سرشناسه:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق.
عنوان و نام پديدآور: منتهی المطلب فی تحقیق المذهب / للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر؛ تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
مشخصات نشر: مشهد : آستان قدس رضوی بنیاد پژوهش های اسلامی، 1414ق.= 1994م.= -1373
مشخصات ظاهری:15 ج.
شابک:19000 ریال:ج.7: 964-444-293-8
وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری
يادداشت: عربی.
يادداشت:فهرستنویسی براساس جلد ششم.
يادداشت:ج.7 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
یادداشت:نمایه.
موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.
موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه
شناسه افزوده:مجمع البحوث الاسلامية
رده بندی کنگره:BP182/3/ع8م8 1373
رده بندی دیویی:297/342
شماره کتابشناسی ملی:2559784
ص :1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص :2
منتهی المطلب فی تحقیق المذهب
للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر
تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
ص :3
سرشناسه:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق.
عنوان و نام پديدآور: منتهی المطلب فی تحقیق المذهب / للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر؛ تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
مشخصات نشر: مشهد : آستان قدس رضوی بنیاد پژوهش های اسلامی، 1414ق.= 1994م.= -1373
مشخصات ظاهری:15 ج.
شابک:19000 ریال:ج.7: 964-444-293-8
وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری
يادداشت: عربی.
يادداشت:فهرستنویسی براساس جلد ششم.
يادداشت:ج.7 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
یادداشت:نمایه.
موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.
موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه
شناسه افزوده:مجمع البحوث الاسلامية
رده بندی کنگره:BP182/3/ع8م8 1373
رده بندی دیویی:297/342
شماره کتابشناسی ملی:2559784
ص :4
ص :5
ص :6
قال اللّه تعالى وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (2).و قال تعالى وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللّهِ وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ (3)يعني:دعاه (4).
و روي،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:(إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان مفطرا فليطعم،و إن كان صائما فليصلّ) (5).
و قال الأعشى:
تقول بنتي و قد قربت مرتحلا يا ربّ جنّب أبي الأوصاب و الوجعا
عليك مثل الّذي صلّيت فاغتمضي نوما فإنّ لجنب المرء مضطجعا (6)
ص:7
و قال:
و صلّى على دنّها و ارتسم (1)
أي دعا لها.و قيل:إنّها للمتابعة (2)،و لهذا سمّي المصلّي مصلّيا،لأنّه يتبع السّابق.
و أمّا في الشّرع،فإنّها عبارة عن الأفعال المخصوصة المقترنة بالأذكار المعيّنة.و قد تتجرّد الأفعال عن الأذكار،كصلاة الأخرس،و بالعكس،كالصّلاة بالتّسبيح.
و الأقرب انّ إطلاق اللّفظ الشّرعيّ حقيقة في الأوّل و مجاز في الأخيرين،فإذا علّق حكم على الصّلاة انصرف بإطلاقه إلى ذات الرّكوع و السّجود،صرفا للّفظ عند إطلاقه إلى الحقيقة.
و هي واجبة بالكتاب و السّنّة و الإجماع،قال اللّه تعالى أَقِيمُوا الصَّلاةَ (3)و قال وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ (4)و قال أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (5)و قال اِرْكَعُوا وَ اسْجُدُوا (6)و قال حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (7)و قال إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (8)
ص:8
الآيات كثيرة.
و روي،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال:(بني الإسلام على خمس:شهادة أن لا إله إلا اللّه و انّ محمّدا رسول اللّه،و إقام الصّلاة،و إيتاء الزّكاة، و صيام رمضان،و حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (1).
و روى ابن بابويه في الصّحيح،عن زرارة قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:
أخبرني عمّا فرض اللّه تعالى من الصّلوات؟فقال:«خمس صلوات في اللّيل و النّهار» (2).و لا خلاف بين المسلمين في وجوب خمس صلوات متكرّرة في اليوم و اللّيلة.
و هي من أفضل العبادات و أهمّها في نظر الشّرع،روى ابن بابويه،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«ما من صلاة يحضر وقتها إلاّ نادى ملك بين يدي النّاس،أيّها النّاس قوموا إلى نيرانكم الّتي أوقدتموها على ظهوركم فأطفؤوها بصلاتكم» (3).
و دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المسجد،و فيه ناس من أصحابه،فقال:
تدرون ما قال ربّكم؟قالوا:اللّه و رسوله أعلم،فقال:«انّ ربّكم يقول:هذه الصّلوات الخمس المفروضات من صلاهنّ لوقتهنّ و حافظ عليهنّ لقيني يوم القيامة و له عندي عهد أدخله به الجنّة،و من لم يصلّهنّ لوقتهنّ و لم يحافظ عليهنّ فذاك إليّ إن شئت عذّبته،و إن شئت غفرت له» (4).
ص:9
و قال الصّادق عليه السّلام:«أوّل ما يحاسب[به] (1)العبد الصّلاة،فإذا قبلت قبل منه سائر عمله،و إذا ردّت عليه ردّ عليه سائر عمله» (2).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إذا زالت الشّمس فتحت أبواب السّماء و أبواب الجنان و استجيب الدّعاء،فطوبى لمن رفع له عند ذلك عمل صالح» (3).
و قال الرّضا عليه السّلام:«الصّلاة قربان كلّ تقيّ» (4).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إنّما مثل الصّلاة فيكم كمثل السّريّ-و هو النّهر-على باب أحدكم يخرج إليه في اليوم و اللّيلة يغتسل منه خمس مرّات،فلم يبق الدّرن على (5)الغسل خمس مرّات،و لم تبق الذّنوب على (6)الصّلاة خمس مرّات» (7).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«ليس منّي من استخفّ بصلاته،لا يرد عليّ الحوض لا و اللّه،ليس منّي من شرب مسكرا،لا يرد عليّ الحوض لا و اللّه» (8).
و قال الصّادق عليه السّلام:«انّ شفاعتنا لا تنال مستخفّا بالصّلاة» (9).
و روى ابن يعقوب في الصّحيح،عن معاوية بن وهب قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم و أحبّ ذلك إلى اللّه عزّ و جلّ ما هو؟فقال:«ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصّلاة،ألا ترى انّ العبد الصّالح عيسى بن مريم عليه السّلام قال:
ص:10
وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (1) (2).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لا يزال الشّيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصّلوات الخمس،فإذا ضيّعهنّ تجرّأ عليه فأدخله في العظائم» (3).
و روى ابن يعقوب في الحسن،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:
«بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلّي فلم يتمّ ركوعه و لا سجوده،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:نقر كنقر الغراب،لئن مات هذا و هكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» (4).
و هي واجبة و مندوبة.
و الواجبات تسع:الصّلوات الخمس اليوميّة،و صلاة الجمعة،و العيدين، و الكسوف،و الزّلزلة،و الآيات،و صلاة الطّواف الواجب،و ما يوجبه الإنسان على نفسه بنذر،أو عهد أو يمين.و ما عدا ذلك مسنون.
في قول أهل العلم كافّة،إذ التّكليف منوط بالوصفين بلا خلاف.و هل التّمكّن من الطّهور شرط في الوجوب أم لا؟مضى البحث فيه (5).
ص:11
و ليس الإسلام شرطا في الوجوب عندنا و عند أكثر أهل العلم (1)،خلافا لأصحاب الرّأي (2)،و قد تقدّم البحث في ذلك حيث بيّنّا انّ الكفّار مخاطبون بالفروع (3).
بلا خلاف بين أهل الإسلام:
الظّهر أربع ركعات بتشهّدين و تسليم،و العصر كذلك،و المغرب ثلاث بتشهّدين و تسليم، و العشاء كالظّهر،و الصّبح ركعتان بتشهّد و تسليم.و يسقط في السّفر من كلّ رباعيّة ركعتان.
و ما عدا ما ذكرنا من الصّلوات غير واجب.و هو قول علمائنا أجمع،و أكثر أهل العلم (4).و قال أبو حنيفة:الوتر واجب (5).و هو عنده ثلاث ركعات بتسليمة واحدة لا يزاد عليها و لا ينقص،و أوّل وقته بعد المغرب و العشاء مقدّمة،و آخره الفجر (6).
لنا:التّمسّك بالأصل،و ما رواه الجمهور،عن طلحة بن عبيد اللّه انّ أعرابيّا أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقال:يا رسول اللّه،ما ذا فرض اللّه عليّ من الصّلاة؟ قال:(خمس صلوات)فقال:هل علي غيرها؟قال:(لا،إلاّ أن تتطوّع شيئا)فقال الرّجل:و الّذي بعثك بالحقّ لا أزيد عليها و لا أنقص منها،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:(أفلح الرّجل إن صدق) (7).
ص:12
و ما رووه،عن عليّ عليه السّلام انّ الوتر ليس بحتم و لا[كصلاتكم] (1)المكتوبة،و لكنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أوتر،ثمَّ قال:(يا أهل القرآن أوتروا، فإنّ اللّه وتر يحبّ الوتر) (2).
و عن أنس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:(فرض اللّه على أمّتي خمسين صلاة)و ذكر الحديث إلى أن قال:فرجعت فقال:(هي خمس و هي خمسون لا يبدّل القول لديّ) (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن أبان بن تغلب قال:صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السّلام بالمزدلفة،فلمّا انصرف التفت إليّ فقال:«يا أبان، الصّلوات الخمس المفروضات من أقام حدودهنّ و حافظ على مواقيتهنّ لقي اللّه يوم القيامة و له عنده عهد يدخله به الجنّة،و من لم يقم حدودهنّ و لم يحافظ على مواقيتهنّ لقي اللّه و لا عهد له،إن شاء عذّبه و إن شاء غفر له» (4).
و في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سألته عمّا فرض اللّه من الصّلاة؟فقال:«خمس صلوات في اللّيل و النّهار» (5)الحديث.
و عن أبي أسامة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه سئل عن الوتر،فقال:«سنّة ليس بفريضة» (6).
ص:13
و عن الحلبيّ قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في الوتر:«إنّما كتب اللّه الخمس و ليس الوتر مكتوبة،إن شئت صلّيتها و تركها قبيح» (1)و لأنّها صلاة يجوز فعلها على الرّاحلة مع القدرة،فكانت نفلا كالسّنن.و لأنّ وجوب سادسة يستلزم نسخ قوله تعالى «وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى» (2)و ذلك لا يجوز بخبر الواحد.
احتجّ أبو حنيفة (3)بما روي،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:(انّ اللّه قد زادكم صلاة و هي الوتر) (4).
و بما روي عنه عليه السّلام،انّه قال:(الوتر حقّ فمن أحبّ أن يوتر بخمس فليفعل،و من أحبّ أن يوتر بثلاث فليفعل،و من أحبّ أن يوتر بواحدة فليفعل) (5).
و الجواب:انّ الزّيادة لا تستلزم الوجوب،و قوله:(الوتر حقّ)لا يدلّ على الوجوب،إذ الحقّ نقيض الباطل،و ذلك لا يستلزم الوجوب.
و أيضا:فلو كان واجبا لما تطرّقت إليه الزيادة و لا النّقصان كغيره من الواجبات،و ما ذكره من الحديث يدلّ على الزيادة و على النّقصان،إذ مذهبه انّ الوتر ثلاث (6).و من العجب انّ أبا حنيفة لا يعمل بخبر الواحد فيما تعمّ به البلوى (7)، و أوجب الوتر على كلّ مكلّف بخبر الواحد المعارض لما ذكرناه من الأدلّة.
قال حمّاد بن زيد:قلت لأبي حنيفة:كم الصّلوات؟قال:خمس،قلت:
ص:14
فالوتر؟قال:فرض،قلت:لا أدري تغلّط في الجملة أو في التّفصيل (1).
و الراتبة إلى تابعة للفرائض و إلى غير تابعة لها،فالتّابعة للفرائض ثلاث و عشرون ركعة،ركعتان قبل الفجر،و ثمان قبل الظّهر،و ثمان قبل العصر،و أربع بعد المغرب،و ركعتان من جلوس بعد العشاء تحسبان بركعة.
و قال الشّافعيّ في أحد الوجهين:إنّها إحدى عشرة ركعة:ركعتا الفجر،و أربع مع الظّهر،قبلها ركعتان،و بعدها ركعتان،و بعد المغرب ركعتان،و بعد العشاء ركعتان، و الوتر ركعة (2).و به قال أحمد (3).و في الوجه الثّاني:انّها ثلاث عشرة،و زاد ركعتين قبل الظّهر (4).و قال أبو حنيفة:ركعتان قبل الفجر،و أربع قبل الظّهر،و قبل العصر أربع في إحدى الرّوايتين (5).و في الأخرى:ركعتان،و ركعتان بعد المغرب،و أربع قبل العشاء أو بعدها،أيّهما أحبّ فعل (6).
لنا:انّها عبادة متلقّاة من الشّرع غير معقولة المعنى،بل المأخوذ فيها اتّباع ما وظّفه الشّارع،و المنقول عن أهل البيت عليهم السّلام يجب الأخذ به،لأنّهم أعرف بمظانّ الشّرع.
و قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن فضيل بن يسار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«الفريضة و النّافلة إحدى و خمسون ركعة،منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدّان بركعة[و هو قائم،الفريضة منها سبع عشرة ركعة] (7)،و النّافلة أربع و ثلاثون ركعة» (8).
ص:15
و في الصّحيح،عن الفضيل بن يسار و الفضل بن عبد الملك و بكير،قالوا:سمعنا أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي من التّطوّع مثلي الفريضة و يصوم من التّطوّع مثلي الفريضة» (1).
و عن حنّان قال:سأل عمرو بن حريث (2)أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا جالس عن صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟فقال:«كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يصلّي ثماني (3)ركعات الزوال،و أربعا الأولى،ثماني (4)بعدها،و أربعا العصر،و ثلاثا المغرب،و أربعا بعد المغرب،و العشاء الآخرة أربعا،و ثماني (5)صلاة اللّيل،و ثلاثا الوتر،و ركعتي الفجر،و صلاة الغداة ركعتين» (6).
و عن الحارث بن المغيرة النّصريّ (7)قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
ص:16
«صلاة النّهار ستّ عشرة ركعة،ثمان إذا زالت الشّمس،و ثمان بعد الظّهر،و أربع ركعات بعد المغرب،يا حارث لا تدعهنّ في سفر و لا حضر،و ركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصلّيهما و هو قاعد،و أنا أصلّيهما و أنا قائم،و كان يصلّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثلاث عشرة ركعة من اللّيل» (1).
احتجّ الشّافعيّ (2)بما روى ابن عمر،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:
(رحم اللّه امرأ صلّى قبل العصر أربعا) (3).
و عن عائشة لمّا سئلت عن صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقالت:كان يصلّي في بيته قبل الظّهر أربعا،ثمَّ يخرج فيصلّي،ثمَّ يدخل فيصلّي ركعتين و كان يصلّي المغرب،ثمَّ يدخل فيصلّي ركعتين،ثمَّ يصلّي بالنّاس العشاء و يدخل بيتي فيصلّي ركعتين (4).
احتجّ أحمد (5)بما رواه ابن عمر قال:حفظت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عشر ركعات،ركعتين قبل الظّهر،و ركعتين بعدها،و ركعتين بعد المغرب في بيته،و ركعتين بعد العشاء في بيته،و ركعتين قبل الصّبح (6).و مثله روت عائشة (7).
و الجواب:انّ هذه الأحاديث متعارضة،إذ ابن عمر قد روى حديثين غير متّفقين
ص:17
و كذا عائشة،و إذا اختلف نقل الرّاوي وجب اطّراحه خصوصا مع معارضة نقل أهل البيت عليهم السّلام و هم أعرف بذلك،مع انّ أحاديثهم لا تنافي ما قلناه،إذ ليس فيها نهي عن الزّائد،و لعلّه عليه السّلام كان يفعل البعض ظاهرا و الباقي في منزله فيخفى عن الرّاوي،و لأنّه مندوب قد يتركه في بعض الأوقات لعذر.
و فيها فضل كثير و ثواب جزيل،روى ابن بابويه قال:نزل جبرئيل عليه السّلام على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقال له:«يا جبرئيل عظني،قال:يا محمّد عش ما شئت فإنّك ميّت،و أحبب من شئت فإنّك مفارقه،و اعمل ما شئت فإنّك ملاقيه،شرف المؤمن صلاته باللّيل،و عزّه كفّ الأذى عن النّاس» (1).
و عن الصّادق عليه السّلام قال:«انّ من روح اللّه عزّ و جلّ ثلاثة:التّهجّد باللّيل،و إفطار الصّائم،و لقاء الإخوان» (2).
و قال الصّادق عليه السّلام:«عليكم بصلاة اللّيل فإنّها سنّة نبيّكم،و دأب الصّالحين قبلكم،و مطردة الدّاء عن أجسادكم» (3).
و مدح اللّه أمير المؤمنين عليه السّلام في كتابه بقيام اللّيل فقال عزّ و جل أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ (4)و آناء اللّيل:ساعاته.
ص:18
و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«انّ اللّه تبارك و تعالى إذا أراد أن يصيب أهل الأرض بعذاب قال:لو لا الّذين يتحابّون بجلالي،و يعمرون مساجدي،و يستغفرون بالأسحار لولاهم لأنزلت عذابي» (1).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذرّ رحمه اللّه:(يا أبا ذرّ احفظ وصيّة نبيّك:من ختم له بقيام ليله،ثمَّ مات فله الجنّة) (2).
و عن الصّادق عليه السّلام:«انّ الرّجل ليكذب الكذبة فيحرم بها صلاة اللّيل، فإذا حرم صلاة اللّيل حرم الرّزق» (3).
و عنه عليه السّلام:«صلاة اللّيل تحسّن الوجه،و تحسّن الخلق،و تطيّب الرّيح، و تدرّ الرّزق،و تقضي الدّين،و تذهب بالهمّ،و تجلو البصر» (4).
و روى الشّيخ،عن النّوفليّ قال:سمعته يقول:«انّ العبد ليقوم في اللّيل فيميل به النّعاس يمينا و شمالا و قد وقع ذقنه على صدره،فيأمر اللّه تعالى أبواب السّماء فتفتح،ثمَّ يقول للملائكة:انظروا إلى عبدي ما يصيبه في التّقرّب إليّ بما لم افترض عليه راجيا منّي ثلاث خصال:ذنبا أغفره له،أو توبة أجدّدها له،أو رزقا أزيده فيه،اشهدوا ملائكتي انّي قد جمعتهنّ له» (5)و الأخبار في ذلك كثيرة.
ثمان منها صلاة اللّيل،و اثنتان
ص:19
للشّفع يسلّم فيهما،ثمَّ يوتر بواحدة.ذهب إليه علماؤنا.
و ممّن قال انّ الوتر واحدة:عثمان بن عفّان (1)،و سعد بن أبي وقّاص (2)، و زيد بن ثابت (3)،و ابن عبّاس (4)،و ابن عمر (5)،و ابن الزّبير (6)،و أبو موسى (7)، و عائشة (8)،و سعيد بن المسيّب (9)،و عطاء (10)،و مالك (11)،و الأوزاعيّ (12)، و الشّافعيّ (13)،و إسحاق (14)،و أحمد (15)،و أبو ثور (16).و قال أصحاب الرأي:أنّه
ص:20
ثلاث ركعات (1).أضافوا إليه ركعتي الشّفع فسلّم في الثّلاث واحدة.و رواه الجمهور،عن عليّ عليه السّلام،و أبيّ (2)،و أنس (3)،و ابن مسعود (4)،و ابن عبّاس (5).و قال الثّوريّ:الوتر ثلاث و خمس و سبع و تسع و إحدى عشرة (6).
لنا:ما رواه الجمهور،عن ابن عمر،و ابن عبّاس انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:(الوتر ركعة من آخر اللّيل) (7).
و عن عائشة،كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي باللّيل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة (8).
و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله-فيما رواه مسلم-:(صلاة اللّيل مثنى مثنى،فإذا خشيت الصّبح فأوتر بواحدة) (9).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن زرارة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما جرت به السّنّة في الصّلاة؟فقال:«ثمان ركعات بعد الزّوال»
ص:21
إلى قوله:«و ثلاث عشرة ركعة من آخر اللّيل،منها واحدة الوتر،و ركعتا الفجر» (1).
و ما رواه ابن يعقوب في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا صلّى العشاء الآخرة أمر بوضوئه و سواكه فوضع عند رأسه مخمّرا فيرقد ما شاء اللّه،ثمَّ يقوم فيستاك و يتوضّأ و يصلّي أربع ركعات،ثمَّ يرقد،ثمَّ يقوم فيستاك و يتوضّأ و يصلّي أربع ركعات،ثمَّ يرقد حتّى إذا كان في وجه الصّبح قام فأوتر،ثمَّ صلّى الرّكعتين» (2)الحديث.
و في الصّحيح،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام«و في السّحر ثمان ركعات[،ثمَّ يوتر،] (3)و الوتر ثلاث ركعات مفصولة» (4).
و سأل سعد بن سعد الأشعريّ (5)الرّضا عليه السّلام.الوتر فصل أو وصل؟قال:
«فصل» (6).و النّوافل غير الرّواتب تأتي في أماكنها إن شاء اللّه تعالى.
من جلوس
.و هو مذهب علمائنا.لأنّ وجوب القصر في الفرض يدلّ ظاهرا على السّقوط في النّافلة.و لما رواه الشّيخ عن أبي يحيى الحنّاط قال:سألت أبا عبد اللّه عليه
ص:22
السّلام عن صلاة النّافلة بالنّهار في السّفر؟فقال:«يا بنيّ لو صلحت النّافلة في السّفر تمّت الفريضة» (1).
و عن صفوان بن يحيى قال:سألت الرّضا عليه السّلام عن التّطوّع بالنّهار و أنا في سفر؟فقال (2):«لا».
أمّا صلاة العشاء،فإنّا نسقط نافلتها،فلا ينتقض ما ذكرناه بها،و الأربع السّابقة عليها نافلة المغرب و هي لا تقصّر،فكذا نافلتها.
و في الصّحيح،عن سيف التّمّار (3)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،«إنّما فرض اللّه على المسافر ركعتين لا قبلهما و لا بعدهما شيء إلاّ صلاة اللّيل على بعيرك حيث توجّه بك» (4)و هذه الرّواية تدلّ على صلاة اللّيل خاصّة.
و أمّا نافلة المغرب،فيدلّ عليها ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن الحارث بن المغيرة قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:«لا تدع أربع ركعات بعد المغرب في السّفر و لا في الحضر،و كان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة باللّيل في سفر و لا حضر» (5).
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«صلّ صلاة اللّيل و الوتر و الركعتين في المحمل» (6).
ص:23
و أمّا ركعتا الفجر،فيدلّ عليها مع ما مضى ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن صفوان،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:«صلّ ركعتي الفجر في المحمل» (1).
قال الشّيخ في بعض كتبه:و يجوز أن يصلّي الرّكعتين من جلوس بعد العشاء في السّفر (2).و عوّل في ذلك على رواية الفضل بن شاذان،عن الرّضا عليه السّلام:«إنّما صارت العتمة مقصورة و ليس تترك ركعتاها،لأنّ الرّكعتين ليستا من الخمسين،و إنّما هي زيادة في الخمسين تطوّعا،ليتمّ بهما بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التّطوّع» (3).و الأولى السّقوط،لما رواه في الصّحيح،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الصّلاة في السّفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء إلاّ المغرب،فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في حضر و لا سفر» (4).
و هو أحد قولي الشّافعيّ و عكس في الآخر (5).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أبي هريرة،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال:(صلّوهما و لو طردتكم الخيل) (6).
و عن عائشة انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يكن على شيء من النّوافل أشدّ معاهدة منه على ركعتين قبل الصّبح (7).
ص:24
و من طريق الخاصّة:ما روي،عن عليّ عليه السّلام في قوله إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (1)قال:«ركعتا الفجر يشهدهما ملائكة اللّيل و النّهار» (2).
احتجّ الشّافعيّ بأنّ الوتر قيل بوجوبه (3)،و لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله توعّد عليه فقال:(من لم يوتر فليس منّا) (4).
و الجواب:انّ القول بوجوبه خطأ عندنا و عنده،فلا يجوز أن يكون حجّة،و التّوعّد منصرف إلى من لم يعتقد استحبابه.
قال ابن بابويه:ثمَّ يتلوهما في الفضل ركعة الوتر (5).و ذلك لما روي،عن الصّادق عليه السّلام:«من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يبيتنّ إلاّ بوتر» (6)قال:و بعدها ركعتا الزوال،و بعدهما نوافل المغرب،و بعدها تمام صلاة اللّيل،و بعدها تمام نوافل النّهار (7).
لما رواه الشّيخ،عن حفص الجوهريّ (8)قال:صلّى بنا أبو الحسن عليّ بن محمّد عليهما السّلام صلاة المغرب فسجد سجدة الشّكر بعد السّابعة،فقلت له:كان آباؤك يسجدون بعد الثّلاثة،
ص:25
فقال:«ما كان أحد من آبائي يسجد إلاّ بعد السّبعة» (1).
و قد روى جواز التّعفير في سجدة الشّكر بعد المغرب جهيم بن أبي جهمة (2)،قال رأيت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام و قد سجد بعد الثّلاث ركعات من المغرب،فقلت له:جعلت فداك،رأيتك سجدت بعد الثّلاث؟فقال:«و رأيتني؟» فقلت:نعم،قال:«فلا تدعها،فإنّ الدّعاء فيها مستجاب» (3).
و يكره الكلام بين المغرب و نوافلها،لما رواه أبو الفوارس (4)قال:نهاني أبو عبد اللّه عليه السّلام أن أتكلّم بين الأربع الّتي بعد المغرب (5).
ليلا كان أو نهارا،إلاّ في الوتر و صلاة الأعرابيّ.و به قال الشّافعيّ (6).
و قال أبو حنيفة:يجوز أن يتطوّع ليلا بركعتين و بأربع و بستّ و بثمان،و يتشهّد في
ص:26
الآخر من ذلك و يسلّم مرّة واحدة،أمّا في النّهار،فإنّه يجوز أن يتطوّع بركعتين و بأربع خاصّة (1).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عائشة قالت:قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:(مفتاح الصّلاة الطّهور و بين كلّ ركعتين تسليمة) (2).
و عن ابن عمر،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:(صلاة اللّيل و النّهار مثنى مثنى) (3)رواه البارقي (4).و لأنّه عليه السّلام هكذا فعل.روت عائشة قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء الآخرة إلى أن ينصدع الصّبح إحدى عشرة ركعة يسلّم في كلّ ثنتين و يوتر بواحدة (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه سئل الصّادق عليه السّلام لم صارت المغرب ثلاث ركعات و أربعا بعدها ليس فيها تقصير في حضر و لا سفر؟فقال:«إنّ اللّه تبارك و تعالى أنزل على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله كلّ صلاة ركعتين» (6)الحديث.
،قال في
ص:27
المبسوط:لا يجوز (1)،و قال في الخلاف:يكون قد خالف السّنّة (2).
و قال أبو حنيفة:يكره ما زاد على الأربع (3).
و قال الشّافعيّ:يجوز ما أراد،لكن لا يزيد في التّشهّد على تشهّدين،و يكون بين التّشهّدين ركعتان،حتّى لو أراد أن يصلّي ثمان ركعات و يتشهّد بعد الرّابعة و الثّامنة لم يجز،بل إمّا بتشهّد واحد في الأخير،أو بتشهّد عقيب السّادسة و الثّامنة،و لو صلّى عشرا بتشهّدين،تشهّد الأوّل بعد الثّامنة،و الآخر بعد العاشرة و سلّم و هكذا (4).
لنا:انّها عبادة شرعيّة متلقّاة عن الشّرع،و الّذي ثبت فعله من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،انّه كان يصلّي مثنى مثنى (5)،فيجب اتّباعه فيه.
لنا:انّ التّقدير الشّرعيّ ورد بالاثنين (1)،فمن نقص يكون مخالفا.
و ما رواه الجمهور،عن ابن مسعود انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن البتيراء (2).بمعنى الرّكعة الواحدة.
احتجّ أحمد بأنّ عمر صلّى ركعة،ثمَّ خرج من المسجد فقيل له:إنّما صلّيت ركعة، فقال:هو تطوّع فمن شاء زاد و من شاء نقص (3).
و الجواب:انّه قال عن رأي،فلا يكون حجّة.
،كما في الفرائض، و إن تعمّد فإن قصد أن يفعل ثلاثا صحّ،كالمسافر إذا نوى التّقصير في إحدى الأربعة، ثمَّ نوى الإتمام في الأثناء،و إن لم يقصد صلاة ثلاث أو ما زاد بطلت صلاته،كما لو زاد في الفريضة.
و آله يصلّي الضّحى؟قالت:لا،إلاّ أن يجيء من مغيبه (1).
و عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال:ما حدّثني أحد أنّه رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يصلّي الضّحى إلاّ أمّ هانئ (2)فإنّها حدّثت،انّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله دخل بيتها يوم فتح مكّة،فصلّى ثماني ركعات،ما رأيته قطّ صلّى صلاة أخفّ منها (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،و ابن مسلم، و الفضيل قالوا:سألناهما عليهما السّلام عن الصّلاة في رمضان نافلة باللّيل جماعة؟ فقالا:انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قام على منبره فحمد اللّه و أثنى عليه،ثمَّ قال:«أيّها النّاس انّ الصّلاة باللّيل في شهر رمضان النّافلة في جماعة بدعة،و صلاة الضّحى بدعة، ألا فلا تجتمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة اللّيل،و لا تصلّوا صلاة الضّحى فإنّ ذلك معصية،ألا و انّ كلّ بدعة ضلالة،و كلّ ضلالة سبيلها إلى النّار،ثمَّ نزل و هو يقول:
قليل في سنّة خير من كثير في بدعة» (4)و لأنّها لو كانت مستحبّة لدوام عليها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و كان لا يخفى ذلك عن أصحابه و نسائه،و قد نفت عائشة ذلك،
ص:30
و عبد الرّحمن و غيرهما.
احتجّ المخالف (1)بما رواه أبو هريرة،قال:أوصاني خليلي بثلاث:صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر،و ركعتي الضّحى،و أن أوتر قبل أن أرقد (2).و مثله رواه أبو الدّرداء عنه صلّى اللّه عليه و آله (3).
و الجواب:انّ هاتين الرّوايتين معارضتان بما ذكرناه من الأحاديث.مع انّه صلّى اللّه عليه و آله في أغلب أحواله في منزل عائشة،فكيف يخفى عنها ذلك.
و معارض أيضا بما رواه أحمد في مسنده،قال:رأى أبو بكرة (4)ناسا يصلّون الضّحى فقال:انّهم ليصلّون صلاة ما صلاّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لا عامّة أصحابه (5).
و روى الأصحاب عن عليّ عليه السّلام إنكار هذه الصّلاة بالكلّيّة،و عن أولاده عليهم السّلام (6).
لا يقال:الصّلاة مستحبّة في نفسها فكيف حكمتم هاهنا بكونها غير مستحبّة.
ص:31
لأنّا نقول:إذا أتى بالصّلاة من حيث أنّها نافلة مشروعة في هذا الوقت كان بدعة،أمّا إن أوقعها على أنّها نافلة مبتدئة فلا يمنع منه.و هي عندهم ركعتان،و أكثرها ثمان،و فعلها وقت اشتداد الحرّ (1).
و يجوز أن يتطوّع جالسا.و لا نعرف في الحكمين مخالفا،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:(من صلّى قائما فهو أفضل و من صلّى قاعدا فله نصف أجر القائم) (2)لكنّه يحتسب كلّ ركعتين من جلوس بركعة من قيام و يسلّم عقيب كلّ ركعتين من جلوس،و لو احتسب كلّ ركعة من جلوس بركعة من قيام جاز.روى الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:(صلاة الرّجل قاعدا نصف الصّلاة) (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن محمّد بن مسلم،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يكسل أو يضعف فيصلّي التّطوّع جالسا؟قال:«يضعف ركعتين بركعة» (4).
و في الصّحيح،عن الحسن بن زياد الصّيقل قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا صلّى الرّجل جالسا و هو يستطيع القيام فليضعف» (5).
ص:32
و عن سدير بن حكيم (1)قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:أ تصلّي النّوافل و أنت قاعد؟فقال:«ما أصلّيها إلاّ و أنا قاعد منذ حملت هذا اللّحم و بلغت هذا السّنّ» (2).
فإذا أراد الرّكوع قام و ركع.روى الجمهور عن عائشة انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما كان يصلّي في اللّيل قاعدا حتّى أسنّ،فكان يقرأ قاعدا حتّى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين، ثمَّ ركع (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:قلت له:الرّجل يصلّي و هو قاعد فيقرأ السّورة،فإذا أراد أن يختمها قام و ركع بآخرها؟فقال:«صلاته صلاة القائم» (4).
و في الصّحيح،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:سألته عن الرّجل يصلّي و هو جالس؟فقال:«إذا أردت أن تصلّي و أنت جالس و يكتب لك بصلاة القائم فاقرأ و أنت جالس،فإذا كنت في آخر السّورة فقم فأتمّها و اركع،فتلك تحسب لك بصلاة القائم» (5)و لأنّ فيه تشبيها بالقائم في أهمّ الأفعال و هو الرّكوع،فكان مستحبّا.
ص:33
و أمّا استحباب التّربيع في حال الجلوس فهو قول علمائنا،و الشّافعيّ (1)، و مالك (2)،و الثّوريّ (3)،و أحمد (4)،و إسحاق (5).و روي عن ابن عمر،و ابن سيرين، و مجاهد،و سعيد بن جبير (6)،خلافا لأبي حنيفة (7).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أنس انّه صلّى متربّعا،فلمّا ركع ثنى رجليه (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن حمران بن أعين (9)،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:«كان أبي إذا صلّى جالسا تربّع فإذا ركع ثنى رجليه» (10).و لأنّ القيام يخالف القعود،فينبغي أن تخالف هيئته في بدله هيئة غيره،كمخالفة القيام غيره.
احتجّ أبو حنيفة بأنّ القيام قد سقط،فتسقط هيئته (11).
ص:34
و الجواب:انّ السّقوط في الأوّل للمشقّة،فلا يستلزم سقوط ما لا مشقّة فيه.
و لو صلّى كيف ما أراد جاز،لما رواه الشّيخ،عن معاوية بن ميسرة أنّه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام و قد سئل أ يصلّي الرّجل و هو جالس متربّعا و مبسوط الرّجلين؟ فقال:«لا بأس» (1).
و أمّا استحباب ثني الرّجلين في الرّكوع فهو قول علمائنا.و به قال الثّوريّ (2)، و قال أبو يوسف،و محمّد (3)،و أحمد:إنّما يثني في حال السّجود خاصّة (4).
لنا:ما تقدّم من حديث أنس،و حمران.
أصل:لا يمكن أن يكلّف اللّه تعالى بفعل في وقت قاصر عن الفعل،لأنّه يكون تكليف ما لا يطاق،إلاّ أن يكون الغرض منه وجوب القضاء.
و أمّا جواز التّكليف في وقت موافق،فمتّفق عليه بين أهل العلم،كصوم يوم.و في جواز زيادة الوقت على التّكليف خلاف،الأصحّ فيه الجواز و الوقوع،لأنّ الأمر تعلّق بجميع أجزاء الوقت،و الوجوب مستفاد منه،و يكون في الحقيقة المرجع بهذا الوجوب إلى المخيّر،و لا حاجة إلى البدل على المذهب الحقّ،خلافا للسّيّد المرتضى،لأنّ العزم
ص:35
إن كان مساويا للفعل في جميع المصالح المطلوبة منه،كان الإتيان به سببا لسقوط التّكليف بالفعل،لأنّ الأمر وقع بالفعل مرّة واحدة و التّقدير مساواة بدله له من كلّ وجه و قد أتى به،و إن لم يكن مساويا لم يكن بدلا،إذ بدل الشّيء ما يقوم مقامه في جميع الأمور المطلوبة منه.
لا يقال:لا يلزم من البدل المساواة كما في التّيمّم و الكفّارات المرتّبة.
لأنّا نقول:البدل يفهم منه معنيان:
أحدهما:ما يقوم مقام الشّيء و يساويه و يسدّ مسدّه في كلّ وقت و حال.
و الثّاني:ما يكون بدلا منه،بمعنى انّه يحصل بعض المصالح المتعلّقة بذلك الشّيء و يقوم مقامه لا في كلّ وقت،بل في وقت تعذّر الإتيان بالمبدل منه،فالعزم لا يمكن أن يقال انّه بدل على الوجه الثّاني،إذ ترك المبدل منه جائز في أوّل الوقت إجماعا،فينبغي أن يكون بالمعنى الأوّل و يلزم ما ذكرناه،و لأنّ الموجود هو الأمر بالفعل و لا دلالة على إيجاب بدله،فلا دليل عليه،و لأنّه إذا أتى بالعزم في أوّل الوقت ففي ثانية إن وجب العزم لزم تكرار بدل ما لا تكرار فيه و شأن البدل المساواة و إن لم يجب و جاز ترك الفعل فيه لزم المطلوب.و في هذين نظر،فالأولى الاعتماد على الأوّل.و قولهم:لو كان واجبا في أوّل الوقت لما جاز تركه فيه،مدفوع بما حقّقناه في الأوّل من كون هذا الواجب كالواجب المخيّر.
الشّيخان:الوقت الأوّل وقت من لا عذر له،و الثّاني وقت من له عذر (1).
لنا:ما رواه الشّيخ،عن زرارة قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«أحبّ الوقت إلى اللّه عزّ و جلّ أوّله حين يدخل وقت الصّلاة فصلّ الفريضة،فإن لم تفعل فإنّك في وقت منهما حتّى تغيب الشّمس» (2).
احتجّ الشّيخ (3)بما رواه،عن إبراهيم الكرخيّ قال:سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام متى يدخل وقت الظّهر؟قال:«إذا زالت الشّمس»فقلت:متى يخرج وقتها؟ فقال:«من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام،انّ وقت الظّهر ضيّق ليس كغيره» قلت:فمتى يدخل وقت العصر؟فقال:«انّ آخر وقت الظّهر هو أوّل وقت العصر» فقلت:فمتى يخرج وقت العصر؟فقال:«وقت العصر إلى أن تغرب الشّمس و ذلك من علّة و هو تضييع»فقلت له:لو انّ رجلا صلّى الظّهر بعد ما يمضي من زوال الشّمس أربعة أقدام أ كان عندك غير مؤدّ لها؟فقال:«إن تعمّد ذلك ليخالف السّنّة و الوقت لم تقبل منه كما لو انّ رجلا أخّر العصر إلى قرب أن تغرب الشّمس متعمّدا من غير علّة لم تقبل منه.انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد وقّت للصّلوات المفروضات أوقاتا،و حدّ لها حدودا في سنّته للنّاس،فمن رغب عن سنّة من سننه الموجبات كان مثل من رغب عن فرائض اللّه» (4).
و الجواب:انّ الحديث دالّ على انّ التّرك رغبة عن السّنّة،و نحن نقول بتحريم ذلك،و ليس البحث فيه.
ص:37
بلا خلاف بين أهل العلم،قال اللّه تعالى:« أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ » (1)و الدّلوك هنا:الزّوال،قاله صاحب الصّحاح (2).و قال ابن مسعود:الدّلوك:الغروب (3).و نقله الجمهور،عن علي عليه السّلام (4).و المشهور بين أهل العلم هو الأوّل (5)،و نقل ذلك في أحاديث أهل البيت عليهم السّلام،روى الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:سألته عمّا فرض اللّه من الصّلاة؟فقال:«خمس صلوات في اللّيل و النّهار» فقلت:هل سمّاهنّ اللّه في كتابه و بيّنهنّ؟فقال:«نعم،قال اللّه عزّ و جلّ أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ (6)الحديث.
و روى الجمهور،عن بريد (7)،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّ رجلا سأله عن وقت الصّلاة؟فقال:(صلّ معنا هذين اليومين)فلمّا زالت الشّمس أمر بلالا فأذّن،ثمَّ أمره فأقام[الظّهر] (8)،ثمَّ أمره فأقام العصر و الشّمس مرتفعة بيضاء نقيّة لم
ص:38
يخالطها صفرة،ثمَّ أمره فأقام المغرب حتّى غابت الشّمس،ثمَّ أمره فأقام العشاء حين غاب الشّفق،ثمَّ أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر (1)الحديث.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن سعيد بن الحسن (2)قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«أوّل الوقت زوال الشّمس و هو وقت اللّه الأوّل و هو أفضلهما» (3).
و عن عيسى بن أبي منصور (4)،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا زالت الشّمس فصلّ سبحتك فقد دخل وقت الظّهر» (5).
و روى ابن بابويه في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:
«إذا زالت الشّمس دخل الوقتان الظّهر و العصر،و إذا غابت الشّمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة» (6).
ص:39
على ما يأتي بيان وقتها،و من لم يصلّ لا يستحبّ له التّأخير بل التّقديم،خلافا لمالك،فإنّه قال:
أحبّ تأخير الظّهر حتّى يصير الظّلّ ذراعا (1).
لنا:قوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» (2)و ظاهر الأمر الوجوب.
و ما رواه الجمهور في حديث بريدة.
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم.و لأنّه محافظة على الصّلاة فكان أولى،خرج عن هذا:الوقت الّذي يفعل فيه النّافلة بمعنى فعل الطّاعة،و هو غير موجودة في صورة التّرك.
احتجّ مالك بما روي انّ حائط رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان قامة،فإذا صار الفيء ذراعا صلّى الظّهر (3).
و الجواب:انّه محمول على انّه صلّى اللّه عليه و آله كان يفعل النّافلة،بل ذلك متعيّن،لمحافظته على الطّاعات واجبة أو مندوبة.
و قد ورد هذا التّأويل في أحاديث أهل البيت عليهم السّلام،روى الشّيخ في الموثّق،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«كان حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قامة فإذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظّهر،و إذا مضى من فيئه ذراعان،صلّى العصر»ثمَّ قال:«أ تدري لم جعل الذّراع و الذّراعان؟»قلت:لا، قال:«من أجل الفريضة،إذا دخل وقت الذّراع و الذّراعين بدأت بالفريضة و تركت النّافلة» (4).
ص:40
و رواه ابن بابويه في الصّحيح،إلاّ انّه قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«أ تدري لم جعل الذّراع و الذّراعان؟»قلت:لم جعل ذلك؟قال:«لمكان النّافلة،لك أن تتنفّل من زوال الشّمس إلى أن يمضي ذراع» (1)الحديث.
و مع ذلك فهو معارض بما تقدّم من الأخبار،و بما نقل عن أهل البيت عليهم السّلام،روى الشّيخ في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار أو ابن وهب،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«لكلّ صلاة وقتان و أوّل الوقت أفضله» (2).
و في الصّحيح،عن زرارة،قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:أصلحك اللّه، وقت كلّ صلاة أوّل الوقت أفضل أو وسطه أو آخره؟فقال:«أوّله،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:انّ اللّه يحبّ من الخير ما يعجّل» (3).
و انحرافها عن دائرة نصف النّهار، و يعرف بزيادة الظّلّ بعد نقصانه،بأن ينصب مقياس و يقدّر ظلّه،ثمَّ يصبر قليلا،ثمَّ يقدّره ثانيا،فإن كان دون الأوّل لم تزل،و إن زاد و لم ينقص فقد زالت.
و الضّابط في معرفة ذلك الدّائرة الهنديّة،و صفتها أن تسوّي موضعا من الأرض، خاليا من ارتفاع و انخفاض،و تدير عليه دائرة بأيّ بعد شئت،و تنصب على مركزها مقياسا مخروطا محدّد الرّأس يكون نصف قطر الدّائرة بقدر ضعف المقياس على زاوية قائمة،و تعرف ذلك بأن تقدّر ما بين رأس المقياس و محيط الدّائرة من ثلاثة مواضع،فإن تساوت الأبعاد فهو عمود،ثمَّ ترصد ظلّ المقياس قبل الزّوال حين يكون خارجا من محيط الدّائرة نحو المغرب،فإذا انتهى رأس الظلّ إلى محيط الدّائرة يريد الدّخول فيه،تعلّم عليه علامة،ثمَّ ترصده بعد الزّوال قبل خروج الظّلّ من الدّائرة،فإذا أراد الخروج عنه علّم
ص:41
عليه علامة،و تصل ما بين العلامتين بخطّ مستقيم،و تنصف ذلك الخطّ،و تصل بين مركز الدّائرة و منتصف الخطّ[بخطّ] (1)،فهو خطّ نصف النّهار،فإذا ألقى المقياس ظلّه على هذا الخطّ الّذي قلنا انّه خطّ نصف النّهار،كانت الشّمس في وسط السّماء لم تزل، فإذا ابتدأ رأس الظلّ يخرج عنه فقد زالت الشّمس،و بذلك يعرف أيضا القبلة.
و قد يزيد الظّلّ و ينقص،و يختلف باختلاف الأزمان و البلدان،ففي الشّتاء يكثر الفيء عند الزّوال و عند الصّيف يقلّ،و قد يعدم بالكلّيّة و ذلك بمكّة مثلا و قبل أن ينتهي طول النّهار بستّة و عشرين يوما،و كذا بعد انتهائه بستّة و عشرين يوما،و قد روي في أحاديث أهل البيت عليهم السّلام هذا الاختلاف،روى عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«تزول الشّمس في النّصف من حزيران على نصف قدم، و في النّصف من تمّوز على قدم و نصف،و في النّصف من آب على قدمين و نصف،و في النّصف من أيلول على ثلاثة و نصف،و في النّصف من تشرين الأوّل على خمسة و نصف،و في النّصف من تشرين الآخر على سبعة و نصف،و في النّصف من كانون الأوّل على تسعة و نصف،و في النّصف من كانون الآخر على سبعة و نصف،و في النّصف من شباط على خمسة و نصف،و في النّصف من آذار على ثلاثة و نصف،و في النّصف من نيسان على قدمين و نصف،و في النّصف من أيار على قدم و نصف» (2)و الظّاهر انّ هذه الرّواية مختصّة بالعراق و الشّام و ما قاربهما.
و اعلم انّ المقياس قد يقسّم مرّة باثني عشر قسما،و مرّة بسبعة أقسام أو ستّة و نصف،و مرّة بستّين قسما.فإن قسّم باثني عشر قسما سمّى الأقسام أصابع فظلّه ظلّ الأصابع،و إن قسّم بسبعة أقسام أو ستّة و نصف سميّت أقداما،و إن قسّم بستّين قسما سمّيت أجزاء.
ص:42
قيل في الهيئة:أطول ما يكون الظّلّ المنبسط في ناحية الشّمال ظلّ أوّل الجدي، و أقصره أوّل السّرطان،و هو يناسب رواية عبد اللّه بن سنان،عن الصّادق عليه السّلام.
و لو كان في موضع لا يكون للشّخص فيه ظلّ اعتبر الزّوال بظهور الفيء،و قد يعرف الزّوال بالتّوجّه إلى الرّكن العراقيّ لمن كان بمكّة،فإذا وجد الشّمس على حاجبه الأيمن علم انّها قد زالت.
بمعنى انّ الفيء إذا زاد على ما زالت عليه الشّمس قدر ظلّ الشّخص فهو آخر وقت الظّهر،و معرفة ذلك أن يضبط ما زالت عليه الشّمس و هو الظّلّ الّذي بقي بعد تناهي النّقصان،و هذا الظّل قد يكون في الشّتاء أكثر من الشّخص و يقلّ في الصّيف،ثمَّ ينظر قدر الزّيادة عليه، فإن كانت قد بلغت قدر الشّخص فقد انتهى وقت الظّهر،و الإنسان طوله ستّة أقدام و نصف بقدمه،فإذا أردت أن تعتبر المثل فقدّر الزّيادة من الفيء بقدمك،و ذلك بأن تقف في موضع مستو من الأرض،و تعلّم على الموضع الّذي انتهى إليه[فيئه] (1)و تعرف قدر ما زالت عليه الشّمس،و تقدّر[فيئه] (2)بالأقدام،فيضع قدمه اليمنى بين يدي قدمه اليسرى و يلصق عقبه بإبهامه اليسرى،فإذا مسحه بالأقدام أسقط منه القدر الّذي زالت عليه الشّمس،فإذا بلغ الباقي ستّة أقدام و نصف فقد بلغ المثل،فإذا بلغ ذلك فقد خرج وقت الفضيلة.و به قال علم الهدى (3)،و ابن الجنيد (4)،و اختاره مالك،و عطاء،و طاوس (5).و لا خلاف في انّ وقت الظّهر يمتدّ إلى هذه الغاية للمختار،و إنّما الخلاف في انّ الوقت هل يمتدّ للمختار إلى قبل الغروب بمقدار العصر أم
ص:43
لا؟فالّذي ذهب إليه علم الهدى،و ابن الجنيد انّه ممتدّ إلى تلك الغاية.و هو الّذي نختاره نحن.و به قال مالك (1)،و عطاء،و طاوس (2).
و قال الشّيخ:آخر وقت المختار إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله،فإذا صار ذلك خرج وقت الظّهر (3).و به قال الثّوريّ (4)،و الأوزاعيّ (5)،و اللّيث بن سعد (6)، و الشّافعيّ (7)،و أبو يوسف،و محمّد (8)،و أحمد بن حنبل (9).
و قال أبو حنيفة:وقت الظّهر إلى أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله (10)(11).
لنا:قوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» (12).قال
ص:44
صاحب الصّحاح:و الغسق أوّل ظلمة اللّيل (1).و الظّاهر انّ الغاية و البداية لصلاة واحدة.
و لا ينافي ذلك فعل العصر في ذلك الوقت،لأنّ المقصود من ذلك صحّة صلاة الظّهر فيما عدا الوقت المختصّ بالعصر،و لأنّه غاية إمّا للظّهر و العصر معا أو للعصر،و على كلا التّقديرين يثبت مطلوبنا،إذ لا قائل بأنّ آخر وقت العصر الغروب،و آخر وقت الظّهر إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله.
و ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه جمع بين الظّهر و العصر في وقت العصر في الحضر (2).
و عن أبي ذرّ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر المؤذّن بالأذان حين رأينا فيء التّلول (3).و هذا إنّما يكون بعد تجاوز المثل.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن عبيد بن زرارة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وقت الظّهر و العصر؟فقال:«إذا زالت الشّمس دخل وقت الظّهر و العصر جميعا إلاّ انّ هذه قبل هذه،ثمَّ أنت في وقت منهما جميعا حتّى تغيب الشّمس» (4).
و عن زرارة قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«أحبّ الوقت إلى اللّه عزّ و جلّ أوّله حين يدخل وقت الصّلاة فصلّ الفريضة،فإن لم تفعل فإنّك في وقت منهما حتّى تغيب
ص:45
الشّمس» (1).
و عن عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«منها صلاتان من عند زوال الشّمس إلى غروب الشّمس إلاّ انّ هذه قبل هذه» (2).
احتجّ الشّيخ (3)بما رواه إبراهيم الكرخيّ،عن أبي الحسن عليه السّلام،فقلت:
لو انّ رجلا صلّى الظّهر بعد ما يمضي من زوال الشّمس أربعة أقدام،أ كان عندك غير مؤدّ لها؟فقال:«إن كان تعمّد ذلك ليخالف السّنّة و الوقت لم تقبل منه» (4).
و بما رواه في الموثّق،عن زرارة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لعمرو بن سعيد بن هلال:«إذا كان ظلّك مثلك فصلّ الظّهر،و إذا كان ظلّك مثليك فصلّ العصر» (5).
و ما رواه،عن محمّد بن حكيم (6)،عن العبد الصّالح عليه السّلام،و هو يقول:
ص:46
«انّ أوّل وقت الظّهر زوال الشّمس،و آخر وقتها قامة من الزّوال،و أوّل وقت العصر قامة،و آخر وقتها قامتان»قلت:في الشّتاء و الصّيف[سواء؟] (1)قال:«نعم» (2).
و عن معاوية بن وهب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«أتى جبرئيل عليه السّلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمواقيت الصّلاة فأتاه حين زالت الشّمس فأمره فصلّى الظّهر،ثمَّ أتاه حين زاد من الظّلّ قامة فأمره فصلّى العصر،ثمَّ أتاه حين غربت الشّمس فأمره فصلّى المغرب،ثمَّ أتاه حين سقط الشّفق فأمره فصلّى العشاء،ثمَّ أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصّبح،ثمَّ أتاه من الغد حين زاد في الظّلّ قامة فأمره فصلّى الظّهر،ثمَّ أتاه حين زاد في الظّلّ قامتان فأمره فصلّى العصر،ثمَّ أتاه حين غربت الشّمس فأمره فصلّى المغرب،ثمَّ أتاه حين ذهب ثلث اللّيل فأمره فصلّى العشاء،ثمَّ أتاه حين نوّر الصّبح فأمره فصلّى الصّبح،ثمَّ قال:ما بينهما وقت» (3).
و عن الفضل بن يونس الشّيبانيّ (4)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الحائض تطهر بعد مضيّ أربعة أقدام؟قال:«لا يجب عليها قضاء الظّهر لأنّ الوقت دخل و هي
ص:47
حائض و خرج و هي حائض» (1)احتجّ الشّافعيّ (2)بما روي انّ جبرئيل عليه السّلام صلّى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حين كان الفيء مثل الشّراك في اليوم الأوّل،و في اليوم الثّاني حين صار ظلّ كلّ شيء مثله،ثمَّ قال:يا محمّد صلّى اللّه عليه و آله(هذا وقت الأنبياء من قبلك و الوقت فيما بين هذين) (3).
احتجّ أبو حنيفة (4)بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:(إنّما مثلكم و مثل أهل الكتابين كرجل استأجر أجيرا فقال:من يعمل لي من غدوة إلى نصف النّهار على قيراط؟فعملت اليهود،ثمَّ قال:من يعمل لي من نصف النّهار إلى صلاة العصر على قيراط؟فعملت النّصارى،ثمَّ قال:من يعمل لي من العصر إلى غروب الشّمس على قيراطين؟فأنتم هم.فغضبت اليهود و النّصارى و قالوا:ما لنا أكثر عملا و أقلّ عطاء، قال:هل نقصتكم من حقّكم؟قالوا:لا.قال:(فذلك فضلي أوتيه من أشاء) (5)و هذا يدلّ على انّ من الظّهر إلى العصر أكثر من العصر إلى المغرب.
و الجواب عن الأوّل قد تقدّم (6).
و عن الثّاني:انّه دالّ على الأمر بالصّلاة في الوقتين،و ليس فيه بيان انّه آخر الوقت.
ص:48
لا يقال:الأمر في ذلك الوقت للوجوب بناء على الأصل.
لأنّا نقول:نعم انّه للوجوب،إذ أجزاء الزّمان في الواجب الموسّع متساوية في صدق الوجوب فيها.
و عن الثّالث:انّه دالّ على انّ آخر الوقت ما ذكر،لكنّه مطلق يتناول المختار و المضطرّ،و ذلك غير مراد قطعا،فلا بدّ من حمله على ما هو المراد فليس بحمله على ما ذكره أولى من حمله على بيان وقت الفضيلة.بل ما ذكرناه أولى،لتصريحهم عليهم السّلام بأنّ الوقت الأوّل أفضل.و قد نصّ الباقر عليه السّلام على أبلغ من ذلك فقال:(فإن لم تفعل فإنّك في وقت منهما حتّى تغيب الشّمس).
و عن الرّابع:انّه ليس فيه دلالة على المطلوب،إذ موضع ما يتوهّم فيه الدّلالة شيئان:
أحدهما:فعل الصّلاة في هذه الأوقات،و ذلك لا يدلّ على المطلوب قطعا.
و الثّاني:قوله:(و ما بينهما وقت)و هذا أيضا غير دالّ إلاّ من حيث مفهوم الخطاب مع حصول المعارض.
ثمَّ نقول:انّه إن دلّ على نفي الوقت مطلقا عن غير المحدود فهو غير مراد بالإجماع و إن دلّ على نفي الوقت المعيّن،فنحن نحمله على الوقت المشتمل على الفضيلة لا على وقت الاختيار.
و عن الخامس:انّ الفضل بن يونس قال الشّيخ:انّه واقفيّ (1)،فلا تعويل إذن على روايته،مع أنّها منفيّة بالإجماع،إذ لا خلاف بيننا انّ آخر وقت الظّهر للمعذور يمتدّ إلى قبل الغروب بمقدار العصر.و لأنّه علّق الحكم على الطّهارة بعد أربعة الأقدام، فيحتمل انّه أراد بذلك ما إذا تخلّص الوقت للعصر.
و عن السّادس:انّه دالّ على وقت الفضيلة،و لهذا قال:(انّه وقت الأنبياء قبلك)
ص:49
و من المعلوم شدّة اهتمام الأنبياء عليهم السّلام بفعل العبادات في أوائل أوقاتها.و قوله:
(و الوقت فيما بين هذين)قد بيّنا عدم دلالته.
لا يقال:الألف و اللاّم فيه مستوعبة.
لأنّا نقول:يحتمل العهديّة خصوصا مع تقدّم الذّكر.
و عن السّابع:انّه غير دالّ على المطلق،لاحتمال أن يكون آخر وقت الظّهر قبل الغروب بأربع و هو الظّاهر ليحصل المطلوب و هو الزّيادة المناسبة للوقت الأوّل، و النّقيصة المطلوبة لإظهار شرف أتباعه عليه السّلام.
و نقول أيضا:قد ثبت انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أبرد بالصّلاة (1).رواه الجمهور،و رواه الخاصّة،روى ابن بابويه في كتاب مدينة العلم في الصّحيح،عن معاوية بن وهب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«كان المؤذّن يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الحرّ في صلاة الظّهر،فيقول له عليه السّلام:أبرد أبرد» (2).و ذلك يكون بعد تجاوز المثل،فلو كان هو الوقت المضروب لزم تأخير الصّلاة عن وقتها.
و أيضا:روى ابن بابويه في كتاب مدينة العلم في الصّحيح،عن الحسن بن على الوشّاء،قال:سمعت الرّضا عليه السّلام يقول:«كان أبي ربما صلّى الظّهر على خمسة أقدام» (3).
قد اختلفت الرّوايات عن الأئمّة عليهم السّلام من اعتبار الأقدام و الأذرع و القامات،روى الشّيخ في الصّحيح،عن الفضيل و زرارة و بكير و محمّد بن مسلم و بريد بن معاوية العجليّ،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام،قالا«وقت
ص:50
الظّهر بعد الزّوال قدمان،و وقت العصر بعد ذلك قدمان،و هذا أوّل وقت إلى أن يمضي أربعة أقدام للعصر» (1).
و القامات وردت في رواية محمّد بن حكيم و قد سلفت (2).
و الأذرع رواها الشّيخ،عن إسماعيل بن جابر الجعفيّ،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان الفيء في الجدار ذراعا صلّى الظّهر،و إذا كان ذراعين صلّى العصر»قلت:الجدران تختلف منها قصير و منها طويل،قال:«انّ جدار مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يومئذ قامة،و إنّما جعل الذّراع و الذّراعان لئلاّ يكون تطوّع في وقت فريضة» (3).
و عن يعقوب بن شعيب (4)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«سألته عن صلاة الظّهر؟فقال:«إذا كان الفيء ذراعا»قلت:ذراعا من أي شيء؟قال:
«ذراعا من فيئك»قلت:فالعصر؟قال:«الشّطر من ذلك»قلت:هذا شبر،قال:
«أو ليس شبر كثيرا» (5).
قال الشّيخ:و المراد من الجميع شيء واحد (6)،لما رواه عليّ بن أبي حمزة،قال:
ص:51
سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام،يقول:«القامة هي الذّراع» (1)قال:و يحتمل أن يكون ذلك باعتبار تفاوت فعل النّافلة في الزّيادة و النّقصان (2).
و يؤيّده:ما رواه في الصّحيح،عن منصور بن حازم،قال:كنا نقيس (3)الشّمس بالمدينة بالذّراع،فقال لنا أبو عبد اللّه عليه السّلام:«ألا أنبّئكم بأبين من هذا» قال:قلنا:بلى جعلنا اللّه فداك،قال:«إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظّهر إلاّ انّ بين يديها سبحة،و ذلك إليك فإن أنت خفّفت سبحتك فحين تفرغ من سبحتك، و إن أنت طوّلت فحين تفرغ من سبحتك» (4)قال:و يحتمل عود الاختلاف إلى اختلاف ظلّ المنصوب بحسب الأوقات،فتارة ينتهي الظّل منه في القصور حتّى لا يبقى بينه و بين أصل المنصوب أكثر من قدم،و تارة ينتهي إلى حدّ يكون بينه و بين ذراع، و تارة يكون مقداره مقدار الخشب المنصوب،فإذا رجع الظّلّ إلى الزّيادة و زاد مثل ما كان قد انتهى إليه من الحدّ فقد دخل الوقت،سواء كان قدما أو ذراعا أو مثل الجسم المنصوب (5).
و يؤيّده:ما رواه يونس،عن بعض رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
سألته عمّا جاء في الحديث أن صلّ الظّهر إذا كانت الشّمس قامة و قامتين،و ذراعا و ذراعين،و قدما و قدمين؟فكيف هذا و قد يكون الظّلّ في بعض الأوقات نصف قدم؟ قال:«إنّما قال:ظلّ القامة و لم يقل:اقامة الظّلّ،و ذلك انّ ظلّ القامة يختلف،مرّة
ص:52
يكثر و مرّة يقلّ،و القامة قامة أبدا لا تختلف ثمَّ قال:ذراع و ذراعان و قدم و قدمان فصار ذراع و ذراعان تفسير القامة و القامتين في الزّمان الّذي يكون فيه ظلّ القامة ذراعا و ظلّ القامتين ذراعين،فيكون ظلّ القامة و القامتين و الذّراع و الذّراعين متّفقين في كلّ زمان معروفين مفسّرا أحدهما بالآخر مسدّدا به،فإذا كان الزّمان يكون فيه ظلّ القامة ذراعا كان الوقت ذراعا من ظلّ القامة،و كانت القامة ذراعا من الظّلّ،و إذا كان ظلّ القامة أقلّ أو أكثر كان الوقت محصورا بالذّراع و الذّراعين،فهذا تفسير القامة و القامتين و الذّراع و الذّراعين» (1).
أقول:و الاحتمال الثّاني يدلّ على انّ التّوقيت للفضيلة لا للوجوب.
و إذا صار ظلّك مثليك فصلّ العصر» (1).
و بما رواه يزيد بن خليفة (2)،عن الصّادق عليه السّلام،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:انّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت،فقال عليه السّلام:«إذن لا يكذب علينا»قلت:ذكر أنّك قلت:انّ أوّل صلاة افترضها اللّه على نبيّه الظّهر،و هو قول اللّه عزّ و جلّ «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» (3)فإذا زالت الشّمس لم يمنعك إلاّ سبحتك،ثمَّ لا تزال في وقت الظّهر إلى أن يصير الظّلّ قامة و هو آخر الوقت،فإذا صار الظّلّ قامة دخل وقت العصر،فلم تزل في وقت العصر حتّى يصير الظّلّ قامتين، و ذلك المساء قال:«صدق» (4).
ظهر من ذلك انّ الوقت المختصّ بالظّهر من الزّوال إلى أن يمضي مقدار أربع ركعات حضرا و ركعتين سفرا،ثمَّ يشترك الوقت مع العصر إلى أن يبقى من النّهار مقدار أداء العصر فيختصّ بالعصر.
و قد نبّه على هذه الفائدة الصّادق عليه السّلام،روى الشّيخ،عن داود بن فرقد، عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظّهر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات،فإذا مضى ذلك فقد
ص:54
دخل وقت الظّهر و العصر حتّى يبقي من الشّمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات،فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظّهر و بقي وقت العصر حتّى تغيب الشّمس» (1).
و أيضا:لا يمكن وجوب فعل الصّلاتين في أوّل الوقت دفعة و لا تقديم العصر، فتعيّن اختصاص ذلك الوقت بالظّهر.
ثمَّ قد ثبت الاشتراك بقولهم عليهم السّلام:«فقد دخل الوقتان إلاّ انّ هذه قبل هذه» (2)فإذا تخلّف (3)من الوقت مقدار أربع ركعات خرج وقت الظّهر،إذ لا يمكن فعلهما فيه و لا فعل الظّهر،لأنّ قوله عليه السّلام:«إلاّ انّ هذه قبل هذه»يشعر باختصاص آخر الوقت بالمتأخّرة.
و مع هذا التّحقيق ظهر انّ الإطلاق بدخول وقت الصّلاتين الموجود في كلام الأئمّة عليهم السّلام و عبارات علمائنا محمول على ما قلناه،و ليس كما ظنّه بعض المتوهّمين (4)،حتّى انّه تقدّم بجهله على تخطئة هذا القول،و لو انّه نظر فيه و تأمّل لما ارتضى ذلك لنفسه.فإنّهم لم يطلقوا ذلك،بل قيّدوا بقولهم:«إلاّ انّ هذه قبل هذه» و هذا يدلّ على الاشتراك فيما عدا وقت الاختصاص.
و أيضا:فإنّه لمّا لم يكن للظّهر وقت مضبوط،بل أيّ وقت أمكن إيقاعها فيه كان هو المختصّ و لو قصر جدّا،كما في حالة شدّة الخوف بحيث يصير الوقت مقدار تسبيحة، أو ظنّ الزّوال فصلّى،ثمَّ دخل الوقت قبل إكمالها بأقلّ زمان أمكن أن يصلّي العصر في ذلك الوقت إلاّ ذلك المقدار،كان لقلّته و عدم ضبطه ما عبّر به في الرّواية حسنا، و هكذا البحث في المغرب و العشاء على ما يأتي.
ص:55
ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال مالك (1)،و ربيعة (2)،و إسحاق (3).و قال باقي الجمهور:انّه لا يدخل وقت العصر حتّى يخرج وقت الظّهر،إمّا إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله،أو مثلية (4)على الخلاف إلاّ أبا حنيفة فإنّه قال:لا بدّ من الزّيادة على المثلين (5).
لنا:ما رواه الجمهور،عن ابن عبّاس،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
(أمّني جبرئيل عليه السّلام عند البيت مرّتين.فصلّى بي الظّهر لوقت العصر بالأمس) (6)و لأنّه عليه السّلام جمع بين الصّلاتين في الحضر (7).رواه مالك.
لا يقال:انّه قد كان صلّى الظّهر في آخر وقتها،و العصر في أوّل وقتها.
لأنّا نقول:انّ ذلك ليس بجمع،إذ كلّ من الصّلاتين قد وقع في وقته.
و ما رووه،عن أبي أمامة قال:صلّينا مع عمر بن عبد العزيز الظّهر،ثمَّ دخلنا على أنس و هو يصلّي العصر،[فقلت:يا عمّ] (8)ما هذه الصّلاة؟فقال:العصر و هذه صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (9).
لا يقال:لعلّها وقعت بعد صيرورة الظّلّ مثل الشّخص.
ص:56
لأنّا نقول:لو كان كذلك لم يكن للتّعجّب معنى و لا للإنكار فائدة.
و ما رووه،عن ابن عبّاس قال:ألا أخبركم بصلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في السّفر؟كان إذا زالت الشّمس و هو في منزله جمع بين الظّهر و العصر في الزّوال (1)و لو لم يكن الوقت مشتركا لم يجز الجمع كما لا يجوز الجمع بين العصر و المغرب في وقت أحدهما.
و عن أحمد،عن ابن عبّاس بإسناده:انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظّهر و العصر،و المغرب و العشاء من غير خوف و لا مطر.قيل:لم فعل ذلك؟قال:لئلاّ يحرج أمّته (2).
و من طريق الخاصّة:ما نقل عنهم عليهم السّلام من قولهم:«إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الصّلاتين»و قد تقدّم (3).
و ما رواه الشّيخ،عن ابن ميسرة،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إذا زالت الشّمس في طول النّهار للرّجل أن يصلّي الظّهر و العصر؟قال:«نعم،و ما أحبّ أن يفعل ذلك في كلّ يوم» (4).
و عن عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:يكون أصحابنا في المكان مجتمعين فيقوم بعضهم يصلّي الظّهر،و بعضهم يصلّي العصر قال:
«كلّ واسع» (5).
ص:57
و عن زرارة بن أعين،قال:قلت:لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرّجلان يصلّيان في وقت واحد،و أحدهما يعجّل العصر،و الآخر يؤخّر الظّهر قال:«لا بأس» (1).
و نحو ذالك رواه في الموثّق،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام (2).
و في الصّحيح،عن أبي خديجة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سأل إنسان و أنا حاضر،فقال:ربما دخلت المسجد و بعض أصحابنا يصلّي العصر،و بعضهم يصلّي الظّهر؟فقال:«أنا أمرتهم بهذا لو صلّوا على وقت واحد لعرفوا فأخذوا برقابهم» (3).
و عن ذريح (4)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،انّه صلّى الأولى إذا زالت الشّمس،و صلّى العصر بعدها (5).
احتجّ المخالف (6)بما رواه أبو هريرة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:(أوّل وقت الظّهر زوال الشّمس و آخر وقتها حين يدخل وقت العصر) (7).
ص:58
و بما رواه ابن عبّاس،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:(أمّني جبرئيل عليه السّلام مرّتين فصلّى بي الظّهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشّراك،ثمَّ صلّى العصر حين صار ظلّ كلّ شيء مثله) (1).
احتجّ أبو حنيفة (2)بقوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ (3)و لو لم يكن كما قلناه من الزّيادة على المثلين لكان وسط النّهار.
و الجواب عن الأوّل:انّه غير دالّ على مطلوبهم،إذ آخر وقت الظّهر المختصّ هو أوّل وقت العصر المشترك عندنا.أو نقول:المراد آخر وقتها المشترك أوّل وقت العصر المختصّ.أو نقول:انّ ذلك محمول على الفضيلة.
و بهذا الأخير نجيب عمّا رواه الشّيخ،عن يزيد بن خليفة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،«ثمَّ لا تزال في وقت الظّهر إلى أن يصير الظّلّ قامة و هو آخر الوقت،فإذا صار الظّلّ قامة دخل وقت العصر» (4).
و عن الثّاني:انّه دالّ على جواز الصّلاة في ذلك الوقت،لا انّه أوّل الوقت،لأنّه لو كان كذلك لما صحّ قوله في تتمّة الحديث:(و صلّي بي في المرّة الثّانية الظّهر حين صار ظلّ كلّ شيء مثله لوقت العصر بالأمس).
و عن احتجاج أبي حنيفة:بأنّ الصّلاة لم تعيّن،فيحتمل أن يكون المراد غير العصر.
و أيضا:فإنّا نقول بموجبة،إذ طرف النّهار ما بعدي الوسط،و بعد خروج الوقت
ص:59
المختصّ بالظّهر يصدق على ما بقي أنّه طرف.
لا يقال:العصر هو العشيّ و به سمّيت صلاة العصر،فلا يفعل قبله.
لأنّا نقول:العشيّ من الزّوال إلى اللّيل.قاله الهرويّ (1).
قال الجوهريّ في الصّحاح:قال قوم:العشاء من زوال الشّمس إلى طلوع الفجر (2).
و قال أبو يوسف،و محمّد،و أبو ثور،و الأوزاعيّ:آخره للمختار تغيّر الشّمس و اصفرارها (1).
لنا:قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ (2)و كما انّ أحد طرفيه أوّل جزء منه،فكذا طرفه الآخر،و لا يمكن عود ذلك إلى شيء من الصّلوات إلاّ العصر.
و قوله تعالى إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ (3)قال في الصّحاح:و الغسق أوّل ظلمة اللّيل (4).
لا يقال:يحمل على المعذور أو على المقارنة.
لأنّا نجيب عن الأوّل:بأنّ هذه الآيات وردت في أوّل التّشريع للصّلاة،فلا يحمل على النّادر.
و عن الثّاني:انّه خلاف الظّاهر،فلا يصار إليه إلاّ لدليل.
و ما رواه الجمهور،عن أبي هريرة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،انّه قال:(من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشّمس فقد أدرك العصر) (5)و هذا يتناول المعذور و غيره،و هو متّفق عليه،فلو لم يكن ما زاد على المقدّر وقتا،لما أدرك الصّلاة بإدراك ركعة فيه.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن معمّر بن يحيى (6)،قال:
ص:61
سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«وقت العصر إلى غروب الشّمس» (1).
و ما تقدّم من الأحاديث الدّالّة على انّ آخر وقت الصّلاتين غروب الشّمس (2).
احتجّ الشّيخ بما تقدّم من اعتبار الأقدام و غيرها (3).
و الجواب:قد تقدّم انّ المراد بذلك الاستحباب.
فإن احتجّ بما رواه ربعيّ (4)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«انّا لنقدّم و نؤخّر و ليس كما يقال:من أخطأ وقت الصّلاة فقد هلك،و إنّما الرّخصة للنّاسي و المريض و المدنف،و المسافر،و النّائم في تأخيرها» (5).
فالجواب:انّ ذلك دالّ على مطلوبنا،لأنّ قوله:«انّا لنقدّم و نؤخّر»و لا يزيد مع العذر،لأنّ ذلك لم يقل بالهلاك معه أحد،فلا يبقى المراد بحصر الرّخصة فيما ذكر،إلاّ ترك الأفضل،إذ لا ريب في شدّة تأكيد استحباب فعل الصّلاة في أوّل الوقت،بحيث سمّي التّأخير رخصة.
لا يقال:قد روى الشّيخ،عن سليمان بن جعفر،عن الفقيه عليه السّلام،قال:
«آخر وقت العصر ستّة أقدام و نصف» (6).
ص:62
لأنّا نقول:المراد بذلك الفضيلة،إذ هو خبر واحد لو أخذ على عمومه كما في القرآن و الإجماع،و لو خصّص بالاختيار منعنا ذلك،لعدم اعتضاده بدليل آخر،و حملنا على الفضيلة،إذ مع هذا التّأويل لا استبعاد في اختلاف التّقديرات بالنّظر إلى كثرة فعل النّوافل و قلّتها.
و كذا البحث في رواية محمّد بن حكيم،عن العبد الصّالح عليه السّلام من انّ آخر وقت العصر قامتان (1).
و كذا ما رواه سليمان بن خالد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«العصر على ذراعين فمن تركها حتّى يصير على ستّة أقدام فذلك المضيّع» (2)و المراد به:المضيّع لفضيلة أوّل الوقت.
و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم،لا نعرف فيه خلافا،و قد دلّت الأخبار عليه،روى الجمهور،عن أبي هريرة انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:(أوّل وقت المغرب حين تغرب الشّمس) (3).
و في حديث ابن عبّاس،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:(أمّني جبرئيل مرّتين،ثمَّ صلّى المغرب حين وجبت الشّمس) (4)قال صاحب الصّحاح:وجبت أي:
غابت (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه
ص:63
السّلام،قال:«إذا غربت الشّمس فقد دخل وقت الصّلاتين إلى نصف اللّيل إلاّ انّ هذه قبل هذه» (1).
و عن عمرو بن أبي نصر،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في المغرب:
«إذا توارى القرص كان وقت الصّلاة و أفطر» (2).
و روى ابن بابويه في كتاب مدينة العلم في الصّحيح،عن عبد اللّه بن مسكان، قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«وقت المغرب إذا غربت الشّمس فغاب قرصها» (3).
و رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (4).
و يعرف الغروب بذهاب الشّفق المشرقيّ.ذهب إليه أكثر علمائنا (5)،و هو قول الشّيخ في النّهاية (6).و قال في المبسوط:باستتار القرص و غيبوبته عن العين (7).
و هو قول الجمهور (8).قال:و من أصحابنا من يراعي زوال الحمرة من المشرق،و هو
ص:64
أحوط (1).
لنا:ما رواه الشّيخ،عن عليّ بن أحمد بن أشيم،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سمعته يقول:«وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق» (2).
و عن بريد بن معاوية،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من ناحية المشرق فقد غابت الشّمس من شرق الأرض و من غربها» (3).
و عن محمّد بن عليّ (4)قال:صحبت الرّضا عليه السّلام في السّفر فرأيته يصلّي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعني السّواد (5).
و عن محمّد بن شريح (6)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن وقت
ص:65
المغرب؟فقال:«إذا تغيّرت الحمرة في الأفق،و ذهبت الصفرة،و قبل أن تشتبك النّجوم» (1).
و عن عمّار السّاباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إنّما أمرت أبا الخطّاب أن يصلّي المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشّمس،فجعل هو الحمرة الّتي من قبل المغرب،و كان يصلّي حين يغيب الشّفق» (2).
فإن احتجّ الشّيخ بما رواه،عن سماعة بن مهران،قال:قلت:لأبي عبد اللّه عليه السّلام في المغرب إنّا ربّما صلّينا و نحن نخاف أن تكون الشّمس خلف الجبل أو قد سترنا منها الجبل؟قال:فقال:«ليس عليك صعود الجبل».
و بما رواه في الحسن،عن زرارة قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«وقت المغرب إذا غاب القرص،فإن رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصّلاة و مضى صومك و تكفّ عن الطّعام إن كنت أصبت منه شيئا» (3)و بما رواه عمرو بن أبي نصر قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في المغرب:«إذا توارى القرص كان وقت الصّلاة و أفطر» (4).
و عن عليّ بن الحكم (5)،عمّن حدّثه،عن أحدهما عليهما السّلام،انّه سئل عن
ص:66
وقت المغرب؟فقال:«إذا غاب كرسيّها»قلت:و ما كرسيّها؟قال:«قرصها» فقلت:متى يغيب قرصها؟قال:«إذا نظرت إليه فلم تره» (1).
و بما رواه حريز،عن أبي أسامة أو غيره،قال:صعدت مرّة جبل أبي قبيس و النّاس يصلّون المغرب،فرأيت الشّمس لم تغب إنّما توارت خلف الجبل عن النّاس، فلقيت أبا عبد اللّه عليه السّلام،فأخبرته بذلك،فقال لي:«و لم فعلت ذلك؟بئس ما صنعت،إنّما تصليها إذا لم ترها خلف جبل،غابت أو غارت ما لم يتجلّلها سحاب أو ظلمة تظلّها،و إنّما عليك مشرقك و مغربك،و ليس على النّاس أن يبحثوا» (2).
فالجواب عن الأوّل:انّ سماعة واقفيّ (3)،و في الطّريق أيضا أحمد بن هلال و هو ضعيف جدّا (4).و لأنّها غير دالّة على المطلوب،إذ أقصى ما يدلّ عليه،جواز فعل الصّلاة من غير تتبّع للشّمس بالصّعود إلى الجبل و النّظر إليها هل غابت أم لا،و لا شكّ انّ هذا الاعتبار غير واجب.
و عن الثّاني:انّ الحكم معلّق على غيبوبة القرص و نحن نقول بموجبة،إلاّ انّ العلامة عندنا غيبوبة الحمرة.و لأنّه لو كان الوقت قد دخل بالاستتار لما أمر بالإعادة عند الظّهور،إذ هي صلاة قد فعلت في وقتها فلا يستتبع وجوب الإعادة.
و عن الثّالث:بالأوّل من جوابي الثّاني.
ص:67
و عن الرّابع:انّه مرسل،و بما ذكرناه قبل.
و عن الخامس:بأنّه مرسل أيضا،إذ الشّكّ في المرويّ عنه يستلزم عدم الإسناد إلى شخص معيّن،و بما قلناه أوّلا.
و تعارض أيضا هذه الأحاديث بما رواه الشّيخ،عن عبد اللّه بن صباح (1)،قال:
كتبت إلى العبد الصّالح عليه السّلام،يتوارى القرص و يقبل اللّيل،ثمَّ يزيد اللّيل ارتفاعا و تستتر عنّا الشّمس،و ترتفع فوق اللّيل حمرة،و يؤذّن عندنا المؤذّنون،فأصلّي حينئذ و أفطر إن كنت صائما؟أو أنتظر حتّى تذهب الحمرة الّتي فوق اللّيل؟فكتب إليّ:«أرى لك أن تنتظر حتّى تذهب الحمرة و تأخذ بالحائطة لدينك» (2).
و يمتدّ وقتها للإجزاء إلى أن يبقى إلى انتصاف اللّيل مقدار أربع ركعات حضرا،و ركعتين سفرا.و به قال السّيّد المرتضى في الجمل (3).
و قال بعض علمائنا:يمتدّ وقت المضطرّ حتّى يبقي للفجر وقت العشاء (4).و قال الشّيخ:آخره للمختار ذهاب الشّفق،و للمضطرّ إلى قبل نصف اللّيل بأربع (5).و به قال السّيّد المرتضى في المصباح (6).
ص:68
و قال في النّهاية:آخر وقتها غيبوبة الشّفق و قد رخّص للمسافر التّأخير إلى ربع اللّيل (1).و أطلق في الجمل انّ آخر الوقت غيبوبة الشّفق (2).و كذا ابن أبي عقيل في كتابه (3).
و قال سلاّر:آخر الوقت غيبوبة الشّفق،و قد روي انّ تأخير المغرب للمسافر إذا جدّ به السّير إلى ربع اللّيل (4).
و قال أبو الصّلاح:آخر وقت الإجزاء ذهاب الحمرة من المغرب،و آخر وقت المضطرّ ربع اللّيل (5).
و قال الشّافعيّ (6)،و الأوزاعيّ (7)و مالك:ليس لها إلاّ وقت واحد عند مغيب الشّمس (8)و قال الثّوري (9)،و أحمد:آخره مغيب الشّفق (10).و به قال إسحاق،و أبو ثور (11)،و أصحاب الرّأي (12).
ص:69
لنا:انّ المغرب و العشاء صلاتا جمع فيشترك وقتهما،كالظّهر و العصر.
و ما رواه الشّيخ،عن عبيد اللّه بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا غربت الشّمس دخل وقت الصّلاتين إلى نصف اللّيل إلاّ انّ هذه قبل هذه» (1).
و ما رواه داود بن فرقد،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«إذا غابت الشّمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات،فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف اللّيل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات،فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف اللّيل» (2).
احتجّ من قال من أصحابنا (3)بامتداد الوقت إلى الفجر،بما رواه الشّيخ،عن عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا تفوت الصّلاة من أراد الصّلاة لا تفوت صلاة النّهار حتّى تغيب الشّمس و لا صلاة اللّيل حتّى يطلع الفجر و لا صلاة الفجر حتّى تطلع الشّمس» (4).
و من الجمهور (5)،بما رواه ابن المنذر،عن عبد الرّحمن بن عوف (6)و عبد اللّه بن
ص:70
عبّاس انّهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر:تصلّي المغرب و العشاء (1)،و لو لا امتداد الوقت إلى تلك الغاية لما وجب،لاستيعاب عذرها الوقت كما لا يجب لو طهرت بعد الفجر.
و احتجّ من قال من أصحابنا بغيبوبة الشّفق (2)،بما رواه الشّيخ في الموثّق،عن جميل بن درّاج،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما تقول في الرّجل يصلّي المغرب بعد ما يسقط الشّفق؟فقال:«لعلّه لا بأس» (3).
و ما رواه سعيد بن جناح (4)،عن بعض أصحابنا،عن الرّضا عليه السّلام،قال:
«انّ أبا الخطّاب (5)كان أفسد عامّة أهل الكوفة،و كانوا لا يصلّون المغرب حتّى يغيب الشّفق و إنّما ذلك للمسافر و الخائف و لصاحب الحاجة» (6)فلو كان ما بعد الشّفق وقتا للمختار لم يعلّق التّأخير في الأوّل بالعلّة،و لم يحصره في الثّاني بما عدّده.
و ما رواه في الموثّق،عن عبد اللّه سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
ص:71
«وقت المغرب من حين تغيب الشّمس إلى أن تشتبك النّجوم» (1)و اشتباك النّجوم في الغالب إنّما يكون بعد غيبوبة الشّفق من الجانب الغربيّ.
و في الموثّق،عن إسماعيل بن جابر،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن وقت المغرب؟قال:«ما بين غروب الشّمس إلى سقوط الشّفق» (2).
و في الصّحيح،عن بكر بن محمّد (3)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سأله سائل عن وقت المغرب؟قال:«انّ اللّه يقول في كتابه لإبراهيم عليه السّلام:« فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً » (4)فهذا أوّل الوقت،و آخر ذلك غيبوبة الشّفق،و أوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة،و آخر وقتها إلى غسق اللّيل نصف اللّيل» (5).
و عن عليّ بن يقطين،قال:سألته عن الرّجل تدركه صلاة المغرب في الطّريق، أ يؤخّرها إلى أن يغيب الشّفق؟قال:«لا بأس بذلك في السّفر فأمّا في الحضر فدون ذلك شيئا» (6).
و احتجّ القائلون بالتّأخير إلى ربع اللّيل (7)،بما رواه الشّيخ،عن عمر بن يزيد
ص:72
قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وقت المغرب؟فقال:«إذا كان أرفق بك، و أمكن لك في صلاتك،و كنت في حوائجك فلك أن تؤخّرها إلى ربع اللّيل»قال:
قال لي:هذا و هو شاهد في بلده (1).و لأنّه ورد استحباب تأخير المغرب للمفيض من عرفات إلى المزدلفة و إن صار ربع اللّيل (2)،و لو لم يكن ذلك وقتا لها لما ساغ ذلك.
و احتجّ الشّافعيّ (3)بأنّ جبرئيل صلاّها بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في اليومين لوقت واحد (4)في بيان مواقيت الصّلاة.و لو كان لها وقتان كغيرها لصلاّها به في أحدهما مرّة و في الآخر اخرى،ليحصل البيان،كما فعل في غيرها.
و بما روي،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:لا تزال أمّتي بخير ما لم يؤخّروا المغرب إلى أن تشتبك النّجوم (5)و لأنّ المسلمين مجمعون على فعلها في وقت واحد في أوّل الوقت.
و احتجّ أصحاب الرّأي بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى المغرب في اليوم الثّاني حين غاب الشّفق (6).
و بما رواه عبد اللّه بن عمرو،انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:(وقت المغرب ما لم يغب الشّفق) (7).
ص:73
و بما رواه أبو هريرة انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:(انّ للصّلاة أوّلا و آخرا، و انّ أوّل وقت المغرب حين تغرب الشّمس و انّ آخر وقتها حين يغيب الأفق) (1).
و الجواب عن الأوّل:انّ في طريقها أحمد بن فضّال و فيه ضعف (2).
و أيضا:يحتمل انّه أراد بصلاة اللّيل النّوافل،أو يحمل على صاحب الضّرورة إذا دامت إلى ذلك الوقت.ذكرهما الشّيخ في الاستبصار (3).
و عن الثّاني:باحتمال أن يكون ذلك رأيا لهما لا أنّهما نقلاه،عن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،فلا حجّة فيه.
و عن الثّالث:بأنّ في طريقه الحسن بن محمّد بن سماعة و هو واقفيّ (4).و لأنّه دالّ على جواز فعل المغرب بعد سقوط الشّفق،و لو لم يكن الوقت ممتدّا لما ساغ ذلك، و نفي الحكم عن فاقد العلّة من باب دليل الخطاب،و هو ضعيف.
و عن الرّابع:انّه إنكار على أبي الخطّاب،إذ توهّم انّ أوّل وقت المغرب سقوط الشّفق،و لا شكّ في انّ أوّل الوقت أفضل،و إنّما يسقط اعتبار الأوّليّة في حقّ هؤلاء المعدودين و من شابههم،فصحّ الحصر.
و عن الخامس:انّه بيان لوقت الفضيلة،إذ الاشتباك يحصل قبل غيبوبة الشّفق
ص:74
في كثير من الأحوال.
و عن السّادس:انّ ذلك بيان لوقت الفضيلة،و أيضا في الطّريق الحسن[بن محمّد] (1)بن سماعة،و قد تقدّم ضعفه.
و عن السّابع:انّه بيان لوقت الفضيلة أيضا.
و عن الثّامن:انّ تعليق الحكم على ما ذكر لا يدلّ على عدمه عن غيره،و إن دلّ فمن حيث مفهوم الخطاب و هو غير قطعيّ،فلا يعارض ما تقدّم.
و أيضا:يحمل على الاستحباب،لما رواه الشّيخ،عن داود الصّرميّ (2)،قال:
كنت عند أبي الحسن الثّالث عليه السّلام يوما فجلس يحدّث حتّى غابت الشّمس،ثمَّ دعا بشمع و هو جالس يتحدّث،فلما خرجت من البيت نظرت و قد غاب الشّفق قبل أن يصلّي المغرب،ثمَّ دعا بالماء فتوضّأ و صلّى (3)و لا يحمل على ذلك الضّرورة،إذ ليس هناك أمارة الاضطرار.
و عن التّاسع:انّ التّأخير إلى ربع اللّيل لا يدلّ على نفي التّأخير عن الزّائد و كذا الجواب عن العاشر.
و عن الحادي عشر:بما رواه بريدة انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى المغرب في
ص:75
اليوم الثّاني حين غاب الشّفق (1).
و عن أبي موسى،انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أخّر المغرب في اليوم الثّاني حتّى كان عند سقوط الشّفق (2)،رواه مسلم و أبو داود و لأنّها إحدى الصّلوات،فكان لها وقت متّسع كغيرها من الصّلوات.و لأنّ ما قبل مغيب الشّفق وقت لاستدامتها، فكان وقتا لابتدائها كأوّل وقتها.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن أديم بن الحرّ،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام،يقول:«انّ جبرئيل عليه السّلام أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالصّلوات كلّها،فجعل لكلّ صلاة وقتين إلاّ المغرب فإنّه جعل لها وقتا واحدا» (3).
و في الصّحيح،عن زيد الشّحّام،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وقت المغرب؟فقال:«انّ جبرئيل عليه السّلام أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لكلّ صلاة بوقتين غير صلاة المغرب،فإنّ وقتها واحد،و وقتها وجوبها» (4).
لأنّا نقول:انّ ذلك محمول على الفضيلة،لما رواه ذريح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في صفة صلاة جبرئيل عليه السّلام:«و صلّى المغرب في الغد قبل سقوط الشّفق» (5).
و لما رواه،عن يزيد بن خليفة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إلاّ انّ رسول اللّه
ص:76
صلّى اللّه عليه و آله كان إذا جدّ به السّير أخّر المغرب و يجمع بينها و بين العشاء» (1).
و مثله رواه،عن طلحة بن زيد،عن جعفر،عن أبيه عليهما السّلام (2).
و عن عمر بن يزيد،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أكون مع هؤلاء و انصرف من عندهم عند المغرب فأمر بالمساجد فأقيمت الصّلاة فإن أنا نزلت أصلّي معهم لم أستمكن من الأذان و لا من الإقامة و افتتاح الصّلاة،فقال:«ائت منزلك و انزع ثيابك،و إن أردت أن تتوضّأ فتوضّأ و صلّ فإنّك في وقت إلى ربع اللّيل» (3).
و لا ريب انّ هذا السّائل سأل عن حال الاختيار،إذ ترك الأذان و الإقامة و غيرهما من المستحبّات كالافتتاح ليس عذرا يجوز معه تأخير الصّلاة عن وقتها.
و عن عمّار السّاباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن صلاة المغرب إذا حضرت هل يجوز أن تؤخّر ساعة؟قال:«لا بأس،إن كان صائما أفطر، و إن كانت له حاجة قضاها،ثمَّ صلّى» (4)و لو كان وقتها واحدا لما ساغ ذلك.
قوله:الإجماع على فعل الصّلاة في وقت الغروب.
قلنا:لا نزاع في جواز ذلك و انّه الأفضل،إنّما البحث في انّه هل هو كلّ الوقت؟ و الإجماع لا يدلّ عليه فادّعاؤه فيه مغالطة.
و عن الثّاني عشر:انّ فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الوقت المذكور لا يدلّ على انّه كمال الوقت و آخره.و عن الحديثين الأخيرين بالحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلّة.
ص:77
و الضّابط ما قدّمناه.و انّ المغرب لها وقت مختصّ من أوّل الغروب إلى أن يمضي مقدار ثلاث ركعات،ثمَّ يشترك الوقت بينهما و بين العشاء إلى أن يبقى لانتصاف اللّيل مقدار أداء أربع ركعات،فيختصّ بالعشاء.و هو أحد قوليّ السّيّد المرتضى (1).و به قال ابن الجنيد (2).و الشّيخ في الجمل قال:و روى انّ أوّل الوقت غيبوبة الشّفق (3).
و الظّاهر من كلام ابن أبي عقيل،انّ أوّل وقتها ما قلناه (4).و به قال أبو الصّلاح (5)أيضا،و ابن إدريس (6).و قال الشّيخ في النّهاية و المبسوط و الخلاف (7)و المصباح:أوّل وقتها غيبوبة الشّفق (8).و به قال سلاّر،و السّيّد المرتضى أيضا (9).
و هو مذهب الجمهور كافّة (10).
لنا:انّهما صلاتا جمع فيشترك وقتاهما كاشتراك صلاتي الظّهر و العصر.
و ما رواه الجمهور،عن ابن عبّاس،انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله جمع بين المغرب و العشاء من غير خوف و لا سفر (11).و عنه أيضا من غير خوف و لا مطر (12).
ص:78
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن زرارة قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام و أبا عبد اللّه عليهما السّلام عن الرّجل يصلّي العشاء الآخرة قبل سقوط الشّفق؟فقالا:«لا بأس به» (1).
و في الموثّق،عن عبيد اللّه و عمران (2)ابني عليّ الحلبيّ (3)،قالا:كنّا نختصم في الطّريق في الصّلاة صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشّفق،و كان منّا من يضيق بذلك صدره،فدخلنا على أبي عبد اللّه عليه السّلام،فسألنا عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشّفق؟فقال:«لا بأس بذلك»قلنا:و أيّ شيء الشّفق؟فقال:
«الحمرة» (4).
و ما تقدّم من حديث داود بن فرقد (5).
و ما رواه،عن عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا غربت الشّمس فقد دخل وقت الصّلاتين إلى نصف اللّيل إلاّ انّ هذه قبل هذه» (6).
و ما رواه،عن الحسن بن عليّ (7)،عن إسحاق (8)،قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه
ص:79
السّلام يصلّي العشاء الآخرة قبل سقوط الشّفق،ثمَّ ارتحل (1).
و في الصّحيح،عن أبي عبيدة قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كانت ليلة مظلمة و ريح و مطر،صلّى المغرب،ثمَّ مكث قدر ما يتنفّل النّاس،ثمَّ قام مؤذّنه،ثمَّ صلّى العشاء الآخرة،ثمَّ انصرفوا» (2).
و في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا بأس بأن يعجّل العشاء الآخرة في السّفر قبل أن يغيب الشّفق» (3).
و في الصّحيح،عن عبيد اللّه الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا بأس أن تؤخّر المغرب في السّفر حتّى يغيب الشّفق،و لا بأس بأنّ تعجّل العتمة في السّفر قبل مغيب الشّفق» (4)و لو لم يكن ما قبل غيبوبة الشّفق وقتا لما جازت الصّلاة
ص:80
فيه،سواء كان هناك عذر أو لم يكن،كما لا يجوز تقديم المغرب على الغروب مطلقا.
احتجّ الشّيخ (1)بما رواه في الصّحيح،عن عمران بن عليّ الحلبيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام متى تجب العتمة؟قال:«إذا غاب الشّفق،و الشّفق الحمرة» فقال عبيد اللّه:أصلحك اللّه انّه يبقى بعد ذهاب الحمرة ضوء شديد معترض،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«انّ الشّفق إنّما هو الحمرة و ليس الضّوء من الشّفق» (2).
و احتجّ الجمهور (3)بما رواه ابن عمر انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:(الشّفق الحمرة،فإذا غاب الشّفق وجبت العشاء) (4).و لأنّه عليه السّلام كان يصلّي العشاء لسقوط القمر لثالثة (5).
و عن أبي مسعود (6)،قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي هذه الصّلاة حين يسود الأفق (7).
و الجواب:ما ذكرتموه من الأحاديث دالّة على الفضيلة،لما ثبت من انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام قد كانوا يصلّون قبل ذلك.
ص:81
و للإجزاء إلى نصف اللّيل.و به قال السّيّد المرتضى في المصباح (1)،و ابن الجنيد (2)،و سلاّر (3)،و ابن بابويه (4)، و ابن إدريس (5).و به قال الشّيخ في المبسوط (6).
و قال في الجمل،و الخلاف (7)،و المصباح (8)،و النّهاية:آخره ثلث اللّيل و جعل النّصف رواية (9).و هو اختيار المفيد (10)،و ابن البرّاج (11).
و قال ابن أبي عقيل:آخره ربع اللّيل للمختار فإن تجاوز ذلك دخل في الوقت الأخير (12).
و قال أبو الصّلاح:آخر وقت الإجزاء ربع اللّيل،و آخر وقت المضطرّ نصف اللّيل (13).
و قال ابن حمزة:آخره للمختار الثّلث،و للمضطرّ النّصف (14).
ص:82
و قال أبو حنيفة:آخره طلوع الفجر الثّاني (1).و للشّافعي قولان:أحدهما انّ آخره ثلث اللّيل قاله في الجديد (2).و به قال عمر بن الخطّاب،و أبو هريرة،و عمر بن عبد العزيز (3)،و مالك (4)،و أحمد في إحدى الرّوايتين (5).
و الثّاني:نصف اللّيل ذكره في القديم و الإملاء (6).و هو الرّواية الثّانية لأحمد (7)،و به قال الثّوريّ،و أبو ثور (8).و قال النّخعيّ:آخره ربع اللّيل (9).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أنس قال:أخّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلاة العشاء إلى نصف اللّيل (10).و عن عبد اللّه بن عمر قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه
ص:83
و آله:(وقت العشاء إلى نصف اللّيل) (1).
و عن أبي سعيد قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:(لو لا ضعف الضّعيف و سقم السّقيم لأمرت هذه الصّلاة أن تؤخّر إلى شطر اللّيل) (2)و الشّطر النّصف،و لو لم يكن وقتا لما ساغ الأمر بالتّأخير على تقدير عدم ضعف الضّعيف و سقم السّقيم.
و من طريق الخاصّة:ما رواه عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام«انّ اللّه افترض أربع صلوات أوّل وقتها من زوال الشّمس إلى انتصاف اللّيل» (3).
و عنه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:(إذا غربت الشّمس فقد دخل وقت الصّلاتين إلى نصف اللّيل إلاّ انّ هذه قبل هذه) (4).
و ما تقدّم من حديث داود بن فرقد (5).
و في الصّحيح،عن بكر بن محمّد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و أوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة،و آخر وقتها إلى غسق اللّيل،نصف اللّيل» (6).
و في الموثّق،عن هارون بن خارجة (7)،عن أبي بصير،عن أبي جعفر عليه
ص:84
السّلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لو لا انّي أخاف أن أشقّ على أمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث اللّيل و أنت في رخصة إلى نصف اللّيل،و هو غسق اللّيل، فإذا مضى الغسق نادى ملكان:من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف اللّيل فلا رقدت عيناه» (1).
و عن معلّى بن خنيس،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«آخر وقت العتمة نصف اللّيل» (2).
و في الموثّق،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«العتمة إلى ثلث اللّيل أو إلى نصف اللّيل و ذلك التّضييع» (3).
قوله عليه السّلام:«و ذلك التّضييع»أي للفضيلة،لأنّه إذا كان الوقت ممتدّا إلى تلك الغاية لم يكن التّأخير تضييعا للواجب عن وقته.
احتجّ الشّيخ بما رواه يزيد بن خليفة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«وقت العشاء حين يغيب الشّفق إلى ثلث اللّيل» (4).
و ما رواه زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«و آخر وقت العشاء ثلث
ص:85
اللّيل» (1).
و عن ذريح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«أتى جبرئيل عليه السّلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»و ساق الحديث إلى قوله:«و صلّى العتمة حين ذهب ثلث اللّيل» (2).
و كذا رواه معاوية بن وهب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (3).و لأنّ الثّلث مجمع عليه فيقتصر على توقيته أخذا بالمتيقّن.
و احتجّ أبو حنيفة بما روي عنه عليه السّلام انّه قال:(لا يخرج وقت صلاة حتّى يدخل وقت اخرى) (4).
و بما روي عنه عليه السّلام قال(ليس التّفريط في النّوم إنّما التّفريط في اليقظة و هو أن يؤخّر الصّلاة حتّى يدخل وقت الأخرى) (5)و هو يدلّ على انّه لا تفريط بتأخيرها إلى قبل طلوع الفجر.
و الجواب عن الأوّل:انّه يدلّ على الفضيلة،جمعا بين الأدلّة.و لأنّه جعل أوّل الوقت غيبوبة الشّفق،و ذلك ابتداء وقت الفضيلة على ما يأتي و مضى،فيكون المنتهى كذلك أيضا.و لأنّ الرّاوي و هو يزيد بن خليفة لا يحضرني الآن حاله (6).
ص:86
و عن الثّاني:ما تقدّم في وقت الظّهر و العصر (1).
و عن الثّالث:انّ الثّلث إن عنيت انّه مجمع على كونه غاية فهو نفس المتنازع، و إن عنيت انّه تجوز الصّلاة فيه،فهو مسلّم،لكن ذلك لا يدلّ على كونه غاية،و لا يجوز التّمسّك في مثل هذا بالإجماع،و قد سلف بيان ذلك في الأصول.
و عن الرّابع بعد تسليم النّقل:انّه غير عامّ،إذ لفظة صلاة نكرة ليست للعموم في معرض الإثبات و لو سلّم فالدّخول موجود،إذ صلاة اللّيل تدخل بالانتصاف.
لا يقال:انّه عنى بذلك الصّلاة الواجبة.
لأنّا نقول:انّه ليس في الخبر ما يدلّ عليه.
و عن الخامس:بمثل ما مضى في الرّابع.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن ابن مسكان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال«إن نام،أو نسي المغرب،أو العشاء الآخرة،فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما،و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء،و إن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلّ الصّبح،ثمَّ المغرب،ثمَّ العشاء قبل طلوع الشّمس» (2).
و في الصّحيح،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إن نام رجل و لم يصلّ صلاة المغرب و العشاء الآخرة،أو نسي،فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما،و إن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة و إن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلّ الفجر،ثمَّ المغرب،ثمَّ العشاء الآخرة قبل طلوع
ص:87
الشّمس،فإن خاف أن تطلع الشّمس فتفوته إحدى الصّلاتين فليصلّ المغرب و يدع العشاء الآخرة حتّى تطلع الشّمس و يذهب شعاعها،ثمَّ ليصلّها» (1).
و عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إذا طهرت المرأة آخر اللّيل فلتصلّ المغرب و العشاء» (2)و هذه الأخبار تدلّ على امتداد الوقت إلى طلوع الفجر.
لأنّا نقول:لا نسلّم دلالتها على ذلك قطعا،إذ قوله عليه السّلام:«فإن استيقظ قبل الفجر»يحتمل انّه استيقظ قبل نصف اللّيل أيضا،إذ الحوالة فيه على ما ثبت من انّ وقت العشاء الآخرة نصف اللّيل،فقال:«قدر ما يصلّيهما كلتيهما»يعني في وقتيهما.
و رواية ابن سنان دالّة على الاستحباب لا الوجوب،جمعا بين الأدلّة.
بلا خلاف بين علماء الإسلام.
و اعلم انّ ضوء النّهار من ضياء الشّمس،و إنّما يستضيء بها ما كان كملا في نفسه،كثيفا في جوهره،كالأرض،و القمر،و أجزاء الأرض المتّصلة و المنفصلة.و كلّما يستضيء(وجهه من الشمس) (3)فإنّه يقع له ظلّ من ورائه،و قد قدّر اللّه تعالى بلطيف حكمته دوران الشّمس حول الأرض،فإذا كانت تحتها،وقع ظلّها فوق الأرض على شكل مخروط و يكون الهواء المستضيء بضياء الشّمس محيطا بجوانب ذلك المخروط، فتستضيء نهايات الظّلّ بذلك الهواء المضيء،لكنّ ضوء النّهار ضعيف،إذ هو مستعار،فلا ينفذ كثيرا في أجزاء المخروط،بل كلّما ازداد بعدا،ازداد ضعفا،فإذن متى يكون في وسط المخروط،يكون في أشدّ الظّلام،و إذا قربت الشّمس من الأفق الشّرقيّ، مال مخروط الظّل عن سمت الرّأس،و قربت الأجزاء المستضيئة من حواشي الظّلّ
ص:88
بضياء الهواء من البصر و فيه أدنى قوّة فيدركه البصر عند قرب الصّباح.و على هذا كلّما ازدادت الشّمس قربا من الأفق ازداد مخروط الضّوء فيزداد الضّوء من نهايات الظّلّ إلى أن تطلع الشّمس،و أوّل ما يظهر الضّوء عند قرب الصّباح يظهر مستدقّا مستطيلا كالعمود و يسمّى الصّبح الكاذب،و الأوّل يشبه ذنب السّرحان لدقّته و استطالته و يسمّى الأوّل لسبقه على الثّاني،و الكاذب لكون الأفق مظلما،أي لو كان يصدق انّه نور الشّمس لكان المنير ما يلي الشّمس دون ما يبعد منه،و يكون ضعيفا دقيقا،و يبقى وجه الأرض على ظلامة بظلّ الأرض،ثمَّ يزداد هذا الضّوء إلى أن يأخذ طولا و عرضا فينبسط في عرض الأفق كنصف دائرة و هو الفجر الثّاني الصّادق،لأنّه صدقك عن الصّبح و بيّنه لك،و الصّبح ما جمع بياضا و حمرة،و منه سمّي الرّجل الّذي في لونه بياض و حمرة أصبح.ثمَّ يزداد الضّوء إلى أن يحمرّ الأفق،ثمَّ تطلع الشمس.و بالفجر الثّاني يتعلّق الحكم من وجوب الصّلاة و أحكام الصّوم الآتية،لا الفجر الأوّل و عليه إجماع أهل العلم (1).
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي ركعتي الصّبح[و هي الفجر] (2)إذا اعترض الفجر و أضاء حسنا» (3).
و عن حصين بن أبي الحصين (4)،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«الفجر هو
ص:89
الخيط الأبيض المعترض،و ليس هو الأبيض صعدا و لا تصلّ في سفر و لا حضر حتّى تتبيّنه» (1).
و للإجزاء طلوع الشّمس.ذهب إليه المفيد (2)،و السّيّد المرتضى (3)،و ابن الجنيد (4)،و أبو الصّلاح (5)،و ابن إدريس (6).و به قال أبو حنيفة (7).
و قال الشّيخ في الخلاف:وقت المختار إلى أن يسفر الصّبح،و وقت المضطرّ إلى طلوع الشّمس (8).و به قال الشّافعيّ (9)،و أحمد (10).
و قال ابن أبي عقيل:آخره أن تبدو الحمرة،فإن تجاوز دخل في الوقت الأخير (11).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عبد اللّه بن عمر،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:
ص:90
(وقت الفجر ما لم تطلع الشّمس) (1).
و عن أبي هريرة،عنه عليه السّلام،(أوّل وقت الفجر حين يطلع الفجر،و آخر وقتها حين تطلع الشّمس) (2).
و ما رواه أبو هريرة و عبد اللّه بن عمرو بن العاص،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله (انّ للصّلاة وقتين،أوّلا و آخرا،و انّ أوّل وقت الفجر حين يطلع الفجر و آخره حين تطلع الشّمس) (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:«وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس» (4).
احتجّ الشّيخ (5)بما رواه في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«وقت الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصّبح السّماء،و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا و لكنّه وقت لمن شغل،أو نسي،أو نام» (6).
و ما رواه في الصّحيح،عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«لكلّ صلاة وقتان،و أوّل الوقتين أفضلهما،و وقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصّبح السّماء،و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا،و لكنّه وقت من شغل،أو نسي،أو سهى،أو نام،و وقت المغرب حين تجب الشّمس إلى أن تشتبك النّجوم،
ص:91
و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلاّ من عذر،أو من علّة» (1).
و احتجّ الشّافعي بما رواه بريدة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه صلّى الفجر حين طلع الفجر،و في اليوم الثّاني أسفر بها،ثمَّ قال:(وقت صلواتكم بين ما رأيتم) (2).
و الجواب عن الأوّل:انّه محمول على الفضيلة،و يدلّ عليه انّه أتى بلفظة:لا ينبغي،و هي غالبا إنّما تستعمل في ذلك.
و عن الثّاني:انّه غير دالّ بصريحة على انّ ما عدا ذلك،ليس بوقت،فلا يعارض النّصّ القطعيّ في ذلك.
روى أبو داود،عن أبي موسى،انّه عليه السّلام،صلّى الفجر في اليوم الثّاني و انصرف،فقلنا:طلعت الشّمس (3)و لا ريب في انتفاء الضّرورة هناك.
السّلام،قال:«أ تدري لم جعل الذّراع و الذّراعان؟»قلت:لم؟قال:«لمكان الفريضة،لك أن تتنفّل من زوال الشّمس إلى أن تبلغ ذراعا،فإذا بلغت ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النّافلة» (1).
و عن سماعة،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام،«إذا زالت الشّمس فصلّ ثمان ركعات،ثمَّ صلّ الفريضة أربعا،فإذا فرغت من سبحتك قصّرت أو طوّلت فصلّ العصر» (2).
و عن ذريح المحاربيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سأله أناس و أنا حاضر،فقال:«إذا زالت الشّمس فهو وقت لا يحبسك منه إلاّ سبحتك،تطيلها أو تقصّرها».فقال بعض القوم:انّا نصلّي الأولى إذا كانت على قدمين،و العصر على أربعة أقدام،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«النّصف من ذلك أحبّ إليّ» (3).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الصّلاة في الحضر ثماني ركعات إذا زالت الشّمس ما بينك و بين أن يذهب ثلثا القامة،فإذا ذهب ثلثا القامة بدأت بالفريضة» (4).
و في الصّحيح،عن محمّد بن أحمد بن يحيى (5)،قال:كتب بعض أصحابنا إلى أبي
ص:93
الحسن عليه السّلام،روي عن آبائك القدم و القدمان و الأربع،و القامة و القامتان، و ظلّ مثلك،و الذّراع و الذّراعان،فكتب عليه السّلام:«لا القدم و لا القدمان،إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الصّلاتين و بين يديها سبحة و هي ثماني ركعات،فإن شئت طوّلت،و إن شئت قصّرت،ثمَّ صلّ الظّهر،فإذا فرغت كان بين الظّهر و العصر سبحة و هي ثمان ركعات،إن شئت طوّلت،و إن شئت قصّرت،ثمَّ صلّ العصر» (1).
و عن محمّد بن الفرج (2)،قال:كتبت أسأل عن أوقات الصّلاة؟فأجاب:«إذا زالت الشّمس فصلّ سبحتك و أحبّ أن يكون فراغك من الفريضة و الشّمس على قدمين» (3).
و هذه الأخبار و إن اختلفت إلاّ انّها قريبة من الاتّفاق في المعنى،و ذلك لما رواه الشّيخ في الموثّق،عن زرارة،قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام،يقول:«كان حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قامة،فإذا مضى من فيئه ذراع صلّى
ص:94
الظّهر،و إذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر»ثمَّ قال:«أ تدري لم جعل الذّراع و الذّراعان؟»قلت:لا،قال:«من أجل الفريضة،إذا دخل وقت الذّراع و الذّراعين بدأت بالفريضة و تركت النّافلة» (1).
و روى،عن عليّ بن حنظلة (2)،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«في كتاب عليّ عليه السّلام:القامة ذراع،و القامتان ذراعان» (3)و هذان الحديثان يدلاّن على اعتبار المثل و المثلين في نوافل الظّهر و العصر،لأنّ التّقدير انّ الحائط ذراع لأنّه قامة.
و ما تقدّم من الأخبار الدّالة على إرادة التّطويل و التّقصير فمحمول على عدم تجاوز المثل و المثلين.و الأخبار الدّالّة على ثلثي القامة دالّة على الأفضليّة،أمّا على عدم جواز فعلها فيما تجاوز فعلا.
إلى أن يصير الظّلّ إلى أربعة أقدام،ذكره الشّيخ في النّهاية (4).و اعتبر في المبسوط المثلين (5)يدلّ عليه ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي الظّهر على ذراع و العصر على نحو ذلك» (6)و هذا يدلّ على
ص:95
اعتبار ذراع آخر و هو المثل الثّاني.
و عن محمّد بن الفرج،قال:كنت أسأل عن أوقات[الصّلاة] (1)فأجاب،«إذا زالت الشّمس فصلّ سبحتك،و أحبّ أن يكون فراغك من الفريضة و الشّمس على قدمين،ثمَّ صلّ سبحتك،و أحبّ أن يكون فراغك من العصر و الشّمس على أربعة أقدام،فإن عجّل بك أمر فابدأ بالفريضتين و اقض بعدهما».
و عن إسماعيل الجعفيّ،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان الفيء في الجدار ذراعا صلّى الظّهر،و إذا كان ذراعين صلّى العصر»قلت:الجدران تختلف منها قصير و منها طويل،قال:«انّ جدار مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يومئذ قامة»و إنّما جعل الذّراع و الذّراعان لئلاّ يكون تطوّع في وقت فريضة (2).
و عليه اتّفاق علمائنا،لأنّ العشاء يستحبّ تأخيرها إلى هذه الغاية،فكان الاشتغال بالنّافلة حينئذ مطلوبا.أمّا عند ذهاب الحمرة فإنّه يقع الاشتغال بالفريضة فتكره النّافلة حينئذ.و لما رواه الشّيخ،عن عمرو بن حريث،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يصلّي ثلاثا المغرب،و أربعا بعدها» (3).
و روى ابن بابويه،عن أبي جعفر عليه السّلام في صفة صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«فإذا آبت الشّمس-و هو أن تغيب-صلّى المغرب ثلاثا،و بعد المغرب
ص:96
أربعا،ثمَّ لا يصلّي شيئا حتّى يسقط الشّفق،فإذا سقط صلّى العشاء» (1)و هذا يدلّ على انّ آخر وقتها غيبوبة الحمرة-كما قلنا-لأنّ اشتغال الرّسول صلّى اللّه عليه و آله بالعشاء في ذلك الوقت إنّما يكون بعد دخول وقت العشاء،و حينئذ لا تطوّع لما رواه الشّيخ،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوّع» (2).
ذهب إليه علماؤنا أجمع،لأنّها نافلة الصّلاة تفعل بعدها فتقدّر بوقتها ضرورة.قال الشّيخ:و يستحبّ أن يجعلها بعد كلّ صلاة يريد أن يصلّيها (3).
و كلّما قرب من الفجر كان أفضل.ذهب إليه علماؤنا أجمع.و قال مالك:الثّلث الأخير (4).و قال الشّافعيّ:إن جزّأ اللّيل نصفين فالنّصف الآخر أفضل،و إن جزّأه أثلاثا كان الثّلث الأوسط أفضل (5).
لنا:قوله تعالى «وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ» (6)مدح اللّه تعالى المستغفرين في وقت السّحر،و هو قبل الصّبح على ما قاله أصحاب اللّغة (7)،فدلّ على أفضليّة الدّعاء فيه و الإنابة على غيره و الصّلاة فيها الدّعاء و الاستغفار.
و ما رواه الجمهور،عن عائشة قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ينام أوّل
ص:97
اللّيل و يحيي آخره (1).
و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:(أفضل الصّلاة صلاة داود،كان ينام نصف اللّيل و يقوم ثلثه و ينام سدسه) (2).
و عن عمرو بن عنبسة (3)،قال:قلت:يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أيّ اللّيل أسمع؟قال:(جوف اللّيل الأخير فصلّ ما شئت) (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن فضالة (5)،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي بعد ما ينتصف اللّيل ثلاث عشرة ركعة» (6).
و في الصّحيح،عن عمر بن يزيد انّه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام«انّ في اللّيل لساعة لا يوافقها عبد مسلم و يدعو اللّه فيها إلاّ استجاب له في كلّ ليلة»قلت:أصلحك اللّه فأيّة ساعة من اللّيل؟قال:«إذا مضى نصف اللّيل إلى الثّلث الباقي» (7).
ص:98
و عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا صلّى العشاء الآخرة أوى إلى فراشه لا يصلّي شيئا إلاّ بعد انتصاف اللّيل لا في شهر رمضان و لا في غيره» (1).
و عن محمّد بن عمر (2)،عمّن حدّثه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«انّ الثّمانية ركعات يصلّيها العبد آخر اللّيل زينة الآخرة» (3).
و في الصّحيح،عن إسماعيل بن سعد الأشعريّ (4)،قال:سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن ساعات الوتر؟فقال:«أحبّها إلي الفجر الأوّل» (5)و سألته عن أفضل ساعات اللّيل؟قال:«الثّلث الباقي».
و عن مرازم (6)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قلت:متى أصلّي صلاة اللّيل؟ قال:«صلّها أخر اللّيل» (7).
ص:99
و في الصّحيح،عن معاوية بن وهب،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أفضل ساعات الوتر؟فقال:«الفجر أفضل ذلك» (1).
و تأخيرها إلى طلوع الفجر الأوّل أفضل،و يمتدّ الوقت إلى طلوع الحمرة فيشتغل بالفريضة حينئذ.فهاهنا أحكام:
الأوّل:أنّهما بعد صلاة اللّيل.و هو مذهب أهل العلم.
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر،قال:سألت الرّضا عليه السّلام عن ركعتي الفجر؟فقال:«احشوا بهما صلاة اللّيل» (2).
و في الموثّق،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت:ركعتا الفجر من صلاة اللّيل هي؟قال:«نعم» (3).
و في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟فقال:«قبل الفجر انّهما من صلاة اللّيل،ثلاث عشرة ركعة صلاة اللّيل،أ تريد أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تتطوّع؟إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» (4).
و في هذا الحديث فوائد:
أحدها الحكم بأنّهما قبل الفجر.
و ثانيها:انّهما و إن كانا قبل الفجر فإنّهما يسمّيان بركعتي الفجر،و ذلك من باب
ص:100
التّجوّز تسمية للشّيء باسم ما يقاربه.
و ثالثها:الحكم بأنّهما من صلاة اللّيل.
و رابعها:تعليل انّهما من قبل الفجر بأنّهما من صلاة اللّيل،و ذلك يدلّ على أنّ ما بعد الفجر ليس من اللّيل،خلافا للأعمش (1)و غيره،و لحذيفة على ما روي عنه، حيث ذهبوا إلى أنّ ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس من اللّيل،و أنّ صلاة الصّبح من صلوات اللّيل (2)،و إنّه يباح للصّائم الأكل و الشرب إلى طلوع الشّمس،و يؤيّده فسادا قوله تعالى :«أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ» (3)و اتّفق المفسّرون على أنّ المراد بذلك صلاة الصّبح و العصر (4).
و خامسها:انّ صلاة اللّيل إحدى عشرة ركعة،و مع ركعتي الفجر ثلاث عشرة، خلافا لأكثر الجمهور على ما تقدّم (5).
و سادسها:انّ قوله:(أ تريد أن تقايس)فيه إنكار للعمل بالقياس و تعريض بالمنع منه كما ذهب إليه أكثر علمائنا (6)و طائفة من الجمهور (7)،خلافا لابن الجنيد منّا (8)،و لأكثر الجمهور (9).
ص:101
و سابعها:انّ قوله:(لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تتطوّع)يدلّ على المنع من صوم النّافلة لمن عليه صوم واجب،لأنّه عليه السّلام جعله أصلا،فلا بدّ و أن يكون الحكم فيه ثابتا لنقيس عليه المنع من فعل النّافلة في وقت الفريضة بجامع شغل الذّمّة بواجب.
و ثامنها:الأمر بفعل الفريضة عند دخول وقتها و ترك التّعرّض بالنّافلة إلاّ ما استثنيناه لأدلّة خاصّة.
و تاسعها:انّ المراد بقوله:(الفجر)هو الفجر الثّاني،لدلالة سياق الحديث عليه، فحينئذ يجوز فعلهما بعد طلوع الفجر الأوّل.
الحكم الثّاني:تأخيرهما إلى طلوع الفجر الأوّل،و فيه قولان:
أحدهما:للشّيخين،قالا:انّهما يعقبان صلاة اللّيل و إن لم يطلع الفجر الأوّل (1).
و الثّاني:للسّيّد المرتضى،انّ وقتهما من طلوع الفجر الأوّل (2).
أمّا الأوّل:فيدلّ عليه ما رواه الشّيخ،عن محمّد بن مسلم،قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام،عن أوّل وقت ركعتي الفجر؟قال:«سدس اللّيل الباقي» (3).و ما تقدّم من حديث ابن أبي نصر،و حديث زرارة.
و أمّا الثّاني:فيدلّ عليه ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن يعقوب بن سالم،قال:
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«صلّهما بعد الفجر،و اقرأ فيهما في الأولى:(قل يا ايّها الكافرون)و في الثّانية:«قل هو اللّه احد» (4).
ص:102
و في الصّحيح،عن عبد الرّحمن بن الحجّاج،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
«صلّهما بعد ما يطلع الفجر» (1).
و في الصّحيح،عن حمّاد بن عثمان،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«ربّما صلّيتهما و عليّ ليل،فإن قمت و لم يطلع الفجر أعدتهما» (2).
و ما رواه في الموثّق،عن زرارة قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام،يقول:«انّي لأصلّي صلاة اللّيل و أفرغ من صلاتي و أصلّي الرّكعتين فأنام ما شاء اللّه قبل أن يطلع الفجر،فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما» (3).و القول الأوّل أشهر بين الأصحاب (4)، و تحمل الأحاديث الّتي استدلّ بها السّيّد المرتضى على الاستحباب،و انّ الأولى تأخيرهما إلى طلوع الفجر الأوّل.
الحكم الثّالث:جواز فعلهما إلى طلوع الحمرة،و يدلّ عليه ما رواه الجمهور،عن حفصة انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أذّن المؤذّن و طلع الفجر يصلّي ركعتين (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،قال:
سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«صلّ ركعتي الفجر قبل الفجر و بعده و عنده» (6).
ص:103
و مثله رواه في الصّحيح،عن ابن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (1).
و عن الحسين بن أبي العلاء،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرّجل يقوم و قد نوّر بالغداة،قال:«فليصلّ السّجدتين اللّتين قبل الغداة،ثمَّ ليصلّ الغداة» (2).
و لأنّها نافلة مرتّبة على الفريضة و تساويها في الوقت كالنّوافل المقدّمة.
الحكم الرّابع:أخر وقتهما طلوع الحمرة،لأنّه وقت يتضيّق فيه الفريضة للمتأيّد في صلاته،فيمنع النّافلة.
و لما رواه الشّيخ،عن إسحاق بن عمّار،عمّن أخبره،عنه عليه السّلام،قال:
«صلّ الرّكعتين ما بينك و بين أن يكون الضّوء حذاء رأسك،فإذا كان بعد ذلك فابدأ بالفجر» (3).
و عن عليّ بن يقطين،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرّجل لا يصلّي الغداة حتّى يسفر و تظهر الحمرة و لم يركع ركعتي الفجر أ يركعهما أو يؤخّرهما؟قال:
«يؤخّرهما» (4).
البحث هاهنا في شيء واحد،و هو انّ الوجوب هل يثبت بأوّل الوقت أم لا؟فالّذي نختاره انّه تجب الصّلاة مثلا بأوّل الوقت وجوبا موسّعا.و هو اختيار الشّيخ (1)،و ابن أبي عقيل (2)،و جماعة من أصحابنا (3)،و ذهب إليه الشّافعيّ (4)،و أحمد (5).
و قال المفيد رحمه اللّه:إن أخّرها،ثمَّ اخترم في الوقت قبل أن يؤدّيها كان مضيّعا لها،و إن بقي حتّى يؤدّيها في أخر الوقت أو فيما بين الأوّل و الآخر عفى عن ذنبه (6).و فيه تعريض بالتّضييق.و قال أيضا في بعض المواضع:إن أخّرها لغير عذر كان عاصيا و يسقط عقابه لو فعلها في بقيّة الوقت (7).
و قال أبو حنيفة:يجب بآخر الوقت إذا بقي منه ما لا يتّسع لأكثر منها (8).
لنا:قوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» (9)و الأمر يقتضي الوجوب.و ما تقدّم من الأحاديث الدّالّة على مقدار المواقيت (10).و لأنّ دخول الوقت سبب للوجوب،فيترتّب عليه مسبّبه حين الوجود.و لأنّه يشترط فيها نيّة الوجوب،و لو
ص:105
لم تكن واجبة (1)لما صحّت نيّته،كما في النّافلة.
احتجّ أبو حنيفة (2)بأنّه يتخيّر في فعلها و تركها أوّل الوقت،فلا تكون واجبة كالنّافلة.
و الجواب:انّ التّخيّر ينافي الوجوب المعيّن،أمّا المخيّر فلا.و نحن فقد بيّنّا (3)فيما سلف رجوع هذا الواجب إلى الواجب المخيّر.و الفرق بينه و بين النّافلة انّ النّافلة يجوز تركها من غير عزم على الإتيان بها بخلاف هذا.
لا يقال:هذا ينافي ما ذكرتم أوّلا من عدم وجوب العزم.
لأنّا نقول:العزم إنّما يجب لا بالأمر،بل من حيث انّه من أحكام الدّين،الواجبة بأمر مغاير.
فلو تجدّد عذر مسقط،كجنون،أو حيض،أو إغماء قبل مضيّ هذه المدّة و إن كان الوقت قد دخل حتّى استوعب الوقت لم يجب القضاء.ذهب إليه الشّيخ رحمه اللّه (4)،و به قال الشّافعيّ (5)،و إسحاق (6)،و أبو عبد اللّه بن بطّة (7)(8).و قال أحمد:يستقرّ الوجوب بإدراك جزء من أوّل الوقت.
ص:106
و يلوح من كلام السّيّد المرتضى استقرار الوجوب بإدراك الصّلاة في الوقت أو أكثرها (1).
لنا:أنّ وجوب الأداء ساقط،لاستحالة تكليف ما لا يطاق،و القضاء تابع لوجوب الأداء،فيسقط لسقوط متبوعه.و لأنّه وقت لا يمكنه أن يصلّي فيه فلا يجب القضاء،كما لو طرأ العذر قبل دخول الوقت.
احتجّ المخالف (2)بأنّها صلاة وجبت عليه،فوجب قضاؤها إذا فاتته كما لو أمكنه الأداء.
و الجواب:المنع من الوجوب،لتوقّفه على الوقت المتّسع.
و ذلك إذا غلب على ظنّ المكلّف الهلاك قبل آخر الوقت،فيتعيّن فعله حينئذ،و يعصي بتأخيره إجماعا،فلو أخّره،ثمَّ ظهر له فساد ظنّه و لمّا يخرج الوقت فهو أداء،لأنّه ظنّ ظهر بطلانه،فلا حكم له في نقل صفة العبادة.
و قال بعض الجمهور:انّه يكون قضاء،و هو بعيد (3).
و لو لم يغلب على ظنّه ذلك،جاز له تركه إلى آخر الوقت،فلو مات حينئذ لم يعص على أحسن الوجهين و إلاّ لنافي جواز التّأخير فظهر انّ هذا الوصف منوط بالظّنّ.
و هذا حكم الواجب الموسّع الذي وقته العمر،كقضاء الواجبات،فإنّه متى غلب على ظنّه التّلف تعيّن عليه فعله و يضيّق وقته.
لو أدرك من أوّل الوقت مقدار أداء الصّلاة وجب القضاء مع عدم
ص:107
الفعل،فلو أدرك من الزّوال مقدار ثماني ركعات وجبت الصّلاتان،لاشتراك الوقتين.و كذا البحث في المغرب و العشاء.و لو أدرك من آخر الوقت مقدار ركعة وجبت أداء،فلو أخلّ حينئذ وجب القضاء.
أمّا إدراك الصّلاة بإدراك ركعة فلا خلاف فيه بين أهل العلم (1)،لما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:(من أدرك ركعة من الصّلاة فقد أدرك الصّلاة) (2).
و في رواية:(من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشّمس فقد أدرك العصر) (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن الأصبغ بن نباته (4)،قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام«من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة» (5).
و عن عمّار بن موسى السّاباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،«فإن صلّى ركعة
ص:108
من الغداة،ثمَّ طلعت الشّمس فليتمّ و قد جازت صلاته،و إن طلعت الشّمس قبل أن يصلّي ركعة فليقطع الصّلاة و لا يصلّي حتّى تطلع الشّمس و يذهب شعاعها» (1).
و أمّا كونها أداء فقد اختلف علماؤنا فيه،فقال بعضهم:انّه يكون مؤدّيا لجميعها بفعل ركعة في الوقت (2)،و اختاره الشّيخ (3).
و قال آخرون:يكون قاضيا (4).
و قال الباقي:يكون قاضيا للمفعول في خارج الوقت (5).
و الأوّل أشبه عندي بالصّواب.لقوله عليه السّلام:(من أدرك ركعة من الصّلاة فقد أدرك الصّلاة) (6).
و في لفظ آخر:(من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت) (7)و مع القضاء لا يكون إدراكا.و لأنّ الجمعة تدرك بركعة،فكذا ها هنا.
حنيفة:لو أدرك تكبيرة الإحرام كان مدركا (1).و هو القول الآخر للشّافعيّ (2).
لنا:أنّه عليه السّلام خصّص بالرّكعة في قوله:(من أدرك ركعة من الصّلاة فقد أدرك الصّلاة) (3)و التّقييد دليل على الاقتصار.
و من طريق الخاصّة:رواية عمّار السّاباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله:«و إن طلعت الشّمس قبل أن يصلّي ركعة فليقطع الصّلاة» (4).و لأنّه أدرك للصّلاة،فلا يحصل بأقلّ من ركعة كالجمعة.
احتجّ أبو حنيفة (5)بما رواه أبو هريرة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:
(من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشّمس فليتمّ صلاته،و إذا أدرك سجدة من صلاة الصّبح قبل أن تطلع الشّمس فليتمّ صلاته) (6).و لأنّ الإدراك إذا تعلّق به حكم في الصّلاة استوى فيه الرّكعة و ما دونها،كالجماعة.
و الجواب عن الأوّل:من وجهين:
أحدهما:انّ أبا هريرة روى(من أدرك ركعة من صلاة العصر) (7)و إذا اختلفت
ص:110
رواية الرّاوي طرحت،لتطرّق التّهمة إليها.
الثّاني:انّا نقول بموجبة،إذ من أدرك السّجدة يحصل إدراك الرّكعة،و ذلك دليل لنا.
و عن الثّاني:بالمنع من ثبوت الحكم في الأصل على ما يأتي.
فاتت الظّهر و تعيّنت العصر.و لو أدرك خمسا فقد أدرك الصّلاتين (1).و هو حسن بناء على ما حقّقناه (2)من انّ الوقت يشترك (3)بعد أربع إلى أن يبقي للغروب مقدار أربع.
أمّا على قول بعض أصحابنا من اشتراك الوقتين من الزّوال إلى الغروب،فإنّه يكون مدركا للصّلاتين لو أدرك أربعا (4).و هو قول للشّافعيّ (5).
و المغمى عليه إذا أفاق، و المجنون إذا برئ،و الكافر إذا أسلم و قد بقي للغروب مقدار ركعة و الطّهارة،تعيّنت العصر عليهم و سقطت الظّهر.ذهب إليه أكثر علمائنا (6).و كذا البحث في المغرب و العشاء.و قال أكثر الجمهور:يصلّون الصّلاتين معا (7).و هو رواية لنا.و قال الحسن البصريّ:لا تجب إلاّ الصّلاة الّتي طهرت في وقتها (8).و هو قول الثّوريّ (9)،
ص:111
و أصحاب الرّأي (1).
لنا:انّ وقت الاولى خرج و هو معذور فلا يجب،كما لو لم يدرك من وقت الثّانية شيئا.
و ما رواه الجمهور،عن أبي هريرة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:(من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشّمس فقد أدرك العصر) (2)و لو كان مدركا للصّلاتين لم يكن لتخصيص العصر فائدة بل كان ينبغي ذكر الصّلاتين معا.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن معمّر بن يحيى،قال:
سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الحائض تطهر عند العصر،تصلّي الاولى؟قال:«لا إنّما تصلّي الصّلاة الّتي تطهر عندها» (3).
و في الموثّق،عن الفضل بن يونس،عن أبي الحسن الكاظم عليه السّلام،قال:
قلت:المرأة ترى الطّهر قبل غروب الشّمس كيف تصنع بالصّلاة؟قال:«إذا رأت الطّهر بعد ما يمضي من زوال الشّمس أربعة أقدام فلا تصلّي إلاّ العصر،لأنّ وقت الظّهر دخل عليها و هي في الدّم،و خرج عنها الوقت و هي في الدّم،فلم يجب عليها أنّ تصلّي الظّهر و ما طرح اللّه عنها من الصّلاة و هي في الدّم أكثر» (4).
و عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:قلت:المرأة ترى الطّهر
ص:112
عند الظّهر فتشتغل في شأنها حتّى يدخل وقت العصر،قال:«تصلّي العصر وحدها،فإن ضيّعت فعليها صلاتان» (1).
احتجّ الجمهور (2)بما رواه الأثرم و ابن المنذر بإسنادهما،عن عبد الرّحمن بن عوف و عبد اللّه بن عبّاس انّهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة:تصلّي المغرب و العشاء،فإذا طهرت قبل أن تغرب الشّمس صلّت الظّهر و العصر جميعا (3).و لأنّ وقت الثّانية وقت الاولى حالة العذر،فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها كما يلزمه فرض الثّانية.
و الجواب عن الأوّل:بأنّ عبد الرّحمن،و ابن عبّاس لم يسندا قولهما إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،فجاز أن يكون فتوى عن اجتهاد،فلا يكون مسموعا.و لأنّه يحمل على الاستحباب،و بهذا الثّاني نجيب عن الأخبار الواردة عندنا بالقضاء إذا طهرت الحائض قبل الغروب (4)،جمعا بين الأحاديث.
و عن الثّاني بالمنع من اشتراك الوقت،و من إيقاع الاولى في وقت الثّانية على ما تقدّم (5).
ثمَّ جنّ،أو كانت امرأة فحاضت أو نفست،ثمَّ زال العذر بعد وقتهما لم تجب الثّانية و لا قضاؤها، لأنّه لم يدرك جزءا من وقتها و لا وقتا يسعها،فلا يجب،كما لو لم يدرك من وقت الأولى شيئا.
ثمَّ عاد
ص:113
إليه الجنون قبل انقضاء الوقت أو عند انقضائه،لم يلزمه قضاؤها،لأنّه لم يلحق جميع الوقت الّذي يمكنه إيقاع الفعل فيه.
أتمّ .
و قال في الخلاف:يستأنف إن كان الوقت باقيا (2).و ما ذكره في الخلاف أشبه عندي بالصّواب.أمّا لو بلغ بما ينافيها فإنّه يستأنف من رأس.
و أمكنه الطّهارة و أداء ركعة فيه، وجبت عليه و لم يجزئه ما فعله أوّلا.و به قال أبو حنيفة (3)،و أحمد (4).لأنّه صلّى قبل وجوبها عليه و قبل حصول سبب الوجوب،فلم يجزئه عن صلاة وجد سبب وجوبها كما لو صلّي قبل الوقت.و لأنّ ما أوقعه إنّما أوقعه على جهة النّفل،فلا يكون مجزيا عن الفرض،كما لو نوى بالفريضة النّافلة.و لأنّه بلغ قبل العبادة و قبل فعلها،فيجب إعادتها كالحجّ.و قال الشّافعيّ:يجزئه و لا تجب عليه الإعادة،لأنّه أدّى وظيفة الوقت،فلم يلزمه إعادتها كالبالغ (5).
و الجواب:وظيفة البالغ صلاة واجبة و لم يأت بها.
و العشاء أحيانا و أحيانا،إذا رآهم اجتمعوا عجّل،و إذا رآهم أبطأوا أخّر،و الصّبح كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يصلّيها بغلس (1)(2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان قال:
سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«لكلّ صلاة وقتان و أوّل الوقت أفضله،و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلاّ في عذر من غير علّة» (3).
و في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«لكلّ صلاة وقتان و أوّل الوقت أفضلهما» (4).
و عن بكر بن محمّد قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«فضل الوقت الأوّل على الأخير خير للمؤمن من ولده و ماله» (5).
و في الصّحيح،عن زرارة قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:أصلحك اللّه وقت كلّ صلاة أوّل الوقت أفضل أو وسطه أو آخره؟فقال:«أوّله،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:انّ اللّه يحبّ من الخير ما يعجّل» (6).
و في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«اعلم انّ الوقت الأوّل أبدا أفضل فتعجّل الخير ما استطعت،و أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ و جلّ ما داوم
ص:115
العبد عليه و إن قلّ» (1).
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
«إذا دخل وقت صلاة فتحت أبواب السّماء لصعود الأعمال،فما أحبّ أن يصعد عمل أوّل من عملي،و لا يكتب في الصّحيفة أحد أوّل منّي» (2).
و لأنّها طاعة فيستحبّ تعجيلها كغيرها،و لا نعرف في ذلك خلافا.
قالت عائشة:ما رأيت أحدا أشدّ تعجيلا للظّهر من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (4).
و أمّا في الحرّ فيستحبّ الإبراد بها إن كانت البلاد حارّة،و صلّيت في المسجد جماعة.و به قال الشّافعيّ (5)،لقوله عليه السّلام:(إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصّلاة فإنّ شدّة الحرّ من فيح جهنّم) (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه،عن معاوية بن وهب،عن الصّادق عليه السّلام،قال:«كان المؤذّن يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الحرّ في صلاة الظّهر
ص:116
فيقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أبرد أبرد» (1).و لأنّه موضع ضرورة،فاستحبّ التّأخير لزوالها.
أمّا لو لم يكن الحرّ شديدا أو كانت البلاد باردة أو صلّى في بيته،فالمستحبّ فيه التّعجيل.و هو مذهب الشّافعيّ (2)خلافا لأصحاب الرّأي،و أحمد (3).
لنا:المقتضي لاستحباب التّعجيل موجود و المانع مفقود،فيوجّه الأثر لقوله عليه السّلام:«الوقت الأوّل من الصّلاة رضوان اللّه و الوقت الأخير عفو اللّه» (4).
أمّا الجمعة فلا يستحبّ تأخيرها.و هو قول أهل العلم كافّة (5)،لضيق وقتها.
و لأنّه نقل التّعجيل دائما عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله (6)،و لو كان التّأخير مستحبّا لما داوم على خلافه.
و روي عن ابن شبرمة،و أبي قلابة (3):انّ تأخيرها أفضل (4).و هو قول أصحاب الرأي (5).
لنا:ما تقدّم (6)،و ما رواه الجمهور،عن أبي امامة (7)،قال:صلّينا مع عمر بن عبد العزيز الظّهر،ثمَّ خرجنا حتّى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلّي العصر، فقلنا:يا[عمّ] (8)،ما هذه الصّلاة الّتي صلّيت؟قال:العصر و هذه صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الّتي كنّا نصلّيها معه،رواه البخاريّ (9).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:الظّهر و العصر حين زالت
ص:118
الشّمس في جماعة من غير علّة» (1).
و في الموثّق،عن عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:
يكون أصحابنا في المكان مجتمعين فيقوم بعضهم يصلّي الظّهر،و بعضهم يصلّي العصر، قال:«كلّ واسع» (2).
و في الصّحيح،عن زرارة،قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:بين الظّهر و العصر حدّ معروف؟فقال:«لا» (3)و إذا لم يكن بينهما حدّ معيّن،كان وقت العصر حين الفراغ من الظّهر،فيكون فعلها فيه أولى.
و عن أبي بصير،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:الموتور أهله و ماله من ضيّع صلاة العصر.قيل:و ما الموتور أهله و ماله؟ قال:لا يكون له أهل و لا مال في الجنّة.قيل:و ما تضييعها؟قال:يدعها حتّى تصفّر أو تغيب» (4).
احتجّ المخالف (5)بما رواه رافع بن خديج (6)،انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يأمر بتأخير العصر (7).و لأنّها آخر صلاتي جمع،فاستحبّ تأخيرها كصلاة العشاء.
ص:119
و الجواب عن الأوّل،انّ التّرمذيّ طعن في الحديث (1).و قال الدّار قطنيّ:يرويه عبد الواحد (2)بن نافع و ليس بالقويّ (3).
و عن الثّاني:انّه قياس في باب الأوقات،فيكون باطلا،لأنّه من باب التّقديرات.
ليحصل اليقين بدخول الوقتين.و قد ذهب إليه بعض الجمهور (4).
و قال عليه السّلام:(لا تزال أمّتي بخير)،أو قال:(على الفطرة حتّى يؤخّروا المغرب،إلى أن تشتبك النّجوم) (1)رواه أبو داود.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن زيد الشّحام،قال:قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أؤخّر المغرب حتّى تستبين النّجوم؟فقال:«خطّابيّة» (2)؟انّ جبرئيل عليه السلام نزل بها على محمد صلى الله عليه و آله حين سقط القرص» (3).
و عن سعيد بن جناح،عن بعض أصحابنا،عن الرضا عليه السلام،قال:«ان أبا الخطاب قد كان أفسد عامة أهل الكوفة،و كانوا لا يصلون المغرب حتى يغيب الشفق،و إنما ذلك للمسافر و الخائف و لصاحب الحاجة» (4).
و عن محمد بن أبي حمزة (5)،عمن ذكره،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:
قال:«ملعون من أخر المغرب طلب فضلها» (6).
و عن ذريح،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام:ان أناسا من أصحاب أبي الخطاب يسمون بالمغرب حتى تشتبك النجوم،قال:«أبرأ إلى الله ممن فعل ذلك متعمدا» (7).
ص:121
و ما ورد في ذلك من الأحاديث الدالة على التأخير،فبعضها محمول على العذر، و بعضها مكذوب،لشهادة الصادق و الرضا عليهما السلام بكذبها و نسبته إلى أبي الخطاب.
و أكثر أهل (1)العلم على استحباب التأخير،خلافا للشافعي (2).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أبي برزة (3)،ان النبي صلى الله عليه و آله كان يستحب أن يؤخر من العشاء التي يدعونها العتمة (4).
و عن النبي صلى الله عليه و آله:(لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه).قال الترمذي:و هو حديث حسن صحيح (5).
و روى البخاري،عن عائشة،قالت:اعتم رسول الله صلى الله عليه و آله بالعشاء حتى ناداه عمر بالصلاة،نام النساء و الصبيان،فخرج رسول الله صلى الله عليه و آله فقال:(ما ينتظرها أحد غيركم) (6).
ص:122
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن يزيد بن خليفة،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«وقت العشاء حين يغيب الشفق إلى ثلث الليل» (1).
و في الموثق،عن جميل بن دراج،عن أبي عبد الله عليه السلام،قلت:فالرجل يصلي العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق؟فقال:«لعله لا بأس» (2).
و في الصحيح،عن الحلبي،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام متى تجب العتمة؟قال:«إذا غاب الشفق،و الشفق الحمرة»فقال عبيد الله:أصلحك الله انه يبقى بعد ذهاب الحمرة ضوء شديد معترض،فقال أبو عبد الله عليه السلام:«ان الشفق إنما هو الحمرة،و ليس الضوء من الشفق» (3).و لا يريد بذلك هذا الوجوب لما بيناه (4)من أنه بعد الغروب بثلاث ركعات.
و لما رواه الشيخ في الموثق،عن زرارة،قال:سألت أبا جعفر و أبا عبد الله عليهما السلام عن الرجل يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟فقالا:«لا بأس به» (5).
و في الصحيح،عن عبد الله بن سنان،قال:سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:«أخر رسول الله صلى الله عليه و آله ليلة من الليالي العشاء[الآخرة] (6)ما شاء الله،فجاء عمر فدق الباب،فقال:يا رسول الله:[نام النساء (7)]
ص:123
نام الصبيان،فخرج رسول الله صلى الله عليه و آله فقال:ليس لكم أن تؤذوني و لا تأمروني،إنما عليكم أن تسمعوا و تطيعوا» (1).
و عن أبي بصير،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله:«لو لا أني أخاف أن أشق على أمتي لأخرت العتمة إلى ثلث الليل،و أنت في رخصة إلى نصف الليل و هو غسق الليل،فإذا مضى الغسق نادى ملكان:من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه» (2).
و الحال فيه كالحال في الفجر إلا انه على العكس،لأن الشمس متى غربت احمر الأفق في ناحية المغرب و يكون الهواء مضيئا كما كان قبل الطلوع،ثمَّ يأخذ في الضعف إلى أن تغيب الحمرة و يبقى البياض كبياض الصبح الصادق،ثمَّ يتبعه شيئا فشيئا إلى أن يغيب،ثمَّ يتبعه خيط البياض المستطيل.
و ممن قال ان الشفق هو الحمرة،ابن عباس،و ابن عمر،و عطاء،و مجاهد، و سعيد بن جبير،و الزهري (3)،و مالك (4)،و الثوري (5)،و أحمد (6)،و ابن أبي ليلى (7)،
ص:124
و الشافعي (1)،و إسحاق (2)،و أبو يوسف،و محمد (3).
و قال أبو حنيفة:الشفق هو البياض (4).و به قال أنس،و أبو هريرة،و عمر بن عبد العزيز،و الأوزاعي،و المزني،و زفر،و ابن المنذر (5).
لنا:ما رواه الجمهور،عن ابن عمر،عن النبي صلى الله عليه و آله قال:(الشفق الحمرة،فإذا غاب الشفق وجبت العشاء) (6).رواه الدار قطني.
و من طريق الخاصة:رواية الحلبي الصحيحة،عن أبي عبد الله عليه السلام،و قد تقدمت (7).
و ما رواه الشيخ في الموثق،عن عبيد الله و عمران ابني علي الحلبي،عن أبي عبد الله عليه السلام،قلنا:و أي شيء الشفق؟فقال:«الحمرة» (8).
احتج المخالف (9)بما رواه أبو مسعود،قال:رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله
ص:125
يصلي العشاء حين يسود الأفق (1).و لا ريب ان وقت العشاء بعد غيبوبة الشفق،فلو كان الشفق هو الحمرة لصلاها عليه السلام قبل ذلك.
و الجواب:لا دلالة فيما ذكرتم لوجهين:
الأول:ان اسوداد الأفق قد يكون مع غيبوبة الحمرة و وجود البياض لخفائه و قلة ظهوره.
الثاني:ان تأخيرها عن أول الوقت أولى لتحصل الجماعة و تكثر،و لهذا قال عليه السلام لبلال:(اجعل بين أذانك و إقامتك قدر ما يفرغ الأكل من أكله،و المتوضي من وضوئه،و المعتصر إذا دخل لقضاء حاجته) (2).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عائشة،قالت:كان رسول الله صلى الله عليه و آله يصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس (1).
و عن أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه و آله غلس بالصبح،ثمَّ أسفر مرة،ثمَّ لم يعد إلى الإسفار حتى قبضه الله (2).رواه أبو داود.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن إسحاق بن عمار،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام:أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر؟قال:«مع طلوع الفجر ان الله تعالى يقول (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (3)يعني صلاة الفجر يشهده ملائكة الليل و ملائكة النهار) (4).
و في الحسن،عن الحلبي،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«وقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو نام» (5)و لأنها عبادة فاستحب المبادرة إليها لما فيه من المحافظة على الطاعات.
و لا في تأخير الصلاة التي يستحب تقديمها إذا عزم على فعلها،ما لم يخرج الوقت أو يتضيق عن جميعها،لأن جبرئيل عليه السلام صلاها في الوقتين بالنبي صلى الله عليه و آله و قال:«ما بين هذين
ص:127
وقت» (1).
و هو قول أهل العلم كافة إلا ما روي، عن ابن عباس في مسافر صلى الظهر قبل الزوال يجزئه.و بمثله قال الحسن، و الشعبي (2).
لنا:الإجماع على ذلك،و خلاف هؤلاء لا اعتداد به،و قد انقرض أيضا،فلا تعويل عليه.و لأن المكلف مخاطب بالفعل عند دخول الوقت و لم يوجد بعد ذلك ما يزيله،فيبقى في عهدة التكليف.
و لما رواه الشيخ،عن أبي بصير،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«من صلى في غير الوقت فلا صلاة له» (3).
و عن محمد بن الحسن العطار (4)،عن أبيه،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:
«لأن أصلي الظهر في وقت العصر أحب إلي من أن أصلي قبل أن تزول الشمس،فإني إذا صليت قل أن تزول الشمس لم تحس لي،و إذا صليت في وقت العصر حسبت لي» (5).و مثله رواه عبد الله بن سليمان عنه عليه السلام (6).
ص:128
و عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام في رجل صلى الغداة بليل غرة من ذلك القمر و نام حتى طلعت الشمس فأخبر أنه صلى بليل؟قال:«يعيد صلاته» (1).
لا يقال:قد روى الشيخ في الصحيح،عن عبيد الله الحلبي،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«إذا صليت في السفر شيئا[من الصلاة] (2)في غير وقتها فلا يضر» (3)و هذا يدل على جواز التقديم في السفر.
لأنا نقول:انه محمول على التأخير لعذر و جواز القضاء،أو أنه محمول على النوافل،إذ لا عموم هنا،أو انه محمول على غير وقت الفضيلة.
لمسافر أو شاب يمنعه النوم من الاستيقاظ،و الأفضل قضاؤها من الغد.ذهب إليه أكثر علمائنا (4)و قال زرارة بن أعين من قدمائنا:كيف تقضي صلاة قبل وقتها،ان وقتها بعد انتصاف الليل (5).
و اختاره ابن إدريس (6).
لنا:ما رواه الشيخ،عن ليث المرادي،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار صلاة الليل في أول الليل؟فقال:«نعم،نعم
ص:129
ما رأيت،و نعم ما صنعت» (1).
و في الصحيح،عن معاوية بن وهب،عن أبي عبد الله عليه السلام،قلت:فإن من نسائنا أبكار الجارية تحب الخير و أهله و تحرص على الصلاة فيغلبها النوم حتى ربما قضت و ربما ضعفت عن قضائه،و هي تقوى عليه أول الليل،فرخص لهن في الصلاة أول الليل إذا ضعفن و ضيعن القضاء (2).و هو يدل من حيث المفهوم على مساواة حكم الرجل لهن لتعلق الحكم على الضعف.
و في الموثق،عن الحلبي،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الليل و الوتر في أول الليل في السفر إذا تخوفت البرد أو كانت علة؟فقال:«لا بأس،أنا أفعل ذلك إذا تخوفت» (3).
و عن علي بن سعيد،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الليل و الوتر في السفر في أول الليل إذا لم يستطع أن يصلي في آخره؟قال:«نعم» (4).
و أما ان القضاء أفضل،فلما رواه الشيخ في الصحيح،عن معاوية بن وهب،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:قلت له:ان رجلا من مواليك من صلحائهم شكا إليه ما يلقى من النوم،فقال:اني أريد القيام للصلاة بالليل فيغلبني النوم حتى أصبح فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع و الشهرين أصبر على ثقله،فقال:«قرة عين و الله»و لم
ص:130
يرخص له في الصلاة في أول الليل،و قال:«القضاء بالنهار أفضل» (1)و.لأنها عبادة موقتة،فكان الأصل عدم جواز فعلها قبل وقتها كغيرها إلا أنا صرنا إلى التقديم في مواضع تعذر القضاء محافظة على فعل السنن،فيسقط في غيرها.
إلا أن يكون الوقت قد دخل قبل الفراغ و لو بالتسليم.اختاره الشيخ في المبسوط و النهاية (2)إلا أن في عبارته في النهاية تسامحا.و اختاره المفيد (3)أيضا،و سلار (4)،و ابن البراج (5)،و أبو الصلاح (6)،و ابن إدريس (7).و قال علم الهدى (8)و ابن الجنيد:يعيد (9).و هو مذهب الجمهور كافة (10).
لنا:انه مأمور باتباع ظنه و قد فعل،فيكون خارجا عن العهدة و لا يلزم على ذلك ما لو دخل الوقت بعد الفراغ،إذ لم يقع في الوقت شيء،من الصلاة،فيبقي الأمر متوجها عليه.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن إسماعيل بن رياح (11)،عن أبي عبد الله عليه
ص:131
السلام،قال:«إذا صليت و أنت ترى أنك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك» (1).و المراد بالرؤية هاهنا الظن،لاستحالة حملها على العلم و النظر بالعين.
احتج المرتضى بأنه أدى ما لم يؤمر به،فلا يكون مجزيا عنه (2).
و بما رواه أبو بصير،عن أبي عبد الله عليه السلام:«من صلى في غير وقت فلا صلاة له» (3).
و الجواب عن الأول:ان النزاع واقع في المقدمة الأولى،فإنا نقول:مأمور باتباع ظنه.
و عن الثاني:بالحمل على ما إذا وقعت الصلاة بأجمعها خارج الوقت،و هو الذي يدل عليه حقيقة.أما لو دخل في الصلاة قبل الوقت من غير استناد إلى علم أو ظن، فإنه لا يعتد بها،سواء صلاها بأجمعها خارج الوقت أو بعضها فيه.
أو يغلب على ظنه مع عدم طريق له إلى العلم.
لأنه لا يؤمن معه الخطأ،و ترك ما يؤمن معه الخطأ به قبيح عقلا.
فإن كان الإخبار عن علم و لم يكن للمخبر طريق سواه،بنى على خبره،لأنه يثمر ظنا فيصار إليه مع عدم طريق إلى غيره، و لو كان له طريق علمي لم يعمل بقوله،لأنه لا يفيده قطعا،و إن كان الإخبار عن
ص:132
اجتهاد لم يقلّده في ذلك،و اجتهد هو حتّى يغلب على ظنّه،لأنّه يقدر على الصلاة باجتهاد نفسه فلا يعمل باجتهاد غيره كما في القبلة.
فإن كان متمكنا من العلم بالوقت لم يعول عليه لما تقدم،و إن لم يكن،جاز له التعويل على قوله،لما رواه الجمهور، عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال:(المؤذن مؤتمن) (1).و لو لا جواز تقليده لم يكن مؤتمنا.
و عنه عليه السلام:(خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين،صلاتهم و صيامهم) (2).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن ذريح المحاربي قال:قال لي أبو عبد الله عليه السلام:«صل الجمعة بأذان هؤلاء فإنهم أشد شيء مواظبة على الوقت» (3).
و في الصحيح،عن محمد بن خالد (4)،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
أخاف أن نصلي يوم الجمعة قبل أن تزول الشمس؟فقال:«إنما ذاك على المؤذنين» (5).و لأنه مشروع للإعلام بدخول الوقت،فلو لم يجز تقليد المؤذن لم تحصل الحكمة التي شرع الأذان لها.خرج من ذلك ما لو تمكن من العلم لمعنى لم يوجد في الظن،فيبقى صورة النزاع على الأصل تحصيلا للحكمة المطلوبة.
الوقت.
ليدرك فضيلة الوقت،و لو غلب على ظنه مضي وقت النافلة اشتغل بالفريضة و قضى النافلة (1).
فلو ظهر له انه صلى قبله أعاد،و لو تبين انها وقعت بعده كان جائزا.
و أما مع سلامة الحاسة فلا يجوز تقليد الغير،و يستظهر إذا لم يكن له معرفة حتى يغلب على ظنه دخول الوقت (2).
و إن كان الفعل وقع في الوقت،لأنه صلى مع الشك في شرطها من غير دليل فلا يصح،كما لو صلى إلى القبلة مع الشك من غير اجتهاد،و كما لو صلى بشك الطهارة.
له:جعلت فداك،صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟قال:«ست عشرة ركعة (1)أي ساعات النهار شئت أن تصليها صليتها إلا انك إذا صليتها في مواقيتها أفضل» (2).
و في الصحيح،عن إسماعيل بن جابر،عن أبي عبد الله عليه السلام،قلت له:
اني أشتغل؟قال:«فاصنع كما أصنع،صل ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الأكبر و اعتد بها من الزوال» (3).
قال الشيخ:و هذه الروايات رخصة لمن علم من حاله انه إن لم يقدمها اشتغل عنها و لم يتمكن من القضاء (4).لما رواه محمد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يشتغل عن الزوال أ يعجل من أول النهار؟فقال:«نعم إذا علم أنه يشتغل فيعجلها في صدر النهار كلها» (5).
و زاحم بها الفريضة،و إن كان قد تلبس بركعة.لما رواه الشيخ،عن عمار الساباطي،عن أبي عبد
ص:135
الله عليه السلام،قال:«للرجل أن يصلي الزوال ما بين زوال الشمس إلى أن يمضي قدمان فإن كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة،أو قبل أن يمضي قدمان أتم الصلاة حتى يصلي تمام الركعات،و إن مضى قدمان قبل أن يصلي ركعة واحدة بدأ بالأولى و لم يصل الزوال إلا بعد ذلك» (1).و لأنها صلاة نافلة تلبس بها و لم يتضيق وقت فريضتها فليتمها كالفريضة.و لأنه محافظة على فعل السنن التي لم يتضيق وقت فرائضها.
و كذا البحث في نوافل العصر لما رواه الشيخ،عن عمار أيضا،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«و للرجل أن يصلي من نوافل العصر ما بين الاولى إلى أن تمضي أربعة أقدام،فإن مضت أربعة أقدام و لم يصل من النوافل شيئا فلا يصلي النوافل،و إن كان قد صلى ركعة فليتم النوافل حتى يفرغ منها،ثمَّ يصلي العصر»و قال:«للرجل أن يصلي إن بقي عليه شيء من صلاة الزوال إلى أن يمضي بعد حضور الاولى نصف قدم، و للرجل إذا كان قد صلى من نوافل الأولى شيئا قبل أن يحضر العصر فله أن يتم نوافل الاولى إلى أن يمضي بعد حضور العصر قدم»و قال:«القدم بعد حضور العصر مثل نصف قدم بعد حضور الاولى في الوقت سواء» (2).
فأبدأ بالنافلة؟قال:فقال أبو جعفر:«لا،و لكن ابدأ بالفريضة و اقض النافلة» (1).
ثمَّ صلى الفريضة في إحدى الروايتين.
روى الشيخ،عن محمد بن النعمان،قال:قال أبو عبد الله عليه السلام:«إذا كنت صليت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع أم لم يطلع» (2).
و أما الرواية الأخرى فقد رواها الشيخ،عن يعقوب البزاز (3)،قال:قلت له:
أقوم قبل الفجر فأصلي أربع ركعات،ثمَّ أتخوف أن ينفجر الفجر،أبدأ بالوتر أو أتم الركعات؟قال:«لا،بل أوتر و أخر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار» (4).
و الرواية الأولى أشبه لأنها مناسبة للحكمة من حيث المحافظة على السنن،و لأن الثانية غير مسندة إلى إمام،فلا تعويل عليها،و عمل الأصحاب على الاولى فقد اعتضدت بما لم يحصل للثانية.
ص:137
أما لو خشي ضيق وقت الفريضة فإنه يتركها و يشتغل بالفريضة قطعا.
و لو لم يصل أربعا و طلع الفجر اشتغل بالفريضة بحصول المنافي و هو فعل النافلة في غير وقت فريضتها السالم عن معارضة فعل النصف المناسب للإكمال من حيث عدم التضيق.
و لو خرج الوقت و طلع الفجر و لم يصل شيئا أصلا ففيه روايتان،أشهرهما الاشتغال بالفريضة،لأنه تضييق للفريضة بفعل غير نافلتها في وقتها،روى الشيخ في الصحيح،عن إسماعيل بن جابر،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام:أوتر بعد ما يطلع الفجر؟قال:«لا» (1).
و أما الرواية الأخرى فقد رواها الشيخ،عن إسحاق بن عمار،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام:أقوم و قد طلع الفجر و لم أصل الليل،فقال:«صل صلاة الليل و أوتر و صل ركعتي الفجر» (2).
و يحتمل أن يكون الوجه في هذه الرواية ان المراد بالفجر،الفجر الأول أو ان ذلك يقع ليلة،لا انه مستمر،كما رواه عمر بن يزيد،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:
سألته عن صلاة الليل و الوتر بعد طلوع الفجر؟فقال:«صلها بعد الفجر حتى تكون في وقت تصلي الغداة في آخر وقتها و لا تعمد ذلك كل ليلة»و قال:«أوتر أيضا بعد فراغك منها» (3).
نعم يستحب له أن يصلي ركعتي الفجر،لأنها نافلة للصبح تزاحم بها في وقتها،
ص:138
كغيرها من النوافل السابقة للفرائض.
و هو إجماع.قال عليه السلام:«من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها ما لم يتضيق وقت حاضرة» (1).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الحسن،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام،انه سئل عن رجل صلى بغير طهور،أو نسي صلاة لم يصلها،أو نام عنها؟ فقال:«يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار،فإذا دخل وقت الصلاة و لم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت و هذه أحق[بوقتها] (2)فليقضها (3)،فإذا قضاها فليصل ما فاته مما قد مضى، و لا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها» (4).
أما النافلة فإنها تصلي في كل وقت ما لم يدخل وقت فريضة لما تقدم (5)،أو يكون من الأوقات المستثناة الآتية.
ثلاثة للوقت عند طلوع الشمس، و غروبها،و قيامها نصف النهار إلا يوم الجمعة،و اثنان للفعل بعد الصبح،و بعد العصر إلا النوافل المرتبة،و ما له سبب،كصلاة الزيارة،و تحية المسجد،و الإحرام.ذهب إليه أكثر أهل العلم (6).
ص:139
و نقل الجمهور،عن علي عليه السلام انه صلى بعد العصر ركعتين (1).و هو مروي عن الزبير (2)،و ابنه،و النعمان بن بشير،و أبي أيوب،و عائشة،و تميم الداري (3)(4).
و قال ابن المنذر:لا تكره الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس (5).
و قال داود:يجوز فعل النافلة بعد العصر حتى تغرب الشمس (6).
لنا:ما رواه الجمهور،عن ابن عباس قال:شهد عندي رجال مرضيون ان النبي صلى الله عليه و آله نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس و بعد العصر حتى تغرب الشمس (7).و عن أبي سعيد،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله:(لا
ص:140
صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس و لا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس) (1).
و عن عبد الله بن عمر،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله:(إذا بدأ حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز،و إذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب) (2).
و عن عقبة بن عامر (3)،قال:ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه و آله ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا:حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع،و إذا تضيفت للغروب،و نصف النهار (4).و معنى قوله:تضيفت أي مالت.يقال:
تضيفت فلانا إذا ملت إليه و نزلت به.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن محمد الحلبي،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس،فإن رسول الله صلى الله عليه و آله قال:ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان و تغرب بين قرني الشيطان،و قال:لا صلاة بعد العصر حتى تصلي المغرب» (5).
و عن معاوية بن عمار،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا صلاة بعد العصر
ص:141
حتى تصلي المغرب،و لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس» (1).
و عن أبي الحسن علي بن بلال (2)،قال:كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس،و من بعد العصر إلى أن تغيب الشمس؟فكتب«لا يجوز ذلك إلا للمقتضي فأما لغيره فلا» (3).
قال الشيخ:قد رويت رخصة في الصلاة عند طلوع الشمس و عند غروبها (4).
روى أبو جعفر محمد بن علي،قال:روى لي جماعة من مشايخنا،عن أبي الحسن محمد بن جعفر الأسدي (5)رضي الله عنه انه ورد عليه فيما ورد من جواب مسائله عن محمد بن عثمان العمري (6)قدس الله روحه«و أما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع
ص:142
الشمس و عند غروبها[فلئن كان كما] (1)يقول الناس ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان،و تغرب بين قرني الشيطان فما أرغم أنف الشيطان بشيء أفضل من الصلاة فصل و أرغم أنف الشيطان» (2).
احتج داود بما روته أم سلمة،قالت:دخل علي رسول الله صلى الله عليه و آله بعد العصر فصلى ركعتين (3).
و عن عائشة،قالت:و الله ما ترك رسول الله صلى الله عليه و آله ركعتين عندي بعد العصر قط (4).
و احتج ابن المنذر بما رواه بإسناده عن علي عليه السلام انه دخل فسطاطه فصلى ركعتين بعد العصر (5).
و روى ابن المنذر أيضا،عن علي عليه السلام قال:(قال رسول الله صلى الله عليه و آله:لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا و الشمس مرتفعة) (6).
و الجواب عن الأول:أنها صلاة كان لها سبب،لأنها كانت ركعتي الظهر شغله عنها وفد بني تميم فقضاها و دام عليها،لأنه كان ملتزما بالمداومة لما يفعله من الطاعات.
و عن الثاني:انه احتجاج بفعل و لا عموم له،فربما كان ما فعله من النوافل التي
ص:143
لها سبب،أو قضاء لنافلة سالفة على ما اختاره بعض فضلائنا (1).و أما حديث ابن المنذر،فإن الرواية الشهيرة في هذا الباب النهي.
قال المفيد رحمه الله:يكره قضاء النوافل عند طلوع الشمس و غروبها، و أجازها قضاء بعد صلاة الغداة إلى أن تطلع الشمس،و بعد صلاة العصر إلى أن تصفر الشمس (2).و أجاز الشيخ القضاء للنافلة في كل وقت خلافا (3)لبعض الجمهور (4).
و هو الأقوى.
لنا:ما رواه جبير بن مطعم (5)قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله:(يا بني عبد المطلب من ولي منكم شيئا من أمور الناس فلا يمنع أحدا طاف بالبيت و صلي أي وقت شاء من ليل أو نهار) (6).
و عن عائشة قالت:ما كان رسول الله صلى الله عليه و آله في بيتي في يوم بعد
ص:144
العصر إلا صلى ركعتين (1).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن سليمان بن هارون (2)،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:سألته عن قضاء الصلاة بعد العصر؟قال:«نعم إنما هي النوافل فاقضها متى شئت» (3).
و في الحسن،عن الحسين بن أبي العلاء،عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
«اقض صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء» (4).
و عن عبد الله بن أبي يعفور،عن أبي عبد الله عليه السلام في قضاء صلاة الليل و الوتر تفوت الرجل أ يقضيها بعد صلاة الفجر أو بعد العصر؟قال:«لا بأس بذلك» (5).و مثله رواه محمد بن الفرج،عن العبد الصالح عليه السلام (6).
لبعض الجمهور (1).
ذهب إليه علماؤنا أجمع.و به قال علي عليه السلام،و أبو العالية،و النخعي،و الشعبي،و الحكم،و حماد (2)، و مالك (3)،و الأوزاعي (4)،و الشافعي (5)،و أحمد (6)،و إسحاق،و أبو ثور،و ابن المنذر (7).
و قال أصحاب الرأي:لا تقضي فوائت الفرائض في الأوقات الثلاثة المنهي عنها للوقت إلا عصر يومه يصليها قبل غروب الشمس (8).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النبي صلى الله عليه و آله،قال:(من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) (9).
ص:146
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الحسن،عن زرارة،عن الباقر عليه السلام و قد تقدم (1)و لأنها صلاة فريضة فات وقتها فأشبهت عصر اليوم.و لأنه قول غير واحد من الصحابة مع عدم إنكار من أحد منهم،فكان إجماعا.
و احتج أبو حنيفة (2)بأخبار النهي (3)،و هي عامة تتناول الفرائض و النوافل.
و لأن النبي صلى الله عليه و آله لما نام عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس أخرها حتى ابيضت الشمس.رواه مسلم (4).
و لأنها صلاة فلم تجز في هذه الأوقات كالنوافل.
و الجواب عن الأول:انها مختصة بالقضاء في الوقتين الأخيرين،و بعصر يومه، فيقيس محل النزاع عليه،و حديثهم باطل لاستحالة صدور ذلك عن النبي صلى الله عليه و آله،و قياسهم ينتقض بهذه أيضا.
و في لفظ آخر:(من صلى ركعة من صلاة الصبح،ثمَّ طلعت الشمس فليتم صلاته) (1).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن الأصبغ بن نباته،قال:قال:
أمير المؤمنين عليه السلام:«من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة» (2).
احتج أبو حنيفة بأن الصلاة في هذا الوقت منهي عنها (3)،و النهي يدل على الفساد.
و الجواب:ان ما ذكرناه خاص فيصرف (4)العام عن ظاهره.و لأن ما ذكره ينتقض بمن صلى بعض صلاة العصر،ثمَّ اصفرت الشمس فإنه مسلم ان صلاته لا تبطل.
سواء أطلق النذر أو قيده،خلافا لأبي حنيفة (5).
لنا:أنها صلاة واجبة فأشبهت فوائت الفرائض و الجنازة و صلاة عصر اليوم.
احتج أبو حنيفة بأنه وجوب تعلق بفعله و هو النذر فجرى مجرى وجوب النافلة بالدخول فيها و مع ذلك يكره (6).
و الجواب:ينتقض ما ذكره بسجود التلاوة فإنه يتعلق بفعله و هو التلاوة.
ص:148
و الفرق بين المنذورة و النّافلة ظاهر لأنّ النّافلة لا تجب عنده إلاّ بالدّخول و هو مكروه،و النّذر هاهنا غير مكروه في الجملة.
ذهب إليه علماؤنا،و فعله الحسن و الحسين عليهما السّلام،و ابن عمر،و ابن الزّبير،و عطاء، و طاوس،و ابن عبّاس،و مجاهد،و القاسم بن (1)محمّد بعد الصّبح و العصر،و فعله عروة بعد الصّبح (2)،و ذهب إليه الشّافعيّ (3)،و أحمد (4)،و أبو ثور (5).و أنكر ذلك أبو حنيفة (6)،و مالك (7).
لنا:ما رواه الجمهور،عن جبير بن مطعم انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:
(يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت و صلّى في أيّ ساعة شاء من ليل أو نهار) (8).رواه التّرمذيّ.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار،قال:
سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«خمس صلوات لا تترك على كلّ حال،إذا طفت
ص:149
بالبيت،و إذا أردت أن تحرم،و صلاة الكسوف،و إذا نسيت فصل إذا ذكرت، و الجنازة» (1).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«خمس صلوات تصليهن في كل وقت:صلاة الكسوف،و الصلاة على الميت،و صلاة الإحرام و الصلاة التي تفوت،و صلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس،و بعد العصر إلى الليل» (2)و لأن ركعتي الطواف تابعة له فإذا أبيح المتبوع أبيح التابع.
احتجا بعموم النهي (3).
و الجواب:حديثنا أخص فيعمل به.و لأن حديثهم مخصوص بالفوائت و حديثنا غير مخصوص فيكون أولى.
لنا:ما رواه الجمهور،عن النبي صلى الله عليه و آله قال:(اني لأرى طلحة (1).
قد حدث فيه الموت،فأذنوني به و عجلوا،فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن يحبس بين ظهراني أهله) (2).و تأخير الصلاة عن هذه الأوقات ينافي التعجيل.
و من طريق الخاصة:رواية معاوية بن عمار و أبي بصير،عن أبي عبد الله عليه السلام و قد تقدمتا.و لأنها صلاة تباح بعد الصبح و العصر فأبيحت في سائر الأوقات كالفرائض.و لأنها صلاة تصلي في وقتين من أوقات النهي فتصلي في الباقي.و لأنها صلاة فريضة فأشبهت الفوائت.
احتج المخالف (3)بقول عقبة:ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه و آله ينهانا أن نصلي فيهن و أن نقبر فيهن موتانا (4).
و الجواب:انه مخصوص بالنوافل على ما بينا (5).
يصلي الكسوف و صلاة الإحرام في الأوقات المذكورة لروايتي أبي بصير، و معاوية بن عمار،بلا خلاف بين علمائنا.
لما يأتي و إن كان
ص:151
في أوقات النهي.و هو قول أكثر الجمهور (1).
و قال أبو حنيفة:لا يعاد الفجر و لا العصر و لا المغرب (2).و سيأتي البحث في ذلك.
أكثر أهل العلم على ان الأوقات المكروهة هي الخمسة (3)التي عددناها أولا (4).
و قال ابن المنذر:إنما يكره في ثلاثة أوقات لحديث عقبة بن عامر (5)خصص الأوقات بالكراهية فيها و يبقى الباقي على الأصل.
و الجواب:ان الأحاديث التي ذكرناها من طرقهم و طرقنا دالة على كراهية الصلاة في الوقتين الآخرين و التخصيص بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه.
لنا:ما تقدم (1)و ما رواه الجمهور،عن قيس بن فهد (2)قال:رآني رسول الله صلى الله عليه و آله و أنا أصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الفجر فقال:(ما هاتان الركعتان يا قيس؟)قلت:يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر فهما هاتان (3).رواها أحمد، و أبو داود،و الترمذي.و السكوت دال على الجواز.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن أبي الحسن علي بن بلال قال:كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس،و من بعد العصر إلى أن تغيب الشمس؟فكتب:«لا يجوز ذلك إلا للمقتضي،فأما لغيره فلا» (4).و لأنها صلاة ذات سبب فأشبهت ركعتي الطواف،و احتجاجهم قد بينا (5)تخصيصه بالابتداء.
ينهى عن الركعتين بعد العصر،ثمَّ رأيته يصليهما و قال:(يا بنت أبي أمية أنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين بعد الظهر فهما هاتان) (1)رواه مسلم.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الحسن،عن الحسين بن أبي العلاء،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:(اقض صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار و كل ذلك سواء) (2).
لنا:عموم النهي،و هو معنى يقتضي المنع من الصلاة،فتستوي فيه مكة و غيرها كالحيض.
احتج الشافعي (1)بما رواه أبو ذر،قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول:(لا يصلين أحد بعد طلوع الصبح إلى طلوع الشمس،و لا بعد العصر إلى أن تغرب الشمس إلا بمكة)قاله ثلاثا (2).
و قال عليه السلام:(لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت و صلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار) (3).
و الجواب عن الأول:ان رواية عبد الله بن المؤمل (4)و هو ضعيف،ذكره يحيى بن معين.
و عن الثاني:المراد به ركعتا الطواف و هو مسلم،لأنهما ذات سبب.
لنا:ما رواه الجمهور ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال:(ان الشمس تطلع و معها قرن الشيطان،فإذا ارتفعت فارقها،ثمَّ إذا استوت قارنها،و إذا زالت فارقها، و إذا دنت للغروب قارنها،فإذا غربت فارقها) (1)و نهى رسول الله صلى الله عليه و آله عن الصلاة في تلك الساعات.
احتج عطاء بأن شدة الحر من فيح جهنم (2)،و ذلك الوقت حين تسجر جهنم و لا شك في ضعفه.
الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة (1).و مثله رواه أبو قتادة (2).
رواه أبو داود.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن عبد الله بن سنان،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة» (3).
و في الصحيح،عن علي بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السلام،قال:سألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده؟قال:«قبل الأذان» (4).و لأن الناس في هذا الوقت ينتظرون الجمعة،و يشق عليهم مراعاة الشمس،و في ذلك قطع للنوافل و يحتاجون إلى الاشتغال بالصلاة عن النوم أيضا.
احتجوا بعموم النهي (5).
و الجواب:أحاديثنا خاصة فتقدم.
قال بعض الشافعية:جمع يوم الجمعة مستثنى،لأنه قد ورد في بعض الأخبار ان جهنم تسجر في الأوقات الثلاثة في سائر الأيام إلا في يوم الجمعة (6).و هذا ليس بصحيح لعموم النهي إلا ما ورد فيه الاستثناء.
و قال علم الهدى:انها العصر (3).و تبعه جماعة.و به قال أبو هريرة،و أبو أيوب، و أبو سعيد،و عبيدة السلماني،و الحسن،و الضحاك (4)،و أبو حنيفة (5)، و أصحابه (6)،و أحمد (7).و نقله الجمهور عن علي عليه السلام (8).
و قال طاوس،و عطاء،و عكرمة،و مجاهد (9)،و الشافعي:هي الصبح (10).
و قيل:انها المغرب (11).و قيل:هي العشاء (12).و الأقرب الأول.
لنا:ما رواه الجمهور،عن زيد بن ثابت،قال:كان رسول الله صلى الله عليه و آله
ص:158
يصلي الظهر بالهاجرة و لم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله منها فنزلت: «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى» (1)(2)رواه أبو داود.
و روى الترمذي و أبو داود،عن عائشة،عن رسول الله صلى الله عليه و آله انه قرأ « حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى و صلاة العصر » (3).
و من طريق الخاصة:«ما رواه الشيخ في الصحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام،قال: «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى» هي صلاة الظهر،و هي أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه و آله،و هي وسط النهار،و وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة و صلاة العصر،و في بعض القراءة «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى و صلاة العصر ، وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ» (4).
أقول:و العطف يقتضي المغايرة،و قد ورد في روايتي عائشة،و الباقر عليه السلام.
لا يقال:الواو زائدة كما في قوله تعالى «وَ لكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ» (5).
لأنا نقول:الزيادة منافية للأصل،فلا يصار إليها إلا لموجب،و المثال الذي ذكروه يمنع زيادة الواو فيه،بل هي للعطف على بابها.و لأنها أشق الصلوات فعلا لإيقاعها في الهاجرة وقت شدة تنازع الإنسان إلى النوم و الراحة،فيكون الأمر بالمحافظة عليها أولى.
ص:159
احتج السيد المرتضى بإجماع الشيعة على ذلك (1).
و احتج أبو حنيفة (2)بما روي،عن علي عليه السلام،عن رسول الله صلى الله عليه و آله انه قال يوم الأحزاب:(شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم و قبورهم نارا) (3).
و عن ابن مسعود قال:[قال:] (4)رسول الله صلى الله عليه و آله(صلاة الوسطى صلاة العصر) (5).
و احتج الشافعي (6)بقوله: «وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ» (7)و القنوات طول القيام و هو مختص بالصبح.و لأنها من أثقل الصلاة على المنافقين،و لهذا اختصت بالوصية بالمحافظة عليها،قال الله تعالى «وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ» (8)يعني صلاة الفجر و العصر.
و احتج القائلون بأنها المغرب بأن الأولى هي الظهر فتكون المغرب وسطى،و لأنها وسطى في عدد الركعات و وسطى في الأوقات،لأنه آخر النهار و أول الليل (9).
و احتج القائلون بالعشاء (10)بما رواه ابن عمر قال:مكثنا ليلة ننتظر رسول الله
ص:160
صلى الله عليه و آله لصلاة العشاء الآخرة،فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده فقال:(انكم لتنظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم و لو لا أن أشق على أمتي لصليت بهم هذه الساعة) (1)و قال:(ان أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الغداة و العشاء و لو يعلمون ما فيهما لأتوهما و لو حبوا) (2).
و الجواب عن الأول بمنع الإجماع،فإنا لا نتحققه مع وجود الخلاف.
و عن الثاني و الثالث بمنع الروايتين،فإن مالكا أطرحهما (3)مع قرب عهده،و هما معارضتان بما ذكرناه من الأحاديث.
و عن الرابع:ان القنوت هو الطاعة فلا يختص الدعاء.
و لو سلمنا ذلك،لكن اختصاص الصبح بذلك ممنوع لما يأتي من استحباب القنوت في الصلوات كلها.و لو سلم اختصاص القنوت بالصبح لكن لا نسلم ان الأمر بالقيام يستلزم عود ذلك إلى الوسطى و قوله:إنها أشد على المنافقين و ما بعد ذلك من حججهم ضعيف،لأنه لا يعارض ما أوردناه من النصوص هذه الأوهام.
و كأنه نظر إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله(لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإنها العشاء و انهم يعتمون بالإبل) (5)و لكن هذا الحديث لم يرد من طرف الأصحاب.قال:و كذا يكره تسمية الصبح بالفجر (6).و قال أيضا:قضاء نافلة الليل بالنهار أفضل،و قضاء
ص:161
نافلة النهار بالليل أفضل (1).و هو حسن لما فيه من المسارعة.
ذهب إليه السيد المرتضى (2)، و اختاره الجمهور كافة.
و قال الشيخ:الكعبة قبلة أهل المسجد،و المسجد قبلة أهل الحرم،و الحرم قبلة من خرج عنه (3).
و قال بعض الشافعية:القبلة عين الكعبة للبعيد و القريب (4).
لنا:قوله تعالى :«جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنّاسِ» (5).
و ما رواه الجمهور،عن البراء قال:قدم رسول الله صلى الله عليه و آله فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا،ثمَّ انه وجه إلى الكعبة فمر رجل كان صلى مع النبي صلى الله عليه و آله على قومه من الأنصار فقال:ان رسول الله صلى الله عليه و آله قد وجه إلى الكعبة فانحرفوا إلى الكعبة (6).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن أبي بصير،عن أحدهما عليهما السلام قال:«ان بني عبد الأشهل أتوهم و هم في الصلاة قد صلوا ركعتين إلى بيت المقدس فقيل لهم:ان نبيكم قد صرف إلى الكعبة فتحول النساء مكان الرجال و الرجال مكان
ص:162
النساء و جعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة،فصلوا صلاة واحدة إلى قبلتين،فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين» (1).
و أما ان المأخوذ على البعيد الاستقبال إلى الجهة فلقوله:«وَ حَيثُ ما كُنتُم فَوَلوا وُجُوهَكُم شَطرَهُ» (2)و الشطر:النحو.و لأن تكليف الاستقبال إلى عين الكعبة يستلزم إبطال صلاة بعض الصف المتطاول في سمت مستقيم،و إبطال صلاة أهل العراق أو خراسان،لبعد ما بينهما،مع ان قبلتهما واحدة،إذ من المستحيل محاذاة كل واحد منهما عين الكعبة.
احتج الشيخ بالإجماع (3)،و بأنه يلزم إما إبطال بعض صلاة الصف المتطاول،أو إلزام المأمومين الصلاة خلف الإمام،كما لو صلى في المسجد و اللازم بقسميه باطل بالإجماع.
و بما رواه عبد الله بن محمد الحجال (4)،عن بعض رجاله،عن أبي عبد الله عليه السلام«ان الله تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد،و جعل المسجد قبلة لأهل الحرم، و جعل الحرم قبلة لأهل الدنيا» (5).
و عن بشر بن جعفر الجعفي أبو الوليد (6)قال:سمعت جعفر بن محمد الصادق
ص:163
عليهما السلام،يقول:«البيت قبلة لأهل المسجد و المسجد قبلة لأهل الحرم و الحرم قبلة للناس جميعا» (1).
و الجواب عن الأول:بمنع الإجماع مع ثبوت الخلاف.
و عن الثاني:ان الملازمة إنما تتم لو قلنا ان المصلي خارج الحرم يتوجه إلى نفس الكعبة و بيتها،و نحن لا نقول ذلك،بل الواجب التوجه إلى جهة الكعبة أي السمت الذي فيه الكعبة،و ذلك متسع يمكن أن يوارى جهة كل مصل.
و أيضا فالإلزام يتجه عليه في الحرم،لأنه لم يبلغ في الطول إلى حد يتوجه إليه أهل العراق و خراسان.
و عن الحديثين بضعف سندهما،أما الأول فإنه مرسل،و أما الثاني فإن رواية كان ابن عقدة (2)و هو زيدي،و في رجاله من لا نعرفه،فلا احتجاج.
و قد اختلف قول الشيخ ها هنا،فقال في النهاية،و المبسوط،و الجمل،و الاستبصار:
بالكراهية (3).و قال في الخلاف:لا يجوز اختيارا،و حكاه عن مالك (4).و الأول أقوى.
لنا:انه استقبل الجهة و هو المطلوب،فيخرج عن العهدة.
احتج الشيخ بالإجماع،و بأن القبلة هي الكعبة للمشاهد،فتكون جملتها القبلة لا
ص:164
بعضها،و المصلّي في جوفها إنّما يستقبل بعضها.
و بما رواه في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:«لا تصلّ المكتوبة في الكعبة» (1).
و الجواب عن الأوّل:بمنع الإجماع و كيف يصحّ ادّعاء ذلك منه مع مخالفته له فيما ذكرناه من كتبه،إلاّ أن يكون المراد بقوله:لا يجوز:الكراهية،فإنّه كثيرا ما يستعمل هذا اللّفظ في هذا المعنى.
و عن الثّاني:بالمنع من كون جملة الكعبة هي القبلة بالنسبة إلى مصل واحد في وقت واحد،فإن استقبال الواحد جملة البنية محال بل إنما يحاذيه ما يساوي بدنه و الباقي خارج عن مقابلته.
و عن الحديث بالمنع من إرادة التحريم فيه بل يحمل على الكراهية.
لا بأس بالنوافل جوف الكعبة و هو إجماع،بل هي مستحبة لا نعرف فيه مخالفا إلا ما نقل عن محمد بن جرير الطبري (2).
لو كانت الحال حال ضرورة جازت الصلاة جوف الكعبة من غير كراهية.و هو إجماع أهل العلم كافة.
إذا صلى جوفها اضطرارا أو اختيارا على ما ذهبنا نحن إليه استقبل أي جدرانها شاء.و هو قول كل أهل العلم.
لو استهدم البيت و العياذ بالله صلى إلى موضعه،لأن الاعتبار بالجهة لا البنية،فإنا لو وضعنا الحيطان في موضع آخر لم يجز الاستقبال إليها إجماعا.
ص:165
لو صلى جوفها و هي مستهدمة أبرز بين يديه بعضها و صلى.و لو صلى على طرفها و لم يبرز شيئا لم تصح صلاته.
و قال الشافعي:لا تصح في الموضعين (1).
لنا:ان المأخوذ عليه الاستقبال إلى جزء الناحية،و قد امتثل،فيخرج عن العهدة.
لو صلى في جوفها و الباب مفتوحة و لا عتبة مرتفعة صحت صلاته أيضا بناء على ما ذكرنا،و الخلاف مع الشافعي (2)كما ثمَّ.
لو صلى في المسجد استقبل أي جدران الكعبة شاء.
و لو صلى في المسجد جماعة و استطال المأمومين حتى خرج بعضهم عن سمت الكعبة فصلاة من خرج عن السمت باطلة.
و به قال أبو حنيفة (3).
و قال الشيخ في النهاية و الخلاف:يصلي مستلقيا متوجها إلى البيت المعمور بالإيماء (4).و قال في المبسوط:و إن صلى كما يصلي[إذا كان] (5)جوفها كانت صلاته ماضية،سواء كانت للسطح سترة من نفس البناء أو معرورا فيه،و سواء وقف على سطح البيت أو على حائطه إلا أن يقف على طرف الحائط بحيث لا يبقى بين يديه جزء من البيت لأنه حينئذ يكون مستدبرا لا مستقبلا (6).و هو يوافق في الحقيقة ما
ص:166
ذكرناه نحن،لأن جواز القيام يستلزم وجوبه،لأنه شرط مع الإمكان.
لنا:أن المأخوذ عليه الصلاة إلى الجهة و هو يحصل مع القيام و إبراز البعض، فيحصل الامتثال،فلا معنى للصلاة بالاستلقاء.
احتج الشيخ بالإجماع و بما رواه عبد السلام (1)،عن الرضا عليه السلام في الذي تدركه الصلاة و هو فوق الكعبة،قال:«إن قام لم يكن له قبلة،و لكن يستلقي على قفاه و يفتح عينيه إلى السماء و يعقد بقلبه القبلة التي في السماء البيت المعمور،و يقرأ،فإذا أراد أن يركع غمض عينيه،فإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع فتح عينيه،و السجود على نحو ذلك» (2).
و الجواب:ان الإجماع ممنوع ها هنا،خصوصا مع ما ذكره في المبسوط.و أما الرواية فضعيفة رواها إسحاق بن محمد (3)،و قد قال النجاشي:إسحاق بن محمد معدن التخليط،فإن يكن الراوي هو هذا فقد ظهر ضعفه،و إلا فهو ضعيف لالتباسه بالمضعف،فلا يطرح عموم الأمر بالقيام،و عموم قوله تعالى:
ص:167
«وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» (1)و عموم الأمر بالركوع و السجود على وجههما بمثل هذا الحديث الضعيف.
لو صلى على موضع مرتفع ارفع بناء من الكعبة كجبل أبي قبيس صلى إلى جهة القبلة قائما كما قلناه في السطح،لأن المأخوذ عليه التوجه إلى الجهة بقوله :«وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» .
و لما رواه الشيخ في الصحيح،عن خالد بن أبي إسماعيل (2)،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام:الرجل يصلي على أبي قبيس مستقبل القبلة،فقال:«لا بأس» (3).
و كذا لو صلى في موضع منخفض عن الكعبة فإنه يستقبل الجهة و تصح صلاته، و لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم.
و شرط فيها،قال الله تعالى :«وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» و قال :
«جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنّاسِ» (4).
و روى إبراء قال:قدم رسول الله صلى الله عليه و آله فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا،ثمَّ انه وجه إلى الكعبة فمر رجل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه و آله على قوم من الأنصار،فقال:ان رسول الله صلى الله عليه و آله قد وجه إلى الكعبة
ص:168
فانحرفوا إلى الكعبة (1).
و من طريق الخاصة:ما رواه ابن بابويه،قال:صلى رسول الله صلى الله عليه و آله إلى بيت المقدس بعد النبوة ثلاثة عشرة سنة بمكة،و تسعة عشر شهرا بالمدينة،ثمَّ عيرته اليهود فقالوا له:انك تابع لقبلتنا،فاغتم لذلك غما شديدا،فلما كان في بعض الليل خرج عليه السلام يقلب وجهه في آفاق السماء،فلما أصبح صلى الغداة،فلما صلى من الظهر ركعتين جاءه جبرئيل عليه السلام فقال له :«قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» (2)الآية،ثمَّ أخذ بيد النبي صلى الله عليه و آله فحول وجهه إلى الكعبة و حول من خلفه وجوهكم حتى قام الرجال مقام النساء و النساء مقام الرجال،فكان أول صلاته إلى بيت المقدس و آخرها إلى الكعبة،و بلغ الخبر مسجدا بالمدينة و قد صلى أهله من العصر ركعتين،فحولوا نحو الكعبة،فكان أول صلاتهم إلى بيت المقدس، و آخرها إلى الكعبة،فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين،فقال المسلمون:صلاتنا إلى بيت المقدس تضيع يا رسول الله؟فأنزل الله عز و جل «وَ ما كانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ» (3)يعني صلاتكم إلى بيت المقدس (4).
و في هذا الحديث فوائد فقهية و أصولية ذكرناها في كتاب استقصاء الاعتبار.
و إلا لزم التكليف بالمحال،و معرفة القبلة قد تحصل بالمشاهدة،و هذا يختص الحاضرين في المسجد الحرام، و قد تحصل بالدلائل و العلامات،و ذلك حكم الغائبين في الأمصار.و البحث هاهنا في
ص:169
الدلالة.و أوثق أدلتها النجوم،قال الله تعالى :«وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» (1)و كل إقليم يتوجهون سمت الركن الذي يليهم،فأهل الشرق يتوجهون إلى الركن العراقي، و أهل الغرب إلى الغربي،و أهل الشام إلى الشامي،و أهل اليمن إلى اليمني.
و لنبدأ بالعراقي و استقبال أهله إليه،و علامتهم وضع الجدي خلف المنكب الأيمن، روى الشيخ،عن محمد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام،قال:سألته عن القبلة؟ قال:«ضع الجدي في قفاك و صل» (2).
و لهم علامة أخرى،بأن يجعلوا المشرق محاذيا للمنكب الأيسر،و المغرب مقابله،أو يجعلوا الشمس عند الزوال على طرف الحاجب الأيمن مما يلي الأنف.و القمر يبدو أول ليلة من الشهر هلالا في المغرب عن يمين المصلي،ثمَّ يتأخر كل ليلة نحو المشرق منزلا حتى يكون ليلة السابع وقت المغرب في قبلة المصلي أو مائلا عنها قليلا،ثمَّ يطلع ليلة الرابع عشر من المشرق قبل غروب الشمس بدرا،و ليلة إحدى و عشرين يكون في قبلة المصلي أو قريبا منها وقت الفجر.
و أما الاستدلال بالأنهار فلا اعتداد به،لاختلافه و عدم ضبطه.
و أما علامات أهل الشام فست:بنات نعش،و الجدي،و موضع مغيب سهيل، و طلوعه،و الصبا،و الشمال،فإذا كانت بنات نعش حال غيبوبتها خلف الاذن اليمنى و الجدي خلف الكتف الأيسر إذا طلع،و موضع مغيب سهيل على العين اليمني و طلوعه بين العينين،و الصبا على الخد الأيسر و الشمال على الكتف الأيمن كان مستقبلا للقبلة.
و علامات أهل المغرب ثلاث:الثريا،و العيوق،و الجدي،فإذا كان الثريا على يمينه و العيوق على شماله و الجدي على صفحة خده الأيسر فقد استقبل القبلة.
و علامات أهل اليمن ثلاث:الجدي،و سهيل،و الجنوب،فإذا كان الجدي وقت
ص:170
طلوعه بين عينيه و سهيل حين يغيب بين كتفيه و الجنوب على مرجع كتفه اليمنى فقد توجه إلى القبلة.ذكر علامات هذه الأركان الثلاثة ابن حمزة (1)من علمائنا رحمة الله.
و أفتى به الشيخ (3)، و ظاهر كلامه يعطي الوجوب،و الأشبه الاستحباب،و ذلك إنما يكون على تقدير أن يكون التوجه إلى الحرم.أما إذا قلنا بالتوجه إلى الكعبة على ما اخترناه فلا يتمشى فيه ذلك.
روى الشيخ،عن المفضل بن عمر (4)انه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة،و عن السبب فيه؟فقال:«ان الحجر الأسود لما نزل به من الجنة و وضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر الأسود (5)،فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال،و عن يسارها ثمانية أميال كله اثنى عشر ميلا،فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة لقلة أنصاب
ص:171
الحرم،و إذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة» (1).
و روى محمد بن يعقوب،عن علي بن محمد (2)رفعه،قال:قيل لأبي عبد الله عليه السلام:لم صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار؟فقال:«لأن للكعبة ستة حدود،أربعة منها على يسارك،و اثنان منها على يمينك،فمن أجل ذلك وقع التحريف على اليسار» (3)و المفضل بن عمر ضعيف،و الثانية مرسلة،فلا تعويل عليهما.
فإن غلب على ظنه جهة القبلة لأمارة من الأمارات عول عليه.و هو قول أهل العلم.
روى الشيخ في الصحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (4).
و عن سماعة قال:سألته عن الصلاة بالليل و النهار إذا لم تر الشمس و لا القمر و لا النجوم؟قال:«اجتهد رأيك و تعمد القبلة جهدك» (5).
و لو لم يغلب على ظنه،و فقدت الأمارة و حصل الاشتباه،صلى الصلاة الواحدة إلى أربع جهات أربع دفعات.ذهب إليه علماؤنا.
ص:172
و قال داود:يصلّي إلى أيّ جهة شاء (1).
و قال الشّافعيّ:يقلّد غيره (2).
و قال أبو حنيفة،و أحمد:يصلّي ما بين المشرق و المغرب،و يتحرّى الوسط (3).
لنا:انّ الاستقبال واجب،و لا يتمّ إلاّ بما قلناه،فيكون واجبا،لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به يكون واجبا،و إلاّ لزم التّكليف بالمحال أو خروج الواجب المطلق عن الوجوب.
و ما رواه الشّيخ عن خراش (4)،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:قلت:جعلت فداك،ان هؤلاء المخالفين علينا يقولون:إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنا و أنتم سواء في الاجتهاد؟فقال:«ليس كما يقولون،إذا كان كذلك فليصل لأربع وجوه» (5)و قول الشافعي جيد إذا أثمر التقليد الظن،و قول أبي حنيفة جيد،و ليس البحث على تقدير العلم بجهة المشرق و المغرب، فإنه متى حصل العلم بهما أمكن العلم بالقبلة لما بيناه في الدلائل.
روى الشيخ في الصحيح عن،معاوية بن عمار،عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:قلت:الرجل يقوم في الصلاة،ثمَّ ينظر بعد ما فرغ[فيرى] (6)انه قد انحرف عن
ص:173
القبلة يمينا[أ] (1)و شمالا؟قال:«قد مضت صلاته،و ما بين المشرق و المغرب قبلة» (2).
ثلاثا،أو اثنين،أو واحدة بحسب ضيق الوقت و سعته،و كذا لو منع بعدو أو سبع،و يتخير في الواحدة بين الواجبة و الساقطة،لأن التقدير عدم الترجيح،فلا اختصاص للبعض بالوجوب إلا بحسب الخيرة.
لا يجوز الاجتهاد مع إمكان العلم،لأن الاستقبال مع اليقين ممكن، فيسقط حكم الظن.
قال الشيخ في المبسوط:يعيد اجتهاده إلا أن يعلم أن الأمارات لم تتغير (3).و هو قول الشافعي (4)، و أحمد (5).فلو تغير اجتهاده في الصلاة الثانية لم يعد الصلاة الأولى بغير خلاف فيما نعلمه.
و لو تغير اجتهاده في الصلاة،فإن كان منحرفا يسيرا استدار إلى القبلة و أتم و لا إعادة،و إن كان مشرقا أو مغربا أو مستدبرا أعاد.
ص:174
و قال بعض الجمهور:يعيد مطلقا (1).و ليس بجيد.
و قال آخرون:لا يرجع و يمضي على الاجتهاد الأول (2)و هؤلاء عن التحقيق بمعزل.و كذا لو تجدد يقين بالجهة المخالفة في أثناء الصلاة استدار إليها،كأهل قباء لما استداروا إلى القبلة،و لا نعرف فيه خلافا.
لأن التقليد إنما يثمر الظن، و لا حكم له مع العلم،و كذا المجتهد.أما فاقد الاجتهاد و من لا يعرفه كالعامي هل يجوز له الرجوع إلى قول العدل أم لا؟نص في المبسوط (3)على انه يرجع إلى قول العدل.و به قال الشافعي (4).و ظاهر كلام الشيخ في الخلاف:انه يصلي إلى أربع جهات مع السعة و إلى واحدة يتخيرها مع الضيق (5).و الأقرب عندي الأول،لأن قول العدل أحد الأمارات المفيدة للظن،فيلزم العمل به مع فقد أقوى و معارض.
لا يقال:ان له عن التقليد مندوحة فلا يجوز له فعله،لأن الوقت إن كان واسعا صلى إلى أربع جهات،و إن كان ضيقا تخير في الجهات.
لأنا نقول:القول بالتخيير مع حصول الظن باطل،لأنه ترك للراجح و عمل بالمرجوح.
أما لو كان في الأثناء فإنه لا يلتفت إلى الشك و لا يقطع الصلاة للاجتهاد ثانيا،لأنه دخل في الصلاة دخولا مشروعا بدليل ظاهر و هو الاجتهاد،فلا يزول عنه بالشك.
ص:175
كرجل صلى إلى جهة،ثمَّ رأى بعض منازل القمر في قبلته و لم يدر أ هو في المشرق أو المغرب و احتاج إلى الاجتهاد أبطل صلاته،لأنه لا يمكنه استدامتها إلى غير القبلة،و لا جهة يتوجه إليها، فتعذر إتمامها.
ذكره الشيخ في المبسوط (1)،و ظاهر كلامه في الخلاف:انه يصلي إلى أربع جهات مع السعة،و مع الضيق إلى جهة يتخيرها (2).و الأول أقرب،لأنه لا طريق له إلى الاجتهاد،فلم يكن واجبا عليه كالعامي في الأحكام.
و لم يستند إلى أمارة يعلمها،فإن أخطأ أعاد،و إن أصاب قال الشيخ:لا يعيد (3).
و قال الشافعي:يعيد (4).
احتج الشيخ بأنه امتثل ما أمر به من التوجه نحو المسجد الحرام،فيكون مجزيا.
و لأن بطلان الصلاة حكم شرعي،فيقف على الدلالة،و هي مفقودة (5).
احتج الشافعي بأنه لم يفعل ما أمر به و هو الرجوع إلى قول الغير،فجرى مجرى عدم الإصابة،و كلاهما قويان.
قال الشيخ:و لو كان مع ضيق الوقت كانت صلاته ماضية (6).و في إطلاقه نظر.
ص:176
لو صلى الأعمى بقول واحد و أخبر آخر بخلافه مضى في صلاته مع التساوي في العدالة.
فإن وافق قول البصير استمر بلا خلاف،لأن الاجتهادين قد اتفقا،و إن خالف عدل إلى ما أداه إليه اجتهاده و لم يستأنف،لأنه دخل دخولا مشروعا.و لو لم يبين له الصواب من الخطأ و احتاج إلى تأمل كثير و اجتهاد متطاول ففي الإبطال نظر.قاله بعض الجمهور (1)،لأن فرضه الاجتهاد،فلا يجوز العدول عنه إلى التقليد،كما لو كان بصيرا في الابتداء.و يعارضه انه دخل دخولا مشروعا،فيستمر عملا بالاستصحاب،فنحن في هذا من المتوقفين.
أما لو كان مقلدا،ثمَّ أبصر،مضى في صلاته قولا واحدا،لأنه لا يتمكن إلا من الدليل الذي استدل به أولا و هو قول الغير.
مضى في صلاته،لأنه لا يمكنه إلا الرجوع إلى الغير،فإلى اجتهاده أولى.و لو استدار عن القبلة، فإن أمكن الرجوع على اليقين (2)رجع و أتم،و إن اشتبه و وجد المرشد أتم،و إن تطاول استأنف مع توقع المرشد،و إن لم يتفق صلى إلى الأربع مع السعة،و إلى الواحدة مع الضيق.
من وجب عليه الأربع إذا غلب على ظنه الجهة فإن كان ما عليه الفعل استمر قطعا،و إلا مال إلى الجهة المظنونة و استمر.قال في المبسوط:ما لم يكن مستدبرا (3).و الأقرب عندي الاستئناف ما لم يكن بين المشرق و المغرب.
لو قلد مجتهدا فأخبره بالخطإ فتيقن استأنف ما لم يكن بين المشرق و المغرب.
ص:177
و لا يتبع أحدهما صاحبه.و نعني بالمجتهد في القبلة:العالم بأدلتها و إن كان جاهلا بأحكام الشرع،و المقلد:من لا يتمكن من الصلاة باجتهاد،إما لعدم بصره كالأعمى،أو لعدم علمه كالعامي الذي لا يمكنه التعلم و الصلاة باجتهاده قبل خروج الوقت.أما من يتمكن فإنه يلزمه التعلم،لأن كل واحد منهما يحكم بخطإ صاحبه،فلا يجوز له التعويل عليه فيه.
لا فرق بين أن يتساويا في العلم أو يتفاوتا فيه مع تساويهما في شرائط الاجتهاد في هذه المسألة،كالعالمين في الحادثة،فإنه لا يرجع غير الأعلم إلى الأعلم فيها.
لو اجتهد أحدهما و أراد الآخر تقليده من غير اجتهاد لم يجز ذلك،لأنه يتمكن من الاجتهاد فلا يعول على غيره،هذا إذا كان الوقت واسعا،أما مع ضيق الوقت عن الاجتهاد ففي جواز الرجوع إلى التقليد نظر أقربه الجواز،كمن دخل إلى مدينة،فإنه يعول على قبلة أهلها.
قال الشيخ:إذا اختلف الاجتهاد لم يأتم أحدهما بالآخر (1).و به قال الشافعي (2)،خلافا لأبي ثور (3).
لنا:ان كل واحد منهما يعتقد خطأ صاحبه،فلا يجوز له أن يأتم به،كما لو خرجت من أحدهما ريح و اعتقد كل منهما انها من صاحبه.
احتج أبو ثور بأن كل واحد منهما يعتقد صحة صلاة صاحبه و ان فرضه التوجه إلى ما توجه إليه.
ص:178
و الجواب:إن وجبت المتابعة لزم صيرورة التابع إلى خلاف اجتهاده لأجل الغير، و ذلك باطل.و إن لم يجب لم يبق قوله عليه السلام:(إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به) (1)مطلقا مع أصالته.
لو اتفق الإمام و المأمومون في الجهة بالاجتهاد،ثمَّ عرض له في أثناء الصلاة ظن الفساد استدار،فإن غلب على ظن المأمومين ذلك تابعوه،و إلا ثبتوا على حالهم و أتموا منفردين.و لو اختلف المأمومون صلى كل منهم إلى جهة ظنه و فارقوا الإمام.
يرجع الأعمى و المقلد إلى أوثق المجتهدين عدالة و معرفة في نفسه،لأن الصواب إليه أقرب.و لو قلد المفضول لم تصح صلاته.خلافا للشافعي (2).
لنا:انه ترك المأمور به،فلا يجزي ما فعله،كالمجتهد إذا ترك اجتهاده.
احتج الشافعي بأنه رجع إلى من له الرجوع إليه لو انفرد،فكذا مع الاجتماع كما لو استويا.
و الجواب:الفرق ظاهر.
لا عبرة بظن المقلد هنا،فإنه لو غلب على ظنه إصابة المفضول لم يمنعه ذلك من تقليد الأفضل،و لو تساويا تخير في تقليد من شاء منهما،كالعامي مع المجتهدين.
حكم المجتهد إذا حضره مانع كرمد العين،أو عارض يمنعه من الاجتهاد كالحبس،حكم الأعمى و المقلد سواء،لأنه كالأعمى في عدم التمكن من الاجتهاد، فيساويه في الحكم.
ص:179
لو شرع في الصلاة بتقليد مجتهد فقال له آخر:قد أخطأت،فإن استند المخبر بالخطإ إلى اليقين رجع إلى قوله مع عدالته،لأن الظن الحاصل من قوله أقوى،و إن استند إلى الاجتهاد استمر على حاله إن تساويا في العدالة،و إلا رجع إلى قوله.
أداء و قضاء مع التمكن و زوال العذر،فأما النوافل،فالأقرب أنها كذلك.نص عليه الشيخ (1)،لأنه شرط للصلاة،فاستوى الفرض و النفل كالطهارة و الاستتار إلا في حال السفر.و هو قول أكثر أهل العلم (2).
و يجب الاستقبال إلى القبلة للذبيحة،و احتضار الأموات،و غسلهم، و الصلاة،و دفنهم.ذهب إليه علماؤنا.و هذه الأحكام بعضها قد مضى و الباقي سيأتي.
بحيث لا يتمكن من استيفاء واجبات الصلاة،قال الله تعالى :«فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً» (3).
و روى الجمهور،عن نافع،عن ابن عمر،قال:فإن كان خوفا هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة و غير مستقبليها.قال نافع:لا أرى ابن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه و آله (4).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن زرارة،قال:قال أبو جعفر عليه السلام:«الذي يخاف اللصوص و السبع يصلي صلاة الموافقة إيماءا على دابته»
ص:180
قال:قلت أرأيت إن لم يكن المواقف على وضوء كيف يصنع و لا يقدر على النّزول؟ قال:«يتيمّم من لبد سرجه أو دابّته أو من معرفة دابّته فإنّ فيها غبارا،و يصلّي و يجعل السّجود أخفض من الرّكوع،و لا يدور إلى القبلة،و لكن أينما دارت دابّته،غير أنّه يستقبل القبلة بأوّل تكبيرة حين يتوجّه (1).و لأنّه حال ضرورة،فيسقط فرض الاستقبال تخفيفا كغيره.
ذهب إليه علماؤنا.و هذا مع التّمكّن،أمّا بدونه فلا.و به قال أحمد في إحدى الرّوايتين،و عنه:
لا يجب (2).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أنس بن مالك:انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان في السّفر فأراد أن يصلّي على راحلته استقبل القبلة،ثمَّ كبّر،ثمَّ صلّى حيث توجّهت[به] (3)(4).
و من طريق الخاصّة:رواية زرارة،عن الباقر عليه السّلام«غير انّه يستقبل بأوّل تكبيرة حين يتوجّه».و لأنّه جزء من الصّلاة الّتي يجب فيها الاستقبال مع الإمكان، فيكون حكمه حكمها في وجوب الاستقبال مع الإمكان،ضرورة توقّف الاستقبال في الكل عليه،و ما يتوقّف عليه الواجب فهو واجب.
احتجّ المخالف بأنّه جزء من أجزاء الصّلاة،فلم يجب الاستقبال فيه كبقيّة الأجزاء (5).
ص:181
و الجواب:الفرق ظاهر لوجود المكنة فيه دون بقيّة الأجزاء،و قياس ما فيه المعنى المقتضي للوجوب على الخالي عنه في انتفاء الوجوب باطل.
و هو قول أكثر أهل العلم (1).
و قال الأوزاعيّ،و أحمد في إحدى الرّوايتين:انّه يصلّي صلاة خائف (2).
لنا:قوله تعالى «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً» (3).شرط الخوف.و لأنّه أمن،فتلزمه صلاة الأمن،كما لو لم يخف الفوات.
احتجّ أحمد بما رواه عبد اللّه بن أنيس (4)،قال:بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى خالد بن سفيان الهذليّ،و كان نحو عرفة أو عرفات،قال:(اذهب فاقتله)فرأيته و حضرت صلاة العصر،فقلت:انّي لأخاف أن يكون بيني و بينه ما يؤخّر الصّلاة، فانطلقت أمشي و أنا أصلّي أومى إيماءا نحوه،فلما دنوت منه قال لي:من أنت؟قلت:
رجل من العرب بلغني أنّك تجمع لهذا الرّجل فجئتك لذلك،قال:انّي لعلى ذلك فمشيت معه ساعة حتّى إذا أمكنني علوته بسيفي حتّى برد (5).و لأنّها إحدى حالتي الحرب،فأشبه حالة الهرب.
و الجواب عن الأوّل:انّه لا احتجاج به.
ص:182
أمّا أوّلا،فلأنّ فعله ليس حجّة.
و أمّا ثانيا،فإنّه لا استبعاد في أن يكون خائفا من فواته الضّرر عليه بالرّجوع إليه.
و أمّا ثالثا،فإنّه ربّما كان في تلك الحال مستقبلا للقبلة.
و عن الثّاني:بالفرق،فإنّ المقتضي للتّخفيف حالة الهرب هو الخوف،و هو مفقود حالة الطّلب.
هذا الخلاف إنّما هو في الطّالب الّذي يأمن عود العدوّ إليه إن تشاغل بالصّلاة، و يأمن على أصحابه.أمّا الخائف من ذلك فحكمه حكم المطلوب.
ذهب إليه كلّ من يحفظ عنه العلم.
روى الشّيخ في الصّحيح،عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا يصلّي على الدّابّة الفريضة إلاّ مريض يستقبل القبلة،و يجزيه فاتحة الكتاب و يضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شيء،و يومئ في النّافلة إيماءا» (1).
و عن منصور بن حازم،قال:سأله أحمد بن النّعمان (2)فقال:أصلّي في محملي و أنا مريض؟قال:فقال:«أمّا النّافلة فنعم،و أمّا الفريضة فلا» (3).
و عن عبد اللّه بن سنان،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أ يصلّى الرّجل
ص:183
شيئا من المفروض راكبا؟فقال:«لا إلاّ من ضرورة» (1).
لو اضطرّ إلى الصّلاة الفريضة على الرّاحلة صلّى عليها و استقبل القبلة على ما يمكنه.ذهب إليه علماؤنا أجمع خلافا للباقين.
لنا:قوله تعالى :«فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً» (2)دلّ بفحواه على باقي الضّرورات.
و ما رواه الجمهور،عن أنس بن مالك انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،إذا كان في السّفر فأراد أن يصلّي على راحلته استقبل القبلة،ثمَّ صلّى حيث توجّهت به (3).
و من طريق الخاصّة:رواية عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه (4).
و ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن مندل بن عليّ (5)،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على راحلته الفريضة في يوم مطير» (6)و مثله رواه في الصّحيح،عن الحميريّ (7)،عن أبي الحسن عليه السّلام (8).
ص:184
و في الصّحيح،عن جميل بن درّاج قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الفريضة في المحمل في يوم و حل و مطر» (1).
و قد أجمع أهل العلم كافّة على جواز ذلك في السّفر الطّويل الّذي يباح فيه القصر،و علماؤنا أجمع على انّ السّفر القصير كذلك.و به قال الشّافعيّ (2)،و اللّيث،و الحسن بن حيّ (3)، و أصحاب الرأي (4)،و أحمد (5).و قال مالك:لا يباح التّنفّل على الرّاحلة في السّفر القصير (6)لنا:قوله تعالى :«وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ» (7)قال ابن عمر:نزلت هذه الآية في التطوّع خاصّة حيث توجّه بك بعيرك (8)و هو مطلق يتناول محلّ النزاع.
و ما رواه الجمهور،عن ابن عمر انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يوتر على
ص:185
بعيره (1).و في رواية:كان يسبّح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه إلاّ الفرائض (2).
رواه البخاريّ.و هو يدلّ بفحواه على غير الوتر من النّوافل.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصّحيح،عن الحلبيّ انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صلاة النّافلة على البعير و الدّابّة؟فقال:«نعم حيث كان متوجّها، و كذلك فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (3).
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،قال:قال لي أبو جعفر عليه السّلام:«صلّ صلاة اللّيل و الوتر و الرّكعتين في المحمل» (4).
و روي نحوه في الصّحيح،عن عليّ بن مهزيار،عن أبي الحسن عليه السّلام (5).
و في الصّحيح،عن عبد اللّه بن المغيرة،و صفوان بن يحيى،و محمّد بن أبي عمير،عن أصحابهم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصّلاة في المحمل،فقال:«صلّ متربّعا و ممدود الرّجلين و كيف أمكنك» (6).و لأنّه ممّا يشقّ النّزول فيه فأبيح التنفّل على تلك الحال،كالسّفر الطّويل.
احتجّ مالك بأنّه رخصة سفر،فاشترط الطّول فيه كالقصر (7).
و الجواب:المنع من اختصاص الجامع بالعلّة لما يأتي.و بالفرق لأنّ إباحة الصّلاة
ص:186
على الرّاحلة تخفيف في التطوّع،لئلاّ تؤدّي إلى قطعها و نقلها،و هو يستوي فيه القصير و الطّويل،و القصر يراعى فيه المشقّة و هي إنّما توجد غالبا في الطّويل.
قال الشيخ في الخلاف:و يتوجه إلى القبلة بتكبيرة الإحرام لا غير (1).
و قال الشافعي:يلزمه حال الركوع و السجود أيضا (2).
لنا:قوله تعالى :«فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ» (3)و قد قال الصادق عليه السلام:«انها مختصة بالنوافل» (4)و نقلناه أولا عن ابن عمر و هو مطلق في أحوال الصلاة.
و ما رواه الجمهور،عن ابن عمر فإن كان خوفا أشد من ذلك صلوا رجالا أو ركبانا مستقبلي القبلة و غير مستقبليها (5).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن إبراهيم الكرخي،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:قلت له:اني أقدر على أن أتوجه إلى القبلة في المحمل؟فقال:«ما هذا الضيق،أما لك برسول الله صلى الله عليه و آله أسوة» (6)و لأنه نوع رخصة،فيباح في النافلة كغيرها من الرخص.
و أما استقبال القبلة بالتكبيرة فلما رواه الشيخ في الصحيح،عن عبد الرحمن بن أبي
ص:187
نجران،قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل؟ قال:«إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة،ثمَّ كبر و صل حيث ذهب بك بعيرك»قلت:جعلت فداك في أول الليل؟فقال:«إذا خفت الفوت في آخره» (1).
قال الشيخ:لا بأس بالتنفل على الراحلة في غير السفر (2).و به قال أبو سعيد الإصطخري،و أبو يوسف (3).و قال ابن أبي عقيل:لا يتنفل في الحضر على الراحلة (4).و به قال أكثر أصحاب الشافعي (5).
لنا:قوله تعالى :«فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ» ».
و ما رواه الجمهور،عن ابن عمر،و قد تقدم.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن حماد بن عثمان،عن أبي الحسن الأول عليه السلام،في الرجل يصلي النافلة و هو على دابته في الأمصار،قال «لا بأس» (6).
و في الحسن،عن عبد الرحمن بن الحجاج،عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يصلي النوافل في الأمصار و هو على دابته حيث توجهت به؟فقال:«نعم لا بأس» (7).
التنفل على الراحلة و إن كان جائزا في الحضر إلا ان الأفضل
ص:188
النزول،لأنه نوع رخصة،فالأولى تركه.
و لما رواه الشيخ في الصحيح،عن عبد الرحمن بن الحجاج،عن أبي الحسن عليه السلام،قال:سألته عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريبا من أبيات الكوفة،أو كنت مستعجلا بالكوفة؟فقال:«إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول و تخوفت فوت ذلك إن تركته و أنت راكب فنعم،و إلا فإن صلاتك على الأرض أحب إلي» (1).
حكم الصلاة على الراحلة حكم صلاة الخوف،في انه يومئ للركوع و السجود،و يجعل السجود أخفض على حسب مكنته،و لا نعرف فيه خلافا،روى الجمهور،عن جابر،قال:بعثني رسول الله صلى الله عليه و آله في حاجة،فجئت و هو يصلي على راحلته نحو المشرق،و السجود أخفض من الركوع (2).رواه أبو داود.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن محمد بن أبي عمير،عن أصحابه،عن أبي عبد الله عليه السلام في الصلاة في المحمل،فقال:«صل متربعا و ممدود الرجلين و كيف أمكنك» (3).
لا فرق بين الصلاة على البعير و الحمار و غيرهما في قول أهل العلم،روى الجمهور،عن ابن عمر قال:رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله يصلي على حمار و هو متوجه إلى خبير (4).رواه أبو داود.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن الحلبي انه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة النافلة على البعير و الدابة؟فقال:«نعم حيث كان متوجها،
ص:189
و كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه و آله» (1).
و في الصحيح،عن محمد بن مسلم،قال:قال أبو جعفر عليه السلام:«صل صلاة الليل و الوتر و الركعتين في المحمل» (2)و هو مطلق.
لو كان الحيوان نجسا نجاسة تتعدى إليه،افتقر إلى حائل طاهر و إلا فلا.
لو لم يتمكن من الاستقبال في الابتداء و تمكن منه في الأثناء،فالوجه انه مأمور بالاستقبال وجوبا في الفريضة و نفلا في النافلة،خلافا لبعض الجمهور (3).
لنا:انه متمكن من الاستقبال في الجزء و هو مأمور بالاستقبال في الجميع المستلزم للاستقبال في كل جزء.
احتج المخالف بأنه قد سقط عنه فرض الاستقبال في الابتداء،فكذا في الأثناء (4).
و الجواب:السقوط ثمَّ لمعنى مفقود ها هنا،فيبطل الإلحاق.
قبلة هذا المصلي حيث توجهت به راحلته،فلو عدل عنها فإن كان عدوله إلى الكعبة فلا نعلم خلافا في جوازه،لأنه الأصل،و إنما عدل عنه للضرورة،و عليه أهل العلم كافة،و إن عدل إلى غير الكعبة فالوجه عندي الجواز،خلافا لبعض الجمهور (5).
لنا:قوله تعالى :«فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ» (6)و قد قال الصادق عليه السلام:«انها في النوافل خاصة»نقله الشيخ (7).و نقلناه عن ابن عمر (8)ذلك أيضا
ص:190
و هو يدل بعمومه على جواز الاستقبال إلى أي جهة شاء.
لا فرق بين كل التطوعات في ذلك سواء فيه النوافل المرتبة،و السنن المطلقة،و الوتر،لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم.
قد بينا (1)جواز التنفل على الراحلة في الأمصار،و لا فرق في ذلك بين مصره و غير مصره،و سواء دخل غير بلده ناويا للإقامة القاطعة للسفر أو غير ناو لها (2)، و سواء نزل فيه غير مستوطن أو لم ينزل.و المشترطون للسفر قد يفرقون بما هو ظاهر.
لو كان على الراحلة مصليا فاحتاج إلى النزول قبل الإتمام نزل و أتم على الأرض،كالخائف يصلي صلاة آمن مع زوال خوفه في أثناء صلاته (3).
و لو كان يتنفل على الأرض فاحتاج إلى الركوب في الأثناء فهل يتم صلاته أو يبتدئ من رأس الأقرب الأول كالآمن يخاف،فيتم صلاة خائف.
و هو قول أهل العلم كافة.لأنه كيفية مشروعة فيقف على النقل،و لم يثبت هو،و لا ما هو في معناه،لأنه يحتاج إلى عمل كثير و تتابع مشي يقطع الصلاة و يوجب بطلانها،لا نعرف فيه خلافا.
أما المضطر فإنه يصلي على حسب حاله ماشيا يستقبل القبلة ما أمكنه،و يومئ بالركوع و السجود،و يجعل السجود أخفض من الركوع.ذهب إليه علماؤنا أجمع و جماعة من الجمهور (4).لقوله تعالى :«فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً» (5).
ص:191
و لما رواه الشيخ،عن إبراهيم بن ميمون (1)،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:
«إن صليت و أنت تمشي كبرت،ثمَّ مشيت فقرأت،فإذا أردت أن تركع أومأت،ثمَّ أومأت بالسجود فليس في السفر تطوع» (2).
و في الصحيح،عن يعقوب بن شعيب،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في السفر و أنا أمشي؟قال:«أو إيماءا و اجعل السجود أخفض من الركوع» (3).و لأنها حالة ضرورة فأشبهت حالة الخوف.
أما حالة الخوف فقد ذهب أبو حنيفة إلى جواز الصلاة ماشيا (4)،و هو حق إن لم يتمكن من الصلاة قائما،و أما مع التمكن فلا.
النافلة،و كثرة التشاغل بالعبادة.و لأن حالة المشي إحدى حالتي سير المسافر،فأبيحت الصلاة فيها كالراكب.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن معاوية بن عمار،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا بأس بأن يصلي الرجل صلاة الليل في السفر و هو يمشي،و لا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار و هو يمشي يتوجه إلى القبلة،ثمَّ يمشي و يقرأ،فإذا أراد أن يركع حول وجهه إلى القبلة و ركع و سجد،ثمَّ مشى» (1).
لا فرق بين النوافل في ذلك،سواء كانت راتبة أو غير راتبة،قضاء أو أداء،لعموم الأخبار في ذلك (2).
حكم الماشي حكم الراكب على الراحلة في سقوط استقبال القبلة إلا مع المكنة،بل يستقبل الجهة التي يتحرك إليها.
لا يشترط السفر في إباحة الصلاة ماشيا لعموم الأدلة.
روى الشيخ،عن حريز،عمن ذكره،عن أبي جعفر عليه السلام انه لم يكن يرى بأسا أن يصلي الماشي و هو يمشي و لكن لا يسوق الإبل (3).و الرواية مرسلة.
حكم المنذورات و صلاة الجنائز حكم الفرائض اليومية في جميع ما سلف،لوجوبهما.
الاختيار،لأنهما لو يوضعا للقرار،بخلاف السفينة الجارية و الواقفة،لأنها كالسرير و الماء كالأرض.
لو مشى في نجاسة قصدا،فإن كانت متعدية فالوجه بطلان الصلاة، و إلا فلا.
لا يلزمه المبالغة في التحفظ عند كثرة النجاسة في الطرق،لأنه ضرر فينافي الترخص بالصلاة ماشيا.
واجبا في الوقت و خارجه في الفرائض بلا خلاف بين أهل العلم في ذلك.
و لو صلى ظانا انه مستقبل،ثمَّ تبين الخطأ و هو في الأثناء،فإن كان بين المشرق و المغرب استدار،لأنه متمكن من الإتيان بشرط الصلاة فيجب.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن عمار الساباطي،عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل صلى على غير القبلة فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته؟قال:«إن كان متوجها فيما بين المشرق و المغرب فليحول وجهه إلى القبلة حين يعلم،و إن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة،ثمَّ يحول وجهه إلى القبلة،ثمَّ يفتتح الصلاة» (1).
و روى عن القاسم بن الوليد،قال:سألته عن رجل تبين له و هو في الصلاة انه على غير القبلة؟قال:«يستقبلها إذا ثبت ذلك،و إن كان فرغ منها فلا يعيدها» (2).
ص:194
فإن كان بين المشرق و المغرب لم يعد صلاته،و هو قول أهل العلم،لقوله عليه السلام«ما بين المشرق و المغرب قبله» (1)رواه الشيخ في الصحيح،عن معاوية بن عمار،عن أبي عبد الله عليه السلام.
أما لو صلى إلى المشرق أو المغرب فإنه يعيد في الوقت خاصة،و لا يعيد خارج الوقت.ذهب إليه علماؤنا.
و قال مالك (2)،و أحمد (3)،و الشافعي في أحد القولين (4)،و أبو حنيفة:لا يعيد مطلقا (5).
و قال الشافعي في الآخر:يلزمه الإعادة مطلقا (6).
لنا:على الإعادة في الوقت انه قد أخل بشرط الواجب مع بقاء وقته و التمكن من الإتيان به بشرطه،فلا يكون مجزيا كما لو أخل بالطهارة.
لا يقال:انه يرد مع خروج الوقت.
لأنا نقول:القضاء تكليف متجدد يقف على الدلالة المستفادة من دليل خارج عما دل عليه الأمر الأول،بخلاف الصورة الأولى،إذا الأمر دل على وجوب الإتيان
ص:195
بالفعل بشروطه،فلا يسقط إلا معه.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«إذا صليت و أنت على غير القبلة و استبان لك انك صليت و أنت على غير القبلة و أنت في وقت فأعد،و إن فاتك الوقت فلا تعد» (1).
و في الصحيح،عن سليمان بن خالد،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير القبلة،ثمَّ يضحى فيعلم انه صلى لغير القبلة كيف يصنع؟قال:«إن كان في وقت فليعد صلاته،و إن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده» (2).
و مثله رواه،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام (3)،و يعقوب بن يقطين،عن العبد الصالح موسى عليه السلام (4).
لا يقال:هذه الأحاديث تتناول أيضا ما لو صلى إلى ما بين المشرق و المغرب و أنتم لا تقولون به.
لأنا نقول:انا خصصنا تلك النصوص (5)بحديث معاوية بن عمار و قد تقدم.
لا يقال:ليس تخصيص هذه الأحاديث بخبر معاوية بن عمار أولى من تخصيص خبر معاوية بأن يقول ان قوله عليه السلام:«و ما بين المشرق و المغرب قبلة»أي لمن خرج
ص:196
الوقت بعد صلاته إلى غير القبلة.
لأنّا نقول:ما ذكرناه أولى لوجهين:
أحدهما:موافقة الأصل و هو براءة الذمة،إذ لو حملنا حديث معاوية على ما ذكرتم لزمت الإعادة لمن صلى بين المشرق و المغرب في الوقت،و الأصل عدمه.
الثاني:انا نمنع تخصيص ما ذكرتم من الأحاديث أصلا،لأن قوله عليه السلام:
«ما بين المشرق و المغرب قبلة»ليس مخصصا للحديث الدال على وجوب الإعادة في الوقت دون خارجه لمن صلى إلى غير القبلة،إذا أقصى ما يدل عليه ان ما بين المشرق و المغرب قبلة.بل لقائل أن يكون:ان قوله«إذا صليت و أنت على غير القبلة»يتناول لفظة القبلة فيه ما بين المشرق و المغرب أيضا.
و لنا على عدم الإعادة مع خروج الوقت:ما رواه الجمهور،عن ربيعة (1)،قال:
كنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة،فصلى كل رجال حالية،فلما أصبحنا ذكرنا ذلك النبي صلى الله عليه و آله فنزل :«فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ» (2)(3)رواه الترمذي.
و عن جابر،قال:كنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله في مسير،فأصابنا غيم فتحيرنا فاختلفنا في القبلة فصلى كل رجل منا على حدة و جعل أحدنا يخط بين يديه لنعلم أمكنتنا،فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه و آله فلم يأمرنا بالإعادة،و قال:(قد أجزأتكم صلاتكم (4)رواه الدار قطني.
ص:197
و من طريق الخاصة:ما تقدم من الأحاديث.و لأنه أتى بما أمر به،فيخرج عن العهدة،كما لو أصاب.و لأنه صلى إلى غير الكعبة للعذر،فلا يعيد كالخائف.و لأنه شرط عجز عنه فأشبه سائر الشروط.
احتج القائلون بعد الإعادة مطلقا بحديث ربيعة و جابر (1).
و احتج الشافعي على الإعادة مطلقا بأنه قد بان له الخطأ في شرط من شروط الصلاة،فيلزمه الإعادة،كما لو بان له انه صلى قبل الوقت أو على غير طهارة (2).
و الجواب عن الأول:ان الحديثين غير عامين،لأنهما وقائع،و حكاية الحال لا توجب عموما.و أيضا فإن فحواهما يدلان على خروج الوقت،لأنه في الرواية الأولى قال:فلما أصبحنا.و ذلك يدل على خروج الوقت.
و عن الثاني:بالفرق،فإن المصلي قبل الوقت غير مأمور بالصلاة،و إنما أمر بعد دخول الوقت،و لم يأت بما أمر به.
أما صورة النزاع فإنه مأمور بالصلاة بغير شك و لم يؤمر إلا بهذه الصلاة.
و أما الطهارة فإنه إنما يجب عليه الإعادة مع ظهور الخطأ فيها،لأنها ليست في محل الاجتهاد.
لا يقال:قد روى الشيخ،عن معمر بن يحيى بطرق متعددة،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:سألته عن رجل صلى إلى غير القبلة،ثمَّ تبينت له القبلة و قد دخل وقت صلاة أخرى؟قال:«يصليها قبل أن يصلي هذه التي دخل وقتها إلا أن يخاف فوت التي دخل وقتها» (3).
ص:198
لأنا نقول:الراوي لهذه الرواية بالطرق المتعددة الطاطري (1)،و هو ضعيف،فلا تعويل عليها.
و أيضا:يحتمل انه صلى مع عدم الاجتهاد وسعة الوقت فأمره بالإعادة،لأن فرضه أربع صلوات.
هل يكون حكم الناسي و المصلي لشبهة حكم الظان؟قال في النهاية به (2)،حتى انه إنه كان الوقت باقيا أعاد،و إن خرج لم يعد.و فيه تردد.
قال الشيخان:يعيد إن كان الوقت باقيا،و يقضي إن كان خارجا (3).
و قال السيد المرتضى:يعيد في الوقت خاصة (4)،و جعل حكمه حكم المشرق و المغرب،و هو الأقرب عندي.
لنا:انه أتى بالمأمور به أولا،إذ المأمور به اتباع الظن،فيخرج عن العهدة، و القضاء إنما يجب بأمر جديد،و مقتضى ما ذكرناه عدم الإعادة في الوقت،لكن أوجبناه لأدلة تقدمت (5).و لأن ما ذكرناه من الأحاديث (6)دالة على عدم القضاء مع
ص:199
خروج الوقت على الإطلاق،و هو يتناول صورة الاستدبار،كما يتناول صورة التشريق و التغريب.
احتج الشيخ في الخلاف (1)بما رواه عمار الساباطي،عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل صلى إلى غير القبلة،فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته،قال:
«إن كان متوجها فيما بين المشرق و المغرب فليحول وجهه إلى القبلة حين يعلم،و إن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع،ثمَّ يحول وجهه إلى القبلة،ثمَّ يفتتح الصلاة» (2).
و الجواب:ان هذه الرواية ضعيفة السند،و مع ذلك فهي غير دالة على صورة النزاع،إذ هي إنما تدل على وجوب الإعادة في الوقت و نحن نقول بموجبة،و ليس فيها دلالة على الإعادة بعد خروج الوقت.
و لا فرق بين أن تكون الأدلة مكشوفة و اشتبهت عليه،أو مستورة بغيم أو غيره، لعموم الأحاديث الدالة على الإعادة في الوقت دون خارجه (3)،و لا نعرف فيه خلافا.
إذا لم يكن متمكنا من العلم، فلو صلى من غير دليل أعاد إذا أخطأ،لأنه متمكن من استعلام القبلة بالاستخبار من أهل البلد و نصب محاريبهم،فلا يكون له أن يجتهد اجتهادا يفيد الظن.و كذا الأعمى.
أما المحبوس فإنه ينزل منزلة المسافر في ان له أن يجتهد في تحصيل القبلة،و لا يجوز أن يتبع دلالة المشرك،لأنه ركون إليه،و قد نهى الله تعالى عنه في قوله:
ص:200
«وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» (1).
لا يقبل قول الفاسق،لأنه ظالم.
لو أفاد قول الكافر أو الفاسق الظن للمتحير،ففي المصير إلى قولهما نظر أقربه اتباع ظنه.و كذا لو وجد قبلة للمشركين،كالنصارى إذا وجد في كنائسهم محاريب إلى المشرق هي يستدل به على المشرق؟فيه التوقف.
أما لو وجد محرابا لا يعلم هل هو للمسلمين أو للكفار،لم يعول عليه،لأن الاستدلال إنما هو بمحاريب المسلمين،و كذا لو كان عليه آثار الإسلام على تردد.و لو دخل بلدا للمسلمين (2)،و علم ان قبلتهم على الخطأ لم يعول عليها و اجتهد بنفسه.
لو أخبره مسلم لا يعلم عدالته و جرحه،و لم يتمكن من الاجتهاد فالأقرب قبوله،لأنه إخبار مسلم أصله العدالة و لا غرض في الكذب،فيوجب الظن.
يقبل خبر كل مسلم بالغ عاقل،سواء كان رجلا أو امرأة،لأنه خبر من أخبار الدين،فأشبه الرواية،و يقبل من الواحد لما قلناه (3).
لا يقبل خبر الصبي لتطرق التهمة إليه،و لأنه غير مقبول الشهادة و الرواية،و ما نحن فيه لا يخلو عنهما.و لأنه إن لم يكن مميزا فلا وثوق بخبره،و إن كان مميزا عرف انه لا إثم عليه في الكذب،فاستوى الكذب عنده و الصدق،فلا وثوق بقوله أيضا.
لو لم يعلم حال المخبر و شك في إسلامه،و كفره لم يقبل قوله إلا إذا أفاد الظن،بخلاف ما إذا لم يعلم عدالة المسلم و فسقه،لأن حال المسلم يبنى على العدالة.
ص:201
و خرج الباقي من بدنه عن المحاذاة لم تصح صلاته،لأنه مأمور بالاستقبال،و الإشارة ليست متوجهة إلى بعضه.
فإن لم يتمكن استقبل بتكبيرة الافتتاح القبلة،ثمَّ استقبل صدر السفينة،و سيأتي تمام البحث فيه إن شاء الله تعالى.
و لم يتمكن من الأربع فتحرى جهة و صلى إليها،ثمَّ ظهر له الصواب فالأقرب الإجزاء،و لو لم يصب فالأقرب عدمه،لأن الواجب السؤال.و لو سألهم فلم يخبروه فتحرى و صلى،ثمَّ ظهر الصواب أجزأه قطعا،و لو تبين الخطأ أعاد في الوقت إن كان مستدبرا أو مشرقا أو مغربا و إلا فلا.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و كل من قال بنجاسته،و قد تقدم البحث فيه (1).
لنا:أنه نجس و طهارة الثوب شرط في الصلاة،و قد مضى بيان ذلك كله.
و ما رواه الجمهور،عن عبد الله بن عكيم،ان النبي صلى الله عليه و آله كتب إلى جهينة:(اني كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا أتاكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب و لا عصب) (2)قال أحمد:و هو إسناد جيد (3).
ص:202
و عن جابر ان النبي صلى الله عليه و آله قال:(لا تنتفعوا من الميتة بشيء) (1)و هو عام.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن محمد بن أبي عمير،عن غير واحد،عن أبي عبد الله عليه السلام في الميتة،قال:«لا تصل في شيء منه و لا في شسع» (2).
و في الصحيح،عن محمد بن مسلم،قال:سألته عن الجلد الميت أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟فقال:«لا،و لو دبغ سبعين مرة» (3).
و في الصحيح،عن علي بن المغيرة (4)،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
جعلت فداك الميتة ينتفع بشيء منها؟قال:«لا»قلت:بلغنا ان رسول الله صلى الله عليه و آله مر بشاة ميتة فقال:«ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها»فقال:«تلك شاة لسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه و آله، و كانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها،فتركوها حتى ماتت،فقال رسول الله صلى الله عليه و آله:ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابا!أي تذكى» (5).
ص:203
لا فرق في التحريم بين المدبوغ و غيره،لأنا قد بينا فيما مضى ان الدباغ لا يطهر (1)الميتة.و هو مذهب علمائنا أجمع،و ما رواه الجمهور في حديث جابر،و عبد الله بن عكيم.
و من طريق الخاصة:رواية محمد بن مسلم،عن الصادق عليه السلام.
و ما رواه الشيخ،عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الفراء؟فقال:«كان علي بن الحسين عليهما السلام رجلا صردا (2)مبردا فلا يدفئه فراء الحجاز،لأن دباغها بالقرظ (3)،فكان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه،فإذا حضرت الصلاة ألقاه و ألقى القميص الذي يليه،فكان يسأل عن ذلك فيقول:«ان أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة و يزعمون ان دباغة ذكاته» (4).
لا فرق في الصلاة كلها فرضها و نفلها في ذلك،و لا نعرف فيه خلافا.
يكتفي في العلم بالتذكية وجوده في يد مسلم،أو في سوق المسلمين،أو في البلد الغالب فيه الإسلام،و عدم العلم بالموت،لأن الأصل في المسلم العدالة،و هي تمنع من الإقدام على المحرمات.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن إسحاق بن عمار،عن العبد الصالح عليه السلام انه قال:«لا بأس بالصلاة في الفرو اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام»
ص:204
قلت:فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟قال:«إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» (1).
و في الصحيح،عن أحمد بن محمد بن أبي نصر،قال:سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فرو لا يدري أ ذكية هي أم غير ذكية،أ يصلي فيها؟فقال:«نعم،ليس عليكم المسألة ان أبا جعفر عليه السلام كان يقول:ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ان الدين أوسع من ذلك» (2).
و عن علي بن أبي حمزة ان رجلا سأل أبا عبد الله عليه السلام و أنا عنده عن الرجل يتقلد السيف و يصلي فيه؟قال:«نعم»فقال الرجل:ان فيه الكيمخت!!فقال:
«و ما الكيمخت؟»قال:جلود دواب منه ما يكون ذكيا،و منه ما يكون ميتة،فقال:
«ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه» (3)و هو يدل بمفهومه على جواز الصلاة فيما لا يعلم أنه ميتة.
تذكية الكفار بمنزلة الموت،فلا تصح الصلاة في جلود ما ذكوه.
لا يكتفي بعدم العلم بالموت خاصة،فلو وجد جلدا مطروحا لا يعلم أ ذكي هو أم ميت،لم يصل فيه لأن الأصل عدم التذكية،و لأن طهارة الثوب شرط و لا يكتفي بعدم العلم بانتفائه،كغيره من الشروط.
التحريم كما يتناول الثوب فكذا يتناول غيره،فلا تصح (4)الصلاة و مع المصلي سيف تقليده من الميتة و شبهه،لأنه نجس فلا يجوز استصحابه في الصلاة.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الموثق،عن سماعة،قال:سألت أبا عبد الله عليه
ص:205
السلام عن تقليد السيف في الصلاة فيه الفراء و الكيمخت؟فقال:«لا بأس ما لم يعلم أنه ميتة» (1).
و في الصحيح،عن أبي عبد الله عليه السلام«لا تصل في شيء منه و لا في شسع» و قد تقدم.
لا فرق بين ميت الطاهر في حياته و النجس،و ميت ما لا يؤكل لحمه و ما يؤكل،عملا بالعمومات و الأحاديث الدالة على عدم التفصيل،كما في الشاة.
و قد تقدمت.
لا فرق بين أن يكون على جسده ثوب طاهر مما تصح الصلاة فيه غير الجلد و بين أن لا يكون في البطلان.
لو وجد الجلد مع من يستحل الميتة لم يحكم بتذكيته و إن أخبره،لأنه غير موثوق به و لا تصح فيه الصلاة،لأن الشرط و هو التذكية غير معلوم.
لا يقال:ينتقض ما ذكرتموه بالثوب إذا وجد مطروحا أو مع المستحل للنجاسة، فإن الشرط و هو الطهارة غير معلوم مع صحة الصلاة فيه إجماعا.
لأنا نقول:الأصل في الثوب الطهارة،و الأصل في الجلد عدم التذكية.و كذا لو وجد الجلد مع من يتهم في استعمال الميتة.
و هو مذهب علماء الإسلام،و كذا الكلب عند علمائنا أجمع خلافا لأكثر الجمهور (2).
لنا:انه نجس العين فلا يطهره الذكاة و لا الدباغ،لأنه لا يخرج به عن كونه كلبا ميتا،و الكلب نجس العين و الميتة كذلك،و النجاسة من لوازم الذات،فلا يخرج عنها بالعارض.
ص:206
و يؤيّده:ما رواه أبو سهل قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن لحم الكلب حرام هو؟قال:«نجس»أعيدها ثلاث مرّات كلّ ذلك يقول:«هو نجس» (1)و قد تقدّم البحث فيه (2).
و هو ما لا يكتفي في الاغتذاء بغير اللّحم،كالأسد و النّمر،سواء دبغت أو لم تدبغ.ذهب إليه علماؤنا أجمع،خلافا للجمهور (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن المقدام بن معد يكرب (4)،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه نهى عن جلود السّباع و الرّكوب عليها (5).و النّهي لا يتناول الأعيان،فينصرف إلى المنافع المطلوبة،ترك العمل به في الاستعمال في غير الصّلاة،فيعمل به في الصّلاة، و إلاّ لزم تركه مطلقا.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن إسماعيل بن سعد بن الأحوص قال:سألت الرّضا عليه السّلام عن الصّلاة في جلود السّباع؟فقال:«لا تصلّ فيها» (6).
و في الموثّق،عن سماعة قال:«أمّا جلود السّباع فاركبوا عليها و لا تلبسوا منها شيئا
ص:207
تصلّون فيه» (1).
و في الموثّق عن ابن بكير قال:سأل زرارة أبا عبد اللّه عليه السّلام،عن الصّلاة في الثّعالب،و الفنك،و السّنجاب و غيره من الوبر؟فأخرج كتابا زعم انّه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،انّ الصّلاة في كلّ شيء حرام أكله فالصّلاة في وبره، و شعره و جلده و بوله،و روثه،و كلّ شيء منه فاسد،لا تقبل تلك الصّلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحلّ اللّه أكله،ثمَّ قال:«يا زرارة،هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاحفظ ذلك يا زرارة،فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصّلاة في وبره،و شعره، و بوله،و روثه،و ألبانه،و كلّ شيء منه جائزة إذا علمت أنّه ذكيّ قد ذكّاه الذّبح، و إن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله أو حرم عليك أكله فالصّلاة في كلّ شيء منه فاسد،ذكّاه الذّبح أم لم يذكه» (2).
و ما رواه ابن بابويه،عن هاشم الحناط (3)(4)انه قال:سمعت موسى بن جعفر عليهما السلام،يقول:«ما أكل الورق و الشجر فلا بأس بأن يصلى فيه،و ما أكل الميتة فلا تصل فيه» (5)و لأن خروج الروح سبب للموت،و هو يقتضي المنع من الاستعمال لما بيناه،و الذباحة بمجردها لا تقتضي الإباحة ما لم يكن المحل قابلا،
ص:208
و إلا لكانت ذباحة الآدمي مطهرة لجلده،و الاعتذار بأن الحكم يختلف هنا للنهي عن الذباحة باطل بذبح الشاة المغصوبة،و بالالة المغصوبة،و قبول السباع لأحكام الذباحة ممنوع،و لا ينتقض بجواز الاستعمال في غير الصلاة،لأنه علم ذلك بدليل ليس موجودا في الصلاة،فلا يلزم النقض.
كالقنفذ،و اليربوع، و الحشرات.ذهب إليه علماؤنا أجمع إلا ما نستثنيه،لأن وقوع الذكاة عليها مشكوك بل الأقرب عدم وقوع الذكاة عليها،لأن إزهاق الروح سبب للموت المقتضي للمنع، و الطهارة بالذبح مستفادة من الشرع،فيقف عليه،مع ان الأصل تحريم الذبح،فلا يكون مطهرا،و الدباغ غير مطهر لما مضى،فالمنع فيها ثابت مطلقا.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في حديث زرارة،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:
أخرج لنا كتابا زعم انه إملاء رسول الله صلى الله عليه و آله«ان الصلاة في كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره،و شعره،و جلده،و بوله،و روثه،و كل شيء منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره» (1)و لأنه حيوان غير مأكول فأشبه السباع (2).
روى محمد بن الحسن الأشعري،عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال:«الفيل مسخ كان ملكا زناء،و الذئب مسخ كان أعرابيا ديوثا،و الأرنب مسخ كان امرأة تخون زوجها و لا تغتسل من حيضها،و الوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس،و القردة و الخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت،و الجريث و الضب فرقة من بني إسرائيل لم يؤمنوا حيث
ص:209
نزلت المائدة على عيسى بن مريم،لم يؤمنوا فتاهوا،فوقعت فرقة في البحر و فرقة في البر، و الفأرة هي الفويسقة،و العقرب كان نماما،و الدب،و الوزغ،و الزنبور كان لحاما يسرق في الميزان» (1).
و قال المفيد في المقنعة (2)،و السيد المرتضى في المصباح (3)بمثل قول الشيخ، و الأقرب عندي الطهارة.أما الصلاة في جلودها فلا تصح قولا واحدا لما تلوناه من الأحاديث،و قد تقدم ما يدل على طهارة سؤرها،لرواية البقباق (4)،و طهارة السؤر تستلزم طهارتها،و قد روي أيضا:أنه لا بأس بأمشاط العاج (5).و هو يدل على طهارة عظم الفيل.
و في وقوع الذكاة عليها إشكال أقربه أنه لا يقع عليه لما تقدم.
إلا ما نستثنيه.و هو إجماع علمائنا،خلافا للجمهور (6).
لنا:ان القول بجواز الصلاة في شيء من ذلك مع المنع من جواز الصلاة في جلده مما لا يجتمعان،و الثاني ثابت،فالأول منتف.
أما عدم الاجتماع فبالإجماع،أما عندنا فللمنع من الأمرين،و أما عند أبي حنيفة (7)فلجواز الأمرين إلا الآدمي و الخنزير،و أما عند الشافعي (8)فلجواز الصلاة في
ص:210
الجلد بعد دباغه دون شعره.
و أما ثبوت الثاني فلما تقدم من الأدلة على المنع من الصلاة في الجلد.
و يؤيده:رواية زرارة.و قد تقدمت.
و ما رواه،عن إبراهيم بن محمد الهمداني،قال:كتبت إليه:يسقط على ثوبي الوبر و الشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية و لا ضرورة؟فكتب:«لا تجوز الصلاة فيه» (1).
و عن الحسن بن علي الوشاء قال:كان أبو عبد الله عليه السلام يكره الصلاة في وبر كل شيء لا يؤكل لحمه (2).
فروى الشيخ في الصحيح،عن محمد بن مسلم،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن جلود الثعالب أصلي فيها؟ فقال:«ما أحب أن أصلي فيها» (3).
و عن أحمد بن إسحاق الأبهري (4)،قال:كتبت إليه:جعلت فداك،عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب،فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير
ص:211
ضرورة و لا تقية؟فكتب:«لا تجوز الصلاة فيها» (1).و مثله رواه،عن علي بن مهزيار (2).
و عن محمد بن أبي زيد (3)،قال:سئل الرضا عليه السلام عن جلود الثعالب الذكية؟فقال:«لا تصل فيها» (4).
و عن علي بن مهزيار،عن رجل سأل الرضا عليه السلام عن الصلاة في الثعالب،فنهى عن الصلاة فيها و في الثوب الذي يليه،فلم أدر أي الثوبين الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد فوقع بخطه:«الذي يلصق بالجلد»و ذكر أبو الحسن أنه سأله عن هذه المسألة؟فقال:«لا تصل في الذي فوقه و لا في الذي تحته» (5).
و عن الوليد بن أبان (6)قال:قلت للرضا عليه السلام:أصلي في الفنك،
ص:212
و السنجاب؟قال:«نعم»فقلت:يصلي في الثعالب إن كانت ذكية؟قال:«لا تصل فيها» (1)فهذه الأخبار تدل على المنع.و أيضا:رواية زرارة الموثقة تدل عليه،و قد تقدمت (2).
و عن مقاتل بن مقاتل،قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة في السمور،و السنجاب،و الثعالب؟فقال:«لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب،فإنه دابة لا تأكل اللحم» (3).
و عن أبي علي بن راشد (4)،قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:فالثعالب يصلى فيها؟قال:«لا و لكن تلبس بعد الصلاة»قلت:أصلي في الثوب الذي يليه؟قال:«لا» (5).
و عن داود الصرمي،عن بشير بن بشار،قال:قال:«و لا تصل في الثعالب و لا السمور» (6).
و أما الرواية الدالة على الجواز،فقد رواها الشيخ في الصحيح،عن الحلبي عن
ص:213
أبي عبد الله عليه السلام قال:سألته عن (1)الفراء و السمور،و السنجاب،و الثعالب و أشباهه؟قال:«لا بأس بالصلاة فيه» (2).
و عن علي بن يقطين قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن لباس الفراء، و السمور،و الفنك،و الثعالب و جميع الجلود؟قال:«لا بأس بذلك» (3).
و الروايات الأولى أكثر،و هي أيضا أشهر بين الأصحاب،فالعمل بمضمونها أولى،و لأن فيها احتياطا للعبادة.
الأحوط المنع،عملا بعموم الأحاديث الدالة على النهي عن الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه (4)،و دليل الاحتياط للعبادة،لكن الشيخ قال في التهذيب عقيب ما رواه في الصحيح،عن جميل،عن أبي عبد الله عليه السلام قال:سألته عن الصلاة في جلود الثعالب؟فقال:«إذا كانت ذكية فلا بأس» (5):انه يحتمل أن يكون المراد به،إذا كان على مثل القلنسوة أو ما أشبهها مما لا تتم الصلاة بها.
و استدل على تأويله بما رواه في الصحيح،عن محمد بن عبد الجبار (6)،قال:
ص:214
كتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام أسأله:هل أصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه،أو تكة حرير،أو تكة من وبر الأرانب؟فكتب:«لا تحل الصلاة في الحرير المحض،و إن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه» (1)و هذا الحديث كما يدل على جواز الصلاة في القلنسوة يدل على ان الأرنب مما يقبل الذكاة.
لو عمل القلنسوة من وبر ما لا يؤكل لحمه أو التكة منه أو من حرير،ففيه قولان للشيخ:
أحدهما:المنع،ذكره في النهاية (2).
و الثاني:الكراهة،ذكره في المبسوط (3).
حجته على المنع:ما تقدم من الأحاديث الدالة على عموم المنع،و على الجواز:
ما تقدم من حديث محمد بن عبد الجبار عن أبي محمد عليه السلام (4).فإن رجح الأول بكونه من باب القول،و الثاني من باب الكتابة و القول أرجح،عورض برجحان الثاني بالأصل،و بأنه أخص.و إن رجح برواية أحمد بن إسحاق،و برواية علي بن مهزيار أنه كتب إليه إبراهيم بن عقبة (5):عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب،فهل يجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقية؟فكتب:«لا يجوز الصلاة فيها» (6)
ص:215
عورض برواية الحلبي الصحيحة،و علي بن يقطين الدالة على جواز الصلاة في الجلود كلها،و بأن أحمد بن إسحاق،و علي بن مهزيار كلاهما أسندا الحديث إلى الكتابة و فيه ضعف،و إلى غير معين فيحتمل أن يكون المكتوب إليه غير الإمام عليه السلام، فالأقرب عندي في هذا الباب الكراهية.
روى الشيخ،عن علي بن أبي حمزة،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا بأس بالسنجاب،فإنه دابة لا تأكل اللحم و ليس هو مما نهى رسول الله صلى الله عليه و آله عنه،إذ نهى عن كل ذي ناب و مخلب» (1).
و روى،عن الوليد بن أبان،قال:قلت للرضا عليه السلام:أصلي في الفنك و السنجاب؟قال:«نعم»فقلت:يصلى في الثعالب إن كانت ذكية؟قال:«لا تصل فيها» (2).
و عن مقاتل بن مقاتل،قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة في السمور،و الثعالب؟فقال:«لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب،فإنه دابة لا تأكل اللحم» (3).
و عن أبي علي بن،راشد،قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:ما تقول في الفراء أي شيء يصلى فيه؟قال:«أي الفراء؟»قلت:الفنك،و السنجاب،و السمور، قال:«فصل في الفنك،و السنجاب،فأما السمور فلا تصل فيه» (4).
ص:216
و عن بشير بن بشار (1)قال:سألته عن الصلاة في الفنك،و الفراء،أو السنجاب،و السمور،و الحواصل التي تصاد ببلاد الشرك و ببلاد الإسلام أن أصلي فيه لغير تقية؟قال:فقال:«صل في السنجاب،و الحواصل الخوارزمية،و لا تصل في الثعالب،و لا السمور» (2).
و في الصحيح،عن الحلبي،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:سألته عن الفراء،و السمور،و السنجاب،و الثعالب،و أشباهه؟قال:«لا بأس بالصلاة فيه» (3).
و عن علي بن يقطين،قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن لباس الفراء، و السمور،و الفنك،و الثعالب،و جميع الجلود؟قال:«لا بأس» (4).
و في الصحيح،عن الريان (5)بن الصلت،قال:سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن لبس فراء السمور،و السنجاب،و الحواصل،و ما أشبهها،و المناطق،
ص:217
و الكيمخت،و المحشو بالقز،و الخفاف من أصناف الجلود؟فقال:«لا بأس بهذا كله إلا الثعالب» (1).
و أما الرواية الأخرى،فقد روى الشيخ في الموثق،عن زرارة انه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الثعالب،و الفنك،و السنجاب،و غيره من الوبر؟ فأخرج(كتابا (2)زعم)انه إملاء رسول الله صلى الله عليه و آله:«ان الصلاة في كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره،و شعره،و جلده،و بوله،و روثه،و كل شيء منه فاسدة لا تقبل بذلك الصلاة حتى يصلي في غيره» (3)الحديث.
و في الصحيح،عن سعد بن سعد الأشعري،عن الرضا عليه السلام،قال:سألته عن جلود السمور؟فقال:«يصيد»؟»فقلت:نعم،يأخذ الدجاج و الحمام،قال:
«لا» (4).
و الذي نختاره نحن:جواز الصلاة في السنجاب خاصة،لاشتهار الأحاديث الدالة عليه،و عمل الأصحاب أكثرهم بها،أما الفنك و السمور فلا.
و ادعى الشيخ في المبسوط الإجماع على جواز الصلاة في السنجاب، و الحواصل (5).و هذا يدل على جواز ذلك عند أكثر الأصحاب،و فتوى الشيخ في الجزء الثاني من النهاية بالمنع من الصلاة فيه (6)،مستندة إلى ما ذكرناه من الأحاديث الدالة على المنع،و هي معارضة بما ذكرناه من الأحاديث الدالة على الجواز.
ص:218
ذهب إليه علماء الإسلام،روى الجمهور عن أبي موسى ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال:(حرم لباس الحرير و الذهب على ذكور أمتي و أحل لأناثهم) (1)رواه أبو داود،و الترمذي.
و عن رسول الله صلى الله عليه و آله(لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة) (2).
و عن حذيفة قال:نهانا النبي صلى الله صلى الله عليه و آله أن نشرب في آنية الذهب و الفضة،و أن نأكل منها،و أن نلبس الحرير و الديباج،و أن نجلس عليه (3).رواهما البخاري.
و من طريق الخاصة:ما رواه ابن بابويه،عن أبي الجارود (4)،عن أبي جعفر عليه السلام،ان النبي صلى الله عليه و آله قال لعلي عليه السلام:«اني أحب لك ما أحب لنفسي،و أكره لك ما أكره لنفسي،فلا تتختم بخاتم ذهب،فإنه زينتك في الآخرة،و لا تلبس القرمز (5)فإنه من أردية إبليس،و لا تركب بميثرة (6)حمراء فإنها من مراكب إبليس،و لا تلبس الحرير فيحرق الله جلدك يوم تلقاه.و لم يطلق النبي صلى
ص:219
الله عليه و آله لبس الحرير لأحد من الرجال إلا لعبد الرحمن بن عوف،و ذلك انه كان رجلا قملا» (1).
و ما رواه الشيخ في الصحيح،عن إسماعيل بن سعد الأحوص،عن الرضا عليه السلام،و سألته هل يصلي الرجل في ثوب إبريسم؟قال:«لا» (2).
و في الصحيح،عن محمد بن عبد الجبار،عن أبي محمد عليه السلام انه كتب إليه «لا تحل الصلاة في الحرير المحض» (3).
و عن أبي الحرث (4)،قال:سألت الرضا عليه السلام هل يصلي الرجل في ثوب إبريسم؟قال:«لا» (5).
ذهب علماؤنا أجمع إلى بطلان الصلاة في الحرير المحض للرجال إلا مع الضرورة و في الحرب.و هو اختيار أحمد في إحدى الروايتين،و في الأخرى انها تصح و إن
ص:220
كان حراما (1).و هو مذهب أبي حنيفة (2)و الشافعي (3).
لنا:ان ستر العورة عبادة متلقاة من الشرع،و قد نهى عن هذا المخصوص،و النهي في العبادات يدل على الفساد،و مع فساد الشرط و عدم التفات نظر الشرع إليه يفسد المشروط قطعا.
احتج المخالف بان التحريم لا يختص بالصلاة (4)و لا النهي يعود إليها،فلا يمنع الصحة،و لأن الشرط الستر و هو متحقق لا يرتفع بالنهي.
و الجواب عن الأول:ان تحريم الشرط يستلزم فساد المشروط،فيعود النهي في الحقيقة إلى الصلاة.
و عن الثاني:بالمنع من كون الستر مطلقا شرطا،و إلا لكان هذا الستر المخصوص منهيا عنه مأمورا به و ذلك محال.
قال الشيخان (5)،و المرتضى و أتباعهم:لا فرق بين أن يكون المعمول من حرير محض ساترا،و بين أن يكون غير ساتر،بأن تكون العورة مستورة بغيره (6).
و خالف فيه فقهاء الجمهور (7)عدا أحمد،فإنه روي عنه البطلان (8)كقول علمائنا.
لنا:ان الصلاة فيه محرمة بما تقدم من الأحاديث،فتكون باطلة لأن النهي يدل على الفساد في باب العبادات.
ص:221
لا بأس بلبس الحرير لأجل الضرورة.و هو فتوى علمائنا،و قول أحمد في إحدى الروايتين،و في الأخرى:لا يباح (1)،و هو قول مالك (2).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أنس،قال:ان عبد الرحمن بن عوف،و الزبير شكوا إلى النبي صلى الله عليه و آله القمل،فرخص لهما لبس الحرير في غزاة لهما (3).
و من طريق الخاصة:ما رواه ابن بابويه،عن أبي الجارود،عن الباقر عليه السلام قال:«و لم يطلق النبي صلى الله عليه و آله لبس الحرير لأحد من الرجال إلا لعبد الرحمن بن عوف،و ذلك انه كان رجلا قملا» (4)و ذكر العلة يؤذن بالتعميم،و ما ثبت في حق صحابي ثبت في حق غيره،لقوه عليه السلام:«حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» (5)و لأنه منهي عنه فيتخصص بحال الاختيار كغيره من المنهيات.و لأن التكليف يسقط مع الضرورة.
احتج مالك بعموم لفظ التحرير و الرخصة يحتمل أن تكون خاصة (6)بعبد الرحمن و الزبير.
و الجواب ان تخصيص الرخصة بهما على خلاف الأصل.
و يجوز لبسه للرجال في حال الحرب من غير ضرورة.و هو قول عروة، و عطاء،و أحمد في أحد الوجهين،و في الوجه الآخر:لا يجوز (7).
ص:222
لنا:ما رواه الجمهور،عن عروة انّه كان له يلمق من ديباج بطانته من سندس محشو قزا،و كان يلبسه في الحرب (1).و قد شهده جماعة من التابعين و لم ينكروه مع سماع النهي العام،فلو لم ينقلوا الترخص في هذه الحالة (2)لأنكروا عليه.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الموثق،عن سماعة بن مهران قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لباس الحرير و الديباج؟فقال:«أما في الحرب فلا بأس» (3).
و ما رواه في الصحيح،عن محمد بن إسماعيل بن بزيع،قال:سألت أبا الحسن عليه السلام،عن الصلاة في ثوب ديباج؟فقال:«ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس» (4)قال الشيخ:و المقصود بذلك جواز لبسه حالة الحرب (5).و هو حسن،و لأنه يحصل معه قوة القلب و هي أمر مطلوب في الحرب،فأشبه الضرورة.و لأن المنع من لبسه لأجل ما فيه من الخيلاء و هو غير مذموم في الحرب،قال رسول الله صلى الله عليه و آله حين رأى بعض أصحابه يمشي بين الصفين يختال في مشيته:(انها لمشية يبغضها الله إلا في الحرب» (6).
احتج أحمد بعموم النهي (7).
و الجواب:انه مخصوص بالضرورة،فكذا هاهنا،لاشتراكهما في المقتضي المبيح.
ص:223
لا بأس بلبسه للنساء.ذهب إليه كل من يحفظ عنه العلم.و في لبسه لهن في الصلاة خلاف بين علمائنا،فالذي ذهب إليه الشيخان (1)،و السيد المرتضى (2)،و أتباعهم،الجواز (3)،و الذي ارتضاه أبو جعفر بن بابويه، التحريم (4).
احتج الأولون بأن الأمر بالصلاة مطلق فالتقييد مناف (5)،ترك العمل به في حق الرجل لوجود الدليل،فيبقى الباقي على الإطلاق.
احتج ابن بابويه،بما رواه الشيخ في الصحيح،عن محمد بن عبد الجبار انه كتب إليه أبو محمد عليه السلام:«لا تحل الصلاة في الحرير المحض» (6)و هو عام في حق الرجال و النساء و ما رواه،عن زرارة،قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال و النساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز،أو كتان،أو قطن و إنما يكره الحرير المحض للرجال و النساء (7).
و لا ريب ان النهي في حق الرجال للتحريم،و كذا في النساء قضية للعطف، و كذا لفظ«يكره»المراد بها التحريم في حق الرجال،فكذا في النساء للعطف، و القولان قويان،فنحن في هذا من المتوقفين.
هل تجوز الصلاة للرجال في التكة و القلنسوة إذا عملا من حرير
ص:224
محض؟فيه إشكال،و الأقرب المنع.قال ابن بابويه:لا تجوز الصلاة في تكة رأسها من إبريسم (1).و أفتى الشيخ بجوازه في النهاية و المبسوط (2).
لنا:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن محمد بن عبد الجبار قال:كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله هل يصلي في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟فكتب:
«لا تحل الصلاة في حرير محض»و العبرة و إن كانت بعموم اللفظ على الخلاف،لكن بالاتفاق يتناول صورة السبب.و لأنه منهي عنه فلا تجوز الصلاة في شيء منه كالجلد الميت.
احتج الشيخ بما رواه الحلبي،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال«كل ما لا تتم الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم،و القلنسوة،و الخف و الزنار يكون في السراويل و يصلي فيه» (3).
و الجواب:ان في طريقها أحمد بن هلال و هو ضعيف جدا.
لا بأس بالوقوف على الثوب المعمول من الإبريسم المحض و الديباج و افتراشه.
روى الشيخ في الصحيح،عن علي بن جعفر،عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال:و سألته عن فراش حرير و مثله من الديباج و مصلي حرير و مثله من الديباج هل يصلح للرجل النوم عليه و التكأة و الصلاة؟قال:«يفرشه و يقوم عليه و لا يسجد عليه» (4).
لنا:عموم النهي.
احتج الشافعي بأنه لا خيلاء فيه،فلا بأس به.
و الجواب بمنع تعليل التحريم بالخيلاء،بل لعلة السرف و التضييع للمال،أو لمنع النفس عن المبالغة في اللباس.و لأنه ينتقض بما لو جعل بطانة الجبة حريرا،فإنه لا خيلاء هناك مع ثبوت التحريم.
و أما ما رواه الشيخ في الصحيح،عن الحسين بن سعيد،قال:قرأت كتاب محمد بن إبراهيم (1)إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قز؟فكتب إليه:«لا بأس بالصلاة فيه» (2)فإن ابن بابويه قال:المراد به قز الماعز دون قز الإبريسم (3).
لا بأس للرجال بالصلاة في الحرير إذا لم يكن محضا،كالممزوج بالقطن،أو الكتان،أو الخز و لو كثر الإبريسم ما لم يستهلكه بحيث يصدق على الثوب أنه إبريسم.و هو مذهب علمائنا أجمع،و به قال ابن عباس (4)،و جماعة من أهل العلم (5).
و قال أبو حنيفة (6)،و الشافعي:يحرم إذا غلب الحرير،و إن غلب غيره جاز (7)،
ص:226
و في المتساوي وجهان للشافعي.
لنا:ما رواه الجمهور،عن ابن عباس،قال:إنما نهى النبي صلى الله عليه و آله عن الثوب المصمت من الحرير،و أما العلم و سدى الثوب فليس به بأس (1).رواه أبو داود.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن يوسف بن إبراهيم (2)،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زره و علمه حريرا و إنما كره الحرير المبهم للرجال» (3).
و عن زرارة قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام،ينهى عن لباس الحرير للرجال و النساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته،أو سداه خز،أو كتان،أو قطن،و إنما يكره الحرير المحض للرجال و النساء (4).و لأنه يخرج بالمزج عن اسم الحرير،فيبقى على الأصل و هو الحل.
إصبعين أو ثلاثا أو أربعا (1).رواه مسلم و أبو داود.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن جراح المدائني (2)،عن أبي عبد الله عليه السلام انه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج (3).
لو خيط الحرير بالقطن أو الكتان لم يزل التحريم عنه،و كذا لو بطن به أو جعل ظهاره،لعموم المنع.
هل يحرم على الولي تمكين الطفل من لبس الحرير؟فيه نظر أقربه انه لا يحرم.و هو قول بعض الجمهور (4).
لنا:انه غير مكلف،فلا يحرم في حقه،و لأن التحريم مستند إلى الخيلاة و لا اعتبار به في حقهم.
و قال بعض الجمهور:يحرم (5)،لقوله عليه السلام:(حرام على ذكور أمتي) (6).
و عن جابر:كنا ننزعه عن الغلمان و نتركه على الجواري (7).
و الجواب عن الأول بما مضي من ان التحريم يتناول المكلفين (8)خاصة.
و عن الثاني:باحتمال انه قد فعل بالمراهقين و من قارب البلوغ،زيادة في التورع.
ص:228
و هو إجماع أهل العلم كافة،لما ثبت من تحريم التصرف في ملك الغير بغير إذنه،تواترا عن رسول الله صلى الله عليه و آله.
و اختلف العلماء في بطلان الصلاة فيه،فالذي عليه علماؤنا بطلان الصلاة (1)فيه،و اختاره أبو علي الجبائي،و ابنه أبو هاشم (2)،و أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين (3)إذا كان هو الساتر،شرطه أحمد خاصة.
لنا:ان الصلاة طاعة و قيامه و قعوده في هذا الثوب منهي عنهما،فيكون مأمورا بما هو منهي عنه،و ذلك تكليف ما لا يطاق.و لأن الواجب عليه صلاة مأمور بها،و لم يثبت من الشرع الأمر بهذه الصلاة،فيبقى في عهدة التكليف،إذ المخرج عن العهدة بالأمر القطعي الفعل المطلوب قطعا.
احتج المخالف بأنه أتى بالصلاة المأمور بها (4)،و التحريم لا يختص الصلاة،و لا النهي يعود إليها،فلا يمنع الصحة،كما لو غسل ثوبه من النجاسة بالماء المغصوب.
و الجواب بالمنع في المقدمتين،إذ قد بينا ان الصلاة المأمور بها شيء يخرج به عن عهدة التكليف،و لم يثبت ذلك في حق هذه الصلاة.و قوله:النهي لا يعود إليها ممنوع،إذ الحركة في هذا الثوب منهي عنها،و هي جزء من الصلاة،و النهي عن الجزء يستحيل مجامعته مع الأمر بالكل،و بهذا وقع الفرق بين صورة النزاع و بين المقيس عليه،لأن الماء المغصوب ليس جزءا من إزالة النجاسة.
و أيضا:فما نحن فيه عبادة،و قد بينا ان النهى فيها يستلزم الفساد بخلاف المقيس عليه.
ص:229
لا فرق بين أن يكون الثوب المغصوب ساترا،أو غير ساتر،بأن يكون فوق السائر أو تحته على إشكال.
هل تبطل الصلاة في الخاتم المغصوب و شبهه،كالسوار،و القلنسوة، و العمامة؟فيه تردد أقربه البطلان.
لو جهل الغصب لم يكن قد فعل محرما و صحت صلاته،لارتفاع النهي.
لو علم الغصب و جهل التحريم لم يكن معذورا،لأن التكليف لا يتوقف على العلم بالتكليف،و إلا لزم الدور المحال.
لو علم بالغصب في أثناء الصلاة نزعه،ثمَّ إن كان عليه غيره أتم الصلاة،لأنه دخل دخولا مشروعا،و لو لم يكن عليه غيره أبطل الصلاة و ستر عورته، ثمَّ استأنف.
تحرم الصلاة في الثوب المغصوب على الغاصب و غيره ممن علم بالغصب ما لم يأذن له المالك،فلو أذن للغاصب أو لغيره صحت صلاته فيه،و لو أذن في الصلاة فيه مطلقا صحت صلاة غير الغاصب،أما الغاصب فلا،عملا بشاهد الحال.
لو تقدم علمه بالغصبية،ثمَّ نسي حال الصلاة و صلى فيه صحت صلاته.لقوله عليه السلام:(رفع عن أمتي الخطأ و النسيان) (1).و القياس على النجاسة باطل.
ص:230
أقربه البطلان،خلافا لبعض الجمهور (1).
لنا:ان الصلاة فيه استعمال له و هو محرم بالإجماع،و قد عرفت ان النهي في العبادات يدل على الفساد.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن موسى بن أكيل النميري (2)،عن أبي عبد الله عليه السلام في الحديد:«انه حلية أهل النار،و الذهب حلية أهل الجنة،و جعل الله الذهب في الدنيا زينة للنساء فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه،و جعل الله الحديد في الدنيا زينة الجن و الشياطين،فحرم على الرجل المسلم أن يلبسه في حال الصلاة، إلا أن يكون قبال عدو،فلا بأس به»قال:قلت:فالرجل في السفر يكون معه السكين في خفه لا يستغني عنه،أو في سراويله مشدود،أو المفتاح يخشى إن وضعه ضاع أو يكون في وسطه المنطقة من حديد؟قال:«لا بأس بالسكين و المنطقة للمسافر في حال الضرورة،و كذلك المفتاح إذا خاف الضيعة و النسيان،و لا بأس بالسيف و كل آلة السلاح في الحرب،و في غير ذلك لا يجوز الصلاة في شيء من الحديد،فإنه نجس ممسوخ» (3)و تحريم الصلاة فيه يستلزم البطلان لما مر.
حكم المنطقة حكم الخاتم في البطلان على التردد.
الثوب المنسوج بالذهب،و المموه تحرم الصلاة فيه مطلقا على التردد في
ص:231
غير الساتر.
هل يجوز افتراش الثوب المنسوج بالذهب أو المموه به؟فيه تردد أقربه الجواز.
تكره الصلاة في خاتم حديد،ذكره الشيخ (1).
و قال المفيد في المقنعة:و لو صلى و في إصبعه خاتم حديد لم يضره ذلك (2).و قال بعض أصحاب الحديث منا بالمنع (3)،احتجاجا بما رواه الشيخ،عن موسى بن أكيل و قد تقدم.
و بما رواه الشيخ،عن السكوني،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«قال رسول الله صلى الله عليه و آله:لا يصلي الرجل و في يده خاتم حديد» (4).و الحق الجواز،و لو قيل بالكراهية كان قويا،أما المنع فلا،و رواية موسى بن أكيل ضعيفة، لأن الشيخ رواها مرسلة،مع اشتمالها على تنجيس الحديد و لم يقل به أحد،فهي ضعيفة لا يعول عليها.و يحتمل انه أراد بالتحريم شدة الكراهية مجازا مستعملا.و رواية السكوني ضعيفة السند مع احتمال النهي للكراهية.
و الجواب:انه لا يستلزم التحريم.
لا بأس بما له ساق كالخف و الجرموق-بضم الجيم-و هو خف واسع قصير يلبس فوق الخف،لأن النبي صلى الله عليه و آله و الصحابة فعلوا ذلك.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن صفوان بن يحيى،عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي في الخف الذي قد أصابه قذر،فقال:«إذا كان مما لا تتم الصلاة فيه،فلا بأس» (1).
و في الصحيح،عن زرارة،عن أحدهما عليهما السلام،قال:«كل ما كان لا يجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس أن يكون عليه شيء مثل القلنسوة و التكة و الجورب» (2)و إذا جازت الصلاة فيها في حال نجاستها فمع الطهارة أولى.
و في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر،قال:سألت الرضا عليه السلام عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أ ذكي هو أم لا،ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدري أ يصلي فيه؟قال:«نعم أنا أشتري الخف من السوق و يصنع لي فأصلي فيه و ليس عليكم المسألة» (3).
و في الصحيح،عن الحلبي قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخفاف التي تباع في السوق؟فقال:«اشتر و صل فيها حتى تعلم انه ميت بعينه» (4).
لا فرق بين الطاهر و النجس في الجواز،و قد دلت عليه الأحاديث المذكورة و قد سلف البحث فيه.نعم،يشترط أن يكون من جلد ما يصح الصلاة فيه.
ص:233
يستحب الصلاة في النعل العربية.ذهب إليه علماؤنا،روى الشيخ في الصحيح،عن محمد بن إسماعيل،قال:رأيته يصلي في نعليه لم يخلعهما،و أحسبه قال:«ركعتي الطواف» (1).
و في الصحيح،عن معاوية بن عمار،قال:رأيت أبا عبد الله عليه السلام يصلي في نعليه غير مرة و لم أره ينزعهما قط (2).
و في الصحيح،عن عبد الله بن المغيرة،قال:«إذا صليت فصل في نعليك إذا كانت طاهرة فإن ذلك من السنة» (3)و عبد الله ثقة،فإخباره بأنه من السنة يدل على الثبوت.
و عن علي بن مهزيار في الصحيح،قال:رأيت أبا جعفر عليه السلام صلى حين زالت الشمس يوم التروية ست ركعات خلف المقام و عليه نعلاه لم ينزعها (4).
و في الصحيح،عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله،عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:«إذا صليت فصل في نعليك إذا كانت طاهرة فإنه يقال ذلك من السنة» (5).
عدا ما عفى عنه من النجاسات.و قد تقدم (6)،بلا خلاف بين علماء الإسلام.
ص:234
ذهب إليه العلماء أجمع، و لا نعرف فيه خلافا.
و في اشتراط الدباغ خلاف،فالذي ذهب إليه أكثر علمائنا عدم الاشتراط و قد تقدم البحث في ذلك.
إذا جز منه في حياته أو بعد التذكية،بلا خلاف بين العلماء فيه،أما إذا أخذ جزا من الميت فقد اختلف فيه،فالذي عليه علماؤنا أجمع طهارته و صحة الصلاة فيه.و به قال الحسن،و ابن سيرين،و مالك،و الليث بن سعد،و الأوزاعي،و إسحاق،و ابن المنذر،و أصحاب الرأي (1)،و أحمد في إحدى الروايتين،و في الأخرى:انه نجس لا يصح فيه الصلاة (2).و هو قول الشافعي (3).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال:(لا بأس بصوف الميتة و شعرها إذا غسل) (4)رواه الدار قطني.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن الحلبي،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ان الصوف ليس فيه
ص:235
روح» (1)و لأنه طاهر قبل الموت،فيكون كذلك بعده،عملا بالاستصحاب.و لأن طهارته غير موقوفة على الذكاة فلا ينجس بالموت،كما لو جز من حي.و لأنه لا تحله الحياة،فلا ينجس بالموت كالبيضة.
احتج الشافعي بأنه ينمي من الحيوان،فينجس بموته كأعضائه (2).
و الجواب:النمو لا يستلزم الحياة،و كل ما لا تحله الحياة لا يقبل الموت لاشتراط اتحاد الموضوع في مثلهما.
لو قلعه من الميت،قال الشيخ:لا يجوز استعماله (3).و الأقرب جوازه مع الغسل لموضع الاتصال.و ربما عول الشيخ على انه بالقلع نزع شيئا من مادته الميتة، فيكون نجسا،و نحن لما اشترطنا الغسل زال هذا المحذور.
لو جزه من حي كان طاهرا قولا واحدا،و لو قلع فكذلك.و الوجه وجوب غسل موضع الاتصال أيضا،لأنه بالقلع لا بد من استصحاب شيء من مادته معه،و هي بعد الانفصال ميتة لقوله عليه السلام:«ما أبين من حي فهو ميت» (4).
لو شك في الشعر،أو الصوف،أو الوبر انه هل هو مما يؤكل لحمه أو لا لم يجز الصلاة فيه،لأنها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه و هو غير متحقق، و الشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط.
و لا بأس بالصلاة في الخز الخالص،بمعنى أن لا يكون مغشوشا بوبر
ص:236
الأرانب،و الثعالب.ذهب إليه علماؤنا.
و الخز دابة ذات أربع تصاد من الماء فإذا فقدته ماتت،روي ذلك عن الصادق عليه السلام (1).
و يدل على جواز الصلاة في الخالص منه:ما رواه الجمهور،عن عبد الله بن سعد (2)،عن أبيه،قال:رأيت رجلا ببخاري على بغلة بيضاء عليه عمامة خز،فقال:
كسانيها رسول الله صلى الله عليه و آله (3).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن معمر بن خلاد،قال:
سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الصلاة في الخز؟فقال:«صل فيه» (4).
و عن أحمد بن محمد رفعه،عن أبي عبد الله عليه السلام في الخز الخالص انه لا بأس به (5).
و في الصحيح،عن سليمان بن جعفر الجعفري،قال:رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام يصلي في جبة خز (6).
و في الصحيح،عن الحلبي،قال:سألته عن لبس الخز؟فقال:«لا بأس به،ان علي بن الحسين عليه السلام كان يلبس الكساء الخز في الشتاء،فإذا جاء الصيف
ص:237
باعه و تصدق بثمنه،و كان يقول:اني لأستحي من ربي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه» (1).
و عليه فتوى علمائنا.
لما رواه الشيخ في الموثق،قال:سأل زرارة أبا عبد الله عليه السلام،إلى أن قال عن رسول الله صلى الله عليه و آله:«ان الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة في شعره،و وبره،و جلده،و بوله،و روثه و كل شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله» (2)و هو عام خرج منه الخالص للروايات المخصصة،فيبقى الباقي على العموم.
و ما رواه،عن أيوب بن نوح رفعه قال:قال أبو عبد الله عليه السلام:«الصلاة في الخز الخالص لا بأس به،فأما الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه» (3).
و ما رواه،عن أحمد محمد رفعه،عن أبي عبد الله عليه السلام في الخز الخالص، «انه لا بأس به،فأما الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه» (4).
ص:238
لا يقال:هاتان الروايتان مرسلتان،فلا يعتمد عليهما،و لأنه قد روى الشيخ،عن داود الصرمي،قال:سألته عن الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب؟فكتب:«يجوز ذلك» (1).
لأنا نجيب عن الأول بأنهما و إن كانتا مرسلتين إلا ان راوييهما ثقتان،فالظاهر انهما لم يرسلا إلا مع علمهما.
و أيضا:فقال اعتضدت بعمل الأصحاب،فإن كثيرا من أصحابنا ادعوا الإجماع ها هنا (2).
و أيضا:فالرواية الاولى دالة بعمومها على صورة النزاع.
و عن الثاني:بأن المسئول عنه غير معين،فربما لم يكن إماما.و أيضا:فقد اشتملت على المكاتبة.
و أيضا:فإن الشيخ قد روى،عن داود الصرمي المذكور،قال:سأل رجل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب؟فكتب:«يجوز ذلك» (3)و هذا يدل على اضطراب الراوي في الرواية،لأنه تارة أضاف السؤال إلى رجل،و تارة إلى نفسه،قال الشيخ:و هذا مناف (4).
لأن الخز تجوز الصلاة في خالصة،و الإبريسم تجوز الصلاة في مغشوشة.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن زرارة،قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام نهى عن لباس الحرير للرجال و النساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو قطن
ص:239
أو كتان،و إنما يكره الحرير المحض للرجال و النساء (1).
و الأحوط فيه المنع،لأن الرخصة وردت في الخالص،و لأن العموم الوارد في المنع من الصلاة في شعر ما لا يؤكل لحمه و صوفه يتناول المغشوش بالخز و غيره.
فيبقى على المنع المستفاد من العموم.
و يكره إذا كان شافا رقيقا.ذكره الشيخ في المبسوط (2)،و به قال علم الهدى في المصباح (3).و قال بعض أصحابنا:يكره في ثوب واحد للرجال (4).و به قال أحمد (5).
لنا:ما رواه الجمهور،عن جابر قال:رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله يصلي في ثوب واحد متوشحا (6)به.رواه البخاري.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن زرارة قال:صلى بنا أبو جعفر عليه السلام في ثوب واحد (7).
و في الحسن،عن رفاعة بن موسى قال:حدثني من سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي في ثوب واحد يأتزر (8)به؟قال:«لا بأس به إذا رفعه إلى
ص:240
الثديين» (1).
و ما رواه،عن زياد بن سوقة،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«لا بأس أن يصلي أحدكم في الثوب الواحد و أزراره محلولة،ان دين محمد حنيف» (2).
و في الصحيح،عن محمد بن مسلم،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:سألته عن الرجل يصلي في قميص واحد،أو قباء طاق،أو قباء محشو و ليس عليه إزار؟فقال:
«إذا كان القميص صفيقا أو القباء ليس بطويل الفرج،و الثوب الواحد إذا كان يتوشح به،و السراويل بتلك المنزلة كل ذلك لا بأس به،و لكن إذا لبس السراويل جعل على عاتقه شيئا و لو حبلا» (3).
احتج أحمد (4)بما رواه ابن عمر قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله،أو قال:
قال عمر:إذا كان لأحد كم ثوبان فليصل فيهما،فإن لم يكن إلا ثوب واحد فليتزر به و لا يشتمل اشتمال اليهود (5).
و الجواب:ان ابن عمر قد شك في المروي عنه هل هو رسول الله صلى الله عليه و آله،أو أبوه،فعلى تقدير أن يكون أباه لم يكن حجة.
و أما كراهيته إذا كان شافا،فلما رواه الشيخ،عن أحمد بن حماد (6)رفعه إلى
ص:241
أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا تصل فيما شف أو صف،يعني الثوب المصقل» (1).
و عن محمد بن يحيى رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام مثله (2).
لو حكى ما تحته لم يجز الصلاة فيه،لأنه غير ساتر و الشرط الستر،هذا إذا حكى لونه،أما إذا حكى خلقته لم يكن به بأس،لأنه قد يحصل في الثوب الصفيق ذلك.
و الذي فوقه.و منع منه الشيخ في النهاية (3).
لنا:انه ثوب يصح في جنسه الصلاة.و المانع و هو نجاسة الوبرين مفقود لما بينا (4)من طهارتهما فتصح فيهما الصلاة.
احتج الشيخ بما رواه علي بن مهزيار،عن رجل سأل[الرضا] (5)عليه السلام عن الصلاة في الثعالب فنهى عن الصلاة فيها و في الثوب الذي يليه،فلم أد رأي الثوبين:الذي يلصق بالوبر،أو الذي يلصق بالجلد؟فوقع بخطه:«الذي يلصق بالجلد»و ذكر أبو الحسن انه سأله عن هذه المسألة فقال:«لا تصل في الذي فوقه و لا في الذي تحته» (6).
ص:242
و الجواب:ان هذه الرواية مقطوعة السند،فلا تكون حجة.و أيضا:يحتمل أن يكون النهي للكراهية.و أيضا:فهي مشتملة على المكاتبة لا السماع.و أيضا:فإنه لم ينقل الصيغة بل قال:نهى،و لعله توهم ما ليس بنهي نهيا،و كل هذه مضعفة للرواية، فالعمل على ما قلناه،و إنما صرنا إلى الكراهية لوجود الخلاف.و لو قلنا بتنجيس الوبرين لم يجز الصلاة في الثوب الملاصق إذا وجدت الرطوبة في أحدهما،أما مع عدمها فلا.
ذكره علماؤنا، خلافا لبعض الجمهور (1).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال:(البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم،و كفنوا فيها موتاكم) (2)و تعليق الحكم بالوصف يشعر بنفيه عن غيره.
و أيضا:فإن اختصاص البياض بذلك لمصلحة راجحة موجودة فيه،فيكون ما يضاده غير مشارك له في المصلحة،و أشد الألوان مضادة له السواد.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن أحمد بن محمد رفعه،عن أبي عبد الله عليه السلام:قال:«يكره السواد إلا في ثلاثة:الخف،و العمامة،و الكساء» (3).
و عن محسن بن أحمد (4)،عمن ذكره،عن أبي عبد الله عليه السلام قال:قلت له:
أصلي في القلنسوة السواد؟فقال:«لا تصل فيها فإنها لباس أهل النار» (5).
ص:243
و روى ابن بابويه،عن أمير المؤمنين عليه السلام،قال فيما علم أصحابه:«لا تلبس السواد فإنه من لباس فرعون» (1).
و عن رسول الله صلى الله عليه و آله انه كان يكره السواد إلا في ثلاثة:العمامة، و الخف،و الكساء (2).
قال و روي انه هبط جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه و آله و عليه قباء أسود و منطقة فيها خنجر،فقال له:«يا جبرئيل ما هذا الزي؟»فقال:«زي ولد عمك العباس يا محمد،ويل لولدك من ولد عمك العباس»فخرج النبي صلى الله عليه و آله إلى العباس،فقال:«يا عم،ويل لولدي من ولدك»فقال:يا رسول الله أ فأجب نفسي؟قال:«جف القلم بما فيه» (3).
و عن حذيفة بن منصور (4)انه قال:كنت عند أبي عبد الله عليه السلام بالحيرة فأتاه رسول أبي العباس الخليفة (5)يدعوه فدعا بمطر (6)أحد وجهيه أسود و الآخر أبيض
ص:244
فلبسه،ثمَّ قال عليه السلام:«أما إني ألبسه و أنا أعلم انه لباس أهل النار» (1)قال ابن بابويه:فأما لبس السواد للتقية فلا إثم فيه (2).و استدل بهذا الحديث.
احتج (3)المخالف بما روى عنه عليه السلام:انه دخل مكة يوم الفتح و عليه عمامة سوداء (4).
و الجواب:ليس هذا محل النزاع،إذ قد نفينا الكراهية عن العمامة.
روى الجمهور،عن النبي صلى الله عليه و آله انه نهى الرجال عن المزعفر (5).
و عن علي عليه السلام نهانا النبي صلى الله عليه و آله عن لباس المعصفر (6).
و عن عبد الله بن عمر قال:رآني النبي صلى الله عليه و آله على ثوبين معصفرين فقال:(ان هذه من ثياب الكفار فلا تلبسهما) (7).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الموثق،عن حماد بن عثمان،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم» (8).
و عن يزيد بن خليفة،عن أبي عبد الله عليه السلام انه كره الصلاة في المصبغ بالعصفر المضرج بالزعفران (9).
ص:245
خلافا لبعض الجمهور (1).
لنا:ما روى الجمهور،عن الرسول صلى الله عليه و آله أنه مر عليه رجل عليه بردان أحمران فسلم عليه فلم يرد النبي صلى الله عليه و آله عليه (2).
و عن رافع بن خديج،قال:خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله في سفر، فرأى رسول الله صلى الله عليه و آله على رواحنا أكسية فيها خيوط عهن أحمر،فقال رسول الله صلى الله عليه و آله:(إلا أرى هذه الحمرة قد علتكم)فقمنا سراعا لقول رسول الله صلى الله عليه و آله حتى نفر بعض إبلنا و أخذنا الأكسية فنزعناها عنها (3).
رواه أبو داود.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن جراح المدائني،عن أبي عبد الله عليه السلام انه كان يكره الميثرة الحمراء فإنها ميثرة إبليس (4).
و عن حماد بن عثمان،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم» (5)و المفدم-بسكون الفاء-المصبوغ المشبع بالحمرة.
احتج المخالف بما رواه،عن النبي صلى الله عليه و آله قال:بينا هو يخطب إذ رأى الحسن و الحسين عليهما السلام و عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران،فنزل النبي صلى الله عليه و آله و لم ينكر لباسهما ذلك (6).
و الجواب:انهما عليهما السلام كانا صغيرين،فهما في محل الزينة،فلا يتعدى الحكم إلى غيرهما.
ص:246
ذكره الشّيخان (1).و السّيّد المرتضى (2)،و متابعوهم (3)،خلافا لبعض الجمهور (4).
لنا:انّه نوع تشبّه باليهود،و قد نهى النّبيّ صلّى الله عليه و آله عن ذلك،فقال:
(لا تشتملوا اشتمال اليهود) (5).رواه الجمهور.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن محمّد بن إسماعيل،عن بعض أصحابنا،عن أحدهم عليهم السّلام،قال:قال:«الارتداء فوق التوشّح في الصّلاة مكروه،و التّوشّح فوق القميص مكروه» (6).
و في الصّحيح،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا ينبغي أن تتوشّح بإزار فوق القميص إذا أنت صلّيت،فإنّه من زيّ الجاهليّة» (7)و الّذي أذهب إليه كراهية التّوشّح فوق القميص،للحديثين.
أمّا شدّ المئزر فوقه فلا،لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن موسى بن عمر بن بزيع (8)،قال:قلت للرّضا عليه السّلام:أشدّ الإزار و المنديل فوق قميصي في الصّلاة،
ص:247
فقال:«لا بأس» (1).
و في الصّحيح،عن موسى بن القاسم البجليّ (2)،قال:رأيت أبا جعفر الثّاني عليه السّلام يصلي في قميص قد اتّزر فوقه بمنديل و هو يصلي (3).و لأنّه زيادة في السّتر، فكان سائغا،كما لو كان تحت القميص.
أمّا شدّ الوسط بما يشبه الزّنار فمكروه،لما فيه من التّشبّه بأهل الكتاب.
لا يكره شدّ الوسط بمئزر تحت القميص.و لا أعرف فيه خلافا.
لو كان القميص رقيقا يحكي شكل ما تحته لا لونه جاز أن يأتزر بإزار و تزول الكراهية حينئذ.
يكره اشتمال الصّمّاء.و هو قول أهل العلم كافّة،روى الجمهور،عن أبي هريرة،و أبي سعيد انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن لبستين:اشتمال الصّمّاء،و أن يحتبي الرّجل بثوب ليس بين فرجه و بين السّماء شيء (4).رواه البخاريّ.
ص:248
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن زرارة،عن أبي جعفر الباقر عليهما السّلام انّه قال:«إيّاك و التحاف الصّمّاء» (1).
و اختلفوا في تفسيره،فالّذي ذكره الشّيخ هو أن يلتحف بالإزار و يدخل طرفيه تحت يده و يجمعهما على منكب واحد (2).
و قال بعض الجمهور:هو أن يضطبع الرّجل بثوب ليس عليه غيره (3)،و معنى الاضطباع أن يضع وسط الرّداء تحت عاتقه الأيمن،و يجعل طرفيه على منكبه الأيسر فيبقى منكبه الأيمن مشكوفا،فكره لذلك.
و قال بعض الشّافعيّة:هو أن يلتحف بالثّوب،ثمَّ يخرج يديه من قبل صدره (4).
و قال أبو عبيد:اشتمال الصّمّاء عند العرب أن يشتمل الرّجل بثوب يجلّل به جسده كلّه،و لا يرفع منه جانبا يخرج منه يده كأنّه يذهب به (5)إلى أنّه لعلّه يصيبه شيء يريد الاحتراس منه فلا يقدر عليه،و تفسير الفقهاء أولى،لأنّهم أعرف،و ما ذكره الشّيخ أصحّ الأقوال،لما رواه الشّيخ في الحسن،عن الباقر عليه السّلام انّه قال:
«إيّاك و التحاف الصّمّاء»قلت:و ما التحاف الصّمّاء؟قال:«أن تدخل الثّوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد» (6).
اشتمال الصّمّاء مكروه و إن كان على الرّجل ثوب غيره،لعموم النّهي.
ص:249
قال ابن إدريس:يكره السّدل في الصّلاة كما يفعل اليهود (1)،و هو أن يتلفّف بالإزار و لا يرفعه على كتفيه،و هذا تفسير أهل اللّغة في اشتمال الصّمّاء.و هو اختيار السّيّد المرتضى (2).
و يدلّ على كراهية السّدل:ما رواه ابن بابويه في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«خرج أمير المؤمنين عليه السّلام على قوم فرآهم يصلّون في المسجد قد سدلوا أرديتهم،فقال:ما لكم قد سدلتم ثيابكم كأنّكم يهود قد خرجوا من فهرهم يعني بيعتهم،إيّاكم و سدل ثيابكم» (3).
لا بأس أن يصلي الرّجل في ثوب واحد يأتزر ببعضه و يرتدي بالبعض الآخر.
ذهب إليه علماؤنا أجمع.
لنا:ما رواه الجمهور،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،انّه نهى عن الاقتعاط و أمرنا بالتّلحّي.قال صاحب الصّحاح:و الاقتعاط لوث العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن أبي عمير،عمّن ذكره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من تعمّم و لم يتحنّك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلاّ نفسه» (5).
و عن عيسى بن حمزة (6)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من اعتمّ فلم يدر
ص:250
العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومنّ إلاّ نفسه» (1).
و روى ابن بابويه،عن عمّار السّاباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال:
«من خرج في سفر و لم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومنّ إلاّ نفسه» (2).
و قال الصّادق عليه السّلام:«ضمنت لمن خرج من بيته معتمّا أن يرجع إليهم سالما» (3).
و قال عليه السّلام:«انّي لأعجب ممّن يأخذ في حاجة و هو على وضوء كيف لا تقضي حاجته،و انّي لأعجب ممّن يأخذ في حاجة و هو معتمّ كيف لا تقضي حاجته» (4).
ظهر بهذه الأحاديث استحباب التّحنّك مطلقا سواء كان في الصّلاة أو غيرها.
و الرّداء الثّوب الّذي يجعل على الكتفين،لما رواه الشّيخ في الحسن،عن سليمان بن خالد،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أمّ قوما في قميص ليس عليه رداء؟فقال:«لا ينبغي إلاّ أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها» (5).و لأنّه مميز عنهم بفضيلة الإمامة،فينبغي أن
ص:251
يمتاز عنهم في رأي العين.
ذكره الشّيخ في المبسوط (1).و روى في التهذيب،عن موسى بن أكيل النّميريّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (2).و قد تقدّم البحث فيه.
و الرّواية و إن اشتملت على تنجيس الحديد إلاّ أنّ المراد بالتّنجيس هناك شدّة استحباب الاجتناب منه،إذ التّنجيس مخالف للإجماع،فيحمل على المحتمل.قال الشّيخ في التّهذيب عقيب هذه الرّواية:و قد قدّمنا في رواية عمّار انّ الحديد متى كان في غلاف لا بأس بالصّلاة فيه (3).
لأنّ فيه احتياطا للعبادة،روى الشّيخ في الصّحيح،عن العيص بن القاسم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلي في ثوب المرأة و في إزارها و يعتمّ بخمارها؟قال:
«نعم إذا كانت مأمونة» (4).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«انّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان يبعث إلى العراق فيؤتى بالفرو فيلبسه،فإذا حضرت الصّلاة ألقاه و ألقى القميص الّذي يليه،فكان يسأل عن ذلك؟فيقول:انّ أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميتة و يزعمون انّ دباغه ذكاته» (5).
و في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان قال:سأل أبي أبا عبد اللّه عليه السّلام عن
ص:252
الّذي يعير ثوبه لمن لم يعلم أنّه يأكل الجرّيّ (1)و يشرب الخمر فيردّه،أ يصلّي فيه قبل أن يغسله؟قال:«لا يصلّي فيه حتّى يغسله» (2).
و هذه الأخبار و إن دلّت على المنع لكن لا منع تحريم،لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،قال:سأل أبي أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر:
انّي أعير الذّمّي ثوبي و أنا أعلم انّه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيردّ عليّ فأغسله قبل أن أصليّ؟فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك، فإنّك أعرته إيّاه و هو طاهر و لم تستيقن أنّه نجسه،فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه» (3).
و ما رواه في الصّحيح،عن الحلبيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخفاف الّتي تباع في السّوق؟فقال:«اشتر و صلّ فيها حتّى تعلم انّه ميّت بعينه» (4).
لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن إبراهيم بن أبي البلاد (5)،عن معاوية بن عمّار،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثّياب السّابريّة يعملها المجوس و هم أخباث و هو يشربون الخمر
ص:253
و نساؤهم على تلك الحال،ألبسها و لا أغسلها و أصليّ فيها؟قال:«نعم»قال معاوية:فقطعت له قميصا و خطته و فتلت له إزارا و رداء من السّابريّ،ثمَّ بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النّهار،فكأنّه عرف ما أريد،فخرج فيها إلى الجمعة (1).
و عن المعلّى بن خنيس،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«لا بأس بالصّلاة في الثياب التي يعملها المجوس و النّصارى و اليهود» (2)و لأنّ الأصل الطّهارة، و النجاسة أمر طارئ يحصل بمباشرتهم مع الرّطوبة،و ذلك غير متيقن،فيعمل بالأصل.
لو علم انّهم في حال عملهم باشروها برطوبة لم يحلّ له استعمالها في الصّلاة و غيرها إلاّ بعد غسلها،لوجود المقتضي للتّنجيس.
لو لم يعلم المباشرة بالرّطوبة استحبّ غسلها،لأنّ فيه احتياطا،و لما رواه الشّيخ،عن عبد اللّه بن جميل بن عيّاش أبي عليّ البزّاز (3)قال:أخبرني أبي قال:
سألت جعفر بن محمّد عليهما السّلام عن الثّوب يعمله أهل الكتاب أصلّي فيه قبل أن يغسل؟قال:«لا بأس،و إن يغسل أحبّ إليّ» (4).
روى الشيخ،عن عبيد اللّه بن علي الحلبيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في ثوب المجوسيّ؟فقال:«يرشّ بالماء» (5).
ص:254
هل هذا الحكم ثابت في حقّ جميع الكفّار و إن كانوا حربيّن؟الأقرب نعم،لأنّ المقتضي لجواز الصّلاة و هو الطّهارة الأصليّة السّالم عن معارضة العلم بالنّجاسة الحاصلة بالمباشرة سار فيهم،فيثبت الحكم.
لو استعار ثوبا من غيره فصلّى فيه أيّاما،ثمَّ أخبره صاحبه انه كان نجسا لم يعد شيئا من صلاته،لأنها وقعت على الوجه المشروع،فلا يستعقب القضاء.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن العيص بن القاسم،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى في ثوب رجل أياما،ثمَّ ان صاحب الثوب أخبره انه لا يصلي فيه؟قال:«لا يعيد شيئا من صلاته» (1).
و قال الشيخ في المبسوط:لا يجوز (2).
و يمكن أن يكون المراد بذلك الكراهية،فإنه كثيرا ما يستعمل هذه الصيغة في هذا المعنى،لما رواه عمر بن خالد (3)،عن أبي جعفر الباقر عليه السلام و محمد بن مروان،عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام،قالا:«قال رسول الله صلى الله عليه و آله:ان جبرئيل أتاني فقال:انا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب و لا تمثال جسد» (4)(5).و نفور الملائكة يؤذن بالكراهية.
ص:255
و ما رواه ابن بابويه،عن محمد بن إسماعيل بن بزيع انه سأل أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الصلاة في الثوب المعلم؟فكره ما فيه التماثيل (1).
و عن عمار بن موسى:انه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في ثوب يكون في علمه (2)مثال طير أو غير ذلك؟قال:«لا» (3).
لو غير الصورة من الثوب زالت الكراهية،لعدم المقتضي لها.و لما رواه الشيخ في الصحيح،عن محمد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«لا بأس أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه» (4).
لو صلى إلى القبلة و فيها و سادة ذات تمثال كره،و ينبغي أن يضعها في أحد جانبيه أو خلفه أو يغطيها عن نظره،لأنه يكره الصلاة إلى الإنسان المواجه،فكذا إلى ما شابهه صورة.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن ليث المرادي،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام:الوسائد تكون في البيت فيها التماثيل عن يمين أو شمال؟فقال:«لا بأس ما لم تكن في تجاه القبلة،فإن كان شيء منها بين يديك مما يلي القبلة فغطه و صل» (5)و لأنه ربما يقع الاشتغال بالنظر إليها عن العبادة.
لو صلى على بساط فيه تماثيل لم يكن به بأس،لما رواه الشيخ في
ص:256
الصحيح،عن محمد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«لا بأس أن تصلي على كل التماثيل إذا جعلتها تحتك» (1).
و قد روى الشيخ في الصحيح،عن محمد بن أبي عمير،عن بعض أصحابه،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:سألته عن التماثيل تكون في البساط لها عينان و أنت تصلي؟فقال:«إن كان لها عين واحدة فلا بأس،و إن كان لها عينان فلا» (2).
لو كانت الحال حال ضرورة زالت الكراهية،لأنها مزيلة للتحريم، فللكراهية أولى.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الموثق،عن سماعة بن مهران،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لباس الحرير و الديباج؟فقال:«أما في الحرب فلا بأس و إن كان فيه تماثيل» (3).
لو كانت معه دراهم فيها تماثيل،استحب له أن يواريها عن نظره،لما رواه الشيخ في الصحيح،عن حماد بن عثمان،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الدراهم السود فيها التماثيل أ يصلي الرجل و هي معه؟فقال:«لا بأس بذلك إذا كانت مواراة» (4).
و عن ليث المرادي،عن أبي عبد الله عليه السلام:«و إذا كانت معك دراهم سود فيها تماثيل فلا تجعلها بين يديك و اجعلها من خلفك» (5).
و روى ابن بابويه،عن عبد الرحمن بن الحجاج (6)،انه سأل أبا عبد الله عليه
ص:257
السلام عن الدراهم السود تكون مع الرجل و هو يصلي مربوطة أو غير مربوطة؟فقال:
«ما أشتهي أن يصلي و معه هذه الدراهم التي فيها التماثيل»ثمَّ قال عليه السلام:«ما للناس بد من حفظ بضاعتهم،فإن صلى و هي معه فلتكن من خلفه و لا يجعل شيئا منها بينه و بين القبلة» (1).
تكره الصلاة في الخاتم الذي فيه الصورة.لما رواه الشيخ،عن عمار بن موسى،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك؟قال:«لا تجوز الصلاة فيه» (2)و لا يعتمد على هذه الرواية في الدلالة على التحريم،لقصور اللفظ عنه،و لضعف السند،فالأولى الكراهية.
تكره الصلاة للمرأة في خلخال له صوت،و إن كان أصم لم يكن به بأس،لأنه ربما اشتغلت به.
و يؤيده:ما رواه ابن بابويه،عن علي بن جعفر انه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهما السلام،عن الخلاخيل هل يصلح لبسها للنساء و الصبيان؟قال:«إن كن صماء فلا بأس،و إن كان لها صوت فلا يصلح» (3).
فإن منع لم يجز.
أما الكراهية،فلما رواه الشيخ في الصحيح،عن محمد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:قلت له:أ يصلي الرجل و هو متلثم؟فقال:«أما على الأرض
ص:258
فلا،و أما على الدابة فلا بأس» (1).
و المنع للكراهية،لما رواه الشيخ في الموثق،عن سماعة،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي و يقرأ القران و هو متلثم؟فقال:«لا بأس» (2).
و عن الحسن بن علي،عمن ذكره من أصحابنا،عن أحدهما عليهما السلام انه قال:«لا بأس بأن يقرأ الرجل في الصلاة و ثوبه على فيه» (3).
و يدل على ما ذكرناه من الشرط:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن الحلبي،قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام هل يقرأ الرجل في صلاته و ثوبه على فيه؟فقال:«لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة» (4).و هو يدل بمفهومه على ثبوت البأس مع فقد السماع قضية للشرط.
لو كان اللثام على جبهته وجب عليه كشفه ليسجد على ما يصح السجود عليه،لما رواه الشيخ،عن علي بن النعمان (5)،عمن رواه،عن أبي عبد الله عليه
ص:259
السلام في الرجل يصلي و هو يومئ على دابته متعمما؟قال:«يكشف موضع السجود» (1).و سيأتي تمام البحث فيه.
الشرط سماع قراءة نفسه لرواية الحلبي.
يكره للمرأة النقاب في الصلاة مع الاختيار،لما رواه الشيخ في الموثق، عن سماعة،قال:سألته عن المرأة تصلي متنقبة؟قال:«إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به،و ان أسفرت فهو أفضل» (2).
السلام-:يجوز للرجل أن يصلي و معه فأرة المسك؟فكتب:«لا بأس به إذا كان ذكيا» (1).
لما رواه الشيخ في الموثق،عن يونس بن يعقوب،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي و عليه البرطلة؟فقال:«لا يضره» (2).
أو عليهما خرقة الخضاب إذا كانت طاهرة،عملا بالأصل.و ما رواه الشيخ في الصحيح،عن رفاعة قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن المختضب إذا تمكن من السجود و القراءة أياض أ يصلي في حنائه؟قال:«نعم إذا كانت خرقته طاهرة و كان متوضئا» (3).
و عن سهل بن اليسع (4)،عن أبي الحسن عليه السلام،قال:سألته أ يصلي الرجل في خضابه إذا كان على طهر؟فقال:(نعم) (5).
هذا و إن كان جائزا إلا أن الأولى نزع الخرقة،و أن يصلي و يده بارزة.
ص:261
لما رواه الشيخ،عن أبي بكر الحضرمي،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي و عليه خضابه؟فقال:«لا يصلي و هو عليه و لكن ينزعه إذا أراد أن يصلي»قلت:ان حناءه و خرقته نظيفة،فقال:«لا يصلي و هو عليه،و المرأة لا تصلي و عليها خضابها» (1).
لا فرق بين الرجل و المرأة في ذلك.عملا بالأصل المقتضي للجواز فيهما، و بما رواه الشيخ،عن عمار الساباطي،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تصلي و يداها مربوطتان بالحناء؟فقال:«إن كانت توضأت قبل ذلك فلا بأس بالصلاة و هي مختضبة و يداها مربوطتان» (2).
و في الصحيح،عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام،قال:
سألته عن الرجل و المرأة مختضبان أ يصليان و هما بالحناء و الوسمة؟فقال:«إذا أبرزا الفم و المنخر فلا بأس» (3).
يجوز للرجل أن يصلي و يداه تحت ثوبه،و إن أخرجهما كان أولى،لما رواه الشيخ في الصحيح،عن محمد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:سألته عن الرجل يصلي و لا يخرج يديه من ثوبه؟فقال:«إن أخرج يديه فحسن،و إن لم يخرج فلا بأس» (4).
ص:262
و لا يعارض هذا:ما رواه الشّيخ،عن عمّار الساباطي،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:سألته عن الرجل يصلي و يدخل يده في ثوبه؟قال:«إن كان عليه ثوب آخر،إزار أو سراويل فلا بأس،و إن لم يكن فلا يجوز له ذلك،و إن أدخل يدا واحدة و لم يدخل الأخرى فلا بأس» (1).
أما أولا:فلأن رواتها ضعيفة.
و أما ثانيا:فلأنها معارضة للأصل المقتضي للجواز.
و أما ثالثا:فلأن قوله:«لا يجوز»يحمل على الكراهية لاحتماله ذلك.
و في كل ما ينبت من الأرض من أنواع الحشيش إذا كان مملوكا أو في حكمه و كان خاليا من النجاسة،بغير خلاف بين أهل العلم.
لما رواه ابن بابويه، عن علي بن جعفر انه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهما السلام عن الرجل يصلي و في كمه طير؟فقال:«إن خاف عليه ذهابا فلا بأس» (2).
و يجوز أن يصلي،و في فيه الخرز و اللؤلؤ إذا لم يمنعه من القراءة،و يحرم لو منع،عملا بالأصل في الأول،و قضية للشرط و هو القراءة في الثاني.
و لما رواه ابن بابويه،عن علي بن جعفر انه سأل أخاه موسى عليه السلام عن الرجل هل يصلح له أن يصلي و في فيه الخرز و اللؤلؤ؟قال:«إن كان يمنعه من قراءته فلا،و إن كان لا يمنعه فلا بأس» (3).
ص:263
و لا بأس به للمرأة.
و قال الشيخ:يبطل به الصلاة (1).
لنا:الأصل الجواز،و على الكراهية ما ظهر من الخلاف،فالاحتراز عنه تحفظا من الوقوع في المحرم أولى.
احتج الشيخ بما رواه عن مصادف (2)،عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل صلى صلاة فريضة و هو معقوص الشعر،قال:«يعيد صلاته» (3).
و الجواب بعد تسليم صحة السند:انه محمول على الاستحباب.و العقص:
الضفر،قال في الصحاح:و عقص الشعر:ضفره وليه على الرأس،كالكبة (4)و قد قيل:ان المراد بذلك ضفر الشعر و جعله كالكبة في مقدم الرأس على الجبهة.فعلى هذا يكون ما ذكره الشيخ حقا،لأنه يمنع من السجود.
و إن لم ينفضه لأنهما طاهران لا مانع من استصحابهما في الصلاة.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن علي بن ريان (5)،قال:كتبت إلى أبي
ص:264
الحسن عليه السلام:هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان و أظفاره من قبل أن ينفضه و يلقيه عنه؟فوقع:«يجوز» (1).
و النظر في الساتر،و العورة،و أحكام الخلل.
و الساتر قد تقدم فهاهنا مطلبان
و اختلفوا في فصلين:
أحدهما:انه هل هو شرط أم لا.
و الثاني:ان العورة ما هي.
الأول:فقد أجمع علماؤنا على انه شرط في الصلاة كما انه واجب.و به قال الشافعي (2)،و أبو حنيفة (3)،و أحمد (4).
و قال بعض أصحاب مالك:انه شرط مع الذكر دون النسيان (5)،و قال باقي أصحابه:انه واجب و ليس بشرط (6).
ص:265
لنا:ما رواه الجمهور،عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال:(لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) (1)رواه أبو داود،و الترمذي.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن صفوان بن يحيى،عن أبي الحسن عليه السلام،قال:كتبت إليه أسأله عن رجل كان معه ثوبان،فأصاب أحدهما بول و لم يدر أيهما هو و حضرت الصلاة و خاف فوتها و ليس عنده ماء كيف يصنع؟قال:«يصلي فيهما جميعا» (2).و الأمر للوجوب،فلو لم يكن ستر العورة شرطا (3)لما أوجب عليه الصلاة الأخرى.و في الاستدلال به نظر،و الأقوى في ذلك:
ما رواه الشيخ في الصحيح،عن عبد الله بن سنان،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:
سألته عن قوم صلوا جماعة و هم عراة؟قال:«يتقدمهم الإمام بركبتيه و يصلي بهم جلوسا و هو جالس» (4).
وجه الاستدلال به ان القيام واجب و شرط في الصلاة على ما يأتي،و قد جاز تركه مع عدم اللباس،فمع وجوده يكون واجبا،فالستر شرط في القيام الذي هو شرط في الصلاة.
و في الحسن،عن زرارة،قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:رجل خرج من سفينة عريانا،أو سلب ثيابه و لم يجد شيئا يصلي فيه،فقال:«يصلي إيماءا،و إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها،و إن كان رجلا وضع يده على سوأته،ثمَّ يجلسان فيومئان إيماءا و لا يركعان و لا يسجدان فيبدو ما خلفهما،تكون صلاتهما إيماءا
ص:266
برؤوسهما» (1).
احتج المخالف بأن وجوب الستر غير مختص بالصلاة،فلم يشترط لها،كقضاء الدين عند الطلب (2).
و الجواب:لا قياس مع وجود النص،على انا نمنع من ثبوت الحكم في الأصل، فإن الصلاة إذا فعلت في أول وقتها مع المطالبة للقادر بطلت.
و أما الثاني:فالذي عليه أكثر علمائنا ان عورة الرجل قبله و دبره.ذكره الشيخان (3)،و السيد المرتضى (4)،و أتباعهم (5)،و به قال أحمد في إحدى الروايتين (6)،و داود،و ابن أبي ذئب (7)(8).
و قال ابن البراج من علماءنا:العورة ما بين السرة و الركبة (9).و جعله المرتضى
ص:267
رواية (1).و به قال مالك (2)،و الشافعي (3)،و أحمد في الرواية الأخرى (4)،و أصحاب الرأي (5)،و أكثر الفقهاء (6).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أنس ان النبي صلى الله عليه و آله يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى اني أنظر إلى بياض فخذ النبي صلى الله عليه و آله (7).رواه البخاري.
و عن عائشة قالت:كان رسول الله صلى الله عليه و آله في بيته كاشفا فخذيه فاستأذن أبو بكر فأذن له و هو على ذلك،ثمَّ استأذن عمر[فأذن] (8)و هو على ذلك (9).و هو يدل على انه ليس بعورة.
و من طريق الخاصة:ما رواه ابن بابويه،عن الصادق عليه السلام،قال:
«الفخذ ليس من العورة» (10).
و ما رواه الشيخ،عن محمد بن حكيم قال:الميثمي (11)لا أعلمه إلا قال:رأيت أبا عبد الله عليه السلام،أو من رآه متجردا و على عورته ثوب،فقال:«ان الفخذ
ص:268
ليست من العورة» (1).
و عن أبي يحيى الواسطي،عن بعض أصحابه،عن أبي الحسن الماضي عليه السلام،قال:«العورة عورتان:القبل و الدبر،و الدبر مستورة بالأليتين،فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة» (2)و لأن ما عداهما ليس محل الحدث،فلا يكون عورة كالساق.
احتج المخالف (3)بما رواه أحمد عن جرهد (4)ان رسول الله صلى الله عليه و آله رآه قد كشف عن فخذه،فقال:(غط فخذك فإن الفخذ من العورة) (5).
و بما رواه أبو داود ان النبي صلى الله عليه و آله قال لعلي عليه السلام:(لا تكشف فخذك و لا تنظر إلى فخذ حي و لا ميت) (6).
و عن أبي أيوب الأنصاري قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله:(أسفل السرة و فوق الركبتين من العورة) (7).
و الجواب:يحمل ما ذكر تموه على الاستحباب جمعا بين الأخبار.
الحر و العبد في ذلك سواء،لعموم الأحاديث فيهما.
ص:269
الركبة ليست من العورة.ذهب إليه علماؤنا أجمع.و هو قول مالك (1)، و أحمد (2)،و الشافعي (3).
و قال أبو حنيفة:انها من العورة (4).و هو قول بعض الشافعية (5).
لنا:(رواية أبي) (6)أيوب في قول النبي صلى الله عليه و آله:(فوق الركبة من العورة) (7)و ذلك يدل على انها ليست من العورة.و لأن الركبة حد العورة عندهم،فلا يكون منها،كالسرة.
احتج أبو حنيفة (8)بما روي،عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال:(الركبة من العورة) (9).
و الجواب:ان رواية أبو الجنوب (10)،و أهل النقل لا يثبتونه.
حنيفة (1).
و قال الشافعي:انها من العورة (2).
لنا:رواية أبي أيوب من قوله عليه السلام:(أسفل السرة من العورة) (3)و هو يدل على انها ليست عورة.
و ما رواه الجمهور،عن النبي صلى الله عليه و آله انه كان يقبل سرة الحسين عليه السلام.و قبل أبو هريرة سرة الحسن عليه السلام (4)،و لو كانت من العورة لما وقع ذلك.
بلا خلاف بين كل من يحفظ عنه العلم.لقول النبي صلى الله عليه و آله:(المرأة عورة) (5)رواه الجمهور،و قال الترمذي:
أنه حديث حسن.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن زرارة قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عن أدنى ما تصلي فيه المرأة؟قال:«درع و ملحفة فتنشرها على رأسها و تجلل بها» (6).و لأن النظر إلى كل جزء منها متعلق الشهوة فأشبه العورة.
ص:271
و هو قول كل من يحفظ عنه العلم،حرة كانت المرأة أو أمة،بالغة أو صغيرة،و لقوله تعالى وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها » (1)قال ابن عباس:الوجه و الكفين (2).و لأنه يجب بذله في الإحرام، فلم يكن من العورة.
قال علماؤنا:الكفان بمنزلة الوجه.و به قال مالك (3)،و الشافعي (4)، و أصحاب الرأي (5)،و أحمد في إحدى الروايتين (6)،و في الأخرى:انهما عورة يجب سترها (7).
لنا:قوله تعالى:« إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها »و هو يتناول الكفين في قول ابن عباس.
و لأنهما تشتد الحاجة إليهما في الأخذ و العطاء،كالوجه في البيع و الشراء،فلا يحرم كشفهما في الصلاة كالوجه.و لأنه يحرم سترهما بالقفازين في حال الإحرام كما يحرم ستر الوجه بالنقاب.
احتج المخالف (8)بقوله عليه السلام:(المرأة عورة) (9).
ص:272
و الجواب:انه خرج عنه الكفان كما خرج عنه الوجه للاشتراك في الحاجة.
قال الشيخ:لا يجب عليها ستر ظهر القدمين (1).و به قال أبو حنيفة. (2)
و قال الشافعي (3)،و مالك (4)،و أحمد:يجب سترهما (5).
لنا:انهما يظهران غالبا فأشبها الكفين و الوجه.و لأن ظهورهما ليس بفاحش، فكانا أولى بالترخص من الوجه.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن محمد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام قال:قلت له:ما ترى للرجل يصلي في قميص واحد؟فقال:«إذا كان كثيفا فلا بأس،و المرأة تصلي في الدرع و المقنعة إذا كان الدرع كثيفا،يعني إذا كان ستيرا» (6).
وجه الاستدلال انه عليه السلام اجتزأ في حق المرأة بالدرع و المقنعة،و الدرع:
القميص،قاله صاحب الصحاح.و ليس القميص غالبا ساترا لظهر القدمين (7).
احتجوا بقوله عليه السلام:(المرأة عورة).
و الجواب:التخصيص،كما تقدم.
يستحب لها أن تستر سائر جسدها بثلاثة أثواب:درع،و قناع،و إزار.
ذهب إليه العلماء كافة.لأنه زيادة في الستر.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن جميل بن دراج،قال:سألت أبا عبد الله
ص:273
عليه السلام عن المرأة تصلي في درع و خمار؟فقال:«تكون عليها ملحفة تضمها عليها» (1).
و عن ابن أبي يعفور،قال:قال أبو عبد الله عليه السلام:«تصلي المرأة في ثلاثة أثواب:إزار و درع و خمار» (2).
لا نعرف خلافا في استحباب الإزار و انه ليس بواجب.روى الجمهور، عن أم سلمة أنها قالت:يا رسول الله أ تصلي المرأة في درع و خمار و ليس عليها إزار؟ فقال:«نعم،إذا كان سابغا تغطي ظهور قدميها) (3).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن محمد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«و المرأة تصلي في الدرع و المقنعة» (4).
و ما رواه ابن بابويه،عن الفضيل بن يسار،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:
«صلت فاطمة صلوات الله عليها في درع و خمارها على رأسها،ليس عليها أكثر مما وارت به شعرها و أذنيها» (5).
روى الشيخ في الموثق،عن غياث بن إبراهيم،عن جعفر،عن أبيه، عن علي عليهم السلام،قال:«لا تصلي المرأة عطلا» (6).
و لا يجب عليهما ستر الرأس.و أجمع علماء الأمصار على ذلك إلا الحسن البصري،فإنه أوجب الخمار للأمة إذا تزوجت أو اتخذها
ص:274
الرجل لنفسه (1).
لنا:الإجماع و خلافه لا اعتداد به.
و ما رواه الجمهور ان عمر كان ينهى الإماء عن التقنع.روى أبو قلابة ان عمر بن الخطاب كان لا يدع أمة تتقنع في خلافته،و ضرب أمة لآل أنس رآها مقنعة،و قال اكشفي رأسك و لا تشبهي بالحرائر (2).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن عليه السلام،قال:«ليس على الإماء أن يتقنعن في الصلاة و لا ينبغي للمرأة أن تصلي إلا في ثوبين» (3).
و في الصحيح،عن محمد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام،قلت:رحمك الله،الأمة تغطي رأسها إذا صلت؟فقال:«ليس على الأمة قناع» (4).
و في الصحيح،عن محمد بن مسلم،عن أبي عبد الله عليه السلام،قلت:الأمة تغطي رأسها؟فقال«لا» (5)و لأنها أمة،فلا يجب عليها ستر رأسها كغير المزوجة و المتسرى بها.
و أما الصبية فعدم الوجوب في حقها ظاهر،لسقوط التكليف عنها.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الموثق،عن عبد الله بن بكير،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا بأس بالمرأة المسلمة أن تصلي و هي مشكوفة الرأس» (6).
ص:275
و عن عبد الله بن بكير،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا بأس أن تصلي المرأة المسلمة و ليس على رأسها قناع» (1)و هذا يتناول الصغيرة قطعا،و الكبيرة الحرة غير مرادة منه،لما تقدم من الأخبار.
هل يستحب للأمة القناع؟الأولى ذلك،و لم أقف فيه على نص.و به قال عطاء (2)،خلافا لباقي الجمهور،فإنهم لم يستحبوه (3).
لنا:انه زيادة ستر،فكان مطلوبا،لأنه أنسب بالخفر و الحياء،و هو مطلوب من الحرائر.
و أما ما احتج الباقون بأن عمر نهى عن ذلك.
و الجواب:ان فعل عمر ليس بحجة،لجواز أن يكون من رأيه.
أم الولد كالأمة سواء كان ولدها حيا أو لا.و به قال النخعي، و مالك،و الشافعي،و أبو ثور،و أحمد في إحدى الروايتين،و في الأخرى:يجب عليها ستر رأسها (4).
لنا:انها لم تخرج بذلك عن حكم الإماء.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن محمد بن مسلم،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:قلت له:الأمة تغطي رأسها؟فقال:«لا،و لا على أم الولد أن تغطي
ص:276
رأسها إذا لم يكن لها ولد» (1).
لا يقال:الرخصة في أم الولد مشروطة بعدمه في الحديث و أنتم اخترتم الإطلاق.
لأنا نقول:انه استدلال بالمفهوم و هو ضعيف،على انه يحمل على شدة استحباب ستر الرأس مع وجود الولد،فلم تكن مساوية للأمة في ذلك،لا ان المراد الوجوب.
احتج المخالف بأنها لا تباع،فأشبهت الحرة.و لأنه قد انعقد سبب حريتها انعقادا متأكدا لا يمكن إبطاله،فيحكم فيها بحكم الحرة (2).
و الجواب عن الأول:ان عدم البيع لا يقتضي زوال الملك كالموقوفة.
و عن الثاني:بأن انعقاد سبب الحكم لا يثبته كالتدبير،و الكتابة،و لأنه لا يثبت في تحريم الوطء.
المدبرة،و المكاتبة المشروطة،و المطلقة التي لم تؤد من مكاتبتها شيئا حكمها حكم الأمة،لثبوت وصف الرقية فيهن.
أما المكاتبة المطلقة إذا تحرر بعضها فإنها بحكم الحرة،لأن فيها حرمة تقتضي الستر،فوجب الستر.
الخنثى المشكل يجب عليه ستر فرجيه إجماعا و إن كان أحدهما زائدا.و هل يجب عليه ستر جميع جسده كالمرأة؟فيه تردد ينشأ من أصالة براءة الذمة فيصار إليها، و من العمل بالاحتياط في وجوب ستر الجميع.و الأقرب الثاني،لأن الشرط بدون ستر الجميع لا يتيقن حصوله.
لو صلت مكشوفة الرأس و أعتقت في أثناء الصلاة،قال الشيخ في المبسوط:إن قدرت على ثوب تغطي رأسها وجب عليها أخذه و تغطية الرأس،و إن لم يتم
ص:277
لها ذلك إلا بأن تمشي خطى قليلة من غير أن تستدبر القبلة كان مثل ذلك،و إن كان بالبعد منها و خافت فوات الصلاة أو احتاجت إلى استدبار القبلة صلت كما هي و ليس عليها شيء و لا تبطل صلاتها (1).
و قال في الخلاف:تستمر على صلاتها و أطلق (2).
و قال الشافعي:إن كان بقربها ثوب أخذته و سترت به رأسها،و كذا لو كان بعيدا و حصل المناول.و لو تطاولت المدة ففيه وجهان:أحدهما:تبطل صلاتها،و الآخر لا تبطل و إن احتاجت أن تمشي إليه مشت (3).
و قال أبو حنيفة:تبطل صلاتها (4).و ما ذكره في المبسوط هو الأقرب عندي.
أما لو لم تخف فوت الصلاة و لم يتمكن من الستر إلا بفعل كثير فعلى قوله في الخلاف:تستمر على الصلاة،لأنها دخلت دخولا مشروعا،و عندي فيه تردد.
لو لم تعلم بالعتق حتى أتمت صلاتها مشكوفة الرأس صحت،لأنها فعلت المأمور فأجزأها،خلافا لبعض الجمهور (5).
لو علمت بالعتق و لم تعلم لوجوب الستر لم تكن معذورة في ذلك.
لو أعتقت في أثناء الصلاة و لم تقدر على ستر الرأس مضت في صلاتها بإجماع علماء الأمصار،لأن الستر عليها حينئذ غير واجب للعجز فأشبهت الحرة الأصلية العاجزة.
ص:278
لو بلغت الصبية في أثناء الصلاة،فإن كان بما يبطلها كالحيض أفسدت الصلاة،و إن كان بالزمان فهي كالأمة.
لا يجوز للأمة كشف ما عدا الوجه و الكفين و القدمين و الرأس.ذهب إليه علماؤنا.
و قال الشافعي:ان حكمها حكم الرجل (1).
لنا:ان الرخصة وردت في الرأس،فيبقي الباقي على الأصل.و لأن ما عدا ما ذكرناه لا يظهر عادة و لا تدعو الحاجة إلى كشفه،فأشبه ما بين السرة و الركبة.
احتج الشافعي بما روي،عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال:(إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته،فإن ما تحت السرة إلى الركبة من العورة) (2)يريد به الأمة،فإن الأجير و العبد لا يختلف بالتزويج و عدمه.
و الجواب:انه استدلال بالمفهوم،و هو ضعيف.
و هو مذهب علماء الإسلام، لأنه شرط للصلاة حال المكنة،فلا يسقط المشروط مع العجز،كالاستقبال.و لو وجد جلدا طاهرا أو حشيشا يمكنه أن يستر به وجب،لأنه قادر على الساتر.
ص:279
و لو وجد طينا وجب عليه أن يستر به بأن يطين (1)عورته.و هو قول بعض الشافعية (2)،خلافا لبعض الجمهور (3).
لنا:انه متمكن من الساتر بقدر الإمكان،فيكون واجبا.
و يؤيده:ما رواه الخاصة،عن الصادق عليه السلام،انه قال:«النورة ستر» (4).
احتج المخالف بأنه يتناثر عنه إذا جف،و فيه مضرة و لا يستر الخلقة (5).
و الجواب:التناثر بعد الستر غير مسقط للوجوب،كما لو وجد ثوبا يستتر به و يعلم ذهابه في أثناء الصلاة،فإنه يجب عليه الاستتار به،و لأنه نوع استتار،فيجب في بعض الصلاة،كما يجب مع الجميع،و المشقة منفية و لم يعتبرها الشارع في كثير من المواضع، و ستر الخلقة مع العجز غير واجب.
و أحمد (1).
و قال الشيخان:يصلي جالسا إن كان بحيث يراه أحد،و إلا قائما و يومئ لركوعه و سجوده (2).
و قال مالك (3)،و الشافعي:يصلي قائما بركوع و سجود (4).و الأقرب ما قاله الشيخان.
لنا:انه مع حالة الأمن من الرأي متمكن من القيام فيجب عليه،و المانع و هو كشف العورة لا يظهر أثره مع الأمن،فلا يعتد به.أما مع الخوف من المطلع فإنه يجب عليه الاستتار و لا يتمكن إلا بالجلوس و الإيماء،فيكون واجبا.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن ابن مسكان،عن بعض أصحابه،عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة،قال:«يصلي عريانا قائما إن لم يره أحد،فإن رآه أحد صلى جالسا» (5).
و في الصحيح،عن علي بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السلام،قال:سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا و حضرت الصلاة كيف يصلي؟قال:
«إن أصحاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته في الركوع و السجود،و إن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم» (6).
ص:281
احتج السيد المرتضى بما رواه الشيخ في الحسن،عن زرارة،قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه و لم يجد شيئا يصلي فيه؟فقال:«يصلي إيماءا،و إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها،و إن كان رجلا وضع يده على سوأته،ثمَّ يجلسان فيومئان إيماءا،و لا يركعان و لا يسجدان فيبدو ما خلفهما،تكون صلاتهما إيماءا برؤوسهما» (1).
و عن سماعة قال:سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض ليس عليه إلا ثوب واحد و أجنب فيه و ليس عنده ماء كيف يصنع؟قال:«يتيمم و يصلي عريانا قاعدا و يومئ» (2).و مثله رواه عن محمد بن علي الحلبي (3).
و احتج من وافقه من الجمهور بما روي،عن ابن عمر في قوم انكسرت بهم مراكبهم فخرجوا عراة؟قال:(يصلون جلوسا يومئون إيماءا برؤوسهم) (4)و لأن الستر آكد من القيام،لأنه لا يسقط مع القدرة بخلاف القيام الساقط في النافلة،و لعدم اختصاص الستر بالصلاة،و اختصاص القيام بها،فترك القيام الأخف أولى.
و احتج الشافعي (5)بما رواه البخاري،عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال:
(صل قائما فإن لم تستطع فجالسا) (6).و لأنه مستطيع للقيام،فلم يجز له تركه،كالقادر على الساتر.
و الجواب عن الأول:انه محمول على حالة خوف المطلع،لأنه مطلق،و حديثنا
ص:282
مفصل،فيحمل عليه،و هو الجواب عن الحديث الثاني.على ان في طريقه قول و هو غير مسند إلى إمام.
و عن الثالث:بأن قول ابن عمر ليس حجة،إذا لم يسنده إلى النبي صلى الله عليه و آله.و لأنا نقول بموجبة،إذ مع الجماعة يصلي العاري جالسا.
و عن الرابع:بالمنع من أولوية الستر،فإن القيام جزء من الصلاة،و الاستتار شرط،و الجزء من العبادة أولى بالتحصيل من شرطها.
و لو سلم لكن مع ترك القيام لا يحصل الستر كله،لأن العورة عندهم من السترة إلى الركبة،فلا يفي الحاصل من الستر بترك القيام.
و عن الخامس:انا نقول بموجبة،لأنه حالة الأمن متمكن من القيام،فيجب عليه،و في حالة خوف المطلع يجب عليه ستر عورته و هو غير ممكن إلا بالجلوس،فيجب، فيسقط القيام للعجز الشرعي،و هو الجواب عن السادس.
لو صلى العاري على ما أمر به لم يجب عليه الإعادة عند وجود الساتر.و لا نعلم فيه خلافا،لأنه أتى بالمأمور به،و الأمر لا يقتضي التكرار و يقتضي الإجزاء.
لو صلى على غير ما أمر به،بأن يصلي في حالة الخوف قائما بركوع و سجود،فالوجه الإعادة و إن لم يره أحد،لأنه لم يأت بالمأمور به،خلافا لأصحاب الرأي (1).
لو انكشفت عورته في أثناء الصلاة و لم يعلم صحت صلاته،لأنه مع عدم العلم غير مكلف.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن علي بن جعفر،عن أخيه موسى بن
ص:283
جعفر عليه السلام،قال:سألته عن الرجل يصلي و فرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة؟قال:«لا إعادة عليه و قد تمت صلاته» (1).
لو علم بانكشاف عورته في أثناء الصلاة سترها و لم تبطل صلاته، تطاولت المدة قبل علمه أو لم تطل،كثيرا كان الكشف أو قليلا،و سواء أدى ركنا من الصلاة حالة الكشف أو لم يؤد.
و قالت الحنفية:إن أدى ركنا مع الانكشاف،ثمَّ ستر فسدت صلاته (2).
و لو لم يؤد شيئا و لكنه مكث مقدار ما يمكنه أداء ركن،ثمَّ ستر فعند أبي يوسف تفسد صلاته (3)خلافا لمحمد (4).
لنا:ان التكليف منوط بالعلم و لم يحصل،فلا تكليف،و لما رواه علي بن جعفر، و قد سلف.
احتج أبو يوسف بأنه كشف العورة مع المكنة،فلا تصح صلاته (5).
و الجواب:المكنة ممنوعة.
لنا:ان الواجب ستر الجميع و لا يحصل إلا بستر أبعاضه.
لو صلى قائما أو جالسا على ما قلناه (1)من التفصيل ينبغي له أن يتضام و يتستر مهما أمكنه،و لا يربع في حال جلوسه،لأنه إظهار للعورة.
لو وجد حفيرة دخلها و صلى قائما بركوع و سجود.خلافا لبعض الجمهور (2).
لنا:ان الستر عن المشاهد قد يحصل و هو واجب.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن أيوب بن نوح،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفرة (3)دخلها فسجد (4)فيها و ركع» (5)(6).
احتج المخالف بأنها لا تلتصق بجلده،فهي كالجدار.
و الجواب:المساواة بين المقيس و المقيس عليه عندنا.
لو وجد وحلا أو ماء كدرا لو نزله لستره لم يجب عليه ذلك،لأن فيه مشقة و ضررا.و لو اعتبرت المشقة فيجب النزول مع عدمها،و عدم النزول مع وجودها كان حسنا.
لو وجد سترة يستضر بها كالبارية و نحوها لم يلزمه الاستتار بها،لأن الضرر قد يحصل بدخول القصب في جلده،و لأنه لا يحصل معه كما الركوع و السجود.
ص:285
لو وجد ما يستر به إحدى العورتين وجب سترها و صلي كما يصلي العاري،لأن ستر العورتين واجب،فلا يسقط وجوب إحداهما بفوات الأخرى.
لا يقال:الواجب ستر المجموع و البحث ليس فيه بل في أفراده.
لأنا نقول:ان وجوب ستره يستلزم وجوب ستر كل واحد من أجزائه،لأنه لا يتم المجموع إلا به،و ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.و لأن وجوب ستر كل واحد من العورتين ليس مشروطا بوجوب ستر الأخرى،لأنه إن عكس فدور،و إلا فترجيح من غير مرجح،و لا بحصوله لا على نعت الوجوب و إلا لجاز ترك كل واحد منهما، لاشتراطها بشرط غير واجب التحصيل.
إذا ثبت هذا فنقول:هل يتخير في ستر أيهما شاء أم لا؟قال قوم:يتخير لعدم الأولوية.و قال آخرون:الاولى له ستر الدبر،لأنه أفحش و ينفرج في الركوع و السجود.و قال آخرون:القبل أولى،لأنه يستقبل به القبلة،و الدبر مستور بالأليتين (1)،و الأخير عندي أقرب،لأن ركوعه و سجوده بالإيماء.
قال الشيخ في المبسوط:لا بأس أن يصلي الرجل في ثوب و إن لم يزر جيبه،فإن كان في الثوب خرق لا يحاذي العورة لا بأس به،و إن حاذى العورة لم يجز، قال:و لا بأس أن يصلي الرجل في قميص واحد و أزراره محلولة واسع الجيب كان أو ضيقه،دقيق الرقبة كان أو غليظها،كان تحته مئزر أو لم يكن (2).
و قد روي حل الأزرار،عن زياد بن سوقة،قال:قال أبو جعفر عليه السلام:«لا بأس أن يصلي أحدكم في الثوب الواحد و أزراره محلولة (3)،ان دين محمد صلى الله
ص:286
عليه و آله حنيف» (1).
و روى ابن بابويه،قال:قال أبو بصير لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما يجزئ الرّجل من الثّياب أن يصلي فيه؟فقال:«صلى الحسين بن علي صلوات الله عليهما في ثوب قد قلص عن نصف ساقه،و قارب ركبتيه،و ليس على منكبه (2)منه إلا قدر جناحي الخطاف و كان إذا ركع سقط عن منكبيه،و كلما سجد يناله عنقه فيرده على منكبيه بيده، فلم يزل ذلك دأبه مشتغلا به حتى انصرف» (3)و ذلك أوسع من الجيب.و لو كان الجيب واسعا تظهر له عورته منه لو ركع لم يجب ستر ذلك عن نفسه و كانت صلاته ماضية،لأن المقصود تحريم نظر غيره إلى عورته.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن رجل،عن أبي عبد الله عليه السلام قال:قلت:
يقولون الرجل إذا صلى و أزراره محلولة و يداه داخلة[في] (4)القميص إنما يصلي عريانا، قال:«لا بأس» (5).
و قال السيد المرتضى (1)،و سلار:انه يجب عليه تأخير الصلاة إلى آخر الوقت (2).
لنا:انه مأمور بالصلاة في أول وقتها،لقوله تعالى :«أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» (3)و هو مطلق يتناول العاري كما يتناول غيره.و لأن الأخبار دالة على ان العاري إذا لم يجد ما يستر به العورة،يصلي بالإيماء،فلو كان التضييق في الوقت واجبا لما أهمل.
احتج السيد المرتضى بأن الشرط ستر العورة غير حاصل و يمكن حصوله،فيجب التأخير رجاء حصوله كالتيمم.
و الجواب:ان ستر العورة شرط مع التمكن،أما مع عدمه فلا،و لا يجوز تعليق الذمة بالوجوب لإمكان الحصول،لمنافاته للأصل من غير دليل،و القياس على التيمم باطل،و الحكم في الأصل ممنوع.
لو غلب على ظنه وجود الساتر في أثناء الوقت فالوجه وجوب التأخير، لأنه يمكنه تحصيل الصلاة بشروطها،فيجب.
لو وجد من يعيره ثوبا يستر به عورته وجب عليه قبوله،لأنه متمكن من الستر فيجب.أما المعير فلا يجب عليه الإعادة،لأنه لا دليل على ذلك،مع انه قد يتضرر بالإعادة.
أما لو وجد من يهبه الثوب،قال الشيخ:يجب عليه القبول (4).خلافا لبعض
ص:288
الجمهور (1)،و قول الشيخ جيد،لأنه متمكن فيجب،كما يجب عليه قبول العارية.
احتج المخالف بأنه يلحقه المنة.
و جوابه:العار الذي يلحقه بسبب انكشاف عورته أعظم من المنة التي تلحقه بقبول الهبة.
لو وجد من يبيعه ثوبا و معه الثمن وجب عليه الشراء إذا لم يستضر ببذل الثمن في الحال،لأنه متمكن.هذا إذا باع بثمن مثله.أما لو باعه بأزيد من ثمن المثل،فالوجه إن كانت الزيادة تجحف به لم يجب عليه الشراء،و إلا وجب،كالماء في الوضوء،و الأصل في ذلك كله مراعاة الضرر،فمعه لا وجوب إجماعا.
لو لم يجد إلا ثوبا نجسا تخير في الصلاة فيه و عريانا.و هو اختيار أبي حنيفة (2)،و قد سلف البحث في ذلك (3).
لو لم يجد إلا ثوبا مغصوبا صلى عريانا،لأن الحق هنا لادمي،فأشبه الماء المغصوب،فإنه يتركه المصلي و يتيمم.
لو لم يجد إلا ثوب حرير،أو جلد ما لا يؤكل لحمه،أو جلد ميتة لم يصل فيها و صلي عاريا.
و قال الشيخ في المبسوط:فإن لم يجد ثوبا يستر العورة و وجد جلدا طاهرا،أو ورقا، أو قرطاسا يمكنه أن يستر به عورته وجب (4)،و هذا يدل على ان مقصوده بالجلد المذكور جلد ما لا يؤكل لحمه،لأن جلد ما يؤكل لحمه لا يشترط في لبسه فقدان الثوب.
و يمكن أن تكون حجته انه متمكن من الستر و هو شرط،فيجب.
ص:289
و لنا انه منهي عن الصلاة في هذه الأشياء على الإطلاق،فأشبه جلد الميتة عنده.
أما مع الضرورة إلى لبسه كخوف البرد مثلا،فإنه يصلي فيه و لا إعادة عليه.
و لا يجب عليه أن يطرح على عاتقه شيئا.ذهب إليه علماؤنا أجمع.و به قال الشافعي (1)، و مالك،و أصحاب الرأي (2).
و قال أحمد:يجب أن يطرح المصلي على عاتقه شيئا من اللباس (3).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النبي صلى الله عليه و آله قال:(إذا كان الثوب صفيقا فاشدده على حقويك) (4)(5)و لأن ستر العورة قد حصل،فلا يجب عليه الزائد، و لأنهما ليسا من العورة،فأشبها بقية البدن.
احتج أحمد (6)بما رواه أبو هريرة،عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال:(لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه شيء منه) (7).
و عن بريدة قال:نهى النبي صلى الله عليه و آله أن يصلى في لحاف و لا يتوشح به،و أن يصلي في سراويل ليس عليه رداء (8).
و الجواب:انه محمول على الاستحباب،على انهما يدلان على ما لم يذهب إليه أحمد،
ص:290
لأن الأول دل على ان الساتر من الثوب و لم يشترطه أحمد،و الثاني دل على التوشح بالساتر،و أيضا:لا يشترطه أحمد،و على الرداء و لا يشترطه جماعة من أصحابه.
ستر المنكبين و إن لم يكن واجبا لكنه مستحب،لأن النبي صلى الله عليه و آله صلى كذلك دائما (1).
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن علي بن حديد،عن جميل قال:سأل مرازم أبا عبد الله عليه السلام و أنا حاضر معه عن الرجل الحاضر يصلي في إزار مؤتزرا به؟قال:
«يجعل على رقبته منديلا أو عمامة يتردى به» (2).
لو لم يجد ثوبا يطرحه على عاتقه طرح عليه مهما كان و لو حبلا استحبابا،لما رواه الجمهور،عن إبراهيم (3)،قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله إذا لم يجد أحدهم ثوبا ألقى على عاتقه عقالا و صلى (4).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن عبد الله بن سنان،قال:
سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل ليس معه إلا سراويل؟قال:«يحل التكة منه فيطرحها على عاتقه و يصلي»قال:«و إن كان معه سيف و ليس معه ثوب فليتقلد السيف و يصلي قائما» (5).
ص:291
و عن محمد بن مسلم،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«إذا لبس السراويل جعل على عاتقه شيئا و لو حبلا» (1).
لا يجب ستر المنكبين إجماعا،بل يكتفي في الاستحباب عندنا،و في الوجوب عند المخالف بوضع ثوب على أحد عاتقيه و إن حكى ما تحته.
الأقرب الاكتفاء في الاستحباب أو الوجوب عند المخالف مهما أمكن، كالحبل و شبهه،لما رواه الجمهور،عن جابر انه صلى في ثوب واحد متوشحا.قال الراوي:كأني أنظر إليه كان على عاتقه ذنب فأرة (2).
و من طريق الخاصة:رواية ابن بابويه،عن الحسين صلوات الله عليه و آله:انه صلى في ثوب واحد ليس على منكبيه منه إلا قدر جناحي الخطاف (3).
لا فرق بين فرائض الصلوات و نوافلها في ذلك،لعموم الأخبار الدالة على الاستحباب.
عليه و آله في نفر من قومه فعلمهم الصلاة فقال:(يؤمكم أقرؤكم)فكنت أقرأهم، فقدموني فكنت أؤمهم و علي بردة لي صغيرة صغراء،فكنت إذا سجدت فيها(خرجت استي) (1)فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم،فاشتروا لي قميصا عمانيا، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به (2).
و الجواب:انه عمل بعض الصحابة و قد بينا انه ليس حجة.و لأنه يدل على ظهور.
عورته المغلظة،و أبو حنيفة لا يجيز هذا،بل يعتبر فيها ظهور قدر الدرهم،فيبطل الصلاة بظهور ما زاد و يعتبر في الحقيقة الربع (3)،فما يذهب إليه لا يدل الخبر عليه،و ما يدل عليه لا يقول به،فكيف يصح له الاستدلال به.
ذهب إليه علماؤنا أجمع.و به قال قتادة، و أحمد (4).
و قال أبو حنيفة (5)،و مالك (6)،و الأوزاعي:يصلون فرادى (7).و به قال الشافعي في القديم،و قال أيضا:الجماعة و الانفراد سواء (8).و قال مالك:و يتباعد بعضهم من بعض،و إن كانوا في ظلمة صلوا جماعة و يتقدمهم إمامهم (9).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النبي صلى الله عليه و آله قال:(صلاة الرجل في الجمع
ص:293
تفضل صلاته وحده بسبع و عشرين درجة) (1).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن عبد الله بن سنان،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفرد بأربع و عشرين درجة تكون خمسا و عشرين صلاة» (2)و ذلك مطلق في حق العاري و المكتسي، فيتناولهما بمفهومه.و لأنه قدر على الصلاة جماعة من غير ضرر،فأشبه المستترين.
اختلف علماؤنا في كيفية صلاتهم جماعة مع اتفاقهم على انهم يصلون جلوسا،فالذي اختاره الشيخ ان الإمام يتقدمهم بركبتيه و يركع و يسجد بالإيماء، و المأمومون يركعون و يسجدون كالمستترين (3).
و الذي ارتضاه المفيد (4)،و السيد المرتضى:ان صلاة المأمومين كصلاة الإمام بالإيماء في الركوع و السجود (5).
احتج الشيخ بما رواه،عن إسحاق بن عمار،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام:قوم قطعت عليهم الطريق و أخذت ثيابهم فبقوا عراة و حضرت الصلاة كيف يصنعون؟فقال:«يتقدمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه فيومئ إيماءا بالركوع و السجود،و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم» (6).
و ادعى ابن إدريس الإجماع (7)على ما ذهب إليه السيد المرتضى،و هو جهل
ص:294
و سخف،و الأولى العمل على الرواية.
لا يقال:انه قد ثبت ان العاري مع وجود غيره يصلي بالإيماء.
لأنا نقول:إنما ثبت ذلك فيما إذا خاف من المطلع و هو مفقود ها هنا،إذ كل واحد منهم مع سمت صاحبه لا يمكنه أن ينظر إلى عورته حالتي الركوع و السجود.
لو كان العراة نساء استحبت لهم الجماعة،و فعلوا كما يفعل الرجال عملا بالعموم.و هو اختيار علمائنا أجمع.و مذهب الشافعي (1)،و أحمد خلافا لمالك، و أصحاب الرأي (2).
لو كثرت الجماعة بحيث لا يسعهم الصف الواحد،فالوجه انهم يصلون صفوفا،و لكن يركعون و يسجدون بالإيماء خوفا من الاطلاع.
إذا اجتمع الرجال و النساء،فإن قلنا بتحريم المحاذاة لم يجمعوا جميعا،بل يصلي الرجال أولا،ثمَّ النساء.و لو قيل بجواز ذلك و تكون النساء خلف الرجال كما قلنا في الجماعة الكثيرة كان وجها،و إن قلنا بالكراهية جاز أن يقفوا صفا واحدا.
لو كان معهم من له ثوب صلى فيه قائما بركوع و سجود واجبا،لأنه قادر على السترة،فإن أعاره و صلى عريانا لم تصح صلاته،و إذا صلي فيه استحب (3)له أن يعيره لغيره،لأنه مساعدة على الطاعة،فيدخل تحت قوله :«وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى» (4).
و لا يجب عليه إعادته،لأنه يعود بالضرورة عليه من غير حاجة شديدة،بخلاف الطعام الفاضل عن شعبة،فإنه يجب بذله لمن يخاف تلفه،و يجب على المبذول له القبول،لإمكان الشرط،فيصلي فيه واحدا بعد واحد.
ص:295
و لا يجوز لهم الصلاة عراة و لا الصلاة جماعة مع سعة الوقت،و يجوز مع الضيق فيؤم صاحب الثوب أو من يعيره إياه بالعراة،و لا يأتم هو بهم.
قال الشيخ:لو بذل لهم صاحب الثوب ثوبه و خافوا فوات الوقت صلوا عراة و لا يجوز لهم الانتظار (1).
و قال الشافعي:يتوقعون (2)و إن خرج الوقت (3).
لنا:انه مخاطب بالصلاة في هذا الوقت،فلا يجوز له إخلاؤه عنها،و الشرط يسقط اعتباره لعدم التمكن من تحصيله في الوقت.
احتج المخالف بأنه قادر على تحصيل الشرط،فلا تصح الصلاة بدونه،كواجد الماء لا يتيمم و إن خاف فوت الوقت (4).
و الجواب:الفرق،فإن التيمم مع وجود الماء ليس بطهارة.
لو كان صاحب الثوب أميا مع عراة قراء و امتنع من الإعارة لم يؤمهم، لأنه أمي،و لم يأتم بهم،لأنه قائم و هو قعود.
لو ضاق الوقت و أراد إعارته استحب له أن يعير القارئ ليأتم به الأمي العاري،و يجوز له أن يعير غيره و يكون حكمه ما تقدم.
لو استووا استحب له أن يعيره بالقرعة،فمن خرجت له فهو أولى بالتخصيص،و كذا لو لم يكن الثوب لواحد منهم.
لو كان معهم نساء عراة فلصاحب الثوب أن يخصص من شاء، و يستحب له أن يخصص النساء بذلك،لأن عورتهن أفحش و آكد في الستر،و إذا صلين أخذه الرجال.
ص:296
مع العلم بالغصبية.
و قال أحمد:يجوز صلاة الجمعة خاصة في الموضع المغصوب (1).
لنا:انه تصرف في ملك الغير،و هو قبيح عقلا.
احتج أحمد بأن الجمعة تؤدي في موضع معين،فإذا صلاها الإمام في الموضع المغصوب،فإن امتنع الناس من الصلاة فيه فاتتهم الجمعة.
و الجواب:ان الإمام عندنا يستحيل منه وقوع الجمعة في المكان المغصوب،لأنه عدل لا يفعل القبيح.
لنا:أنها صلاة منهي عنها،و النهي يدل على الفساد في العبادات.
احتج المخالف بأن النهي لا يعود إلى الصلاة،فلم يمنع صحتها،كما لو صلى و هو يرى غريقا يمكن إنقاذه فلم ينقذه،أو حريقا يقدر على إطفائه فلم يطفه،أو مطل غريمه الذي يقدر على إيفائه و صلى (1).و لأن النهي لا يدل على الفساد كالنهي عن الوضوء في المكان المغصوب،و عن إزالة النجاسة بالماء المغصوب.
و الجواب عن الأول:ان الصلاة مركبة من أشياء من جملتها القيام و القعود و هو منهي عنهما،فكان النهي متناولا للصلاة بخلاف الحريق،لأنه ليس بمنهي عن الصلاة،بل هو مأمور بإطفائه و إنقاذ الغريق و إيفاء الدين و بالصلاة إلا ان أحدهما آكد من الآخر،و في صورة النزاع أفعال الصلاة منهي عنها،فافترق البابان.
و عن الثاني:بالفرق بين الوضوء في المكان المغصوب و الصلاة فيه،فإن الكون ليس جزءا من الوضوء و لا شرطا و هو جزء من الصلاة،و إزالة عين النجاسة ليس عبادة في نفسه ما لم يقترن بالنية،و إذا صح وقوعها غير عبادة أمكن مع العصيان بها،كما يزيل الكافر و الصبي،بخلاف الصلاة التي لا تقع إلا عبادة،فلا تصح مع النهي عنها.
لو كان جاهلا بالغصبية صحت صلاته إجماعا.أما لو كان عالما بالغصبية و جاهلا بالتحريم،فإنه لا يكون معذورا،و لا تصح صلاته عندنا لما مر.
لو كان مضطرا إلى الصلاة في المكان المغصوب بأن يكون محبوسا أو شبهه من المضطرين صلي في المكان المغصوب،لأن التحريم يزول مع الكراهية،و هل يجب عليه التأخير إلى آخر الوقت؟فيه خلاف بين علمائنا.
ص:298
قال الشيخ في المبسوط:لا فرق بين أن يكون هو الغاصب أو غيره ممن اذن له في الصلاة (1)فيه،و هو حق،إذ تصرف الغاصب لا يصح فيه مباشرة،فلا يصح إذنه.و قد حمل بعض المتأخرين الإذن هاهنا على أنه من المالك (2)،فاستضعف لذلك قول الشيخ،و ليس جيدا.
لا فرق بين أن يغصب رقبة الأرض بأن يأخذها أو يدعي ملكيتها،و بين أن يغصب منافعها،بأن يدعي إجارتها و هو ظالم،أو يضع يده عليها للسكنى مدة.و كذا لو أخرج روشنا أو ساباطا في موضع لا يحل له،أو يغصب سفينة و يصلي فيها،أو راحلة،أو يخرج لوحا مغصوبا في سفينة و يصلي عليه،أو يصلي على بساط مغصوب و إن كانت الأرض مملوكة،الحكم في ذلك كله واحد.
سواء كان المأذون له الغاصب أو غيره،بغير خلاف بين أهل العلم،لأن التحريم منوط بعدم الإذن،و قد فقد.
لا اعتبار بإذن غير المالك بلا خلاف.
لو أذن المالك على الإطلاق صح لغير الغاصب الصلاة قطعا،و في الغاصب تردد أقربه عدم انصراف الإذن إليه عملا بشاهد الحال.
لو أذن له في الصلاة فيه صح قطعا،و كذا لو أذن له بالكون فيه،إذ الظاهر انه حينئذ لا يكره الصلاة فيه،و كذا لو أذن في التصرف فيه،لأن الصلاة نوع تصرف.
لو دخل ملك غيره بغير إذنه،و علم بشاهد الحال أن المالك لا يكره
ص:299
الصلاة فيه،جاز له أن يصلي،لأنه مأذون فيه عادة.
و على هذا تجوز الصلاة في البساتين،و الصحاري و إن لم يعرف أربابها،لأن الإذن معلوم بإعادة،إلا أن يعرف كراهية المالك.
لو دخل في ملك غيره،فأمره بالخروج عنه وجب،ثمَّ إن كان الوقت واسعا لم يصل فيه،لأنه يكون غاصبا،و إن ضاق صلى و هو خارج،لأنه يكون جامعا بين الواجبين و هو أولى.و لا اعتبار في ذلك بالقبلة و يومئ في الركوع و السجود و هو آخذ في الخروج.
قال أبو هاشم:لو توسط أرضا مغصوبة و هو آخذ في الخروج كان عاصيا بالكون المطلق،فيعصي حينئذ بالخروج،لأنه يتصرف بالكون فيه و باللبث، لأنه تصرف أيضا.فعلى هذا القول لا يجوز له الصلاة و هو آخذ في الخروج،سواء تضيق الوقت أولا،لكن هذا القول عندنا باطل،لأنه يلزم منه التكليف بما لا يطاق، إذ من القبيح أن ينهى الحكيم عن فعل الضدين إذا لم يخل المكلف منهما،كما انه يستحيل منه التكليف بالجمع بين الضدين،و أبو هاشم في هذا المقام عن التحقيق بمعزل.
إلى ثوب المصلي أو بدنه،ذهب إليه علماؤنا أجمع،لأن طهارة الثوب و البدن شرط في الصلاة،و مع النجاسة المتعدية يفقد الشرط.
أما إذا لم يتعد النجاسة،فإنه لا يشترط طهارته إلا في موضع معين من الأعضاء و هو موضع السجود على ما يأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى.
و قال الشافعي:يجب أن يكون جميع مصلاه طاهرا حتى انه إذا صلى لم يقع ثوبه على شيء منها،رطبة كانت أو يابسة،فإن وقعت ثيابه على شيء منها بطلت صلاته (1).
ص:300
و قال أبو حنيفة:الاعتبار بموضع قدميه،فإن كان موضعهما نجسا لم تصح صلاته و إن كان ما عداه طاهرا.
و أما موضع السجود ففيه روايتان:روى محمد انه يجب أن يكون موضع السجود طاهرا.و روى أبو يوسف انه لا يحتاج إليه،لأنه إنما يسجد على قدر الدرهم،و قدر الدرهم من النجاسة لا يمنع من صحة الصلاة (1).
لنا:الأصل الجواز و عدم التكليف.
و يؤيده:ما رواه الجمهور،عن أبي سعيد قال:بينا رسول الله صلى الله عليه و آله يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره،فلما قضى رسول الله صلى الله عليه و آله صلاته،قال:(ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟)قالوا:رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا،قال:(ان جبرئيل عليه السلام أتاني فأخبرني أنهما كانتا قذرتين) (2)و لو كانت طهارة موضع القدمين شرطا مع العلم لكانت شرطا مع عدمه كالطهارة.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام، قال:سألته عن الشاذكونة يكون عليها الجنابة،أ يصلي عليها في المحمل؟فقال:«لا بأس» (3).
و عن محمد بن أبي عمير،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام أصلي على الشاذكونة و قد أصابتها الجنابة؟فقال:«لا بأس» (4).
لا يقال:يعارض هذا ما رواه الشيخ في الموثق،عن عبد الله بن بكير،قال:
ص:301
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الشاذكونة يصيبها الاحتلام أ يصلي عليها؟فقال:
«لا» (1).
لأنا نقول:ان عبد الله بن بكير فطحي،فلا تعويل على ما ينفرد به.و أيضا:يحمل على الاستحباب.
احتج (2)المخالف بما رواه[ابن] (3)عمر ان النبي صلى الله عليه و آله،قال:
(سبعة مواطن لا يجوز فيها الصلاة:المجزرة،و المزبلة،و المقبرة،و معاطن الإبل، و الحمام،و قارعة الطريق،و فوق بين الله العتيق) (4).فذكر المجزرة و المزبلة يدل على ان المنع فيهما لأجل النجاسة،فكانت الطهارة مشترطة.
و الجواب بعد سلامة النقل عن الطعن:ان المراد هاهنا الكراهية،إذ هي مراده في حق الحمام،و معاطن الإبل،و قارعة الطريق على ما ذهبوا إليه،فيكون كذلك في الباقي،إذ يستحيل إرادة الحقيقة و المجاز من لفظ واحد،أو المعان المتكثرة من المشترك.
لنا:ما تقدم.و لا فرق بين أن يتحرك موضع النجاسة من البساط بصلاته عليه بأن يكون على سرير أو لا يتحرك.و به قال الشافعي أيضا (1).و قال أبو حنيفة:إن تحرك النجس بحركته بطلت صلاته و إلا فلا (2).
لنا:انه بتحركه لا يصير حاملا له،فلا تبطل صلاته،و لا ملاقيا له فلا تبطل صلاته عندهم.
لو كان الموضع نجسا فبسط عليه شيئا طاهرا و صلي صحت صلاته عندنا،و هو طاهر،و عندهم (3)،لأنه غير مباشر للنجاسة و لا حامل لما هو متصل بها.
لو صلى على مصلي مبطن على بطانته نجاسة فقام على ظاهره الطاهر صحت صلاته عندنا و عند محمد،خلافا لأبي يوسف.
لنا:ما تقدم،و لأنه لم يستعمل النجاسة،لأنها على البطانة لا على الطهارة.
احتج أبو يوسف بأنه ثوب واحد معنى و عرفا،فصار مستعملا لكله.
و الجواب:المنع من الوحدة،و معها يمنع استعماله بأسره،و معه يمنع البطلان لما بيناه أولا.
لو صلى و قدمه فوق حبل مشدود في رقبة كلب،صحت صلاته،لأنه ليس حاملا للكلب.و كذا لو شد طرف الحبل في وسطه،أو أمسكه بيده،خلافا للشافعي،فإنه قال:تبطل صلاته إن كان الكلب ميتا،و ان كان حيا فإنها تبطل أيضا.و فيه وجه آخر عنده و هو الصحة (4)،لأن له اختيارا فليس بحامل له.
و هذا كله عندنا ضعيف،لأن الحمل للملاصق ليس حملا للنجاسة.
و كذا لو كان الحبل مشدودا في زورق فيها نجاسة سواء كان الحبل تحت قدمه،أو
ص:303
مشدودا في وسطه،أو كان في يده،و سواء كان طرفه الآخر مشدودا في موضع نجس من السفينة،أو طاهر لا فرق بين ذلك كله عندنا.
البارية و الحصير و الأرض إذا أصابتها نجاسة مثل البول و جففته الشمس جازت الصلاة عليه إجماعا و يكون طاهرا.خلافا لبعض المتأخرين من أصحابنا (1).
لنا:ان جواز الصلاة عليه يستلزم تطهيره.
و ما رواه ابن بابويه في الصحيح،عن زرارة انه سأل أبا جعفر عليه السلام عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلي فيه؟فقال:«إذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر» (2).
ذكرناه في باب القبلة (3).
أحدهما:الثبوت.ذكره الشيخان (4).
و الآخر:الكراهية.و اختاره السيد المرتضى رحمه الله (5).و هو قول الشافعي (6)،و أحمد.
و قال أبو حنيفة:إن اشتركا في الصلاة بطلت صلاة من إلى جانبيها و الاشتراك عنده أن ينوي الإمام إمامتها،قال:فإن وقفت بين رجلين حينئذ و ليس الإمام أحدهما بطلت صلاة من إلى جنبيها خاصة،و لا تبطل صلاة من إلى جانب جانبيها لأنهما
ص:304
حجباهما عنها،و إن صلت إلى جانب الإمام بطلت صلاة الجميع،لأن بطلان صلاة الإمام عنده يستلزم بطلان صلاة المأمومين (1).
لنا:على عدم التحريم ان الأمر مطلق بالصلاة،فالتقييد ينافيه،و الأصل عدمه.
و على الكراهية:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن محمد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام،قال:سألته عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة و امرأته أو ابنته تصلي بحذائه في الزاوية الأخرى؟قال:«لا ينبغي ذلك،و إن كان بينهما شبر أجزأه،يعني إذا كان الرجل متقدما للمرأة بشبر» (2).
و في الموثق،عن أبي بصير،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:سألته عن الرجل و المرأة يصليان جميعا في بيت واحد،المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟قال:«لا،حتى يكون بينهما شبر أو ذراع أو نحوه» (3).
و عن جميل بن دراج،عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي و المرأة تصلي بحذاه؟قال:«لا بأس» (4)و لأنها لو وقفت في غير صلاة لم تبطل صلاة الرجل،فكذا لو وقفت في الصلاة.و لأن المحاذاة لا توجب فساد صلاة المرأة،فلا توجب فساد صلاة الرجل.و هذا يخص أبا حنيفة،و لأن فساد الصلاة بترك أركانها،أو بوجود ما يناقضها،و لم يوجد من الرجل شيء من ذلك.و لأنه كان يلزم انه كلما أرادت المرأة إفساد صلاة الرجل وقفت إلى جانبه أو بين يديه و صلت،و ذلك ضرر عظيم و حرج
ص:305
كثير.و لأن ذلك لا يبطل صلاة الجنازة،فكذا غيرها.
احتج الشيخ بإجماع الفرقة على البطلان (1)،و بأن شغل الذمة بالصلاة متيقن، و مع الصلاة إلى جانب المرأة لا يحصل يقين البراءة،و برواية أبي بصير و قد تقدمت.
و بما رواه عمار الساباطي،عن أبي عبد الله عليه السلام،انه سئل عن الرجل [يستقيم] (2)له أن يصلي و بين يديه امرأة تصلي؟قال:«لا يصلي حتى يجعل بينه و بينها أكثر من عشرة أذرع،و إن كانت عن يمينه أو يساره جعل بينه و بينها مثل ذلك، فإن كانت تصلي خلفه فلا بأس،و إن كانت تصيب ثوبه،و إن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت» (3).
و بما رواه الجمهور،عن النبي صلى الله عليه و آله،انه قال:(أخرهن من حيث أخرهن الله)فأمر بتأخيرهن،فمن خالف ذلك وجب أن يبطل صلاته،و بهذا احتج أبو حنيفة (4).و بأنه أخطأ الموقف،إذ موقفه متقدم على موقفها فتبطل صلاته،كما لو أخطأ الموقف في الإمام فصلى قدام إمامه.
و الجواب عن الأول:منع الإجماع مع وجود الخلاف.
و عن الثاني:ان البراءة المتيقنة إنما تكون بفعل ما أمر به قطعا من الأركان و الأفعال الواجبة،و نحن نقول بحصولها منه.
و عن الثالث:ان رواية أبي بصير مع سلامة سندها لا تدل على التحريم.
و أيضا:فإنه قدر فيها البعد بينهما بشبر أو ذراع،و الشيخ لا يقول به.
و عن الرابع:بضعف سندها،فإن رواتها فطحية.و أيضا:فنحملها على الكراهية
ص:306
جمعا بين الأدلة.
و عن الخامس:انه غير منقول من طرقنا،فلا تعويل عليه،و لا يصح احتجاج أبي حنيفة به،لأنه إذا وجب عليه أن يؤخرها وجب عليها أن تتأخر،و لا فرق بينهما بل الأولى أن يقول ان المنهي إنما هو المرأة عن التقدم،فإذا لم تبطل صلاتها بفعل ما نهيت عنه،فالأولى أن لا تبطل صلاة من يليها.و قياس أبي حنيفة باطل،لأن المأموم إذا تقدم الإمام كان واقفا في غير موقف المأموم بحال،و هاهنا وقف موقف المأموم بحال فلم يبطل الصلاة.و أيضا:عدم التقدم هناك لمعنى مفقود هنا و هو التطلع على أحوال الإمام ليتابع.
لو كانت قدامه قائمة،أو نائمة،أو جالسة،أو على أي حال كان و هي غير مصلية،لم تبطل الصلاة إجماعا.
لو صلت قدامه أو إلى أحد جانبيه و بينهما حائل أو بعد عشرة أذرع فما زاد لم تبطل صلاة واحد منهما إجماعا.و كذا لو صلت متأخرة عنه و لو بشبر أو بقدر مسقط الجسد.
و لو عكس ذلك فصلت المرأة أولا،ثمَّ الرجل صحت صلاتهما إجماعا.
قال الشيخ في المبسوط:لو صلت خلف الإمام بطلت صلاة من إلى جانبيها،و من يحاذيها،و من إلى خلفها دون غيرهم (1).
و لو صلت إلى جنبه بطلت صلاتهما و صلاة الامام،و لا تبطل صلاة المأمومين.
و يلزم على مذهبه بطلان صلاة من يحاذيها من ورائها.
الخامس:روى الشيخ في الصحيح،عن علي بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السلام،قال:سألته عن إمام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلي معه و هي تحسب انها العصر،هل يفسد ذلك على القوم؟و ما حال المرأة في صلاتها معهم و قد كانت صلت الظهر؟قال:«لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة الصلاة» (2).و وجه هذه الرواية ان المرأة منهية عن هذا الموقف فيختص الفساد بها،لكنا لما بينا (3)ان ذلك مكروه،حملنا ذلك الأمر على الاستحباب.
و منها:ما تجب الصلاة فيه و هو موضع واحد لصلاة واحدة،و هي ركعتا الطواف في المقام على ما يأتي،و يلحق به الصلاة المنذورة في المواضع المعينة بالنذر.
و منها:ما تستحب الصلاة فيه و هو المساجد و مواطن العبادات.
و منها:ما تجوز الصلاة فيه،و هو ما عدا ما ذكرناه،قال رسول الله صلى الله عليه و آله:«أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي:جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا و نصرت بالرعب،و أحل لي المغنم،و أعطيت جوامع الكلم،و أعطيت الشفاعة» (1)فتجوز الصلاة في المواضع كلها إلا في المواضع التي خصت بالنهي عن الصلاة فيها.
إلا في الكعبة،لما ثبت عن الرسول صلى الله عليه و آله من المواظبة على ذلك و حثه على الصلاة في مسجده مع الجماعة.
روى الشيخ،عن ابن أبي يعفور،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«هم رسول الله صلى الله عليه و آله بإحراق قوم في منازلهم كانوا يصلون في منازلهم و لا يصلون الجماعة،فأتاه رجل أعمى فقال:يا رسول الله اني ضرير البصر و ربما أسمع النداء و لا أجد من يقودني إلى الجماعة و الصلاة معك؟فقال له النبي صلى الله عليه و آله:شد من منزلك إلى المسجد حبلا و احضر الجماعة» (2)و لأنه موضع العبادة،فكان إيقاعها فيه أولى.
ص:309
و قد روي في ذلك شيء كثير (1)يأتي بعضه إن شاء الله تعالى.
أما النافلة،فذهب علماؤنا إلى أن إيقاعها في المنزل أفضل،لأن إيقاعها في حال الاستتار يكون أبلغ في الإخلاص،كما في قوله تعالى :«إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» (2).
و روى زيد بن ثابت،قال:جاء رجال يصلون بصلاة رسول الله صلى الله عليه و آله،فخرج مغضبا و أمرهم أن يصلوا النوافل في بيوتهم (3).
و روى زيد بن ثابت،عنه عليه السلام،قال:(أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) (4).و لأن المقتضي للاستحباب فعل الفريضة في المسجد و هو الجماعة مفقود في النوافل،فلا يكون فعلها فيه مستحبا،و خصوصا نافلة الليل.قاله الشيخ (5).
الأرض مسجدا) (1)و هو يدل بإطلاقه على صورة النزاع.
و ما رواه الشيخ في الموثق،عن عمار الساباطي،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام،عن الصلاة في بيت الحمام؟قال:«إذا كان موضعا نظيفا فلا بأس» (2)و لأنه محل طاهر،فصحت الصلاة فيه كغيره.
و ما رواه ابن بابويه،عن علي بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السلام،عن الصلاة في بيت الحمام،فقال:«إن كان الموضع نظيفا فلا بأس» (3).
احتج أبو الصلاح بما رواه عبد الله بن الفضل (4)،عمن حدثه،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«عشرة مواضع لا يصلى فيها:الطين،و الماء،و الحمام،و القبور، و مسان الطريق،و قرى النمل،و معاطن الإبل،و مجرى الماء،و السبخ،و الثلج» (5)و النهي يدل على التحريم.
ص:311
و احتج أحمد (1)بما رواه أبو داود،عن النبي صلى الله عليه و آله بإسناده،قال:
(الأرض كلها مسجد إلا الحمام،و المقبرة) (2).
و الجواب عن الأول:ان المراد الكراهية.على ان سنده ضعيف.
و عن الثاني بعد تسليم النقل:انه يحتمل الاستثناء الكراهية،و يجوز استثناء مثلها من الجائز لزيادتها في المعنى عليه.
لو صلى في الحمام صحت صلاته و هو ظاهر على قولنا.قال أبو الصلاح:و في صحة الصلاة (3)نظر،و وجهه انه قد نهي عن الصلاة فيه،و النهي يدل على الفساد.
و جوابه:انه إنما يدل على الفساد لو كان النهي نهي تحريم،أما نهي الكراهة فلا.
و هاهنا سؤال صعب،و هو أن يقال:ان الصلاة في مثل هذا المكان و إن كانت مكروهة لو أجزأت لزم اجتماع الضدين،أعني الكراهة و الوجوب في الفعل الواحد كما قلنا في الصلاة في المكان المغصوب (4)،و لا يلتفت إلى من يعتذر بأن النهي في المكان المغصوب للتحريم،و هاهنا للكراهة،لأنه لا فرق بينهما في مضادة الوجوب.
بل الجواب أن نقول (5):قد وقع الاتفاق على صحة هذه الصلاة،فيجب صرف النهي إلى وصف منفك عنها،ككونه محلا للنجاسات و الأوساخ غالبا،أو كونه مأوى
ص:312
الشيطان على ما قيل (1)،و هو منفك عن الصلاة بخلاف الصلاة في المكان المغصوب، فإنه نهي عنه لكونه تصرفا و هو جزء من الصلاة.
لا بأس بالصلاة في المسلخ و ليس مكروها.و قال بعض الجمهور:إن عللت الكراهة في الحمام بالنجاسة خرج المسلخ،و إن عللت بكونه مأوى الشيطان لكشف عورات الناس فيه فالمسلخ داخل في الكراهية،لأن العورات تكشف في المسلخ (2).
و لنا:ان النهي اختص بالحمام،فيتبع الاشتقاق.
لا بأس بالصلاة على سطح الحمام،لأن النهي يتناول الحمام،فيقتصر عليه.
و أيضا:إن كان النهي تعبدا اقتصر على مورده،و إن كان لمعنى فليس إلا ما ذكرنا (3)من الأمرين،و هما منتفيان على السطح.
و قال أحمد:لا تجوز الصلاة عليه،و كذا قال في المسلخ،لأن الهواء تابع للقرار، فيثبت فيه حكمه،فإنه لو حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث (4).
و الجواب:المنع من ذلك.و سيأتي عدم الحنث.
لو كان الموضع الذي يصلي فيه من الحمام نجسا و علمه لم تصح صلاته فيه قولا واحدا.و لو كان طاهرا صحت صلاته على قول الأكثر (5).و لو شك في طهارته و نجاسته عمل على الأصل.
ذهب إليه علماؤنا،و به قال علي عليه
ص:313
السلام،و ابن عباس،و ابن عمر،و عطاء،و النخعي،و ابن المنذر (1).
و قال الشافعي:إن علم انه قد تكرر الدفن في القبر و نبش لم يجز الصلاة عليه (2)، و لو صلى بطلت،و إن كان جديدا لم ينبش كرهت الصلاة عليه،و إن لم يعلم هل تكرر الدفن فيه أم لا؟ففي صحة الصلاة عليه أو إلى جنبه قولان:قال في الأم:لا يجوز (3)،و قال في الإملاء:يجوز (4).
و قال أحمد:لا تجوز الصلاة مطلقا (5).
لنا:على الجواز قوله عليه السلام:(جعلت لي الأرض مسجدا) (6)و هو يدل بمفهوم إطلاقه على صورة النزاع.
و ما رواه الشيخ في الصحيح،عن معمر بن خلاد،عن الرضا عليه السلام،قال:
«لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة» (7).
و ما رواه في الصحيح،عن علي بن يقطين،قال:سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام عن الصلاة بين القبور هل تصلح؟قال:«لا بأس» (8)و لأنها أرض طاهرة، فصحت الصلاة فيها كغيرها.
ص:314
و على الكراهية:حديث عبد الله بن الفضل،و قد تقدم (1).
و ما رواه الشيخ،عن عمار الساباطي،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:
سألته عن الرجل يصلي بين القبور؟قال:«لا يجوز ذلك إلا أن يجعل بينه و بين القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه،و عشرة أذرع من خلفه و عشرة أذرع عن يمينه،و عشرة أذرع عن يساره،ثمَّ يصلي إن شاء» (2).
احتج الشافعي بأنها مع تطاول المدة يكثر الدفن فيها،فلا ينفك عن صديد الميت و أجزائه و هي نجسة (3).
و احتج أحمد (4)بما رواه أبو سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه و آله،قال:
(الأرض كلها مسجد إلا المقبرة،و الحمام) (5).
و الجواب عن الأول:انا نقطع بالطهارة بالأصل،فلا يزول بتوهم مخالطة أجزاء الميت للتراب.و لو سلم لكنا قد بينا أن طهارة الموضع ليس شرطا (6).
و عن الثاني:انه محمول على الكراهية.
لا فرق بين المقبرة الجديدة و العتيقة في كراهية الصلاة و إجزائها،و قد
ص:315
فرق الشافعي بينهما،و قد ذكرناه،و أحمد لم يفرق بينهما في البطلان (1).و نقل الشيخ، عن بعض علمائنا مثل مذهب أحمد (2)،لرواية عمار.و دليلنا ما تقدم.
لو كان في الموضع قبر أو قبران لم يكن بالصلاة فيها بأس إذا تباعد عن القبر بنحو من عشرة أذرع،أو جعل بينه و بين القبر حائلا بلا خلاف.
أما عندنا فظاهر،و أما عند أهل الظاهر فلأنها بالواحد و الاثنين لا يسمى مقبرة (3)،فلا يتناولها النهي.
لنا على الجواز:الأصل،و ما رواه الجمهور،عن أبي ذر،قال:قلت:يا رسول الله،أي مسجد وضع في الأرض أول؟قال:(المسجد الحرام)قلت:ثمَّ أي؟قال:
(المسجد الأقصى)قلت:كم بينهما؟و قال:(أربعون سنة)و قال:(و حيثما أدركت فصل) (1).
و في حديث حذيفة عنه عليه السلام:(جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا) (2)و لم يستثن.
و على الكراهية:ما رواه الجمهور،عن أبي مرثد الغنوي (3)أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و آله يقول:(لا تصلوا إلى القبور و لا تجلسوا إليها) (4)(5).
و عن علي عليه السلام،قال:(نهاني حبيبي أن أصلي في مقبرة،أو في أرض بابل،فإنها أرض ملعونة) (6).
و عن عائشة و عبد الله بن عباس،قالا:لما حضرت رسول الله صلى الله عليه و آله الوفاة كشف وجهه و قال:(لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (7).
و عنه عليه السلام،انه قال:«ان من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم
ص:317
و صلحائهم مساجد،ألا فلا تتخذوا القبور مساجد اني أنها كم عن ذلك) (1).
و احتج المانع بهذه الأحاديث و بحديث عمار و معمر بن خلاد،و قد تقدما (2).
و الجواب:ان ذلك محمول على الكراهية،إذ القصد بذلك النهي عن التشبه بمن تقدمنا في تعظيم القبور،بحيث يتخذ مساجد،و من صلى لا لذلك لم يكن قد فعل محرما،إذ لا يلزم من المساواة التحريم،كالسجود لله تعالى المساوي للسجود للصنم في الصورة.
قال الشيخ:قد رويت رواية بجواز النوافل إلى قبور الأئمة عليهم السلام (3).و الأصل الكراهية،و الرواية رواها الشيخ،عن محمد بن عبد الله الحميري (4)،قال:كتبت إلى الفقيه عليه السلام،أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟و هل يجوز لمن صلى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر و يجعل القبر قبلة و يقوم عند رأسه و رجليه؟و هل يجوز أن يتقدم القبر و يصلي و يجعله خلفه أم لا؟فأجاب و قرأت التوقيع و منه نسخت:«أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة و لا فريضة و لا زيارة،بل يضع خده الأيمن على القبر،و أما الصلاة فإنها خلفه يجعله الامام و لا يجوز أن يصلي بين يديه،لأن الإمام لا يتقدم و يصلي عن يمينه و شماله» (5).
ص:318
و اعلم انّ المراد بقوله:(لا يجوز أن يجعله خلفه)الكراهية لا التّحريم،و يفهم من ذلك كراهية الاستدبار له في غير الصّلاة.
لو كان بينه و بين القبر حائل أو بعد عشرة أذرع لم يكن بالصّلاة إليه بأس،أمّا مع الحائل فلأنّ القبر يخرج عن كونه قبلة،و لأنّه كان يلزم الكراهية و لو كان بينهما جدران متعدّدة.و أمّا البعد فلرواية عمّار (1).
ذهب إليه أكثر علمائنا (2)،و به قال الشّافعيّ (3)،و أبو حنيفة (4)،و مالك (5).
و قال:أبو الصّلاح من علمائنا:لا تجوز الصّلاة فيها (6).و هو مذهب أهل الظّاهر (7).
لنا على الجواز:ما تقدّم من الأحاديث الدّالّة على كون الأرض مسجد إلاّ ما أخرجناه (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن سماعة،قال:سألته عن الصّلاة في أعطان الإبل،و في مرابض البقر و الغنم؟فقال:«إن نضحته بالماء و قد كان يابسا فلا بأس بالصّلاة فيها،فأمّا مرابض الخيل و البغال فلا» (9)و لأنّها أرض طاهرة
ص:319
لا تنجس (1)بأبوال الإبل و أرواثها لما بيّنّا من طهارتهما (2)،فصحّت الصّلاة فيها كغيرها.
و على الكراهية:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في أعطان الإبل؟فقال:«إن تخوّفت الضّيعة على متاعك فاكنسه و انضحه و صلّ،و لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم» (3)فاشتراط الخوف في الصلاة فيها دليل على استحباب اجتنابها.
احتج أبو الصلاح برواية عبد الله بن الفضل،و قد تقدمت (4).
و احتج أحمد (5)بما رواه عبد الله بن مغفل،عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال:
(إذا أدركتم الصلاة و أنتم في مراح الغنم فصلوا فيها فإنها سكينة و بركة،و إذا أدركتم الصلاة و أنتم في أعطان الإبل فاخرجوا منها فصلوا فإنها جن من جن خلقت،ألا ترونها إذا انفردت كيف تشمخ بأنفها) (6).
و عن جابر بن سمرة (7):ان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه و آله:أ نصلي
ص:320
في مرابض الغنم؟قال:(نعم)قال:أ نصلي في مبارك الإبل؟قال:(لا) (1).
و عن البراء قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله:(لا تصلوا في مبارك الإبل، فإنها من الشياطين) (2)و النهي يقتضي التحريم.
و الجواب عن ذلك كله:ان النهي للكراهة،جمعا بين الأدلة.
و الجواب:ان النهي للتنزيه و الكراهة لا للتحريم.
المواضع التي تبيت فيها الإبل في سيرها،أو تناخ لعلفها أو وردها، الوجه انها لا بأس بالصلاة فيها،لأنها لا تسمى معاطن الإبل.
لو صلى إلى هذه المواضع لم يكن به بأس و ليس مكروها،خلافا لبعض الجمهور (1).
لنا:قوله عليه السلام:(جعلت لي الأرض مسجدا) (2)و هو يتناول الموضع الذي يصلي فيه من هي في قبلته.
احتج المانع بالقياس على الصلاة إلى القبور (3).
و الجواب:ان النهي في القبور إن كان تعبدا فهو غير معقول المعنى،فلا يصح فيه القياس،و إن كان لمعنى التشريف لأرباب القبور فذلك غير موجود في صورة النزاع، فلا تصح أيضا.
الهواء هنا لا يتبع ما حديث بعده.
لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم و ليس مكروها،ذهب إليه أكثر علمائنا (1).و هو قول ابن عمر (2)،و جابر بن سمرة (3)،و الحسن،و مالك،و إسحاق و أبي ثور (4)،و الشافعي (5)،و أبي حنيفة (6)،و أحمد (7).
و قال أبو الصلاح:لا تجوز الصلاة فيها (8).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أسيد بن حضير ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال:
(صلوا في مرابض الغنم و لا تصلوا في مبارك الإبل) (9).
و من طريق الخاصة:ما رواه ابن بابويه في الصحيح،عن الحلبي،عن أبي عبد الله عليه السلام قال:سألته عن الصلاة في مرابض الغنم؟فقال:«صل فيها» (10).
و ما رواه الشيخ في الصحيح،عن محمد بن مسلم،عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:«لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم» (11).
احتج أبو الصلاح بما رواه الشيخ في الموثق،عن سماعة قال:سألته عن الصلاة في أعطان الإبل و في مرابض البقر و الغنم؟فقال:«إن نضحته بالماء و قد كان يابسا فلا
ص:323
بأس بالصلاة فيها،فأما مرابض الخيل و البغال فلا» (1)و هذا يدل على اشتراك مرابض الغنم و أعطان الإبل في الحكم،و قد ثبت تحريم الصلاة في الأعطان،فكذا في المرابض.
و الجواب:أما أولا:فالرواية ضعيفة السند،فإن سماعة واقفي و رواها عنه زرعة و هو واقفي.
و أما ثانيا:فلأن سماعة لم يسندها إلى إمام.
و أما ثالثا:فلأنا نمنع تحريم الصلاة في المعان،و قد سلف (2).
و أما رابعا:فلا نسلم الاشتراك لو ثبت التحريم هناك.
يكره الصلاة في مرابط الخيل،و البغال،و الحمير سواء كانت وحشية، أو إنسية.و قال أبو الصلاح:لا يجوز (3).و الشيخ في بعض كتبه يذهب إلى وجوب الاحتراز عن أبوالها و أرواثها،فيلزمه المنع من الصلاة فيها (4).
لنا:ما تقدم من بيان طهارة أبوالها و أرواثها (5)،فيبقي المقتضي سالما عن المعارض.
احتج أبو الصلاح برواية سماعة.و الجواب قد تقدم.
يكره الصلاة في بيت فيه كلب،لما رواه ابن بابويه،عن الصادق عليه السلام قال:«لا تصل في دار فيها كلب إلا أن يكون كلب الصيد و أغلقت دونه بابا فلا بأس،فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب،و لا بيتا فيه تماثيل،و لا بيتا فيه بول مجموع في آنية» (6).
ص:324
و روى الشيخ،عن محمد بن مروان،عن أبي عبد الله عليه السلام قال:«قال رسول الله صلى الله عليه و آله:ان جبرئيل أتاني فقال:إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب،و لا تمثال جسد،و لا إناء يبال فيه» (1).و نفور الملائكة يؤذن بكونه ليس موضع رحمة،فلا يصلح أن يتخذ للعبادة.
يكره الصلاة في معاطن الإبل و إن لم يكن فيها إبل في حال الصلاة، لأنها بانتفائها عنها لا يخرج عن اسم المعطن،إذ كانت تأوي إليها.
لأنها لا تنفك عن النجاسة،و لأن الصلاة في الحمام إنما كرهت عند بعضهم (2)لتوهم النجاسة،فمع تيقنها يكون الحكم أولى،و لأنه قد منع من ذكر الله تعالى فيها،فالصلاة أولى.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن الفضيل بن يسار،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام:أقوم في الصلاة فأرى قدامي في القبلة القذرة؟فقال:«تنح عنها ما استطعت و لا تصل على الجواد» (3)و لما تقدم من الأحاديث الدالة على نفور الملائكة عن بيت يبال فيه (4).
تكره الصلاة في المزبلة و هي الموضع الذي يجمع فيه الزبل،لعدم انفكاكه عن النجاسة.
و روى الجمهور،عن رسول الله صلى الله عليه و آله:(انه قال:«سبعة مواطن لا يجوز
ص:325
فيها الصلاة:ظهر بيت الله تعالى،و المقبرة،و المزبلة،و المجزرة،و الحمام،و عطن الإبل،و محجة الطريق) (1)رواه ابن عمر.
لا بأس بالصلاة على سطح الحش.خلافا لبعض الجمهور (2).
لنا:ان المقتضي إنما هو الخبث و هو غير موجود في السطح.
احتج بأن الهواء تابع (3)،و قد تقدم جوابه (4).
يكره أن يصلي إلى الحش،لما رواه الشيخ،عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عمن سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المسجد ينز حائط قبلته من بالوعة يبال فيها؟ فقال:«إن كان نزه من البالوعة فلا تصل فيه،و إن كان نزه من غير ذلك فلا بأس» (5)و هذا يدل بمفهومه على المطلوب.
يكره الصلاة في بيت يبال فيه،لأن الصادق عليه السلام علل النهي عن الصلاة فيه و فيه كلب بنفور الملائكة و حكم عليه السلام بنفورهم عنه و فيه بول (6).
لأنها لا تنفك عن النجاسات.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن أبي جميلة،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا تصل في بيت فيه مجوسي و لا بأس في بيت فيه يهودي،أو نصراني» (7).
ص:326
لا بأس بالصلاة في البيت إذا كان فيه يهودي،أو نصراني،لأنهم أهل كتاب ففارقوا المجوس.و يؤيده رواية أبي جميلة.
لو اضطر إلى الصلاة في بيت المجوسي صلى فيه بعد أن يرش الموضع بالماء على جهة الاستحباب،لما رواه الشيخ في الصحيح،عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في بيوت المجوس؟فقال:«رش و صل» (1).
لا بأس بالصلاة في البيع و الكنائس.ذهب إليه علماؤنا،و هو قول الحسن البصري،و عمر بن عبد العزيز،و الشعبي،و الأوزاعي (2)،و كره مالك ذلك (3).
لنا:قوله عليه السلام:(جعلت لي الأرض مسجدا) (4).و هو يدل على صورة النزاع.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن العيص بن القاسم،قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البيع و الكنائس يصلى فيها؟فقال:«نعم»و سألته هل يصلح بعضها مسجدا؟قال:«نعم» (5).
و عن حكم بن الحكم قال:سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول و سئل عن الصلاة في البيع و الكنائس؟فقال:«صل فيها قد رأيتها ما أنظفها»قلت:أ يصلي فيها
ص:327
و إن كانوا يصلون فيها؟فقال:«نعم» (1).
احتج مالك بأن فيها صورا (2).
و الجواب:انا نسلم كراهية الصلاة حينئذ لوجود الصور فيها لا لكونها كنيسة.
الأقرب انه يستحب رش الموضع الذي يصلي فيه من البيع و الكنائس، لما رواه الشيخ في الصحيح،عن عبد الله بن سنان،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:
سألته عن الصلاة في البيع و الكنائس،و بيوت المجوس؟فقال:«رش و صل» (3)و العطف يقتضي التشريك في الحكم.
تكره الصلاة في بيت فيه خمر أو مسكر،لأنه ليس محل إجابة.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن عمار الساباطي،عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:«لا تصل في بيت فيه خمر أو مسكر» (4).
و قال أحمد:لا تجوز الصلاة فيها (1).
لنا:ما رواه الجمهور،من قوله عليه السلام:(جعلت لي الأرض مسجدا)و رواه الخاصة أيضا (2).
و على الكراهية أيضا:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن معاوية بن عمار،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا بأس بأن يصلي بين الظواهر و هي الجواد،جواد الطرق (3)و يكره أن يصلى في الجواد» (4).
و في الحسن،عن الحلبي،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:سألته عن الصلاة في ظهر الطريق؟فقال:«لا بأس أن تصلي في الظواهر التي بين الجواد،فأما على الجواد فلا تصل فيها» (5).
و في الصحيح،عن محمد بن مسلم،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في السفر؟فقال:«لا تصل على الجادة و اعتزل على جانبيها» (6).
احتج أحمد (7)بما رواه ابن عمر،عن الرسول صلى الله عليه و آله:(لا تجوز الصلاة في سبع مواطن)و ذكر منها:(محجة الطريق)و في لفظ آخر:(قارعة الطريق) (8).
و محجة الطريق:هي الجادة المسلوكة.و قارعة الطريق:هي التي تقرعها الأقدام.
و فاعل هاهنا بمعنى مفعول،كالشارع.
ص:329
و الجواب:المراد الكراهية،على ان رواية العمري (1)و زيد بن جبيرة (2)و فيهما طعن عند أرباب الحديث.
لا بأس بالصلاة في الظواهر التي بين الجواد،للأحاديث (3)،و لأن النهي لم يتناولها.
تكره الصلاة فيها و إن لم يكثر استطراقها،لتناول اسم قارعة الطريق لها.
و يؤيده:ما رواه الشيخ و ابن بابويه،عن الرضا عليه السلام،قال:«كل طريق يوطأ و يتطرق كانت فيه جادة أو لم تكن لا (4)ينبغي الصلاة فيه»قلت:فأين أصلي؟ قال:«يمنة و يسرة» (5).
لا فرق في الكراهية بين أن يكون في الطريق سالك وقت الصلاة أو لم
ص:330
يكن،لعموم النهي.
لو بني ساباط على طريق جازت الصلاة فيه،خلافا لبعض الجمهور (1)، لأن النهي مختص بالطريق،فلا يتعداه.
و يستحب له أن يجعل بينه و بين ممر الطريق ساترا.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول عامة أهل العلم.روى الجمهور،عن أبي جحيفة (2)ان النبي صلى الله عليه و آله ركزت له العنزة فتقدم و صلى الظهر ركعتين يمر بين يديه الحمار،و الكلب لا يمنع (3).
و عن طلحة بن عبيد الله قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله:(إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل و لا يبال من وراء ذلك) (4).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن أبي بصير،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«كان طول رحل رسول الله صلى الله عليه و آله ذراعا،فكان يضعه بين يديه إذا صلى ليستره ممن يمر بين يديه» (5).
ص:331
و عن معاوية بن وهب،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:كان رسول الله صلى الله عليه و آله يجعل العنزة بين يديه إذا صلى (1).و العنزة هي العصا التي في أسفلها حديدة.
قد السترة ذراع تقريبا.و به قال الثوري،و أصحاب الرأي (2).
و قال أحمد:أنها قدر عظم الذراع،و هو قول مالك،و الشافعي (3).
لنا:ان النبي صلى الله عليه و آله قدرها مثل مؤخرة الرحل (4).و قال أبو عبد الله عليه السلام:«انها كانت ذراعا» (5).
أما الغلظ و الدقة فلا قدر لهما.و الأقرب الاستتار بما هو أعرض،لأن قول النبي صلى الله عليه و آله:(استتروا في الصلاة و لو بسهم) (6)يؤذن ان غيره أولى منه.
لو لم يجد المقدار الذي ذكرناه استحب له الاستتار بالحجر،و السهم و غيرهما.
ص:332
روى الجمهور،عن أبي سعيد،قال:كنا نستتر بالسهم و الحجر في الصلاة (1).
و روى سبرة (2)ان النبي صلى الله عليه و آله قال:(استتروا في الصلاة و لو بسهم) (3).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن السكوني،عن جعفر،عن أبيه،عن آبائه عليهم السلام،قال:قال رسول الله صلى الله عليه و آله:«إذا صلى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرحل،فإن لم يجد فحجرا،فإن لم يجد فسهما، فإن لم يجد فليخط في الأرض بين يديه» (4).
و في الموثق،عن غياث،عن أبي عبد الله عليه السلام:«ان النبي صلى الله عليه و آله وضع قلنسوة و صلى إليها» (5).
لو لم يجد شيئا فليجعل بين يديه كومة من تراب أو يخط بين يديه خطأ.
و به قال الأوزاعي،و سعيد بن جبير،و الشافعي في القديم،و أحمد.
و قال مالك،و الليث بن سعد،و أبو حنيفة:يكره الخط (6).
و قال الشافعي في الجديد:يخط بالعراق و لا يخط بمصر إلا أن يكون فيه سنة
ص:333
تتبع (1).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال:(إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا،فإن لم يجد فلينصب عصا،فإن لم يكن معه عصا فليخط خطأ،ثمَّ لا يضره من مر أمامه) (2).
و من طريق الخاصة:رواية السكوني،و قد تقدمت (3).
و ما رواه الشيخ،عن محمد بن إسماعيل،عن الرضا عليه السلام في الرجل يصلي،قال:«يكون بين يديه كومة من تراب أو يخط بين يديه بخط» (4).
لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و آله و لا عن الأئمة عليهم السلام صفة الخط،فعلى أي كيفية فعله المصلي أصاب السنة سواء وضعه على الاستقامة أو على الاستدارة.
و قال أحمد:يوضع مستديرا كالهلال عرضا (5).و الحق ما قلناه (6)لإطلاق الأحاديث في ذلك.
لو كان معه عصا لا يمكنه نصبها فليلقها بين يديه و يستتر بها،و يستحب له أن يلقيها عرضا.و به قال سعيد بن جبير،و الأوزاعي،و أحمد،و كرهه النخعي (7).
لنا:انه في معنى الخط،فيقوم مقامه،و الوضع على ما قلنا أولى من الطول،لأن
ص:334
الاستتار فيما قلناه أكثر.
لا بأس أن يستتر ببعير،أو حيوان.و هو قول ابن عمر،و أنس، و أحمد (1).
و قال الشّافعيّ:لا يستتر بدابّة (2).
لنا:ما رواه الجمهور،عن ابن عمر انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى إلى بعير (3).
و رووا عنه عليه السّلام انّه كان يعرض راحلته و يصلّي إليها،قال:قلت:فإذا ذهب الرّكاب،قال:كان يعرض الرّحل و يصلّي إلى آخرته (4).و كذا لا بأس أن يستتر بالإنسان إذا جعل ظهره إليه.
لا فرق بين مكّة و غيرها في استحباب السّترة.خلافا لأهل الظّاهر.
لنا:انّ المقتضي للاستحباب هو منع العبور الموجب للتّشاغل عن العبادة،و هو في مكّة أولى،لكثرة النّاس فيما زمن الحاجّ.
احتجّ أحمد (5)بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى ثمَّ ليس بينه و بين الطّواف سترة.و لأنّ النّاس يكثرون بها لقضاء النّسك،فلو منعوا من العبور على المصلّي لضاق بالنّاس (6).
ص:335
و الجواب:المعارضة باستحباب السّترة مطلقا،و ذلك لا ينافي ما ذكرتم من فعله عليه السّلام.
يستحبّ للمصلّي أن يدنو من سترته.
روى الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله(إذا صلّى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشّيطان عليه صلاته) (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«أقلّ ما يكون بينك و بين القبلة مربض عنز،و أكثر ما يكون مربط فرس» (2)و لأنّ قربه من السّترة أصون لصلاته و أبعد من أن يمرّ بينه و بينها شيء يتشاغل به عن العبادة.
السّترة ليست واجبة بغير خلاف بين علماء الإسلام.روى ابن عبّاس قال:أقبلت راكبا على حمار أتان و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يصلّي بالنّاس بمنى إلى غير جدار (3).
و عنه قال:صلّى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في فضاء ليس بين يديه شيء (4).
و روى الفضل بن العبّاس (5)قال:كنّا ببادية فأتانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
ص:336
و معه العبّاس فصلّى في صحراء و ليس بين يديه سترة،و كلبة و حمار لنا يعبثان بين يديه ما يأبى ذلك (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا يقطع الصّلاة شيء ممّا بمرّ بالرّجل و لكن استتروا ما استطعتم،فإن كان بين يديك قد ذراع رافع من الأرض فقد استترت» (2).
سترة الإمام سترة لمن خلفه في قول أهل العلم،لأنّه يصدق على المأمومين انّهم نصبوا بين أيديهم شيئا،إذ لا يشترط المحاذاة،و فيه بحث.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول أكثر أهل العلم (3).
و قال أحمد في إحدى الرّوايتين:انّه يقطعها الكلب الأسود (4).و في رواية أخرى:
و المرأة و الحمار أيضا (5).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أبي سعيد الخدريّ قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:(لا يقطع الصّلاة شيء و ادرأوا ما استطعتم،فإنّما هو شيطان) (6).
ص:337
و عن الفضل بن العبّاس انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ببادية ليس بين يديه سترة،و كلبة و حمار لنا يعبثان بين يديه ما يأبى ذلك.
و عن عائشة قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي صلاته من اللّيل كلّها و أنا معترضة بينه و بين القبلة (1).
و عن زينب بنت أمّ سلمة (2)مررت بين يديّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فلم يقطع صلاته (3).
و من طريق الخاصّة:رواية أبي بصير،و قد تقدّمت (4).و لأنّها صلاة شرعيّة يتوقّف إبطالها على الشّرع،و لم يثبت.
احتجّ أحمد (5)بما رواه أبو هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:(يقطع الصّلاة المرأة،و الحمار،و الكلب،و يقي ذلك مثل مؤخّرة الرّحل) (6).
و الجواب:انّه منسوخ بما ذكرناه من الأحاديث.
ص:338
و أيضا:لا بدّ من إضمار شيء فيما ذكرتموه،إذا الكلب نفسه لا يقطع الصّلاة، فإن ادّعيتم إضمار المرور من غير دليل فهو باطل و لا دليل،فيبقى مجازا.
لا خلاف بين العلماء في انّ غير ما ذكرناه (1)لا يقطع مروره الصّلاة، و كذا الكلب الأسود إذا لم يكن بهيما،أي:لا يخالط سواده شيء.
لو مرّ الكلب الأسود من وراء سترة المصلّي لم يقطع الصّلاة عندنا و هو ظاهر.و لا عند غيرنا،لأنّ فائدة السّترة عنده ذلك (2).
لو صلّى إلى سترة مغصوبة صحّت صلاته و لم يكن قد فعل المأمور به من الاستتار،إذ هو منهيّ عنه بهذه الأدلّة،فلو اجتاز ورائها كلب أسود لم تنقطع صلاته عندنا و هو ظاهر،و عند أحمد في أحد الوجهين،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:(يقي ذلك مثل مؤخّرة الرّحل)و قد وجد.و في الآخر:انّه تبطل صلاته،لأنّه ممنوع من نصبها و الصلاة إليها،فوجودها كعدمها (3).
لو مر إنسان بين يدي المصلي فالذي يقتضيه المذهب انه ان كان يصلي في طريق مسلوك فليس له أن يرده،لأن المكروه يكون قد صدر عنه لا من المار.و إن لم يكن كذلك،بأن يكون في فلاة يمكنه السلوك بغير ذلك الطريق فهل يستحب له أن يرده أم لا؟فيه احتمال أقربه الاستحباب،لأنه يكون أمرا بمعروف مندوب.و هو قول الجمهور (4)،لما رواه أبو سعيد،قال:سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول:(إذا كان أحدكم يصلي إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه،
ص:339
فإن أبي فليقاتله فإنما هو شيطان) (1).
و المراد بالمقاتلة هاهنا المبالغة في الرد ما لم يخرجه إلى فعل كثير فليتركه،و ليس المراد بذلك ما هو ظاهره،لأنه إنما أمر بالرد حفظا للصلاة عما ينقصها،فيعلم انه لم يرد ما يفسدها بالكلية.
و قد روت أم سلمة قالت:كان النبي صلى الله عليه و آله يصلي في حجرة أم سلمة،فمر بين يديه عبد الله أو عمر بن أبي سلمة (2)،فقال بيده فرجع،فمرت زينب بنت أم سلمة،فقال بيده هكذا فمضت،فلما صلى رسول الله صلى الله عليه و آله قال:
(هن أغلب) (3)و في هذا دلالة على فساد قول أحمد (4).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن ابن أبي يعفور،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:سألته عن الرجل هل يقطع صلاته شيء مما يمر به؟قال:«لا يقطع صلاة المسلم شيء و لكن ادرؤا ما استطعتم» (5).
لو مر بين يديه إنسان فعبر،لم يستحب رده من حيث جاء،لفوات المعنى المقتضي و هو عدم المرور.و به قال الشعبي،و إسحاق.
ص:340
و روي،عن ابن مسعود انه يرده من حيث جاء،لأن النبي صلى الله عليه و آله أمر برده،و هو يتناول العابر (1)و هو ضعيف،لأنه مرور ثان،فلا يفعله كالأول.
و الحديث لم يتناول العابر،لأن الخبر هكذا:(فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه)و بعد العبور فليس مريدا للاجتياز.
قال أبو عبد الله عليه السلام:«لا بأس أن يصلي الرجل و النار و السراج و الصورة بين يديه،ان الذي يصلي[له أقرب إليه] (1)من الذي بين يديه» (2).
و على الكراهية:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن علي بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السلام،قال:سألته عن الرجل يصلي و السراج موضوع بين يديه في القبلة؟ فقال:«لا يصلح له أن يستقبل النار» (3).قال ابن بابويه:هذا هو الأصل الذي يجب أن يعمل به،فأما الحديث المروي،عن أبي عبد الله عليه السلام فهو حديث منقطع السند يرويه ثلاثة من المجهولين:الحسين بن عمرو،عن أبيه،عن عمرو بن إبراهيم الهمداني و هم مجهولون،و لكنها رخصة اقترنت بها علة صدرت عن ثقات،ثمَّ اتصلت بالمجهولين و الانقطاع،فمن أخذ بها لم يكن مخطئا،بعد أن يعلم ان الأصل هو النهي،و ان الإطلاق رخصة (4).
احتج أبو الصلاح بأنها صلاة منهي عنها،و لأن فيه تشبها بعباد النيران،لأنها
ص:342
تعبد من دون اللّه.
و الجواب عن الأوّل:انّ النّهي للكراهية.
و عن الثّاني:انه يقتضي الكراهية لا التحريم.
ذهب إليه علماؤنا،و أكثر الجمهور (1).لأن الصور تعبد من دون الله،فكره التشبه بفاعله.و لأنه يشغل بالنظر إليها.
و روى الجمهور،عن عائشة،قالت:كان لنا ثوب فيه تصاوير،فجعلته بين يدي رسول الله صلى الله عليه و آله و هو يصلي،فنهاني عن ذلك (2).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن محمد بن مسلم،قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:أصلي و التماثيل قدامي و أنا أنظر إليها؟قال:«لا،اطرح عليها ثوبا،و لا بأس بهذا إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك،و إن كانت في القبلة فاطرح عليها ثوبا و صل» (3).
و قال أبو الصلاح:لا يجوز (4)إلى المصحف المفتوح،و تردد في الفساد.
لنا:الأصل الجواز،و أما الكراهية،فلأن فيه تشاغلا عن العبادة.
احتج أبو الصلاح بما رواه عمار الساباطي،عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي و بين يديه مصحف مفتوح في قبلته،قال:«لا» (5).
ص:343
و جوابه:النهي للكراهية،على ان في السند قولا،أما لو كان المصحف في غلاف،فإنه لا تكره الصلاة إليه،لعدم التشاغل حينئذ.
و يؤيده رواية عمار،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام:فإن كان في غلاف؟ قال:«نعم».
يكره أن يكتب في القبلة شيء،لأن التشاغل يحصل معه.
لا فرق في النهي بين حافظ القرآن و جاهله،و لا بين القارئ و من لا يحسن الكتابة،لأن التشاغل يحصل للجميع.
يكره تزويق القبلة و نقشها،لأن فيه تشاغلا عن العبادة.
روى ابن بابويه،عن علي بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السلام، قال:سألته عن الرجل يصلي و أمامه شيء من الطير (1)؟قال:«لا بأس»و عن الرجل يصلي و أمامه النخلة و فيها حملها؟قال:«لا بأس»و عن الرجل يصلي في الكرم و فيه حمله؟قال:«لا بأس»و عن الرجل يصلي و أمامه حمار واقف؟قال:«يضع بينه و بينه قصبة،أو عودا،أو شيئا يقيمه بينهما،ثمَّ يصلي فلا بأس» (2).
الصلاح:لا يجوز،و تردد في الإفساد (1).
لنا:الأصل الجواز حتى يظهر مناف بدليل شرعي و لم يوجد.
احتج أبو الصلاح بما رواه عمار الساباطي،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:
«لا يصلي الرجل و في قبلته نار،أو حديد»قلت:إله أن يصلي و بين يديه مجمرة شبه (2)؟قال:«نعم،فإن كان فيها نار فلا يصلي حتى ينحيها عن قبلته» (3).
و جوابه:انه يدل على الكراهية،على ان السند ضعيف.
قال أبو الصلاح:تكره إلى السلاح المتواري،و مقابلة وجه الإنسان، و المرأة نائمة أشد كراهية (4).و الأقرب عندي:لا تكره إلى المرأة النائمة.و هو قول بعض الجمهور (5).و قال آخرون منهم بالكراهية (6).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عائشة،قالت:كان رسول الله صلى الله عليه و آله يصلي في الليل و عائشة معترضة بين يديه كاعتراض الجنازة،و النبي صلى الله عليه و آله لا يفعل مكروها (7)مع إمكان التحرز منه.
ص:345
و من طريق الخاصة:ما رواه ابن بابويه (1)عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال:«لا بأس أن تصلي المرأة بحذاء الرجل و هو يصلي،فإن النبي صلى الله عليه و آله[كان يصلي] (2)و عائشة مضطجعة بين يديه و هي حائض،فكان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد» (3).
احتج المخالف (4)بما روي ان النبي صلى الله عليه و آله نهى عن الصلاة إلى النائم و المحدث (5).
و الجواب:حديثنا أقوى دلالة،لأنه حكاية فعله عليه السلام،و حديثكم تضمن الأخبار بالنهي،فلعل الراوي توهم ما ليس بنهي نهيا.
لنا:قوله عليه السلام:(جعلت لي الأرض مسجدا) (1).و هو بمفهومه يدل على صورة النزاع.و أما الكراهية،فلأنها لا تنفك من النجاسات،و قد بينا (2)كراهية الصلاة في مثلها.
و تكره الصلاة في قرى النمل،لحديث عبد الله بن الفضل،عمن حدثه،عن أبي عبد الله عليه السلام (3).و لأنه قد يتأذى بها،فيشتغل عن العبادة.
و تكره في بطون الأودية لأنها مسيل المياه،و سيأتي كراهية الصلاة فيه.
و تكره في الأرض السبخة.ذهب إليه علماؤنا.لأن الجبهة لا تقع جيدا على الأرض.و يؤيده:ما رواه عبد الله بن الفضل،و قد تقدم.
و لا يعارض ذلك بما رواه الشيخ،عن سماعة في الموثق،قال:سألته عن الصلاة في السباخ؟فقال:«لا بأس» (4)لأن الرواة ضعفاء،و لم يسندها سماعة إلى إمام، و ليس ببعيد (5)من الصواب أن تحمل هذه الرواية على حالة التمكن من وضع الجبهة على الأرض.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن أبي بصير،عن أبي عبد الله عليه السلام قال:سألته عن الصلاة في السبخة لم تكره؟قال:«لأن الجبهة لا تقع مستوية» فقلت:إن كان فيها أرض مستوية؟فقال:«لا بأس» (6).
ص:347
و تكره في أرض الثلج،لرواية عبد الله بن الفضل (1).
ذهب إليه علماؤنا.لرواية عبد الله بن الفضل،و لأنه يشبه الطريق،و قد مضى بيان الكراهية هناك (2).
تكره الصلاة في السفينة،لأنه يكون قد صلى في مجرى الماء.و كذا لو صلى على ساباط تحته نهر يجري،أو ساقية.
هل يشترط في الكراهية جريان الماء؟عندي فيه توقف أقربه عدم الاشتراط.
لا فرق بين الماء الطاهر و النجس في ذلك.
هل تكره الصلاة على الماء الواقف؟فيه تردد أقربه الكراهية.
البيداء،و ذات الصلاصل،و ضجنان.
و تكره الصلاة في وادي الشقرة،لما رواه الشيخ في الصحيح،عن معاوية بن عمار،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«الصلاة تكره في ثلاثة مواطن من الطريق:البيداء و هي ذات الجيش،و ذات الصلاصل،و ضجنان» (3).
و في الصحيح،عن أحمد بن محمد بن أبي نصر،قال:قلت لأبي الحسن عليه السلام:إنا كنا في البيداء في آخر الليل،فتوضأت و اسكت و أنا أهم بالصلاة،ثمَّ كأنه دخل قلبي شيء،فهل يصلي في البيداء في المحمل؟فقال:«لا تصل في
ص:348
البيداء» (1).
و في الصحيح،عن أيوب بن نوح،عن أبي الحسن الأخير عليه السلام،قال:
قلت له:تحضر الصلاة و الرجل بالبيداء؟قال:«يتنحى عن الجواد يمنة و يسرة و يصلي» (2).
و روى الشيخ،عن أحمد بن فضال،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا تصل في وادي الشقرة» (3).
البيداء في اللغة:المفازة (4)،و ليس ذلك على عمومه هاهنا،بل المراد.
بذلك موضع معين.
روى الشيخ في الصحيح،عن أحمد بن محمد بن أبي نصر،عن أبي الحسن عليه السلام،قلت:و أين حد البيداء؟فقال:«كان أبو جعفر عليه السلام إذا بلغ ذات الجيش جد في السير و لا يصلي حتى يأتي معرس النبي صلى الله عليه و آله»،قلت:فأين ذات الجيش؟قال:«دون الحفيرة بثلاثة أميال» (5).
و قد ورد أنها أرض خسف.روي ان جيش السفياني يأتي إليها قاصدا مدينة الرسول صلى الله عليه و آله فيخسف الله تعالى بتلك الأرض،و بينها و بين ميقات أهل المدينة الذي هو ذو الحليفة ميل واحد و هو نصف فرسخ فحسب.
تكره الصلاة في أرض الخسف،لأنها مسخوط عليها،فليست محلا،
ص:349
للإجابة و العبادة،و قد روي أن أمير المؤمنين عليه السلام كره الصلاة في أرض بابل، فلما عبر الفرات إلى الجانب الغربي،وفاته لأجل ذلك أول الوقت،ردت له الشمس إلى موضعها في أول الوقت،و صلى بأصحابه العصر (1).و لا نعتقد ان الشمس غابت بالكلية،لأنه يحرم ترك الصلاة لأجل كراهية المحل.
لو ضاق الوقت و هو في تلك الأرض صلى فيها،لأنه محل ضرورة.
و يؤيده:ما رواه ابن بابويه،عن علي بن مهزيار،قال:سألت أبا الحسن الثالث عليه السلام عن الرجل يصير بالبيداء فتدركه صلاة فريضة فلا يخرج من البيداء حتى يخرج وقتها،كيف يصنع بالصلاة و قد نهي أن يصلي بالبيداء؟فقال:«يصلي فيها و يتجنب قارعة الطريق» (2).
ضجنان جبل بمكة.ذكره صاحب الصحاح (3).و الصلاصل جمع صلصال،و هي الأرض التي لها صوت و دوي.و الشقرة-بفتح الشين و كسر القاف- واحدة الشقر و هو شقائق النعمان،و كل موضع فيه ذلك يكره فيه الصلاة.و قيل:
وادي الشقرة موضع مخصوص بطريق مكة.ذكره ابن إدريس (4).
و الأقرب:الأول،لما فيه من اشتغال القلب بالنظر إليه.و قيل:هذه مواضع خسف (5)،فتكره الصلاة فيها لذلك.
تكره الصلاة في أرض الرمل المنهال،لأنه لا يتمكن من السجود عليه فتتناوله العلة التي أشار إليها الصادق عليه السلام في الأرض السبخة (6).و كذا تكره
ص:350
في أرض الوحل و حوض الماء إذا تمكن من استيفاء الواجبات،أما لو أخل ببعضها، فإنه لا يجوز إلا مع الضرورة.
كالجلود، و الصوف،و الشعر،و أشباهها،خلافا للجمهور (1).
لنا:ما رواه الجمهور،عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه و آله قال:(أمرت أن أسجد على سبعة أعظم:الجبهة،و اليدين،و الركعتين،و أطراف القدمين) (2).
قال صاحب الصحاح:السجود وضع الجبهة على الأرض (3).و عن عكرمة:قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و آله:(لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبهة) (4)و هو يدل على وجوب إصابة الجبهة الأرض.
و عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه و آله قال:(إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض) (5).
و عن خباب (6)قال:شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله حر الرمضاء في
ص:351
جباهنا و أكفنا فلم يشكنا (1).و ذلك يدل على ان السجود لا يجوز على الفرش و إلا لما افتقر إلى الشكوى و كان يشكيهم.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام:«لا يسجد إلا على الأرض،أو ما أنبتته الأرض إلا القطن و الكتان» (2).
و في الحسن،عن زرارة،قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:أسجد على الزفت -يعني القير-فقال:«لا،و لا على الثوب الكرسف،و لا على الصوف،و لا على شيء من الحيوان،و لا على طعام،و لا على شيء من ثمار الأرض،و لا على شيء من الرياش» (3).
و عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسجد و عليه العمامة لا يصيب جبهته الأرض؟قال:«لا يجزئه ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض» (4).
و ما رواه الشيخ في الصحيح،و ابن بابويه جميعا،عن حماد بن عثمان،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«السجود على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس» (5).
ص:352
و عن علي بن يقطين،انه سأل أبا الحسن الأول عليه السلام عن الرجل يسجد على المسح و البساط؟فقال:«لا بأس به إذا كان في حال تقية،و لا بأس بالسجود على الثياب في حال التقية» (1).
و عن هشام بن الحكم،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام،أخبرني عمار يجوز السجود عليه؟و عما لا يجوز؟قال:«السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس» (2)و لأن النبي صلى الله عليه و آله سجد على الأرض (3)و كان ذلك بيانا للواجب،فيكون واجبا.و لأنه قال:(صلوا كما رأيتموني أصلي) (4)و هو يتناول جميع الأحوال.و لأن السجود عبادة شرعية يتوقف في إيضاحها على الشرع، و قد وقع الاتفاق على الأرض و ما أنبتته،فيقتصر عليه.و لأن السجود أبلغ شيء في التذلل،فيكون على أبلغ الأحوال و أتمها في الخضوع.
و لا يسجد على ما استحال من الأرض و خرج بالاستحالة عن اسمها، كالمعادن،سواء كانت منطبعة كالقير،و النفط،و الزئبق،أو غير منطبعة كالعقيق و شبهه،لأن النبي صلى الله عليه و آله واظب على السجود على الأرض،و ذلك الاقتصار يقتضي أن يكون من كيفيات السجود فيتبع،لقوله:(صلوا كما رأيتموني أصلي).
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن محمد بن عمرو بن سعيد،عن أبي الحسن الرضا عليه
ص:353
السلام قال:«لا تسجد على القير و لا على القفر و لا على الصاروج» (1).
و في القير و القفر رواية أخرى رواها الشيخ،عن معاوية بن عمار،قال:سأل المعلى بن خنيس أبا عبد الله عليه السلام و أنا عنده عن السجود على القفر و على القير؟ فقال:«لا بأس» (2)و حمل الأصحاب هذه الرواية على التقية أو على حال الضرورة (3)توفيقا بين الأخبار،و هو حسن.
و لا يسجد على شيء من الثمار و لا على المطعومات و إن كانت من نبات الأرض، لأن النبي صلى الله عليه و آله لم يسجد عليه،و لا ريب ان السجود عبادة شرعية، فيتلقى عن صاحب الشرع.
و يؤيده:قولهم عليهم السلام:«لا يجوز السجود إلا على الأرض و ما أنبتته الأرض إلا ما أكل أو لبس» (4).
و لا يسجد على الجمار،لأنه مأكول،و لا على الغلات كالحنطة و الشعير على إشكال،و الوجه الجواز،لأنها في تلك الحال غير مأكولة عادة.
و كذا لا يجوز السجود على البقول المأكولة كالهندباء،و الرشاد و ما أشبههما.
أظهرهما بين الأصحاب المنع،و هو فتوى
ص:354
الشيخين (1)،و من تابعهما (2)،و السيد المرتضى رحمه الله في المصباح (3).و قال في المسائل الموصلية:يكره في الثوب المنسوج من قطن أو كتان كراهية تنزه و طلب فضل،لا أنه محظور و محرم (4).
لنا:ما تقدم في رواية الفضل،عن الصادق عليه السلام،و رواية زرارة عن الباقر عليه السلام،و رواية حماد بن عثمان،و قد تقدم ذلك (5).
احتج السيد المرتضى بما رواه الشيخ،عن داود الصرمي،قال:سألت أبا الحسن الثالث عليه السلام هل يجوز السجود على الكتان و القطن من غير تقية؟فقال:
«جائز» (6).
و عن الحسين بن علي بن كيسان الصنعاني (7)،قال:كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن السجود على القطن و الكتان من غير تقية و لا ضرورة؟ فكتب إلي:«ذلك جائز» (8).
ص:355
و عن ياسر الخادم (1)قال:مر بي أبو الحسن عليه السلام و أنا أصلي على الطبري و قد ألقيت عليه شيئا أسجد عليه،فقال لي:«مالك لا تسجد عليه؟أ ليس هو من نبات الأرض؟» (2).
و تأول الشيخ الحديث الأول بالجواز في حال الضرورة (3)،لما رواه منصور بن حازم،عن غير واحد من أصحابنا،قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:إنا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أ نسجد عليه؟قال:«لا،و لكن اجعل بينك و بينه شيئا قطنا أو كتانا» (4)و كذا تأول الرواية الثانية عليه (5).
و قوله:من غير ضرورة أي من غير ضرورة توجب الهلاك،و هذا و إن كان بعيدا إلا انه محتمل.
و تأول الرواية الثالثة بالتقية (6)،لما رواه في الصحيح،عن علي بن يقطين، قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يسجد على المسح (7)و البساط؟فقال:
«لا بأس إذا كان في حال تقية» (8).فعلمنا ثبوت الرخصة في هذين الشيئين لأجل
ص:356
التقية،فكذا في صورة النزاع.
ذكره الجوهري (1).
و ما رواه الجمهور في حديث خباب (2).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن زرارة،عن أحدهما عليهما السلام،قال:قلت له:الرجل يسجد و عليه القلنسوة أو عمامة؟فقال:«إذا مس جبهته الأرض فيما بين حاجبيه و قصاص شعره فقد أجزأ عنه» (3).
و عن أبان،عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسجد و عليه العمامة لا يصيب جبهته الأرض؟قال:«لا يجزئه ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض» (4).
و عن طلحة بن زيد،عن جعفر،عن أبيه،عن علي عليهم السلام،انه كان لا يسجد على الكمين و لا العمامة (5).و لأنه يسجد على ما هو حامل له فلم يجز،كما لو سجد على يديه.
احتج المخالف (6)بما رواه أنس،قال:كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه و آله فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود (7).
ص:358
و عن ثابت بن صامت (1)ان رسول الله صلى الله عليه و آله في بني عبد الأشهل و عليه كساء ملتف به يضع يديه عليه يقيه برد الحصا (2).و في رواية:فرأيته واضعا يديه على قرنه إذا سجد (3).و لأنه عضو من أعضاء السجود،فجاز السجود على حائلة كالقدمين.
و الجواب عن الحديث الأول:انه غير محل النزاع،إذا يجوز السجود على الحائل مع الضرورة.
و عن الثاني:انا نقول بموجبة إذ إصابة اليدين الأرض غير واجب عندنا.
و عن الثالث:ان السجود عبادة شرعية يتبع فيها النقل،و قد ثبت عن الرسول صلى الله عليه و آله،المداومة على وضع الجبهة على الأرض،فيكون واجبا بالنص (4)، فيبطل القياس مع قيام الفرق،إذ وضع الجبهة على الأرض أبلغ أنواع الخضوع و هو أمر مطلوب،و مع الحائل تفوت بخلاف القدمين.
المنع عندنا من السجود على كور العمامة لا من حيث هو حامل له و إن لاح من
ص:359
كلام الشيخ (1)التعليل بذلك،فعلى هذا لو كان المحمول مما يصح السجود عليه كالخوص (2)أو النبات مثلا صح السجود عليه،سواء كان عمامة،أو طرف رداء،أو غيرهما.و الشيخ إن علل ذلك بكونه حاملا له كما هو مذهب الشافعي (3)طالبناه بالدلالة عليه،فطن احتج برواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (4)،منعنا صرف النهي إلى محل النزاع،إذ المفهوم من العمامة في غالب الاستعمال ما يتخذ من الملبوس عادة.
و كذا لو وضع بين جبهته و كور العمامة ما يصح السجود عليه كقطعة من خشب يستصحبها في قيامه و ركوعه،فإذا سجد كانت جبهته موضوعة عليها صحت صلاته.
لأنه مأمور بالسجود على الأرض على ما مر (5)و لم يأت به،و ما تقدم من الأحاديث (6).
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الحسن،عن حماد بن عيسى،عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل،«ثمَّ سجد و بسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه» (7)و البيان للمجمل الواجب واجب إلا ما يخرج بالدليل.و لأن النبي صلى الله عليه و آله لم يفعله،و المداومة على الترك تدل على المنع.و لحديث زرارة و قد تقدم (8).و لأنه يؤدي إلى تداخل السجود.
لأنها
ص:360
خرجت بالاستحالة عن اسم الأرض.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن محمد بن عمرو بن سعيد،عن أبي الحسن الرضا عليه السلام،قال:«لا تسجد على القفر،و لا على القير،و لا على الصاروج» (1).
و عن يونس بن يعقوب،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا تسجد على الذهب،و لا على الفضة» (2).
و في الصحيح،عن محمد بن الحسين،ان بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي عليه السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج؟قال:فلما نفد كتابي إليه تفكرت و قلت:هو مما أنبتت الأرض،و ما كان لي أن أسأل عنه!قال:فكتب إلي:
«لا تصل على الزجاج و إن حدثتك نفسك انه مما أنبتت الأرض و لكنه من الملح و الرمل،و هما ممسوخان» (3).
و لا يجوز السجود على الثلج،لأنه عنصر مغاير للأرض،فيدخل تحت المنع.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن معمر بن خلاد،قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن السجود على الثلج؟فقال:«لا تسجد على (4)السبخة و لا على الثلج» (5).
مما لا يؤكل و لا يلبس من سائر أنواع الحشيش،و النبات،و الخشب و غيرها،لما تقدم من الأحاديث (6).و لأن
ص:361
النبي صلى الله عليه و آله سجد على الخمرة (1)،و هي معمولة من سعف النخل.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن إبراهيم بن أبي محمود،قال:قلت للرضا عليه السلام:الرجل يصلي على سرير ما ساج و يسجد على الساج؟قال:«نعم» (2).
و في الحسن،عن الحسين بن أبي العلاء،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:ذكر ان رجلا أتى أبا جعفر عليه السلام و سأله عن السجود على البوريا و الخصفة و النبات؟ قال:«نعم» (3).
و عن محمد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«لا بأس بالصلاة على البوريا،و الخصفة،و كل نبات إلا الثمرة» (4)و لأن الأصل الأرض،فجاز السجود عليه كأصله.
السجود على الأرض أفضل من السجود على النبات،لأن الخضوع هناك أتم.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن إسحاق بن الفضل (5)انه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن السجود على الحصر و البواري؟فقال:«لا بأس،و أن يسجد على الأرض
ص:362
أحب إلي،فإن رسول الله صلى الله عليه و آله كان يحب[ذلك] (1)أن تمكن جبهته من الأرض،فأنا أحب لك ما كان رسول الله صلى الله عليه و آله يحبه» (2).
لا بأس بالسجود على القرطاس،و يكره إذا كان مكتوبا.
أما الأول:فللأصل و لأنه من الأرض.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن علي بن مهزيار،قال:سأل داود بن فرقد أبا الحسن عليه السلام عن القراطيس و الكواغذ المكتوبة عليها هل يجوز السجود عليها أم لا؟فكتب:«يجوز» (3).
و أما الثاني:فلأنه ربما اشتغل بنظره في الكتابة عن الصلاة.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن جميل بن دراج،عن أبي عبد الله عليه السلام انه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتاب (4).
لا يقال:قد روى الشيخ في الصحيح،عن صفوان الجمال،قال:رأيت أبا عبد الله عليه السلام في المحمل يسجد على قرطاس و أكثر ذلك يومئ إيماءا (5).و لو كان السجود عليه سائغا لما أومأ.
لأنا نقول:ليس في هذا الحديث دلالة على المنع،بل هو يدل على الجواز،لأنه عليه السلام كان يسجد عليه،و لو لم يكن سائغا لما فعله،و الإيماء يحتمل أن يكون لعدم تمكنه من السجود،لكونه في المحمل،و يكون ذلك في النافلة أو الفريضة مع الضرورة.
ص:363
روى الشيخ،عن عمر بن حنظلة،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام:يكون الكدس من الطعام مطينا مثل السطح؟قال:«صل عليه» (1)و هذه الرواية مناسبة للمذهب،و لا ينافيها ما رواه الشيخ،عن محمد بن مضارب (2)،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:سألته عن كدس حنطة مطين أصلي فوقه؟فقال:«لا تصل فوقه»قلت:فإنه مثل السطح مستو،فقال:«لا تصل عليه» (3)لأن هذه الرواية محمولة على الكراهية.قال الشيخ:و لا بأس به (4).
لا بأس بالسجود على الخمرة إذا كانت معمولة بالخيوط.قال الشيخ:و لا يجوز إذا كانت معمولة بالسيور إن كانت ظاهرة تشمل الجبهة (5).
روى الجمهور،عن النبي صلى الله عليه و آله انه كان يصلي على الخمرة (6).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن حمران،عن أحدهما عليهما السلام، قال:«كان أبي يصلي على الخمرة يجعلها على الطنفسة و يسجد عليها،فإذا لم يكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد» (7).
ص:364
و في الموثق،عن الحلبي،قال:قال أبو عبد الله عليه السلام:دعا أبي بخمرة فأبطأت عليه،فأخذ كفا من حصى فجعله على البساط،ثمَّ سجد (1).
و أما ما ذكره الشيخ من الاشتراط فيدل عليه ما رواه علي بن الريان،قال:كتب بعض أصحابنا بيد إبراهيم بن عقبة إليه يعني أبا جعفر عليه السلام يسأله عن الصلاة على الخمرة المدنية؟فكتب:«صل فيها ما كان[معمولا] (2)بخيوطة و لا تصل على ما كان معمولا بسيورة» (3).
يجوز الوقوف على ما لا يجوز السجود عليه،كالصوف،و الشعر، و الثياب كلها إذا كان موضع الجبهة مما يجوز السجود عليه عملا بالأصل،و لأن النبي صلى الله عليه و آله سجد على الخمرة (4).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الحسن،عن الفضيل بن يسار،و بريد بن معاوية،عن أحدهما عليهما السلام،قال:«لا بأس بالقيام على المصلى من الشعر، و الصوف إذا كان يسجد على الأرض،و إن كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام عليه و السجود عليه» (5).
لا يقال:يعارض ذلك ما رواه الشيخ،عن غياث بن إبراهيم،عن جعفر،عن أبيه،عن علي عليه السلام انه قال:«لا يسجد الرجل على شيء ليس عليه سائر جسده» (6).
ص:365
لأنا نقول:ان هذه الرواية ضعيفة السند،فلا تعارض روايتنا،مع اعتضادها بالأصل و فعل النبي صلى الله عليه و آله و الأئمة عليهم السلام.
أما في حال الضرورة فلا.ذهب إليه علماؤنا أجمع،لأن مع حصول الضرورة لا تكليف.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن أبي بصير،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:قلت له:أكون في السفر فتحضر الصلاة و أخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع؟قال:
«تسجد على بعض ثوبك»قلت:ليس علي ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه و لا ذيله، قال:«اسجد على ظهر كفك فإنها أحد المساجد» (1).
و عن القاسم بن الفضيل (2)،قال:قلت للرضا عليه السلام:جعلت فداك، الرجل يسجد على كمه من أذى الحر و البرد؟قال:«لا بأس به» (3).
و عن أحمد بن عمر (4)،قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يسجد على
ص:366
كم قميصه من أذى الحر و البرد،أو على ردائه إذا كان تحته مسح (1)أو غيره مما لا يسجد عليه؟فقال:«لا بأس به» (2)و بنحوه روى ابن يسار،عن أبي الحسن عليه السلام (3).
و عن منصور بن حازم،عن غير واحد من أصحابنا،قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:إنا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أ فنسجد عليه؟فقال:«لا،و لكن اجعل بينك و بينه شيئا قطنا أو كتانا» (4).
حالة التقية بعض أحوال الضرورة،فيثبت فيها الترخص كغيرها.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسجد على المسح؟فقال:«إذا كان في تقية فلا بأس» (5).
و في الصحيح،عن علي بن يقطين،قال:سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام عن الرجل يسجد على المسح و البساط؟فقال:«لا بأس إذا كان في حال تقية» (6).
ص:367
السجود على القطن و الكتان أولى من السجود على الثلج،لأنه من نبات الأرض بخلاف الثلج،لأنه من نبات الأرض بخلاف الثلج الذي ليس بأرض و لا منها.و يؤيده:حديث منصور بن حازم (1).
روى الشيخ،عن داود الصرمي،قال:سألت أبا الحسن عليه السلام،قلت له:اني أخرج في هذا الوجه و ربما لم يكن موضع أصلي فيه من الثلج فكيف أصنع؟قال:«إن أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه،و إن لم يمكنك فسوه و اسجد عليه» (2).
فعل هذه الصلاة على ما ذكرناه لا يستتبع القضاء،لأنها مأمور بها، فكانت مجزئة كغيرها.
روى الشيخ في الصحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام، قال:سألته عن المريض؟فقال:«يسجد على الأرض أو على المروحة أو على سواك يرفعه هو الأفضل من الإيماء،إنما كره من كره السجود على المروحة من أجل الأوثان التي كانت تعبد من دون الله،و إنا لم نعبد غير الله قط فاسجد على المروحة،أو على عود،أو على سواك» (3).
لا يجوز السجود على الوحل لعدم استقرار الجبهة عليه.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن عمار،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:سألته عن حد الطين الذي لا يسجد فيه ما هو؟قال:«إذا غرقت الجبهة و لم تثبت على الأرض» (4).
ص:368
و لو اضطر أومأ،لما رواه عمار،عن أبي عبد الله عليه السلام:«فإذا رفع رأسه من الركوع فليؤم بالسجود إيماءا» (1).
يكره السجود على الأرض السبخة،و قد تقدم (2).
الملك أو ما في حكمه،و قد مضى البحث فيه (3).
و الطهارة،فلو سجد على شيء نجس لم تصح صلاته إجماعا منا.و هو قول أهل العلم كافة،إلا في رواية،عن أبي يوسف انها تفسد سجدته دون صلاته (4).و ليست شيئا،لأن فساد جزء الصلاة يستلزم فساد باقيها كما في الركوع.
احتج بأنه سجد على النجاسة،فلا يعتبر،فيصير كالعدم.
و جوابه:المنع من عدم اعتبارها في البطلان.
الأكثر،و هو اختيار أبي حنيفة و أصحابه،إلا أن أبا حنيفة اعتبر الموقف،فإن كان موضع القدمين نجسا لم تصح صلاته (1).و قال الشافعي بمثل قول أبي الصلاح (2).
لنا:الأصل عدم الاشتراط،و لأن وضع اليدين و الركبتين على الأرض عنده ليس بشرط للجواز،فطهارة موضعها أولى بعدم الاشتراط.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:سألته عن الشاذكونة تكون عليها الجنابة أ يصلي عليها في المحمل؟قال:«لا بأس» (3).
و عن محمد بن أبي عمير،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام،أصلي على الشاذكونة و قد أصابتها الجنابة؟فقال:«لا بأس» (4).
احتج المخالف بأنه استعمل النجاسة في الصلاة،فصار كحاملها (5).
و الجواب:المنع من المقدمتين.
إذا تيقن حصول النجاسة في مكان و جهل تعينها،فإن كان الموضع محصورا كالبيت و شبهه لم يسجد على شيء منه،و إن كان متسعا كالصحراء جاز،دفعا للمشقة.
و قال «وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ» (1).
و قال الشاعر:
آذنتنا ببينها أسماء (2).
و في الشرع عبارة عن أذكار مخصوصة موضوعة للإعلام بأوقات الصلوات.
و هو من السنن المؤكدة إجماعا،روى الجمهور عن رسول الله صلى الله عليه و آله قال:(المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة) (3).
و قال صلى الله عليه و آله:(ثلاثة على كثبان (4)المسك يوم القيامة يغبطهم الأولون و الآخرون:رجل نادى بالصلوات الخمس في كل يوم و ليلة،و رجل يؤم قوما و هم به راضون،و عبد أدى حق الله و حق مواليه) (5).و رواه الأصحاب أيضا (6).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن يحيى الحلبي (7)،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«إذا أذنت في أرض فلاة و أقمت،صلى خلفك صفان من الملائكة،و إن أقمت و لم تؤذن،صلى خلفك صف واحد» (8).
ص:371
و نحوه روى في الصحيح،عن محمد بن مسلم،عن أبي عبد الله عليه السلام (1).
و روى ابن بابويه،عن عبد الله بن علي (2)قال:حملت متاعي من البصرة إلى مصر فقدمتها،فبينا أنا في بعض الطريق إذا أنا بشيخ طويل،شديد الادمة (3)،أبيض الرأس و اللحية،عليه طمران أحدهما أسود و الآخر أبيض،فقلت:من هذا؟فقالوا:
هذا بلال مولى رسول الله صلى الله عليه و آله،فأخذت ألواحي فأتيته فسلمت عليه، فقلت:السلام عليك أيها الشيخ،فقال:و عليك السلام،قلت:يرحمك الله حدثني بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و آله،قال:و ما يدرك من أنا،فقلت:أنت بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه و آله،قال:فبكى و بكيت حتى اجتمع الناس علينا و نحن نبكي،قال:ثمَّ قال:يا غلام من أي البلاد أنت؟قلت:من أهل العراق،قال:بخ بخ،فمكث ساعة،ثمَّ قال:اكتب يا أخا أهل العراق:بسم الله الرحمن الرحيم،سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول:«المؤذنون أمناء المؤمنين على صلاتهم،و صومهم،و لحومهم،و دمائهم لا يسألون الله شيئا إلا أعطاهم،و لا يشفعون في شيء إلا شفعوا»قلت:زدني يرحمك الله،قال:اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول:«من أذن أربعين عاما محتسبا بعثه الله تعالى يوم القيامة و له عمل أربعين صديقا عملا مبرورا متقبلا»قلت:زدني رحمك الله، قال:اكتب بسم الله الرحمن الرحيم،سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول:«من أذن عشرين عاما بعثه الله يوم القيامة و له من النور مثل نور السماء»قلت:زدني رحمك الله،قال:اكتب بسم الله الرحمن الرحيم،سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول:
ص:372
«من أذن عشر سنين أسكنه الله:(عز و جل مع إبراهيم في قبته أو في درجته»قلت:زدني رحمك الله،قال:اكتب بسم الله الرحمن الرحيم،سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول:«من أذن سنة واحدة بعثه الله يوم القيامة و قد غفرت ذنوبه كلها بالغا ما بلغت، و لو كانت مثل زنة جبل احد»قلت:زدني رحمك الله،قال:نعم فاحفظ و اعمل و احتسب،سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول:«من أذن في سبيل الله صلاة واحدة إيمانا و احتسابا و تقربا إلى الله عز و جل غفر الله له ما سلف من ذنوبه،و من عليه بالعصمة فيما بقي من عمره،و جمع بينه و بين الشهداء في الجنة»قلت:زدني يرحمك الله بأحسن ما سمعت،قال:و يحك يا غلام قطعت أنياط قلبي،و بكى و بكيت حتى اني و الله لرحمته،ثمَّ قال:اكتب بسم الله الرحمن الرحيم،سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول:«إذا كان يوم القيامة و جمع الله عز و جل الناس في صعيد واحد،بعث الله عز و جل إلى المؤذنين بملائكة من نور،معهم ألوية و أعلام من نور يقودون جنائب (1)، أزمتها زبرجد أخضر و خفائفها المسك الأذفر يركبها المؤذنون فيقومون عليها قياما تقودهم الملائكة ينادون بأعلى صوتهم بالأذان»ثمَّ بكى بكاءا شديدا حتى انتحب و بكيت، فلما سكت قلت:ممم بكاؤك؟قال:و يحك ذكرتني أشياء،سمعت حبيبي و صفيي عليه السلام يقول:«و الذي بعثني بالحق نبيا انهم ليمرون على الخلق قياما على النجائب فيقولون:الله أكبر الله أكبر،فإذا قالوا ذلك سمعت لأمتي ضجيجا»فسأله أسامة بن زيد عن ذلك الضجيج ما هو؟قال:«الضجيج:التسبيح،و التحميد،و التهليل، فإذا قالوا:أشهد ان لا إله إلا الله،قالت:أمتي:إياه كنا نعبد في الدنيا،فيقال لهم:
صدقتم،فإذا قالوا،أشهد ان محمدا رسول الله،قالت أمتي:هذا الذي أتانا برسالة ربنا جل جلاله و آمنا به و لم نره،فيقال لهم:صدقتم هذا الذي أدى إليكم الرسالة من ربكم و كنتم به مؤمنين فحقيق على الله أن يجمع بينكم و بين نبيكم فينتهي بهم إلى
ص:373
منازلهم و فيها ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر»ثمَّ نظر إلي فقال:
«إن استطعت-و لا قوة إلا بالله-أن لا تموت إلا مؤذنا فافعل» (1)الحديث و الأخبار في ذلك كثيرة.
الأذان ثمانية عشر،و الإقامة سبعة عشر.
صورة الأذان:الله أكبر،الله أكبر،الله أكبر،الله أكبر.
أشهد أن لا إله إلا الله،أشهد أن لا إله إلا الله.
أشهد أن محمدا رسول الله،أشهد أن محمدا رسول الله.
حي على الصلاة،حي على الصلاة.
حي على الفلاح،حي على الفلاح.
حي على خير العمل،حي على خير العمل.
الله أكبر،الله أكبر.
لا إله إلا الله،لا إله إلا الله.
و الإقامة مثل ذلك الا انه يسقط فيها التكبير مرتين من أولها،و مرة واحدة لا إله إلا الله في آخرها،و يزاد فيها بعد حي على خير العمل:قد قامت الصلاة مرتين.هذا الذي عليه فتوى أكثر علمائنا و إن اختلفت أخبارهم.و خالفنا الجمهور في مواضع، تشتمل عليها مسائل.
و قال مالك:التكبير في أول الأذان مرتان (1).و هو قول أبي يوسف (2).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عبد الله بن زيد (3)،قال:علم رسول الله صلى الله عليه و آله بلالا الأذان و التكبير في أوله أربع مرات (4).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن زرارة قال:قال لي أبو جعفر عليه السلام:«يا زرارة،تفتح الأذان بأربع تكبيرات و تختمه بتكبيرتين و تهليلتين» (5).
ص:375
و عن إسماعيل الجعفي،قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:«الأذان و الإقامة خمسة و ثلاثون حرفا» (1).
و عن أبي بكر الحضرمي و كليب الأسدي جميعا،عن أبي عبد الله عليه السلام،انه حكى لهما الأذان فقال:«الله أكبر،الله أكبر،الله أكبر،الله أكبر» (2)إلى آخره.
و لأنه ذكر الله تعالى منقول،فاستحب فعله كغيره من الأذكار.
احتج مالك (3)بأن أبا محذورة (4)كان يؤذن و يجعل التكبير في أوله مرتين.و لأن الأذان ذكر واحد فتتساوى أجزاؤه.
و الجواب عن الأول:انه معارض بحديث بلال،و الأخذ به أولى،لأنه كان أكثر ملازمة لرسول الله صلى الله عليه و آله.و لأن رواية مالك حكاية لفعل بعض الصحابة.
و عن الثاني:انها وظيفة شرعية فتقف عليه،و لأنه ينتقض بالتهليل في آخره عندهم.
لا يقال:قد روى الشيخ في الصحيح،عن عبد الله بن سنان،عن أبي عبد الله عليه السلام (5)،و عن زرارة و الفضيل بن يسار،عن أبي جعفر عليه السلام حكاية
ص:376
الأذان و جعلا التكبير في أوله مرتين (1).
لأنا نقول:ان القصد كان تفهيم السائل كيفية التلفظ لا تعريف العدد،لما قدمنا من الروايات.
ذهب إليه علماؤنا و هو تكرار الشهادتين مرتين.
و قال الشيخ في المبسوط:الترجيع غير مسنون في الأذان،و هو تكرار التكبير و الشهادتين في أول الأذان،فإن أراد تنبيه غيره جاز تكرير الشهادتين (2).و ممن كره الترجيع:الثوري (3)،و أحمد (4)،و إسحاق (5)،و أصحاب الرأي (6).
و قال الشافعي:الترجيع مستحب (7)،و هو أن يذكر الشهادتين مرتين مرتين يخفض بذلك صوته،ثمَّ يعيدهما رافعا بهما صوته.
لنا:ما رواه الجمهور في حديث عبد الله بن زيد ان رسول الله صلى الله عليه و آله
ص:377
علم بلالا الأذان كما وصفناه.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن صفوان بن مهران الجمال، قال:سمعت أبا عبد الله عليه السلام الأذان مثنى مثنى (1).و مثله روى أبو همام،عن أبي الحسن عليه السلام (2).
احتج الشافعي (3)بما رواه أبو محذورة،ان النبي صلى الله عليه و آله لقنه الأذان، فقال له:(تقول:أشهد أن لا إله إلا الله،أشهد أن لا إله إلا الله،أشهد ان محمدا رسول الله،أشهد ان محمدا رسول الله تخفض بها صوتك،ثمَّ ترفع صوتك بالشهادة:
أشهد أن لا إله إلا الله،أشهد أن لا إله إلا الله،أشهد ان محمدا رسول الله،أشهد أن محمدا رسول الله) (4)،ثمَّ ذكر الأذان.
و الجواب:ان أبا محذورة لا تعويل على روايته،فإن أصحاب الحديث قالوا:إنما خص النبي صلى الله عليه و آله أبا محذورة بذلك ليحصل له الإخلاص بالشهادتين، لأنه لم يكن مقرا بهما حينئذ،لأنه كان مستهزئا يحكي أذان مؤذن النبي صلى الله عليه و آله على سبيل الاستهزاء،فسمع رسول الله صلى الله عليه و آله صوته،فدعاه، فأمره بالأذان.قال أبو محذورة:و لا شيء عندي أبغض من النبي صلى الله عليه و آله و لا مما يأمرني به،فقصد النبي صلى الله عليه و آله نطقه بالشهادتين سرا ليسلم بذلك (5).و مع هذا كيف يجوز ترك الروايات الشهيرة لهذه الرواية الضعيفة.
ص:378
لو أراد المؤذن إشعار قوم بذلك ساغ له تكرير الشهادتين مرتين على ما قاله الشيخ، لأنه ذكر لله تعالى يحصل منه فائدة لا تحصل بدونه،فكان مشروعا.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن أبي بصير،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لو ان مؤذنا أعاد في الشهادة و في حي على الصلاة،أو حي على الفلاح المرتين و الثلاث و أكثر من ذلك إذا كان إماما يريد جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس» (1).
يبطل الأذان بتركه.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و أنكره الجمهور كافة.
لنا:ما رواه الجمهور انه قد كان في زمن النبي صلى الله عليه و آله يفعل ذلك (2)، و ادعاؤهم النسخ لم يثبت.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن المعلى بن خنيس،عن أبي عبد الله عليه السلام (3).
و رواه في الصحيح،عن زرارة و الفضيل بن يسار،عن الباقر عليه السلام في حديث الإسراء (4).
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و أطبق الجمهور على المرة.
ص:379
لنا:ما رووه،عن أنس،قال:أمر بلال أن يشفع الأذان و يوتر الإقامة (1).
و عن سويد بن غفلة (2)،قال:سمعت بلالا يؤذن مثنى مثنى و يقيم مثنى (3).
و عن سويد،قال:أذن بلال مثنى مثنى و أقام مثل ذلك (4).
و من طريق الخاصة:رواية زرارة و الفضيل بن يسار،عن الباقر عليه السلام (5).و رواية أبي بكر الحضرمي و كليب الأسدي،عن أبي عبد الله عليه السلام (6).
روي في بعض أخبارنا ان التكبير في آخر الأذان أربع مرات (7)،و التعويل على ما تقدم من الأحاديث،و تحمل هذه الرواية على إرادة الإشعار.
ص:380
و أما ما روي في الشاذ من قول ان عليا ولي الله،و آل محمد خير البرية (1)فمما لا يعول عليه.قال الشيخ في المبسوط:فإن فعله لم يكن آثما (2).و قال في النهاية:كان مخطئا (3).
و هو قول(الصلاة خير من النوم)ذهب إليه أكثر علمائنا (4)،و هو قول الشافعي (5).و أطبق الجمهور على استحبابه في الغداة،لكن،عن أبي حنيفة روايتان في كيفيته،فرواية كما قلناه، و الأخرى:ان التثويب عبارة عن قول المؤذن بين أذان الفجر و إقامته:حي على الصلاة مرتين،حي على الفلاح مرتين (6).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عبد الله بن زيد (7)،فإنه لم يذكره في أذانه الذي نقله عن رسول الله صلى الله عليه و آله.
و من طريق الخاصة:رواية زرارة و الفضيل،عن الباقر عليه السلام في حكاية أذان الملك (8).
ص:381
و ما رواه الشيخ في الصحيح،عن معاوية بن وهب،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التثويب الذي يكون بين الأذان و الإقامة؟فقال:«ما نعرفه» (1)و لأنه مكروه في غيرها من الصلوات،فليحق بغيرها.
احتج المخالف (2)بما رواه أبو محذورة قلت:يا رسول الله علمني سنة الأذان،فقال بعد قوله حي على الفلاح:(فإن كان في صلاة الصبح،قلت:الصلاة خير من النوم) (3).
و الجواب:ان هذه الرواية ضعيفة،لما بيناه من حال أبي محذورة عند أهل الحديث منهم.
و أيضا:فإن الشافعي علل كراهية التثويب بأن أبا محذورة لم يذكره (4).
و قد أنكر هذه الرواية جماعة منهم كأبي عيسى،فإنه قال:هذا التثويب الذي أنكره أهل العلم و كرهوه،و هو الذي خرج منه ابن عمر من المسجد لما سمعه (5).
و قال إسحاق:هذا شيء أحدثه الناس (6).
و العجب ان أبا حنيفة لا يعمل بخبر الواحد فيما يعم به البلوى،و عمل هاهنا برواية أبي محذورة مع ما فيها من المطاعن،و معارضتها لروايات صحاح.
لا يقال:قد روى الشيخ،عن أبي بصير،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:
ص:382
«النداء و التثويب في الإقامة من السنة» (1).
و عن محمد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«كان أبي ينادي في بيته:الصلاة خير من النوم،و لو رددت ذلك لم يكن به بأس» (2).
لأنا نقول بعد تسليم صحة السند:انهما حديثان ضعيفان،لعدم اعتضادهما بغيرهما،:و بعمل الأصحاب،و منافات باقي الروايات لهما،فيحملان على التقية، ذكره الشيخ (3).
و روي،عن بلال انه أذن،ثمَّ جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و آله يؤذنه بالصلاة.فقيل له بأن رسول الله صلى الله عليه و آله نائم.فقال بلال:الصلاة خير من النوم مرتين (4).فيحتمل أن يكون مستند فتوى القائلين به إلى هذه الرواية.
يكره أن يقول بين الأذان و الإقامة:حي على الصلاة حي على الفلاح.و به قال الشافعي (5).
و قال محمد بن الحسن:كان التثويب الأول:الصلاة خير من النوم مرتين بين الأذان و الإقامة،ثمَّ أحدث الناس بالكوفة:حي على الصلاة،حي على الفلاح مرتين بينهما.و هو حسن (6).و قال بعض أصحاب أبي حنيفة:يقول بعد الأذان:حي على الصلاة،حي على الفلاح بقدر ما يقرأ عشر آيات (7).
ص:383
لنا:ما رواه الجمهور،أن عمر أنكر على أبي محذورة لما أذن بالصلاة،فقال:
حي على الصلاة،حي على الفلاح،قال:ويحك أ مجنون أنت ما كان في دعائك الذي دعوتنا ما نأتيك حتى تأتينا بهذا (1).فدل على انه مكروه،لأنه لو لم يكن كذلك لما أنكره،و أحاديث أهل البيت عليهم السلام تدل عليه.
فإنه مرة واحدة.
ذهب إليه علماؤنا.
و قال أبو حنيفة:الإقامة مثنى مثنى كما قلناه إلا انه يجعل بدل حي على خير العمل التكبير في أولها كالأذان (2).و للشافعي قولان:أحدهما أنها مرة مرة (3).و الثاني:ان التكبير مرتان في أولها و الباقي مرة مرة إلا قد قامت الصلاة،فإنها مرتان (4).و به قال الأوزاعي (5)،و أحمد (6)و إسحاق،و أبو ثور،و عروة بن الزبير،و الحسن البصري (7).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أبي محذورة ان النبي صلى الله عليه و آله علمه الإقامة
ص:384
سبع عشرة كلمة (1).قال الترمذي:و هو حديث حسن صحيح (2).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن صفوان بن مهران الجمال قال:سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:«الأذان مثنى مثنى،و الإقامة مثنى مثنى» (3)و حكاه الباقر عليه السلام في أذان الملك و إقامته (4).
احتج المخالف (5)بما رواه عبد الله بن عمر انه قال:كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله مرتين مرتين،و الإقامة مرة مرة إلا انه يقول:قد قامت الصلاة،قد قامت الصلاة (6).
و الجواب:المعارضة بما تقدم من الأحاديث،و ما ذكرناه أحوط،فكان العمل به أولى.
يجوز في السفر و عند العذر إفراد فصول الأذان و الإقامة للحاجة إلى ذلك.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن أبي عبيدة الحذاء قال:رأيت أبا جعفر
ص:385
عليه السلام يكبر واحدة واحدة في الأذان،فقلت:له لم تكبر واحدة؟فقال:«لا بأس به إذا كنت مستعجلا» (1).
و عن بريد بن معاوية،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة،الأذان واحدا واحدا و الإقامة واحدة واحدة» (2).
آخر:روى الشيخ،عن يزيد مولى الحكم (3)،عمن حدثه،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:سمعته يقول:«لأن أقيم مثنى مثنى أحب إلي من أن أؤذن و أقيم واحدا واحدا» (4).
قال الشيخ في النهاية:و الذي ذكرناه من فصول الأذان هو المختار المعمول عليه،و قد روي سبعة و ثلاثون فصلا في بعض الروايات يضيف إلى ما ذكرناه التكبير مرتين في أول الإقامة،و قد روي ثمانية و ثلاثون فصلا يضيف إلى ذلك أيضا لا إله إلا الله مرة أخرى في آخر الإقامة،و قد روي اثنان و أربعون فصلا يضيف إلى ذلك أيضا التكبير في آخر الأذان مرتين،و في آخر الإقامة مرتين،فمن عمل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوما (5).
المسألة العاشرة:آخر فصول الأذان لا إله إلا الله.و هو قول أهل العلم (6).
ص:386
و نقل شارح الطحاوي،عن أهل المدينة،ان آخره لا إله إلا الله و الله أكبر،و هو غير معتمد.
بمعنى ان المخل به لا يكون آتيا بالأذان،و لا يعتد به في الجماعة،و لا يبرئه لو حلف أن يؤذن،لأنها عبادة شرعية لا مجال للعقل فيها،فيقف على صاحب الشرع.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن زرارة،عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:«من سها في الأذان فقدم أو أخر عاد على الأول الذي أخره حتى يمضي إلى آخره» (1).
و عن عمار الساباطي،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام أو سمعته يقول:
«فإن نسي حرفا من الإقامة عاد إلى الحرف الذي نسيه،ثمَّ يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة» (2).
لا يظهر في أواخرها الإعراب و عليه فتوى علمائنا.و به قال أحمد (3)،خلافا للباقين.
لنا:ما رواه الجمهور،عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال:(إذا أذنت فترسل،و إذا أقمت فاحدر) (4).
حكى ابن الأنباري (5)،عن أهل اللغة:انه حال ترسله و درجه لا يصل الكلام
ص:387
بعضه ببعض بل جزما.
و قال إبراهيم النخعي:شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما:الأذان و الإقامة (1).
و الظاهر انه أشار بذلك إلى الصحابة كافة.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الحسن،عن زرارة،قال:قال أبو جعفر عليه السلام:«الأذان جزم بإفصاح الألف و الهاء،و الإقامة حدر» (2).
و مثله روي،عن خالد بن نجيح (3)،عن الصادق عليه السلام (4).
و الترسل:هو التأني و التمهل،و الحدر:الإسراع،و لا نعرف فيه خلافا.
روى الجمهور،عن رسول الله صلى الله عليه و آله قال:(إذا أذنت فترسل،و إذا أقمت فاحدر) (5).
و قال عمر لمؤذن بين المقدس:إذا أذنت فترسل،و إذا أقمت فاحذم (6)(7).
و قال الأصمعي (8):الحذم في المشي هو الإسراع (9).
ص:388
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن الحسن بن السري (1)،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«الأذان ترسل و الإقامة حدر» (2)و لأن الأذان إعلام البعد، فاستحب فيه التمهل،و الإقامة إعلام الحاضرين فاكتفي فيها بالإدراج.
بركعتين،أو سجدة،أو جلسة،أو خطوة إلا المغرب،فإنه يفصل فيهما بخطوة،أو سكتة،أو تسبيحة.ذهب إليه علماؤنا.
و به قال أحمد (3)،خلافا للشافعي (4)،و أبي حنيفة (5).
لنا:ما رواه الجمهور،عن جابر،عن النبي صلى الله عليه و آله قال لبلال:
(اجعل بين أذانك و إقامتك بقدر ما يفرغ الأكل من أكله،و الشارب من شربه، و المعتصر إذا دخل لقضاء حاجته) (6).و المعتصر هو الذي يصيب من الشيء و يأخذ منه.
و عن أبي هريرة قال:جلوس المؤذن بين الأذان و الإقامة سنة (7).
و عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله انهم كانوا إذا أذن المؤذن ابتدروا
ص:389
السواري فصلوا ركعتين (1).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن الحسن بن شهاب (2)،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا بد من قعود بين الأذان و الإقامة» (3).
و في الصحيح،عن سليمان بن جعفر الجعفري،قال:سمعته يقول:«الفرق بين الأذان و الإقامة بجلوس أو ركعتين» (4).
و عن سيف بن عميرة (5)،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:«بين كل أذانين قعدة إلا المغرب،فإن بينهما نفسا» (6).
و عن أبي علي صاحب الأنماط (7)،عن أبي عبد الله و أبي الحسن عليهما السلام
ص:390
كان«يؤذن للظهر على ست ركعات،و يؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر» (1).
قد روي الجلوس بين أذان المغرب و إقامتها،روى الشيخ،عن إسحاق الجريري (2)،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«من جلس فيما بين أذان المغرب و الإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله» (3).
روى الشيخ في الصحيح،عن عبد الله بن مسكان،قال:رأيت أبا عبد الله عليه السلام أذن و أقام من غير أن يفصل بينهما بجلوس (4).
و عن عمار الساباطي،عن أبي عبد الله عليه السلام،سئل ما الذي يجزئ من التسبيح بين الأذان و الإقامة؟قال:«يقول:الحمد لله» (1).
فإن تكلم لم يعده عامدا كان أو ساهيا،إلا أن يتطاول بحيث يخرج عن الموالاة،و كذا لو سكت طويلا يخرج به في العادة عن نظام الموالاة.
و يكره الكلام في الإقامة بغير خلاف بين أهل العلم،روى الشيخ،عن عمرو بن أبي نصر،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السلام:أ يتكلم الرجل في الأذان؟فقال:
«لا بأس»قلت:في الإقامة؟قال:«لا» (2).
و عن سماعة،قال:سألته عن المؤذن يتكلم و هو يؤذن؟قال:«لا بأس حتى يفرغ من أذانه» (3).
و عن أبي هارون المكفوف (4)،قال:قال أبو عبد الله عليه السلام:«يا أبا هارون الإقامة من الصلاة،فإذا أقمت فلا تتكلم و لا تؤم بيدك» (5)و لأنه يستحب حدرها، و أن لا يفرق بينها.
ص:392
الكراهية تتأكد بعد قوله قد قامت الصلاة.و قال الشيخان (1)، و السيد المرتضى:يحرم الكلام حينئذ (2).
لنا:الأصل براءة الذمة.
و ما رواه الشيخ في الصحيح،عن حماد بن عثمان،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل،أ يتكلم بعد ما يقيم الصلاة؟قال:«نعم» (3).
و عن الحسن بن شهاب قال:سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:«لا بأس بأن يتكلم الرجل و هو يقيم الصلاة،و بعد ما يقيم إن شاء» (4).
احتج الشيخ (5)بما رواه ابن أبي عمير،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«إذا قال المؤذن:قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد،إلا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتى و ليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض:تقدم يا فلان» (6).
و في الصحيح،عن محمد بن مسلم،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا تتكلم إذا أقمت الصلاة،فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة» (7).
ص:393
و عن سماعة،قال:أبو عبد الله عليه السلام:«إذا أقام (1)المؤذن الصلاة (2)فقد حرم الكلام،إلا أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام» (3).
و الجواب:ان ذلك محمول على شدة الكراهية،جمعا بين الروايات.
لا خلاف في تسويغ الكلام بعد قد قامت الصلاة إذا كان مما يتعلق بالصلاة،كتقديم إمام أو تسوية صف.
لو تكلم خلال الإقامة استحب له إعادتها،لرواية محمد بن مسلم.
لو جن،أو أغمي عليه،أو نام خلال الأذان،ثمَّ زالت الأوصاف، فإن حصلت الموالاة عادة أتم و إلا أعاد.و كذا لو ارتد في أثنائه،أو بعد الأذان قبل الإقامة،ثمَّ عاد.
و لو تكلم في خلال الأذان يسيرا محرما كالسب و نحوه لم يبطل أذانه،لأنه لا يخل بالمقصود،فكان كالمباح،خلافا لقوم (4).
إجماعا،لعدم الاعتداد بعبادة المجنون، و سقوط التكليف عنه،و الكافر ليس أهلا للأمانة.
و المؤذن مؤتمن،لقول النبي صلى الله عليه و آله:(الإمام ضامن،و المؤذن
ص:394
مؤتمن،اللهم أرشد الأئمة و اغفر للمؤذنين) (1)و فيه دلالة على كونه أهلا للاستغفار.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن عيسى بن عبد الله الهاشمي،عن أبيه، عن جده،عن علي عليه السلام،قال:«المؤذن مؤتمن،و الإمام ضامن» (2).
و عن عمار الساباطي،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:سئل هل يجوز أن يكون الأذان عن غير عارف؟قال:«لا يستقيم الأذان و لا يجوز أن يؤذن به إلا رجل مسلم عارف،فإن علم الأذان فأذن به و لم يكن عارفا لم يجز أذانه و لا إقامته و لا يقتدى به» (3)و هذا حكم متفق عليه بين أهل العلم.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال عطاء، و الشعبي،و ابن أبي ليلي (4)،و الشافعي (5)،و أحمد في إحدى الروايتين (6).
و قال أبو حنيفة:يعتبر فيه البلوغ إذا أذن للرجال.
لنا:ما رواه الجمهور،عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس (7)قال:ان عمومته كانوا يأمرونه بالأذان لهم،و هو غلام لم يحتلم،و أنس بن مالك حاضر لا ينكر (8).
ص:395
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن عبد الله بن سنان،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم» (1).
و عن إسحاق بن عمار،عن أبي عبد الله عليه السلام،عن أبيه ان عليا عليه السلام كان يقول:«لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم» (2)و لأنه ذكر تصح صلاته،فاعتد بأذانه كالبالغ.
احتج المخالف بأنه لا يقبل خبره و لا روايته،فلا يعتد بأذانه (3).و بقوله عليه السلام:(ليؤذن لكم خياركم) (4).
و الجواب عن الأول بمنع صحة القياس،لعدم الجامع فيه،و الفرق ظاهر،لأن إخباره يحتمل الكذب بخلاف إيقاعه للأذان.
و عن الثاني:انه يدل على الأمر بالخيار،و لا يدل على المنع من أذان الصبي.
و الجواب:الفرق ما بينا في الصبي.
و أما استحباب العدالة فلا خلاف فيه،لأنه مؤتمن،و هو وصف منوط بالعدالة، و لأنه لا يؤمن من تطلعه على العورات حال أذانه على مرتفع،و لأنه لا يؤمن أن يغر غيره في الأوقات.
و هو قول كل من يحفظ عنه العلم،لعموم الأمر بالأذان المتناول (1)للحر و العبد على حد واحد،و لأنه يصح أن يؤتم به فيصح أن يعتد بأذانه،لأن تسويغ متابعته في أعلى المرتبتين يقتضي تسويغ متابعته في أدناهما.
و عن أم ورقة (1)ان النبي صلى الله عليه و آله أذن لها أن يؤذن لها و يقام تؤم نساء أهل دارها (2).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن عبد الله بن سنان،قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تؤذن للصلاة؟فقال:«حسن إن فعلت، و إن لم تفعل أجزأها أن تكبر و أن تشهد أن لا إله إلا الله و ان محمدا رسول الله» (3)و لأنها تصح إمامتها لهن،فيجوز أذانها،لأن منصب الإمامة أعظم.
قال علماؤنا:إذا أذنت المرأة أسرت بصوتها لئلا يسمعه الرجال،و هو عورة.
قال الشيخ:انه يعتد بأذانهن للرجال (4).و هو ضعيف،لأنها إن جهرت ارتكبت معصية،و النهي يدل على الفساد،و إلا فلا اجتزاء به،لعدم السماع.
روى الشيخ في الصحيح،عن زرارة،قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:النساء عليهن أذان؟فقال:«إذا شهدت الشهادتين فحسبها» (5).
الخنثى لا يؤذن للرجال،لاحتمال أن يكون امرأة،و لا تؤذن المرأة له، لاحتمال أن يكون رجلا.
و عليه إجماع العلماء،روى
ص:398
الجمهور عن وائل بن حجر (1)ان النبي صلى الله عليه و آله و سلم،قال:(حق و سنة أن لا يؤذن أحد إلا و هو طاهر) (2).
و عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه و آله،قال:(لا يؤذن إلا متوضئ) (3).
ليست الطهارة شرطا في الأذان.ذهب إليه علماؤنا،و أكثر أهل العلم (4).
و قال أحمد في إحدى الروايتين:إن أذن جنبا لم يعتد به (5).و هو قول إسحاق بن راهويه (6).
لنا:ان الجنابة أحد الحدثين،فلا يشترط فقده كالآخر،و لأنه لا يزيد على قراءة القرآن و الطهارة غير شرط فيه.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن عبد الله بن سنان،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا بأس أن تؤذن و أنت على غير طهور،و لا تقيم إلا و أنت على وضوء» (7).
ص:399
و عن إسحاق بن عمار،عن أبي عبد الله عليه السلام،عن أبيه،عن علي عليه السلام قال:«لا بأس أن يؤذن المؤذن و هو جنب،و لا يقيم حتى يغتسل» (1).
احتج المخالف بحديث وائل و أبي هريرة (2).
و الجواب:انه محمول على الاستحباب،لأن عمل المسلمين على خلاف ذلك.
الطهارة في الإقامة أشد استحبابا منها في الأذان،لحديث ابن سنان، و ابن عمار،و الأقرب اشتراط الطهارة فيها للحديثين.
لو أحدث في خلال الأذان تطهر و بني،لأن الحدث لا يمنع منه ابتداء، فكذا استدامة،و لو كان في الإقامة استأنف.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن محمد بن مروان،قال:سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:«المؤذن يغفر له مد صوته بشهادة كل شيء سمعه» (1).
و عن سعد بن طريف (2)،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«من أذن عشر سنين محتسبا يغفر له مد بصره و صوته في السماء،و يصدقه كل رطب و يابس سمعه،و له من كل من يصلي معه في مسجده سهم،و له من كل من يصلي بصوته حسنة» (3).
و في الصحيح،عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله،عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:«إذا أذنت فلا تخفين صوتك،فإن الله يأجرك مد صوتك» (4).
لأنه أبلغ في رفع الصوت،فيكون النفع به أتم.
و قال الشيخ في المبسوط:يكره الأذان في الصومعة.قال:و لا فرق بين أن يكون الأذان في المنارة أو على الأرض (5).و الأولى ما اخترناه من استحباب العلو.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن عبد الله بن سنان،عن أبي عبد الله عليه السلام،
ص:401
قال:كان طول حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله قامة،فكان عليه السلام يقول لبلال:«إذا دخل الوقت اعل فوق الجدار،و ارفع صوتك بالأذان فإن الله عز و جل قد وكل بالأذان ريحا ترفعه إلى السماء» (1).
و قد روى الشيخ،عن علي بن جعفر،قال:سألت أبا الحسن عليه السلام،عن الأذان في المنارة أ سنة هو؟فقال:«إنما كان يؤذن للنبي صلى الله عليه و آله في الأرض و لم يكن يومئذ منارة» (2)و هذا لا ينافي ما ذكرناه من استحباب العلو.
و يتأكد في الإقامة.و هو قول أهل العلم كافة، لأن النبي صلى الله عليه و آله قال لبلال:(قم فأذن) (3).و كان مؤذنوه عليه السلام يؤذنون قياما (4).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن حمران،قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عن الأذان جالسا؟فقال:«لا يؤذن جالسا إلا راكب أو مريض» (5)،و لأن رفع الصوت مع القيام يكون أبلغ.
القيام في الإقامة آكد،روى الشيخ في الصحيح،عن محمد بن مسلم، قال:قلت:يؤذن الرجل و هو قاعد؟قال:«نعم،و لا يقيم إلا و هو قائم» (6).
ص:402
و في الصحيح،عن أحمد بن محمد،عن العبد الصالح عليه السلام،قال:«يؤذن الرجل و هو جالس و لا يقيم إلا و هو قائم» (1).
يجوز له أن يؤذن راكبا،و على الأرض أفضل،و يتأكد في الإقامة،لما رواه الشيخ في الصحيح،عن العبد الصالح عليه السلام،قال:«تؤذن و أنت راكب، و لا تقيم (2)إلا و أنت على الأرض» (3).
يجوز له أن يؤذن و هو ماش،و الوقوف أفضل،و يتأكد في الإقامة،روى الشيخ في الصحيح،عن محمد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام،قال:سألته عن الرجل يؤذن و هو يمشي،أو على ظهر دابته،أو على غير طهور؟فقال:«نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس» (4).
و عن سليمان بن صالح (5)،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«لا يقيم أحدكم الصلاة و هو ماش،و لا راكب،و لا مضطجع إلا أن يكون مريضا،و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة» (6).
و يجوز الإقامة ماشيا،روى ذلك يونس الشيباني (7)،عن أبي عبد الله عليه
ص:403
السلام،قال:قلت له:أؤذن و أنا راكب؟فقال:«نعم»قلت:فأقيم و أنا راكب؟ قال:«لا»قلت:فأقيم و رجلي في الركاب؟قال:«لا»قلت:فأقيم و أنا قاعد؟ قال:«لا»قلت:فأقيم و أنا ماش؟قال:«نعم ماش إلى الصلاة» (1).
و يتأكد في الإقامة.و قال السيد المرتضى:يجوز الأذان بغير وضوء من غير استقبال القبلة إلا في الشهادتين، و الإقامة لا تجوز إلا على وضوء و استقبال القبلة (3).
أما استحباب الاستقبال،فلما تقدم من الأحاديث،كحديث محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام.
و أما عدم الوجوب،فلأنه كيفية لمندوب،فلا يزيد حكمه على حكم أصله.
لنا:ما رواه الجمهور،عن النبي صلى الله عليه و آله ان مؤذنيه كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة (1)،و لأن الاستقبال فيه مستحب إجماعا،فيستحب في أبعاضه.
احتجوا (2)بأن بلالا أذن و التفت يمينا و شمالا إلا عند الحيعلتين (3).
و الجواب:انه معارض بما ذكرناه،و لأنه يحتمل أن يكون فعل ذلك لا لكونه مستحبا،بل لاعتقاد كونه كذلك،أو لأمور آخر.
لأنه أنفع،فالثواب به أكثر،و لما تقدم من الأحاديث الدالة على تقدير الثواب بمقادير بعد الأصوات (4)،و لا يجهد نفسه في رفع صوته،لحصول الضرر بذلك،و المستحب له أن يرفع صوته في جميع فصوله.و لو كان الأذان للحاضرين جاز له إخفاته،بحيث لا يتجاوزهم الصوت.و يستحب أن يكون حسن الصوت،ليكون إقبال الناس عليه أبلغ.
و يستحب أن يكون مبصرا ليأمن الغلط،فإن أذن الأعمى يستحب أن يكون معه من يسدده و يعرفه دخول الوقت،فإن ابن أم مكتوم (5)كان يؤذن للنبي صلى الله عليه و آله و كان أعمى لا ينادي حتى يقال
ص:405
و الجواب:أمر ابن عمر لا يعارض أقوال النبي صلى الله عليه و آله و أهل البيت عليهم السلام،و لو ترك ذلك جاز،و لا يستحب ذلك في الإقامة لعدم النقل.
ذهب إليه علماؤنا.و قال الشافعي:
أحب أن يكون ممن جعل النبي صلى الله عليه و آله فيهم الأذان كأبي محذورة، و سعد (1).
لنا:الأحاديث الدالة على استحباب الأذان،فإنها مطلقة،و التقييد يحتاج (2)إلى دليل،و لم يثبت.
لو تشاح المؤذنون قدم من اجتمع فيه الصفات المرجحة،فإن اتفقت في الجميع أقرع بينهم لعدم الأولوية.
و يؤيده:قول النبي صلى الله عليه و آله:(لو يعلم الناس ما في النداء و الصف الأول،ثمَّ لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه) (3).
قال الشيخ:يجوز أن يكون المؤذنون اثنين اثنين إذا أذنوا أذانا واحدا (4).
و لو أخذ واحد بعد آخر بمعنى أن يبني كل واحد على فصول الآخر لم يكن مستحبا،لأن كل واحد منهما لم يؤذن.و يجوز أن يؤذن جماعة في وقت واحد كل واحد في زاوية من المسجد،و أن يؤذن واحد بعد واحد.و لو احتيج في الإعلام إلى زيادة على اثنين استحب.
يجوز أن يتولى الأذان واحد و الإقامة آخر،فقد روي ان أبا عبد الله عليه
ص:406
له:أصبحت أصبحت،و كان يؤذن بعد أذان بلال (1).
و يستحب أن يكون المؤذن بصيرا بالأوقات ليجتنب الغلط،فإنه إذا لم يكن عالما ربما أذن في غير وقت الصلاة و قلده غيره.و لو أذن الجاهل جاز بلا خلاف،لأن الأعمى يؤذن،فالجاهل أولى.
و هو قول الجمهور إلا أحمد،فإنه قال:يستحب أن يجعل أصابعه مضمومة على أذنيه (2).
لنا:ما رواه الجمهور،عن بلال انه أذن و وضع إصبعيه في أذنيه (3).و عن سعد (4)مؤذن رسول الله صلى الله عليه و آله ان النبي صلى الله عليه و آله أمر بلالا أن يجعل إصبعيه في أذنيه (5).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن الحسن بن السري عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«السنة أن تضع إصبعيك في أذنيك في الأذان» (6).
احتج أحمد بأن ابن عمر كان إذا بعث مؤذنا يقول له:اضمم أصابعك مع كفيك و اجعلها مضمومة على أذنيك (7).
ص:407
السلام كان يقيم بعد أذان غيره،و يؤذن و يقيم غيره،و أن يفارق موضعه،ثمَّ يقيم (1).
قيل:لا يقيم حتى يأذن له الإمام (2)،روى الجمهور،عن علي عليه السلام انه قال:(المؤذن أملك بالأذان و الإمام أملك بالإقامة) (3).
لأنه قد يخل بالمعنى فينصب لفظ رسول الله صلى الله عليه و آله مثلا،فيخرج عن كونه خبرا و يختل به المقصود،و قد يمد لفظة أكبر فيصير بذلك على صيغة«أكبار»و هو جمع كبر،و هو الطبل.
و يستحب له أن يظهر الهاء في لفظتي الله و الصلاة،و الحاء من الفلاح،لما روي عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال:(لا يؤذن لكم من يدغم الهاء) (4)قلنا:و كيف يقول؟قال:(يقول:أشهد أن لا إله إلا الله،أشهد أن محمدا رسول الله).
و يستحب أن يكون فصيحا،و يكره أن يكون ألثغ (5)،فإن لم يتغير به المعنى فلا بأس،فقد قيل:ان بلالا كان يجعل الشين سينا (6).
ذهب إليه أكثر
ص:408
علمائنا (1)،و به قال أبو حنيفة (2)،و الشافعي (3).
و نقل السيد المرتضى في المسائل الطرابلسية،عن بعض علمائنا ان الأذان و الإقامة واجبان على الرجال خاصة دون النساء في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر.
و يجبان عليهم جماعة و فرادى في الفجر،و المغرب،و صلاة الجمعة،و يجب عليهم الإقامة دون الأذان في باقي الصلوات المكتوبات (4).
و ذهب بعض أصحاب الشافعي إلى انهما من فروض الكفاية (5)،و به قال مالك إلا ان مالكا إنما أوجبه في مساجد الجماعة التي يجمع فيها للصلاة (6)،و أحمد أوجبه على أهل المصر و لا يجب على المسافرين (7).
و قال عطاء،و مجاهد:انهما واجبان على الأعيان (8).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال للذي عليه الصلاة:
(إذا أردت الصلاة فأحسن الوضوء،ثمَّ استقبل القبلة فكبر) (9)و لم يأمره بالأذان،و لو كان واجبا لما أخل به،لأنه تأخير للبيان عن وقت الحاجة،و هو غير جائز.
ص:409
و ما رووه،عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال:(الأئمة ضمناء،و المؤذنون أمناء) (1)و الأمانة غير واجبة على المؤتمن.
و ما رووه،عن علقمة و الأسود انهما قالا:دخلنا على عبد الله فصلى بنا بلا أذان و لا إقامة (2).رواه الأثرم.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:سألته عن رجل نسي الأذان و الإقامة حتى دخل في الصلاة؟قال:
«فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة» (3)و لأن الأصل عدم الوجوب،فيقف ثبوته على الشرع،و لأنه مما يعم به البلوى،فلو كان واجبا لاشتهر وجوبه،و لوقع الإنكار بتركه في بعض الأمصار،و لأنه دعاء إلى الصلاة فأشبه قول المؤذن:الصلاة ثلاثا في غير الخمس،و قوله:الصلاة جامعة عندهم.
احتج الموجبون (4)له بما رواه مالك بن الحويرث (5)،قال:أتيت النبي صلى الله عليه و آله أنا و رجل نودعه فقال:(إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما و ليؤمكما أكبركما) (6)و الأمر للوجوب،و لأنه من شعائر الإسلام،فأشبه الجهاد.
و احتج من أوجبه على الكفاية بذلك و على الوصف بأن بلالا كان يؤذن للنبي
ص:410
صلى الله عليه و آله فيكتفي به (1).قال مالك:إنما شرع الأذان للإعلام ليجتمع الناس إلى الصلاة،فتحصل لهم فضيلة الجماعة (2).
و الجواب عن الأول:ان الأمر هنا للاستحباب لما قلناه،و يؤيده الأمر بالإمامة،و هي غير واجبة.
و عن الثاني بالفرق بين الأصل و الفرع،لأن الأصل وضع للدخول في الدين،و هو من أعظم الواجبات،فكان الطريق إليه واجبا،و الأذان وضع للدخول في الجماعة و هي غير واجبة،فالأولى بالوسيلة أن لا تكون واجبة.
قال الشيخ في المبسوط (3)،و السيد المرتضى في بعض كتبه:انهما واجبان في الجماعة (4).و هو قول المفيد رحمة الله (5).
و قال الشيخ في الخلاف:انهما سنتان مؤكدتان على الرجال (6).و هو الأقوى عندي،لما تقدم من الأدلة.
احتج الموجبون بما رواه الشيخ،عن أبي بصير،عن أحدهما عليهما السلام،قال:
سألته أ يجزي أذان واحد؟قال:«إن صليت جماعة لم يجز إلا أذان و إقامة،و إن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك تجزئك إقامة،إلا الفجر و المغرب فإنه ينبغي أن
ص:411
تؤذن فيهما و تقيم،من أجل انه لا تقصر فيهما كما تقصر في سائر الصلوات» (1)و لأن تكبير الجماعة بالأذان أمر مطلوب،و الوجوب طريق صالح.
و الجواب عن الأول:ان في السند علي بن أبي حمزة،و هو واقفي (2)،فلا تعويل على ما ينفرد به مع منافاته للأصل،و لأنه يحتمل الاستحباب،و يدل عليه إلزامه بالإقامة حالة الانفراد،و قد وافقنا الشيخان (3)،و السيد (4)رحمهم الله على عدم وجوبها.
و ربما احتج القائلون بوجوب الإقامة بمثل هذه الرواية،و هي ضعيفة.
قال الشيخ في المبسوط:لو صلى جماعة بغير أذان و إقامة لم تحصل فضيلة الجماعة و الصلاة ماضية (5).
و قال السيد في بعض كتبه بالوجوب (6).و فيه ضعف لما بيناه أولا.
قال فيه:لو قضى جماعة فريضة فإنه وجب الأذان و الإقامة (7).و هو بناء على مذهبه.
و هو قول علماء الإسلام،و يستحب للصلوات الخمس أداء و قضاء،للمنفرد و الجامع على خلاف مضى،و يتأكد استحبابهما فيما يجهر فيه بالقراءة،و آكد ذلك الغداة و المغرب.ذكره الشيخ (8)،لأن في
ص:412
الجهر دلالة على اعتناء (1)الشارع بالتنبيه عليها،و في الأذان زيادة تنبيه،فيتأكد فيها.
و أما التأكيد في المغرب و الغداة فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح،عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:«تجزئك في الصلاة إقامة واحدة إلا الغداة و المغرب» (2).
و عن سماعة،قال:قال أبو عبد الله عليه السلام:«لا تصل الغداة و المغرب إلا بأذان و إقامة و رخص في سائر الصلوات بالإقامة،و الأذان أفضل» (3).
لا يقال:ان هذه الأحاديث تدل على الوجوب.لأنا نمنع ذلك بما تقدم و بما رواه الشيخ في الصحيح،عن عمر بن يزيد،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الإقامة بغير أذان في المغرب؟فقال:«ليس به بأس و ما أحب أن يعتاد» (4).و كذا يتأكد الاستحباب في صلاة الجماعة لما مضى.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن عبيد الله بن علي الحلبي،عن أبي عبد الله عليه السلام،عن أبيه أنه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة و لم يؤذن (5).
و في الصحيح،عن عبد الله بن سنان،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:
«تجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان» (6)و هذا يدل على الاجتزاء بالإقامة للمنفرد،لأن الإعلام غير متحقق في حقه،فلا يتأكد استحباب الأذان
ص:413
هناك.
اجتزؤا بالأذان الأول ما دامت الصفوف باقية،فإن تفرقت أذن الآخرون و أقاموا.قاله الشيخ رحمه الله (1)،و هو قول الحسن البصري،و الشعبي،و النخعي،و عروة (2)،و وجهه ان القصد من الأذان الإعلام و قد حصل،فلا وجه لإعادته.أما مع التفرق فإن صلاته بعد ذلك كالصلاة المستأنفة،فيستحب لها الأذان كغيرها.
و يدل عليه:ما رواه الشيخ،عن أبي بصير،قال:سألته عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلم؟فقال:«ليس عليه أن يعيد الأذان،فليدخل معهم في أذانهم،فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان» (3).
و عن زيد بن علي،عن آبائه،عن علي عليه السلام،قال:«دخل رجلان المسجد و قد صلى الناس،فقال لهما علي عليه السلام:إن شئتما فليؤم أحد كما صاحبه و لا يؤذن و لا يقيم» (4).
في الجماعة و إن لم يكن منهم،لأن القصد الإعلام،و قد حصل.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن أبي مريم الأنصاري قال:صلى بنا أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا إزار و لا رداء و لا أذان و لا إقامة،فلما انصرف قلت له:عافاك الله صليت بنا في قميص بلا إزار و لا رداء و لا أذان و لا إقامة؟فقال:«ان قميصي كثيف فهو يجزئ أن لا يكون على إزار و لا رداء،و إني مررت بجعفر و هو يؤذن و يقيم(فلم
ص:414
و عن عمرو بن خالد،قال:كنا مع أبي جعفر عليه السلام فسمع إقامة جار له في الصلاة،فقال:«قوموا»فقمنا فصلينا معه بغير أذان و لا إقامة،قال:«يجزئكم أذان جاركم» (3).
قال الشيخ:لو أذن بنية الانفراد،ثمَّ أراد أن يصلي جماعة،استحب له الاستئناف (4)،تعويلا على رواية عمار الساباطي،عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:سئل[عن] (5)الرجل يؤذن و يقيم ليصلي وحده فيجيء رجل آخر،فيقول له:
نصلي جماعة،هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان و الإقامة؟قال:«لا و لكن يؤذن و يقيم» (6)و الطريق ضعيف،إلا انها تدل على إعادة ذكر الله تعالى،و هو حسن و ليس النزاع فيه،بل في استحباب إعادة الأذان من حيث هو أذان،لا من حيث هو ذكر الله تعالى.فالأولى الاعتماد على ما تقدم من الأخبار،فإنها تدل على الاجتزاء بأذان غيره إذا كان منفردا،فبأذانه أولى.
و الثاني له:انه يقيم و لا يؤذن (1)،و هو قول مالك (2).
و الثالث:إن رجا اجتماع الناس أذن و إلا فلا.
و قال أبو حنيفة:يؤذن لكل صلاة و يقيم (3).
أما استحباب إعادة الأذان و الإقامة معها فلقوله عليه السلام:«من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته» (4)و قد كان من حكم الفائتة استحباب تقديم الأذان عليها،و كذا قضاؤها.
و ما رواه الشيخ في الموثق،عن عمار الساباطي،عن أبي عبد الله عليه السلام قال:سئل عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان و الإقامة؟قال:«نعم» (5)و لأنهما مسنونان في الأداء.فكذا في القضاء كسائر المسنونات.
و أما الاجتزاء بالأذان في الأول و تعدد الإقامة،فيدل عليه:ما رواه الجمهور،عن أبي عبيدة بن عبد الله (6)،عن أبيه ان المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه و آله عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله،قال:فأمر بلالا فأذن و أقام
ص:416
و صلي الظهر،ثمَّ أمره فأقام و صلى العصر،ثمَّ،أمره فأقام و صلى المغرب،ثمَّ أمره فأقام فصلى العشاء (1).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،في الصحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:«إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء،و كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن فأذن لها و أقم،ثمَّ صلها،ثمَّ صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة» (2)و لأن القصد بالأذان الإعلام،و هو يحصل بالأول.
و أما جواز الاقتصار على إقامة إقامة بغير أذان مبتدأ،فيدل عليه ما رواه الجمهور، عن أبي سعيد ان النبي صلى الله عليه و آله أمر بلالا بالإقامة في كل صلاة و لم يأمره بالأذان (3).
و من طريق الخاصة:ما رواه موسى بن عيسى (4)،قال:كتبت إليه:رجل تجب عليه إعادة الصلاة أ يعيدها بأذان و إقامة؟فكتب عليه السلام:«يعيدها بإقامة» (5)و لأن الأذان وضع للإعلام بأوقات الصلاة و هو مفقود مع الفوات،و الإقامة لاستفتاح الصلاة و هو موجود.
و ما ذكرناه من الأدلة على التفصيل فهو دليل للمخالف على الإطلاق،و لا منافاة إلا في الفتيا.
ص:417
أذن و أقام للأولى منهما و يقيم للأخرى،سواء كان في وقت الأولى أو وقت الثانية.قاله الشيخ (1)،و هو قول أحمد (2).
و قال أبو حنيفة:لا يقيم للثانية (3).
و قال الشافعي:إن جمع بينهما في وقت الأولى أذن و أقام للأولى و أقام للثانية،و إن كان في وقت الثانية فكالفوائت (4).
و قال مالك:يؤذن و يقيم لكل واحدة منهما (5).
لنا:ما رواه الجمهور،عن جابر ان النبي صلى الله عليه و آله جمع بين الظهر و العصر بعرفة،و بين المغرب و العشاء بمزدلفة بأذان و إقامتين (6).رواه مسلم.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن الفضيل و زرارة و غيرهما، عن أبي جعفر عليه السلام،ان رسول الله صلى الله عليه و آله جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين و جمع بين المغرب و العشاء بأذان و إقامتين (7).و لأن الأذان إعلام بدخول الوقت،فإذا صلى في وقت الأولى أذن لوقتها،ثمَّ أقام للأخرى،لأنه لم يدخل وقت يحتاج فيه إلى الإعلام،و إن جمع بينهما في وقت الثانية أذن لوقت الثانية،ثمَّ صلى الأولى،لأنها مترتبة عليها و لا يعاد الأذان للثانية.
احتج أبو حنيفة (8)بأن ابن عمر روى انه صلى مع النبي صلى الله عليه و آله
ص:418
المغرب و العشاء بمزدلفة بإقامة واحدة (1).
و قال الشافعي:إذا جمع في وقت الأولى أذن لها،و إن كان في وقت الثانية فقد فات وقت الاولى،فيكون حكمها حكم الفوائت (2).
و احتج مالك بأن الثانية صلاة شرع لها الأذان،و هي مفعولة في وقتها،فيؤذن لها كالأولى (3).
و الجواب عن ذلك كله بما قدمناه من الأحاديث،فلا مشاحة في ذلك.
قال علماؤنا:يجمع بين الظهرين يوم الجمعة بأذان واحد و إقامتين،لأن يوم الجمعة يجمع بين الصلاتين و يسقط ما بينهما من النوافل،فيكتفي فيهما بأذان واحد.
يجمع بين الظهرين بعرفة بأذان واحد و إقامتين،و كذا بين المغرب و العشاء بمزدلفة.و قد تقدم في حديث الجمهور ذلك.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن ابن سنان،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«السنة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن و يقيم للظهر،ثمَّ يصلي،ثمَّ يقوم فيقيم للعصر بغير أذان،و كذلك في المغرب و العشاء بمزدلفة» (4).
هل الأذان الثاني بدعة؟أما في يوم الجمعة فيأتي،و أما في الموضعين فالأظهر انه كذلك،لرواية ابن سنان.
مضى فيها و لا يرجع، و إن كان ناسيا تداركهما ما لم يركع،و يستقبل صلاته استحبابا.و به قال السيد
ص:419
المرتضى رحمه الله (1).
و قال الشيخ في النهاية:إن تركهما متعمدا انصرف من الصلاة و تداركهما،ثمَّ استأنف صلاته ما لم يركع،و إن كان ناسيا استمر على حالته (2).و لم يفصل في المبسوط،بل أطلق القول بالاستئناف ما لم يركع (3).
و قال ابن أبي عقيل:إن ترك الأذان متعمدا و مستخفا فعليه الإعادة (4).
لنا:انه مع النسيان معذور بالترك،فكان له تداركه قبل الركوع لا بعده،لأنه ركن فلا تبطل الصلاة معه.أما مع العمد فلا يسوغ له إبطال الصلاة الواجبة،لقوله تعالى «وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» (5)و التدارك لا معنى له ها هنا،لأنه تركه ذاكرا، و ليس الأذان من الواجبات بحيث يخل تركه بالصلاة.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن الحلبي،عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:«إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذن و تقيم،ثمَّ ذكرت قبل أن تركع،فانصرف فأذن و أقم و استفتح الصلاة،و إن كنت قد ركعت فأتم على صلاتك» (6)و ليس الأمر ها هنا للوجوب،لأن الأذان في نفسه مستحب،فكيف يجب إبطال الواجب له مع عدم وجوبه ابتداء.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن زرارة،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:قلت
ص:420
له:رجل ينسى الأذان و الإقامة حتى يكبر؟قال:«يمضي على صلاته و لا يعيد» (1).
و عن نعمان الرازي (2)،قال:سمعت أبا عبد الله عليه السلام و سأله أبو عبيدة الحذاء عن حديث رجل نسي أن يؤذن و يقيم حتى كبر و دخل في الصلاة؟قال:«إن كان دخل المسجد و من نيته أن يؤذن و يقيم فليمض في صلاته و لا ينصرف» (3).
و قد روي جواز الانصراف ما لم يقرأ،و مع التلبس بها يتم.رواه الشيخ في الصحيح،عن محمد بن مسلم،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال في الرجل ينسى الأذان و الإقامة حتى يدخل في الصلاة،قال:«إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصل على النبي صلى الله عليه و آله و ليقم،و إن كان قد قرأ فليتم صلاته» (4).
و في الصحيح،عن حسين بن أبي العلاء،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:
سألته عن الرجل يستفتح صلاته المكتوبة،ثمَّ يذكر انه لم يقم؟قال:«فإن ذكر انه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلم على النبي صلى الله عليه و آله و سلم،ثمَّ يقيم و يصلي،و إن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتم على صلاته» (5)و هذا يدل على ان الإقامة كالأذان و الإقامة في الحكم.
ص:421
و قد روي عن ذكريا بن آدم،قال:قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام:جعلت فداك،كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية و أنا في القراءة اني لم أقم فكيف أصنع؟قال:«اسكت موضع قراءتك و قل:قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة،ثمَّ امض في قراءتك و صلاتك و قد تمت صلاتك» (1).و هذا يؤذن بما رويناه أولا من ان الإقامة تنزل منزلة الجزء من الصلاة.
أما لو ذكر بعد الصلاة انه لم يؤذن و لم يقم،لم يعد صلاته إجماعا،لأنها وقعت مشروعة،فلا تستعقب القضاء.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن أبي الصباح،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:
سألته عن الرجل نسي الأذان حتى صلى؟قال:«لا يعيد» (2).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«سألته عن رجل نسي أن يقيم الصلاة حتى انصرف،يعيد صلاته؟قال:«لا يعيدها و لا يعود لمثلها» (3).
و قد روى الشيخ في الصحيح،عن علي بن يقطين،قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل ينسى أن يقيم الصلاة و قد افتتح الصلاة؟قال:«إن كان قد فرغ من صلاته فقد تمت صلاته،و إن لم يكن فرغ من صلاته فليعد» (4).و حمله الشيخ على الاستحباب (5)و هو جيد،لكن مع شرط آخر و هو عدم الدخول في الركوع،لما تقدم من
ص:422
الأحاديث،و لم نقف للشيخ و ابن أبي عقيل على دلالة جيدة فيما ذكراه.
و عليه علماء الإسلام، لأنه وضع للإعلام بدخول الوقت،فلا يجزى قبله،لأنه يخل بمقصوده.
أما الفجر فلا بأس بالأذان قبله.و عليه فتوى علمائنا،و به قال:مالك (1)، و الأوزاعي (2)،و الشافعي (3)،و أحمد (4)،و إسحاق (5).و منع منه أبو حنيفة (6)، و الثوري (7)،و محمد بن الحسن (8).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال:(ان بلالا يؤذن بليل فكلوا و اشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) (9).و في حديث الخاصة:«ان ابن أم مكتوم يؤذن بليل،فإذا سمعتم أذانه فكلوا و اشربوا حتى تسمعوا أذان بلال» (10)و هو
ص:423
الأولى،لأن ابن أم مكتوم كان أعمى.و عنه عليه السلام،انه قال:(ان بلالا يؤذن بليل لينبه نائمكم) (1)و هو دليل الجواز،لما فيه من المداومة و ترك النهي عنه.
و عن زياد بن الحارث الصدائي (2)قال:أمرني النبي صلى الله عليه و آله فأذنت،فجعلت أقول:أقيم يا رسول الله؟و هو ينظر ناحية المشرق و يقول:(لا)حتى طلع الفجر نزل فبرز،ثمَّ انصرف إلي و قد تلاحق أصحابه،فتوضأ،فأراد بلال أن يقيم،فقال النبي صلى الله عليه و آله:(ان أخا صداء قد أذن،و من أذن فهو يقيم).
قال:فأقمت (3).و هذا الحديث كما هو دال على المقصود فهو دال على إبطال من قال:
إنما يجوز ذلك إذا كان له مؤذنان،فإذا زيادا أذن وحده.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن عمران بن علي قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأذان قبل الفجر؟فقال:«إذا كان في جماعة فلا،و إذا كان وحده فلا بأس» (4)و الشرط في الرواية حسن،لأن القصد به الإعلام للاجتماع،و مع الجماعة لا يحتاج إلى الإعلام للتأهب بخلاف المنفرد،و لأنه وقت النوم فتقديم الأذان يفيد التنبه و التأهب للصلاة بخلاف غيرها من الصلوات.
احتج المانع (5)بما رواه بلال أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال له:(لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا،و مد بيده عرضا) (6)و لأن الأذان قبل الفجر يفوت
ص:424
الإعلام بالدخول فلم يجز،كغيرها من الصلوات.
و الجواب عن الأول:انه حديث ضعيف منقطع.قاله ابن عبد البر (1).
و عن الثاني بالفرق الذي ذكرناه.
يستحب لمن أذن قبل الفجر أن يعيدها مع طلوعه.و به قال الشيخ (2).
لتحصل فائدة العلم بالقرب من الأول،و بالدخول من الثاني.
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن ابن سنان،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:قلت له:ان لنا مؤذنا يؤذن بليل،فقال:«ان ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة،و أما السنة فإنه ينادي مع طلوع الفجر،و لا يكون بين الأذان و الإقامة إلا الركعتان» (3).
شرط بعض أهل الظاهر أن يكون مؤذنان،كبلال و ابن أم مكتوم (4)، و ليس صحيحا،لما تقدم في حديث زياد بن الحارث،و لأن العلة في التقديم ثابتة في الصورتين.
ينبغي لمن يؤذن للفجر قبل الوقت أن يجعل لنفسه ضابطا فيؤذن في الليالي كلها في وقت واحد،و لا يؤذن في الوقت تارة و قبله اخرى لعدم الفائدتين،فإنه يحصل اللبس بين قرب الوقت و دخوله،و ربما امتنع المتسحر من سحوره،و المتنفل من عبادته، و كذا لا يقدم الأذان كثيرا في بعض الليالي و قليلا في الأخرى فلا يعلم الوقت بأذانه فتذهب فائدته.
و رخص للمسافر في ترك الأذان و الاجتزاء بالإقامة،لأنه مظنة المشقة.و به قال أكثر أهل العلم (1).و كان ابن عمر يقيم لكل صلاة إقامة إلا الصبح،فإنه يؤذن لها و يقيم و كان يقول:إنما الأذان على الأمير و الإمام الذي يجمع الناس لا على الراعي و أشباهه.و انه كان لا يقيم الصلاة في أرض تقام فيها الصلاة (2).
لنا:ما رواه الجمهور ان النبي صلى الله عليه و آله كان يؤذن له في السفر و الحضر (3).
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن يحيى الحلبي،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«إذا أذنت في أرض فلاة و أقمت صلى خلفك صفان من الملائكة،و إن أقمت قبل أن تؤذن صلى خلفك صف واحد» (4).
و أما الرخصة في السفر بترك الأذان،فلأنه مظنة المشقة،و خفف عنه بعض الواجب،فبعض النفل أولى.
ص:426
و يؤيده:ما رواه الشيخ في الصحيح،عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله،عن أبي عبد الله عليه السلام قال:سمعته يقول:«يقصر الأذان في السفر كما تقصر الصلاة، تجزى إقامة واحدة» (1).
و كلام ابن عمر باطل بما قلناه،و بما رواه عقبة بن عامر،قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول:(يعجب ربك من راعي غنم في رأس الشظية (2)للجبل يؤذن للصلاة و يصلي فيقول الله عز و جل:انظروا إلى عبدي هذا يؤذن و يقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي و أدخلته الجنة) (3).
و قال سلمان الفارسي رحمة الله:إذا كان الرجل بأرض قي (4)فأقام الصلاة صلى خلفه ملكان،فإن أذن و أقام صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى قطراه يركعون بركوعه و يسجدون بسجوده و يؤمنون على دعائه (5).
يكتفي بأذان واحد في المصر إذا كان بحيث يسمعونه.
و يؤيده:ما تقدم من الأحاديث الدالة عليه.و به قال مجاهد،و الشعبي، و النخعي،و عكرمة،و أصحاب الرأي (6).و لو أذن كل واحد كان أفضل.
و هو قول أهل العلم،روى ابي بن كعب،عن رسول الله صلى الله عليه و آله انه قال:(يا بلال،اجعل بين أذانك
ص:427
و إقامتك نفسا يفرغ الآكل من طعامه في مهل و يقضي حاجته في مهل) (1).و لا ريب في استحباب الصلاة في أول الوقت.
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ في حديث ابن سنان،عن أبي عبد الله عليه السلام:«و أما السنة فإنه ينادي مع طلوع الفجر» (2)و لأنه وضع للإعلام بدخول الوقت،و مع التأخير عنه يذهب فضيلة أول الوقت.
لم يعتد بأذانه بل يؤذن لنفسه و يقيم،و إن صلى خلفه،لأنه غير عدل،فلا يوثق بأذانه.
و يؤيده:ما رواه عمار،عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«فإن علم الأذان فأذن به و لم يكن عارف لم يجز أذانه و لا إقامته و لا يقتدى به» (3)فإن خشي فوات الصلاة اقتصر على تكبيرتين،و على قوله:قد قامت الصلاة،لأن ذلك أهم فصول الإقامة.
روى معاذ بن كثير (4).عن أبي عبد الله عليه السلام،قال:«إذا دخل الرجل المسجد و هو لا يأتم بصاحبه و قد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن و أقام أن يركع،فليقل:قد قامت الصلاة،قد قامت الصلاة،الله أكبر،الله أكبر،لا إله إلا الله،و ليدخل في الصلاة» (5).قال الشيخ:و روي انه يقول:حي على خير العمل
ص:428
دفعتين،لأنه لم يقل ذلك (1).
الأذان عند أهل البيت عليهم السلام و حي على لسان جبرئيل عليه السلام علمه رسول الله صلى الله عليه و آله،و عليا عليه السلام،و أطبق الجمهور على خلاف ذلك.
لنا:قوله تعالى «وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى» (2)و لأن مبنى الأمور الشرعية على رعاية المصالح،و هي أمور خفية لا يمكن الاطلاع عليها و لا يعلم تفصيلها إلا الله تعالى،فلا يكون للنبي صلى الله عليه و آله فيها خيرة،و لأن ما هو أقل ثوابا من الأمور المشروعة مستفاد من الوحي،فكيف المهم منها؟! و يؤيده:ما رواه الشيخ في الحسن،عن منصور،عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:«لما هبط جبرئيل عليه السلام بالأذان على رسول الله صلى الله عليه و آله كان رأسه في حجر علي عليه السلام فأذن جبرئيل عليه السلام و أقام،فلما انتبه رسول الله صلى الله عليه و آله،قال:يا علي سمعت؟قال:نعم،قال:حفظت؟قال:نعم، قال:ادع بلالا فعلمه فدعا علي عليه السلام بلالا فعلمه» (3).
و في الصحيح،عن زرارة و الفضيل بن يسار،عن أبي جعفر عليه السلام،قال:
«لما اسري برسول الله صلى الله عليه و آله فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة فأذن جبرئيل عليه السلام و أقام فتقدم رسول الله صلى الله عليه و آله و صف الملائكة و النبيون خلف رسول الله صلى الله عليه و آله»و حكى الأذان الذي قدمناه،ثمَّ قال:
«فأمر بها رسول الله صلى الله عليه و آله بلالا،فلم يزل يؤذن بها حتى قبض الله رسوله
ص:429
صلى الله عليه و آله» (1).
احتجوا (2)بما رواه عبد الله بن زيد،قال:لما أمر رسول الله صلى الله عليه و آله بالناقوس ليجمع (3)به الناس طاف بي و أنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت:يا عبد الله أ تبيع الناقوس؟فقال:و ما تصنع به؟قلت:ندعوا به إلى الصلاة،فقال:ألا أدلك على ما هو خير من ذلك؟قلت:بلى،قال:تقول:الله أكبر،إلى آخر الأذان، ثمَّ استأخر غير بعيد،ثمَّ قال:تقول إذا قمت إلى الصلاة:الله أكبر إلى آخر الإقامة، فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه و آله فأخبرته بما رأيت فقال:(إنها رؤيا حق إن شاء الله،فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به،فإنه أندى صوتا منك) فقمت مع بلال،فجعلت القي عليه و يؤذن،فسمع ذلك عمر بن الخطاب و هو في بيته فخرج يجر رداءه فقال:يا رسول الله و الذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى،فقال رسول الله صلى الله عليه و آله:(فلله الحمد) (4).
و الذي نقله أهل البيت عليهم السلام أصح،لأنهم أعرف بمأخذ الشريعة و أنسب بحال النبي صلى الله عليه و آله،إذ من المستبعد أن يكون مستند النبي صلى الله عليه و آله في مثل هذا إلى منام عبد الله بن زيد.
و الإقامة أفضل من الأذان لكثرة الحث عليها،و اعتناء الشارع بها،و الاكتفاء بها في أكثر المواضع،و إسقاط الأذان،و الجمع بين الأذان و الإقامة أفضل،و الجمع بينهما
ص:430
و بين الإمامة أفضل.قال الشيخ في المبسوط:و الإمامة بانفرادها أفضل من الأذان و الإقامة منفردين عنها،لأن النبي صلى الله عليه و آله تولى الإمامة بنفسه و ولي الأذان و الإقامة غيره (1).و كذلك الأئمة عليهم السلام،و لا يختارون إلا الأفضل.و لأن الإمامة يختار لها الأكمل بخلاف الأذان.
و قال الشافعي:الأذان أفضل من الإمامة (2)لقول النبي صلى الله عليه و آله:
(الإمام ضامن و المؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة و اغفر للمؤذنين) (3)و الأمانة أعلى من الضمان،و المغفرة أعلى من الإرشاد،و الأصل ما قلناه.
قال الشيخ في المبسوط:يجوز أن يعطى المؤذن من بيت المال و من خاص الإمام (4).و قال في الخلاف:لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان (5).و في النهاية قال:
و أخذ الأجرة على الأذان و الصلاة بالناس حرام (6).
و قال الشريف المرتضى:يكره أخذ الأجرة على الأذان (7).و هو قول أبي حنيفة (8)،لأن النبي صلى الله عليه و آله قال لعثمان بن أبي العاص:(و اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا) (9).
ص:431
و من طريق الخاصة:ما رواه الشيخ،عن السكوني،عن جعفر،عن أبيه،عن علي عليه السلام،قال:«آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال:يا علي،إذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك،و لا تتخذن مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا» (1).
و الأقرب أن أخذ الرزق عليه من بيت المال سائغ،و في الأجرة نظر.
و يستحب حكاية قول المؤذن.و هو وفاق بين العلماء،روى الجمهور،عن أبي سعيد ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال:(إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) (2).
و من طريق الخاصة:ما رواه ابن بابويه في الصحيح،عن أبي جعفر عليه السلام انه قال لمحمد بن مسلم:«يا محمد بن مسلم لا تدعن ذكر الله على كل حال،و لو سمعت المنادي ينادي بالأذان و أنت على الخلاء فاذكر الله عز و جل و قل كما يقول [المؤذن]» (3)(4).
قال ابن بابويه:و روي ان من سمع الأذان فقال كما يقول المؤذن زيد في رزقه (5).
و قال الشيخ في المبسوط:و كل من كان خارج الصلاة و سمع المؤذن فينبغي أن
ص:432
يقطع كلامه إن كان متكلما،و إن كان يقرأ القرآن فالأفضل له أن يقطع القرآن و يقول كما يقول المؤذن،عملا بعموم الخبر (1).
و لو دخل المسجد و المؤذن يؤذن ترك صلاة التحية إلى فراغ المؤذن استحبابا، ليجمع (2)بين المندوبين.
قال الشيخ في المبسوط:و لو قاله في الصلاة لم تبطل صلاته إلا في قوله:حي على الصلاة،فإنه متى قال ذلك مع العلم بأنه لا يجوز فسدت صلاته،لأنه ليس بتحميد و لا تكبير بل هو كلام الآدميين،فإن قال بدلا من ذلك،لا حول و لا قوة إلا بالله،لم تبطل صلاته.
قال أيضا:روي انه إذا قال:أشهد أن لا إله إلا الله،يستحب أن يقول:و أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،و ان محمدا عبده و رسوله،رضيت بالله ربا و بالإسلام دينا و بمحمد رسولا،و بالأئمة الطاهرين أئمة.ثمَّ يقول:اللهم رب هذه الدعوة التامة،و الصلاة القائمة،آت محمدا الوسيلة و الفضيلة،و ابعثه المقام المحمود الذي وعدته،و ارزقني شفاعته يوم القيامة.و يقول عند أذان المغرب:اللهم هذا إقبال ليلك و إدبار نهارك و أصوات دعاتك فاغفر لي (3).
قال ابن بابويه:و قال الصادق عليه السلام،من قال حين يسمع أذان الصبح:
اللهم إني أسألك بإقبال نهارك و إدبار ليلك و حضور صلواتك و أصوات دعاتك أن تتوب علي إنك أنت التواب الرحيم.و قال مثل ذلك حين يسمع أذان المغرب،ثمَّ
ص:433
مات من يومه أو من ليلته مات تائبا (1).
و عن الحارث بن المغيرة النصري،عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال:«من سمع المؤذن يقول:أشهد أن لا إله إلا الله،و أشهد ان محمدا رسول الله صلى الله عليه و آله،فقال مصدقا محتسبا:و أنا أشهد أن لا إله إلا الله،و ان محمدا رسول الله أكتفي بهما عن كل من أبي و جحد،و أعين بهما من أقر و شهد.كان له من الأجر عدد من أنكر و جحد،و عدد من أقر و شهد» (2).
و روى في الصحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام قال:«لا يجزئك من الأذان إلا ما أسمعت[نفسك] (3)أو فهمته،و أفصح بالألف و الهاء،و صل على النبي صلى الله عليه و آله كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره» (4).
و قال الشافعي:إذا فرغ من الإقامة (1).
و قال أبو حنيفة:إذا قال حي على الصلاة،فإذا قال قد قامت الصلاة كبر (2).
لنا:أن قوله:قد قامت الصلاة،صورة إخبار ماض يظهر أثره مع الفعل،و قول أبي حنيفة باطل،لتفويت بعض أجزاء الإقامة.
و يؤيده:ما رواه الشيخ،عن حفص بن سالم (3)،قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام إذا قال المؤذن:قد قامت الصلاة،أ يقوم القوم على أرجلهم،أو يجلسون حتى يجيء إمامهم؟قال:«لا،بل يقومون على أرجلهم،فإن جاء إمامهم و إلا فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم» (4).
يولد له ولد،فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله قال:ففعلت فأذهب الله عني سقمي و كثر ولدي.قال محمد بن راشد:و كنت دائم العلة ما أنفك منها في نفسي و جماعة خدمي،فلما سمعت ذلك من هشام عملت به فأذهب الله عني و عن عيالي العلل (1).
و روى ابن بابويه في الصحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السلام انه قال:
«ان أدنى ما يجزى من الأذان أن يفتتح الليل بأذان و إقامة،و يفتتح النهار بأذان و إقامة،و يجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان» (2).
و روى الشيخ،عن عمار الساباطي،قال:سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:«لا بد للمريض أن يؤذن و يقيم إذا أراد الصلاة و لو في نفسه إن لم يقدر على أن يتكلم به»سئل:فإن كان شديد الوجع؟قال:«لا بد من أن يؤذن و يقيم،لأنه لا صلاة إلا بأذان و إقامة» (3)و هذا دليل على شدة اعتناء الشارع بهما لا أنهما واجبان، لما قدمناه أولا.
روى ابن بابويه قال:لما قبض رسول الله صلى الله عليه و آله امتنع بلال من الأذان و قال:لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و ان فاطمة عليها السلام قالت ذات يوم:اني أشتهي أسمع صوت مؤذن أبي عليه السلام بالأذان،فبلغ ذلك بلالا،فأخذ في الأذان،فلما قال:الله أكبر،الله أكبر،ذكرت أباها و أيامه فلم تتمالك من البكاء،فلما بلغ إلى قوله:أشهد ان محمدا رسول الله صلى الله عليه و آله
ص:436
شهقت فاطمة عليها السلام شهقة و سقطت لوجهها و غشي عليها،فقال الناس لبلال:
أمسك يا بلال،فقد فارقت ابنة رسول الله صلى الله عليه و آله الدنيا،و ظنوا انها قد ماتت،فقطع أذانه و لم يتمه،فأفاقت فاطمة عليها السلام و سألته أن يتم الأذان،فلم يفعل و قال لها:يا سيده النساء اني أخشى عليك مما تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان!فأعفته من ذلك (1)و روى أيضا:ان رسول الله صلى الله عليه و آله أذن فكان يقول:أشهد أني رسول الله،و كان يقول تارة:أشهد ان محمدا رسول الله (2).
و ذكر الفضل بن شاذان في العلل،عن الرضا عليه السلام انه قال:«إنما أمر الناس بالأذان لعلل كثيرة،منها ان فيه تذكيرا للساهي،و تنبيها للغافل،و تعريفا لمن جهل الوقت و اشتغل عنه،و يكون المؤذن بذلك داعيا إلى عبادة الخالق و مرغبا فيها، مقرا له بالتوحيد،مجاهرا بالإيمان،معلنا بالإسلام،مؤذنا لمن ينسيها و إنما يقال له:
مؤذن،لأنه يؤذن بالصلاة.و إنما بدأ فيه بالتكبير،و ختم بالتهليل،لأن الله عز و جل أراد أن يكون الابتداء بذكره و اسمه،و اسم الله في أول التكبير في أول الحرف،و في التهليل في آخره،و إنما جعل مثنى مثنى ليكون مكررا في أذان المستمعين،مؤكدا عليهم إن سها أحدهم عن الأول لم يسه عن الثاني،و لأن الصلاة ركعتان ركعتان،فكذلك جعل الأذان مثنى مثنى،و جعل التكبير في أول الأذان أربعا،لأن أول الأذان إنما يبدو غفلة و ليس قبله كلام ينبه المستمع له فجعل الأوليان تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان،و جعل بعد التكبير الشهادتان،لأن أول الإيمان هو التوحيد و الإقرار لله تعالى بالوحدانية،و الثاني الإقرار للرسول صلى الله عليه و آله بالرسالة،و ان طاعتهما و معرفتهما
ص:437
مقرونتان،و لأن أصل الإيمان إنما هو الشهادتان،فعل شهادتين كما جعل في سائر الحقوق شهادتان،فإذا أقر العبد لله عز و جل بالوحدانية،و أقر للرسول صلى الله عليه و آله بالرسالة فقد أقر بجملة الإيمان،لأن أصل الإيمان إنما هو الإقرار بالله و برسوله،و إنما جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة،لأن الأذان إنما وضع لموضع الصلاة و إنما هو نداء إلى الصلاة في وسط الأذان،و دعاء إلى الفلاح و إلى خير العمل،و جعل خاتمة الكلام باسمه كما فتح باسمه (1).
روى الشيخ،عن السكوني،عن جعفر،عن أبيه،عن آبائه،عن علي عليهم السلام،ان النبي صلى الله عليه و آله كان إذا دخل المسجد و بلال يقيم الصلاة جلس (2).
و عن عمران[الحلبي] (3)قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأذان في الفجر قبل الركعتين أو بعدهما؟قال:«إذا كنت إماما تنتظر جماعة فالأذان قبلهما، و إن كنت وحدك فلا يضرك[أ] (4)قبلهما أذنت أو بعدهما» (5).
ص:438