سرشناسه:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق.
عنوان و نام پديدآور: منتهی المطلب فی تحقیق المذهب / للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر؛ تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
مشخصات نشر: مشهد : آستان قدس رضوی بنیاد پژوهش های اسلامی، 1414ق.= 1994م.= -1373
مشخصات ظاهری:15 ج.
شابک:19000 ریال:ج.7: 964-444-293-8
وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری
يادداشت: عربی.
يادداشت:فهرستنویسی براساس جلد ششم.
يادداشت:ج.7 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
یادداشت:نمایه.
موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.
موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه
شناسه افزوده:مجمع البحوث الاسلامية
رده بندی کنگره:BP182/3/ع8م8 1373
رده بندی دیویی:297/342
شماره کتابشناسی ملی:2559784
ص :1
بسم اله الرحمن الرحیم
ص :2
منتهی المطلب فی تحقیق المذهب
للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر
تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
ص :3
سرشناسه:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق.
عنوان و نام پديدآور: منتهی المطلب فی تحقیق المذهب / للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر؛ تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
مشخصات نشر: مشهد : آستان قدس رضوی بنیاد پژوهش های اسلامی، 1414ق.= 1994م.= -1373
مشخصات ظاهری:15 ج.
شابک:19000 ریال:ج.7: 964-444-293-8
وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری
يادداشت: عربی.
يادداشت:فهرستنویسی براساس جلد ششم.
يادداشت:ج.7 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
یادداشت:نمایه.
موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.
موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه
شناسه افزوده:مجمع البحوث الاسلامية
رده بندی کنگره:BP182/3/ع8م8 1373
رده بندی دیویی:297/342
شماره کتابشناسی ملی:2559784
ص :4
هذا هو الجزء العاشر من كتاب«منتهى المطلب في تحقيق المذهب»الذي وفّقنا اللّه سبحانه بمنّه و كرمه و ببركة مولانا أبي الحسن الرضا عليه الصلاة و السّلام لتصحيحه و تحقيقه و إخراجه بعد صدور تسعة أجزاء منه.
و يجدر بنا أن نشكر أعضاء قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلاميّة؛لجهودهم المشكورة في إنجاز هذا الجزء،و هم حجج الإسلام و الإخوة الأفاضل:
الشيخ عليّ الاعتماديّ الشيخ نوروز عليّ الحاج آباديّ الشيخ عبّاس المعلّميّ الشيخ محمّد عليّ الملكيّ الشيخ عليّ النمازيّ السيّد أبو الحسن الهاشميّ السيّد بلاسم الموسويّ الأخ شكر اللّه الأختريّ الأخ عادل البدريّ الأخ السيّد طالب الموسويّ الأخ عليّ أصغر المولويّ كما نشكر حجّة الإسلام و المسلمين عليّ أكبر إلهيّ الخراسانيّ مدير قسم الفقه لإشرافه على تحقيق الكتاب،راجين له و لكلّ الإخوة المشاركين في هذا العمل مزيدا من النشاط و التوفيق لإتمام هذا المشروع المبارك و تحقيق نفائس أخرى من تراث الفقه الإسلاميّ الأصيل.
قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلاميّة
ص:5
ص:6
في الحجّ و العمرة
و فيه مقدّمة و مقاصد
و المقدمّة فيها مباحث:
ص:7
ص:8
الحجّ في اللغة:القصد (1)
قال الخليل:الحجّ كثرة القصد إلى من يعظّمه (2).و يقال:الحجّ-بفتح الحاء و كسرها-و كذا الحجّة بهما و الحاجّ اسم الفاعل،و الحجّاج و الحجيج جمع، و المحجّة قارعة الطريق،سمّيت بذلك؛لكثرة التردّد فيها.
و سمّي قصد البيت حجّا؛لكثرة التردّد إليه من جميع الناس و إن كان القاصد لم يتردّد.
و هو في الشريعة:عبارة عن قصد البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده متعلّقة بزمان مخصوص.
و العمرة:الزيارة في اللغة (3).
و في الشرع:عبارة عن زيارة البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده، و لا يختصّ بزمان،ففارقت الحجّ.هذا إذا كانت مبتولة.
قال ابن إدريس:الأولى أن يقال:الحجّ هو القصد إلى مواضع مخصوصة لأداء مناسك مخصوصة عندها متعلّقة بزمان مخصوص؛لأنّ تحديد الشيخ يخرج عنه الوقوف بالمشعر و عرفة،و قصد منى؛لأنّها ليست قصدا إلى البيت،و ذلك
ص:9
لا يجوز (1).و هو ضعيف؛لأنّا نجعل الاسم قصد البيت،و نجعل هذه شروطا شرعيّة خارجة عن المسمّى.
و بالجملة:فلا مشاحّة في مثل هذه التعريفات.
ص:10
في وجوبهما
الحجّ:أحد الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام،و يدلّ على وجوبه:النصّ و الإجماع.قال اللّه تعالى: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (1).قال ابن عبّاس:يريد باعتقاده (2)أنّه غير واجب (3).
و قال مجاهد:يريد الذي إن حجّ لم يره برّا،و إن جلس لم يره مأثما (4).
و قال عكرمة:أراد،من كفر من أهل الملل؛لأنّ (5)النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمرهم بالحجّ فأبوا (6).
و قال تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (7).و هذا أمر للوجوب.قال عليّ
ص:11
عليه السّلام:«إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك»نقله الجمهور (1).
و رووا عن ابن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«بني الإسلام على خمس:شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و إقام الصلاة،و إيتاء الزكاة،و صوم رمضان،و حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا» (2).
و عن عمر قال:كنّا ذات يوم عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذ أقبل رجل لم أر أشدّ بياضا من ثيابه،و لا أشدّ سوادا من شعره،لا نعرفه،حتّى دنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فوضع ركبتيه على ركبتيه و يديه على فخذيه ثمّ قال:يا محمّد، ما الإسلام؟فقال:«أن تشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و إنّ محمّدا رسول اللّه،و أن تقيم الصلاة و تؤدّي الزكاة،و تصوم رمضان،و تحجّ البيت إن استطعت»قال:فإذا فعلت هذا فأنا مسلم؟قال:«نعم»قال:صدقت (3).
و عنه صلّى اللّه عليه و آله قال:«من لم يمنعه من الحجّ مرض حاجز،أو سلطان جائر،أو حاجة ظاهرة حتّى مات،فليمت يهوديّا أو نصرانيّا» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن الباقر عليه السّلام قال:«بني الإسلام على خمسة أشياء:على الصلاة،و الزكاة،و الحجّ،و الصوم، و الولاية» (5).
ص:12
و عن ذريح،عن الصادق عليه السّلام قال:«من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام، و لم تمنعه عن ذلك حاجة تجحف به،و لا مرض لا يطيق فيه الحجّ،و لا سلطان يمنعه،فليمت إن شاء يهوديّا أو نصرانيّا» (1).
و عنه عليه السّلام:«من مات و لم يحجّ و هو صحيح موسر،فهو ممّن قال اللّه تعالى: وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (2)أعماه اللّه عن طريق الجنّة» (3).
و عنه عليه السّلام قال:«إذا قدر الرجل على الحجّ و لم يحجّ،فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام» (4).
و أمّا الإجماع:فقد أجمع المسلمون كافّة على وجوبه على المستطيع في العمر مرّة واحدة.
ص:13
في كيفيّة وجوبهما
الحجّ يجب على كلّ مكلّف حرّ مستطيع للحجّ متمكّن من المسير،من ذكر و أنثى (1)و خنثى،وجوبا مضيّقا على الفور،قاله علماؤنا أجمع،و به قال مالك (2)، و أحمد (3)،و أبو يوسف،و نقله الكرخيّ و غيره عن أبي حنيفة (4).
و قال الشافعيّ:يجب على التراخي (5).و به قال محمّد بن الحسن (6).
لنا:قوله تعالى: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (7)و الأمر على الفور.
ص:14
و ما رواه الجمهور عن عليّ عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من ملك زادا و راحلة تبلغه إلى بيت اللّه الحرام و لم يحجّ،فلا عليه أن يموت يهوديّا أو نصرانيّا» (1).و الوعيد مطلقا دليل التضييق.و كذا ما روي عن أهل البيت عليهم السّلام (2).
و عن زيد الشحّام،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت:التاجر يسوّف الحجّ؟قال:«إذا سوّفه و ليس له عزم ثمّ مات،فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام» (3).
و لأنّ تأخير الواجب تعريض لنزول العقاب (4)لو اتّفق الموت،خصوصا مع طول المدّة؛إذ تركه يقتضي التأخير سنة و قد لا يعيش إليها،فتجب المبادرة؛صونا للذمّة عن الاشتغال.
و لأنّه أحد أركان الإسلام،فكان واجبا على الفور،كالصيام.
و لأنّه عبادة تجب بإفسادها الكفّارة،فكان وجوبها على الفور،كالصوم.
احتجّ الشافعيّ بأنّ فرض الحجّ نزل سنة ستّ من الهجرة،و أخّره النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى سنة عشر من غير عذر.
و لأنّه لو أخّره ثمّ فعله في السنة الأخرى،لم يسمّ قاضيا له،و لو أفسده،وجب عليه و يسمّى قاضيا له،فدلّ على أنّه لم يؤخّره عن وقت وجوبه،كالمصلّي إذا أخّر الصلاة من أوّل الوقت إلى آخره (5).
ص:15
و الجواب عن الأوّل:أنّه تمسّك بالفعل،و نحن تمسّكنا بالقول،فكان أولى، و لأنّا لا نسلّم عدم الإعذار،و عدم العلم بها لا يدلّ على العدم في نفس الأمر، و يحتمل أن يكون عليه السّلام غير مستطيع،أو كره رؤية المشركين عراة حول البيت،فأخّر الحجّ إلى أن بعث في سنة تسع جماعة من المسلمين،و نادوا أن لا يحجّ بعد العام مشرك،و لا يطوف بالبيت عريان.
و يحتمل أنّه أخّره بأمر اللّه تعالى؛ليكون حجّته عليه السّلام حجّة الوداع في السنة التي استدار فيها الزمان،كهيئته يوم خلق اللّه السماوات و الأرض و تصادف وقعته (1)الجمعة،و يكمل اللّه دينه بنصب أمير المؤمنين عليه السّلام إماما للأنام،فقد قيل:إنّه اجتمع يومئذ أعياد أهل كلّ دين،و لم يجتمع قبله و لا بعده (2).
و عن الثاني:أنّه لا يلزم من الوجوب على الفور تسمية الفعل بعده قضاء فإنّ الزكاة تجب على الفور،و لو أخّرها لا يسمّى قضاء،و القضاء إذا وجب على الفور لو أخّره لا يسمّى قضاء للقضاء،و لو غلب في ظنّه أنّه لا يعيش إلى سنة أخرى، يضيّق عليه الوجوب إجماعا،و لو أخّره و عاش،لا يسمّى فعله قضاء،على أنّا نمنع من أنّه لا يسمّى قضاء،فقد قال اللّه تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ (3).
بإجماع المسلمين على ذلك.
و سأل الأقرع بن حابس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الحجّ في كلّ سنة أم مرّة واحدة؟فقال:«بل مرّة واحدة،و من زاد فهو تطوّع» (4).
ص:16
و روي أنّه قيل:يا رسول اللّه أ حجّنا لعامنا هذا أم للأبد؟فقال:«بل للأبد» (1).
و لا نعلم فيه خلافا يعتدّ به.
و قد حكي عن بعض الناس أنّه يقول:يجب في كلّ سنة مرّة (2).و هذه حكاية لا تثبت،و هي مخالفة للإجماع و السنّة.
ذهب إليه علماؤنا أجمع.و به قال عليّ عليه السّلام،و عمر،و ابن عبّاس،و زيد بن ثابت،و ابن عمر،و سعيد بن جبير، و سعيد بن المسيّب،و عطاء،و طاوس،و مجاهد،و الحسن،و ابن سيرين، و الشعبيّ،و الثوريّ،و إسحاق (3).
و قال مالك (4)،و أبو ثور (5)،و أصحاب الرأي:إنّها نفل و ليست فرضا (6).
و للشافعيّ قولان (7)،و عن أحمد روايتان (8).
لنا:قوله تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (9)و الأمر للوجوب.
ص:17
و لأنّ العطف بالواو يقتضي التسوية،قال ابن عبّاس:إنّها لقرينة الحجّ في كتاب اللّه (1).
و روى الجمهور عن أبي رزين أنّه أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقال:يا رسول اللّه إنّ أبي شيخ كبير لا يستطيع الحجّ و العمرة و لا الظّعن،قال:«حجّ عن أبيك و اعتمر».رواه أبو داود،و النسائيّ،و الترمذيّ و قال:حديث حسن صحيح (2).
و عن ابن عمر،قال:جاء رجل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقال:أوصني، قال:«تقيم الصلاة و تؤتي الزكاة و تحجّ و تعتمر» (3).
و عن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم (4)،عن أبيه،عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كتب إلى أهل اليمن،و كان في الكتاب:«و إنّ العمرة هي الحجّ الأصغر» (5).
و عن ابن عمر قال:على كلّ مسلم حجّة و عمرة واجبتان،فمن زاد فهو تطوّع (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن المفضّل بن صالح،عن أبي بصير،
ص:18
عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«العمرة مفروضة مثل الحجّ،فإذا أدّى المتعة فقد أدّى العمرة المفروضة» (1).
و لأنّه قول من سمّينا من الصحابة،و لم يوجد له مخالف،سوى عبد اللّه بن مسعود على اختلاف عنه،فيكون متعيّنا (2).
احتجّ المخالف (3):بما رواه جابر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سئل عن العمرة أ واجبة هي؟قال:«لا،و أن تعتمر فهو أفضل» (4).
و عن طلحة أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«الحجّ جهاد و العمرة تطوّع» (5).
و لأنّه نسك غير موقّت،فلم يكن واجبا،كالطواف المجرّد.
و الجواب:أنّ الشافعيّ قال:حديث جابر ضعيف لا تقوم بمثله الحجّة،و ليس في العمرة شيء ثابت بأنّها تطوّع (6).
قال ابن عبد البرّ:روي ذلك بأسانيد لا تصحّ و لا تقوم بمثلها الحجّة (7).
ثمّ بعد ذلك نحمله على المعهود،و هي العمرة التي قضوها حين أحصروا في الحديبيّة،أو على العمرة التي اعتمروها مع حجّتهم مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فإنّها لم تكن واجبة على من اعتمر،أو على ما زاد على العمرة الواحدة،و الفرق
ص:19
بينها و بين الطواف ظاهر؛لأنّ من شرطها الإحرام،بخلاف الطواف.
و لها أسباب أخر تأتي إن شاء اللّه تعالى.
في فضلهما
و هو من أعظم أركان الإسلام،و فضله متّفق عليه بين المسلمين كافّة.
روى الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن أبيه،عن آبائه عليهم السّلام:«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لقيه أعرابيّ، فقال له:يا رسول اللّه،إنّي خرجت أريد الحجّ ففاتني و أنا رجل متموّل (1)،فمرني أن أصنع في مالي ما أبلغ به مثل أجر الحاجّ،قال:فالتفت إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال له:«انظر إلى أبي قبيس،فلو أنّ أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقتها (2)في سبيل اللّه ما بلغت مبلغ الحاجّ»ثمّ قال:«إنّ الحاجّ إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا و لم يضعه إلاّ كتب اللّه له عشر حسنات،و محا عنه عشر سيّئات،و رفع له عشر درجات،فإذا ركب بعيره لم يرفع خفّا و لم يضعه إلاّ كتب اللّه له مثل ذلك، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه،فإذا سعى بين الصفا و المروة خرج من ذنوبه، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه،فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه،فإذا
ص:21
رمى الجمار خرج من ذنوبه»قال:فعدّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كذا و كذا موقفا إذا وقفها الحاجّ خرج من ذنوبه،ثمّ قال:«أنّى لك أن تبلغ ما بلغ الحاجّ»قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«و لا تكتب عليه الذنوب أربعة أشهر و تكتب له الحسنات إلاّ أن يأتي بكبيرة» (1).
و في الصحيح عن محمّد بن قيس قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام و هو يحدّث الناس بمكّة،فقال:«إنّ رجلا من الأنصار جاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليسأله، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إن شئت فاسأل،و إن شئت أخبرتك عمّا جئت تسألني عنه»فقال:أخبرني يا رسول اللّه،فقال:«جئت تسألني مالك في حجّك و عمرتك،و إنّ (2)لك إذا توجّهت إلى سبيل الحجّ،ثمّ ركبت راحلتك،ثمّ قلت:بسم اللّه و الحمد للّه،ثمّ مضت راحلتك لم تضع خفّا و لم ترفع خفّا،إلاّ كتب اللّه لك حسنة و محا عنك سيّئة،فإذا أحرمت و لبيّت،كان لك بكلّ تلبية لبّيتها (3)عشر حسنات و محي عنك عشر سيّئات،فإذا طفت بالبيت الحرام أسبوعا،كان لك بذلك عند اللّه عهد و ذخر يستحيي أن يعذّبك بعده أبدا،فإذا صلّيت الركعتين خلف المقام، كان لك بهما ألفا (4)حجّة متقبّلة،فإذا سعيت بين الصفا و المروة،كان لك مثل (5)أجر من حجّ ماشيا من بلاده،و مثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة،فإذا وقفت بعرفات إلى غروب الشمس،فإن كان عليك من الذنوب مثل رمل عالج أو بعدد (6)نجوم السماء أو قطر المطر يغفرها اللّه لك،فإذا رميت الجمار،كان لك بكلّ حصاة
ص:22
عشر حسنات تكتب لك فيما يستقبل من عمرك،فإذا حلقت رأسك،كان لك بعدد كلّ شعرة حسنة تكتب لك فيما يستقبل من عمرك،فإذا ذبحت هديك أو نحرت بدنتك،كان لك بكلّ قطرة من دمها حسنة تكتب لك فيما يستقبل من عمرك،فإذا زرت البيت و طفت به أسبوعا و صلّيت الركعتين خلف المقام،ضرب ملك على كتفيك،ثمّ قال لك:قد غفر اللّه لك ما مضى و فيما يستقبل ما بينك و بين مائة و عشرين يوما» (1).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الحاجّ حملانه و ضمانه على اللّه،فإذا دخل المسجد الحرام و كلّ اللّه به ملكين يحفظان طوافه و صلاته و سعيه،فإذا كان عشيّة عرفة ضربا على منكبه الأيمن و يقولان له:
يا هذا أمّا ما مضى فقد كفيته،فانظر كيف تكون فيما تستقبل» (2).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الحاجّ يصدرون على ثلاثة أصناف:صنف يعتقون من النار،و صنف يخرج (3)من ذنوبهم كيوم ولدته أمّه،و صنف يحفظ في أهله و ماله،فذلك أدنى ما يرجع به الحاجّ» (4).
قال ابن بابويه:و روي أنّه الذي لا يقبل منه الحجّ (5).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:الحجّ و العمرة ينفيان الفقر و الذنوب كما ينفي الكير (6)
ص:23
خبث الحديد»قال معاوية:فقلت له:حجّة أفضل أو عتق رقبة؟قال:«حجّة أفضل»قلت:فثنتين؟قال:«حجّة أفضل»قال معاوية:فلم أزل أزيد و يقول:«حجّة أفضل»حتّى بلغت ثلاثين رقبة،قال:«حجّة أفضل» (1).
و في الصحيح عن عمر بن يزيد،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
«حجّة أفضل من عتق سبعين (2)رقبة» (3).
و في الصحيح عن الكنانيّ،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يذكر الحجّ، فقال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:هو أحد الجهادين،و هو جهاد الضعفاء و نحن الضعفاء» (4).
و في الصحيح عن ابن بنت إلياس (5)عن الرضا عليه السّلام قال:«إنّ الحجّ و العمرة ينفيان الفقر و الذنوب،كما ينفي الكير الخبث من الحديد» (6).
و روى ابن بابويه عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«ما من مهلّ يهلّ في التلبية إلاّ أهلّ من عن يمينه كلّ شيء إلى مقطع (7)التراب،و من عن يساره إلى مقطع (8)التراب،و قال له الملكان:أبشر يا عبد اللّه و ما بشّر اللّه عبدا إلاّ بالجنّة،و من لبّى في إحرامه سبعين مرّة إيمانا و احتسابا،أشهد اللّه له ألف ملك ببراءته من النّار و براءته
ص:24
من النفاق،و من انتهى إلى الحرم فنزل و اغتسل و أخذ نعليه بيده،ثمّ دخل الحرم حافيا تواضعا للّه عزّ و جلّ محا اللّه عنه مائة ألف سيّئة و كتب له مائة ألف حسنة و بنى له مائة ألف درجة و قضى له مائة ألف حاجة،و من دخل مكّة بسكينة، غفر اللّه له ذنبه-و هو أن يدخلها غير متكبّر و لا متجبّر-و من دخل المسجد حافيا على (1)سكينة و وقار و خشوع،غفر اللّه له،و من نظر إلى الكعبة عارفا بحقّها، غفر (2)له ذنبه و كفي ما أهمّه» (3).
و قال الصادق عليه السّلام:«من نظر إلى الكعبة فعرف من حقّنا و حرمتنا مثل الذي عرف من حقّها و حرمتها،غفر اللّه له ذنوبه،و كفاه همّ الدنيا و الآخرة» (4).
و روي أنّ:«النظر إلى الكعبة عبادة،و النظر إلى الوالدين عبادة،و النظر إلى المصحف من غير قراءة عبادة،و النظر إلى وجه العالم عبادة،و النظر إلى آل محمّد عليهم السّلام عبادة» (5).
و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«النظر إلى عليّ عليه السّلام عبادة» (6).
و في حديث آخر:«ذكر عليّ عليه السّلام عبادة» (7).
و روي أنّ:«من أراد أن يكثر ماله فليطل الوقوف على الصفا و المروة» (8).
و قال الصادق عليه السّلام:«من حجّ حجّة الإسلام فقد حلّ عقدة من النار من
ص:25
عنقه،و من حجّ حجّتين لم يزل في خير حتّى يموت،و من حجّ ثلاث حجج متوالية ثمّ حجّ أو لم يحجّ فهو بمنزلة مدمن الحجّ» (1).
و قال الباقر عليه السّلام:«الحاجّ و المعتمر وفد اللّه إن سألوه أعطاهم،و إن دعوه أجابهم،و إن شفعوا شفّعهم،و إن سكتوا ابتدأهم،و يعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم» (2).و قال عليه السّلام:«ليس في ترك الحجّ خيرة» (3).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لا يحالف الفقر و الحمّى مدمن الحجّ و العمرة» (4).
لما تقدّم.
و قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:«حجّوا و اعتمروا تصحّ أبدانكم،و تتّسع أرزاقكم،و تكفوا مئونات عيالاتكم»و قال:«و الحاجّ مغفور له و موجوب له الجنّة،و مستأنف له (5)العمل و محفوظ في أهله و ماله» (6).
لأنّه محلّ الرحمة و الإجابة،قال الرضا عليه السّلام:«ما وقف أحد بتلك الجبال إلاّ استجيب له،فأمّا المؤمنون
ص:26
فيستجاب لهم في آخرتهم،و أمّا الكفّار (1)فيستجاب لهم في دنياهم» (2).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أربعة لا تردّ لهم دعوة حتّى تفتح لها أبواب السماء و تصير إلى العرش:دعوة الوالد لولده،و المظلوم على من ظلمه،و المعتمر حتّى يرجع،و الصائم حتّى يفطر» (3).
لأنّه مختصّ (4)بسؤال اللّه تعالى،روى ابن بابويه قال:سمع عليّ بن الحسين عليهما السّلام سائلا يسأل الناس،فقال:
«ويحك أغير اللّه تسأل في هذا اليوم إنّه ليرجى لما في بطون الحبالى (5)في هذا اليوم أن يكون سعيدا» (6).
و كان الباقر عليه السّلام إذا كان يوم عرفة لم يردّ سائلا (7).
عرفات و هو يظنّ أنّه لم يغفر له،يعني الذي يقنط من رحمة اللّه عزّ و جلّ» (1).
لأنّهم أهل طاعة،قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:«يا معشر من لم يحجّ استبشروا بالحاجّ و صافحوهم و عظّموهم،فإنّ ذلك يجب عليكم،تشاركوهم في الأجر» (3).
و قال عليه السّلام:«بادروا بالسلام على الحاجّ و المعتمرين و مصافحتهم من قبل أن تخالطهم الذنوب» (4).
[و روي أنّ:«من حجّ ثلاث حجج] (1)لم يصبه فقر أبدا» (2).
و عن الرضا عليه السّلام:من حجّ أربع حجج لم تصبه ضغطة القبر أبدا،و إذا مات صوّر اللّه عزّ و جلّ الحجج التي حجّ في صورة حسنة أحسن ما يكون من الصور بين عينيه،تصلّي في جوف قبره حتّى يبعثه اللّه من قبره،و يكون ثواب تلك الصلاة له،و اعلم أنّ الركعة من تلك الصلاة تعدل ألف ركعة من صلاة الآدميّين، و من حجّ خمس حجج لم يعذّبه اللّه أبدا،و من حجّ عشر حجج لم يحاسبه اللّه أبدا، و من حجّ عشرين حجّة لم ير جهنّم و لم يسمع (3)شهيقها و لا زفيرها،و من حجّ أربعين حجّة قيل له:اشفع فيمن أحببت و يفتح له باب من أبواب الجنّة يدخل منه هو و من يشفع له،و من حجّ خمسين حجّة بني له مدينة في جنّة عدن فيها ألف قصر في كلّ قصر ألف حور من حور العين و ألف زوجة و يجعل من رفقاء محمّد خمسين حجّة مع محمّد و الأوصياء صلوات اللّه عليهم،و كان ممّن يزوره اللّه عزّ و جلّ كلّ جمعة،و هو ممّن يدخل جنّة عدن التي خلقها اللّه عزّ و جلّ بيده و لم ترها عين و لم يطّلع عليها مخلوق» (4).
سئل الصادق عليه السّلام عن رجل ذي دين،يستدين و يحجّ؟فقال:«نعم، هو أقضى للدين» (5).
ص:29
و عن إسحاق بن عمّار،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ رجلا استشارني في الحجّ و كان ضعيف الحال فأشرت عليه أن لا يحجّ،فقال:«ما أخلقك (1)أن تمرض سنة»قال:فمرضت سنة (2).
و قال الصادق عليه السّلام:«ليحذر أحدكم أن يعوّق أخاه عن الحجّ فتصيبه فتنة في دنياه مع ما يدّخر له في الآخرة» (3).
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من ختم القرآن بمكّة من جمعة إلى جمعة أو أقلّ أو أكثر كتب اللّه له من الأجر و الحسنات من أوّل جمعة كانت في الدنيا إلى آخر جمعة تكون،و كذلك ختمه في سائر الأيّام» (4).
و قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:«من ختم القرآن بمكّة لم يمت حتّى يرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يرى منزله من الجنّة» (5).
و لأنّ فيه تعظيما للّه تعالى.
قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:«و الماشي بمكّة في عبادة اللّه عزّ و جلّ» (6).
ص:30
و كان[الحسن بن عليّ] (1)عليه السّلام يمشي و تساق معه المحامل و الرحال (2)(3).
و روي أنّه ما تقرّب[عبد] (4)إلى اللّه عزّ و جلّ بشيء أحبّ إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين و إنّ الحجّة الواحدة تعدل سبعين حجّة (5).
ص:31
في آداب السفر
روى ابن بابويه،عن عمرو بن أبي المقدام،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«في حكمة آل داود عليه السّلام:إنّ على العاقل أن لا يكون ظاعنا إلاّ في ثلاث:
تزوّد لمعاد،أو مرمّة لمعاش،أو لذّة في غير محرّم» (1).
و روى السكونيّ بإسناده،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«سافروا تصحّوا،و جاهدوا تغنموا،و حجّوا تستغنوا» (2).
فليسافر يوم السبت،
فلو أنّ حجرا زال عن جبل في يوم السبت لردّه اللّه إلى مكانه، و من تعذّرت عليه الحوائج فليلتمس طلبها يوم الثلاثاء،فإنّه اليوم الذي ألان اللّه الحديد لداود عليه السّلام» (3).
و روى إبراهيم بن أبي يحيى عنه عليه السّلام أنّه قال:«لا بأس بالخروج (4)في
ص:32
السفر ليلة الجمعة» (1).
و روى عبد اللّه بن سليمان،عن الباقر عليه السّلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يسافر يوم الخميس» (2).
و قال عليه السّلام:«يوم الخميس يحبّه اللّه و رسوله و ملائكته» (3).
يوم الجمعة في حاجة،
فإذا كان يوم السبت و طلعت الشمس فاخرج في حاجتك» (4).
و قال عليه السّلام:«السبت لنا و الأحد لبني أميّة» (5).
و قال عليه السّلام:«لا تسافر يوم الاثنين و لا تطلب فيه حاجة» (6).
و عن أبي أيّوب الخزّاز قال:أردنا أن نخرج فجئنا نسلّم على أبي عبد اللّه عليه السّلام،فقال:«كأنّكم طلبتم بركة الاثنين؟»قلنا:نعم،قال:«فأيّ يوم أعظم شؤما من يوم الاثنين،فقدنا فيه نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله،و ارتفع الوحي عنّا، لا تخرجوا يوم الاثنين و اخرجوا يوم الثلاثاء» (7).
و روى محمّد بن حمران عن أبيه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من سافر أو تزوّج و القمر في العقرب لم ير الحسنى» (8).
و روى سليمان بن جعفر الجعفريّ،عن أبي الحسن موسى عليه السّلام،قال:
ص:33
«الشؤم للمسافر في طريقه في خمسة:الغراب الناعق عن يمينه،و الكلب الناشر لذنبه،و الذئب العاوي الذي يعوي في وجه الرجل و هو مقع على ذنبه يعوي،ثمّ يرتفع،ثمّ ينخفض ثلاثا،و الظبي السانح من يمين إلى شمال،و البومة الصارخة، و المرأة الشمطاء تلقى فرجها،و الأتان (1)العضباء-يعني الجدعاء-،فمن أو جس في نفسه منهنّ شيئا فليقل:اعتصمت بك يا ربّ من شرّ ما أجد في نفسي فاعصمني من ذلك»قال:«فيعصم من ذلك» (2).
و يقطع العلائق بينه و بين مخالطيه و معامليه،و يوفي كلّ من له عليه حقّ حقّه،ثمّ ينظر في أمر من يخلفه و يحسن تدبيرهم،و يترك لهم ما يحتاجون إليه للنفقة (3)مدّة غيبته عنهم على اقتصاد من غير إسراف و لا إقتار،ثمّ يوصي بوصيّة يذكر فيها ما يقرّبه إلى اللّه تعالى،و يحسن وصيّته و يسندها إلى من يثق إليه من إخوانه المؤمنين.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج إلى سفر،و يقول:اللهمّ إنّي أستودعك نفسي و أهلي و مالي و ذرّيّتي و دنياي و آخرتي و أمانتي و خاتمة عملي،فما قال ذلك أحد إلاّ أعطاه اللّه عزّ و جلّ ما سأل» (4).
ص:34
فقد روى ابن بابويه-في الصحيح- عن عبد الرحمن بن الحجّاج،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«تصدّق و اخرج أيّ يوم شئت» (1).
و في الصحيح عن حمّاد بن عثمان،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أ يكره السفر في شيء من الأيّام المكروهة مثل الأربعاء و غيره؟فقال:«افتتح سفرك بالصدقة،و اخرج إذا بدا لك،و اقرأ آية الكرسيّ،و احتجم إذا بدا لك» (2).
و عن محمّد بن مسلم،عن الباقر عليه السّلام،قال:«كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام إذا أراد الخروج إلى بعض أمواله اشترى السلامة من اللّه عزّ و جلّ بما تيسّر له،و يكون ذلك إذا وضع رجله في الركاب،و إذا سلّمه اللّه و انصرف حمد اللّه عزّ و جلّ و شكره و تصدّق بما تيسّر له» (3).
و عن كردين،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من تصدّق بصدقة (4)إذا أصبح دفع اللّه عزّ و جلّ عنه نحس ذلك اليوم» (5).
و في الصحيح عن ابن أبي عمير،قال:كنت أنظر في النجوم و أعرفها و أعرف الطالع فيدخلني من ذلك شيء،فشكوت ذلك إلى أبي الحسن موسى عليه السّلام، فقال:«إذا وقع في نفسك شيء فتصدّق على أوّل مسكين،ثمّ امض،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يدفع عنك» (6).
ص:35
و يقرأ فاتحة الكتاب أمامه و عن يمينه و عن شماله،و آية الكرسيّ أمامه و عن يمينه و عن يساره (2)،و يقول:اللهمّ احفظني و احفظ ما معي،و سلّمني و سلّم ما معي،و بلّغني و بلّغ ما معي،ببلاغك الحسن الجميل،رواه ابن بابويه عن الكاظم عليه السّلام (3).
و يستحبّ أيضا أن يدعو بدعاء الفرج و غيره من الأدعية المذكورة في مظانّها.
يقول: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ و يسبّح اللّه سبعا،و يحمد اللّه (4)سبعا، و يهلّله سبعا (5).
و روى ابن بابويه عن الأصبغ بن نباتة قال:أمسكت لأمير المؤمنين عليه السّلام بالركاب،و هو يريد أن يركب،فرفع رأسه ثمّ تبسّم،فقلت:يا أمير المؤمنين رأيتك رفعت رأسك و تبسّمت،قال:«نعم يا أصبغ،أمسكت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما أمسكت لي،فرفع رأسه و تبسّم،فسألته كما سألتني،و سأخبرك كما أخبرني، أمسكت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الشهباء،فرفع رأسه إلى السماء و تبسّم، فقلت:يا رسول اللّه رفعت رأسك إلى السماء و تبسّمت،فقال:يا عليّ إنّه ليس من أحد يركب ما أنعم اللّه عليه،ثمّ يقرأ آية السخرة،ثمّ يقول:أستغفر اللّه الذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم و أتوب إليه،اللهمّ اغفر لي ذنوبي و لا يغفر الذنوب إلاّ أنت،إلاّ قال السيّد الكريم:يا ملائكتي عبدي يعلم أنّه لا يغفر الذنوب غيري،اشهدوا أنّي قد
ص:36
غفرت له ذنوبه» (1).
صلّى اللّه عليه و آله في سفره إذا هبط سبّح،
و إذا صعد كبّر» (2).
و عن أبي عبيدة،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:«إذا كنت في سفر فقل:اللهمّ اجعل مسيري عبرا،و صمتي تفكّرا،و كلامي ذكرا» (3).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«و الذي نفسي (4)بيده ما هلّل مهلّل و لا كبّر مكبّر على شرف من الأشراف إلاّ هلّل ما خلفه،و كبّر ما بين يديه بتهليله و تكبيره حتّى يبلغ مقطع التراب» (5).
و ربّ الأرض و ما أقلّت،و ربّ الرياح و ما ذرّت،و ربّ الأنهار و ما جرت،عرّفنا خير هذه القرية و خير أهلها،و أعذنا من شرّها و شرّ أهلها إنّك على كلّ شيء قدير.
الصغار و الكبار يمشون على العصا حتّى لا يختالوا في مشيهم» (1).
و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من خرج في سفر و معه عصا لوز مرّ،و تلا هذه الآية وَ لَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ -إلى قوله-:
وَ اللّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (2)آمنه اللّه من كلّ سبع ضار،و من كلّ لصّ عاد،و من كلّ ذات حمة (3)،حتّى يرجع إلى أهله و منزله،و كان معه سبعة و سبعون من المعقّبات يستغفرون له حتّى يرجع و يضعها» (4).
روى أبو الربيع الشاميّ،قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و البيت غاصّ بأهله فقال:«ليس منّا من لم يحسن صحبة من صحبه،و مرافقة (5)من رافقه، و ممالحة من مالحه،و مخالقة من خالقه» (6).
و عن صفوان الجمّال،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«كان أبي عليه السّلام يقول:ما يعبأ بمن يؤمّ هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال:خلق يخالق به من صحبه،و حلم يملك به غضبه،و ورع يحجزه عن محارم اللّه عزّ و جلّ» (7).
و قال الصادق عليه السّلام:«ليس من المروّة أن يحدّث الرجل بما يلقى في
ص:38
السفر من خير أو شرّ» (1).
و روى محمّد بن مسلم،عن الباقر عليه السّلام قال:«من خالطت فإن استطعت أن تكون يدك العليا عليه فافعل» (2).
و قال عمّار بن مروان الكلبيّ (3):أو صاني أبو عبد اللّه عليه السّلام،فقال:
«أوصيك بتقوى اللّه،و أداء الأمانة،و صدق الحديث،و حسن الصحبة لمن صحبك، و لا قوّة إلاّ باللّه» (4).
لابنه:إذا سافرت[مع قوم] فأكثر استشارتهم في أمرك و أمورهم،
و أكثر التبسّم في وجوههم،و كن كريما على زادك بينهم،و إذا دعوك فأجبهم،و إن استعانوا بك فأعنهم (6)،و استعمل طول الصمت و كثرة الصلاة و سخاء النفس بما معك من دابّة أو ماء أو زاد،و إذا استشهدوك على الحقّ فاشهد لهم،و اجهد رأيك لهم إذا استشاروك،ثمّ لا تعزم حتّى تثبّت و تنظر،و لا تجب في مشورة حتّى تقوم فيها
ص:39
و تقعد و تنام و تأكل و تصلّي و أنت مستعمل فكرتك و حكمتك في مشورتك،فإنّ من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه اللّه رأيه و نزع عنه الأمانة،و إذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم،و إذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم،و إذا تصدّقوا و أعطوا قرضا فأعط معهم،و اسمع لمن هو أكبر منك سنّا،و إذا أمروك بأمر و سألوك شيئا فقل:نعم،و لا تقل:لا،فإنّ لا،عيّ و لؤم،و إذا تحيّرتم في الطريق فانزلوا،و إذا شككتم في القصد فقفوا و تؤامروا،و إذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم و لا تسترشدوه،فإنّ الشخص الواحد في الفلاة مريب لعلّه يكون عين اللصوص أو يكون هو الشيطان الذي حيّركم،و احذروا الشخصين أيضا إلاّ أن تروا ما لا أرى،فإنّ العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحقّ منه،و الشاهد يرى ما لا يرى الغائب،يا بنيّ إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشيء،صلّها و استرح منها،فإنّها دين،و صلّ في جماعة و لو على رأس زجّ (1)،و لا تنامنّ (2)على دابّتك، فإنّ ذلك سريع في دبرها (3)،و ليس ذلك من فعل الحكماء،إلاّ أن تكون في محمل يمكنك التمدّد لاسترخاء المفاصل،و إذا قربت من المنزل فانزل عن دابّتك و ابدأ بعلفها قبل نفسك فإنّها نفسك،و إذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لونا و ألينها تربة و أكثرها عشبا،و إذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس،و إذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض،و إذا ارتحلت فصلّ ركعتين ثمّ ودّع الأرض التي حللت بها،و سلّم عليها و على أهلها،فإنّ لكلّ بقعة أهلا من الملائكة،و إن (4)استطعت أن لا تأكل طعاما حتّى تبدأ فتصدّق منه فافعل،و عليك بقراءة كتاب اللّه عزّ و جلّ ما دمت راكبا،و عليك بالتسبيح ما دمت عاملا عملا،
ص:40
و عليك بالدعاء ما دمت خاليا،و إيّاك و السير من أوّل الليل و سر في آخره،و إيّاك و رفع الصوت في مسيرك» (1).
و قد شيّع أمير المؤمنين عليه السّلام أبا ذرّ،و شيّعه معه الحسن و الحسين عليهما السّلام و عقيل بن أبي طالب و عبد اللّه بن جعفر و عمّار بن ياسر.قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«ودّعوا أخاكم، فإنّه لا بدّ للشاخص أن يمضي،و للمشيّع من أن يرجع»فتكلّم (2)كلّ رجل منهم على حياله،فقال الحسين بن عليّ عليهما السّلام:«رحمك اللّه يا أبا ذر إنّ القوم إنّما امتهنوك بالبلاء؛لأنّك منعتهم دينك فمنعوك دنياهم،فما أحوجك غدا إلى ما منعتهم،و أغناك عمّا منعوك؟»فقال أبو ذرّ:رحمكم اللّه من أهل بيت فما لي شجن (3)في الدنيا غيركم،إنّي إذا ذكرتكم ذكرت بكم جدّكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (4).
و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا ودّع المؤمنين قال:«زوّدكم اللّه التقوى، و وجّهكم إلى كلّ خير،و قضى لكم كلّ حاجة،و سلّم لكم دينكم و دنياكم،و ردّكم سالمين إلى سالمين» (5).
و عن الباقر عليه السّلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا ودّع مسافرا أخذ بيده ثمّ قال:أحسن اللّه لك الصحابة،و أكمل لك المعونة،و سهّل لك الحزونة،
ص:41
و قرّب لك البعيد،و كفاك المهمّ،و حفظ لك دينك و أمانتك و خواتيم عملك، و وجّهك لكلّ خير،عليك بتقوى اللّه،استودع اللّه نفسك،سر على بركة اللّه عزّ و جلّ» (1).
قال الصّادق عليه السّلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:ألا أنبّئكم بشرّ الناس؟قالوا:بلى يا رسول اللّه،قال:من سافر وحده،و منع رفده،و ضرب عبده» (2).
و قال أبو الحسن الكاظم عليه السّلام:«في وصيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام:لا تخرج في سفر وحدك؛فإنّ الشيطان مع الواحد و هو من الاثنين أبعد،يا عليّ إنّ الرجل إذا سافر وحده فهو غاو،و الاثنان غاويان،و الثلاثة نفر»و روى بعضهم:«سفر» (3).
و عن الكاظم عليه السّلام قال:«لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثلاثة:الآكل زاده وحده،و النائم في بيت وحده،و الراكب في الفلاة وحده» (4).
فليقل:ما رواه سليمان بن جعفر عن أبي الحسن الكاظم عليه السّلام قال:«من خرج وحده في سفر فليقل:ما شاء اللّه لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه،اللهمّ آنس وحشتي،و أعنّي على وحدتي،و أدّ غيبتي» (5).
ص:42
و قال عليه السّلام:«ما اصطحب اثنان،إلاّ كان أعظمهما أجرا و أحبّهما إلى اللّه، أرفقهما لصاحبه (2)» (3).
و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«لا تصحبنّ في سفر (4)،من لا يرى لك من الفضل عليه كما ترى له عليك» (5).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من السنّة إذا خرج القوم في سفر أن يخرجوا نفقتهم،فإنّ ذلك أطيب لأنفسهم و أحسن لأخلاقهم» (6).
و قال الصادق عليه السّلام:«اصحب من تتزيّن به،و لا تصحب من يتزيّن بك» (7).
و قال شهاب بن عبد ربّه:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:قد عرفت حالي وسعة يدي و توسيعي (8)على إخواني،فأصحب النفر منهم في طريق مكّة فأوسّع عليهم، قال:«لا تفعل يا شهاب،إن بسطت و بسطوا،أجحفت بهم،و إن هم أمسكوا
ص:43
أذللتهم،فاصحب نظراءك اصحب نظراءك» (1).
و قال أبو جعفر الباقر عليه السّلام:«إذا صحبت،فاصحب نحوك،و لا تصحب من يكفيك،فإنّ ذلك مذلّة للمؤمن» (2).
و قال الصادق عليه السّلام:«حقّ المسافر أن يقيم عليه إخوانه (3)إذا مرض ثلاثا» (4).
روى السكونيّ بإسناده،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«زاد المسافر الحداء و الشعر ما كان منه ليس فيه خنا (5)» (6).
لئلاّ يذهب وقت الضرورة إليها.
روى صفوان الجمّال،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ معي أهلي و أنا أريد الحجّ فأشدّ نفقتي في حقوي (7)؟قال:«نعم،فإنّ أبي عليه السّلام كان يقول:
ص:44
«من قوّة المسافر حفظ نفقته» (1).
و قال الصادق عليه السّلام:«إذا سافرتم فاتّخذوا سفرة (2)و تنوّقوا فيها» (3).
و عن نصر الخادم (4)،قال:نظر العبد الصالح أبو الحسن موسى عليه السّلام إلى سفرة عليها حلق صفر،فقال:«انزعوا هذه و اجعلوا مكانها حديدا،فإنّه لا يقرب شيئا ممّا فيها شيء من الهوامّ» (5).
و كره الصادق عليه السّلام اتّخاذ السفرة في زيارة الحسين عليه السّلام؛ للمصيبة (6).
تزوّد من أطيب الزاد من اللوز و السكّر و السويق المحمّض و المحلّى (1).
لإمكان لقاء العدوّ.
روى حمّاد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«في وصيّة لقمان لابنه:
يا بنيّ سافر بسيفك و خفّك و عمامتك و خبائك (2)و سقائك و خيوطك و مخرزك، و تزوّد معك من الأدوية ما تنتفع به أنت و من معك،و كن لأصحابك موافقا إلاّ فى معصية اللّه عزّ و جلّ» (3).
على صاحبها خصال:
أن يبدأ بعلفها إذا نزل عنها،و يعرض عليها الماء إذا مرّ به، و لا يضرب وجهها فإنّها تسبّح بحمد ربّها،و لا يقف على ظهرها إلاّ في سبيل اللّه، و لا يحمّلها فوق طاقتها،و لا يكلّفها من المشي إلاّ ما تطيق» (4).
و قال الصادق عليه السّلام:«اضربوا الدابّة على العثار،و لا تضربوها على النفار فإنّها ترى ما لا ترون» (5).
و نهى أمير المؤمنين عليه السّلام عن لعن الدابّة،فإنّ اللّه عزّ و جلّ لعن لاعنها (6).
و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لا تتورّكوا على الدوابّ و لا تتّخذوا ظهورها مجالس» (7)
ص:46
قال عليه السّلام:
«الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة،و المنفق عليها في سبيل اللّه كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها» (1).
و سئل عليه السّلام أيّ المال خير؟قال:«زرع زرعه صاحبه و أصلحه و أدّى حقّه يوم حصاده»قيل:يا رسول اللّه فأيّ المال بعد الزرع خير؟قال:«رجل في غنمه قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة و يؤتي الزكاة»قيل:يا رسول اللّه فأيّ المال بعد الغنم خير؟قال:«البقر تغدو بخير و تروح بخير»قيل:يا رسول اللّه فأيّ المال بعد البقر خير؟قال:«الراسيات في الوحل،المطعمات في المحل،نعم الشيء النخل،من باعه فإنّما ثمنه (2)بمنزلة رماد على رأس شاهقة اشتدّت به الريح في يوم عاصف،إلاّ أن يخلف مكانها»قيل:يا رسول اللّه فأيّ المال بعد النخل خير؟ فسكت،فقال له رجل:فأين الإبل؟قال:«فيها الشقاء و الجفاء و العناء و بعد الدار، تغدو مدبرة و تروح مدبرة،لا يأتي خيرها إلاّ من جانبها الأشأم،أما إنّها لا تعدم الأشقياء الفجرة» (3).
قال ابن بابويه:معنى إتيان خيرها من جانبها الأشأم:أنّها لا تحلب و لا تركب إلاّ من جانبها الأيسر (4).
و قال عليه السّلام في الغنم:«إذا أقبلت أقبلت و إذا أدبرت أقبلت،و البقر إذا أقبلت أقبلت و إذا أدبرت أدبرت،و الإبل إذا أقبلت أدبرت و اذا أدبرت أدبرت (5)» (6).
ص:47
فإنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام حجّ على ناقة له،أربعين حجّة،فما قرعها بسوط» (1).
و لا بأس بالعقبة (2).
قال الباقر عليه السّلام:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام و مرثد بن أبي مرثد الغنويّ (3)،يعقبون (4)بعيرا بينهم،و هم منطلقون إلى بدر» (5).
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من أعان مؤمنا مسافرا نفّس اللّه عنه ثلاثا و سبعين كربة،و أجاره في الدنيا و الآخرة من الغمّ و الهمّ،و نفّس عنه كربه العظيم يوم يغصّ الناس بأنفاسهم» (6).
و في الفقيه (7)في حديث آخر:«يتشاغل الناس بأنفسهم» (8).
و التعريس على ظهر الطريق،
و بطون الأودية،فإنّها مدارج السباع،و مأوى
ص:48
الحيّات» (1).
و قال عليه السّلام:«من نزل منزلا يتخوّف فيه السبع (2)فقال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،له الملك و له الحمد بيده الخير و هو على كلّ شيء قدير، اللهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ كلّ سبع،إلاّ أمن من (3)شرّ ذلك السبع حتّى يرحل من ذلك المنزل إن شاء اللّه» (4).
و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام:«يا عليّ إذا نزلت منزلا فقل:
اللهمّ أنزلني منزلا مباركا و أنت خير المنزلين،ترزق خيره،و يدفع عنك شرّه» (5).
أرض غربة تغيب عنه فيها بواكيه،
إلاّ بكته بقاع الأرض التي كان يعبد اللّه عزّ و جلّ عليها،و بكته أبوابه،و بكته أبواب السماء التي كان يصعد فيها عمله،و بكى الملكان الموكّلان[به] (6)» (7).
و قال عليه السّلام:«إنّ الغريب إذا حضره الموت التفت يمنة و يسرة و لم ير أحدا،رفع رأسه،فيقول اللّه عزّ و جلّ:إلى من تلتفت،إلى من هو خير لك منّي، و عزّتي و جلالي لئن أطلقتك عن عقدتك لأصيّرنّك في طاعتي،[و لئن قبضتك
ص:49
لأصيّرنّك] (1)إلى كرامتى» (2).
أن يطرق الرجل أهله ليلا إذا جاء من الغيبة،
حتّى يؤذنهم (3).
ص:50
في بيان حجّة الإسلام
و فصوله اثنان:
ص:51
ص:52
و فيه مباحث
و هو أمران:البلوغ،و العقل
الأمصار كافّة.
روى الجمهور عن عليّ عليه السّلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
رفع القلم عن ثلاثة:عن النائم حتّى يستيقظ،و عن الصبيّ حتّى يشبّ،و عن المعتوه (1)حتّى يعقل» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن شهاب،قال:سألته عن ابن عشر سنين يحجّ؟قال:«عليه حجّة الإسلام إذا احتلم،و كذلك الجارية عليها الحجّ إذا طمثت» (3).
و لأنّه لا يعقل التكليف،فلا يكون متّجها نحوه،و لا نعرف فيه خلافا.
ص:53
وليّه.
و به قال مالك (2)،و الشافعيّ (3)،و أحمد (4)،و عطاء،و النخعيّ (5).
و قال أبو حنيفة:لا ينعقد إحرام الصبيّ،و لا يصير محرما بإحرام وليّه (6).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس،قال:رفعت امرأة صبيّا فقالت:يا رسول اللّه أ لهذا حجّ؟قال:«نعم،و لك أجر» (7).
و عن السائب بن يزيد،قال:حجّ بي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنا ابن سبع سنين (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سمعته يقول:«مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله برويثة (9)و هو حاجّ،فقامت إليه امرأة و معها صبيّ لها،فقالت:يا رسول اللّه،أ يحجّ
ص:54
عن مثل هذا؟قال:نعم،و لك أجره» (1).
و لأنّ أبا حنيفة قال:يجتنب ما يجتنبه المحرم (2)،و من جنّب ما يجتنبه المحرم، كان إحرامه صحيحا.
احتجّ:بأنّ الإحرام سبب يلزم به حكم،فلا يصحّ من الصبيّ،كالنذر (3).
و الجواب:النذر لا يجب به شيء عليه،بخلاف مسألتنا.
لأنّ الحجّ يتضمّن غرامة مال،و تصرّف الصبيّ غير ماض،و لأصحاب الشافعيّ قولان:
أحدهما:لا يشترط؛لأنّها عبادة يتمكّن من استقلاله بإيقاعها،فأشبهت الصلاة و الصوم (4).
و الجواب:الفرق،من حيث غرامة المال في الحجّ دون الصلاة و الصوم، فاشترط إذن الوليّ في الأوّل دون الثاني،أمّا غير المميّز فإنّه لا أثر لفعله؛إذ لا قصد له،فيحرم عنه الوليّ،بمعنى أنّه يعقد الإحرام للصبيّ،فيصحّ له دون الوليّ؛لما تقدّم من حديث ابن سنان.
إذ لا يكون أخفض حالا منه، فيحرم عنه.
ص:55
غيرهم من الأقارب.
و لو أحرمت أمّه عنه،صحّ و إن لم يكن لها ولاية؛عملا بالحديث الذي تلوناه عن الصادق عليه السّلام؛لقوله عليه السّلام:«و لك أجره»و لا يضاف إليها الأجر إلاّ لكونه تبعا لها في الإحرام.
نفقته الواجبة،
يثبت على الوليّ؛لأنّه السبب في الإتلاف.
يعجز عنه ينوبه الوليّ.
قال جابر:خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حجّاجا و معنا النساء و الصبيان،فأحرمنا عن الصبيان.رواه الجمهور (3).
و لأنّه يعجز عن فعله فيتحمّله الوليّ بنفسه.
و الرمي إذا لم يقدر عليه،رمى عنه الوليّ،و يستحبّ أن توضع الحصاة في يده ثم تؤخذ منه فترمى عنه،و إن وضعها في يد الصغير و رمى بها فجعل يده كالآلة كان حسنا.
و الطواف إذا لم يتمكّن من المشي إليه،حمله وليّه أو غيره و طاف به و ينوي الطواف عن الصبيّ،و يجوز له أن يحتسب به عن نفسه على ما سيأتي.
و يجرّد الصبيّ في الإحرام،كما يجرّد الكبير.قال أصحابنا:يجرّدون من فخّ (4). (5)
ص:56
مثل عقد النكاح،و لحم الصيد،و لبس المخيط،و غيره من المحرّمات.
و لا يجوز أن يعقد له عقد نكاح؛لأنّ الإحرام يمنع منه في حقّ الكبير و كذا (1)في الصغير؛لتساوي العلّة فيهما؛و لأنّ فائدة الإحرام تعلّق هذه الأحكام به.
و كلّ ما يلزم المحرم من كفّارة في فعله لو فعله الصبيّ،وجبت الكفّارة على الوليّ إذا كان ممّا يلزم عمدا و سهوا،كالصيد-و به قال الشافعيّ (2)-لأنّه باشر السبب فيلزمه الموجب،كالبالغ،خلافا لأبي حنيفة؛لأنّ الجزاء إنّما يلزم بارتكاب المحظور،و الحظر بالنهي و هو غير متوجّه على الصبيّ (3).و الصغرى ممنوعة؛لأنّ الساهي كذلك.
أمّا ما يلزم بالعمد لا بالسهو فللشيخ فيه وجهان:
أحدهما:لا يلزمه؛لأنّ عمد الصبيّ خطأ.
و الثاني:يلزم الوليّ؛لأنّه فعله متعمّدا (4)، (5)و الأوّل أقرب.
قال الشيخ في التهذيب:كلّما يلزم فيه الكفّارة،فعلى وليّه أن يقضي عنه (6).
و الهدي يلزم الوليّ.
روى زرارة-في الصحيح-عن أحدهما عليهما السّلام قال:«إذا حجّ الرجل بابنه و هو صغير،فإنّه يأمره أن يلبّي و يفرض الحجّ،فان لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه و يطاف به و يصلّى عنه»قلت:ليس لهم ما يذبحون عنه قال:«يذبح عن الصغار
ص:57
و يصوم الكبار (1)و يتّقي[عليهم] (2)ما يتّقي على المحرم (3)من الثياب و الطيب، و إن قتل صيدا فعلى أبيه» (4).
و روى ابن بابويه عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«انظروا إلى (5)من كان معكم من الصبيان،فقدّموه إلى الجحفة أو إلى بطن مرّ، و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم،و يطاف بهم،و يرمى عنهم،و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليّه» (6).
و سأله سماعة عن رجل أمر غلمانه أن يتمتّعوا،قال:«عليه أن يضحّي عنهم»، قلت:فإنّه أعطاهم دراهم،فبعضهم ضحّى و بعضهم أمسك الدراهم و صام،قال:
«قد أجزأ عنهم و هو بالخيار،إن شاء تركها»قال:«و لو أنّه أمرهم فصاموا،كان قد أجزأ عنهم» (7).
و لو قتل صيدا فعلى أبيه،و للشافعيّ وجهان:
أحدهما:يجب في مال الصبيّ؛لأنّه لمصلحته،و نحن نمنع ذلك؛إذ لا مصلحة للصبيّ في الحجّ و لا في جناياته (8).
ص:58
عن حجّة الإسلام،و لا نعلم فيه خلافا.
روى صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمّار،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن ابن عشر سنين يحجّ،قال:«عليه حجّة الإسلام إذا احتلم،و كذا الجارية عليها الحجّ إذا طمثت»رواه ابن بابويه في الصحيح (1).
و روي عن أبان،عن الحكم،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«الصبيّ إذا حجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يكبر،و العبد إذا حجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يعتق» (2).
و أتمّه تطوّعا و وجب عليه حجّة الإسلام مع الشرائط،و إن أدرك أحد الموقفين بالغا ففي الإجزاء تردّد.و لو قيل به،كان وجها؛لأنّه زمان يصحّ إنشاء الحجّ فيه، فكان مجزئا بأن يجدّد نيّة الوجوب.و به قال الشافعيّ (3)،و أحمد (4)،خلافا لأبي حنيفة (5)،و مالك (6)؛لأنّ الصبيّ لا ينعقد إحرامه؛و لأنّه انعقد نفلا فلا ينقلب فرضا،كما لو بلغ بعد الوقوف.
و يعارضه بأنّه وقف بعرفة و هو كامل في إحرام صحيح،فوجب أن يجزئه عن حجّة الإسلام،كما لو كان كاملا حال الإحرام،و النفل قد يجزئ عن الفرض،كما لو صلّى البالغ في أوّل الوقت عنده.
ص:59
و لأنّ استدامة الإحرام بمنزلة ابتدائه؛لأنّ كلّ مسافة يقطعها يصحّ أن يبتدئ الإحرام منها.و لأنّه أحرم نفلا بإذن الحاكم عليه،و قد زال عذره قبل الوقوف، فوجب الإجزاء،كالعبد عند أبي حنيفة (1).
و بالجملة:فنحن في هذا الموضع من المتردّدين،و إن كان الأقرب عندنا الإجزاء.
بناء على الإجزاء.
و لو بلغ بعد الوقوف بالمشعر قبل مضيّ وقته بعد المفارقة،فإن عاد،أجزأ عنه، كما لو بلغ قبل الوقوف،و إن لم يعد،لم يجزئ الحجّ عنه.
و حكي عن بعض الشافعيّة الإجزاء؛لأنّه كمل قبل الوقوف (3)،فأجزأ (4)ما تقدّم من وقوفه،كما لو أحرم ثمّ كمل قبل الوقوف،فإنّه يجزئه الإحرام (5).و ليس بمعتمد؛لأنّه لم يقف في حال الكمال،فلم يجزئ عنه،كما إذا كمل بعد مضيّ وقته، و يخالف الإحرام؛لأنّه مستدام فيصير كاملا في حال إحرامه،و نظيره أن يكمل و هو واقف،فإنّه يجزئه.
كالبالغ و لا يفسد حجّه،و إن كان عامدا،قال الشيخ-رحمه اللّه-:عمده و خطاؤه سواء،فلا يتعلّق به أيضا فساد الحجّ،قال:و إن قلنا:إنّ عمده عمد؛لعموم الأخبار فيمن وطئ عامدا في الفرج من أنّه يفسد حجّه فقد فسد حجّه و يلزمه القضاء،
ص:60
و الأقوى الأوّل؛لأنّ إيجاب القضاء يتوجّه إلى المكلّف،و هذا ليس بمكلّف (1).
و قال بعض الجمهور:يفسد حجّه،و في إيجاب القضاء حينئذ وجهان:
أحدهما:لا يجب؛لئلاّ يجب عبادة بدنيّة على من ليس من أهل التكليف.
و الثاني:يجب؛لأنّه إفساد موجب للبدنة،فأوجب القضاء،كوطء البالغ (2).
إذا عرفت هذا:فإن قلنا بوجوب القضاء،فالوجه أنّه إنّما يجب بعد البلوغ،فإذا قضى هل يجزئه عن حجّة الإسلام؟ينظر:فإن كانت الفاسدة قد أدرك فيها شيئا من الوقوف بعد بلوغه،أجزأ عنهما جميعا،و إلاّ فالأقرب عدم الإجزاء.
ص:61
في شرط الحرّيّة
الحجّ على العبد.
روى الجمهور عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:«أيّما عبد حجّ ثمّ أعتق،فعليه حجّة الإسلام» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن آدم بن عليّ (2)،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:«ليس على المملوك حجّ،و لا يسافر إلاّ بإذن مالكه (3)» (4).
و في الصحيح عن الفضل بن يونس،عن أبي الحسن عليه السّلام قال:«ليس على المملوك حجّ و لا عمرة حتّى يعتق» (5).
و لأنّ الحجّ عبادة تتعلّق بقطع مسافة،و يشترط في وجوبها المال،فلا يجب
ص:62
على المملوك،كالجهاد.
و لأنّ الحجّ يحتاج إلى قطع مسافة طويلة و زمان بعيد يفوت فيه منافع السيّد و ضروراته،فلا يجب عليه،كالجمعة و هي أقلّ زمانا منه.
و به قال داود و أصحابه (1).
و قال باقي الفقهاء:يصحّ.
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو مردود» (2).
و لأنّ منافعه مستحقّة للسيّد فصرفها في غيرها تصرّف في مال الغير بغير إذنه منهيّ عنه،فلا يقع عبادة؛لتضادّ الوجهين.
احتجّوا (3):بقوله عليه السّلام:«أيّما عبد حجّ ثمّ أعتق،فعليه حجّة الإسلام» (4).
و لأنّها عبادة على البدن،فصحّ من العبد دخوله فيها بغير إذن سيّده،كالصوم و الصلاة.
و الجواب عن الأوّل:أنّه لا دلالة فيه على صحّة حجّه من دون إذن سيّده،بل غاية دلالته أنّه إذا حجّ ثمّ أعتق،وجب عليه حجّة الإسلام،و هو لا يدلّ على أنّ الحجّ الأوّل وقع صحيحا،سلّمنا لكن لا يدلّ على أنّه لم يأذن له سيّده فيه،فإنّ صحّة الحجّ يتوقّف على شرائط لا بدّ منها.
و عن الثاني:بالمنع في الأصل،و بالفرق باختلاف الضرر في العبادتين.
و للمولى فسخ
ص:63
إحرامه.أمّا القائلون بالصحّة فقد اختلفوا:
فقال الشافعيّ:له تحليله (1).و به قال أحمد في إحدى الروايتين،و في الأخرى ليس له ذلك (2).
احتجّ الشافعيّ:بأنّ في بقائه على إحرامه تفويتا لحقّه من منافعه بغير إذنه، فلا يلزم السيّد،كالصوم المضرّ به (3).
احتجّ أحمد:بأنّه لا يملك التحلّل من تطوّعه،فلا يملك تحليل عبده.و ليس بوجه؛لأنّه التزم التطوّع باختيار نفسه،أمّا هاهنا فلا،نعم،لو أذن لعبده في الإحرام،لم يكن له تحليله (4).
إذا عرفت هذا:فإنّ الإحرام عندنا وقع باطلا،فلا يحتاج التحليل إلى هدي، و لا بدل من الصوم.
أمّا الشافعيّ القائل بالصحّة و أنّ له تحليله،فهل يحلّ بالهدي إذا ملّكه مولاه؟ يبنى (5)على أنّ العبد هل يملك بالتمليك أم لا؟ و لو لم يدفع المولى الهدي،فهل يبقى في ذمّة العبد هو أو بدله،أو لا يتحلّل حتّى يأتي به أو ببدله؟قولان له (6)،و هذا البحث ساقط عنّا.
و يجب عليه بعد عتقه مع الاستطاعة حجّة الإسلام.و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم.
ص:64
روى الجمهور عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إنّي أريد أن أجدّد في صدور المؤمنين عهدا:أيّما صبيّ حجّ به أهله فمات،أجزأت عنه،فإن أدرك، فعليه الحجّ،و أيّما مملوك حجّ مع أهله فمات،أجزأت عنه،فإن أعتق فعليه الحجّ» (1).
و لرواية ابن عبّاس و قد تقدّمت (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام،قال:«المملوك إذا حجّ ثمّ أعتق فإنّ عليه إعادة الحجّ» (3).
و في الصحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«المملوك إذا حجّ و هو مملوك ثمّ مات قبل أن يعتق،أجزأه ذلك الحجّ،فإن أعتق أعاد الحجّ» (4).
و عن مسمع بن عبد الملك،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لو أنّ عبدا حجّ عشر حجج (5)،كانت عليه حجّة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك سبيلا» (6).
و عن إسحاق بن عمّار،قال:سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن أمّ الولد يكون الرجل قد أحجّها أ يجزئ ذلك عنها عن حجّة الإسلام؟قال:«لا»قلت:لها أجر في
ص:65
حجّتها؟قال:«نعم» (1).
و لا يعارض ذلك ما رواه[حكم بن] (2)حكيم الصيرفيّ،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«أيّما عبد حجّ به مواليه فقد قضى حجّة الإسلام» (3).لأنّه محمول على من استمرّ به العبوديّة إلى وفاته،أو على من أدركه العتق قبل الوقوف -و سيأتي-جمعا بين الأدلّة؛لأنّ الأمّة لم تخالف في هذا الحكم،فيحمل مثل هذا الخبر الواحد الذي لا يبلغ في المعارضة للإجماع على مثل هذا التأويل.
أجزأه الحجّ سواء كان قد فعل الإحرام أو لا.
و لا نعلم خلافا في أنّه لو أعتق قبل إنشاء الإحرام بعرفة فأحرم،أنّه يجزئه عن حجّة الإسلام؛لأنّه لم يفته شيء من أركان الحجّ،و لا فعل شيئا قبل وجوبه.
و أمّا إن أعتق بعد إحرامه قبل الوقوف بالموقف،فإنّه يجزئه عن حجّة الإسلام عندنا أيضا.ذهب إليه علماؤنا أجمع.و به قال ابن عبّاس (4).و ذهب إليه الشافعيّ (5)،و إسحاق (6)،و أحمد (7)،و الحسن البصريّ أيضا (8).
ص:66
و قال مالك:لا يجزئه (1).و اختاره ابن المنذر (2)،و هو قول أصحاب الرأي (3).
لنا:أنّه أدرك الوقوف حرّا،فأجزأه،كما لو أحرم تلك الساعة.و لأنّه وقت يمكن إنشاء الإحرام فيه.
و يؤيّد ذلك:ما رواه الشيخ عن ابن محبوب،عن شهاب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أعتق عشيّة عرفة عبدا له أ يجزئ عن العبد حجّة الإسلام؟ قال:«نعم»قلت:فأمّ ولد أحجّها مولاها أ يجزئ عنها؟قال:«لا»قلت:لها أجر في حجّتها؟قال:«نعم» (4).
و عن معاوية بن عمّار،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:مملوك أعتق يوم عرفة،قال:«إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحجّ» (5).
احتجّ المخالف:بأنّ إحرامه لم ينعقد واجبا،فلا يجزئ عن الواجب،كما لو بقي على حاله (6).
و الجواب:المنع من الملازمة.
خلاف بينهم.
ص:67
أمّا لوفاته الموقفان معا،فإنّه يتمّ حجّه و لا يجزئه عن حجّة الإسلام،بل يستأنف الحجّ في العام المقبل؛لأنّه فاته الموقفان فلا يجزئه فعله،كما لو أعتق بعد فراغه من الحجّ.
و لو أعتق قبل الوقوف أو في وقته و أمكنه الإتيان بالحجّ،وجب عليه ذلك؛لأنّه واجب على الفور،فلا يجوز له تأخيره مع الإمكان.
إذا ثبت هذا:فكلّ موضع قلنا:يجزئه الحجّ،فلا دم عليه؛لأنّه أتى بحجّة الإسلام بإحرام من الميقات،فلا يجب الدم لأجل الإحرام،كما لو كان كاملا حالة الإحرام.و لأنّ الأصل براءة الذمّة.
و قال بعض الشافعيّة:عليه دم لأنّ الإحرام من الميقات كان نافلة،و إنّما وقع الإحرام عن فرضه من حين كمل (1)،فكأنّ الإحرام الواجب لم يكن من الميقات (2).
و ليس بشيء.و كلّ موضع قلنا:لا يجزئه الحجّ،فلا دم عليه إجماعا.
لنا:أنّه عقد لازم فعله بإذن سيّده،فلم يكن له منعه منه،كالنكاح.
احتجّ:بأنّه ملّكه منافعه،فكان له الرجوع فيه،كالمعير يرجع في العارية (1).
و الجواب:الفرق،فإنّ العارية ليست لازمة،أمّا لو أعاره ليرهنه،فرهنه،لم يكن له الرجوع؛للّزوم.
إشكال،
قال الشيخ-رحمه اللّه-الأولى أنّه يصحّ إحرامه و للسيّد فسخ حجّه؛لأنّ دوام الإذن شرط في الانعقاد و لم يحصل (2).
لأنّ الإحرام لا يمنع التسليم،فلا يمنع صحّة البيع،كالنكاح.
إذا عرفت هذا:فإن علم المشتري بذلك فلا خيار له،و إن لم يعلم ثبت الخيار؛ لأنّ بقاءه على الإحرام يضرّ بالمشتري،و بهذا قال الشافعيّ (3).
و قال أبو حنيفة:لا خيار له؛لأنّه عبده له أن يحلّله (4).و قد مضى البحث معه (5).
و لو كان قد أحرم بغير إذن سيّده فباعه،صحّ البيع إجماعا و لا خيار للمشتري اتّفاقا،أمّا عندنا،فلوقوع الإحرام باطلا،و أمّا عند الشافعيّ،فإنّ للمولى تحليله.
لأنّ لكلّ منهما حقّا يفوت بالإحرام،و كذا المكاتب يشترط (6)فيه إذن المولى.و لو أعتق
ص:69
بعضه و هاياه مولاه،فهل له أن يفعل (1)الإحرام في أيّامه من غير إذن المولى؟فيه إشكال و الأقرب الجواز.
فلو أعتق قبل الموقفين، صحّ أن ينشئ إحراما آخر،و يجزئه عن حجّة الإسلام،فإن أمكنه الرجوع إلى الميقات و الإحرام منه،وجب،و إلاّ أحرم من موضعه.
الفاسد،كالحرّ.
و قال بعض الشافعيّة:لا يجب عليه القضاء،كما لا يجب عليه حجّة الإسلام (3).
و ليس بصحيح؛لأنّ العبد يجب عليه بفعله الحجّ،كما يجب عليه بالنذر،و لأنّه يلزمه المضيّ في الحجّ بالإحرام،فلزمه القضاء.
إذا ثبت هذا:فإنّ قضاءه يجب عليه و إن كان رقيقا،و لا يجب الصبر بعد العتق.
و قال بعض الشافعيّة:لا يجزئه إلاّ في حالة العتق (4).و ليس بصحيح؛لأنّ الذي أفسده كان يجب عليه المضيّ فيه في حالة رقّه،فكذا القضاء؛لمساواته الأصل.
احتجّ المخالف:بأنّه حجّ واجب،فكان كحجّة الإسلام (5).و ليس بصحيح؛ لأنّها قضاء لما أفسده.و لأنّه يفضي إلى سقوط القضاء؛لأنّه ربّما لم ينعتق.
و لو أحرم بغير إذن سيّده ثمّ أفسده،لم يتعلّق به حكم؛لأنّه لا اعتبار بإحرامه.
ص:70
لو أعتقه مولاه بعد إفساده،
فإن كان قبل فوات أحد الموقفين،أتمّ حجّه و قضى في القابل و أجزأه عن حجّة الإسلام؛لأنّ المقضيّة لو كانت صحيحة أجزأته عن حجّة الإسلام؛فإذا أفسدها قام المقضيّ (1)مقام صحّتها،فأجزأ ذلك عن حجّة الإسلام،و لو كان بعدهما،أتمّ حجّه و قضاه في القابل و عليه حجّة الإسلام و لا يجزئ القضاء عنها.
إذا ثبت ذلك:فقد قال الشيخ:إنّه يبدأ بحجّة الإسلام قبل القضاء،و لو بدأ بالقضاء،انعقد عن حجّة الإسلام،و كان القضاء في ذمّته،و لو قلنا:إنّه لا يجزئ عن كلّ واحدة منهما،كان قويّا (2).
و وجه قوله-رحمه اللّه-في تقديم حجّة الإسلام أنّ وجوبها آكد من وجوب القضاء؛لثبوته بنصّ القرآن،بخلاف القضاء،و في أنّها لا تجزئ عن أحدهما لو نوى القضاء؛لأنّ حجّة الإسلام إذا كانت متقدّمة فإذا نوى القضاء،لم يصحّ عمّا نواه، و لا عن حجّة الإسلام؛لأنّه لم ينوها.
قال:و لو أعتق قبل الوقوف،أتمّ حجّه و قضاه في القابل و أجزأه عن حجّة الإسلام؛لأنّه بعتقه ساوى الحرّ لو أفسد حجّه (3).
كاللباس،و الطيب و حلق الشعر،و الوطء،و قتل الصيد،و أكله،و غير ذلك،قال الشيخ-رحمه اللّه-:يلزم العبد؛لأنّه فعل ذلك بغير إذن مولاه،و يسقط الدم إلى الصوم؛لأنّه عاجز،ففرضه الصيام،و لسيّده منعه منه؛لأنّه فعله بغير إذنه (4).
ص:71
و قال المفيد-رحمه اللّه-:على السيّد الفداء في الصيد (1).و استدلّ بما رواه- في الصحيح-عن حريز،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كلّما أصاب العبد و هو محرم في إحرامه فهو على السيّد إذا أذن له في الإحرام» (2).
ثمّ إنّ الشيخ-رحمه اللّه-قال في التهذيب:و لا يعارض هذا الحديث:ما رواه سعد بن عبد اللّه عن محمّد بن الحسن،عن محمّد بن الحسين،عن عبد الرحمن ابن أبي نجران،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن عبد أصاب صيدا و هو محرم، هل على مولاه شيء من الفداء؟فقال:«لا شيء على مولاه» (3).لأنّ هذا الخبر ليس فيه أنّه كان قد أذن له في الإحرام أو لم يأذن له،و إذا لم يكن[ذلك] (4)في ظاهره،حملناه على من أحرم من غير إذن مولاه،قال:فلا يلزمه حينئذ[شيء] (5)حسب ما تضمّنه الخبر.و هذا من الشيخ-رحمه اللّه-يدلّ على رجوعه عمّا ذهب إليه في المبسوط.
و لو قيل هاهنا بالتفصيل-من أنّ الجناية إن لم يتضمّنها الإذن في الإحرام،مثل الطيب،و اللباس،و قتل الصيد،فإنّ الصوم لازم للعبد و يسقط الدم.
و إن تضمّنها الإذن،بأن أذن له في الصيد مثلا كان لازما للمولى الفداء عنه، و مع العجز يأمره بالصيام-كان وجها.
أمّا الشافعيّ فقال:إن لم يتضمّنها الإذن في الإحرام،كالصيد،و الطيب
ص:72
و شبههما،فإنّه لازم للعبد الصوم؛لأنّه لم يتضمّنه الإذن فيه،و إنّما وجب بجنايته و هو لا يملك شيئا،فإن ملّكه مولاه الهدي و قلنا:إنّه يملك بالتمليك صحّ،و إلاّ فلا.
و إن تضمّنه الإذن،كالهدي-لأنّ الإذن في التمتّع أو القران إذن في الهدي- فعلى قولين:
أحدهما:يجب على المولى؛لأنّ إذنه تضمّنه،فلزمه أن يؤدّيه عنه؛لأنّه يعلم أنّه لا يقدر عليه،فصار ملزما له.
و الثاني:لا يلزم السيّد؛لأنّه رضي بوجوبه على عبده و لم يرض بوجوبه على نفسه،فإنّ إذنه لا يتضمّن ذلك.و لأنّ فرض العبد الصوم،فينصرف (1)إذنه إلى ما يتضمّنه فعل العبد (2).
قال الشيخ-رحمه اللّه-:لو ملّكه مولاه الفداء،أجزأت الصدقة به،
و لو مات قبل الصيام،جاز أن يطعم المولى عنه،و دم المتعة سيّده بالخيار بين أن يهدي عنه أو يأمره بالصيام،و ليس له منعه من الصوم؛لأنّه بإذنه دخل فيه (3).
و يدلّ على ما ذكره الشيخ:ما رواه جميل بن درّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع، قال:«فمره فليصم،و إن شئت فاذبح عنه» (4).
ص:73
في شرط الاستطاعة
قال اللّه تعالى: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (1).
و قال: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها (2).و الأخبار متواترة على اشتراط الاستطاعة،و قد أجمع فقهاء الإسلام عليه أيضا.
و لأنّ تكليف غير المستطيع قبيح عقلا.
إذا عرفت هذا:فنقول:شرط الاستطاعة يشتمل على اشتراط الزاد و الراحلة إجماعا،إلاّ من مالك على ما يأتي.
و هل يشتمل على إمكان المسير؟فيه خلاف،و نحن نفرد لإمكان المسير بابا، فهاهنا مسائل:
فمن فقدهما أو أحدهما مع بعد مسافته لا يجب عليه الحجّ و إن تمكّن من المشي.و به قال
ص:74
الحسن،و مجاهد،و سعيد بن جبير (1)،و الشافعيّ (2)،و إسحاق (3)،و أبو حنيفة (4).
و قال مالك:إن كان يمكنه المشي و عادته سؤال الناس،لزمه الحجّ (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن جابر و عبد اللّه بن عمر و أنس و عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سئل،ما السبيل؟قال:«الزاد و الراحلة» (6).
و عن ابن عمر قال:جاء رجل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقال:يا رسول اللّه ما يوجب الحجّ؟قال:«الزاد و الراحلة» (7).
و عن ابن عمر أيضا قال:إنّ رجلا قام فقال:يا رسول اللّه ما الاستطاعة؟فقال:
«الزاد و الراحلة» (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن محمّد بن يحيى الخثعميّ،قال:سأل حفص الكناسيّ أبا عبد اللّه عليه السّلام-و أنا عنده-عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (9)ما يعني بذلك؟قال:«من كان
ص:75
صحيحا في بدنه،مخلّى سربه،له زاد و راحلة،فهو ممّن يستطيع الحجّ»أو قال:
«ممّن كان له مال»فقال له حفص الكناسيّ:فإذا كان صحيحا في بدنه،مخلّى سربه،و له زاد و راحلة فلم يحجّ،فهو ممّن يستطيع الحجّ؟قال:«نعم» (1).
و في الصحيح عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«السبيل أن يكون له ما يحجّ به» (2).و الأخبار كثيرة في هذا المعنى (3).
و لأنّ إطلاق الأمر بعيد (4)توجّهه إلى المستطيع ببدنه،فعلم أنّ تقييد الاستطاعة اشتراط لغيرها.
و لأنّها عبادة تتعلّق بقطع مسافة بعيدة،فاشترط في وجوبها الزاد و الراحلة، كالجهاد.
احتجّ:بأنّه استطاعة في حقّه،فهو كمن وجد الزاد و الراحلة (5).
و الجواب:قد بيّنّا أنّ تقييد الاستطاعة في الآية يدلّ على الزائد على المكنة البدنيّة.
و لأنّ ذلك ليس استطاعة و إن كانت عادته،فإنّه مشقّ (6)،و الاعتبار بعموم الأحوال دون خصوصها،كما يثبت رخص السفر في المتضرّر و غيره.
ص:76
بل يكفيه التمكّن منهما إمّا تملّكا أو استئجارا.
أمّا القريب فيكفيه اليسير من الأجرة بنسبة حاجته،و المكّيّ لا يعتبر الراحلة في حقّه و يكفيه التمكّن من المشي.
فلو حجّ ماشيا حينئذ،لم يجزئه عن حجّة الإسلام عندنا،و وجب عليه الإعادة مع استكمال الشرائط،ذهب إليه علماؤنا.
و قال الجمهور:يجزئه.
لنا:أنّ الوجوب غير متحقّق؛لأنّه مشروط بالاستطاعة،فمع عدمها يكون مؤدّيا ما لا يجب عليه،فلا يجزئه عمّا يجب فيما بعد.
و يدلّ على ذلك أيضا ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لو أنّ رجلا معسرا أحجّه رجل كانت له حجّة،فإن أيسر بعد ذلك فعليه الحجّ» (1).
احتجّوا:بأنّه فعل ما يخرج به من الخلاف؛إذ مذهب مالك وجوب الحجّ، فيكون أولى (2).
و الجواب:لا نسلّم ذلك،فإنّه فعل ما ليس واجبا،فلا يخرج عن العهدة المتجدّدة.
مع استكمال
ص:77
الشروط الباقية،و كذا لو حجّ به بعض إخوانه.ذهب إليه علماؤنا،خلافا للجمهور، لنا:أنّه مستطيع حينئذ،فوجب عليه الحجّ.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قلت:من عرض عليه ما يحجّ به فاستحيى من ذلك،أ هو ممّن يستطيع إليه سبيلا؟قال:«نعم،ما شأنه يستحيي؟!و لو يحجّ على حمار أبتر،فإن كان يطيق أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليحجّ» (1).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:قوله تعالى: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (2)قال:«يكون له ما يحجّ به»قلت:فإن عرض عليه الحجّ فاستحيى؟قال:«هو ممّن يستطيع و لم يستحي؟!و لو على حمار أجدع أبتر»قال:«فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليفعل» (3).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل لم يكن له مال فحجّ به رجل من إخوانه،هل يجزئ ذلك عن حجّة الإسلام أم هي ناقصة؟قال:«بل هي حجّة تامّة» (4).
و في رواية الفضل بن عبد الملك،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل
ص:78
لم يكن له مال،فحجّ به أناس من أصحابه،أ قضى حجّة الإسلام؟قال:«نعم،فإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحجّ»قلت:هل تكون حجّته تلك تامّة أو ناقصة إذا لم يكن حجّ من ماله؟قال:«نعم،قضى (1)حجّة الإسلام و تكون تامّة و ليست ناقصة و إن أيسر فليحجّ» (2).
فأمره عليه السّلام بالحجّ مرّة ثانية محمول على الاستحباب؛جمعا بين الأدلّة و لأنّه عليه السّلام حكم بأنّه قضى حجّة الإسلام.
احتجّوا:بأنّه يلحقه منّة بذلك،و لا يجب تحمّلها (3).
و الجواب:المنع بالنصّ.
لو وهب له مال،لم يجب عليه القبول،
سواء كان الواهب قريبا أو بعيدا؛لأنّه تحصيل لشرط الوجوب و هو غير لازم.
و لا ثياب بدنه.و عليه اتّفاق العلماء؛لأنّ ذلك ممّا تمسّ الحاجة إليه،و تدعو إليه الضرورة، فلا يكلّف بيعه،و يحصل الاستطاعة بما زاد عليه،و يجب بيع ما زاد على ذلك من ضياع أو عقار و غير ذلك من الذخائر،و الأثاث التي له منها بدّ إذا بقي له ما يرجع إلى كفايته.
و لو كان له دين حالّ على موسر باذل بقدر الاستطاعة،وجب الحجّ؛لأنّه
ص:79
كالموجود في يده،و لو كان معسرا أو مانعا،أو كان الدين مؤجّلا،سقط الوجوب؛ لعدم الاستطاعة.
سواء كان الدين حالاّ أو مؤجّلا؛لأنّه غير مستطيع مع الحلول،و الضرر متوجّه إليه (1)مع التأجيل،فسقط فرض الحجّ.
لأنّه تحصيل للشرط فلا يكون واجبا،و قد وردت رواية أنّه يجوز أن يحجّ بمال ولده و ليست معتمدة (2)إلاّ أن يأخذه قرضا عليه و يكون له ما يقضي،و لا فرق في ذلك بين أن يكون له من يقضي عنه أو لا يكون،إذا لم يكن له مال يمكن القضاء منه.
و الرواية التي ذكرناها رواها الشيخ،عن سعيد بن يسار،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرجل يحجّ من مال ابنه و هو صغير؟قال:«نعم يحجّ منه حجّة الإسلام»قلت:و ينفق منه؟قال:«نعم»ثمّ قال:«إنّ مال الولد للوالد،إنّ رجلا اختصم هو و والده إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقضى أنّ الولد و المال للوالد» (3).
و هذه الرواية محمولة على أنّه إذا كان للوالد ما يتمكّن به من الحجّ و يأخذه على سبيل القرض؛لأنّ مال الولد ليس للوالد.
و قال الشافعيّ:يصرف المال في النكاح إذا خاف العنت (4).
ص:80
لنا:أنّ الحجّ فرض على الفور و النكاح سنّة،و الفرض مقدّم.
احتجّ:بجواز تأخير الحجّ؛لأنّه يجب على التراخي،فيقدّم النكاح مع خوف العنت (1).و هو ممنوع؛لما بيّنّا من وجوب الحجّ على الفور (2).
أمّا لو خاف من ترك النكاح المشقّة العظيمة،فالوجه تقديم النكاح؛لحصول الضرر.
لأنّه غير مستطيع،و هذه حيلة يتصوّر ثبوتها في إسقاط فرض الحجّ على الموسر.
و كذا لو كان له مال فوهبه قبل الوقت،أو أنفقه،فلمّا جاء وقت الخروج كان فقيرا،لم يجب عليه،و جرى مجرى من أتلف ماله قبل حلول الحول.
بذلك و عليه أجرة الحمولة و ضمان المال،
و لم يجزئه عن الحجّ إذا لم يكن له سواه، و به قال أحمد (3).
و قال الشافعيّ:يجزئه (4).
لنا:أنّ الزاد و الراحلة من شرائط الحجّ و لم يوجد على الوجه المأمور به، فلا يخرج به عن العهدة،كما لو فعل الحجّ على غير المأمور به.
احتجّ الشافعيّ:بأنّ الحجّ عبادة بدنيّة و المال و الحمولة يرادان للتوصّل إليه، فإذا فعله لم يقدح ما توصّل به فيه (5).و ليس بجيّد؛لأنّه لم يوجب الحجّ على المتمكّن من المشي،و لو كان الزاد و الراحلة إنّما يرادان للتوصّل لا غير،لوجب
ص:81
على المتمكّن من المشي.
المشي،
لم يعتبر الراحلة في حقّه و يعتبر لذهابه و مجيئه،و إن لم يمكنه المشي، كالزّمن و المريض اعتبرت الراحلة في حقّه كالصحيح البعيد.
سواء كان النائب مستطيعا أو لا.
إليهم؛
لأنّ نفقتهم واجبة عليه و هي حقّ الآدميّ،فيكون مقدّما على الحجّ؛لأنّ حقّ الآدميّ سابق.
و يؤيّد ذلك:ما رواه الشيخ عن أبي الربيع الشاميّ،قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (2)فقال:«ما يقول الناس؟»قال:فقيل (3)له:الزاد و الراحلة قال:فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«قد سئل أبو جعفر عليه السّلام عن هذا،فقال:هلك الناس إذا،لئن كان (4)من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغني به عن الناس ينطلق إليه (5)فيسلبهم إيّاه لقد هلكوا إذا،فقيل له:فما السبيل؟فقال:السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض و يبقى بعض (6)لقوت عياله،أ ليس قد فرض اللّه الزكاة
ص:82
فلم يجعلها إلاّ على من ملك مأتي درهم» (1).و لا نعرف في ذلك خلافا.
و قد روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت» (2).
أمّا من يستحبّ له،فلا،لأنّ الحجّ فرض فلا يسقط بالنفل.
الكفاية على جاري عادته من مسكن و خادم و ما لا بدّ منه،
من غير إقتار و لا تبذير.
أو مؤجّلة،
و سواء كانت للآدميّ أو للّه تعالى،كزكاة في ذمّته أو كفّارات أو غير ذلك.
و كسوة،
فإن كان يجد الزاد في كلّ منزل،لم يلزمه حمله،و إن لم يجده كذلك،لزمه حمله.
و أمّا الماء و علف البهائم،فإن كانت توجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة،لم يجب عليه حملها،و إلاّ وجب مع المكنة،و مع عدمها يسقط الفرض.
و أمّا الراحلة:فيشترط أن يجد راحلة تصلح لمثله ملكا،أو يشتري ذلك، أو يكتريها لذهابه و رجوعه،فان كان لا يشقّ عليه ركوب القتب (3)أو الزاملة،اعتبر
ص:83
ذلك في حقّه،و إن كان يلحقه مشقّة عظيمة في ذلك،اعتبر وجود المحمل؛لأنّا اعتبرنا الراحلة للمشقّة الحاصلة بالمشي،فكذلك في الركوب،فإذا كان يلحقه مشقّة في الراحلة،اعتبر ما لا مشقّة فيه.
و للشافعيّ في اعتبار نفقة العود هنا وجهان:
أحدهما:الاعتبار؛للمشقّة الحاصلة بالمقام في غير وطنه،و هو الذي اخترناه.
و الثاني:عدمه؛لتساوي البلاد بالنسبة إليه (1)،و الأوّل أصحّ.
و كذا يعتبر في الاستطاعة وجود ما يحتاج إليه في السفر من الآلات و الأوعية، كالغرائر (2)و أوعية الماء و غيرها ممّا لا بدّ منه في السفر؛لأنّه ممّا لا يستغني عنه فهو كأعلاف البهائم.
للحجّ أو صرف البضاعة إليه؟
الذي نختاره نحن لزوم الحجّ إذا كان فيه قدر الكفاية لذهابه و عوده و نفقة عياله.و به قال أبو حنيفة (3).
و يتخرّج على قول الشيخ من الرجوع إلى كفاية (4)،عدم الوجوب.و به قال أحمد (5).و للشافعيّ وجهان (6).
ص:84
لنا:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سئل عن الاستطاعة فقال:«الزاد و الراحلة» (1).و هذا واجد لهما.
احتجّ الشافعيّ:بأنّ في ذلك ضررا غير محتمل؛لأنّه يصير فقيرا،و ربّما لم يكن ممّن يحسن الاكتساب،فيحتاج إلى التصدّق (2).
و جوابه سيأتي:من عدم اشتراط الرجوع إلى كفاية.
مستأجرا للخدمة أو غيرها فحجّ،أجزأه،
لوجود العبادة منه وقت وجوبها.
أمّا لو لم يكن واجدا،فإن بذل له الغير الاستطاعة،وجب و إلاّ فلا.
فيها على الزاد في البلدان التي جرت العادة بحمل الزاد منها،
كبغداد و البصرة، لم يجب الحجّ و إن كان يقدر عليه في البلدان التي جرت العادة بحمل الزاد منها، لم يعتبر وجوده في المراحل التي بين ذلك؛لأنّ الزاد ما جرت العادة بحمله، و هو ممكن و تقلّ الحاجة إليه.
و أمّا الماء،فإن كان موجودا في المصانع (3)التي جرت العادة بكونه فيها،كفيد (4)، و الثعلبيّة (5)و غيرهما،وجب الحجّ مع باقي الشرائط،و إن كان لا يوجد في مواضعه،لم يجب الحجّ و إن وجد في البلدان التي يوجد فيها الزاد،و الفرق بينهما قلّة الحاجة إلى الزاد و كثرتها إلى الماء،و حصول المشقّة بحمل الماء دون الزاد.
ص:85
إذا كان بثمن المثل بلا خلاف؛لأنّا قد بيّنّا أنّ المراد بملك الزاد و الراحلة ملك العين أو القيمة (1)،أمّا لو وجده بالثمن و احتاج إلى ثمنه،لم يجب شراؤه؛للحاجة.
و لو وجده بأكثر من ثمن المثل،فإن لم يضرّ به فقد قيل:إنّه لا يجب شراؤه (2).
و الصحيح وجوب الشراء.
لنا:أنّه مستطيع،فوجب عليه الحجّ؛عملا بالعموم.
فلو فقدهما، لم يجب عليه،سواء تمكّن من المشي أو لم يتمكّن-و عليه قول علمائنا-لكن يستحبّ له،فإذا أيسر بعد ذلك،وجب عليه إعادة الحجّ.
لنا:أنّ الاستطاعة شرط،و فسّرها الرسول صلّى اللّه عليه و آله بالزاد و الراحلة (4).
و لا يعارض ذلك:ما رواه الشيخ عن أبي بصير قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (5).قال:«يخرج و يمشي إن لم يكن عنده»قلت:لا يقدر على المشي،قال:
«يمشي و يركب»قلت:لا يقدر على ذلك-أعني المشي-قال:«يخدم القوم و يخرج معهم» (6).
ص:86
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل عليه دين أ عليه أن يحجّ؟قال:«نعم،إنّ حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين،و لقد كان أكثر من حجّ مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مشاة،و لقد مرّ صلّى اللّه عليه و آله بكراع الغميم (1)،فشكوا إليه الجهد و العناء،فقال:شدّوا أزركم و استبطنوا،ففعلوا ذلك فذهب عنهم» (2).
قال الشيخ:لأنّ المراد بهذين الخبرين الحثّ على الحجّ ماشيا،و الترغيب فيه، و أنّه الأولى مع الطاقة،و إن كان قد أطلق في الخبر الأخير لفظ الوجوب؛لأنّه يطلق في أكثر الأحوال على الأولى؛لكثرة الأخبار الدالّة على الحثّ على المشي؛ لما رواه-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«ما عبد اللّه بشيء أشدّ من المشي و لا أفضل» (3).
و في الصحيح عن الحلبيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فضل المشي فقال:«إنّ الحسن بن عليّ عليهما السّلام قاسم ربّه ثلاث مرّات حتّى نعلا و نعلا، و ثوبا و ثوبا،و دينارا و دينارا،و حجّ عشرين حجّة ماشيا على قدميه» (4).
إذا عرفت هذا:فلو استوجر للمعونة على السفر و شرط له الزاد و الراحلة أو بعضه،و كان بيده الباقي مع نفقة أهله،وجب عليه الحجّ و أجزأه عن الفرض، لكن عقد الإجارة لا يجب،فلو فعله،وجب الحجّ؛لأنّه مستطيع حينئذ.
ص:87
قد بيّنّا أنّ من حجّ به بعض إخوانه،فإنّه يجزئه عن حجّة الإسلام (1).
و خالف شيخنا-رحمه اللّه-في ذلك (2)،و أوجب عليه الحجّ بعد الإيسار (3)؛ عملا برواية الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«و إن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحجّ» (4).و في طريقها ضعف مع اشتمالها على أنّه قضى حجّة الإسلام،و أنّها حجّة تامّة،فيحمل الأمر بالحجّ بعد ذلك على الاستحباب؛لأنّ مع قضاء حجّة الإسلام لا يجب عليه الحجّ،و مع ذلك فهي معارضة برواية معاوية بن عمّار الصحيحة،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل لم يكن له مال فحجّ به رجل من إخوانه،هل يجزئ ذلك عنه من (5)حجّة الإسلام أم هي ناقصة؟قال:
«بل هي تامّة» (6).
البحث فيه.
إذا عرفت هذا:فإنّ حجّته عن غيره لا يجزئه عن حجّة الإسلام لو أيسر،بل يجب عليه الحجّ مع الاستطاعة؛لأنّه الآن مستطيع للحجّ و لم يحجّ عن نفسه فيما تقدّم،فيجب عليه الحجّ؛عملا بالمقتضي السالم عن المعارض.
و يدلّ على ذلك أيضا:ما رواه الشيخ عن آدم بن عليّ،عن أبي الحسن
ص:88
عليه السّلام قال:«من حجّ عن إنسان و لم يكن له مال يحجّ به،أجزأت عنه حتّى يرزقه اللّه ما يحجّ به،و يجب عليه الحجّ» (1).
و عن عليّ بن أبي حمزة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لو أنّ رجلا معسرا أحجّه رجل كانت له حجّة،فإن أيسر بعد ذلك (2)كان عليه الحجّ» (3).
و لا يعارض ذلك:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن معاوية بن عمّار،قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حجّ عن غيره،يجزئه ذلك عن حجّة الإسلام؟قال:«نعم»قلت:حجّة الجمّال تامّة أو ناقصة؟قال«تامّة»قلت:حجّة الأجير تامّة أو ناقصة؟قال:«تامّة» (4).لأنّا نحمل ذلك على أنّه إذا مات و لم يستطع الحجّ،كما دلّ عليه الخبران الأوّلان،و كذا إذا حجّ تطوّعا ثمّ أيسر.
ص:89
في إمكان المسير
و يدخل تحته الصحّة،و إمكان الركوب،و تخلية السرب،و اتّساع الزمان،و قد اتّفق علماؤنا على اشتراط ذلك.و خالف فيه بعض الجمهور (1)،فهاهنا مسائل:
و إن وجد الزاد و الراحلة-ذهب إليه علماؤنا أجمع،و لا نعلم فيه خلافا من الجمهور-لأنّ التكليف بالحجّ مع المرض ضرر عظيم و حرج و مشقّة،فيكون منفيّا.
و روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«من لم يمنعه عن الحجّ حاجة،أو مرض حابس،أو سلطان جائر فمات،فليمت يهوديّا أو نصرانيّا» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ذريح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به،أو مرض لا يطيق (3)معه الحجّ،أو سلطان يمنعه،فليمت يهوديّا أو نصرانيّا» (4)و لا نعلم في ذلك خلافا.
ص:90
وجب عليه الحجّ مع باقي الشرائط؛عملا بعموم الآية (1)السالمة عن معارضة المرض المانع من أداء الواجب (2)،أمّا لو منعه المرض،سقط عنه فرض الحجّ.
و كذا المعضوب الذي لا يقدر على الركوب و لا يستمسك على الراحلة من كبر أو ضعف في البنية لو كان نضو (3)الخلق،فإنّه يسقط عنه فرض الحجّ بنفسه؛لأنّ في ذلك ضررا و حرجا،و كذا المقعد و من أشبهه.
لنا:ما رواه الجمهور عن عليّ عليه السّلام أنّه سئل عن شيخ يجد (1)الاستطاعة،فقال:«يجهّز من يحجّ عنه» (2).
و عن ابن عبّاس أنّ امرأة من خثعم أتت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقالت:يا رسول اللّه إنّ فريضة اللّه على عباده[في الحجّ] (3)،أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة أ فأحجّ عنه؟قال:«نعم»قالت:أ تنفعه ذلك؟قال:«نعم، كما لو كان على أبيك دين فقضيته نفعه» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إنّ عليّا عليه السّلام رأى شيخا لم يحجّ قطّ،و لم يطق الحجّ من كبره،فأمره أن يجهّز رجلا فيحجّ عنه» (5).
و عن عليّ بن أبي حمزة،قال:سألته عن رجل مسلم حال بينه و بين الحجّ مرض أو أمر يعذره اللّه فيه،قال:«عليه أن يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له» (6).
و عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:كان عليّ عليه السّلام يقول:«لو أنّ رجلا أراد الحجّ،فعرض له مرض أو خالطه سقم،فلم يستطع الخروج،فليجهّز رجلا من ماله ثمّ ليبعثه مكانه» (7).
و لأنّها عبادة يجب بإفسادها الكفّارة،فجاز أن يقوم غير فعله مقام فعله فيها،
ص:92
كالصوم إذا عجز عنه.و لأنّه فعل تدخله النيابة،فيجب الاستنابة فيه مع تعذّر المباشرة،كدفع الزكاة.
احتجّ ابن إدريس:بأنّ الاستطاعة غير موجودة؛لعدم التمكّن من المباشرة، و النيابة فرع الوجوب المشروط بالاستطاعة المعدومة (1).
و احتجّ مالك:بأنّها عبادة لا تدخلها النيابة مع القدرة،فكذا مع العجز كالصلاة (2).
و الجواب:الفرق بعدم الفدية في الصلاة،بخلاف الصوم.
و عن حجّة ابن إدريس:بأنّ الاستطاعة موجودة؛إذ هي الزاد و الراحلة،و نمنع كون النيابة فرع الوجوب مباشرة،نعم،هي فرع الوجوب مطلقا،و نحن نقول بموجبه؛إذ ملك الزاد و الراحلة عندنا سبب وجوب الحجّ و إن توقّف الأداء على شرائط أخرى،كالإسلام و شبهه،كذلك هاهنا.
لنا:أنّه غير قادر على الحجّ بنفسه،فجاز له الاستنابة،كالمعضوب.
و يؤيّده:ما تقدّم من الأحاديث الدالّة على جواز الاستنابة و استحبابها (1).
احتجّ الشافعيّ:بأنّه غير مأيوس من حجّة بنفسه،فلا يجوز له الاستنابة، كالفقير (2).
و الجواب:المنع من التساوي و ثبوت الحكم في الأصل.
إذا عرفت هذا:فإنّ الاستنابة هنا ليست واجبة بالإجماع؛لأنّه غير مأيوس من حجّه بنفسه،فلا يجب عليه الاستنابة.إذا ثبت هذا:فإذا استناب ثمّ برأ و هو مستطيع،وجب عليه إعادة الحجّ،قاله الشيخ (3)؛لأنّ تلك الحجّة كانت عن ماله و هذه عن بدنه.و به قال الشافعيّ (4).
و لو مات سقط فرض الحجّ عنه مع الاستنابة و بدونها،و للشافعيّ وجهان مع الاستنابة:
أحدهما:عدم الإجزاء؛لأنّه استناب و هو غير مأيوس منه،فأشبه ما إذا برأ.
و لأنّ اتّصال الموت إنّما كان بأمور تجدّدت لم تكن موجودة حال استنابته.
و الثاني:الإجزاء؛لأنّا بيّنّا أنّ المرض كان مأيوسا منه حيث اتّصل به الموت (5).
أو كان العذر لا يزول،كالإقعاد،و ضعف البدن خلقة،و غير ذلك من الأعذار اللازمة،أو كبر السنّ و ما أشبهه.
ص:94
قال الشيخ:وجب أن يحجّ عنه رجلا (1)؛لما تقدّم من الأحاديث (2).و به قال الثوريّ (3)،و الشافعيّ (4)،و أحمد (5)،و إسحاق (6)،و أصحاب الرأي (7).
و قال مالك:لا يجب (8).و قد سلف البحث فيه و بيّنّا وجوبه (9).
فإذا ثبت ذلك:فإن مات سقط عنه فرض الحجّ و أجزأ فعل النائب عنه،و إن زال عنه عذره بأن كان مريضا و شهد عدلان عارفان باليأس من برئه ثمّ زال، وجب عليه الحجّ،ذهب إليه الشيخ-رحمه اللّه (10)-و للشافعيّة قولان:
أحدهما:ذلك؛لأنّا بيّنّا أنّه لم يكن مأيوسا منه و إنّما أخطئا في قولهما،فيجب عليه أن يحجّ بنفسه،كما لو لم يكن مأيوسا.
و الثاني:الإجزاء؛لأنّ حال الاستنابة كان محكوما بإياسه،و لأنّه فعل المأمور به،و الحجّ إنّما يجب مرّة واحدة (11).و هو اختيار أحمد (12).
ص:95
الجنون غير مأيوس من زواله،
فإذا استطاع ثمّ جنّ فحجّ عنه غيره ثمّ برأ، وجب عليه الإعادة مع الاستطاعة،و إن مات سقط عنه الفرض،و كذا المحبوس.
آخر:لو لم يجد المعضوب مالا،لم يجب عليه الحجّ إجماعا لا بنفسه و لا إقامة غيره؛لأنّ الصحيح لو لم يجد المال،لم يجب عليه الحجّ،فالمريض أولى.
و كذا لو وجد المال و لم يجد من يستأجره،فإنّه يسقط فرضه إجماعا إلى العام المقبل.
و لو وجد من يستأجره بأكثر من أجرة المثل،فإن أمكنه التحمّل من غير ضرر، فالوجه الوجوب،و إلاّ فلا.
و نيابة،
فلو وجد من يطيعه (1)لأداء الحجّ،لم يجب عليه،سواء وثق منه بفعله أو لم يثق،و سواء كان ولدا أو أجنبيّا-و به قال أبو حنيفة (2)،و أحمد (3)-لأنّه ليس بمستطيع بنفسه و لا مال له،فسقط عنه فرض الحجّ.
و لأنّها عبادة تجب بوجود المال،فلم تجب ببذل الطاعة،كالعتق في الكفّارة.
و قال الشافعيّ:إذا وجد من يطيعه،وجب؛لأنّه قادر على أن يحجّ عن نفسه، فلزمه الحجّ،كما لو قدر على المال؛لأنّ المال يراد لحصول طاعة الغير،فإذا حصلت فقد حصل المقصود فلزمه لكن بستّ شرائط:
ثلاثة في المبذول له،و هي:أن يكون لم يسقط الفرض عن نفسه،و أن يكون معضوبا آيسا من أن يفعل بنفسه،و أن لا يكون له مال؛لأنّه إذا كان له مال،وجب
ص:96
عليه الحجّ بماله.
و ثلاثة في الباذل،و هي:أن يكون قد حجّ عن نفسه حجّة الإسلام؛لأنّه يشترط في النائب ذلك،و أن يكون ممّن يجب عليه الحجّ عن نفسه،بأن يكون شرائط الحجّ موجودة فيه،فلو كان فقيرا و بذل الطاعة،لم يجب على المبذول له؛ لأنّه لو كان قادرا على المشي،لم يجب به الحجّ عن نفسه،فلا يجب بذلك عن غيره و أن يثق بطاعته (1).
أمّا إذا بذل له المال و لم يبذل له الفعل،فالوجه عندنا عدم الوجوب؛لأنّه غير متمكّن من نفسه و لا مال له،و لا يجب عليه قبول ما بذل له غيره.
و لا يقاس على من بذل له الزاد و الراحلة و نفقة العيال،فإنّا قد ذهبنا إلى وجوب الحجّ عليه؛لأنّا قلنا ذلك هناك،لوجود النصّ،و القياس عندنا باطل.
و للشافعيّ وجهان.
قال الشافعيّ:و لو كان المطيع ممّن لا يقدر على الحجّ بنفسه،بأن يكون معضوبا واجدا للمال،فإنّه يجب على المبذول له الطاعة الحجّ؛لأنّ هذا سبب يجب به الحجّ على الباذل،فأشبه قدرته على الفعل بنفسه.
و لو كان له من يطيعه في الحجّ و هو لا يعلم بطاعته،جرى مجرى من له مال لا يعلم به،و فيه وجهان.
قال:و إنّما يصحّ فعل المطيع عنه بإذنه،و لو حجّ عنه بغير إذنه فإنّه لا يقع عنه.
و ليس بجيّد.
قال:فإن لم يأذن له المطاع،فهل يأذن له الحاكم؟ وجهان:
ص:97
أحدهما:الإذن؛لأنّه واجب على المطاع،فإذا لم يفعله قام الحاكم مقامه.
و الثاني:لا يأذن؛لأنّه إنّما يقع بإذنه القائم مقام قصده،فلا ينوب الحاكم منابه، بخلاف الزكاة؛لأنّها حقّ الفقراء،فلهذا ناب الحاكم،و هذه عبادة عليه لا يتعلّق بها حقّ أحد.
قال:و لو مات المطيع قبل أن يأذن له،فإن كان قد أتى من الزمان ما يمكنه فعل الحجّ فيه،استقرّ في ذمّته،و إن كان قبل ذلك،لم يجب عليه؛لأنّه قد بان أنّه لم يكن مستطيعا.
قال:و هل يلزم الباذل ببذله؟فإن كان قد أحرم،لزم المضيّ فيه،و إلاّ فلا؛لأنّه لا يجب عليه البذل،فلا يلزمه به حكم؛لأنّه متبرّع به (1).
و هذه الفروع عندنا كلّها ساقطة؛لأنّها مبنيّة على وجوب الحجّ بالطاعة، و هو باطل؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سئل،ما يوجب الحجّ؟فقال:«الزاد و الراحلة» (2).
اثنين في سنة واحدة؛
لأنّهما فعلان متباينان لا ترتيب بينهما،و لا يؤدّي ذلك إلى وقوع المنذورة دون حجّة الإسلام،بل يقعان معا،فأجزأ ذلك،بخلاف ما إذا ازدحم الفرضان على واحد،و للشافعيّ وجهان (3).
ص:98
و به قال أبو حنيفة (2)، و أحمد؛لأنّها حجّة لا تلزمه بنفسه،فجاز أن يستنيب فيها،كالفرض في حقّ المعضوب (3).
و قال الشافعيّ:لا يجوز؛لأنّه غير آيس من الحجّ بنفسه،فلا يجوز له أن يستنيب في الحجّ،كالفرض (4).و ليس بمعتمد.
أو بإفساد حجّه،وجب عليه أن يحجّ عن نفسه رجلا،
فإذا فعل ذلك فقد أجزأه، و إن برأ فيما بعد تولاّها بنفسه (5).و عندي في ذلك تردّد.
إحدى الروايتين،و في الأخرى أنّه ليس شرطا (1).
لنا:أنّ اللّه تعالى إنّما فرض الحجّ على المستطيع و هذا ليس بمستطيع،و لأنّ هذا يتعذّر معه فعل الحجّ،فكان شرطا،كالزاد و الراحلة.
احتجّ أحمد (2):بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سئل،ما يوجب الحجّ؟فقال:
«الزاد و الراحلة» (3).
و لأنّه عذر يمنع نفس الأداء،فلا يمنع الوجوب،كالغصب.
و الجواب عن الأوّل:أنّ الشرط ليس هو الزاد و الراحلة لا غير؛لأنّه يشترط العقل و الإسلام عنده.
و عن الثاني:بالمنع من الأصل.
و قد تقدّم (4).
إذا لم يقصر نفقته عنه و اتّسع الزمان؛لأنّه مستطيع،أمّا لو قصرت نفقته عنه،أو قصر الزمان عن سلوكه،أو لم يكن إلاّ طريق واحد و هو مخوف أو بعيد يضعف قوّته عن قطعه لمشقّة (5)،لم يجب عليه.
ص:100
و لا خوف،فهو مستطيع،
و إن خاف على نفسه أو ماله من قتل أو جرح،لم يجب.
لأنّه لم يحصل التخلية.و لو قيل:إن أمكن دفع المال من غير إجحاف و لا ضرر، وجب و إلاّ سقط،كان حسنا؛لأنّه كأثمان الآلات.
و ليس له منع الباذل؛لتحقّق الاستطاعة.
سلوكها إذا لم يتمكّن من البرّ،
سواء كان معتادا لسفر البحر،أو لم يكن.
و لو غلب على ظنّه العطب أو خاف منه،سقط الوجوب،و للشافعيّ قولان:
أحدهما:الوجوب مع غلبة الظنّ بالسلامة.
و الثاني:عدمه معها؛لأنّ عوارض البحر لا يمكن الاحتراز منها و في ركوبه تغرير،فلم يلزمه،كما لو كان مخوفا (2).و ليس بشيء.
و لو تساوى البرّ و البحر في السلامة،تخيّر،و لو اختصّ أحدهما بها،تعيّن، و لو اشتركا في العطب،سقط الفرض إجماعا.
و قال أحمد في إحدى الروايتين:إنّه ليس بشرط (1).
لنا:أنّ تكليف (2)إيقاع الحجّ في مواطنه يستلزم قطع المسافة،و التقدير عدم إمكانه في ذلك الوقت،فالتكليف به حينئذ تكليف بالمحال.
إذا عرفت هذا:فإمكان المسير معناه:أن يجد رفقة يمكنه المسير معهم و يتّسع الوقت له،فلو لم يجد الرفقة،أو ضاق عليه الوقت حتّى لا يلحق إلاّ بأن يضعّف المسير،لم يلزمه تلك السنة،و كذا لو كان هناك رفقة يحتاج في اللحاق بهم إلى تحمّل مشقّة،إمّا بطيّ المنازل،أو حثّ شديد يمنعه عنه،لم يجب تكلّفه.
و كذا يشترط في إمكان المسير تحصيل الآلات التي يحتاج إليها للطريق، كأوعية الماء (3)،و غرائر الزاد،و ما شابه ذلك،فلو فقد ذلك،سقط فرض الحجّ.
و احتجاج أحمد بقوله عليه السّلام:«الاستطاعة:الزاد و الراحلة» (4)قد بيّنّا ضعفه (5).
فاشترط (6)الشيخ-رحمه اللّه- في الوجوب،فلو ملك الزاد و الراحلة و النفقة ذهابا و عودا و نفقة عياله،لم يجب الحجّ إلاّ أن يكون له كفاية يرجع إليها،من مال،أو حرفة،أو صناعة،أو عقار (7)، هذا اختيار شيخنا-رحمه اللّه-و به قال المفيد-رحمه اللّه (8)-و ابن البرّاج (9).
ص:102
و أبو الصلاح (1).
و قال السيّد المرتضى-رحمه اللّه-:إنّه ليس شرطا (2).و به قال ابن إدريس (3)، و ابن أبي عقيل (4)،و أكثر الجمهور (5).و هو الأقوى.
لنا:قوله تعالى: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (6)و الاستطاعة تتحقّق بالزاد و الراحلة و النفقة مع الشرائط المتقدّمة،فما زاد منفيّ بالأصل السليم عن المعارض.
و أيضا:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قال:
«أن يكون له ما يحجّ به»قال:قلت:من عرض عليه ما يحجّ به فاستحيى من ذلك، أ هو ممّن يستطيع إليه سبيلا؟قال:«نعم،ما من شأنه (7)يستحيي؟!و لو يحجّ على حمار أبتر،فإن كان يطيق أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليحجّ» (8).
و كذا رواه-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم،عن الباقر عليه السّلام (9).
احتجّ الشيخ على مذهبه:بالإجماع،و بأنّ الأصل براءة الذمّة،و بأنّ التكليف
ص:103
بالحجّ من دون الرجوع إلى كفاية،حرج،فيكون منفيّا.
و بما رواه أبو الربيع الشاميّ،قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً فقال:«ما يقول الناس؟»قال:قيل له:الزاد و الراحلة،قال:فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«قد سئل أبو جعفر عليه السّلام عن هذا،فقال:هلك الناس إذا،لئن كان (1)من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغني به عن الناس ينطلق إليه (2)فيسلبهم إيّاه لقد هلكوا إذا،فقيل له:فما السبيل؟قال:فقال:السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض و يبقى بعض (3)يقوت عياله،أ ليس قد فرض اللّه الزكاة فلم يجعلها إلاّ على من ملك مأتي درهم (4)» (5).
و الجواب:المنع من الإجماع في صورة الخلاف،و أصل براءة الذّمّة إنّما يصلو إليه مع عدم الدليل على الشغل،أمّا مع تحقّقه فلا.
و عن الحديث:بعدم دلالته على مقصوده؛إذ أقصى ما يدلّ عليه وجود الراحلة و الزاد و النفقة له و لعياله،أمّا الرجوع إلى كفاية،فلا تعرّض للحديث فيه البتّة.
ذهب إليه علماؤنا أجمع.و به قال الشافعيّ في أحد الوجهين،و في الآخر:أنّه شرط (6).و به
ص:104
قال أبو حنيفة (1).
لنا:عموم قوله تعالى: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (2)و المعارض و هو الكفر لا يصلح للمانعيّة؛لما بيّنّا في الأصول أنّ الكفّار مخاطبون بالفروع (3).
احتجّ:بأنّه غير متمكّن من الأداء،و بالإسلام يسقط عنه الفرض،فلا يتحقّق الوجوب (4)(5).
و الجواب:المنع من عدم المكنة؛لأنّ الشرط هو الإسلام،و هو متمكّن منه، و التمكّن من الشرط هنا يستلزم التمكّن من المشروط.
لو أحرم و هو كافر،لم يصحّ إحرامه،
فإن أسلم قبل فوات الوقوف بالمشعر، وجب عليه الرجوع إلى الميقات و إنشاء الإحرام منه،فإن لم يتمكّن،أحرم من موضعه،و لا يعتدّ بذلك الإحرام الأوّل،و إن (6)أسلم بعد فوات الوقوف،وجب عليه في العام المقبل.
اخترناه ذهب إليه الشافعيّ (1).
لنا:ما رواه الجمهور من قوله صلّى اللّه عليه و آله لمّا سئل:أ حجّتنا (2)هذا لعامنا أم للأبد؟فقال:«للأبد» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«من كان مؤمنا فحجّ[و عمل في إيمانه]ثمّ أصابته[في إيمانه]فتنة فكفر ثمّ تاب،يحسب له كلّ عمل صالح عمله،[في إيمانه] (4)،و لا يبطل منه شيء» (5).
و لأنّه أوقعها على الوجه المشروع،فتكون مجزئة عنه،و هو إنّما يجب مرّة واحدة.
و لأنّه حجّ حجّة الإسلام،فلا يجب عليه الحجّ بابتداء الشرع،كما لو لم يرتدّ.
احتجّ الشيخ:بقوله تعالى: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ (6).
و لأنّا بكفره تبيّنّا أنّه لم يكن مسلما وقت إسلامه؛لأنّ الإسلام مشروط بالعلم و هو لا يزول،و لأنّه أسلم بعد كفره فإذا وجد الاستطاعة لزمه الحجّ،كالكافر الأصليّ (7).
و الجواب عن الأوّل:أنّ الإحباط بالشرك مشروط بالموافاة؛لقوله تعالى:
ص:106
وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ (1).
و عن الثاني:أنّه مبنيّ على قاعدة أبطلناها في الكتب الأصوليّة.
و عن الثالث:بالفرق فإنّ الكافر الأصليّ لم يحجّ حجّة الإسلام.
الثبوت على الراحلة،فلا يجوز له التخلّف و لا الاستنابة،كالأطروش (1).
و لقوله عليه السّلام:من لم يمنعه من الحجّ حاجة،أو مرض حابس،أو سلطان جائر،فمات،فليمت يهوديّا أو نصرانيّا (2).
احتجّ:بأنّه لا يمكنه الصعود و النزول بنفسه،فجاز له أن يستنيب، كالمعضوب (3).
و الجواب:بالمنع من المساواة؛لأنّه يمكنه مع السؤال و وجود القائد كالمبصر الجاهل بموضع النسك (4)فإنّه يتمكّن بواسطة السؤال،كذلك هنا.
و قال الحسن،و النخعيّ،و إسحاق،و ابن المنذر (1)،و أصحاب الرأي (2)، و أحمد في رواية:إنّ المحرم شرط في الوجوب.
و عن أحمد رواية ثالثة أنّه شرط في الأداء،لا الوجوب (3).
لنا:قوله تعالى: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (4)و هو يتناول الرجال و النساء على حدّ واحد،فلا يعتبر فيهنّ زيادة على الرجال.
و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فسّر الاستطاعة بالزاد و الراحلة (5).
و قال لعديّ بن حاتم:«يوشك أن تخرج الظعينة (6)من الحيرة تؤمّ البيت لا جوار معها لا تخاف إلاّ اللّه» (7).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تحجّ بغير وليّ،قال:«لا بأس» (8).
ص:109
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن المرأة تحجّ بغير محرم،فقال:«إذا كانت مأمونة و لم تقدر على محرم،فلا بأس بذلك» (1).
و في الصحيح،عن صفوان الجمّال،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:قد عرفتني و تعلمني (2)تأتيني المرأة أعرفها بإسلامها و حبّها إيّاكم و ولايتها لكم ليس لها محرم،قال:«إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها،فإنّ المؤمن محرم المؤمنة»ثمّ تلا هذه الآية: وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ 3 (3).
و لأنّه سفر واجب،فلم يشترط (4)له المحرم،كالمسلمة إذا تخلّصت من أيدي الكفّار.
احتجّ المخالف (5):بما رواه أبو هريرة،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«لا يحلّ للمرأة تؤمن باللّه و اليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلاّ و معها ذو محرم (6).
ص:110
و عن ابن عبّاس قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«لا يخلو (1)رجل بامرأة إلاّ و معها ذو محرم،و لا تسافر امرأة إلاّ و معها ذو محرم»فقام (2)رجل فقال:يا رسول اللّه إنّي اكتتبت (3)في غزوة كذا و انطلقت امرأتي حاجّة،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«انطلق فأحجّ مع امرأتك» (4).
و لأنّها أنشأت سفرا في دار الإسلام،فلم يجز بغير محرم،كحجّ التطوّع.
و الجواب عن أحاديثهم:أنّها تدلّ على النهي،فكما (5)تتناول صورة النزاع، تتناول حجّ التطوّع،أو مع غير النفقة و خوفها على نفسها،أو لا تكون مأمونة، فتحمل على هذه؛جمعا بين الأدلّة.
و عن القياس:بالفرق،فإنّ حجّ التطوّع يشترط فيه الإذن،بخلاف الفرض.
لأنّه في محلّ الضرورة،فأشبهت الحاجة إلى الراحلة.
كالأب و الابن و الأخ و العمّ و الجدّ نسبا و رضاعا،و زوج أمّها و ابنتها.
ص:111
ليس بمحرم.
و قال الشافعيّ:العبد محرم،لأنّه يباح له النظر إليها،فكان محرما (1).و ليس بمعتمد؛لأنّه غير مأمون عليها،و لا تحرم عليه على التأبيد،فهو كالأجنبيّ،و نمنع إباحة نظره إليها؛عملا بالآية (2).
و به قال أبو حنيفة (3)، و الشافعيّ (4).
و قال أحمد:ليس بمحرم (5).
لنا:أنّها محرّمة عليه على التأبيد،فكان محرما كالمسلم.
احتجّ:بأنّ إثبات المحرميّة يقتضي الخلوة بها،فيجب أن لا يثبت للكافر على المسلم،كالحضانة.
و جوابه:المراد من المحرم هنا وثوقها به و تحفّظها من فعل الفاحشة، و هو حاصل هنا.
و يعتقد حلّها.
و هل يشترط أن يكون بالغا عاقلا؟الوجه اشتراطه؛لأنّ المجنون لا يحصّل (6)
ص:112
و لا يمكنه مراعاتها،و كذا الطفل؛لأنّه (1)لا يقوم بنفسه فكيف يخرج مع امرأة.
فكان عليها نفقته،كالراحلة،فعلى هذا يعتبر في استطاعتها أن تملك زادا و راحلة لها و لمحرمها،فإن امتنع محرمها من الحجّ معها مع بذلها له النفقة،فهي كمن لا محرم لها؛لأنّه لا يمكنها الحجّ بغير محرم؛لأنّا نبحث على هذا التقدير.
فالوجه أنّه لا يجب عليه إجابتها؛لأنّ في الحجّ مشقّة عظيمة و كلفة شديدة،فلا يلزمه تكلّفها، كما لا يلزمه أن يحجّ عنها إذا كانت مريضة.
لأنّها لا بدّ لها من السفر بغير محرم فمضيّها إلى قضاء حجّها أولى من رجوعها.
الإسلام،
و المنذورة إذا أذن لها في النذر،أو تعلّق النذر بها قبل التزويج،سواء أذن أو لم يأذن،و لو منعها لم يجز له ذلك،و لها المبادرة إلى ذلك مع استكمال الشرائط.
و به قال النخعيّ و إسحاق (3)،و أحمد (4)،و أبو ثور (5)،و أصحاب الرأي (6).
و قال الشافعيّ:له منعها من الواجب (7).
ص:113
لنا:قوله عليه السّلام:«لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (1).
و قوله عليه السّلام:«لا تمنعوا إماء اللّه مساجد اللّه» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه-في الصحيح-عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:قال:سألته عن امرأة لها زوج و هي صرورة و لا يأذن لها في الحجّ،قال:«تحجّ و إن لم يأذن لها» (3).
و في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،عن الصادق عليه السّلام،قال:
«تحجّ و إن رغم أنفه» (4).
و لأنّه فرض،فلم يكن له منعها منه،كصوم شهر رمضان و الصلوات الخمس.
احتجّ المخالف:بأنّ الحجّ واجب على التراخي،فكان له منعها؛لعدم التعيين عليها (5).
و الجواب:المنع من المقدّمة الأولى.
فإن أذن لها،و إلاّ خرجت بغير إذنه.
فلا،
و لا نعلم فيه خلافا،لأنّ حقّ الزوج واجب،فليس لها تفويته بما ليس بواجب.
ص:114
و يؤيّده:ما رواه ابن بابويه-في الصحيح-عن إسحاق بن عمّار،عن أبي إبراهيم عليه السّلام،قال:سألته عن المرأة الموسرة قد حجّت حجّة الإسلام فتقول لزوجها:أحجّني مرّة أخرى،أله أن يمنعها؟قال:«نعم،يقول لها:حقّي عليك أعظم من حقّك عليّ في ذا» (1).
و الاستمتاع بها،
و الحجّ يمنعه من حقّ الاستمتاع لو راجع،فيقف على إذنه.
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«المطلّقة إن كانت صرورة،حجّت في عدّتها،و إن كانت حجّت،فلا تحجّ حتّى تقضي (2)عدّتها» (3).
و لها أن تخرج في حجّة الإسلام؛لأنّها بحكم الزوجة.
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام، قال:«المطلّقة تحجّ في عدّتها» (4).
أمّا التطوّع فلا؛لما تقدّم.و لما رواه الشيخ عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا تحجّ المطلّقة في عدّتها» (5).
و إنّما حملنا ذلك على التطوّع؛لرواية منصور و رواية محمّد بن مسلم؛جمعا بين الأحاديث.
ص:115
لأنّه قد انقطعت العصمة بينه و بينها،و لا سبيل له عليها،بل صار أجنبيّا،فلا اعتبار بإذنه،كالأجنبيّ.
و قال أحمد:ليس لها ذلك (1).
لنا:أنّ العصمة انقطعت بالموت،فلا مانع.
و يؤيّده:ما رواه ابن بابويه-في الصحيح-عن زرارة،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التي يتوفّى عنها زوجها أ تحجّ في عدّتها؟فقال:«نعم» (2).
و هو العقل؛
لعدم الوجوب على المجنون و عدم الصحّة منه.
و منها:ما هو شرط في الصحّة دون الوجوب و هو الإسلام على ما ذهبنا إليه من وجوب الحجّ على الكافر (3).
و منها:ما هو شرط في الوجوب دون الصحّة و هو البلوغ،و الحرّيّة، و الاستطاعة،و إمكان المسير؛لأنّ الصبيّ و المملوك،و من ليس معه (4)زاد و لا راحلة و ليس بمخلّى السرب،و لا يمكنه المسير لو تكلّفوا الحجّ لصحّ منهم و إن لم يكن واجبا عليهم و لا يجزئهم عن حجّة الإسلام على ما تقدّم (5).
إذا عرفت هذا:فمن استجمع الشرائط،كان المشي أفضل له من الركوب مع المكنة و عدم الضعف و إمكان أداء الفرائض على الكمال،و لو أوجب ضعفا عن
ص:116
الفرائض و استيفاء شرائطها و كيفيّاتها على الكمال،كان الركوب أفضل.و على هذا التفصيل ما تخرج الأخبار المختلفة في الأفضليّة (1).
و لو لم يملك الاستطاعة و خرج ماشيا أو متسكّعا و حجّ،كان له في ذلك فضل كثير،و وجب عليه الإعادة عند استجماع الشرائط؛لأنّ ما حجّه لم يكن واجبا عليه و إنّما تبرّع به.
و لو نذر أن يحجّ ماشيا،وجب عليه الوفاء به؛لأنّه نذر في طاعة فانعقد، و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه تعالى.
ص:117
في أنواع الحجّ
و فيه مباحث:
الحجّ على ثلاثة أضرب:
تمتّع،و قرآن،و إفراد بلا خلاف؛لأنّ العمرة إن تقدّمت على الحجّ،كان تمتّعا، و إن تأخّرت،فإن انضمّ إليه سياق فهو قران،و إلاّ فإفراد.
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن معاوية بن عمّار،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«الحجّ على ثلاثة أصناف:حجّ مفرد،و قران،و تمتّع بالعمرة إلى الحجّ،و بها أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و الفضل فيها و لا نأمر (1)الناس إلاّ بها» (2).
و في الصحيح،عن منصور الصيقل قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«الحجّ عندنا على ثلاثة أوجه:حاجّ متمتّع،و حاجّ مفرد سائق الهدي،و حاجّ مفرد للحجّ» (3).
ص:118
إذا عرفت هذا:فالتمتّع عندنا أن يقدّم العمرة على الحجّ ثمّ يأتي بالحجّ بعد فراغه من العمرة في أشهر الحجّ،و الإفراد أن يأتي بالحجّ أوّلا ثمّ يعتمر عمرة مفردة،و القران أن يفعل ما يفعله المفرد إلاّ أنّه يسوق الهدي.
و الجمهور قالوا:التمتّع أن يقدّم العمرة،و المفرد أن يؤخّرها في الإحرام، و القارن أن يجمعهما في إحرام واحد (1)،و سيأتي بطلان ذلك إن شاء اللّه تعالى.
ثمّ يدخل مكّة فيطوف سبعة أشواط بالبيت و يصلّي ركعتيه بالمقام،ثمّ يسعى بين الصفا و المروة سبعة أشواط،ثمّ يقصّر،و قد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه،ثمّ ينشئ إحراما للحجّ من مكّة يوم التروية-و هو الثامن من ذي الحجّة-مستحبّا،و إلاّ فالواجب ما يعلم أنّه يدرك الوقوف معه،ثمّ يمضي إلى عرفات،فيقف بها إلى الغروب،ثمّ يفيض إلى المشعر الحرام فيقف به بعد طلوع الفجر،ثمّ يفيض إلى منى فيحلق بها (2)يوم النحر و يذبح هديه و يرمي جمرة العقبة،ثمّ يأتي مكّة ليومه إن شاء،و إلاّ فمن غده،فيطوف طواف الحجّ و يصلّي ركعتيه،و يسعى سعي الحجّ، و يطوف طواف النساء،و يصلّي ركعتيه،ثمّ يعود إلى منى فيرمي ما تخلّف عليه من الجمار الثلاث يوم الحادي عشر،و الثاني عشر،و الثالث عشر،و إن شاء أقام بمنى حتّى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر و الثاني عشر،ثمّ إن اتّقى جاز له أن ينفر بعد الزوال إلى مكّة للطوافين و السعي،و إلاّ أقام إلى الثالث عشر.
و صورة الإفراد:أن يحرم من الميقات أو من حيث يصحّ له الإحرام منه بالحجّ، ثمّ يمضي إلى عرفات فيقف بها،ثمّ يمضي إلى المشعر فيقف به،ثمّ يأتي منى
ص:119
فيقضي مناسكه بها،ثمّ يطوف بالبيت و يصلّي ركعتيه و يسعى بين الصفا و المروة و يطوف طواف النساء و يصلّي ركعتيه،ثمّ يأتي بعمرة مفردة بعد الحجّ و الإحلال منه يأتي بها من أدنى الحلّ.
و صورة القران كذلك،إلاّ أنّه يضيف إلى إحرامه سياق الهدي.
هذه صورة الأنواع الثلاثة على مذهب الإماميّة،و أنا إن شاء اللّه أبيّن (1)فصلا فصلا،و أنظم لكلّ فرض بحثا،و أذكر فيه مسائله المشتملة عليه،و أسوق الأبحاث على هذا النهج،و أذكر الخلاف في كلّ مسألة مسألة و الأدلّة من المخالف و الموافق،كما هو عادتنا في هذا الكتاب،بعون اللّه تعالى.
و نقدّم على ذلك ما يجب في هذا البحث ذكره من المسائل:
الحرام-و ليس من حاضريه-التمتّع مع الاختيار
لا يجزئهم غيره.و هو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السّلام.
و أطبق الجمهور كافّة على جواز النسك بأيّ الأنواع الثلاثة شاء،و اختلفوا في الأفضل:فقال الحسن،و عطاء،و طاوس،و مجاهد،و جابر بن زيد،و عكرمة:
التمتّع أفضل (2).و هو أحد قولي الشافعيّ (3)،و إحدى الروايتين عن أحمد (4).
و هو قول أصحاب الحديث (5).
ص:120
و قال الثوريّ (1)،و أصحاب الرأي:القران أفضل (2).و ذهب مالك (3)،و أبو ثور إلى اختيار الإفراد (4).و هو ظاهر مذهب الشافعيّ (5).
لنا:قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ إلى قوله: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (6).و هذا يدلّ على أنّه فرضهم،فلا يجزئهم غيره.
و أيضا قوله تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (7)و أمره تعالى يدلّ على الوجوب و الفور،فإمّا أن يأتي بهما على الفور،بأن يبدأ بالحجّ و يثنّي بالعمرة و لم يقل به أحد؛إذ لم يوجب أحد تعقيب الحجّ بالعمرة بلا فصل (8)،و إمّا بأن يجمع بينهما في إحرام واحد،و هو غير جائز على ما يأتي،كما لا يجوز الجمع بين إحرام حجّتين و عمرتين،فلم يبق إلاّ تقديم العمرة و تعقيبها بالحجّ بلا فصل،و هو التمتّع.
و ما رواه الجمهور عن جابر قال:أحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إحراما مطلقا،فلمّا دخل مكّة وقف بين الصفا و المروة ينتظر القضاء،فنزل عليه القضاء بأنّ
ص:121
من ساق الهدي أهلّ بحجّ،و من لم يسق الهدي أهلّ بعمرة (1).و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ساق الهدي،و أبو طلحة،و لم يسق غيرهما،فأمرهم بأن يحلّوا و يجعلوها عمرة (2).
و قال:«لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي و لجعلتها عمرة» (3).و هذا أمر لمن كان معه ممّن دخل مكّة،و الأمر على الوجوب.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد،عن آبائه عليهم السّلام،قال:«لمّا فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من سعيه،أتاه جبرئيل عليه السّلام عند فراغه من السعي و هو على المروة،فقال:إنّ اللّه يأمرك أن تأمر الناس أن يحلّوا إلاّ من ساق الهدي، فأقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على الناس بوجهه،فقال:أيّها (4)الناس هذا جبرئيل عليه السّلام-و أشار بيده إلى خلفه-يأمرني عن اللّه أن آمر الناس أن يحلّوا إلاّ من ساق الهدي،فأمرهم بما أمر اللّه به،فقام إليه رجل فقال:يا رسول اللّه نخرج إلى منى و رءوسنا تقطر من النساء؟و قال آخرون:يأمرنا بشيء و يصنع هو غيره، فقال:أيّها الناس لو استقبلت من أمري ما استدبرت صنعت كما صنع الناس، و لكنّي سقت الهدي فلا يحلّ من ساق الهدي حتّى يبلغ الهدي محلّه،فقصّر الناس و أحلّوا و جعلوها عمرة،فقام إليه سراقة بن مالك بن الجعشم المدلجيّ (5)و قال:يا
ص:122
رسول اللّه هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم للأبد؟فقال:لا،بل للأبد إلى يوم القيامة، و شبّك بين أصابعه،و أنزل اللّه في ذلك قرآنا: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (1)» (2).
و في الصحيح عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة؛لأنّ اللّه تعالى يقول: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (3)فليس لأحد إلاّ أن يتمتّع؛لأنّ اللّه أنزل ذلك في كتابه و جرت به (4)السنّة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (5).
و في الصحيح عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن الحجّ، فقال:«تمتّع»ثمّ قال:«إنّا إذا وقفنا بين يدي اللّه تعالى قلنا:يا ربّنا أخذنا بكتابك، و قال الناس:رأينا رأينا،و يفعل اللّه بنا و بهم ما أراد» (6).
و عن محمّد بن الفضل الهاشميّ قال:دخلت مع إخوتي على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلنا له:إنّا نريد الحجّ فبعضنا صرورة،فقال:«عليك (7)بالتمتّع»ثمّ
ص:123
قال:«إنّا لا نتّقي أحدا في التمتّع بالعمرة إلى الحجّ،و اجتناب المسكر،و المسح على الخفّين»معناه:إنّا لا نمسح (1).
و عن أبي بصير،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لي:«يا أبا محمّد،كان عندي رهط من أهل البصرة فسألوني عن الحجّ،فأخبرتهم بما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بما أمر به،فقالوا لي:إنّ عمر قد أفرد الحجّ،فقلت لهم:«إنّ هذا رأي رآه عمر،و ليس رأي عمر كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (2).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«ما نعلم حجّا للّه غير المتعة،إنّا إذا لقينا ربّنا قلنا:ربّنا عملنا بكتابك و سنّة نبيّك،و يقول القوم:عملنا برأينا،فيجعلنا اللّه و إيّاهم حيث يشاء» (3).
و في الحسن عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من حجّ فليتمتّع،إنّا لا نعدل بكتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله» (4).
و عن صفوان الجمّال،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من لم يكن معه هدي، و أفرد رغبة عن المتعة فقد رغب عن دين اللّه» (5).
و الأخبار كثيرة متواترة معلومة من مذهب الأئمّة عليهم السّلام وجوب التمتّع،
ص:124
و أنّه المفروض على كلّ من ليس من حاضري المسجد الحرام (1).
و إذا ثبت أنّ فرضهم التمتّع لم يجزئهم سواه؛لإخلالهم بما فرض (2)عليهم، فلا يخرجون عن العهدة بفعل غيره هذا في حال الاختيار و إن كان مجزئا في حال الضرورة للحاجة،على ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.
و لأنّ الحجّ و العمرة فرضان،فالإتيان بهما في أشهر الحجّ أولى،و كان هو الواجب.
احتجّوا:بأنّ عمر نهى عن هذه المتعة و متعة النساء (3).
و الجواب:فعل عمر ليس حجّة،مع معارضته للكتاب العزيز و أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته عليهم السّلام،و لو تجرّد عن هذه المعارضات لم يكن حجّة،فكيف و قد انضمّ إليه هذه الحجج.
لقوله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (4)و التخصيص يقطع الشركة.
و لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبيد اللّه الحلبيّ و سليمان بن خالد و أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«ليس لأهل مكّة،و لا لأهل مرّ (5)، و لا لأهل سرف (6)متعة،و ذلك لقول اللّه تعالى عزّ و جلّ: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (7)» (8).
ص:125
و في الصحيح عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام،قال:«لا يصلح لأهل مكّة أن يتمتّعوا؛لقول اللّه عزّ و جلّ: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1)» (2).
إذا عرفت هذا:فلو عدل هؤلاء عن فرضهم إلى التمتّع،ففي الإجزاء قولان للشيخ:
أحدهما:أنّه يجزئه و لا دم عليه (3).و به قال الشافعيّ (4)،و مالك (5).
و الثاني:عدم الإجزاء (6).و به قال أبو حنيفة (7).
احتجّ الشيخ على الأوّل:بأنّ المتمتّع أتى بصورة الإفراد و زيادة غير منافية (8).
و على القول الآخر:بما رواه ابن عمر قال:ليس لأهل مكّة تمتّع و لا قران (9).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم في الحديثين السابقين،و هو الأقوى عندي؛عملا بالحديثين و بغيرهما من الأخبار الواردة في هذا المعنى.
و نمنع احتجاج الشيخ الأوّل من أنّه أتى بصورة الإفراد؛لأنّه أخلّ بالإحرام
ص:126
للحجّ من ميقاته و أوقع مكانه العمرة،مع أنّه غير مأمور بها،فلا يكون ما أتاه مجزئا.
فقال الشيخ في المبسوط و الجمل:من كان بين منزله و بين المسجد الحرام اثنا عشر ميلا من كلّ جانب (1).و نحوه قال ابن عبّاس؛لأنّه قال:حاضري المسجد الحرام:
أهل الحرم خاصّة.و به قال مجاهد،و الثوريّ (2).
و قال الشيخ في النهاية:حدّ حاضري المسجد الحرام من كان من أهل مكّة، أو يكون بينه و بينها ثمانية و أربعون ميلا من كلّ جانب (3).و به قال الشافعيّ (4)، و أحمد بن حنبل (5)،لأنّه مسافة القصر.
و قال مالك:حاضر و المسجد الحرام أهل مكّة خاصّة (6).
و قال أبو حنيفة:من كان دون الميقات إلى الحرم (7).
و قال ابن إدريس:من كان بينه و بين المسجد الحرام ثمانية و أربعون ميلا من أربعة جوانب البيت من كلّ جانب اثنا عشر ميلا وجب عليه التمتّع،و من كان بينه
ص:127
و بين المسجد الحرام أقلّ من اثني عشر ميلا من أربعة جوانبه ففرضه القران أو الإفراد مخيّرا في ذلك (1).و الأقوى قول الشيخ في النهاية،و هو اختيار ابن بابويه (2).
لنا:أنّ تحديد الشيخ دون مسافة القصر،فلا يخرج من كان بينه و بين المسجد هذا الحدّ عن الحضور،و لأنّ الحضور هو القرب،يقال:حضر فلان فلانا إذا قرب منه و دنا إليه،و من كان بينه و بين المسجد دون المسافة فهو قريب منه،لأنّه بمنزلة الحاضر.
و أمّا التحديد الذي اخترناه،فيدلّ عليه ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:قلت له (3):قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه:
ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (4).قال:«يعني أهل مكّة ليس عليهم متعة،كلّ من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق (5)و عسفان (6)كما يدور حول مكّة فهو ممّن دخل في هذه الآية،و كلّ من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة» (7).
و قد روى الشيخ عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:في حاضري المسجد الحرام،قال:«ما دون المواقيت إلى مكّة فهو من حاضري المسجد الحرام،
ص:128
و ليس لهم متعة» (1).
و معلوم أنّ هذه المواضع أكثر من اثني عشر ميلا.و لأنّ إبطال القول الأوّل يستلزم صحّة ما ذهبنا إليه.
احتجّ الشيخ:بقوله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (2).
و المراد به:الحرم،و حاضروه:من فيه.
و احتجّ أبو حنيفة:بأنّه موضع شرع فيه النسك،فكان أهله من حاضري المسجد الحرام،كالحرم (3).
و الجواب عن الأوّل:بمنع انحصار حاضريه بمن فيه؛لما تقدّم من الأحاديث.
و عن الثاني:أنّ ما اعتبرناه أولى من اعتبار النسك؛لوجود لفظ الحضور في الآية،و لأنّه يجعل البعيد من الحرم من حاضريه،و القريب من غير حاضريه؛لأنّ في المواقيت ما يقرب من الحرم و فيها ما يبعد،فمن هو وراء القريب هو أقرب ممّن هو في البعيد.
و قول ابن إدريس عجيب؛لأنّه يوهم تقسيط ما اعتبرناه على الجوانب.
و هو خطأ؛لأنّ الحديث يمنع منه.
إذا ثبت هذا:ففرض هؤلاء:الإفراد و القران،و لو حجّوا متمتّعين،لم يجزئهم، و به قال أبو حنيفة (4).
و قال الشافعيّ:يجزئهم (5).و ليس بشيء؛لقوله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ
ص:129
(1)و الإشارة راجعة إلى جميع ما تقدّم،أو إلى التمتّع.
و قول الشافعيّ:إنّه يرجع إلى الهدي (2).ليس بجيّد؛لعدم التخصيص،و يدلّ عليه ما تقدّم من الأحاديث من طريق أهل البيت عليهم السّلام.
و أنّها ثلاثة:
تمتّع:و هو أن يحرم بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ،ثمّ يحلّ منها و يأتي بالحجّ في عامه ذلك.
و إفراد:و هو أن يحرم بالحجّ،فإذا قضى مناسكه،أحرم بالعمرة المفردة.
و قران:و هو أن يفعل كأفعال المفرد،إلاّ أنّه يسوق الهدي في إحرامه،فبه يتميّز عن المفرد.
هذا اختيار علمائنا،إلاّ من ابن أبي عقيل،فإنّه جعل القارن:من قرن بين الحجّ و العمرة في إحرام واحد (4).و هو قول الجمهور كافّة.و اعتبر ابن أبي عقيل و الجمهور أيضا سياق الهدي.
لنا:ما رواه الجمهور عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل (5)بإسناده إلى أبي شيخ (6).قال:كنت في ملأ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند
ص:130
معاوية بن أبي سفيان،فناشدهم اللّه في أشياء،و كلّما قالوا:نعم،يقول:و أنا أشهد، ثمّ قال:أنشدكم اللّه أ تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن جمع بين حجّ و عمرة؟قالوا:أمّا هذه فلا،فقال:أما إنّها معهنّ-يعني مع المنهيّات-و لكنّكم نسيتم (1).و رواية معاوية و إن لم تكن حجّة عندنا و لكنّها حجّة عند الخصم،و نحن في مقام الإلزام.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن وهب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في القارن:«لا يكون قران إلاّ بسياق الهدي،و عليه طواف بالبيت،و ركعتان عند مقام إبراهيم عليه السّلام و سعي بين الصفا و المروة، و طواف بعد الحجّ و هو طواف النساء» (2).
و في الصحيح عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا يكون القارن إلاّ بسياق الهدي» (3).
و في الصحيح عن الفضيل بن يسار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«القارن الذي يسوق الهدي عليه طوافان بالبيت،و سعي واحد بين الصفا و المروة،و ينبغي له أن يشترط على ربّه إن لم تكن حجّة فعمرة» (4).
احتجّوا (5):بما رواه ابن عبّاس،عن عمر قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«أتاني آت من ربّي فقال:صلّ في هذا الوادي المبارك ركعتين و قل:
ص:131
لبّيك بعمرة في حجّة» (1).
و لقوله عليه السّلام:«أهلّوا يا آل محمّد بعمرة في حجّ» (2).
و الجواب:منع الرواية،فإنّ الجمهور رووا عن عائشة (3)و جابر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أفرد بالحجّ (4).
و روى ابن عمر (5)،و ابن عبّاس عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الإفراد أيضا (6).
و سمّي قارنا؛لأنّه ساق الهدي مع إحرامه،فأفعاله أفعال المفرد و تميّز (7)عنه بالسياق،كما قلنا نحن،و لهذا قال عليه السّلام:«لو استقبلت من أمري ما استدبرت،ما سقت الهدي و لجعلتها عمرة» (8).
و روى الجمهور عن جابر قال:حججنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم ساق البدن معه و قد أهلّوا بالحجّ مفردا،فقال لهم:«حلّوا من إحرامكم بطواف
ص:132
البيت و سعي بين الصفا و المروة،ثمّ أقيموا حلالا حتّى إذا كان يوم التروية فأهلّوا بالحجّ،و اجعلوا التي قدمتم بها متعة»فقالوا:كيف نجعلها متعة و قد سمّينا الحجّ؟ فقال:«افعلوا ما أمرتكم به،فلولا أنّي سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم [به] (1)» (2).
و في رواية أخرى:فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال:«قد علمتم أنّي أتقاكم للّه و أصدقكم و أبرّكم،و لو لا هديي لحللت كما تحلّون،و لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت»فحللنا و سمعنا و أطعنا (3).
و من طريق الخاصّة:روايات،منها:رواية ليث المراديّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج في حجّة الوداع لأربع أو خمس مضين من ذي الحجّة مفردا للحجّ،و ساق مائة بدنة» (4).
و يحتمل أيضا أن يكون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حجّ متمتّعا بالعمرة إلى الحجّ، و لبّى بعمرة في حجّ؛لأنّ العمرة المتمتّع بها إلى الحجّ داخلة في الحجّ؛لما رواه الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم
ص:133
القيامة» (1).
و عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«أحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من ذي الحليفة مفردا و ساق الهدي ستّا و ستّين أو أربعا و ستّين،ثمّ أتى مكّة و طاف سبعة أشواط،ثمّ صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السّلام،ثمّ قال:إنّ الصفا و المروة من شعائر اللّه ابدءوا بما بدأ اللّه به،فلمّا فرغ من سعيه قال:هذا جبرئيل عليه السّلام-و أومأ بيده إلى خلفه-يأمرني أن آمر من لم يسق الهدي أن يحلّ،فقال رجل:نخرج حجّاجا و رءوسنا تقطر؟فقال عليه السّلام:لو استقبلت من أمري ما استدبرت،لصنعت كما أمرتكم،و لكنّي سقت الهدي،و لا ينبغي لسائق الهدي أن يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه،فقال له سراقة:
أ لعامنا هذا أم للأبد؟فقال:بل للأبد إلى يوم القيامة،و شبّك بين أصابعه و قال:
دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة هكذا» (2).
و إذا كانت العمرة داخلة في الحجّ-على ما تضمّنته هذه الأحاديث و غيرها- أمكن أن يصرف قوله:«أحرم بعمرة في حجّ» (3)إلى ما ذكرناه.
و الذي يدلّ على أنّه عليه السّلام حجّ متمتّعا،ما رواه الجمهور عن ابن عمر و عائشة و جابر-من طرق صحاح عندهم-أنّه عليه السّلام حجّ متمتّعا (4).
و أيضا:فإنّ رواياتهم اختلفت،فتارة رووا أنّه عليه السّلام أفرد،و تارة أنّه
ص:134
تمتّع،و أخرى أنّه قرن (1)،و القضيّة واحدة،و الجمع ممتنع،فوجب إخراج الجميع.
و أيضا:روى الجمهور-في الصحيح-عن عمر أنّه قال:إنّي لأنهاكم عن المتعة،و إنّها لفي كتاب اللّه،و لقد صنعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (2).
و عن عليّ عليه السّلام أنّه اختلف هو و عثمان في المتعة بعسفان،فقال عليّ عليه السّلام:«ما تريد إلى أمر فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تنهى عنه» (3).
و روى الثاني:أنّ عليّا عليه السّلام قال لعثمان:«أ لم تسمع أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تمتّع؟»قال:بلى (4).
و عن ابن عمر قال:تمتّع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حجّة الوداع بالعمرة إلى الحجّ (5).
و قال سعد بن أبي وقّاص:صنعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و صنعناها معه -يعني المتعة-و هذا يومئذ كافر بالعرش-يعني الذي نهى عنها-و العرش بيوت مكّة (6).
و عن عمران بن حصين قال:تمتّعنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نزل فيه القرآن و لم ينهنا عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم ينسخها بشيء،فقال فيها
ص:135
رجل برأيه ما شاء (1).
و هذه الأخبار كما دلّت على ما أردناه،فقد دلّت على وجوب التمتّع و أنّه المفروض،و أنّ نهي عمر عن المتعة خطأ،و بهذا التأويل يؤوّل قوله عليه السّلام:
«أهلّوا يا آل محمّد بعمرة في حجّ» (2).
مثل أن يكون محرما بعمرة مفردة فيحرم بالحجّ قبل قضاء مناسكها،أو يحرم بالحجّ ثمّ يدخل عليه العمرة.
و أجمع الجمهور على الأوّل،و اختلفوا في إدخال العمرة على الحجّ بعد عقد نيّة الإفراد،فقال أبو حنيفة بالجواز (3)،و هو أحد قولي الشافعيّ،و في القول الآخر بالمنع (4).
لنا:أنّه عبادة شرعيّة،فتقف على إذن الشارع،و لم يثبت،و لأنّه إذا أحرم بنوع،لزمه إتمامه و إكمال أفعاله،فلا يجوز صرف إحرامه إلى غيره.
إذا عرفت هذا:فلو كان محرما بعمرة يتمتّع بها،فمنعه مانع من مرض أو حيض
ص:136
عن إتمامها،جاز نقلها إلى الإفراد اتّفاقا،كما فعلته عائشة (1).
و كذا لو كان محرما بحجّ مفرد و دخل مكّة،جاز أن ينقل إحرامه إلى التمتّع؛ لقوله عليه السّلام:«من لم يسق الهدي فليحلّ و ليجعلها عمرة» (2).و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه تعالى.
قال الشيخ في الخلاف:و لو فعل،لم ينعقد إحرامه إلاّ بالحجّ،فإن أتى بأفعال الحجّ،لم يلزمه دم،و إن أراد أن يأتي بأفعال العمرة و يجعلها متعة،جاز ذلك و لزمه الدم (3).
و قال الشافعيّ (4)،و مالك (5)،و الأوزاعيّ:إذا أتى بأفعال الحجّ،لزمه دم (6).
و قال الشعبيّ،و طاوس و داود:لا يلزمه شيء (7).
لنا:أنّ وجوب الدم منفيّ بالأصل فلا يثبت إلاّ بدليل،أمّا إذا نوى المتمتّع فلزوم الدم ثابت بالإجماع.
و المتمتّع إذا أحرم من مكّة،لزمه الدم،و لو أحرم من الميقات،لم يسقط الدم.
ص:137
و قال الجمهور:يسقط.
لنا:أنّ الدم استقرّ بإحرام الحجّ،فلا يسقط بعد استقراره.و كذا لو أحرم المتمتّع من مكّة و مضى إلى الميقات ثمّ منه إلى عرفات.و قال الشيخ:يسقط (1).
قيل:تنعقد إحداهما و تلغو الأخرى (2).و به قال مالك (3)،و الشافعيّ (4).و قال أبو حنيفة:ينعقد بهما، و عليه قضاء إحداهما؛لأنّه أحرم بهما و لم يتمّهما (5).و ليس بجيّد؛لأنّهما عبادتان لا يلزمه المضيّ فيهما،فلا يصحّ الإحرام بهما،كالصلاتين.
و على هذا لو أفسد حجّه أو عمرته،لم يلزمه إلاّ قضاؤها إن قلنا بانعقاد أحدهما.
و عند أبي حنيفة:يلزمه قضاؤهما معا،بناء على صحّة إحرامه بهما (6).
في أحد قوليه.
و في الآخر:الإفراد أفضل (1).و به قال عمر،و عثمان،و ابن عمر،و جابر و عائشة (2).و ذهب إليه مالك (3)،و أبو ثور (4).
و قال الثوريّ:القران أفضل (5).و هو مذهب أصحاب الرأي (6).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس،و جابر،و أبي موسى،و عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر أصحابه لمّا طافوا بالبيت أن يحلّوا و يجعلوها عمرة (7).
فنقلهم من الإفراد و القران إلى المتعة،و لا ينقلهم إلاّ إلى الأفضل.
و قال عليه السّلام:«لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي و لجعلتها عمرة» (8).و تأسّفه عليه السّلام على فوات العمرة يدلّ على أنّها أفضل.
و لأنّ التمتّع منصوص عليه في كتاب اللّه تعالى،دون بقيّة الأنساك.
ص:139
و لأنّ المتمتّع يأتي بكلّ واحد من النسكين في الوقت الفاضل و ينسك بالدم، فكان أفضل،و إذا أفرد أتى بالعمرة في غير أشهر الحجّ،فكان ما يأتي به في أشهر الحجّ أفضل.
و لأنّ الناس اختلفوا في إجزاء عمرة الإفراد و القران عن عمرة الإسلام،و اتّفقوا كافّة على إجزاء التمتّع عن الحجّ و العمرة جميعا.
و يدلّ على ذلك أيضا:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«المتعة و اللّه أفضل،و بها نزل القرآن و جرت السنّة» (1).
و في الصحيح عن أبي أيّوب إبراهيم بن عيسى،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أيّ أنواع الحجّ أفضل؟فقال:«المتعة،و كيف يكون شيء أفضل من المتعة؟!و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:لو استقبلت من أمري ما استدبرت فعلت كما فعل الناس» (2).
و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي قرنت العام و سقت الهدي،قال:«و لم فعلت ذلك؟!التمتّع و اللّه أفضل،لا تعودنّ» (3).
و في الصحيح عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر،قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام في السنة التي حجّ فيها و ذلك سنة اثنتي (4)عشرة و مائتين،فقلت:جعلت فداك بأيّ شيء دخلت مكّة مفردا أو متمتّعا؟فقال:«متمتّعا»فقلت:أيّما أفضل التمتّع
ص:140
في العمرة إلى الحجّ أفضل (1)أو من أفرد فساق الهدي؟فقال:«كان أبو جعفر عليه السّلام يقول:التمتّع بالعمرة إلى الحجّ أفضل من المفرد السائق للهدي،و كان يقول:ليس يدخل الحاجّ بشيء أفضل من المتعة» (2).
احتجّوا:بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعل القران و منع كلّ من ساق الهدي من الحلّ حتّى ينحر هديه (3).
و بأنّ أبا ذرّ قال:كانت متعة الحجّ لأصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله خاصّة (4).و لأنّ عمر و عثمان و معاوية نهوا عن المتعة،فلا تكون أفضل (5).
و الجواب عن الأوّل:بمنع ما نقلوه،فإنّ الناقلين من الجمهور:أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حجّ قارنا،نقلوا عنه أنّه حجّ متمتّعا،و نقلوا أنّه حجّ مفردا،و القضيّة واحدة.روي ذلك عن ابن عمر و عائشة و جابر من طرق صحاح (6).فسقط الاحتجاج به.
و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بنقل أصحابه من الإفراد و القران إلى
ص:141
التمتّع (1)،و لا يأمر إلاّ بالأفضل؛لأنّه الداعي إلى الخير و الهادي إلى الرشاد و ما هو الأنفع و الأصلح.و أكّده عليه السّلام بتأسّفه على فوات العمرة في حقّه (2)،و أنّه لا يقدر على انتقاله و حلّه؛لأنّه ساق الهدي.
و أيضا:فاحتجاجنا بقوله عليه السّلام،و احتجاجهم بفعله،و القول أولى من الفعل،كالوصال و غيره من خصائصه عليه السّلام (3).
و عن الثاني:بمنع الحديث عن أبي ذرّ،و كيف ينقل عنه ذلك مع مخالفته للكتاب و السنّة و الإجماع،قال اللّه تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (4)و هو عامّ.و عن جابر:سأل سراقة بن مالك عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:المتعة لعامنا هذا أو للأبد (5)؟فقال:«بل هي للأبد» (6).
قال طاوس:كان أهل الجاهليّة يرون العمرة في أشهر الحجّ أفجر الفجور و يقولون:إذا انفسخ صفر و عفا الأثر حلّت العمرة لمن اعتمر،فلمّا كان الإسلام أمر الناس أن يعتمروا في أشهر الحجّ فدخلت العمرة في أشهر الحجّ إلى يوم القيامة (7).
ص:142
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من الأحاديث الدالّة على بقاء المتعة إلى يوم القيامة (1).
و عن الثالث:بأنّ أكابر الصحابة أنكروا نهيهم عنها،و خالفوهم في فعلها،كما أنكر عليّ عليه السّلام على عثمان و اعترف عثمان له (2).و قول عمران بن حصين منكرا لنهي من نهى (3).و قول سعد عائبا على معاوية نهيه عنها و ردّهم عليه بحجج لم يكن لهم جواب عنها (4)،بل قال عمر في كلامه ما يردّ نهيه،فقال:و اللّه إنّي لأنهاكم عنها و إنّها لفي كتاب اللّه و قد صنعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (5).مع أنّه قد سئل سالم بن عبد اللّه بن عمر،أنهى عمر عن المتعة؟قال:لا و اللّه ما نهى عنها عمر،و لكن قد نهى عثمان (6).
و سئل ابن عمر عن متعة الحجّ،فأمر بها،فقيل له:إنّك تخالف أباك،قال:إنّ عمر لم يقل الذي يقولون (7)،فلمّا كثروا عليه قال:أ فكتاب اللّه أحقّ أن تتّبعوا أم عمر (8)؟ و لمّا نهى معاوية عن المتعة أمرت عائشة حشمها و مواليها أن يهلّوا بالمتعة،
ص:143
فقال معاوية:من هؤلاء؟فقيل:حشم و موالي عائشة،فأرسل إليها ما حملك على ذلك؟قالت:أحببت أن تعلم أنّ الذي قلت ليس كما قلت (1).
و نقل الجمهور عن ابن عبّاس أنّ عمر نهى عن المتعة،قال:انظروا في كتاب اللّه تعالى،فإن وجدتموها فيه فقد كذب على اللّه و على رسوله،و إن لم تجدوها فقد صدق (2).روى الأثرم ذلك كلّه و غيره من الأحاديث من طرق الجمهور.و طرق أهل البيت عليهم السّلام آثرنا تركها للاختصار.
يتمتّع بها،
و لا يلبّ بعد طوافه و لا بعد سعيه؛لئلاّ ينعقد إحرامه بالتلبية.أمّا القارن فليس له ذلك إذا كان قد ساق الهدي.ذهب إليه علماؤنا.و به قال أحمد (3).
و قال عامّة الجمهور:لا يجوز ذلك.
لنا:ما رواه الجمهور من طرق متعدّدة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر الصحابة حين دخلوا مكّة محرمين بالحجّ،فقال:«من لم يسق الهدي فليحلّ و ليجعلها عمرة»فطافوا و سعوا و أحلّوا،و سئل عن نفسه فقال:«إنّي سقت الهدي و لا ينبغي لسائق الهدي أن يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه» (4).
و عن أسماء بنت أبي بكر،قالت:خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فلمّا قدمنا مكّة قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من لم يكن معه هدي فليحلّ
ص:144
فأحللت»و كان مع الزبير هدي فلم يحلّ،فلبست ثيابي و خرجت فجلست إلى جانب الزبير،فقال:قومي عنّي،فقلت:أ تخشى أن أثب عليك (1).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من الأحاديث الدالّة على أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نقل أصحابه من الإفراد إلى التمتّع و تأسّف على فوات المتعة؛لأنّه كان قد ساق الهدي (2).و لأنّ من فاته الحجّ،صار إحرامه عمرة،و كذا (3)يصير بفسخه.
احتجّوا (4):بما رواه بلال بن الحارث،قال:قلت:يا رسول اللّه الفسخ لنا خاصّة أو لمن بعدنا؟قال:«بل لنا خاصّة» (5).
و الجواب:المنع من هذا الحديث،فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بالفسخ بصيغة العموم،و كان ذلك في حجّة الوداع،و مات عليه السّلام على ذلك.
فإن احتجّوا:بأنّ عمر نهى عن ذلك،أبطلناه بإنكار الصحابة،على ما تقدّم (6).
و لأنّ الفسخ لا يثبت بعد موت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و قد ثبت بالتواتر أنّه عليه السّلام مات على ذلك.
و قد روى أبو بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قال لي:«يا أبا محمّد إنّ رهطا (7)من أهل البصرة سألوني عن الحجّ،فأخبرتهم بما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ما أمر به،فقالوا (8):إنّ عمر قد أفرد الحجّ فقلت:إنّ هذا رأي رآه عمر،
ص:145
و ليس رأي عمر كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (1).
و ذلك إمّا بأن يضيق الوقت عن أفعال العمرة،أو يحصل هناك حيض أو مرض،أو غيرهما من الأعذار يمنع من ذلك؛لأنّه أحد أنواع الحجّ فجاز المصير إليه عند الضرورة.
و لما رواه الجمهور،عن عائشة أنّها أحرمت بالعمرة،فلمّا حصلت بسرف (2)باب مكّة،حاضت،فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هي تبكي،و الناس يخرجون إلى منى،فقال لها:«إنّ هذا أمر كتبه اللّه على بنات آدم،فارفضي عمرتك، و أهلّي بالحجّ،و اصنعي ما يصنع الحاجّ،غير أن لا تطوفي بالبيت» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه-في الصحيح-عن جميل بن درّاج،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية،قال:«تمضي كما هي إلى عرفات،فتجعلها حجّة،ثمّ تقيم حتّى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم، فتجعلها عمرة»قال ابن أبي عمير:كما صنعت عائشة (4).
أمّا القارن فإن كان قد ساق الهدي فليس له العدول إلى التمتّع؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يفعله مع تأسّفه على فوات المتعة باعتبار السياق،فلو كان سائغا،لفعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،كما فعل أصحابه العدول عن الإفراد بأمره عليه السّلام.
و أنّ النوعين الباقيين فرض
ص:146
أهل مكّة و حاضريها (1).
إذا ثبت هذا:فلو بعد المكّيّ عن أهله ثمّ عاد و حجّ على ميقات،أحرم منه، و جاز له التمتّع؛لما رواه الجمهور عن ابن عبّاس،قال:وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل المدينة ذا الحليفة،و لأهل الشام مهيعة (2)،و لأهل نجد قرن المنازل،و لأهل اليمن يلملم،و هي لهم و لكلّ آت من غيرهنّ ممّن أراد الحجّ و العمرة (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليه السّلام،قال:سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام في الإحرام من الشجرة،فأرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها،قال:
«لا»و هو مغضب،و قال:«من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلاّ من المدينة» (4).
أمّا جواز التمتّع له؛فلأنّه إذا خرج عن مكّة إلى مصر من الأمصار و مرّ على ميقات من المواقيت،صار ميقاتا له،و لحقه أحكام ذلك الميقات.
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبد الرحمن بن الحجّاج، و عبد الرحمن بن أعين قالا:سألنا أبا الحسن موسى عليه السّلام عن رجل من أهل مكّة خرج إلى بعض الأمصار،ثمّ رجع فمرّ ببعض المواقيت التي وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،هل له أن يتمتّع؟فقال:«ما أزعم أنّ ذلك ليس له،و الإهلال بالحجّ أحبّ إليّ،و رأيت من سأل أبا جعفر عليه السّلام،قال:نويت الحجّ من
ص:147
المدينة كيف أصنع؟قال:«تمتّع»قلت:إنّي مقيم بمكّة و أهلي فيها (1)،فيقول:
«تمتّع» (2)في حديث طويل.
خرج إلى ميقات أهله،فأحرم منه،فإن تعذّر،خرج إلى أدنى الحلّ،و لو تعذّر،أحرم من مكّة.
هذا إذا لم يجاور مدّة سنتين،فإن مضت عليه سنتان و هو مقيم بمكّة،صار من أهل مكّة و حاضريها ليس له أن يتمتّع،و به قال الشيخ في كتابي الأخبار (3).
و قال في النهاية:لا ينتقل فرضه عن التمتّع حتّى يقيم ثلاثا (4).
لنا:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:
«من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة لا متعة له»فقلت لأبي جعفر عليه السّلام، أ رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكّة؟قال:«فلينظر أيّهما (5)الغالب عليه فهو من أهله» (6).
و عن عمر بن يزيد،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام«المجاور بمكّة يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ إلى سنتين،فإذا جاوز سنتين كان قاطنا،و ليس له أن يتمتّع» (7).
و لا نعلم حجّة على ما قاله الشيخ في النهاية.
ص:148
اعتبر الأغلب إقامة، فأحرم بفرض أهله،فإن تساويا،تخيّر في التمتّع و غيره.
هذا كلّه في حجّة الإسلام؛لأنّ مع الأغلبيّة يضعف جانب الآخر،فيسقط اعتباره،كالسقي بآلة و غيرها في باب الزكاة،و مع التساوي لا رجحان،فيتحقّق التخيير.
و يؤيّد ذلك:رواية زرارة عن الباقر عليه السّلام،و قد تقدّمت.
فيخرج إلى الميقات و يحرم منه مع المكنة،و إلاّ فمن حيث أمكن.
و قال الشافعيّ:يجوز أن يحرم من مكّة مع المكنة من الخروج إلى الميقات (1).
لنا:أنّه لم ينتقل فرضه عن فرض إقليمه،فيلزمه الإحرام من ميقاته (2)؛ لإمكانه،أمّا لو تعذّر فإنّه يخرج إلى خارج الحرم فيحرم منه؛للضرورة؛لأنّ ميقاته قد تعذّر عليه،فيسقط اعتباره،كما لو تعذّر عليه المتعة،و ذلك كما في حقّ عائشة، و لو كان الإحرام من مكّة جائزا،لما كلّفها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله تحمّل المشقّة.
و يدلّ عليه أيضا:ما رواه الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قلت:رجل ترك الإحرام حتّى دخل مكّة قال:«يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم،و إن خشي أن يفوته الحجّ فليحرم من مكانه،فإن استطاع أن يخرج من
ص:149
الحرم فليخرج» (1).
احتجّ الشافعيّ (2):بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر أصحابه بالإحرام من مكّة للتمتّع (3).
و الجواب:أنّ ذلك كان للضرورة.
ص:150
في أوقات أداء النسكين
قال اللّه تعالى: اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (1).و اختلف العلماء في أشهر الحجّ، فقال الشيخ في النهاية:هي شوّال و ذو القعدة و ذو الحجّة (2).و به قال مالك (3).
و روي عن عمر و ابنه و ابن عبّاس (4).
و قال في المبسوط:هي شوّال و ذو القعدة،و إلى قبل الفجر من عاشر ذي الحجّة (5)،و في الخلاف:إلى طلوع الفجر من ليلة النحر (6).و به قال الشافعيّ (7).
ص:151
و قال في الجمل:و تسعة من ذي الحجّة (1).
و قال أبو حنيفة و أصحابه:إلى آخر العاشر من ذي الحجّة (2).و به قال ابن مسعود،و ابن عمر،و ابن الزبير،و عطاء،و مجاهد،و الحسن،و الشعبيّ، و النخعيّ و قتادة،و الثوريّ (3)،و أحمد (4).و ليس يتعلّق بهذا الاختلاف حكم.
لنا:قوله تعالى: اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (5).و أقلّ الجمع ثلاثة.
و ما رواه الشيخ عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:« اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ :شوّال و ذو القعدة و ذو الحجّة ليس لأحد أن يحرم بالحجّ في سواهنّ، و ليس لأحد أن يحرم قبل الوقت الذي وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إنّما مثل ذلك مثل من صلّى أربعا في السفر و ترك الثنتين» (6).
و لأنّه يصحّ أن يقع شيء من أفعال الحجّ فيه،كالطواف،و السعي،و ذبح الهدي.
احتجّ أبو حنيفة:بما روي عن ابن مسعود،و ابن عمر،و ابن عبّاس،و ابن الزبير أنّهم قالوا:شهران و عشر ليال،و إذا أطلق ذلك اقتضى بعدده من الأيّام؛و لأنّ يوم النحر يدخل به وقت ركن من أركان الحجّ و هو طواف الزيارة،و فيه كثير من أفعال الحجّ،كرمي جمرة العقبة،و النحر،و الحلق و الطواف،و السعي،و الرجوع إلى
ص:152
منى،فكان من أشهره،كيوم عرفة (1).
احتجّ الشيخ:بقوله تعالى: اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ (2).
و لا يمكن فرضه بعد طلوع الفجر من يوم النحر.
و بقوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ (3).و هو سائغ يوم النحر؛لأنّه يمكنه التحلّل في أوّله.
و الجواب عن الأوّل:أنّه معارض بقول من سمّيناه من الصحابة.
و عن الثاني:أنّا نقول بموجبه،و كذا لو استدلّوا بقوله عليه السّلام:« يوم الحجّ الأكبر يوم النحر»رواه أبو داود (4)؛لأنّا نقول به.
و عن احتجاج الشيخ:أنّ المراد:فمن فرض في أكثرهنّ،و حينئذ يتمّ المطلوب.
و اعلم أنّ هذا الخلاف لا فائدة طائلة تحته؛لأنّا أجمعنا أنّه لوفاته الموقفان فقد فاته الحجّ،و أنّه يصحّ بعض أفعال الحجّ في اليوم العاشر و ما بعده،فالنزاع حينئذ لفظيّ،فإنّا إن عنينا بأشهر الحجّ ما يفوت الحجّ بالتأخير عنه،فهو كما قال الشيخ من أنّه شهران و عشر ليال،و إن عنينا ما يقع فيه أفعال الحجّ من الزمان،فهو كما قال في النهاية.
و ينعقد للعمرة،و به قال الشافعيّ (5).
ص:153
و قال مالك (1)،و أبو حنيفة (2)،و الثوريّ (3)،و أحمد:يكره أن يحرم قبل أشهر الحجّ،فإن أحرم،انعقد حجّه (4).
لنا:قوله تعالى: اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (5).و تقديره وقت الحجّ أو أشهر الحجّ،فحذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه،و إذا كان هذا الزمان وقته،لم يجز التقديم عليه،كما لا يجوز التأخير عنه،و كأوقات الصلاة.
و يؤيّد ذلك:ما رواه الشيخ عن ابن أذينة،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ فلا حجّ له» (6).
و عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:« اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ :شوّال و ذو القعدة و ذو الحجّة ليس لأحد أن يحرم بالحجّ في سواهنّ» (7).
ص:154
احتجّ المخالف (1):بقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ (2).
و لأنّ الحجّ أحد نسكي (3)القرآن،فانعقد الإحرام به في جميع السنة،كالعمرة، و الجواب:الآية تدلّ على تقسيط المواقيت للناس و الحجّ،أو يحمل على ذلك؛جمعا بين الأدلّة،و أفعال العمرة غير موقّتة،بخلاف الحجّ.
و أمّا انعقاده للعمرة؛فلما رواه أبو جعفر الأحول عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل فرض الحجّ في غير أشهر الحجّ،قال:«يجعلها عمرة».رواه ابن بابويه (4).
فإن أحرم بها في غيرها،انعقد للعمرة المبتولة.و به قال الشافعيّ في أحد قوليه (5)،و أحمد (6).
و قال مالك:إذا أحرم بها في غير أشهر الحجّ و لم يتحلّل من إحرام العمرة حتّى دخلت أشهر الحجّ،صار متمتّعا (7).
و قال أبو حنيفة:إذا أتى بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحجّ،صار متمتّعا إذا دخلت عليه أشهر الحجّ (8).
ص:155
و للشافعيّ قول ثان:أنّه إذا أحرم بالعمرة في رمضان و أتى بالطواف،و السعي و الحلاق في شوّال،و حجّ من سنته فإنّه يكون متمتّعا (1).
لنا:أنّ الإحرام بالعمرة نسك و ركن من أركانها،فيعتبر وقوعه في أشهر الحجّ، كما يعتبر وقوع باقيها.
و لأنّ الحجّ لا يقع إلاّ في أشهره،و العمرة المتمتّع بها داخلة فيه؛لقوله عليه السّلام:«دخلت العمرة في الحجّ هكذا» (2)و شبّك بين أصابعه.
و يؤيّد ذلك:ما رواه (3)عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«لا يكون عمرة إلاّ في أشهر الحجّ» (4).
و لأنّه أتى بنسك لا تتمّ العمرة إلاّ به في غير أشهر الحجّ،فلا يكون متمتّعا،كما لو طاف.
عائشة من التنعيم ليلة المحصّب (1)(2)،و هي الليلة التي يرجعون فيها من منى إلى مكّة.
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن إسحاق بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«السنة اثنا عشر شهرا يعتمر لكلّ شهر عمرة» (3).
و عن الباقر عليه السّلام:«شهر مفرد للعمرة رجب» (4).
و لأنّ الحجّ عبادة لها تحريم و تحليل،فكان من جنسها عبادة غير مؤقّتة، كالصلاة،و سيأتي تمام البحث في ذلك إن شاء اللّه تعالى.
الحجّ،
جاز أن ينقل نيّته إلى الإفراد و إذا عرف أنّه يدرك الوقوف المجزئ وجب عليه ذلك،ثمّ يعتمر عمرة مفردة بعد إتمام الحجّ.
و كذا الحائض و النفساء لو منعهما العذر عن التحلّل و إنشاء الحجّ،نقلتا حجّتهما إلى الإفراد و فعلتا العمرة بعد الحجّ؛لأنّ التمتّع لازم مع الاختيار،فيزول بزواله.
و يدلّ عليه روايات:
منها:رواية جميل بن درّاج،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية،قال:«تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجّة مفردة ثمّ تقيم حتّى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم و تجعلها عمرة» (5).
و منها:رواية إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:سألته عن
ص:157
المرأة تجيء متمتّعة،فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتّى تخرج إلى عرفات،قال:
«تصير حجّة مفردة» (1).
هذا إذا عرفت أنّها متى اشتغلت بأفعال العمرة فاتها الموقفان،أمّا لو لم تعلم ذلك،فإنّها تصبر إلى آخر وقت إدراك الوقوف،و تفعل أفعال العمرة إن كانت طاهرة و تتمّ متعتها.
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ عن أبي بصير،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
المرأة تجيء متمتّعة،فتطمث قبل أن تطوف بالبيت،فيكون طهرها ليلة عرفة،فقال:
«إن كانت تعلم أنّها تطهر و تطوف بالبيت و تحلّ من إحرامها و تلحق بالناس (2)، فلتفعل» (3).و كأنّا (4)قد بيّنّا فيما تقدّم ما يجب في هذا.
ص:158
في المواقيت
معرفة المواقيت واجبة؛لأنّ الإحرام ركن لا يصحّ إلاّ منها (1)المتوقّف على معرفتها،و ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب،فالنظر هاهنا في مقامين:
و ميقات أهل الشام الجحفة و هي المهيعة-بسكون الهاء و فتح الياء-و لأهل اليمن يلملم و قيل:
ألملم (2).و لأهل الطائف قرن المنازل-بفتح القاف و سكون الراء-و قال صاحب الصحاح:قرن بفتح الراء-ميقات أهل نجد.
و احتجّ:بأنّ أويس القرنيّ منسوب إليه (3).
و ميقات أهل العراق العقيق.و هو قول علماء الإسلام كافّة،لكن اختلفوا في وجه ثبوته.
ص:159
أمّا الأربعة الأول فقد اتّفق أهل العلم على أنّها منصوصة عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله،و أنّها مأخوذة بالتوقيف منه عليه السّلام.
روى الجمهور،عن عمرو بن دينار،عن طاوس،عن ابن عبّاس،قال:وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل المدينة ذا الحليفة،و لأهل الشام الجحفة، و لأهل نجد قرنا،و لأهل اليمن يلملم،و هي لأهلهنّ و لمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ لمن كان يريد الحجّ و العمرة،فمن كان دونهنّ فمهلّه من أهله،و كذلك (1)أهل مكّة يهلّون منها.رواه البخاريّ (2).
و عن ابن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«يهلّ أهل المدينة من ذي الحليفة،و أهل الشام من الجحفة،و أهل نجد من قرن»قال ابن عمر:و ذكر لي و لم أسمعه أنّه قال:«و أهل اليمن من يلملم» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من تمام الحجّ و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و لا تجاوزها إلاّ و أنت محرم،فإنّه وقّت لأهل العراق-و لم يكن يومئذ عراق-بطن العقيق من قبل أهل العراق،و وقّت لأهل اليمن يلملم،و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل،و وقّت لأهل المغرب الجحفة و هي مهيعة،و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة،و من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكّة فوقته منزله» (4).
ص:160
و في الحسن عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،لا ينبغي لحاجّ و لا لمعتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها،وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة،و هو مسجد الشجرة، يصلّى فيه و يفرض الحجّ،و وقّت لأهل الشام الجحفة،و وقّت لأهل نجد العقيق، و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل،و وقّت لأهل اليمن يلملم،و لا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (1).و الأخبار في ذلك كثيرة (2).
أحرم من الميقات.
و عن أنس أنّه كان يحرم من العقيق (3)،و استحسنه الشافعيّ (4)،و ابن المنذر، و ابن عبد البرّ (5)،و اختلفوا في ثبوته،فأكثر أهل العلم أنّه ثبت نصّا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و هو مذهب علماء أهل البيت عليهم السلام.و به قال أحمد (6)، و أصحاب أبي حنيفة (7).
و قال قوم:إنّه ثبت قياسا (8).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس،قال:وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
ص:161
لأهل العراق ذات عرق (1).
و عن جابر بن عبد اللّه،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«مهلّ أهل المشرق من ذات عرق» (2).
و عن ابن جريج،قال:أخبرني عطاء أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقّت لأهل المشرق ذات عرق (3).و هو و إن كان مرسلا،إلاّ أنّه يعضده غيره من الأحاديث.
و روى القاسم بن محمّد عن عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله وقّت لأهل العراق ذات عرق (4).
و عن الحارث بن عمرو (5)،قال:أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو بمنى أو بعرفات و قد أطاف به الناس،و يجيء الأعراب،فإذا رأوا وجهه قالوا:وجه مبارك،قال:و وقّت ذات عرق لأهل العراق (6).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم في حديث معاوية بن عمّار،و حديث الحلبيّ
ص:162
الصحيحين (1).
و في الصحيح عن أبي أيّوب الخزّاز،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
حدّثني عن العقيق أوقت وقّته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو شيء صنعه الناس؟ فقال لي:«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة،و وقّت لأهل المغرب الجحفة،و هي عندنا مكتوبة مهيعة و وقّت لأهل اليمن يلملم،و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل،و وقّت لأهل نجد العقيق و ما أنجدت» (2).
و في الصحيح عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام،قال:سألته عن إحرام أهل الكوفة و أهل خراسان و ما يليهم و أهل الشام و مصر من أين هو؟قال:
«أمّا أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم (3)فمن العقيق،و أهل المدينة من ذي الحليفة و الجحفة،و أهل الشام و مصر من الجحفة،و أهل اليمن من يلملم،و أهل السند من البصرة»يعني من ميقات أهل البصرة (4).
و لأنّه إقليم يرد الناس منه،فوجب أن يشرع لهم ميقاتا،كغيرهم.
احتجّ الشافعيّ (5):بما رواه البخاريّ بإسناده عن ابن عمر،قال:لمّا فتح هذا المصران أتوا عمر فقالوا:يا أمير المؤمنين إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حدّ لأهل نجد قرنا و هو جور عن طريقنا و إنّا إذا أردنا قرنا شقّ علينا،قال:«فانظروا حذوها من طريقكم» (6).فحدّ لهم ذات عرق.
ص:163
و لأنّ أهل العراق كانوا مشركين.
و الجواب عن الأوّل:أنّ عمر إنّما فعل ذلك لما سمعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و هو أولى من أن يقال:إنّه فعله برأيه؛لما ثبت من تنصيص الرسول صلّى اللّه عليه و آله على الميقات.
و عن الثاني:أنّه عليه السّلام وقّت ذلك؛لعلمه بأنّهم يسلمون،و أنّها بصفة دار الإسلام،كما قال لعديّ بن حاتم:«يا عديّ يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤمّ البيت لا جوار معها لا تخاف إلاّ اللّه تعالى» (1).
فأمّا (2)مع الضرورة فالجحفة.
روى الجمهور عن جابر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول:«مهلّ أهل المدينة من ذي الحليفة و الطريق الآخر من الجحفة»رواه مسلم (3).و أحرمت عائشة معتمرة منها.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ،عن أبي بصير،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:خصال عابها عليك أهل مكّة،قال:«و ما هي؟»قلت:قالوا:أحرم من الجحفة و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحرم من الشجرة،فقال:«الجحفة أحد الوقتين،فأخذت بأدناهما و كنت عليلا» (4).
و في الصحيح عن الحلبيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام،من أين يحرم
ص:164
الرجل إذا جاوز الشجرة؟فقال:«من الجحفة و لا يجاوز (1)الجحفة إلاّ محرما» (2).
و في الصحيح عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام،قال:
«يحرم أهل المدينة من ذي الحليفة و الجحفة» (3).
و روى ابن بابويه عن معاوية بن عمّار أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة فقال:«لا بأس» (4).
فمن أين أحرم جاز،لكنّ الأفضل الإحرام من المسلخ (6)،و تليه غمرة،و آخره ذات عرق.
روى الجمهور عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقّت لأهل المشرق العقيق (7).
قال ابن عبد البرّ:العقيق أولى و أحوط من ذات عرق،و ذات عرق ميقاتهم بإجماع (8).قال الترمذيّ:حديث ابن عبّاس حسن (9).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من أحاديث أهل البيت عليهم السّلام (10).
ص:165
و روى ابن بابويه عن الصادق عليه السّلام،قال:«وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل العراق العقيق و أوّله المسلخ،و وسطه غمرة،و آخره ذات عرق،و أوّله أفضل» (1).
و روى الشيخ عن أبي بصير،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«حدّ العقيق أوّله المسلخ،و آخره ذات عرق» (2).
و قد روى ابن بابويه عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«يجزئك إذا لم تعرف العقيق أن تسأل الناس و الأعراب عن ذلك» (3).
و قال الصادق عليه السّلام:«أوّل العقيق بريد البعث و هو بريد من دون بريد غمرة» (4).
و روى الشيخ عن ابن فضّال،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«أوّل العقيق بريد البعث و هو دون المسلخ بستّة أميال ممّا يلي العراق و بينه و بين غمرة أربعة و عشرون ميلا بريدان» (5).
إذا عرفت هذا:فأبعد المواقيت ذو الحليفة على عشر مراحل من مكّة على ميل من المدينة،و يليه في البعد:الجحفة،و المواقيت الثلاثة على مسافة واحدة بينها و بين مكّة ليلتان قاصدتان.
من يريد الحجّ أو العمرة سواء في ذلك،فإذا حجّ الشاميّ من المدينة فمرّ بذي الحليفة أحرم منها،و إن حجّ من اليمن،فميقاته يلملم،و إن حجّ من العراق، فميقاته العقيق،و كذا كلّ من مرّ على ميقات غير ميقات بلده،صار ميقاتا له، و لا نعلم فيه خلافا.و الأصل فيه ما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله«هنّ لهنّ و لمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ ممّن أراد الحجّ و العمرة» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد،عن أبي الحسن موسى عليه السّلام،قال:سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام يعني الإحرام من الشجرة فأرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها،فقال:«لا»و هو مغضب«من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلاّ من المدينة» (2).
و لأنّ التكليف بالمضيّ إلى ميقات بلده ضرر،فيكون منفيّا.
ذهب إليه علماؤنا أجمع، و هو قول أهل العلم كافّة إلاّ مجاهد،فإنّه قال:يهلّ من مكّة (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن عليّ عليه السّلام،و ابن مسعود،و عمر في قوله تعالى:
وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (4)قالوا:إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك (5).
ص:167
و عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«فمن كان دونهنّ فمهلّه من أهله، و كذلك حتّى أهل مكّة يهلّون منها» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«و من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكّة فوقته منزله» (2).
و عن مسمع،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكّة فليحرم من منزله» (3).
و في الصحيح عن عبد اللّه بن مسكان،قال:حدّثني أبو سعيد (4)،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمّن كان منزله دون الجحفة إلى مكّة،قال:«يحرم منه» (5).
و عن أبي بصير،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:يروون أنّ عليّا عليه السّلام قال:«إنّ من تمام حجّك إحرامك من دويرة أهلك»فقال:«سبحان اللّه فلو كان كما يقولون لم يتمتّع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بثيابه إلى الشجرة،و إنّما معنى دويرة أهله:من كان أهله وراء الميقات إلى مكّة» (6).
و يجوز أن يحرم بهم من الميقات و أن يجتنبوا
ص:168
ما يجتنبه المحرم من طيب و لباس و غيره؛لما رواه معاوية بن عمّار،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«قدّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مرّ،ثمّ يصنع بهم ما يصنع بالمحرم،و يطاف بهم و يسعى بهم،و من لم يجد منهم هديا صام عنه وليّه» (1).
أمّا جواز التأخير إلى فخّ؛فلأنّ إحرامهم مستحبّ،فلا يجب الإحرام بهم من الميقات؛لما فيه من المشقّة لصعوبة التجرّد و طول المسافة.
و يؤيّده:ما رواه أيّوب بن الحرّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصبيان أين نجرّدهم للإحرام؟فقال:«كان أبي يجرّدهم من فخّ» (2).
و نحوه روى عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام (3).
صلّى اللّه عليه و آله .
أمّا ميقات حجّ التمتّع فمكّة لا غير،و لو أحرم من غيرها اختيارا لم يجزئه و كان عليه العود إلى مكّة لإنشاء الإحرام.ذهب إليه علماؤنا و لا نعرف فيه خلافا إلاّ في رواية عن أحمد أنّه يخرج إلى الميقات فيحرم منه
ص:169
للحجّ (1).
و ليس بصحيح؛لما رواه الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخل على عائشة و هي تبكي،قال لها:«أهلّي بالحجّ» (2)و كانت بمكّة.
و أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أصحابه لمّا فسخوا الحجّ بالإحرام من مكّة.
قال جابر:أمرنا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا أحللنا أن نحرم إذا توجّهنا من الأبطح.رواه مسلم (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا كان يوم التروية إن شاء اللّه فاغتسل،ثمّ البس ثوبيك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار،ثمّ صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام أو في الحجر،ثمّ اقعد حتّى تزول الشمس فصلّ المكتوبة،ثمّ قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة فأحرم بالحجّ،ثمّ امض و عليك السكينة و الوقار،فإذا انتهيت إلى الرقطاء (4)دون الردم (5)فلبّ،فإذا انتهيت إلى الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتّى تأتي منى» (6).
و في الموثّق عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم،و خذ من شاربك و من أظفارك و عانتك إن كان لك شعر و انتف إبطك و اغتسل و البس ثوبيك،ثمّ ائت
ص:170
المسجد الحرام فصلّ فيه ستّ ركعات قبل أن تحرم،و تدعو اللّه و تسأله العون و تقول:اللهمّ إنّي أريد الحجّ فيسّره لي و حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ،و تقول:أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي من النساء و الثياب و الطيب أريد بذلك وجهك و الدار الآخرة،و حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ، ثمّ تلبّي من المسجد الحرام كما لبيّت حين أحرمت و تقول:لبّيك بحجّة تمامها و بلاغها عليك،فإن قدرت أن يكون رواحك إلى منى[حين] (1)زوال الشمس و إلاّ فمتى تيسّر لك من يوم التروية» (2).
و قول أحمد مخالف للإجماع فلا اعتداد به.
و كان عليه العود إلى مكّة لإنشاء الإحرام.
و قال الشافعيّ:إن كان من أهل مكّة و خرج إلى الحلّ و أحرم منه،فإن عاد إلى مكّة محرما،لم يجب عليه دم؛لأنّه قطع تلك المسافة التي لزمه قطعها محرما،و إن كان غريبا ليس من أهل مكّة فعاد إلى الميقات الذي أحرم منه بالعمرة،سقط عنه الدم؛لأنّ هذا المتمتّع لم يتعيّن عليه الإحرام من مكّة،و إنّما كان مخيّرا بين أن يرجع إلى ميقاته فيحرم منه،أو يحرم من مكّة،و إن كان مكّيّا،لم يسقط إلاّ بعوده إلى مكّة،فأمّا إن خرج من مكّة و أحرم من الحرم خارجها فهل يلزمه الدم؟قولان:
أحدهما:لا يجب؛لأنّ الحكم المتعلّق بالحرم يستوي فيه البنيان و غيره، كالذبح.
ص:171
و الثاني:يلزمه؛لأنّ ميقاته مكّة،و الاعتبار بالبنيان دون الحرم،فإنّ أهل القرى دون الميقات إذا خرجوا من بنيانهم و أحرموا خارجها،وجب الدم (1).
و هذا قول الشافعيّ يدلّ على أنّه يجوز الإحرام لحجّ التمتّع (2)من إحدى المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.و ليس بوجه؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر أصحابه بالإحرام من مكّة حين أمرهم بالتحلّل،فيجب اتّباعه.
و لأنّها ميقات لحجّ التمتّع بالاتّفاق،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى أنّه لا يجوز تجاوز الميقات اختيارا،و إذا لم يصحّ من غير الميقات،وجب العود إليها ليجعل (3)العبادة على الوجه المأمور به.
فإن حصل له مانع،أحرم من موضعه و لو كان بعرفات،و كذا لو خاف من الرجوع فوات الحجّ فإنّه يحرم من موضعه.
الإحرام من المسجد.
روى الشيخ عن يونس بن يعقوب،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام من أيّ المسجد أحرم يوم التروية؟فقال:«من أيّ المسجد شئت» (4).
و أفضل المسجد تحت الميزاب أو مقام إبراهيم عليه السّلام على ما تضمّنه الحديثان السابقان.
المفردة بلا خلاف.
هذا إذا قدم مكّة حاجّا أو معتمرا،أمّا المفرد و القارن إذا فرغا من مناسك الحجّ
ص:172
و أرادا الاعتمار،أو غيرهما ممّن يريد الاعتمار،فإنّه يلزمه أن يخرج إلى أدنى الحلّ،فيحرم بها،ثمّ يعود إلى مكّة للطواف و السعي؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا أرادت عائشة أن تعتمر بعد التحلّل من الحجّ أمر عبد الرحمن أن يعتمرها من التنعيم (1).و هو من الحلّ.
و لأنّ المفرد إذا أحرم من جوف مكّة بالعمرة،فإنّه يطوف و يسعى و يتحلّل، و لا يكون جامعا في نسكه بين الحلّ و الحرم،فلهذا لزمه أن يخرج و يحرم من الحلّ،بخلاف المتمتّع،حيث كان له أن يحرم من مكّة؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر أصحابه أن يحرموا من مكّة بالحجّ لمّا فسخ حجّهم (2).
و لأنّ الحاجّ لا بدّ له من الخروج إلى الحلّ للوقوف،فيكون جامعا في إحرامه بين الحلّ و الحرم.
إذا ثبت هذا:فينبغي أن يعتمر من الجعرانة،فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله اعتمر منها.فإن فاته فمن التنعيم؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر عائشة بالإحرام منها، فإن فاته فمن الحديبية.
روى الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا قفل (3)من حنين أحرم بالجعرانة (4).
و روى ابن بابويه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اعتمر ثلاث عمر متفرّقات كلّها في ذي القعدة:عمرة أهلّ منها (5)من عسفان و هي عمرة الحديبيّة،
ص:173
و عمرة القضاء أحرم فيها من الجحفة،و عمرة أهلّ فيها من الجعرانة و هي بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين (1).
و روى ابن بابويه-في الصحيح-عن عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من أراد أن يخرج من مكّة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبيّة أو ما أشبههما» (2).
و بالجملة:فلا خلاف في ذلك.
ذهب إليه علماؤنا أجمع إلاّ ما نستثنيه.
و أطبق الجمهور على جواز ذلك،و اختلفوا في الأفضل.
فقال مالك:الأفضل الإحرام من الميقات و يكره قبله (3).و به قال عمر، و عثمان،و الحسن (4)،و عطاء،و أحمد (5)،و إسحاق (6).
و قال أبو حنيفة:الأفضل الإحرام من بلده (7).و للشافعيّ كالقولين (8).
ص:174
لنا:قوله عليه السّلام:«خذوا عنّي مناسككم» (1).و أجمع المسلمون كافّة على أنّه صلّى اللّه عليه و آله أحرم من الميقات.
و أيضا:فإنّ فعله عليه السّلام كان بيانا للأمر المطلق بالحجّ،فيكون واجبا.
و ما رواه الجمهور أنّ عمران بن حصين أحرم من مصره (2)،فبلغ ذلك عمر، فغضب و قال:يتسامع الناس أنّ رجلا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحرم من مصره (3).
و عن عبد اللّه بن عامر (4)،أنّه أحرم من خراسان،فلمّا قدم على عثمان لامه فيما صنع و كرهه له (5).رواهما سعيد و الأثرم.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:«ليس لأحد أن يحرم قبل الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و إنّما مثل ذلك مثل من صلّى في السفر أربعا و ترك الثنتين» (6).
و عن ابن مسكان،قال:حدّثني ميسر،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
ص:175
رجل أحرم من العقيق،و آخر من الكوفة،أيّهما أفضل؟قال:«يا ميسر تصلّي العصر أربعا أفضل أو تصلّيها ستّا؟»فقلت:أصلّيها (1)أربعا أفضل،قال:«فكذلك سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أفضل من غيرها» (2).
و عن ابن أذينة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«من أحرم دون الميقات فلا إحرام له» (3).
و عن حنّان بن سدير،قال:كنت أنا و أبي و أبو حمزة الثماليّ و عبد الرحيم القصير (4)و زياد الأحلام (5)،فدخلنا على أبي جعفر عليه السّلام فرأى زيادا و قد تسلّخ جلده،فقال له:«من أين أحرمت؟»فقال:من الكوفة،قال:«و لم أحرمت من الكوفة؟»فقال:بلغني عن بعضكم أنّه قال:ما بعد من الإحرام فهو أعظم للأجر،فقال:«ما أبلغك هذا إلاّ كذّاب»ثمّ قال لأبي حمزة:«من أين أحرمت؟» قال من الربذة،فقال له:«و لم لأنّك سمعت أنّ قبر أبي ذرّ بها فأحببت أن لا تجوزه» ثمّ قال لأبي و لعبد الرحيم:«من أين أحرمتما؟»فقالا:من العقيق،فقال:«أصبتما الرخصة و اتّبعتما السنّة،و لا يعرض لي بابان كلاهما حلال إلاّ أخذت باليسير،
ص:176
و ذلك أنّ اللّه يسير يحبّ (1)اليسير،و يعطي على اليسير ما لا يعطي على العنف» (2)و غير ذلك من الأحاديث (3).
و لأنّه لو جاز قبله،لم يكن وقتا،بل نهاية الوقت،و نهاية الشيء لا يعبّر به عن الشيء إلاّ مجازا.
و لأنّ الإحرام عبادة شرعيّة موقّتة بميقات شرعيّ،فلا يتقدّم عليه،كغيره من المناسك الموقّتة،و كأوقات الصلاة.
و لأنّ المأمور به الإتيان بالإحرام من الميقات،فالآتي به من غيره لا يخرج عن العهدة.
احتجّ المخالف (4):بما روت أمّ سلمة زوجة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّها سمعت رسول اللّه يقول:«من أهلّ بعمرة أو بحجّة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام،غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر،أو وجبت له الجنّة» (5).
و لقول (6)عليّ عليه السّلام و عمر:إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك (7).
و الجواب:أنّه معارض بفعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و لو كان الفضل في ذلك
ص:177
لفعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه مع تباعد الأوقات،بل قد نهوا عنه على ما بيّنّاه (1).
روى النسائيّ و أبو داود عن الصبيّ بن معبد (2)،قال أهللت بالحجّ و العمرة،فلمّا أتيت العذيب،لقيني سلمان بن ربيعة (3)،و زيد بن صوحان و أنا أهلّ بهما،فقال أحدهما:ما هذا بأفقه من بعيره (4).
و لأنّه تغرير بالإحرام و تعرّض لفعل محظوراته؛للعجز عن الصبر،فكان كالوصال.
روى أبو أيّوب،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«يستمتع أحدكم بحلّه ما استطاع،فإنّه لا يدري ما يعرض له في إحرامه» (5).و حديث بيت المقدس ضعيف يرويه محمّد بن إسحاق (6)،و فيه قول.
ص:178
و خشي تقضّيه إن أخّر الإحرام حتّى يدرك الميقات،فجوّزوا له الإحرام قبل الميقات ليقع العمرة في رجب؛طلبا لفضلها،فإنّ العمرة في رجب تلي الحجّ في الفضل.
و على ذلك فتوى علمائنا،روى الشيخ-في الصحيح-عن إسحاق بن عمّار، قال:سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يجيء معتمرا ينوي عمرة رجب، فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق،أ يحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب أو يؤخّر الإحرام إلى العقيق و يجعلها لشعبان؟قال:«يحرم قبل الوقت لرجب،فإنّ لرجب فضلا» (2).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
«ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلاّ أن يخاف فوت الشهر في العمرة» (3).
حجّة الشيخين:ما رواه الحلبيّ-في الصحيح-قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل جعل للّه عليه شكرا أن يحرم من الكوفة،قال:«فليحرم من الكوفة و ليف للّه بما قال» (1).
و عن عليّ بن أبي حمزة،قال:كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام،أسأله عن رجل جعل للّه عليه أن يحرم من الكوفة،قال:«يحرم (2)من الكوفة» (3).
و عن أبي بصير،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«لو أنّ عبدا أنعم اللّه عليه نعمة[أو ابتلاه ببليّة] (4)فعافاه من تلك البليّة فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان،كان عليه أن يتمّ» (5).
احتجّ ابن إدريس:بأنّ الأدلّة و أصول المذهب تقتضي أنّ الإحرام لا ينعقد إلاّ من الميقات،سواء كان منذورا أو لم يكن،و لا يصحّ النذر بذلك؛لأنّه خلاف الشرع.
و لو انعقد بالنذر،كان ضرب المواقيت لغوا،ثمّ نقل هذا المنع عن السيّد المرتضى،و ابن أبي عقيل،و الشيخ في الخلاف (6).
و الجواب:المنع من كون الأدلّة يقتضي عدم الانعقاد قبل الميقات مع النذر.
و قوله:لو انعقد بالنذر كان ضرب المواقيت لغوا،ملازمته (7)غير مسلّمة؛إذ
ص:180
الفائدة غير منحصرة في ذلك،بل هاهنا فوائد أخرى:منها:منع تجاوزها من غير إحرام،و منها:وجوب الإحرام منها لا قبلها لغير الناذر.
و بالجملة:فالكلام ضعيف من الجانبين،فنحن في هذا من المتوقّفين.و الأقرب ما ذهب إليه الشيخان؛عملا برواية الحلبيّ،فإنّها صحيحة.
لم ينعقد إحرامه و لا يعتدّ به،و لو فعل ما ينافي الإحرام حينئذ،لم يكن عليه شيء و يجب عليه تجديد الإحرام عند بلوغ الميقات؛لأنّه فعل منهيّ عنه،و النهي في العبادات يدلّ على فساد المنهيّ عنه-كما بيّنّاه في كتبنا الأصوليّة (1)-.و إذا وقع فاسدا،لم يعتدّ به و لا يتعلّق به أحكام الإحرام،من تحريم لبس المخيط،و مباشرة النساء،و غير ذلك.
و لأنّ الباقر عليه السّلام مثّل ذلك بمن صلّى في السفر أربعا (2)،و الصادق عليه السّلام مثّله بمن صلّى العصر ستّا (3)،و المعنى واحد،و هو الزيادة في الفريضة، كزيادة المحرم قبل الميقات على المقدار المعتبر شرعا،و هو يقتضي المماثلة في كلّ شيء،و كما لا يعتدّ بتلك الصلاة و يجب إعادتها،كذلك هاهنا قضيّة للتسوية.
و يدلّ على ذلك أيضا:ما رواه الشيخ عن حريز بن عبد اللّه،عن رجل،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«من أحرم من دون الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فأصاب شيئا من النساء و الصيد،فلا شيء عليه» (4).
ص:181
و اتّفق الجمهور على صحّة هذا الإحرام،و قد بيّنّا حججهم و بطلانها فيما تقدّم (1).
له تأخير الإحرام عن الميقات.
و هو قول العلماء كافّة؛لأنّ فائدة توقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لهذه المواقيت،الالتزام (2)بالمناسك منها لا يتقدّم عنها و لا يتأخّر.
و يدلّ على ذلك أيضا:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من تمام الحجّ و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لا تجاوزها إلاّ و أنت محرم» (3).
و في الحسن عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا ينبغي لحاجّ و لا لمعتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها»ثمّ عدّها عليه السّلام و قال:«لا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (4).
و في الصحيح عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«و لا يجاوز الجحفة إلاّ محرما» (5).
إلى الميقات و الإحرام منه مع المكنة،
و لا نعرف في ذلك خلافا؛لأنّ أبا الشعثاء
ص:182
جابر بن زيد رأى ابن عبّاس يردّ من جاوز الميقات غير محرم (1).
و لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جعل المواقيت مواطن الإحرام،و منع من الجواز بها إلاّ لمحرم (2)إذا كان مريدا للنسك.و بالرجوع إلى الميقات و الإحرام منه يتحقّق الإتيان بالمأمور به،فيكون واجبا.
هذا إذا تمكّن من الرجوع،و لو لم يمكنه الرجوع و كان قد ترك الإحرام عامدا مع إرادة النسك،بطل حجّه.و به قال سعيد بن جبير (3).
و قال الجمهور:يجبره بدم و يحرم من موضعه (4).
لنا:أنّه ترك الإحرام من موضعه عامدا متمكّنا،فبطل حجّه،كما لو ترك الوقوف بعرفة.
احتجّوا (5):بقول ابن عبّاس،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من ترك نسكا فعليه دم» (6).
و الجواب:العموم إنّما يثبت لو قلنا بصحّة الحجّ،و نحن نمنعه.
و لو عاد إلى الميقات فكذلك ما لم يجدّد الإحرام؛لأنّ إحرامه الأوّل لم ينعقد،
ص:183
فيجري مجرى المخلّ بالإحرام.
أو خوف،أو ضيق الوقت.
فإن رجع إلى الميقات و أحرم منه،فلا دم عليه،سواء رجع بعد التلبّس بشيء من أفعال الحجّ، كطواف القدوم مثلا،أو الوقوف،أو لم يتلبّس.و به قال عطاء،و الحسن، و النخعيّ (1).
و قال الشافعيّ:إن رجع قبل التلبّس،فلا شيء عليه،و إن رجع بعد التلبّس، وجب عليه دم (2).
و قال أبو حنيفة:إن رجع إلى الميقات فلبّى،سقط عنه الدم،و إن لم يلبّ، لم يسقط (3).
و قال مالك:يجب الدم مطلقا (4).و به قال أحمد (5)،و زفر،و ابن المبارك (6).
لنا:أنّ إحرامه من موضعه لا اعتداد به،فكذا ما فعله،و مع الرجوع إلى الميقات يصحّ إحرامه.
ص:184
و أمّا وجوب الدم فهو غير ثابت (1)؛عملا بالأصل،و عدم الدليل الدالّ عليه، و لأنّه رجع إلى الميقات و أحرم منه،فلا شيء عليه،كما لو لم يفعل شيئا من مناسك الحجّ.
احتجّ أحمد (2):بقول ابن عبّاس:من ترك نسكا فعليه دم (3).
و جوابه:أنّ قول ابن عبّاس بمجرّده ليس حجّة.
احتجّ الشافعيّ:بأنّه أحرم من دون الميقات،فوجب الدم،لكن برجوعه يسقط؛ لأنّه حصل في الميقات محرما قبل التلبّس بشيء من أفعال العبادة،فلا يجب عليه الدم،كما لو أحرم منه،أمّا إذا عاد بعد فعل شيء من أفعال الحجّ،فالفرق بينهما أنّه عاد و حصل في الميقات في غير وقت إحرامه به،و ليس كذلك في الصورة الأولى؛ لأنّه حصل في الميقات في وقت الإحرام؛لأنّ الإحرام يتقدّم (4)أفعال الحجّ كلّها (5).
و جوابه:ما بيّنّاه أنّ فعله لا اعتداد به.
لأنّه برجوعه يفعل المأمور به،فيكون واجبا،فإن لم يرجع،بطل إحرامه و حجّه.
و قال الشافعيّ:إن لم يتمكّن من الرجوع،جاز أن يحرم من مكانه،و يجب الدم، و إن لم يكن له عذر،وجب الرجوع،فإن لم يرجع أثم و وجب الدم و صحّ إحرامه (6).و قد بيّنّا بطلانه (7).
ص:185
وجب عليه الرجوع إلى الميقات و إنشاء الإحرام منه مع المكنة،فإن لم يتمكّن أحرم من موضعه،و لو أحرم من موضعه مع إمكان الرجوع،لم يجزئه.و قد اتّفقوا على وجوب الرجوع إلى الميقات للناسي و الجاهل.
أمّا من لا يريد الناسك إذا تجاوز الميقات ثمّ تجدّد له عزم على النسك فقد وافقنا أحمد في إحدى الروايتين على وجوب الرجوع (1).
و قال مالك (2)،و الثوريّ (3)،و الشافعيّ (4)،و أبو يوسف،و محمّد:يحرم من موضعه (5).
لنا:أنّه متمكّن من الإتيان بالنسك على الوجه المأمور به،فيكون واجبا.
و يدلّ عليه أيضا:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن رجل نسي أن يحرم حتّى دخل الحرم،قال:«عليه أن يخرج إلى ميقات أهل أرضه،فإن خشي أن يفوته الحجّ،أحرم من مكانه،و إن استطاع أن يخرج من الحرم،فليخرج ثمّ ليحرم» (6).
و عن أبي الصبّاح الكنانيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل جهل أن يحرم حتّى دخل الحرم كيف يصنع؟قال:«يخرج من الحرم يهلّ بالحج» (7).
و في الصحيح،عن الحلبيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ترك الإحرام حتّى دخل الحرم،فقال:«يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه، فيحرم،و إن خشي أن يفوته الحجّ،فليحرم من مكانه،فإن استطاع أن يحرم من
ص:186
الحرم فليحرم (1).
و لعموم قوله عليه السّلام:«هنّ لأهلهنّ و لمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ ممّن كان يريد حجّا أو عمرة» (2).و هذا مريد لأحدهما.
احتجّوا:بأنّه حصل دون الميقات على وجه مباح،فكان له الإحرام منه كأهل ذلك المكان (3).
و الجواب:الفرق ظاهر؛لقوله عليه السّلام:«و من كان منزله دون الميقات فمهلّه من أهله» (4).
مع المكنة،
و الإحرام من موضعه إن لم يتمكّن من الخروج إلى خارج الحرم.
الحرم،وجب عليه ذلك؛
لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن رجل مرّ على الوقت الذي يحرم منه الناس،فنسي أو جهل فلم يحرم حتّى أتى مكّة،فخاف أن يرجع إلى الوقت،فيفوته الحجّ،قال:«يخرج من الحرم فيحرم منه و يجزئه ذلك» (5).
ص:187
و كذا في حديث الحلبيّ-الصحيح-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (1).
و لأنّه بخروجه إلى خارج الحرم يكون جامعا بين الحلّ و الحرم،بخلاف ما لو أحرم من موضعه مع المكنة من الخروج.و لأنّه قد كان عليه قطع تلك المسافة بإحرام،فيتداركه على قدر الإمكان.
لأنّه فاته جاهلا أو ناسيا،أو غير مريد للنسك،و كلّ ذلك يسوّغ الفوات و لا يجب عليه دم، خلافا للشافعيّ (2).و قد سلف البحث فيه فيما تقدّم (3).
الميقات و الإحرام منه إن تمكّن،
فإن (4)لم يتمكّن أحرم من موضعه و لا دم عليه.
و به قال عطاء (5)،و مالك (6)،و الثوريّ،و الأوزاعيّ،و إسحاق (7)،و أصحاب الرأي (8).
و قال الشافعيّ:يجب الدم (9).و عن أحمد روايتان (10).
لنا:أنّه أحرم من الموضع الذي وجب عليه الإحرام منه،فأشبه المكّيّ و من كان منزله دون الميقات.
ص:188
و تمكّنا من الحجّ،
وجب عليهما الرجوع إلى الميقات و الإحرام منه،فإن لم يتمكّنا، أحرما من موضعهما و لا دم عليهما،خلافا للشافعيّ (1).
لنا:أنّه لم يحصل منهما إخلال يترتّب به عليهما عقوبة،فلا يجب عليهما الجبران،و كذا البحث فيمن وجد الاستطاعة بعد تجاوز الميقات غير محرم.
له أن يؤخّره عن الميقات،
فإذا زال المنع أحرم من الموضع الذي انتهى إليه (2).
قال ابن إدريس:مقصوده تأخير كيفيّة الإحرام الظاهرة من نزع الثياب و كشف الرأس و الارتداء و التوشّح و الاتّزار،فأمّا النيّة و التلبية مع القدرة عليهما،فلا يجوز له ذلك؛إذ لا مانع منه (3).
و دلّ على جواز تأخير الإحرام:ما رواه الشيخ عن أبي شعيب المحامليّ (4)، عن بعض أصحابنا،عن أحدهم عليهم السّلام قال:«إذا خاف الرجل على نفسه أخّر إحرامه إلى الحرم» (5).
و كلام ابن إدريس جيّد،و نحمل قول الشيخ و الرواية عليه؛إذ لا منافاة بينهما.
لو زال عقله بإغماء و شبهه،سقط عنه الحجّ،
فلو أحرم عنه رجل،جاز؛لما رواه الشيخ عن جميل بن درّاج،عن بعض أصحابنا،عن أحدهما عليهما السّلام،
ص:189
في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتّى أتى الموقف،قال:«يحرم عنه رجل» (1).
و الذي نقوله هاهنا:إنّ إحرام الوليّ عنه جائز لما تقدّم،لكن لا يسقط به حجّة الإسلام لو لم يعد عقله؛لزوال التكليف عنه (2)بزوال عقله،و لو عاد عقله قبل الوقوف صحّ ذلك الإحرام و أجزأه الحجّ،و لو كان بعد الموقفين لم يجزئه على ما تقدّم.
الإحرام منها ،
و لو كان الميقات قرية فخرجت و نقلت عمارتها إلى موضع آخر، كان الميقات موضع الأوّلة (4)و إن انتقل الاسم إلى الثانية؛لأنّ الحكم تعلّق بذلك الموضع،فلا يزول عنه بخرابه.
و قد روى الشافعيّ عن ابن عيينة،عن عبد الكريم الجزريّ (5)،قال:رأى سعيد بن جبير رجلا يريد أن يحرم من ذات عرق،فأخذ بيده حتّى خرج به من البيوت (6)و قطع به الوادي و أتى به المقابر و قال (7):هذه ذات عرق الأولى (8).
الميقات.
روى الجمهور عن عمر لمّا قالوا له:وقّت لأهل المشرق،قال:ما حيال طريقهم؟قالوا:قرن المنازل،قال:قيسوا عليه،فقال قوم:بطن العقيق،و قال قوم:
ص:190
ذات عرق،فوقّت عمر ذات عرق (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من أقام بالمدينة-و هو يريد الحجّ-شهرا أو نحوه،ثمّ بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة،فإذا كان حذاء الشجرة مسيرة ستّة أميال فليحرم منها» (2).
بحيث يتيقّن أنّه لم يجاوز الميقات إلاّ محرما.
لأنّ الأصل عدم وجوبه،فلا يجب بالشكّ.
محرم،
فهل يلزمه الرجوع؟فيه تردّد،و الأقرب عدم الوجوب؛لأنّه مكلّف باتّباع ظنّه فقد فعل بإحرامه ذلك ما أمر به،فكان مجزئا،و لا دم عليه على ما تقدّم.
و الأولى أن يكون إحرامه بحذو الأبعد من المواقيت من مكّة،فإن كان بين ميقاتين متساويين في القرب إليه،أحرم من حذو أيّهما شاء.
قال بعض الجمهور:
يحرم من مرحلتين،فإنّه أقلّ المواقيت و هو ذات عرق (4).
أهله،
و ليحرم منه،فإن لم يتمكّن،فليخرج إلى الحلّ،فإن لم يمكنه،أحرم من
ص:191
موضعه ما لم يستوطن سنتين؛لأنّه لم يخرج بذلك عن كونه من غير أهل مكّة و حاضريها،فحينئذ يندرج في حكم أهله.
و يدلّ على ذلك أيضا:ما رواه الشيخ عن سماعة،عن أبي الحسن عليه السّلام، قال:سألته عن المجاور أله أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ؟قال:«نعم،يخرج إلى مهلّ أرضه فيلبّي إن شاء» (1).و قد مضى البحث فيه (2).
و كذا أهل مكّة لو خرجوا ثمّ جاوزوا الميقات،وجب عليهم الإحرام منه؛لقوله عليه السّلام:«هي مواقيت لأهلهنّ و لمن أتى عليهنّ» (3).و هو عامّ،فيعمل بموجبه.
ص:192
و فيه فصول:
ص:193
ص:194
الإحرام ركن من أركان الحجّ و هو أوّل أفعال الحجّ،
يبطل الحجّ بالإخلال به عمدا لا سهوا على ما سيأتي.و له مقدّمات مستحبّة كلّها،و نحن نذكرها بعون اللّه تعالى في مسائل:
و لا يمسّ منهما شيئا،و يتأكّد عند هلال ذي الحجّة،فإن مسّ منهما شيئا،لم يكن به بأس،لكنّه يكون قد ترك الأفضل،هذا اختيار شيخنا-رحمه اللّه-في الجمل (2).
و قال في النهاية و الاستبصار:هو واجب،فإن مسّ منهما شيئا،وجب عليه دم يهريقه (3).و مثله قال المفيد رحمه اللّه (4).
و الذي يدلّ على التوفير:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:« اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ :شوّال،و ذو القعدة، و ذو الحجّة،فمن أراد الحجّ وفّر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة،و من أراد العمرة
ص:195
وفّر شعره شهرا» (1).
و عن سعيد الأعرج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا يأخذ الرجل-إذا رأى هلال ذي القعدة و أراد الخروج-من رأسه و لا لحيته» (2).
و عن أبي الصبّاح الكنانيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يريد الحجّ أ يأخذ من شعره في أشهر الحجّ؟قال:«لا،و لا من لحيته،و لكن يأخذ من شاربه و من أظفاره و ليطل إن شاء» (3).
و يدلّ على عدم الوجوب:ما رواه الشيخ عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن الحجامة و حلق القفا في أشهر الحجّ،فقال:«لا بأس به، و السواك و النورة» (4).
و عن محمّد بن خالد الخزّاز (5)،قال:سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول:«أمّا أنا فآخذ من شعري حين أريد الخروج»يعني إلى مكّة للإحرام (6).
و لأنّ الأصل عدم الوجوب،و لأنّه محلّ،فلا يجب عليه التوفير كغيره من
ص:196
تروك الإحرام.
احتجّ الشيخ-رحمه اللّه-بالنهي على التحريم و على وجوب الدم:بما رواه عن جميل بن درّاج،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتّع حلق رأسه بمكّة، قال:«إن كان جاهلا فليس عليه شيء،و إن تعمّد ذلك في أوّل الشهور للحجّ بثلاثين يوما فليس عليه شيء،و إن تعمّد ذلك بعد الثلاثين التي (1)يوفّر فيها الشعر للحجّ،فإنّ عليه دما يهريقه» (2).
و الجواب عن الأوّل:بحمل النهي على الكراهية؛جمعا بين الأدلّة.
و عن الثاني:باحتمال أن يكون ذلك بعد التلبّس بالإحرام.
و يؤيّده:أنّ السؤال وقع عن متمتّع حلق بمكّة،و هو إنّما يكون بها إذا أحرم.
أوّفر شعري إذا أردت العمرة؟فقال:«ثلاثين يوما» (1).
بإزالة الشعث،و قطع الرائحة، و نتف الإبط،و قصّ الشارب،و قلم الأظفار،و حلق العانة؛لأنّ الإحرام أمر يسنّ له الاغتسال،فسنّ له هذا كالجمعة.
و لأنّ الإحرام يمنع قطع الشعر و قلم الأظفار،فاستحبّ له فعله قبله،لئلاّ يحتاج إليه في إحرامه،فلا يتمكّن منه.
و يدلّ على ذلك:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا انتهيت إلى بعض المواقيت التي وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فانتف إبطك (2)،و احلق عانتك،و قلّم أظفارك،و قصّ شاربك، و لا يضرّك بأيّ ذلك بدأت» (3).
و في الصحيح عن حريز،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التهيّؤ للإحرام فقال:«تقليم الأظفار،و أخذ الشارب،و حلق العانة» (4).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:سئل عن نتف الإبط،و حلق العانة،و الأخذ من الشارب ثمّ يحرم،قال:«نعم،لا بأس به» (5).
ص:198
لو أطلى قبل الإحرام اجتزأ به ما لم يمض خمسة عشر يوما،فإن مضت،
استحبّ له الإطلاء.
روى الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن وهب،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام و نحن بالمدينة عن التهيّؤ للإحرام،فقال:«أطل بالمدينة و تجهّز بكلّ ما تريد،و اغتسل،و ان شئت استمتعت (1)بقميصك حتّى تأتي مسجد الشجرة» (2).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا بأس بأن يطلي قبل الإحرام بخمسة عشر يوما» (3).
و إذا أتى عليه خمسة عشر يوما فالأفضل استئناف التنظيف؛لما رواه الشيخ عن عليّ بن أبي حمزة،قال:سأل أبو بصير أبا عبد اللّه عليه السّلام-و أنا حاضر- فقال:إذا أطليت للإحرام الأوّل كيف أصنع للطلية الأخيرة و كم بينهما؟قال:«إذا كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوما فأطل» (4).
و يستحبّ الإطلاء و إن مضت دون هذه المدّة؛لأنّه زيادة في التنظيف.
و الإطلاء أفضل من الحلق،و الحلق أفضل من نتف الإبط.
روى الشيخ عن عبد اللّه بن أبي يعفور،قال:كنّا بالمدينة،فلاحاني زرارة في نتف الإبط و حلقه،فقلت:حلقه أفضل،و قال زرارة:نتفه أفضل،فاستأذنّا على
ص:199
أبي عبد اللّه عليه السّلام،فأذن لنا و هو في الحمّام يطلي قد أطلى (1)إبطيه،فقلت لزرارة:يكفيك؟قال:لا،لعلّه فعل هذا لما لا يجوز لي أن أفعله،فقال:«فيم أنتما؟» فقلت:إنّ زرارة لاحاني في نتف الإبط و حلقه،قلت:حلقه أفضل،فقال:«أصبت السنّة و أخطأها زرارة،حلقه أفضل من نتفه،و طليه أفضل من حلقه»ثمّ قال لنا:
«أطليا»فقلنا:فعلنا منذ ثلاث،فقال:«أعيدا،فإنّ الإطلاء طهور» (2).
و لا نعرف فيه خلافا.
روى الجمهور عن خارجة بن زيد بن ثابت أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله تجرّد لإهلاله و اغتسل (3).و أمر أسماء بنت عميس-و هي نفساء-أن تغتسل عند الإحرام (4).و أمر عائشة أن تغتسل عند الإهلال بالحجّ و هي حائض (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه معاوية بن عمّار-في الصحيح-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق،أو إلى وقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام إن شاء اللّه،فانتف إبطيك (6)،و قلّم أظفارك،و أطل عانتك،و خذ من شاربك،و لا يضرّك بأيّ ذلك بدأت،ثمّ استك و اغتسل،و البس ثوبيك،و ليكن فراغك من ذلك إن شاء اللّه عند زوال الشمس،و إن (7)لم يكن ذلك
ص:200
عند زوال الشمس فلا يضرّك إلاّ أنّ ذلك أحبّ إليّ أن يكون عند زوال الشمس» (1).
و الأخبار في ذلك كثيرة أوردناها في باب الأغسال المسنونة (2).
قال ابن المنذر:أجمع أهل العلم على أنّ الإحرام جائز بغير اغتسال،و أنّه غير واجب؛لأنّه غسل لأمر مستقبل،فلا يكون واجبا،كغسل الجمعة و العيدين (3).
و هو مستحبّ للرجل و المرأة و الصبيّ و الحائض و النفساء.
روى الجمهور عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام،عن أبيه،عن جابر، قال:ولدت أسماء بنت عميس محمّد بن أبي بكر بذي الحليفة،فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالإهلال (4).
و عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«النفساء و الحائض إذا أتيا على المواقيت،يغتسلان و يحرمان و يقضيان المناسك كلّها غير الطواف بالبيت» (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر بالبيداء لأربع بقين من ذي القعدة في حجّة الوداع،فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فاغتسلت و احتشت و أحرمت و لبّت مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه،فلمّا
ص:201
قدموا مكّة لم تطهر حتّى نفروا من منى و قد شهدت المواقف كلّها،عرفات و جمعا، و رمت الجمار،و لكن لم تطف بالبيت و لم تسع بين الصفا و المروة،فلمّا نفروا من منى أمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فاغتسلت و طافت بالبيت و بالصفا و المروة،و كان جلوسها في أربع بقين من ذي القعدة و عشر من ذي الحجّة و ثلاثة أيّام التشريق» (1).
و يكون على هيئته إلى أن يبلغ الميقات،ثمّ يحرم،ما لم ينم،أو يمضي عليه يوم و ليلة؛لما رواه الشيخ عن أبي بصير،قال:سألته عن الرجل يغتسل بالمدينة لإحرامه،أ يجزئه ذلك من غسل ذي الحليفة؟قال:«نعم» (2).
و رواه-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (3).
أمّا مع عدمه فالأولى الاغتسال في الميقات؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كذا فعل (4).
و روى الشيخ-في الصحيح-عن هشام بن سالم،قال:أرسلنا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام-و نحن جماعة بالمدينة-أنّا نريد أن نودّعك،فأرسل إلينا أن«اغتسلوا بالمدينة،فإنّي أخاف أن يعزّ عليكم الماء بذي الحليفة،فاغتسلوا بالمدينة و البسوا
ص:202
ثيابكم التي تحرمون فيها،ثمّ تعالوا فرادى أو مثاني» (1).
إذا ثبت هذا:فلو اغتسل قبل الإحرام ثمّ وجد الماء في الميقات،استحبّ له إعادة الغسل؛لأنّ المقتضي للتقديم و هو عوز الماء فائت.
ما لم ينم.
روى الشيخ عن عثمان بن يزيد (2)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى[الليل في كلّ موضع يجب فيه الغسل،و من اغتسل ليلا] (3)كفاه غسله إلى طلوع الفجر» (4).
و عن أبي بصير و سماعة بن مهران كلاهما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«من اغتسل عند طلوع الفجر و قد استحمّ قبل ذلك ثمّ أحرم من يومه،أجزأه غسله،و إن اغتسل في أوّل الليل ثمّ أحرم في آخر الليل،أجزأه غسله» (5).
لما رواه الشيخ- في الصحيح-عن النضر بن سويد (6)،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:سألته عن
ص:203
الرجل يغتسل للإحرام ثمّ ينام قبل أن يحرم،قال:«عليه إعادة الغسل» (1).و كذا في رواية عليّ بن أبي حمزة عنه عليه السّلام (2).
و لأنّ النوم أحد نواقض الطهارة،فاستحبّ إعادته،و إنّما قلنا إنّه على سبيل الاستحباب؛لأنّ الأصل عدم الوجوب.و لأنّ الغسل الأصليّ مستحبّ،فإعادته أولى بعدم الوجوب.
و يدلّ عليه أيضا:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن العيص بن قاسم،قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة و يلبس ثوبين ثمّ ينام قبل أن يحرم،قال:«ليس عليه غسل» (3).
لأنّه مناف للإحرام، فكان منافيا لأفعاله.
و يدلّ عليه أيضا:ما رواه الشيخ عن عليّ بن أبي حمزة،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اغتسل للإحرام ثمّ لبس قميصا قبل أن يحرم،فقال:«قد انتقض غسله» (4).
و عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«إذا اغتسل الرجل و هو يريد أن يحرم فلبس قميصا قبل أن يلبّي،فعليه الغسل» (5).
ص:204
قال الشيخ-رحمه اللّه-:و كذا لو أكل ما لا يحلّ للمحرم أكله بعد الغسل،فإنّه يعيد الغسل استحبابا (1)،رواه-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا لبست ثوبا لا ينبغي لبسه،أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله، فأعد الغسل» (2).
و في رواية عمر بن يزيد عنه عليه السّلام،قال:«إذا اغتسلت للإحرام فلا تقنّع، و لا تطيّب،و لا تأكل طعاما فيه طيب فتعيد الغسل» (3).
لأنّه محلّ،و لا يعيد الغسل؛لما رواه الشيخ عن جميل بن درّاج،عن بعض أصحابه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل اغتسل للإحرام ثمّ قلّم أظفاره،قال:«يمسحها بالماء و لا يعيد الغسل» (4).
لأنّه محلّ.
و لما رواه ابن بابويه-في الصحيح-عن هشام بن سالم،قال:قال ابن أبي يعفور للصادق عليه السّلام:ما تقول في دهنة بعد الغسل للإحرام؟فقال:«قبل و بعد و مع ليس به بأس» (5).
هذا إذا لم يكن الدهن طيبا (6)،أمّا إذا كان فيه طيب يبقى إلى بعد الإحرام، فلا يجوز ذلك؛لما رواه ابن بابويه-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن الصادق
ص:205
عليه السّلام،قال:«الرجل يدّهن بأيّ دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك و لا عنبر و لا زعفران و لا ورس،قبل أن يغتسل» (1).
و عن عليّ بن أبي حمزة،قال:سألته عن الرجل يدّهن بدهن فيه طيب و هو يريد أن يحرم،فقال:«لا يدّهن حين يريد أن يحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر يبقى ريحه في رأسه (2)بعد ما يحرم،و ادّهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم قبل الغسل أو بعده،فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتّى تحلّ» (3).
و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه تعالى.
لأنّه مقدّمة مندوبة، فاستحبّ إعادة الفعل مع الإخلال بها،كالأذان.
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحسين بن سعيد،عن أخيه الحسن (4)،قال:كتبت إلى العبد الصالح أبي الحسن عليه السّلام:رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما،ما عليه في ذلك؟و كيف ينبغي له أن يصنع؟
ص:206
فكتب:«يعيده» (1).
و هو اختيار الشافعيّ (3).
و قال أحمد:لا يستحبّ التيمّم (4).
لنا:أنّه غسل مشروع،فناب عنه التيمّم كالواجب.
احتجّ أحمد:بأنّه غسل مسنون،فلا يستحبّ له التيمّم،كالجمعة.و لأنّ الفرق بين الواجب و المسنون أنّ الواجب يراد لإباحة الصلاة،و التيمّم يقوم مقامه في ذلك،و المسنون يراد للتنظيف و قطع الرائحة،و هو غير حاصل بالتيمّم،بل يحصّل فيه شعثا و تغبيرا (5).
يبدأ بصلاة الإحرام و هي ستّ ركعات،فإن لم يتمكّن فركعتان مستحبّ ذلك كلّه،ثمّ يصلّي الظهر،ثمّ يحرم عقيب الظهر،و إن أحرم في غير وقت الزوال،جاز،لكن يستحبّ أن يكون عقيب فريضة،و هو أدون من الأوّل في الفضل،فإن لم يكن وقت فريضة،صلّى ستّ ركعات للإحرام مستحبّة،ثمّ يحرم عقيبها،فإن لم يتمكّن،صلّى ركعتين.
روى الشيخ-في الصحيح-عن عبيد اللّه الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،
ص:207
قال:«لا يضرّك بليل أحرمت أو نهار،إلاّ أنّ أفضل ذلك عند زوال الشمس» (1).
و في الصحيح عن الحلبيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام،ليلا أحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو نهارا؟فقال:«بل نهارا»فقلت:فأيّة ساعة؟قال:
«صلاة الظهر» (2).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«تصلّي للإحرام ستّ ركعات تحرم في دبرها» (3).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:
«لا يكون إحرام،إلاّ في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة،فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها[بعد التسليم،و إن كانت نافلة صلّيت ركعتين و أحرمت في دبرها] (4)،فإذا انفتلت من الصلاة فاحمد اللّه عزّ و جلّ و اثن عليه،و صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و تقول:اللهمّ إنّي أسألك أن تجعلني ممّن استجاب لك و آمن بوعدك و اتّبع أمرك،فإنّي عبدك و في قبضتك،لا أوقى إلاّ ما وقيت،و لا آخذ إلاّ ما أعطيت، و قد ذكرت الحجّ فأسألك أن تعزم لي عليه على كتابك و سنّة نبيّك،و تقوّيني على ما ضعفت عنه،و تسلّم (5)منّي مناسكي في يسر منك و عافية،و اجعلني من وفدك الذين رضيت و ارتضيت و سمّيت و كتبت،اللهمّ إنّي خرجت من شقّة بعيدة،
ص:208
و أنفقت مالي ابتغاء مرضاتك،اللهمّ فتمّم لي حجّي،اللهمّ إنّي أريد التمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك و سنّة نبيّك صلواتك عليه و آله،فإن عرض لي عارض يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ،اللهمّ إن لم تكن حجّة فعمرة،أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي و مخّي و عصبي من النساء و الثياب و الطيب أبتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة،يجزئك أن تقول هذا مرّة واحدة حين (1)تحرم،ثمّ قم فامش هنيئة،فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ» (2).
و روى الشيخ عن إدريس بن عبد اللّه (3)،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر كيف يصنع؟قال:«يقيم إلى المغرب»قلت:
فإن أبى جمّاله أن يقيم عليه؟قال:«ليس له أن يخالف السنّة» (4)قال:ذلك كراهة الشهرة.
ص:209
ينبغي له إذا صلّى ركعتي الإحرام أن يقرأ في الأولى:الحمد و قل يا أيّها
الكافرون،
و في الثانية:الحمد و قل هو اللّه أحد،و لو عكس،جاز،و كذا لو قرأ غيرهما.و قد بيّنّا هذا في كتاب الصلاة (1).
و يصلّي صلاة الإحرام في كلّ وقت ما لم يتضيّق وقت فريضة حاضرة،فحينئذ يبدأ بالفريضة ثمّ بصلاة الإحرام،و لو كان الوقت متّسعا،بدأ بنافلة الإحرام ثمّ بصلاة الفريضة.
إلاّ أن يكون ممّا تبقى رائحته إلى بعد الإحرام،فإنّه يكون محرّما.و به قال عليّ عليه السّلام،و عمر بن الخطّاب (2)،و مالك (3)،و محمّد بن الحسن (4).
و قال الشافعيّ:يستحبّ له أن يتطيّب قبل الإحرام للإحرام،سواء كان طيبا يبقى عينه،كالغالية و المسك،أو تبقى رائحته،كالبخور و العود و النّد (5)(6).
ص:210
و به قال عبد اللّه بن الزبير،و ابن عبّاس،و سعد بن أبي وقّاص،و أمّ حبيبة، و عائشة،و معاوية (1)،و أبو حنيفة،و أبو يوسف (2).
و روي ذلك عن ابن الحنفيّة،و أبي سعيد الخدريّ،و عروة،و الشعبيّ (3).و به قال أحمد (4).
لنا:ما رواه الجمهور عن يعلى بن أميّة (5)،قال:كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالجعرانة،فأتاه رجل عليه مقطّعة-يعني جبّة-و هو مضمّخ بالخلوق في بعضها،و عليه درع من زعفران،فقال:يا رسول اللّه إنّي أحرمت بالعمرة و هذه عليّ،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«ما كنت تصنع في حجّك»؟قال:كنت أنزع هذه المقطّعة و أغسل هذا الخلوق،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«ما كنت صانعا في حجّك فاصنعه في عمرتك» (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عليّ بن جعفر،قال:
ص:211
سألت أخي موسى عليه السّلام يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر (1)،فقال:«إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به» (2).
و عن إسماعيل بن الفضل،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب،فقال:«إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه» (3).
و الأخبار في المنع من ذلك كثيرة (4)،سيأتي بيانها إن شاء اللّه.
و لأنّ هذا معنى يمنع من ابتدائه فمنع (5)من استدامته،كاللبس.
و لأنّه في معنى المتطيّب بعد الإحرام،فكان ممنوعا منه.
و لأنّ النهي يتناول الاستدامة،كالاستئناف،و للاحتياط.
احتجّ المخالف (6):بما روته عائشة،قالت:كنت أطيّب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لإحرامه قبل أن يحرم،و لحلّه قبل أن يطوف (7).
و الجواب:أنّه كما يتناول ما تبقى رائحته إلى بعد الإحرام،يتناول ما لا يبقى، و ليس من صيغ العموم؛لأنّه حكاية حال،فلا تعمّ،فيحمل على الثاني؛جمعا بين الأدلّة.
ص:212
لو لبس ثوبا مطيّبا ثمّ أحرم،و كانت الرائحة تبقى إلى بعد الإحرام،وجب نزعه
على ما قلناه،
أو إزالة الطيب عنه،فإن لم يفعل،وجب الفداء.
و أمّا الشافعيّ:فيأتي على مذهبه أنّه لا يجب الفداء إلاّ إذا نزعه ثمّ لبسه؛لأنّه لبس ثوبا مطيّبا بعد إحرامه (1).
و لو نقل الطيب من موضع من الثواب أو البدن إلى موضع آخر لزمه الفداء؛لأنّه ابتدأ الطيب بعد إحرامه،و كذا إذا تعمّد مسكه بيده،أو نقله من موضعه و ردّه إليه.
و لو تطيّب فسال الطيب من موضعه إلى موضع آخر،ففيه وجهان للشافعيّ:
أحدهما:أنّه لا يجب الفداء؛لأنّه يجري مجرى الناسي.
و الثاني:يجب؛لأنّه حصل بسببه و اعتماده على الأوّل (2).
ص:213
في كيفيّة الإحرام
إذا بلغ الحاجّ إلى الميقات،قلّم أظفاره،و أخذ من شاربه،و نتف إبطيه أو تنوّر، و حلق عانته،و اغتسل،و يستحبّ له أن يقول عند الاغتسال:بسم اللّه و باللّه اللهمّ اجعله لي نورا و طهورا و حرزا و أمنا من كلّ خوف،و شفاء من كلّ داء و سقم، اللهمّ طهّرني و طهّر لي قلبي،و اشرح لي صدري،و اجر على لساني محبّتك و مدحتك و الثناء عليك،فإنّه لا قوّة إلاّ بك،و قد علمت أنّ قوام ديني التسليم لأمرك،و الاتّباع لسنّة نبيّك صلواتك عليه و آله،ثمّ يلبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما و يتوشّح بالآخر و يقول:الحمد للّه الذي رزقني ما أواري به عورتي، و أؤدّي فيه فرضي،و أبعد فيه ربّي،و أنتهي فيه إلى ما أمرني به،الحمد للّه الذي قصدته فبلّغني،و أردته فأعانني و قبلني و لم يقطع بي،و وجهه أردت فسلّمني،فهو حصني و كهفي و حرزي و ظهري و ملاذي و ملجئي (1)و منجاي و ذخري و عدّتي في شدّتي و رجائي،ثمّ تصلّي للإحرام ستّ ركعات يتوجّه في الأولى منها،و يقرأ في كلّ ركعتين في الأولى:الحمد و قل هو اللّه أحد،و في الثانية:الحمد و قل يا أيّها الكافرون،و يقنت في ثانية كلّ ركعتين،و يسلّم في كلّ ركعتين،ثمّ يصلّي الفريضة
ص:214
إن كان وقت فريضة،و يحرم عقيبها،و إلاّ أحرم عقيب النوافل،فإذا فرغ من صلاته،حمد اللّه و أثنى عليه بما هو أهله،و صلّى على محمّد و آله عليهم السّلام.
ثمّ قال:اللهمّ إنّي أسألك،إلى آخر الدعاء الذي رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام،و قد تقدّم (1).
فإذا فرغ من الدعاء لبّي فيقول:لبّيك اللهمّ لبّيك،لبّيك لا شريك لك لبّيك،إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك،و يكثر من التلبية و لا يزال على هيئته هذه إلى أن يدخل مكّة و يطوف و يسعى و يقصّر و قد أحلّ.
و إحرام الحجّ كذلك إلاّ أنّه يبتدأ به من المسجد على ما مرّ،ثمّ يمضي إلى عرفات و يفعل المناسك على السياقة التي بيّنّاها في أوّل الكتاب (2).
و هذه الكيفيّة تشتمل على الواجب و الندب،فالواجب:النيّة،و لبس ثوبي الإحرام،و التلبيات الأربع.و المندوب ما عداه،و أنا أسوق إليك تفصيل ذلك إن شاء اللّه تعالى في مسائل مع ذكر الخلاف الواقع فيه بعون اللّه تعالى.
و النظر في هذا البحث يقع في أمور ثلاثة:
و لا نعرف فيه خلافا؛لقوله تعالى:
وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (3).
ص:215
و لقوله عليه السّلام:«الأعمال بالنيّات» (1).
و لقوله عليه السّلام:«لا عمل إلاّ بنيّة (2)» (3).
إذا عرفت هذا:فكيفيّة النيّة أن يقصد بقلبه إلى أمور أربعة:ما يحرم به من حجّ أو عمرة متقرّبا إلى اللّه تعالى،و يذكر (4)نوع ما يحرم له من تمتّع أو قران أو إفراد، و يذكر الوجوب و الندب،و ما يحرم له من حجّة الإسلام أو غيرها.
روى الشيخ-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«إذا أردت الإحرام و التمتّع فقل:اللهمّ إنّي أريد ما أمرت به من التمتّع بالعمرة إلى الحجّ،فيسّر لي ذلك (5)،و تقبّله منّي و أعنّي عليه،و حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ،أحرم لك شعري و بشري من النساء و الطيب و الثياب، و إن شئت فلبّ (6)حين تنهض،و إن شئت فأخّره حتّى تركب بعيرك و تستقبل القبلة فافعل» (7).
ص:216
و كان له صرفه إلى أيّهما شاء إن كان في أشهر الحج؛لأنّه عبادة منويّة،فصحّت.
و روى الجمهور عن طاوس،قال:خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من المدينة لا يسمّى حجّا و لا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء و هو بين الصفا و المروة، فأمر أصحابه:من كان منهم أهلّ و لم يكن معه هدي أن يجعلوها عمرة (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، قال:لمّا رجع من اليمن وجد فاطمة عليها السّلام قد أحلّت فجاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مستفتيا و محرّشا (2)على فاطمة عليها السّلام،فقال:«أنا أمرت الناس بذلك فبم أهللت أنت يا عليّ؟فقال:«إهلالا كإهلال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله» فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«كن على إحرامك مثلي،فأنت شريكي في هديي»و كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ساق معه مائة بدنة،فجعل لعليّ عليه السّلام منها أربعا و ثلاثين،و لنفسه ستّا و ستّين،و نحرها كلّها بيده،ثمّ أخذ من كلّ بدنة جذوة طبخها في قدر،و أكلا منها و تحسّيا (3)من المرق،فقال:«قد أكلنا الآن منها جميعا»و لم يعطيا الجزّارين جلودها و لا جلالها (4)و لا قلائدها و لكن تصدّق بها، و كان عليّ عليه السّلام يفتخر على الصحابة و يقول:«من فيكم مثلي و أنا شريك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في هديه،و من فيكم مثلي و أنا الذي ذبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هديي بيده» (5).
ص:217
و لأنّ الإحرام بالحجّ يخالف غيره من إحرام سائر العبادات؛لأنّه لا يخرج منه بالفساد.
و إذا عقد عن غيره،أو تطوّعا و عليه فرضه،وقع عن فرضه،فجاز أن ينعقد مطلقا.
و إن صرفه إلى العمرة،كان عمرة،و إلى أيّ أنواع الحجّ صرفه،انصرف إليه من تمتّع أو قران أو إفراد.
و لو صرفه إلى الحجّ و العمرة معا،لم يصحّ عندنا،و صحّ عند المخالفين،و هذا يبني (1)على جواز نيّة حجّة و عمرة و عدمه.
لأنّ هذا إحرام لا يصحّ لغير العمرة،فانصرف إليها،و لا يصلح للحجّ؛لأنّه لم يقع في أشهره، فلا ينصرف إليه؛لأنّ الأصل في الأفعال الصحّة.
فالأشبه انصراف المطلق إلى ما تعيّن عليه من حجّ أو عمرة.
لما رواه الجمهور عن جابر (2)و أنس أنّ عليّا عليه السّلام قدم من اليمن على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و كان قد أهلّ إهلالا كإهلال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال له النبيّ
ص:218
صلّى اللّه عليه و آله:بم أهللت؟قال:«إهلالا كإهلالك»فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«أقم على إحرامك» (1).
و كذلك أحرم أبو موسى الأشعريّ إحراما كإحرام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أمره النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالطواف و السعي و الإحلال (2).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم في حديث ابن بابويه أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أحرم إحراما كإحرام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3).
و لأنّ إطلاق الإحرام و تعيينه صحيحان و هو لا يخلو عن أحدهما،بل هو أخصّ من المطلق،فكان أولى.
فإنّ عليّا عليه السّلام قال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«ما ذا قلت حين فرضت (4)الحجّ؟»قال:«قلت:اللهمّ إنّي أهلّ بما أهلّ به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»قال:«فإنّ معي الهدي، فلا تحلّ» (5).
قال الشيخ- رحمه اللّه-:يتمتّع احتياطا للحجّ و العمرة (6).
ص:219
و لو بان أنّ فلانا لم يحرم،انعقد مطلقا،و كان له صرفه إلى أيّ الأنساك شاء، و لو لم يعلم هل أحرم فلان أم لا فحكمه حكم من لم يحرم؛لأنّ الأصل عدم الإحرام.
قال بعض الجمهور:ينعقد حجّا و ينوي الحجّ،و يقع هذا الطواف طواف القدوم،و لا يصير معتمرا؛لأنّ الطواف ركن في العمرة،فلا يقع بغير نيّة،و طواف القدوم لا يحتاج إلى النيّة،فيصير حاجّا (1).و لو قيل:إنّه لا يعتدّ بطوافه؛لأنّه طاف لا في حجّ و لا عمرة،كان حسنا.
و به قال مالك (2)،و الشافعيّ في أحد قوليه.و قال في الآخر:الإطلاق أولى (3).
لنا:أنّه إذا عيّن،كان عالما بما هو متلبّس به،فيكون أولى من عدم العلم.
احتجّ (4):بحديث طاوس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أطلق الإحرام (5).
و الجواب:أنّه مرسل،و الشافعيّ لا يعمل بالمراسيل المفردة (6)،فكيف مع مخالفته للروايات الدالّة على أنّه عليه السّلام عيّن ما أحرم به.
لما تقدّم من أنّ النيّة شرط و لم يوجد،فلم ينعقد الإحرام أصلا بخلاف الإطلاق.
ص:220
أحدهما،
قاله الشيخ في المبسوط (1).
و قال أبو حنيفة:يجب عليه أن ينوي القرآن (2).و به قال الشافعيّ في الأمّ و الإملاء،و قال في القديم:يتحرّى و يبني على ما يغلب على ظنّه (3).
و قال أحمد:يجعل ذلك عمرة (4).و به قال الشيخ في الخلاف (5).
لنا:أنّه قبل الإحرام يجوز ابتداء أيّ النسكين شاء،فمع عدم التعيين يستمرّ هذا الجواز مع النسيان؛عملا باستصحاب الحال السالم عن معارضته الذكر.و لأنّه لو أحرم بالحجّ جاز له فسخه إلى العمرة على ما تقدّم (6).
احتجّ الشافعيّ على القديم:بأنّه اشتباه في شرط من شرائط العبادة،فكان له الاجتهاد فيه،كالإناءين و القبلة (7).
و احتجّ أبو حنيفة:بأنّ الشكّ لحق به في فعله بعد التلبّس بالعبادة،فلم يكن له الاجتهاد،و إنّما يرجع إلى اليقين،كمن شكّ في عدد الركعات،بخلاف الإنائين و القبلة؛لأنّ عليهما أمارات يرجع إليها عند الاشتباه،و أمّا هاهنا فإنّه شكّ في فعل
ص:221
نفسه،و لا أمارة على ذلك إلاّ ذكره،فلم يرجع إلاّ إليه (1).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع عن الحكم في الأصل.
و عن الثاني:بالمعارضة ببراءة الذمّة من المعيّن،أمّا لو تعيّن أحدهما عليه فالوجه انصرافه إليه.
قال الشيخ في الخلاف:إنّما قلنا:إنّه يجعله للعمرة؛لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون إحرامه بالحجّ أو بالعمرة فإن كان بالحجّ فقد بيّنّا أنّه يجوز له أن يفسخه إلى عمرة يتمتّع بها،و إن كان بالعمرة فقد صحّت العمرة على الوجهين،و إذا أحرم بالعمرة، لا يمكنه أن يجعلها حجّة مع القدرة على إتيان أفعال العمرة،فلهذا قلنا:يجعلها عمرة على كلّ حال (2).و كلام الشيخ حسن.
لو أحرم بهما معا،لم يصحّ.قال الشيخ:و يتخيّر (3).
و كذا لو شكّ هل أحرم بهما أو بأحدهما،فعل أيّهما شاء.
و لو تجدّد الشكّ بعد الطواف،جعلها عمرة متمتّعا بها إلى الحجّ.
روى الشيخ-في الصحيح-عن زرارة بن أعين،قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:كيف أتمتّع؟قال:«تأتي الوقت فتلبّي بالحجّ،فإذا دخلت مكّة طفت بالبيت و صلّيت الركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفا و المروة و قصّرت
ص:222
و أحللت من كلّ شيء،و ليس لك أن تخرج من مكّة حتّى تحجّ» (1).
و في الصحيح عن أحمد بن محمّد،قال:قلت لأبي الحسن عليّ بن موسى عليهما السّلام:كيف أصنع إذا أردت أن أتمتّع؟فقال:«لبّ بالحجّ و انو المتعة،فإذا دخلت مكّة،طفت بالبيت و صلّيت الركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفا و المروة و فسختها و جعلتها متعة» (2).
و لأنّ الواجب النيّة و الاعتماد عليها،و التلفّظ ليس بواجب،فلا اعتماد عليه، ألا ترى أنّ ما وجب فيه التلفّظ دون النيّة لم تؤثّر النيّة في مخالفة لفظه،كما لو عقد عقدا بلفظه (3)و نوى خلافه،لم تؤثّر النيّة في عقده،كذا هنا.
من تمتّع أو قران أو إفراد،و قال الشافعيّ في أحد الوجهين:لا يفتقر التمتّع إلى النيّة (4).
لنا:قوله تعالى: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (5)و التمتّع عبادة.
و لأنّها أفعال مختلفة،فلا بدّ من النيّة،ليتميّز بعضها عن الآخر.
و لأنّ براءة الذمّة تحصل مع النيّة بيقين (6)،بخلاف ما إذا أخلّ بالنيّة.
ص:223
و به قال أحمد (1).
و قال الشافعيّ:لا يستحبّ ذلك (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن أنس،قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«لبّيك عمرة و حجّا» (3).
و قال جابر:قدمنا مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و نحن نقول:لبّيك بالحجّ (4).
و قال ابن عمر:بدأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأهلّ بالعمرة ثمّ أهلّ بالحجّ (5).
و قال أنس:سمعتهم يصرخون بها صراخا.رواه البخاريّ (6).
و قال أبو سعيد:خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصرخ بالحجّ فحللنا، فلمّا كان يوم التروية لبّينا بالحجّ و انطلقنا إلى منى (7).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن الحلبيّ-في الصحيح-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إنّ عثمان خرج حاجّا،فلمّا صار إلى الأبواء أمر مناديا ينادي في الناس:اجعلوها حجّة و لا تمتّعوا،فنادى المنادي،فمرّ المنادي بالمقداد (8)، فقال:أما لتجدنّ عند القلائص رجلا ينكر ما تقول،فلمّا انتهى المنادي إلى عليّ
ص:224
عليه السّلام و كان عند ركائبه يلقمها خبطا (1)و دقيقا،فلمّا سمع النداء تركها و مضى إلى عثمان فقال:ما هذا الذي أمرت به؟!فقال:رأى رأيته،فقال:لا و اللّه،لقد أمرت بخلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،ثمّ أدبر مولّيا رافعا صوته:لبّيك بحجّة و عمرة معا لبّيك،و كان مروان بن الحكم يقول بعد ذلك:فكأنّي أنظر إلى بياض الدقيق مع خضرة الخبط على ذراعيه» (2).
و في الصحيح عن يعقوب بن شعيب،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت:
كيف ترى أن أهلّ؟فقال لي:«إن شئت سمّيت،و إن شئت لم تسمّ شيئا»فقلت له:
كيف تصنع أنت؟فقال:«أجمعهما،فأقول:لبّيك بحجّة و عمرة معا»ثمّ قال:«أما إنّي قد قلت لأصحابك غير هذا» (3).
لو اتّقى،كان الأفضل الإضمار،
روى الشيخ-في الصحيح-عن أبان بن تغلب، قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:بأيّ شيء أهلّ؟فقال:«لا تسمّ حجّا و لا عمرة و أضمر في نفسك المتعة،فإن أدركت متمتّعا و إلاّ كنت حاجّا» (4).
و عن منصور بن حازم،قال:أمرنا أبو عبد اللّه عليه السّلام أن نلبّي و لا نسمّي
ص:225
شيئا،و قال:«أصحاب الإضمار أحبّ إليّ» (1).
و عن إسحاق بن عمّار،قال:سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام، قال:«الإضمار أحبّ إليّ و لا تسمّ» (2).و إنّما قلنا:إنّ (3)ذلك على سبيل التقيّة؛ جمعا بين الأخبار.
و لرواية يعقوب بن شعيب و قد تقدّمت.
و لما رواه الشيخ عن عبد الملك بن أعين-في الصحيح-قال:حجّ جماعة من أصحابنا،فلمّا وافوا المدينة فدخلوا (4)على أبي جعفر عليه السّلام،فقالوا:إنّ زرارة أمرنا أن نهلّ بالحجّ إذا أحرمنا،فقال:«لم (5)؟تمتّعوا»فلمّا خرجوا من عنده دخلت عليه فقلت له:جعلت فداك و اللّه لئن لم تخبرهم بما أخبرت به زرارة ليأتينّ الكوفة فليصبحنّ بها كذّابا،فقال:ردّهم،فدخلوا عليه فقال:«صدق زرارة»ثمّ قال:«أما و اللّه لا يسمع هذا بعد اليوم أحد منّي» (6).
ص:226
إحرامهما إلاّ بها،
أو بالإشارة للأخرس مع عقد قلبه بها،و أمّا القارن:فإنّه ينعقد إحرامه بها أو الإشعار أو التقليد لما يسوقه.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال أبو حنيفة (1)،و الثوريّ (2).
و قال أصحاب مالك:إنّها واجبة يجب بتركها دم (3).
و قال الشافعيّ:إنّها مستحبّة ليست واجبة،و ينعقد الإحرام بالنيّة،و لا حاجة إلى التلبية (4)،و به قال أحمد (5)،و الحسن بن صالح بن حيّ (6).
لنا:قوله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ (7)قال ابن عبّاس:الإهلال (8).
ص:227
و عن عطاء،و طاوس،و عكرمة:هو التلبية (1).
و ما رواه الجمهور عن خلاّد بن السائب (2)أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:
«أتاني جبرئيل عليه السّلام فأمرني أن آمر أصحابي و من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال» (3).و ظاهر الأمر الوجوب،تركناه في الإعلان و رفع الصوت، فيبقى ما عداه على الأصل.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا فرغت من صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امش هنيئة،فإذا استوت بك الأرض-ماشيا كنت أو راكبا-فلبّ،و التلبية أن تقول:
لبّيك اللّهم لبّيك،لبّيك لا شريك لك لبّيك،إنّ الحمد و النعمة[لك] (4)و الملك لا شريك لك لبّيك،لبّيك ذا المعارج لبّيك،لبّيك داعيا إلى دار السلام لبّيك،لبّيك غفّار الذنوب لبّيك،لبّيك أهل التلبية لبّيك،لبّيك ذا الجلال و الإكرام لبّيك،لبّيك تبدئ و المعاد إليك لبّيك،لبّيك تستغني و يفتقر إليك لبّيك،لبّيك مرهوبا و مرغوبا إليك لبّيك،لبّيك إله الخلق (5)لبّيك،لبّيك ذا النعماء و الفضل الحسن الجميل لبّيك، لبّيك كشّاف الكرب العظام لبّيك،لبّيك عبدك و ابن عبديك لبّيك،لبّيك يا كريم لبّيك.
تقول هذا في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة،و حين ينهض بك بعيرك،و إذا علوت
ص:228
شرفا أو هبطت واديا أو لقيت راكبا أو استيقظت من منامك و بالأسحار،و أكثر ما استطعت و اجهر بها،و إن تركت بعض التلبية فلا يضرّك،غير أنّ تمامها أفضل، و اعلم أنّه لا بدّ لك من التلبيات الأربعة (1)التي-كنّ أوّل الكلام-هي الفريضة، و هي التوحيد،و بها لبّى المرسلون،و أكثر من ذي المعارج فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يكثر منها،و أوّل من لبّى إبراهيم عليه السّلام،قال:إنّ اللّه تعالى يدعوكم إلى أن تحجّوا بيته،فأجابوه بالتلبية،فلم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل و لا بطن امرأة إلاّ أجاب بالتلبية» (2).
و في الصحيح عن حريز بن عبد اللّه،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، قالا:«لمّا أحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاه جبرئيل عليه السّلام،فقال:مرّ أصحابك بالعجّ و الثجّ،فالعجّ:رفع الصوت بالتلبية،و الثجّ:نحر البدن» (3).و الأمر للوجوب.
و لأنّها عبادة لها تحليل و تحريم،فكان فيها نطق واجب،كالصلاة.
احتجّ المخالف:بأنّها ذكر،فلم يجب في الحجّ،كسائر الأذكار (4).
و الجواب:لا يعارض هذا ما ذكرناه من الأحاديث و القياس.
واجب،
و اختلفوا،فالذي عليه علماؤنا:استحباب الزائد على الأربع.و به قال
ص:229
أصحاب أبي حنيفة (1).
و قال الشافعيّ:إنّه غير مستحبّ (2)،و به قال أحمد (3).
و قال بعضهم:إنّ الزائد مكروه (4).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عمر أنّه كان يلبّي تلبية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و يزيد مع هذا لبّيك لبّيك،لبّيك و سعديك،و الخير بيديك[و الرغباء] (5)إليك و العمل (6).
و زاد عمر:لبّيك ذا النعماء (7)و الفضل،لبّيك لبّيك مرهوبا و مرغوبا إليك لبّيك.
و كان أنس يزيد فيقول:لبّيك حقّا حقّا تعبّدا و رقّا (8).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم في حديث معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (9).
و عن عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبّيت من مكانك من المسجد تقول:لبّيك اللهمّ لبّيك،
ص:230
لا شريك لك لبّيك،لبّيك ذا المعارج لبّيك،لبّيك بحجّة تمامها عليك،و اجهر بها كلّما ركبت و كلّما نزلت،و كلّما هبطت واديا أو علوت أكمة (1)أو لقيت (2)راكبا، و بالأسحار» (3).
و لأنّه ذكر مستحبّ فاستحبّ الإكثار منه.
احتجّ الشافعيّ (4):بما رواه جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام عن أبيه الباقر عليه السّلام،عن جابر،قال:تلبية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك،إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك (5).و ما داوم عليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان أولى من غيره.
و الجواب:أنّه عليه السّلام فعل ذلك بيانا للواجب،فكان واجبا،فلهذا (6)لم يزد عليه السّلام على الواجب،و لأنّ علماءنا نقلوا عن أهل البيت عليهم السّلام تلبية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،كما نقلناه في حديث معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام.
و روى ابن بابويه-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لمّا لبّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:لبّيك اللهمّ لبّيك،لبّيك لا شريك لك لبّيك،إنّ الحمد و النعمة لك لا شريك لك،لبّيك ذا المعارج لبّيك» (7).
و هم أعرف بمناسك الرسول صلّى اللّه عليه و آله و بشريعته من غيرهم.
ص:231
لك و الملك لا شريك لك لبّيك.
ذكره الشيخ في كتبه (2).
و قال ابن إدريس:إنّ هذه الصورة ينعقد بها الإحرام،كانعقاد الصلاة بتكبيرة الإحرام (3).و أوجب هذه الصورة أبو الصلاح (4)،و ابن البرّاج من علمائنا (5).
و قيل:الواجب لبّيك اللهمّ لبّيك،لبّيك لا شريك لك لبّيك (6).و هو الذي دلّ عليه حديث معاوية بن عمّار-في الصحيح-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و قد تقدّم (7).
إذا ثبت هذا:فالزائد عليه مستحبّ على ما تقدّم،خلافا للشافعيّ (8).
و يستحبّ الإكثار من«لبّيك ذا المعارج لبّيك»على ما دلّ عليه حديث معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام.
احتجّ الشيخ (1):بما رواه عن عمر بن يزيد عن الصادق عليه السّلام في قوله:
«و اجهر بها كلّما ركبت و كلّما نزلت و كلّما هبطت واديا أو علوت أكمة أو لقيت (2)راكبا،و بالأسحار» (3).
و في حديث حريز عنهما عليهما السّلام:«إنّ جبرئيل عليه السّلام قال للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله:مر أصحابك بالعجّ و الثجّ،و العجّ:رفع الصوت بالتلبية،و الثجّ:
نحر البدن» (4)و الأمر للوجوب.
و الجواب:أنّه قد يكون للندب خصوصا مع القرينة،و هي حاصلة هنا في قوله:«كلّما ركبت»الحديث؛إذ ذلك ليس بواجب.
إذا عرفت هذا:فإنّه مستحبّ؛لما ذكرناه من الحديثين.
قال الباقر و الصادق عليهما السّلام:«قال جابر بن عبد اللّه:ما مشى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الروحاء حتّى بحّت أصواتنا» (5).
و لأنّه من شعائر العبادة،فهو بمنزلة الأذان.و لأنّ في رفع الصوت تنبيها للمستمعين و تذكارا،و لا يبلغ به إلى قطع الصوت؛لحصول الضرر بذلك.
ليس على النساء إجهار بالتلبية؛لأنّهنّ مأمورات بالستر؛
لأنّه يخاف من أصواتهنّ الافتتان.
ص:233
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«ليس على النساء جهر بالتلبية» (1).
و عن فضالة بن أيّوب،عمّن حدّثه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إنّ اللّه تعالى وضع عن النساء أربعا:الجهر بالتلبية،و السعي بين الصفا و المروة-يعني الهرولة-و دخول الكعبة،و الاستلام» (2).
تلبية الأخرس الإشارة بالإصبع و تحريك لسانه و عقد قلبه بها؛
لأنّه المقدور عليه،فالزائد على ذلك تكليف ما لا يطاق.
و لما رواه الشيخ عن السكونيّ،عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام أنّ عليّا عليه السّلام،قال:«تلبية الأخرس و تشهّده و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» (3).
لا يجوز التلبية بغير العربيّة مع القدرة-خلافا لأبي حنيفة (4)-لأنّه المأمور به.
و لأنّه ذكر مشروع و لا يشرع بغير العربيّة،كالأذان و الأذكار المشروعة في الصلاة.
احتجّ أبو حنيفة:بالقياس على التكبير.
ص:234
و جوابه:منع الأصل.
و بالجملة لا يشترط فيها الطهارة بلا خلاف؛لما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لعائشة حين حاضت:«افعلي ما يفعل الحاجّ غير أن لا تطوفي بالبيت» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«لا بأس أن تلبّي و أنت على غير طهور و على كلّ حال» (2).
و عن جابر،عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال:«لا بأس أن يلبّي الجنب» (3).
و به قال أحمد (4).و قال الشافعيّ:لا يستحبّ (5).
لنا:ما رواه الجمهور في حديث أنس،قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«لبّيك عمرة و حجّا» (6).
و قال جابر:قدمنا مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و نحن نقول:«لبّيك بالحجّ» (7).
و قال ابن عبّاس:قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه و هم يلبّون
ص:235
بالحجّ (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ عليّا عليه السّلام رفع صوته و قال:«لبّيك بحجّة و عمرة معا لبّيك» (2).
احتجّ الشافعيّ (3):بأنّ جابرا قال:ما سمّى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في تلبيته حجّا و لا عمرة (4).
و سمع ابن عمر رجلا يقول:لبّيك بعمرة فضرب صدره و قال:تعلمه ما في نفسك (5).
و الجواب عن الأوّل:أنّه معارض بما نقلناه عن جابر و عن غيره (6)،و قول ابن عمر ليس بحجّة خصوصا مع معارضته لأحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
إذا ثبت هذا:فالأفضل أن يذكر في تلبيته الحجّ و العمرة معا،فإن لم يمكنه للتقيّة أو غيرها،فاقتصر على ذكر الحجّ،فإذا دخل مكّة،طاف و سعى و قصّر، و جعلها عمرة،كان أيضا جائزا؛لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل لبّي بالحجّ مفردا ثمّ دخل مكّة فطاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة،قال:«فليحلّ،و ليجعلها متعة،
ص:236
إلاّ أن يكون ساق الهدي،فلا يستطيع أن يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه» (1).
و في الصحيح عن صفوان بن يحيى،قال:قلت لأبي الحسن عليّ بن موسى عليه السّلام:إنّ ابن السرّاج (2)روى عنك أنّه سألك عن الرجل أهلّ بالحجّ ثمّ دخل مكّة فطاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة يفسخ ذلك و يجعلها متعة،فقلت له:
«لا»فقال:«قد سألني عن ذلك،و قلت (3)له:لا،و له أن يحلّ و يجعلها متعة، و آخر عهدي بأبي أنّه دخل على الفضل بن الربيع (4)و عليه ثوبان و ساج،فقال الفضل بن الربيع:يا أبا الحسن لنا بك أسوة،أنت مفرد للحجّ و أنا مفرد للحجّ،فقال له أبي:لا،ما أنا مفرد،أنا متمتّع،فقال له الفضل بن الربيع:فهل لي أن أتمتّع و قد طفت بالبيت؟فقال له أبي:نعم،فذهب بها محمّد بن جعفر إلى سفيان بن عيينة و أصحابه،فقال لهم:إنّ موسى بن جعفر عليه السّلام قال للفضل بن الربيع:كذا و كذا يشنع على أبي» (5).
ص:237
قوله عليه السّلام:ثوبان و ساج.الساج:هو الطيلسان الأخضر أو الأسود.
عند الإشراف و الهبوط،و أدبار الصلوات،و عند تجدّد الأحوال،و اصطدام الرفاق،و في الأسحار.و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم إلاّ مالكا،فإنّه قال:لا يلبّي عند اصطدام الرفاق (1).
روى الجمهور عن ابن عمر أنّه كان يلبّي راكبا و نازلا و مضطجعا (2).
و عن جابر،قال:كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يلبّي في حجّه إذا لقي راكبا، أو على أكمة،أو هبط واديا،و في أدبار الصلوات المكتوبة،و من آخر الليل (3).
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قال:«ما من مسلم يضحّي للّه يلبّي حتّى تغيب الشمس إلاّ غابت بذنوبه،فعاد كما ولدته أمّه» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و قد ذكر التلبيات:«تقول هذا في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة،و حين ينهض بك بعيرك،و إذا علوت شرفا أو هبطت واديا أو لقيت راكبا أو استيقظت من منامك،و بالأسحار» (5).
روى الشيخ-في الحسن- عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«المتمتّع إذا نظر إلى بيوت مكّة،
ص:238
قطع التلبية» (1).
و عن حنّان بن سدير،عن أبيه،قال:قال أبو جعفر و أبو عبد اللّه عليهما السّلام:
«إذا رأيت[أبيات] (2)مكّة فاقطع التلبية» (3).
و عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا دخلت مكّة و أنت متمتّع فنظرت إلى بيوت مكّة[فاقطع التلبية،و حدّ بيوت مكّة] (4)التي كانت قبل اليوم إذا بلغت عقبة المدنيّين فاقطع التلبية،و عليك بالتهليل و التكبير و الثناء على اللّه ما استطعت،و إن كنت قارنا (5)بالحجّ،فلا تقطع التلبية حتّى يوم عرفة إلى زوال الشمس،و إن كنت معتمرا،فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم» (6).
و في الصحيح عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر،عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام أنّه سئل عن المتمتّع متى يقطع التلبية؟قال:«إذا نظر إلى أعراش مكّة عقبة ذي طوى»قلت:بيوت مكّة؟قال:«نعم» (7).
و قد روى الشيخ عن زيد الشحّام،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن تلبية المتعة متى تقطع؟قال:«حين يدخل الحرم» (8).
ص:239
قال الشيخ:هذه الرواية محمولة على الجواز،و الأخبار الأوّلة على الاستحباب (1).
أقول:في طريق هذه الرواية أبو جميلة،و هو ضعيف (2).
لحديث معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (3).
و المعتمر عمرة مفردة قال الشيخ:إن كان أحرم من خارج،قطعها إذا دخل الحرم،و إن كان ممّن خرج من مكّة للإحرام،قطعها إذا شاهد الكعبة (4).
و قيل:بالتخيير بينهما من غير تفصيل (5).
روى الشيخ عن محمّد بن عذافر،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من دخل مكّة مفردا للعمرة،فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم» (6).
و عن يونس بن يعقوب،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من أين يقطع التلبية؟قال:«إذا رأيت بيوت ذي طوى فاقطع التلبية» (7).
و روى عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من أراد أن يخرج من
ص:240
مكّة ليعتمر،أحرم من الجعرانة و الحديبيّة و ما أشبههما،و من خرج من مكّة يريد العمرة ثمّ دخل معتمرا،لم يقطع التلبية حتّى ينظر إلى الكعبة» (1).
و عن الفضيل بن يسار،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام،قلت:دخلت بعمرة فأين أقطع التلبية؟قال:«حيال العقبة عقبة المدنيّين»فقلت:أين عقبة المدنيّين؟ قال:«بحيال القصّارين» (2).
قال الشيخ-رحمه اللّه-:وجه الجمع بين الأخبار أن نحمل الرواية الأخيرة على من جاء من طريق المدينة خاصّة،فإنّه يقطع التلبية عند عقبة المدنيّين،و الرواية المتضمّنة للقطع عند ذي طوى على من جاء من طريق العراق،و الرواية المتضمّنة للقطع عند النظر إلى الكعبة على من يكون قد خرج من مكّة للعمرة.
قال:و رواية معاوية بن عمّار المتضمّنة للقطع عند دخول الحرم على الجواز، و هذه الروايات مع اختلاف أحوالها على الاستحباب.
قال:و كان أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه-رحمه اللّه-حين روى هذه الروايات،حملها على التخيير حين ظنّ أنّها متنافية،و على ما فسّرناه ليست متنافية،و لو كانت متنافية،لكان الوجه الذي ذكره صحيحا (3).
ينعقد الإحرام به أو بالتلبية،أيّ الثلاثة فعل انعقد إحرامه بها،و كان الآخر مستحبّا،
ص:241
ذهب الشيخ-رحمه اللّه-إليه (1).
و قال السيّد المرتضى:لا ينعقد إحرام الأصناف الثلاثة إلاّ بالتلبية (2).و هو اختيار ابن إدريس (3).
و الإشعار:هو أن يشقّ سنام البعير من الجانب الأيمن،و يلطّخ بالدم؛ليعلم أنّه صدقة.
روى ابن بابويه عن محمّد بن الفضيل،عن أبي الصبّاح الكنانيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن البدن كيف تشعر؟فقال:«تشعر و هي باركة يشقّ سنامها الأيمن،و تنحر و هي قائمة من قبل الأيمن» (4).
و عن ابن فضّال،عن يونس بن يعقوب،قال:خرجت في عمرة فاشتريت بدنة و أنا بالمدينة،فأرسلت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فسألت كيف أصنع بها؟فأرسل إليّ:«ما كنت تصنع بهذا،فإنّه كان يجزئك أن تشتري منه من عرفة»و قال:«انطلق حتّى تأتي مسجد الشجرة فاستقبل بها القبلة و أنخها،ثمّ ادخل المسجد فصلّ ركعتين،ثمّ اخرج إليها فأشعرها في الجانب الأيمن،ثمّ قل:بسم اللّه اللهمّ منك و لك اللهمّ تقبّل منّي،فإذا علوت البيداء فلبّ» (5).
و في رواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام:«إنّها تشعر و هي معقولة» (6).
ص:242
إذا عرفت هذا:فالتقليد:هو أن يجعل في رقبة الهدي نعلا قد صلّى فيه؛ليعلم أنّه صدقة،و هو بمنزلة الإشعار،أو يجعل في رقبة الهدي خيطا أو سيرا و ما أشبههما.
روى ابن بابويه-في الصحيح-عن حريز،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«كان الناس يقلّدون الغنم و البقر،و إنّما تركه الناس حديثا و يقلّدون بخيط أو بسير» (1).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«تقلّدها نعلا خلقا قد صلّيت فيها،و الإشعار و التقليد بمنزلة التلبية» (2).
إذا ثبت هذا:فإنّ الإشعار مختصّ بالإبل،و التقليد مشترك بين الإبل و الغنم و البقر.و قد روى الشيخ-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«ثمّ تحرم إذا قلّدت و أشعرت» (3).
إذا عرفت هذا:فقد بيّنّا أنّ الإحرام ينعقد بالإشعار أو التقليد أو التلبية،أيّ الثلاثة فعل،انعقد إحرامه؛لما تقدّم.
و يدلّ عليه أيضا:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«يوجب الإحرام ثلاثة أشياء:التلبية و الإشعار و التقليد،فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم» (4).
و عن عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من أشعر بدنته فقد أحرم و إن لم يتكلّم (5)بقليل و لا كثير» (6).
ص:243
لو كانت البدن كثيرة و أراد إشعارها،دخل بين كلّ بدنتين،
و أشعر إحداهما من الجانب الأيمن و الأخرى من الأيسر؛طلبا للتخفيف.
روى الشيخ-في الصحيح-عن حريز بن عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها،دخل الرجل بين كلّ بدنتين فيشعر هذه من الشقّ الأيمن و يشعر هذه من الشقّ الأيسر» (1).
راحلته البيداء إن كان راكبا،
و إن كان ماشيا فحيث يحرم،و إن كان على غير طريق المدينة،لبّى من موضعه إن شاء،و إن مشى خطوات ثمّ لبّى كان أفضل.و به قال مالك (2)،و للشافعيّ قولان:
قال في الأمّ و الإملاء:المستحبّ أن يلبّي إذا انبعثت به راحلته إن كان راكبا، و إذا أخذ في السير إن كان راجلا.
و قال في القديم:أن يهلّ خلف الصلاة،نافلة كانت أو فريضة (3).و به قال أبو حنيفة (4)،و أحمد (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس،قال:اغتسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ لبس ثيابه،فلمّا أتى ذا الحليفة صلّى ركعتين ثمّ قعد على بعيره،فلمّا استوى به
ص:244
على البيداء أحرم بالحجّ (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن وهب،قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التهيّؤ للإحرام،فقال:«في مسجد الشجرة،فقد صلّى فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد ترى ناسا يحرمون،فلا تفعل حتّى تنتهي إلى البيداء حيث الميل،فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول:لبّيك اللهمّ لبّيك،لا شريك لك لبّيك،إنّ الحمد و النعمة لك و الملك،لا شريك لك لبّيك،بمتعة العمرة (2)إلى الحجّ» (3).
و في الصحيح عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا صلّيت عند الشجرة فلا تلبّ حتّى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش» (4).
و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يكن يلبّي (5)حتّى يأتي البيداء» (6).
و دلّ على التفصيل الذي ذكرناه:ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك و تلبيتك من المسجد،
ص:245
و إن كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء» (1).
و إنّما قلنا:إنّ هذا على الاستحباب دون الوجوب؛عملا بالأصل.
و بما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن سنان أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام،هل يجوز للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟فقال:«نعم،إنّما لبّى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على البيداء؛لأنّ النّاس لم يعرفوا التلبية فأحبّ أن يعلّمهم كيف التلبية» (2).
إذا ثبت هذا:فالمراد بذلك أنّ الإجهار بالتلبية مستحبّ من البيداء،و هي الأرض التي يخسف بها جيش السفيانيّ التي يكره الصلاة فيها،و بينها و بين ذي الحليفة ميل،و هذا يكون بعد التلبية سرّا في الميقات الذي هو ذو الحليفة؛لأنّ الإحرام لا ينعقد إلاّ بالتلبية،و لا يجوز مجاوزة الميقات إلاّ محرما.
أن يفعل ما يحرم على المحرم فعله،
و لا كفّارة عليه،فإذا لبّى أو أشعر أو قلّد إن كان قارنا،حرم ذلك عليه،و وجبت الكفّارة؛لأنّا قد بيّنّا أنّ التلبية شرط في الإحرام لا ينعقد الإحرام للمتمتّع إلاّ بها،فقبل الإتيان بها هو محلّ،فلا كفّارة عليه.
و يدلّ على ذلك أيضا:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا بأس أن يصلّي الرجل في مسجد الشجرة و يقول الذي يريد أن يقوله و لا يلبّي،ثمّ يخرج فيصيب من الصيد و غيره،فليس عليه فيه شيء» (3).
ص:246
و في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلبّ،قال:«ليس عليه شيء» (1)و في الصحيح عن حفص بن البختريّ و عبد الرحمن بن الحجّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه صلّى ركعتين في مسجد الشجرة و عقد الإحرام ثمّ خرج،فأتي بخبيص فيه زعفران فأكل منه (2).
و عن عليّ بن عبد العزيز (3)،قال:اغتسل أبو عبد اللّه عليه السّلام للإحرام بذي الحليفة ثمّ قال لغلمانه:«هاتوا ما عندكم من الصيد حتّى نأكل» (4)فأتي بحجلتين فأكلهما (5).
و روى ابن بابويه عن حفص بن البختريّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فيمن عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثمّ وقع على أهله قبل أن يلبّي،قال:«ليس
ص:247
عليه شيء» (1).
حجّة فعمرة،
و أن يحلّه حيث حبسه،سواء كانت حجّته تمتّعا أو قرانا أو إفرادا، و كذا في إحرام العمرة.و به قال عليّ عليه السّلام،و عمر بن الخطّاب،و ابن مسعود، و عمّار،و علقمة،و شريح،و سعيد بن المسيّب،و عكرمة (2)،و الشافعيّ (3)، و أبو حنيفة (4)،و أحمد (5).
و أنكره ابن عمر،و طاوس،و سعيد بن جبير،و الزهريّ (6)،و مالك (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن عائشة،قالت:دخل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على ضباعة (8)بنت الزبير،فقالت:يا رسول اللّه إنّي أريد الحجّ و أنا شاكية،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«حجّي و اشترطي أنّ محلّي حيث حبستني» (9).
ص:248
و عن ابن عبّاس أنّ ضباعة أتت النبيّ،فقالت:يا رسول اللّه إنّي أريد الحجّ فكيف أقول؟قال:«قولي:لبّيك اللهمّ لبّيك و محلّي من الأرض حيث تحبسني، فإنّ لك على ربّك ما استثنيت» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا أردت الإحرام و التمتّع فقل:اللهمّ إنّي أريد ما أمرت به[من] (2)التمتّع بالعمرة إلى الحجّ،فيسّر لي ذلك و تقبّله منّي و أعنّي عليه و حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ،أحرم لك شعري و بشري من النساء و الطيب و الثياب.و إن شئت فلبّ (3)حين تنهض،و إن شئت فأخّره حتّى تركب بعيرك و تستقبل القبلة فافعل (4)» (5).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«اللهمّ إنّي أريد التمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك و سنّة نبيّك صلّى اللّه عليه و آله:فإن عرض لي شيء يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ،اللهمّ إن لم تكن حجّة فعمرة»الحديث (6).
و عن الفضيل بن يسار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«المعتمر عمرة مفردة
ص:249
يشترط على ربّه أن يحلّه (1)حيث حبسه،و مفرد الحجّ يشترط على ربّه:إن لم تكن حجّة فعمرة» (2).
احتجّوا:بأنّ ابن عمر كان ينكر الاشتراط و يقول:حسبكم سنّة نبيّكم.و لأنّها عبادة تجب بأصل الشرع،فلم يعدّ الاشتراط فيها،كالصوم و الصلاة (3).
و الجواب:لا يعارض ذلك ما رويناه من أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أحاديث أهل البيت عليهم السّلام،مع أنّ ابن عمر قوله ليس بحجّة لو انفرد،فكيف مع مخالفته ما تلوناه من الأخبار.
و إن أتى باللفظ المنقول،كان أولى.
ينشأ من أنّه تابع للإحرام، و الإحرام ينعقد بالنيّة،و كذا التابع،و من أنّه اشتراط،فاعتبر فيه القول،كالاشتراط في النذر و الاعتكاف،و هو أحقّ،و نمنع انعقاد الإحرام بالنيّة لا غير،بل من شرطه عندنا التلبية أيضا.
و لا نعلم فيه خلافا.
روى الشيخ-في الصحيح-عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام
ص:250
عن الرجل يشترط في الحجّ أن حلّني (1)حيث حبستني،أ عليه الحجّ من قابل؟ قال:«نعم» (2).
و عن أبي الصبّاح الكنانيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشترط في الحجّ كيف يشترط؟قال:«يقول حين يريد أن يحرم:أن حلّني حيث حبستني فإن حبستني فهي عمرة»فقلت له:فعليه الحجّ من قابل؟قال:«نعم»قال صفوان:
قد روى هذه الرواية عدّة من أصحابنا كلّهم يقول:إنّ عليه الحجّ من قابل (3).
فأمّا ما رواه جميل بن صالح،عن ذريح المحاربيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ،و أحصر بعد ما أحرم،كيف يصنع؟ قال:فقال:«أو ما اشترط على ربّه قبل أن يحرم أن يحلّه من إحرامه عند عارض عرض له من أمر اللّه؟»فقلت:بلى قد اشترط ذلك،قال:«فليرجع إلى أهله حلالا (4)،لا إحرام عليه،إنّ اللّه أحقّ من وفى بما اشترط عليه»قلت:فعليه الحجّ من قابل؟قال:«لا» (5).فإنّ الشيخ-رحمه اللّه-حمله على من كان حجّه تطوّعا، فإنّه متى أحصر لا يلزمه الحجّ من قابل (6).و هو حسن.
ص:251
و قيل:يتحلّل من غير اشتراط (1)،و هو اختيار أبي حنيفة في المريض (2).
و قال الزهريّ (3)،و مالك (4)،و ابن عمر:الشرط لا يفيد شيئا و لا يتعلّق به التحليل (5).
لنا:أنّ الشرط جائز إجماعا،و لحديث ضباعة بنت الزبير (6)،فلا بدّ له من فائدة،و إنّما يتحقّق فائدته بجواز الإحلال عند حصول المانع.
احتجّ آخرون (7):بما رواه حمزة بن حمران،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الذي يقول:حلّني حيث حبستني،فقال:«هو حلّ حيث حبسه اللّه عزّ و جلّ قال
ص:252
أو لم يقل،و لا يسقط الاشتراط عنه الحجّ من قابل» (1).
عنه عند التحلّل؟
قال السيّد المرتضى-رحمه اللّه-:يسقط (2)،و به قال أبو حنيفة (3).
و قال الشيخ-رحمه اللّه-:لا يسقط (4).و للشافعيّ قولان (5).
احتجّ السيّد (6):بقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لضباعة بنت الزبير بن عبد المطّلب:«حجّي و اشترطي و قولي:اللهمّ فحلّني حيث حبستني» (7).و لا فائدة لهذا الشرط إلاّ التأثير فيما ذكرناه.
و احتجّ الشيخ (8)-رحمه اللّه-:بعموم قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (9).و أجاب السيّد بأنّه محمول على من لم يشترط (10).و كلام الشيخ فيه قوّة.
مثل أن يقول:
إن مرضت أو فنيت نفقتي أو فاتني الوقت أو ضاق عليّ أو منعني عدوّ أو غيره،فأمّا
ص:253
أن يقول:أن تحلّني حيث شئت،فليس له ذلك (1).
و الهدي معا .
و للشافعيّ فيهما قولان (3).
أبي ليلى و داود (1).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عمر أنّه قال:لا يلبّي الطائف (2).
و عن سفيان:ما رأيت أحدا يلبّي و هو يطوف،إلاّ عطاء بن السائب (3).و قوله يدلّ على حصول الإجماع من غير مخالف.
و من طريق الخاصّة:ما روي عنهم عليهم السّلام من قولهم:إنّ هؤلاء يطوفون و يسعون و يلبّون،و كلّما طافوا حلّوا و كلّما لبّوا عقدوا فيخرجون لا محلّين و لا محرمين،كذا رواه الشيخ في الخلاف مرسلا (4)،و رواه في التهذيب-في الصحيح-عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«إذا قدموا مكّة و طافوا بالبيت أحلّوا،و إذا لبّوا أحرموا،فلا يزال يحلّ و يعقد حتّى يخرج إلى منى بلا حجّ و لا عمرة» (5).
و لأنّا بيّنّا أنّ المتمتّع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكّة (6).و لأنّه مشتغل (7)بذكر يخصّه،فكان أولى.
احتجّ المخالف:بأنّه زمن التلبية فلا يكره (8).
و الجواب:المنع من كونه زمن التلبية.
ص:255
يستحبّ أن يأتي بالتلبية نسقا لا يتخلّلها كلام،فإن سلّم عليه،ردّ في أثنائها؛لأنّ ردّ السّلام واجب،فلا يترك للمندوب.
و آله؛
لقوله تعالى: وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (1)قيل في التفسير:لا أذكر إلاّ و تذكر معي (2).
و لأنّ كلّ موضع شرّع فيه ذكر اللّه تعالى شرّع فيه ذكر نبيّه،كالصلاة و الأذان.
و بالواحدة يحصل الامتثال،و لو زاد كان فيه فضل كثير؛لقولهم عليهم السّلام «و أكثر من ذي المعارج» (3).
و كرهه مالك (1).و الأصل عدم مشروعيّته.
و قولهم:إنّه ذكر استحبّ للمحرم،فيستحبّ لغيره،كسائر الأذكار،ضعيف؛ لأنّه ذكر طلب لعقد الإحرام،فلا يستحبّ لغيره.
عليه السّلام،
قال:«يكره للرجل أن يجيب بالتلبية إذا نودي و هو محرم» (2).
و في خبر آخر:«إذا نودي المحرم فلا يقل:لبّيك و لكن يقول:يا سعد» (3).
و معنى لبّيك:أنا مقيم عند طاعتك و على أمرك غير خارج عن ذلك،و ثنّى؛لأنّ المراد إقامة بعد إقامة أي طاعة مع طاعة.
و الإهلال رفع الصوت بالتلبية من قولهم:استهلّ الصبيّ إذا صاح،و الأصل فيه الصياح عند رؤية الهلال،فيقال:استهلّ الهلال،ثمّ قيل لكل صائح:مستهلّ.
بناء البيت قيل له:أذّن في الناس بالحجّ،
قال:ربّ و ما يبلغ صوتي،قال:أذّن و عليّ البلاغ،فنادى إبراهيم على نبيّنا و عليه السّلام:أيّها الناس كتب عليكم الحجّ، قال:فسمعه ما بين السماء و الأرض،أ فلا ترى النّاس يجيئون من أقطار الأرض يلبّون (2).
و روى ابن بابويه عن الحسن العسكريّ،عن آبائه عليهم السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لمّا بعث اللّه موسى بن عمران و اصطفاه نجيّا،و فلق له البحر،و نجّى بنى إسرائيل،و أعطاه التوراة و الألواح،رأى مكانه من ربّه عزّ و جلّ، فقال:يا ربّ لقد أكرمتني كرامة لم يكرم بها أحد قبلي،فقال اللّه جلّ جلاله:يا موسى أ ما علمت أنّ محمّدا أفضل عندي من جميع ملائكتي و جميع خلقي،قال موسى:يا ربّ فإن كان محمّد أكرم عندك من جميع خلقك،فهل في آل الأنبياء أكرم من آلي؟قال اللّه جلّ جلاله:يا موسى أ ما (3)علمت أنّ فضل آل محمّد على جميع آل النبيّين كفضل محمّد على جميع المرسلين،فقال:يا ربّ فإن كان آل محمّد كذلك،فهل في أمم الأنبياء أفضل عندك من أمّتي؟ظلّلت عليهم الغمام، و أنزلت عليهم المنّ و السلوى،و فلقت لهم البحر،فقال اللّه جلّ جلاله:يا موسى أ ما علمت أنّ فضل أمّة محمّد على جميع الأمم كفضله على جميع خلقي،فقال موسى:
يا ربّ ليتني كنت أراهم،فأوحى اللّه جلّ جلاله (4)إليه:يا موسى إنّك لن تراهم، فليس هذا أوان ظهورهم و لكن سوف تراهم في الجنان جنّات عدن و الفردوس بحضرة محمّد صلّى اللّه عليه و آله في نعيمها يتقلّبون و في خيراتها يتبجّحون،
ص:258
أ فتحبّ أن أسمعك كلامهم؟قال:نعم يا إلهي،قال عزّ و جلّ:قم بين يديّ و اشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل،ففعل ذلك موسى،فنادى ربّنا عزّ و جلّ:يا أمّة محمّد،فأجابوا كلّهم و هم في أصلاب آبائهم و أرحام أمّهاتهم:
لبّيك اللهمّ لبّيك،[لبّيك] (1)لا شريك لك لبّيك،لبّيك (2)إنّ الحمد و النعمة لك و الملك،لا شريك لك لبّيك،قال:فجعل اللّه عزّ و جلّ تلك الإجابة شعار الحجّ» (3).
و قد أجمع العلماء كافّة على تحريم لبس المخيط للمحرم،فإذا أراد الإحرام،وجب عليه نزع ثيابه،و لبس ثوبي الإحرام يأتزر بأحدهما و يرتدي بالآخر.
روى الجمهور عن عبد اللّه بن عمر،عن أبيه،قال:«سأل رجل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عمّا يجتنب المحرم من الثياب،قال:لا يلبس القميص،و لا السراويل و لا البرنس،و لا العمامة و لا ثوبا مسّه الورس و لا الزعفران،و يلبس إزارا و رداء و نعلين،و لا يلبس الخفّين إلاّ لمن لا يجد النعلين فليلبس الخفّين و ليقطعهما حتّى يكونا أسفل من الكعبين» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن
ص:259
أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا تلبس و أنت تريد الإحرام ثوبا تزرّه و لا تدرّعه، و لا تلبس سراويل إلاّ أن لا يكون لك إزار،و لا الخفّين إلاّ أن لا يكون لك نعلان» (1).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و البس ثوبيك» (2).و لا نعلم في ذلك خلافا.
فلا يجوز الإحرام فيما لا يجوز الصلاة فيه؛لأنّه إحرام فلا يجوز إلاّ فيما يجوز الصلاة فيه،كإحرامها.
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن حريز،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه» (3).و هو يدلّ بمفهوم الخطاب على المطلوب.
و عن الحسن بن عليّ،عن بعض أصحابنا،[عن بعضهم عليهم السلام] (4)قال:
«أحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ثوبي كرسف» (5).
و عن أبي بصير،قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الخميصة (6)سداها إبريسم و لحمتها من غزل،قال:«لا بأس بأن يحرم فيها،إنّما يكره الخالص منه» (7).و المراد بالكراهية هنا التحريم؛لأنّ لبس الحرير محرّم على الرجال.
ص:260
أحدهما:الجواز،و هو اختيار المفيد-رحمه اللّه-في كتاب أحكام النساء (1)، و اختاره ابن إدريس (2).
و الآخر:المنع،و اختاره الشيخ (3).و الأقوى الأوّل.
لنا:أنّه سائغ بالنسبة إليها و يجوز لها الصلاة فيه.
و ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن يعقوب بن شعيب،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:المرأة تلبس القميص تزرّه عليها،و تلبس الحرير و الخزّ و الديباج؟ فقال:«نعم،لا بأس به،و تلبس الخلخالين و المسك» (4).
احتجّ الشيخ:بما رواه عن داود بن الحصين،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
سألته ما يحلّ للمرأة أن تلبس و هي محرمة؟قال:«الثياب كلّها ما خلا القفّازين و البرقع و الحرير»قلت:تلبس الخزّ؟قال:«نعم»قلت:فإنّ سداه إبريسم و هو حرير؟قال:«ما لم يكن حريرا محضا لا بأس به» (5).
و في الصحيح عن عيص بن القاسم،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفّازين»و كره النقاب و قال:
«تنزل (6)الثوب على وجهها»قلت:حدّ ذلك إلى أين؟قال:«إلى طرف الأنف قدر ما تبصر» (7).
ص:261
و الجواب عن الأوّل:أنّه حديث مرسل،و مع ذلك ففي طريقه سهل بن زياد، و هو ضعيف.
و عن الثاني:أنّه غير دالّ على التحريم،فيحمل على الكراهية،و يعارضه (1)بما رواه الشيخ-في الموثّق-عن النضر بن سويد،عن أبي الحسن عليه السّلام، قال:سألته عن المحرمة أيّ شيء تلبس؟قال:«تلبس الثياب كلّها إلاّ المصبوغة بالزعفران و الورس،و لا تلبس القفّازين و لا حليا تتزيّن به لزوجها،و لا تكتحل إلاّ من علّة،[و لا تمسّ طيبا،و لا تلبس حليا] (2)و لا بأس بالعلم في الثوب» (3).و هو يدلّ من حيث المفهوم على صورة النزاع.
روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«خير ثيابكم البياض فألبسوها أحياءكم، و كفّنوا فيها موتاكم» (4).
و روى ابن بابويه-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«كان ثوبا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اللذان أحرم فيهما يمانيّين عبريّ و أظفار و فيهما كفّن» (5).
و سأل حمّاد النوى (6)عن الصادق عليه السّلام،أو سئل و هو حاضر عن المحرم
ص:262
يحرم في برد،قال:«لا بأس به،و هل كان الناس يحرمون إلاّ في البرود» (1).
روى ابن بابويه عن خالد أبي العلاء الخفّاف (2)،قال:رأيت أبا جعفر عليه السّلام و عليه برد أخضر و هو محرم (3).
و روى الشيخ-في الصحيح-عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام،قال:سألته يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر؟فقال:«إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به» (4).
ص:263
و في الصحيح عن أبي بصير،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:سمعته و هو يقول:«كان عليّ عليه السّلام محرما معه (1)بعض صبيانه و عليه ثوبان مصبوغان، فمرّ به عمر بن الخطّاب فقال:يا أبا الحسن ما هذان الثوبان المصبوغان؟فقال له عليّ عليه السّلام:«ما نريد أحدا يعلّمنا السنّة (2)،إنّما هما ثوبان صبغا بالمشق» يعني الطين (3).
لأنّها لباس أهل النار،فلا يقتدى بهم.
روى الشيخ عن الحسين بن المختار،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:يحرم الرجل في الثوب الأسود؟قال:«لا يحرم في الثوب الأسود و لا يكفّن به الميّت» (4).
و روى ابن بابويه عن أمير المؤمنين عليه السّلام،قال فيما علّم أصحابه:
«لا تلبسوا السواد،فإنّه لباس فرعون» (5).
و لا بأس بلبسه حال التقيّة؛دفعا للضرر.
و يدلّ عليه:ما رواه ابن بابويه عن حذيفة بن منصور،قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام بالحيرة،فأتاه رسول أبي العبّاس الخليفة يدعوه،فدعا بممطر أحد وجهيه أسود و الآخر أبيض فلبسه،ثمّ قال عليه السّلام:«أما إنّي ألبسه و أنا أعلم أنّه لباس أهل النار» (6).
ص:264
و يكره إذا كان مشبعا.و عليه علماؤنا،و به قال الشافعيّ (2)،و أحمد (3).
و قال أبو حنيفة:العصفر طيب و يجب به الفدية على المحرم (4).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى النساء في إحرامهنّ عن القفّازين و النقاب و ما أشبه الورس (5)من النبات،و لتلبس بعد ذلك ما أحبّت من ألوان الثياب من معصفر أو خزّ (6).
و عن القاسم بن محمّد أنّ عائشة كانت تلبس الأحمرين و هي محرمة الذهب و المعصفر (7).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم في حديث عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام (8).
و عن أبان بن تغلب،قال:سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام أخي-و أنا حاضر عنده- عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثمّ يغسل،ألبسه و أنا محرم؟قال:«نعم،ليس
ص:265
العصفر من الطيب،و لكن أكره أن تلبس ما يشهرك به الناس» (1).
و روى ابن بابويه عن عامر بن جذاعة أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مصبغات الثياب تلبسها المرأة المحرمة،فقال:«لا بأس إلاّ المفدم (2)المشهور» (3).
و لأنّه يجوز للمحرم لبسه إذا كان لا ينفضّ،فجاز و إن كان ينفضّ،كالممشق.
احتجّ المخالف:بأنّه طيب يجب به الفدية،كالورس و الزعفران (4).
و الجواب:المنع من كونه طيبا،و قد نصّ عليه الصادق عليه السّلام؛لأنّه لا يعتدّ به للطيب و إن كان له رائحة طيّبة كالفواكه.
لأنّه بالمزج خرج عن كونه إبريسما.
و روى الشيخ عن أبي بصير،قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الخميصة سداها إبريسم و لحمتها من غزل،قال:«لا بأس بأن يحرم فيها،إنّما يكره الخالص منه» (5).
و عن حنّان بن سدير،قال:كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام،فسئل عن رجل يحرم (6)في ثوب فيه حرير فدعا بإزار قرقبيّ (7)،فقال:«أنا أحرم في هذا
ص:266
و فيه حرير» (1).
و ذهبت رائحته.
و هو اختيار الشافعيّ (2)؛لأنّ المقصود من الطيب:الرائحة،و قد زالت بالغسل،أو بطول المكث،أو تجديد صبغ آخر غيره عليه.
و يدلّ على ذلك:ما رواه الشيخ عن عثمان،عن سعيد بن يسار،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الثوب المصبوغ بالزعفران أغسله و أحرم فيه؟قال:
«لا بأس به» (3).
و عن الحسين بن أبي العلاء،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب للمحرم يصيبه الزعفران ثمّ يغسل،فقال:«لا بأس به إذا ذهب ريحه و لو كان مصبوغا كلّه إذا ضرب إلى البياض فلا بأس به» (4).
و عن إسماعيل بن الفضل،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب؟فقال:«إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه» (5).
لو أصاب ثوبه شيء من خلوق الكعبة و زعفرانها لم يكن به بأس و إن لم يغسله.
روى الشيخ-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم،قال:«لا بأس به و لا يغسله
ص:267
فإنّه طهور» (1).
و في الصحيح عن يعقوب بن شعيب،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة قال:«لا يضرّه و لا يغسله» (2).
يكره النوم على الفرش المصبوغة.
روى الشيخ-في الصحيح-عن أبي بصير،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:
«يكره للمحرم أن ينام على الفراش الأصفر أو المرفقة (3)الصفراء» (4).
و قد تقدّم الدليل عليه فيما سلف (5).
و يدلّ عليه أيضا:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن العلاء بن رزين،قال:سئل أحدهما عليهما السّلام عن الثوب الوسخ يحرم فيه المحرم؟فقال:«لا،و لا أقول:
إنّه حرام،و لكن تطهيره أحبّ إليّ و طهره غسله» (6).
لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا تلبس-و أنت تريد الإحرام- ثوبا تزرّه و لا تدرعه،و لا تلبس سراويل إلاّ أن لا يكون لك إزار،و لا الخفّين إلاّ
ص:268
أن لا يكون لك نعلان» (1).و لا بأس بلبس الطيلسان،و لا يزرّه على نفسه؛لأنّه بمنزلة الرداء،و إنّما لا يزرّه؛لأنّه حينئذ ينزّل منزلة (2)المخيط.
و يدلّ عليه:ما رواه ابن بابويه-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المحرم يلبس الطيلسان المزرّر (3)؟قال:«نعم،في كتاب عليّ عليه السّلام:و لا تلبس طيلسانا حتّى تحلّ أزراره»و قال:«إنّما كره ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل عليه،فأمّا الفقيه فلا بأس بلبسه» (4)(5).
و اختلف أصحاب أبي حنيفة في جواز لبسه،فقال:الطحاويّ:لا يجوز له لبسه،و إنّما يفتقه و يجعله إزارا (1).
و قال الرازيّ:يجوز له لبسه و تجب الفدية (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس،قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«إذا لم يجد المحرم نعلين،لبس خفّين،فإذا لم يجد إزارا،لبس سراويلا» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«و لا تلبس سراويل إلاّ أن لا يكون لك إزار» (4).و هو جواز مطلق لم يذكر معه الفدية،فلا يجب؛عملا بالأصل.
و لأنّه رخّص له في لبسه عند عدم غيره فلا يلزمه الفدية،كالخفّين المقطوعين.
احتجّ أبو حنيفة:بأنّ ما وجب بلبسه الفدية مع وجود الإزار،وجب للبسه الفدية مع عدمه،كالقميص (5).
و الجواب:أنّ القميص يمكنه أن يستر به عورته،و لا يلبسه،و إنّما يأتزر به، و هذا يجب عليه لبسه ليستر عورته،و لا يمكنه ستر عورته إلاّ بلبسه على صفته.
لأنّه مخيط،فإن لم يجد ثوبا،جاز له أن يلبس القباء مقلوبا،و لا يدخل يديه في يدي القباء و لا فدية عليه حينئذ.و به قال أبو حنيفة (6).
ص:270
و قال الشافعيّ (1)،و مالك (2)،و أحمد (3):يجب الفداء.
لنا:أنّه لو توشّح بالقميص لم تجب الفدية،فكذا القباء.
و يدلّ عليه أيضا:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا اضطرّ المحرم إلى القباء،و لم يجد ثوبا غيره،فليلبسه مقلوبا، و لا يدخل يديه في يدي القباء» (4).
احتجّ المخالف:بأنّه محرم لبس مخيطا على العادة في لبسه،فوجبت عليه الفدية (5).
و الجواب:المنع من كونه ملبوسا على العادة.
لنا:عموم تحريم لبس الأقبية.روى الجمهور عن ابن عمر،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا يلبس المحرم القميص و لا الأقبية» (1).خرج منه ما لو لبسه مقلوبا؛للضرورة،و عملا بما تقدّم (2)،فيبقى الباقي على المنع،و لأنّ طريقة الاحتياط تقتضي المنع من ذلك.
و بالعكس،
بل المراد منه النكس بأن يجعل ذيله فوق أكتافه (3).
و هذا التفسير الذي ذكره رواه الشيخ (4)[و] (5)أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ في كتابه الجامع عن المثنّى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من اضطرّ إلى ثوب و هو محرم و ليس معه إلاّ قباء فلينكسه فليجعل أعلاه أسفله و يلبسه» (6).
و التفسيران عندي سائغان؛لأنّه عليه السّلام في الحديث الذي رويناه قال:
«فليجعله مقلوبا،و لا يدخل يديه في يدي القباء»إنّما يتمّ على أن يكون القلب المراد به غير النكس؛إذ لو كان المراد به النكس لم يحتج إلى قوله:«و لا يدخل يديه في يدي القباء».
و قد روى الشيخ أيضا لفظ (7)النكس عن عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«يلبس المحرم الخفّين إذا لم يجد نعلين (8)،و إن لم يكن له رداء
ص:272
طرح قميصه على عنقه (1)أو قباءه (2)بعد أن ينكسه» (3).
و روى ابن بابويه في كتابه عن محمّد بن مسلم،عن الباقر عليه السّلام:«و يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء،و يقلب ظهره لباطنه» (4).و هو يدلّ على التفسير المخالف لرأي ابن إدريس.
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عمر قال:نادى رجل،فقال:يا رسول اللّه ما يجتنبه المحرم؟فقال:«لا يلبس قميصا و لا سراويلا و لا عمامة و لا برنسا،و لا يلبس ثوبا مسّه و رس أو زعفران،و ليحرم أحدكم في إزار و رداء و نعلين،فإن لم يجد نعلين فليلبس خفّين و ليقطعهما حتّى يكونا إلى الكعبين» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام في المحرم يلبس الخفّ إذا لم يكن له نعل؟قال:«نعم،و لكن يشقّ ظهر القدم» (2).
قال ابن إدريس:الذي رواه أصحابنا و أجمعوا عليه لبسهما من غير شقّ (3).
و هي دعوى ممنوعة يكذّبها ما نقلناه من الخلاف،و الحديث عن الباقر عليه السّلام.
احتجّ أحمد (4):بما رواه ابن عبّاس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«السراويل لمن لم يجد إزارا،و الخفّ لمن لم يجد نعلين (5).
و لأنّ من لا يجد إزارا يلبس السراويل و لا يفتقه،كذلك هاهنا.
و الجواب:أنّ حديث ابن عمر،و الباقر عليه السّلام أولى؛لأنّه مشتمل على الزيادة و حديثهم لا ينافيه،فيحمل عليه،و السراويل لا يمكن لبسه بعد فتقه، بخلاف الخفّين،فافترقا.
إذا عرفت هذا:فلا بأس أيضا بلبس الجوربين إذا لم يجد النعلين؛لمفهوم الأمر
ص:274
بلبس الخفّين.
و لما رواه ابن بابويه،قال:سأل رفاعة بن موسى الصادق عليه السّلام عن المحرم يلبس الجوربين؟فقال:«نعم،و الخفّين إذا اضطرّ إليهما» (1).
إذا كان واجدا للنعلين،لم يجز له لبس الخفّين المقطوعين و الشمشكين.
و قال بعض الشافعيّة:يجوز (2).و هو غلط؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله شرط في لبسهما عدم وجدان النعلين.
و كذا لا يجوز له لبس القباء المقلوب عند وجدان الإزار؛لأنّه بدل اشترط في جواز فعله عدم مبدله.
و لو لم يجد رداء،لا يجوز له لبس القميص؛لأنّه لا يذهب منفعته بفتقه،و لأنّه يمكنه لبسه على صفته،كالمئزر.
أمّا لو عدم الإزار،فإنّه يجوز له التوشّح بالقميص و بالقباء المقلوب مخيّرا (3)في ذلك؛لقول الصادق عليه السّلام:«و إن لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه، أو قباءه (4)بعد أن ينكسه» (5).و الظاهر التخيير.
و أن يغيّرهما؛
عملا بالأصل،و بما رواه الشيخ-في الموثّق-عن الحلبيّ،قال:
ص:275
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوبين يرتدي بهما المحرم؟قال:«نعم،و الثلاثة يتّقي بها الحرّ و البرد»و سألته عن المحرم يحوّل ثيابه؟قال:«نعم»و سألته يغسلها إن أصابها شيء؟قال:«نعم،إذا احتلم فيها فليغسلها» (1).
إذا عرفت هذا:فإنّه ينبغي له أن يطوف في ثوبيه الذين أحرم فيهما ندبا و استحبابا؛لأنّهما وقعت ابتداء العبادة فيهما،فاستحبّ استدامتها فيهما.
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن معاوية،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«لا بأس بأن يغيّر المحرم ثيابه،و لكن إذا دخل مكّة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيهما،و كره أن يبيعهما» (2).
لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:
«لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتّى يحلّ و إن توسّخ،إلاّ أن يصيبه جنابة أو شيء فيغسله» (3).
و روى ابن بابويه-في الصحيح-عن الحلبيّ،قال:سألته عن الرجل يحرم في ثوب له علم،فقال:«لا بأس به» (1).
و سأل ليث المراديّ أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب المعلم هل يحرم فيه الرجل؟قال:«نعم،إنّما يكره الملحم (2)» (3).
قال الشيخ-رحمه اللّه-:يكره للمحرم بيع الثوب الذي أحرم فيه (4)؛لما رواه- في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،قال:كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يكره للمحرم أن يبيع ثوبا أحرم فيه (5).
و هو قول أكثر أهل العلم (6).
و حكي عن الشعبيّ و النخعيّ أنّه يشقّ ثيابه لئلاّ يتغطّى رأسه حين ينزع القميص منه (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن يعلى بن أميّة أنّ رجلا أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:يا رسول اللّه كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبّة بعد ما تضمّخ بطيب؟ فنظر إليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ساعة ثمّ سكت،فجاءه الوحي،فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«أمّا الطيب الذي بك فاغسله،و أمّا الجبّة فانزعها ثمّ اصنع في
ص:277
عمرتك ما تصنع في حجّك» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار و غير واحد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أحرم و عليه قميصه،فقال:«ينزعه و لا يشقّه،و إن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه و أخرجه ممّا يلي رجليه» (2).
و عن عبد الصمد بن بشير (3)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:جاء رجل يلبّي حتّى دخل المسجد و هو يلبّي و عليه قميصه،فوثب إليه أناس من أصحاب أبي حنيفة،فقالوا:شقّ قميصك و أخرجه من رجلك،فإنّ عليك بدنة و عليك الحجّ من قابل و حجّك فاسد،فطلع أبو عبد اللّه عليه السّلام،فقام على باب المسجد،فكبّر و استقبل الكعبة،فدنا الرجل من أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو ينتف شعره و يضرب وجهه،فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:«اسكن يا عبد اللّه»فلمّا كلّمه و كان الرجل أعجميّا فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:«ما تقول؟»قال:كنت رجلا أعمل بيدي فاجتمعت لي نفقة فجئت أحجّ لم أسأل أحدا عن شيء،فأفتوني هؤلاء أن أشقّ قميصي و أنزعه من قبل رجلي،و أنّ حجّي فاسد،و أنّ عليّ بدنة،قال له:«متى لبست قميصك:أبعد ما لبّيت أم قبل؟»قال:قبل أن ألبّي،قال:«فأخرجه من رأسك،فإنّه ليس عليك بدنة،و ليس عليك الحجّ من قابل،إنّ رجلا (4)ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه،طف بالبيت سبعا و صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم،واسع بين
ص:278
الصفا و المروة،و قصّر من شعرك فإذا كان يوم التروية فاغتسل و أهلّ بالحجّ و اصنع كما صنع الناس» (1).
إذا عرفت هذا:فلو لبسه بعد ما أحرم،قال الشيخ-رحمه اللّه-:يجب عليه أن يشقّه و يخرجه من قدميه (2)؛لرواية معاوية بن عمّار و غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و قد تقدّم.
و ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا لبست قميصا و أنت محرم فشقّه و أخرجه من تحت قدميك» (3).
ص:279
في أحكام الإحرام
و لو أخلّ به ناسيا حتّى أكمل مناسك الحجّ،قال الشيخ في النهاية و المبسوط:يصحّ الحجّ إذا كان عازما على فعله (1).
و أنكر ذلك ابن إدريس و أوجب الإعادة (2).و الصحيح الأوّل.
لنا:أنّه فات نسيانا،فلا يفسد به الحجّ،كما لو نسي الطواف أو السعي.
و ما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان» (3).
و ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى بن جعفر
ص:280
عليه السّلام،قال:سألته عن رجل نسي الإحرام بالحجّ،فذكره (1)و هو بعرفات ما حاله؟قال:«يقول:اللهمّ على كتابك و سنّة نبيّك فقد تمّ إحرامه،فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتّى يرجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه» (2).
و عن جميل بن درّاج،عن بعض أصحابنا،عن أحدهما عليهما السّلام في رجل نسي أن يحرم،أو جهل و قد شهد المناسك كلّها و طاف و سعى،قال:«يجزئه إذا كان قد نوى ذلك فقد تمّ حجّه و إن لم يهلّ» (3).
احتجّ ابن إدريس بقوله عليه السّلام:«إنّما الأعمال بالنيّات» (4).و هذا عمل بلا نيّة،فلا يرجع عن الأدلّة بالأخبار الآحاد (5).
و هذا من أغرب الاستدلالات و أعجبها و لا توجيه فيه البتّة،و الظاهر أنّه قد و هم في ذلك؛لأنّ الشيخ اجتزأ بالنيّة عن الفعل فتوهّم أنّه قد اجتزأ بالفعل بغير نيّة، و هذا الغلط من باب إيهام العكس.
و كذا لا يجوز إدخال الحجّ على العمرة.و قال جميع الفقهاء من الجمهور بجوازه.
لنا:قوله تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (1)و بإدخال أحدهما على الآخر لا يمكن الإتمام.
و لأنّ الإحرام وقع بنسك فاستحقّ أفعاله،فلا يجوز صرفها إلى غيره و لا شركتها (2)فيه.
الوقت عن التمتّع،
أو منعه عذر،كالحيض و المرض فينقل متعته إلى الإفراد،كما أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أصحابه بالأوّل،و عائشة بالثاني (3).
لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر أصحابه بأنّ من لم يكن معه هدي فليحلّ،و تأسّف صلّى اللّه عليه و آله على فوات المتعة (4).و لو جاز العدول كالمفرد،لفعلها عليه السّلام؛لأنّها الأفضل.
فلو قرن بين الحجّ و العمرة في إحرامه،لم ينعقد إحرامه إلاّ بالحجّ.
ص:282
قال الشيخ في الخلاف:فإن أتى بأفعال الحجّ لم يلزمه دم،و إن أراد أن يأتي بأفعال العمرة و يحلّ و يجعلها متعة،جاز ذلك،و يلزمه الدم (1).و به قال الشافعيّ (2)،و مالك (3)،و الأوزاعيّ،و الثوريّ (4)،و أبو حنيفة و أصحابه (5).
و قال الشعبيّ:عليه بدنة (6).و قال طاوس:لا شيء عليه.و به قال داود (7).
و حكي أنّ محمّد بن داود استفتي عن هذا بمكّة،فأفتى بمذهب أبيه فجرّوا برجله (8).
لنا:الأصل براءة الذمّة من الدم لو أتى بأفعال الحجّ بانفراده،فيقف شغلها على دليل،و لم يثبت.
بإحرام واحد،
و لا يدخل أفعال العمرة قطّ في أفعال الحجّ،و ادّعى على ذلك الإجماع (9).و قد خالف الجمهور فيه و زعموا أنّ القران الذي هو أحد أصناف الحجّ هذا،و أنّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله لبّى بحجّ و عمرة.
و قال ابن أبي عقيل منّا:و العمرة التي تجب مع الحجّ في حالة واحدة فالقارن،
ص:283
و هو الذي يسوق الهدي في حجّ أو عمرة و يريد الحجّ بعد عمرته،فإنّه يلزمه إقران الحجّ مع العمرة،إلاّ لمن ساق الهدي (1).
و قد روى الشيخ-في الصحيح-عن حمّاد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«أيّما رجل قرن بين الحجّ و العمرة،فلا يصلح إلاّ أن يسوق هديا قد أشعره (2)أو قلّده» (3).
و هذه الرواية تناسب ما قاله ابن أبي عقيل،من جواز القران في الإحرام بين الحجّ و العمرة.
قال الشيخ في التهذيب:المراد به في تلبية الإحرام بمعنى إن لم يكن حجّة فعمرة (4).و هو بعيد.
و في حديث عليّ عليه السّلام-لمّا أنكر على عثمان-ما يقوّي قول ابن أبي عقيل في قوله عليه السّلام:«لبّيك بحجّة و عمرة معا» (5).
و يمكن أن يتمسّك الشيخ-رحمه اللّه-بأنّ الإحرام ركن في الحجّ و العمرة، فلا يتعيّن،كما يكون لحجّتين و عمرتين،و لا يمكن أن يكون ركنا في الحجّ و العمرة معا.
ليبقيا على إحرامهما.
و لو لم يجدّدا التلبية،أحلاّ و صارت حجّتهما عمرة،قاله الشيخ-رحمه اللّه-
ص:284
في النهاية،و المبسوط (1).و قال في التهذيب:إنّما يحلّ المفرد لا القارن (2).و أنكر ابن إدريس ذلك و أنّهما إنّما يحلاّن بالنيّة لا بمجرّد الطواف و السعي (3).
روى الجمهور عن ابن عبّاس،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إذا أهلّ الرجل بالحجّ ثمّ قدم مكّة و طاف بالبيت و بين الصفا و المروة فقد حلّ و هي عمرة» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن المفرد للحجّ هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟قال:«نعم،بما شاء،و يجدّد التلبية بعد الركعتين،و القارن بتلك المنزلة يعقدان ما أحلاّ من الطواف بالتلبية» (5).
قال الشيخ:فقه هذا الحديث أنّه قد رخّص للقارن و المفرد أن يقدّما طواف الزيارة قبل الوقوف بالموقفين،فمتى فعلا ذلك فإن لم يجدّدا التلبية يصيرا محلّين و لا يجوز ذلك؛فلأجله أمر المفرد و السائق بتجديد التلبية عند الطواف،مع أنّ السائق لا يحلّ و إن كان قد طاف؛لسياقه الهدي (6).
و في الموثّق عن زرارة،قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«من طاف بالبيت و بالصفا و المروة أحلّ أحبّ أو كره» (7).
و عن يونس بن يعقوب،عمّن أخبره،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:
ص:285
«ما طاف بين هذين الحجرين الصفا و المروة أحد إلاّ أحلّ،إلاّ سائق الهدي» (1).
و هذا يدلّ على اختيار الشيخ في التهذيب:من أنّ المفرد يحلّ بالطواف و السعي ما لم يجدّد التلبية،و أنّ السائق لا يحلّ بذلك.
و قد روى الشيخ-في الصحيح-عن عبد الرحمن بن الحجّاج،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي أريد الجوار (2)فكيف أصنع؟قال:«إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجّة فاخرج إلى الجعرانة فأحرم منها بالحجّ».فقلت:كيف أصنع إذا دخلت مكّة أقيم إلى يوم التروية لا أطوف (3)بالبيت؟قال:«تقيم عشرا لا تأتي الكعبة،إنّ عشرا لكثير،إنّ البيت ليس بمهجور،و لكن إذا دخلت فطف بالبيت واسع بين الصفا و المروة»قلت:أ ليس كلّ من طاف و سعى بين الصفا و المروة أحلّ؟قال:«[إنّك تعقد بالتلبية»،ثمّ قال] (4):«كلّما طفت طوافا و صلّيت ركعتين فاعقد بالتلبية» (5).
إحراما للحجّ،و لا يحلّ حتّى يفرغ من مناسكه (1).
لنا:قوله عليه السّلام:«من لم يكن ساق الهدي فليتحلّل» (2)شرط في التحلّل عدم السياق.و قول أبي حنيفة باطل؛لأنّ تجديد الإحرام إنّما يمكن مع الإحلال، أمّا المحرم فهو باق على إحرامه،فلا وجه لتجديد الإحرام.
و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يتحلّل،و علّل بأنّه ساق الهدي.و قال عليه السّلام:«لا يحلّ سائق الهدي حتّى يبلغ الهدي محلّه» (3).
بإحرام الحجّ عليه.
و به قال أبو حنيفة (4)،و الشافعيّ (5).
و قال عطاء:لا يجب حتّى يقف بعرفة (6).
و قال مالك:لا يجب حتّى يرمي جمرة العقبة (7).
لنا:قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (8).فجعل
ص:287
الحجّ غاية لوجوب الهدي،و الغاية وجود أوّل الحجّ دون إكماله،كما في قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ (1).
و ما رواه الجمهور عن ابن عمر،قال:تمتّع الناس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال عليه السّلام:«من كان معه هدي فإذا أهلّ بالحجّ فليهد،و من لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة إذا رجع إلى أهله» (2).و هذا نصّ في الباب.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن سعيد الأعرج،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«من تمتّع في أشهر الحجّ ثمّ أقام بمكّة حتّى يحضر الحجّ،فعليه شاة، و من تمتّع في غير أشهر الحجّ ثمّ جاور حتّى يحضر الحجّ،فليس عليه دم إنّما هي حجّة مفردة و إنّما الأضحى على أهل الأمصار» (3).
قال الشيخ- رحمه اللّه-:بطلت متعته و كانت حجّته مبتولة،و إن فعل ذلك ناسيا فليمض فيما أخذ فيه و قد تمّت متعته و ليس عليه شيء (4).
و احتجّ عليه (5):بما رواه العلاء بن الفضيل،قال:سألته عن رجل متمتّع فطاف ثمّ أهل بالحجّ قبل أن يقصّر،قال:«بطلت متعته و هي حجّة مبتولة» (6).
ص:288
و دلّ على حال النسيان:ما رواه-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن رجل (1)متمتّع نسي أن يقصّر حتّى أحرم بالحجّ،قال:
«يستغفر اللّه» (2).
و في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج،قال:سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن رجل متمتّع (3)بالعمرة إلى الحجّ،فدخل مكّة فطاف و سعى و لبس ثيابه و أحلّ،و نسي أن يقصّر حتّى خرج إلى عرفات،قال:«لا بأس به،يبني على العمرة و طوافها،و طواف الحجّ على أثره» (4).
و في الحسن عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أهلّ بالعمرة،و نسي أن يقصّر حتّى يدخل في الحجّ،قال:«يستغفر اللّه و لا شيء عليه و تمّت عمرته» (5).
و قال بعض أصحابنا في الناسي:عليه دم (6).و قال بعضهم:يبطل الإحرام الثاني،سواء وقع عمدا أو سهوا،و يبقى على إحرامه الأوّل (7).
التلبية،و الإشعار،
ص:289
و التقليد (1).
و قال السيّد المرتضى:إنّما ينعقد بالتلبية لا غير (2).و اختاره ابن إدريس (3).
و قد بيّنّا الدليل عليه.
فإن عقده بالتلبية،استحبّ له الإشعار أو التقليد.و به قال الشافعيّ (4).
و مالك (5).
و أنكر أبو حنيفة الإشعار؛لأنّه مثلة و بدعة و تعذيب للحيوان،و لم يعرف تقليد الغنم (6).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دعا ببدنة فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن ثمّ سلت الدم عنها (7).
و عن عروة،عن[المسور بن] (8)مخرمة و مروان قالا:خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلمّا كان بذي الحليفة،قلّد الهدي و أشعره (9).
ص:290
و عن جابر بن (1)الأنصاريّ،قال:كان هدايا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله غنما مقلّدة (2).
و عن عائشة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أهدى غنما مقلّدة (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«من أشعر بدنة فقد أحرم و إن لم يتكلّم بقليل و لا بكثير» (4)و غير ذلك من الأحاديث التي نقلناها فيما سلف (5).
بأن يدخل مكّة و يطوف و يسعى و يقصّر و يجعلها عمرة و يتمتّع بها إلى الحجّ،ثمّ يأتي بالحجّ بعد ذلك،إلاّ أن يكون قد ساق الهدي؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله تأسّف على فوات المتعة حيث كان قد ساق الهدي.
و كذا يجوز له إذا دخل مكّة و طاف و سعى أن يقصّر و يجعلها عمرة ما لم يلبّ؛ لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن أبي بصير،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
الرجل يفرد الحجّ ثمّ يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة ثمّ يبدو له أن يجعلها عمرة،قال:«إن كان لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصّر فلا متعة له» (7).
ص:291
و قد روى الشيخ-في الصحيح-عن حمران بن أعين،قال:دخلت على أبي جعفر عليه السّلام،فقال لي:«بما أهللت؟»قتل:بالعمرة،فقال لي:
«أ فلا أهللت بالحجّ و نويت المتعة فصارت عمرتك كوفيّة و حجّتك مكّيّة؟و لو كنت نويت المتعة و أهللت بالحجّ،كانت عمرتك و حجّتك كوفيّتين» (1).
قال الشيخ-رحمه اللّه-:الوجه في هذا الخبر أن نحمله على من أهلّ بالعمرة المبتولة دون المتمتّع بها،و لو كانت التي يتمتّع بها لم تكن حجّته مكّيّة،بل كانت تكون حجّته و عمرته كوفيّتين حسب ما ذكره في قوله:«و لو كنت نويت المتعة» (2).
كما فعله أوّلا عند الميقات،من أخذ الشارب،و قلم الأظفار،و الاغتسال و غير ذلك؛ لأنّه أحد الإحرامين،فاستحبّ فيه ذلك كالآخر.
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا كان يوم التروية إن شاء اللّه تعالى فاغتسل،ثمّ البس ثوبيك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار،ثمّ صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام أو في الحجر،ثمّ اقعد حتّى تزول الشمس فصلّ المكتوبة،ثمّ قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة فأحرم بالحجّ،ثمّ امض و عليك السكينة و الوقار،فإذا انتهيت إلى الرقطاء (3)دون الرّدم (4)فلبّ،فإذا انتهيت
ص:292
إلى الرّدم و أشرفت إلى الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتّى تأتي منى» (1).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا أردت أن تحرم يوم التروية،فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم،و خذ من شاربك و من أظفارك و عانتك إن كان لك شعر،و انتف إبطيك و اغتسل و البس ثوبيك،ثمّ ائت المسجد الحرام،فصلّ فيه ستّ ركعات قبل أن تحرم،و تدعو اللّه و تسأله العون،و تقول:
اللهمّ إنّي أريد الحجّ فيسّره لي،و حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ، و تقول:أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي من النساء و الثياب و الطيب أريد بذلك وجهك و الدار الآخرة،و حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ،ثمّ تلبّي من المسجد الحرام كما لبّيت حين أحرمت،و تقول:لبّيك بحجّة تمامها و بلاغها عليك،فإن قدرت أن يكون رواحك إلى منى (2)زوال الشمس و إلاّ فمتى تيسّر (3)لك من يوم التروية» (4).و سيأتي إن شاء اللّه تعالى تمام البحث في الإحرام بالحجّ.
الدخول إلى مكّة إلاّ أن يكون محرما،
إلاّ من يكون دخوله بعد إحرام قبل مضيّ شهر،أو يتكرّر،كالحطّاب و الحشّاش و ناقل الميرة (5)،و من كانت له ضيعة يتكرّر دخوله و خروجه إليها،فهؤلاء لا إحرام عليهم،و كذا من دخلها لقتال مباح.و به
ص:293
و قال أبو حنيفة:لا يجوز لأحد دخول الحرم بغير إحرام إلاّ من كان دون الميقات (3).
لنا:ما رواه الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخل يوم الفتح مكّة حلالا و على رأسه المغفر (4)،و كذلك أصحابه،و لم يحرم أحد منهم يومئذ.
و لأنّ إيجاب الإحرام على المتكرّر يستلزم أن لا ينفكّ عنه وجوب الإحرام، و ذلك ضرر عظيم،فكان ساقطا.
احتجّ:بأنّه يجاوز (5)الميقات مريدا للحرم،فوجب عليه الإحرام،كغيره (6).
و جوابه:بالفرق و قد بيّنّاه.
أمّا لو دخلها لغير قتال و لا حاجة متكرّرة،فإنّه يجب أن يكون محرما.و به قال أبو حنيفة (7)،و بعض أصحاب الشافعيّ،و قال بعضهم:لا يجب عليه الإحرام إذا لم يرد النسك (8).و عن أحمد روايتان (9).
لنا:أنّه لو نذر دخولها،وجب عليه الإحرام،و لو لم يكن واجبا لم يجب بنذر
ص:294
الدخول،كغيره من البلدان.
احتجّوا:بقياسه على حرم المدينة (1).
و الجواب:الفرق ظاهر،فلا يتمّ القياس.
أحدهما:رفع الصوت بالتلبية،و قد تقدّم استحباب الإخفات لهنّ (2).
و الثاني:لبس المخيط لهنّ،فإنّه جائز.و قال بعض منّا (3)شاذّا:لا يلبسن المخيط (4).و هو خطأ؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى النساء في إحرامهنّ عن القفّازين و النقاب و ما مسّه الورس من الثياب،و لتلبس بعد ذلك ما أحبّت من ألوان الثياب (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عيص بن القاسم قال:
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفّازين»و كره النقاب و قال:«تسدل الثوب على وجهها»قال:حدّ ذلك (6)إلى أين؟قال:«إلى طرف الأنف قدر ما تبصر» (7).
و عن النضر بن سويد،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:سألته عن المحرمة أيّ
ص:295
شيء تلبس[من الثياب] (1)؟قال:«تلبس الثياب كلّها إلاّ المصبوغة بالزعفران و الورس و لا تلبس القفازين و لا حليا تتزيّن به لزوجها،و لا تكتحل إلاّ من علّة، و لا تمسّ طيبا،و لا بأس بالعلم في الثوب» (2).
و في الصحيح عن يعقوب بن شعيب،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:المرأة تلبس القميص تزرّه عليها و تلبس الخزّ و الحرير و الديباج؟فقال:«نعم،لا بأس به و تلبس الخلخالين و المسك» (3).
و القفّازان في الأصل شيء يتّخذه النساء باليدين يحشى بقطن و يكون له أزرار تزرّ على الساعدين من البرد تلبسه النساء.
و المسك-بفتح الميم و السين غير المعجمة-أسورة من ذبل أو عاج.
و لا يجوز لها أن تغطّيه بمخيط و لا بغيره،و لا نعرف فيه خلافا.
روى الجمهور عن ابن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:«لا تتنقّب المرأة و لا تلبس القفّازين» (4).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم في حديث العيص.و ما رواه الشيخ-في الحسن- عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«مرّ أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقّبة و هي محرمة،فقال:أحرمي و أسفري و أرخي ثوبك من فوق رأسك،فإنّك إن تنقّبت لم يتغيّر لونك،فقال رجل:إلى أين ترخيه؟قال:تغطّي عينها»قال:قلت:
يبلغ فمها؟قال:«نعم»قال:و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«المحرمة لا تلبس الحلي
ص:296
و لا الثياب المصبغات إلاّ صبغا لا يردع» (1)يقال:به ردع من زعفران أو دم-بفتح الراء و سكون الدال و العين غير المعجمات-أي:لطخ و أثر.
و عن داود بن الحصين،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته ما يحلّ للمرأة أن تلبس و هي محرمة؟قال:«الثياب كلّها ما خلا القفّازين و البرقع و الحرير» قلت:تلبس الخزّ؟قال:«نعم»قلت:فإنّ سداه إبريسم و هو حرير؟قال:«ما لم يكن حريرا محضا فإنّه لا بأس به» (2).
و روى ابن بابويه عن عبد اللّه بن ميمون،عن الصادق،عن أبيه عليهما السّلام قال:«المحرمة لا تتنقّب؛لأنّ إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه» (3).
و لأنّ الرجل يجب عليه كشف رأسه فلمّا وجب على الرجل كشف عضو وجب على المرأة؛لأنّ كلّ واحد منهما شخص تعلّق به حرمة الإحرام.
و يجوز لها أن تسدل على وجهها ثوبا حتّى لا يمسّه؛لأنّه ليس بستر حقيقة،و لهذا جاز للمحرم أن يظلّل على نفسه حالة النزول،و تسدله إلى طرف أنفها؛لرواية عيص الصحيحة عن الصادق عليه السّلام.و في رواية الحلبيّ الحسنة عنه عليه السّلام دلالة جواز الإرخاء إلى أن يبلغ إلى فمها.
و روى ابن بابويه-في الصحيح-عن حمّاد،عن حريز،قال:قال أبو عبد اللّه
ص:297
عليه السّلام:«المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن» (1).
و روى ابن بابويه-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن الصادق عليه السّلام،قال:«تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة» (2).
عليها،
و إلاّ وجب عليها دم (3).و لا أعرف فيه نصّا لأصحابنا.
و قال أبو حنيفة:يجوز لها ذلك (1).و به قال الثوريّ (2)،و للشافعيّ قولان (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى النساء في إحرامهنّ عن القفّازين و عن النقاب (4).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم في حديث عيص بن القاسم الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (5).
و عن النضر بن سويد،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:«و لا تلبس القفّازين» (6).
و عن داود بن حصين،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته ما يحلّ للمرأة أن تلبس و هي محرمة؟قال:«الثياب كلّها ما خلا القفّازين و البرقع و الحرير» (7).
و لأنّ هذا ليس بعورة منها،فتعلّق به حكم الإحرام.
احتجّ أبو حنيفة (8):بقوله صلّى اللّه عليه و آله:«إحرام المرأة في وجهها» (9).
ص:299
و لأنّه عضو منها يجوز ستره بغير المخيط،فجاز بالمخيط،كالرجلين.
و الجواب عن الأوّل:أنّ المراد بالخبر الكشف.
و عن الثاني:أنّ الستر بغير المخيط يجوز،و لا يجوز بالمخيط للرجل.
لما رواه الشيخ عن محمّد الحلبيّ،قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة إذا أحرمت أ تلبس السراويل؟قال:«نعم، إنّما تريد بذلك الستر» (1).
و يجوز لها أن تلبس الغلالة (2)إذا كانت حائضا؛لتحفظ ثيابها من الدم،رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«تلبس المحرمة الحائض تحت ثيابها غلالة» (3).
و يجوز لها أيضا أن تلبس الثياب المصبوغة و كره لها المفدم؛لما رواه عامر ابن جذاعة عن الصادق عليه السّلام عن مصبغات الثياب تلبسها المرأة المحرمة؟ قال:«لا بأس إلاّ المفدم المشهور» (4).
ص:300
في دخول مكّة
اغتسل قبل دخوله.
روى الشيخ عن أبان بن تغلب،قال:كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام مزامله بين مكّة (1)و المدينة،فلمّا انتهى إلى الحرم،نزل و اغتسل و أخذ نعليه بيديه ثمّ دخل الحرم حافيا،فصنعت مثل ما صنع،فقال:«يا أبان من صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعا للّه عزّ و جلّ،محا اللّه عزّ و جلّ عنه مائة ألف سيّئة،و كتب له مائة ألف حسنة،و بنى له مائة ألف درجة،و قضى له مائة ألف حاجة» (2).
و في الحسن عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا انتهيت إلى الحرم إن شاء اللّه فاغتسل حين تدخله،و إن تقدّمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخّ،أو من منزلك بمكّة» (3).
إذا ثبت هذا:فإن لم يتمكّن من الاغتسال عند دخول الحرم،جاز أن يؤخّره إلى
ص:301
قبل دخول مكّة،فإن لم يتمكّن فبعد دخولها؛لما تقدّم في حديث معاوية بن عمّار.
و لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن ذريح،قال:سألته عن الغسل في الحرم قبل دخوله أو بعد دخوله؟قال:«لا يضرّك أيّ ذلك فعلت،و إن اغتسلت بمكّة فلا بأس،و إن اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكّة فلا بأس» (1).
ليطيب بذلك فمه،رواه الشيخ عن أبي بصير،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا دخلت الحرم فتناول من الإذخر فامضغه»و كان يأمر أمّ فروة بذلك (3).
إذا عرفت هذا:فينبغي له أن يدعو عند دخول الحرم فيقول:اللّهمّ إنّك قلت في كتابك و قولك الحقّ: وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (4)اللهمّ و إنّي أرجو أن أكون ممّن أجاب دعوتك و قد جئت:من شقّة بعيدة و من فجّ عميق سامعا لندائك و مستجيبا لك،مطيعا لأمرك،و كلّ ذلك بفضلك عليّ و إحسانك إليّ،فلك الحمد على ما وفّقتني له،أبتغي بذلك الزلفة عندك،و القربة إليك،و المنزلة لديك،و المغفرة لذنوبي،و التوبة عليّ منها بمنّك، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد،و حرّم بدني على النّار،و آمنّي من عذابك و عقابك برحمتك يا كريم،فإذا نظرت إلى بيوت مكّة فاقطع التلبية،و حدّها عقبة المدنيّين،و لو أخذ على طريق المدينة،قطع التلبية إذا نظر إلى عريش مكّة و هي عقبة ذي طوى.
طريق المدينة،
و يخرج من أسفلها.
ص:302
روى الشيخ عن يونس بن يعقوب،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:من أين أدخل مكّة و قد جئت من المدينة؟قال:«ادخل من أعلى مكّة،و إذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكّة» (1).
و يستحبّ له أن يغتسل لدخول مكّة إمّا من بئر ميمون أو من فخّ،و هو قول العلماء.
روى الجمهور عن ابن عمر أنّه كان إذا خرج حاجّا أو معتمرا،بات بذي طوى حتّى يصبح ثمّ يغتسل ثمّ يدخل مكّة نهارا،و يذكر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعله (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه: طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (3)و ينبغي للعبد أن لا يدخل مكّة إلاّ و هو طاهر قد غسل عرقه و الأذى و تطهّر» (4).
و في الحسن عن الحلبيّ،قال:أمرنا أبو عبد اللّه عليه السّلام أن نغتسل من فخّ قبل أن ندخل مكّة (5).
و عن عجلان أبي صالح (6)،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا انتهيت إلى بئر
ص:303
ميمون و بئر عبد الصمد فاغتسل و اخلع نعليك و امش حافيا و عليك السكينة و الوقار» (1).
لو اغتسل ثمّ نام قبل دخولها،أعاده استحبابا؛
لأنّ النوم ناقض للواجب فكذا الندب.
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبد الرحمن بن الحجّاج،قال:
سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يغتسل لدخول مكّة ثمّ ينام قبل أن يدخل أ يجزئه أو يعيد؟قال:«لا يجزئه؛لأنّه إنّما دخل بوضوء» (2).
و عن عليّ بن أبي حمزة،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:قال لي:«إن اغتسلت بمكّة ثمّ نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك» (3).
إذا ثبت هذا:فإنّه يستحبّ له أن يدخل مكّة بسكينة و وقار حافيا؛لأنّه أبلغ في الطاعة.
ص:304
و يدلّ عليه رواية الحلبيّ عن الصادق عليه السّلام (1).
ثمّ ينشئ الإحرام للحجّ من المسجد على ما تقدّم (2).
أمّا القارن و المفرد،فلا يجب عليهما ذلك؛لأنّ الطواف و السعي إنّما يجب عليهما بعد الموقفين و نزول منى و قضاء بعض المناسك بها،لكن يجوز لهما أيضا دخول مكّة و المقام بها على إحرامهما حتّى يخرجا إلى عرفات،فإن أرادا الطواف بالبيت استحبابا،فعلا،غير أنّهما كلّما فرغا من الطواف و السعي عقدا إحرامهما بالتلبية على ما تقدّم بيان ذلك كلّه (3).
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخلها عام الفتح و عليه عمامة سوداء (1).
لا يقال:إنّه كان مختصّا بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله؛لأنّه قال عليه السّلام:«مكّة حرام لم تحلّ لأحد قبلي و لا تحلّ لأحد بعدي و إنّما أحلّت لي ساعة من نهار» (2).
لأنّا نقول:يحتمل أن يكون معناه أحلّت لي و لمن هو في مثل حالي.
لا يقال:إنّه عليه السّلام دخل مكّة مصالحا،و ذلك ينافي أن يكون دخلها (3)لقتال.
لأنّا نقول:إنّما كان وقع الصلح مع أبي سفيان و لم يثق بهم و خاف غدرهم؛ فلأجل خوفه عليه السّلام،ساغ له الدخول من غير إحرام.
أمّا من يدخلها لزيارة صديق أو تجارة،أو يكون مكّيّا و قد خرج منها ثمّ عاد إليها،فإنّه يجب عليه الإحرام لدخولها.و به قال ابن عبّاس (4)،و أبو حنيفة إلاّ فيمن كانت داره أقرب من المواقيت إلى مكّة،فإنّ أبا حنيفة جوّز له دخولها من غير إحرام (5).و للشافعيّ قولان:
أحدهما:مثل قولنا،قاله في الأمّ (6)،و قال في سائر كتبه:إنّه مستحبّ (7).
ص:306
و أوجب أبو حنيفة الإحرام مطلقا لمن أراد دخولها،سواء كان لقتال أو غيره، بشرط أن يكون منزله وراء الميقات (1).
لنا:عموم الأخبار الدالّة على وجوب دخولها بإحرام (2)،خرج منها المتكرّر دخولها للضرورة،فيبقى الباقي على العموم.و لأنّه لو نذر دخولها،وجب أن يكون محرما،فلو كان مستحبّا،لم يجب بنذره الدخول.
و احتجاج الشافعيّ بالقياس على تحيّة المسجد (3)باطل؛للفرق و إن اشتركا في كونهما تحيّة مشروعة لدخول بقعة شريفة.
و فرق أبي حنيفة باطل؛لأنّ الحرمة للحرم لا للميقات،فإنّ من مرّ بالميقات لا يريد الحرم لا يشرع له الإحرام.
لنا:الأصل براءة الذمّة و الاستهانة ممنوعة.
بالنسك عن خدمته،
فإذا لم يجب عليهم حجّة الإسلام لهذا المنع (1)،فعدم وجوب الإحرام لذلك أولى.و البريد كذلك على إشكال.
و به قال الشافعيّ (2).
و قال أبو حنيفة:عليه أن يأتي بحجّة أو عمرة،فإن فعل في سنته بحجّة الإسلام أو منذورة أو عمرة منذورة أجزأه ذلك عن عمرة الدخول استحسانا،و إن لم يحجّ من سنته استقرّ القضاء (3).
لنا:الأصل براءة الذمّة من القضاء،و إنّما يجب بأمر جديد و لم يوجد.و لأنّه مشروع لتحيّة البقعة،فإذا لم يأت به،سقط القضاء،كتحيّة المسجد.
لا يقال:تحيّة المسجد مستحبّة،بخلاف الإحرام.
لأنّا نقول:النوافل المرتّبة ليست واجبة و تقضى،و إنّما سقطت؛لما ذكرناه.
قال بعض الشافعيّة:لو وجب القضاء،تسلسل،فإنّ الدخول الثاني يجب لأجله أيضا إحرام،و ما أتى به،كان عمّا تقدّم (4).
و هو خطأ؛لأنّ الدخول إذا كان بإحرام،كفاه،سواء كان لأجله أو لأجل غيره، كالصوم في الاعتكاف،و كما لو أفسد القضاء،فإنّه لا يجب إلاّ قضاء واحد.
ص:308
قال القائلون بالتسلسل:إنّما يجب القضاء في صورة واحدة،و هو ما إذا دخل بغير إحرام ثمّ صار حطّابا،فإنّه يجب القضاء؛لأنّه لا يتسلسل القضاء (1).و قد بيّنّا أنّ العلّة في السقوط غير ذلك.
و هو قول عامّة العلماء،و حكي عن عطاء أنّه كره دخولها ليلا (2).
لنا:الأصل سقوط التكليف إلى أن يثبت دليل،و لم يثبت.
و قال إسحاق:دخولها نهارا أولى.و حكي هذا عن النخعيّ (3)؛لما روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخل مكّة حين ارتفعت الضحى (4).
و جوابه:ما تقدّم.و معارض بما روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخلها في عمرة الجعرانة ليلا (5).
و روي عن عائشة أنّها قالت:دخل ليلا (6).و إذا فعلهما جميعا تساويا.
و لا نعرف فيه خلافا؛لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر عائشة لمّا حاضت:افعلي ما يفعل الحاجّ غير أن لا تطوفي بالبيت (7).و لأنّ هذا الغسل إنّما يراد للتنظيف،و هو
ص:309
يحصل مع الحيض.
و قد تقدّم بيانه (1).
و يستحبّ له أن يدخله على سكينة و وقار حافيا بخشوع و خضوع من باب بني شيبة،قيل:لأنّ هبل صنم مدفون تحت عتبة باب بني شيبة فسنّ الدخول منها ليطئوه (2)بدخولهم (3).
و يدعو بما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا دخلت المسجد الحرام فادخل (4)حافيا على السكينة و الوقار و الخشوع»و قال:«من دخله (5)بخشوع غفر اللّه له إن شاء اللّه»قلت:
ما الخشوع؟قال:«السكينة لا تدخله بتكبّر،فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم و قل:السّلام عليك أيّها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته،بسم اللّه و باللّه و ما شاء اللّه، و السلام على أنبياء اللّه و رسله،و السلام على رسول اللّه،و السلام على إبراهيم، و الحمد للّه ربّ العالمين،فإذا دخلت المسجد فارفع يديك و استقبل البيت و قل:
اللهمّ إنّي أسألك في مقامي هذا في أوّل مناسكي أن تقبل توبتي،و أن تجاوز عن خطيئتي و تضع عنّي وزري،الحمد للّه الذي بلّغني بيته الحرام،اللهمّ إنّي أشهد أنّ هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للنّاس و أمنا مباركا و هدى للعالمين،اللهمّ إنّي عبدك (6)و البلد بلدك و البيت بيتك،جئت أطلب رحمتك[و أؤمّ] (7)طاعتك مطيعا
ص:310
لأمرك راضيا بقدرك (1)،أسألك مسألة الفقير إليك الخائف لعقوبتك،اللهمّ افتح لي أبواب رحمتك و استعملني بطاعتك و مرضاتك» (2).
و يستحبّ له أن يقف على باب المسجد و يدعو بما رواه الشيخ،عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«تقول[و أنت] (3)على باب المسجد:بسم اللّه و باللّه و من اللّه و إلى اللّه و ما شاء اللّه و على ملّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و خير الأسماء للّه و الحمد للّه و السّلام على رسول اللّه،السّلام على محمّد بن عبد اللّه، السّلام عليك أيّها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته،السّلام على أنبياء اللّه و رسله،السّلام على إبراهيم خليل الرحمن،السّلام على المرسلين و الحمد للّه ربّ العالمين،السّلام علينا و على عباد اللّه الصالحين،اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و بارك على محمّد و آل محمّد كما صلّيت و باركت و ترحّمت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد،اللّهم صلّ على محمّد عبدك و رسولك و على إبراهيم خليلك و على أنبيائك و رسلك و سلّم عليهم و سلام على المرسلين و الحمد للّه ربّ العالمين،اللهمّ افتح لي أبواب رحمتك و استعملني في طاعتك و مرضاتك و احفظني بحفظ الإيمان أبدا ما أبقيتني،جلّ ثناء وجهك،الحمد للّه الذي جعلني من وفده و زوّاره،و جعلني ممّن يعمر مساجده،و جعلني ممّن يناجيه اللهمّ[إنّي] (4)عبدك و زائرك و في بيتك، و على كلّ مأتيّ حقّ لمن أتاه و زاره،و أنت خير مأتيّ و[أكرم] (5)مزور،فأسألك يا اللّه يا رحمن،و بأنّك أنت اللّه لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك،و بأنّك واحد أحد صمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد،و أنّ محمّدا عبدك و رسولك
ص:311
صلّى اللّه عليه و على أهل بيته،يا جواد يا ماجد يا جبّار يا كريم،أسألك أن تجعل تحفتك إيّاي من زيارتي إيّاك أن (1)تعطيني فكاك رقبتي من النّار،اللّهمّ فكّ رقبتي من النار-تقولها ثلاثا-و أوسع عليّ من رزقك الحلال الطيّب،و ادرأ عنّي شرّ شياطين الجنّ و الإنس و شرّ فسقة العرب و العجم» (2).
ص:312
في الطواف،
و مباحثه ثلاثة:
و هي واجبة و مندوبة،فالواجبات نذكرها في مسائل:
و عن أحمد روايتان:إحداهما:كقولنا،و الثانية:أنّ الطهارة ليست شرطا، فمتى طاف للزيارة غير متطهّر،أعاد ما دام مقيما بمكّة،فإن خرج إلى بلده جبره بدم (1).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«الطواف بالبيت صلاة،إلاّ أنّكم تتكلّمون فيه» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار، قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«لا بأس بأن يقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلاّ الطواف بالبيت و الوضوء أفضل» (3).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:سألته عن رجل طاف الفريضة و هو على غير طهر،قال:«يتوضّأ و يعيد طوافه،و إن كان تطوّعا توضّأ و صلّى ركعتين» (4).
و عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:سألته عن الرجل يطوف بغير وضوء،أ يعتدّ بذلك الطواف؟قال:«لا» (5).
ص:314
و عن أبي حمزة،عن أبي جعفر عليه السّلام،أنّه سئل،أنسك (1)المناسك على غير وضوء؟فقال:«نعم،إلاّ الطواف بالبيت فإنّ فيه صلاة» (2).
و في الصحيح عن عليّ بن جعفر،عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام،قال:سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب فذكر و هو في الطواف،فقال:«يقطع طوافه و لا يعتدّ بشيء ممّا طاف»و سأله عن رجل طاف ثمّ ذكر أنّه على غير وضوء قال:
«يقطع طوافه و لا يعتدّ به» (3).
و لأنّها عبادة متعلّقة بالبيت،فكانت الطهارة شرطا فيها،كالصلاة.
احتجّ المخالف:بأنّه ركن من أركان الحجّ،فلم يكن من شرطه الطهارة، كالوقوف (4).
و جوابه:أنّ الوقوف عكس الطواف.
سواء كانت النجاسة دما أو غيره،قلّت أو كثرت؛لقوله عليه السّلام:«الطواف بالبيت صلاة» (5).
و لأنّها شرط في الصلاة،فتكون شرطا في الطواف؛لأنّها إحدى الطهارتين.
ص:315
و لأنّه أحد العبادتين.
و إن كان الأفضل أن لا يطوف نفلا إلاّ بطهارة؛لحديث محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام (1).
و لما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل طاف على غير وضوء،فقال:«إن كان تطوعا فليتوضّأ و ليصلّ» (2).و عن عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:إنّي أطوف طواف النافلة و أنا على غير وضوء فقال:«توضّأ و صلّ و إن كنت (3)متعمّدا» (4).
روى الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الأغلف لا يطوف بالبيت،و لا بأس أن تطوف المرأة» (1).
و عن إبراهيم بن ميمون،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل يسلم فيريد أن يختتن و قد حضر الحجّ أ يحجّ،أو يختتن؟قال:«لا يحجّ حتّى يختتن» (2).
و في الصحيح عن حريز بن عبد اللّه و إبراهيم بن عمر،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا بأس أن تطوف المرأة غير مخفوضة،فأمّا الرجل فلا يطوفنّ إلاّ و هو مختتن (3)» (4).
بني شيبة بعد أن يقف عندها؛
لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخل منها،و يسلّم على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و يدعو بالدعاء المأثور و قد قدّمناه (5).و يكون دخوله بخضوع و خشوع عليه السكينة و الوقار،و يقول إذا نظر إلى الكعبة:الحمد للّه الذي عظّمك و كرّمك و شرّفك و جعلك مثابة للنّاس و أمنا مباركا و هدى للعالمين.
ص:317
في كيفيّة الطواف
و هو أن ينوى الطواف للحجّ أو للعمرة واجبا أو ندبا قربة إلى اللّه تعالى؛لقوله عليه السّلام:«الأعمال بالنّيّات و إنّما لكلّ امرئ ما نوى» (1).
و قوله عليه السّلام:«لا عمل إلاّ بنيّة» (2).
و لأنّه عبادة،فدخل تحت عموم قوله تعالى: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (3).و الإخلاص هو التقرّب،و هو المراد من النيّة.
لما رواه الجمهور عن جابر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بدأ بالحجر فاستلمه و فاضت
ص:318
عيناه من البكاء (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه معاوية بن عمّار-في الصحيح-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود» (2).و الأمر للوجوب و لا نعلم فيه خلافا.
إذا ثبت هذا:فإنّه يبتدئ في كلّ شوط من الحجر الأسود و يختم به هكذا سبعة أشواط،فإن ترك و لو خطوة منها لم يجزئه،و لم يحلّ له النساء حتّى يعود إليها فيأتي بها،و به قال الشافعيّ (3).
و قال أبو حنيفة:لو أتى بأقلّ من أربع لم يجزئه (4).
لنا:أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله طاف سبعة أشواط (5).
و قال عليه السّلام:«خذوا عنّي مناسككم» (6).
و يطوف عن يمين نفسه،
فإن نكس الطواف بأن جعل البيت عن يمينه و طاف عن يساره،لم يجزئه و وجب عليه الإعادة،و به قال الشافعيّ (7)،
ص:319
و مالك (1)،و أحمد بن حنبل (2).
و قال أبو حنيفة:يصحّ طوافه و يعيد ما دام بمكّة،فإن خرج إلى بلده،لزمه الدم (3).
لنا:أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ترك البيت في طوافه عن جانبه اليسار (4).و قد قال عليه السّلام:«خذوا عنّي مناسككم» (5).فيجب اتّباعه.
و لأنّها عبادة تتعلّق بالبيت،فكان الترتيب فيها واجبا،كالصلاة.
احتجّ أبو حنيفة:بأنّه أتى بالطواف،و إنّما ترك هيئة من هيئاته،فلا يمنع إجزاءه،كما لو ترك الرمل (6).
و الجواب:بالفرق،فلأنّ الرمل مندوب،و لأنّ ما قاسوا عليه مخالف لما ذكرناه،كما اختلف حكم هيئات الصلاة و ترتيبها.
طوافه،
فلو سلك الحجر أو على جداره أو على شاذروان الكعبة،لم يجزئه،و به
ص:320
قال الشافعيّ (1).
و قال أبو حنيفة:إذا سلك الحجر،أجزأه (2).
لنا:أنّ الحجر من البيت و كذا الشاذروان.
و روى ابن بابويه-في الصحيح-عن الحلبيّ،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر،كيف يصنع؟ قال:«يعيد الطواف الواحد» (3).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،عنه عليه السّلام،قال:«من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود» (4).
و عن إبراهيم بن سفيان (5)،قال:كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام:امرأة طافت طواف الحجّ،فلمّا كانت في الشوط السابع اختصرت و طافت في الحجر و صلّت ركعتي الفريضة،وسعت و طافت طواف النساء،ثمّ أتت منى،فكتب
ص:321
عليه السّلام:«تعيد» (1).
أمّا من طاف خلف المقام،فإنّه يخرج في التباعد عن القدر الواجب،فلم يكن مجزئا.
روى الشيخ عن محمّد بن مسلم،قال:سألته عن حدّ الطواف بالبيت الذي من خرج منه،لم يكن طائفا بالبيت،قال:«كان[الناس] (2)على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يطوفون بالبيت و المقام،و أنتم اليوم تطوفون ما بين المقام و بين البيت،فكان الحدّ من موضع المقام اليوم،فمن جازه فليس بطائف،فالحدّ قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و البيت (3)،و من نواحي البيت كلّها،فمن طاف و تباعد (4)من نواحيه أكثر من مقدار ذلك،كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد؛لأنّه طاف في غير حدّ،و لا طواف له» (5).
و روى ابن بابويه عن أبان،عن محمّد الحلبيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطواف خلف المقام،قال:«ما أحبّ ذلك و ما أرى به بأسا فلا تفعله إلاّ أن لا تجد منه بدّا» (6).و هو يدلّ على جواز ذلك مع الضرورة،كالزحام و شبهه.
و هو قول كلّ العلماء، فلو طاف دون السبعة،لزمه إتمامها،و لا يحلّ له ما حرّم عليه حتّى يأتي ببقيّة
ص:322
الطواف و لو كان خطوة واحدة.و به قال الشافعيّ (1)،و مالك (2)،و أحمد (3).
و قال أبو حنيفة:إذا طاف أربع طوافات،فإن كان بمكّة،لزمه إتمام الطواف، و إن خرج،جبرها بدم (4).
لنا:أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله طاف بالبيت سبعا (5).
و قال عليه السّلام:«خذوا عنّي مناسككم» (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت:رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر (7)؟ قال:«يعيد ذلك الشوط» (8).
و عن الحسن بن عطيّة،قال:سأله سليمان بن خالد-و أنا معه-عن رجل طاف بالبيت ستّة أشواط،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«و كيف يطوف ستّة أشواط؟» فقال:استقبل الحجر و قال:اللّه أكبر و عقد واحدا،فقال[أبو عبد اللّه عليه السّلام] (9)
ص:323
«يطوف شوطا»قال سليمان:فإن فاته ذلك حتّى أتى أهله؟قال:«يأمر من يطوف عنه» (1).
و لأنّها عبادة واجبة ذات عدد،فلا يقوم أكثر عددها مقام الكلّ،كالصلاة لا تقوم ثلاث ركعات مقام أربعة.
و لأنّه مأمور بعدد،فلا يخرج عن العهدة ببعضه؛إذ الفائت لا بدل له مطلقا.
احتجّ أبو حنيفة:بأنّ أكثر الشيء يقوم مقام الجميع،بدليل من أدرك الركوع مع الإمام،فإنّه يدرك الركعة؛لأنّه أدرك أكثرها (2).
و الجواب:أنّه يبطل بما قسنا عليه،و أمّا إدراك الركعة؛فلأنّ الفائت هو القراءة،و الإمام ينوب فيها،بخلاف صورة النزاع.
قولان (1).
لنا:قوله تعالى: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (2)و الأمر للوجوب.
و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعلهما في بيان الحجّ،فكان واجبا؛لأنّ بيان الواجب واجب.
و لقوله عليه السّلام:«خذوا عنّي مناسككم» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،قال:
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم عليه السّلام، فصلّ ركعتين،و اجعله أمامك،و اقرأ فيهما سورة التوحيد: «قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ» ،و في الثانية: «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ» ،ثمّ تشهّد و احمد اللّه و أثن عليه،و صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و سله (4)أن يتقبّل منك،و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره أن تصلّيهما أيّ الساعات شئت:عند طلوع الشمس و عند غروبها، و لا تؤخّرهما (5)ساعة تطوف و تفرغ،فصلّهما» (6).
و عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«ثمّ تأتي مقام إبراهيم عليه السّلام،فصلّ فيه ركعتين و اجعله أماما،و اقرأ فيهما سورة التوحيد:
ص:325
قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ،و في الركعة الثانية: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1).
و لأنّهما تابعتان للطواف فكانتا واجبتين،كالسعي.
احتجّ المخالف:بأنّها صلاة لم يشرع لها الأذان و الإقامة،فلم تكن واجبة، كسائر النوافل (2).
و الجواب:سقوط الأذان لا يدلّ على الاستحباب،كالمنذورات و صلاة العيد و الكسوف.
و روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه صلاّهما هناك (1).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم في حديثي معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام.
و عن صفوان بن يحيى،عمّن حدّثه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«ليس لأحد أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة إلاّ خلف المقام؛لقول اللّه عزّ و جلّ:
وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (2)فإن صلّيتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة» (3).
و عن زرارة،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:«لا ينبغي أن تصلّي ركعتي طواف الفريضة إلاّ عند مقام إبراهيم عليه السّلام،فأمّا التطوّع فحيثما شئت من المسجد» (4).
احتجّ الشافعيّ:بأنّها صلاة فلا يختصّ بمكان،كغيرها من الصلوات (5).
و الجواب:الاختصاص ثبت بالآية و فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.
فإن شقّ عليه الرجوع،صلّى حيث ذكر.
روى الشيخ-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،
ص:327
قال:سئل عن رجل طاف طواف النساء و لم يصلّ لذلك الطواف حتّى ذكر و هو بالأبطح،قال:«يرجع إلى المقام فيصلّي الركعتين» (1).
و في الموثّق،عن عبيد بن زرارة،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة و لم يصلّ الركعتين حتّى ذكر و هو بالأبطح،أ يصلّي أربعا؟ قال:«يرجع فيصلّي عند المقام أربعا» (2).
و عن أحمد بن عمر الحلاّل (3)،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة،فلم يذكر حتّى أتى منى قال:«يرجع إلى مقام إبراهيم عليه السّلام فيصلّيهما» (4).
و لا يعارض ذلك:ما رواه حنّان بن سدير،قال:زرت فنسيت ركعتي الطواف، فأتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو بقرن الثعالب (5)فسألته،فقال:«صلّ في مكانك» (6).
و عن أبي الصبّاح،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يصلّي الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام في طواف الحجّ و العمرة،فقال:«إن كان بالبلد صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:
ص:328
وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (1)و إن كان قد ارتحل،فلا آمره أن يرجع» (2).
و عن ابن مسكان،قال:حدّثني عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سأله عن رجل نسي أن يصلّي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام إبراهيم عليه السّلام حتّى أتى منى،قال:«يصلّيهما بمنى» (3).
و عن هشام بن المثنّى (4)،قال:نسيت أن أصلّي الركعتين للطواف خلف المقام حتّى انتهيت إلى منى فرجعت إلى مكّة فصلّيتهما ثمّ عدت إلى منى،فذكرنا ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«أ فلا صلاّهما حيث ما ذكر!؟» (5).
لأنّا نقول:إنّ هذه الأخبار محمولة على التفصيل الذي ذكرناه،من عدم وجوب الرجوع عند المشقّة؛لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام، و قد قال اللّه تعالى: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (6)[حتّى ارتحل] (7)،قال:
ص:329
«فإن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه،و لا آمره أن يرجع و لكن يصلّي حيث ذكر» (1).
قال الشيخ في الاستبصار:و يحتمل أن تكون الأخبار الأوّلة محمولة على الاستحباب (2).
الصلاة؛
لأنّ المأمور به لم يقع،فيبقى في العهدة،و ما فعله لا يساويه،فلا يقع بدلا.
و يدلّ عليه أيضا:ما تقدّم في حديث عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السّلام (3).
و ما رواه عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه الأبزاريّ (4)قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي فصلّى ركعتي طواف الفريضة في الحجر،قال:«يعيدهما خلف المقام؛لأنّ اللّه تعالى يقول: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (5)يعني بذلك ركعتي طواف الفريضة» (6).
المقام،
رواه الشيخ في الموثّق عن ابن مسكان،قال:حدّثني من سأله عن الرجل ينسى ركعتي طواف الفريضة حتّى يخرج،فقال:«يوكّل» (7).
ص:330
روى الشيخ عن إبراهيم بن أبي محمود قال:قلت للرضا عليه السّلام:أصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟قال:
«حيث هو الساعة» (1).
فليصلّ حياله ؛
لما رواه الحسين بن عثمان،قال:رأيت أبا الحسن عليه السّلام يصلّي ركعتي الفريضة بحيال المقام قريبا من الظلال؛لكثرة الناس (3).
و لأنّه في محلّ الضرورة فكان سائغا.
العصر إذا كان طواف فريضة،
و إن كان طواف نافلة،أخّرهما إلى بعد طلوع الشمس أو بعد صلاة المغرب.
روى الشيخ عن ميسر (4)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«صلّ ركعتي طواف الفريضة بعد الفجر كان أو بعد العصر» (5).
و عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام[قال:سألته] (6)عن ركعتي
ص:331
طواف الفريضة،قال:«لا تؤخّرها ساعة،إذا طفت فصلّ» (1).
و في الصحيح،عن إسحاق بن عمّار،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:
«ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن و الحسين عليهما السّلام إلاّ الصلاة بعد العصر و بعد الغداة في طواف الفريضة» (2).
و قد روي كراهية الصلاة في هذين الوقتين،رواه الشيخ-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم،قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن ركعتي طواف الفريضة،فقال:
«وقتهما إذا فرغت من طوافك،و أكرهه عند اصفرار الشمس و عند طلوعها» (3).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام عن الرجل يدخل مكّة بعد الغداة أو بعد العصر،قال:«يطوف و يصلّي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها» (4).
قال الشيخ:الحديث الأوّل محمول على التقيّة،و الثاني على كون الطواف مندوبا (5).
قال الشيخ:يقدّم الفريضة على صلاة
ص:332
الطواف (1).و عندي أنّه إن كان الطواف واجبا،تخيّر،و إلاّ قدّم الفريضة.
و به قال الزهريّ،و مالك،و أصحاب الرأي (2).
و روي عن ابن عبّاس،و عطاء،و جابر بن زيد،و الحسن،و سعيد بن جبير، و إسحاق أنّ الفريضة تجزئه (3).
و عن أحمد روايتان (4).
لنا:أنّها فريضة فلا يجزئ عنها غيرها،كغيرها من الفرائض المتعدّدة.و طواف النافلة سنّة،فلا يجزئ الفريضة عنه،كركعتي الفجر.
احتجّوا:بأنّهما ركعتان شرّعتا للنسك،فأجزأت عنهما المكتوبة،كركعتي الإحرام (5).
و الجواب:أنّ النافلة في الإحرام بدل عن الإحرام عقيب الفريضة،بخلاف صورة النزاع.
المسجد؛
لأنّها غير واجبة،فلا يتعيّن مكانها.
و قد رواه (1)الشيخ عن زرارة،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:«لا ينبغي أن تصلّي ركعتي طواف الفريضة إلاّ عند مقام إبراهيم عليه السّلام،فأمّا التطوّع فحيثما شئت من المسجد» (2).
فعله و لم يفعله،
فوجب على وليّه القضاء عنه،كالصلوات الخمس و الحجّ.
و لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«من نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتّى خرج من مكّة،فعليه أن يقضي،أو يقضي عنه وليّه،أو رجل من المسلمين» (3).
و عاد إلى المقام،
فصلّى الركعتين،ثمّ عاد فتمّم السعي؛لأنّه واجب تركه يمكنه تداركه،فيكون واجبا.
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:سألته عن رجل يطوف بالبيت،ثمّ ينسى أن يصلّي الركعتين حتّى يسعى بين الصفا و المروة خمسة أشواط أو أقلّ من ذلك،قال:«ينصرف حتّى يصلّي الركعتين،ثمّ يأتي مكانه الذي كان فيه فيتمّ سعيه» (4).
بما رواه الشيخ-في الصحيح- عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«تدعو بهذا الدعاء في دبر
ص:334
ركعتي طواف الفريضة،تقول بعد التشهّد:اللهمّ ارحمني بطواعيتي إيّاك و طواعيتي رسولك صلّى اللّه عليه و آله،اللهمّ جنّبني أن أتعدّى حدودك،و اجعلني ممّن يحبّك و يحبّ رسولك صلّى اللّه عليه و آله و ملائكتك و عبادك الصالحين» (1).
عبادة واجبة،
فينبغي المبادرة إليها بقدر الإمكان.
و روى جابر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخل مكّة ارتفاع الضحى،فأناخ راحلته عند باب بني شيبة،و دخل المسجد،فاستلم الحجر،ثمّ وصف جابر طوافه (2).
و لأنّ الطواف تحيّة البيت،فاستحبّ البدأة به،كما أنّ الداخل إلى المسجد يستحبّ له أن يبدأ بتحيّته.
لا يقال:فينبغي أن يأتي بتحيّة المسجد هاهنا.
لأنّا نقول:القصد بدخول المسجد البيت،فلهذا بدأ بتحيّته،و سقطت تحيّة المسجد بعد الطواف؛لأنّه أتى بركعتي الطواف،و هي تنوب منابها.
لو دخل المسجد و الإمام مشتغل بالفريضة،فإنّه يصلّي معه المكتوبة و لا يشتغل
بالطواف،
فإذا فرغ من الصلاة،طاف حينئذ؛لأنّ الوقت للفريضة أقلّ من الطواف، فكان البدأة بها أولى.
و لأنّ فضيلة الجماعة تفوت بالاشتغال بالطواف،و لو اشتغل بالجماعة،لم يفته من فضائل الطواف شيء،و كذا إذا قربت إقامة الصلاة،فإنّه يشتغل بالفريضة ثمّ
ص:335
يأتي بالطواف،و سيأتي تمام البحث في ذلك إن شاء اللّه تعالى.
قال الشيخ-رحمه اللّه-:رفع اليدين عند مشاهدة البيت لا يعرفه أصحابنا (1).و أنكر مالك استحبابه أيضا (2).
و قال الشافعيّ:لا أكرهه و لا أستحبّه لكن إن رفع يديه،كان حسنا (3).
و قال أحمد:إنّه مستحبّ (4).و هو مرويّ عن ابن عبّاس،و ابن عمر، و الثوريّ،و ابن المبارك (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن المهاجر المكّيّ (6)،قال:سئل جابر بن عبد اللّه عن الرجل يرى البيت أ يرفع يديه؟قال:ما كنت أظنّ أنّ أحدا يفعل هذا إلاّ اليهود، حججنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلم يكن يفعله (7).
و لأنّ الأصل عدم المشروعيّة،و لم يثبت المنافي.
احتجّوا (8):بما رواه أبو بكر بن المنذر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:
ص:336
«لا ترفع الأيدي إلاّ في سبعة (1)مواطن:افتتاح الصلاة،و استقبال البيت،و على الصفا و المروة،و على الموفقين و الجمرتين» (2).
و الجواب:يحتمل أنّ الرفع عند الدعاء و نحن نقول به.
و به قال الشافعيّ في أحد قوليه و في الآخر:أنّه واجب؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا دخل المسجد استقبل الحجر و استلمه (3)،و هذا بظاهره يدلّ على أنّه استلمه بجميع بدنه.و لأنّ ما لزمه استقباله لزمه بجميع بدنه،كالقبلة (4)،فأمّا إن استقبل بجميع بدنه بعض الحجر إن تصوّر ذلك فإنّه يجزئه،كما إذا استقبل بجميع بدنه بعض البيت،فأمّا إن حاذى ببعض بدنه جميع الحجر أو بعضه ففي الإجزاء عنده قولان (5).
و يتفرّع على عدمه عدم الاعتداد بالشوط الأوّل؛لأنّه ابتدأ من حيث لا يجوز له،فإذا أتمّ سبعا دونه أجزأه.
و احتجّ الشيخ على عدم وجوب الاستلام بجميع البدن:بإجماع الفرقة (6).
الحجر،
و يرفع يديه و يحمد اللّه و يثني عليه.
روى الجمهور في حديث ابن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله استقبل الحجر
ص:337
و استلمه و كبّر (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك و احمد اللّه و أثن عليه و صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و اسأله أن يتقبّل منك،ثمّ استلم الحجر و قبّله،فإن لم تستطع أن تقبّله فاستلمه بيدك،فإن لم تستطع أن تستلمه فأشر إليه و قل:اللهمّ أمانتي أدّيتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة،اللهمّ تصديقا بكتابك و على سنّة نبيّك أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أنّ محمّدا عبده و رسوله،آمنت باللّه و كفرت بالطاغوت و اللات و العزّى و عبادة الشيطان و عبادة كلّ ندّ يدعى من دون اللّه،فإن لم تستطع أن تقول هذا[كلّه] (2)فبعضه،و قل:اللّهم إليك بسطت يدي و فيما عندك عظمت رغبتي،فاقبل سبحتي و اغفر لي و ارحمني، اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكفر و الفقر و مواقف الخزي في الدنيا و الآخرة» (3).
و في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا دخلت المسجد الحرام فامش حتّى تدنو من الحجر الأسود و تستقبله و تقول:الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر من خلقه،و أكبر ممّا أخشى و أحذر،لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،له الملك و له الحمد،يحيي و يميت و يميت و يحيي بيده الخير و هو على كلّ شيء قدير.و تصلّي على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و تسلّم على المرسلين كما فعلت حين دخلت المسجد،ثمّ تقول:اللهمّ إنّي أومن بوعدك و أوفي بعهدك»ثمّ ذكر كما ذكر
ص:338
معاوية (1).
روى الجمهور (2)عن ابن عبّاس أنّ عمر بن الخطّاب انكبّ على الحجر و قال:
أما إنّي لأعلم أنّك حجر لا تضرّ و لا تنفع،و لو لا أنّي رأيت حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقبّلك لما قبّلتك (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن عليّ بن جعفر،عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:استلموا الركن فإنّه يمين اللّه في خلقه يصافح بها خلقه مصافحه العبد أو الدخيل،و يشهد لمن استلمه بالموافاة» (4).
و عن سعيد الأعرج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن استلام الحجر من قبل الباب،فقال:«أ ليس إنّما يريد أن يستلم الركن؟»قلت:نعم،قال:«يجزئك حيث ما نالت يدك» (5).
و في حديث معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام:«ثمّ تأتي الحجر الأسود فتقبّله و تستلمه أو تشير إليه فإنّه لا بدّ من ذلك» (6).
فإذا لم يتمكّن من
ص:339
ذلك أشار إليه بيده.و به قال الشافعيّ (1).
و قال مالك:يضع يده على فيه و لا يقبّلها (2).
و يدلّ على ما ذكرناه من الاستلام باليد:رواية سعيد الأعرج (3)،و على الإشارة:ما رواه سيف التمّار،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أتيت الحجر الأسود فوجدت عليه زحاما فلم ألق إلاّ رجلا من أصحابنا،فسألته،فقال:لا بدّ من استلامه،فقال:«إن وجدته خاليا،و إلاّ فسلّم من بعيد» (4).
و عن محمّد بن عبيد اللّه،قال سئل الرضا عليه السّلام عن الحجر الأسود أ يقاتل عليه الناس إذا كثروا؟قال:«إذا كان كذلك فأوم بيدك» (5).
إذا ثبت هذا:فإنّ الاستلام مستحبّ و ليس بواجب؛لأنّ الأصل عدم الوجوب.
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حجّ و لم يستلم الحجر،فقال:«هو من السنّة،فإن لم يقدر عليه فاللّه أولى بالعذر» (6).
و في الصحيح عن يعقوب بن شعيب،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي
ص:340
لا أخلص (1)إلى الحجر الأسود،فقال:«إذا طفت الفريضة فلا يضرّك» (2).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حجّ فلم يستلم الحجر و لم يدخل الكعبة،قال:«هو من السنّة،فإن لم يقدر فاللّه أولى بالعذر» (3).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،قال:قال أبو بصير لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
إنّ أهل مكّة أنكروا عليك أنّك لم تقبّل الحجر الأسود و قد قبّله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال:«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا انتهى إلى الحجر أفرجوا له،و أنا لا يفرجون لي» (4).
إذا عرفت هذا:فالاستلام غير مهموز،قال السيّد المرتضى:لأنّه افتعال من السّلام (5)،و هي الحجارة،فإذا مسّ الحجر بيده و مسحه بها،قيل:استلم أي مسّ السّلام بيده (6).
و قد قيل:إنّه مأخوذ من السّلام (7)،أي:أنّه يحيي نفسه عن الحجر؛إذ ليس الحجر ممّن يحييه،و هذا كما يقال:اختدم:إذا لم يكن له خادم،و إنّما خدم نفسه.
و حكى ثعلب:الهمز،و جعله وجها ثانيا لترك الهمز،و فسّره بأنّه اتّخذه جنّة
ص:341
و سلاحا من الأمة،و هي الدرع (1).و هو حسن،و قد حكي عن ابن الأعرابيّ أيضا (2).
فإن كانت مقطوعة من المرفق،استلمه بشماله.رواه الشيخ عن السكونيّ،عن جعفر،عن آبائه عليهم السّلام،أنّ عليّا عليه السّلام سئل كيف يستلم الأقطع؟قال:«يستلم الحجر من حيث القطع،فإن كانت مقطوعة من المرفق استلم الحجر بشماله» (3).
و قبّل يده.
و به قال أحمد في رواية الخرقيّ عنه (4).
و قال الشافعيّ:يستحبّ أن يستلمه و يقبّل يده و لا يقبّله (5).
و قال أبو حنيفة:لا يستلمه (6).
و قال مالك:يستلمه و لا يقبّل يده،و إنّما يضعها على فيه (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن مجاهد،عن ابن عبّاس،قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا استلم الركن قبّله و وضع خدّه الأيمن عليه (8).
ص:342
و عن ابن عمر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان لا يستلم إلاّ الحجر و الركن اليمانيّ (1).قال ابن عمر:ما تركت استلام هذين الركنين:اليمانيّ،و الحجر،منذ رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يستلمهما،في شدّة و لا رخاء (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم،عن جعفر،عن أبيه عليهما السّلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يستلم الركن إلاّ الركن الأسود و اليمانيّ،و يقبّلهما،و يضع خدّه عليهما و رأيت أبي يفعله» (3).
قال ابن عبد البرّ:أجمع أهل العلم على استلام الركنين،و إنّما اختلفوا في التقبيل،فشرّكه قوم بينهما،و خصّ قوم الحجر به (4).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي الطفيل (1)،قال:لمّا قدم معاوية مكّة و ابن عبّاس بها،فاستلم ابن عبّاس الأركان كلّها،فقال معاوية:ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يستلم إلاّ الركنين اليمانيّين،فقال ابن عبّاس:ليس من البيت شيء مهجور (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن أبي محمود،قال:قلت للرضا عليه السّلام:أستلم اليمانيّ و الشاميّ و الغربيّ؟قال:«نعم» (3).
و لأنّهما ركنان،فاستحبّ استلامهما كاليمانيّين.
احتج الجمهور (4):بما رواه ابن عمر،قال:إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يستلم الركن اليمانيّ و الأسود في كلّ طوفة،و لا يستلم الركنين اللذين يليان الحجر (5).
قال ابن عمر:ما أراه أن يستلم الركنين اللذين يليان الحجر إلاّ لأنّ البيت لم يتمّ على قواعد إبراهيم عليه السّلام (6).
ص:344
و لأنّ الشاميّين لم يبنيا على قواعد إبراهيم عليه السّلام و هذا الركن-أعني الحجر-بني على قواعد إبراهيم عليه السّلام.
و الجواب:أنّ رواية الإثبات مقدّمة،و يحتمل أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله كان يقف عند اليمانيّين أكثر من وقوفه عند الشاميّين مع الازدحام،فتوهّم الراوي أنّه يستلم اليمانيّين خاصّة.
و رواية غياث بن إبراهيم عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه لم يكن يستلم إلاّ الركنين:الأسود و اليمانيّ (1)،ضعيفة السند،مقطوعة.
و أمّا رواية جميل بن صالح الصحيحة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«كنت أطوف بالبيت،فإذا رجل يقول:ما بال هذين الركنين يستلمان و لا يستلم هذان؟ فقلت:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استلم هذين و لم يعرض لهذين فلا تعرض إذا لم يعرض لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»قال جميل:و رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام يستلم الأركان كلّها (2).فإنّها محمولة على التقيّة،و لهذا فعله الصادق عليه السّلام،فدلّ على أنّ قوله كان في معرض التقيّة.
فقلت:جعلت فداك أنت أعلم بهذا منّي،فأعاد عليّ،فقلت له:داخل البيت،فقال:
«الركن اليمانيّ باب من أبواب الجنّة مفتوح لشيعة آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله مسدود عن غيرهم،و ما من مؤمن يدعو عنده إلاّ صعد دعاؤه حتّى يلصق بالعرش ما بينه و بين اللّه تعالى حجاب» (1).
و عن إبراهيم بن عيسى،عن أبيه،عن أبي الحسن عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طاف بالكعبة حتّى إذا بلغ الركن اليمانيّ رفع رأسه إلى الكعبة ثمّ قال:«الحمد للّه الذي شرّفك و عظّمك،و الحمد للّه الذي بعثني نبيّا و جعل عليّا إماما،اللهمّ اهد له خيار خلقك و جنّبه شرار خلقك» (2).
لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يستلم الركن اليمانيّ و الأسود في كلّ طوفة،رواه ابن عمر (3).
و يستحبّ الدعاء في الطواف بما رواه معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«ثمّ تطوف بالبيت سبعة أطواف (4)و تقول في الطواف:اللهمّ إنّي أسألك باسمك الذي يمشى به على طلل الماء كما يمشى به على جدد الأرض، [و أسألك باسمك الذي يهتزّ له عرشك] (5)و أسألك باسمك الذي تهتزّ له أقدام ملائكتك،و أسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له و ألقيت عليه محبّة منك،و أسألك باسمك الذي غفرت به لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر و أتممت عليه نعمتك أن تفعل بي كذا و كذا بما أحببت
ص:346
من الدعاء».
قال أبو إسحاق (1):روى هذا الدعاء معاوية بن عمّار،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و كلّما انتهيت إلى باب الكعبة فصلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تقول في الطواف:اللهمّ إنّي فقير و إنّي خائف مستجير،فلا تبدّل اسمي و لا تغيّر جسمي» (2).
و في الصحيح عن عاصم بن حميد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«كان عليّ بن الحسين عليه السّلام إذا بلغ الحجر قبل أن يبلغ الميزاب رفع رأسه فقال:
اللهمّ أدخلني الجنّة برحمتك،و عافني من السقم،و أوسع عليّ من الرزق الحلال، و ادرأ عنّي شرّ فسقة الجنّ و الإنس و شرّ فسقة العرب و العجم» (3).
حائطه،
و يلصق به بطنه و خدّه،و يدعو بالمأثور.
روى الشيخ عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«فإذا انتهيت إلى مؤخّر الكعبة و هو المستجار دون الركن اليمانيّ بقليل في الشوط السابع،فابسط يديك على الأرض،و ألصق خدّك و بطنك بالبيت ثمّ قل:اللهمّ البيت بيتك و العبد عبدك، و هذا مكان العائذ بك من النّار،ثمّ أقرّ لربّك بما عملت من الذنوب،فإنّه ليس عبد مؤمن يقرّ لربّه بذنوبه في هذا المكان إلاّ غفر له إن شاء اللّه،فإنّ أبا عبد اللّه
ص:347
عليه السلام (1)قال لغلمانه:أميطوا عنّي حتّى أقرّ لربّي بما عملت،اللهمّ من قبلك الروح و الفرج و العافية،اللهمّ إنّ عملي ضعيف فضاعفه لي و اغفر لي ما اطّلعت عليه منّي و خفي على خلقك،و تستجير باللّه من النار و تختار لنفسك من الدعاء،ثمّ تستقبل الركن اليمانيّ و الركن الذي فيه الحجر الأسود و اختم به،فإن لم تستطع فلا يضرّك،و تقول:اللهمّ قنّعني بما رزقتني،و بارك لي فيما آتيتني،ثمّ تأتي مقام إبراهيم عليه السّلام فتصلّي ركعتين و اجعله أماما،و اقرأ فيهما بسورة التوحيد: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ،و في الثانية: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ،ثمّ تشهّد و احمد اللّه و أثن عليه، و صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و اسأله أن يتقبّل منك،فهاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك أن تصلّيهما في أيّ الساعات شئت عند طلوع الشمس و عند غروبها،ثمّ تأتي الحجر الأسود فتقبّله و تستلمه أو تشير إليه فإنّه لا بدّ من ذلك» (2).
و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا كنت في الطواف السابع فأت المتعوّذ،و هو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب فقل:
اللهمّ البيت بيتك،و العبد عبدك،و هذا مقام العائذ بك من النار،اللهمّ من قبلك الروح و الفرج،ثمّ استلم الركن اليمانيّ،ثمّ ائت الحجر فاختم به» (3).
و عن أبي الصبّاح الكنانيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن استلام الكعبة،قال:«من دبرها» (4).
ص:348
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا فرغت من طوافك و بلغت مؤخّر الكعبة،و هو بحذاء المستجار دون الركن اليمانيّ بقليل، فابسط يدك (1)على البيت،و ألصق بطنك و خدّك بالبيت،و قل:اللهمّ البيت بيتك، و العبد عبدك،و هذا مكان العائذ بك من النّار،ثمّ أقرّ لربّك بما عملت،فإنّه ليس من عبد مؤمن يقرّ لربّه بذنوبه في هذا المكان إلاّ غفر اللّه له إن شاء اللّه» (2).
لو نسي الالتزام حتّى جاز موضعه،فلا إعادة عليه؛لفوات محلّه.
روى الشيخ-في الصحيح-عن عليّ بن يقطين،عن أبي الحسن عليه السّلام، قال:سألته عمّن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتّى جاز الركن اليمانيّ،أ يصلح أن يلتزم بين الركن اليمانيّ و بين الحجر أو يدع ذلك؟قال:«يترك اللزوم (3)و يمضي»و عمّن قرن عشرة أسباع (4)أو أكثر أو أقلّ أله أن يلتزم في آخرها التزامة واحدة؟قال:«لا أحبّ ذلك» (5).
لو ترك الاستلام،لم يكن عليه شيء.و به قال عامّة الفقهاء،
و حكي عن الحسن البصريّ،و الثوريّ،و عبد الملك بن الماجشون:أنّ عليه دما (6).
ص:349
لنا:أنّه مستحبّ،فلا تجب العقوبة بتركه،كغيره من المندوبات.
احتجّوا (1):بما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«من ترك نسكا فعليه دم» (2).
و جوابه:أنّه مخصوص بالواجب.
الاضطباع،
و هو أن يدخل إزاره تحت منكبه الأيمن و يجعله على منكبه الأيسر (3).
و الاضطباع مأخوذ من الضّبع و هو عضد الإنسان،و هو افتعال من الضبع، و أصله الاضتباع بالتاء فقلبوا التاء طاء؛لأنّ التاء متى وقعت بعد صاد أو ضاد أو طاء ساكنة،قلبت طاء.
إذا ثبت هذا:فأكثر أهل العلم على استحباب الاضطباع (4).
و قال مالك:إنّه ليس بمستحبّ،و قال:لم أسمع أحدا من أهل العلم ببلدنا يذكر أنّه سنّة (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس،قال:لمّا دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على قريش،فاجتمعت نحو الحجر،اضطبع رسول اللّه صلّى اللّه
ص:350
عليه و آله (1).
و عن زيد بن أسلم،عن أبيه،عن عمر بن الخطّاب أنّه اضطبع و رمل و قال:فيم الرمل الآن و لم نبدي مناكبنا؟و قد نفى اللّه تعالى المشركين،بلى لن ندع شيئا فعلناه على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (2).
و إنّما أراد هذا فعلناه مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لإظهار الجلد (3)و القوّة للمشركين؛لأنّ المشركين قالوا:قد نهكتهم حمّى يثرب،فأظهروا لهم الجلد و القوّة، و قد زال هذا المعنى،لكنّا لا نتركه؛لأنّا فعلناه مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (4).
قال الشافعيّ:و يبقى مضطجعا حتّى يتمّ السعي بين الصفا و المروة و يتركه عند الصلاة للطواف (5).
و قال أحمد:لا يضطج في السعي (6).و الشافعيّ عوّل على القياس بجامع أنّه أحد الطوافين.
قاله الشيخ-رحمه اللّه-في بعض كتبه (7).
ص:351
و قال في المبسوط:يستحبّ أن يرمل ثلاثا،و يمشي أربعا في طواف القدوم خاصّة؛اقتداء برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؛لأنّه كذلك فعل (1).رواه جعفر ابن محمّد عن أبيه عليهما السّلام،عن جابر.
و قد اتّفق الجمهور كافّة على استحباب الرمل في الثلاثة الأشواط الأول، و المشي في الأربعة الباقية في طواف القدوم؛لما رواه جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السّلام،عن جابر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رمل ثلاثا و مشى أربعا (2).
و كذا عن ابن عبّاس،عنه عليه السّلام (3).
و روى ابن عبّاس أيضا أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رمل في عمره كلّها و في حجّه،و أبو بكر و عمر و عثمان و عليّ عليه السّلام (4).
قال الأزهريّ:الرمل:الجمز و الإسراع (5).
و السبب في هذا ما رواه ابن عبّاس،قال:قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مكّة،فقال المشركون:إنّه يقدم عليكم قوم نهكتهم الحمّى و لقوا منها شرّا،فأمرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يرملوا الأشواط الثلاثة،و أن يمشوا بين الركنين،
ص:352
فلمّا رأوهم قالوا:ما نراهم إلاّ كالغزلان (1).
و قد روى الشيخ القول الأوّل عن عبد الرحمن بن سيابة،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطواف فقلت:أسرع و أكثر،أو أمشي و أبطئ؟قال:«مشي بين المشيين» (2).
و روى ابن بابويه عن سعيد الأعرج أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المسرع و المبطئ في الطواف،فقال:«كلّ واسع ما لم يؤذ أحدا» (3).
لأنّه مستحبّ،فلا يتعلّق بتركه ذنب فلا تجب العقوبة التابعة له.و هو قول عامّة الفقهاء.
و قال الحسن البصريّ:إنّ عليه دما.و هو محكيّ عن الثوريّ،و عبد الملك ابن الماجشون (4)؛لقوله عليه السّلام:من ترك نسكا فعليه دم (5).
و جوابه:أنّ المراد بالنسك هنا الواجب،و يدلّ عليه ذلك أيضا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس أنّه قال:ليس على من ترك الرمل شيء (6).
و من طريق الخاصّة:حديث سعيد الأعرج.
ص:353
و لأنّ هذه هيئة الركن غير واجبة،فلا يجب بتركها شيء،كغيرها من الهيئات.
لأنّها هيئة في الأشواط الأول،فإذا فات موضعها،سقطت،كالجهر في الأوليين (1).
و لأنّ الرمل هيئة في الثلاثة الأول،و المشي هيئة الأربعة البواقي،فلو رمل بعد الثلاث،لكان تاركا لهيئة جميع الطواف.
فإنّه مستحبّ من الحجر إليه.
و هو قول أكثر أهل العلم (3).
و قال طاوس،و عطاء،و الحسن،و سعيد بن جبير:يمشي ما بين الركنين (4)؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر أصحابه بأن يرملوا الأشواط الثلاثة و يمشون ما بين الركنين ليرى المشركون جلدهم لمّا وهّنتهم الحمّى حتّى قال المشركون:
هؤلاء أجلد منّا (5).
و لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رمل من الحجر إلى الحجر (6).
و في حديث مسلم عن جابر،قال:رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رمل من الحجر حتّى انتهى إليه (7).و هذا إثبات و متأخّر؛لأنّه وقع في حجّة الوداع.
و إن تركه في
ص:354
اثنين،أتى به في الثالث خاصّة،و إن تركه في الثالثة (1)سقط.
و لو تركه في طواف القدوم،لم يستحبّ قضاؤه في طواف الزيارة أعني طواف الحجّ،خلافا لبعض الجمهور (2).
و هو خطأ؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّما رمل في طواف الزيارة،فقضاؤه يفضي إلى ترك هيئة الطوافين.
و هو قول ابن عبّاس، و ابن عمر-لأنّه شرّع في الأصل لإظهار الجلد و القوّة لأهل البلد،و هذا المعنى معدوم في حقّهم (3).و فيه نظر.
و هو وفاق؛لأنّ معناه-و هو إظهار الجلد و القوّة-لم يوجد فيهنّ،و لأنّه يقدح في سترهنّ به.
أربعا،
و كذا لو كان راكبا،استحبّ له أن يحثّ دابّته في الثلاثة الأول.
و للشافعيّ في المريض قول آخر:أنّه لا يستحبّ لحامله الرمل به؛لأنّه لا ينوب عنه و لا هو آلة له (4).و هو ضعيف؛لأنّ حامله يتحرّك هو بحركته،فأشبه الراكب.
لأنّه المقصود، فالدنوّ منه أولى،و لو كان بالقرب منه زحام لا يمكنه أن يرمل فيه،فإن كان يعلم أنّه إن وقف وجد فرجة،فإنّه يقف،فإذا وجد فرجة رمل،و إن كان يعلم أنّه لا يجد فرجة؛لكثرة الزحام،و علم أنّه إن تأخّر إلى حاشية الناس،أمكنه الرمل،تأخّر
ص:355
و رمل و كان أولى من قرب البيت مع ترك الرمل،و إن كان لا يمكنه التأخّر،أو كان ليس في حاشية الناس فرجة،فإنّه يمشي و يترك الرمل.
فإن لم يتمكّن فثلاثمائة و ستّين شوطا،و يلحق الزيادة بالطواف الأخير،و ذلك بأن يطوف أسبوعا،ثمّ يصلّي ركعتين و هكذا.
و يجوز القرآن في النوافل على ما يأتي،فيؤخّر الصلاة فيها إلى حين الفراغ حينئذ.
و إن (1)لم يستطع،طاف ما يمكن منه؛لما رواه الشيخ-في الحسن-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«يستحبّ أن تطوف ثلاثمائة و ستّين أسبوعا على عدد أيّام السنة،فإن لم تستطع فثلاثمائة و ستّين شوطا،فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف» (2).
و روى ابن بابويه عن أبان أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام،أ كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طواف يعرف به؟فقال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يطوف بالليل و النهار عشرة أسابيع (3):ثلاثة أوّل الليل،و ثلاثة آخر الليل،و اثنين إذا أصبح،و اثنين بعد الظهر،و كان فيما بين ذلك راحته» (4).
و يستحبّ أن يتدانى من البيت،فلو تباعد حتّى طاف بالسقاية و زمزم لم يجزئه،
ص:356
خلافا للشافعيّ (1).
لنا:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كذا فعل (2)و قال:«خذوا عنّي مناسككم» (3).
لنا:ما رواه جابر،قال:طاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حجّة الوداع على راحلته بالبيت و الصفا و المروة ليراه الناس،و ليشرف عليهم ليسألوه،فإنّ الناس غشوه (1).و لأنّه فعل من أفعال الحجّ،فإذا فعله راكبا،لم يجب به الدم،كما لو كان له عذر و ركب في الوقوف.
احتجّ المخالف:بأنّها عبادة واجبة تتعلّق بالبيت،فلا يجوز فعلها لغير عذر راكبا،كالصلاة (2).
و جوابه:الفرق،فإنّ الصلاة لا تصحّ راكبا،و هنا يصحّ.
ص:358
في الأحكام
فلو طاف و هو محدث متعمّدا، وجب عليه إعادة الطواف؛لأنّ الطهارة شرط فيه،و قد فات،فيبطل المشروط، كالصلاة.
روى الشيخ عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:سألته عن الرجل يطوف بغير وضوء أ يعتدّ بذلك الطواف؟قال:«لا» (1).
و كذا لو طاف ناسيا،فإنّه لا يعتدّ بذلك الطواف و يجب عليه الإعادة؛لأنّه يصدق عليه أنّه طاف بغير وضوء.
و قد روى الشيخ-في الصحيح-عن عليّ بن جعفر،عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام،قال:سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب فذكر و هو في الطواف، قال:«يقطع طوافه و لا يعتدّ بشيء ممّا طاف»و سألته (2)عن رجل طاف ثمّ ذكر أنّه على غير وضوء،قال:«يقطع طوافه و لا يعتدّ به» (3).
ص:359
أمّا طواف النفل فليست الطهارة شرطا فيه و إن كانت شرطا في ركعتيه.
خاصّة؛
لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن حريز،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طاف تطوّعا و صلّى ركعتين و هو على غير وضوء،فقال:«يعيد الركعتين و لا يعيد الطواف» (1).
الطواف
و الصلاة معا.
لأنّا بيّنّا (4)أنّ الطهارة شرط فيه،و لو لم يعلم ثمّ علم في أثناء الطواف،أزاله و تمّم الطواف، و لو لم يعلم حتّى فرغ،كان طوافه ماضيا،كالصلاة.
تطهّر و تمّم ما بقي،و إن كان حدثه قبل أن يبلغ النصف،فإنّه يعيد الطواف من أوّله؛لما رواه الشيخ عن جميل،عن بعض أصحابنا،عن أحدهما عليهما السّلام في الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه،قال:«يخرج و يتوضّأ، فإن كان جاز (6)النصف،بنى على طوافه،و إن كان أقلّ من النصف،أعاد
ص:360
الطواف» (1).
و لأنّ مجاوزة النصف يقتضي تحصيل الأكثر،و معظم الشيء يقوم مقامه.
أمّا الشافعيّ،فإنّه لم يفصّل هكذا،بل قال:إن طال الفصل،استأنف في القديم، و في الجديد:يبني،و لو لم يطل،بنى قولا واحدا (2).
لأنّه شكّ في شرط العبادة قبل فراغها فيعيد،كالصلاة،و لو شكّ بعد الفراغ،لم يستأنف.
فلو طاف ستّة (4)و انصرف،فليضف إليها شوطا آخر و لا شيء عليه،و إن لم يذكر حتّى يرجع (5)إلى أهله،أمر من يطوف عنه.
و قال أبو حنيفة:يجبره بدم (6).
لنا:أنّ المأمور به الطواف،و هو متمكّن من الإتيان به بنفسه أو بنائبه،فكان واجبا.
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت:رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر (7)
ص:361
قال:«يعيد ذلك الشوط» (1).
و في حديث الحسن بن عطيّة،عن سليمان بن خالد أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عمّن فاته شوط واحد حتّى أتى أهله،قال:«يأمر من يطوف عنه» (2).
لو ذكر أنّه طاف أقلّ من سبعة أشواط و هو في السعي،قطع السعي و تمّم (3)
الطواف،
ثمّ رجع فتمّم السعي؛لأنّ السعي تابع،فلا يفعل قبل تحقّق متبوعه،و إنّما يتحقّق بأجزائه.
يدلّ على ذلك:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن إسحاق بن عمّار،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل طاف بالبيت ثمّ خرج إلى الصفا فطاف بين الصفا و المروة،فبينا هو يطوف إذ ذكر أنّه قد نقص طوافه (4)بالبيت،قال:«يرجع إلى البيت فيتمّ طوافه ثمّ يرجع إلى الصفا و المروة فيتمّ ما بقي» (5).
الفريضة،
فإن كان قد جاز النصف بنى،و إن لم يكن جازه (6)،أعاد،و إن كان طواف النافلة،بنى عليه مطلقا.
و قال الشافعيّ:إن أطال الفصل،أعاد مطلقا،سواء تجاوز النصف أو
ص:362
لم يتجاوز،و إن لم يطل،بني (1).و هو قول أحمد (2).
و حكي عن الشافعيّ قول آخر:أنّه إن قطعه لغير عذر و زايل (3)موضعه و هو في المسجد،استأنف،قياسا على الصلاة (4).
لنا:أنّ مع مجاوزة النصف يكون قد فعل الأكثر،فيبني عليه،كالجميع.
و يدلّ عليه أيضا:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط،ثمّ وجد من البيت خلوة فدخله،كيف يصنع؟قال:«يعيد طوافه،و خالف السنّة» (5).
و عن ابن مسكان قال:حدّثني من سأله عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة ثلاثة أشواط،ثمّ وجد خلوة من البيت (6)فدخله،قال:«يقضي (7)طوافه و خالف السنّة فليعد» (8).
و في الصحيح عن أبان بن تغلب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طاف شوطا أو شوطين،ثمّ خرج مع رجل في حاجته (9)،قال:«إن كان طواف نافلة، بنى عليه،و إن كان طواف فريضة لم يبن» (10).
ص:363
و يدلّ على اعتبار مجاوزة النصف:ما رواه عليّ بن عبد العزيز عن أبي عزّة (1)، قال:مرّ بي أبو عبد اللّه عليه السّلام و أنا في الشوط الخامس من الطواف،فقال لي:
«انطلق حتّى نعود هاهنا رجلا»فقلت:أنا في خمسة أشواط فأتمّ أسبوعي؟قال:
«فاقطعه و احفظه من حيث تقطعه حتّى تعود إلى الموضع الذي قطعت منه فتبني عليه» (2).
و عن أبي الفرج،قال:طفت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام خمسة أشواط،ثمّ قلت:إنّي أريد أن أعود مريضا،فقال:«احفظ مكانك ثمّ اذهب فعده،ثمّ ارجع فأتمّ طوافك» (3).
لا يقال:كما يحتمل أن يكون في الفرض،احتمل أن يكون في النفل.
لأنّا نقول:لا يعتبر في النفل مجاوزة النصف،لجواز البناء مطلقا.
و قد روى الشيخ عن سكين بن عمّار (4)،عن رجل من أصحابنا يكنّى أبا أحمد،قال:كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام في الطواف يده في يدي أو يدي في يده،إذ عرض لي رجل له حاجة،فأومأت إليه بيدي،فقلت له:كما أنت حتّى
ص:364
أفرغ من طوافي،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«ما هذا؟فقلت:أصلحك اللّه رجل جاءني في حاجة،فقال لي:«مسلم هو؟»قلت:نعم،قال:«اذهب معه في حاجته»قلت له:أصلحك اللّه فاقطع الطواف؟قال:«نعم»قلت:و إن كنت في المفروض قال:«نعم،و إن كنت في المفروض»قال:و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
«من مشى مع أخيه المسلم في حاجة (1)،كتب اللّه له ألف ألف حسنة،و محا عنه ألف ألف سيّئة،و رفع له ألف ألف درجة» (2).
و عن أبان بن تغلب،قال:كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام في الطواف فجاء رجل من إخواني،فسألني أن أمشي معه في حاجة،ففطن بي أبو عبد اللّه عليه السّلام،فقال:«يا أبان من هذا الرجل؟»قلت:رجل من مواليك سألني أن أذهب معه في حاجة،فقال:«يا أبان اقطع طوافك و انطلق معه في حاجته» (3)فقلت:و إن كان في فريضة؟قال:«نعم،و إن كان في فريضة»فقال:«يا أبان و هل تدري ما ثواب من طاف بهذا البيت أسبوعا؟»فقلت:لا و اللّه ما أدري،قال:
«تكتب له ستّة آلاف حسنة و تمحى عنه ستّة آلاف سيّئة و ترفع له ستّة آلاف درجة»-قال (4):و روى إسحاق بن عمّار:«و تقضى له ستّة آلاف حاجة» (5)- فاقضها له»فقلت:إنّي لم أتمّ طوافي قال:«أحص ما طفت،و لقضاء حاجة مؤمن خير من طواف و طواف»حتّى عدّ عشرة أسابيع،فقلت:له جعلت فداك فريضة أو
ص:365
نافلة؟قال:«يا أبان إنّما يسأل اللّه تعالى عن الفرائض لا عن النوافل» (1).
و قد روى الشيخ عن جميل،عن بعض أصحابنا،عن أحدهما عليهما السّلام، قال:في الرجل يطوف ثمّ تعرض له الحاجة،قال:«لا بأس أن يذهب في حاجته أو حاجة غيره و يقطع الطواف،و إن أراد أن يستريح و يقعد فلا بأس بذلك،فإذا رجع،بنى على طوافه،و إن كان نافلة،بنى على الشوط و الشوطين،و إن كان طواف فريضة ثمّ خرج في حاجة مع رجل،لم يبن،و لا في حاجة نفسه» (2).
قال الشيخ:هذا الحديث ليس بمناف لما تقدّم؛لأنّه إنّما قال:لا يبني،يعني على الشوط و الشوطين؛فرقا بين طواف الفريضة و طواف النافلة (3).
بالفريضة،
ثمّ عاد فيتمّ (4)طوافه من حيث قطع.و هو قول العلماء،إلاّ مالكا،فإنّه قال:يمضي في طوافه و لا يقطعه إلاّ أن يخاف أن يضرّ بوقت الصلاة (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلاّ المكتوبة» (6).و الطواف صلاة،فيدخل تحت عموم الخبر.
و لأنّ وقت الحاضرة أضيق من وقت الطواف،فكانت أولى.
ص:366
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن هشام،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال (1):في رجل كان في طواف فريضة فأدركته صلاة فريضة،قال:«يقطع طوافه و يصلّي الفريضة ثمّ يعود فيتمّ ما بقي عليه من طوافه» (2).
و في الحسن عن عبد اللّه بن سنان،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل كان في طواف النساء و أقيمت الصلاة،قال:«يصلّي-يعني الفريضة-فإذا فرغ بنى من حيث قطع» (3).
إذا ثبت هذا:فإنّه يبني بعد فراغه من الفريضة و يتمّ (4)طوافه.و هو قول عامّة أهل العلم.
و قال الحسن البصريّ:يستأنف (5).
لنا:ما تقدّم من الأحاديث.و لأنّه فعل مشروع في أثناء الطواف،فلم يقطعه و هو كاليسير،و هكذا البحث في صلاة الجنازة،فإنّها تقدّم.
إذا عرفت هذا:فهل يبني من حيث قطع أو من الحجر؟فيه تردّد،أحوطه الثاني،و الخبر يدلّ على الأوّل (6).
قطع الطواف و أوتر ثمّ بنى على ما مضى من طوافه؛لأنّها نافلة متعلّقة بوقت،فيكون أولى من فعل ما لا يفوت وقته.
و يدلّ عليه أيضا:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبد الرحمن بن الحجّاج،
ص:367
عن أبي إبراهيم عليه السّلام،قال:سألته عن الرجل يكون في الطواف و قد طاف بعضه و بقي عليه بعضه فيطلع الفجر،فيخرج من الطواف إلى الحجر أو إلى بعض المساجد إذا كان لم يوتر فيوتر ثمّ يرجع فيتمّ طوافه،أ فترى ذلك أفضل أم يتمّ الطواف ثمّ يوتر و إن أسفر بعض الإسفار؟قال:«ابدأ بالوتر و اقطع الطواف إذا خفت ذلك ثمّ أتمّ الطواف بعد» (1).
فإذا فرغت من المناسك،أتمّت الطواف بعد طهرها،و لو كان دون ذلك،بطل الطواف،و انتظرت عرفة،فإن طهرت و تمكّنت من أفعال العمرة و الخروج إلى الموقف،فعلت،و إلاّ صارت حجّتها مفردة؛لأنّ بطواف ما زاد على النصف تكون قد أدركت معظمه فتكون في حكم المدركة له.
و يؤيّد ذلك:ما رواه إبراهيم بن إسحاق (2)عمّن سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت أربعة أشواط و هي معتمرة،ثمّ طمثت،قال:«تتمّ طوافها،و ليس عليها غيره،و متعتها تامّة،و لها أن تطوف بين الصفا و المروة؛لأنّها زادت على النصف و قد قضت متعتها،و لتستأنف بعد الحجّ،و إن هي لم تطف إلاّ ثلاثة أشواط فلتستأنف الحجّ (3)،فإن أقام بها جمّالها بعد الحجّ لتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر» (4).
ص:368
و على مضمون هذا الحديث عوّل الشيخ رحمه اللّه (1).
أمّا ابن بابويه رحمه اللّه فإنّه روى عن حريز و العلاء عن محمّد بن مسلم-في الصحيح-قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت ثلاثة أطواف أو أقلّ من ذلك،ثمّ رأت دما،فقال:«تحفظ مكانها،فإذا طهرت طافت منه و اعتدّت بما مضى» (2).
قال ابن بابويه:و بهذا الحديث أفتي دون الأوّل؛لأنّ الأوّل إسناده منقطع،و هذا الحديث إسناده متّصل و هو رخصة و رحمة (3).
و كلام الشيخ في هذا الباب أوجه؛لأنّه قد ثبت اعتبار مجاوزة النصف في حقّ غير الحائض باعتبار أنّه المعظم،و إذا كان هذا أصلا،فليعتمد عليه خصوصا مع الحديث الدالّ عليه بالتفصيل،و قبول الرواية التي رواها للتأويل،فإنّه من المحتمل أن يكون ذلك في طواف النافلة.
و يعضد الرواية التي رواها الشيخ:ما رواه أبو إسحاق صاحب اللؤلؤ (4)قال:
حدّثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام،يقول في المرأة المتمتّعة إذا طافت بالبيت
ص:369
أربعة أشواط ثمّ حاضت:«فمتعتها تامّة،و تقضي ما فاتها من الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة،و تخرج إلى منى قبل أن تطوف الطواف الآخر» (1).
و ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بين الصفا و المروة فجازت (2)النصف،فعلّمت ذلك الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمّت بقيّة طوافها من الموضع الذي علّمت،و إن هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف،فعليها أن تستأنف الطواف[من أوّله] (3)» (4).
و يدلّ عليه النّص و الإجماع،قال اللّه تعالى:
وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (5).
و قد أجمع المسلمون كافّة على أنّه واجب.
إذا ثبت هذا:فإنّه ركن من تركه عمدا،بطل حجّه،و لو تركه ناسيا،قضاه و لو بعد المناسك،فإن تعذّر العود،استناب فيه.
روى الشيخ-في الصحيح-عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام، قال:سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتّى قدم بلاده و واقع النساء كيف يصنع؟قال:«يبعث بهدي إن كان تركه في حجّ بعث به في حجّ،و إن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة،و وكّل من يطوف عنه ما ترك من طوافه» (6).
ص:370
قال الشيخ-رحمه اللّه-:هذا محمول على طواف النساء؛لأنّ من ترك طواف النساء ناسيا،جاز له أن يستنيب غيره مقامه في طوافه،و لا يجوز له ذلك في طواف الحجّ،بل يجب عليه إعادة الحجّ و بدنة (1)؛لما رواه عليّ بن أبي حمزة،قال:
سئل (2)عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتّى رجع إلى أهله،قال:«إذا كان على جهة الجهالة،أعاد الحجّ و عليه بدنة» (3).
و في الصحيح عن عليّ بن جعفر،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة،قال:«إن كان على وجه جهالة في الحجّ، أعاد و عليه بدنة» (4).
و استدلّ الشيخ على الجمع بما رواه معاوية بن عمّار،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل نسي طواف النساء حتّى دخل أهله،قال:«لا يحلّ له النساء حتّى يزور البيت»و قال:«يأمر من يقضي (5)عنه إن لم يحجّ،فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره» (6).
و ما ذكره الشيخ فيه توقّف،و وجه الجمع عندي حمل الحديثين الأوّلين على من ترك الطواف عامدا جاهلا بوجوبه،فإنّه يعيد الحجّ و يكفّر.و الثاني على من تركه ناسيا،و يحمل وجوب الكفّارة على من وطئ بعد الذكر،و سيأتي تحقيق ذلك
ص:371
إن شاء اللّه تعالى.
لأنّه شكّ في واجب فات محلّه،فلا اعتبار به،كمن شكّ في عدد الركعات بعد فراغه،و إن كان في أثنائه،فإن كان شكّه في الزيادة،قطع الطواف و لا شيء عليه؛لأنّه يتيقّن الإتيان بالسبع،و يشكّ في الزائد،و الأصل عدمه،و إن كان يشكّ في النقصان،كأن يشكّ بين الستّة و السبعة،فإن كان طواف الفريضة،أعاد الطواف من أوّله؛لأنّ الزيادة و النقصان محرّمان،و مع البناء على كلّ واحد من الأقلّ و الأكثر يحصل أحد المحرّمين،فلهذا أبطلناه.
و يؤيّد ذلك:ما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت فلم يدر ستّة طاف أو سبعة طواف فريضة؟قال:
«فليعد طوافه»قيل:إنّه قد خرج،وفاته ذلك،قال:«ليس عليه شيء» (1).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل لم يدر ستّة طاف أو سبعة؟قال:«يستقبل» (2).
و عن منصور بن حازم،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي طفت فلم أدر ستّة طفت أم سبعة فطفت طوافا آخر،فقال:«هلاّ استأنفت؟»قلت:قد طفت و ذهبت قال:«ليس عليك شيء» (3).
و عن أحمد بن عمر المرهبيّ (4)،عن أبي الحسن الثاني عليه السّلام،قال:سألته
ص:372
قلت:[رجل] (1)شكّ في طوافه فلم يدر ستّة طاف أو سبعة؟قال:«إن كان في فريضة،أعاد كلّ ما شكّ فيه،و إن كان في نافلة بنى على ما هو أقلّ» (2).
كمن شكّ فلم يدر طاف ثلاثة أشواط أو أربعة،أعاد في الفريضة و على هذا النهج؛لما تقدّم.
و يدلّ عليه أيضا:ما رواه حنّان بن سدير،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
ما تقول في رجل طاف فأوهم قال:طفت أربعة،و قال:طفت ثلاثة؟فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«أيّ الطوافين؟طواف نافلة أو طواف فريضة؟»ثمّ قال:«إن كان طواف فريضة،فليلق ما في يديه و ليستأنف،و إن كان طواف نافلة و استيقن الثلاث و هو في شكّ من الرابع أنّه طاف،فليبن على الثالث،فإنّه يجوز له» (3).
لما تقدّم في الروايات،و يجوز له البناء على الأكثر.
روى ابن بابويه عن رفاعة،عن الصادق عليه السّلام أنّه قال في رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة،قال:«طواف نافلة أو فريضة؟»قلت (4):أجبني فيهما جميعا، قال:«إن كان طواف نافلة فابن على ما شئت،و إن كان طواف فريضة،فأعد الطواف،فإن طفت بالبيت طواف الفريضة و لم تدر ستّة طفت أو سبعة،فأعد
ص:373
طوافك،فإن خرجت،وفاتك ذلك،فليس عليك شيء» (1).
كما يجوز في الصلاة؛لأنّه يثمر التذكّر و الظنّ مع النسيان.
روى ابن بابويه عن ابن مسكان،عن الهذيل (2)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتّكل على عدد صاحبته (3)في الطواف،أ يجزئه عنها و عن الصبيّ،فقال:
«نعم،ألا ترى أنّك تأتمّ بالإمام إذا صلّيت خلفه،فهو مثله» (4).
و سأله سعيد الأعرج عن الطواف أ يكتفي الرجل بإحصاء صاحبه؟قال:
«نعم» (5).
ابن عمر،و الحسن البصريّ،و الزهريّ (1)،و مالك (2)،و أبو حنيفة (3).
و قال عطاء و طاوس،و سعيد بن جبير (4)،و أحمد (5)،و إسحاق:
لا بأس به (6).
لنا:أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يفعله،فلا يجوز فعله؛لقوله عليه السّلام:
«خذوا عنّي مناسككم» (7).
و لأنّها فريضة ذات عدد،فلا يجوز الزيادة عليها،كالصلاة.
و يدلّ عليه أيضا:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض،قال:«يعيد حتّى يستتمّه» (8).
احتجّوا:بأنّ عائشة فعلته.و لأنّه يجري مجرى الصلاة يجوز جمعها و يؤخّر ما بينها يصلّيها بعدها،كذلك هاهنا (9).
و جوابه:أنّ فعل عائشة ليس حجّة،و يحتمل أن يكون ذلك في النفل،فإنّ
ص:375
القران يجوز فيه على ما يأتي،و المقيس عليه أصل لنا.
و يدلّ على المنع من القران:ما رواه الشيخ عن عليّ بن أبي حمزة،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يطوف يقرن بين أسبوعين؟فقال:«إن شئت رويت لك عن أهل المدينة»قال:فقلت:لا و اللّه ما لي في ذلك حاجة جعلت فداك، و لكن ارو لي ما أدين اللّه عزّ و جلّ به،فقال:«لا تقرن بين أسبوعين،كلّما طفت أسبوعا فصلّ ركعتين،و أمّا أنا (1)فربّما قرنت الثلاثة و الأربعة»فنظرت إليه،فقال:
«إنّي مع هؤلاء» (2).
و عن صفوان بن يحيى و أحمد بن محمّد بن أبي نصر،قالا:سألناه عن قران الطواف السبوعين و الثلاثة قال:«لا إنّما هو سبوع (3)و ركعتان»و قال:«كان أبي يطوف مع محمّد بن إبراهيم (4)،فيقرن،و إنّما كان ذلك منه لحال التقيّة» (5).
و عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر،قال:سأل رجل أبا الحسن عليه السّلام عن رجل يطوف الأسباع جميعا فيقرن،فقال:«لا،إلاّ أسبوع و ركعتان (6)،و إنّما قرن أبو الحسن عليه السّلام؛لأنّه كان يطوف مع محمّد بن إبراهيم لحال التقيّة» (7).
ص:376
لما رواه الشيخ-في الموثّق- عن ابن مسكان،عن زرارة،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إنّما يكره أن يجمع الرجل بين السبوعين (1)و الطوافين في الفريضة،فأمّا في النافلة فلا (2)» (3).
و عن عمر بن يزيد،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إنّما يكره القران في الفريضة،فأمّا النافلة فلا و اللّه ما به بأس» (4).
قال الشيخ-رحمه اللّه-:
لا يجوز (5).و هو كما يحتمل التحريم،يحتمل الكراهية،لكنّه احتمال بعيد في الكراهية.
و قال ابن إدريس:إنّه مكروه شديد الكراهية،و قد يعبّر عن مثل هذا بقولنا:
لا يجوز (6).و كلام الشيخ في الاستبصار يعطي الكراهية (7).
و على الخلاف في الفريضة.
يستحبّ أن ينصرف على وتر،و يكره له الانصراف على الشفع،مثلا لا ينصرف على
ص:377
أسبوعين و لا على أربعة،بل على ثلاثة أو خمسة؛لما رواه الشيخ عن طلحة ابن زيد،عن جعفر،عن أبيه عليهما السّلام،أنّه كان يكره أن ينصرف في الطواف إلاّ على وتر من طوافه (1).
فلو طاف ثمانية أشواط عامدا،أعاد،و إن كان ناسيا،استحبّ له أن يتمّها أربعة عشر شوطا؛لما روى الشيخ-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:سألته عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية،قال:«يضيف إليها ستّة» (3).
و عن رفاعة،قال:كان عليّ عليه السّلام يقول:«إذا طاف ثمانية فليتمّ أربعة عشر»قلت:يصلّي أربع ركعات؟قال:«يصلّي ركعتين» (4).
و إنّما قلنا بالتمام مع السهو دون العمد مع إطلاق هذين الحديثين؛لرواية أبي بصير الدالّة على وجوب الإعادة (5).
و يدلّ على التفصيل:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سمعته يقول:«من طاف بالبيت فوهم حتّى يدخل في الثامن،فليتمّ أربعة عشر شوطا،ثم ليصلّ ركعتين» (6).
ص:378
فالتقييد بالوهم هنا يقتضي حمل إطلاق الروايتين عليه،خصوصا مع رواية أبي بصير الدالّة على وجوب الإعادة،و لا يجوز حملها على النسيان،و لا حمل المطلقين على العمد؛للتنافي،و لا وجه للجمع إلاّ ما ذكرناه.
ثمّ عاد إلى المقام و صلّى ركعتي النفل؛لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«إنّ عليّا عليه السّلام طاف طواف الفريضة ثمانية،فترك سبعة و بنى على واحدة و أضاف إليها (1)ستّا ثمّ صلّى الركعتين خلف المقام،ثمّ خرج إلى الصفا و المروة،فلمّا فرغ من السعي بينهما،رجع فصلّى ركعتين (2)للذي ترك في المقام الأوّل» (3).
فليقطع الطواف و لا شيء عليه؛لأنّه أتى بالواجب،و إن لم يذكر حتّى يجوزه،تمّم أربعة عشر شوطا؛لما رواه الشيخ عن أبي كهمس،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط،قال:«إن (4)ذكر قبل أن يأتي الركن،فليقطعه و قد أجزأ عنه،و إن (5)لم يذكر حتّى يبلغه،فليتمّ أربعة عشر شوطا،و ليصلّ أربع ركعات» (6).
لأنّه يتيقّن
ص:379
حصول السبع.رواه الشيخ عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:
رجل طاف فلم يدر سبعة طاف أو ثمانية؟قال:«يصلّي ركعتين» (1).
و في الصحيح عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر سبعة طاف أو ثمانية؟ فقال:«أمّا السبع (2)فقد استيقن،و إنّما وقع وهمه على الثامن،فليصلّ ركعتين» (3).
فإن كان طواف الفريضة أعاد؛لأنّه لم يتيقّن حصول السبعة.
و يدلّ عليه:ما تقدّم (4).و ما رواه الشيخ عن أبي بصير،قال:قلت:رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم سبعة أم ثمانية؟قال:«يعيد طوافه حتّى يحفظ»قلت:فإنّه طاف و هو متطوّع ثماني مرّات و هو ناس،قال:«فليتمّه طوافين و يصلّي أربع ركعات،فأمّا (5)الفريضة فليعد حتّى يتمّ سبعة أشواط» (6).
أشواط،
و إن كان قد طاف دونها،أعاد من أوّله،و لو لم يذكر حتّى رجع إلى أهله، أمر من يطوف عنه سبعة أشواط إن كان قد طاف أقلّ،أو التتمّة إن كان قد تجاوز النصف.
ص:380
و كذا لو أحدث في أثناء طواف الفريضة،فإن كان قد جاز (1)النصف،تطهّر و بنى،و إن لم يبلغه،استأنف؛لما رواه الشيخ عن جميل،عن بعض أصحابنا،عن أحدهما عليهما السّلام في الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه،قال:
«يخرج و يتوضّأ،فإن كان قد جاز النصف بنى على طوافه،و إن كان أقلّ من النصف أعاد الطواف» (2).و كذا البحث لو قطع الطواف لقضاء حاجة أو دخول البيت أو غير ذلك،و قد تقدّم بيانه فيما مضى (3).
فإن حصل الشكّ لهم،كان حكمهم ما تقدّم من الإعادة إن كان الشكّ في النقصان، و إلاّ فلا.
يدلّ عليه:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن صفوان قال:سألته عن ثلاثة دخلوا في الطواف،فقال واحد منهم:احفظوا (5)الطواف،فلمّا ظنّوا أنّهم قد فرغوا قال واحد منهم:معي ستّة أشواط،قال:«إن شكّوا كلّهم،فليستأنفوا،و إن لم يشكّوا و علم كلّ واحد منهم ما في يديه،فليبنوا» (6).
محدث عامدا،لم يصحّ طوافه،
و كذا لو كان ناسيا،أمّا لو طاف و على ثوبه نجاسة عامدا فإنّه يعيد،و لو كان ناسيا و ذكر في أثناء الطواف،قطعه و أزال النجاسة أو
ص:381
نزع الثوب و تمّم طوافه،و إن لم يذكر حتّى يفرغ منه،نزع الثوب أو غسله و صلّى الركعتين.
روى الشيخ عن يونس بن يعقوب،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يرى في ثوبه الدم و هو في الطواف،قال:«ينظر الموضع الذي يرى (1)فيه الدم، فيعرفه ثمّ يخرج فيغسله ثمّ يعود فيتمّ طوافه» (2).
و عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر،عن بعض أصحابنا (3)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:رجل في ثوبه دم ممّا لا يجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه،فقال:«أجزأه الطواف فيه،ثمّ ينزعه و يصلّي في ثوب طاهر» (4).
أمّا طواف النفل،فإنّه يجوز من غير طهارة الحدث و إن كان الأفضل الطهارة فيه.
لو تحلّل من إحرام العمرة،ثم أحرم بالحجّ و طاف و سعى له،
ثمّ ذكر أنّه طاف محدثا أحد الطوافين و لم يعلم هل هو طواف العمرة المتمتّع بها أو طواف الحجّ؟ قيل:إنّه يطوف للحجّ و يسعى له،ثمّ يعتمر بعد ذلك عمرة مفردة،و تصير حجّة مفردة؛لأنّه يحتمل أن يكون في طواف العمرة فيبطل و قد فات وقتها،و أن يكون للحجّ فيعيد،فلهذا أوجبنا إعادة طواف الحجّ و سعيه و الإتيان بعمرة مفردة بعد
ص:382
الحجّ؛لبطلان عمرته،هكذا قاله بعض الجمهور (1).
و الوجه أنّه يعيد الطوافين؛لأنّ العمرة لا تبطل بفوات الطواف.
طيف به،و إن لم يستمسك معه الطهارة،انتظر به يوم أو يومان،فإن برأ،طاف بنفسه،و إلاّ طيف عنه.
رواه الشيخ عن الربيع بن خيثم (2)،قال:شهدت أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو يطاف به حول الكعبة في محمل و هو شديد المرض،و كان (3)كلّما بلغ الركن اليمانيّ أمرهم فوضعوه على الأرض،فأدخل يده في كوّة المحمل حتّى يجرّها على الأرض ثمّ يقول:«ارفعوني ارفعوني»فلمّا فعل ذلك مرارا في كلّ شوط، قلت (4):جعلت فداك يا ابن رسول اللّه هذا (5)يشقّ عليك،فقال:«إنّي سمعت اللّه عزّ و جلّ يقول: لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ (6)»فقلت:منافع الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال:«الكلّ» (7).
ص:383
و في الصحيح عن إسحاق بن عمّار،قال:سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن المريض يطاف عنه بالكعبة؟قال:«لا،و لكن يطاف به» (1).
و في الصحيح عن حريز،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«المريض المغلوب و المغمى عليه يرمى عنه و يطاف به» (2).
و في الصحيح عن صفوان بن يحيى،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل المريض يقدم مكّة فلا يستطيع أن يطوف بالبيت و لا بين الصفا و المروة، فقال:«يطاف به محمولا يخطّ الأرض برجليه حتّى تمسّ الأرض قدميه في الطواف ثمّ يوقف به في أصل الصفا و المروة إذا كان معتلاّ» (3).
و في الصحيح عن حريز،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن الرجل يطاف به و يرمى عنه؟قال:«نعم،إذا كان لا يستطيع» (4).
قال الشيخ:و لا ينافي هذه الأخبار،ما رواه حريز بن عبد اللّه-في الصحيح- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«المريض المغلوب و المغمى عليه يرمى عنه و يطاف عنه» (5).
لأنّه محمول على المبطون الذي لا يستمسك طهارته،فلا يؤمن منه الحدث في كلّ حال؛لحديث إسحاق بن عمّار.
ص:384
و لا نعلم خلافا في أنّ المريض يطاف به إذا استمسك الطهارة.
روى الجمهور عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله طاف في حجّة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن (1). (2)
و عن أمّ سلمة،قالت:شكوت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّي أشتكي، فقال:«طوفي من وراء النّاس و أنت راكبة» (3).
و رواه ابن بابويه-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم،قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام،يقول:«حدّثني أبي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طاف على راحلته و استلم الحجر بمحجنه و سعى عليها بين الصفا و المروة» (4).
و ينتظر به مع السعة،
فإن برأ و إلاّ طيف عنه؛للضرورة.
لنا:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«المبطون و الكسير يطاف عنهما و يرمى عنهما» (5).
و عن حبيب الخثعميّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يطاف عن المبطون و الكسير» (6).
ص:385
و يدلّ على انتظار البرء:ما رواه الشيخ عن يونس بن عبد الرحمن البجليّ، قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام أو كتبت إليه عن سعيد بن يسار أنّه سقط من جمله فلا يستمسك بطنه أطوف عنه و أسعى؟قال:«لا،و لكن دعه،فإن برأ،قضى هو،و إلاّ فاقض أنت عنه» (1).
أمّا الكسير فإن استمسك الطهارة،طيف به،و إلاّ طيف عنه؛لما تقدّم (2).
و لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الكسير يحمل فيطاف به،و المبطون يرمي و يطاف عنه و يصلّى عنه» (3).
لو طاف بعض طوافه فاعتلّ علّة لا يتمكّن معها من إتمام الطواف،انتظر به يوم
أو يومان،
فإن برأ،أتمّ طوافه إن كان قد تجاوز النصف و إلاّ أعاده،و إن لم يبرأ، طيف به أسبوعا إن كان قد طاف أقلّ من النصف،و إلاّ طيف به التمام لما تقدّم (4).
و لما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت بعض طوافه طواف الفريضة،ثمّ اعتلّ علّة لا يقدر معها على إتمام (5)طوافه،قال:«إذا طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط و قد تمّ طوافه،و إن كان طاف ثلاثة أشواط و كان لا يقدر على التمام،فإنّ هذا ممّا
ص:386
غلب اللّه عليه،فلا بأس أن يؤخّره يوما أو يومين،فإن كانت العافية و قدر على الطواف،طاف أسبوعا،و إن طالت علّته،أمر من يطوف عنه أسبوعا و يصلّى عنه و قد خرج من إحرامه،و في رمي الجمار مثل ذلك» (1).
و في رواية محمّد بن يعقوب:«و يصلّي هو» (2).
و قال الشيخ:و المعنيّ به ما ذكرناه من أنّه متى استمسك طهارته،صلّى هو بنفسه،و متى لم يقدر على استمساكها طيف عنه و صلّى عنه (3).
عنهما.
و به قال أبو حنيفة (4)،و للشافعيّ قولان:
أحدهما:أنّه يجزئ عن المحمول.
و الثاني:أنّه يجزئ عن الحامل دون المحمول (5).
لنا:أنّ الحامل قد حصل منه الطواف،و المحمول أيضا قد حصل طائفا حول البيت،فيجزئه،و كونه على ظهر غيره لا يمنع صحّة طوافه،كما لو طاف راكبا.
و يؤيّد ذلك:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن حفص بن البختريّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المرأة تطوف بالصبيّ و تسعى به،هل يجزئ ذلك عنها و عن الصبيّ؟فقال:«نعم» (6).
و عن الهيثم بن عروة التميميّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:إنّي
ص:387
حملت امرأتي ثمّ طفت بها و كانت مريضة و قلت له:إنّي طفت بها بالبيت في طواف الفريضة و بالصفا و المروة و احتسبت بذلك لنفسي،فهل يجزئني؟فقال:
«نعم» (1).
احتجّ الشافعيّ:بأنّه فعل واحد،فإذا وقع عن الفاعل للطواف-أعني الحامل- لم يقع عن المحمول؛لأنّ الفعل الواحد لا يقع عن اثنين (2).
و الجواب:لا نسلّم اتّحاد الفعل هنا؛لأنّ اختلاف الأوضاع و السبب و تغاير الأمكنة حاصل لكلّ واحد منهما لكن لأحدهما بالذات و للآخر بالعرض،و الأوّل غير مشترط؛لأنّه وافقنا على جواز طواف الراكب.
و ينتقض أيضا بالواقف بعرفة إذا حمل غيره،فإنّه وافقنا على جوازه أيضا.
و يجوز الكلام فيه بالمباح.
و هو قول العلماء كافّة.
روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«الطواف بالبيت صلاة إلاّ أنّكم تتكلّمون فيه» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عليّ بن يقطين،قال:
سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الكلام في الطواف،و إنشاد الشعر،و الضحك في الفريضة أو غير الفريضة أ يستقيم ذلك؟قال:«لا بأس به،و الشعر ما كان
ص:388
لا بأس به منه» (1).
و لأنّ الأصل إباحة الكلام،فيبقى الحكم عليه ما لم يظهر مناف.
قاله:علماؤنا،و به قال عطاء،و مجاهد،و الثوريّ،و ابن المبارك (2)،و الشافعيّ (3)،و أبو ثور (4)، و أصحاب الرأي (5).
و روي عن عروة،و الحسن (6)،و مالك:أنّها مكروهة (7).و عن أحمد روايتان (8).
لنا:ما رواه الجمهور عن عائشة روت أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقول في طوافه: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ (9)» (10)،
ص:389
و هو من القرآن.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن محمّد بن فضيل أنّه سأل محمّد بن عليّ الرضا عليهما السّلام،فقال له:سعيت شوطا ثمّ طلع الفجر،فقال:«صلّ ثمّ عد فأتمّ سعيك،و طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلّم فيه إلاّ بالدعاء و ذكر اللّه و قراءة القرآن»قال:و النافلة يلقى الرجل أخاه فيسلّم عليه و يحدّثه بالشيء من أمر الآخرة و الدنيا،[قال] (1):«لا بأس به» (2).
و لأنّ الطواف كالصلاة،و أفضل الذكر في الصلاة القرآن،و هو أعلى الأذكار، فكان أولى من غيره.
قال ابن المنذر:وافقنا مالك في أنّه يقول: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ .و هي من القرآن (3).
لما تقدّم من الأحاديث (4).
لأنّه مستحبّ في جميع الأحوال ففي حال تلبّسه بهذه العبادة أولى.
و يستحبّ أن يترك الحديث إلاّ بالذكر و قراءة القرآن،و الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر و ما لا بدّ منه؛لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«الطواف بالبيت صلاة،فمن تكلّم فلا يتكلّم إلاّ بخير» (5).
ص:390
و روى الجمهور،أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله شرب في الطواف (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ،عن يونس بن يعقوب،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:هل نشرب و نحن في الطواف؟قال:«نعم» (2).
رواه زياد بن يحيى الحنظليّ (1)عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا تطوفنّ بالبيت و عليك برطلّة» (2).
و عن يزيد بن خليفة،قال:رآني أبو عبد اللّه عليه السّلام أطوف حول الكعبة و عليّ برطلّة،فقال لي بعد ذلك:«قد رأيتك تطوف حول الكعبة و عليك برطلّة، لا تلبسها حول الكعبة،فإنّها من زيّ اليهود» (3).و قول ابن إدريس جيّد.
طوافان:أسبوع ليديه،و أسبوع لرجليه .
و قال ابن إدريس:لا ينعقد نذره؛لأنّه غير مشروع،فلا ينعقد؛لأنّ انعقاده يحتاج إلى شرع (5).
احتجّ الشيخ:بما رواه السكونيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام في امرأة نذرت أن تطوف على أربع،قال:تطوف أسبوعا ليديها و أسبوعا لرجليها» (6).
ص:392
و عن أبي الجهم (1)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن أبيه،عن آبائه،عن عليّ عليهم السّلام أنّه قال في امرأة نذرت أن تطوف على أربع،قال:«تطوف أسبوعا ليديها و أسبوعا لرجليها» (2).
و مع سلامة هذين الحديثين من الطعن في السند ينبغي الاقتصار على موردهما، و هو المرأة،و لا يتعدّى إلى الرجل.
و قول ابن إدريس:إنّه نذر في غير مشروع،ممنوع؛إذ الطواف عبادة يصحّ نذرها،نعم الكيفيّة غير مشروعة،و لا نسلّم أنّه يبطل نذر الفعل عند بطلان نذر الصفة.
و بالجملة:فالذي ينبغي الاعتماد عليه،بطلان النذر في حقّ الرجل،و التوقّف في حقّ المرأة،فإن صحّ سند هذين الخبرين عمل بموجبهما،و إلاّ بطل،كالرجل.
مسألة:طواف الحجّ ركن فيه،و هو واجب.اتّفق عليه علماء الإسلام،قال اللّه تعالى: وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (3).
قال ابن عبد البرّ:أجمع العلماء على أنّ هذه الآية فيه (4).و عن عائشة،قالت:
حججنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأفضنا يوم النحر،فحاضت صفيّة،فأراد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما يريد الرجل من أهله،فقلت:يا رسول اللّه إنّها حائض قال:«أ حابستنا هي؟»قالوا:يا رسول اللّه إنّها قد أفاضت يوم النحر،قال:
ص:393
«اخرجوا» (1).
فدلّ على وجوب الطواف،و أنّه حابس لمن لم يأت به.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت، و سعيان بين الصفا و المروة،فعليه إذا قدم مكّة طواف بالبيت،و ركعتان عند مقام إبراهيم عليه السّلام» (2).
و كذا في حديث ابن مسكان عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (3).
و في الصحيح عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف،و يصلّي لكلّ طواف ركعتين،و سعيان بين الصفا و المروة» (4).و لا نعلم خلافا في وجوبه.
و لأنّه أحد النسكين،فكان الطواف فيه ركنا،كالعمرة.
إذا ثبت هذا:فإن أخلّ به عامدا،بطل حجّه،و إن أخلّ به ناسيا،وجب عليه أن يعود و يقضيه،فإن لم يتمكّن،استناب فيه.
و قال الشافعيّ:إن كان قد طاف طواف الوداع،أجزأ عنه،و إلاّ وجب عليه الرجوع،و لا يحلّ له النساء حتّى يطوف و إن طال زمانه و خرج وقته (5).
لنا:أنّ طواف الوداع نفل،فلا يجزئ عنه.
ص:394
و يدلّ على حكم الناسي:ما رواه الشيخ عن عليّ بن أبي حمزة،قال:سئل عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتّى يرجع إلى أهله،قال:«إذا كان على جهة الجهالة،أعاد الحجّ و عليه بدنة» (1).
و في الصحيح عن عليّ بن جعفر،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة،قال:«إن كان على وجه (2)الجهالة في الحجّ،أعاد و عليه بدنه» (3).
إذا ثبت هذا:فالشيخ-رحمه اللّه-أوجب عليه بدنة مع إعادة الحجّ (4).و توقّف ابن إدريس في إيجاب البدنة (5).و العمل على الرواية أولى.
إذا عرفت هذا:فلو نسي طواف النساء،لم تحلّ له النساء حتّى يزور البيت و يأتي به،و يجوز له أن يستنيب عنه (6)؛لما رواه الشيخ-في الحسن-عن معاوية بن عمّار،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل نسي طواف النساء حتّى دخل أهله،قال:«لا تحلّ له النساء حتّى يزور البيت»و قال:«يأمر أن (7)يقضى عنه إن لم يحجّ،فإن توفّي قبل أن يطاف عنه،فليقض عنه وليّه أو غيره» (8).
ص:395
و على هذه الرواية حمل الشيخ-رحمه اللّه-رواية عليّ بن جعفر،عن أخيه عليه السّلام،قال:سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتّى قدم بلاده و واقع النساء كيف يصنع؟قال:«يبعث بهدي إن كان تركه في حجّ بعث به في حجّ،و إن كان تركه في عمرة يبعث به في عمرة،و و كلّ من يطوف عنه ما ترك من طوافه» (1).
و يجوز أن يحمل عندي على تارك طواف الزيارة إذا لم يتمكّن من العود.
ص:396
في السعي و التقصير،
و مباحثه أربعة:
و هي عشرة مندوبة كلّها:الطهارة؛إذ ليست واجبة في السعى و إن كانت مستحبّة فيه.ذهب إليه علماؤنا،و هو قول عامّة أهل العلم.
و قال أحمد في إحدى الروايتين:إنّها شرط (1).و كان الحسن يقول:إن ذكر قبل أن يحلّ،فليعد الطواف بين الصفا و المروة،و إن ذكر بعد ما حلّ،فلا شيء عليه (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لعائشة حين حاضت:«اقضي ما يقضي الحاجّ غير أن لا تطوفي بالبيت» (3).
ص:397
و عن عائشة و أمّ سلمة قالتا:إذا طافت المرأة بالبيت و صلّت ركعتين ثمّ حاضت،فلتطف بين الصفا و المروة (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن زيد الشحّام،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن الرجل يسعى بين الصفا و المروة على غير وضوء، فقال:«لا بأس» (2).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا بأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلاّ الطواف،فإنّ فيه صلاة و الوضوء أفضل» (3).
و في الصحيح عن رفاعة بن موسى،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أشهد شيئا من المناسك و أنا على غير وضوء؟قال:«نعم،إلاّ الطواف بالبيت،فإنّ فيه صلاة» (4).
و لأنّه عبادة لا يتعلّق بالبيت،فأشبه الوقوف.
إذا ثبت هذا:فإنّ الطهارة أفضل بلا خلاف؛لما تقدّم من الأخبار.و لما رواه الشيخ عن يحيى الأزرق،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:قلت له:الرجل يسعى بين الصفا و المروة ثلاثة أشواط أو أربعة ثمّ يبول،أ يتمّ سعيه بغير وضوء؟قال:
«لا بأس،و لو أتمّ نسكه بوضوء كان أحبّ إليّ» (5).
ص:398
و رواية ابن فضّال،قال:قال أبو الحسن عليه السّلام:«لا تطوف و لا تسعى إلاّ بوضوء» (1)محمول على الاستحباب في السعي؛لما تقدّم من الأحاديث.
قبل السعي.
و لا نعلم فيه خلافا.
روى الجمهور عن جابر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعل ذلك (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا فرغت من الركعتين فأت الحجر الأسود فقبّله و استلمه،أو أشر (3)إليه،فإنه لا بدّ من ذلك»و قال:«إن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا،فافعل،و تقول حين تشرب:اللهمّ اجعله علما نافعا و رزقا واسعا و شفاء من كلّ داء و سقم»قال:و بلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال حين نظر إلى زمزم:لو لا أن أشقّ على أمّتي لأخذت منه ذنوبا أو ذنوبين» (4).
المقابل للحجر؛
لما تقدّم في حديث معاوية بن عمّار.
و ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«إذا فرغ الرجل من طوافه و صلّى ركعتين،فليأت زمزم فيستقي منه ذنوبا أو
ص:399
ذنوبين فليشرب منه و ليصبّ على رأسه و ظهره و بطنه،و يقول:اللهمّ اجعله علما نافعا و رزقا واسعا و شفاء من كلّ داء و سقم،ثمّ يعود إلى الحجر الأسود» (1).
و في الصحيح عن حفص بن البختريّ،عن أبي الحسن موسى عليه السّلام، و عن عبيد اللّه الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قالا:«يستحبّ أن تستقي من ماء زمزم دلو و دلوان (2)فتشرب منه و تصبّ على رأسك و جسدك،و ليكن ذلك [من] (3)الدلو الذي بحذاء الحجر» (4).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«أسماء زمزم:ركضة جبرئيل عليه السّلام،و سقيا إسماعيل عليه السّلام،و حفيرة عبد المطّلب،و زمزم،و المضنونة (5)،و طعام طعم و شفاء سقم» (6).
و لا نعلم فيه خلافا.
روى الشيخ-في الصحيح-عن ابن أبي عمير،عن عبد الحميد (7)،قال:سألت
ص:400
أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الباب الذي يخرج منه إلى الصفا،فإنّ أصحابنا قد اختلفوا عليّ فيه،فبعضهم يقول:هو الباب الذي يستقبل السقاية،و بعضهم يقول:هو الباب الذي يستقبل الحجر،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«هو الباب الذي يستقبل الحجر الأسود،و الذي يستقبل السقاية صنعه داود و فتح داود» (1).
و في الصحيح،عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين فرغ من طوافه و ركعتيه قال:ابدأ بما بدأ اللّه به إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ (2)قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
«ثمّ اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و هو الباب الذي يقابل الحجر الأسود،حتّى تقطع الوادي،و عليك السكينة و الوقار» (3)الحديث.
ذهب إليه أهل العلم كافّة،إلاّ من شذّ ممّن لا يعتدّ به،فإنّه قال:لا يصحّ سعيه حتّى يصعد على الصفا و المروة بقدر ما يستوفي السعي بينهما؛لأنّه لا يمكنه استيفاء ما بينهما إلاّ بذلك،فيجب عليه، كوجوب غسل جزء من الرأس و صيام جزء من الليل (4).
و هذا ليس بصحيح؛لأنّ الواجبات هنا لا تنفصل بمفصل (5)حسّيّ يمكن معه
ص:401
الاستيفاء من الواجب دون فعل بعضه،و لهذا أوجبنا غسل جزء من الرأس و صيام جزء من الليل،بخلاف صورة النزاع،فإنّه يمكنه أن يجعل عقبه ملاصقا للصفا.
و يدلّ على استحباب الصعود:ما رواه الجمهور في حديث الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السّلام،عن جابر في صفة سعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«فاصعد الصفا (2)حتّى تنظر إلى البيت و تستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود،فاحمد اللّه عزّ و جلّ و أثن عليه» (3)الحديث.
و إطالة الوقوف على الصفا؛لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«فاحمد اللّه (4)و أثن عليه و اذكر من آلائه و بلائه و حسن ما صنع إليك ما قدرت (5)ذكره،ثمّ كبّر سبعا (6)و هلّله سبعا،و قل:لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،له الملك و له الحمد يحيى و يميت (7)و هو على كلّ شيء قدير،ثلاث مرّات،ثمّ صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و قل:اللّه أكبر،الحمد للّه على ما هدانا و الحمد للّه على ما أولانا،و الحمد للّه الحيّ القيّوم،و الحمد للّه الحيّ الدائم ثلاث مرّات،و قل:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله لا نعبد إلاّ
ص:402
إيّاه مخلصين له الدين و لو كره المشركون،ثلاث مرّات،اللهمّ إنّي أسألك العفو و العافية و اليقين في الدنيا و الآخرة،ثلاث مرّات،اللهمّ آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النّار،ثلاث مرّات،ثمّ كبّر مائة مرّة،و هلّل مائة مرّة، و احمد اللّه مائة مرّة،و سبّح مائة مرّة،و تقول:لا إله إلاّ اللّه (1)أنجز وعده،و نصر عبده،و غلب الأحزاب وحده،فله الملك و له الحمد وحده،اللهمّ بارك لي في الموت و فيما بعد الموت،اللهمّ إنّي أعوذ بك من ظلمة القبر و وحشته،اللهمّ أظلّني في عرشك يوم لا ظلّ إلاّ ظلّك،و أكثر من أن تستودع ربّك دينك و نفسك و أهلك، ثمّ تقول:أستودع اللّه الرحمن الرحيم الذي لا يضيّع ودائعه ديني و نفسي و أهلي، اللهمّ استعملني على كتابك و سنّة نبيك و توفّني على ملّته ثمّ أعذني (2)من الفتنة، ثمّ كبّر (3)ثلاثا،ثمّ تعيدها مرّتين ثمّ تكبّر واحدة،ثمّ تعيدها،فإن لم تستطع هذا فبعضه»قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«و إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقف على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مرسلا (4). (5)
و عن عليّ بن النعمان يرفعه،قال:كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثمّ يرفع يديه ثمّ يقول:«اللهمّ اغفر لي كلّ ذنب أذنبته قطّ،فإن عدت،فعد عليّ بالمغفرة،إنّك أنت غنيّ عن عذابي،و أنا محتاج إلى رحمتك، فيا من أنا محتاج إلى رحمته،ارحمني،اللهمّ فلا تفعل بي ما أنا أهله،فإنّك إن تفعل بي ما أنا أهله تعذّبني و لن تظلمني،أصبحت أتّقي عذابك و لا أخاف جورك،فيا من
ص:403
هو عدل لا يجور ارحمني» (1).
و عن حمّاد المنقريّ (2)،قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إن أردت أن يكثر مالك فأكثر الوقوف على الصفا» (3).
لو لم يتمكّن من الإطالة و الدعاء بما تقدّم،دعا بما تيسّر؛
للضرورة.
روى الشيخ عن عليّ بن أسباط،عن مولى لأبي عبد اللّه عليه السّلام من أهل المدينة،قال:رأيت أبا الحسن عليه السّلام صعد المروة،فألقى نفسه على الحجر الذي في أعلاها في ميسرتها و استقبل الكعبة (4).و هو يدلّ على استحباب الصعود إلى المروة.
و دلّ على الإجزاء (5)باليسير مع عدم المكنة:ما رواه الشيخ عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«ليس على الصفا شيء موقّت» (6).
و عن محمّد بن عمر بن يزيد،عن بعض أصحابه،قال:كنت في قفا
ص:404
أبي الحسن موسى عليه السّلام على الصفا أو على المروة و هو لا يزيد على حرفين:
«اللهمّ إنّي أسألك حسن الظنّ بك على كلّ حال،و صدق النيّة في التوكّل عليك» (1).
ص:405
في الكيفيّة
لقوله تعالى:
وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (2).
و لأنّه عمل فلا بدّ فيه من النيّة؛لقوله عليه السّلام:«لا عمل إلاّ بنيّة» (3).«و إنّما الأعمال بالنيّات،و إنّما لكلّ امرئ ما نوى» (4).
إذا عرفت هذا:فالنيّة (5)شرط في السعي يبطل بالإخلال بها عمدا و سهوا.
و يجب فيها تعيين الفعل و التقرّب به إلى اللّه تعالى.
ص:406
و هو قول العلماء.
و قد روى محمّد بن شجاع الثلجيّ (1)عن أبي حنيفة أنّ الترتيب ليس بواجب (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن الصادق جعفر بن محمّد،عن أبيه عليهما السّلام،عن جابر،في صفة حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:و بدأ بالصفا و قال:«ابدءوا بما بدأ اللّه تعالى به» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-في حديث معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين فرغ من طوافه و ركعتيه،قال:«ابدءوا بما بدأ اللّه تعالى به،إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ (4)» (5)و هذا أمر و الأمر للوجوب.
و عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«تبدأ بالصفا و تختم بالمروة» (6).
و قد روي عن أبي حنيفة خلاف هذه الرواية التي رويت عنه (7).فكان إجماعا.
ص:407
الصفا إلى المروة شوطا،
و عوده من المروة إلى الصفا آخر،هكذا سبع مرّات.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول عامّة أهل العلم.
و قال أبو بكر الصيرفيّ من الشافعيّة:يحتسب (1)سعيه من الصفا إلى المروة و منها إلى الصفا سعية واحدة.فجعل الذهاب و الرجوع شوطا واحدا،و يحكى هذا القول عن ابن جرير أنّه أفتى به،و تابعه الصيرفيّ،فلمّا حمل الفتيا إلى أبي إسحاق ضرب على فتوى الصيرفيّ و اعتقد أنّه غلط منه،فلمّا بلغه أقام على ذلك (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام،عن أبيه الباقر عليه السّلام،عن جابر في صفة حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«ثمّ نزل إلى المروة حتّى إذا انصبّت قدماه رمل في بطن الوادي،حتّى إذا صعدتا مشى،حتّى أتى إلى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا،فلمّا كان آخر طوافه على المروة قال:لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي و جعلتها عمرة» (3).
و هذا يقتضي أنّه آخر طوافه على المروة،و لو كان على ما ذكره،كان آخر طوافه عند الصفا في الموضع الذي بدأ منه.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-:«طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة» (4).
ص:408
و في الصحيح عن هشام بن سالم قال:سعيت بين الصفا و المروة أنا و عبيد اللّه بن راشد فقلت[له] (1):تحفظ عليّ،فجعل يعدّ ذاهبا و جائيا شوطا واحدا،فبلغ مثل ذلك،فقلت له:كيف تعدّ؟قال:ذاهبا و جائيا شوطا واحدا، فأتمنا أربعة عشر شوطا،فذكرنا ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام،فقال:«قد زادوا على ما عليهم،ليس عليهم شيء» (2).
و إنّما يتحقّق الزيادة لو جعلنا الرجوع شوطا آخر،و لأنّه في كلّ مرّة طائف بهما،فينبغي أن يحتسب بذلك،كما أنّه إذا طاف بجميع البيت،احتسب به (3).
و بالجملة:فهذا حكم متّفق عليه،و خلاف الظاهر بيّن فيه لا اعتداد به.
احتجّوا:بأنّ الطواف لا يحتسب به حتّى يعود إلى الموضع الذي بدأ منه، فكذا هنا (4).
و جوابه:أنّ الطواف حجّة لنا عليهم؛لأنّه لا يتكرّر في موضع منه في طوفة واحدة،كذا هنا.
و لا يجوز الإخلال بشيء منها و لو بذراع،و لا تحلّ له النساء حتّى يكمله.
و لا يجب عليه الصعود إلى الصفا و لا إلى المروة،خلافا لبعض الشافعيّة و قد تقدّم (5).
ص:409
لنا:قوله تعالى: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما (1).
قال المفسّرون:أراد بينهما،و من سعى من الصفا إلى المروة يصدق عليه أنّه سعى بينهما و إن لم يصعد على أحدهما (2).و قد مضى البحث في ذلك (3).
و وقف عثمان في حوض في أسفل الصفا و لا يظهر عليه (4)،و لم ينكر عليه من المهاجرين و الأنصار،فكان إجماعا.
و هو قول العلماء كافّة.
روى الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله طاف راكبا بالبيت و بالصفا و المروة (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن السعي بين الصفا و المروة على الدابّة،قال:«نعم، و على المحمل» (6).
و عن معاوية بن عمّار،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يسعى بين الصفا و المروة راكبا،قال:«لا بأس،و المشي أفضل» (7).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة
ص:410
تسعى بين الصفا و المروة على دابّة أو على بعير،قال:«لا بأس بذلك»و سألته عن الرجل يفعل ذلك،قال:«لا بأس» (1).
و عن حجّاج الخشّاب قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يسأل زرارة،فقال:
«أ سعيت بين الصفا و المروة؟»فقال:نعم،قال:«و ضعفت؟»قال:لا و اللّه لقد قويت،قال:«فإن خشيت الضعف فاركب فإنّه أقوى لك على الدعاء» (2).
و هي الرمل ما بين المنارة و زقاق العطّارين راكبا كان أو ماشيا.ذهب إليه العلماء كافّة.روى الجمهور أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سعى بين الصفا و المروة (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«ثمّ انحدر ماشيا و عليك السكينة و الوقار حتّى تأتي المنارة، و هي طرف (4)المسعى،فاسع ملأ فروجك و قل:بسم اللّه و اللّه أكبر و صلّى اللّه على محمّد و آله،و قل:اللهمّ اغفر و ارحم و اعف عمّا تعلم و أنت الأعزّ الأكرم،حتّى تبلغ المنارة الأخرى،و كان المسعى أوسع ممّا هو اليوم،و لكنّ الناس ضيّقوه،ثمّ امش و عليك السكينة و الوقار حتّى تأتي المروة فاصعد عليها حتّى يبدو لك البيت فاصنع (5)كما صنعت على الصفا،[ثمّ] (6)طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة،ثمّ قصّ من رأسك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك و قلّم
ص:411
أظفارك وابق منها لحجّك،فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيء يحلّ منه المحرم و أحرمت منه» (1).
و عن سماعة قال:سألته عن السعي بين الصفا و المروة،قال:«إذا انتهيت إلى الدار التي على يمينك عند أوّل الوادي فاسع حتّى تنتهي إلى أوّل زقاق عن يمينك بعد ما تجاوز الوادي إلى المروة،فإذا انتهيت إليه فكفّ عن السعي و امش مشيا، و إذا جئت من عند المروة فابدأ من عند الزقاق الذي وصفت لك،فإذا انتهيت إلى الباب الذي قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي فاكفف عن السعي و امش مشيا،و إنّما السعي على الرجل (2)و ليس على النساء سعي» (3).
و لأنّ موضع الرمل من وادي محسّر،فاستحبّ قطعه بالهرولة،كما يستحبّ قطع وادي محسّر بها.
و ليس بواجب إجماعا.
لأنّه كيفيّة مستحبّة.
روى الجمهور عن ابن عمر،قال:إن أسع بين الصفا و المروة فقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يسعى،و إن أمش فقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يمشي،و أنا شيخ كبير (5).
ص:412
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن سعيد الأعرج،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا و المروة،قال:
«لا شيء عليه» (1).
لأنّ في ذلك ضررا عليهنّ من حيث مزاحمة الرجال.و لأنّ ترك ذلك كلّه أستر لهنّ،فكان أولى من فعله.
لأنّها كيفيّة مستحبّة، فلا يسقط في حقّه بمجرّد الركوب.
روى الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«ليس على الراكب سعي و لكن ليسرع شيئا» (4).
موضعه ثمّ ذكر،
فليرجع القهقرى إلى المكان الذي يرمل فيه (5).
ص:413
في الأحكام
و قال أبو حنيفة:هو واجب و ليس بركن إذا تركه وجب عليه دم (1).و هو مذهب الحسن البصريّ،و الثوريّ (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن حبيبة بنت أبي تجراة (3)إحدى نساء بني عبد الدار، قالت:دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو يسعى بين الصفا و المروة،فرأيته يسعى و إنّ مئزره ليدور في واسطه من شدّة سعيه،حتّى لأقول:إنّي لأرى ركبتيه و سمعته يقول:«اسعوا فإنّ اللّه كتب عليكم السعي» (4).
و عن عائشة قالت:طاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و طاف المسلمون،يعني بين الصفا و المروة،فكانت سنّة،فلعمري ما أتمّ اللّه حجّ من لم يطف بين الصفا و المروة (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن الحسن بن عليّ الصيرفيّ (6)،عن
ص:415
بعض أصحابنا،قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن السعي بين الصفا و المروة فريضة أو سنّة؟فقال:«فريضة»قلت:أو ليس إنّما قال اللّه عزّ و جلّ: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما (1)؟قال:«ذلك في عمرة القضاء،إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام عن الصفا و المروة،فتشاغل رجل حتّى انقضت الأيّام،فأعيدت الأصنام فجاءوا إليه فقالوا:يا رسول اللّه إنّ فلانا لم يسع بين الصفا و المروة و قد أعيدت الأصنام،فأنزل اللّه عزّ و جلّ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما أي و عليهما الأصنام» (2).
و دلّ على كونه ركنا يبطل الحجّ بالإخلال به عمدا:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل ترك السعي متعمّدا،قال:«عليه الحجّ من قابل» (3).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:في رجل ترك السعي متعمّدا قال:«لا حجّ له» (4).
و لأنّه نسك في الحجّ و العمرة،فكان ركنا فيهما،كالطواف بالبيت.و لأنّه نسك في الحجّ و العمرة فلم ينب عنه الدم،كالطواف و الإحرام.
احتجّ أحمد:بأنّه تعالى رفع الحرج عن فاعله بقوله: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما
ص:416
(1)و رفع الحرج دليل على عدم وجوبه،فإنّ هذا رتبة المباح،و في مصحف أبيّ و ابن مسعود: فلا جناح عليه أن لا يطّوّف بهما ،و هذا و إن لم يكن قرآنا فلا ينحطّ عن رتبة الخبر،و لأنّه نسك مخصوص بالحرم،فناب الدم عنه،كالوقوف بالمزدلفة (2).
و الجواب عن الآية:أنّ رفع الجناح لا ينافي الوجوب و لا عدمه،فليس له إشعار بأحدهما؛إذ هو جنس لهما و الجنس لا دلالة له على النوع،على أنّه يحتمل أن يكون رفع الجناح للعلّة التي نقلناها عن الصادق عليه السّلام.
و قد روى الجمهور أنّ المسلمين كرهوا التشبّه (3)بالجاهليّة،فإنّه كان لهم صنمان:أحدهما على الصفا،و الآخر على المروة،و هذا كان في عمرة القضيّة و القضيّة كانت في سنة سبع من الهجرة (4).
و قد قرئ بالوقف على فَلا جُناحَ و الابتداء بقوله: عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما .
و أمّا قراءة أبيّ و ابن مسعود فلا تعويل عليها،و لا يجوز الاحتجاج بها على أنّها قرآن؛لأنّ القرآن متواتر،فما ليس بمتواتر فليس قرآنا،و لا على أنّها خبر؛ لأنّهما لم ينقلاه خبرا و الخطأ ليس حجّة.
و أمّا القياس:فالمبيت بالمزدلفة من توابع الوقوف،و لهذا لم يجب في العمرة؛ لأنّه ليس فيها وقوف.
لا يقال:السعي تبع الطواف،و لهذا يقع عقيبه.
ص:417
لأنّا نقول:إنّ السعي مرتّب (1)على الطواف،كما أنّ السجود مرتّب (2)على الركوع و ليس بتابع له.
و إن كان قد خرج من مكّة،عاد للسعي،فإن لم يتمكّن،أمر من يسعى عنه.
روى الشيخ عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:
رجل نسي السعي بين الصفا و المروة،قال:«يعيد السعي»قلت:فإنّه خرج،قال:
«يرجع فيعيد السعي،إنّ هذا ليس كرمي الجمار،إنّ الرمي سنّة و السعي بين الصفا و المروة فريضة» (3).
و عن زيد الشحّام،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة حتّى يرجع إلى أهله،فقال:«يطاف عنه» (4).
و هو قول العلماء،فلو عكس و بدأ بالمروة،أعاد السعي؛لأنّه لم يمتثل المأمور به على وجهه فيبقى في العهدة.
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من بدأ بالمروة قبل الصفا،فليطرح ما سعى و يبدأ بالصفا قبل المروة» (6).
ص:418
و عن عليّ بن أبي حمزة،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا،قال:«يعيد،ألا ترى أنّه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء» أراد أن يعيد الوضوء (1).
و عن يونس،عن عليّ الصائغ (2)،قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام-و أنّا حاضر-عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا،قال:«يعيد،ألا ترى أنّه لو بدأ بشماله قبل يمينه،كان عليه أن يبدأ بيمينه ثمّ يعيد شماله (3)» (4).
من أوّله
و يسعى سبعا يبدأ بالصفا و يختم بالمروة،قاله الشيخ رحمه اللّه (5).
و قال الجمهور كافّة:يسقط الأوّل،و يبني على أنّه بدأ بالصفا،فيضيف إليه شوطا آخر.
احتجّ الشيخ-رحمه اللّه-:بإجماع الفرقة و بالأخبار الدالّة على الإعادة مطلقا على من بدأ بالمروة،و بالاحتياط الدالّ على البراءة مع الإعادة بيقين و الشكّ مع عدمها.
ص:419
إذا عرفت هذا:فإذا تيقّن عدد الأشواط و شكّ فيما بدأ به،فإن كان في المزدوج على الصفا،فقد صحّ سعيه؛لأنّه بدأ به،و إن كان على المروة،أعاد،و ينعكس الحكم مع انعكاس التقدير.
لم يصعد عليه،
و يمشي إلى المروة و يلصق أصابعه بها،ثمّ يبتدئ منها يلصق عقبه بها و يرجع إلى الصفا و يلصق أصابعه به هكذا سبعا،فلو نقص و لو خطوة واحدة، وجب عليه الإتيان بها،و لا يحلّ له ما يحرم على المحرم مع الإخلال بها.
إذا عرفت هذا:فلو أخلّ بشوط أو ما زاد،وجب عليه الإتيان به،فإن رجع إلى بلده،وجب عليه العود مع المكنة و إتمام السعي؛لأنّ الموالاة لا تجب فيه،و لا نعلم فيه خلافا.
إذا عرفت هذا:فلو لم يذكر حتّى واقع أهله أو قصّر أو قلّم أظفاره،كان عليه دم بقرة و إتمام السعي،رواه الشيخ عن سعيد بن يسار،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل متمتّع سعى بين الصفا و المروة ستّة أشواط ثمّ رجع إلى منزله و هو يرى أنّه قد فرغ منه و قلّم أظافيره و أحلّ ثمّ ذكر أنّه سعى ستّة أشواط،فقال لي:«يحفظ أنّه قد سعى ستّة أشواط؟فإن كان يحفظ أنّه قد سعى ستّة أشواط فليعد و ليتمّ شوطا و ليرق دما»فقلت:دم ما ذا؟قال:«بقرة»قال:«و إن كان (1)لم يكن حفظ أنّه سعى ستّة أشواط،فليبتدئ السعي حتّى يكمله سبعة أشواط ثمّ ليرق دم بقرة» (2).
و في الموثّق عن عبد اللّه بن مسكان،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة ستّة أشواط و هو يظنّ أنّها سبعة،فذكر بعد ما أحلّ
ص:420
و واقع النساء أنّه إنّما طاف ستّة أشواط،فقال:«عليه بقرة يذبحها و يطوف شوطا آخر» (1).
لو لم يحصّل عدد طوافه،أعاد؛لأنّه غير متيقّن لعدد (2)،
فلا يأمن الزيادة و النقصان.و يدلّ عليه ما تقدّم في حديث سعيد بن يسار.
و إن كان ساهيا،طرح الزيادة و اعتدّ بالسبعة،و إن شاء أكمل أربعة عشر شوطا؛لأنّه عبادة ذات عدد،فأبطلتها الزيادة عمدا،كالصلاة و الطواف.
و لما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن محمّد،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:
«الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة،فإذا زدت عليها فعليك الإعادة و كذا (3)السعي» (4).
و دلّ على طرح الزيادة مع السهو:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبد الرحمن بن الحجّاج،عن أبي إبراهيم عليه السّلام،عن رجل سعى بين الصفا و المروة ثمانية أشواط ما عليه؟فقال:«إن كان خطأ طرح واحدا و اعتدّ بسبعة» (5).
و في الصحيح عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر،عن جميل بن درّاج،قال:
ص:421
حججنا و نحن صرورة،فسعينا بين الصفا و المروة أربعة عشر شوطا،فسألنا أبا عبد اللّه عليه السّلام[عن ذلك] (1)،فقال:«لا بأس سبعة لك و سبعة تطرح» (2).
و دلّ على جواز إتمام أربعة عشر شوطا:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:«إنّ في كتاب عليّ عليه السّلام:
إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة و استيقن ثمانية،أضاف إليها ستّا و كذلك إذا استيقن أنّه سعى ثمانية،أضاف إليها ستّة» (3).
و هو إحدى الروايتين عن أحمد،و في الأخرى:لا يجوز،و يجعل الموالاة شرطا في السعي (4).
لنا:ما رواه الجمهور أنّ سودة بنت عبد اللّه بن عمر امرأة عروة بن الزبير سعت بين الصفا و المروة فقضت طوافها في ثلاثة أيّام و كانت ضخمة (5).و كان عطاء لا يرى بأسا أن يجلس بينهما للاستراحة (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يطوف بين الصفا و المروة يستريح؟قال:«نعم إن شاء جلس على الصفا و المروة و بينهما فيجلس» (7).
ص:422
و لأنّه نسك لا يتعلّق بالبيت،فلم يشترط له الموالاة،كالرمي و الحلق.
احتجّ أحمد:بالقياس على الطواف (1).
و الجواب:الطواف يتعلّق بالبيت و هو صلاة،و يشترط له الطهارة و الستر، فاشترطت له الموالاة،كالصلاة،بخلاف السعي.
و قد روى ابن بابويه عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه-في الصحيح-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا يجلس بين الصفا و المروة إلاّ من جهد» (2).فهي محمولة على الاستحباب.
فإذا فرغ منها تمّم سعيه،و لا نعلم فيه خلافا.
روى الشيخ عن الحسن بن عليّ بن فضّال،قال:سأل محمّد بن عليّ أبا الحسن عليه السّلام،فقال له،سعيت شوطا واحدا ثمّ طلع الفجر،فقال:«صلّ ثمّ عد فأتمّ السعي» (3).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة فيدخل وقت الصلاة أ يخفّف أو يقطع و يصلّي ثمّ يعود،أو يثبت كما هو على حاله حتّى يفرغ؟قال:«لا،بل يصلّي ثمّ يعود أو ليس عليهما مسجد؟» (4).
روى الشيخ عن يحيى بن عبد الرحمن الأزرق،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ثمّ يلقاه الصديق فيدعوه إلى الحاجة أو إلى الطعام،قال:«إن أجابه فلا بأس» (1).
و عن أحمد روايتان كما تقدّم بيانهما و الاحتجاج له و بطلانه (2).
و لا يجوز له إلى غد يومه-و هو قول أحمد،و عطاء،و الحسن،و سعيد بن جبير (3)-لأنّ الموالاة إذا لم تجب في نفس السعي ففيما بينه و بين الطواف أولى.
روى الشيخ-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:سألته عن الرجل يقدم مكّة و قد اشتدّ عليه الحرّ،فيطوف بالكعبة فيؤخّر السعي إلى أن يبرد،فقال:«لا بأس به،و ربما فعلته»قال:و ربما رأيته يؤخّر السعي إلى الليل (4).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،قال:سألت أحدهما عليهما السّلام عن رجل طاف بالبيت فأعيى،أ يؤخّر الطواف بين الصفا و المروة؟قال:«نعم» (5).
و قد روى الشيخ-في الصحيح-عن علاء بن رزين،قال:سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيى،أ يؤخّر الطواف بين الصفا و المروة إلى غد؟قال:«لا» (6).
ص:424
و هذا يدلّ على المنع من تأخير السعي إلى غد يومه.
و روى ابن بابويه-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيى،أ يؤخّر الطواف بين الصفا و المروة إلى غد؟قال:«لا» (1).
و عن رفاعة،قال:سألته عن الرجل يطوف بالبيت فيدخل وقت العصر أ يسعى قبل أن يصلّي،أو يصلّي قبل أن يسعى؟قال:«لا بأس أن يصلّي ثمّ يسعى» (2).
لم يصحّ.
و به قال مالك (3)،و الشافعيّ (4)،و أصحاب الرأي (5)،و أحمد في إحدى الروايتين،و في الأخرى:يصحّ إن كان ناسيا،و إن تعمّد،أعاد (6).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه سعى بعد طوافه،و قال لنا:«خذوا عنّي مناسككم» (7).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن صفوان بن يحيى،عن
ص:425
منصور بن حازم،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل أن يطوف بالبيت،فقال:«يطوف بالبيت ثمّ يعود إلى الصفا و المروة فيطوف بينهما» (1).
و عن سيف بن عميرة،عن منصور بن حازم،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا و المروة،قال:«يرجع فيطوف بالبيت ثمّ يستأنف السعي»قلت:إنّ ذلك قد فاته،قال:«عليه دم،ألا ترى أنّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك،كان عليك أن تعيد على شمالك» (2).
السعي نقيصة الطواف،رجع
فأتمّ طوافه ثمّ عاد إلى السعي فأتمّ سعيه،رواه الشيخ -في الموثّق-عن إسحاق بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن رجل طاف بالبيت ثمّ خرج إلى الصفا فطاف به ثمّ ذكر أنّه قد بقي عليه من طوافه شيء،فأمره أن يرجع إلى البيت فيتمّ ما بقي من طوافه،ثمّ يرجع إلى الصفا فيتمّ ما بقي،فقلت له:فإنّه طاف بالصفا و ترك البيت،قال:«يرجع إلى البيت فيطوف به ثمّ يستقبل طواف الصفا»فقلت:ما فرق (3)بين هذين؟قال:«لأنّه قد دخل في شيء من الطواف،و هذا لم يدخل في شيء منه» (4).
لو سعى بعد طوافه ثمّ ذكر أنّه طاف بغير طهارة،لم يعتدّ بطوافه و لا بسعيه؛
لأنّه تبع له.
ص:426
و لا يجزئ السعي في أحدهما عن الآخر.ذهب إليه علماؤنا أجمع.
و قال بعض الجمهور:لو سعى القارن و المفرد بعد طواف القدوم،لم يلزمهما بعد ذلك سعي،و إن لم يسعيا معه،لزمهما السعي مع طواف الزيارة (1).
لنا:أنّ كلّ واحد منهما نسك يشترط فيه الطواف،فيشترط فيه السعي،كالآخر.
و لأنّ السعي أحد الطوافين،فيكون واجبا،كالآخر.
و لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت،و يصلّي لكلّ طواف ركعتين،و سعيان بين الصفا و المروة» (2).
إذا عرفت هذا:فإنّ القارن و المفرد-على ما وصفنا نحن شرحهما (3)-يجب عليهما طواف للحجّ و سعي له و طواف للنساء،و للعمرة المفردة التي يفعلانها طواف و سعي و طواف النساء أيضا.
فإن فعل ذلك متعمّدا،كان عليه إعادة طواف النساء،و إن كان ناسيا،لم يكن عليه شيء؛لما رواه الشيخ عن أحمد بن محمّد،عمّن ذكره،قال:قلت لأبي الحسن عليه السّلام:جعلت فداك متمتّع زار البيت فطاف طواف الحجّ ثمّ طاف طواف النساء ثمّ سعى،فقال:
«لا يكون السعي إلاّ قبل طواف النساء»فقلت:عليه شيء؟قال:«لا يكون سعي إلاّ قبل طواف النساء» (4).
ص:427
قال الشيخ-رحمه اللّه-:و لا ينافي هذا الخبر،ما رواه سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام،قال:سألته عن رجل (1)طاف طواف الحجّ و طواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا و المروة،فقال:«لا يضرّه،يطوف بين الصفا و المروة و قد فرغ من حجّه» (2).
لأنّه محمول على من فعل ذلك ناسيا،فإنّه يجزئ،أمّا مع العمد فلا يجوز له فعله حسب ما تضمّنه الخبر الأوّل،و ليس في الخبر أنّه فعله عامدا أو ناسيا.
اختيارا.
و هو قول العلماء كافّة.
و رواه الشيخ عن أبي بصير،قال:قلت[لأبي عبد اللّه عليه السّلام]:رجل كان متمتّعا فأهلّ بالحجّ،قال:«لا يطوف بالبيت حتّى يأتي عرفات،فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علّة فلا يعتدّ بذلك الطواف» (3).
أمّا التقديم للضرورة،كالشيخ الكبير و المريض و المرأة التي تخاف الحيض،فإنّه جائز لهم؛لأنّ تكليف تقديم الوقوف مع المانع ضرر و حرج،فيكون منفيّا بالأصل.
و لما رواه الشيخ عن إسماعيل بن عبد الخالق،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«لا بأس أن يعجّل الشيخ الكبير و المريض و المرأة و المعلول طواف الحجّ قبل أن يخرج (4)إلى منى» (5).
ص:428
و في الصحيح عن إسحاق بن عمّار،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتّع إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض يعجّل طواف الحجّ قبل أن يأتي منى؟قال:«نعم،من كان هكذا يعجّل» (1).
و على الضرورة حمل الشيخ ما رواه-في الصحيح-عن عليّ بن يقطين،قال:
سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل المتمتّع يهلّ بالحجّ ثمّ يطوف و يسعى بين الصفا و المروة قبل خروجه إلى منى،قال:«لا بأس به» (2)جمعا بين الروايات، و هو جيّد.
و عن عليّ بن أبي حمزة،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل دخل (3)مكّة و معه نساء قد أمرهنّ فتمتّعن قبل التروية يوما و يومين (4)فخشي على بعضهنّ الحيض،فقال:«إذا فرغن من متعتهنّ و أحللن فلينظر إلى التي يخاف عليها، فيأمرها فتغتسل و تهلّ بالحجّ مكانها،ثمّ تطوف بالبيت و بالصفا و المروة،فإن حدث بها شيء،قضت بقيّة المناسك و هي طامث»فقلت:أ ليس قد بقي طواف النساء؟قال:«بلى»قلت:فهي مرتهنة حتّى تفرغ منه؟قال:«نعم»قلت:فلم لا يتركها حتّى تقضي مناسكها؟قال:«يبقى عليها منسك واحد أهون عليها من أن تبقى عليها المناسك كلّها مخافة الحدثان»قلت:أبى الجمّال أن يقيم عليها و الرفقة،قال:«ليس لهم ذلك،تستعدي عليهم حتّى يقيم عليها حتّى تطهر
ص:429
و تقضي المناسك» (1).
أمّا مع الاختيار فلا يجوز؛لما تقدّم (2).
و يدلّ على الترخيص:ما رواه الشيخ عن الحسن بن عليّ،عن أبيه،قال:
سمعت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام،يقول:«لا بأس بتعجيل طواف الحجّ و طواف النساء قبل الحجّ يوم التروية قبل خروجه إلى منى،و كذلك (3)لمن خاف أن (4)لا يتهيّأ له الانصراف إلى مكّة أن يطوف و يودّع البيت ثمّ يمرّ،كما[هو] (5)من منى إذا كان خائفا» (6).و سيأتي تمام ذلك إن شاء اللّه تعالى.
على المضيّ إلى عرفات
لضرورة و غير ضرورة (7).
و أنكر ابن إدريس (8)،و الجمهور كافّة ذلك.
احتجّ الشيخ-رحمه اللّه-:بأنّ الأصل عدم وجوب الترتيب،و لا منافي له (9).
و بما رواه-في الصحيح-عن حمّاد بن عثمان،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مفرد الحجّ أ يعجّل طوافه أو يؤخّره؟قال:«هو و اللّه سواء عجّله
ص:430
أو أخّره» (1).
و عن زرارة،قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المفرد للحجّ يدخل مكّة أ يقدّم طوافه أو يؤخّره؟قال:«سواء» (2).
و روى ابن بابويه عن إسحاق بن عمّار،قال:سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن رجل يحرم بالحجّ من مكّة،ثمّ يرى البيت خاليا،فيطوف قبل أن يخرج،عليه شيء؟قال:«لا» (3)احتجّ ابن إدريس على وجوب الترتيب بالإجماع (4).
و جوابه:أنّه ممنوع خصوصا مع وجود الخلاف،على أنّ شيخنا-رحمه اللّه- قد ادّعى إجماع الطائفة على جواز التقديم (5)،فكيف يصحّ له حينئذ دعوى الإجماع على خلافه!؟و الشيخ أعرف بمواضع الخلاف و الوفاق.
لا يقال:لا دلالة فيما ذكرتم من الأحاديث على صورة النزاع؛لاحتمال أن يكون دخولهما مكّة بعد عودهما من منى لا قبل الوقوف بعرفات،و يكون السؤال عن التعجيل قبل انقضاء أيّام التشريق أو بعدها،على أنّهما يتضمّنان الطواف،أمّا السعي فلا.
لأنّا نقول:المراد:ما ذكرناه من التقديم على الوقوف؛لما رواه البزنطيّ عن عبد الكريم،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إن كنت أحرمت
ص:431
بالمتعة فقدمت يوم التروية فلا متعة لك،فاجعلها حجّة مفردة تطوف بالبيت و تسعى بين الصفا و المروة،ثمّ تخرج إلى منى و لا هدي عليك» (1).
و عن إسحاق بن عمّار،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:سألته عن المفرد للحجّ إذا طاف بالبيت و بالصفا و المروة أ يعجّل طواف النساء؟قال:«لا،إنّما طواف النساء بعد أن يأتي (2)منى» (3).
إذا عرفت هذا:فإنّ القارن و المفرد و المتمتّع مع الضرورة إذا قدّموا الطواف، جدّدوا بالتلبية؛ليبقوا على إحرامهم،و لو لم يجدّدوا انقلبت الحجّة عمرة،قاله الشيخ-رحمه اللّه (4)-و قد تقدّم الكلام فيه (5).
ص:432
في التقصير
أحرم منه إلاّ الاصطياد؛
لكونه في الحرم،فلو خرج من الحرم،حلّ له الاصطياد أيضا،و يحلّ (1)له أكل لحم الصيد في الحرم إذا ذبح في الحلّ.و لا نعلم فيه خلافا.
روى الجمهور عن ابن عمر،قال:تمتّع الناس مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالعمرة إلى الحجّ،فلمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مكّة،قال للناس:«من كان معه هدي فإنّه لا يحلّ من شيء أحرم منه حتّى يقضي حجّته،و من لم يكن معه هدي،فليطف بالبيت و بالصفا و المروة و ليقصّر و ليحلّل» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار من طرق عدّة صحيحة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا فرغت من سعيك و أنت متمتّع،فقصّر من شعرك من جوانبه و لحيتك،و خذ من شاربك،و قلّم من أظفارك و أبق منها لحجّك،فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيء يحلّ منه المحرم
ص:433
و أحرمت منه،فطف بالبيت تطوّعا ما شئت» (1).
و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سمعته (2)يقول:«طواف المتمتّع أن يطوف بالكعبة و يسعى بين الصفا و المروة و يقصّر من شعره،فإذا فعل ذلك،فقد أحلّ» (3).
و عن عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«ثمّ ائت منزلك فقصّر من شعرك،و حلّ لك كلّ شيء» (4).
فلا يقع الإحلال منها إلاّ به أو بالحلق،على خلاف سيأتي.
و بالجملة:أفعال العمرة هي الإحرام،و الطواف و ركعتاه،و السعي،و التقصير، ذهب إليه علماؤنا أجمع.
فالتقصير حينئذ نسك يثاب عليه.و به قال مالك (5)،و أبو حنيفة (6)،و أحمد (7)، و الشافعيّ في أحد القولين،و قال في الآخر:إنّه إطلاق محظور (8).
ص:434
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«رحم اللّه المحلّقين» قيل:يا رسول اللّه و المقصّرين،فقال:«رحم اللّه المحلّقين»إلى أن قال في الثالثة أو الرابعة:«رحم اللّه المقصّرين» (1).و هذا يدلّ على أنّه نسك.
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من الأحاديث الدالّة على الأمر بالتقصير (2)، فيكون واجبا.
احتجّ الشافعيّ:بأنّ كلّ ما كان محرّما في الإحرام،فإذا جاز له،كان إطلاق محظور،كالطيب و اللباس (3).
و جوابه:المنع من صدق القضيّة الكلّيّة،خصوصا مع الأحاديث التي أوردناها.
إذا عرفت هذا:فلا يستحبّ تأخير التقصير،و لو أخّره،لم يتعلّق به كفّارة.
و قال الشافعيّ:إذا قرن فدخل أفعال العمرة في أفعال الحجّ،و اقتصر على أفعال الحجّ فقط،يجزئه طواف واحد و سعي واحد عنهما (1).و به قال جابر، و ابن عمر،و عطاء،و طاوس،و الحسن البصريّ،و مجاهد،و ربيعة (2)، و مالك (3)،و أحمد،و إسحاق (4).
لنا:قوله تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (5).فأمر بالحجّ و العمرة معا، و لكلّ واحد منهما أفعال مخصوصة.
و روى الجمهور عن عمران بن الحصين أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:«من جمع الحجّ إلى العمرة فعليه طوفان» (6).
و عن حمّاد بن عبد الرحمن (7)قال:حججت مع إبراهيم بن محمّد ابن الحنفيّة (8)،فطاف طوافين و سعى سعيين لحجّه و عمرته،و قال:حججت
ص:436
مع أبي محمّد بن الحنفيّة،فطاف طوافين و سعى سعيين لحجّته و عمرته،و قال:
حججت مع أبي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،فطاف طوافين و سعى سعيين لحجّه و عمرته،و قال:حججت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فطاف طوافين و سعى سعيين لحجّه و عمرته،فهو فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام من بعده (1).
و القرآن الذي فسّروه،بيّنّا فساده فيما تقدّم (2).
إذا عرفت هذا:فيدلّ على بطلان العمرة بترك التقصير عامدا:ما رواه الشيخ -في الصحيح-عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«المتمتّع إذا طاف و سعى ثمّ لبّى قبل أن يقصّر،فليس له أن يقصّر،و ليس له متعة» (3).
قاله الشيخ- رحمه اللّه (4)-،و استدلّ عليه بما رواه-في الصحيح-عن إسحاق بن عمّار، قال:قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام:الرجل يتمتّع،فينسى (5)أن يقصّر حتّى يهلّ بالحجّ،فقال:«عليه دم يهريقه» (6).
و قد روى الشيخ-في الحسن-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أهلّ بالعمرة و نسي
ص:437
أن يقصّر حتّى دخل الحجّ،قال:«يستغفر اللّه و لا شيء عليه و تمّت عمرته» (1).
قال ابن بابويه-رحمه اللّه-:الحديث الذي دلّ على الدم محمول على الاستحباب (2).
أمّا الشيخ-رحمه اللّه-فلمّا أوجب الدم قال:المراد:ليس عليه شيء من العقاب (3).
روى الشيخ-في الصحيح-عن عبد الرحمن بن الحجّاج،قال:سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فدخل مكّة فطاف و سعى و لبس ثيابه و أحلّ،و نسي أن يقصّر حتّى خرج إلى عرفات،قال:«لا بأس به يبني على العمرة و طوافها،و طواف الحجّ على أثره» (4).
و إن كان متوسّطا فبقرة،و إن كان فقيرا فشاة إن كان عامدا،و لو كان جاهلا أو ناسيا، لم يكن عليه شيء،رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتّع وقع على امرأته قبل أن يقصّر،قال:«ينحر جزورا و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه» (5).
و رواه-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عنه عليه السّلام (6).
ص:438
و في رواية ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت:متمتّع وقع على امرأته قبل أن يقصّر،قال:«عليه دم شاة» (1).
و دلّ على سقوط الكفّارة عن الجاهل:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن معاوية بن عمّار،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتّع وقع على امرأته و لم يقصّر،فقال:«ينحر جزورا و قد خفت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالما، و إن كان جاهلا،فلا شيء عليه» (2).
أمّا لو واقعها بعد التقصير،فلا شيء عليه إجماعا؛لما تقدّم من الأحاديث الدالّة على الإحلال من كلّ شيء عند التقصير (3).
و لما رواه الشيخ عن محمّد بن ميمون،قال:قدم أبو الحسن عليه السّلام متمتّعا ليلة عرفة،فطاف و أحلّ و أتى بعض جواريه ثمّ أهل بالحجّ و خرج (4).
و في الصحيح عن أبي بصير،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل أحلّ من إحرامه و لم تحلّ امرأته فوقع عليها،قال:«عليها بدنة يغرمها زوجها» (5).
و في الموثّق عن محمّد الحلبيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة متمتّعة عاجلها زوجها قبل أن تقصّر،فلمّا تخوّفت أن يغلبها أهوت إلى قرونها فقرضت منها بأسنانها و قرضت بأظافيرها،هل عليها شيء؟فقال:«لا،ليس كلّ أحد يجد المقاريض» (6).
ص:439
و في الحسن عن الحلبيّ،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك إنّي لمّا قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم أقصّر،قال:«عليك بدنة»قال:قلت:إنّي لمّا أردت ذلك منها و لم تكن قصّرت،امتنعت،فلمّا غلبتها،قرضت بعض شعرها بأسنانها،فقال:«رحمها اللّه كانت أفقه منك،عليك بدنة،و ليس عليها شيء» (1).
و لا نعلم في ذلك خلافا.
أمّا رواية سليمان بن حفص المروزيّ عن الفقيه عليه السّلام،قال:«إذا حجّ الرجل فدخل مكّة متمتّعا،فطاف بالبيت و صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السّلام،و سعى بين الصفا و المروة و قصّر،فقد حلّ له كلّ شيء ما خلا النساء، لأنّ عليه لتحلّة النساء طوافا و صلاة» (2).فغير دالّة على ما يناقض الروايات المتقدّمة؛لاحتمال أن يكون الطواف و السعي في الحجّ،و ليس له الوطء حينئذ؛ لأنّ عليه طواف النساء،و ليس في الحديث إشعار بأنّ الطواف و السعي كانا للعمرة.
و يدلّ عليه:تعليله عليه السّلام بوجوب طواف النساء عليه،و ليس في إحرام عمرة التمتّع طواف النساء،بل في إحرام العمرة المبتولة؛لما رواه الشيخ قال:كتب أبو القاسم مخلّد بن موسى الرازيّ (3)يسأله عن العمرة المبتولة،هل على صاحبها طواف النساء؟و عن العمرة التي يتمتّع بها إلى الحجّ؟فكتب عليه السّلام:«أمّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء،و أمّا التي يتمتّع بها إلى الحجّ،فليس
ص:440
على صاحبها طواف النساء» (1).
لو قبّل امرأته قبل التقصير،وجب عليه دم شاة،
قاله الشيخ رحمه اللّه (2).
و استدلّ عليه (3):بما رواه-في الصحيح-عن الحلبيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتّع طاف بالبيت و بين الصفا و المروة،فقبّل امرأته قبل أن يقصّر من رأسه،قال:«عليه دم يهريقه،و إن كان الجماع فعليه جزور أو بقرة» (4).
قاله الشيخ في الخلاف (5).و منع في غيره من الحلق،و أوجب به دم شاة مع العمد (6).
و قال أحمد:التقصير أفضل (7).
و قال الشافعيّ:الحلق أفضل (8).
لنا:ما رواه الجمهور عن جعفر بن محمّد الصادق،عن أبيه عليهما السّلام،عن جابر لمّا وصف حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:و قال عليه السّلام لأصحابه:
ص:441
«حلّوا من إحرامكم بطواف بين الصفا و المروة و قصّروا» (1).
و رووا في صفة حجّه عليه السّلام أيضا:فجاء الناس كلّهم و قصّروا (2).
و في حديث ابن عمر،قال:«من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت و بين الصفا و المروة و ليقصّر و ليحلل» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الموثّق عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتّع أراد أن يقصّر فحلق رأسه،قال:«عليه دم يهريقه، فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق» (4).
و لأنّه ينبغي الحلق في الحجّ فمع الحلق هنا يفوت ذلك الفضل.
و دلّ على السقوط عن الناسي:ما رواه الشيخ عن جميل بن درّاج،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتّع حلق رأسه بمكّة،قال:«إن كان جاهلا فليس عليه شيء،و إن تعمّد ذلك في أوّل الشهور للحجّ (5)بثلاثين يوما فليس عليه شيء،و إن تعمّد بعد الثلاثين التي (6)يوفّر فيها الشعر للحجّ فإنّ عليه دما يهريقه» (7).
ص:442
احتجّ الشافعيّ (1):بقوله تعالى: مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ (2).و العرب تبدأ بالأهمّ.و بقوله عليه السّلام:«رحم اللّه المحلّقين»ثلاثا،قيل:يا رسول اللّه و المقصّرين،قال:«رحم اللّه المقصّرين» (3)فدلّ على أنّه أفضل.
و الجواب:مثل هذه الدلائل لا يعارض ما نقلناه،فيكون العمل بقولنا أولى.
و دلّ على حكم الناسي:ما رواه ابن بابويه عن جميل بن درّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سأله (4)عن متمتّع حلق رأسه بمكّة،فقال:«إن كان جاهلا فليس عليه شيء،و إن تعمّد في أوّل[شهور] (5)الحجّ بثلاثين يوما فليس عليه شيء،و إن تعمّد ذلك بعد الثلاثين التي يوفّر فيها الشعر للحجّ،فإنّ عليه دما يهريقه» (6).
و أقلّه ثلاث شعرات؛لأنّ الامتثال يحصل به،فيكون مجزئا.
و لما رواه الشيخ-في الحسن-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن متمتّع قصّ أظفاره و أخذ من شعره بمشقص،قال:
«لا بأس» (7).هذا اختيار علمائنا،و به قال الشافعيّ (8).
ص:443
و قال أبو حنيفة:الربع (1).
و قال مالك:يقصّر من جميع شعر رأسه أو يحلقه أجمع (2).و به قال أحمد في إحدى الروايتين،و في الأخرى:مثل ما قلناه (3).
لنا:ما تقدّم.
احتجّ مالك (4):بقوله تعالى: مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ (5)و هو عامّ.
و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حلق جميع شعر رأسه (6).و لأنّه نسك يتعلّق بالرأس فوجب استيعابه،كالمسح.
و الجواب عن الأوّل:بمنع عموم الحلق و إن كان عامّا بالنسبة إلى أشخاص النّاس،أمّا بالنسبة إلى شعر الرأس فلا.
سلّمنا لكن نمنع مساواة التقصير له،و العطف لا يدلّ عليه،و فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مسلّم؛لأنّه بيّن الحلق في الحجّ،و الأصل في القياس ممنوع و قد تقدّم (7).
ص:444
و لو حلق بعض رأسه،فالوجه عدم التحريم على القولين و سقوط الدم و الاجتزاء به (1).
لأنّ القصد الإزالة و الأمر ورد مطلقا،فيجزئ كلّما يتناوله الإطلاق،لكنّ الأفضل التقصير في إحرام العمرة،و الحلق في الحجّ؛اقتداء برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في أمره (2)و فعله (3).
لأنّ المأمور به التقصير و قد حصل،بخلاف المسح في الوضوء؛لأنّ المأمور به هناك المسح على الرأس و هو ما ترأس و علا،و لا نعلم فيه خلافا.
فيكون مجزئا،
و كذا لو أخذ من شاربه أو حاجبيه أو لحيته،أجزأه.
و قد روى ابن بابويه عن حفص،و جميل و غيرهما،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في محرم يقصّر من بعض و لا يقصّر من بعض،قال:«يجزئه» (5).
ص:445
رواه الشيخ عن حفص بن البختريّ،عن غير واحد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«ينبغي للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ إذا أحلّ أن لا يلبس قميصا و ليتشبّه بالمحرمين» (1).
إذا عرفت هذا:فليس ذلك على سبيل الوجوب بلا خلاف.و لما تقدّم من الأحاديث الدالّة على الإحلال من كلّ شيء عند (2)التقصير (3).
فإن جامع،وجب عليه بدنة إن كان موسرا،و بقرة إن كان متوسّطا،و شاة إن كان فقيرا،و لا تبطل عمرته.
و بإيجاب الدم مطلقا و صحّة العمرة قال مالك (5)،و أحمد (6)،و أصحاب الرأي (7).
و قال الشافعي:تفسد عمرته (8).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس أنّه سئل عن امرأة معتمرة وقع بها زوجها قبل أن تقصّر،قال:من ترك من مناسكه شيئا أو نسيه فليرق دما،قيل:إنّها موسرة، قال:فلتنحر ناقة (9).
ص:446
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم في قول الصادق عليه السّلام:«و قد خفت أن يكون قد ثلم حجّه» (1)و هو يدلّ على الصحّة.
إذا ثبت هذا:فإنّ الكفّارة تجب عليه و عليها إن طاوعته،و إن أكرهها تحمّل عنها كفّارتها أيضا.و لأنّ التقصير ليس بركن فلا يفسد النسك بالوطء قبله،كالرمي في الحجّ.
احتجّ الشافعيّ بأنّه وطئ قبل حلّه من عمرته فأفسدها (2).
و الجواب:المنع من الإفساد.
لضرورة،
فإن اضطرّ إلى الخروج،خرج إلى حيث لا يفوته الحجّ،و يخرج محرما بالحجّ،فإن أمكنه الرجوع إلى مكّة،و إلاّ مضى على إحرامه إلى عرفات.
و لو خرج بغير إحرام ثمّ عاد،فإن كان في الشهر الذي خرج فيه،لم يضرّه أن يدخل مكّة بغير إحرام،و إن دخل في غير الشهر الذي خرج فيه،دخلها محرما بالعمرة إلى الحجّ،و تكون عمرته الأخيرة هي التي يتمتّع بها إلى الحجّ،رواه الشيخ -في الحسن-عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من دخل مكّة متمتّعا في أشهر الحجّ،لم يكن له أن يخرج حتّى يقضي الحجّ،فإن عرضت له الحاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق،خرج محرما،و دخل ملبّيا بالحجّ،فلا يزال على إحرامه،فإن رجع إلى مكّة رجع محرما،و لم يقرب البيت حتّى يخرج مع النّاس إلى منى...»[قلت] (3):فإن جهل فخرج إلى المدينة و إلى (4)نحوها بغير إحرام ثمّ رجع في إبّان الحجّ في أشهر الحجّ يريد الحجّ أ يدخلها محرما
ص:447
أو بغير إحرام؟فقال:«إن رجع في شهره دخل بغير إحرام،و إن دخل في غير الشهر دخل محرما»قلت:فأيّ الإحرامين و المتعتين متعته؟الأولى أو الأخيرة؟ قال:«الأخيرة هي عمرته،و هي المحتسب (1)بها التي وصلت بحجّه»قلت:فما فرق بين المفردة و بين عمرة المتعة إذا دخل في أشهر الحجّ؟قال:«أحرم بالعمرة و هو ينوي العمرة ثمّ أحلّ منها و لم يكن عليه دم و لم يكن محتسبا (2)بها؛لأنّه لا يكون ينوي الحجّ» (3).
و في الحسن عن الحلبيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ يريد الخروج إلى الطائف،قال:«يهلّ بالحجّ من مكّة و ما أحبّ أن يخرج منها إلاّ محرما و لا يجاوز الطائف إنّها قريبة من مكّة» (4).
و في الصحيح عن حفص بن البختريّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل قضى متعته و عرضت له حاجة،أراد أن يخرج (5)إليها،قال:فقال:«فليغتسل للإحرام و ليهلّ بالحجّ و ليمض في حاجته،فإن لم يقدر على الرجوع إلى مكّة مضى إلى عرفات» (6).
ص:448
استحبّ له أن يدخلها محرما بالحجّ،و يجوز له أن يدخلها بغير إحرام على ما تقدّم.
روى الشيخ-في الصحيح-عن إسحاق بن عمّار،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتّع يجيء فيقضي متعته،ثمّ تبدو له[الحاجة] (1)فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن،قال:«يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير أشهر الحجّ الذي (2)يتمتّع فيه؛لأنّ لكلّ شهر عمرة،و هو مرتهن بالحجّ» قلت:فإنّه دخل في الشهر الذي خرج فيه،قال:«كان أبي مجاورا هاهنا فخرج يتلقّى بعض هؤلاء،فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم بالحجّ،و دخل و هو محرم بالحجّ» (3).
هذا قول الشيخ رحمه اللّه و استدلاله (4).و فيه إشكال؛إذ قد بيّنّا أنّه لا يجوز الإحرام لحجّ التمتّع إلاّ من مكّة (5).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام هل يدخل الرجل (1)بغير إحرام؟فقال:«لا،إلاّ أن يكون مريضا أو به بطن» (2).
و في الصحيح عن رفاعة بن موسى،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل به بطن و وجع شديد يدخل مكّة حلالا؟فقال:«لا يدخلها إلاّ محرما»و قال:
«يحرمون عنه،إنّ الحطّابين[و المجتلبة] (3)أتوا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فسألوه فأذن لهم أن يدخلوا حلالا (4).
قال الشيخ-رحمه اللّه-:المنع في هذه الرواية من دخول المريض إلاّ بإحرامه على سبيل الندب؛لما تقدّم في الحديثين الأوّلين (5).و هو جيّد.
و حمل ما رواه-في الصحيح-عن جميل بن درّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يخرج إلى جدّة في الحاجة،فقال:«يدخل مكّة بغير إحرام» (6)على من عاد في الشهر الذي خرج فيه (7).و هو حسن لما تقدّم (8)،و لما رواه عن حفص ابن البختريّ و أبان بن عثمان،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم،قال:«إن رجع في الشهر الذي خرج فيه،دخل بغير
ص:450
إحرام،و إن دخل في غيره،دخل بإحرام» (1).
إذا علم أو غلب على ظنّه أنّه يقدر على إنشاء الإحرام بالحجّ بعده،و الخروج إلى عرفات و المشعر و لا يفوته شيء من ذلك و لو كان دخوله إلى مكّة بعد الزوال من يوم التروية أو ليلة عرفة أو يوم عرفة قبل الزوال أو بعده.
و بالجملة:الاعتبار بإدراك أحد الموقفين في وقته،فمتى علم أو غلب على ظنّه إدراكه،صحّت المتعة،هذا اختيار الشيخ رحمه اللّه (2).
و قال المفيد-رحمه اللّه-:إذا زالت الشمس من يوم التروية و لم يكن أحلّ من عمرته،فقد فاتته المتعة،و لا يجوز له التحلّل منها،بل يبقى على إحرامه،و تكون حجّة مفردة (3).
لنا:ما رواه ابن بابويه-في الصحيح-عن ابن أبي عمير،عن هشام بن سالم و مرازم و شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل المتمتّع يدخل ليلة عرفة، فيطوف و يسعى ثمّ يحرم فيأتي منى،فقال:«لا بأس» (4).
و عن محمّد بن ميمون (5)،قال:قدم أبو الحسن عليه السّلام متمتّعا ليلة عرفة
ص:451
و طاف و أحلّ و أتى جواريه ثمّ أهلّ بالحجّ و خرج (1).
و في الصحيح عن أبي بصير،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:المرأة تجيء متمتّعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة،فقال:«إن كانت تعلم أنّها تطهر و تطوف بالبيت و تحلّ من إحرامها و تلحق الناس بمنى،فلتفعل» (2).
و عن شعيب العقرقوفيّ،قال:خرجت أنا و حديد (3)فانتهينا إلى البستان يوم التروية فتقدّمت على حمار فقدمت مكّة فطفت و سعيت و أحللت من تمتّعي ثمّ أحرمت بالحجّ و قدم حديد من الليل،فكتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام أستفتيه في أمره،فكتب إليّ:«مره يطوف و يسعى و يحلّ من متعته و يحرم بالحجّ و يلحق الناس بمنى و لا يبيتنّ بمكّة» (4).
و لأنّ الواجب هو الإتيان بأفعال العمرة و أفعال الحجّ و هو ممكن (5)هاهنا؛لأنّ البحث فيه،فكان الاعتبار به لا بالوقت.
قال الشيخ-رحمه اللّه-في التهذيب:المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ تكون عمرته تامّة ما أدرك الموقفين،سواء كان ذلك يوم التروية أو ليلة عرفة أو يوم عرفة إلى بعد الزوال،فإذا زالت الشمس من يوم عرفة فقد فاتت المتعة؛لأنّه لا يمكنه أن يلحق الناس بعرفات،إلاّ أنّ مراتب الناس تتفاوت في الفضل و الثواب،فمن
ص:452
أدرك يوم التروية عند الزوال يكون ثوابه أكثر و متعته أكمل ممّن يلحق بالليل،و من أدرك بالليل يكون ثوابه دون ذلك،و الأخبار التي وردت في أنّ من لم يدرك يوم التروية فقد فاتته المتعة،المراد بها:فوت الكمال الذي يرجى لحوقه يوم التروية، و ما تضمّنت من قولهم عليهم السّلام:و ليجعلها حجّة مفردة.فالإنسان بالخيار في ذلك بين أن يمضي المتعة و بين أن يجعلها حجّة مفردة إذا لم يخف فوت الموقفين و كانت غير حجّة الإسلام التي لا يجوز فيها الإفراد مع الإمكان،و إنّما يتوجّه وجوبها و الحتم على أن تجعل حجّة مفردة لمن غلب على ظنّه أنّه إن اشتغل بالطواف و السعي و الإحلال ثمّ الإحرام بالحجّ،يفوته الموقفان،فإذا (1)حملنا الأخبار على ما ذكرناه،لم نكن قد دفعنا شيئا منها (2).
قال موسى بن القاسم:روى لنا الثقة من أهل البيت،عن أبي الحسن موسى عليه السّلام أنّه قال:«أهلّ بالمتعة بالحجّ-يريد يوم التروية-[إلى] (3)زوال الشمس و بعد العصر و بعد المغرب و بعد العشاء ما بين ذلك كلّه واسع» (4).
أمّا رواية الفوات،فقد رواها الشيخ عن زكريّا بن عمران (5)،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتّع إذا دخل يوم عرفة،قال:«لا متعة له،يجعلها
ص:453
عمرة مفردة» (1).
و عن إسحاق بن عبد اللّه،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:«المتمتّع إذا قدم ليلة عرفة فليست له متعة يجعلها حجّة مفردة،إنّما المتعة إلى يوم التروية» (2).
و عن موسى بن عبد اللّه (3)قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتّع يقدم مكّة ليلة عرفة،قال:«لا متعة له يجعلها حجّة مفردة و يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة و يخرج إلى منى و لا هدي عليه،إنّما الهدي على المتمتّع» (4).
و عن عليّ بن يقطين قال:سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن الرجل و المرأة يتمتّعان بالعمرة إلى الحجّ،ثمّ يدخلان مكّة يوم عرفة كيف يصنعان؟قال:
«يجعلانها حجّة مفردة،و حدّ المتعة إلى يوم التروية» (5).
و عن عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا قدمت مكّة يوم التروية و قد غربت الشمس،فليس لك متعة،و امض (6)كما أنت بحجّك» (7).
ص:454
و هذه الروايات كلّها محمولة على من خاف فوت الموقفين؛للجمع بين الروايات،و لما ذكرنا من الدليل (1).
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن رجل أهلّ بالحجّ و العمرة جميعا،ثمّ قدم مكّة و الناس بعرفات،فخشي إن هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف،فقال:
«يدع العمرة فإذا أتمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه» (2).
و التقييد بخوف الفوات هنا يقتضي تقييده في الأحاديث المتقدّمة؛حملا للمطلق على المقيّد،و يدلّ على ذلك أيضا:تفاوت التقدير في الأخبار،ففي بعضها:إذا أدرك الناس بمنى،و في بعضها:إذا غربت الشمس من يوم التروية أدرك العمرة،و في بعضها:إلى السحر من ليلة عرفة (3).
و في رواية محمّد بن سرو (4)،قال:كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام:ما تقول في رجل يتمتّع (5)بالعمرة إلى الحجّ وافى غداة عرفة،و خرج النّاس من منى
ص:455
إلى عرفات عمرته (1)قائمة،أو قد ذهبت منه،إلى أيّ وقت عمرته قائمة إذا كان متمتّعا بالعمرة إلى الحجّ فلم يواف ليلة التروية و لا يوم التروية فكيف يصنع؟فوقّع عليه السّلام:«ساعة يدخل مكّة إن شاء اللّه يطوف و يصلّي ركعتين و يسعى و يقصّر و يحرم بحجّة و يمضي إلى الموقف و يفيض مع الإمام» (2).و الضابط ما ذكرناه نحن (3).
ص:456