سرشناسه:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق.
عنوان و نام پديدآور: منتهی المطلب فی تحقیق المذهب / للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر؛ تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
مشخصات نشر: مشهد : آستان قدس رضوی بنیاد پژوهش های اسلامی، 1414ق.= 1994م.= -1373
مشخصات ظاهری:15 ج.
شابک:19000 ریال:ج.7: 964-444-293-8
وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری
يادداشت: عربی.
يادداشت:فهرستنویسی براساس جلد ششم.
يادداشت:ج.7 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
یادداشت:نمایه.
موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.
موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه
شناسه افزوده:مجمع البحوث الاسلامية
رده بندی کنگره:BP182/3/ع8م8 1373
رده بندی دیویی:297/342
شماره کتابشناسی ملی:2559784
ص :1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص :2
منتهی المطلب فی تحقیق المذهب
للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر
تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
ص :3
سرشناسه:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق.
عنوان و نام پديدآور: منتهی المطلب فی تحقیق المذهب / للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر؛ تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
مشخصات نشر: مشهد : آستان قدس رضوی بنیاد پژوهش های اسلامی، 1414ق.= 1994م.= -1373
مشخصات ظاهری:15 ج.
شابک:19000 ریال:ج.7: 964-444-293-8
وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری
يادداشت: عربی.
يادداشت:فهرستنویسی براساس جلد ششم.
يادداشت:ج.7 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
یادداشت:نمایه.
موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.
موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه
شناسه افزوده:مجمع البحوث الاسلامية
رده بندی کنگره:BP182/3/ع8م8 1373
رده بندی دیویی:297/342
شماره کتابشناسی ملی:2559784
ص :4
ص :5
ص :6
و فيه مقدّمة و بحثان
أصل:إذا فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعلا على جهة الوجوب وجب علينا اتّباعه،فيه إلاّ أن يعلم تخصيصه به،لقوله تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ (1).و ذلك يدلّ على الوعيد.و للإجماع على الرجوع إليه في أفعاله،كرجوعهم في قُبلة الصّائم (2).و لقوله تعالى فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً (3).و لقوله:
وَ اتَّبِعُوهُ (4).
مقدّمة:قال علماؤنا:صلاة العيدين واجبة على الأعيان،و به قال أبو حنيفة،إلاّ أنّه قال:هي واجبة و ليست فرضا (5)،لأنّه فرق بين الفرض و الواجب،و نحن لمّا لم نفرق بينهما أطلقنا اللفظين عليها (6).
ص:7
و قال أحمد:هي واجبة على الكفاية (1).و قال مالك (2)و أكثر أصحاب الشافعيّ:هي سنّة (3).
لنا:قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (4).ذهب المفسّرون إلى أنّ المراد بها صلاة العيد و الأمر للوجوب (5).و ما ثبت بالتواتر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يصلّي صلاة العيدين (6).
و ما رواه ابن عبّاس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى العيد بغير أذان و لا إقامة (7).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصّحيح عن جميل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«صلاة العيدين فريضة» (8).
ص:8
و بمثله روي عن أبي أسامة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (1).و لأنّها صلاة شرعت لها الخطبة،فكانت واجبة على الأعيان كالجمعة.و لأنّها من أعلام الدين الظاهرة فكانت واجبة كالجمعة.و لأنّه يجب قتال تاركها،و إنّما يكون مع الوجوب،لأنّه عقوبة لا يتوجّه على تارك المندوب.
لا يقال:قد روى الشيخ عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«صلاة العيدين مع الإمام سنّة» (2).
لأنّا نقول:المراد بالسنّة هنا ما علم ثبوته بالسنّة لا الندب.كذا ذكره الشيخ (3)،و هو حسن.
احتجّ أحمد بأنّها صلاة لا يشرع (4)لها الأذان فلا يجب على الأعيان كالجنازة (5).
و احتجّ مالك (6)بقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للأعرابيّ حين ذكر خمس صلوات:هل عليّ غيرهنّ؟قال:«لا،إلاّ أن تتطوّع» (7).و بقوله عليه السلام:«خمس صلوات كتبهنّ اللّه على العبد» (8).
و لأنّها ذات ركوع و سجود لم يشرع لها الأذان فلا تجب ابتداء بالشرع
ص:9
كالاستسقاء.
و الجواب عن الأوّل:بالمطالبة بدليل علّيّة الجامع.
و أيضا:فإنّ المحقّقين اتّفقوا على أنّ العدم لا يصلح للعلّيّة في القياس،و ينتقض بالصّلاة المنذورة،و بالفرق بين المقيس و المقيس عليه،إذ مسمّى الصّلاة في العيد أتمّ منه في الجنازة،و مع التفاوت يمتنع (1)القياس.
و عن الثّاني:بأنّ الأعرابيّ لا يجب عليه صلاة العيد كما لا يجب عليه الجمعة،لعدم الشرائط في حقّه في أغلب الأحوال.و لأنّ التخصيص وقع للأعرابيّ بعدم الوجوب فلا يطّرد،لجواز اختصاصه بما يقتضيه.و لأنّه عليه السّلام إنّما أجابه بما هو الغالب،فلا يدلّ على نفي وجوب كلّ ما عدا المذكور (2).و ينتقض بالجنازة و المنذورة.
و عن الثالث:بأنّ التصريح بوجوب الخمس لا يقتضي نفي الوجوب عن غيرها، لأنّه خرج مخرج الأغلب.و ينتقض بما ذكرنا (3).
و عن الرّابع:بأنّ وصف الرّكوع و السّجود لا مدخل له في العلّيّة،لوجودهما في النوافل كلّها و هي غير واجبة،فيجب حذفه،و يبقى المقتضي الوصف السلبيّ (4)،فيكون جوابه ما تقدّم،و ينتقض بالجنازة و المنذورة.
إذا صلّيت مع الإمام،و هو قول علماء الإسلام،لأنّ النبيّ
ص:10
صلّى اللّه عليه و آله صلاّها كذلك (1).
و روى الجمهور عن عمر أنّه قال:صلاة العيد ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«صلاة العيدين ركعتان بلا أذان و لا إقامة ليس قبلهما و لا بعدهما شيء» (3).
و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم.
و قد وقع الخلاف في الأفضل،قال الشيخ في المبسوط (4)و النهاية:يستحبّ أن يقرأ في الأولى«الحمد»و«الأعلى»و في الثانية«الحمد»و«الشمس» (5).
و به قال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه (6)،و سلاّر في الرسالة (7)،و ابن حمزة (8)، و ابن إدريس (9).
ص:11
و قال الشيخ في الخلاف (1)و الاستبصار:يقرأ في الأولى مع«الحمد» «الشمس»و في الثانية معها«الغاشية» (2).و به قال عليّ بن بابويه (3)،و المفيد (4)، و أبو الصلاح (5)،و السيّد المرتضى (6)،و ابن البرّاج (7)،و ابن زهرة (8).
و قال ابن أبي عقيل:يقرأ في الأولى مع«الحمد»«الغاشية»و في الثانية معها «الشمس» (9).
و قال الشافعيّ:يستحبّ أن يقرأ في الأولى ب«ق»و في الثانية ب«القمر» (10).
و قال مالك (11)،و أحمد:يقرأ في الأولى ب«سبّح»و في الثانية ب«الغاشية» (12).
ص:12
و قال أبو حنيفة:ليس بعض السور أولى من بعض (1).و الذي أذهب إليه ما ذكره في الخلاف.
لنا:ما رواه الجمهور عن النعمان بن بشير قال:كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقرأ في العيدين و في الجمعة ب«سبّح اسم ربّك الأعلى»و«هل أتاك»و ربّما اجتمعا (2)في يوم واحد فقرأ بهما (3).رواه مسلم (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصّحيح عن معاوية بن عمّار قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صلاة العيدين،قال:يقرأ في الأولى«الحمد»و«الشمس و ضحاها»و في الثانية«الحمد»و«هل أتاك حديث الغاشية» (5).
احتجّ الشيخ على قوله في المبسوط بما رواه عن إسماعيل الجعفي (6)،عن أبي جعفر عليه السّلام:يقرأ في الأولى مع أمّ القرآن«سبّح اسم ربّك الأعلى»و في الثانية
ص:13
و«الشمس» (1).
و ما رواه عن أبي الصبّاح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:يقرأ في الأولى«الحمد» و«سبّح»و في الثانية«الحمد»و«الشمس» (2).
و احتجّ الشافعيّ (3)بما روي عن عمر أنّه سأل أبا واقد (4)ما ذا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقرأ به في الفطر و الأضحى؟فقال:كان يقرأ ب«ق و القرآن المجيد» و«اقتربت السّاعة» (5).
و الجواب:المعارضة بالأحاديث التي نقلناها،مع أنّ هذا لم يرد في أخبار أهل البيت عليهم السّلام،و لو سلّم لكان دالاّ على الجواز و نحن نسلّمه،أمّا على الأفضليّة (6)فلا.و لأنّ في«سبّح»الحثّ على زكاة الفطرة،فاستحبّ قراءتها في يوم فعلها (7)كالجمعة.
و أمّا ما ذكره الشّيخ (8)،فإن صحّت الرّوايتان (9)تخيّر المصلّي فيهما،و يكون مدركا
ص:14
للفضيلة بكلّ واحد منهما.
عدا تكبيرة الإحرام و تكبيرتي الرّكوع،فيكون الزائد على المعتاد تسع تكبيرات،و هو مذهب أكثر علمائنا (1).
و قال ابن أبي عقيل،و ابن بابويه:الزائد سبع تكبيرات (2)،و المفيد جعل التكبير في الثانية ثلاثا،و زاد تكبيرة أخرى للقيام إليها (3).
و قال الشافعيّ (4)،و الأوزاعيّ،و إسحاق:إنّه يكبّر في الأولى سبعا غير تكبيرة الافتتاح،و في الثانية خمسا،فالجميع اثنا عشر (5)،غير تكبيرة الإحرام،و هو مرويّ عن أبي هريرة،و أبي سعيد الخدريّ،و ابن عبّاس،و ابن عمر،و يحيى الأنصاريّ (6).
و روي عن ابن عبّاس،و أنس،و المغيرة بن شعبة،و سعيد بن المسيّب،و النخعيّ:
يكبّر سبعا سبعا (7).
و قال أبو حنيفة (8)،و الثوريّ:ثلاثا ثلاثا (9).
ص:15
و قال أحمد:يكبّر في الأولى سبعا مع تكبيرة الإحرام،غير تكبيرة الرّكوع،و في الثانية خمسا،غير تكبيرة النهوض (1).و هو مرويّ عن فقهاء المدينة السّبعة،و عمر بن عبد العزيز،و الزهريّ (2)،و مالك (3)،و المزنيّ (4).
لنا:ما رواه الجمهور عن عائشة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يكبّر في العيدين سبعا و خمسا (5).
و ما رووه عن عبد اللّه بن عمرو قال:قال نبيّ اللّه (6)صلّى اللّه عليه و آله:«التكبير في الفطر سبع في الأولى و خمس في الآخرة (7)» (8).
قال ابن عبد البرّ:قد روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من طرق كثيرة حسان،أنّه كبّر في العيد سبعا في الأولى و خمسا في الثانية (9).
أقول:و هذا يدلّ على ثبوت ذلك ثبوتا ظاهرا،و الظاهر أنّ التكبيرات هي جميع المراد،فيدخل فيه تكبيرة الافتتاح و الرّكوع،و ذلك ما ذهبنا إليه.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن أبي الصبّاح قال:سألت أبا عبد اللّه
ص:16
عليه السّلام عن التكبير في العيدين،قال:«اثنتا عشرة تكبيرة،سبع في الأولى و خمس في الثانية» (1).
و ما رواه في الصّحيح عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«التكبير في الفطر و الأضحى اثنتا عشرة تكبيرة يكبّر في الأولى واحدة،ثمَّ يقرأ،ثمَّ يكبّر بعد القراءة خمس تكبيرات و السابعة يركع بها،ثمَّ يقوم في الثانية فيقرأ،ثمَّ يكبّر أربعا و الخامسة يركع بها» (2).
و مثله روى يعقوب بن يقطين في الصّحيح (3)،و محمّد بن مسلم في الصحيح أيضا (4).
احتجّ الشافعيّ (5)بما روته عائشة:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يكبّر في العيدين اثنتي عشرة تكبيرة سوى تكبيرة الافتتاح (6).
و احتجّ أبو حنيفة (7)بما رواه أبو موسى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يكبّر أربعا تكبيرة على الجنائز (8).
ص:17
و احتجّ أحمد (1)بحديث ابن عمرو و عائشة.
و الجواب عن الأوّل:أنّ المعروف من حديث عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يفعل ما قدّمناه،و حديث أبي موسى ضعيف يرويه أبو عائشة (2)جليس لأبي هريرة و هو مجهول.
و احتجاج أحمد قد بيّنّا وجهه،و الوجه عندي أنّ التكبير مستحبّ لما يأتي،فجائز فيه الزيادة و النقصان.
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يرفع يديه مع التكبير (1).
و عن عمر أنّه كان يرفع يديه في كلّ تكبيرة في الجنازة و في الفطر و في الأضحى (2)،و لم ينكر عليه.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن يونس قال:سألته عليه السّلام عن تكبير العيدين أ يرفع يده مع كلّ تكبيرة أم يجزئه أن يرفع (3)في أوّل التكبيرة؟ (4)فقال:
«يرفع مع كلّ تكبيرة» (5).و لأنّه تكبير يقع في حال القيام فأشبه تكبيرة الإحرام.
احتجّ مالك بأنّها تكبيرات في أثناء الصّلاة،فأشبهت تكبيرات السّجود (6).
و الجواب:الفرق بأنّ هذه تقع طرفاها في حال القيام،فأشبهت تكبيرة الإحرام لا تكبيرات السّجود.
و قال أبو حنيفة (1)،و الأوزاعيّ:يكبّر متواليا (2).
لنا:ما رواه الجمهور أنّ عبد اللّه بن مسعود،و أبا موسى،و حذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة (3)قبل العيد يوما فقال لهم:إنّ هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه؟فقال عبد اللّه:تبدأ فتكبّر تكبيرة تفتح بها الصّلاة و تحمد ربّك و تصلّي على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،ثمَّ تدعو و تكبّر و تفعل مثل ذلك،إلى آخر الحديث.فقال حذيفة و أبو موسى:صدق عبد اللّه (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصّحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:سألته عن الكلام الّذي يتكلّم به فيما بين التكبيرتين في العيدين،فقال:
«ما شئت من الكلام الحسن» (5).
و ما رواه عن عليّ بن أبي حمزة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و يقنت بين كلّ
ص:20
تكبيرتين» (1).
و في الموثّق عن سماعة قال:«و ينبغي أن يتضرّع بين كلّ تكبيرتين و يدعو اللّه» (2).
و مثله روى في الصّحيح عن يعقوب بن يقطين،عن العبد الصّالح عليه السّلام (3)، و عن إسماعيل الجعفيّ،عن أبي جعفر عليه السّلام (4).
أفضل ما يذكر في القنوت ما نقل عن أهل البيت عليهم السّلام.و المنقول روايتان:
إحداهما:ما رواه الشيخ عن جابر،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا كبّر في العيدين قال بين كلّ تكبيرتين:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله،اللهمّ أهل الكبرياء و العظمة،و أهل الجود و الجبروت،و أهل العفو و الرّحمة،و أهل التقوى و المغفرة،أسألك في هذا اليوم الّذي جعلته للمسلمين عيدا،و لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله ذخرا و مزيدا،أن تصلّي على محمّد و آل محمّد كأفضل ما صلّيت على عبد من عبادك و صلّ على ملائكتك و رسلك،و اغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات،اللّهمّ إنّي أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون،و أعوذ بك من شرّ ما عاذ بك منه عبادك المرسلون» (5).
ص:21
و مثل (1)هذه الرّواية روى محمّد بن عيسى بن أبي منصور (2)عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،إلاّ أنّه لم يذكر الشهادتين،و ابتدأ بقوله:اللهمّ أهل الكبرياء و العظمة» (3).
الرّواية الثانية:ما رواه الشيخ و ابن بابويه معا،عن أبي الصّبّاح الكنانيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التكبير في العيدين،فقال:«اثنتا عشرة،سبع في الأولى،و خمس في الثانية،و إذا (4)قمت في (5)الصّلاة فكبّر واحدة و تقول (6):أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله،اللّهمّ أنت أهل الكبرياء و العظمة،و أهل الجود و الجبروت و القدرة (7)و السلطان و العزّة،أسألك في هذا اليوم الّذي جعلته للمسلمين عيدا،و لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله ذخرا و مزيدا،أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و أن تصلّي على ملائكتك المقرّبين و أنبيائك المرسلين،و أن تغفر لنا و لجميع المؤمنين و المؤمنات،و المسلمين و المسلمات،الأحياء منهم و الأموات،اللّهمّ إنّي أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون،و أعوذ بك من شرّ ما عاذ منه عبادك المخلصون،اللّه أكبر،أوّل كلّ شيء و آخره،و بديع كلّ شيء و منتهاه،و عالم كلّ شيء و معاده و مصير كلّ شيء إليه و مردّه،مدبّر الأمور و باعث من في القبور،قابل الأعمال،مبدئ (8)الخفيّات،معلن السرائر، اللّه أكبر،عظيم الملكوت،شديد الجبروت،حيّ لا يموت،دائم لا يزول،إذا قضى أمرا فإنّما يقول له:كن فيكون،اللّه أكبر،خشعت لك الأصوات،و عنت لك الوجوه،و حارت دونك
ص:22
الأبصار،و كلّت الألسن عن عظمتك،و النواصي كلّها بيدك و مقادير الأمور كلّها إليك، لا يقضي فيها غيرك و لا يتمّ منها شيء دونك،اللّه أكبر،أحاط بكلّ شيء حفظك،و قهر كلّ شيء عزّك،و نفذ كلّ شيء أمرك،و قام كلّ شيء بك،و تواضع كلّ شيء لعظمتك،و ذلّ كلّ شيء لعزّتك،و استسلم كلّ شيء لقدرتك،و خضع كلّ شيء لملكك،اللّه أكبر،و تقرأ الحمد و سبّح اسم ربّك و تكبّر السّابعة و تركع و تسجد،و تقوم و تقرأ الحمد و الشمس و ضحاها،و تقول:اللّه أكبر،أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله،اللّهمّ أنت أهل الكبرياء و العظمة،تتمّه كلّه كما قلته أوّل التكبير،يكون هذا القول في كلّ تكبيرة حتّى تتمّ خمس تكبيرات» (1).و الرّواية الأولى أشهر بين الأصحاب.
خلافا لبعض الجمهور (2).
لنا:ما رووه عن عليّ عليه السّلام أنّه كان إذا قرأ في العيدين أسمع من يليه و لم يجهر ذاك الجهر (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصّحيح عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«و ينبغي للإمام أن يجهر بالقراءة كما يجهر في الجمعة» (4).
و ما رواه في الصحيح عن محمّد بن قيس،عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه كان إذا صلّى
ص:23
بالناس صلاة فطر أو أضحى خفض من صوته يسمع من يليه لا يجهر بالقرآن (1). (2)و لأنّها صلاة عيد فأشبهت الجمعة.
ذهب إليه أكثر علمائنا (3)،خلافا لابن الجنيد (4).
و قال الشافعيّ:إنّه قبل القراءة فيهما (5)،و هو مرويّ عن أبي هريرة،و الفقهاء السبعة،و عمر بن عبد العزيز،و الزهريّ (6)،و مالك (7)،و الليث (8)،و أحمد في إحدى الروايتين عنه،و في الرواية الأخرى عن أحمد أنّه في الأولى قبل القراءة،و في الثانية بعدها (9)،و هو مرويّ عن ابن مسعود،و حذيفة،و أبي موسى،و الحسن،و ابن سيرين، و الثوريّ (10)،و به قال أصحاب الرأي (11).
ص:24
لنا:أنّها صلاة فينبغي أن يبدأ فيها بالقراءة كغيرها من الصّلوات.و لأنّ التكبيرات للقنوت و محلّه بعد القراءة،إذ لا يتقدّم القراءة في غيرها إجماعا.
و ما رواه الشيخ في الصّحيح عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«ثمَّ يقرأ فاتحة الكتاب،ثمَّ الشمس،ثمَّ يكبّر خمس تكبيرات،ثمَّ يكبّر و يركع»إلى قوله:«ثمَّ يقرأ الفاتحة و هل أتاك،ثمَّ يكبّر أربع تكبيرات» (1).
و ما رواه في الموثّق عن سليمان بن خالد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام نحوه (2).
و ما رواه في الصّحيح عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله (3).
و ما رواه عن عليّ بن أبي حمزة،عنه عليه السّلام (4).
و ما رواه عن يعقوب بن يقطين،عن العبد الصّالح عليه السّلام (5).و عن إسماعيل الجعفيّ،عن أبي جعفر عليه السّلام (6).و عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (7).
ص:25
لا يقال:يعارض ما ذكرناه بما رواه الشيخ في الصّحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«التكبير في العيدين في الأولى سبع قبل القراءة،و في الأخيرة (1)خمس بعد القراءة» (2).
و مثله روى في الصّحيح عن إسماعيل بن سعد الأشعريّ،عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام (3).
لأنّا نقول:إنّهما و إن كانا صحيحين إلاّ أنّ الأصحاب أكثرهم لم يعملوا بهما إلاّ من شذّ (4)،فكان ما ذكرناه أولى.
احتجّ الشافعيّ (5)بما روته عائشة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يكبّر في العيدين سبعا و خمسا قبل القراءة (6).
و احتجّ أبو حنيفة (7)بما رواه أبو موسى،قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوالي (8)بين القراءتين (9).
و الجواب عن الأوّل:أنّ عائشة قد اختلف نقلها في عدد التكبيرات،ففي هذه
ص:26
الرّواية اثنتا عشرة تكبيرة،و في أخرى ثلاث عشرة (1)،فلا تعويل عليها.
و عن الثاني:أنّ الراوي عنه مجهول.
ثمَّ قام إلى الثّانية ففعل كما قلناه (2)،ثمَّ يركع و يسجد سجدتين،ثمَّ يتشهّد و يسلّم.
لا خلاف فيه بين علمائنا إلاّ الخطبة،لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلاّها مع شرائط الجمعة و قال:«صلّوا كما رأيتموني أصلّي» (3).
و مع فقد الشرائط يستحبّ أن تصلّى جماعة و فرادى سفرا و حضرا.و هو قول الحسن البصريّ (4)،و الشافعيّ (5)،و أحمد في إحدى الرّوايتين (6)،و في الأخرى:لا تصلّى إلاّ في جماعة (7).و هو قول أبي حنيفة (8).
ص:27
لنا:أنّها عبادة قد اشتملت على تعظيم اللّه تعالى،فات أحد شرائطها فاستحبّت كالحجّ.و لأنّه ليس من شرطها الاستيطان إجماعا،فلا تكون الجماعة من شرط استحبابها كالنوافل.
و ما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل و ليتطيّب بما وجد و ليصلّ وحده كما يصلّي في الجماعة» (1).
و مثله (2)رواه في الصّحيح عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (3).
و في الصّحيح عن الحلبيّ قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل لا يخرج يوم الفطر و الأضحى،أ عليه صلاة وحده؟فقال:«نعم» (4).
تقدّم.
و ما رواه عن عبد اللّه بن المغيرة،عن بعض أصحابنا قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صلاة الفطر و الأضحى،فقال:«صلّهما ركعتين في جماعة و غير جماعة و كبّر سبعا و خمسا» (1).
فإن أخلّ بها عمدا عوقب على ذلك،و لو امتنع قوم من فعلها قوتلوا على ذلك،لأنّهم أخلّوا بواجب.
و قد مضى البحث فيه في الجمعة (3)،إلاّ أنّ هاهنا ما يدلّ عليه بالخصوصيّة،و هو ما رواه الشيخ في الصّحيح عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«من لم يصلّ مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له و لا قضاء عليه» (4).
و ما رواه عن معمّر بن يحيى،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«لا صلاة يوم الفطر و الأضحى إلاّ مع إمام (5)» (6).
و في الصّحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:سألته عن الصّلاة
ص:29
يوم الفطر و الأضحى،فقال:«ليس صلاة إلاّ مع إمام (1)» (2).
و في الصّحيح عن زرارة قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«و من لم يصلّ مع إمام في جماعة فلا صلاة له و لا قضاء عليه» (3).
و هو مذهب علمائنا أجمع،و به قال أبو حنيفة (4).و قال الشافعيّ:ليس العدد شرطا (5).
و قال ابن أبي عقيل:يشترط في العيدين العدد سبعة،مع أنّه اشترط في الجمعة خمسة (6)،و الفرق لم يقله أحد.
لنا:أنّ القول بالوجوب مع القول بانتفاء شرطيّة العدد ممّا لا يجتمعان إجماعا، و الأوّل ثابت،فينتفي الآخر بالضرورة.
قال:«إنّما صلاة العيدين على المقيم و لا صلاة إلاّ بإمام» (1).
و ما رواه في الموثّق عن الفضيل بن يسار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«ليس في السّفر جمعة و لا فطر و لا أضحى» (2).و لأنّ هذه الأعذار مسقطة للجمعة،فتكون مسقطة للعيدين للمشقّة.
و أمّا الاستحباب،فلما رواه في الصّحيح عن سعد بن سعد الأشعريّ،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال:سألته عن المسافر إلى مكّة و غيرها،هل عليه صلاة العيدين، الفطر و الأضحى؟قال:«نعم،إلاّ بمنى يوم النحر» (3).
لا يقال:إنّ لفظة«على»تدلّ على الإيجاب.
لأنّا نقول:إنّها ليست نصّا فيه فتحمل على الاستحباب،لما بيّنّاه من الأدلّة.و أمّا النساء،فإنّه يكره للشوابّ منهنّ الخروج إلى العيدين،بل يصلّين في بيوتهنّ،و يجوز للعجائز ذلك.و هو قول أصحاب الرأي (4).و كره خروجهنّ مطلقا النخعيّ،و يحيى الأنصاريّ (5).و استحبّ خروجهنّ أحمد (6)،و رووه عن عليّ عليه السّلام،و أبي بكر (7).
لنا:أنّ فيه افتتانا.و ما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار بن موسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:هل يؤمّ الرّجل بأهله في صلاة العيدين في السّطح أو بيت (8)؟
ص:31
قال:«لا يؤمّ بهنّ و لا يخرجن و ليس على النساء خروج»و قال:«أقلّوا لهنّ من الهيئة حتّى لا يسألنكم الخروج» (1).
احتجّوا (2)بما روت أمّ عطيّة قالت:أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن نخرجهنّ (3)في الفطر و الأضحى:العواتق و ذوات الخدور،فأمّا الحيّض فيعتزلن الصّلاة و يشهدن الخير و دعوة المسلمين،قلت:يا رسول اللّه،إحدانا لا يكون لها جلباب،قال:
«لتلبسها أختها من جلبابها» (4).
و الجواب:أنّ ذلك إنّما كان للتعرّض (5)لطلب الرّزق،لما رواه (6)الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان قال:«إنّما رخّص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء العواتق في الخروج في العيدين للتعرّض للرّزق» (7).و الأئمّة أعرف بمقاصد الرّسول صلّى اللّه عليه و آله من غيرهم.و معارض أيضا بما روي عن عائشة قالت:لو رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما أحدث النساء لمنعهنّ كما منعت نساء بني إسرائيل (8).
المرتضى (1)،و ابن إدريس (2).و قال الشيخ في الخلاف (3)،و ابن أبي عقيل:بعد طلوع الشمس (4).و قال في المبسوط:إذا ارتفعت الشمس و انبسطت (5).و قال أصحاب الشافعيّ كما قلناه أوّلا (6).و قال أحمد (7)كما قاله الشيخ في المبسوط.
لنا:ما رواه الجمهور عن يزيد بن خمير (8)قال:خرج عبد اللّه بن بسر صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في يوم عيد فطر أو أضحى،فأنكر إبطاء الإمام،فقال:إنّا كنّا قد فرغنا ساعتنا هذه،و ذلك حين صلاة التسبيح (9).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«ليس في الفطر أذان و لا إقامة،أذانهما طلوع الشمس،إذا طلعت خرجوا،و ليس قبلهما و لا بعدهما صلاة» (10)الحديث.
و لأنّها صلاة يوم فيجب بأوّله،كسائر الصّلوات المضافة (11)إلى الأوقات.
ص:33
احتجّ الشيخ (1)بما رواه سماعة قال:سألته عن الغدوّ إلى المصلّى في الفطر و الأضحى،فقال:«بعد طلوع الشمس» (2).
و احتجّ أحمد (3)بما رواه عقبة بن عامر قال:ثلاث ساعات كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ينهانا أن نصلّي فيهنّ،و أن نقبر فيهنّ موتانا،حين تطلع الشمس بازغة حتّى ترتفع (4).
و الجواب عن الأوّل:أنّ رواته ضعفاء (5)،مع أنّ سماعة لم يسنده إلى إمام (6).
و عن الثّاني:أنّ النهي إنّما هو للنوافل،أمّا الفرائض فلا.
الأوّل:يستحبّ الخروج إلى المصلّى بعد انبساط الشمس بلا خلاف.
الثّاني:يستحبّ تأخير الخروج يوم الفطر عن الخروج يوم الأضحى.ذهب إليه أهل العلم كافّة.
روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كتب إلى عمرو بن حزم أن:«أخّر صلاة الفطر و عجّل الأضحى» (7).و لأنّ الفطرة قبل الصّلاة و الأضحيّة بعدها،فاستحبّ تأخير الصّلاة في الأوّل لتحصيلها،و تقديمها في الثّاني للتهيّؤ لها.و لأنّه يستحبّ أن يطعم قبل الصّلاة في
ص:34
الفطر و بعدها (1)في الأضحى.
و لا مندوبا،سواء كانت فرضا أو نفلا.و قال (2)الشيخ في التهذيب:من فاتته صلاة العيد لم يجب عليه القضاء، و يجوز له أن يصلّي إن شاء ركعتين أو أربعا،من غير أن يقصد بها القضاء (3).
و قال أحمد:يقضيها أربعا بسلام واحد أو بسلامين (4).و به قال ابن مسعود،و هو قول الثّوريّ (5).و قال (6)أحمد:إذا صلّى ركعتين فإن شاء أن يصلّيهما على صفة صلاة العيد (7)فعل (8)،و به قال النخعيّ (9)،و مالك (10)،و الشافعيّ (11)،و أبو ثور (12)، و ابن المنذر (13)،و إن صلاّهما ركعتين كالنوافل جاز.و هو قول الأوزاعيّ (14).
لنا:أنّ القضاء إنّما يجب بأمر مستأنف و لم يثبت.
ص:35
و ما رواه الشيخ في الصّحيح عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«من لم يصلّ مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له و لا قضاء عليه» (1).
لا يقال:هذا الحديث عندكم متروك فلا يجوز الاستدلال به.
بيان الأوّل:أنّكم تذهبون إلى استحباب الصّلاة للمنفرد.
لأنّا نقول بموجبة،إذ نفي الصّلاة غير متحقّق (2)فلا بدّ من إضمار،و المضمر هاهنا الكمال،لما تقدّم (3).
احتجّ الشيخ (4)بما رواه أبو البختريّ عن جعفر عليه السّلام قال:«من فاتته صلاة العيد فليصلّ أربعا» (5).
احتجّ أحمد (6)على الأوّل بما رواه عن ابن مسعود أنّه قال:من فاته العيد فليصلّ أربعا (7).
و على الثاني:بما رواه عن أنس أنّه كان إذا لم يشهد العيد مع الإمام بالبصرة جمع أهله و مواليه،ثمَّ قام عبد اللّه بن أبي عتبة (8)مولاه فصلّى بهم ركعتين يكبّر فيهما (9).
ص:36
و الجواب عن الأوّل:بالطعن في السند،فإنّ أبا البختريّ ضعيف (1).
و عن الثّاني:أنّ قول ابن مسعود ليس حجّة.
و عن الثالث:أنّا نقول بموجبة،إذ ليس البحث في فعل صلاة العيد مع غير الإمام و استحبابه،و إنّما البحث في قضائها بعد فوات وقتها.
و لو أدركه في التشهّد فاتته الصّلاة و أتى بها منفردا مستحبّا،و يستحبّ له أن يجلس معه،فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين،ليدرك فضيلة الجماعة.
و لا يشتغل بالقضاء، خلافا للشافعيّ (3).
روى (4)الشيخ في الصّحيح عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت:
أدركت الإمام على الخطبة،قال:قال:«تجلس حتّى يفرغ من خطبته ثمَّ تقوم فتصلّي» (5).
و الأمر بالصّلاة هاهنا يمكن أن يكون من حيث أنّه قد أدرك الخطبة،فكأنّه قد أدرك بعض الصّلاة،و إلاّ فالأصل أن لا قضاء عليه.
عندنا،لما تقدّم (1).و به قال أبو حنيفة (2).
و قال الأوزاعيّ،و الثوريّ،و إسحاق (3)،و أحمد:يخرج الإمام من الغد فيصلّي بهم العيد (4).و قال الشافعيّ:إن علم بعد غروب الشمس صلّى بهم في الغد،و إن علم بعد الزوال لم يصلّ مطلقا (5).
لنا:صلاة منوطة بوقت فات فلا تقضى،كالجمعة.
احتجّ الشافعيّ (6)بقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«فطركم يوم تفطرون،و أضحاكم يوم تضحّون،و عرفتكم يوم تعرّفون» (7).و هو إنّما أفطر في اليوم الثاني.
و احتجّ أحمد (8)بما روى أبو عمير بن أنس (9)،عن عمومة له من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّ ركبا جاءوا إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فشهدوا أنّهم رأوا الهلال
ص:38
بالأمس،فأمرهم أن يفطروا،فإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاّهم (1).
و الجواب عنهما:أنّهما معارضتان بأحاديث أهل البيت عليهم السّلام من سقوط القضاء (2)،و اتّباعهم أولى.
لا تبطل الصّلاة بتركه عمدا و سهوا.ذهب إليه أكثر أهل العلم (3).و قال السيّد المرتضى:إنّ القنوت واجب (4).
روى الشيخ في الصحيح عن زرارة أنّ عبد الملك بن أعين (5)سأل أبا جعفر عليه السّلام عن الصّلاة في العيدين،فقال:«الصّلاة فيهما سواء،يكبّر الإمام تكبيرة (6)الصّلاة قائما،كما يصنع في الفريضة،ثمَّ يزيد في الرّكعة الأولى ثلاث تكبيرات،و في الأخرى ثلاثا سوى تكبيرة الصّلاة و الرّكوع و السّجود،و إن شاء ثلاثا و خمسا،و إن شاء خمسا و سبعا بعد أن يلحق ذلك إلى وتر (7)». (8)قال الشيخ:فتجويز الاقتصار على الثلاث و الخمس (9)يدلّ على أنّ الإخلال بها لا يضرّ بالصّلاة.ثمَّ قال:و من أخلّ بالتكبيرات السّبع لم يكن
ص:39
مأثوما،إلاّ أنّه يكون تاركا سنّة و مهملا فضيلة (1).
و قال في الخلاف:و يستحبّ أن يدعو بين التكبيرات بما يسنح (2).
الأوّل:لو نسي التكبير و ركع لم يقضه بعد الرّكوع،لعدم الدّليل على ذلك.و قال الشيخ في الخلاف:يقضيه بعد الصّلاة (3).و القائلون بتقديم التكبير على القراءة (4)قال بعضهم:لو نسي و شرع في القراءة لم يعد إليه (5).ذكره الشافعيّ في أحد قوليه (6)،لأنّه سنّة فلم يعد إليه بعد الشروع في القراءة كالاستفتاح.و في القول الآخر له:أنّه يعود إليه (7).و هو قول مالك (8)،و أبي ثور (9)،لأنّه ذكره في محلّه،فيأتي به كما لو لم يشرع،و هذا لا يتأتّى على قولنا إلاّ (10)على قول ابن الجنيد (11)و ابن بابويه (12)القائلين بتقديم التكبير.
الثاني:إذا ذكر في أثناء القراءة،فعند (13)القائلين بالتقديم أعاد التكبير،ثمَّ ابتدأ
ص:40
بالقراءة (1)،لأنّه قطعها متعمّدا تطويل (2)الكلام.و لأنّ محلّه قبل القراءة فيستأنف القراءة،لأنّه أتى بها فيما بعد.و لو ذكر بعد القراءة لم يعد القراءة،و إن لم يذكره حتّى ركع، سقط وجها واحدا.
الثالث:المسبوق إذا أدرك الإمام راكعا لم يكبّر في حال ركوعه،لأنّه فعل فات محلّه.
و قال أبو حنيفة:يكبّر فيه،لأنّه بمنزلة القيام لإدراك الرّكعة به (3).
و ينتقض ما ذكره بالاستفتاح و قراءة السورة و القنوت،و إنّما أدرك الركعة بإدراكه، لأنّه يدرك معظمها و لم يفته إلاّ القيام.
الرّابع:لو شكّ في عدد التكبيرات يبني (4)على اليقين.
الخامس:إذا قلنا بالتأخير فقدّم على القراءة ناسيا أعاد بعد القراءة،لبقاء موضعها.
السادس:قال الشيخ في المبسوط:لو أدرك بعض التكبيرات مع الإمام أتمّ مع نفسه، و لو خاف فوت الركوع و الى بينها،و إن خاف القنوت تركها و قضى بعد التسليم (5).
السابع:قال ابن الجنيد:لو ترك التكبير عامدا أعاد الصلاة،فإن قصد به الاستحباب فهو جيّد،ثمَّ قال:إنّ الزيادة كالنقصان (6).
يلبس العمامة شتاء و صيفا.
ذهب إليه كلّ من يحفظ عنه العلم.
روى الجمهور عن عائشة قالت:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«ما على أحدكم
ص:41
أن يكون له ثوبان سوى ثوبي مهنته،لجمعته و عيده» (1).
و عن جابر،عنه عليه السّلام أنّه كان يعتمّ و يلبس برده الأحمر في العيدين و الجمعة (2).
و عن ابن عبّاس،عنه عليه السّلام:كان يلبس في العيدين برد حبرة (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«فليغتسل و ليتطيّب بما وجد»و قال خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (4)قال:«العيدان و الجمعة» (5).
و في الصّحيح عن محمّد بن مسلم قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«لا بدّ من العمامة و البرد يوم الأضحى و الفطر،فأمّا الجمعة فإنّه يجزئ بغير عمامة و برد» (6).
و في الموثّق عن عمّار الساباطيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل ينسى أن يغتسل يوم الجمعة (7)حتّى صلّى،قال:«إن كان في وقت فعليه أن يغتسل و يعيد الصّلاة، و إن مضى الوقف فقد جازت صلاته» (8).و هذا يدلّ على شدة الاستحباب دون الإيجاب.
و في الصّحيح عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و ينبغي للإمام أن يلبس
ص:42
حلّة و يعتمّ شاتيا كان أو صائفا» (1).
و في الصّحيح عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سمعته يقول:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يعتمّ في العيدين شاتيا كان أو قائظا،و يلبس درعه و كذلك ينبغي للإمام» (2).و هذه الأشياء يستحبّ للإمام فعلها آكد من المأموم،لأنّه المنظور إليه.
فإنّه تصلّى فيها في المسجد الحرام.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و نقله الجمهور عن عليّ عليه السّلام (3)،و استحسنه الأوزاعيّ (4)، و أصحاب الرأي (5).و هو قول أحمد (6)،و ابن المنذر (7).
و قال الشّافعيّ:إن كان مسجد البلد واسعا صلّي فيه و إلاّ صلّوا في المصلّي (8).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يخرج إلى المصلّى و يترك مسجده (9)،و الصحابة من بعده فعلوا ذلك،و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يترك الأفضل مع
ص:43
سهولته.
و ما رووه عن عليّ عليه السّلام أنّه قيل له:قد اجتمع في المسجد ضعفاء الناس و عميانهم فلو صلّيت بهم في المسجد فقال:«أخالف السنّة إذا،و لكن نخرج إلى المصلّى و نستخلف من يصلّي بهم في المسجد أربعا» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمّار قال:«و يخرج إلى البرّ حيث ينظر إلى آفاق السّماء[و لا يصلّي على حصير و لا يسجد عليه] (2)و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يخرج إلى البقيع فيصلّي بالناس» (3).
و ما رواه في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«قال الناس لأمير المؤمنين عليه السّلام:ألا تخلف رجلا يصلّي في العيدين؟فقال:لا أخالف السنّة» (4).
و عن محمّد بن يحيى رفعه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«السنّة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيد (5)إلاّ أهل مكّة،فإنّهم يصلّون في المسجد الحرام» (6).
و عن عليّ عليه السّلام أنّه قال:«من السنّة أن يأتي العيد ماشيا» (1).و الحفاء مستحبّ،لأنّ الرّضا عليه السّلام فعله (2).
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من اغبرّت قدماه في سبيل اللّه حرّمهما اللّه على النار» (3).و لأنّ فيه خضوعا.
و أقام (1).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى العيدين بغير أذان و لا إقامة (2).
و قال جابر بن سمرة:صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله العيد غير مرّة و لا مرّتين بلا أذان و لا إقامة.رواه مسلم (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن جابر،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت له:أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان و إقامة؟قال:«ليس فيهما أذان و لا إقامة،و لكن ينادى:الصّلاة،ثلاث مرّات» (4).
و ما رواه في الصّحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«صلاة العيدين ركعتان بلا أذان و لا إقامة» (5).
و في الحسن عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«ليس في الفطر و الأضحى أذان و لا إقامة» (6).
ابن أبي عقيل:يقول:الصلاة جامعة (1).و به قال الشافعيّ (2)،خلافا لأكثر الجمهور (3).
لنا:أنّ فيه تنبيها للغافلين فاستحبّ.و لأنّه قد يخفى اشتغال الإمام بالصّلاة فكان الإعلام حسنا.و لرواية إسماعيل.
احتجّوا (4)بما رواه عطاء قال:أخبرني جابر أن لا أذان يوم الفطر و لا إقامة و لا نداء (5).
و الجواب:أنّ قول جابر ليس بحجّة،و هو لم يرفعه إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و آله.
و في الأضحى بعد عوده ممّا يضحّي به.و هو قول عامّة أهل العلم.
و نقل عن أحمد أنّه إن كان له ذبح أخّر في الأضحى،و إلاّ لم يبال أن يأكل قبل خروجه (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن بريدة قال:كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يخرج يوم الفطر حتّى يفطر،و لا يفطر يوم الأضحى حتّى يصلّي.رواه الترمذيّ (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه
ص:47
عليه السّلام قال:«اطعم يوم الفطر قبل أن تخرج إلى المصلّى» (1).
و ما رواه عن جرّاح المدائنيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«اطعم يوم الفطر قبل أن تصلّي،و لا تطعم يوم الأضحى حتّى ينصرف الإمام» (2).
و لأنّ الفطر أوّل يوم من شوّال واجب،فاستحبّ المبادرة إليه،ليحصل امتثال الأمر و المسارعة إليه،و في الأضحى المأمور به الصّلاة لا غير،فاستحبّ المبادرة إليها.
روى الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل لا يخرج يوم الفطر و الأضحى،أ عليه صلاة وحده؟قال:«نعم» (3).
و ما رواه (4)الشيخ عن منصور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«مرض أبي يوم الأضحى فصلّى في بيته ركعتين ثمَّ ضحّى» (5).
و روى عن هارون بن حمزة الغنويّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«الخروج يوم الفطر و الأضحى إلى الجبّانة حسن لمن استطاع الخروج إليها»فقلت:أرأيت إن كان مريضا لا يستطيع أن يخرج،أ يصلّي في بيته؟قال:«لا» (6).و المراد به نفي الوجوب.
ص:48
روى الشيخ عن عبد الرحمن بن سيابة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إنّ على الإمام أن يخرج المحبسين (1)في الدّين يوم الجمعة إلى الجمعة،و يوم العيد إلى العيد،و يرسل معهم،فإذا قضوا الصّلاة و العيد ردّهم إلى السجن» (2).و هذه الرواية مناسبة للمذهب.
بما رواه الشيخ في الصّحيح عن أبي حمزة الثماليّ،عن أبي جعفر عليه السّلام:«اللّهمّ من تهيّأ و تعبّأ.» (3).إلخ،و كذا في الجمعة.
روى الشيخ في الصحيح عن الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«أتي[أبي عليه السّلام] (4)بخمرة يوم الفطر فأمر بردّها و قال:هذا يوم كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحبّ أن ينظر فيه إلى آفاق السماء و يضع جبهته على الأرض» (5).
و روى عن معاوية بن عمّار في الصّحيح،عن أبي عبد للّه عليه السّلام قال:
«و لا يصلّي على حصير و لا يسجد عليه» (6).و لأنّ الخشوع به أكثر.
العيدين يصلّي إليها» (1).
كوجوبهما في الجمعة و هما بعد الصّلاة،و لا نعرف خلافا بين المسلمين في أنّ الخطبتين بعد الصّلاة،إلاّ عن بني أميّة.روي أنّ عثمان، و ابن الزبير،و مروان بن الحكم خطبوا قبل الصّلاة (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عمر قال:إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و أبا بكر،و عمر،و عثمان،و عليّا كانوا يصلّون العيدين قبل الخطبة (3).
و روى طارق بن شهاب (4)قال:قدّم مروان الخطبة قبل الصّلاة،فقام رجل فقال:
خالفت السنّة،كانت الخطبة بعد الصّلاة،فقال:ترك ذلك يا أبا فلان،فقام أبو سعيد فقال:أمّا هذا المتكلّم فقد قضى ما عليه،قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من رأى منكم منكرا فلينكره بيده،فمن لم يستطع فلينكره بلسانه،فمن لم يستطع فلينكره بقلبه،و ذلك أضعف الإيمان» (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصّحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام في صلاة العيدين قال:«الصّلاة قبل الخطبتين[و التكبير] (6)بعد القراءة
ص:50
سبع في الأولى،و خمس في الأخيرة،و كان أوّل من أحدثها بعد الخطبة عثمان لمّا أحدث أحداثه،كان إذا فرغ من الصّلاة قام الناس ليرجعوا،فلمّا رأى ذلك قدّم الخطبتين و احتبس الناس للصّلاة» (1).و مثله رواه معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (2).
و عن سليمان بن خالد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و الخطبة بعد الصّلاة» (3).
و في حديث سماعة:«و ينبغي للإمام أن يصلّي قبل الخطبة» (4).
و في الصّحيح عن يعقوب بن يقطين،عن العبد الصّالح عليه السّلام:«تكبير العيدين للصّلاة قبل الخطبة،يكبّر تكبيرة يفتتح بها الصّلاة» (5)الحديث.
و في الصّحيح عن محمّد بن قيس،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«و المواعظ و التذكرة يوم الأضحى و الفطر بعد الصّلاة» (6).
الأوّل:الخطبتان فيهما كما في الجمعة،و يستحبّ الجلوس بينهما.و هو قول أهل العلم.روى جابر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:خرج عليه السّلام يوم فطر أو أضحى
ص:51
فخطب قائما،ثمَّ قعد ثمَّ قام (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال:
«الصّلاة قبل الخطبتين،يخطب قائما و يجلس بينهما» (2).
و ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و إذا خطب الإمام فليقعد بين الخطبتين قليلا» (3).
الثّاني:هل يستحبّ له الجلوس قبل الخطبة (4)؟لا أعرف لعلمائنا فيه نصّا،إلاّ أنّهم أطلقوا أنّ كيفيّة الخطبتين كالجمعة.
و قيل:لا يستحبّ،لأنّه في الجمعة إنّما استحبّ جلوسه لأجل الأذان و لا أذان هنا (5)،و هو حسن.
الثالث:لا يجب حضور الخطبة و لا استماعها بغير خلاف.روى عبد اللّه ابن السائب (6)قال:شهدت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله العيد،فلمّا قضى الصّلاة قال:«إنّا نخطب،فمن أحبّ أن يجلس للخطبة فليجلس،و من أحبّ أن يذهب فليذهب» (7).لكنّه مستحبّ،لما فيه من الاتّعاظ و حضور
ص:52
مجالس (1)الذكر.
الرابع:يستحبّ أن يخطب قائما بغير خلاف،فلو (2)خطب قاعدا أجزأه،و كذا لو خطب على راحلته.روى الجمهور عن أبي جميلة (3)قال:رأيت عليّا عليه السّلام صلّى يوم عيد فبدأ بالصّلاة قبل الخطبة،ثمَّ خطب على دابّته،و كذا عثمان (4).
الخامس:يكره نقل المنبر من موضعه بلا خلاف،بل ينبغي أن يعمل شبه المنبر من طين،لما رواه الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم ينقل منبره،و كذا الصحابة (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن جابر،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و ليس فيهما منبر،المنبر لا يحوّل من موضعه،و لكن يصنع للإمام شيء شبه المنبر من طين،فيقوم عليه فيخطب الناس ثمَّ ينزل» (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
قلت:متى يذبح؟قال:«إذا انصرف الإمام» (1).
إلاّ في المدينة،فإنّه يستحبّ أن يصلّي في مسجد الرّسول صلّى اللّه عليه و آله ركعتين قبل الخروج، سواء كان في المصلّى أو في المسجد.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول عليّ عليه السّلام، و ابن عبّاس،و ابن عمر،و ابن مسعود،و حذيفة،و بريدة،و سلمة بن الأكوع،و جابر، و ابن أبي أوفى،و شريح،و عبد اللّه بن مغفّل،و مسروق (2)و الضحّاك (3)،و القاسم،و سالم، و معمّر،و ابن جريج (4)،و الشعبيّ (5)،و مالك (6)،و الزهريّ (7).
و قال أحمد:أهل المدينة لا يتطوّعون قبلها و لا بعدها،و أهل البصرة يتطوّعون قبلها و بعدها،و أهل الكوفة لا يتطوّعون قبلها و يتطوّعون بعدها (8).و هو قول علقمة،
ص:54
و الأسود،و مجاهد،و ابن أبي ليلى،و الثوريّ،و النخعيّ،و الأوزاعي (1)،و أصحاب الرأي (2).
و قال الشافعيّ:يكره التطوّع للإمام دون المأموم (3).و قال مالك:لا يتطوّع في المصلّى قبلها و لا بعدها،و في المسجد روايتان (4).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج يوم الفطر فصلّى ركعتين،لم يصلّ قبلهما و لا بعدهما (5).
و عن عليّ عليه السّلام أنّه رأى قوما يصلّون قبل العيد،فقال:ما كان هذا يفعل على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن صلاة العيدين،فقال:«ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء» (7).
ص:55
و ما رواه في الصّحيح عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«و ليس قبلها و لا بعدها صلاة ذلك اليوم إلى الزوال» (1).
و ما رواه عن محمّد بن الفضل الهاشميّ (2)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«ركعتان من السنّة ليس تصلّيان في موضع إلاّ بالمدينة»قال:«تصلّى في مسجد الرّسول صلّى اللّه عليه و آله في العيد قبل أن يخرج إلى المصلّى،ليس ذلك إلاّ بالمدينة،لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعله» (3).
و هذا الحديث يدلّ على المطلبين معا.و لأنّه وقت كره للإمام التنفّل فيه على مذهب الشّافعيّ،فكره للمأموم كسائر أوقات النّهي،و كما قبل الصّلاة عند أبي حنيفة،و كما لو كان في المصلّى عند مالك.
احتجّ مالك (4)بقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتّى يركع ركعتين» (5).
و احتجّ الشّافعيّ بأنّ الإمام لا يستحبّ له التشاغل عن الصّلاة،و لم يكره للمأموم،
ص:56
لأنّه وقت لم ينه عن الصّلاة فيه أشبه ما بعد الزّوال (1).
و الجواب عن الأوّل:أنّه مخصوص بالعيد (2)أو بمسجد الرّسول صلّى اللّه عليه و آله (3).
و عن الثّاني:أنّه لو كان النّهي للإمام لأجل التّشاغل بالصّلاة لساغ له فعل النّافلة بعدها.
الأوّل:لا يكره قضاء الواجب،خلافا لأحمد قال:لأنّه يخاف من الاقتداء به (4).
و هو ضعيف،لأنّه إذا ثبتت الكراهية لم يحصل ذلك.و يكره قضاء النّافلة،لأنّه كره ابتداؤها فكذا قضاؤها،لحصول المعنى الموجب و هو (5)الاشتغال.و لما رواه ابن بابويه في الصّحيح عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا تقض وتر ليلتك-يعني في العيدين-إن كان فاتك،حتّى تصلّي الزوال في ذلك اليوم» (6).
الثّاني:النّهي عن التنفّل عامّ في موطن الصّلاة و غيره،خلافا لأحمد (7)،و كذا لو صلّى العيد في موضع،ثمَّ خرج منه،ثمَّ عاد إليه،عملا بعموم النهي.
روى الجمهور عن أبي هريرة قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ و ابن بابويه في الموثّق عن السّكونيّ أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا خرج إلى العيد (4)لم يرجع في الطريق الذي بدأ فيه،يأخذ في طريق غيره (5).و الفائدة فيه تبرّك الطريقين بوطئه عليه السّلام فيه.
و قيل:كان يحبّ المساواة بين أهلهما في التبرّك بمروره بهم.و لأنّه ينفعهم بجواب إن سألوه (6)،و يسرّون برؤيته.و قيل:ليشهد له الطّريقان.و قيل:لتحصل الصّدقة ممّن صحبه على أهل الطريقين من الفقراء (7).
لما رواه الشيخ عن السكونيّ،عن جعفر،عن أبيه عليهما السلام قال:«نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يخرج السّلاح في العيدين إلاّ أن يكون عدوّ ظاهر» (8).
و يوم الفطر
ص:58
عقيب صلاة الصّبح و العيد،فالمستحبّ عقيب أربع صلوات.و قال ابن بابويه:عقيب ستّ صلوات.و أضاف إلى ما ذكرناه عقيب الظهر و العصر يوم الفطر (1).و ظاهر كلام ابن الجنيد (2)و السيّد المرتضى الوجوب (3).و هو قول داود (4).
و ممّن قال باستحباب التكبير:عمر بن عبد العزيز،و أبان بن عثمان،و النخعيّ، و سعيد بن جبير،و عبد الرّحمن بن أبي ليلى،و الحكم،و مجاهد (5)،و مالك (6)،و إسحاق (7)، و أحمد (8)،و أبو ثور،و ابن المنذر،إلاّ أنّهم قالوا:إنّما يستحبّ يوم الفطر (9).
و قال الشافعيّ:يستحبّ التكبير من غروب الشمس إلى خروج الإمام (10).و في رواية أخرى عنه:إلى فراغ الإمام من الصّلاة (11).
ص:59
و قال أبو حنيفة:يكبّر في الأضحى لا الفطر (1).و إبراهيم النخعيّ قال:إنّما يفعل ذلك الحوّاكون (2). (3).
لنا:قوله تعالى وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ (4).
روى الشيخ عن سعيد النقّاش (5)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«و هو قول اللّه:
وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ » (6).
قال الشافعيّ:سمعت من أهل العلم بالقرآن يقول:و لتكملوا عدّة صوم رمضان و لتكبّروا اللّه عند إكماله على ما هداكم (7).
و ما رواه الجمهور عن أبي جميلة قال:رأيت عليّا عليه السّلام خرج يوم العيد فلم يزل يكبّر حتّى انتهى إلى الجبّانة (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن سعيد النقّاش قال:قال أبو عبد اللّه
ص:60
عليه السّلام لي:«أما إنّ في الفطر تكبيرا و لكنّه مسنون»قال:قلت:و أين (1)هو؟قال:«في ليلة الفطر في المغرب و العشاء الآخرة،و في صلاة الفجر و صلاة (2)العيد» (3).
و لأنّ فيه تعظيما للّه تعالى فكان حسنا،و قد فعله الصّحابة بأسرهم.
احتجّ داود على الوجوب بظاهر الأمر في قوله وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ (4).
و الجواب:أنّه ليس بأمر،و لو سلّم فالوجوب منفيّ بالإجماع،و خلاف من ذكرنا لا يؤثّر في انعقاده.
و احتجّ أبو حنيفة بأنّ ابن عبّاس سمع تكبير يوم الفطر فقال:أ مجانين الناس؟ (5)و الجواب:أنّه معارض بفعل الصّحابة بأسرهم،فلا اعتداد بما ينفرد (6)به ابن عبّاس.
و ابن إدريس (1).و قال السيّد المرتضى بالوجوب (2).
و اتّفق علماء الإسلام على مشروعيّة التكبير فيه،و قد وقع الخلاف في مدّته،فذهب علماؤنا أجمع إلى أنّ الابتداء به عقيب ظهر النحر،و آخره عقيب الصّبح من (3)اليوم الثالث من أيّام النحر لمن كان بمنى،و عقيب الصّبح من (4)اليوم الثاني منها لمن كان في غيرها من الأمصار.فالمستحبّ (5)في الأوّل عقيب خمس عشرة صلاة،و في الثاني عقيب عشر صلوات،و هذا الفرق لم يذهب إليه أحد من فقهاء الجمهور.
و قال الشافعيّ في أظهر قوليه:إنّا التكبير عقيب خمس عشرة صلاة،و البدأة بالظهر (6)من يوم النحر (7).و هو قول مالك (8)،و ابن عمر،و عمر بن عبد العزيز (9).فهو موافق لقولنا إلاّ في الفرق.
و قال الشافعيّ في أحد قوليه:إنّه من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر
ص:62
أيّام التشريق (1).و نقله الجمهور عن عليّ عليه السّلام،و عمر،و ابن عبّاس، و ابن مسعود.و هو مذهب الثوريّ،و ابن عيينة،و أبي يوسف،و محمّد،و أبي ثور (2)، و أحمد (3).
و قال أبو حنيفة:إنّه يكبّر من غداة إلى العصر من يوم النحر (4).و إليه ذهب علقمة، و النّخعيّ،و روي عن ابن مسعود (5).
و قال الشافعيّ في قول آخر:يكبّر من المغرب ليلة النحر إلى الصّبح من الثالث من أيّام التشريق (6).
و قال الأوزاعيّ:يكبّر من الظهر من يوم النحر إلى الظهر من اليوم الثالث (7).و اختاره المزنيّ (8)،و يحيى بن سعيد الأنصاريّ (9).
ص:63
و قال داود:يكبّر من الظهر من يوم النحر إلى العصر من آخر أيّام التشريق (1).
لنا:قوله تعالى وَ اذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ (2)و هي أيّام التشريق،و ليس فيها ذكر مأمور به سوى التكبير،و ليست (3)عرفة منها.و لأنّ النّاس يوم عرفة يشتغلون بالتلبية،و يجوز النفر (4)في الثاني عقيب الصّبح فسقط (5)ما زاد.و لأنّ عليّا عليه السّلام بدأ بالتكبير عقيب ظهر النحر إلى صبح الثالث (6).و لأنّ التكبير إنّما يكون عقيب الرّمي،و الرّمي إنّما يكون يوم النحر،فأوّل صلاة بعد ذلك الظهر،و آخر صلاة تصلّي بمنى وجوبا صبح الثالث من أيّام التشريق.و لأنّ التكبير بمنى،و لا يستقرّ أحد بمنى بعد الزّوال.
و ما رواه الشيخ في الحسن عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ اذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ (7)قال:«التكبير في أيّام التشريق عقيب صلاة الظهر من يوم النحر إلى طلوع الفجر يوم الثالث،و في الأمصار (8)عشر صلوات» (9).
و في الحسن عن زرارة قال:قلت لأبي جعفر (10)عليه السّلام:التكبير في (11)أيّام التشريق في دبر الصلوات؟فقال«التكبير بمنى في دبر خمس عشرة صلاة،و في سائر
ص:64
الأمصار في دبر عشر صلوات.فأوّل (1)التكبير في دبر صلاة الظهر يوم النحر» (2).
و أمّا أنّ التكبير عقيب عشر في الأمصار فللحديثين.و لأنّ الناس في التكبير تبع للحاجّ،و هم قد ينفرون في الأوّل فيسقط عنهم التكبير،فيسقط عمّن ليس بمنى.
روى الشيخ في الحسن عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و في الأمصار عشر صلوات،فإذا نفر بعد الأولى أمسك أهل الأمصار،و من أقام بمنى فصلّى بها الظهر و العصر فليكبّر» (3).
و في الحسن عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«و إنّما جعل في سائر الأمصار في دبر عشر صلوات التكبير،لأنّه إذا نفر الناس في النفر الأوّل أمسك أهل الأمصار عن التكبير و كبّر أهل منى ما داموا بمنى إلى النفر الأخير» (4).
احتج أحمد (5)بما رواه جابر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى الصّبح يوم عرفة و أقبل علينا فقال:«اللّه أكبر اللّه أكبر»و مدّ التكبير إلى العصر من آخر أيّام التشريق (6).
و احتجّ:أبو حنيفة (7)بقوله تعالى وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ (8)و هي العشر،و الإجماع وقع على عدم التكبير قبل عرفة،فينبغي أن يكبّر يوم عرفة و يوم النحر.
ص:65
و الجواب عن الأوّل:أنّه معارض بما نقلناه عن أهل البيت عليهم السّلام،و هم أعرف بالشرعيّات.
و عن الثاني:أنّ المراد به ذكر اللّه تعالى يوم النحر على الهدي،أو ذكر اللّه تعالى في جميع أيّام العشر عند رؤية الأنعام،و هو أولى من تفسيرهم،لأنّهم لم يعملوا به إلاّ في يومين.
و معارض بما رواه الجمهور عن[محمّد] (1)بن سعيد أنّ عبد اللّه كان يكبّر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى العصر من يوم النحر،فأتانا عليّ عليه السّلام بعده فكبّر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيّام التشريق (2).و لأنّ الرمي في هذه الأيّام بأسرها،فشرع التكبير فيها كيوم النحر.
و أيضا:ما ذكره أبو حنيفة غير مانع،إذ أقصاه دلالة الآية على الذكر يوم عرفة،و قد ثبت ذكر اللّه في أيّام التشريق بآية أخرى (3)،فلا منافاة.
اللّه أكبر اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،اللّه أكبر و للّه الحمد (4).
و رواه ابن بابويه عن عليّ عليه السّلام في عيد الأضحى (5).فالتكبير في أوّله على هذه الرّواية مرّتان.و قال البزنطيّ:يكبّر في الأضحى ثلاثا (6).
و قال ابن الجنيد:يكبّر أربعا و يقول:لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،اللّه أكبر و للّه الحمد،اللّه
ص:66
أكبر على ما هدانا،اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام،الحمد للّه على ما أبلانا (1).
و قال المفيد في المقنعة:يقول في الفطر:اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و للّه الحمد،و الحمد للّه على ما هدانا،و له الشكر على ما أولانا،و في الأضحى:اللّه أكبر،اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،و الحمد للّه على ما رزقنا من بهيمة الأنعام (2).
و قال الشيخ في النهاية:يقول:اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،الحمد للّه على ما هدانا،و له الشكر على ما أولانا.و يزيد في الأضحى في الأخير:و رزقنا من بهيمة الأنعام (3).و قال في المبسوط:يقول:اللّه أكبر مرّتين،لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و للّه الحمد، الحمد للّه على ما هدانا،و له الشكر على ما أولانا،و يزيد في الأضحى ما ذكره (4).
و قال الشافعيّ:يكبّر ثلاثا (5).و هو قول مالك (6).
و قال أبو حنيفة (7)،و أحمد:مرّتين (8)،و لم يزيدوا بعد قوله:و للّه الحمد،اللّه أكبر على
ص:67
ما هدانا.و الأقرب عندي ما رواه الشيخ عن سعيد النقّاش،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يقول:اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و للّه الحمد،اللّه أكبر على ما هدانا، و هو قول اللّه وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ (1)» (2).و في هذا الحديث، إشارة إلى زيادة ما ذكره علماؤنا.
و روى الشيخ في الحسن عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«تقول فيه»يعني في الأضحى:«اللّه أكبر،اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،اللّه أكبر على ما هدانا،اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام» (3).
و احتجّ أحمد على أنّ التكبير مرّتين،بما رواه جابر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى و كبّر مرّتين (4).
و احتجّ الشافعيّ بأنّ جابرا صلّى و كبّر ثلاثا،و لم يقله إلاّ بالتوقيف،لأنّه مقدّر، و هذا شيء مستحبّ فتارة يزاد و تارة ينقص (5).
و أبي حنيفة (1).
لنا:أنّه ذكر فاستحبّ فعله مطلقا.و لأنّ المنفرد صلّى فريضة فاستحبّ له التكبير كالجامع.و لعموم الأمر في الآية و الأحاديث.
احتجّ أحمد بقول ابن مسعود و ابن عمر:إنّما التكبير على من صلّى في جماعة (2).
و الجواب:أنّه لا احتجاج بقولهما إذا لم يعارضهما عموم الكتاب،فكيف مع وجوده.
و به قال أبو حنيفة (3)، و مالك (4)،و الثوريّ (5)،و أحمد (6).و قال الشافعيّ:يكبّر عقيب كلّ صلاة فريضة و نافلة (7).
لنا:أنّه لم يثبت عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الصّحابة فعل ذلك إلاّ عقيب الفرائض،فيبقى الباقي على الأصل.
و أيضا:قول أبي عبد اللّه عليه السّلام:«التكبير عقيب خمس عشرة صلاة،أوّلها
ص:69
ظهر النحر و آخرها الصّبح من اليوم الثالث» (1).
احتجّ الشافعيّ بأنّه ذكر،فتساوت الصّلوات فيه.و لأنّه ذكر حسن،فحسن الإتيان به (2).
و الجواب عن الأوّل:أنّ الفرض مغاير للنفل،فلا يجب استواؤهما في الأحكام، و يعارضه الأذان.
و عن الثاني:لا نزاع في حسنه باعتبار الإتيان به مطلقا،و البحث وقع في مشروعيّته هنا،و قد روى الشيخ عن حفص بن غياث،عن أبيه،عن عليّ عليه السّلام قال:«على الرّجال و النساء أن يكبّروا أيّام التشريق في دبر الصلوات،و على من صلّى وحده،و من صلّى تطوّعا» (3).و هذه الرواية ضعيفة،لأنّ في طريقها حفص بن غياث.
و كذا لو صلّى مع الإمام و أخلّ الإمام بالتكبير،و كذا لو صلّى وحده.
ثمَّ يتمّ الصّلاة و يكبّر بعد التمام.و هو قول أكثر أهل العلم.و قال الحسن البصريّ:يكبّر ثمَّ يقضي.و قال مجاهد،و مكحول:يكبّر،ثمَّ يقضي،ثمَّ يكبّر (4).
لنا:أنّ شرعيّته بعد التسليم،فلا يؤتى به في الأثناء،كالتسليم و التعقيب.
و ما رواه الشيخ في الحسن عن محمّد قال:سألته عن رجل فاتته ركعة مع الإمام من الصّلاة أيّام التشريق،قال:«يتمّ الصّلاة و يكبّر» (5).
ص:70
احتجّ المخالف بأنّه ذكر شرّع آخر الصّلاة،فيأتي به المسبوق قبل القضاء كالتشهّد (1).
و الجواب:الفرق بأنّ التشهّد جزء بخلاف التكبير.و لأنّ ما ذكروه مبنيّ على أنّ المسبوق يجعل ما يلحقه آخر صلاته،و ليس كذلك.
و لا نعرف فيه خلافا،لأنّه سجود شرّع للصّلاة،فكان التكبير بعده و بعد تشهّده،كما في السجود الذي هو جزء.
سواء قضاها في أيّام التشريق أو في غير أيّام التشريق،خلافا للشافعيّ (2).
لنا:قوله عليه السّلام:«من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته» (3).و هي من شأنها التكبير عقيبها.قالوا:فات المحلّ إذا خرجت أيّام التشريق (4).جوابه:المحلّ عقيب الصّلاة و القضاء بدل،فحكمه حكم مبدله.
لأنّه ذكر مختصّ بالصّلاة فأشبه الأذان.
و قيل:يكبّر كيف شاء،لقول جابر:أقبل علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:
«اللّه أكبر،اللّه أكبر» (5).و لا أعلم فيه نصّا.
و قال أحمد:يرجع (1)إلى مكانه و يستقبل القبلة و يكبّر (2).
و استحبّ فعله،لأنّه ذكر لا يشترط فيه الطهارة،فجاز فعله مع الحدث،خلافا لأحمد،قال:الحدث يقطع الصّلاة فيقطع التكبير (3).قلنا:القياس في الأسباب باطل.
لأنّها ليست من الصّلوات (4)الخمس،فكانت كالنوافل.
و هو حسن،لما روي عن عليّ عليه السّلام أنّه خرج يوم العيد فلم يزل يكبّر حتّى انتهى إلى الجبّانة (6).
و زيادة النفقة فيه، و يكره فيه اللعب و الضحك.روى ابن بابويه قال:نظر الحسن بن عليّ عليهما السّلام إلى أناس في يوم فطر يلعبون و يضحكون،فقال لأصحابه و التفت إليهم:«إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى رضوانه،فسبق فيه قوم ففازوا، و تخلّف آخرون فخابوا،فالعجب كلّ العجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون،و يخيب فيه المقصّرون،و ايم اللّه لو كشف الغطاء لشغل محسن بإحسانه و مسيء
ص:72
بإساءته» (1).
إلاّ بعد أن يشهد الصّلاة،و لو طلعت الشمس حرم.
أمّا الأوّل:فلما رواه الشيخ في الصّحيح عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصّبح و أنت بالبلد فلا تخرج حتّى تشهد ذلك العيد» (2).و لأنّ فيه تفويتا للطاعة و ليس بمحرّم،لأنّ الصّلاة الآن لم تجب عليه.
و أمّا الثاني:فلأنّه يلزم منه الإخلال بالواجب.
لو اضطرّ إلى الخروج بعد طلوع الشمس قبل أن يصلّي جاز للضرورة.
و سعيد (1)،و ابن عمر،و ابن الزبير (2)،و أحمد (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن زيد بن أرقم قال:صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله العيد و رخّص في الجمعة فقال:«من شاء أن يصلّي فليصلّ» (4).
و عن أبي هريرة،عنه صلّى اللّه عليه و آله:«[قد] (5)اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة،و إنّا مجمّعون» (6).و مثله رووا (7)عن ابن عبّاس،عنه عليه السّلام (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه في الصّحيح عن الحلبيّ أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفطر و الأضحى إذا اجتمعا يوم الجمعة،قال:«اجتمعا في زمان عليّ عليه السّلام فقال:من شاء أن يأتي الجمعة فليأت،و من قعد فلا يضرّه و ليصلّ الظهر» (9).
ص:74
و ما رواه الشيخ عن سلمة (1)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنين عليه السّلام فخطب الناس فقال:هذا يوم اجتمع فيه عيدان،فمن أحبّ أن يجمّع معنا فليفعل (2)،و من لم يفعل فإنّ له رخصة» (3).و لأنّ الجمعة إنّما زادت على الظهر بالخطبة و قد (4)حصلت في العيد.
احتجّ المخالف بالعموم الدالّ على وجوب الصّلاتين.و لأنّهما صلاتا فرض فلا يسقط إحداهما بالأخرى،كالظهر و العيد (5).
و الجواب عن الأوّل:أنّه مخصوص بأدلّتنا.
و عن الثاني:أنّه منقوض بالظهر و الجمعة.
لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعل ذلك.و لما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار،عن جعفر،عن أبيه عليهما السلام أنّ عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام كان يقول:«إذا اجتمع (6)عيدان في يوم واحد،فإنّه ينبغي للإمام أن يقول للناس (7)في خطبته الأولى:إنّه قد اجتمع لكم عيدان فأنا أصلّيهما جميعا (8)،فمن
ص:75
كان مكانه قاصيا فأحبّ أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له» (1).و لأنّ فيه تخفيفا و دفع (2)ضرر بالحضور مرّة ثانية،فشرّع الإعلام كسائر الأحكام.
الأقرب الثاني،عملا بالعموم في قول أمير المؤمنين عليه السّلام:«فمن أحبّ أن يجمّع معنا فليفعل» (3).
الأقرب عدمه.و هو قول السيّد المرتضى في المصباح (4)،و الجمهور كافّة،لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«و إنّا مجمّعون».و قول أمير المؤمنين عليه السّلام:«فمن أحبّ أن يجمّع معنا فليفعل».و لأنّه لو تركها لامتنع فعل الجمعة في حقّ من تجب (5)عليه و من يريدها ممّن سقطت عنه،بخلاف غيره من الناس.
لا يقال:عدم الوجوب في حقّ غير الإمام يستلزم عدم الوجوب في حقّه،إذ الشرط الاجتماع،و تعليق الواجب على ما ليس بواجب قبيح.
لأنّا نقول بمنع (6)قبح تعليق الواجب بغيره إذا كان مشروطا.
لا يقال:إنّ الجمعة واجبة في حقّ الإمام وجوبا مطلقا فكيف (7)جعلتموه مشروطا! لأنّا نقول:إنّما تجب مطلقا في غير يوم العيد،أمّا في العيد فإنّه إنّما تجب بشرط الاجتماع و لا استحالة في ذلك،فالإمام (8)يخرج مع حصول الشرائط وجوبا (9)بخلاف
ص:76
غيره.
و أعظمه استحبابا في حضرة الحسين صلوات اللّه عليه و آله.قال أحمد:أمّا أنا فلا أفعله (1)،مع أنّه أمر به غيره.
لنا:أنّه قد اشتمل على دعاء و تضرّع و تعظيم للّه تعالى (2)فكان مستحبّا،و قد فعله ابن عبّاس و جماعة من العلماء (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يجتمعون بغير إمام في يوم عرفة في الأمصار يدعون اللّه عزّ و جلّ» (4).
و وجوبها،و جنسها،و قدرها،و وقت إخراجها،و المستحقّ،و من تجب عليه،و من يستحبّ له إخراجها و سائر أحكامها.و في الأضحى يحثّهم على الأضحيّة و يصفها و يذكر جنسها (6).
و هو مذهب فقهاء
ص:77
أهل البيت عليهم السّلام.
و قال الجمهور كافّة:إنّ صلاة كسوف الشمس سنّة،و أكثرهم على أنّ خسوف القمر كذلك (1).
و قال مالك:ليس لخسوف القمر سنّة (2)،و حكي عنه الاستحباب أيضا فرادى لا جماعة (3).
لنا:قوله تعالى لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ وَ اسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ (4)ذكر اللّه تعالى جميع الآيات و خصّ هاتين بذكر السّجود له عند ذكرهما، و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى عند كسوفهما،فكان ذلك بيانا منه للمراد بالآية.
و ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه،لا يخسفان لموت أحد و لا لحياته،فإذا رأيتم ذلك فصلّوا» (5).و الأمر للوجوب.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن عليّ بن أبي عبد اللّه (6)قال:سمعت أبا الحسن موسى عليه السّلام يقول:«لمّا قبض إبراهيم بن رسول اللّه (7)صلّى اللّه عليه و آله جرت
ص:78
ثلاث سنن:أمّا واحدة فإنّه لمّا مات انكسفت الشمس،فقال الناس:انكسفت الشمس لفقد ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فصعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المنبر،فحمد اللّه و أثنى عليه ثمَّ قال:أيّها الناس،إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه يجريان بأمره، مطيعان له،لا ينكسفان لموت أحد (1)و لا لحياته،فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلّوا،ثمَّ نزل فصلّى بالناس صلاة الكسوف» (2).
و ما رواه في الصّحيح عن محمّد بن حمران،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«هي فريضة» (3).
و ما رواه عن جميل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«صلاة الكسوف فريضة» (4).
و ما رواه في الصّحيح،عن جميل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«هي فريضة» (5).
و في الصحيح عن أبي بصير قال:انكسفت الشمس و أنا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام في شهر رمضان فوثب و قال:«إنّه كان يقال:إذا انكسفت القمر و الشمس فافزعوا إلى مساجدكم» (6).
و لأنّه ثبت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلاّها في الكسوفين،و التأسّي به واجب لما تقدّم (7).
و بطل قول مالك أيضا،و يزيده بطلانا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس أنّه صلّى
ص:79
بأهل البصرة في خسوف القمر ركعتين،فقال:إنّما صلّيت لأنّي رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي (1).و لأنّه أحد الكسوفين فأشبه كسوف الشمس.
و قال إسحاق، و أبو ثور (2)،و أحمد (3)،و أبو حنيفة بالاستحباب (4).و قال مالك (5)،و الشافعيّ،لا يصلّى لها شيء (6).
لنا:أنّ علّة وجوب صلاة الكسوف كونه آية من آيات اللّه يخوّف (7)عباده،و الخوف هنا أشدّ،فكان الوجوب أولى.و لأنّ ابن عبّاس صلّى للزلزلة بالبصرة (8)و لم ينكر عليه فكان إجماعا.و لأنّه لم يفعله إلاّ توقيفا.
و ما رواه الجمهور عن أبي بكر[ة] (9)أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إنّ هذه الآيات الّتي يرسل اللّه لا تكون لموت أحد و لا لحياته،فإذا رأيتم ذلك فصلّوا» (10).و الأمر
ص:80
للوجوب.و مثله روى أبيّ بن كعب عنه عليه السّلام (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصّحيح عن عمر بن أذينة،عن رهط،عن كليهما عليهما السّلام،و منهم من سمعه من أحدهما،أنّ صلاة كسوف الشمس و القمر و الرجفة و الزلزلة عشر ركعات.و الرهط:الفضيل و زرارة و بريد و محمّد بن مسلم (2).
كالظلمة الشديدة و الرّياح الشديدة و الصّيحة و غير ذلك من الآيات الخارجة عن قانون العادة.و قال أصحاب الرأي:تستحبّ الصّلاة للآيات كلّها (3).و خالف فيه باقي الجمهور.
لنا:أنّ العلّة و هي الخوف موجودة.روى ابن بابويه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه إذا هبّت ريح صفراء أو حمراء أو سوداء تغيّر وجهه و اصفرّ،و كان كالخائف الوجل حتّى تنزل (4)من السّماء قطرة مطر،فيرجع إليه لونه و يقول:«جاءكم بالرّحمة» (5).
و ما رواه الجمهور في حديث أبي بكر[ة] (6)و أبيّ بن كعب عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصّحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم قالا:
قلنا لأبي جعفر عليه السّلام:هذه الرّياح و الظلم التي تكون،هل يصلّى لها؟فقال:«كلّ أخاويف السّماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف» (7).
و ما رواه ابن بابويه في الصّحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال:سألت الصّادق
ص:81
عليه السّلام عن الريح و الظلمة تكون في السماء و الكسوف؟فقال الصّادق عليه السّلام:
«صلاتهما سواء» (1).
و روى الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا أتت الرّياح الشديدة قال:«اللهمّ اجعلها رياحا و لا تجعلها ريحا» (2).و معناه أنّ كلّ موضع ذكر اللّه تعالى في القرآن ريحا قرن به العذاب،و كلّ موضع ذكر الرّياح قرن به الرّحمة،و هو يدلّ (3)على وجود الحذر.
و أبو ثور (1).
لنا:ما رواه أبيّ بن كعب أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ركع خمس ركوعات،ثمَّ سجد سجدتين،و فعل مثل ذلك في الثانية (2).و مثله رواه عليّ عليه السّلام (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصّحيح عن الفضيل و زرارة و بريد و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام أنّ صلاة الكسوف و القمر و الرجفة و الزلزلة عشر ركعات و أربع سجدات،صلاّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و الناس خلفه،في كسوف الشمس ففرغ حين فرغ و قد انجلى كسوفها (4).و مثله روى الشيخ في الصّحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام (5).و مثله رواه (6)عن ابن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (7).
لا يقال:قد روى الشيخ عن محمّد بن خالد البرقيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ عليّا عليه السّلام صلّى في كسوف الشمس ركعتين في أربع سجدات و أربع ركعات (8).
و روى الشيخ أيضا عن يونس بن يعقوب قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
«انكسف القمر فخرج أبي و خرجت معه إلى المسجد الحرام فصلّى ثماني (9)ركعات كما
ص:83
يصلّي ركعة و سجدتين» (1).
لأنّا نقول:هذان الخبران لم يعمل بهما أحد من علمائنا،فكانا مدفوعين.و أيضا:فهما معارضان للأحاديث المتقدّمة.و أيضا:فإنّ (2)الحديث الأوّل رواه محمّد بن خالد تارة عن الصّادق عليه السّلام،و تارة عن البختريّ،و ذلك (3)يوجب تطرّق التهمة فيه.و أيضا فإنّ محمّد بن خالد ضعيف في الحديث،و أبا (4)البختريّ ضعيف أيضا.
و الحديث الثاني يرويه بنان بن محمّد (5)،عن المحسن بن أحمد،عن يونس بن يعقوب،و هؤلاء لا أعرفهم.
احتجّ أبو حنيفة (6)بما رواه قبيصة (7)قال:خسفت الشمس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلّى ركعتين فأطال فيهما،فلمّا انجلت الشمس و انصرف قال:«إنّما هذه الآيات يخوّف اللّه بها عباده و إذا رأيتموها فصلّوا كأحدث صلاة صلّيتموها من المكتوبة» (8).
ص:84
و ما رواه النعمان بن بشير قال:خسفت الشمس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلّى ركعتين (1).و لأنّ هذه الصلاة كلّ ركعة فيها سجدتان فكان فيها (2)ركوع واحد كسائر الصّلوات.
و احتجّ الشافعيّ (3)بما رواه ابن عبّاس قال:خسفت الشمس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلّى و الناس معه،فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة،ثمَّ ركع ركوعا طويلا،ثمَّ قام قياما طويلا و هو دون القيام الأوّل،ثمَّ ركع ركوعا طويلا و هو دون الرّكوع الأوّل،ثمَّ سجد و هكذا في الثانية (4).و روت عائشة صفة صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في كلّ ركعة ركوعين و قيامين (5).
و الجواب عن الأوّل:أنّه مرسل،سلّمنا،لكن صلاة ركعتين لا ينافي تكثير الرّكوع فيهما.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح،عن جعفر،عن أبيه،عن آبائه عليهم السّلام قال:«كسفت الشمس في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلّى بالناس ركعتين و طوّل حتّى غشي على بعض القوم ممّن كان وراءه من طول القيام» (6).فسمّاهما ركعتين و إن كان عليه السّلام في وصفه قد عدّ عشر ركوعات (7).و هو الجواب عن الحديث الثاني.
ص:85
و عن الثالث:أنّه قياس في المقدّرات التي لا معنى يعقل (1)جامعا فيها و هو باطل.
و عن الرّابع:أنّه معارض بما رويناه أوّلا من حديث عليّ عليه السّلام و أبنائه عليهم السّلام،و هم أعرف من ابن عبّاس و عائشة.و معارض أيضا بحديث أبيّ بن كعب، و بما رواه الجمهور عن جابر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قام خمس قيامات (2).
و لأنّ روايتنا أرجح،بما أنّ (3)ابن عبّاس أصغر سنّا من عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و أبيّ.و عائشة لا تخالط الرّجال فيشتبه عليها فعله (4)صلّى اللّه عليه و آله.و لاشتمالها على الزيادة و الإثبات.
أن ينوي،ثمَّ يقرأ الحمد و سورة أو بعضها،ثمَّ يركع،ثمَّ يقوم،فإن كان أتمّ السورة في الأولى أعاد الحمد و قرأ أخرى أو بعضها،و إن كان قرأ بعضها ابتدأ بتمامها و لا يجب (5)قراءة الحمد حينئذ،و هكذا خمس مرّات،ثمَّ يسجد سجدتين،ثمَّ يقوم بغير تكبير فيفعل في الثانية كما فعل في الأولى،ثمَّ يتشهّد و يسلّم.ذهب إليه علماؤنا أجمع،لما رواه (6)الشيخ في الصحيح عن الرهط،عن كليهما عليهما السّلام قالا:«تبدأ فتكبّر بافتتاح الصّلاة ثمَّ تقرأ أمّ الكتاب و سورة ثمَّ تركع،ثمَّ ترفع رأسك من الرّكوع فتقرأ أمّ الكتاب و سورة ثمَّ تركع الثانية،ثمَّ ترفع رأسك من الرّكوع فتقرأ أمّ الكتاب و سورة ثمَّ تركع الثالثة، ثمَّ ترفع رأسك من الرّكوع فتقرأ أمّ الكتاب و سورة ثمَّ تركع الرابعة،ثمَّ ترفع رأسك من الرّكوع فتقرأ أم الكتاب و سورة ثمَّ تركع الخامسة،فإذا رفعت رأسك قلت:سمع اللّه لمن حمده،ثمَّ تخرّ ساجدا فتسجد سجدتين،ثمَّ تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولى».قال:
ص:86
قلت:و إن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات يفرّقها بينها؟قال:«أجزأه أمّ القرآن في أوّل مرّة،و إن (1)قرأ خمس سور قرأ مع كلّ سورة أمّ القرآن،و القنوت في الركعة الثانية قبل الركوع إذا فرغت من القراءة،ثمَّ تقنت في الرابعة مثل ذلك ثمَّ في السادسة ثمَّ في الثامنة ثمَّ في العاشرة» (2).
و لا نعرف فيه خلافا،لرواية ابن عبّاس (3).
و من طريق الخاصّة:رواية القدّاح (4)،و ما رواه الشيخ في الصحيح عن الرهط،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام:«صلاّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الناس خلفه في كسوف الشمس،ففرغ حين فرغ و قد انجلى كسوفها» (5).
و ما رواه عن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن صلّيت الكسوف فإلى أن يذهب الكسوف عن الشمس و القمر،و تطوّل في صلاتك فإنّ ذلك أفضل،و إن أحببت أن تصلّي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز» (6).و لأنّها شرعت لدفع المخوف و لطلب عود النور فتستمرّ باستمراره.
و هو قول أهل العلم،لما رواه الجمهور
ص:87
عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة (1).
و في حديث عائشة:حزرت (2)قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فرأيت أنّه قرأ في الركعة الأولى سورة (3)البقرة و في الثانية سورة (4)آل عمران (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن القدّاح،عن جعفر،عن أبيه،عن آبائه عليهم السّلام،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«و طوّل حتّى غشي على بعض القوم ممّن كان وراءه من طول القيام» (6).
و ما رواه عن أبي بصير قال:سألته عن صلاة الكسوف،فقال:«عشر ركعات و أربع سجدات يقرأ في كلّ ركعة مثل يس و النور» (7).
«و تطوّل القنوت على قدر القراءة و الركوع و السّجود» (1).
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول أحمد (2).و قال الشافعيّ (3)،و مالك:لا يطيل السجود (4).
لنا:ما رواه الجمهور عن عبد اللّه بن عمرو أنّه قال في صفة صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:ثمَّ سجد فلم يكد يرفع رأسه (5).و في حديث عائشة:ثمَّ رفع،ثمَّ سجد سجودا طويلا (6).
و من طريق الخاصّة:قول أبي جعفر عليه السّلام في رواية محمّد بن مسلم و زرارة:
و تطيل الرّكوع و السجود (7).و في رواية أبي بصير:«و يكون ركوعك مثل قراءتك، و سجودك مثل ركوعك» (8).و لأنّه أحد الأركان فأشبه الركوع و القيام.و لأنّه أبلغ في الخشوع،فكان إطالته أبلغ في تحصيل المطلوب.
احتجّ المخالف بأنّ إطالة السّجود لم ينقل (9).
و الجواب:أنّ أبا داود نقل حديث ابن عمرو،و البخاريّ حديث عائشة،و عدم نقله في خبر لا يدلّ على عدم نقله مطلقا.
ص:89
و به قال مالك (1)،و أبو يوسف،و محمّد (2)،و أحمد (3)،و إسحاق (4)،و ابن المنذر (5).
و قال الشافعيّ (6)،و أبو حنيفة:لا يجهر في كسوف الشمس و يجهر في كسوف القمر (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى صلاة الكسوف و جهر فيها بالقراءة (8).
ص:90
و عنها أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جهر في صلاة الخسوف (1).
و عن عليّ عليه السّلام أنّه صلّى الكسوف و جهر بالقراءة (2).و فعله عبد اللّه بن يزيد (3)في حضرة البراء بن عازب و زيد بن أرقم و لم ينكرا عليه (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن يعقوب في الصّحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام:«و يجهر بالقراءة» (5).و لأنّها صلاة إحدى الآيتين فاستحبّ لها الجهر كالأخرى.
احتجّ المخالف (6)بما روته عائشة قالت:حزرت قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (7).و لو جهر لم يفتقر إلى التخمين.
و عن ابن عبّاس عنه عليه السّلام:قام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة (8).
و عن سمرة:إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى في خسوف القمر فلم أسمع له صوتا (9).
ص:91
و لأنّها صلاة نهار فلم يجهر فيها.و لأنّها صلاة نهار فيكون إخفاتا كالظهر.
و الجواب عن الأوّل:أنّ راويه ابن إسحاق (1)و هو ضعيف.و أيضا فإنّه يحتمل أنّها لم تسمعه لبعده،أو أنّه قرأ غير البقرة بقدرها.و هو الجواب عن حديث ابن عبّاس،و حديث سمرة (2)لا يدلّ،لجواز بعده عنه.
و يؤيّده:أنّه قال:دخلت المسجد و فيه الزحام.و أيضا:فإنّه نفي لا يعارض حديث الإثبات.
و عن القياس بالنقض بالجمعة و العيدين و الاستسقاء،و القياس على صور (3)النقض أولى للندور.
الأوّل و أوّل الثانية،
سواء أتمّ قراءة الحمد أو لا،لأنّها ركعة واحدة (5).و هو مخالف لفتاوي الأصحاب و أحاديثهم الصّحيحة.
و قال الشّافعيّ (1)،و أبو حنيفة (2)،و أحمد في الأولى بالبقرة أو عدد آيها،و في الثانية بآل عمران أو عدد آيها،و في كلّ سابقة[أكثر] (3)من لاحقة.و الكلّ جائز (4).
فإنّه يقول:سمع اللّه لمن حمده.و هذا مستحبّ.ذهب إليه علماؤنا.
و قال الجمهور:يقول في كلّ رفع:سمع اللّه لمن حمده،ربّنا و لك الحمد (5).
لنا:أنّ التكبير أعظم في الإجلال و أبلغ في الاعتراف بالتعظيم فكان أولى.و لأنّ الرّكوعات بمنزلة ركعة واحدة فكان ذلك في آخرها.
و ما رواه الشيخ و ابن يعقوب في الصّحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام:«و ترفع رأسك بتكبير،إلاّ في الخامسة التي تسجد فيها،و تقول:سمع اللّه لمن حمده» (6).
و في حديث الرّهط عنهما عليهما السلام:«ثمَّ تركع الخامسة،فإذا رفعت رأسك قلت:سمع اللّه لمن حمده» (7).
احتجّوا (8)بحديث عائشة في صفة صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،ثمَّ رفع رأسه
ص:93
فقال:«سمع اللّه لمن حمده» (1).
و الجواب:أنّه مطعون فيه،لأنّ راويه ابن إسحاق.و أيضا يحتمل أنّه كان يقول ذلك في الخامس و العاشر،و هو قولنا.
و الثامن،و العاشر،
خلافا للجمهور.
لنا:أنّه مظنّة إجابة فكان مشروعا للحاجة،كما قنت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على كثير من المشركين (2).
و روى الشيخ في الصّحيح عن الرّهط عنهما عليهما السّلام:«و القنوت في الرّكعة الثانية قبل الرّكوع إذا فرغت من القراءة،ثمَّ تقنت في الرّابعة مثل ذلك،ثمَّ في السادسة،ثمَّ في الثامنة،ثمَّ في العاشرة» (3).
و روى الشيخ و ابن يعقوب في الصّحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام:«و يقنت في كلّ ركعتين قبل الركوع» (4).
و رواه ابن بابويه في الصحيح عن عمر بن أذينة (5).قال ابن بابويه:و إن لم يقنت إلاّ في الخامسة و العاشرة فهو جائز،لورود الخبر به (6).
و قال الشافعيّ:يصلّي في المساجد،
ص:94
و أطلق (1).
لنا:أنّ البروز تحت السماء فيه خشوع و خضوع،فكان مشروعا كالاستسقاء.
و روى الشيخ و ابن يعقوب في الصّحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام:«فإن استطعت أن تكون صلاتك بارزة لا يجنّك بيت فافعل» (2).
مسألة:و روى الشيخ و ابن يعقوب في الصّحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام:«و صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر،و هما سواء في القراءة و الرّكوع و السّجود» (3).
إن صلّى الإمام صلّى معه (1)و إلاّ فلا (2).
لنا على استحباب الاجتماع:ما رواه الجمهور عن عائشة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج إلى المسجد فصفّ الناس وراءه (3).و صلّى ابن عبّاس في البصرة لخسوف القمر جماعة (4).و لأنّه أحد الكسوفين فسنّ (5)فيه الجماعة كالآخر.و لأنّهما عندنا واجبان لما بيّنّا،و الاجتماع في الفرائض مستحبّ.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن عليّ بن أبي عبد اللّه،عن أبي الحسن موسى عليه السّلام،لمّا كسفت الشمس في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«.ثمَّ نزل فصلّى بالناس صلاة الكسوف» (6).
و في الصّحيح عن الرهط عنهما عليهما السّلام:«صلاّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الناس خلفه» (7).
و نحوه روى عبد اللّه بن ميمون القدّاح عن جعفر،عن أبيه،عن آبائه عليهم السّلام (8).
و على الصّلاة حالة الانفراد:أنّها فريضة فلا تفوت بفوات الجماعة
ص:96
كالخمس.
و ما رواه الشيخ عن روح بن عبد الرّحيم (1)قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صلاة الكسوف،تصلّى جماعة؟قال:«جماعة و غير جماعة» (2).
و روى الشيخ عن محمّد بن يحيى الساباطيّ (3)،عن الرّضا عليه السّلام،قال:سألته عن صلاة الكسوف،تصلّى جماعة أو فرادى؟فقال:«أيّ ذلك شئت» (4).
آخر (1):
لو سبق المأموم بركوع (2)فالأقرب فوات تلك الرّكعة.و به قال بعض الجمهور،خلافا لآخرين منهم (3)،لأنّ الرّكوع ركن فيها و قد فات،و لا يتحمّله الإمام،فينبغي المتابعة في باقي الرّكعات إلى أن يقوم الإمام في ثانيته فيبتدئ (4)المأموم بالصّلاة،فإذا سلّم الإمام أتمّ هو الثانية.
في الانجلاء (1).
و قال أبو الصّلاح:و وقتها ممتدّ بمقدار الكسوف أو الخسوف (2).و هو اللائح من كلام السيّد المرتضى (3)،و ابن أبي عقيل (4).فعلى هذا آخره إذا انتهى الانجلاء.و هو قول الشافعيّ (5)،و أبي حنيفة (6)،و أحمد (7).و هو الأقرب عندي.
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصّلاة حتّى ينجلي» (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس و القمر و تطوّل في صلاتك فإنّ ذلك أفضل» (9).و الذهاب إنّما يكون بالانجلاء التامّ.
و ما رواه في الصّحيح عن الرّهط عنهما عليهما السّلام:«صلاّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الناس خلفه في كسوف الشمس،ففرغ حين فرغ و قد انجلى كسوفها» (10).
و لأنّه يستحبّ إعادتها قبل الانجلاء لما يأتي،و إنّما يكون ذلك في الوقت.و لأنّ المقتضي هو
ص:99
الخوف و لا يزول إلاّ بعود النور بأسره،فيمتدّ وقت الصّلاة لاستدفاعه.
احتجّ الشيخ بما رواه في الصّحيح عن حمّاد بن عثمان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ذكروا انكساف القمر و ما يلقى الناس من شدّته،قال:فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
«إذا انجلى منه شيء فقد انجلى» (1).
و الجواب:يحتمل أنّه أراد التساوي في إزالة الشدّة،لا بيان الوقت،فلا حجّة فيه حينئذ.
زوالها-أنّ وقتها العمر كلّه،
و هذه الأشياء علامات للوجوب و أسباب له،لا أنّها أوقات.
مسألة:و لو خرج الوقت في الكسوفين و لم يفرغ منها أتمّها.رواه الشيخ في الصّحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام:«فإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتمّ ما بقي» (2).
القضاء
إجماعا منّا.روى الشيخ عن حريز،عمّن أخبره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«إذا انكسف القمر فاستيقظ الرّجل فكسل أن يصلّي فليغتسل من غد و ليقض الصّلاة، و إن لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلاّ القضاء بغير غسل» (5).
و عن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و إن أعلمك أحد و أنت نائم فعلمت
ص:100
ثمَّ غلبتك عينك فلم تصلّ فعليك قضاؤها» (1).و لأنّها فريضة فاتت،فوجب قضاؤها كالخمس.
و يقضي لو احترق كلّه (3).و قال ابن إدريس:يقضي مطلقا (4).و هو الأقوى عندي،لقوله عليه السّلام:«من فاتته صلاة فريضة فليقضها إذا ذكرها» (5).و قوله:«من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها» (6).
لا يقضي (7).
و قال المفيد:يقضي فرادى (8).و الأقرب عندي الأوّل،لما رواه الشيخ عن حريز قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا انكسف القمر و لم تعلم به حتّى أصبحت، ثمَّ بلغك،فإن كان قد احترق كلّه فعليك القضاء،و إن لم يكن احترق كلّه فلا قضاء
ص:101
عليك» (1).
و ما رواه في الصّحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«إذا انكسفت الشمس كلّها و احترقت و لم تعلم،و علمت بعد ذلك فعليك القضاء،و إن لم يحترق كلّها فليس عليك قضاء» (2).
و ما رواه عن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و إن لم تعلم (3)حتّى يذهب الكسوف ثمَّ علمت بعد ذلك فليس عليك صلاة الكسوف» (4).
و ما رواه عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«انكسفت الشمس و أنا في الحمّام،فعلمت بعد ما خرجت فلم أقض» (5).
و ما رواه ابن بابويه عن محمّد بن مسلم و الفضيل بن يسار،أنّهما قالا:[قلنا] (6)لأبي جعفر عليه السّلام:أ يقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم،و إذا أمسى فعلم؟قال:
«إن كان القرصان احترقا كلّهما (7)قضيت،و إن كان إنّما احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه» (8).
ص:102
و لأنّها لم يجب أداؤها فلا يجب (1)قضاؤها،عملا بالأصل السليم عن معارضة الوجوب،لاستحالة تكليف الغافل أوّلا.
على كلّ حال،سواء فاتت عمدا أو سهوا،أو جهلا بوقوعها أو وجوبها.ذهب إليه أكثر علمائنا (2)،خلافا للجمهور (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«من فاتته صلاة فليقضها إذا ذكرها» (4).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من الرّوايات الدالّة على الوجوب مع احتراق القرص كلّه (5).و لأنّ القول بوجوب الأداء مع القول بعدم القضاء على هذه الصفة ممّا لا يجتمعان إجماعا،و الأوّل ثابت فالثاني منتف قطعا.
احتجّوا (6)بقوله:«إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر اللّه و الصّلاة حتّى ينجلي» (7).
و حتّى للغاية،فلا يجب بعدها.و لأنّ المطلوب منها ردّ النور،فمعه لا فائدة في الصّلاة.
و الجواب عن الأوّل:بأنّ ما ذكروه غاية للأداء،و ذلك لا يستلزم عدم القضاء.
و عن الثاني:بالمنع من كونه غاية.و لو سلّم فطلب ردّه لا يستلزم عدم الشكر بالصّلاة على ابتداء ردّه.و ما ورد من الأحاديث الدالّة على وجوب القضاء مطلقا و على
ص:103
عدمه مطلقا فمحمولة على ما ذكرناه من التفصيل.
عملا بالأصل الدّالّ على الاستمرار.و لو غابت الشمس كاسفة أو طلعت على القمر المنخسف صلّى أيضا،عملا بالعموم.و قال الجمهور:لا يصلّي،لأنّه ذهب وقت الانتفاع بنورهما (2).و لأنّه فات وقتها فلا يطلب عود نورها،لاستحالته،و هو مبنيّ على التعليل.و لو غاب القمر ليلا في حال انخسافه صلّى أيضا.و هو مذهب الشافعيّ (3)،خلافا لبعض الجمهور (4)،عملا بالعموم.و لأنّ وقته باق و سلطانه لم يزل و جميع الليل وقت له،و يدعو الحاجة فيه،فكان كاستتار الشمس بالسّحاب.
و قال بعضهم:لا يصلّي،لأنّ ما يصلّي له قد غاب،فأشبه غيبوبة الشمس المنكسفة (5).
و لو طلع الفجر على القمر المنخسف صلّى أيضا عندنا،للعموم.و به قال الشافعيّ في الجديد.و قال في القديم:لا يصلّي،لأنّ بطلوع الفجر قد زال وقته و سلطانه،لأنّه من النهار فأشبه ما لو طلعت الشمس (6).
و لو ابتدأ خسوفه وقت طلوع الفجر صلّى عندنا،للعموم.و هو قول الشافعيّ في الجديد.و قال في القديم:لا يصلّي،لأنّ الاستدامة أقوى من الابتداء،و قد قلنا أنّه لا يصلّي هناك (7).
ص:104
و العبد و الحرّ.و لا يشترط إذن الإمام و لا المصر.روت أسماء بنت أبي بكر قالت:فزع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم كسفت الشمس،فقام قياما،فرأيت المرأة التي هي أكبر منّي و المرأة التي هي أصغر منّي قائمة،فقلت:أنا أحرى بالصّبر على طول القيام (1).
و يجوز لهنّ أن يصلّين جماعة و فرادى.و ترك حضورهنّ جماعة الرّجال أولى،سواء كنّ عجائز أو ذوات (2)هيئة.
بعد الوضوء بقدر زمان الكسوف،و كذا النفساء.
ذهب إليه أكثر علمائنا (3).و قال آخرون منّا:يعاد وجوبا (4).
و قال ابن إدريس:لا يعاد وجوبا و لا استحبابا،بل يستحبّ الدعاء و ذكر اللّه تعالى إلى أن ينجلي (5).و هو مذهب الجمهور (6).
لنا على عدم الوجوب:الأصل.
و ما رواه الشيخ عن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و إن أحببت أن تصلّي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز» (7).
ص:105
و ما رواه في الصّحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام:«فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد و ادع اللّه حتّى ينجلي» (1).و لأنّ الأمر لا يدلّ على التكرار و يدلّ على الإجزاء.
و لنا على الاستحباب:ما رواه الشيخ في الصّحيح عن معاوية بن عمّار قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد» (2).و هذا أمر لا يمكن حمله على الوجوب،للرّوايتين المتقدّمتين،فيحمل على الاستحباب.و لأنّ المقتضي لمشروعيّة الصّلاة و هو الحذر موجود،فيكون مشروعا.
احتجّ القائلون بالوجوب برواية ابن عمّار.
و الجواب:قد بيّنا (3)الوجه فيها.
احتجّ ابن إدريس بعدم الدليل على الاستحباب و الوجوب (4).
و الجواب:قد بيّنّا دليل الاستحباب.
لنا:الأصل عدم التكليف.و لأنّها صلاة يفعلها المنفرد في بيته فلم يشرع لها خطبة كالخمس.
احتجّ الشافعيّ (1)بما روته عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انصرف و قد انجلت (2)الشمس فخطب الناس فحمد اللّه و أثنى عليه،ثمَّ قال:«إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه لا يخسفان (3)لموت أحد و لا لحياته،فإذا رأيتم ذلك فادعوا اللّه و كبّروا و صلّوا و تصدّقوا»ثمَّ قال:«يا أمّة محمّد،و اللّه يا أمّة محمّد،ما أحد أ غير من اللّه أن يزني عبده أو تزني أمته،يا أمّة محمّد،لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا» (4).
و الجواب:هذا الحديث غير دالّ على المطلوب،فإنّه عليه السّلام أمرهم بالصّلاة و الدّعاء و التكبير و الصدقة،و لم يأمرهم بالخطبة،و لو كانت مشروعة لأمرهم،و إنّما خطب ليعلّمهم وجوب الصّلاة و ليس ذلك خطبة.
إن اتّسعا تخيّر في أيّهما شاء،
فبدأ بها ثمَّ صلّى الأخرى.و إن ضاق وقت إحداهما تعيّنت و صلّى الأخرى عقيبها.و لو تضيّقا صلّى الحاضرة.لكنّ الشيخ قد اختار لنفسه في النهاية مذهبا عجبا (6)و هو البدأة بالحاضرة مطلقا،قال:و لو دخل في الكسوف ثمَّ دخلت الحاضرة قطع و صلّى الحاضرة ثمَّ عاد فأتمّ الكسوف (7).و اختاره السيّد المرتضى في
ص:107
المصباح (1).
لنا:أنّهما فرضان اجتمعا و لا أولويّة،و الجمع محال،و تعيّن أحدهما للوجوب ينافي وجوب الآخر،فوجب القول بالتخيير.
و ما رواه ابن بابويه في الصّحيح عن محمّد بن مسلم و بريد بن معاوية،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا:«إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلّها (2)ما لم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة» (3).
أن تغيب الشمس و يخشى (1)فوت الفريضة،فقال:«اقطعوها و صلّوا الفريضة و عودوا إلى صلاتكم» (2).
و ما رواه في الصّحيح عن محمّد بن مسلم قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
جعلت فداك،ربّما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة،فإن صلّينا الكسوف خشينا أن تفوتنا الفريضة،فقال:«إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك و اقض فريضتك ثمَّ عد فيها» (3).
و ما رواه ابن بابويه في الصّحيح عن بريد بن معاوية و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا:«فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة و اقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف،فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت و احتسب بما مضى» (4).
لا يقال:إنّ الفعل الكثير مبطل و الفريضة فعل كثير.
لأنّا نقول:ذلك عامّ و ما ذكرناه خاصّ،فيكون مقدّما.
عدم القضاء،
لاستحالة التكليف بفعلين مع ضيق الوقت عنه.هذا مع عدم التفريط،أمّا مع وجوده فإنّه يقضي قطعا.و كذا لو صلّى مع السعة،سواء غلب على ظنّه بقاء الكسوف أو لا.
و لو قيل:لو غلب على ظنّه بقاؤه لا يجب عليه القضاء،كان وجها.
أو بغيره.و لو تساووا في اتّساع الوقت بدأ بالجنازة،ثمَّ بالكسوف،ثمَّ بالعيد،ثمَّ بالاستسقاء.
لأنّها فرض،سواء كانت
ص:109
نافلة موقّتة أو لا،راتبة أو لا.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال الشافعيّ (1).و قال أحمد:
تقدّم ما يخشى فوته،فإن اتّسع وقتاهما بدأ بآكدهما (2).
لنا:أنّها واجبة فتكون أولى بالتقديم.
و ما رواه الشيخ في الصّحيح عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قلت:
فإذا كان الكسوف آخر الليل فصلّينا صلاة الكسوف فأتتنا صلاة الليل،فبأيّتهما (3)نبدأ؟ فقال:«صلّ صلاة الكسوف و اقض صلاة الليل حين تصبح» (4).
و ما رواه ابن يعقوب في الصّحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:سألته عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة،فقال:«ابدأ بالفريضة»فقيل له:في وقت صلاة الليل،فقال:«صلّ صلاة الكسوف قبل صلاة الليل» (5).
و لو أدركها فالوجه الوجوب،لأنّ إدراك الركعة بمنزلة إدراك الصّلاة.
و أبي حنيفة (1).
لنا:قوله عليه السّلام:«فإذا رأيتم ذلك فصلّوا» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصّحيح عن محمّد بن حمران،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس و عند غروبها» (3).
و ما رواه في الصّحيح عن جميل بن درّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله (4).و لأنّها صلاة واجبة فلا يكره في وقت من الأوقات،كقضاء الفرائض.
احتجّوا بأنّه قد نهي عن فعل النوافل في الأوقات المعيّنة (5).
و الجواب:أنّا قد بيّنّا وجوبها (6)،فلا يتناولها النهي.
و ما رواه الشيخ عن عليّ بن الفضل الواسطيّ (1)قال:كتبت إلى الرضا عليه السّلام:
إذا انكسفت الشمس و القمر و أنا راكب لا أقدر على النزول،قال:فكتب إليّ:«صلّ على مركبك الذي أنت عليه» (2).و التعليق بالوصف يقتضي التخصيص ظاهرا.
روى الشيخ عن عليّ بن مهزيار قال:كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام شكوت إليه كثرة الزلازل في الأهواز و قلت:ترى لي التحوّل عنها؟فكتب عليه السّلام:«لا تتحوّلوا عنها و صوموا الأربعاء و الخميس و الجمعة،و اغتسلوا و طهّروا ثيابكم،و ابرزوا يوم الجمعة،و ادعوا اللّه،فإنّه يدفع عنكم» (3).قال:ففعلنا ذلك فسكنت الزلازل.
و روى عن ابن يقطين قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«من أصابته زلزلة فليقرأ:
يا من يمسك السّموات و الأرض أن تزولا و لئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنّه كان حليما غفورا،صلّ على محمّد و آل محمّد و أمسك عنّا السوء،إنّك على كلّ شيء قدير»قال:
«إنّ من قرأها عند النوم لم يسقط عليه البيت إن شاء اللّه تعالى» (4).
و روى ابن بابويه عن الصّادق عليه السّلام قال:«إنّ الصّاعقة تصيب المؤمن
ص:112
و الكافر و لا تصيب ذاكرا» (1).
عند الجدب، إلاّ أبا حنيفة،فإنّه قال:لا يسنّ لها الصلاة بل الدّعاء (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج في الاستسقاء متذلّلا متواضعا متضرّعا حتّى أتى المصلّى و صلّى ركعتين،كما كان يصلّي في العيد (3). (4).
و ما رووه (5)عن عبد اللّه بن زيد قال:استسقى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فصلّى ركعتين و قلب رداءه (6).
و ما رووه عن جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السّلام،عن أبيه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه
ص:113
و آله و أبا بكر و عمر كانوا يصلّون صلاة الاستسقاء،يكبّرون فيها سبعا و خمسا (1).
و ما رووه عن عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دعا ثمَّ نزل فصلّى ركعتين (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الموثّق عن عبد اللّه بن بكير قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في الاستسقاء،قال:«يصلّي ركعتين و يقلب رداءه» (3).
و في الحسن عن هشام بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن صلاة الاستسقاء،قال (4):«مثل صلاة العيدين» (5).
و عن طلحة بن زيد،عن أبي عبد اللّه،عن أبيه عليهما السلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى الاستسقاء ركعتين (6).
احتجّ أبو حنيفة (7)بما رواه أنس قال:أصاب أهل المدينة قحط فبينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يخطب،إذ قام رجل فقال:هلك الكراع و الشاء (8)فادع اللّه تعالى أن يسقينا،فمدّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يديه و دعا،قال أنس:و إنّ السماء كمثل الزجاجة،فهاجت (9)ريح ثمَّ أنشأت سحابا،ثمَّ اجتمعت ثمَّ أرسلت عزاليها (10)،فخرجنا
ص:114
نخوض الماء حتّى أتينا منازلنا،فلم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى،فقام إليه الرّجل أو غيره، فقال:يا رسول اللّه تهدّمت البيوت و احتبس (1)الركبان،فادع اللّه أن يحبسه،فتبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،ثمَّ قال:«حوالينا و لا علينا».فنظرت إلى السّحاب يتصدّع (2)حوالي المدينة كأنّه إكليل (3).
و استسقى عمر بالعبّاس،فأخذ بضبعيه و أشخصه قائما و أومأ به نحو السماء و قال:
اللّهمّ إنّا جئناك نستسقيك و نستشفع إليك بعمّ نبيّك (4).و ليس في ذلك صلاة.
و الجواب:أنّ الصّلاة غير واجبة،فلا يدلّ تركها على عدم فعلها مع ثبوته،لحصول الاكتفاء بالدّعاء أحيانا.
في قول أهل العلم،إلاّ من شذّ (5).و إنّما الخلاف في الكيفيّة، فالذي عليه علماؤنا أجمع أنّها كالعيد،يقرأ و يكبّر سبعا في الأولى،و خمسا في الثانية.و به قال الشافعيّ (6)،و أحمد في إحدى الرّوايتين (7).و هو قول سعيد بن المسيّب،و عمر ابن عبد العزيز،و داود (8).و حكي عن ابن عبّاس (9).
ص:115
و قال أحمد في رواية:إنّها ركعتان كالتطوّع (1).و هو مذهب مالك (2)،و الأوزاعيّ (3)، و أبي ثور،و إسحاق (4).
لنا:ما رواه الجمهور في حديث ابن عبّاس (5)،و جعفر بن محمّد عليهما السّلام (6).
و من طريق الخاصّة:حديث هشام بن الحكم (7)و حديث طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه،عن أبيه عليهما السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى للاستسقاء ركعتين،و بدأ بالصلاة قبل الخطبة،و كبّر سبعا و خمسا،و جهر بالقراءة (8).
احتجّ المخالف (9)بحديث عبد اللّه بن زيد،فإنّه لم يذكر فيه التكبير (10)،و كذا في حديث أبي هريرة (11).
و الجواب:أنّها مع التكبير ركعتان أيضا،و كما لم يذكر التكبير لم يذكر عدمه فيبقى على الاحتمال،فلا يعارض النصّ الدالّ على الثبوت.
ص:116
إلاّ أنّ الدّعاء هنا الاستغفار (1)و سؤال الرحمة و إرسال الغيث،و أفضل ما يذكر في القنوت ما نقل عن أهل البيت عليهم السّلام (2)،فإنّهم أعرف بما يناجي به الرّبّ تعالى.
ليصوموا ثلاثة أيّام و يخرج بهم يوم الثالث.و قال الشافعيّ:يصومون ثلاثا و يخرجون يوم الرّابع (4).
أمّا استحباب الصّوم،فلقوله عليه السّلام:«دعوة الصائم لا يردّ» (5).
و ما رواه الشيخ عن حمّاد السرّاج (6)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه أمر محمّد ابن خالد (7)أن يأمر الناس بالصّيام ثلاثا و يخرج بهم يوم الثالث و هم صيام (8).
و أمّا الخروج يوم الثالث،فلهذه الرواية.و لما رواه الشيخ و ابن يعقوب معا عن
ص:117
مرّة (1)مولى خالد قال:صاح أهل المدينة إلى محمّد بن خالد في الاستسقاء،فقال لي:
انطلق إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فاسأله ما رأيك،فإنّ هؤلاء قد صاحوا إليّ.فأتيته فقلت له،فقال لي:«قل له:فليخرج»قلت له:متى يخرج جعلت فداك؟قال:«يوم الاثنين» قلت:كيف يصنع؟قال:«يخرج المنبر ثمَّ يخرج يمشي كما يخرج (2)يوم العيدين،و بين يديه المؤذّنون في أيديهم عنزهم حتّى إذا انتهى إلى المصلّى،صلّى (3)بالناس ركعتين بغير أذان و لا إقامة،ثمَّ يصعد المنبر فيقلب رداءه،فيجعل الذي على يمينه على يساره و الذي على يساره على يمينه،ثمَّ يستقبل القبلة فيكبّر اللّه مائة تكبيرة رافعا بها صوته،ثمَّ يلتفت إلى الناس عن يمينه فيسبّح اللّه مائة تسبيحة رافعا بها صوته،ثمَّ يلتفت إلى الناس عن يمينه فيسبّح اللّه مائة تسبيحة رافعا بها صوته،ثمَّ يلتفت إلى الناس عن يساره فيهلّل اللّه مائة تهليلة رافعا بها صوته،ثمَّ يستقبل الناس فيحمد اللّه مائة تحميدة،ثمَّ يرفع يديه فيدعو،ثمَّ يدعون،فإنّي لأرجو (4)أن لا يخيبوا».قال:ففعل،فلمّا رجعنا قالوا:هذا من تعليم جعفر (5).
يخرج يوم الجمعة بعد أن يصوموا الأربعاء و الخميس و الجمعة (1).و يمكن أن يكون استناده ما (2)روي من أنّ العبد يسأل اللّه تعالى،فربّما أخّرت إجابته إلى الجمعة (3).و لا بأس بذلك.
و قال بعض أصحابنا:لا ينقل،بل يعمل منبر من طين كالعيد.و اختاره ابن إدريس (5).و لعلّ استناد السيّد إلى رواية مرّة.
لأنّها كالعيدين،لما رواه الشيخ في الحسن عن هشام بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن صلاة الاستسقاء،قال:«مثل صلاة العيدين (6).
و ما رواه عن طلحة بن يزد،عن أبي عبد اللّه،عن أبيه عليهما السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جهر بالقراءة (7).
و يستحبّ أن يقرأ في الأولى منهما ب«سبّح»و في الثانية ب«الغاشية»كما قلنا في العيد (8).
أكثر أهل العلم (1)،لما رواه ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج متذلّلا متواضعا متخشّعا متضرّعا حتّى أتى المصلّى (2).
و من طريق الخاصّة:رواية هشام أنّها مثل العيدين (3).
و ما رواه الشيخ عن أبي البختريّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«قضت السنّة أنّه لا يستسقى إلاّ بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء،و لا يستسقى في المساجد إلاّ بمكّة» (4).
كما خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و يستحبّ إخراج الشيوخ الكبار،و الأطفال الصغار،و العجائز،لأنّهم أقرب إلى الرحمة (5)،و لا تخرج الشوابّ من النساء،لحصول الافتتان بخروجهنّ،و ذلك مناف للغرض.
و يفرّق بين الأطفال و أمّهاتهم،فإنّ ذلك مقتض لكثرة البكاء بين يدي اللّه تعالى فيقرّب (6)الإجابة.قال بعض أصحابنا:و يخرج البهائم (7)،خلافا لأحمد (8).
ص:120
لنا:أنّ الرحمة قد يحصل لهم.
و روى (1)ابن بابويه عن حفص بن غياث،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إنّ سليمان بن داود عليهما السّلام خرج ذات يوم مع أصحابه،فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها إلى السّماء و هي تقول:اللهمّ إنّا خلق من خلقك لا غنى بنا عن رزقك،فلا تهلكنا بذنوب بني آدم،فقال سليمان عليه السّلام لأصحابه:ارجعوا فقد سقيتم بغيركم» (2).
و قال أحمد:لا يستحبّ إخراجهم، و إن خرجوا لم يمنعوا،و يؤمرون بالانفراد من المسلمين،لئلاّ يصيبهم عذاب فيعمّ،كما أرسل على قوم عاد ريح صرصر يوم استسقائهم (3).
لنا:أنّهم أعداء اللّه و أنّهم مغضوب عليهم و قد بدّلوا نعمة اللّه كفرا،فهم بعيدون من الإجابة،قال اللّه تعالى وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ (4).
و قد روى ابن بابويه عن الصّادق عليه السّلام أنّه«جاء أصحاب فرعون إليه فقالوا:غار ماء النيل و فيه هلاكنا،فقال:انصرفوا اليوم،فلمّا أن (5)كان من الليل توسّط النيل و رفع يديه إلى السّماء و قال:اللّهمّ إنّك تعلم أنّي أعلم أنّه لا يقدر على أن يجيء بالماء إلاّ أنت،فجئنا به،فأصبح النيل يتدفّق» (6). (7)فعلى هذه الرواية لو خرجوا جاز أن لا يمنعوا،لأنّهم يطلبون أرزاقهم من اللّه تعالى و قد ضمنها لهم في الدنيا،فلا يمنعون من طلبها فلا يبعد إجابتهم.
ص:121
و قول من قال:إنّهم ربّما ظنّوا أنّ ما حصل من السقيا بدعائهم (1)،ضعيف،لأنّه لا يبعد أن يتّفق نزول الغيث يوم يخرجون بانفرادهم،فيكون أعظم لفتنتهم.
روى ابن بابويه أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام استسقى،ثمَّ أمر الحسن (2)عليه السّلام بالدّعاء (3).
و روى ابن عبّاس أنّ عمر بن الخطّاب استسقى بالعبّاس (4).
مسألة:و يستحبّ للإمام أن يأمرهم بالخروج من المعاصي و الصدقة،و ترك التشاجر (5)،فإنّ المعاصي سبب للجدب،قال اللّه تعالى وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ (6).
و روى ابن بابويه و الشيخ معا عن عبد الرحمن بن كثير (7)،عن الصّادق عليه السّلام قال:«إذا فشت أربعة ظهرت أربعة:إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل،و إذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية،و إذا جار الحكّام في القضاء أمسك القطر من السّماء،و إذا خفرت الذمّة نصر المشركون» (8).
و روى ابن بابويه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إذا غضب اللّه تعالى على
ص:122
أمّة ثمَّ لم ينزل بها العذاب غلت أسعارها،و قصرت أعمارها،و لم تربح تجّارها،و لم تزكّ ثمارها،و لم تغزر أنهارها،و حبس عنها أمطارها،و سلّط عليها أشرارها» (1).
و يستحبّ أن يأمرهم بالاستغفار وقت الصّلاة،لقوله تعالى فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً. يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (2).
و هو اتّفاق كلّ من يحفظ عنه العلم،بل يقول المؤذّن:الصّلاة ثلاثا.و قال الشافعيّ:يقول:الصّلاة جامعة (3).
و لا يشترط فيها إذن الإمام (4)،صلّيت جماعة أو فرادى.و به قال الشافعيّ (5)، و أبو حنيفة (6).و لأحمد روايتان (7).
لنا:أنّ العلّة طلب الماء،فلا يشترط فيها إذن الإمام كغيرها من النوافل.قالوا:
صلاّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم يأمر بها،فلا يشرع (8)إلاّ في مثل تلك الصفة (9).
قلنا:فعله دلّ على المشروعيّة مطلقا.
و تصلّى جماعة و فرادى.و هو قول أهل العلم.و قال أبو حنيفة في رواية:لا جماعة فيها،و إن (10)صلّيت وحدانا جاز (11).
ص:123
لنا:رواية أنس (1)و ابن عبّاس أنّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى بهم ركعتين (2).
و من طريق الخاصّة:رواية مرّة:«إذا انتهى إلى المصلّى صلّى بالناس ركعتين» (3).
و لأنّ بالاجتماع قد يحصل البركة،قال عليه السّلام:«من صلّى صلاة جماعة ثمَّ سأل اللّه حاجة قضيت له» (4).
و قال عليه السّلام:«الجماعة رحمة» (5).
و تصلّى في كلّ وقت و إن كان وقت كراهية،لأنّها من ذوات الأسباب.
بأن يجعل ما على اليمين على اليسار و ما على اليسار على اليمين بعد الصّلاة،و لا يستحبّ ذلك لغيره.و به قال سعيد بن المسيّب، و عروة،و الثوريّ،و الليث،و أبو يوسف،و محمّد (6).
و قال الشافعيّ:يستحبّ للإمام و المأموم التحويل،بأن يجعل طرفه الأسفل الذي على شقّه الأيمن على عاتقه الأيسر،و طرفه الأسفل الذي على شقّه الأيسر على عاتقه الأيمن،و إن حوّله و لم ينكسه أجزأه (7).و هو قول الشيخ رحمه اللّه
ص:124
في المبسوط (1)،و أحمد (2)،و مالك (3)،و عمر بن عبد العزيز،إلاّ أنّهم خالفوا الشافعيّ في الكيفيّة فقالوا فيها كقولنا (4).و قال أبو حنيفة:لا يستحبّ التحويل للإمام و المأمومين (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن عبد اللّه بن زيد أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حوّل رداءه و جعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر،و عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن هشام بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه و جعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر،و الذي على الأيسر على الأيمن،فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كذلك صنع» (7).
و في حديث مرّة:«ثمَّ يصعد المنبر فيقلب رداءه،فيجعل الذي على يمينه على يساره، و الذي على يساره على يمينه» (8).و لأنّ فيه تفاؤلا بقلب (9)حالهم من الجدب إلى الخصب،و قد جاء ذلك في أحاديث الجمهور و أحاديث أهل البيت عليهم السّلام.و أمّا اختصاص الإمام بذلك،فلما ثبت أنّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله فعله دون أصحابه.و في حديث مرّة:«ثمَّ يقلب رداءه».و في حديث هشام:«فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه».
ص:125
احتجّ الشافعيّ (1)بما رواه أبو داود أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله استسقى و عليه خميصة سوداء فأراد أن يجعل أسفلها أعلاها،فلمّا ثقلت عليه جعل العطاف الذي على الأيسر على عاتقه الأيمن،و الّذي على الأيمن على عاتقه الأيسر (2).
و الجواب:أنّ هذا تخمين من الراوي،فلا يترك لأجله فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،مع أنّ أحدا لم ينقل أنّه جعل أسفله أعلاه،و يبعد أن يكون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ترك ذلك في جميع الأوقات لثقل الرّداء.و قال أصحاب الشافعيّ:إنّ الانتكاس إنّما يكون في الرّداء المربّع،أمّا المقوّر فإنّه كما قلناه (3).
احتجّ أبو حنيفة بأنّه دعاء فلا يستحبّ له تغيير الثياب كغيره من الأدعية (4).
و الجواب:أنّه قد ثبت فعله عليه السّلام.
و يكبّر اللّه مائة،ثمَّ يتحوّل إلى الجانب الأيمن و يسبّح اللّه مائة،ثمَّ الأيسر فيهلّل اللّه مائة،ثمَّ يستقبل الناس فيحمد اللّه مائة رافعا بذلك صوته و الناس يتّبعونه في ذلك،لرواية مرّة (5)،و للجهل بالجهة الّتي يأتي منها الرحمة،فشرع الاستغفار في الجميع.
و الشافعيّ (1).و قال أحمد (2)،و أبو حنيفة:لا يخطب أصلا (3).و في رواية عن أحمد أنّه يخطب خطبة واحدة (4).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي هريرة قال:صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ركعتين ثمَّ خطبنا (5).
و ما رووه عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صنع كما صنع في العيدين (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن أبيه عليه السّلام أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بدأ بالصّلاة قبل الخطبة (7).
و في حديث هشام قال:سألته عن صلاة الاستسقاء،قال:«مثل صلاة العيدين» (8).و لأنّها أشبهتها في التكبير و الهيئة فأشبهتها في الخطبتين.
ص:127
احتجّ أبو حنيفة (1)بما رواه ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يخطب خطبتكم هذه (2).
و الجواب:لا دلالة على نفي الخطبة،إذ خطبة الاستسقاء مغايرة للخطبة في الجمعة.
و هو قول مالك (3)،و الشافعيّ (4)،و محمّد بن الحسن (5)،و أحمد في إحدى الرّوايتين (6).قال ابن عبد البرّ:و عليه جماعة الفقهاء (7).
و قال عمر،و ابن الزبير،و أبان بن عثمان (8)،و الليث بن سعد (9)،و أحمد في الرّواية الأخرى:إنّها قبل الصّلاة (10).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي هريرة،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه صلّى ركعتين
ص:128
ثمَّ خطب (1).و قول ابن عبّاس:صنع كما صنع في العيدين (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد و قد تقدّم (3).
و لأنّها صلاة ذات تكبير فأشبهت العيد.
لا يقال:قد روى الشيخ عن إسحاق بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«الخطبة في الاستسقاء قبل الصّلاة» (4).
لأنّا نقول:إنّ في طريقها أبان بن عثمان و فيه قول (5).
لا يقال:و الرواية التي نقلتموها في طريقها طلحة بن زيد و هو بتريّ،فلا ترجيح.
لأنّا نقول:الترجيح من وجهين،الأوّل:موافقة عمل الأصحاب.الثاني:رواية هشام الدالّة على المساواة بينها و بين العيدين (6).
و لو لم يحسن الخطبة دعا بدلها (1).
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال مالك،و الشافعيّ،و أحمد (2).و قال إسحاق:لا يخرج إلاّ مرّة واحدة (3).
لنا:قوله عليه السّلام:«إنّ اللّه يحبّ الملحّين في الدّعاء» (4).و لأنّ الحاجة باقية، فكان طلبها بالدعاء مشروعا.و لأنّها صلاة يستدفع بها أذى،فكانت مشروعة كالأولى.
احتجّ إسحاق بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يخرج إلاّ مرّة واحدة (5).
و الجواب:أنّه استغنى بالإجابة.
مسألة:لو تأهّبوا للخروج فسقوا لم يخرجوا،لحصول الغرض.و كذا لو خرجوا فسقوا قبل الصّلاة لم يصلّوا.نعم،يستحبّ صلاة الشكر للّه تعالى في الموضعين.
مسألة:و يستحبّ لأهل الخصب أن يدعوا لأهل الجدب.قال اللّه تعالى وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ (6).مدحهم اللّه تعالى بدعائهم لإخوانهم.
و روى ابن يعقوب في الصحيح عن الفضيل بن يسار،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«أوشك دعوة و أسرع إجابة دعوة المرء لأخيه بظهر الغيب» (7).
ص:130
و روى في الحسن عن إبراهيم بن هاشم (1)قال:رأيت عبد اللّه بن جندب في الموقف (2)،فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه،ما زال مادّا يديه إلى السّماء و دموعه تسيل على خدّيه حتّى تبلغ الأرض،فلمّا صدر الناس قلت له:يا أبا محمّد،ما رأيت موقفا قطّ أحسن من موقفك،قال:و اللّه ما دعوت إلاّ لإخواني.و ذلك أنّ أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام أخبرني أنّه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش:و لك مائة ألف ضعف،فكرهت أن أدع مائة ألف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا (3).
روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«اطلبوا استجابة الدّعاء عند ثلاث:التقاء الجيوش،و إقامة الصّلاة،و نزول الغيث» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن يعقوب عن السكونيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام:اغتنموا الدّعاء عند أربع:عند قراءة القرآن،و عند الأذان،و عند نزول الغيث،و عند التقاء الصفّين للشهادة» (5).
و روى ابن يعقوب عن زيد الشحّام قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«اطلبوا
ص:131
الدّعاء في أربع ساعات:عند هبوب الرّياح،و زوال الأفياء (1)،و نزول القطر،و أوّل قطرة من دم القتيل المؤمن،فإنّ أبواب السّماء تفتح عند هذه الأشياء» (2).
و انعقد،لأنّه نذر في طاعة،و لا يلزم غيره بالخروج معه.و كذا لو نذر غير الإمام.و لو نذر الإمام أن يستسقي هو و غيره انعقد نذره في نفسه خاصّة دون غيره،لأنّه لا ينعقد نذره فيما لا يملك.
قال الشيخ:و يستحبّ له أن يخرج فيمن يطيعه كالولد و شبهه.و إذا انعقد نذره صلاّها في الصّحراء.و لو نذر أن يصلّيها في المسجد انعقد،و يعيد لو صلاّها في غيره.ذكره الشيخ (4)،خلافا للشافعيّ فإنّه جوّزه في بيته (5).
و لو نذر أن يخطب انعقد و جاز قائما و قاعدا و على منبر و غيره.و لو نذر أن يخطب على المنبر وجب،و لا يجزئه لو خطب على حائط و شبهه.ذكره الشيخ (6).قال الشافعيّ:
لا يجب،إذ القصد الإعلام (7).
و الآبار،لوجود المعنى المقتضي لذلك.و يستحبّ-إذا كثر المطر و الغيوث بحيث بلغ حدّ الضرر-الدعاء و التضرّع إلى اللّه تعالى لإزالة ذلك،لأنّه ضرر فجاز طلب استدفاعه بالدعاء.و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دعا في ذلك (8).و لأنّ الضرر بزيادة المطر أحد الضررين،فاستحبّ
ص:132
الدّعاء لإزالته كانقطاعه.
لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ذلك (1).و النوء سقوط كوكب و طلوع رقيبه.
زيادة على غيره من الشهور.
و قال ابن بابويه:لا صلاة فيه زائدة على غيره (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي هريرة قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:
«من قام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الموثّق عن أبي خديجة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا جاء شهر رمضان زاد في الصّلاة و أنا أزيد،فزيدوا» (4).
و ما رواه عن جابر بن عبد اللّه قال:إنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام قال له:«إنّ أصحابنا هؤلاء أبوا أن يزيدوا في صلاتهم في (5)رمضان و قد زاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في
ص:133
صلاته في رمضان» (1).
و ما رواه في الصحيح عن أبي بصير أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام،أ يزيد الرّجل في الصّلاة في رمضان؟قال:«نعم،إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد زاد في رمضان في الصّلاة» (2).
و ما رواه في الصّحيح عن أبي العبّاس البقباق و عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يزيد في صلاته في شهر رمضان إذا صلّى العتمة صلّى بعدها يقوم الناس خلفه فيدخل و يدعهم،ثمَّ يخرج أيضا فيجيؤن فيقومون خلفه فيدخل و يدعهم مرارا».قال:و قال:«لا تصلّ بعد العتمة في غير شهر رمضان» (3).
و ما رواه عن المفضّل بن عمر،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«تصلّى في شهر رمضان زيادة ألف ركعة» (4).
و ما رواه عن أحمد بن محمّد بن مطهّر (5)قال:كتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام أنّ رجلا روى عن آبائك عليهم السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما كان يزيد من
ص:134
الصّلاة في شهر رمضان على ما كان يصلّيه في سائر الأيّام،فوقّع عليه السّلام:«كذب،فضّ اللّه فاه،صلّى في كلّ ليلة من شهر رمضان عشرين ركعة إلى عشرين من الشهر،و صلّى ليلة إحدى و عشرين مائة ركعة،و صلّى ليلة ثلاث و عشرين مائة ركعة،و صلّى في كلّ ليلة من العشر الأواخر ثلاثين ركعة» (1).
و لأنّه شهر تضاعف فيه الحسنات.روى الشيخ عن أبي الورد،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الناس في آخر جمعة من شعبان و قال (2)في خطبته:و جعل قيام ليلة فيه بتطوّع صلاة كمن تطوّع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور،و جعل لمن تطوّع فيه بخصلة من خصال الخير و البرّ كأجر من أدّى فريضة من فرائض اللّه تعالى» (3).فينبغي اختصاصه بمزيد أفضل الطاعات و هو الصّلاة.
احتجّ ابن بابويه (4)بما رواه الجمهور عن عائشة قالت:ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يزيد في رمضان و لا غيره عن إحدى عشرة ركعة منها الوتر (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا صلّى العشاء الآخرة آوى إلى فراشه و لا يصلّي شيئا إلاّ بعد انتصاف الليل،لا في رمضان و لا غيره» (6).
و ما رواه الحلبيّ في الصّحيح قال:سألت عن الصّلاة في رمضان،فقال:«ثلاث عشرة ركعة منها الوتر و ركعتا الصّبح بعد الفجر،كذلك كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
ص:135
يصلّي و أنا كذلك أصلّي،و لو كان خيرا لم يتركه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (1).
و روى عبد اللّه بن سنان في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله (2).
و الجواب عن الأوّل:المعارضة بالأحاديث المنقولة من طرق الجمهور عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3).
و عن الثاني:أنّ في طريقه عليّ بن فضّال و عبد اللّه بن بكير،و هما فطحيّان.
و عن الثالث:أنّ الحلبيّ لم يسنده إلى إمام،فلا احتجاج به.
و عن الرابع:بالمعارضة.و أيضا:يحتمل أنّه أراد:لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي جماعة.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصّحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم و الفضيل قالوا:
سألناهما عليهما السّلام عن الصّلاة في رمضان نافلة بالليل جماعة (4)،فقالا:«إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا صلّى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله،ثمَّ يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلّي،فخرج في أوّل ليلة من شهر رمضان ليصلّي كما كان يصلّي فاصطفّ الناس خلفه فهرب منهم إلى بيته و تركهم،ففعلوا ذلك ثلاث ليال،فقام في اليوم الرّابع على منبره فحمد اللّه و أثنى عليه،ثمَّ قال:أيّها (5)الناس إنّ الصّلاة بالليل في شهر رمضان من (6)النافلة في جماعة بدعة و صلاة الضحى بدعة،ألا فلا تجتمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل،و لا تصلّوا صلاة الضحى فإنّ ذلك معصية،ألا و إنّ كلّ بدعة ضلالة و
ص:136
كلّ ضلالة سبيلها إلى النار،ثمَّ نزل و هو يقول:قليل في سنّة خير من كثير في بدعة» (1).
و لأنّ الإجماع واقع على استحباب الصّلاة،إلاّ من شذّ.
و هو مذهب علمائنا عدا ابن بابويه (2).
و قال الثوريّ (3)،و أبو حنيفة (4)،و الشافعيّ (5)،و أحمد:ستّ مائة ركعة،في كلّ ليلة عشرون (6).
و قال مالك:ألف و ثمانون ركعة،في كلّ ليلة ستّ و ثلاثون (7).
لنا:رواية المفضّل بن عمر،و قد تقدّمت (8).
و ما رواه الشيخ عن جميل بن صالح (9)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن
ص:137
استطعت أن تصلّي في شهر رمضان و غيره في اليوم و الليلة ألف ركعة فافعل،فإنّ عليّا عليه السّلام كان يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة» (1).
احتجّ أبو حنيفة (2)بأنّ عمر جمع الناس على أبيّ و كان أبيّ يصلّي بهم عشرين ركعة كلّ ليلة،فإذا كان في العشر الأواخر تخلّف أبيّ فصلّى في بيته و كانوا يقولون:أبق أبيّ (3).
و بأنّ عليّا عليه السّلام أمر رجلا يصلّي بهم في رمضان عشرين ركعة (4).
و احتجّ مالك بأنّ صالحا (5)قال:أدركت الناس يقومون بإحدى و أربعين ركعة يوترون منها بخمس (6).
و الجواب عن الأوّل:أنّه إنّما دلّ على صلاة عشرين في العشرين الأولى و نحن نقول به.
و يؤيّده:استتار أبيّ في بيته في العشر الأواخر.
و عن حجّة مالك:بأنّ صالحا ضعيف.و أيضا:فالناس الذين أخبر عنهم ربّما لا يكونون من أهل الاتّباع.
ص:138
من أوّل الشهر إلى ليلة عشرين منه،و في كلّ ليلة من العشر الأواخر ثلاثين ركعة.و إنّما اختلفوا في ليالي الإفراد:ليلة تسع عشرة،و إحدى و عشرين،و ثلاث و عشرين.فقال أكثرهم:إنّه يصلّي فيها ثلاثمائة،في كلّ ليلة مائة،زائدة على ما وظّف،و هذه هي الألف (1).
و قال آخرون منهم:إنّه يصلّي في كلّ ليلة منها تمام المائة على ما وظّف،فيتخلّف عليه ثمانون،يصلّي في كلّ جمعة من الشهر عشر ركعات،أربع منها صلاة أمير المؤمنين عليه السّلام،و ركعتان صلاة فاطمة عليها السّلام،و أربع صلاة جعفر بن أبي طالب عليه السّلام،[و تصلّى في ليلة الجمعة في العشر الأواخر لأمير المؤمنين عليه السّلام عشرين ركعة] (2)و في عشيّة آخر جمعة ليلة السبت عشرين ركعة صلاة فاطمة عليها السّلام (3).
و الأوّل:رواية مسعدة بن صدقة (4)عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (5)،و رواية سماعة بن مهران (6).
ص:139
و الثاني:رواية عبد اللّه بن سنان،و سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و رواية إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السّلام (1)،و المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (2).
إحداهما:أنّه يصلّي بعد المغرب ثمانيا و بعد العشاء اثنتي عشرة.و كذا في الثلاثين يصلّي بعد المغرب ثمانيا و الباقي بعد العشاء،و هي المشهورة بين الأصحاب.رواها الشيخ في الصّحيح عن عليّ بن يقطين،عن أبي جعفر عليه السّلام (3).و رواها عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (4)،و عن عليّ بن أبي حمزة عنه عليه السّلام (5).و رواها عن أبي بصير عنه عليه السّلام (6)،و عن عبد اللّه بن سنان و سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،و عن إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السّلام (7).
و الثانية:أنّه يصلّي بعد المغرب اثنتي عشرة ركعة،و ما يخلف من العشرين و الثلاثين
ص:140
بعد العشاء.رواها الشيخ عن سماعة (1).و الرّوايتان جائزتان.
مرّات.
رواها الشيخ عن الجعفريّ أنّه سمع العبد الصالح عليه السّلام يقول:«في ليلة إحدى و عشرين،و ثلاث و عشرين مائة ركعة يقرأ في كلّ ركعة قل هو اللّه أحد عشر مرّات» (2).
و رواه عن عبد اللّه بن سنان و سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،و عن إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السّلام (3)،و عن محمّد بن أحمد بن مطهّر عن أبي محمّد عليه السّلام (4).
و يستحبّ أن يصلّي ليلة النصف منه-زيادة على ألف-مائة ركعة،يقرأ في كلّ ركعة «الحمد»مرّة و«قل هو اللّه أحد»عشر مرّات.رواه الشيخ عن سليمان بن عمرو (5)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام:من صلّى ليلة النصف من شهر رمضان مائة ركعة،يقرأ في كلّ ركعة ب«قل هو اللّه أحد»عشر مرّات،أهبط اللّه عزّ و جلّ إليه من الملائكة عشرة يدرءون عنه أعداءه من الجنّ و الإنس،و أهبط اللّه إليه عند موته ثلاثين ملكا يؤمنونه من النار» (6).
ص:141
و قال مالك (1)،و الشّافعيّ:
الأفضل فيها الانفراد (2).و قال أبو حنيفة (3)،و أحمد:الأفضل الاجتماع (4).
لنا:ما رواه الجمهور عن زيد بن ثابت قال:احتجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حجيرة (5)بخصفة أو حصير،فخرج إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي فيها،قال:
فتبع إليه رجال و جاؤا يصلّون بصلاته،ثمَّ جاؤا ليلة فحضروا و أبطأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنهم،فلم يخرج إليهم،فرفعوا أصواتهم و حصبوا الباب،فخرج إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مغضبا،فقال لهم:«ما زال بكم صنيعكم حتّى ظننت أنّه سيكتب عليكم،فعليكم بالصّلاة في بيوتكم،فإنّ خير صلاة المرء في بيته،إلاّ المكتوبة» (6).
و ما رووه عن عليّ عليه السّلام أنّه لم يجمع فيها (7)،و لو كانت الجماعة مشروعة لسارع إليها،و لما زهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيها.
و من طريق الخاصّة:رواية الفضل البقباق و عبيد بن زرارة،و قد تقدّمت (8).
و رواية زرارة،و محمّد بن مسلم،و الفضيل عنهما عليهما السّلام (9).
و ما رواه الشيخ عن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن الصّلاة في
ص:142
رمضان في المساجد،قال:«لمّا قدم أمير المؤمنين عليه السّلام الكوفة أمر الحسن بن عليّ عليهما السّلام أن ينادي في الناس:لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة،فنادى في الناس الحسن بن عليّ عليهما السّلام بما أمره به أبوه أمير المؤمنين عليه السّلام،فلمّا سمع الناس مقالة الحسن بن عليّ عليهما السّلام صاحوا:وا عمراه وا عمراه،فلمّا رجع الحسن إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال له:ما هذا الصوت؟قال:يا أمير المؤمنين،الناس يصيحون:
وا عمراه وا عمراه.فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:قل لهم صلّوا» (1).
احتجّ المخالف بما رووه عن عليّ عليه السّلام،و جابر،و عبد اللّه أنّهم كانوا يصلّونها جماعة (2).
و بما رووه عن عمر أنّه خرج ليلة في رمضان فإذا الناس أوزاع متفرّقون يصلّي الرجل لنفسه و يصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط،فقال عمر:إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل،ثمَّ عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب قال:ثمَّ خرجت معه ليلة أخرى و الناس يصلّون بصلاة قارئهم،فقال:نعمت البدعة هذه (3).
و الجواب:أمّا فعل عليّ عليه السّلام فقد ثبت بالنقل عن أبنائه عليهم السّلام أنّه وقع منفردا،و هم أعرف بصنيع (4)أبيهم و معالم الشريعة.
و أمّا حديث عمر فلا احتجاج به،إذ قد ثبت أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله لم يجمع، و فعله هو الحجّة لا فعل غيره.
و أيضا:فإنّ أبا بكر لم يجمع،فليس قول عمر بأولى من قوله.
و أيضا:فإنّ عمر قد اعترف بأنّها بدعة في قوله:نعمت البدعة،و لو كان الاجتماع مشروعا عنده لما كان بدعة.
ص:143
بما نقله الشيخ رحمه اللّه في التهذيب (1)و المصباح (2)،و الوداع في آخر ليلة من الشهر (3)، (4)و ما نقله من الأدعية و التسبيح و غير ذلك (5).
خلافا لبعض الجمهور (6).
لنا:أنّه يوم من شعبان،إذ الأصل البقاء.و لأنّ صومه محرّم،فالصّلاة فيه غير مسنونة.
احتجّ المخالف (7)بقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ اللّه فرض عليكم صيامه،و سننت لكم قيامه» (8).فجعل القيام مع الصّيام.
و الجواب:كذلك نقول نحن،فإنّ الصّوم محرّم فيه،لما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:من صام يوم الشكّ فقد عصى أبا القاسم (9).سلّمنا،لكن الصّيام إنّما وجب على قولهم احتياطا للواجب،و الصّلاة (10)غير واجبة،فتبقى على الأصل.
ص:144
و هو مذهب علمائنا أجمع و بعض الجمهور (2)،خلافا لأحمد (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال للعبّاس ابن عبد المطّلب:«يا عمّاه،ألا أعطيك،ألا أمنحك،ألا أحبوك،ألا أفعل بك عشر خصال،إذا أنت فعلت ذلك غفر اللّه لك ذنبك،أوّله و آخره،و قديمه و حديثه،خطأه و عمده،صغيره و كبيره،سرّه و علانيته؟عشر خصال:أن تصلّي أربع ركعات تقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب و سورة،فإذا فرغت من القراءة قلت:أن تصلّي أربع ركعات تقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب و صورة،فإذا فرغت من القراءة قلت:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،خمس عشرة مرّة،ثمَّ تركع و تقولها عشرا و أنت راكع،ثمَّ ترفع رأسك من الرّكوع فتقولها عشرا،ثمَّ تهوي ساجدا فتقولها و أنت ساجد عشرا،ثمَّ ترفع رأسك من السّجود فتقولها عشرا،ثمَّ تسجد فتقولها عشرا،ثمَّ ترفع رأسك فتقولها عشرا،فذلك خمس و سبعون في كلّ ركعة،تفعل ذلك في الأربع ركعات،إن استطعت أن تصلّيها في كلّ يوم مرّة فافعل، فإن لم تفعل ففي كلّ جمعة مرّة،فن لم تفعل ففي كلّ شهر مرّة،فإن لم تفعل ففي كلّ سنة مرّة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرّة».رواه أبو داود،و الترمذيّ (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصّحيح عن بسطام (5)،عن أبي عبد اللّه
ص:145
عليه السّلام قال:قال له رجل:جعلت فداك،أ يلتزم الرّجل أخاه؟فقال:«نعم،إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم افتتح خيبر أتاه الخبر أنّ جعفرا قد قدم،فقال:و اللّه ما أدري بأيّهما أنا أشدّ سرورا،بقدوم جعفر،أو بفتح خيبر؟»قال:«فلم يلبث أن جاء جعفر» قال:«فوثب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فالتزمه و قبّل ما بين عينيه»قال:فقال له الرّجل:الأربع ركعات التي بلغني أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر جعفرا عليه السّلام أن يصلّيها؟فقال:«لمّا قدم عليه قال له:يا جعفر،إلا أعطيك،ألا أمنحك،ألا أحبوك؟» قال:«فتشوّف الناس و رأوا أنّه يعطيه ذهبا أو فضّة،قال:بلى يا رسول اللّه،قال:صلّ أربع ركعات،متى ما صلّيتهنّ غفر لك ما بينهنّ،إن استطعت كلّ يوم و إلاّ فكلّ يومين،أو كلّ جمعة،أو كلّ شهر،أو كلّ سنة،فإنّه يغفر لك ما بينهما،قال:كيف أصلّيها؟قال (1):تفتتح الصّلاة ثمَّ تقرأ ثمَّ تقول خمس عشرة مرّة و أنت قائم:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،فإذا ركعت قلت ذلك عشرا،و إذا رفعت رأسك فعشرا،و إذا سجدت فعشرا، فإذا رفعت رأسك فعشرا،و إذا سجدت الثانية عشرا،و إذا رفعت رأسك عشرا،فذلك خمس و سبعون تكون ثلاثمائة في أربع ركعات فهنّ ألف و مائتان» (2).
لا يقال:روايتكم منافية لرواية الجمهور،إذ قد نسبتم الصّلاة إلى جعفر عليه السّلام، و في تلك نسبت إلى العبّاس عليه السّلام.
لأنّا نقول:روايتنا أرجح،لأنّها منقولة عن أهل البيت عليهم السّلام،كجعفر و موسى عليهما السّلام،و هم أعرف.و نحن إنّما ذكرنا تلك الرّواية احتجاجا على أحمد،النافي لمشروعيّتها (3).
ص:146
الأوّل:يستحبّ أن يقرأ في الأولى مع«الحمد»«الزلزلة»،و في الثانية«العاديات»، و في الثالثة«النصر»،و في الرابعة«التوحيد»،لما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد،عن أبي الحسن عليه السّلام قال:«يقرأ في الأولى إذا زلزلت،و في الثانية و العاديات،و في الثالثة إذا جاء نصر اللّه،و في الرابعة قل هو اللّه أحد» (1).
و روى الشيخ في الصحيح عن إبراهيم بن أبي البلاد،عن أبي الحسن عليه السّلام قال:«اقرأ فيها إذا زلزلت الأرض،و إذا جاء نصر اللّه،و إنّا أنزلناه في ليلة القدر،و قل هو اللّه أحد» (2).
و الأولى أشهر بين الأصحاب،و الثانية أصحّ طريقا،فمن عمل بأيّهما كان حاز الأجر (3).و هاهنا رواية ثالثة صحيحة السند عن بسطام،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:
«و تقرأ في كلّ ركعة بقل هو اللّه أحد و قل يا أيّها الكافرون» (4).
الثاني:روى الشيخ عن أبان قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«من كان مستعجلا يصلّي صلاة جعفر مجرّدة،ثمَّ يقضي التسبيح و هو ذاهب في حوائجه» (5).
الثالث:يستحبّ أن يدعو في آخر سجدة من الأربع بما رواه الشيخ عن أبي سعيد المدائنيّ (6)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:سبحان من لبس العزّ و الوقار.إلخ (7).
الرابع:هذه النافلة تصلّى كلّ ركعتين بتسليمة،و كذا كلّ النوافل إلاّ الوتر و صلاة
ص:147
الأعرابيّ.
الخامس:روى الشيخ في الصّحيح عن عليّ بن سليمان (1)قال:كتبت إلى الرجل عليه السّلام:ما تقول في صلاة التسبيح في المحمل؟فكتب:«إذا كنت مسافرا فصلّ» (2).
السادس:روي عن ذريح بن محمّد المحاربيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صلاة جعفر أحتسب بها من نافلتي؟فقال:«ما شئت من ليل أو نهار» (3).
السابع:روى الشيخ في الصّحيح (4)عن عليّ بن الرّيّان قال:كتبت إلى (5)الماضي الأخير عليه السّلام أسأله عن رجل صلّى صلاة جعفر ركعتين،ثمَّ تعجله عن الركعتين الأخيرتين حاجة،أو يقطع ذلك لحادث يحدث (6)،أ يجوز له أن يتمّها إذا فرغ من حاجته و إن قام عن مجلسه،أم لا يحتسب ذلك إلاّ أن يستأنف الصّلاة و يصلّي الأربع ركعات كلّها في مقام واحد؟فكتب عليه السّلام:«[بلى] (7)إن قطعه عن ذلك أمر لا بدّ له منه فليقطع ذلك ثمَّ ليرجع فليبن على ما بقي منها إن شاء اللّه تعالى» (8).
و هي أربع ركعات بتسليمتين،يقرأ في كلّ ركعة ب«فاتحة الكتاب»و«قل هو اللّه أحد»خمسين مرّة.روى ابن بابويه في الصحيح عن هشام بن سالم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«من صلّى أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة بخمسين مرّة قل هو اللّه أحد كانت صلاة فاطمة عليها السلام،و هي صلاة
ص:148
الأوّابين» (1).
و روى في الصّحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«من توضّأ فأسبغ الوضوء،و افتتح الصّلاة فصلّى أربع ركعات يفصل بينهنّ بتسليمة،يقرأ في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب و قل هو اللّه أحد خمسين مرّة انفتل حين ينفتل و ليس بينه و بين اللّه عزّ و جلّ ذنب إلاّ غفر له» (2).
و الشيخ نسب هذه الصّلاة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام،و نقل صلاة فاطمة عليها السلام على غير هذه الصفة،و هي ركعتان يقرأ في الأولى منهما«الحمد»مرّة و«القدر»مائة مرّة،و في الثانية«الحمد»مرّة و«التوحيد»مائة مرّة (3).و نقل أيضا الشيخ صلاة أخرى عنها صلّى اللّه عليها و آلها،و هي ركعتان يقرأ في الأولى«الحمد»مرّة و«قل هو اللّه أحد»خمسين مرّة،و في الثانية كذلك (4).
و هي ركعتان يقرأ في كلّ ركعة«الحمد»مرّة و«إنّا أنزلناه»خمس عشرة مرّة،ثمَّ يركع و يقرأها خمس عشرة مرّة،ثمَّ يرفع رأسه و يقرأها كذلك،ثمَّ يسجد و يقرأها خمس عشرة مرّة،ثمَّ يرفع رأسه فيقرأها كذلك،ثمَّ يسجد ثانيا فيقرأها خمس عشرة مرّة،ثمَّ يرفع رأسه (5)و يقوم، فيفعل كما فعل في الأولى.
ابن عمارة (1)، (2)و عن عتبة بن[أبي] (3)الزبير (4)جميعا،عن جعفر بن محمّد،عن أبيه،عن جدّه،عن عليّ عليهم السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من صلّى أربع ركعات يوم الجمعة قبل الصّلاة،يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب عشر مرّات،و قل أعوذ بربّ الناس عشر مرّات،و قل أعوذ بربّ الفلق عشر مرّات و قل هو اللّه أحد عشر مرّات، و قل يا أيّها الكافرون عشر مرّات،و آية الكرسيّ عشر مرّات» (5)و في رواية أخرى:«إنّا أنزلناه عشر مرّات،و شهد اللّه عشر مرّات،فإذا فرغ من الصّلاة استغفر اللّه مائة مرّة،ثمَّ يقول:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم مائة مرّة،و يصلّي على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مائة مرّة،دفع اللّه عنه شرّ أهل السّماء و شرّ أهل الأرض» (6).
خبّرتهم (1)به.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إذا كان ارتفاع النهار فصلّ ركعتين تقرأ في أوّل ركعة (2)الحمد مرّة و قل أعوذ بربّ الفلق سبع مرّات،و اقرأ في الثانية الحمد مرّة و قل أعوذ بربّ الناس سبع مرّات،فإذا سلّمت فاقرأ آية الكرسيّ سبع مرّات،ثمَّ قم فصلّ ثمان ركعات بتسليمتين،و اقرأ في كلّ ركعة منها الحمد مرّة،و إذا جاء نصر اللّه و الفتح مرّة، و قل هو اللّه أحد خمسا و عشرين مرّة،فإذا فرغت من صلاتك فقل:سبحان اللّه ربّ العرش الكريم،و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم سبعين مرّة،فو الذي اصطفاني بالنبوّة،ما من مؤمن و لا مؤمنة يصلّي هذه الصّلاة يوم الجمعة كما أقول،إلاّ و أنا ضامن له الجنّة،و لا يقوم من مقامه حتّى يغفر اللّه له ذنوبه و لأبويه ذنوبهما» (3).
روى الشيخ عن أحمد بن محمّد السيّاري (4)، رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من صلّى ليلة الفطر ركعتين يقرأ في أوّل ركعة منهما الحمد و قل هو اللّه أحد ألف مرّة،و في الرّكعة الثانية الحمد و قل هو اللّه أحد مرّة واحدة،لم يسأل اللّه تعالى شيئا إلاّ أعطاه إيّاه» (5).
لما فيها من الشكر للّه تعالى على ما منّ به من الهداية و إكمال الدّين و إتمام النعمة،و هي ركعتان.روى الشيخ عن عليّ بن الحسين
ص:151
العبديّ (1)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«و من صلّى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة يسأل اللّه عزّ و جلّ،يقرأ في كلّ ركعة سورة الحمد مرّة،و عشر مرّات قل هو اللّه أحد،و عشر مرّات آية الكرسيّ،و عشر مرّات إنّا أنزلناه،عدلت عند اللّه عزّ و جلّ مائة ألف حجّة و مائة ألف عمرة،و ما سأل اللّه عزّ و جلّ حاجة من حوائج الدّنيا و الآخرة إلاّ قضيت،كائنا ما كانت الحاجة» (2).
الثاني:يستحبّ أن يسجد عقيب الصّلاة و يقول:شكرا للّه مائة مرّة،و يدعو بالدعاء المذكور في المصباح للشيخ،لرواية عمّار.و لأنّ فيه اعترافا بالنعمة.
الثالث:لو فاتت استحبّ (1)قضاؤها،عملا بعموم الأمر الدالّ على استحباب قضاء النوافل.و بما (2)رواه الشيخ عن عليّ بن الحسين العبديّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:
«و إن فاتتك الرّكعتان و الدعاء قضيتها بعد ذلك» (3).
الرّابع:يستحبّ في هذا اليوم الصّيام،لما رواه الشيخ عن الحسن بن راشد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت:فما لمن صامه؟قال:«صيام ستّين شهرا» (4).
و يستحبّ فيه صلة الرحم و الإخوان،لرواية زياد بن محمّد (5)عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (6).
و يستحبّ فيه زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام.
و يستحبّ فيه الصدقة،و المعروف،و الاستكثار من الخير.و هو يوم عظيم ورد فيه أمور كثيرة من الفضائل.
و هي أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة«الحمد»مرّة،و«قل هو اللّه أحد»مائة مرّة،و يدعو بالدعاء المنقول.روى الشيخ
ص:153
ذلك عن أبي يحيى الصنعانيّ (1)،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام.قال:و رواه ثلاثون رجلا ممّن يوثق به عنهما عليهما السلام (2).و هي ليلة شريفة ولد فيها صاحب الأمر عليه السّلام،فينبغي فيها الاستكثار من الشكر للّه على هذه النعمة.
أمّا الليلة،فقد روى الشيخ عن صالح بن عقبة،عن أبي الحسن عليه السّلام قال:
«صلّ ليلة سبع و عشرين من رجب،أيّ وقت شئت من الليل،اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كلّ ركعة الحمد و المعوّذتين و قل هو اللّه أحد أربع مرّات،فإذا فرغت قلت و أنت في مكانك،أربع مرّات:لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و الحمد للّه و سبحان اللّه و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه،ثمَّ ادع بما شئت» (3).
و روى الشيخ عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الرّضا عليهما السّلام قال:«إذا صلّيت العشاء الآخرة و أخذت مضجعك،ثمَّ استيقظت أيّ ساعة من الليل إلى قبل الزوال،صلّيت اثنتي عشرة ركعة،تقرأ في كلّ ركعة الحمد و سورة من خفاف المفصّل،فإذا سلّمت في كلّ شفع جلست بعد التسليم و قرأت الحمد سبعا،و المعوّذتين سبعا،و قل هو اللّه أحد و قل يا أيّها الكافرون و إنّا أنزلناه و آية الكرسيّ سبعا سبعا،و قل الدعاء»إلخ (4).
ص:154
و أمّا صلاة اليوم،فقد رواها الشيخ عن الرّيّان بن الصّلت قال:أمرنا أبو جعفر الثاني عليه السّلام بصوم السابع و العشرين من رجب،و أمرنا أن نصلّي الصّلاة التي هي اثنتا عشرة ركعة،تقرأ في كلّ ركعة«الحمد»و سورة،قال:«فإذا فرغت قرأت الحمد أربعا، و قل هو اللّه أحد أربعا،و المعوّذتين أربعا،و قلت (1):لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و سبحان اللّه و الحمد للّه (2)و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم أربعا،اللّه اللّه ربّي لا أشرك (3)به شيئا أربعا،لا أشرك بربي أحدا أربعا» (4).
و رواها محمّد بن يعقوب عن عليّ بن محمّد رفعه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (5).
و العشرين من ذي الحجّة أيضا
(7)مع صلاتها في ذلك اليوم،و هو اليوم الذي تصدّق فيه أمير المؤمنين عليه السّلام بخاتمه و هو راكع في الصّلاة و نزلت (8)فيه قوله تعالى إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ (9)الآية.و ذلك،لأنّ فيه اعترافا بنعمة اللّه تعالى،و شكرا على ما منّ به من إكمال الدين و ثبوت الولاية لأهلها.و هو أيضا يوم المباهلة على قول،و على قول هو يوم الخامس و العشرين من ذي الحجة (10).
و يستحبّ أيضا فيه الصّلاة،لأنّ فيها شكرا للّه تعالى على ثبوت كرامة لمحمّد صلّى اللّه
ص:155
عليه و آله و لأهل بيته عليهم السّلام.و الدعاء فيه مستحبّ بالمأثور.
مسألة:و روى الشيخ عن داود بن فرقد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه يستحبّ أن تصلّى ليلة النصف من رجب صلاة ليلة المبعث (1).
مسألة:روى (2)الشيخ عن عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«من صلّى أربع ركعات في كلّ يوم قبل الزوال،يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب،و خمسا و عشرين مرّة إنّا أنزلناه،لم يمرض مرضا،إلاّ مرض الموت» (3).
و روى الشيخ عن أبي برزة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من صلّى في كلّ يوم اثنتي عشرة ركعة،بنى اللّه له بيتا في الجنّة» (4).
و روى الشيخ عن أبي الحسن موسى،عن أبيه،عن آبائه،عن عليّ عليهم السّلام قال:«من صلّى (5)أربع ركعات عند زوال الشمس،يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب و آية الكرسيّ،عصمه اللّه تعالى في أهله و ماله و دينه و دنياه» (6).
مسألة:و روى الشيخ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«من صلّى ليلة السبت أربع ركعات،يقرأ في كلّ ركعة:الحمد مرّة،و آية الكرسيّ ثلاث مرّات،و قل هو اللّه أحد مرّة، فإذا سلّم قرأ في دبر هذه الصّلاة آية الكرسيّ ثلاث مرّات،غفر اللّه تعالى له و لوالديه» (7).
و«من صلّى يوم السبت أربع ركعات،يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب و ثلاث مرّات قل يا أيّها الكافرون،فإذا فرغ منها قرأ آية الكرسيّ مرّة،كتب اللّه تعالى له بكلّ يهوديّ
ص:156
و يهوديّة عبادة سنة» (1).
و«من صلّى ليلة الأحد أربع ركعات،يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة،و آية الكرسيّ مرّة،و سبّح اسم ربّك الأعلى مرّة،و قل هو اللّه أحد مرّة،جاء يوم القيامة و وجهه كالقمر ليلة البدر،و متّعه اللّه تعالى بعقله حتّى يموت» (2).
و«من صلّى يوم الأحد أربع ركعات،يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة، و آمَنَ الرَّسُولُ (3)إلى آخرها،كتب اللّه تعالى له بكلّ نصرانيّ و نصرانيّة عبادة ألف سنة» (4).
و«من صلّى ليلة الاثنين أربع ركعات،يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب سبع مرّات، و إنّا أنزلناه مرّة واحدة،و يفصل بينهما بتسليمة،فإذا فرغ يقول مائة مرّة:اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد،و مائة مرّة:اللّهمّ صلّ على جبرئيل،أعطاه اللّه سبعين ألف قصر في الجنّة، في كلّ قصر سبعون ألف دار،في كلّ دار سبعون ألف بيت،في كلّ بيت سبعون ألف جارية» (5).
و«من صلّى يوم الاثنين أربع ركعات،يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب سبع مرّات، و إنّا أنزلناه في ليلة القدر مرّة»و عمل كما قلناه في صلاة الليلة«أعطاه اللّه سبعين ألف قصر في الجنّة» (6)تمام الحديث الّذي ذكرناه.
و روى الشيخ عنه صلّى اللّه عليه و آله قال:«من صلّى ليلة الثلاثاء ركعتين،يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب،و آية الكرسيّ،و قل هو اللّه أحد،و شهد اللّه[مرّة] (7)مرّة أعطاه
ص:157
اللّه ما سأل» (1).
و«من صلّى يوم الثلاثاء عشرين ركعة بعد انتصاف النهار،يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب و آية الكرسيّ مرّة،و قل هو اللّه أحد ثلاث مرّات،لم يكتب عليه خطيئة إلى سبعين يوما» (2).
و«من صلّى ليلة الأربعاء ركعتين،يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب،و آية الكرسيّ، و قل هو اللّه أحد،و إنّا أنزلناه في ليلة القدر مرّة مرّة،غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر» (3).
و«من صلّى يوم الأربعاء اثنتي عشرة ركعة،يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة،و قل هو اللّه أحد ثلاث مرّات،و قل أعوذ بربّ الفلق ثلاث مرّات،و قل أعوذ بربّ الناس ثلاث مرّات،نادى مناد من عند العرش:يا عبد اللّه،استأنف العمل،فقد غفر لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر» (4).
و«من صلّى ليلة الخميس بين المغرب و العشاء ركعتين،يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة،و آية الكرسيّ خمس مرّات،و قل يا أيّها الكافرون و قل هو اللّه أحد و المعوّذتين كلّ واحد منها (5)خمس مرّات،فإذا فرغ من صلاته استغفر اللّه تعالى خمس عشرة مرّة و جعل ثوابه لوالديه،فقد أدّى حقّ والديه» (6).
و«من صلّى يوم الخميس ما بين الظهر و العصر ركعتين،يقرأ في أوّل ركعة (7)بفاتحة
ص:158
الكتاب و آية الكرسيّ مائة مرّة،و في الثانية بفاتحة (1)الكتاب و قل هو اللّه أحد مائة مرّة، فإذا فرغ من صلاته استغفر اللّه مائة مرّة،و صلّى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مائة مرّة،لا يقوم من مقامه حتّى يغفر اللّه له البتّة» (2).
و يستحبّ طلب العلم فيه و في الاثنين،و قراءة سورة المائدة فيه،و زيارة الشهداء و قبور المؤمنين،و الصّلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيه ألف مرّة.
و روى الشيخ عنه صلّى اللّه عليه و آله:«من صلّى ليلة الجمعة بين المغرب و العشاء اثنتي عشرة ركعة،يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب و قل هو اللّه أحد أربعين مرّة،لقيته على الصراط و صافحته،و من لقيته و صافحته على الصراط كفيته الحساب و الميزان» (3).
و من صلّى فيها عشرين ركعة،في كلّ ركعة«فاتحة الكتاب»و«قل هو اللّه أحد» عشر مرّات،حفظه اللّه في أهله و ماله و دينه و دنياه و آخرته (4).
و من صلّى فيها ركعتين،يقرأ في كلّ ركعة«فاتحة الكتاب»،و خمس عشرة مرّة«إذا زلزلت»،آمنه اللّه من عذاب القبر و من أهوال يوم القيامة (5).
و روي استحباب صلاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و صلاة أمير المؤمنين عليه السّلام، و فاطمة عليها السّلام،و جعفر بن أبي طالب عليه السّلام يوم الجمعة (6).
يقرأ في الأولى«الحمد» و قوله وَ ذَا النُّونِ إلى قوله وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (7)و في الثانية«الحمد»و قوله:
ص:159
وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ (1)إلى آخر الآية،فإذا فرغ من القراءة رفع يديه و قال:اللّهمّ إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ أنت،أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و أن تفعل بي كذا و كذا،ثمَّ تقول:اللّهمّ أنت وليّ نعمتي و القادر على طلبتي تعلم حاجتي، فأسألك بحقّ محمّد و آله (2)عليه و عليهم السّلام لمّا قضيتها لي.رواها الشيخ عن هشام ابن سالم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (3).
و روي عن الصّادق عن أبيه،عن آبائه،عن أمير المؤمنين عليهم السّلام،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«أوصيكم بركعتين بين العشائين،تقرأ في الأولى الحمد و إذا زلزلت ثلاث عشرة مرّة،و في الثانية الحمد مرّة و قل هو اللّه أحد خمس عشرة مرّة، فإنّه من فعل ذلك في كلّ شهر كان من المتّقين،فإن فعل ذلك كلّ سنة كتب من المحسنين،فإن فعل ذلك في كلّ جمعة كتب من المصلحين،فإن فعل ذلك في كلّ ليلة زاحمني في الجنّة و لم يحص ثوابه إلاّ اللّه تعالى» (4).
و هو مذهب علمائنا و أكثر الجمهور (5)خلافا لبعضهم (6).
لنا:ما روى الجمهور عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها،كما يعلّمنا السورة من القرآن يقول:«إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة،ثمَّ ليقل:اللّهمّ إنّي أستخيرك»إلى آخر
ص:160
الدّعاء.رواه البخاريّ (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصّحيح عن عمرو بن حريث قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«صلّ ركعتين و استخر اللّه،فو اللّه ما استخار اللّه مسلم إلاّ خار (2)له البتّة» (3).
و ما رواه عن جابر،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام إذا همّ بأمر حجّ أو عمرة أو بيع أو شراء أو عتق،تطهّر ثمَّ صلّى ركعتين للاستخارة،يقرأ فيهما سورة الحشر و سورة الرحمن،ثمَّ يقرأ المعوّذتين[و قل هو اللّه أحد] (4)،ثمَّ يقول:اللّهمّ إن كان كذا و كذا خيرا لي في ديني و دنياي و عاجل أمري و آجله فيسّره لي على أحسن الوجوه و أجملها،اللّهمّ و إن كان كذا و كذا شرّا لي في ديني و دنياي و آخرتي و عاجل أمري و آجله فاصرفه عنّي على أحسن الوجوه،ربّ اعزم لي[على] (5)رشدي و إن كرهت ذلك أو أبته نفسي» (6).
و ما رواه عن مرازم قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا أراد أحدكم شيئا فليصلّ ركعتين و ليحمد اللّه و ليثن عليه،ثمَّ يصلّي على محمّد و آله (7)و يقول:اللّهمّ إن كان هذا الأمر خيرا لي في ديني و دنياي فيسّره لي و قدّره،و إن كان على غير ذلك فاصرفه عنّي» فسألته عن أيّ شيء أقرأ فيهما؟فقال:«اقرأ فيهما ما شئت،و إن شئت قرأت قل هو اللّه أحد و قل يا أيّها الكافرون» (8).
ص:161
و ما رواه الشيخ عن هارون بن خارجة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا أردت أمرا فخذ ستّ رقاع،فاكتب في ثلاث منها:بسم اللّه الرحمن الرّحيم خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل،ثمَّ ضعها تحت مصلاّك،ثمَّ صلّ ركعتين،فإذا فرغت فاسجد سجدة و قل فيها مائة مرّة:أ أستخير اللّه برحمته خيرة في عافية،ثمَّ استو جالسا و قل:اللّهمّ خر لي في جميع أموري في يسر منك و عافية،ثمَّ اضرب بيدك إلى الرقاع فشوّشها و اخرج واحدة،فإن خرج ثلاث متواليات افعل فافعل الأمر الذي تريده،و إن خرج ثلاث متواليات لا تفعل فلا تفعله،و إن خرجت واحدة افعل و الأخرى لا تفعل فاخرج من الرقاع إلى خمس،فانظر أكثرها فاعمل به،و دع السادسة لا تحتاج إليها» (1).
و ما رواه في الموثّق عن ابن فضّال قال:سأل الحسن بن الجهم أبا الحسن عليه السّلام لابن أسباط فقال له:ما ترى له-و ابن أسباط حاضر و نحن جميعا-يركب البحر أو البرّ إلى مصر؟و أخبره بخبر طريق البرّ،فقال (2)«فأت المسجد في غير وقت صلاة فريضة فصلّ ركعتين و استخر (3)اللّه مائة مرّة،ثمَّ انظر أيّ شيء يقع (4)في قلبك،فاعمل به»و قال له الحسن:البرّ أحبّ إليّ له،قال:«و إليّ» (5).
لنا:ما رواه[الجمهور] (1)عن عبد اللّه بن أبي أوفى،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من كانت له إلى اللّه حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضّأ و ليحسن الوضوء،ثمَّ ليصلّ ركعتين،ثمَّ ليثن على اللّه تعالى و ليصلّ عليّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،ثمَّ ليقل:لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم»إلخ (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ و ابن بابويه عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«إنّ أحدكم إذا مرض دعا الطبيب و أعطاه،و إذا كانت له حاجة إلى سلطان رشا البوّاب و أعطاه،و لو أنّ أحدكم إذا فدحه (3)أمر فزع إلى اللّه عزّ و جلّ فتطهّر و تصدّق بصدقة،قلّت أو كثرت،ثمَّ دخل المسجد فصلّى ركعتين فحمد اللّه (4)و أثنى عليه، و صلّى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته،ثمَّ قال:اللّهمّ إن عافيتني من مرضي أو رددتني من سفري أو عافيتني ممّا أخاف من كذا و كذا،إلاّ آتاه اللّه ذلك و هي اليمين الواجبة،و ما جعل اللّه تعالى عليه في الشكر» (5).
و قد وردت روايات كثيرة في صلاة الحاجة،ذكرها الشيخ (6)و غيره (7)في كتب العبادات.
روى الشيخ عن هارون بن خارجة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال في صلاة الشكر:«إذا أنعم اللّه عزّ و جلّ عليك بنعمة فصلّ ركعتين،تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب و قل هو اللّه أحد،و تقرأ في الثانية بفاتحة الكتاب و
ص:163
قل يا أيّها الكافرون،و تقول في الرّكعة الأولى في ركوعك و سجودك:الحمد للّه شكرا شكرا و حمدا،و تقول في الرّكعة الثانية في ركوعك و سجودك:الحمد للّه الذي استجاب دعائي و أعطاني مسألتي» (1).
روى الجمهور عن عليّ عليه السّلام قال:«حدّثني أبو بكر و صدق أبو بكر،قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:ما من رجل يذنب ذنبا ثمَّ يقوم فيتطهّر ثمَّ يصلّي ركعتين ثمَّ يستغفر اللّه إلاّ غفر له»ثمَّ قرأ وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ (2)»إلى آخرها (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصّحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«من صلّى أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة قل هو اللّه أحد خمسين مرّة،لم ينفتل و بينه و بين اللّه ذنب» (4).
و قد أورد الشيخ أحاديث كثيرة في عبادات و نوافل متعدّدة (5)،من أرادها فليقف عليها من هناك (6).
و أشدّها تأكيدا في الخمس، و ليست واجبة،إلاّ في الجمعة و العيدين مع الشرائط السابقة،لا على الأعيان و لا على
ص:164
الكفاية.و هو مذهب مالك (1)،و الثوريّ (2)،و أبي حنيفة (3)،و بعض الشافعيّة (4).
و قال الشافعيّ:إنّها فرض على الكفاية في الخمس (5).و ذهب إليه أبو العبّاس ابن[سريج] (6)و أبو إسحاق،و أكثر أصحابه (7).
و قال الأوزاعيّ،و أحمد،و أبو ثور،و داود،و ابن المنذر:إنّها فرض على الأعيان (8).
و هل هي شرط فيها؟أكثر القائلين بالوجوب ذهبوا إلى أنّها ليست شرطا (9).
و قال بعض الحنابلة:إنّها شرط في الصّلاة،فلو أخلّ بها بطلت (10)كسائر واجبات الصّلاة (11).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«تفضل صلاة الجماعة
ص:165
على صلاة الفذّ بخمس و عشرين درجة» (1).و ذلك يدلّ على جوازها.و لأنّه صلّى اللّه عليه و آله لم ينكر على اللذين قالا:صلّينا في رحالنا (2)،و لو كانت واجبة لأنكر عليهما.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:ما يروي الناس أنّ الصّلاة في جماعة أفضل من صلاة الرّجل وحده بخمس و عشرين صلاة،فقال:«صدقوا» (3).
و ما رواه في الصحيح عن زرارة و الفضيل قالا:قلنا له:الصّلاة (4)في جماعة فريضة هي؟فقال:«الصلوات (5)فريضة و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها،و لكنّها سنّة، من تركها رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له» (6).
و ما رواه في الصّحيح عن عبد اللّه بن سنان قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
«صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الفجر فأقبل بوجهه على أصحابه فسأل عن أناس يسمّيهم بأسمائهم،فقال:هل حضروا الصّلاة؟فقالوا:لا يا رسول اللّه،فقال:أغيّب هم؟ فقالوا (7):لا،فقال:أما إنّه ليس من صلاة أشدّ على المنافقين من هذه الصّلاة و العشاء،و لو علموا أيّ فضل فيهما لأتوهما و لو حبوا» (8). (9)و ذلك يؤتي عدم الوجوب.
ص:166
و ما رواه عن محمّد بن عمارة (1)قال:أرسلت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السّلام أسأله عن الرّجل يصلّي المكتوبة وحده في مسجد الكوفة أفضل،أو صلاته في جماعة؟ (2)فقال:«الصّلاة في جماعة أفضل» (3).و لأنّها لو وجبت لكانت شرطا كالجمعة.
احتجّ المخالف (4)بقوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ (5)و لو لم تكن واجبة لرخّص فيها حالة (6)الخوف،و لم يجز الإخلال بواجبات الصّلاة من أجلها.
و بما رواه أبو هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«و الذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب ليحطب،ثمَّ آمر بالصّلاة فيؤذّن لها،ثمَّ آمر رجلا فيؤمّ الناس،ثمَّ أخالف إلى رجال لا يشهدون الصّلاة فأحرق عليهم بيوتهم» (7).
و بما رواه ابن عبّاس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من سمع المنادي فلم يمنعه من اتّباعه عذر،لم تقبل منه الصّلاة التي صلّى» (8).
و بما رواه أبو الدرداء عنه صلّى اللّه عليه و آله قال:«ما من ثلاثة في قرية أو بلد لا تقام فيهم الصّلاة إلاّ استحوذ عليهم الشيطان،فعليك بالجماعة،فإنّ الذئب يأكل
ص:167
القاصية» (1).و الحديثان الأوّلان روى أصحابنا ما يقاربهما (2).
و الجواب عن الأوّل:أنّها لشدّة استحبابها لم يرخّص في تركها في حالتي الاختيار و الاضطرار،كالخوف و العرى،و ذلك لا يدلّ على الوجوب.
و أيضا:فكلّ واحد يطلب براءة ذمّته مبادرا لغلبة ظنّه بالتلف،و صلاة الجميع دفعة واحدة،جماعة أو فرادى،مطلوب الترك،إذ لا حارس لهم حينئذ،فاقتضت الحكمة (3)صلاة الخوف على الوصف المنقول.
قوله (4):لو لم تكن واجبة لم يجز الإخلال بشيء من واجبات الصلاة لها.
قلنا:و لا إخلال فيها،لما يأتي من صفتها.
و عن الثاني:أنّه دالّ على الاستحباب لا على الوجوب.و يؤيّده (5)اهتمامه عليه السّلام بذلك،و لم يضيّق و لم يوجب و لم يفعل.
و عن الثالث:أنّ المراد بذلك صلاة الجمعة.و يحتمل أنّه أراد نفي الكمال دون الإجزاء،كما في قوله:«لا صلاة لجار المسجد إلاّ فيه» (6).
و عن الرابع:أنّه لا يدلّ على الوجوب بل (7)على الإخبار بأنّ الجماعة تطرد
ص:168
الشيطان.و قوله:«فعليك بالجماعة»ليس دالاّ على الوجوب أيضا بل (1)على الحثّ على فعلها دفعا (2)للاستحواذ.
عامّا كان،كالمطر و الوحل،أو خاصّا كالمرض و الخوف و مدافعة الأخبثين و فوات الرفقة و هلاك الطعام و غير ذلك،لشدّة استحبابها.روى ابن بابويه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من صلّى الصلوات الخمس جماعة فظنّوا به كلّ خير» (3).
و روى في الصّحيح عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«لا صلاة لمن لا يشهد الصلاة من جيران المسجد،إلاّ مريض أو مشغول» (4).
أمّا مع المطر و (5)شبهه فإنّه يجوز تركها للضرورة.
و روى ابن بابويه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا ابتلّت النعال فالصلاة في الرّحال» (6).
قال صاحب الصحاح:و النعل:الأرض الغليظة،يبرق حصاها لا تنبت شيئا (7).
بل يستحبّ إعادتها جماعة و سيأتي.
لأنّها ليست واجبة،و الحضور لأجلها أولى أن
ص:169
لا يكون واجبا.و خالف فيه بعض الجمهور (1).و يدلّ عليه أيضا قوله عليه السّلام:
«جعلت لي الأرض طيّبة طهورا و مسجدا،فأيّما رجل أدركته الصّلاة صلّى حيث كان» رواه مسلم (2).
و احتجّ المخالف (3)بقول عليّ عليه السّلام:«لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد» (4).
رواه سعيد.
و الجواب:المراد نفي الكمال،إذ لا يستقيم بدون الإضمار،و إضمار ما ذكرناه أولى، للإجماع الواقع على أنّ صلاة من صلّى خارج المسجد جائزة.
لأنّ المطلوب الاجتماع،لحصول البركة (5)و الدّعاء،و ربّما كان فيهم مستجاب الدّعوة،و لو تساوى المسجدان في الجماعة فهل الأبعد أولى أم الأقرب؟قيل بالأوّل،فتكثر الخطوات فكثرت الحسنات (6).و قيل بالثاني،لأنّه جار له (7).و قال عليه السّلام:«لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد» (8).
ص:170
و لا اعتبار بتقادم عهد المسجد خلافا لبعضهم (1).
و لو كان في جواره مسجد لا ينعقد فيه الجماعة إلاّ به،فالأقرب الصّلاة فيه و أن لا يمضي إلى الأبعد،لأنّه يكون عامرا له بإقامة الجماعة فيه.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،خلافا لأحمد (2)،و بعض الجمهور (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن زيد بن ثابت قال:جاء رجال يصلّون بصلاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فخرج مغضبا و أمرهم أن يصلّوا النوافل في بيوتهم (4).
و رووا عنه عليه السّلام أنّه قال:«أفضل الصّلاة صلاة المرء في بيته،إلاّ المكتوبة» (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصّحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم و الفضيل،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إنّ الصّلاة بالليل في شهر رمضان (6)النافلة في جماعة بدعة» (7).
و ما رواه عن إسحاق بن عمّار،عن الرّضا عليه السّلام،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«و لا يجمع لنافلة» (8).
ص:171
و هو قول فقهاء الأمصار.روى الجمهور عن أبي موسى أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«الاثنان فما فوقهما جماعة» (1).و أمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حذيفة مرّة و ابن مسعود أخرى و ابن عبّاس مرّة (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:«الرّجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه» (3).
الأوّل:لو أمّ الرّجل بعبده أدرك فضيلة الجماعة.و هو اتّفاق العلماء،لوجوب الصّلاة عليه،فكان كالحرّ.
الثاني:لو أمّ بزوجته أو بامرأة أخرى أدركها أيضا.روى الشيخ و ابن بابويه عن الحسن الصيقل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن أقلّ ما يكون الجماعة؟قال:
«رجل و امرأة» (4).
الثالث:لو أمّ صبيّا أدرك الفضيلة أيضا،خلافا لبعض الجمهور (5).
لنا:أنّ صلاته شرعيّة و هو متنفّل شرعا،فأمكن أن يكون مأموما لمفترض كالبالغ، و لهذا قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الرّجل الذي فاتته الجماعة:«من يتصدّق على هذا فيصلّي معه» (6).
ص:172
و هو قول علماء الإسلام.و لو أدرك تكبيرة الركوع أدرك الركعة أيضا بلا خلاف بيننا.أمّا لو لم يدرك التكبيرة و أدرك الإمام في الركوع ففي إدراكه حينئذ إشكال،أقربه الإدراك،لما رواه الشيخ في الحسن عن سليمان بن خالد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في الرّجل:«إذا أدرك الإمام و هو راكع و كبّر الرّجل و هو مقيم صلبه،ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الرّكعة» (1).
و ما رواه في الحسن عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا أدركت الإمام و قد ركع فكبّرت و ركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الرّكعة،فإن رفع الإمام رأسه قبل أن يركع فقد فاتت (2)الرّكعة» (3).
و لأنّه قد أدرك أكثر الرّكعة و لم يفته سوى القراءة،و ليست شرطا في الإدراك،إذ لو التحق (4)به في آخرها أدرك الجماعة إجماعا.
و قال الشيخ:لا يدرك الجماعة إلاّ بإدراك التكبيرة (5)،لما رواه في الصّحيح عن محمّد ابن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:قال لي:«إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للرّكعة فلا تدخل معهم في تلك الرّكعة» (6).
و لما رواه في الصّحيح عن محمّد،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«لا تعتدّ بالرّكعة
ص:173
التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام» (1).
و يمكن الجواب بأنّ من لم يدرك التكبيرة ففي الغالب لا يدرك الرّكعة،و يحمل الإدراك على السّماع لا على متابعة الفعل.
و لا نعرف فيه خلافا،فلا جماعة للمنفرد للتنافي بينهما.
و ما ذكره ابن بابويه في كتابه من أنّ الواحد جماعة،لأنّه إذا دخل المسجد و أذّن و أقام صلّى خلفه صفّان من الملائكة،و متى أقام و لم يؤذّن صلّى خلفه صفّ واحد (2).فذلك محمول على شدّة استحباب الأذان و الإقامة.
الإمام و المأموم شرط في الجماعة،
فلا يجوز صلاة من بينه و بين الإمام حائط و شبهه يمنع مشاهدته أو مشاهدة المأمومين،سواء كان من حيطان المسجد أو غيره،و سواء صلّى في المسجد أو خارجه.و هو قول علمائنا أجمع و أحمد في إحدى الروايتين (3).
و قال الشافعيّ:إن صلّى في المسجد صحّت صلاته،سواء شاهده أو كان في بيت أو غرفة أو حال بينه و بينه حائط.و إن صلّى خارج المسجد و هناك حائل يمنع من المشاهدة و الاستطراق من غير المسجد بطل،و إن كان من حيطان المسجد فأصحّ القولين عنده البطلان أيضا.و إن منع الاستطراق خاصّة كالشباك ففيه وجهان:أحدهما:الجواز.و الثاني:
ص:174
المنع (1).
لنا:ما رواه الجمهور عن عائشة أنّها قالت لنساء كنّ يصلّين في حجرتها:لا تصلّين بصلاة الإمام،فإنّكنّ دونه في حجاب (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إن صلّى قوم و بينهم و بين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام، و أيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة الإمام و بينهم و بين الصّف الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى فليس تلك لهم بصلاة،فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس ذلك لهم بصلاة،إلاّ من كان حيال الباب»قال:و قال:«هذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس و إنّما أحدثها الجبّارون،ليست (3)لمن صلّى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة» (4).و لأنّه لا يمكنه الاقتداء به غالبا.و لأنّه يمنع اتّصال الصفوف.
الأوّل:لو كان الحائل قصيرا لا يمنع من النظر حال القيام و يمنع حال الجلوس فالأقرب أنّه ليس بمانع،إذ المشاهدة الموجبة للمتابعة حاصلة.و قال السيّد المرتضى في المصباح:ينبغي أن يكون بين كلّ صفّين قدر مسقط الجسد،فإن تجاوز ذلك إلى القدر الذي لا يتخطّى لم يجز (5).و يمكن أن يكون مستنده رواية زرارة،و هي حسنة.
الثاني:الطريق ليس بحائل و لا يمنع الائتمام،و لا النهر.و هو قول أكثر علمائنا (6)،
ص:175
و قول مالك (1)،و الشافعيّ (2).
و قال أبو الصّلاح:النهر حائل (3).و قال أبو حنيفة:الطريق و النهر حائلان (4).و هو إحدى الرّوايتين عن أحمد (5).
لنا:عموم الأمر بالجماعة،و المانع من تمكّن الاقتداء و هو الحائل المقتضي لمنع وصول الصوت و المشاهدة زائل.
احتجّ أبو حنيفة بأنّ الطريق ليس محلاّ للصلاة فأشبه ما يمنع الاتّصال (6).
و الجواب:المنع من كون الطريق ليس محلاّ للصّلاة،و كذا النهر،لجواز الصّلاة فيهما، كالمصلّي في السفينة و على الماء الجامد،و كما صلّى أنس على الميّت مأموما و بينه و بين الإمام طريق (7).و لو سلّم ذلك منع الصلاة فيه،أمّا الاقتداء فلا.و لأنّ الطريق لا يمنع الاتّصال في العيد و الجنازة،فكذا في الخمس.
الثالث:ما يمنع الاستطراق لا المشاهدة كالمقاصير المخرمة،قال في المبسوط:لا يمنع الائتمام (8)،و قال في الخلاف:يمنع (9).و للشافعيّ مثل القولين (10).و عوّل في الخلاف على رواية زرارة،و في المبسوط على العموم.
ص:176
الرابع:الجماعة في السفينة جائزة،اتّحدت أو تعدّدت،سواء شدّ بعض المتعدّدة إلى بعض أو لا،عملا بالعموم.و كذا البحث لو كان الإمام في سفينة (1)و المأموم على (2)الشطّ إذا لم يوجد حائل،أو بالعكس.
الخامس:لو لم يشاهد الإمام و شاهد (3)المأموم صحّت صلاته،و إلاّ لبطلت صلاة الصفّ الثاني.و لا نعرف فيه خلافا.
السادس:قال الشيخ:يجوز للنساء أن يصلّين من وراء الجدار مؤتمّات،لأنّ النساء عورة فلا ينبغي لهنّ مخالطة الرّجال (4)،و فضيلة الجماعة متأكّدة فلا ينبغي لهنّ تركها، فساغ لهنّ الصّلاة من وراء الحائل.
و روى الشيخ ذلك عن عمّار قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي بالقوم و خلفه دار فيها نساء،هل يجوز لهنّ أن يصلّين خلفه؟قال:«نعم،إن كان الإمام أسفل منهنّ»قلت:فإن بينهنّ و بينه حائطا أو طريقا؟فقال:«لا بأس» (5).و لا فرق في ذلك بين الحسناء و الشوهاء و الشابّة و المسنّة.
روى ابن بابويه عن هشام بن سالم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها،و صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار» (6).
السابع:لو وقف المأموم خارج المسجد بحذاء الباب و هو مفتوح يشاهد المأمومين في المسجد صحّت صلاته.و لو صلّى قوم على (7)يمينه أو شماله أو ورائه صحّت صلاتهم، لأنّهم يرون من يرى الإمام.
ص:177
و لو وقف بين يدي هذا الصفّ صفّ آخر عن يمين الباب أو يسارها لا يشاهدون من في المسجد لم تصحّ صلاتهم.و لو لم يكن المأمومون في قبلته بل على جانبه،فإن اتّصلت الصفوف به صحّت صلاته و إلاّ فلا.ذكره الشيخ في المبسوط (1).
الثامن:لو وقع حائل بين المأمومين صحّت صلاة من يلي الإمام و بطلت صلاة من كان وراء الحائل.
التاسع:لا بأس بالوقوف بين الأساطين.و لا بأس بوقوف الإمام في المحراب و إن كان مكروها.روى الشيخ في الصّحيح عن عبيد اللّه الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا» (2).
و روى عن منصور بن حازم قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي أصلّي في الطاق على المحراب،فقال:«لا بأس إذا كنت تتوسّع به» (3).
العاشر:لو كان الإمام في سفينة (4)و المأموم في أخرى (5)،و عليهما غطاء يمنع المشاهدة بطلت الجماعة،لأنّهما كالدارين.
الحادي عشر:لو صلّى على سطح داره و كان مشاهدا للإمام أو للمأمومين (6)صحّت صلاته عندنا،لأنّ الشرط المشاهدة،و قد حصلت.
و قال الشافعيّ:لا يجوز قولا واحدا،لأنّها بائنة من المسجد و ليس بينهما قرار يمكن اتّصال الصفوف فيه (7).و هو ضعيف.
فلو تباعد المأموم عن الإمام بما لم تجر العادة به
ص:178
فلا جماعة له،إلاّ مع اتّصال الصفوف،سواء علم بصلاة الإمام أو لا.
و قال الشافعيّ:لا يعتبر القرب في المسجد الواحد و يعتبر في خارجه،و حدّه بثلاثمائة ذراع فما دون،فلو صلّى مأموم خارج المسجد روعي بينه و بين المأمومين هذا المقدار (1).
و قال عطاء:يصلّي بصلاة الإمام من علم بصلاته و لم يراع قربا (2).
لنا:قوله تعالى فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ (3).و ذلك عامّ في حقّ العالم و غيره.
و ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لو صلّيتم في بيوتكم لضللتم» (4).
و من طريق الخاصّة:رواية زرارة (5)،فإنّه اشترط فيها القرب.أمّا التحديد الذي اشتملت عليه،و هو مسقط الجسد،فالأولى أنّه على الأفضل.
احتجّ عطاء بأنّه عالم بصلاة الإمام،فأشبه من كان في المسجد (6).
و الجواب:النقض لا يرد علينا بل على الشافعيّ،و له أن يفرّق (7)بأنّ المسجد بني للجماعة.
فلو تقدّم المأموم الإمام فلا صلاة
ص:179
للمأموم.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و أبو حنيفة (1)،و الشافعيّ في الجديد (2)،و أحمد (3).
و قال مالك (4)،و إسحاق (5)،و أبو ثور:يصحّ (6).و هو قول الشافعيّ في القديم (7).
لنا:ما نقل عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الصحابة أنّهم فعلوا ذلك (8).و قال عليه السّلام:«صلّوا كما رأيتموني أصلّي» (9).
و ما رواه الشيخ في الصّحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:
«الرّجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه،فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه» (10).
و ظاهر الأمر الوجوب،إلاّ ما خرج بالدليل.
و لأنّ المأموم يفتقر إلى استعلام حال الإمام،و هو لا يمكن إلاّ بفعل المبطل من الالتفات إلى خلفه.و لأنّه أخطأ موقفه إلى موقف ليس بموقف لأحد من المؤتمّين فكان
ص:180
مبطلا،كما لو وقف في منزله أو مع الحائل.
احتجّ المخالف بأنّ مخالفة الموقف لا يبطل الصلاة،كما لو وقف عن يسار الإمام.و لأنّه لا يمنع الاقتداء به فأشبه من خلفه (1).
و الجواب عن الأوّل:بالفرق،إذ مع الوقوف على اليسار يتمكّن من الاستعلام، بخلاف المتقدّم.و هو الجواب عن الثاني أيضا.
و لو سلّمنا إمكان الاقتداء لكن نمنع وقوعه شرعا،إذ قد ثبت عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله خلافه.و ينتقض أيضا بالحائل،فإنّه يمكن معه الاقتداء و لا يصحّ.
و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم.
و لا بدّ من تعيين الإمام.فلو كان بين يديه اثنان فنوى الائتمام بأحدهما لا بعينه لم يصحّ صلاته،لأنّهما قد يختلفان فلا يمكنه الاقتداء بهما.
الأوّل:لو نوى الاقتداء بهما معالم يصحّ،لإمكان الاختلاف.
الثاني:لو نوى الاقتداء بالمأموم لم يصحّ،لأنّ المأموم تابع فلا يأتي بواجبات الصلاة من القراءة و كيفيّاتها،فلا يجوز الائتمام به.
الثالث:لو نوى الائتمام بالمأموم جاهلا بكونه مأموما،بأن وجده قائما عن (2)يسار الإمام فظنّه الإمام،لم يكن معذورا بذلك،لخلوّ صلاته عن القراءة.
الرابع:لو نوى كلّ واحد منهما الائتمام بصاحبه بطلت صلاتهما معا،لخلوّ صلاتهما عن القراءة.و قد رواه الشيخ عن عمّار بن موسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (3).و رواه
ص:181
ابن بابويه عن عليّ عليه السّلام (1).
الخامس:لو نوى كلّ واحد منهما أنّه إمام لصاحبه صحّت صلاته.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول الشافعيّ (2)خلافا لأحمد (3).
لنا:أنّ نيّة الإمامة لا تؤثّر تركا في شيء من الواجبات،فيكون كلّ منهما قد احتاط لنفسه فصحّت صلاتهما.و لما رواه الشيخ عن السكونيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن أبيه،عن آبائه،عن عليّ عليهم السّلام (4).و رواه ابن بابويه عن عليّ عليه السّلام (5).
السادس:لو افتتحا الصّلاة على الصحّة،ثمَّ شكّا في تعيين الإمام منهما،بطلت صلاتهما لعدم الاحتياط.و كذا لو شكّا فيما أضمراه.
لا يقال:ينوي كلّ واحد منهما الانفراد و قد صحّت صلاتهما.
لأنّا نقول:يحتمل أن يكون كلّ واحد منهما إماما،و نيّة الانفراد في حقّه غير مؤثّرة.
و يحتمل أن يكون كلّ واحد منهما مأموما.
لا يقال:هذا إنّما يتأتّى في الفرض الثاني،و هو الذي حصل فيه الشكّ في نيّة كلّ واحد منهما.أمّا الفرض الأوّل و هو الذي علم فيه أنّ أحدهما إمام ثمَّ اشتبه فلا يتأتّى هذا فيه.
لأنّا نقول:هذا أيضا ينسحب فيه،إذ كلّ واحد منهما يحتمل أن يكون إماما فلا تؤثّر نيّة الانفراد فيه.و أيضا:نيّة الانفراد خارجة عن الأصل فلا تثبت إلاّ في موضع الورود.
السابع:لو صلّى منفردا ثمَّ نوى جعل نفسه مأموما،يمكن أن يقال:إنّه لا يصحّ ذلك.
أمّا أوّلا:فلما يأتي من إبطال الصلاة للمنفرد أو جعلها نافلة إذا حضر الإمام.
و أمّا ثانيا:فلأنّ المتابعة واجبة و مع السبق فلا متابعة.و قال في الخلاف:يصحّ
ص:182
أن ينقل الصلاة من الانفراد إلى الجماعة،و ادّعى فيه الإجماع (1).و على الأوّل هل تبطل صلاته أم لا؟الحقّ أنّه إن فاته شيء من الواجبات على المنفرد بطلت صلاته،و إلاّ فلا،و ذلك بأن يفوته القراءة مثلا.و لو قرأ و الحال هذه فالأقوى بطلان الصلاة،لأنّه يفعل قراءة يعتقد أنّها غير واجبة عليه.
الثامن:لو نوى الإمامة بشخص و صلّى معه بعض الصلاة،ثمَّ نقلها إلى غيره لم يجز إلاّ في موضع واحد و هي صورة الاستخلاف.
و لو سبق الإمام اثنين جاز لأحدهما بعد فراغ الإمام الائتمام بالآخر،و على قول الشيخ يجوز في المسألتين و هو تخريج.
قال الشيخ في أكثر كتبه:يجب (3).
و قال في الخلاف:يكره أن يكون الإمام أعلى من المأموم بما يعتدّ به كالسطح و الأبنية (4)،و به قال مالك (5)،و الأوزاعيّ (6)،و أصحاب الرأي (7)،و المشهور عن أحمد (8).
و قال الشافعيّ:أحبّ للإمام الذي يعلم من خلفه أن يصلّي على الشيء المرتفع فيراه من خلفه فيقتدون به (9).
لنا:ما رواه الجمهور أنّ عمّار بن ياسر كان بالمدائن فأقيمت الصلاة فتقدّم عمّار فقام
ص:183
على دكّان و الناس أسفل منه،فتقدّم حذيفة فأخذ بيده فاتّبعه عمّار حتّى أنزله حذيفة،فلمّا فرغ من صلاته قال له حذيفة:أ لم تسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«إذا أمّ الرّجل القوم فلا يقومنّ في مكان أرفع من مكانهم؟! (1)»قال عمّار:فلذلك اتّبعتك حين أخذت على يدي (2).
و عن همّام (3)أنّ حذيفة أمّ الناس بالمدائن على دكّان،فأخذ أبو مسعود فجبذه (4)، فلمّا فرغ من صلاته قال:أ لم تعلم أنّهم كانوا ينهون عن ذلك؟قال:بلى،قد ذكرت حين مددتني (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار الساباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن كان الإمام على شبه دكّان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم،و لو (6)كان أرفع منهم بقدر إصبع إلى شبر و كان أرضا مبسوطة،أو في موضع فيه ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع فقام من خلفه أسفل منه لا بأس» (7).
و لأنّه في موضع الحاجة إلى النظر إلى إمامه للاقتداء به،و مع علوّ الإمام يحتاج إلى رفع بصره و هو منهيّ عنه في الصلاة.
ص:184
احتجّ الشافعيّ (1)بما رواه سهل بن سعد قال:لقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قام على المنبر،فكبّر و كبّر الناس وراءه،ثمَّ ركع و هو على المنبر و رفع،فنزل القهقرى حتّى سجد في أصل المنبر،ثمَّ عاد حتّى فرغ من آخر صلاته،ثمَّ أقبل على الناس فقال:«أيّها الناس إنّما فعلت هذا لتأتمّوا بي و تعلّموا صلاتي» (2).
و الجواب:المنع من صحّة الرّواية،و على تقدير التسليم،فإنّه يمكن أن يكون العلوّ غير معتدّ به كالدرجة السفلى،و يجب الحمل إليه لئلاّ يحتاج إلى فعل كثير من الصعود و النزول،و يمكن اختصاصه عليه السّلام بذلك الحكم،إذ قد نهى عن ارتفاع الإمام و فعله، فيكون النهي متوجّها إلى غيره و الفعل مختصّا به،و لذلك لم يتمّ الصّلاة على المنبر بل نزل فسجد على الأرض،و لا يستحبّ لغيره ذلك إجماعا.
الأوّل:لا بأس بالعلوّ اليسير الذي لا يعتدّ به،إذ النهي إنّما كان لأجل رفع البصر في الصّلاة،و هو إنّما يكون مع العلوّ الكثير.
الثاني:لو صلّى الإمام في مكان أعلى بطلت صلاة المأمومين-و هو قول الأوزاعيّ (3)-لأنّ النهي في العبادات يقتضي الفساد.و لحديث عمّار (4).و قال أصحاب الرأي:لا تبطل،لأنّ عمّارا أتمّ صلاته،و لو كانت فاسدة لاستأنفها.و لأنّ النهي معلّل لما يفضي إليه من رفع البصر،و ذلك لا يفسدها فسببه أولى (5).
و الجواب عن الأوّل:يحتمل أن يكون عمّار لم يحرم بالصلاة بل ابتدأ فيها بالأفعال
ص:185
المندوبة كالتوجّه بالتكبير و الدعاء.
و عن الثاني:بالمنع من كون ما ذكروه علّة قطعا.
الثالث:و هل تبطل صلاة الإمام؟الوجه عندي أنّها لا تبطل،لعدم الموجب لذلك.
و ربّما قال بعضهم بالبطلان،إذ قد نهي عن الصلاة في مكان مرتفع (1).
فلا يقتدى في الخمس بصلاة الجنازة (2)و صلاة الخسوف و العيدين،لعدم المتابعة المشترطة.
فيجوز أن يأتمّ من هو في السطح بمن هو على الأرض.ذهب إليه علماؤنا،و به قال الشافعيّ،و أحمد،و أصحاب الرأي.و قال مالك:
إنّه شرط،فيعيد لو صلّى كذلك (6).
لنا:ما رواه عمّار الساباطيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:و سئل:فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلّي خلفه؟قال:«لا بأس».و قال:«إن كان رجل فوق بيت أو غير ذلك و الإمام يصلّي على الأرض أسفل منه جاز للرّجل أن يصلّي خلفه و يقتدي بصلاته
ص:186
و إن كان أرفع منه بشيء كثير» (1).و لأنّ المقتضي و هو عموم الأمر بالاجتماع موجود، و المانع-و هو ارتفاع علوّ الإمام الشاغل للبصر-منتف،فيثبت (2)الحكم.
سواء كان المأموم رجلا أو امرأة.و به قال الشافعيّ (3).
و قال الأوزاعيّ:عليه أن ينوي إمامة من يأتمّ به،رجلا كان أو امرأة (4).و هو قول أحمد (5).و قال أبو حنيفة:يشترط لو أمّ النساء (6).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس قال:بتّ عند خالتي ميمونة،فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فتوضّأ و وقف يصلّي،فتوضّأت ثمَّ جئت فوقفت على يساره،فأخذ بيدي فأدارني من ورائه إلى يمينه (7).و من المعلوم أنّه عليه السّلام لم يكن ناويا لإمامته.و لأنّه لا يختلف فعله حالتي الإمامة و الانفراد،فلا فائدة في نيّتها.
ص:187
احتجّ المخالف (1)بقوله عليه السّلام:«الأئمّة ضمناء» (2)و لا يضمن (3)إلاّ مع النيّة.
و الجواب:لم لا يكفي (4)فيه نيّة المأموم.
و لو لم ينو في الفرض و النفل،و كذا لو لم يعلم الإمام بالدخول معه.و به قال الشافعي (5)،و أبو حنيفة (6)، و مالك (7)،و الأوزاعيّ،و ابن المنذر (8).
و قال أحمد،و الثوريّ،و إسحاق:إنّه لا يصحّ (9).
لنا:ما تقدّم من حديث ابن عبّاس.و لأنّ ذلك في محلّ الحاجة فكان مشروعا.بيانه أنّه إذا صلّى المنفرد فجاء قوم أحرموا ورائه،فإن قطع الصلاة ارتكب النهي في قوله وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (10)و إن أتمّ و أخبرهم ببطلان صلاتهم فهو أقبح و أشقّ.و لأنّا قد بيّنّا أنّ نيّة الإمام غير شرط.
احتجّوا بقوله عليه السّلام:«الأئمّة ضمناء»و لا ضمان إلاّ مع العلم.و لأنّه لم ينو الإمامة في ابتداء الصلاة فلم يصحّ،كما لو ائتمّ بمأموم.
و الجواب عن الأوّل:أنّه لا يدلّ على ما قالوه،فإنّ الإمام إنّما يتحمّل القراءة
ص:188
و السهو.
و عن الثاني:أنّه ينتقض بحالة الاستخلاف.
فلو صلّى ظهرا مع من يصلّي العصر صحّ.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال عطاء،و طاوس،و الأوزاعيّ (1)،و الشافعيّ (2)، و أبو ثور،و سليمان بن حرب،و ابن المنذر (3)،و أحمد في إحدى الرّوايتين (4).
و قال أبو حنيفة (5)،و مالك،و الزهريّ (6)،و أحمد في الرواية الأخرى:إنّه شرط (7).
لنا:أنّ المباينة بين صلاة النفل و الفرض مع الاتّحاد كالظهر-إذا صلاّها مرّة ثانية- أكثر من المباينة بين الظهر و العصر الواجبين،و قد صحّ الائتمام في الأوّل فيصحّ في الثاني،إمّا لأنّه أولى،أو بالإجماع المركّب،و بيان الأوّل ما يأتي.
و لأنّهما متساويان في الأفعال الظاهرة فكان الائتمام جائزا،كما لو اتّفقا،و كالمفترض خلف المتنفّل.
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن حمّاد بن عثمان قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام
ص:189
عن رجل يؤمّ بقوم فيصلّي العصر و هي لهم الظهر،قال:«أجزأت عنه و أجزأت عنهم» (1).
احتجّوا (2)بما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه» (3).و لأنّ من يصلّي الظهر لا يأتمّ بمن يصلّي الجمعة.
و الجواب عن الأوّل:أنّ المراد به:لا يختلفوا عليه في الأفعال،و يدلّ عليه قوله:
«فإذا ركع فاركعوا،و إذا رفع فارفعوا،و إذا سجد فاسجدوا» (4)لا في النيّة،و لهذا يصحّ ائتمام المتنفّل بالمفترض.
و عن الثاني:أنّ من حضر يجب عليه الجمعة،فلا يجزئه الظهر،و ينتقض بمن أدرك الإمام و قد رفع رأسه من الركعة الثانية،فإنّه يأتمّ به و ينوي الظهر لا الجمعة.
فيجوز اقتداء المتنفّل بالمفترض و بالعكس،و المفترض بمثله،و المتنفّل بمثله في مواضع سبقت.
أمّا اقتداء المتنفّل بالمفترض،فلا نعرف فيه خلافا بين أحد من أهل العلم،لما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«ألا رجل يتصدّق على هذا فيصلّي معه» (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي الفريضة،ثمَّ يجد قوما يصلّون جماعة أ يجوز له أن يعيد الصلاة معهم؟قال:«نعم و هو أفضل»قلت:فإن لم يفعل؟قال:«ليس به بأس» (7).
ص:190
و أمّا اقتداء المفترض بالمتنفّل،فإنّه جائز عندنا.و به قال عطاء،و طاوس، و الأوزاعيّ (1)،و الشافعيّ (2)،و أبو ثور (3)،و أحمد في إحدى الرّوايتين (4)،و ابن المنذر، و سليمان بن حرب (5).
و قال الزهريّ،و مالك (6)،و أحمد في الرواية الأخرى (7)،و أصحاب الرأي:لا يجوز ذلك (8).
لنا:ما رواه الجمهور عن جابر بن عبد اللّه أنّ معاذا كان يصلّي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،ثمَّ يرجع فيصلّي بقومه تلك الصلاة (9).و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى صلاة الخوف بالطائفتين مرّتين (10)،فالثانية نفل.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال:
كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام:أنّي أحضر المساجد مع جيرتي و غيرهم فيأمروني بالصلاة بهم و قد صلّيت قبل أن آتيهم،و ربّما صلّى خلفي من يقتدي بصلاتي و المستضعف و الجاهل،و أكره أن أ تقدّم و قد صلّيت لحال من يصلّي بصلاتي ممّن سمّيت لك،فأمرني في ذلك بأمرك،أنتهي إليه و أعمل به إن شاء اللّه،فكتب:«صلّ بهم» (11).
ص:191
و لأنّهما صلاتان متّفقتان في الأفعال فجاز ائتمام المصلّي لإحداهما بالمصلّي للأخرى كالعكس.
احتجّوا (1)بقوله عليه السّلام:«إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به» (2).
و الجواب:قد تقدّم (3).
«تكن لكما نافلة» (1).إذ قد برئت ذمّته بالفعل الأوّل،فلم يبق عليه وجوب يؤدّيه في الثاني،فإن فعله كان نفلا.
قال ابن بابويه:و قد روي أنّه يحتسب له أفضلهما و أتمّهما (2).
و قال الشافعيّ في القديم:يحتسب اللّه تعالى له أيّتهما شاء (3).و ليس بشيء،للحديث المتقدّم،و المعنى الذي ذكرناه.و لقوله عليه السّلام لأبي ذرّ:«فإنّها لك نافلة» (4).
و قال سعيد بن المسيّب (5)،و عطاء،و الشعبيّ:التي صلاّها معهم هي المكتوبة (6).و ليس بشيء أيضا،لما تقدّم.
و روى الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختريّ (7)،و ابن بابويه في الصحيح عن هشام بن سالم،جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:في الرجل يصلّي الصلاة وحده،ثمَّ يجد جماعة،قال:«يصلّي معهم و يجعلها الفريضة» (8).
قال الشيخ:و الوجه فيها أمران:
أحدهما:أن يحمل على من لم يفرغ من صلاته،فإنّه يستحبّ له قطعها أو نقلها إلى النفل،ثمَّ يصلّي الفرض معهم.
ص:193
و الثاني:يحمل على القضاء بأن يجعلها الفريضة التي عليه قضاء (1).و الأوّل أحسن.
و روى الشيخ عن أبي بصير قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أصلّي ثمَّ أدخل المسجد فتقام الصلاة و قد صلّيت؟فقال:«صلّ معهم،يختار اللّه أحبّهما إليه» (2).و فيه ضعف من حيث السند.
فيجوز أن تؤمّ المرأة بالنساء في الفرض و النفل الذي يسنّ فيه الجماعة.ذهب إليه أكثر علمائنا (3)،و هو مستحبّ عندنا.و به قال الشافعيّ (4)،و أحمد في إحدى الرّوايتين (5).و روي عن عائشة،و أمّ سلمة،و عطاء، و الثوريّ،و الأوزاعيّ،و إسحاق،و أبي ثور (6).
و قال أحمد في الرواية الأخرى:إنّه مكروه،و إن فعلن أجزأهنّ (7).و هو قول أبي حنيفة (8)،و مالك (9)،و حكي عن نافع،و عمر بن عبد العزيز (10).
و قال الشعبيّ،و النخعيّ،و قتادة:لهنّ ذلك في التطوّع دون المكتوبة (11).و هو قول السيّد المرتضى رحمه اللّه (12).
ص:194
و قال الحسن،و سليمان بن يسار (1):لا تؤمّ في فريضة و لا نافلة (2).
لنا:ما رواه الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر أمّ ورقة،بنت عبد اللّه ابن الحارث بن نوفل الأنصاريّ،أن تؤمّ أهل دارها،و جعل لها مؤذّنا (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن سماعة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تؤمّ النساء؟قال:«لا بأس» (4).
و ما رواه عن عبد اللّه بن بكير،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يؤمّ المرأة،قال:«نعم تكون خلفه»و عن المرأة تؤمّ النساء،قال:«نعم تقوم وسطا بينهنّ و لا تتقدّمهنّ» (5).و لأنّهنّ من أهل الفرض فسنّت لهنّ الجماعة كالرجال.
احتجّوا بأنّهنّ يكره لهنّ الأذان و هو دعاء إلى الجماعة فكره لهنّ ما أريد الأذان له (6).
و الجواب:أنّ الكراهية للأذان من حيث اشتماله على رفع الصوت و هو منتف عن الصلاة.و لأنّ كراهية الأذان لا يستلزم كراهية الجماعة،فإنّ من الصلوات ما يكره له الأذان و يستحبّ فيه الجماعة أو يجب.و لأنّهنّ يستحبّ لهنّ الإقامة و هي دعاء إلى الجماعة.
ص:195
احتجّ المرتضى (1)بما رواه ابن بابويه في الصحيح قال:سأل هشام بن سالم أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة هل تؤمّ النساء؟قال:«تؤمّهنّ في النافلة،فأمّا في المكتوبة فلا» (2).
و عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قلت له:المرأة تؤمّ النساء؟قال:«لا، إلاّ على الميّت إذا لم يكن أحد أولى منها» (3).و قد رواهما الشيخ أيضا (4).
و الجواب:أنّهما نادرتان لم يعمل بهما أحد من علمائنا،مع معارضتهما لما ذكرناه من الأدلّة،فيسقطان.و يعارضان أيضا بما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن يقطين،عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال:سألته عن المرأة تؤمّ النساء،ما حدّ رفع صوتها بالقراءة و التكبير؟فقال:«بقدر ما تسمع» (5).
و ما رواه في الصحيح عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام مثله (6).و أيضا يحتمل أن يكون ذلك راجعا إلى من لم يعرف فرائض الصلاة و واجباتها منهنّ،فإنّه لا يجوز لها أن تؤمّ غيرها في الواجب.و خصّصهنّ بالذكر لأغلبيّة الوصف فيهنّ.
بل يجوز للعبيد أن يصلّوا جماعة،عملا بالعموم.
و لا المصر،و لا وجود الإمام العادل،و لا الصحّة من المرض و العمى و العرج،و لا الحضر، و إن كانت شروطا (7)في الجمعة،عملا بالعموم.
ص:196
لأنّ المجنون غير مكلّف،فلا صلاة له فكيف يكون متبوعا.و لو أفاق في وقت صحّت إمامته فيه،لأنّه مكلّف حينئذ،لكنّه يكره،لجواز أن يكون قد احتلم حال جنونه و لم يعلم.و لأنّه ربّما يأتي الجنون حال الصلاة.
و هو مذهب الشيخ في التهذيب و الاستبصار (1)، و به قال ابن عبّاس،و ابن مسعود،و عطاء،و مجاهد،و الشعبيّ،و مالك،و الثوريّ، و الأوزاعيّ (2)،و أبو حنيفة (3)،و أحمد (4).
و قال الشيخ في الخلاف و المبسوط:يجوز للمراهق المميّز أن يكون إماما (5).و هو قول الحسن البصريّ (6)،و الشافعيّ (7)،و إسحاق،و ابن المنذر (8).و نقل عن أبي حنيفة،و مالك (9)،و الثوريّ أنّه يؤمّ في النفل لا في الفرض (10).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس و ابن مسعود،و هما من أكابر الصحابة و علمائهم،و الظاهر أنّهما لم يقولاه إلاّ عن سماع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
ص:197
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار،عن جعفر،عن أبيه عليهما السلام أنّ عليّا عليه السّلام كان يقول:«لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم و لا يؤمّ حتّى يحتلم،فإن أمّ جازت صلاته و فسدت صلاة من خلفه» (1).
و لأنّ الإمام ضامن و هو لا يثبت إلاّ مع التكليف.و لأنّ الإمامة نوع من كمال (2)، و الصبيّ ليس من أهله كالمرأة.و لأنّه لا يؤمن من تركه،فإنّه إن كان عارفا بأنّه غير مكلّف استسهل ترك بعض الواجبات،و إن لم يعلم لم يكن صالحا للإمامة،لعدم تميّزه.
احتجّ الشيخ بما رواه عن طلحة بن زيد،عن جعفر،عن أبيه،عن عليّ عليه السّلام (3)قال:«لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم و أن يؤمّ» (4).
و لأنّ صلاته شرعيّة،لقوله عليه السّلام:«مروهم بالصلاة لسبع» (5).
و احتجّ الشافعيّ (6)بما رواه عمرو بن سلمة قال:كنت غلاما حافظا قد حفظت قرآنا كثيرا،فانطلق أبي وافدا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في نفر من قومه،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«يؤمّكم أقرؤكم لكتاب اللّه»فقدّموني فكنت أصلّي بهم و أنا ابن سبع أو ثمان (7).و لأنّه يؤذّن للرجال فجاز أن يؤمّهم كالبالغ.
ص:198
و الجواب عن الأوّل:أنّ الراوي و هو طلحة بن زيد،بتريّ فلا تعويل على روايته (1).قال الشيخ في التهذيب:و يحتمل أن يكون المراد:من بلغ و لم يحتلم،فإنّ البلوغ لا يشترط فيه الاحتلام (2).قيل:عليه الروايتان قد تواردتا على صفة واحدة مع تنافي الحكم (3).
و الجواب:لا نسلّم تواردهما على صفة واحدة،إذ يحتمل أن يكون المراد بالاحتلام في الأوّل البلوغ و يكون قد عبّر بالسبب عن المسبّب،و هو وجه قويّ في المجاز.
و عن الثاني:ما تقدّم في باب الجمعة (4).
و عن الثالث:بالطعن في السند.قال الخطّابيّ:كان أحمد يضعّف حديث عمرو بن سلمة،و قال:لا أدري أيّ شيء هو. (5)و أيضا فإنّه أسند الائتمام إليه و إلى جماعته و لم ينقله عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله،فلعلّهم أخطأوا في فهم قوله عليه السّلام:«يؤمّكم أقرؤكم»بحمله (6)على العموم.
و يؤيّده:قوله في الحديث:و كنت إذا سجدت خرجت استي.و هذا غير سائغ.
و هو مذهب علماء الإسلام،قال اللّه تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (7).و الكافر ظالم،و الاقتداء به ركون إليه و اعتماد عليه في القراءة و السهو.و لأنّه ضامن و الكافر ليس أهلا لضمان الصلاة.
ص:199
الأوّل:لا فرق بين الكافر المتديّن في شرعه،العدل في نحلته،و بين غيره، عملا بالعموم.
الثاني:لو صلّى بمظهر للإسلام فبان كافرا لم يعد.و هو اختيار الشيخ (1)،و به قال المزنيّ (2)،و أبو ثور (3).و قال السيّد المرتضى:يعيد (4).و هو مذهب الشافعيّ (5)،و أحمد (6)، و أصحاب الرأي (7).
لنا:ما رواه الشيخ في الحسن و ابن بابويه معا عن محمّد بن أبي عمير،عن بعض أصحابه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال و كان يؤمّهم رجل،فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهوديّ قال:«لا يعيدون» (8).
قال ابن بابويه:و سمعت جماعة من مشايخنا يقولون:إنّه ليس عليهم إعادة فيما جهر فيه،و عليهم إعادة ما صلّى بهم ممّا لم يجهر فيه (9).
و لأنّها وقعت مشروعة فكانت مجزية.و لأنّه ائتمّ بمن لا يعلم حاله فأشبه المحدث.
و لأنّه مأمور بالتعويل على صلاح الظاهر،إذ الاطّلاع على الباطن ممتنع (10)،فإذا فعل
ص:200
ما أمر به حصل الإجزاء.
احتجّ السيّد بما رواه ابن بابويه عن إسماعيل بن مسلم أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن الصلاة خلف رجل يكذّب بقدر اللّه عزّ و جلّ،قال:«ليعد كلّ صلاة صلاّها خلفه» (1).
و احتجّ الشافعيّ بأنّه ائتمّ بمن لا يصلح للإمامة فأشبه المجنون (2).
و الجواب عن الأوّل-مع تسليم صحّة سنده-:أنّه يحتمل أن يكون قد صلّى وراءه مع العلم بحاله،إذ ليس في الخبر ما يدلّ على جهل حاله،فيحمل على ما ذكرناه،جمعا بين الأدلّة.
و عن الثاني:أنّه ليس بصالح للإمامة،إمّا في نفس الأمر أو في ظنّه،و الأوّل مسلّم و الثاني ممنوع،و ليس المأخوذ عليه هو الأوّل.
الثالث:لا يجوز أن يصلّي خلفه إذا شكّ في إسلامه،إذ الشرط الإسلام،فينبغي تحقّقه،خلافا لبعض الجمهور (3).
الرابع:لو كان المصلّي ممّن يسلم تارة و يرتدّ أخرى لم يجز الصلاة خلفه،إلاّ مع يقين الإسلام قولا واحدا،فلو صلّى خلفه و لم يعلم ما هو عليه،فإن كان قد علم قبل الصلاة إسلامه صحّت صلاته،إذ الأصل البقاء،و إن علم ردّته و شكّ في إسلامه لم يصحّ صلاته.
الخامس:لو صلّى خلفه فقال بعد الصلاة:ما كنت أسلمت،أو كنت قد ارتددت، لم تبطل صلاته مع فعلها في حال إسلامه الظاهر،لأنّها وقعت صحيحة ظاهرا،فلا تبطل بقوله.و لأنّ قوله مردود.
أمّا لو صلّى خلف من علم ردّته فقال بعد الصلاة:قد كنت أسلمت،لم تصحّ صلاته خلافا لبعض الجمهور (4)،لأنّ المأخوذ عليه الصلاة خلف من يعلم إسلامه،و لم يحصل.
ص:201
السادس:قال الشيخ في المبسوط و الخلاف:لا يحكم بإسلام الكافر بمجرّد الصلاة ما لم يتلفّظ بالشهادتين،سواء صلّى في جماعة أو منفردا (1).و هو قول بعض الشافعيّة (2).
و قال بعضهم:إن صلّى في دار الإسلام فليس بمسلم،لأنّه قد يقصد الاستتار بالصلاة،و إن صلّى في دار الحرب فهو مسلم لعدم التهمة (3).
و نقل عن الشافعيّ:أنّه يحكم عليه بالإسلام لكن لا يلزمه حكمه،حتّى لو أنكر الإسلام لم يكن مرتدّا (4).
و قال أبو حنيفة:إن صلّى جماعة أو بجماعة كان إسلاما،و إن صلّى منفردا في المسجد كان إسلاما،و إن كان في غيره لم يكن إسلاما (5).و قال أحمد:يحكم بإسلامه بالصلاة بكلّ حال،و لو لم يقم عليه كان مرتدّا (6).
لنا:اتّفاق الناس على اشتراط النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الشهادتين في الإسلام.روى ابن عبّاس عنه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا:لا إله إلاّ اللّه» (7).و الصلاة ليست هي الإسلام بل هي شعار كغيرها من العبادات الإسلاميّة،فلا يصير بفعلها مقرّا بالإسلام.و لأنّها من فروع الإسلام فلا يكون بفعلها مسلما كالحجّ
ص:202
و الصوم.
احتجّ المخالف (1)بقوله عليه السّلام:«نهيت عن قتل المصلّين» (2).و بقوله عليه السّلام:«بيننا و بينهم الصلاة» (3).جعلها حدّا بين الإسلام و الكفر.و لأنّها عبادة تختصّ بالمسلمين،فالإتيان بها إسلام كالشهادتين.
و الجواب عن الأوّل:أنّ المراد بذلك المعتقدين للصلاة و ليسوا إلاّ المسلمين، و كذا الحديث الثاني.و قياسهم ينتقض بصوم رمضان و الحجّ و بالصلاة منفردا عند أبي حنيفة.
و لو سمع منه التلفّظ بالشهادتين في الصلاة حكم بإسلامه قولا واحدا.و هو أصحّ القولين عند الشافعيّة (4).
ذهب إليه علماؤنا أجمع.و قال الشافعيّ:أكره إمامة المظهر المبدع،و إن صلّى خلفه جاز (5).و قال أصحابه:المختلفون في المذهب على ثلاثة أضرب:ضرب لا نكفّرهم و لا نفسّقهم،كالمختلفين في الفروع كأصحاب أبي حنيفة و مالك، و هؤلاء لا يكره الائتمام بهم.و ضرب نكفّرهم،كالمعتزلة،فهؤلاء لا يجوز الائتمام بهم، للحكم بكفرهم.و ضرب نفسّقهم و لا نكفّرهم،كالسابّين للسلف،و الخطّابيّة،فحكمهم حكم شارب الخمر،يجوز الائتمام بهم (6).و هو قول أكثر أهل العلم (7).
ص:203
و قال مالك:لا يؤتمّ ببدعيّ (1).
لنا:ما رواه الجمهور عن جابر قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على منبره يقول:«لا تؤمّنّ امرأة رجلا،و لا فاجر مؤمنا إلاّ أن يقهره بسلطان،أو يخاف سوطه أو سيفه» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل الجعفيّ قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:رجل يحبّ أمير المؤمنين عليه السّلام و لا يبرأ من عدوّه و يقول:
هو أحبّ إليّ ممّن خالفه،فقال:«هذا مخلّط و هو عدوّ،لا تصلّ خلفه و لا كرامة إلاّ أن تتّقيه» (3).
و في الصحيح عن البرقيّ قال:كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام:أ يجوز-جعلت فداك -الصلاة خلف من وقف على أبيك و جدّك صلوات اللّه عليهما؟فأجاب:«لا تصلّ وراءه» (4).
و في الصحيح عن ثعلبة بن ميمون قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الصلاة خلف المخالفين،فقال:«ما هم عندي إلاّ بمنزلة الجدر» (5).
و روى الشيخ عن إبراهيم بن شيبة (6)قال:كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام أسأله عن الصلاة خلف من يتولّى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يرى المسح على الخفّين،
ص:204
أو خلف من يحرّم المسح و هو يمسح،فكتب:«إن جامعك و إيّاهم موضع فلم تجد بدّا من الصلاة فأذّن لنفسك و أقم،فإن سبقك إلى القراءة فسبّح» (1).
و عن خلف بن حمّاد،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا تصلّ خلف الغالي و إن كان يقول بقولك،و المجهول،و المجاهر بالفسق و إن كان مقتصدا» (2).
و روى الشيخ و ابن بابويه معا عن عليّ بن محمّد الهادي و محمّد بن عليّ الجواد عليهما السّلام أنّهما قالا:«من قال بالجسم فلا تعطوه شيئا (3)من الزكاة و لا تصلّوا وراءه» (4).
و لأنّ الإمام ضامن للقراءة و السهو،و المخالف ليس أهلا لضمان ذلك.و لأنّه ظالم فلا يركن إليه.
احتجّ المخالف (5)بقوله عليه السّلام:«صلّوا خلف من قال:لا إله إلاّ اللّه» (6).و لأنّ صلاته صحيحة فجاز الائتمام به كغيره.
و الجواب عن الأوّل:أنّه مخصّص بحديث جابر و الخاصّ مقدّم على العامّ.
و عن الثاني:أنّ صحّة الصلاة لا يستلزم صحّة الائتمام كالمرأة.
ص:205
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال مالك (1)، و أحمد في إحدى الرّوايتين (2)،و نقله السيّد المرتضى عن أبي عبد اللّه البصريّ (3)، (4)محتجّا بإجماع أهل البيت عليهم السلام،و كان يقول:إنّ إجماعهم حجّة (5).
و في الرواية الأخرى عن أحمد أنّها ليست شرطا (6).و هو قول الشافعيّ (7)، و أبي حنيفة (8).
لنا:ما رواه الجمهور من حديث جابر:«لا يؤمّن فاجر مؤمنا» (9).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في خبر خلف بن حمّاد،عن رجل،عن
ص:206
أبي عبد اللّه عليه السّلام من قوله:«و المجاهر بالفسق» (1).
و ما رواه عن سعد بن إسماعيل (2)،عن أبيه قال:قلت للرضا عليه السّلام:رجل يقارف الذنوب و هو عارف بهذا الأمر،أصلّي خلفه؟قال:«لا» (3).
و ما رواه عن أبي عليّ بن راشد قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:إنّ مواليك قد اختلفوا،فأصلّي خلفهم جميعا؟فقال:«لا تصلّ إلاّ خلف من تثق بدينه و أمانته» (4).
و ما رواه في الحسن عن زرارة قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:إنّ أناسا رووا عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه صلّى أربع ركعات بعد الجمعة لم يفصل بينهنّ بتسليم،فقال:
«يا زرارة،إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام صلّى خلف فاسق،فلمّا سلّم و انصرف قام أمير المؤمنين عليه السّلام فصلّى أربع ركعات لم يفصل بينهنّ بتسليم» (5).
و ما رواه الشيخ و ابن بابويه معا عن أبي ذرّ قال:إنّ إمامك شفيعك إلى اللّه عزّ و جلّ فلا تجعل شفيعك سفيها و لا فاسقا (6).
و لأنّ الفاسق ظالم فلا يركن إليه.و لأنّه ضامن و الفاسق ليس أهلا لضمان الصلاة.
و لأنّه لا يؤمن من إخلاله بشيء من الواجبات كالطهارة و غيرها،و ليس هناك أمارة
ص:207
يؤمننا من وقوع ذلك.
احتجّ المخالف (1)بقوله عليه السّلام:«صلّوا خلف من قال:لا إله إلاّ اللّه» (2).
و بأنّ الحسن و الحسين عليهما السلام كانا يصلّيان مع مروان (3)،و ابن عمر كان يصلّي مع الحجّاج (4).
و بما رواه أبو ذرّ قال:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخّرون الصلاة عن وقتها؟»قال:قلت:فما تأمرني؟قال:«صلّ الصلاة لوقتها،فإن أدركتها معهم فصلّ،فإنّها لك نافلة» (5).و لأنّه يصحّ صلاته لنفسه فصحّ الائتمام به كالعدل.
و الجواب عن الأوّل:أنّه مخصّص (6)بما ذكرنا.
و عن الثاني:أنّهم فعلوا ذلك تقيّة و خوفا،فإنّه قد روي عن عطاء و سعيد بن جبير أنّهما كانا في المسجد و الحجّاج يخطب فصلّيا بالإيماء،و إنّما فعلا ذلك للخوف لو صلّيا على وجه يعلم بهما (7).و حديث أبي ذرّ ليس فيه دلالة،إذ يجوز له أن يصلّيها تطوّعا،و البحث ليس فيه.و لأنّ تأخير الصلاة ليس معصية.
و عن القياس:ما تقدّم (8).
ص:208
الأوّل:لو صلّى خلف من ظاهره العدالة فبان فاسقا (1)لم يعد.و به قال الشيخ رحمه اللّه (2)،و هو إحدى الرّوايتين عن أحمد (3).و قال السيّد المرتضى رحمه اللّه:
يعيد (4).
لنا:أنّه صلّى صلاة مشروعة فكانت مجزئة،و لأنّ المأخوذ عليه التعويل على الظاهر.
الثاني:لو صلّى خلف جنب أو محدث عالما أعاد بغير خلاف،و لو كان جاهلا لم يعد، قال السيّد المرتضى رحمه اللّه:يلزم الإمام الإعادة دون المأموم.قال:و قد روي أنّ المأمومين إن علموا في الوقت لزمهم الإعادة،و لو صلّى بهم بعض الصلاة ثمَّ علموا حدثه، أتمّ القوم في رواية جميل (5)،و في رواية حمّاد،عن الحلبيّ:يستعيدون صلاتهم (6).و قال أبو حنيفة:يعيد (7).
لنا:أنّها صلاة شرعيّة فكانت مجزئة.
و ما رواه الشيخ في الصحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:
ص:209
سألته عن الرجل يؤمّ القوم و هو على غير طهر فلا يعلم حتّى تنقضي صلاته،قال:«يعيد و لا يعيد من خلفه» (1).
و في الموثّق عن عبد اللّه بن بكير قال:سأل حمزة بن حمران أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أمّنا في السفر و هو جنب و قد علم و نحن لا نعلم،قال:«لا بأس» (2).
و عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أمّ قوما و هو على غير وضوء،فقال:«ليس عليهم إعادة و عليه هو أن يعيد» (3).
و في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سألته عن قوم صلّى بهم إمامهم و هو غير طاهر،أ تجوز صلاتهم أم يعيدونها؟فقال:«لا إعادة عليهم،تمّت صلاتهم و عليه هو الإعادة،و ليس عليه أن يعلمهم،هذا عنه موضوع» (4).
الثالث:الصلاة خلف المخالف في الفروع من المجتهدين جائزة،لأنّه إنّما صار إلى ما اعتقده من الحكم لدليل عنده،و ذلك هو المأخوذ عليه،فلم يكن بذلك فاسقا،فهو يشبه المصيب.أمّا لو كان ترك شيئا في الصلاة يعتقده المأموم واجبا،كالجهر و الإخفات (5)مثلا، لأجل شبهة أو دليل،فالأقرب أنّه لا يجوز له أن يأتمّ به،لارتكابه ما يعتقده المأموم مفسدا للصلاة،فكان كما لو خالفه في القبلة حالة الاجتهاد.
و لو فعل الإمام ما يعتقد تحريمه من المختلف فيه،فإن كان يترك شرطا للصلاة أو
ص:210
واجبا فيها فصلاته فاسدة و صلاة المؤتمّ به كذلك و إن اعتقد خطأه في الاعتقاد،لأنّه ترك واجبا بالنسبة إليه.و إن كان يفعل ما يعتقد تحريمه في غير الصلاة كاستباحة الوطء بلفظ التحليل مثلا،فإن كان صغيرة لم يخرج بذلك عن العدالة ما لم يداوم الفعل،و إن كان كبيرة كان فاسقا.و لو كان عامّيّا فاستفتي المجتهد و أخطأ المجتهد في اجتهاده لم يخرج العامّيّ عن العدالة و جازت الصلاة خلفه،إذ فرضه سؤال العلماء و قد امتثل.
فلا يتقدّم ولد الزنا،و يشترط عدم العلم بالولادة عن الزنا لا العلم بالعدم.و به قال أبو حنيفة (1)و أصحابه (2).
و قال الشافعيّ:يكره إمامته (3).و كره مالك أن يتّخذ إماما راتبا (4).
و قال أحمد (5)،و عطاء،و الحسن،و النخعيّ،و الزهريّ،و عمرو بن دينار، و إسحاق:لا يكره إمامته (6).
لنا:أنّه ناقص فلا يجعل له مزيّة فضيلة على الكامل.و لقوله عليه السّلام:إنّه شرّ الثلاثة (7).و هو يفهم منه أنّ شرّه أعظم من شرّ أبويه،و لا شكّ في أنّ الزنا كبيرة.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال:المجذوم،و الأبرص،و المجنون،
ص:211
و ولد الزنا،و الأعرابيّ» (1).
و مثله روى ابن يعقوب في الحسن عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام (2).و لأنّه غير مقبول الشهادة فلا يكون إماما لعدم الفارق.
احتجّ المخالف (3)بقوله عليه السّلام:«يؤمّكم أقرؤكم» (4).
و بما روي عن عائشة أنّها قالت:ليس عليه من وزر أبويه شيء (5).
و الجواب عن الأوّل:أنّه عامّ فيخصّص بما ذكرناه (6).
و عن الثاني:تسليم عدم تعلّق إثم الزنا به،لكنّا نقول:إنّه عليه السلام حكم بشرّ أبويه للزنا،و هو شرّ باعتبار ولادته عن الزنا.
لا يكون إماما إلاّ أن يكون قارئا و هم أمّيّون (1).
لنا:ما رواه الجمهور من قوله عليه السّلام:«يؤمّكم أقرؤكم» (2).
و عن أبي ذرّ:إنّ خليلي أوصاني أن أسمع و أطيع و إن كان عبدا مجدّع الأطراف (3).
و كان لعائشة غلام يؤمّها (4).و صلّى ابن مسعود،و حذيفة،و أبو ذرّ وراء أبي سعيد (5)و هو عبد لبني أسد (6). (7)
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام أنّه سئل عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به و كان أكثرهم قرآنا؟قال:
«لا بأس» (8).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله (9).
و في الموثّق عن سماعة قال:سألته عن المملوك يؤمّ الناس؟فقال:«لا،إلاّ أن يكون
ص:213
هو أفقههم و أعلمهم» (1).
و لأنّ الرقّ حقّ عليه فلا يمنع إمامته كالدين.و لأنّه من أهل الأذان للرجال يأتي بالصلاة على الكمال فكان كالحرّ في الإمامة.
احتجّ الشيخ بما رواه السكونيّ عن جعفر،عن أبيه،عن عليّ عليه السّلام أنّه قال:
«لا يؤمّ العبد إلاّ أهله» (2).
و الجواب:السند ضعيف فلا تعويل على هذه الرواية.قال الشيخ في الاستبصار:
و هي محمولة على الاستحباب و إن كان يجوز أن يؤمّ أهله و غير أهله (3).
إذا كان من وراءه من يسدّده و يوجّهه إلى القبلة.
و هو مذهب أهل العلم لا نعرف فيه خلافا،إلاّ ما نقل عن أنس أنّه قال:ما حاجتهم إليه (4).
لنا:قوله عليه السّلام:«يؤمّكم أقرؤكم» (5).
و ما رواه الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله استخلف ابن أمّ مكتوم يؤمّ الناس و هو أعمى (6).
و روى الشعبيّ عن أبي بكر أنّه قال:غزا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثلاث عشرة
ص:214
غزوة كلّ ذلك يقدّم ابن أمّ مكتوم يصلّي بالناس (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا بأس بأن يصلّي الأعمى بالقوم و إن كانوا هم الّذين يوجّهونه» (2).
و عن السكونيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«و لا يؤمّ الأعمى في الصحراء إلاّ أن يوجّه إلى القبلة» (3).و لأنّ فقد الحاسّة لا يؤثّر في زوال شيء من شروط الصلاة فجازت إمامته كالبصير.
لا ريب أنّ الحرّ أولى بالإمامة من العبد إذا استويا،و البصير من الأعمى كذلك.
و قال الأوزاعيّ،و حمّاد بن زيد،و إسحاق (1)،و أحمد (2)،و ابن المنذر:يصلّون جلوسا كما يصلّي هو (3)،فلو صلّوا قياما مؤتمّين به ففي صحّة صلاتهم روايتان عن أحمد (4)، و شرط أحمد أمرين:
أحدهما:أن يكون إمام الحيّ.
الثاني:أن يكون مرضه يرجى زواله،لا كالزمن (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن الشعبيّ،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:
«لا يؤمّنّ أحد بعدي جالسا» (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى بأصحابه جالسا،فلمّا فرغ قال:لا يؤمّنّ أحد بعدي جالسا» (7).
و ما رواه الشيخ عن السكونيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام:لا يؤمّ المقيّد المطلقين» (8).و مثله رواه ابن بابويه (9).
و لأنّ القيام ركن فلا يصحّ ائتمام القادر عليه بالعاجز عنه كغيره من الأركان.
احتجّ الشافعيّ (10)بما روت عائشة أنّ أبا بكر صلّى بالناس فوجد النبيّ صلّى اللّه عليه
ص:216
و آله من نفسه خفّة،فخرج بين رجلين فأجلساه إلى جنب أبي بكر،فصلّى قاعدا و الناس قيام يأتمون به (1).
و احتجّ أحمد (2)بما روى أبو هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه،و إذا صلّى جالسا فصلّوا جلوسا أجمعون» (3).
و الجواب عن الأوّل:أنّ حال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليس كحال غيره،فإنّ الصلاة معه حال جلوسه أفضل منها حال قيام غيره.
و عن الثاني:أنّه معارض بما ذكرناه من الأحاديث و بأنّه لا يجوز إجراؤه على عمومه،إذ لو صلّى جالسا من غير عذر لم يتّبع في ذلك،فلا بدّ من التقييد بعذر المرض، فنقول:لم لا يكون مقيّدا بعذر العري.
أجازه المرض فلا يغيّر حكم الائتمام.و قال أبو حنيفة (1)،و مالك (2)،و أحمد:لا يجوز لتارك ركن من الأفعال إمامة أحد كالمضطجع و العاجز عن الركوع و السجود (3).و هو الوجه عندي،لأنّه أخلّ بركن فلا يجوز الائتمام به كالأمّيّ و القارئ.
الثالث:يجوز للقاعد أن يؤمّ مثله.و كذا يجوز للمضطجع أن يؤمّ مثله.و يجوز للقائم أن يؤمّ القاعد و للقاعد أن يؤمّ المضطجع لا العكس.
الرابع:لو تجدّد عجز الإمام عن القيام فجلس فالوجه الاستخلاف،و هل يتمّون الصلاة خلفه قياما؟فيه نظر.
و قال أحمد:يتمّون قياما،لأنّه قد افتتح الصلاة بالقيام و هو الأصل،فيلزمه الإتمام كذلك مع القدرة،كالشارع في صلاة المقيم يلزمه إتمامها و إن حدث مبيح القصر في أثنائها (4).
الخامس:قال الشيخ:يجوز للعاري أن يكون إماما للمكتسي (5)،و عندي فيه إشكال،لأنّه إنّما يصلّي بالإيماء جالسا فكان تاركا لركن.أمّا لو كان المأموم أعمى و أمن الاطّلاع فالوجه الجواز،عملا بالعموم السالم عن المعارض.
السادس:لا يؤمّ المقيّد المطلقين،للإخلال بالقيام الذي هو ركن.
و الأمّيّ من لا يحسن قراءة الحمد، أو لا يحسن القراءة،سواء كانت الصلاة جهرا أو سرّا.و به قال مالك (6)،و الشافعيّ في أحد
ص:218
أقواله (1)،و أبو حنيفة (2)،و أحمد (3).
و قال الشافعيّ في بعض أقواله:إنّه يصحّ أن يأتمّ القارئ بالأمّيّ مطلقا (4).و به قال المزنيّ (5).
و قال أيضا:يجوز أن يأتمّ به في صلاة السرّ لا الجهر (6)،و به قال الثوريّ (7)، و أبو ثور (8).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«يؤمّكم أقرؤكم» (9).
و هذا قد خالف الأمر فلا تصحّ صلاته.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن أبي عبيدة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يتقدّم القوم أقرؤهم» (10).
و لأنّ القراءة واجبة مع القدرة،فلو ائتمّ أخلّ بالواجب.و لأنّ الإمام يتحمّل القراءة،
ص:219
و هذا عاجز فليس أهلا للتحمّل،فيفضي إلى خلوّ صلاة المأموم عن القراءة.
احتجّ الشافعيّ بأنّ القراءة ركن من أركان الصلاة،فجاز أن يكون العاجز عنه إماما للقادر عليه،كالقاعد يصلّي بالقائم (1).
و احتجّ على القول الأخير بأنّ المأموم لا يجب عليه القراءة في الجهريّة،و الإمام لا يصلح للتحمّل و يجب عليه القراءة في الإخفاتيّة،فلا يتحقّق التحمّل فيه (2).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من الحكم في الأصل و قد تقدّم (3).و النقض بالأخرس و العاجز عن الركوع و السجود.و الفرق بأنّ القيام لا مدخل للتحمّل فيه بخلاف القراءة.
و عن الثاني:بالمنع من القراءة و سيأتي.
الأوّل:لو صلّى القارئ خلف الأمّيّ بطلت صلاة المأموم خاصّة.و به قال الشافعيّ (4)،و أبو يوسف،و محمّد بن الحسن (5).و قال أبو حنيفة:تبطل صلاة الإمام و المأموم (6).
لنا:أنّ الإمام لو صلّى منفردا لم تبطل صلاته فكذا لو كان إماما،إذ لا يخلّ بواجب حينئذ يكون ثابتا في الانفراد.
احتجّ أبو حنيفة بأنّ القارئ لمّا أحرم معه لزمته القراءة عنه،لأنّه يتحمّل،فإذا عجز
ص:220
فسدت صلاته (1).
و الجواب:أنّ القراءة لا تجب عليه،لقوله تعالى لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها (2).
و إذا سقطت عنه بالنظر إلى نفسه فبالنظر إلى غيره أولى.
الثاني:لو أمّ الأمّيّ مثله صحّت صلاتهما معا،لاستوائهما في الأفعال.و لأنّه لم يحصل بالجماعة إخلال بواجب (3).
الثالث:لو أمّ الأمّيّ قارئا و أمّيّا بطلت صلاة القارئ خاصّة،و لو صلّى بقارئ واحد فكذلك.و قال أحمد:تبطل هنا صلاة الإمام أيضا،لأنّه نوى الإمامة و صار فذّا (4).
و الجواب:نيّة الإمامة ليست شرطا و لا واجبة.و لأنّه معها لم يخلّ بواجب.
الرابع:لو صلّى القارئ خلف من لا يعلم حاله في الإخفاتيّة،فالوجه الصحّة،لأنّ الظاهر أنّه لا يتقدّم إلاّ من يحسن القراءة.و كذا البحث في الجهريّة لو خفي عنه الصّوت.أمّا لو أسرّ في الجهريّة فقد قيل:إنّه كذلك بناء على الظاهر،و الإسرار يمكن أن يكون للنسيان أو للجهل أو لأنّه لا يحسن القراءة فلا تبطل الصلاة بالاحتمال.و قيل:بالبطلان،لأنّ الظاهر معارض بمثله،إذ الظاهر أنّه لو أحسن القراءة لجهر (5).
الخامس:لو أسرّ في الإسرار ثمَّ قال:قرأت في نفسي،صدّق قولا واحدا،لأنّ الظاهر صدقه.و كذا لو أسرّ في الجهريّة و قال:قرأت،قبل،و يستحبّ الإعادة لاحتمال كذبه،و فيه نظر.
و لو أسرّ في الإخفاتيّة و قال:ما قرأت في نفسي،فالوجه صحّة الصلاة،لأنّها وقعت
ص:221
صحيحة في الظاهر،فلا يؤثّر فيها قوله،كما لو أخبر بكفره.
و قال بعض الجمهور:يعيد هو و المأمومون،لأنّ عمر صلّى المغرب فلمّا سلّم قال:أما سمعتموني قرأت؟قالوا:لا،قال:فما قرأت في نفسي،فأعاد بهم الصلاة (1).
السادس:لو كان أحد الرجلين يحسن سبع آيات غير الفاتحة و لا يحسن الفاتحة، و الآخر لا يحسن شيئا،فهما أمّيّان،و لا ريب في جواز ائتمام الجاهل بعارف السبع.و هل يجوز العكس؟الأقرب عندي عدم الجواز،لأنّه يعرف شيئا يقوم مقام الحمد مع العذر فيكون كالقارئ خلف الأمّيّ.
السابع:يجوز أن يؤمّ الأخرس مثله،خلافا لأحمد (2).
لنا:أنّهما متساويان في الأفعال فكان كالأمّيّ بمثله.و لأنّه لم يحصل بالجماعة إخلال بواجب،فيكون العموم سالما عن المعارض.
احتجّ أحمد بأنّه ترك ركنا لا يرجى زواله و هو القراءة،فكان كالعاجز عن الركوع و السجود (3).
و الجواب:أنّ حكم الأصل عندنا مساو لحكم الفرع،إذ للعاجز عن الركوع أن يؤمّ مثله.
الثامن:هل للأخرس أن يؤمّ الأمّيّ الذي لا يحسن شيئا؟فيه نظر،أقربه الجواز، عملا بالعموم.
و لو قيل:لا يجوز،لعدم قدرته على التكبير مع قدرة المأموم،قلنا:التكبير لا يتحمّله الإمام و قد استويا في القراءة.
التاسع:هل يجب على الأمّيّ أن يأتمّ بالقارئ؟قال أبو حنيفة:يجب،
ص:222
لا صريحا (1)،و خالف فيه آخرون (2).
احتجّ أبو حنيفة بأنّه يمكنه أن يؤدّي صلاته بقراءة،و القراءة واجبة فيجب الطريق إليها.
احتجّ الآخرون (3)بأنّ رجلا جاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:إنّي لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن،فقال:«قل:سبحان اللّه و الحمد للّه» (4).و لم يأمره بالائتمام بالقارئ.
لتمكّن المأموم من القراءة و عجز الإمام، فلا يصحّ التحمّل.و يجوز أن يؤمّ بمثله،لتساويهما في الأفعال،فكانا كالأمّيّين و الصحيحين.
الأوّل:لا بأس بإمامة التمتام،و هو الذي يردّد التاء ثمَّ يأتي بها.و كذا ألفا فاء،و هو الذي يردّد الفاء ثمَّ يأتي بها،لأنّهما يكرّران الحروف و لا يسقطانها.
و قال الشيخ:التمتام:الذي لا يؤدّي التاء،و ألفا فاء:الذي لا يؤدّي الفاء (6).و على هذا التفسير لا يجوز الائتمام به للصحيح،و الأقرب أنّ الشيخ عنى أنّهما لا يؤدّيان الحرفين إلاّ بمشقّة.
قال صاحب الصّحاح:التمتام الذي في لسانه تمتمة،و هو الذي يردّد في التاء و ألفا فاء
ص:223
هو أن يردّد في الفاء إذا تكلّم (1).
الثاني:الأرتّ،قال الشيخ:هو الذي يلحقه في أوّل كلامه ريح فيتعذّر عليه،فإذا تكلّم انطلق لسانه (2).و هذا التفسير حكاه الأزهريّ عن المبرّد (3).
و قال آخرون:الأرتّ،هو الذي في لسانه رتّة يدغم حرفا في حرف،و لا يبيّن الحروف (4). (5)قال صاحب الصّحاح:الرتّة-بالضمّ-العجمة في الكلام (6).
فعلى التفسير الأوّل:يجوز إمامته.و على الثاني:إن لم يخرج الحروف من مخارجها لم يجز إمامته إلاّ مثله،لأنّه يخلّ بواجب في القراءة فكان كالأمّيّ.
الثالث:الألثغ:هو الذي يصيّر الرّاء غينا أو لاما،و السين ثاء-ذكره صاحب الصّحاح (7)-لا يجوز إمامته للصحيح،لأنّه يخلّ بواجب في القراءة.
و الأليغ-بالياء المنقّطة تحتها نقطتين-هو الذي لا يبيّن الكلام و لا يأتي بالحروف على البيان و الصحّة،لا يجوز إمامته إلاّ بمثله.و كذا لا يجوز إمامة من يبدّل حرفا مكان حرف،كالحاء يجعلها هاءا إلاّ بمثله،لإخلاله بالواجب.
الرابع:لا يجوز إمامة من يلحن في قراءته،سواء اختلّ المعنى به،مثل أن يقرأ:إيّاك -بكسر الكاف-فيكون خطابا للمؤنّث،أو يقرأ:و لا الضالّين-بالظاء-أو يقرأ:أنعمت عليهم-بضمّ التاء-أو لم يختلّ،كما لو فتح همزة إيّاك،أو ضمّ همزة اهدنا،أو فتح نون نستعين،لأنّه أخلّ بواجب.و كذا لو لحن في السورة بعد الحمد،سواء كفر بلحنه مثل
ص:224
أن يقرأ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ (1)بالكسر و قصد العطف،أو لم يكفر به كما لو قصد القسم،أو لم يقصد شيئا،لأنّه أخلّ بواجب.
و قال الشافعيّ:إن لحن في الفاتحة ما يختلّ به المعنى،كما مثّلناه،فسدت صلاته خاصّة.و إن كان لا يختلّ به المعنى صحّت صلاته.و إن كان في السورة غير الفاتحة و كفر به فسدت صلاته و صلاة من خلفه،و إلاّ فلا (2).
الخامس:لو كانت له لثغة خفيفة يمنع من تخليص الحرف و لكن لا يبدّله بغيره أمكن أن يقال بجواز إمامته للقارئ.
و هو قول عامّة أهل العلم إلاّ ما حكي عن أبي ثور،و المزنيّ،و محمّد بن جرير الطبريّ،فإنّهم قالوا:يجوز في صلاة التراويح إذا لم يكن قارئ غيرها و تقف خلفهم (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ اللّه» (4).
و لأنّ المرأة مأمورة بالاستتار،و الإمام مأمور بضدّه (5).و لأنّها لا تؤذّن للرجال فلا تكون إماما لهم كالكافر.
احتجّ المخالف (6)بما روي عن أمّ ورقة،بنت نوفل،أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان
ص:225
يزورها في بيتها،فجعل لها مؤذّنا يؤذّن لها،و أمرها أن تؤمّ أهل دارها (1).و ذلك عامّ في الرجال و النساء.
و الجواب:أنّ الدار قطنيّ روى أنّه عليه السّلام أمرها أن تؤمّ نساء أهل دارها (2).
و أيضا:فهو محمول على ذلك لما قلناه.
الأوّل:يجوز أن يؤمّ الرجل المرأة،و لا نعرف فيه خلافا.روى الشيخ عن عبد اللّه ابن بكير،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يؤمّ المرأة،قال:«نعم، تكون خلفه» (3).
و مثله رواه في الموثّق عن أبي العبّاس،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (4).و عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عنه عليه السّلام (5).و لأنّهنّ أهل فرض فاستحبّ لهنّ الجماعة كالرجال.و ذلك عامّ في حق الأقارب و الأجانب،كان معهنّ رجال أو لم يكن.
و كره الشافعيّ أن يصلّي الرجل بالأجنبيّات إذا لم يكن معهنّ غيره (6)،لقوله عليه السّلام:«لا يخلونّ رجل بامرأة فإنّ الشيطان ثالثهما» (7).
الثاني:لا يجوز أن يؤمّ الخنثى رجلا،لجواز أن يكون امرأة.و لا تؤمّ امرأة خنثى،
ص:226
لجواز أن يكون رجلا.و لا يجوز أن يؤمّ الخنثى مثله (1)،لجواز أن يكون الإمام منهما امرأة و المأموم رجلا.
الثالث:يجوز للرجل أن يؤمّ الخنثى،لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون رجلا أو امرأة،و على التقديرين تجوز الإمامة.و يجوز للخنثى أن يؤمّ المرأة (2)،لأنّ أقلّ حاله أن يكون امرأة.
الرابع:لو صلّى خلف من يشكّ في كونه خنثى فالوجه الصحّة،لأنّ الظاهر السلامة من كونه خنثى،خصوصا لمن يؤمّ الرجال.و لو تبيّن بعد الصلاة أنّه كان خنثى مشكلا لم يعد،لأنّه بنى (3)على الظاهر فكان كما لو تبيّن كفره.
و به قال أبو حنيفة (4).و قال الشافعيّ:المكروه الأوّل خاصّة (5).
لنا:أنّ مفارقة الإمام للمأموم مكروهة،و هي حاصلة هاهنا على كلا التقديرين.
و ما رواه الشيخ عن الفضل بن عبد الملك،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا يؤمّ الحضريّ المسافر،و لا المسافر الحضريّ،فإن ابتلى بشيء من ذلك فأمّ قوما حاضرين (6)، فإذا أتمّ الرّكعتين سلّم،ثمَّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم،و إذا صلّى المسافر خلف المقيم (7)فليتمّ صلاته ركعتين و يسلّم،و إن صلّى معهم (8)الظهر فليجعل الأوّلتين الظهر و
ص:227
الأخيرتين (1)العصر» (2).و لأنّهما مختلفان في عدد الفرض،فكره ائتمام كلّ واحد منهما بصاحبه كائتمام الحاضر بالمسافر.
احتجّ الشافعيّ بأنّ المسافر يتمّ صلاته خلف المقيم فلا كراهية.أمّا العكس فإنّه مكروه،لأنّ الإمام متبوع (3).
و الجواب:أنّ إتمام المأموم غير جائز على ما سيأتي.
الأوّل:لو كان الإمام حاضرا و المأموم مسافرا استحبّ للإمام أن يومئ برأسه إلى التسليم ليسلّم المأموم،ثمَّ يقوم الإمام فيتمّ صلاته.و يجوز للمأموم أن يصلي معه فريضة أخرى،لحديث الفضل.
لا يقال:إنّ السورة لا تجب فتكون قراءة الإمام ناقصة فكيف يتحمّل عن المأموم.
لأنّا نقول:بمنع (4)نقصان القراءة.و أيضا:ينتقض بالمسبوق.
الثاني:لو كان الإمام مسافرا سلّم و لا يتبعه المأموم فيه،لأنّه جعل للخروج من الصلاة و هو محرّم قبل إكمالها،فإذا سلّم قام المأموم فأتمّ صلاته.
و يستحبّ للإمام أن يقدّم من يتمّ (5)بهم،فإن لم يفعل قدّم المأمومون.و هل يجوز أن يصلّي الإمام فريضة أخرى و ينوي (6)المأموم الائتمام به في التتمّة؟الذي يلوح من كلام
ص:228
الشيخ في الخلاف:الجواز (1).
الثالث:لا يكره ائتمام المسافر بمثله،لتساويهما في الفعل و العدد،فلا يحصل المفارقة.
الرابع:لو تساوى فرض الحاضر و المسافر عددا،كما في المغرب و الصبح،أو صلاة الخوف،إن قلنا بالقصر فيها حضرا،هل يكره الجماعة هنا؟الأقرب عدمه،للتساوي، فلا تحصل المفارقة المقتضية للكراهية.
و لا نعرف فيه خلافا،إلاّ ما حكي عن محمّد بن الحسن الشيبانيّ من المنع من ذلك (2).
لنا على الجواز:عموم الأمر بالجماعة و ما رواه الجمهور أنّ عمرو بن العاص صلّى بأصحابه متيمّما و بلغ ذلك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لم ينكره (3).و صلّى ابن عبّاس بأصحابه و فيهم عمّار بن ياسر و جماعة من الصحابة و لم ينكروه (4)،فكان إجماعا.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن حمزة بن حمران و جميل ابن درّاج قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إمام قوم أصابته جنابة في السفر،و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل،أ يتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟قال:«لا،و لكن يتيمّم الجنب و يصلّي بهم،فإنّ اللّه جعل التراب طهورا» (5).و لأنّه متطهّر طهارة شرعيّة يجوز له معها الدخول في الصلاة و يسقط معها الفرض،فأشبه المتوضّئ.
ص:229
و أمّا الكراهية،فلما رواه الشيخ في الصحيح عن عبّاد بن صهيب (1)قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«لا يصلّي المتيمّم بقوم متوضّئين» (2).
و ما رواه في الموثّق عن السكونيّ،عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السّلام قال:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام:لا يؤمّ المقيّد المطلقين،و لا يؤمّ صاحب الفالج الأصحّاء،و لا صاحب التيمّم المتوضّئين» (3).
و الجواب:أنّ ذلك الحدث سقط اعتباره في نظر الشرع في تلك الصلاة.و كذا البحث في صاحب السلس.
الثاني:من على ثوبه أو بدنه نجاسة لا يتمكّن من إزالتها يجوز أن يكون إماما للطاهر،خلافا لبعض الجمهور (1)،عملا بالعموم،و هو قوله عليه السّلام:«يؤمّكم أقرؤكم» (2).
الثالث:لا يجوز ائتمام المتطهّر بعادم الماء و التراب و شبهه،إن قلنا بوجوب الصلاة عليه،لأنّه صلّى غير متطهّر فلا تكون مجزئة.
و كذا البحث في المتمكّن من الاستقبال مع العاجز،لأنّه تارك لشرط يقدر (3)المأموم عليه.
الرابع:يجوز أن يكون كلّ واحد من هؤلاء إماما لمثله،لحصول التساوي في الأفعال و الشروط.
الخامس:لو رأى المأموم المتوضّئ ماء لم تفسد (4)صلاته.و به قال زفر (5).و قال أبو حنيفة و صاحباه:تفسد (6)صلاته (7).
لنا:أنّ المبطل رؤية المتيمّم لا غيره،و الإمام لم يره،و المقتدي غير متيمّم.
ص:231
احتجّوا بأنّ الإمام صار واجدا للماء فيما يرجع إلى المقتدي،فبطل تيمّم الإمام فيما يرجع إليه،ففسدت صلاته،لأنّها بناء (1)على صلاته.
و الجواب:لا يخفى ضعف ما ذكره.
أمّا الأجذم و الأبرص فقد اختلف علماؤنا فيهما،فبعض قال بالمنع.ذهب إليه السيّد المرتضى (2)و الشيخ رحمهما اللّه (3).و قال المفيد (4)و ابن إدريس بالكراهية (5).و هو الأقرب.
أمّا الجواز فللعموم،و ما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن يزيد قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المجذوم و الأبرص يؤمّان الناس؟قال:«نعم»قلت:هل يبتلي اللّه بهما المؤمن؟قال:«نعم،و هل كتب البلاء إلاّ على المؤمن!؟» (6).
احتجّ الشيخ بما رواه في الصحيح عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال:المجذوم،و الأبرص،و المجنون،و ولد الزنا، و الأعرابيّ» (7).
و الجواب:أنّه في البعض محمول على الكراهية،جمعا بين الأدلّة.و أمّا صاحب الفالج فالوجه فيه الكراهية،لما رواه الشيخ عن السكونيّ،عن جعفر،عن أبيه عليهما السلام،عن
ص:232
أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«و لا يؤمّ صاحب الفالج الأصحّاء» (1).
أمّا قبل التوبة فعلى سبيل التحريم لفسقه،و أمّا بعدها فعلى الكراهية لنقصه.روى ابن بابويه عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«خمسة لا يؤمّون الناس و لا يصلّون بهم صلاة فريضة في جماعة:الأبرص،و المجذوم، و ولد الزنا،و الأعرابيّ حتّى يهاجر،و المحدود» (2).
و روى ابن بابويه أيضا عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال:«لا يصلّينّ أحدكم خلف الأجذم،و الأبرص،و المجنون،و المحدود،و ولد الزنا.و الأعرابيّ لا يؤمّ المهاجرين (3).
و في كراهة إمامة هؤلاء بأمثالهم نظر،أقربه الكراهية،عملا بعموم قوله عليه السّلام:
«خمسة لا يؤمّون الناس».
و التحريم منوط بالتفريط للفسق،لما رواه الشيخ عن عمرو بن خالد،عن زيد بن عليّ،عن آبائه،عن عليّ عليه السّلام قال:«الأغلف لا يؤمّ القوم و إن كان أقرأهم،لأنّه ضيّع من السنّة أعظمها،و لا تقبل له شهادة،و لا يصلّى عليه إلاّ أن يكون ترك ذلك خوفا على نفسه» (4).و رواه ابن بابويه أيضا عن عليّ عليه السّلام (5).
و في الحديث ما يدلّ على اشتراط ما ذكرناه.
ص:233
و به قال مالك (1).و قال عطاء (2)،و الثوريّ، و إسحاق (3)،و أحمد (4)،و أصحاب الرأي:لا يكره إمامته (5).
لنا:قوله تعالى اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ (6).و من هذه حاله لا يصلح للإمامة.
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير،و قد تقدّم.
و ما رواه ابن بابويه عن أبي جعفر و أمير المؤمنين عليهما السلام،و قد سلف.
احتجّ المخالف (7)بعموم قوله عليه السّلام:«يؤمكم أقرؤكم» (8).
و الجواب:الظاهر من حال الإعراب أنّهم ليسوا من أهل المعرفة بالقرآن.
لو كان الأعرابيّ ممّن يعرف محاسن الإسلام و وصفها جازت إمامته،عملا بالعموم السالم عن معارضة الجهل،و إن لم يكن كذلك لم يجز،لا لمثله و لا لمخالفة.
ص:234
و هذا على الاستحباب إلاّ ما استثني.فعلى هذا يكره إمامة الأصمّ،لأنّه ذو عاهة.و لو انضمّ إلى الصمم عمى كان أشدّ كراهة.و قال بعض الجمهور:لا تصحّ إمامته (2).
لنا:أنّه من أهل الفرض لا يخلّ (3)بشيء من الأفعال فجازت إمامته كالصحيح.
احتجّوا بأنّه إذا سها لا يمكن تنبيهه بتسبيح و لا إشارة (4).
و الجواب:احتمال العروض لا يمنع الصحّة،كالمجنون حال إفاقته.
و الأقرب جواز إمامته، عملا بعموم قوله:«يؤمّكم أقرؤكم» (6).
و قال بعض الجمهور:لا تجوز إمامته،لأنّه يخلّ بالسجود على الأعضاء السبعة (7).
و الجواب:أنّ السجود يفعله المأموم فلا يتحمّله الإمام.
أمّا أقطع (8)الرجلين فلا يجوز إمامته،لأنّه يدخل تحت القاعد.
تجوز إمامة من ذكرنا بمثله إجماعا،لحصول المساواة،و عدم فوات واجب بالجماعة.
أو أكثرهم،إذا كان بشرائط الإمامة،
ص:235
خلافا لبعض الجمهور (1).
لنا:قوله عليه السلام:«يؤمّكم أقرؤكم».و ذلك عامّ،و لا اعتبار بكراهة المأمومين له:إذ الإثم إنّما يتعلّق بمن كرهه،لا به.
و كذا لا يكره إمامة الجنديّ و الخصيّ مع الشرائط،عملا بالعموم.
فهو أولى من غيره،و ذلك مع استكمال الشرائط،و إن كان فيهم من هو أفضل منه،إلاّ السلطان العادل،فإنّه أولى منه، و لا نعرف فيه مخالفا.
روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا يؤمّنّ الرجل في بيته و لا في سلطانه،و لا يجلس على تكرمته إلاّ بإذنه» (2).و اختلف في التكرمة فقيل:الفراش (3).
و قيل:المائدة (4).
و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«من زار قوما فلا يؤمّهم و ليؤمّهم رجل منهم» (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن أبي عبيدة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«و لا يتقدّمنّ أحدكم الرجل في منزله،و لا صاحب سلطان في سلطانه» (6).
و المسجد الراتب بمثابة المنزل فيتناوله النهي.و لأنّه يؤثّر تحاسدا و تباعدا.
ص:236
الأوّل:لو أذن المستحقّ من هؤلاء لغيره في التقديم جاز،و كان أولى من غيره إذا استجمع الشرائط،و لا نعرف فيه خلافا،لأنّه حقّ له،فله نقله (1)إلى من شاء.
و من احتجّ بقوله عليه السّلام:«إلاّ بإذنه» (2)لم يصب،إذ الاستثناء المتعقّب للجمل إنّما يعود إلى الأخيرة.
الثاني:لو دخل السلطان غير بلده الذي يستوطنه و له فيه خليفة،كان أولى من خليفته فيه،لأنّ ولاية الخليفة بالتبعيّة،فلا يكون أولى من ولايته بالأصالة.و لأنّه حاكم عليه.
الثالث:السيّد أولى من عبده في المنزل الّذي دفعه السيّد إليه،و هل يكون أولى من غير سيّده فيه؟الأقرب نعم،بناء على جواز إمامته،عملا بعموم ولاية صاحب المنزل.
و لأنّه لمّا اجتمع ابن مسعود و حذيفة و أبو ذرّ في بيت أبي سعيد مولى أبي أسيد (3)، تقدّم أبو ذرّ ليصلّي بهم،فقالوا له:وراءك،فالتفت إلى أصحابه فقال:أ كذلك؟قالوا:نعم، فتأخّر و قدّموا أبا سعيد فصلّى بهم (4).
الرابع:مستأجر الدار أولى من غيره و إن كان المالك،لأنّه مالك (5)منافعها،و أحقّ بالسكنى من غيره.
الخامس:قال الشيخ:إذا حضر رجل من بني هاشم كان أولى،إذا كان يحسن
ص:237
القراءة (1).و هو حسن،لأنّه أفضل من غيره،و تقديم المفضول قبيح عقلا.
لكتاب اللّه» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن أبي عبيدة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:يتقدّم القوم أقرؤهم للقرآن» (2).و لأنّها واجبة في الصلاة فكان القادر عليها أولى.
لا يقال:إنّه عليه السلام قدّم القارئ،لأنّ الصحابة كان الأفقه منهم هو الأكثر قرآنا.
لأنّا نقول:اللفظ عامّ فكانت العبرة به لا بخصوص السبب.و لأنّه عليه السّلام نقلهم بعد هذه المرتبة،فقال في الحديث:«فإن استووا فأعلمهم بالسنّة».
احتجّ المخالف بأنّ الفقه يحتاج (3)إليه في جميع الصلاة،و القراءة في بعضها،فكان الأوّل أولى.و لأنّه أعرف بتدبير الصلاة.و لأنّ الفقه مقدّم في الإمامة العامّة و الحكم على القراءة،فكذا هنا (4).
و الجواب:النصّ أولى ممّا ذكرتم.
الأسنّ (1).و اختاره ابن إدريس (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:فإن استووا في القراءة فأعلمهم بالسنّة (3).و لأنّ الفقه يحتاج (4)إليه في الصلاة و تكميلها،فكان أولى من السنّ.
احتجّ السيّد المرتضى (5):بما رواه الجمهور عن مالك بن الحويرث و صاحبه قال:
يؤمّكما أكبركما (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه أبو عبيدة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:فإن تساووا في القراءة فأقدمهم هجرة،فإن تساووا فأسنّهم، فإن كانوا سواء فليؤمّهم أعلمهم بالسنّة» (7).
و الجواب عن الأوّل:أنّه حكم في واقعة لا عموم لها،فلعلّه عليه السّلام عرف منهما التساوي في القراءة و الفقه.و لأنّه لو لا ذلك لكان الأكبر أولى من الأقرأ،و ليس كذلك.
و عن الثاني:أنّ في طريقه ضعفا.
الأوّل:لو اجتمع فقيهان قارئان،و أحدهما أكثر قراءة و الآخر أكثر فقها،قدّم الأقرأ للخبر.و قال بعض الجمهور القائلين بأولويّة الأقرأ:أنّه يقدّم الأفقه،لتميّزه بما لا يستغنى
ص:240
عنه في الصلاة (1).
و الجواب:النصّ أولى.
الثاني:كما أنّ الترجيح يحصل بكثرة القراءة و إن استويا في قراءة الحمد و السورة، فكذلك يحصل بكثرة الفقه و إن استويا في المحتاج إليه في الصلاة،لأنّ الأكثر أشرف و أعلم،فكان أولى بالتقديم.و لأنّ في بعض المسائل معونة على معرفة الباقي،فكان الأكثر أولى.
الثالث:لو كان أحد الفقيهين أعلم بأحكام الصلاة خاصّة،و الآخر أعلم بما غايرها (2)،فالأوّل أولى،لأنّ المطلوب في الصلاة العلم المؤثّر في تكميلها.
و المراد بها:أن يكون أحدهما أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام.ذهب إليه علماؤنا،و هو أظهر قولي أحمد (3)و الشافعيّ (4).و قال الشافعيّ أيضا:يقدّم الأسنّ (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«فإن استووا في السنّة فأقدمهم هجرة» (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في حديث أبي عبيدة من تقديم الهجرة على السنّ (7).و لأنّ الهجرة قربة و طاعة فكان السابق إليها أفضل.
ص:241
احتجّ الشافعيّ (1)بحديث مالك بن الحويرث (2).
و الجواب عنه:قد تقدّم.
لحديث مالك،و أبي عبيدة.و لأنّ الأسنّ أسبق إلى الإسلام.و لأنّه أولى بالتوقير و الإعظام.
و اعلم أنّ الإسلام أشرف من الهجرة،فيقدّم المتقدّم به مع التساوي،و هل هو أولى من الهجرة؟الأقرب لا،لورود النصّ على الترتيب.فإن تساووا في ذلك كلّه،قدّم الأشرف نسبا،ذكره الجمهور (3).و المراد بالنسب تقديم بني هاشم على غيرهم من قريش،و تقديم بني عبد المطّلب على غيرهم من بني هاشم،و تقديم قريش على غيرهم.
و قال بعض أصحابنا:الهاشميّ أولى من غيره بالإمامة (4).فإن تساووا قال الشيخان:
يرجّح بالأصبح وجها (5)،و جعله المرتضى (6)،و ابن إدريس رواية (7)،و هو قول بعض الشافعيّة (8)،إلاّ أنّهم فسّروه تارة بالأحسن وجها كما هو المتعارف،و تارة بالأحسن ذكرا بين الناس.فإن تساووا في ذلك كلّه،قدّم الأتقى و الأورع،لقوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ (9)و لأنّه أقرب إلى الإجابة فكان أفضل من غيره.و لما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إذا أمّ القوم و فيهم من هو خير منه لم يزالوا
ص:242
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:
«إمام القوم وافدهم،فقدّموا أفضلكم» (3).
و عنه عليه السلام:«إن سرّكم أن تزكّوا صلاتكم فقدّموا خياركم» (4).
و عنه عليه السلام:«من صلّى بقوم و فيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة» (5).
فإن استووا في ذلك كلّه،قال بعض الجمهور:يقرع بينهم،لتساويهم و عدم أولويّة بعضهم (6).و لأنّ سعد بن أبي وقّاص أقرع بينهم في الأذان،فالإمامة أولى (7).
و لو كان أحدهما يقوم بعمارة المسجد و يتعاهده (8)قيل:يكون هو أولى (9).و لو كان أحدهم من أولاد من تقدّمت هجرته فهو أولى على ما قال بعضهم (10).
هذا كلّه على جهة الاستحباب دون الوجوب.و لا نعرف فيه خلافا.
ص:243
الحرّة أولى بالإمامة للنساء من الأمة،لأنّها أشرف.و لأنّ الحرّ أولى.و لأنّها تصلّي مستترة و الأمة يجوز أن تكشف رأسها،و المستترة أولى.
إلى يمينه (1).
و ما رووه عن جابر بن عبد اللّه قال:سرت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في غزوة فقام يصلّي،فتوضّأت ثمَّ جئت حتّى قمت عن يسار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأخذ بيديه فأدارني حتّى أقامني عن يمينه،فجاء جبّار بن صخر (2)حتّى قام عن يساره، فأخذنا بيديه جميعا حتّى أقامنا خلفه (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام قال:«الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه،فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه» (4).
و ما رواه عن الحسين بن يسار المدائنيّ (5)أنّه سمع من يسأل الرضا عليه السلام عن رجل صلّى إلى جانب رجل فقام عن يساره و هو لا يعلم،كيف يصنع،ثمَّ علم هو و هو في الصلاة؟قال:«يحوّله عن يمينه» (6).و قد اشتمل هذا الحديث على فوائد:منها:المطلوب.
و منها:أنّه إن وقف عن يساره صحّت صلاته.
ص:245
و منها:أنّه لا يلزمه سجود السهو.
و منها:أنّه إذا وقف عن يساره ينبغي أن يتحوّل إلى يمينه.
و منها:أنّه إذا لم يتحوّل لم يقرأ (1)الإمام بل يحوّله.
و منها:تحريم الكلام في الصلاة.
و منها:أنّ العمل اليسير لا يبطل الصلاة.
و منها:أنّ المشي اليسير لا يبطل الصلاة.
الأوّل:لو كان المأموم الواحد امرأة وقفت خلف الإمام وجوبا،لقوله عليه السّلام:
«أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ اللّه» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الموثّق عن أبي العبّاس قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يؤمّ المرأة في بيته؟قال:«نعم،تقوم وراءه» (3).
الثاني:وقوف المأموم الذكر عن يمين الإمام ليس بواجب،بل هو مستحبّ.
فلو وقف عن يساره أو خلفه جاز،لكنّه يكون قد فعل مكروها.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول مالك (4)،و الشافعيّ (5)،و أصحاب الرأي (6)،و أكثر
ص:246
أهل العلم (1).
و قال أحمد:إن وقف عن يساره بطلت صلاته،إلاّ أن يكون على يمين الإمام غيره، و إن وقف وراءه بطلت (2).
لنا:حديث ابن عبّاس (3)،فإنّه دالّ على الاجتزاء بما فعله،و لم يأمره النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالاستئناف،و لو لم يكن موقفا لاستأنف.
و من طريق الخاصّة:رواية الحسين بن يسار و قد تقدّمت (4).
و لأنّه موقف فيما إذا كان عن الجانب الآخر غيره،فكان موقفا مع عدمه.و لأنّه أحد جانبي الإمام فأشبه اليمين.
احتجّ أحمد (5)بحديث ابن عبّاس،و لو كان موقفا لما حوّله.
و الجواب:أنّه حوّله للفضيلة،إذ لا منازعة فيه،و لو كان إنّما حوّله لأنّه واجب لأمره بالاستئناف.
الثالث:لو كان المأموم خنثى تأخّر وجوبا،لجواز أن يكون امرأة،و المحاذاة محرّمة.
الرابع:لو كان المأموم صبيّا وقف عن يمين الإمام أيضا،لحديث ابن عبّاس،فإنّه في تلك الحال كان صبيّا.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن أبي البختريّ،عن جعفر عليه السلام قال:
«إنّ عليّا عليه السلام قال:الصبيّ عن يمين الرجل في الصلاة إذا ضبط الصفّ جماعة،
ص:247
و المريض القاعد عن يمين الصبيّ جماعة» (1).
سواء كانوا ثلاثة و أكثر (2)أو اثنين.ذهب إليه علماؤنا،و هو قول عليّ عليه السّلام،و عمر،و جابر بن زيد،و الحسن، و عطاء (3)،و مالك (4)،و الشافعيّ (5)،و أحمد (6)،و أصحاب الرأي (7).
و كان ابن مسعود يقول:إن كان المأموم اثنين وقف الإمام بينهما (8).
لنا:أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أخرج جابرا و جبّارا عن جنبيه و جعلهما خلفه (9)، و ذلك يدلّ على الأفضليّة،إذ لو كان موضعهما موضع الفضيلة لما نقلهما عنه.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام:«فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه» (10).
ص:248
الأوّل:لو كان أحد المأمومين صبيّا جعلهما خلفه،سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا تصحّ الجماعة فيها.و لو جعلهما معا عن يمينه أو يساره جاز عندنا و عند أكثر أهل العلم (1).
و قال أحمد:لو جعلهما خلفه في الفرض لا يصحّ (2).
لنا:الأصل الجواز.و لأنّه موضع فضيلة لا وجوب.و لأنّ الصبيّ متنفّل فصحّ أن يصافّ المفترض كالمتنفّل البالغ.
احتجّ أحمد بأنّ الصبيّ لا يؤمّه فلا يصافّه كالمرأة (3).
و الجواب:أنّه معارض بالأصل و القياس.و منقوض بالنوافل و بالأمّيّ مع القارئ و بالفاسق مع العدل.
الثاني:لو أمّ اثنين فوقفا إلى جنبيه أخّرهما الإمام.و قال أبو حنيفة:بل يتقدّم هو (4).
لنا:رواية جابر.و لأنّه الأصل في الصلاة فكره له الاشتغال بما ليس من الصلاة بخلاف المأموم.
الثالث:لو أمّ رجلا و امرأة وقف الرجل عن يمينه و المرأة خلفهما،لما رواه الشيخ عن القاسم بن الوليد قال:سألته عن الرجل يصلّي مع الرجل الواحد معهما النساء،قال:«يقوم الرجل إلى جنب الرجل و يتخلّفن النساء خلفهما» (5).
و كذا لو أمّ صبيّا و امرأة،لما رواه الشيخ عن إبراهيم بن ميمون،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يؤمّ النساء (6)ليس معهنّ رجل في الفريضة،قال:«نعم،و إن كان
ص:249
معه صبيّ فليقم إلى جانبه» (1).
و كذا البحث لو كان النساء أكثر من واحدة.و لو كان معه صبيان و نساء،جعل الصبيان صفّا و النساء خلفهم،لما رواه الشيخ في الموثّق عن عبد اللّه بن مسكان (2).
الرابع:لو أمّ الرجال و النساء و الصبيان و الخناثى،كان الذي يلي الإمام الرجال،ثمَّ الصبيان،ثمَّ الخناثى،ثمَّ النساء.و الترتيب الأوّل مستحبّ و البواقي واجبة على قول (3).
و قال بعض الشافعيّة:يقف بين كلّ رجلين صبيّ (4).و ليس بصحيح،لقوله عليه السلام:«ليليني منكم ذوو الأحلام و النهى» (5).
احتجّ المخالف بأنّهم يتعلّمون (6).
و جوابه:أنّه حاصل مع التأخّر.
و لو جاء رجال تأخّرن وجوبا،إذا لم يكن لهم موقف أمامهنّ.
الخامس:لو أمّ خنثى مشكلا لا غير تأخّر-إن قلنا بتحريم مصافّة (7)المرأة للرجل- وجوبا لا استحبابا،لاحتمال أن يكون امرأة،خلافا لبعض الجمهور (8).
و لو كان معهما رجل وقف الرجل عن (9)يمين الإمام و الخنثى خلفهما.و لو كان معه
ص:250
رجلان وقفا خلفه و الخنثى خلفهما كالمرأة.و لو كان هناك خنثيان فالوجه أنّه لا يجوز لهما الجماعة،بناء على القول بتحريم مصافّة المرأة للرجل،لأنّه إن تقدّم أحدهما على الآخر احتمل أن يكون المتقدّم امرأة و المتأخّر رجلا.و كذا الاحتمال موجود لو أخرتا.
السادس:لو أحرم اثنان خلف الإمام،ثمَّ فارق أحدهما لعذر أو لغيره،فالوجه استحباب تقدّم الآخر إلى يمين الإمام.
السابع:لو قام المأموم عن يمين الإمام فدخل آخر،وقف خلفه و تأخّر الأوّل.
و قال الشافعيّ:يقف عن يساره ثمَّ يحرم،فإذا أحرم تأخّر معا (1).
لنا:أنّ المأموم أكثر من واحد فاستحبّ تقديم الإمام عليهما،و مع التحريم في الصفّ لا يحصل المستحبّ.
احتجّ بأنّه إن تأخّر الأوّل قبل أن يحرم الثاني صار منفردا خلفه،و إن أحرم الثاني خلفه قبل تأخّر الأوّل لزم ذلك بعينه (2).
و الجواب:أنّ التحريم مع التأخّر.و لأنّ ما ذكره يلزمه مثله،إذ تحريم الثاني في الصفّ يستلزم مجامعة أكثر من المأموم للإمام في الصفّ.
الثامن:لو وقف معه كافر أو من لا تجوز صلاته لم يعتدّ به،و كان المستحبّ له أن يقف عن يمين الإمام.أمّا لو وقف معه فاسق،أو متنفّل،أو أمّيّ و هو قارئ،أو من به سلس البول،أو متيمّم كانا صفّا،قولا واحدا.
التاسع:لو كان الإمام و المأمومون عراة لم يتقدّمهم،بل يقعد وسطهم و يبرز بركبتيه عنهم.و هو قول أكثر أهل العلم (3).
روى الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة،قال:يتقدّمهم الإمام بركبتيه و يصلّي بهم جلوسا
ص:251
و هو جالس» (1).و لعلّ المطلوب من التوسّط استواء نسبتهم إليه ليتمكّنوا من متابعته.
العاشر:يستحبّ تقارب الصفوف،لرواية زرارة الحسنة،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«ينبغي أن تكون الصفوف تامّة متواصلة بعضها إلى بعض،لا يكون بين صفّين ما لا يتخطّى،يكون قدر ذلك مسقط جسد الإنسان» (2).
بل تقف (3)في وسطهنّ.و هو اتّفاق بين القائلين بإمامة النساء،لما رواه الجمهور عن عائشة أنّها كانت تقف وسطهنّ (4).
و رووا عن صفوان بن سليم أنّه قال:من السنّة إن صلّت بنسوة أن تقف وسطهنّ (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن بكير،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السلام.و عن المرأة تؤمّ النساء؟قال:«نعم،تقوم وسطا بينهنّ و لا تتقدّمهنّ» (6).
فيختصّ (7)به أهل الفضل استحبابا.و هو قول عامّة أهل العلم.روى الجمهور عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«خير صفوف الرّجال
ص:252
أوّلها و شرّها آخرها،و خير صفوف النساء آخرها و شرّها أوّلها» (1).
و عنه عليه السلام أنّه قال:«ليليني منكم أولو النهى و الأحلام» (2).
و عنه عليه السلام أنّه رأى في أصحابه تأخّرا،فقال:«تقدّموا فائتمّوا بي و ليأتمّ بكم من بعدكم،لا يزال قوم يتأخّرون حتّى يؤخّرهم اللّه عزّ و جلّ» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن جابر بن يزيد،عن الباقر عليه السلام قال:
«ليكن الذين يلون الإمام أولى الأحلام منكم و النهى،فإن نسي الإمام أو تعايا قوّموه، و أفضل الصفوف أوّلها و أفضل أوّلها ما دنا من الإمام» (4).
و ما رواه ابن بابويه عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام قال:«إنّ الصلاة في الصفّ الأوّل كالجهاد في سبيل اللّه» (5).و لأنّهم يردّون الإمام لو سها.
و يدلّ على هذه العلّة قول الباقر عليه السلام:«فإن نسي الإمام قوّموه».فإنّ حرفي «إن»و«الفاء»دالاّن على التعليل.و لأنّه ربّما يعرض للإمام ما يقطع به الصلاة فيحتاج إلى من يستخلفه.
لكنّ الأولى له الدخول في الصفّ.
ص:253
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول الحسن البصريّ (1)،و مالك (2)،و الأوزاعيّ (3)، و الشافعيّ (4)،و أصحاب الرأي (5).
و قال النخعيّ (6)،و الحكم،و الحسن بن صالح (7)،و إسحاق (8)،و أحمد (9)، و ابن المنذر:لو صلّى وحده ركعة كاملة بطلت صلاته (10).
لنا:ما رواه الجمهور أنّ أبا بكرة جاء و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله راكع،فركع دون الصفّ ثمَّ مشى إلى الصفّ،فلمّا قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلاته قال:«أيّكم ركع دون الصفّ؟»فقال أبو بكرة:أنا،فقال:«زادك اللّه حرصا،و لا تعد» (11).و لم يأمره بالإعادة.
لا يقال:نهيه عن العود يدلّ على البطلان.
لأنّا نقول:لا دلالة في ذلك على البطلان،لأنّه لم يأمره بالإعادة،فكان ذلك على
ص:254
سبيل الكراهية.و يحتمل:لا تعد إلى التأخّر.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يوما دخل المسجد الحرام في صلاة العصر،فلمّا كان دون الصفوف ركعوا فركع وحده و سجد السجدتين،ثمَّ قام فمضى حتّى لحق الصفوف (1).
و ما رواه عن سعيد الأعرج قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصفّ مقاما،أ يقوم وحده حتّى يفرغ من صلاته؟قال:«نعم،لا بأس، يقوم بحذاء الإمام» (2).
و ما رواه في الصحيح عن أبي الصبّاح قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقوم في الصفّ وحده،فقال:«لا بأس،إنّما يبدو واحد بعد واحد» (3).و لأنّه موقف له لو كان معه غيره،فكذا لو انفرد.و لأنّه موقف للمرأة فكان موقفا له.
و أمّا كراهية الانفراد،فلما رواه الشيخ عن السكونيّ،عن جعفر،عن أبيه عليهما السلام قال:«قال أمير المؤمنين عليه السلام:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
لا تكوننّ في العيكل (4)،قلت:و ما العيكل؟قال:أن تصلّي خلف الصفوف وحدك» (5).
ص:255
و عنه،عن أبيه،عن آبائه عليهم السلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
سوّوا بين صفوفكم و حاذوا بين مناكبكم لا يستحوذ عليكم الشيطان» (1).
احتجّ المخالف (2)بما رواه وابصة بن معبد (3)أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رأى رجلا يصلّي خلف الصفّ وحده فأمره أن يعيد (4).و لأنّه خالف الموقف فلم تصحّ صلاته كما لو تقدّم الإمام.
و الجواب عن الأوّل:أنّه محمول على الاستحباب.
و عن الثاني:أنّه صلّى في الموقف،إذ الموقف هو خلف الإمام،أقصى ما في الباب أنّه فعل مكروها بانفراده.
فيصفّ (1)معه (2).و كره ذلك مالك (3)،و الأوزاعيّ (4)،لما فيه من التصرّف في المجذوب بغير إذنه.و هو جيّد،لأنّه يحرمه فضيلة الصفّ الأوّل،و ليس له ذلك.
آخر (5):
لو صلّى الإمام في المسجد الحرام إلى ناحية من نواحي الكعبة و استدار المأمومون حولها،صحّت صلاة من خلف الإمام خاصّة،سواء بعد المأمومون (6)في الجهة الأخرى عنها أكثر من بعد الإمام أولا،خلافا للشافعيّ (7)،و أبي حنيفة (8).
لنا:أنّ موقف المأموم خلف الإمام أو إلى جانبه،و هو إنّما يحصل في جهة واحدة، فصلاة من غايرها باطلة.و لأنّهم وقفوا بين يدي الإمام فتبطل صلاتهم.
ليتساوى نسبة المأمومين إليه فيمكنهم المتابعة.و قد روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«وسّطوا الإمام و سدّوا الخلل» (9).
و يكره للمأمومين الوقوف بين الأساطين،لأنّها تقطع صفوفهم.و به قال ابن مسعود،
ص:257
و النخعيّ،و حذيفة،و ابن عبّاس (1).و لم يكرهه مالك (2)،و أصحاب الرأي،لعدم الدلالة على المنع (3).
و الجواب:ما رواه الجمهور عن معاوية بن قرّة (4)،عن أبيه قال:كنّا ننهى أن نصفّ بين الأساطين على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نطرد عنها طردا (5).و لما ذكرناه من قطعها للصفّ.
و مالك (1)،و أحمد (2)،و داود (3)،و إسحاق (4).و للشافعيّ قولان:
أحدهما:الوجوب في صلاة السرّ و سقوطه في الجهريّة.و الثاني:وجوبها فيهما معا (5).و به قال الليث (6)،و الأوزاعيّ (7)،و أبو ثور (8)،و ابن المنذر (9).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» (10).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة،عن أحدهما عليهما السلام قال:«إذا كنت خلف إمام تأتمّ به،فأنصت و سبّح في نفسك» (11).
و ما رواه في الموثّق عن يونس بن يعقوب قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة خلف من أرتضي به،أقرأ خلفه؟فقال:«من رضيت به فلا تقرأ
ص:259
خلفه» (1).
و ما رواه في الصحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام قال:
«كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول:من قرأ خلف إمام يأتمّ به فمات بعث على غير الفطرة» (2).
و ما رواه عن عبد الرحيم القصير قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:«إذا كان الرّجل لا تعرفه يؤمّ الناس فقرأ القرآن فلا تقرأ و اعتدّ بصلاته» (3).
و ما رواه عن الحسين بن كثير (4)،عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام،فقال:«إنّ الإمام ضامن للقراءة و ليس يضمن الإمام صلاة الّذين خلفه،إنّما يضمن القراءة» (5).و رواه ابن بابويه أيضا (6).
و لأنّه لو أدركه راكعا أدرك الركعة و لم يقرأ.و لأنّه لو لا ذلك لسقط اعتبار أولويّة تقديم الأقرأ.
احتجّ المخالف (7)بما رواه عبادة بن الصامت قال:صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه
ص:260
و آله الصبح فثقلت عليه القراءة،فلمّا انصرف قال:«إنّي لأراكم تقرؤن وراء إمامكم»قال:
قلنا:أجل،قال:«فلا تفعلوا إلاّ بأمّ القرآن،فإنّه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» (1).
و لأنّه يلزمه قيام القراءة،فلزمته القراءة كالمنفرد.
و الجواب عن الأوّل:أنّه محمول على الاستحباب،و سيأتي بيانه.
و عن الثاني:أنّ النصّ ورد بوجوب متابعة الإمام في القيام،و قد تقدّم (2).أمّا القراءة فلا.و ينتقض بالسورة،فإنّ المأموم يقف لها و لا يقرأ.
الأوّل:قال الشيخان:لا تجوز القراءة خلف من يقتدى به في الجهريّة إذا سمع قراءة الإمام (3)،لرواية يونس (4)،و هي دالّة على النهي عن القراءة.
و روى الشيخ في الحسن عن قتيبة (5)،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا كنت خلف إمام ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك، و إن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ» (6).
ص:261
الثاني:قال (1):لو لم يسمع في الجهريّة و لا همهمة (2)استحبّ له القراءة (3)،لرواية قتيبة.
و قال الشيخ في التهذيب:يجب عليه القراءة،لأنّ الأمر يدلّ على الوجوب (4).و فيه نظر،لأنّه ظاهرا (5)كذلك ما لم يعارضه غيره،و قد عارضه هاهنا ما رواه الشيخ عن عليّ ابن يقطين قال:سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الرجل يصلّي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة،قال:«لا بأس،إن صمت و إن قرأ» (6).و نفي البأس يدلّ على نفي الوجوب.
الثالث:قال في المبسوط:لو سمع مثل الهمهمة جاز له أن يقرأ (7).
و لعلّه استناد إلى ما رواه في الحسن عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
«إذا صلّيت خلف إمام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه،سمعت قراءته أو لم تسمع،إلاّ أن تكون صلاة يجهر فيها بالقراءة و لم تسمع فاقرأ» (8).و سماع الهمهمة ليس سماعا للقراءة،فربّما كان الوجه فيما ذكره هذا الحديث.
الرابع:قال:يستحبّ أن يقرأ الحمد وحدها في الإخفاتيّة (9).و أطلق القول بذلك.
ص:262
و قال السيّد المرتضى:لا يقرأ في الأوليين منها،و يقرأ أو يسبّح في الأخريين (1).
و الأولى ما قاله السيّد،لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إن كنت خلف الإمام في صلاة لا تجهر فيها بالقراءة حتّى تفرغ،و كان الرّجل مأمونا على القرآن،فلا تقرأ خلفه في الأوّلتين و يجزئك التسبيح في الآخرتين» (2).
و روى الشيخ في الصحيح عن أبي خديجة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين،و على الّذين خلفك أن يقولوا:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،و هم قيّام.فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الّذين خلفك أن يقرؤا فاتحة الكتاب،و على الإمام التسبيح مثل ما يسبّح القوم» (3).
الخامس:لو فرغ المأموم من القراءة قبل الإمام استحبّ له أن يسبّح إلى أن يفرغ الإمام و يركع معه.
و يستحبّ له أن يبقى آية،فإذا ركع الإمام قرأها و ركع معه.
أمّا استحباب الذكر،فلتحصيل فضيلته و كراهية الصمت قائما.و أمّا إبقاء الآية، فليركع عن قراءة.
و يدلّ على ما ذكرناه ما رواه الشيخ في الموثّق عن زرارة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ،قال:«فأمسك آية و مجّد اللّه و أثن عليه،فإذا فرغ فاقرأ الآية و اركع» (4).
و ينبغي أن يكون ذلك فيما لا يجهر فيه بالقراءة،فإنّ الأولى الإنصات في الصلاة الجهريّة،لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال:سألت أبا عبد اللّه
ص:263
عليه السلام عن الصلاة خلف الإمام،أقرأ خلفه؟فقال:«أمّا الّتي (1)يجهر فيها،فإنّما أمر بالجهر لينصت من خلفه،فإن سمعت فأنصت و إن لم تسمع فاقرأ» (2).
و روى الشيخ في الصحيح عن بكر بن محمّد الأزديّ قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«إنّي لأكره للمؤمن أن يصلّي خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنّه حمار»قال:قلت:جعلت فداك،فيصنع ما ذا؟قال:«يسبّح» (3).
و يسرّ بها-و إن كانت جهريّة-إذا اضطرّ إلى الائتمام.و لا نعرف فيه خلافا،لأنّه غير مأموم،فلو لم يقرأ خلت صلاته من قراءة صورة و حكما،و ذلك باطل.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا صلّيت خلف إمام لا يقتدى به فاقرأ خلفه،سمعت قراءته أو لم تسمع» (4).
و ما رواه عن عليّ بن أسباط،عن بعض أصحابه،عن أبي عبد اللّه عليه السلام و أبي جعفر عليه السلام في الرجل يكون خلف إمام (5)لا يقتدى به فيسبقه الإمام بالقراءة قال:«إذا كان قد قرأ أمّ الكتاب أجزأه،يقطع و يركع» (6).
قال الشيخ:و هذا يدلّ على أنّه متى لم يقرأ فاتحة الكتاب لم تجزئه الصلاة (7).
ص:264
و أمّا جواز الإسرار،فلأنّه في موضع تقيّة و ضرورة،فيسقط وجوب الجهر لها.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن محمّد بن إسحاق (1)،و محمّد بن أبي حمزة عمّن ذكره،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«يجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس» (2).
و ما رواه عن عليّ بن يقطين قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يصلّي خلف من لا يقتدى بصلاته و الإمام يجهر بالقراءة،قال:«اقرأ لنفسك،و إن لم تسمع نفسك فلا بأس» (3).
لا يقال:قد روى الشيخ في الموثّق عن بكير بن أعين قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الناصب يؤمّنا،ما تقول في الصلاة معه؟فقال:«أمّا إذا جهر فأنصت للقرآن (4)و اسمع ثمَّ اركع و اسجد أنت لنفسك» (5).و هذا يدلّ على سقوط القراءة و إن كان الإمام غير موثوق به.
ص:265
لأنّا نقول:لا يلزم من الإنصات عدم القراءة،لجواز أن ينصت وقت القراءة و يقرأ وقت السكوت،كما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إنّ عليّا عليه السلام كان في صلاة الصبح،فقال ابن الكوّاء و هو خلفه:
وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ (1)إلى آخر الآية،فأنصت عليّ عليه السلام تعظيما للقرآن حتّى فرغ منها،ثمَّ عاد في قراءته،ثمَّ أعاد ابن الكوّاء الآية فأنصت عليّ عليه السلام أيضا،ثمَّ قرأ فأعاد ابن الكوّاء فأنصت عليّ عليه السلام ثمَّ قال فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (2)ثمَّ أتمّ السورة،ثمَّ ركع» (3).
و في هذا الحديث دلالة على جواز تنبيه الغير على الحاجة بالقرآن.و يحتمل أيضا أن يكون الإنصات للتقيّة (4).
لو قرأ الإمام غير (5)الموثوق به عزيمة و لم يسجد،سجد المأموم إيماءا و أجزأه.
و هو قول أهل العلم،قال عليه السلام:«إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به،فإذا ركع فاركعوا،و إذا سجد فاسجدوا» (6).
فلو رفع رأسه قبل الإمام ناسيا إمّا من الركوع أو من السجود،عاد إلى حالته،ثمَّ رفع مع الإمام،لأنّ النسيان يسقط معه اعتبار الزيادة.و لأنّه تابع لغيره فلا يحصل التعدّد في
ص:266
الأركان.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن محمّد بن سهل الأشعريّ،عن أبيه،عن أبي الحسن عليه السلام قال:سألته عمّن ركع مع إمام يقتدى به،ثمَّ رفع رأسه قبل الإمام،قال:«يعيد ركوعه معه» (1).
و ما رواه عن محمّد بن سنان و الفضيل بن يسار،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قالا:
سألناه عن رجل صلّى مع إمام يأتمّ به،فرفع (2)رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود،قال:«فليسجد» (3).
و لو رفع متعمّدا استمرّ على (4)حالته إلى أن يلحقه الإمام،ثمَّ يتابعه،لأنّه لو عاد إلى الحالة الأولى يكون قد زاد ما ليس من الصلاة،و ذلك مبطل،إذ لا عذر يسقط معه اعتبار الزيادة.روى الشيخ في الموثّق عن غياث بن إبراهيم قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام،أ يعود فيركع إذا أبطأ الإمام و يرفع رأسه معه؟ قال:«لا» (5).
الأوّل:لو كان الإمام ممّن لا يقتدى به،فرفع المأموم رأسه من الكروع أو السجود قبله متعمّدا أو ناسيا استمرّ على حالته و لم يعد إلى الحالة الأولى،لأنّه منفرد حكما فيقع
ص:267
رفعه في موقعه (1)فلا يجوز له العود،لأنّه يكون زيادة في الصلاة.
الثاني:هل يجوز المساوقة (2)؟فيه نظر،أقربه الجواز،عملا بالأصل،إلاّ في تكبيرة الإحرام عند الشافعيّ (3)،و أبي يوسف (4)،و محمّد بن الحسن (5).
و قال أبو حنيفة:تجوز المساوقة فيها أيضا (6).
احتجّ الأوّلون (7)بقوله عليه السلام:«فإذا كبّر فكبّروا» (8)و الفاء معقّبة.و لأنّ الاقتداء إنّما يصحّ (9)بالمصلّي و الإمام لا يصير كذلك ما لم يفرغ من التكبير،فلا يجوز الاقتداء به.
احتجّ أبو حنيفة (10)بقوله عليه السلام:«إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به،فلا تختلفوا عليه» (11).و تحقيق الائتمام و التحرّز عن المخالفة إنّما يكون بالقران،و الفاء قد يذكر للقران،
ص:268
كقوله (1)عليه السلام في هذا الحديث:«فإذا قرأ فأنصتوا و إذا ركع فاركعوا».
و قولهم:الاقتداء إنّما يجوز بالمصلّي،مسلّم،و لكن في حال ما يصير هو مقتديا يصير إمامه مصلّيا و هو حال ما بعد فراغهما من التكبير.
الثالث:لو ركع قبل إمامه ناسيا فالوجه الاستمرار على حالته،و كذا لو كان متعمّدا.
و به قال أبو حنيفة (2)،و أبو يوسف،و محمّد (3).
و قال الشافعيّ:ينبغي له أن يرجع إلى القيام حتّى يركع إمامه،ليتحقّق المتابعة (4).
لنا:أنّه فعل ركوعا في محلّه فلو عاد زاد.
لا يقال:ينتقض بالرفع.
لأنّا نقول:إنّه هو الأصل،إلاّ أنّا صرنا إلى ذلك للنصّ.و لو قلنا بقول الشافعيّ في النسيان كان قويّا،لما رواه الشيخ في الموثّق عن ابن فضّال قال:كتبت إلى الرضا عليه السلام:رجل كان خلف إمام يأتمّ به فركع قبل أن يركع الإمام،و هو يظنّ أنّ الإمام قد ركع،فلمّا رآه لم يركع فرفع رأسه،ثمَّ أعاد الركوع مع الإمام،أ يفسد عليه ذلك صلاته، أم تجوز تلك الركعة؟فكتب:«يتمّ صلاته و لا تفسد بما صنع صلاته» (5).
الرابع:لو ركع قبل إمامه و استمرّ إلى أن لحقه الإمام راكعا جاز.و قال زفر:لا يجوز (6).
لنا:أنّه شاركه (7)في بعض الركوع و شرط الاقتداء الموافقة في جزء من الركن،فصار كما لو ركع معه و قام قبله.
ص:269
احتجّ زفر بأنّ ابتداء الركوع وقع فاسدا،و البناء على الفاسد فاسد.
و الجواب بمنع المقدّمتين.
الخامس:لو تقدّم على الإمام بركنين (1)،كما لو ركع قبل إمامه،ثمَّ نهض قبله لم تبطل صلاته و لا إمامته،بل الحكم ما قدّمناه.
و قال الشافعيّ:لو تقدّم بركنين بطلت صلاته (2).
السادس:لو سها الإمام فقعد في موضع قيام أو بالعكس،لم يتابعه المأموم،لأنّ المتابعة إنّما تجب في أفعال الصلاة،و ما فعله الإمام هنا ليس من أفعالها.
هذا إذا كان المتروك واجبا.أمّا لو كان مستحبّا،كما لو نهض قائما من السجدة الثانية قبل أن يجلس،فالأقرب وجوب المتابعة،لأنّها واجبة،فلا يشتغل عنها بسنّة.
و لو نسيا معا التشهّد الأوّل فقاما و سبق المأموم بالركوع متعمّدا،ثمَّ ذكر و ذكر الإمام قبل الركوع،قعد الإمام للتشهّد،و هل يتابعه المأموم؟الوجه عدم المتابعة،لأنّه ذكره بعد فوات محلّه.و لو سبق ناسيا ففيه تردّد،ينشأ من مساواة الرفع للركوع و عدمها.
أبو حنيفة (1)و الشافعيّ معا:لا يعاد المغرب (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن يزيد بن الأسود العامريّ (3)أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى صلاة الغداة في مسجد الخيف فرأى في آخر القوم رجلين لم يصلّيا معه،فقال:«ما منعكما أن تصلّيا معنا؟»قالا:يا رسول اللّه قد صلّينا في رحالنا،قال:«فلا تفعلا،إذا صلّيتما في رحالكما،ثمَّ أتيتما مسجدا فيه جماعة فصلّيا معهم،فإنّها لكما نافلة» (4).
و عنه عليه السلام أنّه قال لبعض أصحابه:«إذا جئت فصلّ مع الناس و إن كنت قد صلّيت» (5).
و عن أبي ذرّ:إنّ خليلي أوصاني أن أصلّي الصلاة لوقتها«فإذا أدركتها معهم فصلّ، فإنّها لك نافلة،و لا تقل:إنّي قد صلّيت فلا أصلّي» (6).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من حديث عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرّجل يصلّي الفريضة ثمَّ يجد قوما يصلّون جماعة،أ يجوز أن يعيد الصلاة معهم؟قال:«نعم،هو أفضل» (7).
و ما رواه الشيخ عن محمّد بن بزيع،عن أبي الحسن عليه السلام:إنّي أحضر
ص:271
المساجد مع جيرتي و غيرهم،فيأمروني بالصلاة بهم و قد صلّيت قبل أن آتيهم و ربّما صلّى خلفي من يقتدي بصلاتي و المستضعف و الجاهل،و أكره أن أتقدّم و قد صلّيت لحال من يصلّي بصلاتي ممّن سمّيت لك،فأمرني بذلك بأمرك أنتهي إليه و أعمل به إن شاء اللّه،فكتب:
«صلّ بهم» (1).
احتجّ أبو حنيفة بأنّها نافلة،فلا تفعل في الوقتين،للنهي عن فعل النافلة فيهما (2).
و احتجّ أبو حنيفة (3)و الشافعيّ على عدم إعادة المغرب بأنّ النفل لا يكون بوتر (4).
و الجواب:أنّ النهي عامّ و ما ذكرناه خاصّ،فيكون مقدّما خصوصا،و حديث يزيد ورد في صلاة الصبح.
الأوّل:لا يشترط في إعادة الصبح و العصر إمام الحيّ،بل تعاد في الجماعة و إن لم يكن المصلّي إمام الحيّ،خلافا لبعض الجمهور،لعموم الأخبار (5).
الثاني:لو صلّى الفريضة في جماعة،ثمَّ وجد جماعة أخرى هل يستحبّ إعادتها أم لا؟فيه تردّد،منشأه إطلاق الأحاديث،و إدراك فضيلة الجماعة بالأولى فلا حاجة إلى الثانية.
الثالث:لو أعاد المغرب لم يشفعها برابعة.ذهب إليه علماؤنا.
و قال الأسود بن يزيد،و الزهريّ،و الشافعيّ،و إسحاق،و أحمد:يشفعها برابعة (6).
ص:272
لنا:أنّها زيادة غير مشروعة،فلا يجوز فعلها.و لأنّ الإعادة تستدعي المماثلة و لا تتحقّق مع الزيادة في العدد.
احتجّوا بأنّها نافلة و لا يشرع التنفّل بوتر،و زيادة ركعة أولى من نقصانها.
و الجواب:أنّها مخصوصة (1)بالحديث الدالّ على الإعادة.
الرابع:قد بيّنّا أنّ الأولى هي الفرض،فإذا صلّى الثانية لا ينوي بها الوجوب بل ينويها ظهرا معادة،و إن نواها نافلة صحّ (2).
الخامس:الإعادة غير واجبة.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول أكثر أهل العلم (3).
و عن أحمد رواية أنّه يجب إعادتها مع إمام الحيّ (4).
لنا:أنّه امتثل الأمر بالفعل الأوّل و هو لا يقتضي التكرار.
و ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في قوله لأبي ذرّ:«فإنّها نافلة لك» (5).و قوله عليه السلام:«فإنّها لكما نافلة» (6).و النفل ليس بواجب.
و ما رووه عنه عليه السلام أنّه قال:«لا تصلّوا (7)صلاة في يوم مرّتين» (8).و معناه واجبتان.
ص:273
احتجّ المخالف بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بها (1).
و الجواب:أنّه محمول على الاستحباب،لما قلناه.
السادس:لو قصد الإعادة فلم يدرك إلاّ ركعتين استحبّ له الإتمام أربعا،لأنّه قصدها أربعا.و لقوله عليه السلام:«و ما فاتكم فأتمّوا» (2).و يمكن أن يقال:يجوز (3)أن يسلّم معهم،لأنّها نافلة.
و قال الشيخ في الخلاف:إذا فرغ المؤذّن من الأذان (4).و به قال الشافعيّ (5).و قال أبو حنيفة:إذا قال المؤذّن:
حيّ على الصلاة (6).
لنا:أنّه في تلك الحال قد وجد ما هو بصيغة الأخبار بالقيام،و هو الأمر،فتجب المبادرة.
و ما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«فإذا قال المؤذّن:قد قامت الصلاة،ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم و يقدّموا بعضهم» (7).
و قول أبي حنيفة يحتاج إلى دليل و لم يوجد.و لأنّ الدعاء إلى الصلاة ليس أمرا
ص:274
بالقيام إليها.
لا يستحبّ أن يقول المؤذّن عند القيام:استووا،يرحمكم اللّه،لأنّه غير منقول عن أهل البيت عليهم السلام.
و الشافعيّ (1).
و قال ابن مسعود،و عطاء،و الحسن،و النخعيّ (2)،و قتادة (3)،و إسحاق (4)، و أحمد (5)،و داود،و ابن المنذر:لا يكره التكرار بل يستحبّ (6).
احتجّ الشيخ (7)بما رواه أبو عليّ الحرّانيّ (8)قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام فأتاه رجل فقال:جعلت فداك،صلّينا في المسجد الفجر،و انصرف بعضنا و جلس بعض في التسبيح،فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه و دفعناه عن ذلك،فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:«أحسنت،ادفعه عن ذلك و امنعه أشدّ المنع»فقلت:فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟قال:«يقومون في ناحية المسجد و لا يبدر لهم (9)إمام» (10).
و بما رواه عن زيد بن عليّ،عن أبيه،عن آبائه عليهم السلام قال:«دخل رجلان المسجد و قد صلّى عليّ عليه السلام بالناس،فقال لهما:إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه و لا يؤذّن و لا يقيم» (11).
ص:276
و عن السكونيّ،عن جعفر،عن أبيه،عن عليّ عليه السلام أنّه كان يقول:«إذا دخل الرجل المسجد و قد صلّى أهله فلا يؤذّننّ و لا يقيمنّ و لا يتطوّع حتّى يبدأ بصلاته الفريضة،و لا يخرج منه إلى غيره حتّى يصلّي فيه» (1).
و هذه الرّوايات ضعيفة السند،و الأقرب عندي عدم الكراهية،عملا بالأخبار الدالّة على استحباب الجماعة مطلقا (2).و لأنّه عليه السلام قال:«ألا رجل يتصدّق على هذا فيصلّي معه؟» (3).
الأوّل:لا فرق بين المسجد الذي له إمام راتب و بين غيره،خلافا للشافعيّ (4).
لنا:الإطلاق.و قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«ألا رجل يتصدّق على هذا فيصلّي معه».مع أنّ ذلك كان في مسجده صلّى اللّه عليه و آله.
الثاني:لا فرق بين المسجد الذي على قارعة الطريق و بين غيره،عملا بالإطلاق، خلافا للشافعيّ (5)،فإنّه كره الإعادة في الثاني دون الأوّل.
الثالث:لا فرق بين المسجد الحرام و مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المسجد الأقصى و بين غيرها،خلافا لأحمد،فإنّه كره التكرار في الثلاثة الأول دون غيرها (6).
لنا:الإطلاق.و قوله عليه السلام:«ألا رجل يتصدّق على هذا»مع أنّه كان في
ص:277
مسجده عليه السلام.و لأنّ فضيلة الجماعة تحصل فيها كغيرها.
و الإقامة،
لما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار الساباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
سئل عن الرجل يؤذّن و يقيم ليصلّي وحده فيجيء رجل آخر فيقول له:نصلّي جماعة،هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان و الإقامة؟قال:«لا،و لكن يؤذّن و يقيم» (1).
و لأنّهما متأكّدتان في الجماعة،و المفعول (2)أوّلا لم يكن لها،فلم يعتدّ به فيها.
و لا يفسد صلاة المأمومين.
ذهب إليه علماؤنا،و به قال عليّ عليه السلام،و عمر،و علقمة،و عطاء، و الحسن،و النخعيّ،و الثوريّ (4)،و الأوزاعيّ (5)،و الشافعيّ (6)،و أصحاب الرأي (7)،و أحمد في إحدى الرّوايتين.و في الرواية الأخرى:تبطل صلاة المأمومين (8).
لنا:ما رواه الجمهور عن عمر أنّه لمّا طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدّمه، فأتمّ بهم الصلاة (9)،و لم ينكر عليه أحد،فكان إجماعا.و لأنّ أحمد نقل ذلك عن عمر و عليّ
ص:278
عليه السلام (1)،و قولهما عنده حجّة.
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:«ما كان من إمام تقدّم في الصلاة و هو جنب ناسيا،أو أحدث (2)حدثا أو رعف رعافا أو أذى في بطنه فليجعل ثوبه على أنفه،ثمَّ لينصرف و ليأخذ بيد رجل فيصلّي (3)مكانه،ثمَّ ليتوضّأ و ليتمّ ما سبقه به من الصلاة،و إن كان جنبا فليغتسل و ليصلّ الصلاة كلّها» (4).
احتجّ أحمد بأنّه فقد شرط صحّة الصلاة في حقّ الإمام فبطلت (5)صلاة المأموم كما لو تعمّد الحدث (6).
و الجواب:منع ثبوت الحكم في الأصل.
الأوّل:لو لم يستخلف الإمام أحدا استخلف المأمومون من يتمّ بهم الصّلاة، و لو أتمّوها منفردين جاز.
أمّا الأوّل:فلما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السلام،و سأله أيضا عن الإمام أحدث فانصرف و لم يقدّم أحدا، ما حال القوم؟قال:«لا صلاة لهم إلاّ بإمام،فليتقدّم (7)بعضهم فليتمّ بهم ما بقي منها و قد تمّت صلاتهم» (8).
ص:279
و أمّا الثاني:فلما يأتي من جواز انفراد المأموم عن الإمام مع وجوده،فمع عدمه أولى.
لا يقال:ما ذكرتم من هذه الرواية ينافي الحكم الثاني.
لأنّا نقول:إنّ قوله:«لا صلاة لهم»نفي لماهيّة (1)الصلاة،و لا يمكن حمله على حقيقته،فلا بدّ من إضمار،و المقتضي (2)لا عموم له فيحمل على نفي الفضيلة كما في قوله:
«لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد» (3).جمعا بين الأدلّة.
الثاني:لو قدّمت كلّ طائفة من المأمومين إماما فالوجه الجواز.و هو قول الشافعيّ (4).و قال أصحاب الرأي:تفسد صلاة الجميع (5).
لنا:أنّ لهم أن يصلّوا منفردين،و أن يقدّموا من يصلّي بهم،و هذا الحكم ثابت في حقّ (6)كلّ واحد،و لا تبتني (7)صلاة بعض المأمومين على بعض،فجاز التعدّد.
الثالث:لو قدّم بعض الطوائف (8)إماما و صلّى الآخرون منفردين جاز،لأنّ لهم الانفراد مع وجود الإمام،فمع العدم أولى.
الرابع:نصّ أصحابنا على كراهية استنابة المسبوق.روى الشيخ في الحسن عن سليمان بن خالد قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يؤمّ القوم فيحدث و يقدّم رجلا قد سبق بركعة،كيف يصنع؟فقال:«لا يقدّم من قد سبق بركعة و لكن يأخذ بيد غيره
ص:280
فيقدّمه» (1).
و ليس المراد من النهي التحريم،لما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمّار قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي المسجد و هم في الصلاة و قد سبقه الإمام بركعة أو أكثر،فيعتلّ الإمام فيأخذ بيده و يكون أدنى القوم إليه فيقدّمه،فقال:«يتمّ الصلاة بالقوم، ثمَّ يجلس حتّى إذا فرغوا من التشهّد أومأ بيده إليهم عن اليمين و الشمال،فكان الّذي أومأ إليهم بيده التسليم و انقضاء صلاتهم،و أتمّ هو ما كان فاته أو بقي عليه» (2).
الخامس:يستحبّ أن يستنيب الإمام من يشهد الإقامة،لما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«إذا أحدث الإمام و هو في الصلاة لم ينبغ أن يقدّم إلاّ من شهد الإقامة» (3).
السادس:يستحبّ للمسبوق إذا استنيب أن يقدّم من يسلّم بهم إذا فرغوا من صلاتهم،لما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد،عن جعفر،عن أبيه قال:«سألته عن رجل أمّ قوما فأصابه رعاف بعد ما صلّى ركعة أو ركعتين،فقدّم رجلا ممّن قد فاته ركعة أو ركعتان، قال:يتمّ بهم الصلاة،ثمَّ يقدّم رجلا فيسلّم بهم،و يقوم هو فيتمّ بقيّة صلاته» (4).
و لو أومأ إليهم بالتسليم جاز،لرواية معاوية و قد سلفت.
و لو انتظروه حتّى يفرغ و يسلّم بهم،لم أستبعد جوازه،إذ قد ثبت جواز ذلك في صلاة الخوف.
ص:281
السابع:لو استناب من جاء بعد حدث الإمام فالوجه الجواز،بناء على الأصل.
و لأنّه جاز استنابة التابع،فغيره أولى.
الثامن:لو استخلف من لا يدري كم صلّى،فالوجه أنّه يبني على اليقين،فإن وافق الحقّ،و إلاّ سبّح القوم به فرجع إليهم.و قال النخعيّ:ينظر ما يصنع من خلفه (1).
و قال الشافعيّ:يتصنّع،فإن سبّحوا به جلس و علم أنّها الرّابعة (2).
و قال الأوزاعيّ:يصلّي بهم ركعة،لأنّه يتيقّن بقاء ركعة،ثمَّ يتأخّر و يقدّم رجلا يصلّي بهم ما بقي من صلاتهم،فإذا سلّم قام الرّجل فأتمّ صلاته.
و قال مالك:يصلّي لنفسه صلاة تامّة،فإذا فرغوا من صلاتهم قعدوا و انتظروه (3).
لنا:أنّه شكّ فيمن لا يلحقه حكم الشكّ،فيبني على اليقين.
و ما رواه الشيخ عن زرارة قال:سألت أحدهما عليهما السلام عن إمام أمّ قوما فذكر أنّه لم يكن على وضوء،فانصرف و أخذ بيد رجل و أدخله فقدّمه (4)،و لم يعلم الّذي قدّم ما صلّى القوم،قال (5):«يصلّي بهم،فإن أخطأ سبّح القوم به و بنى على صلاة الّذي كان قبله» (6).
و ما ذكره النخعيّ باطل،لأنّه متبوع فيكون فعله مقدّما،فكيف ينتظر ما يتأخّر عن مثله.
و قول الشافعيّ باطل،إذ هو فعل في الصلاة كثير من غير قصد،فلا يكون سائغا،إلاّ أن يقصد بذلك أنّه يقوم للصلاة،فإن كانت خامسة ردّوه و امتثل منهم،فيكون هو قولنا
ص:282
بعينه.
و قول الأوزاعيّ باطل،لأنّه شكّ في عدد الركعات،فلا يجوز له الاستخلاف لذلك كغير المستخلف.و قول مالك مقارب لقولنا.
التاسع:لو مات الإمام قدّم المأمومون من يتمّ بهم.روى الشيخ في الصحيح عن عبيد اللّه الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل أمّ قوما فصلّى بهم ركعة ثمَّ مات،قال:
«يقدّمون رجلا آخر و يعتدّون بالركعة و يطرحون الميّت خلفهم و يغتسل من مسّه» (1).
أن يكبّر و يركع و يمشي راكعا
حتّى يلتحق (3)بالصفّ.ذهب إليه علماؤنا،و به قال زيد بن ثابت (4)،و الزهريّ،و الأوزاعيّ (5)،و مالك (6)،و الشافعيّ (7).و كرهه أبو حنيفة (8).
لنا:أنّ ذلك مسارعة في تحصيل فضيلة الجماعة فكان سائغا،و المشي في الركوع لإدراك الصفّ غير مبطل،فلا كراهية.
و ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لأبي بكرة لمّا فعل ذلك:
ص:283
«زادك اللّه حرصا» (1).دعا (2)له،و ذلك يتضمّن الأفضليّة.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام أنّه سئل عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة،فقال:«يركع قبل أن يبلغ القوم و يمشي و هو راكع حتّى يبلغهم» (3).
احتجّ المخالف (4)بقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأبي بكرة:«و لا تعد» (5).
و الجواب:يحمل النهي على التأخّر عن الصلاة أي:لا تعد إلى التأخّر.
الأوّل:لو تمَّ الركعة،ثمَّ لحق بالإمام في الثانية لم يكن به بأس.ذهب إليه علماؤنا و أكثر الجمهور (6).
و قال أحمد:تبطل صلاته،لأنّه يصلّي منفردا (7)،و قد تقدّم جوابه (8).
لنا:ما رواه الجمهور من حديث أبي بكرة و قد تقدّم.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يوما و قد دخل المسجد الحرام لصلاة العصر،فلمّا كان دون الصفوف
ص:284
ركعوا فركع وحده (1)ثمَّ سجد السجدتين،ثمَّ قام فمضى (2)حتّى لحق بالصفوف (3).
و ما رواه عن إسحاق بن عمّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:أدخل المسجد و قد ركع الإمام فأركع بركوعه و أنا وحدي و أسجد،فإذا رفعت رأسي أيّ شيء أصنع؟ فقال:«قم فاذهب إليهم،فإن كانوا قياما فقم معهم و إن كانوا جلوسا فاجلس معهم» (4).
و ما رواه عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السلام يقول:«إذا دخلت المسجد و الإمام راكع فظننت أنّك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه،فكبّر و اركع،فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك،فإذا قام فالحق بالصفّ،و إذا جلس فاجلس مكانك،فإذا قام فالحق بالصفّ» (5).
الثاني:لو ركع و قام ثمَّ مشى قبل سجوده لم يكن به بأس.و به قال مالك (6)، و الشافعيّ (7)،و أصحاب الرأي (8)،سواء كان عالما أو جاهلا.
و قال أحمد:إن كان عالما بتحريم ذلك بطلت صلاته و إلاّ فلا (9).
لنا:ما تقدّم من (10)حديث أبي بكرة و أحاديث أهل البيت عليهم السّلام.و قد فعل
ص:285
ذلك ابن مسعود،و زيد بن وهب (1)،و أبو بكر بن عبد الرحمن (2)،و عروة،و سعيد بن جبير،و ابن جريج،و غيرهم من الصحابة و التابعين (3)،فكان إجماعا.
احتجّ أحمد بتحريم صلاة المأموم في صفّ واحد (4).
و جوابه:المنع،و قد تقدّم (5).
الثالث:لو فعل ذلك من غير ضرورة و لا عذر و لا خشي الفوات فالوجه الجواز، خلافا لبعض الجمهور (6)،لأنّ المأموم،له أن يصلّي في صفّ منفرد (7)،و أن يتقدّم بين يديه، و حينئذ ثبت المطلوب.
و قال أبو حامد (1):لا يستحبّ قولا واحدا (2).و في الكراهية قولان:
أحدهما:يكره.و به قال أبو حنيفة (3)،و مالك (4)،و داود (5)،و المزنيّ (6).
و الثاني:لا يكره.و به قال أحمد (7)،و إسحاق،و أبو ثور،و الشعبيّ،و النخعيّ (8).
لنا:أنّه انتظار ينفع و لا يشقّ فكان مشروعا كتطويل (9)الصلاة و تخفيفها.و لأنّه صلّى اللّه عليه و آله كان ينتظر كما في الخوف (10).
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن جابر الجعفيّ قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:إنّي أؤمّ قوما فأركع و يدخل (11)الناس و أنا راكع،فكم أنتظر؟قال (12):«ما أعجب ما تسأل عنه يا جابر،انتظر مثلي ركوعك،فإن انقطعوا و إلاّ فارفع رأسك» (13).
ص:287
و روى ابن بابويه عن رجل أنّه سأل أبا (1)جعفر عليه السلام:إنّي إمام مسجد الحيّ فأركع بهم فأسمع خفقان نعالهم و أنا راكع،فقال:«اصبر ركوعك و مثل (2)ركوعك،فإن انقطعوا و إلاّ فانتصب قائما» (3).و لأنّ في الانتظار تحصيل فضيلة الجماعة.
و احتجّ المخالف بأنّ هذا يؤدّي إلى أن يصلّي جزءا من الصلاة لأجل الآدميّ،و قد أمره اللّه تعالى بالإخلاص (4).
و الجواب:أنّه يريد في الصلاة حمد اللّه تعالى و إن قصد به لحوق الآدميّ الصلاة، و منافع الآدميّين قد أمر اللّه تعالى بها و يقصد بها الطاعة للّه،فإنّه قد روى الجمهور عن جابر قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي العشاء أحيانا،و أحيانا إذا رآهم اجتمعوا عجّل،و إذا رآهم أبطأوا أخّر (5).
و رووا أنّه أطال السجود حين ركب الحسن عليه السلام على ظهره و قال:«إنّ ابني هذا ارتحلني و كرهت أن أعجّله» (6).و هذا يبطل ما ذكروه من التشريك.
الأوّل:قال بعض الجمهور:و إنّما ينتظر من له حرمة،كأهل العلم و الفضل دون غيرهم (7).
الثاني:إنّما ينتظر ما لم يطل على المأمومين،و قد حدّه الإمام عليه السلام بمثلي
ص:288
الركوع،فلو كان بعض الجماعة لا يتمكّن من الإطالة فالأقرب مراعاته و ترك الانتظار.
الثالث:لو أدركه و قد رفع من الركوع أو قبل أن يركع لم ينتظر،قولا واحدا،لعدم فوات الرّكعة قبل الركوع،و عدم اللحوق بعده.
الرابع:لو أدركه في التشهّد ففي انتظاره نظر،إذ يمكن القول به تحصيلا للفضيلة.
و يمكن القول بعدمه،لعدم النصّ على ذلك.و لفوات الصلاة جماعة.و لا يلزمه من مخالفة الدليل لتحصيل أهمّ الفضيلتين مخالفة لتحصيل أضعفهما.
أن ينبّهه،
لما رواه الشيخ في الموثّق عن سماعة قال:سألته عن الإمام إذا أخطأ في القرآن فلا يدري ما يقول،قال:«يفتح عليه بعض من خلفه» (1).
هل يجوز له الاستخلاف؟فيه نظر،لأنّ الشرع ورد بالاستخلاف في الحدث،و هذا ليس في معناه،لندوره.و لأنّ الاستخلاف إنّما جاز في الحدث،لوجود العجز عن الإتمام (2)بنفسه،و هو متحقّق هنا.
يتقدّم أحدهم و لا ينتظرونه.و قال الشافعيّ:يراسلونه إن كان قريبا (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه مضى في غزاة تبوك في حاجة له فقدّم الناس واحدا فصلّى بهم،فجاء الرسول صلّى اللّه عليه و آله و قد صلّوا ركعة،
ص:289
فقال:«أحسنتم» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«فإذا قال المؤذّن:قد قامت الصلاة،ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم و يقدّموا بعضهم و لا ينتظروا الإمام»قال:قلت:و إن كان هو المؤذّن؟قال:
«و إن كان،فلا ينتظرونه و يقدّموا بعضهم» (2).
و لأنّ في الانتظار تأخيرا للعبادة عن أوّل وقتها،و ذلك شيء رغب عنه.
لو حضر الإمام و غاب بعض المأمومين صلّى الإمام بالحاضرين و لا ينتظر اجتماع الباقين (3)،لأنّ فضيلة أوّل الوقت أعظم من فضيلة كثرة الجماعة.
إذا ثبت هذا،فإنّه حينئذ يكبّر تكبيرة للافتتاح واجبة،و أخرى للركوع مستحبّة، إن لم يخف فوات الركوع.و ربّما يجري في كتب بعض علمائنا وجوب التكبيرتين حينئذ (5).
و الأصحّ ما قلناه،و قوله محمول على شدّة الاستحباب.و لو خاف أجزأته تكبيرة الافتتاح عن تكبيرة الرّكوع إجماعا.
و قال الشيخ في التهذيب:يجزئ تكبيرة الركوع عن تكبيرة الافتتاح (6).و ما ذكرناه في العبارة أصحّ.
ص:290
و يدلّ على ما ذكرناه ما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«إذا جاء الرجل مبادرا و الإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة،لدخوله في الصلاة و الركوع» (1).
لو نوى التكبير للافتتاح صحّت صلاته قطعا،و لو نواه للركوع لم تصحّ صلاته، لإخلاله بالركن،و الإمام لا يتحمّله.و لو أطلق ففيه تردّد،أقربه البطلان.و لو نواهما معا بالتكبيرة الواحدة ففيه إشكال.
لإدراك فضيلة الجماعة الّذي لا يمكن استدراكه (2)مع الفوات،بخلاف النافلة الّتي يمكن فعلها أو قضاؤها ثانيا (3).و لو كان في الفريضة نقلها إلى النفل،و أتمّها ركعتين،و دخل في الجماعة، تحصيلا لفضيلة الجماعة،و إكمالا لفعل النافلة.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الحسن عن سليمان بن خالد قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة،قال:فبينا (4)هو قائم يصلّي إذ أذّن المؤذّن فأقام (5)الصلاة،قال:«فليصلّ ركعتين و يستأنف (6)الصلاة مع الإمام،و لتكن الرّكعتان تطوّعا» (7).
ص:291
قال الشيخ:لو كان الداخل هو إمام الأصل قطع الفريضة و استأنف الصلاة معه،لما له من المزيّة في الفضيلة (1)المقتضية لشدّة الاهتمام (2).و الأقرب عندي:أنّه يتمّها ركعتين، لقوله تعالى وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (3).و للحديث السابق.
لو كان الإمام ممّن لا يقتدى به استمرّ على حاله،لأنّه ليس بمأموم له حقيقة و إن تابعه تقيّة.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن سماعة قال:سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة،قال:«إن كان إماما عدلا (5)فليصلّ أخرى و ينصرف و يجعلهما تطوّعا و ليدخل مع الإمام في صلاته (6)،و إن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو،و يصلّي ركعة أخرى معه يجلس قدر ما يقول:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله،ثمَّ ليتمّ صلاته معه على ما استطاع،فإنّ التقيّة واسعة،و ليس شيء من التقيّة إلاّ و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللّه» (7).
ص:292
قال ابن بابويه:و إن لم يتمكّن من التشهّد جالسا قام مع الإمام و تشهّد قائما (1).
خلافا لأحمد (3).
لنا:ما رواه الجمهور من أنّ الحسن و الحسين عليهما السلام صلّيا مع مروان و لم ينقل عنهما الإعادة (4).
و من طريق الخاصّة:حديث سماعة و قد تقدّم.
و ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إنّي أدخل المسجد فأجد الإمام قد ركع،و قد ركع القوم فلا يمكنني أن أؤذّن و أقيم و أكبّر،فقال لي:
«فإذا كان ذلك فادخل معهم في الركعة و اعتدّ بها،فإنّها من أفضل ركعاتك» (5).و تمام الحديث يدلّ على أنّ الإمام ممّن لا يوثق به.
و ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن حفص بن البختريّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«يحسب لك إذا دخلت معهم،و إن كنت لا تقتدي بهم،مثل ما يحسب لك إذا كنت مع من تقتدي به» (6).و لأنّه أتى بالأفعال الواجبة على الكمال فكانت مجزئة.
احتجّ أحمد بأنّه نوى أن لا يعتدّ بها (7).
و الجواب:ليس البحث في هذه الصورة.
ص:293
الأوّل:لو كان الّذي لا ترضى الصلاة خلفه جماعة جاز أن يؤمّهم أحدهم و يوافقون الإمام في أفعاله ظاهرا،لأنّهم غير مؤتمّين به فجاز لهم الائتمام بغيره.
الثاني:يكره له الخروج من المسجد بعد النداء،لما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إن خرج كان في ذلك شنعة،و لكن يصلّي» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن الحسن بن عبد اللّه الأرّجانيّ (2)،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«من صلّى في منزله ثمَّ أتى مسجدا من مساجدهم فصلّى فيه خرج بحسناتهم» (3).و إذا كان الثواب مع القصد ذلك فمع الاتّفاق أولى.
و إسحاق (1)،و أحمد في إحدى الرّوايتين (2)،و مالك (3)،و ابن المنذر (4).
و قال أبو حنيفة:يكون آخر صلاته (5).و به قال الثوريّ (6)،و أحمد (7)،و هو المشهور عن مالك (8).
لنا:أنّ صلاة المأموم لا تبنى على صلاة الإمام،لجواز اختلاف الفرضين على ما تقدّم (9).
فلو تابع المأموم إلمام تغيّرت هيئة صلاة المأموم.و لأنّها ركعة مفتتحة بالإحرام، فكانت أوّل صلاته كالمنفرد.و لأنّه لو أدرك ركعة من المغرب صلّى أخرى و جلس للتشهّد بالإجماع،فدلّ ذلك على أنّها أوّل صلاته.و لأنّه آخر صلاته حقيقة فكان آخرها حكما كغير المسبوق.و لأنّه يتشهّد في آخر ما يقضيه و يسلّم،و لو كان أوّل صلاته لما تشهّد و كان يكفيه تشهّده مع الإمام.
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«إذا أدرك
ص:295
الرجل بعض الصلاة،و فاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه،جعل أوّل ما أدرك أوّل صلاته،إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين و فاتته ركعتان،قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأمّ الكتاب و سورة،فإن لم يدرك السورة تامّة أجزأته أمّ الكتاب،فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما،لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها في الأوّلتين في كلّ ركعة بأمّ الكتاب و سورة،و في الأخيرتين لا يقرأ فيهما،إنّما هو تسبيح و تهليل و تكبير و دعاء ليس فيهما قراءة،و إن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام،فإذا سلّم الإمام قام فقرأ بأمّ (1)الكتاب و سورة،ثمَّ قعد فتشهّد (2)،ثمَّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة» (3).
و ما رواه في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام،و هي له الأولى،كيف يصنع إذا جلس الإمام؟قال:«يتجافى و لا يتمكّن من القعود،فإذا كانت الثالثة للإمام و هي له الثانية فليلبث قليلا،إذا قام الإمام،بقدر ما يتشهّد،ثمَّ يلحق بالإمام» قال:و سألته عن الرجل الّذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟فقال:«اقرأ فيهما فإنّهما لك الأوّلتان (4)،و لا تجعل أوّل صلاتك آخرها» (5).
ص:296
و ما رواه عن محمّد بن طلحة بن زيد (1)،عن أبي جعفر (2)،عن أبيه،عن عليّ عليهم السلام قال:«يجعل (3)الرجل ما أدرك مع الإمام أوّل صلاته».قال جعفر:«و ليس نقول كما يقول الحمقى» (4).
احتجّ المخالف (5)بما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«ما أدركتم فصلّوا و ما فاتكم فاقضوا» (6).
و الجواب:لا يجوز أن يكون المراد بالقضاء هاهنا حقيقته،إذ الحقيقة هي الفعل (7)بعد خروج الوقت،و ذلك غير مراد هاهنا إجماعا،فلم يبق معنى للحديث (8)إلاّ ما أدركتموه فتابعوه على فعله،و ما فاتكم فافعلوه.و عبّر بالقضاء عن الفعل مجازا.و أيضا:
فقد روي:«و ما فاتكم فأتمّوا» (9).
ص:297
الأوّل:الّذي عليه علماؤنا أنّه يقرأ في الركعتين اللّتين فاتتاه بأمّ الكتاب خاصّة أو يسبّح،لأنّهما (1)آخر صلاته.
و قال الشافعيّ:يقرأ فيهما بأمّ الكتاب و سورة (2).و ذلك غير لائق على مذهبه،إذ هو يوافقنا في أنّ ما يدركه المأموم يكون أوّل صلاته.
و لو أدرك المأموم مع الإمام ركعتين قرأ في الثالثة«الحمد»خاصّة.و هو ظاهر على مذهبنا،إذ هي أخيرة له.
و قال الشافعيّ:يقرأ«الحمد»و سورة (3)،و ألزمه جماعة التناقض،إذ قراءة السورة تدلّ على أوّليّتها،و الجلوس بعدها يدلّ على آخريّتها،و ذلك (4)تناقض.
الثاني:لا يجهر بالقراءة في الأواخر التي يقضيها،لأنّها آخر صلاته و لا جهر فيها.
و نقل عن الشافعيّ الإسرار و الإجهار معا (5).
الثالث:الأقرب عندي أنّ القراءة مستحبّة.و نقل عن بعض فقهائنا الوجوب،لئلاّ يخلو الصلاة عن قراءة،إذ هو مخيّر في التسبيح في الأخيرتين (6).و ليس بشيء.فإن احتجّ بحديث زرارة و عبد الرحمن (7)،حملنا الأمر فيهما على الندب،لما ثبت من عدم وجوب القراءة على المأموم.أمّا ما ينفرد (8)به المأموم عن الإمام ممّا (9)تجب فيه القراءة،فإنّه تجب عليه القراءة،كما لو أدركه في آخر ركعة.
ص:298
الرابع:روى الشيخ عن الحسين بن المختار (1)،و داود بن الحصين قال:سئل عن رجل فاتته ركعة من المغرب مع الإمام و أدرك الثنتين،فهي الأولى له فالثانية للقوم،يتشهّد فيها؟قال:«نعم»قلت:و الثانية أيضا؟قال:«نعم»قلت:كلّهنّ؟قال:«نعم،و إنّما هي بركة» (2).
و للشافعيّ وجهان:أحدهما:يتشهّد مستحبّا.و الثاني:لا يتشهّد (3).
أمّا الأوّل:فلأنّه تابع،فكما قعد في غير موضعه كذلك يتشهّد في غير موضعه.
و أمّا الثاني:فلأنّه ليس بموضع لتشهّده.
و استحبّ له أن يكبّر و يسجد معه السجدتين و لا يعتدّ بهما،لأنّ مجموعهما ركن فزيادته مبطلة.و أمّا استحباب المتابعة فلإدراك فضيلة الجماعة.
و يؤيّد ذلك:ما رواه الشيخ عن معلّى بن خنيس،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
«إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته و قد رفع رأسه فاسجد معه و لا تعتدّ بها» (4).
ص:299
الأوّل:لو أدركه بعد السجدة الأخيرة استحبّ له أن يكبّر و يدخل في الصلاة و يجلس معه في تشهّده يتشهّد معه أو يصمت،فإذا سلّم الإمام قام و بنى على تلك التكبيرة و صلّى.
أمّا استحباب الدخول،فلما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال:قلت له:
متى يكون يدرك (1)الصلاة مع الإمام؟قال:«إذا أدرك الإمام و هو في السجدة الأخيرة من صلاته،فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام» (2).
و أمّا الاعتداد بذلك التكبير،فلما رواه الشيخ عن عمّار الساباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن الرجل يدرك الإمام و هو قاعد يتشهّد و ليس خلفه إلاّ رجل واحد عن يمينه،قال:«لا يتقدّم الإمام و لا يتأخّر الرّجل،و لكن يقعد الّذي يدخل معه خلف الإمام،فإذا سلّم الإمام قام الرّجل فأتمّ صلاته» (3).
لا يقال:قد روى الشيخ عن عمّار قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أدرك الإمام و هو جالس بعد الركعتين،قال:«يفتتح الصلاة و لا يقعد مع الإمام حتّى يقوم» (4).و لأنّه فعل كثير فكان مبطلا.
لأنّا نقول:أمّا رواية عمّار،فغير دالّة على المنع في صورة النزاع،إذ هي إنّما تتناول الصلاة الثلاثيّة أو الرباعيّة،و الفرق أنّ فيهما يمكن تحصيل فضيلة الجماعة من دون زيادة القعود،بخلاف صورة النزاع.
و أمّا الثاني:فإنّه و إن كان كثيرا إلاّ أنّه من أفعال الصلاة لتحصيل فضيلة الجماعة.
الثاني:لو أدركه ساجدا كبّر للافتتاح واجبا،و كبّر أخرى للسجود مستحبّا،لأنّه
ص:300
مأمور بالاتّباع فاستحبّ له تكبير السجود،كمتبوعه.
و قيل:لا يستحبّ التكبير للسجود هنا،لأنّه لا يعتدّ (1)بهذا السجود و لا هو متابع للإمام في التكبير،فلم يكبّر،بخلاف ما لو أدركه راكعا،فإنّه يكبّر للركوع للاعتداد به.ذهب إليه بعض الشافعيّة (2).
الثالث:لو أدركه في حال التشهّد كبّر للافتتاح خاصّة قولا واحدا.و لو قام الإمام في الثالثة بالتكبير لم يكبّر،لأنّها ليست ثالثة له،خلافا للشافعيّ (3)،و هذا بناء على قول المفيد في أنّ القائم إلى الثالثة يكبّر (4)،أمّا على قول الشيخ فلا (5).
قولي الشافعيّ (1).
و قال أبو حنيفة (2)،و مالك:تبطل صلاته (3).و هو ثاني قولي الشافعيّ (4)،و روايتي أحمد (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن جابر قال:كان معاذ يصلّي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله العشاء،ثمَّ يرجع إلى قومه فيؤمّهم،فأخّر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلاة العشاء،فصلّى معه،ثمَّ رجع إلى قومه،فقرأ سورة البقرة،فتأخّر رجل فصلّى وحده فقيل له:نافقت يا فلان،فقال:ما نافقت و لكن لآتينّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأخبره.فأتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فذكر ذلك له،فقال:«أ فتّان أنت يا معاذ؟أ فتّان أنت يا معاذ؟»مرّتين«اقرأ سورة كذا و سورة كذا»قال:«و سورة ذات البروج،و الليل،و السماء و الطارق،و هل أتاك حديث الغاشية» (6).و لم يأمره عليه السلام بالإعادة و لا أنكر عليه.
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه قال:كان معاذ يؤمّ في مسجد على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يطيل القراءة و أنّه مرّ به رجل فافتتح سورة طويلة فقرأ الرّجل لنفسه و صلّى ثمَّ ركب راحلته،فبلغ ذلك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فبعث إلى معاذ
ص:302
فقال:«يا معاذ،إيّاك أن تكون فتّانا،عليك بالشمس و ضحاها و ذواتها» (1).
و لأنّ الاجتماع ليس واجبا و لا يجب بالشروع،فجاز أن ينفرد،و لا تبطل الصلاة، لإتيانه بها على الوجه المشروع.و لأنّه بنيّة الائتمام يستفيد الفضيلة لا الصحّة،فتبطل بالخروج الفضيلة دون الصحّة.
احتجّ المخالف (2)بما روي عنه عليه السلام أنّه قال:«إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه» (3).
و الجواب:أنّه محمول على ما إذا كان متّبعا،أمّا مع نيّة الخروج فلا.
يجوز أن يسلّم قبل الإمام مع العذر أو مع نيّة الانفراد،لما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال:سألته عن الرّجل يكون خلف إمام (4)فيطول في التشهّد فيأخذه البول،أو يخاف (5)على شيء أن يفوت،أو يعرض له وجع،كيف يصنع؟قال:«يسلّم و ينصرف و يدع الإمام» (6).
و في الصحيح عن أبي المعزى،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلّي خلف إمام
ص:303
فسلّم قبل الإمام،قال:«ليس بذلك بأس» (1).
و السجود،و يخفّف أذكارها.
و هو إجماع أهل العلم.
روى الجمهور عن أنس بن مالك قال:ما صلّيت خلف أحد قطّ أخفّ[صلاة] (2)و لا أتمّ صلاة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3).
و عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«من صلّى للناس فليخفّف،فإنّ فيهم السقيم و الضعيف،فإذا صلّى لنفسه فليطل ما شاء» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ (5)عن إسحاق بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«ينبغي للإمام أن تكون صلاته على أضعف من خلفه» (6).و لحديث جابر و قد تقدّم (7).
لأنّه ربّما كان في الجماعة من يتأذّى بالتطويل لمرض أو حاجة تفوت،فيحصل الأذى بالتطويل،فكان الإسراع مشروعا.
و لو تجدّد في الصلاة ما يقتضي الإسراع سارع إلى الإتمام مخالفا عادته في الصلاة،
ص:304
لوجود المقتضي له.و لما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إنّي لأدخل في الصلاة و أنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبيّ فأخفّفها كراهية أن أشقّ على أمّه» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الظهر و العصر فخفّف الصلاة في الركعتين،فلمّا انصرف قال له الناس:يا رسول اللّه،أحدث في الصلاة شيء؟قال:
و ما ذاك؟قالوا:خفّفت في الركعتين الأخيرتين،فقال لهم:أما سمعتم صراخ الصّبيّ» (2).
لأنّ الجماعة الحقيقيّة مطلوبة شرعا،فكان التشبيه بها مطلوبا،كما في غير الجماعة، مثل الممسك (3).
و لما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن عبد الخالق قال:سمعته يقول:«لا ينبغي للإمام أن يقوم إذا صلّى حتّى يقضي كلّ من خلفه ما فاته من الصلاة» (4).
لأنّه ضامن لهم، فكان الإسماع مستحبّا،لنفي التهمة،و حصول اليقين لكلّ سامع براءة ذمّته من القراءة.
و لما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول،و لا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا ممّا يقول» (5).
ص:305
هذا الحكم ثابت مع عدم الحاجة إلى العلوّ في الصوت.
مسألة:لو أخلّ الإمام بشرط في الصلاة كالطهارة و لم يعلم المأمومون صحّت صلاتهم دونه،و قد سلف ذلك (1).
أمّا لو أخلّ باستقبال القبلة،فإن كان المأمومون عالمين،بطلت صلاة الجمع،و إن لم يكونوا عالمين،فإن كانوا قد استدبروا قضوا أجمع في الوقت،و في الخارج على الخلاف بين الأصحاب (2)،و إن لم يكونوا مستدبرين صحّت صلاتهم دونه.و قال بعض الجمهور:تفسد صلاة الجميع (3).
لنا:أنّهم دخلوا في الصلاة على وجه مشروع،و صلاة المأموم غير متعلّقة بصلاة الإمام فصحّت صلاتهم،كما لو كان الإمام محدثا.و لو لم يكونوا عالمين و لا الإمام أيضا صحّت صلاة الجميع على التفصيل المذكور.
روى (4)الشيخ في الصحيح عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ (5)،عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في الرجل يصلّي بالقوم،ثمَّ يعلم أنّه صلّى بهم إلى غير القبلة،فقال:«ليس عليهم إعادة» (6).
ص:306
و قد روى الشيخ في الحسن عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الأعمى يؤمّ القوم و هو على غير القبلة،قال:«يعيد و لا يعيدون،فإنّهم قد تحرّوا» (1).و يحمل (2)إعادة الإمام على ترك اجتهاده و ترك قول الغير.
ما لم يبلغ حدّ الكثرة،لموضع الحاجة إلى ذلك.
و قد روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه أخذ بيد ابن عبّاس فأداره إلى يمينه (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السلام قال:«فإذا قعدت فضاق المكان فتقدّم أو تأخّر،فلا بأس» (4).
و ما رواه في الموثّق عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قال:«لا يضرّك أن تتأخّر وراءك إذا وجدت ضيقا في الصفّ فتتأخّر إلى الصفّ الذي خلفك،و إن كنت في صفّ فأردت أن تتقدّم قدّامك فلا بأس أن تمشي إليه» (5).
و مثله روى عن الفضيل بن يسار،عن أبي عبد اللّه عليه السلام (6).
و مثله روي في الصحيح عن الحلبيّ عنه عليه السلام (7).
ص:307
لا يقال:قد روى الشيخ و ابن يعقوب معا في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال:قلت له:الرجل يتأخّر و هو في الصلاة؟قال:«لا»قلت:فيتقدّم؟قال:«نعم،ما شاء (1)إلى القبلة» (2).
لأنّا نقول:إنّ الراوي لم يسندها إلى إمام،و هو و إن كان ثقة لا يطلق القول إلاّ مع النقل عن الإمام،إلاّ أنّه غير خال عن ضعف.و أيضا فيحمل النهي على التأخّر مع الاستدبار،أو على التأخّر من غير حاجة.
قال الشيخ:و يمسك المنفرد في حال تقدّمه أو تأخّره عن القراءة،لأنّه في تلك الحال ماش غير قائم فلا يجوز له القراءة (3).
لما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السلام (4).و هذا و إن كان مكروها للمصلّي مطلقا إلاّ أنّه في الإمام آكد.
صلاة الإمام،
سواء كان مع الإمام غيره أو لم يكن،خلافا لبعض الجمهور (5).
لنا:أنّ صلاة المأموم غير مرتبطة بصلاة الإمام ارتباطا يلزم منه المتابعة في الفساد على ما بيّنّا،فيختصّ الفساد بصلاة المأموم.و لأنّ العكس ثابت و هو أولى.
ص:308
لو كان المأموم واحدا فشمّ (1)كلّ واحد منهما ريحا أو سمع صوتا يعتقد أنّه من صاحبه،لم يفسد صلاة واحد منهما،لما مضى،و يجب على المأموم نيّة الانفراد،لأنّه لو أتمّ الصلاة متابعا،لكان مؤتمّا بمن يعتقد بطلان صلاته.
لو صلّى بجماعة فشهد اثنان أنّه أحدث و أنكر هو و بقيّة المأمومين،فالوجه صحّة صلاة الجميع إلاّ الشاهدين إن (3)أتمّا مؤتمّين.أمّا إن نويا (4)الانفراد صحّت صلاتهما.
و قال بعض الجمهور:يعيد الجميع،لأنّ شهادة الإثبات مقدّمة على النفي،و صلاة المأمومين مرتبطة بصلاة الإمام و بالعكس (5).
و ظنّ،أعاد الصلاة.
و له أن يؤمّ في الإعادة من (6)لم يصلّ،خلافا لبعض الجمهور (7).
لنا:أنّها صلاة واجبة فجاز الائتمام فيها،كما لو لم يصلّ أوّلا،و كما لو شكّ هل صلّى أم لا.
احتجّ المخالف بأنّها يحتمل النفل،فيكون المفترض قد اقتدى بالمتنفّل (8).
ص:309
و الجواب:لا احتمال مع تعيّن (1)الوجوب.
الحمد أن يقولوا:الحمد للّه ربّ العالمين .
و رواه الحسين بن سعيد في كتابه أيضا (3).
روى الشيخ عن الأصبغ،عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام،قال:كان يقول:«من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان:أخا مستفادا في اللّه،أو علما مستطرفا،أو آية محكمة،أو سمع (4)كلمة تدلّه على هدى،أو رحمة منتظرة،أو كلمة تردّه عن ردى،أو يترك ذنبا خشية أو حياء» (5).
و روى عن عليّ بن الحكم،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«من مشى إلى المسجد لم يضع رجلا على رطب و لا يابس إلاّ سبّحت له الأرض إلى الأرضين السابعة» (6).
و عن السكونيّ،عن جعفر،عن أبيه عليهما السلام قال:«قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:من كان القرآن حديثه و المسجد بيته بنى اللّه له بيتا في الجنّة» (7).
و في الصحيح عن ابن أبي عمير،عن بعض أصحابه قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إنّي لأكره الصلاة في مساجدهم،فقال:«لا تكره،فما من مسجد بني إلاّ على
ص:310
قبر نبيّ أو وصيّ نبيّ قتل فأصاب تلك البقعة رشّة من دمه،فأحبّ اللّه أن يذكر فيها، فأدّ فيها الفريضة و النوافل و اقض ما فاتك» (1).
و روى ابن بابويه عن كليب الصيداويّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«مكتوب في التوراة أنّ بيوتي في الأرض المساجد،فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثمَّ زارني في بيتي،ألا إنّ على المزور كرامة الزائر» (2).
و روى ابن بابويه عن الأصبغ بن نباتة قال:قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه:«إنّ اللّه عزّ و جلّ ليهمّ (3)بعذاب أهل الأرض جميعا لا يحاشي منهم أحدا إذا عملوا بالمعاصي و اجترحوا السّيئات،فإذا نظر إلى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلاة و الولدان يتعلّمون القرآن رحمهم فأخّر ذلك عنهم» (4).
و روى ابن يعقوب في الصحيح عن جابر،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لجبرئيل عليه السلام:يا جبرئيل،أيّ البقاع أحبّ إلى اللّه؟ قال:المساجد،و أحبّ أهلها أوّلهم دخولا و آخرهم خروجا منها» (5).
أمّا النساء فالمستحبّ لهنّ أن لا يحضرن المساجد،لأنّهنّ أمرن بالاستتار.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن يونس بن ظبيان قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
«خير مساجد نسائكم البيوت» (6).
روى ابن بابويه عن الحسين بن خالد،عن أبي الحسن الرّضا،عن آبائه عليهم السلام قال:«قال محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام:
ص:311
صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في غيره من المساجد» (1).
و روى عن مسعدة بن صدقة،عن الصادق جعفر بن محمّد،عن آبائه عليهم السلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:صلاة في مسجدي تعدل عند اللّه عشرة آلاف صلاة في غيره من المساجد إلاّ المسجد الحرام،فإنّ الصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة» (2).
و روى ابن بابويه أيضا،عن خالد بن مادّ القلانسيّ (3)،عن الصّادق عليه السلام أنّه قال:«مكّة حرم اللّه و حرم رسوله و حرم عليّ بن أبي طالب عليهما السلام،الصلاة (4)فيها بمائة ألف صلاة،و الدرهم فيها بمائة ألف درهم،و المدينة حرم اللّه و حرم رسوله،و حرم عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام،الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة،و الدرهم فيها بعشرة آلاف (5)درهم،و الكوفة حرم اللّه و حرم رسوله و حرم عليّ بن أبي طالب عليهما السلام، الصلاة فيها بألف صلاة»و سكت عن الدرهم (6).
و روى ابن بابويه عن السكونيّ،عن جعفر،عن آبائه عليهم السلام،عن عليّ
ص:312
عليه السلام قال:«صلاة في بيت المقدس (1)ألف صلاة،و صلاة في مسجد الأعظم مائة ألف صلاة،و صلاة في مسجد القبيلة خمس و عشرون صلاة،و صلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة صلاة،و صلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة» (2).
و روى ابن بابويه عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال لأبي حمزة الثماليّ:«المساجد أربعة:المسجد الحرام،و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله،و مسجد بيت المقدس، و مسجد الكوفة،يا أبا حمزة،الفريضة فيها تعدل حجّة،و النافلة تعدل عمرة» (3).
و عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:«لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد:المسجد الحرام،و مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و مسجد الكوفة» (4).
و روى ابن بابويه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«لمّا أسري بي مررت بموضع مسجد الكوفة و أنا على البراق و معي جبرئيل،فقال لي:يا محمّد،انزل فصلّ في هذا المكان،قال:فنزلت فصلّيت و قلت:يا جبرئيل،أيّ شيء هذا الموضع؟قال:يا محمّد هذه كوفان و هذا مسجدها،أما إنّي قد رأيتها خرابا عشرين مرّة و عشرين مرّة عمرانا،بين كلّ مرّتين خمس مائة سنة» (5).
و روى ابن بابويه عن الأصبغ بن نباتة قال:بينا نحن ذات يوم حول أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة إذ قال:«يا أهل الكوفة،لقد حباكم اللّه عزّ و جلّ بما لم يحب به أحدا من فضل مصلاّكم:بيت آدم،و بيت نوح،و بيت إدريس،و مصلّى إبراهيم الخليل، و مصلّى أخي الخضر عليهم (6)السلام،و مصلاّي،و إن مسجدكم هذا لأحد المساجد
ص:313
الأربعة التي اختارها اللّه عزّ و جلّ لأهلها،و كأنّي به قد أتي به يوم القيامة في ثوبين أبيضين يتشبّه بالمحرم و يشفع لأهله و لمن يصلّي فيه،فلا تردّ شفاعته،و لا تذهب الأيّام و الليالي حتّى ينصب الحجر الأسود فيه،و ليأتينّ عليه زمان يكون مصلّى المهدي عليه السلام من ولدي و مصلّى كلّ مؤمن،و لا يبقى على الأرض مؤمن إلاّ كان به أو حنّ قلبه إليه، فلا تهجروه و تقرّبوا إلى اللّه عزّ و جلّ بالصلاة فيه،و ارغبوا إليه في قضاء حوائجكم، فلو يعلم الناس ما فيه من البركة لأتوه من أقطار الأرض و لو حبوا على الثلج» (1).
و روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام (2)قال:«بالكوفة مسجد يقال له مسجد السهلة،لو أنّ عمّي زيدا أتاه فصلّى فيه و استجار اللّه لأجاره عشرين سنة،فيه بيت إدريس الّذي كان يخيط فيه،و هو الموضع الذي خرج منه إبراهيم إلى العمالقة،و هو الموضع الّذي خرج منه داود إلى جالوت،و تحته صخرة خضراء فيها صورة وجه كلّ نبيّ (3)خلقه اللّه عزّ و جلّ،و من تحته أخذت طينة كلّ نبيّ و هو موضع الراكب»فقيل له:و ما الراكب؟ قال:«الخضر عليه السلام» (4).
و روى الشيخ رحمه اللّه و ابن بابويه رحمه اللّه (5)،عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ قال:صلّى بنا عليّ عليه السّلام ببراثا ببغداد (6)بعد رجوعه من قتال الشراة و نحن زهاء (7)مائة ألف رجل،فنزل نصرانيّ من صومعته فقال:من (8)عميد هذا الجيش؟فقلنا:هذا، فأقبل إليه فسلّم عليه،ثمَّ قال:يا سيّدي أنت نبيّ؟فقال:«لا،النبيّ سيّدي قد مات»قال:
ص:314
فأنت وصيّ نبيّ؟قال:«نعم»ثمَّ قال له:«اجلس،كيف سألت عن هذا؟»قال:إنّما (1)بنيت هذه الصومعة من أجل هذا الموضع و هو براثا،و قرأت (2)في الكتب المنزلة أنّه لا يصلّي في هذا الموضع بهذا (3)الجمع إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ،و قد جئت أسلم،فأسلم و خرج معنا إلى الكوفة،فقال له عليّ عليه السلام:«فمن صلّى هاهنا؟»قال:صلّى عيسى بن مريم و أمّه، فقال له عليّ عليه السلام:«فأخبرك (4)من صلّى هاهنا؟»قال:نعم،قال:«الخليل عليه السلام» (5).
و روى الشيخ و ابن يعقوب عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام قال:
«إنّ (6)بالكوفة مساجد ملعونة و مساجد مباركة،فأمّا المباركة فمسجد غنيّ، و اللّه إنّ قبلته لقاسطة،و إنّ طينته لطيّبة،و لقد وضعه رجل مؤمن،و لا تذهب الدّنيا حتّى تنفجر (7)عنده عينان و تكون عنده (8)جنّتان و أهله ملعونون و هو مسلوب منهم،و مسجد بني ظفر و هو مسجد السّهلة،و مسجد الحمراء،و مسجد جعفيّ و ليس هو مسجدهم اليوم،قال:درس،و أمّا المساجد الملعونة فمسجد ثقيف (9)،
ص:315
و مسجد الأشعث (1)،و مسجد جرير (2)،و مسجد سماك (3)،و مسجد بالحمراء (4)بني على قبر فرعون من الفراعنة» (5).
ص:316
و رويا معا،عن سالم (1)،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«جدّدت أربعة مساجد بالكوفة فرحا لقتل الحسين عليه السلام:مسجد الأشعث،و مسجد جرير،و مسجد سماك، و مسجد شبث بن ربعيّ (2)» (3).
و روى الشيخ و ابن يعقوب في الصحيح عن حسّان الجمّال (4)قال:حملت أبا عبد اللّه عليه السلام من المدينة إلى مكّة قال:فلمّا انتهينا إلى مسجد الغدير نظر في ميسرة المسجد فقال:«ذاك موضع قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث قال:
من كنت مولاه فعليّ مولاه،اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه»ثمَّ نظر في الجانب الآخر فقال:«ذاك موضع فسطاط أبي فلان و فلان،و سالم مولى أبي حذيفة (5)،
ص:317
و أبي عبيدة الجرّاح (1)،فلمّا أن رأوه رافعا يده،قال بعضهم:انظروا إلى عينيه تدوران كأنّهما عينا مجنون،فنزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَ ما هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (2)».ثمَّ قال:«يا حسّان،لو لا أنّك جمّالي لما حدّثتك بهذا الحديث» (3).
و روى الشيخ في الحسن عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن المسجد الذي أسّس على التقوى؟قال:«مسجد قبا» (4).
و روى ابن بابويه عن جابر،عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال:«صلّى في مسجد الخيف سبع مائة نبيّ» (5).
و روى ابن بابويه عن أبي حمزة الثماليّ،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«من صلّى في مسجد الخيف بمنى مائة ركعة قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاما،و من سبّح اللّه فيه مائة تسبيحة كتب له كأجر عتق رقبة،و من هلّل اللّه فيه مائة تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة،و من حمد اللّه عزّ و جلّ فيه مائة تحميدة عدلت أجر خراج العراقين يتصدّق به في سبيل اللّه تعالى» (6).
و ثواب جزيل.قال اللّه تعالى:
ص:318
إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ. (1)الآية.
و روى الشيخ في الحسن عن أبي عبيدة الحذّاء،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
قال:«من بنى مسجدا بنى اللّه له بيتا في الجنّة».قال أبو عبيدة:فمرّ بي أبو عبد اللّه عليه السلام في طريق مكّة و قد سوّيت أحجار المسجد فقلت:جعلت فداك،نرجو أن يكون هذا من ذاك،فقال:«نعم» (2).
روى الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ قال:
سألته عن المساجد المظلّلة،يكره القيام فيها (3)؟قال:«نعم،و لكن لا تضرّكم الصلاة فيها اليوم،و لو قد كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك» (4).
و روى في الحسن عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«بنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مسجده فاشتدّ الحرّ عليهم،فقالوا:يا رسول اللّه،لو أمرت بالمسجد فظلّل،فقال:نعم،فأمر به فأقيمت فيه سواري (5)من جذوع النخل،ثمَّ طرحت عليه العوارض و الخصف و الإذخر،فعاشوا فيه حتّى أصابهم المطر فجعل المسجد يكف عليهم،فقالوا:يا رسول اللّه،لو أمرت بالمسجد فطيّن،فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لا،عريش كعريش موسى عليه السلام،فلم يزل كذلك حتّى قبض صلّى اللّه عليه و آله» (6).
و روى ابن بابويه عن أبي جعفر عليه السلام قال:«أوّل ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد فيكسرها و يأمر بها فتجعل عريشا كعريش موسى عليه السلام» (7).
ص:319
و روى الشيخ عن طلحة بن زيد،عن جعفر،عن أبيه،أنّ عليّا عليه السلام رأى مسجدا بالكوفة قد شرّف فقال:«كأنّه بيعة»و قال:«إنّ المساجد لا تشرّف،تبنى جمّا» (1).
لما رواه الشيخ عن عبد الحميد (3)، عن أبي إبراهيم عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:جنّبوا مساجدكم صبيانكم و مجانينكم و بيعكم و شراءكم،و اجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم» (4).
و لأنّه لو جعلت داخلها لتأذّى المسلمون برائحتها،و ذلك مطلوب الترك.
لما رواه الشيخ عن السكونيّ،عن جعفر،عن أبيه،عن آبائه أنّ عليّا عليه السلام مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها،ثمَّ قال:«لا ترفع المنارة إلاّ مع سطح المسجد» (6).
لشرف اليمنى،فتقدّم إلى الموضع الأشرف.و أن يتعاهد نعله احتياطا للطهارة.روى الشيخ عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح،عن جعفر،عن أبيه عليهما السلام قال:«قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم،و نهى أن يتنعّل الرجل و هو قائم» (7).
و أن يدعو في حالتي دخوله و خروجه،لأنّ المسجد مظنّة للإجابة.
ص:320
روى الشيخ عن العلاء بن الفضيل (1)،عمّن رواه،عن أبي جعفر عليه السلام قال:
«إذا دخلت المسجد و أنت تريد أن تجلس فلا تدخله إلاّ طاهرا،و إذا دخلته فاستقبل القبلة ثمَّ ادع اللّه و اسأله و سمّ حين تدخله و احمد اللّه و صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله» (2).
و روي في الموثّق عن سماعة قال:إذا دخلت المسجد فقل:بسم اللّه،و السلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و صلاة ملائكته على محمّد و آل محمّد،و السلام عليهم و رحمة اللّه و بركاته،ربّ اغفر لي ذنوبي و افتح لي أبواب فضلك.و إذا خرجت فقل مثل ذلك (3).
و عن عبد اللّه بن الحسن (4)قال:إذا دخلت المسجد فقل:اللهمّ اغفر لي و افتح لي أبواب رحمتك.و إذا خرجت فقل:اللهمّ اغفر لي و افتح لي أبواب فضلك (5).
لما اشتملا عليه من التنظيف و الضوء المحتاج إليه للدخول و الترغيب إلى التردّد فيه فيؤمن خرابه.
ص:321
و لما رواه الشيخ عن عبد الحميد،عن أبي إبراهيم عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من كنس المسجد يوم الخميس ليلة الجمعة فأخرج من (1)ترابه ما يذرّ في العين غفر اللّه له» (2).
و روى ابن بابويه عن أنس بن مالك قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من أسرج في مسجد من مساجد اللّه سراجا لم تزل الملائكة و حملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من السراج» (3).
لأنّها موضع عبادة لا غير.و يجنّب (5)أيضا (6)المجانين و الصّبيان،لأنّهما مظنّتان للنجاسة لعدم توقّيهما عنها.
و يجنّب الأحكام،لأنّها مظنّة التنازع المقتضي للكذب.
و يكره تعريف الضالّة فيها،لأنّها موضع عبادة فيكره غيرها.
و يكره إقامة الحدود فيها،لأنّها مظنّة خروج الحدث.
و يكره رفع الصوت فيها،لأنّه ينافي التذلّل و الخضوع.
و يدلّ على هذه الأحكام أيضا:ما رواه الشيخ عن عليّ بن أسباط،عن بعض رجاله قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«جنّبوا مساجدكم البيع و الشراء و المجانين و الصّبيان و الأحكام و الضالّة و الحدود و رفع الصوت» (7).
و يكره اتّخاذ المحاريب فيها،لما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد،عن جعفر،عن أبيه عليهما السّلام،عن عليّ عليه السلام أنّه كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد و يقول:
ص:322
«كأنّها مذابح اليهود» (1).
و يكره دخولها لمن أكل شيئا من المؤذيات،لما رواه الشيخ عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،عن آبائه،عن عليّ عليهم السلام،قال:«من أكل شيئا من المؤذيات[ريحها] (2)فلا يقربنّ المسجد» (3).و لأنّه قد يتأذّى المجاور له بالرائحة،و ذلك مطلوب العدم.
و يكره إخراج الحصى منها،لما رواه الشيخ عن وهب بن وهب،عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال:«إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردّها مكانها،أو في مسجد آخر فإنّها تسبّح» (4).
و يكره البصاق في المسجد،فإن فعل غطّاه بالتراب،لأنّه يستتبع كراهية من النفس لذلك و مع التغطية تزول.
و لما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم،عن جعفر،عن أبيه عليهما السلام أنّ عليّا عليه السلام قال:«البزاق في المسجد خطيئة و كفّارته دفنه» (5).
و روى الشيخ عن السكونيّ،عن جعفر،عن أبيه،عن آبائه عليهم السلام قال:«من وقّر بنخامته المسجد لقي اللّه يوم القيامة ضاحكا قد أعطي كتابه بيمينه» (6).
و روى الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام
ص:323
يقول:«من تنخّع في المسجد ثمَّ ردّها في جوفه لم تمرّ بداء في جوفه إلاّ أبرأته» (1).
و يكره الوضوء في المسجد من البول و الغائط،لما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة ابن موسى قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الوضوء في المسجد،فكرهه من الغائط و البول (2).
و يكره النوم في المساجد،لأنّه مظنّة الحدث.و لأنّها مواطن عبادة فكره غيرها.
و لما رواه الشيخ عن أبي أسامة زيد الشحّام قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:قول اللّه عزّ و جلّ لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى (3)قال:«سكر النوم» (4).
و يكره إنشاد الشعر فيها،لما رواه الشيخ عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا:فضّ اللّه فاك، إنّما نصبت المساجد للقرآن» (5).
و يكره عمل الصنائع في المساجد.و يدلّ عليه التعليل الذي أشار إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و روى الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام قال:«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن سلّ السيف في المسجد،و عن بري النبل في المسجد و قال:إنّما بني لغير ذلك» (6).
و يكره كشف العورة في المسجد،لأنّ فيه استخفافا به و هو محلّ تعظيم.و كشف السرّة و الركبة و الفخذ مكروه أيضا،لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:
ص:324
«كشف السرّة و الفخذ و الركبة في المسجد من العورة» (1).
و تكره تعلية المساجد،لأنّ فيه تشريفا على عورات المجاورين،و هو منهيّ عنه.
و لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان مسجده قدر قامة،و اتّباعه أولى.
،لقوله عليه السلام:«جنّبوا مساجدكم النجاسة» (2).و غسل النجاسة فيها،لأنّه ينجّسها.
و يحرم أن يؤخذ منها شيء (3)في الطريق و غيره،لأنّه موضع للّه اختصّ بالعبادة، فلا يجوز اختصاص الغير به،قال اللّه تعالى وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها (4).
و يحرم نقشها و زخرفتها،لأنّه بدعة لم يفعل في زمن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.روى الشيخ عن عمرو بن جميع قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة في المساجد المصوّرة،فقال:«أكره ذلك،و لكن لا يضرّكم ذلك اليوم،و لو قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك» (5).
و يحرم أخذ آلتها للتملّك،لأنّه وقف على مصلحة فاختصّ بها.
عن ملكه،جاز له توسيعه و تضييقه
و أخذه بالكلّيّة،لأنّه باق على ملكه لم يزل عنه بمجرّد الصلاة فيه.
و لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المسجد يكون في الدار و في البيت،فيبدو لأهله أن يتوسّعوا بطائفة منه أو يحوّلوه إلى
ص:325
غير مكانه،فقال:«لا بأس بذلك» (1).
و رواه أيضا عن أبي الجارود،عن أبي جعفر عليه السلام (2).
إذا طمّ (3)و انقطعت رائحته،لأنّ المؤذي يزول بذلك فتزول الكراهية.
و لما رواه الشيخ عن أبي الجارود،عن أبي جعفر عليه السلام قال:سألته عن المكان يكون حشّا (4)، (5)ثمَّ ينظّف و يجعل مسجدا،قال:«يطرح عليه من التراب حتّى يواريه فهو أطهر» (6).
و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:المكان يكون حشّا زمانا فينظّف و يتّخذ مسجدا،فقال:«ألق عليه من التراب حتّى يتوارى،فإنّ ذلك يطهّره إن شاء اللّه» (7).
لا يقال:قد روى الشيخ عن عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
«الأرض كلّها مسجد،إلاّ بئر قائط أو مقبرة» (8).
ص:326
لأنّا نقول:نحن نقول بموجبة،إذ بئر الغائط إنّما تتّخذ مسجدا مع الطمّ و انقطاع الرائحة.
لما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البيع و الكنائس، هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟فقال:«نعم» (1).
لما رواه الشيخ عن السكونيّ،عن جعفر،عن آبائه عليهم السلام:«أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أبصر رجلا يخذف بحصاة في المسجد، فقال:ما زالت تلعن حتّى وقعت،ثمَّ قال:الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط،ثمَّ تلا عليه السلام وَ تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ (2)قال:هو الخذف» (3).
و تكره المخاطبة بلسان العجم فيه.روى الشيخ عن السكونيّ،عن جعفر،عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال:«نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن رطانة (4)الأعاجم في المساجد» (5).
و يكره الاتّكاء فيه،لما رواه الشيخ عن إسماعيل بن أبي عبد اللّه،عن أبيه عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:الاتّكاء في المسجد رهبانيّة العرب،المؤمن مجلسه مسجده،و صومعته بيته» (6).
فصل:روى ابن بابويه عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال:سئل عن الطين فيه التبن،أ يطيّن به المسجد أو البيت الذي يصلّى فيه؟فقال:«لا بأس» (7).و سئل عن الجصّ
ص:327
يطبخ بالعذرة،أ يصلح أن يجصّص به المسجد؟فقال:«لا بأس» (1).
قال ابن بابويه:و ينبغي أن تجنّب المساجد تعليم المعلّم للتأديب فيها،و جلوس الخيّاط فيها للخياطة (2).و هو حسن لما تقدّم (3).
و روي عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن الوقوف على المساجد،فقال:
«لا يجوز،لأنّ المجوس وقفوا على بيت النار» (4).و الوجه عندي الجواز.
و يكره أن يجعل المسجد طريقا إلاّ عند الضرورة،لأنّه بني للعبادة خاصّة.
و لو استهدم المسجد و زالت بنيته لم يجز لأحد إجارته و لا أخذه.و إذا استهدم مسجد جاز أخذ آلته لعمارة غيره من المساجد،لأنّ المالك واحد هو اللّه تعالى.و لا يجوز أخذه ملكا على وجه.
و يكره أن يقصع القمل في المساجد،لتضمّنه تنفير النفس،فإن فعل غطّاه بالتراب.
و لا يجوز أن يدفن في شيء من المساجد،لأنّها جعلت للعبادة.
و صلاة المكتوبة في المسجد أفضل،و صلاة النافلة في المنزل أفضل،و خاصّة نوافل الليل.
أمّا الأوّل:فلأنّ فيه محافظة على الجماعة.روى الشيخ عن السكونيّ،عن جعفر، عن أبيه،عن آبائه عليهم السلام قال:«من سمع النداء في المسجد فخرج من غير علّة فهو منافق،إلاّ أن يريد الرجوع إليه» (5).
و روى الشيخ عن طلحة بن زيد،عن جعفر،عن أبيه،عن عليّ عليهم السلام قال:
ص:328
«لا صلاة لمن لم يشهد الصلوات المكتوبات من جيران المسجد،إذا كان فارغا صحيحا» (1).
و أمّا الثاني:فلاشتماله على مفسدة التهمة بالتصنّع (2).
و هو قول عامّة أهل العلم.
و إنّما وقع التشاجر في تقدير المسافة،فالّذي ذهب إليه علماؤنا:أنّه أربعة و عشرون ميلا، مسيرة يوم تامّ،ثمانية فراسخ،بريدان.و هو إحدى الروايتين عن ابن عبّاس (3)،و به قال الأوزاعيّ،قال:و به قال عامّة العلماء و به نأخذ (4).
و قال الشافعيّ في الأمّ و الإملاء:ستّة و أربعون ميلا بالهاشميّ (5).
و قال في البويطيّ:ثمانية و أربعون ميلا،مسيرة يومين،قاصدين
ص:329
سير الثقل (1). (2)و قال في موضع من البويطيّ:مسيرة يوم و ليلة (3).
و قال في القديم:يقصّر فيما جاوز أربعين ميلا (4).و قال في موضع:أربعة برد،و البريد أربعة فراسخ (5).
و قال أبو حنيفة (6)و الثوريّ:لا يقصّر إلاّ في ثلاث مراحل (7)، أربعة و عشرين فرسخا (8).و به قال ابن مسعود و سعيد بن جبير
ص:330
و النخعيّ (1).
و قال مالك (2)و أحمد (3)و إسحاق و أبو ثور:بثمانية و أربعين ميلا (4).
و قال داود:يقصّر في قليل السفر و كثيره (5).
و قال الزهريّ:يقصّر في ثلاثين ميلا (6).
لنا:قوله تعالى وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (7).علّق التقصير بمطلق الضرب و ذلك يفيد التعميم،خرج عنه ما دون الثمان لدليل،فيبقى الباقي على العموم.
و أيضا:مسير اليوم يسمّى سفرا،لما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:
«لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه و اليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلاّ مع ذي محرم» (8).و لوجود المعنى الموضوع له فيه فيجب فيه التقصير،لقوله تعالى:
ص:331
فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (1).و لأنّ الحكمة الباعثة على التقصير موجودة فيه،كما وجدت في غيره فيثبت الحكم فيه،و إلاّ لم يثبت فيما زاد،لزوال المشقّة براحة الليل.
و لما رواه ابن بابويه عن الفضل بن شاذان،عن الرّضا عليه السلام قال:«و إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ،لا أقلّ من ذلك و لا أكثر» (2).
لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامّة و القوافل (3)و الأثقال (4)فوجب التقصير في مسيرة يوم،و لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة.و ذلك لأنّ كلّ يوم يكون بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم،فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره،و إذا كان نظيره مثله لا فرق بينهما.
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن يحيى الكاهليّ قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في التقصير في الصلاة قال:«بريد في بريد،أربعة و عشرون ميلا» (5).
و ما رواه في الصحيح عن أبي أيّوب قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التقصير، قال:«في بريدين أو بياض يوم» (6).
و ما رواه في الصحيح عن عليّ بن يقطين قال:سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الرجل يخرج في سفره و هو مسيرة يوم،قال:«يجب عليه التقصير إذا كان مسيرة يوم، و إن كان يدور في عمله» (7).
ص:332
و ما رواه في الموثّق عن عيص بن القاسم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في التقصير:«حدّه أربعة و عشرون ميلا» (1).
و ما رواه عن عبد الرحمن بن الحجّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قلت له:في كم أدنى ما تقصّر فيه الصلاة؟قال:«جرت السنّة ببياض يوم»فقلت له:إنّ بياض يوم يختلف،يسير الرجل خمسة عشر فرسخا في يوم،و يسير الآخر أربعة فراسخ و خمسة فراسخ في يوم،فقال له:«إنّه ليس إلى ذلك ينظر،أما رأيت سير هذه الأميال بين مكّة و المدينة؟»ثمَّ أومأ بيده أربعة و عشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ (2).
و عن أبي بصير قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:في كم يقصّر الرجل؟قال:«في بياض يوم أو بريدين»قال:«خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى ذي خشب فقصّر» (3)فقلت:و كم ذي خشب؟قال:«بريدان» (4).
احتجّ الشافعيّ (5)و أحمد على ثمانية و أربعين ميلا (6)بما روي عن ابن عبّاس و ابن عمر أنّهما قالا:يا أهل مكّة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من عسفان إلى مكّة (7).و لأنّها مسافة تجمع مشقّة السفر من الحلّ و الشدّ فجاز القصر فيها.
ص:333
احتجّ أبو حنيفة (1)بقوله عليه السلام:«يمسح المسافر ثلاثة أيّام و لياليهنّ» (2).
و هذا يقتضي أن يكون كلّ مسافر له هذه الرخصة،و إنّما يمكن استيفاؤها (3)لكلّ مسافر إذا تقدّر السفر بما قلناه،إذ لو صدق على الأقلّ لما كان الحكم عامّا.و لأنّ الرخصة بناء على المشقّة الزائدة،و ذلك يحصل بأن يسير من غير أهله و يبيت في غير أهله،و ذلك إنّما يحصل غالبا بمسيرة ثلاثة أيّام.و لأنّ الثلاثة متّفق عليها،و ليس في أقلّ من ذلك توقيف و لا اتّفاق.
احتجّ داود (4)بظاهر قوله تعالى وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (5).من غير تفصيل.
و احتجّ الزهريّ (6)بما روي عن ابن عمر و ابن عبّاس أنّهما كانا يقصّران في ثلاثين ميلا،عشرة فراسخ (7).
و الجواب عن الأوّل:أنّه لا تعويل على عمل اثنين من الصحابة مع سلامته عن المعارض،فكيف مع وجوده،و المعارض موجود بما نقل عنهما أنّهما قصّرا في أقلّ من ذلك.
و عن الثاني:أنّ المشقّة غير منضبطة فلا يجوز التعليل بها،و أيضا:فهي حاصلة في مسيرة يوم فيثبت (8)الحكم فيه.
و عن الثالث:مع تسليم الحديث أنّه بيان لمدّة المسح،لا أنّه حدّ للسفر،على أنّا نمنع
ص:334
العموم و الحديث أيضا.
و عن الرابع:أنّ المشقّة موجودة بمسيرة اليوم فيثبت الحكم فيه،على أنّه تعليل بوصف مضطرب فلا يصحّ.
و عن الخامس:بالمنع من عدم التوقيف فيما دون الثلاث.
و عن السادس:أنّه مناف للإجماع،إذ قد ثبت عن الصحابة و التابعين التحديد.
و عن السابع:أنّه غير مناف لما ذهبنا إليه،إذ قصرهما لاشتمال المسافة على الحدّ الذي ذكرناه (1)،لا لأنّه الحدّ.
الأوّل:لا خلاف في أنّ الفرسخ ثلاثة أميال.أمّا الميل فالمشهور أنّه أربعة آلاف ذراع،و الذراع أربعة و عشرون إصبعا.
و روي أنّه ثلاثة آلاف و خمس مائة ذراع (2).و قال بعض الشافعيّة:اثنا عشر ألف قدم (3).قال صاحب الصحاح:الميل من الأرض منتهى مدّ البصر،عن ابن السكّيت (4). (5)
و شهادة العرف تقضي بما قلناه أوّلا،إذ مسير اليوم للإبل ينتهي إلى ما قلناه،و اللغة تقاربه.
ص:335
الثاني:لو شكّ في المسافة أتمّ،لأنّ المقتضي لشغل الذمّة موجود،و المعارض-و هو تيقّن السفر-غير حاصل.
و لو صلّى مع الشكّ قصرا فبان الخلاف أعاد قطعا (1).و لو ظهر (2)أنّه مسافة أعاد أيضا،لأنّه دخل في صلاة يشكّ في صحّتها.و لأنّ فرضه الإتمام و لم يأت به.
و لو اختلف المخيّرون و لم يحصل الترجيح أتمّ لما قلناه.
و لو تعارضت البيّنتان قصّر،عملا ببيّنة الإثبات.
الثالث:لو كانت المسافة أربعة فراسخ و عزم على الرجوع ليومه قصّر واجبا في الصلاة و الصوم.ذهب إليه أكثر علمائنا (3)،و للشيخ قولان:
أحدهما:ذلك.و الثاني:التخيير (4).
لنا:أنّه شغل يومه بالسفر فكان كالمسافر ثماني.
و لما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:في كم يقصّر الرجل؟قال:«في بياض يوم أو بريدين» (5).
و ما رواه في الصحيح عن معاوية بن وهب قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:
أدنى ما يقصّر فيه الصلاة؟قال:«بريد ذاهبا و بريد جائيا» (6).
ص:336
و ما رواه في الموثّق عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام قال:سألته عن التقصير،قال:«في بريد»قلت:بريد؟قال:«إنّه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا فقد شغل يومه» (1).
أمّا لو لم يرد الرجوع من (2)يومه،قال ابن بابويه:يتخيّر في التقصير و الإتمام (3).و به قال الشيخ في التهذيب (4).و قال في النهاية:يتخيّر في الصلاة دون الصوم (5).
و قال السيّد المرتضى:يتمّ فيهما واجبا (6).و هو الأقرب.
لنا:أنّ الشرط-و هو المسافة-لم يحصل،فلا تثبت الرخصة.
احتجّوا بما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام قال:
«التقصير في بريد،و البريد أربعة فراسخ» (7).
و مثله رواه في الحسن عن أبي أيّوب،عن أبي عبد اللّه عليه السلام (8).
و ما رواه في الصحيح عن أبي أسامة زيد الشحّام قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«يقصّر الرجل في مسيرة اثني عشر ميلا» (9).
و الجواب:أنّها محمولة على ما إذا أراد الرجوع،لأنّه محتمل،فيجب المصير إليه،
ص:337
جمعا بين الأدلّة.
الرابع:لو كانت المسافة ثلاثة فراسخ و تردّد فيها ثلاث مرّات لم يقصّر،لأنّه بالعود انقطع سفره.و لعدم الدليل على القصر مع وجود المقتضي لشغل الذمّة.
و لو كانت المسافة أكثر من أربع و لم يبلغ الحدّ كان حكمها حكم الأربع.
فالهائم (1)لا يترخّص.و كذا لو قصد ما دون المسافة ثمَّ قصد ما دونها دائما لم يقصّر ذاهبا،و لو قطع أضعاف المسافة.و لو عاد طالبا منزله قصّر إن بلغ الحدّ،و إلاّ فلا.و هو قول عامّة أهل العلم.
و روى الشيخ عن صفوان،عن الرضا عليه السلام في الرجل يخرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتّى بلغ النهروان،و هي أربعة فراسخ من بغداد،أ يفطر إذا أراد الرجوع و يقصّر؟قال:«لا يقصّر و لا يفطر،لأنّه خرج من منزله و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ،و إنّما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق، فتمادى به المسير إلى الموضع الذي بلغه.و لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا و جائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا و الإفطار،فإن هو أصبح و لم ينو السفر و بدا له من بعد أن أصبح في السفر قصّر و لم يفطر يومه ذلك» (2).
الأوّل:الاعتبار بالقصد و الشروع في السفر لا الفعل،فلو خرج إلى السفر بحيث يخفى عليه الأذان و الجدران ناويا للمسافة ترخّص وجوبا،و لا نعرف في جواز القصر (3)
ص:338
خلافا بين أهل العلم.
روى الشيخ عن أبي سعيد الخدريّ قال:كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا سافر فرسخا قصّر الصلاة (1).
و في الصحيح عن عمرو بن سعيد قال:كتب إليه جعفر بن محمّد يسأله عن السفر،في كم التقصير؟فكتب بخطّه و أنا أعرفه:«قد (2)كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا سافر و خرج في سفره قصّر في فرسخ» (3).و ليس التقدير بالفرسخ لازما،بل الضابط غيبوبة الجدران و (4)خفاء الأذان.
الثاني:لو كان مسافرا في البحر كان حكمه حكم المسافر في البرّ من اعتبار المسافة، سواء قطعها في زمان طويل أو قصير،لا نعرف فيه خلافا.
الثالث:لو قصد بلدا بعيدا و في عزمه أنّه متى وجد مطلوبه دونه رجع،لم يقصّر، لأنّه غير جازم بالسفر.
الرابع:لو كان لمطلوبه طريقان أحدهما مسافة فسلكه،قصّر،لأنّ الشرط موجود و لو كان ميلا إلى الرخصة.و به قال أبو حنيفة (5)،و الشافعيّ في الإملاء (6)،و المزنيّ (7).
و قال الشافعيّ في الأمّ:لا يقصّر إلاّ أن يعدل لغرض صحيح كالخوف في الأقرب،
ص:339
أو الحزونة،أو وجود حاجة في الأبعد (1)،لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إنّ اللّه يبغض المشّائين في غير إرب» (2).
و الجواب:أنّه ليس سفر معصية إجماعا.
الخامس:لو أخرج مكرها إلى المسافة كالأسير قصّر،لأنّه مسافر سفرا بعيدا غير محرّم فأبيح له التقصير-كالمختار،و المرأة مع الزوج،و العبد مع السيّد إذا عزما على الرجوع مع زوال اليد عنهما-خلافا للشافعيّ،قال:لأنّه غير ناو للسفر و لا جازم به،فإنّ نيّته أنّه متى خلّي رجع (3).
و الجواب:النقض بالعبد و المرأة.
إذا وصل هذا إلى المقصد بقي على التقصير،لأنّ في عزمه أنّه متى خلّي رجع فكان كالمحبوس ظلما ما لم يتجاوز شهرا،خلافا لبعض الجمهور (4).
السادس:لو خرج من بلده قاصدا للمسافة فتوقّع رفقة،فإن كان قد غاب عنه الأذان و الجدران قصّر إلى شهر،ما لم يرجع عن نيّة السفر بنيّة الإقامة أو العود.و لو لم يغب الأذان أو الجدران أتمّ،لأنّ الشرط غيبوبتهما على ما يأتي.
و لو عزم على العود إن لم تلحقه الرفقة أتمّ،لأنّه غير جازم على السفر.و لو عزم على السفر و إن لم يلحقه أحد قصّر،لبقاء العزم.و لو خرج من بلده إن وجد رفقة سافر و إلاّ رجع أتمّ ما لم يسر ثمانية فراسخ.
و قال الشيخ في النهاية:إذا خرج قوم إلى السفر و ساروا أربعة فراسخ و قصّروا
ص:340
من الصلاة ثمَّ أقاموا ينتظرون رفقة لهم في السفر،فعليهم التقصير إلى أن يتيسّر لهم العزم على المقام فيرجعون إلى التمام ما لم يتجاوز ثلاثين يوما،و إن كان مسيرهم أقلّ من أربعة فراسخ وجب عليهم التمام إلى أن يسيروا،فإذا ساروا رجعوا إلى التقصير (1).و التحقيق ما قلناه نحن أوّلا.
و قال عطاء و سليمان بن موسى (1):يجوز القصر في البلد لمن نوى السفر (2).
و قال قتادة:إذا جاوز الجسر أو الخندق قصّر (3).
و قال مجاهد:إن خرج نهارا فلا يقصّر إلى الليل،و إن خرج ليلا فلا يقصّر إلى النهار (4).
لنا:قوله تعالى وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (5)علّق على الضرب و لا يتحقّق مع الحضور (6)في البلد،فلا بدّ من التباعد الّذي يصدق معه اسم الضرب،و هو ما قلناه.
و ما رواه الجمهور:أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقصّر على فرسخ من المدينة (7).
و عن أنس قال:صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الظهر بالمدينة أربعا و العصر بذي الحليفة ركعتين (8).
ص:342
و عنه عليه السلام قال:«إذا خرجت من المدينة مصعدا من ذي الحليفة صلّيت ركعتين حتّى أرجع إليها» (1).فذكر ذي الحليفة يشعر بأنّه بيان لموضع الترخّص،و لو اكتفى بمفارقة البيوت لم يكن لذكره فائدة.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:رجل يريد السفر فيخرج،متى يقصّر؟قال:«إذا توارى من البيوت» (2).
و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن التقصير؟قال:«إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتمّ،و إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر،و إذا قدمت من سفرك (3)فمثل ذلك» (4).
و لأنّ الحكمة الباعثة على التقصير-و هي المشقّة-غير موجودة لمن هو في البلد أو مع حيطانه،فلا يثبت الحكم فيه.
احتجّ الجمهور بأنّه عليه السلام كان يبتدئ القصر إذا خرج من المدينة (5).
و احتجّ أصحاب الحديث منّا بما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه» (6).
و الجواب عن الأوّل:أنّه يحتمل أنّه مع خروجه يصلّي إلى الحدّ الذي ذكرناه،كذي
ص:343
الحليفة و غيره فيحمل عليه،جمعا بين الأدلّة،و حملا للمطلق على المقيّد.
و عن الثاني:باحتمال ما ذكرناه أيضا.
و قول مجاهد باطل بما رويناه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عن أهل بيته (1)،و بما رواه الجمهور عن[عليّ بن]ربيعة (2)قال:خرجت مع عليّ عليه السلام فقصّر و نحن نرى البيوت (3).
الأوّل:اختلف علماؤنا في العائد متى ينتهي ترخّصه؟فالّذي اختاره الشيخ (4)و أتباعه أنّه لا يزال مقصّرا إلى أن (5)يبلغ الموضع الذي ابتدأ فيه بالقصر (6).
و قال السيّد المرتضى:يقصّر إلى أن يدخل منزله (7).و الحقّ عندي الأوّل.
لنا:رواية عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا قدمت من سفرك فمثل
ص:344
ذلك» (1).و لأنّ الحدّ الذي ذكرناه حدّ السفر،فما نقص عنه يدخل به الإنسان في الحضر.
احتجّ السيّد المرتضى بما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن عمّار،عن أبي إبراهيم عليه السلام قال:سألته عن الرجل يكون مسافرا،ثمَّ يقدم فيدخل بيوت الكوفة،أ يتمّ الصلاة أم يكون مقصّرا حتّى يدخل أهله؟قال:«بل يكون مقصّرا حتّى يدخل أهله» (2).
و بما رواه في الصحيح عن العيص بن القاسم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
«لا يزال المسافر مقصّرا حتّى يدخل بيته» (3).
و الجواب:ما ذكرناه أولى،لوجوه:
أحدها:الشهرة بين الأصحاب.
الثاني:الاحتياط.
الثالث:أنّ ما ذكرتموه يحتمل التأويل،و هو أنّه أراد حتّى يقارب دخول أهله بأن يشاهد البيوت أو يسمع الأذان،جمعا بين الأدلّة.
الثاني:لو كان في طريقه مساكن في البلد خربت و خلت من السكّان اعتبرت،لأنّها من جدران البلد.و لأنّها يمكن سكناها.أمّا لو تهدّمت و ذهبت قواعدها ففي اعتبارها نظر.
الثالث:لو كان في طريقه بساتين ذات حيطان لم يعتدّ بها،لأنّها غير بيوت، و الشرط مفارقة البيوت و غيبوبتها.و لأنّها غير متّخذة للسكنى.
و لو كان في وسط البلد نهر كبغداد فاجتازه،لم يقصّر حتّى يخرج من الجانب الآخر،
ص:345
و يغيب عنه جدرانه،لأنّه ليس بحائل و لا موجب لتعدّد البلد،فأشبه الرحاب و المواضع المتّسعة في البلد.
الرابع:القرايا المتّصلة بالبنيان في حكم القرية الواحدة،فلو أراد أحد السفر لم يقصّر حتّى يجاوز بناء الأخرى.أمّا المنفصلة بما يقضى معه (1)بالتعدّد فإنّها متعدّدة.
و الاعتبار بقرية الشخص نفسه لا بالمجاور و إن قرب.و المحالّ المتعدّدة كالقرايا المتعدّدة إن اتّصلت فكالواحدة،و إلاّ فكالمتعدّدة كبغداد.
الخامس:البدويّ المستوطن في حلّة اتّخذها مسكنا دائما يقصّر إذا خفي عنه الأذان.
و لو تعدّدت الحلل كان حكمها حكم القرايا و قد مضى.
أمّا البدوي الذي لا استيطان له،فلا قصر عليه،و سيأتي بيانه.
السادس:لو سافر في سفينة لم يترخّص حتّى ينتهي إلى الحدّ المذكور.فلو ردّته الريح بعد بلوغ الحدّ بقي على التقصير،إلاّ أن يسمع الأذان أو يشاهد الجدران.و كذا لو خرج من البنيان ثمَّ نسي حاجة فرجع إلى البلد لأجلها عاد إلى التمام.
لنا على إبطال قول ابن مسعود:قوله تعالى وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (1).و قوله تعالى وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (2).
و ما رواه الجمهور قال:أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رجل،فقال:يا رسول اللّه،إنّي أريد البحرين في تجارة،فكيف تأمرني في الصلاة؟فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«صلّ ركعتين» (3).
و عن ابن عبّاس:فرض اللّه الصلاة على لسان نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله في الحضر أربعا و في السفر ركعتين (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء، إلاّ المغرب ثلاث» (5).
و ما رواه في الصحيح عن حذيفة بن منصور،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنّهما قالا:«الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء» (6).
و لأّنه سائغ و المشقّة موجودة فيثبت الحكم.و لأنّه قد ثبت أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يترخّص إذا عاد من سفره،و هو مباح.
ص:347
احتجّ ابن مسعود بأنّ الواجب لا يترك إلاّ لواجب (1).
و الجواب:المنع من كون الإتمام واجبا في السفر،فإنّه نفس المتنازع.
و لنا على إبطال قول أبي حنيفة:أنّه لا يجوز له أكل الميتة مع الضرورة فلا يباح له القصر،و الملازمة إجماعيّة.و بيان صدق المقدّم قوله تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ (2).حرّمه عليهما،لاشتمال سفرهما على المعصية،و لا علّة إلاّ المعصية،فيناط الحكم بها.و لأنّ الرخصة سوّغت إعانة على السفر و رفقا في تحصيل المقصد المباح، فالترخّص للعاصي إسعاد له على القبيح و معونة له على خلاف المطلوب،و ذلك يناقض الحكمة.و لأنّ الخطاب بالقصر مصروف إلى الصحابة و سفرهم كان مباحا،فيثبت فيمن شاركهم في الفرض (3).
و ما رواه الشيخ عن حمّاد بن عثمان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ قال:«الباغي باغي الصيد،و العادي السارق، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها،هي حرام عليهما،ليس هي عليهما كما هي على المسلمين،و ليس لهما أن يقصّرا في الصلاة» (4).
و ما رواه في الموثّق عن عبيد بن زرارة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخرج إلى الصيد،أ يقصّر أو يتمّ؟قال:«يتمّ،لأنّه ليس بمسير حقّ» (5).و التعليل يدلّ على التعميم.
ص:348
و ما رواه عن أبي سعيد الخراسانيّ (1)قال:دخل رجلان على أبي الحسن الرضا عليه السلام بخراسان،فسألاه عن التقصير،فقال لأحدهما:«وجب عليك التقصير،لأنّك قصدتني»و قال للآخر:«وجب عليك التمام،لأنّك قصدت السلطان» (2).
و ما رواه عن عمّار بن مروان (3)،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سمعته يقول:«من سافر قصّر و أفطر،إلاّ أن يكون رجلا سفره في الصيد،أو في معصية اللّه تعالى،أو رسولا لمن يعصي اللّه،أو في طلب (4)شحناء (5)،أو سعاية في ضرر على قوم من المسلمين» (6).
احتجّ أبو حنيفة بالقياس على المطيع،و الجامع المشقّة.و لأنّه يترخّص في أكل الميتة، و إلاّ لأمر بقتل نفسه،فيكون مترخّصا في القصر إجماعا (7).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من صحّة القياس،إذ الطاعة و المعصية متضادّتان، فكيف يصحّ قياس إحداهما على الأخرى!.
و عن الثاني:بالمنع في المقدّمة الأولى للنصّ،و الملازمة غير ثابتة،لأنّه يمكنه التوبة ثمَّ يأكل.
ص:349
الأوّل:لو سافر للّهو و التنزّه بالصيد بطرا لم يقصّر.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول أحمد في إحدى الروايتين (1).و قال الشافعيّ (2)و أبو حنيفة:يترخّص (3).
لنا:أنّ اللّهو حرام،فالتقصير إعانة له على القبيح.و لأنّ الرخصة و صلة إلى تحصيل المصلحة،و لا مصلحة في اللّهو.
و ما رواه الشيخ عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام قال:سألته عمّن يخرج من أهله بالصقورة و البزاة (4)و الكلاب،يتنزّه الليلة و الليلتين و الثلاث،هل يقصّر من صلاته أم لا؟فقال:«لا يقصّر،إنّما يخرج في لهو» (5).
و ما رواه عن ابن بكير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتصيّد اليوم و اليومين و الثلاثة (6)،أ يقصّر الصلاة؟قال:«لا،إلاّ أن يشيّع الرجل أخاه في الدين (7)فإنّ (8)التصيّد مسير باطل لا تقصّر الصلاة فيه»و قال:«يقصّر إذا شيّع أخاه» (9).
ص:350
الثاني:لو تصيّد للقوت له أو لعياله قصّر إجماعا منّا،لأنّه مشروع فوجب التقصير.
و لما رواه الشيخ عن عمران بن محمّد بن عمران القمّيّ،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قلت له:الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين،يقصّر أو يتمّ؟ فقال:«إن خرج لقوته و قوت عياله فليفطر أو يقصّر،و إن خرج لطلب الفضول فلا و لا كرامة» (1).
الثالث:لو كان الصيد للتجارة،قال الشيخ:يقصّر صلاته و يتمّ صومه (2).و الحقّ عندي خلافه،و أنّ الواجب عليه التقصير فيهما.
لنا:أنّه سفر سائغ إجماعا.و لأنّه أباح له قصر الصلاة فيجب عليه الإفطار.و لما رواه الشيخ في الموثّق عن سماعة قال:قال:«و من سافر قصّر الصلاة و أفطر» (3).
و ما رواه في الصحيح عن معاوية بن وهب،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«هما واحد،إذا قصّرت أفطرت و إذا أفطرت قصّرت» (4).
الرابع:لو عدل الطائع إلى نيّة المعصية انقطع ترخّصه،لزوال السبب،فإذا عاد قصّر.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمّد السيّاريّ،عن بعض أهل العسكر قال:
خرج عن أبي الحسن عليه السلام أنّ صاحب الصيد يقصّر ما دام على الجادّة،فإذا عدل
ص:351
عن الجادّة أتمّ،فإذا رجع إليها قصّر (1).
و ليس المراد بالجادّة هاهنا جادّة الأرض،لعدم الفائدة،لأنّ الصيد إن كان حلالا استمرّ على التقصير و إن خرج عن الجادّة،و إن كان حراما لم يقصّر و إن كان عليها.
و لو حمل على ذلك فيحمل على عزم المعصية مع الخروج عن الجادّة،للقطع بأنّ الطريق ليس له مدخل في التمام و القصر.
الخامس:لو عدل العاصي إلى الطاعة قصّر،إن كان قاصدا للمسافة من حين العدول.
السادس:لو كان السفر مباحا لكنّه يعصي فيه لم يمنع الترخّص،لوجود السبب و هو السفر المباح،و العصيان العارض لا يمنع من الترخّص،كما لا يمنع في الحضر عن الترخّص فيه في أشياء.
السابع:لو سافر لزيارة القبور قصّر إجماعا منّا،خلافا لبعض الجمهور (2).
لنا:أنّه مندوب إليه،لما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:
«زوروا القبور تذكّر كم الآخرة» (3).و كان عليه السلام يزورها.
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه في الحسن عن أحمد بن محمّد قال:كنت أنا و إبراهيم بن هاشم (4)في بعض المقابر،إذ جاء إلى قبر فجلس مستقبل القبلة ثمَّ وضع يده على القبر فقرأ سبع مرّات«إنّا أنزلناه»ثمَّ قال:حدّثني صاحب القبر-و هو محمّد بن
ص:352
إسماعيل بن بزيع-أنّه قال (1):من زار قبر مؤمن فقرأ عنده سبع مرّات«إنّا أنزلناه»غفر اللّه له و لصاحب القبر (2).
احتجّ المخالف (3)بقوله عليه السلام:«لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد» (4).
و الجواب:ليس المراد نفي الإباحة إجماعا،بل نفي الفضيلة الكاملة،و ليست شرطا في إباحة القصر،فلا يضرّ انتفاؤها.
و هم سبعة نفر،لما رواه الشيخ في الموثّق عن السكونيّ،عن جعفر،عن أبيه عليهما السلام قال:«سبعة لا يقصّرون الصلاة:الجابي الذي يدور في جبايته،و الأمير الذي يدور في إمارته،و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق،و الراعي،و البدويّ الذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر،و الرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا،و المحارب الذي يقطع السبيل» (5).
و روى في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام قال:«ليس على الملاّحين في سفينتهم تقصير،و لا على المكاري،و لا على الجمّالين» (6).
و روى في الصحيح عن زرارة قال:قال أبو جعفر عليه السلام:«أربعة قد يجب عليهم التمام،في سفر كانوا أو حضر:المكاري،و الكريّ،و الراعي،و الأشتقان،لأنّه
ص:353
عملهم» (1).
و الأشتقان:هو أمين البيدر (2).ذكره أهل اللغة (3)،و قيل:البريد (4).
و في الصحيح عن إسحاق بن عمّار قال:سألته عن الملاّحين و الأعراب،عليهم تقصير؟قال:«لا،بيوتهم معهم» (5).و لأنّ الفعل المعتاد يصير كالطبيعيّ،و السفر لهؤلاء معتاد فلا مشقّة فيه عليهم فلا تقصير (6).
الصلاة» (1)،و هذا عامّ.
و الجواب:المراد به النازح عن أهله.
الثاني:قال الشيخ:هؤلاء إنّما يتمّون إذا لم يكن لهم في بلدهم مقام عشرة أيّام (2)،لما رواه عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«المكاري إن لم يستقرّ في منزله،إلاّ خمسة أيّام أو أقلّ (3)قصّر في سفره بالنهار و أتمّ بالليل (4)و عليه صوم شهر رمضان،و إن كان له مقام في البلد الّذي يذهب إليه عشرة أيّام و أكثر (5)،و ينصرف إلى منزله و يكون له مقام عشرة أيّام أو أكثر قصّر في سفره و أفطر» (6).و هذه الرواية مع سلامتها تدلّ على المكاري خاصّة.
الثالث:قال الشيخ:لو أقاموا خمسة أيّام في بلدهم،لزمهم التقصير في الصلاة و الإتمام في الصوم (7)،لهذه الرواية،و فيه إشكال.و ما روي من الروايات الدالّة على التقصير مطلقا للمكاري و شبهه (8)،فهي محمولة على رواية ابن سنان.
و القطع يحصل بأمرين:
ص:355
أحدهما:أن يعزم على الإقامة في أثناء المسافة عشرة أيّام،فيتمّ في ذلك الموضع و في الطرفين إن لم يبلغ مسافة،و لو بلغ أحدهما مسافة قصّر فيها،لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع،عن أبي الحسن عليه السلام قال:سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته؟فقال:«لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام،إلاّ أن يكون له فيها منزل يستوطنه» فقلت:ما الاستيطان؟فقال:«أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر،فإن كان كذلك يتمّ فيها متى يدخلها» (1).
الثاني:أن يكون له في الأثناء منزل قد استوطنه ستّة أشهر فصاعدا،فإنّه يتمّ فيه و في طريقه إليه و عنه إن كان كلّ (2)واحد منهما دون المسافة،و إن بلغ أحدهما مسافة قصّر فيه خاصّة،و لو بلغا معا قصّر فيهما دون المنزل.و إن كان مقامه أقلّ من ستّة أشهر لم يلحقه هذا الحكم و لو كان له فيه أهل.
و قال ابن عبّاس:إذا مرّ في طريقه ببلد له فيه مال أو أهل أتمّ،إلاّ أن يكون مارّا (3).
و قال الزهريّ:إذا مرّ بمزرعة له أتمّ (4).
و قال مالك:إذا مرّ بقرية فيها أهله أو ماله أتمّ،إذا أراد أن يقيم فيها يوما و ليلة (5).
و قال الشافعيّ:يقصّر ما لم يجمع على إقامة أربع (6).
لنا:ما رواه الجمهور عن عثمان أنّه صلّى بمنى أربع ركعات فأنكر النّاس عليه،فقال:
يا أيّها الناس إنّي تأهّلت بمكّة منذ قدمت،و إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:
ص:356
«من تأهّل في بلد فليصلّ صلاة المقيم» (1).
و من طريق الخاصّة:رواية محمّد بن إسماعيل،و قد تقدّمت.و لأنّه لا بدّ من الاستيطان ليشبه البلد الذي خرج منه،و مع إقامة (2)ستّة أشهر يمرّ عليه فصلان مختلفان فيقضي العرف عليه بالاستيطان.
و لما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن يقطين قال:قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام:الرجل يتّخذ المنزل فيمرّ به،أ يتمّ أم يقصّر؟قال:«كلّ منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل و ليس لك أن تتمّ فيه» (3).
و في الصحيح عن حمّاد بن عثمان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل له في الطريق،يتمّ الصلاة أم يقصّر؟قال:«يقصّر،إنّما هو المنزل الذي يستوطنه» (4).
و في الصحيح عن سعد بن أبي خلف قال:سأل عليّ بن يقطين أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمرّ بها،قال:«إن كان ممّا قد سكنه أتمّ فيه الصلاة،و إن كان ممّن لم يسكنه فليقصّر» (5).
الأوّل:لا يشترط في المدّة التوالي،لأنّه لم يتناوله الحديث بالنصّ و لا بالمفهوم، فلا يجوز اشتراطه إلاّ بدليل غيره و لم يوجد.و لأنّ الأصل العدم و الحكم معلّق على مطلق
ص:357
الاستيطان (1)المدّة المذكورة،و هو أعمّ من أن يكون مع قيد التوالي و قيد (2)التفريق،و لا دلالة للعامّ (3)على الخاصّ.
الثاني:لو لم يكن له دار و كان له ضيعة لحقه هذا الحكم،لما رواه الشيخ عن إسماعيل بن الفضل قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل سافر من أرض إلى أرض، و إنّما ينزل قراه و ضيعته،قال:«إذا نزلت قراك و ضيعتك فأتمّ الصلاة،و إذا كنت في غير أرضك فقصّر» (4).
و روى في الموثّق عن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يخرج في سفر (5)فيمرّ بقرية له أو دار فينزل فيها،قال:«يتمّ الصلاة و لو لم يكن له إلاّ نخلة واحدة،و لا يقصّر،و ليصم إذا حضر الصوم و هو فيها» (6).لكن بعد اعتبار ما ذكرناه من الاستيطان ستّة أشهر (7).
ذهب إليه علماء أهل البيت عليهم السلام.
ص:358
أمّا الصوم،فسيأتي البحث فيه إن شاء اللّه.
و أمّا الصلاة،فقال ابن عبّاس بقولنا،و هو قول عمر بن عبد العزيز،و حمّاد بن أبي سليمان (1)،و الثوريّ (2)،و أبي حنيفة (3).
و قال الشافعيّ:له الإتمام في السفر (4).و هو قول عثمان،و سعد بن أبي وقّاص (5)، و ابن مسعود (6)،و ابن عمر،و عائشة (7)،و المشهور عن مالك (8).
و اختلفوا في الأفضليّة،فقال الشافعيّ:الإتمام أفضل (9).و اختاره المزنيّ (10).
و قال أيضا الشافعيّ:القصر أفضل.و هو قول مالك (11)،و أحمد (12).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عمر قال:صحبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في السفر فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه اللّه عزّ و جلّ،و صحبت أبا بكر لم يزد على ركعتين
ص:359
حتّى قبضه اللّه،و صحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه اللّه (1).
و مثله رواه ابن مسعود (2)،و عمران بن حصين (3).
و ما رووه عن سعيد بن المسيّب،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«خياركم من قصّر في السفر و أفطر» (4).
و ما رووه عن ابن حرب (5)قال:سألت ابن عمر،كيف صلاة السفر يا أبا عبد الرحمن؟قال:إمّا أنتم تتّبعون سنّة نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله أخبرتكم،و إمّا لا تتّبعون سنّة نبيّكم فلا أخبركم؟قلنا:فخير ما اتّبع،سنّة نبيّنا عليه السلام،قال:
كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا خرج من المدينة لم يزد على ركعتين حتّى يرجع إليها (6).
و ما رووه عن ابن عبّاس أنّه قال-للّذي قال له:كنت أتمّ الصلاة و صاحبي يقصّر-:أنت الّذي كنت تقصّر،و صاحبك يتمّ (7).
و عن ابن عمر أنّه قال لرجل سأله عن صلاة السفر:ركعتان،فمن خالف السنّة
ص:360
كفر (1).
و عن ابن مسعود أنّه لمّا بلغه أنّ عثمان صلّى أربعا استرجع و قال:صلّيت مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ركعتين،و مع أبي بكر ركعتين،و مع عمر ركعتين،ثمَّ تفرّقت بكم الطرق،و لوددت أنّ حظّي من أربع،ركعتان متقبّلتان (2).
و عن عائشة قالت:افترض اللّه الصلاة على نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله بمكّة ركعتين ركعتين إلاّ صلاة المغرب،فلمّا هاجر إلى المدينة فأقام بها و اتّخذها دار هجرة زاد إلى كلّ ركعتين ركعتين إلاّ صلاة الغداة،لطول القراءة،و إلاّ صلاة الجمعة،للخطبة،و إلاّ صلاة المغرب فإنّها وتر النهار،فاقتصرها اللّه على عباده إلاّ هذه الصلاة،فإذا سافر صلّى الصلاة الّتي كان افترضها اللّه (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن يقطين قال:سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الرجل يخرج في سفره و هو مسيرة يوم،قال:«يجب عليه التقصير» (4).
و ما رواه في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
«الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء،إلاّ المغرب ثلاث ركعات» (5).
ص:361
و ما رواه في الصحيح عن عبيد اللّه الحلبيّ قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:
صلّيت الظهر أربع ركعات و أنا في السفر،قال:«أعد» (1).
و في الصحيح عن حذيفة بن منصور،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنّهما قالا:«الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء» (2).
و ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم قالا:قلنا لأبي جعفر عليه السلام:ما تقول في الصلاة في السفر،كيف هي و كم هي؟فقال:«إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (3)فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر»قالا:قلنا:إنّما قال عزّ و جلّ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ و لم يقل:افعلوا،فكيف أوجب ذلك[كما أوجب التمام في الحضر] (4)؟فقال عليه السلام:
«أو ليس قد قال عزّ و جلّ في الصفا و المروة فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما (5)ألا ترون أنّ الطواف بهما واجب مفروض،لأنّ اللّه عزّ و جلّ ذكره في كتابه،و صنعه نبيّه عليه السلام،و كذلك التقصير في السفر شيء صنعه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ذكره اللّه تعالى ذكره في الكتاب».قالا:قلنا:فمن صلّى في السفر أربعا أ يعيد أم لا؟قال:«إن كان قرئت عليه آية التقصير و فسّرت له فصلّى أربعا أعاد،و إن لم يكن قرئت عليه و لم (6)يعلمها فلا إعادة عليه» (7).
ص:362
و لأنّ الإجماع واقع على أنّ فرض السفر ركعتان فالزيادة عليهما محرّمة (1)كالفجر.
احتجّ المخالف (2)بقوله تعالى فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ المفهوم منه الرخصة.و لما روته عائشة قالت:سافرت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأفطر و صمت و أخبرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:«أحسنت» (3).
و بما رواه عطاء عن عائشة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يتمّ في السفر و يقصّر (4).
و عن أنس:كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يسافرون فيتمّ بعضنا و يقصّر بعضنا،و يصوم بعضنا و يفطر بعضنا فلا يعيب أحد على أحد (5).
و الجواب عن الأوّل:أنّ رفع الجناح عن القصر لا يدلّ على جواز الإتمام،فإن ادّعوا منه المفهوم،منعناه،ثمَّ منعنا دلالته و عارضناه بالنصوص.
و عن الثاني:أنّه إنّما قال لها ذلك،لأنّها لم تعلم أنّ المقصد مسافة يجب فيها التقصير، فكان الواجب عليها الإتمام،لأنّه لو لا ذلك لكان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد عدل عن الأفضل،إذ قوله:«أحسنت»يدلّ على أولويّة التمام.
و عن الثالث:أنّه ليس إشارة إلى حالة واحدة،لتضادّهما،فلا بدّ من صرفه إلى حالتين،فالتمام إلى حالة قصر السفر عن المسافة،و التقصير إلى حالة البلوغ.
ص:363
و عن الرابع:أنّ عمل بعض الصحابة ليس حجّة،و قوله:فلا يعيب أحد على أحد، معارض بما رويناه من الأحاديث الدالّة على الإنكار،كحديث ابن مسعود،و ابن عمر، و ابن عبّاس (1).
مكّة،و المدينة،و جامع الكوفة، و الحائر على ساكنه السلام.ذهب إليه الشيخان (2)،و السيّد المرتضى (3)،و أتباعهم (4).
و قال ابن بابويه:يقصّر ما لم ينو المقام عشرة أيّام،و الأفضل أن ينوي ذلك ليتمّ (5).
و لم يخصّ أحد من الجمهور موضعا باستحباب الإتمام دون موضع.
و احتجّ الأوّلون بما رواه عبد الحميد (6)خادم إسماعيل بن جعفر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«تتمّ الصلاة في أربعة مواطن:في المسجد الحرام،و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله،و مسجد الكوفة،و حرم الحسين عليه السلام» (7).
و روى حمّاد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«من مخزون علم اللّه الإتمام في أربعة مواطن:حرم اللّه،و حرم رسوله صلّى اللّه عليه و آله،و حرم أمير المؤمنين
ص:364
عليه السلام،و حرم الحسين عليه السلام» (1).
و ينبغي أن يحمل حرم أمير المؤمنين عليه السلام على مسجد الكوفة جمعا بين الحديثين،فإنّ المسجد يسمّى حرم أمير المؤمنين عليه السلام على ما تقدّم (2).
و روى ابن بابويه عن الصّادق عليه السلام قال:«من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن:بمكّة،و المدينة،و مسجد الكوفة،و الحائر» (3).
و روى زياد القنديّ (4)قال:قال أبو الحسن عليه السلام:«يا زياد،أحبّ لك ما أحبّه لنفسي،و أكره لك ما أكره لنفسي،أتمّ الصلاة في الحرمين،و بالكوفة،و عند قبر الحسين عليه السلام» (5).
و لأنّها مواضع اختصّت بزيادة شرف،فكان إتمام العبادة فيها مناسبا لتحصيل فضيلة العبادة فيها،فكان مشروعا.
احتجّ ابن بابويه بما رواه عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع،عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال:سألته عن الصلاة بمكّة و المدينة،يقصّر أو يتمّ؟فقال:«قصّر ما لم يعزم على مقام عشرة أيّام» (6).و ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
ص:365
سألته عن التقصير في الحرمين و التمام،فقال:«لا تتمّ حتّى تجمع على مقام عشرة أيّام» (1).
و الأقرب الأوّل،لكثرة الروايات.و نحمل ما رواه ابن بابويه على أنّه لا يتمّ وجوبا،جمعا بين الأدلّة.
الأوّل:الإتمام بمكّة و المدينة لا يختصّ بالمسجدين،لأنّ أكثر الروايات تدلّ على إطلاق الإتمام فيهما.و اختاره الشيخ في النهاية (2).و قال ابن إدريس:يختصّ الحكم بالمسجدين (3).
الثاني:المراد بالحائر:ما دار عليه حائط المشهد الشريف،لا ما دار عليه سور البلد، لأنّ الحائر هو الموضع المطمئنّ (4)الذي يحار الماء فيه.
و ذكره المفيد في كتاب الإرشاد لمّا ذكر من قتل مع الحسين عليه السلام (5):و الحائر محيط بهم إلاّ العبّاس رحمه اللّه (6)،فإنّه قتل على المسنّات (7).
ص:366
الثالث:قال السيّد المرتضى:يستحبّ الإتمام في السفر عند قبر كلّ إمام من أئمّة الهدى عليهم السلام (1).و عندي فيه إشكال.
الرابع:من عليه صلاة فائتة،هل يستحبّ له الإتمام في هذه المواطن؟الأقرب نعم، عملا بالعموم،و كان والدي رحمه اللّه يمنع ذلك،لقوله عليه السلام:«لا صلاة لمن عليه صلاة» (2).و لأنّ من عليه فريضة لا يجوز له فعل النافلة.
و به قال حمّاد بن أبي سليمان (3).
و قال أبو حنيفة:إن كان جلس بعد الركعتين قدر التشهّد صحّت صلاته و إلاّ لم تصحّ (4).
و قال مالك:يعيد في الوقت لا خارجه،قال:و لو افتتح المكتوبة على التمام فصلّى ركعتين ثمَّ بدا له فسلّم لم يجزئه (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس قال:من صلّى في السفر أربعا فهو كمن صلّى في الحضر ركعتين (6).
ص:367
و عن ابن عمر أنّه قال:صلاة السفر ركعتان فمن خالف السنّة كفر (1).و الكفر لا يتقرّب به.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ قال:
قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:صلّيت الظهر أربع ركعات و أنا في سفر،قال:«أعد» (2).
و ما رواه في الصحيح عن زرارة و ابن مسلم قالا:قلنا لأبي جعفر عليه السلام:
رجل صلّى في السفر أربعا،أ يعيد أم لا؟قال:«إن كان قرئت عليه آية التقصير و فسّرت فصلّى أربعا أعاد،و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه» (3).
و لأنّه قد زاد على فرضه،فكان كما لو صلّى الصبح أربعا.و لأنّ الجلوس لم ينوبه الصلاة،فكانت الزيادة بعده كالزيادة قبله.و لأنّه فعل كثير ليس من أفعال الصلاة فيكون مبطلا.
أمّا لو أتمّ جاهلا بوجوب التقصير،لم يعد على قول أكثر علمائنا (4).و قال أبو الصلاح:
يعيد في الوقت (5).
لنا:أنّه جاهل فيكون معذورا،لقوله عليه السلام:«الناس في سعة ما لم يعلموا» (6).
خصوصا و قد اعتضد بالرجوع إلى الأصل الذي هو الإتمام.
و ما رواه زرارة و محمّد بن مسلم،و قد تقدّم.
و لو أتمّ ناسيا مع العلم بوجوب التقصير أعاد في الوقت و لا يعيد خارجه.ذهب إليه
ص:368
الشيخ في الخلاف (1).و قال في المبسوط:يعيد مطلقا (2)،لأنّ مع البقاء يمكن تحصيل المطلوب فيه،فيجب تحصيله،أمّا مع خروجه فلا.
و لما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
سألته عن رجل صلّى و هو مسافر فأتمّ الصلاة،قال:«إن كان في وقت فليعد،و إن كان الوقت قد مضى فلا» (3).
و قد روى الشيخ في الصحيح عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن الرجل ينسى فيصلّي في السفر أربع ركعات،قال:«إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، و إن لم يذكر حتّى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه» (4).قال الشيخ:و هذا محمول على الاستحباب (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«الصّلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء إلاّ المغرب ثلاث ركعات» (1).
في الرّباعيّات و انقضاء (2)ما يسع (3)للطهارة و الصلاة قبل أن يصلّي،اختلف قول أصحابنا فيه،فقال الشيخ في الاستبصار:يصلّي أربعا (4).
و به قال ابن أبي عقيل (5)،و به قال في المبسوط،و اعتبر فيه السعة،فإن تضيّق الوقت قصّر (6).و قال في النهاية بمثل قوله في المبسوط (7)،و به قال ابن البرّاج (8).
و قال في الخلاف:يجوز له التقصير و يستحبّ الإتمام (9).
و قال في التهذيب:يقصّر واجبا (10).و هو اختيار السيّد المرتضى في المصباح (11)، و المفيد (12)،و ابن إدريس (13).
ص:370
و الأقرب عندي الأوّل.و هو اختيار المزنيّ (1)خلافا للشافعيّ،فإنّه جوّز التقصير (2).
لنا:أنّها وجبت عليه تماما بدخول الوقت و استقرّت بمضيّ ما يسعها من الوقت، فلا يبرأ إلاّ بفعل التمام.و لأنّه لو لم يعتبر وقت الإمكان لما وجب على الحائض-إذا فرّطت في أوّل الوقت في الصلاة،ثمَّ حاضت-القضاء،و لا على المغمى عليه،و التالي باطل بالإجماع،فكذا المقدّم.
و لأنّه لو لم يصلّ في السفر حتّى فاتت،قضاها على التمام عند ابن إدريس (3)و القضاء يتبع وجوب الأداء،فقولاه متنافيان.
و لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام [عن رجل يدخل من سفره و قد دخل وقت الصلاة و هو في الطريق،فقال:«يصلّي ركعتين] (4)و إن خرج إلى سفره و قد دخل وقت الصلاة فليصلّ أربعا» (5).
و ما رواه عن الحسن بن عليّ الوشّاء قال:سمعت الرّضا عليه السلام يقول:«إذا زالت الشمس و أنت في المصر و أنت تريد السفر فأتمّ،فإذا (6)خرجت بعد الزوال قصّر العصر» (7).
ص:371
و ما رواه عن بشير النبّال (1)قال:خرجت مع أبي عبد اللّه عليه السلام حتّى أتينا الشجرة،فقال لي أبو عبد اللّه عليه السلام:«يا نبّال»فقلت:لبّيك،قال:«إنّه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعا غيري و غيرك،و ذلك أنّه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج» (2).
احتجّ الشيخ على قوله في النهاية و المبسوط بأنّه قد وردت الأخبار بالتقصير و الإتمام،فيحمل الأوّل على الضيق،و الثاني على السعة (3).
و احتجّ على قوله في الخلاف (4)بأنّه مسافر فيجوز له التقصير (5)بالآية (6).و بما رواه في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر،فلا أصلّي حتّى أدخل أهلي،فقال:«صلّ و أتمّ الصلاة»قلت:
فدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في أهلي أريد السفر،فلا أصلّي حتّى أخرج،فقال:«فصلّ و قصّر،فإن لم تفعل فقد خالفت و اللّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (7).
و استدلّ على الاستحباب برواية بشير،قال:فحملنا الأوّل على جواز التقصير،
ص:372
و الثاني على استحباب الإتمام (1).
و احتجّ على قوله في التهذيب برواية إسماعيل بن جابر (2).
و احتجّ ابن إدريس على هذا القول أيضا بالإجماع (3).
و الجواب عن الأوّل:بأنّ ما ذكره من التأويل لا بدّ له من دليل،و نحن لم نظفر به، فلا تعويل عليه،فإنّه يجوز أن يكون التأويل ما ذكر (4)في الخلاف.
و عن الثاني:بأنّ الآية لا تدلّ على التقصير فيما وجب فيه التمام.و رواية إسماعيل بن جابر تدلّ على الوجوب و هو خلاف مطلوبه،و رواية بشير تدلّ على وجوب الإتمام.
و الجواب عن الثالث:باحتمال أن يكون قد خرج إلى السفر في ابتداء دخول الوقت لا بعد مضيّ وقت الإمكان.
و عن الرابع:أنّ ادّعاء الإجماع في صورة الخلاف تهافت،و هو أعرف به.
الأوّل:لو سافر في أوّل الوقت و لم يمض منه مقدار الأداء قصّر،لأنّها لا تستقرّ في ذمّته إلاّ بمضيّ الوقت،و قبله و إن كان الفعل واجبا إلاّ أنّه غير مستقرّ،فكان كالحائض إذا جاءها الدم في أوّل الوقت.
الثاني:لو سافر و قد بقي من الوقت مقدار ما يصلّي فيه أربع ركعات وجب عليه التمام على ما قلناه (5).و هو قول بعض الجمهور،خلافا لبعضهم (6)،و الدلائل ما تقدّم (7).
ص:373
الثالث:لو سافر و قد بقي من الوقت مقدار ما يصلّي فيه ركعة أو ركعتان،قال الشيخ:فيه خلاف بين أصحابنا،منهم من قال:إنّ الصلاة تكون أداء.و هو اختيار ابن خيران من الشافعيّة.
و منهم من قال:إنّ بعضها أداء و بعضها قضاء.و هو اختيار أبي إسحاق من الشافعيّة.فعلى الأوّل:يجب عليه التقصير،لأنّه لحق الوقت و هو مسافر.و على الثاني:
يجب عليه التمام،لأنّه يغر مؤدّ لجميع الصلاة في الوقت (1).و هذا بناء منه على وجوب التقصير مع الخروج بعد دخول الوقت.أمّا على ما اخترناه فإنّ الإتمام واجب عليه في الحالين.
الرابع:لو سافر و قد بقي من الوقت ما لا يتّسع لركعة،أتمّ قضاء بلا خلاف عندنا، لأنّها صلاة فاتته (2)في الحضر،فيقضيها كما فاتته.
و الوقت باق،أتمّ.
و قال في النهاية:يتمّ مع السعة و يقصّر مع الضيق (3).
لنا:أنّه حاضر فلا يترخّص.
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
«لا يزال المسافر مقصّرا حتّى يدخل بيته» (4).
و مثله روى في الصحيح عن إسحاق بن عمّار،عن أبي إبراهيم عليه السلام (5).
ص:374
و ما رواه في الصحيح عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام، و قد تقدّمت (1).
و لأنّه إمّا مسافر أو حاضر،و على كلا التقديرين لا فرق بين السعة و عدمها.
احتجّ الشيخ بما رواه في الصحيح عن إسحاق بن عمّار قال:سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة،فقال:«إن كان لا يخاف خروج الوقت فليتمّ،و إن كان يخاف خروج الوقت فليقصّر» (2).
و ما رواه عن الحكم بن مسكين (3)،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يقدم من سفر في وقت الصلاة،فقال:«إن كان لا يخاف الفوت فليتمّ،و إن كان يخاف خروج الوقت فليقصّر» (4).
و الجواب:نحمل ما ذكرتم على أنّه إذا حضر أهله و قد بقي من الوقت أقلّ من مقدار ركعة،فإنّه يجب عليه حينئذ التقصير،لأنّها تكون صلاة فائتة في السفر،جمعا بين الأدلّة.
و روى منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله،فسار حتّى يدخل أهله،فإن شاء قصّر،و إن شاء أتمّ،و الإتمام أحبّ إليّ» (5).
ص:375
و بعض الأصحاب جعل له الخيرة بمقتضى هذه الرواية،و سمّى كلّ واحد من المخيّر (1)فيه واجبا كخصال الكفّارة (2).و الحقّ خلافه،و تحمل هذه الرواية على أنّه إن شاء صلّى في السفر قبل دخول أهله مقصّرا (3)،و إن شاء صبر حتّى يدخل أهله و يصلّي على التمام، و التمام أفضل.
مضيّ وقت الإمكان قضاها تماما،
لقوله عليه السلام:«من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته» (4).و قد وجب عليه التمام على ما بيّنّا،و القضاء تابع،خلافا لبعض أصحابنا،بناء على أنّ الواجب القصر،و قد مضى (5).
و إن كان السفر قبل مضيّ وقت الإمكان قضاها قصرا،لأنّها إنّما استقرّت في الذمّة كذلك،و القضاء تابع.
و لو دخل البلد بعد دخول الوقت و لم يصلّ حتّى خرج،قضاها تماما إن كان دخوله ممّا يجب فيه التمام،و إلاّ صلاّها قصرا،على ما مضى من التفصيل.
و قيل:يقصّر مطلقا (6).و هو بناء على أنّ الواجب على الإطلاق القصر،و قد بيّنا ضعفه (7).
و ما رواه الشيخ عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة و هو في السفر،فأخّر الصلاة حتّى قدم،فهو يريد يصلّيها إذا قدم إلى أهله،
ص:376
فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتّى ذهب وقتها؟قال:«يصلّيها ركعتين صلاة المسافر، لأنّ الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغي له أن يصلّي عند ذلك» (1)محمول على أنّه دخل و قد تضيّق الوقت جدّا حتّى لا يسع لركعة،ليجب عليه التقصير.
لا يقال:التعليل ينافي ما ذكرتم.
لأنّا نقول:لا نسلّم المنافاة،فإنّ القصر معلّل (2)بدخول الوقت في السفر في الصورة التي ذكرناها أيضا.
و لو سافر بعد الزوال و لم يصلّ النافلة مع الإمكان استحبّ قضاؤها سفرا و حضرا.
لو صلّى في السفينة في أوّل الوقت قبل أن يخرج من بلده صلاّها على التمام.
و لو (3)سارت به السفينة حتّى غاب الجدران قبل أن يتمّ الصلاة أتمّها على التمام.
و لو نوى دون ذلك قصّر.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و نقله الجمهور عن الباقر و الصادق عليهما السلام (4).و هو قول الحسن بن صالح بن حيّ (5)،غير أنّ السيّد المرتضى رحمه اللّه روى عنه أيضا أنّه لو جاء المسافر إلى بلده مجتازا منطلقا في سفره قصّر،إلاّ أن ينوي المقام عشرا (6).فاعتبر العشرة في بلده و غير بلده،و نحن لا نعتبر ذلك،فإنّه (7)متى جاء إلى بلده أتمّ،لانقطاع سفره،سواء
ص:377
نوى المقام عشرا أو لا.
و قال الشافعيّ (1)،و مالك (2)،و أبو ثور:إن نوى مقام أربعة أيّام غير يوم دخوله و يوم خروجه وجب عليه التمام (3).و هو قول عثمان بن عفّان (4)،و سعيد بن المسيّب (5).
و قال أبو حنيفة:إن نوى مقام خمسة عشر يوما مع اليوم الذي يدخل و اليوم الذي يخرج فيه بطل حكم سفره (6).و به قال الثوريّ (7)،و المزنيّ (8)،و هو إحدى الرّوايات
ص:378
عن ابن عمر (1).
و روي عن ابن عبّاس أنّه إن نوى مقام تسعة عشر يوما أتمّ و إن كان أقلّ لم يجب (2).
و هو قول إسحاق بن راهويه (3).و قال الليث بن سعد:إن نوى مقام أكثر من خمسة عشر يوما أتمّ (4)و هو محكيّ عن سعيد بن جبير (5).
و قال الأوزاعيّ:إن نوى اثني عشر يوما أتمّ.و هو مرويّ عن ابن عمر (6).
و قال أحمد:المدّة التي يلزم المسافر الإتمام بنيّة الإقامة فيها هي ما كان أكثر من إحدى و عشرين صلاة (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن عليّ عليه السلام قال:«يتمّ الصلاة الذي يقيم عشرا، و يقصّر الصلاة الذي يقول:أخرج اليوم أخرج غدا،شهرا» (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام قال:قلت له:أرأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصّرا،و متى ينبغي له أن يتمّ؟فقال:«إذا دخلت أرضا فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة،
ص:379
و إن لم تدر ما مقامك بها،تقول:غدا أخرج أو بعد غد،فقصّر ما بينك و بين أن يمضي شهر، فإذا تمَّ لك شهر فأتمّ الصلاة و إن أردت أن تخرج من ساعتك» (1).
و ما رواه في الصحيح عن معاوية بن وهب،عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال:
«إذا دخلت بلدا و أنت تريد مقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة حين تقدم،و إن أردت (2)دون العشرة فقصّر ما بينك و بين شهر،فإذا تمَّ الشهر فأتمّ الصلاة»قال:قلت:دخلت بلدا أوّل يوم من شهر رمضان و لست أريد أن أقيم عشرا،قال:«قصّر و أفطر»قلت:فإنّي مكثت كذلك أقول:غدا أو بعد غد،فأفطر الشهر كلّه و أقصّر؟قال:«نعم،هما واحد إذا قصّرت أفطرت و إذا أفطرت قصّرت» (3).
و ما رواه في الحسن عن أبي أيّوب قال:سأل محمّد بن مسلم أبا جعفر عليه السلام، و أنا أسمع،عن المسافر إن (4)حدّث نفسه بإقامة عشرة أيّام،قال:«فليتمّ الصلاة،فإن لم يدر ما يقيم،يوما أو أكثر،فليعدّ ثلاثين يوما،ثمَّ ليتمّ و إن كان أقام يوما أو صلاة واحدة» (5).
و لأنّ السفر سقط و الإقامة منفيّة فأشبه الحيض و الطهر،و قد بيّنا أنّ أقلّ مدّة الطهر عشرة (6)،فكذا الإقامة.
احتجّ الشافعيّ (7)بقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه
ص:380
ثلاثا» (1).فدلّ ذلك على أنّ الثلاث آخر حدّ القلّة.
و احتجّ أبو حنيفة بما رواه مجاهد عن ابن عبّاس و ابن عمر أنّهما قالا:إذا قدمت بلدة و أنت مسافر،و في نفسك أن تقيم بها خمسة عشر ليلة فأكمل الصلاة،و لم يعرف لهما مخالف (2).
و احتجّ أحمد بما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه دخل مكّة صبيحة يوم الأحد الرابع من ذي الحجّة،و قد كان صلّى الصبح قبل دخوله،فأقام بها تمام الرابع و الخامس و السادس و السابع،و صلّى الصبح بها في اليوم الثامن،ثمَّ دخل إلى منى،و كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقصّر في هذه الأيّام،و كانت صلاته في هذه المدّة عشرين صلاة (3).
و الجواب عن الأوّل:أنّ إطلاق الإقامة على ما ذكر من العدّة باعتبار اللبث،لا أنّها إقامة تنافي السفر،فإنّه قد يطلق على اليوم اسم الإقامة،فيقال:أقام في بلد فلان يوما.
و عن الثاني:أنّ قول ابن عبّاس،و ابن عمر بانفرادهما ليس حجّة،و قوله:لا مخالف له،ليس بجيّد،لأنّا قد ذكرنا خلاف الصحابة في ذلك،و قد روى البخاريّ عن ابن عبّاس أنّه أقام بموضع تسع عشرة ليلة يقصّر الصلاة،و قال:إذا زدنا على ذلك أتممنا (4).و عن عائشة أنّها قالت:إذا وضعت الزاد و المزاد فأتمّ الصلاة (5).و مع هذا الاختلاف كيف يمكن ادّعاء الإجماع!.
و عن الثالث:أنّا نقول بموجبة،لأنّ المدّة الّتي أقامها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،لم يكن مع عزم (6)على المقام،و نحن نقول:إنّه يقصّر و إن أقام أكثر من تلك المدّة،إذا لم يعزم.
ص:381
لو قصد بلدا يجب له القصر و لم يعزم على إقامة المدّة الّتي ينقطع فيها حكم سفره، وجب عليه القصر.ذهب إليه علماؤنا أجمع.
و قال أكثر الجمهور:له القصر (1).
و قال الحسن البصريّ:إذا قدم مصرا أتمّ و صام و إن لم يعزم على إقامة (2)فيه.و هو قول عائشة (3).
لنا:ما ثبت عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يقصّر في أسفاره حتّى يرجع (4).
و روى أحمد قال:أقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بمكّة ثماني عشرة زمن الفتح مقصّرا، لأنّه أراد حنينا و لم يكن له إجماع على المقام (5).
و لا فرق بين أن يقصد الرجوع إلى بلده،كما فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حجّة الوداع،و بين أن يريد بلدا آخر،كما فعل عليه السلام في غزوة الفتح (6).
فإذا مضى شهر أتمّ بعد ذلك و لو صلاة واحدة ذهب إليه علماؤنا.
ص:382
و قال الشافعيّ:إذا جاوز أربعا أتمّ و إن قصّر أعاد (1).
و قال أبو حنيفة:لا يتمّ و إن أقام سنة (2)،و هو قول أحمد (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن عليّ عليه السلام أنّه قال:«و يقصّر الذي يقول:اليوم أخرج،غدا أخرج،شهرا» (4).جعل غاية التقصير مدّة شهر (5)،فما بعده يكون مخالفا في الحكم.
و من طريق الخاصّة:رواية زرارة و غيرها ممّا تقدّم (6).
احتجّ المخالف (7)بما رواه ابن عبّاس قال:أقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بعض أسفاره تسعة عشر يصلّي ركعتين (8).و قال جابر:أقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في غزوة تبوك عشرين يوما يقصّر الصلاة (9).
ص:383
و بما رواه سعيد عن المسور بن مخرمة (1)قال:أقمنا مع سعد ببعض قرى الشام أربعين ليلة يقصّرها سعد و نتمّها (2).
و عن ابن عمر أنّه أقام بآذربيجان ستّة أشهر يصلّي ركعتين (3).
و الجواب عن الأوّل:إنّا نقول بموجبة،إذ التقصير (4)عندنا مستمرّ إلى شهر.ثمَّ ما ذكروه باطل بقول (5)ابن عبّاس:و لو أقمنا أكثر من ذلك أتممنا.و هو الجواب عن حديث جابر.
و حديث سعيد لا حجّة فيه،إذ لا اعتبار بعمل (6)سعد خصوصا مع معارضة عمل (7)المسور.و كذا الجواب عن حديث ابن عمر.
واحدة،استمرّ على التمام،
و إن لم يكن قد صلّى شيئا على التمام رجع إلى حالة القصر (8)،لأنّ النيّة بمجرّدها لا تقتضي صيرورته مقيما،أمّا إذا صلّى على التمام فقد ظهر حكم الإقامة فعلا فيستمرّ،إذ السفر انقطع بالنيّة و الفعل،و لا يصير مسافرا بمجرّد النيّة.
و يؤيّده ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي ولاّد الحنّاط قال:قلت لأبي عبد اللّه
ص:384
عليه السلام:إنّي كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيّام و أتمّ الصلاة،ثمَّ بدا لي بعد أن[لا]أقيم (1)بها فما ترى لي،أتمّ أم أقصّر؟فقال:«إن كنت (2)دخلت المدينة صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتّى تخرج منها،و إن كنت حين دخلتها على نيّتك التمام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتّى بدا لك أن[لا] (3)تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار،إن شئت فانو المقام عشرا و أتمّ،و إن لم تنو المقام فقصّر ما بينك و بين شهر،فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة» (4).
و لا يعارض هذا ما رواه الشيخ عن حمزة بن عبد اللّه الجعفريّ (5)،قال:لمّا أن نفرت من منى نويت المقام بمكّة فأتممت الصلاة حتّى جاءني خبر من المنزل،فلم أجد بدّا من المصير إلى المنزل و لم أدر أتمّ أم أقصّر،و أبو الحسن عليه السلام يومئذ بمكّة فأتيته فقصصت عليه القصّة،فقال:«ارجع إلى التقصير» (6)،لأنّه عليه السلام إنّما أمره بذلك عند خروجه و هو حينئذ يكون مسافرا،أمّا أنّه أمره بالإتمام في البلد فلا.
الأوّل:لو عزم على إقامة طويلة في رستاق يتنقّل فيه من قرية إلى قرية و لم يعزم
ص:385
على الإقامة في واحدة منها المدّة التي يبطل حكم السفر فيها،لم يبطل حكم سفره،لأنّه لم ينو الإقامة في بلد بعينه،فكان كالمتنقّل في سفره من منزل إلى منزل.
الثاني:لو دخل بلدا فقال:إن لقيت فلانا أقمت و إلاّ لم أقم،فهو مسافر لم يبطل حكم سفره،لأنّه لم يجمع على الإقامة،و المبطل هو العزم الجزم،لا المعلّق على شرط،فلو لقيه قيل:حصلت له نيّة الإقامة و يتمّ.فلو بدا له بعد لقائه في المقام قصّر،إلاّ أن يكون قد صلّى على التمام (1).أمّا لو بدا له قبل لقائه فإنّه يقصّر،لأنّه لم يحصل له نيّة المقام.
الثالث:المحارب إذا نوى إقامة (2)عشرة أيّام أتمّ،لانقطاع سفره بذلك.و لتناول عموم الأخبار الدالّة على وجوب الإتمام في حقّ الناوي عشرة (3).
و قال أبو حنيفة:إذا نوى المحارب مدّة الإقامة لم يتمّ،لأنّه لا يصحّ منه النيّة،لأنّه مقيم على الحرب فربّما هزم و ربّما هزم،و لا اختيار له في ذلك (4).و هو أحد قولي الشافعيّ (5).
و الجواب:التقدير وجود النيّة،و التجويز لا يؤثّر في إبطال ما يثبت حكمه.أمّا لو لم ينو فإنّه يقصّر إلى شهر.
و قال الشافعيّ في أحد قوليه:إن أقام ثمانية عشر يوما أتمّ بعدها (6)،لما رواه ابن عبّاس أنّه قال:أقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لحرب هوازن ثمانية عشر يوما يقصّر
ص:386
الصلاة،فمن أقام أكثر من ذلك فليتمّ (1).
و قال أبو حنيفة (2)،و مالك (3)،و أحمد (4)،و الشافعيّ في القول الآخر:يقصّر بعد ثمانية عشر أيضا (5)،لما رواه جابر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أقام في غزوة تبوك عشرين يوما يقصّر الصلاة (6).
و الجواب:لا منافاة فيما ذكروه لمذهبنا،لأنّ التقصير يجب إلى شهر.
الرابع:لو أراد أن يسافر من بلد إلى آخر،ثمَّ منه إلى ثالث و هكذا و لم ينو في أحدها المقام الذي ينقطع معه حكم السفر،قصّر في الطريق و البلدان.أمّا إذا نوى المقام في كلّ واحد منها المدّة المبطلة،فإن كان بين كلّ واحد من البلدان مسافة،قصّر في الطريق خاصّة، و إن لم يبلغ ما بين كلّ بلدين المسافة و كان المجموع مسافة،لم يقصّر.و هو قول الشافعيّ (7)، لأنّه ينقطع سفره بالنيّة.
أمّا لو قصد بلدا،ثمَّ قصد أن يدخل بلدا في طريقه يقيم فيه أقلّ من المدّة،لم ينقطع (8)سفره،و اعتبرت المسافة من البلد الذي يبتدئ بالسفر منه إلى البلد الذي يقصده.
الخامس:لو قصد بلدا يقصّر فيه،فعرض له خوف في أثنائه،و أراد المقام في الأثناء
ص:387
دون المسافة،فقد قطع نيّة السفر بنيّة الإقامة،فإذا جدّد النيّة كان كمنشئ للسفر.
السادس:لو نوى الإقامة في مفازة أو في بحر أو في جزيرة من جزائر العرب المدّة المبطلة لحكم السفر،بطل حكم السفر،لأنّه مسافر نوى إقامة (1)مدّة يبطل معها السفر فيكون باطلا،كما لو نوى المقام في بلد،خلافا للحنفيّة (2).
السابع:العبد إذا كان مع مولاه و المرأة مع زوجها،كانا مقيمين بإقامة المولى و[الزوج] (3).أمّا الزوج مع المرأة و التلميذ مع الأستاذ فإنّهما يتّبعان (4)حكم نفسيهما (5)لا المرأة و الأستاذ.
و لو نوى صاحب الجيش المقام في منزل و لم يخبر أصحابه إلاّ بعد أيّام،صحّت صلاة الجميع،فإذا أعلمهم أتمّوا بعد ذلك،و لا قضاء عليهم في السالف (6)،خلافا لبعض الحنفيّة (7)، لأنّ الصلاة وقعت على الوجه المأمور فلا يستعقب القضاء.
و لو سافر رجلان لأحدهما على الآخر دين فلزمه و حبسه،فإن كان الغريم مليّا فالنّية إلى المحبوس،لأنّه يمكنه قضاء دينه و الخروج.و إن كان مفلسا فالنيّة إلى الحابس، لأنّه غير متمكّن من الخروج من يده.
الثامن:لو نوى المقام قبل أن يصلّي على التمام،ثمَّ قام فصلّى،ثمَّ تغيّرت نيّته إلى السفر في الأثناء،قيل:يتمّ (8).و الوجه عندي أنّه يقصّر،لأنّ الشرط،و هو الصلاة على
ص:388
التمام،لم يحصل.و كذا لو نوى المقام عشرا و دخل وقت صلاة يصلّيها على التمام و لم (1)يصلّ حتّى خرج الوقت،ثمَّ تغيّرت نيّته،لم يتمّ،لفقدان الشرط.
و لو دخل في صلاة (2)بنيّة القصر،ثمَّ عنّ له الإقامة (3)أتمّ،سواء نوى الإقامة في أوّل الصلاة أو في وسطها أو في آخرها قبل الخروج منها.و به قال الشافعيّ (4)و أحمد (5).و قال مالك:لا يجوز له الإتمام (6).
لنا:أنّ الترخّص (7)منوط (8)بالسفر السليم عن المعارض،و لم يوجد مع نيّة الإقامة هذا المجموع.
و لو نوى الإقامة بعد ما صلّى ركعة،ثمَّ خرج (9)وقت تلك الصلاة،فإنّه يتحوّل فرضه إلى الأربع،أمّا لو خرج قبل أن يصلّي ركعة،ثمَّ نوى الإقامة،فإنّه لا يتحوّل فرضه إلى الأربع في حقّ (10)تلك الصلاة،لأنّها فاتته تقصيرا (11).
التاسع:لو كان في أحد المواضع التي يستحبّ فيها الإتمام فصلّى ركعتين،ثمَّ قام بنيّة الإتمام إلى الثالثة فنوى المقام،فإن قلنا:إنّ الإتمام قبل النيّة واجب مخيّر فيه،أجزأ هذا القيام
ص:389
قطعا و وجب عليه التمام.و إن قلنا:إنّه مستحبّ فإنّه يتمّ أيضا.و هل يعتدّ القيام (1)أم لا؟ قال بعض الجمهور:يعيده،لأنّه قام بنيّة التطوّع،و التطوّع لا ينوب مناب الفريضة (2).
و الحقّ الاعتداد،لأنّه إنّما يصير الإتمام واجبا بعد نيّة (3)المقام،و هي إنّما حصلت بعد القيام، فكان حصول النيّة مؤثّرا في الباقي من الأفعال.و كذا لو نوى المقام بعد ركعة ثالثة (4).
العاشر:لو عزم على الإقامة في غير بلده عشرة،ثمَّ خرج إلى ما دون المسافة، فإن عزم على العود و الإقامة،أتمّ ذاهبا و عائدا و في البلد.و إن لم يعزم على العود،أو عزم و لم يعزم على الإقامة،قصّر.فلو رجع إليه لطلب حاجة أو أخذ شيء لم يتمّ فيه،بخلاف ما لو رجع إلى بلده لذلك (5).
و اقتصر على فرضه و سلّم منفردا.ذهب إليه علماء أهل البيت عليهم السلام،سواء أدرك الصلاة جميعها،أو ركعة،أو أقلّ من ركعة.
و روي عن عمر (6)و ابن عبّاس أنّه يجب عليه التمام كإمامه (7)،سواء أدرك ركعة أو أقلّ أو أكثر (8).و هو قول الثوريّ،و الأوزاعيّ (9)،و الشافعيّ (10)،و أبي ثور (11)،و أحمد (12)،
ص:390
و أصحاب الرأي (1).
و قال إسحاق بن راهويه،و طاوس،و الشعبيّ:له أن يقصّر (2).
و قال مالك (3)،و الحسن البصريّ،و النخعيّ،و الزهريّ،و قتادة:إن أدرك ركعة أتمّ، و إن أدرك دونها قصّر (4).
لنا:أنّ الواجب التقصير،فالزائد حرام كالزائد على الفجر.و لأنّها صلاة يجوز فعلها ركعتين فلم تزد بالائتمام كالفجر.
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن مسكان و محمّد بن النعمان الأحول،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاتهم،فإن كانت الأولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأوّلتين،و إن كانت العصر فليجعل الأوّلتين نافلة و الأخيرتين فريضة» (5).
و في الصحيح عن أبي العبّاس الفضل بن عبد الملك،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
«لا يؤمّ الحضريّ المسافر و لا المسافر الحضريّ،فإن ابتلي بشيء من ذلك فأمّ قوما حضريّين،فإذا أتمّ الركعتين سلّم،ثمَّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم.و إذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتمّ صلاته ركعتين و يسلّم،و إن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوّلتين الظهر و الأخيرتين العصر» (6).
ص:391
و في الصحيح عن حمّاد بن عثمان قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المسافر يصلّي خلف المقيم،قال:«يصلّي ركعتين و يمضي حيث شاء» (1).
و روى الشيخ عن محمّد بن عليّ أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل المسافر إذا دخل في الصلاة مع المقيمين،قال:«فليصلّ صلاته ثمَّ يسلّم،و ليجعل الأخيرتين سبحة» (2).
و لأنّه لو (3)كان الإمام مسبوقا لم يتّبعه المأمومون في الزائد على فرضهم (4)،فكذا هاهنا،و الجامع المصلحة الناشئة من استيفاء كلّ واحد منهما فرضه.و لأنّ الحاضر لا يتّبع المسافر،فكذا العكس.و لأنّه لو صلّى الفجر بمن (5)يصلّي الظهر كما هو مذهب أكثرهم (6)لم يزد على فرضه (7)،فكذا هاهنا.
احتجّ المخالف (8)بما روي عن ابن عمر أنّه كان إذا صلّى مع الإمام صلاّها أربعا،و إذا صلّى وحده صلاّها ركعتين (9).
و بقوله (10)عليه السلام:لا تختلفوا على أئمّتكم (11).
ص:392
و لما روي عن ابن عبّاس أنّه قيل له:ما بال المسافر يصلّي ركعتين في حال الانفراد و أربعا إذا ائتمّ بمقيم؟فقال:تلك السنّة (1).
و لأنّها صلاة مردودة من أربع إلى ركعتين،فلا يصلّيها خلف من يصلّي الأربع كالجمعة (2).
و الجواب عن الأوّل:أنّ قول ابن عمر ليس حجّة ما لم ينقله عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله.و أيضا:فإنّ ما ذكروه حكاية حال،فلعلّ الراوي شاهده (3)يصلّي منفردا على التقصير،ثمَّ شاهده ثانيا يصلّي مع الإمام على التمام،و ذلك لا يدلّ على مطلوبكم،لجواز أن يكون قد نوى الإقامة في المرّة الثانية.
و عن الثاني:أنّه ليس بجار على عمومه بالإجماع.
و عن الثالث:أنّ قول ابن عبّاس لا احتجاج به ما لم ينقله عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله (4).و قوله:إنّه من السنّة،يحتمل أنّه أراد:من سنة الرسول صلّى اللّه عليه و آله (5)،و يحتمل غير ذلك،فلا حجّة فيه.و لأنّه يمكن أن يكون قاله عن اجتهاد.
و عن الرابع:بالفرق،إذ كلّ من يكون إماما في الجمعة فإنّ الجمعة واجبة عليه حينئذ، فلا يجوز له أن يصلّي الظهر،بخلاف صورة النزاع.
يقصّر مع تيقّن الإقامة،فمع الشكّ أولى.
و قال الشافعيّ:يتمّ،لأنّ الأصل وجوب التمام،فليس له نيّة قصرها مع الشكّ و يلزمه إتمامها اعتبارا بالنيّة (1).و هذا بناء على وجوب المتابعة في التمام،و قد بيّنّا بطلانه.
الثاني:لو صلّى المسافر بمسافرين صلاة الخوف و فرّقهم طائفتين،فأحدث قبل مفارقته الطائفة الأولى و استخلف مقيما،لزم الطائفتين معا التقصير،و هو ظاهر على مذهبنا.
و قال الموجبون للمتابعة:يجب عليهما معا التمام،لوجود الائتمام بمقيم.أمّا لو أحدث بعد مفارقة الأولى فإنّ الثانية تتمّ عندهم (2)،و عندنا تقصّر أيضا.
الثالث:لو صلّى مقيم خلف مسافر أتمّ المقيم.و هو مذهب كلّ من يحفظ عنه العلم، لا نعرف فيه مخالفا.
و لو أتمّ الإمام بأن يكون في أحد مواطن التمام صحّت صلاة الجميع.و هو قول الشافعيّ (3)،و أحمد (4)،و إسحاق (5).
و قال أبو حنيفة و الثوريّ:تفسد صلاة المقيمين،لأنّ الأخيرتين نفل فلا يجوز للمفترض الائتمام فيها (6).و نحن نمنع ذلك.
الرابع:لو صلّى خلف من يصلّي الجمعة و نوى قصر الظهر لم يتمّ عندنا،لما مضى (7).
و قال الشافعيّ في الإملاء:يجب عليه الإتمام،لأنّه مؤتمّ بمقيم (8)،و هو بناء على
ص:394
وجوب المتابعة،و قد سلف (1)،و مع تسليمه فالدليل الذي ذكروه هناك من قوله عليه السلام:«لا تختلفوا عليه» (2)لا يتأتّى هاهنا.و لأنّه لو صلّى الظهر قصرا خلف من يصلّي الفجر لم يتمّ و إن صلّى خلف مقيم،فكذا هنا (3).
بل يكفي نيّة فرض الوقت.و به قال أبو حنيفة (4).
و قال الشافعيّ:لا بدّ من النيّة مع الإحرام (5).
لنا:أنّ الأصل القصر،لخبر ابن عبّاس (6)،و عائشة (7)و غيرهما،فلا يحتاج نيّة، كالإتمام في الحضر.و لأنّ فرضه التقصير لا غير،فيكفي نيّة فرض الوقت،لأنّ فرض الوقت القصر،فلا ينصرف الإطلاق إلى غيره.و لأنّ الأصل براءة الذمّة.
احتجّ المخالف بأنّه مخيّر في القصر و الإتمام،فلا يتعيّن أحدهما إلاّ بالنيّة (8).
و الجواب:المنع من المقدّمة الأولى.
الأوّل:لو نوى الإتمام لم يجز له الإتمام إلاّ أن ينوي مقام عشرة أيّام،خلافا
ص:395
للشافعيّة (1).
لنا:أنّ فرضه التقصير فلا يتغيّر (2)بالنيّة كغيرها من العبادات.و لأنّ له التقصير قبل النيّة إجماعا فيستصحب الحكم،و كذا لو نوى الظهر مثلا مطلقا.
الثاني:لو صلّى بنيّة التمام أو بنيّة (3)مطلقة من غير عزم الإقامة ثمَّ أبطل صلاته، أعادها على التقصير.ذهب إليه علماؤنا أجمع.
و قال (4)الشافعيّ:يعيدها على التمام (5).
لنا:أنّ الواجب التقصير،فلا يتغيّر بكونه معادا لمّا ثبت فساده.
الثالث:لو شكّ في أثنائها هل نوى القصر أو التمام؟بنى على القصر،لأنّه الواجب عليه،و لا اعتبار للشكّ مع الانتقال عن محلّه،خلافا لبعض الجمهور،فإنّهم أوجبوا عليه الإتمام احتياطا،و هو بناء على وجوب الإتمام مع نيّته (6).
الرابع:لو قصّر المسافر معتقدا تحريمه (7)لم تصحّ صلاته،لأنّه فعل ما يعتقد تحريمه، فلا يحصل الإجزاء،و يجري مجرى من صلّى معتقدا الحدث (8).و لأنّ نيّة التقرّب شرط
ص:396
و هذا يعتقد أنّه عاص،فلا يحصل نيّة التقرّب.و كذا البحث لو قصّر جاهلا بالمسافة و طابق (1)ما في نفس الأمر فعله.
و معاذ بن جبل (1)،و أبي موسى (2)،و ابن عبّاس (3)،و ابن عمر (4).و هو قول طاوس (5)،و مجاهد (6)،و عكرمة (7)،و مالك (8)،و الثوريّ (9)،و الشافعيّ (10)،و إسحاق (11)،و أبو ثور (12).
و قال الحسن،و ابن سيرين،و النخعيّ،و مكحول (13)،و المزنيّ (14)،و أصحاب
ص:398
الرأي:لا يجوز الجمع إلاّ في يوم عرفة بعرفة و ليلة مزدلفة بها (1). (2)و هو اختيار مالك (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عمر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا جدّ به السير جمع بينهما،يعني بين المغرب و العشاء (4).
و ما رووه عنه صلّى اللّه عليه و آله:إذا عجّل عليه السير يؤخّر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما،و يؤخّر المغرب حتّى يجمع بينها و بين العشاء حتّى يغيب الشفق (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان في سفر أو عجّلت به حاجة يجمع بين الظهر و العصر،و بين المغرب و العشاء الآخرة»و قال أبو عبد اللّه عليه السلام:
«لا بأس بأن تعجّل عشاء الآخرة في السفر قبل أن يغيب الشفق» (6).
و عن زرارة قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:«إذا كنت مسافرا لم تبال أن تؤخّر الصلاة (7)حتّى يدخل وقت العصر فتصلّي الظهر ثمَّ تصلّي العصر.و كذلك المغرب و العشاء الآخرة،تؤخّر المغرب حتّى تصلّيها في آخر وقتها ركعتين بعدها،ثمَّ تصلّي
ص:399
العشاء» (1).
و في الصحيح عن منصور،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن صلاة المغرب و العشاء بجمع (2)،فقال:«بأذان و إقامتين لا تصلّ بينهما شيئا،هكذا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (3).
و في الصحيح عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا صلّيت في السفر شيئا من الصلوات (4)في غير وقتها فلا يضرّك» (5).
و لأنّ الوقت مشترك على ما بيّنّا (6)،فكلّ من الصلاتين يقع في وقتها فجاز الجمع.
احتجّ المانعون (7)بأنّ الأوقات لا تثبت إلاّ بالتواتر (8)،فلا يترك بخبر الواحد.
و الجواب:المنع من اختصاص ثبوتها بالتواتر (9)،فإنّه حكم شرعيّ،فيجوز العمل فيه بخبر الواحد،على أنّه نقل نقلا مشهورا بالجمع.و لأنّ الأوقات تثبت مطلقة و يجوز تخصيصها بالحضر (10)بخبر الواحد،كما يجوز تخصيص الكتاب به.و لأنّا قد بيّنّا اشتراك الأوقات (11).
ص:400
لا يفصل بينهما بشيء من النوافل،فإن فصل بطل الجمع.
منفردة عن نيّة الصلاة،خلافا للشافعيّ (1)، لعدم الدلالة على ذلك.
و هو قول مالك (2)،و أحد قولي الشافعيّ،خلافا له في القول الآخر (3)و لأحمد (4).
لنا:أنّ أهل مكّة كانوا يجمعون بعرفة و مزدلفة و هو سفر قصير.و لأنّ الجمع هو تعاقب الصلاتين في الوقت المشترك و ذلك لا يفتقر إلى السفر.
خلافا لأصحاب الرأي فيهما (5)،و لأحمد في الظهرين (6).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال:إنّ من السنّة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب و العشاء (7).و هذا ينصرف إلى سنّة الرسول صلّى اللّه عليه و آله غالبا.
ص:401
و عن نافع[عن] (1)ابن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جمع في المدينة بين الظهر و العصر في المطر (2).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم.و لأنّه عذر فكان كالسفر في الرخصة.و لأنّ الجمع فعل الصلاتين في الوقت المشترك عندنا.
خلافا للجمهور (4).
لنا:أنّ الجمع هو فعلهما في الوقت المشترك.
و أمّا الوحل فهو ملحق بالمطر.و هو قول مالك (5)،خلافا للشافعيّ (6)،و أبي ثور (7).
لنا:أنّ المشقّة فيه ثابتة كالمطر.و لأنّه يلوّث الثياب و النعال،و ذلك أعظم من البلل.
و لأنّه عذر في ترك الجمعة و الجماعة.
و أمّا الرياح الشديدة في الليلة المظلمة فهي كالمطر أيضا،لأنّها مثله في ترك الجماعة، لما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان ينادي مناديه في الليلة المطيرة أو الليلة الباردة ذات الريح:«صلّوا في رحالكم» (8).فكانت مثله هاهنا،للمشقّة في البابين (9).
المطر إليه،أو من كان مقامه في المسجد.و هو قول بعض الجمهور،خلافا لبعضهم (1).
لنا:أنّ العذر يستوي مع وجوده حال المشقّة و عدمها كالسفر.و لأنّ الحاجة العامّة تثبت الحكم في حقّ من ليست له حاجة،كالسّلم و إباحة اقتناء كلب الصيد للغنيّ (2)عنهما.
و لأنّه قد روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جمع في مطر (3)،و ليس بين حجرته و المسجد شيء (4).
و هو قول عطاء (6)،و مالك (7)،و أحمد (8).و قال أصحاب الرأي (9)،و الشافعيّ:لا يجوز (10).
لنا:ما رواه الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر حمنة بنت جحش-لمّا كانت مستحاضة-بتأخير الظهر و تعجيل العصر و الجمع بينهما (11).و مثله رواه الأصحاب عن يونس،عن غير واحد،عن أبي عبد اللّه عليه السلام (12).و لأنّه عذر فأشبه السفر.
ص:403
و يجوز ذلك للمريض و إن لم تلحقه المشقّة بالتفريق،و لذي (1)السلس و المستحاضة.
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس قال:جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين الظهر و العصر،و المغرب و العشاء من غير خوف و لا مطر (3).
و ما رووه عن ابن عبّاس قال:إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر، و المغرب و العشاء من غير خوف و لا سفر،فقيل له:لم فعل ذلك؟قال:أراد أن لا يحرج (4)أمّته (5).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من الأحاديث (6).
و لأنّ الجمع عندنا هو فعل الصلاتين في الوقت المشترك،فكلّ من الصلاتين قد فعل في وقتها فكان سائغا،سواء كان هناك عذر أو لا،إذ كلّ واحدة قد فعلت في وقتها المطلوب.
لأنّه مشترك بينهما،و التخيير للفضيلة على ما سلف (7).
و كذا البحث في المغرب و العشاء.
ص:404
و قال الشافعيّ:يجوز أن يبدأ بالعصر ثمَّ بالظهر (1).
لنا:أنّ الصلاتين مقدّمتان قبل الجمع فكذا معه بالاستصحاب.و لأنّ يقين البراءة حاصل بالتقديم دون العكس(فلا يجوز سلوكه،لعدم الأمن معه) (2).
مسألة:يستحبّ للمسافر أن يقول عقيب كلّ صلاة يقصّر فيها:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،ثلاثين مرّة.رواه الشيخ عن سليمان بن حفص المروزيّ عن الفقيه العسكريّ (3). (4)
لم يجب عليه الإعادة،
لا في الوقت و لا في (6)خارجه.و هو اختيار الشيخ في النهاية و المبسوط (7).و قال في التهذيب و الاستبصار:يجب (8).
لنا:ما رواه الشيخ عن زرارة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخرج في سفر (9)يريده،فدخل عليه الوقت و قد خرج من القرية على فرسخين فصلّوا و انصرفوا فانصرف (10)بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج،ما يصنع في الصلاة (11)التي كان صلاّها
ص:405
ركعتين؟قال:«تمّت صلاته و لا يعيد» (1).
و لأنّها صلاة وقعت على الوجه المطلوب شرعا فلا يستعقب وجوب القضاء، كغيرها من الصلوات.
احتجّ الشيخ بما رواه سليمان بن حفص المروزيّ قال:قال الفقيه عليه السلام:
«التقصير في الصلاة بريدان،أو بريد ذاهبا و جائيا و البريد:ستّة أميال،و هو فرسخان، فالتقصير في أربعة فراسخ،فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا و ذلك أربعة فراسخ،ثمَّ بلغ فرسخين و نيّته الرجوع،أو فرسخين آخرين قصّر،و إن رجع عمّا نوى عند بلوغ فرسخين و أراد المقام فعليه التمام،و إن كان قصّر ثمَّ رجع عن نيّته أعاد الصلاة» (2).
و الجواب:أنّ السند لا يحقّق حاله،و مع صحّته فهو معارض بما قدّمناه،و بغيره من الأحاديث الدالّة على أنّ التقصير في ثمانية فراسخ (3).
و قد ثبت بالتواتر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى صلاة الخوف (1)،و حكمها باق بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.ذهب إليه علماؤنا و أكثر الجمهور (2)،خلافا لأبي يوسف فإنّه قال:إنّها كانت مختصّة بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله (3).و للمزنيّ فإنّه قال:إنّ الآية منسوخة (4).
لنا:قوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ الآية.و ما ثبت له عليه السلام كان لغيره، لما بيّنّا (5)من وجوب المتابعة فيما لم يثبت تخصيصه عليه السلام به،و لهذا لمّا سئل عن قبلة الصائم،فأجاب بأنّني أفعل ذلك،فقال السائل:لست مثلنا؟فغضب و قال:«إنّي لأرجو أن أكون أخشاكم للّه تعالى» (6).
و لو اختصّ بفعله لما كان الإخبار بفعله جوابا،و لا غضب من قول السائل:لست مثلنا،و قد كان الصحابة يحتجّون بفعله عليه السلام،و هذا كثير.
ص:407
و ما رواه الجمهور،عن عليّ عليه السلام أنّه صلّى صلاة الخوف ليلة الهرير (1).
و عن الحسين صلوات اللّه عليه أنّه صلّى صلاة الخوف بأصحابه (2).
و عن أبي موسى الأشعريّ أنّه صلّى صلاة الخوف بأصحابه (3)،و كان أبو سعيد بن العاص (4)أميرا على الجيش بطبرستان فقال:أيّكم صلّى مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلاة الخوف؟فقال حذيفة:أنا،فقدّمه فصلّى بهم (5).و لم ينكر أحد من الصحابة ما فعله هؤلاء،فكان إجماعا.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأصحابه في غزاة ذات الرقاع صلاة الخوف» (6).
و ما رواه في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال:«إذا كان صلاة
ص:408
المغرب في الخوف فرّقهم فرقتين» (1).
و رواه في الصحيح عن فضيل و محمّد بن مسلم عنه عليه السلام (2).
و في الصحيح عن زرارة قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عن صلاة الخوف و صلاة السفر،تقصّران جميعا؟قال:«نعم و صلاة الخوف أحقّ أن تقصّر من صلاة السفر ليس فيه خوف» (3).
احتجّ أبو يوسف بأنّ اللّه خصّص الخطاب بالرسول عليه السلام (4)و شرط كونه فيهم (5).
و احتجّ المزنيّ بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أخّر يوم الخندق أربع صلوات،اشتغالا بالقتال،و لم يصلّ صلاة الخوف (6).
و الجواب عن الأوّل:أنّ التخصيص لفظا لا يمنع وجوب المتابعة إجماعا،و لهذا أنكرت الصحابة على مانعي الزكاة حيث قالوا:إنّ اللّه تعالى قال لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله:
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً (7).فخصّه بذلك (8).
و عن الثاني:بالمنع من تأخير الصلاة.و لو سلّم فإنّما جاز ذلك،لأنّه جرى قبل نزول
ص:409
آية الخوف و إنّما يؤخذ بالآخر.و لو سلّم فصلاة الخوف منوطة بشروطه فربّما كان بعضها فائتا.
و في الحضر خلاف، قال بعض علمائنا:إنّها مقصورة كالسفر،سواء صلّيت جماعة أو فرادى (1)،و به قال ابن عبّاس و الحسن و طاوس (2).
و قال آخرون:لا تقصّر مطلقا (3)،و به قال الشافعيّ (4)،و أبو حنيفة (5)،و أحمد (6).
و قال الشيخ في المبسوط:إن صلّيت في الحضر جماعة قصّرت و إلاّ فلا (7).
لنا:قوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ (8).
و هو دليل على الاقتصار على ركعتين من غير شرط للسفر،فتحمل على الإطلاق إلى أن يظهر المنافي.و قوله تعالى وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا (9).و ليس المراد بالضرب ضرب السفر الذي يجب معه القصر،و إلاّ لكان اشتراط الخوف لغوا.و لأنّه صلّى اللّه عليه و آله نقل عنه صلاة الخوف مكرّرا (10)و لم ينقل عنه غير القصر.
ص:410
و ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام من أنّ صلاة الخوف تقصّر كالسفر،و قد تقدّمت (1).
و ما ورد من الأخبار الدالّة على صفة صلاة الخوف و كونها ركعتين،و لو كانت أربعا لبيّنوا عليهم السلام حكمها،كما بيّنوا حكم الثّلاثيّة (2).
و عليه فتوى علمائنا و أكثر أهل العلم (3).
و حكي عن ابن عبّاس أنّه قال:صلاة الخوف لكلّ طائفة ركعة،و للإمام ركعتان (4)، و به قال الحسن،و طاوس،و مجاهد (5).
لنا:ما رواه الجمهور أنّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى بذات الرقاع بكلّ طائفة ركعتين (6).
لا يقال:هذا خلاف مذهبكم،لأنّه يصلّي بكلّ طائفة ركعة و يتمّ لنفسها.
لأنّا نقول:المراد بذلك أنّها صلّت ركعتين في حكم صلاته.
و لأنّ الإمام و المأموم على صفة واحدة،فيجب تساوي حكمهما (7).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه
ص:411
عليه السلام في كيفيّة صلاة الخوف (1)،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.
احتجّ المخالف (2)بقوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ (3)دلّت على أنّ كلّ طائفة تصلّي ركعة.
و الجواب:يحمل قوله فَإِذا سَجَدُوا أي فعلوا الركعة الأخرى،و عبّر عنها بالسجود تسمية للمركّب باسم جزئه (4).
فرقة تحرسهم (5)و تقف مع العدوّ،و فرقة تصلّي معه فيصلّي بها ركعة في الثنائيّة،ثمَّ يقوم و يقومون معه،فيطيل القيام، و يتمّون الصلاة و يتشهّدون و يسلّمون،ثمَّ يذهبون فيقفون موقف أصحابهم،و تأتي الطائفة الأخرى فتستفتح (6)الصلاة،ثمَّ يركع بهم و يسجد (7)السجدتين و يجلس مطيلا حتّى يقوم من خلفه،فيتمّون صلاتهم و يتشهّدون،ثمَّ يسلّم بهم،و هذه صلاة النبيّ صلّى
ص:412
اللّه عليه و آله بذات الرقاع (1).و به قال الشافعيّ (2)،و مالك (3)،و أحمد (4)،و داود (5).
و قال أبو حنيفة:يصلّي بإحدى الطائفتين ركعة،ثمَّ تنصرف إلى وجه العدوّ،و هو في الصلاة،و هي أيضا في صلاتها،ثمَّ تجيء الطائفة الأخرى فتصلّي مع الإمام الركعة الثانية،ثمَّ يسلّم الإمام و ترجع الطائفة إلى وجه العدوّ و هي في صلاتها،ثمَّ تأتي الطائفة الأولى إلى موضع صلاتها فتصلّي ركعة منفردة و لا تقرأ فيها،لأنّها في حكم الائتمام،ثمَّ تنصرف إلى وجه العدوّ،ثمَّ تأتي الطائفة الأخرى إلى موضع الصلاة فتصلّي الركعة الثانية منفردة و تقرأ فيها،لأنّها قد فارقت الإمام بعد فراغه من الصلاة،فحكمها حكم المسبوق إذا فارق إمامه (6).
لنا:قوله تعالى وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ (7)و هذا يدلّ من حيث المفهوم على أنّ الطائفة الأولى صلّت معه جميع صلاتها،و من حيث المنطوق أنّ الثانية تصلّي جميع صلاتها معه،و هذا يتأتّى على قولنا،إذ كلّ واحدة تصلّي معه ركعة حقيقة و ركعة أخرى حكما،و على ما اختاره أبو حنيفة لا يتأتّى ذلك.
ص:413
و ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه صلّى بذات الرقاع كما وصفناه.
رواه مسلم (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن صلاة الخوف؟قال:«يقوم الإمام و تجيء طائفة من أصحابه فيقومون خلفه،و طائفة بإزاء العدوّ فيصلّي بهم الإمام ركعة،ثمَّ يقوم و يقومون معه فيمثل (2)قائما، و يصلّون هم الركعة الثانية،ثمَّ يسلّم بعضهم على بعض،ثمَّ ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم و يجيء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلّي بهم الركعة الثانية،ثمَّ يجلس الإمام و يقومون هم فيصلّون ركعة أخرى،ثمَّ يسلّم عليهم فينصرفون بتسليمه» (3).
و لأنّ ما ذكرناه أحوط للصلاة و الحرب.
أمّا الصلاة،فلأنّ كلّ طائفة تأتي بصلاتها على التوالي،بعضها يوافق الإمام فعلا، و بعضها يفارقه و تأتي به كالمسبوق.
و عنده أنّ كلّ طائفة تنصرف إمّا أن تركب أو تمشي إلى العدوّ،و تستدبر القبلة، و تقاتل إن احتاجت إليه،و تفرّق بين الركعتين تفريقا كثيرا،و جعل الأولى مؤتمّة بالإمام و قد فرغ من صلاته،و كلّ ذلك باطل.
و أمّا الحرب،فلأنّها تتمكّن من الضرب و إعلام الغير بحال العدوّ إن احتاج بالكلام و غيره.و لأنّ فيه تخفيفا،و الحرب مبنيّ عليه.و ما ذكره فيه تطويل للصلاة،و هو ينافي الحكمة،إذ قد يكون بين موضع الصلاة و الحرب نصف ميل،فيفتقر إلى قطع ميل ذهابا و عودا.
ص:414
احتجّ أبو حنيفة (1)بأنّ عبد اللّه بن مسعود (2)و ابن عمر (3)رويا مثل قوله،قال:و هو أولى،لأنّ مذهبكم يقتضي تجويز مفارقة المأمومين للإمام قبل الفراغ،و تجويز مخالفة الطائفة الثانية للإمام في الأفعال بأن يكون جالسا و هم قيّام.
و الجواب:منع ما ذكر من الرواية.و قوله:ما ذكرناه أولى،ضعيف،لما بيّنّاه.
و المفارقة جائزة للفور،و قد بيّنّاه فيما مضى (4)،و كذا المخالفة.
إن شاء صلّى بالطائفة الأولى ركعتين و بالثانية ركعة،يجلس في تشهّده الأولى و يتمّ (5)من خلفه صلاته و ينهضون إلى أصحابهم،ثمَّ تأتي الطائفة الأخرى فيقوم الإمام،فإذا كبّروا ركع بهم ثالثة له و هي أوّلة لهم،فإذا أتمّوا الصلاة سلّم (6)بهم الإمام.و هو أحد قولي الشافعيّ (7)،و به قال مالك (8)، و أحمد (9)،و الأوزاعيّ،و سفيان (10). (11).
و إن شاء صلّى بالأولى ركعة و يقف في الثانية حتّى يتمّوا،ثمَّ تأتي الأخرى فيصلّي
ص:415
بهم ركعتين و يجلس عقيب الثالثة له حتّى يتمّوا ثمَّ يسلّم.و هو (1)القول الآخر للشافعيّ (2).
لنا على الأوّل:أنّ صلاة الخوف مبنيّة على التخفيف،و إذا (3)صلّى بالأولى ركعة احتاجت الطائفة الثانية إلى ثلاث تشهّدات.و لأنّه لا بدّ من التفضيل فالأولى أحقّ به.
و لأنّ الثانية تصلّي جميع صلاتها في حكم الجماعة،و الأولى تفعل بعض صلاتها في حكم الانفراد.
و على الثاني:ما رواه الجمهور عن عليّ عليه السلام أنّه صلّى ليلة الهرير المغرب بأصحابه،فصلّى بالطائفة الأولى ركعة و بالثانية ركعتين (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«و في المغرب يقوم الإمام و تجيء طائفة فيقفون (5)خلفه،و يصلّي بهم ركعة ثمَّ يقوم و يقومون فيمثل الإمام قائما و يصلّون الركعتين و يتشهّدون و يسلّم بعضهم على بعض ثمَّ ينصرفون،فيقومون في موقف أصحابهم،و يجيء الآخرون فيقومون في موقف أصحابهم خلف الإمام،فيصلّي بهم ركعة يقرأ فيها ثمَّ يجلس و يتشهّد و يقوم و يقومون معه فيصلّي بهم ركعة أخرى ثمَّ يجلس و يقومون هم فيصلّون ركعة أخرى ثمَّ يسلّم عليهم» (6).
و روى الشيخ في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال:«إذا كان
ص:416
صلاة المغرب في الخوف فرّقهم فرقتين،فيصلّي بفرقة ركعتين ثمَّ يجلس بهم ثمَّ أشار إليهم بيده فقام كلّ إنسان منهم فيصلّي ركعة ثمَّ سلّموا و قاموا مقام أصحابهم،و جاءت الطائفة الأخرى فكبّروا و دخلوا في الصلاة و قام الإمام فصلّى بهم ركعة ثمَّ سلّم،ثمَّ قام كلّ رجل منهم فصلّى ركعة فشفعها بالتي صلّى مع الإمام ثمَّ قام فصلّى ركعة ليس فيها قراءة،فتمّت للإمام ثلاث ركعات،و للأوّلين ركعتان في جماعة،و للآخرين وحدانا،فصار للأوّلين التكبير و افتتاح الصلاة،و للآخرين التسليم» (1).فهذان الخبران يدلاّن على التخيير، إذ قد اشتمل كلّ واحد منهما على الأمر و ليس فيه صيغة تدلّ على الوجوب نصّا،فيحمل على التخيير.
احتجّ الشافعيّ بأنّ صلاة الخوف مبنيّة على التخفيف (2)،و هو إنّما يحصل بما قلناه.
و احتجّ على الآخر بفعل عليّ عليه السلام،و بأنّ الأولى أدركت مع الإمام فضيلة الإحرام و التقدّم،فينبغي أن تزيد الثانية في الركعات ليحصل التعادل (3).
و الجواب عن الكلّ:أنّا نقول بموجبة،إذ فعل كلّ واحد منهما جائز،و دلائلهم إنّما تدلّ على جواز ما يدّعونه لا على بطلان الآخر.
مسألة:روى أبو عيّاش الزرقيّ (4)قال:كنّا مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعسفان،
ص:417
و على المشركين خالد بن الوليد (1)،فصلّينا الظهر،فقال المشركون:لقد أصبنا غرّة [لقد أصبنا غفلة] (2)لو[كنّا] (3)حملنا عليهم في الصلاة،فنزلت آية القصر بين الظهر و العصر،فلمّا حضرت العصر قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مستقبل القبلة و المشركون أمامه فصفّ خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صفّ،و صفّ خلف ذلك الصفّ صفّ آخر،فركع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ركعوا جميعا،ثمَّ سجد و سجد الصفّ الذي يليه، و قام الآخرون يحرسونهم،فلمّا صلّى بهؤلاء السجدتين و قاموا،سجد الآخرون الّذين كانوا خلفهم،ثمَّ تأخّر الصفّ الّذي يليه إلى مقام الآخرين،و تقدّم الصفّ الآخر إلى مقام الصفّ الأوّل،ثمَّ ركع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ركعوا جميعا،ثمَّ سجد و سجد الصفّ الّذي يليه،و قام الآخرون يحرسونهم،فلمّا جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الصفّ الذي يليه،سجد الآخرون،ثمَّ جلسوا جميعا،فسلّم عليهم (4).
و روى جابر بن عبد اللّه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى الظهر ببطن النخل جعل أصحابه طائفتين،فصلّى بالأولى ركعتين ثمَّ سلّم،و صلّى بالأخرى ركعتين (5).
قال الشيخ:و لو صلّى كما صلّى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعسفان جاز (6).
ص:418
و نحن نتوقّف في هذا،لعدم ثبوت النقل عندنا عن أهل البيت عليهم السلام بذلك.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال الشافعيّ (1)،خلافا لأحمد (2).
لنا:أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كذا فعلها،فتجب متابعته.
احتجّ أحمد بأنّ العدوّ قد يكون في جهة القبلة على وجه لا يمكنه أن يصلّي بهم صلاة عسفان،لكثرتهم و انتشارهم و خوف كمين لهم،فلو منعوا من صلاة ذات الرقاع أيضا أفضى ذلك إلى تفويت صلاة الخوف (3).
و الجواب:ليست الصلاة منحصرة في هذين،و مع التسليم نمنع استحالة اللازم.
بحيث يخاف المسلمون أنّهم متى اشتغلوا بالصلاة عنهم أكبّوا عليهم.
تفي كلّ فرقة بمقاومة العدوّ،لتحصل (5)المتابعة بفعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فإنّه هكذا فعل.
-واجبا كان،كالجهاد مع دعاء الإمام إليه،أو غير واجب،كالمدافعة عن المال-فلو كان حراما كالفارّ من الزحف و قاطع الطريق و الباغي لم يترخّصوا (6)في هذه الصلاة،لأنّ الأفعال لا عموم لها،و وجوب المتابعة إنّما يدلّ على الوجه الّذي فعله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.
ص:419
و قال الشافعيّ:يشترط (1).
لنا:الأصل عدم الاشتراط.
احتجّ المخالف (2)بقوله تعالى فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ (3)و الطائفة:ثلاثة فما زاد.
و بقوله تعالى وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ (4)و أقلّ الجمع ثلاثة.
و الجواب عن الأوّل:أنّ لفظ الطائفة قد يقع على الواحد فإنّه يسمّى طائفة،ذكره الفرّاء (5).و القطعة من الأرض تسمّى طائفة.
و عن الثاني:أنّ الكناية راجعة إلى من صلّى مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ليس ذلك شرطا،كما أنّ عدد من صلّى معه ليس بشرط إجماعا.
لعدم ورود النصّ بالوجوب،فالأصل عدمه.
نعم،يجب أن تكون الطائفة ممّن تفي بحراسة المسلمين و تحصل الثقة بالاكتفاء بهم.
لأنّها مقصورة، و يصلّي بفرقتين ركعتين ثمَّ يعيدها بالباقين،فتكون لهم فرضا و له نفلا (6).
أمّا لو كانت صلاة المغرب و افتقر إلى أن يفرّقهم ثلاثا فالأقرب الجواز،و يصلّي بكلّ ركعة،فيقوم في الثانية إلى أن تتمّ الأولى ثلاثا،ثمَّ تأتي الثانية فيصلّي بهم الثانية و ينتظرها في الجلوس إلى أن تتمّ ثلاثا ثمَّ تذهب،و تأتي الثالثة فيصلّي بهم الثالثة و يطيل تشهّده إلى أن يتمّوا و يسلّم بهم.
ص:420
و على القول الآخر لأصحابنا من وجوب التمام في الحضر،لو احتاج إلى أن يفرّقهم أربعا أمكن،إن نوى المأمومون المفارقة،خلافا للشيخ في الخلاف (1)،و للشافعيّ (2)في أحد قوليه (3).
لنا-تفريعا على القول بالتمام-:أنّه صلّى صلاة واجبة لم يخلّ بشيء من واجباتها، فيجزئ كما لو صلاّها في الأمن.
احتجّ الشيخ بأنّها لم تشرع كذلك (4).
و احتجّ الشافعيّ بأنّ صلاة الخوف فيها انتظاران،و إذا كانت رباعيّة يضاعف الانتظار فصار أربعا،فزيادة انتظارين يكون زيادة لما ليس من الصلاة فيها (5).
و الجواب عن الأوّل:أنّ صلاة الجماعة مشروعة،أقصى ما في الباب أنّ المأموم هنا قد فارق إمامه،لكنّا نجوّز له ذلك مع النيّة،و قد تقدّم.
و عن الثاني:أنّ هذه الزيادة إنّما هي في الصلاة في موضعها،كما لو طوّل القيام قارئا أو ذاكرا.و لأنّ الحاجة قد تدعو إليه،و على هذا يكون صلاة الإمام و المأمومين صحيحة، خلافا للشافعيّ في أحد قوليه،فإنّه في القول الآخر قال:تبطل صلاة الطائفة الأولى و الثانية و الثالثة،و تصحّ صلاة الإمام و الطائفة الرابعة،بناء على أنّ الطوائف الثلاث فارقت (6)
ص:421
و الجواب:لا نسلّم انتفاء العذر هنا.و لأنّ المفارقة في صلاة الخوف سائغة.
و لو صلّى بطائفة ثلاث ركعات و بأخرى ركعة جاز ذلك أيضا،عملا بالأصل.و لأنّ (3)فيه قلّة انتظار عن الأوّل،فكما ساغ ذلك (4)فهذا (5)أولى.
و لا يجب سجود السهو هاهنا،لعدم موجبه،خلافا للشافعيّ،فإنّه أوجب على الإمام و الطائفة الأخرى سجود السهو (6)،لأنّه وضع الانتظار في غير موضعه.و هو سهو،فإنّ العامد غير الساهي،و السجود للسهو إنّما يجب فيما لم يؤمر بفعله و لم يكن سائغا مع العمد.
و أن يكون في المسلمين كثرة،و أن يكون العدوّ على وجه الأرض ليس بينه و بين المسلمين حائل-كجبل و شبهه-يمنع من النظر إليهم ليتحفّظوا من الحمل عليهم و الكبسة (7).
قال المجوّزون:و لو وقف الّذين يحرسونهم في الصفّ الأوّل و سجد مع الإمام أهل الصفّ الأخير جاز (8)،و لو سجد الجميع إلاّ بعض صفّ جاز (9).
الرقاع عند القيام إلى الثانية،
فلو سهت بعد مفارقة الإمام لحقها حكم سهوها،و لو سهت في الركعة الأولى لم يعتدّ به،لأنّه لا سهو على المأموم.و هو جيّد،و قال:لو سها في الأولى
ص:422
ما يوجب السجود كان عليها أن تسجد بعد فراغها للسهو (1).و فيه نظر،إذ لم يثبت عندنا أنّ المأموم يلزمه حكم سهو إمامه.
أمّا الطائفة الثانية،فقال قوم من الجمهور:إنّه يلحقها حكم سهو إمامها في جميع الصلاة ما أدركت منها و ما سبقها به،و لا يلحقها حكم سهوها في شيء من صلاتها،لأنّها فيما فارقته في حكم المؤتمّ (2).
و قال الشيخ:لا يجب عليها متابعة الإمام في الأولى.و هو جيّد،ثمَّ قال:و لو سها في الركعة الّتي يصلّي بهم تبعوه إذا سجد لسهوه.و الإشكال كالأوّل.و كلّ سهو ينفرد به المأمومون فإنّهم يختصّون بسجوده و ليس على الإمام متابعتهم فيه (3).
لأنّ وضع صلاة الخوف للتخفيف، و كذا يستحبّ للطائفة الّتي تفارقه التخفيف.
و الجواب:أنّ التسوية يحصل بانتظاره إيّاهم في موضعين،و الأولى في موضع واحد.
و تشهّدوا و سلّم بهم الإمام.
و به قال الشافعيّ (1)و أحمد (2).
و قال مالك:يتشهّدون معه و يسلّم الإمام،ثمَّ يقومون فيتمّون (3).
لنا:قوله تعالى وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ (4).و هذا يدلّ على أنّ جميع صلاتها معه،و لا يتأتّى ذلك إلاّ بما قلناه.
و ما رواه الجمهور في صفة ذات الرقاع،و الخاصّة رواية الحلبيّ و قد سلف كل ذلك (5).و لأنّ الأولى أدركت فضيلة الإحرام،فينبغي أن يسلّم بالثانية ليحصل (6)التعادل.
و لأنّ صلاة الخوف مبنيّة على التخفيف،و ما ذكر (7)مالك مناف له.
لا يقال:قد روى الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأصحابه في غزاة ذات الرقاع[صلاة الخوف] (8)ففرّق (9)أصحابه فرقتين»ثمَّ ذكر الحديث إلى قوله:«و جاء أصحابهم فقاموا خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلّى بهم ركعة ثمَّ تشهّد و سلّم عليهم،فقاموا فصلّوا
ص:424
لأنفسهم ركعة و سلّم بعضهم على بعض» (1).
لأنّا نقول-مع سلامة السند-:إنّ هذا مبنيّ على اعتبار المصلحة،ففي موضع الحاجة إلى السرعة ينبغي العمل على ما بيّنّاه،و في حال عدم الحاجة يجوز ذلك.
و قال الشافعيّ (2)،و أبو حنيفة (3)،و الأوزاعيّ (4)،و أحمد:يجوز لكن لا يقصّر (5).
و قال مالك:لا يجوز فعلها في الحضر (6).
لنا:قوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ (7).و ذلك عامّ في كلّ حال.
و لأنّها صلاة خوف فجازت في الحضر كالسفر.
احتجّ مالك بأنّ الآية دلّت على صلاة ركعتين،و ذلك مختصّ بالسفر.و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (8)لم يفعلها في الحضر (9).
ص:425
و الجواب عن الأوّل:أنّا نقول بموجبة،و قد بيّنّا وجوب التقصير في الحضر (1).
و أيضا:فإنّه قد يكون في الحضر ركعتان كالجمعة و الفجر.و لأنّ ما ذكره ينتقض بالمغرب و يجوز فعلها في السفر و الحضر معا إجماعا.
و عن الثاني:أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يتّفق له بعد نزول صلاة الخوف خوف في الحضر،لأنّ ذلك كان بعد الخندق (2).
وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ (1)نفى الحرج بشرط الأذى فيثبت مع عدمه.و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (2)هكذا فعل،و قال عليه السلام:«صلّوا كما رأيتموني أصلّي» (3).
احتجّ المخالف بأنّه لو وجب لكان شرطا،كالسترة (4).
و الجواب:المنع من الملازمة.و القياس لا يفيد في مقابلة النصّ.
قالوا:الأمر للترفّق و التحفّظ فلا يكون واجبا (5).
و الجواب بعد تسليم أنّه للتحفّظ:لا نسلّم عدم الوجوب،فإنّ حفظ النفس من الواجبات.
الأوّل:أخذ السلاح و إن كان واجبا،إلاّ أنّه ليس جزءا من الصلاة و لا شرطا فيها، فلا تبطل بالإخلال به.
الثاني:لو منع السلاح شيئا من واجبات الصلاة لم يجز أخذه.
الثالث:لو كان السلاح نجسا لم يجز أخذه على قول (6).و قيل بالجواز،عملا بالعموم (7).و الوجه اعتبار الحاجة.
الرابع:لو لم يمنع السلاح شيئا من الواجبات و منع الإكمال قال الشافعيّ:يكره
ص:427
حمله (1).و فيه تردّد.
الخامس:لو كان بهم أذى من مطر أو مرض أو غيره لم يجب أخذ السلاح بلا خلاف، لثبوت النصّ الدالّ على نفي الحرج فيه.
الإمكان
قائما و ماشيا و راكبا مستقبل القبلة إن أمكنه و لو بتكبيرة الإحرام،و غير مستقبل،و سجد على قربوس سرجه،و إن لم يتمكّن أومأ،و يكون سجوده أخفض من ركوعه،و يتقدّمون و يتأخّرون،و يطعنون،و يكرّون و يقرّون (2)،و لا يؤخّرون الصلاة.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول أكثر أهل العلم (3).
و قال أبو حنيفة (4)،و ابن أبي ليلى:لا يصلّي مع المسايفة و لا مع المشي (5).
و قال الشافعيّ:يصلّي،فإن تتابع الضرب،أو الطعن،أو المشي،أو فعل ما يطول بطلت صلاته (6).
لنا:قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً (7).و رجال:جمع راجل كصاحب و صحاب.
و ما رواه الجمهور عن ابن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«فإن كان الخوف
ص:428
أشدّ من ذلك،صلّوا رجالا قياما على أقدامهم و ركبانا مستقبلي القبلة و غير مستقبليها» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة و فضيل و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«في صلاة الخوف عند المطاردة و المناوشة و تلاحم القتال[فإنّه] (2)يصلّي كلّ إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه فإذا كانت المسايفة و المعانقة و تلاحم القتال،فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام ليلة صفّين-و هي ليلة الهرير- لم يكن صلّى بهم (3)الظهر و العصر و المغرب و العشاء عند وقت كلّ صلاة إلاّ بالتكبير و التهليل و التسبيح و التحميد و الدعاء،فكانت تلك صلاتهم[و] (4)لم يأمرهم بإعادة الصلاة» (5).
و في الصحيح عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«صلاة الزحف على الظهر إيماء برأسك و تكبير،و المسايفة تكبير مع (6)إيماء،و المطاردة إيماء، يصلّي كلّ رجل على حياله» (7).و لأنّه مكلّف يصحّ منه الطهارة،فلا يجوز له ترك الصلاة في جميع أجزاء الوقت (8)،كالمريض.
احتجّ أبو حنيفة (9)بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أخّر الصلاة يوم الخندق فلم
ص:429
يصلّ (1).و لأنّ ما منع من الصلاة في غير شدّة الخوف منعها معه،كالحدث و الصياح (2).
و احتجّ الشافعيّ بأنّ الفعل الطويل مبطل،فكذا في حال الشدّة،كالحدث (3).
و الجواب عن الأوّل:أنّ أبا سعيد الخدريّ روى أنّ آية الخوف نزلت بعد واقعة الخندق (4).و يؤيّده:أنّ ذلك اليوم لم يكن هناك مسايفة تبطل الصلاة.
و عن الثاني:بظهور الفرق بين حالتي الشدّة و عدمها،و كذا بين الطعن و الضرب، و بين الصياح و الحدث،للحاجة إلى الأوّلين (5)دون الباقين (6).
و ممّا يوجب التعجّب أنّ أبا حنيفة اختار من الصلاة (7)المشهورة ما نقلها،مع اشتمالها على أفعال كثيرة منافية للصلاة،و مبطلات كثيرة من استدبار القبلة و القتال في حال يستغنى عنه،و سوّغ ذلك مع أنّ الحال لم يبلغ إلى ما يحوج (8)إليه،و منعه في حال لا يقدر إلاّ عليه،مع نصّ اللّه تعالى في الترخّص في هذا (9)الحال.
و قول الشافعيّ باطل،لأنّه عمل أبيح من أجل الخوف،فأشبه استدبار القبلة و الركوب و الإيماء.
و لأنّ أحد الأمور ثابت على تقدير الحاجة إلى الفعل الكثير،و هو إمّا تأخير الصلاة عن وقتها،أو ترك القتال،أو فعل الصلاة.و الأوّل باطل بالإجماع بيننا و بينه،و الثاني
ص:430
باطل،لقوله تعالى وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (1).و بالإجماع على عدم لزوم ترك القتال،فبقي (2)الثالث،و مع الجواز لا بطلان.
صورتها:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر.و ذلك يجزئه عن القراءة و الركوع و السجود،لما تقدّم في حديث زرارة و فضيل و محمّد بن مسلم،و حديث الحلبيّ (3).
و ما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن المغيرة،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«أقلّ ما يجزئ في حدّ المسايفة من التكبير تكبيرتان لكلّ صلاة، إلاّ المغرب فإنّ لها ثلاثا» (4).
و في الموثّق عن زرعة قال:سألته عن صلاة القتال،فقال (5):«إذا التقوا فاقتتلوا فإنّما الصلاة حينئذ بالتكبير،و إذا كانوا وقوفا لا يقدرون على الجماعة (6)فالصلاة إيماءا» (7).
و رواه في الصحيح عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السلام (8).
و روى ابن بابويه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«فات الناس مع عليّ عليه السلام يوم صفّين صلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء فأمرهم فكبّروا و هلّلوا
ص:431
و سبّحوا (1)رجالا و ركبانا» (2).
و به قال الشافعيّ (3).و قال أبو حنيفة:لا يجوز (4).
لنا:الآية و الخبر و لم يفرق.و بعموم (5)الأمر بالجماعة.و لأنّها حالة يجوز فيها فعل الصلاة مع الانفراد،فيجوز فيها الجماعة،كركوب السفينة.
احتجّ أبو حنيفة بأنّهم إذا كانوا ركبانا كان بينهم و بين الإمام طريق،و ذلك يمنع من الجماعة (6).
و الجواب:قد تقدّم أنّ الطريق ليس مانعا (7).
سواء كان من لصّ أو سبع أو غرق أو غير ذلك،لقوله تعالى فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا (9).دلّ من حيث المنطوق على خوف العدوّ،و من حيث المفهوم على ما عداه من المخوفات.
و ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قلت (10):
ص:432
و ما تقول إن خاف من سبع أو لصّ كيف يصلّي؟قال:«يكبّر و يومئ برأسه» (1).
و ما رواه في الصحيح عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السلام قال:سألته عن الرجل يلقى السبع و قد حضرت الصلاة و لا يستطيع المشي مخافة السبع،فإن قام يصلّي،خاف في ركوعه و في (2)سجوده السبع،و السبع أمامه على غير القبلة،فإن توجّه إلى القبلة خاف أن يثب عليه الأسد كيف يصنع؟قال:فقال:«يستقبل الأسد و يصلّي و يومئ برأسه إيماءا و هو قائم و إن كان الأسد على غير القبلة» (3).
و عن إسحاق بن عمّار،عمّن حدّثه،عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الّذي يخاف السبع أو يخاف عدوّا يثب عليه أو يخاف اللصوص:«يصلّي على دابّته إيماءا الفريضة» (4).
و في الصحيح عن زرارة قال:قال أبو جعفر عليه السلام:«الّذي يخاف اللصوص و السبع يصلّي صلاة المواقفة إيماءا على دابّته»قال:قلت:أرأيت إن لم يكن المواقف على وضوء كيف يصنع و لا يقدر على النزول؟قال:«يتيمّم (5)من لبد سرجه أو دابّته و (6)من معرفة دابّته،فإنّ فيها غبارا،و يصلّي و يجعل السجود أخفض من الركوع،و لا يدور إلى القبلة و لكن أينما دارت دابّته،غير أنّه يستقبل القبلة بأوّل تكبيرة حين يتوجّه» (7).
الأوّل:قال:بعض علمائنا:التقصير في عدد الركعات إنّما يكون في صلاة الخوف من
ص:433
العدوّ أو في السفر،أمّا غيرهما فلا،فالخائف من السبع و شبهه يتمّ عنده (1).و فيه تردّد.
الثاني:لو هرب من العدوّ أو من السبع أو من الحريق أو من السيل و ما أشبهه،بحيث لا يمكنه التخلّص منه بدون الهرب فله أن يصلّي صلاة شدّة الخوف في حال هربه،سواء خاف على نفسه أو أهله أو ماله،و كذا الأسير و المختفي في موضع.و لو كان المختفي قاعدا لا يمكنه القيام،أو مضطجعا لا يمكنه الجلوس صلّى على حسب حاله و لا إعادة عليه.و به قال أحمد (2)،و محمّد بن الحسن (3).
و قال الشافعيّ:يعيد (4).و ليس بجيّد،لأنّه خائف صلّى على حسب ما يمكنه،فلا إعادة عليه كالهارب.و لا فرق بين السفر و الحضر.
الثالث:لو أمكن التخلّص من المخوف-كالهارب من السيل يصعد ربوة، (5)و الخائف من عدوّ (6)يمكنه دخول حصن يأمن فيه من العدوّ فيصلّي فيه ثمَّ يخرج-لم يترخّص (7)،لأنّ الضرورة المبيحة تزول.
الرابع:العاصي بهربه-كالهارب من حقّ توجّه عليه،و القاطع للطريق،و اللصّ- ليس له أن يصلّي صلاة شدّة الخوف،لأنّ الموجب للترخّص ثبوت الدفع عن النفس في محلّ مباح،فلا يثبت بالمعصية.
الخامس:لو صلّى ركعة صلاة الخوف ثمَّ أمن أتمّ صلاة الآمن (8)،و كذا العكس
ص:434
يصلّي صلاة خائف،لزوال الموجب للترخّص،أو حصوله.و كما له الترخّص أو زواله في الابتداء فكذا في الأثناء،عملا بالاستصحاب.
السادس:لو صلّى راكبا ركعة صلاة شدّة الخوف فأمن نزل و أتمّ صلاة آمن (1)، بشرط أن لا يستدبر القبلة،و لا يخلّ بشيء من الواجبات في حال نزوله،فإن استدبر أو أخلّ بطلت صلاته.
و لو صلّى على الأرض ركعة صلاة آمن (2)ثمَّ خاف ركب و أتمّ.و قال الشافعيّ:
تبطل صلاته (3).و فرّق بين النزول و الصعود،لأنّ الركوب فعل كثير بخلاف النزول.
و قال في كتاب الأمّ:يبني على صلاته في الحالين (4). (5)و ما ذكره ليس بجيّد،لأنّه فعل مأذون فيه شرعا فلا يكون مبطلا.و لأنّ الفعل الكثير سقط اعتباره في نظر الشرع في صلاة شدّة الخوف.و لأنّه قد يكون الرجل فارسا فيكون ركوبه أسهل من نزول غيره.
السابع:لو كان بينهم و بين العدوّ حائل فخافوا إزالته صلّوا صلاة الخوف على حسب حالهم،لوجود السبب.
الثامن:لو رأوا العدوّ فصلّوا صلاة الخوف،ثمَّ ظهر الحائل لم يلزمهم الإعادة،خلافا للشافعيّ في أحد قوليه (6).
لنا:أنّها صلاة مأمور بها،فتكون مجزئة.
قالوا:إنّهم ظنّوا ما ليس بثابت فلا حكم له،كما لو ظنّوا الطهارة و تيقّنوا بعد ذلك
ص:435
الحدث (1).
و الجواب:التقدير أنّ السبب المخوف متحقّق فلا ظنّ فيه،أقصى ما في الباب أنّه خفي المانع عليهم.
التاسع:لو رأوا سوادا أو جماعة فظنّوهم (2)عدوّا فصلّوا صلاة الخوف،ثمَّ انكشف لهم فساد ظنّهم،لم يعيدوا.و به قال أبو إسحاق (3)،و للشافعيّ قولان:أحدهما:الإعادة مطلقا،ذكره في الأمّ (4)،و به قال أبو حنيفة (5).
و قال في الإملاء إن صلّوا بخبر (6)ثقة فلا إعادة (7).
لنا:أنّها صلاة مشروعة فتجزئ،كما لو كان عدوّا.
احتجّوا بأنّهم صلّوا صلاة الخوف مع عدم العدوّ،فأشبه ما إذا لم يظنّوا (8).
و الجواب:المقتضي للترخّص الخوف،لا وجود العدوّ.
العاشر:لا يجوز أن يصلّي صلاة الخوف في طلب العدوّ،لأنّه أمن (9)و طلبهم تطوّع، فإن لم يأمن كرّة العدوّ عليه،صلّى الإمام بالناس صلاة الخوف،لوجود السبب.
و لو كان العدوّ كثيرا و المسلمون قليلون،جاز لهم أن يصلّوا صلاة شدّة الخوف، لأنّهم لا يأمنون كرّتهم عليهم.
الحادي عشر:لو هرب من خوف حيّة أن تنهشه صلّى صلاة شدّة الخوف حال
ص:436
عدوه،لوجود السبب.و لا إعادة عليه،للامتثال.و قال المزنيّ:عليه الإعادة،لأنّ الهرب من الحيّة عذر نادر،فلا يسقط القضاء (1).
و الجواب:السبب هو الخوف و ليس بنادر و إن تعدّدت أسبابه و ندر بعضها، كما أنّ خوف الضرر من المرض غير نادر و إن كان فيها مرض نادر.
بأن يفرّقهم فرقتين،فيخطب للأولى،ثمَّ يصلّي بهم ركعة و يتمّون،ثمَّ تجيء الطائفة الثانية، فيصلّي بهم الركعة الثانية و يتمّون،و يسلّم بهم،عملا بالعموم.
لا يقال:العدد شرط في الجمعة،و مع مفارقة الأولى يبقى الإمام منفردا،فلا تصحّ جمعته.
لأنّا نقول:أمّا أوّلا:فإنّ هذا لا يتأتّى على مذهبنا،إذ قد بيّنّا أنّ تفرّق المأمومين عن (2)الإمام بعد الدخول في الصلاة لا تبطل الجمعة (3).
و أمّا ثانيا:فالتفرّق هاهنا للعذر (4)،فلم يكن مبطلا.و لأنّ الإمام هاهنا منتظر للطائفة الثانية،فالتفرّق و إن وجد صورة فإنّه منفيّ حكما.
لا يقال:قد منعتم من تعاقب الجمعتين،و هاهنا قد عقدتم للطائفة الثانية جمعة بعد فراغ الأولى.
لأنّا نقول:الإمام لم يتمّ جمعته،و إنّما أدركت الأوّلة (5)معه ركعة،و أصل الجمعة الّتي عقدها الإمام لم يتمّ،و جرى حكم الطائفة الثانية مجرى المسبوق.
ص:437
الأوّل:يشترط في الطائفة الأولى عدد الجمعة،لأنّ الانعقاد بها يحصل،أمّا الطائفة الثانية فلا يشترط فيها ذلك،لحصول الانعقاد أوّلا،خلافا لبعض الشافعيّة (1).
الثاني:لو خطب بالطائفة الأولى و لم يصلّ بهم ثمَّ مضوا إلى العدوّ و جاءت الطائفة الثانية،قال الشيخ:لا يجوز أن يصلّي بهم الجمعة إلاّ أن يعيد الخطبة و يكون العدد حاصلا (2).و هو حسن.
و لو مضى بعضهم و يخلف العدد صحّت صلاة الجمعة.
الثالث:لو خطب و صلّى بالطائفة الأولى الجمعة لم يجز أن يصلّي بالطائفة الثانية الجمعة مرّة أخرى،لأنّ تعاقب الجمعتين غير سائغ.و لا يختلف الحكم فيما ذكرناه بين الصحاري و البنيان،خلافا للجمهور،و قد سلف (3).
الرابع:و لا بأس بصلاة الاستسقاء في الخوف على صفة صلاة الخوف،و لو كان في شدّة الخوف أمكن أن يقال بالجواز أيضا.
و يصلّي للخسوف و العيدين في الخوف و شدّته،لأنّهما واجبان،و بالترك يفوتان.
الخامس:لو صلّى صلاة الخوف في الأمن،قال في المبسوط:صحّت صلاة الإمام و المأموم و إن تركوا الأفضل من حيث فارقوا الإمام،سواء كان كصلاة ذات الرقاع أو صلاة عسفان أو بطن النخل (4).
أمّا لو صلّى صلاة شدّة الخوف لم يصحّ،لأنّهم يخلّون بكثير من الواجبات،فيجب عليهم الإعادة.
و لا يقصّران الصلاة عددا،
ص:438
و يجوز أن يقصّروا (1)كيفيّتها للضرورة،لأنّ الأصل وجوب الإتمام،ترك (2)العمل به في الخوف و السفر،فيبقى الباقي على حكمه.
لوجود المقتضي و هو عموم الأمر.و يصلّي على حسب إمكانه،فإن تمكّن من القيام وجب عليه.
و إن لم يتمكّن صلّى جالسا،فإذا أراد الركوع قام فركع،فإن لم يتمكّن من القيام حينئذ ركع من جلوس و سجد لذلك (3)،و إن لم يتمكّن رفع شيئا و سجد عليه.
فإن لم يتمكّن من الصلاة جالسا صلّى مضطجعا،فإذا أراد الركوع قام و ركع، و إن لم يتمكّن قعد و ركع.
و إن لم يتمكّن من الصلاة مضطجعا صلّى مستلقيا على ظهره،فإذا أراد الركوع غمّض عينيه،فإذا أراد رفع رأسه فتحهما،فإذا أراد السجود غمّضهما،فإذا أراد رفع رأسه من السجود فتحهما،فإذا أراد السجود ثانيا غمّضهما،فإذا أراد رفع رأسه فتحهما.و هكذا يكون صلاته،لوجود الضرورة.
و لما رواه الشيخ عن محمّد بن إبراهيم،عمّن حدّثه،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
«يصلّي المريض قائما،فإن لم يقدر على ذلك صلّى جالسا،فإن لم يقدر على ذلك صلّى مستلقيا،يكبّر ثمَّ يقرأ،فإذا أراد الركوع غمّض عينيه ثمَّ يسبّح،فإذا سبّح فتح عينيه، فيكون فتحه عينيه رفعه رأسه من الركوع،فإذا أراد أن يسجد غمّض عينيه ثمَّ يسبّح،فإذا سبّح فتح عينيه،فيكون فتحه عينيه (4)رفعه رأسه من السجود،ثمَّ يتشهّد و ينصرف» (5).
و في الحسن عن أبي حمزة،عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ:
ص:439
اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً قال:«الصحيح يصلّي قائما وَ قُعُوداً المريض يصلّي جالسا وَ عَلى جُنُوبِهِمْ (1)الّذي يكون أضعف من المريض الّذي يصلّي جالسا» (2).
و عن حمّاد (3)عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا، كيف قدر صلّى،إمّا أن يوجّه يومئ إيماءا،و قال:يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده و ينام على جنبه الأيمن،ثمَّ يومئ بالصلاة،فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر، فإنّه له جائز،و يستقبل (4)بوجهه القبلة،ثمَّ يومئ بالصلاة إيماءا» (5).
عليه ذلك،
و لا يجوز له الصلاة جالسا إلاّ مع عدم الوصلة،لأنّ القيام واجب و لا يتمّ إلاّ بما ذكرناه،فيكون واجبا.
و لما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام:
«و لا تستند إلى جدار إلاّ أن تكون مريضا» (6).و الاستثناء من النفي إثبات.
لأجل
ص:440
الضرورة.روى (1)الشيخ في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام قال:سألته عن المريض،قال:«يسجد على الأرض أو على مروحة أو على مسواك يرفعه،هو أفضل من الإيماء» (2).
و روى في الموثّق عن سماعة قال:سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس،قال:
«فليصلّ و هو مضطجع (3)و ليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنّه يجزئ عنه،و لن يكلّف اللّه ما لا طاقة له به» (4).
في طرفي الزيادة و النقصان، فلو صلّى مضطجعا فوجد خفّة للقعود،قعد و أتمّ صلاته.
و كذا لو صلّى جالسا فوجد خفّة للقيام،قام و أتمّ،و لا يستأنف،لأنّ الدخول في تلك الحال وقع مشروعا،و الإعادة (5)يحتاج إلى دليل.
و كذا لو صلّى قائما فتجدّد العجز صلّى جالسا،أو كان جالسا فعجز (6)اضطجع و أتمّ صلاته من غير استئناف.
و صلّى بالإيماء إذا لم يتمكّن من الركوع و السجود،دفعا للحرج.
و لما رواه الشيخ عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخيّ قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء،و لا يمكنه الركوع و السجود،فقال:
ص:441
«ليؤم برأسه إيماءا،و إن كان له من يرفع الخمرة فليسجد،فإن لم يمكنه (1)ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماءا»قلت:فالصيام؟قال:«إذا (2)كان في ذلك الحدّ فقد وضع اللّه عنه،فإن كانت له مقدرة فصدقة مدّ من طعام بدل كلّ يوم أحبّ إليّ،و إن لم يكن له يسار ذلك فلا شيء عليه» (3).
و قد حدّه شيخنا رحمه اللّه (4)بعدم القدرة على المشي مقدار الصلاة (5).
لنا:ما رواه الشيخ رحمه اللّه في الصحيح عن جميل قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام:ما حدّ المرض الّذي يصلّي معه صاحبه قاعدا؟ (6)فقال:«إنّ الرجل ليوعك و يحرج و لكنّه أعلم بنفسه إذا قوي فليقم» (7).
و عن عمر بن أذينة،عمّن أخبره،عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل،ما حدّ المرض الّذي يفطر صاحبه،و المرض الّذي يدع صاحبه فيه الصلاة قائما؟قال:
بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (8)و قال (9):«ذاك إليه هو أعلم بنفسه» (10).
احتجّ الشيخ بما رواه عن سليمان بن حفص المروزيّ قال:قال الفقيه عليه السلام:
ص:442
«المريض إنّما يصلّي قاعدا إذا صار الحال الّتي لا يقدر فيها أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما» (1).
و الجواب:المعارضة بما ذكرناه.و لأنّه تحديد للغالب لا للدائم،و قد جعله في المبسوط رواية،و اختار ما قلناه (2).
فإذا أراد الركوع يثنّي (3)رجليه،فإن لم يتمكّن جلس كيف ما أراد.
و إن تمكّن من الإتيان بكمال الركوع (4)و السجود،لأنّ التشديد فيها ليس كالتشديد في الفرائض.
لوجود الضرورة.
و لما رواه الشيخ عن سماعة قال:سألته عن الأسير يأسره المشركون فتحضر[ه] (5)الصلاة،فيمنعه الّذي أسره منها،قال:«يومئ إيماءا» (6).و كذا المصلوب يصلّي بالإيماء.
أمّا العاري،فإنّه يجتهد في ستر عورتيه (7)-قبله و دبره-بمهما اتّفق من ورق الشجر و غيره،فإن لم يتمكّن صلّى جالسا إن كان معه غيره،أو كان في موضع لا يأمن من اطّلاع غيره عليه،و لو أمن المطّلع صلّى قائما.
و لو كانوا جماعة كذلك صلّوا جلوسا،و يقدّم إمامهم بركبتيه،و يجعل ركوعه
ص:443
و سجوده بالإيماء،و يكون سجوده أخفض من ركوعه.قال الشيخ:و يركع من خلفه و يسجد (1).
روى الشيخ في الحسن عن زرارة قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:رجل خرج من سفينة (2)عريانا،أو سلب ثيابه و لم يجد شيئا يصلّي فيه،فقال:«يصلّي إيماءا،و إن كانت امرأة جعلت يدها (3)على فرجها،و إن كان رجلا وضع يده على سوأته،ثمَّ يجلسان فيومئان إيماءا،و لا يركعان و لا يسجدان فيبدو ما خلفهما،تكون صلاتهما إيماءا برؤوسهما» (4).
و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة،قال:«يتقدّمهم الإمام بركبتيه،و يصلّي بهم جلوسا و هو جالس» (5).
لو لم يجد العاري إلاّ حفرة نزل فيها و استتر عن الناس و صلّى،لأنّ ستر العورة واجب بقدر الإمكان،و في النزول قدر من الاستتار مطلوب،فيجب.
و لما رواه الشيخ عن أيّوب بن نوح،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:«العاري الّذي ليس له ثوب إذا وجد حفرة دخلها فسجد (6)فيها
ص:444
و ركع» (1).
إذا تمكّن من استيفاء الأفعال المطلوبة على وجهها،لأنّ المطلوب الأفعال،و التقدير حصولها.
و روى الشيخ عن هارون بن حمزة الغنويّ،عن أبي عبد اللّه عليه السلام،قال:سألته عن الصلاة في السفينة،فقال:«إذا (2)كانت محملة ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرّك فصلّ قائما، و إن كانت خفيفة تكفّأ فصلّ قاعدا» (3).
الأوّل:لو لم يتمكّن من الخروج،و لم يتمكّن من استيفاء الأفعال صلّى على حسب حاله،و يتحرّى وجود الأفعال على وجهها.
روى الشيخ في الحسن عن حمّاد بن عيسى قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يسئل عن الصلاة في السفينة،فقال:«إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا،فإن لم تقدروا فصلّوا قياما،فإن لم تستطيعوا فصلّوا قعودا و تحرّوا القبلة» (4).
الثاني:إذا لم يتمكّن من استقبال القبلة استقبل بتكبيرة الإحرام القبلة،ثمَّ صلّى كيف ما دارت السفينة.
قال الشيخ:و قد روي أنّه يصلّي إلى صدر السفينة،و ذلك يختصّ النوافل (5).
و الرواية رواها في التهذيب عن سليمان بن خالد قال:سألته عن الصلاة في السفينة،فقال:
ص:445
«يصلّي قائما،فإن لم يستطع القيام فليجلس و يصلّي و هو مستقبل القبلة،فإن (1)دارت السفينة فليدر مع القبلة إن قدر على ذلك،و إن لم يقدر على ذلك فليثبت على مقامه و ليتحرّ القبلة بجهده»و قال:«يصلّي النافلة مستقبل صدر السفينة و هو مستقبل القبلة إذا كبّر،ثمَّ لا يضرّه حيث دارت» (2).
الثالث:إذا صلّى في السفينة و لم يجد ما يسجد عليه سجد على خشبها،فإن كان مقيّرا وضع ثوبا و سجد عليه،فإن لم يكن معه ثوب،سجد على القير و قد أجزأه،لأجل الضرورة المبيحة لذلك.
الرابع:لا بأس بالجماعة فيها،عملا بعموم الأحاديث الدالّة على فضيلة الجماعة (3).
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب (4)بن شعيب،عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا بأس بالصلاة في جماعة في السفينة» (5).
و في الصحيح عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال:سألته عن قوم صلّوا جماعة في سفينة،أين يقوم الإمام؟و إن كان معهم نساء كيف يصنعون؟أ قياما يصلّون أم جلوسا؟قال:«يصلّون قياما،فإن لم يقدروا على القيام صلّوا جلوسا هم،و يقوم الإمام أمامهم و النساء خلفهم،و إن ضاقت (6)السفينة قعدن النساء و صلّى الرجال، و لا بأس أن يكون النساء بحيالهم» (7).
ص:446
لا يقال:يعارض (1)ذلك ما رواه الشيخ عن أبي هاشم الجعفريّ (2)قال:كنت مع أبي الحسن عليه السلام في السفينة[في دجلة] (3)فحضرت الصلاة،فقلت:جعلت فداك نصلّي في جماعة؟قال:فقال:«لا تصلّ في بطن واد جماعة» (4).
لأنّا نقول:إنّه محمول على الكراهية،أو على حال لا يتمكّن فيها من استيفاء الأفعال.
على أنّ طريقها لا يخلو من ضعف.
الخامس:روى الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السلام قال:«أصحاب السفن يتمّون الصلاة في سفنهم» (5).و هذه رواية صحيحة موافقة للمذهب.
السادس:قال الشيخ:إذا تمكّن من الخروج و الصلاة على الأرض كان أفضل (6).
و هو جيّد،لأنّ استيفاء الأفعال حينئذ يكون أتمّ.
تمَّ الجزء الثاني من كتاب منتهى المطلب في تحقيق المذهب و يتلوه في الجزء الثالث بعون اللّه تعالى:المقصد الثامن في الخلل الواقع في الصلاة.و الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على سيّد المرسلين محمّد و آله الطاهرين.كتبه العبد الفقير إلى اللّه تعالى مصنّفه
ص:447
حسن بن يوسف بن مطهّر الحلّيّ غفر اللّه له و لوالديه و للمؤمنين و المؤمنات،و ذلك في ثامن عشر من ربيع الأوّل من سنة ثلاث و ثمانين و ستّمائة (1)،و الحمد للّه وحده.
ص:448