سرشناسه:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق.
عنوان و نام پديدآور: منتهی المطلب فی تحقیق المذهب / للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر؛ تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
مشخصات نشر: مشهد : آستان قدس رضوی بنیاد پژوهش های اسلامی، 1414ق.= 1994م.= -1373
مشخصات ظاهری:15 ج.
شابک:19000 ریال:ج.7: 964-444-293-8
وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری
يادداشت: عربی.
يادداشت:فهرستنویسی براساس جلد ششم.
يادداشت:ج.7 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
یادداشت:نمایه.
موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.
موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه
شناسه افزوده:مجمع البحوث الاسلامية
رده بندی کنگره:BP182/3/ع8م8 1373
رده بندی دیویی:297/342
شماره کتابشناسی ملی:2559784
ص :1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص :2
ص :3
منتهی المطلب فی تحقیق المذهب
للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر
تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
ص :4
ص :5
سرشناسه:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق.
عنوان و نام پديدآور: منتهی المطلب فی تحقیق المذهب / للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر؛ تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
مشخصات نشر: مشهد : آستان قدس رضوی بنیاد پژوهش های اسلامی، 1414ق.= 1994م.= -1373
مشخصات ظاهری:15 ج.
شابک:19000 ریال:ج.7: 964-444-293-8
وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری
يادداشت: عربی.
يادداشت:فهرستنویسی براساس جلد ششم.
يادداشت:ج.7 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
یادداشت:نمایه.
موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.
موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه
شناسه افزوده:مجمع البحوث الاسلامية
رده بندی کنگره:BP182/3/ع8م8 1373
رده بندی دیویی:297/342
شماره کتابشناسی ملی:2559784
ص :6
و فيها بحثان غامضان:
و الثّوريّ:لا تشترط النّيّة في طهارة الماء،و إنّما تشترط للتّيمّم (1).
و قال الحسن بن صالح بن حيّ:ليست النّيّة شرطا في شيء من الطّهارات المائيّة و التّرابيّة (2)،و عن الأوزاعي روايتان:
إحداهما كقول الحسن،و الأخرى كقول أبي حنيفة (3).
لنا:وجوه:
أحدها:ما رواه الجمهور،عن عليّ عليه السّلام،انّه قال:(النّيّة شرط في جميع الطّهارات) (4)و قوله حجّة.
و من طريق الخاصّة:ما روي،عن الرّضا عليه السّلام،قال:(لا قول إلاّ بعمل، و لا عمل إلاّ بنيّة،و لا نيّة إلاّ بإصابة السّنّة) (5).
الثّاني:انّ الوضوء عبادة،و كلّ عبادة بنيّة.
أمّا الصّغرى:فلأنّ أهل اللّغة نصّوا على انّ التّعبّد هو التّذلّل (6)،قال الشّاعر:
و أفردت إفراد البعير المعبّد (7).
أي:المذلّل،و هذا المعنى المشتق منه موجود هنا،فإنّ فعل الطّهارة على وجه
ص:8
الطّاعة نوع تذلّل،فيصدق عليه اللّفظ.و لأنّ التّيمّم عبادة و هو بدل،و البدل بحكم الأصل.
و أمّا الكبرى فيدلّ عليها قوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (1)و الإخلاص هو مراد بالنّيّة.
و قوله تعالى قُلِ اللّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً (2).
و قوله تعالى فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً (3).
الثّالث:الوضوء عمل ضرورة،و كلّ عمل بنيّة،لقوله عليه السّلام:(إنّما الأعمال بالنّيّات،و إنّما لكلّ امرئ ما نوى) (4)اتّفق عليه الجمهور فنفى أن يكون له عمل شرعيّ بدون النّيّة.
الرّابع:قوله تعالى وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (5).
الخامس:قوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا (6)و المفهوم منه في لغة العرب أي:اغسلوا للصّلاة،كما يقال:إذا لقيت الأمير فالبس أهبتك،أي:للقائه، و إذا لقيت العدوّ فخذ سلاحك،أي:لأجل لقائه،و هو كثير النّظائر.
السّادس:لو لم تجب النّيّة في الوضوء لزم أحد الأمرين:إمّا التّسلسل أو خرق
ص:9
الإجماع،و التّالي بقسميه باطل قطعا،فالمقدّم مثله.
بيان الشّرطيّة:انّ الوضوء بقيد عدم النّيّة إمّا أن يكون شرطا أو لا يكون،و على التّقدير الأوّل يلزم خرق الإجماع،و على التّقدير الثّاني إمّا أن لا يكون المسمّى شرطا،أو يكون،و على التّقدير الأوّل يلزم خرق الإجماع،و على التّقدير الثّاني يلزم التّسلسل،لأنّ الكلّي لا يمكن وجوده إلاّ مشخّصا،و قيد الخصوصيّة هما النّيّة و عدمها،فأحدهما شرط للمسمّى،فإمّا أن يكون الشّرط العدم،فيلزم خرق الإجماع،لأنّ شرط الشّرط شرط، و إمّا الوجود،فيلزم المطلوب،و إمّا أن يكون مسمّى ثانيا و ينقل (1)الكلام إليه و ذلك يفضي إلى التّسلسل المحال.
السّابع:أنّها طهارة عن حدث فلا تصحّ بغير نيّة كالتّيمّم.
الثامن:انّها عبادة،فافتقرت إلى النّية كالصّلاة.
و بيان الصّغرى من وجهين:
أحدهما:انّ العبادة هي الفعل المأمور به شرعا من غير اطّراد عرفيّ و لا اقتضاء عقليّ،و الطّهارة كذلك،فإنّها مرادة شرعا ليست ممّا يطّرد بها العرف و لا يقتضيها العقل لانتفاء المصلحة المتأخّرة فيها (2).
الثّاني:انّها تنقسم إلى فرض و نفل،و كلّ ما انقسم إليهما فهو عبادة بالاستقراء.
و بيان الكبرى:انّ العبادة لو صحّت بدون النّيّة فلا تخلو إمّا أن يحصل عليها ثواب أم لا،و القسمان باطلان.
أمّا الأوّل:فلأنّه يلزم منه مخالفة الدّليل و هو قوله عليه السّلام(ليس المؤمن من عمله إلاّ ما نواه) (3)رواه الجمهور،المراد بذلك نفي الثّواب بدون النّيّة.
ص:10
و الثّاني باطل،و إلاّ لزم القبح العقليّ و هو حصول التّكليف من غير عوض، و لأنّه مخالف للعمومات الواردة من جهة الكتاب و السّنّة الدّالّة على الثّواب في كلّ عبادة.
احتجّ:أبو حنيفة بوجوه:
أحدها:قوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا (1)ذكر الشّرائط و لم يذكر النّيّة،فلو كانت شرطا لوجب ذكرها.
الثّاني:أنّه أمر بالغسل،و مقتضى الأمر الإجزاء (2)بفعل المأمور به.
الثّالث:انّ الآية ليس فيها ذكر النّيّة،فلو أوجبناها لكنّا قد زدنا على النّصّ، و الزّيادة على النّصّ نسخ.
الرّابع:أنّها طهارة بالماء،فلا تفتقر إلى النّيّة كغسل النّجاسة.
الخامس:انّها غير عبادة،فلا تفتقر إلى النّيّة كسائر الأفعال الخارجة عن كونها عبادة (3).
و بيان الصّغرى:انّها لو كانت عبادة فإمّا مع النّيّة أو بدونها،و الثّاني باطل لأنّها لو كانت عبادة مع عدم النّيّة بطل قولكم:كلّ عبادة تفتقر إلى النّيّة،و الأوّل باطل أيضا،و إلاّ لبطل قولكم أيضا بافتقار العبادة إلى النّيّة،و إلاّ لزم اشتراط النّيّة بالنّيّة.
فالجواب عن الأوّل:انّه حجّة لنا،لما بيّنّا من أنّ المفهوم منه إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغسلوا للصّلاة (4).و أيضا:فإنّه لم يذكر الشّرائط بل ذكر أركان الوضوء،
ص:11
و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بيّن شرائطه كالتّيمّم.
و عن الثّاني:بما قلناه أوّلا،و أيضا:مقتضى الأمر وجوب الفعل و هو واجب، فاشترط لصحّته شرط آخر،كالتّيمّم.
و عن الثّالث:بما ذكرناه أوّلا،و بالمنع من كون الزّيادة على النّصّ نسخا.
و عن الرّابع:أنّها مع كونها طهارة،هي أيضا عبادة،و العبادة لا تكون إلاّ منويّة،لأنّها قربة إلى اللّه تعالى و طاعة.
و عن الخامس:أن نقول انّها عبادة بدون النّيّة،أي تسمّى عبادة بدونها (1).
قوله:تبطل كلّ عبادة تفتقر إلى النيّة.قلنا:لا نسلّم،فإنّا نقول:انّ العبادة تفتقر إلى النّيّة في التّحصيل و الإيجاد على الوجه المطلوب شرعا،لا انّها تفتقر إليها بأن تكون مصحّحة للإطلاق اللّفظي.سلّمنا،لكنّا نقول:انّها عبادة مع النّيّة.
قوله:يبطل افتقارها إلى النّيّة و إلاّ لزم افتقار العبادة مع النّية إلى النّية.قلنا:
هذا باطل،فإنّه لا يلزم من افتقارها إلى نيّة هي جزؤها،افتقارها مع ذلك الجزء إلى نيّة أخرى ثانية.
لنا:انّها كالتّرك،فلا تفتقر إلى النّيّة.
و قد صرّح بذلك أبو الصّلاح (1)،لأنّها عبادة،فتفتقر إلى النّيّة،و للشّافعيّ وجهان:
أحدهما:كما قلناه،بناء على انّ الميّت لا ينجس،فكان غسله كالطّهارة عن حدث.
و الثاني:عدم الافتقار إلى نيّة (2)،بناء على أنّه ينجس،فصار كغسل النّجاسة.
حتّى تغتسل (3)فإن نوت به إباحة الاستمتاع فالأقرب الإجزاء،و للشّافعيّ وجهان:هذا أحدهما،و الثّاني:لا يجوز (4)،لأنّها من أهل حقّ اللّه تعالى،و الطّهارة فيها حقّ للّه تعالى و حقّ للزّوج،فلا بدّ من نيّتهما معا،لتكلّفها طهارة تصلح للحقّين بخلاف الذّميّة،لأنّها (5)ليست من أهل اللّه تعالى،فاكتفى فيها بنيّة حقّ الزّوج.
،و يبطل تيمّمه،لأنّه نوى به الاستباحة و قد خرج عنها بالرّدّة.
قال أبو حنيفة (1)،و قال الشّافعيّ بالأوّل (2).
لنا:انّه ليس أهلا للتّكليف،و على قول الشّيخ لو بلغ بغير المبطل بعد الطّهارة لم يجب عليه الاستئناف،و كذا لو جامع الصّغيرة فاغتسلت،ثمَّ بلغت.
ثمَّ نسي الاغتسال فأعاد الغسل و غسل ذلك المحل،فالأقوى صحّة غسله،لأنّ الواجب عليه غسل ذلك الجزء و قد حصل.
الطّهارة إشكال
ينشأ من انّها نوت شيئا يستحيل حصوله شرعا فلا عبرة بذلك الوضوء، و من استلزام نيّة الصّلاتين نيّة إحداهما.
و النيّة عبارة عن القصد،يقال:نواك اللّه بخير،أي:قصدك،و نويت السّفر، أي:قصدته و عزمت عليه،و محلّها القلب لأنّه محلّ القصود و الدّواعي،فمتى اعتقد بقلبه أجزأه،سواء تلفّظ بها بلسانه أو لا،و لو نطق بها و لم يخطر بباله لم يجزئه،و لو سبق لسانه إلى غير عزمه و ما اعتقده،لم يمنع صحّة ما اعتقده بقلبه.
و يشترط استحضار نيّة التّقرّب لقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (3)و لا يتحقّق الإخلاص بدون التّقرّب.
و يشترط استباحة شيء لا يستباح إلاّ بها،كالصّلاة،و الطّواف،أو رفع الحدث و هو إزالة المانع من كلّ فعل يفتقر إلى الطّهارة لقوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا (4)أي:للصّلاة على الأقوى،و اكتفى الشّيخ رحمه اللّه في بعض كتبه بنيّة
ص:14
القربة. (1).
لنا:الآية فإنّها تدلّ على نيّة الاستباحة.
و يجب أن تقع مقارنة لغسل الوجه،لأنّه مبدأ للطّهارة،فلو تراخت عنه لوقع غير منويّ.
و يستحبّ إيقاعها عند غسل اليدين للوضوء أمام غسل الوجه.
و تشتمل النّيّة أفعال الطّهارة المسنونة و الواجبة،لأنّ غسل اليدين للوضوء من أفعاله،فجاز إيقاع النّيّة عنده.و جوّز الشّافعيّة ذلك بشرط بقاء الذّكر إلى غسل الوجه (2)،و المعتمد ما قلناه.و يتضيّق عند غسل أوّل جزء من الوجه الّذي هو أوّل واجباته،و لا يجوز تقديمها على غسل اليدين و لو بالزّمن اليسير،خلافا لأحمد (3)،و إلاّ فإن استحضرت حالة الغسل فتلك اخرى مجدّدة و إلاّ وقع غير منويّ فلا يكون مجزيا.
و يجب استدامتها حكما بمعنى انّه لا ينتقل إلى نيّة منافية لها،و لا يشترط الاستمرار حقيقة للمشقّة.نعم،يستحبّ،لتقع جميع الأفعال مقترنة بالنّيّة.
و هل يشترط نيّة الوجوب أو النّدب؟الوجه اشتراطه،لأنّه فعل مشترك فلا يتخصّص إلاّ بالنّيّة،و بالقياس على واجبات العبادات.
إجماعا،لأنّه لم ينو الطّهارة و لا ما يتضمّن نيّتها،فلا تكون حاصلة له،كالّذي لم ينو شيئا.
ص:15
بل من فضله كقراءة القرآن،و النّوم، أو كتابة القرآن،أو الأحاديث،أو الفقه،أو الكون على طهارة،قال الشّيخ:لا يرتفع حدثه (1)،لأنّه لم ينو رفع الحدث و لا ما يتضمّنه،فأشبه ما لو نوى التّبرّد،و فيه للشّافعيّ وجهان (2)،و يمكن أن يقال بارتفاع الحدث كأحد وجهي الشّافعيّ،لأنّه نوى طهارة شرعيّة فينبغي أن يحصل له ما نواه،عملا بالخبر.
و قوله:لم ينو رفع الحدث و لا ما يتضمّنه،ممنوع لأنّه نوى شيئا من ضرورته صحّة الطّهارة و هو الفضيلة الحاصلة لمن فعل ذلك و هو على طهارة،فصحّت طهارته،كما لو نوى ما لا يباح إلاّ بها،أمّا لو نوى وضوءا مطلقا فالوجه عدم الارتفاع،لما قاله الشّيخ، و إن كان فيه نظر من حيث انّ الوضوء و الطّهارة إنّما ينصرفان بالإطلاق إلى المشروع فيكون ناويا لوضوء شرعيّ،إلاّ أنّ الأوّل أصحّ،و هو قول أكثر الشّافعيّة (3).
أحدهما:الإجزاء،لأنّه نوى طهارة شرعيّة فيحصل له.
و الآخر:عدمه،لأنّه لم ينو رفع الحدث و لا ما يتضمّنه،فهو كما لو نوى التّبرّد.
و كذا لو شكّ في الحدث بعد يقين الطّهارة فتوضّأ احتياطا.و لو أغفل لمعة في الطّهارة الواجبة فانغسلت في الثّانية أو أغفلت في الغسلة الأولى فانغسلت في الثّانية فالوجهان.
القرآن ارتفع حدثه
قولا واحدا،لأنّه شرط لذلك كلّه،أمّا لو نوى الاجتياز ففي ارتفاع حدثه إشكال،نصّ الشّيخ على عدمه (4).
ص:16
،و هو أظهر قولي الشّافعيّ (1)،لأنّ التّبرّد (2)يحصل بدون النّيّة فلا يؤثّر هذا الاشتراك فإنّه قد فعل الواجب و زيادة غير منافية،كما لو قصد بالصّلاة،الطّاعة و الخلاص من خصمه،و يحتمل البطلان و هو الوجه الثّاني للشّافعيّ (3)،لأنّه لم يخلص فعله للعبادة.أمّا لو ضمّ إلى الرّفع نيّة الرّياء،فالوجه عندي البطلان،لأنّ الطّاعة لا تخلص طاعة إلاّ بنيّتها،و لم تحصل،فلا يكون ما فعله مجزيا.
خلافا للشّافعيّ فيما لو عزبت بعد اقترانها بغسل اليدين،و وافقنا على الإجزاء لو عزبت بعد اقترانها بغسل الوجه (4).
لنا:انّه أتى بالمأمور به،و هو الطّهارة مع النّيّة،فوجب الاجتزاء (5)به،و لأنّ ما اشترطت له النّيّة لا يبطل بعزوبها و الذّهول عنها كالصّلاة و الصّيام،و الفرق بين ما لو اقترنت بغسل الوجه و غسل اليدين باطل،لأنّهما استويا في كونهما من أفعال الطّهارة المشترطة فيها النّيّة.و لو عزبت عند (6)غسل الوجه،و قد قدّمها عند غسل اليدين،ثمَّ غسل اليدين للتّبرّد،لم يقع عن الوضوء فإن ذكر و رطوبة الوجه باقية،جاز استئناف غسل اليدين بنيّة الوضوء و إلاّ استأنف من أوّله.
ص:17
الأوّل خلافا لبعض الشّافعيّة (1)،لأنّه وقع صحيحا فلا يؤثّر فيه قطع النّيّة،كما لو نوى القطع بعد الفراغ، و ما أتى به من الغسل بعد القطع لا اعتداد به لفقدان شرطه،و لو أعاد النّيّة أعاد ما فعله بغير نيّة،لكن يقع هنا فرق بين الوضوء و الغسل في طول الفصل و قصره،فيجوز في الغسل معهما،و يشترط في الوضوء عدم الطّول المؤدّي إلى الجفاف.
لأنّها وقعت مشروعة،فلا يؤثّر فيها تجدّد الشّك.أمّا لو وقع الشّك في الأثناء استأنف قولا واحدا،لأنّها عبادة مشروطة بالنّيّة و لم تتحقّق.
لأنّه المخاطب بالطّهارة و الوضوء يحصل له،و لا يحصل إلاّ مع النّيّة،و لا اعتبار بالموضّي لأنّه غير مخاطب و لا يحصل له،فأشبه حامل الماء إليه.
لعدم النّيّة منه،و لو وقعت النّيّة منه فهي غير معتبرة إذ من شرطها الإسلام،و لا فرق بين أن يكون ذميّا أو حربيّا.
و قال الشّافعيّ في أحد الوجهين:اجتزاء الذّميّة تحت المسلم بغسلها من الحيض لحقّ الزّوج،فلا يلزمها الإعادة بعد الإسلام (2).
لنا:انّه فعل المأمور به و هو النّيّة و الأفعال،فوجب الاجتزاء و لا يحصل بدون رفع الحدث،فيجوز له الدّخول به في كلّ صلاة واجبة،أو مندوبة،لزوال المانع،و لأنّ هذا إبطال للطّهارة (1)بعد صحّتها من غير حدث،و لا فرق بين أن تكون تلك الصّلاة نفلا أو فرضا.
و هو أحد قولي الشّافعيّ (2)،و لا يجوز لها نيّة رفع الحدث،لأنّه موجود،خلافا للشّافعيّ،فإنّه اشترطه مع نيّة الاستباحة في أحد قوليه (3)،و هو باطل،لأنّه نيّة ما يمتنع حصوله،فإن نوت الرّفع احتمل الصّحّة،لاستلزامه نيّة الاستباحة،و الأقوى البطلان.و كذا المبطون و صاحب السّلس و المتيمّم.
و قال علماؤنا:من يجب عليه الطّهارتان ينوي رفع الحدث إن قدّم الغسل، و الاستباحة إن قدّم الوضوء.و الأقرب أنّ له أن ينوي الرّفع بكلّ منهما.
الحدث،ثمَّ اليمنى كذلك إلى آخر الأعضاء،فالوجه عندي الإجزاء.
و هو أحد قولي الشّافعيّ،و في الآخر:لا يجزئه (4).
لنا:انّه إذا صحّ غسل الوجه بنيّة مطلقة يدخل فيها ضمنا،فلأن يصح بنيّة مقصودة أولى.
احتجّ:بأنّ الوضوء عبادة واحدة(إذ لا يتصوّر) (5)اختصاص بعضها بالبطلان
ص:19
و بعضها بالصّحة،فتصير كالصّلاة (1)،فكما تبطل لو نوى التّكبير،ثمَّ نوى القراءة و هكذا لبطلت صلاته،فكذا الطّهارة.
و الجواب:الفرق فإنّ أركان الصّلاة يرتبط بعضها بالبعض بخلاف أركان الطّهارة.أما لو أتى بالبعض من النّيّة عند غسل الوجه،و البعض عند اليمنى،و هكذا فإنّه تبطل طهارته،لأنّه يحصل بعض الأفعال خاليا عن النّية فلا يكون مجزيا.
و هل يستحبّ في غير الإناء؟إشكال،فإن قلنا به صحّ اقتران النّيّة به و إلاّ فلا.
سواء كان آخر الأحداث أو أوّلها،لأنّ الأحداث تتداخل،فلا يرتفع أحدها إلاّ بارتفاع الجميع،و قد نوى رفع أحدها،فوجب أن يحصل له،فيحصل رفع الجميع.و هو أحد أقوال الشّافعيّ.
و الثّاني:انّه لا يرتفع حدثه،لأنّه لم ينو رفع جميع الأحداث.
و الثّالث:انّه إن كان آخر الأحداث ارتفعت كلّها،لأنّها تداخلت فيما بعدها، و إن كان أوّلها لم يرتفع (3).
فإن كان غالطا صحّ، و إلاّ بطل.
النّدب،
فلو نوى الوجوب أعاد،و لو صلّى به فريضة لم تصحّ.و لو صلّى بطهارات متعدّدة فرائض كثيرة مع تخلّل الحدث،بأن كان يتوضّأ لكلّ فريضة قبل وقتها،أعاد الصّلاة الأولى خاصّة،لبطلانها،فصارت قضاء،و كلّ من عليه قضاء ينوي الوجوب.
ص:20
و هو مذهب علماء الإسلام،قال اللّه تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (1).
و اختلفوا في حدّه،فمذهب أهل البيت عليهم السّلام انّه من قصاص شعر الرّأس إلى الذّقن طولا،و ما دارت عليه الإبهام و الوسطى عرضا.و به قال مالك (2).و قال الشّافعيّ (3)،و أبو حنيفة (4)،و أحمد:ما بين العذار و الاذن من الوجه (5).و ذهب الزّهريّ إلى انّ الأذنين من الوجه (6).و نقل شارح الطّحاويّ،عن أبي يوسف انّه روي عنه (7):إذا نبتت اللّحية زال العذار عن حدّ الوجه.و قال بعض الحنابلة:الصّدغان من الوجه (8).
لنا:انّ الوجه ما يحصل به المواجهة،و هذا لا يواجه به.
و ما رواه الشّيخ في الحسن،عن زرارة قال:قلت له:أخبرني عن حدّ الوجه الّذي ينبغي له أن يوضّأ الّذي قال اللّه عزّ و جل؟فقال:(الوجه الّذي أمر اللّه عزّ و جلّ بغسله الّذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه،إن زاد عليه لم يؤجر،و إن نقص منه أثم:ما دارت عليه السّبّابة و الوسطى و الإبهام من قصاص شعر الرّأس إلى الذّقن،و ما حوت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه،و ما سوى ذلك فليس من الوجه)
ص:21
قلت:الصّدغ من الوجه؟قال:(لا) (1).
و رواه محمّد بن يعقوب (2)،و محمّد بن بابويه في كتابيهما في الصّحيح،و زاد ابن بابويه تعيين المرويّ عنه و هو أبو جعفر الباقر عليه السّلام،و زاد أيضا:قال زرارة:قلت له:أرأيت ما أحاط به الشّعر؟فقال:(كلّما أحاط به الشّعر فليس على العباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجري عليه الماء) (3).
و أيضا لا خلاف في تناول الأمر بالغسل لما ذكرناه (4)،فيكون ما عداه منفيّا (5)بالأصل السّالم عن معارضة اليقين.
و احتجّ الشّافعيّ (6)،و أبو حنيفة (7)،و أحمد بالإجماع (8).
و احتجّ الزّهريّ (9)بما رواه مسلم،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه سجد فقال:
(سجد وجهي للّذي خلقه و شقّ سمعه و بصره) (10)أضاف السّمع إليه كالبصر.
و الجواب عن الأوّل بالمنع من الإجماع مع وقوع الخلاف،و كيف يتحقّق ذلك و أهل البيت عليهم السّلام ردّوا هذا القول،و مالك،و أبو يوسف،و الزّهريّ و غيرهم.
و عن الثّاني بأنّ الإضافة يكفي فيها مجرّد ملابسة ما،و هي حاصلة هنا و هي المجاورة،و لم ينقل أحد أنّ الأذنين مغسولتان بل نقلوا مسحهما،فيكون ما ذكره
ص:22
مدفوعا.على انّه معارض بما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:
(الأذنان من الرّأس) (1)و يبطل قول من قال:الصّدغ من الوجه،ما رواه الجمهور، عن الرّبيع بنت معوذ قالت:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله توضّأ فمسح رأسه و مسح ما أقبل منه و ما أدبر و صدغيه و أذنيه مرّة واحدة (2)فمسحه مع الرّأس و لم ينقل انّه غسله مع الوجه فبطل كونه من الوجه.
يخرج به عن المعتاد أو في الصغر كذلك،
و لا اعتبار أيضا بالأصلع الّذي ينحسر شعره عن مقدّم رأسه،و لا الأنزع،و لا بالأغمّ الّذي ينزل شعره إلى الوجه،بل يجب على كلّ واحد من هؤلاء الرّجوع إلى مستوي الخلقة.و هو قول أكثر أهل العلم عملا بقوله تعالى:
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (3)و هذا خطاب يتوجّه إلى الغالب.
و قال الشّافعيّ:الغمم إن استوعب جميع الجبهة وجب إيصال الماء إليه،و إن لم يستوعب فوجهان (4).
،و هو النّابت على العظم الناتئ الّذي هو سمت الصّماخ،و ما انحطّ عنه إلى وتد الاذن،و ما بينه و بين الاذن من البياض لا على الأمرد و لا على الملتحي،و به قال مالك (5).و قال الشّافعيّ:يجب
ص:23
غسله عليهما (1).و قال أبو يوسف:يجب على الأمرد خاصّة (2).و لا العارض و هو:ما نزل عن حدّ العذار و هو النّابت على اللّحيين.و لا الصّدغ و هو:الشّعر الّذي بعد انتهاء العذار المحاذي لرأس الاذن و نزل عن رأسها قليلا.و لا النّزعتان و هما:ما انحسر عنه الشّعر من الرّأس متصاعدا في جانبي الرّأس.و لا التّحذيف و هو:الشّعر الدّاخل في الوجه ما بين انتهاء العذار و النّزعة المتّصل شعر الرّأس،لأنّ التّكليف بهذه شرعيّ و لا شرع يدلّ على التّكليف بها فلا تكليف.
سواء كانت كثيفة أو خفيفة،و لا يستحبّ أيضا،بل الواجب إن فقد الشّعر غسل هذه المواضع،و إن وجد فإمرار الماء على ظاهر الشّعر.و قال ابن الجنيد:متى خرجت اللّحية و لم تكثر فعلى المتوضّئ غسل الوجه حتّى يستيقن وصول الماء إلى بشرته،لأنّها لم تستر مواضعها (3)،و هو قول الشّافعيّ (4).
و اتّفقوا على استحباب التّخليل إلاّ أبا ثور،فإنّه قال بوجوب إيصال الماء إلى بشرة الوجه و إن كانت كثيفة (5).و هو قول المزني (6).
لنا:ما رواه الجمهور من وصف وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه غسل وجهه ثلاثا،ثمَّ غسل يديه (7)و لم يذكر التّخليل فيكون منفيّا.
ص:24
و أيضا:روى ابن عبّاس،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه توضّأ فغرف غرفة غسل بها وجهه (1)،و من المستحيل إمكان غسل الوجه و إيصال الماء إلى ما تحت الشّعر بكفّ واحد و بالخصوص مع وضوء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأنّه كثيف اللّحية كبيرها (2).
و أيضا:الوجه مأخوذ من المواجهة،و ذلك غير صادق على ما تحت الشّعر.و لأنّه شعر يستر ما تحته بالعادة،فوجب انتقال الفرض إليه قياسا على الرّأس.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قلت له:أرأيت ما كان تحت الشّعر؟قال:(كلّما أحاط به الشّعر فليس على العباد أن يغسلوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجري عليه الماء) (3).و رواه ابن بابويه أيضا في الصّحيح (4).
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:
سألته عن الرّجل يتوضّأ أ يبطن لحيته؟قال:(لا) (5).
و روى،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام انّه قال:(إنّما عليك أن تغسل ما ظهر) (6)و«إنّما»تفيد الحصر.
تحته،فأشبه لحية الرّجل،سواء كانت خفيفة،أو كثيفة،خلافا للشّافعيّ (1).
و هو قول أبي حنيفة (2)،و الشّافعيّ في أحد قوليه (3)،و في القول الآخر:يجب (4)،و به قال مالك (5).
و عن أحمد روايتان (6).و نقل عن أبي حنيفة،أيضا انّ اللّحية النّابتة في محلّ الفرض لا يجب غسلها إذا كانت كثيفة،لأنّ الوجه اسم للبشرة الّتي بها تحصل المواجهة،و الشّعر ليس ببشرة (7)،و ما تحته لا تحصل به المواجهة (8)،و هو أيضا مرويّ عن أبي يوسف (9).لكنّ الأظهر من مذهب أبي حنيفة،انّ عليه غسل الرّبع من اللّحية، قياسا على مسح الرّأس (10).
لنا:انّها ليست من الوجه،و لأنّه شعر خارج عن محلّ الفرض،فأشبه ما لو نزل من شعر الرّأس عنه كالذّؤابتين.
احتجّ (11)الموجبون،بأنّها تسمّى في الشّرع وجها،لما روي انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه
ص:26
و آله رأى رجلا غطّى لحيته في الصّلاة،فقال:(اكشف وجهك فإنّ اللّحية من الوجه) (1)و عرفا،و لهذا يقال:خرج وجهه،أي:لحيته،و لأنّه شعر نابت على موضع مغسول،فيوصل إليه الماء،كالشّارب.
و الجواب عن الأوّل:لعلّ ذلك الرّجل غطّى النّابت في محلّ الفرض لا السّاقط عنه.
و عن الثّاني:بأنّه مجاز في الاستعمال،و لهذا فإنّه لا يطّرد،فلا يقولون:طال وجهه أو عرض أو قصر وجهه لمن حصلت (2)هذه الأوصاف للحيته.
و عن الثّالث:انّ الحكم مضاف إلى المختصّ،و هو انّه شعر غير ساقط عن العضو المفروض،و إلاّ لثبت في محلّ النّقض و هو المسترسل من الرّأس.
فلا يجب غسلهما و لا يستحبّ،و لا يجب مسحهما ما أقبل منهما و ما أدبر،و لا يجوزان.
و قال الجمهور:يمسح الأذنان (3).و قال الزّهريّ:هما من الوجه يغسلان معه (4).
و قال الشّعبيّ،و الحسن البصريّ،و إسحاق:يغسل ما أقبل و يمسح ما أدبر (5).ثمَّ اختلف الشّافعيّ و أبو حنيفة،فقال الشّافعيّ:المستحبّ استئناف ماء جديد لهما (6)،
ص:27
و قال أبو حنيفة:يمسحهما بماء الرّأس (1).و اتّفق أهل العلم على انّ مسحهما غير واجب إلاّ ما يحكى عن إسحاق بن راهويه من إيجاب مسحهما (2).
لنا:انّه تكليف،فيتوقّف على الشّرح و لم يثبت،فاعتقاد فعله بدعة.
و ما رويناه،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام في حدّ الوجه (3).
و ما رويناه عنهم عليهم السّلام من صفة وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (4)، و صفة وضوء أمير المؤمنين عليه السّلام (5)،و لم يمسحا الأذنين.
و ما رواه الشّيخ،عن زرارة،قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام انّ أناسا يقولون:
انّ بطن الأذنين من الوجه،و ظهرهما من الرّأس؟فقال:(ليس عليهما غسل و لا مسح) (6)و في طريقها ابن فضّال و ابن بكير،و فيهما قول (7)،إلاّ انّ إجماع الأصحاب يؤيّد العمل بها،و اعتضادها بالأخبار الأخر.
احتجّوا (8)بما رواه ابن عبّاس،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه مسح رأسه و أذنيه بماء واحد (9).
ص:28
و بما (1)روي،عنه عليه السّلام انّه قال:(الأذنان من الرّأس) (2).
و الجواب عن الأوّل:انّه مدفوع عند الشّافعيّ،و لو كان صحيحا لما خفي عنه، على انّه حكاية فعل و فيه ضعف.
و عن الثّاني بالمنع منه،فإنّ سليمان بن حرب[1]،قال:انّه ليس من كلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و إنّما هو من كلام أبي أمامة[2]راوي الخبر (3).
و قال حمّاد بن زيد[3]:لا أدري هو من قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،أو من قول أبي أمامة (4)،على انّ أصحاب الحديث قد ضعّفوه،فإنّ راويه شهر بن
ص:29
حوشب[1]،و قال شعبة:انّ شهرا رافق رجلا من أهل الشّام فخانه (1).على انّ كونهما من الرّأس لا يدلّ على وجوب مسحهما و لا استحبابه،لما سنبيّن من اختصاص المسح بالمقدّم.
لا يقال:قد روى الشّيخ،عن عليّ بن رئاب[2]،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام:الأذنان من الرّأس؟قال:(نعم)قلت:فإذا مسحت رأسي مسحت اذني؟ قال:(نعم) (2).
لأنّا نقول هذا الحديث مردود بالإجماع على خلافه،و بأنّه(يحمل على التّقيّة) (3)،و رواية يونس،و هو مشترك بين الموثّق كابن عبد الرّحمن[3]و ابن
ص:30
رباط (1)،و المضعّف كابن ظبيان (2)فلا حجّة فيه.
توضّأ الرّجل فليصفق وجهه بالماء
فإنّه إن كان ناعسا فزع و استيقظ،و إن كان البرد فزع و لم يجد البرد) (3).
و ذكر في حديث ضعيف،عن السّكوني،عن جعفر عليه السّلام،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:(لا تضربوا وجوهكم بالماء إذا توضّأتم و لكن شنّوا الماء شنّا) (4)و السّن (5):السّيل،و جمع بينهما بأنّ الأوّل محمول على إباحته و لا يجب خلافه،و الثّاني محمول على أولويّة غيره فلا ينافي.
كرهه (1).
لنا:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة بن أعين قال:حكى لنا أبو جعفر عليه السّلام وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فدعا بقدح من ماء،فأدخل يده اليمنى فأخذ كفّا من ماء،فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه (2).و فعله إذا كان بيانا للمجمل وجب اتّباعه فيه.
و أيضا:نقل عنه عليه السّلام حين أكمل وضوءه انّه قال:(هذا وضوء لا يقبل اللّه الصّلاة إلاّ به) (3).
و أيضا:لا شكّ انّه عليه السّلام توضّأ بيانا،فإن كان قد ابتدأ بأسفل الوجه لزم وجوبه و لا قائل به،و يكون قد فعل المكروه فإنّه وافق على الكراهية و هو منزّه عنه،و إن كان قد غسل من أعلاه وجب اتّباعه.
و احتجّ بإجماع الفرقة و بالأصل (4).
و روى ابن بابويه،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال(افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلّها لا ترى نار جهنّم) (5)و هذا يعطي الاستحباب.و هو أحد قوليّ الشّافعيّ (6)،لأنّ ابن عمر فعله (7).
و الجواب:فعل ابن عمر ليس حجّة،مع انّهم نقلوا وضوء رسول اللّه صلّى اللّه
ص:32
عليه و آله و لم ينقل إدخال الماء إلى العينين،و لأنّ فيه ضررا،و قياسه على المضمضة و الاستنشاق ضعيف،لأنّ داخل الفم و الأنف يتغيّر،بخلاف داخل العين.
يديه أو ظفره،أو قصّه،لم يؤثّر في طهارته.
و هو قول أكثر أهل العلم (1)،و نقل عن ابن جرير[1]،انّ ظهور بشرة الوجه بعد غسل شعره يوجب غسلها (2)،قياسا على ظهور قدم الماسح على الخفّ.
لنا:انّه أتى بالمأمور به،و لأنّه غسل ما هو أصل و هو الشّعر،بدليل انّه لو غسل البشرة دون الشّعر لم يجزه،فأشبه ما لو انكشطت جلدة من الوجه بعد غسله،و قياسه ضعيف،لأنّ الخفّين بدل مجزي عن غسل الرّجلين دونهما بخلاف الشّعر.
و زفر (1).
لنا:ما رواه الجمهور،عن جابر،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا توضّأ أدار الماء إلى مرفقيه (2).و هذا بيان للغسل المأمور به في الآية،فإنّ«إلى»قد تأتي بمعنى«مع»كقوله تعالى وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ (3)و قوله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ (4)و قوله مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن بكير و زرارة ابني أعين أنّهما سألا أبا جعفر عليه السّلام عن وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فدعا بطست أو بتور فيه ماء فغسل كفّيه-إلى قوله-فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع (6).و قد وافق على انّ مبدأ الغاية داخل.
و روى الشّيخ،عن الهيثم بن عروة التّميميّ[1]،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ (7)فقال:(ليس هكذا تنزيلها إنّما هي فاغسلوا وجوهكم و أيديكم من المرافق)ثمَّ أمرّ يده من مرفقه إلى
ص:34
أصابعه (1).و لأنّ الاحتياط يقتضي الوجوب.
احتجّ:زفر (2)بأنّها غاية في الآية،فلا تدخل في ذي الغاية كقوله تعالى ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ (3)و هو ضعيف.
أمّا أوّلا،فبالمنع من كونها غاية،بل بمعنى«مع»لما بيّنّاه (4)من الاستعمال و الاحتياط.
و ثانيا،بالمنع من كون الغاية غير داخلة،فإنّ بعضهم ذهب إلى وجوب الدّخول (5)،و آخرون قالوا بالوقف (6)،بأنّها تارة تدخل و اخرى لا تدخل،فكان مجملا.و قال آخرون:إن كان الحدّ من جنس المحدود دخل،كقوله:بعتك هذا الثّوب من هذا الطّرف إلى هذا الطّرف و إلاّ فلا،كآية الصّيام (7)(8)،و هاهنا المرافق من جنس الأيدي.
احتجّ الشّيخ بابتداء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من المرفق،لما رواه عن زرارة و بكير ابني أعين أنّهما سألا أبا جعفر عليه السّلام عن وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،ثمَّ قال:ثمَّ غمس كفّه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع لا يرد الماء إلى المرفقين (1).
و ما رواه الهيثم بن عروة و قد تقدّمت،و الرّواية الاولى في طريقها عثمان بن عيسى،و الثّانية في طريقها سهل بن زياد،و هما ضعيفان (2).
احتجّ المرتضى بأنّه أتى بالمأمور به،فيجب الإجزاء،لكنّه أتى بالكراهيّة (3).
و للشّيخ أن يقول:إذا كان مكروها لم يفعله النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بيانا،فتعيّن الآخر،فيكون واجبا.و نحن نقول:قد بيّنّا تحريم النّكس في الوجه (4)،فيحرم هنا، لعدم القائل بالفرق.
كالدّهن،بشرط بقاء التّسمية فيه،و ذلك بأن يصدق الجريان على الماء،أمّا المسح فلا،لأنّه بالأوّل يكون ممتثلا بخلاف الثّاني.
و هو قول أهل العلم (5).
لنا:ما رواه الشّيخ،عن رفاعة[1]،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن
ص:36
الأقطع اليد و الرّجل كيف يتوضّأ؟قال:(يغسل ذلك المكان الّذي قطع منه) (1)و رواه ابن يعقوب في كتابه في الحسن،عن رفاعة أيضا (2).
و روى الشّيخ في الحسن،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:
سألته عن الأقطع اليد و الرّجل؟قال:(يغسلهما) (3)و لأنّ غسل الجميع واجب بتقدير وجوده،و ذلك يستلزم وجوب غسل كل عضو،فلا يسقط بعضه بفقدان البعض الآخر.
،لفوات محلّ الغسل.و للشّافعيّ في غسل العظم الباقي-و هو طرف العضد وجهان،أصحّهما عنده الوجوب،لأنّ غسل العظمين المتلاقيين من العضد و المرفق واجب،فإذا زال أحدهما غسل الآخر (4).
و نحن نقول:إنّما وجب غسل طرف العضد توصّلا إلى غسل المرفق،و مع سقوط الأصل انتفى الوجوب.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام،قال:سألته عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضّأ؟قال:(يغسل ما بقي من عضده) (5).
لأنّا نقول:هذه الرّواية منافية للإجماع،فإنّ أحدا لم يوجب غسل العضد،فيحمل على الاستحباب تشبيها بالغاسل.
أمّا لو قطعت يده من فوق المرفق،سقط الغسل إجماعا،لفوات المحل،لكن
ص:37
يستحبّ غسل الباقي،لما تقدّم من الرّواية،و هو قول الشّافعيّ (1).
لتمكّنه،و إن لم يجد إلاّ بأجرة يقدر عليها،فهل يجب ذلك أم لا؟الوجه الوجوب للتمكّن أيضا،كما يلزمه شراء الماء.و قال بعض الجمهور:لا يلزمه،كما لو عجز عن القيام في الصّلاة،لا يلزمه استئجار من يقيمه و يعتمد عليه (2)،و نحن نمنع الأصل.و لو عجز عن الأجرة،أو لم يجد من يستأجره،صلّى على حسب حاله،كفاقد الماء و التّراب،و في وجوب إعادة الصّلاة إشكال.
الفرض،وجب غسله
لأنّه كالجزء منه،فأشبه الثّؤلول (3).و لو كانت فوق المرفق كالعضد،و المرفق لم يجب غسلها،سواء كانت طويلة أو قصيرة،لأنّها خرجت عن محلّ الفرض،فأشبهت شعر الرّأس إذا نزل عن الوجه.و قال الشّافعيّ:إن كان بعضها يحاذي محلّ الفرض غسل المحاذي منه (4)،و ليس بشيء.
جميعا،لأنّ غسل إحداهما متعيّن (5)،و تخصيص إحداهما به ترجيح من غير مرجّح،فوجب الجميع،كما لو تنجّست إحدى يديه،و لم يعلم (6)بعينها.
غسلها
،لأنّ أصلها في محلّ الفرض فأشبهت الإصبع الزّائدة.و لو انقلعت من محلّ
ص:38
الفرض،فتدلّت من غير محلّ الفرض،لم يجب غسلها،قصيرة كانت أو طويلة بلا خلاف،لأنّها في غير محلّ الفرض،كما لا تغسل الإصبع النّابتة في غير محلّه.و لو انقلعت من أحد المحلّين،فالتحم رأسها في الآخر،و بقي وسطها متجافيا،صار حكمها حكم النّابت في المحلّين،يجب غسل ما حاذى محلّ الفرض من ظاهرها و باطنها،و غسل ما تحتها من محلّ الفرض.
لأنّ الطّهارة لم تتعلّق بموضع القطع،و إنّما كانت متعلّقة بما كان ظاهرا من اليد و قد غسله.
لأنّه نادر،و عدمه،كاللّحية،و للشافعيّة الوجهان (1).
إزالته مع عدم الضّرر؟فيه إشكال
،فإنّ لقائل أن يقول:إنّه حائل عمّا يجب غسله، و يمكن إزالته من غير مشقّة فيجب،كالشّمع (2).و يمكن أن يقال:انّه ساتر عادة فكان يجب على النّبي صلّى اللّه عليه و آله بيانه،و لمّا لم يبيّن دلّ على عدم الوجوب،و لأنّه يستر عادة،فأشبه ما يستره الشّعر من الوجه،و الأقرب الأوّل.
،لأنّ كلّ واحد من الوجهين يسمّى وجها،سواء علمت الزّيادة أولا،و سواء حكم الشّارع بوحدته أو بكثرته.
بالنّقل،أو لأنّا نعلم الفرق بين قولنا:مسحت يدي بالمنديل،و مسحت المنديل،في إفادة الأوّل
ص:39
التّبعيض من دون الثّاني،و لأنّه لو لم يفد التّبعيض لم يكن مفهما،لأنّ الإلصاق إنّما يفيده إذا لم يتعدّ الفعل بنفسه،و قول ابن جنّي[1]:انّ الباء لم تفد التّبعيض في لغة العرب،باطل،بالنّقل عن كثير من أهل اللّغة انّها تفيد (1)،و شهادة الإثبات مقدّمة) (2).
المرأة (1)،و حكي عن محمّد بن[مسلمة] (2)من أصحاب مالك،انّه إن ترك قدر الثّلث جاز (3)،و قال غيره من أصحابه:إن ترك يسيرا بغير قصد جاز (4)،و حكي عن المزني انّه قال:يجب مسح جميعه (5).
لنا:قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ (6)و قد بيّنّا انّ الباء للتّبعيض.
و ما رواه الجمهور،عن المغيرة بن شعبة[1]انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مسح بناصيته (7).
و ما رواه سعيد[2]،عن عثمان[10]انّه مسح مقدّم رأسه بيده مرّة واحدة لم
ص:41
يستأنف له ماء جديدا حين حكى وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (1).
و ما رواه أنس بن مالك انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،توضّأ فرفع مقدّم عمامته و أدخل يده تحتها فمسح مقدّم رأسه و لم ينقض العمامة (2).و لا شكّ انّ مسح جميع الرّأس لا يتمّ مع رفع المقدّم.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:ألا تخبرني من أين علمت و قلت انّ المسح ببعض الرّأس و بعض الرّجلين؟فضحك،ثمَّ قال:«يا زرارة،قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:و نزل به الكتاب من اللّه تعالى[لأنّ اللّه تعالى] (3)يقول فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا انّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل،ثمَّ قال وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ثمَّ فصّل بين الكلامين، فقال وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ فعرفنا حين قال:برؤسكم،انّ المسح ببعض الرّأس لمكان الباء،ثمَّ وصل الرّجلين بالرّأس كما وصل اليدين بالوجه،فقال وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فعرفنا حين وصلهما بالرّأس انّ المسح على بعضها،ثمَّ فسّر ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنّاس فضيّعوه،ثمَّ قال فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ فلمّا وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا،لأنّه قال بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ ثمَّ وصل بها وَ أَيْدِيَكُمْ ثمَّ قال مِنْهُ أي من ذلك التّيمّم،لأنّه علم انّ ذلك أجمع لا يجري على الوجه،لأنّه يعلق من ذلك[الصّعيد] (4)ببعض
ص:42
الكفّ،و لا يعلق ببعضها،ثمَّ قال ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ (1)و الحرج الضّيق) (2).
و ما رواه في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
(مسح الرّأس على مقدّمه) (3).
و ما رواه،عن معمّر بن عمر (4)،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:(يجزي من مسح الرّأس[موضع] (5)ثلاث أصابع،و كذلك الرّجل) (6).
و روى ابن يعقوب في الحسن،عن زرارة قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:(المرأة يجزيها من مسح الرّأس أن تمسح مقدّمه قدر ثلاث أصابع و لا تلقى عنها خمارها) (7).
و ما رواه،عن الحسين (8)قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل توضّأ و هو
ص:43
معتمّ،فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد؟فقال:(يدخل إصبعه) (1).
و أيضا:الأصل براءة الذّمّة،و من مسح بعض رأسه يصدق عليه أنّه قد مسح برأسه،كما يقال:مسحت برأس اليتيم.
و أيضا:فهو مسح يسقط في التّيمّم،فوجب أن لا يستحقّ الاستيعاب،كالمسح على الخفّين عندهم.
و أيضا:لا يجب الاستيعاب في المسح،كما لا يجب استيعاب الحلق في التّحلّل، و الجامع،ما اشتركا (2)فيه من كون كلّ واحد منهما حكما مختصّا بالرّأس على وجه العبادة.
احتجّوا (3)بما رووه (4)،عنه عليه السّلام من أنّه توضّأ فمسح رأسه كلّه (5)،و لأنّه لمّا كان كلّ جزء من الرّأس محلاّ للفرض،علم تعلّقه بالجميع،قياسا على سائر الأعضاء.
و الجواب عن الأوّل،بالمنع من صحّته،فإنّ أهل البيت عليهم السّلام أجمعوا على ردّه،و ردّه الشّافعي،و أبو حنيفة،فلو كان صحيحا لما ردّوه.
و أيضا:يحمل على غير الوجوب،جمعا بينه و بين ما نقلوه عنه عليه السّلام من ترك مسح البعض،و لا يمكن أن يقال انّه ترك بعض الواجب (6).
و عن الثّاني،بالمنع من ثبوت العلّة في الفرع،فإنّ عندنا المسح مختصّ بالمقدّم على
ص:44
ما يأتي،و مع هذا فإنّه ينتقض بالمسح على الخفّين،فإنّ كلّ جزء من الخفّ محلّ الفرض،ثمَّ لا يتعلّق الفرض بالجميع،و كذا بخصال الكفّارة المخيّرة.
لأنّ الماهيّة الكلّيّة صادقة على تلك الجزئيّات،و ليس كلّ واحد منها صادقا على الآخر،فما به الاشتراك غير ما ليس به الاشتراك،فالأمر بالماهيّة الكلّيّة الّتي بها الاشتراك،لا يكون أمرا بما به يمتاز كلّ واحد من الجزئيّات،لا بالذّات و لا بالاستلزام.
نعم،يكون أمرا بواحد منها لا بعينه لاستحالة تحصيل الكلّي إلاّ في أحد جزئيّاته.
بل يكفي فيه أقلّ ما يصدق عليه الاسم،و به قال الشّيخ في المبسوط (1).نعم،الأفضل ما يكون مقداره ثلاث أصابع مضمومة،و به قال السّيّد المرتضى في المصباح،و قال في الخلاف:يجب مقدار ثلاث أصابع (2).و هو اختيار ابن بابويه (3)،و أبي حنيفة في إحدى الرّوايتين عنه،و في الرّواية الأخرى:يجزي مسح ربعه لا غير (4).و قال الشّافعيّ:
يجزي ما يقع عليه الاسم،و أقلّه ثلاث شعرات (5).و حكي عنه انّه لو مسح شعرة واحدة
ص:45
أجزأه (1).و ذهب بعض الحنابلة إلى انّ قدر الواجب هو النّاصية (2)،و هو رواية عن أبي حنيفة (3)،و حكي عن أحمد انّه لا يجزي إلاّ مسح أكثره (4).
لنا:قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ و المراد البعض الكلّي الصّادق على الكثير و القليل،و الأمر بالكلّي لا يكون أمرا بشيء من جزئيّاته على التّعيين،فأيّها أوقع أجزأه، و لا حدّ له شرعا،فيقتصر بالإجزاء على أقلّ ما يتناوله الاسم.
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة و بكير ابني أعين أنّهما سألا أبا جعفر عليه السّلام عن وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى أن انتهيا إلى قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ قال عليه السّلام:(فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من قدميه (5)ما بين الكعبين إلى آخر أطراف الأصابع،فقد أجزأه) (6).
و روى الشّيخ،عن حمّاد بن عيسى[1]بإسناد صحيح،عن بعض أصحابه،عن أحدهما عليهما السّلام في الرّجل يتوضّأ و عليه العمامة؟قال:(يرفع العمامة قدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدّم رأسه) (7)و هذا الحديث و إن كان مرسلا إلاّ انّ الأصل
ص:46
يعضده.على انّ ابن يعقوب رواه في كتابه،عن حمّاد،عن الحسين،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (1)،و رواه السّيّد المرتضى في الخلاف،عن حمّاد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.و الحاصل انّ حمّاد أرسله تارة،و أسنده أخرى،فيكون حكمه حكم الرّوايتين، فيعمل بالمسند.
لا يقال:انّهما روايتان في واقعة واحدة،فيقع التّعارض.
لأنّا نقول:ليسا في واقعة،لأنّ الرّواية الأولى عن أحدهما عليهما السّلام، فيحتمل انّه أبو جعفر الباقر عليه السّلام.على انّهما لو كانا واحدا،لجاز سماعه من ثقة تارة،و منه عليه السّلام أخرى،فإنّ باتّحاد المرويّ عنه،لا يحصل اتّحاد الواقعة،على انّ السّيّد المرتضى روى عن حمّاد،انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام،فكيف يقع الاتّحاد.
لا يقال:يعارض هذه الأدلّة ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام انّه قال:(المرأة يجزيها من مسح الرّأس أن تمسح مقدّمه قدر ثلاث أصابع و لا تلقى عنها خمارها) (2)و الإجزاء إنّما يفهم في أقلّ الواجب.
لأنّا نقول:لا نسلّم انّه إنّما يفهم في أقلّ الواجب.نعم،لا شكّ انّه الأغلب.
على انّه يحتمل عود الإجزاء إلى عدم إلقاء الخمار،و هو الأولى،لما رواه الشيخ،عن عبد اللّه[1]بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام،عن أبيه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:(لا تمسح المرأة بالرّأس كما يمسح الرّجال، إنّما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها و تضع الخمار عنها،فإذا كان الظّهر و العصر
ص:47
و المغرب و العشاء تمسح بناصيتها) (1).
احتجّ أبو حنيفة بأنّ المسح أمر مقصود،و الأمر به أمر باستعمال الآلة الّتي هي اليد،فكأنّها مذكورة دلالة،و الاقتضاء لا عموم له،فيثبت (2)بقدر ما يدفع به الضّرورة و هو الأدنى،و ثلاث أصابع اليد أدنى الآلة،لأنّه يقوم مقام كلّ اليد،لأنّه أكثر اليد إلاّ انّه دون كلّه،فيصير مأمورا باستعمال هذا القدر ضرورة (3).
و الجواب:لا نسلّم أنّ الآلة هي اليد بل بعضها،سلّمنا،لكن لا نسلّم انّ أدنى اليد ثلاث أصابع،و كيف يصحّ منه ذلك و من مذهبه انّه لو مسح بإصبع واحدة ثلاث مرّات باستئناف ماء مقدار ثلاث أصابع أجزأه،فليس المعتبر حينئذ الآلة بل قدر الممسوح،فسقط ما قاله بالكلّيّة.
،فذهب قوم إلى انّ القدر الزّائد عليه يوصف بالوجوب،و المحقّقون منعوا من ذلك،فإنّ الواجب هو الذي لا يجوز تركه،و هذه الزّيادة يجوز تركها،فلا تكون واجبة.
و لا يعارض هذا:ما رواه الشّيخ،عن الحسين بن عبد اللّه[1]،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يمسح رأسه من خلفه و عليه عمامة بإصبعه أ يجزيه؟ فقال:(نعم) (1)لوجهين:
أحدهما:انّ الرّاوي لا يحضرنا الآن حال ثقته و عدمها.
الثّاني:انّه لا يمتنع أن يدخل الرّجل إصبعه من خلفه و يمسح المقدّم،و يمكن أن يخرج ذلك مخرج التّقيّة.
و ممّا يعضد ما ذكرناه:ما رواه الشّيخ،عن محمّد بن مسلم،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:(امسح على مقدّمه) (2).
.و هو مذهب الشّيخ في المبسوط،و قال في الخلاف بالتّحريم (3).
لنا:انّه امتثل الأمر بالمسح،فوجب الإجزاء.
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن حمّاد بن عثمان[2]،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،
ص:49
قال:(لا بأس أن يمسح الوضوء مقبلا و مدبرا) (1)و لأنّ أبا جعفر عليه السّلام لمّا حكى وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،ذكر البدأة بالمرفقين لما كان واجبا،و أهمل كيفيّة المسح و بل قال:(ثمَّ مسح رأسه و قدميه) (2)(3).
و في رواية أخرى:(ثمَّ مسح ببقيّة ما بقي في يديه رأسه و رجليه) (4).
و لو كان استقبال الشّعر حراما لوجب بيانه،لأنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
،خلافا لبعض الجمهور،حيث ذهب إلى وجوب المسح على الشّعر (5).
لنا:قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ (6)و هو يتناول البشرة حقيقة،و إنّما صيّر إلى الشّعر لمحلّ الضرورة،فعلى تقدير التّوصّل وجب الإجزاء.
احتجّ المخالف بأنّ الفرض قد انتقل إلى الشعر،كما انتقل في غسل اللّحية، فكما لم يجزئه هناك غسل الباطن فكذا هنا.
و الجواب:إنّما اعتبرنا الظّاهر في اللّحية،لانتقال اسم الوجه إليه،و زواله عن البشرة،بخلاف الرّأس الّذي اسمه لازم مع ستره بالشّعر فافترقا.
كالعمامة.و هو مذهب علمائنا
ص:50
أجمع،و به قال الشّافعيّ (1)،و مالك (2)،و أبو حنيفة (3).و قال الثّوريّ، و الأوزاعيّ (4)،و أحمد (5)،و داود،و إسحاق:يجوز ذلك (6)،إلاّ انّ أحمد،و الأوزاعيّ قالا:إنّما يجوز إذا لبسها على طهارة.و قال بعض أصحاب أحمد:إنّما يجوز ذلك إذا كانت تحت الحنك (7).
لنا:قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ و الباء إمّا للإلصاق أو للتّبعيض،و على كلا التّقديرين يجب المسح على البشرة ما لم تكن ضرورة مانعة كالشّعر.
و ما رواه الجمهور من صفة وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه مسح برأسه (8).
ص:51
و روى الشّيخ،عن حمّاد،عن الحسين قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
رجل توضّأ و هو معتمّ فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد؟فقال:«ليدخل إصبعه» (1).
يكون رقيقا
لا يمنع،عملا بالآية.و قال أبو حنيفة:إن (2)كان رقيقا ينفذ الماء منه و يبلغ ربع الرّأس أجزأه (3)،و هذا بناء على أصله من استئناف الماء.
و يتأكّد في المغرب و الصّبح،لما رواه الشّيخ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،و قد تقدّم في حديث عبد اللّه بن الحسين بن زيد (4).
المقدّم
لأنّه حائل غير ضروريّ،فأشبه العمامة.
و لو خضب رأسه بما يستره،أو طيّنه بساتر،لم يجز المسح على الخضاب و الطّين، لأنّه لم يمسح على محلّ الفرض،فأشبه المسح على العمامة.
لحصول الامتثال بالمسح على الرّأس.و نقل الشّيخ،عن الشّافعيّ عدم الجواز (6)،و هو ضعيف.
ص:52
،و لا يجوز الاستئناف، و أوجب الجمهور الاستئناف (1)إلاّ مالكا (2)،فإنّه أجاز المسح بالبقيّة،و هو منقول عن الحسن،و عروة،و الأوزاعي (3).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عثمان قال:مسح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مقدّم رأسه بيده مرّة واحدة و لم يستأنف له ماء جديدا (4).
و من طريق الخاصّة،ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة بن أعين،قال:حكى لنا أبو جعفر عليه السّلام وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى أن قال:(ثمَّ مسح ببقيّة ما بقي في يديه رأسه و رجليه و لم يعدها في الإناء) (5).
و روى،عن بكير و زرارة أيضا،عن أبي جعفر عليه السّلام صفة وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى أن قال:(ثمَّ مسح رأسه و قدميه إلى الكعبين بفضل كفّيه،لم يجدّد ماء) (6).و فعله عليه السّلام بيان للمجمل،فيكون واجبا.
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن أبي عبيدة الحذّاء قال:وضّأت أبا جعفر عليه السّلام بجمع و قد بال و ناولته ماء فاستنجى،ثمَّ صببت عليه كفّا فغسل به وجهه، و كفّا غسل به ذراعه الأيمن،و كفّا غسل به ذراعه الأيسر،ثمَّ مسح بفضل اليد رأسه
ص:53
و رجليه (1).
قال ابن الجنيد من أصحابنا:إذا كان بيد المتطهّر نداوة يستبقيها من غسل يده، مسح بيمينه رأسه و رجله اليمنى،و بيده اليسرى رجله اليسرى،و إن لم يستبق ذلك أخذ ماء جديدا لرأسه و رجليه (2).و ذلك ظاهر في جواز الاستئناف.
احتجّ بما رواه معمّر بن خلاد،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام أ يجزي الرّجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه فقال:(برأسه لا)فقلت:أ بماء جديد؟فقال:(برأسه، نعم)رواه الشّيخ في الصّحيح (3).
و بما رواه في الصّحيح،عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مسح الرّأس قلت:أمسح بما في يدي[من الندى] (4)رأسي؟قال(لا بل تضع يدك في الماء،ثمَّ تمسح) (5).
قال الشّيخ:و هذان محمولان على التّقيّة،و معارضان بالأحاديث المتقدّمة (6)، و بوجوب الموالاة المستدعية لعدم الاستئناف،بخلاف غسل اليدين الّذي لا يمكن إلاّ به و بالاحتياط.
و به قال علماؤنا أجمع،و قال
ص:54
الشّافعي بالجواز (1)،و هو أحد قولي أحمد (2).
لنا:انّ الواجب المسح،فلا يجزي ما غايره كالغسل.
و ما رواه الجمهور في صفة وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه مسح و أمر بالمسح (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لي:(لو أنّك توضّأت فجعلت مسح الرّجلين غسلا،ثمَّ أضمرت انّ ذلك من المفروض لم يكن بوضوء) (4).
و ما رواه،عن محمّد بن مروان[1]قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:(انّه يأتي على الرّجل ستّون و سبعون سنة ما قبل اللّه منه صلاة)قلت:و كيف ذلك؟قال:(لأنّه يغسل ما أمر اللّه بمسحه) (5).
،فإن لم يبق في يديه، أخذ من لحيته و أشفار عينيه و حاجبيه و مسح،و لو لم يبق أعاد،لما رواه الشّيخ،عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،في الرّجل ينسى مسح رأسه حتّى يدخل في الصّلاة؟قال:(إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل ذلك
ص:55
و ليصلّ) (1).
و روى في الحسن،عن الحلبي،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:(و يكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من لحيتك بللها إذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به مقدّم رأسك) (2)قاله في الذّاكر للتّرك.
و روى في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:(فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللا فامسح بها عليه و على ظهر قدميك) (3)و لأنّه ماء الوضوء،فأشبه ما لو كان على اليد،إذ الاعتبار بالبقيّة لا بمحلّها.و لا فرق بين أن يكون ذلك البلل بقيّة الغسلة الأولى أو الثّانية،لأنّ كلّ واحد منهما ماء الوضوء.
عندنا قولا واحدا، لأنّه ماء جديد.
و القائلون بجواز الاستيناف اختلفوا،فذهب بعضهم إلى الجواز،لأنّه فعل المأمور به،و آخرون منعوا (4)،و هو الأصحّ،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مسح بيده.
و لو وضع على رأسه خرقة مبلولة،فابتلّ بها رأسه،أو وضع خرقة،ثمَّ بلّها حتّى ابتلّ شعره،لم يجزئه قولا واحدا،لأنّ ذلك ليس بمسح و لا غسل.
عندنا،لأنّ الاعتبار بأقلّ الاسم.
و أمّا من قال من أصحابنا بوجوب ثلاث أصابع،فإنّه لا يجزئه إلاّ إذا مسح بها ما
ص:56
يجب مسحه (1)،فالأولى على قولهم الإجزاء،لأنّ السّيّد احتجّ بما رواه معمّر بن عمر، عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:(يجزي من مسح الرّأس موضع ثلاث أصابع) (2).
أمّا الجمهور الموجبون لمقدار (3)ثلاث أصابع،فقد اختلفوا هاهنا،فقال زفر بالجواز (4).و قال أحمد:يجوز (5).و إن كان الواجب عنده مسح جميع الرّأس إذا استوعبه (6)بالإصبع.و قال أبو حنيفة:لا يجوز (7).و الخلاف ينشأ من كون المستعمل طهورا أم لا.
خلافا للشّافعيّ (8)لأنّ عثمان نقل في وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كيفيّة المسح،و لم ينقل مسح الجميع بل المقدّم (9).
و من طريق الخاصّة:ما وصفه أبو جعفر عليه السّلام من وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (10)،فإذا لم يفعله كان غير موظّف شرعا،فلا اعتداد به.
ص:57
لأنّه ماء مستأنف،و الشّرط استعمال الماء الباقي من نداوة الوضوء.و قال أبو حنيفة:إذا أصاب مقدار ثلاث أصابع أجزأه،مسحه باليد أو لم يمسحه (1).و هو ضعيف لما قلناه،و لو سلّمنا (2)لكنّ الواجب المسح و لم يحصل.
قال شارح الطّحاويّ:ليس عند أصحابنا المتقدّمين فيه رواية،قال:و عن الفقيه أبي جعفر الهندوانيّ[1]انّه قال:يمسح على العنق.و قال الشّافعي:يستحبّ المسح على الرّقبة (3).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عثمان في صفة وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لم يذكر فيه العنق و لا الرّقبة،و رووه أيضا عنه عليه السّلام و قال عقيب ذلك:(فمن زاد أو نقص فقد تعدّى) (4)عقيب وضوئه ثلاثا.
فنقول:المراد بالتّعدّي:التّجاوز عن محالّ الوضوء و أمكنته لا العدد،لأنّ نقص العدد جائز اتّفاقا،فإنّ الواجب مرّة واحدة.
ذهب إليه علماؤنا أجمع.و قال الشّافعيّ:
ص:58
حكم الأذنين منفرد عن الرّأس و الوجه،فيأخذ لهما ماء جديدا يمسح به ظاهرهما و باطنهما (1)،و حكى ذلك عن ابن عمر،و به قال أبو ثور (2).و قال مالك:هما من الرّأس،و يستحب أن يأخذ لهما ماء جديدا (3)،و قال أحمد:هما من الرّأس،و يجب مسحهما (4)على الرّواية التي توجب استيعاب الرّأس (5)،و يجزي أن يمسحهما بماء الرّأس،و روى الجمهور،عن عبد اللّه بن عبّاس انّهما من الرّأس يمسحان بماء الرّأس (6).و به قال عطاء،و الحسن البصريّ (7)،و من الفقهاء:الأوزاعي (8)،و أبو حنيفة،و أصحابه (9).و قال الزّهريّ:هما من الوجه (10).و ذهب الشّعبيّ،و الحسن بن صالح بن حيّ إلى انّه يغسل ما أقبل و يمسح ما أدبر منهما مع الرّأس (11).
ص:59
لنا:ما رواه الجمهور في حديث عثمان حيث نقل صفة وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و لم ينقلهما (1).
و من طريق الخاصّة:ما روي عنهما عليهما السّلام من صفة وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و لم يذكر الأذنين (2).
و ما رواه زرارة قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام انّ أناسا يقولون انّ الأذنين من الوجه،و ظهرهما من الرّأس،فقال:(ليس عليهما غسل و لا مسح) (3).
لأنّه لم يأت بالواجب و هو المسح و هو أحد وجهي الشّافعي (4).
و لو مسح بيده على شعر جعد-كالزّنج-فإن كان يخرج بالمدّ عن محلّ الفرض لم يجزئه.
ليس شيء من ابن آدم أقرب من الخبث من قدميه،فقال أنس:صدق اللّه و كذب الحجّاج و تلا قوله فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (1)(2).
و قال الشّعبي:الوضوء مغسولان و ممسوحان.و به قال أبو العالية،و عكرمة (3)، و قال أبو الحسن البصريّ،و ابن جرير الطّبريّ،و أبو عليّ الجبائيّ:بالتّخيير بين المسح و الغسل (4).و قال الفقهاء الأربعة و باقي الجمهور:الواجب الغسل دون المسح (5).
و قال داود:يجب الغسل و المسح معا (6).
لنا:وجوه:
الأوّل:قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ بالجرّ في قراءة ابن كثير[1]،
ص:61
و أبي عمرو[1]،و حمزة[2]،و في رواية أبي بكر[3]عن عاصم[4] (1).و ذلك لا يصحّ إلاّ مع العطف على المجرور و هو الرّؤوس،فيجب المشاركة في الحكم،لاتّفاق أهل اللّغة على انّ الواو مشتركة في الإعراب و المعنى.
لا يقال:الجرّ لا يقتضي العطف على المجرور،لجواز العطف على الأيدي و الجرّ بالمجاورة،فإنّه قد جاء في كلام العرب الجرّ على المجاورة كثيرا كقولهم:جحر ضبّ خرب،و الخرب صفة الجحر (2)المرفوع.
و قال الشّاعر:
كأنّ ثبيرا في عرانين و بله كبير أناس في بجاد مزمّل
و المزّمل من صفات الكبير لا البجاد.
لأنّا نقول هذا باطل من وجوه:
ص:62
أمّا أوّلا:فلأنّ أهل العربيّة نصّوا على انّ الأعراب بالمجاورة لا يقاس عليه،و إذا خرج إلى هذا الحدّ في الشّذوذ،استحال حمل كلام اللّه تعالى عليه.
و أمّا ثانيا:فلأنّ الأخفش[1]،قال:انّه لم يرد الإعراب بالمجاورة في كتاب اللّه تعالى.فكيف يصحّ حمله عليه مع إنكار مثل هذا الرّجل له.
و أمّا ثالثا:فلأنّ الإعراب بالمجاورة إنّما يسوغ في موضع يزول فيه الاشتباه،كما في المثل و البيت،أمّا في مثل هذه الآية فلا.
و أمّا رابعا:فلأنّ المجاورة إنّما تصحّ مع عدم حرف العطف،كما في المثال و البيت،أمّا مع وجوده فلا.
و قوله تعالى وَ حُورٌ عِينٌ (1)على قراءة من قرأ بالجرّ ليس من هذا الباب،قال أبو عليّ الفارسي[2]في كتابه الحجّة:هو عطف على قوله أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ (2)و يكون قد حذف المضاف،و تقديره:أولئك في جنّات النّعيم و في مقارنة حور عين أو في معاشرة حور عين (3).و هذا الوجه حسن على انّ أكثر القرّاء قرؤا
ص:63
بالرّفع (1)،و لم يقرأه بالجرّ غير حمزة و الكسائيّ[1] (2).
لا يقال:قد قرئ بالنّصب و ذلك يقتضي العطف على الأيدي.
لأنّا نقول:لا نسلّم انّ النّصب يوجب العطف على الأيدي،بل كما يجوز العطف عليها يجوز العطف على محلّ الرّؤس،و العطف على الموضع مشهور عند أهل اللّغة، فإن قلت:العطف على اللّفظ أولى،قلت:لا نسلّم الأولويّة،سلّمنا،لكن يعارضها أولويّتان.
إحداهما:القرب،و هو معتبر في اللّغة فإنّهم اتّفقوا على انّ قولهم:ضربت فضلي سعدى،انّ الأقرب فاعل،و لو عطفت بشرى (3)أيضا،لكان عطفا على المفعول للقرب،و كذلك جعلوا أقرب الفعلين إلى المعمول عاملا بخلاف الأبعد،و ذلك معلوم من لغتهم،و مع العطف على لفظ الأيدي تفوت هذه الأولويّة.
الثّانية:أنّه من المستقبح في لغة العرب الانتقال من حكم قبل تمامه إلى حكم آخر غير مشارك له و لا مناسب.على انّا نقول:العطف هاهنا على لفظ الأيدي ممتنع،لأنّ معه تبطل قراءة الجرّ،للتّنافي بينهما،و مع العطف على الموضع يحصل الجمع،فيجب المصير إليه.و من العجائب،ترجيح الغسل لقراءة النّصب مع عدم دلالتها و إمكان حملها على أمر سائغ على المسح المستفاد من قراءة الجرّ،و حمل الجرّ على أمر ممتنع.
الثّاني:ما رواه الجمهور،عن أوس بن أبي أوس الثّقفيّ[2]انّه رأى النّبيّ صلّى
ص:64
اللّه عليه و آله أتى كظامة قوم بالطّائف فتوضّأ و مسح على قدميه (1).
و ما رووه،عن ابن عبّاس انّه وصف وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فمسح على رجليه (2).
و ما رووه،عن أمير المؤمنين عليه السّلام و ابن عبّاس،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه توضّأ و مسح على قدميه و نعليه (3).
الثّالث:ما رووه،عن الصّحابة كعليّ عليه السّلام فإنّه قال:(ما نزل القرآن إلاّ بالمسح) (4)و ابن عبّاس،فإنّه قال:انّ كتاب اللّه المسح،و يأبى النّاس إلاّ الغسل (5)و غير ذلك من الأخبار الدّالّة على عمل الصّحابة بالمسح،و عملهم حجّة.
الرّابع:ما رواه الخاصة،روى الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام في حكاية وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:ثمَّ مسح ببقيّة ما[بقي]في يديه رأسه و رجليه و لم يعدها في الإناء (6).
ص:65
و روى في الصّحيح،عن أبي عبيدة الحذّاء[1]،عن أبي جعفر عليه السّلام ثمَّ مسح بفضلة اليد رأسه و رجليه (1).
و ما رواه في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام(ثمَّ وصل الرّجلين بالرّأس كما وصل اليدين بالوجه،فقال وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (2)فعرفنا انّ المسح على بعضها،ثمَّ فسّر ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنّاس فضيّعوه) (3).
و ما رواه،عن سالم[2]و غالب ابني (4)هذيل[3]،قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المسح على الرّجلين؟فقال:(هو الّذي نزل به جبرئيل عليه السّلام) (5).
ص:66
و روى في الصّحيح،عن أحمد بن محمّد،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المسح على القدمين كيف هو؟فوضع كفّه على الأصابع،ثمَّ مسحها إلى الكعبين (1).
و ما رواه في الحسن،عن أيّوب بن نوح[1]،قال:كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام أسأله عن المسح على القدمين؟فقال:(الوضوء بالمسح و لا يجب فيه إلاّ ذلك و من غسل فلا بأس) (2).
لا يقال:هذا ينافي قولكم،لأنّ الغسل عندكم غير مجز بل الواجب المسح.
لأنّا نقول:انّ قوله عليه السّلام(و من غسل فلا بأس)أشار بذلك:من غسل للتّنظيف،لأنّه يحتمل ذلك،فيحمل عليه جمعا بين الأدلّة،و لأنّ قوله عليه السّلام:(لا يجب إلاّ ذلك)استثناء لنفي الوجوب،فيثبت الوجوب و معه يثبت البأس بالغسل فيحمل على ما قلناه،و إلاّ لزم التّناقض.
و روى في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:سألته عن المسح على الرّجلين؟فقال:(لا بأس) (3).
لا يقال:هذا يدلّ على التّخيير،لأنّ رفع البأس يفهم منه تجويز المخالفة.
لأنّا نقول:نمنع ذلك،فإنّ نفي البأس أعمّ من ثبوت البأس في نقيضه و نفيه،و لا
ص:67
دلالة للعام على الخاص بإحدى الدّلالات الثّلاث،على انّ دلالة المفهوم إنّما تكون حجة على تقدير عدم المنافي للمنطوق،فإنّه أقوى منه،و المنافي موجود،و هو ما قدّمناه من الأحاديث.
و روى،عن محمّد بن مروان قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:(انّه يأتي على الرّجل ستّون و سبعون سنة ما قبل اللّه منه صلاة)قلت:و كيف ذلك؟قال:(لأنّه يغسل ما أمر اللّه بمسحه) (1).
الخامس:انّه عضو من أعضاء الطّهارة يسقط في التيمّم،فيكون فرضه المسح كالرّأس.
و استدلّ المخالفون (2)بما رووه،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،انّه توضّأ فغسل رجليه،ثمَّ قال:(هذا وضوء لا يقبل اللّه الصّلاة إلاّ به) (3).
و ما رواه أبو هريرة و عائشة أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال:(ويل للأعقاب من النّار) (4)توعّد على ترك غسل العقب (5)،فلو جاز تركه لكان التوعّد عليه قبيحا.
و روى عاصم بن لقيط[1]،عن أبيه قال:قلت:كيف الوضوء يا رسول اللّه؟
ص:68
فقال:(أسبغ الوضوء و خلّل بين الأصابع) (1).
و الجواب عن الأوّل:أنّه يحتمل أن يكون عليه السّلام فعل ذلك بعد مسحهما، و لم يرو الرّاوي المسح للنّسيان،أو لالتباس الفعل عليه و تقارب (2)زمانه،أو لتوهّمه (3)انّ ذكر الغسل يغني عنه.
و عن الثّاني:انّه قد قيل:انّ أجلاف (4)الأعراب كانوا يبولون و هم قيام فيترشّش (5)البول على أعقابهم و أرجلهم،فلا يغسلونها،و يدخلون المسجد للصّلاة، فتوعّد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،لأجل ذلك (6).
و عن الثّالث:انّ إسباغ الوضوء لا يستلزم جواز الغسل،فإنّا نحن نقول به في تكريره و إكثار الماء فيه،و استقصاء الغسل و الأمر بالتّخليل بين الأصابع لا يدلّ على انّها أصابع الأرجل.
بل الواجب من رؤوس الأصابع إلى الكعبين و لو بإصبع واحدة.و هو مذهب علمائنا أجمع.
لنا:انّه تعالى عطف الأرجل على الرّؤس بالواو،فوجب التّشريك عملا بمقتضى العطف،و في المعطوف عليه ثبت الحكم في بعضه فكذا المعطوف،خصوصا و قد قرئ
ص:69
بالجرّ (1)المقتضي لتكرير العامل تقديرا.
لا يقال:فقد قرئ بالنّصب (2)،و ذلك يقتضي العطف على المحلّ فلا يكون مبعّضا.
لأنّا نقول:لا منافاة بينهما،لأنّ التّبعيض لمّا ثبت في الجرّ وجب تقديره في النّصب و إلاّ لتنافت القراءتان،و تقدير عامل الجرّ مع النّصب غير ممتنع،بخلاف ثبوت الجرّ مع عدم تقديره،و لأنّه بفعل البعض يكون ممتثلا لصدق اسم المسح فيه،فيثبت الإجزاء.
و لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة و بكير،عن أبي جعفر عليه السّلام في صفة وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قال:(فإذا مسح بشيء من رأسه أو من رجليه قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع،فقد أجزأه) (3).
لا يقال:يعارض هذا:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام،قال:سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم،فقلت:جعلت فداك،لو انّ رجلا قال بإصبعين من أصابعه؟فقال:(لا،إلاّ بكفّه) (4).
و ما رواه سماعة بن مهران،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:(إذا توضّأت فامسح قدميك ظاهرهما و باطنهما)ثمَّ قال:(هكذا)فوضع يده على الكعب،و ضرب الأخرى على باطن قدميه،ثمَّ مسحهما إلى الأصابع (5).
ص:70
لأنّا نقول:أمّا الأوّل فمحمول على الاستحباب،إذ لا ريب في استحباب المسح بأكثر من الإصبع،فيحمل عليه جمعا بين الأدلّة،و النّفي هاهنا كما في قوله عليه السّلام:(لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد) (1).
و أمّا الثّاني:فلا تعويل عليه،إذ الرّواة له فطحيّة (2)،فسقط بالكلّيّة.
و أيضا:لو وجب استيعاب المسح،لزم خرق الإجماع،لأنّ النّاس قائلان:منهم من أوجب المسح و لم يوجب الاستيعاب،و منهم من لم يوجبه فقال بالاستيعاب.فلو قلنا بوجوب الاستيعاب مع وجوب المسح،كان ذلك خرقا للإجماع.
و اعلم انّ المحقّقين من الأصوليّين قالوا:انّ القول الثّالث إنّما يكون باطلا إذا تضمّن إبطال ما أجمعوا عليه،كحرمان الجدّ مع الأخ،قال بعضهم بالمقاسمة،و الآخرون بحرمان الأخ،أمّا إذا لم يتضمّن فلا،و هاهنا من قبيل القسم الأوّل،فإنّ القائل بالغسل و المسح اتّفقوا على نفي وجوب مسح الجميع،فالقول بوجوبه قول ببطلان المتّفق عليه.
لنا:وجوه:
أحدها:قوله تعالى إِلَى الْكَعْبَيْنِ (1)فدلّ (2)على انّ في الرّجلين كعبين لا غير.
و لو أراد ما ذكروه لكانت كعاب الرّجل أربعة،فإنّ لكلّ قدم كعبين.
الثّاني:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة و بكير ابني أعين،عن أبي جعفر عليه السّلام في وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى قوله،قلنا:أصلحك اللّه،فأين الكعبان؟قال:(ها هنا يعني المفصل دون عظم السّاق) (3).
و ما رواه،عن ميسر (4)[1]،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:(الوضوء واحد) و وصف الكعب في ظهر القدم (5).
و ما رواه،عن ميسر،عن أبي جعفر عليه السّلام في صفة وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،ثمَّ وضع يده على ظهر القدم،ثمَّ قال:(هذا هو الكعب)قال:و أومأ بيده
ص:72
إلى أسفل العرقوب،ثمَّ قال:(انّ هذا هو الظّنبوب) (1).
الثّالث:التّمسّك بالإجماع،فنقول:القول بوجوب المسح مع انّ الكعب غير ما ذكرناه منفيّ بالإجماع،أمّا عندنا فلثبوت الأمرين،و أمّا عند الخصم فلانتفائهما معا.
احتجّ المخالف (2)بقوله تعالى وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (3)أراد كلّ رِجل تغسل إلى الكعبين،إذ لو أراد جمع كعاب الأرجل،لقال:إلى الكعاب كالمرافق.
و لما روى أنس انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،كان في سوق ذي المجاز عليه جبّة حمراء و هو يقول:(يَا أيّها النّاس قولوا لا إله إلاّ اللّه تفلحوا)و رجل يتبعه يرميه بالحجارة حتّى أدمى عرقوبيه و كعبيه فقيل:من هو؟فقال (4):عمّه أبو لهب[1] (5).
دلّ على انّ الكعب في جانب القدم،لأنّ الرّمية إذا كانت من وراء المرميّ لم تصب ظهر قدمه (6).
و ما رواه النّعمان بن بشير[2]انّه قال عليه السّلام:(لتسوّنّ صفوفكم أو ليخالفنّ
ص:73
اللّه بين قلوبكم)قال:فلقد رأيت الرّجل منّا يلصق كعبه بكعب صاحبه و منكبه بمنكبه (1)،فدلّ على انّ الكعب في جانب القدم،لامتناع الإلصاق في ظهره،و لأنّ أبا عبيدة قال:الكعب هو الّذي في أصل القدم ينتهي السّاق إليه بمنزلة كعاب القنا (2).
و الجواب عن الأوّل:انّه تعالى عنى رجلي كلّ واحد من المتطهّرين.و معلوم قطعا انّ في كلّ رجلين كعبين،و هذا أولى،فإنّ التّكليف يتناول الرّجلين معا،فصرف الخطاب إلى المتعلّق بهما أشبه،و لا استبعاد في الجمع بالقياس إلى الجمع،و في التّشبيه بالقياس الى المكلّف،فالأوّل كالمرافق،و الثّاني كالكعبين.
و عن الثّاني:انّه لا استبعاد في إصابة الرّامي ظهر قدمه،فإنّه ربّما كان مع تولّيه عنه،كأن يقبل أحيانا عليه،فيقبل إليه،فيصيب المرمي ظهر قدمه (3)،فإنّه ليس في الخبر أكثر من الاتّباع،و قد يتّبع من يقبل بوجهه تارة و يعرض اخرى.
و عن الثّالث،و الرّابع:انّهما دالاّن على تسمية غير ما ذكرناه بالكعب،و لا منافاة،و يجوز أن يكون ما ذكره النّعمان و أبو عبيدة مذهبا،فما نقلناه عن الباقر عليه السّلام أولى.
الكعب،
و الضّابط فيه،ما رواه زرارة في الصّحيح،عن الباقر عليه السّلام:قلنا أصلحك
ص:74
اللّه،فأين الكعبان؟قال:(ها هنا،يعني المفصل دون عظم السّاق) (1).
لنا:انّه قد امتثل الأمر بالمسح،و لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن حمّاد بن عثمان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:(لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا) (2).
و روى يونس،قال:أخبرني من رأى أبا الحسن عليه السّلام بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم (3).
،لما قلناه (4)في مسح الرّأس.
الرّطوبة،فالوجه الإجزاء،
خلافا لوالدي-رحمه اللّه تعالى-لأنّه أتى بالمسح ببقيّة النّداوة و لم يستأنف للوضوء،فأجزأه عملا بالأصل.و كذا لو كان في الماء،فأخرج رجليه منه، و مسح عليهما.و في الجميع نظر.
وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قال:(فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى آخر أطراف الأصابع،فقد أجزأه) (1).
و الوجه عندي الدّخول،لقوله تعالى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ،و هذه إمّا أن تكون بمعنى «مع»كما قلناه في اليدين فيتعيّن الدّخول،و إمّا أن تكون غاية،فيجب دخولها،لعدم انفصالها عن ذي الغاية حسّا.
و أيضا:قال المبرّد[1]:إذا كان الحدّ من جنس المحدود دخل فيه،و الكعبان من جنس الرّجلين.و لا حجّة فيما رواه،فإنّه قد يكون ذلك مستعملا فيما يدخل فيه المبدأ،كقوله:له عندي ما بين واحد إلى عشرة،فإنّه يلزم فيه دخول الواحد قطعا،و لأنّه في حالة الابتداء بهما يجب مسحهما،لرواية يونس،قال:أخبرني من رأى أبا الحسن عليه السّلام بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم (2).فوجب في الانتهاء كذلك،لعدم القائل بالفرق،و لأنّه يلزم إسقاط بعض ما يجب مسحه في إحدى الحالتين،و هو باطل اتّفاقا.
و لو بقي شيء بين يدي الكعب أو الكعب مسح عليه،لأنّه قد كان يجب مسح
ص:76
الجميع فلا يسقط البعض بفوات الباقي لفوات محلّه.
لما قلناه (1)في الرّأس.
روى الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام[قال] (2):
قال لي:(لو أنّك توضّأت فجعلت مسح الرّجلين غسلا،ثمَّ أضمرت انّ ذلك من المفروض،لم يكن ذلك بوضوء) (3).
و لا يعارض هذا:ما رواه عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل يتوضّأ الوضوء كلّه إلاّ رجليه ثمَّ يخوض الماء بهما خوضا؟قال:(أجزأه ذلك) (4)لأنّ رواته فطحيّة[1]،و لاحتمال أن يكون ذلك في محلّ الضّرورة كما في التّقيّة.
لو فعل ذلك للتّقيّة أو للخوف صحّ وضوؤه
،فلو زالت العلّة،هل تجب إعادة الوضوء؟ فيه نظر،و الوجه عدم الوجوب،و لو أراد التّنظيف غسلهما قبل الوضوء أو بعده.
و إن لم يدخل يده تحت الشّراك،لأنّه لا يمنع مسح موضع الفرض،و لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة و بكير ابني أعين، أبي جعفر عليه السّلام انّه قال في المسح:(تمسح على النّعلين،و لا تدخل يدك تحت
ص:77
الشّراك) (1).
بقي هنا بحث،و هو:انّه هل يجب مسح ما تحت الشّراك؟ظاهر قول الأصحاب يقتضي عدمه (2)،و الأقرب وجوبه،لأنّ عدم إيجاب إدخال اليد تحت الشّراك لا يقتضي عدم إيجاب مسحه،لإمكانه و إن لم يدخل يده تحت الشّراك.
لنا:وجوه:
الأوّل:قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ (1)و الحائل ليس برجل، فلا يقع معه الامتثال فلا يحصل الإجزاء.
الثّاني:ما روته عائشة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:(أشدّ النّاس حسرة يوم القيامة،من رأى وضوءه على جلد غيره) (2).
و روي عنها انّها قالت:لأنّ أمسح على ظهر عير بالفلاة أحبّ إليّ من أن أمسح على خفّي (3).
و ما روي عنه عليه السّلام انّه توضّأ مرّة و قال:(هذا وضوء لا يقبل اللّه الصّلاة إلاّ به) (4)و لا شكّ انّه في تلك الحال باشر الفعل بالرّجلين دون الخفّ،لأنّه لو أوقع (5)الفعل على الخفّين لم يحصل الإجزاء إلاّ به،و ذلك منفيّ اتّفاقا.
الثّالث:و ما روي،عن الصّحابة من إنكاره (6)،و لم ينازع المنكر،فدلّ على انّه إجماع.و روي،عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال:(نسخ (7)الكتاب المسح على
ص:79
الخفّين) (1).
و في رواية أخرى ما أبالي أ مسحت على الخفّين أو على ظهر عير بالفلاة (2)؟و لم ينكر عليه أحد من الصّحابة.
و ما روى أبو سعيد البدريّ (3)انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،مسح على الخفّين، قال له عليّ عليه السّلام:(قبل نزول المائدة أو بعده؟)فسكت أبو سعيد.و هذا يدلّ على انّ عليّا عليه السّلام كان يعتقد انّه لا يجوز بعد الأمر بالأرجل.
و روي،عن ابن عبّاس انّه قال:سبق كتاب اللّه المسح على الخفّين،و لم ينكر عليه و روي عنه انّه قال:سلوا هؤلاء هل مسح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على خفّيه بعد نزول سورة المائدة (4)؟.و بهذا احتجّ مالك في انّ المسح على الخفّين شبهة لا متيقّن.
و روي،عن عائشة انّها قالت:لأنّ تقطّع رجلاي بالمواسي أحبّ إليّ من أن أمسح على الخفّين (5).و لم ينكر عليها،و كره أبو هريرة ذلك (6).
الرّابع:ما رواه الأصحاب،روى الشّيخ في الصّحيح،عن الحلبي قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المسح على الخفّين؟فقال:(لا تمسح)و قال:(انّ جدّي قال:
سبق الكتاب الخفّين) (7).
ص:80
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام انّه سئل عن المسح على الخفّين و على العمامة؟قال:(لا تمسح عليهما) (1).
و روي في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سمعته يقول:
(جمع عمر بن الخطّاب أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و فيهم عليّ عليه السّلام، فقال:ما تقولون في المسح على الخفّين؟فقام المغيرة بن شعبة فقال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يمسح على الخفّين،فقال عليّ عليه السّلام:قبل المائدة أو بعدها؟ فقال:لا أدري،فقال عليّ:سبق الكتاب الخفّين،إنّما نزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة) (2).
و روى في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قلت له:هل في مسح الخفّين تقيّة؟فقال:(ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحدا:شرب المسكر،و مسح الخفّين، و متعة الحج) (3).
و روى،عن أبي الورد[1]قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:انّ أبا ظبيان[2] حدّثني انّه رأى عليّا عليه السّلام أراق الماء،ثمَّ مسح على الخفّين،فقال:(كذب أبو
ص:81
ظبيان،أما بلغك قول عليّ عليه السّلام فيكم:سبق الكتاب الخفّين؟)فقلت:فهل فيهما رخصة؟فقال:(لا إلاّ من عدوّ تتّقيه،أو ثلج تخاف على[رجليك] (1)(2)و لا منافاة بين الحديثين في عدم التّقيّة و جوازها،لاختصاص الأوّل به عليه السّلام،أو يحتمل (3)انّه لا يتّقي تقيّة يسيرة لا تبلغ المشقّة العظيمة.
و روى،عن رقبة بن مصقلة[1]،قال:دخلت على أبي جعفر عليه السّلام فسألته عن أشياء؟فقال:(إنّي أراك ممّن يفتي في مسجد العراق)فقلت:نعم،فقال لي:
(ممّن أنت؟)فقلت:ابن عمّ لصعصعة[2]،فقال:(مرحبا بك يا ابن عمّ صعصعة) فقلت له:ما تقول في المسح على الخفّين؟فقال:(كان عمر يراه ثلاثا للمسافر و يوما و ليلة للمقيم،و كان أبي لا يراه في سفر و لا حضر)فلمّا خرجت من عنده قمت على عتبة الباب،فقال لي:(أقبل يا ابن عمّ صعصعة)فأقبلت عليه،فقال:(انّ القوم كانوا يقولون
ص:82
برأيهم فيخطئون[و يصيبون] (1)و كان أبي لا يقول برأيه) (2).
الخامس:أن نقول:[انّه] (3)أحد (4)أعضاء الطّهارة،فلا يجوز على الحائل قياسا على الوجه و اليدين،أو نقول:عضو يسقط في حال الضّرورة من غير بدل،فلا يجوز المسح على الحائل المنفصل منه كالرّأس،و شرطنا الانفصال ليخرج الشّعر في الأصل،أو نقول:حائل منفصل عن العضو فلا يجوز المسح عليه كالعمامة و البرقع،أو نقول:طهارة من حدث،فلا يجوز (5)فيها المسح على الخفّ كالجنابة.
احتجّوا (6)بما روي عنه عليه السّلام انّه مسح على خفّيه (7).
الجواب:انّ هذه الرّواية تقتضي نسخ القرآن بخبر الواحد و ذلك لا يجوز،و أيضا فهي معارضة برواية عليّ عليه السّلام انّه قال:«نسخ (8)الكتاب المسح على الخفّين» (9)و بما قدّمناه من الأحاديث عنه عليه السّلام و عن أصحابه (10).
ص:83
كالبرد و شبهه و التّقيّة،لرواية أبي الورد،عن أبي جعفر عليه السّلام (1)،و لأنّ فيه مشقّة فكان المسح عليهما حينئذ رخصة.
في السّفر و الحضر، سواء لبسهما على طهارة أو حدث،و على أيّ صفة كان الجورب،سواء كان منتعلا أو لا،و سواء كان الخفّ بشرج أو لا،و سواء كان الجرموق فوق الخفّ أم لا.نعم،متى أمكن المسح على البشرة بأن يكون مشقوقا وجب.
لأنّها طهارة مشروطة بالضّرورة فتزول مع زوالها،و لا تتمّ طهارته بالمسح مع نزعه،لأنّ الموالاة لم تحصل.
،و يجوز على العمامة و القناع مع الضّرورة،أمّا مع عدمها فلا.و هاهنا فروع أخر،مبنيّة على القول بجواز المسح على الخفّين ساقطة عندنا،ذكر الشّيخ رحمه اللّه بعضها (2)،و نحن نذكرها اقتداء بالشّيخ فنقول.
و مالك (1)،و إسحاق (2).و قال أبو حنيفة:يجوز (3)،و اعتبر أن يكون الحدث مع كمال الطّهارة دون اللّبس،و به قال المزنيّ،و أبو ثور،و داود،و ابن المنذر (4)،لأنّه أحدث بعد كمال الطّهارة و اللّبس،فجاز المسح،كما لو نزع الخفّ الأوّل،ثمَّ عاد فلبسه.
و احتجّ الشّافعيّ (5)بما رواه،عن المغيرة بن شعبة،قال:كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في سفر فأهويت لأنزع خفّيه،فقال:(دعهما فإنّي أدخلتهما طاهرتين)فمسح عليهما (6).جعل العلّة وجود الطّهارة فيهما جميعا وقت إدخالهما،و لم يوجد طهارتهما وقت لبس الأوّل،و لأنّ الأوّل خفّ ملبوس قبل رفع الحدث،فلم يجز
ص:85
المسح عليه،كما لو لبسه قبل غسل قدمه.
إجماعا منّا و منهم،و حجّتنا في ذلك ظاهرة.
و احتجّوا (1)بما رواه صفوان بن عسّال المراديّ،قال:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يأمرنا إذا كنّا مسافرين،أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيّام و لياليهنّ إلاّ من جنابة (2)،و لأنّ وجوب الغسل نادر فلا يشقّ النّزع.
،لم يجز له المسح،لأنّ الرّجل حصلت في مقرّها و هو محدث،فصار كما لو بدأ باللّبس و هو محدث،و نحن لا نشترط هذا في محلّ الضّرورة.
لأنّه لبسه على طهارة ناقصة (3)،و لأنّها طهارة ضروريّة بطلت من أصلها،فصار كما لو لبسه على الحدث، و لأنّه غير رافع للحدث،فقد لبسه و هو محدث،و نحن لا نشترط هذا في الضّرورة.
أمّا لو تطهّرت المستحاضة،أو صاحب السّلس،و لبسوا خفافهما فلهم المسح عندهم (4)،لكمال طهارتهم في حقّهم،فلو انقطع الدّم و زالت الضّرورة بطلت الطّهارة من أصلها،فلم يكن لهم المسح كالمتيمّم إذا وجد الماء.
ص:86
المسح عليهما
إجماعا منهم،لأنّه لبسهما على حدث،و نحن لا نشترط ذلك في محلّ الضّرورة.
و لو مسح على الأوّلين،ثمَّ لبس الجرموقين،لم يجز المسح عليهما عند بعضهم، لأنّ بالمسح على الخفّ لم يزل الحدث،فكأنّه لبسه على حدث،و لأنّها طهارة ناقصة فأشبه المتيمّم.و بعض الشّافعيّة جوزه (1)،لأنّ المسح قائم مقام غسل القدم.و إن لبس الفوقانيّ قبل أن يحدث،فإن كان الأسفل مخرقا و الأعلى صحيحا،جاز المسح على الأعلى،و إن كان الأعلى مخرقا أو كانا صحيحين،قال أبو حنيفة:يجوز المسح عليه، لأنّه خفّ ساتر يمكن متابعة المشي فيه فأشبه المنفرد (2)،و به قال الشّافعيّ في القديم (3)،و الثّوريّ،و الأوزاعيّ (4)،و أحمد (5)،و إسحاق،و المزنيّ (6)،و مالك في إحدى الرّوايتين (7).و منع منه الشّافعيّ في أحد قوليه (8)،و مالك في الرّواية الأخرى،
ص:87
لأنّ الحاجة لا تدعو إلى لبسه في الغالب،فلا تتعلّق به رخصة عامّة كالجبيرة (1).
قال المجوّزون:لو نزع الفوقاني قبل مسحه،لم يؤثّر ذلك و كان لبسه كعدمه،و لو نزعه بعد مسحه،بطلت الطّهارة و وجب نزع الخفّين و غسل الرّجلين،لزوال محلّ المسح، و نزع أحد الخفّين كنزعهما،لأنّ الرّخصة تعلّقت بهما،فصار كانكشاف القدم (2).
و لو أدخل يده من تحت الفوقاني و مسح الّذي تحته،جاز عندهم،لأنّ كلّ واحد منهما محلّ للمسح فجاز المسح على أيّهما كان،كما يتخيّر بين غسل قدميه في الخف،و المسح عليه (3).و لو لبس أحد الجرموقين في إحدى الرّجلين دون الأخرى،جاز المسح عليه و على الخفّ الّذي في الرّجل الأخرى،لأنّ الحكم تعلّق به و بالخفّ في الرّجل الأخرى، فصار كما لو لم يكن تحته شيء.
بخلاف ما لو كان تحته لفائف أو خرق،لأنّ القدم مستور بما يجوز المسح عليه،فجاز المسح كما لو كان السّفلاني مكشوفا.
و قال آخرون:لا يجوز،لأنّ الفوقاني لو كان مفردا لم يجز المسح عليه فلم يجز مع غيره،كما لو لبس على لفافة،أمّا لو لبس مخرقا على مخرق فاستتر بهما القدم ففيه وجهان:الجواز،لاستتار القدم بالخفّين،فأشبه المستور بالصّحيحين.و عدمه،لعدم
ص:88
استتار القدم بخفّ صحيح (1).
و لو لبس الخفّ بعد طهارة كاملة مسح فيها على العمامة،قال بعضهم:لا يجوز المسح،لأنّه لبس على طهارة ممسوح فيها على بدل،فلم يستبح المسح باللّبس فيها،كما لو لبس خفّا على طهارة و مسح فيها على خفّ (2).و قال آخرون بالجواز (3).
بل هو تابع للضّرورة، فمتى زالت،زالت الرّخصة.و به قال مالك في السّفر و في الحضر على إحدى الرّوايتين، و في الثّانية:لا يمسح في الحضر مطلقا (5).و قال الشّافعي و أبو حنيفة بالتّوقيت في المسح يوما و ليلة للمقيم،و ثلاثة أيّام و لياليهنّ للمسافر (6)(7).و به قال الثّوريّ،و الأوزاعيّ، و الحسن بن صالح (8)،و أحمد (9)،و إسحاق (10).و قال اللّيث بن سعد (11)،و ربيعة:
ص:89
يمسح على الخفّين إلى أن ينزعهما،و لم يفرّقا بين المسافر و الحاضر.و هو قول الشّعبيّ (1).
و قال داود:يمسح المسافر[بخمس] (2)عشرة صلاة،و المقيم[بخمس] (3)(4).
و اختلفوا في ابتداء المدّة،فقال الشّافعي:من حين يحدث اللاّبس للخفّين،فإذا تطهّر المقيم بغسل أو وضوء،ثمَّ أدخل رجليه الخفّين و هما طاهرتان،ثمَّ أحدث،فإنّه يمسح عليهما من وقت ما أحدث يوما و ليلة (5).و قال الأوزاعيّ (6)،و أحمد (7)،و أبو ثور،و داود:انّ ابتداء المدّة من حين يمسح على الخفّين (8).
لنا:أنّها طهارة ضروريّة فتقدّر بقدرها.
و احتجّوا (9)بما رووه،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه جعل ثلاثة أيّام و لياليهنّ
ص:90
للمسافر،و يوما و ليلة للمقيم (1).و قد مضى الجواب عنه (2).
قالوا:فإذا انقضت المدة بطل الوضوء،و ليس له المسح عليهما إلاّ بعد النّزع و اللّبس على طهارة كاملة (3).و قال الحسن:لا يبطل الوضوء إلاّ بحدث،ثمَّ لا يمسح بعد حتّى ينزعها (4).و قال داود:ينزع خفّيه و لا يصلّ فيهما،فإذا نزعهما صلّى حتّى يحدث،لأنّ الطّهارة لا تبطل إلاّ بحدث،و النّزع و الانقضاء ليسا بحدث (5).
و لو خلع قبل انقضاء المدّة بعد المسح عليهما بطل وضوؤه في قول أحمد (6)، و الزّهريّ،و الأوزاعيّ،و إسحاق (7)،و أحد قولي الشّافعيّ (8).و قال أبو حنيفة (9)، و الثّوري،و أبو ثور (10)،و الشّافعي أيضا:لا يبطل (11).و قال مالك (12)،و اللّيث بن
ص:91
سعد:انّه يغسل قدميه مكانه،فإنّ أخّر ذلك استأنف الطّهارة (1).و الأوّل أولى عندنا،لأنّها طهارة ضروريّة و قد زالت،و لأنّ مسح الخفّين ناب (2)عن غسل الرّجلين خاصّة،فظهورهما يبطل ما ناب عنه،كالتّيمّم إذا بطل برؤية الماء وجب ما ناب عنه.
و لو نزع العمامة بعد المسح عليها للضّرورة عندنا فالوجه البطلان،لما قلناه (3).
و هو قول القائلين بالبطلان في الخفّين.
قالوا:و لو نزع أحد الخفّين فهو كنزعهما،لأنّهما كالعضو الواحد،و لهذا لا يجب فيهما التّرتيب (4).
و لو انكشف بعض القدم من خرق فهو كنزع الخفّ،أمّا لو انكشطت (5)الطّهارة و بقيت البطانة،لم يضر عندهم،لبقاء الاستتار (6).و لو أخرج رجله إلى ساق الخفّ
ص:92
و لم يظهر من القدم شيء،فهو كخلعه عند أبي حنيفة (1)،خلافا للشّافعيّ في الجديد (2).
احتجّ أبو حنيفة بأنّ الاستقرار شرط لجواز المسح،بدليل ما لو أدخل الخفّ فأحدث قبل الاستقرار،لم يكن له المسح (3).
حجّة الشّافعيّ عدم ظهور الرّجل (4).و الثّوريّ (5)،و مالك (6)،و أحمد (7)، و إسحاق (8)،و بعض الشّافعيّة (9)،و الشّافعيّ في القديم (10)،وافقوا أبا حنيفة، و كذا الأوزاعيّ (11).
اخرى عن أحمد:الابتداء من حين مسح بعد أن أحدث (1).
و لو أحدث مقيما،ثمَّ مسح مقيما،ثمَّ سافر،أتمّ على مسح مقيم،ثمَّ خلع على قول الشّافعيّ (2)،و أحمد (3)،و إسحاق (4).و قال أبو حنيفة،و الثّوري:يمسح مسح المسافر سواء مسح في الحضر لصلاة أو أكثر،بعد أن لا تنقضي مدّة المسح و هو حاضر (5)(6)،لأنّه مسافر قبل الإكمال فأشبه ما لو سافر قبل الشّروع.
و لو مسح مسافر أقلّ من يوم و ليلة،ثمَّ أقام أو قدّم،أتمّ على مسح مقيم و خلع.قاله
ص:94
أبو حنيفة (1)و الشّافعيّ (2).و إذا مسح مسافر يوما و ليلة فصاعدا،ثمَّ أقام أو قدّم خلع،لأنّه صار مقيما فلم يترخّص برخص المسافر،و لأنّ المسح عبادة تختلف سفرا و حضرا،فإذا ابتدأها في السّفر،ثمَّ حضر في أثنائها غلب حكم الحضر كالصّلاة.
لا يرى منه الكعبان و لا شيء من القدم لضيقه أو كونه مشدودا يمكن متابعة المشي فيه (3)،و لو كان مقطوعا دون الكعبين،لم يجز المسح عليه عند الشّافعيّ في الجديد (4)،و به قال الحسن بن صالح (5)،و قال الشّافعيّ في القديم:يجوز المسح عليه إذا أمكن متابعة المشي عليه (6).و به قال إسحاق،و أبو ثور،و داود (7).و قال مالك،و الأوزاعيّ:إن كثر الخرق و تفاحش لم يجز (8)(9).و به قال اللّيث بن سعد (10).و قال أبو حنيفة:إن تخرق
ص:95
قدر ثلاث أصابع لم يجز،و إن كان أقلّ جاز (1).قال أبو يوسف:قلت لأبي حنيفة:
من أين أخذت هذا؟قال:الثّلاث أكثر الأصابع (2).
و احتجّ:مالك و الأوزاعيّ بأنّه خفّ يمكن متابعة المشي فيه فأشبه السّاتر،و لأنّ الغالب على خفاف العرب التّخريق.
و اتّفقوا على انّه لا يجوز المسح على اللّفّافة و الخرق (3)،و لا فرق في الجواز بين ما يكون من جلد،أو لبد،أو غيرهما،و في الخشب و الحديد قولان:أقربهما عندهم الجواز (4).و لو كان محرّما كالحريم لم يرخّص بالمسح لعصيانه،فلم يستبح به الرّخصة، كما لا يرخّص المسافر في سفر المعصية.
السّتر،و إمكان متابعة المشي،سواء كانا منعّلين أو لا.و هو اختيار أحمد (5)،و الحسن،و سعيد بن المسيّب،
ص:96
و ابن جبير،و الثّوريّ،و الحسن بن صالح،و إسحاق،و يعقوب،و محمّد (1).و قال أبو حنيفة (2)،و مالك (3)،و الشّافعيّ:لا يجوز المسح عليهما إلاّ أن ينعّلا (4).
و لو كان الجورب لا يثبت بنفسه و يثبت بلبس النّعل،أبيح المسح عليه و تنتقض الطّهارة بخلع النّعل،لأنّ ثبوته أحد شرطي الجواز،و إنّما يحصل بالنّعل،و مع الخلع يزول الشّرط فتبطل الطّهارة،كما لو ظهر القدم.
عليّ عليه السّلام انّه قال:(لو كان الدّين بالرّأي،لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح من ظاهره) (1)و لأنّ باطنه ليس بمحلّ لفرض المسح،فلم يكن محلاّ لمسنونه كالسّاق،و لأنّ مسحه غير واجب و لا يكاد يسلم من مباشرة أذى فيه تنجيس يده به فكان تركه أولى.
و قال الشّافعيّ (2)،و مالك:السّنّة مسح الظّاهر و الباطن (3)،أعني:أعلى الخفّ و أسفله.و به قال عبد اللّه بن عمر،و عمر بن عبد العزيز (4)،و الزّهريّ،و ابن المبارك (5)،و إسحاق بن راهويه (6)لما رواه المغيرة بن شعبة،قال:وضّأت رسول اللّه
ص:98
صلّى اللّه عليه و آله فمسح أعلى الخفّ و أسفله (1).و هذا الحديث قد طعن فيه التّرمذيّ، و قال:إنّه معلول (2)،قال:و سألت أبا زرعة،[1]و محمّدا[2]عنه،فقالا:ليس بصحيح.و قال أحمد:روى هذا الحديث رجاء بن حيوة[3]،عن ورّاد[4]كاتب المغيرة و لم يلقه (3).
محلّ الضّرورة،لأنّه أطلق المسح و لم يقدّره،فوجب الرّجوع إلى ما يتناوله الاسم.و قال أبو حنيفة:يجزئه قدر ثلاث أصابع (1)لقول الحسن:سنّة المسح خطط بالأصابع فينصرف إلى سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و أقلّ الجمع ثلاث (2).و هو ضعيف.
و قال زفر:إن مسح بإصبع واحدة قدر ثلاث أصابع أجزأه (3).و قال أحمد:لا يجزئه إلاّ مسح أكثر القدم (4).و في الإجزاء مع المسح بالخرقة أو الخشب عندهم وجهان (5).
و الأصحّ عندنا عدم الإجزاء في صورة يباح المسح فيها على الخفّين.و اختلفوا في إجزاء غسل الخفّ (6)،و الأقوى عندنا عدم الإجزاء في محلّ الضّرورة.
أصحاب مالك (1).
لنا:انّه ليس محلّ الفرض،فلا يجزئ كالسّاق،و كذا البحث في عقب الخفّ.
و لا فرق بين المستحاضة و صاحب السّلس و غيرهما،لأنّ علّة التّرخّص في الرّجل موجودة في المرأة.
و قال بعض الشّافعيّة:ليس لصاحب السّلس و المستحاضة أن يمسحا أكثر من وقت صلاة،لأنّ الطّهارة الّتي لبسا الخفّ عليها،لا يستباح بها أكثر من ذلك (2).و هو ضعيف،لأنّ المسح لا يبطل ببطلان الطّهارة،فلا يبطل بخروج الوقت.و قال زفر:انّ المستحاضة تمسح يوما و ليلة (3).
عندنا حال الضّرورة،و عند بعض الشّافعيّة مطلقا (4)،لأنّ اللّبس معصية فلا يناسب التّرخّص،و عند بعضهم يجوز مطلقا (5)،لأنّ المعصية لا تختصّ باللّبس،فصار كالصّلاة في الدّار المغصوبة.و ليس بجيّد على ما يأتي.
عندنا،لوجود السّبب و هو الضّرورة.أمّا الجمهور،فمنعوا من ذلك،لأنّهما كملا في بابهما،فلم يكن لهما المسح بتلك الطّهارة،كالمتيمّم إذا أكمل بالقدرة على الماء لا يمسح بالخفّ الملبوس على
ص:101
التّيمّم (1).و نحن لمّا لم نشترط سبق الطّهارة،سقطت هذه الحجّة بالكلّيّة.
انّ واحدا قام بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال:من أطاع اللّه و رسوله فقد اهتدى،و من عصاهما فقد غوى،فقال عليه السّلام:(بئس خطيب القوم أنت،قل:و من عصى اللّه و رسوله فقد غوى) (2)و لو لا إفادة الواو التّرتيب لما افترق القولان.
لا يقال:ليس النّهي لما ذكرتم،بل لتفرّد كلّ واحد بالذّكر،و لا يجمع بين ذكر اللّه تعالى و ذكر رسوله في كتابة واحدة،لأنّه منهيّ عنه كما قال اللّه تعالى وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ (3)و لم يقل يرضوهما.
لأنّا نقول:العلّة في كراهة الجمع المعنى الّذي ذكرناه و هو سقوط التّرتيب،لا ما ذكرتم،و إلاّ لزم تعليل الشّيء بنفسه،لأنّا في طلب علّة النّهي عن الجمع،فكيف يعلّل بنفسه.
كفى الشّيب و الإسلام للمرء ناهيا
فقال له عمر:لو قدّمت الإسلام على الشّيب لأجزتك (4).و هذا يدلّ على التّأخير (5)في المرتبة عند التّأخير في اللّفظ.
و قد
ص:102
قال اللّه تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (1)(2)و هم كانوا فصحاء العرب ففهمهم للتّرتيب يدلّ عليه.على انّ ابن عبّاس أجابهم عن ذلك،فقال:كما قدّمتم الدّين على الوصيّة، و اللّه تعالى قدّم الوصيّة على الدّين،فقال مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (3)و هذا اعتراف من ابن عبّاس بأنّ تقديم الحجّ يقتضي تقديم فعله،و إنّما عدل لدلالة،كما عدل في الوصيّة،لأنّه لو لم يذهب إلى اقتضاء التّرتيب،لما جاز منه ذلك،و لقال:الواو لا تقتضي التّرتيب.
فلو لم يكن كذلك،لما جاز هذا النّصّ منهما،و قولهما مقدّم على من نصّ على أنّها ليست للتّرتيب، لتقدّم الإثبات في الشّهادة على النّفي.
و لو قال طلقتين طلّقت اثنتين،و لو كانت الواو تفيد الجمع لم يبق فرق.
فوجب جعله سببا له،إلى أن يقيم الخصم المعارض.
و مطلق التّرتيب معقول لا بدّ له من لفظ،و ليس إلاّ الواو.
لا يقال:الجمع المطلق معنى معقول،و لا لفظ يدلّ عليه إلاّ الواو.
ص:103
لأنّا نقول:مع التّعارض يجب التّرجيح و هو معنى،فإنّا لو جعلناه حقيقة في الجمع،استحال التجوّز به في التّرتيب،لعدم لزوم الخاصّ العام،و بالعكس يجوز،فكان أولى.
و محمّد بن الحسن،و أبو يوسف،و المزنيّ،و داود (1).
لنا:قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (2)و قد بيّنّا انّ الواو تقتضي التّرتيب،و لأنّه تعالى عقّب إرادة القيام بالغسل،فيجب تقدّمه على غيره،و كلّ من أوجب تقدّم الغسل أوجب التّرتيب، و لأنّه تعالى ذكر هذه الأعضاء مرتّبا فيجب غسلها مرتّبا،و لأنّه تعالى جعل غاية الغسل المنطوق المرافق،فيجب البدأة بالوجه.
أمّا المقدّمة الأولى فلأنّه قد اتّفق محقّقو الأدب على انّ العامل في المعطوف هو الفعل الظّاهر بتقوية حرف العطف،فلو قلنا بجعل«إلى»غاية في ذلك المقدّر،لزم اعتبار وجوده من حيث الغاية و اعتبار عدمه من حيث العطف،و في ذلك تناف.
و ما رواه الجمهور من صفة وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3)،فإنّ كلّ من حكاه إنّما حكاه مرتّبا،و هو مفسّر لما في كتاب اللّه تعالى.و توضّأ مرتّبا و قال:(هذا وضوء لا يقبل اللّه الصّلاة إلاّ به) (4)أي:بمثله.و لأنّ الصّحابة رتّبوا،فإنّ عليّا عليه السّلام نقل عنه التّرتيب (5)و لم ينكر عليه،فكان إجماعا.
ص:105
و روى أحمد،عن جرير[1]،عن قابوس[2]،عن أبيه انّ عليّا عليه السّلام سئل فقيل له:أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شيء؟قال:(لا حتّى يكون كما أمر اللّه تعالى) (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،قال:حكى لنا أبو جعفر عليه السّلام وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فدعا بقدح من ماء،فأدخل يده اليمنى،فأخذ كفّا من ماء،فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه،ثمَّ مسح بيده الجانبين جميعا،ثمَّ أعاد اليسرى في الإناء،فأسدلها على اليمنى،ثمَّ مسح جوانبها،ثمَّ أعاد اليمنى في الإناء،ثمَّ صبّها على اليسرى فصنع بها كما صنع باليمنى،ثمَّ مسح ببقيّة ما بقي في يديه رأسه و رجليه و لم يعدها في الإناء (2).و حرف«ثمَّ»يقتضي التّرتيب.
و روى في الصّحيح،عن زرارة قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«تابع بين الوضوء كما قال اللّه عزّ و جلّ،ابدأ بالوجه،ثمَّ باليدين ثمَّ امسح الرّأس و الرّجلين،و لا تقدّمنّ شيئا بين يدي شيء تخالف ما أمرت به،فإن غسلت الذّراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذّراع،و إن مسحت الرّجل قبل الرّأس فامسح على الرأس قبل الرّجل،ثمَّ أعد على الرّجل،ابدأ بما بدأ اللّه عزّ و جلّ به» (3).
ص:106
و روى في الصّحيح،عن زرارة،قال:سئل أحدهما عليهما السّلام عن رجل بدأ بيده قبل وجهه و برجليه قبل يديه،قال:«يبدأ بما بدأ اللّه به و ليعد ما كان» (1).
و في الصّحيح:عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل يتوضّأ فيبدأ بالشّمال قبل اليمين،قال:«يغسل اليمين و يعيد اليسار» (2).
لا يقال:يعارض هذا ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام،قال:سألته عن رجل توضّأ و نسي غسل يساره،فقال:«يغسل يساره وحدها و لا يعيد وضوء شيء غيرها» (3)فلو كان التّرتيب واجبا لما جاز الاقتصار على غسل اليسار خاصّة.
لأنّا نقول:الملازمة ممنوعة،و بيانه:انّ اليسار آخر الأعضاء فلا يجب غسل شيء غيرها،و لم يتعرّض الإمام عليه السّلام لعدم وجوب إعادة المسح،تعويلا على ما عرف منهم (4)عليهم السّلام،و يدلّ عليه:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا نسي الرّجل أن يغسل يمينه فغسل شماله و مسح رأسه و رجليه فذكر بعد ذلك غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه و إن كان إنّما نسي شماله،فليغسل الشّمال و لا يعيد على ما كان توضّأ»و قال:«اتبع وضوءك بعضه بعضا» (5).
ص:107
و أيضا:الوضوء عبادة يبطلها الحدث،فيجب فيها التّرتيب كالصّلاة (1).
و أيضا:فهي عبادة يرتبط بعضها ببعض،يفسد أوّلها بفساد آخرها،فيجب فيه التّرتيب كالصّلاة.
و أيضا:فهي عبادة ترجع إلى شطرها حال العذر،فيجب فيها التّرتيب كالصّلاة.
و أيضا:فهي عبادة تجمع أفعالا مختلفة الصّفة مرادة للصّلاة و متقدّمة عليها،فلا يعتدّ بها مع عدم التّرتيب كالأذان.
احتجّ:أبو حنيفة بأنّه تعالى أمر بالطّهارة،و عطف بالواو،و هي لا تقتضي التّرتيب (2)،فلو شرطناه كان نسخا،و بما روي،عن عليّ عليه السّلام انّه قال:(ما أبالي بأيّ أعضائي بدأت) (3).
و قال ابن مسعود:لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك في الوضوء (4).
و الجواب عن الأوّل،بالمنع من كون الواو لا تقتضي التّرتيب-و قد بيّنّاه (5)- سلّمنا،لكنّ النّسخ إنّما يلزم لو قلنا انّها تقتضي عدم التّرتيب،أمّا إذا قلنا انّها لا تقتضي التّرتيب لم يكن منافيا لوجوب التّرتيب بدليل آخر.قوله:الزّيادة على النّصّ نسخ،قلنا:ممنوع.
و عن الثّاني:انّه معارض بما روي،عن عليّ عليه السّلام من وجوب التّرتيب (6)،و حديث ابن مسعود قال علماء الجمهور:لا يعرف له أصل (7).
ص:108
برهان آخر:لا شيء من الوضوء غير المرتّب بواجب،و كلّما يؤدّي به الواجب فهو واجب،فلا شيء من الوضوء غير المرتّب يؤدّي به الواجب،و الصّغرى مسلّمة،و بيان الكبرى انّه به يحصل مصلحة الواجب،و كلّما يحصل به مصلحة الواجب فهو واجب.
بيان الصّغرى:انّه لو لم يكن كذلك لكان حراما،قياسا على التّرك.
و أمّا الكبرى:فلأنّه لو لم يكن واجبا لزم التّرجيح من غير مرجّح،ضرورة استدعاء الحكم الحكمة الموجبة له،فلو اشتمل ما ليس بواجب عليها،كان اختصاص الواجب بالوجوب ترجيحا من غير مرجّح.
ثمَّ،يمسح الرّجلين.
و هل يجب تقديم اليمنى من الرّجلين في المسح أم يسقط التّرتيب؟ فيه قولان (1)،أشبههما السّقوط.أمّا وجوب تقديم الوجه فقد مضى (2).و أمّا التّرتيب في اليدين فهو قول علمائنا خاصّة،لأنّ الموجبين للتّرتيب أسقطوا التّرتيب بينهما، لأنّهما كالعضو الواحد فسقط فيه التّرتيب كالأصابع،و لقوله تعالى وَ أَيْدِيَكُمْ .
لنا:ما قدّمناه من الأحاديث الدّالّة على وجوب التّرتيب فيهما (3)،و قياسهم باطل حينئذ،و الآية لا تنافي الأدلّة.و أمّا الرّجلان فلم نجد حديثا يدلّ على التّرتيب فيهما، و حملهما على اليدين قياس.نعم،يستحبّ تقديم اليمنى على اليسرى لقوله عليه السّلام:
ص:109
(إنّ اللّه يحبّ التّيامن) (1)و لأنّ القرآن قال وَ أَرْجُلَكُمْ و لم يرتّب،و الأصل عدمه.
إنّ استصحب ذكر النّيّة بالفعل عنده، و لا يكفيه الاستمرار حكما.نعم،لو نوى عند غسل الكفّين أو عند المضمضة،فالأقرب الاكتفاء باستصحاب الحكم.و لو نكس ثانيا مع بقاء النّدى،حصل له غسل الوجه و اليمنى.و لو نكس ثالثا معه،حصل باليسرى و هكذا إلى آخره ما دامت الرّطوبة موجودة.و لو غسل أعضاءه دفعة حصل بالوجه.و لو كان في الماء الجاري و تواردت عليه جريات ثلاث،حصل بالأعضاء المغسولة.و لو نوى الطّهارة ثمَّ انغمس في ماء واقف دفعة،حصل بغسل الوجه.و لو أخرج أعضاءه مرتّبا،حصل بالأعضاء المغسولة و افتقر إلى المسح.و لو لم يرتّب في الإخراج،حصل بالوجه وقت النّزول و باليمنى وقت الإخراج.
لا أنّه واجب،لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن ابن أذينة قال:ذكر أبو مريم الأنصاريّ انّ الحكم بن عتيبة بال يوما و لم يغسل ذكره متعمّدا،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«بئس ما صنع،عليه أن يغسل ذكره و يعيد صلاته و لا يعيد وضوءه» (2).
،لعدم التّرتيب.
،لعدم التّرتيب، و هو أحد وجهي الشّافعيّ،و في الآخر:يجزئه،لأنّ الغسل يجزي عن الحدثين،و إن لم يرتّب فإجزاؤه عن الأصغر أولى (3).
ص:110
و الجواب:الجنب المحدث يسقط فرض حدثه مع الجنابة،فيكون الحكم لها.
،مع اتّفاقهم على انّ زيادة عبادة أو صلاة على العبادات و الصّلوات لا تكون نسخا.قال الشّافعيّ:لا تكون نسخا (1).و قال أبو حنيفة:تكون نسخا (2).
و الحقّ عندي ما ذكره أبو الحسين[1]،قال:النّظر في هذه المسألة يتعلّق بأمور ثلاثة:
أحدها:انّ الزّيادة على النّصّ هل تقتضي زوال أمر أم لا؟و الحقّ أنّها تقتضيه، لأنّ إثبات كلّ شيء لا أقلّ من أن يقتضي زوال عدمه الّذي كان.
و ثانيها:انّ هذه الإزالة هل تسمّى نسخا؟و الحقّ انّ الّذي يزول بسبب هذه الزّيادة إن كان حكما شرعيّا و كانت الزّيادة متراخية عنه،سمّيت تلك الإزالة نسخا، و إن كان حكما عقليّا و هو البراءة الأصليّة،لم تسمّ تلك الإزالة نسخا.
و ثالثها:هل تجوز الزّيادة على النّصّ بخبر الواحد و القياس أم لا؟و الحق انّه إن كان الزّائد حكم العقل و هو البراءة الأصليّة،جاز ذلك،إلاّ أن يمنع مانع خارجيّ، كما إذا قيل:خبر الواحد لا يكون حجّة فيما يمعّ به البلوى،و القياس غير حجّة في الكفّارات و الحدود،إلاّ انّ هذه الموانع لا تعلّق لها بالنّسخ من حيث هو نسخ.و أمّا إن كان الحكم الزّائد شرعيّا فلينظر في دليل الزّيادة،فإن كان بحيث يجوز أن يكون ناسخا
ص:111
لدليل الحكم الزائل،جاز إثبات الزّيادة و إلاّ فلا (1).
لنا:ما رواه الجمهور انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله رأى رجلا يصلّي و في ظهر قدمه لمعة قدر الدّرهم لم يصبها الماء،فأمره النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يعيد الوضوء و الصّلاة (1).و لو لا اشتراط الموالاة،لأجزأه غسل اللّمعة.
و أيضا:قال اللّه تعالى وَ أَيْدِيَكُمْ و الواو للجمع و المراد به التّتالي من غير تأخير،إذ هو القدر الممكن عادة في الجمع.
و أيضا:ما رووه من أنّه عليه السّلام و الى بين الأعضاء (2)،و كان بيانا للمجمل فيكون واجبا،و قال أيضا:(هذا وضوء لا يقبل اللّه الصّلاة إلاّ به) (3)فكان شرطا.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال:«إذا توضّأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتّى يبس وضوؤك فأعد وضوءك،فإنّ الوضوء لا يبعّض» (4)و في طريقها سماعة،و فيه قول (5).
و روى،عن معاوية بن عمّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ربّما توضّأت و نفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي؟فقال:
«أعد» (6).
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة قال:سئل أحدهما عن رجل بدأ بيده قبل
ص:113
وجهه و برجليه قبل يديه؟قال:«يبدأ بما بدأ اللّه به و ليعد ما كان» (1)و لو لم تجب الموالاة،لما وجب إعادة الجميع بل ما عدا الوجه.
و روى،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك،ثمَّ اغسل ذراعيك بعد الوجه» (2)و الإعادة تستلزم سبق الفعل أوّلا.
و روى محمّد بن يعقوب في كتابه،عن حكم بن حكيم،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي من الوضوء الذّراع و الرّأس؟قال:«يعيد الوضوء،انّ الوضوء يتبع بعضه بعضا» (3)و في طريقه معلّى بن محمّد،و هو ضعيف (4).
و روى الشّيخ في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«اتبع وضوءك بعضه بعضا» (5)و الأمر للوجوب.و المتابعة،هي الموالاة لغة،و نصّا بما تقدّم في حديث حكم.
و روى ابن يعقوب في كتابه في الحسن،عن زرارة،قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«تابع بالوضوء» (6)و لأنّ الوضوء عبادة يجب مثل شطرها (7)في حال العذر،
ص:114
فيجب فيها الموالاة كالصّلاة.
و أيضا:فهي عبادة تراد للصّلاة متقدّمة عليها مؤلّفة من أشياء مختلفة،فيبطلها التّفريق كالأذان.
و يمكن أن يحتجّ هاهنا بما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،انّه قال:
(يمسح المسافر ثلاثة أيّام و لياليهنّ،و المقيم يوما و ليلة،ثمَّ ليحدث بعد ذلك وضوءا» (1).
فنقول:لو جاز التّفريق،لأمر من نزع خفّيه،بغسل رجليه و البناء على ما مضى، و لم يأمره بإعادة الجميع.
احتجّ:المخالفون بأنّه قد أتى بالمأمور به،و هو مطلق الغسل الخالي عن قيدي الموالاة و عدمها،فوجب الإجزاء،و لأنّ الآية مطلقة فزيادة الشّرط نسخ،و لأنّها إحدى الطّهارتين،فكيفما غسل جاز،سواء كان مع الموالاة أو لا معها كالغسل (2).
و الجواب عن الأوّل:انّ الآية دلّت على وجوب الغسل،و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بيّن كيفيّة ذلك المجمل،فإنّه لم يتوضّأ إلاّ مواليا،و أمر تارك الموالاة بإعادة الوضوء.
و عن الثّاني:انّا قد بيّنا انّ الزّيادة ليست نسخا مطلقا،على انّ هذا كيف يسمع من أبي حنيفة و مذهبه انّ الأمر يقتضي الفور (3)،فأيّ زيادة هاهنا حينئذ،و هل معنى قولنا تجب الموالاة إلاّ وجوب الفور.
و عن الثّالث:انّ الفرق واقع بين غسل الجنابة و الوضوء،لأنّ الغسل كالعضو الواحد.
ص:115
برهان آخر:شيء من الوضوء واجب،و لا شيء من غير الموالي بواجب،فتعيّن وجوب الموالي.
و هو اختيار الشّيخ في الخلاف و المبسوط (1)،و علم الهدى في المصباح (2).و قال في الجمل (3)،و علم الهدى في شرح الرّسالة:هي أن لا يؤخّر بعض الأعضاء عن بعض بمقدار ما يجفّ ما تقدّمه (4).
لنا:انّ الأمر في الآية يقتضي الفور إجماعا،و لما رواه الحلبيّ في الحسن،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«اتبع وضوءك بعضه بعضا»و قد تقدّم.
احتجّ الشّيخ برواية أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و قد تقدّمت،علّق فيها إعادة الوضوء باليبس،و ذلك يدلّ على العدم عند العدم.و برواية معاوية بن عمّار أيضا.
و الجواب عنها مع سلامة السّند:انّ وجوب الإعادة مشروط باليبس و ذلك غير ما نحن فيه.
و هل يبطل وضوؤه أم لا؟الوجه اشتراط البطلان بالجفاف،لأنّه مع الإخلال بها يحصل الامتثال بالغسل و المسح، فيجب الإجزاء إلاّ مع الجفاف،فيعيد،للرّوايتين المتقدّمتين.
من ماء
ص:116
الأعضاء في الهواء المعتدل.
و قال علم الهدى:إلاّ أن يجفّ العضو السّابق على المفرق (1).
لنا:حصول الإجماع على انّ النّاسي للمسح يأخذ من شعر لحيته إذا لم يبق في يديه نداوة،و ذلك يدلّ على ما قلناه.
جديد
للمسح،لحصول الضّرورة المبيحة للتّرخّص.
الواجب أن المسنون يحصل بدونه،كان تفريقا
،و إلاّ فهو في محلّ التّردّد.أمّا لو كان لوسوسة فالوجه انّه تفريق،لأنّه حينئذ قد اشتغل بما ليس بواجب و لا مسنون.
أمّا الثّالثة،فقال الشّيخ:انّها بدعة (1)،و كذا قال ابن بابويه (2).و قال المفيد:
الثّالثة كلفة (3)،و لم يصرّح بلفظ البدعة.و قال الشّافعيّ (4)و أبو حنيفة (5)و أحمد:
الثّالثة سنّة (6).فإذن اتّفق علماؤنا على انّ الثّالثة ليست مستحبّة.
لنا:ما رواه البخاري،عن ابن عبّاس،قال:توضّأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مرّة مرّة (7).
و روى أبو هريرة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله توضّأ مرّتين مرّتين (8).فنقول:
الرّواية الأولى تدلّ على قدر الواجب،و الثّانية تدلّ على استحباب التّكرار.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام في وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه توضأ مرّة مرّة (9).
و ما رواه في الحسن،عن زرارة قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«انّ اللّه وتر
ص:118
يحبّ الوتر،فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات،واحدة للوجه و اثنتان للذّراعين، و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك،و ما بقي من بلّة يمناك ظهر قدمك اليمنى،و تمسح ببلّة يسراك ظهر قدمك اليسرى» (1).
و روى،عن يونس بن عمّار[1]،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوضوء للصّلاة؟فقال:«مرّة مرّة» (2).
و عن عبد الكريم،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوضوء؟فقال:«ما كان وضوء عليّ عليه السّلام إلاّ مرّة مرّة» (3)و في طريقهما سهل بن زياد،و هو ضعيف،إلاّ أنّهما تأيّدا بما تقدّم.
و يدلّ على استحباب الثّانية رواية أبي هريرة،و قد تقدّمت.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن معاوية بن وهب[2]،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن الوضوء؟فقال:«مثنى مثنى» (4).
و روى في الصّحيح،عن صفوان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الوضوء
ص:119
مثنى مثنى» (1)و المراد هاهنا الاستحباب لا الوجوب،لما تقدّم من الاجتزاء بالواحدة.
و يدلّ عليه ما رواه الشّيخ في الحسن،عن زرارة و بكير،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:قلنا:أصلحك اللّه،فالغرفة الواحدة تجزي للوجه و غرفة للذّراع؟فقال:
«نعم،إذا بالغت فيها و الثّنتان تأتيان على ذلك كلّه» (2)و لأنّ الأولى قد يحصل فيها نوع خلل،فالثّانية احتياط و استطهار.
و احتج ابن بابويه (3)بما رواه ابن أبي عمير،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الوضوء واحدة فرض،و اثنتان لا يؤجر عليه،و الثّالثة بدعة» (4).
و الجواب:انّ الرّاوي،عن محمّد بن أبي عمير،هو محمّد بن بشير،و النّجاشي و إن قال:انّه ثقة،إلاّ انّ الشّيخ قال:محمّد بن بشير غال ملعون[1].فروايته إذن ساقطة.
على انّه يحتمل أن يكون المراد من اعتقد وجوبها،لما رواه،عن عبد اللّه بن بكير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من لم يستيقن انّ واحدة من الوضوء تجزيه،لم يؤجر على الثّنتين» (5).
ص:120
و أمّا كون الثّالثة بدعة فلأنّها غير مشروعة،فكان اعتقاد شرعيّتها إدخالا لما ليس من الدّين فيه،و ذلك هو معنى البدعة.و لأنّ القول بالثّالثة مع القول بالمسح على الرّجلين ممّا لا يجتمعان،و الثّاني ثابت لما بيّناه (1)،فينتفي الأوّل،و بيان عدم الاجتماع الإجماع.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن داود بن زربي (2)،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوضوء؟فقال لي:«توضّأ ثلاثا ثلاثا» (3)ذلك يدلّ على استحباب الثّالثة،إذ الوجوب منتف اتّفاقا إلاّ من شذّ.
لأنّا نقول:انّه عليه السّلام إنّما أمره بذلك إذا كان في حال تقيّة (4)،و يدلّ عليه تتمّة الحديث،و هو انّه قال:قال لي:«أ ليس تشهد بغداد و عساكرهم؟»قلت:بلى قال:«كنت (5)يوما أتوضّأ في دار المهديّ (6)فرآني بعضهم و أنا لا أعلم به فقال:
كذب من زعم أنّك فلانيّ و أنت تتوضّأ هذا الوضوء»قال:فقلت:«لهذا و اللّه أمرني».
احتجّ المخالفون (7)بما رواه ابن عمر،قال:توضّأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
ص:121
مرّة،و قال:(هذا وضوء لا يقبل اللّه الصّلاة إلاّ به)،ثمَّ توضّأ مرّتين،و قال:(هذا وضوء من ضاعف اللّه له الأجر)ثمَّ توضّأ ثلاثة فقال:(هذا وضوئي و وضوء الأنبياء قبلي و وضوء خليلي إبراهيم عليه السّلام) (1).
و الجواب:انّ هذا الحديث مدنيّ،و قد ردّه مالك (2)،و ذلك يدلّ على ضعفه.
و أيضا:لا يلزم من استحبابه في حقّه استحبابه في حقّ أمّته،لاحتمال أن يكون من خصائصه و بالخصوص حيث خصّص،و لا يلزم ذلك في المرّة الثّانية،لأنّه عليه السّلام أخبر أنّه وضوء من ضاعف اللّه له الأجر.
،لأنّه لمّا جاز في الكلّ، جاز في كلّ واحد.
و أمّا تحريمه فهو الوجه،أمّا عندنا فظاهر،و أمّا عند الجمهور (3).فلما رووه،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه جاء أعرابيّ فسأله عن الوضوء؟فأراه ثلاثا،ثلاثا ثمَّ قال:(هذا الوضوء،فمن زاد على هذا فقد ظلم) (4).
لأنّ استحقاق الثّواب
ص:122
منوط بإيقاع العبادة على الوجه المطلوب شرعا و لم يحصل،و لا يبطل وضوؤه لأنّه أتى بالمأمور به،و الزّيادة غير منافية،و لا يخرج ماؤها عن كونه ماء الوضوء،و يجوز المسح به، و فيه احتمال.
لأنّه مسح بغير ماء الوضوء (1).
و قيل:لا تبطل،لأنّه لا ينفك من ماء الوضوء الأصليّ (2).و الأقرب الأوّل.
و هو مذهب علمائنا أجمع،و قول أبي حنيفة (3)، و مالك (4)،و أحمد (5)،و الثّوريّ،و هو مرويّ عن ابن عمر،و الحسن،و النّخعيّ، و مجاهد،و طلحة بن مصرف،و الحكم (6).و قال الشّافعيّ:يستحبّ أن يمسح برأسه ثلاثا (7).و به قال عطاء (8).و قال ابن سيرين:يمسح مرّتين فريضة،و مرّة سنّة (9).
ص:123
لنا:انّ الامتثال يقع بواحدة،و الزّيادة تكلّف لم يثبت لها دليل.
و ما رواه الجمهور،عن عبد اللّه بن زيد انّه وصف وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قال:و مسح برأسه مرّة واحدة (1).
و رووه،عن عليّ عليه السّلام،و قال:(هذا وضوء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،من أحبّ أن ينظر إلى طهور رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلينظر إلى هذا) (2).قال التّرمذيّ:هذا حديث حسن صحيح (3).
و كذا وصف عبد اللّه بن أبي أوفى (4)،و ابن عبّاس (5)،و سلمة بن الأكوع[1] (6)و الرّبيع،كلّهم قالوا:مسح مرّة واحدة (7)،و ذلك إخبار عن دوامه
ص:124
و لا يداوم إلاّ على الأفضل.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في مسح القدمين و مسح الرّأس قال:«مسح الرّأس واحدة من مقدّم الرّأس و مؤخّره، و مسح القدمين ظاهرهما و باطنهما» (1)أي:مقبلا و مدبرا،و لأنّ أبا جعفر عليه السّلام وصف وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و لم يذكر التّكرار (2)،و لأنّه مسح في طهارة فلم يسنّ فيه التّكرار كالتّيمّم و الجبيرة.
احتجّوا (3)بما رواه شقيق بن سلمة[1]،قال:رأيت عثمان بن عفّان غسل ذراعيه ثلاثا،و مسح برأسه ثلاثا،ثمَّ قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعل مثل هذا (4).
ص:125
و روى عليّ عليه السّلام (1)،و عثمان (2)،و ابن عمر (3)،و أبو هريرة (4)، و عبد اللّه بن أبي أوفى (5)،و أبو مالك[1] (6)،و الرّبيع (7)،و أبيّ بن كعب[2]انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله توضّأ ثلاثا (8)ثلاثا،و لأنّ الرّأس أصل في الطّهارة فيسنّ فيه
ص:126
التّكرار كالوجه.
و الجواب عن الأوّل:انّ أصحاب الحديث قالوا:أحاديث عثمان الصّحيحة كلّها تدلّ على انّ مسح الرّأس مرّة،فإنّهم ذكروا الوضوء ثلاثا ثلاثا و قالوا فيها:و مسح رأسه و لم يذكروا عددا،و ما ذكروه من الأحاديث،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه توضّأ ثلاثا ثلاثا،أرادوا بها ما عدا المسح،فإنّ رواتها لمّا فصّلوا قالوا:و مسح برأسه مرّة واحدة (1)،و التّفصيل يحمل عليه الإجمال،و يكون تفسيرا لا معارضا،و قياسهم منقوض بالتّيمّم.
ليصل،فإن لم يكف فيه وجب نزعه،لأنّ الغسل تعلّق بموضع الفرض لا بالحائل فمتى لم يمكن إلاّ بالتّحريك أو الإزالة وجب.
و لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال:سألته عن الرّجل عليه الخاتم الضيّق لا يدري هل يجري الماء تحته أم لا كيف يصنع؟قال:«إن علم انّ الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضّأ» (2).
و روى في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال:سألته عن المرأة عليها السّوار و الدّملج[1]في بعض ذراعها لا تدري هل يجري الماء تحته أم لا كيف تصنع إذا توضّأت أو اغتسلت؟قال:«تحرّكه حتّى يدخل الماء تحته أو ننزعه» (3)و يستحبّ مع عدم المنع التّحرّك،طلبا للاستظهار.
ص:127
و إلاّ مسح عليها و أجزأ عن الغسل،و كذا العصائب الّتي يعصب بها الجرح و الكسر.و هو مذهب علمائنا أجمع.و ممّن رأى المسح على العصائب:ابن عمر،و عبيد بن عمير[1]،و عطاء (1).و أجاز المسح على الجبائر الحسن،و النّخعي (2)،و مالك (3)،و إسحاق (4)،و المزني (5)،و أبو ثور (6)،و أبو حنيفة (7).و قال الشّافعيّ في أحد قوليه:يعيد كلّ صلاة صلاّها (8).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عليّ عليه السّلام قال:(انكسرت إحدى يديّ فأمرني النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن أمسح على الجبائر) (9).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد الرّحمن بن الحجّاج[2]،
ص:128
قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الكسير يكون عليه الجبائر أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء و عند غسل الجنابة و غسل الجمعة؟فقال:«يغسل ما وصل إليه الغسل ممّا ظهر ممّا ليس عليه الجبائر،و يدع ما سوى ذلك ممّا لا يستطيع غسله،و لا ينزع الجبائر،و يعبث بجراحته» (1).
و روى في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه سئل عن الرّجل يكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك في موضع الوضوء فيعصبها بالخرقة و يتوضّأ و يمسح عليها إذا توضّأ؟فقال:«إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة،و إن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمَّ ليغسلها»قال:و سألته عن الجرح كيف يصنع به في غسله؟قال:
«اغسل ما حوله» (2).
و روى في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:
سألته عن الجنب به الجرح فيتخوّف الماء إن أصابه؟قال:«فلا يغسله إن خشي على نفسه» (3).
و روى في الصّحيح،عن الحسن بن عليّ الوشّاء،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الدّواء إذا كان على يدي الرّجل أ يجزيه أن يمسح على طلي الدّواء؟فقال:
«نعم،يجزيه أن يمسح عليه» (4)و لأنّ تكليف النّزع و إصابة الموضع بالماء مع الضّرر حرج،فيكون منفيّا.و قول الشّافعيّ باطل،لما بيّنّاه.و لأنّه مسح على حائل أبيح له
ص:129
المسح عليه فلم يجب معه الإعادة،كالمسح على الخفّ عنده (1).و لأنّها صلاة مأمور بها فيجب الإجزاء.
أجمع،و لو خرجت عنه مسح ما حاذى محلّ الفرض.
ليرجع الكسر،فلو تجاوز الكسر بما لا بدّ منه،جاز المسح،أمّا لو تجاوز بما منه بدّ،فالوجه عدم الجواز،لأنّه إذا شدّها على مكان يستغني عن شدّها عليه،كان تاركا لغسل ما يمكن غسله،فلم يجز،كما لو شدّها على الصّحيح.
و هو قول أهل العلم،لأنّ مسحها للضّرورة فيتقدّر بقدرها،و الضّرورة تدعو إلى مسحها إلى حلّها،فيتقدّر بذلك دون غيره.
و هو قول أهل العلم،لأنّ الضّرر يلحق بنزعها فيهما.
عملا بالعموم المستفاد من ترك الاستفصال في المقال عند السّؤال،و لأنّه ممّا لا ينضبط و فيه مشقّة عظيمة،و هذا قول لبعض الجمهور (2).و قال آخرون منهم:يشترط الطّهارة لأنّه حائل
ص:130
يمسح عليه،فكان من شرط المسح عليه تقدّم الطّهارة،كسائر الممسوحات (1).و نحن نمنع من ثبوت الحكم في الأصل.
وجب،
لأنّ الغسل ممكن،فلا يجري المسح على الحائل.
،لأنّ الضّرورة مختصّة بمعين فلا يقع التّرخّص في غيره.و لو كان على الجميع جبائر أو دواء يتضرّر بإزالته،جاز المسح على الجميع.و لو استضرّ بالمسح تيمّم.
و في رواية عمر بن يزيد،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يخضب رأسه بالحنّاء ثمَّ يبدو له في الوضوء؟قال:«يمسح فوق الحنّاء» (2)و الرّواية صحيحة رواها الشّيخ رحمه اللّه و هي محمولة على الضّرر بإزالة الحنّاء.و كذا في رواية محمّد بن مسلم عنه عليه السّلام (3)،و هي صحيحة أيضا،و التّأويل ما قلناه.
،لأنّ التّرخّص منوط بالضّرورة،و قد زالت.و يشكل ذلك بأنّ حدثه قد ارتفع،فلا يجب الوضوء.
و لمنازع أن ينازع في الصّغرى،فحينئذ ليس له أن ينوي رفع الحدث كالمستحاضة.أمّا الصّلاة الّتي صلاّها،فلا يعيدها إجماعا منّا.و هو مذهب بعض الجمهور (5)،خلافا
ص:131
للشّافعيّ (1).
بالنّسبة إليه،فلا يجوز له التّيمّم حينئذ،سواء تجاوز بها موضع الحاجة أو لا،لأنّه ممسوح في طهارة،فلا يجب التّيمّم كالخفّ عندهم (2).
عملا بالأصل النّافي للضّرر.و لا يجب معه التّيمّم،خلافا لبعض الجمهور (3)،لما قلناه.
و هو مذهب علمائنا أجمع،و خالف فيه الفقهاء (4).
لنا:الأمر بالغسل لمريدي الصّلاة،و هو لا يتحقّق مع فعل الغير،و الأمر للوجوب.
و أيضا:قوله تعالى وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى (5).
و أيضا:ما رواه الجمهور،عن غسل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و مسحه بيده،رواه عثمان في وصف وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (6)و غيره (7)،فكان هو الواجب.
ص:132
و من طريق الخاصّة:رواية زرارة في صفة وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (1).
و يجوز مع الضّرورة إجماعا،لأنّ في تكليفه بنفسه مشقّة،فيكون منفيّا.
و كذا يصلّي بوضوء واحد ما شاء من الصّلوات.و هو مذهب أهل العلم،خلافا للظّاهريّة[1] (2).و لو جدّد الطّهارة كان أفضل.
و يدلّ على الأوّل:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن بكير قال:قال:لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا استيقنت انّك قد توضّأت فإيّاك أن تحدث وضوءا أبدا حتّى تستيقن انّك قد أحدثت» (3)و هذا عام في ذلك الوضوء السّابق و في غيره.
لا يقال:المفهوم منه،انّ المتشكّك في وضوئه لا يعيده لا ما ذكرتم.و لأنّكم لا تقولون بما يدلّ عليه،لأنّه عليه السّلام حذّره عن الوضوء و أنتم تقولون باستحبابه،و ذلك تناف.
لأنّا نجيب عن الأوّل:انّه عام في ترك إعادة وضوئه و في تجديد وضوء آخر قبل الحدث،لأنّه نهاه عن التّجديد المؤبّد،و جعل الغاية فيه الأحداث،و الصّلاة الأولى
ص:133
ليست بحدث،فجاز الدّخول به في الثّانية.
و عن الثّاني:انّ المراد منه النّهي عن التّجديد مع اعتقاد الوجوب،و نحن نقول بتحريمه لكونه بدعة.
و روى في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«و إذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال أخرى في الصّلاة أو في غيرها،فشككت في بعض ما سمّى اللّه ممّا أوجب اللّه عليك فيه وضوءه لا شيء عليك فيه» (1)و ذلك يدلّ على جواز استعمال الوضوء في الصّلوات المتعدّدة،فإنّ قوله:و قد صرت في حال أخرى في الصّلاة أو في غيرها،أي:في غير الصّلاة الّتي قد وقع فيها الشّك،عامّ في كلّ ما غاير تلك الصّلاة.
لا يقال:يحتمل أن يعود الضّمير إلى الحال و هي تؤنّث تارة و تذكّر اخرى و حينئذ لا يدلّ على الاجتزاء بذلك الوضوء إلاّ في تلك الصّلاة،و لأنّ الحكم معلّق على الشّك و هو خلاف قولكم.
لأنّا نجيب عن الأوّل بأنّ الصّلاة أقرب فالعود إليه أولى،فإنّ النّحويين اتّفقوا على انّ قولنا:ضرب زيد عمرا و أكرمته،يعود الضّمير فيه إلى عمرو لقربه،و لأنّ غير تلك الحال أيضا أعمّ من كونها في تلك الصّلاة أو غيرها.
لا يقال:تقييد المعطوف عليه يستلزم تقييد العطف،لوجوب الاشتراك.
لأنّا نقول:نمنع ذلك،و الاشتراك إنّما يجب في الحكم الثّابت لهما و هو الاجتزاء بذلك الوضوء،أمّا في التّقييد فلا.
و عن الثّاني:انّ الاجزاء إذا وجد مع الشّكّ فمع اليقين أولى.
و روى في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
ص:134
رجل شكّ في الوضوء بعد ما فرغ من الصّلاة؟قال:«يمضي على صلاته و لا يعيد» (1)و النّهي عن الإعادة عامّ في الصّلاة و الوضوء.
لا يقال:بل هو في الصّلاة أولى لوجهين:
أحدهما:قوله عليه السّلام«يمضي في صلاته»فتقدّم هذا يدلّ على صرف عدم الإعادة إليها.
الثّاني:انّا لو حملناه على الوضوء لزم التّخصيص،و هو خلاف الأصل.بيانه:
انّ (2)من تجدّد حدثه يعيد وضوءه.أمّا لو حملناه على الصّلاة اندفع هذا المحذور،فإنّ تلك الصّلاة السّابقة لا تعاد بوجه البتّة.
لأنّا نجيب عن الأوّل بأنّ ما ذكر تموه دليل على صرفه إلى الوضوء،و إلاّ لزم التّكرار الخالي عن الفائدة،لأنّ معنى قوله:يمضي في صلاته،هو انّه لا يعيد.
و عن الثّاني:انّ التّخصيص ثابت في البابين،فإنّ من صلّى و ذكر فوات بعض الأركان في الصّلاة أو الوضوء أعاد.على ان التّخصيص إنّما يكون محذورا لو لم يدلّ دليل قاطع عليه،أمّا إذا دلّ و هو الإجماع على إعادة الوضوء للمحدث،فلا.على انّا نمنع أن يكون ذلك إعادة،بل هو تجديد واجب آخر،فإنّ الوضوء الأوّل زال بزوال شرطه و هو الاستمرار على عدم الحدث،و نحن لا نسلّم انّ ذلك يسمّى إعادة.
و أيضا:الصّلاة الفريضة و النّافلة معا مفتقرتان إلى رفع الحدث،فتحقّق شرط الصّلاة و ارتفع المانع و هو الحدث،فأبيح له ما زاد.
و أمّا استحباب التّجديد فهو متّفق عليه،إلاّ ما نقل عليّ بن سعيد[1]،عن أحمد
ص:135
انّه لا فضل فيه (1)،و هي عندهم شاذّة.
لنا:ما رواه الجمهور عن غطيف الهذليّ[1]،قال:رأيت يوما ابن عمر توضّأ عند كلّ صلاة،فقلت:أصلحك اللّه،أ فريضة أم سنّة الوضوء عند كلّ صلاة؟فقال:لا، لو توضّأت لصلاة الصّبح لصلّيت به الصّلوات كلّها ما لم أحدث،و لكن سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:(من توضّأ على طهر فله عشر حسنات)و إنّما رغبت في الحسنات (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه محمّد بن يعقوب في كتابه،عن سماعة،قال:كنت عند أبي الحسن عليه السّلام فصلّى الظّهر و العصر بين يديّ و جلست عنده حتّى حضرت المغرب فدعا بوضوء فتوضّأ للصّلاة،ثمَّ قال لي:«توضّأ»فقلت:جعلت فداك،أنا على وضوء،قال:«و إن كنت على وضوء،انّ من توضّأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في يومه إلاّ الكبائر،و من توضّأ للصّبح كان وضوؤه ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في ليلته،إلاّ الكبائر) (3)و في هذا دلالة من حيث المفهوم على جواز الجمع بالوضوء الواحد،لقوله:صلّى الظّهر و العصر،ثمَّ دعا بطشت للمغرب،و لقوله عليه السّلام:«و إن كنت على وضوء»حكم بثبوت الوضوء حينئذ،و لأنّه لو كان التّجديد واجبا لبيّنه.
و روى أيضا في كتابه،عن سعدان[2]،عن بعض أصحابه،عن أبي عبد اللّه
ص:136
عليه السّلام،قال:«الطّهر على الطّهر عشر حسنات» (1).
،قال في الخلاف:المستحاضة و من به السّلس يجب عليه تجديد الوضوء عند كلّ صلاة فريضة،و لا يجوز أن يجمعا بين صلاتي فرض (2).و قال في المبسوط:من به السّلس يجوز أن يصلّي بوضوء واحد صلوات كثيرة (3).
و الحقّ عندي انّه يجمع بين الظّهر و العصر بوضوء واحد،و بين المغرب و العشاء بوضوء،و يفرد الصّبح بوضوء،و إذا صلّى غير هذه وجب تجديد الطّهارة لكلّ صلاة.
لنا:ما رواه أبو جعفر بن بابويه في الصّحيح،عن حريز،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،انّه قال:«إذا كان الرّجل يقطر منه البول و الدّم إذا كان حين الصّلاة اتّخذ كيسا و جعل فيه قطنا،ثمَّ علّقه عليه،و أدخل ذكره فيه،ثمَّ صلّى يجمع بين الصّلاتين الظّهر و العصر،يؤخّر الظّهر و يعجّل العصر بأذان و إقامتين،و يؤخّر المغرب و يعجّل العشاء بأذان و إقامتين و يفعل ذلك في الصّبح» (4).
و وجه ما قاله الشّيخ في الخلاف انّ البول حدث،فيعفى عنه عمّا وقع الاتّفاق عليه و هو الصّلاة الواحدة.أمّا نحن فلمّا صرنا إلى الحديث الصّحيح،لا جرم عملنا بما قاله الشّيخ في غير ما دلّ النّصّ عليه لقوّته.قال في المبسوط:لا دليل على وجوب تجديد الوضوء،و حمله على المستحاضة قياس لا نقول به (5)،فإن أراد الشّيخ بالتّجديد التّجديد
ص:137
عند كلّ صلاة،فالدّليل ما ذكره في الخلاف (1)،و إن أراد التّجديد بين كلّ صلاتين من الحواضر،فالوجه ما رواه ابن بابويه.
و روى ابن يعقوب في كتابه في الحسن،عن منصور بن حازم،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرّجل يعتريه البول و لا يقدر على حبسه؟قال:«إذا لم يقدر على حبسه فاللّه أولى بالعذر يجعل خريطة» (2).
لا يقال:هذا يدلّ على سقوط الوضوء عند كلّ صلاة.
لأنّا نقول:لا نسلّم دلالته على ذلك،بل يحمل على سقوط الوضوء عقيب الحدث المتجدّد للعذر،و أمّا الجمع فمستفاد من دليل آخر.
و اعلم انّ هذا الحديث و الحديث الأوّل دالاّن على وجوب الاستظهار في منع التّعدّي بقدر الإمكان،و أمّا المبطون فإنّه يجدّد الوضوء لكلّ صلاة،لا يجمع بين صلاتي فرض،لأنّ الغائط حدث،فلا يستباح معه الصّلاة إلاّ مع الضّرورة،و هي متحقّقة في الواحدة دون غيرها،و لو تلبّس بالصّلاة،ثمَّ فجأه الحدث مستمرّا تطهّر و بنى،لما رواه ابن بابويه،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام:قال:«صاحب البطن الغالب يتوضأ و يبني على صلاته» (3).
و روى عن الفضيل بن يسار انّه قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:أكون في الصّلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا؟فقال:«انصرف ثمَّ توضّأ و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصّلاة بالكلام متعمّدا،فإن تكلّمت ناسيا فلا شيء عليك و هو بمنزلة من تكلّم في الصّلاة ناسيا»قلت:و إن قلب وجهه عن القبلة؟قال:
ص:138
«و إن قلب وجهه عن القبلة» (1).و اعلم أنّ مجرّد ما يحصل في البطن من ذلك غير موجب للطّهارة،بل مع خروج الحدث،و يحمل ذلك على من لم يملك نفسه من التّحفّظ.و حكم من يغلبه الحدث المستمرّ من الرّيح حكم المبطون.
و هو قول علمائنا أجمع،و به قال الثّوريّ،و أهل العراق،و الأوزاعيّ (2)،و الشّافعيّ (3)،و سائر أهل العلم (4)فيما علمنا،إلاّ الحسن و مالكا،فإنّ الحسن قال:إن شكّ في الحدث في الصّلاة مضى فيها،و إن كان قبل الدّخول توضّأ (5).و مالك قال:الشّكّ في الحدث إن كان يستنكحه (6)كثيرا فهو على وضوئه،و إن كان لا يستنكحه كثيرا توضّأ (7).
ص:139
لنا:ما رواه الجمهور،عن عبد اللّه بن زيد،قال:شكي إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الرّجل يخيّل إليه في الصّلاة أنّه يجد الشّيء؟قال:(لا ينصرف حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا» (1).
و ما رواه مسلم،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:(إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه أم لم يخرج،فلا يخرج من المسجد حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا) (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن بكير قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا استيقنت أنّك قد توضّأت فإيّاك أن تحدث وضوءا أبدا حتّى تستيقن انّك قد أحدثت» (3).
و روى في الموثّق،عن عبد اللّه بن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«إذا شككت في شيء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكّك بشيء إنّما الشّكّ إذا كنت في شيء لم تجزه» (4).
و روى في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«فلا تنقض الوضوء بالشّك» (5).
ص:140
و روى في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،فإن حرّك إلى جنبه شيء و لم يعلم به؟قال:«لا حتّى يستيقن انّه قد نام حتّى يجيء من ذلك أمر[بيّن] (1)و إلاّ فإنّه على يقين من وضوئه،و لا ينقض اليقين أبدا بالشّك و لكن ينقضه بيقين آخر» (2)و لأنّ الشّك يتطرّق في أكثر الأحوال لأغلب النّاس،و ذلك يستلزم الحرج العظيم فيكون منفيّا،و لأنّه إذا شكّ تعارض الأمران و لا أولويّة لأحدهما فيجب سقوطهما و الأخذ بالمتيقّن كاليقين عنده.
لو ظنّ الحدث مع يقين الطّهارة لا يلتفت،
لأنّ الظّن إنّما يعتبر مع اعتبار الشّارع له كالشّهادة،لا كما لو ظنّ الحاكم ظنّا غير منوط بسبب اعتبره الشّارع،لأنّ في ذلك رجوعا عن المتيقّن إلى المظنون،و هو باطل.
الإعادة
.و هو أحد قولي الشّافعيّ (3)،و هو الأقوى عندي،و القول الآخر للشّافعيّ الرّجوع إلى الزّمان السّابق على تصادم الاحتمالين،فإن كان حدثا بنى على الطّهارة،لأنّه تيقّن انتقاله عن تلك الحالة إلى الطّهارة،و لم يعلم تجدّد الانتقاض،فصار متيقّنا للطّهارة، شاكا في رفعها،فيبني على اليقين،و إن كان متطهّرا بنى على الحدث،لما قلناه (4).
و لنا انّه حالة الدّخول في الصّلاة غير متيقّن للطّهارة و لا ظانّا لها،فلم يسغ الدّخول حينئذ،و ما ذكروه ضعيف،لأنّه كما تيقّن انتقاله إلى الطّهارة فكذلك تيقّن حصول
ص:141
حدث بعد ذلك الحدث،فحينئذ يتساوى احتمال الطّهارة و عدمها،فلا يكون كافيا.
لو تيقّن انّه وقت الزّوال نقض طهارة،و توضّأ عن حدث،و شكّ في السّابق،فهاهنا
الوجه استصحاب حال السّابق
على الزّوال،فإن كان في تلك الحال متطهّرا فهو على طهارته،لأنّه تيقّن انّه نقض تلك الطّهارة،ثمَّ توضّأ،إذ لا يمكن أن يتوضّأ عن حدث مع بقاء تلك الطّهارة،و نقض هذه الطّهارة الثّانية مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشّكّ،و إن كان قبل الزّوال محدثا فهو الآن محدث،لأنّه تيقّن انّه انتقل عنه إلى طهارة ثمَّ نقضها،و الطّهارة بعد نقضها مشكوك فيها.
آخر:لو شكّ في يوم فلا يدري تطهّر فيه و أحدث أم لا؟نصّ الشّيخ في النّهاية على إعادة الطّهارة (1)،لأنّه غير متيقّن لها،فلا تدخل في الصّلاة بشكّ الطّهارة.
و الوجه عندي النّظر إلى ما قبل ذلك الزّمان،فإن كان متطهّرا بنى عليه لتيقّن الطّهارة و شكّ الحدث،و إن كان محدثا بنى على الحدث لذلك.
و هو إجماع.و لو شكّ في شيء من أفعالها كغسل الوجه أو اليد،فإن كان على حال الطّهارة لم يفرغ أعاد على ما شكّ فيه و على ما بعده،و أمّا السّابق فإن حصلت الموالاة صحّ و إلاّ فلا،لأنّ الأصل عدم فعله و الحدث متيقّن،فيعمل على اليقين،لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه انّك لم تغسله أو تمسحه ممّا سمّاه اللّه ما دمت في حال الوضوء،فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال أخرى في الصّلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى اللّه ممّا أوجب اللّه عليك فيه
ص:142
وضوءه لا شيء عليك فيه» (1).
و روى في الموثّق،عن عبد اللّه بن أبي يعفور.
عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا شككت في شيء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكّك في شيء،إنّما الشّكّ إذا كنت في شيء لم تجزه» (2).و إن كان قد فرغ و انصرف عن حاله لم يلتفت إلى الشّكّ.و هو إجماع،و يدلّ عليه أيضا رواية زرارة و ابن أبي يعفور.
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل شكّ في الوضوء بعد ما فرغ من الصّلاة؟قال:«يمضي على صلاته و لا يعيد» (3).
و روى،عن بكير بن أعين قال:قلت له:الرّجل يشكّ بعد ما يتوضّأ؟قال:«هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» (4)و لأنّ الانفكاك من الشّك نادر،فيلزم وجوب الوضوء المتكرّر في أغلب الأحوال،و ذلك عسر و مشقّة.أمّا لو تيقّن ترك عضو أتى به و بما بعده،و أمّا السّابق فإن حصلت الموالاة صحّ و إلاّ فلا،سواء انصرف أو لا،صلّى به أو لا،و يعيد الصلاة،و لا نعرف خلافا في وجوب الإتيان،لأنّ المقتضي و هو الأمر موجود،فيوجد الأثر و هو الوجوب.و يعضده:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا ذكرت و أنت في صلاتك انّك قد تركت شيئا من وضوئك المفروض عليك فانصرف فأتمّ الّذي نسيته من وضوئك و أعد صلاتك، و يكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من لحيتك بللها إذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به
ص:143
مقدّم رأسك» (1).و أمّا إعادة ما بعده فليحصل التّرتيب.
و روى الشّيخ في الحسن،عن الحلبي،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا نسي الرّجل أن يغسل يمينه فغسل شماله و مسح رأسه و رجليه فذكر بعد ذلك،غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه،و إن كان إنّما نسي شماله فليغسل الشّمال و لا يعيد على ما كان توضّأ»و قال:«اتبع وضوءك بعضه بعضا» (2).
و روى،عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل ينسى مسح رأسه حتّى يدخل في الصّلاة؟قال:«إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل ذلك و ليصلّ»قال:«و إن نسي شيئا من الوضوء المفروض فعليه أن يبدأ بما نسي و يعيد ما بقي لتمام الوضوء» (3).
و روى في الصّحيح،عن منصور قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمّن نسي أن يمسح رأسه حتّى قام في الصّلاة،قال:«ينصرف و يمسح رأسه و رجليه» (4).
و روى في الصّحيح،عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:في الرّجل يتوضّأ فيبدأ بالشّمال قبل اليمين؟قال:«يغسل اليمين و يعيد اليسار» (5)،و ذلك عامّ في النّاسي و العامد،لأنّ (6)ترك الاستفصال يدلّ عليه،و إعادة الصّلاة مستفادة من رواية
ص:144
الحلبيّ.
و في رواية زرارة الصّحيحة فإن دخله الشّكّ و هو في صلاته فليمض في صلاته و لا شيء عليه،و إن استيقن رجع فأعاد عليه الماء،و إن رآه و به بلّة مسح عليه و أعاد الصّلاة (1).
لا يقال:روى الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام،قال:سألته عن رجل توضّأ و نسي غسل يساره فقال:«يغسل يساره وحدها و لا يعيد وضوء شيء غيرها» (2)لأنّا نقول:معناه:و لا يعيد وضوء شيء غيرها من الأعضاء المغسولة،جمعا بين الأدلّة.
بعضو من إحدى الطّهارتين،قال الشّيخ في المبسوط:يعيد الأولى خاصّة
،لأنّ الإخلال إن كان من الأولى صحّت الثّانية بطهارتها و بطلت الاولى،و إن كان من الثّانية صحّت الصّلاتان معا بالأولى (3)،و هو حقّ إن اكتفينا بنيّة القربة دون التّعيين للاستباحة أو رفع الحدث،أمّا مع القول بعدم الاكتفاء فالطّهارة الثّانية وجودها كعدمها،و حينئذ قال القائلون به:يجب عليه الصّلاتان معا،لعدم التّيقّن بالطّهارة الاولى (4)،و لا بأس به، إلاّ أنّ عندي فيه شكّا و هو انّه قد تيقّن الطّهارة و شكّ في بعض أعضائها بعد الانصراف،و لأنّ الشّك في إلحاق التّرك بالمعيّن منهما هو الشّك في ترك أحد الأعضاء
ص:145
الواجبة،فلا يلتفت،و هو قويّ.
على التّفريق،قال الشّيخ:يعيد الصّلاتين،
لأنّه لم يؤدّ واحدة منهما بيقين (1).
و الأقرب عندي انّه يعيد صلاة واحدة إن اتّفقتا عددا ينوي بها ما في ذمّته،و إلاّ فالصّلاتين معا،لما قاله الشّيخ.
لا يقال:لا إعادة لواحدة منهما،أمّا الأولى فلأنّه صلاّها بطهارة أوقعها قطعا، و شكّ فيها بعد الصّلاة،فلا يلتفت إلى الشّكّ،لرواية محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل شكّ في الوضوء بعد ما فرغ من الصّلاة؟قال:«يمضي على صلاته و لا يعيد» (2)و هي صحيحة.
و أمّا الثّانية فلهذا المعنى أيضا،لأنّ الشّكّ في كون الحدث عقيب الطّهارة الأولى أو الثّانية،هو بعينه شكّ في زوال الثّانية بعد تيقّنها،بناء على الاكتفاء بنيّة القربة،فلا يلتفت إليه،للخبر.
لأنّا نقول:إنّا نعلم قطعا بطلان إحدى الطّهارتين،و تخصيص الاولى به دون الثّانية ترجيح من غير مرجّح،فوجب الحكم ببطلانهما معا مع الاختلاف عددا،و بطلان إحداهما مع التّساوي.
السّابق على الاحتمالين و يحكم بالخلاف،و السّابق هاهنا الطّهارة.
الثّالث:لو صلّى بطهارة،ثمَّ أحدث فتوضّأ ثمَّ صلّى اخرى و ذكر انّه قد أخلّ بعضو من إحداهما،فالحكم فيه كما في الثّاني،و الشّكّ و الإيراد فيه كما سبق (1).
الصّلاة،
لاحتمال أن يكون من الطّهارة الأولى فتبطل،و الثّانية غير صحيحة،لأنّ نيّة الاستباحة مفقودة،و هذا حقّ مع الاشتراط،أمّا مع عدمه فلا إعادة،لأنّ التّرك في أيّهما كان صحّت الصّلاة بالآخر.
الطّهارات،قال في المبسوط:يعيد الخمس .
و يمكن القول بإعادة ركعتين و أربعا و ثلاثا،كالنّاسي لفريضة مجهولة من يوم،و لو كان مسافرا كفاه اثنتان و ثلاث.و كذا لو تطهّر للخمس عقيب حدث و تيقّن الإخلال المجهول.أمّا لو صلّى الخمس بطهارات متعدّدة متعاقبة و ذكر الإخلال من واحدة،أعاد الاولى لا غير لما قلناه،و فيه الخلاف السّابق (3).و لو ذكر التّرك من طهارتين أعاد الاولى و الثّانية،و هكذا.
متطهّر أعاد الصّلاة،
لأنّه دخل فيها مع الشّكّ.و هو قول الشّافعيّ (4).
عقيب الأحداث،فالتّقادير عشرة
،و يكتفي بصبح،و مغرب،و أربع مرّتين ينوي بكلّ واحدة إحدى الثّلاث.و لو نوى بواحدة منهما الظّهر أو العصر،و بالأخرى العصر أو
ص:147
العشاء أو الظهر أو العشاء صحّ.و لو نوى بواحدة منهما الظّهر مثلا،لم يكتف في الإطلاق الثّاني بأخرى،بل لا بدّ من أربع مرّتين،إمّا بأن يعيّن كلّ واحدة من الباقين فتوزّع المرّتين عليهما،أو يأتي بالإطلاق الثّاني فيهما.و لو لم يعلم هل هما ليومه أو ليومه و أمسه،وجب عن يومه أربع صلوات و عن أمسه ثلاث.و لو لم يعلم هل هما ليومه أو لأمسه،وجب عليه أربع لا غير.و لو جهل الجمع و التّفريق،صلّى عن كلّ يوم ثلاث صلوات.و كذا البحث لو توضّأ خمسا لكلّ صلاة طهارة من حدث،ثمَّ ذكر تخلّل حدث بين الطّهارة و الصّلاة و اشتبه.و لو صلّى الخمس بثلاث طهارات،فإن جمع بين رباعيّتين بطهارة،صلّى أربعا صبحا و مغربا،و أربعا مرّتين،و إلاّ اكتفى بالثّلاث.
لا الوضوء،سواء كان التّرك عمدا أو سهوا.و قال ابن بابويه:يعيد الوضوء (1).
لنا على إعادة الصّلاة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،قال:توضّأت يوما و لم أغسل ذكري ثمَّ صليت فسألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ذلك،فقال:
«اغسل ذكرك و أعد صلاتك» (2).
و في الصّحيح،عن ابن أذينة،قال:ذكر أبو مريم الأنصاريّ انّ الحكم بن عتيبة بال يوما و لم يغسل ذكره فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام،فقال:«بئس ما صنع،عليه أن يغسل ذكره و يعيد صلاته و لا يعيد وضوءه» (3).و لأنّ طهارة البدن شرط في الصّلاة و لم يحصل.
ص:148
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام،قال:سألته عن رجل ذكر و هو في صلاته انّه لم يستنج من الخلاء؟قال:
«ينصرف و يستنجي من الخلاء و يعيد الصّلاة،و إن ذكر و قد فرغ من صلاته أجزأه ذلك و لا إعادة عليه» (1).
و روى،عن هشام بن سالم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل يتوضّأ و ينسى أن يغسل ذكره و قد بال؟فقال:«يغسل ذكره و لا يعيد الصّلاة» (2).
لأنّا نجيب عن الأولى بأنّها منافية للمذهب من وجهين:
أحدهما:ما دلّت عليه ظاهرا من ترك الإعادة مع الإكمال.
الثّاني:الفرق بين الإكمال و عدمه،و إذا كان كذلك وجب تأويلها بالمحتمل و هو أمران:
أحدهما:انّه أراد الاستنجاء بالماء و إن كان قد استنجى بالحجر فيستحبّ له الانصراف ما دام في مقدّمات صلاته كالأذان و التّكبيرات السّبع.
و ثانيهما:الحمل على من لم يعلم بالحدث كالمغمى عليه،جمعا بين الأدلّة.
و أمّا الثّانية:ففي طريقها أحمد بن هلال،و هو ضعيف (3).و أمّا عدم إعادة الوضوء فقد تقدّم (4).
و هو مذهب علماء الإسلام.و روى ابن يعقوب في كتابه في الصّحيح،عن رفاعة بن موسى،قال:سألت
ص:149
أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوضوء في المسجد،فكرهه من الغائط و البول (1).
فقال الشّيخ في المبسوط:يكره (2)،و حرّمه في التّهذيب و الخلاف (3)،و هو الظّاهر من كلام ابن بابويه (4)،و هو الأقوى عندي،و هو مرويّ،عن ابن عمر،و الحسن،و عطاء، و طاوس،و الشّعبيّ (5).و[هو] (6)قول مالك (7)،و الشّافعيّ (8)،و أصحاب الرّأي (9)إلاّ داود فإنّه أجاز مسّه (10).
لنا:قوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (11).
و ما رواه الجمهور،عن أبي عبيد،قال في كتاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
ص:150
لعمرو بن حزم (1):(أن لا يمسّ القرآن،إلاّ طاهر) (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمّن قرأ في المصحف و هو على غير وضوء؟قال:«لا بأس،و لا يمسّ الكتاب» (3)و في الطّريق الحسين بن المختار،قال الشّيخ:إنّه واقفيّ (4).
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام، قال:سألته عن الرّجل يحلّ له أن يكتب القرآن في الألواح و الصّحيفة و هو على غير وضوء؟ قال:«لا» (5).
و روى،عن حريز،عمّن أخبره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:كان إسماعيل بن أبي عبد اللّه[1]عنده فقال:«يا بني اقرأ المصحف»فقال:إنّي لست على
ص:151
وضوء؟فقال:«لا تمسّ الكتاب و مسّ الورق و اقرأه» (1).
و روى،عن إبراهيم بن عبد الحميد[1]،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:
«المصحف لا تمسّه على غير طهر و لا جنبا و لا تمسّ خطّه (2)و لا تعلّقه،انّ اللّه يقول لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (3)(4)و في الطّريق عليّ بن فضّال[2]و هو فطحي.
احتجّ داود (5)بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كتب إلى المشركين«قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَاب» (6)(7)و هذه قرآن و هم محدثون.
و الجواب:انّه عليه السّلام لم يقصد القرآن بل المراسلة.
ص:152
كالهامش،و يجوز حمله و تعليقه على كراهيّة.و هو قول علمائنا أجمع،و أبي حنيفة (1)،و الحسن،و عطاء،و طاوس، و الشّعبيّ،و القاسم،و أبي وائل (2)،و الحكم،و حمّاد (3).و منع الأوزاعيّ (4)، و الشّافعي من مسّ هامشه و جلده و صندوقه إذا كان فيه،و خريطته كذلك (5).و لو كان في صندوق الأقمشة أو عدل معكم[1]،ففي جواز مسّه للشّافعيّ وجهان (6).
و قال مالك:أحسن ما سمعت انّه لا يحمل المصحف بعلاقته و لا في غلافه إلاّ و هو طاهر،و ليس ذلك لأنّه يدنّسه و لكن تعظيما للقرآن (7).
لنا على جواز مسّ الهامش و الورق:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه كتب كتابا فيه آية إلى قيصر.و أباح الحكم،و حمّاد،مسّه بظاهر الكفّ (8).
و من طريق الخاصّة:رواية حريز،قال:«لا تمسّ الكتاب و مسّ الورق».
و رواية إبراهيم بن عبد الحميد ضعيفة السّند،فلا تعارض الأصل الّذي هو الجواز.
ص:153
و لنا على جواز حمله و أخذه بغلافه انّه غير ماسّ (1)له،فكان كما لو حمله في رحله، و لأنّ النّهي تناول المسّ،و الحمل مغاير.
احتجّ الشّافعيّ بأنّه مكلّف محدث قاصد لحمل المصحف،فلم يجز كما لو حمله مع مسّه (2).
و الجواب:هذا القياس فاسد،لأنّ العلّة في الأصل هي المسّ،و هي غير موجودة في الفرع،و الحمل لا أثر له في التّعليل.
و قيل:بل هو اسم للملاقاة مطلقا (5)،و هو الأقرب من حيث اللّغة.
لعدم الشّرط في حقّه،و لا يتوجّه النّهي إليه،لعدم قبوله للتّكليف،و كذا المجنون.و هو أحد وجهي الشّافعيّة،و في الآخر:يجوز،لحاجتهم إلى حفظه،فلو لم يشرع إلاّ بطهارة لزم التّعسّر. (6)و لو توضّأ الصّبيّ جاز له المسّ،لارتفاع حدثه على إشكال.
المشركين (1).
من غير أن يمسّه، عملا بالأصل السّالم عن معارضة تناول النّهي له.
عملا بالأصل السّالم عن معارضة المسّ.و فيه للجمهور خلاف (2).
و غيرها
،و الرّسائل و إن كان فيها آيات من القرآن،للمحدث و الجنب،عملا بالأصل، و لأنّه لا يقع عليها اسم المصحف و لا تثبت لها حرمة،أمّا الآيات الموجودة في الكتب إذا مسّها (3)ففي تناول التّحريم له تردّد،أقربه التّحريم،لأنّ النّهي تعلّق بكلّ آيات القرآن،ضرورة عدم المسّ (4)له دفعة واحدة،و بانضمام غيرها إليها لا تخرج عن كونها قرآنا.و قالت الشّافعيّة:إن كانت الآيات مكتوبة بخطّ غليظ و التّفسير بدقيق حرم مسّها كالمصحف،و إلاّ فلا (5).
لما قلناه،و لأنّ القرآن مكتوب عليها فأشبهت الورق،و هو اختيار أبي حنيفة (6).و قال بعض الجمهور بالجواز،لأنّه لا يقع عليها اسم المصحف فأشبهت كتب الفقه،و للمشقّة الحاصلة من
ص:155
الاحتراز (1).و كذا البحث في ألواح الصّبيان في الكتاتيب[1]،و للشّافعيّة فيها وجهان (2).
لأنّه غير متطهّر إلاّ بغسل الجميع.
و به قال الشّافعيّ (3)،لأنّها منسوخة.
لأنّ له حرمة القرآن،و المنسوخ تلاوته يجوز مسّه و إن بقي حكمه،لخروجه عن كونه قرآنا.
للصّلاة و الطّواف المندوبين،لأنّها شرط فيهما،فلا يصحّان بدونها،و الأصل مندوب فالفرع أولى.
و لطلب الحوائج،لما رواه الشّيخ،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سمعته يقول:«من طلب حاجة و هو على غير وضوء فلم تقض فلا يلومنّ إلاّ نفسه» (4).
و تجديده مع بقاء حكمه عند كلّ صلاة،لما رواه سعدان،عن بعض أصحابه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الطّهر على الطّهر عشر حسنات» (5).
ص:156
و لحمل المصحف،لأنّه مناسب للتّعظيم.و لأفعال الحجّ عدا الطّواف الواجب و صلاته،لوجوبه.و للكون على طهارة.و لدخول المساجد،لما رواه ابن بابويه،عن كليب الصّيداويّ[1]،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«مكتوب في التّوراة انّ بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لمن تطهّر في بيته ثمَّ زارني،و حقّ على المزور أن يكرم الزّائر» (1)و لأنّه يستحبّ الصّلاة تحيّة،و هي مفتقرة إلى الطّهارة،و الطّهارة مكروهة في المسجد،فاستحبّ التّقديم.
و للنّوم،لما رواه ابن بابويه في ثواب الأعمال،عن محمّد بن كردوس[2]،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من توضّأ ثمَّ آوى إلى فراشه،بات و فراشه كمسجده» (2).
و للصّلاة على الجنائز (3).و لزيارة قبور المؤمنين (4).و لقراءة القرآن.و لنوم الجنب، لما رواه الشّيخ،عن سماعة،قال:سألته عن الجنب يجنب،ثمَّ يريد النّوم؟فقال:
«ان أحبّ أن يتوضّأ فليفعل و الغسل أفضل من ذلك،و إن هو نام و لم يتوضّأ و لم يغتسل فليس عليه شيء إن شاء اللّه تعالى» (5).
ص:157
و لأكل الجنب،لما رواه الشّيخ،عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قلت:أ يأكل الجنب قبل أن يتوضّأ؟قال:«إنّا لنكسل (1)و لكن ليغسل يده،و الوضوء أفضل» (2).
و لجماع المحتلم و الحامل.و جماع غاسل الميّت و لم يغتسل.و لمريد غسل الميّت و هو جنب.و للحائض تجلس في مصلاّها تذكر اللّه تعالى.و للتأهّب لصلاة الفرض قبل وقته،لاستحباب الصّلاة في أوّل وقتها،و هو غير ممكن إلاّ بتقديم الوضوء على الوقت.
خاتمة تتعلّق بثواب الوضوء و علّته:
روى محمّد بن يعقوب في كتابه،عن محمّد بن بشير،قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول و هو يحدّث النّاس بمكّة:قال«صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الفجر ثمَّ جلس مع أصحابه حتّى طلعت الشّمس فجعل يقوم الرّجل بعد الرّجل حتّى لم يبق معه إلاّ رجلان أنصاريّ و ثقفيّ،فقال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:قد علمت انّ لكما حاجة تريدان أن تسألا عنها فإن شئتما أخبرتكما بحاجتكما قبل أن تسألا و إن شئتما فاسألا عنها؟قالا:تخبرنا قبل أن نسألك عنها،فإنّ ذلك أجلى للعمى،و أبعد من الارتياب،و أثبت للإيمان،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أمّا أنت يا أخا ثقيف فإنّك جئت تسألني عن وضوئك و صلاتك مالك في ذلك من الخير،إمّا وضوؤك فإنّك إذا وضعت يدك في الإناء فقلت:بسم اللّه،تناثرت منها ما اكتسبت من الذّنوب و إذا غسلت وجهك تناثرت الذّنوب الّتي اكتسبتها عيناك الّتي تنظر بها،و فوك،فإذا غسلت ذراعيك تناثرت الذّنوب(الّتي بطشت بها يداك) (3)،فإذا مسحت على رأسك
ص:158
و قدميك تناثرت الذّنوب الّتي مشيت إليها على قدميك،فهذا لك في وضوئك» (1).
و روى،عن سماعة،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:«من توضّأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في يومه إلاّ الكبائر،و من توضّأ للصّبح كان وضوؤه ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في ليله إلاّ الكبائر» (2).
و روى ابن بابويه،عن عبد الرّحمن بن كثير الهاشميّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا وصف وضوء أمير المؤمنين عليه السّلام:«ثمَّ قال:يا محمّد (3)،من توضّأ مثل وضوئي و قال مثل قولي،خلق اللّه عزّ و جلّ من كلّ قطرة ملكا يسبّحه و يقدّسه و يكبّره و يكتب اللّه له ثواب ذلك إلى يوم القيامة» (4).
و روى ابن بابويه،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من توضّأ فذكر اسم اللّه طهر جميع جسده و كان الوضوء إلى الوضوء كفّارة لما بينهما من الذّنوب و من لم يسمّ لم يطهر من جسده إلاّ ما أصابه الماء» (5).
و روى ابن بابويه في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام، عن أبيه جعفر بن محمّد عليهما السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من
ص:159
أسبغ وضوءه،و أحسن صلاته،و أدّى زكاة ماله،و كفّ غضبه،و سجن لسانه، و استغفر لذنبه،و أدّى النّصيحة لأهل بيت نبيّه،فقد استكمل حقائق الايمان و أبواب الجنّة مفتّحة له» (1).
و روى،عن السّكونيّ عن جعفر بن محمّد،عن أبيه،عن آبائه صلوات اللّه عليهم قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«ليبالغ أحدكم في المضمضة و الاستنشاق فإنّه غفران لكم و منفرة للشّيطان» (2).
و روى ابن بابويه انّه جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسألوه عن مسائل و كان فيما سألوه،أخبرنا يا محمّد لأيّ علّة توضّأ هذه الجوارح الأربع و هي أنظف المواضع في الجسد؟قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لمّا أن وسوس الشّيطان إلى آدم عليه السّلام دنا من الشّجرة فنظر إليها فذهب ماء وجهه،ثمَّ قام و مشى إليها و هي أوّل قدم مشت إلى الخطيئة،ثمَّ تناول بيده منها ما عليها و أكل فطار الحليّ و الحلل عن جسده فوضع آدم يده على أمّ رأسه و بكى،فلمّا تاب اللّه عزّ و جلّ عليه فرض اللّه عليه و على ذرّيّته تطهير هذه الجوارح الأربع فأمره اللّه عزّ و جلّ بغسل الوجه لمّا نظر إلى الشّجرة،و أمره بغسل اليدين إلى المرفقين لمّا تناول منها،و أمره بمسح الرّأس لمّا وضع يده على أمّ رأسه،و أمره بمسح القدمين لمّا مشى بهما إلى الخطيئة» (3).
و كتب أبو الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام إلى محمّد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله:«انّ علّة الوضوء الّتي من أجلها صار على العبد غسل الوجه و الذّراعين و مسح الرّأس و القدمين،فلقيامه بين يدي اللّه عزّ و جلّ و استقباله إيّاه بجوارحه الظّاهرة و ملاقاته بها الكرام الكاتبين فيغسل الوجه للسّجود و الخضوع و يغسل
ص:160
اليدين ليقلبهما و يرغب بهما و يرهب و يتبتّل و يمسح الرّأس و القدمين لأنّهما ظاهران مكشوفان يستقبل بهما كلّ حالاته و ليس فيهما من الخضوع و التّبتّل ما في الوجه و الذّراعين» (1).
ص:161
ص:162
ص:163
ص:164
اعلم انّ الغسل على ضربين،واجب،و ندب:
فالواجب ستّة:غسل الجنابة،و الحيض،و الاستحاضة،و النّفاس،و مسّ الأموات بعد بردهم بالموت و قبل تطهيرهم بالغسل،و غسل الموتى،فهاهنا فصول:
و قد اتّفق علماء الأمصار على انّ الجنابة سبب موجب للغسل و القرآن دلّ عليه،قال اللّه تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (1).
و الكلام هاهنا يقع في ثلاثة مباحث:الموجب للجنابة،و كيفيّة الغسل المزيل لها،و أحكام الجنب.
و هي تكون تارة بسبب إنزال المنيّ و هو الماء الغليظ الدّافق غالبا،يخرج عند اشتداد الشّهوة،يشبه رائحته رطبا رائحة الطّلع،و يابسا رائحة البيض،و سمّي منيّا لأنّه يمنى،أي:يراق،و لهذا سمّيت منى منى،لإراقة الدّماء بها.و منيّ المرأة رقيق أصفر،و عليه إجماع أهل الإسلام.و روى مسلم في صحيحه انّ أمّ سليم[1]حدّثت أنّها سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرّجل؟فقال رسول
ص:165
اللّه صلّى اللّه عليه و آله:(إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل)فقالت أمّ سليم:و استحييت من ذلك و هل يكون هذا؟فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:(نعم،فمن أين يكون الشّبه؟ ماء الرّجل غليظ أبيض،و ماء المرأة رقيق أصفر فمن أيّهما علا أو سبق يكون منه الشّبه) (1).
و روت أيضا عنه صلّى اللّه عليه و آله قالت:هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:(نعم،إذا هي رأت الماء) (2)و قال عليه السّلام:(إنّما الماء من الماء) (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام،قال:سألته عن الرّجل يلعب مع المرأة و يقبّلها فيخرج منه المنيّ، فما عليه؟قال:«إذا جاءت الشّهوة و لها دفع و فتر لخروجه فعليه الغسل،و إن كان إنّما هو شيء لم يجد له فترة و لا شهوة،فلا بأس» (4)معناه إذا لم يكن الخارج هو الماء الأكبر،لاستبعاد خروج الماء الأكبر بغير شهوة و لذّة و فتور،و أشار بذلك إلى انّ من اشتبه عليه اعتبره بالشّهوة.
و روى في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة ترى انّ الرّجل يجامعها في المنام في فرجها حتّى تنزل؟قال:«تغتسل» (5).
ص:166
و روى في الصّحيح،عن أديم (1)بن الحرّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرّجل،عليها غسل؟قال:«نعم،و لا تحدّثوهنّ فيتّخذنه علّة» (2).
و روى في الحسن،عن محمّد (3)بن الفضيل،عن أبي الحسن عليه السّلام قال:
قلت:تلزمني المرأة أو الجارية من خلفي و أنا متّكئ على جنبي فتحرّك على ظهري فتأتيها الشّهوة و تنزل الماء[أ] (4)فعليها غسل أم لا؟قال:«نعم،إذا جاءت الشّهوة و أنزلت الماء وجب عليها الغسل» (5).
و روى معاوية (6)قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إذا أمنت المرأة
ص:167
و الأمة من شهوة جامعها الرّجل أو لم يجامعها،في نوم كان أو في يقظة،فإنّ عليها الغسل» (1).
و روى في الصّحيح،عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع،قال:سألت الرّضا عليه السّلام عن الرّجل يجامع المرأة فيما دون الفرج فتنزل المرأة،هل عليها غسل؟قال:
«نعم» (2).
و روى في الصّحيح،عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة ترى في منامها فتنزل،عليها غسل؟قال:«نعم» (3).
و روى في الحسن،عن الحلبيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المفخّذ أ عليه غسل؟قال:«نعم،إذا أنزل» (4)فخروج المنيّ الدّافق بشهوة يوجب الغسل من الرّجل و المرأة في يقظة أو في نوم،لا نعرف فيه خلافا.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن عمر بن يزيد قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرّجل يضع ذكره على فرج المرأة فيمني،عليها غسل؟فقال:«إن أصابها من الماء شيء فلتغسله،و ليس عليها شيء إلاّ أن يدخله»قلت:فإن أمنت هي و لم يدخله؟قال:«ليس عليها الغسل» (5).
و روى في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:
ص:168
كيف جعل على المرأة إذا رأت في النّوم انّ الرّجل يجامعها في فرجها الغسل و لم يجعل عليها الغسل إذا جامعها دون الفرج في اليقظة فأمنت؟قال:«لأنّها رأت في منامها انّ الرّجل يجامعها في فرجها،فوجب عليها الغسل،و الآخر إنّما جامعها دون الفرج فلم يجب عليها الغسل لأنّه لم يدخله،و لو كان أدخله في اليقظة وجب عليها الغسل،أمنت أو لم تمن» (1).
و روى في الصّحيح،عن عمر بن أذينة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
المرأة تحتلم في المنام فيهريق الماء الأعظم؟قال:«ليس عليها الغسل» (2).
لأنّا نجيب عن ذلك كلّه بأنّ هذه أخبار آحاد عارضت إجماع المسلمين،فتكون مردودة بالاتّفاق،على انّه يحتمل انّه إنّما قال فإن أمذت هي،و السّامع لم يفهم ذلك، و عمر بن يزيد هذا قد روى بغير هذا اللّفظ،قال:اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة و لبست ثيابي و تطيّبت فمرّت بي وصيفة ففخّذت لها فأمذيت أنا و أمنت هي فدخلني من ذلك ضيق،فسألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ذلك؟فقال:«ليس عليك وضوء و لا عليها غسل» (3).فاختلاف روايته دالّ على عدم الضّبط فوجب إطراحها.
و أيضا:يمكن أن يحمل المنيّ على المذي الّذي هو شبيه في بعض الأحوال و المصاحب له بالمجاز.
قال الشّيخ:و يحتمل انّه عليه السّلام أجابه عمّا هو الثّابت في نفس الأمر لا على اعتقاد السّائل،فلعلّه اعتقد ما ليس بمنيّ منيّا (4)،و هذا هو الجواب عن الحديث الثّاني.و عن الثّالث باحتمال انّها رأت في النّوم الإنزال،و لمّا استيقظت ظهر لها
ص:169
بطلانه،لا انّها وجدته في حال اليقظة.
،سواء قارنته الشّهوة أو لا.
و به قال الشّافعيّ (1).و قال أبو حنيفة (2)،و أحمد (3)،و مالك:لا يجب إلاّ مع الشّهوة و الدّفق (4).
لنا:ما رواه الجمهور،عنه عليه السّلام انّه قال:(الماء من الماء) (5)و رووا،عنه عليه السّلام انّه قال:(و في المنيّ الغسل) (6).و قوله عليه السّلام لامّ سليم:(إذا رأت المرأة ذلك فلتغتسل) (7)و لم يعلّق الحكم على غير الرّؤية.و قوله عليه السّلام لها:(نعم، إذا هي رأت الماء) (8)و لم يعلّق على الشّهوة.
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من الأحاديث الدّالّة على إيجاب الغسل مطلقا (9)،
ص:170
و لا ينافي ذلك،الأحاديث الدّالّة على الإيجاب مع قيد الشّهوة،لأنّ دليل الخطاب ضعيف و بالخصوص مع المنطوق الدّالّ على الخلاف.و لأنّه منيّ خارج فأوجب الغسل كما لو خرج حال الإغماء،و لأنّه منيّ (1)نجس خارج من إحدى السّبيلين فلا يعتبر في إيجابه الشّهوة كالحيض.
احتجّ أبو حنيفة (2)بما روي،عن أمّ سليم انّها سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن المرأة ترى في منامها مثل ما يرى الرّجل؟فقال:(أ تجد لذّة بذلك؟)فقالت:نعم، قال:(فلتغتسل)علّق الاغتسال باللّذّة،و لأنّه ليس بمنيّ بل يشبهه،لأنّ المنيّ هو الماء الّذي تدفعه الشّهوة،فإذا انعدمت الشّهوة لا يكون منيّا بل أشبه البول،فيجب منه الوضوء.
و الجواب عن الأوّل بأنّ تعليق الحكم على وجدان اللّذة لا يدلّ على نفيه عمّا عداه،إذ ذلك دليل الخطاب لا يعمل به المحقّقون،على انّ السّؤال هاهنا ليس لتعليق الحكم عليه و اعتبار اللذّة،بل هو استعلام لما يشتبه حاله،لا ما يتيقّن انّه منيّ،على انّ الشّهوة لا تعتبر في النّوم اتّفاقا.
و عن الثّاني:انّ الاسم معلّق على الحقيقة المعيّنة لا باعتبار مقارنة الشّهوة أو عدمها كما في حقّ النّائم و المغمى عليه و غيرهما.و العجب انّ أبا حنيفة يذهب إلى انّ الزّيادة على النّصّ نسخ (3).فتقييد الماء بالشّهوة زيادة لم يتناولها النّصّ،مستفادة من مفهوم قوله عليه السّلام(أ تجد لذّة)مع انّ المفهوم اختلفوا في انّه هل هو حجة أم لا؟و على القول بأنّه حجّة،اختلفوا في انّه هل يجوز التّخصيص به أم لا؟فكيف جوّز النّسخ به؟! برهان آخر:خروج المنيّ موجب للغسل مطلقا،عملا بالدّوران في طرفي الوجود و العدم،أمّا في الوجود ففي حال الإنزال مع الإغماء و النّوم،و أمّا عدما فظاهر، و الدّوران يقتضي العلّيّة،لأنّ مدارا ما من المدارات على ما ذكرنا من التّفسير علّة للدّائر قطعا،فنقول:لو ثبت عدم علّيّة غير هذا المدار من المدارات منضمّا إلى علّيّة مدار ما،
ص:171
و إلى عدم علّيّة كلّ ما ليس بعلّة في نفس الأمر،يلزم علّية هذا المدار،و يلزم من هذا أن يكون علّة في نفس الأمر.
أمّا المقدّمة الاولى فلأنّ كلّ ما ليس بعلّة في نفس الأمر فهو ليس بعلّة على هذا التّقدير،فينعكس بالنّقيض إلى انّ كلّ ما هو علّة على هذا التّقدير فهو علّة في نفس الأمر.
و أما المقدّمة الثّانية:فلأنّ هذا المدار علّة على هذا التّقدير و كلّ ما هو علّة على هذا التّقدير فهو علّة في نفس الأمر.
و إن قال (1):عدم الإنزال مع الشّهوة موجب لعدم الغسل بالدّوران وجودا و عدما، أمّا وجودا ففي صورة عدم الإنزال مطلقا،و أمّا عدما ففي صورة الإنزال مع الشّهوة،و إذا كان الإنزال مع الشّهوة مدارا،لم يكن مطلق الإنزال مدارا،و إلاّ لزم وجود الحكم و عدمه في صورة النّزاع.
قلت:هذا لا يتمّ بالخلف،و تقريره أن نقول:لو كان عدم الإنزال مع الشّهوة موجبا لعدم الغسل لزم أحد الأمرين،و هو:إمّا عدم وجوب الغسل في صورة النّزاع،أو عدم إيجاب الإنزال مطلقا للغسل،لدلالة الدّليل على كلّ واحد منهما،أمّا على الأوّل فلأنّ الأصل ترتّب المسبّب على سببه،و أمّا الثّاني فلأنّه لو كان الإنزال مطلقا حينئذ موجبا للغسل،لزم التّعارض بين الموجب للوجوب،و الموجب لعدم الوجوب،و هو على خلاف الأصل،فثبت دلالة الدّليل على كلّ واحد منهما،فثبت أحدهما،و يلزم من هذه الملازمة عدم موجبيّة الإنزال مع الشّهوة لعدم الغسل،لأنّه لو ثبت أحد الأمرين و هو إمّا موجبيّة عدم الإنزال مع الشّهوة لعدم وجوب الغسل،أو عدم وجوب الغسل في صورة النّزاع،لثبت عدم وجوب الغسل في فصل النّائم و المغمى عليه،عملا بالعلّة السّالمة عن المعارض دعواه،و اللازم منتف فينتفي أحدهما،و إنّما كان يلزم انتفاء موجبيّة عدم الإنزال مع الشّهوة لعدم وجوب الغسل.أمّا إذا كان الواقع انتفاء موجبيّته لعدم وجوب
ص:172
الغسل فظاهر،و أمّا إذا كان الواقع انتفاء عدم وجوب الغسل في صورة النّزاع فلأنّ ما ذكرنا (1)-و هو الإنزال مطلقا-حينئذ يكون موجبا لوجوب الغسل لما ذكرنا من الدّوران السّالم عن معارضة عدم وجوب الغسل في صورة النّزاع،فيظهر من هذا انّ المدار إذا كان معيّنا (2)و المقابل له شيء يتخلّف عنه ضدّ المدّعى تمَّ و إلاّ فلا.
سواء خرج دافقا أو لا،بشهوة أو لا،في يقظة أو نوم،بعلّة كالضّرب أو لا،لأنّ السّبب و هو الخروج موجود في الجميع.
و لو اشتبه اعتبره الصّحيح،باللّذّة و الدّفق و فتور الجسد،لرواية عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام و قد تقدّمت (3).و لأنّ هذه الأمور مقارنة للمنيّ في أغلب الأحوال، فمع حصول الاشتباه يستند إليها.أمّا المريض فلا يعتبر الدّفق في حقّه لضعف قوّته، فالدّفق غير ملازم للمنيّ في حقّه فلا يستند إليه،و لا بدّ من الآخرين.و لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:
الرّجل يرى في المنام و يجد الشّهوة فيستيقظ فينظر فلا يجد شيئا،ثمَّ يمكث الهوين بعد فيخرج؟قال:«إن كان مريضا فليغتسل،و إن لم يكن مريضا فلا شيء عليه»قال:
قلت له:فما الفرق بينهما؟قال:«لأنّ الرّجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة قويّة و إن كان مريضا لم يجيء إلاّ بعد» (4).
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل احتلم فلمّا انتبه وجد بللا قليلا؟قال:«ليس بشيء إلاّ أن يكون مريضا فإنّه يضعف فعليه الغسل» (5).
ص:173
و هو قول أكثر الفقهاء (1)خلافا لأحمد (2)،فإنّه أوجب الغسل و أنكر رجوع الماء.
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في خبر أمّ سليم قال:(إذا رأت المرأة ذلك فلتغتسل) (3)علّق على الرّؤية.
و ما رواه أبو داود،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال لعليّ عليه السّلام:(إن فضخت الماء فاغتسل) (4)و الفضخ:خروجه على وجه الشدّة،و قيل:خروجه بالعجلة (5).و بالجملة فالحكم معلّق على الخروج،فينتفي عند انتفائه.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن الحسين بن أبي العلاء،قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يرى في المنام حتّى يجد الشّهوة و هو يرى انّه قد احتلم فإذا استيقظ لم ير في ثوبه الماء و لا في جسده؟قال:«ليس عليه الغسل» (6).
احتجّ أحمد بأنّ الجنابة تباعد الماء عن محلّه-لأنّ الجنابة في اللّغة البعد-و قد وجد، و لأنّ الغسل تراعى فيه الشّهوة و قد حصلت بانتقاله،فأشبه ما لو ظهر (7).
و الجواب عن الأوّل:انّه لا يصحّ،لجواز أن يسمّى جنبا لمجانبته الماء،و ذلك لا
ص:174
يحصل إلاّ بخروجه منه،أو لمجانبته المساجد و الصّلاة و القرآن و غيرها.
و عن الثّاني:بالمنع من اعتبار الشّهوة-و قد بيّناه فيما مضى (1)-سلّمنا لكن مراعاتها لا يلزم منه استقلالها به،فإنّ أحد وصفي العلّة و شرط الحكم مراعى له،و لا يستقلّ بالحكم،و يبطل بما إذا وجدت الشّهوة من غير انتقال،فإنّها لا تستقل للحكم مع مراعاتها فيه.
،سواء اغتسل أو لم يغتسل،لوجود السّبب و هو الخروج،و سواء قارنته الشّهوة أو لا،و سواء بال أو لا.و قال بعض الجمهور في الّذي أحسّ بانتقال المنيّ فأمسك ذكره فاغتسل ثمَّ خرج منه المنيّ من غير مقارنة شهوة بعد البول:لا غسل عليه (2).و هو قول أبي يوسف (3).و قال أبو حنيفة و محمّد:عليه الغسل (4).و هو قولنا لما قدّمناه (5)،و لأمر النّبي صلّى اللّه عليه و آله بالغسل عند رؤية الماء و فضخه،و قد وجد في هذه الحالات.
و كذا لو خرج منه الماء فاغتسل ثمَّ خرج أيضا شيء آخر منه وجب أن يعيد الغسل،ذهب إليه علماؤنا،و به قال الشّافعيّ (6).و قال أبو حنيفة:إذا خرج قبل البول وجب أن يعيد الغسل،لأنّه بقيّة ما خرج بالدّفق و الشّهوة،و إن خرج بعد البول لم يجب به الغسل،لأنّه خرج بغير دفق و لا شهوة (7).و به قال الأوزاعيّ (8).و قال
ص:175
مالك:لا غسل عليه سواء خرج بعد البول أو قبله،لأنّه اغتسل منه فلا يجب أن يغتسل منه مرّة أخرى (1).و عنه في الوضوء روايتان (2)،و هو مذهب أبي يوسف و محمّد و إسحاق (3).و هو غلط لأنّ الاعتبار بخروجه كسائر الأحداث.و لو تقطّر من بوله نقطة بعد نقطة أعاد الوضوء،و اعتبار الشّهوة قد بيّنا بطلانه (4).
و أجمع عليه كلّ من يحفظ عنه العلم،لأنّه لم يحصل السّبب و هو الخروج،و لا اعتبار برؤيا (5)النّائم في إيجاب الأحكام على المكلّف.و لما روى الشّيخ في الحسن،عن الحسين بن أبي العلاء،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل كان يرى في المنام حتّى يجد الشّهوة و هو يرى انّه قد احتلم فإذا استيقظ لم ير في ثوبه الماء و لا في جسده؟قال:
«ليس عليه الغسل».و قال:«كان عليّ عليه السّلام يقول:إنّما الغسل من الماء الأكبر فإذا رأى في منامه و لم ير الماء الأكبر فليس عليه الغسل» (6).
و روى في الصّحيح،عن الحلبيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرّجل؟قال:«إن أنزلت فعليها الغسل و إن لم تنزل فليس عليها الغسل» (7).
ص:176
،لأنّه منه و لا اعتبار بالعلم بالخروج في وقته،لما رواه الجمهور،عن عائشة قالت:سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الرّجل يجد البلل و لا يذكر احتلاما؟قال:(يغتسل)و عن الرّجل يرى انّه قد احتلم و لا يجد بللا؟قال:(لا غسل عليه) (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:
عن الرّجل يرى في ثوبه المنيّ بعد ما يصبح و لم يكن رأى في منامه انّه احتلم؟قال:
«فليغتسل و ليغسل ثوبه و يعيد صلاته» (2)و في سماعه قول (3)،إلاّ انّ روايته هذه متقبّلة عند الأصحاب و النّظر يؤيّدها،فيجب المصير إليها.
،لأنّ الحكم معلّق على المنيّ.
و قال أبو حنيفة و محمّد:يجب الغسل احتياطا تذكّر الاحتلام أو لم يتذكّر (4).و قال أبو يوسف:لا غسل عليه حتّى يستيقن الاحتلام (5).و كلاهما ضعيفان.
لأنّ الطّهارة متيقّنة و الحدث مشكوك فيه،فلا اعتبار به و هو قول مجاهد و قتادة (6).و قال أحمد في بعض الرّوايات:إذا وجد بلّة اغتسل إلاّ أن يكون قد لاعب أهله فربّما خرج منه المذي فلا بأس به.و كذلك إن كان انتشر من أوّل اللّيل بتذكّر أو رؤية لا غسل عليه.و هو قول
ص:177
الحسن.و إن لم يكن وجد ذلك فعليه الغسل (1).و الحقّ ما قلناه أوّلا،و هذا التّفصيل لا نعرفه لعدم الدّلالة.
كابن ثلاث عشرة سنة أو اثني عشر فإذا وجد مثل هؤلاء المنيّ بعد الاستيقاظ نسب إليهم،لأنّ الصّبيّ هاهنا وجد دليل البلوغ،و هو محتمل.أمّا إذا كان أقلّ من ذلك،بحيث لا يحتمل انّه منه غالبا،حمل على انّه من غيره،فلا يلحقه الحكم.
أو مشى فخرج منه المنيّ،وجب عليه الغسل لوجود السّبب.
،و ذكر شارح الطّحاوي خلافا بين أبي حنيفة و محمّد،و بين أبي يوسف فيمن وجد على ثوبه (2)منيّا،فقال أبو حنيفة و محمّد:عليه الغسل،و خالف أبو يوسف.
لنا:ما رواه الجمهور انّ عمر و عثمان اغتسلا حين رأياه في ثوبهما (3)،و رواية سماعة-و قد تقدّمت-و لأنّه لا يحتمل أن يكون من غيره.أمّا لو شاركه في الثّوب غيره فلا غسل عليه و لا على الآخر،لأنّ كلّ واحد منهما بانفراده يحتمل ألاّ يكون منه، فوجوب الغسل عليه مشكوك فيه.نعم،يستحبّ الغسل لهما احتياطا.
و روى الشّيخ،عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يصيب بثوبه منيّا و لم يعلم انّه احتلم؟قال:«يغسل ما وجد بثوبه و ليتوضّأ» (4).
ص:178
غسل رفع به الحدث،
هذا بالنّظر إلى كونه جنبا،أمّا بالنّظر إلى حكم الثّوب، فالواجب أن يعيد الصّلوات الّتي صلاّها من آخر نومة نامها فيه،لأنّه لا يقوم إلى صلاة إلاّ مع غلبة الظّنّ انّ ثوبه طاهر،قال:و لو قلنا انّه لا يجب عليه إعادة شيء من الصّلوات بالنّظر إلى الثّوب خاصّة كان قويا،و هو الّذي أعمل به،لأنّ إيجاب الإعادة يحتاج إلى دليل شرعيّ،و لما ثبت من عدم الإعادة على المصليّ في النّجس إذا كان جاهلا إلاّ إذا كان في وقته (1).فتلخّص من هذا انّ الشّيخ يذهب إلى وجوب الإعادة عليه من آخر غسل،و ليس بجيّد.
و الحقّ انّه يعيد الصّلاة من آخر نومة إلاّ أن يرى أمارة تدلّ على القبليّة،فيعيد من أدنى نومة يحتمل انّه منها،لأنّ الصّلاة قبل ما حدّدناه وقعت مشروعة،فلا يبطلها التّجويز المتجدّد.
في الصّلاة؟قال بعض الجمهور:لا،لعلمنا بأنّ أحدهما جنب فلا تصحّ صلاتهما (2).
و عندي فيه إشكال،فإنّ الشّارع أسقط نظره عن هذه الجنابة و لم يعتد بها في أحكام الجنب،فإنّ لكلّ واحد منهما الدّخول في المساجد،و قراءة العزائم،و غير ذلك من المحرّمات على الجنب،فلو كان حكم الجنابة باقيا لما ساغ ذلك.و على تقدير التّسليم، فصلاة الإمام صحيحة قطعا كما لو لم يأتمّ،و المأموم ائتمّ بصلاة يعلم صحّتها شرعا فساغ ذلك،و مع التّسليم،فالّذي ذكروه يقتضي بطلان صلاة المأموم خاصّة.
الغسل
،سواء جامعها في فرجها أو في غيره فنزل فيه،ثمَّ خرج.و هو مذهب قتادة،
ص:179
و الأوزاعيّ،و إسحاق (1).و قال الحسن:تغتسل (2).و قال الشّافعيّ:تتوضّأ (3).
لنا:انّه ليس منها فأشبه غير المنيّ.
و روى الشّيخ،عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تغتسل من الجنابة ثمَّ ترى نطفة الرّجل بعد ذلك،هل عليها غسل؟ فقال:«لا» (4).
لأنّ المذي عندنا طاهر بلا خلاف بين علمائنا.أمّا الجمهور القائلون بنجاسته فقد اختلفوا فيه،فقال الشّافعيّ:يجب غسل موضع المذي خاصّة،لأنّه خارج لا يوجب غسل جميع البدن،فلا يوجب غسل ما لم يصبه (5).و قال مالك:يجب عليه غسل الذّكر (6).و قال أحمد:يجب عليه غسل الذّكر و الأنثيين (7)،لما رووه،عن عليّ عليه السّلام و قد سأل له المقداد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال:(يغسل ذكره و يتوضّأ) (8)و في رواية أخرى:(يغسل ذكره و أنثييه و يتوضّأ) (9).
و الجواب:قد بيّنا في طرقنا انّه لا وضوء فيه.
أو في خصيتيه،أو
ص:180
في صلبه،فالأقرب وجوب الغسل،لقوله عليه السّلام:(إنّما الماء من الماء) (1).
و يحتمل إحالته على الخارج من السّبيلين.و هو قول الشّافعيّة (2).
و حدّه:
التقاء الختانين،و المراد به المحاذاة،و يعلم بغيبوبة الحشفة،سواء أنزل أو لم ينزل.و هو مذهب عامّة العلماء إلاّ داود و نفرا يسيرا من الصّحابة شرطوا الإنزال (3).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عائشة قالت:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:(إذا التقى الختانان وجب الغسل) (4).
و عنها انّها قالت:إذا التقى الختانان وجب الغسل،فعلته أنا و رسول الله صلّى الله عليه و آله فاغتسلنا (5).
و عنها انّها،قالت:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:(إذا جلس بين شعبها الأربع و مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل) (6).
و في حديث عمر انّه قال:من خالف في ذلك فقد جعلته نكالا (7).
و روى مسلم،عن أبي هريرة،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:(إذا
ص:181
قعد بين شعبها الأربع فقد وجب عليه الغسل و إن لم ينزل) (1)و هذا نصّ،قال الأزهريّ[1]:أراد بين شعبتي رجليها و شعبتي شفريها (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:سألته متى يجب الغسل على الرّجل و المرأة؟فقال:«إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرّجم» (3).
و روى في الصّحيح،عن محمّد بن إسماعيل،قال:سألت الرّضا عليه السّلام عن الرّجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل؟فقال:«إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل»قلت:التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟قال:
«نعم» (4).
و روى في الصّحيح،عن عليّ بن يقطين،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرّجل يصيب الجارية البكر لا يفضي إليها،أ عليها غسل؟قال:«إذا وضع الختان على الختان فقد وجب الغسل،البكر و غير البكر» (5).
ص:182
و في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:جمع عمر بن الخطاب أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقال:ما تقولون في الرّجل يأتي أهله فيخالطها و لا ينزل؟فقالت الأنصار:الماء من الماء،و قال المهاجرون:إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل:فقال عمر لعليّ عليه السّلام:ما تقول يا أبا الحسن؟فقال عليّ عليه السّلام:«أ توجبون عليه الرّجم و الحدّ و لا توجبون عليه صاعا من ماء؟إذا التقى الختانان،فقد وجب عليه الغسل»فقال عمر:القول ما قال المهاجرون و دعوا ما قالت الأنصار (1).
و به قال الشّافعيّ (3).و قال الشّيخ في المبسوط:لأصحابنا فيه روايتان:الوجوب و عدمه (4).و قال في النّهاية:فإن جامع فيما دون الفرج لم يجب الغسل إلاّ مع الإنزال (5)،قال ابن إدريس:إن أراد بالفرج ما يعمّ القبل و الدّبر معا فصحيح،و إلاّ فلا (6).و الأقرب ما ذهب إليه السّيّد المرتضى.
لنا:قوله تعالى أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا (7)و التّيمّم بدل من الغسل فوجوبه تابع لوجوب الأصل،و الملامسة هي الجماع مطلقا،خرج عنه ما
ص:183
ليس بمعتاد،لعدم انصراف اللّفظ إليه،فيبقى الباقي على حكمه.
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام، قال:سألته متى يجب الغسل على الرّجل و المرأة؟فقال:«إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرّجم» (1)أشار بذلك إلى الإدخال في الفرج و هو موضع الحدث،سواء كان قبلا أو دبرا،و قول عليّ عليه السّلام:«أ توجبون عليه الحدّ و الرّجم و لا توجبون عليه صاعا من ماء»و هذا يدلّ من حيث المفهوم على الوجوب بوطء الدّبر.
احتجّ الشّيخ بما رواه أحمد بن محمّد[1]،عن البرقيّ[2]رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا أتى الرّجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما،و إن أنزل فعليه الغسل و لا غسل عليها» (2).
و ما رواه في الصّحيح،عن الحلبيّ،قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أ عليها غسل إن هو أنزل و لم تنزل هي؟قال:«ليس
ص:184
عليها غسل،و إن لم ينزل هو فليس عليه غسل» (1).
و الجواب عن الأوّل:انّها مرسلة،فلا تعارض ما ذكرناه.
و عن الثّاني:انّا نقول بموجبة،و نمنع من اختصاص اسم الفرج بالقبل.
و قال الشيخ في المبسوط:لأصحابنا فيه روايتان (3)،و عندي فيه تردّد،و الأقرب ما قاله السّيّد،و هو قول الشّافعيّ (4)،و أبي حنيفة (5)،و أحمد (6).
استدل السّيّد عليه بالإجماع،قال:كلّ من أوجب الغسل بوطء دبر المرأة أوجبه بوطء دبر الغلام،و قد بيّنّا الحكم الأوّل،فيثبت الثّاني.
و يدلّ عليه أيضا:قول عليّ عليه السّلام:«أ توجبون عليه الحدّ و الرّجم و لا توجبون عليه صاعا من ماء»و لأنّه دبر آدميّ فأشبه دبر المرأة.و الشّيخ تمسّك بالأصل و هو ضعيف مع وجود ما ينافيه.
و كذا الغلام الموطوء،يجب عليه الغسل.
،فلا يتعلّق به حكم،و هو قول أبي حنيفة (2)،خلافا للشّافعيّ (3)،و أحمد (4)،و كلام الشّيخ قويّ.
مستيقظا-و كذا الواطئ
-و حيّا،أو ميّتا،خلافا لأبي حنيفة فإنّه لم يوجب الغسل بوطء الميتة (5).
لنا:انّه إيلاج فرج في فرج حصل معه الالتقاء،فيجب الغسل،عملا بالأحاديث السّالفة و لأنّه إيلاج فرج آدميّ في فرج آدميّ فيجب الغسل كالحيّ.
احتجّ أبو حنيفة بأنّه وطء غير مقصود،فلا يتعلّق الحكم به (6).
و الجواب:المنع من عدم القصد،ضرورة (7)توقّف الفعل عليه،إلاّ أن يعني بالقصد ما يكون متعلّق الشّهوة غالبا فينتقض بالعجوز و الشّوهاء.و لو كان جماعة للميتة بعد غسلها لم يعد،و هو أحد وجهي الشّافعيّ (8).
ص:186
لأنّه لم يوجد التقاء الختانين و لا ما هو في معناه،لأنّ غيبوبة الحشفة شرط للوجوب،لرواية محمّد بن إسماعيل الصّحيحة،قلت:التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟قال:«نعم» (1)و لم يوجد،فينتفي الوجوب.
الحشفة وجب الغسل،
و تعلّقت به أحكام الوطء من المهر و غيره،لرواية محمّد بن مسلم الصّحيحة،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:«إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرّجم» (2)و إن كان أقلّ من ذلك لم يجب.
وطأ أحدهما الآخر في قبله،قال الشّافعيّ:لا يجب الغسل
لاحتمال أن يكون زائدا،و مع الإنزال يختصّ الغسل بالمنزل و لو اشترك (3).و فيه إشكال من حيث تعلّق الحكم بالتقاء الختانين من غير اعتبار الزّيادة و الأصالة.أمّا لو أولج الرّجل في دبر الخنثى فإنّه يجب الغسل عند السّيّد و هو الحقّ،و به قال الشّافعيّ (4).
قال أبو حنيفة و أبو ثور:يستحبّ لهما الغسل لعدم تعلّق الإثم بهما فلا يتصوّر الوجوب في حقّهما،و لأنّ الصّلاة الّتي يجب الطّهارة لها غير واجبة عليهما،فأشبهت
ص:187
الحائض (1).و قال أحمد بالوجوب،عملا بقوله عليه السّلام:(إذا التقى الختانان وجب الغسل) (2)و لا نعني بالوجوب التّأثيم بتركه،بل معناه أنّه شرط لصحّة الصّلاة، و الطّواف،و إباحة قراءة العزائم،و إنّما يأثم البالغ بتأخيره في موضع يتأخّر الواجب بتركه،و لذلك لو أخّره في غير وقت الصّلاة لم يأثم،و الصّبيّ لا صلاة عليه فلا يأثم بالتّأخير،و بقي في حقّه شرطا كما في حقّ الكبير،و إذا بلغ كان حكم الحدث في حقّه باقيا،كالحدث الأصغر ينقض الطّهارة في حقّ الكبير و الصّغير (3).و هو الأقوى.
خلافا للحنفيّة مطلقا و لبعض النّاس في الأوامر (4).
لنا:المقتضي و هو العموم موجود كقوله تعالى وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (5).
يا أَيُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ (6)و المانع و هو الكفر لا يصلح ان يكون مانعا،لأنّ الكافر متمكّن من الإتيان بالإيمان أوّلا حتّى يصير متمكّنا من الفروع كما في حقّ المحدث،و لقوله تعالى قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (7)و لقوله تعالى وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (8)و ذلك عائد إلى كلّ ما تقدّم،و قوله تعالى فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلّى وَ لكِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلّى (9)ذمّهم على الجميع،و قوله:
ص:188
وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ (1).
و لأنّ النّهي يتناوله،فيحدّ على الزّنا فيتناوله الأمر،لأنّ التّناول ثمَّ إنّما كان لتمكّنه من استيفاء المصلحة الحاصلة بسبب الاحتراز من المنهيّ عنه للمناسبة و الاقتران، فوجب أن يكون متمكّنا من استيفاء المصلحة الحاصلة بسبب الإقدام على المأمور به، و احتجاجهم بأنّه لو وجبت الصّلاة لكانت إمّا حال الكفر أو بعده،و الأوّل باطل لامتناعه،و الثّاني باطل للإجماع على سقوط القضاء لما فات حالة الكفر،و لأنّه لو كان واجبا لوجب القضاء كالمسلم،و الجامع تدارك المصلحة المتعلّقة بتلك العبادات، ضعيف.
أمّا الأوّل فلأنّا لا نعني بتكليفهم في الدّنيا الإقدام على الصّلاة مع الكفر و لا وجوب القضاء،بل يتناول العقاب لهم في الآخرة على ترك الفروع،كما حصل لهم على ترك الإيمان،و حينئذ يندفع ما ذكروه.
و عن الثّاني:بالمنع من الملازمة،فإنّ القضاء يجب بأمر جديد،و قياسهم منتقض بالجمعة.و أيضا:الفرق واقع،لأنّ في حقّ الكافر لو أمر بالقضاء،حصل التّنفّر له عن الإسلام.
لنا:انّه جنب بعد الإسلام،فيمنع من الصّلاة إلاّ بالغسل،لقوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (1)و هو عام.
و أيضا:قوله عليه السّلام:(إذا التقى الختانان وجب الغسل) (2)و لأنّه لو كان محدثا حدثا أصغر لم يجز له الدّخول في الصّلاة إلاّ بالطّهارة،فكذا في الغسل،و لأنّه على تقدير أن لا يكون مكلّفا لا يلزم عدم الغسل،لأنّ عدم التّكليف غير مانع من الوجوب.
كالصّبيّ و المجنون.
احتجّوا بأنّه لم ينقل عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه أمر أحدا بالغسل،مع كثرة من أسلم من البالغين،و هم غالبا لا يكادون يسلمون عن حدث الجنابة (3).و بقوله عليه السّلام:(الإسلام يجبّ ما قبله) (4).
و الجواب عن الأوّل بالمنع من ترك الأمر،فإنّ قوله:(إذا التقى الختانان وجب الغسل)عامّ،و قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (5)عامّ أيضا.و لو سلّمنا ترك أمرهم به على التّفصيل،لكن لمّا علموا من دينه أنّهم بعد الإسلام مأمورون بأحكامه، و من جملة تلك الأحكام الصّلاة المشترطة بالطّهارة،لا جرم كان ذلك كافيا في الأمر لهم.على انّه قد نقل أنّهم أمروا بذلك.روى أبو داود،عن قيس بن عاصم[1]قال:
أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل (6).
ص:190
و روي،عن سعد بن معاذ[1]و أسيد بن حضير[2]حين أراد الإسلام أنّهما سألا مصعب بن عمير[3]و أسعد بن زرارة[4]،كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر؟ قالا:نغتسل و نشهد شهادة الحق (1).و ذلك يدلّ على استفاضة الأمر بالغسل،و لا موجب إلاّ ما ذكرناه.
و هو مذهب علمائنا أجمع،لوجود السّبب في حقّه.
لعدم الدّليل عليه،و لأنّ حدث الجنابة قد زال بالغسل،و التّقدير انّه لم يتجدّد موجب آخر،و مع زوال الحدث لا يعود إلاّ بإعادة السّبب.
ص:191
،و يجب عليه تجديده بعد الإسلام.و هو أحد قولي الشّافعيّ (1).و قال أبو حنيفة (2):يرتفع حدثه.و هو القول الآخر للشّافعيّ (3).
لنا:انّه عبادة مفتقرة إلى نيّة،و هي غير صحيحة في حقّه،لعدم معرفته باللّه تعالى.و لأنّ الجنابة إحدى الحدثين فلا ترتفع حالة الكفر كالحدث الأصغر.
و إن كان نائما على إشكال.
و لو استدخلت ذكرا مقطوعا أو ذكر بهيم (4)ففي الغسل إشكال،و عند الشّافعيّ (5)وجهان.
و لو استدخلت ماء الرّجل لم يجب عليها الغسل.و هو أظهر قولي الشّافعي (6)،و له وجه انّه يجب،لأنّ المقتضي للغسل في الالتقاء[إفضاءه] (7)إلى الإنزال غالبا (8).
لأنّ الاستمتاع بما دون الفرج لم يجعل له حكم الإيلاج في شيء من الأحكام المتعلّقة بالوطء،مثل الحدّ،و التّحليل،و التّحصين،و تقرير المهر،و تحريم المصاهرة،فلا يلحق به إيجاب الغسل.
،لما سبق في الوضوء (1)،و وقتها عند غسل اليدين،لأنّه بداية (2)أفعال الطّهارة،و يتضيّق عند غسل الرّأس،لأنّه لو جاز التّأخير عنه لزم حصول بعض الغسل من غير نيّة فلا يكون مجزيا.
و يشترط استدامتها حكما كما قلنا في الوضوء (3)،و يكفيه أن ينوي مع الوجوب و القربة رفع الحدث و إن لم يذكر السّبب.و لو اجتمعت الأسباب فالوجه انّه كذلك، أمّا لو اجتمع غسل الجنابة و الجمعة لم يكف النّيّة للغسل المتقرّب به مطلقا،لأنّ غسل الجمعة ليس برافع للحدث.كذا ذكره الشّيخ في المبسوط (4).
و لو اجتمع غسل الحيض مثلا مع الجنابة هل يجب التّعيين؟فيه إشكال،و الوجه انّه لا يجب،و بعض الفروع المتقدّمة في الوضوء آتية ها هنا.
و نحن نشترط فيه جريان أجزاء الماء على أجزاء المحلّ ليتحقّق المسمّى،و يجب إيصال الماء إلى جميع البشرة،فلو كان بعض أجزاء البدن بحيث لا يصل الماء إليه إلاّ بالتّخليل وجب،لأنّ الواجب الإيصال،فما يتوقّف عليه يكون واجبا.
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:سألته عن غسل الجنابة؟فقال:«تبدأ بكفّيك،ثمَّ تغسل فرجك،ثمَّ تصبّ على رأسك ثلاثا،ثمَّ تصبّ على سائر جسدك مرّتين،فما جرى الماء عليه فقد طهّره» (1)و هذا يدلّ على بقاء ما لم يجر الماء عليه على النّجاسة،عملا بالاستصحاب السّالم عن معارضة جريان الماء.و في هذا الحديث دلالة على اشتراط الجريان في الغسل و ذلك يوضّح ما ذكرناه أوّلا.
و روى أيضا في الحسن،عن زرارة قال:فقال:«فما جرى عليه الماء فقد أجزأه» (2).
و روى الشّيخ في الحسن،عن حجر بن زائدة[1]،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«من ترك شعرة من الجنابة متعمّدا فهو في النّار» (3).
ص:194
يجب أن يتولّى الغسل بنفسه
،لأنّه مخاطب به إلاّ مع الضّرورة،و تكره الاستعانة، و قد تقدّم (1)في الوضوء.
،يبدأ برأسه،ثمَّ بجانبه الأيمن،ثمَّ الأيسر.و هو مذهب علمائنا خاصّة.
لنا:ما روته عائشة،قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يخلّل شعره،فإذا ظنّ أنّه أروى بشرته،أفاض عليه الماء ثلاث مرّات،ثمَّ غسل سائر جسده (2).
و ما روته ميمونة،قالت:وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وضوء الجنابة،فأفرغ على يديه فغسلهما مرّتين أو ثلاثا،ثمَّ أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره،ثمَّ ضرب بيده على الأرض أو الحائط مرّتين أو ثلاثا،ثمَّ تمضمض و استنشق و غسل وجهه و ذراعيه،ثمَّ أفاض الماء على رأسه،ثمَّ غسل جسده،فأتيته بالمنديل فلم يردها،و جعل ينفض الماء بيديه (3)،و هذان متّفق عليهما.
و روى الجمهور،عن أمّ سلمة،قالت:قلت:يا رسول اللّه،إنّي امرأة أشدّ ضفيرتي أ فأنقضه لغسل الجنابة؟فقال:(لا،إنّما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات،ثمَّ تفيضين عليك الماء،فتطهرين) (4)رواه مسلم.
إذا ثبت هذا،فنقول:لمّا وجب تقديم غسل الرّأس بفعله عليه السّلام عقيب الإجمال،و بقوله:(ثمَّ تفيضين)و هي للتّرتيب،وجب تقديم الجانب الأيمن على الأيسر.
ص:195
أمّا أوّلا:فلما روته عائشة قالت:كان عليه السّلام إذا اغتسل من الجنابة بدأ بشقّه الأيمن ثمَّ الأيسر (1).و روت:أنّه عليه السّلام كان يحبّ التّيمّن في طهوره (2).
و أمّا ثانيا:فلأنّ الإجماع واقع على إبطال ترتيب الرّأس دون غيره،و بطلانه لا يجوز أن يكون بسقوط التّرتيب،لما بيّنّاه من وجوب تقديم الرّأس،فوجب أن يكون بسقوط التّرتيب بين الجانبين.
و أمّا ثالثا:فلأنّه عليه السّلام رتّب لأفضليّته،و لما روته عائشة،فيجب اتّباعه فيه،لأنّ فعله في معرض البيان.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن زرارة،قال:قلت له:
كيف يغتسل الجنب؟فقال:«إن لم يكن أصاب كفّه منّي غمسها في الماء،ثمَّ بدأ بفرجه فأنقاه،ثمَّ صبّ على رأسه ثلاث أكفّ،ثمَّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين و على منكبه الأيسر مرّتين فما جرى عليه الماء فقد أجزأه» (3)و حرف«ثمَّ»يفيد التّرتيب.
و روى في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:
سألته عن غسل الجنابة؟فقال:«تبدأ بكفّيك،ثمَّ تغسل فرجك،ثمَّ تصبّ على رأسك ثلاثا،ثمَّ تصبّ على سائر جسدك مرّتين،فما جرى الماء فقد طهّره» (4).
و روى في الحسن،عن حريز،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من اغتسل من جنابة و لم يغسل رأسه[ثمَّ بدا له أن يغسل رأسه] (5)لم يجد بدّا من إعادة
ص:196
الغسل» (1)و لو لم يكن التّرتيب واجبا،لجاز غسل الرّأس من غيره إعادة.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن هشام،قال:كان أبو عبد اللّه عليه السّلام فيما بين مكّة و المدينة و معه أمّ إسماعيل[1]،فأصاب من جارية له فأمرها، فغسلت جسدها و تركت رأسها،فقال لها:«إذا أردت أن تركبي فاغسلي رأسك» ففعلت ذلك،فعلمت بذلك أمّ إسماعيل،فحلقت رأسها،فلمّا كان من قابل انتهى أبو عبد اللّه عليه السّلام إلى ذلك المكان،فقالت له أمّ إسماعيل:أيّ موضع هذا؟قال لها:«هذا الموضع الّذي أحبط اللّه فيه حجّك عام أوّل» (2)فأمره لها بغسل جسدها،ثمَّ بغسل رأسها بعد الرّكوب يدلّ على سقوط التّرتيب.
لأنّا نقول:انّ الرّاوي قد و هم ها هنا،فإنّه لا امتناع أن يكون الرّاوي سمع:
اغسلي رأسك فإذا أردت الرّكوب فاغسلي جسدك،فعكس للاشتباه.
و يدلّ عليه:ما رواه هشام بن سالم أيضا في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم، قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فسطاطه و هو يكلّم امرأة فأبطأت عليه، فقال:«ادنه هذه أمّ إسماعيل جاءت و أنا أزعم انّ هذا المكان الّذي أحبط اللّه فيه حجّها عام أوّل،كنت أردت الإحرام،فقلت:ضعوا لي الماء في الخباء،فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستخففتها فأصبت منها،فقلت:اغسلي رأسك و امسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك،فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك و لا تغسلي رأسك
ص:197
فتستريب مولاتك،فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول منه شيئا فمسّت مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء فحلقت رأسها و ضربتها،فقلت لها:هذا المكان الّذي أحبط اللّه فيه حجّك» (1).
و لأنّها طهارة تراد لأجل الصّلاة فيجب فيها التّرتيب كالوضوء،و القياسات الّتي ذكرناها في الوضوء آتية ها هنا.
و لأنّا نقول:شيء من الطّهارة واجب،و غير المرتّب ليس بواجب،فيجب المرتّب، و إلاّ لزم شمول عدم الوجوب المنفيّ بالاتّفاق.
و أيضا:الطّهارة واجبة بالإجماع،و غير المرتّب ليس بواجب بالإجماع،فغير المرتّب ليس طهارة.
و لا على الواقف تحت الميزاب أو المطر أو المجرى على قول الشّيخ،و نقل عن بعض الأصحاب،التّرتيب حكما (2).و ابن إدريس أسقط عن المرتمس خاصّة (3).
لنا:على السّقوط:الأصل،و لأنّه امتثل الأمر بالاغتسال،و هو لا يستلزم التّرتيب إلاّ في الموضع الّذي ثبت فيه النّصّ.
و لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«و لو انّ رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك و إن لم يدلك جسده» (4).
ص:198
و روى في الحسن،عن الحلبي،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
«إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله» (1).
و روى في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام،قال:
سألته عن الرّجل الجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر (2)حتّى يغسل رأسه و جسده،و هو يقدر على ما سوى ذلك؟قال:«إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك» (3).
فلو لمس شيئا برطوبة لم يتعلّق به حكم،و لو غمس يده و هي طاهرة في الإناء لم يفسد الماء،و كذا باقي أعضائه.و به قال الشّافعيّ (4).و قال أبو يوسف:إن أدخل يده لم يفسد الماء و إن أدخل رجله فسد، لأنّ المعالجة باليد في محلّ الحاجة فعفي عنها (5).
قال المفيد:لا ينبغي للجنب أن يرتمس في الماء الرّاكد،فإنّه إن كان قليلا أفسده،و إن كان كثيرا خالف السّنّة (6).و فساده مع القلّة إسناده إلى ما ذهب إليه من عدم قوّة التّطهير عن القليل إذا ارتفع به حدث الجنابة،و نحن لمّا كان هذا عندنا ضعيفا لا جرم،سقط عنّا هذا الفرع.
و يدلّ على ما قلناه أيضا:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن محمّد بن ميسر،قال:
ص:199
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطّريق، و يريد أن يغتسل منه و ليس معه إناء يغرف به و يداه قذرتان؟قال:«يضع يده و يتوضّأ و يغتسل،هذا ممّا قال اللّه عزّ و جلّ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (1)(2).
و أمّا مخالفته بالارتماس في الكثير للسّنّة،فلما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع،قال:كتبت إلى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السّماء و يستقى فيه من بئر فيستنجي فيه الإنسان من بول أو يغتسل فيه الجنب،ما حدّه الّذي لا يجوز؟فكتب:«لا توضّأ من مثل هذا الماء إلاّ من ضرورة (3)إليه».
و ما بعده،ليحصل التّرتيب،لأنّه شرط،و مع فقدانه لا اعتداد بالفعل،و لرواية حريز الصّحيحة و قد بيّنّاها في الدّلالة على وجوب التّرتيب (4).
اللّمعة بيده بالماء
بحيث يحصل مسمّى الغسل إذا كانت في الجانب الأيسر،و كذا إذا كانت في الجانب الأيمن،لكن يجب عليه الإعادة على الأيسر.
أمّا الإجزاء،فلما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«اغتسل[أبي] (5)من الجنابة،فقيل له:قد بقيت لمعة من ظهرك لم
ص:200
يصبها الماء؟قال له:ما كان عليك لو سكتّ ثمَّ مسح تلك اللّمعة بيده» (1).
و أمّا الإعادة فليحصل التّرتيب.
و عن أحمد رواية بوجوب استئناف ماء جديد (2)،و هو باطل عندنا،لأنّ المستعمل لا يخرج عن كونه طاهرا،و الحنفيّة (3)و إن قالوا بنجاسة المستعمل إلاّ أنّ البدن كالعضو الواحد،فصار كما لو جرى الماء من أعلى العضو إلى أدناه.
و لنا من طريق الجمهور:ما رووه،عن ابن عبّاس انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله اغتسل فرأى لمعة لم يصبها فدلكها بشعره (4).
و رووا،عن عليّ عليه السّلام انّه جاء رجل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقال:
انّي اغتسلت من الجنابة و صلّيت ثمَّ أصبحت فرأيت قدر موضع الظّفر لم يصبه الماء؟ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:(لو كنت مسحته بيدك أجزأك) (5).
نظر،
و كان والدي[1]رحمه اللّه يذهب إلى الوجوب،لأنّ المأخوذ عليه الارتماس دفعة واحدة بحيث يصل الماء إلى سائر الجسد في تلك الدّفعة لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام:
«إذا ارتمس ارتماسة واحدة أجزأه» (6)و من المعلوم عدم الإجزاء مع عدم الوصول.
ص:201
و يمكن أن يقال بالإجزاء مع غسل تلك اللّمعة،لأنّ التّرتيب سقط في حقّه،و قد غسل أكثر بدنه فأجزأه،لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام:«فما جرى عليه الماء فقد أجزأه» (1)و في الأوّل قوّة.
لتساويهما في تناول الأمر.و لو كان في رأسها حشو،فإن كان دهنا أو حشوا رقيقا لا يمنع وصول الماء،أجزأها صبّ الماء،و إن كان ثخينا وجب إزالته.
و لو لم يصل إلاّ بالتّخليل وجب،و لو لم يصل إلاّ بحلّه وجب في الرّجل و المرأة معا،و لا يجب عليهما الحلّ مع الوصول،و لا نعرف خلافا في انّ الماء إذا وصل لم يجب الحلّ إلاّ ما روي عن عبد اللّه بن عمرو (2).
و قال المفيد:و إذا كان شعر المرأة مشدودا حلّته (3).يريد به إذا لم يصل الماء إليه إلاّ بعد حلّه.كذا ذكره الشّيخ (4).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أمّ سلمة انّها قالت للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:انّي امرأة أشدّ ضفر رأسي أ فأنقضه للجنابة؟قال:(لا) (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن محمّد الحلبيّ،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة» (6).
و رواه بإسناد آخر،عن محمّد الحلبيّ،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،
ص:202
عن أبيه،عن عليّ عليهم السّلام (1).
و روى في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:
«حدثّتني سلمى[1]خادم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قالت:كان أشعار نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قرون رؤوسهنّ مقدّم رؤوسهّن،و كان يكفيهنّ من الماء شيء قليل،فأمّا النّساء الآن فقد ينبغي لهنّ أن يبالغن في الماء» (2).
و روى في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«إذا مسّ الماء جلدك فحسبك» (3).
و أمّا وجوب الحلّ مع عدم الوصول،فلأنّ الإيصال الواجب لا يتمّ إلاّ به.و كذا لو كان في يده خاتم ضيّق،أو في يد المرأة سوار أو دملج ضيّق لا يصل الماء إلاّ بتحريكه وجب،و إلاّ استحبّ طلبا للاستقصاء.
بل الواجب غسل البشرة المستورة به سواء كان الشّعر خفيفا أو كثيفا.و به قال أبو حنيفة (4).و قال
ص:203
الشّافعيّ (1):يجب.
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:(يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات) (2)مع انّ شعرها ضفرة،و مثل هذا لا يبلّ الشّعر المشدود.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزأه» (3).
و روى في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:
سألته عن وقت غسل الجنابة كم يجزي من الماء؟قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يغتسل بخمسة أمداد بينه و بين صاحبته،و يغتسلان جميعا من إناء واحد» (4).
و لأنّه لو وجب بلّه لوجب نقضه،ليعلم انّ الغسل أتى عليه.
و لأنّه ليس جزءا من الحيوان،لعدم حياته و نجاسته بالموت،و لا ينقض الوضوء مسّه من المرأة،و لا تطلّق بطلاقه،فكان كالثّوب.
احتجّوا (5)بقوله عليه السّلام:(بلّوا الشّعر) (6).
و الجواب:انّ راويه الحارث بن وجيه (7)وحده،و هو ضعيف الرّواية،عن مالك
ص:204
بن دينار[1].
لأنّ الوصول إلى البشرة لا يتمّ إلاّ به، و ما لا يتمّ الواجب إلاّ به،فهو واجب.و كذا كلّ شعر من ضرورة غسل بشرته غسله، وجب غسله.
أمّا عندنا فظاهر،و أمّا القائلون بالوجوب فلأنّه لم يبق في بدنه شيء غير مغسول (1).
و لو لم يصل إلاّ به وجب،لأنّ الوصول واجب لا يتمّ إلاّ بالتّخليل،فيجب.
بلا خلاف،فلو أخلّ بشيء منه لم يجز و لم يرتفع حدثه،و لو كان في محلّ أعضاء الوضوء لم يكف الوضوء منه.
و لو كان على بدنه نجاسة عينيّة وجب إزالتها أوّلا،فلو أجرى ماء الغسل عليها فإن أزالها وجب عليه إجراء ماء طاهر على المحل،لأنّهما فرضان مختلفان فلا يؤديان بغسل واحد،و لأنّ الماء الجاري على النّجاسة ينفعل بالنّجاسة،فلا يطهّر المحلّ و لا ما بعده.نعم،الماء المزيل للنّجاسة لا يلحقه حكم الاستعمال فيندفع مع النّجاسة العينيّة،لأنّه قائم على المحلّ،و إنّما يثبت له وصف الاستعمال بعد انفصاله،على انّ الشّيخ يسوّغ رفع النّجاسة بالمستعمل (2).
ص:205
و هو قول أكثر أهل العلم (1)،و نقل عن ربيعة قال:من تعمّد تفريق غسله (2)أعاد.و به قال اللّيث، و اختلف فيه عن مالك،و فيه لأصحاب الشّافعيّ قول (3).
لنا:انّه تطهّر فامتثل الأمر بالتّطهير فوجب الإجزاء،و لأنّه غسل لا يجب فيه التّرتيب عندهم،فلا يجب فيه الموالاة كغسل النّجاسة.
و روى الشّيخ في الحسن،عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ[1]،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«انّ عليّا عليه السّلام،لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة و سائر جسده عند الصّلاة» (4).
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:
سألته عن غسل الجنابة؟فقال:«تبدأ بكفّيك،ثمَّ تغسل فرجك،ثمَّ تصبّ على رأسك ثلاثا،ثمَّ تصبّ على سائر جسدك مرّتين،فما جرى الماء فقد طهّره» (1)و لو كان الاستبراء واجبا لبيّنه،و لا ينافي ذلك وجوب إعادة الغسل مع تركه عند وجود البلل.
و قال مالك و المزنيّ:يجب إمرار اليد حيث تنال في الطّهارتين (1)(2).و اختاره أبو العالية (3).و قال عطاء:في الجنب يفيض عليه الماء؟قال:لا،بل يغتسل غسلا (4).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أمّ سلمة قالت:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
(إنّما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات،ثمَّ تفيضين عليك الماء فتطهرين) (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و لو انّ جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك و إن لم يدلك جسده» (6).
ص:208
و في الحسن،عن الحلبيّ،عنه عليه السّلام:«لو ارتمس ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله» (1).
و عن زرارة في الصّحيح،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزأه» (2).
و لأنّ الأصل عدم الوجوب،و لأنّه غسل واجب فلا يجب فيه إمرار اليد كغسل النّجاسة،و لأنّ الماء مطهّر بالنّصّ،فإذا صادف محلاّ قابلا للطّهارة أثّر،كالإحراق، و مع حصول الطّهارة تجوز الصّلاة به.
احتجّ مالك بأنّ الواجب الاغتسال (3)،لقوله تعالى حَتَّى تَغْتَسِلُوا (4)و لا يقال:[اغتسل] (5)إلاّ لمن دلك نفسه،و لأنّ الغسل طهارة عن حدث،فوجب إمرار اليد فيها كالتّيمّم،و لأنّه فعل و الفعل لا يتحقّق إلاّ بالدّلك،فصار كغسل الثّوب.
و الجواب عن الأوّل بالمنع من اختصاص الغسل بما يشتمل على الدّلك،فإنّه يقال:
غسل الإناء و إن لم يمرّ يده،و يسمّى السّيل الكثير غاسولا.
و عن الثّاني بالفرق،فإنّا أمرنا في التّيمّم بالمسح،لأنّه طهارة بالتّراب و يتعذّر غالبا إمرار التّراب إلاّ باليد.
و عن الثّالث:انّ النّجاسة في الثّوب حقيقة تخلّلت أجزاء الثّوب فلا يزول،إلاّ بالدّلك و العصر،بخلاف صورة النّزاع.
ص:209
قوله:هو فعل،قلنا:مسلّم لكنّه غير مقصود لذاته،بل المقصود الطّهارة و قد حصلت.سلّمنا،لكن تمكين اليدين من الماء و تقريبه إليه فعل،فيخرج به عن العهدة بدون الدّلك.
فما زاد مستحبّ عند علمائنا أجمع.و هو اختيار الشّافعي (1)،و أحمد (2)،و إحدى الرّوايتين،عن أبي حنيفة (3)،و في الأخرى:لا يجزي أقلّ من صاع (4).و روي،عن محمّد انّه قال:لا يمكن للمغتسل أن يعمّ جميع بدنه بأقلّ من صاع و لا للمتوضّئ أن يسبغ جميع أعضاء وضوئه بأقلّ من مدّ (5).
لنا:قوله تعالى حَتَّى تَغْتَسِلُوا (6)و قد أتى به فثبت الإجزاء.
و ما رواه الجمهور،عن عائشة انّها كانت تغتسل هي و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد[أو قريبا] (7)من ذلك (8).
و من طريق الخاصّة:رواية زرارة،عن الباقر عليه السّلام،قال:«الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيرة فقد أجزأه» (9).
ص:210
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:«كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يغتسل بخمسة أمداد بينه و بين صاحبته و يغتسلان جميعا من إناء واحد» (1).
احتجّ أبو حنيفة (2)بما رواه،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قال:(يجزي من الوضوء مدّ و من الجنابة صاع) (3)و التّقدير يدلّ على أنّه لا يحصل الإجزاء بدونه.
و الجواب:انّه إنّما يدلّ بالمفهوم و أبو حنيفة لا يقول به (4)،و مع ذلك فإنّ المفهوم إنّما يدلّ إذا لم يخرج مخرج الغالب و هاهنا قد خرج مخرج الغالب فإنّه لا يكفي غالبا أقلّ منه،و لأنّ ما ذكرناه من الحديث في الجنابة منطوق و ما ذكروه مفهوم،و المنطوق مقدّم.
و أمّا الوضوء فقد روى عبد اللّه بن زيد انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله توضّأ بثلثي مدّ (5).و هو يعارض حديث الوضوء.
و أمّا استحباب الصّاع فلأنّ فيه إسباغا،و لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتوضّأ بمدّ و يغتسل بصاع،و المدّ رطل و نصف،و الصّاع ستّة أرطال» (6)قال الشّيخ:أراد به
ص:211
أرطال المدينة،فيكون تسعة أرطال بالعراقيّ (1).
الغسل
،و إنّما الخلاف في قدرهما،فالّذي اختاره أصحابنا انّ الصّاع أربعة أمداد،و المدّ رطلان و ربع بوزن بغداد (2).
و روى الشّيخ،عن سليمان بن حفص المروزي،عن أبي الحسن عليه السّلام «انّ الصّاع خمسة أمداد،و المدّ وزن مائتين و ثمانين درهما،و الدّرهم وزن ستّة دوانيق، و الدّانق ستّ حبّات،و الحبّة وزن حبّتين من شعير من أوسط الحبّ لا من صغاره و لا من كباره» (3).
و روى،عن سماعة قال:كان الصّاع على عهد الرّسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خمسة أمداد،و المدّ قدر رطل و ثلاثة أواق[1] (4).
و روى في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتوضّأ بمدّ و يغتسل بصاع،و المدّ رطل و نصف،و الصّاع ستّة
ص:212
أرطال» (1)قال الشّيخ:أراد به أرطال المدينة (2)،و استدلّ في الخلاف بإجماع الفرقة على كون الصّاع تسعة،و المدّ رطلين و ربعا (3).و قال الشّافعيّ،و مالك،و إسحاق،و أبو يوسف،الصّاع خمسة أرطال[و ثلث] (4)بالعراقيّ،و المدّ ربع ذلك و هو رطل و ثلث (5)، و اختاره أحمد (6).و قال أبو حنيفة:الصّاع ثمانية أرطال و المدّ رطلان (7).
و لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم،روت عائشة قالت:كنت أغتسل أنا و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من إناء واحد من قدح يقال له:الفرق[1] (8)،و الفرق:ثلاثة آصع،و لأنّ فيه احتياطا فكان سائغا.
بل الصّاع الّذي للغسل وحده أربعة أمداد،و هو قول بعض الحنفيّة،و قال آخرون منهم:انّ معنى قوله:كان يتوضّأ بالمدّ و يغتسل بالصّاع،أي يتوضّأ بمدّ من ذلك الصّاع،فيبقى الاغتسال بثلاثة أمداد.و ليس بجيّد،لأنّ اللّفظ دالّ على الاغتسال بالصّاع،(و ثلاثة الأمداد) (9)بعض الصّاع لا
ص:213
نفسه،و لأنّه سيظهر إن شاء اللّه تعالى أن لا وضوء مع غسل الجنابة،فسقط ما قالوه بالكلّيّة.
و غسل الذّراعين في الغسل،لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم و أبي بصير،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام،قالا:«توضّأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله[بمدّ] (1)و اغتسل بصاع»ثمَّ قال:«اغتسل هو و زوجته بخمسة أمداد من إناء واحد»قال زرارة:فقلت:كيف صنع هو؟قال:«بدأ هو فضرب بيده في الماء قبلها و أنقى فرجه ثمَّ ضربت فأنقت فرجها ثمَّ أفاض هو و أفاضت هي على نفسها حتّى فرغا فكان الّذي اغتسل به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،ثلاثة أمداد،و الّذي اغتسلت به مدّين و إنّما أجزأ عنهما لأنّهما اشتركا جميعا،و من انفراد بالغسل وحده فلا بدّ له من صاع» (2)و لا شكّ انّ التّقدير لم يحصل بعد الاغتسال،بل قبله،و ذلك يستلزم إدخال المستعمل في غسل الفرجين في المقدار.
لا يقال:هذا يدلّ على عدم إجزاء ما دون الصّاع.
لأنّا نقول:ذلك من حيث المفهوم،فلا يعارض ما قدّمناه من المنطوق،و لأنّه خرج مخرج الأغلب فلا يدلّ على النّفي.
قال أبو حنيفة:يستنجي برطل،و يغسل وجهه و ذراعيه برطل،و يصبّ الماء على رأسه و سائر جسده خمسة أرطال،و يغسل قدميه برطل،فذلك ثمانية أرطال و هي الصاع.و قال بعض أصحابه:يتوضّأ بمدّ سوى الاستنجاء،و يغتسل بصاع غير الاستنجاء أيضا.
ص:214
روى الشّيخ،عن عمّار السّاباطي،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا اغتسلت من جنابة فقل:اللّهمّ طهّر قلبي،و تقبّل سعيي، و اجعل ما عندك خيرا لي،اللّهمّ اجعلني من التّوّابين و اجعلني من المتطهّرين،و إذا اغتسلت للجمعة فقل:اللّهمّ طهّر قلبي من كلّ آفة تمحق ديني،و تبطل به (1)عملي،اللّهمّ اجعلني من التّوّابين و اجعلني من المتطهّرين» (2).
و هي(سورة سجدة الم الّتي تلي لقمان) (3)و حم السّجدة،و النّجم،و اقرأ باسم ربّك.و هو مذهب علمائنا أجمع،و هو قول عمر،و الحسن،و النّخعيّ،و الزّهريّ،و قتادة،و الشّافعيّ،و أصحاب الرّأي خلافا لداود،و سعيد بن المسيّب فإنّهما أجازا له قراءة ما شاء (4).
لنا:على إبطال قول داود و سعيد ما رواه الجمهور،عن عليّ عليه السّلام،قال:
(انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يكن يحجبه،أو قال:يحجزه عن قراءة القرآن شيء ليس الجنابة) (5).
ص:215
و عن ابن عمر انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:(لا تقرأ الحائض و لا الجنب شيئا من القرآن) (1).
و على تحريم السّور الأربع:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن محمّد بن مسلم قال:
قال أبو جعفر عليه السّلام:«الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثّوب و يقرءان من القرآن ما شاءا إلاّ السّجدة و يدخلان المسجد مجتازين و لا يقعدان فيه و لا يقربان المسجدين الحرمين» (2).
و ما رواه،عن زرارة و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:الجنب و الحائض يقرءان شيئا؟قال:«نعم،ما شاءا إلاّ السّجدة،و يذكر ان اللّه على كلّ حال» (3).
و روى الجمهور كراهة القراءة للجنب،عن عليّ عليه السلام،و عمر،و الحسن البصري،و النّخعيّ،و الزّهريّ،و قتادة (1).و حكي عن ابن عباس انّه قال:يقرأ ورده و هو جنب (2)،و عن سعيد بن المسيّب انّه قيل له:يقرأ الجنب؟فقال:نعم،أ ليس هو في جوفه (3).و به قال داود (4)،و ابن المنذر (5)،و سوّوا بين الجنب و الحائض.و قال الأوزاعيّ:لا يقرأ إلاّ آية الرّكوب و النّزول (6)سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا (7)وَ قُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً (8).و قال مالك:للحائض القراءة دون الجنب، لأنّ أيّامها تطول،فلو منعناها من القراءة نسيت (9).و قال أبو حنيفة:يجوز قراءة ما دون الآية و تحرم الآية (10).و عن أحمد في بعض الآية تفصيل قال:إن كان ذلك البعض ممّا لا يتميّز به القرآن عن غيره كالتّسمية،و الحمد للّه،و سائر الذّكر،فإن لم يقصد القرآن فلا بأس به،و إن قصد القراءة أو كان ما قرأه يتميّز به القرآن عن غيره من
ص:217
الكلام،ففيه روايتان إحداهما:المنع،و الثّانية،الجواز (1).
لنا:قوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ (2)و قوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (3).
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن الفضيل بن يسار،عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:«لا بأس أن تتلو الحائض و الجنب القرآن» (4).
و في الصّحيح،عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
سألته أ تقرأ النّفساء و الحائض و الجنب و الرّجل يتغوّط،القرآن؟فقال:«يقرأون ما شاءوا» (5).
و روى في الصّحيح،عن عبد الغفّار الحارثيّ[1]،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:قال:«الحائض تقرأ ما شاءت من القرآن» (6)و لأنّ الأصل الإباحة.
ص:218
احتجّ الشّافعيّ (1)و أبو حنيفة (2)برواية ابن عمر،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله (3).
و الجواب:انّ راويها إسماعيل بن عيّا (4)،عن نافع (5)،و ضعّف البخاريّ روايته عن أهل الحجاز،و قال:إنّما روايته من أهل الشّام (6).
و قال في المبسوط:الأحوط أن لا يزيد على سبع أو سبعين (7).و قال بعض الأصحاب:يحرم ما زاد على سبعين (8).
روى الشّيخ عن سماعة،قال:سألته عن الجنب هل يقرأ القرآن؟قال:«ما بينه و بين سبع آيات» (9).و في رواية زرعة عن سماعة سبعين آية (10)،و الرّوايتان ضعيفتان مع معارضتهما لعموم الإذن المستفاد من الرّوايات الصّحيحة (11).
ص:219
و هو مذهب علماء الإسلام،لقوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (1).
و في كتاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعمرو بن حزم:(أن لا يمسّ القرآن إلاّ طاهر) (2).
و يحرم عليه مسّ اسم اللّه تعالى،سواء كان على درهم أو دينار أو غيرهما.
روى الشّيخ،عن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا يمسّ الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللّه تعالى» (3)و الرّواية ضعيفة السّنة،لكنّ عمل الأصحاب يعضدها،و لأنّ ذلك مناسب للتّعظيم.
و لا يعارض ذلك:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن إسحاق بن عمّار،عن أبي إبراهيم عليه السّلام،قال:سألته عن الجنب و الطّامث يمسّان أيديهما الدّراهم البيض؟قال:«لا بأس» (4)لأنّه يمكن أن لا يكون عليها اسم اللّه تعالى،و إن كان لكن يمسّ الدّراهم لا الكتابة.
قال الشّيخ و المفيد:و يلحق بالتّحريم أسماء الأنبياء و الأئمّة عليهم السّلام (5)(6).و لم أجد فيه حديثا مرويّا،و لو قيل بالكراهة كان وجها.
ص:220
و هو قول الشّيخين (1)و ابني بابويه (2).و قال المرتضى:لا يجوز للجنب مسّ المصحف (3).و به قال الشّافعيّ (4)و أبو حنيفة (5).
لنا:ما رواه الجمهور انّه كتب آية في كتابه إلى قيصر (6)،و هو كافر لا ينفك عن الجنابة،و لا يرتفع عنه لكفره،و هو لا يخلو عن (7)مسّ القرطاس،و لأنّ الأصل الجواز.
و احتجّ المخالف (8)بقوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (9)و بما رووه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه كتب في كتابه لعمرو بن حزم:(لا يمسّ القرآن،إلاّ
ص:221
طاهر) (1).
و احتجّ السّيّد المرتضى بما رواه الشّيخ،عن إبراهيم بن عبد الحميد،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:«المصحف لا تمسّه على غير طهر،و لا جنبا،و لا تمسّ خطّه و لا تعلّقه،إنّ اللّه تعالى يقول لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (2).
و الجواب عن الأوّل:انّه إنّما يتناول القرآن العزيز و نحن نقول بموجبة،و لا شكّ في انّ الورق و الجلد ليسا قرآنا،فلا يتناولهما النّهي.
و عن رواية السّيّد بالمنع من صحة السّند،فإنّ في طريقها عليّ بن الحسن بن فضّال،و هو فطحيّ (3)،و لإمكان تناول النّهي الكتابة،و لإمكان عدم إرادة التّحريم من النّهي بل يكون نهي كراهة،لأنّ السّيّد وافق على كراهيّة حمله للمحدث و جواز تعليقه.
عدا الآيات.
و اختلفوا في تفسير الغلاف،فقال بعض الحنفيّة:
المراد به الجلد الّذي عليه،و قال آخرون منهم:لو مسّه بالكمّ،جاز،و قال آخرون منهم:الغلاف شيء غير الجلد و الكمّ كالخريطة و غيرها،لأنّ الجلد تبع المصحف و الكمّ تبع للحامل (4)،و الأصحّ الأوّل.
لنا:الأصل:و لأنّهما منسوخان فأشبها غيرهما.
احتجّوا بأنّا نؤمن (1)بجميع الكتب.
و الجواب:لا يستلزم تحريم المسّ،و بالخصوص حيث وقع فيهما التّحريف.
لتناول اسم القرآن له،أمّا المنسوخ حكمه و تلاوته،أو المنسوخ تلاوته،فالوجه انّه يجوز لهما مسّهما،لأنّ التّحريم تابع للاسم و قد خرجا بالنّسخ عنه فيبقى على الأصل.
لما رواه الشّيخ في الموثّق،عن ابن بكير، قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب يأكل و يشرب و يقرأ القرآن:قال:«نعم يأكل و يشرب و يقرأ و يذكر اللّه عزّ و جلّ ما شاء» (2)و لما رواه ابن بابويه في مناجاة موسى عليه السّلام،قال:«يا ربّ انّي أكون في أحوال أجلّك أن أذكرك فيها؟فقال:
يا موسى اذكرني على كلّ حال» (3).
و قال محمّد بن الحسن:يكره للجنب أن يقول:اللّهمّ إنّا نستعينك.
و لا نعرف فيه خلافا إلاّ من سلاّر من أصحابنا،فإنّه كرهه (4).
لنا:قوله تعالى وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا» (5)و المراد به موضع الصّلاة،ليتحقّق معنى العبور فيه و القرب.
و ما رواه الجمهور،عن عائشة،قالت:جاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بيوت
ص:223
أصحابه شارعة في المسجد،فقال:(وجّهوا هذه البيوت عن المسجد فإنّي لا أحلّ المسجد لحائض و لا جنب) (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن جميل،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب يجلس في المساجد؟قال:«لا و لكن يمرّ فيها كلّها إلاّ المسجد الحرام و مسجد الرّسول صلّى اللّه عليه و آله» (2).
و ما رواه في الحسن،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام:
«و يدخلان المسجد[مجتازين] (3)و لا يقعدان فيه» (4).
لأنّ الاستثناء رفع،و رفع النّفي إثبات، لعدم الواسطة،و لأنّه لو لا ذلك لم يكن قولنا لا إله إلاّ اللّه توحيدا،و للنّقل.و قوله:لا صلاة إلاّ بطهور (5)و شبهه،ليس مخرجا من المتقدّم و إلاّ لكان منقطعا،فالتّقدير:إلاّ صلاة بطهور،و هو مسلّم.
و الشّافعيّ (1)،و أحمد (2).و قال أبو حنيفة:لا يجوز العبور فيه و إن كان لغرض إلاّ مع الضّرورة فيتيمّم (3).و به قال الثّوري،و إسحاق (4).
لنا:قوله تعالى إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ (5)و الاستثناء من النّهي إباحة.
و ما رواه الجمهور،عن عائشة انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لها:(ناوليني الخمرة[1]من المسجد)قالت:إنّي حائض،قال:(انّ حيضتك ليست في يدك) (6)و لا فرق بين الجنب و الحائض في ذلك إجماعا.و عن جابر قال:كنّا نمرّ في المسجد و نحن جنب (7).و عن زيد بن أسلم قال:[كان] (8)أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يمشون في المسجد و هم جنب (9).
و من طريق الخاصّة:رواية جميل،عن الصّادق عليه السّلام،عن الجنب يجلس في المساجد،قال:«لا و لكن يمرّ فيها كلّها إلاّ المسجد الحرام و مسجد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله».
ص:225
و كذا في رواية محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام،و قد تقدّمتا (1).
و لم يفصّل الجمهور.
لنا:ما رووه من قوله عليه السّلام(لا أحلّ المسجد لحائض و لا جنب) (2)و أشار بذلك إلى مسجده،لأنّ حكاية عائشة تدلّ عليه،و ذلك عامّ في الدّخول و الاستيطان.
و من طريق الخاصّة:روايتا جميل و محمّد بن مسلم عنهما عليهما السّلام،و قد تقدّمتا.
و هو مذهب علمائنا.
لنا:انّ المرور فيهما محرّم إلاّ بالطّهارة،و الغسل غير ممكن،فوجب التّيمّم.
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن أبي حمزة[1]،قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:
«إذا كان الرّجل نائما في المسجد الحرام،أو مسجد الرّسول صلّى اللّه عليه و آله فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمّم،و لا يمرّ في المسجد إلاّ متيمّما،و لا بأس أن يمرّ في سائر المساجد، و لا يجلس في شيء من المساجد» (3).
،لاندفاع الضّرورة بذلك.
،و يجوز له أخذ ما يريد منهما.
ص:226
و هو مذهب علمائنا،إلاّ سلاّر فإنّه كره الوضع (1).
لنا:قوله تعالى إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ (2).
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟قال:«نعم، و لكن لا يضعان في المسجد شيئا» (3).
و لم يجد مكانا غيره،و لم يمكنه الغسل،تيمّم
و جلس فيه إلى أن تزول الضّرورة.و قال بعض الجمهور:لا يتيمّم (4).
لنا:قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا (5).
و ما رواه الجمهور،عن عليّ عليه السّلام،و ابن عبّاس،و سعيد بن جبير، و مجاهد،و الحسن بن مسلم[1]في تأويل قوله تعالى وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ يعني مسافرين لا يجدون ماء فيتيمّمون (6).و لأنّ الاستيطان مشروط بالطّهارة فوجب له التّيمّم عند العجز،كالصّلاة و سائر ما يشترط له الطّهارة.
احتجّ المانع بأنّه لا يرتفع حدثه مع التّيمّم،فلا فائدة فيه.
ص:227
و الجواب:سلّمنا انّه لا يرتفع،لكنّه يقوم مقام ما يرفع الحدث في إباحة ما يستباح به.
تلك الغاية يخرجها عن كونها غاية
،و قد ثبتت الغاية بالشّرع،فيكون ذلك الإخراج نسخا،بخلاف ما لو قال:صوموا النّهار،ثمَّ دلّ الدّليل على وجوب صوم شيء من اللّيل لم يكن نسخا.
قرآنا كان أو سنّة متواترة بخبر الواحد،لأنّ المقطوع به أقوى،فالعمل به متعيّن عند التّعارض،و لأنّ عمر قال:لا ندع كتاب ربّنا و لا سنّة نبيّنا بقول امرأة لا ندري أ صدقت أم كذبت (1).و هو موجود في خبر الثّقة فيتحقّق المنع.و الفرق بين التّخصيص و النّسخ ظاهر،فإنّ الأوّل لا يرفع المدلول بالكلّيّة بخلاف الثّاني.و رجوع أهل قبا يحتمل أن يكون لانضمام القرائن،كالإعلان إلى خبر المنادي.و إنفاذ الرّسول عليه السّلام الآحاد لتبليغ الأحكام المبتدأة و النّاسخة إنّما يصح إذا لم تضمّن نسخ المقطوع،أمّا إذا تضمّن فلا بدّ من القرائن.و تحريم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أكل كلّ ذي ناب من السّباع (2)ليس ناسخا،لقوله تعالى لا أَجِدُ (3)لأنّ الآية إنّما تتناول المومى إليه إلى تلك الغاية لا ما بعدها،فالنّهي الوارد بعدها لا يكون
ص:228
نسخا.و قوله عليه السّلام:(لا تنكح المرأة على عمّتها و خالتها) (1)ليس ناسخا لقوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (2)بل هو تخصيص،على انّ الأمّة تلقّته بالقبول:فيخرج عن كونه من الآحاد.
،و هو مذهب علمائنا القائلين بالتّحريم،و هو قول أكثر أهل العلم (3)،خلافا لأحمد،و إسحاق (4).
لنا:قوله تعالى حَتَّى تَغْتَسِلُوا (5)جعل الغاية في المنع الاغتسال،فلو جوّزنا له الاستيطان مع الوضوء،خرجت تلك الغاية عن كونها غاية،و ذلك نسخ لا يجوز بخبر الواحد،و لأنّ الجنابة حدث أكبر،فلا يجزي في استباحة الدّخول معها إلى المسجد الوضوء كالحائض،و قد وافقنا أحمد،و إسحاق في حكم الأصل،فيتمّ القياس.
احتجّوا بما رواه زيد بن أسلم،قال:كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتحدّثون في المسجد على غير وضوء و كان الرّجل يكون جنبا فيتوضّأ،ثمَّ يدخل، فيتحدّث (6).و لأنّه إذا توضّأ خفّ حكم الحدث،فأشبه التّيمّم عند عدم الماء.و الدّليل
ص:229
على الخفّة أمره بالوضوء عند النّوم،و عند الأكل،و معاودة الوطء.
و الجواب عن الأوّل:بأنّه غير محلّ النّزاع،لأنّ الدّخول غير الاستيطان،فما ذكرتموه لا ينهض في المطلوب،و الحديث لا يستلزمه أيضا،لحصوله مع الاجتياز.
و عن الثّاني:بالمنع من الخفّة،فإنّ الوضوء لا اعتبار له البتّة في رفع شيء من أحكام الجنابة،و النّوم و الأكل و الوطء لا يشترط فيها الطّهارة،ثمَّ انّه ينتقض بمسّ الكتابة و قراءة القرآن.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن القاسم،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الجنب ينام في المسجد؟فقال:«يتوضّأ و لا بأس أن ينام في المسجد و يمرّ فيه» (1).
لأنّا نقول:هذه الرّواية منافية للمذهب و لظاهر التّنزيل،فلا بدّ فيها من التّأويل،و ذلك بأنّ يحمل الوضوء على التّيمّم مجازا،لاشتراكهما في اسم الطّهارة أو في الاستباحة،و يحمل ذلك على حالة الضّرورة،و مع عدم التّأويل يمكن أن تكون هذه الرّواية حجّة لسلاّر (2).
و هو جنب؟قال:(نعم إذا توضّأ) (1).
و عن عائشة انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أراد أن يأكل أو ينام يتوضّأ، يعني و هو جنب (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن سماعة،قال:سألته عن الجنب يجنب ثمَّ يريد النّوم؟فقال:«إن أحبّ أن يتوضّأ فليفعل،و الغسل أفضل من ذلك،و إن هو نام و لم يتوضّأ و لم يغتسل فليس عليه شيء» (3).
و يدلّ على أولويّة الغسل ما رواه الشّيخ،عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه،قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يواقع أهله أ ينام على ذلك؟قال:«انّ اللّه تعالى يتوفّى الأنفس في منامها و لا يدري ما يطرقه من البليّة إذا فرغ فليغتسل» (4).
و روى ابن بابويه في كتابه،عن عبيد اللّه الحلبيّ في الصّحيح،قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل[أ] (5)ينبغي له أن ينام و هو جنب؟قال:«يكره ذلك حتّى يتوضّأ» (6).
و في حديث آخر قال:«أنا أنام على ذلك حتّى أصبح و ذلك انّي أريد أن أعود» (7).
ص:231
احتجّ المخالف بما روى الأسود[1]،عن عائشة،قالت:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ينام و هو جنب لا يمسّ ماء (1).و لأنّه حدث يوجب الغسل فلا يستحبّ الوضوء مع بقائه كالحيض.
و الجواب عن الأوّل:إنّ الرّاوي أبو إسحاق[2]،عن الأسود،عن عائشة،و قد روى جماعة كثيرة،عن الأسود،عن عائشة أنّه عليه السّلام كان يتوضّأ قبل أن ينام (2).رواه شعبة و الثّوريّ و قالوا:انّه غلط من أبي إسحاق،قال أحمد:روى أبو إسحاق عن الأسود حديثا خالف فيه النّاس فلم يقل أحد عن الأسود مثل ما قد قال، فلو أحاله على غير الأسود (3).هذا ما قاله أحمد في هذه الرّواية،على انّ هذه الأحاديث دالّة على الجواز،و ما رويناه يدلّ على الاستحباب،و كلاهما لا ينافيان التّرك.
و عن الثّاني:انّ حدث الحائض قائم،فلا وضوء مع ما ينافيه.
يأكل يغسل كفّيه و يتمضمض (1).و هو قول إسحاق،و أصحاب الرّأي (2)،و إحدى الرّوايتين عن أحمد (3).و قال مجاهد:يغسل كفّيه (4).و قال مالك:يغسل يديه إن كان أصابهما أذى (5).
لنا:من طريق الجمهور،ما تقدّم من حديث عائشة انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أراد أن يأكل أو ينام و هو جنب توضّأ (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه،قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام،أ يأكل الجنب قبل أن يتوضّأ؟قال:«انّا لنكسل و لكن ليغسل يده،و الوضوء أفضل» (7).
و قال ابن بابويه:إذا أراد أن يأكل أو يشرب قبل الغسل لم يجز له إلاّ أن يغسل يده أو يتمضمض و يستنشق،فإنّه إن أكل أو شرب قبل ذلك،خيف عليه البرص (8).قال:و روي انّ الأكل على الجنابة يورث الفقر (9).
و روى ابن يعقوب في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:
«الجنب إذا أراد أن يأكل و يشرب غسل يديه و تمضمض و غسل وجهه و أكل و شرب» (10).
ص:233
و روى ابن بابويه،عن الصّادق عن أبيه عليهما السّلام،قال:«إذا كان الرّجل جنبا لم يأكل و لم يشرب حتّى يتوضّأ» (1).
أمّا تكرير الجماع من غير اغتسال فلا يكره،لما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه كان يطوف على نسائه بغسل واحد (3).
و هو اختيار الشّيخ (4)،و السّيّد المرتضى (5)،و المفيد (6).
و قال ابن بابويه:و لا بأس أن يختضب الجنب،و يجنب مختضبا،و يحتجم،و يتنوّر، و يذبح،و ينام جنبا إلى آخر اللّيل،و يلبس الخاتم،و ينام في المسجد،و يمرّ فيه (7).
لنا:ما رواه كردين المسمعيّ قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«لا يختضب الرّجل و هو جنب» (8)و هذا يدلّ على الكراهية لا التّحريم،لما رواه الشّيخ، عن السّكونيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا بأس أن يختضب الرّجل، و يجنب و هو مختضب،و لا بأس بأن يتنوّر الجنب،و يحتجم،و يذبح،و لا يذوق شيئا
ص:234
حتّى[يغسل] (1)يديه و يتمضمض فإنّه يخاف منه الوضح» (2).
و روى في الصّحيح،عن إبراهيم بن أبي محمود قال:قلت للرّضا عليه السّلام:
الرّجل يجنب فيصيب جسده و رأسه الخلوق و الطّيب و الشّيء اللّكد مثل علك الرّوم و الطّرار و ما أشبهه،فيغتسل،فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر الخلوق و الطّيب و غيره؟قال:«لا بأس» (3).
و روى ابن يعقوب في كتابه،عن أبي جميلة[1]،عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام،قال:«لا بأس بأن يختضب الجنب،و يجنب المختضب،و يطلي بالنّورة» (4)قال ابن يعقوب:و روي انّ المختضب لا يجنب حتّى يأخذ الخضاب فأمّا في أوّل الخضاب فلا (5).
و روى الشّيخ،عن أبي سعيد[2]قال:قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام:
أ يختضب الرّجل و هو جنب؟قال:«لا»قلت:فيجنب و هو مختضب؟قال:«لا»ثمَّ مكث قليلا ثمَّ قال:«يا أبا سعيد أ فلا أدلّك على شيء تفعله؟قلت:بلى،قال:«إذا
ص:235
اختضبت بالحنّاء و أخذ الحنّاء مأخذه و بلغ فحينئذ فجامع» (1).
و روى الشّيخ،عن جعفر بن محمّد بن يونس[1]انّ أباه كتب إلى أبي الحسن عليه السّلام يسأله عن الجنب يختضب أو يجنب و هو مختضب؟فكتب:«لا أحبّ له» (2).
و روى الشّيخ،عن عامر بن جذاعة[2]،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
سمعته يقول:لا تختضب الحائض و لا الجنب و لا تجنب و عليها خضاب و لا يجنب هو و عليه خضاب» (3).
و روى،عن أبي المعزى[3]،عن عليّ،عن العبد الصّالح عليه السّلام قال:
قلت:الرّجل يختضب و هو جنب؟قال:«لا بأس»و عن المرأة تختضب و هي حائض؟ قال:«ليس به بأس» (4)فظهر من الأحاديث الدّالّة على النّهي و على الإباحة
ص:236
الكراهية،و لأنّ الحنّاء غير مانع عن وصول الماء،لخفّته و شدّة سيلان الماء.
لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن حريز بن عبد اللّه قال:قيل لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الجنب يدهن ثمَّ يغتسل؟فقال:«لا» (1)و لأنّ الدّهن غالبا يمنع من التصاق أجزاء الماء بالبدن التصاقا تامّا،فكره لذلك.
لا يقال:الرّواية دالّة على المنع المقتضي للتّحريم.
لأنّا نقول:لا نسلّم دلالتها على التّحريم لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام«و كلّ شيء أمسسته بالماء فقد أنقيته» (2).
عن الباقر عليه السّلام، قال:«إنّي اكره الجنابة حين تصفرّ الشّمس،و حين تطلع و هي صفراء» (3).
لنا:انّ الاغتسال غاية في المنع من القربان،فإذا اغتسل وجب أن لا يمنع،و أيضا قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (1)أي:اغتسلوا،باتّفاق المفسّرين.
و ما رواه الجمهور،عن عائشة قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يتوضّأ بعد الغسل من الجنابة (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن ابن أبي عمير،عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كلّ غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة» (3).
و في الصّحيح،عن حكم بن حكيم،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجنابة ثمَّ وصفه قال:قلت:انّ النّاس يقولون:يتوضّأ وضوء الصّلاة قبل الغسل؟فضحك و قال:«أيّ وضوء أنقى من الغسل و أبلغ» (4).
و روى في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:
«الغسل يجزي في الوضوء،و أيّ وضوء أطهر من الغسل» (5).
و روى،عن محمّد بن مسلم،قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:إنّ أهل الكوفة يروون،عن عليّ عليه السّلام انّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة؟ قال:كذبوا على عليّ ما وجدوا ذلك في كتاب عليّ عليه السّلام،قال اللّه تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (6)(7).
ص:238
و روى عن عبد اللّه بن سليمان[1]،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
«الوضوء بعد الغسل بدعة» (1)أقول:يريد بذلك انّ من يعتقد وجوب الوضوء عليه يكون مبدعا.
و كذا روى عن سليمان بن خالد،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«الوضوء بعد الغسل بدعة» (2)و في طريق هذه الرّواية عثمان،و هو واقفيّ (3).
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن يعقوب بن يقطين،عن أبي الحسن عليه السّلام، قال:سألته عن غسل الجنابة فيه وضوء أم لا فيما نزل به جبرئيل عليه السّلام؟فقال:
«الجنب يغتسل يبدأ فيغسل يده (4)إلى المرفقين قبل أن يغمسهما في الماء ثمَّ يغسل ما أصابه من أذى،ثمَّ يصبّ على رأسه و على وجهه و على جسده كلّه،ثمَّ قد قضى الغسل و لا وضوء عليه» (5).
و روى في الحسن،عن حمّاد بن عثمان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«في كلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة» (6)و لأنّهما عبادتان من جنس واحد،فتدخل الصّغرى في الكبرى كالعمرة في الحج.
ص:239
احتجّ الشّافعيّ بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعله،و لأنّ الجنابة و الحدث وجدا منه،فوجب لهما الطّهارتان كما لو انفردا (1).
و الجواب عن الأوّل:انّه معارض برواية عائشة.
و عن الثّاني:انّ التّداخل ثابت مع ما يوجب الصّغرى،فمع ما يوجب الكبرى أولى.
لنا:قوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا (1)و ذلك عام خرج منه غسل الجنابة للنّصّ،فيبقى الباقي على عمومه.و لرواية حمّاد بن عثمان،و ابن أبي عمير،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،و قد تقدّمتا.
و ما رواه الشّيخ،عن عليّ بن يقطين،عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام،قال:
«إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضّأ و اغتسل» (2)و لأنّهما سببان لأثرين (3)متغايرين لو انفرد كلّ واحد منهما اقتضى أثره،فمع الاجتماع يجب التّأثير،لكن ترك العمل به في الجنابة،فيبقى معمولا به في البواقي.
احتجّ السّيّد المرتضى بما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام:«الغسل يجزي عن الوضوء،و أيّ وضوء أطهر من الغسل» (4).
و بما رواه،عن إبراهيم بن محمّد[1]انّ محمّد بن عبد الرّحمن الهمدانيّ[2]كتب إلى أبي الحسن الثّالث عليه السّلام سألته عن الوضوء للصّلاة في غسل الجمعة؟فكتب:
«لا وضوء للصّلاة في غسل يوم الجمعة و لا غيره» (5).
ص:241
و روى،عن عمّار السّاباطيّ قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل إذا اغتسل من جنابة أو يوم جمعة أو يوم عيد،هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟فقال:
«لا،ليس عليه قبل و لا بعد قد أجزأه الغسل،و المرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل و لا بعد،قد أجزأها الغسل» (1).
و ما رواه حمّاد بن عثمان،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،في الرّجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك أ يجزيه من الوضوء؟فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«و أيّ وضوء أطهر من الغسل» (2).
و الجواب عن الأوّل:انّ الألف و اللام لا يدلّ على الاستغراق،فلا احتجاج فيه، إذ يصدق بصدق أحد جزئيّاته،و قد ثبت هذا الحكم لبعض الأغسال،فيبقى الباقي على الأصل.و أيضا:يحمل الألف و اللاّم على العهد جمعا بين الأدلّة.
و عن الأخبار الباقية بالمنع من صحّة سندها،فإنّ الأوّل رواه الحسن بن عليّ بن إبراهيم بن محمّد[1]،عن جدّه إبراهيم،و لا يحضرني الآن حالهما،و محمّد بن عبد الرّحمن الهمدانيّ،لا أعرف حاله.
و الثّاني:رواه عمّار و هو فطحي (3)،و في طريقه ابن فضّال و هو فطحيّ (4)أيضا.
ص:242
و الثّالث:مرسل،و في طريقه الحسن بن عليّ بن فضّال،و هو فطحيّ (1)و في طريقه الحسن بن حسين اللّؤلؤي[1]،و النّجاشي و إن كان قد وثّقه (2)إلاّ انّ الشّيخ حكى في كتاب الرّجال انّ ابن بابويه ضعّفه (3)،فلا يعارض ما ذكرناه من الأدلّة، على انّه يحتمل ما ذكره الشّيخ،من انّ المقصود هو ما إذا اجتمعت هذه أو شيء منها مع غسل الجنابة (4).و يمكن أن يقال في الجواب عن الأحاديث كلّها:انّها تدلّ على كماليّة الأغسال،و الاكتفاء بها فيما شرّعت له،و نحن نقول به.
و الوضوء لا نوجبه في غسل الحيض و الجمعة مثلا ليكمل الغسل عنهما،و إنّما نوجب الوضوء للصّلاة،فعند غسل الحيض يرتفع حدث الحيض و تبقى المرأة كغيرها من المكلّفين،إذا أرادت الصّلاة يجب عليها الوضوء،و كذا باقي الأغسال.
و إسحاق،و أصحاب الرّأي،و أحمد بن حنبل (1).و روي،عن الحسن،و النّخعيّ في الحائض و الجنب:يغتسل غسلين (2).
لنا:ما رواه الجمهور انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يكن يغتسل من الجماع إلاّ غسلا واحدا (3)،و هو يتضمّن شيئين:الالتقاء،و الإنزال.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن زرارة،عن أحدهما عليهما السّلام، قال:«إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الجمعة و عرفة و النّحر و الذّبح و الزّيارة،فإذا اجتمعت للّه عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد»قال:ثمَّ قال:«و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها و إحرامها و جمعتها و غسلها من حيضها و عيدها» (4).و رواه ابن يعقوب في الصّحيح،عن زرارة أيضا (5).
و روى ابن يعقوب،عن جميل بن[درّاج] (6)،عن بعض أصحابنا،عن أحدهما عليهما السّلام قال:«إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل من كلّ غسل يلزمه في ذلك اليوم» (7).
إذا تقرّر هذا،فنقول:لو نوى بالاغتسال رفع الحدث أو غسل الجنابة أجزأ عن الوضوء.أمّا لو نوى به غسلا آخر كالحيض و غيره،فعلى ما اخترناه لا يجزئه عن الوضوء،و في ارتفاع حدث الجنابة
ص:244
حينئذ إشكال ينشأ من تبعيّة الأفعال للقصود و الدّواعي،فإن قلنا بالإجزاء فلا وضوء حينئذ،و إن قلنا بعدمه فمع الوضوء هل يرتفع أم لا؟فيه نظر ينشأ من عموم الإذن في الدّخول في الصّلاة مع الاغتسال من الحيض و النّفاس و الوضوء،و ذلك يستلزم رفع كل حدث،و من كون الغسل الأوّل لم يقع عن الجنابة،و الوضوء ليس برافع لها،فنحن في هذا من المتوقّفين.
و أيضا:فإنّ غسل الجنابة قد اشتمل على نوع من التّمام و الكمال لم يشتمل عليه غيره،بحيث صار متحمّلا لقوّة رفع الحدث بانفراده،و لا يلزم من نيّة الفعل الضّعيف حصول القويّ،و على هذا البحث فلا بدّ من نيّة التّعيين.أمّا لو نوى به غسلا مطلقا، لم يجز عن واحد من الجنابة و لا من الجمعة.و لو اغتسل و نوى به غسل الجنابة دون غسل الجمعة،أجزأ عن الجنابة خاصّة.و هو أحد قولي الشّافعيّ (1).و قال الشّيخ (2):يجزي عنهما،و به قال أبو حنيفة،و هو القول الآخر للشّافعيّ (3).
لنا:قوله تعالى وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى (4)و هو لم يفعل إلاّ غسل الجنابة،ضرورة تبعيّة الفعل للقصد لقوله عليه السّلام:«إنّما الأعمال بالنّيّات، و إنّما لكلّ امرئ ما نوى» (5).
و لو نوى غسل الجمعة دون الجنابة،قال الشّيخ:لا يجزئه عن واحد منهما (6).
ص:245
و قال الشّافعيّ:لا يجزئه عن الجنابة قولا واحدا،و في إجزائه عن الجمعة قولان (1).و قال أبو حنيفة:يجزئه عنها بناء على عدم اشتراط النّيّة.
احتجّ الشّيخ بأنّ الجنابة لم ترفع لعدم النّيّة،و غسل الجمعة يراد للتّنظيف و زيادة التّطهير،و هو لا يصحّ إلاّ مع ارتفاع حدث الجنابة (2).و يمكن أن يقال:يجزئه عن غسل الجمعة،و ما ذكره الشّيخ منقوض بغسل الإحرام للحائض.
لنا:على الإجزاء مع الجريان قول أبي عبد اللّه عليه السّلام«فما جرى عليه الماء فقد طهّره» (3)و على عدمه مع العدم،انّه لم يحصل كمال الغسل فلا تحصل الطّهارة.
و أيضا:روى الشّيخ،عن بكر بن كرب[1]قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يغتسل من الجنابة أ يغسل رجليه بعد الغسل؟فقال:«إن كان يغتسل في مكان يسيل الماء على رجليه فلا عليه أن لا يغسلهما،و إن كان يغتسل في مكان تستنقع رجلاه في الماء فليغسلهما» (4).
و روى،عن هشام بن سالم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:
جعلت فداك،اغتسلت في الكنيف الّذي يبال فيه و عليّ نعل سنديّة؟فقال:«إن كان الماء الّذي يسيل من جسدك يصيب أسفل قدميك فلا تغسل قدميك» (5).
ص:246
فاليمنى يجب تقديمها على اليسرى مع التّرتيب.
إلاّ مع عدم الظّنّ بوصول الماء.
لأنّه حيث نوى و نزل حصلت الطّهارة لرجليه قبل ثبوتها في الوحل و منعه من إيصال الماء إلى البشرة.
أمّا لو كان مرتّبا وجب عليه نزع رجليه من الوحل على التّرتيب،و غسل كلّ رجل مع جانبها.
و الموجب للغسل إنّما هو الخروج لا الانتقال عن مستقرّه،سواء بال و اجتهد أو لم يبل.و به قال الشّافعيّ (1).و قال الأوزاعيّ (2)،و أبو حنيفة (3):إن خرج بعد البول فلا غسل و إلاّ فعليه الغسل.و قال أحمد (4)،و مالك (5)،و اللّيث،و الثّوريّ،و إسحاق:عليه الوضوء
ص:247
خاصّة لا الغسل (1).
لنا:قوله عليه السّلام:(إنّما الماء من الماء) (2)و لأنّ الاعتبار بالخروج كسائر الأحداث و قد تجدّد الخروج فيجب،و لا منافاة في سابقيّة الغسل و البول،و لأنّه بقيّة ماء خرج بالدّفق و الشّهوة فأوجب الغسل كالأوّل.
احتجّ المخالف بأنّه جنابة واحدة فلم يجب بها غسلان،كما لو خرج دفعة واحدة (3)،و لأنّ الشّهوة غير حاصلة و هي معتبرة في الإيجاب.
و الجواب عن الأوّل:انّه ينتقض بما إذا جامع فلم ينزل فاغتسل ثمَّ أنزل.
و عن الثّاني:بالمنع من اعتبار الشّهوة،و قد تقدّم (4).
أمّا إذا لم يعلم انّه منيّ ففيه ثلاث تقديرات:
إحداها:إذا لم يكن قد بال و لا استبرأ أعاد الغسل،لأنّ الغالب عدم نفوذ أجزاء المنيّ بأسرها و خروجها عن قصبة القضيب من غير بول أو اجتهاد،فيحال الخارج على المعتادة (5).
و روى الشّيخ،عن سليمان بن خالد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شيء؟قال:«يعيد الغسل» قلت:و المرأة يخرج منها بعد الغسل؟قال:«لا تعيد»قلت:فما الفرق بينهما؟قال:
ص:248
«لأنّ ما يخرج من المرأة إنّما هو من ماء الرّجل» (1)و في الطّريق عثمان بن عيسى و هو واقفيّ (2).
و روى في الصّحيح،عن منصور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله و قال:
«لأنّ ما يخرج من المرأة ماء الرّجل» (3).
و روى،عن سماعة قال:سألته عن الرّجل يجنب،ثمَّ يغتسل قبل أن يبول فيجد بللا بعد ما يغتسل؟قال:«يعيد الغسل فإن كان بال قبل أن يغتسل،فلا يعيد غسله و لكن يتوضّأ و يستنجي» (4)و سماعة واقفيّ (5)و الرّاوي عنه زرعة،و هو واقفيّ أيضا (6).
و روى في الصّحيح عن محمّد قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شيء؟قال:«يغتسل و يعيد الصّلاة إلاّ أن يكون بال قبل أن يغتسل فإنّه لا يعيد (7)غسله».
و روى،عن معاوية بن ميسرة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل رأى بعد الغسل شيئا؟قال:«إن كان بال بعد جماعة قبل الغسل فليتوضّأ،و إن لم يبل حتّى
ص:249
اغتسل ثمَّ وجد البلل فليعد الغسل» (1).
و روى في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سئل عن الرّجل يغتسل ثمَّ يجد بللا و قد كان بال قبل أن يغتسل؟قال:«إن كان بال قبل أن يغتسل،فلا يعيد الغسل» (2)و هذا حكم معلّق على الشّرط،فيكون عدما عند عدمه، تحقيقا لمعنى الشّرط.
لا يقال:قد روى الشّيخ،عن جميل بن درّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:في الرّجل تصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتّى يغتسل،ثمَّ يرى بعد الغسل شيئا،أ يغتسل أيضا؟قال:«لا،قد تعصّرت و نزل من الحبائل» (3).
و روى،عن أحمد بن هلال،قال:سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول؟ فكتب:«انّ الغسل بعد البول،إلاّ أن يكون ناسيا فلا يعيد منه الغسل» (4).
و روى،عن عبد اللّه بن هلال[1]،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل يجامع أهله،ثمَّ يغتسل قبل أن يبول ثمَّ،يخرج منه شيء بعد الغسل؟فقال:«لا شيء عليه
ص:250
انّ ذلك ممّا وضعه اللّه عنه» (1).
و روى عن زيد الشّحّام،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن رجل احتلم ثمَّ اغتسل قبل أن يبول ثمَّ رأى شيئا؟قال:«لا يعيد الغسل،ليس ذلك الّذي رأى شيئا» (2).
فهذه الأخبار تدلّ على عدم وجوب الغسل مع عدم البول،و ذلك ينافي ما ذكرتموه.
لأنّا نجيب عن الأوّل باحتمال أن يكون الّذي رآه مذيا و علم كذلك فلا إعادة لأنّ الموجب خروج المنيّ،و في طريقها عليّ بن السّندي[1]،و لا احقّق الآن حاله.
على انّه يحتمل انّه اجتهد و اخترط و لم يتأتّ له البول،و يحمل النّسيان هاهنا على التّرك المطلق.
و عن الخبر الثّاني:بأنّ رواية أحمد بن هلال،و هو ضعيف جدّا،قال الشّيخ:هو غال (3).و قال النّجاشيّ:ورد فيه ذموم من سيّدنا العسكريّ عليه السّلام (4)،فلا تعويل على روايته إذن.على انّه لم يسندها إلى إمام،فلعلّه أخبر عمّن لا تقوم الحجّة بقوله.
و أيضا:فإنّه لم يذكر انّه قد خرج منه شيء بعد الغسل،فقال:لا يعيد الغسل لعدم الخروج،لا لعدم وجوب الإعادة مع عدم البول.
ص:251
و عن الثّالث:باحتمال أن يكون قد اجتهد و لم يتأتّ البول،فلا شيء عليه حينئذ أو انّه جامع و لم ينزل.على انّ في طريقه عبد اللّه بن هلال،و لا أعرفه.
و عن الرّابع:بما تأوّلنا به ما تقدّم،و في طريقه أبو جميلة،و فيه ضعف.
و ثانيها:أن يكون قد بال و لم يجتهد،ثمَّ رأى بللا،فعليه إعادة الوضوء لا الغسل، أمّا الوضوء فلأنّه لعدم الاستبراء لم تخرج أجزاء البول بكمالها،فالظّاهر انّ البلل من بقاياه.
و أمّا عدم الغسل فلأنّ البول أزال المتخلّف من أجزاء المنيّ،و لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام«إلاّ أن يكون بال قبل أن يغتسل فإنّه لا يعيد غسله»قال محمّد:و قال أبو جعفر عليه السّلام:«من اغتسل و هو جنب قبل أن يبول ثمَّ يجد بللا فقد انتقض غسله و إن كان بال،ثمَّ اغتسل،ثمَّ وجد بللا فليس ينقض غسله و لكن عليه الوضوء،لأنّ البول لم يدع شيئا» (1).
و لرواية معاوية بن ميسرة[1]،فإنّها تدلّ على عدم إيجاب الغسل،و على إيجاب الوضوء (2).و لرواية الحلبيّ (3)،و هي تدلّ على عدم إيجاب الغسل مع البول.
و ثالثها:أن يكون قد بال و اجتهد،ثمَّ اغتسل،ثمَّ رأى البلل،فلا إعادة للغسل و لا للوضوء،لأنّ البول أزال أجزاء المنيّ المتوهّمة،و الاستبراء أزال أجزاء البول
ص:252
المتوهّمة،فلا التفات إلى الخارج بعد ذلك.و يدلّ عليه أيضا،الأحاديث الدّالّة على انّ بعد البول لا إعادة للغسل،و بعد الاستبراء لا اعتداد بالخارج (1).
عندنا قولا واحدا، و هل يعيد الصّلاة أم لا؟قال بعض علمائنا:يعيد[1].و ليس بجيّد،لأنّ الصّلاة وقعت مشروعة فيثبت الإجزاء.و احتجّ الآخرون بأنّ هذا المنيّ من بقايا الأوّل،فالجنابة واحدة لم تزل بالغسل الأوّل.
و الجواب:انّ الموجب للغسل الثّاني هو الخروج الّذي لم يكن،لا الانتقال عن المحل،فيكون غير الأوّل.
و لو رأى بللا يعلم انّه منيّ وجب عليه الإعادة،أمّا المشتبه فلا،لأنّا إنّما حكمنا هناك بكون البلل منيّا بناء على الغالب من استخلاف الأجزاء بعد الإنزال،و هذا المعنى غير موجود مع الجماع الخالي عن الإنزال.
منشأه انّ مخرج البول غير مخرج المنيّ،فلا فائدة فيه.
لأنّ الأظهر انّه من بقايا منيّ الرّجل،و ذلك غير موجب للغسل لما قدّمناه من رواية سليمان بن خالد،و رواية عبد الرّحمن بن أبي عبد
ص:253
اللّه.و أوجب ابن إدريس الإعادة (1)بقوله عليه السّلام:(الماء من الماء) (2)و ليس بشيء.
،فإن ألحقناه به، كفى الاختراط و الاجتهاد في إسقاط الغسل لو رأى البلل المشتبه بعد الإنزال مع الاجتهاد،و إلاّ فلا.
و المبسوط و ابنا بابويه:يعيد الغسل من أوّله .
و هو قول الحسن البصريّ (5).و قال ابن البرّاج:يتمّ غسله و لا وضوء عليه (6).و اختاره ابن إدريس (7).و قال علم الهدى:
يتمّ غسله و يتوضّأ لحدثه (8).و به قال عطاء،و عمر و بن دينار[1]،و الثّوريّ (9)،و الحقّ عندي الأوّل.
لنا:أنّه حدث ناقض للطّهارة الكبرى بكمالها فلبعضها أولى،و مع النّقض ينظر إلى حاله،إن كان جنبا اغتسل و إلاّ توضّأ،و هاهنا هو جنب قطعا،ضرورة عدم
ص:254
ارتفاع الجنابة من غير إكمال الغسل.
احتجّ ابن إدريس بأنّ الإعادة لا وجه لها،إذ الإجماع على انّ الحدث الأصغر موجب للصّغرى لا للكبرى،و أبطل القول الثّالث بأنّه حالة الحدث جنب فلا حاجة إلى الوضوء مع الاغتسال لقوله إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا (1)(2).
و احتجّ السّيّد المرتضى بأنّ الحدث الأصغر موجب للوضوء و ليس موجبا للغسل و لا لبعضه،فيسقط وجوب الإعادة و لا يسقط حكم الحدث بما بقي من الغسل،و ألزم الفريق الثّاني الشّناعة بما لو بقي من الغسل مقدار الدّرهم من جانبه الأيسر،ثمَّ تغوّط، أن يكتفي عن الوضوء بغسل موضع الدّرهم و هو باطل.
و الجواب عن الأوّل:انّ الدّليل على الإعادة قد ذكرناه.و قوله:الحدث الأصغر موجب للصّغرى لا للكبرى مسلّم،و لكنّه غير نافع،لأنّا نحن لم نقل انّ الموجب للكبرى إنّما هو الحدث الأصغر،بل الموجب هو بقاء الجنابة،فتوهّم من إيجاب إعادة الغسل لأجل وجود الجنابة،استناد الإعادة إلى الحدث الأصغر،و ليس كذلك، و إبطاله القول الثّالث جيّد.
و عن الثّاني:بما ذكرناه أوّلا،من انّ الموجب ليس هو الحدث الأصغر،بل الأكبر الباقي مع فعل البعض المنتقض بالحدث الأصغر،فغلط هؤلاء نشأ من أخذ مانع العلّة مكان العلّة.
قوله:و لا يسقط حكم الحدث بما بقي من الغسل،محلّ النّزاع عند الفريق الثّاني، فإنّ به يرتفع الحدث الأكبر فالأصغر أولى،و الشّناعة الّتي ذكرها عليهم غير واردة،لأنّا نقول:إذا عقل ارتفاع حدث الجنابة بغسل ذلك القدر اليسير فليعقل ارتفاع الأصغر به، على انّها معارضة بالمثل،فإنّه يلزم انّ من غسل من رأسه جزءا لا يتجزّأ،ثمَّ أحدث،أن
ص:255
لا يسوغ له الصّلاة إلاّ بعد الوضوء.
لغيره
،فبعض قال بالأوّل (1)،و آخرون قالوا بالثّاني (2).و الفائدة تظهر في المجنب إذا خلا من وجوب ما يشترط فيه الطّهارة،ثمَّ أراد الاغتسال هل يوقع نيّة الوجوب أو النّدب،فالقائلون بالأوّل قالوا بالأوّل،و القائلون بالثّاني قالوا بالثّاني.و الأقرب عندي الأوّل،و هو مذهب والدي رحمه اللّه تعالى (3)،لوجوه:
أحدها:قوله عليه السّلام:(إذا التقى الختانان وجب الغسل) (4)و ذلك عام فيمن تعلّق به وجوب شيء مشروط بالطّهارة و من لم يتعلّق به.
الثّاني:قوله عليه السّلام:(إنّما الماء من الماء) (5)و هو يقتضي وجوب الغسل عند الإنزال مطلقا.
الثّالث:قول أمير المؤمنين عليه السّلام:«أ توجبون عليه الرّجم و الحدّ و لا توجبون عليه صاعا من ماء» (6)و ذلك إنكار منه عليه السّلام على الأنصار حيث أوجبوا أصعب
ص:256
العقوبتين و لم يوجبوا أدناهما،و لمّا لم يكن وجوب الحدّ و الجلد مشروطا بوجوب ما من شرطه الطّهارة،فكذا هنا،لأنّه يدلّ على تعميم الوجوب في كلّ وقت ثبت فيه وجوب العقوبتين.
الرّابع:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:«إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الجلد» (1)وجه الاستدلال به أمران:
أحدهما:ما قدّمناه في الأوّل.
الثّاني:انّه لمّا لم يكن وجوب المهر و الرّجم مشروطين،لم يكن وجوب الغسل مشروطا،قضيّة للعطف الموجب للتّساوي بين المعطوف و المعطوف عليه.
الخامس:لو لم يجب إلاّ لما يشترط فيه الطّهارة،لما وجب أوّل النّهار للصّوم، و التّالي باطل إجماعا،فالمقدّم مثله،و الشّرطيّة ظاهرة.
و احتجّ ابن إدريس بوجوه:
أحدها:انّ الوجه في الوجوب إنّما هو كونه شرطا في صلاة واجبة على المكلّف إجماعا،و لا صلاة حينئذ،لأنّ التّقدير انّه كذلك.
الثّاني:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن يحيى الكاهليّ،قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة يجامعها الرّجل فتحيض و هي في المغتسل، فتغتسل أم لا؟قال:«قد جاء ما يفسد الصّلاة فلا تغتسل» (2)علّق الوجوب بالصّلاة.
الثّالث:انّه عليه السّلام كان يطوف على نسائه بغسل واحد (3)،فلو كان واجبا
ص:257
لما جاز تركه.
الرّابع:انعقد الإجماع على جواز النّوم للجنب من غير اغتسال،و إنّ للمكلّف التّأخير،فلو كان واجبا لما جاز ذلك.
الخامس:يلزم انّ من جامع يجب عليه الاغتسال في الحال حتّى لو كان عنده ماء، فآثر الخروج من منزله للاغتسال من نهر أو حمّام،كان معاقبا.
السّادس:قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (1)و لا شكّ انّ الوضوء للصّلاة،فيكون الغسل لها أيضا،قضيّة للعطف الموجب للتّسوية.
و أجاب عن الخامس بوجهين:
الأوّل:انّ الإجماع منعقد إمّا على تعميم الوجوب في كلّ وقت،أو على اختصاص الوجوب بحال الصّلاة و الطّواف الواجبين،فالقول بالوجوب في حالة الصّوم أوّل الفجر، مع عدمه في غير حالة الصّلاة و الوجوب قول ثالث.
الثّاني:سلّمنا انّ ما لا يتمّ الواجب-و هو الصّوم-إلاّ به-و هو الغسل-يكون واجبا،إلاّ انّ هذه المسألة ليست من هذا القبيل،لأنّ صوم رمضان يتمّ من دون نيّة الوجوب للاغتسال،و هو أن يغتسل لرفع الحدث مندوبا قربة،و قد ارتفع حدثه و صحّ صومه،فقد صحّ فعل الواجب من دون نيّة الوجوب (2).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من كون الوجه في الوجوب إنّما هو الصّلاة،و هل محلّ النّزاع إلاّ هو؟فكيف يدّعي الإجماع فيه؟! و عن الثّاني:انّ الغسل إنّما يجب إذا كان رافعا للحدث،و هو مستحيل عند تجدّد الحيض الّذي هو حدث ملازم،على انّ هذا من قبيل المفهوم فلا يعارض المنطوق.
ص:258
و عن الثّالث:بالمطالبة عن دليل الملازمة بين الوجوب و العقاب بالتّأخير،فإنّ الأمر لا يقتضي الفور.و هذا هو الجواب عن الرّابع و الخامس.
و عن السّادس:انّا مع تسليم انّ الواو للعطف لا الاستئناف نلتزم بما يدلّ عليه، و هو الوجوب عند القيام للصّلاة،أمّا على عدم الوجوب عند غير تلك الحال،فلا.
و أمّا جواباه عن الخامس فمشبهان لاستدلاله.
و الجواب عن الأوّل منهما:انّه شنّع على المستدلّ بشيء ليس هو قائلا به،لأنّه ألزمه خرق الإجماع،و هو لا يلزمه ذلك،لأنّه أبطل أحد القولين بالتزام الخرق لأحد الإجماعين،لأنّ الغسل إمّا أنّ يجب عند الصّبح في رمضان أو لا؟و على الثّاني يلزم خرق الإجماع،و هو صحّة ابتداء الصّوم من دون الطّهارة.و على الأوّل:إمّا أن يجب عاما و هو إبطال لما ادّعي بطلانه،أو لا،و هو خرق الإجماع الّذي ادّعاه،فهو بالشّناعة أولى.
و عن ثانيهما:انّ المستدلّ لم يوجب النّيّة بناء على انّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به يكون واجبا،بل أوجب الغسل،و هذا قد سلّمه ابن إدريس،حيث سلّم انّ الصّوم الواجب لا يتمّ ابتداء إلاّ بالطّهارة،و انّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به يكون واجبا،ثمَّ من أعجب العجائب إيجاب الغسل عليه،و إيجاب النّيّة عليه،إذ الفعل لا يقع إلاّ مع النّيّة،و أن لا ينوي نيّة الوجوب بل النّدب،فللمغتسل أن يقول:إن كان الغسل ندبا،فلي أن لا أفعله،فإن سوّغ له الصّوم من دون اغتسال فهو خلاف الإجماع،و إلاّ لزمه القول بالوجوب،أو القول بعدم وجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به،و إن كان واجبا فكيف نوى النّدب في فعل واجب،و عندك الفعل إنّما يقع على حسب القصود (1)و الدّواعي،فانظر إلى هذا الرّجل كيف يخبط في كلامه،و لا يحترز عن التّناقض فيه، و إنّما أطنبنا القول في هذا الباب و إن كان قليل الفائدة،لكثرة تشنيعه فيه.
لما روى الشّيخ في الصّحيح،عن
ص:259
محمّد بن إسماعيل بن بزيع،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام،قال:سألته عن الرّجل يقرأ في الحمّام و ينكح[فيه] (1)؟قال:«لا بأس به» (2).
و روى في الصّحيح،عن عليّ بن يقطين،عن أبي الحسن موسى عليه السّلام مثله (3).
روى الشّيخ في الصّحيح،عن إبراهيم بن أبي محمود،قال:سألت الرّضا عليه السّلام عن المرأة وليها قميصها أو إزارها يصيبه من بلل الفرج و هي جنب أ تصلي فيه؟ قال:«إذا اغتسلت صلّت فيهما» (4)و هذا يدلّ على طهارة الرّطوبة.
و روى،عن إسماعيل بن أبي زياد،عن جعفر،عن أبيه،عن آبائه عليهم السّلام،قال:«كنّ نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطّيب على أجسادهنّ،و ذلك انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمرهنّ أن يصن صبّا على أجسادهنّ» (5)و هذا يدلّ على أمرين:
أحدهما:عدم تأثير الخضاب في الغسل.
و الثّاني:عدم وجوب الدّلك،خلافا لمالك (6).و الرّواية و إن كان في طريقها
ص:260
إسماعيل بن أبي زياد،و فيه ضعف (1)،إلاّ انّ الأصحاب تلقّتها بالقبول.
،لما رواه الشّيخ،عن بريد بن معاوية العجليّ قال:
قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرّجل يأتي جاريته في الماء؟قال:«ليس به بأس» (2).
روى الشّيخ في الصّحيح،عن الحلبيّ قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتّى خرج شهر رمضان؟قال:«عليه أن يقضي الصّلاة و الصّيام» (3).
و أقول:أمّا الصّلاة فاتّفاق منّا،و أمّا الصّيام ففيه بحث سيأتي.
السّلام عن الرّجل يغتسل بغير إزار حيث لا يراه أحد؟قال:«لا بأس»
و هي موافقة للمذهب.
إلى الصّعيد فليصلّ بالمسح
،ثمَّ لا يعد إلى الأرض الّتي توبق دينه (5).و هو محمول على انّه لا يتمكّن من دلك جسده بالثّلج،بحيث يحصل مسمّى الغسل.و قد تقدّم ذلك فيما مضى (6).
ص:261
فسأله أعلمهم عن مسائل،و كان فيما سأله أن قال:لأيّ شيء أمر اللّه بالاغتسال من الجنابة و لم يأمر[بالغسل] (1)من الغائط و البول؟فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«انّ آدم عليه السّلام لمّا أكل من الشّجرة دبّ ذلك في عروقه و شعره و بشره،فإذا جامع الرّجل أهله،خرج الماء من كلّ عرق و شعرة في جسده،فأوجب اللّه عزّ و جلّ على ذرّيّته الاغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة،و البول يخرج من فضلة الشّراب الّذي يشربه الإنسان،و الغائط يخرج من فضلة الطّعام الّذي يأكله الإنسان فعليه في ذلك الوضوء»فقال اليهودي:صدقت يا محمّد (2).
و كتب الرّضا عليه السّلام إلى محمّد بن سنان ممّا كتب من جواب مسائله:«علّة غسل الجنابة النّظافة لتطهير الإنسان ممّا أصابه من أذاه و تطهير سائر جسده،لأنّ الجنابة خارجة من كلّ جسده،فلذلك وجب عليه تطهير جسده كلّه،و علّة التّخفيف في البول و الغائط انّه أكثر و أدوم من الجنابة،و رضي منه بالوضوء لكثرته و مشقّته و مجيئه بغير إرادة منه و لا شهوة،و الجنابة لا تكون إلاّ بالاستلذاذ منهم و الإكراه لأنفسهم» (3).
و لأنّ فيه مشقّة فيسقط.
للحنفيّة فيه تفصيل، قال بعضهم:لا يجب مع غنائها،و مع الفقر يجب على الزّوج تخليتها لتنتقل إلى الماء أو تنقل الماء إليها.و قال آخرون:يجب عليه كما يجب عليه ماء الشّرب (1).و الجامع انّ كلّ واحد منهما ممّا لا بدّ منه،و الأوّل عندي أقوى.
لأنّه ماء طهور فأشبه سائر المياه،و لأنّ الكراهة حكم شرعيّ،فيتوقّف على الشّرع.و عن أحمد روايتان:إحداهما مثل ما قلناه، و الثّانية:الكراهة،لقول العبّاس:لا أحلّها لمغتسل،لكن للمحرم حلّ و بلّ.و لأنّه يزيل به مانعا من الصّلاة،فأشبه إزالة النّجاسة به (2).و هذان ضعيفان.
أمّا الأوّل،فإنّه لا يوجد تصريحه في التّحريم،ففي غيره أولى.
و أمّا الثّاني،فإنّ الشّرف لا يوجب الكراهية لاستعماله،كالماء الّذي وضع فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفّه،أو اغتسل منه.
في الحائض و الجنب (1)،و ما اخترناه قول أكثر أهل العلم (2).
لنا:ما رواه مسلم في صحيحه،قال:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يغتسل بفضل ميمونة (3).و قالت ميمونة:اغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يغتسل،فقلت:إنّي قد اغتسلت منه؟فقال:
(الماء ليس عليه جنابة) (4).و بما رويناه من الأحاديث المتقدّمة من طريق الخاصّة (5).
و لأنّه ماء طهور فجاز للمرأة الوضوء به و الاغتسال منه،فجاز للرّجل كفضل الرّجل.
و احتجاج أحمد قد تقدّم في مباحث المقصد الأوّل مع الجواب عنه (6).
و اختلفوا في المراد من الخلوة،فقال قوم:هي أن لا يحضرها من لا تحصل الخلوة في النّكاح بحضوره،رجلا كان أو امرأة أو صبيّا عاقلا،لأنّها إحدى الخلوتين،فنافاها حضور أحد هؤلاء كالأخرى (7).
و قال آخرون منهم:هي أن لا يشاهدها رجل مسلم،فإن شاهدها صبيّ،أو
ص:264
امرأة،أو كافر لم تخرج عن الخلوة (1).
و قال آخرون منهم:هي استعمالها للماء من غير مشاركة الرّجل (2).
و إن خلت به في بعض أعضائها،أو في تجديد طهارة،أو استنجاء،أو غسل نجاسة،فعندهم وجهان:
المنع،لأنّها طهارة شرعيّة.
و الجواز،لأنّ إطلاق الطّهارة ينصرف إلى طهارة الحدث الكاملة (3).
و لو خلت به ذمّيّة في اغتسالها،فوجهان عندهم أيضا:
المنع،لأنّها أدنى حالا من المسلمة و أبعد من الطّهارة،و قد تعلّق بغسلها حكم شرعيّ،و هو حلّ وطئها إذا اغتسلت من الحيض،و أمرها به إذا كان من جنابة.
و الجواز،لأنّ طهارتها لا تصحّ،فهي كتبريدها (4).
أمّا لو خلت به المرأة في تبرّدها أو تنظيفها أو غسل ثوبها من الوسخ فلا يؤثّر،لأنّه ليس بطهارة.
و إنّما تؤثّر الخلوة في الماء القليل عندهم (5)،لأنّ حقيقة النّجاسة و الحدث لا تمنع و لا تؤثّر في الكثير،فتوهّم ذلك أولى،و إنّما يمنع الرّجل خاصّة لا المرأة.و هل يجوز للرّجل غسل النّجاسة به؟فيه وجهان عندهم (6):
المنع لأنّه مائع لا يرفع حدثه فلا يزيل النّجاسة،كسائر المائعات.
ص:265
و الجواز،لأنّه ماء يزيل النّجاسة بمباشرة المرأة،فيزيلها إذا فعله الرّجل كسائر المياه،و المنع تعبّديّ لا يعقل معناه،فلا يتعدّى،و هذه الفروع ساقطة عندنا،لأنّ الخلوة لا تصلح للمنع من الاستعمال.
و هو في اللّغة:السّيل،يقال:حاض الوادي،إذا سال.
و قال الشّاعر:
أجالت حصاهنّ الذّواري و حيّضت عليهنّ حيضات السّيول الطّواحم[1]
و هو في الشّرع عبارة عن الدّم الّذي له تعلّق بانقضاء العدّة،إمّا بظهوره أو بانقطاعه.أو يقال:هو الدّم الأسود الخارج بحرارة غالبا على وجه يتعلّق به أحكام مخصوصة.و لقليله حدّ.
و اعلم:انّ الحيض دم يرخيه الرّحم مع بلوغ المرأة،ثمَّ يصير لها عادة في أوقات متداولة معلومة لحكمة تربية الولد،فإذا حملت صرف اللّه تعالى بعنايته ذلك الدّم إلى تغذيته،فإذا وضعت أعدم اللّه عنه الصّورة الدّمويّة و كساه الصّورة اللّبنيّة فاغتذي به الطّفل،و لأجل ذلك قلّ ما تحيض المرضع و الحامل،فإذا خلت المرأة من الحمل و الرّضاع بقي الدّم لا مصرف له،فيستقرّ في مكان،ثمَّ يخرج غالبا في كلّ شهر ستة أيّام أو سبعة،و قد يزيد و يقلّ و يطول زمان خفائه (1)،و يقصر بحسب ما ركّبه اللّه تعالى في الطّباع.
و قد رتّب الشّارع على الحيض أحكاما،نحن نذكرها على الاستقصاء بعون اللّه
ص:266
تعالى،فالنظر هاهنا يتعلّق بماهيّته،و وقته،و أحكامه،فهاهنا مباحث:
قد عرفت انّ الحيض هو الدّم الأسود العبيط الحارّ يخرج بقوّة و دفع غالبا
- و العبيط،هو الطّريّ-و به قال الشّافعيّ (1).و قال أبو حنيفة:ما عدا البياض الخالص حيض (2).و هو حقّ إن كان في زمن العادة.
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:(دم الحيض عبيط أسود محتدم) (3)و المحتدم:الحارّ كأنّه محترق،يقال:احتدم النّهار إذا اشتدّ حرّه.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حفص بن البختريّ قال:
دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام امرأة سألته عن المرأة يستمرّ بها الدّم فلا تدري حيض هو أو غيره؟قال:فقال لها:«انّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفر بارد،فإذا كان للدّم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصّلاة»قال:
فخرجت و هي تقول:و اللّه لو كان امرأة ما زاد على هذا (4).
و روى في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
«انّ دم الاستحاضة و الحيض ليسا يخرجان من مكان واحد،انّ دم الاستحاضة بارد، و دم الحيض حارّ» (5).
ص:267
و روى في الصّحيح،عن إسحاق بن جرير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«دم الحيض ليس به خفاء،هو دم حارّ تجد له حرقة،و دم الاستحاضة دم فاسد بارد» (1).
احتجّ أبو حنيفة (2)بما روى،عن عائشة انّها قالت:لا تعجلن حتّى ترين القصّة البيضاء (3).و هذا ما لا نعرف قياسا،و الظّاهر انّها قالت سماعا.
و الجواب:يجوز أن يكون ذلك عن اجتهاد،و يجوز أن يكون ذلك راجعا إلى أيّام العادة،و نحن نقول به.
فمعه يكون حيضا،و مع التّطوّق يكون دم عذرة،لما رواه الشّيخ،عن زياد بن سوقة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«تمسك الكرسف فإن خرجت القطنة مطوّقة بالدّم فإنّه من العذرة تغتسل و تمسك معها قطنة و تصلّي،فإن خرج الكرسف منغمسا بالدّم فهو من الطّمث تقعد عن الصّلاة أيّام الحيض» (4).
و روى،عن خلف بن حمّاد،قال:قلت لأبي الحسن الماضي عليه السّلام:
و كيف لها أن تعلم من الحيض هو أو من العذرة؟قال:«تستدخل قطنة،ثمَّ تخرجها فإن خرجت القطنة مطوّقة بالدّم فهو من العذرة،و إن خرجت منتقعة (5)بالدّم فهو من الطّمث» (6).
ص:268
و رواه أيضا ابن يعقوب في كتابه،عن خلف أيضا،عن أبي الحسن عليه السّلام (1).
و لو اشتبه دم الحيض بدم القرح فلتدخل إصبعها،فإن كان خارجا من الجانب الأيسر فهو دم حيض،و إن كان خارجا من الأيمن فهو دم قرح.ذكره الشّيخ (2)و ابن بابويه (3)،و رواه في التّهذيب،عن محمّد بن يحيى رفعه،عن أبان قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:فتاة منّا بها قرحة في جوفها و الدّم سائل،لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة؟قال:«مرها فلتستلق على ظهرها و ترفع رجليها و تستدخل إصبعها الوسطى فإن خرج الدّم من الجانب الأيمن فهو من الحيض،و إن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة» (4).و كذا ذكره ابن يعقوب في كتابه،عن محمّد بن يحيى أيضا (5)،و هذه الرّواية منافية لما ذكره الشّيخ،و ابن بابويه.و قال ابن الجنيد:انّ دم الحيض يخرج من الجانب الأيمن،و دم الاستحاضة يخرج من الجانب الأيسر (6).
و حدّ الصّغر ما نقص عن تسع سنين،لأنّ الصغيرة لا تحيض،لقوله تعالى وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ (7)و لأنّ المرجع فيه إلى الوجود،و لم يوجد من النّساء من تحيض فيما دون هذا السّن،و لأنّه تعالى إنّما خلق الحيض غذاء للولد،لما رواه ابن يعقوب في كتابه في الحسن،عن سليمان بن
ص:269
خالد،قال:«انّ الولد في بطن امّه غذاؤه الدّم» (1).فالحكمة في خلقه تربية الولد، فمن لا يصلح للحمل لا يوجد فيها،لانتفاء حكمته،كالمنيّ لتقاربهما معنى،فإنّ أحدهما يخلق منه الولد،و الآخر يغذّيه و يربّيه،و كلّ منهما لا يوجد مع الصّغر،و وجود كلّ واحد منهما دالّ على البلوغ.
و أقلّ سنّ تبلغ له الجارية تسع سنين،فكان ذلك أقلّ سنّ تحيض له،و للشّافعيّ قولان:
أحدهما:انّ أوّل وقت إمكانه أوّل السّنة التّاسعة.
و الثّاني:انّ أوّله إذا مضت منها ستّة أشهر (2).
و روي عنه قول آخر انّ أوّل أوقات إمكانه أوّل العاشرة،قال:و قد رأيت جدّة بنت إحدى و عشرين سنة،فيكون قد حملت لدون عشر سنين (3).و قال بعض الحنفيّة باحتمال أن تكون بنت سبع حائضا (4)،لقوله عليه السّلام:(مروهم بالصّلاة إذا بلغوا سبعا) (5)و هو ضعيف،لأنّ الأمر هاهنا للتّمرين.
و روي،عن بعضهم انّه قال:بنت ستّ سنين ترى دم الحيض (6)،رواه شارح الطّحاويّ،قال:و حكي انّ بنتا لأبي مطيع البلخيّ[1]صارت جدّة و هي من بنات
ص:270
ثمان عشرة سنة،فقال أبو مطيع:فضحتنا هذه الجارية.نعم،قد تصير جدّة بنت تسع عشرة سنة،لأنّ أقلّ الحمل ستة أشهر،فلو رأت بنت تسع سنين دما بالصّفات المذكورة،فهو حيض مع الشروط الآتية،لأنّها رأت دما صالحا لأن يكون حيضا في وقت إمكانه،فيحكم بأنّه حيض كغيرها.و هو مذهب أهل العلم كافّة.و روي،عن أحمد رواية أخرى في بنت عشر رأت الدّم،قال:ليس بحيض.رواها الميمونيّ[1]، قال القاضي:فعلى هذا يجب أن يقال:أوّل زمان يصحّ فيه وجود الحيض ثنتا عشرة سنة،لأنّه الزّمان الّذي يبلغ فيه الغلام (1)،و ليست هذه الرّواية بجيّدة عندهم أيضا.
و لو رأت دما لدون تسع،فهو دم فساد للعادة،و لما رواه الجمهور،عن عائشة (2).
أمّا حدّ الكبر الّذي ينقطع معه الحيض ففيه روايتان عن أصحابنا:روى الشّيخ،عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر،عن بعض أصحابنا قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
«المرأة الّتي يئست من المحيض حدّها خمسون سنة» (3)و في طريقها سهل بن زياد،و هو ضعيف (4)،مع إرسالها.و رواها ابن يعقوب في كتابه بالسّند المذكور،قال:و روي ستّون سنة (5).
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن عبد الرّحمن بن الحجّاج،عن أبي عبد اللّه عليه
ص:271
السّلام،قال:«حدّ الّتي يئست من المحيض خمسون سنة» (1).
الثّانية:روى الشّيخ في الصّحيح،عن ابن أبي عمير،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلاّ أن تكون امرأة من قريش» (2).
قال الشّيخ في المبسوط:و حدّ اليأس خمسون،و في القرشيّة روي انّها ترى الدّم إلى ستّين (3)،و ألحق في غيره النّبطيّة بالقرشيّة في البلوغ إلى ستّين (4).و هذا قول أهل المدينة (5).و لو قيل:اليأس يحصل ببلوغ ستّين،أمكن بناء على الموجود،فإنّ الكلام مفروض فيما إذا وجد من المرأة دم في زمن عادتها على ما كانت تراه قبل ذلك،فالوجود ها هنا دليل الحيض كما كان قبل الخمسين دليلا.و لو قيل:ليس بحيض مع وجوده و كونه على صفة الحيض،كان تحكّما لا يقبل.أمّا بعد السّتّين،فالإشكال زائل،للعلم بأنّه ليس بحيض لعدم الوجود،و لما علم من انّ للمرأة حالا يبلغها يحصل معها اليأس، لقوله تعالى وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ (6).
و قال بعض الحنفيّة:انّ بنت سبعين ترى دم الحيض،و بعضهم قال:بأكثر من سبعين (7).و قال محمّد بن الحسن في نوادر الصّلاة:قلت:رأيت العجوز الكبيرة ترى الدّم،أ يكون حيضا؟قال:نعم (8).
ص:272
فقال المفيد (1)،و ابن الجنيد (2)،و ابن إدريس:انّها لا تحيض (3).و هو اختيار سعيد بن المسيّب،و عطاء،و الحسن،و جابر بن زيد،و عكرمة،و محمّد بن المنكدر،و الشّعبيّ، و مكحول،و حمّاد،و الثّوريّ،و الأوزاعيّ (4)،و أبي حنيفة (5)،و ابن المنذر،و أبي عبيد،و أبي ثور (6)،و الشّافعيّ في القديم (7).و قال السّيّد المرتضى (8)،و ابنا بابويه (9):انّها تحيض.و هو مذهب الشّافعيّ في الجديد (10)،و مالك (11)،و الليث، و قتادة،و إسحاق (12).و قال الشّيخ في النّهاية:إن رأته في زمن عادتها فهو حيض،
ص:273
و إن تأخّر عنها بمقدار عشرين يوما فليس بحيض (1).و قال في الخلاف:انّها تحيض ما لم يستبن حملها،فإذا استبان فلا حيض (2).و الحقّ عندي مذهب السيّد المرتضى.
لنا:ما رواه الجمهور،عن عائشة انّ الحبلى إذا رأت الدّم لا تصلّي (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد الرّحمن بن الحجّاج، قال:سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الحبلى ترى الدّم و هي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كلّ شهر هل تترك الصّلاة؟قال:«تترك إذا دام» (4).
و روى،عن حريز،عمّن أخبره،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام في الحبلى ترى الدّم؟قال:«تدع الصّلاة فإنّه ربّما بقي في الرّحم الدّم و لم يخرج و تلك الهراقة» (5).
و روى في الصّحيح،عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه سئل عن الحبلى ترى الدّم أ تترك الصّلاة؟فقال:«نعم،انّ الحبلى ربّما قذفت بالدّم» (6).
و روى في الصّحيح،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن الحبلى ترى الدّم؟قال:«نعم،انّه ربّما قذفت المرأة بالدّم و هي حبلى» (7).
ص:274
و روى،عن سماعة،قال:سألته عن امرأة رأت الدّم في الحبل؟قال:«تقعد أيّامها الّتي كانت تحيض،فإذا زاد الدّم على الأيّام الّتي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيّام،ثمَّ هي مستحاضة» (1).
و روى في الصّحيح،عن أبي المعزى،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحبلى قد استبان ذلك منها،ترى كما ترى الحائض من الدّم؟قال:«تلك الهراقة إن كان دما كثيرا فلا تصلّين،و إن كان قليلا فلتغتسل عند كلّ صلاتين» (2).
و روى في الصّحيح،عن إسحاق بن عمّار،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الحبلى ترى الدّم اليوم و اليومين؟قال:«إن كان دما عبيطا فلا تصلّي ذلك اليومين،و إن كانت صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين» (3).
و روى في الصّحيح،عن صفوان،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحبلى ترى الدّم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام تصلّي؟قال:«تمسك عن الصّلاة» (4).
و روى في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:
سألته عن الحبلى ترى الدّم كما ترى أيّام حيضها مستقيما في كلّ شهر؟قال:«تمسك عن الصّلاة كما كانت تصنع في حيضها فإذا طهرت صلّت» (5).
و روى محمّد بن يعقوب في كتابه،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما
ص:275
السّلام،قال:سألته عن المرأة الحبلى قد استبان حبلها ترى ما ترى الحائض من الدّم؟ قال:«تلك الهراقة من الدّم إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلّي،و إن كان قليلا أصفر فليس عليها إلاّ الوضوء» (1).
و روى ابن يعقوب في الحسن،عن سليمان بن خالد قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك،الحبلى ربّما طمثت؟فقال:«نعم،و ذلك انّ الولد في بطن امّه غذاؤه الدّم فربّما كثر يفضل عنه فإذا فضل دفعته فإذا دفعته حرمت عليها الصّلاة» (2).
قال:و في رواية أخرى،إذا كان كذلك تأخّر الولادة (3).و لأنّه دم رحم خرج في وقت معتاد،فكان حيضا كالحائل.
احتجّ القائلون (4)بأنّها لا تحيض،بما رووه،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:(ألا لا توطأ الحبالى حتّى يضعن و لا الحبالى حتّى يستبرئن بحيضة) (5)جعل الحيض علامة فراغ الرّحم،فدلّ على انّه لا يتصوّر مع الشّغل.
و بما رواه سالم،عن أبيه،انّه طلّق امرأته و هي حائض،فسأل عمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقال:(مره فليراجعها،ثمَّ ليطلّقها طاهرا أو حاملا) (6)فجعل الحمل علما على عدم الحيض كما جعل الطّهر علما عليه.و لأنّه زمن لا يعتادها الحيض فيه
ص:276
غالبا،فلم يكن ما تراه فيه حيضا كالآيسة.
و بما رواه الشيخ،عن السّكونيّ،عن جعفر،عن أبيه عليهما السّلام قال:قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«ما كان اللّه ليجعل حيضا مع حبل يعني إذا رأت الدّم و هي حامل،لا تدع الصّلاة إلاّ أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطّلق فرأت الدّم تركت الصّلاة» (1).
قال ابن إدريس:أجمعنا على بطلان طلاق الحائض مع الدّخول و الحضور،و على صحّة طلاق الحامل مطلقا،و لو كانت تحيض لحصل التّناقض (2).
و احتجّ الشّيخ (3)بما رواه في الصّحيح،عن الحسن (4)بن نعيم الصحّاف[1]قال:
قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:انّ أمّ ولدي ترى الدّم و هي حامل كيف تصنع بالصّلاة؟قال:فقال:«إذا رأت الحامل الدّم بعد ما يمضي عشرون يوما من الوقت الّذي كانت ترى فيه الدّم من الشّهر الّذي كانت تقعد فيه فإنّ ذلك ليس من الرّحم و لا من الطّمث،فلتتوضّأ و تحتشي بكرسف و تصلّي،فإذا رأت الحامل الدّم قبل الوقت الّذي كانت ترى فيه الدّم بقليل أو في الوقت من ذلك الشّهر فإنّه من الحيضة،فلتمسك عن الصّلاة عدد أيّامها الّتي كانت تقعد في حيضها،فإن انقطع الدّم عنها قبل ذلك فلتغتسل و لتصلّ،و إن لم ينقطع الدّم عنها إلاّ بعد ما تمضي الأيّام[الّتي (5)]كانت
ص:277
ترى الدّم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل و تحتشي و تستذفر و تصلّي الظّهر و العصر،ثمَّ لتنظر.» (1)إلى آخر الحديث.
و الجواب عن الأوّل:انّه لا شكّ في انّ الغالب انّ الحامل لا ترى الدّم،و يدلّ عليه تعليل الإمام أبي عبد اللّه عليه السّلام بأنّه غذاؤه،و إنّما يخرج الفضل منه،فلا يلزم ما ذكر تموه.و كذا البحث عن الثّاني،على انّه يمكن أن يكون حجّة لنا،لأنّه عليه السّلام فصّل بين الطّهر و الحمل،و التّفصيل قاطع للشّركة،فلا يصدق الطّهر حينئذ مع الحبل.
و عن الثّالث:بالفرق بين الآئسة و بينها،لاعتيادها دون اعتياد الآئسة.و قوله:انّه لا يعتادها غالبا،قلنا:الحبلى من حيث هي لا شكّ انّها لا ترى الدّم غالبا،أمّا بالنّظر إلى المرأة المعيّنة الّتي يعتادها الحيض في زمن حبلها على ما كانت عليه قبل الحبل،فلا نسلّم انّه مغلوب في حقّها.
و عن الرّابع:انّ السّكونيّ عاميّ،فلا تعارض روايته ما قدّمنا من الرّوايات الصّحيحة.
و عن الخامس:انّ الحيض في زمن الحبل سقط اعتباره في نظر الشّرع فيما يرجع إلى منعه من الطّلاق.
و عن السّادس:انّه بناء على الغالب،فإنّ أغلب أحوال المرأة إذا خرجت عادتها و لم تر دما و بالخصوص إذا كانت حبلى،انّه لا يكون دم حيض،و ادّعى الشّيخ في الخلاف الإجماع على انّ المستبين حملها لا تحيض،و إنّما الخلاف وقع في غير المستبين، و نحن لا نحقّق هذا الإجماع،مع انّ رواية أبي المعزى تنافي ما ذكره الشّيخ،و كذا رواية محمّد بن مسلم.
و أيضا:التّعليلات الّتي ذكروها عليهم السّلام عامّة،و الصّيغ مطلقة،فالأقرب
ص:278
ما ذهبنا نحن إليه.
فالمنقطع حيض
،و إن قصر ما بينهما عن أقلّ الطّهر فليس بحيض،[لاشتماله]قصور الطّهر عن أقلّه.و هو أحد وجهي الشّافعيّة،و الثّاني:انّه يكون حيضا (2).و إنّما يعتبر الطّهر الكامل بين دمي حيض،لأنّ الدّم الثّاني،لا دلالة عليه إلاّ وجوده بعد الطّهر الكامل،و هنا دمان مختلفان،و على الثّاني دلالة،و هي خروج الولد.
و لو تقدّمت الولادة و انقطع دمها على الأكثر و رأت دما بعد تخلّل أقلّ الطّهر كان حيضا،و إن كان قبله لم يكن حيضا.و هو أحد وجهي الشّافعيّة،و الثّاني:يكون حيضا،لأنّهما دمان مختلفان:نفاس و حيض،فلا يعتبر بينهما أقلّ الطّهر (3).
عبّاس،و عثمان بن أبي العاص الثّقفيّ[1]،و أنس بن مالك (1).و للشّافعيّ قولان:
أحدهما:انّ دم الحيض أقلّه يوم و ليلة،و أكثره خمسة عشر يوما (2).و به قال أبو ثور (3).
و الثّاني:انّ أقلّه يوم و أكثره خمسة عشر يوما (4).و به قال داود (5)،و بالقولين روايتان عن أحمد (6)،و روي عنه ثالثة انّ أكثره سبعة عشر يوما (7).و قال سعيد بن جبير:أكثره ثلاثة عشر يوما (8).و قال مالك:ليس لأقلّه حدّ و لا لأكثره،بل الحيض ما يوجد،قلّ أو كثر،و الطّهر كذلك (9).و روي،عن أبي يوسف رواية أخرى:انّ
ص:280
أقلّ الحيض يومان و أكثر الثّالث (1).
لنا:ما رواه الجمهور،عن واثلة بن الأسقع انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:
(أقلّ الحيض ثلاثة أيّام و أكثره عشرة أيّام) (2).
و ما رووه،عن أبي أمامة الباهليّ،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:(أقلّ الحيض للجارية البكر و الثّيب ثلاثة أيّام و لياليها،و أكثره عشرة أيّام) (3).
و قال أنس:قرء المرأة:ثلاث،أربع،خمس،ست،سبع،ثمان،تسع، عشر (4).و لا يقول ذلك إلاّ توقيفا.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن يعقوب بن يقطين،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:«أدنى الحيض ثلاثة و أقصاه عشرة» (5).
و روى في الصّحيح،عن صفوان بن يحيى،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن أدنى ما يكون من الحيض؟قال:«أدناه ثلاثة و أبعده عشرة» (6).
و روى،عن الحسن بن عليّ بن زياد الخزّاز،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:
«أقلّ الحيض ثلاثة و أكثره عشرة» (7).
ص:281
و روى،عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن أدنى ما يكون من الحيض؟قال:«ثلاثة أيّام و أكثره عشرة أيّام» (1).
و روى،عن سماعة بن مهران قال:قال:«فلها أن تجلس و تدع الصّلاة ما دامت ترى الدّم ما لم تجز العشرة» (2).
و روى،عن سماعة أيضا،قال:«أكثر جلوسها عشرة أيّام و أقلّه ثلاثة أيّام» (3).
لا يقال:يعارض ذلك:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«انّ أكثر ما يكون الحيض ثمان،و أدنى ما يكون منه ثلاثة» (4).
لأنّا نقول:هذا خبر لم يذهب إليه أحد من المسلمين،فيجب تأويله بالمحتمل و هو أمران:
أحدهما:أن يكون المراد:إذا كانت عادتها انّها لا تحيض أكثر من ثمانية أيّام، ثمَّ استحاضت حتّى لا يتميّز لها دم الحيض من الاستحاضة،فإنّ أكثر ما تحتسب به من أيّام الحيض ثمانية أيّام حسب ما جرت عادتها قبل استمرار الدّم.ذكره الشّيخ في التّهذيب (5).
ص:282
الثّاني:يحتمل انّه أنّ أكثر ما يكون الحيض ثمانية أيّام فإنّ وقوع العشرة نادر كما انّ وقوع الثّلاثة كذلك،بل الغالب وقوع الوسط و هو ثمانية،أو سبعة،أو ستّة فيكون ذلك إشارة إلى بيان أكثر أيّامه في الغالب لا مطلقا.
احتجّ الشّافعيّ بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:(دعي الصّلاة يوم قرئك) (1)من غير فصل بين عدد القليل و الكثير،و هذا يدلّ على انّ أقلّ الحيض يوم واحد.و على الكثرة بأنّ الشّهر في حقّ الآئسة و الصّغيرة أقيم مقام حيض و طهر،فجعل العدّة ثلاثة أشهر مكان ثلاثة قروء فيقسّم عليها نصفين.
و أيضا:فإنّه غير محدود في الشّريعة و اللّغة،فيجب الرّجوع فيه إلى العرف و العادة، و قد وجد حيض معتاد يوما،قال عطاء:رأيت من النّساء من تحيض يوما و تحيض خمسة عشر (2).و قال أحمد بن حنبل:حدّثني يحيى بن آدم[1]قال:سمعت شريكا[2]يقول:
عندنا امرأة تحيض كلّ[شهر] (3)خمسة عشر يوما (4).و قال ابن المنذر:قال الأوزاعيّ:
ص:283
عندنا امرأة تحيض غدوة و تطهر عشيّا يرون انّه حيض تدع له الصّلاة (1).و قال الشّافعيّ:رأيت امرأة اثبت لي عنها انّها لم تزل تحيض يوما لا تزيد عليه،و أثبت لي عن نساء انّهنّ لم يزلن يحضن أقلّ من ثلاثة أيّام (2).و ذكر إسحاق بن راهويه،عن بكر بن عبد اللّه المزنيّ[1]انّه قال:تحيض امرأتي يومين (3).و هذا يدلّ على انّ أقلّ الحيض يوم.
و احتجّوا (4)أيضا بما رووه،عن عليّ عليه السّلام انّه قال في صفة النّساء:(انّهنّ ناقصات عقل و دين)فقيل:و ما نقصان دينهنّ؟قال:(تلبث شطر دهرها في بيتها لا تصلّي) (5)و ذلك يدلّ على انّ أكثر الحيض نصف الشّهر.
و احتجّ مالك بأنّه لو كان لأقلّه حدّ لكانت المرأة لا تدع الصّلاة حتّى يمضي ذلك الحدّ،و أيضا:قال اللّه تعالى فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ (6)و ذلك عامّ في الأقلّ و الأكثر (7).
و الجواب عن الأوّل:انّه ليس فيه تقدير بيوم،بل فيه بيان بأنّها لا تصلّي في وقت
ص:284
الحيض،و نحن نقول به.
و عن الثّاني:بالمنع من اعتداد الآئسة و الصّغيرة،أوّلا:لما يأتي،و ثانيا،لو سلّم، لم قلتم انّه لأجل قيام ثلاثة أشهر مقام ثلاثة أقراء؟بل لعلّه أراد به الاستظهار،فإنّ الاعتداد بالأقراء يحصل معه القطع بخلوّ الرّحم،أمّا بالأشهر فأوجب الأكثر من الأقراء للاستظهار.
و عن الثّالث:انّا قدّمنا انّه محدود من حيث النّقل عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حديث أبي أمامة،و حديث واثلة،و ما رووه عن أكثر الصّحابة كعليّ عليه السّلام، و عمر،و ابن مسعود،و غيرهم ممّن نقلنا عنهم.و هذا لا نعرف فيه قياسا،فالنّقل عن كلّ واحد منهم كروايته،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و ما رويناه،عن أهل البيت عليهم السّلام،فكيف يصحّ ادّعاء عدم التّقدير الشّرعيّ؟و ما نقلوه،عن النّساء فضعيف لا يعارض به الأحاديث النّبويّة و آثار أهل البيت عليه السّلام.
و عن الرّابع:انّ الشّطر لا يراد به النّصف ها هنا،لعدم تطرّق الخلف إلى كلامه عليه السّلام،فيحمل على ما يقارب النّصف.على انّهم أخذوا الشّطر بالنّسبة إلى الشّهر،فهو غير مذكور في كلامه عليه السّلام.
و لقائل أنّ يقول:يجوز اعتباره بالنّسبة إلى السّنة،فإنّها إذا لبثت عشرة حائضا و عشرة طهرا و هكذا،حصل من ذلك مساواة ترك الصّلاة لفعلها في الأزمنة،و يناسبه انّ الدّهر في اللغة:الزّمان الطّويل،و ذلك لا يناسب الشّهر.
و عن الخامس:بالمنع من الملازمة في ذات العادة بناء على الغالب و بالتزامها و بالمنع من إبطال التّالي في المبتدئة،و سيأتي البيان.
و عن السّادس:انّ الآية مجملة من حيث المقدار،و بيانه في حديث أبي أمامة، و واثلة،و أحاديث الأئمّة عليهم السّلام،و قد تقدّمت.
قال الشّيخ في النّهاية:لا يشترط،بمعنى انّها لو رأت الأوّل و الثّالث و الخامس
ص:285
مثلا،لكان حيضا (1).و قال في المبسوط و الجمل:يشترط التّتابع (2).و به قال ابنا بابويه (3)و السّيّد المرتضى (4).و اتّفق الفريقان على انّه يشترط كون الثّلاثة من جملة العشرة،و القول الأوّل اختيار الحنفيّة (5).
احتجّ الشّيخ (6)على الأوّل بما رواه يونس،عن بعض رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«فإذا رأت المرأة الدّم في أيّام حيضها تركت الصّلاة،فإن استمرّ بها الدّم ثلاثة أيّام فهي حائض،و إن انقطع الدّم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت و صلّت و انتظرت من يوم رأت الدّم إلى عشرة أيّام،فإن رأت في تلك العشرة أيّام من يوم رأت الدّم يوما أو يومين حتّى يتمّ لها ثلاثة أيّام فذلك الّذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الّذي رأته بعد ذلك في العشرة هو من الحيض،و إن مرّ بها من يوم رأت عشرة أيّام و لم تر الدّم فذلك اليوم و اليومان الّذي رأته لم يكن من الحيض إنّما كان من علّة» (7)و هذه الرّواية مرسلة لا يعوّل عليها.
و روى الشّيخ،عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام و إذا رأت الدّم قبل عشرة أيّام فهي من الحيضة الاولى،و إذا رأته بعد عشرة أيّام فهي من حيضة أخرى مستقبلة» (8)و في طريقها ابن فضّال،و هو
ص:286
ضعيف (1)،مع عدم إفادتها المطلوب،إذ لا دلالة فيها على انّ الحيضة الأولى أقلّ من ثلاثة،بل دلّت على انّ ما تراه في العشرة فهو من الحيضة الاولى،و نحن لا نسمّي الدّم حيضا إلاّ ما بلغ ثلاثة فصاعدا،فمتى رأت الدّم ثلاثا،ثمَّ انقطع،ثمَّ رأته في العشرة و لم تجاوز كان الجميع حيضا.و قد روى هذه الرّواية أيضا من طريق حسن،عن محمّد بن مسلم،و لم نظفر بحديث سوى ما ذكرناه فلنرجع إلى الأصل،و هو شغل الذّمّة بالعبادة المستفادة من الأمر إلى أن يظهر المزيل.
ما لم يعلم أنّها لعذرة أو قرح،و لا اعتبار باللّون.و هو مذهب علمائنا أجمع،و لا نعرف مخالفا،لأنّه في زمان يمكن أن يكون حيضا،فيكون حيضا.
و روى الجمهور،عن عائشة انّها كانت تبعث إليها النّساء بالدّرجة فيها الكرسف فيها الصّفرة و الكدرة فتقول:لا تعجلن حتّى ترين القصّة البيضاء (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«إذا رأت المرأة أقلّ من العشرة فهو من الحيضة الاولى،و إن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة» (3)و هو لفظ مطلق ليس فيه تخصيص بلون دون آخر.
و روى في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:
«فإن خرج فيها شيء من الدّم،فلا تغتسل» (4).
ص:287
و روى،عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:المرأة ترى الطّهر و ترى الصّفرة أو الشّيء،فلا تدري أ طهرت أم لا؟قال:«فإن كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلى حائط و ترفع رجلها على حائط كما رأيت الكلب يصنع إذا أراد أن يبول ثمَّ تستدخل الكرسف فإذا كان به من الدّم مثل رأس الذّباب خرج،فان خرج دم فلم تطهر،و إن لم يخرج فقد طهرت» (1).
و هو مذهب أهل البيت عليهم السّلام.
و لا حدّ لأكثره عند عامّة علمائنا،إلاّ من شذّ كأبي الصّلاح،فإنّه حدّه بثلاثة أشهر (2).و قال مالك (3)،و الثّوريّ (4)،و الشّافعيّ (5)،و أبو حنيفة:أقلّ الطّهر خمسة عشر (6).و قال أحمد:أقلّه ثلاثة عشر يوما (7).و قال أبو بكر:أقلّ الطّهر مبنيّ على أكثر الحيض،فإنّ قلنا أكثره خمسة عشر فأقلّ الطّهر خمسة عشر،و إن قلنا أكثره سبعة عشر
ص:288
فأقلّ الطّهر ثلاثة عشر (1).و حكي عن يحيى بن أكثم[1]انّ أقلّ الطّهر تسعة عشر يوما (2)،لأنّ العادة أنّ للمرأة في كلّ شهر حيضا و طهرا،و الشّهر لا ينقص عن تسعة و عشرين يوما،و أكثر الحيض عشرة أيّام،فيبقى أقلّ الطّهر تسعة عشر يوما.
لنا:ما رواه الجمهور،عن عليّ عليه السّلام انّ امرأة جاءته و قد طلّقها زوجها، فزعمت أنّها حاضت في شهر ثلاث حيض طهرت عند كلّ قرء و صلّت،فقال عليّ عليه السّلام لشريح[2](قل فيها)فقال شريح:إن جاءت ببيّنة من بطانة أهلها ممّن يرضى دينه و أمانته فشهدت بذلك و إلاّ فهي كاذبة.فقال عليّ عليه السّلام:(قالون)و معناه بالرّوميّة:جيّد (3)،و هذا لا يقوله إلاّ توقيفا،و هو قول صحابيّ انتشر و لم يعلم خلافه،فكان إجماعا سكوتيّا،و لا يتقدّر ذلك على تقدير أن يكون أقلّ الطّهر خمسة عشر يوما.ثمَّ نقول:قد بيّنّا انّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام (4)،فلا يتقدّر ذلك أيضا إلاّ على تقدير أن يكون أقلّ الطّهر عشرة أيّام.
ص:289
و أيضا:ما رووه،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بيان نقصان دين المرأة في الحديث الطّويل تقعد إحداهنّ شطر دهرها لا تصوم و لا تصلّي (1).و قد بيّنّا انّ أكثر الحيض عشرة أيّام فأقلّ الطّهر ما يساويه (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«لا يكون القرء في أقلّ من عشرة فما زاد أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدّم» (3).
و روى،عن يونس،عن بعض رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«أدنى الطّهر عشرة أيّام» (4).
و ما رواه في الحسن،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«إذا رأت الدّم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاولى،و إن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة» (5).
و ما رواه الشّيخ،عن إسماعيل بن أبي زياد،عن جعفر،عن أبيه عليه السّلام، انّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال في امرأة ادّعت انّها حاضت في شهر ثلاث حيض، فقال:«كلفوا نسوة من بطانتها انّ حيضها كان فيما مضى على ما ادّعت فإن شهدن
ص:290
صدقت و إلاّ فهي كاذبة» (1).
احتجّ الجمهور بما رووه،عن عطاء بن يسار و إبراهيم النّخعيّ،انّهما قالا:أقلّ الطّهر خمسة عشر يوما (2).و ليس ذلك إلاّ عن توقيف.
و الجواب:يجوز أن يكون إنّما صار إليه عن اجتهاد،فإنّ الشّهر عندهم ينقسم إلى الطّهر و الحيض،و قد أفتيا بأنّ أكثر الحيض خمسة عشر،فلزمهم (3)مساواة أقلّ الطّهر له،و نحن لمّا بيّنّا (4)كمّيّة أكثر الحيض بطل هذا التّقدير،على انّ قولهما معارض بقول عليّ عليه السّلام و هو الحجّة.
السّواد الخالص،و البياض الخالص،و الحمرة، و الصّفرة،و الخضرة،و الكدرة.فالسّواد،دم حيض إجماعا.و أمّا البياض،فليس بحيض إجماعا.و أمّا الحمرة فقد روي،عن أبي حنيفة أنّها في أيّام الحيض حيض (5).
و هو مذهبنا أيضا.و أمّا الصّفرة فكذلك على رأينا و رأي أبي (6)حنيفة.و قال أبو يوسف:الصّفرة حيض،و الكدرة ليس بحيض إلاّ أن يتقدّمها دم (7).و قال داود:انّ
ص:291
الصفرة و الكدرة ليستا حيضا (1).و قال أبو بكر الإسكاف[1]:إن كانت الصّفرة على لون القز فهي حيض و إلاّ فلا.و قال آخرون:إن كانت الصّفرة أقرب إلى البياض فليس بحيض،و إن كانت أقرب إلى الحمرة فهي حيض.
و أمّا الكدرة،فعلى قول أبي حنيفة،و محمّد يكون حيضا في الأحوال كلّها:تقدّم أو تأخّر (2).و قال أبو يوسف:إن خرج عقيب الدّم كان حيضا،و إن تقدّم لم يكن حيضا.و أمّا الخضرة فالخلاف فيها كالكدرة.
و قد تلخّص من هذا انّ الصّفرة و الكدرة في أيّام الحيض حيض.و هو قول يحيى الأنصاريّ (3)،و ربيعة (4)،و مالك (5)،و الثّوريّ،و الأوزاعيّ (6)،و عبد الرّحمن بن مهديّ[2] (7)،و الشّافعيّ (8)،و إسحاق (9).و قال أبو يوسف،و أبو ثور:لا يكون
ص:292
حيضا إلاّ أن يتقدّمها دم أسود (1).
لنا:قوله تعالى وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً (2)و هو يتناول الصّفرة و الكدرة.و في حديث عائشة:لا تعجلن حتّى ترين القصّة البيضاء (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن يونس،عن بعض رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض،و كلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض» (4).
و روى في الصحيح،عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة ترى الصّفرة في أيّامها؟فقال:«لا تصلّي حتى تنقضي أيّامها فإن رأت الصّفرة في غير أيّامها توضّأت و صلّت» (5).
و روى في الحسن،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المرأة ترى الصّفرة؟قال:«إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض،و إن كان بعد الحيض بيومين فليس منه» (6).
و روى،عن عليّ بن أبي حمزة،قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر عن المرأة ترى الصّفرة؟فقال:«ما كان قبل الحيض فهو من الحيض،و ما كان بعد
ص:293
الحيض فليس منه» (1)و في طريقه عليّ بن أبي حمزة،و فيه ضعف (2).
و روى ابن يعقوب،في كتابه،عن إسماعيل الجعفيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا رأت المرأة الصّفرة قبل انقضاء أيّام عدّتها لم تصلّ و إن كانت صفرة بعد انقضاء أيّام قرئها صلّت» (3)و في الطّريق عليّ بن محمّد[1]،و فيه ضعف.
و روى،عن معاوية بن حكيم قال:قال:«الصّفرة قبل الحيض بيومين من الحيض و بعد أيّام الحيض ليس من الحيض و هي في أيّام الحيض حيض» (4).
و روى ابن يعقوب،عن داود مولى أبي المعزى[2]عمّن أخبره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قلت:المرأة يكون حيضها سبعة أيّام أو ثمانية أيّام،حيضها دائم مستقيم،ثمَّ تحيض ثلاثة أيّام ثمَّ ينقطع عنها الدّم فترى البياض لا صفرة و لا دما؟ قال:«تغتسل و تصلّي و تصوم» (5).
احتجّ المخالف (6)بحديث أمّ عطية[3]قالت:كنّا لا نعتدّ بالصّفرة و الكدرة
ص:294
بعد الغسل شيئا (1).
و الجواب:انّه إنّما يتناول ما بعد الطّهر و الاغتسال،و نحن نقول به.
و حدّ الكثرة العشرة،فما زاد على العشرة فليس بحيض،كما انّ ما نقص عن الثّلاثة غير حيض (2).
و اعلم انّ المرأة إمّا أن تكون ذات عادة أو مبتدئة،و ذات العادة إمّا أن تكون مستقيمة أو مضطربة،و أيضا:فهي إمّا ذات تمييز أو لا؟فالأقسام الأول أربعة:
الجامعة لوصفي العادة و التّمييز،و الفاقدة لهما،و ذات العادة الخالية عن التّمييز، و بالعكس.
إذ قد اتّفقت العادة و التّمييز على الدّلالة فيعمل بهما،و لا نعرف فيه مخالفا من أهل القبلة.و إن اختلف الزّمان،مثل ان رأت في أيّام العادة صفرة و ما قبلها أو ما بعدها أسود،فإن لم يتجاوز المجموع العشرة فالجميع حيض،و إن تجاوز،قال الشّيخ في المبسوط و الجمل:ترجع إلى العادة (3).
و اختاره السّيّد المرتضى،و المفيد (4)،و أتباعهم (5)،و هو إحدى الرّوايتين عن أحمد (6)، و به قال أبو حنيفة (7)،و الثّوريّ (8)،و أبو عليّ بن خيران من الشّافعيّة (9)،و أبو سعيد
ص:295
الإصطخريّ[1]منهم (1)،و هو الصّحيح عندي.و قال في النّهاية:ترجع إلى التّمييز (2).و هو ظاهر مذهب الشّافعيّ (3)،و الرّواية الأخرى عن أحمد (4)،و به قال من الشّافعيّة أبو العبّاس،و أبو إسحاق (5)،و به قال الأوزاعيّ،و مالك (6).
لنا:ما رواه الجمهور انّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله ردّ أمّ حبيبة[2] (7)و المرأة الّتي استفتت لها أمّ سلمة إلى العادة (8)و لم يستفصل و لم يفرّق بين كونها ذات تمييز أو غيرها.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن إسحاق بن جرير[3]،
ص:296
عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال[1]:قلت له:انّ الدّم يستمرّ بها الشّهر و الشّهرين و الثّلاثة كيف تصنع بالصّلاة؟قال:«تجلس أيّام حيضها ثمَّ تغتسل لكلّ صلاتين» (1)و لم يفرّق بين ذات التّمييز و غيرها.
و روى،عن يونس،عن بعض رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«و كلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض،و كلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض (2).
و روى،عن الحسين بن نعيم الصّحّاف،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«فإذا رأت الحامل الدّم قبل الوقت الّذي كانت ترى فيه الدّم بقليل أو في الوقت من ذلك الشّهر فإنّه من الحيضة فلتمسك عن الصّلاة عدد أيّامها الّتي كانت تقعد في حيضها» (3).
و روى،عن إسماعيل الجعفيّ،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«المستحاضة تقعد أيّام قرئها ثمَّ تحتاط بيوم أو يومين فإن هي رأت طهرا اغتسلت،و ان لم تر طهرا
ص:297
اغتسلت و احتشت،و لا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدّم على الكرسف فإذا ظهر أعادت الغسل» (1).
و روى في الصّحيح،عن محمّد بن عمرو بن سعيد[1]،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام،قال:سألته عن الطّامث كم حدّ جلوسها؟فقال:«تنتظر عدّة ما كانت تحيض ثمَّ تستظهر بثلاثة أيّام ثمَّ هي مستحاضة» (2).
و مثله رواه في الحسن (3).
و روى،عن يونس،عن غير واحد سألوا أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحيض و السنّة في وقته؟فقال:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سنّ في الحيض ثلاث سنن»و ذكر الحديث إلى أن قال«انّ فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت فأتت أمّ سلمة فسألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ذلك،فقال:تدع الصّلاة قدر أقرائها و قدر حيضها»قال أبو عبد اللّه عليه السّلام بعد حديث طويل:«و هذه سنة الّتي تعرف أيّام أقرائها لا وقت لها إلاّ أيّامها قلّت أو كثرت» (4).و لأنّ العادة أقوى في الدّلالة لكونها لا تبطل دلالتها،و اللّون يبطل مع زيادته على أكثر الحيض و ما لا تبطل دلالته أقوى.
ص:298
احتجّ المخالف (1)بما روته عائشة قالت:جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالت:يا رسول اللّه إنّي امرأة أستحاض فلا أطهر،أ فأدع الصّلاة؟فقال النّبي صلّى اللّه عليه و آله:(إنّما ذلك عرق،فإذا كان الدّم دم الحيض فإنّه دم أسود يعرف فامسكي عن الصّلاة و إذا كان الآخر فتوضّئي فإنّما هو عرق) (2).
و قال ابن عبّاس:امّا ما رأت الدّم البحرانيّ فإنّها تدع الصّلاة (3).و لأنّ صفة الدّم أمارة،و العادة زمان منقض،و لأنّه خارج يوجب الغسل،فيرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمنيّ.
و احتجّ الشّيخ على مذهبه في النّهاية بما رواه في الحسن،عن حفص بن البختريّ قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام امرأة سألته عن المرأة يستمرّ بها الدّم فلا تدري حيض هو أو غيره؟قال:فقال لها:«انّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع و حرارة،و دم الاستحاضة أصفر بارد فإذا كان للدّم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصّلاة» (4).
و الجواب عن الأوّل:انّه قد روي بغير هذه الصّورة و هو ردّها فيه إلى العادة (5)،
ص:299
فتعارضت الرّوايتان،فبقيت الأحاديث الباقية خالية عن المعارض.على انّها قضيّة عين و حكاية حال لا عموم لها،فيحتمل انّها أخبرته أنّه لا عادة لها أو علم ذلك من غيرها أو من قرينة حالها.
و عن الثّاني:انّ دلالة العادة أقوى،لما بيّنّاه (1)،فيجب الرّجوع إليها،و هو الجواب عن الثّالث.
و عن الرّابع:باحتمال أن تكون المرأة لا عادة لها،إذا ليست الصّيغة للعموم،فلا ترجيح حينئذ،فلا معارضة.
و هو ما تكون المرأة فيه فاقدة للوصفين،و هي المبتدئة إذا استمرّ بها الدّم على حال واحدة،فإن انقطع لعشرة فما دون،ممّا فوق الثّلاثة فهو حيض، و إن تجاوزت رجعت إلى عادة نسائها،كالأمّ و الأخت،و العمّة،و الخالة،فإن لم يكن لها نساء أو كنّ مختلفات،قال في المبسوط:ترجع إلى أقرانها من بلدها،فإن لم يكن لها أقران أو اختلفن رجعت إلى الرّوايات الآتية (2).و قال في الخلاف:ترجع بعد فقد نسائها إلى الرّوايات (3)،و أسقط اعتبار الأقران.و بمثله قال السّيّد المرتضى (4)و ابن بابويه،و بانتقالها إلى عادة نسائها (5).قال مالك في إحدى الرّوايات (6)،و الثّوريّ، و الأوزاعي،و إسحاق،و أحمد في إحدى الرّوايات تردّ إلى غالب عادة النّساء ستّ أو سبع (7)،و هو أحد قولي الشّافعيّ (8)،و في الآخر:تردّ إلى أقلّ الحيض و تقضي صلاة
ص:300
الأكثر فإنّها تترك الصّلاة إلى أكثره (1)،و به قال أحمد في إحدى الرّوايات (2)،و أبو ثور،و زفر (3).و قال مالك:تقعد عادة أقرانها و تستظهر بثلاثة أيّام (4).و قال أبو حنيفة:تتحيّض أكثر الحيض (5).و هو رواية عن مالك (6)،و عن أحمد (7).و قال أبو يوسف:تأخذ في الصّوم و الصّلاة بالأقلّ،و في وطء الزّوج بالأكثر (8).
لنا:انّ الحيض دم جبلّة و خلقة،و في الغالب تساوى المرأة و الأقرباء فيه،فيعمل بالغالب،لأنّه كالأمارة فصار كالتّمييز.
و أيضا:روى الشّيخ،عن أحمد بن محمّد[1]رفعه،عن زرعة،عن سماعة قال:
ص:301
سألته عن جارية حاضت أوّل حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر و هي لا تعرف أيّام أقرائها؟قال:«أقراؤها مثل أقراء نسائها،و إن كنّ نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام و أقلّه ثلاثة أيّام» (1).و هذه الرّواية مع قطع سندها ضعيفة،فإنّ زرعة و سماعة واقفيّان (2).
و أيضا:فإنّ سماعة لم يسندها عن إمام إلاّ انّ الأصحاب تلقّتها بالقبول.
و روى الشّيخ،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«يجب للمستحاضة[أن] (3)تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها،ثمَّ تستظهر على ذلك بيوم» (4)و في طريقها عليّ بن فضّال و هو فطحيّ (5)،إلاّ انّ الأصحاب شهدوا له بالثّقة و الصّدق.و أمّا الرّجوع إلى الأقران فشيء ذكره الشّيخ في بعض كتبه (6)،و لم نقف فيه على أثر.و يمكن أن يقال:انّ الغالب التحاق المرأة بأقرانها في الطّبع،و يدلّ عليه من حيث المفهوم:ما رواه يونس،عن بعض رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«أدنى الطّهر عشرة أيّام»و ذلك انّ المرأة أوّل ما تحيض ربّما كانت كثيرة الدّم،فيكون حيضها عشرة أيّام،فلا تزال كلّما كبرت نقصت حتّى ترجع إلى ثلاثة أيّام،فإذا
ص:302
رجعت إلى ثلاثة أيّام ارتفع حيضها،و لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام (1)،فقوله عليه السّلام:(كلّما كبرت نقصت)دالّ على توزيع الأيّام على الأعمار غالبا،و ذلك يؤيّد ما ذكره الشّيخ.
و أمّا السّيّد المرتضى و ابن بابويه فقد استدلاّ على الرّجوع إلى الرّوايات من دون توسّط الأقران بما رواه الشّيخ في الموثّق،عن عبد اللّه بن بكير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«المرأة إذا رأت الدّم في أوّل حيضها فاستمرّ الدّم،تركت الصّلاة عشرة أيّام،ثمَّ تصلّي عشرين يوما،فإن استمرّ بها الدّم بعد ذلك تركت الصّلاة ثلاثة أيّام و صلت سبعة و عشرين يوما» (2).
و روى،عن يونس،عن غير واحد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«انّ امرأة يقال لها:حمنة بنت جحش،أتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالت:إنّي استحضت حيضة شديدة؟فقال:احتشي كرسفا.فقالت:انّه أشدّ من ذلك،انّي أثجّه ثجّا؟فقال لها:تلجّمي و تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه تعالى ستّة أيّام أو سبعة أيّام».قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«و هذه سنّة الّتي استمرّ بها الدّم أوّل ما تراه» (3).و الأولى عندي:ما ذكره السّيّد المرتضى.
-أعني الّتي لم تستقرّ لها
ص:303
عادة،لا في الوقت و لا في العدد-إذا استمرّ بها الدّم و لا تمييز،تتركان الصّوم و الصّلاة في كلّ شهر ستّة أيّام أو سبعة و تغتسلان.و هو اختيار الشّافعيّ في أحد قوليه (1)،و أحمد في إحدى الرّوايتين عنه (2).و قال بعض أصحابنا:تترك الصّلاة و الصّوم في كلّ شهر أقلّ أيّام الحيض (3)،و هو الرّواية الأخرى الأحمد (4)و القول الآخر للشّافعيّ (5).و قال بعض أصحابنا:تجلس أكثر أيّام الحيض (6).و هو مذهب أبي حنيفة (7)،و هو قول ثالث لأحمد (8).و قال بعض أصحابنا:تترك الصّلاة و الصّوم في الشّهر الأوّل أقلّ أيّام الحيض،و في الثّاني أكثره (9).و قال آخرون بالعكس (10).و منهم من يقول:تترك
ص:304
الصّلاة في كلّ شهر سبعة أيّام (1)،و منهم من يقول:ستّة أيّام (2)،و منهم من يقول:تعدّ عشرات،عشرة حيضا،و عشرة طهرا،و هكذا إلى أن تستقرّ لها عادة (3).
لنا:ما رواه الجمهور و الأصحاب،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حديث حمنة بنت جحش،و قد تقدّم (4).و لأنّ غالب النّساء هكذا تحيض،فتلحق هذه بالأعمّ الأغلب لأرجحيّته،كما رددناها إليهنّ في حصول كلّ حيضة في كلّ شهر.
و أمّا القائلون بأنّها تتحيّض بالأكثر،فقالوا:انّها زمان الحيض و قد رأت فيه الدّم،فيكون حيضا كالمعتادة.
و القائلون بأنّها تجلس في الشّهرين الأكثر و الأقلّ،احتجّوا بأنّه التّوسّط (5)بين الأكثر و الأقلّ،و بما رواه الشّيخ،عن عبد اللّه بن بكير،قال في الجارية:أوّل ما تحيض يدفع عليها الدّم فتكون مستحاضة إنّها تنتظر الصّلاة،فلا تصلّي حتّى يمضي أكثر ما يكون من الحيض،فإذا مضى ذلك و هو عشرة أيّام فعلت ما تفعله المستحاضة،ثمَّ صلّت فمكثت تصلّي بقيّة شهرها،ثمَّ تترك الصّلاة في المرّة الثّانية أقلّ ما تترك امرأة الصّلاة، و تجلس أقلّ ما يكون من الطّمث و هو ثلاثة أيّام،فإن دام عليها الحيض صلّت في وقت الصّلاة الّتي صلّت،و جعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطّهر و تركها الصّلاة أقلّ ما يكون من الحيض (6).
ص:305
و روى،عن عبد اللّه بن بكير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«المرأة إذا رأت الدّم في أوّل حيضها فاستمرّ الدّم تركت الصّلاة عشرة أيّام،ثمَّ تصلّي عشرين يوما،فإن استمرّ بها الدّم بعد ذلك تركت الصّلاة ثلاثة أيّام و صلّت سبعة و عشرين يوما» (1).
و القائلون بأنّها تقعد الأقلّ قالوا:انّ الذّمّة مشغولة بالصّلاة فتعمل بالمتيقّن في الحيض احتياطا للعبادة (2).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من كونه زمان الحيض مع الاستمرار.
و عن الثّاني:بأنّ الرّواية ضعيفة،فإنّ عبد اللّه بن بكير (3)فطحيّ،و في الأوّل لم يسندها إلى إمام فكانت أضعف.
و عن الثّالث:بالمنع من شغل الذّمّة في الأصل،إذ البراءة الأصليّة ثابتة ما لم يظهر الشّاغل،فكان الأصل معارضا للأصل.
و رأيها
فيما يغلب على ظنّها انّه أقرب إلى عادتها أو عادة نسائها أو ما يكون أشبه بكونه) (4)[حيضا] (5).و قيل:المراد:التّخيير،لأنّ حرف«أو»موضوع له (6).
و الأقرب الأوّل،و إلاّ لزم التّخيير في اليوم السّابع بين وجوب الصّلاة و عدمها،و لا تخيير
ص:306
في الواجب،لمنافاته له.و قولهم:انّها موضوعة للتّخيير،معارض بأنّها موضوعة للتّفصيل و الشّكّ و الإبهام،و الأخيران غير مرادين،فيبقى إمّا التّخيير أو التّفصيل،و الأوّل لا يصحّ إرادته لما بيّنّاه،فتعيّن الثّاني.
و المراد بها من كانت لها عادة إلاّ انّها نسيتها عددا و وقتا،فإنّها تجلس ستّة أيّام أو سبعة،و هو قول أحمد،و قال أيضا:تجلس أقلّ الحيض (1).و قال الشّيخ:تفعل ثلاثة أيّام في أوّل الشّهر ما تفعله المستحاضة،و تغتسل فيما بعد لكلّ صلاة،و صلّت و صامت شهر رمضان،و قد روي أنّها تترك الصّلاة في كلّ شهر سبعة أيّام،و تصلّي و تصوم ما بقي (2).و قال الشّافعيّ:لا حيض لها بيقين،و جميع زمانها مشكوك فيه تغتسل لكلّ صلاة و تصوم و تصلّي (3).و هو يقارب قول الشّيخ.
لنا:ما رواه الجمهور و الخاصّة من حديث حمنة بنت جحش عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله (4)و لم يستفصلها هل هي مبتدئة أو ناسية،و لأنّها لا عادة لها و لا تمييز، فأشبهت المبتدئة.
احتجّ الشّافعي بأنّ هذه لنا أيّام معروفة فلا يمكن ردّها إلى غيرها،فجميع زمانها مشكوك فيه.و بما روته عائشة انّ أمّ حبيبة:استحيضت سبع سنين فسألت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأمر أن تغتسل لكلّ صلاة (5).
ص:307
و الجواب عن الأوّل:أنّا نسلّم انّها كانت ذات أيّام معروفة،لكنّ تلك المعروفة قد زالت فصار وجودها كالعدم.
و عن الثّاني:انّ الأمر يحتمل النّدبيّة.على انّه إنّما روي،عن الزّهريّ،و أنكره اللّيث بن سعد فقال:لم يذكر ابن شهاب انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر أمّ حبيبة أن تغتسل لكلّ صلاة و لكنّه شيء فعلته هي (1).
حيضها
،لأنّ تخصيص بعض الأزمنة هنا بها ترجيح من غير مرجّح.
و قيل:انّها تتحيّض في أوّل الشّهر لقوله عليه السّلام«تصلّي عشرين يوما»ثمَّ قال:«و تصلي سبعة و عشرين يوما» (2)و لا دلالة فيه،إذ مع اختيارها للثّلاثة الأخيرة مثلا تصلّي سبعة و عشرين يوما،و كذا لو اختارت الوسطى.
بيقين و الزّائد عن العشرة طهر بيقين،و ما بين الثّلاثة إلى العشرة هل هو طهر بيقين أو مشكوك فيه؟فيه احتمال،فعلى الأوّل لا تحتاط في الأيّام الزّائدة على العادة،و ذات التّمييز بعد وجود اللّون الضّعيف.و على الثّاني:تحتاط فلا يقربها زوجها و تصلّي و لا تقضي صلاتها،لأنّها إن كانت حائضا فلا قضاء،و إن كانت طاهرا فقد صلّت، و تصوم و تقضيه.
،و ما زاد على العشرة طهر بيقين،و ما زاد على الثّلاثة إلى السّتّة أو السّبعة هل هو حيض بيقين أو مشكوك فيه؟يحتمل الأوّل كالمعتادة في أيّام عادتها،و ذات التّمييز في لون الدّم
ص:308
القويّ.و الثّاني:يستعمل فيه الاحتياط بأن تقضي صلاة تلك الأيّام،و ما زاد على السّتّة أو السّبعة إلى العشرة هل هو طهر بيقين أو مشكوك فيه؟فيه الاحتمالان.
و كذا المبتدئة و المضطربة إذا فقدتا التّمييز،قاله علماؤنا.و الأقرب عندي انّها تقضي أحد عشر يوما.
ذات العادة الفاقدة للتّمييز،
أي:يكون دمها على لون واحد،أو يكون مختلفا و لم يستجمع شرائط التّمييز الآتية،قال أهل العلم:انّها ترجع إلى العادة،عدا مالكا (1)، فإنّه لم يعتبر العادة بل التّمييز،فإن فقد استظهرت بعد زمان عادتها بثلاثة أيّام.
لنا:ما رواه الجمهور،عن أمّ سلمة انّها كانت تهراق الدّماء على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:(لتنظر عدّة الأيّام و اللّيالي الّتي كانت تحيضهنّ قبل أن يصيبها الّذي أصابها فلتترك الصّلاة قدر ذلك من الشّهر،فإذا خلّفت ذلك فلتغتسل،ثمَّ لتستثفر بثوب،ثمَّ لتصلّ) (2).
و ما روته أمّ حبيبة انّها سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن الدّم فقال:(امكثي و احتشي قدر ما كانت تحبسك حيضتك،ثمَّ اغتسلي و صلّي) (3).
ص:309
و روى عديّ بن ثابت[1]،عن أبيه،عن جدّه،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في المستحاضة تدع الصّلاة أيّام أقرائها ثمَّ تغتسل و تصوم و تصلّي و تتوضّأ عند كلّ صلاة (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن إسحاق بن جرير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.قالت:فإنّ الدّم يستمرّ بها الشّهر و الشّهرين و الثّلاثة كيف تصنع بالصّلاة؟قال:«تجلس أيّام حيضها ثمَّ تغتسل لكلّ صلاتين» (2).
و ما رواه في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«المستحاضة تنتظر أيّامها و لا تصلّي فيها و لا يقربها بعلها فإذا جازت أيّامها و رأت الدّم يثقب الكرسف اغتسلت للظّهر و العصر» (3).
و روى في الصّحيح،عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن المستحاضة،قال:«و لا بأس أن يأتيها بعلها متى شاء إلاّ في أيّام حيضها فيعزلها زوجها» (4).
و احتجّ مالك (5)بحديث فاطمة بنت أبي حبيش،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله
ص:310
إنه ردّها إلى التّمييز (1).و قد تقدّم (2)الجواب عنه،مع انّه لا حجّة فيه على ترك العادة فيمن لا تمييز لها.
لا زيادة فيها و لا نقصان.و ذهب الشّافعيّ (3)،و أبو العبّاس (4)،و أبو إسحاق (5)من الشّافعيّة إلى انّها تثبت بمرّة واحدة،و ذهب أبو حنيفة و بعض الشّافعيّة إلى أنّها تثبت بمرّتين (6)(7)كما قلناه،و هو اختيار أحمد في إحدى الرّوايتين عنه.و روي عنه أنّها لا تثبت إلاّ بثلاث مرّات (8).و قال بعض الشّافعيّة:تثبت في المبتدئة بمرّة و لا تنتقل العادة بمرّة (9).و لو كانت عادتها عشرة،ثمَّ انّها رأت في شهر خمسة،ثمَّ استحيضت ردّت إلى العشرة لتأكّد حكم العشرة بالتّكرار،فلا يسقط حكمها إلاّ بما يساويها في القوّة.
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:(دعي الصّلاة أيّام أقرائك) (10)و لا يصدق الجمع على الواحد إجماعا.
ص:311
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن سماعة بن مهران،قال:سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض تقعد في الشّهر يومين و في الشّهر ثلاثة يختلف عليها لا يكون طمثها في الشّهر عدّة أيّام سواء؟قال:«فلها أن تجلس و تدع الصّلاة ما دامت ترى الدّم ما لم تجز العشرة،فإذا اتّفق شهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها» (1)و سماعة واقفيّ (2)،و الرّاوي عنه عثمان بن (3)عيسى،و هو واقفيّ أيضا غير انّ الأصحاب تلقّتها بالقبول.
و ما رواه الشّيخ،عن يونس،عن غير واحد سألوا أبا عبد اللّه عليه السّلام:
فقال:«انّ فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت فأتت أمّ سلمة فسألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ذلك فقال:تدع الصّلاة قدر أقرائها» (4)و قد قلنا انّ الجمع لا يصدق على الواحد.
و روى الشّيخ،عن فضيل و زرارة،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:
«المستحاضة تكفّ عن الصّلاة أيّام أقرائها» (5).
و ما رواه الشّيخ،عن مالك بن أعين[1]،قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟قال:«ينظر الأيّام الّتي كانت تحيض فيها و حيضتها مستقيمة فلا يقربها في عدّة تلك الأيّام» (6)و الاستقامة إنّما تكون بمعاودة المرّة
ص:312
الثّانية على حذو المرّة الاولى،و لأنّ العادة مأخوذة من المعاودة،و المعاودة لا تصدق بالمرّة الواحدة،و صدق المشتق يستدعي صدق المشتق منه قطعا،ضرورة توقّف صدق الكلّ على صدق الجزء.
احتجّ الشّافعيّ (1)بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال للمرأة الّتي كانت تهراق الدّماء:(لتنظر عدّة الأيّام و اللّيالي الّتي كانت تحيضهنّ قبل أن يصيبها الّذي أصابها فلتترك الصّلاة قدر ذلك من الشّهر) (2)ردّها إلى الشّهر الّذي يلي شهر الاستحاضة، و لأنّ ذلك أقرب إليها،فوجب ردّها إليه.
و الجواب:انّ الحديث حجّة لنا،لأنّه قال:(لتنظر عدّة اللّيالي و الأيّام الّتي كانت تحيضهنّ من الشّهر)و لا يقال لمن فعل شيئا مرّة واحدة كان يفعل،و لأنّه ليس بصريح في الاقتصار على المرّة،فلا يعارض ما ذكرناه.
و هو إجماع أهل العلم كافّة.
و المراد بشهر المرأة:المدّة الّتي لها فيها حيض و طهر،و أقلّه ثلاثة عشر يوما عندنا، و هذا مبنيّ على أقلّ الحيض و أكثر الطّهر.و القائلون بأنّ أكثر الطّهر خمسة عشر و أقلّ الحيض يوم،فأقصر شهرها ستّة عشر يوما.
و لو عرفت أيّام حيضها و لم تعرف أيّام طهرها أو بالعكس فليست معتادة،لكنّها متى جهلت شهرها،رددناها إلى الغالب فحيضناها في كلّ شهر حيضة.
ص:313
لنا:قوله عليه السّلام:(تدع الصّلاة أيّام أقرائها) (1)فلو رأت في شهر خمسة،ثمَّ رأت طهرا بقيّة الشّهر،ثمَّ رأت في الآخر مرّتين بعدد تلك الأيّام بينهما عشرون،و في الثّالث بالعدد بينهما أقل،استقرّت العادة.
و لأنّ الحديث دالّ على ترك الصّلاة بقدر الأقراء.
أخرى،صار ذلك عادة في الشّهر الثّاني
إذا استمرّت تحيّضت فيه بالخمستين.
و لو رأت خمسة أوّل الشّهر،ثمَّ خمسة و خمسين طهرا،ثمَّ خمسة في أوّل الثّالث،ثمَّ خمسة و خمسين طهرا استقرّت عادتها بخمسة حيضا و بخمسة و خمسين طهرا،و ذلك لأنّ العادة مأخوذة من المعاودة.
أمّا العدد فظاهر،و أمّا الوقت فلقول أبي عبد اللّه عليه السّلام:«فهذه سنّة الّتي تعرف أيّام أقرائها لا وقت لها إلاّ أيّامها،قلّت أو كثرت» (2).
فإذا رأت في الشّهرين الأوّلين خمسة أيّام دما أسود و باقيها أحمر،ثمَّ رأت في الثّالث دما مبهما،تحيّضت بالخمسة.
لنا:انّ المبتدئة ترجع إلى التّمييز لما يأتي فتتحيّض به،فإذا عاودها صار عادة، فوجب الرّجوع إليه في الثّالث،و لا نعرف فيه خلافا.
ص:314
الخمسة عادة
لتكرّرها،فإنّها موجودة في العشرة،و لو انعكست فكذلك.و يحتمل فيهما أن لا يكون لها عادة،لأنّها لم تجد فيهما أيّاما سواء.
،فالمتّفقة:أن تكون أيّامها متساوية، كأربعة في كلّ شهر،فإذا تجاوز الدّم العشرة في شهر،تحيّضت بأربعة خاصّة.و أمّا المختلفة فإمّا أن تكون مترتّبة أو لا؟فالمترتّبة كالمتّفقة،كما إذا رأت في الشّهر الأوّل ثلاثة،و في الثّاني أربعة،و في الثّالث خمسة،ثمَّ عادت إلى ثلاثة،ثمَّ إلى أربعة،ثمَّ إلى خمسة و هكذا،صار ذلك عادة،فإذا تجاوز الدّم في شهر العشرة تحيّضت بنوبة ذلك الشّهر،ثمَّ على[تاليه] (1)على العادة.و لو نسيت نوبته فالحقّ عندي أنّها تجلس أقلّ الحيض.و لو شكّت في انّه أحد الأخيرين حيّضناها بأربعة لأنّها اليقين،ثمَّ تجلس في الأخيرين ثلاثة ثلاثة لاحتمال أن يكون ما حيّضناها بالأربعة فيه،شهر الخمسة فالتّالي له ثلاثة،و يحتمل أن يكون شهر الأربعة فالتّالي[لتاليه] (2)شهر الثّلاثة،أمّا في الرّابع فتتحيّض بأربعة،ثمَّ تعود إلى الثّلاثة و هكذا إلى وقت الذّكر،و هل يجزيها غسل واحد عند انقضاء المدّة الّتي جلستها؟قيل (3):نعم،لأنّها كالنّاسية إذا جلست أقلّ الحيض،لأنّ ما زاد على اليقين مشكوك و لا وجوب مع الشّك،إذ الأصل براءة الذّمة.و الوجه عندي وجوب الغسل يوم الرّابع و الخامس معا،لأنّ يقين الحدث و هو الحيض قد حصل،و ارتفاعه بالغسل الأوّل مشكوك فيه،فتعمل باليقين مع التّعارض، و لأنّها في اليوم الخامس تعلم وجوب الغسل عليها في أحد الأيّام الثّلاثة و قد حصل الاشتباه،و صحّة الصّلاة متوقّفة على الغسل،فيجب كالنّاسي لتعيّن الصّلاة الفائتة،
ص:315
و بهذا ظهر الفرق بينها و بين النّاسية،إذ تلك لا تعلم لها حيضا زائدا على ما جلسته، و هذه عالمة،فوقف صحّة صلاة هذه على الطّهارة الثّانية بخلاف الاولى،و تتحيّض في رمضان بثلاثة و تقضي يومين.
و إن لم تكن مرتّبة،مثل أن رأت في الأوّل ثلاثة،و في الثّاني خمسة،و في الثّالث أربعة،فإن أمكن ضبطه و اعتاد هو،فهو كالمتّفق و إلاّ جلست الأقلّ.و قيل:تجلس الأكثر كالنّاسية (1).و هو خطأ،إذ هذه تعلم وجوب الصّلاة في اليوم الرّابع و الخامس، أو الرّابع في أحد الأشهر،بخلاف تلك الّتي علم حيضها يقينا،و الأصل بقاؤه،فصار كالصّلاة المنسي بعينها.
الأقلّ حيضا
،لحصوله في الشّهرين الأوّلين،و ما زاد عليه لا يكون حيضا في الرّابع لعدم تكراره،هذا عند من يشترط في العادة التّكرار ثلاثا،أمّا نحن فنثبت هذا البحث في شهرين أيضا،و إن جاء في الشّهر الرّابع ستّة صار ذلك عادة لتكرّره (2).
و إن استمرّ زائدا على العادة و هي أقلّ من عشرة،قال الشّيخ في النّهاية:تستظهر بعد العادة بترك العبادة بيوم أو يومين (3)،و به قال ابن بابويه و المفيد (4).و قال المرتضى:تستظهر عند استمرار الدّم إلى عشرة أيّام،فإن استمرّ عملت ما تعمله المستحاضة (5).و قال في الجمل:تدخل قطنة فإن خرجت ملوّثة فهي بعد حائض تصبر حتّى تنقى (6).و قال
ص:316
مالك:صاحبة العادة إذا استمرّ بها الدّم فثلاثة أيّام من الزّيادة على العادة تلحق بأيّامها استظهارا،ثمَّ ما بعده طهر (1).و خالف باقي الجمهور في الاستظهار و اقتصروا على العادة خاصّة (2).و الأقرب عندي الأوّل.
لنا:على الاستظهار قضاء العادة بزيادة الأيّام و نقصانها يوما و يومين،فنقول:
هذا دم في وقت يمكن أن يكون حيضا،و غلب على الظّنّ ذلك فوجب الاستظهار،و ما نذكره من الرّوايات الدّالّة على الأوّل.
و أمّا ما يدلّ على قدر الاستظهار،فما رواه الشّيخ،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سألته عن الطّامث تقعد بعدد أيّامها كيف تصنع؟قال:«تستظهر بيوم أو يومين ثمَّ هي مستحاضة فلتغتسل» (3)و في الطّريق ابن بكير و فيه قول (4).
و ما رواه،عن إسماعيل الجعفيّ،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:
«المستحاضة تقعد أيّام قرئها ثمَّ تحتاط بيوم أو يومين» (5).
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن ابن أبي نصر،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام،قال:سألته عن الحائض كم تستظهر؟فقال:«تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة» (6).
ص:317
و روى،عن سعيد بن يسار[1]،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تحيض،ثمَّ تطهر و ربّما رأت بعد ذلك الشّيء من الدّم الرّقيق بعد اغتسالها من طهرها؟ فقال:«تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة ثمَّ تصلّي» (1)و في طريقها عثمان بن عيسى،و هو واقفيّ (2).
و روى في الصّحيح،عن عمرو بن سعيد،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام، قال:سألته عن الطّامث كم حدّ جلوسها؟فقال:تنتظر عدّة ما كانت تحيض،ثمَّ تستظهر بثلاثة أيّام،ثمَّ هي مستحاضة» (3).
و روى،عن[داود مولى] (4)أبي المعزى،عمّن أخبره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن المرأة تحيض،ثمَّ يمضي وقت طهرها و هي ترى الدّم؟قال:
فقال:«تستظهر بيوم إن كان حيضها دون العشرة أيّام فإن استمرّ الدّم فهي مستحاضة، و إن انقطع الدّم اغتسلت و صلّت» (5).
ص:318
و روى،عن سماعة:الاستظهار بثلاثة أيّام (1)و قد مضى في الحبلى (2).
و روى،عن فضيل و زرارة،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:«المستحاضة تكفّ عن الصّلاة أيّام أقرائها و تحتاط بيوم أو يومين» (3).
و روى،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين» (4).
احتجّ السّيّد (5)المرتضى بما رواه الشّيخ،عن عبد اللّه بن المغيرة،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المرأة ترى الدّم؟قال:«إن كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة،و إن كانت أيّامها عشرة لم تستظهر» (6).
و بما رواه في الصّحيح،عن يونس بن يعقوب قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:امرأة رأت الدّم في حيضها حتّى جاوز[وقتها] (7)متى ينبغي لها أن تصلّي؟ قال:«تنتظر عدّتها الّتي كانت تجلس ثمَّ تستظهر بعشرة أيّام،فإن رأت الدّم صبيبا فلتغتسل في وقت كلّ صلاة» (8).
ص:319
و الجواب عن الأوّل:بالطّعن في السّند،فإنّ في الطّريق أحمد بن (1)هلال،و هو ضعيف.و بالتّأويل المحتمل،و هو أن يكون عادتها ثمانية أيّام أو تسعة،جمعا بين الأدلّة و هو الجواب عن الثّاني،على انّ ما ذكرناه أحوط للعبادة،فيكون أولى.
احتجّ مالك بأنّ الحيض يزداد و ينقص،فإذا كثرت الزّيادة لم يمكن جعله كلّه حيضا،لعلمنا انّه عن آفة،لكن لا بدّ من إلحاق زيادتها،و الثّلاث عدد معتبر،و هو جمع صحيح،فينبغي أن يقال:هذا أيّامها،ثمَّ يحكم بطهرها.و هذا الكلام ضعيف جدّا و لا يخفى وجهه.
لما رواه الشّيخ،عن مالك بن أعين،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«لا يقربها في عدّة تلك الأيّام من الشّهر، و يقربها فيما سوى ذلك من الأيّام» (2).
و ما رواه عن ابن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«المستحاضة إذا مضت أيّام حيضها اغتسلت و احتشت كرسفها» (3).و في رواية إسحاق بن جرير الصّحيحة:«تجلس أيّام حيضها ثمَّ تغتسل لكلّ[صلاتين] (4)(5)و يلوح من كلام
ص:320
الشّيخ في بعض كتبه (1)و السّيد المرتضى:الوجوب (2).
الأغسال و الصّلوات فيما بعد الاستظهار مجزيا
،للعلم بأنّه دم فساد،أمّا لو انقطع على العشرة قضت الصّيام الماضي،للقطع بأنّه دم حيض،ثمَّ اغتسلت للانقطاع.
الاستظهار أم لا؟الوجه:القضاء
،لأنّا علمنا بعد ذلك فساد ما رأته في زمن الاستظهار،و الاستظهار إنّما أمر به لتجويز أن يكون حيضا،فمع العلم بعدمه كان الوجه القضاء.
،و قد بيّنّاه فيما مضى (3)،و ورد بيوم،أو يومين فهل المراد التّخيير؟الوجه:لا،لعدم جواز التّخيير في الواجب بل التّفصيل،اعتمادا على اجتهاد المرأة في قوّة المزاج و ضعفه الموجبين لزيادة الحيض و قلّته.
الفاقدة للعادة ذات التّمييز كالمضطربة و المبتدئة و النّاسية
فإنّها ترجع إليه،و هو مذهب علمائنا،و به قال الشّافعيّ (1)،و أحمد (2)،و مالك (3).و قال أبو حنيفة:لا اعتبار بالتّمييز (4).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عائشة في حديث فاطمة بنت أبي حبيش قالت:يا رسول اللّه،إنّي أستحاض فلا أطهر؟فقال النّبي صلّى اللّه عليه و آله:(إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصّلاة و إذا أدبرت فاغسلي (5)عنك الدّم و صلّي) (6).و قال ابن عبّاس:أمّا ما رأت الدّم البحرانيّ فإنّها تدع الصّلاة (7).
و في حديث آخر،عن فاطمة بنت أبي حبيش:(فإذا كان دم الحيض فإنّه دم أسود يعرف فامسكي عن الصّلاة،و إذا كان الآخر فتوضّئي) (8).
ص:322
و من طريق الخاصّة:،ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حفص بن البختريّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«فإذا كان للدّم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصّلاة» (1).
و في الصّحيح،عن إسحاق بن جرير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«دم الحيض ليس فيه خفاء،هو دم حار تجد له حرقة و دم الاستحاضة دم فاسد بارد» (2).
و ما رواه يونس،عن غير واحد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث فاطمة بنت أبي حبيش،قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«فإذا جهلت الأيّام و عددها فالنّظر حينئذ إلى إقبال الدّم و إدباره و تغيّر لونه،ثمَّ تدع الصّلاة»قال:«و كذا أبي عليه السّلام أفتى في مثل هذا و ذلك انّ امرأة من أهلنا استحاضت فسألت أبي عليه السّلام عن ذلك فقال:إذا رأيت البحرانيّ فدعي الصّلاة» (3)و معنى البحرانيّ:الشّديد الحمرة و السّواد،يقال:بحرانيّ و باحريّ،و ليست الياء للنّسبة.كذا قاله ابن الأعرابيّ في نوادره (4).
احتجّ أبو حنيفة (5)بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال للمرأة الّتي استفتت لها أمّ سلمة:(لتنظر عدّة الأيّام و اللّيالي الّتي كانت تحيضهنّ قبل أن يصيبها الّذي أصابها، فلتترك الصّلاة قدر ذلك من الشّهر) (6).
ص:323
و الجواب:انّه غير محلّ النّزاع،فإنّا نقول بموجبة،إذ ذات العادة ترجع إليها،و لا اعتبار بالتّمييز،أمّا الفاقدة لها فلا يدلّ الحديث عليها.
أحدها:اختلاف اللّونين.
الثّاني:أن يكون ما هو بصفة دم الحيض يمكن أن يكون حيضا في العدّة بأن لا يتجاوز الأكثر و لا يقصر عن الأقلّ.
الثّالث:أن يتجاوز المجموع العشرة،و من يشترط التّوالي يشترط توالي ثلاثة أيّام بصفة دم الحيض فما زاد.
و به قال الشّافعي (1)و أحمد (2)،و اشترط بعضهم التّكرار مرّتين،أو ثلاثا (3)على الخلاف في العادة.
لنا:ما رواه الجمهور في حديث فاطمة(إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصّلاة) (4)علّق التّرك على الإقبال من غير اعتبار أمر آخر،ثمَّ مدّه إلى حين إدباره.
و من طريق الخاصّة:حديث حفص،و إسحاق،و يونس-و قد تقدّم الجميع- و لأنّه أمارة بمجرّده،فلم يفتقر إلى ضمّ غيره كالعادة،و لأنّ معنى التّمييز الفرق بين أحد الدّمين عن الآخر لونا،و يكفي فيه أوّل مرّة.فعلى هذا،لو رأت في شهر ثلاثة أسود و في آخر أربعة و في آخر خمسة،فما هو بالصّفة حيض و الباقي طهر.
ص:324
،لأنّه دم يصلح أن يكون حيضا في وقته فكان حيضا،أمّا لو تجاوز،فإن كان الأسود صالحا للحيض بمفرده كان حيضا سواء كان وسطا أو طرفا،تقدّم أو تأخّر عملا بالتّمييز.
و لو رأت أحمر بين أسودين و وجدت شرائط التّمييز فيهما فإن تخلّل بينهما عشرة أيّام كانا حيضتين و إلاّ فالأوّل حيض و الباقي فساد،أمّا لو لم يتجاوز المجموع العشرة فالكلّ حيض.
و لو رأت يوما دما أسود،و ثانيا أحمر،و ثالثا أسود،و رابعا أحمر،و خامسا أسود و تجاوز،فعندنا لا حيض بالتّمييز،و عند القائلين (1)بالتّلفيق يمكن أن تكون المرأة حائضا هنا.
و لو رأت أحمر و أصفر كان الأحمر حيضا،لأنّه أشبه بالحيض من الأصفر،أمّا لو رأت معه سوادا كان السّواد هو الحيض،لأنّ الأحمر معه طهر.
،فإن رأت بعد ذلك أسود تركت الصّلاة أيضا إلى أن يمضي عشرة أسود،فإن انقطع كان حيضا و قضت ما تركته أوّلا.و لو تجاوز لم يحصل التّمييز.و يمكن أن يقال:انّها تحتاط للعبادة بعد العشرة الاولى،و أمّا عدم التّمييز فصحيح.
قال الشّيخ:يحكم في أوّل يوم ترى ما هو بصفة الحيض إلى تمام العشرة بأنّه حيض،
و ما بعده استحاضة،فإن استمرّ على هيئته،جعلت بين الحيضة الأولى و الثّانية عشرة طهرا و ما بعد ذلك من الحيضة الثّانية،ثمَّ على هذا التّقدير (1).و الأقرب عندي الرّجوع إلى الرّوايات.قال:و لو رأت ما هو بصفة الاستحاضة ثلاثة عشر يوما،ثمَّ رأت الأسود و استمرّ،كان ثلاثة أيّام من أوّل الدّم حيضا،و العشرة طهرا،و ما رأته بعد ذلك من الحيضة الثّانية (2).
كان ما هو بصفة دم الحيض حيضا
،إذ هو في وقته مع إمكانه،و قد حصل التّمييز، فكان حيضا.
أسود،ثمَّ استمرّ أحمر،و في الثّاني كذلك،و في الثّالث كلّه أحمر،و في الرّابع كالأوّل،و في الخامس خمسة أحمر،ثمَّ صار أسود و اتّصل، فحيضها الأسود من الأوّل،و الثّاني،و الرّابع،أمّا الثّالث،و الخامس فلا تمييز لها فيهما،فإن اعتبرنا المرّتين في العادة-و هو مذهبنا-عملت فيهما كما عملت في الأوّلين،و إن اعتبرنا الثّلاث-كما هو رأي بعض (3)الجمهور-فكذلك،لأنّها قد رأت ذلك في ثلاثة أشهر.و قيل:لا تثبت لها عادة (4).و ليس بجيّد.
كان الدّمان و ما بينهما حيضا
،لما رواه الشّيخ،عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه
ص:326
عليه السّلام،قال:«أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام،و إذا رأت الدّم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاولى،و إذا رأته بعد عشرة فهو من حيضة أخرى مستقبلة» (1)و في طريقها ضعف،و رواه الشّيخ في الحسن،عن محمّد بن مسلم (2)أيضا.و إذا كان من الحيضة الأولى كان الخالي من الدّم حيضا،لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«لا يكون القرء في أقلّ من عشرة فما زاد» (3).
و روى عن يونس،عن بعض رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«أقلّ ما يكون الطّهر عشرة أيّام»ثمَّ قال:«فإن حاضت المرأة خمسة أيّام،ثمَّ انقطع الدّم، اغتسلت و صلّت،فإن رأت بعد ذلك الدّم و لم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام فذلك من الحيض،تدع الصّلاة»[1].
و كذا البحث لو تكرّر الانقطاع و لم يتجاوز العشرة،أمّا لو لم تر إلاّ بعد العاشر فهو استحاضة،إلاّ أن يكون ما بينهما عشرة أيّام،فيمكن أن يكون من الحيضة المستقبلة.
قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:المرأة ترى الدّم ثلاثة أيّام أو أربعة؟قال:«تدع الصّلاة»قلت:
ص:327
فإنّها ترى الطّهر ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام؟قال:«تصلّي»قلت:فإنّها ترى الدّم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام؟قال:«تدع الصّلاة،تصنع ذلك ما بينهما و بين شهر،فإن انقطع عنها و إلاّ فهي بمنزلة المستحاضة» (1).
و روى في الصّحيح،عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة ترى الدّم خمسة أيّام و الطّهر خمسة أيّام و ترى الدّم أربعة أيّام و الطّهر ستّة أيّام؟ فقال:«إن رأت الدّم لم تصلّ،و إن رأت الطّهر صلّت ما بينهما و بين ثلاثين يوما، فإذا تمّت ثلاثون يوما فرأت دما صبيبا اغتسلت و استثفرت و احتشت بالكرسف في وقت كلّ صلاة،فإذا رأت صفرة توضّأت» (2).
قال في الاستبصار:نحمل هاتين الرّوايتين على من اختلطت عادتها و أيّام أقرائها،أو مستحاضة استمرّ بها الدّم و اشتبهت عليها العادة،ثمَّ رأت ما يشبه دم الحيض ثلاثة أو أربعة،و ما يشبه دم الاستحاضة ثلاثة أو أربعة هكذا،ففرضها أن تجعل ما يشبه دم الحيض حيضا و الآخر طهرا،صفرة كان أو نقاء ليستبين حاله (3).
و عندي في ذلك توقّف.
ص:328
و انتقال العدد:
أن ترى زيادة على أيّام عادتها المستقرّة،كما لو كانت عادتها ثلاثة أيّام في كلّ شهر، فرأت في شهر زائدا على ذلك،فإن لم يتجاوز فهو حيض بأجمعه،و إن تجاوز الأكثر تحيّضت بالعادة،و الحكمان ظاهران،فإذا لم يتجاوز،بأن رأته خمسة مثلا،هل انتقلت عادتها بذلك أم لا؟فالحقّ عندي:انّها لم تنتقل بذلك إلاّ مع التّكرار مرّة أخرى.و به قال أبو حنيفة (1)و محمّد (2).و قال أبو يوسف:انّها تنتقل عن العادة بالمرّة الواحدة (3).
لنا:انّ العادة مشتقّة من العود،فما لم يعد لا يكون عادة.و تحقيقه:انّ العادة المتقدّمة دليل على أيّامها الّتي اعتادت،فلا يبطل حكم هذا الدّليل إلاّ بدليل مثله، و هي العادة بخلافه.
احتجّ أبو يوسف بأنّ عادة الطّهر الأصليّ-كما في المبتدئة-ينتقل برؤية الدّم ابتداء،فكذا غيرها (4).
و الجواب من وجهين:
الأوّل:المنع من ثبوت الحكم في الأصل،إذ هو بناء على الاكتفاء بمرّة واحدة في العادة-و قد بيّنّا بطلانه-و هذا إنّما يلزم من يقول:تكتفي بالمرّة،كأبي حنيفة[1]، و الشّافعيّ (5)،و محمّد.
ص:329
الثّاني:الفرق،فإنّه معارض في حقّ المبتدئة،فعلى هذا لو كانت عادتها ثلاثة، فرأت خمسة في شهر و انقطع فهو حيض إجماعا،فلو استمرّ في الرّابع جعلت عادتها الثّلاثة لا غير عندنا و عند أبي حنيفة و محمّد،و عند أبي يوسف:تتحيّض خمسة.أمّا لو رأته في الشّهر الرّابع خمسة كالثّالث و استمرّ في الخامس،كان حيضها خمسة لتحقّق العادة الثّانية،و هو اتّفاق.
إن لم يتجاوز،و إلاّ فالعادة، و كذا لو رأته فيها و قبلها و بعدها.
و أمّا انتقال المكان،فتارة يكون بالتّقدّم و اخرى بالتّأخّر،فلو كانت عادتها خمسة في أوّل الشّهر فلم تر فيها و رأت في الخمسة الثّانية،تحيّضت بها.و هو قول محمّد،و أبي يوسف،و إحدى الرّوايتين عن أبي حنيفة (1).لأنّه دم حيض في وقت يمكن أن يكون حيضا،فكان حيضا،و لأنّا لو اعتبرنا التّكرار-كما قال أبو حنيفة-لأدّى إلى خلوّ جماعة من الحيض بالكلّيّة مع رؤية ما يصلح أن يكون حيضا في زمنه (2)،لأنّ المرأة إذا رأت في غير عادتها،و طهرت أيّام عادتها،لم تمسك عن الصّلاة شهرين،فإذا انتقلت في الثّالث إلى أيّام أخر لم نحيّضها أيضا شهرين،و هكذا.
و أيضا:فإنّ بعض أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كانت معه في الخميلة[1] فجاءها الدّم فانسلّت من الخميلة فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:(ما لك، أ نفست؟)قالت:نعم،فأمرها أن تأتزر (3).و لم يسألها هل وافق العادة أم جاء قبلها
ص:330
أو بعدها.
و لأنّ عائشة حاضت في حجّة الوداع فعملت برؤية الدّم و لم تذكر عادة و لا ذكر لها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله (1)،و الظّاهر انّه لم يأت في العادة،لأنّها استنكرته.و قالت:
وددت أنّي لم أكن حججت،و بكت،و لو علمت انّ لها عادة تجيء فيها لما استنكرته.
و كذا لو رأت آخر الخمسة يوما و يومين فيها فالجميع حيض.و به قال أبو يوسف، و محمّد (2)،و في رواية عن أبي حنيفة (3)كما قلناه و كذا لو رأت في عادتها ما لا يمكن أن يكون حيضا،كيوم و أربعة بعدها،فالخمسة حيض و الخلاف كالخلاف،فعلى هذا لو انتقل المكان في شهر،ثمَّ استمرّ في الثّاني عملت على عادتها القديمة،خلافا لأبي يوسف (4).و لو رأتها مرّتين،ثمَّ استمرّ في الثّالث ردّت إلى ما رأته مرّتين،عندنا،و عند الثّلاثة.
أمّا في صورة التّقديم،فإذا رأت قبل عادتها الخمسة يوما أو يومين و خمستها،أو رأت يوما،أو يومين قبل العادة و هو ثلاثة أيّام من خمستها،فالجميع حيض اتّفاقا.و لو رأت عادتها متقدّمة،أو أربعة أيّام منها،أو ثلاثة،و لم تر في عادتها شيئا،كان ما رأته حيضا،لأنّه في زمان يمكن أن يكون حيضا بصفة الحيض،فكان حيضا.و هو اختيار محمّد،و أبي يوسف (5)،خلافا لأبي حنيفة (6).
و كذا الخلاف لو رأت قبل العادة ثلاثة،و يوما في العادة،أو يومين،أو رأت قبل العادة يوما،أو يومين و في العادة يوما،أو يومين.أما لو رأت قبل العادة ما يمكن أن
ص:331
يكون حيضا،و فيها ما يمكن أن يكون حيضا و لم يتجاوز الأكثر،فعندنا انّه حيض بأسره.و هو اختيار الشّافعيّ (1)،و أحمد (2)،و رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة.و في رواية محمّد عنه انّه يكون الحيض ما رأته في العادة (3)،و ما قبله موقوف حتّى ترى في الشّهر الثّاني مثله.
إمّا أن تذكر العدد و تنسى الوقت،أو بالعكس،أو تنساهما معا و هي المتحيّرة،و قد مضى حكمها.
و أمّا حكم النّاسية للعدد خاصّة،كمن تعلم انّها تحيض في أوّل الوقت و لا تعلم عدده،فإن ذكرت أوّل الوقت،أكملته ثلاثة،لأنّه المتيقّن،و الزّائد مشكوك،و إن ذكرت آخره،جعلته نهاية الثّلاثة.و لو قيل:انّها تتحيّض كالمتحيّرة كان وجها.أمّا لو قالت:كنت أعلم أني أحيض في العشر الأوّل،و لا أعلم الوقت و لا العدد،تحيّضت في أوّل العشر بالثّلاثة.و قيل:تجتهد في تعيين الثّلاثة من العشرة (4).
و أمّا النّاسية للوقت دون العدد،فإمّا أن لا تعلم وقتا أصلا،و إمّا أن تعلم، فالأوّل مثل أن تعلم حيضها خمسة أيّام من الشّهر،قال الشّيخ:تعمل ما تعمله المستحاضة خمسة أيّام،ثمَّ تغتسل للانقطاع عند كلّ صلاة إلى آخر الدّم،إلاّ أن تعرف وقتا لانقطاعه،فتغتسل عند تجدّده دائما (5).
و لو قالت:كنت أحيض في الشّهر عشرة أيّام و لا أعلم موضعها،فعلت في العشر الأوّل ما تفعله المستحاضة،ثمَّ اغتسلت عند وقت كلّ صلاة للانقطاع إلى آخر الشّهر.
و الثّاني:أن تعلم انّ لها وقتا،مثل:أن تعلم انّها كانت تحيض أيّاما معلومة من
ص:332
العشر الأوّل،و هي على قسمين:إمّا أن يتجاوز عدد أيّامها نصف وقتها المعلوم،أو لا يتجاوز بل يقصر،أو يساوي.ففي الأوّل:تجعل الزّائد و ضعفه حيضا بيقين.مثاله:إذا قالت:كان حيضي ستّة أيّام في العشر الأوّل،كان لها يومان حيضا بيقين،هما:
الخامس و السّادس،و تغتسل في آخر العاشر للانقطاع،و عملت في الأربعة الاولى و الأخيرة ما تعمله المستحاضة.و لو قالت:سبعة دخل الرّابع و السّابع في الحيض بيقين، و هكذا.
و أمّا في الثّاني:فإنّ حكمها حكم غير العالم فيما وقع فيه الشّكّ،مثاله:أن تقول:انّ حيضي خمسة في العشرة الاولى و لا أعلم موضعها،فإنّها تعمل في العشرة ما تعمله المستحاضة،و تغتسل بعد الخمسة عند كلّ صلاة،لاحتمال الانقطاع.
و كذا لو قالت:إنّ حيضي أربعة فيها،فإنّها تفعل ما تفعله المستحاضة في العشرة، ثمَّ تغتسل بعد الأربعة عند كلّ صلاة.
و لو قالت:إنّ حيضي إحدى العشرات و لا أعلم بعينها،عملت في العشرة الأولى ما تعمله المستحاضة،ثمَّ اغتسلت عند انتهائها للانقطاع،و كذا تغتسل في آخر العشرة الثّانية و آخر الثّالثة،و بينها و بين المسألة الثّانية من قسم غير العالمة بالوقت فرق فيما زاد على العشرة الأولى،فإنّ تلك تغتسل بعد العشرة الأولى عند كلّ صلاة لاحتمال الانقطاع،لاحتمال أن يكون أوّل حيضها اليوم الثّاني أو الثّالث،و هكذا إلى الحادي و العشرين.و أمّا هذه فإنّ أوّل حيضها إمّا اليوم الأوّل،أو الحادي عشر،أو الحادي و العشرين.أمّا العشر الأول:فإنّهما تتساويان فيه فتعملان عمل المستحاضة فيه.
و لو قالت:حيضي عشرة و أعلم الطّهر في العشر الثّالث،عملت ما تعمله المستحاضة في العشرين الأوّلين،ثمَّ تغتسل بعد مضيّ الأوّل عند كلّ صلاة للانقطاع، أمّا لو قالت:أحد العشرين،اغتسلت غسلين،و بمثله لو تيّقنت الطّهر في العشر الأول.
و لو تيقّنت ذات الخمسة من العشر الأول طهر أوّل يوم،حصل لها تيقّن حيض السّادس،و حاصله الرّجوع إلى تجاوز النّصف.
ص:333
و لو تيقّنت طهر الخامس،فالحيض الخمسة الثّانية بيقين،و الأولى لو تيقّنت طهر السّادس.
و لو تيقّنت طهر الثّاني و حيض الخامس،فالأوّلان و العاشر طهر قطعا، و الخامس،و السّادس،و السّابع حيض قطعا،فتعمل ما تعمله المستحاضة إلاّ في هذه، ثمَّ تغتسل في آخر السّابع عند كلّ صلاة إلى آخر التّاسع للانقطاع.
و لو تيقّنت ذات العشرة طهر السّادس،تضاف إليه في تيقّن الطّهر الخمسة الاولى،ثمَّ فعلت في اليوم السّابع إلى آخر الشّهر ما تعمله المستحاضة،ثمَّ اغتسلت آخر السّادس عشر للانقطاع عند كلّ صلاة إلى آخر الشّهر.
و لو تيقّنت طهر العاشر فمن أوّل الشّهر إليه طهر متيقّن،ثمَّ تعمل في الباقي ما تعمله المستحاضة إلى انقضاء العدد،ثمَّ تغتسل عند كلّ صلاة إلى آخر الشّهر للانقطاع.
و لو تيقّنت طهر الحادي عشر اختصّ به،و وقع الشّك في العشرة الاولى و ما بعده، فتغتسل في آخر العشرة الأولى للانقطاع،و في آخر الحادي و العشرين إلى آخر الشّهر.
و لو تيقّنت ذات الخمسة طهر الخمسة الأخيرة اختصّ التّيقّن بها،و عملت في الخمسة الأولى ما تعمله المستحاضة،ثمَّ تغتسل عند كلّ صلاة إلى آخر الخامس و العشرين.
و لو تيقّنت ذات العشرة حيض العاشر اختصّ به،لاحتمال أن يكون ابتداء و انتهاء،و اغتسلت في آخره للانقطاع،و في آخر التّاسع عشر،و حصل لها تيقّن طهر أحد عشر آخر الشّهر.
و لو تيقّنت ذات الخمسة حيض الثّاني عشر فمن أوّل الشّهر إلى آخر السّابع طهر متيقّن،و من أوّل السّابع عشر إلى آخر الشّهر كذلك،فتغتسل في آخر الثّاني عشر للانقطاع عند كلّ صلاة إلى آخر السّادس عشر،و تعمل ما تعمله المستحاضة في هذه الأيّام إلاّ الثّاني عشر.
و لو تيقّنت ذات العشرة حيض الثّاني عشر،فاليومان الأوّلان و التّسعة الأخيرة
ص:334
طهر بيقين،فتعمل ما تعمله المستحاضة فيما بينهما إلاّ الثّاني عشر،ثمَّ تغتسل في آخره مستمرّا عند كلّ صلاة إلى آخر الحادي و العشرين.
و لو تيقّنت ذات الخمسة تعاقب الطّهر و الحيض في يومي السّادس و السّادس و العشرين،و جهلت تعيين أحد اليومين لإحدى الصّفتين،فاليوم الأوّل من أوّل العشر الثّاني إلى آخر الحادي و العشرين طهر قطعا،ثمَّ تغتسل في آخر السّادس إلى آخر العاشر،و من آخر السّادس و العشرين إلى آخر الشّهر عند كلّ صلاة للانقطاع،إلاّ أن تعلم انّ الانقطاع في وقت صلاة معيّنة،فتغتسل عندها دائما.
قال الشّيخ:و لا توطأ هذه المرأة في كلّ،و لا تطلّق فيما يقع الشّكّ فيه،و تقضي صوم العدّة الّتي تعلمها بعد الزّمان الّذي تفرض عادتها في جملته (1).
و لو قيل:في هذه المواضع تعيّن ما تجعله حيضا ممّا وقع الشّكّ فيه اختيارا أو اجتهادا على ما سلف من القولين أمكن،فعلى هذا القول،لو ذكرت عادتها بعد جلوسها في غيره رجعت،لأنّ ترك العادة حصل لعارض و هو النّسيان،و مع الذّكر زال العارض فترجع إلى الأصل،فلو ظهر لها انّها تركت الصّلاة في غير عادتها،فالوجه قضاؤها و قضاء ما صامته من الفرض في عادتها.
و لو قالت:لي في كلّ شهر حيضتان،كلّ واحدة ثمانية،فمن الأوّل إلى آخر الرّابع طهر مشكوك فيه،و كذا من التّاسع إلى آخر الثّاني عشر،و من التّاسع عشر إلى آخر الثّاني و العشرين،و من السّابع و العشرين إلى آخر الشّهر،و لها حيضتان بيقين من أوّل الخامس إلى آخر الثّامن،و من الثّالث و العشرين إلى آخر السّادس و العشرين،و لها طهر بيقين من أوّل الثّالث عشر إلى آخر الثّامن عشر.
ص:335
إذا تيقّنت ذات العشرة مزج إحدى العشرات بالأخرى بيوم،فاليوم الأوّل و الآخر طهر قطعا،فتعمل في الباقي ما تعمله المستحاضة،ثمَّ تغتسل في آخر الحادي عشر،و التّاسع عشر،و الحادي و العشرين،و التّاسع و العشرين للانقطاع،لتيقّن عدد أيّامها و هي العشرة غير نصف الزّمان،و هو ما بين الأوّل و الآخر،و يجب عليها قضاء صوم عشرة أيّام خاصّة،خلافا للشّافعيّ (1).
و لو مزجت بيومين فاليومان الأوّلان و الأخيران طهر قطعا،و تعمل في الباقي ما تعمله المستحاضة،ثمَّ تغتسل آخر الثّاني عشر،و الثّامن عشر،و الثّاني و العشرين، و الثّامن و العشرين للانقطاع.
و لو مزجت ذات الخمسة إحدى العشرات بالأخرى بيوم،فالستّة الأولى طهر قطعا و كذا الأواخر،و الخامس عشر،و السّادس عشر طهر قطعا،و تعمل فيما عداها كالمستحاضة،و تغتسل آخر الحادي عشر،و الرّابع عشر،و الحادي و العشرين،و الرّابع و العشرين للانقطاع.
و لو مزجت بيومين فالثّمانية الاولى و الأواخر طهر قطعا،و الرّابع عشر،و الخامس عشر،و السّادس عشر،و السّابع عشر كذلك،ثمَّ تفعل في الباقي ما تعمله المستحاضة، و تغتسل في آخر الثّاني عشر،و الثّالث عشر،و الثّاني و العشرين،و الثّالث و العشرين للانقطاع.
و لو تيقّنت ذات العشرة مزج أحد النّصفين بصاحبه بيوم،فالسّتّة الاولى من الشّهر،و الأخرى طهر قطعا،و الخامس عشر،و السّادس عشر حيض قطعا،لزيادة عدد أيّامها و هي عشرة على نصف الزّمان المشكوك فيه،و هو ما بين السّادس،و الخامس،
ص:336
و العشرين بيوم،تعمل ما تعمله المستحاضة فيما عدا اليومين،ثمَّ تغتسل آخر السّادس عشر،و الرّابع و العشرين للانقطاع.قال الشّيخ:تعمل ما تعمله المستحاضة من يوم الخامس عشر إلى آخر الرّابع و العشرين (1).و ليس بجيّد.
و لو مزجت إحداهما بالآخر بيومين،فالثّمانية الاولى و الأواخر طهر قطعا،و الرّابع عشر،و الخامس عشر،و السّادس عشر،و السّابع عشر حيض قطعا،و الباقي مشكوك فيه.
و لو مزجت ذات تسعة أيّام و نصف إحدى العشرات بالأخرى بيوم و الكسر في الأوّل،فالتّسعة الأخيرة من الشّهر طهر قطعا،و كذا اليوم الأوّل و نصف الثّاني و نصف الثّاني عشر،و تعمل في الباقي ما تعمله المستحاضة،ثمَّ تغتسل آخر الحادي عشر،و آخر الحادي و العشرين للانقطاع.
و لو قالت:الكسر في العشر الثّاني،فالتّسعة الأولى (2)طهر قطعا،و كذا النّصف الأخير من التّاسع و العشرين،و اليوم الآخر و الباقي مشكوك فيه،تعمل ما تعمله المستحاضة و تغتسل آخر النّصف الأوّل من التّاسع عشر و آخر النّصف الأوّل من التّاسع و العشرين.
و لو مزجت هذه أحد النّصفين بالآخر و الكسر في الأوّل،فستّة أيّام و نصف من أوّل الشّهر طهر بيقين،و من النّصف الثّاني من السّابع إلى آخر السّادس عشر حيض قطعا،و الباقي طهر قطعا،و ينعكس (3)لو قالت:الكسر في آخره.
و لو قالت ذات تسعة و نصف:انّ المزج بيوم كامل و الكسر من العشرين معا،فهو خطأ،لأنّه إذا كان الكسر في العشرين لا يختلط بيوم كامل.
ص:337
و هو ضمّ الدّم إلى الدّم الّذي يتخلّل بينهما نقاء.
و اعلم انّ الأصل عندنا،انّ الطّهر لا يكون أقلّ من عشرة،فعلى هذا لو رأت بين ثلاثة أيّام الحيض و العاشر نقاء،ثمَّ رأت العاشر دما،كان الكلّ حيضا،و قد تقدّم الدّليل على ذلك (1).فإذا انقطع الدّم بعد الثّلاثة و أدخلت القطنة و خرجت نقيّة، صلّت و صامت إجماعا،لرواية عائشة:لا تعجلن حتّى ترين القصّة البيضاء (2).
بضمّ القاف-و المراد به:القطنة الّتي تحشى في القبل.و قيل:انّه شيء يتبع الحيض أبيض (3).فإن عاودها الدّم في العشرة و انقطع،قضت ما فعلته من الصّيام،للعلم بوقوعه حال الحيض،فإنّ النّقاء المتخلّل ليس له حكم الطّهر.و به قال أبو حنيفة (4)، و هو أحد قولي الشّافعيّ (5).لأنّ الدّم من شأنه أن ينقطع تارة و يسيل اخرى.و القول الآخر للشّافعيّ:انّ النّقاء طهر كما انّ الدّم حيض (6).و سواء عبر العادة أو لم يعبر إذا لم يتجاوز العشرة،فإنّه متى تجاوز العشرة كان استحاضة إجماعا.
ص:338
و إنّما الخلاف في أمرين:أحدهما إذا عاد في العادة فمذهبنا ما قلناه،و به قال الثّوري،و أصحاب الرّأي (1)،و الشّافعيّ (2)،لأنّه صادف زمن العادة فأشبه ما لو لم ينقطع.و قال عطاء،و أحمد:ليس بحيض،لأنّه عاد بعد طهر صحيح (3)(4).و نحن لمّا كان الأصل عندنا انّ الطّهر عشرة أيّام سقط هذا الكلام،فلو جاوز أكثر الحيض بعد المعاودة فعندنا تتحيّض بالعادة،خلافا لبعض الجمهور (5).
لنا:انّ المقتضي للرّدّ إلى العادة موجود،و هو سيلان الدّم،و المعارض و هو تخلّل النّقاء لا يصلح للمانعيّة،لما بيّنّا (6)انّ أقلّ الطّهر عشرة.
الثّاني:لو انقطع لأكثره فما دون بعد أن تجاوز العادة،فمن قال:انّ المعاود في العادة ليس بحيض،فهذا أولى عنده أن لا يكون حيضا،و من قال:انّه يكون حيضا،ففيه على قوله ثلاثة أوجه:
أحدها:انّ الجميع حيض بناء على انّ الزّائد على العادة حيض ما لم يتجاوز الأكثر،و هو مذهبنا.
الثّاني:انّ ما وافق العادة حيض،و ما زاد عليها فليس بحيض،لخروجه عنها.
الثّالث:انّ الجميع ليس بحيض،لاختلاطه بما ليس بحيض (7).
و لو رأت أقلّ من ثلاثة أيّام ثمَّ رأت النّقاء كذلك ثمَّ الدّم و انقطع لما دون
ص:339
العشرة كان طهرا عند أكثر الأصحاب (1)،و عند بعضهم يضمّ الثّاني إلى الأوّل،فإن بلغ ثلاثة فالجميع حيض (2).و كذا لو تناوب الدّم و النّقاء في السّاعات.
و إن كانت عادتها عشرة فرأتها متفرّقة و تجاوز،تحيّضت بعادتها و احتسب النّقاء من الحيض عند القائلين بالتّلفيق مطلقا (3)،و عندنا يشترط أن يتقدّمه حيض صحيح.
و لو رأت يوما دما و ثمانية طهرا،و رأت يوم العاشر دما،لم يكن حيضا عند علمائنا أجمع،إذ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام،و هو قول كلّ من اشترط هذا العدد في القلّة (4)إلاّ أبا يوسف،فإنّه بناه على أصل له هو انّ الطّهر المتخلّل بين الدّمين إذا انتقص عن أقلّه لم يفصل بينهما،و كانا كالدّم المتّصل،ثمَّ ينظر إن كان ذلك كلّه لا يزيد على العشرة،فذلك حيض كلّه ما رأت فيه الدّم و ما لم تر،سواء كانت مبتدئة أو ذات عادة،و إن زاد،فالعشرة حيض إن كانت مبتدئة ما رأت فيه الدّم و ما لم تر،و ما عداه طهر أو دم استحاضة (5).و كذا عنده لو رأت ساعة دما،ثمَّ عشرة أيّام إلاّ ساعتين طهرا،ثمَّ ساعة دما فالعشرة حيض (6).
ص:340
و لو رأت ثلاثة أيّام دما و ستّة طهرا،ثمَّ يوما دما،فالجميع عندنا حيض.و هو قول أبي يوسف،و زفر (1).و قال محمّد:انّ الثّلاثة الأولى حيض و الأخرى استحاضة، و بناه على أصل له،و هو انّ الطّهر إذا تخلّل بين الدّمين إن كان الطّهر أقلّ من ثلاثة أيّام لم يفصل بحال،و إن كان ثلاثة أيّام فإن كان أقلّ من الدّمين معا لم يفصل،لأنّه صار مغلوبا،و كذا إن ساواهما،تغليبا للمحرّم على المبيح،و إن زاد عليهما فصل،ثمَّ يجعل الممكن من الدّمين حيضا،فإن أمكنا فأسبقهما هو الحيض (2).فعلى أصله لو رأت يومين دما و سبعة طهرا و يوما دما،فلا حيض لها،لأنّ الطّهر أكثر من ثلاثة و هو أكثر من الدّمين،ففصل،و ليس في أحد الطّرفين ما يمكن جعله حيضا،فكانا استحاضة.و لو رأت أربعة دما و خمسة طهرا،ثمَّ يوما دما فالعشرة حيض،لأنّ الطّهر ساوى الدّمين، فلم يفصل.و لو رأت يوما دما و يومين طهرا و يوما دما،فالأربعة حيض عنده (3)،لأنّ الطّهر أقلّ من ثلاثة أيّام.و لو رأت ثلاثة دما و ستّة طهرا و ثلاثة دما،فعندنا ترجع إلى العادة،و إن كانت مبتدئة تحيّضت بالرّوايات.و عند أبي يوسف،و أبي حنيفة،و زفر تجلس عشرة (4).و قال محمّد:الطّهر يوجب الفصل (5)،فالثّلاثة الأولى حيض و الباقي استحاضة،لأنّ الطّهر أكثر من الدّمين الّذين رأتهما في العشرة،لأنّ مجموعهما أربعة أيّام و الطّهر ستّة،فأوجب الفصل.
و لو كانت عادتها عشرة في أوّل الشّهر فرأت قبل عادتها يوما دما و طهرت عادتها أجمع،ثمَّ رأت بعدها يوما دما و انقطع،فلا حيض لها عندنا.و هو قول محمّد (6)،خلافا
ص:341
لأبي يوسف فإنّه جعل العشرة حيضا (1).
لنا:انّ هذين الدّمين ليسا بحيض،فلا يجوز جعل الطّهر بما ليس بحيض حيضا.
قال أبو يوسف:انّ هذا طهر فاسد،فكان دما حكما،كالدّم الفاسد طهر حكما (2)، و بناه على أصل له،هو أن يبتدئ الحيض بالطّهر و يختم به،بشرط أن يكون قبل ابتدائه و بعد انتهائه دم و لو ساعة،و يجعل الطّهر حيضا بإحاطة الدّمين.
و لو رأت قبل عشرتها يوما و رأت يوما طهرا في أوّل عشرتها،ثمَّ رأت ثمانية أيّام دما من عشرتها و رأت العاشر طهرا،ثمَّ الحادي عشر دما،فعشرتها حيض في قول أبي يوسف،و إن حصل ختمها و ابتداؤها بالطّهر،لأنّ قبلها و بعدها دم.و عند محمّد يكون حيضها ثمانية أيّام (3)،و هو الوجه عندي.
و لو لم تر الدّم في اليوم الّذي قبل عشرتها،فعند أبي يوسف حيضها تسعة أيّام (4)،لأنّه لا يبتدئ الحيض بالطّهر،لأنّه ليس قبله دم و يختم به لوجود الدّم بعدها، و كذا لو لم تر الدّم المتأخّر و رأت المتقدّم،كان حيضها تسعة أيّام الّتي رأت في عادتها، و اليوم الّذي رأت قبل أيّامها حيض تبعا لأيّامها،فكان المجموع عشرة،و اليوم العاشر الّذي رأت فيه الطّهر ليس بحيض،لأنّه لا يختم الحيض بالطّهر إذا لم يكن بعده دم، و عند محمّد:الحيض ثمانية أيّام (5)،و لو لم تر قبلها و لا بعدها فالحيض ثمانية عندهما معا.
ص:342
،و كذا كلّ قدر من الطّهر،لكنّ جميع الدّماء حيض واحد يفرّق،و جميع النّقاء طهر كامل واحد حتّى انّ العدّة لا تنقضي بعود الدّم ثلاث مرّات،و لو كان كلّ قدر من النّقاء طهرا كاملا خرجت العدّة بعد ثلاثة.
،لأنّه إن لم يعد لم يكن له حكم الحيض،و إن عاد تبيّن انّ الزّمان زمان الحيض،و ليس للغسل في وقت (1)الحيض حكم إن قلنا انّ أيّام النّقاء حيض،بل نأمرها بالوضوء و الصّلاة.
التّوالي،
و من يعتبر التّمييز يلفّق أيّام الدّماء السّود.
و هو مذهب عامّة أهل الإسلام.
روى البخاري بإسناده قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:(أ ليست أحدا كنّ إذا حاضت لا تصوم و لا تصلّي) (2).
و قالت حمنة للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إنّي أستحاض حيضة شديدة منكرة قد
ص:343
منعتني الصّلاة و الصّوم (1).
و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،لفاطمة بنت أبي حبيش:(إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصّلاة) (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حفص بن البختريّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إذا كان للدّم حرارة و دفع و سواد،فلتدع الصّلاة» (3).
و روى،عن زياد بن سوقة[1]،و عن أبي جعفر عليه السّلام«تقعد عن الصّلاة أيّام الحيضة» (4).
و عن عيص بن القاسم البجليّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن امرأة طمثت في رمضان قبل أن تغيب الشّمس؟قال:«تفطر» (5).
و عن عليّ بن عقبة[2]،عن أبيه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في امرأة حاضت في
ص:344
رمضان حتّى إذا ارتفع النّهار بان الطّهر؟قال:«تفطر ذلك اليوم كلّه،تأكل و تشرب، ثمَّ تقضيه»و عن امرأة أصبحت في رمضان طاهرا حتّى إذا ارتفع النّهار رأت الدّم؟ قال:«تفطر ذلك اليوم كلّه» (1).
و عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام في المرأة تطهر في أوّل النّهار في رمضان،أ تفطر أو تصوم؟قال:«تفطر»و في المرأة ترى الدّم في أوّل النّهار في شهر رمضان،أ تفطر أو تصوم؟قال:«تفطر،إنّما فطرها من الدّم» (2).قوله عليه السّلام:
«إنّما فطرها من الدّم»،قاض بالإفطار حالة الأكل و الشّرب و عدمهما.
و في رواية يونس،عن بعض رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام«فإن رأت بعد ذلك الدّم و لم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام فذلك من الحيض تدع الصّلاة» (3).
و روى في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«إذا كانت المرأة طامثا،فلا تحلّ لها الصّلاة» (4).
و في رواية سماعة قال:«و تدع الصّلاة ما دامت ترى الدّم ما لم يجز العشرة» (5).
ص:345
لعدم اشتراط الطّهارة لا فيهما.و عند الشّافعيّ:الطّهارة شرط،فلهذا حكم بتحريمهما (1).
،لاشتراطهما بالطّهارة.
و كذا الصّوم الواجب و النّدب.
و هو قول بعض الشّافعيّة (2).و قال بعضهم:انّها مخاطبة به (3).
لنا:أنّها ممنوعة من الصّوم،فلا يصحّ أمرها به،و إلاّ لزم التّكليف بالنّقيضين.
احتجّوا بأنّ وجوب القضاء يستلزم وجوب الأداء (4).
و الجواب:المنع من الاستلزام.نعم،يستلزم قيام سبب الوجوب،أمّا نفس الوجوب فلا،أو نقول:القضاء بأمر متجدّد (5).
و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم،لأنّ العادة كالمتيقّن.و روى الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:(دعي الصّلاة أيّام أقرائك)و هو لا يتحقق إلاّ بالتّرك في أوّل الأيّام.
ص:346
و من طريق الخاصّة:رواية زياد بن سوقة،عن الباقر عليه السّلام«تقعد عن الصّلاة أيّام الحيضة» (1).
و رواية محمّد بن مسلم الحسنة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:المرأة ترى الصّفرة في أيّامها؟فقال:«لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها» (2).
و في رواية يونس،عن رجاله،عن الصّادق عليه السّلام«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر فاطمة بنت أبي حبيش أن تدع الصّلاة قدر أقرائها و قدر حيضها» (3).
أمّا المبتدئة و المضطربة فقد اختلف الأصحاب في ابتداء وقت التّرك لهما،فقال الشّيخ بتركهما بمجرّد الرّؤية،فإن استمرّ ثلاثة فهو حيض قطعا،و إن انقطع عرفت انّه دم فساد،و قضت ما تركته من الصّلاة و الصّيام (4).و قال السّيّد المرتضى:لا تترك الصّلاة حتّى تمضي ثلاثة أيّام (5).و اختاره ابن إدريس (6)،و الأقرب عندي الأوّل.
لنا:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حفص بن البختريّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«فإذا كان للدّم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصّلاة» (7)و هذا لا يصحّ أن يكون المرجع إلى ذات العادة،لأنّا قد بيّنّا (8)انّ الاعتبار في ذات العادة إنّما هو
ص:347
بعادتها لا بالتّمييز.
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن إسحاق بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الحبلى ترى الدّم اليوم و اليومين؟قال:«إن كان دما عبيطا فلا تصلّي ذلك اليومين،و إن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين» (1)و ذلك مطلق،فالتّقييد بذات العادة غير مدلول من اللّفظ،فلا يصار إليه إلاّ لدليل.على انّ الحكم معلّق على الصّفة، و ذلك لا يعتبر في ذات العادة،و قد سلف.و لأنّها رأت دما يمكن أن يكون حيضا في وقت يمكن للحيض،فكان حيضا كذات العادة،و المستمرّ بها الدّم ثلاثة.و لأنّ الاحتياط للصّلاة في حقّ الحائض غير معتبر شرعا،فإنّ ذات العادة إذا استمرّ بها الدّم بعد عادتها تستظهر بيوم أو يومين في ترك العبادة لما بيّنّا (2)،و ذلك ينافي الاحتياط.و لأنّ الاحتياط لو اعتبر في المبتدئة كان الموجب له إنّما هو ثبوت الصّلاة في الذّمة مع عدم العلم بالمزيل،و هذا المعنى يتحقّق في ذات العادة،فإنّها ربّما تتغيّر عادتها و ينقطع الدّم لدون الأقلّ،فكان ينبغي الاحتياط لشغل الذمّة المتيقّن مع عدم العلم بالمزيل.
لا يقال:هذا هو الأصل،إلاّ أنّ الظّنّ حاصل هاهنا بأنّه حيض بخلاف صورة النّزاع،فإنّ الظّنّ بكون الدّم المرئيّ في العادة حيضا ليس كالظّنّ بكون المرئيّ في الابتداء حيضا.
لأنّا نقول:إن اعتبرت مطلق الظّن فهو موجود ها هنا،فإنّ العادة قاضية بأنّ المرأة في سنّ البلوغ ترى الحيض،فإذا رأت في وقته ما هو بصفته،غلب على ظنّها انّه حيض، و إن اعتبرت ظنّا غالبا،فلا بدّ من الإشارة إلى تلك المرتبة من الظّنّ،ثمَّ من الدّلالة على انّ تلك المرتبة موجبة للحكم دون الأقل منها،و هما ممتنعان،ثمَّ كيف اعتبر السّيّد
ص:348
الاحتياط ها هنا،و لم يلتفت إليه في المستمرّ دمها إذا كانت مبتدئة؟!فإنّه قال هناك:
تتحيّض من ثلاثة إلى عشرة.و لأنّه لو لم يحكم عليها بالحيض في الثّلاثة إلاّ بعد انقضائها،لما دام الحكم عليها به فيها،و التّالي باطل اتّفاقا،فالمقدّم مثله.
بيان الملازمة:انّها بعد مضيّ الثّلاثة ربّما رأت دما أسود و يتجاوز،فيكون هو الحيض لا الثّلاثة.
لا يقال:الفرق بأنّ اليوم و اليومين ليس حيضا حتّى تستكمل ثلاثة،و الأصل عدم التتمّة حتّى يتحقّق،أمّا إذا استمرّ ثلاثا فقد كمل ما يصلح أن يكون حيضا،و لا يبطل هذا إلاّ مع التّجاوز،و الأصل عدمه حتّى يتحقّق.
لأنّا نقول:إمّا أنّ يعتبر في صيرورة الدّم حيضا صلاحيّته له،أو وجود ما يعلم معه انّه حيض،و الثّاني يلزم منه أن لا يحكم بالحيض إلاّ بعد الانقطاع على العشرة، فإنّه بدونه لا يقطع على انّ ما رأته حيض،لجواز أن يكون الحيض ما يتلوه،و إن اعتبرت الصّلاحية فهي موجودة في البابين.
احتجّ بأنّ الأصل لزوم العبادة حتّى يتيقّن المسقط،و لا يقين قبل الاستمرار ثلاثة (1).
و الجواب:لا نسلّم انّ الأصل لزوم العبادة بل الأصل البراءة.
فإن قلت:انّها صارت أصلا بعد ثبوت الأوامر.قلت:فلم قلت:انّ تلك الأوامر متوجّهة ها هنا؟سلّمنا،لكن لا نسلّم انّه لا يسقط إلاّ مع تيقّن المسقط،بل قد يسقط مع ظنّه.سلّمنا،لكنّ اليقين هاهنا حاصل،فإنّا نقطع بأنّ الشّرع أسقط عن المرأة-مع غلبة ظنّها بأنّ الدّم حيض-ما شغل ذمّتها عليها.
و هو مذهب عامّة أهل العلم.
روى الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:(لا أحلّ المسجد لحائض
ص:349
و لا جنب) (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام:«و يدخلان المسجد مجتازين و لا يقعدان فيه» (2)و لأنّ الحائض مشاركة للجنب في الحدث و ممتازة عنه بزيادة حمل النّجاسة،فحكم حدثها أغلظ،فالمنع من الاستيطان في المسجد في حقّها أقرب.
و الاستثناء مختصّ بهما.
أمّا جواز الاجتياز،فقد ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول ابن مسعود،و ابن عبّاس (3)، و ابن المسيّب (4)،و ابن جبير،و الحسن (5)،و مالك (6)،و الشّافعيّ (7).و قال أبو حنيفة (8)،و الثّوريّ،و إسحاق:لا تدخل المسجد،فإن اضطرّت تيمّمت (9).
ص:350
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال لعائشة:(ناوليني الخمرة من المسجد)قالت:إنّي حائض؟قال:(إنّ حيضتك ليست في يدك) (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام:«و يدخلان المسجد مجتازين و لا يقعدان فيه» (2)إشارة إلى الجنب و الحائض.
و ما رواه محمّد بن يعقوب في كتابه،عن محمّد بن يحيى[1]رفعه،عن أبي حمزة عن الباقر عليه السّلام:«و لا بأس أن يمرّا في المساجد و لا يجلسان فيها» (3).
احتجّ أبو حنيفة (4)بقوله عليه السّلام:«لا أحلّ المسجد لحائض و لا جنب» (5).
و الجواب:انّه مخصوص بمسجده عليه السّلام،و هو دليل لنا على الاستثناء المذكور.
و أمّا تحريم الاجتياز في المسجدين فرواية الجمهور تدلّ عليه،و من طريق الخاصّة:
ص:351
ما رواه الشّيخ في الحسن،عن محمّد بن مسلم،عن الباقر عليه السّلام:«و لا يقربان المسجدين الحرمين» (1).
و ما رواه ابن يعقوب،عن محمّد بن يحيى رفعه،عن أبي حمزة عن الباقر عليه السّلام:«إذا كان الرّجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرّسول صلّى اللّه عليه و آله فأصابته جنابة فليتيمّم،و لا يمرّ في المسجد إلاّ متيمّما حتّى يخرج منه و يغتسل،و كذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك،و لا بأس أن يمرّا في سائر المساجد و لا يجلسان فيها» (2).
لرواية أبي حمزة المذكورة و هي و إن كانت مقطوعة السّند إلاّ انّها مناسبة للمذهب، و لأنّ الاجتياز فيهما حرام عليها إلاّ مع الطّهارة،و هي متعذّرة،و التّيمّم يقوم مقامها في جواز الصّلاة،فكان قائما مقامها في قطع المسجد و إن لم يكن التّيمّم هاهنا طهارة.
و لم نقف فيه على حجّة،و أباحه في غيره (4)،و هو اختيار المفيد (5)،و السّيّد المرتضى (6).
لنا:انّ الكراهة حكم شرعيّ،فيقف عليه،و يمكن أن يقال:السّبب في الكراهة إمّا جعل المسجد طريقا،و إمّا الدّخول بالنّجاسة إليه.و قال الشّافعيّ:إن لم تعصّب[1]
ص:352
فرجها لم يبح بها،لأنّه لا نؤمن أن تلوّث المسجد،و إن عصّبت فرجها فوجهان (1).
تأخذ منه
،لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟قال:«نعم، و لكن لا يضعان في المسجد شيئا» (2).
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:
سألته كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد و لا تضع فيه؟فقال:«انّ الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره و لا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلاّ منه» (3).
و هو إجماع،لأنّه يفتقر إلى الدّخول إلى المسجد الحرام و هو حرام،و إلى الطّهارة و لا يصحّ منها فعلها،لوجود الحدث الملازم الضّد،و لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لعائشة و قد حاضت:(افعلي ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) (4)فإن طافت لم تعتدّ به بلا خلاف.
لنا:على تحريم العزائم:ما قدّمناه في باب الجنب (1)،و لأنّ الحائض آكد في الحدث من الجنب.
عملا بالأصل،و بما تقدّم من الرّوايات في باب الجنب (2)،و هو أحد قولي الشّافعيّ (3)،و في الآخر:يحرم (4).
الثّاني:يحرم عليها قراءة بعض السّورة حتّى البسملة إذا نوت أنّها من العزائم، لأنّها جزء منها.
،و قيل:سبعين (5).و قد تقدّم الكلام في ذلك كلّه (6).
و هو إجماع،و لقوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (7).
و لما رواه الشّيخ،عن حريز،عمّن أخبره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«يا بنيّ اقرأ المصحف»فقال:إنّي لست على وضوء؟فقال:«لا تمسّ الكتاب و مسّ
ص:354
الورق و اقرأه» (1)و الحائض ليست على وضوء فكانت داخله تحت هذا المنع.
و روى عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عمّن قرأ في المصحف و هو على غير وضوء،قال:«لا بأس و لا يمسّ الكتاب» (2)و الحائض داخلة.
و روى في الحسن،عن محمّد بن مسلم،عن الباقر عليه السّلام قال:قال:
«الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثّوب و يقرءان من القرآن ما شاءا إلاّ السّجدة» (3).
و حكم الحائض في الفروع الّتي ذكرناها في باب الجنب في هذه المسألة (4)حكم الجنب.
،لقوله تعالى ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ (5)ذمّه على التّرك عقيب الأمر،إذ ليس المقصود منه الاستفهام،و لا يتحقّق إلاّ مع القول بأنّه للوجوب.
و كذا في قوله تعالى وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ» (6).
و أيضا قال تعالى فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ (7)أمر المخالف للأمر بالحذر،فلا بدّ من السّبب الموجب للحذر،و لا سبب إلاّ وصف المخالفة،فيكون علّة،
ص:355
للمناسبة و الاقتران.
و أيضا تارك المأمور عاص،لقوله تعالى لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (1)لا يَعْصُونَ اللّهَ ما أَمَرَهُمْ (2)أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي (3)و العاصي يستحقّ العقاب،لقوله:
وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها (4).
و لأنّه عليه السّلام ذمّ أبا سعيد الخدريّ حيث لم يجبه (5)،و تمسّك بقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ (6).
و لأنّه عليه السّلام قال:(لو لا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك عند كلّ صلاة) (7)و«لو لا»موضوعة للانتفاء عند الوجود،و لا شكّ في تحقّق النّدبيّة، فيكون غير مأمور به.
و لأنّ الصّحابة تمسّكوا بالأمر على الوجوب و لم يظهر إنكار،فكان إجماعا،و ذلك كما في قوله عليه السّلام:(سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب) (8)و قوله عليه السّلام:
(فليغسله سبعا) (9)و قوله عليه السّلام:(فليقضها إذا ذكرها) (10).
ص:356
و لأنّ العقلاء يذمّون العبد إذا لم يفعل ما أمره السّيّد،و يعللون حسن الذّمّ بالتّرك.
و لأنّ الأمر دالّ على اقتضاء الفعل و وجوده،فكان مانعا من النّقيض كالخبر، بجامع انّ اللّفظ وضع لإفادة معنى،فلا بدّ و أن يكون مانعا من نقيضه تكميلا للمقصود، و تقوية لحصوله.
و لأنّ المطلوب لا بدّ و أن يكون قد اشتمل على مصلحة و يكون خاليا عن المفسدة عند المعتزلة،و راجحا في المصلحة عند غيرهم.
و على كلا التّقديرين فالأصل عدم الإذن في تفويت المصلحة الخالصة،أو الرّاجحة،لاستلزامه الإذن في تفويت الخالصة،و هو قبيح.
و لأنّ شرعيّة المنع من التّرك أرجح في الظّنّ من شرعيّة الإذن فيه،لأنّه أكثر إفضاء إلى وجود الرّاجح الّذي هو المطلوب في (1)الأوّل،و لا شكّ انّ الّذي يكون أكثر إفضاء إلى الشّيء الرّاجح،راجح في الظّنّ على ما يكون أكثر إفضاء إلى المرجوح.
و لأنّ الوجوب معنى تشتدّ الحاجة إليه،فوجب أن يوضع له لفظ يدلّ عليه كسائر المعاني،لاستلزام القدرة و الدّاعي الفعل،و لا لفظ إلاّ صيغة«افعل».
و لأنّ الحمل على الوجوب يقتضي القطع بعدم الإقدام على المخالفة،و مع النّدب يحصل الشّكّ،فالأوّل أولى.
و قولهم:العلم بإفادته للوجوب ليس بعقليّ قطعا و لا نقليّ،لفقدان التّواتر و عدم إفادة الآحاد،و انّ أهل اللّغة قالوا:لا فرق بين الأمر و السّؤال إلاّ الرّتبة،فلو كان للوجوب لم يكن الحصر صادقا،و لأنّه قد ورد للنّدب فلا يمكن جعله حقيقة فيهما،و إلاّ لزم الاشتراك،و لا في أحدهما،و إلاّ لزم المجاز،فكان للقدر المشترك،ليس بشيء.
ص:357
أمّا الأوّل:فيجوز ان يحصل من المركّب،كما تقول:تارك المأمور[به] (1)عاص بالنّقل،و العاصي يستحق العقاب به،فيحصل القطع بالعقل بأنّه للوجوب.و لأنّه يجوز أن يثبت بالآحاد فإنّها ليست مسألة علميّة بل لغويّة.
و أمّا الثّاني فإنّ السّؤال يدلّ على الإيجاب،إذ السّائل إنّما يطلب طلبا لا يسوغ فيه العمل بالنّقيض،أقصى ما في الباب انّه لا يلزم من إيجابه الوجوب.
و أمّا الثّالث:انّ المجاز يصار إليه،لما ذكرنا من الأدلّة.
و هو مذهب عامّة علماء الإسلام، قال اللّه تعالى فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ (2)و هذا أمر يدلّ على الوجوب،ثمَّ قال وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ (3)و هذا نهي،و هو يدلّ على التّحريم.
و أمّا غير القبل فما فوق السّرّة و دون الرّكبة يجوز الاستمتاع به بالنّصّ (4)و الإجماع.
و اختلف في الاستمتاع بينهما،فقال أكثر علمائنا بالكراهيّة دون التّحريم (5).و قال أحمد:هو مباح (6)،و هو قول عكرمة،و عطاء،و الشعبيّ،و الثّوريّ،و إسحاق، و الأوزاعيّ،و أبو ثور،و داود،و محمّد بن الحسن،و النّخعيّ،و أبو إسحاق المروزيّ، و ابن المنذر (7).و قال السّيّد المرتضى بالتّحريم (8)،و هو اختيار أبي حنيفة (9)،
ص:358
و مالك (1)،و الشّافعيّ (2)،و أبي يوسف (3).
لنا:قوله تعالى فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ (4)و هو اسم لمكان الحيض كالمقيل و المبيت،فالتّخصيص بالموضع المعيّن يدلّ على إباحة ما سواه.أو نقول:الأصل الإباحة،و التّحريم إنّما يتناول القبل فيبقى الباقي على الأصل.
لا يقال:المحيض هو الحيض،يقال:حاضت المرأة حيضا و محيضا،و يدلّ عليه أوّل الآية و هو قوله وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً (5)و الأذى هو الحيض،
ص:359
لا موضعه،و قال اللّه تعالى وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ (1)و إنّما يريد به الدّم.
لأنّا نقول:استعمال المحيض في الحيض لا ينافي مطلوبنا،إذا الحيض هاهنا غير مراد لوجوه:
أحدها:انّ ما ذكرناه قياس اللّفظ،فيحمل عليه.
الثّاني:لو نزل على الحيض لوجب الإضمار،إذ يستحيل حمل اللّفظ على حقيقته، سلّمنا،لكن إضمار الموضع أولى من إضمار الزّمن،لأنّه يلزم من الثّاني الأمر باعتزال النّساء في مدّة الحيض بالكلّيّة،و قد انعقد الإجماع على خلافه.
الثّالث:انّ ما ذكرناه أولى،لأنّ سبب نزول هذه الآية انّ اللّه تعالى قصد مخالفة اليهود حيث كانوا يعتزلون النّساء،فلا يؤاكلوهنّ،و لا يشاربوهنّ مدّة الحيض،و لا يجامعوهنّ في البيت،فسأل أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك فنزلت هذه الآية،فقال صلّى اللّه عليه و آله:(اصنعوا كلّ شيء غير النّكاح) (2).
و ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،انّه قال:(اجتنب منها شعار الدّم) (3).
و روى مسلم،عنه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:(اصنعوا كلّ شيء غير النّكاح) (4).
ص:360
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن عبد اللّه بن بكير،عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتّقى موضع الدّم» (1).
و ما رواه،عن عبد الملك بن عمرو[1]،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمّا لصاحب المرأة الحائض منها؟قال:«كلّ شيء ما عدا القبل بعينه» (2).
و ما رواه،عن هشام بن سالم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،في الرّجل يأتي المرأة فيما دون الفرج و هي حائض؟قال:«لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع» (3)و لأنّ المنع من الوطء لأجل الأذى،فاختصّ بمحلّه كالدّبر عندهم.
احتجّ السّيّد المرتضى (4)بما رواه الشّيخ،عن عبيد اللّه الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،في الحائض ما يحلّ لزوجها منها؟قال:«تتّزر بإزار إلى الرّكبتين و تخرج سرّتها،ثمَّ له ما فوق الإزار» (5).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سئل عن الحائض ما يحلّ
ص:361
لزوجها منها؟قال:«تتّزر بإزار إلى الرّكبتين و تخرج ساقها و له ما فوق الإزار» (1).
و عن حجّاج الخشّاب[1]،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض و النّفساء ما يحلّ لزوجها منها؟قال:«تلبس درعا،ثمَّ تضطجع معه» (2).
و عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل ما يحلّ له من الطّامث؟قال:«لا شيء حتّى تطهر» (3)و هذا عام،إذ هو نكرة في معرض المنع (4)،خرج ما فوق السّرة و تحت الرّكبة بالإجماع،فيبقى النّهي متناولا للباقي.
احتجّ أبو حنيفة و من وافقه (5)بما رواه البخاريّ،عن عائشة،قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يأمرني فأتّزر فيباشرني و أنا حائض (6).
و عن عمر،قال:سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمّا يحلّ للرّجل من امرأته و هي حائض؟فقال:«فوق الإزار» (7).
ص:362
و الجواب عن الرّواية الأولى:انّها دالّة على تحليل ما فوق الإزار لا على تحريم ما عداه إلاّ من حيث المفهوم بدليل الخطاب،و ليس حجّة خصوصا مع معارضة المنطوق له،و كذا رواية أبي بصير،و رواية حجّاج.على انّ قوله عليه السّلام:«تلبس درعا ثمَّ تضطجع معه»ليس دالاّ على الوجوب بل على الاستحباب،ثمَّ انّ هذه الرّوايات لا تخلو من ضعف في سندها.و أيضا:فهي معارضة بما رواه الشّيخ،عن عمر بن حنظلة قال:
قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما للرّجل من الحائض؟قال:«ما بين الفخذين» (1).
و ما رواه في الصّحيح،عن عمر بن يزيد،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
ما للرّجل من الحائض؟قال:«ما بين إليتيها،و لا يوقب» (2).
و أمّا رواية عبد الرّحمن فإنّهما متروكة بالإجماع،فإن خصّصتموها بما تحت السرّة و فوق الرّكبة خرج اللّفظ عن حقيقته،فكان (3)مجازا،فنقول:لم لا تحمل نفي الحلّ على الكراهية مجازا؟!سلّمنا،لكنّا نقول:ثبت التّخصيص فيما ذكرتم،فكذا في صورة النّزاع بالقياس،و الجامع ما اشتركا فيه من المصلحة الناشئة من دفع الضّرر الحاصل بوجوب الاحتراز مع خلوص الدّاعي.
و الجواب عن احتجاج الشّافعيّ (4):انّه دالّ على حلّ ما فوق الإزار لا على تحريم غيره،و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد يترك بعض المباح تحرّزا،ثمَّ هو معارض بما رواه عكرمة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على
ص:363
فرجها ثوبا (1).و أيضا:ما ذكرناه (2)منطوق،و هذا دليل خطاب فلا يعارضه.
و هو مذهب علماء الإسلام،و يدلّ عليه قوله تعالى إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ (3)قال ابن عبّاس:هو أن يطلّقها طاهرا من غير جماع.و به قال مجاهد،و الحسن،و ابن سيرين،و قتادة،و الضّحّاك[1]،و السّدي[2]، و عامّة المفسّرين (4).و لمّا طلّق ابن عمر امرأته و هي حائض،أمره النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله برجعتها و إمساكها حتّى تطهر (5).و لو طلّق لم يقع عندنا خاصّة،و خالف باقي الفقهاء فيه (6)،و سيأتي البحث في باب الطّلاق إن شاء اللّه تعالى.
و روى الشّيخ،عن عليّ بن عقبة،عن أبيه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في امرأة اعتكفت،ثمَّ انّها طمثت،قال:«ترجع،ليس لها اعتكاف» (1).
و هو مذهب علماء الأمّة كافّة.
و يدلّ عليه النّصّ و الإجماع،قال اللّه تعالى وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ (2)بالتّشديد،أي:يغتسلن.
و ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:(امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك،ثمَّ اغتسلي و صلي) (3).
و عن حمنة بنت جحش[1]قالت:كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فجئت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أستفتيه فوجدته في بيت أختي زينب،فقلت:يا رسول اللّه انّ لي إليك حاجة،و انّه لحدث (4)ما منه بدّ،و انّي لأستحي منه،فقال:(ما هي يا هنتاه)[2]قلت:انّي امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها؟ فقال:(أنعت[3]لك الكرسف)فقلت:هو أشدّ من ذلك،فقال:تلجّمي،فقلت:
ص:365
هو أشدّ من ذلك-فذكرت الخبر إلى أن قال-:(انّها ركضة من ركضات الشّيطان تحيّضي في علم اللّه ستّا أو سبعا،ثمَّ اغتسلي حتّى إذا رأيت انّك قد طهرت و استنقأت فصلّي[أربعا] (1)و عشرين ليلة و أيّامها أو[ثلاثا] (2)و عشرين و أيّامها،و صومي فإنّه يجزيك) (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن يونس،عن بعض رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«فإذا حاضت المرأة و كان حيضها خمسة أيّام،ثمَّ انقطع الدّم، اغتسلت و صلّت» (4).
و ما رواه،عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«و غسل الحائض إذا طهرت واجب» (5).
و ما رواه،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألت عن الحائض أ عليها غسل مثل غسل الجنب؟قال:«نعم» (6).
و ما رواه،عن الحسن الصّيقل[1]،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
ص:366
«الطّامث تغتسل بتسعة أرطال من ماء» (1).
و ما رواه،عن يونس،عن رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن أبيه عليه السّلام،قال:«إذا رأيت الدّم البحرانيّ فدعي الصّلاة،و إذا رأيت الطّهر و لو ساعة من نهار فاغتسلي و صلّي» (2).
و بهذا الإسناد عنه عليه السّلام،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال لحمنة بنت جحش:«تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة أيّام،ثمَّ اغتسلي غسلا و صومي ثلاثة و عشرين أو أربعة و عشرين يوما» (3).و أمر فاطمة بنت أبي حبيش أن تدع الصّلاة أيّام أقرائها،ثمَّ تغتسل و تتوضّأ لكلّ صلاة (4).
لأجل الصّلاة،و الطّواف الواجبين، أو غيرهما من الأفعال الواجبة المشروطة بالطّهارة،لا انّه مستقرّ في ذمّتها،و إن كان للنّظر فيه مجال،إذ الأمر ورد مطلقا بالوجوب.
ص:367
و عليه علماء الإسلام،و هل هو شرط في الطّواف؟اتّفق علماؤنا عليه،خلافا لأبي حنيفة (1).
لنا:انّ الطّواف منهيّ عنه لأجل الدّخول في المسجد المحرّم على الحائض،فكان فاسدا،و هل هو شرط في صحّة الصّوم بحيث لو أخلّت به ليلا حتّى أصبحت بطل صومها؟فيه نظر.
و يدل على الاشتراط:ما رواه الشّيخ،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إن طهرت بليل من حيضتها،ثمَّ توانت أن تغتسل في رمضان حتّى أصبحت كان عليها قضاء ذلك اليوم» (2)و في طريقها عليّ بن فضّال،و هو فطحيّ، و عليّ بن أسباط و إن كان فطحيّا إلاّ انّ الأصحاب شهدوا لهما بالثّقة و الصّدق.قال النّجاشيّ:عليّ بن الحسن بن فضّال،فقيه أصحابنا بالكوفة،و وجههم،و ثقتهم، و عارفهم بالحديث و المسموع قوله فيه،سمع منه شيئا كثيرا فلم يعثر له على زلّة فيه،و قلّ ما روى عن ضعيف،و كان فطحيّا (3).و قال:عليّ بن أسباط ثقة و كان فطحيّا جرى بينه و بين عليّ بن مهزيار[1]رسائل في ذلك رجعوا فيها إلى أبي جعفر الثّاني عليه السّلام،فرجع عليّ بن أسباط عن ذلك القول و تركه (4).
ص:368
و هو مذهب علمائنا أجمع،و يدلّ عليه:ما رواه الشّيخ،عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبي[1]،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«غسل الجنابة و الحيض واحد» (1).
و روى،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله (2).و بمثله روى في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (3).و لا يتحقّق الوحدة إلاّ مع اعتبار الشّرائط الموجودة هناك.
و أيضا:ان صدق بعض غسل الحيض يجب فيه التّرتيب المخصوص به،صدق كلّ غسل حيض فيه التّرتيب المذكور،و التّالي كالمقدّم حقّ.بيان الملازمة:عدم القائل بالفصل،و بيان صدق المقدّم:انّه لو لم يصدق الحكم الجزئيّ صدق نقيضه، و ينعكس،لا شيء.ممّا يجب فيه التّرتيب المخصوص بغسل الحيض بغسل حيض، و ذلك باطل قطعا.
لما ذكرناه في التّرتيب،و للأدلّة العامّة المذكورة في الجنابة (4).
و اعلم انّ جميع الأحكام المذكورة في غسل الجنابة آتية ها هنا،لتحقّق الوحدة إلاّ
ص:369
شيئا واحدا،و هو الاكتفاء به عن الوضوء،فإنّ فيه خلافا ذكرناه فيما سلف (1).
و كيفيّته أن تدخل قطنة،فإن خرجت ملوّثة صبرت حتّى تنقى أو تبلغ العشرة،و إن خرجت نقيّة اغتسلت،لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:«إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتدخل قطنة،فإن خرج فيها شيء من الدّم فلا تغتسل[و إن لم تر شيئا فلتغتسل] (2)و إن رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضأ و لتصلّ» (3).
و مثله روى،عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«فإن خرج دم فلم تطهر،و إن لم يخرج فقد طهرت» (4).
أمّا إذا كان الانقطاع لعشرة فلا استبراء،لأنّه إنّما يراد به معرفة وجود دم الحيض من عدمه،و ذلك لا يتمّ مع التّجاوز للعشرة.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن عليّ بن عقبة،عن أبيه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الحائض في رمضان:«تأكل و تشرب،ثمَّ تقضيه» (1).
و ما رواه،عن يونس،عن بعض رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«فإن رأت الدّم ثلاثة أيّام فهو من الحيض و لم يجب عليها قضاء الصّلاة» (2).
و ما رواه،عن أبان،عمّن أخبره،عن أبي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام [قالا] (3):«الحائض تقضي الصّيام و لا تقضي الصّلاة» (4).
و ما رواه،عن الحسن بن راشد،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الحائض تقضي الصلاة؟قال:«لا»قلت:تقضي الصّوم؟قال:«نعم»قلت:من أين جاء هذا؟قال:«انّ أوّل من قاس إبليس» (5).
و ما رواه في الحسن،عن زرارة قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قضاء الحائض الصّلاة،ثمَّ تقضي الصّيام؟فقال:«ليس عليها أن تقضي الصّلاة،و عليها أن تقضي صوم شهر رمضان ثمَّ أقبل عليّ فقال:«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأمر بذلك فاطمة عليها السّلام،و كان يأمر بذلك المؤمنات» (6).
لأنّ حدّ الواجب هو الّذي يذمّ تاركه، و الجائز هو الّذي لا ضرر في تركه،و بينهما منافاة.
ص:371
لأنّه يجوز تركه فلا يكون واجبا،و وجوب القضاء لا يستلزم وجوب الأداء،لأنّه بأمر متجدّد.نعم،لا بدّ و أن يكون سبب الوجوب ثابتا.
و هو اختيار الشّافعيّ (1)،خلافا لأبي حنيفة،فإنّه قال:لو حاضت و قد بقي من الوقت شيء قليل لم تقض (2)،بناء على انّ الوجوب يتعلّق بالآخر.
و هو أحد قولي الشّافعيّ،لأنّ الصّلاة لا تصحّ بدونها،و في القول الآخر:لا يشترط،لعدم اختصاص الطّهارة بوقت (3).
القضاء.
و قال بعض الشّافعيّة:يجب القضاء كما لو أدركت من آخر الوقت (4).
لنا:ما رواه الشّيخ،عن الفضل بن يونس[1]،عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام،قال:«و إذا رأت المرأة الدّم بعد ما يمضي من زوال الشّمس أربعة أقدام
ص:372
فلتمسك عن الصّلاة،فإذا طهرت من الدّم فلتقض الظّهر،لأنّ وقت الظّهر دخل عليها و هي طاهرة و خرج عنها وقت الظّهر و هي طاهرة فضيّعت صلاة الظّهر فوجب عليها قضاؤها» (1)و الفضل و إن كان واقفيّا إلاّ انّ النّجاشيّ حكم بتوثيقه.
و ما رواه في الحسن،عن أبي عبيدة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«و إذا طهرت في وقت فأخّرت الصّلاة حتّى يدخل وقت صلاة أخرى،ثمَّ رأت دما كان عليها قضاء تلك الصّلاة الّتي فرّطت فيها» (2).
و روى،عن أبي الورد قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرأة الّتي تكون في صلاة الظّهر و قد صلّت ركعتين،ثمَّ ترى الدّم؟قال:«تقوم من مسجدها و لا تقضي الرّكعتين» (3)و هذا يدلّ على عدم القضاء مع التّضيّق،و لأنّ وجوب القضاء تابع لوجود سبب وجوب الأداء و هو منتف،فإنّ التّكليف يستدعي وقتا،و إلاّ لزم تكليف ما لا يطاق.
لا يقال:انّ الحديثين الأوّلين دلاّ على وجوب القضاء مع خروج الوقت بالكلّيّة لا مع خروج وقت إمكان الفعل،و أنتم لا تقولون به.
لأنّا نقول:انّهما من حيث المنطوق دلاّ على وجوب القضاء مع الخروج بالكلّيّة، و من حيث المفهوم على الوجوب مع خروج وقت الإمكان،لأنّ الأوّل رتّب الحكم فيه على الضّياع،و الثّاني على التّفريط و ذلك متحقّق في صورة النّزاع.
و أيضا روى الشّيخ في الموثّق،عن يونس بن يعقوب،عن أبي عبد اللّه عليه
ص:373
السّلام،قال:في امرأة إذا دخل وقت الصّلاة و هي طاهر،فأخّرت الصّلاة حتّى حاضت؟قال:«تقضي إذا طهرت» (1)علّق الحكم على التّأخير عن الوقت،و ذلك يتناول الخروج بالكلّيّة و عدمه.
و ما رواه،عن عبد الرّحمن بن الحجّاج،قال:سألت عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشّمس و لم تصلّ الظّهر هل عليها قضاء تلك الصّلاة؟قال:«نعم» (2)و الفرق بين أوّل الوقت و آخره ظاهر،و هو عدم التّمكّن من الإتيان بالفرض حال إدراك الأوّل و وجوده عند إدراك الثّاني،و لهذا لو أدركت ركعة من آخر الوقت،ثمَّ جنّت لم يجب القضاء إجماعا.
نفاسها
بخلاف السّكران.
إن بقي من الوقت ما يتّسع للغسل و أداء ركعة،فلو بقي للغروب مقدار ما توقع الغسل و تصلّي ثمان ركعات،وجبت عليها الصّلاتان.و كذا لو بقي مقدار ما تصلّي فيه خمس ركعات،أمّا لو بقي مقدار ما تصلّي فيه أربع ركعات لا غير وجب عليها العصر خاصّة.و كذا البحث لو تخلّف من النّصف الأوّل من اللّيل مقدار خمس ركعات وجبت الصّلاتان.و لو تخلّف إلى الغروب ما لا يسع الغسل و أداء ركعة سقط عنها الفرضان.و لو أهملت في الصّور الّتي أوجبنا فيها الصّلاة،وجب عليها القضاء،و لا قضاء إلاّ مع اتّساع الزّمان،فلا
ص:374
يجب في غيره.و قال الشّافعيّ (1)،و مالك (2)،و أحمد:إذا طهرت قبل الغروب لزمها الفريضتان،و لو طهرت قبل الفجر لزمها المغرب و العشاء (3).
لنا:انّ التّكليف يستدعي وقتا يقع فيه الفعل لا يقصر عنه،فمع (4)القصور يسقط التّكليف و إلاّ لزم التّكليف بالمحال،و إذا سقط الأداء سقط القضاء،لأنّه تابع.
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبيد بن زرارة[1]،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«أيّما امرأة رأت الطّهر و هي قادرة على أن تغتسل وقت صلاة ففرّطت فيها حتّى يدخل وقت صلاة اخرى،كان عليها قضاء تلك الصّلاة الّتي فرّطت فيها، فإن رأت الطّهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك،فجاز وقت صلاة و دخل وقت صلاة أخرى،فليس عليها قضاء و تصلّي الصّلاة الّتي دخل وقتها» (5).
و روى في الحسن،عن أبي عبيدة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا رأت المرأة الطّهر و هي في وقت صلاة،ثمَّ أخّرت الغسل حتّى يدخل وقت صلاة اخرى كان عليها قضاء تلك الصّلاة الّتي فرّطت فيها» (6)و التّفريط إنّما يقع مع إمكان الفعل في وقته.
ص:375
و روى في الموثّق،عن عبيد اللّه الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:في المرأة تقوم في وقت الصّلاة فلا تقضي ظهرها حتّى تفوتها الصّلاة و يخرج الوقت،أ تقضي الصّلاة الّتي فاتتها؟قال:«إن كانت توانت قضتها،و إن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي» (1)و في طريقها عليّ بن فضّال و قد شهد له بالثّقة مع كونه فطحيّا.
لا يقال:يعارض هذا:ما رواه أبو همام[1]،عن أبي الحسن عليه السّلام:في الحائض إذا اغتسلت في وقت العصر،تصلّي العصر ثمَّ تصلّي الظّهر (2).
و ما رواه،عن الفضل بن يونس،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة ترى الطّهر قبل غروب الشّمس كيف تصنع بالصّلاة؟قال:«إذا رأت الطّهر بعد ما يمضي من زوال الشّمس أربعة أقدام فلا تصلّي إلاّ العصر،لأنّ وقت الظّهر دخل عليها و هي في الدّم و خرج عنها الوقت و هي في الدّم،فلم يجب عليها أن تصلّي الظّهر،و ما طرح اللّه عنها من الصّلاة و هي في الدّم أكثر» (3).
و ما رواه،عن أبي الصّباح الكنانيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء،و إن طهرت قبل أن تغيب الشّمس صلّت الظّهر و العصر» (4).
ص:376
و ما رواه،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا طهرت المرأة قبل غروب الشّمس فلتصلّ الظّهر و العصر،و إن طهرت من آخر اللّيل فلتصلّ المغرب و العشاء» (1).
و ما رواه،عن داود الدّجاجيّ[1]،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«إذا كانت المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشّمس صلّت الظّهر و العصر،و إن طهرت في اللّيل صلّت المغرب و العشاء الآخرة» (2).
و ما رواه،عن عمر بن حنظلة،عن الشّيخ عليه السّلام قال:«إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء،و إن طهرت قبل أن تغيب الشّمس صلّت الظّهر و العصر» (3).
لأنّا نجيب عن الرّواية الأولى باحتمال أن تكون قد فرّطت في وقت الظّهر،لأنّ قوله عليه السّلام:«إذا اغتسلت في وقت العصر»يشعر بأنّ الطّهر حصل في وقت الظّهر،و يحتمل أن يكون الأمر للاستحباب.
و عن الثّانية:انّها مبنيّة على انّ وقت الظّهر أربعة أقدام،ثمَّ تصير قضاء،
ص:377
و سيأتي البحث فيه (1)،على انّ راويها الفضل،و هو ضعيف.
و قال الشّيخ أبو جعفر الطّوسي رحمه اللّه:و الّذي أعوّل عليه انّ المرأة إذا طهرت بعد الزّوال إلى أن يمضي أربعة أقدام يجب عليها قضاء الصّلاتين،و لو طهرت بعد مضيّ أربعة أقدام وجب عليها قضاء العصر لا غير،و يستحبّ لها قضاء الظّهر إذا كان طهرها إلى مغيب الشّمس (2).
أقول:و سيأتي تحقيق هذا في باب المواقيت إن شاء اللّه تعالى.
و عن الثّالثة:انّه لا منافاة فيها لما ذكرناه،لأنّها إذا طهرت قبل نصف اللّيل أو قبل الغروب بمقدار ما تسع الصّلاتين و الغسل،يصدق انّها قد طهرت قبل الفجر و الغروب،فيحمل عليه جمعا بين الأدلّة،على انّ في طريقها ابن فضّال،و هو فطحيّ.
و عن الرّابعة:بما ذكرناه ها هنا،و قوله عليه السّلام:«و إن طهرت من آخر اللّيل»يحمل على النّصف مجازا لما ذكرناه،أو يحمل الأمر على الاستحباب،و في طريقها ضعف أيضا.و كذا الجواب عن الرّوايتين الأخيرتين.
احتجّ الشّافعيّ (3)بما رواه الأثرم[1]،و ابن المنذر بإسنادهما،عن عبد اللّه بن عبّاس و عبد الرّحمن بن عوف،انّهما قالا في الحائض:تطهر قبل طلوع الفجر بركعة تصلّي المغرب و العشاء و إذا طهرت قبل غروب الشّمس صلّت الظّهر و العصر جميعا (4).
ص:378
و الجواب:انّه يحتمل انّهما قالاه عن اجتهاد لا نقلا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فلا اعتداد به،و يحتمل انّهما قالاه على جهة الاستحباب.
و أيضا:فهو معارض بما ذكرناه من الأدلّة،و بما رواه الشّيخ،عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام قال:قلت:المرأة ترى الطّهر عند الظّهر فتشتغل في شأنها حتّى يدخل وقت العصر؟قال:«تصلّي العصر وحدها،فإن ضيّعت (1)فعليها صلاتان» (2).
و روى الشّيخ،عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظّهر و العصر،فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر» (3).
الفرضان،
و هل الأربع للظّهر أو العصر؟فيه احتمال،و تظهر الفائدة لو أدركت قبل الانتصاف مقدار أربع ركعات،فإن قلنا:الأربعة للظّهر،وجب هنا الفرضان،و إن قلنا:للعصر،وجبت العشاء خاصّة،و الرّوايات تدلّ على الثّاني،و سيأتي.
لأنّ الصّلاة لا تصحّ بدونها،و في الآخر:لا تشترط الطّهارة،لعدم اختصاصها بوقت (1).
بل تستحبّ.
و هو أحد قولي الشّافعيّة (2)،و في الآخر:تجب (3).و حينئذ هل تجب ما قبلها؟قالوا:
إن كانت لا تجمع إليها كالعشاء و الصّبح،أو الصّبح و الظّهر لم تجب،و إن كانت تجمع معها كالظّهر،و العصر،و المغرب،و العشاء فوجهان.
المغرب إلى نصف اللّيل حتّى تطهر قبل الغروب بمقدار أربع ركعات
وجب عليها العصر و قضاء الظّهر،و كذا في المغرب و العشاء،و هو قول الشّافعيّ (4).
و لو قلنا:انّ الوقت يختصّ بكلّ فريضة فأوّل الوقت يختصّ بالظّهر،و آخره بالعصر حتّى تطهر قبل الغروب بأربع وجب عليها العصر لا غير.و هو اختيار أبي حنيفة (5)، و هو الحقّ عندي،لما يأتي في باب الأوقات.
الحائض تسمع السّجدة،قال:تومئ برأسها و تقول:اللّهم لك سجدت (1)(2).و قيل:
لا تمنع من السّجود،و هو الأقرب.
لنا:انّ الأمر بالسّجود ورد مطلقا،فساغ مع عدم الطّهارة.
احتجّوا (3)بقوله عليه السّلام:(لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور) (4)و السّجود جزء الصّلاة،فيدخل فيها ضمنا،و لأنّه سجود وقع على وجه الطّاعة،فيشترط فيه الطّهارة كسجود الصّلاة و السّهو.
و الجواب عن الأوّل:انّ السّجود الّذي هو جزء الصّلاة ليس مطلق السّجود،بل سجود خاصّ،و ليس سجود التّلاوة جزءا،كما انّ سجود الشّكر ليس جزءا،و لا يشترط فيه الطّهارة.
و عن الثّاني:بالفرق،فإنّ سجود السّهو معرض لأن يكون جزءا من الصّلاة، فاشترط فيه الطّهارة،بخلاف سجدة التّلاوة،على انّا نمنع كون سجود السّهو مفتقرا إلى الطّهارة،ثمَّ يعارض هذا:ما رواه محمّد بن يعقوب في الصّحيح،عن ابن رئاب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الطّامث تسمع
ص:381
السّجدة؟فقال:«إذا كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها» (1).
و رواه الشّيخ في الصّحيح،عن أبي عبيدة الحذّاء،عن أبي جعفر عليه السّلام (2).و روى أبو بصير قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا قرئ شيء من العزائم الأربع و سمعتها فاسجد،و إن كنت على غير وضوء،و إن كنت جنبا و إن كانت المرأة لا تصلّي،و سائر القرآن أنت فيه بالخيار،إن شئت سجدت،و إن شئت لم تسجد» (3)هذا إذا استمعت.أمّا إذا سمعت هي أو الجنب،قال الشّيخ:يمنعان من السّجود (4)،لرواية عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
سألته عن الحائض[هل] (5)تقرأ القرآن و تسجد السّجدة إذا سمعت السّجدة؟قال:
«تقرأ و لا تسجد» (6).
و قال في المبسوط:يجوز (7).لرواية عليّ بن أبي حمزة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا قرئ شيء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد،و إن كنت على غير وضوء،و إن كنت جنبا،و إن كانت المرأة لا تصلّي،و سائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت و إن شئت لم تسجد» (8).
ص:382
زمان الصّلاة،
كذا قال الشّيخ (1).و قال المفيد:تجلس ناحية من مصلاّها (2).و أطلق باقي الأصحاب (3)،و هو الأقوى،لما رواه الشّيخ في الحسن،عن زيد الشّحّام،قال:
سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«ينبغي للحائض أن تتوضّأ عند وقت كلّ صلاة،ثمَّ تستقبل القبلة فتذكر اللّه عزّ و جلّ مقدار ما كانت تصلّي» (4).
و ما رواه في الحسن،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«إذا كانت المرأة طامثا فلا تحلّ لها الصّلاة و عليها أن تتوضّأ وضوء الصّلاة عند وقت كلّ صلاة،ثمَّ تقعد في موضع طاهر فتذكر اللّه عزّ و جل و تسبّحه و تهلّله و تحمده كمقدار صلاتها،ثمَّ تفرغ لحاجتها» (5)و لأنّ فيه نوع تشبيه بالطّاعة،فكان مطلوبا،و لأنّ فيه تمرينا على الطّاعات،إذ التّرك في أكثر الأوقات قد يشقّ معه الفعل عند الوجوب،فيكون سببا للإهمال.
لوجود الحدث، و حصول التّحريم للصّلاة،بل تنوي وضوءا متقرّبا به إلى اللّه تعالى.
ص:383
الدّخول به في الصّلاة
،لأنّها لم تنو طهارة،فلم تقع.و الفرق بينها و بين المجدّد حيث قلنا انّه يسوغ له الدّخول به في الصّلاة و إن بان محدثا،لأنّه ثمَّ ينوي الفضيلة الّتي لا تحصل إلاّ مع الطّهارة،أمّا هاهنا فلمّا لم تتوقّف الفضيلة على الطّهارة،لم تكن الطّهارة حاصلة.
طاهرا،فالوجه انّها لا تدخل به في الصّلاة
،لأنّها أقدمت على القبيح،فلا يقع على وجه التّقرّب.
إذ النّصّ تناول الوضوء.
لأنّها طهارة اضطراريّة و لا ضرورة هنا،و لعدم تناول النّصّ له.
و عن عليّ بن أبي حمزة قال:قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام:تختضب المرأة و هي طامث؟فقال:«نعم» (1)فظهر انّ الرّواية الأولى تدلّ على الكراهية،و هاتان على الإباحة.
و يكره لها حمل المصحف،و لمس هامشه،و قال المرتضى:يحرم (2).و قد تقدّم البحث فيه في باب الجنابة (3)و يكره الاستمتاع منها بما فوق الرّكبة و تحت السّرّة إلاّ موضع الدّم،فإنّه محرّم (4).
و قد (5)تقدّم.و اتّفقوا على تعلّق الكفّارة بالواطئ مع العلم بالحيض و التّحريم،و وقع الخلاف في وجوبها،قال الشّيخ في الجمل و المبسوط:تجب (6)،و هو قول المفيد (7)،و السّيّد المرتضى (8)،و ابني بابويه (9)،و هو إحدى الرّوايتين عن أحمد (10)،و أحد قولي الشّافعيّ (11).و قال الشّيخ
ص:385
في الخلاف:إن كان جاهلا بالحيض أو التّحريم،لم يجب عليه و يجب على العالم بهما (1).و قال في النّهاية بالاستحباب (2).و هو قول مالك (3)،و أبي حنيفة (4)، و أكثر أهل العلم (5)،و هو الحقّ عندي.
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:(من أتى حائضا فقد كفر بما انزل (6)على محمّد صلّى اللّه عليه و آله) (7)و لم يذكر كفّارة.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عيص بن القاسم،قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل واقع امرأته و هي طامث؟قال:«لا يلتمس فعل ذلك،قد نهى اللّه أن يقربها»قلت:فإن فعل أ عليه كفّارة؟قال:«لا أعلم فيه شيئا،يستغفر اللّه» (8).
و ما رواه،عن ليث المراديّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وقوع
ص:386
الرّجل على امرأته و هي طامث خطأ؟قال:«ليس عليه شيء و قد عصى ربّه» (1).
لا يقال:هذا لا يدلّ على المطلوب،إذ النّفي مصروف إلى الخاطئ لا إلى العامد.
لأنّا نقول:لو لم يكن الواطئ هاهنا عامدا لما حكم عليه بالعصيان.
و ما رواه،عن زرارة،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:سألته عن الحائض يأتيها زوجها؟قال:«ليس عليه شيء يستغفر اللّه و لا يعود» (2)و لأنّه وطء نهي عنه لأجل الأذى،فأشبه الدّبر عندهم،و لأنّ الأصل براءة الذّمة و عصمة المال،فالقول بالإيجاب هدم (3)لهما.
احتجّ الشّيخ (4)على الإيجاب بما رواه في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،قال:
سألته عمّن أتى امرأته و هي طامث؟قال:«يتصدّق بدينار و يستغفر اللّه» (5)و تأوّله على انّه في أوّله.
و ما رواه،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من أتى حائضا فعليه نصف دينار يتصدّق به» (6)و تأوّله على الوسط.
و ما رواه،عن عبيد اللّه بن علي الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن
ص:387
الرّجل يقع على امرأته و هي حائض ما عليه؟قال:«يتصدّق على مسكين بقدر شبعه» (1)و تأوّله إذا كان يبلغ المقدّر.
و ما رواه،عن عبد الملك بن عمرو،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن رجل أتى جاريته و هي طامث؟قال:«يستغفر ربّه» (2)قال عبد الملك:فإنّ النّاس يقولون عليه نصف دينار أو دينار؟فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«فليتصدّق على عشرة مساكين» (3).
و روى،عن داود بن فرقد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،في كفّارة الطّمث، «انّه يتصدّق إذا كان في أوّله بدينار،و في وسطه بنصف دينار،و في آخره بربع دينار» قلت:فإن لم يكن عنده ما يكفّر؟قال:«فليتصدّق على مسكين واحد و إلاّ استغفر اللّه و لا يعود،فإنّ الاستغفار توبة و كفّارة لكلّ من لم يجد السّبيل إلى شيء من الكفّارة» (4).
و احتجّ في الخلاف على مذهبه فيه بالإجماع (5).و بمثله استدلّ السّيّد رحمه اللّه (6).
و احتجّ أحمد (7)بما رواه ابن عبّاس انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال في الّذي يأتي
ص:388
امرأته و هي حائض:(يتصدّق بدينار أو بنصف دينار) (1).
و الجواب عن الرّواية الأولى من وجهين:أحدهما:انّ محمّد بن مسلم لم يسند إلى إمام:الثّاني:انّها محمولة على الاستحباب،جمعا بين الرّوايات.
و عن الثّانية بوجهين:أحدهما:الحمل على الاستحباب.و الثّاني:ضعف سندها،فإنّ في طريقها عليّ بن فضّال (2).
و عن الثّالثة بالوجهين المذكورين.
و أمّا الرّابعة:فإنّها تدلّ على الاستحباب،فإنّ القائل بالوجوب لم يوجب ما قدّره،و في طريقها أبان بن عثمان (3)،و فيه قول.
و أمّا الخامسة:فإنّها مرسلة و محمولة على الاستحباب.ثمَّ الّذي يدلّ على الاستحباب اختلاف مقادير الكفّارات،و ذلك بحسب ما تراه الأئمّة عليهم السّلام من العقوبات،بالنّظر إلى زيادة قبح الفعل و نقصانه،بصدوره عن العارف و الجاهل.
و أمّا الإجماع،فلم نحقّقه.و كيف يدّعى فيه ذلك،و فيه ما فيه من الخلاف.
و عن حجّة أحمد:بضعف روايته،فإنّ مدارها على عبد الحميد بن عبد الرّحمن بن زيد بن الخطّاب[1]،و قد قيل لأحمد:في نفسك من هذا الحديث شيء؟قال:نعم،
ص:389
لأنّه من حديث فلان،و أشار به إلى عبد الحميد.و قال أيضا:لو صحّ ذلك الحديث،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،كنّا نرى عليه الكفّارة (1)،و هذا يدلّ على ضعفه عنده،فلا احتجاج به.
جيادا،و في أوسطه نصف دينار،و في آخره ربع دينار.و هو مذهب أكثر علمائنا القائلين بالوجوب و الاستحباب (2)،و قول ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه (3)،و قال في المقنع:يتصدّق على مسكين بقدر شبعه،و جعل الّذي قدّرناه رواية (4).و قال بعض الحنفيّة:يتصدّق بدينار أو نصف دينار (5).و هو إحدى الرّوايتين عن أحمد (6)،و انّهما على التّخيير.
و روي عن أبي يوسف انّه قال:يتصدّق بدينار في اليوم الأوّل،و بنصف دينار في اليوم الثّاني.و عن أبي يوسف و محمّد انّهما قالا:إن كان في إقبال الدّم فعليه دينار،و إن كان في إدباره فعليه نصف دينار.و هو قول النّخعيّ (7)،و قول الشّافعيّ (8)،و له قول
ص:390
آخر:عتق رقبة (1).و في الرّواية الأخرى عن أحمد:إن كان الدّم أحمر فدينار،و إن كان أصفر فنصف دينار (2)،و هو قول إسحاق (3).و قال الشّافعيّ:إن كان الدّم عبيطا فدينار،و في آخره نصف دينار (4).و حكي عن الحسن البصريّ و عطاء الخراسانيّ[1] انّهما قالا:تجب فيه كفّارة الفطر في رمضان (5).
لنا:رواية داود بن فرقد،و قد تقدّمت (6)،و لا يمنع ضعف سندها العمل بها،إذ الاتّفاق وقع على صحّتها،فبعض استدلّ بها على الرّجحان المانع من النّقيض (7)، و بعض استدلّ بها على مطلق الرّجحان (8).
و احتجّ ابن بابويه برواية الحلبيّ،و قد تقدّم بيان ضعفها.على انّ القول بالاستحباب لا ينافي تلك،إذ قد يؤمر بأدون الرّاجحين كما يؤمر بأعلاهما.
و احتجّ الباقون برواية ابن عباس.
و الجواب عنها مثل هذا الجواب.
ص:391
أمداد من طعام .
و الأقرب الاستحباب عملا بالأصل.و رواية عبد الملك تدلّ على إطعام عشرة مساكين،و قد بيّنّا ضعفها.
فلو كانت عادتها ستّة،فالأوّل:اليومان الأوّلان،و الأوسط:التّاليان،و الآخر:
الأخيران.و لو كانت أربعة،فاليوم الأوّل و ثلث الثّاني:أوّل،و ثلثا الثّاني و ثلثا الثّالث:أوسط،و ثلث الثّالث و الرّابع بأسره:آخر.و هكذا كلّ عدد تفرضه فإنّك تقسّمه أثلاثا.
وجوبا و استحبابا،و لو عجز عن بعضها،قال بعض الجمهور:تسقط (3).و لو قيل بدفع ذلك البعض كان قويّا.
لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في رواية أبي بصير:«من أتى حائضا» (4)علّق الحكم على المطلق من غير تقييد،فكان كالعام.
وجوبا و استحبابا،لقوله عليه السّلام:(رفع عن أمّتي الخطأ و النّسيان) (5)و لأنّها إنّما تجب
ص:392
لمحو المأثم (1)،و لا إثم مع النّسيان كاليمين.و بعض الجمهور القائل بالوجوب أوجبها (2)عملا بعموم الخبر،و الأوّل أقوى.
مع العلم،فإن لم ينزع تعلّقت به الكفّارة على إحدى صفتي الوجوب و الاستحباب،و إن لم يعلم فالحكم فيه كما في الجاهل.
،لأنّه فرع التّكليف و لا تكليف مع عدم البلوغ،و قال ابن حامد[1]:تلزمه الكفّارة،للعموم (3)،و لم يعلم انّ العموم انّما يتناول المكلّف.
و اختاره ابن إدريس (5).و التّفصيل في هذا الباب أولى،و هو أن يقال:إن كان الوطء قد تكرّر في حال واحد كالأوّل و لم يكفّر أوّلا فلا تكرار،و إلاّ تكرّرت.
لأنّه أقدم على فعل محرّم،هذا إن كان عالما بالحيض و التّحريم،و لو جهل أحدهما،فالوجه عدم العقوبة.
،لأنّه ينكر ما علم ثبوته من الدّين قطعا.
،كما في حالة استمرار
ص:393
الدّم،لأنّ الاجتناب حالة الحيض واجب،و الوطء حالة الطّهر مباح،فيحتاط بتغليب الحرام،لأنّ الباب باب الفروج.
لعدم الدّليل،و لأنّ الأصل براءة الذّمّة و عصمة المال،و لأنّا قلنا:انّ الزّوج لا يجب عليه الكفّارة فالمرأة أولى (1).و قال أحمد:لو غرّته وجب عليهما معا الكفّارة،قياسا على الإحرام (2):
و القياس عندنا باطل خصوصا في باب الكفّارات،أمّا لو كانت مكرهة أو جاهلة،فلا كفّارة عليها إجماعا.
،لتساوي أحكامهما على ما يأتي.
،لتناول الاسم لهما،و يشترط أن يكون صافيا من الغشّ،و في إخراج القيمة نظر،أقربه عدم الإجزاء،لأنّه كفّارة فاختصّ ببعض أنواع المال كسائر الكفّارات.
لأنّها كفّارة، و لأنّها حقّ اللّه تعالى،و المساكين مصرف حقوق اللّه تعالى.
خلافا لابن بابويه من أصحابنا فإنّه حرّمه قبل الغسل (1).و به قال الشّافعيّ (2)، و الزّهريّ،و ربيعة (3)،و مالك (4)،و اللّيث،و الثّوريّ (5)،و أحمد (6)،و إسحاق،و أبو ثور (7).و قال أبو حنيفة:إن انقطع الدّم لأكثر الحيض حلّ وطؤها،و إن انقطع لدون ذلك لم يبح حتّى تغتسل،أو تتيمّم،أو يمضي عليها وقت الصّلاة (8).
لنا:قوله تعالى وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ (9)بالتّخفيف،أي:حتّى يخرجن من الحيض،فيجب القول بالإباحة بعد هذه الغاية.
و أيضا:قوله تعالى فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ (10)و المنع متعلّق به،
ص:395
فمع زواله يثبت (1)الحلّ،لأنّ الأصل الإباحة،و لأنّ وجوب الغسل لا يمنع الوطء كالجنابة.
و ما رواه الشّيخ،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيّامها؟فقال:«إن أصاب زوجها شبق فلتغسل فرجها ثمَّ يمسّها زوجها إن شاء قبل أن تغتسل» (2).
و روى،عن عليّ بن يقطين،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا انقطع الدّم و لم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء» (3).
و عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام في المرأة ينقطع عنها دم الحيض (4)في آخر أيّامها؟قال:«إن أصاب زوجها شبق فلتغسل فرجها،ثمَّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل» (5).
و روى،عن عبد اللّه بن المغيرة،عمّن سمع من العبد الصّالح عليه السّلام:«في المرأة إذا طهرت من الحيض و لم تمسّ الماء فلا يقع عليها:زوجها حتّى تغتسل فإن فعل ذلك فلا بأس به،و قال:تمسّ الماء أحبّ إليّ» (6).
و عن عليّ بن يقطين،عن أبي الحسن عليه السّلام في الحائض ترى الطّهر يقع (7)
ص:396
بها زوجها قبل أن تغتسل؟قال:«لا بأس،و بعد الغسل أحبّ إليّ» (1)و هذه الأحاديث تدلّ على استحباب تقديم الغسل.
احتجّ المانعون بقوله تعالى:حَتّى يَطَّهَّرْنَ (2)بالتّشديد،أي:يغتسلن،و لأنّها ممنوعة من الصّلاة بحدث الحيض فلم يبح وطؤها كما لو انقطع لأقلّ الحيض.
و بما رواه الشّيخ،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن امرأة كانت طامثا فرأت الطّهر،أ يقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟قال:«لا،حتّى تغتسل»و عن امرأة حاضت في السّفر،ثمَّ طهرت فلم تجد ماء يوما و اثنين،أ يحلّ لزوجها أن يجامعها قبل أن تغتسل؟قال:«لا يصلح حتّى تغتسل» (3).
و روى،عن سعيد بن يسار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:المرأة تحرم عليها الصّلاة،ثمَّ تطهر فتتوضّأ من غير أن تغتسل،أ فلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟قال:«لا،حتّى تغتسل» (4).
و الجواب عن الأوّل:أنّا قدّمنا انّ التّخفيف قراءة،فصارت القراءتان كآيتين، فيجب العمل بهما،فتحمل عند الاغتسال و عند الانقطاع،أو نقول:يحمل قراءة التّشديد على الاستحباب،و الأولى على الجواز،صونا للقراءتين عن التّنافي.
لا يقال:قوله فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ (5)دالّ على اشتراط الغسل،إذ المراد
ص:397
بالتّطهير هاهنا الغسل.و كذا قوله وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (1)أثنى عليهم فدلّ على انّه فعل منهم،و الفعل هو الاغتسال لا الانقطاع،فشرط لإباحة الوطء شرطين:
الانقطاع،و الاغتسال،فلا يباح إلاّ بهما.
لأنّا نقول:لم لا يجوز أن يكون قوله فَإِذا تَطَهَّرْنَ يعني به:فإذا طهرن، كما يقال:قطعت الحبل فتقطّع،و كسرت الكوز فتكسّر.و حاصله انّ«تفعّل»قد جاء بمعنى فعل كما يقال:تطعّمت الطّعام و طعمته،بمعنى واحد.سلّمنا،لكن لم لا يجوز أن يكون كلاما مستأنفا لا مدخل له في الشّرط و الغاية؟سلّمنا،لكن يحمل على غسل الفرج جمعا بين الأدلّة.
و أمّا قوله وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (2)فلا يدلّ على ما ذكرتم،لاحتمال الاستئناف،أو يكون المراد منه التّنزّه من الذّنوب،فإنّ الطّهارة في اللّغة هي النّزاهة، فيحمل عليها هاهنا لمناسبة التّوبة،فإنّه لا استبعاد أن يكون المراد إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ أي:عن الإقدام على الوطء بعد فعله،فإنّ التّوبة إنّما تكون بعد الإيقاع وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ أي المتنزّهين عن إيقاع الوطء الّذي هو الذّنب مطلقا.
و عن الثّاني:انّه غير وارد علينا،و إنّما هو وارد على مذهب أبي حنيفة.
و عن الثّالث:انّ النّهي فيه يحمل على الكراهة جمعا بين الأدلّة،على انّ الرّواية في طريقها عليّ بن أسباط،و فيه قول،و كذا الجواب عن الرّواية الثّانية.
و قال أبو حنيفة:لا توطأ حتّى تغتسل،أو يمضي عليها وقت أداء الصّلاة إليها مع القدرة على
ص:398
الغسل،مثل أن يكون الانقطاع في وقت صلاة،فإن وجدت في الوقت مقدار ما تغتسل فتجد من الوقت ساعة تصحّ فيها الصّلاة فإنّه يحكم بطهارتها بمضيّ ذلك الوقت،و يجوز وطؤها بعد مضيّه،اغتسلت أو لا (1).و قال زفر:لا يجوز أن يقربها حتّى تغتسل،و لو بقي من الوقت مقدار الاغتسال لا غير،لم يحكم بطهارتها حتّى يمضي ذلك الوقت أو تغتسل أو يمضي وقت صلاة أخرى (2).مبناه على أصل هو انّ المرأة إذا كانت أيّامها دون العشرة في الحيض،فإنّ مدّه الاغتسال من الحيض،و لو كانت عشرة فمدّته ليس من الحيض.و لو فقدت الماء فتيمّمت حكم بطهارتها،و جاز للزّوج أن يقربها،و هل تنقطع الرّجعة بنفس التّيمّم من غير صلاة به؟قال أبو حنيفة و أبو يوسف:لا تنقطع (3).خلافا لمحمّد (4)،فلو رأت بعد ذلك الماء حلّ للزّوج وطؤها،و لا تقرأ القرآن،لأنّها بالتّيمّم خرجت من الحيض،فلمّا وجدت الماء وجب عليها الغسل، فصارت كالجنب.
قال أبو حنيفة:و لو انقطع في ليل رمضان،و وجدت من اللّيل مقدار ما تغتسل و تجد ساعة من اللّيل،فإنّه يجب عليها قضاء العشاء و يصحّ صومها في الغد،و لو بقي أقلّ من ذلك لم يجب القضاء و لم يصحّ صومها،أمّا لو كانت عادتها عشرة و وجدت بعد الانقطاع مقدار زمان الغسل،وجب عليها قضاء صلاة العشاء و صحّ صوم غدها (5).
ص:399
و نحن عندنا انّ الشّرط الّذي ذكره ليس بصحيح،و قد تقدّم بيانه.
،لما بيّنّاه من الأحاديث الدّالّة على المنع، و لوقوع الخلاف في الجواز و عدمه،و ذلك يثمر كراهيّته.
استحبابا،ثمَّ يطؤها إن شاء،لرواية محمّد بن مسلم،و قد تقدّمت.
لا يقال:انّها تدلّ على الوجوب،لأنّه أمره أن لا يقربها إلاّ بعد غسل فرجها، و الأمر للوجوب.
لأنّا نقول:الأمر و إن كان في الأصل للوجوب،لكن قد يترك ذلك الأصل لوجود دليل و قد وجد ها هنا،و هو رواية عليّ بن عبد اللّه بن المغيرة (1).
لأنّه الأصل،فلا يزول اعتقاد ثبوته إلاّ بدليل،و لما رواه محمّد بن يعقوب في كتابه،عن سورة بن كليب[1]، قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الحائض أ تغسل ثيابها الّتي لبستها في طمثها؟قال:«تغسل ما أصاب ثيابها من الدّم و تدع ما سوى ذلك»قلت له:و قد عرقت فيها؟قال:«انّ العرق ليس من الحيض» (2).
و ما رواه،عن إسحاق بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الحائض تصلّي في ثوبها ما لم يصبه دم» (3)جعل الغاية في الإباحة إصابة الدّم،و العرق ليس
ص:400
به،فساغ الصّلاة فيه،فكان طاهرا.
و كذا لا ينجس ما تباشره من المائع،لما رواه الشّيخ،و محمّد بن يعقوب في كتابيهما في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
سألته عن الحائض تناول الرّجل الماء؟فقال:«قد كان بعض نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله تسكب عليه الماء و هي حائض و تناوله الخمرة» (1)و لأنّ الأصل عدم النّجاسة.
،لما رواه محمّد بن يعقوب في الصّحيح،عن رفاعة النّخّاس،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:أشتري الجارية فربّما احتبس طمثها من فساد دم أو ريح فتسقى دواء لذلك فتطمث من يومها،أ فيجوز ذلك لي و أنا لا أدري من حبل هو أو من غيره؟فقال:«لا تفعل ذلك» فقلت له:إنّما ارتفع طمثها منها شهرا،و لو كان ذلك من حبل إنّما كان نطفة كنطفة الرّجل الّذي يعزل،فقال لي:«انّ النّطفة إذا وقعت في الرّحم تصير إلى علقة،ثمَّ إلى مضغة،ثمَّ إلى ما شاء اللّه،و إنّ النّطفة إذا وقعت في غير الرّحم لم يخلق منها شيء فلا تسقها دواءا إذا ارتفع طمثها شهرا و جاز وقتها الّذي كانت تطمث فيه»[1]و هذا النّهي يدلّ على انّ المنع إنّما كان للحبل،فعلى هذا لو كانت خالية منه لم أر به بأسا.
روى ابن يعقوب،عن أديم بن الحرّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«انّ اللّه تعالى حدّ للنّساء في كلّ شهر
ص:401
مرّة» (1).
و روى في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن قوله تعالى إِنِ ارْتَبْتُمْ (2).فقال:«ما جاز الشّهر،فهو ريبة» (3).
و روى ابن بابويه،عن الباقر عليه السّلام،قال:«انّ الحيض نجاسة للنّساء رماهنّ اللّه تعالى بها،و قد كنّ في زمن نوح عليه السّلام إنّما تحيض المرأة في كلّ سنة حيضة حتّى خرج نسوة من مجانهنّ (4)و كنّ سبعمائة امرأة فانطلقن فلبسن المعصفرات من الثّياب و تحلّين و تعطّرن،ثمَّ خرجن فتفرّقن في البلاد،فجلسن مع الرّجال و شهدن الأعياد معهم،و جلسن في صفوفهم،فرماهنّ اللّه بالحيض عند ذلك في كلّ شهر،يعني أولئك النّسوة بأعيانهنّ،فسالت دماؤهنّ فأخرجن من بين الرّجال فكنّ يحضن في كلّ شهر حيضة فشغلهنّ اللّه تعالى بالحيض و كسر شهوتهنّ و كان غيرهنّ من النّساء اللّواتي لم يفعلن مثل ما فعلن يحضن في كلّ سنة حيضة،قال:فتزوّج بنو اللّواتي (5)يحضن في كلّ شهر حيضة بنات اللّواتي (6)يحضن في كلّ سنة حيضة،فامتزج القوم فحضن بنات هؤلاء و هؤلاء في كلّ شهر حيضة» (7).
و يجوز أن يقع في النّدرة خلاف ذلك،روى ابن بابويه،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:«ان فاطمة عليها السّلام ليست كإحداكنّ،انّها لا ترى دما في حيض و لا نفاس» (8).
ص:402
بيقين فتستعمل الاحتياط، و تغتسل عند كلّ صلاة،و تصلّي إلى أن تمضي ثلاثة أيّام،ثمَّ تغتسل عند كل صلاة،لاحتمال انقطاع دم الحيض،و هكذا تفعل ما تفعله المستحاضة،و تغتسل للانقطاع إلى آخر الشّهر،و يردّها إلى آخر الأحوال في أمور ثمانية:
الأوّل:منعها من الاستمتاع،فلا يحلّ على الزّوج دائما.
الثاني:لا تنقطع عدّتها إلاّ بثلاثة أشهر.
الثّالث:إذا أرادت قضاء صوم يوم،صامت يومين:أوّل و حادي عشر،و على ما اخترناه تضعيف إليهما الثّاني و الثّاني عشر،لاحتمال أن يكون ابتداؤه من نصف الأوّل إلى نصف الحادي عشر فيصحّ الثّاني عشر،و يحتمل أن يكون انقطاعه في نصف الثّاني،بأن يكون قد مزجت من الشّهر الأوّل إلى نصف الثّاني عشر،و يبتدئ الحيض الثّاني من نصف الثّاني عشر،فيصحّ الحادي عشر،و يحتمل انقطاعه في نصف اليوم الأوّل،ثمَّ يبتدئ في نصف الحادي عشر فيصحّ الثّاني،و يحتمل أن يكون الأوّل طهرا فيصحّ.
الرّابع:إذا طلّقت واحدة افتقر إلى إيقاعها في هذه الأيّام الأربعة.
الخامس:تصوم شهر رمضان بأجمعه و تقضي أحد عشر على ما اخترناه.و لو أرادت القضاء في أيّام الدّم صامت شهرين ليحصل لها في كلّ شهر عشرة أيّام.
السّادس:منعها من المساجد و الطّواف.
السّابع:منعها من قراءة العزائم.
الثّامن:أمرها بالصّلوات،و الغسل عند كلّ صلاة.
الشّيطان (1).أقول:و ليس مراده بذلك التّحريم،لما بيّنّاه من الأحاديث الدّالّة على الجواز (2).
و كذا قال:و الحائض تغتسل بتسعة أرطال من ماء بالرّطل المدنيّ (3)،و ليس المراد بذلك الأمر الوجوب،لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأها» (4)و هذا يشعر على انّ وصول الماء إلى الجسد مع حصول مسمّى الغسل مجز.
و رواية الحسن الصّيقل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الطّامث تغتسل بتسعة أرطال من ماء» (5)(6)لا يعارض هذا،إذ الأمر هنا للاستحباب.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن الفضيل،عن أبي الحسن عليه السّلام عن الحائض كم يكفيها من الماء؟فقال:«فرق» (7)قال أبو عبيدة:و لا اختلاف بين النّاس فيما أعلمه انّ الفرق ثلاثة أصوع (8).
لأنّا نقول:انّه على الاستحباب،فإنّ أحدا لم يوجب الاغتسال بفرق.
«أدخلت يدها فتمسّ
ص:404
الموضع فإن رأت شيئا انصرفت و إن لم تر شيئا أتمّت صلاتها» (1)رواه الشّيخ و ابن يعقوب،و في الطّريق ضعف إلاّ انّ فيها احتياطا فلا بأس بالعمل بمضمونها.
و به قال أحمد و إسحاق (2)،لأنّ الغسل لا يفيد شيئا من الأحكام.
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:سألته عن المرأة تحيض و هي جنب هل عليها غسل الجنابة؟قال:«غسل الجنابة و الحيض واحد» (3).
و روى،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«إذا حاضت المرأة و هي جنب أجزأها غسل واحد» (4).
و لم يصحّ غسلها،خلافا لأكثر الجمهور (5).
لنا:انّ الحدث ملازم،و لأنّ الحيض أكبر من الغسل،و لأنّه لو توضّأ ليزيل الحدث الأصغر لم يعتدّ به مع الجنابة،فكذا ها هنا.
و لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن يحيى الكاهليّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن المرأة يجامعها زوجها فتحيض و هي في المغتسل،تغتسل أو
ص:405
لا تغتسل؟قال:«لا تغتسل،قد جاءها ما يفسد الصّلاة» (1).
و روى في الموثّق،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سئل عن رجل أصاب من امرأته،ثمَّ حاضت قبل أن تغتسل؟قال:«تجعله غسلا واحدا» (2)و الأمر ظاهر للوجوب.
و روى في الموثّق،عن الحجّاج الخشّاب،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل وقع على امرأته فطمثت بعد ما فرغ،أ تجعله غسلا واحدا[إذا تطهّرت] (3)أو تغتسل مرّتين؟قال:«تجعله غسلا واحدا عند طهرها» (4).
لا يقال:يعارض هذا:ما رواه الشّيخ،عن سماعة بن مهران،عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السّلام قالا في الرّجل يجامع امرأته فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة،قال:«غسل الجنابة عليها واجب» (5).
لأنّا نقول:انّ سماعة واقفيّ،و الرّاوي عنه عثمان بن عيسى و هو واقفيّ أيضا، فلا تعويل على هذه الرّواية.على انّا نقول:نحن نسلّم هذه الرّواية،فإنّ الحيض لا يسقط وجوب غسل الجنابة و ليس فيها دلالة على وجوب فعل غسل الجنابة حالة الحيض.
ص:406
احتجّ المخالف بأنّ أحد الحدثين لا يمنع ارتفاع الآخر،كما لو اغتسل الجنب المحدث الحدث الأصغر (1).
و الجواب:المنع من بقاء الحدث الأصغر مع غسل الجنابة.
سلّمنا،لكنّا نقول:انّ الحدث الأصغر لا يرتفع إلاّ بمجموع الطّهارتين،فكان كلّ واحد منهما كجزء طهارة،و فعل الجزء لا يمنع من فعل الجزء الآخر،بخلاف طهارتي الجنابة و الحيض.على انّ الشّيخ يلوح من كلامه في التّهذيب جواز الاغتسال (2)،لرواية عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن المرأة يواقعها زوجها،ثمَّ تحيض قبل أن تغتسل،قال:«إن شاءت أن تغتسل فعلت و إن لم تفعل فليس عليها شيء، فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض و الجنابة» (3)و في طريقها ابن فضّال و عمّار السّاباطيّ،و كلاهما ضعيفان.
فعلى القول بالعدم يجوز تقديم الوضوء و تأخيره،و أيّهما قدّم جاز أن ينوي به استباحة الصّلاة،و هل ينوي بالمتقدّم رفع الحدث أم بالمتأخّر لا غير؟فيه نظر،من حيث انّ الحدث لا يرتفع إلاّ بهما،فكان الأوّل غير رافع،فلا ينوي به الرّفع،أو انّه مع المتأخّر كالجزء فجازت نيّة رفع الحدث،و كان أبي رحمه اللّه يذهب إلى الأوّل،و عندي فيه توقّف.
و غيرها من الأغسال
ص:407
المستحبّة عملا بالعموم،و ليس شيء منها رافعا للحدث،فلا يصلح الحيض للمانعيّة.
قال:«من جامع امرأته و هي حائض فخرج الولد مجذوما أو أبرص فلا يلومنّ إلاّ نفسه» (1).
و سئل الصّادق عليه السّلام عن المشوّهين في خلقهم،فقال:«هم الّذين يأتي آباؤهم نساءهم في الطّمث» (2).
قال ابن بابويه:و لا يجوز للنّساء أن ينظرن إلى أنفسهنّ في المحيض،لأنّهنّ قد نهين عن ذلك (3).
لرواية عمّار السّاباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن الحائض تغتسل و على جسدها الزّعفران لم يذهب به الماء؟قال:«لا بأس به» (4).
و هو في الأغلب دم أصفر بارد رقيق،لما رواه الشّيخ في الحسن،عن حفص بن البختريّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«و دم الاستحاضة أصفر بارد» (1).
و روى في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«دم الاستحاضة بارد» (2).
و روى في الصّحيح،عن إسحاق بن جرير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«دم الاستحاضة دم فاسد بارد» (3).
و قد يتّفق بهذه الصّفات حيضا إذا كان في العادة،و أن يكون استحاضة و إن لم يكن بهذه الصّفات إذا تجاوز العادة،أو كان بعد أكثر أيّام النّفاس و الحيض،أو كان أقلّ من ثلاثة.و قد سلف بيان ذلك كلّه (4).
عقيل (1)،و مالك (2)،و قال أبو حنيفة:تتوضّأ لوقت كلّ صلاة (3).و قد تقدّم البحث في (4)ذلك.و لو غمس الدّم القطنة و لم يسل،لزمها مع الوضوء و الإبدال تغيير الخرقة و الغسل لصلاة الغداة و الوضوء لكلّ صلاة.و قال ابن أبي عقيل:يجب عليها ثلاثة أغسال (5).
لنا:ما رواه الشّيخ،عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«فإن لم يجز[الدّم] (6)الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة،و الوضوء لكلّ صلاة» (7).
و روى الشّيخ،عن الحسين بن نعيم الصحّاف،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«فإن لم ينقطع عنها الدّم إلاّ بعد أن تمضي الأيّام الّتي كانت ترى الدّم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل و لتحتشي و لتستثفر و تصلّي الظّهر و العصر،ثمَّ لتنظر،فإن كان الدّم فيما بينهما و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضّأ و لتصلّ عند وقت كلّ صلاة ما لم تطرح الكرسف عنها،فإن طرحت الكرسف عنها و سال الدّم،وجب عليها الغسل» (8).
ص:410
و روى في الموثّق،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«فإذا نفذ اغتسلت و صلّت». (1).
و في رواية إسماعيل الجعفيّ،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«المستحاضة تقعد أيّام قرئها،ثمَّ تحتاط بيوم أو يومين،فإن هي رأت طهرا اغتسلت و إن هي لم تر طهرا اغتسلت و احتشت و لا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدّم على الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل و أعادت الكرسف» (2).
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة قال:قلت له:النّفساء متى تصلّي؟قال:
«تقعد قدر حيضها و تستظهر بيومين،فإن انقطع الدّم و إلاّ اغتسلت و احتشت و استثفرت و صلّت،فإن جاز الدّم الكرسف تعصّبت و اغتسلت،ثمَّ صلّت الغداة بغسل،و الظّهر و العصر بغسل،و المغرب و العشاء بغسل،و إن لم يجز الكرسف صلّت بغسل واحد» قلت:فالحائض (3)؟قال:«مثل ذلك سواء،فإن انقطع الدّم و إلاّ فهي مستحاضة تصنع مثل النّفساء سواء» (4).
و اعلم انّ هذه الرّوايات كلّها لا تخلو عن ضعف.
أمّا الأولى:فراويها سماعة،و الرّاوي عنه عثمان بن عيسى،و هما واقفيّان (5).
و أمّا الثّانية:فإنّ الحكم فيها معلّق على السّيلان،و مع ذلك ففي طريقها من لا يحضرني الآن حال عدالته و جرحه.
ص:411
و أمّا الثّالثة:فإنّ في طريقها ابن بكير،و فيه قول (1).و رواية إسماعيل في طريقها القاسم بن محمّد،و هو واقفيّ (2)،و أبان بن عثمان،و هو ضعيف ذكره الكشّيّ (3).
و أمّا رواية زرارة فإنّه لم يسندها إلى إمام،و إن كانت ثقته تدلّ على انّه لا يسندها إلاّ إلى إمام،إلاّ انّ ذلك لا يخلو من احتمال،فإنّه من الممكن أن يخبر عن غير إمام.
و قد روى ابن يعقوب في كتابه في الصّحيح،عن محمّد بن إسماعيل،عن الفضل بن شاذان[1]،عن حمّاد بن عيسى و ابن أبي عمير،عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«المستحاضة تنظر أيّامها،فلا تصلّي فيها و لا يقربها بعلها،فإذا جازت أيّامها و رأت الدّم يثقب الكرسف اغتسلت للظّهر و العصر تؤخّر هذه و تعجّل هذه،و للمغرب و العشاء غسلا تؤخّر هذه و تعجّل هذه،و تغتسل للصّبح و تحتشي و تستثفر و لا تحيّي (4)و تضمّ فخذيها في المسجد و سائر جسدها خارج،و لا يأتيها بعلها أيّام قرئها،و إن كان الدّم لا يثقب الكرسف توضّأت و دخلت المسجد و صلّت كلّ صلاة بوضوء،و هذه يأتيها بعلها إلاّ في أيّام حيضها» (5)و هذه رواية صحيحة و عليها أعمل.
أمّا لو سال دمها فعليها ثلاثة أغسال:غسل للصّبح،و إن كانت تصلّي صلاة اللّيل أخّرتها إلى قرب الصّبح،ثمَّ اغتسلت لها و للصّبح،و غسل للظّهر و العصر،و غسل
ص:412
للمغرب و العشاء.و هو مذهب علمائنا أجمع،خلافا لأكثر الجمهور،فإنّ بعضهم لم يوجب الغسل أصلا (1)،و مالك لم يجعله ناقضا (2).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه أمر حمنة (3)و سهلة بنت سهيل (4)بالغسل (5).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من الرّوايات.
و ما رواه الشّيخ،عن الحسين بن نعيم بن الصّحّاف قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«و إن كان الدّم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقأ، فإنّ عليها أن تغتسل في كلّ يوم و ليلة ثلاث مرّات و تحتشي و تصلّي و تغتسل للفجر و تغتسل للظّهر و العصر،و تغتسل للمغرب و العشاء الآخرة» (6).
و روى في الصّحيح،عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«المستحاضة تغتسل عند صلاة الظّهر و تصلّي الظّهر و العصر،ثمَّ تغتسل عند المغرب و تصلّي المغرب و العشاء،ثمَّ تغتسل عند الصّبح و تصلّي الفجر،و لا بأس أن يأتيها بعلها
ص:413
متى شاء إلاّ في أيّام حيضها فيعتزلها زوجها» (1).
و ما رواه،عن يونس،عن رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حمنة بنت جحش حين قالت:إنّي أثجّه ثجّا،فقال:
تلجّمي و تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه سبعة أيّام أو ستّة أيّام (2)،ثمَّ اغتسلي غسلا و صومي ثلاثا و عشرين،أو أربعا و عشرين،و اغتسلي للفجر غسلا،و أخّري الظّهر و عجّلي العصر و اغتسلي غسلا،و أخّري المغرب،و عجّلي العشاء،و اغتسلي غسلا» (3).
و روى في الصّحيح،عن إسحاق بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«و إن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين» (4)و قد مضى البحث مع المخالف (5).
الوضوء.و هو الظّاهر من كلام الشّيخ رحمه اللّه (1)،و الحقّ عندي أنّها تتوضّأ لكلّ صلاة مع هذه الأغسال.
لنا:قوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا (2)و ذلك عام.
لا يقال:يعارض هذا ما رواه الشّيخ،عن الحسين بن نعيم الصّحّاف،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«و إن طرحت الكرسف عنها و لم يسل الدّم فلتوضّأ و لتصلّ و لا غسل عليها»قال:«فإن كان الدّم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقأ،فإنّ عليها أن تغتسل في كلّ يوم و ليلة ثلاث مرّات و تحتشي و تصلّي و تغتسل للظّهر و العصر و تغتسل للمغرب و العشاء الآخرة» (3).
و ما رواه زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:الطّامث تقعد بعدد أيّامها كيف تصنع؟قال:«تستظهر بيوم أو يومين،ثمَّ هي مستحاضة فلتغتسل و لتستوثق من نفسها و تصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدّم،فإذا نفذ اغتسلت و صلّت» (4)و هذا التّفصيل قاطع للشّركة.
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،و قد تقدّمت.
لأنّا نقول:انّ إيجاب الغسل لا يمنع إيجاب الوضوء مع كلّ غسل،و لا مع كلّ صلاة،لما تقدّم من قولهم عليهم السّلام«كلّ غسل لا بدّ معه من الوضوء إلاّ غسل الجنابة» (5)و قوله:التّفصيل قاطع للشّركة،مسلّم،فإنّ ذات الدم القليل تقدّم على
ص:415
الصّلاة بالوضوء لا غير،و ذات الكثير به و بالغسل معا،فانقطعت الشّركة.
لا يقال:انّ رواية عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام تنافي هذا، لأنّه قال:«تغتسل عند صلاة الظّهر و تصلّي الظّهر و العصر،ثمَّ تغتسل عند المغرب فتصلّي المغرب و العشاء،ثمَّ تغتسل عند الصّبح فتصلّي الفجر» (1)و هذا يدلّ على تعقيب الفعل للغسل،فلا يجب الوضوء.
لأنّا نقول:انّه من حيث المفهوم دالّ على ما ذكرتم،و ما قدّمناه من احتياج كلّ غسل إلى وضوء منطوق،فكان العمل به أولى،على انّه يمكن حمل الصّلاة على المعنى الشّرعيّ،و جزء مفهومها حينئذ الوضوء،و في طريق الرّواية عليّ بن فضّال،و فيه قول (2).
في الوضوء و الغسل معا.
لأنّ الاستحاضة حدث يبطل الطّهارة بوجوده،فمع الإتيان بما ذكر من الوضوء حالة القلّة،و الأغسال حالة الكثرة يخرج عن حكم الحدث.
و يجوز لها استباحة كلّما يشترط فيه الطّهارة كالصّلاة،و الطّواف،و دخول المساجد و قراءة العزائم و إباحة الوطء،و لو لم تفعل ذلك كان حدثها باقيا.و هل يصحّ صومها حينئذ؟قال أصحابنا:يجب عليها القضاء.كذا قال الشّيخ في المبسوط (3).
على الأشهر عندنا (4).و قال الشّافعيّ:لا تجمع بين فريضتين،و تجمع بين الفريضة و ما شاءت من
ص:416
النّوافل (1).و قال أبو حنيفة (2)و أحمد:تجمع بين فريضتين في وقت واحد،و تبطل طهارتها بخروج وقت الصّلاة (3).و قال ربيعة (4)،و مالك (5)،و داود:لا وضوء على المستحاضة (6).و قال الأوزاعيّ،و اللّيث:تجمع بطهارتها بين الظّهر و العصر (7).
،فلو اغتسلت ذات الدّم الكثير وقت الصّبح و صلّت به،ثمَّ انقطع الدّم وقت الظّهر لم يجب الغسل و اكتفت بالوضوء،و لو كان الدّم الكثير سائلا ففرّطت في غسل الصّبح،اجتزأت بغسل واحد للظّهر و العصر مع الوضوءين،و لو أرادت قضاء الصّبح حينئذ كفاها الوضوء،أمّا لو أرادت قضاءه قبل الظّهر وجب أن تغتسل،و لا يكفيها عن غسل صلاة الظّهر و إن أوقعته قبل الزّوال بشيء يناسب تقديم غسل الصّبح لصلاة اللّيل.و كذا ليس لها أن تقدّم غسل الزّوال عليه،و لا غسل الغروب عليه.
اختيار ابن سيرين (1)،و الشّعبيّ (2)،و النّخعيّ (3)و الحكم (4).
أمّا مع عدم الأفعال،فالّذي تعطيه عبارة أصحابنا التّحريم.
لنا:على الإباحة قوله تعالى فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ (5)و ذلك عام.
و ما رواه الجمهور،عن حمنة بنت جحش:انّها كانت مستحاضة و كان زوجها طلحة يجامعها (6)،و كانت أمّ حبيبة تستحاض و كان زوجها عبد الرّحمن بن عوف يجامعها (7)،و قد سألتا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله (8)من أحكام المستحاضة،فلو كان حراما لبيّنه لهما.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه
ص:418
السّلام،قال:«و هذه يأتيها بعلها إلاّ في أيّام حيضها» (1)عني المستحاضة.
و ما رواه في الصّحيح،عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«و لا بأس أن يأتيها بعلها متى شاء إلاّ في أيّام حيضها» (2).
و أمّا ما يدلّ على اشتراط الأفعال،فما رواه الشّيخ،في الموثّق،عن فضيل، و زرارة عن أحدهما عليهما السّلام في المستحاضة:«فإذا حلّت لها الصّلاة حلّ لزوجها أن يغشاها» (3)و لا ريب انّ الصّلاة لا تحلّ إلاّ مع الأفعال،فكذا المعلّق معه بحرف الشّرط.
و ما رواه،عن مالك بن أعين،عن أبي جعفر عليه السّلام،في المستحاضة:«و لا يغشاها حتّى يأمرها فتغتسل،ثمَّ يغشاها إن أراد» (4).
و ما رواه،عن سماعة قال:«و إذا أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل» (5).
و احتجّ أحمد (6)بما روي،عن عائشة انّها قالت:المستحاضة لا يغشاها زوجها (7).و لأنّ بها أذى،فيحرم وطؤها،كالحائض الممنوع وطؤها بالأذى،لترتّب الحكم عليه بفاء التّعقيب المشعر بالعلّيّة.
و الجواب عن الأوّل:باحتمال أن يكون ذلك باجتهاد منها لا نقلا عن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،فلا يكون حجّة.
ص:419
و أيضا:يمكن أن يكون المراد لا يغشاها زوجها في أيّام أقرائها،أو مع الاشتباه فإنّ الصّيغة ليست للعموم.
و عن الثّاني:انّ ما ذكرتموه مفهوم،فلا يعارض المنطوق.سلّمنا،لكن يمكن ترتيب الحكم على أذى الحيض،لا على كلّ أذى،خصوصا مع قوله «فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ» (1)و هذا يدلّ بمنطوقه على تحليل الوطء.
لا يقال:يمنع اشتراط الأفعال فإنّ اللّه تعالى قال «فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ» و قال «وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ» (2)و ذلك يدلّ على عموميّة التّحليل،و لأنّ رواية ابن سنان تدلّ على الإباحة مطلقا،و لأنّ الوطء لا يشترط فيه خلوّ الموطوءة من الحدث كالحائض إذا انقطع دمها و الجنب،و لأنّ الأصل الحلّ،و قد سلم من المعارض،فيعمل به.و أيضا:فإنّ رواية زرارة غير دالّة على مطلوبكم،لأنّ الظّاهر انّ المنع لمّا كان من الحيض،كان الحلّ بالخروج منه،كما يقال:لا تحلّ الصّلاة في المغصوب،فإذا خرج حلّت،أي زال منع الغصب و إن افتقر إلى الطّهارة.و رواية ابن أعين يحتمل انّه أراد غسل الحيض.
لأنّا نقول:ما ذكرتم من الآيات لا تدلّ من حيث المنطوق على العموم،إذ ليست هذه الصّيغ موضوعة له.و لو سلّمناه لكن ما ذكرناه خاصّ،فيكون مقدّما،و هو الجواب عن رواية ابن سنان.على انّها إنّما وردت عقيب أمرها بالاغتسال و الوضوء.
و أمّا ما ذكرتموه من القياس على الحائض،فهو ينقلب عليكم،لأنّا نقول:يشترط فيه انقطاع الدّم كالحائض،و أمّا التّمسّك بالأصل فضعيف مع ما ذكرنا من الأدلّة.
و أمّا ما ذكره في تأويل رواية زرارة فضعيف،إذا المنطوق تعليق الحلّ بالحلّ و الاحتمال الّذي ذكروه في رواية ابن أعين لم يدلّ عليه اللّفظ،فلا يكون مقبولا.
ص:420
مسألة:و يجب عليها التّحفّظ بمنع الدّم من التّعدّي على قدر الإمكان،بأن تحتشي،و تستثفر[1]،و تحتاط بحشو القطن أو ما يشبهه لردّ (1)الدّم،لما رواه يونس، عن رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال:انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر حمنة لمّا شكت إليه كثرة الدّم«احتشي كرسفا»فقالت:انّه أشدّ من ذلك انّي أثجّه ثجّا؟فقال لها:«تلجّمي» (2).
و في رواية فضيل و زرارة،عن أحدهما عليهما السّلام:«و تحتشي».
و في رواية ابن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و احتشت كرسفا و تنظر،فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها» (3).
و في رواية ابن نعيم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و لتحتش بالكرسف و لتستثفر» (4).
و في رواية زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«و تستوثق من نفسها» (5).
و في رواية معاوية بن عمّار.«و تحتشي و تستثفر و تضمّ فخذيها في المسجد» (6).
ص:421
و في رواية صفوان،عن أبي الحسن عليه السّلام:«و تستدخل قطنة» (1)و الأحاديث في ذلك كثيرة (2).
و روى محمّد بن يعقوب في كتابه في الصّحيح،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«تستدخل قطنة و تستثفر بثوب» (3)و لأنّ طهارة البدن من النّجاسة شرط في الإذن في الدّخول في الصّلاة،فيجب تحصيله بقدر الإمكان.
و كذا البحث في صاحب السّلس و المبطون و صاحب الجرح،و قد تقدّم (4)،إلاّ انّ الاستحاضة تفارقهم بوجوب تغيير الشّداد للنّص،و ليس ذلك بواجب في حقّهم لعدم الدّلالة.
و هو قول الشّيخ في المبسوط (6)،و قد أطلق الشّيخ هذا.و الّذي يقتضيه النّظر التّفصيل،فإنّ الانقطاع إن كان للبرء ثبت ما قاله الشّيخ،أمّا لو انقطع،ثمَّ عاد،فالوجه انّه لا عبرة بهذا الانقطاع،لأنّ اعتباره ممّا يشقّ،و العادة في المستحاضة و أصحاب الأعذار كالسّلس و المبطون انّ الخارج يجري تارة و ينقطع اخرى،و اعتبار مقدار الانقطاع بما يمكن فعل العبادة فيه يشقّ جدّا،و إيجاب الوضوء عند كلّ انقطاع غير مستقرّ حرج لم يثبت بدليل شرعيّ اعتباره،و لم يسأل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عنه المستحاضة الّتي استفتته،فلم يكن معتبرا.
ص:422
حينئذ،لأنّها دخلت في الصّلاة دخولا مشروعا فليس لها إبطاله،كالمتيمّم يجد الماء بعد الدّخول،و الإبطال،لأنّ حدثها لم يرتفع،و إنّما دخلت مع الحدث للضّرورة و قد زالت،و الحمل على المتيمّم قياس،و الأوّل أقوى.
و الصّلاة انتظرته
ما لم يخرج الوقت،و إن لم يتّسع جاز لها الوضوء و الصّلاة مع جريان الدّم.و لو توضّأت حال جريانه و انقطع فدخلت في الصّلاة جاز.و لو استمرّ الانقطاع بطلت صلاتها،لظهور انّ هذا الانقطاع قد أبطل طهارتها قبل الشّروع في الصّلاة.
صحّت صلاتها
،و إن شكّت لم يصحّ،سواء عاد إليها الدّم و هي في الصّلاة أو لا،أمّا مع عدمه فظاهر،و أمّا مع عوده فلأنّها دخلت بطهارة مشكوك فيها فلم يصحّ،و إن تبيّنت صحّتها،كما لو دخل الشّاك في الطّهارة في الصّلاة،ثمَّ تبيّن انّه متطهّر فإنّه يعيد.
أمّا استحبابه،فلأنّه طهر فيسنّ فيه التّكرار،لقوله عليه السّلام:«الطّهر على الطّهر عشر حسنات» (1).
و أمّا عدم الوجوب،فلما روي من قولهم عليهم السّلام:تغتسل لكلّ صلاتين (2).و لا نعرف في ذلك خلافا بين علمائنا.و ذهب بعض الجمهور إلى انّه يجب عليها الغسل لكلّ صلاة (3)،و رووه،عن عليّ عليه السّلام،و ابن عمر،و ابن عبّاس، و ابن الزّبير (4)،و هو أحد قولي الشّافعيّ في المتحيّرة (5).و نحن نذهب إلى ما قاله الشّافعيّ في المتحيّرة،لما تقدّم من الأحاديث (6).و قال بعضهم:تغتسل كلّ يوم غسلا (7).
احتجّ القائلون بوجوب التّكرار عند كلّ صلاة:بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر أمّ حبيبة لمّا استحيضت بالغسل لكلّ صلاة (8).
و الجواب:انّه معارض بما تقدّم من الأحاديث،و لأنّ الرّاوي عائشة،فيحتمل انّها
ص:424
توهّمت الأمر فيما ليس أمرا،و لو سلم عن ذلك يحمل على الاستحباب.
و هو دم يقذفه الرّحم عقيب الولادة،يقال:نفست المرأة و نفست بضمّ النّون و فتحها و في الحيض بالفتح لا غير،و هو مأخوذ إمّا من النّفس و هي الدّم لغة،أو من تنفّس الرّحم بالدّم.
سواء ولدته تامّا أو ناقصا.و هو قول أحمد في إحدى الرّوايتين (1)،و أحد قولي الشّافعيّ.و في القول الآخر:يجب عليها الغسل (2)(3).و هو قول أحمد في إحدى الرّوايتين (4)،و ذلك على الاختلاف بين زفر و أبي يوسف في وجوب الاغتسال عليها،فأوجبه أحدهما (5)دون الآخر.
لنا:انّ النّفاس هو الدّم المخصوص و لم يوجد،و لأنّ الأصل براءة الذّمّة من وجوب الغسل،و استباحة الأفعال الممنوعة منها النّفساء،و القول بوجوب الغسل إبطال للأصل من غير دليل.و لأنّ الوجوب حكم شرعيّ،و لم يرد بالغسل هاهنا النّص و لا معناه،فإنّه ليس بدم و لا منيّ،و إنّما ورد الشّرع بالإيجاب بهذين الشّيئين.
احتجّوا بأنّ الولادة مظنّة النّفاس الموجب،فقامت مقامه في الإيجاب،كالتقاء الختانين،و لأنّ استبراء الرّحم يحصل بها كالحيض،فيثبت فيها حكمه،و لأنّ الولد خلق من المنيّ،و خروج المنيّ يوجب الغسل.
ص:425
و الجواب عن الأوّل:انّ المظنّة إنّما تعتبر بالنّصّ أو الإجماع،و لم يوجدا ها هنا.
و عن الثّاني:انّه قياس طرديّ لا معنى تحته.ثمَّ انّ النّفاس و الحيض اختلفا في كثير من الأحكام،فليس شبهه به في هذا الحكم أولى من مخالفته لمخالفة في سائر الأحكام،و يؤيّد ما ذكرناه:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن الحسين بن عليّ بن يقطين،عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام عن النّفساء،قال:«تدع[الصّلاة] (1)ما دامت ترى الدّم العبيط» (2)و هذا دالّ على المنع من التّرك في وقت عدم الرّؤية للدّم (3).
و عن الثّالث:انّ الموجب خروج المنيّ،لا ما يتكوّن منه.
إجماعا،كما انّه لو خرج بعد الولادة كان نفاسا إجماعا.أمّا ما يخرج مع الولادة فقد صرّح الشّيخ في الخلاف و المبسوط انّه نفاس (4).و هو قول أبي إسحاق المروزيّ،و أبي العبّاس بن القاص من أصحاب الشّافعيّ (5).و قال السّيّد المرتضى:النّفاس هو الدّم الّذي تراه المرأة عقيب الولادة (6).
و هو اختيار بعض الشّافعيّة (7)،و مذهب أبي حنيفة (8).
و استدلّ الشّيخ في الخلاف،بأنّ اللّفظ يتناوله،فيحمل على عموم ما ورد في هذا
ص:426
الباب.
أمّا ما تراه مع الطّلق قبل الولادة فليس بنفاس،لما رواه الشّيخ في الموثّق،عن عمّار السّاباطي،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:في المرأة يصيبها الطّلق أيّاما أو يوما أو يومين فترى الصّفرة أو دما؟قال:«تصلي ما لم تلد،فإن غلبها الوجع ففاتتها صلاة لم تقدر أن تصلّيها فعليها قضاء تلك الصّلاة» (1)و يؤيّدها الأصل من شغل الذّمّة بالعبادة بعد التّكليف.
و روى الشّيخ،عن السّكونيّ،عن جعفر،عن أبيه عليهما السّلام قال:قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«ما كان اللّه ليجعل حيضا مع حبل،يعني إذا رأت المرأة الدّم و هي حامل لا تدع الصّلاة إلاّ أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطّلق و رأت الدّم تركت الصّلاة» (2).
إجماعا،و لو كان مضغة فهو كالولد،لأنّه دم جاء عقيب حمل،و لأنّه بدء خلق آدميّ و كان نفاسا، كما لو تبيّن فيها خلق آدميّ.و هو أحد الوجهين عند أحمد،و في الوجه الآخر:ليس بنفاس (3).و هو اختيار الحنفيّة (4)،لأنّه لم يتبيّن فيها خلق آدميّ فأشبهت النّطفة،
ص:427
و لعلّ بين الأمرين فرقا.أمّا العلقة و النّطفة:فلا يتعيّن (1)معهما الحمل،فيكون حكم الدّم الحاصل بعدها حكم الدّم الحائل،إمّا حيض أو استحاضة.
عندنا.خلافا لبعض الحنفيّة (2)، و الوجه فيه ما تقدّم.
بحيض
مأوّلا على الإجماع،على انّ الحامل المستبين حملها لا تحيض،و نحن لمّا نازعنا في ذلك،سقط هذا الكلام عندنا.و للشّافعيّ قولان:أحدهما:انّه حيض.
و الثّاني:انّه استحاضة،لاستحالة تعاقب النّفاس و الحيض من غير طهر بينهما صحيح (4).و نحن ننازع في هذا.
و زفر:انّه ليس بنفاس (1).و هو الوجه الضّعيف للشّافعيّ (2)و الرّواية الأخرى لأحمد (3).
لنا:انّ النّفاس إمّا أن يكون مشتقّا من تنفّس الرّحم،أو من خروج النّفس الّذي هو الولد،أو من النّفس الّذي هو اسم الدّم.و على كلّ تقدير فالدّم الحاصل عقيب الولد الأوّل يصدق عليه المعنى المشتقّ منه،فيصدق عليه اسم (4)المشتقّ،لوجوب الاطّراد في الاشتقاق.
احتجّ محمّد بأنّ المرأة حامل ما دام في بطنها ولد آخر،و دم الحامل ليس بحيض، فلا يكون نفاسا،لأنّهما في الحكم سواء،و لأنّ العدّة تنقضي بالولد الأخير فكذلك النّفاس،لأنّهما حكمان متعلّقان بالولادة (5).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من كون الحامل لا تحيض.و قد سلف (6).
سلّمنا،لكنّ الحامل إنّما لم تحض،لانسداد فم الرّحم و كان الخارج غير دم
ص:429
الرّحم،أمّا هاهنا فبالولد الأوّل انفتح فم الرّحم،فكان الخارج دمه.
و عن الثّاني:بالفرق،فإنّ العدّة تنقضي بوضع الحمل،و الحمل اسم لجميع ما في البطن،على انّا نمنع توقّف الانقضاء على الولد الثّاني.و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه.
و قد ظهر ممّا تقدّم:انّ ابتداء النّفاس من الأوّل،و عدد أيّامه من الثّاني،و هو أحد وجوه الشّافعيّ و الوجه الثّاني له:انّ المعتبر بأوّل النّفاس و آخره بالأوّل (1)،و به قال أبو يوسف (2)و أبو حنيفة أيضا (3)،حتّى قالوا:لو كان بين الولدين أكثر مدّة النّفاس و هي أربعون،أو ستّون على الخلاف،لم يكن ما يوجد من الدّم بعد الثّاني نفاسا (4).
و الوجه الثّالث له:انّه يعتبر ذلك بالثّاني (5).و به قال محمّد (6)،و زفر (7).
و الحقّ ما قلناه من انّه يعتبر أوّله بالأوّل،و آخره بالثّاني.
و الأوزاعيّ (1)،و مالك (2)،و أحمد (3)و أبو حنيفة (4)،و الثّوري (5).و قال محمّد بن الحسن،و أبو ثور:أقلّه ساعة (6)(7).و قال أبو عبيد:أقلّه خمسة و عشرون يوما (8).و قال أبو يوسف فيما روي عنه:أقلّه أحد عشر يوما (9).و روي عن أحمد:أقلّه يوم (10).
و حكي عن الثّوريّ:انّ أقلّه ثلاثة أيّام،لأنّها أقلّ الحيض (11).و قال المزنيّ:أربعة أيّام،و بناه على أصول،منها:انّ أقلّ الحيض يوم و ليلة،و انّ أكثره خمسة عشر يوما، و انّ أكثر النّفاس أربعة أضعاف أكثر الحيض،فيكون أقلّه أربعة أضعاف أقلّ الحيض (12).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عليّ عليه السّلام انّه قال:(لا يحلّ للنّفساء إذا رأت
ص:431
الطّهر إلاّ أن تصلي) (1)و ما رواه انّ امرأة ولدت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلم تر دما،فسمّيت ذات الجفوف (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن الحسين بن عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام:في النّفساء كم يجب عليها الصّلاة؟قال:«تدع ما دامت ترى الدّم العبيط» (3)و هذا يدلّ على انّ الانقطاع و إن قلّ عدد أوقات الدّم قبله يوجب الصّلاة.
و لأنّ اليسير دم وجد عقيب سببه و هو الولادة،فيكون نفاسا كالكثير،فعلى هذا لو رأته لحظة،ثمَّ انقطع،حكم لها بالنّفاس تلك اللّحظة.
و عشرون يوما،فإن انقطع دمها في أيّام حيضها،صلّت و صامت،و إن لم ينقطع صبرت ثمانية عشر يوما،ثمَّ استظهرت بيوم أو يومين،فإن كانت كثيرة الدّم صبرت ثلاثة أيّام،ثمَّ اغتسلت و احتشت و استثفرت و صلّت (1).و قال الشّافعيّ (2)،و مالك (3)، و أحمد في إحدى الرّوايتين عنه:أكثره ستّون يوما (4).و به قال عطاء (5)، و الشّعبيّ (6)،و أبو ثور،و داود (7)،و حكي عن عبيد اللّه بن الحسن العنبري[1]، و الحجّاج بن أرطاة[2] (8).و قال أبو حنيفة (9)،و أحمد في الرّواية الأخرى (10)،
ص:433
و الثّوريّ (1)،و إسحاق (2)،و أبو عبيد:أكثره أربعون يوما (3)،و نقل عن مالك أيضا انّ أكثره سبعون يوما (4).و حكى ابن المنذر عن الحسن البصريّ انّه قال:خمسون يوما (5).و الحقّ عندي الأوّل.
لنا:انّ النّفاس دم الحيض في الحقيقة،و قد بيّنّا انّ أكثره عشرة (6)،فكذا النّفاس.و لأنّ العبادة شاغلة في الذّمّة،ترك العمل بها في العشرة للإجماع،فيبقى الباقي على ذلك الأصل.و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أحدهما عليهما السّلام قال:«النّفساء تكفّ عن الصّلاة أيّامها الّتي كانت تمكث فيها،ثمَّ تغتسل كما تغتسل المستحاضة» (7).
و ما رواه في الصّحيح،عن زرارة قال:قلت له:النّفساء متى تصلّي؟قال:
ص:434
«تقعد قدر حيضها و تستظهر بيومين،فإن انقطع الدّم و إلاّ اغتسلت و احتشت و استثفرت و صلّت» (1).
و ما رواه في الحسن،عن الفضيل بن يسار و زرارة،عن أحدهما عليهما السّلام قال:«النّفساء تكفّ عن الصّلاة أيّام أقرائها الّتي كانت تمكث فيها،ثمَّ تغتسل و تعمل كما تعمل المستحاضة» (2).
و ما رواه في الصّحيح،عن يونس بن يعقوب قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام قال:«النّفساء تجلس أيّام حيضها الّتي كانت تحيض،ثمَّ تستظهر و تغتسل و تصلّي» (3).
و ما رواه في الموثّق،عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«تقعد النّفساء أيّامها الّتي كانت تقعد في الحيض» (4).
و ما رواه في الحسن،عن يونس قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام:عن امرأة ولدت فرأت الدّم أكثر ممّا كانت ترى؟قال:«فلتقعد أيّام قرئها الّتي كانت تجلس، ثمَّ تستظهر بعشرة أيّام» (5)قال الشّيخ:أراد به إلى عشرة أيّام،لأنّ حروف الصّفات يقوم بعضها مقام بعض (6).
ص:435
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن عبد الرّحمن بن الحجّاج،عن أبي الحسن موسى عليه السّلام:في امرأة نفست و بقيت ثلاثين ليلة أو أكثر،ثمَّ طهرت و صلّت،ثمَّ رأت دما أو صفرة؟فقال:«إن كانت صفرة فلتغسل و لتصلّ و لا تمسك عن الصّلاة،و إن كان دما ليس بصفرة فلتمسك عن الصّلاة أيّام قرئها،ثمَّ لتغتسل و لتصلّ» (1).
و روى في الموثّق،عن مالك بن أعين قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن النّفساء يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدّم؟قال:«نعم،إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها،ثمَّ[تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها يأمرها فتغتسل،ثمَّ] (2)يغشاها إن أحب» (3)و حلّ الوطء يستلزم الخروج عن حدّ النّفاس.
احتجّ السيّد المرتضى (4)بما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم قال:
قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:كم تقعد النّفساء حتّى تصلّي؟قال:«ثمان عشرة، سبع عشرة ثمَّ تغتسل و تحتشي و تصلّي» (5).
و ما رواه في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:
سألته عن النّفساء كم تقعد؟فقال:«انّ أسماء بنت عميس[1]أمرها رسول اللّه صلّى
ص:436
اللّه عليه و آله أن تغتسل لثمان عشرة،و لا بأس أن تستظهر[بيوم أو] (1)بيومين» (2).
و الجواب عن الأوّل:انّ ما رويناه أكثر،و الكثرة دلالة (3)على الرّجحان،و لأنّ الأصل لزوم العبادة،فكان الحديث مرجوحا،فلا يعتمد عليه،و بما يأتي من بعد.
و عن الثّاني:انّ أسماء إنّما سألته(عليه السّلام) (4)بعد مضي ثمانية عشر يوما، و لا شكّ انّه حينئذ يجب عليها الاغتسال،و ليس فيه دلالة على تحديد مدّة النّفاس بذلك العدد.
و يدلّ على وقوع السّؤال بعد الانقضاء:ما رواه الشّيخ،عن عليّ بن إبراهيم،عن أبيه رفعه قال:سألت امرأة أبا عبد اللّه عليه السّلام فقالت:انّي كنت أقعد في نفاسي عشرين يوما حتّى أفتوني بثمانية عشر يوما،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«و لم أفتوك بثمانية عشر يوما؟»(فقال الرّجل) (5):للحديث الّذي روي،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال لأسماء بنت عميس حين نفست بمحمّد بن أبي بكر[1].فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«انّ أسماء سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد أتى لها ثمانية عشر يوما،و لو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل و تفعل كما تفعل المستحاضة» (6).
ص:437
و ما رواه في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«انّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين أرادت الإحرام بذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف و الخرق و تهلّ بالحجّ،فلمّا قدموا و نسكوا المناسك فأتت لها ثمانية عشر يوما فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تطوف بالبيت و تصلّي و لم ينقطع عنها الدّم،ففعلت ذلك» (1).
و ما رواه،عن فضيل و زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام انّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة أن تغتسل و تحتشي بالكرسف و تهلّ بالحجّ،فلمّا قدموا و نسكوا المناسك سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن الطّواف بالبيت و الصّلاة فقال لها:«منذ كم ولدت؟»فقالت:منذ ثماني عشرة ليلة،فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تغتسل و تطوف بالبيت و تصلّي و لم ينقطع عنها الدّم ففعلت مثل ذلك (2).فسقط الاحتجاج بذلك.
احتجّ أبو حنيفة (3)بما روته أمّ سلمة قالت:كانت النّفساء تجلس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أربعين يوما أو أربعين ليلة (4).و لأنّ النّفاس دم الحيض و مدّة احتباسه ستّة أشهر،و الغالب انّ الحيض ستّة أو سبعة،فإذا جعل في الشّهرين ستّة
ص:438
و في الأربعة سبعة،كان الجميع أربعين.
و الجواب عن الأوّل:انّ هذا الحديث لم يعرف إلاّ من أبي سهل كثير بن زياد[1].كذا قال التّرمذيّ (1)،و ذلك ممّا يوجب تطرّق التّهمة إليه،لأنّ الانفراد مع اشتداد الحاجة إلى الاشتراك يوجب تطرّق التّهمة،على انّ مالكا أنكره.و أيضا:فإنّ أمّ سلمة لم تروه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فلا يكون حجّة.
و عن الثّاني انّ الحيض في حال الحمل ينصرف غذاء للولد فلا يحتبس،و عند الولادة يندفع ما كان للتّغذية،فيكون حيضة واحدة.
لا يقال:قد روى هذا المقدار الشّيخ،عن حفص بن غياث،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه،عن علي عليهما السّلام:قال:«النّفساء تقعد أربعين يوما،فإن طهرت و إلاّ اغتسلت و صلّت و يأتيها زوجها،و كانت بمنزلة المستحاضة تصوم و تصلّي» (2).
و عن محمّد بن يحيى الخثعميّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«النّفساء تقعد ما بين الأربعين إلى الخمسين» (3).
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«تقعد
ص:439
النّفساء إذا لم ينقطع عنها الدّم أربعين يوما إلى الخمسين» (1).لأنّا نجيب عن الأوّلين بالمنع من صحّة سندهما،و أيضا:فإنّهما معارضان بما قدّمناه من الأحاديث الصّحيحة.
قال أبو جعفر ابن بابويه:الأحاديث الّتي وردت في قعودها أربعين يوما و ما زاد إلى أن تطهر،معلولة كلّها لا يفتي بها إلاّ أهل الخلاف (2).و هذا هو الجواب عن الأخير.
و احتجّ الشّافعيّ بما روي،عن الأوزاعيّ انّه قال:عندنا امرأة ترى النّفاس شهرين (3).و روي مثل ذلك عن عطاء انّه وجده،و المرجع في ذلك إلى الوجود (4).
و لأنّ أكثر النّفاس أربعة أمثال أكثر الحيض إجماعا،و قد ذكرنا أنّ أكثره خمسة عشر يوما (5)،فيكون النّفاس شهرين.
و الجواب عن الأوّل:باحتمال انّ الزّيادة كانت حيضا أو استحاضة،كما لو زاد دمها على الستّين،أو كما لو زاد دم الحيض على خمسة عشر يوما عنده.
و عن الثّاني:انّه لا يعرف بالقياس فأتبعنا النّصّ فيهما جميعا.على انّا نمنع الإجماع على انّ أكثره أربعة أمثال أكثر الحيض،و كيف يحكم بالإجماع على ذلك،و مالك (6)و أحمد (7)و غيرهما من الفقهاء (8)،و من الصّحابة:عمر (9)و ابن عبّاس (10)،و غيرهما
ص:440
نازعوا في ذلك.على انّه قال في أحد وجهيه:أكثر الحيض ثلاثة عشر يوما.
احتجّ مالك بأنّه قد روي في بعض الأخبار انّه سبعون (1).
و الجواب:انّه غريب،و المشهور ما قلناه.
و احتجّ ابن أبي عقيل بما رواه البزنطيّ في جامعة في الصّحيح،عن جميل،عن زرارة و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام (2).
و بما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«تقعد النّفساء تسع عشرة ليلة،فإن رأت دما صنعت كما تصنع المستحاضة» (3).
و الجواب:انّه مع شذوذه مناف للأصل المقتضي لشغل الذّمّة بالعبادة،مع انّ ابن سنان الرّاوي المذكور روى انّ أكثره مقدار الحيض (4).
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن ابن يقطين،عن أبي الحسن الماضي
ص:441
عليه السّلام انّ أكثره ثلاثون يوما (1).
لأنّا نقول:هذه رواية شاذّة لم يعمل بها أحد،فلا تكون معارضة للرّوايات المتقدّمة (2)،و مع ذلك فهي محتملة للتّأويل.
مسألة:لو انقطع الدّم لدون العشرة،أدخلت قطنة،فإن خرجت نقيّة اغتسلت و صلّت،و جاز لزوجها أن يقربها،و حلّ عليها جميع ما يحلّ على الطّاهرات،و إن خرجت ملوّثة صبرت إلى النّقاء،أو تمضي مدّة الأكثر و هي عشرة أيّام إن كانت عادتها،و إلاّ صبرت عادتها خاصّة و استظهرت بيوم أو يومين،و كذا البحث لو استمرّ بها الدّم.و بعض المتأخّرين غلط ها هنا،فتوهّم انّ مع الاستمرار تصبر عشرة (3)،و لا نعرف عليه دليلا سوى ما رواه يونس،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله:«تستظهر بعشرة أيّام» (4)و ذلك غير دالّ على محلّ النّزاع،إذ من المحتمل أن تكون عادتها ثمانية أيّام أو تسعة أيّام،و يدلّ على ما اخترناه،الأحاديث الّتي قدّمناها (5)،فإنّها دالّة على حوالة النّفساء على الحائض في الأيّام و الاستظهار بيوم أو يومين.
لما رويناه من الأحاديث الدّالة على الحوالة على أيّام الحيض (6).
ص:442
و ما رواه الشّيخ،عن محمّد بن يحيى الخثعميّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
سألته عن النفساء؟فقال:«كما كانت تكون مع ما مضى من أولادها»قلت:فلم تلد فيما مضى؟قال:«بين الأربعين إلى الخمسين» (1).ليست مشهورة مع ضعف سندها و لم يعمل على مضمونها أحد من الأصحاب،و هي معارضة للرّوايات الصّحيحة، فكانت مدفوعة بالكلّيّة.على انّه يحتمل انّه أراد:إذا تطابقت أيّامها في النّفاس المتقدّم مع أيّامها في الحيض.
لأحد ممّن تقدّمنا في ذلك.
و قد روى الشّيخ في الموثّق،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«النّفساء إذا ابتليت بأيّام كثيرة مكثت،مثل أيّامها الّتي كانت تجلس قبل ذلك و استظهرت بمثل ثلثي أيّامها،ثمَّ تغتسل و تحتشي و تصنع كما تصنع المستحاضة،و إن كانت لا تعرف أيّام نفاسها فابتليت جلست بمثل أيّام أمّها،أو أختها،أو خالتها و استظهرت بثلثي ذلك،ثمَّ صنعت كما تصنع المستحاضة،تحتشي و تغتسل» (2)و الرّواية شاذّة و في سندها ضعف،و الأقوى الرّجوع إلى أيّام الحيض.
لعشرة فما دون فهو نفاس
قطعا،و لو تجاوز ففي قدر أيّامها حينئذ نظر،فإنّه يمكن أن يقال:انّها تجلس ستّة أيّام،أو سبعة،لأنّ الحائض تقعد ذلك فكذلك النّفساء،لأنّه حيض في الحقيقة،و لأنّ قوله عليه السّلام:«تجلس أيّام حيضها الّتي كانت
ص:443
تحيض» (1)كما يتناول الماضي يتناول المستقبل،و فيه ضعف.و يمكن أن يقال:انّها تجلس عشرة أيّام،لأنّه حيض في الحقيقة فلا يزيد على أيّامه،و لرواية يونس،و لأنّ العشرة،أيّام الحيض فتنفّست بها،و لأنّ النّفاس قد ثبت بيقين،فلا يزول إلاّ بيقين و هو بلوغ العشرة بخلاف الحيض،لأنّه لم يثبت من الابتداء بيقين.
و يمكن أن يقال:تجلس ثمانية عشر،لرواية محمّد بن مسلم الصّحيحة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كم تقعد النّفساء حتّى تصلّي؟قال«:ثمان عشرة،سبع عشرة» (2).
و للرّواية الصّحيحة،عن أبي جعفر عليه السّلام بمثله (3)و تحمل هذه النّفساء على المبتدئة جمعا بين الأخبار،فإنّ هذه مطلقة.و الأحاديث المتقدّمة دالّة على سبق عادة للمرأة فتعمل بتلك في موضعها،و تحمل هذه الرّواية المطلقة على المبتدئة،و هذا الأخير كأنّه أقرب إلى الصّواب،و للشّافعيّ قولان:في أحدهما:يرد إلى لحظة،و في الآخر:إلى أربعين (4).
لما رواه الشّيخ،عن زرارة و فضيل في الصّحيح،عن أحدهما عليهما السّلام قال:«تكفّ عن الصّلاة أيّامها،ثمَّ تغتسل» (5)فترك الاستظهار بترك العبادة عقيب السّؤال دالّ على
ص:444
عدم الوجوب.
سواء صادف أيّام العادة في الحيض أو لم يصادف،خلافا لأحمد،فإنّه قال:إن صادف أيّام العادة فهو حيض،و إلاّ فهو استحاضة (1).
لنا:أنّه دم حيض قد احتبس فلا يتعقّبه حيض ما لم يفصل الطّهر بينهما،و بين هذا الدّم،و الموجود قبل الوضع فرق ما.
تقضي الصّوم الّذي فعلته عند الانقطاع.و هو قول أبي (2)حنيفة،و للشافعيّ فيما إذا رأت الدّم العائد يوما و ليلة بعد طهر خمسة عشر يوما قولان:
أحدهما:انّه حيض.و هو قول أبي يوسف (3)،و محمّد (4)،لأنّ الدّم فصل بينهما طهر صحيح،فلم يضمّ أحدهما إلى الآخر.
و الثّاني:هو نفاس (5).و به قال أبو حنيفة،و هو إحدى الرّوايتين عن أحمد (6)، و هو قول (7)عطاء و الشّعبيّ (8)،لأنّهما دمان في زمان (9)أيّام النّفاس،فكانا نفاسا،
ص:445
كما لو تخلّل بينهما أقلّ من خمسة عشر يوما.و في الرّواية الأخرى عن أحمد (1)انّه مشكوك فيه،فتصوم فيه و تصلّي و تقضي الصّوم،أمّا ما صامته في زمن الطّهر فقد نصّ أحمد (2)على انّه صحيح لا قضاء فيه.
لنا:انّه دم في زمن النّفاس،فكان نفاسا كالأوّل،و كما لو اتّصل،و مع ثبوت انّه نفاس كانت أيّام النّقاء كذلك،لأنّها لا تفصل ما لم تكمل أقلّ الطّهر و هو عشرة.
طهرا
،لأنّ النّفاس هو الدّم،و لم يوجد صورة و لا حكما.
أمّا القائلون من أصحابنا بأنّ أكثر النّفاس ثمانية عشر (3)،لو رأت ساعة بعد الولادة،ثمَّ انقطع عشرة أيّام،ثمَّ رأته ثلاثة أيّام،فإنّه يحتمل أن يكون حيضا،لأنّه بعدد أيّامه بعد طهر كامل،و أن يكون نفاسا،لأنّه في وقت إمكانه (4).فعلى الأوّل لو رأته أقلّ من ثلاثة،كان دم فساد لأنّه أقلّ من عدد الحيض بعد طهر كامل،فكان فسادا.و على الثّاني يكون نفاسا،و لم نقف لهم على نصّ في ذلك.
و ما قبله طهر و ما بعده استحاضة،لما قلناه من انّ النّفاس هو الدّم،و إنّ حدّه عشرة أيّام،و لو لم تر في العشرة دما،ثمَّ رأت بعدها،فإنّ استمرّ ثلاثة فهو حيض،و لا نفاس لها،لأنّ أيّامه قد انقضت بغير دم،و إن كان أقلّ فهو استحاضة إلاّ أن يعود قبل انقضاء العشرة الثّانية
ص:446
و يكمل ثلاثة فإنّه يكون حيضا عند القائلين بالتّلفيق.
جرت على عادتها،
فلو كانت عادتها في الحيض خمسة من كلّ شهر و نفست عشرا،ثمَّ طهرت شهرا مرّتين أو مرارا،ثمَّ استحيضت،رجعت إلى عادتها في الحيض و لم تنتقل بتغيّر الطّهر.
إذ النّفاس قد خرج.و عند القائلين بأنّ أكثره ثمانية عشر يوما يكون نفاسا،و للشّافعيّ فيه وجهان (1).
،لما بيّنّاه،خلافا لأكثر الجمهور (2)،فعلى قولهم لو كانت عادتها في النّفاس ثلاثين،فولدت فرأت الدّم عشرين و رأت الطّهر عشرة أيّام من عادتها،ثمَّ رأت الدّم حتّى جاوز الأربعين في قول من يجعل الأربعين حدّ الأكثر (3)،قال أبو يوسف:يكون نفاسها ثلاثين (4).و قال محمّد:
نفاسها عشرون (5)،لأنّ أبا يوسف يختم النّفاس بالطّهر،خلافا لمحمّد.
فعند الشّافعيّ إن كانت معتادة يرد إليها،ثمَّ يحكم بالطّهر بعد العادة على قدر عادتها،ثمَّ يبتدئ
ص:447
حيضها.قال:و لو ولدت مرارا و هي ذات جفاف،ثمَّ ولدت و استحيضت،فهي كالمبتدئة و عدم النّفاس لا يثبت لها عادة،كما انّها لو حاضت خمسا و طهرت سنة و هكذا مرارا،ثمَّ استحيضت فلا نقول:الدّور سنة،بل أقصى ما يرتقي إليه الدّور تسعون يوما،و هو ما تنقضي به عدّة الآئسة و ما فوقه لا يؤثّر فيه العادة (1).و في المبتدئة قولان تقدّما (2).
و المميّزة حكمها حكم الحائض في شروط التّمييز إلاّ انّ السّتّين هاهنا بمنزلة خمسة عشر،و في المتحيّرة قولان:أحدهما:تردّ إلى الاحتياط.و في الآخر:إلى المبتدئة (3).
و لكنّهم اختلفوا، فذهب علماؤنا إلى أنّ أوّله من الأوّل،و آخره من الثّاني.و به قال أبو إسحاق المروزيّ من أصحاب الشّافعيّ،و أبو الطيّب الطّبري[1]،و بعض الحنابلة (4).فعلى هذا لو رأت الدّم بعد الأوّل عشرة كان نفاسا،فلو ولدت بعد العشرة بلا فصل حتّى جاوز دمها إلى العشرة كان نفاسها عشرين.و قال أبو حنيفة (5)،و مالك (6)،و أحمد في إحدى الرّوايتين:انّ النّفاس كلّه من الأوّل،أوّله و آخره (7).فعلى هذا لو ولدت الثّاني عقيب
ص:448
مضي أكثر النّفاس لم يكن الثّاني نفاسا.و قال زفر:انّ ابتداءها و انتهاءها من الثّاني، فلم تجعل ما قبل الولادة الثّانية نفاسا (1).
لنا:انّ الثّاني دم يعقب ولادة،فلا ينتهي قبل انتهاء مدّة النّفاس كالمنفرد.
احتجّ أبو حنيفة بأنّ أوّله من الولد الأوّل (2)،لما بيّنّاه فيما سلف (3)،فآخره منه كالمنفرد.
و الجواب:الفرق ظاهر لتكثّر الولادة الموجبة لتعدّد أيّام النّفاس في الصّورة الثّانية دون الاولى،و احتجاج زفر،و الجواب عنه قد مضى (4).
في جميع ما يحرم عليها و يكره و يباح، و يسقط عنها من الواجبات و يستحبّ،و تحريم وطئها،و جواز الاستمتاع بما دون الفرج لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم،و إنّما يتفارقان في أقلّ أيّامه فلا حدّ له ها هنا،و في أكثره على رأي (5)،و بانقضاء العدّة فإنّ الحيض علّة فيه بخلاف النّفاس،إذ المقتضي للخروج من العدّة إنّما هو الوضع،و بالدّلالة على البلوغ،فإنّه يحصل بالحيض دونه، لحصوله بالحمل قبله.و خالفت الحنفيّة في انقضاء العدّة به،فجعلوه علّة،فعلى هذا إذا طلّقها بعد الولادة،ثمَّ قالت بعد ذلك انقضت عدّتي،قال أبو حنيفة:لا تصدّق في أقلّ
ص:449
من خمسة و ثمانين يوما،و في رواية عنه:لا تصدّق في أقلّ من مائة يوم،و في أخرى:لا تصدّق في أقلّ من مائة و خمسة عشر يوما.و قال أبو يوسف:لا تصدّق في أقلّ من خمسة و ستّين.و في قول محمّد:لا تصدّق في أقلّ من أربعة و خمسين يوما و ساعة.و هذه المسألة تبنى عندهم على انّ الدّمين إذا استدارا في الأربعين كان ذلك كلّه نفاسا في قول أبي حنيفة،و في قول صاحبيه:إذا كان الطّهر أقلّ من خمسة عشر يوما لم يفصل،و إلاّ فصل.
و أيضا:المعتدّة لا تصدّق في الإخبار عن انقضاء العدّة في أقلّ من شهرين في قول أبي حنيفة،و عندهما لا تصدّق في أقلّ من تسعة و ثلاثين يوما.و اختلفت الرّوايات عنه في تخريج قوله:فروى محمّد انّه يبدأ بالطّهر خمسة عشر،ثمَّ الحيض خمسة،ثلاثة أدوار، فيكون ستّين.و روى عنه الحسن بن زياد انّه يبدأ بالحيض عشرة،ثمَّ الطّهر خمسة عشر، ثلاثة أدوار،فطهران،و ثلاث حيض،فيكون المجموع ستّين يوما (1).
إذا عرفت هذا،فنقول:ظهر على قول أبي حنيفة على الرّواية الاولى،[انّه] (2)يجعل النّفاس خمسة و عشرين يوما،و خمسة عشر طهرا لتأمن عليها الانتقاض،ثمَّ يضمّ خمسة و عشرين النّفاس إلى شهرين،فتصير خمسة و ثمانين يوما،الحيض خمسة،ثمَّ الطّهر خمسة عشر يوما،ثمَّ الحيض خمسة.
و في الرّواية الثّانية:انّه يجعل الحيض عشرة،و محمّد يجعل الحيض خمسة،فإن زاد ثلاث مرّات خمسة،فعلى هذا صارت مائة.
و في الرّواية الّتي يجعل مائة و خمسة عشر يجعل النّفاس أربعين و يضمّ خمسة عشر إلى مائة.
و أمّا أبو يوسف،فإنّه يجعل النّفاس أحد عشر و الطّهر بعده خمسة عشر،ثمَّ يضمّ إلى ذلك تسعة و ثلاثين على مذهبه في المعتدّة فتصير خمسة و ستّين يوما،و إنّما جعل النّفاس
ص:450
أحد عشر،لأنّ النّفاس غالبا يزيد على أكثر الحيض،و السّاعات لا تضبط (1)فانتقل عنها إلى الأيّام،و أقلّ الأيّام يوم،فاقتصر عليه.
و أمّا محمّد فإنّه يصدّقها في أقلّ النّفاس-و هو ساعة-كما في أقلّ الحيض،ثمَّ بعدها طهر خمسة عشر،ثمَّ يضمّ ذلك إلى تسعة و ثلاثين فتصير أربعة و خمسين يوما و ساعة.
و هذا الفرع ساقط عندنا،لأنّه مبنيّ على أصول ذهب فساد بعضها،و سيأتي إبطال الباقي إن شاء اللّه.
لا نعرف فيه مخالفا من أهل القبلة.و كيفيّته:كغسل الحيض،و لا بدّ معه من الوضوء على الخلاف (2)،و يجوز تقديم الوضوء و تأخيره،و تقديمه أفضل.نصّ عليه الشّيخ في المبسوط (3)،و قال في الجمل بوجوب تقديم الوضوء عليها و على الحائض (4).و الأقرب عدم الوجوب،إذ الأصل عدمه.
و روى الشّيخ في الحسن،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«في كلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة» (5).
و المعيّة الحقيقيّة غير مرادها هنا لتعذّره،فيحمل على المقارنة (6)الممكنة بالتّقدّم اليسير أو التّأخّر.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن ابن أبي عمير،عن رجل،عن أبي
ص:451
عبد اللّه عليه السّلام،قال:«كلّ غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة» (1).
لأنّا نقول:هذه صيغة إخبار،و هو غير مراد،فلا بدّ من إضمار شيء أو صرفه إلى الأمر،فيخرج عن الدّلالة الظّاهرة،فلا يبقى حجّة.نعم،الأولويّة ثابتة.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«سمعته يقول:ليس على النّفساء غسل في السّفر» (2).
لأنّا نقول:هذا الحديث متروك الظّاهر بالإجماع،فلا بدّ من تأويله بالمحتمل،و هو ما إذا تعذّر استعمال الماء إمّا للحاجة إليه،أو لتعذّره،أو لغيرهما من الموانع بقرينة السّفر الّذي هو مظنّة الأعذار.
لأنّ الولادة بمجرّدها ليست ناقضة.
البويطيّ[1] (1)،و به قال أحمد في الكافر خاصّة (2).
و قال السّيّد المرتضى:هو مستحبّ و ليس بواجب (3).و هو مذهب الشّافعيّ (4)، و أبي حنيفة (5)،و أبي ثور (6)،و نقل عن ابن عبّاس،و ابن عمر،و عائشة و الحسن، و النّخعيّ،و إسحاق (7).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أبي هريرة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:(من غسل ميّتا فليغتسل) (8)قال التّرمذيّ:و هذا حديث حسن.
و ما رووه،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه أمر عليّا عليه السّلام أن يغتسل لمّا غسل أباه (9).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،
ص:453
قال:«و غسل من غسل ميّتا واجب» (1).
و ما رواه،عن يونس،عن رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«و غسل من غسل ميّتا» (2)و عدّه في الفروض.
و ما رواه في الصّحيح،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«اغتسل إذا غسلت ميّتا» (3).
و ما رواه في الحسن،عن حريز،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من غسل ميّتا فليغتسل» (4).
و ما رواه،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«يغتسل الّذي غسل الميّت» (5).
و ما رواه في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:
«الغسل في سبعة عشر موطنا»و قال:«إذا غسلت ميّتا و كفّنته أو مسسته بعد ما يبرد» (6).
ص:454
احتجّ المخالف (1)بما رووه،عن صفوان بن عسّال قال:أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيّام إلاّ من جنابة (2).و لأنّه غسل آدميّ فلم يوجب الغسل كغسل الحيّ.
و الجواب عن الأوّل،من وجوه:
أحدها:الطّعن في الحديث،فإنّ مالك بن أنس لم يعمل به،و لو كان صحيحا لما ردّه.
الثّاني:انّ قوله:أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،ليس نصّا في الباب،لجواز أن يكون توهّم ما ليس بأمر أمرا.
الثّالث:أنّهم تارة ينقلون عن صفوان و اخرى عن عوف بن مالك الأشجعي[1] (3)،و ذلك دليل الاضطراب و تطرّق التّهمة.
الرّابع:انّهم نقلوه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في غزاة تبوك،و لو قلنا بموجبة،لما كان نقضا،لأنّ الغالب في أحوال (4)الحرب استناد الموت إلى القتل،و نحن نقول:انّه لا يجب على من مسّه،الغسل حينئذ.
ص:455
الخامس:انّه عليه السّلام إنّما أمرهم بذلك بناء على الغالب،فلا يكون دالاّ على النّفي عن غيره.
و عن الثّاني:بالفرق،فإنّ الميّت نجس عندنا،لما يأتي بخلاف الحيّ.
لرواية محمّد بن مسلم.
و قد تقدّمت (1).
عملا بالعموم.
لما يأتي من انّ الميّت نجس.و لو مسّه يابسا فالوجه انّ النّجاسة حكميّة،فلو لاقى ببدنه (3)بعد ملاقاته للميّت رطبا لم يؤثّر في تنجيسه،لعدم دليل التّنجيس و ثبوت الأصل الدّالّ على الطّهارة.
و هو مذهب علماء الأمصار،لأنّه بعد التّطهير طاهر،فلا يؤثّر في التّنجيس العيني و الحكميّ، و قبل البرد طاهر،لعدم انتقال الرّوح بالكلّيّة،فلا يؤثّر في التّنجيس.و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«و لا تغتسل من مسّه إذا أدخلته القبر و لا إذا حملته» (4).
و روى في الحسن،عن حريز،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«و إن مسّه ما
ص:456
دام حارّا فلا غسل عليه» (1).
و عن ابن سنان عنه عليه السّلام:«و إن قبّل الميّت بعد موته-و هو حار-فليس عليه غسل،و لكن إذا مسّه و قبّله و قد برد فعليه الغسل،و لا بأس بمسّه بعد الغسل و تقبيله» (2).
و يغسل يده (3).و في وجوب غسل اليد عندي نظر.
لأنّ الرّواية تدلّ بمفهومها على انّ الغسل إنّما يجب في الصّورة الّتي يجب فيها تغسيل الميّت قبل غسله.
يجب الغسل بمسّه بعد برده بالموت؟فيه نظر
من حيث انّه قد أمر بالتّطهير أوّلا،و أوجب ابن إدريس الغسل به (4).و لو مات حتف أنفه بعد الغسل قبل القتل وجب إعادة الغسل عليه،و يجب على من مسّه الغسل.
قاله المفيد رحمه اللّه (5)و هو قويّ لما ذكرنا في المقتول،و لأنّه لا يسمّى ميّتا،إذ الموت إنّما يكون بعد
ص:457
حياة سابقة،و هو إنّما يتمّ في أربعة أشهر،نعم،يجب غسل اليد.
لأنّه في حياته نجس و بالموت لا يزول عنه ذلك الحكم،و يحتمل العدم،لأنّ قولهم قبل تطهيره بالغسل،إنّما يتحقّق في ميّت يقبل التّطهير.
لأنّ النّصّ قيّد فيه التّطهير بالغسل.
لأنّها بعضه،فيجب فيها ما يجب فيه،و لأنّ المسّ المعلّق عليه الوجوب يصدق بمسّ الجزء،و ليس الكلّ مقصودا، و الانفصال لا يغيّر حكما،أمّا لو كانت خالية من العظم لم يجب الغسل بمسّها،بل يجب غسل ما مسّها به خاصّة،نصّ عليه الأصحاب.و كذا الحكم لو قطعت من حيّ يجب بمسّها الغسل إن كانت ذات عظم،و إلاّ فلا.
و إنّما يجب غسل ما مسّه به، و لا أعرف في عدم وجوب الغسل خلافا.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ،عن يونس بن عبد الرّحمن،عن بعض أصحابه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته هل يجوز أن يمسّ الثّعلب و الأرنب أو شيئا من السّباع حيّا أو ميّتا؟قال:«لا يضرّه،و لكن يغسل يده» (1).
لما يأتي،فلا تؤثّر في التّنجيس.
و لا
ص:458
فرق بين كون الميتة مأكولة اللّحم أولا.
نظر
ينشأ من صدق اسم مسّ الميتة،و من كون الممسوس لو كان طاهرا فلا يؤثّر اتّصاله نجاسة (1)المماسّ.
ينشأ من كون النّجاسات العينيّة اليابسة غير مؤثّرة في الملاقي،و من عموم وجوب الغسل،و إنّما يكون مع التّنجيس،و حينئذ تكون نجاستها عينيّة أو حكميّة؟الأقرب:الثّاني،فلو لامس رطبا قبل غسل يده لم يحكم بنجاسته على إشكال،و ينجس لو لامس الرّطبة من الميتة نجاسة عينيّة.
و لا نعلم له حجّة بوجه أصلا،مع انّ أهل العلم كافّة على خلافه.و أمّا كيفيّة غسل الأموات فسيأتي في باب الجنائز إن شاء اللّه تعالى.
و أحمد (1).
و روي،عن مالك انّه واجب (2).و كذا روي،عن أحمد أيضا (3)،و عن أبي هريرة (4)،و هو قول عليّ بن بابويه من أصحابنا و ولده أبي جعفر (5).
لنا:ما رواه الجمهور،عن سمرة بن جندب[1]قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:(من توضّأ يوم الجمعة فبها و نعمت،و من اغتسل فالغسل أفضل) (6).
و عن أبي هريرة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:(من توضّأ فأحسن الوضوء ثمَّ أتى الجمعة فاستمع و أنصت غفر له ما بينه و بين الجمعة و زيادة ثلاثة أيّام) (7)و لو
ص:460
كان واجبا لبيّنة.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن عليّ بن يقطين قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الغسل في الجمعة و الأضحى و الفطر؟قال:«سنّة و ليس بفريضة» (1).
و ما رواه في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن غسل الجمعة،فقال:«سنّة في السّفر و الحضر إلاّ أن يخاف المسافر على نفسه القرّ»[1] (2).
و ما رواه،عن أحمد بن محمّد،عن القاسم،عن عليّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل العيدين أ واجب هو؟فقال:«هو سنّة»قلت:فالجمعة؟قال:«هو سنّة» (3).
و لأنّ الأصل براءة الذّمّة،فشغلها يحتاج إلى دليل،و قد وقع الإجماع على التّرجيح فيبقى الزّائد منفيّا بالأصل.
احتجّ:المخالف (4)بما روي،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:(غسل
ص:461
الجمعة واجب على كلّ محتلم) (1)و قوله عليه السّلام:(من أتى منكم الجمعة فليغتسل) (2)و الأمر للوجوب.
و عن أبي هريرة عنه عليه السّلام قال:(حقّ على كلّ مسلم أن يغتسل في كلّ سبعة أيّام يوما و يغسل رأسه و جسده) (3).
و احتجّ ابنا بابويه (4)بما رواه الشّيخ،عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«غسل الجمعة واجب في السّفر و الحضر إلاّ انّه رخّص للنّساء في السّفر لقلّة الماء» (5).
و ما رواه في الصّحيح،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«اغتسل يوم الفطر و الأضحى و الجمعة و إذا غسلت ميّتا» (6)و الأمر للوجوب.
و ما رواه في الصّحيح،عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«الغسل من الجنابة و يوم الجمعة» (7)و لا ريب انّ الأوّل واجب،فكذا الثّاني،لأنّ حرف الصّلة لا بدّ له من متعلّق عامل فيه،و لا يصحّ تعلّقه بغير الوجوب،و العطف
ص:462
يقتضي التّشريك.
و ما رواه في الحسن،عن عبد اللّه بن المغيرة،عن الرّضا عليه السّلام قال:سألته عن غسل الجمعة،فقال:«واجب على كلّ ذكر و أنثى من عبد أو حرّ» (1).
و ما رواه في الصّحيح،عن محمّد بن عبيد اللّه (2)قال:سألت الرّضا عليه السّلام عن غسل يوم الجمعة،فقال:«واجب على كلّ ذكر و أنثى من عبد أو حرّ» (3).
و الجواب عن الأوّل:انّها دالّة على تأكّد الاستحباب لا الإيجاب لما بيّنّاه،جمعا بين الأدلّة،و لأنّه ذكر في سياقه:و السّواك،و أن يمسّ طيبا.كذا رواه مسلم (4)، و السّواك و مسّ الطّيب ليسا بواجبين،فكذا الغسل.
و عن الرّواية الاولى من أحاديث ابني بابويه:انّها ضعيفة السّند،فإنّ سماعة (5)و عثمان بن عيسى (6)و الرّاوي عنه واقفيّان فلا تعويل على هذه الرّواية،و يحتمل انّه أراد بالوجوب شدّة الاستحباب لما بيّنّاه من الأحاديث،و هو الجواب عن باقي الرّوايات.
و قوله:انّ الأمر للوجوب،مسلّم،إلاّ انّه غير مراد هنا،لما بيّنّاه من الدّليل، و لأنّه لو كان للوجوب لكانت الأغسال الّتي عدّدها واجبة،و ليس كذلك.
و قوله:حرف الصّلة لا بدّ له من عامل يتعلّق به،و لا يصحّ تعلّقه بغير الوجوب
ص:463
ممنوع،بل يتعلّق (1)بما تدلّ عليه قرينة الحال،و هو عموم الثّبوت و الاستقرار،و هذا لا ينافي الوجوب لدليل زائد.
و هو قول مجاهد،و الحسن، و النّخعيّ،و الثّوريّ،و الشّافعيّ و إسحاق (3).و قال الأوزاعيّ:يجزيه قبل الفجر (4).
و عن مالك انّه لا يجزيه الغسل إلاّ أن يتعقّبه الرّواح (5).
لنا:انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:(من اغتسل يوم الجمعة) (6)و اليوم من طلوع الفجر.
و كذا من طريق الخاصّة قول أبي عبد اللّه عليه السّلام:«اغتسل يوم الجمعة» (7).
و أمّا انّ انتهاء وقته الزّوال،فلأنّ العلّة إنّما هي حضور المسجد للصّلاة،لما رواه الجمهور،عن عائشة قالت:كان النّاس يروحون إلى الجمعة بهيئتهم فتظهر لم رائحة، فقيل لهم:لو اغتسلتم.رواه مسلم (8).
ص:464
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن محمّد بن عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«كانت الأنصار تعمل في نواضحها و أموالها،فإذا كان يوم الجمعة جاؤا فتأذّى النّاس بأرواح آباطهم و أجسادهم،فأمرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالغسل يوم الجمعة فجرت بذلك السّنّة» (1).
و روى،عن سماعة بن مهران،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:في الرّجل لا يغتسل يوم الجمعة في أوّل النّهار،قال:«يقضيه في آخر النّهار فإن لم يجد فيقضيه يوم السّبت» (2)و القضاء إنّما يكون بعد فوات الوقت.
خلافا لأبي يوسف (3)،فلو أحدث بعد الغسل لم يبطل غسله و كفاه الوضوء.و هو قول مجاهد،و الحسن،و مالك،و الأوزاعيّ، و الشّافعيّ (4)،و استحبّ طاوس،و الثّوريّ،و قتادة،و يحيى بن أبي كثير (5)إعادة الغسل.
لنا:انّه اغتسل يوم الجمعة فأتى بالمجزي،و الأمر لا يقتضي التّكرار،و لأنّ الغسل للتّنظيف،و قد حصل،و الحدث لا يضادّه،و لأنّه غسل،فلا يؤثّر الحدث في إبطاله كالجنابة،و يؤيّده:ما رواه الشّيخ،عن بكير بن أعين قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام في أيّ اللّيالي أغتسل في شهر رمضان؟قال:«في تسع عشرة،و في إحدى
ص:465
و عشرين،و في ثلاث و عشرين،و الغسل أوّل اللّيل»قلت:فإن نام بعد (1)الغسل؟ قال:«هو مثل غسل الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك» (2).
و لو فاته يوم الجمعة أصلا قضاه يوم السّبت.
لنا:أنّه عبادة مؤقّتة فات وقتها،فاستحبّ قضاؤها كغيرها من مؤقّتات العبادات.و يؤيّده:رواية سماعة بن مهران،و قد تقدّمت.
و ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن عبد اللّه بن بكير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة،قال:«يغتسل ما بينه و بين اللّيل،فإن فاته اغتسل يوم السّبت» (3).
و لو فاته يوم السّبت لم يستحبّ قضاؤه،لأنّ الأصل عدمه،و قد سلم عن معارضة النّصّ الدّالّ على خلافه بخلاف السّبت.
الخميس،
لأنّه طاعة في نفسه،فلا يؤثّر فيها الوقت،و لما رواه الشّيخ،عن محمّد بن الحسين،عن بعض أصحابه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لأصحابه:
«إنّكم تأتون غدا منزلا ليس فيه ماء فاغتسلوا اليوم لغد،فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة» (4).
و ما رواه،عن أحمد بن محمّد،عن الحسين (5)بن موسى بن جعفر،عن امّه و أمّ
ص:466
أحمد[1]ابنة[2]موسى بن جعفر عليه السّلام قالتا:كنّا مع أبي الحسن عليه السّلام بالبادية و نحن نريد بغداد فقال لنا يوم الخميس:«اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة» (1).
الإعادة،
لأنّ البدل إنّما يجزي مع تعذّر المبدل،و غسل الخميس هنا بدل،أمّا لو وجده بعد الزّوال فالأقرب (2)عدم الإعادة لفوات الوقت،و القضاء كالتّقديم في البدليّة.
للعموم، و لأنّ فيه مسارعة إلى فعل الطّاعة.و عدمه،لأنّ القضاء أولى من التّقديم كما في صلاة اللّيل للشّاب و المسافر.
لأنّه عبادة محضة فافتقرت إلى النّيّة كتجديد الوضوء،و الأقرب انّه لا بدّ من ذكر السّبب و نيّة النّدب و التّقرّب.
لما رواه عمّار السّاباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«و إذا اغتسلت للجمعة فقل:اللّهمّ طهّر قلبي من كلّ آفة تمحق به ديني و تبطل به عملي،اللّهم اجعلني من التّوّابين و اجعلني من المتطهّرين» (3).
ص:467
و العبيد و الأحرار سواء في ذلك.و قال أحمد:لا يستحبّ لمن لا يأتي الجمعة،فليس على النّساء غسل، و على قياسهنّ الصّبيان،و المسافر،و المريض (1)،و كان ابن عمر،و علقمة (2)(3)لا يغتسلان للسّفر (4)،و كان طلحة (5)يغتسل (6).و بالاغتسال في السّفر قال مجاهد و طاوس (7).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:غسل الجمعة واجب على كلّ محتلم (8)،و قد بيّنّا انّ الوجوب المعنيّ به ها هنا:الاستحباب المؤكّد (9)،و هو عام في الذّكور و الإناث،العبيد و الأحرار،المسافرين و الحضّار.
ص:468
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من الأحاديث الدّالّة على العموم (1)،سفرا و حضرا،للنّساء و الرّجال،عبيدا (2)و أحرارا.
و روى الشّيخ في الحسن،عن عليّ بن يقطين قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن النّساء أ عليهنّ غسل الجمعة؟قال:«نعم» (3).
احتجّوا بقوله عليه السّلام:(من أتى الجمعة فليغتسل) (4)و لأنّ المقصود التّنظيف و قطع الرّائحة،و هذا يختصّ بالآتي إلى المسجد.
و الجواب عن الأوّل:انّه يدلّ على استحبابه للآتي،لا على نفيه عن غيره،و دليل الخطاب ليس بحجّة.
و عن الثّاني:انّ المقصود و إن كان ذلك،لكنّ التّعليل به غير جائز،إذ الأمور الخفيّة غير صالحة للتّعليل،بل إنّما تعتبر مظانّها،كالسّفر للمشقّة.
أمّا عندنا فلما بيّنّاه،و أمّا عند المخصّصين (5)بالحاضر فلوجود المعنى الموجب للاستحباب، و الغسل لم يستحبّ للصّلاة الواجبة،بل للحضور و الصّلاة مطلقا،و هما حاصلان في حقّ الحاضر على جهة الاستحباب.
لأنّه-غالبا-إنّما يستحبّ
ص:469
للحضور،فالمقاربة (1)أولى،و يتفاوت الاستحباب بتفاوت القرب منها و البعد.
و به قال عليّ عليه السّلام،و ذهب إليه علقمة،و عروة،و عطاء،و النّخعيّ،و الشّعبيّ،و قتادة،و أبو الزّناد (2)،و مالك (3)،و الشّافعيّ (4)،لما رواه ابن عباس،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يغتسل يوم الفطر و الأضحى (5).
و روي عنه عليه السّلام انّه قال في جمعة من الجمع:(هذا يوم جعله اللّه عيدا للمسلمين فاغتسلوا،و من كان عنده طيب فلا يضرّه أن يمسّ منه و عليكم بالسّواك) (6)علّل هذه الأشياء بكون الجمعة عيدا،فيثبت الحكم في الأصل قطعا.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«و غسل يوم الفطر و غسل يوم الأضحى سنّة لا أحبّ تركها» (7).
و ما رواه،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«الغسل من الجنابة و غسل الجمعة و العيدين» (8).
و ما رواه في الصّحيح،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«اغتسل يوم الأضحى و الفطر» (9)و ليس الأمر هاهنا للإيجاب فيبقى الرّجحان المطلق مرادا و هو
ص:470
دالّ على النّدبيّة.
و ما رواه في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:
«الغسل في سبعة عشر موطنا» (1)و عدّ منها يوم العيدين.
خلافا لأحمد في أحد قوليه (2).
لنا:انّ اليوم إنّما يطلق على ما بعد الفجر،فلم يجز قبله كغسل الجمعة،و لأنّه أبلغ في التّنظيف.
لأنّ المقصود منه التّنظيف للاجتماع في الصّلاة،و إن كان اللّفظ الوارد دالاّ على امتداد وقته.
لأنّ الأمر تعلّق بنفس اليوم،فلا يتعدّى إلى غيره،و لأنّ المقصود الاجتماع،و هو قد فات.
كالجمعة،و إن كان اللّفظ لم يدلّ بالنّصّ على ذلك إلاّ في رواية زرارة،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:
«المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها و إحرامها و جمعتها و غسلها من حيضها و عيدها» (3).
و هل يستحبّ للصّبيان؟قالت الشّافعيّة به،لأنّ المراد هاهنا التّنظيف للتّجمّل و الزّينة،بخلاف الجمعة،لأنّ القصد فيه زوال الرّائحة (4)،و عندي في ذلك نظر.
ص:471
لما قلناه في الجمعة (1).و لو أحدث بعد الغسل أجزأه،لما بيّنّاه (2)ثمَّ.
ليلة الفطر،و أوّل ليلة من شهر رمضان،و ليلة النّصف منه،و سبع عشرة،و تسع عشرة،و إحدى و عشرين،و ثلاث و عشرين،و ليلة النّصف من رجب،و يوم السّابع و العشرين منه،و ليلة النّصف من شعبان،و يوم الغدير،و يوم المباهلة،و يوم عرفة،و يوم التّروية،و يوم نيروز الفرس،لما رواه الشّيخ في الصّحيح، عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:«الغسل في سبعة عشر موطنا:
ليلة سبع عشرة من رمضان و هي ليلة التقى الجمعان،و ليلة تسع عشرة و فيها يكتب الوفد وفد السّنة-،و ليلة إحدى و عشرين و هي اللّيلة الّتي أصيب فيها أوصياء الأنبياء و فيها رفع عيسى بن مريم و قبض موسى عليه السّلام،و ليلة ثلاث و عشرين يرجى فيها ليلة القدر،و يوم العيدين،و إذا دخلت الحرمين،و يوم تحرم،و يوم الزّيارة،و يوم تدخل البيت،و يوم التّروية،و يوم عرفة،و إذا غسّلت ميّتا،و كفّنته،أو مسسته بعد ما يبرد، و يوم الجمعة،و غسل الجنابة فريضة،و غسل الكسوف إذا احترق القرص كلّه فاغتسل» (3).
و ما رواه،عن الحسن بن راشد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:(فما ينبغي لنا أن نعمل فيها-يعني ليلة الفطر؟فقال:«إذا غربت الشّمس فاغتسل» (4).
و ما رواه،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«صوموا شعبان
ص:472
و اغتسلوا ليلة النّصف منه،ذلك تخفيف من ربّكم» (1).
و ما رواه،عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«و غسل المباهلة واجب» (2)أراد به شدّة الاستحباب.
و عنه عليه السّلام:«و غسل أوّل ليلة من شهر رمضان يستحبّ» (3)و باقي الأوقات يستحبّ فيها الزّيارة،لما يأتي،فيستحبّ فيها الغسل.
و هو أقسام:
غسل دخول الحرم،و المسجد الحرام،و الكعبة،و المدينة،و مسجد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و مشاهد الأئمّة عليهم السّلام لقوله عليه السّلام:«و إذا دخلت الحرمين، و يوم تحرم،و يوم الزّيارة،و يوم تدخل البيت» (4).
و في حديث محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام:«و حين تدخل الحرم، و إذا أردت دخول البيت الحرام،و إذا أردت دخول مسجد الرّسول صلّى اللّه عليه و آله» (5).
و في رواية ابن سنان الصّحيحة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و دخول مكّة و المدينة،و دخول الكعبة» (6).
و هي أمور:
غسل الإحرام،و الطّواف،و زيارة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم
ص:473
السّلام،لما رواه سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«و غسل الزّيارة واجب إلاّ من علّة،و غسل المحرم واجب» (1)و المراد الاستحباب.
و ما رواه الشّيخ،عن يونس،عن بعض رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال«الفرض من الغسل ثلاث» (2)و عدّ منها غسل الإحرام.
و في رواية ابن سنان الصّحيحة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و حين يحرم و غسل الزّيارة (3).
فيعمّهما الحكم باستحباب الغسل.
فيعمّ الاستحباب.
لرواية زرارة عن أحدهما عليهما السّلام:«و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها و إحرامها و غسلها من حيضها و عيدها» (4).
سواء كان الفسق مشتملا على كبيرة أو صغيرة،و هو مذهب علمائنا أجمع،لما رواه الشّيخ و ابن بابويه في كتابيهما،عن أبي
ص:474
عبد اللّه عليه السّلام انّه جاء إليه رجل،فقال له:إنّ لي جيرانا و لهم جوار يتغنّين و يضر بن بالعود فربّما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعا منّي لهنّ،فقال له عليه السّلام:«لا تفعل»فقال:و اللّه ما هو شيء آتيه برجلي إنّما هو سماع أسمعه بأذني، فقال الصّادق عليه السّلام:«يا للّه أنت أ ما سمعت اللّه يقول« إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً » (1)فقال الرّجل:كأنّي لم أسمع بهذه الآية من كتاب اللّه عزّ و جلّ من عربيّ و لا عجميّ،لا جرم انّي قد تركتها و انّي أستغفر اللّه،فقال له الصّادق عليه السّلام:«قم فاغتسل و صلّ ما بدا لك،فلقد كنت مقيما على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك،استغفر اللّه و اسأله التّوبة من كلّ ما يكره،فإنّه لا يكره إلاّ القبيح،و القبيح دعه لأهله فإنّ لكلّ أهلا» (2).
و لأنّ الغسل طاعة في نفسه،فكان مستحبّا عقيب التّوبة ليظهر أثر العمل الصّالح.
مذهب مالك،و أبي ثور (1).
لنا على الرّجحان:انّ الكفر أعظم من الفسق،و قد ثبت بالحديث (2)الأوّل استحباب الغسل للفاسق،فالكافر أولى.و لأنّ تعليله عليه السّلام أمره بالاغتسال يدلّ عليه من حيث المفهوم،و لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر قيس بن عاصم لمّا أسلم بالاغتسال بماء و سدر (3).
و أمّا على عدم الوجوب:فما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه لمّا بعث معاذا إلى اليمن فقال:(ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا عبده و رسوله،فإن هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم و تردّ في فقرائهم) (4)و لو كان الغسل واجبا لأمرهم به،لأنّه أوّل واجبات الإسلام.
و لأنّه نقل نقلا متواترا انّ العدد الكثير أسلموا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فلو أمر كل من أسلم بالغسل لنقل متواترا أو ظاهرا،و لأنّ الأصل عدم الوجوب.
احتجّ أحمد برواية قيس (5).
و الجواب:انّه لو كان الأمر للوجوب،لوجب عليه الغسل بالماء و السّدر،لأنّه
ص:476
المأمور به،و قد وافقنا على عدم ذلك.و أمّا الوجوب عند حصول السّبب،فقد قدّمنا بيانه.
لما رواه ابن عباس،قال:خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للاستسقاء متواضعا متخشّعا متضرّعا حتّى أتى المصلّي فلم يخطب كخطبتكم هذه،لكن لم يزل في الدّعاء و التّضرّع و التّكبير و صلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد (1).قال التّرمذيّ:هذا حديث حسن صحيح (2).و قد بيّنا استحباب الغسل لصلاة العيد (3)،فيثبت فيما ماثلها.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«و غسل الاستسقاء واجب» (4)أراد به شدّة الاستحباب،و لأنّ المقتضي لاستحباب الغسل إمّا التّنظيف للاجتماع،أو زيادة التّطهير للصّلاة،و المعنيان موجودان في الاستسقاء فاستحبّ.
لما رواه الشّيخ،عن عبد الرّحيم القصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:انّي اخترعت دعاء فقال:«دعني من اختراعك إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و صلّ ركعتين تهديهما إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»قلت:كيف أصنع؟ قال:«تغتسل و تصلّي ركعتين.»ثمَّ ذكر الحديث،قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
ص:477
«أنا الضّامن على اللّه أن لا يبرح حتّى تقضى حاجته» (1).
و ما رواه،عن مقاتل بن مقاتل (2)قال:قلت للرّضا عليه السّلام:جعلت فداك علّمني دعاء لقضاء الحوائج؟قال:فقال:«إذا كانت لك حاجة إلى اللّه مهمّة فاغتسل و البس أنظف ثيابك.» (3)و ذكر الحديث.
و روى في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الأمر يطلبه الطّالب من ربّه،قال:«يتصدّق في يومه على ستّين مسكينا على كلّ مسكين صاع بصاع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فإذا كان اللّيل فاغتسل ثلث اللّيل الباقي (4)و يلبس أدنى ما يلبس»و ذكر الحديث،إلى أن قال:«فإذا رفع رأسه في السّجدة الثّانية استخار اللّه مائة مرة» (5).
مع استيعاب الاحتراق.و هو مذهب أكثر الأصحاب (1)،و قال بعضهم:هو واجب (2).و الأصل الرّجحان مطلقا،لما رواه الشّيخ،عن حريز،عمّن أخبره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا انكسف القمر فاستيقظ الرّجل[فكسل أن يصلّي] (3)فليغتسل من غد و ليقض الصّلاة،و إن لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلاّ القضاء بغير غسل» (4)و هذه الرّواية و إن دلّت على الوجوب ظاهرا لكنّها مقطوعة السّند.
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام، قال:«و غسل الكسوف إذا احترق القرص كلّه فاغتسل» (5)و هذه الرّواية ظاهرة في الوجوب،فلو قلنا به لهذه الرّواية و للاحتياط،كان قويّا.
قال:و قال بعض مشايخنا:انّ العلّة في ذلك انّه يخرج من ذنوبه فيغتسل منها،قال:و روي انّ من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة (6).و الوجه:الاستحباب.
ص:479
خلافا للسّيد المرتضى،و قد تقدّم.
و ما يستحبّ للوقت يفعل بعد دخوله.
فلو أحدث استحبّ إعادته، و ما كان للوقت كفاه و إن أحدث.
معا،
لاستحالة وقوعه على صفتي ما نواه،و التّرجيح من غير مرجّح.و هو مذهب أبي سهل الصّعلوكيّ من الشّافعيّة (1).
و قال الشّيخ و ابن أبي عقيل بالإجزاء (2)،و هو أصحّ وجهي الشّافعيّة (3).
فلا يجزي الوضوء و لا التّيمّم و إن كان الماء متعذّرا بل يسقط الفعل،لأنّ المأمور به الغسل،و شيء منهما لا يصدق عليه اسمه،فلا يتحقّق الإجزاء.
و قال الشّيخ:انّ التّيمّم قد يكون بدلا من غسل الإحرام عند فقد الماء (4).
فلو نذر غسل الجمعة وجب فيه التّرتيب.
ص:480
غسل الجمعة
إن لم نقل بالتّداخل.و لو نوى غسل الجمعة خاصّة لم يحصل غسل الجنابة قطعا،و هل يصحّ غسل الجمعة؟الأقوى ذلك.و للشّافعيّة قولان،هذا أحدهما،لأنّه نوى شيئا و فعله فصحّ له،و الثّاني:لا يصحّ،لأنّه نوى التّنظيف،و مع الجنابة لا نظافة (1).
لا وجوبا،و لا استحبابا،خلافا للحنابلة في الاستحباب (2).
لنا:الإجماع على انّه لا يجب،و لأنّ زوال العقل في نفسه ليس بموجب للغسل، و الإنزال مشكوك فيه،فلا يزول عن اليقين بالشّكّ،و الاستحباب حكم شرعيّ يفتقر إلى دليل و لم يقم.
و لو وجد منهما الإنزال،وجب الغسل بعد الإفاقة لوجود السّبب.
و لا نعرف عليه نصّا،و لا شك انّ الاستحباب حكم شرعيّ،فيقف على الدّليل.
ص:481