جَمِيعا هُوَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُجَالِدٍ نَادَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام مِنْ خَلْفِهِ : «يَا سُلَيْمَانَ بْنَ مُجَالِدٍ ، لَا يَزَالُ الْقَوْمُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ مُلْكِهِمْ مَا لَمْ يُصِيبُوا مِنَّا دَما حَرَاما _ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى صَدْرِهِ _ فَإِذَا أَصَابُوا ذلِكَ الدَّمَ ، فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ ظَهْرِهَا ، فَيَوْمَئِذٍ لَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ نَاصِرٌ ، وَلَا فِي السَّمَاءِ عَاذِرٌ» .

ثُمَّ انْطَلَقَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُجَالِدٍ ، فَأَخْبَرَ أَبَا الدَّوَانِيقِ ، فَجَاءَ أَبُو الدَّوَانِيقِ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ لَهُ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ .

فَقَالَ لَهُ : «نَعَمْ يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، دَوْلَتُكُمْ قَبْلَ دَوْلَتِنَا ، وَسُلْطَانُكُمْ قَبْلَ سُلْطَانِنَا ، سُلْطَانُكُمْ شَدِيدٌ عَسِرٌ لَا يُسْرَ فِيهِ ، وَلَهُ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ ، وَاللّهِ لَا يَمْلِكُ بَنُو أُمَيَّةَ يَوْما إِلَا مَلَكْتُمْ مِثْلَيْهِ ، وَلَا سَنَةً إِلَا مَلَكْتُمْ مِثْلَيْهَا

ص: 136


1- في الطبعة الجديدة و بعض نسخ الكافي: «مجالد» بدل «خالد»، وهكذا فيما بعد. و مجالد كان أخا أبي جعفر المنصور الدوانيقي من الرضاعة، وكان معه بالحميمة، فلمّا أفضى الأمر إلى المنصور ولّاه الريّ، وكان يلي له الخزائن أيضا. اُنظر: تاريخ مدينة دمشق، ج 22، ص 365، الرقم 2700
2- في بعض نسخ الكافي: - «من»
3- . في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «لتذلّنَّ»
4- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: + «داود»
5- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «قال»
6- . في بعض نسخ الكافي: «ولتتلقّفها»
7- . في بعض نسخ الكافي و شرح المازندراني والوافي: «يتلقّف»

، وَلَيَتَلَقَّفُهَا (1) صِبْيَانٌ مِنْكُمْ فَضْلًا عَنْ رِجَالِكُمْ كَمَا يَتَلَقَّفُ (2) الصِّبْيَانُ الْكُرَةَ ، أَفَهِمْتَ؟» .

ثُمَّ قَالَ : «لَا تَزَالُونَ (3) فِي عُنْفُوَانِ الْمُلْكِ تَرْغُدُونَ فِيهِ مَا لَمْ تُصِيبُوا مِنَّا دَما حَرَاما ، فَإِذَا أَصَبْتُمْ ذلِكَ الدَّمَ غَضِبَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلَيْكُمْ ، فَذَهَبَ بِمُلْكِكُمْ وَسُلْطَانِكُمْ ، وَذَهَبَ بِرِيحِكُمْ ، وَسَلَّطَ اللّهُ عَلَيْكُمْ عَبْدا مِنْ عَبِيدِهِ أَعْوَرَ _ وَلَيْسَ بِأَعْوَرَ مِنْ آلِ أَبِي سُفْيَانَ _ يَكُونُ اسْتِيصَالُكُمْ عَلى يَدَيْهِ وَأَيْدِيْ أَصْحَابِهِ» ثُمَّ قَطَعَ الْكَلَامَ .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (داود بن عليّ).

هو داود بن عليّ بن عبداللّه بن عبد المطّلب عمّ الدوانيقي.

(وسليمان بن خالد).

في بعض النسخ: «بن مجالد» هنا وفي المواضع الآتية.

(وأبو جعفر عبداللّه بن محمّد).

ابنُ عليّ بن عبداللّه بن عبّاس بن عبد المطّلب، ثاني خلفاء العبّاسيّة.

وقيل: لُقِّبَ بأبي الدوانيق لنجله(4).

و(الجبّار): المتمرّد، والعاتي. والمراد به هنا أبو الدوانيق.

وقوله: (فعذّروه عنده).

في القاموس:

العذر: معروف. عَذِرَه يعذِره عذرا، وأعذره. والاسم: المعذرة، مثلّثة الذال. وأعذر: أبدى عذرا، وأحدث، وثبت له عذر. وقوله تعالى: «وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ» (5). بتشديد الذالّ المكسورة، أي المعتذرون الذين لهم عذر، وقد يكون المعذر غير محقّ، فالمعنى المقصّرون بغير عذر، انتهى(6).

وأقول: يحتمل أن يكون «عذروه» هنا بالتخفيف، أي جعلوه معذورا عنده، أو بالتشديد

ص: 137


1- . في بعض نسخ الكافي: «ولتتلقّفها»
2- . في بعض نسخ الكافي: «تتلقّف»
3- . في بعض نسخ الكافي: «لا يزالون»
4- اُنظر: مرآة العقول، ج 26، ص 129
5- التوبة (9): 90
6- القاموس المحيط، ج 2، ص 87 (عذر)

بكلّ من المعنيين اللّذين ذكرهما في القاموس، وتخصيصه بالمعنى الثاني لا وجه له؛ لاحتمال أن يكون له عذر في الواقع.

(أما واللّه ، لا تذهب الليالي والأيّام) كناية عن القرب.

(حتّى يملك ما بين قطريها).

القطر _ بالضمّ _ : الناحية، والجانب.

والمستتر في «يملك» راجع إلى أبي الدوانيق. والبارز في «قطريها» إلى الأرض. ولعلّ مالكيّته كناية عن غاية التسلّط على أهل الأرض، فتأمّل.

(ثمّ ليطأنّ الرِّجال عقبه). أي يمشون خلفه.

والوطأ: وضع القدم على الأرض. والعقب _ ككتف _ : مؤخّر القدم، وهو كناية عن كثرة الأتباع والأشياع.

(ثمّ ليذلّنّ له رقاب الرجال).

في بعض النسخ: «ثمّ يتذلّلن». وهذا كناية عن نفاذ أمره عليهم بحيث لا يتمكّنون من الامتناع عن حكمه.

(لا يملك بنو اُميّة يوما إلّا ملكتم مثليه، ولا سنة إلّا ملكتم مثليها).

قال الجوهري: «المثل: كلمة تسوية. يقال: هذا مِثْلُهُ ومَثَلُهُ، كما يُقال: شِبْهُهُ وشَبَهَهُ بمعنى»(1). ولعلّ المراد هنا إثبات أصل الكثرة والزيادة، لا الضعيف الحقيقي، كما قيل في لبّيك وفي قوله تعالى: «ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ» (2)

والحاصل: أنّ إثبات زيادة المثل لا ينافي ثبوت زيادة الأكثر منه إلّا بمفهوم اللقب، وهو ليس بحجّة اتّفاقا، فلا يرد أنّ عدّة ملك بني اُميّة ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر، أو ثمانون سنة وأربعة أشهر، أو ثمانون سنة _ أو أحد وتسعون سنة على اختلاف الأقوال، والقول الأوّل موافق لكثير من الأخبار _ ومدّة ملك بني عبّاس خمسمائة سنة، أو خمسمائة وثلاثة وعشرون سنة.

وقيل: لعلّ النكتة في الاقتصار على المثلين بيان أصل الزيادة، لا قدرها، أو التنبيه على سرعة زوال ملكهم، (3). فتأمّل.

ص: 138


1- الصحاح، ج 5، ص 1816 (مثل)
2- الملك (67): 4
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 280

وفي هذا الإبهام فوائد كثيرة، منها عدم اغترارهم وطغيانهم، ومنها عدم يأس أهل الحقّ.

(وليتلقّفها الصبيان منكم كما تلقّف الصبيان الكرة).

عند اللقب، أي يسهل لكم تناول السلطنة والخلافة بحيث يتيسّر لصبيانكم بلا معارض ولا منازع.

قال الجوهري: «لقفت الشيء _ بالكسر _ ألقفه لقفا، وتلقّفته أيضا، أي تناولته بسرعة»(1).

وقال: «الكرة: التي تضرب بالصَوْلجان، وأصلها: كروٌ، والهاء عوض»(2).

(لا يزال القوم في فُسحة من ملكهم).

في القاموس: «الفسحة _ بالضمّ _ : السّعة»(3).

(ما لم يصيبوا) أي لم يجدوا، ولم يصلوا ولم، يبلغوا.

(منّا دما حراما).

قال الفاضل الإسترآبادي: يمكن أن يكون المراد ما فعله هارون قتل في ليلة واحدة كثيرا من السادات. ويمكن أن يكون المراد قتلهم بالمقتولين بفخ، وهو موضع قرب مكّة(4).

أقول: ظاهر قوله: (وأومأ بيده على صدره) يأبى عن هذا التوجيه، ولعلّ المراد بإصابة الدم الحرام ارتكاب قتلهم عليهم السلام كيف كان.

(فإذا أصابوا ذلك الدّم).

في بعض النسخ: «ذلك اليوم».

(فبطن الأرض خيرٌ لهم من ظهرها)؛ يعني موتهم خيرٌ من حياتهم.

(فيومئذٍ لا يكون لهم في الأرض ناصرٌ، ولا في السماء عاذر) أي ناصر، أو من يعذرهم ويعفو عنهم، ويدفع عنهم اللؤم والعذاب، وهو اللّه تعالى، فيكون من قبيل قوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ» (5). قال الفيروزآبادي: «العذير: العاذر، والحال التي تحاولها تُعْذَر عليها، والنصير»(6).

ص: 139


1- الصحاح، ج 4، ص 1428 (لقف)
2- القاموس المحيط، ج 6، ص 2473 (كري)
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 240 (فسح)
4- حكاه عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 319
5- الزخرف (43): 84
6- القاموس المحيط، ج 2، ص 86 (عذر)

وفي بعض النسخ: «عاذر» بتقديم الزاي المعجمة على المهملة. قال الفيروزآبادي: «التعزير: الإعانة، كالعزر، والتقوية، والنصر»(1).

(ثمّ قال: لا يزالون)(2).

كذا في النسخ التي رأيناه، والظاهر: «لا تزالون» بالتاء؛ بقرينة ما بعده، وارتكاب الالتفات هنا ممّا لا يلتفت إليه.

(في عنفوان الملك).

في القاموس: «عنفوان الشيء _ بالضمّ _ وعنفوهّ، مشدّدة: أوّله، أو أوّل بهجته»(3).

(ترغدون فيه) أي تتوسّعون في الملك والسلطان.

وفي القاموس: «عيشه رَغدٌ ويحرّك: واسعة طيّبة. والفعل كسمع وكرم»(4).

(وذهب بريحكم).

قال الجوهري: «وقد تكون الريح بمعنى الغلبة والقوّة، ومنه قوله تعالى: «وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» (5). (6).

(وسلّط عليكم عبدا من عبيده أعور).

قيل: أي الدنيء الأصل سيّء الخُلق، وهو إشارة إلى هلاكو خان، وكان رديئا في المذهب والسيرة والأخلاق(7).

قال في النهاية فيه: لمّا اعترض أبو لهب على النبيّ صلى الله عليه و آله عند إظهاره الدعوة، قال له أبو طالب: يا أعور، ما أنت وهذا، لم يكن أبو لهب أعور، ولكن العرب تقول للذي ليس له أخ من أبيه واُمّه أعور. وقيل: إنّهم يقولون للرديء من كلّ شيء من الاُمور والأخلاق أعور، وللمؤنّث عوراء(8).

ص: 140


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 88 (عزر)
2- في المتن الذي ضبطه المؤلّف رحمه الله سابقا: «لاتزالون»
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 178 (عنف)
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 295 (رغد)
5- الأنفال (8): 46
6- الصحاح، ج 1، ص 368 (روح)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 280
8- النهاية، ج 3، ص 319 (عور)

(وليس بأعور من آل أبي سفيان)؛ يعني ليس ذلك الأعور من آل أبي سفيان، بل من طائفة الترك.

متن الحديث السابع و الخمسين و المائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ مَزْيَدٍ (1) :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ أَيَّامَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَلِيٍّ : قَدِ اخْتَلَفَ هؤُلَاءِ فِيمَا بَيْنَهُمْ .

فَقَالَ : «دَعْ ذَا عَنْكَ ، إِنَّمَا يَجِيءُ فَسَادُ أَمْرِهِمْ مِنْ حَيْثُ بَدَا صَلَاحُهُمْ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (قلت له: أيّام عبداللّه بن علي).

اعلم أنّ اسم السفّاح أوّل خلفاء العبّاسيّة، واسم أخيه الدوانيقي، كلاهما عبداللّه بن محمّد بن عليّ بن عبداللّه بن عبّاس بن عبد المطّلب، ولهما عمّ اسمه عبداللّه بن عليّ بن عبداللّه بن عبّاس، وكان واليا من قِبل السفّاح بمصر والشام، وخرج على الدوانيقي بعد موت السفّاح، وانهزم، ثمّ قتل، فلعلّ المراد بعبداللّه بن علي في هذا الخبر عمّ السفّاح. ويحتمل أن يكون المراد أحد الأوّلين، ونسب إلى جدّه لا إلى أبيه. والأوّل أظهر بقرينة قوله: (قد اختلف هؤلاء فيما بينهم)؛ لأنّ الاختلاف والتنازع إنّما نشأ من قِبل عمّهما لا منهما.

ولعلّ مقصود الراوي من هذا الكلام تطميعه عليه السلام وتعريضه بالخروج عليهم؛ لأنّ الاختلاف والتنازع دليل الفساد وزوال الملك غالبا، كما يشعر به قوله عليه السلام في جوابه: (دَعْ ذا عنك، إنّما يجي فساد أمرهم من حيث بَدا صلاحهم)؛ يعني كما جاءت دولتهم من جهة المشرق بمعونة أبي مسلم المروزي، كذا يجي نكبتهم من تلك الجهة بغلبة هلاكو واستيلائه عليهم.

متن الحديث الثامن و الخمسين و المائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ

ص: 141


1- في بعض نسخ الكافي: «يزيد». وفي بعضها: «زيد»

بَدْرِ بْنِ الْخَلِيلِ الْأَزْدِيِّ ، قَالَ :

كُنْتُ جَالِسا عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ : «آيَتَانِ تَكُونَانِ (1) قَبْلَ قِيَامِ (2) الْقَائِمِ عليه السلام لَمْ تَكُونَا (3) مُنْذُ هَبَطَ آدَمُ إِلَى الْأَرْضِ : تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَالْقَمَرُ فِي آخِرِهِ» .

فَقَالَ رَجُلٌ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ ، تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَالْقَمَرُ فِي النِّصْفِ؟

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِنِّي أَعْلَمُ مَا تَقُولُ ، وَلكِنَّهُمَا آيَتَانِ لَمْ تَكُونَا (4) مُنْذُ هَبَطَ آدَمُ عليه السلام » .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (تنكسف الشمس في النصف من رمضان، والقمر في آخره).

قيل: لعلّ الكسوف حينئذٍ أثر يخلقه اللّه تعالى [في] جرمهما من غير سبب ولا ربط، كما هو مذهب طائفة في انكسافهما، أو لإزالة الفلك من مجراه، فيدخل الشمس والقمر في البحر الذي بين السماء والأرض، فيطمس ضوؤها، كما نقل ذلك عن سيّد العابدين عليه السلام (5).

(إنّي أعلم ما تقول) من أنّ هذا خلاف المعهود والمرصود.

(ولكنّهما) أي الكسوفان على النحو المذكور.

(إتيان لم تكونا منذ هبط آدم عليه السلام )؛ يعني أنّهما من الآيات الغريبة التي لم يعهد مثلها في تلك المدّة.

متن الحديث التاسع و الخمسين و المائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حَتّى إِذَا كُنَّا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ إِذَا هُوَ بِأُنَاسٍ مِنَ الشِّيعَةِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قَالَ : إِنِّي وَاللّهِ لَأُحِبُّ رِيَاحَكُمْ وَأَرْوَاحَكُمْ ، فَأَعِينُونِي (6) عَلى ذلِكَ بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ وَلِايَتَنَا لَا تُنَالُ إِلَا بِالْوَرَعِ وَالِاجْتِهَادِ، وَ مَنِ (7) ائْتَمَّ مِنْكُمْ بِعَبْدٍ فَلْيَعْمَلْ بِعَمَلِهِ ،

ص: 142


1- . في بعض نسخ الكافي: «يكونان»
2- . في بعض نسخ الكافي: - «قيام»
3- . في بعض نسخ الكافي: «لم يكونا»
4- . في بعض نسخ الكافي: «لم يكونا»
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 281
6- . في بعض نسخ الكافي: «فأعينوا»
7- . في بعض نسخ الكافي: «من» بدون الواو

أَنْتُمْ شِيعَةُ اللّهِ ، وَأَنْتُمْ أَنْصَارُ اللّهِ ، وَأَنْتُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ، وَالسَّابِقُونَ الْاخِرُونَ ، وَالسَّابِقُونَ فِي الدُّنْيَا ، وَالسَّابِقُونَ فِي الْاخِرَةِ إِلَى الْجَنَّةِ، قَدْ ضَمِنَّا لَكُمُ الْجَنَّةَ بِضَمَانِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَضَمَانِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَاللّهِ مَا عَلى دَرَجَةِ الْجَنَّةِ أَكْثَرُ أَرْوَاحا مِنْكُمْ ، فَتَنَافَسُوا فِي فَضَائِلِ الدَّرَجَاتِ ، أَنْتُمُ الطَّيِّبُونَ ، وَنِسَاؤُكُمُ الطَّيِّبَاتُ ، كُلُّ مُؤْمِنَةٍ حَوْرَاءُ عَيْنَاءُ ، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ صِدِّيقٌ ، وَلَقَدْ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لِقَنْبَرٍ : يَا قَنْبَرُ ، أَبْشِرْ وَبَشِّرْ وَاسْتَبْشِرْ ، فَوَ اللّهِ لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَهُوَ عَلى أُمَّتِهِ سَاخِطٌ إِلَا الشِّيعَةَ .

أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ عِزّا ، وَعِزُّ الْاءِسْلَامِ الشِّيعَةُ .

أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ دِعَامَةً ، وَدِعَامَةُ الْاءِسْلَامِ الشِّيعَةُ .

أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ ذِرْوَةً ، وَذِرْوَةُ الْاءِسْلَامِ الشِّيعَةُ .

أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفا ، وَشَرَفُ الْاءِسْلَامِ الشِّيعَةُ (1).

أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَيِّدا ، وَسَيِّدُ الْمَجَالِسِ مَجَالِسُ الشِّيعَةِ .

أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ إِمَاما ، وَإِمَامُ الْأَرْضِ أَرْضٌ تَسْكُنُهَا الشِّيعَةُ ، وَاللّهِ لَوْ لَا مَا فِي الْأَرْضِ مِنْكُمْ مَا رَأَيْتَ بِعَيْنٍ عُشْبا أَبَدا ، وَاللّهِ لَوْ لَا مَا فِي الْأَرْضِ مِنْكُمْ مَا أَنْعَمَ اللّهُ عَلى أَهْلِ خِلَافِكُمْ وَلَا أَصَابُوا الطَّيِّبَاتِ ، مَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَا لَهُمْ فِي الْاخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ .

كُلُّ نَاصِبٍ وَإِنْ تَعَبَّدَ وَاجْتَهَدَ مَنْسُوبٌ إِلى هذِهِ الْايَةِ «عامِلَةٌ ناصِبَةٌ * تَصْلى نارا حامِيَةً» (2) فَكُلُّ نَاصِبٍ مُجْتَهِدٍ فَعَمَلُهُ هَبَاءٌ .

شِيعَتُنَا يَنْطِقُونَ بِنُورِ اللّهِ (3) عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَنْ يُخَالِفُهُمْ يَنْطِقُونَ (4) بِتَفَلُّتٍ .

وَاللّهِ مَا مِنْ عَبْدٍ مِنْ شِيعَتِنَا يَنَامُ إِلَا أَصْعَدَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ رُوحَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَيُبَارِكُ عَلَيْهَا ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَتى عَلَيْهَا أَجَلُهَا ، جَعَلَهَا فِي كُنُوزِ (5) رَحْمَتِهِ ، وَفِي رِيَاضِ جَنَّتِهِ ، (6) وَفِي ظِلِّ عَرْشِهِ ، وَإِنْ كَانَ أَجَلُهَا مُتَأَخِّرا ، بَعَثَ بِهَا مَعَ أَمَنَتِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِيَرُدُّوهَا (7) إِلَى الْجَسَدِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ لِتَسْكُنَ فِيهِ .

ص: 143


1- في كثير من نسخ الكافي: - «ألا و إنّ لكلّ شيء شرفا، وشرف الإسلام الشيعة»
2- . الغاشية (88): 3 و 4
3- . في بعض نسخ الكافي: «بأمر اللّه »
4- . في بعض نسخ الكافي و شرح المازندراني والوافي: «ينطق»
5- . في بعض نسخ الكافي: + «من»
6- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «جنّة»
7- . في بعض نسخ الكافي و شرح المازندراني: «ليردّها»

وَاللّهِ إِنَّ حَاجَّكُمْ وَعُمَّارَكُمْ لَخَاصَّةُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّ فُقَرَاءَكُمْ لَأَهْلُ الْغِنى ، وَإِنَّ أَغْنِيَاءَكُمْ لَأَهْلُ الْقَنَاعَةِ ، وَإِنَّكُمْ كُلَّكُمْ لَأَهْلُ دَعْوَتِهِ وَأَهْلُ إِجَابَتِهِ» .

شرح الحديث

السند حسن على قول . وقيل: ضعيف(1).

قوله عليه السلام : (إنّي واللّه لأحبّ رياحكم).

جمع الريح. والمراد بالريح [الريح] الطيّبة اللّازمة للإيمان، وإرادة الغلبة والقوّة والنصرة والدولة من الريح (2) هنا بعيد.

(وأرواحكم).

يحتمل كونه جمع الرُّوح بالضمّ _ بمعنى النفس، أو جمع الرَّوح _ بالفتح _ بمعنى نسيم الريح. وقيل: أو الراحة، (3) وفيه ما فيه.

(فأعينوني على ذلك) أي على الحبّ، أو ما يستلزمه من الشفاعة. والأوّل أقرب لفظا، والثاني معنى.

(بورع).

وهو الكفّ عن المحارم، أو عمّا لا ينبغي مطلقا.

(واجتهاد).

هو بذل الوسع والجدّ في الأعمال الصالحة مطلقا، وطلب الإعانة منهم بالأمرين؛ إمّا لكونهما أدخل في رسوخ محبّته عليه السلام ، أو لتحصيل ما يلازمهما من الشفاعة؛ فإنّه عليه السلام لمّا كان متكفّلاً بنجاتهم عن العقوبات الاُخرويّة، وكان للأمرين كمال مدخليّة في ذلك، كان تحصيل النجاة بهما أيسر وأسهل.

(من ائتمّ منكم بعبدٍ فليعمل بعمله)؛ ليتحقّق حقيقة الائتمام، ويرتفع توهّم الاستبراء والنفاق.

ص: 144


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 132
2- . احتمله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 132
3- . احتمله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 132

(أنتم شيعة اللّه ).

قال الجوهري: «شيعة الرجل: أتباعه وأنصاره»(1) ولعلّ المراد هنا شيعة حجج اللّه وأتباع دين اللّه ، والإضافة للملابسة. وكذا قوله عليه السلام : (وأنتم أنصار اللّه ).

وأمّا قوله: (وأنتم السابقون الأوّلون _ إلى قوله: _ إلى الجنّة).

فقيل: لعلّ المراد: وأنتم السابقون الأوّلون إلى قبول الولاية والتصديق بها عند التكليف الأوّل في عالم الأرواح، وأنتم السابقون الآخرون إلى قبولها عند التكليف الثاني في عالم الذرّ، والسابقون في الدُّنيا على الوفاء بالعهد [والمتابعة]، (2) والسابقون في الآخرة إلى دخول الجنّة، وقيل: السابقون الأوّلون [إشارة إلى قوله تعالى: «وَ السَّ_بِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَ_جِرِينَ وَالْأَنصَارِ» (3) ، والسابقون الآخرون] (4) إشارة إلى قوله تعالى: «وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ» ؛ (5). أي الذين اتّبعوا السابقين الأوّلين بإحسان(6).

وقيل: السابقون الأوّلون أي في صدر الإسلام بعد فوت النبيّ صلى الله عليه و آله سَبَق من كان [منكم ]من الشيعة إلى اتّباع الوصيّ الحقّ، (7) أو في زمن الرسول صلى الله عليه و آله سبقوا إلى قبول ما قاله في وصيّته(8).

(قد ضمنّا لكم الجنّة بضمان اللّه وضمان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ).

ولعلّ الباء للسببيّة؛ أي بسبب أنّ اللّه ورسوله ضمنا لكم الجنّة، أو ضمنّاها لكم من قِبَل اللّه ورسوله وبأمرهما. ويحتمل كونه بمعنى «مع».

(واللّه ما على درجة الجنّة أكثر أرواحا منكم).

لعلّ الأكثريّة بالإضافة إلى الاُمم السابقة، فيدلّ على أنّ الشيعة أكثر منهم في الجنّة، أو بالنسبة إلى جماعة ماتوا حتف أنفهم، أو استشهدوا في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ لعدم إطلاق اسم الشيعة عليهم، أو بالنسبة إلى المستضعفين مطلقا.

ص: 145


1- الصحاح، ج 3، ص 1240 (شيع)
2- . أضفناه من المصدر
3- . التوبة (9): 100
4- . أضفناه من المصدر
5- التوبة (9): 100
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 283 مع تفاوت يسير في اللفظ
7- . في المصدر: «حقّا»
8- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 132 و 133

(فتنافسوا في فضائل الدرجات).

في القاموس: «ونافس فيه: رغب على [وجه] المباراة في الكرم، كتنافس»(1).

(أنتم الطيّبون، ونساءكم الطيّبات).

الطيّب: خلاف الخبيث، وتعريف المسند للدلالة على الحصر، وفيه تعريض لغيرهم بالخباثة، وإشارة إلى قوله تعالى: «الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ» (2) على احتمال، بل إلى سابقه أيضا.

(كلّ مؤمنة حوراء عيناء)؛ يعني أنّهنّ في الجنّة على صفة الحوراء في الحُسن والجمال. قال في النهاية: «الحور العين: نساء أهل الجنّة، واحدتهنّ: حوراء، وهي الشديدة بياض العين والشديدة سوادها»(3).

وقال الجوهري:

رجلٌ أعين: واسع العين، بيِّن العين، والجمع: عين. وأصله: فُعل _ بالضمّ _ ومنه قيل لبقر الوحش: عين، والثور: أعين، والبقرة عيناء(4).

(وكلّ مؤمن صدِّيق).

قال الجوهري: «الصدِّيق، مثال الفسّيق: الدائم التصديق، ويكون للذي يصدّق قوله بالعمل»(5).

(يا قنبر، أبشر وبشّر واستبشر).

يحتمل أن يكون البُشر من المجرّد، أو المزيد من باب الإفعال. يُقال: بشرت به _ كعلم، وضرب _ : أي صرت مسرورا. وبشّرني بوجه حسن: أي لقيني حسن البشر طلق الوجه. والإبشار: الفرح، والإخبار بالبشارة. والتبشير: التفريح، والإخبار بما يوجب السرور. والاستبشار: السرور مع إظهاره.

(ألا وأنّ لكلّ شيء عزّا، وعزّ الإسلام الشيعة).

العزّ _ بالكسر _ : خلاف الذلّ، والقوّة، والغلبة. ولعلّ المراد هنا ما يصير سببا للعزّ.

قال: في القاموس: عزّ يعزّ عزّا وعزّة _ بكسرهما _ وعزازة: صار عزيزا، كتعزّز، وقوي

ص: 146


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 200 (نفس)
2- النور (24): 26
3- النهاية، ج 1،، ص 458 (حور)
4- الصحاح، ج 6، ص 2172 (عين)
5- الصحاح، ج 4، ص 1506 (صدق)

بعد ذلّة. وعزّه _ كمدّه _ : غلب في المُعازّة. والاسم: العزّة، بالكسر(1).

(ألا وأنّ لكلّ شيء دعامة، ودعامة الإسلام الشيعة).

في القاموس: «الدعمة والدعامة والدعام _ بكسرهنّ _ : عِماد البيت، والخشب المنصوب للتعريش»(2).

(ألا أنّ لكلّ شيء ذروة، وذروة الإسلام الشيعة).

في القاموس: «ذروة الشيء _ بالضمّ والكسر: أعلاه» (3). ؛ يعني أنّ الشيعة أشرف مواضع الإسلام وأعلى درجاته».

(ألا وأنّ لكلّ شيء شرفا، وشرف الإسلام الشيعة).

في القاموس: «الشرف _ محرّكة _ العلوّ، والمكان العالي، والمجد. ومن البعير: سنامه. وشُرفة القصر _ بالضمّ _ معروفة. الجمع: [شُرَف] كصُرَد. وشرفة المال: خياره»(4).

أقول: لا يبعد هنا إرادة المعنيين الأخيرين أيضا.

(ألا وأنّ لكلّ شيء سيّدا، وسيّد المجالس مجالس الشيعة).

قيل: السيّد: الشريف، والفاضل، والكريم، والرئيس، والمقدّم، والفضيلة (5) وكلّ هذه الخصال لمجالس الشيعة باعتبار أهلها(6).

(ألا وأنّ لكلّ شيء إماما، وإمام الأرض تسكنها الشيعة)؛ لأنّ أشرف المكان بالمكين.

ويحتمل قراءة الإمام بالفتح والكسر. قال الجوهري: «الإمام: الذي يُقتدى به. وتقول: كنت أمامه، أي قدّامه»(7).

(واللّه لولا ما في الأرض منكم).

يحتمل كلمة «ما» موصولة، أو موصوفة. وعلى التقديرين تكون إشارة إلى أعيان الشيعة وأشخاصهم، أو إلى إيمانهم وطاعتهم وعبادتهم. ويحتمل كونها زائدة.

ص: 147


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 182 (عزز) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 112 (دعم)
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 330 (ذرو)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 157 (شرف) مع التلخيص
5- . في المصدر: «ذو الفضيلة»
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 283
7- الصحاح، ج 5، ص 1865 (أمم) مع التلخيص

(ما رأيت بعين).

كلمة «ما» للنفي. و«رأيت» بصيغة التكلّم، أي ما رأيت بعيني. ويحتمل كونه بصيغة الخطاب العامّ، أي ما رأيت أيّها الرائي.

(عُشبا أبدا).

في القاموس: «العشب _ بالضمّ _ : الكلاء الرطب»(1). وقال الجوهري: «لا يقال له حشيش حتّى يهيج»(2).

(واللّه لولا ما في الأرض منكم) إلى قوله: (من نصيب).

وهو الحظّ من الشيء. والمراد بالطيّبات الطيّبات من الأرض.

وقوله: (ما لهم في الدُّنيا).

يحتمل كونه جملة حاليّة من أهل الخلاف، أي لم يصيبوا الطيّبات حال كونهم محرومين من نصيب الدُّنيا، كحرمانهم من نصيب الآخرة.

ويحتمل كونها استئنافيّة، كأنّ سائلاً سأل: أنّهم إذا لم يصيبوا الطيّبات، فما حالهم؟ فأجاب: بذلك.

وقيل: هي جملة مستقلّة لا تعلّق لها بما قبلها، والمعنى: لا نصيب لهم في الدُّنيا بالذات، كما أنّه لا نصيب لهم في الآخرة. أو جملة دعائيّة(3).

ولا يخفى ما في الوجهين من التكلّف.

(كلّ ناصب).

من أهل الخلاف مطلقا، وهو اسم فاعل من نصبت فلانا نصبا: إذا عاديته. أو من نصب الرجل _ كعلم _ نَصَبا محرّكة: إذا تَعِبَ. والثاني أنسب بقوله عليه السلام : (وإن تعبّد واجتهد) في العبادة بحسب الكمّ والكيف، فهو (منسوب إلى هذه الآية)؛ أي تكون مصداقها، وبقوله: «عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ» .

أي تعمل ما تتعب فيه من غير ثمرة، ولا ينفعها يوم ينفع العالمين أعمالهم.

«تَصْلَى نَارًا» : تداخلها.

ص: 148


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 104 (عشب)
2- الصحاح، ج 1، ص 182 (عشب)
3- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 284

«حَامِيَةً» : متناهية في الحرارة بالغة غايتها، من قولهم: حمى النهار _ كرضى _ وحمى التنوّر حميا: إذا اشتدّ حرّه. وبقوله عليه السلام : (فكلّ ناصبٍ مجتهد) في العبادة.

(فعمله هباء).

هذا كالنتيجة السابقة. قال الجوهري:

الهباء: الشيء المنبثّ الذي تراه في البيت من ضوء الشمس. والهباء: دقاق التراب. ويُقال له إذا ارتفع هبا يهبو هبوا وهيبة. إلى آخره، انتهى(1).

شبّه أعمالهم به في الانتشار وعدم الانتفاع بها.

(شيعتنا ينطقون).

في كلّ ما له تعلّق بالنطق، حذف المفعول لإفادة التعميم.

(بنور اللّه عزّ وجلّ).

الذي ألقاه في قلوبهم من العلم الذي أخذوه من معدنه.

وفي بعض النسخ: «بأمر اللّه ».

وفي بعضها: «بأمور اللّه ».

(ومن يخالفهم ينطقون) في كلّ أمرٍ.

وفي بعض النسخ: «ينطق».

(بتفلّت) أي من عند أنفسهم بلا رؤية وتدبّر وسماع عن صادق.

قال الجوهري: «يُقال: كان ذلك الأمر فلتة، أي فجأة»(2).

(واللّه ما من عبد)إلى قوله عليه السلام : (فيبارك عليها) أي على تلك الروح.

قال الجوهري: «الرّوح يذكّر ويؤنّث»(3).

وقال: «البركة: النّماء، والزيادة. ويقال: بارك اللّه لك وفيك وعليك وباركك»(4).

وفي القاموس: «البركة _ محرّكة _ : النّماء، والزيادة، والسعادة. وبارك على محمّد وآل محمّد: أَدِم له ما أعطيته من التشريف والكرامة»(5).

(فإن كان قد أتى عليها أجلها، جعلها في كنوز رحمته).

ص: 149


1- الصحاح، ج 6، ص 2532 (هبا) مع اختلاف يسير في اللفظ
2- الصحاح، ج 1، ص 260 (فلت)
3- الصحاح، ج 1، ص 367 (روح)
4- الصحاح، ج 4، ص 1575 (برك)
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 293 (برك) مع التلخيص

قيل: أي مدّخرة تحت رحمته؛ ليردّها عليه يوم البعث، كما يدّخر المال تحت الأرض(1).

(وفي رياض جنّته).

الروضة: البستان، ومستنقع الماء من العشب والكلاء. الجمع: روض ورياض.

والجنّة: الحديقة ذات النخل والشجر، وهي كلّ بستان عليه حائط، أو مطلق. الجمع: ككتاب.

والإضافة مباينة. ويحتمل كونها لاميّة. والمراد بالجنّة إمّا جنّة الدُّنيا، أو الجنّة المعروفة. والاُولى أنسب؛ لما روي: أنّ أرواح المؤمنين في جنّة الدُّنيا(2) والثاني أنسب بقوله: (وفي ظلّ عرشه) إن اُريد به العرش الجسماني؛ لما روي: أنّ تلك الجنّة فوق أطباق السماوات تحت العرش(3).

وقيل: يحتمل أن يُراد بالعرش هنا الرحمة والكنف والحماية، فيكون ظلّ العرش كناية عن القُرب، حتّى كان الرحمة ألقت بالظلّ عليها(4).

وقال الفيروزآبادي:

العرش: عرش اللّه تعالى، وسرير الملك، والعِزّ، وقوام الأمر، وركن الشيء. ومن البيت: سقفه، والخيمة، والبيت الذي يستظلّ به. ومن القوم: رئيسهم المدبّر لأمرهم والقصر، والملك(5).

(وإن كان أجلها متأخّرا، بعث بها).

يُقال: بعثه، أي أرسله. فالباء للتقوية، لا للتورية.

(مع أمنيته من الملائكة).

في بعض النسخ: «اَمَنته»(6). قال الفيروزآبادي:

الأمن: ضدّ الخوف. أَمِنَ _ كفرح _ أمنا وأمانا _ بفتحهما _ وأَمَنا، وأَمَنَتَهُ _ محرّكة _

ص: 150


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 285 مع اختلاف يسير في اللفظ
2- لم نعثر على عين ألفاظه، لكن نقل مضمونه في بعض الروايات. اُنظر الكافي، ج 3، ص 247، باب جنّة الدنيا، ح 1
3- روي ما يقرب من هذا عن أنس بن مالك. اُنظر: تفسير الثعلبي، ج 3، ص 149؛ تفسير الرازي، ج 9، ص 6
4- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 284
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 277 (عرش) مع التلخيص
6- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «أمنته»

وإمنا بالكسر، فهو أَمينٌ، فهو أمنٌ. ورجلٌ أمنة _ كهمزة، ويحرّك _ يأمَنَهُ كلّ أحد في كلّ شيء. والأمانة والأمنة: ضدّ الخيانة. وقد أمِنَه _ كسمع _ وأمنّه تأمينا، وائتمنه، واستأمن. وقد أَمَنَ _ ككرم _ فهو أمين، وأمّان كرمّان، مأمون به، ثقة، انتهى(1).

أقول: يحتمل أن يكون «أمنته» هنا جمع آمن، كطلبته جمع طالب. ويحتمل كونه صفة مشبّهة، وكون «من» للتبعيض. ويحتمل كونه مصدرا مبالغة.

وما قيل من أنّ الأمنة جمع الأمين وهو الحافظ، (2) ففساده ظاهر، فتأمّل.

(ليردّوها إلى الجسد الذي خرجت منه لتسكن فيه).

في بعض النسخ: «فيها». ولعلّ التأنيث باعتبار الجنّة.

(وإنّ فقراءكم لأهلُ الغِنى).

لعلّ المراد غنى النفس والاستغناء عن الخلق بتوكّلهم على ربّهم، وهم الفُقَرَاء الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافا(3). ويحتمل أن يُراد به الغنى في الحقائق والمعارف الدينيّة والقوّة النظريّة والعمليّة، لتحلّيهم بالفضائل، وتخلّيهم عن الرذائل. أو المراد أنّهم أهل الغنى في الدار العُقبى؛ لاقتائهم أسبابها.

(وأنّ أغنياءكم لأهل القناعة).

لعلّ المراد أنّهم يقنعون في الإنفاق بالكفاف، لا يسرفون ولا يفترون، ويبذلون أفضل أموالهم في المحتاجين، أو في الاكتساب أيضا بحيث لا يضيّعون أوقات عمرهم في تحصيل الزيادة. أو المراد أنّ غناهم ليس بالمال، بل بالقناعة؛ فإنّ من قنع يشبع. وهاتين الفقرتين إمّا إخبار عن الواقع، أو تعليم لما ذكر وترغيب فيه.

(وإنّكم كلّكم لأهلُ دعوته وأهل إجابته) أي دعاكم اللّه إلى دينه وعبادته، فاجتمعوه فيهما بخلاف مخالفيكم؛ فإنّهم وإن كانوا من أهل الدعوة، لكن ليسوا من أهل الإجابة.

قال الجوهري: «الدعوة إلى الطعام بالفتح، وهو في الأصل مصدر يريدون الدّعاء إلى الطعام»(4).

ص: 151


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 197 (أمن) مع التلخيص
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 284
3- اقتباس من الآية 273 من سورة البقرة (2)
4- الصحاح، ج 6، ص 2336 (دعا) مع التلخيص

وفي القاموس: «الدعوة: الدُّعاء إلى الطعام، ويضمّ.

ولهم الدعوة على غيرهم، أي يبدأ بهم في الدُّعاء»(1).

متن الحديث الستّين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ :«أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ جَوْهَرا ، وَجَوْهَرُ وُلْدِ آدَمَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وَنَحْنُ وَشِيعَتُنَا بَعْدَنَا ، حَبَّذَا شِيعَتُنَا مَا أَقْرَبَهُمْ مِنْ عَرْشِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَحْسَنَ صُنْعَ اللّهِ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَاللّهِ لَوْ لَا أَنْ يَتَعَاظَمَ النَّاسُ ذلِكَ أَوْ يَدْخُلَهُمْ زَهْوٌ لَسَلَّمَتْ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ قُبُلًا .

وَاللّهِ مَا مِنْ عَبْدٍ مِنْ شِيعَتِنَا يَتْلُو الْقُرْآنَ فِي صَلَاتِهِ قَائِما إِلَا وَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَلَا قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ (2) جَالِسا إِلَا وَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ خَمْسُونَ حَسَنَةً ، وَلَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ (3) إِلَا وَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَإِنَّ لِلصَّامِتِ مِنْ شِيعَتِنَا لَأَجْرَ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ مِمَّنْ خَالَفَهُ ، أَنْتُمْ وَاللّهِ عَلى فُرُشِكُمْ نِيَامٌ لَكُمْ أَجْرُ الْمُجَاهِدِينَ ، وَأَنْتُمْ وَاللّهِ فِي صَلَاتِكُمْ لَكُمْ أَجْرُ الصَّافِّينَ (4) فِي سَبِيلِهِ ، أَنْتُمْ وَاللّهِ الَّذِينَ قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «وَنَزَعْنا ما فِى صُدُورِهِمْ مِنْ غِلًّ إِخْوانا عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» (5).

إِنَّمَا شِيعَتُنَا أَصْحَابُ الْأَرْبَعَةِ الْأَعْيُنِ : عَيْنَانِ فِي الرَّأْسِ ، وَعَيْنَانِ فِي الْقَلْبِ ، أَلَا وَالْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ كَذلِكَ إِلَا أَنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فَتَحَ أَبْصَارَكُمْ وَأَعْمى أَبْصَارَهُمْ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (شمّون) بالشين والميم المشدّدة.

كذا في الإيضاح، (6) وزاد فيه.

(ألا وأنّ لكلّ شيء جوهرا).

في القاموس: «الجوهر: كلّ حجر يستخرج منه شيء ينتفع به. ومن الشيء: ما وضعت

ص: 152


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 328 (دعو) مع التلخيص
2- . في الطبعة القديمة: «صلواته»
3- . في بعض نسخ الكافي: «صلاته»
4- . في بعض نسخ الكافي: «الصادقين»
5- الحجر (15): 47
6- . إيضاح الاشتباه للعلّامة الحلّي، ص 262، الرقم 547

عليه جبلّته»(1).

وقال الجوهري: «معرّب الواحدة جوهرة»(2).

وقال بعض الشارحين:

الجوهر من كلّ شيء: ما له فضيلة كاملة، ومزيّة زائدة، وخصلة راجحة واضحة، بها يمتاز ويصطفى من غيره من أفراد ذلك الشيء، كالياقوت في الأحجار مثلاً(3).

(وجوهر ولد آدم محمّد صلى الله عليه و آله ، ونحن وشيعتنا بعدنا).

لعلّ المراد أنّ جبلّة الإنسانيّة الحقيقيّة فيهم ومن سواهم أشباه الناس، وليسوا بإنسان حقيقةً.

وقيل: أي كما أنّ الجواهر ممتازة من سائر أجزاء الأرض بالحسن والبهاء والنفاسة والندرة، فكذا هم بالنسبة إلى سائر ولد آدم(4) وعلى التقديرين يدخل في شيعتهم سائر الأنبياء والأوصياء وتابعيهم.

(حبّذا شيعتنا).

في بعض النسخ: «نحن وشيعتنا» بعد «يا حبّذا شيعتنا».

قال الجوهري:

الأصمعي: قولهم حبّ بفلان، معناه: ما أحبّه إليّ. وقال الفرّاء: معناه حَبُبَ بضمّ الباء، ثمّ اُسكنت واُدغمت في الثانية، ومنه قولهم: حبّذا زيد، ف «حبّ» فعل ماض لا يتصرّف، وأصله: حَبُبَ على ما قال الفرّاء، و«ذا» فاعله، وهو اسم مبهم من أسماء الإشارة، جُعِلا شيئا واحدا، فصارا بمنزلة اسم يرفع ما بعده، وموضعه رفع بالابتداء، وزيد خبره، ولا يجوز أن يكون بدلاً من ذا؛ لأنّك تقول: حبّذا امرأة، ولو كان بدلاً لقلت: حبّذه المرأة(5).

(ما أقربهم من عرش اللّه عزّ وجلّ).

كلمة «ما» للتعجّب. و«من» للصلة بمعنى الباء.

ص: 153


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 395 (جهر)
2- الصحاح، ج 2، ص 619 (جهر)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 285 مع اختلاف يسير في اللفظ
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 134
5- الصحاح، ج 1، ص 105 (حبب) مع التلخيص

(وأحسن) عطف على «أقرب».

(صنعَ اللّه إليهم يوم القيامة).

قال الجوهري: «الصنع _ بالضمّ _ : مصدر قولك صنع إليه معروفا»(1).

(واللّه لولا أن يتعاظم الناس ذلك).

في القاموس: «تعاظمه: عظم عليه. وأمر لا يتعاظمه شيء: لا يعظم، بالإضافة إليه»(2).

وقيل: المراد بتعاظمهم اتّخاذهم الشيعة أنبياء ورسلاً(3).

(أو يدخلهم زَهو). ضمير الجمع للشيعة على الظاهر. ويحتمل بعيدا عوده إلى الناس.

قال في القاموس: «الزُّهاء: الباطل، والكذب، والاستخفاف، كالزُّهُوّ، والكِبر والتيه، والفخر. وقد زُهيَ كعُتِيَ، وكدعا قليلة» انتهى(4).

وقوله: «وذلك» إشارة إلى قوله: (لَسلّمت عليهم الملائكة قبلاً).

في القاموس: «رايته قَبُلاً _ محرّكة، وبضمّتين، وكصُرد وعنب _ وقَبَليّا _ محرّكة _ وقبيلاً، كأمير: أي عيانا ومقابلة»(5).

(وإنّ للصامت من شيعتنا لأجر من قرأ القرآن ممّن خالفه).

لعلّ المراد أنّ الأصل قراءة القرآن أجرا مع قطع النظر عن القارئ، فإذا قرأه المخالف يكتب ذلك الأجر للشيعة.

ويحتمل أن يكون المراد أنّه لو فرض أنّ لهذا المخالف القارئ أجرا في قراءته، كان مثله للشيعة الساكت.

أو أنّ له في حال سكوته أجر قراءة المخالف بأحد الوجهين، مع قطع النظر عن وقوع تلك القراءة؛ فإنّه لو فرض عدم صدور قراءة عن مخالف أصلاً كان للشيعة أجر قراءته بتقدير صدورها منه.

(أنتم واللّه على فُرُشكم).

الفُرُش _ بضمّتين _ جمع الفرش، بالكسر، وهو ما يفرش.

ص: 154


1- الصحاح، ج 3، ص 1245 (صنع)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 152 (عظم)
3- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 285
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 340 (زهو) مع التلخيص
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 34 (قبل)

(نيام).

هو ككتاب. وقيل: بتشديد الياء أيضا جمع نائم(1). وهو خبر لقوله: «وعلى فرشكم» متعلّق به.

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (لكم أجر المجاهدين) صفة «نيام».

وقيل: سرّ ذلك أنّهم ينامون على نيّة أن يتقوّوا به على الطاعة، فإذا هم حال النوم في [عين] الطاعة»(2).

(وأنتم واللّه في صلاتكم).

الظرف متعلّق بقوله: (لكم أجر الصافيّن في سبيله).

أي المصطفين القائمين صفوفا في الجهاد، أو أعمّ منه.

(أنتم واللّه الذين قال اللّه عزّ وجلّ).

في سورة الحجر: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ* وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ* لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ» (3) .

قال الجوهري: «الغلّ _ بالكسر _ : الغشّ، والحقد أيضا. وقد غلّ صدره يغلّ _ بالكسر _ غلّاً: إذا كان ذا غشّ، أو ضغن وحقد»(4).

وقال البيضاوي:

«وَنَزَعْنَا» أي في الدُّنيا بما ألّف بين قلوبهم، أو في الجنّة، بتطييب نفوسهم «مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ» من حقد كان في الدُّنيا. أو من التحاسد على درجات الجنّة ومراتب القُرب «إِخْوَانا» حال من ضمير «فِي جَنَّاتٍ» ، أو فاعل «ادْخُلُوهَا» ، أو الضمير في «آمِنِينَ» ، أو الضمير المضاف إليه، والعامل فيها معنى الإضافة. وكذا قوله: «عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» .

ويجوز أن يكون صفتين لإخوانا، أو حالين من ضميره؛ لأنّه بمعنى متصافّين، وأن

ص: 155


1- ذكره في القاموس المحيط، ج 4، ص 183 (نوم)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 285 مع اختلاف يسير في اللفظ
3- الحجر (15): 45 _ 48
4- الصحاح، ج 5، ص 1783 (غلل)

يكون «مُتَقَابِلِينَ» حالاً من المستتر في «عَلَى سُرُرٍ» (1).

(إنّما شيعتنا أصحاب الأربعة الأعين) وهي (عينان في الرأس).

يرون بهما ظواهر المصنوعات.

(وعينان في القلب) يرون بهما حقائق الموجودات والمعارف المتعلِّقة بالمعقولات، ويميّزون بهما بين الصحيح والسقيم من النظريّات، ويدركون بهما طريق العلم بقواعد العمليّات.

(ألا والخلائق كلّهم كذلك) أي لكلّ منهم تلك الأربعة الأعين.

(إلّا أنّ اللّه عزّ وجلّ) استثناء متّصل. ويحتمل كونه منقطعا، أي لكنّ اللّه عزّ وجلّ.

(فتح أبصاركم) الأربعة، معاشر الشيعة تنتفعون بها جميعا.

(وأعمى أبصارهم) أي أبصار مخالفيكم، فلا ينتفعون بها أصلاً؛ لعدم صرفها فيما هو الغرض الأصلي من خلقها. وبعض الأفاضل خصّ فتح الأبصار وعماها بإبصار القلوب، (2). ولا وجه له.

متن الحديث الواحد و الستّين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ مُصْعَبٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «أَشْكُو إِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَحْدَتِي وَتَقَلُّقِي (3) بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَتّى تَقْدَمُوا ، وَأَرَاكُمْ وَآنَسَ بِكُمْ ، فَلَيْتَ هذَا (4). الطَّاغِيَةَ أَذِنَ لِي ، فَأَتَّخِذَ قَصْرا فِي الطَّائِفِ ، فَسَكَنْتُهُ وَأَسْكَنْتُكُمْ مَعِيَ ، وَأَضْمَنَ لَهُ أَنْ لَا يَجِيءَ مِنْ نَاحِيَتِنَا مَكْرُوهٌ أَبَدا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

ص: 156


1- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 372 مع التلخيص و اختلاف يسير في اللفظ
2- . ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 136
3- . في كلتا الطبعتين و أكثر نسخ الكافي: «تقلقلي»
4- . في كلتا الطبعتين و أكثر نسخ الكافي: «هذه»

قوله عليه السلام : (أشكو إلى اللّه عزّ وجلّ وحدتي).

لعلّه كناية عن قلّة الناصر والأصدقاء، وكثرة الأعداء وتوحّشه منهم.

(وتقلّقي بين أهل المدينة).

في بعض النسخ: «وتقلقلي»(1).

قال الجوهري: «القَلَق: الانزعاج. وباتَ قلقا وأقلقه غيره»(2).

وقال: «أزعجه: أقلقه، وقلعه من مكانه. وانزعج بنفسه»(3). وقال: «قلقله [قلقلة] وقلقالاً فتقلقل: أي حرّكه، فتحرّك واضطرب»(4).

(حتّى تقدِموا) أي تجيئوا من الكوفة وغيرها للحجّ.

قال الفيروزآبادي: «قَدِمَ من سفره _ كعَلِمَ _ قدوما وقدمانا، بالكسر: آب، فهو قادم»(5).

(وأراكم وآنس بكم).

في القاموس: «الاُنسة _ محرّكة _ : ضدّ الوحشة. وقد أنس به، مثلّثة النون»(6).

(فليت هذا (7) الطاغية).

التاء للمبالغة، وأراد به السفّاح، أو أخاه الدوانيقي.

قال الجوهري: «طغى يطغي ويطغو طغيانا: أي جاوز الحدّ. وكلّ مجاوز حدّه في العصيان طاغٍ. وطغى يطغى مثله. والطاغية: ملك الروم»(8).

(أذن لي فأتّخذ قصرا).

في القاموس: «القصر: المنزل، أو كلّ بيت من حجر»(9).

(في الطائف).

قال الجوهري: «الطائف: بلاد ثقيف»، (10). وهو أبو قبيلة من هوازن(11).

ص: 157


1- هكذا في كلتا الطبعتين و أكثر نسخ الكافي
2- الصحاح، ج 4، ص 1548 (قلق) مع اختلاف يسير في اللفظ
3- الصحاح، ج 1، ص 319 (زعج)
4- الصحاح، ج 5، ص 1804 (قلل)
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 162 (قدم)
6- القاموس المحيط، ج 2، ص 198 (أنس)
7- . في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «هذه»
8- الصحاح، ج 6، ص 2412 (طغا) مع التلخيص
9- القاموس المحيط، ج 2، ص 117 (قصر) مع التلخيص
10- . الصحاح، ج 4، ص 1397 (طوف)
11- اُنظر: الصحاح، ج 4، ص 11334 (ثقف)

متن الحديث الثاني و الستّين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ ، قَالَ :

أَنْشَدَ الْكُمَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام شِعْرا ، فَقَالَ :

أَخْلَصَ اللّهُ لِي هَوَايَ فَمَا***أُغْرِقُ نَزْعا وَلَا تَطِيشُ سِهَامِي

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «لَا تَقُلْ هكَذَا : فَمَا أُغْرِقُ نَزْعا ، وَلكِنْ قُلْ : فَقَدْ أُغْرِقَ نَزْعا وَلَا تَطِيشُ (1) سِهَامِي» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (أنشد الكميت).

مصغّرا، اسم شاعر من أصحاب الباقر عليه السلام ، ومات في حياة أبي عبداللّه عليه السلام .

روى الكشّي بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال للكميت: «لا تزال مؤيّدا بروح القدس ما دمتَ تقول فينا»(2).

وبإسناده عنه عليه السلام أنّه قال له: «لا يزال معك روح القدس ما ذببتَ عنّا»(3).

وقال العلّامة في الخلاصة: «الكميت بن زيد الأسدي رحمه الله مشكور» انتهى(4).

وإنشاد الشعر: قراءته، وهو يتعدّى إلى مفعولين. يُقال: استنشدته الشعر فأنشدنيه. فقوله: (أبا عبداللّه عليه السلام ) مفعوله الأوّل، وقوله: (شعرا) مفعوله الثاني.

(أخلص اللّه لي هواي) أي جعل محبّتي خالصة لكم أهل البيت. وفي قوله «الهوى» بالقصر: العشق، تكون في الخير والشرّ وإرادة النفس.

(فما اُغرق نزعا ولا تطيشُ سهامي).

قال في القاموس: اُغرق النازع في القوس: استوفى مدّها، كغرق تغريقا»(5).

ص: 158


1- . في بعض نسخ الكافي: «فلا تطيش»
2- رجال الكشّي، ص 208، ح 366
3- لم نعثر على قوله عليه السلام للكميت هكذا، بل يوجد نحوه في رجال الكشّي، ص 207، ح 365 عن لسان الرسول صلى الله عليه و آله لحسّان بن ثابت
4- الخلاصة الرجال، ص 135، الرقم 3
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 271 (غرق)

وقال: «نزع في القوس: مدّها»(1).

وقال: «الطيش: جواز السهم الهدف. طاش يطيش، فهو طائش. وأطاشه: أَمالَهُ عن الهدف»(2).

وقال الجوهري: «طاش السهم [عن الهدف]: عدل، وأطاشه الرامي»(3).

وفي المصباح: «طاش السهم عن الهدف طيشا أيضا: انحرف عنه، فلم يصبه»(4).

وقال في النهاية:

في حديث عليّ عليه السلام : لقد أغرق في النزع، أي بالغ في الأمر، وانتهى فيه. وأصله من نزع القوس ومدّها، ثمّ استعير لمن بالغ في كلّ شيء، انتهى(5).

وقال بعض الأفاضل: «يعني فصار تأييده تعالى سببا لأن لا أخطئ الهدف، واُصيب كلّما اُريد من مدحكم، وإن لم أبالغ فيه»(6).

وقيل: لعلّ المراد بالقوس قوس المحبّة، وبالسهم سهمهما على سبيل التشبيه(7).

إذا عرفت هذا فنقول: هذا الكلام يحتمل وجهين:

الأوّل: أن يكون الواو لعطف النفي على النفي، فدلّ بحسب المنطوق على عدم الإغراق في نزع قوس المحبّة، وعدم المبالغة فيها، وعدم طيش سهم المحبّة عن الهدف، وبحسب المفهوم على أنّه لو أغرق طاش سهم المحبّة عن الهدف، فلذلك لم يغرق.

الثاني: أن يكون الواو للحال عن فاعل «اُغرق»، ويكون النفي راجعا إلى القيد، فيدلّ على أنّه غرق، وطاش السهم لأجل إغراقه.

ولمّا كان في الأوّل نقص في إظهار المحبّة من وجهين: الأوّل عدم المبالغة في المحبّة، والثاني في جواز سهم المحبّة عن الهدف على تقدير المبالغة فيها، وفي الثاني نقص بالوجه الثاني، غيّر عليه السلام عبارته؛ ليندفع كلا النقصين، وقال: (لا تقل هكذا).

وقوله: (فما اُغرق نزعا) بيان لقوله: «هكذا» أو بدل منه.

ص: 159


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 88 (نزع)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 277 (طيش) مع التلخيص
3- الصحاح، ج 3، ص 1009 (طيش)
4- المصباح المنير، ص 383 (طيش)
5- النهاية، ج 3، ص 361 (غرق)
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 137 مع اختلاف يسير في اللفظ
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 287

(ولكن قل: فقد اُغرق نزعا ولا تطيش سهامي).

ولا يخفى أبلغيّة هذا الوجه، وأكمليّته في مقام إظهار المحبّة، حيث دلّ على عدم طيش سهمها مع المبالغة فيها، ومدّ قوسها على وجه الكمال.

وقال بعض الأفاضل:

إنّما نهاه عليه السلام عن ذلك؛ لإيهامه بتقصير، أو عدم اعتناء في مدحهم عليهم السلام ، وهذا لا يناسب مقام المدح. أو لأنّ الإغراق في النزع لا مدخل له في إصابة الهدف، بل الأمر بالعكس، مع أنّ فيما ذكره عليه السلام معنىً لطيفا كاملاً، وهو أنّ المدّاحين إذا بالغوا في مدح ممدوحهم خرجوا عن الحقّ، وكذبوا فيما أثبتوا للممدوح، كما أنّ الرامي إذا أغرق نزعا أخطأ الهدف، وإنّي في مدحكم كلّما اُبالغ في المدح لا يخرج سهمي عن هدف الحقّ والصدق، ويكون مطابقا للواقع، انتهى(1).

متن الحديث الثالث والستّين والمائتين

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمُسْتَرِقِّ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ مُصْعَبٍ الْعَبْدِيِّ ، قَالَ :

دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «قُولُوا لِأُمِّ فَرْوَةَ : تَجِيءُ فَتَسْمَعُ مَا صُنِعَ بِجَدِّهَا» .

قَالَ : فَجَاءَتْ فَقَعَدَتْ خَلْفَ السِّتْرِ ، ثُمَّ قَالَ : «أَنْشِدْنَا» ، قَالَ : فَقُلْتُ :

فَرْوَ جُودِي بِدَمْعِكِ الْمَسْكُوبِ[........................]

قَالَ : فَصَاحَتْ وَصِحْنَ النِّسَاءُ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «الْبَابَ الْبَابَ» فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى الْبَابِ ، قَالَ : فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «صَبِيٌّ لَنَا غُشِيَ عَلَيْهِ ، فَصِحْنَ النِّسَاءُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (سفيان بن مصعب العبدي).

هو من شعراء الكوفة، وكان من أصحابه عليه السلام .

ص: 160


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 137
2- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن سهل، عدّة من أصحابنا

روى الكشّي بإسناده عن سفيان بن مصعب العبدي قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام : «قل شعرا تنوح به النساء»(1).

وبإسناده عن سماعة، قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام : «يا معشر الشيعة، علّموا أولادكم شعر العبدي؛ فإنّه على دين اللّه »(2).

(فقال: قولوا لاُمّ فروة: تجيء).

قال الفاضل الإسترآبادي: اُمّ فروة من بنات الصادق عليه السلام (3). ؛ صرّح به إعلام الورى (4).

وغيره.

أقول: اُمّ فروة أيضا كنية لاُمّ الصادق عليه السلام ، وهي بنت القاسم الفقيه بن محمّد بن أبي بكر، لكن المراد هنا بنته عليه السلام ، واحتمال إرادة اُمّه عليه السلام وكون المراد بجدّها محمّد بن أبي بكر، بعيد.

(فتسمع ما صُنع) على البناء للمفعول.

(بجدّها)؛ يعني الحسين عليه السلام ، على الظاهر.

(ثمّ قال)؛ يعني: ثمّ قال لي أبو عبداللّه عليه السلام .

(أنشدنا) أي اقرأ لنا شعرا.

(قال) سفيان: (فقلت: فرو جُودي بدمعك المسكوب).

أصله بعد حذف المضاف لضرورة الشعر: يا فروة. فحذف حرف النداء تخفيفا، والهاء ترخيما، والباء للتعدّي. و«جُودي» إمّا من الجود بمعنى السّخاء، أو من قولهم: جادت العين جَوْدا وجُودا: إذا كثُر دمعها. وكونه من جاد بنفسه: إذا قارب الموت، احتمالٌ بعيد.

وقال الجوهري: «سكبت الماء سكبا: أي صببته. وماء مسكوب: [أي] يجري على وجه الأرض من غير حفر»(5).

(قال: فصاحت)؛ يعني اُمّ فروة.

(وصِحن النساء) من قبيل: «أكلوني البراغيث».

ص: 161


1- رجال الكشّي، ص 401، ح 747
2- رجال الكشّي، ص 401، ح 748
3- لم نعثر على قوله. وانظر: قاموس الرجال، ج 12، ص 212، الرقم 45
4- . إعلام الورى، ج 1، ص 546
5- الصحاح، ج 1، ص 148 (سكب)

(فقال أبو عبداللّه عليه السلام : الباب الباب) منصوب بفعل مضمر، والتكرير للتأكيد؛ أي اغلقوا الباب، أو اضبطوه، أو احرسوه؛ لئلّا يهجم الناس.

(فاجتمع أهل المدينة على الباب، قال: فبعث إليهم) أي إلى المجتمعين بالباب.

(أبو عبداللّه عليه السلام : صبيٌّ لنا غُشي عليه) على البناء للمفعول.

(فصحن النساء).

فيه دلالة على جواز التورية عند التقيّة. ويحتمل كونه إخبارا عن الواقع بأن يكون صبيّ غشي عليه من صياح النساء، أو لغير ذلك في ذلك اليوم، أو قبله، فورّي عليه السلام بذلك في ذلك المقام.

وقيل: يحتمل أن يكون المراد بالصبيّ الصبيّ الذي استشهد بكربلاء في حِجر الحسين عليه السلام بسهم العدوّ(1).

وأيضا في هذا الخبر دلالة على جواز استماع النساء أصوات الرجال إلّا أن يُقال أمثال هذه المقامات تعدّ من الضروريّات، وعلى استحباب إنشاد المراثي للحسين عليه السلام .

متن الحديث الرابع والستّين والمائتين

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (2) ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا حَفَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الْخَنْدَقَ مَرُّوا بِكُدْيَةٍ ، فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الْمِعْوَلَ مِنْ يَدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، أَوْ مِنْ يَدِ سَلْمَانَ _ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ _ فَضَرَبَ بِهَا ضَرْبَةً ، فَتَفَرَّقَتْ بِثَلَاثِ فِرَقٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَقَدْ فُتِحَ عَلَيَّ فِي ضَرْبَتِي هذِهِ كُنُوزُ كِسْرى وَقَيْصَرَ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : يَعِدُنَا بِكُنُوزِ كِسْرى وَقَيْصَرَ وَمَا يَقْدِرُ أَحَدُنَا أَنْ يَخْرُجَ يَتَخَلّى» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (لمّا حفر رسول اللّه صلى الله عليه و آله الخندق).

ص: 162


1- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 287
2- . السند معلّق، ويروي سهل عن العدّة

في القاموس: «خندق _ كجعفر _ : حفير حول أسوار المدن، معرّب كَنْده»(1).

(مرّوا بكدية).

في القاموس: «الكدية: قطعة غليظة صلبة لا يعمل فيها الفأس»(2).

(فتبادل رسول اللّه صلى الله عليه و آله المعول).

في القاموس: المِعوَل _ كمنبر _ : الحديدة ينقر بها الجبال»(3).

(من يد أمير المؤمنين عليه السلام ، أو من يد سلمان رضى الله عنه).

الترديد من الراوي. وقيل: يحتمل أن يكون الإمام عليه السلام أشار بذلك إلى اختلاف روايات العامّة، (4). وهو بعيد.

(فضرب بها) أي بتلك الكدية، والباء للتقوية. أو بذلك المِعْوَل، والباء للدلالة، والتأنيث باعتبار الحديدة، أو الآلة ضربة.

(فتفرّقت) الكدية.

(بثلاث فرق) كعنب، جمع فرقة، وهي الطائفة من الشيء.

(فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لقد فتح) على البناء للمفعول.

(عليَّ في ضربتي هذه كنوز كسرى وقيصر).

قال في القاموس: كِسرى _ ويفتح _ : ملك الفرس، معرّب خسرو، أي واسع الملك»(5).

وقال: «قيصر: لقب [من] ملك الروم»(6).

(فقال أحدهما)؛ يعني أبا بكر.

(لصاحبه)؛ يعني لعمر، ويحتمل العكس.

(يَعِدُنا بكنوز كسرى وقيصر).

في القاموس: «وعده الأمر وبه [يعد] عدة ووعدا وموعدا»(7).

ص: 163


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 229 (خندق)
2- لم نعثر عليه في القاموس، وورد بعينه في النهاية لابن الأثير، ج 4، ص 156 (كدا)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 23 (عول)
4- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 139 (مع اختلاف يسير في اللفظ)
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 127 (كسر)
6- القاموس المحيط، ج 2، ص 118 (قصر)
7- القاموس المحيط، ج 1، ص 346 (وعد)

وقال الجوهري:

الوعد: مستعمل في الخير والشرّ. يُقال: وعده خيرا ووعده شرّا. وإذا اُسقط الخير والشرّ، قالوا: في الخير وعد وعدة، وفي الشرّ إيعاد ووعيد(1).

(وما يقدر أحدنا يخرج يتخلّى).

أصل التخلّي: التفرّغ. والمراد هنا الدخول إلى الخلاء، وهو المتوضّأ. وهذا الكلام كناية عن غاية الخوف.

واعلم أنّ مضمون هذا الحديث مشهور في روايات العامّة والخاصّة باختلاف الألفاظ والزيادة والنقصان. روى الصدوق رحمه الله بإسناده عن البراء بن عازب، قال: لمّا أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحفر الخندق، عرضت له صخرة عظيمة شديدة في عرض الخندق، لا تأخذ منها المعاول، فجاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا رآها وضع ثوبه وأخذ المِعْول وقال: «بسم اللّه »، وضربه ضربةً فكسر ثلثها. وقال: «اللّه أكبر، اُعطيت مفاتيح الشام، واللّه إنّي لأبصر قصورها الحمراء الساعة. ثمّ ضرب الثانية وقال: «بسم اللّه »، ففلق ثلثا الآخر، فقال: «اللّه أكبر اُعطيت مفاتيح فارس، واللّه إنّي لأبصر قصور المدائن الأبيض». ثمّ ضرب الثالثة، ففلق بقيّة الحجر، وقال: «اللّه أكبر، اُعطيت مفاتيح اليمن، واللّه إنّي لأبصر أبواب الصنعاء مكاني هذا»(2).

وروى عليّ بن إبراهيم في تفسيره، قال: فلمّا كان في اليوم الثاني بكّروا إلى الحفر، وقعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مسجد الفتح، فبينا المهاجرون [والأنصار] يحفرون إذ عرض لهم جبل لم يعمل المعاول فيه، فبعثوا جابر بن عبداللّه الأنصاري إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يُعلمه ذلك. قال جابر: فجئت إلى المسجد، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله مستلق على قفاه، ورداءه تحت رأسه، وقد شدّ على بطنه حجرا، فقلت: يا رسول اللّه ، إنّه قد عرض لنا جبلٌ لا يعمل المعاول فيه. فقام مسرعا حتّى جاءه، ثمّ دعا بماء في إناء، وغسل وجهه وذراعيه، ومسح على [رأسه و ]رجليه، ثمّ شرب، ومجَّ ذلك الماء في فيه، ثمّ صبّه على ذلك الحجر، ثمّ أخذ معولاً، فضرب ضربةً، فبرقت برقة نظرنا فيها إلى قصور الشام، ثمّ ضرب اُخرى فبرقت برقة نظرنا فيها إلى

ص: 164


1- الصحاح، ج 2، ص 551 (وعد) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
2- الخصال، ج1، ص 162، باب الثلاثة، ح 212؛ الأمالي للصدوق، ص 313، المجلس 51، ح 13 مع اختلاف يسير في اللفظ

قصور المدائن، ثمّ ضرب اُخرى فبرقت برقة نظرنا فيها إلى قصور اليمن، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أما إنّه سيفتح عليكم هذه المواطن التي برقت فيها البرق» ثمّ انهال الجبل علينا كما ينهال الرمل(1).

متن الحديث الخامس والستّين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ لِلّهِ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ رِيحا يُقَالُ لَهَا : الْأَزْيَبُ ، لَوْ أَرْسَلَ مِنْهَا مِقْدَارَ مَنْخِرِ ثَوْرٍ لَأَثَارَتْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَهِيَ الْجَنُوبُ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (يقال لها الأزيب).

قال في القاموس: «الأزيب _ كالأحمر _ : الجنوب، أو النكباء تجري بينها وبين الصبا، والعداوة، والأمر المنكر، والفزع، والداهية»(2).

وقال: «النكباء: ريح انحرفت ووقعت بين ريحين، أو بين الصبا والشمال»(3).

وقال ابن الأثير في النهاية:

في حديث الريح: اسمها عند اللّه الأزيب وعندكم الجنوب. الأزيب: من أسماء ريح الجنوب، وأهل مكّة يستعملون هذا الاسم كثيرا(4).

(لو أرسل منها مقدار منخر ثور).

في القاموس: المنخر _ بفتح الميم والخاء، وبكسرهما، وبضمّتين، وكمجلس _ : الأنف»(5).

(لأثارت) أي هيّجت تلك الريح الغبار.

(ما بين السماء والأرض) أي فيما بينهما، أو أطارت ما بينهما من أيّ شيء كان كالغبار.

ص: 165


1- تفسير القمّي، ج 2، ص 178
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 80 (زيب)
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 134 (نكب)
4- النهاية، ج 2، ص 324 (زيب)
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 129 (نخر) مع اختلاف يسير في اللفظ

قال الجوهري: «ثار الغبار يثور ثورا وثورانا: سطع، وأثاره غيره»(1).

(وهي الجنوب) أي تلك الريح المسمّاة بالأزيب هي الريح التي تسمّى بالجنوب، وهو بالفتح: ريح يخالف الشمال مهبّه من مطلع سهيل إلى مطلع الثريّا.

متن الحديث السادس والستّين والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنْ رُزَيْقٍ (2). أَبِي الْعَبَّاسِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «أَتى قَوْمٌ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ ، إِنَّ بِلَادَنَا قَدْ قُحِطَتْ ، وَتَوَالَتِ السِّنُونَ عَلَيْنَا ، فَادْعُ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالْمِنْبَرِ ، فَأُخْرِجَ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ ، فَصَعِدَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَدَعَا ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُؤَمِّنُوا ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ (3). هَبَطَ جَبْرَئِيلُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّ رَبَّكَ قَدْ وَعَدَهُمْ أَنْ يُمْطَرُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ، وَسَاعَةَ كَذَا وَكَذَا ، فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَنْتَظِرُونَ ذلِكَ الْيَوْمَ وَتِلْكَ السَّاعَةَ حَتّى إِذَا كَانَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ ، أَهَاجَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ رِيحا ، فَأَثَارَتْ سَحَابا ، وَجَلَّلَتِ السَّمَاءَ ، وَأَرْخَتْ عَزَالِيَهَا ، فَجَاءَ أُولئِكَ النَّفَرُ بِأَعْيَانِهِمْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ ، ادْعُ اللّهَ (4). أَنْ يَكُفَّ السَّمَاءَ عَنَّا ، فَإِنَّا (5) كِدْنَا أَنْ نَغْرَقَ ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ وَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُؤَمِّنُوا عَلى دُعَائِهِ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، أَسْمِعْنَا ، فَإِنَّ كُلَّ مَا تَقُولُ لَيْسَ نَسْمَعُ ، فَقَالَ : قُولُوا : اللّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا ، اللّهُمَّ صُبَّهَا فِي بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ ، وَفِي نَبَاتِ الشَّجَرِ ، وَحَيْثُ يَرْعى أَهْلُ الْوَبَرِ ، اللّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً ، وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابا» .

شرح الحديث

السند مجهول كالحسن.

قوله: (عن رزيق أبي العبّاس).

ص: 166


1- الصحاح، ج 2، ص 606 (ثور) مع اختلاف يسير في اللفظ
2- في أكثر نسخ الكافي: «زريق» بتقديم الزاي المعجمة، ويؤيّده ضبط الطوسي رحمه الله في الفهرست، ص 208، الرقم 310؛ والبرقي في رجاله، ص 43. وما في المتن موافق لضبط النجاشي رحمه الله في رجاله، ص 168، الرقم 442؛ والطوسي في رجاله، ص 205، الرقم 2636 و 2638
3- في بعض نسخ الكافي: «إذ»
4- في الطبعة القديمة: + «لنا»
5- في أكثر نسخ الكافي: + «قد»

رزيق _ بالراء المهملة المضمومة، والزاء المعجمة المفتوحة _ وهو ابن الزبير الخلقاني، مجهول. وفي بعض النسخ بتقديم المعجمة على المهملة.

(إنّ بلادنا قد قحطت).

في القاموس: «القحط: احتباس المطر قحط العام _ كمنع وفرح وعُني _ قَحْطا وقَحِطا وقحوطا»(1).

(وتوالت) أي تتابعت.

(السنون علينا).

قال الجوهري:

قال أبو عبيد: [يقال:] أرض بني فلان سِنة: إذا كانت مجدبة. وإذا جمعت بالواو والنون كسرت السين، فقلت: سنون. وبعضهم يقول: سُنُون، بالضمّ(2).

(فادع اللّه _ تبارك وتعالى _ يرسل السماء علينا).

في القاموس: «السماء: السحاب، والمطر، والمطرة الجيّدة»(3).

(فأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالمنبر، فاُخرج).

يدلّ على استحباب إخراج المنبر في صلاة الاستسقاء، كما هو مذهب جماعة من الأصحاب، خلافا لابن الجنيد، حيث قال: «الأظهر في الروايات أن لا ينقل المنبر، بل يكون كمنبر العيد معمولاً من طين»(4).

وقال بعض الفضلاء: «الروايات التي رأيناها لا تدلّ على ذلك»(5). ويدلّ هذا الخبر على استحباب دعاء أهل الخصب لأهل الجدب.

(وأمر الناس أن يؤمِّنوا) أي يقولوا: آمين.

قال الجوهري: «وآمين في الدّعاء يمدّ ويقصر، ويشدّد الميم، (6). ويقال معناه كذا،

ص: 167


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 378 (قحط) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 6، ص 2236 (سنه) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 344 (سمو) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
4- راجع: السرائر، ج 1، ص 325
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 289 (مع اختلاف يسير في اللفظ)
6- . في المصدر: «وتشديد الميم خطأ»

فليكن، وتقول منه: أمّن فلان تأمينا»(1). (فلم يلبث) إلى قوله: (أن يمطروا) على البناء للمفعول.

قال الفيروزآبادي: «المطر: ماء السّحاب. ومطرتهم السماء مطرا _ ويحرّك _ : أصابتهم بالمطر. وأمطرهم اللّه ، ولا يقال إلّا في العذاب»(2).

(أهاج اللّه _ عزّ وجلّ _ ريحا).

كذا فيما رأيناه من النسخ، والمناسب هنا: «هاج» بدون الهمزة.

قال الجوهري: «هاج الشيء يهيج هيجا وهياجا وهيجانا، واهتاج وتهيّج: أي ثار. وهاجه غيره يتعدّى ولا يتعدّى». ثمّ قال: «أهاجت الريح النبت: أيبسته» انتهى(3).

وقريب منه في القاموس(4).

ولا يخفى عدم مناسبة «أهاج» بالمعنى الذي ذكره الجوهري وغيره بهذا المقام، فتأمّل.

(فأثارت سحابا).

في القاموس: «الثور: الهَيجان، والوثب، والسطوع، وأثاره غيره»(5).

(وجلّلت السماء).

قال الجوهري: «جلّل الشيء تجليلاً: عمّ. والمجلّل: السّحاب الذي يجلّل الأرض بالمطر، أي يعمّ. وتجليل الفرس: أن تُلبِسه الجُلّ»(6).

أقول: الأنسب هنا إرادة المعنى الأوّل، وكون السماء مرفوعا فاعلاً لقوله: «جلّلت»، وكونها بمعنى السّحاب أو المطر.

ويحتمل إرادة المعنى الثاني، أعني التغطية، وكون المستتر في قوله: «جلّلت» راجعا إلى الريح والسماء بالنصب على المفعوليّة. وهذا الأخير أنسب بالسياق السابق، والأوّل ألصق بقوله عليه السلام : (وأرخت)، أي السّماء على الظاهر.

(عزاليها).

ص: 168


1- الصحاح، ج 5، ص 2072 (أمن) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 135 (مطر) مع التلخيص
3- الصحاح، ج 1، ص 352 (هيج)
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 213 (هيج)
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 383 (ثور) مع التلخيص
6- الصحاح، ج 4، ص 1660 (جلل)

قال الجوهري: «أرخيت الستر وغيره: إذا أرسلته»(1).

وقال: «العزلاء: فم المزادة الأسفل. والجمع: العزالى، بكسر اللام. وإن شئت فتحت، مثل الصحارى والصحاري»(2).

(فجاء اُولئك النفر) الذين أتوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله للاستقاء. قال في القاموس: «النَّفَر: الناس كلّهم، وما دون العشرة من الرجال»(3).

(بأعيانهم) أي بأنفسهم وأشخاصهم، وعين الشخص نفسه.

(ادع اللّه أن يكفّ السماء) أي المطر (عنّا).

في القاموس: «كففته عنه: صرفته، ودفعته، فكفّ، هو لازم متعدّ»(4).

(فإنّا كدنا) أي قاربنا وأشرفنا.

(أن نغرق) على البناء للمفعول، من الإغراق، أو التغريق. أو على البناء للفاعل من الغرق.

قال الجوهري: «غَرِقَ في الماء غَرقَا، فهو غَرِقٌ وغارق أيضا، وأغرقه غيره، وغرّقه هو مغرّق وغريق»(5).

(فاجتمع الناس ودعا النبيّ صلى الله عليه و آله ، وأمر الناس أن يؤمِّنوا على دعائه).

يدلّ على استحباب الدّعاء لدفع المطر مع الخوف. قال الشهيد رحمه الله في الدروس: «لو كثر الغيث وخيف منه، استحبّ الدّعاء بإزالته»(6).

(اللَّهُمَّ حوالينا ولا علينا).

قال في النهاية:

في حديث الاستسقاء: اللَّهُمَّ حوالينا ولا علينا. يُقال: رأيت الناس حَولَه وحوالَيه، أي مطيفين به من جوانبه، يريد: اللَّهُمَّ انزل الغيث في مواضع النبات، لا في مواضع الأبنية(7). وقال الجوهري: «يُقال: قعدوا حوله وحوالَهُ [وحَوْلَيْه] وحوالَيه، ولا تقل: حواليه بكسر اللام»(8).

ص: 169


1- الصحاح، ج 6، ص 2354 (رخا)
2- الصحاح، ج 5، ص 1763 (عزل)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 146 (نفر)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 191 (كفف) مع التلخيص
5- الصحاح، ج 4، ص 1536 (غرق)
6- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 197، الدرس 50
7- النهاية، ج 1، ص 464 (حول)
8- الصحاح، ج 4، ص 1679 (حول)

وفي القاموس: «هو حواليه وحوله وحَولَيه وحواله وأحوله بمعنى»(1).

أقول: هذا صريح في أنّ «حوالى» كأخواته مفرد لا جمع. وفي كلام الجوهري أيضا إيماء إلى ذلك، فتدبّر.

وقال بعض الفضلاء:

في هذا الكلام دلالة على كمال أدبه عليه السلام ، حيث لم يدع برفعه بالكليّة، لأنّه رحمة، بل دعا بكشف ما يضرّهم، وإنزاله إلى حيث يبقى نفعه، ولا يتصوّر ضرره(2).

(وحيث يرعى أهل الوبر).

قال الفيروزآبادي: «رعت الماشية ترعى رعيا، وارتعت ورعاها وأرعاها، وأرعاه المكان: جعله له مرعى»(3).

وقال الجوهري: «أرعى اللّه الماشية: أي أنبت لها ما ترعاه»(4).

وفي القاموس: «الوبَر _ محرّكة _ : صوف الإبل، والأرنب، ونحوها، وهو وِبَرٌ»(5).

أقول: يحتمل هاهنا إرادة كلّ من المعاني المذكورة للرعي والإرعاء، وكون أهل الوبر كناية عن سكّان البادية، أو عن المال السائمة.

وقال بعض الأفاضل في شرح هذا الكلام: «أي حيث يرعى سكّان البادية أنعامهم؛ فإنّهم يسكنون في خيام الوبر في بيوت المدر، ولا يضرّهم كثرة المطر» انتهى(6). فتدبّر.

متن الحديث السابع والستّين والمائتين

اشارة

جَعْفَرُ بْنُ بَشِيرٍ (7). ، عَنْ رُزَيْقٍ (8). :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَا أَبْرَقَتْ قَطُّ فِي ظُلْمَةِ لَيْلٍ وَلَا ضَوْءِ نَهَارٍ إِلَا وَهِيَ مَاطِرَةٌ» .

ص: 170


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 363 (حول)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 289 (مع اختلاف في اللفظ)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 335 (رعى) مع التلخيص
4- الصحاح، ج 6، ص 2359 (رعى)
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 151 (وبر) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 141
7- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن جعفر، عليّ بن إبراهيم عن صالح بن السندي
8- . في بعض نسخ الكافي: «زريق» بتقديم الزاي المعجمة. وتقدّم في ذيل السند السابق ماحوله

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله عليه السلام : (ما أبرقت قطّ) إلى آخره.

الظاهر أنّ المستتر في «أبرقت» راجع إلى السماء، بقرينة المقام وتقدّم الذكر. ويحتمل بعيدا رجوعه إلى «البروق» أو «البرقة».

وحاصل المعنى على التقديرين أنّ البرق يلزمه المطر، وإن لم يمطر في كلّ موضع يظهر فيه البرق.

قال في القاموس: البرق، واحد بروق: السحاب، أو ضرب ملك السحاب. وتحريكه إيّاه لينساق فترى النيران. وبرقت السماء بروقا وبرقانا: لمعت، أو جاءت ببرق. والبرق بدا، والرجل تهدّد وتوعّد كأبرق. وأرعدوا وأبرقوا: أصابهم رعدٌ وبرق. والسماء: أتت بهما(1).

متن الحديث الثامن والستّين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ ابْنِ الْعَرْزَمِيِّ رَفَعَهُ ، قَالَ :

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَسُئِلَ عَنِ السَّحَابِ : أَيْنَ يَكُونُ؟

قَالَ : «يَكُونُ عَلى شَجَرٍ عَلى كَثِيبٍ عَلى شَاطِئِ الْبَحْرِ يَأْوِي إِلَيْهِ ، فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ _ عَزَّ وَ جَلَّ _ أَنْ يُرْسِلَهُ أَرْسَلَ رِيحا ، فَأَثَارَتْهُ ، وَوَكَّلَ بِهِ مَلَائِكَةً (2) يَضْرِبُونَهُ (3) بِالْمَخَارِيقِ ، وَهُوَ الْبَرْقُ ، فَيَرْتَفِعُ» ثُمَّ قَرَأَ هذِهِ الْايَةَ « «وَاللّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحابا فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ» (4) الْايَةَ ، وَالْمَلَكُ اسْمُهُ الرَّعْدُ» .

شرح الحديث

السند مجهول مرفوع.

قوله: (العرزمي) بتقديم المهملة على المعجمة.

ص: 171


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 211 (برق) مع التلخيص
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «ملائكته»
3- . في الطبعة القديمة: «يضربوه»
4- . فاطر (35): 9

وقوله: (على كثيب).

الكثيب: الرّمل من كثب، أي اجتمع. وكلّ ما انصبّ في شيء، فقد انكثب فيه. ومنه سمّي الكثيب من الرمل؛ لأنّه انصبّ في مكان واجتمع فيه. والجمع: الكثبان، وهي تلال الرمل.

وفي النهاية: «الكثيب: الرمل المستطيل المحدودب»(1).

(على شاطئ البحر).

شاطئ النهر _ بالهمزة _ : جانبه، وشفيره.

(يأوي إليه).

في القاموس: «أويت منزلي وإليه اُويّا _ بالضمّ، ويكسر _ : نزلته بنفسي، وسكنته»(2).

قيل: يحتمل أن يكون نوع من السّحاب كذلك، وأن يكون كناية عن انبعاثه من البحر وحواليه(3).

(ووكّل به ملائكة يضربونه بالمخاريق).

قال في النهاية: في حديث علي عليه السلام : البرق مخاريق الملائكة. هي جمع مخراق، وهو في الأصل ثوب يلفّ ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا، أراد آلة تزجر بها الملائكة السحاب وتسوقه، ويفسّره حديث ابن عبّاس: البرق سوط من نور تزجر بها الملائكة السِّحاب(4).

(وهو البرق).

الظاهر إرجاع الضمير إلى المخراق المفهوم من «المخاريق».

(فيرتفع) السحاب من موضعه.

(ثمّ قرأ هذه الآية) في سورة فاطر: «وَاللّه ُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابا» ؛ قال البيضاوي في وجه الإتيان بصيغة المضارع في الفعل الثاني: «إنّه على حكاية الحال الماضية، استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالّة على كمال الحكمة». ثمّ قال: «ويجوز أن يكون

ص: 172


1- النهاية، ج 4، ص 152 (كتب)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 301 (أوى)
3- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 142
4- النهاية، ج 2، ص 26 (خرق)

اختلاف الأفعال للدلالة على استمرار الأمر»(1).

«فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ» (2).

المشهور بين المفسّرين أنّ الموت هنا كناية عن اليبس وفقدْ النبات.

قال في القاموس: «الميّت: ضدّ الحيّ. ومات: سكن، ونام، وبلى»(3).

وقال: «البلد: كلّ قطعة من الأرض مستحيزة عامرة، أو غامرة، والتراب»(4).

(والملك) المذكور (اسمه الرعد).

متن الحديث التاسع والستّين والمائتين

اشارة

متن الحديث التاسع والستّين والمائتين8988.

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ مُثَنًّى الْحَنَّاطِ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَا :قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «مَنْ صَدَقَ لِسَانُهُ زَكَا عَمَلُهُ ، وَمَنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ زَادَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي رِزْقِهِ ، وَمَنْ حَسُنَ بِرُّهُ بِأَهْلِهِ زَادَ اللّهُ فِي عُمُرِهِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (من صدق لسانه زكا عمله).

قال الجوهري: «زكّى نفسه تزكيةً: مدحها». وقوله تعالى: «وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا» ؛ (5). قالوا:

تطهّرهم بها. وزكا الزرع يزكو زكاء _ ممدود _ أي نما. وزكا الرجل يزكو زكُوّا: إذا تنعّم وكان في خِصب»(6).

وقال في القاموس: «زكا يزكو زكاءً وزكوا: نما. وزكّاه اللّه والرجل. وزكى _ كرضي _ : نما، وزاد»(7).

ص: 173


1- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 412
2- . فاطر (35): 9
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 158 (موت) مع اختلاف يسير في اللفظ
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 278 (بلد)
5- . التوبة (9): 103
6- لم نعثر عليه، وانظر قول الجوهري ذيل مادّة «زكا» في الصحاح، ج 6، ص 2368
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 339 (زكى)

أقول: يحتمل أن يكون «زكا» هنا من باب «علم» على البناء للفاعل. وأمّا احتمال كونه من باب «نصر» فلا يساعده رسم الخطّ، أي من كان صادقا في أقواله نما عمله وزاد.

وقيل: أي طهر عمله من الرِّياء والعُجب وسائر الآفات؛ فإنّ كلّاً منها نوعٌ من الكذب ويستلزمه(1).

وأنت خبير بما فيه من التعسّف.

ويحتمل كونه على البناء للمفعول، من التزكية، أي طهّر اللّه عمله، أو أنماه، أو أصلحه، أو مدحه. وعلى التقادير يكون كناية عن القبول.

وقال بعض الشارحين في وجه كون صدق اللِّسان مستلزما لزكاء العمل:

إنّ استقامة اللِّسان تابعة لاستقامة القلب، وهي تقتضي استقامة جميع الجوارح، وزكاء جميع الأعمال الصادرة منها. أو لأنّ أعمال اللِّسان أعظم وأكثر من أعمال جميع الجوارح؛ إذ هي يحكي عن جميع أعمال الظواهر، ويخبر عن أسرار الضمائر، فإذن استقامته إنّما تكون استقامة جميع الأعمال، وتوجب زكاءها(2).

(ومن حسن (3). نيّته).

في بعض النسخ: «حسنت».

ولعلّ المراد بحسن النيّة صحّة العزيمة على الخيرات، ويلزمها الكدّ والاجتهاد في الأعمال والأخلاق، وطيب المكاسب، وعدم التساهل والتكاهل فيها وتحصيلها عن الشوائب.

وقيل: النيّة قد تُطلق على الغاية الباعثة على الفعل وعلى العزم عليه أيضا(4).

وقال الفيروزآبادي: «نوى الشيء ينويه نيّة _ ويخفّف _ : قصده. واللّه فلانا: حفظه. والنيّة: الوجه الذي يذهب فيه»(5).

وقال الجوهري: «نويت نيّة ونواة: أي عزمت»(6).

ص: 174


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 142
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 290
3- . في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «حسنت»
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 143
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 397 (نوى) مع التلخيص
6- الصحاح، ج 6، ص 2516 (نوى)

(زاد اللّه في رزقه).

قيل: لأنّه متّق، والمتّقي مرزوق من حيث لا يحتسب(1).

(ومن حَسُنَ) من المجرّد، أو المزيد.

(برّه).

في القاموس: «البرّ: الصِّلة، والاتّساع في الإحسان، والصدق، والطاعة، وضدّ العقوق»(2).

(زاد اللّه في عمره).

في القاموس: «العمر _ بالفتح [و] الضمّ وبضمّتين _ : الحياة. وبالفتح: الدين، قيل: ومنه: لعمري، ويحرّك»(3).

وقال الجوهري: «عَمِرَ عَمرا وعُمرا: عاش [زمانا] طويلاً»(4).

متن الحديث السبعين والمائتين

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَاشِمِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، قَالَ : حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ :

عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يَقُولُ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لِابْنِ آدَمَ : إِنْ نَازَعَكَ بَصَرُكَ إِلى بَعْضِ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ ، فَقَدْ أَعَنْتُكَ عَلَيْهِ بِطَبَقَيْنِ ، فَأَطْبِقْ وَلَا تَنْظُرْ ، وَإِنْ نَازَعَكَ لِسَانُكَ إِلى بَعْضِ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ ، فَقَدْ أَعَنْتُكَ عَلَيْهِ بِطَبَقَيْنِ ، فَأَطْبِقْ وَلَا تَكَلَّمْ (5) ، وَإِنْ نَازَعَكَ فَرْجُكَ إِلى بَعْضِ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ ، فَقَدْ أَعَنْتُكَ عَلَيْهِ بِطَبَقَيْنِ ، فَأَطْبِقْ وَلَا تَأْتِ حَرَاما» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (عن أحمد بن محمّد بن عيسى).

الظاهر أنّه غير أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي وأحمد بن محمّد بن عيسى

ص: 175


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 290
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 370 (بدر) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 95 (عمر) مع التلخيص
4- الصحاح، ج 2، ص 756 (عمر) مع التلخيص
5- . في بعض نسخ الكافي: «ولا تتكلّم»

القسري؛ لأنّ الأوّل من أصحاب الرضا عليه السلام والجواد عليه السلام والهادي عليه السلام ، والثاني ذكره الشيخ فيمن لم يرو عن الأئمّة، ولم يلق أحدا منهم(1). وأمّا أحمد بن محمّد بن عيسى الذي يروي عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام مشافهةً، فغير مذكور في الرجال. وقيل: ذكره هنا زيادة النسّاخ، (2). واللّه أعلم.

(إن نازعك بصرك).

قال الجوهري: «نازعته منازعة: إذا جاذبته في الخصومة. والتنازع: التخاصم. ونازعت النفس إلى كذا، أي اشتاقت»(3).

أقول: احتمال إرادة المعنى الأخير هنا لا يخلو عن تكلّف، فتأمّل.

(إلى بعض ما حرّمت عليك) ممّا يتعلّق بالأبصار.

(فقد أعنتك عليه بطبقين).

في القاموس: «الطبق _ محرّكة _ : غطاء كلّ شيء»(4).

(فاطبق ولا تنظر).

قال الجوهري: «أطبقت الشيء: أي غطّيته، وجعلته مطبقا، فتطبّق هو»(5).

(وإن نازعك فرجك) إلى قوله: (بطبقين).

قيل: لعلّ المراد بالطبقين هنا الفخذان. ويحتمل أن يكون المراد جفني العينين، وهما غطاءهما من الأعلى والأسفل؛ فإنّه ما لم تر العين لا تشتهي النفس(6).

(فأطبق ولا تأت حراما).

حاصل الفقرات أنّه تعالى مكَّن الإنسان من ترك المحرّمات المتعلِّقة بتلك الأعضاء بخلق آلات الاحتراز والاجتناب عنها، وعمّا يؤدّى ويوصل إليهما، ولم يجعله مجبورا على فعلها حتّى يكون له عذر في ذلك.

متن الحديث الواحد والسبعين والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ :

ص: 176


1- اُنظر: رجال الطوسي، ص 413، الرقم 5982
2- . لم نعثر على قائله
3- الصحاح، ج 3، ص 1289 (نزع) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 256 (طبق)
5- الصحاح، ج 4، ص 1512 (طبق)
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 143

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَلَا يُرْجَ خَيْرُهُ : مَنْ لَمْ يَسْتَحِ مِنَ الْعَيْبِ ، وَيَخْشَ اللّهَ بِالْغَيْبِ ، وَيَرْعَوِ عِنْدَ الشَّيْبِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (من لم يستح من العيب).

الحياء: الانقباض، والعار.

والعيب: النقص، وما يفتضح به.

وعدم الاستحياء منه عدم المبالاة بفعل القبائح عند الناس، وعدم الحياء بنقلها، وعدم الاهتمام بإزالتها عنه.

(ويخش اللّه بالغيب) على النفي، أي لم يخش اللّه بالغيب، أي بالقلب، أو حال كونه متلبِّسا بالغيبة عن الناس، بل يظهر الخشية والخوف من اللّه تعالى، يحذر الناس رياءً، ولا يبالي بفعل القبائح في الخلوات.

ويحتمل كون الباء للسببيّة، والمراد بالغيب الغيبة عن أحوال الآخرة وشدائدها، أي يكون عدم خوفه منه تعالى بسبب كون تلك الأحوال غائبا عن نظرها، ولم يبال بإخبار الأنبياء عنها.

(ويرعو) أي لم يرعو، ولم يكفّ عن المحرّمات.

(عند الشيب).

الشيب _ بالفتح _ : بياض الشعر. والمراد هنا أوان الشيخوخة، وانقضاء دواعي الشهوة؛ فإنّ ارتكاب المحرّمات حينئذٍ يكون أقبح.

قال الفيروزآبادي: «الإرعواء: النزوع عن الجهل، وحسن الرجوع عنه، وقد ارعوى»(1).

وقال في النهاية:

فيه: شرّ الناس رجلٌ يقرأ كتاب اللّه لا يرعوي على شيء منه، أي لا ينكفّ، ولا ينزجر، من رعا يرعو: إذا كفّ عن الاُمور. وقد ارعوى عن القبيح يرعوي إرعواءً

ص: 177


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 335 (رعي) مع التلخيص

وقيل: الارعواء: الندم على الشيء، والانصراف عنه، وتركه(1).

متن الحديث الثاني والسبعين والمائتين

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنِ الْحَجَّالِ ، قَالَ :

قُلْتُ لِجَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «إِذَا أَتَاكُمْ شَرِيفُ قَوْمٍ ، فَأَكْرِمُوهُ» .

قَالَ : نَعَمْ .

قُلْتُ لَهُ : وَ مَا الشَّرِيفُ؟

قَالَ : قَدْ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ ذلِكَ ، فَقَالَ : «الشَّرِيفُ مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ».

قُلْتُ (2) : فَمَا الْحَسِيبُ (3) ؟

قَالَ : «الَّذِي يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ الْحَسَنَةَ بِمَالِهِ وَغَيْرِ مَالِهِ» .

قُلْتُ : فَمَا الْكَرَمُ؟ قَالَ : «التَّقْوى» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله عليه السلام : (الشريف من كان له مال) إلى آخره، بيان ما هو المقصود في هذا الخبر، لا بيان حقيقة الشريف؛ فإنّه يطلق على من كان له شرف بحسب الدِّين أيضا.

قال في القاموس:

الشرف _ محرّكة _ : العلوّ، والمكان العالي، والمجد، أو لا يكون إلّا بالآباء، أوعلوّ الحسب. وشرف _ ككرم _ شرفا، محرّكة: علا في دين أو دُنيا(4).

(قلت: فما الحسيب؟ قال: الذي يفعل الأفعال الحسنة بماله وغير ماله).

كالحسنات الصادرة عن الجوارح مثلاً. وهذا الخبر نظير ما روي من: «أنّ حسب الرجل دينه ومروءته»(5).

ص: 178


1- النهاية، ج 2، ص 236 (رعي) مع التلخيص
2- . في بعض نسخ الكافي والطبعة القديمة: «قال: قلت»
3- . في بعض نسخ الكافي: «الحسب»
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 157 (شرف) مع التلخيص
5- المروي هكذا: «إنّ حسب الرجل دينه، و مروءته خُلُقه». اُنظر: الكافي، ج 8، ص 181، ح 203

قال في القاموس:

الحسب: ما تعدّه من مفاخر آبائك، والمال، والدِّين، أو الكرم، أو الشرف في الفعل، أو الفعال الصالح، أو الشرف الثابت في الآباء والبال والحسب والكرم. وقد يكونان لمن لا آباء له شرفاء، والشرف والمجد لا يكونان إلّا بهم. وقد حسب حسابه _ كخطب خطابة _ وحسبا محرّكة، فهو حسيب من حسباء(1).

(الكرم. [قال:] التقوى).

هي اسم من الاتّقاء، بمعنى التحرّز، والتحفّظ عن المحرّمات، أو عمّا لا ينبغي مطلقا.

وهذا الكلام إشارة إلى قوله عزّ وجلّ: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه ِ أَتْقَاكُمْ» (2) . قال البيضاوي في تفسيره:

فإنّ التقوى بها تكمل النفوس، وتفاضل الأشخاص، فمَن أراد شرفا فليلتمس منها، كما قال عليه السلام : «مَن سرّه أن يكون أكرم فليتّق اللّه ». [وقال صلى الله عليه و آله :] يا أيّها الناس، إنّما الناس رجلان: مؤمنٌ تقيٌّ كريم على اللّه ، وفاجرٌ شقيّ هيّنٌ على اللّه ، انتهى(3).

ولعلّ الغرض بيان ما هو الأهمّ من معاني الكرم، لا حصره فيها؛ فإنّ الكرم في الأصل ضدّ اللؤم، ويطلق على الشرف في الدِّين، وسعة الخلق، والصفح، والسخاء، والعطاء أيضا.

متن الحديث الثالث والسبعين والمائتين

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ السَّكُونِيِّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَا أَشَدَّ حُزْنَ النِّسَاءِ ، وَ أَبْعَدَ فِرَاقَ الْمَوْتِ ، وَأَشَدُّ مِنْ ذلِكَ كُلِّهِ (4) فَقْرٌ يَتَمَلَّقُ صَاحِبُهُ ، ثُمَّ لَا يُعْطى شَيْئا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (ما أشدّحزن النساء).

ص: 179


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 54 (حسب)
2- الحجرات (49): 13
3- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 219 مع اختلاف يسير في اللفظ
4- . في بعض نسخ الكافي: - «كلّه»

كلمة «ما» للتعجّب. ولعلّ وجه أشدّيّة حزنهنّ أنّ الزاجر من الحزن على واردات الدهر ونوائبه هو الصبر عليها، ومنع النفس عن الجزع بها، وهو من ثمرات قوّة العقل والتثبّت، وليست لهنّ تلك القوّة، فيغلب عليهنّ الحزن والجزع بأدنى واردة منها.

(وأبعد فراق الموت).

قيل: أي المفارقة الواقعة بالموت بعيدة عن المواصلة(1) فالمراد التعجّب من طول المفارقة بسبب الموت.

وقيل: [لعلّ] المراد أنّ الفراق عن الموت بعيد، والفرار منه صعبٌ شديد؛ لكونه قريبا ضروريّ الوقوع(2).

وقيل: يمكن أن يكون المعنى: ما أبعد الصبر على الفراق الذي يحصل بسبب الموت موت الأحبّاء(3).

(وأشدّ من ذلك كلّه).

لفظة «كلّه» ليست في كثير من النسخ.

(فقر يتملّق صاحبه) لأن يُعطى شيئا.

(ثمّ لا يُعطى شيئا).

قال الجوهري: «تملّق [له] تملّقا: أي تودّد إليه، وتلطّف له. ورجلٌ ملَقٌ: يعطي بلسانه ما ليس في قلبه»(4).

وقال في النهاية: «المَلَق _ بالتحريك _ : الزيادة في التودّد والدّعاء، والتضرّع فوق ما ينبغي»(5).

متن الحديث الرابع والسبعين والمائتين

اشارة

(حَدِيثُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ)

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ

ص: 180


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 144
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 292
3- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 292
4- الصحاح، ج 4، ص 1556 (ملق) مع التلخيص
5- النهاية، ج 4، ص 358 (ملق)

الْعَلَاءِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ :

سُئِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَنِ الْخَلْقِ ، فَقَالَ : «خَلَقَ اللّهُ أَلْفا وَمِائَتَيْنِ فِي الْبَرِّ ، وَأَلْفا وَمِائَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ ، وَأَجْنَاسُ بَنِي آدَمَ سَبْعُونَ جِنْسا ، وَالنَّاسُ وُلْدُ آدَمَ مَا خَلَا يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قال البيضاوي:

يأجوج ومأجوج قبيلتان من وُلد يافث بن نوح. وقيل يأجوج من الترك، ومأجوج من الجيل، وهما اسمان أعجميّان بدليل مع التصرّف. وقيل: عربيّان من أجّ الظليم: إذا أسرع، وأصلهما الهمز، كما قرأ عاصم، ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث(1).

وقال الجوهري: قال الأخفش: من همز يأجوج و مأجوج، ويجعل الألف من الأصل، يقول: يأجوج يفعول، ومأجوج مفعول، كأنّه من أجيج النّار. قال: ومن لا يهمز ويجعل الألفين زائدتين، يقول: [يأجوج من يججت](2).

قيل: إنّهم في الكشرة بحيث يمرّ أولّهم ببحيرة طبريّة، فيشر بونها، ويمرّ آخرهم فيقولون: كان في هذا مآء(3).

وقيل: إنّ الواحد منهم ذكرا كان أو اُنثى لايموت حتى يلد ألفا، فإذا ولدها كان ذلك علامة موته. ويقال: إنّهم يتسافدون في الطرقات كالبهائم، وإنّ في خلقهم تشويها، فمنهم من أفرط في الطول، كالنخلة، أو في القصر كالبشر ودونه، ومنهم صنف طوال الاُذن، ويقال: إنّهم يأكلون الناس ويأكل بعضهم بعضا. ومسكنهم وراء السدّ بين الجبلين. قيل: طوله مائة فرسخ، وعرضه خمسون فرسخا. وقيل: طوله سبعمائة فرسخ، وينتهي إلى البحر المظلم(4).

قوله: (خلق اللّه ألفا ومأتين في البرّ، وألفا ومأتين في البحر).

ص: 181


1- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 522
2- الصحاح، ج 1، ص 298 (أجج)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 293
4- اُنظر في الأقوال: شرح المازندراني، ج 12، ص 293

قيل: كان المراد بها الأصناف؛ بقرينة قوله: (وأجناس بني آدم سبعون جنسا)؛ إذ المراد بها الأصناف(1).

(والناس) كلّهم (ولد آدم).

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (ما خلا يأجوج ومأجوج) استثناء من الأخير؛ أعني كون الناس من ولد آدم، فيدلّ على أنّ يأجوج ومأجوج ليسا من ولد آدم.

ويحتمل أن يكون استثناء من حصر أجناس بني آدم في السبعين، فيدلّ على أنّ كونهما من أولاده؛ إذ المعنى حينئذٍ: أنّ أجناس بني آدم مع قطع النظر عنها سبعون جنسا.

وعلى الثاني لا ينافي هذا الخبر ما رواه الصدوق رحمه الله في كتاب العلل بإسناده عن عبد العظيم الحسني، عن عليّ بن محمّد العسكري عليه السلام : أنّ جميع الترك والصقالبة يأجوج ومأجوج والصين من ولد (2). يافث(3).

وأمّا على الأوّل فبين الخبرين منافاة، والجمع بينهما حينئذٍ لا يخلو عن تكلّف.

وقال بعض الأفاضل:

إنّ هذا الخبر _ يعني ما رواه الصدوق في العلل _ عندي أنقى (4) سندا من خبر المتن، فيمكن حمله على أنّ المراد: أنّهم ليسوا من الناس، وإن كانوا من ولد آدم(5).

وهو كما ترى.

ونقل عن بعض العامّة أنّه قال: احتلم آدم عليه السلام ، فاختلطت نطفته بالتراب، فكان ذلك يأجوج ومأجوج(6). وردّه بعضهم بأنّ الأنبياء لا يحتلمون(7) ونقل عن بعضهم إنّهما اُمّةٌ من الترك، (8) واللّه أعلم.

ص: 182


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 293
2- . في المصدر: - «ولد»
3- علل الشرائع، ج 1، ص 32، ح 1
4- . في المصدر: «أقوى»
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 145 مع اختلاف يسير في اللفظ
6- نقله القرطبي عن كعب الأحبار في تفسيره، ج 11، ص 56
7- الرادّ هو نفس القرطبي في المصدر المذكور
8- نقل عن المقاتل. اُنظر: شرح المازندراني، ج 12، ص 293

متن الحديث الخامس والسبعين والمائتين

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ (1) ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ ، عَنْ مُثَنًّى ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ (2) النَّاسَ طَبَقَاتٌ ثَلَاثٌ : طَبَقَةٌ هُمْ مِنَّا وَنَحْنُ مِنْهُمْ ، وَطَبَقَةٌ يَتَزَيَّنُونَ بِنَا ، وَطَبَقَةٌ يَأْكُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضا بِنَا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (الناس طبقات ثلاث).

قال الجوهري: «طبقات الناس: مراتبهم»(3).

(طبقة همّ منّا).

لعلّ المراد أنّهم من عِدادنا، وفي زمرتنا؛ لقبولهم هدايتنا وإرشادنا، واقتفائهم آثارنا، وهم خلّص الشيعة.

(ونحنُ منهم) من عِدادهم، وفي زمرتهم.

وهذا كناية عن كمال القُرب والاتّحاد. ويحتمل أن يكون إشارة إلى اتّحاد الطينة، كما مرّ في كتاب الإيمان والكفر.

(وطبقة يتزيّنون بنا).

لعلّ المراد أنّهم يجعلون انتسابهم بنا، واتّصافهم بحبّنا، واكتسابهم علومنا وأحاديثنا زينةً لهم عند الناس، ولا يكون غرضهم من ذلك طلب مرضاة اللّه وابتغاء وجهه، بل تحصيل الجاه والاعتبار، وهم ضعفاء الشيعة.

وقيل: المراد بهم أهل الإسلام المنتسبون إلى أجداده عليهم السلام ؛ لأنّ الإسلام منهم، وهم مباديه، وإن لم تكن الزينة نافعة لهم يوم القيامة؛ لتركهم أعظم أركان الإسلام(4).

ص: 183


1- . في الطبعة القديمة: + «الأشعري»
2- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: - «إنّ»
3- الصحاح، ج 4، ص 1512 (طبق)
4- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 294 مع اختلاف يسير في اللفظ

(وطبقة يأكل بعضهم بعضا بنا).

قيل: أي يأخذ بعضهم، أموال بعضهم ويأكلونهما بإظهار مودّتنا ومدحنا وعلومنا، أو ينازع بعضهم بعضا فيها؛ لأنّ غرضهم التوسّل بها إلى الدُّنيا، أو يسعى بعضهم في قتل بعضهم بذكر محبّتهم وولايتهم لها عند حكّام الجور(1).

وقال بعض الشارحين: «أي يهلك بعضهم بعضا بوضع قوانين الشرك والكفر، أو يلعن بعضهم بعضا يوم القيامة كما قيل، وهم سائر الناس» (2). انتهى، فتأمّل.

متن الحديث السادس والسبعين والمائتين

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ مُعَلًّى ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ (3). ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ :

قَالَ (4) أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِذَا رَأَيْتَ الْفَاقَةَ وَالْحَاجَةَ قَدْ كَثُرَتْ ، وَأَنْكَرَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضا (5) ، فَانْتَظِرْ أَمْرَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .

قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هذِهِ الْفَاقَةُ وَالْحَاجَةُ (6) قَدْ عَرَفْتُهُمَا ، فَمَا إِنْكَارُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ بَعْضا؟

قَالَ : «يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَخَاهُ ، فَيَسْأَلُهُ الْحَاجَةَ ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وَيُكَلِّمُهُ بِغَيْرِ اللِّسَانِ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُهُ بِهِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (إذا رأيت الفاقة [والحاجة] قد كثُرت).

ص: 184


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 146
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 294
3- . الظاهر وقوع التحريف في العنوان عن «محمّد بن مروان» بعمّار بن مروان؛ لأنّا لم نجد رواية عمّار عن الفضيل في أيّة رواية، ويؤيّده تكرار رواية محمد بن مروان عنه في مواضع كثيرة، اُنظر على سبيل المثال: الكافي، ح 955 و ح 2228 و ح 12255 و ح 12290 في الطبعة الجديدة؛ التهذيب، ج 9، ص 169، ح 691؛ والمحاسن، ص 155، ح 85
4- . في بعض نسخ الكافي: + «لي»
5- . في الطبعة القديمة والوافي: + «فعند ذلك»
6- . في بعض نسخ الكافي: «الحاجة والفاقة»

في القاموس: «الفاقة: الفقر، والحاجة»(1).

(وأنكر الناس بعضهم بعضا).

قيل: لعلّ المراد الفاقة والإنكار فيما ين الشيعة، ويحتمل الأعمّ(2).

(فانتظر أمر اللّه عزّ وجلّ) أي ظهور دولة الحقّ؛ لأنّها إنّما تظهر عند شدّة الزمان بين الأنام، وظهور الفساد في الخاصّ والعامّ.

(قال: يأتي الرجل منكم أخاه) في الدِّين (فيسأله الحاجة، فينظر) المسؤول عنه (إليه)، أي إلى السائل (بغير الوجه الذي كان ينظر إليه) قبل إظهار الحاجة.

(ويكلِّمه بغير اللِّسان الذي كان يكلّمه به) قبل ذلك.

ويظهر من هذا البيان أنّ المراد بالإنكار هنا ضدّ المعرفة؛ أي عدم معرفة حقّ الاُخوّة.

ويحتمل كونه من المنكر ضدّ المعروف، أو من التنكّر بمعنى التغيّر. قال في القاموس:

«أنكره: جهله. والمنكر: ضدّ المعروف. والنكير أيضا: الإنكار. والتنكّر: التغيّر عن حال تسرّك إلى حال تكرهها، والاسم: النكيرة»(3).

متن الحديث السابع والسبعين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ :

«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : وُكِّلَ الرِّزْقُ بِالْحُمْقِ ، وَوُكِّلَ الْحِرْمَانُ بِالْعَقْلِ ، وَوُكِّلَ الْبَلَاءُ بِالصَّبْرِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (وكّل الرزق) على البناء للمفعول من المجرّد.

(بالحمق).

قال الفيروزآبادي: «وكل باللّه يكل: استسلم إليه. وكّل إليه الأمر وكلاً ووكولاً: سلّمه وتركه»(4).

ص: 185


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 278 (فوق)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 294
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 148 (نكر) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 66 (وكل) مع التلخيص

وقال: «حمق _ ككرم _ حمقا _ بالضمّ وبضمّتين _ وحماقة، فهو أحمق: قليل العقل»(1).

(ووكّل الحرمان بالعقل).

في القاموس: «حرمه الشيء _ كضربه، وعلمه _ حرمانا بالكسر: منعه. والمحروم: الممنوع عن الخير»(2).

ولعلّ المراد بالفقرتين أنّ الأحمق في غالب الأحوال مرزوق موسّعٌ عليه، والعاقل ممنوع مقتّرٌ عليه.

وقيل: لعلّ السرّ فيه أنّ الأحمق يطلب الدُّنيا، فيجدها كما قال تعالى: «مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْأَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ» (3). ، والعاقل يترك الدُّنيا ويطلب الآخرة، فيُصيب من الدُّنيا بقليل(4).

(ووكّل البلاء بالصبر)

لعلّ المراد أنّ البلاء والصبر مقرونان، فلو لم يخلق الصبر لم يخلق البلاء، كما رُوي: «لولا أنّ الصبر خُلق قبل البلاء لتفطّر المؤمن، كما يتفطّر البيضة على الصفار» (5). والمقصود من هذا الكلام الترغيب بالتزام الصبر عند الابتلاء.

متن الحديث الثامن والسبعين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْعَطَّارِ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ عُمَرَ أَخِي عُذَافِرٍ ، قَالَ :

دَفَعَ إِلَيَّ إِنْسَانٌ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَكَانَتْ فِي جُوَالِقِي ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْحَفِيرَةِ شُقَّ جُوَالِقِي ، وَذُهِبَ بِجَمِيعِ مَا فِيهِ ، وَوَافَقْتُ عَامِلَ الْمَدِينَةِ بِهَا ، فَقَالَ : أَنْتَ الَّذِي شُقَّتْ زَامِلَتُكَ ، وَذُهِبَ بِمَتَاعِكَ؟ فَقُلْتُ (6) : نَعَمْ ، فَقَالَ : إِذَا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَأْتِنَا حَتّى أُعَوِّضَكَ .

قَالَ : فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ ، دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «يَا عُمَرُ ، شُقَّتْ زَامِلَتُكَ ، وَذُهِبَ بِمَتَاعِكَ؟» فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : «مَا أَعْطَاكَ اللّهُ خَيْرٌ مِمَّا أُخِذَ مِنْكَ ، إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ضَلَّتْ

ص: 186


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 224 (حمق) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 94 (حرم) مع التلخيص
3- . الشورى (42): 20
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 295
5- الكافي، ج 2، ص 92، ح 20
6- . في بعض نسخ الكافي: «قلت»

نَاقَتُهُ ، فَقَالَ النَّاسُ فِيهَا : يُخْبِرُنَا عَنِ السَّمَاءِ ، وَلَا يُخْبِرُنَا عَنْ نَاقَتِهِ ، فَهَبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، نَاقَتُكَ فِي وَادِي كَذَا وَكَذَا ، مَلْفُوفٌ خِطَامُهَا بِشَجَرَةِ كَذَا وَكَذَا» .

قَالَ : «فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنى عَلَيْهِ ، وَقَالَ : يَا (1) أَيُّهَا النَّاسُ ، أَكْثَرْتُمْ عَلَيَّ فِي نَاقَتِي ، أَلَا وَمَا أَعْطَانِي اللّهُ خَيْرٌ مِمَّا أُخِذَ مِنِّي ، أَلَا وَإِنَّ نَاقَتِي فِي وَادِي كَذَا وَكَذَا ، مَلْفُوفٌ خِطَامُهَا بِشَجَرَةِ كَذَا وَكَذَا ، فَابْتَدَرَهَا النَّاسُ فَوَجَدُوهَا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ».

قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «ائْتِ عَامِلَ الْمَدِينَةِ ، فَتَنَجَّزْ مِنْهُ مَا وَعَدَكَ ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ دَعَاكَ اللّهُ إِلَيْهِ لَمْ تَطْلُبْهُ مِنْهُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (فكانت في جُوالقي).

قال الفيروزآبادي: الجوالق _ بكسر الجيم واللّام، وضمّ الجيم وفتح اللّام، وكسرها _ : وعاء معروف.

الجمع: جوالق، كصحائف، وجواليق، وجوالقات(2).

(فلمّا انتهت إلى الحفيرة).

قيل: هي موضع بين ذي الحليفة ومكّة، يسلكه الحاج(3).

وفي القاموس: «الحفيرة: مصغّرة، موضع بالعراق»(4).

(شُقّ جوالقي) على صيغة المجهول، من الشقّ، بمعنى الصّدع.

(وذُهب بجميع ما فيه).

يحتمل كون «ذهب» على البناء للمفعول، ويحتمل كونه على البناء للفاعل والمستتر فيه راجعا إلى الشقّ، أو على الجوالق مجازا.

(ووافقت عامل المدينة بها) أي في الحضيرة.

وفي القاموس: «وافقت فلانا: صادفته»(5).

ص: 187


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: - «يا»
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 218 (جلق)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 296
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 12 (حفر)
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 290 (وفق) مع التلخيص

وفي بعض النسخ: «واقفت» بتقديم القاف على الفاء. قال في القاموس: «المواقفة: أن تقف معه ويقف معك في حرب أو خصومة. وواقفته على كذا واستوقفته: سألته الوقوف عليه»(1) (فقال: أنت الذي شُقّت زاملتك، وذُهب بمتاعك). قال الجوهري: «الزاملة: بعير يستظهر به الرجل يحمل متاعه وطعامه عليه»(2). والمراد بها هنا الجوالق مجازا، تسميته لأحد المجاورين باسم صاحبه.

(فقال: ما أعطاك اللّه خيرٌ ممّا اُخذ منك).

لعلّ المراد بما أعطاه اللّه دين الحقّ وولاية أهل البيت عليهم السلام .

وقيل: أو الثواب في الآخرة، أو ما يعطيك عامل المدينة باعتبار أنّه أكثر على احتمال بعيد، وفيه تسلية وترغيب له في الشكر(3).

(ملفوف خِطامها بشجرة كذا وكذا).

اللّفّ: ضدّ النشر.

وخِطام _ ككتاب _ : الزمام، وهو الخيط الذي يشدّ في البُرَة، (4) ثمّ يشدّ في طرفه المِقود، وقد سمّي المقود زماما.

(وقال: يا أيّها الناس، أكثرتم عليَّ في ناقتي).

يُقال: أكثر فلان: أي أتى بكثير. والمراد هنا الإكثار من القول، وهو قولهم: (يخبرنا من السماء) إلى آخره.

(ألا وما أعطاني اللّه ) من النبوّة، وما يتبعها من العلم والكمال.

(خيرٌ ممّا اُخذ منّي) من الناقة، أو أعمّ منها.

(فابتدرها الناس).

يُقال: ابتدره، أي عاجله، وتسارع إلى أخذه.

ص: 188


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 206 (وقف). وفيه: - «عليه»
2- الصحاح، ج 4، ص 1718 (زمل)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 296
4- . البُرَة: الحلقةُ في أنف البعير. لسان العرب، ج 14، ص 71 (بري)

(ثمّ قال: انتِ عامل المدينة، فتنجّز منه ما وعدك).

«تنجّز» بصيغة الأمر. قال الفيروزآبادي: «استنجز حاجته، وتنجّزها: استنجحها. والعدّة: سأل إنجازها»(1).

وقال في المصباح: «تنجّز فلان حاجته: إذا طلب قضاءها ممّن وعده إيّاها»(2).

(فإنّما هو شيء دعاك اللّه إليه).

هو من الدعوة إلى الطعام.

(لم تطلبه منه) أي يسّره اللّه ، وساقه إليك من غير طلبك إيّاه.

متن الحديث التاسع والسبعين والمائتين

اشارة

سَهْلٌ (3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ شُعَيْبٍ الْعَقَرْقُوفِيِّ (4). ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : شَيْءٌ يُرْوى عَنْ أَبِي ذَرٍّ _ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ _ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : ثَلَاثٌ يُبْغِضُهَا النَّاسُ وَأَنَا أُحِبُّهَا : أُحِبُّ الْمَوْتَ ، وَأُحِبُّ الْفَقْرَ ، وَأُحِبُّ الْبَلَاءَ .

فَقَالَ : «إِنَّ هذَا لَيْسَ عَلى مَا يَرْوُونَ (5) ، إِنَّمَا عَنَى الْمَوْتُ فِي طَاعَةِ اللّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْحَيَاةِ فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ ، وَالْبَلَاءُ فِي طَاعَةِ اللّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الصِّحَّةِ فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ ، وَالْفَقْرُ فِي طَاعَةِ اللّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْغِنى فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (ثلاث يبغضها الناس وأنا اُحبّها).

في القاموس: البغض _ بالضمّ _ : ضدّ الحبّ. والبِغضة _ بالكسر _ والبغضاء: شدّته. وبغض _ ككرم، ونصر، وفرح _ وأبغضه، ويبغضني _ بالضمّ لغة رديئة، وأبغضوه: مقتوه(6).

ص: 189


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 193 (نجز)
2- المصباح المنير، ص 595 (نجز) مع اختلاف في اللفظ
3- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن سهل عدّة من أصحابنا
4- . في الطبعة القديمة: «العقرقوقي»
5- . في أكثر النسخ الكافي والوافي: «ما تروون»
6- القاموس المحيط، ج 2، ص 325 (بغض)

وقال الجوهري: الحُبّ: المحبّة. وكذلك الحِبّ بالكسر. يُقال: أحبّه فهو محبّ. وحبّه يحبّه _ بالكسر _ فهو محبوب. وهذا شاذّ؛ لأنّه لا يأتي في المضاعف «يفعل» بالكسر إلّا ويشركه «يفعلُ» بالضمّ إذا كان متعدّيا، ما عدا هذا الحرف(1).

(فقال: إنّ هذا ليس على ما يروون).

هذا الكلام يحتمل وجهين:

أحدهما: أنّ أبا ذرّ لم يقل كذلك، وهم يحرّفون قوله عن وجهه، ولا يروونه كما قال.

وثانيهما: أنّه قال، ولكنّهم لم يفهموا غرضه من ذلك، ويبقونه على إطلاقه.

ويؤيّد الثاني قوله عليه السلام : (إنّما عنى) إلى آخره.

متن الحديث الثمانين والمائتين

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الْقَمَّاطِ ، عَنْ عَمِّهِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «هَبَطَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَئِيبٌ حَزِينٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، مَا لِي أَرَاكَ كَئِيبا حَزِينا؟

فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا .

قَالَ : وَمَا الَّذِي رَأَيْتَ؟

قَالَ : رَأَيْتُ بَنِي أُمَيَّةَ يَصْعَدُونَ الْمَنَابِرَ ، وَيَنْزِلُونَ مِنْهَا .

قَالَ (3). : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيّا (4). مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ مِنْ هذَا .

وَصَعِدَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ أَهْبَطَهُ اللّهُ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ بِآيٍ مِنَ الْقُرْآنِ يُعَزِّيهِ بِهَا : قَوْلِهِ : «أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ * ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ» (5) وَأَنْزَلَ اللّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : «إِنّا أَنْزَلْناهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» (6). لِلْقَوْمِ ، فَجَعَلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِرَسُولِهِ (7) خَيْرا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» .

ص: 190


1- الصحاح، ج 1، ص 105 (حبب)
2- . السند معلّق كسابقه
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فقال»
4- . في بعض نسخ الكافي: - «نبيّا»
5- . الشعراء (26): 205 _ 207
6- . القدر (97): 1 _ 3
7- . في بعض نسخ الكافي: - «لرسوله»

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (ورسول اللّه صلى الله عليه و آله كئيب حزين).

قال الجوهري: الكآبة: سوء الحال، والإنكسار من الحزن. وقد كئب الرجل يكأب [كأبة و] كآبة، مثل رأفة ورآفة، ونشأة ونشاءة، فهو كئيب(1).

(ثمّ أهبط اللّه _ جلّ ذكره _ بآي من القرآن).

قال في القاموس: «الآية: العلامة، والشخص، وزنها: فعلة بالفتح، أو فعلة محرّكة، أو فاعلة. الجمع: آيات، وآي. [و] من القرآن: كلام متّصل على انقطاعه»(2).

(يعزّيه بها) أي يسلّيه بتلك الآي، ويحمله على الصبر.

وفي القاموس: «العزاء: الصبر. عزى _ كرضى _ عزاء، وعزّاه تعزية»(3).

قوله: «آي» وهي قوله تعالى، ويحتمل كونه بالجرّ على البدليّة من الآي.

«أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ» .

قيل: أي تركناهم ينتفعون، أو أبقيناهم وعمّرناهم(4).

قال في القاموس: «أمتعه اللّه بكذا: أبقاه، وأنشأه إلى أن ينتهي شبابه، كمتّعه»(5).

«ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ» .

قيل: هو قيام الساعة(6). وقيل: الإهلاك والاستيصال والعقاب(7). وفسّر في بعض الأخبار بقيام القائم عليه السلام (8).

«مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ» .

ص: 191


1- الصحاح، ج 1، ص 207 (كأب)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 301 (أوى) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 362 (عزى) مع التلخيص
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 297
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 83 (متع)
6- نقله العلّامة المجلسي رحمه الله عن الأكثر في مرآة العقول، ج 26، ص 148
7- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 297
8- راجع: البرهان، ج 4، ص 185، ح 7940

قال البيضاوي: «أي لم يُغن [عنهم] تمتّعهم المتطاول في دفع العذاب وتخفيفه»(1).

وقال الجوهري: «أغنيت عنك مُغنى فلان، أي أجزأت عنك مُجْزأه. ويُقال: ما يُغني عنك هذا، أي ما يجزئ عنك، وما ينفعك»(2).

(وأنزل اللّه جلَّ ذكره) أيضا في تسليته صلى الله عليه و آله .

«إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» .

قال البيضاوي: الضمير [للقرآن] فخّمه بإضماره من غير ذكر شهادة له بالنباهة المغنية عن التصريح، كما عظّمه بأن أسند نزوله إليه، وعظّم الوقت الذي أُنزل فيه بقوله: «وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» وإنزاله فيها بأن ابتدأ بإنزاله فيها، أو أنزله جملة من اللّوح إلى السماء الدُّنيا على السفرة، ثمّ كان جبرئيل عليه السلام ينزل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله نجوما، وتسميتها بذلك لشرفها، أو لتقدير الاُمور فيها؛ لقوله تعالى: «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» (3). وذكر الألف إمّا للتكثير، أو لما روي أنّه عليه السلام ذكر إسرائيليّا لبس السلاح في سبيل اللّه ألف شهر، فتعجّب المؤمنون، وتقاصرت إليهم أعمالهم، فأعطوا ليلة القدر، وهي خيرٌ من مدّة ذلك الغازي، انتهى(4).

ويفهم من بعض الأخبار أنّ العبادة فيها خيرٌ من العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر(5).

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : «للقوم» صفة لألف شهر، والمراد بالقوم حينئذٍ بنو اُميّة، وبألف شهر مدّة ملكهم. ويحتمل بعيدا تعلّق الظرف بخير، وحمل القوم على المؤمنين.

(فجعل اللّه _ عزّ وجلّ _ ليلة القدر [لرسوله] خيرا من ألف شهر).

قال بعض الأفاضل: يحتمل أن يكون المراد من هذا الخبر أنّ اللّه تعالى سلب فضل ليلة القدر في مدّة ملك بني اُميّة عن العالمين، كما هو ظاهر خبر الصحيفة، فعبادة ليلة القدر أفضل من

ص: 192


1- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 254
2- الصحاح، ج 6، ص 2449 (غنى) مع التلخيص
3- . الدخان (44): 4
4- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 514، مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
5- اُنظر: الكافي، ج 5، ص248، ح 4

عبادة تلك المدّة؛ لعدم كون ليلة القدر فيها.

أو أنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ سلب فضلها عن بني اُميّة، فالمراد بالعبادة العبادة التقديريّة، لعدم صحّة عبادتهم؛ أي لو كانت مقبولة، لكانت عبادة ليلة القدر أفضل منها؛ لسلب فضيلة ليلة القدر عنهم. أو المراد أنّ الثواب الذي يمنحه اللّه على العمل فيها خيرٌ من سلطنة بني اُميّة وشوكتهم واقتدارهم في تلك المدّة.

فإن قلت: فعلى هذا، لا يظهر فضل كثير لليلة القدر؛ إذ كلّ ثواب من المثوبات الاُخرويّة _ وإن كانت قليلة لبقائها وأبديّتها _ خيرٌ من جميع الدُّنيا وما فيها؟

قلت: المراد على هذا: أنّ ثواب ليلة القدر بالنظر إلى سائر المثوبات الاُخرويّة أشدّ امتيازا وعلوّا من شوكتهم وملكهم بالنظر إلى ملك الدُّنيا وعزّها(1).

متن الحديث الواحد والثمانين والمائتين

اشارة

سَهْلٌ (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» (3) قَالَ : «فِتْنَةٌ فِي دِينِهِ ، أَوْ جِرَاحَةٌ لَا يَأْجُرُهُ اللّهُ عَلَيْهَا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله تعالى في سورة النور: «فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ» .

قال البيضاوي:

أي يخالفون أمره بترك مقتضاه، ويذهبون سَمتا خلاف سمته، وتعديته ب«عن» لتضمّنه معنى الإعراض، أو يصدّون عن أمره دون المؤمنين، من: خالفه عن الأمر: إذا صدّ عنه دونه، وحذف المفعول؛ لأنّ المقصود بيان المخالف والمخالف عنه، والضمير للّه ؛ فإنّ الأمر له في الحقيقة، أو للرسول؛ فإنّه المقصود بالذِّكر.

«أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ» : محنة في الدُّنيا.

«أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» في الآخرة. انتهى(4).

ص: 193


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 150، مع اختلاف يسير في اللفظ
2- . السند معلّق كسابقه
3- . النور (24): 63
4- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 204 مع اختلاف يسير في اللفظ

وقال الفيروزآبادي: «العذاب: النكال»(1).

وقال: «نكّل به تنكيلاً: صنع به صنيعا يحذر غيره. والنكال: ما نكلت به غيرك كائنا ما كان»(2).

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله: «المراد بالفتنة هنا بليّة تظهر ما في قلوبهم من النفاق. وقيل: عقوبة الدُّنيا»(3).

(قال: فتنة في دينه).

في القاموس: الفتنة _ بالكسر _ : الخِبْرَة، والضلال، والإثم، والكفر، والفضيحة، والعذاب، وإذابة الذهب، والفضّة، والإضلال، والجنون، والمحنة، واختلاف الناس في الآراء(4).

(أو جراحة) بكسر الجيم.

(لا يأجره اللّه عليها).

الأجر: الجزاء على العمل، والذِّكر الحسن. وفعله كسفر.

والظاهر أنّ هذه الفقرة تفسير للعذاب، مع احتمال كونها تفسيرا للفتنة أيضا.

وقيل: لعلّ ذكر الفتنة في الدِّين والجراحة من باب التمثيل(5).

متن الحديث الثاني والثمانين والمائتين

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (6) ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : إِنَّ شِيعَتَكَ قَدْ تَبَاغَضُوا وَشَنِئَ بَعْضُهُمْ بَعْضا ، فَلَوْ نَظَرْتَ _ جُعِلْتُ فِدَاكَ _ فِي أَمْرِهِمْ .

فَقَالَ : «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَكْتُبَ كِتَابا لَا يَخْتَلِفُ عَلَيَّ مِنْهُمُ اثْنَانِ» .

قَالَ : فَقُلْتُ : مَا كُنَّا قَطُّ أَحْوَجَ إِلى ذلِكَ مِنَّا الْيَوْمَ .

ص: 194


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 102 (عذب)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 60 (نكل) مع التلخيص
3- مجمع البيان، ج 7، ص 277 (مع اختلاف يسير في اللفظ)
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 255 (فتن) مع التلخيص
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 298
6- . السند معلق كسابقة

قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «أَنّى (1) هذَا وَمَرْوَانُ وَابْنُ ذَرًّ» .

قَالَ : فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ مَنَعَنِي ذلِكَ ، قَالَ : فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ ، فَدَخَلْتُ عَلى إِسْمَاعِيلَ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، إِنِّي ذَكَرْتُ لِأَبِيكَ اخْتِلَافَ شِيعَتِهِ وَتَبَاغُضَهُمْ ، فَقَالَ : «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَكْتُبَ كِتَابا لَا يَخْتَلِفُ عَلَيَّ مِنْهُمُ اثْنَانِ» قَالَ : فَقَالَ مَا قَالَ مَرْوَانُ وَابْنُ ذَرٍّ؟ قُلْتُ : بَلى ، قَالَ : يَا عَبْدَ الْأَعْلى ، إِنَّ لَكُمْ عَلَيْنَا لَحَقّا كَحَقِّنَا عَلَيْكُمْ ، وَاللّهِ مَا أَنْتُمْ إِلَيْنَا بِحُقُوقِنَا أَسْرَعَ مِنَّا إِلَيْكُمْ، ثُمَّ قَالَ : سَأَنْظُرُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَبْدَ الْأَعْلى ، مَا عَلى قَوْمٍ إِذَا كَانَ أَمْرُهُمْ أَمْرا وَاحِدا مُتَوَجِّهِينَ إِلى رَجُلٍ وَاحِدٍ يَأْخُذُونَ عَنْهُ أَلَا يَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ ، وَيُسْنِدُوا أَمْرَهُمْ إِلَيْهِ ، يَا عَبْدَ الْأَعْلى ، إِنَّهُ لَيْسَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ _ وَقَدْ (2).

سَبَقَهُ أَخُوهُ إِلى دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ _ أَنْ يَجْذِبَهُ عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ ، وَلَا يَنْبَغِي لِهذَا الْاخَرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَدْفَعَ فِي صَدْرِ الَّذِي لَمْ يَلْحَقْ بِهِ ، وَلكِنْ يَسْتَلْحِقُ إِلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللّهَ .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (إنّ شيعتك قد تباغضوا وشَنى ء بعضهم بعضا).

شنأه _ كمنعه، وسمعه _ : أبغضه. والعطف للتفسير.

(فلو نظرت _ جعلت فداك _ في أمرهم).

في القاموس: «النظر _ محرّكة _ : الفكر في الشيء يقدّره ويقيسه، والحكم بين القوم، والإعانة، والفعل كنصر»(3).

وكلمة «لو» للتمنّي، أو للشرط، والجزاء محذوف.

(فقال: لقد هممتُ) أي قصدت.

(أن أكتب) إليهم (كتابا).

الكتاب: ما يكتب فيه، والصحيفة، والحكم.

(لا يختلف عليَّ منهم) أي من الشيعة. والاختلاف: ضدّ الاتّفاق.

(اثنان).

ص: 195


1- . في أكثر نسخ الكافي: «أيّ»
2- . في بعض نسخ الكافي: «قد» بدون الواو
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 144 (نظر) مع اختلاف يسير في اللفظ

لعلّ ذكر الاثنين لكونهما أقلّ عدد يصلح محلّاً للتنازع، فيكون كناية عن رفع الاختلاف والتنازع رأسا.

(قال: قلت: ما كنّا قطّ).

في القاموس: ما رأيته قطّ _ ويضمّ، ويخفّفان _ وقطّ مشدّدة مجرورة بمعنى الدهر، مخصوص بالماضي، [أي] فيما مضى من الزمان، أو فيما انقطع من عمري(1).

(أحوج إلى ذلك) إشارة إلى رفع الاختلاف، أو إلى المكاتبة لذلك.

(منّا اليوم)؛ لكثرة الاختلاف في ذلك الوقت وشدّته، وكونه منشأً للفتنة على زعمه.

(قال) عبد الأعلى.

(ثمّ قال) أبو عبداللّه عليه السلام : (أيّ (2) هذا) بتشديد الياء، أو بتخفيفها على أن يكون حرف النداء.

وفي بعض النسخ: «أنّى هذا».

(مروان (3) ) في بعض النسخ: «ومروان» بالواو، ولعلّهما للحال، أي والحال أنّ مروان.

(وابن ذرّ) موجودان.

وفي بعض النسخ: «وأبي ذرّ». وفي بعضها: «وأبو ذرّ».

قال بعض الأفاضل: فحينئذٍ يحتمل أن يكون المراد: أنّ مع غلبة أهل الجور والكفر لا ينفع الكتاب، ألم تسمع قصّة أبي ذرّ حيث طرده عثمان، وكان ممّن يحبّه اللّه ورسوله، ومروان حيث آواه وكان هو وأبوه طريدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإذا خُولف الرسول صلى الله عليه و آله في مثل ذلك ولم ينكر، فكيف يطيعوني؟ (4).

أقول: لعلّ المراد: أنّى يمكن هذا الكتاب مع وجود مروان وابن ذرّ؟ أي لا ينفع هذا في رفع منازعتهما واختلافهما.

والظاهر أنّ المراد بهما رجلان من أصحابه عليه السلام ، وكان بينهما خصومة ومنازعة شديدة في فهم المسائل وحلّها، فأخبر عليه السلام أنّ الكتاب لا يرفع الاختلاف الذي منشأه سوء الفهم أو النفسانيّة.

ص: 196


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 380 (قطط)
2- . في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «أنّى»
3- . في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «ومروان»
4- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 151

ويمكن أن يكون المراد بابن ذرّ، عمرو بن ذرّ القاضي العامّي، وقد روي أنّه دخل على الصادق عليه السلام وناظره، (1) فيكون المراد حينئذٍ: أنّ هذا لا يمكن أن يكون سببا لرفع النزاع بين الأصحاب والمخالفين، بل يصير النزاع بذلك أشدّ، ويصير سببا لتضرّر الشيعة بذلك.

أقول: فيه نظر؛ لأنّ صدر الحديث صريح في أنّ المقصود رفع الاختلاف من بين الشيعة، لا من بينهم وبين المخالفين.

ويحتمل أن يكون الإمام عليه السلام يتّقي من هذين الرجلين.

وبالجملة اعتذر عليه السلام ممّا سأله عبد الأعلى. ومنعه من هذا السؤال مرّةً اُخرى، كما يدلّ عليه قوله: (قال: فظننتُ أنّه قد منعني ذلك) السؤال، أو إجابته.

(قال) عبد الأعلى: (فقمتُ من عنده عليه السلام ) بعد اليأس، وعدم الظفر بالحاجة.

(فدخلتُ على إسماعيل) بن الصادق عليه السلام .

(فقلت: يا أبا محمّد) إلى قوله: (قال فقال).

الظاهر أنّ فاعل الأوّل عبد الأعلى، وفاعل الثاني إسماعيل.

(ما قال مروان وابن ذرّ).

في بعض النسخ: «وأبي ذرّ». وفي بعضها: «وأبو ذرّ».

وكلمة «ما» للنفي بتقدير الاستفهام، أي قال عبد الأعلى: (فقال) لي إسماعيل بعدما ذكرت له ما جرى بيني وبين أبيه عليه السلام إلى قوله: (لا يختلف عليَّ منهم اثنان)، أما قال أبي في جوابك قصّة مروان وابن ذرّ؟ (قلت: بلى) يكون.

قوله: (يا عبد الأعلى) إلى آخر الحديث، من كلام إسماعيل.

وقال بعض الأفاضل:

إنّ فاعل «قال» في قوله «قال: فقال» عبد الأعلى، وفاعل «فقال» الصادق عليه السلام ، أي قال عبد الأعلى: فقال الصادق عليه السلام .

وذكر ما جرى بين مروان وابن ذرّ من المخاصمة، فصدّقه الراوي على ذلك، وقال:

ص: 197


1- . اُنظر: الكافي، ج 2، ص 285، ح 22

بلى جرى بينهما ذلك، وهذا يحتمل أن يكون في وقت آخر أتاه عليه السلام ، أو في هذا الوقت الذي كان يكلّم إسماعيل سمع عليه السلام كلامه، فأجابه. انتهى(1).

وأنت خبير بأنّ هذا الاحتمال بعيد من سياق الكلام غاية البُعد.

وقال الفاضل الإسترآبادي: في بعض النسخ: «وأبو ذرّ» في الموضعين. وفي العبارة سهو، وكان قصده عليه السلام من ذكر ما قال مروان وأبو ذرّ أنّ المسلمين ليسوا بسواء، وأنّ درجات أصحابنا ومراتب أذهانهم متفاوتة، وكلٌّ ميسّر لما خُلق له، فينبغي أن يعمل كلّ بما أخذه، ولا ينبغي أن يخاصم بعضهم بعضا في الفتاوى، وربّما يكون الأصلح في حقّ بعض أن يعمل بالتقيّة، فأفتاه الإمام بالتقيّة دون بعض، فأفتاه الإمام بالحقّ، وربّما يصل ذهن بعضهم إلى الدقائق الكلاميّة المسموعة من الإمام دون بعض، فلا ينبغي أن يحمل على شيء أحد لا يقدر عليه(2).

(إنّ لكم علينا لحقّا).

هو النصيحة والدلالة على ما فيه صلاحكم من اُمور الدِّين والدُّنيا، والعدل في الأحكام، وغيرها.

(كحقّنا عليكم) من الانقياد، والأخذ، والقبول، والتسليم، والرِّضا، ومعرفة الإمام.

(واللّه ما أنتم إلينا) متعلّق بقوله: أسرع (بحقوقنا)؛ أي برعايتها وأدائها.

(أسرع منّا) في رعاية الحقوق وأدائها.

(إليكم)؛ يعني إنّ اهتمامنا بذلك أشدّ وأكثر. فعلم منه أنّ منع الكتاب إنّما هو لمانع منه.

(ثمّ قال) إسماعيل، (سأنظر) فيما سألت من أمر الكتاب.

وقوله: «وأشاور معه عليه السلام ، فلعلّه يكتب أيّ رأي فيه صلاحا» (3). ليس في كثير من النسخ.

وعلى هذه النسخة، يسقط الاحتمال الذي نقلناه سابقا عن بعض الأفاضل من إرجاع الضمير، «فقال» أي الصادق عليه السلام ، فتأمّل.

(ثمّ قال) أبي عبداللّه : (يا عبد الأعلى، ما على قوم) كلمة «ما» استفهاميّة، تتضمّن نوع

ص: 198


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 151 (مع اختلاف في اللفظ)
2- نقله عنه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 151 و 152
3- . لم يضبط هذه العبارة في المتن الذي كتبه سابقا

شكاية من الشيعة على سبيل اللّوم والتوبيخ والتعجّب.

(إذا كان أمرهم أمرا واحدا)؛ يعني كانوا متّفقين على دين واحد.

(متوجّهين إلى رجلٍ واحد).

هو الإمام الحقّ الذي (يأخذون عنه) دينهم بعدما كان يدعوهم إليه.

(أن لا يختلفوا عليه).

فيما يأخذون عنه؛ بل يعمل كلٌّ منهم بما يأخذ عنه، ولم ينكر على الآخر على ما في يده، وإن كان مخالفا لما في يد الأوّل بحسب الظاهر؛ فإنّه ربّما كان له وجوه ومحامل لا يبلغ إليها فهمه.

(ويسندوا أمرهم إليه).

الإسناد في الحديث: رفعه إلى قائله، ونسبته إليه؛ أي يسند كلّ منهم أمره إلى إمامه، ولا يتعرّض له الآخر لا يردّه.

(يا عبد الأعلى، إنّه ليس ينبغي للمؤمن).

لعلّ المراد أنّ اختلافهم لما كان بسبب اختلاف درجاتهم، وهم يكلِّمون الناس على قدر عقولهم، فلا ينبغي للمؤمن الناقص، والحال أنّه (قد سبقه أخوه) الكامل (إلى درجة من درجات الجنّة) التي هي مسبّبة من درجات الفضل والكمال والعلم والعمل.

(أن يجذبه عن مكانه الذي هو به) أي يكلّفه بأن يعتقد ويعمل على وفق فهمه الناقص؛ فإنّ هذا التكليف بمنزلة جذبه عن مكانه، ودفعه عن المرتبة الكاملة إلى المرتبة الناقصة.

(ولا ينبغي لهذا الآخر الذي لم يبلغ) على البناء للمفعول من الإبلاغ، أو من البلوغ. أي الذي كان بحيث لم يبلغ إليه أخوه، ولم ينل درجته بعدُ.

ويحتمل كونه على البناء للفاعل من البلوغ، أي الذي لم يبلغ إلى غاية درجات الكمال، وإن كان سابقا على الآخر. ففيه إيماء بأنّه أيضا ناقص بالنسبة إلى من سبقه، فينبغي أن يكون معاملته مع من هو دونه بما يجب أن يعامل معه من هو فوقه، فلا ينبغي له (أن يدفع في صدر الذي لم يلحق به) بعد، بأن يمنعه عن الوصول إليه؛ إمّا بأن يترك إعانته وإرشاده إلى طريق الوصول إلى ذلك المكان الذي هو فيه، أو بتكليفه الصعود إليه دفعة مع عدم أسبابه ومقدّماته؛ فإنّ هذا التكليف ربما يوجب إنكار تلك المرتبة بالنسبة إلى الناقص؛ لعدم تمكّنه

ص: 199

من فهمها وإدراكها، فيصير سببا لحرمانه منها، فكأنّه دفع في صدره، ومنعه عن الوصول إليه.

(ولكن يستلحق إليه) أي يجتهد في طلب لحوق الآخر إليه بالرّفق واللّطف والمداراة والهداية إلى أسباب اللّحوق والوصول، لا بالخرق والعنف والمناقشة.

(ويستغفر اللّه ) لنفسه ولأخيه.

أمّا الأوّل فلأنّ استغفاره شاهد صدق على أنّه لا يبرئ نفسه من العيوب والنقص والتقصير، وإن بلغ درجة الكمال.

وأمّا الثاني فلأنّ استغفاره له ربما يصير سببا لبلوغه إلى تلك المرتبة، بل إلى ما فوقها.

ويحتمل أن يُراد باستغفاره لأخيه سعيه في تحصيل ما يوجب المغفرة له.

هذا وحمل بعض الشارحين قوله: «أن لا يختلفوا» على الاختلاف فيما بينهم بالتباغض والتحاسد، وقوله: «أن يسندوا أمرهم إليه» على عدم التجاوز عمّا أراد منهم من التعاون وترك التباغض والتناقض، وقوله: «أن يجذبه عن مكانه الذي هو به» بأن ينقص حقّه من التعليم والتوفير، وينكر فضله ويحسده ويبغضه، وقوله: «أن يدفع في صدره» بأن يذمّه ويلومه ويعيّره ولا يعينه.

ثمّ قال: والغرض أنّه ينبغي لكلّ واحدٍ أن يعرف حقّ الآخر، فالمفضول يقرّ بفضل الأفضل، والأفضل يعين المفضول ويسعى في ترقّيه حتّى يستقرّ بالهم وينتظم حالهم، انتهى(1) فتأمّل.

متن الحديث الثالث والثمانين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَما لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا» (2) قَالَ : «أَمَّا الَّذِي فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ، فَلِأَنَّ الْأَوَّلَ يَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقُونَ وَلَايَتَهُ ، وَهُمْ فِي ذلِكَ يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضا ، وَيَبْرَأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ، فَأَمَّا رَجُلٌ سَلَمٌ لِرَجُلٍ (3) ، فَإِنَّهُ الْأَوَّلُ حَقّا وَشِيعَتُهُ» .

ص: 200


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 299، مع اختلاف في اللفظ
2- . الزمر (39): 29
3- . في الطبعة القديمة: «رجل»

ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ الْيَهُودَ تَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِ مُوسى عليه السلام عَلى إِحْدى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، مِنْهَا فِرْقَةٌ (1) فِي الْجَنَّةِ ، وَسَبْعُونَ فِرْقَةً فِي النَّارِ ، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارى بَعْدَ عِيسى عليه السلام عَلَى (2) اثْنَتَيْنِ (3) وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، فِرْقَةٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ ، وَإِحْدى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَتَفَرَّقَتْ هذِهِ الْأُمَّةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا صلى الله عليه و آله عَلى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، اثْنَتَانِ (4) وَسَبْعُونَ فِرْقَةً فِي النَّارِ ، وَفِرْقَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَمِنَ الثَّلَاثِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ثَلَاثَ عَشْرَةَ فِرْقَةً تَنْتَحِلُ وَلَايَتَنَا وَمَوَدَّتَنَا ، اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً مِنْهَا فِي النَّارِ ، وَفِرْقَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَ سِتُّونَ فِرْقَةً مِنْ سَائِرِ النَّاسِ فِي النَّارِ» .

شرح الحديث

السند مجهول كالحسن.

قوله تعالى في سورة الزمر: «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً» .

قال الجوهري: «وضرب اللّه مثلاً: أي وصف، وبيّن»(5).

وفي القاموس: «المثل _ محرّكة _ : الحجّة، والحديث، والصِّفة»(6).

«رَجُلاً» .

قال البيضاوي: هو بدل من «مثلاً»، وهذا مثل للمشرك والموحّد.

«فِيهِ» صلة.

«شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ» ؛ التشاكس: الاختلاف.

«وَرَجُلاً سَلَما لِرَجُلٍ» ؛ مثل المشترك ما يقتضيه مذهبه من أن يدّعي كلّ من معبود عبوديّته، ويتنازعون فيه بعبد يتشارك فيه جمع يتجاذبونه ويتعاورونه في مهامّهم المختلفة في تخيّره، وتوزّع قلبه، وللموحّد بمن خلص لواحد ليس لغيره عليه سبيل.

وقرأ نافع وابن عامر والكوفيّون: «سَلَما» بفتحتين. وقرئ بفتح السين وكسرها مع

ص: 201


1- . في بعض نسخ الكافي: «فرقة منها»
2- . في بعض نسخ الكافي: - «على»
3- . في الطبعة القديمة وأكثر نسخ الكافي والوافي: «اثنين»
4- . في بعض نسخ الكافي: «اثنان»
5- الصحاح، ج 1، ص 168 (ضرب)
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 49 (مثل)

سكون العين، وثلاثها مصادر «سلم» نعت بها، أو حذف منها ذا(1).

«هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً» أي صفة وحالاً، ونصب على التمييز، ولذلك وحدّه.

وقال الفيروزآبادي: «السلم _ بالكسر _ المسالم، والصلح. وبالتحريك: الاستسلام. وقال: سالَما: صالَحا»(2).

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله:

ضرب اللّه سبحانه مثلاً للكافر وعبادته للأصنام، فقال: «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ» ؛ أي مختلفون سيّئوا الأخلاق [متنازعون]، وإنّما ضرب هذا المثل لسائر المشركين، ولكنّه ذكر رجلاً واحدا وصفه بصفة موجودة في سائر المشركين، فيكون المثل المضروب له مضروبا لهم جميعا.

ويعني بقوله: «رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ» أي يعبدون آلهة مختلفة، وأصناما كثيرة، وهم متشاجرون متعاسرون، هذا يأمره وهذا ينهاه، ويريد كلّ واحد منهم أن يفرده بالخدمة، ثمّ يكل كلّ منهم أمره إلى الآخر، فيبقى هو خاليا عن المنافع، وهذا حال من يخدم جماعة مختلفة الآراء والأهواء.

هذا مثل الكافر، ثمّ ضرب مثل المؤمن الموحِّد، فقال: «وَرَجُلاً سَلَما لِرَجُلٍ» ؛ أي خالصا يعبد مالكا واحدا، لا يشوب بخدمته خدمة غيره، ولا يأمل سواه، ومن كان بهذه الصفة نال ثمرة خدمته، لا سيّما إذا كان المخدوم حكيما قادرا كريما.

وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن عليّ عليه السلام بأنّه قال: «أنا ذلك الرجل السلم لرسول اللّه صلى الله عليه و آله »(3). وروى العيّاشي بإسناده عن أبي خالد، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال الرجل: «السّلم للرجل عليّ حقّا وشيعته (4). »(5).

(قال: أمّا الذي) أي الرجل الذي، (فيه) أي في ذلك الرجل.

(شركاء متشاكسون، فلأنّ الأوّل)؛ يعني أبا بكر.

(يجمع المتفرّقون ولايته)؛ يعني أنّه لضلالته وعدم ابتناء طريقته على أصل، وعدم متابعته

ص: 202


1- نقل بالمعنى. اُنظر: تفسير البيضاوي، ج 5، ص 65 و 66
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 129 و 130 (سلم) مع التلخيص
3- عنه في بحار الأنوار، ج 24، ص 161، ح 10
4- لم نعثر على الرواية في تفسير العيّاشي. لكن روى عنه العلّامة رحمه الله في بحار الأنوار، ج 24، ص 161، ح 11
5- مجمع البيان، ج 8 ، ص 397 و 398 مع اختلاف يسير في اللفظ

لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، اختلف المشركون في ولايته ومحبّته على أهواء مختلفة وآراء متشتّتة.

(وهم في ذلك) الجمع والتفرّق.

(يلعن بعضهم بعضا، ويبرأ بعضهم من بعض).

كما هو معروف من طريقة أهل الخلاف، واختلاف الأشاعرة والمعتزلة في الاُصول، وفقهائهم الأربعة في الفروع، بل في الاُصول أيضا، بحيث يبرأ كلّ منهم من معتقد الآخر، ومع ذلك يقولون كلّهم على الحقّ، وأنّهم جميعا من أهل الجنّة؛ وهل هذا إلّا الاعتراف بالجمع بين المتناقضات، كما لا يخفى على العارف المتدرّب بكتبهم الكلاميّة وغيرها؟!

وقيل: المراد أنّهم يوم القيامة يتبرّأ بعضهم من بعض، ويلعن بعضهم بعضا، حين رأوا ضلالتهم، وإحاطة العذاب بهم.

والحاصل أنّه عليه السلام فسّر رجلاً بأبي بكر، وشركاء بمواليه، والتشاكس بتلاعنهم، وتبرّأ بعضهم من بعض. وهذا التفسير إمّا من بطون الآية، أو لأنّها بإطلاقها، أو عمومها صادق عليهم، أو بيان لمورد نزولها، والغرض الأصلي منها، وكذا قوله عليه السلام : (فأمّا رجلٌ سلم لرجل، فإنّه الأوّل حقّا)؛ يعني أمير المؤمنين عليه السلام ؛ فإنّه الإمام الأوّل حقّا، وشيعته فإنّهم راضون عنه، مستسلمون له، وهو راضٍ عنهم.

وقال بعض الأفاضل:

هذا الرجل يحتمل وجهين؛ الأوّل: أن يكون المراد بالرجل الأوّل في قوله تعالى: «وَرَجُلاً سَلَما لِرَجُلٍ» أمير المؤمنين عليه السلام ، وبالرجل الثاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ويؤيّده ما مرّ من رواية الحاكم، فالمقابلة بين الرجل باعتبار أنّ المتشاكس بين الأتباع إنّما حصل لعدم كون متبوعهم سلما للرسول صلى الله عليه و آله ، ولم يأخذ عنه صلى الله عليه و آله . والثاني أن يكون المراد بالرجل الأوّل كلّ واحد من الشيعة، وبالرجل الثاني أمير المؤمنين عليه السلام ، والمعنى: أنّ الشيعة لكونهم سلما لإمامهم، لا منازعة بينهم في أصل الدِّين، فيكون قوله عليه السلام . «الأوّل حقّا» بيانا للرجل الثاني، وشيعته بيانا للرجل الأوّل، والمقابلة في الآية تكون بين رجل فيه شركاء، وبين الرجل الثاني من الرجلين المذكورين ثانيا. والأوّل أظهر في الخبر، والثاني أظهر في الآية(1).

ص: 203


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 154 و 155 (مع التلخيص واختلاف في اللفظ)

(ثمّ قال: إنّ اليهود تفرّقوا) إلى قوله عليه السلام : (تنتحل ولايتنا ومودّتنا) في القاموس: «انتحله وتنحّله: ادّعاه لنفسه، وهو لغيره»(1).

ولعلّ نسبة الانتحال إلى الجميع باعتبار التغليب، نظرا إلى أنّ أكثرهم يدّعون الولاية والمودّة من غير أن يكون له حقيقة، أو تقول: إنّ المراد بالانتحال هنا الادّعاء والانتساب مطلقا، كما أشار إليه بقوله: (اثنتا عشرة فرقة منها في النار، وفرقة في الجنّة). ولعلّ المراد بالفِرَق المنتحلين ما يعمّ الغُلاة، فتأمّل.

متن الحديث الرابع والثمانين والمائتين

اشارة

وَعَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سِنَانٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمْ تَزَلْ دَوْلَةُ الْبَاطِلِ طَوِيلَةً ، وَدَوْلَةُ الْحَقِّ قَصِيرَةً» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله عليه السلام : (لم تزل دولة الباطل طويلة، ودولة الحقّ قصيرة).

قيل: مدّة الباطل وإن كانت قصيرة، ومدّة الحقّ طويلة؛ فإنّ الباطل يزهق، والحقّ يبقى، لكن دولة الباطل و[هي] ظهوره وشيوعه بين الخلق أكثر من دولة الحقّ، وظهوره بينهم؛ لكثرة أهل الباطل، وقلّة أهل الحقّ، فيصير الباطل مشهورا بينهم، والحقّ مغمورا مستورا(2).

متن الحديث الخامس والثمانين والمائتين

اشارة

وَعَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : مَتى فَرَجُ شِيعَتِكُمْ؟

قَالَ : فَقَالَ : «إِذَا اخْتَلَفَ وُلْدُ الْعَبَّاسِ ، وَوَهى سُلْطَانُهُمْ ، وَطَمِعَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَطْمَعُ فِيهِمْ ، وَخَلَعَتِ الْعَرَبُ أَعِنَّتَهَا ، وَرَفَعَ كُلُّ ذِي صِيصِيَةٍ صِيصِيَتَهُ ، وَظَهَرَ الشَّامِيُّ ، وَأَقْبَلَ الْيَمَانِيُّ ، وَتَحَرَّكَ

ص: 204


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 55 (نحل)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 284

الْحَسَنِيُّ ، وَخَرَجَ صَاحِبُ هذَا الْأَمْرِ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلى مَكَّةَ بِتُرَاثِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله » .

فَقُلْتُ : مَا تُرَاثُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟

قَالَ : «سَيْفُ رَسُولِ اللّهِ وَدِرْعُهُ وَعِمَامَتُهُ وَبُرْدُهُ وَقَضِيبُهُ وَرَايَتُهُ وَلَامَتُهُ وَسَرْجُهُ حَتّى يَنْزِلَ مَكَّةَ ، فَيُخْرِجَ السَّيْفَ مِنْ غِمْدِهِ ، وَيَلْبَسَ الدِّرْعَ ، وَيَنْشُرَ الرَّايَةَ وَالْبُرْدَةَ وَالْعِمَامَةَ ، وَيَتَنَاوَلَ الْقَضِيبَ بِيَدِهِ ، وَيَسْتَأْذِنَ اللّهَ فِي ظُهُورِهِ ، فَيَطَّلِعُ عَلى ذلِكَ بَعْضُ مَوَالِيهِ ، فَيَأْتِي الْحَسَنِيَّ ، فَيُخْبِرُهُ الْخَبَرَ ، فَيَبْتَدِرُ الْحَسَنِيُّ إِلَى الْخُرُوجِ ، فَيَثِبُ عَلَيْهِ أَهْلُ مَكَّةَ ، فَيَقْتُلُونَهُ وَيَبْعَثُونَ بِرَأْسِهِ إِلَى الشَّامِيِّ ، فَيَظْهَرُ عِنْدَ ذلِكَ صَاحِبُ هذَا الْأَمْرِ ، فَيُبَايِعُهُ النَّاسُ وَيَتَّبِعُونَهُ ، وَيَبْعَثُ الشَّامِيُّ عِنْدَ ذلِكَ جَيْشا إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَيُهْلِكُهُمُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ دُونَهَا ، وَيَهْرُبُ (1) يَوْمَئِذٍ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ عليه السلام إِلى مَكَّةَ ، فَيَلْحَقُونَ بِصَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ ، وَيُقْبِلُ صَاحِبُ هذَا الْأَمْرِ نَحْوَ الْعِرَاقِ ، وَيَبْعَثُ جَيْشا إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَيَأْمَنُ أَهْلُهَا وَيَرْجِعُونَ إِلَيْهَا» .

شرح الحديث

السند صحيح على الأصحّ.

قوله: (متى فرج شيعتكم) أي بظهور القائم عليه السلام واستيلائه. والفرج _ بالتحريك _ : كشف الغمّ، كالتفريج، وفعله كضرب. وقيل: كنصر.

(قال: فقال: إذا اختلفت ولد العبّاس).

في القاموس: «اختلف: ضدّ اتّفق. وفلانا: صار خليفته(2).

وفي تاج اللغة: «الاختلاف: به نزد كسى آمد وشد كردن».

وقيل: المراد هنا المعنى الثاني، أو الأخير جاء بعضهم بعد بعض، وقام بأمر الإمارة والسلطنة(3) ويحتمل إرادة المعنى الأوّل.

(ووَهى سلطانهم).

قال الجوهري: «وَهَى الحائط: إذا ضعف، وهمَّ بالسقوط»(4).

ص: 205


1- . في بعض نسخ الكافي: «فتأمن»
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 139 (خلف)
3- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 301
4- الصحاح، ج 6، ص 2531 (وهي)

وقال الفيروزآبادي: «الوهَى: الشقّ في الشيء. وَهِيَ _ كوَعِيَ، ووَليَ _ : تخرّق، وانشقّ، واسترخى رباطه»(1).

وقال:

السلطان: الحجّة، وقدرة الملك، وتضمّ لامه. والوالي، مؤنّث؛ لأنّه جمع سليط للدهن، كأنّ به يضيئ المُلك، أو لأنّه بمعنى الحجّة. وقد يذكر ذهابا إلى معنى الرجل. والسلطان من كلّ شيء: شدّته(2).

(وطمع فيهم) أي في مملكتهم، وهدم دولتهم.

(من لم يكن يطمع فيهم).

وهو هلاكو.

(وخلعت العرب أعنّتها).

قال في القاموس: «الخلع _ كالمنع _ : النزع، إلّا أنّ في الخلع مهلة»(3).

وقال: «العنان _ ككتاب _ : سير اللِّجام الذي تمسك به الدابّة. الجمع: أعنّة»(4).

قيل: كان خلعها كناية عن الذلّ والانكسار والوحشة والفرار(5).

وقيل: كناية عن طغيانهم ومخالفتهم للسلطان(6).

وأقول: يحتمل قراءة «خُلِعَت» على صيغة المجهول، و«أعنّتها» بالرفع على كونها بدل الاشتمال من «العرب»، من قبيل: خلع عمرو ثوبه. أو بالنصب على الحذف والإيصال، ويكون كناية عن فقدان قائدهم وسائسهم، وزوال السلطنة والحكومة من بينهم، كما هو الواقع بعد انقراض ملك بني العبّاس.

(ورفع كلّ ذي صيصة صيصته).

قيل: أي أظهر كلّ ذي قوّة قوّته وقدرته(7).

ص: 206


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 402 (وهي)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 365 (سلط) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 18 (خلع)
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 249 (عنن)
5- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 301
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 156
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 156 مع اختلاف يسير في اللفظ

وفي القاموس: الصيصة _ بالكسر _ : شوكة الحائك يسوّي بها السدي واللحمة، وشوكة الديك، وقرن البقر، والظبا، والحصن وكلّ ما امتنع به الجمع صياصي، والراعي الحسن القيام على ماله(1).

وقال الجوهري: «صياصي البقر: قرونها. وربما كانت تركّب في الرماح مكان الأسنّة»(2).

وفي النهاية:

فيه: أنّه ذكر فتنة في الأرض تكون في أقطارها، كأنّها صياصي بقر؛ أي قرونها، واحدها صيصة، شبّه الفتنة بها لشدّتها وصعوبتها. وكلّ شيء امتنع وتحصّن، فهو صيصية. ومنه قيل للحصون: الصياصي. وقيل: شبه الرّماح التي تشرع في الفتنة وما يشبهها من سائر السلاح بقرون بقر مجتمعة(3).

(وظهر الشامي).

قيل: هو السفياني الدجّال(4).

(وأقبل اليماني) إلى العراق.

(وتحرّك الحسني) من مكّة بإرادة الخروج.

(وخرج صاحب هذا الأمر) جواب قوله: «إذا اختلفت».

وقوله: (من المدينة إلى مكّة) متعلّق ب «خرج»، وكذا قوله عليه السلام : (بتراث رسول اللّه صلى الله عليه و آله ).

الباء للتسلسل وللمصاحبة. و«التراث» بالضمّ: الميراث. وأصل التاء فيه واو، صرّح به الجوهري(5).

(قال: سيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ودرعه).

في القاموس: «درع الحديد _ بالكسر _ قد يذكّر، ومن المرأة: قميصها، مذكّر»(6).

أقول: المناسب هنا المعنى الأوّل.

(وعمامته).

ص: 207


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 307 (صيص)
2- الصحاح، ج 3، ص 1044 (صيص)
3- النهاية، ج 3، ص 67 (صيص)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 301
5- راجع: الصحاح، ج 1، ص 295 (ورث)
6- القاموس المحيط، ج 3، ص 20 (درع)

في القاموس: «العِمامة _ بالكسر _ : المِغفر، والبيضة، وما يلفّ على الرّأس»(1).

(وبرده).

في القاموس: «البرد _ بالضمّ _ : ثوب مخطّط. الجمع: أبراد، وأبرد، وبرود، وأكيسة تلتحف بها الواحدة بهاء»(2).

(وقضيبه).

في القاموس: القضب: ما قطعت من الأغصان للسّهام، أو القسي. والقضيب: الناقة لم ترض، والغصن، واللطيف من السيوف، والقوس عملت من قضب، أو من غصن غير مشقوق، والسيف القطّاع(3).

(ورايته).

الراية _ بغير همز _ : العلم.

(ولامته).

قال الفيروزآبادي: في المهموز العين: «اللّامة: الدرع. وجمعها: لأم [ولُؤَم]، كصُرَد»(4).

وقال في المصباح: «اللأمة _ بهمزة ساكنة، ويجوز تخفيفها _ : الدرع. والجمع: لأَْم، مثل تَمْرة وتَمْر»(5).

وقال في النهاية: «اللأمة _ مهموزة _ : الدرع. وقيل: السلاح»(6).

(فيخرج السيف من غمده).

الغمد _ بالكسر _ : غلاف السيف. والظاهر أنّ قوله: «يخرج» من الإخراج، وفاعله الصاحب عليه السلام .

وقيل: يمكن أيضا كونه من الخروج، وفاعله «السيف»، فيكون ذلك علامة لظهوره عليه السلام (7).

ص: 208


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 154 (عمم)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 277 (برد)
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 117 (قضب)
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 174 (لأم) مع اختلاف في اللفظ
5- المصباح المنير، ص 560 (لأم)
6- النهاية، ج 4، ص 220 (لأم)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 301

(ويلبس الدرع، وينشر الراية).

النشر: الإذاعة، والإفشاء. والنشر أيضا: خلاف الطيّ. والنشر: الإحياء. وفعل الكلّ كنصر وضرب.

(والبردة والعمامة).

قيل: الأنسب أنّه عطف على الدرع، فيدلّ على جواز العطف على جزء جملة بعد الفصل بجملة اُخرى، والعطف على الراية بعيد(1).

أقول: بل الظاهر أنّها عطف على الراية، فيُراد بنشر البردة خلاف طيّها، وهو كناية عن لبسها وابتذالها، وكذا العمامة، فلا يحتاج إلى التكلّف.

وفي بعض النسخ: «ويتعمّم بالعمامة» بدل «والعمامة».

(ويتناول القضيب بيده) أي يأخذه بها.

(ويستأذن اللّه في ظهوره).

يُقال: استأذنه، أي طلب منه الإذن.

(فيطّلع على ذلك) أي على ظهوره عليه السلام .

(بعض مواليه).

الظاهر عود الضمير إلى الصاحب عليه السلام .

وقيل: الأنسب عوده إلى الحسنيّ المذكور سابقا، وعوده إلى الصاحب بعيد جدّا(2).

أقول: أنت خبير بأنّ الأمر بالعكس.

(فيأتي) ذلك البعض.

(الحسني) مفعول «يأتي».

(فيخبره الخبر) أي يخبر ذلك البعض الحسني خبر ظهور الصاحب عليه السلام .

(فيبتدر الحسني إلى الخروج).

يُقال: ابتدره، أي تسارع إلى أخذه.

ص: 209


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 301
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 301

(فيثب عليه) أي على الحسني.

(أهل مكّة).

الوثوب: الطفرة. ويطلق على الحملة، والهجوم، والاستيلاء. يُقال: توثّب عليه: إذا استولى ظلما.

(فيقتلونه ويبعثون برأسه) أي يرسلونه.

(إلى الشام)(1).

في بعض النسخ: «إلى الشامي».

(فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر).

روى الصدوق رحمه الله في كتاب كمال الدِّين بإسناده عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر عليه السلام : «يخرج القائم عليه السلام يوم السبت، يوم عاشوراء، اليوم الذي قُتل فيه الحسين عليه السلام »(2).

(ويبعث الشامي عند ذلك جيشا إلى المدينة، فيهلكهم اللّه _ عزّ وجلّ _ دونها).

أي قبل الوصول إلى المدينة بالبيداء، يخسف اللّه به وبجيشه الأرض، كما وردت به الأخبار.

(ويقبل) أي يتوجّه.

(صاحب هذا الأمر نحو العراق).

قيل: أي نحو الكوفة مع عصا موسى والحجر الذي انبجست منه اثنتا عشرة عينا، ومنه طعامهم وشرابهم، كما روي(3).

(ويبعث) صاحب هذا الأمر.

(جيشا إلى المدينة) المشرّفة.

(فيأمن أهلها) بنيل الأمان منه عليه السلام .

(ويرجعون إليها) أي إلى المدينة آمنين.

ص: 210


1- في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «الشامي»
2- كمال الدين، ص 654، ح 19
3- الكافي، ج 1، ص 231، باب ما عند الأئمّة من آيات الأنبياء عليهم السلام ، ح 3؛ كمال الدين، ص 143، ذيل ح 10؛ الخرائج والجرائح، ج 2، ص 690

متن الحديث السادس والثمانين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ :

عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : خَرَجَ إِلَيْنَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام وَهُوَ مُغْضَبٌ ، فَقَالَ : «إِنِّي خَرَجْتُ آنِفا فِي حَاجَةٍ ، فَتَعَرَّضَ لِي بَعْضُ سُودَانِ الْمَدِينَةِ ، فَهَتَفَ بِي : لَبَّيْكَ يَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ لَبَّيْكَ ، فَرَجَعْتُ عَوْدِي عَلى بَدْئِي (1) إِلى مَنْزِلِي خَائِفا ذَعِرا مِمَّا قَالَ حَتّى سَجَدْتُ فِي مَسْجِدِي لِرَبِّي ، وَعَفَّرْتُ لَهُ وَجْهِي ، وَذَلَّلْتُ لَهُ نَفْسِي ، وَبَرِئْتُ إِلَيْهِ مِمَّا هَتَفَ بِي ، وَلَوْ أَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عَدَا مَا قَالَ اللّهُ فِيهِ ، إِذا لَصَمَّ صَمّا (2) لَا يَسْمَعُ بَعْدَهُ أَبَدا ، وَعَمِيَ عَمًى لَا يُبْصِرُ بَعْدَهُ أَبَدا ، وَخَرِسَ خَرْسا لَا يَتَكَلَّمُ بَعْدَهُ أَبَدا» ثُمَّ قَالَ : «لَعَنَ اللّهُ أَبَا الْخَطَّابِ ، وَقَتَلَهُ بِالْحَدِيدِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (وهو مغضب).

يقال: أغضبته فتغضّب، فهو مغضَب _ بفتح الضاد _ ومتغضّب، بكسرها.

(فقال: إنّي خرجت آنفا).

في القاموس: «قَالَ ءَانِفًا» (3) _ كصاحب، وكتف، وقرئ بهما _ أي مذ ساعة، أي في أوّل وقت يقرب منّا»(4).

(في حاجة، فتعرّض لي بعض سودان المدينة).

التعرّض: التصدّي.

و«سودان» بالضمّ، جمع أسود، وكأنّه كان غاليا، وكان من أصحاب أبي الخطّاب محمّد بن المقلاص، وهو من الغُلاة المشهورين، وكان يدّعي الربوبيّة للصادق عليه السلام ، والبنوّة لنفسه على أهل الكوفة.

ويدلّ على كون هذا الأسود من الغلاة أنّه ناداه عليه السلام بما ينادى به الربّ، كما يفهم من قوله عليه السلام : (فهتف) أي صاح (بي: لبّيك يا جعفر بن

ص: 211


1- . في بعض نسخ الكافي: «يدي»
2- . في أكثر نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: «صمما»
3- . محمّد (47): 16
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 119 (أنف)

محمّد لبّيك) وهو نظير ما يُقال في إحرام الحجّ: «لبّيك اللَّهُمَّ لبّيك» بقرينة ما سيأتي.

ويحتمل أنّه ناداه عليه السلام بهذه العبارة، أو قال: «لبّيك اللَّهُمَّ يا جعفر بن محمّد لبّيك» فحذف عليه السلام لفظ «اللَّهُمَّ» لاستكراهه عنه في هذا المقام، ولو على سبيل الحكاية.

قال الفيروزآبادي:

ألبّ: أقام، كلبّ. ومنه لبّيك، أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد إلباب وإجابةً بعد إجابة. أو معناه: اتّجاهي وقصدي لك، من: داري تلبّ داره، أي تواجهها. أو معناه: محبّتي لك، من: امرأة لُبّة: محبّة لزوجها. أو معناه: إخلاصي لك، من لبّ الشيء، وهو خالصه، انتهى(1).

(فرجعت عودي على بدئي).

قال الجوهري: «يُقال: رجع عوده على بدءه: إذا رجع في الطريق الذي جاء منه»(2).

قال الشيخ الرضيّ رضى الله عنه:

قولهم: «على بدئه» متعلّق بعوده، أو برجع، والحال مؤكّدة. والبدء مصدر بمعنى الابتداء، وجعل بمعنى المفعول، أي عائدا على ما ابتدأ، أو يجوز أن يكون عوده مفعولاً مطلقا لرجع، أي رجع على بدئه عوده المعهود، وكأنّه عهد منه أن لا يستقرّ على ما ينتقل إليه، بل يرجع على ما كان عليه قبل، فيكون نحو قوله تعالى: «وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ» (3). (4).

وقال التفتازاني في شرح تلخيص المفتاح:

وإن كانت الجملة إسميّة، فالمشهور جواز ترك الواو، بعكس ما مرّ في الماضي المثبت لدلالة الاسميّة على المقارنة لكونها مستمرّة، لا على حصول صفة غير ثابتة، نحو: كلّمته فوه [إلى] فيّ، ورجع عوده على بدئه فيمن رفع هذه، وعوده على الابتداء(5).

(إلى منزلي خائفا ذعرا).

بفتح الذال وكسر العين، أو سكونهما.

ص: 212


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 127 (لبب) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
2- الصحاح، ج 1، ص 35 (بدأ)
3- . الشعراء (26): 19
4- شرح الكافية للرضي، ج 2، ص 17 مع اختلاف في اللفظ
5- راجع: مختصر المعاني، ص 165

قال في القاموس: «الذُعْر _ بالضمّ _ : الخوف. وذعر _ كعنى _ فهو مذعور، وبالفتح: التخويف، كالإذعار، والفعل كجعل، [و] بالتحريك: الدهش، وكصُرَد: الأمر المخوف»(1).

قيل: خوفه عليه السلام من اللّه كخوف الوزير من غيرة السلطان ومؤاخذته عند نسبة الرعيّة إليه السلطنة، [وتسميته سلطانا] وإن لم يكن له تقصير فيه(2).

(ممّا قال) أي من قول الأسود، وهو: «لبّيك يا جعفر بن محمّد لبّيك».

(حتّى سجدتُ في مسجدي) أي مصلّاي.

(لربّي) أي لتعظيمه وتنزيهه.

(وعفّرت له وجهي).

في القاموس: «العَفَر _ محرّكة _ : ظاهر التراب، ويسكّن. وعفره في التراب يعفِره وعفّره: مرّغه فيه، أو دسّه وضرب به الأرض»(3).

(وذلّلت له نفسي) أي جعلتها ذليلاً، أو نسبتها إلى الذلّ وهو _ بالضمّ _ : خلاف العزّ.

(وبرئتُ إليه) أي إلى ربّي. و«برئت» كعلمت من البراءة.

وكلمة «ما» في قوله: (ممّا هتف بي) مصدريّة، أو موصولة، والعائد محذوف.

(ولو أنّ عيسى بن مريم عدا) أي تعدّى وجاوز. يُقال: عدا الأمر وعنه: أي جاوزه، وتركه، كتعدّاه.

(ما قال اللّه فيه) من النبوّة، والعبوديّة إلى ادّعاء الإلوهيّة والربوبيّة.

(إذا لصمّ صمّا لا يسمع بعده أبدا).

في القاموس: «الصمم _ محرّكة _ : انسداد الاُذن، وثقل السمع. صمّ يصمّ _ بفتحهما _ وصِمَم بالكسر، نادر، صمّا وصَمَا وأصمّ وأصمّه اللّه ، فهو أصمّ»(4).

قيل: الظاهر منه ومن نظائره المعنى الحقيقي، مع احتمال حمله على المعنى المجازي، وهو على الأوّل مختصّ بأهل الكمال عند تجاوزهم عن حدّهم؛ بدليل بعض الجهلة ادّعى الربوبيّة لنفسه، ولم يصمّ ولم يعمّ ولم يخرس حقيقةً(5).

ص: 213


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 34 (ذعر)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 302
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 92 (عفر) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 140 (صمم)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 302

(وعمي عمى لا يبصر بعده أبدا).

قال في القاموس: «عَمِيَ _ كرضي _ عمىً: ذهب بصره كلّه. والعمى أيضا: ذهاب بصر القلب»(1).

وقال: «البصر _ محرّكة _ : حسّ العين. ومن القلب: نظره، وخاطره. وبصر به _ ككرم وفرح _ بصرا وبصارة، ويكسر: صار مبصرا. وأبصره وتبصّره: نظره ببصره»(2).

(وخرس خرسا لا يتكلّم بعده أبدا).

في القاموس: «خرس _ كفرح _ صار أخرس. بيِّن الخرس من خُرس وخُرسان، أي منعقد اللِّسان عن الكلام، وأخرسه اللّه »(3).

(ثمّ قال: لعن اللّه أبا الخطّاب).

اسمه محمّد بن مقلاص الأسدي _ كما مرّ _ وهو غال ملعون، وإنّما ذكره عليه السلام هنا ولعنه؛ لأنّه كان مخترع هذا المذهب الباطل، أو لأنّ الأسود الهاتف كان من أصحابه.

(وقتله بالحديد) كالسيف والسكّين وأمثالهما. وقد استجاب اللّه تعالى دعاءه عليه السلام .

روى الكشّي: أنّ سالم بن مكرم الجمّال كان من أصحاب أبي الخطّاب، وكان في المسجد يوم بعث عيسى بن موسى بن علي [بن عبد اللّه بن العبّاس]، وكان عامل المنصور على الكوفة إلى أبي الخطّاب وأصحابه، لمّا بلغه أنّهم قد أظهروا الإباحات، ودعوا الناس إلى نبوّة أبي الخطّاب، وأنّهم يجتمعون في المسجد، ولزموا الأساطين يورونَ الناس أنّهم قد لزموها للعبادة، وبعث إليهم [رجلاً] فقتلهم جميعا، لم يفلت منهم إلّا رجل واحد أصابته جراحات، فسقط بين القتلى يعدّ فيهم، فلمّا جنّه اللّيل خرج من بينهم، فتخلّص، وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمّال الملقّب بأبي خديجة(4). وروي: أنّهم كانوا سبعين رجلاً(5).

ص: 214


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 366 (عمى) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 373 (بصر) مع اختلاف يسير فياللفظ
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 210 (خرس) مع التلخيص
4- رجال الكشّي، ص 353، ح 661
5- لم نعثر عليه

متن الحديث السابع والثمانين والمائتين

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ جَهْمِ بْنِ أَبِي جُهَيْمَةَ (1). :

عَنْ بَعْضِ مَوَالِي أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : كَانَ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ قُرَيْشا وَالْعَرَبَ .

فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام عِنْدَ ذلِكَ : «دَعْ هذَا ، النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: عَرَبِيٌّ، وَمَوْلًى، وَعِلْجٌ؛ فَنَحْنُ الْعَرَبُ ، وَشِيعَتُنَا الْمَوَالِي ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ (2) فَهُوَ عِلْجٌ» .

فَقَالَ الْقُرَشِيُّ : تَقُولُ هذَا يَا أَبَا الْحَسَنِ ، فَأَيْنَ (3) أَفْخَاذُ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ؟

فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «هُوَ مَا قُلْتُ لَكَ» .

شرح الحديث

السند مجهول. وفي بعض النسخ: «جهمة» بدل «جهيمة».

(فجعل) أي شرع ذلك الرجل. في القاموس: «جعل يفعل كذا: أقبلَ، وأخذ»(4).

(يذكر قريشا والعرب) أي يذكر فضائلهم، ويتفاخر بالانتساب بهم، كما هو شأن الجاهليّة وأهلها.

(فقال له أبو الحسن عليه السلام عند ذلك: دَعْ هذا) أي اتركه؛ فإنّ الافتخار والامتياز ليس بما ذكرت، بل الكمال والشرافة الموجبة للافتخار والمزيّة إنّما هو بالدِّين والانتساب بأهله، كما أشار إليه بقوله: (الناس ثلاثة) أصناف: (عربي).

قال الجوهري: «العرب: جيلٌ من الناس، والنسبة إليهم عربيّ، وهم أهل الأمصار.

والأعراب منهم: سكّان البادية خاصّة»(5).

(ومولى).

هو من لم يكن عربيّا صلبيّا، ولكن صار حليفا، ودخل بينهم وخلط بهم بحيث يعدّ منهم ويجري مجراهم.

ص: 215


1- في بعض نسخ الكافي: «أبي جهمة» وفي بعضها: «أبي جهيم»
2- . في بعض نسخ الكافي: «فيه»
3- . في بعض نسخ الكافي: «وأين»
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 348 (جعل)
5- الصحاح، ج 1، ص 178 (عرب)

(وعلج).

في القاموس: «العلج _ بالكسر _ : العِير، والحمار الوحش السّمين القويّ. والرجل: من كفّار العجم»(1).

والظاهر هنا إرادة المعنى الأخير.

هذا، واعلم أنّ الغرض من هذا التقسيم ليس ما يفهم من ظاهره، بل المراد بالعربيّ اللّسن الفصيح الذي يفهم المقاصد، ويعرف المراشد، ولا يشتبه عليه الاُمور، ويكون مهبطا للوحي والإلهام، مقنّنا للقوانين الدينيّة للأنام، مُوضحا لما يشكل على الخاصّ والعامّ، وهو النبيّ صلى الله عليه و آله وأوصياءه عليهم السلام . وبالمولى مَن تبعهم وأحبّهم، واستسلم أمرهم، واقتفى سيرتهم، وهم مواليهم وشيعتهم. وبالعلج من لا يقدر على التكلّم بما ينفعه من الكلام، ولو خُوطب به لا يتمكّن أن يميّز بين صحيحه وسقيمه، إلّا أن يفرّق بين حقّه وباطله، بل مثل الذي ينعق به كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاء ونداء، وهو من لا يكون هذا ولا ذاك، كما أشار عليه السلام بقوله: (فنحن العرب) إلى قوله: (فهو علج).

ولمّا لم يفهم الرجل القرشيّ غرضه عليه السلام ، واستبعد من هذا التقسيم؛ لكونه غير حاصر على زعمه، قال على سبيل التعجّب والاستفهام الإنكاري: (تقول هذا يا أبا الحسن، وأين (2) أفخاذ قريش والعرب).

الأفخاذ: جمع الفخذ، ككتف، أو بسكون الخاء وفتح الفاء وكسرها، وهو حيّ الرجل إذا كان من أقرب عشيرته.

وقيل: هو دون القبيلة وفوق البطن. وقيل بالعكس(3) وقد نقلنا سابقا ما يتعلّق بهذا المقام، فتذكّر.

متن الحديث الثامن والثمانين والمائتين

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنِ الْأَحْوَلِ ، عَنْ سَلَامِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يُحَدِّثُ : «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ عَرَضَ الْاءِيمَانَ عَلى كُلِّ نَاصِبٍ ، فَإِنْ دَخَلَ فِيهِ

ص: 216


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 200 (علج) مع التلخيص
2- . في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «فأين»
3- راجع: المصباح المنير، ص 464؛ القاموس المحيط، ج 1، ص 356 (فخذ)

بِحَقِيقَةٍ ، وَإِلَا ضَرَبَ عُنُقَهُ ، أَوْ يُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ كَمَا يُؤَدِّيهَا الْيَوْمَ أَهْلُ الذِّمَّةِ ، وَيَشُدُّ عَلى وَسَطِهِ الْهِمْيَانَ ، وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الْأَمْصَارِ إِلَى السَّوَادِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (عرض الإيمان على كلّ ناصب).

الظاهر أنّ المراد بالناصب هنا المخالف مطلقا.

(فإن دخل فيه) أي في الإيمان وقبله.

(بحقيقته) (1) أي بحقيقة الإيمان، وهي الإيمان الخالص الذي لا يشوبه النفاق.

(وإلّا) أي وإن لا يدخل فيه كذلك (ضُرب عنقه).

وقوله: (أو يؤدّي الجزية كما يؤدّيها اليوم أهل الذمّة).

يدلّ على أنّه عليه السلام يقبل منهم الجزية أن لا يقبلوا الإيمان. وهو ينافي ظاهر كثير من الأخبار الدالّة على أنّه عليه السلام لم يقبل إلّا الإيمان أو القتل. وفي طريق هذا الخبر سلام بن المستنير، وهو مجهول، فيمكن إطراحه.

وقيل: يمكن الجمع بتخصيص الخبر بأوائل زمان ظهوره عليه السلام (2).

وقيل: لعلّ الجمع بينه وبين ما روي من أنّه عليه السلام يضع الجزية عند ظهوره، (3). أنّه يضعها عن أهل الكتاب؛ فإنّهم بمنزلة الحربي لا يرفع عنهم السيف حتّى يؤمنوا أو يُقتلوا(4).

(ويشدّ على وسطه الهميان).

ضمير «وسطه» راجع إلى كلّ ناصب.

وفي القاموس: «الهميان _ بالكسر _ : شداد السراويل، ووعاء الدراهم، ويثلّث»(5).

وأقول: إن اُريد هنا المعنى الأوّل، فهو كناية عن التشمّر والتهيّؤ للإخراج والإجلاء، [و ]إن اُريد المعنى الثاني، فهو كناية عن إعطائهم النفقة ليتزوّدوا بها في الطريق.

ص: 217


1- . في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «بحقيقة»
2- ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 160
3- اُنظر: الخصال، ج 2، ص 579، ح 1
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 304
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 404 (همي) مع التلخيص

وقيل: هو كناية عن الزنّار(1).

(ويخرجهم من الأمصار إلى السواد).

في القاموس: «السواد من البلدة: قراها»(2).

متن الحديث التاسع والثمانين والمائتين

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِدٍ (3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بُنَانٍ ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ أَبِي يَوْما وَعِنْدَهُ أَصْحَابُهُ : مَنْ فِيكُمْ (4) تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَأْخُذَ جَمْرَةً فِي كَفِّهِ فَيُمْسِكَهَا حَتّى تَطْفَأَ؟» .

قَالَ : «فَكَاعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَنَكَلُوا ، فَقُمْتُ وَقُلْتُ (5) : يَا أَبَةِ ، أَ تَأْمُرُ أَنْ أَفْعَلَ؟ فَقَالَ : لَيْسَ إِيَّاكَ عَنَيْتُ ، إِنَّمَا أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ بَلْ إِيَّاهُمْ أَرَدْتُ (6). ، وَكَرَّرَهَا ثَلَاثا ، ثُمَّ قَالَ: مَا أَكْثَرَ الْوَصْفَ وَأَقَلَّ الْفِعْلَ ، إِنَّ أَهْلَ الْفِعْلِ قَلِيلٌ ، إِنَّ أَهْلَ الْفِعْلِ قَلِيلٌ ، أَلَا وَإِنَّا لَنَعْرِفُ أَهْلَ الْفِعْلِ وَالْوَصْفِ مَعا ، وَمَا كَانَ هذَا مِنَّا تَعَامِيا عَلَيْكُمْ بَلْ لِنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ، وَنَكْتُبَ آثَارَكُمْ».

فَقَالَ : «وَاللّهِ لَكَأَنَّمَا مَادَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ حَيَاءً مِمَّا قَالَ حَتّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى الرَّجُلِ مِنْهُمْ يَرْفَضُّ عَرَقا مَا يَرْفَعُ عَيْنَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ ، فَلَمَّا رَأى ذلِكَ مِنْهُمْ ، قَالَ : رَحِمَكُمُ اللّهُ ، فَمَا أَرَدْتُ إِلَا خَيْرا ، إِنَّ الْجَنَّةَ دَرَجَاتٌ ، فَدَرَجَةُ أَهْلِ الْفِعْلِ لَا يُدْرِكُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ ، وَدَرَجَةُ أَهْلِ الْقَوْلِ لَا يُدْرِكُهَا غَيْرُهُمْ» .

قَالَ : «فَوَ اللّهِ لَكَأَنَّمَا نُشِطُوا مِنْ عِقَالٍ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

ص: 218


1- نقله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 160 بعنوان «قيل»
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 304 (سود) مع التلخيص
3- . في بعض نسخ الكافي و الطبعة القديمة: «سعيد»
4- . في كلتا الطبعتين: «منكم»
5- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «فقلت»
6- . في بعض نسخ الكافي والطبعة القديمة والوافي: + «قال»

قوله: (عن محمّد بن مسلم بن أبي سلمة).

كذا في كثير من النسخ، وهو غير مذكور في كتب الرجال. وفي بعضها: «سالم» بدل «مسلم»، وهو الموافق للنجاشي، (1) ولعلّ ما في الأصل تصحيف.

(من فيكم تطيب نفسه).

يحتمل كون «تطيب» من المجرّد، أو المزيد. وفي القاموس: «طاب يطيب طابا وطيبا: لذَّ، وزكا. وطيّب الشيء: وجده طيّبا، كأطيبه»(2).

(أن يأخذ) أي بأن يأخذ.

(جمرة في كفّه فيمسكها حتّى تطفأ) تلك الجمرة.

قال في القاموس: «الجمرة: النار المتّقدة. الجمع: جمر»(3).

وقال: «الكفّ: اليد»(4).

وقال: «طفئت النار _ كسمع _ طفوء: ذهب لهبها، كانطفأت»(5).

وإنّما كلّفهم عليه السلام بذلك؛ ليبلوهم في قوّة إيمانهم، وضعفه بإطاعتهم، مثل تلك التكاليف، أو عصيانهم.

(قال) أبو جعفر عليه السلام : (فكاع الناس كلّهم ونكلوا).

في القاموس: «كِعْتُ عنه أكيع وأكاع كيعا وكيعوعة: إذا هِبْته، وجبنت عنه»(6).

وقال: «نكل عنه _ كضرب، ونصر، وعلم _ نكولاً: نكص، وجبن»(7).

(ثمّ قال: ما أكثر الوصف وأقلّ الفعل) أي الواصف نفسه بالإيمان والصلاح ومتابعة أئمّة الحقّ كثير، ولكن العامل بلوازمها يسير، وليس ذلك إلّا لعدم رسوخهم فيما ذكر، بل يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، ولم يعلموا أنّ نور الإيمان والمحبّة يطفئ نار الجمرة، بل نيران الخطيئة والزلّة.

(ألا وإنّا لنعرف أهل الفعل والوصف معا).

ص: 219


1- . اُنظر: رجال النجاشي، ص 322، الرقم 877؛ و ص 362، الرقم 974
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 98 (طيب) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 393 (جمر)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 190 (كفف)
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 22 (طفأ)
6- القاموس المحيط، ج 3، ص 81 (كيع)
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 60 (نكل)

الظاهر أنّ قوله: «معا» قيدٌ للفعل والوصف، أي المتّصف بهما جميعا.

وقيل: قيد لمعرفتهما؛ لإفادة أنّ معرفة أحدهما لا يمنع معرفة الآخر، فإنّ العلم الحصولي إذا كمل يصير بمنزلة العلم الحضوري(1).

ثمّ أكّده بقوله: (وما كان هذا)، أي التكليف بإمساك الجمرة.

(منّا تعاميا عليكم).

قيل: أي جهلاً منّا بأحوالكم الماضية والحاضرة والآتية، وطلبا لحصول العلم؛ إذ هي معلومة لنا(2).

قال الجوهري: «العمى: ذهاب البصر. وتعامى [الرجل]: أرى من نفسه ذلك»(3).

(بل لنبلو أخباركم).

قيل: أي لنختبر أحوالكم وأخباركم من الإيمان والطاعة وموالاتكم لنا(4).

وقيل: ما يخبر به عن أعمالكم، أو ما تخبرون أنتم عن إيمانكم(5).

(ونكتب آثاركم).

في القاموس: «الأثر _ محرّكة _ : بقيّة الشيء. والجمع: آثار، وأثور، والخبر. والآثار: الأعلام. والأثر: نقل الحديث وروايته»(6).

أقول: لعلّ المراد بالآثار هنا الأعمال الحسنة أو السيّئة، ويحتمل تخصيص الأخبار بالأعمال الصادرة حال الحياة، والآثار بما يبقى أثره بعد الممات. ولعلّ المراد بالكتابة الحفظ والضبط، أو العلم والمعرفة. قال الجوهري: «الكاتب عندهم: العالم، قال اللّه تعالى: «أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ» (7). »(8).

ويحتمل أن يُراد بها الحظّ، أي تصير سببا ومنشأً لكتابة أعمالكم.

ص: 220


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 304
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 304
3- الصحاح، ج 6، ص 2439 (عمى)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 305 مع اختلاف في اللفظ
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 161
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 362 (أثر) مع التلخيص
7- الطور (52): 41
8- الصحاح، ج 1، ص 208 (كتب)

وبالجملة: المراد بالاختبار والامتحان هنا ظهور قابليّة هؤلاء لأنفسهم، لا للأئمّة عليهم السلام ، بقرينة قوله عليه السلام : (وما كان هذا منّا تعاميا عليكم).

وهنا احتمال آخر وهو: أن يكون المراد بنفي التعامي الإشعار بأنّ مثل تلك التكاليف لا يصدر عنهم عليهم السلام سفها وعبثا، بل لحكمة ومصلحة، وهي اختبار أخبارهم، وكتابة آثارهم.

(فقال) أبو جعفر عليه السلام : (واللّه لكأنّما مادت بهم الأرض).

الميد: التحرّك، والاضطراب، والتمايل. يُقال: مادت الأغصان، أي تمايلت. وهنا كناية عن تزلزلهم، وشدّة حالهم، كأنّ الأرض تنقلب، أو تزلزل بهم.

(حياءً ممّا قال).

قيل: الحياء: تغيّر وانكسار تلحق من فعل ما يذمّ به، أو تركه، وهو هاهنا حصل لهم ممّا قال عليه السلام من كثرة الوصف وقلّة الفعل، وهو في الحقيقة ذمّهم بأنّهم ليسوا من أهل الفعل، فحصل لهم انقباض واضطراب، ويأسهم من كونهم من أهل الجنّة؛ لما فهموا من أنّ أهل الجنّة أهل الفعل(1).

(حتّى إنّي لأنظر إلى الرجل منهم).

الظاهر أنّ المراد كلّ واحد منهم.

(يرفض عرقا).

قال الجوهري: «رفض الدمع: ترشش»(2).

وقال في النهاية: «ارفض عرقا، أي جرى عرقه وسال»(3).

(ما يرفع عينيه من الأرض).

من غاية الحيرة، ونهاية الدهشة الحاصلة من الاستحياء، فلمّا رأى عليه السلام ذلك منهم ترحّم بهم.

(قال: رحمكم اللّه ، فما أردت إلّا خيرا).

أي ما أردت ممّا قلت: إنّ أهل الوصف وأهل الفعل في الجنّة، كما أشار إليه بقوله: (إنّ

ص: 221


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 305 مع اختلاف في اللفظ
2- اُنظر: الصحاح، ج 3، ص 1079 (رفض)
3- النهاية، ج 2، ص 243 (رفض) مع التلخيص

الجنّة درجات).

(قال: فواللّه لكأنّما أنشطوا من عقال).

في بعض النسخ: «نشطوا».

قال في النهاية:

في حديث السحر: فكأنّما أنشط من عقال؛ أي حلّ. وقد تكرّر في الحديث وكثيرا ما يجيء في الرواية: كأنّما نشط من عقال. وليس بصحيح؛ يقال: نشطت العقدة: إذا عقدتها. وأنشطتها: إذا حللتها(1).

وقال الجوهري: «عقلت البعير أعقله عقلاً، وهو أن تثنّى وظيفه مع ذراعه، فتشدّهما جميعا في وسط الذراع، وذلك الحبل هو العقال. الجمع: عقل»(2).

والحاصل أنّه عليه السلام لمّا بشّرهم بذلك حصل لهم الانبساط والسرور، وحلّ عنهم عقد اليأس والقنوط.

متن الحديث التسعين والمائتين

اشارة

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الصُّوفِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ بَكْرٍ الْوَاسِطِيُّ ، قَالَ :

قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «لَوْ مَيَّزْتُ شِيعَتِي مَاوَجَدْتُهُمْ (3) إِلَا وَاصِفَةً ، وَلَوِ امْتَحَنْتُهُمْ لَمَا وَجَدْتُهُمْ إِلَا مُرْتَدِّينَ ، وَلَوْ تَمَحَّصْتُهُمْ لَمَا خَلَصَ مِنَ الْأَلْفِ وَاحِدٌ ، وَلَوْ غَرْبَلْتُهُمْ غَرْبَلَةً لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَا مَا كَانَ لِي ، إِنَّهُمْ طَالَمَا اتَّكَوْا عَلَى الْأَرَائِكِ ، فَقَالُوا : نَحْنُ شِيعَةُ عَلِيٍّ ، إِنَّمَا شِيعَةُ عَلِيٍّ مَنْ صَدَّقَ قَوْلَهُ فِعْلُهُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (عن محمّد بن سليمان).

في بعض النسخ: «عن محمّد بن مسلم»، وهو أظهر؛ بالنظر إلى ما عرف من طور

ص: 222


1- النهاية، ج 5، ص 57 (نشط)
2- الصحاح، ج 5، ص 1771 (عقل)
3- . في الطبعة القديمة: «لم أجدهم»

المصنّف في المواضع التي أشار فيها إلى الإسناد السابق، لكن قد عرفت أنّ الظاهر فيما سبق: «محمّد بن سالم»، وعلى الأوّل الظاهر أنّه مكان «محمّد بن مسلم» في المرتبة.

(لو ميّزت شيعتي)؛ يعني عن غيرهم من المخالفين. والتميّز: العزل، والإفراز.

(ما وجدتهم إلّا واصفة).

الجماعة الذين يصفون التشيّع بألسنتهم، ويقولون به، لكن لا يعمل أكثرهم بمقتضاه، فامتيازهم عن غيرهم باعتبار هذا الوصف.

(ولو امتحنتهم) أي لو اختبرت أحوال تلك الواصفة.

(لما وجدتم) أي ما وجدت أكثرهم (إلّا مرتدّين).

يحتمل كونه تخفيف الدال من الرداءة، وهي الفساد، وعدم الخلوص. أو من الردى، وهي الهلاك. أو بتشديد الدال من الارتداد، وهو الرجوع عن الحقّ، والميل عنه.

(ولو تمحّصتهم).

كذا في النسخ، والظاهر: «محّصتم». قال الفيروزآبادي: «محّص الذهب بالنار: أخلصه ممّا يشوبه. والتمحيص: الابتلاء، والاختبار»(1).

(لما خلص) من الغشّ (من الألف واحد).

كناية عن القلّة، ثمّ الخالصون، وهم الأقلّون.

(ولو غربلتهم غربلة) أي نخلتهم وقطعتهم، وأخرجت نخالتهم وصفيّتهم، وهي كناية عن الامتحان والابتلاء بالمحن والشدائد.

(لم يبق منهم إلّا ما كان لي).

وهو من أخذ بسيرته عليه السلام من أهل بيته وخلّص أصحابه.

(إنّهم طالما اتّكَوْا على الأرائك).

الاتّكاء: الاعتماد، من الوكاء بهمز اللّام.

وقال الفيروزآبادي:

الأريكة _ كسفينة _ : سرير في حجلة، أو كلّ ما يتّكأ عليه من سرير، ومنصّة، وفراش، أو سرير منجّد مزيّن في قبّة أو بيت. الجمع: أرائك، وأريك(2).

ص: 223


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 318 (محص) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 292 (أرك) مع التلخيص

ولعلّه هنا كناية عن الاتّكاء بالأماني والغرور، وبيان لغفلتهم وعدم خوفهم وكمال اعتنائهم بما وصفوا بألسنتهم من التشيّع.

(فقالوا: نحن شيعة عليّ) ولا يعملون بلوازمه ومقتضاه.

(إنّما شيعة عليّ من صدق قوله فعله) بالعمل لسيرته، واتّباع طريقته.

والظاهر قراءة «قوله» بالرفع، و«فعله» بالنصب؛ لكونهما معرفتين، وحينئذٍ يكون إشارة إلى أصالة القول (1) ، وفرعيّة الفعل، ويحتمل العكس، وهو أقرب.

متن الحديث الواحد والتسعين والمائتين

اشارة

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيِّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى مَوْلى آلِ سَامٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «تُؤْتى (2). بِالْمَرْأَةِ الْحَسْنَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّتِي قَدِ افْتُتِنَتْ فِي حُسْنِهَا ، فَتَقُولُ : يَا رَبِّ ، حَسَّنْتَ خَلْقِي حَتّى لَقِيتُ مَا لَقِيتُ ، فَيُجَاءُ بِمَرْيَمَ عليه السلام ، فَيُقَالُ : أَنْتِ أَحْسَنُ أَوْ (3). هذِهِ؟ قَدْ حَسَّنَّاهَا فَلَمْ تُفْتَتَنْ ، وَيُجَاءُ بِالرَّجُلِ الْحَسَنِ الَّذِي قَدِ افْتُتِنَ فِي حُسْنِهِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، حَسَّنْتَ خَلْقِي حَتّى لَقِيتُ مِنَ النِّسَاءِ مَا لَقِيتُ ، فَيُجَاءُ بِيُوسُفَ عليه السلام ، فَيُقَالُ: أَنْتَ أَحْسَنُ أَوْ هذَا؟ قَدْ حَسَّنَّاهُ فَلَمْ يُفْتَتَنْ ، وَيُجَاءُ بِصَاحِبِ الْبَلَاءِ الَّذِي قَدْ أَصَابَتْهُ الْفِتْنَةُ فِي بَلَائِهِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، شَدَّدْتَ عَلَيَّ الْبَلَاءَ حَتّى افْتُتِنْتُ ، فَيُؤْتى بِأَيُّوبَ عليه السلام ، فَيُقَالُ : أَ بَلِيَّتُكَ أَشَدُّ ، أَوْ بَلِيَّةُ هذَا؟ فَقَدِ ابْتُلِيَ فَلَمْ يُفْتَتَنْ» .

شرح الحديث

السند حسن موثّق.

قوله: (تؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة).

«تؤتى» على البناء للمفعول، والباء للتعدية.

وقال الجوهري:

تقول: رجلٌ حسن، وامرأة حسنة. وقالوا: امرأة حسناء، ولم يقولوا: رجلٌ أحسن،

ص: 224


1- . في النسخة: «الفعل»، وهو سهو واضح
2- . في الطبعة الجديدة وأكثر نسخ الكافي: «يؤتى»
3- . في بعض نسخ الكافي: «أم»

وهو اسم اُنّث من غير تذكير، كما قالوا: غلامٌ أمرد، ولم يقولوا: جارية مرداء، فهو يذكّر من غير تأنيث(1).

(التي قد افتتنت) بالبناء للفاعل، أو للمفعول.

(في حسنها).

في القاموس: «فَتَنَهُ يفتنه: أوقعه في الفتنة، كفتّنه، وأفتنه: وقع فيها، لازم متعدّ، كافتتن فيهما، أو إلى النساء فتونا، وفتن إليهنّ _ بالضمّ _ : أراد الفجور بهنّ»(2).

أقول: لعلّ المراد بافتتانها وقوعها في الزنا ومياديها بسبب حسنها. وقيل: يمكن أن يكون الظرف حالاً من المرأة، أي تؤتى بها كائنة على حسنها التي كانت لها في الدُّنيا، وكذا يجري الاحتمالان في سائر الفقرات(3).

(فتقول: يا ربّ حسّنت) بصيغة الخطاب، من التحسين.

(خَلقي) بالفتح، وهو في الأصل مصدر استعمل بمعنى الخليقة، وهي السجيّة والطبيعة.

(حتّى لقيت) أي من الرجال.

(ما لقيت) من الفجور.

(فيؤتى بأيّوب عليه السلام ، فيُقال) لصاحب البلاء.

(أبليّتك أشدّ).

الهمزة للاستفهام. والبليّة: اسم من البلو، وهو الامتحان، والاختبار.

(فقد ابتلي) بالبناء للمفعول، والمستتر فيه لأيّوب عليه السلام .

(فلم يفتتن) بصيغة المعلوم، أو المجهول. والغرض من هذا الخبر أنّه ليس لأحد عذر ولا حجّة على اللّه تعالى يوم القيامة، بل له الحجّة عليهم «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» (4).

ص: 225


1- الصحاح، ج 5، ص 2099 (حسن) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 255 (فتن) مع التلخيص
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 164 مع اختلاف في اللفظ
4- الأنفال (8): 42

متن الحديث الثاني والتسعين والمائتين

اشارة

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْبَصْرِيِّ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «تَقْعُدُونَ فِي الْمَكَانِ ، فَتُحَدِّثُونَ وَتَقُولُونَ مَا شِئْتُمْ، وَتَتَبَرَّؤُونَ (1) مِمَّنْ شِئْتُمْ ، وَتَوَلَّوْنَ مَنْ شِئْتُمْ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : «وَهَلِ الْعَيْشُ إِلَا هكَذَا» .

شرح الحديث

الظاهر أنّ إسماعيل البصري هو إسماعيل بن الفضل بن يعقوب الهاشميّ الثقة، فالسند موثّق.

(وهل العيش إلّا هكذا).

فيه ترغيب في المجالسة والمخالطة والمحادثة بما يتعلّق بفضائل أهل البيت عليهم السلام ، ورذائل مخالفيهم، والتولّي لأهل الولاية، والتبرّي عن أهل الغواية.

متن الحديث الثالث والتسعين والمائتين

اشارة

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «رَحِمَ اللّهُ عَبْدا حَبَّبَنَا إِلَى النَّاسِ وَلَمْ يُبَغِّضْنَا إِلَيْهِمْ ، أَمَا وَاللّهِ لَوْ يَرْوُونَ مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَكَانُوا بِهِ أَعَزَّ ، وَمَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ ، وَلكِنْ أَحَدُهُمْ يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ ، فَيَحُطُّ إِلَيْهَا (2) عَشْرا» .

شرح الحديث

السند موثّق.

قوله عليه السلام : (حبّبنا إلى الناس ولم يبغّضنا إليهم).

يُقال: حبّبني إليه، أي جعلني بحيث يحبّني.

ص: 226


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «وتبرّؤون»
2- في بعض نسخ الكافي: «لها». وفي بعضها: «بها» وفي بعضها: «عليها»

وقيل: المراد بالناس المخالفون وأصحاب الدولة الباطلة، ولابدّ للمؤمن في حفظه وحفظ إمامه إن تكلّم عندهم في اُمور الدِّين، من أن يتكلّم بما يوجب حبّهم لا بغضهم وعداوتهم؛ فإنّ فيه هلاكه وهلاك إمامه، انتهى(1).

أقول: لا وجه لتخصيص الناس بالمخالفين، كما لا يخفى.

(أما واللّه لو يروون محاسن كلامنا) أي يروونه على وجهه، ولا يغيّرونه بالزيادة والنقصان.

قال الجوهري: «الحسن: نقيض القبح.والجمع: محاسن، على غير قياس، كأنّه جمع محسن»(2).

أقول: يحتمل كون إضافة المحاسن إلى الكلام من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، أو بيانيّة، والحمل للمبالغة فيهما.

وقيل: يحتمل كونها بتقدير «في»(3).

واعلم أنّ كلمة «لو» اختصّت من بين حروف الشرط بعدم انجزام المضارع بها، سواء كان للشرط، أو للتمنّي، أو للوصل؛ لأنّها تدخل غالبا على الماضي لفظا أو معنىً، فلو وقع المضارع بعدها صورة، فهو بحكم الماضي.قال ابن مالك:

وإنّ مضارع تلاها صُرِفا***إلى المضيّ نحو لو يفي كفى (4).

وقال عزّ وجلّ: «لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ» (5). الآية، وقال: «وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّه ُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ» (6). ، وقال: «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ» (7). ، وقال: «وَلَوْ تَرَى» (8).

وبهذا ظهر فساد ما قيل من أنّ عدم انجزام «يروون» ب«لو» في هذا الخبر، على مذهب من قد لا يجزم بها، (9).فتأمّل.

(لكانوا به) أي بذلك الكلام المروي على وجهه، أو بروايته (أعزّ) عند الناس؛ لاشتمالهم عليهم السلام على لطائف البلاغة وأسرارها، ومتضمّنا لغوامض الحكم ومصالحها، فحيث

ص: 227


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 307
2- الصحاح، ج 5، ص 2099 (حسن)
3- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 307
4- . شرح ابن عقيل، ج 2، ص 388
5- .التوبة (9): 57
6- النحل (16): 61
7- .النساء (4): 89
8- الأنعام (6): 27
9- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 163

يؤدّي على وجهه يوجب اعتراف الناس بفضلهم وحبّهم إيّاهم، أو لتضمّنه وجوها ومحامل على وجه لا يترتّب عليه الفساد.

وعلى الثاني يكون قوله عليه السلام : (وما استطاع أحد أن يتعلّق عليهم بشيء) تفسيرا وبيانا للسابق؛ إذ ليس في كلامهم ما يوجب طعن الناس صريحا، بل قد يكون له وجوه يمكن التخلّص بها.

(ولكن أحدهم) أي أحد الرّواة الحاملين للحديث.

(يسمع الكلمة) أي كلمة واحدة.

(فيحطّ) أي يزيد ويضيف.

(إليها عشرا) من عند نفسه.

والحطّ في الأصل: الوضع، والإسقاط، والإنزال.يُقال: حطَّ عنه، أي أسقط، وأطرح.

وحطّ إليه، أي أنزل إليه، وأضاف.ومثل هذا الكلام من المشهورات المبتذلة بين الأنام.

وقال بعض الشارحين:

ذلك التغيير قد يقع عمدا لغرض من الأغراض، وقد يقع سهوا، وقد يقع باعتبار فهم المخاطب من كلام له وجوه.ونقل ما هو المقصود منها كما إذا قال عليه السلام : لعن اللّه الأوّل، فيروى أنّه قال: لعن اللّه أبا بكر.قال: وينبغي أن يعلم أنّ كلامهم عليهم السلام قسمان؛ قسمٌ من باب الأسرار، فلا يجوز نقله لغير أهله أصلاً، وقسمٌ يجوز نقله مطلقا، وهذا القسم ينبغي نقله عندهم على الوجه المسموع من غير تغيير يوجب طعنهم.والمراد بالكلام هنا هو هذا القسم، وهو لكونه من الحكيم، غير مشتمل على ما يوجب طعنهم.والمراد بالكلام هنا هو هذا القسم، وبغضهم صريحا، انتهى(1).

وفي بعض النسخ: «فيحطّ لها عشرا».ولعلّ اللّام بمعنى «إلى».وقيل على هذه النسخة: يحتمل معنى آخر بأن يكون الضمير في قوله: «أحدهم» راجعا إلى الناس، أي العامّة، أي يسمع أحدهم الكلمة الرديّة ممّا أضافه الراوي إلى كلامنا، فيصير سببا لأن يحطّ ويطرح عشرا من كلامنا بسببها، ولا يقبلها لانضمام تلك الكلمة إليها(2).

أقول: يمكن حمل نسخة الأصل أيضا على هذا المعنى، لكن بنوع من التقريب.

ص: 228


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 307
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 164

متن الحديث الرابع والتسعين والمائتين

اشارة

وُهَيْبٌ (1)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» (2)؟

قَالَ : «هِيَ شَفَاعَتُهُمْ وَرَجَاؤُهُمْ ، يَخَافُونَ أَنْ تُرَدَّ (3)عَلَيْهِمْ أَعْمَالُهُمْ أَنْ لَمْ يُطِيعُوا اللّهَ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ وَيَرْجُونَ أَنْ يَقْبَلَ (4)مِنْهُمْ» .

شرح الحديث

السند موثّق.

قوله: (وهيب).

في بعض النسخ: «وهيب بن حفص».

(عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: سألته).

في بعض النسخ: «سألت».

(عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة المؤمنون «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا» .

قال البيضاوي: «أي يعطون ما أعطوه من الصدقات.وقرئ: «يأتون ما أتوا»، أي يفعلون ما فعلوا من الطاعات»(5)

«وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» : خائفة، أن لا تقبل منهم، ولا يقع على الوجه اللّائق، فيؤاخذ به.

«أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ» ؛ لأنّ مرجعهم إليه، أو من أنّ مرجعهم إليه وهو يعلم ما يخفى عليهم.

أقول: قد مرَّ سابقا في ذيل حديث نادر قبيل حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله برواية حفص بن غياث عن أبي عبداللّه عليه السلام ، إلى أن قال: «ألا ومن عرف حقّنا، أو رجا الثواب بنا، ورضى بقوته

ص: 229


1- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن وهيب، حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد
2- . المؤمنون (23): 60
3- . في بعض نسخ الكافي: «أن يردّ»
4- . في بعض نسخ الكافي: «أن تقبل»
5- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 160

نصف مدّ كلّ يوم، و[ما] يستر به عورته، وما أكنّ به رأسه، وهم مع ذلك واللّه خائفون وجِلون.ودّوا أنّه حظّهم من الدُّنيا، وكذلك وصفهم اللّه _ عزّ وجلّ _ حيث يقول: «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» ما الذي أتوا به؟ أتوا واللّه بالطاعة مع المحبّة والولاية، وهم مع ذلك خائفون بأن لا يقبل منهم، وليس واللّه خوفهم خوف شكّ فيما هم فيه من إصابة الدِّين، ولكن خافوا أن يكونوا مقصّرين في محبّتنا وطاعتنا» الحديث(1).

ولهذا قال بعض الأفاضل: «الظاهر أنّ قوله: (هي شفاعتهم) كان في الأصل شفقتهم، أي خوفهم، فصحّف»(2).

وقيل: لعلّ المراد بشفاعتهم دعاؤهم وتضرّعهم، كأنّهم شفعوا لأنفسهم، أو طلب الشفاعة من غيرهم، فيقدّر فيه مضاف.قال: ويحتمل أن يكون المراد بالشفاعة مضاعفة أعمالهم.قال الفيروزآبادي: «الشفع: خلاف الوتر، وهو الزوج.وقد شفعه: كمنعه»(3).

وقوله تعالى: و «مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً» (4). أي يزد عملاً إلى عمل(5).

(ورجاؤهم) عطف على «شفاعتهم».

(يخافون أن ترد عليهم أعمالهم) أي لم تكن مقبولة.

(أن لم يطيعوا اللّه عزّ وجلّ).

يحتمل كون «أن» بفتح الهمزة وكسرها.وقال بعض الشارحين:

ضمير التأنيث في قوله: «هي شفاعتهم» راجع إلى «ما»، والتأنيث لرعاية المعنى، أو باعتبار الخبر.والمراد بشفاعتهم ورجاءهم شفاعة الأئمّة لهم، ورجاؤهم لها، وبقبول الأعمال لمحبّتهم.فالآية في وصف المحبّين للأوصياء عليهم السلام ، بأنّهم مع ذلك يخافون أن تردّ عليهم أعمالهم؛ لأجل أنّهم لم يطيعوا اللّه _ عزّ وجلّ _ في الأمر بمحبّتهم وطاعتهم كما هي.(ويرجون) مع ذلك (أن يقبل منهم أعمالهم) باعتبار الانتساب إليهم، والإقرار بولايتهم(6).

ص: 230


1- الكافي، ج 8، ص 128، ح 98
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 164 مع اختلاف في اللفظ
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 45
4- النساء (4): 85
5- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 164
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 307 مع اختلاف يسير في اللفظ

متن الحديث الخامس والتسعين والمائتين

اشارة

وُهَيْبُ بْنُ حَفْصٍ (1)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «مَا مِنْ عَبْدٍ يَدْعُو إِلى ضَلَالَةٍ إِلَا وَجَدَ مَنْ يُتَابِعُهُ» .

شرح الحديث

السند موثّق.

قوله عليه السلام : (إلّا وجد من يتابعه).

قيل: ذلك لكثرة الجهَلَة، وميل طباعهم إلى الباطل، ولذلك كانت دولة الباطل أشدّ وأدوم من دولة الحقّ _ كما مرّ _ وفيه تسلية لأهل الحقّ في قلّتهم، وحثّ على الصبر عليه(2).

متن الحديث السادس والتسعين والمائتين

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصَّلْتِ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَلْخَ ، قَالَ :

كُنْتُ مَعَ الرِّضَا عليه السلام فِي سَفَرِهِ إِلى خُرَاسَانَ ، فَدَعَا يَوْما بِمَائِدَةٍ لَهُ ، فَجَمَعَ عَلَيْهَا مَوَالِيَهُ مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، لَوْ عَزَلْتَ لِهؤُلَاءِ مَائِدَةً ، فَقَالَ : «مَهْ ؛ إِنَّ الرَّبَّ (3)._ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ وَاحِدٌ (4).، وَالْأُمَّ وَاحِدَةٌ ، وَالْأَبَ وَاحِدٌ ، وَالْجَزَاءَ بِالْأَعْمَالِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (فدعا يوما بمائدة له).

قال الجوهري في الأجوف اليائي: «المائدة: خوان عليه طعام»(5).

ص: 231


1- . السند معلّق كسابقه
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 307 مع اختلاف يسير في اللفظ
3- . في بعض نسخ الكافي: «اللّه »
4- . في بعض نسخ الكافي و شرح المازندراني والوافي: + «والدين واحد»
5- الصحاح، ج 2، ص 541 (ميد)

وفي القاموس: «المائدة: الطعام، والخوان عليه الطعام»(1).

فقال: (مه).

قال الجوهري: «مَه: كلمة بنيت على السكون، وهو اسم سمّى به الفعل، ومعناه: أكفف؛ لأنّه زجر، فإن وصلت نوّنت فقلت: مَهٍ مَهٍ»(2).

وفي بعض النسخ بعد قوله: «والأب واحد»: «والدِّين واحد».

وفي هذا الخبر دلالة على استحباب الأكل [مع] العبيد والموالي، والجلوس معهم على المائدة، وترغيب في حُسن المعاشرة مع الخلق، وإن كانوا عبيدا، وإشعار بأنّ الشرف بالتقوى، لا بالأنساب والأحساب.

متن الحديث السابع والتسعين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «طَبَائِعُ الْجِسْمِ عَلى أَرْبَعَةٍ : فَمِنْهَا الْهَوَاءُ الَّذِي لَا تَحْيَا النَّفْسُ إِلَا بِهِ وَبِنَسِيمِهِ ، وَيُخْرِجُ مَا فِي الْجِسْمِ مِنْ دَاءٍ وَعُفُونَةٍ ؛ وَالْأَرْضُ الَّتِي قَدْ تُوَلِّدُ الْيُبْسَ وَالْحَرَارَةَ ؛ وَالطَّعَامُ وَمِنْهُ يَتَوَلَّدُ الدَّمُ ، أَ لَا تَرى أَنَّهُ يَصِيرُ إِلَى الْمَعِدَةِ ، فَتُغَذِّيهِ حَتّى يَلِينَ ، ثُمَّ يَصْفُوَ فَتَأْخُذُ الطَّبِيعَةُ صَفْوَهُ دَما ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ الثُّفْلُ ؛ وَالْمَاءُ وَهُوَ يُوَلِّدُ الْبَلْغَمَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف على الظاهر.

قوله عليه السلام : (طبائع الجسم) أي البدن (على أربعة).

قال في القاموس:

الطبع والطبيعة والطِّباع _ بالكسر _ : السجيّة، جُبل عليها الإنسان.والطّباع: ما ركّب فينا من المطعم والمشرب وغير ذلك من الأخلاق التي لا تزايلنا، كالطابع، كصاحب(3).

ص: 232


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 339 (ميد)
2- الصحاح، ج 6، ص 2250 (مهه)
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 58 (طبع) مع اختلاف يسير في اللفظ

أقول: يحتمل أن يكون الطبائع جمع الطّباع، كشمائل وشمال، وأن يكون جمع الطبيعة كصبائح وصبيحة، وكونها جمع طابع على خلاف القياس، كفوارس في جمع فارس بعيد.فإن اُريد بالطبائع هنا المعنى الأوّل _ أعني السجيّة والجبلّة _ يُراد بكونها على أربعة أنّ حقيقتها أربعة اُمور.وإن اُريد بها المعنى الثاني، يُراد به أنّ بناءها أو قوامها تحصّلها، أو صلاحها على أربعة اُمور، وهاهنا كلام ستطّلع عليه إن شاء اللّه .

وممّا يلزم أن نشتغل به هنا قبل الشروع في المقصود، تمهيد مقدّمات يسهل بتصويرها تصوّر ما أردناه من شرح هذا الحديث وفهمه:

المقدّمة الاُولى: في كيفيّة تولّد الأخلاط.

قال ابن سينا: «الخِلط جسمٌ رطب سيّال يستحيل إليه الغذاء أوّلاً»(1).

وقال:

إنّ الغذاء له انهضام ما بالمضغ، ثمّ إذا ورد على المعدة انهضم الانهضام التامّ، فإذا انهضم الغذاء أوّلاً صار بذاته في كثير من الحيوانات، وبمعونة ما يخالطه من الماء المشروب في أكثرها كيلوسا، وهو جوهر سيّال شبيه بماء الكشك الثخين، ثمّ إنّه بعد ذلك ينجذب لطيفه من المعدة ومن الأمعاء أيضا، فيندفع في العروق المسمّاة ماساريقا، وهي عروق دقاق صلاب متّصل بالأمعاء كلّها، فإذا اندفع فيها صار إلى العرق المسمّى باب الكبد، ونفذ في الكبد في أجزاء وفروع للباب، فإذا تفرّق في ليف هذه العروق صار كأنّ الكبد بكلّيّتها ملاقيه لكلّيّة هذا الكيلوس، وكان لذلك فعلها فيه أشدّ وأسرع، وحينئذٍ ينطبخ [وفي كلّ] انطباخ لمثله شيء كالرغوة، وشيء كالرسوب، وربّما كان معهما إمّا شيء إلى الاحتراق إن أفرط الطبخ، أو شيء كالفج إن قصر الطّبخ، فالرغوة هي الصفراء، والرسوب هي السوداء، وهما طبيعيّان، والمحترق لطيفة صفراء مخترقة، وكثيفة سوداء رديّة غير طبيعيّين، والفج هو البلغم، وأمّا الشيء المتصفّى من هذه الجملة فهو الدّم، إلّا أنّه بعدما دام في الكبد يكون أرقّ ممّا ينبغي فضل المائيّة المحتاج إليها، ولكن هذا الذي هو الدّم إذا انفصل من الكبد، فكما ينفصل عنها يتصفّى أيضا من المائيّة الفضليّة التي إنّما احتيج إليها بسبب، وقد ارتفع فتنجذب هي عنه في عرق نازل إلى الكليتين،

ص: 233


1- القانون، ج 1، ص 13

وتحمل مع نفسها من الدم ما يكون بكمّيّته وكيفيّته صالحا لغذاء الكليتين، فيغذو الكليتين الدسومة والدمويّة من تلك المائيّة، ويندفع باقيها مع المثانة، وإلى الإحليل، وأمّا الدّم الحسن القوام فيندفع في العِرق العظيم الطالع من حدبة الكبد فيسلك في الأوردة المتشعّبة منه، ثمّ في جداول الأوردة، ثمّ في سواقي الجداول، ثمّ في رواضع السواقي، ثمّ في العروق الليفيّة الشعريّة، ثمّ يرشّح من فوهاتها في الأعضاء بتقدير العزيز الحكيم، فسبب الدم الفاعلي هو حرارة معتدلة، وسببه المادّي هو المعتدل من الأغذية والأشربة الفاضلة، وسببه الصوريّ النضج الفاضل، وسببه التمامي تغذية البدن.والصفراء سببها الفاعلي، إمّا الطبيعي منها الذي هو رغوة الدّم فحرارة معتدلة، وإمّا المحترقة منها فالحرارة الناريّة المفرطة، وخصوصا [في الكبد]، وسببها المادّي هو اللطيف الحارّ والحلو والدسم والحريق من الأغذية، وسببها الصوري مجاوزة النضج إلى الإفراط، وسببها التمامي الضرورة والمنفعة المذكورتان.والبلغم سببه الفاعلي حرارة مقتصرة، وسببه المادّي الغليظ البارد والرطب اللزج من الأغذية، وسببه الصوري قصور النضج، وسببه التمامي الضرورة والمنفعة المذكورتان.والسوداء سببها الفاعلي، إمّا الرسوبي منها فحرارة معتدلة، وإمّا المحترق منها فحرارة مجاوزة الاعتدال، وسببها المادّي الشديد الغليظ القليل الرطوبة من الأغذية والحار منها أقوى في ذلك، وسببها الصوري الثفل المترتّب على أحد الوجهين، فلا سبيل، ولا يتحلّل، وسببها التمامي ضرورتها ومنفعتها المذكورتان(1).

ثمّ قال: واعلم أنّ الحرارة والبرودة سببان لتولّد الأخلاط مع سائر الأسباب، لكن الحرارة المعتدلة تولّد الدّم، والمفرطة تولّد الصفراء، والمفرطة جدّا تولّد السوداء بفرط الإحراق، والبرودة تولّد البلغم، والمفرطة جدّا تولّد السوداء بفرط الإجماد(2).

ثمّ قال: ويجب أن يعلم أنّ الدّم وما يجري معه [في العروق] هضما ثالثا، وإذا توزّع على الأعضاء فليصب كلّ عضو عنده هضم رابع، ففضل الهضم الأوّل وهو في المعدة

ص: 234


1- القانون، ج 1، ص 17 و 18 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
2- القانون، ج 1، ص 18 مع اختلاف يسير في اللفظ

يندفع من طريق الأمعاء، وفضل الهضم الثاني وهو في الكبد يندفع أكثره بالبول، وباقية من جهة الطحال والمرارة، وفضل الهضمين الباقيين يندفع [بالتحلّل الذي لا يحسّ و] بالعرق وبالوسخ الخارج بعضه من منافذ محسوسة كالأنف والصماخ، أو غير محسوسة كالمسام، أو خارجة عن الطبع كالأورام المنفجرة، أو لما ينبت من زوائد البدن كالشعر والظفر(1).

المقدّمة الثانية: في طبايع الأخلاط.

الدم حارّ رطب، والبلغم بارد رطب، والصفراء حارّة يابسة، والسوداء باردة يابسة.

المقدّمة الثالثة: قال الأطبّاء: الأسباب الضروريّة المغيّرة لبدن الإنسان والحافظة له ستّة اُمور.

أحدها: الهواء المحيط بالأبدان.قالوا: ويضطرّ إليه لتعديل الروح بالاستنشاق، وإخراج فضلاته بردّ النَفَس، ويعنون بالروح هنا جوهرا لطيفا بخاريّا يتولّد من بخاريّة الأخلاط ولطافتها.قالوا: المراد بتعديل الروح تعديل سخونته؛ فإنّه خُلِقَ حارّا جدّا، ليكون سريع النفوذ في الأعضاء؛ فإنّ البرد يوجب الثقل والكثافة والغلظة، وكلّ هذه مانعة من النفوذ ومن سرعته، ويزداد حرّه باحتقان الأبخرة الدخانيّة، وبكثرة حركته وسرعتها، وباستعمال المسخّنات، فاحتيج إلى تحصيل اعتدال لائق به، وقولهم بالاستنشاق يريدون به جذب الهواء من الريّة، ومن مسام الجلد المتّصلة بمسام منافس الشرايين؛ فإنّ الهواء وإن كان حارّا في طبعه لكنّه بارد بالقياس إلى مزاج الروح الخالي عن الأبخرة الدخانيّة، فكيف إلى مزاج الروح الذي خلطت به الأجزاء الدخانيّة، وتسخّنت بالحركة وغيرها من المسخّنات، فإذا وصل إليه بردّه ومنعه عن الاشتعال والاستحالة مع الناريّة المؤدّية إلى فساد مزاجه، المانع من قبول الحسّ والحركة، وعن قبول الحياة، والمؤدّية إلى تحلّل جوهره، وعلى احتراقه الموجب لنقصان جوهره أيضا، وأرادوا بالفضلات الأبخرة الدخانيّة المتولّدة عند طبخ الروح التي ينبتها إلى الروح نسبة الخلط الفضلي إلى البدن، وذلك باستصحاب الهواء المندفع.

وقولهم: بردّ النَفَس، أرادوا به أنّ الهواء عند وروده بارد، فإذا طال مكثه في الباطن

ص: 235


1- القانون، ج 1، ص 19 و 20 مع اختلاف يسير في اللفظ

تسخّن؛ لمصاحبته بالروح، وبطلت فائدته، فاحتيج إلى هواء جديد يدخل ويقوم مقام الهواء الأوّل، فاحتيج إلى إخراج الأوّل المتسخّن ليخلو المكان للثاني؛ إذ لو بقي محتبسا، لضيّق المكان، وزاحم الروح والحرارة الغريزيّة، وليندفع معه الأبخرة الدخانيّة التي لو بقيت لسخنت الروح والعرقيّة، لأنّها حارّة حادّة يزداد حرارة الروح باختلاطهما.

وثانيها: ما يؤكل ويشرب، ووجه الاضطرار إليه أنّ البدن دائم التحلّل بالأسباب الداخلة والخارجة، فلو لم يرد عليه غذاء، يقوم بدل ما يتحلّل منه، لم يبق مدّة تكوّنه، فاضطرّ لذلك إلى المأكول.وأمّا الاضطرار إلى المشروب، فلطبخ المأكول، وترقيقه وتنفيذه، فهو متمّم لأمر الغذاء.

وقالوا: إنّ الماء لا يغذو البدن لبساطته، والمغتذي مركّب ذو مزاج، والغاذي يجب أن يكون شبيها بالمغتذي، لكنّه إذا انطبخ مع الغذاء كيلوسا صار جميع ذلك غازيّا، لا ما فيه من الأجزاء الغذائيّة فقط، والذى ينفصل عنه من المائيّة، ويخرج من البدن القدر الزائد على ما ينبغي أن يكون في الغذاء، والذي يدلّ على ذلك أنّ مرقة اللّحم يغذو البدن، ولو كان الغذاء ما فيها من الأجزاء اللّحميّة بدون المرقة، ما يحصل بالمرقة وليس كذلك.

وثالثها: الحركة والسكون البدنيّان.

ورابعها: الحركة والسكون النفسانيّان، أي الصادران عن قوى النفس؛ فإنّ النفس لا حركة لها، ولا سكون، وتلك الحركة كالشهوة والغضب وسكونها إنّما تصدران عن قواها.

وخامسها: النوم واليقظة.

وسادسها: الاستفراغ والاحتباس.قالوا: ويضطرّ إلى الاستفراغ؛ لأنّ بقاء البدن بدون الغذاء محال، وليس غذاء يستحيل بجملته إلى مشابهة جوهر الأعضاء، بل لابدّ أن يبقى منه عند كلّ هضم فضلة، وتلك الفضول إن بقيت في البدن، ولم يستفرغ، وأفسدت ما يصل إليه من الغذاء الجديد، فيجب أن يستفرغ ويخرج من البدن، وإلى الاحتباس؛ لأنّ البدن دائم التحلّل، فيحتاج دائما إلى بدل ما يتحلّل منه، ولا يمكن استعمال الغذاء دائما مستمرّا، فاحتيج بالضرورة إلى أن يحتبس الغذاء عند الأعضاء إلى أن يرد الغذاء الجديد، ولو أمكن استعمال الغذاء دائما لم يستغن عن هذا الاحتباس والادّخار؛ لأنّ الغذاء ليس شبيها

ص: 236

بالأعضاء، فاحتيج في استحالته على مشابهتها على زمان طويل جدّا؛ ليتمّ انهضامه، ويتهيّأ استحالته إلى جوهرها، فاحتيج لذلك إلى الاحتباس(1).

المقدّمة الرابعة: قال جالينوس ومن تبعه: أنّ الروح يتولّد من الهواء المستنشق؛ فإنّه يروّح الحرارة الغريزيّة، ويردّها، ويكتسب هو أيضا منها حرارة يصير بذلك روحا ينفذ في الشرايين إلى الأعضاء، وهي الروح الحيواني، وجزء صالح منه يصعد إلى الدماغ، ويصير روحا نفسانيّا، وجزء ينفذ في شعبة من الأبهر النازل إلى جانب الكبد، ويصير روحا طبيعيّا(2).

إذا عرفت هذا فنقول: لعلّ المراد بالطباع الأخلاط الأربعة، ويحتمل أن يراد ما يعمّ منها ومن الأسباب الضروريّة، والثاني أنسب بقوله عليه السلام : (فمنها الهواء).

أي الأولى من هذه الأربعة (الهواء الذي لا تحيا النفس إلّا به).

أي بذلك الهواء.

وقوله: «تحيا» من الحياة، والنفس _ بسكون الفاء _ : الروح، والجسد.

وفي بعض النسخ: «لا تجي» بالجيم، والمناسب حينئذٍ أن يكون النَفَس بالتحريك، وهو اسم وضع موضع المصدرين.نفّس تنفيسا ونفسا: أي فرح تفريحا.

(وبنسيمه).

قال الجوهري: «النسيم: الريح الطيّبة.ونسم الريح: أوّلها حين تقبل بلين قبل أن تشتدّ»(3).

أقول: المراد بنسيم الهواء التنفّس به والتروّح منه.

(ويخرج ما في الجسم من داء وعفونة).

في القاموس: «عَفِنَ الحبل _ كفرح _ عفنا وعفونةً: فسد، فتفتّت عند مسّه»(4).

وأنت إذا أحطت خبرا بما ذكرنا في المقدّمة الثانية والرابعة، لم يخف عليك كيفيّة النفس وما يترتّب عليه من الفوائد والآثار، وإن اُريد بالطبائع الأخلاط، فذكر الهواء وعدّه من الأربعة باعتبار أنّ له تأثيرا كاملاً في تولّد الأخلاط، وتكوينها، وحفظها إلى أن يترتّب المنافع المقصودة منها عليها، فكأنّه واحد منها، وقس عليه الأرض والطعام والماء.

ص: 237


1- راجع: القانون، ج 1، ص 79 ومابعدها
2- اُنظر: القانون، ج 1، ص 12
3- الصحاح، ج 5، ص 2040 (نسم) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 249 (عفن) مع التلخيص

(والأرض) أي الثانية من الأربعة الأرض.

ولعلّ المراد بها الأرض المجاورة للبدن.ويحتمل أن يكون المراد الأرض التي هي من جملة عناصر البدن وأركانه، أو الأرضيّة الداخلة في الأغذية الواردة عليه.

(التي قد تولّد اليبس والحرارة).

يُقال: ولدت المرأة توليدا، فولدت هي، والتوليد أيضا: التربية.ولعلّ تينك الكيفيّتين كناية عنهما؛ فإنّهما جميعا يابستان، وإن كانت الحرارة مختصّة بالصفراء، فتأمّل.

وحينئذٍ يكون المراد: أنّ الأرض متولّدة لتينك المرّتين.

هذا، واعلم أنّ الأرض لمّا كانت باردة يابسة، فتوليدها اليبس بطبعها في الأبدان وغيرها ظاهر.وأمّا توليدها الحرارة فيها، فقيل: إنّه لانعكاس أشعّة الشمس منهما على البدن(1).

وقيل: لأنّ اليبوسة توجب جمود البدن المقتضي لاحتباس الحرارة الغريزيّة، وهي موجبة لقوّة المزاج.

وأقول: لا نزاع في أنّ الأرض التي تلينا خرجت عن البساطة الصّرفة، واختلطت بالأجزاء الهوائيّة والبخاريّة، بل قيل باختلاطها بالأجزاء الناريّة المكمونة فيها أيضا، فلعلّ استفادة الحرارة منها باعتبار تلك الأجزاء، مع أنّه لا دليل لهم على برودة الأرض سوى قولهم: إنّها لو خلّيت وطبعها، ولم تسخن بسبب غريب، ظهر منها برد محسوس، وقولهم: إنّها كثيفة، وما ذاك إلّا برودتها.

وردّ الأوّل بأنّه لا دليل لهم عليه، والتجربة لا تفي بذلك؛ إذ لائم خلوّ الأرض في زمانٍ من الأزمنة عمّا يبرّدها، وفرض الخلوّ لا يفيد.ودفع الثاني بأنّه يجوز أنّ كثافتها ليبوستها، على أنّ البرودة لا تنافي الحرارة الطبيعيّة كما في العسل، فحينئذٍ يجوز أن تتولّد الحرارة من الأرض بطبعها، كاليبوسة.

(والطعام) أي الثالث من الأربعة الطعام.

(ومنه يتولّد الدم) إشارة إلى السبب المادّي للدم، وكون الطعام مادّة لسائر الأخلاط أيضا، لا ينافي تخصيص بعضها بالذِّكر باعتبار كمال مدخليّته ذلك البعض أو استقلاله في تغذية

ص: 238


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 165

البدن وبقاء الحياة وتكوّن الروح. أو نقول: وجه إفراده بالذِّكر باعتبار أنّه أوّل ما يتولّد من الغذاء، ثمّ يتولّد منه الصفراء والسوداء، كما يفهم من المقدّمة الاُولى.

فإن قلت: البلغم أيضا كذلك، فما وجه تخصيص الدّم بذلك؟

قلت: هذا الإيراد لا يرد على الوجه الأوّل أصلاً، وأمّا على الثاني فنقول: البلغم وإن تولّد أوّلاً إلّا أنّ مادّته الماء لا الغذاء، كما سيجيء، مع أنّه مولّد للسوداء فقط؛ فإنّها تتولّد من أيّ خلط كان حتّى من السوداء نفسها.

(ألاترى) من الرؤية القلبيّة، أي ألا تعلم بالأمارات المفيدة لليقين.

(أنّه) أي الطعام.

(يصير إلى المعدة) أي يرد عليها، ويدخل فيها.

قال الفيروزآبادي: «المِعدة [ككلمة و] _ بالكسر _ : موضع الطعام قبل انحداره إلى الأمعاء، وهو لنا بمنزلة الكرِش للأظلاف والأخفاف.الجمع: مَعِد، ككَتِف، وعِنَب»(1).

(فتغذّيه).

الضمير المستتر للمعدة، والبارز للطعام.والتغذية: التربية.

(حتّى يلين) من اللّين، على صيغة المعلوم؛ أو من التليين، على صيغة المجهول؛ أي حتّى يصير ذلك الطعام كيلوسا.

(ثمّ يصفو) أي يلطف ذلك الكيلوس.

(فتأخذ الطبيعة) أي تتناول، وتنجذب من ماساريقا.

(صفوه).

الصفو _ بالفتح _ : نقيض الكدر، والضمير للطعام الكيلوسي.

(دما) حال من الصفو، أو تمييز.

والمعنى أنّه في حالة أخذ الطبيعة له تصير دما بالتفصيل الذي مرّ في المقدّمة الاُولى، لا أنّه دم في أوّل أخذه.

(ثمّ ينحدر الثفل) من المَعِدة على الأمعاء.

ص: 239


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 338

قال في القاموس: «الثفل _ بالضمّ _ والثافل: ما استقرّ تحت الشيء من كدره.والثافل: الرجيع»(1).

وفي بعض النسخ: «الثقل» بالقاف.

(والماء) أي الرابع من تلك الأربعة الماء.

(وهو يولّد البلغم).

ظاهره أنّ الماء سبب مادّي للبلغم، والاستعاد في ذلك، كما يظهر ممّا نقلناه في الثانية من الأسباب الضروريّة الستّة، وإن أبيت فنقول: إنّ للماء مدخليّة تامّة في حصوله.

واعلم أنّ الظاهر من ذكر هذه الطبائع الأربع أن يطلب بعد الاطّلاع عليها ما هو الأوفق من الأهوية والأراضي والأغذية والأشربة، واُدخل في تعديل الروح ليكون حافظا للصحّة إن كانت، أو محدثا لهما إن لم تكن، وتفصيلها مسطور في الكتب الطبّيّة، فليراجع إليها مَن أراد الاطّلاع عليها، ففيه إشارة إجماليّة إلى الاحتياج بعلم الطبّ.

متن الحديث الثامن والتسعين والمائتين

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَعْيَنَ أَخُو مَالِكِ بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ : جَزَاكَ اللّهُ خَيْرا : مَا يَعْنِي بِهِ؟

قَالَ (2)أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّ خَيْرا نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ ، مَخْرَجُهُ مِنَ الْكَوْثَرِ ، وَالْكَوْثَرَ مَخْرَجُهُ مِنْ سَاقِ الْعَرْشِ ، عَلَيْهِ مَنَازِلُ الْأَوْصِيَاءِ وَشِيعَتِهِمْ ، عَلى حَافَتَيْ ذلِكَ النَّهَرِ حَوَارِي (3)نَابِتَاتٌ ، كُلَّمَا قُلِعَتْ وَاحِدَةٌ نَبَتَتْ أُخْرى ، سُمِّيَ بِذلِكَ النَّهَرُ ، وَذلِكَ قَوْلُهُ عَزَّوَجَلَّ : «فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ» (4)فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ : جَزَاكَ اللّهُ خَيْرا ، فَإِنَّمَا يَعْنِي بِذلِكَ تِلْكَ الْمَنَازِلَ الَّتِي (5)أَعَدَّهَا اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِصَفْوَتِهِ وَخِيَرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ» .

ص: 240


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 342 (ثفل) مع التلخيص
2- . في الطبعة الجديدة وأكثر نسخ الكافي: «فقال»
3- . في كلتا الطبعتين وجميع النسخ الكافي التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «جواري» بالجيم المعجمة
4- . الرحمن (55): 70
5- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: + «قد»

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (ما يعنى به) على البناء للمفعول، أو للفاعل، والأوّل أولى.

(قال أبو عبداللّه عليه السلام : إنّ خيرا نهر في الجنّة).

في القاموس: «النهر ويحرّك مجرى الماء»(1).

وفيه: الخير ما يرغب فيه الكلّ(2).

ولعلّ المراد أنّه ينبغي أن يقصده القائل؛ لأنّه الفرد الكامل من أفراد الخير.

وقال بعض الأفاضل: يحتمل أن يكون أصل استعمال هذه الكلمة كان ممّن عرف [هذا] المعنى، وإرادة من لا يعرف غيره لا ينافيه، على أنّه يحتمل أن يكون المراد أنّ الجزاء الخير هو هذا، وينصرف واقعا إليه، وإن لم يعرف ذلك من يتكلّم بهذه الكلمة(3).

(مخرجه) أي منبعه ومادّته.

(من الكوثر).

في القاموس: «الكوثر: نهرٌ في الجنّة تتفجّر منه جميع أنهارها»(4). وقال البيضاوي:

روي عنه عليه السلام : أنّه نهرٌ في الجنّة، وَعَدنيهِ ربّي، فيه خير كثير أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وأبرد من الثلج، وألين من الزبد، حافتاه الزبرجد، وأوانيه من فضّة لا يظمأ مَن شرب منه(5)وقيل: حوضٌ فيها، (6)انتهى.

(والكوثر مخرجه) ومنبعه (من ساق العرش).

الظاهر أنّه العرش الجسماني، وساقه قائمته.

قال الجوهري: «الساق: ساق القدم.وساق الشجرة: جذعها»(7).

ص: 241


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 150 (نهر)
2- لم نعثر عليه في القاموس
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 166
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 125 (كثر) مع التلخيص
5- روي الخبر في: صحيح مسلم، ج 2، ص 13 و 14؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 423، ح 4747؛ التمهيد، ج 5، ص 219 (مع اختلاف في اللفظ)
6- . تفسير البيضاوي، ج 5، ص 536
7- الصحاح، ج 4، ص 1498 (سوق) مع التلخيص

(عليه منازل الأوصياء وشيعتهم).

الظاهر أنّ الضمير في «عليه» راجع إلى الكوثر، مع احتمال رجوعه إلى «النهر»، وأنّ المراد بالأوصياء أوصياء محمّد صلى الله عليه و آله .

(على حافّتي ذلك النهر حواري).

قال الفيروزآبادي في الأجوف الواوي: «حافّتا الوادي وغيره: جانباه.الجمع: حافّات»(1). وقيل: «الحواري» يحتمل أن يكون بتخفيف الياء، جمع حوراء، (2).وفيه نظر؛ لأنّ فعلا الصفة يجمع على فِعال وفُعل .وفي القاموس: «الحُور _ بالضمّ _ : جمع أحْوْرَ، وحَوْراء»(3).

أقول: يحتمل كونه بتشديد الياء بمعنى المرأة البيضاء.قال الجوهري: «تحوير الثياب: تبييضها.والنساء حواريّات لبياضهنّ»(4). وفي القاموس: «الحواريات: نساء الأمصار»(5).

وفي بعض النسخ: «الجواري» بالجيم، جمع جارية.

(نابتات) كالشجر (كلّما قلعت) على البناء للمفعول.وفي بعض النسخ: «قطعت».

(نبتت اُخرى) من تلك الحواري.

(سمّي بذلك النهر).

قال بعض الأفاضل: «كذا في أكثر النسخ، والظاهر: «سمّين»، ويمكن أن يقرأ على البناء للمفعول، (6)أي سمّاهن اللّه بها في قوله: «خَيْرَاتٌ» ».قال: «ويحتمل أن يكون المشار إليه النابت، أي سمّي النهر باسم ذلك النابت، أي الجواري؛ لأنّ اللّه سمّاهنّ خيرات»(7).

أقول: كلام هذا الفاضل لا يخلو عن اضطراب وتكلّف، كما لا يخفى، ويخطر بالبال أن يكون سمّى على البناء للمفعول، والمستتر فيه راجعا إلى الحواري، وعدم التأنيث باعتبار المذكور، والنهر بالجرّ بدلاً أو صفة من ذلك؛ أي سمّى المذكور من الحواري باسم ذلك

ص: 242


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 130 (حوف)
2- احتمله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 310
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 15 (حور) مع التلخيص
4- الصحاح، ج 2، ص 639 (حور) مع التلخيص واختلاف في اللفظ
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 15 (حور)
6- . في المصدر: «المعلوم»
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 166

للنابتة على حافّتيه.وعلى التقديرين يكون قوله عليه السلام : (وذلك قوله) إشارة إلى تلك التسمية.

وهنا احتمال آخر، وهو أن يكون النهر بالرفع قائما مقام الفاعل سمّي واسم الإشارة في قوله: «بذلك» إشارة إلى الخير؛ أي سمّي النهر المذكور بهذا الاسم، ولكن وقع التسمية لما في حافّتيه مجازا، واسم الإشارة في قوله: «هو ذلك» إشارة إلى التسمية المجازيّة.

«فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ» (1).

حسان: جمع حسناء، كبطاح [و] بطحاء.

وقال البيضاوي:

ضمير فيهنّ راجع إلى الجنان المفهوم من قوله تعالى: «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ» (2). إلى قوله: «وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ» ؛ (3). فإنّ جنّتان يدلّ على جنان هي للخائفين، أو فيما فيهما من الأماكن والقصور، أو في الآلاء المعدودة من الجنّتين والعينين والفاكهة والفرش(4).

وقال: «خيرات: مخفّف خيّرات؛ لأنّ خير الذي بمعنى أخير لا تجمع.وقد قرئ على الأصل، والمراد بالحسان حسان الخَلق والخُلق»(5).

وقال الجوهري: «الخيرة: الفاضلة من كلّ شيء.الجمع: خيرات»(6).

(فإذا قال الرجل لصاحبه: جزاك اللّه خيرا، فإنّما يعني) أي يقصد.

وقد مرّ في صدر الحديث ما يتعلّق بهذا المقام، فتذكّر.

(بذلك) أي بالخير.

(تلك المنازل) المذكورة.

(التي أعدّها اللّه عزّ وجلّ) أي هيّأها.

(لصفوته).

في القاموس: «صفوة الشيء _ مثلّثة _ : ما صفا منه»(7).

ص: 243


1- الرحمن (55): 70
2- .الرحمن (55): 46
3- .الرحمن (55): 54
4- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 281 مع اختلاف في اللفظ
5- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 281 مع اختلاف في اللفظ
6- الصحاح، ج 2، ص 652 (خير) مع اختلاف في اللفظ
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 352 (صفو)

(وخيرته).

الخيرة _ بالكسر، وكعنبة _ : الاسم من الاختيار، من اخترته منهم وعليهم خيرة، أي فضّلته.

(من خلقه) متعلّق بالصفوة والخيرة، أو بيان لهما.

متن الحديث التاسع والتسعين والمائتين

اشارة

وَعَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهَرا حَافَتَاهُ حُورٌ نَابِتَاتٌ ، فَإِذَا مَرَّ (1)الْمُؤْمِنُ بِإِحْدَاهُنَّ فَأَعْجَبَتْهُ اقْتَلَعَهَا ، فَأَنْبَتَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مَكَانَهَا» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله عليه السلام : (إنّ في الجنّة نهرا حافتاه) بتخفيف الفاء، أي جانباه.

(حُورٌ).

هو بالضمّ، جمع حوراء، كما مرّ.وهي من نساء أهل الجنّة، من الحَور _ بالتحريك _ وهي شدّة بياض العين في شدّة سوادها.

(نابتات) صفة «حور».

(فإذا مرّ المؤمن بإحداهنّ) من تلك الحور.

(فأعجبته).

يُقال: أعجبني هذا الشيء لحسنه، أي أدخلني وأوقعني في العجب، وهو _ بالتحريك _ أمرٌ يُستغرَب، أو يستحسن، أو يسرّ.

(اقتلعها) جواب «إذا».يقال: قلعه _ كمنعه _ واقتلعه، أي انتزعه من أصله.

(فأنبت اللّه _ عزّ وجلّ _ مكانها).

الفاء فصيحة، أو عاطفة، والأوّل أنسب.

ص: 244


1- . في بعض نسخ الكافي: «أمرّ»

متن الحديث الثلاثمائة (حَدِيثُ الْقِبَابِ)

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ :قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام لَيْلَةً وَ أَنَا عِنْدَهُ ، وَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ (1): «يَا أَبَا حَمْزَةَ ، هذِهِ قُبَّةُ أَبِينَا آدَمَ عليه السلام ، وَإِنَّ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ سِوَاهَا تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ قُبَّةً ، فِيهَا خَلْقٌ مَا عَصَوُا اللّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله: (القباب).

مِن القُبّة _ بالضمّ _ من البناء، والجمع: قُبب كصُرَد، وقِباب ككتاب.

وقوله: (ونظر إلى السماء، فقال: يا أبا حمزة، هذه قبّة أبينا آدم عليه السلام ).

قيل: كأنّه أشار بهذه إلى السماء الدُّنيا، وعندها قبّة آدم باعتبار أنّها خلقت له ولذرّيّته، كما نطقت به الآيات والروايات، أو باعتبار أنّه لم تكن له عليه السلام قبّة سواها.أو أشار إلى قبّته عليه السلام في الجنّة، وأراد بتسعة وثلاثين قبّة القباب التي فيها.والجنّة موجودة في السماء، كما ذهب إليه أهل الحقّ، انتهى(2).

(وإنّ للّه _ عزّ وجلّ _ سواها) أي سوى هذه القبّة.

(تسعة وثلاثين قبّة).

قيل: أراد بها ما فوق السماء الدُّنيا من السماوات، ولا دليل عقلاً ولا نقلاً على انحصار السماوات في تسع، بل يجوّز العقل الأقلّ والأكثر(3).

أقول: روى محمّد بن الحسن الصفّار في كتاب بصائر الدرجات بإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: «إنّ [من] وراء عين شمسكم هذه أربعين عين شمس فيها خلقٌ كثير، وأنّ [من] وراء قمركم أربعين قمرا، فيها خلقٌ كثير لا يدرون أنّ اللّه خلق آدم أم لم يخلقه إليهم، ألهموا إلهاما لعنة فلان وفلان»(4).

ص: 245


1- . في الطبعة القديمة: «قال»
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 311 مع التلخيص
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 311 مع التلخيص
4- بصائر الدرجات، ص 510، الباب 14، ح 3

وروى بإسناده عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام، قال: «إنّ للّه مدينتين: إحداهما بالمشرق، والاُخرى بالمغرب، عليهما سور من حديد، وعلى كلّ مدينة منهما سبعون ألف ألف مصراع من ذهب، وفيها سبعون ألف ألف لغة يتكلّم كلّ لغة بخلاف لغة صاحبها، وأنا أعرف جميع اللّغات وما فيهما وما بينهما وما عليهما حجّةٌ غيري وغير الحسين أخي»(1).

وروى بإسناده عن أبي عبداللّه ، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، قال: «إنّ للّه بلدة خلف المغرب يُقال لها: جابلقا، وفي جابلقا سبعون ألف اُمّة ليس منها اُمّة إلّا مثل هذه الاُمّة، فما عصوا اللّه طرفة عين، فما يعملون من عمل ولا يقولون قولاً إلّا الدّعاء على الأوّلين، والبراءة منهما. والولاية لأهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله »(2).

وبإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: «[إنّ] من وراء أرضكم هذه أرضا بيضاء ضوءها منها، فيها خلقٌ يعبدون اللّه لا يشركون به شيئا، يتبرّؤون من فلان وفلان»(3).

وبإسناده عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: «إنّ اللّه خلق جبلاً محيطا بالدُّنيا من زبرجد أخضر، وإنّ خضرة السماء من خضرة ذلك الجبل، وخلق خلفه خلقا لم يفترض عليهم شيئا ممّا افترض على خلقه من صلاة وزكاة، وكلّهم يلعن رجلين من هذه الاُمّة وسمّاهما»(4).

وأنت إذا أعطيت النظر حقّه، يظهر لك من فحوى هذه الأخبار، وكذا من الخبر الآتي أنّ تلك القباب لا يحيط بعضها ببعضه، كما يظهر من كلام القائل، وأنّ قوله: «أو أشار إلى قبّته عليه السلام في الجنّة» لا وجه له، كما لا يخفى.

(فيها خلقٌ).

قيل: أراد بالخلق الملائكة، أو الأعمّ الشامل للأنبياء والأوصياء أيضا»(5).

أقول: يظهر من الخبر الآتي وكذا من الأخبار السابقة أنّ هذا الخلق ليس من جنس بني آدم، بل ربّما يفهم منها عدم كونه من جنس الملائكة أيضا.

(ما عصوا اللّه طرفة عين).

ص: 246


1- بصائر الدرجات، ص 514، الباب 15، ح 11
2- بصائر الدرجات، ص 510، الباب 14، ح 1
3- بصائر الدرجات، ص 510، الباب 14، ح 2
4- بصائر الدرجات، ص 510، الباب 14، ح 6 (مع اختلاف يسير في اللفظ)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 311

قال الجوهري:

طَرَفَ بصره يطرف طرفا: إذا أطبق أحد جفنيه على الآخر.الواحدة من ذلك: طَرْفة.

يُقال: أسرع من طرفة عين(1).

متن الحديث الواحد والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ ، عَنْ عَجْلَانَ بْنِ صَالِحٍ (2).، قَالَ :

دَخَلَ رَجُلٌ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هذِهِ قُبَّةُ آدَمَ عليه السلام ؟

قَالَ : «نَعَمْ ، وَلِلّهِ قِبَابٌ كَثِيرَةٌ ، أَلَا إِنَّ خَلْفَ مَغْرِبِكُمْ هذَا تِسْعَةً وَثَلَاثُونَ (3)مَغْرِبا أَرْضا بَيْضَاءَ مَمْلُوَّةً خَلْقا ، يَسْتَضِيئُونَ بِنُورِهِ ، لَمْ يَعْصُوا اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، مَا يَدْرُونَ خُلِقَ آدَمُ أَمْ لَمْ يُخْلَقْ ، يَبْرَؤُونَ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (عجلان بن صالح).

كذا في النسخ التي رأيناها، والمذكور في كتب الرجال: «عجلان أبو صالح»(4).

(ألا إنّ خلف مغربكم هذا) إشارة إلى المغرب المعهود.

(تسعة وثلاثون).

وفي بعض النسخ: «وثلاثين»، وهو أظهر.

(مغربا).

يُقال: غربت الشمس _ من باب نصر _ غروبا، وغرب الرجل أيضا: أي بعُد.واسم المكان منهما: مغرب، بكسر الراء.

ص: 247


1- الصحاح، ج 4، ص 1395 (طرف)
2- هكذا أيضا في أكثر نسخ الكافي.لكن في بعض نسخ الكافي وكلتا الطبعتين: «عجلان أبي صالح»، وهو الظاهر.اُنظر: رجال البرقي، ص 43؛ رجال الكشّي، ص 411، الرقم 772
3- . في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «وثلاثين»
4- اُنظر: رجال البرقي، ص 43؛ رجال الكشّي، ص 411، الرقم 772

وفي القاموس: «المغرب _ بفتح الراء _ : الصبح، وكلّ شيء أبيض»(1).وإن اُريد بالمغرب هنا المعنى الأوّل، فلعلّ المراد به المشرق والمغرب كناية أو مشاكلة.وأوّله بعضهم بالمشارق والمغارب باعتبار البقاع والآفاق، وهو تكلّف بعيد مع عدم الحاجة إليه.

(أرضا) بدل، أو صفة لقوله: «مغربا».ويحتمل كونه منصوبا بتقدير «أعني».

(بيضاء).

الظاهر أنّه من البياض ضدّ السواد.وقيل: الأرض البيضاء: الملساء(2).

(مملوّة خلقا، يستضيؤون بنوره).

لعلّ الضمير راجع إلى «المغرب» باعتبار المكان، أي استضاءتهم في ذلك المكان بنور يختفى به من نور الشمس والقمر المختفَين به غير شمسنا وقمرنا.ويؤيّده الحديث الأوّل الذي نقلناه من كتاب البصائر(3).

وإرجاعها إلى الأرض، وجعل التذكير باعتبار كونها مؤنّثا غير حقيقي بعيد.لكن يؤيّده ما نقلناه من الكتاب المذكور في الحديث الرابع من قوله عليه السلام : «إنّ من وراء أرضكم هذه أرضا بيضاء ضؤها منها»(4). وقيل: الظاهر إرجاعه إلى اللّه ، والمراد به العلم الفائض عليهم من الأنوار المعنويّة والاهتداء بالأئمّة عليهم السلام »(5).

(يَبْرَؤُون من فلان وفلان)؛ يعني أبا بكر وعمر.قيل: براءتهم منهما باعتبار أنّه تعالى ألهمهم خبث ذواتهما وقبح صفاتهما، ولا يتوقّف ذلك على علمهم بنسبهما، وأنّهما من ولد آدم، فلا ينافي قوله: «ما يدرون خُلِق آدم أم لم يخلق» (6).

وقيل: إنّما يتبرّؤون منهما؛ لأنّهم مجبولون على الخير، فلا محالة يبرؤون من منبع الشرّ(7).

ص: 248


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 111 (صبح)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 311
3- بصائر الدرجات، ص 510، الباب 14، ح 3
4- بصائر الدرجات، ص 510، الباب 14، ح 2
5- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 311
6- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 311
7- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 480، ذيل ح 25557

واعلم أنّ التصديق بظواهر أمثال تلك الأحاديث والأخبار المنقولة في الكتب المعتبرة عن أهل البيت الأطهار من أعظم سير الديّانين بالأخبار، وتأويلها بمجرّد الاستبعادات الواهية، والاستناد إلى اُصول الفلاسفة والمتصوّفة من غير ضرورة، دعت إليه من أطوار الأشرار المنتحلين بالدِّين المتّصفين المحرّفين للكلم عن مواضعه.

قال بعضهم في شرح هذا الحديث: كان ذلك إشارة إلى عالم المثال؛ فإنّه عالم نورانيّ نوره من [نور] نفسه، ولذا قال: «يستضيئون بنوره» أي بنور ذلك العالم(1). قال: ونقل عن الحكماء الأقدمين أنّ في الوجود عالما مقداريّا غير العالم الحسّي، لا تتناهى عجائبه، ولا تحصى مدُنُه، من جملة تلك المُدن جابلقا وجابرصا، وهما مدينتان عظيمتان، لكلّ منهما ألف باب، لا يحصى ما فيهما من الحدائق (2).

قال: وقال بعض أهل العلم: في كلّ نفس خلق اللّه عوالم «يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ» (3)وخلق اللّه من جملة عوالمها عالما على صورتا إذا أبصرها العارف يشاهد نفسه فيها.

ثمّ قال: وكلّ ما فيها حيّ ناطق، وهي باقية لا تُفنى ولا تتبدّل، وإذا دخلها العارفون إنّما يدخلون بأرواحهم لا بأجسامهم، فيتركون هياكلهم في هذه الأرض الدُّنيا ويجرّدون، وفيها مدائن لا تُحصى، بعضها يسمّى «مدائن النور» لا يدخلها من العارفين إلّا كلّ مصطفىً مختار، وكلّ حديث وآية وردت عندنا، فصرفها العقل عن ظاهرها وجدناها على ظاهرها في هذه الأرض، وكلّ جسدٍ يتشكّل فيه الروحاني من مَلكٍ وجنّ في كلّ صورة يرى الإنسان فيها نفسه في النوم، فمن أجساد هذه الأرض، انتهى(4).

متن الحديث الثاني والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَبَلَةَ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ (5):

ص: 249


1- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 480، ذيل ح 25557
2- في المصدر: «الخلائق»
3- . الأنبياء (21): 20
4- الوافي، ج 26، ص 480، ذيل ح 25557
5- . في أكثر نسخ الكافي: - «عن إسحاق بن عمّار»

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَنْ خَصَفَ نَعْلَهُ وَرَقَّعَ ثَوْبَهُ وَحَمَلَ سِلْعَتَهُ ، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الْكِبْرِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (من خصف نعلَه).

خَصْفُ النعل كناية عن لبس النّعل الخلق البالية.يُقال: خصف نعله _ كضرب _ : أي خرزها.وخَصَفَ الوَرق على بدنه: ألزَقَها، وأطبقها عليه وَرَقةً وَرَقةً.

والنعل: كلّ ما وقيت به القدم من الأرض، مؤنّثة.كذا في القاموس (1).:

(ورقّع ثوبه).

قال الجوهري: «الرُقعة: الخرقة، تقول منه: رقعت الثوب بالرقاع.وترقيع الثوب: أن يرقعه في مواضع»(2).

وفي القاموس: «رقع الثوب _ كمنع _ : أصلحه بالرقاع، كرقّعه»(3).

(وحَمَلَ سِلعَتَه).

السِلعة _ بالكسر _ : المتاع؛ أي حمل ما يشتريه لنفسه أو لأهله من الأمتعة، برأسه أو ظهره أو يده، ولا يستنكف منه.

ويفهم من بعض الأخبار اختصاص هذا الحكم واستحبابه بما إذا لم يشنّعه الناس، ولم يستسخروا منه.

(فقد برئ من الكبر).

البريء _ ككريم _ المتبرّئ من العيوب، والمطهّر منها.تقول: برئ _ كعلم _ براءة، فهو بريء.

قال الفيروزآبادي:

الكِبر _ بالكسر _ : معظم الشيء، والشرف.ويضمّ فيهما، والإثم الكبير، والرفعة في الشرف والعظمة والتجبّر، كالكبرياء، وقد تكبّر واستكبر، انتهى(4).

ص: 250


1- . اُنظر: القاموس المحيط، ج 3، ص 134 (خصف)؛ و ج 4، ص 58 (فعل)
2- الصحاح، ج 3، ص 1221 (رقع) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 31 (رقع)
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 124 (كبر) مع التلخيص

أقول: الأنسب هنا المعنى الأخير، ويحتمل حمله على المعاني الاُخر بتقدير مثل معنى الطلب أو الارتكاب، فتدبّر.

وقيل: هذا إذا كان من باب القناعة والخلوص للّه ، وأمّا إذا كان لصرف وجوه الناس إليه، فهو من أسباب الكبر، كالمال والجاه ونحوهما(1).

متن الحديث الثالث والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ (2)، قَالَ :

كُنْتُ أَنَا وَالْقَاسِمُ شَرِيكِي وَنَجْمُ بْنُ حَطِيمٍ وَصَالِحُ بْنُ سَهْلٍ بِالْمَدِينَةِ ، فَتَنَاظَرْنَا فِي الرُّبُوبِيَّةِ ، قَالَ : فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ : مَا تَصْنَعُونَ بِهذَا؟ نَحْنُ بِالْقُرْبِ مِنْهُ ، وَلَيْسَ مِنَّا فِي تَقِيَّةٍ ، قُومُوا بِنَا إِلَيْهِ .

قَالَ : فَقُمْنَا ، فَوَ اللّهِ مَا بَلَغْنَا الْبَابَ إِلَا وَقَدْ خَرَجَ عَلَيْنَا بِلَا حِذَاءٍ وَلَا رِدَاءٍ ، قَدْ قَامَ كُلُّ شَعْرَةٍ مِنْ رَأْسِهِ مِنْهُ ، وَهُوَ يَقُولُ : «لَا ، لَا ، يَا مُفَضَّلُ وَيَا قَاسِمُ وَيَا نَجْمُ ، لَا ، لَا «بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» (3).» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (اُوْرمة) بضمّ الهمزة وإسكان الواو وفتح الراء.كذا في الإيضاح(4).

(عن المفضّل)؛ هو المفضّل بن عمر.

(قال: كنت أنا والقاسم شريكي)؛ هو القاسم بن عبد الرحمن الصيرفي.

(ونجم بن حطيم).

في القاموس: «حُطَيم _ كزُبير _ : تابعي»(5).

(فتناظرنا في الربوبيّة) أي في ربوبيّة الصادق عليه السلام ، أو جميع الأئمّة عليهم السلام .

ولعلّ بناء المناظرة أنّ بعضهم أو جميعهم قال بربوبيّته عليه السلام .وقال الفاضل الإسترآبادي: كان بعض الشيعة [من] ضعفاء العقول بعدما شاهدوا ظهور بعض الخوارق عن

ص: 251


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 312
2- . في الطبعة القديمة: + «بن عمر»
3- . الأنبياء (21): 25 و 26
4- إيضاح الاشتباه، ص 271، الرقم 587
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 98 (حطم) مع التلخيص

الأئمّة عليهم السلام ، وسوس الشيطان في قلوبهم أنّ اللّه فوّض كائنات الجوّ إلى محمّدٍ وعليّ وأولادهما الطاهرين عليهم السلام بعد أن خلقهم، كما في آخر شرح المواقف (1)، واشتهر ذلك جماعة من الغُلاة في حقّ أمير المؤمنين عليه السلام (2).

(قال: فقال بعضنا لبعض: ما تصنعون بهذا)، إشارة إلى التناظر المذكور.

(نحن بالقُرب منه).

لعلّ الضمير للصادق عليه السلام .ويحتمل كونه للباقر عليه السلام ، بقرينة أنّ الرجال المذكورين كانوا من أصحابهما.وكذا المستتر في قوله: (ليس منّا في تقيّة).وكذا البارز في قوله: (قوموا بنا إليه).

وحاصله: أنّه عليه السلام قريبٌ منّا وليس بيننا وبينه مسافة كثيرة، ومعلوم أنّه لا يفتينا تقيّةً، فنتحاكم إليه، ونستفتيه في الأمر المتنازع فيه، فما حكم به فالحكم حكمه.

والباء في قوله: «بنا» للتعدية، أو للمصاحبة، والظرف متعلّق ب«قوموا» بتضمين مثل معنى التوجّه أو التحاكم.

(قال: فقمنا) إلى قوله: (بلا حِذاء ولا رداء) يدلّ على اضطرابه عليه السلام وخروجه عن البيت في غاية السرعة، والحِذاء _ بالكسر _ : النعل.

(قد قام كلّ شعرة من رأسه منه) غضبا عليهم، أو مخافةً من اللّه .

(وهو يقول: لا لا) إنكار لتوهّمهم ربوبيّته.

وقوله عليه السلام : «بَلْ عِبَادٌ» [الآية]، أي بل نحن عباد، اقتباس من قوله _ عزّ وجلّ _ في سورة الأنبياء: «وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ» (3).الآية.

قال البيضاوي:

«نزلت في خزاعة حيث قالوا: الملائكة بنات اللّه ».وقال: معنى قوله: «بَلْ عِبَادٌ» : بل هم عباد، من حيث إنّهم مخلوقون، وليسوا بأولاد.«مُكْرَمُونَ» : مقرّبون.وفيه تنبيه على مدحض القوم.وقرئ بالتشديد.«لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ» : لا يقولون شيئا حتّى كما يقوله، كما هو ديدن العبيد المؤدّبين، وأصله: لا يسبق قولهم قوله، فنسب

ص: 252


1- . شرح المواقف، ج 8، ص 388
2- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 313
3- .الأنبياء(21): 26

[السبق إليه و] إليهم، وجعل القول محلّه وأداته تنبيها على استهجان المنسبق المعرّض به للقائلين على اللّه ما لم يقله، واُنيب اللّام عن الإضافة اختصارا وتجافيا عن تكرير الضمير، وقرئ: «لا يُسبقونه» بالضمّ، من سابقته فسبقته أسبقه.«وَ هُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» لا يعملون قطّ ما لم يأمرهم به، انتهى(1).

متن الحديث الرابع والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ لِاءِبْلِيسَ عَوْنا يُقَالُ لَهُ : تَمْرِيجٌ (2)، إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ مَلَأَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (إنّ لإبليس عونا).

في القاموس: «العون: الظهير، للواحد والجمع والمؤنّث»(3).

(يُقال له تمريج).

يحتمل كونه اسم علم لذلك الشيطان، أو مصدر وُصِفَ به للمبالغة، من المرج.

قال الجوهري:

المَرَج _ بالتحريك _ مصدر قولك: مرج الخاتم في إصبعي _ بالكسر _ أي قلق.

ومرجت أمانات الناس أيضا: فَسدَتْ.ومرج الدين والأمر: اختلط، واضطرب.

ومنه الهرج والمرج، يُقال: إنّما يسكّن المرج لأجل الهرج ازدواجا للكلام، وأمر مريج، أي مختلط(4).

وفي بعض النسخ: «تمريح» بالحاء المهملة.قال الجوهري:

المَرَحُ: شدّة الفرح، والنشاط.

وقد مرِح _ بالكسر _ ومرحت عينه أيضا مَرَحانا:

ص: 253


1- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 90
2- في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «تمريح» بالحاء المهملة.وفي بعض نسخ الكافي: «تمريخ» بالخاء المعجمة
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 251 (عون)
4- الصحاح، ج 1، ص 341 (مرج) مع التلخيص

فَسَدَتْ، وهاجَتْ.ومرّحت القِربة: أي سرّبتها، وهو أن تملأها ماءً لتنسد عيون الخزر.ويقال للرامي إذا أصاب: مرحى، وإذا أخطأ: برحى(1).

وفي بعض النسخ بالخاء المعجمة.قال الجوهري: «مرخت جسدي بالدهن مرخا، ومرّخته تمريخا، وأمرخت العجين: إذا أكثرت ماءه حتّى رقّ» انتهى(2).

فلعلّ تسميته بالتمريخ لأنّه يمرّخ الإنسان، ويدنّسه بالمعاصي، أو يليّنه لقبولها، أو يخلط أمره، وألقاه في الشبهة.ويجوز على هذه النسخة أيضا كونه من المَرَخ وهو شجر سريع الورى يتّخذ منه ومن شجر آخر، يُقال له: العفار الزند، ويقدح بهما النار.

(إذا جاء الليل ملأ ذلك).

العون من عساكره.

(ما بين الخافقين) لإضلال بني آدم وإضرارهم، ولوسوستهم في المنام.

قال الفيروزآبادي:

خفقت الراية: اضطربت، وتحرّكت.والخافقان: المشرق والمغرب أو اُفقهما؛ لأنّ الليل والنهار يختلفان فيهما، أو طرفا السماء والأرض، أو منتهاهما، انتهى(3).

روى الصدوق رحمه الله في أماليه بإسناده عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: سمعته يقول: «إنّ لإبليس شيطانا يُقال له هزع، يملأ [ما بين] المشرق والمغرب في كلّ ليلة يأتي الناس في المنام»(4).

متن الحديث الخامس والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ كَرَّامٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ طَلْحَةَ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ الْوَزَغِ ؟

فَقَالَ : «رِجْسٌ وَهُوَ مَسْخٌ كُلُّهُ ، فَإِذَا قَتَلْتَهُ فَاغْتَسِلْ» .

وَقَالَ (5).: «إِنَّ أَبِي كَانَ قَاعِدا فِي الْحِجْرِ وَمَعَهُ رَجُلٌ يُحَدِّثُهُ ، فَإِذَا هُوَ بِوَزَغٍ يُوَلْوِلُ بِلِسَانِهِ ، فَقَالَ أَبِي

ص: 254


1- الصحاح، ج 1، ص 404 (مرح) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 1، ص 430 (مرخ)
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 228 (خفق) مع التلخيص
4- الأمالي للصدوق، ص 210، ح 239
5- . في الطبعة القديمة: «فقال»

لِلرَّجُلِ : أَتَدْرِي مَا يَقُولُ هذَا الْوَزَغُ؟ قَالَ (1): لَا عِلْمَ لِي بِمَا يَقُولُ ، قَالَ : فَإِنَّهُ يَقُولُ ، وَاللّهِ لَئِنْ ذَكَرْتُمْ عُثْمَانَ بِشَتِيمَةٍ لَأَشْتِمَنَّ عَلِيّا حَتّى تَقُومَ (2)مِنْ هاهُنَا» .

قَالَ : «وَقَالَ أَبِي : لَيْسَ يَمُوتُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ مَيِّتٌ إِلَا مُسِخَ وَزَغا» .

قَالَ : «وَقَالَ : إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ لَمَّا نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ مُسِخَ وَزَغا ، فَذَهَبَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ ، وَكَانَ عِنْدَهُ وُلْدُهُ ، فَلَمَّا أَنْ فَقَدُوهُ عَظُمَ ذلِكَ عَلَيْهِمْ ، فَلَمْ يَدْرُوا كَيْفَ يَصْنَعُونَ ، ثُمَّ اجْتَمَعَ أَمْرُهُمْ عَلى أَنْ يَأْخُذُوا جِذْعا ، فَيَصْنَعُوهُ كَهَيْئَةِ الرَّجُلِ» قَالَ : «فَفَعَلُوا ذلِكَ ، وَأَلْبَسُوا الْجِذْعَ دِرْعَ حَدِيدٍ ، ثُمَّ أَلْقَوْهُ (3)فِي الْأَكْفَانِ ، فَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَا أَنَا وَوُلْدُهُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الوزغ فقال: رجس وهو مسخ كلّه) أي بجميع أنواعه.

قال الفيروزآبادي: «الوزغة _ محرّكة _ : سامّ أبرص، سمّيت بها لخفّتها وسرعة حركتها.

الجمع: «وزغ»(4). وقال: «الرجس _ بالكسر _ : القذر، ويحرّك، وتفتح الراء وتكسر الجيم»(5).

وقال: «مسخه _ كمنعه _ : حوّل صورته إلى اُخرى أقبح، ومسخه اللّه قِردْا، فهو مسخ ومسيخ»(6).

(فإذا قتلته فاغتسل).

قال بعض الأفاضل:

المشهور بين الأصحاب استحباب ذلك الغسل، واستندوا في ذلك بما ذكره الصدوق رحمه الله في الفقيه حيث قال: وروي: «أنّ من قتل وزغا فعليه الغسل».وقال بعض مشايخنا: إنّ العلّة في ذلك أنّه يخرج من ذنوبه، فيغتسل منها(7). وقال المحقّق في المعتبر: وعندي [أنّ] ما ذكره ابن بابويه ليس بحجّة، وما ذكره

ص: 255


1- . في أكثر نسخ الكافي: «فقال»
2- . في كلتا الطبعتين: «يقوم»
3- . في الطبعة القديمة: «لفّوه»
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 115 (وزغ)
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 219 (رجس)
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 270 (مسخ)
7- الفقيه، ج 1، ص 78، ح 174 وذيله

المعلّل ليس طائلاً(1).

ثمّ قال الفاضل المذكور: أقول: لعلّهم غفلوا عن هذا الخبر؛ إذ لم يذكروه في مقام الاحتجاج، فتأمّل(2).

(وقال: إنّ أبي كان قاعدا في الحجر) بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم.

(ومعه رجلٌ يحدّثه).

قال الجوهري: «حجر الكعبة: ما حوله من الحطيم المدار بالبيت جانب الشمال، وكلّ ما حجرته من حائط فهو حجر»(3).

وقال: «الحطيم: جدار حجر الكعبة»(4).

(فإذا هو بوزغ يولول بلسانه).

في القاموس: «الولوال: الدعاء بالويل.وولولت القوس: صوّتت.والمرأة ولوالاً: أعولت»(5).

(واللّه لئن ذكرتم عثمان بشتيمة لأشتمنّ عليّا).

في القاموس: «شتمه يشتِمه ويشتُمه شتما: سبّه.والاسم: الشتيمة»(6).

(حتّى تقوم من هاهنا) أي حتّى تنتقل من هذا المكان، و«حتّى» غاية لزمان شتمه عليّا عليه السلام ، أو تعليل له.

قال بعض الشارحين:

علم ذلك الوزغ بأنّه عليه السلام كان على الحقّ، وعثمان على الباطل، لا ينافي عداوته؛ فإنّ العداوة بين المؤمن والكافر لا تزول في البرزخ، بل في القيامة أيضا، كما قال خليل الرحمن: «وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ» (7)إلى يوم القيامة(8).

(قال: وقال أبي: ليس يموت من بني اُميّة) من بيان لقوله: (ميّت).

وهو اسم «ليس» وفاعل «يموت» على سبيل التنازع.

ص: 256


1- المعتبر، ج 1، ص 360
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 170
3- الصحاح، ج 2، ص 624 (حجر) مع اختلاف يسير في اللفظ
4- الصحاح، ج 1901 (حطم) مع التلخيص
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 66 (ولول) مع التلخيص
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 135 (شتم) مع التلخيص
7- . الممتحنة (60): 4
8- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 314

(إلّا مسخ) على البناء للمفعول، والمستتر فيه راجع إلى الميّت.

وقوله: (وزغا) مفعول ثان للمسخ، فيفهم من ظاهر العبارة أنّه مسخ بعد موته.ويحتمل حملها على المجاز المشارفة، فتدبّر.

قال بعض الأفاضل:

مسخه وزغا، إمّا بمسخه قبل موته، أو بتعلّق روحه بجسد مثالي على صورة الوزغ، أو بتغيير جسده الأصلي على تلك الصورة، كما هو ظاهر آخر الخبر._ قال: _ ولكن يشكل تعلّق الروح قبل الرجعة والبعث، ويمكن أن يكون قد ذهب بجسده إلى الجحيم، أو أحرق وتصوّر لهم جسده المثالي، واللّه يعلم، انتهى كلامه(1).

وقال بعض الشارحين:

قد تكثّرت الأخبار من طرق الخاصّة والعامّة على انتقال الروح الإنساني من بدن إلى بدن آخر، إمّا في هذا العالم، أو عالم آخر.ومن هذا القبيل مسخ بعض الاُمم الماضية، كما نطق به القرآن الكريم، وتعلّق الروح بعد مفارقة البدن بمثال شبيه به بحيث لو رأيته لقلت: هذا ذاك، وليس قولاً بالتناسخ الذي أبطله المسلمون، وذهب إليه الملاحدة، وقسّموه إلى أربعة أقسام: النسخ، والفسخ، والرسخ، والمسخ؛ وذهبوا إلى أنّ الأرواح في هذا العالم دائما تنتقل من محلّ إلى محلّ، ومن بدن إلى بدن بلا انقطاع، وأنكروا النشأة الأخرويّة، وإعادة الأجسام فيها وسائر أحوالاتها، وقالوا بقِدم العالم، والتناسخ بهذا المعنى باطل عند أهل الإسلام، وحكموا بكفر القائل به.وأمّا ما تعلّق الروح ببدن آخر إلى أن تقوم القيامة، وتعود إلى البدن الأصلي، فهو عند أهل الشرع ليس من باب التناسخ، وإن سمّيته به، فلا مشاحة في التسمية إلّا أنّ الأولى عدم هذه التسمية؛ لئلّا يقع الالتباس(2).

(قال: وقال إنّ عبد الملك بن مروان).

هو رابع خلفاء بني اُميّة، ونسبه هكذا عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن اُميّة بن عبد الشمس بن عبد مناف.

(لمّا نزل به الموت مسخ وزغا) قبل أن يموت، أو بعده، كما مرّ.

ص: 257


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 170 (مع اختلاف يسير في اللفظ)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 315 (مع اختلاف يسير في اللفظ)

(فذهب من بين يَدَي من كان عنده) إلى قوله: (أن يأخذوا جذعا).

في القاموس: «الجذع _ بالكسر _ : ساق النخلة»(1).

(وألبسوا الجذع درع حديد).

درع الحديد _ بالكسر _ : معروف.ولعلّ إلباسه ليصير ثقيلاً على حامليه.

وقيل: أو لأنّه إن مسّه أحد فوق الكفن، لا يحسّ بأنّه خشب(2).

متن الحديث السادس والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنْ عُثَيْمِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِذَا تَمَنّى أَحَدُكُمُ الْقَائِمَ فَلْيَتَمَنَّهُ فِي عَافِيَةٍ ؛ فَإِنَّ اللّهَ بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله رَحْمَةً ، وَيَبْعَثُ الْقَائِمَ نَقِمَةً» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (إذا تمنّى أحدكم القائم فليتمنّه في عافية).

قال في القاموس: «تمنّاه: أي أراده»(3).

وقال: «العافية: دفاع اللّه عن العبد»(4).

والظاهر أنّ المراد بالعافية هنا كونه على دين الحقّ واقعا متابعة من يجب متابعته ظاهرا وباطنا.

(فإنّ اللّه بعث محمّدا صلى الله عليه و آله رحمةً) بالمداراة مع المنافقين، والمماشاة مع أهل الذمّة وأهل الأمان، والعمل بظاهر الشرع في الحكومات وغيرها.

(ويبعث القائم نقمة)حيث إنّه عليه السلام لم يقبل إلّا الإيمان ظاهرا وباطنا، ولم يقرّر أحد على الباطل، ولم يقبل الجزية، بل يجاهد الكفرة إلى أن يؤتوا إلى الحقّ، أو تقتلوا ولم يعمل في الحكومات إلّا بالواقع.

ص: 258


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 12 (جذع)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 170
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 392 (مني)
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 365 (عفو)

متن الحديث السابع والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ بَشِيرٍ :عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (1).

عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ الْحَسَنُ (2).

عليه السلام أَشْبَهَ النَّاسِ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ مَا بَيْنَ رَأْسِهِ إِلى سُرَّتِهِ ، وَإِنَّ الْحُسَيْنَ (3).

عليه السلام أَشْبَهُ النَّاسِ (4).

بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إِلى قَدَمِهِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (قال كان الحسن عليه السلام أشبه الناس بموسى بن عمران ما بين سرّته إلى قدمه)(5).

كذا في بعض النسخ، وفي بعضها: «قال: كان الحسين عليه السلام أشبه الناس بموسى بن عمران ما بين رأسه إلى سرّته، وأنّ الحسن عليه السلام أشبه الناس بموسى بن عمران ما بين سرّته إلى قدمه».

وفي بعضها ذكر الحسن عليه السلام قبل الحسين عليه السلام .

متن الحديث الثامن والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : كَمْ كَانَ طُولُ آدَمَ عليه السلام حِينَ هُبِطَ بِهِ إِلَى الْأَرْضِ؟ وَكَمْ كَانَ طُولُ حَوَّاءَ؟

قَالَ : «وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (6)عليه السلام أَنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَمَّا أَهْبَطَ آدَمَ وَزَوْجَتَهُ (7)حَوَّاءَ عليهماالسلام إِلَى الْأَرْضِ ، كَانَتْ رِجْلَاهُ بِثَنِيَّةِ الصَّفَا ، وَرَأْسُهُ دُونَ أُفُقِ السَّمَاءِ ، وَأَنَّهُ شَكَا إِلَى اللّهِ عَزَّوَجلَّ مَا يُصِيبُهُ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ ، فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلى جَبْرَئِيلَ عليه السلام أَنَّ آدَمَ قَدْ شَكَا مَا يُصِيبُهُ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ ، فَاغْمِزْهُ غَمْزَةً ، وَصَيِّرْ طُولَهُ سَبْعِينَ ذِرَاعا بِذِرَاعِهِ ، وَاغْمِزْ حَوَّاءَ غَمْزَةً ، فَيَصِيرَ (8)طُولُهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعا بِذِرَاعِهَا» .

ص: 259


1- . في بعض نسخ الكافي: - «الأوّل»
2- . في بعض نسخ الكافي: «الحسين»
3- . في بعض نسخ الكافي: «الحسن»
4- . في بعض نسخ الكافي: - «الناس»
5- في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «ما بين رأسه إلى سرّته»
6- . في بعض نسخ الكافي والوافي: - «بن أبي طالب»
7- . في بعض نسخ الكافي: «وزوجه»
8- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فصيّر»

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (كم كان طول آدم عليه السلام حين هبط به إلى الأرض).

«هبط» على البناء للمفعول، والباء للتعدية، أو للتقوية.قال الجوهري: «هبط هبوطا: نزل.وهبطا: أنزله، يتعدّى ولا يتعدّى»(1).

(كانت رجلاه بثنيّة الصّفا).

في القاموس: «الثنيّة: العقبة، أو طريقها، أو الجبل، أو الطريقة فيه أو إليه»(2).

وقال في النهاية: «الثنيّة في الجبل كالعقبة فيه.وقيل: هو الطريق العالي فيه.وقيل: أعلى المسيل في رأسه» انتهى(3).

(ورأسه دون اُفق السماء) أي عنده أو قريبا منه.

وفي القاموس: «الاُفق _ بالضمّ، وبضمّتين _ : الناحية.الجمع: آفاق»(4).

(وأنّه شكى إلى اللّه تعالى).

الغمز: العصر الشديد، والإشارة بالعين والجفن والحاجب، وفعله كضرب.

وفي القاموس: «الذراع _ بالكسر _ : من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى والسّاعد.وقد يذكّر فيهما.الجمع: أذرع، وذُرعان بالضمّ»(5).

وقال الجوهري: «الصفاة: صخرة ملساء.والجمع: صفا، مقصور.والصفا: موضع بمكّة»(6).

وقال بعض الأعلام: اعلم أنّ هذا الخبر من المعضلات التي صيّرت أفهام الناظرين والعويصات التي رجعت عنها بالخيبة أحلام الكاملين والقاصرين، والإشكال فيه من وجهين:

أحدهما: أنّ قصر القامة كيف يصير سببا لرفع التأذّي بحرّ الشمس.

والثاني: أنّ كونه عليه السلام سبعين ذراعا بذراعه يستلزم عدم استواء خلقته، وأن يعسر عليه كثير من الاستعمالات الضروريّة، وهذا ممّا لا يناسب رتبة النبوّة وما منَّ اللّه عليه من إتمام النعمة.

ص: 260


1- الصحاح، ج 3، ص 1169 (هبط)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 310 (ثنى)
3- النهاية، ج 1، ص 226 (ثنا)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 209 (أفق)
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 23 (ذرع)
6- الصحاح، ج 6، ص 2401 (صفا) مع التلخيص

فأمّا الجواب عن الإشكال الأوّل فمن وجهين:

الأوّل: أنّه يمكن أن يكون للشمس حرارة من غير جهة الانعكاس أيضا، ويكون قامته عليه السلام طويلة جدّا بحيث لا يتجاوز الطبقة الزمهريريّة، (1).

ويتأذّى من تلك الحرارة.

ويؤيّده ما روى في بعض الأخبار العامّيّة في قصّة عوج بن عناق أنّه كان يرفع السمك إلى عين الشمس ليشويه بحرارتها(2)والثاني: أنّه لطول قامته كان لا يمكنه الاستظلال ببناء ولا جبل ولا شجر، فكان يتأذّى من حرارة الشمس لذلك، وبعد قصر قامته ارتفع ذلك، وكان يمكنه الاستظلال بالأبنية وغيرها.

وأمّا الثاني فقد اُجيب عنه بوجوهٍ شتّى:

الأوّل: ما ذكره بعض الأفاضل من مشايخنا: إنّ استواء الخلقة ليس منحصرا فيما هو معهود الآن؛ فإنّ اللّه تعالى قادر على خلق الإنسان على هيئات اُخر، كلّ منها فيه استواء الخلقة، ومن المعلوم أنّ أعضاءنا الآن ليست بقدر أعضاء آدم عليه السلام ، وقامتنا ليست كقامته، فالقادر على خلقنا دونه وعلى تقصير طوله عن الأوّل قادر على أن يجعل بعض أعضائه مناسبا للبعض بغير المعهود، وذراع آدم عليه السلام يمكن أن يكون قصيرا مع طول العضد وجعله ذا مفاصل، أو ليّنا بحيث يحصل الارتفاق به، والحركة كيف شاء، كما يمكن بهذا الذراع والعضد.

والثاني: ما ذكره الفاضل المذكور أيضا، وهو أن يكون المراد بالسبعين سبعين قدما أو شبرا، وترك ذكر القدم أو الشبر؛ لما هو متعارف شايع من كون الإنسان غالبا سبعة أقدام، أو أنّ بقرينة المقام كان يعلم ذلك، كما إذا قيل: طول الإنسان سبعة، تبادر منه الأقدام، فيكون المراد أنّه صار سبعين قدما أو شبرا بالأقدام المعهود في ذلك الزمان، كما إذا قيل: غلام خماسي؛ فإنّه يتبادر منه خمسة أشبار لتداول مثله واشتهاره.وعلى هذا يكون قوله: «ذراعا» بدلاً من «السبعين» بمعنى أنّ طوله الآن، وهو السبعون بقدر ذراعه قبل ذلك.وحينئذٍ فائدة قوله: (ذراعا بذراعه) معرفة طوله أوّلاً؛ فإنّ من كون الذراع سبعين قدما مع كونه قدمين، والقدمان سبعا القامة يعلم منه طوله الأوّل، فذكره لهذه الفائدة على أنّ السؤال الواقع بقول السائل كم كان طول آدم حين هبط إلى الأرض يقتضي جوابا يطابقه.وكذا قوله: (كم كان طول

ص: 261


1- . في المصدر: «الزمهرير»
2- اُنظر: تفسير القرطبي، ج 6، ص 126

حوّاء)، فلولا قوله: (ذراعا بذراعه) و(ذراعا بذراعها) لم يكن الجواب مطابقا؛ لأنّ قوله: (دون اُفق السماء) مجمل، فأفاده عليه السلام الجواب عن السؤال مع إفادة ما ذكره معه من كونه صار هذا القدر.وأمّا ما ورد في حوّاء عليهاالسلام، فالمعنى: أنّه جعل [طول] حوّاء خمسة وثلاثين قدما بالأقدام المعهودة الآن، وهي ذراع بذراعها الأوّل، فبالذراع يظهر أنّها كانت على النصف من آدم، ولا بُعد في ذلك؛ فإنّه ورد في الحديث ما معناه: أن يختار الرجل امرأة دونه في الحسب والمال والقامة، لئلّا تفتخر المرأة على الزوج بذلك وتعلو عليه، فلا بُعد في كونه أطول منها.

الثالث: ما ذكره الفاضل المذكور أيضا بأن يكون «سُبعين» بضمّ السين تثنية سُبع، والمعنى: أنّه صيّر طوله بحيث صار سُبعي الطول الأوّل، والسّبعان ذراع من حيث اعتبار الإنسان سبعة أقدام كلّ قدمين ذراع، فيكون الذراع بدلاً، أو مفعولاً، بتقدير «أعني»، وفي ذكر «ذراعا بذراعه» حينئذٍ الفائدة المتقدِّمة لمعرفة طوله أوّلاً في الجملة؛ فإنّ سؤال السائل عن الطول الأوّل فقط.

وأمّا حوّاء عليهاالسلام، فالمعنى أنّه جعل طولها خُمسه _ بضمّ الخاء _ أي خُمس ذلك الطول، وثلاثين تثنية ثلث؛ أي ثلثي الخمس، فصارت خمسا وثلثي خمس، وحينئذٍ التفاوت بينهما قليل؛ لأنّ السبعين في آدم [أربعة من] أربعة عشر والخمس، وثلثا خمس في حوّاء خمسة من خمسة عشر، فيكون التفاوت بينهما يسيرا، وإن كان الطولان الأوّلان متساويين، وإلّا فقد لا يحصل تفاوت، والفائدة في قوله: «ذراعا بذراعها» كما تقدّم؛ فإنّ السؤال وقع بقوله: «وكم كان طول حوّاء».ويحتمل بعيدا عود ضمير «خمسه» و«ثلثيه» إلى آدم، والمعنى: أنّها صارت خُمس طول آدم الأوّل وثلثيه، فتكون أطول منه؛ أو خُمسُه وثُلثيه بعد القصر، فتكون أقصر.والأوّل أربط وأنسب بما قبله مع مناسبة تقديم الخمس ومناسبة الثلاثين له.ويقرّب الثاني قلّة التفاوت الفاحش على أحد الاحتمالين.

فإن قلت: ما ذكرت من السبعين من الأذرع والأقدام ينافي ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «إنّ أباكم [كان] طوالاً كالنخلة السّحوق في ستّين ذراعا»(1).

قلت: يمكن الجواب بأنّ ستّين ذراعا راجع إلى النخلة، لا إلى آدم؛ فإنّه أقرب لفظا ومعنىً من حيث أنّ السحوق هي الطويلة ونهاية طولها، لا يتجاوز الستّين غالبا،

ص: 262


1- بحار الأنوار، ج 11، ص 115، ح 41

فقد شبّه طوله عليه السلام بالنخلة التي هي في نهاية الطول، ولا ينافي هذا كونه أطول منها؛ فإنّ التشبيه أن يشبه شيء بشيء بحيث يكون المشبّه به مشهودا متعارفا في جهة من الجهات، فيُقال: فلان مثل النخلة، ويُراد به مجرّد الطول والاستقامة مع أنّه أقصر منها، وقد يعكس.ويحتمل أن يكون المراد أنّ آدم صار ستّين ذراعا، وهذا التفاوت قد يحصل في الأذرع، وهو ما بين الستّين والسبعين، أو لأنّ الذراع كما يطلق على المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى، قد يُطلق على الساعد ولو مجازا، وعلى تقدير تثنية «سبع» يستقم، سواء رجع إلى آدم، أو إلى النخلة.

أقول: يرد على الثالث أنّ الخمس وثلثي الخمس يرجع إلى الثلث، ونسبة التعبير عن الثلث بهذه العبارة إلى أفصح الفصحاء، بعيد عن العلماء.

الرابع: ما يروى عن شيخنا البهائي قدس سره من أنّ في الكلام استخداما، بأن يكون المراد بآدم حين إرجاع الضمير إليه آدم ذلك الزمان من أولاده عليه السلام .ولا يخفى بُعده عن استعمالات العرب ومحاوراتهم مع أنّه لا يجري ذلك في حوّاء إلّا بتكلّف ركيك.نعم، يمكن إرجاعهما إلى الرجل والمرأة بقرينة المقام، لكنّه بعيد أيضا غاية البُعد.الخامس: ما خطر بالبال بأن يكون إضافة الذراع إليهما على التوسعة والمجاز، بأن نسب ذراع جنس آدم عليه السلام وجنس حوّاء إليها، وهو قريب ممّا سبق.

السادس: ما حلَّ ببالي أيضا، وهو أن يكون المراد بذراعه الذراع الذي قرّره عليه السلام لمساحة الأشياء، وهذا يحتمل وجهين؛ أحدهما: أن يكون الذراع الذي عمله آدم عليه السلام مخالفا للذراع الذي عملته حوّاء عليهاالسلام.وثانيهما: أن يكون الذراع المعمول في هذا الزمان واحدا، لكن نسب في بيان كلّ منهما إليه لقرب المرجع.

السابع: ما سمحت به قريحتي، (1)وهو أن يكون المراد تعيين حدّ الغمز لجبرئيل عليه السلام ، بأن يكون المعنى: اجعل طول قامته بحيث يكون بعد تناسب الأعضاء طوله الأوّل سبعين ذراعا بذراع الذي حصل له بعد القصر والغمز، فيكون المراد بطوله طوله الأوّل، ونسبة التصيير إليه باعتبار أنّ كونه سبعين ذراعا إنّما يكون بعد خلق ذلك الذراع، فيكون في الكلام شبه قلب، أي: اجعل ذراعيه بحيث يكون جزء من سبعين جزءا من طول قامته قبل الغمز، ومثل هذا الكلام قد يكون في المحاورات، وليس تكلّفه أكثر من بعض الوجوه التي ذكرها الأفاضل الكرام، وبه يتّضح النسبة

ص: 263


1- . في المصدر: + «وإن أتت ببعيد عن الأفهام»

بين القامتين؛ إذ طول قامة مستوى الخلقة ثلاثة أذرع ونصف تقريبا، فإذا كان طول قامته الاُولى سبعين بذلك الذراع تكون نسبة القامة الثانية إلى الاُولى نسبة الواحد إلى عشرين، أي نصف عشر.

وينطبق الجواب على السؤال؛ إذ الظاهر منه أنّ غرض السائل استعلام طول قامته الاُولى، فلعلّه كان يعرف طول قامته الثانية؛ لاشتهاره بين أهل الكتاب، أو المحدِّثين من العامّة بما رووا عن الرسول صلى الله عليه و آله من ستّين ذراعا، (1)فمع صحّة تلك الرواية يعلم بانضمام ما أوردناه في حلّ خبر الكتاب أنّه عليه السلام كان طول قامته أوّلاً ألفا ومأتي ذراع بذراع من كان في زمن الرسول صلى الله عليه و آله ، أو بذراع من كان في زمن آدم عليه السلام من أولاده.

الثامن: ما خطر ببالي أيضا، لكن وجدته بعد ذلك منسوبا إلى بعض الأفاضل من مشايخنا رحمه الله، وهو أنّ الباء في قوله: «بذراعه» للملابسة؛ يعني: صيّر طول آدم سبعين ذراعا بملابسة ذراعه، أي كما قصر من طوله قصر من ذراعه؛ لتناسب أعضائه، وإنّما خصّ بذراعه؛ لأنّ جميع الأعضاء داخلة في الطول بخلاف الذراع.والمراد حينئذٍ بالذراع في قوله عليه السلام : (سبعين ذراعا) إمّا ذراع من كان في زمن آدم عليه السلام ، أو من كان في زمان من صدر عنه الخبر، وهذا وجهٌ قريب.

التاسع: أن يكون الضمير في قوله: «بذراعه» راجعا إلى جبرئيل عليه السلام ، أي بذراعه عند تصوّره بصورة رجل ليغمزه.ولا يخفى بُعده من وجهين:

أحدهما: عدم انطباقه على ما ذكر في هذا الكتاب؛ إذ الظاهر أنّ «صيّر» هنا بصيغة الأمر، فكان الظاهر على هذا الحلّ أن يكون بذراعك.ويمكن توجيهه؛ إذ قرئ بصيغة الماضي بتكلّف تامّ.

وثانيهما: عدم جريانه في أمر حوّاء لتأنيث الضمير إلّا أن يتكلّف بإرجاع الضمير إلى اليد.ولا يخفى ركاكته وتعسّفه.

العاشر: أن يكون الضمير راجعا إلى الصادق عليه السلام ، أي أشار عليه السلام إلى ذراعه، فقال: صيّره سبعين ذراعا بهذا الذراع، أو إلى عليّ عليه السلام ؛ لما سبق أنّه كان في كتابه.وهذا إنّما يستقيم على ما في بعض النسخ؛ فإنّ فيها في الثاني أيضا: «بذراعه».وعلى تقديره يندفع الإشكال الأخير في الحلّ السابق أيضا، لكن البُعد عن العبارة باقٍ .

ثمّ اعلم أنّ الغمز يمكن أن يكون باندماج الأجزاء وتكاثفها(2).

ص: 264


1- . مسند أحمد، ج 2، ص 231 و 253 و 535؛ كنز العمّال، ج 15، ص 606، ح 42408
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 171 _ 177

متن الحديث التاسع والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَبَاهُ سَبْيٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ أَصَابَ أَبَاهُ سَبْيٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَا بَعْدَ مَا تَوَالَدَتْهُ الْعَبِيدُ فِي الْاءِسْلَامِ وَأُعْتِقَ ؟

قَالَ : فَقَالَ : «فَلْيُنْسَبْ إِلى آبَائِهِ الْعَبِيدِ فِي الْاءِسْلَامِ ، ثُمَّ هُوَ يُعَدُّ (1)مِنَ الْقَبِيلَةِ الَّتِي كَانَ أَبُوهُ سُبِيَ فِيهَا إِنْ كَانَ (2)مَعْرُوفا فِيهِمْ ، وَيَرِثُهُمْ وَيَرِثُونَهُ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (عن رجل أصاب أباه) أي أحدا من أجداده.

(سبي في الجاهليّة) أي في الكفر.

في القاموس: «سبى العدوّ سَبيا وسِبا: أسَرَه»(3).

(فلم يعلم) ذلك الرجل (أنّه كان أصاب أباه سبي في الجاهليّة إلّا بعدما توالدته العبيد في الإسلام).

الضمير المنصوب في «توالدته» راجع إلى الرجل.

وقوله: (واُعتق) على البناء للمفعول، عطف على «توالدته»، والمستتر فيه أيضا راجع إلى الرجل.

وحاصل السؤال: أنّ رجلاً مسلما كان جدّه من أهل قبيلة، ثمّ سباه رجلٌ من أهل قبيلة اُخرى في الجاهليّة، ثمّ ولد من جدّ هذا الرجل، أي من جدّه المسبي أولاد عبيد، ثمّ أسلموا جميعا، أو بعضهم، أو ولد منه عبيد في الإسلام أيضا، ثمّ ولد هذا الرجل المسلم من تلك العبيد في الإسلام، ثمّ اُعتق، فهل ينسب ذلك الرجل الأخير إلى آبائه مطلقا، أو على آبائه المسلمين فقط، أو إلى السابي، وهل يثبت التوارث بينه وبين قبيلة جدّه المسبي أم لا؟

ص: 265


1- . في بعض نسخ الكافي: «بعد»
2- . في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: + «أبوه»
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 340 (سبي)

والباعث على هذا السؤال توهّم كون المسبي مانعا من الانتساب والتوارث.

فأجاب عليه السلام عن كلا شقّي السؤال، (فقال: فلينسب) أي ذلك الرجل (إلى آبائه العبيد في الإسلام) دون آبائه العبيد في الكفر ودون السابي.

أمّا الثاني فظاهر، وأمّا الأوّل؛ فلعدم صلاحيّة انتساب المسلم إلى الكفّار.

وقيل: لعلّه على سبيل الفضل والأولويّة(1).

(ثمّ يعدّ) هو (من القبيلة التي كان أبوه) أي جدّه المسبي من بني تميم مثلاً، يُقال لذلك الرجل: تميمي، وهكذا (إن كان معروفا فيهم) أي عدّه من تلك القبيلة مشروط بما إذا كان ذلك الرجل أو أبوه معروفا مشهورا في كونه من تلك القبيلة، وإلّا فلا يعدّ منهم، وكذا يثبت التوارث بينه وبين أهل تلك القبيلة بالقرابة الموجبة للإرث مع شرائطه، كما أشار إليه بقوله:

(ويرثهم ويرثونه).

والحاصل: أنّ هذا السبي لا يقطع الانتساب، ولا يمنع التوارث، كما كان قبل السبي.

متن الحديث العاشر والثلاثمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ (2)، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْأَنْصَارِيِّ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَعْطَى الْمُؤْمِنَ ثَلَاثَ خِصَالٍ : الْعِزَّ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ ، وَالْفَلْحَ (3)فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ ، وَالْمَهَابَةَ فِي صُدُورِ الظَّالِمِينَ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله عليه السلام : (أعطى المؤمن ثلاث خصال).

في القاموس: «الخصلة: الخلّة الفضيلة، أو الرذيلة، وقد غلب على الفضيلة.الجمع: خصال»(4).

ص: 266


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 178
2- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن ابن محبوب، عليّ بن إبراهيم عن أبيه
3- . في كلتا الطبعتين: «الفلج» بالجيم المعجمة
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 368 (خصل)

(العزّ في الدُّنيا والآخرة).

العزّ _ بالكسر _ : خلاف الذلّ.يُقال: عزّ يعزّ _ كفرّ يفرّ _ عِزّا وعزّة _ بكسرهما _ وعزازة، أي صار عزيزا، وقوي بعد ذلّة.والعزّ أيضا: القوّة، والغلبة، ويفتح في الأخير.ويُقال: عزّه عزّا _ كمدّه مدّا _ وعِزّا بالكسر، أي غلبه في الخصومة والمحاجّة.والعزّ أيضا: الشدّة.يُقال: عزّ عَليَّ أن تفعل كذا عِزّا _ بالكسر _ ، أي اشتدّ.

ولعلّ المراد: أنّ المؤمن عزيز عند اللّه ، أو عند أوليائه، أو أمر اللّه تعالى عباده وكلّفهم بإعزازه وإكرامه.أو المراد: أنّه غالب في الحجّة على أعداء الدِّين؛ فإنّ للعالم حجّة على الجاهل، والجاهل لا حجّة له.أو المراد: أنّ المؤمنين أشدّاء على الكفّار.

(والفلح) بالحاء المهملة: الفوز، والبقاء والنجاة.

وفي بعض النسخ بالجيم.قال الجوهري: «الفلج أيضا: الظفر، والفوز.وأفلجه اللّه عليه.

والاسم: الفُلج، بالضمّ»؛ (1)يعني أنّ من خصال المؤمن الفوز، والفلاح، والبقاء على الخير، والنجاة من درك الشفاء، والظفر بالمقصود.

(في الدُّنيا) بالصراط المستقيم.

(والآخرة) بجنّات النعيم.

(والمهابة في صدور الظالمين) أي في قلوبهم.

قال الجوهري: «المهابة: الإجلال، والمخافة»(2).

وفي القاموس: «الهيبة: المخافة، والتقيّة، كالمهابة.وهابه يهابه هَيْبا ومَهابَةً: خافه، وهو هائب، وهيوب: يخاف الناس، ومهوب ومهيب: يخافه الناس»(3).

متن الحديث الحادي عشر والثلاثمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «ثَلَاثٌ هُنَّ فَخْرُ الْمُؤْمِنِ وَزَيْنُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ : الصَّلَاةُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ ، وَيَأْسُهُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، وَوَلَايَتُهُ الْاءِمَامَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله » .

ص: 267


1- . الصحاح، ج 1، ص 335 (فلج) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 1، ص 239 (هيب) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 141 (هيب)

قَالَ : «وَثَلَاثَةٌ هُمْ شِرَارُ الْخَلْقِ ابْتُلِيَ بِهِمْ خِيَارُ الْخَلْقِ : أَبُو سُفْيَانَ أَحَدُهُمْ قَاتَلَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَعَادَاهُ ، وَمُعَاوِيَةُ قَاتَلَ عَلِيّا عليه السلام وَعَادَاهُ ، وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ قَاتَلَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليه السلام وَعَادَاهُ حَتّى قَتَلَهُ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله عليه السلام : (ثلاث هنّ فخر المؤمن).

في القاموس: «الفخر _ ويحرّك _ : التمدّح بالخصال كالافتخار» (1)انتهى.

وقيل: ادّعاء الكبر، والعظم، والشرف(2).

ولعلّ المراد أنّه يترتّب على تلك الثلاث فوائد الافتخار والثمرات المترتّبة عليها من الشرف والعزّة ونحوهما، كما يفهم من قوله عليه السلام : (وزينه في الدُّنيا والآخرة)، لا أنّ المؤمن يفتخر بتلك الخصال؛ لأنّ الافتخار مذموم مطلقا.

وقيل: لعلّ المراد أنّ الثلاثة زينة كاملة للمؤمن، صالحة للفخر بها، لو جاز الفخر، ولو ذكرها المؤمن من حيث إنّها نِعَم جليلة أعطاه اللّه إيّاها ووفّقه لها، فهو جائزٌ، بل هو شكرٌ، كما قال سيّد المرسلين صلى الله عليه و آله : «أنا سيّد ولد آدم، ولا فخر» (3)أي لا أقوله تكبّرا وتعظّما، بل شكرا وتحدّثا بنعمته تعالى.

(الصلاة في آخر الليل).

الظاهر أنّ المراد بها نافلة الليل، ويحتمل الأعمّ.

(ويأسه ممّا في أيدي الناس) كناية عن التوسّل إلى الحقّ، وقطع الطمع عن الخلق، والاستغناء عنهم.

قال الفيروزآبادي: «اليأس: القنوط، ضدّ الرّجاء، أو قطع الأمل»(4).

(وولايته الإمام من آل محمّد صلى الله عليه و آله ).

ص: 268


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 108 (فخر) مع التلخيص
2- قاله ابن الأثير في النهاية، ج 3، ص 418 (فخر)
3- . وسائل الشيعة، ج 25، ص 23، الباب 10، ح 31038
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 260 (يأس) مع التلخيص

قال الجوهري:

الوِلاية _ بالكسر _ : السلطان.عن ابن السكّيت: الوَلاية والوِلاية: النصرة.يُقال: هم على ولاية، أي مجتمعون على النصرة.قال سيبويه: الولاية بالفتح المصدر والولاية بالكسر [الاسم] مثل الإمارة والنقابة لأنّه اسم لما تولّيته وقمت به، فإذا أرادوا المصدر فتحوا(1).

(وثلاثة هم شرار الخلق).

الشرار _ بالكسر _ : جمع الشرّير، وهو كثير الشرّ.ولعلّ تخصيص الثلاثة بالذِّكر؛ لأنّهم أهل المقاتلة والمحاربة، فتأمّل.

(ابتُلي بهم خيار الخلق).

المستتر في «ابتلي» راجع إلى اللّه بقرينة المقام، أي اختبر وامتحن بتلك الثلاث خيار خلقه؛ ليظهر أنّهم كيف يصبرون على الأذى في سبيل اللّه .

متن الحديث الثاني عشر والثلاثمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ :

عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام ، قَالَ : «لَا حَسَبَ لِقُرَشِيٍّ وَلَا لِعَرَبِيٍّ إِلَا بِتَوَاضُعٍ ، وَلَا كَرَمَ إِلَا بِتَقْوى ، وَلَا عَمَلَ إِلَا بِالنِّيَّةِ ، وَلَا عِبَادَةَ إِلَا بِالتَّفَقُّهِ ، أَلَا وَإِنَّ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللّهِ مَنْ يَقْتَدِي بِسُنَّةِ إِمَامٍ وَلَا يَقْتَدِي بِأَعْمَالِهِ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (لا حسب لقرشيّ).

منسوب إلى قبيلة قريش بغير قياس، وقد جاء قريشي أيضا على القياس.

قال الجوهري: الحسب: ما يعدّه الإنسان من مفاخر آبائه، ويُقال: حَسَبُهُ دينهُ، ويُقال: ماله، والرجل

ص: 269


1- الصحاح، ج 6، ص 2530 (ولى) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ

حسيبٌ.وقد حَسبَ _ بالضمّ حسابة _ مثل [خطب] خطابة.قال ابن السكيت: الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف، قال: والشرف والمجد لا يكونان إلّا بالآباء(1).

(ولا لعربيّ) تعميم بعد التخصيص.

(إلّا بتواضع) أي تذلّل وتخاشع للّه ولرسوله وأوليائه، والتسليم لأوامره، والانقياد لأحكامه، فمن تواضع لهم رفعه اللّه ، فهو رفيع شريف؛ ومَن تكبّر عليهم وضعه اللّه ، فهو وضيع خسيس.

(ولا كرم إلّا بتقوى).

الكرم _ محرّكة _ : ضدّ اللؤم.والتقوى: اسم من الاتّقاء، وهو الحذر.

(ولا عمل إلّا بالنيّة) أي لا يقبل العمل إلّا بتخليص النيّة للّه ، والإعراض عن الأغراض الفاسدة.أو المراد: أنّه لا يجزي عمل إلّا بالنيّة وتخليصها من الرِّياء، وأمثالها من المفسدات؛ لأنّ عمل القلب والجوارح تابع للنيّة، فإن صحّت صحَّ، وإن فسدت فسد.

(ولا عبادة إلّا بالتفقّه)؛ لأنّ الإتيان بالعبادة المطلوبة شرعا لا يتيسّر إلّا بمعرفة حقيقتها والتفقّه في أحكامها.

قال الجوهري: «الفقه: الفهم، ثمّ سمّي (2)به علم الشريعة، والعالم به فقيه.وتفقّه: إذا تعاطى ذلك»(3).

(ألا وأنّ أبغض الناس إلى اللّه من يقتدي) أي يتّبع (بسنّة إمام) أي بسيرته وطريقته.

(ولا يقتدى بأعماله) ولا يعمل بشريعته.

والحاصل: أنّه لا يكفيه أن يقول: اُحبّ عليّا وأتولّاه، ثمّ لا يكون عاملاً بما عمله عليّ عليه السلام .

متن الحديث الثالث عشر والثلاثمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ ، فَبَعَثَ إِلى رَجُلٍ

ص: 270


1- الصحاح، ج 1، ص 110 (حسب)
2- . في المصدر: «خصّ»
3- الصحاح، ج 6، ص 2243 (فقه)

مِنْ قُرَيْشٍ ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ : أَ تُقِرُّ لِي أَنَّكَ عَبْدٌ لِي إِنْ شِئْتُ بِعْتُكَ ، وَإِنْ شِئْتُ اسْتَرْقَبْتُكَ؟ (1)فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : وَاللّهِ يَا يَزِيدُ مَا أَنْتَ بِأَكْرَمَ مِنِّي فِي قُرَيْشٍ حَسَبا ، وَلَا كَانَ أَبُوكَ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْاءِسْلَامِ ، وَمَا أَنْتَ بِأَفْضَلَ (2)مِنِّي فِي الدِّينِ ، وَلَا بِخَيْرٍ مِنِّي ، فَكَيْفَ أُقِرُّ لَكَ بِمَا سَأَلْتَ؟ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ : إِنْ لَمْ تُقِرَّ لِي وَاللّهِ قَتَلْتُكَ ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : لَيْسَ قَتْلُكَ إِيَّايَ بِأَعْظَمَ مِنْ قَتْلِكَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهماالسلامابْنَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ (3)» «ثُمَّ أَرْسَلَ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ لِلْقُرَشِيِّ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام : «أَ رَأَيْتَ إِنْ لَمْ أُقِرَّ لَكَ ، أَ لَيْسَ تَقْتُلُنِي كَمَا قَتَلْتَ الرَّجُلَ بِالْأَمْسِ؟ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ : بَلى ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام : قَدْ (4)أَقْرَرْتُ لَكَ بِمَا سَأَلْتَ ، أَنَا عَبْدٌ مُكْرَهٌ ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَمْسِكْ ، وَإِنْ شِئْتَ فَبِعْ ، فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ : أَوْلى لَكَ ؛ حَقَنْتَ دَمَكَ ، وَلَمْ يَنْقُصْكَ ذلِكَ مِنْ شَرَفِكَ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (إن شئت بعتك، وإن شئت استرقبتك).

الرقبة _ محرّكة _ : المملوك.واسترقبه، أي طلب أن يكون مملوكا له.

وفي بعض النسخ: «استرققتك»، وفي بعضها: «استرقيتك».بالياء، كأنّه تصحيف.

وقيل: أصله: «استرققتك»، فاُبدل القاف الثاني ياء(5).

(فقال له يزيد لعنه اللّه : أولى لك).

كان مراد الملعون: أنّ هذا أولى لك، وأحرى من تركه، أو ممّا صنع القريشي.قال الجوهري: «فلان أولى بكذا، أي أحرى، وأجدر.وقولهم: أولى لك: تهدّد ووعيد.قال الأصمعي: معناه قاربه ما يهلكه، أي نزل به» انتهى(6).

ولا يخفى عدم مناسبة المعنيين والأخيرين بهذا المقام إلّا أن يتكلّف ويُقال: إنّ الملعون بعد في مقام التهديد، ولم يَرْضَ عنه عليه السلام بهذا القول.

ص: 271


1- . في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «استرقيتك»
2- . في بعض نسخ الكافي: «أفضل» بدون الباء
3- . في الطبعة القديمة وأكثر نسخ الكافي: + «حديث عليّ بن الحسين عليهماالسلام مع يزيد لعنه اللّه »
4- . في بعض نسخ الكافي: - «قد»
5- لم نعثر على القائل
6- الصحاح، ج 6، ص 2531 (ولي) مع التلخيص

(حَقَنْتَ دَمَكَ).

قال الجوهري: «حَقنت دمه: منعت أن يسفك»(1).

متن الحديث الرابع عشر والثلاثمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ غَزْوَانَ (2).، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : إِنَّ لِي جَارَيْنِ : أَحَدُهُمَا نَاصِبٌ ، وَالْاخَرُ زَيْدِيٌّ ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُعَاشَرَتِهِمَا ، فَمَنْ أُعَاشِرُ؟

فَقَالَ : «هُمَا سِيَّانِ ، مَنْ كَذَّبَ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللّهِ ، فَقَدْ نَبَذَ الْاءِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ، وَهُوَ الْمُكَذِّبُ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ» .

قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ هذَا نَصَبَ لَكَ، وَهذَا الزَّيْدِيُّ نَصَبَ لَنَا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (محمّد بن سعيد، عن غزوان).

كذا في نسخ الكتاب، ولعلّه تصحيف ابن ب«عن»، وفي النجاشي محمّد بن سعيد بن غزوان، من أصحاب الباقر عليه السلام ، له كتاب روى عنه ابنه غزوان، وقد تقدّم أيضا محمّد بن سالم بن أبي سلمة عن محمّد بن سعيد بن غزوان»(3).

(أحدهما ناصب) أي مخالف، أو مُعاند لأهل البيت عليهم السلام ، والأوّل أنسب بآخر الحديث؛ يُقال: نصبت لفلان نصيبا: إذا عاديته.

(فقال: هما سيّان) بكسر السين وتشديد الياء: مثلان، وواحدها: سيٌّ.

(فقد نبذ الإسلام وراء ظهره) كناية عن خروجه عن الإسلام؛ يُقال: نبذه _ كضربه _ ، أي ألقاه من يده، وطرحه.وقد جاء «نبّذ» أيضا بالتشديد للمبالغة.

ص: 272


1- الصحاح، ج 5، ص 2103 (حقن)
2- هكذا في أكثر نسخ الكافي.وفي الطبعة الجديدة وبعض نسخ الكافي: «عن محمّد بن سعيد بن غزوان»
3- رجال النجاشي، ص 372، الرقم 1017

(وهو المكذّب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين) صريح في كفر غير الشيعة الاثني عشريّة.وفي كثير من الأخبار أيضا دلالة على ذلك.

(قال: ثمّ قال: هذا نصب لك، وهذا الزيدي نصبٌ لنا).

يظهر منه أنّ المراد بالناصب المخالف، كما مرّ الإشارة إليه؛ فإنّهم يبغضون أهل البيت، بل يعادون القائل بإمامتهم بخلاف الزيديّة؛ فإنّهم كانوا يعادون أهل البيت ممّن لم يخرج منهم بالسيف ويحكمون بفسقهم.

متن الحديث الخامس عشر والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ (1)، قَالَ : حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِيهِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «مَنْ قَعَدَ فِي مَجْلِسٍ يُسَبُّ فِيهِ إِمَامٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِصَافِ ، فَلَمْ يَفْعَلْ ، أَلْبَسَهُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ الذُّلَّ فِي الدُّنْيَا ، وَعَذَّبَهُ فِي الْاخِرَةِ ، وَسَلَبَهُ صَالِحَ مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَتِنَا» .

شرح الحديث

السند مجهول كالحسن.

وقيل: ضعيف، وفيه نظر(2).

قوله عليه السلام : (يقدر على الانتصاف) أي الانتقام.

قال الفيروزآبادي: «انتصف منه: استوفى حقّه منه كاملاً» انتهى(3).

ويتصوّر الانتصاف بوجوه: إمّا بزجره، أو إلزامه بالحجّة، أو ضربه، أو إظهار معايبه وكفره على الناس، أو قتله مع القدرة إمّا مباشرةً أو تسبيبا.

وقيل: لو قدّر على إلزامه بالحجّة، وصرفه عن الباطل، وعلى قتله، فالراجح الأوّل؛ فإنّ فيه إحياء النفس عن الموت الحقيقي، ولو لم يقدر على شيء فلا يبعد القول بوجوب القيام عليه، كما يدلّ عليه ظاهر بعض الروايات، انتهى، (4).فتأمّل.

ص: 273


1- . هو محمّد بن سعيد بن غزوان، فعلى هذا يكون السند معلّقا على سابقه
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 182
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 200 (نصف)
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 321

متن الحديث السادس عشر والثلاثمائة

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ أَخِي أَبِي شِبْلٍ ، عَنْ أَبِي شِبْلٍ ، قَالَ :قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ابْتِدَاءً مِنْهُ : «أَحْبَبْتُمُونَا وَأَبْغَضَنَا النَّاسُ ، وَصَدَّقْتُمُونَا وَكَذَّبَنَا النَّاسُ ، وَوَصَلْتُمُونَا وَجَفَانَا النَّاسُ ، فَجَعَلَ اللّهُ مَحْيَاكُمْ مَحْيَانَا ، وَمَمَاتَكُمْ مَمَاتَنَا ، أَمَا وَاللّهِ مَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَنْ يُقِرَّ اللّهُ عَيْنَهُ إِلَا أَنْ تَبْلُغَ نَفْسُهُ هذَا الْمَكَانَ» وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى حَلْقِهِ ، فَمَدَّ الْجِلْدَةَ ، ثُمَّ أَعَادَ ذلِكَ ، فَوَ اللّهِ مَا رَضِيَ حَتّى حَلَفَ لِي ، فَقَالَ : «وَاللّهِ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَا هُوَ لَحَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهماالسلامبِذلِكَ ؛ يَا أَبَا شِبْلٍ ، أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنْ تُصَلُّوا وَيُصَلُّوا ، فَيُقْبَلَ مِنْكُمْ وَلَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ؟ أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنْ تُزَكُّوا وَيُزَكُّوا ، فَيُقْبَلَ مِنْكُمْ وَلَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ؟ أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَحُجُّوا وَيَحُجُّوا ، فَيَقْبَلَ اللّهُ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ مِنْكُمْ وَلَا يَقْبَلَ مِنْهُمْ؟ وَاللّهِ مَا تُقْبَلُ الصَّلَاةُ إِلَا مِنْكُمْ ، وَلَا الزَّكَاةُ إِلَا مِنْكُمْ ، وَلَا الْحَجُّ إِلَا مِنْكُمْ ، فَاتَّقُوا اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنَّكُمْ فِي هُدْنَةٍ ، وَأَدُّوا الْأَمَانَةَ ، فَإِذَا تَمَيَّزَ النَّاسُ فَعِنْدَ ذلِكَ ذَهَبَ كُلُّ قَوْمٍ بِهَوَاهُمْ ، وَذَهَبْتُمْ بِالْحَقِّ مَا أَطَعْتُمُونَا ، أَ لَيْسَ الْقُضَاةُ وَالْأُمَرَاءُ وَأَصْحَابُ الْمَسَائِلِ مِنْهُمْ؟» .

قُلْتُ : بَلى .

قَالَ : «فَاتَّقُوا اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنَّكُمْ لَا تُطِيقُونَ النَّاسَ كُلَّهُمْ ، إِنَّ النَّاسَ أَخَذُوا هاهُنَا وَهاهُنَا ، وَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمْ حَيْثُ أَخَذَ اللّهُ ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَ جَلَّ _ اخْتَارَ مِنْ عِبَادِهِ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ، فَاخْتَرْتُمْ خِيَرَةَ اللّهِ ، فَاتَّقُوا اللّهَ ، وَأَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ ، وَإِنْ كَانَ حَرُورِيّا ، وَإِنْ كَانَ شَامِيّا» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (إبراهيم بن أخي أبي شبل) بكسر الشين وسكون الباء.

(قال: قال لي أبي عبداللّه عليه السلام ابتداء منه) أي من غير سبق سؤال.

(ووصلتمونا وجفانا الناس).

قال الجوهري: «الوصل: ضدّ الهجران»(1).

ص: 274


1- الصحاح، ج 5، ص 1842 (وصل)

وقال: «الجفاء _ ممدودا _ : خلاف البِرّ.وقد جفوت الرجل أجفوه جفاء، ولا تقل: جفيت»(1).

(فجعل اللّه محياكم محيانا) أي كمحيانا في التوفيق والهداية والرحمة والاستقامة والإرشاد.

قال الجوهري: «الحياة: ضدّ الموت.والمحيا مَفعل من الحياة، تقول: محياي ومماتي»(2).

(ومماتكم مماتنا) أي كمماتنا على الحقّ والسّد والوصول إلى السعادة التي ما لها من نفاذ.ويحتمل أن يُراد من المحيا والممات المصدر، أو الزمان، أو المكان.

(أما واللّه ما بين الرجل) أي الرجل منكم.

(وبين أن يقرّ اللّه عينه) أي يسرّه برؤية مكانه في الجنّة، ومشاهدة النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام ، وسماع البشارات منهم.

قال الفيروزآبادي: «قرّت عينه تقِرّ _ بالكسر والفتح _ قَرَّةً، وتضمّ وقرورا: بردت، وانقطع بكاءها، أو رأت ما كانت متشوّقة إليه.وأقرّ اللّه عينه وبعينه»(3).

(إلّا أن تبلغ نفسه) بسكون الفاء، أي روحه.

(هذا المكان، وأومأ بيده إلى حلقه) أي حلقومه.

(فمدّ الجلدة) أي جلدة حلقه بمدّ العنق، أو بأخذها بإصبعيه ومدّها.

(ثمّ أعاد ذلك) أي كرّر مدّ الجلدة.ويحتمل بعيد أن يكون ذلك إشارة إلى الجلدة، لا على مدّها.

(فواللّه ما رضي حتّى حلف لي).

هذه الفقرة كلام أبي الشبل، والمستتر في «رضي» ويرجع إلى أبي عبداللّه عليه السلام ، أي ما اكتفى بإسناد هذا الحديث إلى نفسه مجرّدا عن الحلف والقسم، بل سنده إلى أبيه وأكّده بالقسم: (فقال: واللّه الذي لا إله إلّا هو لحدّثني أبي محمّد بن عليّ عليه السلام بذلك) الحديث.

(يا أبا الشِبل، أما ترضون) إلى قوله: (ولا الحجّ إلّا منكم).

فيه تسلية للشيعة، وشفاء لصدره؛ إذ إنّ هلاك مخالفيهم يشفي غيظ صدورهم، كذلك

ص: 275


1- الصحاح، ج 6، ص 2303 (جفا) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 6، ص 2324 (حيا) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 115 (قرر) مع التلخيص

بقاء تلك المخالفين على أعمالهم الفاسدة وأفعالهم الكاسدة، وحرمانهم من الأجر والثواب، وقبول أعمال المؤمنين، وكونهم مثابين بها، يشفي غيظ صدورهم.

(فاتّقوا اللّه عزّ وجلّ) في ارتكاب المناهي، وترك الأوامر خصوصا التقيّة.

وقوله: (فإنكم في هدنة) تعليل للأمر بالاتّقاء المتضمّن للأمر بالتقيّة؛ يعني أنّكم في مصالحة مع مخالفيكم إلى زمان ظهور دولة الحقّ، فلا يسوغ لكم الآن إظهار مخالفتهم.

قال الجوهري: «هَدَنَ يَهْدُنُ هدونا: سكن.وهدنه، أي سكنه، يتعدّى ولا يتعدّى.وهادنه: صالحه.والاسم منهما: الهُدنة، بالضمّ»(1).

(وأدّوا الأمانة) إلى أهلها، وإن كان مخالفا أو كافرا، كما هو مفاد عموم الآية، ويدلّ عليه آخر الخبر، ويجيء أيضا من الأخبار ما يدلّ على ذلك.

(فإذا تميّز الناس) أي اختلاف آراؤهم عند مضلّات الفتن.

(فعند ذلك ذهب كلّ قوم بهواهم، وذهبتم بالحقّ).

الباء في الموضعين للتعدية، أو بمعنى «مع».ويحتمل بعيدا كونها بمعنى «إلى».والمراد بكلّ قوم أهل الخلاف.

(ما أطعتمونا) أي ما دمتم مطيعين لنا.والظرف متعلّق ب«ذهبتم».

والظاهر أنّ المراد بالإطاعة الإطاعة في الأعمال والعقائد جميعا، لا الثاني فقط، ولا مجرّد الإقرار.

(ليس القضاة والاُمراء وأصحاب المسائل) أي الفقهاء وأهل الإفتاء.

(منهم) أي من المخالفين والاستفهام للتقرير.

وفيه إيماء إلى شدّتهم وكثرتهم، وظهور شوكتهم، فهو بمنزلة تعليل آخر للأمر بالاتّقاء، أو تعليل للهدنة، والغرض الترغيب في المماشاة والمداراة معهم، والتقيّة منهم لقوّتهم وكثرتهم، وضعف أهل الحقّ وقلّتهم.

(فإنّكم لا تطيقون الناس) أي المخالفين.

(كلّهم).

والمراد عدم الإطاقة في إظهار خصومتهم ومنازعتهم، وعدم إمكان مقاومتهم؛ لما ذكر.

ص: 276


1- الصحاح، ج 6، ص 2217 (هدن)

(إنّ الناس أخذوا ههنا وههنا) إشارة إلى عدم استناد بأخذهم على أصل صحيح، وخروجهم عن جادّة الحقّ وطريق الهداية، وتفرّقهم إلى اليمين والشمال، وسلوكهم طريق الغواية والضلالة.

(وإنّكم أخذتم حيث أخذ اللّه ) أي موضع اختاره اللّه ، وأمر عباده بالأخذ منها، وهو النبيّ صلى الله عليه و آله ، والحجج عليهم السلام ، وأهل الذِّكر الذين أمر اللّه بسؤالهم، واُولي الأمر الذين أمر بإطاعتهم، والصادقين الذين أمر بالكون معهم.

قال الفيروزآبادي: الأخذ: التناول، والسيرة، وذهبوا ومن أخذ أخذهم بكسر الهمزة وفتحها، ورفع الدالّ ونصبها، ومن أخذه أخذهم ويكسر، أي سار بسيرتهم، وتخلّق بخلائقهم(1).

وقوله عليه السلام : (إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ اختار من عباده محمّدا صلى الله عليه و آله ) كالتفسير والبيان لقوله: «حيث أخذ اللّه ».وقوله: (فاخترتم خيرة اللّه ) لقوله: «وإنّكم أخذتم».

وقوله: (فاتّقوا اللّه ، وأدّوا الأمانات) كالتأكيد للأمر بأداء الأمانة.

والحروري: من الخوارج، منسوب إلى الحروراء _ بالمدّ، وقد يقصّر _ وهي قرية قرب الكوفة، كان أوّل اجتماعهم بها، فنسبوا إليها.والمراد بالشامي نواصب الشام مطلقا، أو بنو اُميّة أيضا.

شرح الحديث

السند ضعيف.

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ أَخِي أَبِي شِبْلٍ ، عَنْ أَبِي شِبْلٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام مِثْلَهُ .

متن الحديث السابع عشر والثلاثمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِيرٍ ، قَالَ :

ص: 277


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 350 (أخذ) مع التلخيص
2- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن سهل عدّة من أصحابنا

نَظَرْتُ إِلَى الْمَوْقِفِ وَالنَّاسُ فِيهِ كَثِيرٌ ، فَدَنَوْتُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ أَهْلَ الْمَوْقِفِ لَكَثِيرٌ .

قَالَ : فَصَرَفَ (1)بِبَصَرِهِ ، فَأَدَارَهُ فِيهِمْ ، ثُمَّ قَالَ : «ادْنُ مِنِّي ، يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ ، غُثَاءٌ يَأْتِي بِهِ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، لَا وَاللّهِ مَا الْحَجُّ إِلَا لَكُمْ ، لَا (2)وَاللّهِ مَا يَتَقَبَّلُ (3)اللّهُ إِلَا مِنْكُمْ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (نظرت إلى الموقف).

هو موضع الوقوف مطلقا، وغلب استعماله في موقف العرفات.

(ثمّ قال: ادن) من الدنوّ، وهو القُرب.

(منّي يا أبا عبداللّه ).

يظهر منه أنّ معاذ بن كثير يكنّى بأبي عبداللّه ، ولم يذكر في كتب الرجال بهذه الكنية، فتأمّل.

(غثاء) أي هم أو هؤلاء غثاء.

وفيه إيجاز الحذف، أي فدنوت منه، فقال: غثاء.

قال في النهاية: «الغثاء _ بالضمّ والمدّ _ : ما يجيء فوق السيل ممّا يحتمله من الزَبَد والوسخ وغيره»(4).

متن الحديث الثامن عشر والثلاثمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :

كُنْتُ جَالِسا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام إِذْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ (5)أُمُّ خَالِدٍ _ الَّتِي كَانَ قَطَعَهَا يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ _ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «أَ يَسُرُّكَ أَنْ تَسْمَعَ كَلَامَهَا؟» فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : «أَمَّا الْانَ» فَأَذِنَ لَهَا ، قَالَ : وَأَجْلَسَنِي مَعَهُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ ، ثُمَّ دَخَلَتْ فَتَكَلَّمَتْ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ بَلِيغَةٌ ، فَسَأَلَتْهُ عَنْهُمَا ،

ص: 278


1- . في بعض نسخ الكافي: «فضرب»
2- . في بعض نسخ الكافي: - «لا»
3- . في بعض نسخ الكافي: «يقبل»
4- النهاية، ج 3، ص 343 (غثا)
5- . في بعض نسخ الكافي: - «عليه»

فَقَالَ لَهَا : «تَوَلَّيْهِمَا» قَالَتْ : فَأَقُولُ لِرَبِّي إِذَا لَقِيتُهُ : إِنَّكَ أَمَرْتَنِي بِوَلَايَتِهِمَا ، قَالَ : «نَعَمْ» قَالَتْ : فَإِنَّ هذَا الَّذِي مَعَكَ عَلَى الطِّنْفِسَةِ يَأْمُرُنِي بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمَا ، وَكَثِيرٌ النَّوَّاءُ يَأْمُرُنِي بِوَلَايَتِهِمَا ، فَأَيُّهُمَا خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ (1): «هذَا وَاللّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ وَأَصْحَابِهِ ؛ إِنَّ هذَا يُخَاصِمُ ، فَيَقُولُ : «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» ، (2). «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِروُنَ» ، (3). «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» (4)» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

و قد مضى هذا الحديث بعينه متنا و سندا في الحادي والسبعين، و قد شرحناه هناك.

متن الحديث التاسع عشر والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنِ الْمُعَلّى (5)، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ ، قَالَ :

لَمَّا أُخْرِجَ بِعَلِيٍّ عليه السلام خَرَجَتْ فَاطِمَةُ عليهاالسلام وَاضِعَةً قَمِيصَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى رَأْسِهَا ، آخِذَةً بِيَدَيِ (6)ابْنَيْهَا ، فَقَالَتْ : «مَا لِي وَمَا (7)لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ تُرِيدُ أَنْ تُؤَتِّمَ ابْنَيَّ ، وَتُرْمِلَنِي مِنْ زَوْجِي ، وَاللّهِ لَوْ لَا أَنْ يَكُونَ (8)سَيِّئَةٌ ، لَنَشَرْتُ شَعْرِي ، وَلَصَرَخْتُ إِلى رَبِّي» .

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : مَا تُرِيدُ إِلى هذَا؟ ثُمَّ أَخَذَتْ بِيَدِهِ ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ .

شرح الحديث

السند الضعيف.

قوله: (لمّا اُخرج بعليّ).

الباء للتقوية، أي أخرج عليّ عليه السلام من بيته قهرا ليبايع أبا بكر.والقائل بهذا الكلام أبو هاشم

ص: 279


1- . في بعض نسخ الكافي: «قالت»
2- المائدة (5): 45.وفي الطبعة القديمة وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «الكافرون»
3- المائدة (5): 44
4- .المائدة (5): 47
5- . في أكثر نسخ الكافي: «معلّى»
6- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «بيد»
7- . في بعض نسخ الكافي والوافي: - «ما»
8- . في كلتا الطبعتين: «أن تكون»

على الظاهر، لكن سمعه من أبي جعفر عليه السلام ، كما يفهم من الحديث الآتي.

(تريد أن تؤتمّ ابنيّ) بصيغة الخطاب من الإيتام مصدر باب الإفعال.

قال في تاج اللغة: «الإيتام: يتيم كردن، وخداند شدن».لكن الجوهري لم يصرّح بالمعنى الأوّل في هذا الباب؛ فإنّه قال: اليتيم، جمعه: أيتام، ويتامى.وقد يَتِمَ الصبيّ _ بالكسر _ أيتم يُتما ويَتْما، بالتسكين فيهما.واليتيم في الناس من قِبل الأب، وفي البهائم من قِبل الاُمّ.يقال: أيتمت المرأة، فهو مؤتمّ، أي صار أولادها أيتاما، ويتّمهم اللّه تيتيما: جعلهم أيتاما(1).

(وترملني من زوجي).

قال الجوهري: «الأرملة: المرأة التي لا زوج لها.وقد أرملت المرأة: إذا مات عنها زوجها» (2)انتهى.

فعلى هذا قولها عليهاالسلام: «وترمّلني» من باب الحذف والإيصال.

(واللّه لولا أن يكون سيّئة).

لعلّ المستتر في «يكون» راجع إلى الفعل المجمل المبهم المفسّر بنشر الشعر، و«سيّئة» بالنصب خبر «يكون».

وفي بعض النسخ: «تكون» بالتاء، وعلى هذا «تكون» تامّة، و«سيّئة» بالرفع فاعلها.

وقيل: المراد بالسيئة هلاكهم، ونزول البلاء عليهم، أو نشر الشعر(3).

وقيل: أي مكافأة السيّئة بالسيّئة ليست من دأب الكرام، فيكون إطلاق السيئة عليها مجازا.أو المراد مطلق الأضرار.ويحتمل أن يكون المراد المعصية، أي نُهيتُ عن ذلك، ولا يجوز لي فعله(4).

(لنشرت شعري) أي شعر رأسي.

والنشر: خلاف الطيّ، وفعله كنصر، وكذا التنشير.

(ولصرخت إلى ربّي).

ص: 280


1- الصحاح، ج 5، ص 2064 (تيم) مع التلخيص
2- . الصحاح، ج 4، ص 1713 (رمل)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 324
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 183

الصّراخ _ كغراب _ : الصوت، أو شديده، والفعل منه كنصر، وتعديته ب«إلى» بتضمين مثل معنى الاستقامة والتوجّه.

(فقال رجلٌ من القوم) المجتمعين.

(ما تريد إلى هذا).

لعلّ كلمة «ما» للاستفهام الإنكاري، وتريد خطاب لأبي بكر أو عمر، و«إلى» بمعنى «من»، وهذا إشارة إلى عليّ عليه السلام .ويحتمل أن يكون تعديته بتضمين معنى القصد، ويكون هذا إشارة إلى سوء معاملتهم مع عليّ عليه السلام ، أي أيّ شيءٍ تريد بقصدك على هذا الفعل الشنيع، أتريد أن ينزل العذاب على هذه الاُمّة؟

وفي بعض النسخ: «يريد» بالياء، ولعلّ المستتر فيه راجع إلى أحد من العمرين.وفي بعضها: «ما تريد إلّا هذا» فحينئذٍ «ما» نافية، وهذا إشارة إلى ما قالته فاطمة عليهاالسلام، أو إلى عليّ عليه السلام على احتمال؛ والخطاب أو الغيبة بحالهما.

(ثمّ أخذت بيده) أي بعد سماعهم هذا الكلام من الرجل خلّوا سبيل أمير المؤمنين عليه السلام ، فأخذت فاطمة عليهاالسلامبيده عليه السلام .

(فانطلقت به).

الباء للتعدية، أو للمصاحبة.روى مسلم: «أنّ فاطمة عليهاالسلام بقيت بعد أبيها ستّة أشهر، وبايع علي عليه السلام مع أبي بكر بعد وفاتها»(1). وقال شارحه أبو عبداللّه الآبي: «كان لعليّ في حياتها وجهٌ من الناس، فلمّا ماتت فاطمة استنكر وجوههم، فأخذوا منه البيعة»(2).

أقول: هذا الكلام صريح في اعترافهم بتأخّر بيعته عليه السلام مع أبي بكر في تلك المدّة، بل في أنّ صدور البيعة بعدها لم يكن عن طوع ورغبة منه عليه السلام ، بل وقعت إجبارا وإكراها، كما لا يخفى.وبهذا يختلّ أركانهم، وينهدم بنيانهم من إسنادهم إمامة أبي بكر إلى إجماع الاُمّة؛ فإنّ الإجماع لم ينعقد باعترافهم في تلك المدّة، لعدم دخول أمير المؤمنين عليه السلام فيه، وكذا بعض الصحابة مثل سلمان وأبي ذرّ وغيرهما، كما صرّحوا به، بل بعد تلك المدّة أيضا؛ لأنّ البيعة

ص: 281


1- صحيح مسلم بشرح الآبي، ج 5، ص 154
2- نفس المصدر

لا تعتبر في مثل ذلك الأمر إلّا مع الاختيار، مع أنّ فاطمة عليهاالسلاملم ترض بها، وبعض الصحابة لم يبايع مطلقا اتّفاقا، وقضيّة أبي ذرّ ومخالفته مع الثلاثة مشهورة، وفي كتب السيِّر وأخبار الخاصّة والعامّة مسطورة.

وأجاب بعضهم عن تأخّر بيعته عليه السلام بأنّ ذلك لم يكن عن شقاق ومخالفة، وإنّما كان لعذر وطروّ أمر، انتهى(1).

وأنت خبير بأنّ مثل هذا الجواب لا يصدر عن عاقل فضلاً عن فاضل، وإنّما نشأ من محض التعصّب والعناد، ومجرّد الانحراف عن منهج الحقّ والسّداد؛ فإنّ امتناعه عليه السلام عن البيعة وإباؤه عنها مع كمال مبالغتهم في ذلك، حتّى فعلوا به ما فعلوا، وأضرموا في بيته النار، وفيه فاطمة عليهاالسلاموجماعة من بني هاشم، وأحرقوا بابه، وأخرجوه عليه السلام ، وضربوا فاطمة عليهاالسلام، فألقت جنينا اسمه محسن، وأمثال ذلك من القبائح التي بلغت في الاشتهار كالشمس في رابعة النهار، صريح في أنّ تأخّره عليه السلام عن البيعة لم يكن لعذر، وكلام الآبي أيضا صريحٌ في ذلك على أنّه عليه السلام شديد الاهتمام في تشييد أركان الدِّين، وتمهيد قواعد الإسلام والمسلمين، كما يرشد إليه مسابقته ومسارعته في قبول دعوة سيّد المرسلين، وكثرة جهاده مع المشركين والقاسطين والناكثين والمارقين، وعظم بلائه في وقائع النبيّ صلى الله عليه و آله والمسلمين، ولم يبلغ أحدٌ من الصحابة علوّ درجته ونيل رتبته في غزوة بدر، مع قلّة المؤمنين وكثرة الكافرين، حتّى باشر بنفسه النفيسة قتل نصف المشركين، وكذا في غزاة اُحُد ويوم الأحزاب، حتّى قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «لضربة عليّ خيرٌ من عبادة الثقلين»، (2)وفي غزاة خيبر وحنين وسائر الغزوات في أيّام حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبعد وفاته، وكونه أزهد الناس وأعبدهم بعد النبيّ صلى الله عليه و آله ، وإعراضه عن أعراض الدُّنيا وأغراضها، واتّصافه بالكمالات الخلقيّة والخُلقيّة أكملها وأسناها، فكيف يتصوّر من مثله التأخّر عن هذا الأمر العظيم والخطب الجسيم لو كان حقّا، وأيّ عذرٍ يتخيّل في ذلك؟! ولكن من أضلّه اللّه وأعمى بصيرته، استوخم الحقّ، فلم يستعذبه.

ومن يك ذا مخ مُرٍّ مريض***يجد مرّا به الماء الزلالا

ص: 282


1- المجيب هو المحقّق القوشجي، ولكن لم يحضر عندنا شرحه
2- عوالي اللآلي، ج 4، ص 86، ح 102

ثمّ اعلم أنّ القصّة المذكورة في الكتاب من المشهورات المرويّة من طرق الخاصّة والعامّة بأسانيد متكثّرة، بحيث يجري مضمونه مجرى المتواترات، ونحن نذكر هنا نبذة من الطريقين؛ ليكون كالتفسير والتأييد لما في الكتاب، وتذكرة لاُولي الألباب، وحسما لمادّة شبهات أهل الارتياب.

أمّا الخاصّة فمنها: ما رواه الشيخ الطبرسي رحمه الله في كتاب الاحتجاج عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي رضى الله عنه أنّه قال: لمّا بايع القوم أبا بكر وكان، الليل، حمل عليّ عليه السلام فاطمة عليهاالسلامعلى حمار، وأخذ بيد ابنيه حسن وحسين، فلم يدَع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلّا أتاه في منزله، وذكّره حقّه، ودعاه إلى نصرته، فما استجاب له من جميعهم إلّا أربعة وعشرون (1)رجلاً، فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلّقين رؤوسهم، معهم سيوفهم، قد بايعوه على الموت، فأصبح ولم يوافه منهم أحد غير أربعة _ فقلت لسلمان: ومَن الأربعة؟ قال: أنا وأبو ذرّ والمقداد والزبير بن العوّام _ ثمّ أتاهم من الليل، (2)فناشدهم فقالوا: نصبحك بكرة، فما منهم أحدٌ وافى غيرنا.ثمّ الليلة الثالثة فما وافى غيرنا.فلمّا رأى علي عليه السلام غدرهم، وقلّة وفائهم، لزم بيته، وأقبل على القرآن يؤلّفه ويجمعه، فلم يخرج حتّى جمعه كلّه، فكتبه على تنزيله والناسخ والمنسوخ، فبعث إليه أبو بكر أن اُخرج فبايع، فبعث إليه: إنّي مشغول، فقد آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلّا للصلاة حتّى اُؤلّف القرآن فأجمعه، فجمعه في ثوب، فختمه، ثمّ خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فنادى عليّ عليه السلام بأعلى صوته: «أيّها الناس، إنّي لم أزل منذ قبض النبيّ صلى الله عليه و آله مشغولاً بغسله، ثمّ بالقرآن، حتّى جمعته كلّه في هذا الثوب، فلم ينزل اللّه على نبيّه صلى الله عليه و آله آية من القرآن إلّا وقد جمعتها، وليست منه آية إلّا وقد أقرأنيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأعلمني تأويلها».[فقالوا: لا حاجة لنا به، عندنا مثله].ثمّ دخل بيته، فقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى عليّ فليبايع، فإنّا لسنا في شيء حتّى يبايع، ولو قد بايع أمنّاه [وغائلته]، فأرسل أبو بكر رسولاً أن أجب خليفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأتاه الرسول فأخبره بذلك، فقال عليّ عليه السلام : «ما أسرع ما كذبتم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّه ليعلم ويعلم الذين حوله أنّ اللّه ورسوله لم يستخلفا غيري».

ص: 283


1- . في المصدر: «وأربعون»
2- . في المصدر: «من الليلة الثانية»

فذهب الرسول، فأخبره بما قال، فقال: اذهب فقُل: أجب أمير المؤمنين أبا بكر.فأتاه فأخبره بذلك، فقال عليّ عليه السلام : «سبحان اللّه ، ما طال العهد فينسى، وأنّه ليعلم أنّ هذا الاسم لا يصلح إلّا لي، ولقد أمره رسول اللّه صلى الله عليه و آله سابع سبعة: فسلّموا عليَّ بإمرة المؤمنين، فاستفهمه هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا: أمِن اللّه ، أو من رسوله؟ فقال لهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله : نعم، حقّا من اللّه ومن رسوله؛ إنّه أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وصاحب لواء الغرّ المحجّلين، يقعده اللّه يوم القيامة على الصراط، فيدخل أولياءه الجنّة، وأعداءه النار».

فانطلق الرسول إلى أبي بكر، وأخبره بما قال، فكفّوا عنه يومئذٍ، فلمّا كان الليل حمل فاطمة عليهاالسلام على حمار، ثمّ دعاهم إلى نصرته، فما استجاب له رجلٌ غيرنا أربعة، فإنّا حلقنا رؤوسنا، وبذلنا له نصرتنا، وكان عليّ عليه السلام لمّا رأى خذلان الناس له وتركهم لنصرته واجتماع كلمة الناس مع أبي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم له، جلس في بيته، وقال عمر لأبي بكر: ما منعك أن تبعث إليه فيبايع؛ فإنّه لم يبق أحد إلّا وقد بايع غير هؤلاء الأربعة معه، وكان أبو بكر أرقّ الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا، والآخر أفظّهما وأغلظهما وأجفاهما.فقال: مَن نرسل إليه؟ قال: أرسل إليه قنفذا، وكان رجلاً فظّا غليظا جافيا من الطُّلقاء أحد بني تميم، فأرسله وأرسل معه أعوانا، فانطلق، فاستأذن، فأبى عليّ عليه السلام أن يأذن له، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر، وهما في المسجد والناس حولهما، فقالوا: لم يأذن لنا.فقال عمر: إن هو أذِنَ لكم، وإلّا فادخلوا عليه بغير إذنه.فانطلقوا، فاستأذنوا، فقالت فاطمة عليهاالسلام: «احرج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذن».

فرجعوا، وثبت قنفذ، فقالوا: إنّ فاطمة عليهاالسلام قالت كذا وكذا، فحرجتنا أن ندخل عليهما [البيت] بغير إذن، فغضب عمر فقال: ما لنا وللنساء، ثمّ أمر اُناسا حوله، فحملوا حَطَبا، وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزله، وفيه عليّ عليه السلام وفاطمة وابناهما عليهم السلام ، ثمّ نادى عمر حتّى أسمعَ عليّا عليه السلام : واللّه لتخرجنّ ولتبايعنّ خليفة رسول اللّه ، أو لأضرمنّ عليك بيتك نارا، ثمّ رجع فقعد إلى أبي بكر، وهو يخاف أن يخرج إليه عليّ عليه السلام بسيفه لما يعرف من بأسه وشدّته.ثمّ قال لقنفذ: إن خرج، وإلّا فاقتحم عليه؛ فإن امتنع، فاضرم عليهم بيتهم نارا.

فانطلق قنفذ، فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وبادر عليّ إلى سيفه [ليأخذه]، فسبقوه إليه، فتناول بعض سيوفهم، فكثروا [عليه]، فضبطوه، وألقوا في عنقه حبلاً، وحالت فاطمة عليهاالسلام بين

ص: 284

زوجها وبينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، وأنّ بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إيّاها، فأرسل أبو بكر إلى قنفذ: اضربها، فالجأ عليه السلام إلى عضادة باب بيتها، فدفعها، فكسر ضلعا من جنبها، وألقت جنينا من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت من ذلك شهيدة صلوات اللّه عليها.

ثمّ انطلقوا بعليّ عليه السلام حتّى انتهوا به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجرّاح وسالم والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حصين وبشير بن سعد، وساير الناس قعود حول أبي بكر عليهم السلاح وهو يقول: «أما واللّه ، لو وقع سيفي بيدي، لعلمتم أنّكم لن تصلوا إلى هذا [جزاء] منّي، وباللّه ما ألوم نفسي في جهد، ولو كنت في أربعين رجلاً لفرّقت جماعتكم، فلعن اللّه قوما بايعوني ثمّ خذلوني».فانتهره عمر فقال: بايع.

فقال: «فإن لم أفعل؟» قال: إذا نقتلك ذُلّاً وصِغارا.

فقال: «إذا تقتلون عبداللّه وأخا رسول اللّه صلى الله عليه و آله »؟

فقال أبو بكر: أمّا عبداللّه فنعم، وأمّا أخا رسول اللّه فلا نقرّ لك به.

فقال: «أتجحدون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله آخا بين نفسه وبيني» فأعادوا عليه بذلك ثلاث مرّات، ثمّ أقبل عليّ عليه السلام فقال: «يا معشر المهاجرين والأنصار، أنشدكم باللّه ، أسمعتم رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول يوم غدير كذا وكذا، وفي غزوة تبوك كذا وكذا»، فلم يدَع شيئا قاله فيه عليه السلام علانية للعامّة إلّا ذكر، فقالوا: اللَّهُمَّ نعم، فلمّا أن خاف أبو بكر أن ينصروه، وأن يمنعوه، بادَرَهُم، فقال: كلّما قلت قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا، ولكن سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول بعد هذا: إنّا أهل بيت اصطفانا اللّه ، وأكرمنا، واختار لنا الآخرة على الدُّنيا، وأنّ اللّه لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوّة والخلافة.

فقال عليّ عليه السلام : «أما أحدٌ من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله شهد هذا معك؟»

فقال عمر: صدق خليفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قد سمعت هذا منه كما قال.وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق، قد سمعنا ذلك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

فقال لهم: «لشدّ ما وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة إن قتل اللّه محمّدا أو أماته أن تزووا هذا الأمر منّا أهل البيت».

ص: 285

فقال أبو بكر: وما علمك بذلك ما أطلعناك عليها؟

فقال عليّ عليه السلام : «يا زبير، ويا سلمان، وأنت يا مقداد، اُذكّركم باللّه والإسلام، أسمعتم رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول ذلك لي: إنّ فلانا وفلانا _ حتّى عدّ هؤلاء [الخمسة] _ قد كتبوا بينهم كتابا، وتعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا؟»

قالوا: اللَّهُمَّ قد سمعناه يقول ذلك لك.فقلت: بأبي أنت [واُمّي] يا رسول اللّه ، فما تأمرني أفعل إذا كان ذلك؟ فقال: «إن وجدت عليهم أعوانا، فجاهدهم ونابذهم؛ وإن لم تجد أعوانا، فبايعهم واحقن دمك».

فقال عليّ عليه السلام : «أما واللّه ، لو أنّ اُولئك الأربعين رجلاً الذين بايعوني ووفوا لي جاهدتك واللّه ، أما واللّه لا ينالها أحدٌ من عقبكم إلى يوم القيامة».

ثمّ نادى قبل أن يبايع: «قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِى» ، (1).ثمّ تناول يد أبي بكر فبايعه كرها.فقال للزبير: بايع [الآن، فأبى]، قال: فوثب إليه عمر وخالد بن الوليد وابن شعبة في اُناس، فانتزعوا سيفه، فضربوا به الأرض حتّى كسر، فقال الزبير وعمر على صدره: يابن صهّاك، أما واللّه لو أنّ سيفي في يدي لَحدثَ عنّي، ثمّ بايع.

قال سلمان: ثمّ أخذوني، فوجؤوا عنقي حتّى تركوها مثل السلعة، ثمّ فتلوا يدي، فبايعت.ثمّ بايع أبو ذرّ والمقداد مكرهين، وما من الاُمّة أحدٌ بايع مكرها غير علي عليه السلام وأربعتنا، ولم يكن أحدٌ منّا أشدّ قولاً من الزبير(2).

أقول: الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

وروي عن الصادق عليه السلام أنّه [قال:] لمّا استخرج أمير المؤمنين عليه السلام من منزله خرجت فاطمة عليهاالسلام، فما بقيت امرأة هاشميّة إلّا خرجت معها حتّى انتهت قريبا من القبر، فقالت: خلّوا عن ابن عمّي، فوالذي بعث محمّدا بالحقّ، إن لم تخلّوا عنه، لأنشرنّ شعري، ولأضعنّ قميص رسول اللّه صلى الله عليه و آله على رأسي، ولأصرخنّ إلى اللّه تبارك وتعالى، [فما صالح بأكرم على اللّه من أبي]، فما ناقة صالح بأكرم على اللّه منّي، ولا الفصيل بأكرم على اللّه من ولدي.

ص: 286


1- . الأعراف (7): 150
2- الاحتجاج، ج 1، ص 107 _ 111 مع اختلاف يسير في اللفظ

قال سلمان رضى الله عنه: كنتُ قريبا منها، فرأيت واللّه أساس حيطان مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله تقلّعت من أسفلها حتّى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ، فدنوت منها، وقلت: يا سيّدتي ومولاتي، إنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ بعث أباكِ رحمةً، فلا تكوني نقمة.فرجعت، ورجعت الحيطان إلى الأرض، حتّى سطعت الغبرة من أسفلها، فدخلت في خياشيمنا، انتهى(1).

وأمّا الروايات العامّيّة، فمنها: ما رواه ابن أبي الحديد عن أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري بإسنادٍ ذكره، عن سلمة بن عبد الرحمن، قال: لمّا جلس أبو بكر على المنبر، كان عليّ عليه السلام والزّبير واُناس من بني هاشم في بيت فاطمة عليهاالسلام، فجاء عمر إليهم، فقال: والذي نفسي بيده، لتخرجنّ إلى البيعة، أو لأحرقنّ البيت عليكم، فخرج الزبير مُصلتا سيفه، فاعتنقه رجلٌ من الأنصار وزياد بن وليد، (2)فدقّ به، فبدر السيف من يده، فصاح به أبو بكر وهو على المنبر: اضرب به على الحجر.قال أبو عمرو بن عماس: فلقد رأيت الحجر فيه تلك الضربة، ويقال: هذه ضربة سيف الزبير.ثمّ قال أبو بكر: دعوهم، فسيأتي اللّه بهم، قال: فخرجوا إليه بعد ذلك، فبايعوه.قال أبو بكر: وقد روى في رواية اُخرى أنّ سعيد بن أبي وقّاص كان معهم في بيت فاطمة عليهاالسلام، والمقداد ابن أسود أيضا، وأنّهم اجتمعوا أن يبايعوا عليّا عليه السلام ، فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت، فخرج إليه الزبير بالسيف، وخرجت فاطمة عليهاالسلامتبكي وتصيح، إلى آخر ما ذكره(3).

وروي أيضا عن أحمد بن إسحاق، عن أحمد بن سيّار، عن سعيد بن كثير الأنصاري في أثناء ذكر خبر السقيفة بطوله، وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة عليهاالسلام منهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم، فقال لهم: انطلقوا فبايعوا: فأبوا عليه، وخرج الزبير بسيفه، فقال عمر: عليكم الكلب، فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار، فانطلقوا به وبعليّ ومعهما بنو هاشم وعليٌّ يقول: «أنا عبداللّه ، وأخو رسوله» حتّى انتهوا [به ]إلى أبي بكر، فقيل له بايع، فقال: «أنا أحقُّ بهذا الأمر منكم لا اُبايعكم، وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول اللّه ، فأعطوكم [المقادة ]

ص: 287


1- الاحتجاج، ج 1، ص 114 مع اختلاف يسير في اللفظ
2- في المصدر: «لبيد»
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 2، ص 56، ذيل الخطبة 26 مع تفاوت يسير في اللفظ

وسلّموا اليكم الإمارة، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فانصفونا إن كنتم تخافون اللّه من أنفسكم، واعرفوا الناس [من ]الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم، وإلّا فبؤوا بالظلم وأنتم تعلمون».

فقال عمر: إنّك لست متروكا حتّى تبايع.فقال له عليّ عليه السلام : «احلب يا عمر حلبا لك شطره أشدد له اليوم أمره ليردّ عليك غدا، لا واللّه لا أقبل قولك ولا اُبايعه».فقال له أبو بكر: فإن لم تبايعني لم أكرهك.فقال له أبو عبيدة: يا أبا الحسن، إنّك حديث السنّ، وهؤلاء مشيخة قريش قومك، وليس لك تجربتهم ومعرفتهم بالاُمور، ولا أرى أبا بكر إلّا أقوى على هذا الأمر منك، وأشدّ احتمالاً له، واضطلاعا به، فسلِّم هذا الأمر، وارضَ؛ فإنّك إن تعش ويطل عمرك فأنت بهذا الأمر خليق، وبه حقيق، في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك.فقال عليّ: «يا معشر المهاجرين، اللّه اللّه ، لا تخرجوا سلطان محمّد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه، فواللّه يا معشر المهاجرين، لنحن أهل البيت] أحقّ [بهذا الأمر منكم؛ أما كان منّا القارئ لكتاب اللّه الفقيه في دين اللّه العالم بالسنّة المضطلع بأمر الرعيّة، واللّه إنّه لفيتا، فلا تتّبعوا الهوى فتزدادوا من الحقّ بُعدا».فقال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمِعتْهُ منك الأنصار يا عليّ قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان، ولكنّهم قد بايعوا، وانصرف عليّ إلى منزله، ولم يُبايع، ولزم بيته حتّى ماتت فاطمة عليهاالسلام، فبايع(1).

وروي أيضا عن أحمد بن عبد العزيز، قال: أخبرني أبو بكر الباهلي وإسماعيل بن مجالد، عن الشعبي، قال: قال أبو بكر: ياعمر، أين خالد بن الوليد؟ قال: هو هذا.فقال: انطلقا إليهما _ يعني عليّا والزبير _ فأتياني بهما.فدخل عمر، ووقف خالد على الباب من خارج، فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال: أعددتهُ لاُبايع عليّا، قال: وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد بن الأسود وجمهور الهاشميّين، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره ثمّ أخذ بيد الزبير فأقامه ثمّ دفعه فأخرجه، وقال: يا خالد، دونك هذا، فأمسكه خالد، وكان خارج الباب مع خالد جمعٌ كثير من الناس بعثهم أبو بكر ردءا لهما، ثمّ دخل

ص: 288


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 6، ص 12، ذيل الخطبة 66 مع تفاوت يسير في اللفظ

عمر فقال لعليّ: قُم فبايع، فتلكأ، واحتبس، فأخذ بيده، فقال: قُم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير، ثمّ أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقا عنيفا، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرِّجال، ورأت فاطمة ما صنع عمر، فصرخت، وولولت، واجتمعت معها نساء كثير من الهاشميّات وغيرهنّ، فخرجت إلى باب حجرتها، ونادت: «يا أبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، واللّه لا اُكلّم عمر حتّى ألقى اللّه ».

قال: فلمّا بايع عليّ عليه السلام والزبير، وهدأت تلك الفورة مشى إليها أبو بكر بعد ذلك، فشفع لعمر، وطلبه إليها، فرضيت عنه(1).

ثمّ قال ابن أبي الحديد بعد ذكره بعض الأخبار في ذلك:

والصحيح عندي: إنّها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر، وإنّها أوصت أن لا يصلّيا عليها، وذلك عند أصحابنا من الأهواء المغفورة لهما، وكان الأولى لهما إكرامها واحترام منزلها(2).

ثمّ روى بإسناده عن ابن عبّاس: أنّ عمر قال له: أما واللّه إنّ صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا إنّا خفناه على ثنتين؛ على حداثة سنّه، وحبّه بني عبد المطلّب(3). وقد أورد ابن قتيبة أكثر هذه الواقعة الشنيعة، وذكر أنّه هدّد أبو بكر عليّا عليه السلام بالقتل إن لم يُبايع، فأتى قبر النبيّ صلى الله عليه و آله باكيا وقال: «يا ابن اُمّ، إنّ القوم استضعفوني، وكادوا يقتلونني» انتهى(4).

أقول: والحمد للّه أجرى الحقّ على لسان أعدائه، ليكون حجّة عليهم لأوليائه، ليحاجّوهم به عند ربّهم وعند خاتم أنبيائه، فليتدبّر المنصف الطالب للحقّ والرّشاد، هل يظهر من تلك الأخبار بغض هؤلاء الكفرة ومعاندتهم لأهل بيت النبوّة وارتدادهم عن الدِّين، وشقّهم عصا المسلمين، وظلمهم لأئمّة الدِّين، وغصب حقّ سلالة سيِّد المرسلين، وجرءتهم على اللّه في هتك حرمة أهل بيت احترمهم روح الأمين مع أنّهم رووا أخبار متكثّرة: «أنّ حبّهم إيمان،

ص: 289


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 6، ص 49، ذيل الخطبة 66
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 6، ص 50، ذيل الخطبة 66
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 6، ص 51، ذيل الخطبة 66 مع التلخيص
4- الإمامة والسياسة، ج 1، ص 20

وبغضهم كفر ونفاق»؟ (1).وهل يتبيّن له منها مفارقتهم عن أمير المؤمنين عليه السلام ومفارقته عنهم، مع أنّهم رووا بأسانيده جمّة: «أنّ عليّا مع الحقّ، والحقّ مع عليّ حيث ما دار»؟ (2).وهل يبقى مجال تأمّل لذي مسكة أنّ مثل هذه القبائح الفضيحة _ بل أقلّ قليل منها _ سبب لإيذائه وإيذاء آل بيته عليهم السلام .وقد روى أحمد بن حنبل وغيره من محدّثيهم أنّه صلى الله عليه و آله قال: من آذى عليّا فقد آذاني»(3). ورووا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لفاطمة عليهاالسلام: «يا فاطمة، إنّ اللّه يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك»(4).

وأنّه صلى الله عليه و آله قال: «فاطمة بضعةٌ منّي، مَن آذاها فقد آذاني، ومَن آذاني فقد آذى اللّه »(5).

وقد قال اللّه تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه َ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللّه ُ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابا مُهِينا» (6).وهل يجوّز من له أدنى تمييز كون مثل تلك البيعة منشأً وسببا لرئاسة الدِّين والدُّنيا؟ أم كيف يفوّض مصالح المسلمين إلى هؤلاء الكفرة الفجرة؟ وأيّ مصلحة للمسلمين تعارض مثل هذه المفاسد الشنيعة؟ وأيّة مفسدة كانت أقبح وأعظم من الاقتحام في حرم خير الأنام، وهتك حرمتهم، وكشف سترهم، وزجرهم، وإهانتهم، ودفعهم، وإلجاء بضعة رسول اللّه وحبيبته وقرّة عينه إلى الخروج من بيتها، وإلى الظلم والبكاء والنياح والصياح في مجامع الكفرة والفسقة، وتسليط الكفّار والأشرار وحمَلَة الأوزار على أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله المختار، حتّى آل الأمر إلى أن قتلوهم وشردّوهم؟ وهل كان هذا مقتضى وصيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيهم في مواطن كثيرة ومواضع عديدة؟ فلبئس ما آجروا نبيّهم، وبئس ما غرّوا أهل بيته في مصيبته، وساء ما جبروا وَهْنَهم في رزيّته، إنّ اللّه سائلهم عن ذلك سؤالاً حثيثا، ومعذّبهم عذابا أليما.

ص: 290


1- . راجع: كاسح الألفام الكفريّة، ص 25؛ سبل الهدى والرشاد، ج 11، ص 8
2- . مجمع الزوائد للهيثمي، ج 7، ص 235؛ المعيار والموازنة، ص 36؛ سنن الترمذي، ج 5، ص 297، ح 3798
3- مسند أحمد، ج 3، ص 483؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 122
4- المستدرك للحاكم، ج 3، ص 154؛ المعجم الكبير، ج 1، ص 108، ح 182؛ مجمع الزوائد للهيثمي، ج 9، ص 203؛ سبل الهدى والرشاد، ج 11، ص 44
5- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج 16، ص 273، ذيل الخطبة 45
6- .الأحزاب (33): 57

متن الحديث العشرين والثلاثمائة

اشارة

أَبَانٌ (1).، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِّ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «وَاللّهِ لَوْ نَشَرَتْ شَعْرَهَا مَاتُوا طُرّا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (ماتوا طُرّا) بالضمّ.

قال الجوهري: «جاؤوا طرّا: أي جميعا»(2).

متن الحديث الواحد والعشرين والثلاثمائة

اشارة

أَبَانٌ (3).، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ، قَالَ :

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّ وَلَدَ الزِّنى يُسْتَعْمَلُ ، إِنْ عَمِلَ خَيْرا جُزِئَ بِهِ ، وَإِنْ عَمِلَ شَرّا جُزِئَ بِهِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (إنّ ولد الزنى يستعمل).

على البناء للمفعول؛ أي يطلب منه العمل بالتكاليف الشرعيّة مثل سائر المكلّفين.

(إن عمل خيرا جزئ به، وإن عمل شرّا جزئ به) في الموضعين على البناء للمفعول، من الجزاء، وهو المكافأة على العمل، وفعله كرمى؛ يُقال: جزاه به وعليه جزاء.

واعلم أنّ أصحابنا اختلفوا في إسلام ولد الزنا وكفره قبل البلوغ، أو بعده، مع إظهاره الإسلام، ومرادهم بكفره أو إسلامه قبل البلوغ إجراء حكم المسلمين أو الكفّار عليه.

فالمشهور الأوّل، ومستندهم هذا الخبر وأمثالها؛ فإنّ مفادها أنّه لا يحكم بكفره من حيث إنّه ولد الزنا، بل يكلّف كغيره بالأعمال، ويجازى على وفقه إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا.

ص: 291


1- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن أبان، الحسين بن محمّد الأشعري عن معلّى بن الحسن
2- الصحاح، ج 2، ص 725 (طرر)
3- . السند معلّق كسابقه

وذهب السيّد المرتضى رحمه الله، (1)وابن إدريس (2)._ على ما نقل عنه _ إلى الثاني، كما ورد في بعض الأخبار أنّه فعل باختياره ما يستوجب به دخول النار(3). ولقوله عليه السلام : «ولد الزنا لا يدخل»(4).وأجاب الأوّلون بحملهما على الغالب، أو بحمل خبر الكتاب على ظاهر حاله، وهذين الخبرين على ما يؤول إليه أمره.وقال بعض الأفاضل: يمكن حمل خبر الكتاب على مذهب السيّد بالجزاء على الأجر المنقطع الذي يكون الكفّار أيضا، لا على الثواب الدائم» (5).وفيه ما فيه.

متن الحديث الثاني والعشرين والثلاثمائة

اشارة

أَبَانٌ (6)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنْ حُجْرَتِهِ وَمَرْوَانُ وَأَبُوهُ يَسْتَمِعَانِ إِلى حَدِيثِهِ ، فَقَالَ لَهُ : الْوَزَغُ ابْنُ الْوَزَغِ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «فَمِنْ يَوْمِئِذٍ يَرَوْنَ أَنَّ الْوَزَغَ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله من حجرته).

الحجرة _ بالضمّ _ : معروفة، وأصلها: حظيرة الإبل.

(ومروان وأبوه)؛ هو الحكم بن العاص.

(يستمعان إلى حديثه).

في القاموس: «استمع له وإليه: أصغى»؛ (7)أي يتوجّهان إلى سماع حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله ممّا يخبر به، ويحكيه مع أهله وأزواجه؛ ليطّلعا على أسراره، أو ليخبرا به المنافقين.

ص: 292


1- . الانتصار، ص 544، المسألة 305
2- . السرائر، ج 1، ص 357
3- المصدر
4- المصنّف للصنعاني، ج 7، ص 455، ح 13866
5- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 194 مع اختلاف في اللفظ
6- . السند معلّق كسابقه
7- . القاموس المحيط، ج 3، ص 42 (سمع)

(فقال له) أي لمروان، أو لكلّ منهما.والأوّل أظهر.

(الوزغ ]ابن] الوزغ).

سمّاهما وزغان؛ لأنّ الوزغ نمّام يستمع إلى الحديث، ولأنّ بني اُميّة يمسخون وزغا عند الموت _ كما مرّ _ فشبّههما به لذلك.والأوّل أنسب بقوله صلى الله عليه و آله : (فمن يومئذٍ يرون).

في بعض النسخ: «يروون».والأوّل من الرؤية بمعنى العلم، والثاني من الرواية، وضمير الجمع للناس.

(أنّ الوزغ يسمع الحديث)؛ لفهمهم أنّ وجه التشبيه استماع الحديث.

متن الحديث الثالث والعشرين والثلاثمائة

اشارة

أَبَانٌ (1)، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «لَمَّا وُلِدَ مَرْوَانُ عَرَضُوا بِهِ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَنْ يَدْعُوَ لَهُ ، فَأَرْسَلُوا بِهِ إِلى عَائِشَةَ لِيَدْعُوَ لَهُ ، فَلَمَّا قَرَّبَتْهُ مِنْهُ قَالَ : أَخْرِجُوا عَنِّي الْوَزَغَ ابْنَ الْوَزَغِ» .قَالَ زُرَارَةُ : وَلَا أَعْلَمُ إِلَا أَنَّهُ قَالَ وَلَعَنَهُ .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (لمّا ولد مروان عرضوا به لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ).

يحتمل كون الباء للتقوية، من قولهم: عرض الشيء له، أي أظهره له.ويحتمل كونها للتعدية، من قولهم: عرض له كذا، أي ظهر وبدا.

(أن يدعو له).

قيل: كانوا يعرضون الطفل على له صلى الله عليه و آله ، ليدعو له، ويحنّكه، لأن يكون أوّل ما دخل في جوفه ما أدخله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وطلبا للتبرّك به.وفيه دلالة على حسن عشرته لاُمّته بالتأليف والتودّد، وجرى هذا الأمر في جميع الأعصار تأسّيا، فأهل كلّ عصر تأدّبوا بمثل هذا الأدب

ص: 293


1- . السند معلّق كسابقيه

من التبرّك بآثار الصالحين، فحملوا بالولد عند الولادة إليهم يحنّكونه ويدعون له.

(فأرسلوا به) أي بمروان.

(إلى عائشة ليدعو له).

المستتر في «يدعو» راجع إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله .وفي الكلام حذف، أي: ارسلوا إليها لتعرضه على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فيدعو له.

(فلمّا قرّبته) عائشة.

(منه) أي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

(قال) رسول اللّه صلى الله عليه و آله : (أخرجوا عنّي الوزغ ابن الوزغ).

شبّهه بالوزغ، كما مرّ.

(قال زرارة: ولا أعلم إلّا أنّه قال) أي أظنّ أنّ أبا جعفر عليه السلام قال: (ولعنه) أي لعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله مروان.

متن الحديث الرابع والعشرين والثلاثمائة

اشارة

أَبَانٌ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَكِّيِّ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ عُمَرَ لَقِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ : أَنْتَ الَّذِي تَقْرَأُ هذِهِ الْايَةَ «بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ» (1).تَعَرُّضا بِي وَبِصَاحِبِي؟

قَالَ : أَ فَلَا أُخْبِرُكَ بِآيَةٍ نَزَلَتْ فِي بَنِي أُمَيَّةَ؟ «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ» (2).

فَقَالَ : كَذَبْتَ ، بَنُو أُمَيَّةَ أَوْصَلُ لِلرَّحِمِ مِنْكَ ، وَلكِنَّكَ أَبَيْتَ إِلَا عَدَاوَةً لِبَنِي تَيْمٍ وَعَدِيٍّ وَبَنِي أُمَيَّةَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

وقد مرَّ هذا الحديث متنا وسندا في السادس والسبعين.

ص: 294


1- . القلم (68): 6
2- . محمّد (47): 22

متن الحديث الخامس والعشرين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقُومُ فِي الْمَطَرِ أَوَّلَ مَا يَمْطُرُ حَتّى يَبْتَلَّ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ وَثِيَابُهُ ، فَقِيلَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، الْكِنَّ الْكِنَّ ، فَقَالَ : إِنَّ هذَا مَاءٌ قَرِيبُ الْعَهْدِ (1)بِالْعَرْشِ ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ ، فَقَالَ : إِنَّ تَحْتَ الْعَرْشِ بَحْرا فِيهِ مَاءٌ يُنْبِتُ أَرْزَاقَ الْحَيَوَانَاتِ ، فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ أَنْ يُنْبِتَ بِهِ مَا يَشَاءُ لَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ لَهُمْ أَوْحَى اللّهُ إِلَيْهِ ، فَمَطَرَ مَا شَاءَ مِنْ سَمَاءٍ إِلى سَمَاءٍ حَتّى يَصِيرَ (2)إِلى سَمَاءِ الدُّنْيَا _ فِيمَا أَظُنُّ _ فَيُلْقِيَهُ إِلَى السَّحَابِ ، وَالسَّحَابُ بِمَنْزِلَةِ الْغِرْبَالِ ، ثُمَّ يُوحِي (3)إِلَى الرِّيحِ أَنِ اطْحَنِيهِ ، وَأَذِيبِيهِ ذَوَبَانَ الْمَاءِ ، ثُمَّ انْطَلِقِي بِهِ إِلى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا ، فَامْطُرِي عَلَيْهِمْ ، فَيَكُونَ كَذَا وَكَذَا عُبَابا وَغَيْرَ ذلِكَ ، فَتَقْطُرُ عَلَيْهِمْ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يَأْمُرُهَا بِهِ ، فَلَيْسَ مِنْ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ إِلَا وَمَعَهَا مَلَكٌ حَتى يَضَعَهَا مَوْضِعَهَا ، وَلَمْ يَنْزِلْ مِنَ السَّمَاءِ قَطْرَةٌ مِنْ مَطَرٍ إِلَا بِعَدَدٍمَعْدُودٍ ، وَ وَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَا مَا كَانَ مِنْ يَوْمِ الطُّوفَانِ عَلى عَهْدِ نُوحٍ عليه السلام ؛ فَإِنَّهُ نَزَلَ مَاءٌ مُنْهَمِرٌ بِلَا وَزْنٍ وَلَا عَدَدٍ» .

قَالَ (4): وَحَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ لِيَ أَبِي عليه السلام : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ جَعَلَ السَّحَابَ غَرَابِيلَ لِلْمَطَرِ هِيَ تُذِيبُ الْبَرَدَ حَتّى يَصِيرَ مَاءً لِكَيْ لَا يُضِرَّ بِهِ (5)شَيْئا يُصِيبُهُ ، وَالَّذِي (6)تَرَوْنَ فِيهِ مِنَ الْبَرَدِ وَالصَّوَاعِقِ نَقِمَةٌ مِنَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ» .

ثُمَّ قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَا تُشِيرُوا إِلَى الْمَطَرِ وَلَا إِلَى الْهِلَالِ ؛ فَإِنَّ اللّهَ يَكْرَهُ ذلِكَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف معتمد.

قوله عليه السلام : (كان عليّ عليه السلام يقوم في المطر أوّل ما يمطر).

المطر _ بالتحريك _ : ماء السماء.والمطر _ بالتسكين، وقد يحرّك _ : إصابة المطر،

ص: 295


1- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي والوافي: «قريب عهد»
2- . في بعض نسخ الكافي: «تصير»
3- . في الطبعة القديمة والوافي والمرآة: + «اللّه »
4- . الضمير المستتر في «قال» راجع إلى مسعدة بن صدقة
5- . في أكثر نسخ الكافي: - «به»
6- . في الطبعة القديمة: «والذي» بدون الواو

ونزوله، يتعدّى ولا يتعدّى، وفعله كنصر.

يُقال: مطرتهم السماء مطرا، أي أصابتهم بالمطر، وأمطرهم اللّه .وقيل: لا يُقال الإمطار إلّا في العذاب(1).

والظاهر أنّ المراد بأوّل ما يمطر أوّل نزول كلّ مطر.ويحتمل بعيد إرادة المطر أوّل السنة.

(فقيل: يا أمير المؤمنين، لكنّ الكنّ) أي ادخل الكنّ، أو اطلبه.

والكِنّ _ بالكسر _ : وقاء كلّ شيء، وسترتَهُ، وما يرد الحرّ والبرد من الأبنية والمساكن، الجمع: أكنان.وكنَنتُ الشيء كَنّا _ بالفتح _ : أي سترته.

(فقال: إنّ هذا ماء قريب العهد بالعرش) إلى قوله: (ينبت أرزاق الحيوانات).

الظاهر المراد بالعرش العرش الجسماني.وقيل: يحتمل أن يُراد به الإرادة، ومعنى قرُب عهده بها قرب عهده بتعلّقها، وإلّا فإرادته تعالى قديمة، وأن يُراد بها الرحمة.قال: والحديث حجّة لمن رجّح ماء المطر على مياه الأرض.وقال: يفهم منه استحباب التبرّك بالمطر، سيّما قبل استقراره في الأرض التي عُبدَ عليها غيره تعالى، وقبل أن يمسّه الأيدي الخاطئة؛ لأنّ المطر رحمةً لقوله تعالى: «بُشْرا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ» (2). ، ومباركٌ لقوله عزّ وجلّ: «مَاءً مُبَارَكا» (3). ، وقريب عهد من محلّ رحمته وهو العرش، انتهى(4).

واعلم أنّ هذا الخبر صريح في أنّ المطر ينزل من السماء، كما يفهم من ظاهر الآية، فلا عبرة بقول الطبيعيّن الفلاسفة بنزوله ممّا يتصاعد من بخارات الأرض، وما استدلّوا به على ذلك لا حجّة فيه؛ لكونه ظنّيّا، (5)وما ادّعوا من المشاهدة والتجربة على تقدير تسليمه لا يفيد الكلّيّة.ويظهر من بعض الأخبار أنّ المطر منه ما ينزل من السماء، ومنه ما يتصاعد من الأرض ثمّ ينزل.

وقوله: (فيما أظنّ) كلام الراوي؛ أي أظنّ أنّه عليه السلام ذكر سماء الدُّنيا.

(والسّحاب بمنزلة الغربال).

الغربال _ بالكسر _ : ما ينخل به.

ص: 296


1- قاله الفيروزآبادي في القاموس المحيط، ج 2، ص 135 (مطر)
2- . الأعراف (7): 57
3- ق (50): 9
4- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 326
5- . راجع: الشفاء (الطبيعيّات)، ج 1، ص 73

(ثمّ يوحي) بالبناء للفاعل، والمستتر فيه راجع إلى اللّه .

والوحي: الإشارة، والإلهام، والكلام الخفيّ.وأوحى إليه: بعثه، وألهمه.

(إلى الريح أن إطحنيه، وأذيبيه).

الطحن: جعل التبر دقيقا، وفعله كمنع.

وذاب يذوب ذوبا وذوبانا _ محرّكة _ : ضدّ جمد، وأذابه غيره.

(ذوبان الماء) أي كذوبانه، فهو مفعول مطلق للتشبيه.

وفي بعض النسخ: «ذوبان الملح في الماء».ويفهم من ظاهره أنّ المطر في الأصل بَردٌ، أو ثلج، وآخر الخبر صريح في الأوّل.

وقيل: يحتمل أن يكون الطحن والإذابة كنايتين عن تفريق الماء في السّحاب؛ لئلّا ينزل دفعة، ولا في بعض المواضع أكثر من بعض، فيكون اللّام في قوله عليه السلام : «الماء» للعهد، أي ماء المطر، لكن ما سيأتي لا يقبل هذا الحمل(1).

(فيكون كذا وكذا عُبابا).

قال الفيروزآبادي: «كذا: اسم مبهم، وقد يجري مجرى كم، فينصب ما بعده على التمييز»(2). وقال: «العُباب _ كغراب _ : معظم السيل، وارتفاعه، وكثرته، أو موجه»(3).

والمراد بقوله: (وغير ذلك) سائر مراتب قلّة العُباب وكثرته على ما يقتضيه المصلحة الإلهيّة.

(إلّا ما كان من يوم الطوفان على عهد نوح عليه السلام ).

قال في القاموس: الطوفان _ بالضمّ _ : المطر الغالب، والماء الغالب يغشى كلّ شيء، والموت الذريع الجارف، والقتل الذريع، والسيل المغرق»(4). وقال: «العهد: الزمان» انتهى(5).

وكلمة «من» يحتمل أن تكون بيانا للموصول، ويحتمل أن يكون الموصول عبارة عن المطر.

ص: 297


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 196
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 410 (كذا)
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 99 (عبب) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 170 (طوف)
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 320 (عهد)

(فإنّه نزل ماءً منهمر).

في القاموس: «وانهمر الماء: انسكب، وسال»(1).

والضمير المنصوب ليوم الطوفان، أو للشأن، أي ينزل فيه ماء منسكب سائل، أي من غير تقاطر، أو كثير من غير أن يعلم وزنه وعدده الملائكة، كما أشار إليه بقوله: (بلا وزن ولا عدد)؛ يعني في علم الملائكة وضبطهم، لا في الواقع.

(جعل السحاب غرابيل للمطر هي تذيب البرد).

في بعض النسخ: «حتّى» بدل «هي».والغرابيل: جمع غربال _ بالكسر _ ، و«البرد» محرّكة: حبّ الغمام.

وقوله عليه السلام : (يُصيب بها) أي بتلك النقمة (من يشاء من عباده) إشارة إلى قوله _ عزّ وجلّ _ في سورة النور: «أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللّه َ يُزْجِي سَحَابا» (2).قال البيضاوي:

أي يسوق «ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ» بأن يكون قزعا، فينضمّ بعضه إلى بعض، وبهذا الاعتبار صحّ مبناه؛ إذ المعنى بين أجزائه، ثمّ يجعل ركوما متراكما بعضه فوق بعض، «فَتَرَى الْوَدْقَ» أي المطر «يَخْرُجُ مِنْ خِلَ__لِهِ» من فتوقه، جمع خلل، كجبال وجبل «وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ» من الغمام، وكلّ ما علاك فهو سماء «مِن جِبَالٍ فِيهَا» من قطع عظام تشبه الجبال في عظمها أو جمودها «مِن بَرَدٍ» بيان للجبال والمفعول محذوف، أي ينزّل مبتديا «مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ» بَردا، ويجوز أن تكون «من» الثانية والثالثة للتبعيض واقعة موقع المفعول.وقيل: المراد بالسماء المظلّة، وفيها جبال من برد، كما في الأرض جبال من حجر، وليس في العقل قاطع يمنعه، والمشهور أنّ الأبخرة إذا تصاعدت ولم تحلّلها حرارة، فبلغت الطبقة الباردة من الهواء، وقوى البرد هناك اجتمع، وصار سحابا، فإن لم يشتدّ البرد تقاطر مطرا، وإن اشتدّ فإن وصل إلى الأجزاء البخاريّة قبل اجتماعها نزل ثلجا، وإلّا نزل بَردا.

وقد يبرد الهواء بردا مفرطا، فينقبض وينعقد سحابا، وينزل منه المطر أو الثلج، وكلّ ذلك لابدّ وأن يستند إلى إرادة الواجب الحكيم؛ لقيام الدليل على أنّها الموجبة لاختصاص الحوادث بمحالّها وأوقاتها، وأشار إليه بقوله: «فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ» ، والضمير للبرد «يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ

ص: 298


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 162 (همر)
2- .النور (24): 42

بِالْأَبْصَارِ» (1). بأبصار الناظرين إليه من فرط الإضاءة، انتهى(2).

(قال: ثمّ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا تشيروا إلى المطر ولا إلى الهلال؛ فإنّ اللّه يكره ذلك).

في القاموس: «أشار إليه: أومأ.ويكون بالكفّ والعين والحاجب»(3).

والظاهر أنّ المراد كراهة الإشارة إليهما باليد.وقيل: يحتمل أن يكون المراد الإشارة إلى كيفيّة حدوثهما من دون رمز؛ فإنّ ذلك يضرّ باعتقاد العامّة، واستشهد له بقول اللّه عزّ وجلّ: «يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ» (4). فعدل عمّا سألوه إلى أمرٍ آخر، انتهى(5)وقيل: يمكن أن يكون كناية عن نسبة منافعهما إليهما، لا إليه تعالى.قال: ولو قرئ بالتاء المثنّاة الفوقانيّة من شتر به _ كفرح _ : إذا سبّه.أو من شتر فلانا: إذا غتّه، وجرحه.وجعل «إلى» بمعنى الباء، أو زائدة لكان له وجه، انتهى(6).

وقيل: لعلّ المراد الإشارة إليهما على سبيل المدح، كأن يقول: ما أحسن هذا الهلال، وما أحسن هذا المطر، أو أنّه ينبغي عند رؤية الهلال ونزول المطر الاشتغال بالدّعاء، لا الإشارة إليهما كما هو عادة السفهاء، أو أنّه لا ينبغي عند رؤيتهما التوجّه إليهما عند الدعاء والتوسّل بهما، كما أنّ بعض الناس يظنّون أنّ الهلال له مدخليّة في نظام العالم، فيتوسّلون به ويتوجّهون إليه.

قال: وهذا أظهر بالنسبة إلى الهلال، وأيّده بما رواه الصدوق في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنّه قال: إذا رأيت هلال شهر رمضان، فلا تشر إليه، ولكن استقبل القبلة، وارفع يديك إلى اللّه _ عزّ وجلّ _ وخاطب الهلال، الخبر، (7).انتهى(8).

أقول: ليت شعري ما حملهم على صرف العبارة عن ظاهرها، وارتكاب أمثال تلك التوجيهات البعيدة المتعسّفة، وأيّ استبعاد في تعلّق الكراهة بمجرّد الإشارة، كما قلنا.

ص: 299


1- .النور (24): 43
2- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 194 و 195
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 65 (شور) مع اختلاف في اللفظ
4- .البقرة (2): 189
5- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 500، ذيل ح 25582 مع اختلاف في اللفظ
6- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 327
7- . اُنظر: الفقيه، ج 2، ص 100، ذيل ح 1846
8- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 198

متن الحديث السادس والعشرين والثلاثمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ رَفَعَهُ ، قَالَ :كَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ : «أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ يَسُرُّ الْمَرْءَ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ ، وَيَحْزُنُهُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ أَبَدا وَإِنْ جَهَدَ ، فَلْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا قَدَّمْتَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ أَوْ حُكْمٍ أَوْ قَوْلٍ ، وَلْيَكُنْ أَسَفُكَ فِيمَا فَرَّطْتَ فِيهِ مِنْ ذلِكَ ، وَدَعْ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا ، فَلَا تُكْثِرْ عَلَيْهِ حَزَنا ، وَمَا أَصَابَكَ مِنْهَا فَلَا تَنْعَمْ بِهِ سُرُورا ، وَلْيَكُنْ هَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالسَّلَامُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (فقد يسرّ المرء).

«يسرّ» من السرور، و«المرء» مفعوله.وقوله: (ما لم يكن ليفوته) فاعله.

(ويحزنه ما لم يكن ليصيبه أبدا).

الحزن: خلاف السرور.وحزنه _ كنصر _ : جعله حزينا.

(وإن جهد) أي وإن بذل وسعه في تحصيله، وبلغ غاية مجهوده.

والحاصل: أنّ المقدّر لا يفوت، وغير المقدّر لا يُدرك، فلا ينبغي السرور بحصول الأوّل، والحزن بفوات الثاني.هذا إذا كان الحاصل، أو الفائت من اُمور الدُّنيا والنافعة فيها، وأمّا إذا كان من الاُمور والمنافع المتعلّقة بالآخرة، فينبغي له أن يسرّ بحصوله، ويحزن بفواته، كما أشار إليه بقوله: (فليكن سرورك بما قدّمت من عملٍ صالح أو حكم).

الحكم _ بالضمّ _ : القضاء.والمراد هنا الحكومة بالعدل بين الناس.والحكم أيضا: الحكمة، وهي بالكسر: العدل، والعلم.والحكم، والحِكم _ كعنب _ : جمع الحكمة.

(أو قول) أي كلام نافع، وهو القول الحقّ.

(وليكن أسفك فيما فرّطت فيه).

الأسف _ محرّكة _ : أشدّ الحزن، وفعله كفرح.

وفرّط الشيء، وفيه تفريطا: ضيّعه.وقدّم العجز فيه وقصّر.

ص: 300

وكلمة «من» في قوله عليه السلام : (من ذلك) بيان للموصول الثاني، وذلك إشارة إلى الحكم وتالييه (ودع) أي اترك.

(ما فاتك من الدُّنيا) ولا تهتمّ بتحصيله.

(فلا تكثر عليه) أي على فواته.

(حزنا).

يُقال: أكثر، أي أتى بكثير.

والحُزن _ بالضمّ، وبالتحريك _ : الهمّ، نصبه على التمييز.

وكلمة «ما» في قوله: (وما أصابك منها) شرطيّة، وجوابه قوله: (فلا تنعم به سرورا) قال الفيروزآبادي: التنعّم: الترفّه، والاسم: النعمة بالفتح.نعم _ كسمع، ونصر، وضرب، ومَنزلٌ ينعمهم _ مثلّثة _ وينعمهم، كيكرمهم.والمنعّمة، كمعظّمة: الحسنة العيش.والغذاء والنعمة بالكسر: المسرّة.ونعم اللّه بك _ كسمع _ ونعمك، وأنعم بك عينا: أقرَّ بك عين مَن تحبّه، أو أقرَّ عينك بمَن تحبّه.ونعم العود _ كفرح _ : أخضرّ، ونضر.وأنعم أن يحسن: زاد.وفي الأمر: بالغ.وأنعم اللّه صباحك من النُعُومة(1).

ولك تطبيق عبارة الحديث بكلّ من تلك المعاني بنوع من التقريب.

ونصب «سرورا» على بعض الاحتمالات بالمصدريّة، وعلى بعضها بالتميز، وحاصل الجمع: إنّك إذا أصبت من الدُّنيا شيئا، فلا تتلذّذ منه كلّ اللّذّة، ولا تتملّاء منه كلّ التملّئ، ولا تعتن بها وبزخارفها، واصرف همّك في تحصيل الآخرة ونعيمها، كما قال: (وليكن همّك فيما بعد الموت).

وقال بعض الأفاضل: قوله عليه السلام : «فقد يسرّ المرء» إلى آخره، إشارة إلى قوله تعالى: «مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللّه ِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللّه ُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» (2).

ص: 301


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 181 _ 183 (نعم) مع التلخيص
2- الحديد (57): 22 و 23

قال: ولعلّ المراد بالآية والخبر نفي الأسى المانع عن التسليم لأمر اللّه ، والفرح الموجب للبطر والاختيال بقرينة ذكر الاختيال والفخر في الآية.ويحتمل أن يكون المراد نفي الحزن الناشئ من توهّم أنّه كان يمكنه دفع ذلك عن نفسه، والفرح الناشئ من توهّم أنّه حصل ذلك بكدّه وسعيه وتدبيره، وعلى التقديرين يستقيم التعليل والتفريع المستفادان من الآية.

قال: وأمّا ما ذكره الشيخ الطبرسي والذي يوجب نفي الأسى والفرح من هذا أنّ الإنسان إذا علم أنّ ما فات منها ضمن اللّه تعالى العوض عليه في الآخرة، فلا ينبغي أن يحزن لذلك، وإذا علم أنّ ما ناله منها كلّف الشكر عليه والحقوق الواجبة فيه، فلا ينبغي أن يفرح به.وأيضا إذا علم أنّ شيئا منها لا يبقى، فلا ينبغي أن يهتمّ له، بل يجب أن يهتمّ لأمر الآخرة التي تدوم ولا تبيد، (1).فلا مدخل لوجهيه في تصحيح التعليل إلّا أن يتكلّف في أوّلهما بأنّ التقدير يستلزم ضمان العوض وإيجاب الشكر، ولذلك صار علّة لعدم الحزن والفرح، انتهى(2).

متن الحديث السابع والعشرين والثلاثمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (3)، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ كَرَّامٍ ، عَنْ أَبِي الصَّامِتِ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَرَرْتُ أَنَا وَأَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام عَلَى الشِّيعَةِ وَهُمْ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ ، فَقُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : شِيعَتُكَ وَمَوَالِيكَ جَعَلَنِيَ اللّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ : أَيْنَ هُمْ؟ فَقُلْتُ : أَرَاهُمْ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ ، فَقَالَ : اذْهَبْ بِي إِلَيْهِمْ ، فَذَهَبَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قَالَ : وَاللّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ رِيحَكُمْ وَأَرْوَاحَكُمْ ، فَأَعِينُوا مَعَ هذَا بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ ، إِنَّهُ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَ اللّهِ إِلَا بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ ، وَإِذَا ائْتَمَمْتُمْ بِعَبْدٍ فَاقْتَدُوا بِهِ ، أَمَا وَاللّهِ إِنَّكُمْ لَعَلى دِينِي وَدِينِ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ، وَإِنْ كَانَ هؤُلِاءِ عَلى دِينِ أُولئِكَ ، فَأَعِينُونِي (4)عَلى هذَا بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ» .

ص: 302


1- . مجمع البيان، ج 9، ص 400
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 199
3- . السند معلّق على سابقه، و يروي عن سهل بن زياد عدّة من أصحابنا
4- . في كلتا الطبعتين ومعظم نسخ الكافي: «فأعينوا»

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (اذهب بي إليهم).

قيل: أمره بذلك؛ لأنّه عليه السلام كان بدنا عظيم الجثّة متّكئا عليه(1).

(فذهب فسلّم عليهم، ثمّ قال: واللّه إنّي لأحبّ ريحكم).

قد مرَّ مثله في التاسع والخمسين والمأتين، وإن كان هؤلاء على دين اُولئك.

قيل: لعلّه لما خصّص من بين الآباء إبراهيم وإسماعيل لبيان أنّ جميع الأنبياء مشاركون لنا في الدِّين، وكان هذا التخصيص يوهم إمّا الحصر، أو كونهم أفضل من آبائه الأكرمين محمّد وأهل بيته عليهم السلام ، استدرك عليه السلام ذلك بأنّ النبيّ وأهل بيته عليهم السلام هم الأصل في دين الحقّ، وسائر الأنبياء على دينهم ومن أتباعهم، فقوله عليه السلام : (هؤلاء) إشارة إلى إبراهيم وإسماعيل وغيرهم من الأنبياء الماضية، و(اُولئك) اشارة إلى آبائه الأقربين من النبيّ والأئمّة الطاهرين عليهم السلام .ويحتمل أن يكون سقط العاطف من النسّاخ، ويكون في الأصل: «وإبراهيم» فيستقم من غير تكلّف.ويمكن أن يكون «هؤلاء» إشارة إلى المخالفين، و«اُولئك» إلى أئمّتهم الغاوين، كما اُفيد.ويحتمل أيضا أن يكون «هؤلاء» إشارة إلى المخالفين، و«اُولئك» إلى الآباء، ويكون المراد منهم وإن كانوا يدّعون أنّهم على دين آبائي، لكنّهم برآء منه، وأنتم على دينهم، أو يكون الغرض أنّ دين آبائي دينٌ لا ينكره أحدٌ، وكلّ ذي دين يطلب أن يكون عليه(2).

(فأعينوني على هذا بورعٍ واجتهاد).

«هذا» إشارة إلى الدِّين، والباء للسببيّة، أو للتسليس متعلّق بالإعانة.و«على» بمعنى «مع» بقرينة ما قبله، وهو أيضا متعلّق بالإعانة.ويحتمل كونه للتعليل، كما قيل في قوله تعالى: «وَلِتُكَبِّرُوا اللّه َ عَلَى مَا هَدَاكُمْ» (3)أي لكونكم على هذا الدِّين، ويحتمل كونه ظرف مستقرّ منصوب المحلّ على الحاليّة، أي حال كونكم على دين الحقّ، والمراد بالورع الاجتناب عن المحرّمات وبالاجتناب السعي والكدّ في الطاعات.

ص: 303


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 199
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 200
3- البقرة (2): 185

متن الحديث الثامن والعشرين والثلاثمائة

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُسْلِيِّ ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الشَّامِيِّ ، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ مَدَّ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِشِيعَتِنَا فِي أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ حَتّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقَائِمِ بَرِيدٌ يُكَلِّمُهُمْ ، فَيَسْمَعُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ» .

شرح الحديث

السند كالصحيح.

قوله عليه السلام : (مدَّ اللّه _ عزّ وجلّ _ لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم).

في القاموس: المدّ: البسط، وطموح البصر إلى الشيء»؛ (1)أي قوّتهم السامعة والباصرة.

(حتّى يكون بينهم وبين القائم بريد).

في القاموس: البريد: الرسول، وفرسخان، أو اثنى عشر ميلاً»(2).والمناسب هنا أحد المعنيين الأخيرين.

وفي بعض النسخ: «لا يكون»، فالمناسب حينئذٍ المعنى الأوّل.

(يكلّمهم) في مثل تلك المسافة البعيدة، أو بعدم توسّط رسول.

(فيسمعون) كلماته؛ لقوّة أسماعهم.

(وينظرون إليه وهو عليه السلام في مكانه)؛ لقوّة إبصارهم.

متن الحديث التاسع والعشرين والثلاثمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسى ، عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَنِ اسْتَخَارَ اللّهَ رَاضِيا بِمَا صَنَعَ اللّهُ لَهُ ، خَارَ اللّهُ لَهُ حَتْما» .

ص: 304


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 337 (مدد) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 277 (برد) مع التلخيص

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (من استخار اللّه ).

الاستخارة: طلب الخيرة، وهي _ كعنبة _ اسم من قولك: اخترته منهم وعليهم.

(راضيا بما صنع اللّه له) أي فعله، ويسّر اللّه له، خار اللّه له.

في القاموس: «خار اللّه لك في الأمر: جعل لك فيه الخير»(1).

(حتما).

في القاموس: «الحَتم: القضاء، وإيجابه، وإحكام الأمر.وقد حتمه يحتمه»(2).

والحاصل: أنّ من طلب في كلّ أمرٍ يريده ويأخذ فيه، أو تمنّى حصوله، أن ييسّر اللّه له ما هو أصلح بحاله وخيرٌ له في دنياه وآخرته، ثمّ يكون راضيا غير ساخط بصنع اللّه وفعله له، يأت اللّه تعالى بخيره، والظاهر أنّ المراد بالاستخارة هنا غير الاستخارة بالمصحف وذات الرقاع وأمثالهما مع التعميم.

متن الحديث الثلاثين والثلاثمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (3)، عَنْ دَاوُدَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمِيثَمِيِّ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ مُسْهِرٍ ، قَالَ :

اشْتَدَدْتُ خَلْفَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ لِي : «يَا جُوَيْرِيَةُ ، إِنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ هؤُلَاءِ الْحَمْقى إِلَا بِخَفْقِ النِّعَالِ خَلْفَهُمْ ، مَا جَاءَ بِكَ؟» .

قُلْتُ : جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ : عَنِ الشَّرَفِ ، وَعَنِ الْمُرُوءَةِ ، وَعَنِ الْعَقْلِ ؟

قَالَ : «أَمَّا الشَّرَفُ ، فَمَنْ شَرَّفَهُ السُّلْطَانُ شَرُفَ ؛ وَأَمَّا الْمُرُوءَةُ ، فَإِصْلَاحُ الْمَعِيشَةِ ؛ وَأَمَّا الْعَقْلُ ، فَمَنِ اتَّقَى اللّهَ عَقَلَ» .

ص: 305


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 25 (خير)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 93 (حتم) مع التلخيص
3- . السند معلّق على سابقه

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (أشتددت خلف أمير المؤمنين عليه السلام ).

الاشتداد: العَدو، كالشدّ.

(فقال لي: يا جويرية، إنّه لم يهلك هؤلاء الحَمقى).

الحُمُق _ بالضمّ، وبضمّتين _ : قلّة العقل.وقد حمق _ ككرم _ حماقة، فهو أحمق، وهي حمقاء _ بالمدّ _ ونسوة وقوم حمقى، بالفتح والقصر، فتدبّر.

ولعلّ هؤلاء إشارة إلى أئمّة الجور، ويحتمل شموله لأهل التكبّر والتجبّر مطلقا.

(إلّا بخفق النّعال خلفهم).

في القاموس: «الخفق: صوت النعل»(1).

وقيل: الغرض: أنّ خفق النعال سبب للفخر والكبر، فيكون الغرض تعليم الناس بترك ذلك، وإن كان في شأنه عليه السلام لا تحتمل هذه المفسدة، أو [أنّ] أئمّة الضلال إنّما هلكوا بحبّهم الفخر والعلوّ وكثرة الأتباع، وخفق النّعال خلفهم، وأمّا أنا فلا أحبّ ذلك، فلِمَ تمشي خلفي؟ (2).

(أمّا الشرف، فمن شرّفه السلطان شرف).

الشرف _ محرّكة _ : العلوّ والمجد.وقد شرف _ ككرم _ فهو شريف، وشرّفته تشريفا: جعلته شريفا.

ويفهم من هذا الخبر أنّ الشرف لا يلزم أن يكون بالآباء.

ولعلّ المراد بالسلطان إمام العدل، ويُراد بالشرف حينئذٍ شرف الدارين.ويحتمل الأعمّ، فالمراد به شرف الدُّنيا.

(وأمّا المروءة، فإصلاح المعيشة).

في القاموس: العيش: الحياة.عاش يعيش عيشا ومعاشا ومعيشا ومعيشةً وعيشةً بالكسر.

ص: 306


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 228 (خفق) مع التلخيص
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 203

والمعيشة: التي تعيش بها من المطعم والمشرَب، وما تكون به الحياة، وما يُعاش به أو فيه.الجمع: معايش، انتهى(1).

ولعلّ المراد بإصلاحها أن يكون مدخلها ومخرجها على قانون الشرع والتوسّط بين الإسراف والتقتير.ويحتمل أن يُراد به استثمار المال، كما مرّ في كتاب العقل من أنّ استثمار المال تمام المروءة.ويحتمل أن يكون المراد اتّخاذ الكسب وتحصيل المعاش المؤدّي إلى الاستغناء عمّا في أيدي الناس.

(وأمّا العقل، فمن اتّقى اللّه عقل)؛ يعني أنّ العقل ما يقتضي القيام بوظائف طاعة اللّه ، والاحتراز عن مخالفته ومساخطته.وهذا نظير ما مرّ في كتاب العقل من أنّه: «ما عُبدَ به الرحمان، واكتُسب به الجنان»(2).

متن الحديث الواحد والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ (3)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي النَّوَارِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ :قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، لِأَيِّ شَيْءٍ صَارَتِ الشَّمْسُ أَشَدَّ حَرَارَةً مِنَ الْقَمَرِ؟ فَقَالَ : «إِنَّ اللّهَ خَلَقَ الشَّمْسَ مِنْ نُورِ النَّارِ وَصَفْوِ الْمَاءِ ، طَبَقا مِنْ هذَا وَطَبَقا مِنْ هذَا ، حَتّى إِذَا كَانَتْ سَبْعَةَ أَطْبَاقٍ أَلْبَسَهَا لِبَاسا مِنْ نَارٍ ، فَمِنْ ثَمَّ صَارَتْ أَشَدَّ حَرَارَةً مِنَ الْقَمَرِ» .

قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَالْقَمَرُ؟

قَالَ : «إِنَّ اللّهَ _ تَعَالى ذِكْرُهُ _ خَلَقَ الْقَمَرَ مِنْ ضَوْءِ نُورِ النَّارِ وَصَفْوِ الْمَاءِ ، طَبَقا مِنْ هذَا وَطَبَقا مِنْ هذَا ، حَتّى إِذَا كَانَتْ سَبْعَةَ أَطْبَاقٍ أَلْبَسَهَا لِبَاسا مِنْ مَاءٍ ، فَمِنْ ثَمَّ صَارَ الْقَمَرُ أَبْرَدَ مِنَ الشَّمْسِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله عليه السلام : (إنّ اللّه خلق الشمس من نور النار) الحديث.

قيل: يحتمل أن يكون المراد أنّ الطبقة السابعة فيها من نار، فيكون حرارتها لجهتين:

ص: 307


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 280 (عيش)
2- الكافي، ج 1، ص 11، ح 3
3- . السند معلّق كسابقه

إحداهما كون طبقات النار أكثر بواحدة، والاُخرى كون الطبقة العُليا من النار.

قال: ويحتمل أن يكون لباس النار طبقة ثامنة، فتكون الحرارة للجهة الثانية فقط، وكذا في القمر.

ثمّ إنّه يحتمل أن يكون خلقهما من الماء والنار الحقيقيّين من صفوهما وألطفهما، وأن يكون المراد جوهرين لطيفين [مشابهين] لهما في الكيفيّة، ولم يثبت امتناع كون العنصريّات في الفلكيّات ببرهان، وقد دلّ الشرع على خلافه في مواضع كثيرة، انتهى(1).

وقال بعض المنتسبين إلى العلماء: شبّه الصورة النوعيّة الشمسيّة بالنار، حيث قال: ألبسها لباسا من نار لإضاءتها، وشبّه مادّتها بالماء [لما مرّ بيانه]، وعبّر عن صفاء صورتها بنور النار، وعبّر عن صفاء مادّتها ب(صفو الماء)، وعن شدّه نورها كونه أضعاف نور النار بالطبقات السبع، وشبّه الصورة النوعيّة القمريّة بالماء حيث قال: (ألبسها لباسا من ماء) لصقالتها، وشبّه مادّته بالماء، وعبّر عن صفاء ضوئه بضوء نور النار؛ لأنّ نوره مستفاد من الشمس، وعبّر عن شدّته بالطبقات.

ولمّا كانت الكيفيّات تابعة للصّور، فرّع كلّاً من الحرارة والبرودة على ما شبّه الصورة به.

ثمّ قال: هذا ما خطر بالبال في توجيه الحديث على قانون الحكمة(2).

متن الحديث الثاني والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ ، عَنْ زَيْدٍ أَبِي الْحَسَنِ (3).، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «مَنْ كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ ثَابِتَةٌ ، لَمْ يَقُمْ عَلى شُبْهَةٍ هَامِدَةٍ حَتّى يَعْلَمَ مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، وَيَطْلُبَ الْحَادِثَ مِنَ النَّاطِقِ عَنِ الْوَارِثِ ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ جَهِلْتُمْ مَا أَنْكَرْتُمْ ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ عَرَفْتُمْ مَا أَبْصَرْتُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» .

ص: 308


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 29 و 30
2- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 485، ذيل ح 25559
3- . في بعض نسخ الكافي: «زيد بن الحسن»

شرح الحديث

السند مقطوع مجهول.

قوله عليه السلام : (من كانت له حقيقة ثابتة).

لعلّ المراد بالحقيقة الإيمان الخالص الذي يحقّ أن يقال: إنّه إيمان، من قولهم: هو حقيقٌ به؛ أي جدير.

أو من الحقيقة، ضدّ المجاز.

أو من: حَقَّ الأمر حقّة _ بالفتح _ أي وجب، ووقع بلا شكّ.

والمراد بالثابتة الراسخة التي لا تتغيّر ولا تتبدّل عند عروض الشبهات المظلمة ووقوع الفتن المضلّة.

قال في النهاية فيه: «لا يبلغ المؤمن حقيقة الإيمان حتّى لا يعيب مسلما بعيب هو فيه.

يعني: خالص الإيمان ومحضه وكنهه» (1).انتهى.

وقيل: هو من رَسَخَتْ له حقيقة العهد الأوّل المأخوذ عليه بالولاية، [أو حقيقة الإيمان]، أو من كان طبعه مستقيما على فطرته الأصليّة(2).

(لم يقم على شبهة هامدة).

قال الفيروزآبادي: الهامد: البالي المسودّ المتغيّر واليابس [من النبات].

ومن المكان: ما لا نبات به.

والهمود: الموت، وطفوء النار، أو ذهاب حرارتها، وتقطّع الثوب من طول الطيّ، انتهى(3).

ولعلّ المراد بالشبهة شبهات أهل التشكيك في اُصول الدِّين، أو مطلقا.

ووصفها بالهامدة؛ لكونها باطلة عاطلة لا حقيقة لها، ولا يترتّب ثمرة عليها ولا ينتفع بها.

وقيل: المراد بها كلّ أمرٍ مشتبه في دينه لم يعلم حقيقته(4).

وعلى التقديرين المراد بعدم الإقامة عليها الكدّ والاهتمام في دفعها وإزالتها، أو طلب ما هو اليقين الحقّ فيها، والوصول إلى كنهها وغورها، كما أشار إليه بقوله: (حتّى يعلم منتهى الغاية).

ص: 309


1- . النهاية، ج 1، ص 415 (حقق)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 331
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 348 و 349 (همد) مع التلخيص والتقدّم و التأخّر
4- ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 203

الغاية: المَدى، والنهاية.وعلى الأوّل الإضافة لاميّة، أي غاية امتداد ذلك الأمر.وعلى الثاني بيانيّة، أي غاية ذلك الأمر.

والحاصل: أنّ الشبهات كثيرا ما تعتري الإنسان في طريق الحقّ، فإذا وقف عندها ولم يجتهد في دفعها، لم يصل إلى ما هو الحقّ الحقيق بالاتّباع، وإذا تأمّل فيها وتجاوز عنها بقوّة فكره وتأييد ربّه ونور عقله، وصل إليه وانتفع به.

ثمّ أشار إلى مأخذ العلم بمنتهى الغاية وطريق الوصول إليه بقوله: (ويطلب الحادث من الناطق عن الوارث).

الظرف الأوّل متعلّق بالحادث، أو بالطلب، والثاني بالناطق.ولعلّ المراد بالحادث الحكم والأمر الذي حدث في أيّ واقعة كان من الاُمور الدينيّة، وبالناطق الراوي، وبالوارث الإمام المعصوم الذي هو وارث علوم النبي صلى الله عليه و آله ، أي وصيّ يطلب ذلك الأمر الذي يحدث ويصدر من الراوي الذي ينطق ويخبر عن الإمام الوارث.

ويحتمل أن يكون المراد بالناطق الإمام الذي ينطق عن إمام آخر هو وارث علم النبيّ صلى الله عليه و آله .

ولا يبعد أن يُراد بالناطق الإمام مطلقا، وبالوارث رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ فإنّه وارث علوم سائر الأنبياء والمرسلين.

وقيل: المراد بالوارث هو اللّه تعالى؛ فإنّه سبحانه هو الباقي بعد فناء كلّ شيء(1).

(وبأيّ شيء جهلتم ما أنكرتم، وبأيّ شيء عرفتم ما أبصرتم).

يحتمل كون الواو الاُولى للاستئناف؛ لإفادة أنّ الطالب المذكور هو الذي يصل إلى ما هو الحقّ والصواب من الجهل والإنكار بما يجب إنكاره، والعلم واليقين ممّا يجب معرفته والتصديق به.يُقال: جهله _ كسمعه _ ضدّ علمه.وكونه بالتشديد من التجهيل، وهو النسبة إلى الجهل، محتمل بعيد.والإنكار: ضدّ الإقرار.والإنكار أيضا: عدم المعرفة.

والحاصل: أنّكم بطلب العلم من مأخذه أنكرتم طرق الضلال والغواية وعرفتم سُبل الرّشاد والهداية.

ص: 310


1- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 331

وقيل: يحتمل أن يكون المراد بالإنكار عدم المعرفة، أي فارجعوا إلى أنفسكم، وتفكّروا في أنّ ما جهلتموه؟ لأيّ شيء جهلتموه ليس جهلكم إلّا من تقصيركم في الرجوع إلى أئمّتكم، وفي أنّ ما عرفتموه لأيّ شيء عرفتموه؟ لم تعرفوا إلّا بما وصل إليكم من علومهم(1).

وقال بعض الشارحين: الظاهر أنّ قوله: «وبأيّ شيء جهلتم ما أنكرتم» عطف على «منتهى الغاية»؛ أي حتّى يعلم بأيّ سبب أنكرتم ما أنكرتم من ولاية الظالمين، وهو كونهم جاهلين غاصبين للولاية، غير منصوبين من قبل اللّه ورسوله؟ وبأيّ شيء عرفتم ما أبصرتم من ولاية الإمام العادل العالم المنصوب بأمر اللّه تعالى(2).

(إن كنتم مؤمنين) بكسر الهمزة، أي إن كنتم آمنتم بهم، عرفتم ذلك، وعلمتم أنّه لا شكّ فيه.

وقيل: التقدير: فتمسّكوا بعروة اتّباعهم إن أحببتم أن تكونوا من المؤمنين، (3)وهو بعيد.

ويحتمل فتح الهمزة بتقدير اللّام تعليلاً للإنكار والمعرفة.

وقال الفاضل الإسترآبادي:

هذا الحديث الشريف ناظر إلى ما في توقيع المهدي عليه السلام ، وما في كلام آبائه الطاهرين عليهم السلام من قوله عليه السلام : «أمّا الوقائع الحادثة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة اللّه عليهم».وقولهم عليهم السلام «نحن العلماء، وشيعتنا المتعلّمون»(4).

ومعنى الحديث: من كانت له رغبة تامّة في الدِّين لم يقع بالاُمور الظنّيّة، ويطلب ويسعى حتّى يحصل له اليقين بالجماعة المنصوبين من عنده تعالى لحفظه كلّ ما جاء به النبي صلى الله عليه و آله ، ثمّ يطلب الواقعة الحادثة من الناطق عن وارث العلم، أي من راوي أحاديث الأئمّة عليهم السلام .وأمّا قوله عليه السلام : «وبأيّ شيء» فمعناه: بأيّ شيء أنكرتم ما أنكرتموه؟ أي طريق العامّة.وبأيّ شيء

ص: 311


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 204
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 331 مع اختلاف يسير في اللفظ
3- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 204
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 204

عرفتم ما عرفتموه؟ أي طريقة الخاصّة.

وهو أنّه لابدّ من اليقين في اُمور الدِّين كلّها، ولا يقين إلّا في طريقة الخاصّة «إن كنتم مؤمنين»: تعرفون هذا.

متن الحديث الثالث والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ (1)، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ رَفَعَهُ ، قَالَ :قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «لَيْسَ مِنْ بَاطِلٍ يَقُومُ بِإِزَاءِ الْحَقِّ إِلَا غَلَبَ الْحَقُّ الْبَاطِلَ ، وَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : «بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ» (2).» .

شرح الحديث

السند مرسل.

قوله: (ليس من باطل يقوم بإزاء الحقّ إلّا غلب الحقّ الباطل).

لكون الحقّ أظهر وأبين وأقوى دليلاً، وبذلك يتمّ الحجّة في كلّ حقّ على الخلق.

(وذلك قوله تعالى) في سورة الأنبياء: «لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ» .

قال البيضاوي: إضراب عن اتّخاذ اللّهو، وتنزيه لذاته من اللّعب، أي بل من شأننا أن نغلب الحقّ الذي من جملته الجدّ على الباطل الذي من عداده اللّهو(3).

«فَيَدْمَغُهُ» : فيمحقه.

وإنّما استعار لذلك القذف _ وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمى _ والدمغ الذي هو كسر الدماغ بحيث يشقّ غشاءه المؤدّي إلى زهوق الروح؛ لتصوير الإبطال، ومبالغة فيه.

«فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ» : هالك.

والزهوق: ذهاب الروح.وذكره لترشيح المجاز.

ص: 312


1- . الضمير راجع إلى أحمد بن محمّد بن خالد المذكور في السند السابق
2- الأنبياء (21): 17
3- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 86

متن الحديث الرابع والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا ، قَالَ :

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «لَا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيجَةً ، فَلَا تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ؛ فَإِنَّ كُلَّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ وَقَرَابَةٍ وَوَلِيجَةٍ وَبِدْعَةٍ وَشُبْهَةٍ مُنْقَطِعٌ مُضْمَحِلٌّ كَالْغُبَارِ (1) الَّذِي يَكُونُ عَلَى الْحَجَرِ الصَّلْدِ إِذَا أَصَابَهُ الْمَطَرُ الْجَوْدُ إِلَا مَا أَثْبَتَهُ الْقُرْآنُ» .

شرح الحديث

السند مرسل.

قوله: (لا تتّخذوا من دون اللّه وليجة).

قال الجوهري: «وليجة الرجل: خاصّته، وبطانته»(2). ولعلّ المراد بقوله: «من دون اللّه » غير من كان منصوبا من قِبل اللّه ، كما يرشد إليه قوله تعالى في سورة التوبة: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللّه ُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً» (3).

قال البيضاوي: «أي بطانة يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم»(4).

ويفهم من الخبر كالآية أنّ من اتّخذ معتمدا عليه في الدِّين، وأمينا وصاحب سرّ فيه، وإماما لم يأذن اللّه تعالى في اتّخاذه، ويكون غرضه من ذلك الاتّخاذ إرضاؤه تعالى وسلوك طريقته، فهو خارج عن ربقة المؤمنين، كما صرّح به عليه السلام بقوله: (فلا تكونوا مؤمنين) ثمّ أشار إلى علّة كون ذلك الاتّخاذ منشئا وسببا للخروج من عِداد أهل الإيمان بقوله: (فإنّ كلّ سبب ونسب)..

السبب: الحيل، وكلّ ما يتوصّل به إلى غيره، وتعلّق قرابة.

والنسب _ محرّكة _ والنِسبة، بالكسر وبالضمّ: القرابة مطلقا، أو من جانب الأب خاصّة.

والقرابة _ بالفتح _ : القُرب في النسب.

ص: 313


1- . في الطبعة القديمة: «كما يضمحلّ الغبار»
2- الصحاح، ج 1، ص 348 (ولج)
3- .التوبة (9): 16
4- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 135

وقيل: النسب بالولادة، والقرابة بالرحم، وعطفها عليه إمّا للتفسير، أو من باب عطف العامّ على الخاصّ إن خصّ النسب بالأب وعمّمت القرابة بالأب والاُمّ، أو بالعكس إن خصّصت القرابة بالأقرب وعمّم النسب بالأقرب والأبعد(1).

وقال الفيروزآبادي: «البدعة _ بالكسر _ : الحدث في الدِّين بعد الإكمال، أو ما استحدث بعد النبيّ صلى الله عليه و آله من الأهواء والأعمال»(2).

وقال: «الشُّبهة _ بالضمّ _ : الالتباس، والمثل» (3)انتهى.

وقيل: الشبهة كلّ باطل مُزج بالحقّ، وأخذه الوهم بصورة الحقّ وجعله مثله(4).

وفي القاموس: «اضمحل: ذهب، وانحلّ»(5).

وقال: «الصّلد _ ويكسر _ : الصلب الأملس»(6).

وقال: «الجود: المطر الغزير، أو ما لا مطر فوقه»(7).

(إلّا ما أثبته القرآن).

لعلّ الاستثناء منقطع، أي لكن ما أثبته القرآن من متابعة المعصومين المنصوبين من قِبل اللّه تعالى ورسوله بقوله تعالى: «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (8). وقوله تعالى: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ» (9). الآية، وقوله سبحانه: «كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» (10)ونظائرها ثابت لا ينقطع ولا يزول.ويحتمل كونه متّصلاً ويكون استثناء من غير الآخرين، ويكون حاصل المعنى _ كما قيل (11)._ : إنّ جميع هذه الاُمور ومنافعها لكونها من الاُمور الإضافيّة والاعتبارات الوضعيّة منقطعة بانقطاع الدُّنيا وفانية بفناء الأبدان، فمن اعتمد عليها، وركن إليها، وغفل عن الحقّ، بعد من الإيمان، واستحقّ الخسران، كما قال تعالى: «وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَابُ» (12).

ص: 314


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 322 مع اختلاف في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 4 (بدع)
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 386 (شبه)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 332
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 5 (ضمحل)
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 308 (صلد)
7- القاموس المحيط، ج 1، ص 285 (جود)
8- النساء (4): 59
9- المائدة (5): 55
10- التوبة (9): 119
11- . القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 332
12- البقرة (2): 166

وقال: «فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ» (1). ، وقال: «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ» (2). «وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ» (3)، إلى غير ذلك من الآيات والروايات إلّا ما أثبته القرآن منها؛ فإنّه ثابت أبدا، ومنافعها باقية غير منقطعة بانقطاع الدُّنيا ومفارقة النفوس من الأبدان، فيجب على المؤمن الطالب للخيرات الأبديّة والنجاة من العقوبات الاُخرويّة أن لا يتمسّك بالأسباب والأنساب والولائج التي تدعو إلى النار.

متن الحديث الخامس والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حَمَّادٍ ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «نَحْنُ أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ ، وَمِنْ فُرُوعِنَا كُلُّ بِرٍّ ، فَمِنَ الْبِرِّ التَّوْحِيدُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَكَظْمُ الْغَيْظِ وَالْعَفْوُ عَنِ الْمُسِيءِ وَرَحْمَةُ الْفَقِيرِ وَتَعَهُّدُ الْجَارِ وَالْاءِقْرَارُ بِالْفَضْلِ لِأَهْلِهِ؛ وَعَدُوُّنَا أَصْلُ كُلِّ شَرٍّ ، وَمِنْ فُرُوعِهِمْ كُلُّ قَبِيحٍ وَفَاحِشَةٍ ، فَمِنْهُمُ الْكَذِبُ وَالْبُخْلُ وَالنَّمِيمَةُ وَالْقَطِيعَةُ وَأَكْلُ الرِّبى وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقِّهِ وَتَعَدِّي الْحُدُودِ الَّتِي أَمَرَ اللّهُ وَرُكُوبُ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالزِّنى وَ السَّرِقَةُ وَكُلُّ مَا وَافَقَ ذلِكَ مِنَ الْقَبِيحِ ، فَكَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَعَنَا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِفُرُوعِ غَيْرِنَا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (نحن أصل كلّ خير، و[من] فروعنا كلّ برّ).

قال في القاموس: «الخير: ما يرغب فيه الكلّ، كالعقل والعدل مثلاً»(4).

وقال: «البرّ: الصّلة، والجنّة، والاتّساع في الإحسان، والحجّ، والصّدق، والطاعة، وضدّ العقوق» (5).انتهى.

وقيل: لعلّ المراد بالخير العلم، وبالبرّ العمل الصالح المتفرّع عليه(6).

ص: 315


1- المؤمنون (23): 101
2- عبس (80): 34 _ 36
3- المعارج (70): 13
4- لم نعثر عليه في القاموس
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 370 (برد) مع التلخيص
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 323

وقيل: أي جميع الخيرات كانت فيهم، ومنهم وصلت إلى الخلق(1).

(فمن البرّ التوحيد) إلى قوله: (والإقرار بالفضل لأهله).

نبّه عليه السلام بأنّ المراد بالبرّ هنا ما يعمّ الاُصول والفروع جميعا.

(وعدوّنا أصل كلّ شرّ).

في القاموس: «الشرّ _ ويضمّ _ : نقيض الخير»(2).

(ومن فروعهم كلّ قبيح).في القاموس: «القُبح: ضدّ الحسن، ويفتح.قبح _ ككرم _ فهو قبيح، وقبّحه اللّه : نحّاه عن الخير»(3).

(وفاحشة).

الفاحشة: الزنا، وما يشدّ قبحه من الذنوب، وكلّ ما نهى اللّه _ عزّ وجلّ _ عنه.

(فمنهم الكذب والبخل والنميمة).

في القاموس: «النمّ: التوريش، والإغراء، ورفع الحديث إشاعة له، وإفساد أو تزيين الكلام بالكذب، يَنِمُّ وَيُنمُّ.والنميمة: الاسم»(4).

(والقطيعة).

القطيعة _ كشريعة _ : ضدّ الهجران، كالقطع، ويُقال: قطع رحمه _ كمنع _ قطيعة: إذا لم توصل.

(وتعدّي الحدود التي أمر اللّه ) بفعلها، أو بتركها، أو كليهما.

قال الجوهري: «الحدّ: الحاجز بين الشيئين.وحدّ الشيء: منتهاه.والحدّ: المنع»(5).

(وركوب الفواحش) كأنّه تفسير للسابق، أو المراد بالأوّل أصل الفاحشة ومنشأها، وبالثاني فعلها وعملها.

قال الفيروزآبادي: «ركبه _ كسمعه _ ركوبا ومركبا: علاه، كارتكبه.والذنب: اقترفه، كارتكبه»(6).

ص: 316


1- ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 206
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 57 (شرر)
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 241 (قبح) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 183 (نمم) مع التلخيص
5- الصحاح، ج 2، ص 462 (حدد) مع التلخيص
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 75 (ركب)

(ما ظهر منها وما بطن).

لعلّ المراد تركها في العلانية والسرّ، أو ما ظهر قبحه على عامّة الناس، وما خفي عليهم ولم يعلم قبحه إلّا الخواصّ وما يصدر عن الجوارح، وما يتعلّق بالقلب.ويظهر من بعض الأخبار أنّ ما ظهر منها ما ظهر من القرآن، وما بطن ما يفهم من بطنه.

(والزّنا والسرقة).

هذه الفقرة ليست في بعض النسخ.

وفي القاموس:

سرق منه الشيء يسرق سرقا _ محرّكة، وككتف _ وسرقة محرّكة، وكفرحة، وسرقا بالفتح [واسترقه]: جاء مستترا إلى حرز، فأخذ مال غيره.والاسم: السرقة، بالفتح وكفرحة وكتف(1).

(وكلّ ما وافق ذلك) المذكور (من القبيح) بيان للموصول.والموافقة: الاتّفاق، والمصادقة.

(فكذب من زعم) أي ادّعى.

(أنّه مَعَنا) أي من شيعتنا.

(وهو متعلّق) أي متشبّث ومتمسّك.

(بفروع غيرنا) أي بما يتفرّع بأعمال عدوّنا وأفعاله.

وحاصل الخبر: أنّ جميع الخيرات والطاعات من فروع شجرة طيّبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تُؤتي اُكلها كلّ حينٍ بإذن ربّها، وهي شجرة أهل بيت النبوّة، فمن تعلّق بغصن من أغصانها قاده إلى الأصل ووصل إليه.وجميع الشرور والمعاصي من فروع شجرة خبيثة اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار، وهي شَوحَطَ أعدائهم وحنظلة مخالفيهم، فمَن تشبّث بفرع من تلك الفروع قاده وأوصله لا محالة إلى الاُصول.

متن الحديث السادس والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، وَعَنْ غَيْرِهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسى ، عَنْ خَالِدِ بْنِ نَجِيحٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لِرَجُلٍ : «اقْنَعْ بِمَا قَسَمَ اللّهُ لَكَ ، وَلَا تَنْظُرْ إِلى مَا عِنْدَ غَيْرِكَ ، وَلَا

ص: 317


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 244 (سرق)

تَتَمَنَّ مَا لَسْتَ نَائِلَهُ ، فَإِنَّهُ مَنْ قَنِعَ شَبِعَ ، وَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ لَمْ يَشْبَعْ ، وَ خُذْ حَظَّكَ مِنْ آخِرَتِكَ» .

فَقَالَ (1)أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «أَنْفَعُ الْأَشْيَاءِ لِلْمَرْءِ سَبْقُهُ النَّاسَ إِلى عَيْبِ نَفْسِهِ ، وَأَشَدُّ شَيْءٍ مَؤُونَةً إِخْفَاءُ الْفَاقَةِ ، وَأَقَلُّ الْأَشْيَاءِ غَنَاءً النَّصِيحَةُ لِمَنْ لَا يَقْبَلُهَا وَمُجَاوَرَةُ الْحَرِيصِ ، وَأَرْوَحُ الرَّوْحِ الْيَأْسُ مِنَ النَّاسِ» .

وَقَالَ : «لَا تَكُنْ ضَجِرا وَلَا غَلِقا ، وَذَلِّلْ نَفْسَكَ بِاحْتِمَالِ مَنْ خَالَفَكَ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَكَ وَمَنْ لَهُ الْفَضْلُ عَلَيْكَ ، فَإِنَّمَا أَقْرَرْتَ بِفَضْلِهِ لِئَلَا تُخَالِفَهُ ، وَمَنْ لَا يَعْرِفْ لِأَحَدٍ الْفَضْلَ فَهُوَ الْمُعْجَبُ بِرَأْيِهِ» .

وَقَالَ لِرَجُلٍ : «اعْلَمْ أَنَّهُ لَا عِزَّ لِمَنْ لَا يَتَذَلَّلُ لِلّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، وَلَا رِفْعَةَ لِمَنْ لَمْ يَتَوَاضَعْ لِلّهِ عَزَّ وَ جَلَّ» .

وَقَالَ لِرَجُلٍ : «أَحْكِمْ أَمْرَ دِينِكَ كَمَا أَحْكَمَ أَهْلُ الدُّنْيَا أَمْرَ دُنْيَاهُمْ ، فَإِنَّمَا جُعِلَتِ الدُّنْيَا شَاهِدا يُعْرَفُ بِهَا مَا غَابَ عَنْهَا مِنَ الْاخِرَةِ ، فَاعْرِفِ الْاخِرَةَ بِهَا ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى الدُّنْيَا إِلَا بِاعْتِبَارِ (2)» .

شرح الحديث

السند مجهول، أو ضعيف.

قوله: (اقنع بما قسم اللّه لك).

القناعة _ بالفتح _ : الرِّضا بالقسم والنصيب.وقيل: باليسير من الرزق.وقد قنع _ كعلم _ يقنع قناعة.والقنوع _ بالضمّ _ : السؤال، والتذلّل.وقد يكون بمعنى الرضا ضدّ، وفعله كمنع فيهما.

(ولا تنظر إلى ما عند غيرك) من حطام الدُّنيا وزخارفها.

والنظر: التأمّل بالعين، ولعلّه هنا كناية عن الطمع إليه، أو تمنّيه الموجبين لعدم الرضا بالنصيب أو ذلّ السؤال والطلب.

(ولا تتمنّ ما لست نائله).

النيل: الوجدان، والإصابة.وفعله كعلم، أي ما لم يقدر لك؛ لأنّه لا يصل اليك، وإن بذلت جهدك في تحصيله.

ص: 318


1- . في كلتا الطبعتين: «وقال»
2- . في كلتا الطبعتين: «بالاعتبار»

ويحتمل أن يُراد به ما يستحيل نيله وإصابته مطلقا.والأوّل أظهر وأنسب بالسياق.

(فإنّه من قنع) بما قسم اللّه له.

(شبع).

الشبع _ كعنب _ نقيض الجوع.والفعل منه كعلم.والمراد به هنا شبع العين والقلب الموجب لعدم النظر إلى ما في أيدي الناس والرِّضا بالنصيب المقدّر له.

(ومن لم يقنع لم يشبع).

لا بالقليل ولا بالكثير.وفي هاتين الفقرتين وذكرهما معا تنبيه على التلازم بين الشبع والقناعة، كالتلازم بين نقيضهما.

(وخُذ حظّك من آخرتك).

في القاموس: «الحظّ: النصيب، والجدّ، أو خاصّ بالنصيب من الخير والفضل»(1).

ولعلّ كلمة «من» للتعليل والتقدير من العمل لآخرتك، ويُراد بالآخرة العمل المتعلّق بها مجازا.

وقيل: فيه إشارة إلى أنّ القناعة لا توجب الكمال كلّ الكمال حتّى تقترن بالأعمال(2).

(فقال أبو عبداللّه عليه السلام ).

في بعض النسخ: «وقال».

(أنفع الأشياء للمرء سبقه الناس إلى عيب نفسه).

الظاهر أنّ المراد أن يطّلع على عيب نفسه قبل اطّلاع غيره عليه.ويحتمل بعيد أن يطّلع على عيب نفسه قبل أن يرى عيب غيره.

وقيل في وجه كون ذلك أنفع الأشياء: إنّ النافع ما يوجب السعادة الاُخرويّة، والتقرّب من الحقّ، وهو إمّا التخلية عن العيوب والرذائل، أو التحلية بالأعمال الصالحة والفضائل.

والأوّل أنفع وأقدم من الثاني، مع أنّه أيضا معين لسائر الأعمال في النفع والتأثير في الترقّي إلى المقامات العالية(3).

ص: 319


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 394 (حظظ)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 334
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 334 مع اختلاف يسير في اللفظ

(وأشدّ شيء مؤونة) أي أصعب الأشياء، وأقواها، وأسرعها من حيث الثقل وعدم التحمّل.

(إخفاء الفاقة) عن الناس وعدم إظهارها عندهم.

وقيل: لعلّ السرّ فيه أنّ المطلوب كلّما كان أقوى كان فراقه أشدّ، ومن البيّن أنّ أقوى مطالب النفس التذاذها بالغنى والراحة، وكلّ ذلك مفقود عند الفاقة، فهي أشدّ، وإخفاؤها أشدّ من غيرها(1).

(وأقلّ الأشياء غناء).

في بعض النسخ: «غنى».

قال الفيروزآبادي: «الغِنى _ كإلى _ : ضدّ الفقر، وإذا فتح مدّ»(2).

وقال الجوهري: «الغناء _ بالفتح _ : النفع»(3).

(النصيحة لمن لا يقبلها).

قيل: لأنّه لا نفع في هذه النصيحة للمنصوح أصلاً، ولا للناصح؛ لأنّ النفع المقصود له أصالة تسديد المنصوح، وهو لم يقبله وإن كان له نفع من حيث إنّه ناصح، ولكنّه غير مقصود أصالة، ولهذا حكم بالقلّة.

(ومجاورة الحريص) بالجيم.

وفي بعض النسخ بالحاء المهملة.

يُقال: جاوره مجاورة، وجُوار _ بالضمّ والكسر _ أي صار جاره.والمحاورة: المجاوبة، ومراجعة النطق.

(وأروح الروح) أي أكثر الأشياء راحة للنفس والبدن.

(اليأس) أي قطع الأمل، وعدم الرّجاء (من الناس) والتوصّل إلى اللّه تعالى.

(وقال: لا تكن ضجرا) بكسر الجيم، أي متبرّما سئما عند المصائب والبلايا، يُقال: ضجرَ منه وبه _ كفرح _ وتضجّر، أي تبرّم، وقلق، من الهمّ، فهو ضجر، ككتف.

ص: 320


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 334
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 371 (غني) مع التلخيص
3- الصحاح، ج 6، ص 2449 (غني)

(ولا غلقا) بكسر اللّام.

قال في النهاية: «الغلق _ بالتحريك _ : ضيق الصدر، وقلّة الصبر.ورجلٌ غلق: سيّء الخلق»(1).

(وذلّل نفسك باحتمال من خالفك).

الذلّ _ بالكسر والضمّ _ : اللّين، وهو ضدّ الصعوبة.

والاحتمال: تحمّل الأذى والمكروه من الغير.

(ممّن هو فوقك) بالقدرة والاستيلاء.

(ومن له الفضل عليك) بالعلم والكمال، وأقدمهم وأشرفهم الأئمّة عليهم السلام ؛ فإنّ مخالفة هذين الصنفين توجب هلاك الدُّنيا في الاُولى، وهلاك الآخرة في الثاني.

وقيل: الظاهر أنّ المراد بمَن خالفه من كان فوقه بالعلم والكمال من الأئمّة عليهم السلام والعلماء من اتّباعهم، وما يأمرون به غالبا مخالف لشهوات الخلق، فالمراد بالاحتمال قبول قولهم، وترك الإنكار لهم، وإن خالف عقله.ويحتمل أن يكون المراد بمَن خالفه سلاطين الجور، وبمَن له الفضل أئمّة العدل، فالمراد احتمال أذاهم وترك مخالفتهم، (2)فتأمّل.

ثمّ اعلم أنّه يحتمل أن يكون قوله: «ومن له الفضل» عطفا على قوله: «من خالفك»، ويكون قوله: (فإنّما أقررت بفضله لئلّا تخالفه) تفريعا على المعطوف، تنبيها على أنّ تذليل النفس بالنسبة إلى الفرقة الثانية إنّما هو الإقرار بفضلها المستلزم لعدم مخالفتها.ويحتمل كونه مبتدأ، وقوله: «فإنّما أقررت» خبره.ولا يبعد على التقديرين كون «إنّما» مع في حيّزه إنشاء بصورة الإخبار.

(ومن لا يعرف) أي لا يقرّ (لأحد) ممّن له الفضل عليه.

(الفضل) مفعول «لا يعرف».

قال الفيروزآبادي: «عرف له، أي أقرَّ»(3).

(فهو المعجَب) بفتح الجيم (برأيه) أي عدَّ رأيه وتخيّلاته الفاسدة حسنا، وتوهّماته الباطلة الناقصة كاملاً، كالمتصنّعين من علماء المخالفين.

ص: 321


1- النهاية، ج 3، ص 380 (غلق)
2- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 209
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 173 (عرف)

قال الجوهري: «أعجبني هذا الشيء لحسنه، وقد أعجب فلان بنفسه، فهو مُعجَبٌ برأيه وبنفسه، والاسم: العُجب بالضمّ»(1).

وقال الفيروزآبادي: «اُعجب به عجب وسرّ كأعجبه»(2).

(وقال) أي أبو عبداللّه عليه السلام (لرجل: أحكم أمر دينك كما أحكم أهل الدُّنيا أمر دنياهم).

إحكام الأمر: إتقانه.وأمثال هذا التشبيه مَثَلٌ يُضرب لإكثار الأمر والمبالغة فيه كقوله: تعالى: «فَاذْكُرُوا اللّه َ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرا» (3)، أحكم أمر دينك، وبالغ فيه بتحصيل العقائد الحقّة اليقينيّة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة واقتناء ذخائر الآخرة، إحكاما كإحكام أهل الدُّنيا أمر دنياهم بتحصيل المعرفة بطرق تحصيلها وصرف الهمّة باكتسابها وجمعها وضبطها وسدّ طرق طريان المفاسد عليها.

(فإنّما جعلت الدُّنيا).

«جعلت» على البناء للمفعول، أي صيّرت.

وقوله عليه السلام : (شاهدا) مفعوله الثاني.وقوله: (يُعرف بها ما غاب عنها من الآخرة) صفة «شاهدا».و«من» بيان للموصول.

ولعلّ المراد: انظروا إلى نِعم الدُّنيا الفانية الزائلة، وحسنها وبهجتها ونضارتها، ولذّتها مع فنائها، وشوبها بالآلام والأسقام، واعرف بها قياسا عليها نِعَم الآخرة وأمتعتة الآخرة ولذّاتها الباقية الدائمة التي لا يحدّ ولا يوصف؛ فإنّ فيها ما لا عينٌ رأت، ولا اُذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلب بشر.

ويحتمل أن يكون المراد _ كما قيل _ كما أنّ زخارف الدُّنيا ومتشهياتها لا تحصل إلّا بالأسباب وتحمّل المشاق، كذلك نعيم الآخرة والنجاة من شدائدها وأهوالها لا تنال إلّا بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة.

(فاعرف الآخرة بها) أي مقته إلى الدُّنيا؛ فإنّها وما فيها معيار لمعرفة الآخرة ونعيمها.

(ولا تنظر إلى الدُّنيا إلّا باعتبار).

في بعض النسخ: «بالاعتبار».

قال الفيروزآبادي: «العبرة _ بالكسر _ : العَجَب.واعتبر منه: تعجّب»(4).

ص: 322


1- الصحاح، ج 1، ص 177 (عجب)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 101 (عجب)
3- البقرة (2): 200
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 83 (عبر)

وقال بعض الشارحين:

قد تكرّر الأمر بالاعتبار في الأحاديث والأخبار، وهو من وجوه؛ فمنها: النظر إلى الدُّنيا وتغيّر أحوالها في أنفسها؛ فإنّه يوجب الانقطاع منها إلى الآخرة.ومنها: النظر إلى شدائدها الزائلة؛ فإنّه يوجب الانتقال إلى شدائد الآخرة الباقية، والتحرّز عمّا يوجبها.ومنها: النظر إلى نعيمها وزينتها الداثرة مع كونها مبغوضة؛ فإنّه يوجب الانتقال إلى كمال نعيم الآخرة وزينتها الدائمة والاجتهاد لها.ومنها: النظر إلى أحوال الماضين، وما كانوا فيه من نضرة الأحوال، وسعة الأرزاق والأموال، وقطع أيديهم منها اضطرارا بالموت، وسكونهم في التراب، وفراقهم من الأحباب، واشتغالهم بما معهم من الخير والشرّ، والثواب والعقاب؛ فإنّه يوجب تبرّد القلب منها، والميل إلى دار القرار والعمل لها.ومن ثمّ قيل: الدُّنيا واعظة لمَن اتّعظ منها، فمَن لم يتّعظ منها ولم يجعلها دليلاً على الآخرة فهو كالأنعام بل أضلّ(1).

متن الحديث السابع والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

متن الحديث السابع والثلاثين والثلاثمائة9129.

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ؛ وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعا ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ لِحُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ : «يَا حُمْرَانُ ، انْظُرْ إِلى مَنْ هُوَ دُونَكَ فِي الْمَقْدُرَةِ ، وَلَا تَنْظُرْ إِلى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ فِي الْمَقْدُرَةِ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ أَقْنَعُ لَكَ بِمَا قُسِمَ لَكَ ، وَأَحْرى أَنْ تَسْتَوْجِبَ الزِّيَادَةَ مِنْ رَبِّكَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَمَلَ الدَّائِمَ الْقَلِيلَ عَلَى الْيَقِينِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللّهِ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ مِنَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ عَلى غَيْرِ يَقِينٍ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا وَرَعَ أَنْفَعُ مِنْ تَجَنُّبِ مَحَارِمِ اللّهِ ، وَالْكَفِّ عَنْ أَذَى الْمُؤْمِنِينَ وَاغْتِيَابِهِمْ ، وَلَا عَيْشَ أَهْنَأُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ ، وَلَا مَالَ أَنْفَعُ مِنَ الْقُنُوعِ بِالْيَسِيرِ الْمُجْزِي ، وَلَا جَهْلَ أَضَرُّ مِنَ الْعُجْبِ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (عليّ بن إبراهيم) عطف [على] «عدّة».

(عن أبيه): إبراهيم بن هاشم.

ص: 323


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 335 مع اختلاف يسير في اللفظ

(جميعا)؛ يعني سهل بن زياد وإبراهيم بن هاشم، رويا جميعا عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم بن سالم.

وقوله: (انظر إلى من هو دونك) أي أدنى منك، أي ضعف.

(في المقدرة) بتثليث الدال، أي الغنى، والقوّة، واليسار.

(ولا تنظر إلى من [هو] فوقك) أي أعلى منك وأقوى.

(في المقدرة؛ فإنّ ذلك) أي النظر إلى الأوّل، والإغماض من الثاني.

(أقنع لك) أي أدخل في الرِّضا بالقسم والنصيب.

(وأحرى) أي أليق.

(أن تستوجب الزيادة من ربّك) أي بأن تستحقّ زيادة النعمة منه تعالى.

قيل: السرّ في ذلك أنّ الرضا بالنعمة الواصلة ومعرفة قدرها تعظيم للمنعم، وهو شكر له، وهو يوجب الزيادة بخلاف نظرك إلى الفوق؛ فإنّه يوجب عدم القناعة والرضا بما في يديك، وهو كفران يوجب زوال النعمة وسخط المُنعم(1).

(واعلم أنّ العمل الدائم القليل على اليقين).

قيل: المراد اليقين بالقضاء والقدر، أو باُمور الآخرة، أو بجميع ما يجب الإيمان [به]، وقد اُطلق على جميع ذلك في الأخبار(2).

وعرّفوا اليقين بأنّه العلم الجازم الثابت الراسخ المطابق للواقع.وبعبارة اُخرى العلم بالحقّ مع العلم بأنّه لا يكون خلافه، فهو في الحقيقة مركّب من علمين، كما صرّح به بعض المحقّقين، (3)فيندرج فيه العلم بالمبدأ والمعاد والنبوّة والإمامة وغيرها ممّا جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله .

واعتبر بعضهم [في] التعريف ظهور آثاره على الجوارح، وقال: «اليقين: هو العلم الكامل الثابت في القلب الذي ظهرت آثاره على الجوارح»، (4)وكأنّه من قبيل تعريف الشيء بأخذ لازمه بمنزلة ذاتيّاته، تنبيها على شدّة الاتّصال بينهما.

ص: 324


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 336 مع التلخيص و اختلاف يسير فى اللفظ
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 209
3- . هو المحقّق الطوسي رحمه الله، صرّح به في أوصاف الأشرف، ص 77
4- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 209

(أفضل عند اللّه _ جلّ ذكره _ من العمل الكثير على غير يقين).

قيل: لابدّ من تقييد العمل الكثير بالدوام؛ ليتحقّق أنّ الفضل من جهة اليقين(1).

(واعلم أنّه لا ورعَ أنفع من تجنّب محارم اللّه ).

لعلّ المراد أنّ هذا الورع أنفع من ورع من يجتنب المكروهات والشُّبهات، ولا يبالي بارتكاب المحرّمات.والورع _ بالتحريك _ : التحرّج، والتضيّق، والجبن، والكفّ، هذا أصله.وقيل: هو في الأصل الكفّ عن محارم اللّه ، ثمّ استُعير للكفّ عن المباح كالشبهات، وعن الحلال الذي يتخوّف منه أن ينجرّ إلى الحرام، وعمّا سوى اللّه تعالى للتحرّز عن صرف العمر ساعة فيما لا يفيد زيادة القُرب والأوّل أعني الكفّ عن المحارم أنفع، والعقوبة على ارتكابها أشدّ بخلاف البواقي، (2)انتهى.

وقوله عليه السلام : (الكفّ عن أذى المؤمنين واغتيابهم) من قبيل عطف الخاصّ على العامّ؛ للاهتمام لكونهما أشدّ قبحا، وأقوى فسادا، وأبعد عفوا، وأصعب توبة.

(ولا عيش أهنى من حُسن الخلق).

في بعض النسخ: «أهنأ»، وهو الظاهر؛ لأنّ الهمزة تكتب بجنس حركة ما قبلها.قال الجوهري في المهموز: «كلّ أمرٍ يأتيك من غير تعب، فهو هنيء»(3).

وفي القاموس: «العيش: الحياة، وما يعاش به»(4).

وقيل: المقصود أنّ حسن خلق الرجل مع بني نوعه أدخل في نضارة عيشه من المال ونحوه؛ لأنّه يوجب ميلهم إليه، ونصرتهم له، بخلاف سوء خلقه؛ فإنّه يوجب تنفّرهم عنه، وإضرارهم له.وكلّ ذلك يوجب تكدّر عيشه وإن كان ذا مال(5).

(ولا مال أنفع من القنوع) بالضمّ، أي القناعة والرِّضا.

(باليسير) أي القليل، أو الهيّن.

(المجزي).

قال الفيروزآبادي في المهموز: «أجزأ الشيء [إيّاىِ]، أي كفاني.وأجزأت عنك مجزأ

ص: 325


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 336
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 336 مع التلخيص و اختلاف في اللفظ
3- الصحاح، ج 1، ص 84 (هنأ)
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 280 (عيش) مع التلخيص
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 336 مع تلخيص و اختلاف يسير في اللفظ

فلان، ومجزأته، ويضمّان: أغنيت عنك مغناه»(1).

وقال في الناقص: «أجزى كذا عن كذا: قام مقامه ولم يكف.وأجزى عنه مجزئ ومجزأته _ بضمّهما وفتحهما _ : أغنى عنه، لغة في الهمزة» (2).انتهى.

وقال بعض الشارحين:

شبّه القنوع باليسير المجزي _ وهو الكفاف بالمال في النفع وتنظيم الأحوال وعدّه أنفع [أفراده] لأنّ الأقلّ والأكثر منه يشوّش القلب ويفسده، ويُتعب البدن، ويضرّ بالدِّين ويبطله، كما أنّ الماء الذي يكفي في تعمير الأرض يعمرها، والأقلّ والأكثر منه يفسدها(3).

(ولا جهل أضرّ من العجب).

العُجب _ بالضمّ _ : اسم من قولهم: أعجب فلان بنفسه وبرأيه، على البناء للمفعول، أي عَجِبَ وسُرّ.ويعدّ بأنّه حالة نفسانيّة تنشأ من تصوّر الكمال، واستعظامه، وإخراج النفس عن حدّ النقص والتقصير، وهو يتعلّق بجميع الخصال مثل العلم والعبادة والجود والمال والنسب والجمال وغير ذلك.

والجهل في الأصل: عدم العلم.وكثيرا ما يُطلق على الآثار الناشئة منه.والمراد من الجهل هنا المعنى الأخير؛ لأنّ العجب من الآثار التي تنشأ من الجهل لعيوب النفس ونقايصها.وقيل في توجيه هذا الكلام: العجب والجهل سواء في الأصل الإضرار والإهلاك وفساد القلب، إلّا أنّ العجب أقوى في ذلك وأضرّ من الجهل؛ لأنّ تفويت المنافع الحاصلة أشدّ وأصعب وأدخل في الحزن من عدم تحصيلها ابتداءً، ولأنّ فكر الجاهل في التندّم من الجهل، وفكر المعجب في التبختر والتعظّم وادّعاء الشركة بالباري، ومن ثمّ روي: «أنّ الذنب خيرٌ من العجب، وأنّه لولا العجب لما أخلا اللّه تعالى بين عبده المؤمن وبين الذنب أبدا»، (4).فجعل الذنب فداء من العجب؛ لكونه أشدّ منه(5).

ص: 326


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 10 (جزأ)
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 312 (جزي)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 337
4- . اُنظر: عدّة الداعي، ج 2، ص 95
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 337 مع اختلاف يسير في اللفظ

متن الحديث الثامن والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ (1)، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ غَالِبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ : أَخْبِرْنِي _ إِنْ كُنْتَ عَالِما _ عَنِ النَّاسِ ، وَعَنْ أَشْبَاهِ النَّاسِ ، وَعَنِ النَّسْنَاسِ .

فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : يَا حُسَيْنُ ، أَجِبِ الرَّجُلَ .

فَقَالَ الْحُسَيْنُ عليه السلام : أَمَّا قَوْلُكَ : أَخْبِرْنِي عَنِ النَّاسِ ، فَنَحْنُ النَّاسُ ، وَلِذلِكَ قَالَ اللّهُ _ تَعَالى ذِكْرُهُ _ فِي كِتَابِهِ : «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ» (2)فَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الَّذِي أَفَاضَ بِالنَّاسِ .

وَأَمَّا قَوْلُكَ : أَشْبَاهُ النَّاسِ ، فَهُمْ شِيعَتُنَا وَ هُمْ مَوَالِينَا وَهُمْ مِنَّا ، وَلِذلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : «فَمَنْ تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنِّى» (3).

وَأَمَّا قَوْلُكَ : النَّسْنَاسُ، فَهُمُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى جَمَاعَةِ النَّاسِ ، ثُمَّ قَالَ : «إِنْ هُمْ إِلَا كَالْأَنْعَ_مِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً» (4)» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله عليه السلام : (أخبرني إن كنت عالما عن الناس).

في القاموس: «الناس يكون من الإنس، ومن الجنّ، جمع إنس، أصله: اُناس، جمع عزيز أدخل عليه ال»(5).

(وعن أشباه الناس).

في القاموس: «الشبه _ بالكسر، وبالتحريك، وكأمير _ : المثل.الجمع: أشباه»(6).

(وعن النسناس).

في القاموس: النسناس _ ويكسر _ : جنس من الخلق يثب أحدهم على رجل واحدة، وفي

ص: 327


1- . السند معلّق كسابقه
2- . البقرة (2) 199
3- . إبراهيم (14): 36
4- . الفرقان (25): 44
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 261 (نوس)
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 286 (شبه)

الحديث: «إنّ حيّا من عاد عصوا رسولهم، فمسخهم اللّه نسناسا، لكلّ إنسان منهم يد ورجل من شقّ واحد، ينقزون كما ينقز الطائر، ويرعون كما ترعى البهائم»(1). وقيل: اُولئك انقرضوا، والموجود على تلك الخلقة خلق على حدة، أو هم ثلاثة أجناس: ناس ونسناس ونسانس، أو النسانس الإناث منهم، أو هم أرفع قدرا من النسناس، أو هم يأجوج ومأجوج، أو هم قومٌ من بني آدم، أو خلق على صورة الناس وخالفوهم في أشياء وليسوا منهم، انتهى(2).

ومثله في النهاية، إلّا أنّ فيه: «ونونها مكسورة، وقد تُفتح»(3).

(فقال أمير المؤمنين عليه السلام ) إلى قوله: (فنحن الناس).

اُريد بالناس هنا من استكمل فيه الخصال اللائقة، وكملت صورته الظاهرة والباطنة، وبلغ أقصى غاية الكمال.

(ولذلك) أي ولأنّ إطلاق الناس الموصوفين بالصِّفات المذكورة مختصّ بأهل العصمة عليهم السلام ورأسهم ورئيسهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

(قال اللّه _ تبارك وتعالى ذكره _ في كتابه) في بعض النسخ: «في الكتاب» «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ» .

في القاموس: «أفاض الناس [من عرفات]: دفعوا، أو رجعوا وتفرّقوا، أو أسرعوا منها إلى مكانٍ آخر، وكلّ دفعة إفاضة»(4).

وقال بعض المفسّرين:

إنّ معنى الإفاضة الدفع بكثرة، من أفضت الماء: إذا صببته بكثرة، وإنّ الأصل في «أفيضوا»: أفيضوا أنفسكم، فحذف المفعول كما حذف في «دفعت من البصرة»، وإنّ المراد بقوله تعالى: «مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ» من عرفة، لا من مزدلفة، وأنّ الخطاب مع قريش كانوا يقفون بجمع، وسائر الناس يقفون بمزدلفة، يرون ذلك ترفّعا عليهم، فاُمروا بأن يساووهم._ قال: _ وقيل: من مزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفة إليها، والخطاب عام، وقرى الناس _ بكسر السين _ أي الناسي يريد آدم من

ص: 328


1- الفائق، ج 3، ص 293 (نسنس)؛ كشف الخفاءللعجلوني، ج 1، ص 418
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 254 (نسس)
3- النهاية، ج 5، ص 50 (نسنس)
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 341 (فيض)

قوله: فنسي، والمعنى: أنّ الإفاضة من عرفة شرعٌ قديم، فلا تغيّروه(1).

(فرسول اللّه صلى الله عليه و آله الذي أفاض الناس).

قال بعض الأفاضل: الظاهر أنّ المراد بالناس هنا غير ما هو المراد به في الآية على هذا التفسير، والمراد أنّ الناس رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام ؛ لأنّ اللّه تعالى قال في تلك الآية مخاطبا لعامّة الخلق: «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ» أي من حيث يفيض منه الناس، وهم إنّما أطاعوا هذا الأمر بأن أفاضوا مع الرسول صلى الله عليه و آله ، فهم الناس حقيقةً.ويحتمل على بُعد أن يكون المراد بالناس هنا وفي الآية آل البيت عليهم السلام ، فيكون قد أمر الرسول صلى الله عليه و آله بالإفاضة مع أهل بيته.وأبعد منه أن يأوّل على نحو ما ذكره جماعة من المفسّرين بأن يكون المراد بالناس إبراهيم وسائر الأنبياء عليهم السلام ، ويكون استدلاله عليه السلام بأنّ الرسول أفاض بالناس، أي معهم، لا معيّة زمانيّة، بل في أصل الفعل، فالمراد أنّ الناس اُطلق هنا على الأنبياء والأوصياء، فنحن منهم(2).

(وأمّا قولك: أشباه الناس، فهم شيعتنا، وهم موالينا، وهم منّا).

أفاد عليه السلام أنّ المراد بأشباه الناس هنا من اقتدى بسنّتهم، واقتفى أثرهم، وذهب معهم حيثما ذهبوا، فحصلت له بذلك المشابهة بهم عليهم السلام .

(ولذلك) أي ولأجل أنّ شيعة كلّ أحد وتابعيه يعدّ منه.

(قال إبراهيم عليه السلام ): «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» .

قيل: أي لا ينفكّ عنّي في أمر الدِّين(3).

(وأمّا قولك: النسناس، فهم السواد الأعظم).

قال الفيروزآبادي: «السواد: الشخص، والعدد الكثير.ومن الناس: عامّتهم»(4).

(وأشار بيده إلى جماعة الناس)؛ يعني أراد بالسواد الأعظم تلك الجماعة، ووصفهما بالأعظم باعتبار الكثرة.

ص: 329


1- اُنظر: الكشّاف، ج 1، ص 349؛ تفسير البيضاوي، ج 1، ص 487؛ تفسير السمعاني، ج 1، ص 202؛ البحر المحيط، ج 2، ص 109
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 210
3- قاله البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 351
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 305 (سود)

ثمّ قال: «إِنْ هُمْ» أي المشار إليهم.«إِلَا كَالْأَنْعَامِ» .

في القاموس: ا«لنَعَم وقد تسكّن عينه _ : الإبل، والشاة، أو خاصّ بالإبل.الجمع: أنعام»(1).

وقال بعض المفسّرين:

إنّ تشبيههم بالأنعام في عدم الفقه والإبصار للاعتبار، والاستماع للتدبّر؛ أو في أنّ مشاعرهم وقواهم متوجّهة إلى أسباب التعيّش مقصورة عليهم(2).

«بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً» .

قيل: وجه الأضلّية إبطالهم الفطرة الأصليّة بخلاف الأنعام(3).

وقيل: لأنّ الأنعام اُلهمت منافعها ومضارّها، وهي لا تفعل ما يضرّها، وهؤلاء عرفوا على طريق الهلاك والنجاة، وسعوا في هلاك أنفسهم، وأيضا تنقاد لمَن يتعهّدها، ويميّز من يحسن إليها ممّن يسيء إليها، وهؤلاء لا ينقادون لربّهم، ولا يفرّقون إحسانه من إساءة الشيطان، ولا يطلبون الثواب الذي هو من أعظم المنافع، ولا يتحرّزون عن العقاب الذي هو أشدّ المضارّ.أو لأنّها إن لم تعتقد حقّا، ولم تكسب خيرا لم تعتقد باطلاً، ولم تكسب شرّا بخلاف هؤلاء، وأيضا جهالتها لا تضرّ بأحد، وجهالة هؤلاء تؤدّي إلى هيجان الفتن وصدّ الناس عن الحقّ.أو لأنّها تعرف ربّها، ولها تسبيح وتقديس كما وردت به الأخبار.

وقيل: المراد: إن شئت شبّهتهم بالأنعام فلكَ ذلك، بل لك أن تشبّههم بأضلّ منها كالسِّباع(4).

متن الحديث التاسع والثلاثين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ (5)، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْهُمَا ، فَقَالَ : «يَا أَبَا الْفَضْلِ ، مَا تَسْأَلُنِي عَنْهُمَا ، فَوَ اللّهِ مَا مَاتَ مِنَّا مَيِّتٌ قَطُّ إِلَا سَاخِطا عَلَيْهِمَا ، وَمَا مِنَّا الْيَوْمَ إِلَا سَاخِطا عَلَيْهِمَا ، يُوصِي بِذلِكَ الْكَبِيرُ مِنَّا الصَّغِيرَ ، إِنَّهُمَا ظَلَمَانَا

ص: 330


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 182 (نعم)
2- قاله البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 77 مع اختلاف في اللفظ
3- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 337
4- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 211 و 212
5- . في أكثر نسخ الكافي: - «ومحمّد بن يحيى _ إلى قوله: _ عن حنان بن سدير»

حَقَّنَا ، وَمَنَعَانَا فَيْئَنَا ، وَكَانَا أَوَّلَ مَنْ رَكِبَ أَعْنَاقَنَا ، وَبَثَقَا عَلَيْنَا بَثْقا فِي الْاءِسْلَامِ ، لَا يُسْكَرُ (1)أَبَدا حَتّى يَقُومَ قَائِمُنَا ، أَوْ يَتَكَلَّمَ مُتَكَلِّمُنَا» .ثُمَّ قَالَ : «أَمَا وَاللّهِ لَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا ، وَتَكَلَّمَ (2).مُتَكَلِّمُنَا ، لَأَبْدى مِنْ أُمُورِهِمَا مَا كَانَ يُكْتَمُ ، وَلَكَتَمَ مِنْ أُمُورِهِمَا مَا كَانَ يُظْهَرُ ، وَاللّهِ مَا أُسِّسَتْ مِنْ بَلِيَّةٍ وَلَا قَضِيَّةٍ تَجْرِي عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ إِلَا هُمَا أَسَّسَا أَوَّلَهَا (3)، فَعَلَيْهِمَا لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».

شرح الحديث

السند ضعيف.

في بعض النسخ: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه؛ ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير، عن أبيه».

والسند على التقديرين حسن على احتمال.

(قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عنهما) أي عن أبي بكر وعمر.

(فقال: يا أبا الفضل).

هو كُنية سدير الصّيرفي.

(ما تسألني عنهما).

لعلّ كلمة «ما» نافية بتقدير حرف الاستفهام تقريرا للسؤال السابق.

(إنّهما ظلمانا حقّنا، ومنعانا فيئنا).

قال الجوهري: فاء يفيء فيئا: رجع.وأفاءه غيره.والفيء: الخراج، والغنيمة.تقول منه: أفاء اللّه على المسلمين مال الكفّار يفيء إفاءة(4).

أقول: لعلّ ذكر الفيء بعد الحقّ تخصيص بعد التعميم للاهتمام والتأكيد.وقيل: لعلّ المراد بالحقّ الخلافة، وبالفيء الغنيمة والخمس والأنفال؛ لأنّ الفيء في الأصل الرجوع، والأموال كلّها للإمام، فما كان في يد غيره إذا خرج إليه بقتال فهو غنيمة، وما رجع إليه بغير

ص: 331


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «لا يسكن»
2- . في الطبعة القديمة والوافي: «أو تكلّم»
3- . في بعض نسخ الكافي: «أوّلهما»
4- الصحاح، ج 1، ص 63 (فيأ)

قتال فهو أنفال(1).

(وكانا أوّل من ركب أعناقنا).

ركوب الأعناق كناية عن القهر والغلبة، وإيصال المكروه والشدّة.

(وبثقا علينا في الاسلام بَثْقا لا يسكر أبدا).

في بعض النسخ: «لا يسكن أبدا».

قال الفيروزآبادي: بثق النهر بَثْقا وبَثِقا وبَثَقا كسر شطّه ليبثق الماء كبثّقه واسم ذلك الموضع: البثق، ويكسر.الجمع: بثوق.والعين: أسرع دمعها.وانبثق انفجر.والسيل عليهم أقبل ولم يحتسبوه(2).

وقال الجوهري: «بثق السيل موضع كذا يَنْبثقُ بُثقا وبَثِقا عن يعقوب، أي خرقه وشقّه»(3).

وقال: «السَكْر _ بالإسكان _ مصدر سكرت: النهر.أسكره سكرا: إذا سددته.وسكرت الريح تسكر سكورا: سكنت بعد الهبوب.وليلةٌ ساكرة: ساكنة»(4).

أقول: قوله عليه السلام : «لا يسكر» بالبناء للمفعول إن اُريد المعنى الأوّل، وللفاعل إن اُريد المعنى الثاني، والأوّل أظهر.

وقيل: فيه مكنيّة بتشبيههما بالسّيل، وتخييليّة بإثبات البثق لهما، وترشيح بذكر السِكر(5).

(حتّى يقوم قائمنا، أو تكلّم متكلّمنا).

لعلّ الترديد من الراوي، أو يكون كلمة «أو» بمعنى الواو بقرينة ذكره ثانيا بالواو.

ونقول: المراد بالقائم المهدي عليه السلام ، كما هو المتبادر، وبالمتكلِّم مَن تصدّى لذلك قبله منهم عليهم السلام (ثمّ قال: أما واللّه لو قد قام قائمنا، وتكلّم متكلِّمنا لأبدى) أي أظهر.

(من اُمورهما ما كان يُكتم) على البناء للمفعول.

ولعلّ المراد بهذا المكتوم قبائحهما ونفاقهما وكفرهما، وهذه وإن كانت ظاهرة عند أهل

ص: 332


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 338
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 310 (بثق)
3- الصحاح، ج 4، ص 1448 (بثق)
4- الصحاح، ج 2، ص 688 (سكر)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 338

الحقّ قبل قيامه عليه السلام ، لكنّها مكتومة عند تابعيهما ومعتقديهما بشبهات عرضت لهم، فأظهرها عليه السلام لهم بإزالة تلك الشبهات ودفعها.

(ولكتَمَ) أي أخفى.

(من اُمورهما ما كان يظهر).

لعلّ المراد أنّه عليه السلام يبطل ويزيل ما كان أتباعهما يظهرونه من استحقاقهما للخلافة وعدلهما، فيكون الكتمان كناية عن المحو والإبطال، أو أنّ بعض أهل النفاق إذا اعتقدوا ذلك كتموها، ولم يجترؤوا على إظهارها خوفا منه عليه السلام .

(واللّه ما اُسّست) على البناء للمفعول.

في بعض النسخ: «ما أمْسَست».والتأسيس: وضع الأساس، وهو أصل البناء، وبيان حدود الدار، ورفع قواعدها.

وقوله عليه السلام : (من بليّة) قائم مقام فاعل «أسّست».

قال الجوهري: «البليّة والبلوى (1)والبلاء واحد، وبلوته بلوا جرّبته واختبرته.وبلاه اللّه بلاءً: أي اختبره»(2).

وفي القاموس: «بلوته بلوا وبلاءً: اختبرته، وامتحنته.والاسم: البلوى، والبليّة»(3).

(ولا قضيّة).

في القاموس: «القضاء _ ويقصر _ : الحكم.قضى عليه يقضي قَضْيا وقضاءً وقضيّة، وهي الاسم أيضا، والصّنع والحتم والبيان(4).

أقول: لعلّ المراد بتأسيس البليّة بناء الظلم والجور، وإيصال الأذى والمكروه والمحنة والمصيبة إلى أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، وبتأسيس البليّة لقضيّة أحكامهم المبتدعة، وأهوائهم المخترعة، وآراءهم المموّهة في اُمور الدِّين، وصنايعهم القبيحة في نظام الإسلام، وتبدّد انتظام أحوال المسلمين، بحيث يؤدّي إلى تنفير الحقّ، عن متابعة أئمّة الحقّ وقطع يدهم عن التصرّف في اُمور الدُّنيا والدِّين، بل إلى قتلهم وتشريدهم، فقوله عليه السلام : (تجري علينا أهل البيت) صفة للبليّة والقضيّة جميعا.

ص: 333


1- . في المصدر: - «والبلوى»
2- الصحاح، ج 6، ص 2284 (بلا)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 305 (بلي) مع التصرّف
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 378 (قضي)

(إلّا هما أسّسا أوّلها) أي أوّل تلك البليّة والقضيّة.

(فعليهما لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين).

قال الجوهري: «اللّعن: الطّرد، والإبعاد من الخير.واللعنة الاسم»(1).

متن الحديث الأربعين والثلاثمائة

اشارة

حَنَانٌ ، عَنْ أَبِيهِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ النَّاسُ أَهْلَ رِدَّةٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إِلَا ثَلَاثَةً».

فَقُلْتُ : وَمَنِ الثَّلَاثَةُ؟

فَقَالَ : «الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ عَرَفَ أُنَاسٌ بَعْدَ يَسِيرٍ».

وَقَالَ : «هؤُلَاءِ الَّذِينَ دَارَتْ عَلَيْهِمُ الرَّحى ، وَأَبَوْا أَنْ يُبَايِعُوا حَتّى جَاؤُوا بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مُكْرَها فَبَايَعَ ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ : «وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئا وَسَيَجْزِى اللّهُ الشّاكِرِينَ» (2).» .

شرح الحديث

قوله: (حنان، عن أبيه)؛ يعني بالإسناد السابق إلى حنان بن سدير، عن أبيه.

(عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان الناس أهل ردّة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله إلّا ثلاثة).

في القاموس: «الردّة: القبح وبالكسر: الاسم من الارتداد»(3).

وقال بعض الأفاضل: قد روى ارتداد الصحابة جميع المخالفين في كتب أخبارهم، ثمّ حكموا بأنّ الصحابة كلّهم عدول، وقد روى في المشكوة وغيره من كتبهم عن ابن عبّاس عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «إنّ اُناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي، فيُقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال

ص: 334


1- الصحاح، ج 6، ص 2196 (لعن)
2- . آل عمران (3): 144
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 294 (ردد)

العبد الصالح: «وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا مَا دُمْتُ فِيهِمْ..

إلى قوله: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (1). (2).

(فقلت: ومَن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود وأبو ذرّ الغفاري) بكسر الغين (وسلمان الفارسي رحمة اللّه وبركاته عليهم).

روى القرطبي من العامّة في شرح مسلم قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه أمرني أن اُحِبّ أربعة، وأخبرني أنّه يحبّهم: عليّ وأبو ذرّ والمقداد وسلمان»(3).

وروى الكشّي عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام : «ارتدّ الناس إلّا ثلاثة نفر: سلمان وأبو ذرّ والمقداد» فقلت: فعمّار؟ قال: «[قد ]كان جاض جيضة، ثمّ رجع» ثمّ قال: «إن أردت الذي لم يشكّ ولم يدخله شيء فالمقداد»(4).

(ثمّ عرف اُناس) أي صاروا عارفا بأنّ الحقّ مع عليّ عليه السلام ، أو أقرّوا بإمامته.

قال الفيروزآبادي: «عرف له: أقرّ» (5)انتهى.والاُناس _ بالضمّ _ لغة في الناس.

(بعد يسير).

الظاهر أنّ «بعد» منصوب على الظرفيّة، و«يسير» مجرور بالإضافة، أي بعد زمانٍ قليل.

ويحتمل كون «بعد» مبنيّا على الضمّ، و«يسير» بالرفع على أنّه صفة «اُناس»، أي قليل من الناس.

(وقال: هؤلاء الذين).

لفظ «الذين» ليست في بعض النسخ.

(دارت عليهم الرّحى) أي استدار عليهم رحى الإيمان والإسلام ونصرة الحقّ، شبّههم بقطب الرحى في توقّف نظام الدِّين، وانتظام أحوال المسلمين بوجودهم، وهذا مثلٌ ساير يُضرب للرونق والرواج.

ويحتمل أن يكون المراد رحى نظام العالم لكونهم من الأوتاد.

(وأَبَوْاِ) تلك الثلاثة (أن يبايعوا) مع أبي بكر (حتّى جاؤوا) أي أصحاب أبي بكر (بأمير المؤمنين عليه السلام مُكرها) بفتح الراء، فبايع عليه السلام .

ص: 335


1- .المائدة (5): 117 _ 118.والخبر في: صحيح البخاري، ج 4، ص 110؛ عمدة القاري، ج 15، ص 241، ح 9433
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 214
3- لم نعثر على الشرح المذكور
4- رجال الكشي، ص 11، ح 24
5- . القاموس المحيط، ج 3، ص 173 (عرف) مع التلخيص

والحاصل: أنّهم امتنعوا من المبايعة مع أبا بكر حتّى أكرهوا أمير المؤمنين عليه السلام عليها، فلمّا بايع مُكرها بايع الثلاثة بعده مُكرهين.

(وذلك) أي ارتداد أكثر الاُمّة بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله ، وبقاء قليل منهم على الإيمان إقرارا بنعمة الولاية وشكرا عليها.

(قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة آل عمران: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ» .

قال البيضاوي:

يعني فسيخلوا، كما خلوا بالموت، أو القتل.

«أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ» إنكار لارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم عن الدِّين؛ لخلوّه بموت، أو قتل، بعد علمهم بخلوّ الرُّسل قبله، وبقاء دينهم متمسّكا به.

وقيل: الباء للسببيّة، والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلوّ الرسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد وفاته.

وروي: أنّه لمّا رمى عبداللّه بن قميئة الحارثي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحجر، فكسر رباعيّته، وشجّ وجهه، فذبّ عنه مصعب بن عمير، وكان صاحب الراية، حتّى قتله ابن قميئة، وهو يرى أنّه قتل النبي صلى الله عليه و آله ، فقال: قد قتلت محمّدا صلى الله عليه و آله ، وصرخ صارخٌ: ألا أنّ محمّدا قد قُتل.فانكفأ الناس، وجعل الرسول صلى الله عليه و آله يدعو إلى عباد اللّه ، فانحاز إليه ثلاثون من أصحابه، وحَمَوهُ حتّى كشفوا عنه المشركين وتفرّق الباقون.وقال بعضهم: ليت ابن اُبيّ يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان.وقال اُناس من المنافقين: لو كان نبيّا لما قُتل ارجعوا إلى إخوانكم ودينكم.فقال أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك: يا قوم، إن كان قُتل محمّد، فإنّ ربّ محمّد حيٌّ لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعده؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه.ثمّ قال: اللَّهُمَّ إنّي أعتذرُ إليك ممّا يقولون وأبرأُ منه.وشدَّ بسيفه، فقاتل حتّى قُتِل، فنزلت: «وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّه َ شَيْئا» ؛ بارتداده، بل يضرّ نفسه.

«وَسَيَجْزِي اللّه ُ الشَّاكِرِينَ» على نعمة الإسلام بالثبات عليه، كأنس وأضرابه(1).

انتهى كلام البيضاوي.

ص: 336


1- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 98 و 99

وأقول: يفهم من هذا الخبر ويستفاد أيضا من بعض الأخبار أنّ قوله تعالى: «انْقَلَبْتُمْ» استفهام في معنى الإخبار.

متن الحديث الواحد والأربعين والثلاثمائة

اشارة

حَنَانٌ ، عَنْ أَبِيهِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «صَعِدَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الْمِنْبَرَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَفَاخُرَهَا بِآبَائِهَا ، أَلَا إِنَّكُمْ مِنْ آدَمَ عليه السلام وَآدَمُ مِنْ طِينٍ ، أَلَا إِنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللّهِ عَبْدٌ اتَّقَاهُ ، إِنَّ الْعَرَبِيَّةَ لَيْسَتْ بِأَبٍ وَالِدٍ ، وَلكِنَّهَا لِسَانٌ نَاطِقٌ ، فَمَنْ قَصَرَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُبْلِغْهُ حَسَبُهُ ، أَلَا إِنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ إِحْنَةٍ _ وَالْاءِحْنَةُ الشَّحْنَاءُ _ فَهِيَ تَحْتَ قَدَمِي هذِهِ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .

شرح الحديث

السند كسابقيه.

قوله: (إنّ اللّه قد أذهب عنكم) أي رفع من بينكم بأن نهاكم وأمركم بالكفّ.

(نخوة الجاهليّة وتفاخرها بآبائها) وجعل الشرف والمجد بالإسلام.

قال الفيروزآبادي: «نخا ينخو نخوة: افتخر، وتعظّم، كنُخى [وانتخى] كعُنَى، وفلانا: مدحه»(1).

وقال: «الفخر _ ويحرّك _ : التمدّح بالخصال.وتفاخروا: فخر بعضهم على بعض»(2).

(ألّا إنّكم من آدم عليه السلام ، وآدم من طين).

فمن كان أصله من طين، فاللّائق بحاله مقتضاه، وهو السكينة والتواضع.

وقيل: الظاهر أنّ كلّ واحد من هذين يقتضي انتفاء كلّ واحد من النخوة والتفاخر، وتخصيص الأوّل بالأوّل والثاني بالثاني بعيد(3).ولما نفى كون الانتساب بالآباء منشأ للتفاخر والتعظّم أراد أن يشير إلى ما هو سبب قريب موجب تامّ للتشرّف والخيريّة الكاملة من عند اللّه حثّا عليه وترغيبا في تحصيله، فقال: (ألّا أنّ خير عباد اللّه عبدٌ اتّقاه).

ص: 337


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 394 (نخو)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 108 (فخر)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 1، ص 339

أي التزم طاعته واحترز من معصيته؛ فإنّ كمال النفوس وخيريّتها وتفاضل الأشخاص إنّما هو بالتقوى، فمن أراد شرفا فليلتمس منها.

(إنّ العربيّة ليست بأب ووالد).

لعلّ الباء للسببيّة، والمراد بالعربيّة الشرف والمجد والعلوّ الحاصلة بالانتساب بالعرب، أو بالملّة النبويّة العربيّة؛ يعني: أنّها ليست بمجرّد الانتماء بالأب، ومن جهة الاغتراء إليه حتّى تكون سببا للتفاخر ومنشأً له.

ويحتمل كون الباء زائدة؛ يعني: أنّها ليست أبا ووالدا لأحد حتّى يتفاخر بالانتساب إليها، وكونه متولّدا منها.

(ولكنّها) أي العربيّة.

(لسان ناطق) بالشهادتين، والإقرار والاعتراف بدين الحقّ، فالعرب من كان على الدِّين القويم، وإن كان من العجم، كما مرّ في السابع والثمانين والمائتين، وبهذه الحيثيّة يصير من أهل الشرف والتفاخر.

وقيل: يحتمل أن يُراد بالعربيّة، اللغة العربيّة والانتساب إلى إبراهيم عليه السلام ، فيكون ردّا على مشركي العرب وأضرابهم ممّن يتفاخر بها على غيرهم بأنّ المنتسب إليه كلّ من تكلّم بالحقّ وإن لم يكن من أولاده(1).

(فمن قصر به عمله).

الباء للتعدية، أو للتقوية، أي كان عمله ناقصا.قال الفيروزآبادي:

القصر والقِصَر _ كعِنب _ : خلاف الطول.وقصر _ ككرم _ فهو قصير.والقصر: خلاف المدّ، واختلاط الظلام، والحبس.وقصر عن الأمر قصورا وقصّر: انتهى.وعنه: عجز.وقصّر عنه: تركه، وهو لا يقدر عليه(2).

(لم يبلغه حسبه) أي لم يصل إليه حسبه، ولم ينفعه مفاخر آبائه، ولم يؤثّر في كماله.

وفي بعض النسخ: «لم يبلغ»، وهو إمّا بتقدير لم يبلغه، أو معناه: لم يبلغ إلى الكمال، والمآل واحد.

والحاصل: أنّ الشرف والكمال يكون بالأعمال، لا بالآباء، ومضمون هذه الفقرات

ص: 338


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 339
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 117 (قصر) مع التلخيص

الشريفة إشارة إلى قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه ِ أَتْقَاكُمْ» (1).

(ألا إنّ كلّ دم في الجاهليّة أو إحنة).

في القاموس: «الإحنة _ بالكسر _ : الحقد، والغضب.والجمع كعِنَب.وقد أحِنَ _ كسمع _ فيهما»(2).

(والإحِنة الشحناء).

في القاموس: «الشحناء: العداوة.وشحن عليه _ كفرح _ : حقد»(3).

(فهي تحت قدمي) بسكون الياء، بقرينة قوله: (هذه إلى يوم القيامة).

في القاموس: «القدم _ محرّكة _ : الرِّجل، مؤنّثة، ووضع القدم مثلٌ للردع والقمع»(4).

وقال ابن الأثير: يُقال للأمر تريد إبطاله: وضعته تحت قدمي.ومنه الحديث: ألا إنّ كلّ دم ومأثرة في الجاهليّة (5).تحت قدمي هاتين.أراد إخفائها وإعدامها، وإذلال أمر الجاهليّة ونقض سنّتها (6)، انتهى.

وقيل: يحتمل أن يكون المراد أنّ القتل الذي وقع في الجاهليّة يبطل حكمه في الإسلام، ويكون هذا مختصّا بصدر الإسلام، ويحتمل اطّراده.أو المراد إبطال الدِّماء التي كانت بين القبائل، وكانوا يقاتلون عليها أعواما كثيرة، وكانوا يقتلون لدمٍ واحد آلافا، ولا يقنعون بقتل واحد ولا بالدية(7).

متن الحديث الثاني والأربعين والثلاثمائة

اشارة

حَنَانٌ ، عَنْ أَبِيهِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : مَا كَانَ وُلْدُ يَعْقُوبَ أَنْبِيَاءَ؟

قَالَ : «لَا ، وَلكِنَّهُمْ كَانُوا أَسْبَاطَ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَمْ يَكُنْ يُفَارِقُوا الدُّنْيَا إِلَا سُعَدَاءَ ، تَابُوا

ص: 339


1- الحجرات (49): 13
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 195 (أحن)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 239 (شحن) مع التلخيص و التصرّف
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 161 (قدم) مع التلخيص
5- . في المصدر: - «في الجاهليّة»
6- . النهاية، ج 4، ص 25 (قدم)
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 215

وَتَذَكَّرُوا مَا صَنَعُوا ، وَإِنَّ الشَّيْخَيْنِ فَارَقَا الدُّنْيَا وَلَمْ يَتُوبَا وَلَمْ يَتَذَكَّرَا مَا صَنَعَا بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَعَلَيْهِمَا لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» .

شرح الحديث

السند كما عرفت.

قوله: (قال لا).

فيه ردّ على بعض المخالفين الذين قالوا بنبوّتهم، وما ورد في بعض أخبارنا موافقا لهم فمحمول على التقيّة.

(ولكنّهم كانوا أسباط أولاد الأنبياء) لعلّ إضافة الأسباط إلى الأولاد بيانيّة.وقال في القاموس: «السبط _ بالكسر _ : ولد الولد، وقبيلة من اليهود.الجمع: أسباط» (1).انتهى.

وقيل: المراد بالأسباط هنا الأشراف من الأولاد(2).

(ولم يكن يفارقوا الدُّنيا) بالموت (إلّا سعداء، تابوا) ممّا فعلوا بيوسف عليه السلام وأبيه.

(وتذكّروا ما صنعوا) بهما.

وذكر الشيء بالقلب حفظه، وباللِّسان إجراؤه عليه، والتنطّق به، والذكرى: العبرة، والتوبة.

وذكّره وتذكّره بمعنى.

(وإنّ الشيخين) أي العمرين.

(فارقا الدُّنيا) بالموت.

(ولم يتوبا) من قبيح فعلهما.

(ولم يتذكّرا) ولم يراجعا، بل نسيا.

(ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام ) من الظلم، والجور، وغصب حقّه، والاستخفاف به وبأهل بيته (فعليهما لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين).

متن الحديث الثالث والأربعين والثلاثمائة

اشارة

حَنَانٌ ، عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ :

ص: 340


1- . القاموس المحيط، ج 2، ص 363 (سبط)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 340

عَنْ عَبْدٍ صَالِحٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ النَّاسَ أَصَابَهُمْ قَحْطٌ شَدِيدٌ عَلى عَهْدِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليه السلام ، فَشَكَوْا ذلِكَ إِلَيْهِ ، وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ» .

قَالَ : «فَقَالَ لَهُمْ : إِذَا صَلَّيْتُ الْغَدَاةَ مَضَيْتُ ، فَلَمَّا صَلَّى الْغَدَاةَ مَضى وَمَضَوْا ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ إِذَا هُوَ (1)بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ يَدَهَا إِلَى السَّمَاءِ وَاضِعَةٍ قَدَمَيْهَا إِلَى الْأَرْضِ وَهِيَ تَقُولُ : اللّهُمَّ إِنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ ، وَلَا غِنى بِنَا عَنْ رِزْقِكَ ، فَلَا تُهْلِكْنَا بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ» .

قَالَ : «فَقَالَ سُلَيْمَانُ عليه السلام : ارْجِعُوا فَقَدْ سُقِيتُمْ بِغَيْرِكُمْ» قَالَ : «فَسُقُوا فِي ذلِكَ الْعَامِ وَلَمْ يُسْقَوْا (2)مِثْلَهُ قَطُّ» .

شرح الحديث

السند ضعيف؛ لأنّ الظاهر أنّ أبا الخطّاب هو محمّد بن مقلاص، غالٍ ملعون، كما تقدّم.قوله: (إنّ الناس أصابهم قحطٌ شديد).

في القاموس: «القحط: احتباس المطر»(3).

(على عهد سليمان بن داود عليهماالسلام) أي في زمانه وعصره.

(فشكوا ذلك إليه).

قال الجوهري: «شكوتُ فلانا أشكوه شكوى وشكاية: إذا أخبرت عنه بسوء فعله بك»(4).

(وطلبوا إليه).

طلب إلى: أي رغب.

(أن يستسقى لهم) بأن يستسقى ويطلب من اللّه لهم إنزال الغيث.

(إذا هو بنملة).

في القاموس: «النمل [مؤنّثة] واحدته: نملة وقد تُضمّ الميم.الجمع: نمال»(5).

(رافعة يدها) أي قائمة من قوائمها التي على رأسها إلى السماء.

ص: 341


1- . في بعض نسخ الكافي: «هم»
2- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «وما لم يسقوا»
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 378 (قحط) مع التلخيص
4- الصحاح، ج 6، ص 2394 (شكا)
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 60 (نمل)

(واضعة قدميها إلى الأرض).

روى الصدوق رحمه الله في الفقيه هذا الحديث عن أبي عبداللّه عليه السلام ، إلى أن قال: «فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها إلى السماء»(1).

(فقد سقيتم) على البناء للمفعول، أي سوف تسقون.

(بغيركم) أي بدعاء غيركم.

والإتيان بالماضي لتيقّن الوقوع، أو معناه: استُجيب دعاء غيركم.

(قال) العبد الصالح عليه السلام : (فسُقوا في ذلك العام ولم يسقوا مثله قطّ).

الواو للحال، أي والحال أنّهم لم يسقوا سقيا مثل السقي في ذلك العام في الكثرة والانتفاع.

قال بعض الأفاضل: هذا الخبر يدلّ على أنّ الحيوانات لها شعور، وهي تعرف ربّها، وتتضرّع إليه في الحوائج، ولا استبعاد في ذلك، وقد نطق بمثله القرآن الكريم، وهذا لا يدلّ على كونها مكلّفة كالإنس والجنّ، على أنّه لا استبعاد في أن تكون مكلّفة ببعض التكاليف يجري عقابهم على تركها في الدُّنيا كما ورد أنّ الطير لا تُصاد إلّا بترك تسبيحها، وكثير من المكلّفين يعدّون استبعادات الوهم فيما يخالف العادات برهانا، ويأوّلون لذلك الآيات والأخبار، بل يطرحون كثيرا من الأخبار المستفيضة، وليس هذا إلّا للاتّكال على عقولهم، وعدم التسليم لأئمّتهم عليهم السلام (2).

متن الحديث الرابع والأربعين والثلاثمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ خَلَفِ بْنِ عِيسى ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْمَدَائِنِيِّ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ لِلّهِ _ تَعَالى ذِكْرُهُ _ عِبَادا مَيَامِينَ مَيَاسِيرَ يَعِيشُونَ وَيَعِيشُ النَّاسُ فِي أَكْنَافِهِمْ، وَهُمْ فِي عِبَادِهِ بِمَنْزِلَةِ الْقَطْرِ ، وَلِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عِبَادٌ مَلَاعِينُ مَنَاكِيرُ لَا يَعِيشُونَ وَلَا يَعِيشُ النَّاسُ فِي أَكْنَافِهِمْ، وَهُمْ فِي عِبَادِهِ بِمَنْزِلَةِ الْجَرَادِ لَا يَقَعُونَ عَلى شَيْءٍ إِلَا أَتَوْا عَلَيْهِ» .

ص: 342


1- الفقيه، ج 1، ص 524، ح 1490
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 215 مع اختلاف يسير في اللفظ

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (إنّ للّه _ تبارك وتعالى _ عبادا ميامين) جمع ميمون (ومياسير) جمع موسر.

قال الفيروزآبادي: «اليُمن _ بالضمّ _ : البركة، كالميمنة.يمن _ كعلم وعنى وجعل وكرم _ فهو ميمون.الجمع: أيامن، وميامين»(1).

وقال: «اليُسر _ بالضمّ وبضمّتين _ واليسار: السهولة، والغنى.وأيسر إيسارا ويسرا: صار ذا غنى، فهو موسر.الجمع: مياسير.واليُسر: ضدّ العُسر»(2).

(يعيشون ويعيش الناس في أكنافهم).

قال في القاموس: «العيش: الحياة.عاش يعيش عيشا ومعاشا.ورجلٌ عايش: له حالة حسنة»(3).

وقال: «أنت في كنف اللّه _ محرّكة _ : في حِرزه، وستره، وهو الجانب، والظلّ، والناحية.

ومن الطير: جناحه»(4).

(وهم في عباده بمنزلة القطر).

القطر _ بالفتح _ : المطر.الجمع: قطار.والقطر أيضا: ما قطرع جمع قطرة.شبّههم بالمطر، أو الماء المتقاطر في النفع وإيصال الخير.

(وللّه _ عزّ وجلّ _ عباد ملاعين) جمع ملعون.

(مناكير) جمع منكر، بفتح الكاف.

وقيل: المراد به هنا الشديد الغيظ الذي يتنفّر عنه الناس(5).

وقال في القاموس: «لعنه _ كجعله (6)._ : طرده، وأبعده، فهو لعين وملعون.الجمع: ملاعين»(7).

ص: 343


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 278 (يمن) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 163 (يسر) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 280 (عيش) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 192 (كنف) مع التلخيص
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 323
6- في المصدر: «كمنعه»
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 267 (لعن)

وقال: «أنكره: جهله.والمنكر: ضدّ المعروف.وقال: المنكر، كمكرم، جمعه مناكير»(1).

(وهم في عباده بمنزلة الجراد) بفتح الجيم.

وتشبيههم بالجراد في الإضرار وإيصال المكروه.

قال الجوهري: «الجراد: معروف.الواحدة: جرادة، يقع على الذكر والاُنثى.وليس الجراد [بذكر] للجرادة، وإنّما هو اسم جنس كالبقر والبقرة»(2).

(لا يقعون) أي لا يسقطون.

(على شيء إلّا أتوا عليه) أي ضيّعوه وأهلكوه وأفسدوه.

قال الفيروزآبادي: «أتى عليه الدهر: أهلكه»(3).

والحاصل: أنّ الناس مختلفون متفاوتون في اليُمن واليُسر، والبركة، وإيصال النفع إلى أنفسهم وإلى الخلق، وأضدادها، فمنهم أهل الخير والنفع، كقطر المطر يوسّع اللّه عليهم في المعيشة، يتوسّعون بها ويوسّعون على الناس، ويعيش الخلق في كنفهم وحمايتهم، ومنهم من هو بضدّ ذلك الأخير، فيهم مطرودون مبعدون من رحمته تعالى، لا يتأتّى منهم المعروف، لا لأنفسهم ولا لغيرهم.والغرض من هذا الحديث ليس مجرّد الإخبار، بل الترغيب والتحريص في الاتّصاف بصفات الفرقة الاُولى، والتأسّي بهم، والتحلّي بكمالاتهم وفضائلهم، والتحذير عن التدنّس بأدناس الفرقة الثانية، والاحتراز منهم، والتخلّي عن نقائصهم ورذائلهم.

متن الحديث الخامس والأربعين والثلاثمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى (4)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ (5)بْنِ شَاذَانَ الْوَاسِطِيِّ ، قَالَ :

ص: 344


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 148 (نكر) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 2، ص 456 (جرد)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 297 (أتى) مع التلخيص
4- . في الطبعة القديمة: + «جميعا» والمتكرّر في الأسناد رواية الحسين بن محمّد بن يحيى، عن عليّ بن محمّد بن سعد، عن محمّد بن سالم بن أبي سلمة
5- . في بعض نسخ الكافي: «الحسين»، والرجل مجهول

كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام أَشْكُو جَفَاءَ أَهْلِ وَاسِطٍ وَحَمْلَهُمْ عَلَيَّ ، وَكَانَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْعُثْمَانِيَّةِ تُؤْذِينِي .

فَوَقَّعَ بِخَطِّهِ : «إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَخَذَ مِيثَاقَ أَوْلِيَائِنَا عَلَى الصَّبْرِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ ، فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ، فَلَوْ قَدْ قَامَ سَيِّدُ الْخَلْقِ لَقَالُوا : «يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ» (1)» .

شرح الحديث

السند مجهول مع احتمال الضعف.

وفي بعض النسخ: «مسلم» بدل «سالم».

قوله: (أشكو جفاء أهل واسط).

قال الفيروزآبادي: «الجفاء: نقيض الصِّلة، ويقصر.جفاه يجفوه جفوا وجفاءً»(2).

وقال: «واسط _ مذكّرا مصروفا، وقد يمنع _ : بلد بالعراق»(3).

وعدّه أيضا اسما لقرى كثيرة.

(وحملهم عليّ).

في القاموس: «حمله على الأمر يحمله فانحمل: أغراه به.والحملة: الكرّة في الحرب»(4).

وقال الجوهري: «حملت على بني فلان: إذا أرّشت بينهم.وحمل على نفسه في السير، أي جهدها فيه»(5).

وقال: «أرّش بين القوم: أفسد»(6).

(وكانت عصابة من العثمانيّة تؤذيني).

العِصابة _ بالكسر _ من الرِّجال: ما بين العشرة إلى الأربعين، والجماعة من الناس.

(فوقّع بخطّه).

توقيع الكتاب: ما يوقع فيه.

ص: 345


1- . يس (36): 52
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 313 (جفو)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 291 (وسط)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 361 (حمل)
5- الصحاح، ج 4، ص 1677 (حمل)
6- الصحاح، ج 3، ص 995 (أرش) مع اختلاف في اللفظ

(إنّ اللّه _ جلّ ذكره _ أخذ ميثاق أوليائنا).

الميثاق: العهد، وأصله: موثاق، صارت الواو ياء؛ لانكسارها قبلها.

(على الصبر) على الإيذاء والمصائب.

(في دولة الباطل) أي في زمان غلَبَة أهل الباطل، وشوكتهم، وتسلّطهم على الحقّ.

(فاصبر لحكم ربّك) بالصبر، أو بتسليط أهل الباطل، والفاء فصيحة.

(فلو قد قام سيّد الخلق).

الظاهر أنّ المراد به القائم عليه السلام .

وقيل: المراد به النبيّ صلى الله عليه و آله ، والقيامة قيامه في القيامة لمحاسبة الخلق(1).

وقيل: يحتمل أن يُراد به اللّه تعالى، وبقيامه قيامه لحشر الخلائق وإرادته إيّاه(2).

وقال بعض الشارحين في جمع لفظة «لو» و«قد»:

جمع بين الضدّين، فالاُولى للإشارة على أنّ أكثر الخلق لغفلتهم كأنّهم ينكرون القيام، والثانية للدلالة على تحقّقه ووقوعه(3).

(لقالوا «وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا» .

في القاموس: الويل: حلول الشرّ، وبهاء الفضيحة، أو تفجيع.يُقال: ويله وويلك وويلي، وفي الندبة: ويلاه وويله.وويل: كلمة عذاب، وواد في جهنّم، أو بئر، أو باب لها(4).

وقال الجوهري:

ويل: كلمة [مثل] ويح، إلّا أنّها كلمة عذاب، وتقول: ويلٌ لزيد، وويلاً لزيد فالنصب على إضمار الفعل، والرفع على الابتداء، وهذا إذا لم تضفه، فأمّا إذا [أضفت] فليس إلّا النصب؛ لأنّك لو رفعته لم يكن له خبر.قال عطاء بن يسار: الويل وادٍ في جهنّم لو أرسلت فيها الجبال لماعَتْ من حرّها، انتهى(5).

وقيل: الويل: الحزن، والهلاك، والمشقّة من العذاب، والنداء للتحيّر والتحزّن، والمعنى: يا

ص: 346


1- نقله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 217 بعنوان «قيل»
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 341
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 341
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 67 (ويل) مع التلخيص
5- الصحاح، ج 5، ص 1846 (ويل) مع التلخيص

ويلنا أحضر فهذا [وقتك و] أوان حضورك(1).

وقال الجوهري: «بعثت الناقة: أثرتها.وبعثه اللّه من منامه: أهبّه.وبعث الموتى: نشرهم ليوم البعث»(2).

وقال: «هبّ من نومه يهبّ: استيقظ، وأهببته أنا»(3).

وقال: «الرّقاد: النوم، والمرقد: المضجع.وأرقده: أنامه.وأرقد بالمكان: أقام به»(4).

وقال البيضاوي: «فيه ترشيح ورمز وإشعار بأنّهم لاختلاط عقولهم يظنّون أنّهم كانوا نياما»(5).

(هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) مبتدأ وخبر.

و«ما» مصدريّة، أو موصولة محذوفة الراجع، أو «هذا» صفة ل«مرقدنا»، و«ما وعد» خبر محذوف، أو مبتدأ خبر محذوف، أي وَعْدُ الرحمن وصدق المرسلين حقّ، وهو من كلامهم.

وقيل: جواب للملائكة، أو المؤمنين، عن سؤالهم معدول عن سننه، تذكيرا لكفرهم، وتقريعا لهم، وتنبيها بأنّ الذي يهمّهم هو السؤال عن البعث دون الباعث، كأنّهم قالوا: بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث، وأرسل إليكم الرُّسل، فصدّقوكم، وليس الأمر كما تظنّونه؛ فإنّه ليس يبعث النائم، فيهمّكم السؤال عن الباعث، وإنّما هو البعث الأكبر ذو الأهوال(6).

متن الحديث السادس والأربعين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ (7). بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الرَّيَّانِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي فَضْلِ مَعْرِفَةِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مَا مَدُّوا أَعْيُنَهُمْ إِلى مَا مَتَّعَ (8)اللّهُ بِهِ الْأَعْدَاءَ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَنَعِيمِهَا ، وَكَانَتْ دُنْيَاهُمْ أَقَلَّ عِنْدَهُمْ مِمَّا يَطَؤُونَهُ

ص: 347


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 341
2- الصحاح، ج 1، ص 273 (بعث)
3- الصحاح، ج 1، ص 246 (هبب)
4- الصحاح، ج 2، ص 476 (رقد) مع التلخيص
5- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 436
6- نقله البيضاوي في تفسيره، ج4، ص 437 بعنوان «قيل»
7- في كلتا الطبعتين و بعض نسخ الكافي: «سالم».وفي بعضها: «سلم» والسند معلّق على سابقه
8- في بعض نسخ الكافي والوافي: - «اللّه »

بِأَرْجُلِهِمْ ، وَلَنُعِّمُوا بِمَعْرِفَةِ اللّهِ _ جَلَّ وَعَزَّ _ وَتَلَذَّذُوا بِهَا تَلَذُّذَ مَنْ لَمْ يَزَلْ فِي رَوْضَاتِ الْجِنَانِ مَعَ أَوْلِيَاءِ اللّهِ .

إِنَّ مَعْرِفَةَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ آنِسٌ مِنْ كُلِّ وَحْشَةٍ ، وَصَاحِبٌ مِنْ كُلِّ وَحْدَةٍ ، وَنُورٌ مِنْ كُلِّ ظُلْمَةٍ ، وَقُوَّةٌ مِنْ كُلِّ ضَعْفٍ ، وَشِفَاءٌ مِنْ كُلِّ سُقْمٍ» .

ثُمَّ قَالَ : «وَقَدْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَوْمٌ يُقْتَلُونَ وَيُحْرَقُونَ وَيُنْشَرُونَ بِالْمَنَاشِيرِ ، وَتَضِيقُ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِرُحْبِهَا ، فَمَا يَرُدُّهُمْ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تِرَةٍ وَتَرُوا مَنْ فَعَلَ ذلِكَ بِهِمْ وَلَا أَذًى، بَلْ مَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ دَرَجَاتِهِمْ ، وَاصْبِرُوا عَلى نَوَائِبِ دَهْرِكُمْ تُدْرِكُوا سَعْيَهُمْ» .

شرح الحديث

السند كسابقه.

قوله: (محمّد بن مسلم بن أبي سلمة).

هكذا في كثير من النسخ، والظاهر: «محمّد بن سالم» كما مرّ في بعضها، وقد مرَّ مرارا، فيكون إشارة إلى الإسناد السابق، فتأمّل.

وقوله: (لو يعلم الناس) إلى قوله: (ممّا يطؤونه بأرجلهم).

قال في القاموس: «الزهرة _ ويحرّك _ : النبات، ونوره.من الدُّنيا: بهجتها، ونضارتها، وحسنها»(1).

وقال: «النعيم والنعمى _ بالضمّ _ : الخفض، والدِعة، والمال، كالنقمة بالكسر»(2).

وضمير «دنياهم» راجع إلى الأعداء، وضمير «عندهم» وتالييه إلى الناس، والمراد ب«ما يطؤونه» بأرجلهم التراب وما يشبهه في الحقارة.

وقال بعض الأفاضل: دلّ هذا على أنّ الواغلين في زهرات الدُّنيا كلّهم أعداء اللّه تعالى لربط قلوبهم بها فهم عنه تعالى، وعن الآخرة غافلون، والمراد بمعرفته تعالى معرفته الكاملة بقرينة أنّ أصل المعرفة حاصلة للناس إلّا مَن شذّ، مع أنّ أكثرهم مادّون أعينهم إلى الزهرات،

ص: 348


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 43 (زهر) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 181 (نعم)

وإنّما يتحقّق تلك المعرفة بمعرفته تعالى _ كما ينبغي _ ومعرفة رسوله وما جاء به، ومعرفة أوصيائه، والتسليم لهم في الأوامر والنواهي(1).

(ولنعّموا بمعرفة اللّه عزّ وجلّ).

في بعض النسخ: «لتنعّموا».

قال الفيروزآبادي: التنعّم: الترفّه.ونعم اللّه بك _ كسمع _ ونعمك وأنعم اللّه بك عينا: أقرَّ بك عين مَن تحبّه، أو أقرَّ عينك بمَن تحبّه.ونعم العود _ كفرح _ : اخضرّ، ونضر(2).

(وتلذّذوا بها تلذّذ) أي كتلذّذ.

(من لم يزل في روضات الجنان).

الإضافة بيانيّة، أو لاميّة.

(مع أولياء اللّه ).

اللّذة: نقيض الألم.وتلذّذ به والتذّ، أي وجده لذيذا.

وقيل: الوجه في المشبّه به أشهر، وإن كان في المشبّه أقوى وأوفر؛ لأنّ التلذّذ الروحاني أقوى وأكمل من التلذّذ الجسماني، والنسبة بينهما كالنسبة بين الروح والبدن(3).

(إنّ معرفة اللّه آنس من كلّ وحشة).

الاُنس _ بالضمّ، وبالتحريك _ مصدر أنس به _ مثلّثة النون _ وهو ضدّ الوحشة، ثمّ استعمل بمعنى الأنيس أو المؤنس.

والوحشة: الهمّ، والخلوة، والخوف.

(وصاحب) أي مصاحب معاشر.

(من كلّ وحدة، ونورٌ من كلّ ظلمة).

في القاموس: «النور _ بالضمّ _ : الضوء أيّا كان أو شعاعه، وقد نار نورا وأنار واستنار وتنوّر»(4).

ص: 349


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 342
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 181 مع التلخيص
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 342
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 149 (نور) مع التلخيص

(وقوّة من كلّ ضعف).

في القاموس: «الضعف _ ويضمّ، ويحرّك _ : ضدّ القوّة»(1)(وشفاء من كلّ سقم) بالكسر: الدواء.ويُقال: شفاه اللّه من مرضه شفاءً _ بالكسر والمدّ _ أي أبرأه منه.والسقم _ بالضمّ وبالتحريك _ : المرض.

وقيل: كلمة «من» في المواضع المذكورة مرادفة (2)«عند»، كما في قوله تعالى: «لَنْ تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنْ اللّه ِ شَيْئا» ، (3)وفيه ترغيب في تحصيل المعرفة بذكر بعض فوائدها:

الاُولى: أنّها أنيس عند كلّ وحشة، لا يستوحش العارف بشيء من الوحشة وأسبابها.

الثانية: أنّها صاحب عند كلّ وحدة؛ إذ العارف مع اللّه ومع الرسول والأوصياء والعلماء وما كان معه من المعارف فلا تؤثّر فيه الوحدة واعتزال الناس، بل هو مستوحش منهم.

الثالثة: أنّها نورٌ يهتدى به عند كلّ ظلمة نفسانيّة، وهي الحجب المانعة من الوصول إلى الحقّ وسلوك سبيله، كالجهالات، والمهويّات النفسانيّة والشيطانيّة، والشبهات المؤدّية إلى الكفر والضلالة.

الرابعة: أنّها قوّة عند كلّ ضعف؛ إذ العارف لا يدخل الضعف في قلبه لقوّته في المعارف، ولا في بدنه لقوّته في الأعمال، ولا في نطقه لقوّته في الأقوال.

الخامسة: أنّها شفاء عند كلّ سقم نفساني وبدني؛ إذ لا يتطرّق إليه الأمراض القلبيّة والبدنيّة مثل العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة والأعمال القبيحة(4).

(ثمّ قال عليه السلام ) للترغيب في الصبر على الصلاح والسَّداد والمصائب الشاقّة على النفس: (قد كان قبلكم قومٌ) من الأنبياء والأوصياء والعلماء.

(يُقتلون) على البناء للمفعول.وكذا قوله: (ويحرقون) من الإحراق، أو التحريق.

(ويُنشرون بالمناشير) جمع منشار، وهو ما يقطع به الخشب.ويقال: نشر الخشب _ كنصر _ أي قطعه بالمنشار.

ص: 350


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 765 (ضعف)
2- . في المصدر: «مرافقة»
3- آل عمران (3): 10
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 342 مع التلخيص

(وتضيق عليهم الأرض برحبها).

الباء للمصاحبة، كما قيل في قوله تعالى: «اهْبِطْ بِسَلَامٍ» (1). أي معه(2).

والرُّحب _ بالضمّ _ : السّعة.وضيق الأرض كناية عن غاية الشدّة ونهاية المشقّة.

(فما يردّهم عمّا هم عليه) من دينهم الحقّ.

(شيء ممّا هم فيه) من الشدائد والعقوبات.

(من غير ترة وتروا).

الجارّ متعلّق ب«يقتلون» وما عطف عليه، والموصول مع صلته في قوله عليه السلام : (من فعل ذلك بهم) مفعول «وتروا»، أي من غير مكروه أو نقص حقّ أوقعوا، ومن غير خيانة جنوا على من فعل ذلك العقوبات المذكورة بهم.

قال في النهاية: «الترة: النقص.وقيل: التبعة، والهاء فيه عوض عن الواو المحذوفة، مثل وعدته عدة»(3).

وقال في القاموس: «الوتر: الذحل، أو الظلم فيه كالتره، وقد وتره يتره وترا وترة.والرجل: أفزعه، وأدركه بمكروه.ووتره ماله: نقصه إيّاه»(4).

وقال: «الذحل: الثأر، أو طلب مكافأة جنيت عليك، أو عداوة أتيت اليك، أو هو العداوة والحقد»(5).

(و لا أذى) من قبيل التعميم بعد التخصيص.

(بل «مَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّه ِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» (6).

إشارة إلى قوله تعالى في قصّة أصحاب الإخدود: «مَا نَقَمُوا مِنْهُمْ» .قال البيضاوي:

أي ما أنكروا إلّا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد، استثناء على طريقة قوله:

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم***بهنَّ فلول من قراع الكتائب

ووصفه بكونه عزيزا غالبا يخشى عقابه حميدا مُنعما يُرجى ثوابه، انتهى(7).

ص: 351


1- هود (11): 48
2- اُنظر: مغني اللبيب، ج 1، ص 103؛ عمدة القارى، ج 1، ص 163؛ البحر الرائق، ج 1، ص 27
3- الصحاح، ج 1، ص 189 (تره)
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 152 (وتر) مع التلخيص
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 379 (ذحل)
6- البروج (85): 8
7- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 474

وقال صاحب الكشّاف: «معناه: ما عابوا منهم، وما أنكروا إلّا الإيمان»(1).

وقال الفيروزآبادي: «نقم منه _ كضرب وعلم _ نَقْما وانتقم، أي عاقبه.والأمر: كرهه»(2).

وقال بعض الأفاضل: «يحتمل أن يكون «ما نقموا» من الانتقام، أي لم يكن انتقامهم لجناية ومكروه، بل لأنّهم آمنوا باللّه »(3).

(فاسألوا) بتخفيف الهمزة.

(ربّكم درجاتهم) بالدّعاء، والأعمال الموجبة لها، أو الصبر على النوائب، كما أشار إليه بقوله عليه السلام : (واصبروا على نوائب دهركم).

قال الجوهري: «النائبة: المصيبة.واحدة نوائب الدهر»(4).

(تدركوا سعيهم).

السعي: الكسب، والعمل، والطلب، والقصد.ولعلّ المراد: تنالوا سعيا واجتهادا مثل سعيهم، أو ثمرة سعيهم، وما يترتّب عليه من المثوبات.

متن الحديث السابع والأربعين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جَنَاحٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَا خَلَقَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ خَلْقا أَصْغَرَ مِنَ الْبَعُوضِ ، وَالْجِرْجِسُ أَصْغَرُ مِنَ الْبَعُوضِ ، وَالَّذِي نُسَمِّيهِ نَحْنُ الْوَلَعَ أَصْغَرُ مِنَ الْجِرْجِسِ ، وَمَا فِي الْفِيلِ شَيْءٌ إِلَا وَفِيهِ مِثْلُهُ ، وَفُضِّلَ عَلَى الْفِيلِ بِالْجَنَاحَيْنِ» .

شرح الحديث

السند مرسل.

قوله: (ما خلق اللّه خلقا أصغر من البعوض).

وفي القاموس: «البعوضة: البقّة.الجمع: بعوض»(5).

ص: 352


1- الكشّاف، ج 4، ص 238
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 183 (نقم) مع التلخيص
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 218 مع التلخيص
4- الصحاح، ج 1، ص 229 (نوب)
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 325 (بعض)

(والجرجس) بكسر الجيمين وسكون الرّاء، وهو البعوض الصغار (أصغر من البعوض).

(والذي نسمّيه نحن الولع أصغر من الجرجس).

لا يخفى ما في ظاهر الكلام من التدافع، بل خلاف الواقع، فقيل في توجيهه: لعلّ مراده عليه السلام بقوله: «والجرجس أصغر من البعوض» أي من سائر أنواعه، ليستقيم قوله عليه السلام : «ما خلق اللّه خلقا أصغر من البعوض» ويوافق كلام أهل اللغة، على أنّه يحتمل أن يكون الحصر في الاُولى إضافيّا، كما أنّ الظاهر أنّه لابدّ من تخصيصه بالطيور؛ إذ قد يحس من الحيوانات ما هو أصغر من البعوض، إلّا أن يُقال: يمكن أن يكون للبعوض أنواع صغار لا يكون شيء من الحيوان أصغر منها(1).

أقول: في التوجيه الأخير نظر، فتأمّل.

والولع بالمعنى الذي يناسب المقام غير مذكور في الكتب المشهورة من اللّغة، ولعلّه أيضا صنف من البعوض، كما يشعر به قوله عليه السلام : (وما في الفيل شيء إلّا وفيه) أي في الولع (مثله).

(مثله وفضّل) على البناء للمفعول من التفضيل، وضميره للولع.

(على الفيل بالجناحين).

والغرض من هذا البيان الترغيب في التفكّر في أمثاله ليحصل بمعونته التنبّه بكمال عظمة الخالق وقدرته وعلمه وإتقانه؛ فإنّ آثار القدرة في الأشياء الصغار أظهر منها في الكبائر، كما هو المعروف بين أهل الصنايع منّا.

متن الحديث الثامن والأربعين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ وَالْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ جَمِيعا ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْخَثْعَمِيِّ ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الشَّامِيِّ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ» (2)

ص: 353


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 219
2- . الأنفال (8): 24

قَالَ : «نَزَلَتْ فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام » .

قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِى ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلّا فِى كِتابٍ مُبِينٍ» (1)؟

قَالَ : فَقَالَ : «الْوَرَقَةُ السِّقْطُ ، وَالْحَبَّةُ الْوَلَدُ ، وَظُلُمَاتُ الْأَرْضِ الْأَرْحَامُ ، وَالرَّطْبُ مَا يَحْيى مِنَ النَّاسِ ، وَالْيَابِسُ مَا يُقْبَضُ ، وَكُلُّ ذلِكَ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» .

قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «قُلْ سِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ» (2)؟

فَقَالَ : «عَنى بِذلِكَ أَيِ انْظُرُوا فِي الْقُرْآنِ ، فَاعْلَمُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا أَخْبَرَكُمْ عَنْهُ» .

قَالَ: فَقُلْتُ: فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : «وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ» (3)؟

قَالَ: «تَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ فِي الْقُرْآنِ ، إِذَا قَرَأْتُمُ الْقُرْآنَ تَقْرَأُ مَا قَصَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ خَبَرِهِمْ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه تعالى) في سورة الأنفال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للّه ِِ وَلِلرَّسُولِ» بالطاعة.يُقال: استجابه واستجاب له، بمعنى أجابه.

«إِذَا دَعَاكُمْ» .

قال البيضاوي:

وحّد الضمير فيه؛ لأنّ المراد من الآية الأمر باستجابة الرسول، وذكر استجابة اللّه للتوطية والتنبيه على أنّ استجابة اللّه هي استجابة الرسول، ولأنّ دعوة اللّه تسمع من الرسول.

«لِمَا يُحْيِيكُمْ» (4). من العلوم الدينيّة؛ فإنّها حياة القلب، والجهل موته، أو ممّا يورثكم الحياة الأبديّة والنعيم الدائم من العقائد والأعمال، أو من الجهاد؛ فإنّه سبب بقائكم؛

ص: 354


1- . الأنعام (6): 59
2- الروم (30): 42.و في الطبعة القديمة: «من قبلكم»
3- . الصافّات (37): 137 و 138
4- الأنفال (8): 24

إذ لو تركوه لغلبهم العدوّ وقتلهم، أو الشهادة لقوله تعالى: «بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ» (1). (2).

انتهى، وفسّرها عليه السلام بالولاية.

(قال نزلت) أي هذه الآية.

(في ولاية عليّ عليه السلام ) أي في إمامته ورئاسته العامّة في اُمور الدِّين والدُّنيا؛ إذ هي أصل وموجب للحياة الأبديّة للقلب والعقل بالعلم والإيمان والمعرفة والهداية.ولا يخفى أنّ نزولها في الولاية لا ينافي شمولها لغيرها تبعا ممّا يوجب الحياة، كما في سائر الآيات.

(قال: وسألته عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الأنعام: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَا يَعْلَمُهَا» .

قال البيضاوي: هذا مبالغة في إحاطة علمه بالجزئيّات.

«وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ» معطوفات على ورقة.

وقوله: «إِلَا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» (3). بدل من الاستثناء الأوّل بدل الكلّ، على أنّ الكتاب المبين علم اللّه ، أو بدل الاشتمال إن اُريد به اللّوح، وقرئت بالرفع للعطف على محلّ «ورقة»، أو رفعا على الابتداء، والخبر «إلّا في كتاب مبين» انتهى(4).

وقال الشيخ الطبرسي:

وقال الزجّاج: معنى «إلّا يعلمها» أنّه يعلمها ساقطة وثابتة، فأنت تقول: ما يجيئك أحد إلّا وأنا أعرفه، فليس تأويله إلّا وأنا أعرفه في حال مجيئه فقط.وقيل: يعلم ما سقط من ورق الأشجار وما بقى، ويعلم كيف انقلبت ظهر البطن عند سقوطها.«وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُ_لُمَ_تِ الْأَرْضِ» معناه: وما تسقط من حبّة في باطن الأرض إلّا يعلمها، وكنّى بالظلمة عن باطن الأرض؛ لأنّه لا يدرك كما لا يدرك ما حصل في الظلمة.

وقال ابن عبّاس: يعني تحت الصخرة وأسفل الأرضين السبع، أو تحت حجر أو شيء.

«وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ» قد جمع الأشياء كلّها في قوله: «وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ» ؛ لأنّ

ص: 355


1- .آل عمران (3): 169
2- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 99 مع التلخيص
3- الأنعام (6): 59
4- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 416

الأجسام كلّها لا تخلو من أحد هذين، وهو بمنزلة قولك: ولا مجتمع ولا متفرّق؛ لأنّ الأجسام كلّها لا تخلو من أن تكون مجتمعة أو متفرّقة.وقيل: أراد ما ينبت وما لا ينبت.عن ابن عبّاس.

وعنه أيضا: إنّ الرطب الماء واليابس النار.

وقيل: الرطب الحيّ، واليابس الميّت.

وروي عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «الورقة السقط، والحبّة الولد، وظلمات الأرض الأرحام، والرطب ما يحيى، واليابس ما يغيض».«إِلَا فِى كِتَ_بٍ مُّبِينٍ» معناه: إلّا وهو مكتوبٌ في كتابٍ مبين، أي في اللّوح المحفوظ(1).

(قال: فقال: الورقة السقط) الورق من الشجر.والكتاب معروف، واحدته بهاء، وما استدار من الدم على الأرض، أو ما سقط من الجراحة.[و] من القوم: أحداثهم، أو الضعاف من الفتيان، وبهاء الخسيس.كذا في القاموس(2)وفسّرها عليه السلام بالسقط، وهو مثلّثة الجنين يسقط من بطن اُمّه قبل تمامه، ولعلّه على الاستعارة والتشبيه في السقوط وأمثاله، فتأمّل.

(والحبّة الولد).

الحبّة: واحدة الحبّ.الجمع: حبّات، فسّرها عليه السلام بالولد، ولعلّه أيضا على التشبيه في النموّ والنبات.

(وظلمات الأرض الأرحام).

في القاموس: «الرحِم _ بالكسر، وككتف _ : بيت منبت الولد ووعاؤه.الجمع: أرحام»(3).

ولعلّ إضافة الظلمات بالأرض لأدنى ملابسة، أي الظلمات المجاورة للأرض، ولذا فسّرها عليه السلام بالأرحام.

وقيل: شبّه الأرحام بالظلمات في الظلمة، أو بالأرض في كونه محلّاً للنبات.قال: والأوّل أنسب لظاهر العبارة(4).

(والرطب ما يحيى) من الحياة، أو يصير حيّا من الناس بيان للموصول.

ص: 356


1- مجمع البيان، ج 4، ص 72 مع اختلاف في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 288 مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 118 مع التلخيص
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 344 مع اختلاف في اللفظ

وفي بعض النسخ: «ما يجيء»، ولعلّ المراد ما يجيء ويأتي على الدُّنيا، ويصير في زمرة الأحياء، فمآل النسختين واحد.

(واليابس ما يقبض) على البناء للمفعول، أي يتوفّى ويموت بقرينة المقابلة.

والحاصل: أنّه تعالى يعلم الحيّ من الناس والميّت منهم.وفي تفاسير العيّاشي وعليّ بن إبراهيم والطبرسي: «ما يغيض» بالغين المعجمة وبعدها الياء المثنّاة التحتانيّة(1).قال الفيروزآبادي: «غاض الماء يغيض غيضا: قلَّ، ونقص.«وَ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ» أي ما تنقص عن تسعة أشهر.والغيض: السقط الذي لم يتمّ خلقه»(2).

قال بعض الأفاضل: يحتمل حينئذٍ أن يكون المراد بالسقط ما يسقط قبل حلول الروح، أو قبل خلق أجزاء البدن أيضا، والمراد بالحبّة ما يكون في علم اللّه أنّه تحلّ فيه الروح، وهو ينقسم إلى قسمين؛ فإمّا أن ينزل في أوانه، ويعيش خارج الرحم، وهو الرطب.وإمّا أن ينزل قبل كماله، فيفوت إمّا في الرحم، أو في خارجها، وهو اليابس(3).

وأيّده بما رواه العيّاشي عن الحسين بن خالد، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول اللّه : «وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَا يَعْلَمُهَا» الآية؟ فقال: «الورق: السقط يسقط من بطن اُمّه من قبل أن يهلّ الولد» قال: فقلت: وقوله: «وَلَا حَبَّةٍ» ؟ قال: «يعني الولد في بطن اُمّه إذا أهلّ وسقط من قبل الولادة» قال: قلت: قوله: «وَلَا رَطْبٍ» ؟ قال: «يعني المضغة إذا استكنت في الرحم قبل أن يتمّ خلقها وقبل أن ينتقل» قال: قلت: قوله: «وَلَا يَابِسٍ» ؟ قال: «الولد التامّ» وقال: قلت: «فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» ؟ قال: «في إمامٍ مبين»(4).

(وكلّ ذلك في إمامٍ مبين) أي معرّف للأشياء ومبيّن لها، أو بيّن ومتّضح بنفسه.ويحتمل كونه من الإبانة، بمعنى الفصل والتفريق، أي مفرّق بين الحقّ والباطل.

قال الفيروزآبادي: بيّنته وتبيّنته وأبنته واستبنته: أوضحته، وعرّفته، فبانَ وبيّن وتبيّن وأبان واستبان،

ص: 357


1- راجع: تفسير العيّاشي، ج 1، ص 361، ح 28؛ تفسير القمّي، ج 1، ص 202 (وفيه: تغيض)؛ مجمع البيان، ج 4، ص 72
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 339 (غيض) مع التلخيص
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 221
4- تفسير العيّاشي، ج 1، ص 361، ح 29

كلّها لازمة متعدّية.وضربه فأبان رأسه، فهو مبين ومبين، كمحسن، انتهى(1).

أقول: الظاهر أنّ هذه الفقرة بجملتها تفسير لقوله تعالى: «فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» وأنّ المراد بإمامٍ مبين أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده المعصومين عليهم السلام ؛ لأنّ فيهم علوم الأوّلين والآخرين، وعلم اللّوح والقرآن الكريم، يدلّ على ذلك ما رواه الخاصّة والعامّة في تفسير قوله تعالى: «وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» : (2). أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أشار إلى أمير المؤمنين عليه السلام بعد نزولها وقال: «هذا هو الإمام المبين»(3).

(قال: وسألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: «سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ (قبلكم)» ).

كذا في نسخ الكتاب، ولعلّه اشتباه من الراوي، أو تغيير من النسّاخ، ويحتمل بعيد أن يكون هكذا في مصحفهم عليهم السلام ؛ فإنّ هذا المضمون ورد في مواضع كثيرة من القرآن، لكن ليس في شيء منها لفظ «من قبلكم»؛ ففي سورة الروم: «قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ» (4). ، وفي موضع آخر منها: «أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» (5).، وقريب منهما في سورة الأنعام ويوسف والنحل والنمل والعنكبوت والروم وفاطر والمؤمن في الموضعين، ثمّ المشهور بين المفسّرين في تفسير مضمون تلك الآيات أنّ اللّه تعالى أمر أهل مكّة بالمسافرة في الأرض على وجه التدبّر والاعتبار، والتفكّر في آثار ديار المكذّبين من الاُمم السابقة والقرون الماضية؛ فإنّ رسومها كانت باقية، وأخبار أهاليها شايعة، وما نزل عليهم من الخسف والهلاك بأنواع العقوبات ذايعة، فإذا ساروا في الأرض وسمعوا أخبارهم وعاينوا آثارهم ساقهم ذلك إلى التصديق والإيمان، وزجرهم عن التكذيب والطغيان.

(فقال: عنى بذلك) أي أراد بالسير والنظر.

(أي انظروا في القرآن).

كذا في النسخ، والظاهر إسقاط لفظ «أي»، أو تبديلها ب«أن».

ص: 358


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 204 (بين) مع التلخيص
2- يس (36): 12
3- اُنظر: الأمالي للصدوق، ص 170، المجلس 32، ح 5؛ معاني الأخبار، ص 95، ح 1؛ مناقب آل أبي طالب عليه السلام ، ج 3، ص 64 و 65
4- .الروم (30): 42
5- .الروم (30): 9

(فاعلموا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم وما أخبركم عنه).

المستتر في «أخبركم» راجع إلى القرآن، وحاصل تفسيره عليه السلام : أنّ هذا خطاب للعلماء، وأمرٌ لهم بالسير المعنوي في الأرض، والتفكّر في أخبار القرآن، ليحصل لهم العبور الروحاني بأحوال أهلها وكيفيّة عاقبتهم وسوء خاتمتهم بالتكذيب والمخالفة لأنبياء اللّه وأوليائه؛ فإنّ القرآن متضمّن لجميع ذلك جملةً وتفصيلاً.وقريب منه ما رواه الطبرسي عن ابن عبّاس، قال: «من قرأ القرآن وعلمه، سار في الأرض لأنّ فيه أخبار الاُمم»(1).

(قال: فقلت: فقوله تعالى) في سورة الصافّات: «وَإِنَّكُمْ» .

قال البيضاوي: الخطاب لأهل مكّة.

«لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ» أي على منازلهم في متاجركم إلى الشام؛ فإنّ سدوم في طريقه.

«مُصْبِحِينَ» : داخلين في الصباح.

«وَبِاللَّيْلِ» ؛ أي مساءً أو نهارا وليلاً، ولعلّها وقعت قريب منزل يمرّ بهما المرتجل عنه صباحا، والقاصد لهما مساءً.

«أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (2). أليس فيكم عقلٌ تعتبرون به، انتهى(3).

وفسّره عليه السلام بالمرور العقلي على أحوالهم والعبور الفكري لسوء عاقبتهم عند تلاوة القرآن بالليل والنهار.

(قال تمرّون عليهم) أي على أخبارهم وقصصهم في القرآن.

(إذا قرأتم القرآن) قراءة فهم وتدبّر (تقرأ ما قصّ اللّه عليكم من خبرهم).

القراءة: التلاوة.

قال الفيروزآبادي: «قصّ أثره قصّا وقصصا: تتبّعه.والخبر: أعلمه.و «نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ» : (4).نبيِّن لك أحسن البيان.والقاصّ: من يأتي بالقصّة»(5).

أقول: الظاهر أنّ «قرأ» على البناء للفاعل، وفاعله القرآن، وإسناد القراءة إليه مجاز.

ص: 359


1- مجمع البيان، ج 8، ص 66
2- .الصافّات (37): 137 _ 138
3- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 26 مع اختلاف يسير في اللفظ
4- يوسف (12): 3
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 313 (قصص) مع التلخيص

وقال بعض الأفاضل:

«فقرئ» على البناء للمفعول، أي إذا قرأت القرآن فكأنّ اللّه قرأ عليك ما قصّ في كتابه من خبرهم، فقوله: «عليكم» متعلّق ب«قرئ» و«قصّ» على التنازع(1).

أقول: أنت خبير بأنّ هذا الاحتمال لا يساعده رسم الخطّ.

ثمّ قال الفاضل المذكور:

ويحتمل على بُعد أن يكون المراد قراءة الإمام، وإن كان بعض مشايخنا يقرأ «قرأ» على المعلوم، أي قَرَأ القارئ منكم وممّن عاصرنا كان صحّف فقرأ: «فاقرأ» على صيغة الأمر، وهو مع عدم استقامته لا يساعده رسم الخطّ أيضا، والصواب ما ذكرناه أوّلاً(2).

انتهى كلامه، وقد عرفت ما فيه.

متن الحديث التاسع والأربعين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ (3)، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَبَلِ لَمْ يُسَمِّهِ ، قَالَ :

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «عَلَيْكَ بِالتِّلَادِ ، وَإِيَّاكَ وَكُلَّ مُحْدَثٍ لَا عَهْدَ لَهُ وَلَا أَمَانَةَ وَلَا ذِمَّةَ وَلَا مِيثَاقَ ، وَكُنْ عَلى حَذَرٍ مِنْ أَوْثَقِ النَّاسِ فِي نَفْسِكَ ؛ فَإِنَّ النَّاسَ أَعْدَاءُ النِّعَمِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (عنه) أي عن يحيى الحلبي.

(عن ابن مسكان، عن رجل من أهل الجبل لم يسمّه).

الضمير المستتر لابن مسكان، والبارز للرجل.

قال في القاموس: «بلاد الجبل: مُدُن بين أذربايجان وعراقي العرب وخوزستان وفارس وبلاد الديلم»(4).

ص: 360


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 223
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 223 مع اختلاف في اللفظ
3- . الضمير راجع إلى يحيى الحلبيّ المذكور في السند السابق
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 344 (جبل)

وقوله: (بالتلاد) بكسر التاء.

قال الجوهري: «التالد: المال القديم الأصلي الذي ولد عندك، وهو نقيض الطارف، وكذلك التِلاد والإتلاد.وأصل التاء فيه واو، وتقول منه: تلد المال يتّلد ويتلد تلودا» (1).

(وإيّاك وكلّ محدث لا عهد له ولا أمانة ولا ذمّة ولا ميثاق).

الحدوث: كون الشيء لم يكن، وأحدثه اللّه فهو مُحدَث.

والعهد: الوصيّة، والموثّق، واليمين، والحفاظ، ورعاية الحرمة، والأمان، والالتقاء، والمعرفة، والوفاء، والضمان.

والأمانة: ضدّ الخيانة.

والذمّة _ بالكسر _ : العهد، والكفالة.

والميثاق: العهد، وأصل الياء فيه واو.

ولعلّ المراد: عليك بمصاحبة الصاحب القديم المجرّب الذي جرّبته مرّةً بعد اُخرى، وبينك وبينه ذِممٌ وعهود ومواثيق، وتحقّق لك وثبت عندك أمانته، واحذر عن مصاحبة كلّ صاحب جديد لا عهد له معك، ولم تعرف له أمانة، ولم يحصل بينك وبينه ذمّة ولا ميثاق.

وقيل: يحتمل أن يكون أخذ التالد كناية عن متابعة أئمّة الهُدى عليهم السلام ؛ فإنّ حقّهم وحرمتهم وأمانتهم ووجوب متابعتهم وعلمهم وكمالهم كلّها تالد قديم، ورثوا عن آبائهم الكرام إلى آدم عليهم السلام ، والمحدث عبارة عن أئمّة الجور الذين لم يعهد خلافتهم عن الرسول صلى الله عليه و آله ، وإنّما حدثت بعده صلى الله عليه و آله باتّفاق أهل الحيل، فلا عهد لهم من الرسول صلى الله عليه و آله على الناس فيهم، وليس لهم أمانة يصلحون لأن يؤتمنوا على أديان المسلمين وأحكامهم، ولا ذمّة، أي حرمة، أي لا يفون بذمام وأمان، ولا ميثاق أخذ اللّه لهم على الخلق، كما أخذ لأئمّة الحقّ، أو لا يفون بميثاق.

أو المراد بالتالد ما وافق من الأديان والشرائع وأحكام الكتاب والسنّة، وبالمحدث كلّ ما ابتدع من ذلك، وتطبيق باقي الفقرات عليه ظاهر، بما مرّ من التقريب، انتهى(2).

وقال بعض الشارحين: هذه النصيحة يندرج فيها اُمور، منها: التمسّك بالأحكام الشرعيّة، والخلافة النبويّة،

ص: 361


1- . الصحاح، ج 2، ص 450 (تلد)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 224 مع اختلاف يسير في اللفظ

والولاية الإماميّة الثابتة بالنصّ والوحي في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله ، وترك ما سواها ممّا حدث بعده صلى الله عليه و آله بالآراء البشريّة(1).

وقال:

الفرق بين العهد وما عطف عليه دقيق.ولعلّ المراد بالعهد تذكّر الحقوق ورعايتها والأمر بها، وبالأمانة ردّ حقّ الغير إليه، وبالذمّة حفظ ما يجب حفظه، وبالميثاق الوفاء بالعهود والأيمان وغيرها.ثمّ أمر عليه السلام بالحذر والتحرّز من أشدّ الناس وثوقا ائتمانا فضلاً عن غيره، وأمر بكتمان الأسرار والعقائد والضمائر وغيرها ممّا يكون في إظهاره وإفشائه مفسدة دنيّة أو دنيويّة(2).

وقال: (وكُن على حذرٍ من أوثق الناس في نفسك) أي في قلبك وخاطرك، أو عندك.

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِى وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ» (3). : «تعلم ما أخفيه في نفسي، ولا أعلم ما تخفيه من معلوماتك»(4).

وقال الفيروزآبادي: «النفس: العند.«تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِى وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ» أي ما عندي وما عندك»(5).

ثمّ علّل الأمر بالحذر بقوله: (فإنّ الناس أعداء النِّعم) جمع النِعمة، بالكسر؛ أي يريدون زوالها حسدا، ويجتهدون فيه، ويتعاونون عليه، أو يفعلون ما يوجب زوالها، وإن كان بجهالتهم، ولذلك ينبغي أن يكون الإنسان محترزا من أصدقائه؛ إذ لعلّه يكون فيه هذه السجيّة الذميمة، فيخدعه، ويدلّه على ما يوجب زوال نعمته، وربّما يغويه بجهالته عن طريق الرّشد والصواب، ويفسد أمره ويرى أنّه مصلح.

متن الحديث الخمسين والثلاثمائة

اشارة

يَحْيَى الْحَلَبِيُّ (6)، عَنْ أَبِي الْمُسْتَهِلِّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ ، قَالَ :

ص: 362


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 345
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 345 مع التصرّف واختلاف في اللفظ
3- المائدة (5): 116
4- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 483 مع التلخيص
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 255 (نفس) مع التلخيص
6- . السند معلّق، ويروي عن يحيى الحلبي محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد و الحسين بن سعيد جميعا عن النضر بن سويد

سَأَلَنِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «مَا دَعَاكُمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعْتُمْ فِيهِ زَيْدا؟».

قَالَ : قُلْتُ : خِصَالٌ ثَلَاثٌ ، أَمَّا إِحْدَاهُنَّ فَقِلَّةُ مَنْ تَخَلَّفَ مَعَنَا ، إِنَّمَا كُنَّا ثَمَانِيَةَ نَفَرٍ ، وَأَمَّا الْأُخْرى فَالَّذِي تَخَوَّفْنَا مِنَ الصُّبْحِ أَنْ يَفْضَحَنَا ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنَّهُ كَانَ مَضْجَعَهُ الَّذِي كَانَ (1)سَبَقَ إِلَيْهِ .

فَقَالَ : «كَمْ إِلَى الْفُرَاتِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعْتُمُوهُ فِيهِ؟».

قُلْتُ : قَذْفَةُ حَجَرٍ .

فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللّهِ ، أَفَلَا كُنْتُمْ أَوْقَرْتُمُوهُ حَدِيدا وَقَذَفْتُمُوهُ فِي الْفُرَاتِ وَكَانَ أَفْضَلَ؟».

فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، لَا وَ اللّهِ مَا طُقْنَا لِهذَا .

فَقَالَ : «أَيَّ شَيْءٍ كُنْتُمْ يَوْمَ خَرَجْتُمْ مَعَ زَيْدٍ؟» قُلْتُ (2): مُؤْمِنِينَ .

قَالَ : «فَمَا كَانَ عَدُوُّكُمْ؟» قُلْتُ : كُفَّارا ، قَالَ : «فَإِنِّي أَجِدُ فِي كِتَابِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا «فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها» (3)فَابْتَدَأْتُمْ أَنْتُمْ بِتَخْلِيَةِ مَنْ أَسَرْتُمْ ، سُبْحَانَ اللّهِ، مَا اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَسِيرُوا بِالْعَدْلِ سَاعَةً» .

شرح الحديث:

قوله: (يحيى الحلبي) بالإسناد السابق.

(عن أبي المستهلّ).

الظاهر أنّه الكميت، وهو ممدوح، فالسند حسن، بعيد أن يُراد به حمّاد بن أبي العطّار، أو سلمة، وهما مجهولان، فالسند مجهول.

(عن سليمان بن خالد).

قال العلّامة رحمه الله في الخلاصة: سليمان بن خالد بن دهقان بن نافلة، مولى عفيف أبو الربيع الأقطع، خرج مع زيد، فقطعت إصبعه، ولم يخرج من أصحاب أبي جعفر عليه السلام غيره ثقة صاحب قرآن.

وقال البرقي: سليمان بن خالد البجلي الأقطع، كوفي، كان خرج مع زيد بن علي، فأفلت.

ص: 363


1- . في بعض نسخ الكافي و شرح المازندراني والوافي: - «كان»
2- . في بعض نسخ الكافي: «فقلت»
3- . محمّد (47): 4

وفي كتاب سعد: أنّه خرج مع زيد فأفلت، فمنَّ اللّه عليه وتاب ورجع بعد [ذلك]، وكان فقيها وجيها، روى عن الصادق عليه السلام والباقر عليه السلام : وكان الذي قطع يده يوسف بن عمر بنفسه.وقال النجاشي: «فقطعت يده بدل إصبعه، وقال: إنّه ثقة، مات في حياة أبي عبداللّه عليه السلام ، فتوجّع لفقده، ودعى لولده، وأوصى بهم أصحابه(1).

(قال: سألني أبو عبداللّه عليه السلام فقال: ما دعاكم إلى الموضع الذي وضعتم فيه زيدا)أي دفنتم فيه جثّة زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام .وهذا الاستفهام منه عليه السلام من باب التعيير والتوبيخ لهم على ذلك؛ لأنّه آل إلى أن أخرجوه وأحرقوه.

روى بعض الأفاضل عن السُّدّي عن أشياخه: أنّ زيد بن عليّ ومحمّد بن عُمَر بن عليّ بن أبي طالب وداود بن عليّ بن عبداللّه بن العبّاس دخلوا على خالد بن عبداللّه القسري _ وهو وال على العراق _ فأكرمهم، وأجازهم، ورجعوا إلى المدينة، فلمّا ولّى يوسف بن عُمَر (2)العراق، وعُزِل خالد، كتب إلى هشام بن عبد الملك يخبره بقدومهم على خالد، وأنّه أحسن جوائزهم، وابتاع من زيد أرضا بعشرة آلاف دينار، ثمّ ردَّ الأرض إليه، فكتب هشام إلى واليه بالمدينة أن يسرّحهم إليه ففعل، فلمّا دخلوا عليه سألهم عن القصّة، فقالوا: أمّا الجوائز فنعم، وأمّا الأرض فلا، فأحلفهم فحلفوا له، فصدّقهم وردّهم مكرمين، وقال وهب بن منبّة: جرت بين زيد بن علي وبين عبداللّه بن الحسن بن الحسن خشونة تسابّا فيها، وذكرا اُمّهات الأولاد، فقدم زيد على هشام بهذا السبب، فقال له هشام: بلغني أنّك تذكر الخلافة ولست هناك؟ فقال: ولِمَ؟ فقال: لأنّك ابن أَمَة، فقال: قد كان إسماعيل عليه السلام ابن أَمَة، فضربه هشام ثمانين سوطا.وذكر ابن سعد عن الواقدي: إنّ زيد بن عليّ قدم على هشام، ورفع إليه دينارا كثيرا وحوائج، ولم يقض منها شيئا، فأسمعه هشام كلاما غليظا، فخرج من عند هشام وقال: ما أحبَّ أحدٌ الحياة إلّا ذلّ.ثمّ مضى إلى الكوفة، وبها يوسف بن عمر عامل هشام.قال الواقدي: وكان دَينه خمسمائة آلاف درهم، فلمّا قُتل قال هشام: ليتنا قضيناها فكان أهون ممّا صار إليه.قال الواقدي: وبلغ هشام بن عبد الملك مقام زيد بالكوفة، فكتب إلى يوسف بن عمر: أن أشخص زيد إلى المدينة، فإنّي أخاف أن يخرجه أهل الكوفة؛ لأنّه حُلْو الكلام

ص: 364


1- خلاصة الأقوال، ص 153، الرقم 2.وانظر: رجال النجاشي، ص 183، الرقم 484
2- . في المصدر: «عمرو»

لَسِنٌ مع ما فيه من قرابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .فبعث يوسف بن عمر إلى زيد يأمره بالخروج إلى المدينة، وهو يتعلّل عليه، والشيعة تتردّد إليه، فأقام زيد بالكوفة خمسة أشهر ويوسف بن عمر مُقيم بالحيرة، فبعث إليه يقول: لابدّ من إشخاصك، فخرج يريد المدينة وتبعه الشيعة يقولون: أين تذهب ومعك منّا مائة ألف يضربون دونك بسيوفهم، ولم يزالوا به حتّى رجع إلى الكوفة، فبايعه جماعة منهم سلمة بن كهيل ومنصور بن خزيمة في آخرين، فقال له داود بن علي: يابن عمّ، لا يغرنّك هؤلاء من نفسك، ففي أهل بيتك لك أتمّ العبرة، وفي خذلانهم إيّاهم كفاية، ولم يزَل به حتّى شخص إلى القادسيّة، فتبعه جماعة يقولون له: ارجع فأنت المهديّ، وداود يقول: لا تفعل، فهؤلاء قتلوا أخاك وإخوتك وفعلوا ما فعلوا، فبايعه خمسة عشر ألفا على [نصر] كتاب اللّه وسنّة رسوله وجهاد الظالمين ونصر المظلومين وإعطاء المحرومين ونصرة أهل البيت على عدوّهم، فأقام مختفيا على هذا سبعة عشر شهرا، والناس ينتابونه من الأمصار والقرى، ثمّ أذِنَ للناس بالخروج، فتقاعد عنه ممّن بايعه وقالوا: إنّ الإمام جعفر بن محمّد بن علي، فواعد مَن وافقه على الخروج في أوّل ليلة من صفر سنة اثنتين وعشرين ومائة، فخرج فوافى إليه مائتا رجل وعشرون رجلاً، فقال: سبحان اللّه أين القوم؟ فقالوا: في المسجد محصورون.وجاء يوسف بن عُمر في جُموع أهل الشام، فاقتتلوا، فهزمهم زيد ومن معه، فجاءه سهمٌ في جبهته، فوقع، فأدخلوه بيتا، ونزعوا السهم من وجهه، فمات، وجاؤوا به إلى نهر، فأسكروا الماء، وحفروا له ودفنوه، وأجروا عليه الماء، وتفرّق الناس، وتوارى ولده يحيى بن زيد، فلمّا سكن الطلب خرج في نفر من الزيديّة إلى خراسان، وجاء واحد ممّن حضر دفن زيد إلى يوسف بن عمر، فدلّه على قبره، فنبشه وقطع رأسه، وبعث به إلى هشام، فنصبه على باب دمشق، ثمّ أعاده إلى المدينة ونصبه بها، ونصب يوسف بن عُمَر بدنه بالكوفة حتّى مات هشام بن عبد الملك، وقام الوليد فأمر به فاُحرق.

وقيل: إنّ هشاما أحرقه، فلمّا ظهر بنو العبّاس على بني اُميّة نبش عبد الصمد بن علي.وقيل: عبداللّه بن علي هشام بن عبد الملك، فوجده صحيحا، فضربه ثمانين سوطا، وأحرقه بالنار، كما فعل بزيد، وكان سنّه يوم قُتِلَ اثنين وأربعين سنة.

وقيل: إنّ مقتله كان سنة اثنتين وعشرين ومائة.وقال الواقدي: سنة ثلاث وعشرين ومائة

ص: 365

يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر.وقيل: سنة عشرين.وقيل: سنة إحدي وعشرين(1).

(قال: قلت: خصال ثلاث، أمّا إحداهنّ فقلّة من تخلّف) أي تأخّر وبقى.

(معنا) أي من أتباع زيد؛ لأنّ بعضهم قُتل وبعضهم هرب.

(إنّما كنّا) مع جنازته (ثمانية نفر).

(وأمّا الاُخرى) أي الخصلة الأُخرى من الثلاث.

(فالذي تخوّفنا) أي الذي خفناه عليه وعلى أنفسنا.

وقوله: (من الصبح) أي من طلوعه، بيان للموصول.قال الجوهري: «تخوّفت عليه الشيء أي خفت»(2).

وقوله: (أن يفضحنا) أي بأن يفضحنا، وكشف سرّنا، معلّق بالتخوّف.يُقال: فضحه فافتضح: إذا انكشفت مساويه.والاسم: الفضيحة.

(وأمّا الثالثة فإنّه) أي المدفن الذي دفنّاه فيه.

(كان مضجعه الذي كان سبق إليه).

في بعض النسخ: «سيقَ إليه» بالياء المثنّاة التحتانيّة، ولعلّ المراد أنّ هذا المضجع والمدفن هو المنزل الذي نزل فيه أوّلاً، أو مقتله الذي كان قُتل فيه، أو أنّه كان مضجعه ومدفنه في العلم الأزلي، وسبق ذلك في علم اللّه ، أي هكذا قدّر وقضى.

(فقال: كم إلى الفرات) من المسافة.

والفرات _ كغراب _ : نهرٌ بالكوفة.

(من الموضع الذي وضعتموه فيه) أي دفنتم زيدا في ذلك الموضع.

(قلت: قذفة حجر) إلى قوله: (كان أفضل).

القذف بالحجر: الرمي به.والمرّة: قذفة.

والوِقر _ بالكسر _ : الحِمل الثقيل، أو الأعمّ.ومنه أوقر الدابّة إيقارا، أي ثقل حملها.

(فقلت: جُعلت فداك، لا واللّه ما طقنا) أي ما قدرنا.

ص: 366


1- الناقل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 225 _ 227
2- الصحاح، ج 4، ص 1359 (خوف)

(لهذا) إشارة إلى ما ذكر من الإيقار بالحجر، والقذف في الفرات.قال الفيروزآبادي في الأجوف الواوي: «الإطاقة: القدرة على الشيء.وقد طاقه طوقا وأطاقه عليه، والاسم: الطاقة»(1).

وبهذا ظهر فساد ما قيل من أنّ الظاهر: «ما أطقنا» بالهمزة، ثمّ أراد عليه السلام أن ينبّه بتخطئة من خرج مع زيد، وأنّهم خالفوا حكم كتاب اللّه بتخلية الاُسراء في أثناء الحرب، أو بأنّهم لم يكونوا مستأهلين للخروج؛ لجهلهم، كما يستفاد من أخبار اُخر(2).

(فقال: أيّ شيء كنتم) أي على أيّة حالة وأيّة صفة كنتم.

(يوم خرجتم مع زيد)؛ لمحاربة بني اُميّة.

(قلت: مؤمنين) أي كنّا يومئذٍ مؤمنين.

(قال: فما كان عدوّكم) أي فما كان حالهم وصفتهم.

(قلت: كفّارا) أي كانوا كفرة.

(قال: فإنّي أجد في كتاب اللّه عزّ وجلّ).

الفاء فصيحة.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيْتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا).

كذا في النسخ، وفي سورة القتال صدر الآية: «فَإِذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا» (3)، فلعلّ تقديرها هنا ب«يا أيّها الذين آمنوا» لبيان أنّ هذا الخطاب مع المؤمنين، ويحتمل أن يكون في مصحفهم عليهم السلام كذلك.وقيل: لعلّه من النسّاخ(4).

هذا والمشهور بين المفسّرين أنّ المراد بلقاء الكفّار لقاؤهم في القتال(5).

وقيل: في دار الحرب(6).

«فَضَرْبَ الرِّقَابِ» .

قيل: أي فاضربوا أعناقهم(7).

ص: 367


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 261 (طوق)
2- اُنظر: مرآة العقول، ج 26، ص 228
3- . محمّد (47): 4
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 228
5- اُنظر: الكشّاف، ج 3، ص 530؛ تفسير البيضاوي، ج 5، ص 189
6- ذهب إليه النيسابوري في تفسير غرائب القرآن، ج 6، ص 129
7- ذهب إليه الشيخ الطوسي رحمه الله في التبيان، ج 9، ص 291

وقيل: هذا تعليم القتل، وكناية عنه، والتعبير به عن القتل إشعارٌ بأنّه ينبغي أن يكون بضرب الرقبة حيث أمكن، وتصوير له بأشنع صورة(1).

وقيل: كناية عن القتل بالسلاح وضرب الرِّقاب، مصدر مضاف إلى المفعول، وأصله: فاضربوا الرِّقاب ضربا، فحذف الفعل، واُقيم المصدر مقامه، واُضيف إلى المفعول اختصارا(2).

«حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ» أي ظفرتم بهم، وأكثرتم القتل فيهم وأغلظتموه.

قال الفيروزآبادي:

ثخن _ ككرم _ ثخونة وثخانة وثَخَنا، وكعنب، غلظ، وصلب، فهو ثخين.وأثخن في العدوّ: بالغ الجراحة فيهم.وفلانا: أوهنه.و «حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ» أي غلبتموهم، وكثر فيهم الجراح(3).

«فَشُدُّوا الْوَثَاقَ» أي فأسروهم، واحفظوهم، وشدّوهم بالحبال والسّيور المُحكمة الوثيقة.

والوثاق _ بالفتح والكسر _ : ما يوثق به.

«فَإِمَّا مَنّا بَعْدُ» أي بعد شدّ الوثاق.

«وَإِمَّا فِدَاءً» أي: وإمّا أن تمنّوا عليهم منّا بعفو من غير عوض، وإمّا أن تفادوهم أو تفدوهم فداءً بمال.وقيل: منّا بالعتق أو فداء بالبيع(4).والفداء هاهنا مصدر فادى، فهو ممدود مكسور، وإن كان مِن فديته جاز فيه المدّ مفتوحا ومكسورا ومضموما، وجاز القصر مفتوحا لا غير، وقد قرئ فَدا كعصا.

«حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا» .

في القاموس: «الوِزر _ بالكسر _ : الإثم، والثقل، والسلاح، والحمل الثقيل.الجمع: «أوزار»(5).

وقال البيضاوي:

آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلّا بهما، كالسلاح والكراع، أي ينقضي الحرب ولم يبق إلّا مسلم أو مسالم.وقيل: آثامها.والمعنى: حتّى تضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم، وهو غاية للضرب، أو الشداد، أو المنّ والفداء، أو للمجموع، بمعنى أنّ

ص: 368


1- ذهب إليه الزمخشري في الكشّاف، ج 3، ص 530؛ والبيضاوي في تفسيره، ج 5، ص 189
2- ذهب إليه الشيخ الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان، ج 9، ص 160
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 206 (ثخن)
4- ذهب إليه الطبرسي رحمه الله في جامع البيان، ج 26، ص 26
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 154 (وزر)

هذه الأحكام جارية فيها حتّى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم.وقيل: فيها عيسى، انتهى(1).

وقال بعض المفسّرين: «الحرب هنا جمع حارب، فلا يحتاج حينئذٍ إلى إضمار الأهل»(2).

وقال:

في النسخ أقوال؛ قال بعضهم: الآية منسوخة وهي في أهل الأوثان لا تجري؛ لأنّه لا يجوز أن يفادوا، ولا أن يمنّ عليهم، والناسخ لها: اقتلوا المشركين.وقال بعضهم: هي ناسخة، ولا يجوز أن يقتلوا الأسير، ولكن يمنّ عليه أو يُفادى.وقال بعضهم: لا يجوز الأسر إلّا بعد الإثخان أو القتل، فإذا أسر العدوّ بعد ذلك فللإمام أن يحكم فيه بما يرى من قتل أو منّ أو مفاداة(3).

وقال الشهيد رحمه الله في الدروس:

أمّا الأسارى فالإناث والأطفال يملكون بالسبي مطلقا، والذكور البالغون يُقتلون حتما إن اُخذوا، ولمّا تضع الحرب أوزارها إلّا أن يسلموا، وإن اُخذوا بعد الحرب تخيّر الإمام فيهم بين المنّ والفداء والاسترقاق.ومنع في المبسوط (4).من استرقاق مَن لا يقرّ على دينه، كما لو ثنى، بل يمنّ عليه أو يُفادى، وتبعه الفاضل (5)(6).

(فابتدأتم أنتم بتخلية من أسرتم) أي كان حكم اللّه أن تقتلوا مَنْ أسرتم في أثناء الحرب، وأنتم خلّيتموهم بعد الأسر، والحرب قائمة، ولم تقتلوهم، ولذلك ظفروا عليكم، وصرتم مغلوبين.ثمّ قال عليه السلام على سبيل التعجّب: (سبحان اللّه ، ما استطعتم أن تسيروا بالعدل ساعة).

المراد بالعدل الحقّ الذي لا إفراط فيه ولا تفريط أصلاً.

متن الحديث الواحد والخمسين والثلاثمائة

اشارة

يَحْيَى الْحَلَبِيُّ (7)، عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَعْفى نَبِيَّكُمْ أَنْ يَلْقى مِنْ أُمَّتِهِ مَا لَقِيَتِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ

ص: 369


1- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 189
2- ذهب إليه الثعلبي في تفسيره، ج 9، ص 30
3- اُنظر: التبيان، ج 9، ص 291؛ معالم التنزيل، ج 4، ص 209
4- . المبسوط، ج 2، ص 20
5- . مختلف الشيعة، ج 4، ص 422 و 423
6- الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 36، الدرس 130
7- . السند معلّق كسابقه

أُمَمِهَا ، وَجَعَلَ ذلِكَ عَلَيْنَا» .

شرح الحديث

السند صحيح على المشهور.

قوله: (إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ أعفى نبيّكم) أي أعطاه العافية والبراءة.

قال الفيروزآبادي: «أعفاه من الأمر، أي برّأه»(1).

وقال الجوهري: «يُقال: أعفني من الخروج معك، أي دعني [منه]»(2).

(أن يلقى من اُمّته ما لقيت الأنبياء من اُممها)

من الإيذاء، والإهانة، والقتل، والإجلاء، وأمثالها؛ فإنّ بعضها وإن وقع من اُمّته بالنسبة إليه عليه السلام لكن لم يقع جميعها، وما وقع منها لم يكن في الشدّة والكثرة مثل ما وقع على سائر الأنبياء.

(وجعل ذلك) المذكور (علينا).

لعلّ الغرض منه إظهار شكر نعمته تعالى؛ فإنّ العافية والبلاء كليهما نعمة لأولياء اللّه وأحبّائه.

متن الحديث الثاني والخمسين والثلاثمائة

اشارة

يَحْيى ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ ضُرَيْسٍ ، قَالَ :

تَمَارَى النَّاسُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : حَرْبُ عَلِيٍّ شَرٌّ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : حَرْبُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله شَرٌّ مِنْ حَرْبِ عَلِيٍّ عليه السلام .

قَالَ : فَسَمِعَهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ : «مَا تَقُولُونَ؟».

فَقَالُوا : أَصْلَحَكَ اللّهُ ، تَمَارَيْنَا فِي حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَفِي حَرْبِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقَالَ بَعْضُنَا : حَرْبُ عَلِيٍّ عليه السلام شَرٌّ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَقَالَ بَعْضُنَا : حَرْبُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله شَرٌّ مِنْ حَرْبِ عَلِيٍّ عليه السلام .

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «لَا، بَلْ حَرْبُ عَلِيٍّ عليه السلام شَرٌّ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ».

ص: 370


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 364 (عفو)
2- الصحاح، ج 6، ص 2432 (عفا)

فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَحَرْبُ عَلِيٍّ عليه السلام شَرٌّ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟

قَالَ : «نَعَمْ ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذلِكَ ؛ إِنَّ حَرْبَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمْ يُقِرُّوا بِالْاءِسْلَامِ ، وَإِنَّ حَرْبَ عَلِيٍّ عليه السلام أَقَرُّوا بِالْاءِسْلَامِ ، ثُمَّ جَحَدُوهُ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (يحيى) الحلبي، هو الحلبي المذكور.

وقوله: (تمارى الناس عند أبي جعفر عليه السلام ).

التماري: الشكّ، والخصومة.

(فقال بعضهم: حرب عليّ شرٌّ من حرب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ).

في القاموس: «الحرب: معروف، وقد تذكّر.الجمع: الحروب.ورجلٌ حرب، أي عدوٌّ محارب، وإن لم يكن محاربا، للذّكر والاُنثى، والجمع والواحد»(1).

أقول: الظاهر هنا إرادة المعنى الثاني بقرينة قوله عليه السلام : (إنّ حرب رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يقرّوا بالإسلام)، ويظهر من هذا الخبر أنّ مخالفة الحقّ مع العلم ومعاندته أشدّ قبحا من مخالفته ومحاربة أهله جهلاً وضلالاً.

متن الحديث الثالث والخمسين والثلاثمائة

اشارة

يَحْيَى بْنُ عِمْرَانَ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ» (2).قُلْتُ : وُلْدُهُ كَيْفَ أُوتِيَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ؟

قَالَ : «أَحْيَا لَهُ مِنْ وُلْدِهِ الَّذِينَ كَانُوا مَاتُوا قَبْلَ ذلِكَ بِآجَالِهِمْ مِثْلَ الَّذِينَ هَلَكُوا يَوْمَئِذٍ» .

شرح الحديث

السند صحيح على المشهور.

ص: 371


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 53 (حرب) مع التلخيص
2- . الأنبياء (21): 84

قوله: (يحيى بن عمران).

هو الحلبي المتقدّم ذكره في الأسانيد.

وقوله: (عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الأنبياء: «وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» (1).

قال البيضاوي: كان أيّوب روميّا من ولد عيص بن إسحاق، استنبأه اللّه تعالى وكثّر أهله وماله، وابتلاه بهلاك أولاده بهدم بيت عليهم وذهاب أمواله والمرض في بدنه ثماني عشرة سنة، أو ثلاث عشرة، أو سبعا وسبعة أشهر وسبع ساعات.وروي أنّ امرأته ماخير بنت ميشا ابن يوسف أو رحمة بنت افراثيم بن يوسف، قالت له يوما: لو دعوتَ اللّه ، فقال: كم كانت مدّة الرخاء؟ فقالت: ثمانين سنة.فقال: أستحي من اللّه أن أدعوه، وما بلغت مدّة بلائي مدّة رخائي، «فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ» بالشفاء من مرضه(2).

«وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ» (3)بأن ولد له ضعف ما كان، أو إحياء ولده، وولد له منهم نوافل.

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله: قال ابن عبّاس وابن مسعود: ردَّ اللّه سبحانه عليه أهله الذين هلكوا بأعيانهم، وأعطاه مثلهم معهم، وكذلك ردَّ اللّه عليه أمواله ومواشيه بأعيانها، وأعطاه مثلها معها.وبه قال الحسن وقتادة، وهو المروي عن أبي عبداللّه عليه السلام .وقيل: [إنّه] خيّر أيّوب فاختار إحياء أهله في الآخرة ومثلهم في الدُّنيا، واُوتي على ما اختار، عن عكرمة ومجاهد.قال وهب: وكان له سبع بنات وثلاثة بنين، وقال ابن يسار: سبعة بنين وسبع بنات(4).

وروى عليّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديثٍ طويل _ إلى أن قال: _ «فردّ اللّه عليه أهله الذين ماتوا بعدما أصابهم البلاء (5).كلّهم أحياهم اللّه له فعاشوا

ص: 372


1- الأنبياء (21): 83
2- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 104 مع اختلاف يسير في اللفظ
3- .الأنبياء (21): 84
4- مجمع البيان، ج 7، ص 106
5- في المصدر: «قبل البلاء، وردّ عليه أهله الذين ماتوا بعد ما أصابه البلاء» بدل «ما أصابهم البلاء»

معه.وسئل أيّوب بعدما عافاه اللّه : أيّ شيء كان أشدُّ عليك ممّا مرّ عليك؟ قال: شماتة الأعداء، قال: فأمطر اللّه عليه في داره فراش الذهب، وكان يجمعه، فإذا ذهب الرّيح منه بشيء عدا خلفه [فردّه] فقال له جبرئيل: أما تشبع يا أيّوب؟ قال: ومن يشبع [من] رزق ربّه»(1).(قال: أحيا له) إلى قوله: (هلكوا يومئذٍ) أي يوم نزول البليّة بهم.

وحاصل المعنى على تفسيره عليه السلام : أنّ اللّه أحيا له ولده الذين ماتوا قبل نزول البليّة بالتفريق بآجالهم وولده الذين هلكوا دفعة بعده.

متن الحديث الرابع والخمسين والثلاثمائة

اشارة

يَحْيَى الْحَلَبِيُّ ، عَنِ الْمُثَنّى ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ (2)عَزَّ وَجَلَّ : «كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِما» (3)قَالَ : «أَ مَا تَرَى الْبَيْتَ إِذَا كَانَ اللَّيْلُ كَانَ أَشَدَّ سَوَادا مِنْ خَارِجٍ ، فَكَذلِكَ (4)هُمْ يَزْدَادُونَ سَوَادا» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله عزّ وجلّ) في سورة يونس: «وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا» .

قال البيضاوي: «الَّذِينَ» مبتدأ، والخبر «جَزَاءُ سَيِّئَةٍ» على تقدير «وجزاء الذين كسبوا السيّئات جزاء سيّئة بمثلها»، أي [أن] يجازي سيّئة بسيّئة مثلها لا يزاد عليها.أو «كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ» أو «أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ» ، وما بينهما اعتراض، «جَزَآءُ سَيِّئَةِ» مبتدأ خبره محذوف، أي فجزاء سيّئة بمثلها واقع، أو بمثلها، على زيادة الباء، أو تقدير مقدّر بِمِثْلِهَا.«وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنْ اللّه ِ مِنْ عَاصِمٍ» : ما من أحد يعصمهم من سخط اللّه ، أو من جهة اللّه ومن عنده كما يكون للمؤمنين كذلك.

«كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعا مِنْ اللَّيْلِ مُظْلِما» ؛ لفرط سوادها وظلمتها،

ص: 373


1- تفسير القمّي، ج 2، ص 242
2- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «قول اللّه »
3- . يونس (10): 27
4- . في الطبعة القديمة: «فذلك»

و «مُظْلِما» حال من الليل، والعامل فيه «أُغْشِيَتْ» ؛ لأنّه العامل في «قِطَعا» ، وموصوف بالجار والمجرور، والعامل في الموصوف عامل في الصفة، أو معنى الفعل في «مِنْ اللَّيْلِ» .وقرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب: «قِطْعا» بالسكون، فعلى هذا يصحّ أن يكون «مُظْلِما» صفة أو حالاً منه، انتهى(1).

وقال الفيروزآبادي: «القِطع _ بالكسر _ : ظلمة آخر الليل، أو القطعة منه كالقطع كعنب، أو من أوّله إلى ثلثه.والقطعة _ بالكسر _ : الطائفة من الشيء»(2).

(قال: أما ترى البيت).

«كان» الاُولى تامّة، والثانية ناقصة.وكان غرضه عليه السلام بيان فائدة إيراد هذا الحال _ أعني مظلما _ بأنّ الليل وإن كان مستلزما للظلمة، لكن يكون بعض المواضع فيه أشدّ ظلمة من بعض، كداخل البيت بالنسبة على خارجه _ مثلاً _ خشية سواد وجوههم بما اُلبست عليه قطع من الليل الموصوفة بزيادة الظلمة.

وقيل: تمثيله عليه السلام بالبيت لإيضاح المقصود والتنبيه على أنّ في وجوههم أفراد من السواد بعضا فوق بعض، وفيه تنفير عن السيّئة الموجبة لهذه البليّة الشديدة التي تتنفّر عنها الطبائع(3).

بقي شيء، وهو أنّ آخر الآية _ وهو قوله تعالى: «أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» _ يدلّ على خلود أهل المعاصي في النار، كما ذهب إليه الوعيديّة، (4). واُجيب بتخصيص السيّئات بإنكار الحقّ وجحوده، ومخالفة أهله في العقائد والأعمال(5).

وأجاب بعضهم: بأنّ الآية في الكفّار لاشتمال السيّئات على الشرك والكفر، ولأنّ الذين أحسنوا في قوله تعالى قبل هذه الآية: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى» (6). يتناول أصحاب الكبيرة من أهل القبلة، فلا يتناول بهم قسميه(7).

وأنت إذا أعطيت النظر حقّه ظهر لك الفرق بين الجوابين، وما فيهما من التكلّف والتحكّم، ويمكن حمل الخلود على طول المكث واللّبث، أو المراد بأهل السيّئة المقرّين

ص: 374


1- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 194 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 70 (قطع) مع التلخيص
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 347
4- اُنظر: الملل والنحل للشهرستاني، ج 1، ص 114؛ كشف المراد، ص 562
5- هو ظاهر شرح المازندراني، ج 12، ص 347
6- يونس (10): 26
7- قاله البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 195

عليها، والاستبعاد في خلودهم في النار، كما يستفاد من ظاهر كثير من الآيات والأخبار.

متن الحديث الخامس والخمسين والثلاثمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْمُعَلَّى (1)بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَعْيَنَ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَلَمْ يَزَلْ يُسَائِلُهُ حَتّى قَالَ : فَهَلَكَ النَّاسُ إِذا ، قَالَ : «إِي وَاللّهِ يَا ابْنَ أَعْيَنَ ، فَهَلَكَ النَّاسُ أَجْمَعِينَ (2)».

قُلْتُ : مَنْ فِي الْمَشْرِقِ ، وَمَنْ فِي الْمَغْرِبِ؟

قَالَ : «إِنَّهَا فُتِحَتْ بِضَلَالٍ ، إِي وَاللّهِ ، لَهَلَكُوا إِلَا ثَلَاثَةً» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (قال: سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبداللّه عليه السلام ).

الظاهر من السِّياق أنّه جرى الكلام فيما وقع بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله من افتتان الخلق وارتدادهم وكفرهم وصيّته وإعراضهم من وصيّته.

(فلم يزل يسائله) فيما ذكر.

(حتّى قال) عبد الملك على سبيل الاستبعاد والاستعظام: (فهلك الناس إذا) أي فعلى ما تقول يلزم كفر النار، وارتدادهم جميعا، وهلاكتهم بعد الرسول صلى الله عليه و آله .فأجابه عليه السلام مؤكّدا بالقسم، وقال: (إي واللّه يا بن أعين، فهلك الناس أجمعين).

في بعض النسخ: «أجمعون» وهو الظاهر، ولعلّه على نسخة الأصل منصوب على الحال وبتقدير «أعني».

ثمّ كرّر السائل الاستبعاد في التعميم، وقال: (مَن في المشرق، ومَن في المغرب).

أي هلك من فيهما جميعا، أو من فيهما هالك أيضا؟ فأجاب عليه السلام بما يرفع استبعاده ويزيل شكّه، وقال: (إنّهما فتحت بضلال).

ص: 375


1- . في بعض نسخ الكافي: «معلّى»
2- . في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «أجمعون»

يعني: أنّ البلاد الشرقيّة والغربيّة التي فتحت في عهد أئمّة الضلال، إنّما فتحت بجهاد أهل الضلال، فقهروا أهلها بما كانوا فيه من مخترعاتهم وبدعهم، فلا استبعاد في ضلالة المقهورين وهلاكتهم، بل الأمر بالعكس.

وقيل: يحتمل بعيدا أن يكون المراد أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله فتحها حين كون أهلها في الضلالة، فلا استبعاد في رجوعهم إليها بعده؛ لعدم استقرار الإيمان في قلوبهم(1).

ثمّ أكّد عليه السلام ذلك الحكم، واستثنى من الهالكين ثلاثة نفر، وهم سلمان وأبو ذرّ والمقداد _ كما مرّ _ وقال: (إي واللّه ، اهلكوا إلّا ثلاثة).

قال بعض الأفاضل:

إنّما لم يستثنهم عليه السلام أوّلاً؛ لكون المراد بالناس هناك المخالفين، ولما عمّهم ثانيا في السؤال ب«مَن في المشرق والمغرب» فكان يشمل هؤلاء أيضا، فاستثناهم(2).

وقال بعض الشارحين:

لا حاجة إلى استثناء أهل البيت عليهم السلام ، كما زعم؛ لأنّ هلاك الناس [بهم و] بترك محبّتهم، فهم غير داخلين في الموضوع.ولا إلى استثناء من رجع عن الباطل ثانيا؛ لأنّ المقصود إثبات الهلاك في الجملة، وغير الثلاثة ارتدّوا بعده، وإن رجع قليلٌ منهم [فتاب]، كما مرّ(3).

متن الحديث السادس والخمسين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ (4)، عَنْ مِهْرَانَ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ وَعِدَّةٍ قَالُوا :

كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام جُلُوسا ، فَقَالَ عليه السلام : «لَا يَسْتَحِقُّ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْاءِيمَانِ حَتّى يَكُونَ الْمَوْتُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْحَيَاةِ ، وَيَكُونَ الْمَرَضُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الصِّحَّةِ ، وَيَكُونَ الْفَقْرُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْغِنى، فَأَنْتُمْ كَذَا؟».

ص: 376


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 348
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 234 مع اختلاف يسير في اللفظ
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 348
4- . في بعض نسخ الكافي: «زيد»

فَقَالُوا : لَا وَاللّهِ، جَعَلَنَا اللّهُ فِدَاكَ .وَسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ، وَوَقَعَ الْيَأْسُ فِي قُلُوبِهِمْ .

فَلَمَّا رَأى مَا دَاخَلَهُمْ (1)مِنْ ذلِكَ ، قَالَ : «أَ يَسُرُّ أَحَدَكُمْ أَنَّهُ عُمِّرَ مَا عُمِّرَ (2)، ثُمَّ (3).يَمُوتُ عَلى غَيْرِ هذَا الْأَمْرِ ، أَوْ يَمُوتُ عَلى مَا هُوَ عَلَيْهِ؟».

قَالُوا : بَلْ يَمُوتُ عَلى مَا هُوَ عَلَيْهِ السَّاعَةَ .

قَالَ : «فَأَرَى الْمَوْتَ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الْحَيَاةِ» .

ثُمَّ قَالَ : «أَ يَسُرُّ أَحَدَكُمْ أَنْ بَقِيَ مَا بَقِيَ لَا يُصِيبُهُ شَيْءٌ مِنْ هذِهِ الْأَمْرَاضِ وَالْأَوْجَاعِ حَتّى يَمُوتَ عَلى غَيْرِ هذَا الْأَمْرِ؟».

قَالُوا : لَا ، يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ .

قَالَ : «فَأَرَى الْمَرَضَ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الصِّحَّةِ» .

ثُمَّ قَالَ : «أَ يَسُرُّ أَحَدَكُمْ أَنَّ لَهُ مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ عَلى غَيْرِ هذَا الْأَمْرِ؟».

قَالُوا : لَا ، يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ .

قَالَ : «فَأَرَى الْفَقْرَ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الْغِنى» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (وعدّة) أي عدّة من الأصحاب، وهو معطوف على «أبان».

(قالوا) أي أبان وتلك العدّة.

(كنّا عند أبي عبداللّه عليه السلام جلوسا) أي جالسين.

(فقال: لا يستحقّ عبد حقيقة الإيمان) قيل: اُريد بحقيقة الإيمان الإيمان الكامل بأركانه وشرائطه التي من جملتها الأعمال الصالحة، أو الإيمان الثابت المستقرّ الذي ليس بمستودع، أو الثواب الجزيل المترتّب عليه، ويؤيّده لفظ الاستحقاق(4).

(وسُقط في أيديهم).

في القاموس: «سقط في يده وأسقط _ مضمومتين _ أي زلّ، وأخطأ، وندم، وتحيّر»(5).

ص: 377


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «ما دخلهم»
2- . في بعض نسخ الكافي: «عمّرتم»
3- . في بعض نسخ الكافي: - «ثمّ»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 348
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 365 (سقط)

وقال الزمخشري في تفسير قوله عليه السلام : «وَلَمَّا سُقِطَ فِى أَيْدِيهِمْ» (1). : أي لمّا اشتدّ ندمهم وحسرتهم على عبادة العجل؛ لأنّ من شأن من اشتدّ ندمه وحسرته أن يعضّ يده غمّا، فتصير يده مسقوطا فيهما؛ لأنّ فاه قد وقع فيها، «وسقط» مسند إلى «في أيديهم» وهو من باب الكناية(2).

وقال البيضاوي: قرئ: «سقط» على بناء الفاعل؛ (3)يعني: وقع العضّ فيها.وقيل: معناه سقط الندم في أنفسهم»(4)

متن الحديث السابع والخمسين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ حَمَّادٍ اللَّحَّامِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام أَنَّ أَبَاهُ قَالَ : «يَا بُنَيَّ ، إِنَّكَ إِنْ خَالَفْتَنِي فِي الْعَمَلِ ، لَمْ تَنْزِلْ مَعِيَ غَدا فِي الْمَنْزِلِ» ثُمَّ قَالَ : «أَبَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يَتَوَلّى قَوْمٌ قَوْما يُخَالِفُونَهُمْ فِي أَعْمَالِهِمْ يَنْزِلُونَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَلَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (خالفتني في العمل لم تنزل معي غدا) أي يوم القيامة في المنزل.لعلّ المراد بالمخالفة قلّة العمل والتقصير فيه، وبالمنزل درجة الأئمّة عليهم السلام ، كما يستفاد من قوله عليه السلام : «معي»، وهذا ظاهر؛ لأنّ قليل العمل لا ينزل منزلة كثير العمل، فليس المراد نفي دخول الجنّة مطلقا إلّا أن يكون المخالفة على وجه المعاندة والإنكار.ويحتمل أن يُراد المخالفة في جميع الأعمال، أو أنّه لا ينزل معه ابتداءً قبل الخروج عن عهدة التقصير، أو إذا لم تدركه الشفاعة أو الرحمة، وكذا قوله عليه السلام : (أبى اللّه عزّ وجلّ) [إلى آخره].

متن الحديث الثامن والخمسين والثلاثمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ أَبِي

ص: 378


1- الأعراف (7): 149
2- الكشّاف، ج 2، ص 118
3- . في المصدر: «الفعل للفاعل» بدل «الفاعل»
4- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 60

حَمْزَةَ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «مَا أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ يَدِينُ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام إِلَا نَحْنُ وَشِيعَتُنَا ، وَلَا هُدِيَ مَنْ هُدِيَ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ إِلَا بِنَا ، وَلَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ إِلَا بِنَا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (ما أحد من هذه الاُمّة يدين بدين إبراهيم عليه السلام إلّا نحن وشيعتنا).

قال الجوهري: «الدِّين: الطاعة.ودانَ له، أي أطاعه؛ ومنه الدّين.والجمع: الأديان، يُقال: دان بكذا ديانة وتديّن به، فهو ديِّن ومتديِّن»(1).

ولعلّ المراد بدين إبراهيم عليه السلام اُصول دينه التي لا نسخ فيه من التوحيد، وتنزيه ذات الحقّ عمّا لا يليق بجناب قدسه، وعدم خلوّ عصر من الأعصار من نبيّ أو وصيّ ونحوهما ممّا يتغيّر في شرع وملّة.

(ولا هُدِيَ) على البناء للمفعول.

وكذا قوله عليه السلام : (مَن هُدِي من هذه الاُمّة إلّا بنا) أي بهدايتنا وبالتسليم لأمرنا.

(ولا ضلَّ مَن ضلّ من هذه الاُمّة إلّا بنا) أي بمخالفتنا، وجحود أمرنا.

متن الحديث التاسع والخمسين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَطِيَّةَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَهُ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ يَجِيءُ مِنْهُ الشَّيْءُ عَلى حَدِّ الْغَضَبِ يُؤَاخِذُهُ اللّهُ بِهِ ؟

فَقَالَ : «اللّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَسْتَغْلِقَ (2)عَبْدَهُ» .

وَفِي نُسْخَةٍ: «أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام »؛ «يَسْتَقْلِقَ (3)عَبْدَهُ» .

ص: 379


1- الصحاح، ج 5، ص 2119 (دين) مع التلخيص
2- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني: «يستعلق»
3- في بعض نسخ الكافي: «يستغلق».وفي بعضها: «يتغلّق».وفي الوافي: «يستعلن»

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (يواخذه اللّه به).

الأخذ: التساؤل، والعقوبة.يُقال: أخذه بذنبه مؤاخذة.

(فقال: اللّه أكرم من أن يستغلق عبده).

بالغين المعجمة، أي يجبره فيما لم يكن له فيه اختيار، ويكلّفه به، أو يشكل عليه أمره.

وقال الفيروزآبادي: «استغلقني في بيعته: لم يجعل لى خيارا في ردّه.وعليه الكلام: ارتجّ.وكلام غلق _ ككتف _ : مشكل»(1).

وقال الجزري: «فيه (2): شفاعة النبيّ صلى الله عليه و آله لمَن أوثق نفسه، وأغلق ظهره.يُقال: غلق ظهر البعير: إذا دبّر.وأغلقه صاحبه: إذا أثقل حمله حتّى يدبر»(3).

وفي بعض النسخ: «يستقلق» بالقافين، وهو من القلق _ بالتحريك _ بمعنى الانزعاج والانقلاع، والظاهر أنّه تصحيف؛ لعدم المغايرة حينئذٍ بينه وبين ما سيجيء، فتأمّل.

وضبط بعضهم بالعين المهملة، وقال: «إنّه من العلق _ محرّكة _ وهو الخصومة، أي يخاصمه بزلّاته، ولم يجعل له بابا لنجاته، وهو التوبة»(4).

وفي نسخة: «أبي الحسن [الأوّل]»؛ «يستقلق عبده» بالقافين، والمآل واحد.

ولعلّ الحديث كان في بعض كتب الاُصول مرويّا عن أبي الحسن عليه السلام ، ولذا نسب النسخة إليه.

متن الحديث الستّين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيٌّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِنَّ لَكُمْ فِي حَيَاتِي خَيْرا ، وَفِي مَمَاتِي خَيْرا».

ص: 380


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 273 (غلق) مع التلخيص
2- في المصدر: «في حديث جابر»
3- النهاية، ج 3، ص 38 (غلق)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 350 مع التقديم و التأخير في العبارة

قَالَ : «فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، أَمَّا حَيَاتَكَ فَقَدْ عَلِمْنَا ، فَمَا لَنَا فِي وَفَاتِكَ؟ (1).

فَقَالَ : أَمَّا فِي حَيَاتِي ، فَإِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ قَالَ : «وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ» (2)وَأَمَّا فِي مَمَاتِي ، فَتُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ ، فَأَسْتَغْفِرُ لَكُمْ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (فإنّ اللّه عزّ وجلّ قال) في سورة الأنفال: «وَمَا كَانَ اللّه ُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ» (3).

قال البيضاوي: «اللّام لتأكيد النفي، والدلالة على أنّ تعذيبهم عذاب استئصال، والنبيّ بين أظهرهم خارج عن عادته غير مستقيم في قضائه»(4).

(وأمّا في مماتي، فيعرض عليَّ أعمالكم، فأستغفر لكم).

قيل: عرض الأعمال عليه صلى الله عليه و آله متّفقٌ عليه بين الاُمّة، لكن في وقت العرض وتفصيله خلاف(5).

متن الحديث الواحد والستّين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، قَالَ :قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ هذَا الْأَمْرَ لَيَكْذِبُ حَتّى إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَحْتَاجُ إِلى كَذِبِهِ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (إنّ ممّن ينتحل) أي يدّعي من غير أن يتّصف في الواقع.

(هذا الأمر) أي أمر التشيّع.ويحتمل أن يُراد به ادّعاء الإمامة بغير حقّ.

(ليكذب) بتخفيف الذال.

(حتّى إنّ الشيطان ليحتاج إلى كذبه) أي هو من أعوان الشيطان، بل أشدّ ضلالاً منه.

ص: 381


1- . في بعض نسخ الكافي: «مماتك»
2- . الأنفال (8): 33
3- الأنفال (8): 33
4- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 105
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 350

متن الحديث الثاني والستّين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ :

إِنَّ أَوَّلَ مَا عَرَفْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام أَنِّي رَأَيْتُ رَجُلًا دَخَلَ مِنْ بَابِ الْفِيلِ ، فَصَلّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، فَتَبِعْتُهُ حَتّى أَتى بِئْرَ الزَّكَاةِ وَهِيَ عِنْدَ دَارِ صَالِحِ بْنِ عَلِيٍّ، وَإِذَا بِنَاقَتَيْنِ مَعْقُولَتَيْنِ وَمَعَهُمَا غُلَامٌ أَسْوَدُ ، فَقُلْتُ لَهُ : مَنْ هذَا؟ فَقَالَ (1): هذَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَدَنَوْتُ إِلَيْهِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، وَقُلْتُ لَهُ : مَا أَقْدَمَكَ بِلَادا قُتِلَ فِيهَا أَبُوكَ وَجَدُّكَ؟

فَقَالَ : «زُرْتُ أَبِي ، وَصَلَّيْتُ فِي هذَا الْمَسْجِدِ» ثُمَّ قَالَ : «هَا (2).هُوَ ذَا وَجْهِي، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (دخل من باب الفيل) من أبواب مسجد الكوفة.

قيل: كان هذا الباب مشتهرا بباب الثعبان؛ لدخول الثعبان الذي كلَّم أمير المؤمنين عليه السلام منه، وحكايته مشهورة بين الخاصّة والعامّة مسطورة في كتب الفريقين(3). ثمّ إنّ بني اُميّة لإخفاء معجزته عليه السلام ربطوا هناك فيلاً فاشتهر بذلك(4).

(حتّى أتى بئر الزكاة) بالزاي المعجمة.وفي بعض النسخ بالرّاء المهملة.

(وإذا بناقتين معقولتين) أي وإذا أنا بناقيتين مشدودتين، والظاهر لعليّ بن الحسين عليهماالسلام.

(ثمّ قال) يعني عليّ بن الحسين عليهماالسلام: (ها هو ذا وجهي) كلمة تنبيه.

وقوله: «هو» ضمير الشأن، والجملة بعده مفسّرة له، و«ذا» إشارة إلى طريق المدينة.

ووجه كلّ شيء: مستقبله.والوجه أيضا: الجهة.والمعنى: إنّي أتوجّه إلى المدينة، ولا أتوقّف هنا.

ص: 382


1- . في بعض نسخ الكافي: «قال»
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي ومرآة العقول: - «ها»
3- اُنظر: الإرشاد للمفيد، ج 1، ص 349؛ عيون المعجزات، ص 7؛ مطالب السؤول، ص 409؛ الدرّ النظيم، ص 303
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 237

وأمّا قوله: (صلّى اللّه عليه) فالظاهر أنّه من كلام الراوي.

وقيل: يحتمل أن يكون من كلامه عليه السلام ، حيث أشار إلى طريق المدينة، فصلّى على النبيّ صلى الله عليه و آله (1).

متن الحديث الثالث والستّين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنِ الْحَجَّالِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوما فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانا فَلا يُسْرِفْ فِى الْقَتْلِ» (2)؟

قَالَ : «نَزَلَتْ فِي الْحُسَيْنِ عليه السلام ، لَوْ قُتِلَ أَهْلُ الْأَرْضِ بِهِ مَا كَانَ سَرَفا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (قال: سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة بني إسرائيل: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوما» .

قال البيضاوي:

أي غير مستوجب للقتل «فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ» للّذي يلي أمره بعد وفاته وهو الوارث «سُلْطَانا» : تسلّطا بالمؤاخذة بمقتضى القتل على من عليه، أو بالقصاص على القاتل؛ فإنّ قوله: «مظلوما» يدلّ على أنّ القتل عمدا [عدوان]؛ فإنّ الخطأ لا يسمّى ظلما.

«فَلَا يُسْرِفْ» أي القاتل.

«فِي الْقَتْلِ» بأن يقتل من لا يستحقّ قتله؛ فإنّ العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك، أو الوليّ بالمثلة، أو قتل غير القاتل.

«إِنَّهُ كَانَ مَنصُورا» علّة النهي على الاستئناف.والضمير إمّا للمقتول؛ فإنّه منصور في الدُّنيا بثبوت القصاص بقتله وفي الآخرة بالثواب، وإمّا لوليّه؛ فإنّ اللّه نصره حيث أوجب القصاص له، وأمر الولاة بمعونته، وإمّا للّذي يقتله الوليّ إسرافا

ص: 383


1- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 351 بعنوان «قيل»
2- . الإسراء (17): 33

بإيجاب القصاص أو التعزير، والوزر على المسرف(1).

(قال: نزلت في الحسين عليه السلام ، لو قُتل) على البناء للمفعول.

(أهل الأرض به) أي بسبب قتله.

(ما كان سرفا).

في القاموس: «السَرَف _ محرّكة _ : ضدّ القصد، والإغفال، والخطأ.سرفه _ كفرح _ : أغفله، وجهله»(2).

ولعلّ في قراءتهم عليهم السلام : «لا يسرف» بالرفع، بأن تكون «لا» نافية، أي لا يسرفُ وليّ دم الحسين عليه السلام لو قتل أهل الأرض جميعا بدمه.

ولعلّ المراد بأهل الأرض العصابة التي اجتمعت على حربه وقتله، والتي سمعت بذلك فرضيت به.

وقيل: على تقدير كون «لا» في «لا يسرف» للنهي لا يبعد أن يحمل الإنشاء على الخبر، كما يحمل الخبر على الإنشاء في كثير من المواضع(3).

وقال بعض الأفاضل:

لعلّ مراده عليه السلام إثبات المعنى الأوّل _ الذي نقلناه عن البيضاوي في تفسير «فَلَا يُسْرِف فِّى الْقَتْلِ» _ ونفى المعنى الثاني، أي ليس في القصاص هاهنا إسراف، وإن قتل جميع الناس به، بل سمّى اللّه قتله إسرافا(4).

متن الحديث الرابع والستّين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْحُوتَ الَّذِي يَحْمِلُ الْأَرْضَ أَسَرَّ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَحْمِلُ الْأَرْضَ بِقُوَّتِهِ (5)، فَأَرْسَلَ اللّهُ _ عَزَّوَجَلَّ _ إِلَيْهِ حُوتا أَصْغَرَ مِنْ شِبْرٍ وَأَكْبَرَ مِنْ فِتْرٍ ، فَدَخَلَتْ (6).فِي خَيَاشِيمِهِ ،

ص: 384


1- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 444 مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 151
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 351 مع اختلاف يسير في اللفظ
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 238
5- . في بعض نسخ الكافي: «بقرنه»
6- في بعض نسخ الكافي والوافي: «فدخل».و في بعضها: «فتدخل»

فَصَعِقَ، فَمَكَثَ بِذلِكَ أَرْبَعِينَ يَوْما ، ثُمَّ إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ رَأَفَ بِهِ وَرَحِمَهُ وَخَرَجَ ، فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ _ جَلَّ وَعَزَّ _ بِأَرْضٍ زَلْزَلَةً ، بَعَثَ ذلِكَ الْحُوتَ إِلى ذلِكَ الْحُوتِ ، فَإِذَا رَآهُ اضْطَرَبَ ، فَتَزَلْزَلَتِ الْأَرْضُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (أسرَّ في نفسه) أي كتم وأخفى، وأضمر في قلبه.

(إنّما يحمل الأرض) إلى قوله عليه السلام : (وأكبر من فتر).

الفتر _ بالكسر _ : ما بين طرف الإبهام والسبّابة إذا فتحهما.

(فدخلت) ذلك الحوت الصغير.

(في خياشيمه).

جمع خيشوم، وهو أقصى الأنف.

(فصعق).

في القاموس: «صعق _ كسمع _ صَعْقا، ويحرّك، فهو صَعِقٌ _ ككتف _ : غُشِيَ عليه.

والصعق _ محرّكة _ : شدّة الصوت»(1).

(فمكث بذلك) أي بتلك الحالة.

(أربعين يوما) حيّا (ثمّ إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ رأف به ورحمه وخرج) أي الحوت الصغير من أنفه.

قال الفيروزآبادي: «الرأفة: أشدّ الرحمة، أو أرقّها.رأف اللّه بك مثلّثة»(2).

(فإذا أراد اللّه _ عزّ وجلّ _ بأرض زلزلة) أي تحريكا.يُقال: زلزلة وزلزالاً _ مثلّثة _ أي حركة.

(بعث) أي أرسل.

(ذلك الحوت) الصغير.

(إلى ذلك الحوت) الذي حمل الأرض.

ص: 385


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 253 (صعق) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 143 (رأف)

وقوله: «إلى ذلك الحوت» ليس في بعض النسخ.

(فإذا رآه اضطرب، فتزلزلت الأرض).

فيه إشارة إلى سبب الزلزلة، وإلى أنّ التكبير والعجب يوجبان المذلّة وسخطه تعالى، واعلم أنّ الزلزلة قد يكون بأسباب اُخر أيضا؛ منها: ما رواه الصدوق رحمه الله في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّ ذا القرنين لمّا انتهى إلى السدّ، جاوزه، فدخل في الظلمات، فإذا هو بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع، فقال له الملك: يا ذا القرنين، أما كان خلفك مسلك؟ فقال له ذو القرنين: مَن أنت؟ قال: أنا ملكٌ من ملائكة الرحمن، موكّل بهذا الجبل، وليس من جبل خلقه اللّه إلّا وله عرق متّصل بهذا الجبل، فإذا أراد اللّه _ عزّ وجلّ _ أن يزلزل مدينة أوحى إليَّ فزلزلتها»(1).

قال: وقال الصادق عليه السلام : «إنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ أمر الحوت على الأرض (2).وكلّ بلد من البلدان على فلس من فلوسه، فإذا أراد اللّه أن يزلزل أرضا أمر الحوت أن يحرّك ذلك الفلس فيحرّكه، ولو رفع الفلس لانقلبت الأرض بإذن اللّه تعالى».ثمّ قال الصدوق رحمه الله: «والزلزلة تكون من هذه الوجوه، وليست هذه الأخبار بمختلفة»(3).

متن الحديث الخامس والستّين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ :

كُنَّا مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَاضْطَرَبَتِ الْأَرْضُ ، فَوَحَاهَا (4)بِيَدِهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهَا : «اسْكُنِي ، مَا لَكِ؟» ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا ، وَقَالَ : «أَمَا إِنَّهَا لَوْ كَانَتِ الَّتِي قَالَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَأَجَابَتْنِي ، وَلكِنْ (5)لَيْسَتْ بِتِلْكَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

ص: 386


1- الفقيه، ج 1، ص 542، ح 1511
2- في المصدر: «بحمل الأرض»
3- الفقيه، ج 1، ص 543، ح 1513
4- . في الوافي: «فدحاها»
5- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «ولكنّها»

قوله: (فوحاها بيده).

لعلّه من باب الحذف والإيصال، أي أشار إليها.قال الجوهري: «الوحي: الإشارة، والكتابة، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفيّ، وكلّ ما ألقيته إلى غيرك.يُقال: وحيت إليه الكلام، وأوحيتُ، وهو أن تكلّمه بكلام تخفيه»(1).

وفي بعض النسخ: «فوجأها» بالجيم، قال الفيروزآبادي في باب المهموز: «وجأه باليد والسّكين، كوضعه: ضربه»(2).

(ثمّ قال لها: اسكني ما لكِ)

كلمة «ما» استفهاميّة، والظاهر أنّها سكنت بعد هذا القول، ولكنّها لم تجب عنه.

(ثمّ التفت إلينا وقال) أي بيّن علّة عدم إجابتها بقوله: (أمّا إنّها) أي الأرض (لو كانت التي قال اللّه لأجابتني) الجملة الشرطيّة خبر «إنّ» أي لو كانت الأرض على الحالة التي خبّر اللّه _ عزّ وجلّ _ عنها بقوله: «إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا» إلى قوله: «يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا» (3)لأجابتني بلسان القال.

(ولكن ليست) الأرض بعدُ (بتلك) الحالة، وهي زلزلة القيامة.

ويستفاد من هذا الخبر أنّ المراد بالإنسان في قوله تعالى: «وَقَالَ الْاءِنسَانُ مَا لَهَا» أمير المؤمنين عليه السلام ، وفي بعض الأخبار (4)تصريح بذلك، وأنّ المراد بقوله: «تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا» التحدّث بما لأجله زلزالها، وأنّ التحدّث بلسان القال لا بلسان الحال.

وقيل: إنّها تحدّث بما لأجله إخراج أثقالها(5). وقيل: ينطقها اللّه ، فتخبر بما عمل عليها(6).

روى الصدوق رحمه الله في كتاب العلل بإسناده عن هارون بن خارجة، رفعه إلى فاطمة عليهاالسلام، قالت: «أصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر، وفزع الناس إلى أبي بكر وعمر، فوجدوهما

ص: 387


1- الصحاح، ج 6، ص 2519 (وحي)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 31 (وجأ)
3- .الزلزلة (99): 1 _ 4
4- . اُنظر: تفسير القمّي، ج 2، ص 433؛ الخرائج والجرائح، ج 1، ص 177
5- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 334
6- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 334

قد خرجا فزعين إلى عليّ عليه السلام ، فتبعهما الناس إلى أن انتهوا إلى باب عليّ عليه السلام ، فخرج إليهم عليّ عليه السلام غير مكترث لما هم فيه، فمضى وتبعه الناس حتّى انتهى إلى تلعة، فقعد عليها وقعدوا حوله، وهم ينظرون إلى حيطان المدينة ترتجّ جائيةً وذاهبة، فقال لهم عليّ عليه السلام : كأنّكم قد هالكم ما ترون؟ قالوا: وكيف لا يهوّلنا ولم نرَ مثلها قطّ.قالت: فحرَّك شفتيه، ثمّ ضرب الأرض بيده، ثمّ قال: ما لكِ اسكني! فسكنت، فعجبوا من ذلك أكثر من تعجّبهم أوّلاً حيث خرج إليهم، قال لهم: فإنّكم قد عجبتم من صنيعي؟ قالوا: نعم، فقال: أنا الرجل الذي قال اللّه : «إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْاءِنسَانُ مَا لَهَا» فأنا الإنسان الذي يقول لها ما لكِ: «يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا» إيّاي تحدّث»(1).

متن الحديث السادس والستّين والثلاثمائة

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ أَبِي الْيَسَعِ ، عَنْ أَبِي شِبْلٍ ، قَالَ صَفْوَانُ : وَلَا أَعْلَمُ إِلَا أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ مِنْ أَبِي شِبْلٍ، قَالَ :قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «مَنْ أَحَبَّكُمْ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ كَمَا تَقُولُونَ» .

شرح الحديث

السند صحيح على الظاهر.

قوله: (قال صفوان: ولا أعلم إلّا أنّي قد سمعت من أبي شبل)؛ يعني قال صفوان بن يحيى: وأظنّ أنّي قد سمعت هذا الحديث من أبي شبل أيضا من غير واسطة.

(قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام : من أحبّكم على ما أنتم عليه) مِن حبّ عليّ عليه السلام وأولاده المعصومين عليهم السلام ، ومتابعتهم، والتبرّي من أعدائهم.

(دخل الجنّة).

ولا شكّ في أنّ مَن أحبَّ أحدا على ولاية أهل البيت عليهم السلام كان معتقدا بها مذعنا إيّاها، وإن لم يظهرها باللِّسان، ولم يعمل بمقتضاها، ويلزمه دخول الجنّة بالعفو أو الشفاعة أو التوبة مع بقائه بتلك الحالة.

ص: 388


1- علل الشرائع، ج 2، ص 556، الباب 343، ح 8

وأمّا قوله عليه السلام : (وإن لم يقل كما تقولون).

فيمكن حمله على القول باللِّسان.

وقال بعض الأفاضل: «يمكن حمله على المستضعفين _ كما هو الظاهر _ ويكون موافقا لبعض الأخبار الدالّة على أنّه يمكن أن يدخل بعض المستضعفين الجنّه».قال: ويحتمل أن يكون المراد المستضعفين من الشيعة، بأن يكون «على» في قوله عليه السلام : «على ما أنتم عليه» تعليليّة، أي من أحبّكم لهذا الدِّين، وهذا يستلزم القول بحقّيّته، وحينئذٍ يكون المراد بقوله: «وإن لم يقل كما تقولون»: وان لم يستدلّ كما تستدلّون على مذهبكم، بل قال به على سبيل التقليد(1).

متن الحديث السابع والستّين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ (2)أَبِي جَعْفَرٍ الْأَحْوَلِ ، عَنْ سَلَامِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ : «إِنَّ (3)أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لَمَّا انْقَضَتِ الْقِصَّةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ بِالْبَصْرَةِ ، صَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنى عَلَيْهِ ، وَصَلّى عَلى رَسُولِ اللّهِ عليه السلام ، ثُمَّ قَالَ : يَا (4)أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ تَفْتِنُ النَّاسَ بِالشَّهَوَاتِ ، وَتُزَيِّنُ لَهُمْ بِعَاجِلِهَا ، وَايْمُ اللّهِ إِنَّهَا لَتَغُرُّ مَنْ أَمَّلَهَا ، وَتُخْلِفُ مَنْ رَجَاهَا ، وَسَتُورِثُ (5)أَقْوَاما النَّدَامَةَ وَالْحَسْرَةَ بِإِقْبَالِهِمْ عَلَيْهَا ، وَتَنَافُسِهِمْ فِيهَا، وَحَسَدِهِمْ وَبَغْيِهِمْ عَلى أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ فِيهَا ظُلْما وَعُدْوَانا وَبَغْيا وَأَشَرا وَبَطَرا ، وَبِاللّهِ إِنَّهُ مَا عَاشَ قَوْمٌ قَطُّ فِي غَضَارَةٍ مِنْ كَرَامَةِ نِعَمِ اللّهِ فِي مَعَاشِ دُنْيَا ، وَلَا دَائِمِ تَقْوى فِي طَاعَةِ اللّهِ وَالشُّكْرِ لِنِعَمِهِ ، فَأَزَالَ ذلِكَ عَنْهُمْ، إِلَا مِنْ بَعْدِ تَغْيِيرٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَتَحْوِيلٍ عَنْ طَاعَةِ اللّهِ ، وَالْحَادِثِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ ، وَقِلَّةِ مُحَافَظَةٍ ، وَتَرْكِ مُرَاقَبَةِ اللّهِ _ جَلَّ وَ عَزَّ _ وَتَهَاوُنٍ بِشُكْرِ نِعَمِ (6)اللّهِ ؛ لِأَنَّ

ص: 389


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 240
2- . في أكثر نسخ الكافي: «نعمان»
3- . في بعض نسخ الكافي: - «إنّ»
4- . في بعض نسخ الكافي: - «يا»
5- . في بعض نسخ الكافي: + «غدا»
6- . في كلتا الطبعتين: «نعمة»

اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ : «إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوْءا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ» (1)

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْمَعَاصِي وَكَسَبَةَ الذُّنُوبِ إِذَا هُمْ حَذِرُوا زَوَالَ نِعَمِ (2)اللّهِ وَ حُلُولَ نَقِمَتِهِ وَتَحْوِيلَ عَافِيَتِهِ ، أَيْقَنُوا أَنَّ ذلِكَ مِنَ اللّهِ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ ، فَأَقْلَعُوا وَتَابُوا وَفَزِعُوا إِلَى اللّهِ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ بِصِدْقٍ مِنْ نِيَّاتِهِمْ ، وَإِقْرَارٍ مِنْهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَإِسَاءَتِهِمْ ، لَصَفَحَ لَهُمْ عَنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، وَإِذا لَأَقَالَهُمْ كُلَّ عَثْرَةٍ ، وَلَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ كَرَامَةِ نِعْمَةٍ ، ثُمَّ أَعَادَ لَهُمْ مِنْ صَلَاحِ (3)أَمْرِهِمْ ، وَمِمَّا كَانَ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ كُلَّ مَا زَالَ عَنْهُمْ وَأَفْسَدَ (4)عَلَيْهِمْ ؛ فَاتَّقُوا اللّهَ أَيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ ، وَاسْتَشْعِرُوا خَوْفَ اللّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ ، وَأَخْلِصُوا الْنَّفْسَ (5)، وَتُوبُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبِيحِ مَا اسْتَفَزَّكُمُ الشَّيْطَانُ مِنْ قِتَالِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَمَا تَعَاوَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ وَتَشَتُّتِ (6)الْأَمْرِ وَفَسَادِ صَلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ ؛ إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ ، وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ (7)، وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

(إنّ الدُّنيا حُلْوة خضرة).

قال الفيروزآبادي: «الحلو _ بالضم _ : ضدّ المرّ»(8).

وقال:

الخضرة: لونٌ معروف.خضر الزرع _ كفرح _ فهو أخضر وخضور وخَضِر.والخضر _ ككتف _ : الغصن، والزرع، والبقلة الخضراء كالخضرة، والمكان الكثير الخُضرة.وبالتحريك: النعومة، كالخُضرة.وأخذه خِضَرا مِضرا _ بكسرهما، وككتف _ أي بغير ثمن، أو غضّا طريّا، انتهى(9).

ص: 390


1- . الرعد (13): 11
2- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: «نعمة»
3- . في بعض نسخ الكافي: «يصلح»
4- . في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها: «وفسد»
5- . في كلتا الطبعتين: «اليقين»
6- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: «وتشتيت»
7- . في أكثر نسخ الكافي: «السيّئة»
8- القاموس المحيط، ج 4، ص 319 (حلو)
9- القاموس المحيط، ج 2، ص 21 (خضر) مع التلخيص

وإنّما وصف عليه السلام الدُّنيا بها؛ لميل أكثر الطباع إليها.

(تفتن الناس بالشهوات).

«تفتن» _ بكسر التاء الثانية _ على بناء الفاعل من المجرّد، أو مزيد الإفعال والتفعيل.

قال الفيروزآبادي:

الفتنة _ بالكسر _ : الخبرة، وإعجابك بالشيء، والضلال، والإثم، والكفر، والفضيحة، والعذاب، والإضلال، والمحنة، واختلاف الناس في الآراء.فتنه يفتنه: أوقعه في الفتنة، كفتنه وأفتنه(1).

(وتزيّن لهم بعاجلها).

العاجل: ضدّ الآجل في كلّ شيء.والمراد هنا زهراتها الحاضرة المنقطعة التي تشغل القلوب الناقصة عن التوجّه إلى تحصيل السعادة الدائمة.ويحتمل كون «تزيّن» على بناء الفاعل من التزيين.وفاعله الدُّنيا، أي تزيّن لهم نفسها بعاجل نعيمها، وحينئذٍ يحتمل كون الباء للسببيّة، أو للإلصاق.ويحتمل كونها زائدة، فلا يحتاج إلى المفعول.

ويحتمل وجوه اُخر، منها كون «تزيّن» على بناء المفعول من التزيين، والمستتر فيه راجع إلى الدُّنيا، أي تزيينها النفس والشيطان بنعيمها العاجل الذي يؤول إلى الخيبة والخسران.

ومنها كونه على بناء المجرّد المعلوم.ومنها كونه من التفعّل، بحذف إحدى التائين، أو بتشديد الزاء مضارع «ازّيّنت».ومنها كونه من باب الإفعال.ومنها كونه بتشديد النون من باب الإفعلال.

وعلى التقادير لا يحتاج إلى تكلّف في الباء.

قال الفيروزآبادي: «الزين: ضدّ الشين.وزانه وأزانه وزيّنه وأَزْيَنَه، فتزيّن هو، وازدان وازّيّن وازيّان وأزيّن»، (2)ثمّ أشار عليه السلام إلى ما يوجب التنفّر عنها مؤكّدا عنها بوجوه شتّى.

قال: (وايم اللّه ).

قال الجوهري: أيمن اللّه : اسم وضع للقسم، هكذا بضمّ [الميم] والنون، وألفه ألف الوصل عند أكثر النحويّين، ولم تجي في الأسماء ألف الوصل مفتوحة غيرها.وربّما حذفوا منه

ص: 391


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 255 (فتن) مع التلخيص
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 233 (زين)

النون، فقالوا: ايم اللّه ، وايم اللّه أيضا بكسر الهمزة(1).

(إنّها لتغرّ مَن أمّلها).

يُقال: غرّه _ كمدّه _ غرّا وغَرورا وغِرّة، أي خدعه، وأطمعه بالباطل.

والأمل: الرّجاء.أمل خيره _ كنصر _ أملاً وأمّله تأميلاً، أي رجاه.

(وتُخلف من رجاها) أي لم يف بوعد من رجا التمتّع منها.

قال الجوهري: «خلفه ما وعده، وهو أن يقول شيئا ولا يفعله على الاستقبال»(2).

وفي القاموس: «الخُلف _ بالضمّ _ : الاسم من الإخلاف، وهو في المستقبل كالكذب في الماضي، أو هو أن تعد عدة ولا تنجزها»(3).

(وستورث) أي الدُّنيا.

(أقواما الندامة والحسرة بإقبالهم عليها).

يُقال: ورثه الشيء أبوه، أي خلّفه له ميراثا.ولعلّ تنكير «أقواما» للتكثير، والباء للسببيّة.

وفي بعض النسخ: «وستورث غدا أقواما» والمراد به يوم القيامة، أو يوم الموت وما بعده، أو ما قبله أيضا.

وقوله: (وتنافسهم) أي رغبتهم.

(فيها) عطف على «إقبالهم».

وكذا قوله: (وحسدهم وبغيهم) أي تعدّيهم، واستطالتهم، وظلمهم.

(على أهل الدِّين والفضل) الذين رأسهم ورئيسهم أهل البيت عليهم السلام .

والظاهر أنّ قوله: (فيها) أي في الدُّنيا، متعلّق بالحسد والبغي.ويحتمل بعيدا تعلّقه بالدِّين والفضل.

(ظلما وعدوانا وبغيا).

هذه الثلاثة متقاربة المعنى.

(أشرا وبطرا).

قال الفيروزآبادي: «أشر _ كفرح _ : مرح»(4). وقال: «مرح _ كفرح _ : أشر، وبطر، واختال،

ص: 392


1- الصحاح، ج 6، ص 2222 (يمن) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 4، ص 1357 (خلف)
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 136 (خلف)
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 364 (أشر) مع التلخيص

ونشط، وتبختر»(1).

وقال:

البطر _ محرّكة _ : النشاط، والأشر، وقلّة احتمال النّعمة، والدهش، والحيرة، أو الطغيان بالنعمة، وكراهية الشيء من غير أن يستحقّ الكراهة.وفعل الكلّ كفرح.

وبطر الحقّ: أن يتكبّر عنده فلا يقبله(2).

وقال بعض الشارحين: كان هذه الاُمور متعلّقة بالاُمور السابقة على الترتيب، ف«ظلما» علّة لإقبالهم على الدُّنيا، لظلمهم على أنفسهم، وعدولهم عن طريق الآخرة إلى الدنيا، و«عدوانا» علّة لتنافسهم فيها لتجاوزهم عن حدّ الحقّ، ودخولهم في حدّ الباطل، و«بغيا» علّة لحسدهم على أهل الدِّين والفضل لتجاوزهم عن حدّهم، فخرجوا عن طاعة الإمام العادل وحسدوا عليه، و«أشرا وبطرا» علّة لبغيهم عليهم، وجعل كلّ واحدٍ متعلّقا بكلّ واحد، أو بحسدهم وبغيهم محتمل، لكن يأباه قوله: «بغيا» في الجملة، فليتأمّل، انتهى(3).

(وباللّه إنّه ما عاش قومٌ قطّ في غضارة) أي نعمة وسعة وخصب وخير.

وكلمة «من» في قوله: (من كرامة نِعم اللّه ) بيانيّة.ويحتمل الابتدائيّة، أي غضارة ناشئة منها، فإضافة «كرامة» إلى «نِعَم اللّه » بيانيّة، أو لاميّة.

وقوله: (في معاش دنيا).

يحتمل تعلّقه بكلّ من العيش والغضارة والكرامة والنِعَم.

وقوله: (ولا دائم تقوى) عطف على الغضارة.

ويحتمل عطفه على الكرامة، وعلى المعاش.والأوّل أولى.والإضافة من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف.

وقوله: (في طاعه اللّه ) متعلّق بدوام التقوى.

و«في» للظرفيّة مجازا، أو للتعليل، والثاني أنسب.

وقوله: (والشكر لنعمه) عطف على طاعة اللّه .

ص: 393


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 248 (مرح)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 374 (بطر)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 353

وقوله: (فأزال ذلك) المذكور (عنهم) تفريع على المنفي.

وقوله: (إلّا من بعد تغيير من أنفسهم) استثناء من النفي، وكلمة «من» ابتدائيّة.

وقوله: (وتحويل) أي تحويل أنفسهم، وتحويل بعضهم بعضا.

(عن طاعة اللّه ) عطف على تغيير.

وكذا قوله: (والحادث من ذنوبهم).

وكلمة «من» بيانيّة.

وكذا قوله: (وقلّة محافظة) أي لأمر اللّه وحكمه وكذا.

(وترك مراقبة اللّه عزّ وجلّ).

قال الجوهري: «راقب اللّه في أمره، أي خافه»(1).

وكذا قوله: (وتهاون بشكر نِعَم).

قال الجوهري: «تهاون به، أي استحقره»(2).

والحاصل: أنّ اللّه تعالى لا يُغيِّر النِّعم الظاهرة من السِّعة والخصب والفراغ والأمن والصحّة والعافية، ولا النِّعم الباطنة من التوفيق للطاعات والعصمة من السيّئات وتحصيل ما يوجب مزيد النِّعم والوصول بأنواع السعادات إلّا من بعد تغيير نيّاتهم من الصلاح إلى الفساد، أو انتقالهم من الأحوال الحسنة إلى ضدّها، وبعد تحوّلهم من طاعة اللّه إلى معصيته وكفرانهم واستحقارهم لنعمه.

وبعبارة اُخرى: كلّ من له نعمة وطيب عيش وطاعة للّه ثمّ سلبت منه تلك النعمة واُزيلت عنه تلك الفضيلة لم يكن له سبب إلّا تغييرهم ما بأنفسهم، وتحويلهم من الطاعة إلى خلافها، وقلّة محافظة ما أراد اللّه تعالى منهم، وأمرهم به، وكلّفهم عليه، وترك مراقبته وخوفه في مقام المعصية.

(لأنّ اللّه تعالى يقول في محكم كتابه) في سورة الرعد: «إِنَّ اللّه َ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ» ؛ من النعمة والعافية.

«حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» .

ص: 394


1- الصحاح، ج 1، ص 138 (رقب)
2- الصحاح، ج 6، ص 2218 (هون)

قيل: من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة(1).

«وَإِذَا أَرَادَ اللّه ُ» إرادة حتم.

«بِقَوْمٍ سُوءا» .

قيل: أي عذابا، وإنّما سمّاه سوءا؛ لأنّه يسوء(2).

«فَلَا مَرَدَّ لَهُ» أي فلا مدفع، أو فلا ردّ له.

وقيل: أي إذا أراد اللّه بقومٍ بلاء من مرض وسقم فلا مردّ لبلائه(3).

وقال البيضاوي: «العامل في «إذا» ما دلّ عليه الجواب»(4).

«وَمَا لَهُمْ» أي لتلك القوم.

«مِنْ دُونِهِ» أي من دون اللّه .

«مِنْ وَالٍ» أي من يَلي صلاح أمرهم، ويدفع السوء عنهم.

(ولو أنّ أهل المعاصي وكسبة الذنوب).

العطف للتفسير، و«كسبة» جمع كاسب من الكسب، وهو الجمع.

(إذا [هم] حذروا زوال نِعَم اللّه وحلول نقمته وتحويل عافيته)

«إذا» ظرف للإيقان.و«حذِروا» بكسر الذال المخفّفة من الحذر _ بالكسر وبالتحريك _ بمعنى الاحتراز، ويحتمل كونه من التحذير، وهو التخويف.

وقوله: (أيقنوا أنّ ذلك) أي زوال نِعَم اللّه وتالييه.

(من اللّه _ جلَّ ذكره _ بما كسبت أيديهم) خبر «أن».

وقوله: (فاقعلوا) عطف على «أيقنوا».ويحتمل كونه جواب «إذا».

قال الجوهري: «الإقلاع عن الأمر: الكفّ عنه.يُقال: أقلع فلان عمّا كان عليه»(5).

وقوله: (وتابوا وفزعوا إلى اللّه جلّ ذكره) عطف على «أقلعوا».

و«إلى» متعلّق بكلّ من التوبة والفزع.

ص: 395


1- قاله البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 321
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 242
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 242
4- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 321
5- الصحاح، ج 3، ص 1270 (قلع)

قال الفيروزآبادي: «فزع إليه _ كفرح _ : لجأ»(1).

وقوله: (بصدق من نيّاتهم) متعلّق بكلّ من الإقلاع وتالييه.

وصدق النيّة: عدم الرجوع إلى المعاصي أبدا، وعدم الإصرار عليها.

وقوله: (وإقرار منهم بذنوبهم) عطف على «صدق»، واحتمال عطف على «نيّاتهم» بعيد.

وقوله: (وإساءتهم) عطف على «ذنوبهم»، ولعلّه من قبيل عطف العام على الخاصّ، والإقرار بالذنوب والإساء يكون إجمالاً وتفصيلاً.

وقوله: (لصَفَحَ لهم عن كلّ ذنب) جواب «لو»، والضمير المستتر فيه راجع إلى اللّه تعالى.يُقال: صفح عن فلان _ كمنع _ صفحا، أي أعرض عن ذنبه وعفاه.

وقوله: (وإذا لأقالهم كلّ عثرة) عطف على «صفح» للتفسير، أو التأكيد، أو التعميم بعد التخصيص؛ لأنّ العثرة _ وهي الزلّة _ أعمّ من الذنب.

والإقالة في الأصل: فسخ البيع، وشاع استعماله في عفو الزلّة.يُقال: أقال اللّه عثرتك وأقالكها.

و«إذا» جواب وجزاء، والتقدير: إذا كان الأمر على ما ذكر من الإيقان، وما عطف عليه، أو من الإقلاع وما أتبع به، لأقالهم.

(ولردّ عليهم كلّ كرامة نعمة) اُزيلت عنهم.

ولعلّ الإضافة بيانيّة.

(ثمّ أعاد لهم من صالح)(2).

في بعض النسخ: «من صلاح».

(أمرهم) في دينهم ودُنياهم.

وقيل: في «ثمّ» إشعار بأنّ التفضيل في الثاني أبلغ وأكمل من الأوّل(3).

أقول: ويحتمل أن يكون للتعجّب من لطفه تعالى بعباده، وكلمة «من» ابتدائيّة وتعليليّة.

ويحتمل التبعيض والتبيين، كما قيل في قولهم: ربّ من مطر.وعلى مذهب من يجوز زيادة «من» في الاثبات، فلا يحتاج إلى تلك التكلّفات.

ص: 396


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 63 (فزع) مع التلخيص
2- في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «صلاح»
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 354 مع اختلاف يسير في اللفظ

وهنا احتمال آخر، وهو أن يكون «كلّ» في قوله: «كلّ ما زال عنهم» مفعول الإعادة، و«من» بيانا له، وهو أقرب الاحتمالات؛ إذ لا يحتاج حينئذٍ إلى تكلّف بجعل الكلّ بدلاً من الضمير المجرور في قوله: (وممّا كان أنعم به عليهم)، أو خبرا لمبتدأ محذوف.والإنعام يتعدّى بنفسه وبالياء.يُقال: أنعمه اللّه ، وأنعم به.

(كلّ ما زال عنهم) بسبب العصيان والطغيان.

(وأفسد عليهم) على بناء المفعول، أو الفاعل.

وفي بعض النسخ: «فسد»، وهو أنسب بالسياق.

وفي نهج البلاغة: «وايم اللّه ما كان قوم قطّ في غضّ نعمة من عيش، فزال عنهم إلّا بذنوب اجترحوها؛ لأنّ اللّه تعالى ليس بظلّامٍ للعبيد، ولو أنّ الناس حين تنزّل بهم النقم وتزول عنهم النِّعم، فزعوا إلى ربّهم بصدق من نيّاتهم، ووله من قلوبهم، لردّ عليهم كلّ شارد، وأصلح لهم كلّ فاسد»(1).

(فاتّقوا اللّه أيّها الناس).

الفاء فصيحة، وللتفريع على المواعظ السابقة.

(حقّ تقاته) منصوب على المصدريّة.يُقال: اتّقيته تقىً وتقيّة اتّقاه، وتقاء _ ككساء _ أي حذّرته.والاسم: التقوى.

وقيل: هي التجنّب عن كلّ ما يوجب سخطه تعالى، والتمسّك بكلّ ما يوجب رضاه مع نيّة خالصة(2).

(واستشعروا خوف اللّه عزّ وجلّ).

قيل: كأنّه من الشعور، وهو العلم.أو من الشعار، وهو الثوب الملاصق للبدن المحيط.أو العلامة التي يُعرف بها صاحبه(3).

وقال الجوهري: «استشعر خوفا، أي أضمره»(4).

ص: 397


1- نهج البلاغة، ج 2، ص 98، الخطبة 178
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 355
3- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 355 مع اختلاف في اللفظ
4- الصحاح، ج 2، ص 699 (شعر)

(وأخلصوا النفس).

النفس: الرّوح، والجسد، وعين الشيء.

ولعلّ المراد بإخلاصها تخليتها من الرذائل، وتحليتها بالفضائل أيضا.

وفي بعض النسخ: «اليقين» بدل «النفس».

قال الفيروزآبادي: «يقن الأمر _ كفرح _ يقنا، ويحرّك، وأيقنه، وبه، وتيقّنه، واستيقنه، وبه: علمه، وتحقّقه.

واليقين: إزاحة الشكّ»(1).

قيل: ولعلّ المراد بإخلاصه العمل بمقتضاه؛ لأنّ العامل بخلاف مقتضاه كأنّ له شكّ، فلا يكون له يقين خالص(2).

(وتوبوا إليه من قبيح ما استفزّكم الشيطان).

لعلّ الإضافة بيانيّة، أو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف.

قال الفيروزآبادي: «فزّ فلانا عن موضعه فزّا: أزعجه.واستفزّه: استخفّه، وأخرجه من داره، وأزعجه»(3).

وقوله: (من قتال وليّ الأمر) بيان للموصول، أو للقبيح، وأراد بوليّ الأمر نفسه القدسيّة.

وقوله: (وأهل العلم) عطف على «وليّ الأمر» من قبيل عطف العامّ على الخاصّ.

وقوله: (بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) متعلّق ب «وليّ الأمر»، وتعلّقه بالقتال بعيد.

وقوله: (وما تعاونتم عليه) عطف على القتال.

وقوله: (من تفريق الجماعة) أي جماعة المسلمين، بيان للموصول.

(وتشتّت الأمر) أي تفرّق أمر الدِّين ونظام المؤمنين.

وفي بعض النسخ: «تشيّت الأمر».

قال الفيروزآبادي: «شتّ يشتّ شتّا وشتيتا: فرّق، وافترق.وتشتّت وشتّته اللّه »(4).

وقال الجوهري: «شتّ الأمر شتّا وشتاتا: تفرّق.وكذلك التشتّت.وشتّته تشتيتا: فرّقه»(5).

ص: 398


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 278 (يقن) مع التلخيص
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 355
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 186 (فزز) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 151 مع التلخيص
5- الصحاح، ج 1، ص 254 (شتت)

(وفساد صلاح ذات البين).

البين: الوصل، والوسط.قال في القاموس: « «ذَاتَ بَيْنِكُمْ» (1).أي حقيقة وصلكم، أو ذات البين: الحالة التي بها يجمع المسلمون»(2).

وقوله: (إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ يقبل التوبة).

في بعض النسخ: «عن عباده» بعد «التوبة».

(ويعفو عن السيّئات).

في بعض النسخ: «السيّئة» تعليل للأمر بالتوبة، وترغيب فيها.

وقيل: فيه دلالة على أنّ قبول التوبة من باب التفضّل _ وقيل: من باب الوجوب _ وعلى أنّ توبة المرتدّ مقبولة مطلقا هو الخلاف في الفطري مشهور(3).

(ويعلم ما تفعلون).

قيل: فيه وعدٌ ووعيدٌ للمطيع والعاصي بالثواب والعقاب؛ لأنّ العلم بأنّ للعمل رقيبا حافظا يبعث على فعل الحسن وترك القبيح(4).

متن الحديث الثامن والستّين والثلاثمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ الْمَدَائِنِيُّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ خَلَقَ نَجْما فِي الْفَلَكِ السَّابِعِ ، فَخَلَقَهُ مِنْ مَاءٍ بَارِدٍ ، وَسَائِرَ النُّجُومِ السِّتَّةِ الْجَارِيَاتِ مِنْ مَاءٍ حَارٍّ، وَهُوَ نَجْمُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ، وَهُوَ نَجْمُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، يَأْمُرُ بِالْخُرُوجِ مِنَ الدُّنْيَا وَالزُّهْدِ فِيهَا ، وَيَأْمُرُ بِافْتِرَاشِ التُّرَابِ وَتَوَسُّدِ اللَّبِنِ وَلِبَاسِ الْخَشِنِ وَأَكْلِ الْجَشِبِ ، وَمَا خَلَقَ اللّهُ نَجْما أَقْرَبَ إِلَى اللّهِ مِنْهُ» .

ص: 399


1- . الأنفال (8): 1
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 409 (ذوت) مع اختلاف يسير في اللفظ
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 355 مع اختلاف في اللفظ
4- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 355

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (قال: إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ خلق نجما في الفلك السابع).

الظرف متعلّق ب«خلق»، أو صفة لقوله «نجما».والظاهر أنّه زحل؛ لكونه في الفلك السابع، ولقوله عليه السلام : «وهو نجم الأنبياء» كما سيأتي.

روى الصدوق رحمه الله في الخصال، والشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في حديث اليماني، إلى أن قال: فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «فما زحل عندكم في النجوم؟» فقال اليماني: نجمٌ نحس، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «لا تقُل هذا؛ فإنّه نجم أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو نجم الأوصياء، وهو النجم الثاقب الذي قال اللّه في كتابه» الحديث(1).

(فخلقه من ماءٍ بارد).

قيل: إذا كان الماء أصل كلّ شيء من الأجسام _ كما مرّ _ لم يبعد ذلك، ويمكن أن يكون كناية عن لينة طبعه ولطفه بالسفليّات، (2)انتهى.

(وسائر النجوم الستّه الجاريات) أي السيّارات.

(من ماءٍ حارّ).

فيه دلالة على أنّ طبيعة زحل بارد رطب، وسائر السيّارات حارّ رطب، وأنّ المنجّمين أخطأوا في طبايعها؛ فإنّ زحل على مذهبهم بارد يابس، والمشتري حارّ رطب، والمريّخ حار يابس، وكذا الشمس، والزهرة بارد رطب، وعطارد معتدل، والقمر بارد رطب.

(وهو نجم الأنبياء والأوصياء، وهو نجم أمير المؤمنين عليه السلام ).

فيه دلالة على أنّ أهل التنجيم أخطأوا في المنسوبين إلى السيّارات أيضا؛ فإنّهم ينسبون الدهاقين والضياع والعقار على زحل، وأئمّة الدِّين والقضاة والصدور إلى المشتري.

(يأمر بالخروج من الدُّنيا) أي باستعداد الخروج منها، وعدم الرغبة في نعيمها وزخارفها.

فقوله: (والزهد فيها) تفسير وبيان للخروج منها.

(ويأمر بافتراش التراب) أي يجعله فراشا للقعود والنوم عليها.قال الفيروزآبادي:

ص: 400


1- الخصال، ص 489، ح 68؛ الاحتجاج، ج 2، ص 101
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 355

«افترشه: وطئه.وذراعيه: بَسَطَهُما على الأرض»(1).

وفي بعض النسخ: «الثرى» بدل «التراب».قال: «الثرى: التراب النديّ»(2).

(وتوسّد اللّبن) الوسادة _ مثلّثة _ : المتّكأ، والمخدّة.وتوسّده، أي جعله وسادة.

قال الجوهري: «اللبنة: التي يبنى بها.والجمع: لبن، مثال كلمة وكلم.قال ابن السكيت: ومن العرب من يقول: لبنَة ولِبْن، مثل لبْدة ولِبْد»(3).

وفي القاموس: «اللِبَن _ ككتف _ : المضروب من الطين مربّعا، وكإبل لغةً»(4).

(ولباس الخشن).

اللباس _ بالكسر _ : ما يلبس.

والخشن _ ككتف _ : الغليظ، من الخشونة، وهي ضدّ اللّين.

(وأكل الجشب).

في القاموس: «جشب الطعام _ كنصر وسمع _ فهو جَشْب وجَشِب، أي غليظ، أو بلا أَدْم»(5).

قال بعض الأفاضل:

لعلّ المراد بأمره بالاُمور المذكورة أنّ من ينسب إليه هكذا حاله، أو أنّ من كان هذا الكوكب طالع ولادته يكون كذلك، أو المنسوبون إلى هذا الكوكب يأمرون بذلك(6).

وقال بعض الشارحين: أمره للناس بما ذكر إمّا بالتأثير في المستعدّين الراغبين في الآخرة، أو بالقول وسماع الكاملين له، وإخبارهم عليهم السلام به، يكفي في لزوم التصديق به [لو كان النقل صحيحا]، وكونه نجم الأنبياء باعتبار أنّ تأثيره لهم وسماعهم لأمره أظهر، هذا ويمكن أن يُراد به النبيّ صلى الله عليه و آله ، وحينئذٍ جميع ما ذكر ظاهر، ويؤيّده ما روي عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله تعالى: «وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» (7). ، قال: «النجم رسول

ص: 401


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 283 (فرش)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 308 (ثرى)
3- الصحاح، ج 6، ص 2192 (لبن) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 265 (لبن) مع التلخيص
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 46 (جشب) مع التلخيص
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 243
7- النحل (16): 16

اللّه صلى الله عليه و آله ، والعلامات هم الأئمّة عليهم السلام » (1). انتهى، فتأمّل(2).

(وما خلق اللّه نجما أقرب إلى اللّه منه).

يدلّ على ما سبق على خطأ أهل التنجيم في سعود الكواكب ونحوسها أيضا؛ فإنّ زحل عندهم نحس مطلقا.وما قيل من أنّه مطابق لما يراه المنجِّمون من نحوسة زحل، وذلك لأنّ نظرهم مقصور على النشأة الفانية، والدُّنيا والآخرتان ضرّتان لا تجتمعان، (3).ففساده من أن يحتاج إلى البيان.

متن الحديث التاسع والستّين والثلاثمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ ، عَنْ يَاسِرٍ الْخَادِمِ ، قَالَ :قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ قَفَصا فِيهِ سَبْعَةَ عَشَرَ قَارُورَةً، إِذْ وَقَعَ الْقَفَصُ ، فَتَكَسَّرَتِ الْقَوَارِيرُ .

فَقَالَ: «إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ ، يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلِكُ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْما ، ثُمَّ يَمُوتُ».فَخَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بِالْكُوفَةِ مَعَ أَبِي السَّرَايَا ، فَمَكَثَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْما ، ثُمَّ مَاتَ .

شرح الحديث

قوله: (الحسين بن أحمد، عن أحمد بن هلال).

كذا في أكثر النسخ، وهو غير مذكور، والظاهر أنّه تصحيف من النسّاخ، والصواب: الحسين بن أحمد بن هلال، كما في بعض النسخ، ويدلّ عليه السند الآتي بعد هذا الحديث، وحينئذٍ يحتمل أن يكون ابن محمّد الأشعري أو ابن أحمد، وعلى هذا يكون السند ضعيفا بأحمد بن هلال، وعلى ما في الأصل يكون مجهولاً.

قوله: (رأيت في النوم كأنّ قفصا) إلى قوله: (فتكسّرت القوارير).

قال الفيروزآبادي: «القفص _ بالتحريك _ : محبس الطير»(4).

ص: 402


1- الكافي، ج 1، ص 206، ح 1
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 356
3- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 524
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 314 (قفص) مع التلخيص

وقال: «القارورة: ما قرّ فيه الشراب ونحوه، أو يخصّ بالزجاج»(1).

(فقال: إن صدقت) بسكون التاء.

(رؤياك) أي لم تكن من أضغاث الأحلام التي لا تعبير لها، أو كنت في نقلها صادقا، ولعلّ الأوّل أظهر.

(يخرج رجلٌ من أهل بيتي) أي من بني فاطمة عليهاالسلام.

(يملك سبعة عشر يوما، ثمّ يموت).

يُقال: ملك _ كضرب _ مُلكا، بالضمّ، أي صار ملكا.وملِكا _ بالكسر _ ، أي صار مالكا.

ولعلّ المراد هنا المعنى الأوّل.

(فخرج محمّد بن إبراهيم بالكوفة) وهو محمّد بن إبراهيم طباطبا ابن إسماعيل بن إبراهيم بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام .

(مع أبي السرايا).

أبو السرايا كان في أوّل أمره من عمّال هرثمة بن أعين، فهرب منه إلى الكوفة، واختصّ بمزيد التقرّب عند محمّد بن إبراهيم، وصار أمير جنده، ولمّا مات محمّد بن إبراهيم بايع محمّد بن محمّد بن زيد.

وقال الطبري في تأريخه: اسم أبي السرايا سرى بن منصور، وكان من أولاد هاني بن قبيصة الذي عصى على كسرى أبرويز، وكان أبو السرايا من اُمراء المأمون، ثمّ عصى في الكوفة على أمير العراق، وبايع محمد بن محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام ، ثمّ أرسل إليه حسن بن سهل أمير العراق جند فقاتلوه، واُسِر فقُتِل(2).

متن الحديث السبعين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام فِي أَيَّامِ هَارُونَ : إِنَّكَ قَدْ شَهَرْتَ نَفْسَكَ بِهذَا الْأَمْرِ ، وَجَلَسْتَ مَجْلِسَ أَبِيكَ ، وَسَيْفُ هَارُونَ يُقَطِّرُ الدَّمَ .

ص: 403


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 116 (قرر) مع التلخيص
2- تاريخ الطبري، ج 7، ص 117 مع اختلاف في اللفظ

فَقَالَ : «جَرَّأَنِي عَلى هذَا مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِنْ أَخَذَ أَبُو جَهْلٍ مِنْ رَأْسِي شَعْرَةً ، فَاشْهَدُوا أَنِّي لَسْتُ بِنَبِيٍّ.وَأَنَا أَقُولُ لَكُمْ : إِنْ أَخَذَ هَارُونُ مِنْ رَأْسِي شَعْرَةً ، فَاشْهَدُوا أَنِّي لَسْتُ بِإِمَامٍ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (إنّك قد شهرت نفسك).

في القاموس: «الشهرة _ بالضمّ _ : ظهور الشيء في شنعة شهره _ كمنعه _ وشهّره واشتهره، فاشتهر»(1).

(بهذا الأمر) أي بأمر الخلافة.

(وجلست مجلس أبيك) يعني دعوت الناس إلى متابعتك مثل أبيك.

(وسيف هارون يقطّر الدم).

الواو للحال.وهذا كناية عن سوطته وقهره وغضبه على مَن ادّعى هذا الأمر.يُقال: قطر الماء _ كنصر _ قطرانا، وقطرته أيضا قطرا، وقطّرته تقطيرا.

(فقال: جرّأني على هذا).

في القاموس: الجرأة _ كالجرعة _ : الشجاعة.جرؤ _ ككرم _ فهو جريء، وجرّأته عليه تجريئا فاجترأ»(2).

و قيل: في هذا الخبر دلالة على أنّه كان يختلف أحوالهم عليهم السلام في التقيّة وعدمها بحسب ما كانوا يعلمون بما يختصّهم من العلوم من إمكان تسلّط خلفاء الجور عليهم وعدمه(3).

متن الحديث الواحد والسبعين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنْ زُرْعَةَ (4)، عَنْ سَمَاعَةَ ، قَالَ :تَعَرَّضَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِجَارِيَةِ رَجُلٍ عَقِيلِيٍّ ، فَقَالَتْ لَهُ : إِنَّ هذَا الْعُمَرِيَّ قَدْ

ص: 404


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 65 (شهر)
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 10 (جرأ) مع التلخيص
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 244
4- . في أكثر نسخ الكافي: «عن أحمد بن زرعة» بدل «عن أحمد، عن زرعة»

آذَانِي ، فَقَالَ لَهَا : عِدِيهِ وَأَدْخِلِيهِ الدِّهْلِيزَ ، فَأَدْخَلَتْهُ فَشَدَّ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَأَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ ، فَاجْتَمَعَ الْبَكْرِيُّونَ وَالْعُمَرِيُّونَ وَالْعُثْمَانِيُّونَ ، وَقَالُوا : مَا لِصَاحِبِنَا كُفْوٌ ، لَنْ نَقْتُلَ بِهِ إِلَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، وَمَا قَتَلَ صَاحِبَنَا غَيْرُهُ ، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام قَدْ مَضى نَحْوَ قُبَا ، فَلَقِيتُهُ بِمَا اجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : «دَعْهُمْ».قَالَ (1): فَلَمَّا جَاءَ وَرَأَوْهُ وَثَبُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا : مَا قَتَلَ صَاحِبَنَا أَحَدٌ غَيْرُكَ ، وَمَا نَقْتُلُ بِهِ أَحَدا غَيْرَكَ ، فَقَالَ : «لِيُكَلِّمْنِي (2)مِنْكُمْ جَمَاعَةٌ» فَاعْتَزَلَ قَوْمٌ مِنْهُمْ ، فَأَخَذَ بِأَيْدِيهِمْ ، فَأَدْخَلَهُمُ (3)الْمَسْجِدَ ، فَخَرَجُوا وَهُمْ يَقُولُونَ : شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، مَعَاذَ اللّهِ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ يَفْعَلُ هذَا وَلَا يَأْمُرُ بِهِ ، انْصَرِفُوا (4).

قَالَ : فَمَضَيْتُ مَعَهُ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا كَانَ أَقْرَبَ رِضَاهُمْ مِنْ سَخَطِهِمْ؟

قَالَ : «نَعَمْ ، دَعَوْتُهُمْ ، فَقُلْتُ : أَمْسِكُوا ، وَإِلَا أَخْرَجْتُ الصَّحِيفَةَ».

فَقُلْتُ : وَمَا هذِهِ الصَّحِيفَةُ، جَعَلَنِيَ اللّهُ فِدَاكَ؟

فَقَالَ : «إِنَّ (5)أُمَّ الْخَطَّابِ كَانَتْ أَمَةً لِلزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَسَطَّرَ (6)بِهَا نُفَيْلٌ ، فَأَحْبَلَهَا ، فَطَلَبَهُ الزُّبَيْرُ ، فَخَرَجَ هَارِبا إِلَى الطَّائِفِ ، فَخَرَجَ الزُّبَيْرُ خَلْفَهُ ، فَبَصُرَتْ بِهِ ثَقِيفٌ ، فَقَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ ، مَا تَعْمَلُ هاهُنَا؟ قَالَ : جَارِيَتِي سَطَّرَ (7)بِهَا نُفَيْلُكُمْ ، فَهَرَبَ مِنْهُ إِلَى الشَّامِ ، وَخَرَجَ الزُّبَيْرُ فِي تِجَارَةٍ لَهُ إِلَى الشَّامِ ، فَدَخَلَ عَلى مَلِكِ الدُّومَةِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ ، لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ ، قَالَ : وَمَا حَاجَتُكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ؟ فَقَالَ : رَجُلٌ مِنْ أَهْلِكَ قَدْ أَخَذْتَ وَلَدَهُ فَأُحِبُّ أَنْ تَرُدَّهُ عَلَيْهِ ، قَالَ (8): لِيَظْهَرْ لِي حَتّى أَعْرِفَهُ ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ دَخَلَ إِلَى (9)الْمَلِكِ ، فَلَمَّا رَآهُ الْمَلِكُ ضَحِكَ ، فَقَالَ : مَا يُضْحِكُكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ؟ قَالَ : مَا أَظُنُّ هذَا الرَّجُلَ وَلَدَتْهُ عَرَبِيَّةٌ ، لَمَّا رَآكَ قَدْ دَخَلْتَ لَمْ يَمْلِكِ اسْتَهُ أَنْ جَعَلَ يَضْرِطُ ، فَقَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِذَا صِرْتُ إِلى مَكَّةَ قَضَيْتُ حَاجَتَكَ ، فَلَمَّا قَدِمَ الزُّبَيْرُ تَحَمَّلَ عَلَيْهِ بِبُطُونِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ ابْنَهُ فَأَبى ، ثُمَّ تَحَمَّلَ عَلَيْهِ بِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَقَالَ : مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ عَمَلٌ ، أَ مَا عَلِمْتُمْ مَا فَعَلَ فِي ابْنِي فُلَانٍ؟ وَلكِنِ امْضُوا أَنْتُمْ إِلَيْهِ ، فَقَصَدُوهُ وَكَلَّمُوهُ ، فَقَالَ لَهُمُ الزُّبَيْرُ : إِنَّ الشَّيْطَانَ لَهُ دَوْلَةٌ ، وَإِنَّ ابْنَ هذَا

ص: 405


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: - «قال»
2- . في أكثر نسخ الكافي: «لتكلّمني»
3- . في بعض نسخ الكافي: «واُدخلهم»
4- . في بعض نسخ الكافي: «فانصرفوا»
5- . في بعض نسخ الكافي: - «إنّ»
6- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فشطر»
7- . في بعض نسخ الكافي: «شطّر»
8- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فقال»
9- . في الطبعة القديمة والوافي: «على»

ابْنُ الشَّيْطَانِ ، وَلَسْتُ آمَنُ أَنْ يَتَرَأَّسَ عَلَيْنَا ، وَلكِنْ أَدْخِلُوهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ عَلَيَّ عَلى أَنْ أُحْمِيَ لَهُ حَدِيدَةً ، وَأَخُطَّ فِي وَجْهِهِ خُطُوطا ، وَأَكْتُبَ عَلَيْهِ وَعَلى ابْنِهِ : أَلَا يَتَصَدَّرَ فِي مَجْلِسٍ ، وَلَا يَتَأَمَّرَ عَلى أَوْلَادِنَا ، وَلَا يَضْرِبَ مَعَنَا بِسَهْمٍ .

قَالَ : فَفَعَلُوا ، وَخَطَّ وَجْهَهُ بِالْحَدِيدَةِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَذلِكَ الْكِتَابُ عِنْدَنَا ، فَقُلْتُ لَهُمْ : إِنْ أَمْسَكْتُمْ ، وَإِلَا أَخْرَجْتُ الْكِتَابَ ، فَفِيهِ فَضِيحَتُكُمْ ، فَأَمْسَكُوا» .

وَتُوُفِّيَ مَوْلًى لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمْ يُخَلِّفْ وَارِثا ، فَخَاصَمَ فِيهِ وُلْدُ الْعَبَّاسِ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، وَكَانَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَدْ حَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ، فَجَلَسَ لَهُمْ ، فَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ : الْوَلَاءُ لَنَا ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «بَلِ الْوَلَاءُ لِي».

فَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ : إِنَّ أَبَاكَ قَاتَلَ مُعَاوِيَةَ .

فَقَالَ : «إِنْ كَانَ أَبِي قَاتَلَ مُعَاوِيَةَ ، فَقَدْ كَانَ حَظُّ أَبِيكَ فِيهِ الْأَوْفَرَ ، ثُمَّ فَرَّ بِجِنَايَتِهِ (1)» وَقَالَ : «وَاللّهِ لَأُطَوِّقَنَّكَ غَدا طَوْقَ الْحَمَامَةِ ».

فَقَالَ لَهُ (2)دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ : كَلَامُكَ هذَا أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ بَعْرَةٍ فِي وَادِي الْأَزْرَقِ .

فَقَالَ : «أَمَا إِنَّهُ وَادٍ لَيْسَ لَكَ وَلَا لِأَبِيكَ فِيهِ حَقٌّ» .

قَالَ : فَقَالَ هِشَامٌ : إِذَا كَانَ غَدا جَلَسْتُ لَكُمْ ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ خَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام وَمَعَهُ كِتَابٌ فِي كِرْبَاسَةٍ ، وَجَلَسَ لَهُمْ هِشَامٌ ، فَوَضَعَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام الْكِتَابَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلَمَّا أَنْ قَرَأَهُ قَالَ: ادْعُوا لِي جَنْدَلَ الْخُزَاعِيَّ وَعُكَّاشَةَ الضَّمِيرِيَّ (3)_ وَكَانَا شَيْخَيْنِ قَدْ أَدْرَكَا الْجَاهِلِيَّةَ _ فَرَمى بِالْكِتَابِ إِلَيْهِمَا ، فَقَالَ : تَعْرِفَانِ هذِهِ الْخُطُوطَ؟ قَالَا : نَعَمْ ، هذَا خَطُّ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ ، وَهذَا خَطُّ فُلَانٍ وَفُلَانٍ لِفُلَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَهذَا خَطُّ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ .

فَقَالَ هِشَامٌ : يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ ، أَرى خُطُوطَ أَجْدَادِي عِنْدَكُمْ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ».قَالَ : فَقَدْ (4).قَضَيْتُ بِالْوَلَاءِ لَكَ .

قَالَ : فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ :

إِنْ عَادَتِ الْعَقْرَبُ عُدْنَا لَهَا***وَكَانَتِ النَّعْلُ لَهَا حَاضِرَةْ

ص: 406


1- . في الطبعة القديمة ومرآة العقول: «بخيانته»
2- . في بعض نسخ الكافي: - «له»
3- . في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «الضمريّ»
4- . في بعض نسخ الكافي: «قد»

قَالَ : فَقُلْتُ : مَا هذَا الْكِتَابُ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟

قَالَ : «فَإِنَّ نَثِيلَةَ (1). كَانَتْ أَمَةً لِأُمِّ الزُّبَيْرِ وَلِأَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللّهِ ، فَأَخَذَهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، فَأَوْلَدَهَا فُلَانا ، فَقَالَ لَهُ الزُّبَيْرُ : هذِهِ الْجَارِيَةُ وَرِثْنَاهَا مِنْ أُمِّنَا ، وَابْنُكَ هذَا عَبْدٌ لَنَا ، فَتَحَمَّلَ عَلَيْهِ بِبُطُونِ قُرَيْشٍ ، قَالَ : فَقَالَ (2): قَدْ أَجَبْتُكَ عَلى خَلَّةٍ عَلى أَنْ لَا يَتَصَدَّرَ ابْنُكَ هذَا فِي مَجْلِسٍ ، وَلَا يَضْرِبَ مَعَنَا بِسَهْمٍ ، فَكَتَبَ عَلَيْهِ كِتَابا ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ ، فَهُوَ هذَا الْكِتَابُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف على الظاهر.

قوله: (قال: تعرّض رجل من ولد عمر بن الخطّاب).

التعرّض: التصدّي، والتوجّه.وهاهنا كناية عن المراودة، وإرادة الفجور.

(بجارية رجل عقيلي) أي من ولد عقيل بن أبي طالب.

والجارية: الفتيّة من النساء، وقد تُطلق على الأمَة.

(فقالت) الجارية (له) أي للعقيلي.

(إنّ هذا العمري قد آذاني).

الإيذاء في الأصل: إيصال المكروه.

(فقال لها: عِديه) أمر من الوعد.

(وأدخليه الدهليز).

في القاموس: «الدهليز: ما بين الباب والدار»(3).

(فأدخلته) أي العمري.

(فشدَّ عليه) أي فحمل العقيلي على العمري.يُقال: شدَّ عليه في الحرب يشدّ، كيمدّ.

وقيل: كيفرّ أيضا، أي حمل.

(فقتله وألقاه في الطريق، فاجتمع البكريّون) أي المنسوبون إلى أبي بكر من ولده، أو تبعته، أو كليهما.

ص: 407


1- في الطبعة الجديدة وبعض نسخ الكافي: «نتيلة».وفي بعضها: «نفيلة»
2- في بعض نسخ الكافي والوافي: + «له»
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 176 (دهلز)

وكذا قوله: (والعمريّون والعثمانيّون، وقالوا: ما لصاحبنا) المقتول (كفو) أي مثل، حتّى نقتله بدمه.

(لن نقتل به).

الباء للمقابلة، أو للسببيّة.وفي بعض النسخ: «لن نقبل» بالباء الموحّدة.

(إلّا جعفر بن محمّد) أي الصادق عليه السلام .

(وما قتل صاحبنا غيره، وكان أبو عبداللّه عليه السلام قد مضى نحو قبا).

النحو: الطريق، والجهة.

و«قبآء» بالضمّ والمدّ، وقد تقصر، وتذكّر وتؤنّث: موضع بالحجاز.

(فلقيته بما اجتمع القوم عليه) أي قال سماعة: فذهبت إليه، ولقيته، وأخبرته بالأمر الذي اجتمع القوم عليه.

(فقال: دَعهم) إلى قوله: (معاذ اللّه أن يكون مثله يفعل هذا).

نفوا الفعل عنه عليه السلام كناية.قال الفيروزآبادي: «العوذ: الالتجاء، كالمعاذ.ومعاذ اللّه ، أي أعوذ باللّه معاذا»(1).

(ولا يأمر به).

كلمة «لا» لتأكيد النفي المستفاد من الكلام السابق ضمنا.

(فقال: إنّ اُمّ الخطّاب).

لفظة «إنّ» ليست في بعض النسخ.

(كانت أَمَة للزبير بن عبد المطّلب، فسطّر بها نفيل) كزبير، اسم رجل.

قال في النهاية: «سطّر فلان على فلان: إذا زخرف له الأقاويل، ونمّقها، وتلك الأقاويل الأساطير»(2).

وفي القاموس: «الأساطير: الأحاديث، لا نظام لها.جمع: إسطار وإسطير _ بكسرهما _ واُسطُور، وبالهاء في الكلّ.وسطّر تسطيرا: ألّف.وعلينا: أتانا بالأساطير»(3).

ص: 408


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 356 (عوذ) مع التلخيص
2- النهاية، ج 2، ص 365 (سطر)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 48 (سطر)

وفي بعض النسخ: «فشطّر بها» بالشين المعجمة.قال في القاموس:

الشطر: الجهة، والناحية، وإذا كان بهذا المعنى فلا يتصرّف الفعل منه.أو يُقال: شطر شطره، أي قصد قصده.وشطر بصره شطورا، كأنّه ينظر إليك وإلى آخر.والشاطر: من أعيا أهله خبثا.وقد شطر _ كنصر وكرم _ شطارة فيهما(1).

(فأحبلها).

الحبل _ بالتحريك _ : الحمل.وحبلت المرأة فهي حبلى، وأحبلتها أنا.قال الآبي من العامّة في كتاب إكمال الإكمال: «نسب عمر هكذا يكنّى أبا حفص، وهو ابن الخطّاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رياح بن عبداللّه بن قرط بن زيد بن عدي بن كعب بن لؤي»(2).

(فطلبه الزبير) إلى قوله: (فبصرت به) أي بالزبير (ثقيف).

قال الفيروزآبادي: «الطائف: بلاد ثقيف»(3).

وقال: «الثقيف _ كأمير _ : أبو قبيلة من هوازن»(4).

وقال: «البصر _ محرّكة _ : حسّ العين.بصر به _ ككرم وفرح _ أي صار مبصرا»(5).

(فقالوا: يا أبا عبداللّه ).

في بعض النسخ: «يا عبداللّه ».

(ما تعمل هاهنا) أي ما تصنع في الطائف.

(قال: جاريتي سطّر بها نفيلكم) فجئت تطلبه.وإضافة النفيل إليهم إمّا لكونه منهم، أو لكونه في ذلك فيهم.

(فهرب منه إلى الشام) أي لمّا سمع نفيل قدوم الزبير هرب منه.

(إلى الشام، فدخل) يعني الزبير.

(على ملك الدومة في).

في المغرب: «دومة الجندل _ بالضمّ، والمحدّثون على الفتح، وهو خطأ عن ابن دريد _

ص: 409


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 59 (شطر)
2- اُنظر: إكمال الكمال (لابن ماكولا)، ج 4، ص 15؛ تهذيب الكمال للمزي، ج 21، ص 316؛ سير أعلام النبلاء للذهبي، ج 1، ص 124
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 170 (طوف)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 169 (ثقف) مع التلخيص
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 373 (بصر) مع التلخيص

وهو حصن على خمس عشرة ليلة من المدينة، ومن الكوفة على عشر مراحل»(1).

(فقال) الملك (له) أي للزبير: (يا أبا عبداللّه ، لي إليك حاجة) إلى قوله: (ليظهر) على صيغة أمر الغايب (لي).

(حتّى أعرفه، فلمّا أن) بفتح الهمزة (كان من الغد دخل) الزبير (إلى الملك) إلى قوله: (ما أظنّ)؛ يعني نفيلاً.(ولدته عربيّة) أي امرأة عربيّة.

وقيل: إنّما شكّ في اُمّه؛ لعلمه بأنّ أباه كان من العرب، وقال ذلك لأنّ الضرطة عيبٌ وعار خصوصا عند العرب، ولأنّها نشأت من الخوف والجبن، والشجاعة معروفة في العرب(2).

(لمّا رآك قد دخلت لم يملك إسْتَه) بكسر الهمزة.

قال الجوهري: «الإست»: العجز، وقد يُراد [به] حلقة الدِّبر.وأصلها: سَتَهٌ، على فعل بالتحريك يدلّ على ذلك أنّ جمعه أستاه، مثل جمل وأجمال»(3).

(أن جعل يضرط) بكسر الراء.

قال الفيروزآبادي: «جعل يفعل كذا: أقبل، وأخذ»(4).

(فقال: أيّها الملك، إذا صرت إلى مكّة) أي بلغت إليها.

(قضيت حاجتك) بردّ ولده (فلمّا قدم الزبير) مكّة، ورجع نفيل إليها.

(تحمّل) أي استشفع نفيل (عليه) أي على الزبير.

(ببطون قريش كلّها) قال الجوهري: «البطن: دون القبيلة»(5).

وقال الجزري: «في حديث قيس قال: تحمّلت بعليّ على عثمان في أمر، أي استشفعت به إليه»(6).

(أن يدفع الزبير إليه ابنه فأبى) الزبير من ذلك (ثمّ تحمّل عليه بعبد المطّلب).

الظاهر أنّه لمّا يئس من تأثير شفاعة بطون القريش استشفع بعبد المطّلب إلى الزبير في ردّ ولده.

ص: 410


1- المغرب، ص 170 (دوم)
2- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 358
3- الصحاح، ج 6، ص 2233 (سته)
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 348 (جعل)
5- الصحاح، ج 5، ص 2079 (بطن)
6- النهاية، ج 1، ص 443 (حمل)

(فقال) أي عبد المطّلب: (ما بيني وبينه عمل) أي معاملة واُلفة.

ثمّ أشار إلى سبب نفي الاُلفة بينهما، وقال: (أما علمتم ما فعل) الزبير (في أبي فلان).

أشار بذلك إلى ما سيجيء في آخر الحديث من قصّة عبّاس.

(ولكن امضوا أنتم).

الخطاب لبطون قريش ممّن حضر منهم عنده مع نفيل.

(إليه) أي إلى الزبير.

(فقال لهم الزبير) إلى قوله: (أن يترأّس علينا).

في القاموس: «الرأس: سيّد القوم.ورأّسته ترئيسا: [إذا] جعلته رئيسا.وارتأس: صار رئيسا، كترأّس.وزيدا: شغله.وأصله أخذ بالرقبة، وخفضها إلى الأرض»(1).

(ولكن أدخلوه) أي ابن نفيل.

(من باب المسجد) أي المسجد الحرام.

(عليَّ على أن اُحمي له حديدة) لأكويه بها.وكلمة «على» تعليليّة.و«أحمي» على صيغة المزيد من باب الإفعال.قال الجوهري: «حمى النهار _ بالكسر _ وحمى التنّور حِمْيا فيهما، أي اشتدّ حرّه.واُحميت الحديد في النار فهو مُحمىً، ولا يُقال: حميته»(2).

(وأخطّ) بضمّ الحاء، أي أكتب.

(في وجهه خطوطا) كأنّ المراد نقش ما يدلّ على عبوديّته في الكيّ، ثمّ إحراق وجهه به؛ ليؤثّر فيه، ويبقى علامته.

(وأكتب عليه) أي على نفيل.

(وعلى ابنه) أي أكتب عليهما مجلّة وموثقا بالمضامين الآتية، وهي ب(ألّا يتصدّر) ابنه، أو كلّ منهما.والأوّل أظهر.

(في مجلس) أي لا يجلس في صدره.يُقال: تصدّر، أي جلس في صدر المجلس وأعلاه.

(ولا يتأمّر على أولادنا) قال الجوهري: «تأمّر [عليهم]، أي تسلّط»(3).

ص: 411


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 218 (رأس) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 6، ص 2320 (حمى)
3- الصحاح، ج 2، ص 582 (أمر)

(ولا يضرب معنا بسهم).

في القاموس: «هو يضرب المجد، أي يكسبه، ويطلبه»(1).

ولعلّ المراد هنا عدم الشركة في شيء من الغنيمة والميراث ونحوهما، وقيل: يمكن أن يُراد به سهم الميسر؛ لأنّهم كانوا يعملونه مع الأكفّاء(2).

(قال) أبو عبداللّه عليه السلام : (ففعلوا وخطّ وجهه بالحديدة، وكتب عليه الكتاب) أي فعل القوم ما شرطه الزبير عليهم من إدخاله من باب المسجد، وأحماه الحديدة له، إلى آخر ما قال.

وقوله: (وذلك الكتاب عندنا) إلى قوله: (فأمسكوا) من كلام أبي عبداللّه عليه السلام .أو «امسكوا» على صيغة المضيّ.ويحتمل كونه على صيغة الأمر.

والظاهر أنّ قوله: (وتوفّي مولى لرسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يخلّف وارثا) من كلام سماعة، ورواية بالإسناد المتقدّم، وأنّ المراد بالمولى هنا العبد المُعتق.

(فخاصم فيه) أي في ميراثه.

(ولد العبّاس أبا عبداللّه عليه السلام ) وهم كابروا في ذلك؛ لأنّ الولاء للمعتق وأولاده.

(فقال داود بن عليّ) هو عمّ السفّاح، كما مرّ.

(الولاء لنا) قال الجوهري: «يُقال: بينهما ولاء _ بالفتح _ ، أي قرابة.والولاء: ولاء المعتق»(3).

(وقال أبو عبداللّه عليه السلام : بل الولاء لي).

قال المحقّق رحمه الله في شرائعه:

لو عُدِم المنعم.قال ابن بابويه: يكون الولاء للأولاد الذكور والإناث، وهو حسن، ومثله في الخلاف لو كان رجلاً(4). وقال المفيد رحمه الله: الولاء للأولاد الذكور دون الإناث رجلاً كان المُنعم أو امرأة(5)وقال الشيخ رحمه الله في النهاية: يكون للأولاد الذكور دون الإناث إن كان المعتق رجلاً، ولو كان امرأة كان الولاء لعصبتها(6). وبقوله رحمه الله: تشهد الروايات، ويقوم أولاد الأولاد مقام آبائهم عند عدمهم، ويأخذ كلّ منهم نصيب من

ص: 412


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 96 (ضرب)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 359
3- الصحاح، ج 6، ص 2530 (ولي)
4- الخلاف، ج 4، ص 79 _ 81، المسألة 84 و 86
5- المقنعة، ص 694
6- النهاية، ص 547 و 548

يتقرّب به كالميراث في غير الولاء، انتهى(1).

أقول: في هذا الخبر دلالة على أنّه يرث الولاء أولاد البنت، وأنّهم يحجبون أولاد العمّ.

وقال بعض الأفاضل: «يحتمل أن يكون لخصوص الواقعة مدخل في الحكم للولاية العامّة أو الإمامة»(2).

أقول: يؤيّد هذا الاحتمال قوله عليه السلام : «بل الولاء لي حيث لم يقل لنا».

(فقال داود بن علي: إنّ أباك قاتل معاوية) لمّا لم يكن لداود [حجّة] (3)للغلبة قال ذلك إغراءً لهشام على منعه عليه السلام وإيذائه، والحكم عليه لا له.

(فقال) أي أبو عبداللّه عليه السلام : (إن كان أبي قاتل معاوية، فقد كان حظّ أبيك) يعني عبداللّه بن عبّاس (فيه الأوفر).

ضمير «فيه» راجع إلى القتال.

والحظّ: النصيب.ولعلّ وجه كونه في أبيه أوفر أنّه أخذ من غنائم تلك الغزوة نصيبا وافرا، وكان من شركاء تلك الغزوة، ومن أعوان أمير المؤمنين عليه السلام .

وقيل: لأنّه قاتله بنصره، وهو أقبح في العرف(4).

(ثمّ فرَّ بجنايته) في بعض النسخ: «بخيانته».وفي بعضها: «بجناحيه».

قال في القاموس: «جنى الذنب عليه يجنيه جناية: جرّه إليه»(5). وقال بعض الأفاضل: هذا إشارة إلى خيانة عبداللّه في بيت مال البصرة، كما رواه الكشّي بإسناده عن الزهري، قال: سمعت الحارث يقول: استعمل عليّ عليه السلام على البصرة عبداللّه بن عبّاس، فحمل كلّ مال [في] بيت المال بالبصرة، ولحق بمكّة، وترك عليّا عليه السلام ، وكان مبلغه ألف ألف درهم، فصعد عليّ عليه السلام المنبر حين بلغه ذلك، فبكى، فقال: «هذا ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله في علمه وقدره يفعل مثل هذا، فكيف يؤمن مَن كان دونه، اللّهُمَّ

ص: 413


1- شرائع الإسلام، ج 4، ص 836 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 247
3- . أثبتناه من شرح المازندراني
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 359
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 314 (جني)

إنّي قد مللتهم، فأرحني منهم، واقبضني إليك غير عاجز ولا ملول»(1).

وقد روى رواية اُخرى عن الشبعي، (2)فيها طول تشتمل على مراسلاته في ذلك، وما أجاب ابن عبّاس عنها، وهي تشتمل على قدح عظيم فيه، والأخبار الدالّة على ذمّه كثيرة، انتهى(3).

وقال بعض الفضلاء: «ما ذكره الكشّي من الطعن فيه خمسة أحاديث كلّها ضعيف السند، واللّه أعلم بحاله»(4). وقيل: معنى قوله: «ثمّ فرَّ بجنايته» أنّه عليه السلام انتقل من هذا الكلام إلى كلام آخر(5).

(وقال) أبو عبداللّه عليه السلام : (واللّه لأطوّقنّك غدا طوق الحمامة).

إشارة إلى ما سيأتي من إبرازه عليه السلام كتابا يشتمل على قصّة أبي عبّاس، وفيها فضيحة بيّنة.

والطوق: كلّ [ما] استدار بشيء، وقد طوّقته فتطوّق، أي ألبسته الطوق فلبسه.ولعلّ المراد: إنّي اُطوّقك واُلبسك طوقا لازما في عنقك بحيث لا يفارقك عاره، كما لا يفارق عنق الحمامة طوقها.

وقيل: هذا مثلٌ يُضرب لإيصال المكروه إلى أحد من حيث لا يعلم(6).

(فقال له داود بن عليّ: كلامك هذا) إشارة إلى قوله عليه السلام : «واللّه لاُطوّقنّك».

(أهون عليَّ) أي أذلّ وأحقر عندي.

(من بعرة في وادي الأزرق) أي لا اُبالي من كلامك هذا.

قال الفيروزآبادي: «البعر _ ويُحرّك _ : رجيع الخفّ والظلف، واحدته بهاء الجمع: أبعار» انتهى(7).

والأزرق بتقديم المهملة على المعجمة فيما رأيناه من النسخ.وقيل: هو وادٍ وسيع كانت ترعى فيه الأنعام والأباعر(8).

ص: 414


1- رجال الكشّي، ص 60، ح 109
2- . رجال الكشّي، ص 60 _ 63، ح 110
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 247 و 248
4- قاله الشهيد الثاني رحمه الله. راجع: رسائل الشهيد الثاني، ج 2، ص 1018، ذيل الرقم 235
5- لم نعثر على قائله
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 359
7- القاموس المحيط، ج 1، ص 375 (بعر)
8- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 359

(فقال: أما إنّه واد ليس لك ولا لأبيك فيه حقّ).

قيل: أي وإلّا ادّعيت بعرة ذلك الوادي، وأخذتها ولم تتركها.ويحتمل أن يكون اسما لواد كان بينه عليه السلام وبينه، فيه أيضا منازعة، فأجاب عليه السلام عن سفهه بكلام حقّ مفيد في الحِجاج(1).

قال بعض الشارحين: في هذا الكلام تحقيرٌ له، وإنّما قال ذلك مع كمال حلمه؛ لما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال: «الشرّ يدفعه الشرّ» وقال: «ردّوا الحجر من حيث جاء» (2).ولما اشتهر مع أنّ الحلم مع الأحمق.السفيه حُمق، قال: وفيه دلالة على جواز أمثال ذلك في جواب الخصم المعتدي(3).

وقوله: (في كرباسة).بكسر الكاف وسكون الرّاء: ثوب من القطن الأبيض، معرّب كَرباس بالفتح.

(قال: ادعوا لي جندل الخزاعي) جندل _ كجعفر، وبكسر الدّال، وكعُلَيط _ : اسم رجل، وأصله الموضع الذي تجتمع فيه الحجارة.

وخزاعة _ بالضمّ وتخفيف الراء _ : أبو حيّ.

(وعُكّاشة الضميري) عكاشة _ وبتشديد الكاف _ : اسم رجل، وأصله العنكبوت، أو ذكورها، أو بيتها.وفي القاموس: «الضمير _ كأمير _ : بلد من عمّان.وكُزُبير: موضع قرب دمشق، وجبل بالشام»(4).

(وهذا خطّ فلان وفلان لفلان من قريش).

في القاموس: «فلان وفلانة _ مضمومتين _ : كناية عن أسمائنا، وبأل من غيرنا» (5).انتهى.

وهاهنا شيء يظهر بالتأمّل، أي سماعة.

(فخرج) أي أبو عبداللّه عليه السلام .

(وهو يقول) أي ينشد هذا الشعر:

(إن عادت العقرب عدنا لها***وكانت النعل لها حاضرة)

ص: 415


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 248
2- الحديث هكذا: «ردّ الحجر من حيث جاءك؛ فإنّه لا يردّ الشرّ إلّا بالشرّ».راجع: غرر الحكم، ص 334، الرقم 7695
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 359
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 76 (ضمر) مع التلخيص
5- . القاموس المحيط، ج 4، ص 256 (فلن)

قيل: هذا مثل لدفع الخصم المؤذي بما أمكن وقت الحاجة إليه(1).

(قال: فإنّ نثيلة) بفتح النون، وكسر الثاء المثلّثة، وهي في الأصل تراب البئر، واللّحم الثمين، وبغير هاء: الروث.

(كانت) اُمّه (أَمَة لاُمّ الزبير ولأبي طالب) كأنّه عطف على الاُمّ.وكذا قوله: (وعبداللّه ).

ويحتمل عطفهما على الزبير.وعلى الأوّل معنى كونها لهما أنّهما ورثاها من اُمّهما كما سيصرّح به، وهذه الثلاثة بنو عبد المطّلب، واُمّهم واحدة، وهي فاطمة بنت عمرو بن مخزوم، وكانت شريفة في قومها.

وقيل: كانت نثيلة بنت ملك بن حبّاب، وكان تُعان في الجاهليّة(2).

وفي بعض النسخ: «نفيلة» بالنون والفاء.

(فأخذها عبد المطّلب، فأولدها فلانا).

في بعض النسخ: «غلاما».

وعلى التقديرين يكون المراد به عبّاس بن عبد المطّلب.

قال بعض الأفاضل: «الظاهر أنّه أخذها برضا مولاتها، وكان نزاع الزبير معه على سبيل الجهل؛ لأنّ جلالة عبد المطّلب تمنع أن يُنسب إليه غير ذلك»(3).

(قال) أبو عبداللّه عليه السلام : (فقال) أي فقال الزبير لعبد المطّلب.

(قد أجبتك) في عتق عبّاس وعدم استرقاقه.

(على خلّة) الخلّة _ بالفتح _ : الخصلة، وهي هاهنا (أن لا يتصدّر) إلى آخره.

متن الحديث الثاني والسبعين والثلاثمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ النَّهْدِيِّ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ بِجَادٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَأَمّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ

ص: 416


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 359
2- نقله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 249 بعنوان «قيل»
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 249

أَصْحابِ الْيَمِينِ» (1).

فَقَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ عليه السلام : هُمْ شِيعَتُكَ ، فَسَلِمَ وُلْدُكَ مِنْهُمْ أَنْ يَقْتُلُوهُمْ» .

شرح الحديث

السند مقطوع، وضعيف على قول.

(النّهد) بالفتح: قبيلة باليمن.

و(بجاد) بالباء الموحّدة المكسورة والجيم.

قوله: (في قول اللّه عزّ وجلّ): «فَأَمَّا» (إِنْ كَانَ) أي المتوفّى.

وفي سورة الواقعة: «وأمّا» بالواو.

«مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ» .

قيل: هم أصحاب المنزلة السّنيّة، وأصحاب الشمال أصحاب المنزلة الدنيّة.أو الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم، والذين يؤتونها بشمائلهم.أو أصحاب [البركة] وأصحاب الشّوم؛ فإنّ السعداء ميامين على أنفسهم بطاعتهم، والأشقياء بخلاف ذلك.أو الذين يسلكون في أيمانهم إلى الجنّة عن يمين الناس، والذين يسلكون في شمائلهم إلى النار؛ لأنّ النار عن شمالهم.أو الذين أوجدهم اللّه تعالى في عالم الذرّ بجنب اليمين من آدم عليه السلام ، والذين أوجدهم بجنب الشمال منه.أو الذين مقامهم على يمين العرش، والذين مقامهم على شماله.وقيل: لا يبعد الإيراد مَن خُلق من التراب الذي في يمين جبرئيل عليه السلام ، ومَنْ خُلِقَ من التراب الذي في شماله عليه السلام (2).

«فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ» قيل: الخطاب في «لك» لصاحب اليمين؛ يعني: يا صاحب اليمين، سلامٌ لك من أصحاب اليمين، أي من إخوانك يُسلِّمون عليك(3)

وقال الشيخ الطبرسي: معنى قوله تعالى: «فَسَلَامٌ لَكَ» فترى فيهم ما تحبّ لهم من السلامة من المكاره والخوف.وقيل: معناه: فسلامٌ لك أيّها الإنسان الذي هو من أصحاب اليمين من

ص: 417


1- . الواقعة (56): 90 و 91
2- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 360 مع التلخيص و اختلاف في اللفظ
3- قاله البيضاوي في تفسيره، ج 5، ص 294 مع تفاوت في اللفظ

عذاب اللّه ، وسلّمت عليك ملائكة اللّه ، عن قتادة.

وقيل: معناه: فسلامٌ لك منهم في الجنّة؛ لأنّهم يكونون معك، ويكون «لك» بمعنى «عليك» انتهى(1).

(فقال) أبو عبداللّه عليه السلام .

(قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليٍّ عليه السلام : هم)؛ يعني أصحاب اليمين.

(شيعتك، فسلم) كفرح (ولدك منهم) أي من شيعتك.

(أن يقتلوهم).

حاصل تفسيره عليه السلام : أنّ المراد بالسلام السّلامة من القتل، والخطاب في ذلك للنبيّ صلى الله عليه و آله أو لعليّ عليه السلام ، وأصحاب اليمين شيعته ومواليه.

قال بعض الأفاضل: يحتمل أن يكون ذكر خصوص القتل على سبيل المثال، فيكون المعنى حينئذٍ: أنّه إن كان المتوفّى من أصحاب اليمين، فحاله ظاهر في السعادة؛ لأنّه كان بحيث سلم أهل بيتك من يده ولسانه، وكان معاونا لهم، فاُقيم علّة الجزاء مقامه(2).

متن الحديث الثالث والسبعين والثلاثمائة

اشارة

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ صَفْوَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُصْعَبٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : كُنْتُ أُبَايِعُ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (3).

عَلَى الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ ، وَالْبَسْطِ وَالْكُرْهِ إِلى أَنْ كَثُرَ الْاءِسْلَامُ وَكَثُفَ» قَالَ : «وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ عَلِيٌّ عليه السلام أَنْ يَمْنَعُوا مُحَمَّدا وَذُرِّيَّتَهُ مِمَّا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ ، فَأَخَذْتُهَا عَلَيْهِمْ ؛ نَجَا مَنْ نَجَا ، وَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (كنت اُبايع لرسول اللّه صلى الله عليه و آله على العُسر).والعسر _ بالضمّ، وبضمّتين، وبالتحريك _ : ضدّ اليُسر.

ص: 418


1- مجمع البيان، ج 9، ص 380 مع التلخيص
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 250
3- . في بعض نسخ الكافي: «رسول اللّه »

(واليُسر) بالضمّ وبضمّتين: السهولة، والغنى.

(والبسط) في القاموس: «بسطه: نشره.ويده: مدّها.وفلانا: سرّه.

والمكان القوم: وسعهم.واللّه فلانا عليَّ: فضّله.وفلان من فلان: أزال منه الاحتشام.والعذر: قبله»(1).

(والكره).

في القاموس:

الكره _ ويُضمّ _ : الإباء، والمشقّة.أو بالضمّ: ما اُكرهت نفسك عليه، وبالفتح: ما أكرهك غيرك عليه.كرهه _ كسمعه _ كرها، ويضمّ.وشيء كره _ بالفتح وكحجل _ : مكروه.والكره: الحمل الشديد.والكريهة: الشدّة في الحرب(2).

(إلى أن كثر الإسلام وكثف).

في القاموس: «الكثف: الجماعة.وكسحابة: الغلظ.كثف _ ككرم _ فهو كثيف، والكثرة»(3).

(قال) أي أبو عبداللّه عليه السلام : (وأخذ عليهم عليّ عليه السلام ) أي على الشيعه عند بيعتهم له.

(أن يمنعوا محمّدا) لعلّ المراد منع دينه، أو عرضه، وما لا يليق بجنابه.

(وذرّيّته) أي أهل بيته، أو مطلقا.

(ممّا يمنعون منه أنفسهم وذَراريهم) بفتح الذال.

وقوله: (فأخذتها عليهم) من كلام أبي عبداللّه عليه السلام ، أي فأخذت أنا أيضا من شيعتي هذه البيعة والعهد.

وقيل: كأنّه كان في الأصل قال: خُذ عليهم أن يمنعوا، فصحّف على ما ترى.فقوله: «فأخذتها» من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ، وفاعل «قال» رسول اللّه صلى الله عليه و آله (4).

وفي بعض النسخ: «وأخذ عليهم أن يمنعوا».قيل: الظاهر حينئذٍ أن يكون فاعل «قال» رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وفاعل «وأخذ» بصيغة الأمر عليّ عليه السلام ، ومفعوله «البيعة»(5).

أقول: لا يخفى بُعد هذا التوجيه، ولعلّ فاعل «قال» حينئذٍ أمير المؤمنين عليه السلام ، وفاعل

ص: 419


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 350 (بسط) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 291 (كره) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 189 (كثف) مع التلخيص
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 250
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 360

«أخذ» بصيغة المضيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وقوله: «فأخذتها عليهم» من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ، وضمير «عليهم» في الأوّل لأصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وفي الثاني لأصحاب عليّ عليه السلام .

(نجا مَن نجا).

في القاموس: «[نجا] نجوا ونجاء ونجاة ونجاية: خلص»(1).انتهى.أي خلص من الهلاك والعقوبة بسبب الوفاء بتلك البيعة كلّ من نجا.

(وهلك) بنقض تلك البيعة كلّ (من هلك).

وابتلي بعقوبة اللّه وسخطه.

وأصل الهلاك: الموت.

متن الحديث الرابع والسبعين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ مِنْ وَرَاءِ الْيَمَنِ وَادِيا يُقَالُ لَهُ : وَادِي بَرَهُوتَ ، وَلَايُجَاوِرُ (2)ذلِكَ الْوَادِيَ إِلَا الْحَيَّاتُ السُّودُ ، وَالْبُومُ مِنَ الطَّيْرِ (3)، فِي ذلِكَ الْوَادِي بِئْرٌ يُقَالُ لَهَا (4): بَلَهُوتُ ، يُغْدى وَيُرَاحُ إِلَيْهَا بِأَرْوَاحِ الْمُشْرِكِينَ ، يُسْقَوْنَ مِنْ مَاءِ الصَّدِيدِ ، خَلْفَ ذلِكَ الْوَادِي قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمُ : الذَّرِيحُ (5).، لَمَّا أَنْ بَعَثَ اللّهُ _ عَزَّوَجَلَّ _ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله صَاحَ عِجْلٌ لَهُمْ فِيهِمْ ، وَضَرَبَ بِذَنَبِهِ ، فَنَادى فِيهِمْ : يَا آلَ الذَّرِيحِ (6)_ بِصَوْتٍ فَصِيحٍ _ أَتى رَجُلٌ بِتِهَامَةَ يَدْعُو إِلى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ .قَالُوا : لِأَمْرٍ مَا أَنْطَقَ اللّهُ هذَا الْعِجْلَ؟

قَالَ : «فَنَادى فِيهِمْ ثَانِيَةً ، فَعَزَمُوا عَلى أَنْ يَبْنُوا سَفِينَةً ، فَبَنَوْهَا وَنَزَلَ فِيهَا سَبْعَةٌ مِنْهُمْ ، وَحَمَلُوا مِنَ الزَّادِ مَا قَذَفَ اللّهُ فِي قُلُوبِهِمْ ، ثُمَّ رَفَعُوا شِرَاعَهَا (7)، وَسَيَّبُوهَا فِي الْبَحْرِ ، فَمَا زَالَتْ تَسِيرُ بِهِمْ حَتّى رَمَتْ بِهِمْ بِجُدَّةَ ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : أَنْتُمْ أَهْلُ الذَّرِيحِ (8)، نَادى فِيكُمُ الْعِجْلُ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالُوا : اعْرِضْ عَلَيْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ الدِّينَ وَالْكِتَابَ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الدِّينَ وَالْكِتَابَ وَالسُّنَنَ وَالْفَرَائِضَ وَالشَّرَائِعَ كَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، وَوَلّى عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ بَنِي

ص: 420


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 393 (نجو)
2- . في كلتا الطبعتين: «ولا يجاوز» بالزاي المعجمة
3- . في الطبعة القديمة: «الطيور»
4- . في بعض نسخ الكافي: «له»
5- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «الدريج»
6- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «الدريج»
7- . في بعض نسخ الكافي: «شراعا»
8- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «الدريج»

هَاشِمٍ سَيَّرَهُ مَعَهُمْ ، فَمَا بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ حَتَّى السَّاعَةَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (إنّ من وراء اليمن وادٍ يُقال له: وادي برهوت).

في القاموس: «الوادي: مفرج [ما] بين جبال أو تلال أو آكام»(1).

وقال: «برهوت _ كسُبروت، ورهبوت _ : بئرٌ، أو وادي»(2).

وقال الجوهري:

برهوت _ على مثال رهبوت _ : بئر بحضرموت، يُقال: فيها أرواح الكفّار.وفي الحديث: «خير بئر في الأرض زمزم، وشرّ بئرٍ في الأرض برهوت»(3). ويُقال: بُرْهوت، كسُبْرُوت(4).

(ولا يجاور) بالراء المهملة.

(ذلك الوادي إلّا الحيّات السّود) بضمّ السين وسكون الواو: جمع أسود، ضدّ أبيض.

ويحتمل كونه جمع أسود، بمعنى الحيّة العظيمة للمح الوصفيّة.

(والبوم) بالضمّ: طائر.

وقوله: (من الطير) حال منه للكشف والإيضاح.

(في ذلك الوادي [بئر] يُقال لها: بلهوت) كأنّه على وزان «برهوت».

(يُغدى ويُراح إليها بأرواح المشركين).

قيل: أي إذا ماتوا يؤتى بأرواحهم إليها كلّ صباحٍ ومساء.أو إن ماتوا صباحا يُؤتى بهم صباحا، وإن ماتوا مساءً يؤتى بهم مساءً، ثمّ يكونون دائما في ذلك الوادي(5).

قال الفيروزآبادي: «الغُدوة _ بالضمّ _ : البكرة، أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس،

ص: 421


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 399 (ودي)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 281 (بره) مع تفاوت يسير في اللفظ
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 19، ص 128
4- الصحاح، ج 6، ص 2227 (بره)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 251

كالغداة.وغدا عليه غدّوا وغدوة _ بالضمّ _ : بكّر»(1).

وقال: «الرواح: العشيّ، أو من الزوال إلى الليل.ورحنا: سرنا فيه، وعملنا فيه.ورحْتُ القوم وإليهم وعندهم روحا ورواحا: ذهبت إليهم رواحا»(2).

(يسقون من ماء الصديد).

قال الجوهري: «صديد الجُرح: ماؤه الرقيق المختلط بالدّم قبل أن تغلظ المدّة»(3).

وقال الفيروزآبادي: «الصديد: ماء الجرح الرقيق، والحميم اُغلي حتّى خثر» (4).انتهى.

ولعلّ المراد هنا صديد أهل النار، كما يظهر من بعض الأخبار.

ويحتمل أن يُراد به ماء تلك البئر الشبيه بالصديد.

(خلف ذلك الوادي قومٌ يُقال لهم: الذريح).

في القاموس: «الذريح: أبو حيّ»(5).

(لمّا أن بعث اللّه محمّدا صلى الله عليه و آله صاح عجل لهم).

في القاموس: «العجل _ بالكسر _ : ولد البقرة»(6).

وقوله: (فيهم) متعلّق ب «صاحَ».

(وضرب بذنبه).

قيل: يمكن أن يُراد بالضرب معناه الظاهري، وأن يُراد به الإشارة إلى تهامة، وأن يُراد به المشي إليها ليريهم سمتها، يُقال: ضرب فلانٌ بذنبه: إذا أسرع الذهاب في الأرض، كما صرّح به في النهاية (7).(8).

(فنادى فيهم: يا آل الذريح _ بصوتٍ فصيح) متعلّق ب «نادى».

وقيل: يحتمل أن يكون متعلّقا بفعل محذوف، أي أقول مثلاً(9).

ص: 422


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 368 (غدو) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 225 (روح) مع التلخيص
3- الصحاح، ج 2، ص 496 (صدد)
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 307 (صدد)
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 221 (ذرح) مع التلخيص
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 13 (عجل) مع التلخيص
7- . النهاية، ج 3، ص 79 (ضرب)
8- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 361
9- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 251

والمراد بالصوت الفصيح الصوت الخالص المبيّن للمقصود، كما يتكلّم به الفصحاء من الناس.

(أتى رجل بتهامة).

في القاموس: «تهامة _ بالكسر _ : مكّة شرّفها اللّه تعالى، وأرضٌ معروف، لا بَلَد.ووهم الجوهري» (1).انتهى(2).

وقيل: هي ما بين ذات عرق على مرحلتين من وراء [مكّة](3).

(قالوا: لأمرٍ ما أنطق اللّه هذا العجل).

كلمة «ما» صفة أي لأمرٍ عظيم أنطقه اللّه .

(وحملوا من الزاد ما قذف اللّه في قلوبهم) أي ألقاه فيها ورماه بها.

(ثمّ رفعوا شراعها).

في القاموس: «شراع _ ككتاب _ : كالمِلأَة الواسعة فوق خشبة تصفقه الريح، فقضى بالسفينة.الجمع: أشرعة، وشُرع، بضمّتين»(4).

(وسيّبوها في البحر).

قال الجوهري: «ساب الماء يسيب: أي جرى.وسيّبت الدابّة: تركتها تسيب حيث شاءت»(5).

(فما زالت) أي السفينة.

(تسير بهم حتّى رمت بهم بجدّة).

الباء في «بهم» في الموضعين للتعدية.

قال الفيروزآبادي: «جدّة _ بالضمّ _ : ساحل البحر بمكّة.وجُدّة: لموضع بعينه، وجانب كلّ شيء»(6).

ص: 423


1- . الصحاح، ج 5، ص 1878 (تهم)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 84 (تهم)
3- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 361 بعنوان «قيل»
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 44 (شرع)
5- الصحاح، ج 11، ص 150 (سيب) مع التلخيص
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 280 (جدد)

متن الحديث الخامس والسبعين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ حَدِيدٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَصْبَحَ فَقَعَدَ فَحَدَّثَهُمْ بِذلِكَ ، فَقَالُوا لَهُ : صِفْ لَنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ».

قَالَ : «فَوَصَفَ (1)لَهُمْ ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ لَيْلًا فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ النَّعْتُ ، فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : انْظُرْ هاهُنَا ، فَنَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ ، فَوَصَفَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ نَعَتَ لَهُمْ مَا كَانَ مِنْ عِيرٍ لَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشَّامِ ، ثُمَّ قَالَ : هذِهِ (2)عِيرُ بَنِي فُلَانٍ تَقْدَمُ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، يَتَقَدَّمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ أَوْ أَحْمَرُ» .

قَالَ : «وَبَعَثَ قُرَيْشٌ رَجُلًا عَلى فَرَسٍ لِيَرُدَّهَا» قَالَ : «وَبَلَغَ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، قَالَ قُرْطَةُ بْنُ عَبْدِ (3)عَمْرٍو : يَا لَهْفا (4)أَلَا أَكُونَ لَكَ جَدَعا (5)حِينَ تَزْعُمُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، وَرَجَعْتَ مِنْ لَيْلَتِكَ» .

شرح الحديث

السند موثّق.

قوله: (عن حديد).

هو حديد بن حكيم الأزدي الثقة.

وقوله: (لمّا اُسري برسول اللّه صلى الله عليه و آله ).

الباء للتعدية.قال الجوهري: «سريت سُرَى ومَسْرَىً وَأَسْرَيتُ بمعنى: إذا سرت ليلاً.

وبالألف لغة أهل الحجاز»(6).

(فقالوا [له]: صِفْ لنا بيت المقدس).

في القاموس: «بيت المقدس، كمجلس ومعظّم»(7).

(فوصف وهو ينظر إليه).

قيل: يحتمل أن يكون ذلك بخلق اللّه تعالى مثله قريبا منه، أو بنقله إلى قريب، أو بإزالة

ص: 424


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فوصفه»
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «هذا»
3- . في بعض نسخ الكافي: - «عبد»
4- . في بعض نسخ الكافي والوافي: + «من»
5- . في كلتا الطبعتين: «جدعا» بالدال المهمة»
6- الصحاح، ج 6، ص 2376 (سرا)
7- القاموس المحيط، ج 2، ص 239 (قدس)

الحجاب بينه وبينه(1).

(ثمّ نعت لهم) أي وصف للناس.

(ما كان من عير لهم فيما بينهم وبين الشام).

في القاموس: «العير _ بالكسر _ : القافلة، مؤنّثة، أو الإبل تحمل الميرة بلا واحد من لفظها، أو كلّ ما امتير عليه، إبلاً كانت أو حميرا» (2)انتهى.

وقيل: العير اسم للإبل التي عليها الأحمال؛ لأنّها تعير، أي تردّد.فقيل لأصحابها، ثمّ تجوّز به لقافلة الحمير، ثمّ استعير لكلّ قافلة(3).

(ثمّ قال: هذه عير بني فلان تقدّم) بصيغة المضارع، وفاعله «العير».يُقال: قدم من سفره _ كعلم _ أي ورد.وقدم _ كنصر _ أي تقدّم.

(مع طلوع الشمس) أي حين طلوعها.

(يتقدّمها) أي العير.

(جمل أورق) في بعض النسخ: «أزرق».

قال الجوهري: قال الأصمعي:

الأورق من الإبل الذي في لونه بياض إلى سواد، وهو أطيب الإبل لحما، وليس بمحمود عندهم في عمله وسيره.وقال أبو زيد: هو الذي يضرب لونه إلى الخضرة(4).

(أو أحمر) الترديد من الراوي.

(قال) أبو عبداللّه عليه السلام : (وبعث قريش رجلاً على فرس).أي راكبا عليه.

(ليردّها) أي ليردّ ذلك الرجل العير، ويمنعها من القدوم حين طلوع الشمس، لئلّا يظهر معجزة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

(قال) أبو عبداللّه عليه السلام : (وبلغ مع طلوع الشمس).

لعلّ المراد أنّه بلغ ذلك الرجل العير حين قدموا مع طلوع الشمس فلم يمكنه ردّها، أو

ص: 425


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 362
2- . القاموس المحيط، ج 2، ص 98 (عير) مع التلخيص
3- قاله البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 300 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
4- الصحاح، ج 4، ص 1565 (ورق) مع التلخيص

بلغ العير مع طلوع الشمس قبل بلوغ ذلك الرجل إليها، والتذكير باعتبار اللفظ، وعلى التقديرين يكون معجزة اُخرى.

(قال قرطة بن عبد عمرو).

ويحتمل أن يكون «قرطة» كهمزة، أو كعنبة.

(يا لهفا ألّا أكون لك جدعا).

قال الجوهري: «قولهم: يا لهف فلان، كلمة يتحسّر بها على ما فات»(1).

وقال الفيروزآبادي: «يُقال: يا لهفي عليك، ويا لَهْف ويا لَهفا ويا لهفاه» انتهى(2).

وقيل: يا لهفا، أصله: يا لهفي، (3)ولم يثبت.

وقوله: «أن لا أكون» بتقدير «لأن لا أكون» أو «على أن لا أكون».

و«جدعا» بالدال المهملة على ما رأيناه من النسخ، ولعلّه هنا بكسر الدال، على أن يكون صفة مشبّهة، أو بسكونها على أن يكون مصدرا.والحمل على المبالغة.وعلى الثاني يحتمل كونه صفة مشبّهة أيضا.ولعلّه كناية عن الإذلال، وعن القتل.

وقيل: هو من المجادعة، بمعنى المخاصمة(4).

قال الفيروزآبادي: الجدع _ كالمنع _ : الحبس، والسّجن، وقطع الأنف أو الاُذن أو اليد أو الشفة.جدعه فهو أجدع، بيِّن الجدع _ محرّكة _ وكلأ جداع كغراب: فيه جدع لمن رعاه، أي وبيل وخم، ومنه الجداع للموت.وصبيّ جدع _ ككتف _ : سيّئ الغذاء.وقد جدع كفرح، وجدعته اُمّه _ كمنع _ : أساءت [غذاءه]، وكسحاب: السنة الشديدة تجدع بالمال وتُذهِب به.وجدعا له: ألزمه اللّه الجدع.وجادع مجادعة: شاتم وخاصم، انتهى(5).

وقرأه بعض الأفاضل بالذال المعجمة، وقال: يحتمل أن يكون كلامه _ لعنه اللّه _ جاريا على سبيل الاستهزاء، ويكون مراده: يا ليتني كنت شابّا قويّا على نصرتك، حين ظهر لي أنّك

ص: 426


1- الصحاح، ج 4، ص 1429 (لهف)
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 197 (لهف) مع التلخيص
3- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 252
4- ذهب إليه المحقّق الفيض رحمه الله في الوافى، ج 26، ص 362، ذيل ح 25459
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 11 (جدع) مع التلخيص

أتيت بيت المقدس، ورجعت من ليلتك.ويحتمل أن يكون مراده: يا لهفا على أن كبُرت وضعفت، ولا أقدر على إضرارك حين سمعتك تقول هذا(1).

قال الجزري في حديث المبعث: «إنّ ورقة بن نوفل قال: يا ليتني فيها جذعا.الضمير في قوله: «فيها» للنبوّة، أي ليتني كنتُ شابّا عند ظهورها حتّى اُبالغ في نصرتها وحمايتها»(2).

متن الحديث السادس والسبعين والثلاثمائة

اشارة

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ صُهَيْبٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَقْبَلَ يَقُولُ لِأَبِي بَكْرٍ فِي الْغَارِ : اسْكُنْ فَإِنَّ اللّهَ مَعَنَا ، وَقَدْ أَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ وَهُوَ لَا يَسْكُنُ ، فَلَمَّا رَأى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَالَهُ قَالَ لَهُ : تُرِيدُ أَنْ أُرِيَكَ أَصْحَابِي مِنَ الْأَنْصَارِ فِي مَجَالِسِهِمْ يَتَحَدَّثُونَ ، فَأُرِيَكَ (3) جَعْفَرا وَأَصْحَابَهُ فِي الْبَحْرِ يَغُوصُونَ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَمَسَحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدِهِ عَلى وَجْهِهِ ، فَنَظَرَ إِلَى الْأَنْصَارِ يَتَحَدَّثُونَ ، وَنَظَرَ إِلى جَعْفَرٍ عليه السلام وَأَصْحَابِهِ فِي الْبَحْرِ يَغُوصُونَ ، فَأَضْمَرَ تِلْكَ السَّاعَةَ أَنَّهُ سَاحِرٌ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (يقول لأبي بكر في الغار).

الغار: الكهف في الجبل.

(اسكن فإنّ اللّه معنا) بالعصمة والمعونة.وهذا إشارة إلى قوله تعالى: «ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ» (4).الآية.

(وقد أخذته الرعدة) الضمير لأبي بكر.وقال الفيروزآبادي: «ارتعد: اضطرب.والاسم: الرعدة، بالكسر والفتح»(5).

ص: 427


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 251
2- النهاية، ج 1، ص 250 (جذع)
3- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «واُريك»
4- التوبة (9): 40
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 295 (رعد)

(وهو) أي أبو بكر.

(لا يسكن) أي لا يستقرّ، ولا يطمأنّ من الخوف والاضطراب.

(فلمّا رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله حاله) من الاضطراب وعدم السكون.

(قال له: تريد).

قال الجوهري: «الإرادة: المشيّة، وأصلها الواو»(1).

(أن اُريك أصحابك من الأنصار) جمع ناصر.وغلب على جماعة من أهل مدينة بايعوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وآمنوا به بمكّة، ثمّ آووه ونصروه بعد مهاجرته صلى الله عليه و آله بمدينته.

(في مجالسهم) بمدينة (يتحدّثون، فاُريك جعفرا)؛ هو جعفر بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف.

(وأصحابه) هم الذين هاجروا معه إلى حبشة.

(في البحر يغوصون) أصل الغوص النزول تحت الماء.والمراد هاهنا المسافرة في البحر.

(فأضمر) أي أخفا أبو بكر في ضميره وخاطره.

(أنّه) يعني رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

(ساحر).

في القاموس: «السّحر _ بالكسر _ : كلّ ما لطُف مأخذه ودقّ.والفعل كمنع.وسحر _ كمنع _ : خَدَعَ»(2).

واعلم أنّ العامّة استدلّوا بآية الغار على فضيلة أبي بكر على سائر الأصحاب بوجوه ركيكة واهية، منها: أنّ اللّه تعالى سمّاه صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله .ومنها: قوله تعالى: «إِنَّ اللّه َ مَعَنَا» ، ومنها قوله: «فَأَنزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ» .

قال البيضاوي: «السكينة» الأمنة التي يسكن عندها القلوب، وضمير «عليه» راجع إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ، أو إلى صاحبه.قال: والثاني أظهر؛ لأنّه كان منزعجا»(3).

أقول: إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ سمّى الكافر صاحبا للنبيّ صلى الله عليه و آله في قوله تعالى: «يَا صَاحِبَىِ

ص: 428


1- الصحاح، ج 2، ص 295 (رود)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 45 (سحر) مع التلخيص
3- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 146 مع اختلاف في اللفظ

السِّجْنِ» (1).

وللمؤمن في قوله: «فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ» (2). ، وسمّى المؤمن صاحبا للكافر في قوله جلّ طوله: «قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ» (3).

الآية.وقد اشتهر في العرف تسمية الحمار والجمار والكلب وأمثالها صاحبا، فظهر أن ليس في لفظ الصاحب دلالة على أصل إيمانه فضلاً عن فضله وإيقانه.وكذا في قوله: «معنا».قال اللّه تعالى: «مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (4)، وإرجاعهم ضمير «عليه» إلى أبي بكر خطأ فاحش خارج عن اُسلوب العربيّة؛ فإنّ الضمائر قبله وبعده تعود إلى النبيّ صلى الله عليه و آله جزما واتّفاقا، وهي قوله تعالى سابقا: «إِلَا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّه ُ» (5).وقوله: «إِذْ أَخْرَجَهُ» وقوله: «لِصَاحِبِهِ» وقوله فيما بعده: «وَأَيَّدَهُ» .فكيف يجوز أن يتخلّل بينها ما يعود إلى غيره؟ بل الآية تدلّ على عدم إيمانه دلالة ظاهرة؛ لأنّ اللّه تعالى كلّما ذكر إنزال السكينة على الرسول صلى الله عليه و آله ضمّ إليه المؤمنين، ففي سورة التوبة في قصّة حنين: «ثُمَّ أَنزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ» (6).وهم أمير المؤمنين عليه السلام والذين ثبتوا معه تحت الراية.وقيل: إنّهم ثمانون رجلاً، وقد ثبت عند الفريقين أنّ العمرين ليسا منهم، بل كانا من المنهزمين.

وفي سورة الفتح: «فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ» (7). ، فظهر أنّ تخصيص الرسول هنا بإنزال السكينة حيث لم يقل عليهما، أو ما يجري مجراه، إنّما هو لعدم إيمانه، (8).وأيضا خوفه واضطرابه يدلّ على عدم إيقانه بما وعد اللّه رسوله من النجاة والفتح والنصرة، بل كان ذلك إضرارا وتخويفا للنبيّ صلى الله عليه و آله لولا ما أنزل اللّه على رسوله من السكينة.وأيضا أيّ فضيلة لمَن هرب من الجهاد خوفا على نفسه وترك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخذله؟ وهل يقابل عاقل بين ما فعل أمير المؤمنين عليه السلام في وقائع كثيرة حيث فدى بمهجته، ووقا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بنفسه، ولم يهرب ولم ينهزم قطّ من حضرته؟ وما يتذكّر إِلَا اُولُوا الاَلْباب.

ص: 429


1- .يوسف (12): 39
2- .الكهف (18): 34
3- .الكهف (18):37
4- المجادلة (58): 7
5- التوبة (9): 40
6- التوبة (9): 26
7- .الفتح (48): 26
8- .اُنظر: مرآة العقول، ج 26، ص 255

متن الحديث السابع والسبعين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمَّا خَرَجَ مِنَ الْغَارِ مُتَوَجِّها إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ جَعَلَتْ لِمَنْ أَخَذَهُ مِائَةً مِنَ الْاءِبِلِ ، فَخَرَجَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ (1). فِيمَنْ يَطْلُبُ ، فَلَحِقَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اللّهُمَّ اكْفِنِي شَرَّ سُرَاقَةَ بِمَا شِئْتَ ، فَسَاخَتْ قَوَائِمُ فَرَسِهِ ، فَثَنى رِجْلَهُ ، ثُمَّ اشْتَدَّ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنِّي عَلِمْتُ أَنَّ الَّذِي أَصَابَ قَوَائِمَ فَرَسِي إِنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِكَ ، فَادْعُ اللّهَ أَنْ يُطْلِقَ لِي فَرَسِي ، فَلَعَمْرِي إِنْ لَمْ يُصِبْكُمْ مِنِّي خَيْرٌ ، لَمْ يُصِبْكُمْ مِنِّي شَرٌّ ، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَطْلَقَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فَرَسَهُ ، فَعَادَ فِي طَلَبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى فَعَلَ ذلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، كُلَّ ذلِكَ يَدْعُو رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَتَأْخُذُ الْأَرْضُ قَوَائِمَ فَرَسِهِ ، فَلَمَّا أَطْلَقَهُ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، هذِهِ إِبِلِي بَيْنَ يَدَيْكَ ، فِيهَا غُلَامِي ، فَإِنِ (2).احْتَجْتَ إِلى ظَهْرٍ أَوْ لَبَنٍ فَخُذْ مِنْهُ ، وَهذَا سَهْمٌ مِنْ كِنَانَتِي عَلَامَةً ، وَأَنَا أَرْجِعُ فَأَرُدُّ عَنْكَ الطَّلَبَ ، فَقَالَ : لَا حَاجَةَ لَنَا فِيمَا عِنْدَكَ» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (وقد كانت قريش جعلت) أي شارطت.

(لمن أخذه مائة من الإبل).

الأخذ: التناول.

والضمير لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .

قال الفيروزآبادي: «جعل له كذا، على كذا: شارطه عليه»(3).

وقال الجوهري: «جعله نبيّا: أي صيّره.وجعلوا الملائكة إناثا: أي سمّوهم»(4).

(فخرج سراقة بن مالك بن جعشم) بتقديم العين المهملة على الشين المعجمة.

ص: 430


1- في أكثر نسخ الكافي والوافي: «جشعم» بتقديم الشين المعجمة.وفي بعض نسخ الكافي: «خثعم»
2- في بعض نسخ الكافي والوافي: «وإن»
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 348 (جعل) مع التلخيص
4- الصحاح، ج 4، ص 1656 (جعل)

قال في القاموس: «سراقة _ كثمامة _ : ابن مالك صحابي.وقول الجوهري: ابن جعشم، (1)وهمٌ، إنّما هو جدّه»(2).

وقال: «الجُعشم _ كقنفذ، وجندب _ : القصير الغليظ الشديد [و] الطويل الجسم، ضدّ»(3).

وفي بعض النسخ: «خثعم» بدل «جعشم».وفي بعضها: «جشعم».

(فساخت قوائم فرسه).

قال الجوهري: «ساخت قوائمه في الأرض، تسوخ وتسيخ: دخلت فيها وغابت»(4).

(فثنى رجله، ثمّ اشتدّ).

الثني: العطف، والصرف.وفعله كرمى.

والاشتداد: العَدْو، وهو سرعة السير.

ولعلّ المراد أنّه نزل من نزل من فرسه، وجعل يعدو إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

(فقال: يا محمّد) إلى قوله: (إنّما هو من قبلك).

يُقال: لي قِبَل فلان حقّ _ بكسر القاف وفتح الباء _ أي عنده.

(فإن احتجت إلى ظهر أولبن فخُذ منه).

الضمير للغلام أو لكلّ من الظهر واللبن.

قال الفيروزآبادي: «الظهر: الركاب»(5).

وقال: «الركاب _ ككتاب _ : الإبل.واحدتها: راحلة.الجمع ككتب»(6).

(وهذا سهم من كنانتي).

الكنانة _ بالضمّ والتخفيف _ : ما يُجعل فيه السهام.وقال الفيروزآبادي: «هي جعبة من جلد، لا خشب فيها، أو بالعكس»(7).

(علامة) أي سمته لغلماني بأنّي أذِنتُ لهم، وأمرتهم أن يعطوك ما تطلب من الظهر واللبن، وأنا اُراجع.

ص: 431


1- . اُنظر: الصحاح، ج 4، ص 1496 (سرق)
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 245 (سرق) مع اختلاف في اللفظ
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 91 (جعشم) مع التلخيص
4- الصحاح، ج 1، ص 424 (سوخ)
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 82 (ظهر) مع التلخيص
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 75 (ركب)
7- القاموس المحيط، ج 4، ص 264 (كنن)

(فأردّ عنك الطلب) بفتحتين، أي طلب الناس إيّاك؛ يعني أمنعهم من طلبك.

ويحتمل كونه جمع طالب.قال الفيروزآبادي: «طلبه طلبا _ محرّكة _ : حاول وجوده وأخْذَه، وهو طالب.الجمع: طلّاب، وطُلَّب، وطَلَبَه، وطَلَب»(1).

متن الحديث الثامن والسبعين والثلاثمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَا تَرَوْنَ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ حَتّى تَكُونُوا كَالْمِعْزَى الْمَوَاتِ الَّتِي لَا يُبَالِي الْخَابِسُ (2). أَنْ (3)يَضَعُ يَدَهُ فِيهَا ، لَيْسَ لَكُمْ شَرَفٌ تَرْقَوْنَهُ ، وَلَا سِنَادٌ تُسْنِدُونَ إِلَيْهِ أَمْرَكُمْ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (لا ترون الذي تنتظرون) من ظهور دولة الحقّ (حتّى تكونوا كالمعزى).

(أن يضع).

وفي بعضها: «الموات التي لا يبالى الخايس أن يضع يده فيها».

في بعض النسخ: «أين يضع».وفي بعضها: «منها» بدل «فيها».

ولعلّ هذا الكلام تمثيل لضعف الشيعة، وحقارتهم وذلّهم، وقوّة أعدائهم، وشوكتهم وبطشهم، واستيلائهم على أهل الحقّ، وتمكّنهم من نيل المراد ممّا أرادوا منهم.

قال الجوهري: «المعز _ من الغنم _ : خلاف الضّأن.[وكذلك] المعيز والمعزى والمعز.وواحد [ماعز] للذكر والاُنثى.

الجمع: مواعيز»(4).

وقال: «الموات _ كسحاب _ : ما لا روح فيه، وأرض لا مالك فيها»(5).

وقال:

خبس الشيء بكفّه: أخذه.وفلانا: حقّه ظلمه وغشمه.والخبوس: الظلوم.

ص: 432


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 97 (طلب) مع التلخيص
2- في بعض نسخ الكافي: «الخاسر».وفي بعضها: «الجالس».وفي بعضها: «الخائن».وفي شرح المازندراني: «الحابس»
3- في كلتا الطبعتين: «أين»
4- الصحاح، ج 3، ص 896 (معز) مع اختلاف في اللفظ
5- الصحاح، ج 1، ص 267 (موت) مع اختلاف في اللفظ

واختبسه: أخذه مغالبة.وماله: ذهب به.والأسد كالخابس والخبوس والخبّاس، وما تخبّست من شيء ما اغتنمت، انتهى(1).

وفي بعض النسخ: «الجآسّ» من الجسّ، وهو المسّ باليد.

قال بعض الأعلام في شرح هذا الكلام: «أي حتّى تكونوا في الذلّة والصِّغار، واستيلاء الظَلَمة عليكم، كالمعز الميّت الذي لا يبالي الأسد افتراس أيّ عضوٍ من أعضائه أراد»(2).

وقال بعض الشارحين: لعلّ المراد بالخابس هنا الآخذ، لا يكره من يأخذ الشيء بكفّه أن يرفع يده منها؛ لكونها في غاية السقوط.أو المراد به الظالم، وبوضع اليد منها أو فيها على اختلاف النسخ إيصال الأذى، والقتل، وبعدم المبالاة عدم الخوف من المؤاخذة؛ لعدم وجود الناصر للمظلوم ظاهرا(3).

(ليس لكم شرف ترقونه) الجملة حاليّة.

والشرف _ محرّكة _ : العلوّ، والمكان العالي، والمجد.

والرقيّ _ كالمضيّ _ : الصعود.فعله كرضى.فإن اُريد بالشرف العلوّ والمجد، فلعلّ المراد: لا يكون لكم في تلك الحال شرف بين الناس ترتفعون لأجله، وتدفعون أذى الأعادي عن أنفسكم بارتقائه.وإن اُريد به المكان العالي فالمراد: أنّه لا يكون لكم حينئذٍ مأوى وملجأ للاحتياز عن سيول الفتن والنوائب.

وعلى التقديرين يكون كناية عن فقد الحامي والباعث لدفع شرّ الأشرار عنهم، وضيق الأرض عليهم.

وكذا قوله عليه السلام : (ولا سناد تسندون إليه أمركم).

قال الجوهري: «فلان سَنَد، أي معتمد.وسندت إلى الشيء أَسْنُدُ سُنُودا واستندت بمعنى، وأسندت غيري.والسّناد: الناقة الشديدة الخلق»(4).

ص: 433


1- هذه عبارة القاموس المحيط، ج 2، ص 210 (خبس) مع تلخيص
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 256
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 365 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
4- الصحاح، ج 2، ص 490 (سند) مع التلخيص

وفي القاموس: «السِّناد _ بالكسر _ : الناقة القويّة»(1).

قيل: لعلّ المراد به الأمير العادل القويّ على دفع الأعداء، وهذا من أعظم أسباب ضعفهم ونزول البلاء والنّكال من الأعداء إليهم(2).

وقيل: السّناد _ بالكسر _ : ما يستند إليه ويُعتمد عليه.والمراد: ما يستند إليه في اُمور الدِّين والدنيا، أو الأعمّ(3).

متن الحديث التاسع والسبعين والثلاثمائة

اشارة

وَعَنْهُ (4)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ مِثْلُهُ .

قَالَ : قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ : مَا الْمَوَاتُ مِنَ الْمَعْزِ؟

قَالَ : الَّتِي قَدِ اسْتَوَتْ لَا يَفْضُلُ بَعْضُهَا عَلى بَعْضٍ .

شرح الحديث

السند ضعيف، وضمير «عنه» لأحمد بن محمّد.

قوله: (قلت لعليّ بن الحكم).

فاعل «قال» إلى حدّ لا يلتفت إليها أحد لغاية الاحتقار كالميتة.

أقول: توضيح المقام أنّ الموات في اللغة ما لا روح فيه _ كما مرّ _ فلعلّ الراوي بنى حاصل المعنى على التشبيه بالميّت في أنّه لا يتحرّك ولا يتأثّر إذا وضعت يدك على أيّ جزء منه.

وقال بعض الأفاضل:

يحتمل على تفسير الراوي أن يكون التشبيه لمجموع الشيعة بقطيع معز ضعفاء، أو بمعز ميّت، فالمراد أن يكون كلّهم متساوين في الضعف والعجز، فيكون قوله عليه السلام : «ليس لكم شرف» كالتفسير بوجه التشبيه، فلا تغفل(5).

ص: 434


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 304 (سند)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 365
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 257
4- . الضمير راجع إلى أحمد بن محمّد المذكور في السند السابق
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 257 مع اختلاف يسير في اللفظ

متن الحديث الثمانين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ عِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَانْظُرُوا لِأَنْفُسِكُمْ ، فَوَ اللّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ الْغَنَمُ فِيهَا الرَّاعِي ، فَإِذَا وَجَدَ رَجُلًا هُوَ أَعْلَمُ بِغَنَمِهِ مِنَ الَّذِي هُوَ فِيهَا يُخْرِجُهُ ، وَيَجِيءُ بِذلِكَ الرَّجُلِ (1)الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ بِغَنَمِهِ مِنَ الَّذِي كَانَ فِيهَا ، وَاللّهِ لَوْ كَانَتْ لِأَحَدِكُمْ نَفْسَانِ يُقَاتِلُ (2). بِوَاحِدَةٍ يُجَرِّبُ بِهَا ، ثُمَّ كَانَتِ الْأُخْرى بَاقِيَةً ، فَعَمِلَ (3). عَلى مَا قَدِ اسْتَبَانَ لَهَا ، وَلكِنْ لَهُ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ إِذَا ذَهَبَتْ فَقَدْ وَاللّهِ ذَهَبَتِ التَّوْبَةُ (4). ، فَأَنْتُمْ (5). أَحَقُّ أَنْ تَخْتَارُوا لِأَنْفُسِكُمْ ، إِنْ أَتَاكُمْ آتٍ مِنَّا ، فَانْظُرُوا عَلى أَيِّ شَيْءٍ تَخْرُجُونَ ، وَلَا تَقُولُوا : خَرَجَ زَيْدٌ ؛ فَإِنَّ زَيْدا كَانَ عَالِما وَكَانَ صَدُوقا ، وَلَمْ يَدْعُكُمْ إِلى نَفْسِهِ ، إِنَّمَا دَعَاكُمْ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام ، وَلَوْ ظَهَرَ لَوَفى بِمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ ، إِنَّمَا خَرَجَ إِلى سُلْطَانٍ مُجْتَمِعٍ لِيَنْقُضَهُ ، فَالْخَارِجُ مِنَّا الْيَوْمَ إِلى أَيِّ شَيْءٍ يَدْعُوكُمْ؟ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام ، فَنَحْنُ نُشْهِدُكُمْ أَنَّا لَسْنَا نَرْضى بِهِ ، وَهُوَ يَعْصِينَا الْيَوْمَ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، وَهُوَ (6). إِذَا كَانَتِ الرَّايَاتُ وَالْأَلْوِيَةُ أَجْدَرُ أَنْ لَا يَسْمَعَ مِنَّا (7). إِلَا (8)مَنِ اجْتَمَعَتْ بَنُو فَاطِمَةَ مَعَهُ ، فَوَ اللّهِ مَا صَاحِبُكُمْ إِلَا مَنِ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ إِذَا كَانَ رَجَبٌ ، فَأَقْبِلُوا عَلَى اسْمِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَتَأَخَّرُوا إِلى شَعْبَانَ فَلَا ضَيْرَ ، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَصُومُوا فِي أَهَالِيكُمْ فَلَعَلَّ ذلِكَ أَنْ يَكُونَ أَقْوى لَكُمْ ، وَكَفَاكُمْ بِالسُّفْيَانِيِّ عَلَامَةً» .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (وانظروا لأنفسكم).

قال الفيروزآبادي: «نظره _ كنصره وسمعه _ وإليه نظرا: تأمّله بعينه.ولهم: رثى لهم، وأعانهم»(9).

ص: 435


1- . في بعض نسخ الكافي: - «الرجل»
2- في بعض نسخ الكافي: «فيقاتل»وفي بعضها: «فتقاتل»
3- في بعض نسخ الكافي: «تعمل»
4- في الوافي: «النوبه» بالنون
5- في بعض نسخ الكافي: «وأنتم»
6- في بعض نسخ الكافي والوافي: «فهو»
7- في الوافي وشرح المازندراني عن بعض النسخ: + «لا تخرج»
8- .في كلتا الطبعتين: + «مع»
9- القاموس المحيط، ج 2، ص 144 (نظر) مع التلخيص

وقال: «رثى له: رحمه، ورقَّ له»(1).

أقول: لعلّ المراد: اُنظروا في اُمور أنفسكم، وفي صلاحها، وما يوجب هدايتها، ويمنع غوايتها وضلالتها، من متابعة من يجب عليكم متابعته.أو: رقّوا لأنفسكم، وارحموها، وأعينوها بالبرّ والتقوى، وطاعة من أوجب اللّه طاعته ومخالفة مَنْ أوجبَ مخالفته.

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (فواللّه إنّ الرجل ليكون له الغنم) إلى قوله: (من الذي كان فيها) تمثيل لحال الإمام والرعيّة؛ لكون الإمام بمنزلة الراعي، والرعيّة بمنزلة الغنم، فكما أنّ الإنسان لا يختار لغنمه إلّا من كان أرعى وأصلح لها، فكذلك لا ينبغي أن يقتدي إلّا بمَن كان أعلم بمصالحه، وأهدى له إلى مسالكه، وأمنع له من مهالكه.

وقيل: هذا التمثيل غاية للنظر المأمور به؛ لأنّ النظر الصحيح يحكم بأنّه حقٌّ لا ريب فيه(2).

(واللّه لو كانت لأحدكم) أي لكلّ واحدٍ منكم.

(نفسان) أي روحان.

(يُقاتل بواحدة يجرّب بها).

قيل: أي يجتهد بواحدة في تحصيل العلوم والتجربيّات، والتمييز بين الحقّ والباطل والخير والشرّ(3).

قال الجوهري:

قتلتُ الشيء خُبْرا.قال اللّه تعالى: «وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينا» (4)أي لم يحيطوا به علما.

وقتلت الشراب، أي مزجته بالماء.والمقاتلة: القتال.ورجلٌ مُقتَّل، أي مجرّب.

وقلبٌ مقتل أي مذلَّل قتله العشق(5).

أقول: يمكن تطبيق عبارة الحديث بكلّ من تلك المعاني بنوع من التقريب.

وقال الفيروزآبادي: «جرّبه تجربةً: اختبره.ورجلٌ مجرّب _ كمعظّم _ : بلي ما [كان ]عنده.ومجرّب عرف الاُمور»(6).

ص: 436


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 333 (رثي)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 366
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 366
4- النساء (4): 157
5- الصحاح، ج 5، ص 1798 (قتل) مع التلخيص
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 46 (جرب)

(ثمّ كانت الاُخرى باقية) مع فناء الاُولى على الظاهر.وقيل: مع بقائها أيضا(1).

(فعمل) بالنفس الباقية (على ما قد استبان لها).

أي على وفق ما ظهر للنفس الاُخرى بتجربة الاُولى.والظاهر أنّ قوله عليه السلام : «فعمل» مع متعلّقاته جزاء الشرط، وحاصل المعنى حينئذٍ: أنّه لو تحقّق ما ذكر، لأمكن له العمل بالنفس الاُخرى، وتدارك ما فات بالاُولى؛ لاشتغالها بالتجربة.واحتمال كون «يقاتل» جزاء الشرط بعيد.

وقيل: الجزاء محذوف بقرينة السِّياق، (2)والتقدير: لأمكن له حينئذٍ ترك العمل والتوبة من التقصير فيه في زمان الاُولى توقّعا لتداركها بالثانية.

ثمّ اعلم أنّ المقرّر عند المنطقيّين أنّ استثناء نقيض امتناني يتبع رفع المقدّم؛ لأنّ العلم بانتفاء اللّازم يوجب العلم بانتفاء الملزوم، من غير عكس؛ لجواز كون اللّازم أعمّ، وأمّا على قانون اللّغة فاستثناء نقيض الشرط ينتجّ رفع الجزاء، نظرا إلى قصدهم منه الدلالة، على أنّ علّة انتفاء الجزاء في الخارج انتفاء الشرط.تقول: إن جئتني لأكرمتك، لكنّك لم تجي تريد به انتفاء الإكرام في الخارج بسبب انتفاء المجيء.

قال الحمّاسي:

ولو طار ذو حافرٍ قبلها***لطارت ولكنّه لم يطِر (3).

يعني: إنّ عدم طيران تلك الفرس بسبب أنّه لا يطير ذو حافر.فقوله عليه السلام : (ولكن له نفس واحدة) جارٍ على قانون اللّغة.

(إذا ذهبت) تلك النفس الواحدة (فقد [واللّه ] ذهبت التوبة) وتدارك ما فات، وانقطع العمل لما هو آتٍ، فوجب لكلّ أحد المسارعة في الخيرات والمبادرة إلى الصالحات قبل ذهابها وفنائها.

(فأنتم أحقّ أن تختاروا لأنفسكم) الخيرات.

الخطاب للشيعة؛ أي أنتم أحقّ وأجدر من غيركم بأن تختاروا لأنفسكم ما هو خيرٌ لكم

ص: 437


1- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 366
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 366
3- . راجع: مختصر المعاني، ص 95

من الائتمام بالأئمّة المعصومين، والاهتمام بأعمال شرايع الدِّين، واغتنام الفرصة منذ درك ما فرّطتم فيه بالتوبة والإنابة.

واعلم أنّ قوله عليه السلام : «فأنتم أحقّ» مبتدأ وخبر.وإفراد المسند هنا؛ لأنّ أفعل التفضيل إذا استعمل بمَن، فهو مفرد مذكّر، لا غير، سواء كان مسندا للمفرد المذكّر، أو المؤنّث، أو التثنية، أو الجمع؛ لكراهتهم لحوق أداة التأنيث والتثنية والجمع المختصّة بالآخر بما هو في حكم الوسط باعتبار امتزاجه بمَن التفضيليّة؛ لكونها الفارقة بينه وبين «أفعل» الصّفة، فكأنّها من تمام الكلمة.

(إن أتاكم آتٍ منّا).

لعلّ المراد: إن دعاكم داعٍ من بني هاشم، أو العلويّين إلى الخروج معه.

(فانظروا على أيّ شيء تخرجون).

الظاهر أنّ كلمة «على» تعليليّة؛ أي لا تخرجوا معه بلا رويّة وتأمّل، بل انظروا إلى السبب المجوّز، أو الموجب للخروج معه، وهو كونه من أهل الدعوة والخلافة.

(ولا تقولوا: خرج زيد) فيجوز الخروج لنا مع كلّ من يخرج من الفاطميّين كائنا مَن كان.

(فإنّ زيدا كان عالما) بمَن يستحقّ الخلافة.

(صُدوقا) أي كثير الصدق في أقواله وأفعاله.

(لم يدعكم) من الدعوة.

(إلى نفسه) بأن تقرّوا بإمامته وخلافته، بل (إنّما دعاكم إلى الرِّضا من آل محمّد).

لعلّ المراد إلى الرضيّ والمختار من آل محمّد صلى الله عليه و آله ، وهو من يستحقّ الإمامة منهم.أو إلى مَن فيه رضاهم.وقيل: إلى أن يعمل بما يرضى به جميع آل محمّد(1).

(ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه).

يُقال: ظهر عليه، أي غلبه، وتسلّط به، يعني: لو غلب زيد على بني اُميّة لوفى بما وعدكم، ودعاكم إليه من تفويض الإمامة والإمارة لأهلها، والإطاعة والانقياد له.

(إنّما خرج على سلطان مجتمع).

ص: 438


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 258

قال الفيروزآبادي:

السلطان: قدرة الملك _ وتضمّ لامه _ والوالي، مؤنّث؛ لأنّه جمع سليط للدهن، كأنّه به يضيء الملك، أو لأنّه بمعنى الحجّة، وقد يُذكّر ذهابا على معنى الرجل وسلطان تبيغه، ومن كلّ شيء: شدّته(1).

وقال: «اجتمع: ضدّ تفرّق، كتجمّع، واستجمع.والرجل: بلغ أشدّه، واستوت لحيته.واستجمع السيل: اجتمع من كلّ موضع.وله اُموره: اجتمع له كلّ ما يسرّه.والفرس جريا: بالغ»(2).

أقول: يحتمل كون «مجتمع» هنا بصيغة اسم الفاعل، أي خرج على سلطان شديد محكم بالغ غاية الإحكام والإبرام، فلذا لم يظفر به.

وقيل: أو بصيغة اسم المفعول، أي من يجتمع له جنود الشياطين وأهل الجور(3).

(لينقضه).

النقض: ضدّ الإبرام.ونقض البناء: هدمه، وكسره، أي ليفرّق جمعه، ويشتّت شمله، ويرجع الحقّ إلى أهله.

قال بعض الشارحين: لا دلالة فيه على أنّ الإذن أو الرِّضا بخروجه، فلا ينافي الأخبار الدالّة على عدمهما(4).

(فالخارج منّا اليوم)؛ يعني قبل ظهور القائم عليه السلام .

(إلى أيّ شيء) متعلّق بالخروج، أي لأيّ غرض من الأغراض؟

(يدعوكم) الجملة حال من الخارج.

وقوله عليه السلام : (إلى الرضا من آل محمّد عليه السلام )، متعلّق بالدعوة.

ولعلّ المراد أنّ ذلك الخارج خارج عن أمرنا، مخالف لحكمنا، سواءً دعا أتباعه إلى الرِّضا من آل محمّد أو إلى نفسه أو إلى غير ذلك.أو تقول: إنّ ذكره بعد قوله: «إلى أيّ شيء» من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ؛ لدفع توهّم جواز الخروج لهذا الغرض الخاصّ.ومنشأ

ص: 439


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 308 (سلط)
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 15 (جمع)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 367 مع اختلاف في اللفظ
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 367

التوهّم قوله عليه السلام سابقا: «بل إنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمّد».

(فنحن نشهدكم) من الإشهاد.

(أنّا لسنا نرضى به) أي بذلك الخارج، أو بخروجه.

وفي بعض النسخ: «إنّا لا نرضى به».ولعلّ عدم رضائه عليه السلام بذلك عدم ترتّب الفائدة عليه؛ لعدم انقضاء مدّة سلطان الجور بَعدُ، أو لمصلحةٍ اُخرى.

(وهو) أي ذلك الخارج.

(يعصينا اليوم).

العصيان: خلاف الطاعة.

(وليس معه أحد).

الواو للحال.

وقيل: المراد ليس معه أحدٌ ينصره، ويوجب قوّته وسطوته(1).

أقول: لعلّ المراد عدم رضائنا بذلك الخارج، وكونه من أهل المعاصي مقصور بتلك الحالة، وهي أن لا يكون معه أحدٌ من بني فاطمة، كما يُشعر به قوله عليه السلام فيما بعد: «إلّا من اجتمعت بنو فاطمة عليهاالسلام معه».

(وهو) أي ذلك الخارج والعاصي.

(إذا كانت) أي وجدت معه.

(الرايات والألوية) كناية عن كونه من أهل الغلبة والشوكة.

قال الفيروزآبادي في اللفيف المقرون اليائي: «الراية: العَلَم.الجمع: رايات»(2).

وقال في اللفيف: الواوي: «اللِواء _ بالمدّ _ واللوآئ: العلم.الجمع: ألوية» (3)، انتهى.

والظرف أعني «إذا» متعلّق بقوله: «أحد» وهو خبر لقوله: «هو».والمفضّل عليه محذوف، أي هو أولى من غيره.

(أن لا يسمع منّا) أي بأن لا يقبل أمرنا، ولا يقرّ بولايتنا؛ لكون الشوكة والسلطنة مانعة عنه.

ص: 440


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 367 مع اختلاف في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 338 (ريي)
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 337 (لوي)

(إلّا من اجتمعت بنو فاطمة معه) أي لسنا نرضى بذلك الخارج إلّا بمَن كان كذلك.أو لا تطيعوا إلّا من كان كذلك.

وقال بعض الشارحين:

في بعض النسخ: «إلّا مع من».والاستثناء على الأوّل من قوله: «فالخارج منّا اليوم لا نرضى به».وعلى الثاني ممّا استفيد من الكلام السابق، أي لا تخرجوا إلّا مع من.وفي بعض النسخ: «لا تخرج إلّا مع من» ولو كان بدله: لا تخرجوا، لكان أنسب بالسابق واللّاحق، لكنّه لم يثبت، (1)انتهى.

(فواللّه ما صاحبكم) الذي يجب طاعته والخروج معه.

(إلّا من اجتمعوا) أي بنو فاطمة (عليه).

قد مرَّ أنّ بني فاطمة والعلويّين يلتجأون إلى الصاحب عليه السلام ، ويجتمعون عليه عند ظهوره.

(إذا كان رجب، فأقبلوا على اسم اللّه عزّ وجلّ)(2).

قيل: أي فاقبلوا إلينا مع اسم اللّه ، أو متبرّكين به.ف«على» للمصاحبة ك«مع» أو بمعنى الباء.

وقال بعض الأفاضل:

ظاهر هذا الكلام أنّ خروج القائم عليه السلام يكون في رجب، ويحتمل أن يكون المراد أنّه مبدأ ظهور علامات خروجه، فاقبلوا إلى مكّة في ذلك الشهر، لتكونوا شاهدين هناك عند خروجه عليه السلام .ويؤيّد ذلك توسيعه عليه السلام وتجويز التأخير إلى شعبان وإلى رمضان.وعلى الأوّل يدلّ على عدم وجوب مبادرة أهل الأمصار، وهو بعيد.ويحتمل على بُعد أن يكون المراد حثّهم على الإتيان إليه عليه السلام في كلّ سنة، لتعلّم المسائل، والفوز بالحجّ والعمرة مكان الجهاد الذي كانوا يتهالكون فيه؛ فإنّ الحجّ جهاد الضعفاء، ولقاء الإمام عليه السلام أفضل من الجهاد(3).

وقال بعض الشارحين: لم يرد أنّ ظهوره عليه السلام في رجب، بل المراد أنّ فيه بعض علامات ظهوره، كخروج السفياني، ونحوه من الاُمور الغريبة الدالّة على قُرب ظهوره عليه السلام .من ثمّ قيل: عِشْ رَجَبا ترى عَجَبا.ويؤيّده آخر الحديث، وخبر سدير، فلا ينافي ما رواه الصدوق رحمه الله في

ص: 441


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 367
2- قاله المحقق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 367
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 258 و 259 مع اختلاف يسير في اللفظ

كتاب كمال الدِّين بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: يخرج القائم يوم السبت، يوم عاشوراء، اليوم الذي قُتل فيه الحسين عليه السلام (1)(2).

متن الحديث الواحد والثمانين والثلاثمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ رِبْعِيٍّ :رَفَعَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام ، قَالَ : «وَاللّهِ لَا يَخْرُجُ وَاحِدٌ مِنَّا قَبْلَ خُرُوجِ الْقَائِمِ عليه السلام إِلَا كَانَ مَثَلُهُ مَثَلَ (3)فَرْخٍ طَارَ مِنْ وَكْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ جَنَاحَاهُ ، فَأَخَذَهُ الصِّبْيَانُ ، فَعَبِثُوا بِهِ» .

شرح الحديث

السند مرسل.

قوله: (إلّا كان مثله) بالتحريك، أي صفته.

(مثل فرخ طار من وكره).

قال في القاموس: «الفرخ: ولد الطائر، وكلّ صغير من الحيوان»(4).

وقال: «الوكر: عشّ الطائر، وإن لم يكن فيه»(5).

(قبل أن يستوي) أي يستقرّ، ويعتدل، ويكمل.

(جناحاه، فأخذه الصبيان، فعبثوا به).

في القاموس: «عبث _ كفرح _ : لعب.وكضرب: خلط»(6).

متن الحديث الثاني والثمانين والثلاثمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسى ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَدِيرٍ ، قَالَ :

قَالَ (7)أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «يَا سَدِيرُ ، الْزَمْ بَيْتَكَ ، وَكُنْ حِلْسا مِنْ أَحْلَاسِهِ ، وَاسْكُنْ مَا سَكَنَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، فَإِذَا بَلَغَكَ أَنَّ السُّفْيَانِيَّ قَدْ خَرَجَ ، فَارْحَلْ إِلَيْنَا وَلَوْ عَلى رِجْلِكَ» .

ص: 442


1- . كمال الدين، ص 653، ح 19
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 367
3- . في بعض نسخ الكافي: «كمثل»
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 266 (فرخ)
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 156 (وكر)
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 170 (عبث)
7- . في بعض نسخ الكافي والوافي: + «لي»

شرح الحديث

السند حسن موثّق على الأصحّ.

قوله: (الزم بيتك، وكُن حلسا من أحلاسه).

الحِلس: ما يُفرش في البيت تحت الفروش النفيسة، والتشبيه باعتبار اللّزوم.

قال الفيروزآبادي: «الحِلس _ بالكسر _ : كِساء على ظهر البعير تحت البرذعة، ويبسط في البيت تحت حرّ الثياب، ويحرّك»(1). وفي الحديث: «كُن حِلس بيتك» (2)أي لا تبرح.

متن الحديث الثالث والثمانين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ كَامِلِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجُعْفِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، قَالَ :

دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ لِي (3): «مَا لِي أَرَاكَ سَاهِمَ الْوَجْهِ؟».

فَقُلْتُ : إِنَّ بِي حُمَّى الرِّبْعِ .

قَالَ (4): «فَمَا (5)يَمْنَعُكَ مِنَ الْمُبَارَكِ الطَّيِّبِ؟ اسْحَقِ السُّكَّرَ ، ثُمَّ امْخُضْهُ بِالْمَاءِ ، وَاشْرَبْهُ عَلَى الرِّيقِ وَعِنْدَ الْمَسَاءِ».

قَالَ : فَفَعَلْتُ ، فَمَا عَادَتْ إِلَيَّ .

شرح الحديث

السند مجهول.

(إنّ بي حمّى الربع).

في القاموس:

ربع عليه الحمّى _ كمنع _ : جاءته رِبعا بالكسر.وقد ربع _ كعُنِيَ _ واُرْبِع بالضمّ، فهو

ص: 443


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 208 (حلس)
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 14، ص 48؛ عوالي اللآلي، ج 1، ص 38، ح 31
3- . في الطبعة القديمة والوافي: - «لي»
4- . في كلتا الطبعتين: «فقال»
5- .في الطبعة القديمة: «ماذا».وفي الطبعة الجديدة والوافي: «ما» بدون الفاء

مربوع ومُربع، وهي أن تأخذ يوما وتدع يومين، ثمّ تجيء في اليوم الرابع(1).

(قال: فما يمنعك من المبارك الطيّب) أي من استعمال دواء مبارك طيّب.البركة: النماء، والزيادة.والطيّب: خلاف الخبيث.يُقال: طاب يطيب طيبا وطابا: إذا لذَّ، وزكا.

(اسحق السكّر، ثمّ امخضه بالماء).

قال الفيروزآبادي: «سحقه _ كمنعه _ : سَهكَه، أو دقّه، أو دون الدقّ»(2).

وقال: «السكّر _ بالضمّ وشدّ الكاف _ : معرّب شكر، واحدته بهاء»(3).

وقال: «مخضه يمضخه _ مثلّثة _ الآتي حركّه شديدا»(4).

وقال الجوهري: «قولهم: أتيته على ريق نفسي، أي لم أطعم شيئا»(5).

متن الحديث الرابع والثمانين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ :

شَكَوْتُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام الْوَجَعَ .

فَقَالَ : «إِذَا أَوَيْتَ إِلى فِرَاشِكَ ، فَكُلْ سُكَّرَتَيْنِ».

قَالَ : فَفَعَلْتُ فَبَرَأْتُ ، وَأَخْبَرْتُ بِهِ بَعْضَ الْمُتَطَبِّبِينَ _ وَكَانَ أَفْرَهَ أَهْلِ بِلَادِنَا _ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ عَرَفَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام هذَا؟ هذَا مِنْ مَخْزُونِ عِلْمِنَا ، أَمَا إِنَّهُ صَاحِبُ كُتُبٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصَابَهُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ .

شرح الحديث

السند مرسل.

قوله: (شكوت إلى أبي عبداللّه عليه السلام الوجع).

في القاموس: «الوجع _ محرّكة _ : المرض»(6).

(فقال: إذا أَويت) بفتح الهمزة من غير مدّ، أي نزلت وسكنت.

ص: 444


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 25 (ربع) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 244 (سحق)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 50 (سكر)
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 338 (مخض) مع التلخيص
5- الصحاح، ج 4، ص 1488 (ريق)
6- القاموس المحيط، ج 3، ص 91 (وجع)

(إلى فراشك) بكسر الفاء.

(فكُل سكّرتين).

الظاهر أنّها بضمّ السّين وشدّ الكاف، أي قطعتين من السكّر، والمراد منها ذو حبّ نبات، ولا يخفى بُعده.

وقال بعض الأفاضل: «يدلّ هذا الكلام [على] أنّه كان لمعمول السكّر في ذلك الزمان مقدار صغير معلوم»(1).

أقول: يحتمل بعيدا كون السُّكّرة _ بالتحريك _ وهو الشلَم بفتح اللّام، ويُقال له: الروان، وهو الملك؛ ويقال له: حبّ الجلبان.

(قال: ففعلت فبرأت) بفتح الراء.ويكسر من البُرْء _ بالضمّ _ وهو التخلّص من المرض.

(وأخبرت به بعض المتطبّبين) أي المتعاطين لعلم الطبّ.

(وكان) ذلك، أي المتطبّب (أَفْرَه أهل بلادنا).

في القاموس: «فَرُه _ ككرم _ فراهة وفراهيّة: حَذقَ، فهو فاره»(2).

متن الحديث الخامس والثمانين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى الْخُزَاعِيِّ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ يُونُسَ ، عَنْ رَجُلٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لِرَجُلٍ : «بِأَيِّ شَيْءٍ تُعَالِجُونَ مَحْمُومَكُمْ إِذَا حُمَّ؟».

قَالَ : أَصْلَحَكَ اللّهُ ، بِهذِهِ الْأَدْوِيَةِ الْمُرَّةِ : بَسْفَايَجٍ ، وَالْغَافِتِ (3)، وَ مَا أَشْبَهَهُ .

فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللّهِ ، الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُبْرِئَ بِالْمُرِّ يَقْدِرُ أَنْ يُبْرِئَ بِالْحُلْوِ».

ثُمَّ قَالَ : «إِذَا حُمَّ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْخُذْ إِنَاءً نَظِيفا ، فَيَجْعَلَ فِيهِ سُكَّرَةً وَ نِصْفا ، ثُمَّ يَقْرَأَ عَلَيْهِمَا (4)مَا حَضَرَ مِنَ الْقُرْآنِ ، ثُمَّ يَضَعَهَا تَحْتَ النُّجُومِ ، وَيَجْعَلَ عَلَيْهَا حَدِيدَةً ، فَإِذَا كَانَ فِي الْغَدَاةِ (5)صَبَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ،

ص: 445


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 260 مع اختلاف يسير في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 289
3- في كلتا الطبعتين: «والغافث» بالثاء المثلّثة.وفي بعض نسخ الكافي: «والقافث»
4- . في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «عليه»
5- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «بالغداة»

وَمَرَسَهُ بِيَدِهِ ، ثُمَّ شَرِبَهُ ، فَإِذَا كَانَ لَيْلَةُ (1)الثَّانِيَةُ زَادَهُ سُكَّرَةً أُخْرى ، فَصَارَتْ سُكَّرَتَيْنِ وَنِصْفا ، فَإِذَا كَانَ لَيْلَةُ (2)الثَّالِثَةُ زَادَهُ سُكَّرَةً أُخْرى ، فَصَارَتْ ثَلَاثَ سُكَّرَاتٍ وَنِصْفا» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (قال لرجلٍ: بأيّ شيءٍ تعالجون) أي الأطبّاء.

(محمومكم إذا حُمَّ).

يُقال: حُمَّ فلان _ بالضمّ والتشديد _ : إذا أصابته الحمّى، فهو محموم.

(قال: أصلحك اللّه ، بهذه الأدوية المرّة) وقوله: (بسفايج، والغافت، وما أشبهه) بيان للمشار إليه، أو بدل من الأدوية.

و«بسفايج» بفتح الباء الموحّدة، والسين الساكنة، والفاء والياء المثنّاة التحتانيّة قبل الجيم.

ويُقال: له أضراس الكلب، وثاقب الحجر، وكثير الأرجل.

قال الفيروزآبادي: «هو عروق في داخله شيء كالفستق له عفوصة، وحلاوة نافع للماليخوليا والجذام»(3).

ونقل عن منهاج الأدوية:

أنّه عودٌ لونه يميل إلى السواد القليل مع الحمرة القليلة، وله طعم كطعم القرنفل، ولمّا يُكسر فَلَونُ وسطه أخضر كالفستق، ولذا يسمّى بسفايج الفستق، حارّ مسهل للسوداء، انتهى(4).

والغافت _ بالغين المعجمّة، والفاء والتاء المثنّاة الفوقانية _ : وردٌ لازوردي اللّون، طويل الشكل، له أغصان دقاق بقدر شبر، أو أقلّ، وهو أمرّ من الصبر، وكذا ورقه وأغصانه.ونقل عن منهاج الأدوية:

أنّه نبت يشبه ورقه بورق حبّة الخضراء _ يعني شاهدانج _ له قبوضة ومرارة كمرارة الصبر، لونه يميل إلى السواد، يُجاء به من نواحي الرّوم وجبال الفارس، أيضا [حارّ ]

ص: 446


1- . في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «كانت الليلة»
2- . في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «كانت الليلة»
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 179 (بسفج)
4- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 369

يابس.وقيل: معتدل لطيف، انتهى(1).

(فليأخذ إناء) بكسر الهمزة.

(نظيفا) من الأدناس، أو من الأرجاس، أو هما معا.

(فيجعل فيه سكّرة ونصفا).

الظاهر هنا عدم اعتبار السّحق، بل اعتبار عدمه.

(ثمّ يقرأ عليهما) أي على السّكّرتين، أو على الإناء والسُكّرة.

وفي بعض النسخ: «عليه» أي على الإناء.

(ما حضر من القرآن) أي ما خطر بباله كائنا ما كان.

(ثمّ يضعها) الضمير للسّكرة باعتبار الجنس.

(تحت النجوم) بلا ستر وحائل، وإن كان غيما.ويحتمل بعيدا أن يُراد تحت السماء مطلقا.

(ويجعل) أي يضع.

(عليها حديدة).

الظاهر وضعها على السُّكّرة على وجه التماسّ.ويحتمل وضعها على حافات الإناء محاذية لها.

(فإذا كان في الغداة) أي صبيحة تلك الليلة التي عمل فيها العمل المذكور.

وفي بعض النسخ: «بالغداة».وفي بعضها: «فإذا كان الغداة».

(صبّ عليها الماء، ومرسه).

الضمير للماء، باعتبار مزجه بالسُكّرة.ويحتمل عوده على الإناء.يُقال: مرس التمر في الماء _ كنصر _ : إذا نقعه، وأذابه.ومرسه باليد: إذا دلكه بيده.

(ثمّ شربه، فإذا كان ليلة الثانية) على الإضافة، أي ليلة الغداة الثانية.وكلمة «كان» تامّة.

(زاده سكّرة اُخرى).

الظاهر عود الضمير في الموضعين إلى الإناء، وأنّه يفعل في الأخيرتين مثل ما فعل في الاُولى.

ص: 447


1- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 369

متن الحديث السادس والثمانين والثلاثمائة

اشارة

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ (1)بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ ، عَنْ هَارُونَ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لِي : «كَتَمُوا بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، فَنِعْمَ وَاللّهِ الْأَسْمَاءُ كَتَمُوهَا ، كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إِذَا دَخَلَ إِلى (2)مَنْزِلِهِ ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ قُرَيْشٌ ، يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، وَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ ، فَتُوَلِّي قُرَيْشٌ فِرَارا ، فَأَنْزَلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي ذلِكَ : «وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُورا» » .

شرح الحديث

السند مجهول.

وقيل: صحيح(3)وفيه نظر.

قوله: (كتموا بسم اللّه الرحمن الرحيم).

الظاهر أنّ ضمير الجمع عائد إلى العامّة، وأنّ الجملة استفهاميّة على اللّوم والتوبيخ وإخبار بالواقع.وأنّ المراد بكتمان البسملة تركها في السّور وعدم القول بجزئيّتها؛ إذ كثير من العامّة لم يجعلوها منها.

ويحتمل أن يُراد بكتمانها عدم الإجهار بها، أو أعمّ منه وممّا ذُكر.

(فنعم واللّه الأسماء كتموها).

«الأسماء» فعل «نِعْمَ».وجملة «كتموها» حال عنه، أو صفة له على احتمال.والقسم معرض بين فعل المدح وفاعله، والمخصوص بالمدح محذوف، والتقدير: واللّه نِعْمَ الأسماء الأسماء التي كتموها، وهي الأسماء المذكورة في البسملة.

(كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا دخل إلى منزله، واجتمعت عليه قريش).

قيل: كان اجتماعهم عليه لقصد الأذى والإضرار به(4).

ص: 448


1- . في بعض نسخ الكافي ومرآة العقول: «الحسين»
2- . في بعض نسخ الكافي: - «إلى»
3- اُنظر: مرآة العقول، ج 26، ص 261
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 369

(يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم).

قال الفيروزآبادي: «جهر _ كمنع _ : عَلَن.والكلام وبه: أعلن [به]، كأجهر»(1).

(ويرفع بها) أي بالبسملة، أو بقراءتها.

(صوته، فتولّي قريش فرارا).

قال الفيروزآبادي: «ولّى تولية: أدبر، كتولّى.والشيء، وعنه: أعرض، أو نأى»(2).

(فأنزل اللّه تعالى في ذلك) أي فيما ذكر من اجتماع قريش، وإجهاره صلى الله عليه و آله بالبسملة، وتولّيهم عنه.

«وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ» .

قال البيضاوي: أي واحدا غير مشفوع به آلهتهم، مصدر وقع موقع الحال، وأصله يحد وحده، أو بمعنى واحدا وحده.

«وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورا» (3)هربا من استماع التوحيد، ونفرةً، أو توليةً.ويجوز أن يكون جمع نافر، كقاعد وقعود، انتهى(4).

وفي القاموس: «النفر: التفرّق.نفرت الدابّة تنفّر وتنفر نفورا: ونفارا جزعت، وتباعدت»(5).

وقيل: نفورهم عند سماع التسمية لكراهة استماعها، أو لكونها رجما لهم، كما أنّ الاستعاذة رجمٌ للشياطين، وهي المراد بالقرآن في الآية المذكورة، فيتمّ الاستشهاد بها على أنّها قرآن(6).

متن الحديث السابع والثمانين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ (7)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْمَكْفُوفِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : كَانَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام إِذَا ذَكَرَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، قَالَ : «بِأَبِي وَأُمِّي

ص: 449


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 394 (جهر)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 402 (ولي) مع التلخيص
3- .الإسراء(17): 46
4- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 450
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 146 (نفر) مع التلخيص
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 369
7- . الضمير راجع إلى على بن الحسن بن عليّ المذكور في السند السابق

وَقَوْمِي وَعَشِيرَتِي ، عَجَبٌ (1)لِلْعَرَبِ كَيْفَ لَا تَحْمِلُنَا عَلى رُؤُوسِهَا وَاللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : «وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها» (2)؟ فَبِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُنْقِذُونَ (3).» .

شرح الحديث

السند ضعيف على رواية.

قوله: (بأبي واُمّي وقومي وعشيرتي).

الباء للتفدية، أي أفديه بهؤلاء.

قال الفيروزآبادي: «القوم: الجماعة من الرِّجال والنساء معا، أو الرِّجال خاصّة، أو تدخله النساء على التبعيّة»(4).

وقال: «عشيرة الرجل: بنو أبيه الأدنون، أو قبيلته، والجمع: العشاير»(5).

(عجبٌ للعرب).

لعلّ اللّام بمعنى «من» أي عجبٌ لي من العرب، أو هذا الذي يذكر عجب منها.

وفي بعض النسخ: «عجبا» بتقدير الناصب، أي عجبت عجبا.

قال في القاموس: «العَجْب: إنكار ما يرد عليك، كالعَجَب _ محرّكة _ وأمر عَجبٌ وعجيب وعجاب»(6).

وقال: «العرب _ بالتحريك _ : خلاف العجم، مؤنّث، وهم سكّان الأمصار، أو عامّ»(7).

(كيف لا تحملنا على رؤوسها).

الضمير للعرب.والحمل على الرؤوس كناية عن غاية التعظيم، ونهاية التكريم.

(واللّه _ عزّ وجلّ _ يقول في كتابه: «وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا» (8).).

قال الجوهري: «شفا كلّ شيء: حرفه.قال [اللّه ]تعالى: «وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ» »(9).

وفي القاموس: «النقذ: التخليص، كالإنقاذ»(10).

ص: 450


1- . في بعض نسخ الكافي: «عجبا»
2- . آل عمران (3): 103
3- . في كلتا الطبعتين: «اُنقذوا»
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 148 (قوم)
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 90 (عشر)
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 101 (عجب) مع التلخيص
7- القاموس المحيط، ج 1، ص 103 (عرب)
8- .آل عمران (3): 103
9- الصحاح، ج 6، ص 2394 (شفى)
10- القاموس المحيط، ج 1، ص 360 (نقذ) مع التلخيص

(فبرسول اللّه صلى الله عليه و آله ينقذون).

في بعض النسخ: «اُنقذوا».ولعلّ الفاء للتفسير والإيماء إلى أنّه تفسير لقوله تعالى: «فَأَنْقَذَكُمْ» .

والظاهر أنّ الغرض من هذا الحديث بيان أنّهم بسبب الرسول صلى الله عليه و آله أنقذهم اللّه من النار وهم لا يحفظون حرمته في أهل بيته.

وقيل: يحتمل أن يكون المراد أنّ اللّه تعالى به صلى الله عليه و آله عرّضهم لأن ينقذوا أنفسهم من النار، وهم يتركون ذلك بمخالفة أهل البيت عليهم السلام (1).

متن الحديث الثامن والثمانين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ (2)، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَمَّالٍ (3).، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى مَوْلى آلِ سَامٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : «قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ» (4). أَ لَيْسَ قَدْ آتَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بَنِي أُمَيَّةَ الْمُلْكَ؟ قَالَ : «لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ إِلَيْهِ (5). ؛ إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ آتَانَا الْمُلْكَ ، وَأَخَذَتْهُ بَنُو أُمَيَّةَ ؛ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الثَّوْبُ (6)، فَيَأْخُذُهُ الْاخَرُ ، فَلَيْسَ هُوَ لِلَّذِي أَخَذَهُ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (أبي سمال) بتخفيف الميم.وقيل بتشديدها(7)وفي بعض النسخ: «سمّاك» بالكاف.

وقوله تعالى: «قُلْ اللَّهُمَّ» .

قال البيضاوي:

الميم عوض من ياء، ولذلك لا يجتمعان، وهو من خصائص هذا الاسم؛ كدخول

ص: 451


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 262
2- . الضمير راجع إلى عليّ بن الحسن بن علي، وهو ابن فضّال
3- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «سمّاك» بالكاف
4- آل عمران (3): 26.وفي بعض نسخ الكافي: + «وتعزّ من تشاء»
5- في بعض نسخ الكافي: - «إليه»
6- في بعض نسخ الكافي: «التور» وهو إناء يشرب فيه
7- نُسب إلى البعض في رجال ابن داود، ص 415، ذيل الرقم 4

ياء عليه مع لام التعريف وقطع همزته وقيل: أصله «يا اللّه آمنّا بخير» فخفّف بحذف حرف النداء ومتعلّقات الفعل وهمزته.

«مَالِكَ الْمُلْكِ» تتصرّف فيما يمكن التصرّف فيه تصرّف الملّاك فيما يملكون، وهو نداء ثان عند سيبويه؛ فإنّ الميم عنده تمنع الوصفيّة.

«تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ» ؛ تُعطي منه ما تشاء مَن تشاء وتستردّ، فالملك الأوّل عامّ والآخران بعضان منه.وقيل: المراد بالملك النبوّة، ونزعها نقلها من قومٍ إلى قوم.

«وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ» في الدُّنيا أو الآخرة، أو فيهما، بالنصر والإدبار والتوفيق والخذلان، انتهى(1).

(أليس قد آتى اللّه _ عزّ وجلّ _ بني اُميّة المُلك).

«آتى» بمدّ الألف من الإيتاء.وغرض السائل تقرير المنفي لزعمه أنّه من قِبل اللّه تعالى ورضائه.فردّه عليه السلام : وقال: (ليس حيث تذهب)، ودفع شبهته بقوله: (إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ آتانا الملك، وأخذته بنو اُميّة).

وحاصل الجواب: تقرير النفي والتنبيه على أنّ المراد بالمُلك النبوّة والإمامة والرئاسة العامّة، وعلى أنّ ذلك حقٌّ لهم عليهم السلام بأمر اللّه تعالى وحكمه، وإنّما أخذته بنو اُميّة منهم غصبا وعدوانا وظلما.

واعلم أنّه اختلف في أنّ المراد بالملك في الآية هل هو السلطنة الحقّة الواقعيّة كالنبوّة والإمامة، أو الأعمّ منها ومن الرئاسات الباطلة كرئاسة ملوك الجور وخلفاء الضلالة، أو الأعمّ منهما ومن ملك العلم والدِّين والعقل والصحّة والأمن والأخلاق المحمودة وملك القدرة والقوّة وملك الأموال والأولاد وملك محبّة القلوب وما أشبه ذلك.فذهب قوم إلى الأوّل، كما يدلّ عليه هذا الخبر؛ لأنّه عليه السلام بيّن أنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ إنّما أعطى الملك وملّكه أهله من أئمّة العدل، وهؤلاء الجائرين غصبوا حقّهم، وانتزعوه منهم بغير حقّ لهم فيه.وذهب جماعة إلى أحد من الأخيرين نظرا إلى عموم اللفظ لغةً وعرفا.وقال الأوّلون: كيف يجوز أن يعطي اللّه سبحانه الملك للجائر، وقد أمر بقصر يده، ونهاه عن التصرّف فيه(2).

ص: 452


1- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 24
2- راجع: مجمع البيان، ج 2، ص 270 و 271

وقال بعض الأفاضل: مع قطع النظر عن الخبر لا استبعاد في الأخيرين عقلاً؛ إذ يحتمل أن يكون المراد بالإيتاء إقداره وتمكينه عليه، وإن كان نهاه عن ارتكابه، كما أنّه تعالى أقدر الزاني على الزِّنا ونهاه عنه، وأعطى القاتل اليد والسيف ونهاه عن القتل بغير حقّ، على أنّه قد ينسب في كثير من الآيات والروايات الأفعال إلى اللّه تعالى باعتبار تخليته بين العبد وإرادته وعدم صرفه عنها.

لكن الأوّل أظهر وأنسب بسياق الآية، وبما روي في سبب نزولها من أنّها نزلت فيما وعد اللّه بنبيّه صلى الله عليه و آله من الملك يوم الخندق، أو في [يوم] فتح مكّة(1).

ثمّ مثّل عليه السلام لما ذكر بقوله بمنزلة الرجل (يكون له الثوب).

في بعض النسخ: «التور» بالتاء المثنّاة الفوقانيّة، وهو إناء يشرب فيه.

متن الحديث التاسع والثمانين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الصَّلْتِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصَّلْتِ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ :أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها» (2)؟

قَالَ : «الْعَدْلَ بَعْدَ الْجَوْرِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الحديد: «اعْلَمُوا أَنَّ اللّه َ يُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا» .

قال المفسّرون: يعني أتيت فيها أنواع النبات بعد يبسها(3). وقال بعضهم: إنّه تمثيل لإحياء القلوب القاسية بالذِّكر والتلاوة(4).

ص: 453


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 262
2- الحديد (57): 17
3- اُنظر: مجمع البيان، ج 9، ص 395
4- قاله البيضاوي في تفسيره، ج 5، ص 300

وقال: (العدل بعد الجور) أي ظهور العدل بقيام الصاحب عليه السلام ، ومطلقا بعد انتشار الجور والميل من القصد.

ولعلّ المراد أنّها شاملة لهذا الإحياء أيضا، وتخصيصه بالذِّكر باعتبار أنّه الفرد الكامل الأكمل من بين أفراد الأحياء، فلا ينافي قول المفسّرين.

متن الحديث التسعين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدَ بْنِ أَشْيَمَ (1)، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى، قَالَ :سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام عَنْ ذِي الْفَقَارِ سَيْفِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟

فَقَالَ : «نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام مِنَ السَّمَاءِ ، وَكَانَتْ حَلْقَتُهُ فِضَّةً» .

شرح الحديث

السند مجهول؛ لأنّ عليّ بن محمّد بن أشيم غير مذكور في كتب الرجال، والمذكور: عليّ بن أحمد بن أشيم، وهو مجهول الحال.

قوله: (عن ذي الفقار سيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ).

قال الفيروزآبادي: «ذو الفقار _ بالفتح _ سيف العاصم بن منيّة، (2)قُتل يوم بدر كافرا، فصار إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ، ثمّ صار إلى عليّ عليه السلام » (3).انتهى.

وقيل: سمّي به لأنّه كان فيه حُفَر صغار حِسان(4).

(فقال: نزل به جبرئيل عليه السلام من السماء).

يدلّ هذا الخبر كغيره من الأخبار أنّ ذو الفقار نزل من السماء، ولم يكن من صنع البشر، وهو ردّ على أهل السِّير واللغويّين من العامّة أنّه كان سيف العاصم بن منّية، كما مرّ.

ص: 454


1- في كلتا الطبعتين: «عليّ بن أحمد بن أشيم»والمتكرّر في الأسناد رواية أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن أحمد بن أشيم.راجع: معجم رجال الحديث، ج 11، ص 501 _ 503
2- . في المصدر: «العاص بن منبه»
3- . القاموس المحيط، ج 2، ص 111 (فقر)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 371

(وكان حلقته فضّة).

في بعض النسخ «حليته» بدل «حلقته».

قال الفيروزآبادي: «حلقة الباب والقوم قد تفتح لامها ويُكسر» (1)انتهى.

والحِلية _ بالكسر والفتح _ : ما يزيّن به من مصنوع المعدنيّات أو الحجارة.ويفهم من كلام الجوهري أنّ حِلية السيف بالكسر لا غير(2).

وفي هذا الخبر دلالة على جواز كون حلقة السيف أو حليته.قال الشهيد رحمه الله في الدروس: وروي جواز تحلية السيف والمصحف بالذهب والفضّة، (3)ويفهم منه توقّفه في ذلك(4).

متن الحديث الواحد والتسعين والثلاثمائة

اشارة

حَدِيثُ نُوحٍ عليه السلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ (5)، قَالَ :

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ذَاتَ يَوْمٍ ، فَقَالَ لِي : «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَجَمَعَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ الْخَلَائِقَ ، كَانَ نُوحٌ _ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ _ أَوَّلَ مَنْ يُدْعى بِهِ ، فَيُقَالُ لَهُ : هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ، فَيُقَالُ لَهُ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ».

قَالَ : «فَيَخْرُجُ نُوحٌ عليه السلام ، فَيَتَخَطَّى النَّاسَ حَتّى يَجِيءَ إِلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَهُوَ عَلى كَثِيبِ الْمِسْكِ وَمَعَهُ عَلِيٌّ عليه السلام ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا» (6).فَيَقُولُ نُوحٌ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ سَأَلَنِي : هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَقُلْتُ : مُحَمَّدٌ ، فَيَقُولُ : يَا جَعْفَرُ ، وَيَا حَمْزَةُ (7)، اذْهَبَا وَاشْهَدَا لَهُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ».

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «فَجَعْفَرٌ وَحَمْزَةُ هُمَا الشَّاهِدَانِ لِلْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام بِمَا بَلَّغُوا».

فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَعَلِيٌّ عليه السلام أَيْنَ هُوَ؟

ص: 455


1- . القاموس المحيط، ج 3، ص 222 (حلق)
2- راجع: الصحاح، ج 6، ص 2318 (حلا)
3- . الكافي، ج 6، ص 474 و 475، ح 5 _ 7
4- اُنظر: الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 128، ذيل الدرس 21
5- . في بعض نسخ الكافي: «أبي سعيدة»
6- . الملك (67): 27
7- . في الطبعة القديمة: «يا حمزة» بدون الواو

فَقَالَ : «هُوَ أَعْظَمُ مَنْزِلَةً مِنْ ذلِكَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف؛ إذ الظاهر أنّ القاسم بن محمّد هو الجوهري الضعيف.

وقال الجوهري: «نوح، ينصرف مع العجمة والتعريف، وكذلك كلّ اسم على ثلاثة أحرف أوسطه ساكن مثل لوط؛ لأنّ خفّته عادلت أحد الثقلين»(1).

قوله: (كان نوح أوّل من يدعى).

«يدعى» على صيغة المجهول من الدعوة، والضمير للموصول، والظرف قائم مقام فاعل «يدعى».

(فيُقال [له]: هل بلّغت) من التبليغ، وهو الإيصال، والمفعول محذوف، أي هل بلّغت رسالة اللّه .

(فيقول: نعم، فيُقال له: مَن يشهد لك؟ فيقول: محمّد بن عبداللّه صلى الله عليه و آله ).

قيل: كما يطلب منه الشاهد على تبليغ الرسالة، يُطلب من غيره من الأنبياء أيضا، كما يدلّ عليه آخر الحديث.

ولعلّ الغرض منه إسكات اُممهم، وإكمال الحجّة عليهم، وإظهار شرف نبيّنا صلى الله عليه و آله (2).

(قال: فيخرج نوح، فيتخطّى الناس).

قال في القاموس: «تخطّى الناس واختطأهم: ركبهم، وجاوزهم»(3).

(حتّى يجيّ إلى محمّد صلى الله عليه و آله وهو) أي محمّد صلى الله عليه و آله (على كثيب المسك).

قال في القاموس: «الكثيب: التلّ من الرمل»(4).

وقال: «المسك _ بالكسر _ : طيبٌ معروف.الجمع كعنب»(5).

(ومعه) أي مع محمّد صلى الله عليه و آله (عليّ عليه السلام ، وهو) أي كون علي عليه السلام يومئذٍ بتلك المنزلة (قول اللّه عزّ وجلّ: «فَلَمَّا رَأَوْهُ» ).

ص: 456


1- الصحاح، ج 1، ص 414 (نوح)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 372 مع اختلاف في اللفظ
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 324 (خطو)
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 122 (كتب)
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 318 (مسك) مع التلخيص

قال المفسّرون: الضمير عائد إلى الوعد بمعنى الموعود في قوله تعالى: «وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ» (1).

وقيل: يظهر من تفسيره عليه السلام أنّه راجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام (2).

أقول: لا يبعد إرجاع الضمير بهذا التفسير أيضا إلى الوعد، كما يقتضيه سياق الآية، ويكون الوعد عبارة عن رفعة درجة أمير المؤمنين عليه السلام وقُرب منزلته يوم القيامة مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

«زُلْفَةً» أي ذا زُلفة وقُرب.أو الحمل على سبيل المبالغة.وفي القاموس: «الزلفة _ بالضمّ _ : القُربة، والمنزلة»(3).

«سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا»

في القاموس: «سآءه سَوْءا وسُوءا وسُوءةً ومساءة: فعل به ما يكره.وسآء سواء، كسحاب: قبح» (4)انتهى.

أي ساءت رؤية تلك المنزلة وجوه معانديه ومُنكريه عليه السلام ، وبانَ عليها الكآبة وسوء الحال.

(فيقول) أي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : (يا جعفر، ويا حمزة، اذهبا واشهدا له) أي لنوح عليه السلام (أنّه قد بلّغ).

يظهر منه بعض تأويلات ما ورد في الآيات والأخبار من أنّ هذه الاُمّة شهداء على الخلق.

متن الحديث الثاني والتسعين والثلاثمائة

اشارة

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ جَمِيلٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقْسِمُ لَحَظَاتِهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ : يَنْظُرُ إِلى ذَا وَيَنْظُرُ إِلى ذَا بِالسَّوِيَّةِ» .

ص: 457


1- يونس (10): 48.وانظر: الكشّاف، ج 4، ص 139؛ تفسير الرازي، ج 30، ص 74؛ تفسير البيضاوي، ج 5، ص 366
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 312 مع اختلاف في اللفظ
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 149 (زلف) مع التلخيص
4- . القاموس المحيط، ج 1، ص 18 (سوء)

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (يقسم لحظاته) جمع لحظة، وهي النظر بمؤخّر العينين.يُقال: لحظه _ كمنعه _ لحظا ولحظانا محرّكة، والمرّة منه لحظة بين أصحابه.

وقوله عليه السلام : (ينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسويّة) بيان لقسمة النظر، ويظهر منه استحباب تسوية النظر سيّما للعلماء والاُمراء والحكّام ومن يرجع إليه الناس في الاُمور، وهو من الاُمور المرغوبة المستحسنة في المجالسة والمصاحبة، وفيه فوائد كثيرة منها الاستئناس وجلب مودّة القلوب وعدم انكسارها ورفع التحاسد والتعاند ونحوها.

متن الحديث الثالث والتسعين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ :قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «مَا كَلَّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الْعِبَادَ بِكُنْهِ عَقْلِهِ قَطُّ ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلى قَدْرِ عُقُولِهِمْ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (ما كلّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله العباد بكنه عقله قطّ).

قال الفيروزآبادي: «كلّمه تكليما وتكلّم تكلّما: تحدّث»(1).

وقال: «الكُنه _ بالضمّ _ : جوهر الشيء، وغايته، وقدره، ووجهه»(2).

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : (إنّا معاشر الأنبياء اُمرنا) على البناء للمفعول (أن نُكلِّم الناس على قدر عقولهم).

في كثير من النسخ: «معشر الأنبياء».

في القاموس: «المعشر _ كمقعد (3)_ : الجماعة»(4).

ص: 458


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 172 (كلم) مع التلخيص
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 292 (كنه)
3- . في المصدر: «كمسكن»
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 90 (عشر)

وأقول: قوله عليه السلام : «إنّا» مبتدأ، وقوله: «اُمرنا» مع ما يتعلّق به خبره، وقوله: «معاشر الأنبياء» منصوب على الاختصاص، والمراد أنّه صلى الله عليه و آله ما كلّم أحدا ممّن لم يكن أهلاً لجميع الأسرار والغوامض بقدر ما بلغه عقله الشريف وغايته؛ لأنّ عقول أكثر العباد قاصرة عنه كعقول الأطفال مثلاً بالنسبة إلى عقول الكاملين من العلماء، فيكون التكلّم بالأسرار المعضلة والمسائل المشكلة الدقيقة معهم سببا لحيرتهم وضلالتهم.

ويفهم من هذا الخبر كيفيّة التعليم، ووجوب رعاية حال المتعلِّم في التفهيم، وأنّه لابدّ أن يخفى عن الناس ما لا يصل إليه عقولهم ولا يقبله أحلامهم، وأنّ الحكيم هو الذي يعرف موارد الكلام، فيأتي به على وفق مقتضى المقام.ويظهر من كثير من الأخبار أنّ هذا الحكم مقصور على غير أهل بيت العصمة عليهم السلام ، وأنّه صلى الله عليه و آله كلّمهم ما بلغ إليه عقله.

متن الحديث الرابع والتسعين والثلاثمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ؛ وَعِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ جَمِيعا ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : إِنِّي رَجُلٌ مِنْ بَجِيلَةَ ، وَأَنَا أَدِينُ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِأَنَّكُمْ مَوَالِيَّ ، وَقَدْ يَسْأَلُنِي بَعْضُ مَنْ لَا يَعْرِفُنِي ، فَيَقُولُ لِي : مِمَّنِ الرَّجُلُ؟ فَأَقُولُ لَهُ : أَنَا رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ ، ثُمَّ مِنْ بَجِيلَةَ ، فَعَلَيَّ فِي هذَا إِثْمٌ حَيْثُ (1)لَمْ أَقُلْ : إِنِّي مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ؟

فَقَالَ : «لَا ، أَلَيْسَ هَوَاكَ وَ قَلْبُكَ (2)مُنْعَقِدا عَلى أَنَّكَ مِنْ مَوَالِينَا؟».

فَقُلْتُ : بَلى وَاللّهِ .

فَقَالَ : «لَيْسَ عَلَيْكَ فِي أَنْ تَقُولَ : أَنَا مِنَ الْعَرَبِ ، إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْعَرَبِ فِي النَّسَبِ وَالْعَطَاءِ وَالْعَدَدِ وَالْحَسَبِ ، فَأَنْتَ (3)فِي الدِّينِ وَمَا حَوَى الدِّينُ بِمَا تَدِينُ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِهِ مِنْ طَاعَتِنَا ، وَ الْأَخْذِ بِهِ مِنَّا مِنْ مَوَالِينَا وَمِنَّا وَإِلَيْنَا» .

ص: 459


1- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: + «إنّي»
2- . في كلتا الطبعتين: «قلبك وهواك»
3- . في الطبعة الجديدة وأكثر نسخ الكافي: «وأنت»

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله: (إنّي رجلٌ من بجيلة).

في القاموس: «البجيلة _ كسفينة _ : حيّ باليمن من مَعدٍ، والنسبة بجليّ محرّكة»(1).

(وأنا أدين اللّه عزّ وجلّ) أي أطيعه وأعبده.

(بأنّكم مواليّ) جمع المولى بمعنى المالك، أو المعتق بكسر التاء، أو الصاحب، أو المُنعم، أو الناصر؛ لأنّهم عليهم السلام ملوك أهل الأرض، وملّاك رِقابهم والمعتقين رقابهم من النار والمُنعمين لهم بالنِّعم الحسّيّة والعقليّة في هذا الدار وفي دار القرار، والناصر لهم في اُمور الدِّين والدُّنيا، والشافعين لهم عند الملك.

(وقد يسألني بعض من لا يعرفني) بالنسب.

(فيقول [لي]ممّن الرجل) أي من أيّ طائفة وقبيلة هذا الرجل، وكان فيه التفات.

(فأقول له: أنا رجلٌ من العرب، ثمّ من بجيلة، فعليّ في هذا إثم) أي ذنب وحرج.

قيل: كأنّ وجه السؤال أنّ العرب وبجيلة من المخالفين لأهل البيت عليهم السلام معاندين لهم، فتوهّم أنّ نسبته إليهم توجب التحرّج والإثم(2).

أقول: لا يخفى بُعد هذا التوجيه، بل الظاهر أنّ توهّم الحرج والإثم باعتبار عدم انتسابه إلى أهل البيت عليهم السلام ؛ فإنّ الانتساب إليهم هو النسب الحقيقي الواقعي، كما أشار إليه بقوله: (حيث لم أقل: إنّي مولى لبني هاشم)؛ يظهر من السِّياق أنّ المراد ببني هاشم هنا الأئمّة عليهم السلام ، والمراد بالمولى هنا العبد والمُعتَق بفتح التاء، أو المُنْعَم، أو المحبّ، أو التابع.

(فقال: لا) أي لا إثم عليك في هذا القول.

(أليس هواك).

الهوى _ بالقصر _ : العشق، وإرادة النفس.

(وقلبك منعقدا).

في بعض النسخ: «منعقد» بالرفع.قيل: يمكن أن يُقال حينئذٍ: إنّ اسم «ليس» ضمير راجع

ص: 460


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 367 (بجل)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 374 مع اختلاف في اللفظ

إلى القول المذكور، وقوله: «هواك» خبره، و«قلبك منعقد» مبتدأ وخبر، والواو للحال، والمعنى: أليس ذلك القول هواك ومحض إرادتك الإخبار بالنسب، والحال أنّ قلبك منعقد على موالاتنا(1).

(فقلت: بلى، فقال: ليس عليك) أي إثم، أو بأس (في أن تقول: أنا من العرب).

ثمّ أشار عليه السلام إلى وجه نفي البأس من هذا القول بقوله: (إنّما أنت (2)في النسب).

كذا في كثير من النسخ، وفي بعضها: «إنّما أنت من العرب في النسب».

وعلى النسخة الاُولى يكون قوله: «من العرب» مقدّرا، أي إنّما أنت داخلٌ فيهم في الانتساب إلى قبيلتهم.

(و)في (العطاء) أي تعدّ من جملتهم في الوقف عليهم، وفي النذر لهم، ونحوهما من وجوه الصدقات والعطيّات المختصّة بهم.

(و)في (العدد) أي في عدادهم وزمرتهم، أو في أتباعهم وأعوانهم.

(و)في (الحسب).

هو بالتحريك: ما يعدّه الإنسان من مفاخر آبائه.ويحتمل أن يُراد به المعدود والمحسوب، فالعطف حينئذٍ للتفسير.والحاصل: أنّ النسب وما عطف عليه لا يختلف باختلاف المنسوب والمنسوب إليه.

([فأنت] في الدِّين).

والظاهر أنّ قوله: «فأنت» مبتدأ، وقوله: «في الدِّين» خبره.

(وما حوى الدّين) عطف على الدّين، ولعلّ المراد بالدين اُصوله وما حواه فروعه.

والباء في قوله: (بما تدين اللّه _ عزّ وجلّ _ به) للسببيّة، والضمير للموصول.

وقوله: (من طاعتنا) بيان للموصول.

وقوله: (والأخذ به) عطف على الطاعة، والضمير للدّين.

وقوله: (منّا) متعلّق بالأخذ.

ص: 461


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 374 مع اختلاف في اللفظ
2- . في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: + «من العرب»

ويحتمل أن يكون قوله: (من موالينا) خبرا آخر للمبتدأ، ويحتمل كونه حالاً عن فاعل «تدين».

قوله (منّا) عطف عليه، وكذا قوله: (وإلينا).

ولعلّ المراد: إنّك خُلِقْتَ من طينتنا، ومرجعك ومعادك إلينا في النسب الواقعي والحسب الحقيقي، أو في الدُّنيا والآخرة.

متن الحديث الخامس والتسعين والثلاثمائة

اشارة

حَدَّثَنَا ابْنُ مَحْبُوبٍ (1)، عَنْ أَبِي يَحْيى كَوْكَبِ الدَّمِ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ حَوَارِيَّ عِيسى عليه السلام كَانُوا شِيعَتَهُ ، وَإِنَّ شِيعَتَنَا حَوَارِيُّونَا ، وَمَا كَانَ حَوَارِيُّ عِيسى بِأَطْوَعَ لَهُ مِنْ حَوَارِيِّنَا لَنَا ، وَإِنَّمَا قَالَ عِيسى عليه السلام لِلْحَوَارِيِّينَ : «مَنْ أَنْصارِى إِلَى اللّهِ» (2)؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ : نَحْنُ أَنْصارُ اللّهِ ، فَلَا وَاللّهِ مَا نَصَرُوهُ مِنَ الْيَهُودِ ، وَلَا قَاتَلُوهُمْ دُونَهُ ، وَشِيعَتُنَا وَاللّهِ لَمْ يَزَالُوا مُنْذُ قَبَضَ اللّهُ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ رَسُولَهُ (3)صلى الله عليه و آله يَنْصُرُونَّا ، وَيُقَاتِلُونَ دُونَنَا ، وَيُحْرَقُونَ وَيُعَذَّبُونَ ، وَيُشَرَّدُونَ فِي الْبُلْدَانِ ، جَزَاهُمُ اللّهُ عَنَّا خَيْرا ، وَقَدْ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : وَاللّهِ لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ مُحِبِّينَا بِالسَّيْفِ مَا أَبْغَضُونَا ، وَ وَاللّهِ لَوْ أَدْنَيْتُ إِلى مُبْغِضِينَا وَحَثَوْتُ لَهُمْ مِنَ الْمَالِ مَا أَحَبُّونَا» .

شرح الحديث

السند حسن؛ إذ قوله: (حدّثنا) القائل به أحمد بن محمّد وسهل بن زياد، كما يظهر من السند السابق، وأبو يحيى ممدوح.

قوله: (إنّ حواري عيسى عليه السلام كانوا شيعته).

قال في النهاية:

فيه: حواريّ من اُمّتي، أي خاصّتي من أصحابي وناصريّ.ومنه الحواريّون أصحاب عيسى عليه السلام ، أي خلصاؤه وأنصاره، وأصله من التحوير: التبييض.وقيل:

ص: 462


1- . السند معلّق على سابقه
2- . آل عمران (3): 52؛ الصفّ (61): 14
3- . في بعض نسخ الكافي: «رسول اللّه »

إنّهم كانوا قصّارين يحوّرون الثياب، أي يبيّضونها.

ومنه: الخبز الحواري، للذي نُخِلَ مرّةً بعد اُخرى.قال الأزهري: الحواريّون، خلصاء الأنبياء، وتأويله الذين اُخلِصوا ونُقّوا من كلّ عيب(1). وفي القاموس: «شيعة الرجل _ بالكسر _ : أتباعه وأنصاره»(2).

(وإنّما قال عيسى للحواريّين: «مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ» ).

قال البيضاوي: أي ملتجأ إلى اللّه ، أو ذاهبا، أو راغبا إليه.ويجوز أن يتعلّق الجار بأنصاري متضمّنا معنى الإضافة؛ أي من الذين يضيفون أنفسهم إلى اللّه في نصري.وقيل: إلى هاهنا بمعنى مع، أو في، أو اللّام(3).

(قال الحواريّون).

حواري الرجل: خاصّته، من الحور، وهو البياض الخالص، سمّي به أصحاب عيسى عليه السلام ؛ لخلوص نيّتهم ونقاء سريرتهم.

وقيل: كانوا ملوكا يلبسون البيض استنصربهم عيسى من اليهود.وقيل: قصّارون يحوّرون الثياب، أي يبيّضونها(4).

(نحن أنصار اللّه ) أي أنصار دينه.

(فلا واللّه ، ما نصروه من اليهود) أي ما نصر الحواريّون عيسى، وما دفعوا عنه شرّ اليهود.

(ولا قاتلوهم دونه) أي ولا قاتل الحواريّون اليهود عند عيسى عليه السلام وتحت رايته.

ودون من الظروف يكون بمعنى أمام، ووراء، ونقيض الفوق.

(وشيعتنا واللّه لم يزالوا) إلى قوله: (يحرقون) على بناء المفعول.

قال الفيروزآبادي: «حرقه بالنار يحرقه وأحرقه وحرّقه بمعنى، فاحترق وتحرّق»(5).

(ويعذّبون) من الأعداء.

(ويشرّدون في البلدان).

التشريد: الطرد، والتفريق.وأشرده: جعله شريدا، أي طريدا.

ص: 463


1- النهاية، ج 1، ص 458 (حور) مع التلخيص و اختلاف في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 47 (شيع)
3- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 44 مع اختلاف في اللفظ
4- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 44 معع التلخيص
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 220 (حرق)

(واللّه لو ضربت) على صيغة المتكلّم.

(خيشوم محبّينا) كناية عن غاية الإيذاء.قال الجوهري: «الخيشوم: أقصى الأنف»(1).

(ما أبغضونا، وواللّه لو أدنيت) أي قرّبتُ وأكرمت.

(إليّ) بتشديد الياء.

(مبغضينا وحثوت لهم من المال ما أحبّونا).

الحثو: إهالة التراب وتفريقها، والإعطاء باليسير.والظاهر أنّ المراد به هنا تكثير الإعطاء.

متن الحديث السادس والتسعين والثلاثمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، قَالَ :

سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِى أَدْنَى الْأَرْضِ» (2)؟

قَالَ : فَقَالَ : «يَا أَبَا عُبَيْدَةَ ، إِنَّ لِهذَا تَأْوِيلًا لَا يَعْلَمُهُ إِلَا اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِمْ ، إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَأَظْهَرَ (3)الْاءِسْلَامَ ، كَتَبَ إِلى مَلِكِ الرُّومِ كِتَابا ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ رَسُولٍ يَدْعُوهُ إِلَى الْاءِسْلَامِ ، وَكَتَبَ إِلى مَلِكِ فَارِسَ كِتَابا يَدْعُوهُ إِلَى الْاءِسْلَامِ ، وَبَعَثَهُ إِلَيْهِ مَعَ رَسُولِهِ (4)، فَأَمَّا مَلِكُ الرُّومِ ، فَعَظَّمَ كِتَابَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَأَكْرَمَ رَسُولَهُ ، وَأَمَّا مَلِكُ (5)فَارِسَ ، فَإِنَّهُ اسْتَخَفَّ بِكِتَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَمَزَّقَهُ وَاسْتَخَفَّ بِرَسُولِهِ ، وَكَانَ مَلِكُ فَارِسَ يَوْمَئِذٍ يُقَاتِلُ مَلِكَ الرُّومِ ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَهْوَوْنَ أَنْ يَغْلِبَ مَلِكُ الرُّومِ مَلِكَ فَارِسَ ، وَكَانُوا لِنَاحِيَتِهِ أَرْجى مِنْهُمْ لِمَلِكِ فَارِسَ ، فَلَمَّا غَلَبَ مَلِكُ فَارِسَ مَلِكَ الرُّومِ ، كَرِهَ ذلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَاغْتَمُّوا بِهِ ، فَأَنْزَلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِذلِكَ كِتَابا قُرْآنا «الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِى أَدْنَى الْأَرْضِ» يَعْنِي غَلَبَتْهَا فَارِسُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهِيَ الشَّامَاتُ وَمَا حَوْلَهَا ، «وَهُمْ» يَعْنِي وَفَارِسُ «مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ» الرُّومَ «سَيَغْلِبُونَ» يَعْنِي يَغْلِبُهُمُ الْمُسْلِمُونَ «فِى بِضْعِ سِنِينَ لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ» (6)عَزَّ وَجَلَّ ، فَلَمَّا غَزَا الْمُسْلِمُونَ فَارِسَ وَافْتَتَحُوهَا ، فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِنَصْرِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .

ص: 464


1- الصحاح، ج 5، ص 1912 (خشم)
2- . الروم (30): 1 _ 3
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «وظهر»
4- . في بعض نسخ الكافي: «رسول»
5- . في بعض نسخ الكافي: «لملك»
6- . الروم (30): 1 _ 5

قَالَ : قُلْتُ : أَ لَيْسَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ : «فِى بِضْعِ سِنِينَ» وَقَدْ مَضى لِلْمُؤْمِنِينَ سِنُونَ كَثِيرَةٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَفِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ ، وَإِنَّمَا غَلَبَ الْمُؤْمِنُونَ فَارِسَ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ؟

فَقَالَ : «أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ : إِنَّ لِهذَا تَأْوِيلًا وَتَفْسِيرا ، وَالْقُرْآنُ _ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ _ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ ، أَمَا تَسْمَعُ لِقَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» يَعْنِي إِلَيْهِ الْمَشِيئَةُ فِي الْقَوْلِ أَنْ يُؤَخِّرَ مَا قَدَّمَ ، وَيُقَدِّمَ مَا أَخَّرَ فِي الْقَوْلِ إِلى يَوْمٍ يَحْتِمُ الْقَضَاءَ بِنُزُولِ النَّصْرِ فِيهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، فَذلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّهِ» أَيْ يَوْمَ يَحْتِمُ الْقَضَاءَ بِالنَّصْرِ» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه عزّ ذكره: «الم * غُلِبَتْ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ» ).

قال البيضاوي:

أي أدنى أرض العرب منهم؛ لأنّها الأرض المعهودة عندهم، أو في أدنى أرضهم من العرب، واللّام بدل من الإضافة.

«وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ» .«من» إضافة المصدر إلى المفعول.

«سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ» .روي أنّ فارس غزوا الروم، فوافوهم بأذرعات وبُصرى، وقيل بالجزيرة، وهي أدنى أرض الروم من الفرس، فغلبوا عليهم، وبلغ الخبر مكّة، ففرح المشركون، وشَمِتوا بالمسلمين وقالوا: أنتم والنصارى أهل كتاب، ونحن وفارس اُميّون، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم، ولنظهرنّ عليكم، فنزلت، فقال لهم أبو بكر: لا يقرنّ اللّه أعينكم، فواللّه لتظهرنّ الروم على فارس بعد بضع سنين، فقال له اُبيّ بن خلف: كذبت، اجعل بيننا أجلاً اُنَاحِبُكَ عليه، فناحبه على عشر قلائص من كلّ واحد منهما، وجعل الأجل ثلاث سنين، فأخبر أبو بكر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخطر ومادّة في الأجل، فجعلاه مائة قلوص إلى تسع سنين، ومات اُبيّ من جرح رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد قُفُوله من اُحد، وظهرت الروم على الفارس يوم الحديبيّة، فأخذ أبو بكر الخطر من ورثة اُبيّ، وجاء به إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: تصدّق به، والآية من دلائل النبوّة؛ لأنّها إخبار عن الغيب.

وقرئ: «غَلَبَتْ» بالفتح، و«سيُغلَبون» بالضمّ، ومعناه: أنّ الروم غلبوا على ريف الشام

ص: 465

والمسلمون سيغلبوهم، وفي السنة التاسعة من نزوله غزاهم المسلمون وفتحوا بعض بلادهم، وعلى هذا تكون إضافة الغَلَب إلى الفاعل.

«للّه ِِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» ؛ من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين، ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين، أي له الأمر حين غلبوا وحين يغلبون، ليس شيء منهما إلّا بقضائه.وقرئ: «من قبلٍ ومن بعدٍ» من غير تقدير مضاف إليه، كأنّه قيل: قبلاً وبعدا، أي أوّلاً وآخرا.

«وَيَوْمَئِذٍ» يوم يغلب الروم.

«يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللّه ِ» من له كتاب على من لا كتاب له، لما فيه من انقلاب التفّاؤل وظهور صدقهم فيما أخبروا به المشركين، وغلبتهم في رهانهم، وازدياد يقينهم وثباتهم في دينهم.وقيل: بنصر اللّه المؤمنين بإظهار صدقهم، أو بأن وَلَى بعض أعدائهم بعضا حتّى تفانوا.

«يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ» ؛ فينصر هؤلاء مرّة وهؤلاء اُخرى(1).

انتهى كلام البيضاوي.

وروي عن البغوي أنّه قال: كان سبب غلبة الروم فارس _ على ما قال عكرمة _ : أنّ شهريراز رئيس كسرى بعدما غلبت الروم لم يزل ليطأهم، ويخرّب مدائنهم، حتّى بلغ الخليج، فبينما أخوه فرخان جالس ذات يوم يشرب قال فرخان لأصحابه: لقد رأيت كأنّي جالس على سرير كسرى فبلغت كلمته كسرى فكتب إلى شهريار: إذا أتاك كتابي فابعث إليَّ برأس فرخان، فكتب إليه: أيّها الملك إنّك لن تجد مثل فرخان إنّ له قوّةً وصوتا في العَدْو فلا تغفل، فكتب إليه أنّ في رجال فارس أعلى منه، فعجِّل عليَّ برأسه، فراجعه، فغضب كسرى ولم يجبه، وبعث بريدا إلى أهل فارس إنّي قد نزعت عنكم شهريراز واستعملت عليكم فرخان، ثمّ دفع إلى البريد صحيفة صغيرة وأمره فيها بقتل شهريراز، فقال: إذا ولّى فرخان الملك فأعطه، فلمّا قرأ شهريراز الكتاب قال: سمعا وطاعة، ونزل عن سريره وجلس فرخان ورفع إليه الصحيفة، فقال: ايتوني بشهريراز، فقدّمه ليضرب عنقه.فقال: لا تعجل، وأعطاه ثلاث صحائف، وقال: كلّ هذا رجعت فيك كسرى، وأنت تريد أن تقتلني

ص: 466


1- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 327 مع التلخيص

بكتابٍ واحد، فردّ المُلك إلى أخيه، وكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم: إنّ لي إليك حاجة، لا تحملها البُردُ، ولا تبلغهما الصُحُف، فالقني في خمسين روميّا؛ فإنّي ألقاك في خمسين فارسيّا.فالتقيا في قبّة ديباج ضُربت لهما، ومع كلّ واحد منهما سكّين، فدَعَيا بترجمان بينهما، فقال شهريراز: إنّ الذين خرّبوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإنّ كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي، فأبيت، ثمّ أمر أخي أن يقتلني، فقد خلعناه جميعا، فنحن نقاتله معك.

قال: قد أصبتما، ثمّ أشار أحدهما إلى صاحبه أنّ السرّ إذا جاوز اثنين فشا، فقتلا الترجمان معا بسكّينهما، فأديلت الروم عند ذلك [على فارس]، فاتّبعوهم، فقتلوهم، فمات كسرى، وجاء الخبر إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم الحديبيّة، ففرح من معه بذلك(1).

(قال: فقال أبا عبيدة، إنّ لهذا) أي لهذه الآية، والتذكير باعتبار القول.

(تأويلاً) أي تفسيرا ومرجعا.

(لا يعلمه إلّا اللّه والراسخون في العلم) أي الذين تثبّتوا وتمكّنوا فيه، يُقال: رسخ الشيء _ كمنع _ رسوخا، أي ثبت، واستحكم.

وقوله عليه السلام : (من آل محمّد صلى الله عليه و آله ) بيان للراسخين في العلم.

ثمّ أراد عليه السلام أن يبيّن تأويله على وفق تنزيله بقوله: (إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا هاجر إلى المدينة) من مكّة (وأظهر الإسلام).

في بعض النسخ: «وظهر» بدون الألف.

(كتب إلى ملك الروم) وكان اسمه: هرقل، وزان بِسجلَ وزبرج.

(كتابا، وبعث به)؛ الباء للتعدية.

(مع رسول) وكان اسمه: دحية بن خليفة الكلبي.

(يدعوه) أي يدعو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أو ذلك الرسول ملك الروم.

(إلى الإسلام).

روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا بعث دحية الكلبي أمره أن يأتي حاكم بُصرى، ويسأل منه أن

ص: 467


1- اُنظر: تفسير البغوي، ج 3، ص 475 و 476

يبعث معه من يوصله إلى هرقل، وكان هرقل أتى لزيارة بيت المقدس إلى الشام، فأرسل معه رجلاً حتّى أوصله إلى هرقل(1).

وقال قطب الدِّين الراوندي: روي أنّ دحية الكلبي قال: بعثني رسول اللّه صلى الله عليه و آله بكتاب إلى قيصر، فأرسل إلى الاُسقف، فأخبره بمحمّد صلى الله عليه و آله وكتابه، فقال: هذا النبيّ الذي كنّا ننتظره بشّرنا به عيسى بن مريم، وقال الاُسقف: أمّا أنا فمصدّقه ومتّبعه، فقال قيصر: أمّا أنا إن فعلت ذلك ذهب ملكي.

ثمّ قال قيصر: التمسوا من قومه هاهنا أحدا أسأله عنه، وكان أبو سفيان وجماعة من قريش دخلوا الشام تجّارا فأحضرهم وقال: ليدن منّي أقربكم نسبا به، فأتاه أبو سفيان فقال: أنا سائلٌ عن هذا الرجل الذي يقول إنّه نبيّ، ثمّ قال لأصحابه: إن كذب فكذّبوه، قال أبو سفيان: لو لا حيائي أن يأثر أصحابي عنّي الكذب أخبرته بخلاف ما هو عليه، فقال: كيف نسبه فيكم؟

قلت: ذو نَسَب.

قال: هل قال هذا القول فيكم أحد؟

قلت: لا.

قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبلُ؟

قلت: لا.

قال: فهل أشراف الناس اتّبعوه أو ضعفاؤهم؟

قلت: ضعفاؤهم.

قال: فهل يزيدون، أو ينقصون؟

قلت: يزيدون.

قال: يرتدّ أحدٌ منهم سخطا لدينه؟

قلت: لا.

قال: فهل قاتلتموه؟

قلت: نعم.

ص: 468


1- اُنظر: الطبقات الكبرى، ج 1، ص 259

قال: فكيف حربكم وحربه؟

قلت: ذو سجال مرّة له ومرّة عليه.

قال: هذه آية النبوّة.

قال: فما يأمركم؟ قلت: يأمرنا أن نعبداللّه وحده ولا نُشرك به شيئا، وينهانا عمّا كان يعبدُ آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصوم والعفاف والصدق وأداء الأمانة والوفاء بالعهد.

قال: هذه صفة نبيّ، وقد كنتُ أعلم أنّه يخرج لم أظنّ أنّه منكم، فإنّه يوشك أن يملك ما تحت قدميّ هاتين، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشّمت لقاءه، ولو كنتُ عنده لقبّلت قدميه، وأنّ النصارى اجتمعوا على الاُسقف ليقتلوه.

فقال: اذهب إلى صاحبك، فاقرأ عليه سلامي، وأخبره أنّي أشهدُ أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه ، وأنّ النصارى أنكروا ذلك عليَّ.

ثمّ خرج إليهم، فقتلوه(1).

قال: وروي أنّ هرقل بعث رجلاً من غسّان وأمره أن يأتيه بخبر محمّد وقال: احفظ لي من أمره ثلاثة؛ اُنظر على أيّ شيء تجده جالسا، ومَن على يمينه، فإن استطعت أن تنظر إلى خاتم النبوّة فافعل.فخرج الغسّاني حتّى أتى النبيّ صلى الله عليه و آله فوجده جالسا على الأرض، ووجد عليّ بن أبي طالب عليه السلام على يمينه، وجعل رجليه في ماء يفور، فقال: مَن هذا على يمينه؟

قيل: ابن عمّه.

فكتب ذلك، ونسى الغسّاني الثالثة، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : تعال، فانظر إلى ما أمرك به صاحبك.فنظر إلى خاتم النبوّة، فانصرف الرجل إلى هرقل، ثمّ قال: ما صنعت؟

قال: وجدته جالسا على الأرض، والماء تفور تحت قدميه، ووجدتُ عليّا ابن عمّه على يمينه، ونسيت ما قلت لي في الخاتم، فدعاني فقال: هلمّ إلى ما أمرك به صاحبك، فنظرت إلى خاتم النبوّة.فقال هرقل: هذا الذي بشّر به عيسى بن مريم، إنّه يركب البعير، فاتّبعوه وصدّقوه.

ص: 469


1- راجع: الخرائج والجرائح، ج 1، ص 131، ح 217

ثمّ قال للرسول: اخرج إلى أخي، فاعرض عليه؛ فإنّه شريكي في الملك، فقال له: ما طاب نفسه عن ذهاب ملكه(1).

(وكتب إلى ملك فارس كتابا يدعوه إلى الإسلام).

«فارس» كصاحب الفُرس أو بلادهم ينصرف ولا ينصرف.والمراد بملكهم هنا «خسرو بن پرويز بن انوشيروان».

(وبعث إليه)؛ الضمير الأوّل للكتاب والثاني لملك فارس.

(مع رسوله).اسم ذلك الرسول عبداللّه بن حذافة السهمي.ذكر ابن شهرآشوب نقلاً عن كتاب المجالس لمهدي (2)المامطيري:

أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كتب إلى كسرى:

«من محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى كسرى بن هرمز؛ أمّا بعد، فأسلم تسلم، وإلّا فأذن بحربٍ من اللّه ورسوله، والسلام على مَن اتّبع الهدى».

فلمّا وصل إليه الكتاب مزّقه واستخفّ به، وقال: من هذا الذي يدعوني إلى دينه ويبدأ باسمه قبل اسمي، وبعث إليه بتراب، فقال صلى الله عليه و آله : «مزّق اللّه ملكه كما مزّق كتابي، أما أنّكم ستمزّقون ملكه، وبعث إليّ بتراب، أما أنّكم ستملكون أرضه».فكان كما قال.

وقال الماوردي في أعلام النبوّة: إنّ كسرى بعث في الوقت إلى عامله في اليمن اسمه بازان ويكنّى أبا مهران: أن احمل اليّ هذا الذي يذكر أنّه نبيّ، وبدأ باسمه قبل اسمي، ودعاني إلى غير ديني.فبعث إليه فيروز الديلمي في جماعة مع كتاب يذكر فيه ما كتب به كسرى، فأتاه فيروز بمَن معه فقال له: إنّ كسرى أمرني أن أحملك إليه فاستنظره ليلة، فلمّا كان من الغد حضر فيروز مستحشا، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : أخبرني ربّي أنّه قتل ربّك البارحة سلّط اللّه عليه ابنه شيرويه على سبع ساعات من الليل.فأمسك حتّى يأتيك الخبر، فراع ذلك فيروز وهاله وعاد إلى بازان، فأخبره، فقال له بازان: كيف وجدت نفسك حين دخلت عليه؟ فقال: واللّه ما هبتُ أحدا كهيبة هذا الرجل.فوصل الخبر بقتله في تلك الليلة من تلك الساعة، فأسلما جميعا، وظهر العنسي وما افتراه من الكذب، فأرسل صلى الله عليه و آله إلى فيروز: اقتُله قتله اللّه ، فقتله(3).

ص: 470


1- راجع: الخرائج والجرائح، ج 1، ص 104، ح 169
2- . في المصدر: «لابن المهدي»
3- مناقب آل أبي طالب، ج 1، ص 70 مع اختلاف يسير في اللفظ

وروى عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: بعث اللّه إلى كسرى ملكا وقت الهاجرة وقال: يا كسرى، تسلم أو أكسر هذه العصا، فقال: بهل بهل، فانصرف عنه، فدعا حُرّاسه وقال: من أدخل هذا الرجل عليَّ؟ فقالوا: ما رأيناه.ثمّ أتاه في العام المقبل ووقته فكان كما كان أوّلاً، ثمّ أتاه في العام الثالث فقال: تسلم أو أكسر هذه العصا؟ فقال: بهل بهل.فكسر العصا، ثمّ خرج، فلم يلبث أن وثب عليه ابنه فقتله، انتهى(1).

ثمّ اعلم أنّ المشهور بين أهل السِّير أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أرسل ستّ مكاتيب إلى ستّة ملوك يدعوهم إلى الإسلام، وذلك في سنة ستّ من الهجرة؛ اثنتان منها إلى كسرى وقيصر _ كما مرّ _ وكتابا إلى النجاشي ملك الحبشة بيد عمرو بن اُميّة الصميري، وكتابا إلى مقوقس حاكم إسكندريّة بيد حاطب بن أبي بلتعة، وكتابا إلى حارث بن أبي شمر الغسّاني ملك الشام بيد شجاع بن وهب الأسدي، وكتابا إلى موزة بن علا الحنفي والي اليمامة بيد سليط بن عمرو، وزاد بعضهم مكاتبة اُخرى إلى منذر بن الساوي ملك بحرين بيد علاء الحضرمي، ولم يؤمن من هؤلاء ظاهرا إلّا النجاشي ومنذر.

(وكان المسلمون يهوون) أي يحبّون.يُقال: هويه _ كرضيه _ هوى، أي أحبّه.

(أن يغلب ملك الروم ملك فارس) أي يصير ملك الروم غالبا، وملك فارس مغلوبا.

(وكانوا) أي المسلمون.

(لناحيته) أي لجانب ملك الروم.

(أرجى منهم لملك فارس).

ولعلّ المراد أنّ رجاءهم لقبول الإسلام من ناحية ملك الروم ومن جهته.

(فأنزل اللّه _ عزّ وجلّ _ بذلك) أي بما مرّ من قوله: «وكان ملك فارس يومئذٍ».

(كتابا قرآنا)؛ يحتمل كون «قرآنا» صفة «كتابا»، أي كتابا مقروءا، أو يحتمل كونه بدلاً منه.

قال الجوهري:

قرأت الشيء: جمعته، وضممت بعضه إلى بعض.وقرأت الكتاب قراءة وقرآنا، ومنه سمّي القرآن.وقال أبو عبيدة: سمّي القرآن؛ لأنّه يجمع السُوَر فيضمّها(2).

«ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ» .

ص: 471


1- رواه ابن شهر آشوب في المناقب، ج 1، ص 25
2- الصحاح، ج 1، ص 65 (قرأ) مع التلخيص

يعني غلبتها فارس.الظاهر كون «غَلَبَت» بصيغة الفعل، و«فارس» بالرفع على الفاعليّة، فيكون قوله تعالى: «غُلِبَتِ الرُّومُ» على البناء للمفعول، ويحتمل بعيدا كون غلبتها بصيغة المصدر، وإضافتها إلى الضمير إضافة إلى المفعول، أو إلى الفاعل، وكون «غلبت» في الآية على البناء للفاعل.

(فِي أَدْنَى الْأَرْضِ و هي الشامات و[ما] حولها)؛ فإنّها أدنى الأرض من العرب.

قال الفيروزآبادي في المهموز العين:

الشأم بلاد عن مشأمة القبلة، وسمّيت لذلك.أو لأنّ قوما من بني كنعان تشاءموا إليها، أي تياسروا.أو سمّي بسأم بن نوح؛ فإنّه بالشين في السريانيّة.أو لأنّ أرضها شامات بيض وحمر وسود، وعلى هذا لا تهمز، وقد تذكّر.انتهى(1).

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (يعني وفارس) تفسير لضمير «هم» في الآية.

«مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ» الروم.

قال الجوهري: غلبه غَلْبا وغلبة وغَلَبا أيضا، قال اللّه تعالى: «وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ» وهو من مصادر المضموم العين مثل الطلب.قال الفرّاء: هذا يحتمل أن يكون غلبة، فحذفت الهاء عند الإضافة، كما قال الشاعر: وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا، أراد عدة الأمر، فحذف الهاء عند الإضافة(2).

«سَيَغْلِبُونَ» على البناء للمفعول، بقرينة قوله عليه السلام : (يعني يغلبهم المسلمون)، ويظهر منه أنّه كان في قراءتهم عليهم السلام : «غلبت» و«سيغلبون» على البناء للمفعول في كليهما، وأنّ إضافة «غلبهم» إضافة المصدر إلى فاعله.

«فِي بِضْعِ سِنِينَ» .

في القاموس:

البضع _ بالكسر و _ بفتح _ : ما بين الثلاث إلى التسع، أو إلى الخمس، أو ما بين الواحد إلى الأربعة، أو من أربع إلى تسع، أو هو سبع، وإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع(3).

ص: 472


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 134 (شأم)
2- الصحاح، ج 1، ص 195 (غلب) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 5 (بضع) مع التلخيص

أقول: لمّا كان البضع يطلق على ما دون العشرة، وكان تمام غلبة أهل الإسلام على فارس في أواخر السنة السادس عشر، أو أوائل السبع عشر من الهجرة، وكان نزول الآية _ على ما يفهم من ظاهر الخبر _ في السنة السادس منها بعد مراسلة كسرى وقيصر، وعلى المشهور بين المفسّرين كان نزولها بمكّة قبل الهجرة، (1).وعلى التقديرين الزمان الموعود على البضع اعترض السائل عليه بقوله: (أليس اللّه عزّ وجلّ يقول: «فِي بِضْعِ سِنِينَ» فأجاب عليه السلام بقوله: (ألم أقل لكم أنّ لهذا تأويلاً وتفسيرا)، وحاصل الجواب: أنّ في الآية إشعارا باحتمال وقوع البداء، حيث قال: «للّه ِِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» ، أي للّه أن يقدّم الأمر قبل البضع وأن يؤخّره بعده.

وقال بعض المحقّقين: الفرق بين التأويل والتفسير أنّ التأويل صرف الكلام عن معناه الظاهر إلى الأخفى منه، والتفسير كشف معناه وإظهاره وبيان المراد منه(2).

وقوله عليه السلام : (والقرآن يا أبا عبيدة ناسخٌ ومنسوخ) إشارة إلى توضيح التأويل على وجه يندفع عنه الإيراد.

وقوله عليه السلام : (أن يؤخّر ما قدّم، ويقدّم ما أخّر) بدل أو بيان للقول.

وقال بعض الشارحين:

توضيحه: أنّ وعد النصر في البضع منسوخ إلى الأزيد منه بدليل ما بعده _ قال: _ ويمكن أيضا أن يُراد به أنّ حقيقة البضع، وهو قطعة معيّنة من العدد _ نسخت واُزيلت بإرادة المجاز منه، وهو قطعة أزيد منه وقع القضاء والحتم فيها، [والقرينة عليه ما بعده] وهذا بناءً على ما ذهب إليه جميع المحقّقين من أنّ الكلام لا يُصرف إلى الحقيقة ولا إلى المجاز، ولا يستقرّ شيء منهما إلّا بعد تمامه والفراغ من متعلّقه، فإن ذكرت قرينة المجاز حمل عليه وإلّا فعلى الحقيقة(3).

ص: 473


1- راجع: التبيان، ج 8، ص 227؛ الكشّاف، ج 3، ص 213؛ مجمع البيان، ج 8، ص 42
2- حكاه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 376 عن البعض
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 377 مع اختلاف يسير في اللفظ

متن الحديث السابع والتسعين والثلاثمائة

اشارة

ابْنُ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : إِنَّ الْعَامَّةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ حَيْثُ اجْتَمَعَ النَّاسُ كَانَتْ رِضًا لِلّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ ، وَمَا كَانَ اللّهُ لِيَفْتِنَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِنْ بَعْدِهِ؟

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَوَمَا يَقْرَؤُونَ كِتَابَ اللّهِ؟ أَوَلَيْسَ اللّهُ يَقُولُ : «وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئا وَسَيَجْزِى اللّهُ الشّاكِرِينَ» (1)؟» .

قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّهُمْ يُفَسِّرُونَ عَلى وَجْهٍ آخَرَ .

فَقَالَ : «أَ وَلَيْسَ قَدْ أَخْبَرَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَنِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ أَنَّهُمْ قَدِ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ حَيْثُ قَالَ : «وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ» (2)وَفِي هذَا مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلى أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله قَدِ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (وما كان اللّه لفيتن اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله من بعده) أي يوقعهم في الفتنة.وغرضهم أنّه تعالى يحفظهم منها.

والفتنة: الحيرة، والضلال، والكفر، والفضيحة، والعذاب، والإضلال، واختلاف الناس في الآراء.فتنه _ كضربه _ : أوقعه في الفتنة.

(فقال أبو جعفر عليه السلام : أوما يقرؤون كتاب اللّه )؛ ليظهر لهم بطلان زعمهم: أوليس اللّه يقول في سورة آل عمران: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَا رَسُولٌ» يعني لا يتجاوز عن صفة الرسالة إلى البراءة عن الموت أو القتل.

ص: 474


1- . آل عمران (3): 144
2- . البقرة (2): 253

«قَدْ خَلَتْ» أي مضت.قال الجوهري: «وقوله تعالى: «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ» (1) أي مضى وأرسل»(2).

وفي القاموس: «خلا مكانه: مات، ومضى»(3).

«مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ» فسيخلو كما خلوا بالموت أو القتل.

«أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ» .

قال البيضاوي: هو إنكار لارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم عن الدِّين؛ لخلوّه بموت، وقتل بعد علمهم بخلوّ الرّسل قبله، وبقاء دينهم متمسّكا به.وقيل: الفاء للسببيّة، والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلوّ الرّسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد وفاته(4).

«وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ» أي يرتدّ عن الدِّين.

«فَلَنْ يَضُرَّ اللّه َ شَيْئا» بارتداده، بل يضرّ نفسه.

«وَسَيَجْزِي اللّه ُ الشَّاكِرِينَ» على نعمة الإسلام بالثبات عليه.والآية متضمّنة للوعد والوعيد.

قال: (فقلت له: إنّهم يفسّرون على وجه آخر).

وهو أنّه كلام على وجه الاستفهام، أو الشرط، ونهى عن ارتدادهم، وشيء منها لا يستلزم وقوعه.

والجواب أنّه تعريض وتوبيخ للقوم بما صدر عنهم بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ بقرينة التهديد والوعيد، وهو تابع لوقوعه، ولما روي في سبب نزول الآية على ما ذكره البيضاوي (5)وغيره: (6).أنّه لمّا رمى عبداللّه بن قمئة الحارثي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحجر، فكسر رباعيّته، وشجّ وجهه، فذبّ عنه مصعب بن عمير _ وكان صاحب الراية _ حتّى قتله ابن قمئة وهو يرى أنّه قتل النبيّ صلى الله عليه و آله ، فقال: قد قتلت محمّدا صلى الله عليه و آله ، وصرخ صارخٌ: ألا أنّ محمّدا قد قُتل، فانكفأ

ص: 475


1- .فاطر (35): 24
2- الصحاح، ج 6، ص 2330 (خلا)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 425 (خلو)
4- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 98 مع اختلاف يسير في اللفظ
5- . اُنظر: تفسير البيضاوي، ج 2، ص 98
6- . اُنظر: الكشّاف، ج 1، ص 467؛ مجمع البيان، ج 2، ص 403 _ 406

الناس وجعل الرسول صلى الله عليه و آله يدعو: أين عباد اللّه ؟ فانحاز إليه ثلاثون من أصحابه وحَمَوهُ حتّى كشفوا عنه المشركين وتفرّق الباقون.وقال بعضهم: ليت ابن اُبيّ يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان.وقال اُناس من المنافقين: لو كان نبيّا لما قُتل ارجعوا إلى إخوانكم ودينكم.فقال أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك: يا قوم، إن كان قُتل محمّد، فإنّ ربّ محمّد حيٌّ لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعده؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه.ثمّ قال: اللَّهُمَّ إنّي أعتذرُ إليك ممّا يقولون، وأبرأُ منه! وشدَّ بسيفه، فقاتل حتّى قُتِل، فنزلت.

ولا يخفى أنّه صريح فيما قلناه، وقد اُجيب عنه أيضا بأنّ النهي عن الشيء يستلزم إمكان وقوعه في نفس الأمر، وهم يزعمون أنّ وقوعه ممتنع بالغير؛ لأنّه تعالى حفظهم عنه.

ثمّ إنّه عليه السلام لم يتعرّض للجواب؛ إمّا لظهوره، أو لأنّ الخصم مكابر متعنّت، وعدل في الاستدلال بما هو أوضح منه.

(فقال: أوليس قد أخبر اللّه _ عزّ وجلّ _ عن الذين من قبلهم من الاُمم) كاليهود والنصارى ومن يحذو حذوهما.

(أنّهم قد اختلفوا) في أمر الدِّين.

(من بعدما جاءتهم البيّنات) أي الآيات الواضحات، والمعجزات الباهرات، الدالّة على الحقّ، الفارقة بينه وبين الباطل.

(حيث قال) في سورة البقرة: «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّه ُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ» .

أي قوّيناه، من الأيد، بمعنى القوّة.

«بِرُوحِ الْقُدُسِ» .

قال البيضاوي:

أي الروح المقدّسة، كقولك: حاتم الجود، ورجل صدق أراد به جبرئيل.

وقيل: روح عيسى، ووصفها به؛ لطهارته عن مسّ الشيطان، أو لكرامته على اللّه ، ولذلك أضافها إلى نفسه.أو لأنّه لم تضمّنه الأصلاب والأرحام الطوامث، أو الإنجيل، أو اسم اللّه الأعظم الذي كان يُحيي به الموتى، انتهى(1)

ص: 476


1- تفسير البيضاوي، ج 1، ص 357 مع اختلاف يسير في اللفظ

ويظهر من أخبار الأئمّة الأطهار أنّ الروح ليس من جنس الملائكة، بل هو مخلوقٌ آخر كان مع الأنبياء يحدّثهم ويسدّدهم.

وقيل: خصّص عيسى عليه السلام بالذِّكر؛ لإفراط اليهود والنصارى في تحقيره وتعظيمه، وجعل معجزاته سبب تفضّله؛ لأنّه آيات واضحة، ومعجزات عظيمة، لم يستجمعها غيره(1).

«وَلَوْ شَاءَ اللّه ُ» أن يهدي الناس جميعا جبرا، ويلزمهم الإيمان قهرا، ويمنعهم الضلالة والغواية كرها.

«مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ» أي بعد الرسل.

وقيل: المراد بالاقتتال هنا الاختلاف(2).

«مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ» ؛ لكونهم حينئذٍ مجبورين على الإيمان والثبات عليه، ولا يتمكّنون من الارتداد والاختلاف.

«وَلكِنْ اخْتَلَفُوا» باختيارهم؛ لعدم تعلّق المشيّة الإجباريّة بعدم الاختلاف.

ثمّ أشار سبحانه إلى تفصّل ذلك الآيات بقوله: «فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ» .أي ثبت على الإيمان بتوفيقه تعالى.

«وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ» وارتدّ عن الدِّين بخذلانه.

«وَلَوْ شَاءَ اللّه ُ مَا اقْتَتَلُوا» .

قال البيضاوي: «كرّره للتأكيد»(3).

«وَلَكِنَّ اللّه َ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ» (4)فيوفّق من يشاء فضلاً، ويخذل مَنْ يشاء عدلاً، ولا يفعل ما ذكر من الجبر على الإيمان والثبات عليه، ولكن يفعل ما يريد من إقدارهم عليه وعلى ضدّه تحقيقا لمعنى التكليف.

(وفي هذا ما يستدلّ به).

قال بعض الأفاضل: يمكن الاستدلال بها من وجوه: الأوّل: إنّ ضمير الجمع في قوله تعالى: «مِنْ بَعْدِهِمْ» راجع إلى الرسل، فيدلّ بعمومه

ص: 477


1- تفسير البيضاوي، ج 1، ص 550 مع اختلاف يسير في اللفظ
2- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 377
3- تفسير البيضاوي، ج 1، ص 550
4- .البقرة (2): 253

على أنّ جميع الرسل يقع الاختلاف بعدهم، فيكون في اُممهم كافر ومؤمن، ونبيّنا صلى الله عليه و آله من جملة الرسل، فيلزم صدور ذلك من اُمّته أيضا.

والثاني: أنّ الآية تدلّ على وقوع الاختلاف والارتداد بعد عيسى وكثير من الأنبياء في اُممهم، وقد قال تعالى: «وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّه ِ تَبْدِيلاً» (1). ، وقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «يكون في اُمّتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل»، (2)فيلزم صدور ذلك من هذه الاُمّة أيضا.

والثالث: أن يكون الغرض رفع الاستبعاد الذي بنى القائل كلامه عليه، بأنّه إذا جاز وقوع ذلك بعد كثير من الأنبياء، فلِمَ لم يجز وقوعه بعد نبيّنا صلى الله عليه و آله ، فيكون سندا لمنع المقدّمة التي أوردها بقوله: «وما كان اللّه ليفتن».

والثاني أظهر الوجوه، كما لا يخفى.

متن الحديث الثامن والتسعين والثلاثمائة

اشارة

عَنْهُ (3)، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ ، قَالَ :

دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، فَرَأَيْتُ مَوْلًى لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَمِلْتُ إِلَيْهِ لِأَسْأَلَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَإِذَا أَنَا بِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام سَاجِدٌ (4)، فَانْتَظَرْتُهُ طَوِيلًا ، فَطَالَ سُجُودُهُ عَلَيَّ ، فَقُمْتُ وَصَلَّيْتُ رَكَعَاتٍ (5).وَانْصَرَفْتُ وَهُوَ بَعْدُ سَاجِدٌ ، فَسَأَلْتُ مَوْلَاهُ : مَتى سَجَدَ؟ فَقَالَ : مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا .

فَلَمَّا سَمِعَ كَلَامِي رَفَعَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ قَالَ : «أَبُو مُحَمَّدٍ (6)، ادْنُ مِنِّي» فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَسَمِعَ صَوْتا خَلْفَهُ ، فَقَالَ : «مَا هذِهِ الْأَصْوَاتُ الْمُرْتَفِعَةُ؟» فَقُلْتُ : هؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنَ الْمُرْجِئَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ ، فَقَالَ : «إِنَّ الْقَوْمَ يُرِيدُونِّي ، فَقُمْ بِنَا» فَقُمْتُ مَعَهُ ، فَلَمَّا أَنْ رَأَوْهُ نَهَضُوا نَحْوَهُ ، فَقَالَ لَهُمْ : «كُفُّوا أَنْفُسَكُمْ عَنِّي ، وَلَا تُؤْذُونِي وَتَعْرِضُونِي (7)لِلسُّلْطَانِ ؛ فَإِنِّي لَسْتُ بِمُفْتٍ لَكُمْ» ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي وَتَرَكَهُمْ وَمَضى .

ص: 478


1- .الأحزاب (33): 26
2- كفاية الأثر، ص 15؛ مناقب آل أبي طالب، ج 1، ص 258 و فيهما: «كائن» بدل «يكون»
3- . الضمير راجع إلى ابن محبوب المذكور في السند السابق
4- . في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي «ساجدا»
5- . في بعض نسخ الكافي: «ركعتين»
6- . في كلتا الطبعتين: «أبا محمّد»
7- . في بعض نسخ الكافي ومرآة العقول: «و لا تعرضوني»

فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ لِي : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، وَاللّهِ لَوْ أَنَّ إِبْلِيسَ سَجَدَ لِلّهِ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ بَعْدَ الْمَعْصِيَةِ وَالتَّكَبُّرِ عُمُرَ الدُّنْيَا ، مَا نَفَعَهُ ذلِكَ وَلَا قَبِلَهُ اللّهُ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ مَا لَمْ يَسْجُدْ لآِدَمَ كَمَا أَمَرَهُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يَسْجُدَ لَهُ ، وَكَذلِكَ هذِهِ الْأُمَّةُ الْعَاصِيَةُ الْمَفْتُونَةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا صلى الله عليه و آله ، وَبَعْدَ تَرْكِهِمُ الْاءِمَامَ الَّذِي نَصَبَهُ نَبِيُّهُمْ صلى الله عليه و آله لَهُمْ ، فَلَنْ يَقْبَلَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لَهُمْ عَمَلًا وَلَنْ يَرْفَعَ لَهُمْ حَسَنَةً حَتّى يَأْتُوا اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ ، وَيَتَوَلَّوُا الْاءِمَامَ الَّذِي أُمِرُوا بِوَلَايَتِهِ ، وَيَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الَّذِي فَتَحَهُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَرَسُولُهُ لَهُمْ .

يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، إِنَّ اللّهَ افْتَرَضَ عَلى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله خَمْسَ فَرَائِضَ : الصَّلَاةَ ، وَالزَّكَاةَ ، وَالصِّيَامَ ، وَالْحَجَّ ، وَوَلَايَتَنَا؛ فَرَخَّصَ لَهُمْ فِي أَشْيَاءَ مِنَ الْفَرَائِضِ الْأَرْبَعَةِ ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي تَرْكِ وَلَايَتِنَا ، لَا وَاللّهِ مَا فِيهَا رُخْصَةٌ» .

شرح الحديث

السند صحيح على الظاهر.

قوله: (عنه).

الضمير لابن محبوب.

قوله: (ثمّ قال أبو محمّد) أي أنت أبو محمّد.وفي بعض النسخ: «أبا محمّد» بتقدير حرف النداء.

(ولا تؤذوني وتعرضوني للسلطان).

يُقال: عرضه له _ كضرب وسمع _ أي أظهره له.وعرضت الشيء للشيء تعريضا، أي جعلته عرضا له؛ يعني لا تجعلوني عرضة لإيذاء السلطان وإضراره باجتماعكم عليَّ وسؤالكم عنّي.

وفي بعض النسخ: «للشيطان» والمآل واحد.

(فإنّي لستُ بمفت لكم) من الإفتاء، وهذا القول منه عليه السلام للتقيّة.

(لو أنّ إبليس سجد للّه _ عزّ وجلّ _ بعد المعصية) أي بعد امتناعه من السجود لآدم عليه السلام .

(والتكبّر) له (عمر الدُّنيا) منصوب على الظرف، أي سجد للّه بقاء مدّة الدُّنيا.

قال الفيروزآبادي: «العمر _ بالفتح، وبالضمّ، وبضمّتين _ : الحياة»(1).

ص: 479


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 95 (عمر)

(يا أبا محمّد، إنّ اللّه افترض)؛ يعني أوجب بعد الإقرار بالتوحيد والرسالة، كما يشعر به قوله على اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله ؛ لأنّه لا يعدّ أحدٌ من اُمّته عليه السلام إلّا بعد الإقرار بهما.

(فرخّص لهم في أشياء من الفرائض الأربعة).

يُقال: رخّص له في كذا ترخيصا؛ أي لم يستقص؛ يعني جوّز لهم تركها رأسا وتخفيفا عند عروض عذر أو مانع، كقصر الصلاة في السفر وتركها للحائض والنفساء والفاقد الطهورين على قول، وترك كثير من أركانها عند الضرورة، والخوف والقتال، وكترك الصيام في السفر والمرض والكبر وغيرها، وكترك الحجّ والزكاة مع عدم تحقّق الاستطاعة والنصاب.(ولم يرخّص لأحدٍ من المسلمين في ترك ولايتنا) في حال من الأحوال.

ثمّ أكّد ذلك بقوله: (لا واللّه ما فيها).أي في ترك الولاية.

(رخصة).

في القاموس: «الرخصة _ بالضمّ، وبضمّتين _ : ترخيص اللّه العبد فيما يخفّفه عليه، والتسهيل»(1).

وقال بعض الشارحين:

يمكن أن يكون الترخيص هنا كناية عن عدم العقوبة بتركها بالعفو أو الشفاعة أو نحوهما، بخلاف الولاية؛ فإنّ تاركها معاقب أبدا.قال: ويقرب منه قول من قال: الرخصة عبارة عن عدم الحكم بكفر تاركها، وعدم الرخصة عبارة عن الحكم بكفره(2).

متن الحديث التاسع والتسعين والثلاثمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسى ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْجُرْجَانِيِّ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ جَعَلَ لِمَنْ جَعَلَ لَهُ سُلْطَانا أَجَلًا وَمُدَّةً مِنْ لَيَالٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينَ وَشُهُورٍ ، فَإِنْ عَدَلُوا فِي النَّاسِ أَمَرَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ صَاحِبَ الْفَلَكِ أَنْ يُبْطِئَ بِإِدَارَتِهِ ، فَطَالَتْ أَيَّامُهُمْ وَلَيَالِيهِمْ وَسِنِينُهُمْ وَشُهُورُهُمْ ، وَإِنْ جَارُوا فِي النَّاسِ وَلَمْ يَعْدِلُوا أَمَرَ اللّهُ _ تَبَارَكَ

ص: 480


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 305 (رخص)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 382 مع اختلاف في اللفظ

وَتَعَالى _ صَاحِبَ الْفَلَكِ ، فَأَسْرَعَ (1)بِإِدَارَتِهِ (2)، فَقَصُرَتْ لَيَالِيهِمْ وَأَيَّامُهُمْ وَسِنِينُهُمْ وَشُهُورُهُمْ ، وَقَدْ وَفى لَهُمْ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِعَدَدِ اللَّيَالِي وَالشُّهُورِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

وقد مرَّ مثل هذا الحديث مع شرحه في [الحديث] 157 في ذيل «حديث الناس يوم القيامة».

قوله: (فإن عدلوا في الناس).

قيل: المراد بالعدالة هنا عدالة السلطان العادل، وهو المعصوم؛ إذ غيره لا يكون عادلاً حقيقيّا، ولأنّ المطلق ينصرف إليه، ولما ذكره المحقّق الطوسي من أنّ العدالة استقامة القوّة العقليّة والشهويّة والغضبيّة وجميع القوى البدنيّة، واستقرارها في الوسط، وعدم انحرافها إلى طرف الإفراط والتفريط أصلاً.والعدالة بهذا المعنى لا يتحقّق إلّا في المعصوم.وأمّا العدالة المشهورة بين الناس، فهي أمرٌ إضافيّ لا تخلو من جورٍ ما قطعا(3).

(أمر اللّه _ عزّ وجلّ _ صاحب الفلك).

لعلّ المراد بصاحب الفلك الموكّل به، وقال بعض الأفاضل: هذا من قبيل الاستعارة والكناية، والمراد أنّ العادل ينتفع بإمامته [وسلطنته، ويصلح أمر دنياه و آخرته فيها، وأنّ الجائر لا ينتفع بإمامته وسكره] (4)فإنّما قصرت.قال: وإنّما [لم] نحمله على الحقيقة، لا لما ذكره الطبيعيّون من عدم اختلاف في دور الفلك، بل لأنّا نعلم أنّه قد يكون في قطر من الأرض ذو سلطان عادل وفي قطر آخر ذو سلطان جائر، انتهى(5).

متن الحديث الأربعمائة

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ، عَنِ الْعَرْزَمِيِّ ، قَالَ :

ص: 481


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فأسرع»
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «في إدارته»
3- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 382 مع اختلاف في اللفظ
4- . أثبتناه من المصدر
5- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 382 عن البعض

كُنْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام جَالِسا فِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ وَرَجُلٌ يُخَاصِمُ رَجُلًا ، وَأَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ : وَاللّهِ مَا تَدْرِي مِنْ أَيْنَ تَهُبُّ الرِّيحُ ، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ ، قَالَ (1)أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «فَهَلْ تَدْرِي أَنْتَ؟» قَالَ : لَا ، وَلكِنِّي أَسْمَعُ النَّاسَ يَقُولُونَ .

فَقُلْتُ أَنَا لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مِنْ أَيْنَ تَهُبُّ الرِّيحُ؟

فَقَالَ : «إِنَّ الرِّيحَ مَسْجُونَةٌ تَحْتَ هذَا الرُّكْنِ الشَّامِيِّ ، فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا شَيْئا ، أَخْرَجَهُ إِمَّا جُنُوبٌ فَجَنُوبٌ، وَإِمَّا شِمَالٌ فَشَمَالٌ ، وَ صَبًا فَصَبًا ، وَدَبُورٌ فَدَبُورٌ».

ثُمَّ قَالَ : «مِنْ آيَةِ ذلِكَ أَنَّكَ لَا تَزَالُ تَرى هذَا الرُّكْنَ مُتَحَرِّكا أَبَدا فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» .

شرح الحديث

السند مقطوع، والعرزمي بتقديم المهملة على المعجمة اسمه عبد الرحمن بن محمّد، ثقة.

قال الفيروزآبادي: «العرزم: الشديد المجتمع، وعَلَم، ومنه جبّانة عرزم بالكوفة»(2).

قوله: (ولكنّي أسمع الناس يقولون) أي يقولون: إنّ مهبّ الريح كذا وكذا.

(إنّ الريح مسجونة تحت هذا الركن الشامي).

لعلّه كناية عن قيام الملائكة الذين بهم تهبّ تلك الرياح فوقه عند إرادة ذلك، كما مرّ.

(إمّا جنوب فجنوب).

التقدير: إن كان الجنوب هو المأمور بالخروج فالخارج جنوب، والتركيب من قبيل «إن خير فخير»، لكن عوّض هنا كلمة «ما» عن كلمة «كان» مثل: «أما أنت مطلقا انطلقت»، قال ابن مالك:

وبعد أن تعويض ما عنها ارتكب***كمثل أما أنت برّا فاقترب (3).

وعليه فقس البواقي.

(ثمّ قال: من آية ذلك) أي علامة كون الريح مسجونة تحت هذا الركن.

ص: 482


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: + «له»
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 149 (عرزم)
3- . شرح ابن عقيل، ج 1، ص 297

(أنّك لا تزال ترى هذا الركن متحرِّكا).

إن كان «ترى» من الرؤية بمعنى العلم _ كما هو الظاهر؛ لتعديته هنا إلى المفعولين _ فالمراد: أنّك تعلم ذلك يا جبّار الصادقين.

وإن كان بمعنى الإبصار؛ على أن يكون هذا الركن مفعوله و«متحرّكا» حالاً عنه، فلعلّ المراد حركة الثوب المعلّق عليه.

متن الحديث الواحد والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ؛ وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ (1)جَمِيعا ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَيْسَ خَلْقٌ أَكْثَرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، إِنَّهُ لَيَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنَ السَّمَاءِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ، فَيَطَّوَّفُونَ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ لَيْلَتَهُمْ ، وَكَذلِكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ» .

شرح الحديث

السند صحيح على تقدير توثيق داود، وإلّا فضعيف.

وفي بعض النسخ: «وعليّ بن إبراهيم عن أبيه»، وهو الظاهر؛ لأنّ رواية عليّ بن إبراهيم عن ابن محبوب غير معروف، فالسند حسن، أو ضعيف.

قوله: (إنّه لينزل كلّ ليلة) إلى قوله عليه السلام : (وكذلك كلّ يوم).

المتبادر أنّ نزولهم كذلك من حين خلق الكعبة إلى آخر الدهر، وعدم تكرّرهم في شيء من الأيّام والليالي، كما يظهر من أخبار اُخر.

متن الحديث الثاني والأربعمائة

اشارة

حَدَّثَنَا ابْنُ مَحْبُوبٍ (2)، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ طَلْحَةَ رَفَعَهُ ، قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : «الْمَلَائِكَةُ عَلى ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ : جُزْءٌ لَهُ جَنَاحَانِ ، وَجُزْءٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَجْنِحَةٍ ، وَجُزْءٌ لَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ» .

ص: 483


1- . في بعض نسخ الكافي: - «عن أبيه»
2- . السند معلّق على سابقه

شرح الحديث

السند مرفوع، والقائل ب «حدّثنا» سهل بن زياد وعليّ بن إبراهيم.

قوله: (الملائكة على ثلاثة أجزاء).

في القاموس: «الجزء: البعض، ويفتح.الجمع: أجزاء» (1)، والمراد هنا بالأجزاء الأصناف.

(جزءٌ له جناحان).

يدلّ على تجسّم الملائكة، كما يفهم من ظواهر الآيات المتكثّرة والأخبار المتواترة، وهو إشارة إلى قوله تعالى: «أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ» (2).

قال البيضاوي:

أي ذوي أجنحة متعدّدة متفاوتة بتفاوت ما لهم من المراتب ينزلون بها ويعرجون، أو يسرعون بها نحو ما وكّلهم اللّه عليه فيتصرّفون على ما أمرهم به، ولعلّه لم يرد [به] خصوصيّة الأعداد، ونفي ما زاد عليها؛ لما روي: أنّه عليه السلام رأى جبرئيل عليه السلام ليلة المعراج وله ستّمائة جناح (3)، انتهى(4).

أقول: يمكن حمل هذا الخبر أيضا على عدم إرادة خصوصيّة ما ذكر من الأعداد، بأن يُراد في النصف الثالث ما له أربعة أجنحة فما زاد.

متن الحديث الثالث والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهَرا يَغْتَمِسُ فِيهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام كُلَّ غَدَاةٍ ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ فَيَنْتَفِضُ ، فَيَخْلُقُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِنْ كُلِّ قَطْرَةٍ تَقَطَّرُ (5)مِنْهُ مَلَكا» .

ص: 484


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 10 (جزء)
2- فاطر (35): 1
3- . التوحيد، ص 116، ح 18؛ الطرائف، ص 13؛ مسند أحمد بن حنبل، ج 1، ص 395؛ صحيح البخاري، ج 6، ص 51
4- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 409
5- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني: «يقطر»

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (فينتفض).

في بعض النسخ: «فينتقض».قال الجوهري: «نفض الثوب والشجر ونفّضه: حرّكه لينتفض»(1).

(فيخلق اللّه من كلّ قطرة تقطّر).

يحتمل كونه من المجرّد والمزيد.يُقال: قطر الماء والدمع _ كنصر _ قطرا وقطورا وقَطَرانا _ محرّكة _ وتقطّر.

(منه) أي من جبرئيل.

(ملكا).

قيل: الظاهر أنّ هذا من خواصّ جبرئيل، وأنّه تعالى يخلق بعض الملائكة من شيء، وبعضها لا من شيء(2).

أقول: في ظهور الأوّل خفاء، كيف وقد روى الصدوق رحمه الله في ثواب وضوء أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «مَن توضّأ مثل وضوئي وقال مثل قولي، خلق اللّه _ عزّ وجلّ _ من كلّ قطرة ملكا يقدّسه ويسبّحه ويكبّره، ويكتب اللّه [تعالى له] ثواب ذلك [إلى يوم] القيامة» (3)، ولعلّ هذا القائل أراد بالاختصاص من الاغتماس في ذلك النهر كلّ غداة مع ما يتبعه.

متن الحديث الرابع والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ (4)، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ زِيَادٍ الْقَنْدِيِّ ، عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ ، عَنْ رَجُلٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مَلَكا مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ : خَفَقَانِ الطَّيْرِ» .

ص: 485


1- الصحاح، ج 3، ص 1109 (نقض) مع اختلاف في اللفظ
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 384
3- ثواب الأعمال، ص 16
4- . الظاهر رجوع ضمير «عنه» إلى أحمد بن محمّد المذكور في السند السابق

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (عنه).

الضمير لأحمد بن محمّد.

وقوله عليه السلام : (إنّ للّه _ عزّ وجلّ _ ملكا) يدلّ أيضا على تجسّم الملائكة.

قال الفيروزآبادي: «خفقت الراية تخفُقُ خَفْقا وخَفَقانا _ محرّكة _ : اضطربت، وتحرّكت.وخفق الطائر: طار»(1).

متن الحديث الخامس والأربعمائة

اشارة

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ دِيكا رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ ، وَعُنُقُهُ مُثْبَتَةٌ (2)تَحْتَ الْعَرْشِ، وَجَنَاحَاهُ فِي الْهَوى ، إِذَا كَانَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ أَوِ الثُّلُثِ (3).الثَّانِي مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ، ضَرَبَ بِجَنَاحَيْهِ وَصَاحَ (4): سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ، رَبُّنَا اللّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ ، فَلَا إِلهَ غَيْرُهُ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ ، فَتَضْرِبُ الدِّيَكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا وَتَصِيحُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (إنّ للّه _ عزّ وجلّ _ ديكا).

يظهر من بعض الأخبار أنّه ملك بصورة الديك ولعلّه من حَمَلَة العرش.قال الفيروزآبادي: الديك بالكسر معروف الجمع ديوك وأدياك وديكة كقردة.

(إذا كان [في] نصف الليل أو الثلث الثاني).

في بعض النسخ: «الباقي»، ولعلّ الترديد على سبيل منع الخلوة، ويحتمل بعيدا كونه من الراوي.

ص: 486


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 228 (خفق) مع التلخيص
2- . في بعض نسخ الكافي: «مثنّية»
3- . في بعض نسخ الكافي: «أو في الثلث»
4- . في بعض نسخ الكافي: + «وقال»

(ضرب بجناحيه).

وفي أكثر النسخ: «بجناحه».وضرب الجناح كناية عن التحريك، أو ضرب أحدهما على الاُخرى.

(وصاح: سبّوحٌ قدّوس).

قال في النهاية: «يرويان بالضمّ والفتح، والفتح أقيس، والضمّ أكثر استعمالاً، وهو من أبنية المبالغة، والمراد بهما التنزيه»(1).

قال صاحب العدّة:

السبّوح هو المنزّه عن كلّ ما لا ينبغي أن يوصف به، وهو حرف مبني على فعول، وليس في كلام العرب بضم الفاء إلّا سبّوح وقدّوس، ومعناهما واحد(2).

وقال:

القدوس: فعول من القدس، وهو الطهارة.والقدّوس: الطاهر من العيوب المنزّه عن الأنداد والأولاد.وقد قيل: القدّوس [اسم] من أسماء اللّه _ عزّ وجلّ _ في الكتب(3).

وقال الجوهري:

سبّوح: من صفات اللّه تعالى.قال ثعلب: كلّ اسم على فعول فهو مفتوح الأوّل إلّا السبّوح والقدّوس؛ فإنّ الضمّ فيهما أكثر، وكذلك الذروح.وقال سيبويه: ليس في الكلام فعول بواحدة(4).

(ربّنا اللّه ).

قيل: قدّم الخبر للحصر (5)، وفيه نظر.

(الملك الحقّ المبين).

قال صاحب العدّة: «الملك: التامّ الملك الجامع لأصناف المملوكات»(6).

وقال: «الحقّ: [هو] المتحقّق كونه ووجوده، وكلّ شيء يصحّ وجوده وكونه حقّ، كما يُقال: الجنّة حقّ كائنة، والنار حقّ كائنة»(7).

ص: 487


1- النهاية، ج 2، ص 332 (سبح)
2- عدّة الداعي، ص 305، الرقم 43
3- عدّة الداعي، ص 307، الرقم 59 مع التلخيص
4- الصحاح، ج 1، ص 372 (سبح)
5- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 385
6- عدّة الداعي، ص 307، الرقم 58
7- عدّة الداعي، ص 302، الرقم 24

وقال: «المبين: الظاهر البين بآثار قدرته وآياته، المظهر حكمته بما أبان من تدبيره وأوضح من بيانه»(1).

وقال بعض الأفاضل: «المبين: مُظهر الأشياء بخلقها، والمعارف بإفاضتها»(2).

(فلا إله غيره).

قيل: هو متفرّع على الحصر المذكور، أو على سبّوح وقدّوس؛ لأنّ تنزّهه عن جميع المعايب والنقايص يقتضي تفرّده بالإلهيّة وتنزّهه عن نقص الشركة، (3)فتأمّل.

(فتضرب الديكة بأجنحتها وتصيح).

الديكة _ كعنبة _ جمع الديك كما مرّ، أي سائر الديوك.

قيل: دلّ هذا الخبر على جواز الاعتماد بهذه الصيحة على معرفة انتصاف الليل، وقد روى مثل ذلك في معرفة الزوال، والحقّ جوازه عند عدم إمكان المعرفة بأدلّة أقوى منها خصوصا مع تجربة صدقها (4)، انتهى.

متن الحديث السادس والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحَجَّالِ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ ، قَالَ :

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «مَا يَقُولُ مَنْ قِبَلَكُمْ فِي الْحِجَامَةِ؟».

قُلْتُ : يَزْعُمُونَ أَنَّهَا عَلَى الرِّيقِ أَفْضَلُ مِنْهَا عَلَى الطَّعَامِ .

قَالَ : «لَا ، هِيَ عَلَى الطَّعَامِ أَدَرُّ لِلْعُرُوقِ ، وَأَقْوى لِلْبَدَنِ» .

شرح الحديث

السند موثّق على المشهور.

قوله: (لا، هي على الطعام) أي بعد أكل شيء من الطعام.

ص: 488


1- عدّة الداعي، ص 310، الرقم 70
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 278
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 386
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 386

(أدرّ للعروق).

«أدرّ» على صيغة أفعل التفضيل، أي أشدّ إدرارا.يُقال: أدرّت الريح السِّحاب، أي استحلبته.والدرّة _ بالكسر _ : سيلان اللبن وكثرته.ودرّ العرق: سال.وكذا السماء بالمطر.

ووجه كونه أدرّ أنّه بعد الطعام تمتلي العروق وتتقوّى، ويخرج منها أكثر ممّا إذا كان على الريق.

وقيل: لأنّ جاذبة كلّ عضو لجذبها الغذاء إليه تميل الدم إلى ظاهر البدن، فإذا ضمّ إليه جذب الحجّام يخرج الدم بسهولة، ولعلّ حكم الفصد حكم الحجامة في ذلك(1).

(وأقوى للبدن)؛ لتحفظه من الفتور حينئذٍ.

متن الحديث السابع والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْحَجَّاجِ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «اقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ ، وَاحْتَجِمْ أَيَّ يَوْمٍ شِئْتَ ، وَتَصَدَّقْ ، وَاخْرُجْ أَيَّ يَوْمٍ شِئْتَ» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله: (عنه) أي محمّد بن أحمد بن محمّد بن عيسى.

وقوله: (قال: إقرأ آية الكرسي).

فيه دلالة على أنّه تدفع نحوسة الأيّام الواقعيّة والوهميّة للحجامة بآية الكرسي، وللسفر بالصدقة.

متن الحديث الثامن والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ الْأَحْوَلَ يَقُولُ :سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «لَيْسَ مِنْ دَوَاءٍ إِلَا وَهُوَ يُهَيِّجُ دَاءً ، وَلَيْسَ شَيْءٌ فِي الْبَدَنِ أَنْفَعَ مِنْ

ص: 489


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 386

إِمْسَاكِ الْيَدِ إِلَا عَمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (ليس من دواء إلّا وهو يهيّج داء).

الدواء _ مثلّثة وبالمدّ _ : ما داويت وعالجت به، والداء: المرض.

والتهييج: الإثارة.ونِعْمَ ما قيل: الدواء كالحاكم الجائر، يدفع جور الغير عن الرعيّة، ويجور هو عليهم.

(وليس شيء في البدن أنفع) خبر «ليس»، والجار متعلّق به.

(من إمساك اليد إلّا عمّا يحتاج إليه) من المأكل والمشرب والحركات والسكنات والمعالجات والنوم واليقظة ونحوها ممّا ينتفع الإنسان بحسب مزاجه بقدر منه، ويتضرّر بالإفراط والتفريط.

متن الحديث التاسع والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ :رَفَعَهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «الْحُمّى تَخْرُجُ فِي ثَلَاثٍ : فِي الْعَرَقِ (1)، وَالْبَطْنِ ، وَالْقَيْءِ» .

شرح الحديث

السند مرفوع.وقيل ضعيف(2). قوله: (الحمّى تخرج) بصيغة اسم المفعول (3)من الخروج، أو المجهول من الإخراج.

(في ثلاث) أي تدفع في ضمن ثلاث معالجات.ويحتمل كون «في» للسببيّة.(في العرق) بالتحريك، وهو رشح جلد الحيوان، ونفعه للمحموم مجرّب.

وقيل: يحتمل أن يكون «العرق» هنا بالكسر، بأن يكون المراد به الفصد والأعمّ منه ومن الحجامة(4).

ص: 490


1- . في بعض نسخ الكافي: «العروق»
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 279
3- في حاشية الأصل: «المعلوم»
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 279 مع اختلاف يسير في اللفظ

(والبطْن) بالتسكين، وهو في الأصل خلاف الظهر، ومصدر بطنته: إذا ضربت بطنه، واُريد هنا شرب المسهل والاحتقان.

(والقيء) بهمز اللّام، مصدر قاء يقيء قيئا.

متن الحديث العاشر والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ ، عَنْ سَيْفٍ التَّمَّارِ ، عَنْ أَبِي الْمُرْهِفِ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «الْغَبَرَةُ عَلى مَنْ أَثَارَهَا، هَلَكَ الْمَحَاضِيرُ (1).».

قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَمَا الْمَحَاضِيرُ (2)؟

قَالَ : «الْمُسْتَعْجِلُونَ؛ أَمَا إِنَّهُمْ لَنْ يُرِيدُوا إِلَا مَنْ يَعْرِضُ لَهُمْ».

ثُمَّ قَالَ : «يَا أَبَا الْمُرْهِفِ ، أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوكُمْ بِمُجْحِفَةٍ إِلَا عَرَضَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَهُمْ بِشَاغِلٍ».

ثُمَّ نَكَتَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ قَالَ : «يَا أَبَا الْمُرْهِفِ» قُلْتُ : لَبَّيْكَ ، قَالَ : «أَ تَرى قَوْما حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى اللّهِ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ لَا يَجْعَلُ اللّهُ لَهُمْ فَرَجا ، بَلى وَاللّهِ لَيَجْعَلَنَّ (3)اللّهُ لَهُمْ فَرَجا» .

شرح الحديث

السند مجهول، وحكم بعض الأفاضل (4)بضعفه؛ إذ محمّد بن علي هو أبو سمينة، فيلتأمّل.

قوله: (الغبرة على من أثارها).

الغبرة _ بالتحريك _ : الغبار، كالغُبرة بالضمّ.والغبرة أيضا: لونه، أي يعود ضرر الغبار على مَن أثاره.

وقيل: هذا مثلٌ لمَن تعرّض أمرا يوجب ضرره(5).

وقيل: تشبيه وتمثيل لبيان أنّ مثير الفتنة يعود ضررها إليه أكثر من غيره(6).

ص: 491


1- . في أكثر نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: «المحاصير» بالضاء المهملة
2- . في أكثر نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: «المحاصير» بالضاء المهملة
3- . في بعض نسخ الكافي: «ليجعل»
4- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 280
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 387
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 280

ويفهم من السياق أنّ المقصود من هذا الكلام زجر الشيعة عن التعرّض للمخالفين في زمن استيلائهم وشوكتهم.

وقوله عليه السلام : (هلك المحاضير) تحذير من العجلة، وترغيب في الصبر على الأذى والتقيّة، وكأنّه جمع المحضير أو المِحضار، وهو الفرس الذي يرتفع في عَدْوه ويسرع فيه، واُريد منها (المستعجلون) في ظهور دولة الحقّ قبل أوانها، كالزيديّة وأضرابهم.

وفي بعض النسخ: «المحاصير» بالمهملتين.وقيل: هي جمع محصور، كالميامين، وهو صاحب الصدر الضيّق الذي لا يصبر على شيء(1).

(أما أنّهم لن يريدوا إلّا من يعرض لهم).

يُقال: عرض له كذا _ كضرب _ أي ظهر عليه، وبدا، كعرض وعلم، والشى له: أظهره له؛ يعني أنّ أهل الخلاف وخلفائهم لا يتعرّضون للقتل والأذى إلّا لمن عرض لهم وتصدّى لمحاربتهم، أو ذمّهم على باطلهم، أو للطعن والسبّ لأئمّتهم، أو ترك التقيّة التي أمر اللّه _ عزّ وجلّ _ بها.

وفي كثير من النسخ: «لن يريدوا الأمر يعرض لهم» وكأنّه تصحيف، ويحتمل أن يقرأ حينئذ: «الامرء» بالهمزة.

(أما أنّهم لم يريدوكم بمجحفة) بتقديم الجيم على الحاء المهملة.

قال الفيروزآبادي: «المجحفة: الداهية.واجتحفه استلبه»(2).

(إلّا عرض اللّه لهم بشاغل).

الباء للتعدية، أي أظهر اللّه وأبدا لهم شاغلاً ومانعا من نقيل مرادهم، فلولا فضله ورحمته ووقايته لن ينجو من دواهيهم وشرورهم أحد من الشيعة.

(قال: أترى قوما حبسوا أنفسهم على اللّه ) أي ألزموا على أنفسهم طاعة أمر اللّه ، وملازمة دينه، ومجانبة معاصيه، طلبا لما عنده من جزيل المثوبات.

(لا يجعل اللّه لهم فرجا) ممّا هم فيه من الضيق والضنك وشرّ الأعداء والأسقام للتقرير.

ص: 492


1- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 388
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 122 (جحف)

ثمّ أكّد ذلك بقوله: (بلى [واللّه ] ليجعلن اللّه لهم فرجا)، وهذا إشارة إلى قوله تعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللّه َ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا» (1).

متن الحديث الحادي عشر والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ ، عَنِ الْفَضْلِ الْكَاتِبِ ، قَالَ :

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَأَتَاهُ كِتَابُ أَبِي مُسْلِمٍ ، فَقَالَ : «لَيْسَ لِكِتَابِكَ جَوَابٌ ، اخْرُجْ عَنَّا».

فَجَعَلْنَا يُسَارُّ بَعْضُنَا بَعْضا ، فَقَالَ : «أَيَّ شَيْءٍ تُسَارُّونَ يَا فَضْلُ ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ لَا يَعْجَلُ لِعَجَلَةِ الْعِبَادِ ، وَلَاءِزَالَةُ جَبَلٍ عَنْ مَوْضِعِهِ أَيْسَرُ مِنْ زَوَالِ مُلْكٍ لَمْ يَنْقَضِ أَجَلُهُ» ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ» حَتّى بَلَغَ السَّابِعَ مِنْ وُلْدِ فُلَانٍ .

قُلْتُ : فَمَا الْعَلَامَةُ (2)فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟

قَالَ : «لَا تَبْرَحِ الْأَرْضَ يَا فَضْلُ حَتّى يَخْرُجَ السُّفْيَانِيُّ ، فَإِذَا خَرَجَ السُّفْيَانِيُّ فَأَجِيبُوا إِلَيْنَا _ يَقُولُهَا ثَلَاثا _ وَهُوَ مِنَ الْمَحْتُومِ» .

شرح الحديث

السند موثّق.

قوله: (فأتاه كتاب أبي مسلم).

هو المروزي.وقيل: كان اسمه إبراهيم، وكنيته أبو إسحاق، ثمّ غيّرهما بأمر إبراهيم الملقّب بالإمام، وتسمّى بعبد الرحمن، وتكنّى بأبي مسلم.واختلف في اسم أبيه، فقيل: اسمه مسلم.وقيل: عثمان.وقال بعض أهل السِّير: إنّ أبا مسلم كان من آل حمزة بن عمارة، وينتهي نسبه إلى كودرز بن كشواد، ورفع بعضهم نسبه إلى الحكيم أبو زرجمهر.وقيل: إنّه كان لعبداللّه بن عبّاس بن عبد المطّلب جارية، فقاربها مرّة، ثمّ زوّجها من عبد، فولدت سليطا، وكان أبو مسلم من أولاد سليط، وكان ولادته في بلدة إصفهان سنة مائة هجريّة، ولمّا كان ابتداء خروجه على بني اُميّة من بلدة مرو نسب إليها، وقيل له: المروزي(3).

ص: 493


1- الطلاق (65): 2
2- . في أكثر نسخ الكافي: «فالعلامة» بدل «فما العلامة»
3- اُنظر: الأخبار الطوال، ص 337 _ 339؛ تاريخ مدينة دمشق، ج 35، ص 408 _ 428، الرقم 3961

(فقال: ليس لكتابك جواب، اُخرج عنّا).

الخطاب في الموضعين لرسول أبي مسلم.واعلم أنّ أبا مسلم كان واليا في خراسان من قِبل إبراهيم بن عبداللّه بن محمّد بن علي بن عبداللّه بن عبّاس بن عبد المطّلب الملقّب بالإمام، فلمّا أمر مروان الحمار بقتل إبراهيم، وفرّ أخواه السفّاح والدوانيقي إلى الكوفة، وتوجّه أبو مسلم وعساكره إليها، أرسل إلى المدينة رسولاً وكتب ثلاث مكاتيب إحداها إلى جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، واستدعاه قبول أمر الخلافة، واُخرى إلى عبداللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ عليه السلام ، واُخرى إلى عمر بن عليّ بن عليّ بن الحسين عليه السلام .وأمّا الصادق عليه السلام فأحرق كتابه قبل أن يطالعه، وأمّا عبداللّه بن الحسن وعمر بن علي فإنّهما شاروا معه عليه السلام في ذلك، فلم يشر إليهما ولم يرخّص لهما، فلمّا يأس الرسول رجع إلى الكوفة وكان قبل وصوله إليها انعقدت بيعة أهل خراسان واُمراءهم مع السفّاح، وكان من أمرهم ما كان.

(فجعلنا يسارّ بعضنا بعضا).

يُقال: جعل يفعل كذا، أي أقبل وأخذ.والمسارّة: المناجاة.

قيل: الظاهر أنّ مسارّتهم كان اعتراضا عليه عليه السلام بأنّه لِمَ لم يقبل ذلك لحرصهم على ظهور دين الحقّ واستعجالهم فيه(1).

(فقال: أيّ شيء تسارّون).

الظاهر أنّ الاستفهام للتوبيخ والتقريع، كما يدلّ عليه قوله عليه السلام : (يا فضل، إنّ اللّه _ عزَّ ذكره _ لا يعجل لعجلة العباد).

في القاموس: «العجل والعجلة _ محرّكتين _ : السرعة، وفعلهما كعلم» (2)؛ يعني أنّ اللّه تعالى لا يقدّم لاستعجال العباد ما حكم بتأخيره حتما.

(ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك) أي ذهابه واستحالته.

(لم ينقض أجله).

الأجل _ محرّكة _ : مدّة الشيء.

ص: 494


1- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 282
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 12 (عجل) مع التلخيص والتصرّف

وقال بعض الشارحين: الزوال هنا بمعنى الإزالة.تقول: أزلته وزولته وزلته بالكسر، فلا يرد أنّ الصحيح هو الإزالة خصوصا مع رعاية التقابل، (1)انتهى.

أقول: فيه نظر؛ لأنّ الزوال مصدر زُلت _ بالضم _ وهو لازم، وأمّا زِلته _ بالكسر _ بمعنى أزلته، فمصدره الإزالة أو الزيل.قال الفيروزآبادي في الأجوف الواوي:

الزوال: الذهاب، والاستحالة.زال [يزول] ويزال قليلة، عن أبي علي.زوالاً وزوولاً [وزويلاً و زولاً] وزَوَلانا وأزلته وزوّلته [وزلته] بالكسر: أزالة وأزيله، وزلت عن مكاني _ بالضمّ _ زوالاً وزوولاً(2).

فتدبّر.ثمّ أشار عليه السلام إلى تفصيل ما ذكره مجملاً من إبرام سلطان العبّاسيّة قبل سلطان أهل البيت عليهم السلام .

(ثمّ قال: إنّ فلان بن فلان) خبره محذوف، أي يحفظون، أو يملكون، أو نحو ذلك.

(حتّى بلغ السابع من ولد فلان).

لعلّ المقصود أنّه عليه السلام عدَّ سبعة من ولد عبّاس بأسمائهم وأسماء آبائهم حتّى بلغ سابعهم، وبيّن أنّ ملك هؤلاء قبل ملكنا وقيام ائمّتنا، فكيف يمكننا الخروج ولم ينقض ملك هؤلاء بعدُ.

وقيل: إنّما لم يذكر البواقي؛ لأنّ المقصود بيان أنّ هذا الزمان ليس زمان ظهور دولة الحقّ، وذكر هذا القدر كافٍ في بيانه، وربما يتوهّم أنّ الابتداء في العدّ من آخرهم وهو المستعصم إلى الأوّل وهو السفّاح، لكن يندفع بأنّ الأوّل ليس هو السابع من ولد عبّاس، بل هو رابعهم، كما مرَّ مرارا(3).

وقيل: يبعد أن يُراد بقوله: إنّ فلان بن فلان الصاحب عليه السلام ، وبيان نسبه إلى نفسه المقدّسة، وأنّه الذي يُظهر دين الحقّ، ويعود إليه الخلافة، وإن كان هذا أنسب بقوله: (قلت: فما العلامة فيما بيننا وبينك) (4)أي علامة خروجكم وقيام قائمكم وظهور دولتكم.

ص: 495


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 389
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 391 (زول)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 389 مع اختلاف في اللفظ
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 389

(قال: لا تبرح الأرض).

في المصباح (1): «برح الشيء يبرح _ من باب تعب _ براحا: زال من مكانه»(2)والظاهر أنّ «تبرح» بصيغة الغائبة، واحتمال كونه للخطاب بعيد، أي لا تزول الأرض عن هيئتها وحالها بقيام الساعة.

(حتّى يخرج السفياني).

في القاموس: «سفيان _ مثلّثة _ اسم»(3).

وروى الصدوق رحمه الله بإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «إنّ أمر السفياني من الأمر المحتوم، وخروجه في رجب»(4).

وفي حديث آخر: «يخرج ابن آكلة الأكباد، وهو رجلٌ [ربعة وحش الوجه] ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري، إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان، وأبوه عنبسة، وهو من ولد أبي سفيان»(5).

وفي آخر: «إنّك لو رأيت [السفياني] لرأيت أخبث الناس أشقر أحمر أزرق»(6).

وفي حديث آخر: «يملك (7)كور الشام الخمس ودمشق وحمص وفلسطين وقنسرين والأردن، فتوقّعوا عند ذلك الفرج»(8)

(وهو) أي خروج السفياني.

(من المحتوم) أي من القضاء المُبرم الذي لا يجري فيه البداء.

متن الحديث الثاني عشر والأربعمائة

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ، قَالَ :سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ إِبْلِيسَ : أَ كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، أَمْ كَانَ يَلِي شَيْئا مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ؟

ص: 496


1- . في النسخة: «ية» والظاهر أنّ الشارح رحمه الله قد أراد منها كتاب النهاية لابن الأثير، لكن لم نجد المنقول إلّا في كتاب المصباح المنير
2- المصباح المنير، ص 42 (برح)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 343 (سفي)
4- كمال الدين، ص 650، ح 5
5- كمال الدين، ص 651، ح 9
6- كمال الدين، ص 651، ح 10
7- . في المصدر: «إذا ملك»
8- كمال الدين، ص 652، ح 11

فَقَالَ : «لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ يَلِي شَيْئا مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ، وَلَا كَرَامَةَ».

فَأَتَيْتُ الطَّيَّارَ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا سَمِعْتُ ، فَأَنْكَرَهُ (1)وَقَالَ : وَكَيْفَ (2)لَا يَكُونُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَاللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ : «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِادَمَ فَسَجَدُوا إِلّا إِبْلِيسَ» (3)».

فَدَخَلَ عَلَيْهِ الطَّيَّارُ ، فَسَأَلَهُ (4)وَأَنَا عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، رَأَيْتَ (5)قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» (6)فِي غَيْرِ مَكَانٍ مِنْ مُخَاطَبَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، أَيَدْخُلُ فِي هذَا الْمُنَافِقُونَ؟

قَالَ : «نَعَمْ ، يَدْخُلُ فِي هذَا الْمُنَافِقُونَ وَالضُّلَالُ وَكُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِالدَّعْوَةِ الظَّاهِرَةِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن إبليس).

في القاموس: «البلس _ محرّكة _ : من لا خير عنده، أو عنده إبلاس وشرّ.وأبلس: يئس، وتحيّر، ومنه إبليس، أو هو عجمي»(7).

(هل كان (8)من الملائكة، أم كان يلي شيئا من أمر السماء) بأن يكون من المدبّرات فيها كسائر الملائكة، أو يكون ممّن يلي أمر الملائكة، كما قالت العامّة: إنّه كان يلي أمرهم ويعظهم.

(فقال: لم يكن من الملائكة، ولم يكن يلي شيئا من أمر السماء، ولا كرامة).

الكرم _ محرّكة _ : ضدّ اللؤم.كَرُمَ _ بضمّ الراء _ كرامة وكرما؛ يعني: ليس له شرف ولا قدر عند اللّه تعالى أصلاً.

واعلم أنّه اختلف في أنّ إبليس هل كان من جنس الملائكة أم لا، وهذا الخبر وغيره من الأخبار صريح في أنّه ليس من الملائكة، وهو مذهب أكثر الإماميّة (9)وأكثر المتكلِّمين من

ص: 497


1- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فأنكر»
2- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «كيف» بدون الواو
3- . البقرة (2): 34؛ الإسراء (17): 61؛ ومواضع اُخر
4- . في بعض نسخ الكافي: «وسأله»
5- . في بعض نسخ الكافي: «أرأيت»
6- . جاءت هذه العبارة في تسعة وثمانين موضعا من المصحف الشريف
7- القاموس المحيط، ج 2، ص 201 (بلس) مع التلخيص
8- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «أكان»
9- . اُنظر: أوائل المقالات، ص 133؛ مفاتيح الغيب لصدر المتألّهين، ص 192 و 223 _ 228؛ المبدأ والمعاد له، ص 203

العامّة سيما المعتزلة (1)، وذهب طائفة من المتكلِّمين وكثير من فقهاء الجمهور إلى أنّه منهم (2)، واختاره الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه اللهوقال: «هو المروي عن أبي عبداللّه عليه السلام ، والظاهر في تفاسيرنا»(3)ثمّ اختلف من قال إنّه كان من الملائكة؛ فمنهم من قال: إنّه كان خازنا على الجنان، ومنهم من قال: إنّه كان له سلطان سماء الدُّنيا وسلطان الأرض، ومنهم من قال: إنّه يوسوس ما بين السماء والأرض.واحتجّ الأوّلون بوجوه؛ منها: قوله تعالى: «إِلَا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ» (4).

قالوا: ومتى أطلق لفظ الجنّ لم يخبر أن يعني به إلّا الجنس المعروف الذي يقابل بالإنس في الكتاب الكريم.

ومنها: قوله تعالى: «لَا يَعْصُونَ اللّه َ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ» (5)فنفى عن الملائكة المعصية نفيا عامّا، فوجب أن لا يكون منهم.

ومنها: إنّ إبليس له نسل وذرّية، كما قال تعالى: «أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ» والملائكة لا ذرّيّة لهم؛ لأنّه ليس فيهم اُنثى؛ لقوله تعالى: «وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثا» (6)والذرّيّة إنّما تحصل من الذكر والاُنثى.

ومنها: أنّ الملائكة رسل اللّه ؛ لقوله تعالى: «جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً» (7). ورسل اللّه معصومون؛ لقوله تعالى: «اللّه ُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ» ، (8)ولا يجوز على رسل اللّه الكفر والعصيان، ملائكة كانوا أم بشرا.

وذكروا وجوها اُخر تركناها مع ما يرد عليها مخافة الإطناب.

واحتجّ الآخرون بوجهين: الأوّل: إنّ اللّه تعالى استثناه من الملائكة، والاستثناء يفيد إخراج ما لولاه لدخل، وذلك يوجب كونه من الملائكة.

واُجيب: بأنّ الاستثناء هنا منقطع، وهو مشهور في كلام العرب وكثير في كلامه تعالى،

ص: 498


1- . اُنظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 6، ص 435؛ المواقف، ج 3، ص 452؛ فيض القدير، ج 4، ص 425
2- . اُنظر: تفسير الرازي، ج 2، ص 213؛ تفسير البيضاوي، ج 1، ص 294
3- التبيان، ج 1، ص 153
4- الكهف (18): 50
5- التحريم (66): 6
6- .الزخرف (43): 19
7- .فاطر (35): 1
8- .الأنعام (6): 124

وأيضا فلأنّه كان جنّيّا واحدا مغمورا بين الاُلوف من الملائكة غلّبوا عليه في قوله: «فَسَجَدُوا» ثمّ استثني هو منهم استثناءً واحدا منهم، وقد كان مأمورا بالسجود معهم، فلمّا دخل معهم في الأمر جاز إخراجه منهم بالاستثناء.

الثاني: إنّه لو لم يكن من الملائكة لما كان قوله تعالى: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ» (1) متناولاً له، فلا يكون تركه للسجود إباءً واستكبارا ومعصيةً، ولما استحقّ الذمّ والعقاب، فعلم أنّ الخطاب كان متناولاً له ولا يتناوله الخطاب، وأيضا يجوز أن يكون مأمورا بالسجود بأمرٍ آخر ويكون قوله تعالى: «مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ» (2). إشارة إلى ذلك الأمر(3).

(فأتيت الطيّار).

هو محمّد الطيّار.ويحتمل أن يُراد ابنه حمزة.

(فأخبرته بما سمعت، فأنكره).

لعلّه أنكر ثبوت الإخبار عن المعصوم، لا إخباره بعد ثبوته.

(وقال: وكيف لا يكون من الملائكة واللّه _ عزّ وجلّ _ يقول: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَا إِبْلِيسَ» ).

مبنى هذا الاستدلال على أحد من الوجهين السابقين، وقد عرفت جوابهما، وما قيل: من أنّه غفل عن قوله تعالى: «كَانَ مِنْ الْجِنِّ» فعلاً ومن الملائكة نوعا.وأيضا روي عن ابن عبّاس أنّ من الملائكة ضربا يتوالدون يُقال لهم الجنّ ومنهم إبليس.

(فدخل عليه الطيّار) إلى قوله: (رأيت قوله عزّ وجلّ).

كذا في كثير من النسخ، وفي بعضها: «أرأيت»، وهو أظهر.

( «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا» في غير مكان) أي في مواضع عديدة من القرآن.

وقوله: (من مخاطبة المؤمنين) بيان للقول: (أيدخل في هذا المنافقون).

الظاهر أنّ غرضه الاستدلال بأنّه تعالى لمّا أمر الملائكة بالسجود وعصى إبليس بتركه، فيكون من الملائكة؛ لشمول الأمر المتوجّه إلى الملائكة له، فلو لم يكن منهم لم يشمله

ص: 499


1- .البقرة (2) 34
2- .الأعراف (7): 12
3- راجع في الأقوال: مرآة العقول، ج 26، ص 281 _ 284

ذلك الخطاب، كما أنّ الخطاب بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» لا يشمل المنافقين.

هذا، وإنّما سأله هكذا ولم يصرّح بمطلوبه؛ لأنّه يحصل بذلك المطلوب مع زوال الشبهة، فأجاب عليه السلام : (قال: نعم يدخل في هذا).

وحاصل الجواب: أنّ كلّ من اختلط بجماعة، ولم يتميّز منهم عرفا، فالخطاب المتوجّه إليهم يشمله، فالخطاب بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» يشمل المنافقين وغيرهم ممّن أقرّ بالدعوة الظاهرة وإن لم يكن مؤمنا حقيقةً، وخطاب الملائكة يشمل إبليس؛ لأنّه كان مختلطا بهم ظاهرا.

وقيل: الفرق بين المؤمن والمنافق والضالّ أنّ المقرّ بالدعوة إلى الولاية مثلاً إن أقرَّ بها ظاهرا لا باطنا فهو منافق، وإن أقرَّ باطنا أيضا فإن بقى عليه بعد النبيّ صلى الله عليه و آله فهو مؤمن، وإلّا فهو ضالّ؛ لأنّه [خرج] عن الطريق(1).

متن الحديث الثالث عشر والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ (2)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ، عَنْ مُرَازِمٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «أَنَّ رَجُلًا أَتى رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، إِنِّي أُصَلِّي ، فَأَجْعَلُ بَعْضَ صَلَاتِي لَكَ ، فَقَالَ : ذلِكَ (3)خَيْرٌ لَكَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، فَأَجْعَلُ نِصْفَ صَلَاتِي لَكَ ، فَقَالَ : ذلِكَ (4)أَفْضَلُ لَكَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، فَإِنِّي أُصَلِّي ، فَأَجْعَلُ كُلَّ صَلَاتِي لَكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِذا يَكْفِيَكَ اللّهُ مَا أَهَمَّكَ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ».

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّ اللّهَ كَلَّفَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَا لَمْ يُكَلِّفْ (5)أَحَدا مِنْ خَلْقِهِ ، كَلَّفَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ وَحْدَهُ بِنَفْسِهِ إِنْ لَمْ يَجِدْ فِئَةً تُقَاتِلُ مَعَهُ ، وَلَمْ يُكَلِّفْ هذَا أَحَدا مِنْ خَلْقِهِ (6)وَلَا بَعْدَهُ» ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْايَةَ: «فَقاتِلْ فِى سَبِيلِ اللّهِ لا تُكَلَّفُ إِلّا نَفْسَكَ» (7).

ص: 500


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 391 مع اختلاف في اللفظ
2- . الضمير راجع إلى محمّد بن عبد الجّبار المذكور في السند السابق
3- . في بعض نسخ الكافي: «ذاك»
4- . في بعض نسخ الكافي: «ذاك»
5- . في كلتا الطبعتين: «لم يكلّفه»
6- . في كلتا الطبعتين: + «قبله»
7- النساء (4): 84

ثُمَّ قَالَ : «وَجَعَلَ اللّهُ لَهُ (1). نْ يَأْخُذَ لَهُ مَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» وَجُعِلَتِ (2)الصَّلَاةُ عَلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِعَشْرِ حَسَنَاتٍ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (عنه).

الضمير راجع إلى محمّد بن عبد الجبّار.

وقوله: (إنّي اُصلّي، فأجعل بعض صلاتي لك)؛ قد مرَّ تفسير ذلك في كتاب الدّعاء في ما رواه المصنّف رحمه الله عن عليّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام ، إلى أن قال: فقال له رجل: أصلحك اللّه ، كيف يجعل صلاته له؟ فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «لا يسأل اللّه _ عزّ وجلّ _ إلّا بدأَ بالصلاة على محمّد وآله»(3).

وروي أيضا عن محمّد بن يحيى بإسناده، عن أبي بصير، قال: سألنا أبا عبداللّه عليه السلام : ما معنى أجعل صلاتي كلّها لك؟ فقال: «يقدّمه بين يدي كلّ حاجة، فلا يسأل اللّه _ عزّ وجلّ _ شيئا حتّى يبدأ بالنبيّ صلى الله عليه و آله ، فيُصلّي عليه، ثمّ يسأل اللّه حوائجه»(4).

أقول: يظهر منه تفسير المصنّف والبعض أيضا وهو أن يصلّي على النبيّ صلى الله عليه و آله في بعض أدعيته أو نصفها، وأنّ المراد بالصلاة الدّعاء، ويجعلها له تصديرها بالصلاة عليه؛ لأنّه لمّا جعل دعاءه تابعا للصلاة عليه وعظّمه بتصدير دعائه بها فكأنّه جعل دعواته كلّها له.

وروى العامّة بإسنادهم عن اُبي بن كعب أنّه قال: قلت: يا رسول اللّه ، إنّي اُكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: «ما شئت»، قلت: الرّبع؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خيرٌ لك»، قلت: النصف؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خيرٌ لك»، قلت: فالثُّلثين؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خيرٌ لك»، قلت: أجعل لك صلاتي كلّها، قال: «إذا تكفى همّك، ويكفّر لك ذنبك»(5).

ص: 501


1- في كلتا الطبعتين: - «له»
2- في بعض نسخ الكافي: «وجعل»
3- الكافي، ج 2، ص 493، باب الصلاة على النبي محمّد و أهل بيته عليهم السلام ، ح 12
4- الكافي، ج 2، ص 492، باب الصلاة على النبي محمّد و أهل بيته عليهم السلام ، ح 4
5- سنن الترمذي، ج 4، ص 53، ح 2574؛ كنز العمّال، ج 2، ص 276، ح 3997

قال الطيّبي في شرح المشكوة (1)في قوله: «كم أجعل لك من صلاتي»: هي هنا الدّعاء والورد؛ يعني أيّ زمان أدعو فيه لنفسي، فكم أعرف من ذلك الزمان في الدعاء لك؟

قوله: (أجعل لك صلاتي كلّها) أي اُصلّي عليك بدل ما أدعو به لنفسي.

وفيه أنّ الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله أفضل من الدّعاء لنفسه؛ لأنّ فيه ذكر اللّه وتعظيم النبيّ صلى الله عليه و آله ، ومن شغله ذكره عن مسألته أعطى أفضل، ويدخل فيه كفاية ما يهمّه في الدارين، انتهى.

(ثمّ قال أبو عبداللّه عليه السلام : إنّ اللّه كلّف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما لم يكلّف).

في بعض النسخ: «ما لم يكلّفه».

(أحدا من خلقه).

قال في القاموس: «التكليف: الأمر بما يشقّ عليك»(2).

ثمّ أخذ في بيان المكلّف به، أو بيان بعض أفراده، وقال: (كلّفه أن يخرج على الناس) أي على الكفّار للجهاد.

(كلّهم وحده بنفسه إن لم يجد فئة) أي طائفة (تقاتل) تلك الطائفة (معه ولم يكلّف هذا أحدا من خلفه ولا بعده).

في بعض النسخ: «قبله ولا بعده» وهو أظهر.

(ثمّ تلا هذه الآية: «فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه ِ لَا تُكَلَّفُ إِلَا نَفْسَكَ» (3)).

قال البيضاوي: «أي إلّا فعل نفسك لا يضرّك مخالفتهم وتقاعدهم، فتقدّم إلى الجهاد وإن لم يساعدك أحد؛ فإنّ اللّه ناصرك لا بالجنود»(4).

(ثمّ قال) أي أبو عبداللّه عليه السلام : (وجعل اللّه له أن يأخذ له ما أخذ لنفسه).

ضمير «له» في الموضعين راجع إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والمستتر في «يأخذ» و«أخذ» والبارز في «لنفسه» عائد إلى اللّه ؛ أي يأخذ العهد من الخلق في مضاعفة الأعمال له صلى الله عليه و آله مثل ما أخذ في المضاعفة لنفسه، أو يأخذ العهد بتعظيمه صلى الله عليه و آله مثل ما أخذ لنفسه.

وقوله عليه السلام : «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» (5).بيان للجعل المذكور.

ص: 502


1- لم نعثر عليه
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 192 (كلف)
3- .النساء (4): 84
4- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 227
5- الأنعام (6): 160

وقال البيضاوي في تفسير هذه الآية: أي عشر حسنات أمثالها فضلاً من اللّه ، وهذا أقلّ ما وعد من الأضعاف، وقد جاء الوعد بسبعين وسبعمائة وبغير حساب، ولذلك قيل: المراد بالعشر الكثرة دون العدد، انتهى(1).

وقوله: (وجعلت الصلاة على رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعشر حسنات).يحتمل وجهين:

الأوّل: أن يكون المراد أنّه جعل تعظيمه والصلاة عليه من طاعاته التي يضاعف لها الثواب عشرة أضعاف.

والثاني: أن يكون المراد أنّه ضاعف لنفسه الصلاة لكونها عبادة له عشرة أضعاف، ثمّ ضاعف له صلى الله عليه و آله لكونها متعلّقة به لكلّ حسنة عشرة أضعافها، فصارت الصلاة واحدة مائة حسنة.

متن الحديث الرابع عشر والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ (2)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ، عَنْ مَنْصُورٍ بُزُرْجَ (3)، عَنْ فُضَيْلٍ الصَّائِغِ ، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «أَنْتُمْ وَاللّهِ نُورٌ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ ، وَاللّهِ إِنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ لَيَنْظُرُونَ إِلَيْكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ كَمَا تَنْظُرُونَ أَنْتُمْ إِلَى الْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ فِي السَّمَاءِ ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَقُولُ لِبَعْضٍ : يَا فُلَانُ ، عَجَبا لِفُلَانٍ كَيْفَ أَصَابَ هذَا الْأَمْرَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عليه السلام : وَاللّهِ مَا أَعْجَبُ مِمَّنْ هَلَكَ كَيْفَ هَلَكَ ، وَ لكِنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ نَجَا كَيْفَ نَجَا» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (أنتم واللّه نورٌ في ظلمات الأرض).

النور _ بالضمّ _ : الضوء، وهو سبب لظهور الأشياء، ولذا يطلق على العلم والإيمان والكمالات.ولمّا كانت تلك الاُمور إنّما تظهر من الشيعة في الأرض أطلق عليهم النور.

ص: 503


1- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 471 مع التلخيص
2- . الضمير راجع إلى محمّد بن عبد الجبّار
3- . في الطبعة القديمة وأكثر نسخ الكافي: «منصور بن روح»

(كما تنظرون أنتم إلى الكوكب الدرّيّ في السماء).

قال في النهاية:

فيه: كما ترون الكوكب الدرّيّ في اُفق السماء، أي الشديد الإنارة كأنّه نسب إلى الدرّ تشبيها بصفائه.وقال الفرّاء: الكوكب الدرّيّ عند العرب هو العظيم المقدار.وقيل: هو أحد الكواكب الخمسة السيّارة(1).

(كيف أصاب هذا الأمر).

الإصابة: البلوغ، والإدراك، والإتيان بالصواب، أي كيف أدرك المعرفة والولاية مع انهماك الناس في الجهالة والضلالة.

(ما أعجب ممّن هلك كيف هلك)؛ لأنّ أكثر الناس كذلك ودائما يسعون في ذلك؛ لكثرة دواعي الهلاك والضلال.

متن الحديث الخامس عشر والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ، عَنْ أَبِيهِ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَنْ سَافَرَ أَوْ تَزَوَّجَ وَالْقَمَرُ فِي الْعَقْرَبِ ، لَمْ يَرَ الْحُسْنى» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (من سافر أو تزوّج والقمر في العقرب).

الزوج يحتمل العقد والزّفاف أو الأعمّ، ولعلّ المراد بالعقرب هنا شكلها لا برجها.

(لم ير الحسنى) أي العافية، أو الخيرة الحسنى، أو نحوهما.

قال بعض الأفاضل:

هذا الخبر يدلّ على رجحان إيقاع هذين الأمرين في غير تلك الساعة، ولا يدلّ على رجحان رعاية السّاعات في جميع الاُمور، ولا غير هذه الساعة في هذين

ص: 504


1- النهاية، ج 2، ص 113 (درر)

الأمرين أيضا، وقد مضى في السفر أنّه مع التصدّق لا بأس به في أيّ يوم كان وأيّة ساعة اتّفق(1).

متن الحديث السادس عشر والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ (2)، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ عُبَيْسِ بْنِ هِشَامٍ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَطَاءٍ يَقُولُ :

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «قُمْ ، فَأَسْرِجْ دَابَّتَيْنِ : حِمَارا وَبَغْلًا» فَأَسْرَجْتُ حِمَارا وَبَغْلًا ، فَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ الْبَغْلَ ، وَرَأَيْتُ أَنَّهُ أَحَبُّهُمَا إِلَيْهِ ، فَقَالَ : «مَنْ أَمَرَكَ أَنْ تُقَدِّمَ إِلَيَّ هذَا الْبَغْلَ؟» قُلْتُ : اخْتَرْتُهُ لَكَ ، قَالَ (3): «وَأَمَرْتُكَ أَنْ تَخْتَارَ لِي» ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ أَحَبَّ الْمَطَايَا إِلَيَّ الْحُمُرُ».

قَالَ : فَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ الْحِمَارَ ، وَأَمْسَكْتُ لَهُ بِالرِّكَابِ ، فَرَكِبَ فَقَالَ : «الْحَمْدُ (4)لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا بِالْاءِسْلَامِ ، وَعَلَّمَنَا الْقُرْآنَ ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هذَا ، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وَإِنَّا إِلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (5)، وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» .

وَسَارَ وَسِرْتُ حَتّى إِذَا بَلَغْنَا مَوْضِعا آخَرَ ، قُلْتُ لَهُ : الصَّلَاةَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَقَالَ : «هذَا وَادِي النَّمْلِ لَا يُصَلّى فِيهِ» حَتّى إِذَا بَلَغْنَا مَوْضِعا آخَرَ ، قُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذلِكَ ، فَقَالَ : «هذِهِ الْأَرْضُ مَالِحَةٌ لَا يُصَلّى فِيهَا».

قَالَ : حَتّى نَزَلَ هُوَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ، فَقَالَ لِي : «صَلَّيْتَ أَوْ تُصَلِّي _ سُبْحَتَكَ؟».

قُلْتُ : هذِهِ صَلَاةٌ يُصَلِّيهَا (6)أَهْلُ الْعِرَاقِ الزَّوَالَ .

فَقَالَ : «أَمَا هؤُلَاءِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ هُمْ شِيعَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، وَهِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ».

فَصَلّى وَصَلَّيْتُ ، ثُمَّ أَمْسَكْتُ لَهُ بِالرِّكَابِ ، ثُمَّ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ فِي بِدَايَتِهِ (7)، ثُمَّ قَالَ : «اللّهُمَّ الْعَنِ

ص: 505


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 287
2- . الضمير راجع إلى أحمد بن محمّد المذكور في السند السابق
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فقال»
4- . في الطبعة القديمة: «الحمد» بدون الواو
5- . اقتباس من الآية 13 و 14 من سورة الزخرف (43)
6- في كلتا الطبعتين: «تسمّيها».وفي بعض نسخ الكافي: «يسمّيها»
7- . في بعض نسخ الكافي: «بدأته»

الْمُرْجِئَةَ ؛ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاؤُنَا فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ».

فَقُلْتُ لَهُ : مَا ذَكَّرَكَ _ جُعِلْتُ فِدَاكَ _ الْمُرْجِئَةَ؟

فَقَالَ : «خَطَرُوا عَلى بَالِي» .

شرح الحديث

السند مجهول على قول ضعيف.

قوله: (عنه).

الضمير لأحمد بن محمّد.

وقوله: (وأمرتك أن تختار لي).

يحتمل كون الجملة استفهاميّة إنكاريّة وكونها خبريّة، وعلى الثاني فلعلّ المراد: أمرتك أن تختار ما هو مختار لي.وقيل: أي تفوّض الاختيار برأيي.

(ثمّ قال: إنّ أحبّ المطايا اليَّ الحُمُر) بضمّتين، جمع حمار.

قال الفيروزآبادي: «مطا: جدَّ في السَّير وأسرع، والمطيّة: الدابّة، تمطو في سيرها.الجمع: مطايا، ومطن»(1).

«وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ» (2).

في القاموس: «أقرن للأمر: أطاقه، وقوى عليه» انتهى(3).وقيل: أصله وجد قرينة؛ إذ الصعب لا يكون قرينة الضعيف(4).

«وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ» (5).أي راجعون.

وقيل: اتّصاله بما قبله؛ لأنّ الركوب للتنقّل، والنقلة العظمى هي الانقلاب إلى اللّه ، فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه ويستعدّ للقاء اللّه (6).

(قلت له: الصلاة جعلتُ فداك) أي حضرت الصلاة، أو الصلاة حاضرة، أو حضر الصلاة.

ص: 506


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 391 (مطو) مع التلخيص
2- الزخرف (43): 13
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 259 (قرن)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 288
5- .الزخرف (43): 14
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 288 مع اختلاف في اللفظ

(فقال: هذا وادي النمل) يدلّ على كراهيّة الصلاة في الوادي التي فيها قرى النمل، كما هو مذهب الأصحاب.

(فقال: هذه الأرض (1)مالحة) يدلّ على كراهيّة الصلاة في السبخة.

(فقال لي: صلّيت) بصيغة الخطاب.

(أو تصلّي) الترديد من الراوي.

وقوله: (سبحتك) بالنصب، مفعول الفعلين على سبيل التنازع.والسبحة _ بالضمّ _ : التطوّع من الذِّكر والصلاة.

(قلت: هذه صلاة يصلّيها).

في بعض النسخ: «يسمّيها» بدل «يصلّيها».

(أهل العراق الزوال) أي نافلة الزوال، أو صلاته.

(فقال: أمّا هؤلاء الذين يصلّون) أي تلك الصلاة.

(هم شيعة عليّ بن أبي طالب عليه السلام وهي صلاة الأوّابين).

قيل: يمكن أن يكون قاله استخفافا، فعظّمها عليه السلام وبيّن فضلها.أو المراد: أنّ هذه صلاة يصلّيها أهل العراق قريبا من الزوال قبله _ يعني صلاة الضحى _ فالمراد بالجواب أنّ من يصلّيها بعد الزوال كما نقول فهو شيعة عليّ عليه السلام (2).

(ثمّ قال: اللَّهُمَّ العن المرجئة).

لعلّ المراد بهم هنا من أخّرَ عليّا عليه السلام من مرتبته.

قال الفيروزآبادي في المهموز:

أرجأ الأمر: أخّره، وترك الهمزة لغة، ومنه سمّيت المرجئة، وإذا لم تهمز فرجل مرجّى بالتشديد، وإذا همزت فرجل مرجئ _ كمرجع _ لا مرج، كمعط.ووهم الجوهري (3)وهم المرجئة بالهمز والمرجية بالياء مخفّفة(4). وقال في الناقص: «الإرجاء: التأخير، والمرجئة في رجأ سمّوا لتقديمهم القول وإرجائهم العمل» (5)انتهى.

ص: 507


1- . في كثير من نسخ الكافي والوافي: «هذه أرض»
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 288
3- . اُنظر: الصحاح، ج 6، ص 2352 (رجا)
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 16 (رجأ)
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 333 (رجو)

وقال محمّد الشهرستاني في كتاب الملل والنحل: الإرجاء على معنيين: أحدهما التأخير.قال تعالى: «أَرْجِهِ» أي امهله «وَأَخَاهُ» (1).

والثاني إعطاء الرجاء.

أمّا إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأوّل صحيح؛ لأنّهم كانوا يؤخّرون العمل عن النيّة والعقد، وأمّا بالمعنى الثاني فظاهر؛ فإنّهم كانوا يقولون: لا تضرّ مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة.

وقيل: الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى القيامة، فلا يقضي عليه بحكم ما في الدُّنيا بكونه من أهل الجنّة أو من أهل النار، فعلى هذا المرجئة والوعيديّة فرقتان مقابلتان، وقيل: الإرجاء تأخير عليّ عليه السلام عن الدرجة الاُولى إلى الدرجة الرابعة(2)

(فقلت له: ما ذكّرك) من التذكير.

وقوله: (المرجئة).مفعول الثاني.

(فقال: خطروا على بالي).

يُقال: خطر الشيء ببالي، وعلى بالي _ كنصر وضرب _ أي ذكرته بعد نسيان.

وقال الجوهري: «البال: القلب؛ تقول: ما يخطر فلان ببالي.والبال: الحال؛ يُقال: ما بالك»(3). وقال الفيروزآبادي: «البال: الحال، والخاطر»(4).

متن الحديث السابع عشر والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ؛ وَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا أَرَادَتْ قُرَيْشٌ قَتْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، قَالَتْ : كَيْفَ لَنَا بِأَبِي لَهَبٍ ؟ فَقَالَتْ أُمُّ جَمِيلٍ : أَنَا أَكْفِيكُمُوهُ ، أَنَا أَقُولُ لَهُ : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَقْعُدَ الْيَوْمَ فِي الْبَيْتِ نَصْطَبِحُ ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ وَتَهَيَّأَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، قَعَدَ أَبُولَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ (5)يَشْرَبَانِ ، فَدَعَا أَبُو طَالِبٍ عَلِيّا عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ : يَا

ص: 508


1- .الشعراء (26): 36
2- الملل والنحل، ج 1، ص 139 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
3- الصحاح، ج 4، ص 1642 (بول) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 339 (بول)
5- . في بعض نسخ الكافي: «واُمّ جميل» بدل «وامرأته»

بُنَيَّ اذْهَبْ إِلى عَمِّكَ أَبُو لَهَبٍ (1)، فَاسْتَفْتِحْ عَلَيْهِ ، فَإِنْ فُتِحَ لَكَ فَادْخُلْ ، وَإِنْ لَمْ يُفْتَحْ لَكَ فَتَحَامَلْ عَلَى الْبَابِ وَاكْسِرْهُ وَادْخُلْ عَلَيْهِ ، فَإِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ فَقُلْ لَهُ : يَقُولُ لَكَ أَبِي : إِنَّ امْرَأً عَمُّهُ عَيْنُهُ فِي الْقَوْمِ فَلَيْسَ (2)بِذَلِيلٍ» .

قَالَ : «فَذَهَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَوَجَدَ الْبَابَ مُغْلَقا ، فَاسْتَفْتَحَ فَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ ، فَتَحَامَلَ عَلَى الْبَابِ وَكَسَرَهُ وَ دَخَلَ ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو لَهَبٍ قَالَ لَهُ : مَا لَكَ يَا ابْنَ أَخِي؟ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ (3)أَبِي يَقُولُ لَكَ : إِنَّ امْرَأً عَمُّهُ عَيْنُهُ فِي الْقَوْمِ لَيْسَ بِذَلِيلٍ ، فَقَالَ لَهُ : صَدَقَ أَبُوكَ ، فَمَا ذلِكَ يَا ابْنَ أَخِي؟ فَقَالَ لَهُ : يُقْتَلُ ابْنُ أَخِيكَ وَأَنْتَ تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ؟ فَوَثَبَ وَأَخَذَ (4)سَيْفَهُ ، فَتَعَلَّقَتْ بِهِ أُمُّ جَمِيلٍ ، فَرَفَعَ يَدَهُ وَلَطَمَ وَجْهَهَا لَطْمَةً ، فَفَقَأَ عَيْنَهَا فَمَاتَتْ وَهِيَ عَوْرَاءُ ، وَخَرَجَ أَبُو لَهَبٍ وَمَعَهُ السَّيْفُ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ عَرَفَتِ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ ، فَقَالَتْ : مَا لَكَ يَا أَبَا لَهَبٍ؟ فَقَالَ : أُبَايِعُكُمْ عَلَى ابْنِ أَخِي ، ثُمَّ تُرِيدُونَ قَتْلَهُ؟ وَاللَاتِ وَالْعُزّى لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُسْلِمَ ، ثُمَّ تَنْظُرُونَ مَا أَصْنَعُ ، فَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَرَجَعَ» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله: (كيف لنا بأبي لهب) أي كيف نصنع به وهو مانع من قتله؟! والترهيب من قبيل: بحسبك درهم.

(فقالت اُمّ جميل) هي زوجة أبي لهب اُخت أبي سفيان، وهي التي وصفها اللّه تعالى بحمّالة الحطب.

(أنا أكفيكموه) إلى قوله: (نصطبح).

قال الجوهري: «الصبوح: الشّرب بالغداة، وهو خلاف الغبوق.واصطبح الرجل: شرب صبوحا»(5).

وفي النهاية: «الاصطباح: أكل الصبوح وهو الغداء»(6).

والاغتباق: أكل الغبوق، وهو العشاء، وأصلهما في الشرب، ثمّ استعملا في الأكل.

ص: 509


1- . في كلتا الطبعتين وجميع نسخ الكافي: «أبي لهب»
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «ليس»
3- . في بعض نسخ الكافي: _ «إنّ»
4- . في بعض نسخ الكافي: «فأخذ»
5- الصحاح، ج 1، ص 380 (صبح) مع التلخيص
6- النهاية، ج 3، ص 6 (صبح)

(فلمّا أن كان من الغد).

كلمة «من» زائدة على قول، والتركيب: قد كان من مطر.

(وتهيّأ المشركون للنبيّ صلى الله عليه و آله ) أي لقتله.

(قعد أبو لهب وامرأته).

في بعض النسخ: «واُمّ جميل» بدل «وامرأته».

(اذهب إلى عمّك أبو لهب).

كذا في بعض النسخ، وفي كثير منها: «أبي لهب» وهو أظهر.

قال البيضاوي في قوله تعالى: «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ» (1). : «قرئ: أبو لهب، كما قيل: عليّ بن أبو طالب»(2).

أقول: بناء هذه القراءة على إجراء الكُنى مجرى الأسماء.

(وإن لم يفتح لك فتحامل على الباب واكسره).

قال الجوهري: «تحامل عليه، أي مال.وتحاملت على نفسي: إذا تكلّفت الشيء على مشقّة»(3).

(إنّ امرأً عمّه عينه في القوم فليس بذليل).

«عمّه» مبتدأ، و«عينه» خبره، والجملة خبر «إنّ»، والفاء فصيحة أو للتفريع.

وفي بعض النسخ: «ليس بذليل» بدون الفاء، فحينئذٍ يكون «ليس» خبر «إنّ»، والجملة قبلها صفة لاسم «إنّ».

قال الجوهري: «العين: الدّيدبان، والجاسوس.وعين الشيء: خياره.وأعيان القوم: أشرافهم، ويقال: أنت على عيني في الإكرام والحفظ جميعا»(4). وفي القاموس: «العين: الباصرة، وأهل البلد _ ويحرّك _ وأهل الدار، والحاضر من كلّ شيء، والسيّد، ونفس الشيء»(5).

أقول: يحتمل هنا إرادة كلّ من هذه المعاني بنوع من التقريب، والإضافة في بعضها لأدنى

ص: 510


1- المسد (111): 1
2- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 544
3- الصحاح، ج 4، ص 1677 (حمل)
4- الصحاح، ج 6، ص 2171 (عين) مع التلخيص
5- القاموس المحيط، ج 4، ص 251 (عين) مع التلخيص

ملابسة، والمردّد إمّا أبو لهب أو أبو طالب، ولعلّ الأوّل أظهر؛ إذ الظاهر أنّ الغرض حمله على الحميّة.

والحاصل: أنّ من كان عمّه سيّد القوم وخيارهم، أو رقيبه وحافظه، والدافع عنه، لا يكون ذليلاً بينهم.

(فتعلّقت به اُمّ جميل).

التعلّق: التثبيت.يُقال: تعلّقه وتعلّق به.

(فرفع يده ولطم وجهها لطمة).

اللّطم: ضرب الخدّ، وصفحة الجسد بالكفّ مفتوحة، وفعله كضرب.

(ففقأ عينها).

يُقال: فقأ عينه _ كمنع _ وفقّأها تفقئة: أي قلعها، وأعورها.

(فماتت وهي عوراء) أي ماتت من ساعتها، أو بعد حين.

(فقال: اُبايعكم على بن أخي، ثمّ تريدون قتله).

قال الجوهري: «المبايعة (1)من البيع والبيعة جميعا»(2).

أقول: المراد هنا المعنى الثاني؛ يعني مبايعتي معكم مشروط على ترك إيذائه ورعايته، وأنتم تريدون قتله، فلا مبالغة بيني وبينكم.

وقال بعض الأفاضل: «أي مبايعتي معكم على إيذائه وإهانته، لا على قتله، وأنتم تفرّطون في ذلك، وتريدون قتله»(3)ولا يخفى بُعده.

متن الحديث الثامن عشر والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ (4)، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ زُرَارَةَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ إِبْلِيسُ يَوْمَ بَدْرٍ يُقَلِّلُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيُنِ الْكُفَّارِ ، وَيُكَثِّرُ الْكُفَّارَ

ص: 511


1- . في المصدر: «بابعته»
2- الصحاح، ج 3، ص 1189 (بيع)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 290 مع اختلاف في اللفظ
4- . الضمير راجع إلى ابن أبي عمير المذكور في السند السابق

فِي أَعْيُنِ الْمُسْلِمِينَ ، فَشَدَّ النَّاسِ (1)عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِالسَّيْفِ ، فَهَرَبَ مِنْهُ وَهُوَ يَقُولُ : يَا جَبْرَئِيلُ ، إِنِّي مُؤَجَّلٌ إِنِّي مُؤَجَّلٌ حَتّى وَقَعَ فِي الْبَحْرِ».

قَالَ زُرَارَةُ : فَقُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : لِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَخَافُ وَهُوَ مُؤَجَّلٌ؟

قَالَ : «يَقْطَعُ بَعْضَ أَطْرَافِهِ» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله: (عنه)؛ الضمير لابن أبي عمير.

وقوله: (كان إبليس يوم بدر يقلّل المسلمون في أعين الكفّار، ويكثر الكفّار في أعين الناس) أي المسلمين أو أعمّ.

ويحتمل أن يكون هذا التقليل والتكثير بحيلولته بين أبصار الكفّار وبين بعض المسلمين، أو بقوله لهم: إنّ هؤلاء شرذمةٌ قليلون، أو بوسوسته إيّاهم، أو بإدخال جنوده في عسكر الكفّار.

وقيل: هذا نوعٌ من السحر والشعبذة (2)قال الشيخ الطبرسي رحمه الله:

اختلف في ظهور الشيطان يوم بدر كيف كان؛ فقيل: إنّ قريشا لمّا أجمعت المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر بن عبد مناف بن كنانة من الحرب، فكاد ذلك أن يُثنيهم، فجاء إبليس في جُند من الشيطان، فتبدّى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جشعم الكناني ثمّ المدلجي _ وكان من أشراف كنانة _ فقال لهم: «لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّى جَارٌ لَّكُمْ» أي مُجير لكم من كنانة، فلمّا رأى إبليس الملائكة نزلوا من السماء [و] علم أنّه لا طاقة له بهم نكص على عقبيه.عن ابن عبّاس والسدّي والكلبي وغيرهم.

وقيل: إنّهم لمّا التقوا كان إبليس في صفّ المشركين آخذا بيد الحارث بن هشام، فنكص على عقبيه، فقال له الحارث: يا سراقة، إلى أين، أتخذلنا على هذه الحالة؟ فقال له: إنّي أرى ما لا ترون، فقال: واللّه ما ترى إلّا جواسيس (3)يثرب، فدفع في صدر الحارث، وانطلق وانهزم الناس، فلمّا قدِموا مكّة قالوا: هزم الناس سراقة،

ص: 512


1- . في كلتا الطبعتين: «المسلمين»
2- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 393
3- . في المصدر: «جعاسيس»

فبلغ ذلك سراقة، فقال: واللّه ما شعرت بمسيركم حتّى بلغني هزيمتكم، قالوا: إنّك أتيتنا يوم كذا، فحلف لهم فلمّا أسلموا علموا أنّ ذلك كان الشيطان.عن الكلبي، وروي عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبداللّه عليه السلام .

وقيل: إنّ إبليس لا يجور أن يقدر على خلع صورته ولبس صورة سراقة، ولكنّ اللّه جعل [إبليس] في صورة سراقة، وإنّما فعل ذلك؛ لأنّه علم أنّه لو لم يدع المشركين إنسان إلى قتال المسلمين؛ فإنّهم لا يخرجون من ديارهم حتّى يقاتلوهم المسلمون؛ لخوفهم من بني كنانة، فصوّره بصورة سراقة حتّى تمّ المراد في إعزاز الدِّين.عن الجبائي وجماعة.

وقيل: إنّ إبليس لم يتصوّر في صورة إنسان، وإنّما قال لهم على وجه الوسوسة.عن الحسن، واختاره البلخي.

والأوّل هو المشهور في التفاسير(1).

(فشدّ عليه جبرئيل عليه السلام بالسيف).

الشدّ _ بالفتح _ : الحملة في الحرب.والشدّ أيضا: العَدْو، وفعلهما كنصر وضرب.

والباء في قوله: «بالسيف» للمصاحبة، ويحتمل كونه للتعدية.

(فهرب منه وهو يقول: يا جبرئيل، إنّي مؤجّل) وهو إشارة إلى قوله: «إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ» (2).

وقال الفيروزآبادي: «الأجل _ محرّكة _ : غاية الوقت في الموت، والتأجيل: تحديد الأجل»(3).

(قال: يقطع بعض أطرافه).

في القاموس: الطرف _ محرّكة _ : الطائفة من الشيء.والأطراف الجمع.ومن البدن: اليدان، والرجلان، والرأس، ولا يدرى أيّ طرفيه أطول، أي ذكره ولسانه(4).

متن الحديث التاسع عشر والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ،

ص: 513


1- مجمع البيان، ج 4، ص 478 مع التلخيص
2- .الأعراف (7): 15
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 327 (أجل) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 168 (طرف) مع التلخيص

عَمَّنْ حَدَّثَهُ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلَى التَّلِّ الَّذِي عَلَيْهِ مَسْجِدُ الْفَتْحِ فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ قَرَّةٍ ، فَقَالَ : مَنْ يَذْهَبُ فَيَأْتِيَنَا بِخَبَرِهِمْ وَلَهُ الْجَنَّةُ؟ فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ ، ثُمَّ أَعَادَهَا ، فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ» _ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام بِيَدِهِ : «وَمَا أَرَادَ الْقَوْمُ؟! أَرَادُوا أَفْضَلَ مِنَ الْجَنَّةِ؟!» _ «ثُمَّ قَالَ : مَنْ هذَا؟ فَقَالَ : حُذَيْفَةُ ، فَقَالَ : أَ مَا تَسْمَعُ كَلَامِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ وَلَا تَكَلَّمُ؟ اقْتَرَتَ (1)فَقَامَ حُذَيْفَةُ وَهُوَ يَقُولُ : الْقُرُّ وَالضُّرُّ _ جَعَلَنِيَ اللّهُ فِدَاكَ _ مَنَعَنِي أَنْ أُجِيبَكَ .

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : انْطَلِقْ حَتّى تَسْمَعَ كَلَامَهُمْ وَتَأْتِيَنِي بِخَبَرِهِمْ ، فَلَمَّا ذَهَبَ ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اللّهُمَّ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتّى تَرُدَّهُ ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يَا حُذَيْفَةُ ، لَا تُحْدِثْ شَيْئا حَتّى تَأْتِيَنِي ، فَأَخَذَ سَيْفَهُ وَقَوْسَهُ وَحَجَفَتَهُ .

قَالَ حُذَيْفَةُ : فَخَرَجْتُ وَمَا بِي (2)مِنْ ضُرٍّ وَلَا قُرٍّ ، فَمَرَرْتُ عَلى بَابِ الْخَنْدَقِ وَقَدِ اعْتَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكُفَّارُ .

فَلَمَّا تَوَجَّهَ حُذَيْفَةُ ، قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَنَادى : يَا صَرِيخَ الْمَكْرُوبِينَ ، وَيَا مُجِيبَ الْمُضْطَرِّينَ اكْشِفْ هَمِّي وَغَمِّي وَكَرْبِي ، فَقَدْ تَرى حَالِي وَحَالَ أَصْحَابِي.

فَنَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ قَدْ سَمِعَ مَقَالَتَكَ وَدُعَاءَكَ ، وَقَدْ أَجَابَكَ وَكَفَاكَ هَوْلَ عَدُوِّكَ .

فَجَثَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى رُكْبَتَيْهِ وَبَسَطَ يَدَيْهِ وَأَرْسَلَ عَيْنَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : شُكْرا شُكْرا كَمَا رَحِمْتَنِي وَرَحِمْتَ أَصْحَابِي ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قَدْ بَعَثَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلَيْهِمْ رِيحا مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِيهَا حَصًى ، وَرِيحا مِنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فِيهَا جَنْدَلٌ .

قَالَ حُذَيْفَةُ : فَخَرَجْتُ فَإِذَا أَنَا بِنِيرَانِ الْقَوْمِ ، وَأَقْبَلَ جُنْدُ اللّهِ الْأَوَّلُ رِيحٌ فِيهَا حَصًى، فَمَا تَرَكَتْ لَهُمْ نَارا إِلَا أَذْرَتْهَا، وَلَا خِبَاءً إِلَاطَرَحَتْهُ، وَلَا رُمْحا إِلَا أَلْقَتْهُ حَتّى جَعَلُوا يَتَتَرَّسُونَ مِنَ الْحَصى ، فَجَعَلْنَا نَسْمَعُ وَقْعَ الْحَصى فِي الْأَتْرِسَةِ ، فَجَلَسَ حُذَيْفَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَامَ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ مُطَاعٍ فِي الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُمْ قَدْ نَزَلْتُمْ بِسَاحَةِ هذَا السَّاحِرِ الْكَذَّابِ ، أَلَا وَإِنَّهُ

ص: 514


1- . في كلتا الطبعتين: «أقبرت» بدل «اقترب»
2- . في بعض نسخ الكافي: «لي»

لَنْ يَفُوتَكُمْ مِنْ أَمْرِهِ شَيْءٌ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ سَنَةَ مُقَامٍ ، قَدْ هَلَكَ الْخُفُّ وَالْحَافِرُ ، فَارْجِعُوا وَلْيَنْظُرْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مَنْ جَلِيسُهُ .

قَالَ حُذَيْفَةُ : فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي ، فَقُلْتُ : مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ : مُعَاوِيَةُ ، فَقُلْتُ لِلَّذِي عَنْ يَسَارِي : مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ : سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو .

قَالَ حُذَيْفَةُ : وَأَقْبَلَ جُنْدُ اللّهِ الْأَعْظَمُ ، فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ إِلى رَاحِلَتِهِ ، ثُمَّ صَاحَ فِي قُرَيْشٍ : النَّجَاءَ النَّجَاءَ ، وَقَالَ طَلْحَةُ الْأَزْدِيُّ : لَقَدْ رَادَكُمْ (1)مُحَمَّدٌ بِشَرٍّ ، ثُمَّ قَامَ إِلى رَاحِلَتِهِ وَصَاحَ فِي بَنِي أَشْجَعَ : النَّجَاءَ النَّجَاءَ ، وَفَعَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ (2)مِثْلَهَا ، ثُمَّ فَعَلَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ الْمَرِّيِّ (3)مِثْلَهَا ، ثُمَّ فَعَلَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ مِثْلَهَا ، وَذَهَبَ الْأَحْزَابُ وَرَجَعَ حُذَيْفَةُ إِلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ».

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّهُ كَانَ لَيُشْبِهُ يَوْمَ (4)الْقِيَامَةِ» .

شرح الحديث

السند مرسل.

قوله: (قام رسول اللّه صلى الله عليه و آله على التلّ الذي عليه مسجد الفتح).

ويقال: مسجد الأحزاب، وهو المسجد الذي فتح اللّه على رسوله صلى الله عليه و آله بقتل عمرو بن عبد ودّ.

والتلّ من التراب: معروف، والتلّ أيضا: ما ارتفع من الأرض.

(في غزوة الأحزاب).

قال الجوهري: «الحزب: الطائفة.والأحزاب: الطوائف التي تجتمع على محاربة الأنبياء»(5).

أقول: المراد بالأحزاب هنا طائفة تظاهروا على حرب النبيّ صلى الله عليه و آله وهم قريش وغطفان ويهود بني قريظة وبني النضير وكانوا اثنى عشر ألفا.

(في ليلةٍ ظلماء قرّة) أي باردة.يُقال: يوم قرّ وليلة قرّة، بالفتح فيهما.

ص: 515


1- . في كلتا الطبعتين: «زادكم» بالزاء المعجمة
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «حصين»
3- . في الطبعة القديمة: «المزني»
4- . في أكثر نسخ الكافي والوافي: «بيوم»
5- الصحاح، ج 1، ص 109 (حزب) مع التلخيص

قال في المصباح: «قرّ اليوم: برد.والاسم: القرّ _ بالضمّ _ فهو قرّ، تسمية بالمصدر، وقارّ على الأصل، أي بارد. وليلة قرّة وقارّة»(1).

وقال الجوهري: الظلمة: خلاف النور.والظلماء: الظلمة، وربما وصف بها، يُقال: ليلة ظلماء، أي مظلمة»(2).

(فقال) رسول اللّه صلى الله عليه و آله : (من يذهب فيأتينا بخبرهم) أي خبر الأحزاب.

(فقال أبو عبداللّه عليه السلام بيده): حرّك يده على سبيل التعجّب وأومأ بها.

قال في النهاية:

العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال وتطلقه على غير الكلام، فتقول: قال برجله، أي مشى.وقال برأسه، أي أومأ.وقال على يده، أي قلب.وكلّ ذلك على المجاز والاتّساع(3).

(وما أراد القوم) كلمة «ما» للاستفهام.

(أرادوا أفضل من الجنّة).

يعني ينبغي لهم أن يريدوا الجنّة ونعيمها لبقائها، لا الحياة الدُّنيا واستراحتها لفنائها.

(ثمّ قال: من هذا؟ فقال: حذيفة).

أشار بهذا إلى شبح شخص رآه في الظلمة.

(فقال: أما تسمع كلامي منذ الليلة).

قال الفيروزآبادي:

«منذ» مبنيّ على الضمّ، و«مذ» على السكون، وتكسر ميمهما، ويليهما اسم مجرور، وحينئذ حرفا جرّ بمعنى «من» في الماضي، و«في» [في] الحاضر، و«من» و«إلى» جميعا في المعدود، كما: رأيته مذ يوم الخميس، واسم مرفوع كمنذ يومان، وحينئذ مبتدأن ما بعدهما خبر، ومعناهما الأمد في الحاضر والمعدود، وأوّل المدّة في الماضي، أو ظرفان مخبر بهما عمّا بعدهما، ومعناهما بين وبين، كلقيته منذ يومان، أي بيني وبين لقائه يومان.و[تليهما] الجملة الفعليّة نحو: ما زال [مذ ]عقدت يداه

ص: 516


1- المصباح المنير، ص 496 (قرر)
2- الصحاح، ج 5، ص 1977 (ظلم) مع التلخيص و التصرّف
3- النهاية، ج 4، ص 124 (قول) مع التلخيص والتصرّف

إزاره، أو الاسميّة، وما زال أبغي المال منذ أنا يافع، وحينئذ ظرفان مضافان إلى الجملة، أو إلى زمان مضاف إليهما.

وقيل: مبتدآن، وأصل «مذ» منذ؛ لرجوعهم إلى ضمّ ذال، مذ عند ملاقاة الساكنين مذ اليوم، ولولا أنّ الأصل الضمّ لكسروا ولتصغيرهم إيّاه حينئذٍ، واذا كانت «مُذ» اسما فأصلها منذ وحرفا فهي أصل، ويقال: ما لقيته منذ اليوم ومذ اليوم، بفتح ذالهما(1).

(ولا تكلّم) بصيغة الخطاب بحذف إحدى التايين.

(اقترب) بصيغة الأمر.

وفي بعض النسخ: «أقبرت» على صيغة المخاطب المجهول من القبر، وهو الدفن إلى الأرض.

(فقام حذيفة وهو يقول: القرّ والضرّ _ جعلني اللّه فداك _ منعني _ أن اُجيبك).

الضرّ _ بالضمّ _ : الهزال، وسوء الحال.

(وقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا حذيفة لا تحدث شيئا حتّى تأتيني).

الظاهر أن لا تحدث من الإحداث.قال الجوهري: «الحدوث كون شيء لم يكن، وأحدثه اللّه فحدث»(2).

قال بعض الشارحين: «أمَرَه بأن لا يذعرهم خوفا عليه؛ لأنّه إذا ذَعَرهم تجسّسوا عليه، فيقع في الهلكة»(3).

(فأخذ سيفه وقوسه وحجفته) بتقديم المهملة على المعجمة.

قال الفيروزآبادي: «الحَجَف _ محرّكة _ : التروس من جلود بلا خشب ولا عقب، واحدتها: حجفة»(4).

(فمررت على باب الخندق وقد اعتراه) أي حلّه ونزله.والضمير للباب.

(المؤمنون والكفّار).

قال الفيروزآبادي: «خندق _ كجعفر _ : حفير حول أسوار المدن، معرّب كنده»(5).

ص: 517


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 359 (منذ) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
2- الصحاح، ج 6، ص 2447 (غشا)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 395
4- القاموس المحيط، ج 3، ص 126 (حجف)
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 126 (حجف)

وقال الجوهري: «عراني هذا الأمر واعتراني: إذا غشيك»(1).

وقال: «غشيه غشيانا، أي جاءه»(2).

(فلمّا توجّه حذيفة) إلى الخندق أو إلى الأحزاب.

(قام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونادى: يا صريخ المكروبين).

في القاموس: «الصّارخ: المغيث، والمستغيث، ضدّ، كالصريخ فيهما»(3).

أقول: المراد هاهنا المغيث.

(فجثا رسول اللّه صلى الله عليه و آله على ركبتيه).

الجثو والجثّو على الركبتين: فركهما بعده، من باب التجريد.

(وبسط يديه).

يُقال: بسط يده، أي مدّها، ولعلّ المراد هنا رفعهما، أو جعل بطونهما إلى السماء وأرسل.

(وأرسل عينيه).

لعلّ المراد إرسال دموعهما بالبكاء.وقيل: أي ألقاهما إلى الأرض تخشّعا(4).

(ثمّ قال) رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ إلى قوله _ (فيها جندل).

الحصى _ بالفتح _ : صغار الحجارة.الواحدة: حصاة.الجمع: حصيّات.

وجندل _ كجعفر، ويكسر الدال _ : الحجارة.

(قال حذيفة: فخرجت) إلى قوله: (نسمع وقع الحصى في الأترسة).

النيران _ كغلمان _ جمع النار.

وذرّت الريح الشيء ذَرْوا وأذرته وذرّته، أي أطارته، وأذهبته، وفرّقته.

والخِباء _ بالكسر، وقيل، بالفتح _ بناء من وبر أو صوف أو شعر.والجمع: أخبية.

والترس: من التستّر بالترس وهو _ بالضمّ _ معروف، والمشهور في كتب اللغة أنّ جمعه أتراس والترسة والتروس والتِراس(5)وأمّا جمعه على أترسة فخالف للقياس.

ص: 518


1- الصحاح، ج 6، ص 2423 (عرا)
2- الصحاح، ج 6، ص 2447 (غشا)
3- القاموس المحيط، ج 1، ص 262 (صرخ)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 396
5- اُنظر: الصحاح، ج 3، ص 910؛ القاموس المحيط، ج 2، ص 202 (ترس)

والوقع _ بالتسكين _ : صَدْمَة الضرب بالشيء بعد صدمته.

(فقام إبليس في صورة رجل مطاع) أي شيخ يطيعه الناس وينقادون له.

(ألا وإنّه لن يفوتكم من أمره شيء) أي لا تعجلوا الآن في قتاله واستئصاله؛ فإنّه لن يفوتكم من ذلك شيء.

(فإنّه ليس سنة مقام) أي ليس لكم في هذه السنة مكان إقامة ومجال توقّف هنا.

ثمّ أشار إلى سبب عدم المقام بقوله: (قد هلك الخفّ والحافر).

الخفّ _ بالضمّ _ واحد أخفاف البعير.والحافر واحد حوافر الدابّة، وقد يستعار للقدم.

والمراد هنا ذو الخفّ وذو الحافر.

وقيل: إنّما قال الخبيث (1)ذلك؛ لعلمه بأنّه من عذاب اللّه تعالى على الأحزاب لو أقام، فخاف أن يهلكوا جميعا، ويستولي أهل الإسلام على جميع البلاد بلا منازع ولا مكابر، فأمرهم بالارتحال طمعا لحياتهم ووقوع الاجتماع والكرّة مرّةً اُخرى(2).

(ولينظر كلّ رجل منكم من جليسه).

إنّما قال ليظهر للكفّار بعد التفتيش والسؤال أنّ بينهم عين، فتنبّه حذيفة، وبادر إلى السؤال لئلّا يسأله أحد: مَن أنت، ويظنّوا أنّه منهم.

(ثمّ صاح في قريش: النجاء النجاء).

في القاموس: «نجا نَجْوا ونجاءً ونجاةً ونجاية: خلص.والنجاءك النجاءك _ ويقصّران _ أي أسرع [أسرع]»(3).

وقال في النهاية: فيه: فالنجاء النجاء، أي انجوا بأنفسكم، وهو مصدر منصوب بفعل مضمر، أي انجوا النجاء، وتكراره للتأكيد.والنجاء: السرعة.يُقال: نجا ينجو نجاءً: إذا أسرع.ونجا من الأمر: إذا خلص، وأنجاه غيره(4).

(وقال طلحة الأزدي: لقد رادكم محمّد بشرّ).

الباء للتعدية، أي طلب الشرّ لكم.

ص: 519


1- . أي إبليس
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 396
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 393 (نجو)
4- النهاية، ج 5، ص 26 (نجو)

قال الجوهري: «راد الكلاء يروده رودا وريادا وارتاده ارتيادا بمعنى، أي طلبه»(1).

(ثمّ فعل الحارث بن عوف المرّي مثلها).

في بعض النسخ: «ابن عوق» بالقاف.قال الفيروزآبادي: «مُرّة بن كعب: أبو قبيلة من قريش، وأبو قبيلة من قيس عيلان، ومُرّ بن عمرو من طي (2).

(وقال أبو عبداللّه عليه السلام : إنّه كان ليشبه بيوم القيامة).

كذا في كثير ممّا رأيناه من النسخ المصحّحة، والظاهر: «شبيها» بالنصب كما في بعضها.وفي بعض النسخ: «الشبيه» أي نزل بالكفّار من هبوب الرِّياح العاصفة، وما حصى الحجارة، وما كانوا فيه من الخوف والاضطراب والحيرة، يشبه بآيات القيامة وأهوالها، أو كان الزمان الذي وقع بهم تلك الشدائد شبيها بيوم القيامة.ويحتمل أن يكون لغرض بيان شدّة أحوال المسلمين قبل نزول هذا الفتح والظفر من الجوع والخوف.

متن الحديث العشرين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ هِشَامٍ الْخُرَاسَانِيِّ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ :كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام بِالْكُوفَةِ أَيَّامَ قَدِمَ عَلى أَبِي الْعَبَّاسِ ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْكُنَاسَةِ قَالَ : «هَاهُنَا صُلِبَ عَمِّي زَيْدٌ رَحِمَهُ اللّهُ».

ثُمَّ مَضى حَتَّى انْتَهى إِلى طَاقِ الزَّيَّاتِينَ وَهُوَ آخِرُ السَّرَّاجِينَ ، فَنَزَلَ ، وَقَالَ : «انْزِلْ ؛ فَإِنَّ هذَا الْمَوْضِعَ كَانَ مَسْجِدَ الْكُوفَةِ الْأَوَّلَ الَّذِي خَطَّهُ آدَمُ عليه السلام وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أَدْخُلَهُ رَاكِبا» .

قَالَ : قُلْتُ : فَمَنْ غَيَّرَهُ عَنْ خِطَّتِهِ؟

قَالَ : «أَمَّا أَوَّلُ ذلِكَ الطُّوفَانُ فِي زَمَنِ نُوحٍ عليه السلام ، ثُمَّ غَيَّرَهُ أَصْحَابُ كِسْرى وَنُعْمَانَ (3)، ثُمَّ غَيَّرَهُ بَعْدُ زِيَادُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ» .

فَقُلْتُ : وَكَانَتِ الْكُوفَةُ وَمَسْجِدُهَا فِي زَمَنِ نُوحٍ عليه السلام ؟

ص: 520


1- الصحاح، ج 2، ص 478 (رود)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 133 (مدر) مع التقديم والتأخير في العبارة
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي ومرآة العقول: «والنعمان»

فَقَالَ لِي (1): «نَعَمْ يَا مُفَضَّلُ ، وَكَانَ مَنْزِلُ نُوحٍ وَقَوْمِهِ فِي قَرْيَةٍ عَلى مَنْزِلٍ مِنَ الْفُرَاتِ مِمَّا يَلِي غَرْبِيَّ الْكُوفَةِ» .

قَالَ : «وَكَانَ نُوحٌ عليه السلام رَجُلًا نَجَّارا ، فَجَعَلَهُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ نَبِيّا وَانْتَجَبَهُ ، وَنُوحٌ عليه السلام أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ سَفِينَةً تَجْرِي عَلى ظَهْرِ الْمَاءِ» .

قَالَ : «وَلَبِثَ نُوحٌ عليه السلام فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَا خَمْسِينَ عَاما، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَهْزَؤُونَ بِهِ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُ ، فَلَمَّا رَأى ذلِكَ مِنْهُمْ دَعَا عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ : «رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّارا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلّا فاجِرا كَفّارا» (2)فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلى نُوحٍ : أَنِ اصْنَعْ سَفِينَةً وَأَوْسِعْهَا وَعَجِّلْ عَمَلَهَا ، فَعَمِلَ نُوحٌ سَفِينَةً فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ بِيَدِهِ ، فَأَتى بِالْخَشَبِ مِنْ بُعْدٍ حَتّى فَرَغَ مِنْهَا» .

قَالَ الْمُفَضَّلُ : ثُمَّ انْقَطَعَ حَدِيثُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ ، فَقَامَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ مِنَ الْمَسْجِدِ ، فَالْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى مَوْضِعِ دَارِ الدَّرَّارِبِينَ (3). _ وَهُوَ مَوْضِعُ دَارِ ابْنِ حَكِيمٍ وَذَاكَ فُرَاتٌ الْيَوْمَ _ فَقَالَ لِي : «يَا مُفَضَّلُ ، وَهَاهُنَا (4)نُصِبَتْ أَصْنَامُ قَوْمِ نُوحٍ عليه السلام : يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرا» ثُمَّ مَضى حَتّى رَكِبَ دَابَّتَهُ .

فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فِي كَمْ عَمِلَ نُوحٌ سَفِينَتَهُ حَتّى فَرَغَ مِنْهَا؟

قَالَ : «فِي دَوْرَيْنِ».قُلْتُ : وَكَمِ الدَّوْرَيْنِ؟ قَالَ : «ثَمَانِينَ سَنَةً» .

قُلْتُ : وَإِنَّ الْعَامَّةَ يَقُولُونَ : عَمِلَهَا فِي خَمْسِمِائَةِ عَامٍ .

فَقَالَ : «كَلَا ، كَيْفَ وَاللّهُ يَقُولُ : «وَوَحْيِنا» (5)» .

قَالَ : قُلْتُ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ» (6)فَأَيْنَ كَانَ مَوْضِعُهُ؟ وَكَيْفَ كَانَ؟

فَقَالَ : «كَانَ التَّنُّورُ فِي بَيْتِ عَجُوزٍ مُؤْمِنَةٍ فِي دُبُرِ قِبْلَةِ مَيْمَنَةِ الْمَسْجِدِ» .

ص: 521


1- . في بعض نسخ الكافي: - «لي»
2- . نوح (71): 26 و 27
3- في كلتا الطبعتين: «الداريّين».وفي بعض نسخ الكافي: «الداربين»
4- في بعض نسخ الكافي: «هاهنا» بدون الواو
5- . هود (11): 37؛ المؤمنون (23): 27
6- . هود (11): 40

فَقُلْتُ لَهُ : فَإِنَّ ذلِكَ مَوْضِعُ زَاوِيَةِ بَابِ الْفِيلِ الْيَوْمَ ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : وَكَانَ بَدْءُ خُرُوجِ الْمَاءِ مِنْ ذلِكَ التَّنُّورِ؟

فَقَالَ : «نَعَمْ ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَحَبَّ أَنْ يُرِيَ قَوْمَ نُوحٍ آيَةً ، ثُمَّ إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ يُفِيضُ فَيْضا ، وَفَاضَ الْفُرَاتُ فَيْضا ، وَالْعُيُونُ كُلُّهُنَّ فَيْضا ، فَغَرَّقَهُمُ اللّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ ، وَأَنْجى نُوحا وَمَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ» .

فَقُلْتُ لَهُ : كَمْ لَبِثَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ حَتّى نَضَبَ الْمَاءُ وَخَرَجُوا مِنْهَا؟

فَقَالَ : «لَبِثُوا فِيهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا ، وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعا ، ثُمَّ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ، وَهُوَ فُرَاتُ الْكُوفَةِ» .

فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ مَسْجِدَ الْكُوفَةِ قَدِيمٌ؟

فَقَالَ : «نَعَمْ ، وَهُوَ مُصَلَّى الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى الّلهُ عَلَيْهِمْ ، وَلَقَدْ صَلّى فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حِينَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ : يَا مُحَمَّدُ ، هذَا مَسْجِدُ أَبِيكَ آدَمَ عليه السلام ، وَمُصَلَّى الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ، فَانْزِلْ فَصَلِّ فِيهِ ، فَنَزَلَ فَصَلّى فِيهِ ، ثُمَّ إِنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف على الأصحّ.

قوله: (أيّام قدم على أبي العبّاس) أي في أيّام قدومه عليه السلام على أبي العبّاس السفّاح أوّل الخلفاء العبّاسيّة.

(فلمّا انتهينا إلى الكناسة) بالضمّ: موضع بالكوفة.

(قال: هاهنا صلب عمّي زيد) إلى قوله: (زياد بن أبي سفيان).

الطاق: ما عُطِف من الأبنية.والخِطّة _ بالكسر _ : الأرض يختطّها الرجل ويعلمها لنفسه.

وكسرى _ بالكسر، ويفتح _ : ملك الفرس، معرّب خسرو، أي واسع الملك.ونعمان بن المنذر: أحد ملوك العرب.

(فقال: «رَبِّ لَا تَذَرْ» ) أي لا تَدع من قولهم: ذَرْه، أي دعه.

«عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارا» .

قال البيضاوي: أي أحدا، وهو ممّا يستعمل في النفي العام فيُعال: من الدار أو الدور، أصله دَيْوار،

ص: 522

ففعل به ما فعل بأصل سيّد الأفعال، وإلّا لكان دوّارا(1).

«إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ» الآية.

قال: ذلك لمّا جرّبهم واستقرء أحوالهم في ألف سنة إلّا خمسين عاما، فعرف شيمهم وطبائعهم(2).

(وأشار بيده إلى موضع دار الدرّابين).

الدرّاب: فعّال من الدّرب، وهو باب السكّة الواسع، والباب الأكبر، وأصله المضيق في الجبال، وفسّر بعضهم الدّرّابين بالعشّارين.

وفي بعض النسخ: «الدّاريين».وفي بعضها: «الداربين» وهو فاعل من الدرب.ويحتمل كونه باليايين.

قال الفيروزآبادي: الداري: العطّار، منسوب إلى دارين فرضة بالبحرين، بها سوق يحمل المسك من الهند إليها، وربّ النعم، والملّاح الذي يلي الشراع(3).

(وذاك فرات اليوم) أي الجدول الذي يجيء من الفرات إلى الكوفة.

(فقال لي: يا مفضّل، وهاهنا نصبت أصنام قوم نوح عليه السلام ).

وقوله: (يغوث ويعوق ونسرا) بدل من الأصنام، أو خبر مبتدأ محذوف.

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «وَلَا تَذَرُنَّ وَدّا وَلَا سُوَاعا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرا» : (4).

قيل: هي أسماء رجال صالحين كانوا بين آدم ونوح عليهماالسلام، فلمّا ماتوا صوّروا تبرّكا بهم، فلمّا طال الزمان عُبِدوا وقد انتقلت إلى العرب، وكان ودّ لكلب، وسواع لهمدان، ويغوث لمذحج، ويعوق لمُراد، ونسر لحمير(5).

(فقال: كلّا، [كيف] واللّه يقول: «وَوَحْيِنَا» ).

قال اللّه عزّ وجلّ: «وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا» .قال البيضاوي وغيره: أي بوحينا

ص: 523


1- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 395
2- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 395
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 32 (دور)
4- نوح (71): 23
5- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 395

إليك كيف تصنعها(1).

وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله: «معناه: وعلى ما أوحينا إليك من صفتها وحالها.[عن أبي مسلم] وقيل: المراد بوحينا [إليك] أن أصنعها» انتهى(2).

أقول: غرضهم أنّ المراد بالوحي هنا الإرشاد والتعليم.وقال الجوهري:

الوحي: الكتاب.والوحي أيضا: الإشارة، والكتابة، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفي، وكلّ ما ألقيته إلى غيرك.يُقال: وحيت إليه الكلام وأوحيت، وهو أن تكلّمه بكلام تخفيه.والوحا: السرعة، يمدّ ويقصّر.وتوح يا هذا، أي اسرع.ووحّاه توحية، أي عجّله.والوحي _ على فعيل _ : السريع(3).

وفي القاموس: «الوحي: العجلة، والإسراع، ويمدّ.ووحى وتوحّى: أسرع.ووحّاه توحيةً: عجّله»(4).

إذا تمهّد هذا فنقول: الظاهر أنّه عليه السلام فسّر الوحي هنا بالسرعة، وقد عرفت أنّ الوحي بهذا المعنى بالقصر أو بالمدّ، ويمكن أن يقال: إنّ الوحي _ بالتسكين _ أيضا جاء بهذا المعنى، وإلّا لم يذكره أهل اللغة كما يجيء في سائر تصاريفه بهذا المعنى.

وقيل: يحتمل أن يكون في قراءتهم عليهم السلام : «وحانا» بالقصر، أو يكون المراد أنّ ما أوحاه اللّه وأمره به لا يناسب فيه هذا المعنى التأخير(5)ولا يخفى بُعد كلا التوجيهين، فتأمّل.

(قال: قلت: فأخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة هود: «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا» .

قال البيضاوي:

غاية لقوله: «وَ يَصْنَعُ الْفُلْكَ» وما بينهما حال من الضمير فيه، أو حتّى هي التي يبتدأ بعدها الكلام.

«وَفَارَ التَّنُّورُ» (6).؛ نبع الماء منه، وارتفع كالقدر تفور.والتنوّر: تنوّر الخبز، ابتدأ منه النبوع على خرق العادة، وكان في الكوفة في موضع مسجدها، أو في الهند، أو بعين وردة من أرض الجزيرة.

وقيل: التنوّر: وجه الأرض، أو أشرف موضع فيها(7).

ص: 524


1- اُنظر: الكشّاف، ج 3، ص 30؛ تفسير الرازي، ج 17، ص 223؛ تفسير البيضاوي، ج 4، ص 152
2- مجمع البيان، ج 5، ص 271
3- الصحاح، ج 6، ص 2520 مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 399 (وحي)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 297
6- .هود (11): 40
7- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 234

انتهى كلام البيضاوي.

وقال الرازي في تفسيره: الأكثرون على أنّه التنوّر المعروف.

روي أنّه قيل لنوح: إذا رأيت الماء يفور من التنوّر فاركب ومَن معك السفينة، فلمّا فار الماء من التنوّر أخبرته من امرأته فركب.وقيل: كان هو تنوّر آدم، وكان من حجارة فصار إلى نوح، واختلفوا في مكانه؛ فعن الشعبي في مسجد الكوفة عن يمين الداخل ما يلي باب كندة، وكان نوح عمل السفينة في وسط المسجد.

وقيل: بالشام بموضع يُقال له عين وردة.

وقيل: بالهند.

والقول الثاني أنّ التنوّر وجه الأرض، عن ابن عبّاس.

والثالث: أنّه أشرف موضع في الأرض، أي أعلاه.عن قتادة.

والرابع: فار التنوّر، أي طلع الفجر.عن عليّ عليه السلام .وقيل: إنّ فوران التنوّر عند طلوع الفجر.

والخامس: هو مثل كقولهم حمى الوطيس.

والسادس: أنّه الموضع المنخفض من السفينة التي يسيل الماء إليه.عن الحسن.

والقول الأوّل هو الصواب(1).

(أرسل عليهم المطر؛ يفيض فيضا).

قال الجوهري: «فاض الماء فيضا وفيضوضة: كثر حتّى سال على ضفّة الوادي»(2).

وقال: «الضفّة _ بالكسر _ جانب النهر»(3).

(نضب الماء).

نضب الماء _ كنصر _ نضوبا، أي غار في الأرض، وسَفُلَ.والناضب: البعيد.ومنه قيل للماء إذا ذهب: نصب، أي بَعُد.

(وطافت بالبيت اُسبوعا).

قيل: المراد منه فعل كلّ الأفعال حتّى طواف النساء(4).

ص: 525


1- تفسير الرازي، ج 23، ص 94 مع اختلاف يسير في اللفظ
2- الصحاح، ج 3، ص 1099 (فيض)
3- الصحاح، ج 4، ص 1399 (ضفف)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 398

(ثمّ استوت على الجودي).

قال الجوهري: «استوى على ظهر دابّته، أي استقرّ»(1).

وقال: الجودي جبل بأرض الجزيرة استوت عليه سفينة نوح عليه السلام وقرأ الأعمش: واستوت على الجودى بإرسال الياء، وذلك جائز للتخفيف، أو يكون سمّى بفعل الاُنثى مثل حُطّى، ثمّ أدخل عليه الألف واللّام عن الفرّاء(2).

وقال البيضاوي: «الجودى: جبل بالمَوْصِلْ.وقيل: بالشام.وقيل: بآمل» انتهى(3).

وقيل: هو اسم لكلّ جبل وأرض صلبة(4).

وقيل: هو جبل في نجف أمير المؤمنين عليه السلام (5).ويدلّ على هذا الأخير قوله عليه السلام : (وهو فرات الكوفة).

لعلّ الضمير راجع إلى الجودي، وحمل الفرات عليه باعتبار كونه قريبا منه.

وقيل: يحتمل أن يكون في الأصل قريب الكوفة، فصحّف؛ إذ قد ورد في الأخبار أنّه نجف الكوفة(6).

وقال بعض الشارحين: يحتمل إرجاع الضمير إلى الفرات المذكور سابقا في قوله: (وفاض الفرات فَيْضا) (7).ولا يخفى بُعده.

متن الحديث الواحد والعشرين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْأَسَدِيِّ :

عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : «إِنَّ نُوحا _ صَلَّى اللّه ُ عَلَيْهِ _ لَمَّا فَرَغَ مِنَ السَّفِينَةِ وَكَانَ مِيعَادُهُ فِيمَا

ص: 526


1- الصحاح، ج 6، ص 2385 (سوى)
2- الصحاح، ج 2، ص 461 (جود)
3- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 237
4- نقله الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان، ج 5، ص 281 عن أبي مسلم
5- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 398 بعنوان «قيل»
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 298
7- لم نعثر على قائله

بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ فِي إِهْلَاكِ قَوْمِهِ أَنْ يَفُورَ التَّنُّورُ فَفَارَ ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ : إِنَّ التَّنُّورَ قَدْ فَارَ ، فَقَامَ إِلَيْهِ فَخَتَمَهُ ، فَقَامَ الْمَاءُ ، وَأَدْخَلَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ ، وَأَخْرَجَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ ، ثُمَّ جَاءَ إِلى خَاتَمِهِ فَنَزَعَهُ ، يَقُولُ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونا فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ» (1)قَالَ : «وَكَانَ نَجَرَهَا فِي وَسَطِ مَسْجِدِكُمْ ، وَلَقَدْ نَقَصَ عَنْ ذَرْعِهِ سَبْعُمِائَةِ ذِرَاعٍ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (فقام إليه) أي إلى التنوّر، أو الماء الذي فارَ منه.

(فختمه).

سيأتي في الحديث الآتي أنّه جعل الطبق عليه وختمه بخاتمه.

(فقام الماء) أي مكث واستقرّ، ولم يتعدّ عن حدّ التنوّر.

(وأدخل) في السفينة.

(من أراد أن يدخل).

المستتر في «أراد» عائد إلى نوح عليه السلام ، أو إلى الموصول.وعلى الأوّل يدخل من الإدخال، وعلى الثاني من الدخول، وقس عليه.

قوله: (وأخرج من أراد أن يخرج).

والظاهر أنّ المراد بالإخراج ما يعمّ عدم الإدخال رأسا.

(ثمّ جاء إلى خاتمه) أي بعدما فرغ من أمر السفينة وساكنيه.

(فنزعه) أي فضّه، وكشف الطبق، ففار الماء.

(يقول اللّه عزّ وجلّ) في سورة القمر: «وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونا» : وجعلنا الأرض كلّها كأنّها عيون منفجرة، وأصله وفجّرنا عيون الأرض، فغيّر للمبالغة.

«فَالْتَقَى الْمَاءُ» ؛ ماء السماء وماء الأرض.وقرئ الماءان لاختلاف النوعين، والماوان بقلب الهمزة واوا.

ص: 527


1- . القمر (54): 11 _ 13

«عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ» على حال قدّرها اللّه في الأزل من غير تفاوت، أو على حال قدّرت وسوّيت، وهو أن قدّر ما أنزل من السماء على قدر ما أخرج، أو على أمرٍ قدّره اللّه ، وهو هلاك قوم نوح بالطوفان.

«وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ» : ذات أخشاب عريضة.

«وَدُسُرٍ» ومسامير جمع دسار من الدسر، وهو الدفع الشديد، وهي صفة للسفينة اُقيمت مقامهما من حيث إنّها كالشرح لها يؤدّي مؤدّاها، انتهى.

وقال الفيروزآبادي:

الدسر: الطعن، والدفع، وإصلاح السفينة بالدسار للمسمار، وإدخال الدسار في شيء بقوّة.والدسار: خيط من ليف يشدّ به ألواحها.الجمع: دُسر ودُسُر.والدسر: السفن تدرس الماء بصدورها، الواحدة: دَسراء(1).

قال: (وكان نجرها).

النجر: تحت الخشب، وفعله كنصر.

(في وسط مسجدكم) يعني مسجد الكوفة.

(ولقد نقص عن ذرعه سبعمائة ذراع).

الظاهر عود الضمير المجرور إلى المسجد، وكذا المستتر في «نقص»، والغرض رفع الاستبعاد عن عمل سفينة في المسجد طولها ألف ومائتا ذراع كما سيجيء، أي نقصوا المسجد عمّا كان عليه في زمن نوح سبعمائة ذراع، وفي بعض الأخبار أيضا دلالة على أصل النقص.

متن الحديث الثاني والعشرين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «جَاءَتِ امْرَأَةُ نُوحٍ عليه السلام وَهُوَ يَعْمَلُ السَّفِينَةَ ، فَقَالَتْ لَهُ : إِنَّ التَّنُّورَ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ ، فَقَامَ إِلَيْهِ مُسْرِعا حَتّى جَعَلَ الطَّبَقَ عَلَيْهِ وَخَتَمَهُ بِخَاتَمِهِ ، فَقَامَ الْمَاءُ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ السَّفِينَةِ جَاءَ إِلَى الْخَاتَمِ فَفَضَّهُ ، وَكَشَفَ الطَّبَقَ ، فَفَارَ الْمَاءُ» .

ص: 528


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 29 (دسر) مع التلخيص

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (حتّى جعل الطبق عليه).

قال في القاموس: «الطبق _ محرّكة _ : غطاء كلّ شيء.

والطبق أيضا من كلّ شيء: ما ساواه، والذي يؤكل عليه»(1).

وقال: «الفضّ: الكسر بالتفرقة، وفكّ خاتم الكتاب»(2).

وقال: «فار فورا وفؤورا [بالضمّ] وفورانا: جاش.

والعِرق فَوَرانا: «هاج، ونَبَعَ»(3).

متن الحديث الثالث والعشرين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَتْ شَرِيعَةُ نُوحٍ عليه السلام أَنْ يُعْبَدَ اللّهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالْاءِخْلَاصِ وَخَلْعِ الْأَنْدَادِ ، وَهِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، وَأَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَهُ عَلى نُوحٍ وَعَلَى النَّبِيِّينَ عليهم السلام أَنْ يَعْبُدُوا اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا ، وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَلَمْ يَفْرِضْ عَلَيْهِ أَحْكَامَ حُدُودٍ ، وَلَا فَرَضَ (4)مَوَارِيثَ ، فَهذِهِ شَرِيعَتُهُ ، فَلَبِثَ فِيهِمْ نُوحٌ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَا خَمْسِينَ عَاما يَدْعُوهُمْ سِرّا وَعَلَانِيَةً ، فَلَمَّا أَبَوْا وَعَتَوْا قَالَ : رَبِّ إِنِّى مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، فَأَوْحَى اللّهُ _ جَلَّ وَعَزَّ _ إِلَيْهِ : «أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ» (5)، فَلِذلِكَ قَالَ نُوحٌ عليه السلام : «وَلا يَلِدُوا إِلّا فاجِرا كَفّارا» (6)فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلَيْهِ : «أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ» (7).» .

شرح الحديث

السند مجهول.

وما قيل من أنّه حسن أو موثّق، ففيه نظر.

ص: 529


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 255 (طبق)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 340 (فضض)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 112 (فود) مع التلخيص
4- . في بعض نسخ الكافي: «فرائض»
5- . هود (11): 36
6- . نوح (71): 27
7- . المؤمنون (23): 27

قوله: (كانت شريعة نوح عليه السلام أن يعبداللّه بالتوحيد) أي الإقرار بوحدانيّته تعالى، ونفي شركة الغير معه في الوجوب الذاتي، وقد يُطلق التوحيد على ما يعمّ سائر الصفات الكماليّة والجلاليّة.

(والإخلاص) هو ترك الرياء في العمل، وقد يحدّ بأنّه تنزيه النيّة والعمل عن أن يكون لغيره تعالى نصيب فيهما.

(وخلع الأنداد).

في القاموس: «الخلع _ كالمنع _ : النزع إلّا أنّ في الخلع مهلة»(1).

والأنداد: جمع ندّ _ بالكسر _ وهو المثل.

وقيل: الندّ: المثل المنادى، أي المضادّ والمعادي، من ندّ ندودا: إذا نفر.وناددتُ الرجل:

خالفته، خصّ بالمخالف المماثل في الذات، كما خصّ المساوي للمماثل في القدر(2).

(وهي) أي العبادة بالتوحيد وتالييه أو أصل التوحيد، والتأنيث باعتبار الخبر.

(الفطرة التي فطر الناس عليها) إشارة إلى قوله _ عزّ وجلّ _ في سورة الروم: «فِطْرَةَ اللّه ِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» (3)وأنّ المراد بالفطرة تمكّنهم من إدراك الحقّ وقبولهم له.

وقال بعضهم: هي العهد المأخوذ من آدم وذرّيّته(4). وذهب بعضهم إلى أنّ المراد بها ما سبق في العلم الأزلي من السعادة والشقاوة(5).

وأراد بقوله: (وأخذ اللّه ميثاقه) إلى قوله: (والحلال والحرام) أنّ هذه طريقة مستمرّة وسنّة جارية في جميع الملل والأديان.

(ولم يفرض عليه) أي على نوح (أحكام حدود).

الإضافة بيانيّة، أو لاميّة.ولعلّ المراد بالحدود تأديبات المذنب بما يمنعه وغيره من الذنب، كحدّ الشارب والسارق مثلاً.

(فلمّا أبوا وعتوا).

أبى الشيء يأباه وإباءة: كرهه، وامتنع منه.وعتا عتوّا: استكبر، وجاوز الحدّ.

ص: 530


1- القاموس المحيط، ج 3، ص 19 (خلع)
2- ذهب إليه الزمخشري في الكشّاف، ج 1، ص 237
3- .الروم (30): 30
4- نقله البيضاوي في تفسيره، ج 4، ص 335 بعنوان «قيل»
5- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 400 عن البعض

(قال: ربِّ إنّي مغلوب) أي غلبني قومي.

(فانتصر) أي فانتقم لي منهم.

(فأوحى اللّه _ عزّ وجلّ _ إليه: «أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» ).

كذا في النسخ.وفي سورة هود: «بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» ، فتأمّل.

الابتئاس: الحزن، والكراهة، والغرض من هذا الكلام إقناطه عليه السلام من إيمان قومه، ونهيه عن الاغتمام بما فعلوه من التكذيب والإيذاء.

متن الحديث الرابع والعشرين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعا ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ نُوحا عليه السلام لَمَّا غَرَسَ النَّوى مَرَّ عَلَيْهِ قَوْمُهُ ، فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيَسْخَرُونَ ، وَيَقُولُونَ : قَدْ قَعَدَ غَرَّاسا ، حَتّى إِذَا طَالَ النَّخْلُ _ وَكَانَ جَبَّارا طُوَالًا _ قَطَعَهُ ثُمَّ نَحَتَهُ ، فَقَالُوا : قَدْ قَعَدَ نَجَّارا ، ثُمَّ أَلَّفَهُ فَجَعَلَهُ سَفِينَةً ، فَمَرُّوا عَلَيْهِ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيَسْخَرُونَ ، وَيَقُولُونَ : قَدْ قَعَدَ مَلَاحا فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، حَتّى فَرَغَ مِنْهَا» .

شرح الحديث

السند مجهول؛ لاشتراك إسماعيل.

قوله: (لمّا غرس النوى).

الغرس: إنبات الشجر في الأرض، وفعله كضرب.

والنوى، جمع نواة: التمر.ونسبة الغرس إليها باعتبار ما يؤول إليه.

وقعد بمعنى صار.

قال الفيروزآبادي: «حدّد شفرته حتّى قعدت كأنّها حربة، أي صارت، وثوبك لا تقعد تطير به الريح؛ أي لا تصير الريح طائرة به»(1).

ص: 531


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 329 (قعد)

وقال: «الجبّار: العظيم القوي الطويل، والنخلة الطويلة الفتيّة، ويضمّ»(1).

وقال: «طال طولاً _ بالضمّ _ : امتدّ، فهو طويل.وطُوال _ كغُراب _ وهي بهاء الجمع طوال، بالكسر وكرمّان: المفرط الطول»(2).

وقوله: (قعد ملّاحا في فلاة) أي مفازة لا ماء فيها.

(من الأرض).

قيل: الظاهر أنّهم لم يعرفوا قبل ذلك ملّاحا، ولم يروا سفينة جرت على الماء، فكأنّهم علموا ذلك بإخبار نوح عليه السلام [عنه] حين أراد نجر السفينة(3).

متن الحديث الخامس والعشرين والأربعمائة

اشارة

عَلِيٌّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ الثَّوْرِيِّ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ طُولُ سَفِينَةِ نُوحٍ عليه السلام أَلْفَ ذِرَاعٍ وَمِائَتَيْ ذِرَاعٍ، وَعَرْضُهَا ثَمَانُمِائَةِ ذِرَاعٍ ، وَطُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَمَانِينَ ذِرَاعا (4)، وَسَعَتْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ، ثُمَّ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (وسعت) من السعي.

(بين الصفا والمروة، وطافت بالبيت سبعة أشواط).

قيل: الظاهر أنّ «سبعة أشواط» متعلّق بالسّعي والطواف على سبيل التنازع، والواو لا يدلّ على الترتيب، فلا ينافي تأخّر السّعي عن طواف الزيارة.ويمكن أن يُراد بالطواف طواف النساء؛ فإنّه متأخّر عن السّعي لطواف الزيارة(5).

قال بعض الأفاضل: «لا ينافي عظم السفينة سعيها بين الصفا والمروة؛ لما سيأتي من

ص: 532


1- القاموس المحيط، ج 1، ص 384 (جبر)
2- القاموس المحيط، ج 4، ص 9 (طول) مع التلخيص
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 400
4- . في أكثر نسخ الكافي: - «ذراعا»
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 400 مع اختلاف يسير في اللفظ

ارتفاع الماء عن الجبلين».

قال: «ويحتمل أن يكون سعيها بحذائهما بأن لا يدخل بينهما، أو بأن يدخل مؤربا من أحد جانبي [أحد] الجبلين، ويخرج من الجانب الآخر [من الجبل الآخر]» (1).

متن الحديث السادس والعشرين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الدَّيْلَمِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «حَمَلَ نُوحٌ عليه السلام فِي السَّفِينَةِ الْأَزْوَاجَ الثَّمَانِيَةَ الَّتِي قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ [..] وَمِنَ الْاءِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ» (2)فَكَانَ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ : زَوْجٌ دَاجِنَةٌ يُرَبِّيهَا النَّاسُ ، وَالزَّوْجُ الْاخَرُ الضَّأْنُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْجِبَالِ الْوَحْشِيَّةُ أُحِلَّ لَهُمْ صَيْدُهَا ؛ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ : زَوْجٌ دَاجِنَةٌ يُرَبِّيهَا (3)النَّاسُ ، وَالزَّوْجُ الْاخَرُ الظَّبْيُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَفَاوِزِ ؛ وَمِنَ الْاءِبِلِ اثْنَيْنِ : الْبَخَاتِيُّ (4)وَالْعِرَابُ ؛ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ : زَوْجٌ دَاجِنَةٌ لِلنَّاسِ ، وَالزَّوْجُ الْاخَرُ الْبَقَرُ الْوَحْشِيَّةُ ، وَكُلُّ طَيْرٍ طَيِّبٍ وَحْشِيٍّ أَوْ إِنْسِيٍّ ، ثُمَّ غَرِقَتِ الْأَرْضُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف، والظاهر أنّ محمّد بن أبي عبداللّه محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي الثقة.

قوله: (قال: حمل نوح عليه السلام في السفينة الأزواج الثمانية التي قال اللّه عزّ وجلّ) في سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ» إلى قوله: «وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللّه ُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» (5).

«ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ» .

قال البيضاوي:

هو بدل من «حَمُولَةً» و «فَرْشا» ، [أو مفعول] «كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللّه ُ» .و «لَا

ص: 533


1- . القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 302
2- . الأنعام (6): 143 و 144
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «تربّيها»
4- . في بعض نسخ الكافي: «النجاتي»
5- .الأنعام (6): 141 _ 142

تَتَّبِعُوا» معترض بينهم، أو فعل دلَّ عليه، أو حال ممّا والزوج ما معه آخر من جنسه يزاوجه، وقد يُقال لمجموعهما، والمراد الأوّل.

«مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ» ؛ زوجين اثنين: الكبش والنعجة، وهو بدل من «ثَمَانِيَةَ» .

«وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ» أي التيس والعنز.

«قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ» ذكر الضأن وذكر المعز.

«حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ» أم انثييهما، ونصب الذكرين والانثيين بحرّم.

«أَمَّا اشْتَمَلَتْ» أرحام الانثيين، أو ما حملت إناث الجنسين ذكرا كان أو اُنثى.

«نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ» بأمر معلوم يدلّ على أنّه حرّم شيئا من ذلك.

«إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ» في دعوى التحريم عليه.

«وَمِنْ الْاءِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ» (1). كما سبق، والمعنى إنكار أنّ اللّه حرّم من الأجناس الأربعة، ذكرا أو اُنثى، أو ما تحمل إناثها ردّا عليهم؛ فإنّهم كانوا يحرّمون ذكور الأنعام تارةً وذكور الإناث تارةً، وأولادها كيف كانت تارةً زاعمين أنّ اللّه حرّمها، انتهى(2).

(وكان من الضأن اثنين زوج واُخته).

المراد بالزوج هنا خلاف الفرد، ويقال للاثنين: هما زوجان وهما زوج.

والداجنة: الأهليّة، وهي خلاف الوحشيّة.

قال في النهاية: «الداجن: الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم؛ يُقال: شاة داجنه»(3).

وقال الجوهري: «دجن بالمكان دجونا: أقام به.ابن السكّيت: شاة داجن: إذا ألفت البيوت واستأنست.قال: ومن العرب من يقولها بالهاء، وكذلك غير الشاة» انتهى(4).

والظباء: جمع الظبي، وهو معروف.والظاهر أنّ المراد بها هنا المعز الوحشيّة بقرينة قَرْينيه.

وقال الفيروزآبادي: «وهي البخت _ بالضمّ _ : الإبل الخراسانيّة، كالبختيّة.الجمع بخاتي وبخاتي وبخات»(5).

ص: 534


1- الأنعام (6): 144
2- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 459 مع التلخيص واختلاف في اللفظ
3- النهاية، ج 2، ص 102 (دجن)
4- الصحاح، ج 2، ص 102 (دجن)
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 142 (بخت) مع اختلاف في اللفظ

وقال الجوهري: البخت من الإبل معرّب، وبعضهم يقول: عربيّ، الواحد: بختي، والاُنثى: بختيّة، وجمعه: بخاتي، غير مصروف؛ لأنّه بزنة جمع الجمع، ولك أن تخفّف الياء فتقول: البخاتي(1).

وقال: «الإبل العراب والخيل العراب خلاف البخاتي والبراذين»(2).

وفي القاموس: «الإنس: البشر.والاُنس _ بالضمّ، وبالتحريك _ والاُنسة محرّكة: ضدّ الوحشة»(3). إذا عرفت هذا فنقول: اختلف القرّاء في قراءة قوله تعالى في سورة هود: «قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا» (4)في السفينة من كلّ نوع من الحيوانات المنتفع بها زوجين اثنين ذكرا أو اُنثى، وحمل القراءة الثانية معناه اثنين من كلّ زوجين من كلّ صنف ذكر وصنف اُنثى، ولا يذهب عليك أنّ تفسيره عليه السلام على القراءتين جميعا من غير ارتكاب تكلّف.

متن الحديث السابع والعشرين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي يَزِيدَ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «ارْتَفَعَ الْمَاءُ عَلى كُلِّ جَبَلٍ وَعَلى كُلِّ سَهْلٍ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعا» .

شرح الحديث

السند مرسل.

قوله: (ارتفع الماء على كلّ جبل وعلى كلّ سهل خمسة عشر ذراعا)؛ يعني في طوفان نوح عليه السلام .

والظاهر أنّ المراد بالذراع ذراع المحدثين، وأنّ ارتفاع الماء عن أرفع الجبال هذا المقدار، ثمّ يزيد الارتفاع بحسب انخفاض المواضع.

والحاصل أنّ ارتفاع هذا المقدار بعدما استوى على الجميع وخفي فيه كلّ سهل وجبل، وما قيل: إنّه يحتمل أن يكون المراد أنّه ارتفع الماء عن كلّ مرتفع ومنخفض خمسة عشر

ص: 535


1- الصحاح، ج 1، ص 243 (بخت) مع التلخيص
2- الصحاح، ج 1، ص 179 (عرب)
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 198 (أنس)
4- هود (11): 40

ذراعا، بأن يكون سطح الماء كسطح الأرض في عدم الاستواء، (1).

ففيه أنّه يلزم حينئذٍ تفاوت سطح الماء في الارتفاع والانخفاض تفاوتا فاحشا مستبعد طبعا وعادةً مانعا من جري السفينة على سطحه إلّا على خرق العادة.

متن الحديث الثامن والعشرين والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «عَاشَ نُوحٌ عليه السلام أَلْفَيْ سَنَةٍ وَثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ ، مِنْهَا ثَمَانُمِائَةٍ (2)وَخَمْسُونَ (3)سَنَةً قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ ، وَأَلْفُ سَنَةٍ إِلَا خَمْسِينَ عَاما وَهُوَ فِي قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ ، وَخَمْسُمِائَةِ عَامٍ بَعْدَ مَا نَزَلَ مِنَ السَّفِينَةِ ، وَنَضَبَ الْمَاءُ، فَمَصَّرَ الْأَمْصَارَ ، وَأَسْكَنَ وُلْدَهُ الْبُلْدَانَ .

ثُمَّ إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ جَاءَهُ وَهُوَ فِي الشَّمْسِ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ نُوحٌ عليه السلام ، قَالَ (4): مَا جَاءَ بِكَ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ؟ قَالَ : جِئْتُكَ لِأَقْبِضَ رُوحَكَ ، قَالَ : دَعْنِي أَدْخُلْ مِنَ الشَّمْسِ إِلَى الظِّلِّ ، فَقَالَ لَهُ : نَعَمْ ، فَتَحَوَّلَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مَلَكَ الْمَوْتِ ، كُلُّ مَا مَرَّ بِي مِنَ الدُّنْيَا مِثْلُ تَحْوِيلِي (5)مِنَ الشَّمْسِ إِلَى الظِّلِّ ، فَامْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ ، فَقَبَضَ رُوحَهُ عليه السلام » .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (وألف سنة إلّا خمسين عاما).

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَا خَمْسِينَ عَاما» : (6).

لعلّ اختيار هذه العبارة للدلالة على كمال العدد؛ فإنّ تسعمائة وخمسين قد يطلق على ما يقرب منه ولما ذكر في الألف من تخييل طول المدّة إلى السامع؛ فإنّ المقصود من القصّة تسلية رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتثبيته على ما يكابد من الكفرة،

ص: 536


1- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 303 مع اختلاف في اللفظ
2- . في كثير من نسخ الكافي: + «سنة»
3- . في الطبعة القديمة: «وخمسين»
4- . في بعض نسخ الكافي والوافي: «فقال»
5- . في بعض نسخ الكافي: «تحوّلي»
6- .العنكبوت (29): 14

واختلاف المميّزين لما في التكرير من البشاعة(1).

(فمصّر الأمصار).

في القاموس: «المصر _ بالكسر _ : الحاجز بين الشيئين، والحدّ بين الأرضين والكورة.

ومصّروا المكان تمصيرا: جعلوه مصرا»(2).

(مثل تحويلي من الشمى إلى الظلّ).

قال بعض الشارحين:

المماثلة في القلّة والنقصان وعدم الاعتداد به، وهذا من باب المبالغة في التعبير عن التعلّق بالرذائل، أو باعتبار أنّ الزيادة والنقصان في الماضي أمرٌ وهمي اعتباري، وفيه زجر لكلّ أحد عن التمسّك بالدّنيا وإن رجا طول العمر فكيف مع قصره، انتهى(3).

واعلم أنّه اختلف الأخبار وأقوال أهل السِّير والمفسّرين في مدّة عمر نوح عليه السلام ، وأنّه في كم بعث، وكم عاش بعد الطوفان، مع اتّفاق الكلّ في أنّه لبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما _ كما نطق به الكتاب العزيز (4) _ ففي بعض أخبارنا ما عرفت، وفي بعضها أنّه عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة(5).

وروى الصدوق رحمه الله في الحسن بإسناده عن هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام قال: «عاش نوح ألفي سنة، وخمسمائة سنة، منها ثمانمائة سنة وخمسون سنة قبل أن يبعث، وألف سنة إلّا خمسين عاما وهو في قومه يدعوهم، ومائتا سنة في عمل السفينة، وخمسمائة عام بعدما نزل من السفينة» (6)وساق الخبر نحو ما مرّ في الكتاب.

وقال بعض الأفاضل: لعلّه سقط بعض فقرات تلك الرواية من خبر الكتاب، واللّه أعلم(7).

ورواه أيضا في الصحيح بإسناده عن عليّ بن الحكم(8).

ص: 537


1- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 310
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 134 (مصر) مع التلخيص
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 401
4- العنكبوت (29): 14
5- الأمالي للصدوق، ص 602، المجلس 77، ح 836؛ علل الشرائع، ج 1، ص 32، ح 1
6- . الأمالي للصدوق، ص 602، المجلس 77، ح 836
7- ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 303
8- كمال الدين، ص 523، ح 1

وروى أيضا عن أبيه، بإسناده عن عليّ بن الحكم، عن بعض أصحابنا مثله.وروى عن عليّ بن أحمد، عن محمّد بن جعفر الأسدي، عن سهل بن زياد، عن عبد الظيم بن عبد اللّه الحسني، قال: سمعت عليّ بن محمّد العسكري عليه السلام يقول: «عاش نوح عليه السلام ألفين وخمسمائة سنة»(1).

وروى في الصحيح عن محمّد بن يوسف، عن الصادق عليه السلام ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال: «عاش نوح ألفي سنة وأربعمائة سنة وخمسين سنة»(2).

وقال بعض أهل السّير: ولد نوح عليه السلام بعد وفاة آدم عليه السلام بستّة وعشرين ومائة سنة، وبعث وله مائة وخمسون سنة.وقال بعضهم: مائتان وخمسون سنة.وبعضهم: ثلاثمائة وخمسون سنة.وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين، أو ثلاثمائة وخمسين سنة.وقيل: بُعث وله أربعمائة وخمسون سنة، وعاش بعد هلاك قومه خمسين سنة(3).

وقال البيضاوي: «روي أنّه بعث على رأس أربعين، ودعا قومه تسعمائة وخمسين، وعاش بعد الطوفان ستّين سنة»(4).

متن الحديث التاسع والعشرين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الدَّيْلَمِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «عَاشَ نُوحٌ عليه السلام بَعْدَ الطُّوفَانِ (5)خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ (6)، ثُمَّ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا نُوحُ (7)، قَدِ انْقَضَتْ نُبُوَّتُكَ (8). ، وَاسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ ، فَانْظُرْ إِلَى الِاسْمِ الْأَكْبَرِ وَمِيرَاثِ الْعِلْمِ وَآثَارِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ الَّتِي مَعَكَ ، فَادْفَعْهَا إِلى ابْنِكَ سَامٍ ، فَإِنِّي لَا أَتْرُكُ الْأَرْضَ إِلَا وَفِيهَا عَالِمٌ تُعْرَفُ بِهِ طَاعَتِي ، وَيُعْرَفُ بِهِ هَوَايَ (9)، وَيَكُونُ نَجَاةً فِيمَا بَيْنَ مَقْبِضِ النَّبِيِّ وَمَبْعَثِ النَّبِيِّ الْاخَرِ ، وَلَمْ أَكُنْ أَتْرُكُ

ص: 538


1- علل الشرائع، ج 1، ص 32، ح 1
2- كمال الدين، ص 523، ح 3
3- اُنظر في الأقوال: تاريخ الطبري، ج 1، ص 118 _ 133؛ الكامل في التاريخ، ج 1، ص 67 _ 77
4- تفسير البيضاوي، ج 4، ص 310 مع اختلاف يسير في اللفظ
5- . في كثير من نسخ الكافي: - «بعد الطوفان»
6- . في بعض نسخ الكافي: «عام»
7- . في الطبعة القديمة والوافي: «إنّه»
8- في بعض نسخ الكافي: «نوبتك».وفي بعضها: «توبتك»
9- في كلتا الطبعتين: «هداي»

النَّاسَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لِي وَدَاعٍ إِلَيَّ وَهَادٍ إِلى سَبِيلِي وَعَارِفٍ بِأَمْرِي ، فَإِنِّي قَدْ قَضَيْتُ أَنْ أَجْعَلَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادِيا أَهْدِي بِهِ السُّعَدَاءَ ، وَيَكُونُ حُجَّةً لِي عَلَى الْأَشْقِيَاءِ» .

قَالَ : «فَدَفَعَ نُوحٌ عليه السلام الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ إِلى سَامٍ ، وَأَمَّا حَامٌ وَيَافِثُ ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمَا عِلْمٌ يَنْتَفِعَانِ بِهِ» .

قَالَ : «وَبَشَّرَهُمْ نُوحٌ بِهُودٍ عليه السلام ، وَأَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَفْتَحُوا الْوَصِيَّةَ فِي كُلِّ عَامٍ ، وَيَنْظُرُوا فِيهَا ، وَيَكُونُ عِيدا لَهُمْ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (ويعرف به هواي) أي ما أهواه وأحبّه.

وفي بعض النسخ: «هداي».

متن الحديث الثلاثين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَفْتَرُونَ وَيَقْذِفُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ .

فَقَالَ (1): «الْكَفُّ عَنْهُمْ أَجْمَلُ» ثُمَّ قَالَ : «وَاللّهِ يَا أَبَا حَمْزَةَ ، إِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَوْلَادُ بَغَايَا مَا خَلَا شِيعَتَنَا» .

قُلْتُ : كَيْفَ لِي بِالْمَخْرَجِ مِنْ هذَا؟

فَقَالَ لِي : «يَا أَبَا حَمْزَةَ ، كِتَابُ اللّهِ الْمُنْزَلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ ، إِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ جَعَلَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ سِهَاما ثَلَاثَةً فِي جَمِيعِ الْفَيْءِ ، ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» (2)فَنَحْنُ أَصْحَابُ الْخُمُسِ وَالْفَيْءِ ، وَقَدْ حَرَّمْنَاهُ عَلى جَمِيعِ النَّاسِ مَا خَلَا شِيعَتَنَا ، وَاللّهِ يَا أَبَا حَمْزَةَ ، مَا مِنْ أَرْضٍ تُفْتَحُ وَلَا خُمُسٍ يُخْمَسُ فَيُضْرَبُ عَلى شَيْءٍ مِنْهُ إِلَا كَانَ حَرَاما عَلى مَنْ يُصِيبُهُ، فَرْجا كَانَ أَوْ مَالًا ، وَلَوْ قَدْ ظَهَرَ

ص: 539


1- . في كلتا الطبعتين: + «لي»
2- . الأنفال (8): 41

الْحَقُّ لَقَدْ بِيعَ الرَّجُلُ الْكَرِيمَةُ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيمَنْ لَا يُرِيدُ (1)حَتّى أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ لَيَفْتَدِي بِجَمِيعِ مَالِهِ ، وَيَطْلُبُ النَّجَاةَ لِنَفْسِهِ ، فَلَا يَصِلُ إِلى شَيْءٍ مِنْ ذلِكَ ، وَقَدْ أَخْرَجُونَا وَشِيعَتَنَا مِنْ حَقِّنَا ذلِكَ بِلَا عُذْرٍ وَلَا حَقٍّ وَلَا حُجَّةٍ» .

قُلْتُ : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : «هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ» (2)؟

قَالَ : «إِمَّا مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللّهِ ، أَوْ إِدْرَاكُ ظُهُورِ إِمَامٍ ، وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِهِمْ مَعَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ أَنْ يُصِيبَهُمُ اللّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ : هُوَ الْمَسْخُ، أَوْ بِأَيْدِينَا وَهُوَ الْقَتْلُ ، قَالَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ .وَالتَّرَبُّصُ انْتِظَارُ وُقُوعِ الْبَلَاءِ بِأَعْدَائِهِمْ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (إنّ بعض أصحابنا) يعني من المخالفين.

(يفترون) يُقال: افترى كذبا: إذا اختلقه.والاسم: الفرية، وما قيل في معناه، أي يلومونهم أو يقطعونهم قطعة قطعة بنسبة القبائح إليهم بالهجو ونحوه، من فَري فلانا كرضي: إذا لامه، أو من فراه يفريه: إذا شقّه وقطعه على جهة الإفساد (3)، فبعيد غاية البُعد؛ لأنّ اشتقاق الافتراء من الفري بهذين المعنيين لم يعهد في كلامهم.

(ويقذفون) أي يرومونهم وينسبونهم بالزنيّة؛ يُقال: قذف المحصنة _ كضرب _ : إذا رماها بزنية.

وقوله: (من خالفهم) مفعول الفعلين على سبيل التنازع.

(فقال: الكفّ عنهم أجمل) أي أحسن وأولى للتقيّة.

(ثمّ قال: [واللّه ] يا أبا حمزة، إنّ الناس) أي المخالفين من العامّة أو مطلقا، والأوّل أظهر.

(كلّهم أولاد بغايا).

قال الجوهري: «بغت المرأة بِغاء _ بالكسر والمدّ _ أي زنت، فهي بغيّ، والجمع: بغايا.

والأمَة يُقال لها بغي، وجمعها: البغايا»(4).

ص: 540


1- . في كلتا الطبعتين: «لا يزيد» بالزاء المعجمة
2- . التوبة (9): 52
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 402
4- الصحاح، ج 6، ص 2282 (بغي) مع التلخيص

وقوله عليه السلام : (ما خلا شيعتنا) استثناء منقطع، ويحتمل الاتّصال.

(قلت: كيف لي بالمخرج من هذا) أي ما الدليل على ذلك حتّى أستدلّ به، وأحتجّ على مَن أنكره.

(جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة) وهي سهم اللّه وسهم الرسول وسهم ذوي القربى.

(في جميع الفي ).

الفيء: الخراج، والغنيمة.

(ثمّ قال عزّ وجلّ) في سورة الأنفال: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ» .

قال البيضاوي: أي الذي أخذتموه من الكفّار قهرا.

«مِنْ شَيْءٍ» ممّا يقع عليه اسم الشيء حتّى الخيط.

«فَأَنَّ للّه ِ خُمُسَهُ» مبتدأ خبره محذوف، أي فثابت أنّ للّه خمسه.وقرئ: «فإن» بالكسر، والجمهور إن ذكر اللّه للتعظيم كما في قوله: «وَاللّه ُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ» (1)وأنّ المراد قسّم الخمس على الخمسة المعطوفين.

«وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» (2). ؛ فكأنّه قال: فإنّ للّه خمسه يُصرف على هؤلاء الأخصّين(3).

(ولا خمس يخمس) بصيغة المجهول، أي يؤخذ.

قال الفيروزآبادي: «خمّستهم اُخمّسهم _ بالضمّ _ : أخذت خمس أموالهم»(4).

(فيُضرَبُ على شيء منه).

قيل: معناه فيمسك، من قولهم ضرب على يده: إذا أمسك، (5)أو فيمنع شيء من أهله.

وفي القاموس: «وضربنا على آذانهم: منعناهم أن يسمعوا»(6).

وقيل: يحتمل أن يكون من قولهم: ضربت عليهم خراجا: إذا جعلته وظيفة؛ أي ضرب خراج على شيء من هذه المأخوذات من الأرضين سواء أخذوها على وجه الخمس أو

ص: 541


1- .التوبة (9): 62
2- .الأنفال (8): 41
3- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 108
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 211 (خمس)
5- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 403
6- القاموس المحيط، ج 1، ص 96 (ضرب)

غيره.أو من قولهم: ضرب بالقداح: إذا ساهم بها وأخرجها، فيكون كناية عن القسمة، أي قسّم شيء من الخمس بين جماعة، وهو عليهم حرام(1).

(ولو قد ظهر الحقّ) أي دولة الحقّ.

(لقد بيع الرجل الكريمة) أي العزيزة المكرّمة.

(عليه نفسه).

الظاهر أنّ «بيع» على البناء للمفعول من المجرّد، و«الرجل» مرفوع به، و«نفسه» مبتدأ، و«الكريمة» خبره، والجملة صفة الرجل.

وكلمة «في» في قوله: (فيمن لا يريد) مرادفة الباء.ولا «يريد» بالراء المهملة، والمستتر فيه للموصول أو للرجل.

وفي بعض النسخ بالزاء المعجمة، أي يبيع الإمام، أو من يأذن له الرجل المخالف الذي يولّف من مال الخمس والفيء مع كونه عزيزا شريفا عند نفسه بمن لا يريد شراءه؛ لكثرة أمثاله، أو لهواته وحقارته عند المشتري، أو لا يزيد أحد على ثمنه لما ذكر هذا على تقدير إرجاع ضمير «لا يزيد» إلى الموصول.

وعلى تقدير إرجاعه إلى الرجل معناه: أنّ ذلك الرجل لا يريد أن يباع بذلك المشتري؛ لاستنكافه منه.

وقال الفاضل الإسترآبادي:

المراد أنّ ما يؤخذ باسم الخراج أو المقاسمة أو الخمس أو الضريبة حرام على آخذيه، ولو قد ظهر الحقّ لباع الرجل نفسه العزيزة عليه فيمن لا يريد _ بالراء بدون نقطة _ وفي ذكر «لا» هنا مبالغة لطيفة.وفي اختيار لفظ «بيع» من باب التفعيل على باع مبالغة اُخرى لطيفة، انتهى(2).

ويظهر من كلامه أنّه قرأ «الكريمة» بالنصب على أنّه مفعول «بيع»، وجعل «نفسه» بدلاً من «الكريمة»، أو عطف بيان له.

والأظهر ما ذكرناه، واللّه أعلم.

(حتّى أنّ الرجل منهم) أي من المخالفين.

ص: 542


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 306 مع اختلاف يسير في اللفظ
2- نقل عنه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 306 و 307

(ليفتدى بجميع ماله).

في القاموس: «فداه يفديه فدا وفداءً _ ويفتح _ وافتدى به وفاداه: أعطى شيئا فأنقذه»(1).

(قلت: قوله عزّ وجلّ) في سورة براءة: «قُلْ هَلْ تَتَربَّصُونَ بِنَا» .

في المصباح: «تربّصت الأمر بفلان: توقّعت نزوله به»(2).

وقال البيضاوي:

أي هل تنتظرون بنا.

«إِلَا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ» إلّا إحدى العاقبتين اللّتين كلّ منهما حسنى العواقب النصرة والشهادة.

«وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ» أيضا إحدى السوأيين «أَنْ يُصِيبَكُمْ اللّه ُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ» بقارعة من السماء «أَوْ بِأَيْدِينَا» أو بعذاب بأيدينا، وهو القتل على الكفر.

«فَتَرَبَّصُوا» ما هو عاقبتنا «إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ» ما هو عاقبتكم، انتهى(3).

وفسّر الحسنين بقوله: (إمّا موتٌ في طاعة اللّه ) بيد المخالفين، أو بالأجل الموعود.

(أو إدراك ظهور إمام).

ولعلّ بناء هذا التفسير واختصاصه بالشيعة أنّ نظير مورد الآية وشبيهه جارٍ في الشيعة، وما يرد عليهم من الشدائد بسبب المخالفين.أو محمول على أنّ ظاهر الآية متوجّه على هؤلاء وباطنها على الشيعة في زمن عدم استيلاء الحقّ وظهور دولته؛ فإنّهم حينئذٍ أيضا بين إحدى الحسنين.وقس عليه قوله عليه السلام : (ونحن نتربّص بهم مع ما نحن فيه من الشدّة).

متن الحديث الواحد والثلاثين والأربعمائة

اشارة

وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ :عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ (4)عَزَّ وَجَلَّ : «قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ» (5)

قَالَ (6): «أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام » «وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ» (7)قَالَ : «عِنْدَ خُرُوجِ

ص: 543


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 373 (فدي)
2- المصباح المنير، ص 215 (ربص)
3- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 150
4- . في بعض نسخ الكافي: «قوله اللّه »
5- . ص (38): 86 و 87
6- . في كلتا الطبعتين: + «هو»
7- . ص (38): 88

الْقَائِمِ عليه السلام » .

وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ» (1)قَالَ : «اخْتَلَفُوا كَمَا اخْتَلَفَتْ هذِهِ الْأُمَّةُ فِي الْكِتَابِ ، وَسَيَخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي مَعَ الْقَائِمِ الَّذِي يَأْتِيهِمْ بِهِ حَتّى يُنْكِرُهُ نَاسٌ كَثِيرٌ ، فَيُقَدِّمُهُمْ، فَيَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ» .

وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : «وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» (2)قَالَ : «لَوْ لَا مَا تَقَدَّمَ فِيهِمْ مِنَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مَا أَبْقَى الْقَائِمُ عليه السلام مِنْهُمْ وَاحِدا» .

وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ» (3)قَالَ : «بِخُرُوجِ الْقَائِمِ عليه السلام ».

وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَاللّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ» (4)قَالَ : «يَعْنُونَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام » .

وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ» (5)قَالَ : «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ عليه السلام ، ذَهَبَتْ دَوْلَةُ الْبَاطِلِ» .

شرح الحديث:

قوله تعالى في سورة ص: «قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ» ؛ أي على القرآن أو تبليغ الوحي.

«وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ» أي المتّصفين بما ليسوا من أهله على ما عرفتم من حالي، فأنتحل النبوّة وأتقوّل القرآن.كذا ذكره البيضاوي(6).

وقال الجوهري: «تكلّفت الشيء: تجشّمته.والتكليف: العريض لما لا يعينه»(7).

«إِنْ هُوَ» أي القرآن، أو تبليغ الوحي.

«إِلَا ذِكْرٌ» أي مذكّر وعظة.

«لِلْعَالَمِينَ» .

قال المفسّرون: المراد بالعالمين هنا الثقلان(8).

ص: 544


1- . هود (11): 110؛ فصّلت (41): 45
2- . الشورى (42): 21
3- . المعارج (70): 26
4- . الأنعام (6): 23
5- . الإسراء (17): 81
6- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 56
7- الصحاح، ج 4، ص 1424 (كلف)
8- راجع: جامع البيان، ج 23، ص 224؛ الكشّاف، ج 3، ص 385؛ تفسير البيضاوي، ج 5، ص 56

(قال: أمير المؤمنين عليه السلام ).

في بعض النسخ: «هو أمير المؤمنين عليه السلام ».والظاهر أنّه تفسير لمرجع «هو» في الآية، فعلى هذا التفسير يكون معنى قوله تعالى: «وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ» : إنّي لا أقول في أمير المؤمنين عليه السلام ما لم يوحَ إليّ إلّا هو _ أي أمير المؤمنين عليه السلام _ أو ما نزل فيه من القرآن إلّا ذكرٌ للعالمين.

«وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ» .

قال البيضاوي: «أي نبأ القرآن، وهو ما فيه من الوعد والوعيد أو صدقه بإتيان ذلك»(1).

وأقول: يحتمل أن يُراد نبأ الرسول وصدقه فيما أتى به سيّما في أمير المؤمنين عليه السلام .

«بَعْدَ حِينٍ» .

قال الفيروزآبادي: الحين _ بالكسر _ : الدهر، أو وقت مبهم يصلح لجميع الأزمان _ طال أو قصُر _ يكون سنة و أكثر، أو كلّ غدوة وعشيّة، ويوم القيامة، والمدّة.وقوله تعالى: «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ» (2). أي حتّى تنقضي المدّة التي أهملوها(3).

وقال البيضاوي: «المراد بالحين هنا يوم القيامة، أو بعد الموت، أو عند ظهور الإسلام، وفيه تهديد»(4).

(قال: عند خروج القائم عليه السلام ).

الظاهر أنّه تفسير حين، أي لتعلمنّ نبأ أمير المؤمنين عليه السلام وصدقه وعلوّ شأنه، أو صدق القرآن فيما نطق بذلك عند ظهور دولة الحقّ.

(وفي قوله عزّ وجلّ) في سورة فصّلت: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ» يعني التوراة «فَاخْتُلِفَ فِيهِ» (5).

(كما اختلفت هذه الاُمّة في الكتاب) أي القرآن.

(وأمّا قوله عزّ وجلّ) في سورة الشورى: «وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ» .

ص: 545


1- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 56
2- الصافّات (37): 174
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 217 (حين) مع التلخيص
4- اُنظر: تفسير البيضاوي، ج 5، ص 56
5- .فصّلت (41): 45

قال البيضاوي:

أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء، أو العدّة، بأنّ الفصل يكون يوم القيامة.

«لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ» بين الكافرين والمؤمنين، أو المشركين وشركائهم.

«وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» .وقرئ: «أنّ» بالفتح عطفا على كلمة «الفصل» أي لولا كلمة الفصل وتقدير عذاب الظالمين في الآخرة لقضي بينهم في الدُّنيا؛ فإنّ العذاب الأليم غالب في عذاب الآخرة، انتهى(1).

(قال عليه السلام ) في تفسيرها: (لولا ما تقدّم فيهم) بأنّه سيجزيهم يوم القيامة، أو يولد منهم مؤمن.

(ما أبقى القائم عليه السلام منهم واحدا) بل قتلهم جميعا.

ولا يبعد أن يُراد بالقائم هنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام مطلقا، فتأمّل.

وقيل: يحتمل أن يكون «ما أبقى القائم» بيانا لما تقدّم فيهم، أي لولا أن قدّر اللّه أن يكون قتلهم على يد القائم لأهلكهم اللّه وعذّبهم قبل ذلك، ولم يمهلهم، ولا يخفى بُعده(2).

(وفي قوله عزّ وجلّ) في سورة المعارج: «وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ» (3).تصديقا بأعمالهم، وهو أن يتعب نفسه ويصرف ماله طمعا في المثوبة الاُخرويّة، ولذلك ذكر الدِّين.

كذا ذكره البيضاوي(4).

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : «بخروج القائم عليه السلام » تفسير ليوم الدِّين؛ فإنّ كثيرا من الآيات الواردة في القيامة الكبرى ظاهرا فسّر في أخبار أهل البيت عليهم السلام باطنا بالرجعة التي هي القيامة الصغرى، ولما كان في زمن القائم عليه السلام يردّ بعض الكفّار والمخالفين والمنافقين، ويجازون ببعض أعمالهم، سمّى تلك الزمان بيوم الدِّين، وقد شاع إطلاق اليوم على مقدار من الزمان وإن كان كثيرا، على أنّه يمكن أن يُراد باليوم هنا يوم رجعتهم.

(وقوله عزّ وجلّ) في سورة الأنعام: «وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ» .

قال البيضاوي: أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء اللّه .

ص: 546


1- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 127
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 309
3- .المعارج (70): 26
4- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 390

«الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ» أنّهم شركاء (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ» أي كفرهم، والمراد عاقبته.

وقيل: معذرتهم التي يتوهّمون أن يتخلّصوا بها من فتنة الذهب إذا خلصته.

وقيل جوابهم: وإنّما سمّاه فتنة؛ لأنّه كذب، أو لأنّهم قصدوا به الخلاص.

«إِلَا أَنْ قَالُوا وَاللّه ِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ» (1)يكذبون ويحلفون مع علمهم بأنّه لا ينفع من فرط الحيرة والدهشة، كما يقولون: «رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا» وقد أيقنوا بالخلود.

وقيل: معناه: ما كنّا مشركين عند أنفسنا، وهو لا يوافق قوله: «انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ» (2)أي بنفي الشرك عنها، وحمله على كذبهم في الدُّنيا تعسّف يخلّ بالنظم، ونظير ذلك قوله: «يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللّه ُ جَمِيعا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ» (3).وقرأ حمزة والكسائي: «ربّنا» بالنصب على النداء، أو المدح «وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ» من الشركاء.انتهى كلام البيضاوي(4)

قال عليه السلام في تفسير قوله: «مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ» : (يعنون) أي يقصون بهذا القول ما كنّا مشركين.

(بولاية عليّ عليه السلام ).

ويظهر منه أنّ المراد بالشركاء في قوله تعالى: «أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ» حلفاء الباطل، أو المعنى العامّ الشامل لهم ولغيرهم ممّا عبد من دون اللّه .

(وفي قوله عزّ وجلّ) في سورة الإسراء: «قُلْ جَاءَ الْحَقُّ» .

قال البيضاوي:

أي الإسلام.«وَزَهَقَ الْبَاطِلُ) ذهب وهلك الشرك، من زهق روحه: إذا خرج.«إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقا» (5). مضمحلّاً غير ثابت، انتهى(6).

وفسّر عليه السلام الحقّ بقيام القائم عليه السلام ، والباطل بذلّة الباطل.

(قال: إذا قام القائم عليه السلام ذهبت دولة الباطل).

فعلى تفسيره عليه السلام الإتيان بالفعلين بصيغة المضيّ لتحقّق وقوعه وتيقّنه، فكأنّه قد وقع.

ص: 547


1- .الأنعام (6): 22 و 23
2- .الأنعام (6): 24
3- المجادلة (58): 6
4- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 398 و 399 مع التلخيص والتصرّف في العبارة
5- الإسراء (17): 81
6- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 463

متن الحديث الثاني والثلاثين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنِ الْحَسَنِ (1). ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» ؟ (2).

فَقَالَ : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، يُسَلَّطُ _ وَاللّهِ _ مِنَ الْمُؤْمِنِ عَلى بَدَنِهِ ، وَلَا يُسَلَّطُ عَلى دِينِهِ ، قَدْ سُلِّطَ عَلى أَيُّوبَ عليه السلام فَشَوَّهَ خَلْقَهُ ، وَلَمْ يُسَلَّطْ عَلى دِينِهِ ، وَقَدْ يُسَلَّطُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى أَبْدَانِهِمْ ، وَلَا يُسَلَّطُ عَلى دِينِهِمْ» .

قُلْتُ لَهُ (3): قَوْلُهُ عَزَّوَجَلَّ : «إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ» ؟ (4).

قَالَ : «الَّذِينَ هُمْ بِاللّهِ مُشْرِكُونَ يُسَلَّطُ عَلَى أَبْدَانِهِمْ وَعَلى أَدْيَانِهِمْ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (قلت له) يعني سألته عن تفسير قوله تعالى في سورة النحل: «فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ» .

قال البيضاوي:

إذا أردت قراءته كقوله: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ» (5).

«فَاسْتَعِذْ بِاللّه ِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» ؛ فاسئل اللّه أن يُعيذك من وساوسه لئلّا يوسوسك في القراءة.

«إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ» ؛ تسلّط وولاية.

«عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» على أولياء اللّه المؤمنين به والمتوكلّين عليه؛ فإنّهم لا يطيعون أوامره، ولا يقبلون وساوسه إلّا على نُدور وغفلة، ولذلك

ص: 548


1- هكذا في النسخة و معظم نسخ الكافي.و في الطبعة القديمة: «عليّ بن الحسن» بدل «علي، عن الحسن» ولم يثبت رواية من يسمّى بعليّ بن الحسن عن منصور بن يونس في موضع
2- النحل (16): 98 و 99
3- . في الطبعة القديمة والوافي: - «له»
4- . النحل (16): 100
5- المائدة (5): 6

اُمروا بالاستعاذة، فذكر السلطنة بعد الأمر بالاستعاذة لئلّا يتوهّم منه أنّ له سلطانا، انتهى(1).

وقال بعض المحقّقين:

لمّا كانت الاستعاذة [الكاملة] ملزومة للإيمان الكامل باللّه وقدرته وعلمه وكماله، والإقرار بعجز نفسه، وافتقاره في جميع الاُمور إلى معونته تعالى، وتوكّله في جميع أحواله عليه، فلذا ذكر بعد الاستعاذة أنّه ليس له سلطنة واستيلاء «عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» فالمستعيذ به تعالى في أمانه وحفظه إذا راعى شرائط الاستعاذة(2).

(فقال: يا أبا محمّد)؛ هو كنية أبي بصير.

(يسلّط) على البناء للمفعول، والمستتر فيه راجع إلى الشيطان.

(واللّه ، من المؤمن على بدنه) بتسليط الأمراض والأسقام ونحوهما عليه.

(ولا يسلَّط) بفتح اللام.

(على دينه) أي في اُصول عقائده.

وقيل: يحتمل الأعمّ منها ومن الأعمال؛ فإنّه إذا كان على حقيقة الإيمان وارتكب بإغوائه بعض المعاصي، فاللّه _ عزّ وجلّ _ يوفّقه للتوبة والإنابة، ويصير ذلك سببا لمزيد رفعته في الإيمان وبُعده عن وساوس الشيطان(3).

(قد سلّط على أيّوب فشوّه خَلقه) بفتح الخاء.

قال الجوهري: «شاهت الوجوه تشوه شوها: قبحت.وشوّهه اللّه تعالى، فهو مشوّه»(4).

«إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ» أي يحبّونه ويطيعونه «وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ» .

(قال الذين هم باللّه مشركون) إشارة إلى أنّ الضمير المجرور عائد إلى اللّه .

وقال بعض المفسّرين: إنّه راجع إلى الشيطان بتقدير مضاف، أي بسبب الشيطان، (5)وهو بعيد.

ص: 549


1- تفسير البيضاوي، ج 3، ص 419 مع التلخيص
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 310
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 311
4- الصحاح، ج 6، ص 2238 (شوه)
5- . ذهب إليه الزمخشري في الكشّاف، ج 2، ص 428

متن الحديث الثالث والثلاثين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنِ الْحَسَنِ (1). ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، عَنِ الْفُضَيْلِ ، قَالَ :دَخَلْتُ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَيَّ ، فَنَظَرَ إِلَى النَّاسِ وَنَحْنُ عَلى بَابِ بَنِي شَيْبَةَ ، فَقَالَ : «يَا فُضَيْلُ ، هكَذَا كَانَ (2). يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَعْرِفُونَ حَقّا ، وَلَا يَدِينُونَ دِينا ؛ يَا فُضَيْلُ ، أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مُكِبِّينَ (3)عَلى وُجُوهِهِمْ ، لَعَنَهُمُ اللّهُ مِنْ خَلْقٍ مَسْخُورٍ بِهِمْ، مُكِبِّينَ عَلى وُجُوهِهِمْ» .

ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْايَةَ : « «أَ فَمَنْ يَمْشِى مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِى سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (4)يَعْنِي وَاللّهِ عَلِيّا عليه السلام وَالْأَوْصِيَاءَ عليهم السلام ».

ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْايَةَ : «فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِى كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ» (5)أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام .

يَا فُضَيْلُ ، لَمْ يَتَسَمَّ (6)بِهذَا الِاسْمِ غَيْرُ عَلِيٍّ عليه السلام إِلَا مُفْتَرٍ كَذَّابٌ إِلى يَوْمِ النَّاسِ (7)هذَا ، أَمَا وَاللّهِ يَا فُضَيْلُ مَا لِلّهِ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ حَاجٌّ غَيْرَكُمْ ، وَ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَا لَكُمْ ، وَلَا يَتَقَبَّلُ إِلَا مِنْكُمْ ، وَإِنَّكُمْ لَأَهْلُ هذِهِ الْايَةِ: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيما» (8).

يَا فُضَيْلُ ، أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنْ تُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَتُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، وَتَكُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ وَتَدْخُلُوا الْجَنَّةَ؟» ثُمَّ قَرَأَ : « «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ» (9)أَنْتُمْ وَاللّهِ أَهْلُ هذِهِ الْايَةِ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (ونحن على باب بني شيبة).

ص: 550


1- هكذا في النسخة ومعظم نسخ الكافي.وفي الطبعة القديمة: «عليّ بن الحسن» بدل «علي عن الحسن»، ولاحظ ما قلنا ذيل سند الحديث السابق
2- في بعض نسخ الكافي: «كانوا»
3- في بعض نسخ الكافي: «منكبين»
4- . الملك (67): 22
5- . الملك (67): 27
6- . في بعض نسخ الكافي: «لم يسمّ»
7- . في الطبعة القديمة: «يوم البأس»
8- النساء (4): 31
9- . النساء (4): 77

هم أولاد شيبة بن عثمان الجحني، ومفتاح الكعبة مسلّم إليهم، وباب بني شيبة الآن في داخل المسجد بسبب توسعته بإزاء باب السلام عند الأساطين.

(يا فضيل، اُنظر إليهم) على صيغة الأمر، ويحتمل أن يكون على صيغة التكلّم.

(مكبّين على وجوههم).

في بعض النسخ: «منكبين».

قال الجوهري: «كبّه لوجهه، أي صرعه، فأكبّ هو على وجهه، وهذا من النوادر أن يُقال: افعلتُ أنا وفعلتُ غيري، وأكبَّ فلان وانكبّ بمعنى»(1).

(لعنهم اللّه من خلقٍ مسخور بهم مكبّين على وجوههم) من السخريّة؛ يعني كلّ من يراهم سخر منهم ومن أوضاعهم وأطوارهم وسنّتهم وسيرتهم.وكلمة «من» للتبيين، أو للتبعيض.وقيل: لعلّه إشارة إلى قوله تعالى: «سَخِرَ اللّه ُ مِنْهُمْ» (2) ، أو المراد استهزاء المؤمنين بهم في القيامة(3).

وفي بعض النسخ: «لعنهم اللّه من خلق مسخورا أراهم منكبّين على وجوههم».

وقال بعض الشارحين: «الانكباب محمول على الحقيقة؛ لأنّه عليه السلام رآهم على الصور المبدّلة المسخيّة، وحمله على التشبيه محتمل»(4).

(ثمّ تلا هذه الآية: «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى» ).

قال البيضاوي:

إنّه يعثر كلّ ساعة ويخرّ على وجهه؛ لوعورة طريقه واختلاف أجزائه، ولذلك قابل بقوله: «أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّا» : قائما سالما من العثار.

(عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»: مستوي الأجزاء و الجهة.والمراد تمثيل المشرك والموحّد بالسالكين واللدّينين بالمسلكين، ولعلّ الاكتفاء بما في الكبّ من الدلالة على حال المسلك للإشعار بأنّ ما عليه المشرك لا يستأهل أن يسمّى طريقا كمشي المتعسّف في مكان معتاد غير مستو.

وقيل: المراد بالمكبّ الأعمى؛ فإنّه يتعسّف فينكبّ، وبالسوي البصير.

ص: 551


1- الصحاح، ج 1، ص 207 (كبب) مع التلخيص
2- .التوبة (9): 79
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 311 مع اختلاف يسير في اللفظ
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 405

وقيل: من يمشي مكبّا هو الذي يحشر على وجهه إلى النار، ومن يمشي سويّا الذي يحشر [على] قدميه إلى الجنّة، انتهى(1).

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (يعني واللّه عليّا عليه السلام والأوصياء عليهم السلام ) تفسير للموصول الثاني، ويحتمل أن يكون تفسيرا ل«صراط مستقيم».

(ثمّ تلا هذه الآية: «فَلَمَّا رَأَوْهُ» قال البيضاوي:

أي الوعد بمعنى الموعود.

«زُلْفَةً» ذا زلفة، أي قُرب.

«سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا» : بانَ علّتها الكآبة، وساءتها رؤية العذاب.

«وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ» به تطلبون وتستعجلون تفتعلون من الدّعاء، أو تدّعون أن لا بعث فهو من الدعوى، انتهى(2).

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (أمير المؤمنين) تفسير لمرجع الضميرين، وبيان للمشار إليه، فمعنى الآية على هذا التفسير: فلمّا رأوا أمير المؤمنين عليه السلام ذا قُرب ومنزلة عند ربّه في القيامة، ظهر أثر الحزن والكآبة في وجوه الذين كفروا بولايته، وقال لهم قائل بأمر اللّه مشيرا إليه عليه السلام : هَذَا الَّذِي كُنتُمْ تَدَّعُونَ منزلته ومكانه وتسميتهم باسمه الخاصّه به، وهو أمير المؤمنين، أو تستعجلون على سبيل الإنكار ظهور منزلته عند اللّه التي أخبركم بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

قال عليّ بن إبراهيم: إذا كان يوم القيامة، ونظر أعداء أمير المؤمنين عليه السلام إلى ما أعطاه اللّه من المنزلة الشريفة العظيمة، وبيده لواء الحمد، وهو على الحوض يسقي ويمنع، تسودّ وجوه أعدائه، فيُقال لهم: «هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ» منزلته وموضعه واسمه(3).

(يا فضيل، لم يتسمّ).

في بعض النسخ: «لم يسمّ».

(بهذا الاسم) يعني أمير المؤمنين.

(غير عليّ عليه السلام إلّا مفترٍ كذّاب إلى يوم الناس هذا) أو يوم القيامة، أو زمان التكلّم بهذا الحديث.

ص: 552


1- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 365
2- تفسير البيضاوي، ج 5، ص 366
3- تفسير القمّي، ج 2، ص 379 مع التلخيص

وفيه دلالة على عدم جواز إطلاق هذا الاسم على سائر الأئمّة عليهم السلام أيضا.

(أما واللّه يا فضيل، ما للّه _ عزّ وجلّ _ حاجّ غيركم).

كلمة «ما» نافية، والحاجّ اسم فاعل من الحجّ.

قال الجوهري: «حججت البيت أحجّه حجّا، فأنا حاجّ»(1)وكونه من الحجّه مع عدم مناسبته للمقام لم يعهد من اللغة.

(وإنّكم لأهل هذه الآية) باعتبار العمل بمضمونها، والانتفاع بالثمرة المترتّبة عليه؛ لأنّ التديّن بالولاية رأس اجتناب الكبائر وأصله.

«إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ» أي كبائر الذنوب التي نهاكم اللّه ورسوله عنها.

«نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ» .

قيل: أي نغفر لكم صغائركم، ونمحها عنكم.

«وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيما» (2).قرأ نافع بفتح الميم، والباقون بالضمّ، وهما يحتملان المصدر والمكان، أي إدخالاً مقرونا بالكراهة، أو الجنّة وما وعد فيه من الثواب.

(يا فضيل، أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة، وتكفّوا ألسنتكم) عن المخالفين (وتدخلوا الجنّة؟).

(ثمّ قرأ قوله تعالى) في سورة النساء: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» يعني عن القتال «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ» واستقبلوا بما اُمرتم به.وتتمّة الآية: «فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّه ِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْاخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً» (3).

(أنتم واللّه أهل هذه الآية) المشار إليه بهذه الفقرة الاُولى من الآية لا تمامها؛ يعني أنتم معاشر الشيعة مكلّفون بمضمونها، وينبغي أن تعلوا به في زمن استيلاء أهل الجور.

هذا، ويفهم من هذا الخبر أنّ المراد بكفّ الأيدي في الآية ما يعمّ كفّ الألسن، فتدبّر.

ص: 553


1- الصحاح، ج 1، ص 303 (حجج)
2- النساء (4): 31
3- .النساء (4): 77

متن الحديث الرابع والثلاثين والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ (1). الْأَزْدِيِّ ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ :عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : « «وَإِذا تَوَلّى سَعى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ» بِظُلْمِهِ وَسُوءِ سِيرَتِهِ «وَاللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ» (2)» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (بظلمه وسوء سيرته).

اعلم أنّ هذه الآية وما فيها وما بعدها في سورة البقرة هكذا: «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّه َ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّه ُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ* وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّه َ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْاءِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ» (3)، ولعلّ هذه الزيادة كانت في قراءتهم عليهم السلام ، ويحتمل أن يكون إيرادها لبيان مضمون الآية وموردها، والغرض منها تعريضا على خلفاء الجور بأنّ الآية نزلت فيهم.

قال عليّ بن إبراهيم: «إنّها نزلت في الثاني.ويُقال: في معاوية»(4).

وقال البيضاوي: إنّ الآية وما قبلها وما بعدها إلى قوله تعالى: «وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ» نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، وكان حسن المنظر حلو المنطق يوالي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويدّعي الإسلام.

وقيل: في المنافقين كلّهم، «وَإِذَا تَوَلَّى» أدبر وانصرف عنك، وإذا غلب وصار واليا «سَعَى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ» كما فعل

ص: 554


1- في الطبعة القديمة: «سلمان».والمذكور في رجال الطوسي، ص 283، الرقم 4102 هو محمّد بن سليمان الأزدي، ولم نجد لمحمّد بن سلمان الأزدي ذكرا في موضع
2- البقرة (2): 205
3- .البقرة (2): 204 _ 206
4- تفسير القمّي، ج 1، ص 71

الأخنس بثقيف؛ إذ بيّتهم، وأحرق زروعهم، وأهلك مواشيهم.

أو كما يفعله ولاة السوء بالقتل والإتلاف، أو بالظلم، حتّى يمنع اللّه بشؤمه القطر، فيهلك الحرث والنسل.

«وَاللّه ُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ» لا يرتضيه، فاحذروا غضبه عليه(1).

متن الحديث الخامس والثلاثين والأربعمائة

اشارة

سَهْلٌ (2)، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ :عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّوَاغِيتُ» .

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (أولياؤهم الطاغوت).

هذا الخبر كغيره من الأخبار الآتية وغيرها يدلّ ظاهرا على وقوع التحريف في القرآن (3)، لكن أكثرها ضعيف المسند، وبعضها قابل للتوجيه، واللّه يعلم.

وفسّر الطاغوت بالشيطان، أو المضلّات من الهوى والشيطان وغيرهما.

متن الحديث السادس والثلاثين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي جَرِيرٍ الْقُمِّيِّ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ _ وَفِي نُسْخَةٍ : عَبْدِ اللّهِ _ :عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : « «لَهُ ما فِى السَّمواتِ وَما فِى الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى» (4).

عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ «مَنْ ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلّا بِإِذْنِهِ» (5).» .

ص: 555


1- تفسير البيضاوي، ج 1، ص 491 مع اختلاف يسير في اللفظ
2- في الطبعة القديمة: + «بن زياد».والسند معلّق على سابقه
3- . إشارة إلى الآية 257 من سورة البقرة (2)
4- . طه (20): 6
5- . البقرة (2): 255

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (وفي نسخة عبد اللّه )؛ يحتمل كونه كلام المصنّف، أي في نسخة من نسخ الرواة كذا، ويحتمل كونه كلام أحد رواة الكافي، أي كان في بعض نسخ الكافي هكذا.

والأوّل أظهر.

«لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» .

فيه دلالة على سقوط بعض الفقرات من آية الكرسي، وقد ورد في بعض الأدعية أنّه يكتب آية الكرسي على التنزيل، وهو إشارة إلى هذا.وفي تفسير عليّ بن إبراهيم:

وأمّا آية الكرسي فإنّه حدّثني أبي، عن الحسين بن خالد، أنّه قرأ أبو الحسن الرضا عليه السلام : «اللّه ُ لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ _ أي نعاس (1)لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ [وَمَا فِىِ الأرْضِ] وَمَا بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ» .

قال: أمّا «مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ» فاُمور الأنبياء وما كان، و «وَمَا خَلْفَهُمْ» أي ما لم يكن بعد.قوله: «إِلَا بِمَا شَاءَ» ؛ أي [بما] يوحي إليهم «وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا» أي لا يثقل عليه حفظ ما في السماوات وما في الأرض.

قوله: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» أي لا يكره أحد على دينه إلّا بعد أن «قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَىِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللّه ِ» ؛ وهم الذين غصبوا آل محمّد حقّهم.

قوله: «فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى» ؛ يعني الولاية، «لَا انفِصَامَ لَهَا» ؛ أي حبل لا انقطاع لها.

«اللّه ُ وَلِىُّ الَّذِينَ آمَنُوا» يعني أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام .

«يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا [أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّ_غُوتُ] وهم الظالمون آل محمّد والذين اتّبعوا من غصبهم «يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» والحمد للّه ربّ العالمين، كذا نزلت(2).

ص: 556


1- . في المصدر: - «أي نعاس»
2- تفسير القمّي، ج 1، ص 85 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ

متن الحديث السابع والثلاثين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ (1)، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبَّادٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : « «وَلا يُحِيطُونَ بِشَىْ ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلّا بِما شاءَ» (2)وَآخِرُهَا : «وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ» (3)وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَآيَتَيْنِ بَعْدَهَا» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (وآيتين بعدها) أي ذكر آيتين بعدها، وعدّهما أيضا من آية الكرسي تكون ثلاث آيات.

وإطلاق الآية على إرادة الجنس أو على التغليب، وتظهر الفائدة فيما إذا وردت مطلقة في الأخبار والأدعية؛ فإنّها تحمل على الثلاث.

وقيل: المراد أنّه عليه السلام ذكر آيتين بعد «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ» من سورة الحمد.وقيل: المراد أنّ العامّة غيّروا آيتين بعد آية الكرسي أيضا، ولا يخفى بُعد التوجيهين سيما الأخير(4).

متن الحديث الثامن والثلاثين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَيْفٍ ، عَنْ أَخِيهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقْرَأُ : «وَزُلْزِلُوا (ثُمَّ زُلْزِلُوا) حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (عن أبي بكر بن محمّد).

ص: 557


1- . السند معلّق على سابقه، ويروي عن محمّد بن خالد، عليّ بن إبراهيم عن أحمد بن محمّد
2- . البقرة (2): 255
3- . البقرة (2): 255
4- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 315

قيل: الظاهر أنّه كان بكر بن محمّد، ولفظ «أبي» من زيادات النسّاخ(1).

(قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقرأ: «وَزُلْزِلُوا (ثُمَّ زُلْزِلُوا) حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ» ).

في سورة البقرة: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّه ِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللّه ِ قَرِيبٌ» (2)، ويدلّ هذا الخبر على أنّه سقط منها: «ثمّ زلزلوا».

متن الحديث التاسع والثلاثين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : « «وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ» (3)بِوَلَايَةِ الشَّيَاطِينِ «عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ» ».

وَيَقْرَأُ أَيْضا : « «سَلْ بَنِى إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ» فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَحَدَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَدَّلَ «وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» (4)» .

شرح الحديث

السند ضعيف على الظاهر.

قوله: «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ» .

قال البيضاوي: عطف على «نبذ»، أي نبذوا كتاب اللّه واتّبعوا كتب السّحر التي تقرؤها، أو تتّبعها الشياطين من الجنّ، أو الإنس، أو منهما(5).

«عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ» .

قال الزمخشري: «أي على عهد ملكه وفي زمانه»(6).

ص: 558


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 316
2- البقرة (2): 214
3- . البقرة (2): 211
4- . البقرة (2): 211
5- تفسير البيضاوي، ج 1، ص 371
6- الكشّاف، ج 1، ص 301

وقال بعض المحشّين: يعني أنّه على حذف المضاف، وليست على صلة التلاوة، بل من قولهم: كان هذا على عهد فلان، أي في وقته وزمانه(1).

وقال البيضاوي: «تتلو» حكاية حال ماضية.قيل: كانوا يسترقون السمع، ويضمّون إلى ما سمعوا أكاذيب، ويلقونها إلى الكهنة، وهم يدوّنونها ويعلّمون الناس، وفشى ذلك في عهد سليمان حتّى قيل: إنّ الجنّ يعلم الغيب، وأنّ ملك سليمان تمَّ بهذا العلم، وأنّه تسخّر به الإنس والجنّ والريح [له].

«وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ» تكذيب لمن زعم ذلك، وعبّر عن السحر بالكفر؛ ليدلّ على أنّه كفر، وأنّ من كان نبيّا كان معصوما عنه.

«وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا» باستعماله.

«يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ» إغواءً وإضلالاً، انتهى(2).

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (بولاية الشياطين) كان من القرآن، فلعلّ المراد بالشياطين الأوّل حينئذٍ شياطين الإنس أي الكهنة، والمعنى: اتّبعوا ما كانت الكهنة تتلوه عليهم بسبب استيلاء الشياطين على عهد سليمان واستراقهم السمع، أو بسبب استيلائهم على ملكه بعده وافترائهم عليه.

روى عليّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: «لمّا هلك سليمان وضع إبليس السّحر، وكتبه في كتاب ثمّ طواه وكتب على ظهره: هذا ما وضعه آصف بن برخيا لملك سليمان بن داود عليهماالسلام من ذخائر كنوز [الملك و] العلم، من أراد كذا فليفعل كذا وكذا، ثمّ دفنه تحت السرير، ثمّ استشار لهم فقرأه فقال الكافرون: ما كان [يغلبنا] سليمان إلّا بهذا، وقال المؤمنون: بل هو عبد اللّه ونبيّه، فقال اللّه جلّ ذكره: «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ» الآية»(3).

وقال بعض الأفاضل: فعلى هذا يحتمل أن يكون الظرف في قوله: «عَلَى مُلْكِ» ، متعلّقا بقوله: «تتلو» وبقوله: «بولاية».ويحتمل أيضا أن يكون «بولاية» بيانا لما كانوا يتلونه، أي اتّبعوا

ص: 559


1- لم نعثر على القائل
2- تفسير البيضاوي، ج 1، ص 371 مع التلخيص
3- تفسير القمّي، ج 2، ص 200 مع اختلاف يسير في اللفظ

واعتقدوا ما كان يقوله الشياطين من أنّ الجنّ والشياطين كانوا مسلّطين على ملك سليمان، وإنّما كان يستقيم ملكه بسحرهم(1).

(ويقرأ أيضا: «سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» ).

في سورة البقرة: «سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّه ِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللّه َ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (2).

وهذا الخبر يدلّ ظاهرا على سقوط بعض فقرات هذه الآية، مع احتمال كون تلك الفقرات تأويلاً لا تنزيلاً.

متن الحديث الأربعين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ حَمَّادٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَيْضِ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : يَمْرَضُ مِنَّا الْمَرِيضُ، فَيَأْمُرُهُ (3)الْمُعَالِجُونَ بِالْحِمْيَةِ .

فَقَالَ : «لكِنَّا أَهْلُ الْبَيْتِ (4)لَا نَحْتَمِي إِلَا مِنَ التَّمْرِ ، وَنَتَدَاوى بِالتُّفَّاحِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ».

قُلْتُ : وَلِمَ تَحْتَمُونَ مِنَ التَّمْرِ؟

قَالَ : «لِأَنَّ نَبِيَّ اللّهِ حَمى عَلِيّا عليه السلام فِي مَرَضِهِ عَنْهُ (5).» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (يمرض منّا المريض فيأمره المعالجون بالحميّة) بالكسر وتخفيف الياء.

يُقال: حميتُ المريض ما يضرّه حميته وحموة، أي منعته إيّاه، فاحتمى هو، وتحمّى: امتنع.

(فقال: لكنّا أهل البيت لا نحتمي) إلى آخره.

لعلّه بعد سبعة أيّام، كما يدلّ عليه الخبر الآتي.أو محمول على التخفيف في الأكل كما

ص: 560


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 317
2- .البقرة (2): 211
3- في كلتا الطبعتين: «فيأمر»
4- . في كلتا الطبعتين: «أهل بيت»
5- في كلتا الطبعتين: «منه في مرضه» بدل «فى مرضه عنه».وفي بعض نسخ الكافي: «في مرضه منه»

يفهم من الخبر الثالث.ولا يبعد أن يكون عدم الاحتماء من خصائصهم عليهم السلام ، أو بالنسبة إلى الأهوية والأمكنة والأشخاص.

قال الصدوق رحمه الله في اعتقاداته:

اعتقادنا في الأخبار الواردة في الطبّ أنّها على وجوه؛ منها: ما قيل على هواء مكّة والمدينة، فلا يجوز استعماله في سائر الأهوية.ومنها: ما أخبر به العالم عليه السلام على ما عرف من طبع السائل، ولم يتعدّ موضعه؛ إذ كان أعرف بطبعه منه.ومنها: ما دلّسه المخالفون في الكتب لتقبيح صورة المذهب عند الناس.ومنها: ما وقع منهم فيه سهو من نافله.ومنها: ما حفظ بعضه ونسي بعضه.وما روي في العسل: «أنّه شفاء من كلّ داء» (1).فهو صحيح، ومعناه أنّه شفاء من كلّ داء بارد.وما روي في الاستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير؛ (2).فإنّ ذلك إذا كان بواسيره من حرارة.وما روي في الباذنجان من الشفاء؛ (3).فإنّه في وقت إدراك الرطب لمن يأكل الرطب دون غيره من سائر الأوقات(4).

متن الحديث الواحد والأربعين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنِ الْحَلَبِيِّ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام يَقُولُ : «لَا تَنْفَعُ الْحِمْيَةُ لِمَرِيضٍ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ» .

شرح الحديث

السند صحيح.

متن الحديث الثاني والأربعين والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ :

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، قَالَ : «لَيْسَ الْحِمْيَةُ أَنْ تَدَعَ الشَّيْءَ أَصْلًا لَا تَأْكُلَهُ ، وَلكِنَّ الْحِمْيَةَ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ الشَّيْءِ وَتُخَفِّفَ» .

ص: 561


1- . المحاسن، ج 2، ص 499، ح 613
2- . اُنظر: الخصال، ص 612، ح 400؛ تحف العقول، ص 102
3- . اُنظر: المحاسن، ج 2، ص 526؛ الكافي، ج 6، ص 373، باب الباذنجان
4- الاعتقادات للصدوق، ص 115 و 116

شرح الحديث

السند ضعيف.

متن الحديث الثالث والأربعين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ :قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّ الْمَشْيَ لِلْمَرِيضِ نُكْسٌ ، إِنَّ أَبِي عليه السلام كَانَ إِذَا اعْتَلَّ جُعِلَ فِي ثَوْبٍ ، فَحُمِلَ لِحَاجَتِهِ يَعْنِي الْوُضُوءَ ، وَذَاكَ (1)أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إِنَّ الْمَشْيَ لِلْمَرِيضِ نُكْسٌ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

(إنّ المشي للمريض نكس).

«المشي» بسكون الشين وتخفيف الياء.

قال الفيروزآبادي: «النكس _ بالضم _ عود المرض بعد النقه»(2). وقال: «نقه من مرضه _ كفرح ومنع _ نقها ونقوها: صحَّ، وفيه ضعف، أو أفاق»(3).

متن الحديث الرابع والأربعين والأربعمائة

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ :

أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : رَأَيْتُ كَأَنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ عَلى رَأْسِي دُونَ جَسَدِي .

فَقَالَ : «تَنَالُ أَمْرا جَسِيما وَنُورا سَاطِعا وَدِينا شَامِلًا ، فَلَوْ غَطَّتْكَ لَانْغَمَسْتَ فِيهِ ، وَلكِنَّهَا غَطَّتْ رَأْسَكَ ، أَ مَا قَرَأْتَ «فَلَمّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّى» (4)فَلَمّا أَفَلَتْ تَبَرَّأَ مِنْهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام » .قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ الشَّمْسَ خَلِيفَةٌ أَوْ مَلِكٌ؟

فَقَالَ : «مَا أَرَاكَ تَنَالُ الْخِلَافَةَ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي آبَائِكَ وَأَجْدَادِكَ مَلِكٌ ، وَأَيُّ خِلَافَةٍ وَمُلُوكِيَّةٍ أَكْبَرُ (5)

ص: 562


1- . في بعض نسخ الكافي: «وذلك»
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 256 (نكس)
3- القاموس المحيط، ج 4، ص 294 (فقه)
4- . الأنعام (6): 78
5- . في بعض نسخ الكافي: «أكثر»

مِنَ الدِّينِ وَالنُّورِ تَرْجُو بِهِ دُخُولَ الْجَنَّةِ ؛ إِنَّهُمْ يَغْلَطُونَ».

قُلْتُ : صَدَقْتَ، جُعِلْتُ فِدَاكَ .

شرح الحديث

السند حسن.

قوله: (تنال أمرا جسيما ونورا ساطعا ودينا شاملاً).

قال الجوهري: «جَسُمَ الشيء، أي عَظُمَ، فهو جسيم»(1).

وقال: «سطع الغبار والرائحة والصبح يسطع سطوعا: إذا ارتفع»(2).

وقيل: كان المراد بالأمر الجسيم أمر من اُمور الدُّنيا وإرشاد الخلق، وبالنور الساطع العلم، وبالدين الشامل العمل به(3).

(أما قرأت: «فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً» ).

قال الجوهري: «بزغت الشمس بزوغا، أي طلعت»(4).

وقال الفيروزآبادي: «بزغت الشمس بزغا وبزوغا: شرقت.والبزوغ: ابتداء الطلوع»(5).

«قَالَ هَذَا رَبِّي» على الاستفهام الإنكاري.

قال البيضاوي: «ذكر اسم الإشارة لتذكير الخبر، وصيانة للربّ عن شبهة التأنيث»(6).

«فَلَمَّا أَفَلَتْ» أي غابت.

(تبرّأ منها إبراهيم عليه السلام ) أي صار بريئا، أو أظهر البراءة من ربوبيّتها.

ولعلّ موضع الاستشهاد أنّ إبراهيم عليه السلام بعد رؤية الشمس وطلوعها واُفولها واختلاف أوضاعها وأحوالها استدلّ على معرفة الربّ، وهدى قومه إلى التوحيد، فطلوع الشمس على رأس الرائي دليل وعلامة لاهتدائه إلى ما ذكر من نيل الأمر الجسيم وتالييه.

ويحتمل أن يُراد أنّ الشمس لمّا كانت في عالم الشهود أضوء ضياء وأكثر نورا وأظهر ظهورا مع وصفها بالكبر والعظم، وفي الرؤيا يتمثّل الاُمور بالاُمور المناسبة لها، فينبغي أن

ص: 563


1- الصحاح، ج 5، ص 1887 (جسم)
2- الصحاح، ج 3، ص 1229 (سطع)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 407 مع اختلاف يسير في اللفظ
4- الصحاح، ج 4، ص 1315 (بزغ)
5- القاموس المحيط، ج 3، ص 102 (بزغ)
6- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 424

يكون هذا النور الطالع على رأس الرائي في المنام أضوء الأنوار المعنويّة وهو الدِّين الحقّ.

والأوّل أوفق بالعبارة، والثاني أقرب إلى التحقيق.

(قلت: جعلت فداك، إنّهم) أي المعبّرين.

(يقولون: إنّ الشمس خليفة أو ملِك) بكسر اللام.

والخليفة: السلطان الأعظم ذو الملك.ولعلّ الترديد من الراوي محتمل.قيل: كأنّهم عبّروا رؤياه بأنّه يصير خليفة وذا ملك باعتبار أنّ الشمس خليفة على الكواكب يجري أثرها عليها واحتياجها في كسب الضوء إليها(1).

(فقال عليه السلام : ما أراك أن (2)تنال الخلافة).

يدلّ على أنّ تعبير الرؤيا يختلف بحسب اختلاف الأشخاص، وأنّ ذلك الرائي لو كان من أهل بيت الخلافة لأمكن ذلك.

وقيل: يحتمل أن يكون الغرض بيان خطأ أصل تعبيرهم بأنّ ذلك غير محتمل، لا أنّ هذا غير مستقيم في خصوص تلك المادّة(3)ولا يخفى بُعده.

وقال الفيروزآبادي: «الغَلط _ محرّكة _ : أن تعيا بالشيء فلا تعرف وجه الصواب فيه.وقد غلط _ كفرح _ في الحساب وغيره، أو خاصّ بالمنطق»(4).

متن الحديث الخامس والأربعين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ رَجُلٍ رَأى كَأَنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ عَلى قَدَمَيْهِ دُونَ جَسَدِهِ ، قَالَ :«مَالٌ يَنَالُهُ مَنْ نَبَاتِ (5)الْأَرْضِ مِنْ بُرٍّ أَوْ تَمْرٍ يَطَؤُهُ بِقَدَمَيْهِ وَيَتَّسِعُ فِيهِ، وَهُوَ حَلَالٌ إِلَا أَنَّهُ يَكُدُّ فِيهِ كَمَا كَدَّ آدَمُ عليه السلام » .

شرح الحديث:

قوله: (عنه).

الظاهر أنّ الضمير عائد إلى ابن اُذينة، ويحتمل إرجاعه إلى عليّ بن إبراهيم وإرسال السند.

ص: 564


1- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 407
2- في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: - «أن»
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 319
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 376 (غلط)
5- . في الطبعة القديمة: «نبات من» بدل «من نبات»

قال: (مال يناله) إلى آخره.

لعلّ فاعل «قال» أبو عبد اللّه عليه السلام .والكدّ: الشدّة في العمل، والإلحاح في الطلب.وقد كدّ في الكسب _ كمدّ _ وكدّه: أتعبه، لازم متعدّ.

وقيل: المراد بالكدّ فيه التعب في تحصيله، أو في ضبطه، أو في كليهما، أو لأمرٍ يؤول إليه بسببه كما هو شأن أهل الدُّنيا(1).

متن الحديث السادس والأربعين والأربعمائة

اشارة

عَلِيٌّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّائِغِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ :

دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام وَعِنْدَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، رَأَيْتُ رُؤْيَا عَجِيبَةً .

فَقَالَ (2): «يَا ابْنَ مُسْلِمٍ هَاتِهَا ، فَإِنَّ الْعَالِمَ بِهَا جَالِسٌ» وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى أَبِي حَنِيفَةَ .

قَالَ : فَقُلْتُ : رَأَيْتُ كَأَنِّي دَخَلْتُ دَارِي وَإِذَا أَهْلِي قَدْ خَرَجَتْ عَلَيَّ ، فَكَسَّرَتْ جَوْزا كَثِيرا ، وَنَثَرَتْهُ عَلَيَّ ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ هذِهِ الرُّؤْيَا .

فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : أَنْتَ رَجُلٌ تُخَاصِمُ وَتُجَادِلُ لِئَاما فِي مَوَارِيثِ أَهْلِكَ ، فَبَعْدَ نَصَبٍ شَدِيدٍ تَنَالُ حَاجَتَكَ مِنْهَا إِنْ شَاءَ اللّهُ .

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «أَصَبْتَ وَاللّهِ يَا أَبَا حَنِيفَةَ».

قَالَ : ثُمَّ خَرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ عِنْدِهِ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي كَرِهْتُ تَعْبِيرَ هذَا النَّاصِبِ .

فَقَالَ : «يَا ابْنَ مُسْلِمٍ لَا يَسُؤْكَ اللّهُ ، فَمَا يُوَاطِي تَعْبِيرُهُمْ تَعْبِيرَنَا ، وَلَا تَعْبِيرُنَا تَعْبِيرَهُمْ ، وَلَيْسَ التَّعْبِيرُ كَمَا عَبَّرَهُ» .

قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَقَوْلُكَ : أَصَبْتَ (3)وَتَحْلِفُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُخْطِئٌ؟

قَالَ : «نَعَمْ ، حَلَفْتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَصَابَ الْخَطَأَ» .

قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : فَمَا تَأْوِيلُهَا؟

قَالَ : «يَا ابْنَ مُسْلِمٍ ، إِنَّكَ تَتَمَتَّعُ بِامْرَأَةٍ ، فَتَعْلَمُ بِهَا أَهْلُكَ ، فَتُمَزِّقُ عَلَيْكَ ثِيَابا جُدُدا ، فَإِنَّ الْقِشْرَ كِسْوَةُ اللُّبِّ» .

ص: 565


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 407
2- . في كلتا الطبعتين: + «لي»
3- . في بعض نسخ الكافي والوافي: + «واللّه »

قَالَ ابْنُ مُسْلِمٍ : فَوَ اللّهِ مَا كَانَ بَيْنَ تَعْبِيرِهِ وَتَصْحِيحِ الرُّؤْيَا إِلَا صَبِيحَةُ الْجُمُعَةِ ، فَلَمَّا كَانَ غَدَاةُ الْجُمُعَةِ أَنَا جَالِسٌ بِالْبَابِ إِذْ مَرَّتْ بِي جَارِيَةٌ ، فَأَعْجَبَتْنِي ، فَأَمَرْتُ غُلَامِي فَرَدَّهَا ، ثُمَّ أَدْخَلَهَا دَارِي ، فَتَمَتَّعْتُ بِهَا ، فَأَحَسَّتْ بِي وَبِهَا أَهْلِي ، فَدَخَلَتْ عَلَيْنَا الْبَيْتَ ، فَبَادَرَتِ الْجَارِيَةُ نَحْوَ الْبَابِ وَبَقِيتُ أَنَا ، فَمَزَّقَتْ عَلَيَّ ثِيَابا جُدُدا كُنْتُ أَلْبَسُهَا فِي الْأَعْيَادِ .

وَجَاءَ مُوسَى الزَّوَّارُ الْعَطَّارُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ ، رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي ، رَأَيْتُ صِهْرا لِي مَيِّتا وَقَدْ عَانَقَنِي ، وَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ قَدِ اقْتَرَبَ .

فَقَالَ : «يَا مُوسى ، تَوَقَّعِ الْمَوْتَ صَبَاحا وَمَسَاءً ، فَإِنَّهُ مُلَاقِينَا ، وَمُعَانَقَةُ الْأَمْوَاتِ لِلْأَحْيَاءِ أَطْوَلُ لِأَعْمَارِهِمْ ، فَمَا كَانَ اسْمُ صِهْرِكَ؟» قَالَ : حُسَيْنٌ ، فَقَالَ : «أَمَا إِنَّ رُؤْيَاكَ تَدُلُّ عَلى بَقَائِكَ وَزِيَارَتِكَ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ عَانَقَ سَمِيَّ الْحُسَيْنِ يَزُورُهُ إِنْ شَاءَ اللّهُ» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (رأيت رؤيا عجيبة).

قال الفيروزآبادي: «رأى في منامه رؤيا، على فعلى بلا تنوين»(1).

(فقال: يابن مسلم، هاتها).

فقال: هات يا رجل _ بكسر التاء _ أي أعطني، والتاء من جزء الكلمة.

(فإنّ العالم بها جالس).

سمّاه عالما تهكّما أو تقيّةً.

(فكسّرت جوزا كثيرا، ونثرته عليّ).

فاعل «كسّرت» و«نثرت» الأهل.والجوز _ بالفتح _ : ثمر معروف، وهو معرّب كوز.

والنثر: رمي الشيء متفرّقا كثيرا.

(وتجادل لئاما) جمع اللئيم، وهو الدنيّ الأصل والشحيح النفس.

وفي بعض النسخ: «اُناسا» بدل «لئاما».

(فبعد نَصَب شديد) أي تعب.

ص: 566


1- لم نعثر عليه في القاموس

(تنال حاجتك منها) أي من تلك المواريث.

(فقال: يابن مسلم، لا يسؤك اللّه ) على صيغة النهي؛ أي لا يحزنك اللّه .

قال الجوهري: «ساءه يسوءه سوءا _ بالفتح _ نقيض سرّه»(1).

(فما يواطئ تعبيرهم تعبيرنا).

المواطئة: الموافقة.

(قال: نعم، حلفت عليه أنّه أصاب الخطأ).

يُقال: أصابه، أي وجده.وأصابته مصيبة، أي بلغته ووصلت إليه.وأصاب في قوله، أي قال صوابا.فغرضه عليه السلام : إنّي أردت بالإصابة أحد المعنيين الأوّلين، لا المعنى الثالث.

(فتمزّق عليك ثيابا جُددا).

مزقّت الثوب اُمزّقه من باب ضرب، ومزّقته تمزيقا، أي فرّقته.والتمزيق أيضا: التفريق.

وجُدُد _ بضمّتين _ : جمع جديد، كسُرر جمع سرير، ونُذُر جمع نذير.

(فإنّ القشر كسوة اللبّ).

القشر _ بالكسر _ : غثاء الشيء خلقة أو عَرَضا، وكلّ ملبوس.

والكسوة _ بالضمّ ويكسر _ : الثوب _ إلى قوله: (كنت ألبسها في الأعياد).

الصبيحة: الفجر، وأوّل النهار.وأحْسَسْتُ وأحَسَّتُّ، أي ظننت، ووجدت، وأبصرت، وعلمت.والشيء: وجدت حسّه وحركته.والنحو: الطريق، والجهة.

قيل: ظاهر الحديث ينافي ما سيجيء عن أبي الحسن عليه السلام ، قال: «الرؤيا على ما تعبّر» (2).

ونحوه من الأخبار، واُجيب بأنّ الرؤيا تجيء على وفق ما يعبّر في بعض الأحيان؛ لأنّ التعبير قد يؤثّر في النفس من باب التطيّر لا دائما، فلا منافاة(3).

(وجاء موسى الزوّار العطّار) إلى آخره.

الظاهر أنّه أيضا من كلام محمّد بن مسلم، وكان الزوّار _ بتشديد الواو _ لقب موسى.

قال الفيروزآبادي: «الصِهر _ بالكسر _ : القرابة، والختن، وزوج بنت الرجل، وزوج اُخته»(4).

ص: 567


1- الصحاح، ج 1، ص 55 (سوأ) مع التلخيص
2- . الكافي، ج 8، ص 335، ح 527 و 528
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 408 مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ
4- القاموس المحيط، ج 2، ص 72 (صهر) مع التصرّف

متن الحديث السابع والأربعين والأربعمائة

اشارة

إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْقُرَشِيُّ ، قَالَ :

أَتى إِلى أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام رَجُلٌ ، فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ ، رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنِّي خَارِجٌ مِنْ مَدِينَةِ الْكُوفَةِ فِي مَوْضِعٍ أَعْرِفُهُ ، وَكَأَنَّ شَبَحا مِنْ خَشَبٍ أَوْ رَجُلًا مَنْحُوتا مِنْ خَشَبٍ عَلى فَرَسٍ مِنْ خَشَبٍ يُلَوِّحُ بِسَيْفِهِ ، وَأَنَا أُشَاهِدُهُ (1)فَزِعا مَرْعُوبا .

فَقَالَ لَهُ عليه السلام : «أَنْتَ رَجُلٌ تُرِيدُ اغْتِيَالَ رَجُلٍ فِي مَعِيشَتِهِ ، فَاتَّقِ اللّهَ الَّذِي خَلَقَكَ ثُمَّ يُمِيتُكَ» .

فَقَالَ الرَّجُلُ : أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أُوتِيتَ عِلْما ، وَاسْتَنْبَطْتَهُ مِنْ مَعْدِنِهِ ، أُخْبِرُكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ عَمَّا قَدْ (2)فَسَّرْتَ لِي ، إِنَّ رَجُلًا مِنْ جِيرَانِي جَاءَنِي وَعَرَضَ عَلَيَّ ضَيْعَتَهُ ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَمْلِكَهَا بِوَكْسٍ كَثِيرٍ ، لِمَا عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا طَالِبٌ غَيْرِي .

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «وَصَاحِبُكَ يَتَوَلَانَا ، وَيَبْرَأُ مِنْ عَدُوِّنَا؟».

فَقَالَ : نَعَمْ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ ، رَجُلٌ جَيِّدُ الْبَصِيرَةِ ، مُسْتَحْكَمُ الدِّينِ ، وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَإِلَيْكَ مِمَّا هَمَمْتُ بِهِ وَنَوَيْتُهُ ، فَأَخْبِرْنِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ لَوْ كَانَ نَاصِبا (3)حَلَّ لِي اغْتِيَالُهُ؟

فَقَالَ : «أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنِ ائْتَمَنَكَ وَ أَرَادَ مِنْكَ النَّصِيحَةَ وَلَوْ إِلى قَاتِلِ الْحُسَيْنِ عليه السلام » .

شرح الحديث

السند مرسل.

قوله: (وكان شَبَحَا من خشب).

في القاموس: «الشَبَح _ محرّكة _ : الشخص، ويسكّن»(4).

(أو رجلاً)؛ كان الترديد من الراوي.

(يلوّح بسيفه).

في القاموس: «لاح بسيفه: لمع به، كلوّح»(5)وفي تاج اللغة: «التلويح: الإشارة».

ص: 568


1- . في بعض نسخ الكافي: «شاهده»
2- . في بعض نسخ الكافي والوافي: - «قد»
3- . في بعض نسخ الكافي: «ناصبيّا»
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 230 (شبح)
5- القاموس المحيط، ج 1، ص 248 (لوح) مع التلخيص

(وأنا اُشاهده فزعا مرعوبا).

الفزع _ محرّكة _ : الخوف، وفعله كعلم، وهو فزع ككتف.والرعب: الإخافة.

(فقال له عليه السلام : أنت رجلٌ تريد اغتيال رجلٌ في معيشته).

قال الفيروزآبادي: «غاله: أهلكه، كاغتاله، وأخذه من حيث لم يدرِ»(1).

وقال: «العيش: الحياة.عاش يعيش عيشا ومعيشةً.والمعيشة: التي تعيّش بها من المطعم والمشرب، وما تكون به الحياة، وما يُعاش به أو فيه»(2).

(فهممت أن أملكها بوكس كثير).

قال في القاموس: «الوكس _ كالوعد _ : النقصان، والتنقيص، لازم متعدّ»(3).

وقال: «نصحه وله _ كمنعه _ نصحا، والاسم: النصيحة.ونصح: خلص»(4).

وقال بعض الشارحين:

كأنّه عليه السلام أوّل رؤياه بالإلهام والتعليم الربّاني، ويحتمل أنّه استنبط أنّ ذلك الرائي منافق يريد اغتيال غيره من قوله تعالى: «كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ» (5)وقد فسّر بعض المعبّرين الخشب بالمنافق نظرا إلى هذه الآية، فذلك الشبح الخشبي كان مثاله، وذلك الفرش الخشبي كان نفاقه، وكما أنّ المنافق في ترويج أمره راكب على فرس النفاق الذي لا يكون أمره رائجا، ولا يوصل صاحبه إلى منزل، كذلك [الفرس ]الخشبي وسيف ذلك الشبح قصد الرائي إهلاك غيره.وأمّا كون الاغتيال في أمر المعيشة فيحتمل أنّه مستنبط من ركوبه على الفرس؛ لأنّ الفرس قد يأوّل بالدُّنيا وسعة المعاش [و]لأنّه سبب لازدياد الرزق والتوسعة في المعيشة وطلب الدُّنيا، كما ورد في بعض الروايات، واللّه يعلم(6).

متن الحديث الثامن والأربعين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ :

ص: 569


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 27 (غول)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 280 (عيش) مع التلخيص
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 258 (وكس)
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 252 (نصح) مع التلخيص
5- المنافقون (63): 4
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 409

قُمْتُ مِنْ عِنْدِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَاعْتَمَدْتُ عَلى يَدِي فَبَكَيْتُ ، فَقَالَ : «مَا لَكَ؟» فَقُلْتُ : كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُدْرِكَ هذَا الْأَمْرَ وَبِيَ قُوَّةٌ .

فَقَالَ : «أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنَّ عَدُوَّكُمْ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضا وَأَنْتُمْ آمِنُونَ فِي بُيُوتِكُمْ؟ إِنَّهُ لَوْ قَدْ كَانَ ذلِكَ ، أُعْطِيَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ قُوَّةَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا ، وَجُعِلَتْ قُلُوبُكُمْ كَزُبَرِ الْحَدِيدِ ، لَوْ قُذِفَ بِهَا الْجِبَالَ لَقَلَعَتْهَا ، وَكُنْتُمْ قِوَامَ الْأَرْضِ وَجِيرَانُهَا (1)» .

شرح الحديث

السند حسن على الظاهر.

قوله: (إنّه لو قد كان ذلك) أي ظهور هذا الأمر.

(وجعلت قلوبكم كزبر الحديد).

في القاموس: «الزبرة _ بالضم _ : القطعة من الحديد، الجمع: زُبَر وزُبْر»(2).

(لو قذف بها الجبال لقلعتها).

القذف: الرمي بالحجارة.والظاهر أنّ ضمير «بها» راجع إلى القلوب، ويحتمل إرجاعه إلى زبر الحديد، والمآل واحد.وأمّا إرجاعه إلى القوّة _ كما قيل (3)_ فلا يخفى بُعده.

ويحتمل أن يكون المقذوف القلوب، والمقذوف إليه الجبال، ويكون الغرض بيان شدّتها وقوّتها وصلابتها بأنّها لو اُلقيت على الجبال لقلعتها عن مكانها.أو يكون الغرض بيان شدّة عزمها، ويكون قذفها على الجبال كناية عن تعلّق عزمها بقلعها.ويحتمل أن يكون المقذوف الجبال، وتكون الباء بمعنى «في» أي لو قذف في تلك القلوب قلع الجبال لقلعتها.

(وكنتم قوام الأرض).

قال الفيروزآبادي: «قام قياما: انتصب، فهو قائم، من قُوَم وقُيّمَ وقُوّام وقُيّام.والقوام _ كسحاب _ : العدل، وما يعاش به.وبالكسر: نظام الأمر وعماده وملاكه»(4).

أقول: يحتمل هنا إرادة كلّ من هذه المعاني بنوع من التقرّب.وقيل: المراد بقوام الأرض

ص: 570


1- هكذا في النسخة و معظم نسخ الكافي ومرآة العقول.وفي كلتا الطبعتين: «وخزّانها»
2- القاموس المحيط، ج 3، ص 37 (زبر) مع التلخيص
3- . نسبه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 322 إلى القيل
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 168 (قوم) مع التلخيص

القائمون باُمور الخلق والحكّام عليهم في الأرض(1).

(وجيرانها).

قيل: أي تجيرون الناس من الظلم وتنصرونهم.

في القاموس: «الجار: المجاور، والذي أجرته من أن يظلم، والمجير، والمستجير، والمقاسم، والحليف، والناصر.الجمع: جيران، وجيرة، وأجوار»(2).

وفي بعض النسخ: «خزّانها».ولعلّ المراد خزّان رحمة اللّه في الأرض.وقيل: المراد أنّ الإمام يجعل ضبط أموال المسلمين إليكم ليقسّمها بينهم(3).

متن الحديث التاسع والأربعين والأربعمائة

اشارة

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الْحَرِيرِيِّ (4)، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَهُوَ يَقُولُ ، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ ، ثُمَّ قَالَ : «تَفَرَّجِي تَضَيَّقِي ، وَتَضَيَّقِي تَفَرَّجِي».

ثُمَّ قَالَ : «هَلَكَتِ الْمَحَاضِيرُ (5)، وَنَجَا الْمُقَرَّبُونَ ، وَثَبَتَ الْحَصى عَلى أَوْتَادِهِمْ ، أُقْسِمُ بِاللّهِ قَسَما حَقّا إِنَّ بَعْدَ الْغَمِّ فَتْحا عَجَبا» .

شرح الحديث

السند مجهول.وقيل: ضعيف، وفيه نظر.

قوله: (وشبّك أصابعه بعضها في بعض) أي أدخل أصابع إحدى اليدين على الاُخرى، وكأنّه عليه السلام يدخلها إلى اُصولها، ثمّ يخرجها إلى رؤوسها؛ تشبيها لتضيّق الدُّنيا وتفرّجها بتينك الحالتين.

ص: 571


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 322 مع اختلاف في اللفظ
2- القاموس المحيط، ج 1، ص 394 (جور) مع التلخيص
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 322 مع اختلاف في اللفظ
4- . في الطبعة القديمة وأكثر نسخ الكافي: «الجريري» بالجيم المعجمة
5- . في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي: «المحاصير» بالصاد المهملة

قال الجوهري: «الشَبْك: الخَلْط، والتداخل، ومنه تشبيك الأصابع»(1).

(ثمّ قال: تفرّجي تضيّقي، وتضيّقي تفرّجي)؛ يحتمل كونها على صيغة المصدر المضاف إلى ياء المتكلّم، وحمل أحدهما على الآخر للمبالغة، والمراد أنّ تضيّق الأمر وشدّته في الدُّنيا يستلزم التفرّج والسهولة، وتستعقب الراحة، كما قال تعالى: «إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا» (2)، وكذا العكس.

وقيل: يمكن أن يكون المراد أنّ الشدّة لي راحة لما أَعَلَم مَن رضِي ربّي فيها، ولا أحبّ الراحة في الدُّنيا لما يستلزمها غالبا من الغفلة والبُعد عن اللّه تعالى، انتهى(3)وأنت خبير بأنّ هذا التوجيه بعيد غاية البُعد.

ويحتمل كونهما بصيغة الأمر والخطاب إلى الأصابع.وقيل: إلى الدُّنيا (4)، فيكونا إخبارين بصورة الإنشاء، والغرض بيان اختلاف أحوال الدُّنيا، وأنّ في بؤسها وضرّائها يرجى نعيمها ورخاؤها، وفي عيشها ورفاهها يحذر بلاؤها وشدّها، والمقصود تسلية الشيعة وترجّيهم للفرج، وتبعيد عن اليأس والقنوط والافتتان بتأخير الفرج وطول مدّة دولة الباطل.

(ثمّ قال: هلكت المحاضير) أي المستعجلون في ظهور الأمر قبل أوانه.

(ونجا) المقرّبون _ بكسر الرّاء _ وهم الذين يرجون الفرج صباحا ومساءً على سبيل التسليم، لا الاستعجال.وبفتحها، وهم الذين تقرّبوا بجناب الحقّ بسبب التسليم والرضا وترك الاستعجال.

(وثبت الحصى على أوتادهم).

قيل: لعلّ المراد بيان استحكام أمرهم وشدّة سلطانهم وتيسّر أسباب ملكهم [لهم]، فلا ينبغي التعرّض لهم؛ فإنّ ثبوت الحصى واستقرارها على الوتد أمرٌ نادر؛ أي تهيّأت لهم نوادر الاُمور وصعابها، فلا ينفع السعي في إزالة ملكهم، ويحتمل أن يكون المراد بثبوت الحصى على أوتادهم دوام دقّها بالحصى ليثبت، فيكون كناية عن تزائد استحكام ملكهم يوما فيوما، وتضاعف أسباب سلطنتهم ساعة فساعة، كالوتد الذي لا ترفع الحصاة عن دقّهما.وقيل:

ص: 572


1- الصحاح، ج 4، ص 1593 (شبك)
2- .الشرح (94): 6
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 323 مع اختلاف في اللفظ
4- . ذهب إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 323

الأوتاد مجاز عن أشرافهم وعظمائهم؛ أي ثبت وقدّر في علمه تعالى تعذيبهم برجم أوتادهم ورؤسائهم بالحصا حقيقةً أو مجازا(1).

وقيل: هذا كناية عن ثباتهم في مقام الصبر على أذى الأعداء، وتحمّلهم مكاره الضيق وشدائد البلاء حتّى لا تسقط خيام صبرهم بصرصر الشبهات، ولا تتحرّك أوتادها بحصيّات المفتريات، وهذه العبارة كالمثل للثبات في مقام الشدائد(2).

أقول: مبنى التوجيهات الاُول إرجاع ضمير «أوتادهم» على المنكرين؛ لظهور هذا الأمر المستعجلين به المفهومين من المحاضير، وبناء التوجيه على إرجاعه إلى المقرّبين.

(اُقسم اللّه قسما حقّا..) تأكيد للكلام السابق.

ولعلّ المراد بالقسم المطلق الشامل لما لحق أهل الحقّ في زمن استيلاء أهل الباطل، وبالفتح: العجيب، وزوال الغمّ والشداد بظهور دولة الحقّ واستيلاء أهله.

متن الحديث الخمسين والأربعمائة

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُيَسِّرٍ :عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «يَا مُيَسِّرُ ، كَمْ بَيْنَكَ (3)وَبَيْنَ قِرْقِيسِيَا (4)؟».

قُلْتُ : هِيَ قَرِيبٌ عَلى شَاطِئِ الْفُرَاتِ .

قَالَ (5): «أَمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ بِهَا وَقْعَةٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهَا مُنْذُ خَلَقَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَلَا يَكُونُ مِثْلُهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، مَأْدُبَةٌ الطَّيْرِ (6)تَشْبَعُ (7)مِنْهَا سِبَاعُ الْأَرْضِ وَطُيُورُ السَّمَاءِ ، يُهْلَكُ فِيهَا قَيْسٌ ، وَلَا يَدَّعِي لَهَا دَاعِيَةٌ» .

قَالَ : وَرَوى غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَزَادُوا (8)فِيهِ : «وَيُنَادِي مُنَادٍ : هَلُمُّوا إِلى لُحُومِ الْجَبَّارِينَ» .

ص: 573


1- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 324 مع اختلاف يسير في اللفظ
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 410 مع اختلاف يسير في اللفظ
3- . في كلتا الطبعتين: «بينكم»
4- . في كلتا الطبعتين: «قرقيسا»
5- . في كلتا الطبعتين: «فقال»
6- . في كلتا الطبعتين: «للطير»
7- . في كثير من نسخ الكافي والوافي: «يشبع»
8- . في كلتا الطبعتين: «وزاد»

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (يا ميسّر، كم بينك) أي بين منزلك.

وفي بعض النسخ: «بينكم».

(وبين قرقيسيا).

في بعض النسخ: «قرقيسا» بياء واحدة.

قال الفيروزآبادي: «قرقيسا _ بالكسر، ويقصر _ : بلد على الفرات سمّي بقرقيسا ابن طهمورث»(1).

(قلت: هي قريب على شاطئ الفرات).

شاطئ الوادي _ بهمز اللّام _ : جانبه.

(قال: أما) بتخفيف الميم.

(أنّه سيكون بها وقعة).

في القاموس: الوقعة في الحرب: (2).صَدْمة بعد صدمة والاسم: الوقيعة»(3).

قيل: كأنّها ما وقع بين أبي مسلم ومروان الحمار وعساكره واستئصالهم، أو ما وقع بين هلاكو والمستعصم واستئصاله بني عبّاس(4).

أقول: قوله عليه السلام : (لم يكن مثلها منذ خلق اللّه سبحانه السماوات والأرض) يأبى ظاهرا عن هذا التوجيه إلّا أن يحمل على المبالغة، أو عدم وقوع وقعة مثلها في تلك البلدة.

(مأدَبَة الطير تشبع منها سباع الأرض وطيور السماء) أي تكون تلك الأرض لكثرة لحوم القتلى فيها مأدبة للطيور والسباع.

قال الجوهري: «الأدَب أيضا مصدر أَدَبَ القوم يأدبهم _ بالكسر _ : إذا دعاهم إلى طعامه، واسم الطعام المأدُبَة والمأدَبَة»(5).

وأقول: يحتمل أن يكون مأدبة خبر قوله: «والأرض»، أو خبر مبتدأ محذوف، وما قيل من

ص: 574


1- القاموس المحيط، ج 2، ص 240 (قرقس)
2- . في المصدر: «بالحرب»
3- القاموس المحيط، ج 3، ص 96 (وقع)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 411
5- الصحاح، ج 1، ص 86 (أدب) مع التلخيص

أنّها صفة وقعة، (1)فبعيد لفظا ومعنىً.

(يهلك فيها قيس) أي أهل قبيلة.

(ولا يدّعى لها داعية).

الظاهر أنّ الواو للحال، و«يدّعى» على بناء المجهول، وضمير «لها» راجع إلى «قيس»، والتأنيث باعتبار القبيلة، و«داعية» صفة موصوف مقدّر؛ أي لا تنسب إليها نفس داعية تدعو الانتساب إليها؛ قال في النهاية: «يدعى له، أي ينسب إليه، فيُقال: فلان بن فلان»، (2)أو لا تبقى لها بقيّة؛ قال الفيروزآبادي: «داعية اللبن بقيّته التي في الضرع بعد الحلب (3)تدعو سائره، ودعا في الضرع: أبقاها فيه»(4).

وقيل: معناه: لا تطلب لها خيول صارخة ومن يقوم بطلب دمائهم لعدم وجوده(5).

قال الفيروزآبادي: «الداعية: صريخ الخيل في الحروب»(6).

وقيل: أي لا يدعو أحد لنصر تلك القبيلة نفسا أو فئة تدعو الناس إلى نصرهم، أو تشفع عند القائلين، أو تدعوهم إلى رفع القتل.وقيل: يمكن أن يقرأ بتشديد الدال على بناء المعلوم، أي لا تدعى بعد قتلهم فئة تقوم وتطلب ثأرهم، وتدعو الناس إلى ذلك(7).

وقيل: يحتمل أن يكون ضمير «لها» للوقعة، والواو للعطف(8).

(قال: وروى غير واحد).

لعلّ المستتر في «قال» راجع إلى محمّد بن يحيى.

(وزادوا فيه: وينادى مناد).

لعلّ المنادى مَلَكٌ.

(هلمّوا إلى لحوم الجبّارين).

الخطاب للطيور والسباع، ولعلّ ضمير العقلاء باعتبار تشبيهما بقوم يدعون إلى الطعام.

ص: 575


1- ذهب إليه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 411
2- . النهاية، ج 2، ص 122 (دعا)
3- . في المصدر: - «في الضرع بعد الحلب»
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 328 (دعو)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 411
6- القاموس المحيط، ج 4، ص 328 (دعو)
7- قائل القولين هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 26، ص 325
8- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 411

قال الجوهري:

هلمّ يا رجل _ بفتح الميم _ بمعنى تعالَ.قال الخليل: أصله لَمَّ من قولهم: لمَّ اللّه شعثه، أي جمعه، كأنّه أراد لمّ نفسك إلينا، أي اقرب.وها للتنبيه، وإنّما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال، وجعلا اسما واحدا يستوي فيه الواحد والجمع والتأنيث في لغة أهل الحجاز، قال اللّه تعالى: «وَالْقَائِلِينَ لِاءِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا» (1). وأهل نجد يصرفونها فيقولون للاثنين: هلمّا، وللجمع: هلمّوا، وللنساء: هلممن، والأوّل أفصح(2).

متن الحديث الواحد والخمسين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كُلُّ رَايَةٍ تُرْفَعُ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ فَصَاحِبُهَا طَاغُوتٌ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .

شرح الحديث

السند موثّق كالصحيح.

قوله: (عنه) أي عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد، أي ابن عيسى.

قوله: (كلّ راية ترفع قبل قيام القائم).

لعلّ رفع الراية كناية عن ادّعاء السلطنة والخلافة وتهيئة أسبابها، سواء كان ذلك المدّعي يدعو إلى دين الحقّ والباطل.

(فصاحبها طاغوت).

قال الجوهري: الطاغوت: الكاهن، والشيطان، وكلّ رأس في الضلالة، قد يكون واحدا، قال اللّه : «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» (3)وقد يكون جمعا، قال اللّه تعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ» (4). وطاغوت وإن

ص: 576


1- .الأحزاب (33): 18
2- الصحاح، ج 5، ص 2060 (هلم) مع التلخيص
3- النساء (4): 60
4- .البقرة (2): 257

جاء على وزن لاهوت، فهو مقلوب؛ [لأنّه] من طغى، ولاهوت غير مقلوب؛ لأنّه من لاه بمنزلة الرغَبَوت والرَّهبوت، والجمع: الطواغيت(1).

وقال الفيروزآبادي: «الطاغوت: اللّات والعزّى، والأصنام، وكلّ ما عبد من دون اللّه » (2)انتهى.

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (يعبد من دون اللّه عزّ وجلّ) على البناء للمفعول، والجملة صفة لطاغوت، واحتمال كونه على صيغة المعلوم وكون الجملة حالاً عن صاحبها بعيد.

متن الحديث الثاني والخمسين والأربعمائة

اشارة

عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ (3)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ ، قَالَ :قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «يَا شِهَابُ ، يَكْثُرُ الْقَتْلُ فِي أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَتّى يُدْعَى الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِلَى الْخِلَافَةِ فَيَأْبَاهَا» ثُمَّ قَالَ : «يَا شِهَابُ ، وَلَا تَقُلْ : إِنِّي عَنَيْتُ بَنِي عَمِّي هؤُلَاءِ».

قَالَ شِهَابٌ : أَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ عَنَاهُمْ .

شرح الحديث

السند حسن كالصحيح.

قوله: (ولا تقل: إنّي عنيت) أي قصدت.

(بني عمّي هؤلاء).

الظاهر أنّ المشار إليهم بنو الحسن؛ لما ذكره عليه السلام من كثرة القتل، لكن ما في قول شهاب (أشهد أنّه قد عناهم) من حمل كلامه عليه السلام على التقيّة يشعر بأنّ المراد بهم بنو العبّاس؛ فإنّه قد وقع فيهم أيضا كثرة القتل في أواخر دولتهم.

متن الحديث الثالث والخمسين والأربعمائة

اشارة

حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيِّ ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ زُرَارَةَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ النَّاسَ لَمَّا صَنَعُوا مَا صَنَعُوا إِذْ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ ، لَمْ يَمْنَعْ أَمِيرَ

ص: 577


1- الصحاح، ج 6، ص 2413 (طغا)
2- . القاموس المحيط، ج 4، ص 357 (طغو) مع التلخيص
3- . في الطبعة القديمة: + «بن محمّد»

الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مِنْ أَنْ يَدْعُوَ إِلى نَفْسِهِ إِلَا نَظَرا لِلنَّاسِ وَتَخَوُّفا عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْتَدُّوا عَنِ الْاءِسْلَامِ ، فَيَعْبُدُوا الْأَوْثَانَ ، وَلَا يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَكَانَ الْأَحَبَّ إِلَيْهِ أَنْ يُقِرَّهُمْ عَلى مَا صَنَعُوا مِنْ أَنْ يَرْتَدُّوا عَنْ جَمِيعِ الْاءِسْلَامِ ، وَإِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ رَكِبُوا مَا رَكِبُوا ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَصْنَعْ ذلِكَ وَدَخَلَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ عَلى غَيْرِ عِلْمٍ وَلَا عَدَاوَةٍ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَإِنَّ ذلِكَ لَا يُكْفِرُهُ وَلَا يُخْرِجُهُ مِنَ الْاءِسْلَامِ ، فَلِذلِكَ (1)كَتَمَ عَلِيٌّ عليه السلام أَمْرَهُ ، وَبَايَعَ مُكْرَها حَيْثُ لَمْ يَجِدْ أَعْوَانا» .

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله: (إلّا نظرا للناس).

قال الفيروزآبادي: نظر لهم: رثى لهم، وأعانهم.والنظر _ محرّكة _ : الفكر في الشيء يقدّره ويقيسه، (2)والانتظار»(3). وقال: «رثى له: رحمه، ورقّ له»(4).

(وتخوّفا عليهم أن يرتدّوا عن الإسلام) عن ظاهره بأن لا يقرّوا به أصلاً، كما أشار إليه بقوله: (فيعبدوا الأوثان، ولا يشهدوا أن لا إله إلّا اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه )، فأبقاهم على ظاهر الإسلام، وأصلح بحال الاُمّة من أن يرتدّوا فيه رأسا، كما يفهم من قوله عليه السلام : (وكان الأحبّ إليه)؛ لأنّ في ذلك الإبقاء كان لهم طريق إلى قبول الحقّ، وقرب إلى الدخول في الإيمان، فلا تنافي بين هذا الخبر وبين ما ورد من الأخبار أنّ الناس ارتدّوا بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا ثلاثة (5)؛ لأنّ المراد بها ارتدادهم عن الدِّين واقعا، وبهذا الخبر ارتدادهم عنه ظاهرا وإن كانوا في كثير من الأحكام مشاركين مع الكفّار، بل هم أشدّ كفرا ونفاقا.

(وإنّما هلك الذين ركبوا ما ركبوا) من مبايعتهم أبا بكر مع علمهم ببطلانها، ومعاونتهم على الإثم والعدوان.

(فأمّا مَن لم يصنع ذلك) إلى قوله: (ولا يخرجه من الإسلام).

قال الفاضل الأردبيلي:

المخالف الجاهل المحض الذي لم يعرف الحقّ بحيث لا يعدّ مقصّرا لو وجد، أو

ص: 578


1- . في كلتا الطبعتين: «ولذلك»
2- . في المصدر: «تقدّره وتقيسه»
3- القاموس المحيط، ج 2، ص 144 (نظر) مع التلخيص
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 333 (رثي)
5- . راجع: الاختصاص، ص 6 و 10

عدّ مقصّرا في الجملة حيث دلّ عقله على التفتيش، وما فعل لتقصير أو لجهل ترجى له الجنّة في الجملة، ووجدت قريبا إلى هذا المعنى في بعض الأخبار أنّه لو كان ممّن لم يبرأ وليس بعدوانا ترجى له الجنّة، وليس ببعيد من كرم اللّه وكرمهم عليهم السلام ، وأمّا الذين يموتون على غير الإيمان فالكافر منهم مخلّد في النار، وعبادتهم غير مقبولة عند اللّه ، ويحتمل حصول عوض له بسبب بعض أفعاله الحسنة من اللّه إمّا في الدُّنيا أو في الآخرة بتخفيف عقاب ما، كما قيل فيمن لم يستحقّ دخول الجنّة والثواب فيها، وكذا من كان معاندا ومقلّدا للآباء، أو لمن تقدّمه من العلماء مع معرفته للحقّ في الجملة، كما حكي بعض الفقهاء منهم أنّ هذا حقّ، ولكن العلماء المتقدِّمين هكذا كانوا، وكذا من اطّلع على الحقّ بالعقل والنقل متهاونا في الدِّين ومتغافلاً عن الحقّ وعن التأمّل فيه لقلّة التقييد به، ولهذا نجد نقل العلماء والعظماء منهم حكايات وأخبار دالّة على خلاف مقصدهم مثل ما يروون من الأخبار في الصحاح أنّ الأئمّة إثنى عشر (1)وما نقلوا في آية التطهير (2).من حصر أهلها في آل العبا (3).وآية المباهلة (4)وخبر: إنّي تاركٌ فيكم الثقلين (5)، وأنّه لابدّ في كلّ زمان أن يكون فيه إمام (6)، وأنّه من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليّة (7)، وأنّ القياس في الاُصول لا يجري، وأنّ الإجماع لا يكون حجّة إلّا إذا كان له مستند، وأنّ القياس له شرائط، وفيه الاختلافات الكثيرة والاعتراضات العظيمة، وكذلك في الإجماع، ومع ذلك يسندون أصلهم _ وهو خلافة الأوّل _ على إجماع مستند إلى قياس، وهو أنّه صلى الله عليه و آله يرضى بالصلاة خلفه، وأنّه أمرٌ اُخروي، والإمامة أمرٌ دنيوي، فيرضى به أيضا، مع أنّهم صرّحوا في بابها بأنّها رئاسة عامّة في الدِّين والدّنيا مع

ص: 579


1- . راجع: صحيح مسلم، ج 6، ص 3 و 4؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 309، ح 4280
2- . هي الآية 33 من سورة الأحزاب (33)
3- . راجع: مسند أحمد، ج 3، ص 285؛ وج 5، ص 107؛ و ج 6، ص 292؛ صحيح مسلم، ج 7، ص 130؛ سنن الترمذي، ج 5، ص 30 و 31، ح 3258 و 3259
4- . هي الآية 61 من سورة آل عمران (3)
5- . مسند أحمد، ج 3، ص 14؛ وج 5، ص 182؛ سنن الترمذي، ج 5، ص 329، ح 3876؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 110
6- . راجع: تفسير الرازي، ج 20، ص 98
7- . اُنظر: المعجم الكبير، ج 10، ص 289، ح 10687؛ المعجم الاُوسط، ج 3، ص 361؛ مسند أحمد، ج 1، ص 275؛ وج 2، ص 296

تجويزهم الصلاة خلف كلّ فاسق وفاجر، ويتركون ما نقلوه من النصوص بسبب ذلك مع نقلهم أنّ عليّا عليه السلام ما بايع إلّا بعد موت فاطمة عليهاالسلام(1). وبالجملة مَن تفكّر فيما قالوا فقط من غير شيء آخر مذكور في طرقنا يجزم بقلّة مبالاتهم أو بتيقّنهم، ومثل ما روي: «أنّ ضربة عليّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين» (2)، وهم يقولون؛ قد يكون غيره أفضل منه بمعنى أكثر ثوابا.

ومثل ما قال شارح التجريد: إنّ معنى قول عمر: بيعة أبي بكر فلتة من عاد إلى مثلها فاقتلوه؛ أنّه من عاد إلى خلاف كاد أن يظهر عندها فاقتلوه(3)وهل يمكن مثل هذا التقدير في الكلام مع أنّه ينافي معنى الفلتة، وهو ظاهر لا خفاء فيه؟!

ومثل ما قال السيّد الشريف في إلهيّات شرح المواقف: الاجتهاد قد يكون صوابا، وقد يكون خطأً، وليس فيه عقاب وقصور، مثل تخلّف الأوّل والثاني عن جيش اُسامة حين أمرهم النبيّ صلى الله عليه و آله بالرواح معه وقالوا: ليس مصلحة في أن نترك النبيّ صلى الله عليه و آله في تلك الحالة التي يمكن مفارقته الدُّنيا ونخلّي المدينة(4). ومثل ما قالوا في توجيه قول الثاني حين قال النبيّ صلى الله عليه و آله في حال الموت: «إيتوني بالدواة والقلم» الحديث، فقال الثاني: إنّ الرجل ليهذر، حسبنا كتاب اللّه ، (5). فقالوا: إنّ ذلك القول منه من باب الاجتهاد، (6)ولم يعلموا أنّ قول الرسول صلى الله عليه و آله والعمل بخلافه كفرٌ محض.

ومثل ما قال العضدي في توجيه إنكار الثاني العدول من الافراد إلى التمتّع حين أمر النبيّ صلى الله عليه و آله ومن لم يسق الهدي بذلك مع عدم سياقه، وقال: نغتسل والنبى صلى الله عليه و آله أغبر، فقال العضدي: إنّه دليل على تقديم فعله صلى الله عليه و آله على قوله عند التعارض، وما علم أن لا تعارض هنا؛ لأنّ فعله وعدم عدوله صلى الله عليه و آله لأنّه ساق الهدي، وقوله: وأمره بالعدول لمن لم يسبقه، فكان فرضه غير فرضهم، ومثل ما بالغ ابن أبي الحديد في كون

ص: 580


1- اُنظر: المصنّف للصنعاني، ج 5، ص 473، ح 9774؛ السنن الكبرى، ج 6، ص 300
2- المستدرك للحاكم، ج 3، ص 32؛ الفردوس، ج 3، ص 455، ح 5406؛ كنز العمّال، ج 12، ص 623، ح 33035
3- لم نعثر عليه
4- لم نعثر على هذا القول في شرح المواقف، لكن نقل فيه عن الآمدي ما يقرب من ذلك.راجع: شرح المواقف، ج 8، ص 372
5- روي بعبارات مختلفة في: مسند أحمد، ج 1، ص 325 و 336؛ صحيح البخاري، ج 5، ص 138؛ وج 7، ص 9؛ صحيح مسلم، ج 5، ص 76؛ السنن الكبرى، ج 3، ص 433، ح 5852
6- اُنظر: صحيح مسلم بشرح النووي، ج 11، ص 91؛ المواقف، ج 3، ص 650

الخطبة الشقشقيّة منه عليه السلام وقال: إنّ كونها منه مثل ضوء النهار، (1)وقد اطّلع على الشكاية التي فيها حتّى قال: فيشكل الأمر علينا لا على الشيعة.ثمّ أجاب بأنّه وقع على ترك الأولى، (2)وهل يقع من العاقل مثل هذه الأقاويل التي لا يعذر صاحبها أصلاً، فهؤلاء وأمثالهم مخلّدون في النار.ويمكن حمل الأخبار الواردة في عدم قبول طاعاتهم وعباداتهم على هؤلاء(3).

(فلذلك) أي لما ذكر من قوله: «نظرا للناس» إلى آخره.

(كتم عليّ عليه السلام أمره) وترك دعوة الناس إلى نفسه.

(وبايع) أبا بكر.

(مكرها) لا طوعا ورغبةً.

وكلمة «حيث» في قوله: (حيث لم يجد أعوانا) ظرف زماني أو مكاني للمبايعة والإكراه، ويحتمل كونها تعليلاً لهما.

قال بعض الأفاضل: اعلم أنّه قد دلّت الأدلّة العقليّة ووردت الأخبار المتواترة في أنّ الأنبياء عليهم السلام والأئمّة عليهم السلام لا يفعلون شيئا من الاُمور لا سيّما اُمور الدِّين إلّا بما أمرهم اللّه تعالى، ولا يتكلّمون في شيء من اُمورهم على الرأي والهوى؛ «إِنْ هُوَ إِلَا وَحْىٌ يُوحَى» (4).

وقد مضت الأخبار في كتاب الحجّة أنّ اللّه أنزل صحيفة من السماء مختومة بخواتيم، وكان كلّ إمام يفضّ الخاتم المتعلّق به ويعمل بما تحته، (5).

وقد ورد في الأخبار المستفيضة ممّا روته الخاصّة والعامه أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمره بالكفّ عنهم حين أخبرهم بظلمهم، فالاعتراض عليهم فيما يصدر عنهم ليس إلّا من ضعف اليقين وقلّة المعرفة بشأن أئمّة الدِّين.

وقد روى الشيخ أبو طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان جالسا في بعض مجالسه بعد رجوعه من النهروان، فجرى الكلام حتّى قيل له: لِمَ لا حاربت

ص: 581


1- نقل بالمعنى.اُنظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، ج 1، ص 205
2- نقل بالمعنى.اُنظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، ج 1، ص 157
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 12، ص 412 _ 414 (مع اختلاف في اللفظ».وانظر: مجمع الفائدة والبرهان للمحقق الأردبيلي، ج 3، ص 215 _ 220
4- النجم (53): 4
5- اُنظر: الكافي، ج 1، ص 279 _ 284، باب أن الأئمّة عليهم السلام لم يفعوا شيئا..

أبا بكر وعمر كما حاربت طلحة والزبير ومعاوية؟ فقال عليه السلام : «إنّي كنت لم أزَل مظلوما مستأثرا على حقّي».

فقام إليه أشعث بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين، لِمَ لم تضرب بسفيك وتطلب بحقّك؟ فقال: «يا أشعث، قد قلت قولاً فاسمع الجواب، وعِه واستشعر الحجّة، إنّ لي اُسوة لستّة من الأنبياء عليهم السلام أوّلهم نوح عليه السلام حيث قال: «أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» (1)، فإن قال قائل: إنّه قال لغير خوف فقد كفر، وإلّا فالوصي أعذر، وثانيهم لوط عليه السلام حيث قال: «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» (2)فإن قال قائل: إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر، وإلّا فالوصي أعذر، وثالثهم إبراهيم خليل اللّه حيث قال: «وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه ِ» (3)فإن قال قائل: إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر، وإلّا فالوصيّ أعذر.ورابعهم موسى عليه السلام حيث قال: «فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ» (4)فإن قال قائل: إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر، وإلّا فالوصيّ أعذر.وخامسهم أخوه هارون عليه السلام حيث قال: «ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي» (5)فإن قال قائل: إنّه قال [هذا] لغير خوف فقد كفر، وإلّا فالوصيّ أعذر.وسادسهم أخي محمّد سيّد البشر صلى الله عليه و آله حيث ذهب إلى الغار ونوّمني على فراشه، فإن قال قائلٌ: إنّه ذهب إلى الغار لغير خوف فقد كفر، وإلّا فالوصيّ أعذر» فقام إليه الناس بأجمعهم فقالوا: يا أمير المؤمنين عليه السلام ، قد علمنا أنّ القول قولك، ونحن المذنبون التائبون، وقد عذرك اللّه (6).

وروي أيضا عن إسحاق بن موسى، عن [أبيه موسى بن] جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام قال: «خطب أمير المؤمنين عليه السلام خطبة بالكوفة، فلمّا كان في آخر كلامه قال: إنّي أولى الناس بالناس، وما زلتُ مظلوما منذ قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقام الأشعث بن قيس _ لعنه اللّه _ فقال: يا أمير المؤمنين، لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلّا وقلت: واللّه إنّي لأولى الناس، بالناس وما زلتُ مظلوما منذ قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولمّا ولّي تيم وعديّ، ألا ضربت بسيفك دون ظلامتك؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : يابن الخمّارة، قد قلت قولاً فاستمع، واللّه ما منعني الجبن، ولا كراهيّة الموت، ولا منعني ذلك إلّا عهد أخي رسول اللّه صلى الله عليه و آله خبّرني وقال: يا أبا الحسن، إنّ الاُمّة ستغدر بك، وتنقض عهدي، وإنّك منّي بمنزلة

ص: 582


1- . القمر (54): 10
2- . هود (11): 80
3- . مريم (19): 48
4- . الشعراء (26): 21
5- . الأعراف (7): 150
6- الاحتجاج، ج 1، ص 279 و 280

هارون من موسى، فقلت: يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فما تعهد إليّ إذا كان كذلك؟ فقال: إن وجدت أعوانا فبادر إليهم، وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا فكفّ يدك، واحقن دمك حتّى تلحق بي مظلوما، فلمّا توفّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله اشتغلت بدفنه والفراغ من شأنه، ثمّ ألَيتُ يمينا أنّي لا أرتدي إلّا للصلاة حتّى أجمع القرآن، ففعلت، ثمّ أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين، ثمّ بادرت على أهل بدر وأهل السابقة، فناشدتهم حقّي، ودعوتهم لنصرتي، فما أجابني منهم إلّا أربعة رهط: سلمان، وعمّار، والمقداد، وأبو ذرّ، وذهب من كنت أعتضد بهم على دين اللّه من أهل بيتي، وبقيت بين خفيرتين قريبي العهد بجاهليّة عقيل والعبّاس.

فقال له الأشعث: يا أمير المؤمنين، كذلك كان عثمان [لّما] لم يجد أعوانا كفَّ يده حتّى قُتل مظلوما؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : يابن الخمّارة، ليس كما قِست؛ إنّ عثمان لمّا جلس جلس في غير مجلسه، وارتدى بغير ردائه، وصارع الحقّ فصرعه الحقّ، والذي بعث محمّدا بالحقّ، لو وجدت يوم بُويع أخو تيم أربعين رجلاً لجاهدتهم في اللّه إلى أن أبلي عذري، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّ الأشعث لا يوزن عند اللّه جناح بعوضة، وإنّه أقلّ في دين اللّه من عفطة عنز»(1).

وروي أيضا عن اُمّ سلمة زوجة رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّها قالت: كنّا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله تسع نسوة، وكانت ليلتي ويومي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأتيت الباب فقلت: أدخل يا رسول اللّه ؟ فقال: «لا».

قالت: فكبوت كبوة شديدة مخافة أن يكون ردّني من سخطة أو نزل فيَّ شيء من السماء، ثمّ لم ألبث أن أتيت الباب ثانيةً فقلت: أدخل يا رسول اللّه ؟ فقال صلى الله عليه و آله : «لا».

قالت: فكبوت كبوةً أشدّ من الاُولى، ثمّ لم ألبث أن أتيت الباب ثالثة فقلت: أدخل يا رسول اللّه ؟ فقال: «اُدخلي يا اُمّ سلمة».

فدخلت وعليّ عليه السلام جاثٍ بين يديه وهو يقول: «فداك أبي واُمّي يا رسول اللّه ، إذا كان كذا وكذا فما تأمرني؟».

قال: «آمرُك بالصبر».

ص: 583


1- الاحتجاج، ج 1، ص 280 و 281

ثمّ أعاد عليه القول ثانيةً، فأمره بالصبر، ثمّ أعاد عليه القول ثالثةً فقال له: «يا علي، يا أخي، إذا كان ذلك منهم، فسل سيفك وضعه على عاتقك، واضرب قدما قدما حتّى تلقاني، وسيفك شاهر يقطر من دمائهم».

ثمّ التفت إليّ وقال: «ما هذه الكآبة يا اُمّ سلمة؟» قلت: للذي كان من ردّك إيّاي يا رسول اللّه ، فقال لي: «واللّه ، ما رددتك لشيء خيرٌ من اللّه ورسوله، ولكن أتيتني وجبرئيل عليه السلام يخبرني بالأحداث التي تكون بعدي، وأمرني أن اُوصي بذلك عليّا.

يا اُمّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا عليّ بن أبي طالب [وزيري في الدنيا ووزيري في الآخرة.يا اُمّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا عليّ بن أبي طالب] (1)وصيّي وخليفتي من بعدي، وقاضي عداتي، والرائد عن حوضي، يا اُمّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا عليّ بن أبي طالب سيّد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين».

قلت: يا رسول اللّه ، مَن الناكثون؟

قال: «الذين يبايعونه بالمدينة، وينكثون ويقاتلونه بالبصرة».

قلت: مَن القاسطون؟

قال: «معاوية وأصحابه من أهل الشام».

قلت: مَن المارقين؟ قال: «أصحاب النهروان»(2).

وروى الصدوق في كتاب العيون والعلل بإسناده عن الهيثم بن عبد اللّه الرمّاني، قال: سألت الرضا عليه السلام فقلت له: يابن رسول اللّه ، أخبرني عن عليّ عليه السلام لمَ لم يجاهد أعداءه خمسا وعشرين سنة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ جاهد في أيّام ولايته؟

فقال: «لأنّه اقتدى برسول اللّه صلى الله عليه و آله في تركه جهاد المشركين بمكّة بعد النبوّة ثلاث عشر سنة، وبالمدينة تسعة عشر شهرا، وذلك لقلّة أعوانه عليهم، وكذلك عليّ عليه السلام ترك مجاهدة أعدائه لقلّة أعوانه عليهم، فلمّا لم تبطل نبوّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله مع تركه الجهاد ثلاث عشر سنة وتسعة عشر شهرا، كذلك لم تبطل إمامة عليّ عليه السلام مع تركه الجهاد خمسا وعشرين سنة إذا كانت العلّة لهما من الجهاد واحدة»(3).

ص: 584


1- . أثبتناه من المصدر
2- الاحتجاج، ج 1، ص 288 و 289
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 81، ح 16؛ علل الشرائع، ج 1، ص 148، ح 5

وروي في إكمال الدين و العلل بإسناده عن إبراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ، أو قال له رجل: أصلحك اللّه ، ألم يكن عليّ عليه السلام قويّا في دين اللّه عزّ و جلّ؟ قال: «بلى».

قال: فيكف ظهر عليه القوم؟ وكيف لم يدفعهم، وما منعه من ذلك؟

قال: «آية في كتاب اللّه منعته».قال: قلت: وأيّ آية؟ قال: «قوله: «لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» (1)؛ إنّه كان للّه _ عزّ و جلّ _ ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن عليّ عليه السلام ليقتل الآباء حتّى تخرج الودائع، فلمّا خرجت الودائع ظهر على من ظهر، فقاتله.وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبدا حتّى تظهر ودائع اللّه عزّ و جلّ، فإذا ظهرت ظهر على من ظهر فقتله»(2).

وروي أيضا بإسناده عن منصور، عن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في قول اللّه عزّ و جلّ: «لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» : «لو أخرج اللّه ما في أصلاب المؤمنين من الكافرين، وما في أصلاب الكافرين من المؤمنين، لعذّب الذين كفروا»(3).

وروي في العلل بإسناده عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا أنّه سئل أبو عبد اللّه عليه السلام : ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتلهم؟ قال: «الذي سبق في علم اللّه أن يكون وما كان له أن يقاتلهم، وليس معه إلّا ثلاثة رهط من المؤمنين»(4).

ص: 585


1- . الفتح (48): 25
2- كمال الدين، ج 2، ص 141؛ علل الشرائع، ج 1، ص 147، ح 3
3- كمال الدين، ج 2، ص 642؛ علل الشرائع، ج 1، ص 147، ح 4
4- علل الشرائع، ج 1، ص 148، ح 6.وعنه في وسائل الشيعة، ج 15، ص 88، ح 20045

ص: 586

فهرس المطالب

الصورة

ص: 587

الصورة

ص: 588

الصورة

ص: 589

الصورة

ص: 590

الصورة

ص: 591

الصورة

ص: 592

الصورة

ص: 593

الصورة

ص: 594

الصورة

ص: 595

الصورة

ص: 596

الصورة

ص: 597

الصورة

ص: 598

الصورة

ص: 599

الصورة

ص: 600

الصورة

ص: 601

الصورة

ص: 602

الصورة

ص: 603

الصورة

ص: 604

الصورة

ص: 605

الصورة

ص: 606

الصورة

ص: 607

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.