تفسير الصراط المستقيم المجلد 1

اشارة

سرشناسه : بروجردی، حسین بن رضا، ق 1276 - 1238

عنوان و نام پديدآور : تفسیر الصراط المستقیم/ تالیف حسین البروجردی؛ صححه و علق علیه غلامرضابن علی اکبر البروجردی

مشخصات نشر : قم: موسسه انصاریان، 1416ق. = - 1374.

وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی

يادداشت : عنوان دیگر: صراط المستقیم فی تفسیر القرآن الکریم.

یادداشت : کتابنامه

عنوان دیگر : صراط المستقیم فی تفسیر القرآن الکریم.

عنوان دیگر : صراط المستقیم فی تفسیر القرآن الکریم

موضوع : تفاسیر (سوره فاتحه)

موضوع : تفاسیر (سوره بقره)

موضوع : تفسیر

موضوع : تفاسیر شیعه -- قرن ق 13

شناسه افزوده : مولانا بروجردی، غلامرضا، مصحح

رده بندی کنگره : BP102/ب 4ت 7

رده بندی دیویی : 297/18

شماره کتابشناسی ملی : م 75-2634

المقدمة

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه الذي انزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا، و الصلوة و السلام على النبي الامّي الذي أرسله بالدّين المشهور، و العلم المأثور، و الكتاب المسطور، و النّور الساطع، و الضّياء اللّامع، و الأمر الصادع، إزاحة للشبهات، و احتجاجا بالبيّنات، و تحذيرا بالآيات، و تخويفا بالمثلات، و إخراجا إلى النور من الظلمات، و على أهل بيته الطّيبين الطّاهرين، مصابيح الظلم، و عصم الأمم، ما أنار فجر ساطع، و خوى نجم طالع.

أمّا بعد فيقول العبد الفقير إلى اللّه الغنيّ «غلام رضا بن علي أكبر بن فضل اللّه ابن غفور، مولانا البروجرديّ» انّ من اهمّ العلوم الاسلامية بل أشرفها و أفضلها العلم بالقرآن الكريم و حقائقه و اسراره. فإنّه الكتاب الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و هو حبل اللّه المتين، و النور المبين، و الشفاء النافع، و الدواء الناقع، و الشافع المشفّع، و الماحل المصدّق. و هو الدّليل على خير سبيل و هو كتاب

فيه تفصيل و بيان و تحصيل، الّذي لا تحصى عجائبه، و لا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى، و منار الحكمة، و ختم اللّه به الكتب، و أنزله على نبيّ ختم به الأنبياء، و هو

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 6

قانون السماء لهداية الأرض، و ملاذ الّذين الأعلى يستند الإسلام إليه في عقائده و عباداته و حكمه و احكامه و آدابه و أخلاقه و قصصه و مواعظه و علومه و معارفه.

و هو عماد لغة العرب الأسمى، تدين له الّلغة في بقائها و سلامتها، و تفوق سائر الّلغات العالميّة به في اساليبها و مادّتها لذلك كان القرآن موضع العناية الكبرى من النبيّ الأعظم صلّى اللّه عليه و آله، و صحابته و من سلف الأمّة و خلفها جميعا إلى عصرنا هذا.

و قد اتخذت هذه العناية أشكالا مختلفة، فتارة ترجع إلى لفظه و أدائه، و اخرى إلى أسلوبه و إعجازه، و ثالثة إلى كتابته و رسمه، و رابعة إلى تفسيره و شرحه إلى غير ذلك و قد أفرد العلماء كل ناحية من هذه النواحي بالبحث و التأليف، و وضعوا من أجلها العلوم، و دوّنوا الكتب، و صنّفوا في كلّ علم يخدم القرآن أو يستند إليه مثل علم التفسير، و علم القراءات، و علم قصص القرآن، و علم إعجاز القرآن، و علم غريب القرآن، و علم الناسخ و المنسوخ، و علم متشابهات القرآن، و علوم اخرى كثيرة حتى نقل عن أبي بكر بن العربي «1» في قانونه التأويل كما حكى السيوطي «2» و صاحب مناهل العرفان أنّه قال:

علوم القرآن 77450 علم، على عدد كلم القرآن.

و من أجلّ هذه العلوم علم التفسير، و ذلك لأنّ رقاء الأفراد و الأشخاص

______________________________

(1) محمد بن

على بن المعروف بابن العربي الطائي الاندلسي الفيلسوف المتكلم ولد سنة (560) و توفى بدمشق سنة (638) ه- الاعلام ج 7/ 170-

(2) هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين السيوطي الحافظ المؤرخ الأديب ولد سنة (849) ه و توفي سنة (911) ه- الاعلام ج 4/ 71-

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 7

و نهضة الأمم و الجماعات لا تكون صحيحة إلّا عن طريق الاسترشاد بتعاليم القرآن الّتي روعيت فيها جميع عناصر السعادة للبشر، و واضح أنّ العمل بهذه التعاليم لا يمكن إلّا بعد فهم القرآن و تدبّره، و لذلك منزل القرآن حثّنا بتدبّره فقال سبحانه:

أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها «1».

و التدبّر في القرآن لا يختصّ بآية دون آية، و لا بقوم دون قوم آخر، حيث إنّ القرآن أنزل على قواعد لسان فصحاء العرب و مكالماتهم في أنديتهم و سائر محاوراتهم، و أجري فيه علم طريقتهم من الاستعمالات الحقيقيّة و المجازيّة و الكنائيّة و غيرها ممّا يعرف مداليلها الظاهرة أهل اللسان، و يعرفها غيرهم بالتعلّم لقواعد لغتهم، و أمّا حجيّة جميع تلك الظواهر، و الحكم بكون كلّها مرادا واقعيّا لله تعالى فقد منعنا القرآن عنه، حيث صرّح فيه بالتفرقة بين آياته فقال تعالى: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ .. «2».

جعل قسم المحكمات خاصّة أمّ الكتاب و الحجّة الّتي يرجع إليها و يؤخذ بظواهرها، و حكم في قسم المتشابهات بالوقوف عن التأويل و إيكال علمه إليه تعالى و إلى من خصّه اللّه تعالى بإفاضة

العلوم اللدنيّة المعبّر عنهم بالراسخين في العلم.

و الآراء في تعيين مصداق المحكم و المتشابه مختلفة لكنّ الحقّ المختار لمحقّقي المفسرين أنّ الآيات المحكمات ما يصحّ الأخذ

______________________________

(1) سورة محمّد (ص): 24.

(2) آل عمران: 7.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 8

بظواهرها، و يجوز الحكم بكونها مرادا واقعيّا، حيث إنّه لا يترتّب على كون ظواهرها مرادا واقعيّا أمر باطل أو محال.

و المتشابهات ما لا يمكن فيها ذلك، إمّا لعدم ظاهر لها مثل المقطّعات في فواتح السور، أو للقطع بعدم كون ظواهرها مرادا واقعيّا للزوم الباطل و ترتّب المحال، و بالجملة التعرّض للتأويلات و بيان المراد الواقعي في المتشابهات لا يجوز لغير الراسخين في العلم الذين هم عدل القرآن و حملته و المنزل في بيتهم الكتاب و قد خوطبوا به، فلا بدّ أن نأخذها عنهم، لأنّه لا يعرفها غيرهم بصريح القرآن.

و أمّا تفسير المحكمات فهو وظيفة الرّجال العارفين بقواعد اللغة العربيّة، نعم لا بّد أن يكون استنباطهم للظواهر في الآيات المحكمات مستندا إلى ما يفهم من نفس تلك القواعد، لا أن يكون على حسب اقتضاء الآراء و الأقيسة و الاستحسانات أو الظنّ و التخمين و التخرّصات، فإنّه قد ورد النهي الشديد عن التفسير بالرأي المراد به أمثال ما ذكر من الاستنباطات و بيان المراد الواقعي في الآيات المتشابهات من عند أنفسهم لا أخذا عن أهله، و إلّا فتفسير محكمات القرآن، و بيان المراد و المفهوم منها حسب قواعد اللّغة من أفضل الأعمال و أشرفها لأشرفيّة موضوعها و غايتها، كما صدرت الأوامر الأكيدة عن المعصومين عليهم السلام بذلك.

روي عنهم: «تعلّموا القرآن فإنّه أحسن الحديث، و تفقهوا فيه إنّه ربيع القلوب، و استشفوا بنوره فإنّه شفاء الصدور، و أحسنوا تلاوته فإنّه أنفع

القصص» «1».

روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه صرّح بأنّ العمل بهذا القرآن موقوف

______________________________

(1) البحار ج 2/ 36 ح 45.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 9

على تفسيره و كشف المراد منه في قضيّة التحكيم

بقوله عليه السّلام: «هذا القرآن إنّما هو خطّ مسطور بين الدفّتين لا ينطق بلسان، و لا بدّ له من ترجمان، و إنّما ينطق عنه الرجال» «1».

فالقرآن مرشد صامت، و إنّما ينطق عنه لسان الناطقين، فهو حاكم محتاج يحتاج إلى ترجمان، فلا بّد أن يقوم الرجال العارفون بالمراد من هذه الخطوط ببيانه و الكشف عنه و يسمّى هذا الكشف و البيان تفسيرا.

قال الطريحي «2»: التفسير في اللّغة كشف معنى اللفظ و إظهاره، مأخوذ من الفسر و هو مقلوب السفر، يقال: أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته.

قال صاحب المناهل في بيان الحاجة إلى التفسير ما ملّخصه:

القرآن إنّما نزل بلسان عربيّ مبين في زمن أفصح العرب، فكانوا يعلمون ظواهره و أحكامه، و أمّا دقائقه فلا تظهر لهم إلّا بعد البحث و النظر و سؤالهم مثل قولهم: «و أيّنا لم يظلم نفسه»؟ حينما نزل قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ «3» ففسّره النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم بالشرك، و استدلّ بقوله سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ «4» فأول من فسّر القرآن هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ صحابته الذين تعلّموا القرآن و دقائقه منه صلّى اللّه عليه و آله و أفضلهم و أعلمهم هو مولانا و سيّدنا علي بن أبي طالب عليه السّلام لأنّه كان

______________________________

(1) البحار ج 33/ 370 ح 602.

(2) الطريحي: فخر الدين بن محمّد بن عليّ بن أحمد بن طريح الرماح

النجفي المتوفّى سنة (1085) ه له مصنّفات منها «مجمع البحرين» في تفسير غريب القرآن و الحديث.

(3) سورة الأنعام: 82.

(4) سورة لقمان: 13.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 10

باب مدينة العلم، كما

روى الفريقان عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «أنا مدينة العلم و عليّ بابها- فمن أراد العلم فليأت الباب».

أخرج الحديث الطبراني «1» في «الكبير» عن ابن عبّاس كما في «الجامع الصغير» ص 107 للسيوطي و أخرجه الحاكم «2» في «المستدرك» ج 3 ص 226 بسندين صحيحين: أحدهما عن ابن عبّاس من طريقين صحيحين، و الآخر عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري «3»

و قد أفرد الإمام المغربي أحمد بن محمّد بن الصديق المعاصر لتصحيح هذا الحديث كتابا حافلا سمّاه «فتح الملك العليّ بصحة حديث باب مدينة العلم عليّ» و قد طبع في مصر سنة (1354) ه.

و هو عليه السّلام باب دار الحكمة، كما

اثر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم أنّه قال: «أنا دار الحكمة و عليّ بابها» أخرجه الترمذي «4» في صحيحة و ابن جرير «5» و نقله عنهما غير واحد من الأعلام كالمتّقي الهندي «6» في «كنز العمّال ج 6

______________________________

(1) هو سليمان بن أحمد بن أيّوب أبو القاسم الطبراني الشامي المحدّث الكبير، ولد سنة (260) بعكا، و توفي بأصبهان سنة (360) ه- وفيات الأعيان ج 1/ 215-

(2) الحاكم: محمّد بن عبد اللّه بن حمدويه النيسابوري المعروف بابن البيّع من أكابر المحدّثين الحفّاظ، ولد بنيسابور سنة (321) ه و توفّى بها سنة (405) ه.

(3) جابر بن عبد اللّه بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري صحابي جليل القدر كثير الرواية، ولد سنة (16) قبل الهجرة و توفي سنة (78) ه، و له

في صحيحي البخاري و مسلم و غيرهما (1540) حديثا.- الاعلام ج 7/ 92-

(4) الترمذي: محمّد بن عيسى بن سورة أبو عيسى المحدث الحافظ ولد سنة (209) و توفي بترمذ (على نهر جيحون) سنة (279) من تصانيفه «الجامع الكبير».

(5) هو محمّد بن جرير بن يزيد أبو جعفر الطبري المؤرخ المفسر، ولد في آمل طبرستان سنة (224) ه، و توفّي ببغداد سنة (310) ه.

(6) المتّقي الهندي: هو عليّ بن عبد الملك حسام الدين بن قاضي خان القادري الشاذلي الهندي المكّي المدني، ولد في رهانفور (من بلاد الدكن) نحو سنة (895) و سكن المدينة و توفّي بها سنة (975) ه، له مصنفات منها «كنز العمال في سنن الأقوال و الأفعال». تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 11

ص 401

و قال: قال ابن جرير: هذا خبر عندنا صحيح سنده.

المفسّرون المشاهير من الصحابة

قال السيوطي في «الإتقان»: اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة:

الخلفاء الأربعة، و ابن مسعود، و ابن عبّاس، و أبىّ بن كعب «1»، و زيد بن ثابت «2»، و أبو موسى الأشعري «3»، و عبد اللّه بن الزبير «4».

ثم قال: أمّا الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم عليّ بن أبي طالب كرم اللّه

______________________________

(1) أبيّ بن كعب بن قيس الخزرجي الانصاري، صحابيّ كان قبل الإسلام من أخبار اليهود، و لّما أسلم صار من كتّاب الوحي، و شهد بدرا و المشاهد كلّها. قال الزركلى: له في الصحيحين و غيرهما (164) حديثا، توفي بالمدينة (21) ه.

(2) زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي، أبو خارجة، صحابي، كان من كتّاب الوحي، ولد سنة (11) قبل الهجرة، بالمدينة، و توفي سنة (45) ه.

(3) أبو موسى الأشعري: عبد اللّه بن قيس، صحابي، أحد الحكمين بعد حرب صفين، ولد في

زبيد باليمن سنة (21) قبل الهجرة، و توفّي بالكوفة سنة (44) ه- غاية النهاية ج 1/ 442-

(4) عبد اللّه بن الزبير بن العوّام القرشي، ولد بالمدينة سنة (1) ه، بويع له بالخلافة سنة (64) فحكم مصر و الحجاز و اليمن، و خراسان، و العراق و أكثر الشام، مدة خلافته تسع سنين فقتل بمكة سنة (73) ه- الاعلام ج 4/ 218-

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 12

وجهه، و الرّواية عن الثلاثة قليلة جدّا.

قال محمّد بن عبد العظيم الزرقاني في «المناهل»: معنى هذا السبب في إقلال الثلاثة (أبي بكر و عمر و عثمان) من التفسير أنّهم كانوا في وسط أغلب أهله علماء بكتاب اللّه، عارفون بمعانيه و أحكامه.

أمّا الأمام عليّ رضي اللّه عنه فقد عاش بعدهم حتّى كثرت حاجة الناس في زمانه إلى من يفسّر لهم القرآن، فلا جرم كان ما نقل عن عليّ أكثر ممّا نقل عن غيره.

أضف إلى ذلك ما امتاز به الإمام من خصوبة الفكر، و غزارة العلم و إشراق القلب.

روى معمر «1»، عن وهب بن عبد اللّه «2»، عن أبي الطفيل «3» قال: شهدت عليا رضي اللّه عنه يخطب و يقول: سلوني فو اللّه لا تسألوني عن شي ء إلّا أخبرتكم و سلوني عن كتاب اللّه فو اللّه ما من آية الّا و أنا أعلم أ بليل نزلت أم بنهار، أفي سهل أم في جبل.

و في رواية عنه قال: و اللّه ما نزلت آية إلّا و قد علمت فيم أنزلت، و أين

______________________________

(1) هو معمر بن راشد بن أبي عمرو الازدي أبو عروة الفقيه المحدث الحافظ البصري ولد بالبصرة سنة (95) و توفي سنة (153) ه- الاعلام ج 8/ 190-

(2) هو وهب بن عبد اللّه

بن أبي دبي، ترجمه ابن أبي حاتم في «الجرح و التعديل» ج 9/ 22 رقم 101 و قال: روى عن أبي الطفيل، و روي عنه معمر بن راشد. وثّقه ابن معين.

(3) أبو الطفيل: عامر بن وائلة بن عبد اللّه عمرو، ولد يوم وقعة أحد سنة (3) ه و روى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله تسعة أحاديث، و حمل راية أمير المؤمنين عليه السّلام في بعض وقائعه، و توفّي بمكة المكرّمة سنة (100) ه و هو آخر من مات من الصحابة.- الاعلام ج 4/ 26- تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 13

أنزلت إنّ ربّي وهب لي قلبا عقولا، و لسانا سئولا «1».

و أول شي ء دوّنه أمير المؤمنين عليه السّلام كتاب اللّه عزّ و جلّ فإنّه بعد فراغه من تجهيز النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على نفسه أن لا يرتدي إلّا للصلوة، أو يجمع القرآن، فجمعه مرتّبا على حسب النزول، و أشار إلى عامّه و خاصّه، و مطلقة و مقيّده و محكمه و متشابهه، و ناسخه و منسوخه، و عزائمه و رخصه، و سننه و آدابه. و نبّه على أسباب النزول في آياته البيّنات، و أوضح ما عساه يشكل من بعض الجهات، و كان ابن سيرين على ما نقل ابن حجر «2» في «الصواعق» يقول: لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم «3».

و رجوع الصحابة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام في معرفة تنزيل الآيات و تأويلها مشهور بن الفريقين.

قال ابن أبي الحديد المعتزلي «4» في شرح «نهج البلاغة» ج 1/ 6: من العلوم

______________________________

(1) مناهل العرفان ج 1/ 482- 483.

(2) ابن حجر: هو أبو العبّاس شهاب الدين أحمد بن محمّد بن عليّ بن حجر الهيثمي

المكّي الأنصاري الشافعي، ولد سنة (899) أو (909) ه في محلّة أبي الهيثم (من إقليم الغربيّة) بمصر و إليها نسبته، و توفّي بمكّة المكرمة سنة (974) ه- النور السافر: 287-

(3) الصواعق المحرقة ص 128 عن ابن أبي داود عن محمّد بن سيرين.

(4) هو عبد الحميد بن هبة اللّه بن محمّد بن الحسين بن أبي الحديد، أبو حامد الأديب المؤرّخ المعتزلي، ولد في المدائن سنة (586) ه، و انتقل إلى بغداد و خدم في الدواوين السلطانية و برع في الإنشاء، و كان حظيّا عند الوزير ابن العلقمي، توفي بغداد سنة (655) ه- الاعلام ج 4/ 60-

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 14

علم التفسير، عن علي عليه السّلام أخذ، و منه فرع لأنّ أكثره عنه و عن ابن عبّاس، و قد علم الناس حال ابن عبّاس في ملازمته له و انقطاعه اليه و أنّه تلميذه و خرّيجه.

و قال ابن عبّاس الملقّب بحبر الأمّة و ترجمان القرآن: علمي بالقرآن في علم عليّ عليه السّلام كالقرارة «1» في المثعنجر «2».

روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام في ليلة تكلّم في تفسير الباء من البسملة إلى مطلع الفجر، ثمّ قال: يا بن عبّاس لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من باء بسم اللّه الرحمن الرحيم «3».

في «كشف الظنون عن أسامي الكتب و الفنون»: أنّ الخلفاء الأربعة أكثر من روي عنه علي بن أبي طالب عليه السّلام، و الرواية عن الثلاثة في ندرة، ثم حكي عن ابن عبّاس أنّ عليّا عليه السّلام عنده علم ظاهر القرآن و باطنه «4».

و في كتب الرّجال أنّ ميثم التّمار «5» كان يقول لابن عبّاس: سلني ما شئت من

______________________________

(1) القرارة: الغدير الصغير.

(2) المثعنجر (بضم الميم و سكون الثاء

المثلثة و فتح العين المهملة): أكثر موضع في البحر ماء.

(3) رواه جماعة من العامّة منهم الشعراني في «الطائف المنن» ج 1/ 171.

(4) كشف الظنون ج 1/ 429.

(5) هو ميثم بن يحيى التّمار الأسدي بالولاء، كان عبدا لامرأة من بني أسد فاشتراه على بن أبي طالب عليه السّلام منها و أعتقه، سكن الكوفة و حبسه أميرها ابن زياد، ثمّ أمر به فصلب على خشبة فجعل يحدّث بفضائل أمير المؤمنين عليه السّلام فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، فقال: ألجموه، فكان أوّل من ألجم في الإسلام، ثم طعن بحربة، و كان ذلك قبل مقدم الامام الحسين عليه السّلام إلى العراق بعشرة أيّام.- روضات الجنات: 752- 754-

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 15

القرآن فإنّي قرأت تنزيله على أمير المؤمنين عليه السّلام و علّمني تأويله «1» و قال الشعبي «2»: ما أحد أعلم بكتاب اللّه بعد نبيّ اللّه من علي بن أبي طالب عليه السلام «3» ثم بعد أمير المؤمنين عليه السّلام الذين فسّروا القرآن و كشفوا النقاب عن وجهه هم الأئمّة المعصومون عليهم السلام الرّاسخون في العلم.

ثم بعدهم أصحابهم الذين اقتبسوا من مشكاة أنوارهم، و التمسوا من جواهر أسرارهم ممّا يتعلّق بالشرائع و الأحكام و الحلال و الحرام و مسائل الأصول و القصص و التفسير و غيرها، فصنّفوا في أنواع علوم القرآن مصنّفات كثيرة.

قال مؤلّف الصّراط المستقيم: المضبوط في كتب الرّجال من كتب أصحاب الأئمّة عليهم السلام أزيد من ستّة آلاف كتاب.

نموذج من أسماء المفسّرين الى عصر المؤلّف

إليك أسماء بعض المفسّرين من القرن الأوّل إلى عصر مؤلّف «صراط المستقيم» على حسب تواريخ وفياتهم:

______________________________

(1) تنقيح المقال في علم الرجال ج 3/ 262.

(2) الشعبي: عامر بن شراحيل الحميري أبو عمرو التابعي ولد سنة (19) بالكوفة

و كان نديم عبد الملك بن مروان و سميره و رسوله إلى ملك الروم، مات بالكوفة فجأة سنة (103) ه- الاعلام ج 4/ 18-

(3) بحار الأنوار ج 92/ 93.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 16

1- أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد الخزرجي أبو المنذر، صحابيّ، كان قبل الإسلام حبرا من أحبار اليهود، مطّلعا على الكتب القديمة، و لمّا أسلم كان من كتّاب الوحي، و شهد المشاهد كلّها مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و كان من الإثني عشر الّذين نصروا الحقّ و رفضوا الباطل و كان نحيفا قصيرا أبيض الرأس و الحلية، توفّي بالمدينة سنة (21) ه أو سنة (22) ه- أنظر ترجمته في غاية النهاية ج 1/ 31، و حلية الأولياء ج 1/ 250، و صفة الصفوة ج 1/ 188- و الاعلام ج 1/ 78 و سفينة البحار ج 1 في الالف بعده الياء.

2- عبد اللّه بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، من أكابر الصحابة فضلا و عقلا، و من السابقين إلى الإسلام، و أوّل من جهر بقراءة القرآن بمكة المكرّمة، و كان خادم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و رفيقه في حلّه و ترحاله و غزواته، و روي عنه روايات كثيرة أحصوها في كتبهم (848) حديثا، أخذ سبعين سورة من القرآن من فيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بقيّته من أمير المؤمنين عليه السّلام.

و

روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: من أحبّ أن يسمع القرآن غضّا فليسمعه من ابن أمّ عبد.

توفّي بالمدينة سنة (32) ه و دفن بالبقيع، في «المستدرك» نقلا من تلخيص الشافي: أنّه لا خلاف بين الأمّة في

طهارة ابن مسعود و فضله و ايمانه و مدح الرسول صلّى اللّه عليه و آله و ثنائه عليه و أنّه مات على الحالة المحمودة منه.

أنظر ترجمته المبسوطة من غاية النهاية ج 1/ 458 و صفة الصفوة ج 1/ 154 و حلية الأولياء ج 1/ 124 و تأسيس الشيعة لفنون الإسلام: 327، و سفينة البحار ج 6/ 79- و الاعلام ج 4/ 280 و غيرها.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 17

3- عبد اللّه بن عبّاس بن عبد المطّلب، الصحابي الجليل، ولد بمكة المكرّمة سنة (3) قبل الهجرة، و نشأ في بدء عصر النبوّة فلازم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و روى عنه أحاديث كثيرة تبلغ في كتب القوم (1660) حديثا، روي عن ابن مسعود أنّه قال: نعم ترجمان القرآن ابن عباس، توفّي سنة (68) ه بالطائف.

كان ابن عبّاس من تلامذة أمير المؤمنين عليه السّلام و شهد معه الجمل و صفّين و أخذ التفسير عنه عليه السّلام، و دعا له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

بقوله: «أللهّم فقّهه في الدين و علّمه التأويل».

و روي أنّ رجلا أتى ابن عمر يسأله عن السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما «1» فقال: اذهب إلى ابن عبّاس، ثمّ تعال أخبرني، فذهب فسأله، فقال: كانت السماوات رتقا لا تمطر، و كانت الأرض رتقا لا تنبت، ففتق هذه بالمطر، و هذه بالنبات، فرجع إلى ابن عمر فأخبره فقال: قد كنت أقول ما يعجبني جرأة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قد علمت أنّه أوتي علما.

كثرت الرواية في التفسير من ابن عباس حتى كان ما يقارب النصف من الأحاديث الواردة في التفسير مسندا إليه.

قال شيخنا المجيز في الرواية قدّس سرّه في

«الذريعة» ج 4/ 244:

نسب إلى ابن عباس تفسيران: أحدهما ما ألّفه أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى ابن أحمد بن عيسى الجلّودي المتوفي سنة (332) ه.

و الثاني «تنوير المقياس» حاو لتفسير بعض الآيات و طبع بمصر سنة (290) ه.

______________________________

(1) سورة الأنبياء: 30.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 18

4- أبو الأسود الدؤلي: ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الكناني كان معدودا من الأدباء و الفقهاء و الأعيان و الأمراء و الشعراء و الفرسان و الحاضري الجواب، و كان من سادات التابعين.

ولد سنة (1) ه و سكن البصرة في خلافة عمر، و ولّى إمارتها في أيّام أمير المؤمنين عليه السّلام، استخلفه عليها عبد اللّه بن عبّاس لمّا شخص إلى الحجاز، و لم يزل في الإمارة إلى شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام، و كان قد شهد معه صفّين.

و هو في أكثر الأقوال أوّل من نقط المصحف، و أوّل من وضع النحو و قد أمره أمير المؤمنين عليه السّلام بوضعه.

و

قيل: إنّ عليّا عليه السّلام وضع له إنّ الكلمة ثلاثة: اسم، و فعل، و حرف،

فشرح أبو الأسود ذلك و بسطه.

ترجم المامقاني في تنقيح المقال أبا الأسود، و قال: عدّه الشيخ في رجاله تارة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام، و اخرى من أصحاب الحسن عليه السّلام، و ثالثة من أصحاب الحسين عليه السّلام، و رابعة من أصحاب السجّاد عليه السّلام.

و قال المامقاني في آخر ترجمته: بقي هنا شي ء و هو أنّ أبا موسى و ابن شاهين عدّا الرجل من الصحابة، و أنكر ذلك عليهما ابن الأثير و غيره و قالوا: إنّه ليس له صحبة و إنما هو تابعيّ من خواصّ أصحاب عليّ عليه السّلام.

توفّي أبو الأسود سنة (69) أو (99)

في طاعون الجارف.

- تنقيح المقال ج 2/ 111- الأعلام ج 3/ 340- 5- جابر بن عبد اللّه بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري، صحابي جليل القدر، و جلالته أشهر من أن يذكر، و انقطاعه إلى أهل البيت عليهم السلام

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 19

من الحقائق المسلّمة، و الرّوايات الدالّة على فضله كثيرة جدّا، شهد بدرا و ثماني عشر غزوة مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بعده صار من أصحاب أمير المؤمنين، ثمّ من أصحاب الحسن و الحسين، ثمّ من أصحاب علي بن الحسين ثمّ من أصحاب أبي جعفر الباقر عليهم صلوات اللّه.

قال المؤلّف في منظومته الرجالية «نخبة المقال»:

«و جابر من خاصّة الأطهار» «جخ ل إلى قر و هو الأنصاري» «1».

قال المحدّث القمي في سفينة البحار ج 1/ 536: قال شيخنا في «المستدرك» في ترجمة جابر الأنصاري: هو من السابقين الأوّلين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، و حامل سلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى باقر علوم الأوّلين و الآخرين، و أوّل من زار أبا عبد اللّه الحسين عليه السّلام في يوم الأربعين، المنتهى اليه سند أخبار الّلوح السماوي الذي فيه نصوص من اللّه رب العالمين، و له بعد ذلك مناقب اخرى و فضائل لا تحصى.

عدّه السيوطي في «الإتقان» من المفسرين.

ولد سنة (16) قبل الهجرة، و توفّي بالمدينة سنة (74) ه أو (77) ه أو (78) ه- الإصابة ج 1/ 213- و الاعلام ج 2/ 92- 6- سعيد بن جبير الأسدي بالولاء الكوفي التابعيّ، مشهور بالفقه و الزهد و العبادة و علم تفسير القرآن، أخذ العلم عن ابن عبّاس، و كان يسمّى جهبذ

______________________________

(1) (جخ رمز لرجال

الشيخ و (ل) رمز للرسول صلّى اللّه عليه و آله و (قر) رمز للباقر عليه السّلام يعني عدّ الشيخ في رجاله جابرا من أصحاب الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلى الإمام الباقر عليه السّلام.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 20

العلماء، و يقرأ القرآن في ركعتين.

قيل: ما على وجه الأرض أحد إلّا و هو محتاج إلى علمه.

ولد سنة (45) ه و قتله الحجّاج «1» في واسط سنة (95) ه.

روي أنّ ابن عبّاس كان إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه قال: أ تسألوني و فيكم ابن أمّ دهماء؟ يعني سعيدا.

روي أنّ سعيد بن جبير كان يأتمّ بعليّ بن الحسين عليهم السلام، فكان زين العابدين عليه السّلام يثني عليه

، و ما كان سبب قتل الحجّاج له إلّا على هذا الأمر، و كان مستقيما.

و روي أنّه لمّا دخل على الحجّاج قال هل: أنت شقيّ بن كسير، قال: كانت أمّي أعرف بي سمّتني سعيد بن جبير، قال: ما تقول في أبي بكر و عمر، هما في الجنّة أو في النار؟ قال: لو دخلت الجنّة فنظرت إلى أهلها لعلمت من فيها، و لو دخلت الجنّة و رأيت أهلها لعلمت من فيها، قال: فما قولك في الخلفاء؟ قال: لست عليهم بوكيل، قال أيّهم أحبّ إليك؟ قال: أرضاهم لخالقي، قال: فأيّهم أرضى للخالق؟ قال: علم ذلك عند الّذي يعلم سرّهم و نجويهم، قال، أبيت أن تصدقني، قال: بل لم أحبّ أن أكذبك «2».

______________________________

(1) الحجّاج بن يوسف بن الحكم الثقفي، الحاكم السفّاك، ولد بالطائف سنة (40) و انتقل إلى الشام فلحق بروح بن زنباغ و صار من شرطته، فقلّده عبد الملك أمر عسكره و أمره بقتال ابن الزبير فقتله، فولّاه عبد الملك مكّة و

المدينة و الطائف، ثمّ أضاف إليها العراق و ثبتت له الإمارة عشرين سنة، و بنى مدينة واسط بين الكوفة و البصرة و هلك بها سنة (95) ه- الاعلام ج 2/ 175-

(2) سفينة البحار 4/ 155.- بحار الأنوار ج 46/ 134-

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 21

7- مجاهد بن جبر المكّي، أبو الحجّاج، مولى بنى مخزوم، كان أحد الأعلام الأثبات، تابعيّ مفسّر.

قال النووي «1» في «تهذيب الأسماء ج 2/ 83»: إمام متّفق على جلالته و إمامته، ولد سنة (31) ه، و توفّي بمكة و هو ساجد سنة (104) على الأشهر.

قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء ج 4/ 449»: مجاهد بن جبر الإمام شيخ القرّاء و المفسّرين ... روى عن ابن عبّاس فأكثر و أطاب، و عنه أخذ القرآن و التفسير و الفقه.

ثم روى بإسناده عن مجاهد أنّه قال: عرضت القرآن على ابن عبّاس ثلاث عرضات، أقفه عند كلّ آية أسأله فيم نزلت و كيف كانت.

و قال الذهبي في «عبر في خبر من غبر» ج 1/ 125: عن مجاهد أنّه قال:

عرضت القرآن على ابن عبّاس ثلاثين مرّة.

و قال ابن الجزري «2» في «غاية النهاية» ج 2/ 41: مجاهد بن جبر أبو الحجّاج المكّي، أحد الأعلام من التابعين و الأئمّة المفسّرين ... أخذ منه القراءة عرضا عبد اللّه بن كثير، و ابن محيصن «3»، و حميد بن

______________________________

(1) النووي: يحيى بن شرف الحوراني الشافعي الفقيه المحدث، ولد في نوا (من قرى حوران، سورية) سنة (631) ه و توفّي بها سنة (676) ه.

(2) ابن الجزري: شمس الدين محمّد بن محمّد بن محمّد ابو الخير الدمشقي الحافظ المحدّث المقرئ ولد في دمشق سنة (751) ه و مات بشيراز سنة (833).

- الاعلام

ج 7/ 274-

(3) ابن محيصن: محمّد بن عبد الرحمن بن محيصن المقرئ المكي المتوفّي سنة (123) ه.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 22

قيس «1»، و زمعة بن صالح «2»، و أبو عمرو بن العلاء، و قرأ عليه الأعمش.

8- طاوس اليماني ابن كيسان أبو عبد الرحمن الهمداني بالولاء، قال الزركلي في «الأعلام» ج 3/ 322: كان من أكابر التابعين، تفقّها في الدين و رواية الحديث، و تقشّفا في العيش، و جرأة على وعظ الخلفاء و الملوك، أصله من الفرس، ولد في اليمن سنة (33) ه و نشأ فيها و توفّي حاجّا بمزدلفة أو بمنى سنة (106) ه.

قال الدكتور محمّد حسين الذهبي في كتاب «التفسير و المفسرون» ج 1/ 112: كان طاوس عالما متقنا، خبيرا بمعاني كتاب اللّه، و يرجع ذلك إلى مجالسته لكثير من الصّحابة يأخذ عنهم، روى عنه أنّه قال: جالست خمسين من الصحابة، و نجده يجلس الى ابن عبّاس أكثر من جلوسه لغيره من الصحابة و يأخذ في التفسير أكثر ممّا يأخذ من غيره، و لذلك عدّ من تلاميذ ابن عبّاس.

عدّه صاحب «الروضات» في أصحابنا الفقهاء الأمجاد رحمة اللّه عليهم أجمعين، ثم نقل شرح حاله و مدائحه و حكاية ملاقاته للسّجاد عليه السّلام في المسجد الحرام، فتعجّب من ذلك العلّامة النوري قدّس سرّه في «المستدرك» و قال، هذا منه ممّا لا ينقضي تعجّبه فإنّ الرجل من فقهاء العامّة و متصوّفيهم لم يشك فيه أحد، و لم يذكره أحد من علماء الرجال في كتبهم الرجالية و لم يسندوا إليه خبرا في مجاميعهم في الأحاديث أصولا و فروعا، نعم عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب السجاد عليه السّلام، و لعله للحكاية المتقدّمة، و إلّا فليس في الكتب

الأربعة خبر واحد أسند إليه، مع أنّه من الفقهاء الّذين يذكرون أقوالهم في كتب الفروع، مع أنّ ما

______________________________

(1) حميد بن قيس الأعرج أبو صفوان المكي القاري المتوفى سنة (130) ه.

(2) زمعة بن صالح أبو وهب القارئ المكي- انظر ترجمته في غاية النهاية ج 1/ 295-

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 23

ذكره في ترجمته كاف في الدلالة على تسنّنه.- سفينة البحار ج 5/ 337- 339-.

9- عكرمة بن عبد اللّه البربري المدني، أبو عبد اللّه، مولى عبد اللّه بن عبّاس، تابعيّ، كان من أعلم الناس بالتفسير و المغازي، طاف البلدان، و روى عنه زهاء ثلاثمائة رجل، منهم أكثر من سبعين تابعيّا، و ذهب إلى نجدة الحروري «1»، فأقام عنده ستّة أشهر، ثمّ كان يحدث برأي نجدة، و خرج إلى بلاد المغرب فأخذ عنه أهلها رأي الصفريّة، و عاد إلى المدينة، و توفّي بها سنة (105) أو بعدها «2».

قال ابن الجزري: عكرمة مولى ابن عبّاس أبو عبد اللّه المفسّر، وردت الرواية منه في حروف القرآن، و قد تكلّم فيه لرأيه لا لروايته، فإنه كان يرى رأى الخوارج .. إلى أن قال: كذّبه مجاهد و ابن سيرين، مات سنة خمس أو سنة ستّ أو سنة سبع و مائة «3».

قيل: كان ابن عباس يجعل في رجليه الكبل و يعلّمه القرآن، و كان عكرمة يقول: كلّ شي ء أحدّثكم في القرآن فهو عن ابن عبّاس.

قال المحدّث القمي قدّس سرّه في «السفينة» ج 6/ 334 ط الجديد: عكرمة مولى ابن عبّاس كان من علماء الناس ليس على طريقتنا و لا من أصحابنا مات سنة (105) أو (107).

قيل للباقر عليه السّلام: إنّ عكرمة مولى ابن عبّاس قد حضرته الوفاة قال:

إن أدركته علّمته كلاما لم تطعمه

النار.

______________________________

(1) هو نجدة بن عامر الحروري كان من رؤساء الحرورية و الخوارج قتل سنة (69) ه.

(2) الاعلام ج 5/ 43.

(3) غاية النهاية ج 1/ 515 رقم 2132.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 24

10- عطيّة بن سعد بن جنادة العوفي القيسي الكوفي أبو الحسن،

قال أبو جعفر الطبري في ذيل «المذيّل»: جاء سعد بن جنادة الى علي بن أبي طالب عليه السلام و هو بالكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين إنّه قد ولد لي غلام فسمّه، فقال عليه السلام: هذا عطيّة اللّه، فسمّي عطية

، و كانت أمّه روميّة، و خرج عطيّة مع ابن الأشعث، ثم هرب عطيّة الى فارس، و كتب الحجّاج الى محمّد بن القاسم الثقفي أن أدع عطيّة، فإن لعن علي بن أبي طالب و إلّا فاضربه أربعمائة سوط و احلق رأسه و لحيته، فدعاه و أقرأه كتاب الحجّاج و أبى عطيّة أن يفعل، فضربه أربعمائة سوط و حلق رأسه و لحيته، فلمّا ولّى عمر بن هبيرة بن العراق فكتب إليه عطيّة يسأله الإذن له في القدوم، فأذن له فقدم الكوفة فلم يزل بها الى أن توفّي سنة (111) ه، و كان كثير الحديث ثقة.

قال المامقاني في «تنقيح المقال» ج 2/ 253 رقم 7941: عن ملحقات الصراح: عطيّة العوفي بن سعيد، و له تفسير في خمسة أجزاء، قال عطيّة: عرضت القرآن على ابن عبّاس ثلاث عرضات على وجه التفسير، و أمّا على وجه القراءة فقرأت عليه سبعين مرّة «1».

و يظهر من كتاب «بلاغات النساء» أنه سمع عبد اللّه بن الحسن يذكر خطبة فاطمة الزهراء عليها السلام في أمر فدك فراجع «2».

11- عطاء بن أبي رباح أسلم بن صفوان، تابعيّ، ولد في جند باليمن سنة (27) ه و

نشأ بمكّة المكرّمة، فكان مفتي أهلها و محدّثهم، و توفّي فيها سنة (114) ه.

______________________________

(1) سفينة البحار ج 6/ 296 ط. الجديد.

(2) بحار الانوار ج 8/ 11/ 112 ط. القديم.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 25

قال ابن الجزري في «غاية النهاية» ج 1/ 513 رقم 2120: عطاء بن أبي رباح أبو محمّد القرشي مولاهم المكّي، أحد الأعلام وردت عنه الرواية في حروف القرآن، عاش مائة سنة كما قال ابن معين، و قال غيره: مات سنة (115) و قيل:

(114) و له (88) سنة.

قال الذهبي في كتابه «التفسير و المفسرون» ج 1/ 114: إذا تتبّعنا الرّواة عن ابن عبّاس نجد أنّ عطاء بن أبي رباح لم يكثر الرواية عنه كما أكثر عن غيره، و نجد مجاهدا، و سعيد بن جبير يسبقانه من ناحية العلم بتفسير كتاب اللّه، و لكن هذا لا يقلّل من قيمته بين علماء التفسير، و لعلّ إقلاله في التفسير يرجع الى تحرّجه عن القول بالرأي.

و في سفينة البحار ج 6/ 295 ط. الجديد: كان بنو أميّة يعظّمونه جدّا، حتّى أمروا المنادي ينادي: لا يفتي الناس إلّا عطاء، و كان عطاء أعور، أفطس، أعرج، شديد السّواد، و يظهر انحرافه عن أهل البيت عليهم السلام من حكاية حضوره جنازة رجل من قريش مع أبي جعفر عليه السلام، راجع البحار ج 46/ 300.

12- قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزير أبو الخطاب السدوسي البصري مفسّر حافظ ضرير أكمه.

قال أحمد بن حنبل: قتادة أحفظ أهل البصرة و كان مع علمه بالحديث رأسا في العربيّة و مفردات اللّغة و أيّام العرب و النسب ولد سنة (61) ه و توفّي بواسط سنة (118) في الطاعون.

ترجمه الذهبي في «سير أعلام النبلاء ج 5/

269 رقم 132» و قال: حافظ أهل العصر، قدوة المفسرين، مولده سنة (60).

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 26

قال معمر: أقام قتادة عند سعيد بن المسيّب ثمانية أيّام فقال له في اليوم الثالث: ارتحل يا أعمى فقد أنزفتني «1».

و قال معمر أيضا: سمعت قتادة يقول: ما في القرآن آية إلّا و قد سمعت فيها شيئا.

و عنه قال: ما سمعت شيئا إلّا و حفظته.

قال سلام بن أبي مطيع: كان يختم القرآن في سبع، و إذا جاء رمضان ختم في كلّ ثلاث، فإذا جاء العشر ختم كلّ ليلة.

قال المحدّث القمّي في سفينة البحار ج 7/ 222: قتادة بن دعامة من أهل البصرة، كان عالما كبيرا مقصدا للطلّاب و الباحثين، لم يكن يمرّ يوم إلّا يأتيه راحلة من بني أميّة تنيخ ببابه لسؤال عن خبر أو نسب أو شعر، و كان يدور البصرة أعلاها و أسفلها بغير قائد، و بلغ من اشتهاره بالعلم و صحّة الرواية حتّى قالوا: لم يأتنا من علم العرب أصحّ من شي ء أتانا من قتادة.

و قال: كان قتادة من أكابر محدّثي العامّة من تابعي البصرة، و كان شيخا أحمر الرأس و اللّحية، و يظهر ممّا جرى بينه و بين خالد بن عبد اللّه القسري أمير مكّة أنّ قتادة كان محبّا لعليّ عليه السلام حيث إنّه لمّا سمع من خالد الملعون قوله في علي عليه السلام قام فانصرف و قال في حقّ خالد: زنديق و ربّ الكعبة، زنديق و ربّ الكعبة.

13- زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، و يقال له:

______________________________

(1) أي أخذت منّي علمي كلّه و لم يبق منه شي ء.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 27

«زيد الشهيد» ولد سنة (79) ه.

قال

في «التكملة»: اتفق علماء الإسلام على جلالته و ثقته و ورعه و علمه و فضله، و قد روي في ذلك أخبار كثيرة، حتى عقد ابن بابويه في «العيون» بابا لذلك.

و قال الشيخ المفيد في «الإرشاد»: كان زيد بن علي بن الحسين عليه السلام عين إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام و أفضلهم، و كان ورعا عابدا فقيها سخيّا شجاعا و ظهر بالسيف يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر، و يطلب بثارات الحسين عليه السلام.

و صرّح الشهيد رحمه اللّه في «القواعد» في بحث الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بأنّ خروجه كان بإذن الإمام عليه السلام «1».

قال الزركلي في الأعلام: عدّه الجاحظ من خطباء بني هاشم، و قال أبو حنيفة: ما رأيت في زمانه أفقه منه، و لا أسرع جوابا و لا أبين قولا ...

كان إقامته بالكوفة فاشخص الى الشّام، فضيّق عليه هشام بن عبد الملك و حبسه خمسة أشهر، و عاد إلى العراق ثم إلى المدينة، فلحق به بعض أهل الكوفة يحرّضونه على قتال الأمويين، و رجعوا به الى الكوفة سنة (120) ه فبايعه أربعون ألفا على الدعوة الى الكتاب و السنّة، و جهاد الظالمين، و الدفع عن المستضعفين، و إعطاء المحرومين، و نصر أهل البيت و كان العامل على العراق يومئذ يوسف بن عمر الثقفي، فكتب إلى الحكم بن الصلت و هو في الكوفة أن يقاتل زيدا، فنشبت معارك انتهت بمقتل زيد بسنة (121) ه و حمل رأسه إلى الشام فنصب على باب دمشق، ثم أرسل إلى المدينة فنصب عند قبر النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) يوما

______________________________

(1) تنقيح المقال ج 1/ 467.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 28

و ليلة و حمل إلى

مصر فنصب بالجامع فسرقه أهل مصر و دفنوه.

من آثاره العلميّة: «مجموع في الفقه» و «تفسير غريب القرآن» رواهما أبو خالد الواسطي عن زيد «1».

14- السدّي الكبير: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة الهاشمي بالولاء، أبو محمّد الكوفي مولى زينب بنت قيس بن مخرمة من بني عبد المطلب، تابعي، حجازي الأصل، كوفيّ المسكن.

روى عن ابن عبّاس و أنس، و طائفة، و روى عنه أبو عوانة، و سفيان الثوري، و حسن بن صالح، و زائدة، و إسرائيل، و أبو بكر بن عيّاش.

أخرج له الجماعة (المسلم و أهل السنن الأربعة) و لم يخرج له البخاري لرميه بالتشيّع.

قال ابن حجر في «التقريب»: إسماعيل السدّي (بضم السين و تشديد الدال المهملتين)، صدوق.

و هذا هو السدّي الكبير المذكور في التفاسير، و تفسيره على ما قال السيوطي في «الإتقان» أمثل التفاسير، و ذكره النجاشي و الطوسي في فهرستيهما في مصنّفي الشيعة.

أدرك السجّاد و الباقر و الصادق عليهم السلام، و توفّي سنة (127) ه.

و السدّي منسوب إلى سدّة مسجد الكوفة لأنّه كان يبيع المقانع فيها، و قيل:

إنّه كان يدرّس التفسير على بعض سدّات المسجد الحرام.

______________________________

(1) الاعلام ج 3/ 98.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 29

- اللباب ج 1/ 308- تنقيح المقال ج 1/ 137- 15- جابر بن يزيد الجعفي بن الحرث أبو عبد اللّه الكوفي، كان من أجلّاء الرّواة و أعاظم الثقات.

قال العلّامة المامقاني في «تنقيح المقال»: إنّ الّذي يستفاد من مجموع ما مرّ من الأخبار أنّ الرّجل في غاية الجلالة و نهاية النبالة، و له المنزلة العظيمة عند الصادقين عليهما السلام، بل هو من أهل أسرارهما و بطانتهما و مورد ألطافهما الخاصّة و عنايتهما المخصومة و أمينهما على ما لا يؤتمن عليه

إلّا أو حديّ العدول من الأسرار و مناقب أهل البيت عليهم السلام.

نقل في ترجمة مولانا الباقر عليه السّلام عن «المناقب» أنّ بابه جابر بن يزيد الجعفي، و لا يعقل تمكين الإمام المعصوم عليه السلام من صيرورة غير العدل بابا له و واسطة بينه و بين شيعته الضعفاء الأخيار.

روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: إنّما سمّي جابرا لأنّه جبر المؤمنين بعلمه، و هو بحر لا ينزح.

عدّه الشيخ في رجاله تارة من أصحاب الباقر عليه السلام و قال: توفّي سنة (128) ه، و أخرى من أصحاب الصادق عليه السلام.

و قال في «الفهرست»: له كتاب التفسير أخبرنا به جماعة من أصحابنا.

- تنقيح المقال ج 1/ 201- 205 رقم 1621- 16- محمّد بن علي بن أبي شعبة أبو جعفر الحلبي من وجوه أصحابنا و فقهائهم ذكره النجاشي في «رجاله» ج 2/ 202 و قال: وجه أصحابنا و فقيههم، و الثقة الذي لا يطعن عليه .. له كتاب التفسير.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 30

و ذكره الشيخ في رجاله بأرقام 24 و 249 و عدّه من أصحاب الباقر و الصادق عليهما السلام و قال في الفهرست: محمّد بن علي الحلبي له كتاب، و هو ثقة.

و قال المامقاني في «التنقيح» ج 3/ 152: نقل السيّد صدر الدين وفات الرّجل في زمان الصادق عليه السلام.

و أرّخ بعض وفاته سنة (135) ه.

17- زيد بن أسلم العدوي العمري مولاهم، أبو أسامة أو أبو عبد اللّه المدني، فقيه مفسّر، كان مع عمر بن عبد العزيز أيّام خلافته، و استقدمه الوليد بن يزيد في جماعة من فقهاء المدينة إلى دمشق مستفتيا في أمر، و له كتاب في التفسير رواه عنه ولده عبد الرحمن.

و عدّه ابن الجزري

من المقرئين و قال: زيد بن أسلم أبو أسامة المدني مولى عمر بن الخطّاب، وردت عنه الرّواية في حروف القرآن، أخذ عنه القراءة شيبة بن نصاح، مات سنة (136) ه.

و عدّه الذهبي و السيوطي من الحفّاظ، قال السيوطي: روى عن أنس، و جابر بن عبد اللّه، و سلمة بن الأكوع، و ابن عمر، أبي هريرة، و عائشة.

و عنه ابنه أسامة، و أيّوب السختياني، و روح بن القاسم، و السفيانان، و ابن جريح، و كان له حلقة في المسجد النبوي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم).

عدّه الشيخ من أصحاب الصادق عليه السلام.

الأعلام ج 3/ 95، غاية النهاية ج 1/ 296- طبقات الحفّاظ: 53.

18- داود بن دينار المعروف بابن أبي هند السرخسي القشيري، عدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الباقر عليه السلام.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 31

قال المامقاني في «تنقيح المقال» ج 1/ 406: ظاهره كونه إماميا لكنّا لم نقف فيه على مدح يلحقه بالحسان، توفّي في طريق مكّة سنة (139) ه.

ذكر ابن النديم تفسيره في الفهرست في ص 59.

و ذكر تفسيره أيضا العلّامة المحقّق آقا بزرگ قدّس سرّه في «الذريعة» ج 4/ 240 رقم 1174.

19- أبان بن تغلب بن رباح أبو سعيد البكري الجريري، ثقة، جليل القدر عظيم المنزلة، لقي الأئمة السجّاد و الباقر و الصادق عليهم السّلام، و روى عنهم، و كان له عندهم حظوة، و قدم و

قال له أبو جعفر عليه السّلام: اجلس في مسجد المدينة و أفت النّاس فإنّي أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك.

مات في سنة (141) ه و

لمّا أتى نعيه أبا عبد اللّه عليه السّلام قال: أما و اللّه لقد أوجع قلبي موت أبان.

و

روي أنّ الصادق عليه السّلام قال: يا

أبان ناظر أهل المدينة فإنّي أحب أن يكون مثلك من رواتي و رجالي.

و قد وثّقه في الحديث مع الاعتراف بتشيّعه جمع من العامّة مثل ابن حنبل، و ابن معين، و أبي حاتم، و النسائي، و ابن عدي، و الحاكم، و ابن سعد، و الذهبي، و ابن حجر.

و كان مقدّما في كثير من الفنون سيّما التفسير و الفقه و الحديث، و له تفاسير، مثل «الغريب في القرآن» و «معاني القرآن» و غيرهما.

توجد ترجمته في «تنقيح المقال» ج 1/ 3 و أعيان الشيعة ج 5/ 47 و غاية النهاية ج 1/ 4.

20- محمّد بن السّائب بن بشر بن عمرو بن الحارث الكلبي، أبو النضر

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 32

الكوفي نسّابة، راوية، عالم بالتفسير و الأخبار و أيّام العرب، قال ابن النديم في «الفهرست» ص 95: حكي أنّ سليمان بن عليّ العبّاسي والي البصرة استقدمه إليها و أجلسه في داره، فجعل يملي على الناس تفسير آيات من القرآن حتى بلغ إلى آية في سورة البرائة ففسّرها على خلاف المعروف، فقالوا: لا نكتب هذا التفسير، فقال:

و اللّه لا أمليت حرفا حتّى يكتب تفسير هذه الآية على ما أنزل اللّه، فرفع ذلك إلى سليمان بن علي، فقال: اكتبوا ما يقول و دعوا ما سوى ذلك. صنّف في تفسير القرآن كتابا.

قال الصدر في «تأسيس الشيعة»: أوّل من صنّف في أحكام القرآن هو محمّد بن السائب الكلبي، و هو من الشيعة المخصوصين بالإمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام.

قال النسائي: حدّث عنه ثقات من الناس و رضوه في التفسير.

قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» ج 6/ 248: العلّامة الأخباري، أبو النضر محمّد بن السائب بن بشر الكلبي المفسّر، و كان أيضا رأسا في

الأنساب إلّا أنّه شيعيّ متروك الحديث.

يروي عنه ولده هشام و طائفة، أخذ عن أبي صالح، و جرير، و الفرزدق و جماعة، توفّي سنة (146) ه.

توجد ترجمة الكلبي مضافا إلى ما ذكر في «طبقات ابن سعد» ج 6/ 249 و «الجرح و التعديل» ج 7/ 270 و تذهيب التهذيب ج 3/ 205 و تهذيب التهذيب ج 9/ 178.

21- الأعمش: سليمان بن مهران الأسدي بالولاء، أبو محمّد، أصله من بلاد

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 33

الرّي، ولد بالكوفة سنة (61) و توفّي بها سنة (148) ه، كان عالما بالقرآن و الحديث و الفرائض، يروي نحو 1300 حديث.

قال الذهبي: كان رأسا في العلم النافع و العمل الصالح.

كان معروفا بالفضل و الثقة و الجلالة و التشيّع و الاستقامة، و العامّة أيضا يثنون عليه، و مطبقون على فضله و ثقته، و مقرّون بجلالته مع اعترافهم بتشيّعه.

قال يحيى القطّان: هو علّامة الإسلام.

قال هيثم: ما رأيت بالكوفة أحدا أقرأ لكتاب اللّه و لا أجود حديثا من الأعمش: الإمام الجليل، أخذ القراءة عرضا عن إبراهيم النخعي، و زرّ بن حبيش، و زيد بن وهب، و عاصم بن أبي النجود، و مجاهد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، و جرير بن عبد الحميد .. إلى أن قال: و روينا عنه أنّه قال: إنّ اللّه زيّن بالقرآن أقواما و إنّي ممّن زيّنه اللّه بالقرآن، و لو لا ذلك لكان على عنقي دنّ أطوف به في سكك الكوفة.

عدّه الشيخ الطوسي قدّس سرّه من أصحاب الصادق عليه السّلام، و عدّه السروي في «المناقب» من خواصّ أصحابه.

قال السيّد شرف الدين في «المراجعات» ص 75: سليمان بن مهران أحد شيوخ الشيعة و أثبات المحدثين .. احتجّ به أصحاب السنّة و

غيرهم.

و هو واقع في رواة تفسير علي بن إبراهيم القمي قدّس سرّه.

توجد ترجمة الأعمش في غير واحد من كتب التراجم منها: الأعلام ج 3/ 2198 و تنقيح المقال ج 2/ 65، و معجم رجال الحديث ج 8/ 280، و تاريخ بغداد ج 9/ 3.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 34

22- هشام بن سالم الجواليقي الجعفي مولى بشير بن مروان بن محمّد الكوفي، عدّه الشيخ تارة من أصحاب الصادق عليه السّلام، و اخرى من أصحاب الكاظم عليه السّلام.

و قال النجاشي في «رجاله» ج 2/ 399 رقم 1166: كان من سبى الجوزجان، روى عن أبي عبد اللّه، و أبي الحسن عليهما السّلام، ثقة ثقة، له كتاب يرويه جماعة.

أخبرنا محمّد بن عثمان، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن أحمد، قال: حدّثنا ابن أبي عمير عنه بكتابه، و كتابه الحج، و كتابه التفسير، و كتابه المعراج.

قال المحدّث القمي في «سفينة البحار» ج 8 ص 701 ط الجديد: هشام بن سالم الجواليقي أبو الحكم كان من سبى الجوزجان روى عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السّلام، ثقة ثقة.

و عدّه الشيخ المفيد من فقهاء الأصحاب، و له أصل، و يروى عنه كثير من الأجلّاء كابن أبي عمير، و صفوان، و ابن محبوب، و البزنطي، و الحسين بن سعيد، و ابن بزيع، و غيرهم.

و هو الذي كان أوّل من دخل على موسى بن جعفر عليهما السّلام بعد وفاة أبيه و اطّلع على إمامته ثمّ أخبر أصحابه بذلك، و صرفهم عن عبد اللّه الأفطح «1».

______________________________

(1) هو عبد اللّه بن جعفر الصادق عليه السّلام، كان أكبر إخوته بعد إسماعيل، و لم يكن منزلته عند أبيه بمنزلة غيره من ولده

في الإكرام، و كان متّهما بالخلاف على أبيه في الإعتقاد و ادّعى بعد أبيه الإمامة و بايعه جماعة و سمّوا بالفطحيّة لأنّ داعيهم أي عبد اللّه كان أفطح

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 35

23- مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي بالولاء، البلخي، أبو الحسن كان من أعلام المفسّرين، أصله من بلخ انتقل إلى البصرة و دخل بغداد فحدّث بها و توفّي بالبصرة سنة (150) ه.

من كتبه «آيات الأحكام» ذكره ابن النديم في «الفهرست» ص 254، و «التفسير الكبير» و «نوادر التفسير» و «متشابه القرآن» و «الناسخ و المنسوخ» ذكرها الزركلي في الأعلام ج 8/ 206.

عدّه الشيخ قدّس سرّه في رجاله تارة من أصحاب الباقر عليه السّلام و اخرى من أصحاب الصادق عليه السّلام.

قال المامقاني في «التنقيح» ج 3/ 244: عن «ملحقات الصراح» في ذكر معارف أهل التفسير من التابعين و من تبعهم الإمام أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن زيد تفسيره مجلّدان.

و عن «تاريخ اليافعي»: أبو الحسن مقاتل بن سليمان الأزدي بالولاء الخراساني كان مشهورا بتفسير كتاب اللّه العزيز، و له التفسير المشهور و كان من العلماء الأجلّاء، حكي عن الشافعي أنّه قال: الناس كلّهم عيال على ثلاثة: على مقاتل بن سليمان في التفسير، و على زهير بن أبي سلمى في الشعر و على أبي حنيفة في الكلام.

قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» ج 7/ 201 رقم 79: كبير المفسّرين أبو الحسن مقاتل بن سليمان يروي على ضعفه البيّن عن مجاهد، و الضّحاك، و ابن بريدة،

______________________________

الرجلين، و مات بعد أبيه بتسعين يوما (148) ه.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 36

و عطاء، و ابن سيرين، و عمرو بن شعيب، و شرحبيل بن سعد، و المقبري، و الزهري

و عدّة.

و عنه سعد بن الصلت، و بقيّة، و عبد الرزّاق، و حرمي بن عمارة و غيرهم.

24- أبو حمزة الثمالي: ثابت بن دينار الأزدي بالولاء الكوفي جليل القدر، عظيم المنزلة عند الأئمّة عليهم السّلام لقي السّجاد، و الباقر، و الصادق، و الكاظم عليهم السّلام، و روى عنهم- على خلاف في الأخير، توفّي سنة (150) ه.

ترجم لأبي حمزة الثمالي أكثر أرباب المعاجم.

قال السيد بحر العلوم الطباطبائي في «الفوائد الرجالية) ج 1/ 258 في ترجمته: له كتب، منها كتاب التفسير، و الظاهر أنّه أوّل من صنّف فيه من أصحابنا، روى عنه كثير من الأجلّاء،

قال الكشي رحمه اللّه: قال: الفضل بن شاذان: سمعت الثقة يقول: سمعت الرضا عليه السّلام يقول: أبو حمزة الثمالي في زمانه كسلمان الفارسي في زمانه، و ذلك أنّه خدم أربعة منّا، علي بن الحسين عليه السّلام و محمّد بن علي عليه السّلام و جعفر بن محمّد عليه السّلام و برهة من عصر موسى عليه السّلام «1».

و قال ابن حجر العسقلاني في «تهذيب التهذيب» ج 2/ 7: ثابت بن أبي صفيّة دينار- و قيل: سعد- أبو حمزة الثمالي الأزدي الكوفي مولى المهلّب، روى عن أنس، و الشعبي، و أبي إسحاق، و زاذان أبي عمر، و سالم بن أبي الجعد، و أبي جعفر الباقر عليه السّلام و غيرهم.

______________________________

(1) رجال الكشي ص 133 ط بمبئي و فيه بدل (سلمان) «لقمان».

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 37

و روى عنه الثوري، و شريك، و حفص بن غياث، و أبو أسامة، و عبد الملك بن سليمان، و أبو نعيم، و وكيع، و عبيد اللّه بن موسى، و عدّة.

و قال السيّد العلّامة الفقيه الصدر الكاظمي في «تأسيس الشيعة» ص 327: أبو حمزة

الثمالي من التابعين و مقدّم في التفسير و الحديث، مصنّف فيهما و ذكر تفسيره الثعلبي في تفسيره و اعتمد عليه و أخرج الكثير من روايته.

25- أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني الخراساني، رأس الجارودية من الزيديّة، ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 1/ 387 رقم 446 و قال: أبو الجارود الهمداني الخارقي الأعمى، كوفي، كان من أصحاب أبي جعفر عليه السّلام و روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و تغيّر لمّا خرج زيد رضي اللّه عنه، له كتاب تفسير القرآن رواه عن أبي جعفر عليه السّلام.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» ج 2/ 371 رقم 1255: سمع عطية، و روى عن أبي جعفر عليه السّلام، و روى عنه مروان بن معاوية، و على بن هاشم بن البريد، يتكلّمون فيه (أي يتّهمونه بالتشيّع) ذكره الشيخ في «الفهرس»، برقم 305 و قال: زيديّ المذهب، و إليه تنسب الزيدية الجاروديّة كما ذكره كذلك في أصحاب الباقر عليه السّلام من «رجاله» برقم 4.

و ذكره الكشي في «رجاله» برقم 104 و قال: سمّي سرحوبا و تنسب إليه السرحوبيّة من الزيدية،

سمّاه بذلك أبو جعفر عليه السّلام

، و ذكر أنّ سرحوبا اسم شيطان أعمى يسكن البحر، و كان أبو الجارود مكفوفا أعمى أعمى القلب .. إلخ.

و ذكره المصنّف في «منظومته الرجالية»:

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 38 ثمّ ابن منذر أبو الجارودزيديّ الرّئيس للجارودي

و طق ضعيف قال قر: سرحوب ضعيف الأعمى هو الكذوب

توفّي أبو الجارود سنة (150) أو بعده.

26- أبو بصير الأسدي أو أبو محمّد يحيى بن القاسم، أو يحيى بن أبي القاسم إسحاق كان مكفوفا، توفّي سنة (150) ه و كان من أصحاب الإمامين الهمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام.

ترجم

له النجاشي ج 2/ 411 رقم 1188 و قال: ثقة، وجيه، روى عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهم السّلام، له كتاب يوم و ليلة.

قال في «الذريعة» ج 4/ 251 رقم 1201: قال السيّد الصدر: لأبي بصير كتاب تفسير ذكره النجاشي، و لكني لم أظفر على مأخذ في هذا الباب، و ليس في نسخة عندي من رجال النجاشي ذكر منه، نعم روى أبو بصير تفسير أبي الجارود عنه و رواه القمي في تفسيره عن أبي بصير.

27- وهيب بن حفص أبو علي الجريري مولى بني أسد الكوفي عدّه الشيخ في «رجاله» ص 328 من أصحاب الصادق عليه السّلام.

و ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 2/ 393 رقم 1160 و قال: روى عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السّلام، و وقف، و كان ثقة، و صنّف كتبا: كتاب تفسير القرآن، و كتاب الشرائع مبوّب.

و ترجم له آية اللّه العظمى الخوئي قدّس سرّه في «معجم رجال الحديث» ج 19 ص 204 رقم 13185 و قال: وقع في «الكافي» بلفظ (وهب) و في «الوافي» و «الوسائل» بلفظ (وهيب) و الظاهر أنّه متّحد مع وهب بن حفص النخّاس.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 39

لم أظفر على تاريخ وفاته.

28- المنخّل بن جميل الأسدي الكوفي بيّاع الجواري.

عدّه الشيخ من أصحاب الصادق عليه السّلام، و روى عنه و عن أبي الحسن عليهما السّلام و حدّث عنه أحمد بن ميثم، و عمّار بن مروان، و محمّد بن سنان.

كان من مفسّري القرن الثاني و لكن ضعّفه أرباب الرجال و نسبوه إلى فساد الرواية و الغلوّ.

ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 2/ 372 رقم 1128 و قال: ضعيف فساد الرواية، روى

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، له كتاب التفسير.

و ترجم له المامقاني في «تنقيح المقال» ج 2/ 247 رقم 12135 و قال:

المنخلّ (بضمّ الميم و فتح النون و الخاء المعجمة المشدّدة) و نقل عن العلّامة في الخلاصة و ابن الغضائري أنّهما قالا في ترجمته: كوفي ضعيف و في مذهبه غلوّ و ارتفاع، روي عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السّلام.

ثمّ قال: و كأنّ الكلّ متّفقون على ضعفه، و لكن المحقّق الوحيد رحمه اللّه بنى على المناقشة و قال: الظاهر أنّ رميهم بالغلوّ لروايته الروايات الدالّة عليه على زعمهم، و في ثبوت الضعف بذلك تأمّل، و روي عنه في كتب الأخبار ما يدلّ على عدم غلوّه قطعا.

29- الحسن بن واقد المروزي.

قال المامقاني في «التنقيح» ج 1/ 313: لم أقف فيه إلّا على عدّ الشيخ إيّاه في رجاله من أصحاب الصادق عليه السّلام، و ظاهره كونه إماميّا إلّا أنّ حاله مجهول.

كان من المفسّرين كما ذكره ابن النديم في «الفهرست» ص 144، و له «النّاسخ

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 40

و المنسوخ» المسمّى «بالرغيب في علوم القرآن» كما ذكره العلّامة المحقّق في «الذريعة» ج 4/ 319.

30- حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل التيمي الزيات الكوفي، ولد سنة (80) ه، و توفّي سنة (156) ه، كان عالما بالقراءات.

قال ابن النديم في «الفهرست»: أوّل من صنّف في متشابه القرآن حمزة بن حبيب الزيّات الكوفي من شيعة أبي عبد اللّه الصادق و صاحبه سنة (156) بحلوان.

ترجم له الذهبي في «سير أعلام النبلاء» ج 7/ 90 رقم 38 و قال: حمزة بن حبيب بن عمارة الكوفي الزيّات، مولى عكرمة بن ربعي.

تلا عليه حمران بن أعين، و الأعمش، و ابن

أبي ليلى و طائفة.

و حدّث عن عديّ بن ثابت، و الحكم، و عمرو بن مرّة، و حبيب بن أبي ثابت، و طلحة بن مصرّف، و منصور، و عدّة.

31- السدّي الصغير محمّد بن مروان بن عبد اللّه الكوفي ترجم له غير واحد من أرباب التراجم، و قالوا: كان صاحب محمّد بن السائب الكليني المتوفّى سنة (146) ه، و لذلك يعرف بالكلبي أيضا.

قال ابن أبي حاتم في «الجرح و التعديل» ج 8/ 86 رقم 364: محمّد بن مروان الكوفي و يعرف بالسدّي، روى عن يحيى بن عبد اللّه، و الكلبي، روى عنه هشام بن عبيد اللّه، و محمّد بن عبد اللّه، و الكلبي، روى عنه هشام بن عبيد اللّه، و محمّد بن عبيد المحاربي، و يوسف بن عدي.

و قال ابن الجزري في «غاية النهاية» ج 2/ 261 رقم 3464: محمّد بن مروان السدّي صاحب «التفسير» كوفيّ يكنّى أبا عبد الرحمن سمع التفسير من

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 41

الكلبي، ذكره الحافظ أبو عمرو و قال: ورد عنه الرواية في حروف القرآن.

توجد ترجمته أيضا في «الذريعة: 4/ 276 و «جامع الرواة» ج 2/ 190، و معجم رجال الحديث ج 17/ 221 رقم 11751.

32- الكسائي علي بن حمزة بن عبد اللّه الكوفي الأسدي بالولاء، كان إماما في اللّغة و النحو و القراءة، قرأ النحو، بعد الكبر، سكن بغداد و توفّي بالري عن سبعين عاما سنة (189) ه، و هو مؤدّب الرشيد، و الأمين و المأمون العباسيّين، له تصانيف منها «معاني القرآن» و القراءات» و «مقطوع القرآن و موصوله».

- غاية النهاية ج 1/ 535- 540- 33- سفيان بن عيينة بن ميمون أبي عمران الهلالي الكوفي المكّي أبو محمّد، الفقيه، المحدّث،

المفسّر، ولد بالكوفة في النصف من شعبان سنة (107) ه و توفّي بمكة المكرّمة في النصف من شعبان سنة (198) ه أو قبلها، و من آثاره «تفسير القرآن الكريم» ذكر تفسيره ابن النديم في «الفهرست» ص 59.

و عدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الصادق عليه السّلام.

و ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 1 ص 426 رقم 504 و قال: له نسخة عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام.

قال العلّامة المامقاني في «تنقيح المقال» ج 2/ 40: و تنقيح المقال أنّ كون الرّجل عاميّا و عدم ورود توثيق فيه منّا يوقفنا عن العمل برواياته.

34- دارم بن قبيصة بن نهثل بن مجمع أبو الحسن التميمي الدارمي السائح، روى عن الإمام الرضا عليه السّلام كما قال النجاشي في «رجاله» ج 1/ 372 رقم

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 42

427، من آثاره كتاب «الوجوه و النظائر» و كتاب «الناسخ و المنسوخ» رواهما عن الإمام عليه السّلام.

35- علي بن أسباط بن سالم أبو الحسن المقرئ الكوفي، كان من أصحاب الإمامين الرضا و الجواد عليهما السّلام.

ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 2/ 73 رقم 661 و قال: ثقة، كان فطحيّا، جرى بينه و بين علي بن مهزيار رسائل في ذاك رجعوا فيها إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام فرجع علي بن أسباط عن ذلك القول و تركه، و قد روى عن الرّضا عليه السّلام من قبل ذلك، و كان أوثق الناس و أصدقهم لهجة.

له كتب منها التفسير.

36- عبد اللّه بن الصلت أبو طالب القمي، مولى بني تيم اللّات بن ثعلبة.

ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 2/ 14 رقم 662 و قال: ثقة، مسكون إلى روايته، روى عن الرضا عليه السّلام، يعرف له

كتاب «التفسير».

و عدّه الشيخ في أصحاب الرضا و الجواد عليهما السّلام.

37- معلّى بن محمّد البصري أبو الحسن، ترجم له النجاشي في ج 2 ص 365 رقم 1118 و عدّ من كتبه كتاب التفسير.

و عدّه الشيخ الطوسي في «رجاله» ممّن لم يرو عنهم عليهم السّلام.

و قال العلّامة في ترجمته في «الخلاصة»: مضطرب الحديث و المذهب مثل ما قال في ترجمته الشيخ.

و ترجم له العلّامة المامقاني في «تنقيح المقال» ج 3/ 233 رقم 11203

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 43

و قال بعد نقل الأقوال: روايته عن الضعفاء غير قادحة فيما روى عن الثقة، و فساد مذهبه لم يثبت، و كونه شيخ إجازة يغنيه عن التوثيق، كما شهد به العلّامة المجلسي (قدّس سرّه) و لا أقلّ من عدّ الرّجل من الحسان.

38- أبو عبد اللّه أحمد بن صبيح الأسدي الكوفي.

ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 1/ 208 رقم 182 و قال: ثقة، و الزيدية تدّعيه و ليس بصحيح، له كتب منها التفسير.

و ذكر كتابه في التفسير الشيخ في «الفهرست» و ابن شهر آشوب في «المعالم» و شيخنا المجيز قدّس سرّه في «الذّريعة» ج 4 رقم 1183.

39- هشام بن محمّد بن السائب الكلبي أبو المنذر.

ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 2/ 399 رقم 1167 و قال: الناسب، العالم بالأيّام، المشهور بالفضل و العلم، و كان يختصّ بمذهبنا.

و له الحديث المشهور،

قال: اعتللت علّة عظيمة نسيت علمي، فجلست إلى جعفر بن محمّد عليهما السّلام، فسقاني العلم في كأس، فعاد إليّ علمي، و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يقرّبه و يدنيه و يبسطه.

توفّي بالكوفة سنة (204) ه، و أرّخ وفاته ابن النديم في الفهرست ص 51 سنة (206) ه.

ذكر في «الذريعة» ج 4/

234 تفسيره و قال: «تفسير الآي الّتي نزلت في أقوام بأعيانهم» لهشام بن محمّد بن السّائب الكلبي ذكره ابن النديم في «الفهرست».

40- الواقدي: محمّد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء المدني، أبو

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 44

عبد اللّه، كان من أقدم المؤرّخين في الإسلام و من أشهرهم، و من حفّاظ الحديث، ولد بالمدينة سنة (130) ه، و توفي ببغداد سنة (207) ه.

قال ابن النديم في «الفهرست» ج 1 ص 98: خلّف الواقدي بعد وفاته ستمائة قمطر كتبا كلّ قمطر منها حمل رجلين و كان له غلامان مملوكان يكتبان اللّيل و النهار.

له مصنّفات كثيرة بعضها مطبوع مثل «المغازي النبوية» و بعضها لم يطبع إلى الآن مثل «تفسير القرآن».

41- يونس بن عبد الرحمن مولى علي بن يقطين، أبو محمّد كان جليل القدر، عظيم المنزلة.

ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 2/ 420 رقم 1209 و قال: كان وجها في أصحابنا، متقدّما، عظيم المنزلة.

ولد في أيّام هشام بن عبد الملك، و رأى جعفر بن محمّد عليهما السّلام بين الصّفا و المروة، و لم يرو عنه، و روى عن أبي الحسن موسى و الرّضا عليهما السّلام، و كان الرضا عليه السّلام يشير اليه في العلم و الفتيا، و كان ممّن بذل له على الوقف مال جزيل و امتنع من أخذه.

و عدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الكاظم و الرضا عليهما السّلام و وثّقه.

و ذكره الكشي من أصحاب الإجماع من أصحاب أبي إبراهيم و أبي الحسن عليهما السّلام ملحقا برقم 433 و قال: أفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن.

و أرّخ العلّامة في القسم الأوّل من «الخلاصة» ص 184 وفاته سنة (208) ه.

له تصانيف كثيرة في الفقه و الكلام و التفسير،

منها «كتاب تفسير القرآن» و «كتاب فضل القرآن».

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 45

توجد ترجمته مع تصانيفه مضافا إلى ما ذكرنا في: «الفهرست» للشيخ ص 181- 182، و «الفهرست» لابن النديم ج 1/ 220، و «تنقيح المامقاني» ج 3/ 338 رقم 13357، و «معجم المؤلفين» ج 13/ 348.

42- الفرّاء: يحيى بن زياد بن عبد اللّه بن منظور الديلمي أبو زكرياء الكوفي، كان أعلم الكوفيّين في النحو، و اللغة، و فنون الأدب ولد بالكوفة سنة (144) ه، و انتقل إلى بغداد، و عهد إليه المأمون العبّاسي بتربية ابنيه، و كان مع تقدّمه في الأدب، فقيها مفسّرا، متكلّما، عالما بأيّام العرب و أخبارها، عارفا بالنجوم و الطّب، توفّي في طريق مكّة سنة (207) ه، له تصانيف قيّمة منها «المصادر في القرآن» و «معاني القرآن» أملاه في مجالس عامّة كان في جملة من يحضرها نحو ثمانين قاضيا.

توجد ترجمته في غير واحد من كتب التراجم منها «الأعلام ج 9/ 178، و إرشاد الأريب ج 7/ 276.

43- الصنعاني: عبد الرزّاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم كان من حفّاظ الحديث الثقات، كان يحفظ نحوا من سبعة عشر ألف حديث و من مصنّفاته كتاب في «تفسير القرآن» ولد سنة (126) ه و توفي سنة (211) ه.

و ذكر ابن النديم في «الفهرست» ص 52 من تصنيفاته: «نظم القرآن» و «قواعد القرآن» و «تفسير سورة الفاتحة» و «الحروف المقطّعة في أوائل السور».

44- أبو نعيم الفضل بن دكين عمرو بن حمّاد بن زهير بن درهم الكوفي كان من أكابر محدّثي قدماء علماء الخاصة، معتمدا موثوقا بين العامّة و الخاصّة، و كان من

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 46

شيوخ البخاري و مسلم، ولد سنة (130) ه

و توفّي سنة (219) ه و من مصنّفاته «كتاب التفسير» ذكره ابن النديم ص 52.

45- ابن فضّال: أبو محمّد الحسن بن علي بن فضّال بن عمرو بن أيمن الكوفي، ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 1/ 127 رقم 71 ط. بيروت و قال: كان الحسن عمره كلّه فطحيّا مشهورا بذلك حتّى حضره الموت فمات و قد قال بالحقّ رضي اللّه عنه، و مات سنة (224) ه.

و قال الشيخ في «الفهرست» برقم 164: روى عن الرّضا عليه السّلام و كان خصّيصا به، كان جليل القدر عظيم المنزلة، زاهدا، ورعا ثقة في الحديث.

له مصنّفات منها «الناسخ و المنسوخ» كما ذكره ابن النديم في «الفهرست» ج 1/ 223.

46- أبو جعفر محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين بن موسى، جليل القدر من أصحاب الإمام الهادي عليه السّلام، ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 2/ 218 رقم 897 و قال: جليل في أصحابنا، ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف، روى عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام مكاتبة و مشافهة.

و من مصنّفاته «تفسير القرآن» كما صرّح به في «معجم رجال الحديث» ج 17/ 113- 120 رقم 11509.

47- الحسن بن محبوب أبو علي السرّاد، أو الزرّاد الكوفي ولد سنة (149) ه و توفّي سنة (224) ه.

قال المامقاني في «التنقيح» ج 1/ 304 رقم 2710: عدّه الشيخ تارة من

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 47

أصحاب الكاظم عليه السّلام، و قال: ثقة، و أخرى من أصحاب الرضا عليه السّلام، و قال: مولى لبجيلة كوفيّ ثقة، و قال في «الفهرست»: روى عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام، و روى عن ستّين رجلا من أصحاب أبي عبد اللّه عليه السّلام.

و كان جليل القدر، يعدّ في

الأركان الأربعة في عصره له كتب كثيرة منها «كتاب التفسير» صرّح به ابن النديم في «الفهرست» ص 309 و أوّل ما ذكر من كتبه الكثيرة كتاب التفسير.

48- علي بن مهزيار أبو الحسن الأهوازي دورقيّ الأصل، ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 2/ 74 رقم 662 ط. بيروت و قال: كان أبوه نصرانيّا فأسلم و قيل: إنّ علي بن مهزيار أيضا أسلم و هو صغير، و منّ اللّه عليه بمعرفة هذا الأمر و تفقّه، و روى عن الرّضا و أبي جعفر عليهما السّلام، و اختصّ بأبي جعفر الثاني عليه السّلام و توكّل له، و عظم محلّه منه، و كذلك أبو الحسن الثالث عليه السّلام و توكّل لهم في بعض النواحي، و خرجت الى الشيعة فيه توقيعات بكلّ خير، و كان ثقة في روايته، و لا يطعن عليه صحيحا اعتقاده ... ثمّ قال: و صنّف الكتب المشهورة .. فعدّ نحو ثلاثين كتابا و عدّ منها «كتاب التفسير».

و كان حيّا في سنة (229) لأنّ محمّد بن علي بن يحيى الأنصاري قال: حدّثنا علي بن مهزيار أبو الحسن في المحرم سنة (229) ه، راجع «رجال النجاشي» ج 1/ 342 رقم 343.

49- البرقي محمّد بن خالد بن عبد الرحمن الكوفي.

عدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الكاظم و الرضا و الجواد عليهم السّلام، و وثّقه.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 48

و ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 2/ 220 رقم 899 و قال: كان في الحديث ضعيفا، و كان أديبا حسن المعرفة بالأخبار و علوم العرب و له كتب .. منها «كتاب التفسير».

قال العلّامة المامقاني في «تنقيح المقال» ج 3/ 112: إنّ منشأ ضعفه روايته عن الضعفاء و اعتماده على المراسيل كما

ذكره ابن الغضائري، و هذا لا دلالة فيه على عدم حجيّة حديثه المسند بسند معتمد .. إلخ.

50- الأشعري: أحمد بن محمّد بن عيسى أبو جعفر القمي، شيخ القمّيين و وجههم و فقيههم غير مدافع، لقي الرضا و الجواد و الهادي عليهم السّلام، و الظاهر عدم تأمّل المشايخ في علوّ شأنه و وثاقته.

ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 1/ 216 رقم 196، و قال: أوّل من سكن قم من آباءه: سعد بن مالك بن الأحوص .. ثم وصفه بالوجاهة و الفقاهة .. ثم قال:

و له كتب: التوحيد، و فضل النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) .. و «كتاب الناسخ و المنسوخ».

51- الحسن بن سعيد بن حمّاد بن مهران أبو محمّد الأهوازي.

ذكره الشيخ في «الفهرس» برقم 197 و وثّقه، و في «رجاله» من أصحاب الرضا و الجواد عليهما السّلام بأرقام 4 و 1.

لاحظ ترجمته المبسوطة في «تنقيح المقال» ج 1/ 282 قال بعد نقل الأقوال:

تلخيص المقال أنّ الحسن بن سعيد من الثقات المسلّم و ثقتهم الغير المغموز فيه بوجه من الوجوه و قد نصّ على توثيقه جماعة.

شارك أخاه الحسين في الكتب الثلاثين المصنّفة.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 49

ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 1/ 171 رقم 135 و عدّ مصنّفاته المشتركة مع أخيه الحسين، و عدّ منها «كتاب تفسير القرآن».

52- المازني: بكر بن محمّد بن حبيب بن بقيّة البصري، كان إمام عصره في النحو و الأدب، و أخذ عن أبي عبيده و الأصمعي، و أبي زيد الأنصاري، و أخذ عنه أبو العبّاس المبرّد، له تصانيف منها «تفسير القرآن» كما صرّح به في «الذريعة» ج 4/ 312، و ترجمته توجد في غير واحد من كتب التراجم

منها: وفيات الأعيان ج 1/ 92 و «رجال النجاشي» ج 1/ 272 رقم 277، و تاريخ بغداد ج 7 رقم 3529، و «معجم الأدباء» ج 3/ 280 و غيرها، و أرّخوا تاريخ وفاته سنة (248) أو قبلها أو بعدها.

53- محمّد بن أورمة أبو جعفر القمي، ترجم له المامقاني في «التنقيح» ج 2/ رقم 10425 و قال: قد وقع الخلاف في الرجل فضعّفه جماعة، و اعتمد عليه آخرون، و توقّف ثالث .. ثم بعد نقل الأقوال قال: الأقوى كون الرجل من الحسان بل من أعلاهم و كونه معتمد الرّواية صحيح الكتاب، له مصنّفات منها «تفسير القرآن».

54- ابن وضّاح، قال العلّامة المحقّق في «الذريعة» ج 4/ 249 رقم 1198:

تفسير ابن وضّاح، لم يعلم اسمه، ذكره الشيخ في باب الكنى من الفهرست و قال:

يرويه عنه أحمد بن ميثم حفيد الفضل بن دكين الشهيد (219) ه فيظهر أنّه من أواسط القرن الثالث.

55- ابن عبدك: محمّد بن علي بن عبدك أبو جعفر الجرجاني، ترجم له

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 50

تفسير الصراط المستقيم ج 1 99

النجاشي في «رجاله» ج 2/ 300 رقم 1041 و قال: جليل القدر من أصحابنا، فقيه متكلّم، له كتب منها «كتاب التفسير».

و ترجم له الشيخ في آخر كنى «الفهرست» فقال: له كتب كثيرة منها: كتاب «التفسير» كبير حسن.

56- البراوستاني: سلمة بن الخطّاب أبو الفضل أو ابو محمّد الأزدورقاني (براوستان بفتح الباء الموحّدة و الراء المهملة و الواو المفتوحة و السين المهملة الساكنة): قرية من قرى قم (و الأزدورقان) بفتح الهمزة و سكون الزاي و ضم الدال المهملة: قرية من سواد الري.

عدّه الشيخ في «رجاله» ممّن لم يرو عنهم عليهم السّلام.

و ترجم له النجاشي في «رجاله»

ج 1/ 422 رقم 496 و قال: كان ضعيفا في حديثه، له عدّة كتب .. منها: كتاب «تفسير ياسين».

57- البرقي: الحسن بن خالد بن محمّد بن علي أبو علي، وثّقه النجاشي.

و عدّه الشيخ فيمن لم يرو عنهم عليهم السّلام، و قال: له كتب.

و قال ابن شهر آشوب في «معالم العلماء» ص 189: الحسن بن خالد البرقي أخو محمّد بن خالد، من كتبه «تفسير العسكري» عليه السّلام من إملاء الإمام في مائة و عشرين مجلّدا.

ترجم له السيّد الخوئي قدّس سرّه في «المعجم» ج 4/ 317 و قال: إن صحّ قول ابن شهر آشوب فهو ليس ممّن لم يرو عنهم عليهم السّلام.

58- الأسترابادي: محمّد بن القاسم، أو محمّد بن أبي القاسم المفسّر

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 51

الأسترابادي، روى الصدوق عنه في «الفقيه»، و «التوحيد»، و «عيون أخبار الرضا عليه السّلام» و في كلّ موضع روى عنه يقول: رضي اللّه عنه، و هو يروي التفسير المعروف بتفسير الإمام العسكري عليه السّلام عن يوسف بن محمّد بن زياد، و علي بن محمّد بن يسار عن أبيهما عن الإمام العسكري عليه السّلام.

59- الفضل بن شاذان بن الخليل أبو محمّد الأزدي النيسابوري كان ثقة، جليل القدر، فقيها متكلّما له عظم شأن في هذه الطائفة، قيل: إنّه صنّف (180) كتابا، توفّي سنة (260) ه، و من مصنّفاته «تفسير القرآن» صرّح به ابن النديم في «الفهرست» ص 323 و توجد ترجمته في غير واحد من كتب التراجم منها: «رجال النجاشي» ج 2/ 168 رقم 838، و «رجال الكشي» رقم 416، و «معجم رجال الحديث» ج 13/ 285- 302 رقم 9355.

60- ابن فضّال الصغير: علي بن الحسن بن علي بن فضّال بن عمر بن

أيمن.

ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 2/ 82 رقم 674 و قال: كان فقيه أصحابنا بالكوفة، و وجههم، وثقتهم، و عارفهم بالحديث .. ثم قال: و قد صنّف كتبا كثيرة، ثم عدّ منها «كتاب التفسير».

ترجم له الزركلي في «الاعلام» ج 5/ 79، و أرّخ وفاته نحو سنة (290) ه.

61- البرقي: أحمد بن محمّد بن خالد بن عبد الرحمن أبو جعفر الكوفي الأصل ذكره الشيخ في «رجاله» بأرقام 8 و 16 و عدّه من أصحاب الجواد و الهادي عليهما السّلام.

و ذكره ابن حجر في «لسان الميزان» ج 1 رقم 813 و قال: من كبار الرافضة،

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 52

له تصانيف جمّة أدبيّة.

و ذكره الحموي في «معجم الأدباء» ج 2/ 30 و نقل عن الشيخ الطوسي ترجمته و تعداد كتبه و قال: تصانيفه تقارب مائة تصنيف.

و قد عدّ منها «التفسير و التأويل».

توفّي بقم سنة (274) أو سنة (280) ه كما في «رجال النجاشي» ج 1/ 206.

62- ابن قتيبة: عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري أبو محمّد ولد سنة (213) ه و توفّي سنة (276) ه ببغداد، ترجم له الزركلي في «الاعلام» ج 4/ 280 و عدّ من كتبه «مشكل القرآن» مطبوع و «المشتبه من الحديث و القرآن» مخطوط، و «غريب القرآن» مخطوط.

63- الدينوري: أحمد بن داود بن ونند (بفتح الواو و النون الأولى و سكون النون الثانية) أبو حنيفة.

ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 1/ 119 و قال: مهندس مؤرّخ نباتي، من نوابغ الدهر، جمع بين حكمة الفلاسفة و بيان العرب، له تصانيف، ثمّ عدّ منها «تفسير القرآن» ثلاثة عشر مجلّدا، و أرّخ وفاته سنة (282) ه.

64- إبراهيم بن محمّد بن سعيد الثقفي الكوفي الإصفهاني،

كان يرى رأي الزيدية ثم انتقل الى القول بالاماميّة، توفّي بأصفهان سنة (283) ه له مصنّفات منها «ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السّلام» كما صرّح به النجاشي في «رجاله» ج 1/ 90 رقم 18.

65- سهل بن عبد اللّه بن يونس التستري أبو محمّد أحد علماء الصوفية ولد

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 53

سنة (200) ه و توفّي سنة (283) ه، من مصنّفاته «تفسير القرآن» مطبوع، ترجم له أبو نعيم في «حلية الأولياء» ج 10/ 189.

66- الحبري: أبو عبد اللّه الحسين بن حكم بن مسلم الكوفي المحدّث المفسّر الزيدي، توفّي سنة (286) ه، من مصنفاته «ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم السّلام» مطبوع، صرّح به ابن شهر آشوب في «معالم العلماء» ص 144.

67- المبرّد: محمّد بن يزيد بن عبد الأكبر أبو العبّاس، كان إمام العربيّة و الأدب ببغداد في عصره، ولد بالبصرة سنة (210) ه و توفّي ببغداد سنة (286) ه، من مصنّفاته «إعراب القرآن».

توجد ترجمته في غير واحد من كتب التراجم منها «تاريخ بغداد» ج 3/ 380، «وفيات الأعيان» ج 1/ 495.

68- سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف الأشعري أبو القاسم القمي محدّث، فقيه، مفسّر، توفّي سنة (299) أو سنة (301) ه.

ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 1/ 401 رقم 465 و قال في ترجمته: شيخ هذه الطائفة و فقيهها، و وجهها، كان سمع من حديث العامّة شيئا كثيرا، و سافر في طلب الحديث، لقي من وجوههم الحسن بن عرفة المتوفى (277) ه، و عبّاس الترقفى المتوفى (267) ه، و لقي مولانا أبا محمّد عليه السّلام، و رأيت بعض أصحابنا يضعّفون لقائه لأبي محمّد عليه السّلام، و يقولون: هذه حكاية

موضوعة عليه و اللّه أعلم.

ثم ذكر من مصنّفاته الكثير ما يقارب أربعين كتابا، و عدّ منها كتاب ناسخ

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 54

القرآن و منسوخه، و كتاب محكم القرآن و متشابهه.

69- الحسين بن سعيد بن حمّاد بن مهران الأهوازي، كتب مع أخيه الحسن ثلاثين كتابا، منها «تفسير القرآن»، و كان حيّا في سنة (300) ه كما يستفاد من النجاشي في «رجاله» ج 1/ 175 أنّ الحسين بن سعيد الأهوازي حدّث بكتبه و جميع مصنّفاته عند منصرفه من زيارة الرّضا عليه السّلام أيّام جعفر بن الحسن الناصر بآمل طبرستان سنة ثلاث مائة.

70- محمّد بن عبّاس بن عيسى أبو عبد اللّه الغاضري.

ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 2/ 232 رقم 917، و قال: ثقة، روى عن أبيه، و الحسن بن علي بن أبي حمزة، و عبد اللّه بن جبلة، له كتب منها: «كتاب التفسير» .. ثم روى كتبه باسناده عن حميد (أي حميد بن زياد النينوائي المتوفّى (310) ه) كما صرّح به الطهراني في «الذريعة» ج 4/ 295، و أضاف الى ما ذكره النجاشي: «غريب القرآن» و «تفسير غرر الفوائد».

71- أبو جعفر الصيرفي محمّد بن علي بن إبراهيم بن موسى الملقّب بأبي سمينة.

ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 2/ 216 رقم 895 و قال: ضعيف جدّا فاسد الإعتقاد، لا يعتمد في شي ء، و كان ورد قم، و قد اشتهر بالكذب بالكوفة، و نزل على أحمد بن محمّد بن عيسى مدّة، ثمّ تشهّر بالغلوّ .. و أخرجه أحمد عن قم، و له قصّة.

ثم ذكر كتبه و عدّ منها «تفسير عمّ يتساءلون».

72- الحسن بن علي بن الحسن بن عمر بن زين العابدين عليه السّلام ابو

تفسير الصراط المستقيم، ج 1،

ص: 55

محمّد الناصري العلوي.

ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 2/ 216 و قال: ثالث ملوك الدولة العلوية بطبرستان، كان شيخ الطالبيّين و عالمهم .. و كان شاعرا مفلقا توفّي في طبرستان سنة (304) ه، له «تفسير» في مجلّدين احتجّ فيه بألف بيت من ألف قصيدة.

73- علي بن إبراهيم بن هاشم ابو الحسن القمي.

ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 2/ 76 رقم 678 و قال: ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب، سمع فأكثر، و صنّف كتبا، و أضرّ في وسط عمره.

و له «كتاب التفسير» و كتاب الناسخ و المنسوخ ..

و هو من أجلّ مشايخ الكليني، و قد كان حيّا الى سنة (307) ه.

74- فرات بن إبراهيم الكوفي، هو من مشايخ أبي الحسن علي بن بابويه القمّي له «تفسير» بلسان الأخبار، و أغلبه في شأن الأئمّة الأطهار عليهم السّلام.

قال المجلسي في الفصل الثّاني من أوّل البحار: «تفسير فرات» و إن لم يتعرّض الأصحاب لمؤلّفه بمدح و لا قدح لكن لكون أخباره موافقة لما وصل إلينا من الأحاديث المعتبرة و حسن الضبط في نقلها ممّا يعطي الوثوق بمؤلّفه و حسن الظنّ به و قد روى الصدوق عنه أخبارا بتوسّط الحسن بن محمّد بن سعيد الهاشمي، و روى عنه الحاكم ابو القاسم الحسكاني في «شواهد التنزيل» و غيره.

و روى المترجم أكثر رواياته عن الحسين بن سعيد الأهوازي المتقدّم الذي كان حيّا في سنة (300) ه.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 56

75- الحسن بن موسى أبو محمّد النوبختي.

ترجم له الشيخ في «رجاله» و وثّقه في باب من لم يرو عنهم عليهم السّلام رقم 4.

و ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 1/ 179 رقم 146 و قال: في ترجمته:

شيخنا المتكلّم، المبرّز

على نظرائه في زمانه قبل الثلاث مائة و بعدها، له على الأوائل كتب كثيرة.

ثمّ عدّ منها: «كتاب التنزيه و ذكر متشابه القرآن».

و ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 2/ 239 و قال: فلكيّ عارف بالفلسفة، كانت تدّعيه المعتزلة و الشيعة، و هو من أهل بغداد، توفّي سنة (310) ه.

76- الطبري: محمّد بن جرير بن يزيد، أبو جعفر المؤرّخ المفسّر، ولد في آمل طبرستان سنة (224) ه، و استوطن بغداد و توفّي بها سنة (310) ه و له مصنّفات منها: «جامع البيان في تفسير القرآن» مطبوع يعرف بتفسير الطبري في ثلاثين جزءا، و «القراءات».

توجد ترجمته في غير واحد من كتب التراجم.

77- قتيبة بن أحمد بن شريح أبو حفص.

ترجم له كحّالة في «معجم المؤلّفين» ج 8/ 127 نقلا عن طبقات المفسّرين للسيوطي ص 28 و «هداية العارفين» ج 1/ 835، و قال: النجاري، الشيعي، أبو حفص مفسّر من آثاره: «التفسير الكبير».

و ترجم له السيّد الحسن الصدر في «تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام» ص 341 في عداد المفسّرين من الإمامية و ذكر «تفسيره الكبير».

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 57

توفّي سنة (316) ه.

78- الكعبي: عبد اللّه بن أحمد بن محمود البلخي الخراساني.

ترجم له الزركلي في «الاعلام» ج 4/ 189، و قال: أحد أئمّة المعتزلة، كان رأس طائفة منهم تسمّى «الكعبيّة» و له آراء و مقالات في الكلام انفرد بها، و له كتب منها: «التفسير»، توفّي سنة (319) ه.

79- البلخي: أحمد بن سهل، أبو زيد البلخي، أحد الكبار الأفذاذ من علماء الإسلام، ولد في إحدى قرى بلخ سنة (235) ه و مات ببلخ سنة (322) ه، و أورد ابن النديم في «الفهرست» ص 51 قائمة مؤلّفاته منها: «نظم القرآن» و «تفسير

الفاتحة» و «ما أغلق من غريب القرآن» و غيرها.

توجد ترجمته في كتب التراجم منها «معجم الأدباء» ج 3/ 64، و «الاعلام» ج 1/ 131، و «لسان الميزان» ج 1/ 183.

80- الصابوني: محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن سليم الجعفي الكوفي المعروف بأبي الفضل الصابوني و المشهور بين الفقهاء بصاحب «الفاخر» و الجعفي.

عدّه الشيخ في «رجاله» رقم 8 من أصحاب الإمام الهادي عليه السّلام.

و ترجمه السيّد بحر العلوم الطباطبائي في «الفوائد» ج 3/ 199 و قال: من قدماء أصحابنا، و أعلام فقهائنا من أصحاب كتب الفتوى، و من كبار الطبقة السابعة ممّن أدرك الغيبتين: الصغرى و الكبرى، عالم، فاضل، فقيه، عارف بالسير و الأخبار، و النجوم له كتب .. منها: «كتاب تفسير معاني القرآن».

81- ابن الخيّاط: محمّد بن أحمد بن منصور، نحويّ، أصله من سمرقند أقام في

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 58

بغداد، و توفّي بالبصرة سنة 320 ه من كتبه «معاني القرآن».

توجد ترجمته في «نزهة الألبّاء» ص 312، و «بغية الوعاة» ص 19.

82- العيّاشي: محمّد بن مسعود السلمي أبو النضر، كان من أهل سمرقند، اشتهرت كتبه في نواحي خراسان اشتهارا عظيما و هي تزيد على مائتي كتاب أورد ابن النديم أسماء أكثرها منها: تفسيره المعروف بتفسير العيّاشي، توفّي نحو سنة (320) ه.

توجد ترجمته في «الفهرست» لابن النديم ج 1/ 194، و «رجال النجاشي» ج 2/ 247 رقم 945، و «الذريعة» ج 4/ 295، و غيرها.

83- محمّد بن بحر، أبو مسلم الإصفهاني: وال، من كبار الكتّاب، كان عالما بالتفسير و بغيره من صنوف العلم، ولّي أصفهان و بلاد فارس للمقتدر العبّاسي الى سنة (321) ه، ولد سنة (254) و توفّي سنة (322) ه و من تصانيفه:

«جامع التأويل» في التفسير أربعة عشر مجلّدا.

ترجمته توجد في «إرشاد الأريب» ج 6/ 420، و «الاعلام» ج 6/ 273.

84- ابن أبي الثلج: محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه بن إسماعيل الكاتب المتوفّى سنة (325) ه.

ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 2/ 299 رقم 1038 و قال: ثقة، عين كثير الحديث، له كتب منها: «كتاب ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السّلام» ..

85- ابن الحجّام: محمّد بن العبّاس بن علي بن مروان بن الماهيار، أبو عبد

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 59

اللّه البزّاز.

ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 2/ 295 رقم 1031، و قال: ثقة ثقة، من أصحابنا، عين، سديد، كثير الحديث، له «كتاب ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم السّلام» و قال جماعة من أصحابنا: إنّه كتاب لم يصنّف معناه مثله، و قيل: إنّه ألف ورقة.

ترجم له كحّالة في «معجم المؤلّفين» ج 10/ 120 و قال: كان حيّا في سنة (328) ه.

86- ابن بابويه القمي: علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أبو الحسين شيخ القميين في عصره، و متقدّمهم، و فقيههم، و ثقتهم، قدم العراق و اجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح رحمه اللّه، و سأله مسائل،

ثم كاتبه بعد ذلك، و سأله أن يوصل له رقعة الى الصاحب عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف و يسأله فيها الولد فكتب عليه السّلام إليه: «قد دعونا اللّه لك بذلك، و سترزق ولدين ذكرين خيّرين» فولد له أبو جعفر الصدوق و أخوه الحسين بن علي

، توفّي بقم سنة (329) ه و له مصنّفات منها «كتاب التفسير».

توجد ترجمته في غير واحد من كتب التراجم منها «رجال النجاشي» ج 2/ 89 رقم 682.

87-

السجستاني: محمّد بن عزيز (أو عزيز) المفسّر البغداديّ المكن، المتوفّى سنة (330) ه اشتهر بكتابه «غريب القرآن» المطبوع، صنّفه على حروف المعجم في 15 سنة.

توجد ترجمته في «طبقات مفسّران شيعة» للفاضل المعاصر العقيقي

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 60

البخشايشي ج 1/ رقم 114، و الأعلام ج 7/ 149 و «نزهة الألبّاء» ص 386، و «معجم المطبوعات»/ 1008.

88- الجلّودي: عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الأزدي البصري مؤرّخ، أديب، نسبته الى جلود (قرية) توفّي سنة (332) ه، له كتب كثيرة تقارب المائتين، منها: «كتاب التفسير عن علي عليه السّلام» و «ما نزل فيه من القرآن» و «كتاب التفسير عن ابن عبّاس» و غيرها، أوردها كلّها بأسمائها النجاشي في «رجاله» ج 2/ 54- 59 رقم 638.

89- ابن عقدة: أحمد بن محمّد بن سعيد، أبو العبّاس الكوفي الحافظ ولد سنة (250) ه أو قبلها و توفّي سنة (332) ه أو بعدها، كان زيديّا جاروديا، له تصانيف منها: «التفسير» أورده الطهراني في «الذريعة» ج 4 رقم 1188.

90- الصولي: محمّد بن يحيى بن عبد اللّه، من أكابر علماء الأدب، و نادم ثلاثة من خلفاء بني العبّاس هم: «الراضي و المكتفي و المقتدر» توفّي سنة (335) أو بعدها، و له تصانيف منها «الشامل في علم القرآن» لم يتمّه.

ترجمته توجد في «تاريخ بغداد» ج 3/ 427- 432 و «وفيات الأعيان» ج 1/ 643 و «معجم الأدباء» ج 19/ 109- 111، و «تذكرة الحفّاظ» ج 3/ 63، و غيرها.

91- محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد أبو جعفر نزيل قم المتوفّى سنة (343) ه.

ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 2/ 301 رقم 1043 و قال: شيخ القميين،

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص:

61

و فقيههم، و متقدّمهم، و وجههم، و يقال: إنّه نزيل قم، و ما كان أصله منها، ثقة ثقة، عين، مسكون إليه، له كتب منها: «كتاب تفسير القرآن».

92- ابن دؤل: أحمد بن محمّد بن الحسين بن دؤل القمي المتوفّى سنة (350) ه ترجم له النجاشي في «رجاله» ج 1/ 232 رقم 221 و قال: له مائة كتاب، ثمّ عدّها بأسمائها و عدّ منها: «كتاب التفسير».

93- النقّاش: محمّد بن الحسن بن محمّد بن زياد بن هارون الموصلي البغدادي، ولد سنة (266) ه و توفي سنة (351) ه، كان عالما بالتفسير و القراءات، له مصنّفات.

ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 6/ 310 و ذكر أسماء كتبه فعدّ منها: «شفاء الصدور» في التفسير، و «الإشارة» في غريب القرآن، و «الموضح» في القرآن و معانيه.

94- أبو القاسم الكوفي: علي بن أحمد العلوي، باحث متفلسف، كان في بدايته إماميا، و لكن غلا في آخر أمره و أظهر مذهب «المخمّسة» القائلين بألوهيّة علي بن أبي طالب عليه السلام، و بأنّ سلمان، و المقداد، و أبا ذرّ، و عمّارا، و عمرو بن أميّة الضمري، هم الموكّلون بمصالح العالم من قبل الربّ، أعاذنا اللّه من الانحرافات الاعتقاديّة و الأخلاقيّة و العلميّة.

له مصنّفات كثيرة منها: «كتاب تفسير القرآن» قيل: إنّه لم يتمّه، توفّي سنة (352) ه، توجد ترجمته في «رجال النجاشي» ج 2/ 96 رقم 689، و «فهرست» الشيخ ص 91 رقم 391، و «الأعلام» ج 5/ 57.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 62

95- ابن مقسم العطّار: محمّد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن مقسم البغدادي العالم بالقراءات و التفسير، ولد سنة (265) ه، و توفّي سنة (354) ه، من مصنّفاته: «الأنوار في تفسير القرآن».

اطلب

ترجمته المبسوطة في الأعلام» ج 6/ 311، غاية النهاية ج 2/ 120 و غيرهما.

96- الجصّاص: أحمد بن علي الرازي الحنفي ولد سنة (305) ه و كان من أهل الرّي، و سكن بغداد و مات فيها سنة (370) ه، و من مصنّفاته: «أحكام القرآن» اطلب ترجمته في «الجواهر المضيئة» ج 1/ 84 و «تذكرة الحفّاظ» ج 3/ 159، و «النجوم الزاهرة» ج 4/ 138.

97- الشيخ الصدوق: محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رئيس المحدّثين، ولد بدعاء صاحب الأمر صلوات اللّه عليه، نزل بالرّي و توفّي بها سنة (381) ه و له نحو ثلاثمائة مصنّف منها: «كتاب تفسير القرآن»، و «كتاب الناسخ و المنسوخ» و «كتاب مختصر تفسير القرآن».

توجد ترجمته في غير واحد من كتب التراجم منها: «رجال النجاشي» ج 2/ 311- 316 رقم 1050.

98- ابو الحسن الرّماني: علي بن عيسى بن علي بن عبد اللّه، ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 5/ 134 و قال: باحث معتزليّ مفسّر، من كبار النحاة، أصله من سامرّاء، ولد في بغداد سنة (296) ه و توفّي بها سنة (384) ه، له نحو مائة مصنّف، منها «كتاب التفسير».

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 63

99- عبّاد الطالقاني: ابن العبّاس بن عبّاد أبو الحسن، والد إسماعيل الصاحب، ولد سنة (326) ه و توفّي سنة (385) ه.

توجد ترجمته في «المنتظم» ج 7/ 184، و «النجوم الزاهرة» ج 4/ 385، و ترجم له كحّالة في «معجم المؤلّفين» ج 5/ 57 و قال: له كتاب في «أحكام القرآن».

100- الأدفوي: محمّد بن علي بن أحمد، من أهل «أدفو» بصعيد مصر ولد سنة (304) ه و توفّي بالقاهرة سنة (388) ه.

ترجم له الزركلي في «الأعلام»

ج 7/ 160 و قال: نحويّ مفسّر، له «الاستغناء» في علوم القرآن، مائة جزء، رأى منها صاحب «الطالع السعيد» عشرين مجلّدا.

101- أبو الفرج الجريري: المعافي بن زكريّا بن يحيى بن حميد بن حمّاد المعروف بابن طرّار، فقيه، أصولي، أديب كان متفقها على مذهب ابن جرير الطبري، ولد سنة (303) ه، و توفّي بالنهروان سنة (390) ه من تصانيفه: «تفسير القرآن» في ستّ مجلّدات.

توجد ترجمته في غير واحد من كتب التراجم منها: معجم المؤلّفين ج 12/ 302.

102- ابن فارس: أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي الأديب اللغوي، ولد سنة (329) ه و توفي بالري سنة (395) ه و من مصنّفاته: «جامع التأويل» في تفسير القرآن في أربع مجلّدات.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 64

له ترجمة في «الأعلام» ج 1/ 184.

103- أبو عبيد الهروي: أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن، توفي سنة (401) ه له كتاب «الغريبين» غريب القرآن و غريب الحديث.

له ترجمة في «وفيات الأعيان» ج 1/ 19.

104- الشريف الرضي: محمّد بن الحسين بن موسى أبو الحسن الموسوي ولد ببغداد سنة (359) ه و توفي بها سنة (406) ه.

من مصنّفاته: «مجاز القرآن» و «حقائق التنزيل و دقائق التأويل».

توجد ترجمته في «رجال النجاشي» ج 2/ 325، و «معجم رجال الحديث» ج 16/ 19- 20.

105- أبو طاهر الزيادي أحمد بن محمّد بن محمش، حدث عن محمّد بن يعقوب بن يوسف بن أخرم المتوفى سنة (344) ه، ولد سنة (317) ه و توفي سنة (410) ه له «مختصر التفاسير».

- الذريعة ج 20/ 188- 106- أبو القاسم البغدادي الضرير: هبة اللّه بن سلامة بن نصر بن علي المفسر المقرئ، كان أحفظ أهل زمانه لتفسير القرآن و اختلاف السلف فيه.

ترجم له

ابن الجزري في «غاية النهاية» ج 2/ 351 رقم 3771 و قال:

صاحب «الناسخ و المنسوخ»، يقال: إنّه روى خمسة و تسعين تفسيرا، و كان يملي التفسير و الناسخ و المنسوخ من حفظه، توفّي ببغداد سنة (410) ه.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 65

107- ابن مردوية: أحمد بن موسى بن مردوية الإصبهاني، و يقال له: ابن مردوية الكبير، حافظ مؤرّخ مفسّر.

ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 1/ 246 و قال: ولد سنة (323) ه و توفّي سنة (410) ه له كتاب في «تفسير القرآن».

108- محمّد السلمي: محمّد بن الحسين بن محمّد بن موسى بن خالد بن سالم الأزدي النيسابوري أبو عبد الرحمن، ولد في سنة (325) ه، و توفّي بنيسابور سنة (412) ه.

ترجم له كحالة في «معجم المؤلّفين» ج 9/ 258 و قال: صوفي، محدّث، حافظ، مفسّر، مؤرّخ، من تصانيفه الكثيرة: «حقائق تفسير القرآن».

109- الشيخ المفيد: محمّد بن محمّد بن نعمان بن عبد السلام المعروف بابن المعلّم ولد سنة (336) ه في عكبرا (على عشرة فراسخ من بغداد) و توفي ببغداد سنة (413) انتهت إليه رئاسة الإمامية في عصره، له نحو مائتي مصنّف، منها: «الردّ على الجبائي» في التفسير، «الكلام في دلائل القرآن» و «المسائل العكبرية» في تفسير الآيات المتشابهات القرآنية. له ترجمة في غير واحد من كتب التراجم.

110- الخطيب الإسكافي: محمّد بن عبد اللّه الإصفهاني، الأديب اللغوي الخطيب بالرّي، توفي سنة (420) ه، من مصنّفاته «درّة التنزيل و غرّة التأويل» في الآيات المتشابهة.

له ترجمة في «إرشاد الأديب» ج 7/ 20، و الوافي بالوفيات» ج 3/ 337.

111- الثعلبي: أحمد بن محمّد بن إبراهيم أبو إسحاق النيسابوري المفسّر

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 66

توفّي سنة (427) ه، و من

مصنّفاته: «الكشف و البيان في تفسير القرآن».

له ترجمة في «وفيات ابن خلّكان» ج 1/ 22، و الأعلام ج/ 206.

112- أبو علي سيناء: الشيخ الرئيس الحسين بن عبد اللّه بن سيناء الفيلسوف، أصابه من بلخ، ولد في إحدى قرى بخارى سنة (370) ه و توفّي سنة (428) أو قبلها في الطريق إلى همذان، له مصنّفات منها: «تفسير سورة التوحيد» و «تفسير سورة الحمد»، و تفسير سورتي الفلق و الناس» و غيرهما.

توجد ترجمته في غير واحد من كتب التراجم: منها «تاريخ حكماء الإسلام ص 27- 72.

113- الأسفراييني: عبد القاهر بن طاهر بن محمّد بن عبد اللّه البغدادي أبو منصور، عالم متفنّن، توفّي في أسفرائين سنة (429) ه، له تصانيف منها «تفسير القرآن».

أنظر ترجمته في طبقات السبكي ج 3/ 238.

114- المعافري: أحمد بن محمّد بن عبد اللّه بن أبي عيسى المعافري الأندلسي المقرئ المفسّر، ولد سنة (340) و توفي سنة (429) ه، له «تفسير القرآن» نحو مائة جزء، و «البيان» في إعراب القرآن.

ترجم له ابن الجوزي في «غاية النهاية» ج 1/ 120، و الزركلي في «الأعلام» ج 1/ 206.

115- الحوفي: علي بن إبراهيم بن سعيد أبو الحسن النحوي المصري المتوفّى سنة (430) ه، من كتبه «البرهان في تفسير القرآن» كبير جدّا.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 67

له ترجمة في بغية الوعاة ص 325 و وفيات الأعيان ج 1/ 332.

116- الحيري: إسماعيل بن أحمد بن عبد اللّه المفسّر الفقيه الشافعي النيسابوري ولد سنة (361) ه و توفي بعد سنة (430) ه، له تصانيف في علم القرآن منها «الكفاية» في التفسير.

له ترجمة في «نكت الهميان» ص 119 و طبقات الشافعية ج 3/ 115.

117- الهروي: عبد اللّه بن أحمد بن محمّد أبو

ذرّ الأنصاري الحافظ المحدث المالكي، توفي بمكة المكرمة سنة (434) ه، له تصانيف منها «تفسير القرآن».

انظر ترجمته في «الأعلام» ج 4/ 41.

118- الشريف المرتضى: علي بن الحسين بن موسى بن محمّد بن إبراهيم الموسوي ولد ببغداد سنة (355) ه و توفي بها سنة (436) ه، و له مصنّفات ثمينة في التفسير منها: «الأمالي» يتضمّن لتفسير آيات كثيرة.

توجد ترجمته في غير واحد من كتب التراجم منها: «روضات الجنّات» ص 383.

119- الجويني: عبد اللّه بن يوسف بن محمّد بن حيّوية، ولد في جوين (من نواحي نيسابور) و توفي بنيسابور سنة (438) ه، له مصنّفات منها «التفسير» كبير.

له ترجمة في الأعلام ج 4/ 290.

120- أبو العبّاس المهدوي: أحمد بن عمّار التميمي: نزيل الأندلس، كان نحوّيا مقرئا مفسّرا، توفي سنة (440) ه، و من مصنّفاته «التفسير الكبير الموسوم

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 68

بالتفصيل الجامع لعلوم التنزيل»، و مختصره باسم «التحصيل».

له ترجمة في «طبقات أعلام الشيعة» ج 2/ 23، الطبقة الخامسة، و في «البغية» ص 153.

121- الناصر الديلمي: الناصر بن الحسين بن محمّد بن عيسى الحسني ولد و تعلّم في بلاد الديلم، و قتل في وقعة بينه و بين الصليحي سنة (444) ه و من آثاره:

«كتاب في التفسير» في أربعة أجزاء.

توجد ترجمته في «معجم المؤلّفين» ج 13/ 69، و «الأعلام» ج 8/ 309.

122- السماّن: إسماعيل بن علي بن الحسين بن زنجويه الرازي أبو سعد الحافظ المعتزلي، قيل: بلغت شيوخه ثلاثة آلاف و ستمائة، و توفي سنة (447) بالري، من مصنّفاته: «تفسير» في عشر مجلّدات.

له ترجمة في «الأعلام» ج 1/ 316، و «الجواهر المضيئة» ج 1/ 156.

123- الكراجكي: محمّد بن علي بن عثمان أبو الفتح، كان من كبار أصحاب الشريف

المرتضى، توفي سنة (449) ه، و له «تفسير» يسمّى: «كنز الفوائد».

انظر ترجمته في «الأعلام» ج 7/ 162.

124- الماوردي: علي بن محمّد بن حبيب أبو الحسن، ولد بالبصرة سنة (364) و توفّي ببغداد سنة (450) ه، له تصانيف كثيرة: منها «تفسير القرآن».

له ترجمة في «معجم الأدباء» ج 15/ 52، و طبقات الشافعية ج 3/ 3/ 3.

125- أبو جعفر الطوسي: محمّد بن الحسن الشيخ الفقيه الجليل ولد سنة

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 69

(358) و توفي بالنجف الأشرف سنة (460) ه، من مصنّفاته «التبيان الجامع لعلوم القرآن» تفسير كبير.

ترجمته توجد في غير واحد من كتب التراجم منها «الأعلام» ج 6/ 315.

126- القشيري: عبد الكريم بن هوازن النيسابوري شيخ خراسان في عصره، ولد سنة (376) ه و توفي سنة (465) ه، له تصانيف منها «التيسير في التفسير» و «لطائف الإشارات» أيضا في التفسير.

ترجمته توجد في غير واحد من كتب التراجم منها «طبقات السبكي» ج 3/ 243.

127- الواحدي: علي بن أحمد بن محمّد بن علي بن متّويه الواحدي، مفسّر توفي بنيسابور سنة (468) ه، من كتبه «أسباب النزول» مطبوع.

له ترجمة في «النجوم الزاهرة» ج 5/ 104 و عنه الأعلام ج 5/ 59.

128- الحافظ الحسكاني: عبيد اللّه بن أحمد الحاكم النيسابوريّ المتوفّي بعد سنة (470) ه، من كتبه «شواهد التنزيل» مطبوع.

ترجم له السيوطي في «طبقات الحفّاظ» ص 443.

129- أبو معشر القطّان: عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري الشافعي المقرئ المفسّر، و توفي بمكة المكرمة سنة (478) ه و من تصانيفه «عيون المسائل» و «الدرر» كلاهما في التفسير.

له ترجمة في «الأعلام» ج 4/ 177 عن «غاية النهاية» ج 1/ 401.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 70

130- ابن ناقيا: عبد اللّه بن محمّد بن

الحسين بن ناقيا البغدادي ولد سنة (410) ه، من مصنّفاته «الجمان في تشبيهات القرآن».

له ترجمة في «وفيات الأعيان» ج 1/ 266.

131- الزوزني: حسين بن أحمد بن حسين، كان من أهل زوزن (كجعفر) بين هراة و نيسابور، توفي سنة (486) ه من مصنّفاته «ترجمان القرآن» بالعربيّة و الفارسيّة.

أطلب ترجمته في «بغية الوعاة» ص 232 و «هديّة العارفين» ج 1/ 310.

132- أبو الفرج الشيرازي: عبد الواحد بن محمّد بن علي المقدسي الدمشقي الحنبلي، توفي سنة (486) ه، من مصنّفاته «الجواهر» في التفسير.

له ترجمة في «الأنس الجليل» ج 1/ 263 و هو فيه عبد الواحد بن أحمد بن محمّد.

133- ابن بندار: عبد السلام بن محمّد بن يوسف بن بندار القزويني، ولد سنة (932) و توفي ببغداد سنة (488) ه، له «حدائق ذات بهجة» في التفسير، كبير في ثلاث مائة جزء.

ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 4/ 131.

134- ابن الفتى: سلمان بن أبي طالب عبد اللّه الحلواني الشهرواني الأديب توفّي سنة (493) ه، له «تفسير على القراءات».

له ترجمة في «إرشاد الأديب ج 4/ 246 و عنه «الأعلام» ج 3/ 169.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 71

135- شيذلة: عزيزي بن عبد الملك بن منصور الجيلي الفقيه الشافعّي القاضي ببغداد، توفّي سنة (494) ه، من كتبه «البرهان في مشكلات القرآن».

له ترجمة في «وفيات الأعيان» ج 1/ 318 و عنه الأعلام ج 5/ 25.

136- ابن كرّامة: المحسن بن محمّد بن كراّمة البيهقي، مفسّر زيديّ، ولد سنة (413) ه و توفي سنة (494) ه، من كتبه «التهذيب» في تفسير القرآن.

له ترجمة في «الأعلام» ج 6/ 176.

137- الفامي: عبد الوهاب بن محمّد بن عبد الوهّاب الشيرازي البغدادي الشافعي، ولد سنة (414) ه و توفي سنة

(500) ه بشيراز و له سبعون تأليفا منها «التفسير» كبير جدّا.

له ترجمة في الأعلام ج 4/ 336.

138- الفتّال: محمّد بن الحسن بن علي النيسابوري الواعظ، كان من مشايخ ابن شهر آشوب استشهد بعد سنة (500) ه قتله حاكم نيسابور أبو المحاسن عبد الرزاق، من كتبه «التنوير في معاني التفسير».

ترجم له الطهراني في طبقات أعلام الشيعة ج 3/ 275.

139- الرّاغب الإصفهاني: الحسين بن محمّد بن المفضل المتوفّي سنة (502) ه، من كتبه «جامع التفاسير» كبير، أخذ عنه البيضاوي في تفسيره، و «المفردات في غريب القرآن» و «حلّ متشابهات القرآن».

توجد ترجمته في «الأعلام» ج 2/ 279 عن «روضات الجنّات» ص 249.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 72

140- الخطيب التبريزي: يحيى بن علي الشيباني، ولد سنة (421) ه و توفّي سنة (502) ه، من كتبه «تفسير القرآن».

ترجم له ياقوت الحموي في «معجم الأدباء» ج 20/ 27.

141- الكيا الهرّاسي: علي بن محمّد بن علي الطبري الفقيه الشافعي، مفسّر ولد سنة (450) ه، و توفّي سنة (504) ه، من كتبه «أحكام القرآن».

أنظر ترجمته في «وفيات الأعيان» ج 1/ 327.

142- البغوي: الحسين بن مسعود بن محمّد الفقيه المفسّر الشافعي ولد سنة (436) ه، و توفّي سنة (516) من كتبه «معالم التنزيل» في التفسير.

ترجم له ابن عساكر في «التهذيب» ج 4/ 345.

143- ابن برّجان: عبد السلام بن عبد الرحمن أبو الحكم الإشبيلي، متصوّف توفّي سنة (436) ه، له «كتاب في تفسير القرآن» أكثر كلامه فيه على طريق الصوفيّة.

ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 4/ 129.

144- الزمخشري: محمود بن عمر بن محمّد الخوارزمي. ولد في زمخشر من قرى خوارزم سنة (468) ه و توفّي سنة (538). أشهر كتبه «الكشّاف» في تفسير القرآن.

ترجمته توجد في

غير واحد من كتب التراجم منها «الأعلام» ج 8/ 55.

145- ابن عطيّة: عبد الحق بن غالب بن عطيّة المحاربي الغرناطي الفقيه

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 73

المفسّر الأندلسي، ولد سنة (481) ه و توفي سنة (542)، من كتبه: «المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» في عشر مجلّدات.

توجد ترجمته في «قضاة الأندلس» ص 109، و «بغية الملتمس» ص 376.

146- البيهقي: أحمد بن علي بن محمّد أبو جعفرك النيسابوري اللغوي ولد سنة (470) ه و توفي سنة (544)، من تصانيفه «المحيط بلغة القرآن».

له ترجمة في «بغية الوعاة» ص 147 و «غاية النهاية» ج 1/ 83.

147- الحلواني: عبد الرحمن بن محمّد بن عليّ أبو محمّد ابن أبي الفتح، مفسّر، فقيه حنبلي بغدادي، ولد سنة (490) ه و توفي سنة (546) ه.

و من مصنّفاته «تفسير القرآن» في 41 جزءا.

له ترجمة في «الأعلام» ج 4/ 104.

148- الطبرسي: الفضل بن الحسن بن الفضل المفسّر الجليل المتوفّي سنة (548) ه من كتبه «مجمع البيان في تفسير القرآن» و «جوامع الجامع» أيضا في التفسير.

ترجم له غير واحد من أرباب التراجم، منهم الخوانساري في «روضات الجنّات» ص 512.

149- الشهرستاني: محمّد بن عبد الكريم بن أحمد، من فلاسفة الإسلام ولد سنة (479) و توفي سنة (548) ه، من كتبه «تفسير سورة يوسف» بأسلوب فلسفي.

له ترجمة في الأعلام ج 7/ 84 عن وفيات الأعيان ج 1/ 482.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 74

150- أبو الفتوح الرازي: الحسين بن علي بن محمّد الخزاعي النيسابوري المفسّر، كان حيّا في سنة (552) ه و من آثاره «تفسير القرآن» بالفارسيّة.

ترجمته توجد في «معجم المؤلفين» ج 4/ 35.

151- المهذّب الأسواني: الحسن بن علي بن إبراهيم المتوفّي بالقاهرة سنة (561) ه، له «تفسير»

في خمسين جزءا.

ترجم له الزركلي في الأعلام ج 2/ 220 عن «الطالع السعيد» ص 100.

152- السمعاني: عبد الكريم بن محمّد منصور المروزي، ولد بمرو سنة (506) ه و توفي بها سنة (562) و من مصنّفاته «تبيين معادن المعاني» في لطائف القرآن الكريم.

توجد ترجمته في كثير من كتب التراجم منها «طبقات السبكي» ج 4/ 259.

153- ابن الدهّان: سعيد بن المبارك بن علي الأنصاري البغدادي الأديب ولد سنة (494) ه ببغداد و توفّي بها سنة (569)، من كتبه «تفسير القرآن» في أربع مجلّدات.

له ترجمة في «الأعلام» ج 3/ 154 عن وفيات الأعيان ج 1/ 209.

154- القطب الراوندي: سعيد بن هبة اللّه بن الحسن المتوفّي بقم سنة (573) ه، له مصنّفات منها «فقه القرآن» و «خلاصة التفاسير».

ترجمته تطلب من سفينة البحار ج 2/ 437، و الذريعة ج 7/ 145.

155- نشوان الحميري: بن سعيد الأديب اللغوي المتوفّي سنة (573) من

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 75

كتبه «التبيان في تفسير القرآن».

ترجمته توجد في بغية الوعاة ص 43 و إرشاد الأديب ج 7/ 206.

156- ابن الخرّاط: عبد الحقّ بن عبد الرحمن أبو محمّد الإشبيلي الحافظ المحدّث الفقيه الأندلسي، ولد سنة (510) و توفّي سنة (581) ه و من مصّنفاته «غريب القرآن و الحديث».

له ترجمة في «تهذيب الأسماء و اللغات ج 1/ 292.

157- السهيلي: عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أحمد الخثعمي، ولد في مالقة سنة (508) ه و عمى و عمره 17 سنة، و توفّي سنة (581) ه له مصنّفات منها «التعريف و الاعلام في ما أبهم في القرآن من الأسماء و الأعلام» و «الإيضاح و التبيين لما أبهم من تفسير الكتاب المبين».

له ترجمة في «نكت الهميان» ص 187 و «تذكرة

الحفّاظ» ج 4/ 137.

158- الغزنوي: عالي بن إبراهيم بن إسماعيل الفقيه الحنفي المفسّر، كان مقيما بحلب، توفّي سنة (582)، من كتبه «تفسير التفسير» في مجلّدين ضخمين.

توجد ترجمته في «الأعلام» ج 4/ 15.

159- العتّابي: أحمد بن محمّد بن عمر أبو نصر البخاري الحنفي، المتوفى سنة (586) ه من كتبه «التفسير».

له ترجمة في «الجواهر المضيئة» ج 1/ 114.

160- ابن شهر آشوب: محمّد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 76

ولد سنة (488) و توفي سنة (588) من كتبه «أسباب نزول القرآن» و «تأويل متشابهات القرآن».

ترجمته توجد في غير واحد من كتب التراجم منها «الأعلام» ج 7/ 167.

161- عزّ الدين الرّاوندي: عليّ بن فضل اللّه بن عليّ، فقيه، فاضل، كان حيّا في سنة (589) ه و من كتبه «تفسير القرآن».

له ترجمة في طبقات الشيعة في القرن السادس ص 198.

162- رضي الدين القزويني: أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني الشافعي الواعظ، ولد سنة (512) ه بقزوين و توفّي بها سنة (590). له «التبيان في مسائل القرآن».

له ترجمة في «طبقات الشافعية» ج 4/ 35.

163- ابن بنان: محمّد بن محمّد بن محمّد بن بنان الأنباريّ المصريّ من كتّاب عصره، ولد سنة (507) و توفّي سنة (596) ه، له «تفسير القرآن».

ترجم له الزركلي في «الاعلام» ج 7/ 253.

164- ابن الكال: محمّد بن محمّد بن هارون الحلّي المقرئ المفسّر، ولد سنة (515) و توفّي سنة (579) ه من كتبه «مختصر التبيان في تفسير القرآن» و «متشابه القرآن».

ترجم له ابن الجزري في «غاية النهاية» ج 2/ 256 رقم 3447.

165- ابن الجوزي: عبد الرحمن بن عليّ بن محمّد البغدادي أبو الفرج ولد في

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 77

بغداد سنة

(508) و توفّي بها سنة (597) له مصنّفات كثيرة منها: «الناسخ و المنسوخ» و «فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن» و «زاد المسير في علم التفسير».

توجد ترجمته في كثير من كتب التراجم منها «وفيات الأعيان» ج 1/ 279، و «البداء و النهاية ج 13/ 28.

166- ابن الفرس: عبد المنعم بن محمّد الخزرجي، قاض، أندلسّي ولد سنة (534) ه و توفّي في البيرة سنة (599) ه، له تصانيف منها «أحكام القرآن».

له ترجمة في «الديوان المذهب» ص 218.

167- ابن إدريس الحلّي: محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس المولود حدود سنة (543) ه، و توفّي سنة (598) ه، من كتبه «مختصر التبيان من تفسير القرآن».

توجد ترجمته في غير واحد من كتب التراجم منها «طبقات أعلام الشيعة» في القرن السّادس ص 290.

168- النيريزي: عليّ بن محمّد بن عليّ الفقيه المحدث المفسّر المتوفّي سنة (602) أو (604) أو (605)، من تصانيفه «مجمع البحرين في التفسير و التأويل» في عشر مجلّدات.

ترجمته توجد في «معجم المؤلفين» ج 7/ 224.

169- ابن الأثير الجزري: المبارك بن محمّد بن محمّد الشافعي، ولد سنة (544) و توفّي سنة (606) ه، من كتبه «الإنصاف في الجمع بين الكشف و الكشّاف»

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 78

في التفسير.

ترجمته توجد في غير واحد من كتب التراجم منها «وفيات الأعيان» ج 1/ 557.

170- روزبهان بن أبي نصر الشيرازي المتوفّي سنة (606) ه من تصانيفه الكثيرة «لطائف البيان في تفسير القرآن».

له ترجمة في «كشف الظنون»/ 196- 1011- 1079- 1131.

171- الفخر الرازي: محمّد بن عمر بن الحسن الطبرستاني الرازي الشافعي، ولد في (543) ه و توفّي سنة (606) من مصنفاته «مفاتيح الغيب» في التفسير، مطبوع معروف.

ترجمته توجد في غير واحد من كتب

التراجم منها «معجم المؤلفين» ج 11/ 79.

172- تاج العلاء: الأشرف بن الأغّر بن هاشم العلوي توفّي في حلب سنة (610)، له «جنّة الناظر و جنّة المناظر» في التفسير خمس مجلّدات.

يقال: إنّ مولده كان سنة (482) ه فعاش طويلا.- الأعلام ج 1/ 333-.

173- المنصور الزيدي: عبد اللّه بن حمزة بن سليمان، أحد أئمّة الزيدّية في اليمن، ولد سنة (561) ه و توفّي سنة (614) ه، له مصنّفات منها «التبيان في تفسير القرآن».

له ترجمة في «الأعلام» ج 4/ 213 عن «العقود اللؤلؤية» ج 1/ 33.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 79

174- الوهراني: عليّ بن عبد اللّه بن ناشر بن المبارك، مفسّر، فاضل توفّي سنة (615) ه كان خطيب دار يا من قرى دمشق، له مصنّفات منها «تفسير القرآن».

له ترجمة في «الأعلام» ج 5/ 120 عن بغية الدعاة ص 340.

175- الغافقي: عبد الكبير بن محمّد بن عيسى أبو محمّد الفقيه الأندلسي، ولد سنة (536) ه و توفي سنة (617)، له كتاب في «التفسير».

توجد ترجمته في «الأعلام» ج 4/ 175.

176- ابن بقّي: أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن الأموي القرطبي ولد سنة (537) ه و توفي سنة (625) ه، له «الآيات المتشابهات» قيل: إنّه من أحسن ما كتب في بابه.

له ترجمة في «الأعلام» ج 1/ 257.

177- الحرّالي: عليّ بن أحمد بن الحسن التجيبي، مفسّر، توفي سنة (638) ه من كتبه «مفتاح الباب المقفل لفهم القرآن المنزل» في التفسير.

له ترجمة في «نفح الطيب» ج 1/ 417 و عنه الأعلام ج 5/ 62.

178- الصعدي: عبد اللّه بن محمّد بن أبي النجم المتوفّي سنة (646) ه كان من أعلام الزيديّة، من كتبه «البيان في الناسخ و المنسوخ».

أورده السيّد المحقّق الإشكوري في «مؤلّفات الزّيدية»

ج 1/ 226.

179- ابن تيميّة: عبد السّلام بن عبد اللّه بن الخضر بن محمّد الحراني، فقيه

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 80

حنبلي، محدّث مفسّر، توفّي بحرّان سنة (652) ه، من كتبه «تفسير القرآن العظيم».

له ترجمة في «غاية النهاية» ج 1/ 385.

180- نجم الدين الأسدي: عبد اللّه بن محمّد الرازي الصوفي، ولد بخوارزم سنة (564) ه و توفي سنة (654) ه ببغداد من كتبه «بحر الحقائق» في التفسير.

ترجم له كحّالة في «معجم المؤلفين» ج 6/ 122 181- ابن أبي الإصبع: عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر البغدادي ثمّ المصري، ولد سنة (585) ه و توفّي سنة (654) ه من كتبه «بديع القرآن» في أنواع البديع الواردة في الآيات الكريمة.

ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 4/ 156.

182- الرّسعني: عبد الرزاق بن رزق اللّه بن أبي بكر خلف، مفسّر فقيه حنبلي، ولد برأس عين الخابور سنة (589) ه و توفي سنة (660) ه من كتبه «رموز الكنوز» تفسير في أربعة مجلّدات.

له ترجمة في «الأعلام» ج 4/ 125 عن ذيل طبقات الحنابلة ج 2/ 274.

183- ابن طاوس: عليّ بن موسى بن جعفر الحسني الداودي المولود سنة (589) ه و توفي سنة (664) ه من كتبه «سعد السعود» في تاريخ القرآن و تفسيره.

ترجم له الطّهراني في «طبقات الشيعة» في القرآن السابع ص 116.

184- عطيّة النجراني: عطيّة بن محمّد بن أحمد الفقيه المفسّر الزيدي ولد سنة (603) ه و توفّي سنة (665) ه، من كتبه «البيان الكاشف عن معاني القرآن».

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 81

له ترجمة في «معجم المؤلفين» ج 6/ 287، و مؤلفات الزيديّة ج 1/ 226.

185- زين الدين الرازي: محمّد بن أبي بكر بن عبد القادر الفقيه المفسّر

الحنفي المتوفّي بعد سنة (666) ه من كتبه «الذهب الإبريز في تفسير الكتاب العزيز» و «أنموذج جليل في أسئلة و أجوبة من غرائب أي التنزيل».

ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 6/ 279.

186- القرطبي: محمّد بن أحمد الأندلسي المالكي، من كبار المفسّرين توفّي سنة (671) ه، من كتبه «الجامع لأحكام القرآن» مطبوع في عشرين جزءا.

ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 6/ 218.

187- نصير الدين الطوسي: محمّد بن محمّد بن الحسن، الفيلسوف الإلهي ولد سنة (597) ه و توفّي سنة (672) ه له مصنّفات كثيرة في المعقول و المنقول منها «تفسير سورة الإخلاص» و «نقد التنزيل».

أنظر «الذريعة» ج 4/ 252 و ج 24/ 274.

188- ابن طاوس: أحمد بن موسى بن جعفر الحسني الحلّي المتوفّي سنة (673) ه. من كتبه «شواهد القرآن» في مجلّدين.

أنظر «الذريعة» ج 4/ 313 و معجم رجال الحديث ج 2/ 344.

189- القونوي: محمّد بن إسحاق بن محمّد الرومي الصوفي المتوفّي سنة (673) من تصانيفه «إعجاز البيان» في تفسير الفاتحة.

توجد ترجمته في «طبقات السبكي» ج 5/ 19، و مفتاح السعادة ج 1/

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 82

451.

190- بهاء الدين الديلمي: يوسف بن أبي الحسن الجيلاني، كان حيّا في سنة (675) ه، من كتبه «تفسير القرآن».

راجع «الذريعة» ج 4/ 322، و «مؤلفات الزيدية» ج 1/ 314.

191- البنّاء: عليّ بن يحيى بن محمّد الزيدي، كان حيّا حوالي سنة (680) من تصانيفه «المنهج القويم في تفسير القرآن الكريم».

راجع «معجم المؤلفين» ج 7/ 261، و «مؤلفات الزيديّة» ج 3/ 80.

192- الكواشي: أحمد بن يوسف بن الحسن الموصلي الفقيه الشافعي المفسّر، ولد سنة (590) ه و توفّي سنة (680) ه له مصنفات منها «تبصرة المتذكر» في تفسير القرآن، و «كشف

الحقائق» المعروف بتفسير الكواشي.

له ترجمة في «الأعلام» ج 1/ 259.

193- العكبري: عبد الجبّار بن عبد الخالق بن محمّد المفسّر الفقيه الحنبلي البغدادي، ولد سنة (619) ه من كتبه «تفسير القرآن» ثماني مجلّدات.

له ترجمة في «ذيل طبقات الحنابلة» ج 2/ 300.

194- ابن المنيّر: أحمد بن محمّد بن منصور السكندري، ولد سنة (620) ه و توفّي سنة (683) ه، له تصانيف منها «تفسير».

له ترجمة في «فوات الوفيات» ج 1/ 72.

195- البيضاوي: عبد اللّه بن عمر بن محمّد بن عليّ الشيرازي، قاض،

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 83

مفسّر، توفّي سنة (685) ه في تبريز، من تصانيفه «أنوار التنزيل» المعروف بتفسير البيضاوي، مطبوع.

ترجمته توجد في «البداية و النهاية» ج 13/ 309.

196- يحيى بن سعيد بن أحمد بن يحيى الهذلي الحلّي المتوفى سنة (689) ه أو بعدها، له مصنّفات منها «الفحص و البيان عن أسرار القرآن».

انظر «الذريعة» ج 16/ 124 رقم 248.

197- الدّيريني: عبد العزيز بن أحمد بن سعيد الدميري الشافعي، ولد سنة (612) ه و توفّي بديرين في غربيّة مصر سنة (694) ه، من كتبه «التيسير في علم التفسير» مطبوع، ارجوزة تزيد على (3000) بيت.

له ترجمة في «الأعلام» ج 4/ 137 عن طبقات الشافعية ج 5/ 75.

198- القفطي: هبة اللّه بن عبد اللّه المصري العارف بالتفسير و الحديث ولد سنة (600) ه و توفّي سنة (697) ه من تصانيفه «التفسير» وصل فيه إلى سورة (كهيعص).

أنظر ترجمته في «طبقات السبكي» ج 5/ 163.

199- جمال الدين البلخي: عبد اللّه بن محمّد بن سليمان، مفسّر، ولد سنة (611) بالقدس و توفّي فيها سنة (698) ه له كتاب في «التفسير» جمعه من خمسين تفسيرا.

له ترجمة في «البداية و النهاية» ج 14/ 4.

تفسير الصراط المستقيم،

ج 1، ص: 84

200- ابن بنت العراقي: عبد الكريم بن عليّ بن عمر الأنصاري الاندلسي الأصل ولد بمصر سنة (632) ه و توفّي بها سنة (704) ه من مصنّفاته «مختصر في تفسير القرآن» احتوى على فوائد.

له ترجمة في «بغية الوعاة» ص 311.

201- النسفي: عبد اللّه بن أحمد بن محمود الفقيه الحنفي المفسّر المتوفّي سنة (710) ه له مصنّفات منها «مدارك التنزيل» في تفسير القرآن مطبوع في ثلاث مجلّدات.

ترجمته توجد في «الجواهر المضيئة» ج 1/ 270.

202- القطب الشيرازي: محمود بن مسعود بن مصلح المولود سنة (634) و المتوفّى سنة (710) ه، من تصانيفه «فتح المنّان في تفسير القرآن».

أنظر ترجمته في «الدرر الكامنة» ج 4/ 339.

203- رشيد الدولة فضل اللّه بن أبي الخير الوزير المقتول سنة (716) أو بعدها، من كتبه «تفسير القرآن» المسّمى «بمفتاح التفاسير».

له ترجمة في «الأعلام» ج 5/ 259 ع الدرر الكامنة ج 3/ 32.

204- أبو المحاسن الحسين بن الحسن الجرجاني كان حيّا في سنة (722) من كتبه «جلاء الأذهان» في تفسير القرآن.

له ترجمة في «ريحانة الأدب».

205- المرقاني: بهاء الدين يوسف بن الحسن بن أبي القاسم المتوفّى سنة

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 85

(727) ه من كتبه «تفسير القرآن».

أنظر «الذريعة» ج 4/ 256 و «مؤلّفات الزيديّة» ج 2/ 101.

206- العلّامة الحلّي: الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر، ولد بالحلّة سنة (648) و توفّي بها سنة (726) ه، له كتب كثيرة منها «نهج الإيمان» في التفسير، و أيضا «السّر الوجيز في تفسير القرآن العزيز».

ترجمته في غير واحد من كتب التراجم منها «الأعلام» ج 2/ 244.

207- المهدي اليمني: محمّد بن المطهّر بن يحيى الحسني من أئمّة اليمن توفّي سنة (728) أو بعدها، من تصانيفه «عقود العقيان في

الناسخ و المنسوخ من القرآن».

اطلب ترجمته في «البدر الطالع» ج 2/ 271.

208- الأعرج: الحسن بن محمّد بن محمّد الحسين الخراساني نظام الدين النيسابوري المفسّر الساكن بقم المتوفّي سنة (728)، من كتبه ثلاثة تفاسير للقرآن الكريم: كبير، و متوسط، و موجز.

له ترجمة في «الأعلام» ج 2/ 233.

209- أبو الغنائم الكاشاني: عبد الرزّاق بن أحمد العارف الصوفي المتوفّي سنة (730) ه من كتبه «تأويلات القرآن».

انظر «طبقات الشيعة» في القرآن الثامن ص 112.

210- البناكتي: داود بن محمّد بن داود أبو سليمان المتوفّى سنة (735)، كما أرّخه الطّهراني في «طبقات الشيعة» في القرن الثامن ص 75 عن «شاهد صادق»

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 86

من كتبه «تفسير» يقال: هو ملتقط من «مجمع البيان» للطبرسي.

211- السيّد محمّد بن إدريس الحمزي الصنعاني الزيديّ المتوفّي سنة (736) ه من كتبه «الإكسير الإبريز» و «التيسير» و «النهج القويم» كلّها في التفسير.

له ترجمة في مؤلفات الزّيدية» ج 1/ 327 و ج 3/ 221.

212- العشّاب: أحمد بن محمّد بن إبراهيم المرادي القرطبي المقرئ ولد سنة (549) و توفّي بالإسكندريّة سنة (736) ه له «تفسير».

ترجم له ابن الجزري في «غاية النهاية» ج 1/ 100.

213- ابن جزّي الكلبي: محمّد بن أحمد بن محمّد الفقيه المالكي الغرناطي ولد سنة (693) و توفي سنة (741) ه، من كتبه «التسهيل لعلوم التنزيل» في التفسير، مطبوع.

له ترجمة في «الأعلام» ج 6/ 221 عن نفح الطيب ج 3/ 272.

214- الخازن: عليّ بن محمّد بن إبراهيم البغدادي الفقيه الشافعي المولود سنة (678) و المتوفّى سنة (741) ه، من كتبه «لباب التأويل في معاني التنزيل» في التفسير.

توجد ترجمته في «الدرر الكامنة» ج 3/ 97- 98 و «شذرات الذهب» ج 6/ 132.

215- الطيّبي: الحسين بن محمّد

بن عبد اللّه المفسّر، المتوفّى سنة (743) ه من مصنّفاته «شرح الكشاف» في التفسير، أربعة مجلّدات.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 87

انظر ترجمته في «الدرر الكامنة» ج 2/ 68. و «البدر الطالع» ج 1/ 229.

216- أبو حيّان الأندلسي: محمّد بن يوسف بن عليّ الغرناطي المولود سنة (654) و المتوفّي (745).

من كتبه «البحر المحيط في تفسير القرآن».

ترجمته توجد في «طبقات الشافعية» ج 6/ 31- 44 و الدرر الكامنة ج 4/ 302- 310.

217- علاء الدولة السمناني: أحمد بن محمّد بن أحمد البيابانكي المولود (659) و المتوفّي سنة (746) أو قبلها، من كتبه «مدارج السالكين» في التفسير.

ترجمته توجد في «طبقات الشيعة» في القرن الثامن ص 10 و «معجم المؤلفين» ج 2/ 69.

218- الشعيبي: محمّد بن محمّد بن محمّد الإسفراييني العراقي الفقيه الشافعي المولود (670) و المتوفّي (747) ه من مصنّفاته «الناسخ و المنسوخ».

ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 7. 265.

219- ابن مكتوم: أحمد بن عبد القادر بن أحمد القيسي المصري، مفسّر ولد سنة (682) ه و توفّي بالقاهرة سنة (749) ه، من كتبه «الدّر اللقيط من البحر المحيط» في التفسير.

له ترجمة في «الدرر الكامنة» ج 1/ 174.

220- الفاضل اليمني: يحيى بن القاسم بن عمرو عماد الدين الصنعاني المولود

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 88

سنة (680) ه و توفّي سنة (750) أو بعدها، من كتبه «تحفة الأشراف في كشف غوامض الكشاف» و «درر الأصداف في حلّ عقد الكشاف» له ترجمة في «الأعلام» ج 9/ 204 عن الكتبخانة ج 1/ 137.

221- السبكي: عليّ بن عبد الكافي الحافظ المفسّر المولود في سبك بمصر سنة (683) و المتوفّى (756) ه من تصانيف «الدّر النظيم» في التفسير.

ترجمته توجد في «حسن المحاضرة» ج 1/ 177، «و

غاية النهاية» ج 1/ 551.

222- السمين: أحمد بن يوسف الحلبي الشافعي المتوفّي سنة (756) ه من كتبه «تفسير القرآن» عشرون جزءا.

له ترجمة في «غاية النهاية» ج 1/ 152، و «أعلام النبلاء» ج 5/ 24.

223- الأنصاري: محمّد بن عليّ بن العايد الفاسي المغربي المتوفّى بغرناطة سنة (762) ه من كتبه «مختصر الكشّاف» للزمخشري في التفسير.

ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 7/ 771 عن «الإحاطة» ج 2/ 211.

224- الهكّاري: أحمد بن أحمد بن الحسين، مفسّر مصريّ، توفّي سنة (763) ه، له «التفسير» في ستّة مجلّدات.

له ترجمة في «الدرر الكامنة» ج 1/ 98 و «الأعلام» 1/ 87.

225- الدكّالي: محمّد بن على بن عبد الواحد المصري المولود (720) و المتوفّى (763) ه، من مصنّفاته «السابق و اللاحق» تفسير مطوّل، التزم فيه أن لا

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 89

ينقل حرفا من تفسير أحد ممّن تقدّمه.

له ترجمة في «الأعلام» ج 7/ 177 عن «الدرر الكامنة» ج 4/ 71.

226- القطب التحتاني: محمّد بن محمّد الرازي المولود (694) ه و المتوفّى (766) من كتبه «بحر الأصداف» حاشية مبسوطة على «الكشّاف» للزمخشري.

راجع «الذريعة» ج 4/ 301. و «الأعلام» ج 7/ 268.

227- ابن كثير: إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي الدمشقي أبو الفداء ولد في بصرى من أعمال الشام سنة (701) ه و توفّي سنة (774) ه، من تصانيفه «تفسير القرآن الكريم» عشرة أجزاء.

توجد ترجمته في «الدرر الكامنة» ج 1/ 373.

228- الأقسرائي: محمّد بن محمّد بن محمّد الطيب المفسّر المتوفّى نحو (775) ه من كتبه «حواش» على الكشّاف في التفسير.

انظر ترجمته في «كشف الظنون» ص 1900 و الأعلام ج 7/ 270.

229- ابن الصائغ: محمّد بن عبد الرحمن بن عليّ الحنفي المولود (708) و المتوفّى سنة

(776) من كتبه «المنهج القويم في فوائد تتعلّق بالقرآن العظيم».

ترجم له السيوطي في «بغية الوعاة» ص 66.

230- الواسطي: محمّد بن الحسن بن عبد اللّه الحسيني المفسّر الفقيه الشافعي ولد سنة (717) و توفّي بدمشق (776)، من كتبه «تفسير» كبير.

له ترجمة في «الدرر الكامنة» ج 3/ 420 و شذرات الذهب 6/ 244.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 90

231- ابن البغدادي: عبد الرحمن بن أحمد بن عليّ المفسّر المصري، ولد سنة (702) ه و توفّي سنة (781) من كتبه: «مختصر البحر المحيط» لأبي حيّان في «التفسير».

ترجمته توجد في «الدرر الكامنة» ج 2/ 323.

232- عليّ بن غياث الدين عبد الكريم بن عبد الحميد الحسيني الإمامي النجفي، كان حيّا سنة (786) من كتبه «الأنوار المضيئة» في الرّد على «الكشّاف» للزمخشري.

له ترجمة في «ريحانة الأدب» ج 1/ 294.

233- ابن الشهاب: عليّ بن شهاب الدين حسن الحسيني الهمذاني المولود سنة (714) و المتوفّى (786) من كتبه «الناسخ و المنسوخ» في التفسير.

انظر «الذريعة» ج 22/ 12.

234- ركن الدين الآملي: حيدر بن عليّ بن حيدر، كان حيّا في سنة (787) ه، من كتبه «المحيط الأعظم» و «البحر الضخيم في تفسير القرآن العظيم».

له ترجمة في «الذريعة» ج 5/ 39.

235- ابن العتائقي: عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم الحلّي، ولد بالحلّة سنة (699) و توفّي نحو سنة (790) ه، من مصنّفاته «مختصر تفسير عليّ بن إبراهيم».

ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 4/ 106.

236- ابن يعيش: الحسن بن محمّد بن الحسن بن سابق الدين الصنعاني

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 91

الفقيه الزيدي التوفي سنة (791) ه من كتبه «التيسير» في التفسير.

له ترجمة في «البدر الطالع» ج 1/ 210، و مؤلفات الزيدية ج 1/ 246.

237- ابن أبي الرضا:

أحمد بن عمر بن محمّد بن أبي الرضا الحموي الحلبي الشافعي المتوفّي (791)، من كتبه «الناسخ و المنسوخ» و «منظومة في غريب القرآن».

له ترجمة في «معجم المؤلفين» ج 2/ 34 عن «الدرر الكامنة» ج 1/ 227.

238- البرسي: الحافظ رضي الدين رجب بن محمّد بن رجب كان حيّا في سنة (813) من كتبه «تفسير سورة الإخلاص».

انظر طبقات الشيعة في القرن التاسع ص 58.

239- ابن الهائم: أحمد بن محمّد الرياضي المصري، ولد سنة (753) ه و توفّي بالقدس سنة (815) ه، له «التبيان في تفسير القرآن».

له ترجمة في «الأنس الجليل» ج 2/ 456.

240- ابن المتوّج: أحمد بن عبد اللّه بن محمّد أبو الناصر البحراني توفّي سنة (820) ه من كتبه «تفسير القرآن».

له ترجمة في أعيان الشيعة» ج 9/ 38. و عنه «الأعلام» ج 1/ 153.

241- محمّد البخاري: محمّد بن محمّد بن محمود الجعفري الفقيه الحنفي المولود سنة (746) ه و المتوفّي سنة (822) ه من كتبه «تفسير القرآن» في مائة مجلّد.

ترجمته توجد في «الأعلام» ج 7/ 273 في إعلام النبلاء ج 5/ 161.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 92

242- المقداد الحلّي: ابن عبد اللّه بن محمّد السيوري الفقيه الإمامي توفّي بالنجف الأشرف سنة (826) ه، له كتب منها «كنز العرفان» في فقه القرآن.

انظر «الذريعة» ج 18/ 159 رقم 1184.

243- القطب الجيلي: عبد الكريم بن إبراهيم الجيلاني المتصوّف، ولد سنة (767) و توفّي سنة (832) ه، له كتب كثيرة، منها «الكهف و الرقيم في شرح بسم اللّه الرحمن الرحيم».

له ترجمة في كشف الظنون ص 181، و معجم المطبوعات ص 728.

244- الثلاثي اليمني: يوسف بن أحمد الفقيه الزيدي المتوفّى سنة (832) من كتبه «الثمرات اليانعة» في تفسير آيات الأحكام».

ترجمته توجد

في «طبقات مفسّري الشيعة» ج 2/ 312 عن مؤلّفات الزيديّة ج 1/ 351.

245- المخدوم المهائمي: عليّ بن أحمد بن عليّ الهندي المولود سنة (776) و المتوفّى سنة (835) ه من كتبه «تبصير الرحمن و تيسير المنّان ببعض ما يشير الى إعجاز القرآن» مطبوع في مجلّدين.

له ترجمة في «الأعلام» ج 5/ 63.

246- محمّد بن جبرئيل المفسّر الفقيه الزيدي المتوفّى بعد سنة (836) ه من كتبه «تفسير آيات الأحكام».

له ترجمة في «طبقات مفسّري الشيعة» ج 2/ 316 عن «مؤلفات الزيدية»

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 93

ج 1/ 28.

247- السيّد عليّ بن محمّد الحسني الزيدي المتوفّى سنة (837) ه من كتبه «تفسير القرآن الكريم» في ثمان مجلّدات.

له ترجمة في «طبقات مفسّري الشيعة» ج 2/ 317 رقم 229 عن «مؤلفات الزيدية» ج 1/ 350.

248- الشريف: أحمد بن عليّ بن عبد الرّشيد المفسّر كان حيّا في سنة (838) ه من كتبه «عمدة الراسخ في معرفة المنسوخ و الناسخ» فرغ منه في (838).

أورده الطهراني في «الذريعة» ج 15/ 336.

249- ابن الوزير: محمّد بن إبراهيم بن عليّ القاسمي اليمني المولود سنة (775) و المتوفّى (840) من كتبه «قواعد التفسير» و «حصر آيات الأحكام الشرعية».

له ترجمة في «البدر الطالع» ج 2/ 81- 93.

250- المهدي أحمد بن يحيى بن المرتضى الحسني الزيدي المولود سنة (775) ه و المتوفّى (840) ه من كتبه «تفسير الآيات المعتبرة في الاجتهاد».

ترجم له في «الأعلام» ج 1/ 255 عن «تاريخ اليمن» ص 40.

251- ابن خطيب الناصرية: عليّ بن محمّد بن سعد الجبريني الحلبي المولود (774) و المتوفّى سنة (843) ه، من كتبه: «تفسير الفاتحة».

له ترجمة في «الضوء اللامع» ج 5/ 303.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 94

252- ابن زاغو: أحمد بن

عبد الرحمن المغراوي التلمساني الفقيه المولود سنة (782) و المتوفّي سنة (845) ه من كتبه «تفسير الفاتحة».

ترجم له في «الأعلام» ج 1/ 143 عن «البستان» ص 41.

253- النّظام النيسابوري: الحسن بن محمّد بن الحسين القمي النيسابوري توفّي بعد (850) له كتب منها «غرائب القرآن و رغائب الفرقان» مطبوع، في ثلاثة مجلّدات يعرف بتفسير النيسابوري.

له ترجمة في «أعيان الشيعة» ج 23/ 112- 115.

254- ابن حجر العسقلاني: أحمد بن عليّ بن محمّد، ولد بالقاهرة سنة (773) ه و توفّي بها سنة (852) ه له مصنّفات منها «الإحكام لبيان ما في القرآن من الأحكام».

توجد ترجمته في غير واحد من كتب التراجم منها «الأعلام» ج 1/ 173.

255- الزواوي: إبراهيم بن فائد بن موسى القسطنطيني، فقيه مالكي جزائري، ولد سنة (796) ه و توفّي سنة (857) ه، من كتبه «تفسير القرآن».

له ترجمة في «الضوء اللامع» ج 1/ 116 «و الأعلام» ج 1/ 51.

256- السمرقندي: عليّ بن يحيى المفسّر الحنفي المتوفّي سنة (860) ه، من تصانيفه «تفسير القرآن» في أربع مجلّدات.

ترجم له كحّالة في «معجم المؤلفين» ج 7/ 261.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 95

257- ابن إمام الكامليّة: محمّد بن محمّد بن عبد الرحمن الفقيه الشافعي المصري ولد سنة (808) ه و توفي (874) ه من كتبه «مختصر تفسير البيضاوي».

له ترجمة في «البدر الطالع» ح 2/ 244 و نظم العقيان ص 163.

258- مصنّفك: عليّ بن محمّد بن مسعود الشاهرودي البسطامي، ولد سنة (803) و المتوفى سنة (875) ه من كتبه «حاشية على الكشّاف».

له ترجمة في «البدر الطالع» ج 1/ 497.

259- أبو زيد الثعالبي: عبد الرحمن بن محمّد بن مخلوف الجزائري، مفسّر ولد سنة (786) ه و توفي (875) ه، من كتبه «الجواهر

الحسان في تفسير القرآن» في أربعة مجلّدات.

له ترجمة في «الأعلام» ج 4. 107 عن تعريف الخلف ج 1/ 63.

260- طيفور بن سراج الدين جنيد، عفيف الدين الحافظ الواعظ المفسّر الإمامي كان حيّا في سنة (876) ه من كتبه «تفسير القرآن» على أساس الأحاديث المرويّة عن المعصومين عليهم السّلام.

انظر «الذريعة» ج 4/ 280 رقم 128.

261- النجري: عبد اللّه بن محمّد بن أبي القاسم الزيدي الفقيه ولد سنة (825) و توفي (877) ه من كتبه «شفاء العليل في خمسمائة آية من التنزيل».

له ترجمة في «البدر الطالع» ج 1/ 397.

262- البياضي: عليّ بن محمّد بن يونس الموفى سنة (877) ه من كتبه «زبدة البيان في تلخيص مجمع البيان».

ترجم له مبسوطا أستاذنا في الإجازة آية اللّه العظمى المرعشي قدّس سرّه

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 96

في «مقدمة الصراط المستقيم الى مستحقي التقديم» ص 3- 10.

263- ابن أمير حاجّ: محمّد بن محمّد بن محمّد، يقال له: ابن الموقّت، ولد سنة (823) ه و توفّي (879) ه من كتبه «ذخيرة القصر في تفسير سورة و العصر».

له ترجمة في «الضوء اللامع» ج 9/ 210.

264- الإبشيطي: أحمد بن إسماعيل بن أبي بكر الفقيه الشافعي، ولد بإبشيط من قرى مصر سنة (802) و توفّي بالمدينة سنة (883) ه.

من تصانيفه «ناسخ القرآن و منسوخه».

له ترجمة في «البدر الطالع» ج 1/ 37 و «الضوء اللامع» 1/ 235.

265- ابن العماد: محمّد بن محمّد بن عليّ القاهري الشافعي، ولد سنة (825) ه و توفّي سنة (887) ه من كتبه «مختصر تفسير البيضاوي».

له ترجمة في «الضوء اللامع» ج 9/ 162.

266- الإسترابادي: الحسن بن محمّد بن الحسن، كمال الدين النجفي، كان حيّا سنة (891) ه من كتبه «معارج السئول» في

تفسير آيات الأحكام في مجلدين.

أنظر «الذريعة ج 15/ 377.

267- الشرجي: أحمد بن عبد اللطيف الزيدي المتوفي سنة (893) ه من كتبه «الطريقة الواضحة في أسرار الفاتحة».

انظر «طبقات مفسران شيعة» ج 2/ 333 عن «مؤلّفات الزيدية» ج 2/ 248.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 97

268- الكوراني: أحمد بن إسماعيل بن عثمان الشافعي ثم الحنفي، مفسّر ولد سنة (813) و توفّي بالقسطنطينيّة سنة (893) ه، له كتب منها «غاية الأماني في تفسير السبع المثاني».

له ترجمة في «الاعلام» ج 1/ 94 عن «الضوء اللامع» ج 1/ 241.

269- السنوسي: محمّد بن يوسف بن عمر الحسني التلمساني ولد سنة (832) ه و توفّي (895) ه، و من كتبه «تفسير سورة ص و ما بعدها من السور».

له ترجمة في «الأعلام» ج 8/ 29.

270- الجامي: عبد الرحمن بن أحمد بن محمّد، نور الدين المتصوف الأديب المفسّر الشاعر، ولد في جام سنة (817) ه، و توفّي بهراة سنة (898) ه و من مصنّفاته «تفسير القرآن».

توجد ترجمته في كثير من كتب التراجم منها «الأعلام» للزركلي ج 4/ 67.

271- الخلوتي: إسماعيل بن عبد اللّه الرومي الصوفي، مفسّر تركي الأصل، توفّي سنة (899) ه في طريقه الى الحجّ، له كتب منها «تفسير سورة الفاتحة» و «تفسير سورة الضحى الى أخر القرآن» و «تفسير آية الكرسي».

له ترجمة في «هدية العارفين» ج 1/ 217.

272- الإيجي: محمّد بن عبد الرحمن بن محمّد الشافعي، ولد سنة (832) ه و توفّي سنة (905) ه، من كتبه «جامع البيان في تفسير القرآن» مطبوع.

له ترجمة في «الأعلام ج 8/ 68.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 98

273- الكفعمي: إبراهيم بن عليّ بن الحسن الحارثي، ولد سنة (840) ه و توفّي (905) ه، من كتبه «المقام الأسنى

في تفسير الأسماء الحسنى».

له ترجمة في «أعيان الشيعة» ج 5/ 336- 358.

274- الفراهي: معين الدين محمّد بن شرف الدين محمّد مسكين الهروي المتوفّى سنة (907) ه، من كتبه «تفسير سورة يوسف» و «تفسير آيات قصص موسى».

انظر «الذريعة ج 4/ 328 و 3/ 37.

275- عليّ بن عبد اللّه الشيفتكي الشيرازي المتوفّى سنة (907) ه من كتبه «تفسير آيات الأحكام».

انظر «الذريعة ج 1/ 43 و «رياض العلماء ج 4/ 108.

276- المغيلي: محمّد بن عبد الكريم بن محمّد المفسّر الفقيه التلمساني المتوفّى سنة (909) ه، من كتبه «البدر المنير في علوم التفسير».

الاعلام ج 7/ 84 عن البستان ص 353.

277- الكاشفي: الحسين بن عليّ البيهقي السبزواري الواعظ المتوفّى سنة (910) ه من كتبه «جواهر التفسير» و «المواهب العليّة» المعروف بالتفسير الحسيني.

انظر «أعيان الشيعة» ج 27 ص 50.

278- السيوطي: عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمّد الحافظ المحدّث الأديب

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 99

المفسّر المؤرخ، ولد سنة (849) ه و توفّي سنة (911) ه، له مصنفات تقرب نحو (600) مصنّف، منها «الإتقان في علوم القرآن» و «ترجمان القرآن» و «تفسير الجلالين» و «الدر المنثور في التفسير بالمأثور» في ستّة أجزاء.

ترجمته توجد في غير واحد من كتب التراجم منها «الأعلام» للزركلي ج 4/ 71.

279- النبيسي: إبراهيم بن الحسن الحلبي المقتول في أرزنجان سنة (915) ه، من كتبه «تفسير» من أول القرآن الى سورة يوسف.

أنظر «معجم المؤلفين» ج 1/ 22.

280- الدواني: محمّد بن أسعد الصديقي جلال الدين ولد سنة (830) و توفّي سنة (917) ه من كتبه «تفسير سور القلاقل».

انظر الأعلام ج 6/ 257.

281- ابن الشحنة: عبد البرّ بن محمّد أبو البركات الحلبي المصري ولد بحلب سنة (851) و توفّي بالقاهرة

سنة (921) ه صنّف كتبا منها «غريب القرآن».

انظر ترجمته في «الأعلام» للزركلي ج 4/ 47.

282- أبو اليمن العليمي: عبد الرحمن بن محمّد الحنبلي، ولد في القدس سنة (860) ه و توفّي بها سنة (928) ه، له مصنّفات منها «فتح الرحمن في تفسير القرآن».

له ترجمة في «آداب اللغة» ج 3/ 183.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 100

تفسير الصراط المستقيم ج 1 149

283- ابن همام العارف الشيرازي، كان حيّا في سنة (940) ه، من كتبه «روضة القلوب» في تفسير سورة يس، و «فتح نامه» في تفسير سورة الفتح.

انظر «الذريعة» ج 28/ 128.

284- الأسترابادي: شرف الدين علي الحسيني الغروي كان حيّا في سنة (940) ه من كتبه «تأويل الآيات الظاهرة» مطبوع.

انظر «الذريعة» ج 4 ص 304.

285- ملّا سعد اللّه بن عيسى بن أمير خان المتوفّى سنة (945) ه من كتبه:

«الحاشية على تفسير أنوار التنزيل».

انظر طبقات مفسّران شيعة» ج 2/ 368.

286- الشيرازي الحنفي: عليّ بن محمّد المشهور بالعلائي، المفسّر توفّي سنة (945) ه، من كتبه: «أسئلة القرآن و أجوبتها»، و «حاشية على تفسير البيضاوي».

انظر «معجم المؤلفين» ج 7/ 204.

287- الزواري: أبو الحسن عليّ بن الحسن، كان حيّا في سنة (947) ه من كتبه: «ترجمة تفسير المنسوب الى الإمام عليه السّلام».

انظر «الذريعة» ج 20/ 47.

288- الدشتكي: الأمير غياث الدين منصور بن صدر الحكماء الشيرازي المتوفّى سنة (948) أو بعدها، من كتبه «تفسير سورة الدهر».

انظر «الإحياء الدائر» ص 43.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 101

289- الإلهي: كمال الدين حسين بن خواجة عبد الحقّ الأردبيلي، توفّي سنة (950) أو (940) من كتبه: «تفسير» يعرف بتفسير الأردبيلي.

انظر «إحياء الداثر» ص 69 و «الذريعة» ج 5/ 265.

290- الإسترابادي: المير فخر الدين محمّد بن الحسين الحسيني،

كان حيّا في سنة (952) ه من كتبه: «تفسير آية الكرسي».

انظر «الذريعة» ج 4/ 330.

291- الكاشاني: المير شاه طاهر بن رضي الدين الحسيني، نزيل دكن توفّي سنة (956) ه، من كتبه: «حاشية تفسير البيضاوي».

انظر «طبقات أعلام الشيعة» في القرن العاشر ص 112.

292- الخفري: شمس الدين محمّد بن أحمد المتوفّى سنة (957) ه من كتبه:

«تفسير آية الكرسي».

انظر فهرست مكتبة آية اللّه المرعشي قدّس سرّه ج 7/ 116.

293- الصعدي: محمّد بن يحيى بن محمّد بن أحمد بهران، ولد في صعدة باليمن سنة (888) و توفّي بها سنة (957) ه من كتبه: «التكميل الشاف لتفسير الكشّاف».

ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 8/ 11.

294- عليّ بن عبد اللّه الراوع الزيدي المتوفّي سنة (959) ه من كتبه:

«التفسير» كبير في مجلدات.

انظر «مؤلفات الزيدية» ج 1/ 310.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 102

295- المكناسي: عبد العزيز بن عبد الواحد المغربي، شيخ القرّاء بالمدينة توفّي سنة (964) ه، له «نظم جواهر السيوطي» في التفسير.

له ترجمة في «الأعلام» ج 4/ 146.

296- الشهيد الثاني: الشيخ زين الدين بن نور الدين عليّ المولود سنة (911) و الشهيد سنة (966) ه، من كتبه: «تفسير البسملة» فرغ منه سنة (940) ه.

انظر «طبقات مفسران شيعة» ج 2/ 386.

297- أبو المحاسن الجرجاني: الحسين بن الحسن المفسّر، كان حيّا في سنة (968) ه من كتبه «جلاء الأذهان و جلاء الأحزان» تفسير فارسيّ متخّذ من تفسير أبي الفتوح.

انظر «طبقات مفسران شيعة» ج 2/ 388.

298- الشيخ عبد الجليل بن أحمد الحسيني القاري، كان حيّا سنة (976)، من كتبه: «شرح الناسخ و المنسوخ» لابن متوّج المقدم ذكره.

انظر «الذريعة» ج 5/ 118.

299- السيّد مير أبو الفتح الحسيني الجرجاني المتوفّى سنة (976) ه من كتبه:

«تفسير شاهي» في

آيات الأحكام.

انظر «طبقات مفسران شيعة» ج 2/ 398 رقم 271.

300- نجم الدين ملّا عبد اللّه بن شهاب الدين حسين اليزدي المتوفّى سنة (981) ه، من كتبه، «التجارة الرابحة في تفسير الفاتحة».

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 103

انظر «ريحانة الأدب» ج 6/ 390- 391.

301- أبو السعود: محمّد بن محمّد بن مصطفى العمادي الحنفي المفسّر المولود في سنة (898) و المتوفّى بالقسطنطينيّة (982) ه من كتبه: «إرشاد العقل السليم» في التفسير.

له ترجمة في «الاعلام» ج 7/ 288.

302- عطيّة بن عليّ بن حسن السلمي المكّي الفقيه المتوفّى سنة (983) ه من كتبه «تفسير القرآن العظيم» في ثلاثة أجزاء.

له ترجمة في الأعلام ج 5/ 33.

303- الدولتشاهي: عبد الأحد بن برهان الدين بن عليّ، كان حيّا في سنة (984) ه من كتبه: «تفسير سورة الروم».

انظر «طبقات مفسران شيعه» ج 2/ 406 من الذريعة ج 26/ 218.

304- الأماسي: يوسف، سنان الدين المعروف بمحشي البيضاوي توفّي سنة (986) ه، من كتبه: «حاشية على تفسير البيضاوي».

انظر «الأعلام» ج 9/ 309، و شذرات الذهب ج 8/ 412.

305- الشيرازي: المولى محمّد بن أحمد المعروف بخواجكي المتوفّى سنة (988) ه من كتبه: «مختصر مجمع البيان».

انظر «الذريعة» ج 20/ 206 رقم 2599.

306- الكاشاني: «المولى فتح اللّه بن شكر اللّه بن المولى لطف اللّه، توفّي

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 104

سنة (988) ه، من كتبه: «منهج الصادقين» و «زبدة التفاسير».

انظر «الذريعة» ج 4/ 320.

307- الأردبيلي: أحمد بن محمّد الفقيه الزاهد الإمامي توفّي بكربلاء سنة (993) ه، من تصانيفه: «زبدة البيان في شرح أحكام القرآن» مطبوع.

ترجم له غير واحد من أرباب التراجم منهم السيّد الأمين في «أعيان الشيعة» ج 9/ 292.

308- الأماسي: يوسف سنان الدين الخلوتي الواعظ الحنفي المتوفّى حدود

سنة (1000) ه من كتبه: «تبيين المحارم» رتبه على 98 بابا في تفسير الآيات الدالة على حرمة المحرمات.

انظر «الأعلام» ج 9/ 309، و هو غير الأماسي المتقدم ذكره.

309- الكرخي: محمّد بن محمّد بدر الدين المصري المولود سنة (910) و المتوفّى سنة (1006) ه، من كتبه: «مجمع البحرين» حاشية على تفسير الجلالين في أربع مجلدات.

له ترجمة في «خلاصة الأثر» ج 4/ 152.

310- البكري: محمّد بن محمّد بن محمّد المتصوف المصري المفسّر المولود (971) و المتوفّى سنة (1007) ه من كتبه: «تفسير سورة الأنعام و تفسير سورة الكهف و تفسير سورة الفتح.

له ترجمة في «خلاصة الأثر ج 1/ 474.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 105

311- الملّا عليّ القاري: عليّ بن محمّد سلطان الهروي الحنفي المتوفّى سنة (1014) ه، من كتبه: «تفسير القرآن» في ثلاثة مجلدات، و «حاشية على تفسير الجلالين».

انظر «الأعلام» ج 5/ 166.

312- الحموي: عبد النافع بن عمر، من أهل حماة، توفّي سنة (1016) ه، من تصانيفه: «تفسير سورة الإخلاص» في مجلّد.

له ترجمة في «خلاصة الأثر» ج 3/ 90، و الأعلام ج 4/ 320.

313- الأسترابادي: الميرزا محمّد بن عليّ بن إبراهيم المتوفّى بمكة المكرمة سنة (1028) ه، من كتبه: «تفسير آيات الأحكام».

انظر ترجمته في «روضات الجنّات» ص 527.

314- بهاء الدين العاملي: محمّد بن حسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي نزيل اصفهان، ولد في بعلبك (953) ه و توفّي بأصفهان سنة (1031) ه و دفن بمشهد الامام الرضا عليه السّلام، من كتبه: «العروة الوثقى» في تفسير سورة الفاتحة.

315- البيلوني: فتح اللّه بن محمود بن محمّد الحلبي المولود سنة (977) و المتوفّى سنة (1042) ه، من كتبه: «حاشية على تفسير البيضاوي».

له ترجمة في «خلاصة الأثر» ج 3/ 254.

316- غلامك:

محمّد بن موسى من علماء الترك المستعربين المتوفّى سنة (1045) ه، من كتبه: «حاشية على تفسير البيضاوي».

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 106

له ترجمة في «خلاصة الأثر ج 4/ 302.

317- الصدر الشيرازي: محمّد بن إبراهيم القوامي، فيلسوف توفّي بالبصرة سنة (1050) ه، من كتبه: «تفسير سور الواقعة و الحديد، و الجمعة، و الطلاق، و الطارق، و الأعلى، و غيرها.

ترجم له الخوانساري في «روضات الجنّات» ص 331.

318- العمادي: عبد الرحمن بن محمّد بن محمّد الدمشقي، ولد سنة (978) ه توفّي سنة (1051) ه و من مصنّفاته «تحرير التأويل» في التفسير.

له ترجمة في «خلاصة الأثر» ج 2/ 378.

319- الشهاب الخفاجي: أحمد بن محمّد المصري قاضي القضاة، ولد سنة (977) ه و توفّي بمصر سنة (1069) ه، له مصنّفات منها «حاشية على تفسير البيضاوي» ثماني مجلدات.

له ترجمة في «الأعلام» ج 1/ 227 عن «خلاصة الأثر» ج 1/ 331.

320- الشيرازي: إبراهيم بن محمّد بن إبراهيم المتوفّى بشيراز سنة (1070) ه، له «العروة الوثقى» في تفسير القرآن.

له ترجمة في «الأعلام» ج 1/ 64 عن أعيان الشيعة ج 5/ 391.

321- العروسي: عبد العلي بن جمعة الحويزي ساكن شيراز، كان حيّا في سنة (1073) ه من كتبه: «تفسير نور الثقلين» طبع في خمس مجلدات سنة (1384) ه.

له ترجمة في «طبقات أعلام الشيعة في القرن الحادي عشر ص 331.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 107

322- ابن أبي السرور: محمّد بن محمّد المصري المولود سنة (1005) ه و المتوفّى سنة (1087) ه من كتبه: «تفسير» يعرف بتفسير ابن أبي السرور.

له ترجمة في «الاعلام» ج 7/ 293.

323- الفيض الكاشاني: محسن بن محمّد بن مرتضى المفسّر المحدث المتوفّى سنة (1091) ه، من كتبه: «الصافي» و «الأصفى» في التفسير.

له

ترجمة في غير واحد من كتب التراجم منها «الروضات» ص 542.

324- فخر الدين المشهدي: الخراساني الحكيم المتوفّى سنة (1097) ه من كتبه: «تفسير سورة الحمد».

له ترجمة في «طبقات أعلام الشيعة» في القرن الحادي عشر ص 436.

325- البخشي: محمّد بن محمّد الخلوتي الحلبي الشافعي المولود سنة (1038) و المتوفّى سنة (1098) ه، من كتبه: «تفسير سورة الأعلى».

له ترجمة في «إعلام النبلاء» ج 6/ 402- 406.

326- البحراني: هاشم بن سليمان الحسيني التوبلي، مفسر يحدّث، توفّي سنة (1107) ه، من كتبه: «البرهان في تفسير القرآن» في خمسة مجلدات.

له ترجمة في «روضات الجنّات» ص 736.

327- إسماعيل حقي: ابن مصطفى الإسلامبولي الحنفي، متصوف مفسّر تركي مستعرب، توفّي سنة (1127) ه له مصنّفات منها «روح البيان في تفسير القرآن» مطبوع.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 108

له ترجمة في «الأعلام» ج 1/ 309 عن «إيضاح المكنون» ج 1/ 585.

328- عبد الغني بن إسماعيل النابلسي، ولد في دمشق سنة (1050) ه و توفّي بها سنة (143) ه، له مصنّفات كثيرة منها: «شرح أنوار التنزيل» للبيضاوي في التفسير.

توجد ترجمته في «سلك الدرر» ج 3/ 30 و آداب اللغة ج 3/ 324.

329- السفرجلاني: عبد الرحمن بن عمر بن إبراهيم الشافعي الدمشقي، مفسّر، توفّي سنة (1150) ه، له «حاشية على تفسير البيضاوي».

ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 4/ 93 عن «سلك الدرر» ج 2/ 308.

330- شاه ولي اللّه: احمد بن عبد الرحيم الفاروقي الدهلوي، فقيه حنفي ولد سنة (1110) ه و توفّي سنة (1176) ه، من كتبه «فتح الرحمن في ترجمة القرآن».

له ترجمة في فهرس الفهارس ج 1/ 125.

331- السحيمي: أحمد بن محمّد بن عليّ الفقيه الشافعي المصري المتوفّى سنة (1178) من مصنّفاته: «تفسير سورة الفجر».

له ترجمة

في «الأعلام» ج 1/ 230 عن «إيضاح المكنون» ج 2/ 102.

332- الأجهوري: عطية اللّه بن عطية البرهاني الشافعي الفقيه المتوفّى بالقاهرة سنة (1190) ه، من كتبه: «إرشاد الرحمن لأسباب النزول و النسخ و المتشابه في القرآن».

له ترجمة في سلك الدرر ج 3/ 265- 273، و فيه: «وفاته سنة (1194) ه.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 109

333- التافلاتي الأزهري: محمّد بن محمّد المغربي المتوفّى بالقدس سنة (1191) ه من من تصانيفه: «أحسن التبيان في معنى مدلول القرآن».

له ترجمة في «سلك الدرر» ج 4/ 102.

334- الدمنهوري: أحمد بن عبد المنعم بن يوسف شيخ الجامع الأزهر ولد سنة (1101) ه و توفّي سنة (1192) ه بالقاهرة، من كتبه: «الفيض العميم في معنى القرآن العظيم» له ترجمة في «الأعلام» ج 1/ 158.

335- القونوي: إسماعيل بن محمّد بن مصطفى الفقيه الحنفي المفسّر، توفّي بدمشق سنة (1195) ه من كتبه: «حاشية على تفسير البيضاوي» في سبع مجلدات مطبوع.

له ترجمة في «سلك الدرر» ج 1/ 258.

336- السّليمى: عليّ بن محمّد بن عليّ الشافعي الدمشقي المولود (1113) ه و المتوفّى (1200) ه من كتبه: «شرح تفسير البيضاوي» من سورة الإسراء الى آخر القرآن.

له ترجمة في «سلك الدرر» ج 3/ 219.

337- الطسوجي: عبد النبيّ بن محمّد المولود (1117) ه و المتوفّى سنة (1203) ه، من كتبه: «تفسير القرآن».

له ترجمة في «أعيان الشيعة» ج 39/ 180- 181.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 110

338- عليّ بن قطب الدين البهبهاني المفسّر المتوفّى سنة (1206) ه من كتبه:

«تفسير القرآن».

انظر «الذريعة» ج 4/ 293.

339- الزيني: السيّد محمّد بن أحمد بن زين الدين الحسيني الحسني البغدادي النجفي المتوفّى سنة (1216) ه.

من كتبه: «تفسير القرآن» ترجم له كحالة في «المعجم» ج 8/ 262.

340-

القنوجي: عبد الباسط بن رستم الهندي، ولد سنة (1159) و توفّي سنة (1223) ه، من مصنفاته: «عجيب البيان في أسرار القرآن».

له ترجمة في «أبجد العلوم» ص 841.

341- ابن عجيبة: أحمد بن محمّد بن عجيبة الفاسي المتوفّى سنة (1224) ه، من كتبه «تفسير القرآن العظيم» في ثماني مجلدات.

ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 1/ 234.

342- ابن الحاجّ: حمدون بن عبد الرحمن بن حمدون السلمي المرداسي ولد سنة (1174) ه و كان أديبا فقيها مالكيّا، توفّي سنة (1232) ه، له كتب منها:

«تفسير سورة الفرقان» و حاشية على تفسير أبي السعود.

له ترجمة في «الأعلام» ج 2/ 306 عن «شجرة النور» ص 379.

343- سراج الهند الدهلوي: عبد العزيز بن أحمد بن عبد الرحيم الفاروقي ولد سنة (1159) ه و توفّي سنة (1239) ه، له تصانيف منها «فتح العزيز» في

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 111

التفسير.

ترجم له الزركلي في «الأعلام» ج 4/ 138 عن إيضاح المكنون ج 1/ 182.

344- الصاوي: أحمد بن محمّد الخلوتي الفقيه المالكي، ولد سنة (1175) ه و توفّي بالمدينة المنوّرة سنة (1241) ه، من كتبه «حاشية على تفسير الجلالين» مطبوع.

له ترجمة في «الأعلام» ج 1/ 233.

345- السيّد الشبّر: عبد اللّه بن محمّد رضا الحسيني الكاظمي، ولد سنة (1888) أو (1192) ه و توفّي سنة (1242) ه له مصنّفات كثيرة منها: «الجوهر الثمين» صفوة التفاسير، و تفسير وجيز مطبوع.

انظر «روضات الجنّات» ص 374.

346- الرضوي: الميرزا هداية اللّه بن الميرزا مهدي الشهيد سنة (1248) ه من كتبه: «تفسير».

له ترجمة في «هداية العارفين» ج 2/ 507.

347- الشوكاني: محمّد بن عليّ بن محمّد المفسّر الصنعاني المولود سنة (1173) ه و المتوفى سنة (1250) ه، من كتبه: «فتح القدير» في التفسير.

348-

الآلوسي: أبو الثناء محمود بن عبد اللّه المفسّر المولود سنة (1217) ه و المتوفي سنة (1270) ه، من كتبه: «روح المعاني في تفسير القرآن».

له ترجمة في «معجم المؤلّفين» ج 12/ 175.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 112

له ترجمة في «معجم المؤلفين» ج 11/ 53.

349- و ممّن وفّقه اللّه في هذا المضمار بالتنسيق و الترصيف العالم العامل الأوحد، و الفاضل الكامل الأرشد، ذو المفاخر الوافرة، و الفضائل الفاخرة، الخبير المحقّق، و النحرير المدقق، آية اللّه السيّد حسين البروجردي طاب ثراه.

إنّه قد منّ على المستفيدين بكتابه القيّم العظيم (الصراط المستقيم) في تفسير القرآن الكريم، و لعمري إنّه من أحسن ما ألّف في كشف النقاب عن وجه الكتاب، و لكنّ الأسف أنّ هذا التفسير الثمين إلى الآن لم تطبع و لم تنشر، و كانت في مكتبة حفيديه: العالم الفاضل، و السيّد السند حجة الإسلام و المسلمين السيّد حسن النوري البروجردي، و السيّد الجليل السيّد محمّد النوري البروجردي، نسختان منه: نسخة بخط المؤلف، و نسخة أخرى مستنسخة من الأصل.

و كنت مذ اطّلعت عليه ولعا بإذاعته و طبعه و انتشاره إلى أن ساعدني في ذلك السيّدان السندان حفيد المؤلف حيث جعلا نسختيه في اختياري فشمّرت الذيل بحول اللّه و قوّته في تحقيقه و تخريج مصادره و طبعه بأجمل صورة و أجود أسلوب مزدانا بالتعليقات، و مذيّلا بتخريج أحاديثه و الإشارة إلى مواضع آياته، حتى يكون نفعه أعمّ، و حرّرت وجيزة في ترجمة المؤلّف أخذتها من كتابي: «تاريخ بروجرد» ج 2 بالفارسية المطبوع في قم سنة (1354) ه.

ترجمة المؤلّف الكتاب (الصراط المستقيم)

- حياة المؤلّف-

هو العلّامة السيّد حسين بن السيّد محمّد رضا الحسيني البروجردي، ينتهي نسبه على ما قال حفيده السيّد محمّد بستّ و عشرين واسطة إلى العالم

الزاهد العابد

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 113

الشهيد زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ عليهم السّلام، استشهد سنة (121) ه.

هذا من طرف الأب، و أما من جانب الأمّ ينتهي إلى إبراهيم بن موسى الكاظم عليه السّلام المتوفّى مسموما ببغداد سنة (210) ه.

والده السيّد محمّد رضا هو العالم العامل، و الفاضل الكامل من أكابر عصره و كان مجازا من المحدّث الخبير، و الفقيه البصير السيّد عبد اللّه الشبر المتوفّى سنة (1242) ه، كما قال المؤلّف في «منظومته الرجالية»:

و ابن الرضا الشبّر ذو المحامدصنّف مكثرا أجاز والدي

ميلاده لسبع ليال بقين من شوال سنة (1238) كما في حواشي «نخبة المقال» للعلّامة النسّابة و شيخنا المجيز الفهّامة آية اللّه العظمى المرعشي قدّس سرّه و صرّح به المترجم في منظومته حيث قال:

و ابن الرضا مصنّف الكتاب أرشده اللّه الى الصواب

و مولدي (أخير من شوال)فاختم لي اللّهم بالكمال

و لا يخفى أنّ جملة (أخير من شوال) تنطبق من حيث العدد مع (1238) فعلى هذا ترديد صاحب «الأعيان» في ج 26 ص 57 في ميلاده بين سنة (1228) و (1238) و قول صاحب «معجم المؤلفين»: أنّ ميلاده في (1228) ليسا في محلّه، و هكذا قول العلامة آية اللّه المرعشي: إنّ ميلاده كان في رجب سنة (1228) كلّها خلاف ما صرّح به المترجم نفسه، و خلاف ما قال المرعشي نفسه في مقام آخر كما تقدّم أنّ ميلاده كان لسبع ليال بقين من شوال المكرّم.

- مشايخه و أساتذته-

تلمذ على جمع من أكابر علماء عصره في بروجرد، و النجف الأشرف

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 114

و استفاض من بحار علومهم الى أن بلغ النهاية و ارتقى من حضيض التقليد الى درجة سامية من الاجتهاد، منهم:

1- العلّامة

المحقّق الحاج مولى أسد اللّه البروجردي الشهير بحجّة الإسلام كان من أعاظم فضلاء عصره، ماهرا في الفقه و الأصول، مصنّفا فيهما، قرأ على صاحب «القوانين» و تزوّج بابنته و رزق منها أولادا فضلاء، توفى سنة (1271) ه، ترجمت أحواله بالتفصيل في «تاريخ بروجرد ج 2/ 318- 344.

2- السيّد السند و الحبر المعتمد، منبع الأسرار، و مطلع الأنوار، كشّاف الآيات و الأخبار السيّد جعفر الدارابي الكشفي البروجردي، كان من أعاظم علماء الإمامية متبحرا محقّقا و مفسّرا مدقّقا، جامعا بين العلم و الإيمان، و الذوق و العرفان، توفي سنة (1267) ه في بروجرد و دفن بها و قبره مزار للخاص و العام.

ترجمته بالتفصيل في تاريخ بروجرد ج 2/ 272- 306.

قال تلميذه المؤلّف في «منظومته الرجالية» في حرف الجيم:

سيدنا الأصفى الجليل جعفرابن أبي إسحاق المفسّر

قد كان بدرا لسماء العلم و بعد لمح (غاب نجم العلم)

3- العالم الرفيع، ذو الفضل و المقام المنيع آية اللّه الحاج السيّد محمّد شفيع البروجردي، كان في عصره من أكابر المجتهدين في الفروع و الأصول، و من أعاظم الجامعين للمعقول و المنقول، توفّي سنة (1280) ه، ترجمته في «تاريخ بروجرد» ج 2/ 402- 427.

4- العلامة الفقيه الشيخ حسن بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء، كان من أجلّاء عصره، توفي بالعراق سنة (1262) ه، و قد صرّح المترجم في منظومته الرجالية بتلمذه عليه حيث قال:

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 115 و شيخنا ابن الشيخ جعفر حسن منه استفدنا برهة من الزمن

5- الفقيه الأصولي المحقّق المدقّق، الشيخ محمّد حسين صاحب «الفصول» توفّي سنة (1261) ه.

قال المترجم في «منظومته الرجالية»:

أخو التقيّ قدوة الفحول مصنّف «الفصول» في الأصول

6- رئيس الشيعة المحقّة، و حامي الشريعة الحقّة، إمام الفقهاء و

المجتهدين، صاحب «الجواهر» الشيخ محمّد حسن الذي انتهت إليه رئاسة المذهب الجعفريّة في العرب و العجم، توفّي سنة (1266) ه، و قد صرّح المترجم في «منظومته الرجالية» بتعلّمه لديه، حيث قال:

ثم محمّد حسن بن الباقرشيخ جليل صاحب «الجواهر»

منه استفدنا برهة مما سلف كان وفاته (علا أرض النجف).

- كلمات العلماء في حقّه-

قال معاصره العلامة الفقيه الرجالي الحاج السيّد عليّ أصغر الجابلقي البروجردي في «الطوائف» ج 1/ 44 ط. قم:

السيّد حسين بن السيّد البروجردي كان عالما جليلا، و فقيها نبيلا، مجتهدا في الأصول و الفقه و الرجال، بل التفسير، و غيرها من العلوم، في غاية الزهد من أحد تلامذة الوالد، و له منه إجازة له تصنيفات، إلا أنّ ما خرج هو المنظومة في الرجال.

و قال في ج 2 في الخاتمة/ 639 في ضمن أسماء المؤلفين في الرجال:

و منهم: السيّد السند، و الركن المعتمد، المولى المسدّد، الأخ الروحاني و المحقّق الصمداني، المؤيّد بالتأييدات، مجمع الكمالات، و منبع السعادات السيّد

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 116

حسين بن السيّد رضا الحسيني الهاشمي جعل اللّه الجنّة مثواه.

و هذا السيّد كان فاضلا جليلا، و عالما نبيلا و رعا، كثير الإشتغال، متحرّزا عن الاشغال، مرجعا للطلّاب، و متبوعا لأولي الألباب، مطاعا لغالب الأصحاب في بلدة بروجرد، مجتهدا صرفا، مع اطلاعه بالقواعد الرياضيّة و الهيئة، و علم الحساب، و علم التفسير، و علوم الآداب جامعا للفنون و حافظا للرجال و الدراية.

قد تلمذ عند الوالد الأستاذ العلّامة الفقه و الأصول و الرجال و الدراية، فترقّى من حضيض التقليد إلى مراتب الاستنباط و الاجتهاد، فاستجاز من الوالد طاب ثراه، فأجازه اجتهادا و رواية كما هو دأب المشايخ و الأساتيد حفظا لاتصال الأسانيد و صونا عن الإرسال و الانقطاع.

و قد

قرأ عند الفاضل المدقق و الفقيه المحقق «1» كثيرا من المسائل الفقهيّة.

و عند السيّد السديد و العالم الرشيد سيّد السادة و قدوة القادة بحر العلوم الزاخرة ذو الكرامات الباهرة المنقطع عن الدنيا الفانية المتوجّه الى الديار الباقية «2».

قال المدرس الميرزا محمّد عليّ في «ريحانة الأدب» ج 1/ 252: ما تعريبه:

«البروجردي»: السيّد حسين بن السيّد رضا، فقيه كامل، عالم عامل، جليل نبيل، محدّث، مفسّر، أصولي رجالي، شاعر ماهر، من أكابر علماء الدين في القرن الثالث عشر، كان في الأصول و الرجال من تلامذة الحاج السيّد محمّد شفيع

______________________________

(1) لعلّ المراد به المولى حجة الإسلام الحاج ملا أسد اللّه البروجردي.

(2) الظاهر أنّ المراد به هو السيّد السند و الحبر المعتمد السيّد جعفر الكشفي البروجردي.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 117

الجابلقي، و في الحديث و التفسير ممّن أخذ عن السيّد جعفر الكشفي الدارابي، و استفاض الفقه الجعفري من صاحب «الجواهر» و الشيخ حسن كاشف الغطا.

و كان في عصره معدودا من أكابر الفقهاء.

و من تأليفاته: «المستطرفات» في الكنى و النسب و الألقاب، و «نخبة المقال في علم الرجال» و هي منظومة في ذلك الفنّ الشريف مع وجازة اللفظ و إيجاز العبارات كانت في نهاية الفصاحة حاوية لتراجم جمع كثير من معاريف العلماء الدينيّة، مضافا على تراجم الرواة المشاهير.

و قال العلّامة المحدّث الخبير و المؤرّخ البصير الحاج الشيخ عباس القمي رحمة اللّه عليه في «الفوائد الرضوية» ص 155: الحسين بن محمّد رضا الحسيني البروجردي سيد جليل، عالم نبيل، شاعر فاضل مفسر ماهر، له في مدح أمير المؤمنين عليه السّلام:

يا واصف المرتضى قد صرت في تيه هيهات هيهات ممّا قد تمنّيه

هو الذي كان بيت اللّه مولده و صاحب البيت أدرى بالذي فيه

- وفاته-

في تاريخ وفاته اختلاف بين سنة (1276) كما ذكر الكحّالة في «معجم المؤلّفين» و سنة (1277) كما قال المرعشي و سنة (1284) ه كما عن دهخدا في «لغت نامه» و قيل في تاريخ وفاته:

بدر سماء العلم و الرجال و (نجم العلم غائب في حال)

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 118

- آثاره العلميّة-

له آثار علميّة قيّمة و مؤلّفات ثمينة، منها:

1- «نخبة المقال في علم الرجال» منظومة رجاليّة و أرجوزة عدّة أبياتها 1313 فرغ منها سنة (1260) ه و قال في تاريخه و عدد أبياته:

عدّته (زيّن بالغرايب)تاريخه (باسم الإمام الغايب)

(1313) (1260) طبعت في سنة (1313) بالطهران، و طبع جزء منها مع توضيحات لآية اللّه العظمى المرعشي قدّس سرّه سنة (1378) في قم.

ترك الناظم في «منظومته» المجاهيل، و جملة من العلماء المتأخّرين، فتمّمها المولى عليّ بن عبد اللّه بن محمّد بن محبّ اللّه بن محمّد جعفر القراجه داغي التبريزي المتوفى سنة (1327) ه بمنظومة سمّاها «منتهى المقال في تتمة زبدة المقال» ثمّ شرح الأصل و التتمة بشرح سماه «بهجة الآمال في شرح زبدة المقال و منتهى الآمال في علم الرجال» في خمس مجلدات، ثلاث منها في شرح منظومة السيّد، و مجلّدان في شرح التتمة و فرغ من الخامس في سنة (1318).

2- المستطرفات في الكنى و الألقاب و مصطلحات المجلسي، و الفيض في «البحار» و «الوافي» طبعت بضميمة «نخبة المقال».

3- تفسير سورة الأعلى، قرب 1300 بيت.

4- تفسير آية النور.

5- تعليقات على قواعد استاذه السيّد شفيع في الأصول.

6- ديوان شعر.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 119

7- رسالة أصوليّة في أنّ الأمر بشي ء هل يقتضي النهي عن ضدّه أم لا؟

8- تعليقات تفسيريّة على تفسير البيضاوي.

9- مقباس الدراية في أحكام الولاية.

10- اللّوامع.

11- شرح «خلاصة

الحساب» للشيخ بهاء الدين العاملي، كما صرّح به في «الصراط المستقيم» عند تعريف علم الحساب و موضوعه، و هل الواحد من الأعداد أو لا، قال: و تمام البحث في هذا الباب يطلب من شرحنا على «خلاصة الحساب».

12- الصراط المستقيم في تفسير الكتاب الكريم.

- كلمة حول الصراط المستقيم-

قال شيخنا المجيز العلّامة الخبير آية اللّه الشيخ آغا بزرگ الطهراني رحمة اللّه عليه في «الذريعة» ج 15/ 35:

«الصراط المستقيم» في تفسير الكتاب الكريم للسيد حسين بن رضا الحسيني الفاطمي العلوي البروجردي خرج منه ثلاث مجلّدات ضخمات:

المجلد الأول في المقدّمات المهمّة الّتي مهّدها قبل الشروع في التفسير و هي أربع عشر مقدمة.

و المجلد الثاني تفسير سورة الفاتحة شرع فيه في (15) من ذي القعدة سنة (1271) ه و انتهى الى الفرق المغضوب عليهم في مجلّد ضخم.

و المجلد الثالث في تفسير سورة البقرة، بدأ فيه في جمادى الثانية سنة (1275) ه و انتهى الى تفسير آية الكرسي و لم يتجاوز عنها.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 120

- أولاده-

من أخلافه العالم العامل، و الفاضل الكامل الحاج السيّد نور الدين، كان بعد أبيه موردا لتعظيم الناس و تكريمهم.

قال المحدّث الخبير الحاج شيخ عباس القمي في الفوائد الرضوية ص 155:

السيّد الزاهد المتقي الصالح الحاج السيّد نور الدين بن السيّد الجليل، العالم النبيل، المفسّر الماهر السيّد حسين بن محمّد رضا الحسيني البروجردي توفّي بالمدينة بعد مراجعته من مكة المكرمة.

خلّف السيّد نور الدين السيّد عبد الحسين النوري، كان عالما عاملا، و فاضلا كاملا ولد في سنة 1286 ه و أخذ المبادي في بروجرد و رحل الى النجف للتكميل في الخمس و الثلاثين من عمره، و تلمذ على علماء النجف سيّما آية اللّه العظمى الآخوند المولى كاظم الخراساني، و اية اللّه الكبرى السيّد كاظم اليزدي قدّس سرّهما ثم رجع الى بلده و اشتغل بالتدريس، و استفاد من السرّاج الوهاّج، و البحر المواّج آية اللّه العظمى البروجردي قدّس سرّه. توفّى عصر التاسع من المحرم سنة 1372 ه و خلّف أحد عشر ولدا: ثلاثة أبناء

و ثماني بنات.

من أبنائه السيّد الجليل، و العالم النبيل السيّد محمّد حسن النوري البروجردي تلمذ بالنجف على علمائها الأفاضل و استفاض من بحار علومهم ثمّ رجع إلى إيران و أقام في الطهران و اشتغل بالافاضة وفّقه اللّه لمراضيه.

تمّت المقدّمة على يد الحقير الفقير غلام رضا مولانا البروجردي في جمادى الثانية سنة 1414.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 121

[مقدمة المؤلف و خطبته الشريفة]

بسم اللّه الرحمن الرحيم تبارك الّذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، و جعل في سماء الولاية بروجا، و جعل فيها شمس النبوّة سراجا و قمر الإمامة منيرا، و رشّح من إشراق أشعّة أنوارهم على الأكوان التائهة «1» في فيافي «2» العدم كأسا قدّروها تقديرا، عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً، و الصلاة على نبيّه المبعوث إلى أهل العالم كافّة في جميع العوالم شاهدا و مبشّرا و نذيرا، و داعيا إلى أهل العالم كافّة في جميع العوالم شاهدا و مبشّرا و نذيرا، و داعيا إلى اللّه سبحانه باذنه و سراجا منيرا، و على مهابط وحي اللّه و خزّان علمه و تراجمة كتابه الّذين أذهب اللّه عنهم الّرجس و طهّرهم تطهيرا.

امّا بعد فيقول المتعطّش إلى رشحات فيوض ربه الغنيّ، الحسين بن الرّضا الحسيني الفاطميّ العلويّ البروجردي- عفى اللّه عن جرائمهما و حشرهما مع أئمّتهما-.

اعلموا يا إخواني المؤمنين هداكم اللّه بنور اليقين، و أرشدكم الى ولاية الأئمة الطّاهرين- صلوات اللّه عليهم أجمعين-: أنّ أنفس ما تنافست «3» فيه النفوس

______________________________

(1) التائهة فاعلة من تاه يتيه تيها و تيهانا: أي ذهب متحيرا- المنجد ص 67.

(2) الفيافي جمع الفيفاة و الفيفى بمعنى المفازة التي لا ماء فيها- (المنجد ص 603).

(3) التنافس و المنافسة في الشي ء الرغبة فيه على وجه المباراة

في الكرم و منه تنافسوا في زيارة

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 122

و الأرواح، و أولى ما تسابقت في مضماره «1» خيول عقول الفحول للارتياح «2» إنّما هو اقتباس الفضائل النفسانيّة، و اقتناص العلوم الإلهيّة الّتي هي الذّخيرة الأبديّة و السعادة السرمديّة، و انّ للعلوم رياضا عامرة و حياضا غامرة و أفلاكا رفيعة و أسماكا منيفة، و أقمارا طالعة، و أنوارا ساطعة، و لقد يسّر اللّه سبحانه و له الحمد و المجد في عنوان لبابي و عنفوان شبابي تسريح النظرة في معقولها و منقولها، و إمعان الفكر في فروعها و أصولها، حتى وردت حياضها، و أتيت رياضها، فشربت من كلّ منهل منها جرعة بعد جرعة فما رويت و أخذت من كلّ بيدر «3» حضنة بعد حضنة «4» فما استغنيت.

فلمّا تفكّرت في ذلك، و سرّحت النظر فيما هنالك، رأيتها فاقدة اللبوب كالقشور، ليس فيها نور و لا سرور، فطفقت أجدّد النظر في المعارف الحقيقيّة و الأسرار الربانيّة، و العلوم اللدنيّة، و الفيوض القدسيّة و أسرار الدين، و أنوار

______________________________

الحسين (ع)- مجمع البحرين ص 314-.

(1) المضمار بكسر الميم الموضع الذي تضمر فيه الخيل و يكون وقتا للأيّام التي تضمر فيها و تضمر الخيل أن يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن ثم لا تعلف إلّا قوتا لتخفّ و ذلك في مدة أربعين يوما- مجمع البحرين ص 263-.

(2) الارتياح السرور و النشاط و أخذ الراحة و الارتياح من اللّه الرحمة و منه يا مرتاح- مجمع البحرين ص 170-.

(3) البيدر بفتح الباء و الدال مجمع الطعام حيث يداس و في الحديث قال ابن أبي العوجاء إلى كم تدوسون هذا البيدر يعني بذلك الكعبة المشرفة و الطائفين بها استهزاء و شبههم بالحيوانات التي لا

تعقل و تدوس بيدر الطعام- مجمع البحرين ص 231-.

(4) الحضن بكسر الحاء ما دون الإبط إلى الكشح، و أعطاه حضنا من زرع أي قدر ما يحتمله في حضنه و هو مجاز كما في الأساس- تاج العروس في شرح القاموس ج 9 ص 182-.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 123

شريعة سيّد المرسلين، صلّى اللّه عليه و آله أجمعين، فرأيتها في القرآن الكريم و الذّكر الحكيم ساطعة الأنوار، عليّة المنار، جارية الأنهار، فإنّه هو الكتاب المبين، و الماء المعين، و الحقّ اليقين، و الحبل المتين، نزل به الرّوح الأمين على قلب سيّد المرسلين ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين، و هو المهيمن على زبر الأوّلين، المشتمل على علم ما كان و ما يكون الى يوم الدّين، بل أبد الأبدين، وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ «1»، ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَ لكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ «2».

و هو المعجزة الباقية على مرّ الدهور و الأعصار الكاشف عن خفيّات الحقائق و الأسرار، إلّا أنّ جهات علومه و فنونه، و مراتب ظهوره و بطونه لا يطّلع عليها إلّا- الرّاسخون في العلم، الّذين هم كانوا الأئمة المصطفين، و ثاني الثقلين الّذين لا يفترقان أبدا في الكونين، لأنّهم ورثة الكتاب، و مفاتيح هذا الباب، و إليهم الإياب في المبدء و المآب، و عندهم فصل الخطاب و منهج الثواب.

فسرّحت كليل طرفيّ «3» في طرف «4» من أخبارهم، و أجريت ظالع حرفي «5» في حرف من آثارهم، فرأيت أنّه لا سبيل الى العلم بالكتاب إلّا بالاستضائة من أنوارهم الّتي هي الطريق و المنهج، و علمت أنّ الكلمة من آل محمّد

______________________________

(1)

سورة الانعام: 59.

(2) سورة يوسف: 111.

(3) الطرف بفتح الطاء و سكون الراء بمعنى العين و كليل طرفي أي ضعيف بصري من قبيل اضافة الصفة الى الموصوف.

(4) الطرف بفتح الطاء و الراء بمعنى الناحية، و بضم الطاء و فتح الراء جمع الطرفة كغرفة و غرف بمعنى ما يستطرف و يستملح.

(5) الحرف الأول بمعنى الناقة المزولة و ضالع حرفي أي ناقتي المهزولة المثقلة السير.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 124

صلّى اللّه عليهم لتصرف على سبعين وجها من كلّها المخرج.

ثمّ إنّي قد كنت برهة من الزّمان كثير التوقان إلى بيان شي ء ممّا منّ اللّه الوهّاب المنّان على عبده من معاني هذا القرآن، فرأيت أنّ الخطب جسيم، و الكتاب كريم و النّبأ عظيم، فاعتصمت بعروة وثقى ولاية صراطه المستقيم و إنّه في أمّ الكتاب، لدى اللّه لعليّ حكيم «1».

و شرعت فيه مع قلّة البضاعة و كثرة الإضاعة، و قصور الباع «2» في هذه الصناعة و بذلت جهدي «3» في استقصاء الأخبار المتعلقة بكلّ آية من الآيات، و الرّجوع مهما أمكن في استيضاح المشكلات و المتشابهات منها الى الأخبار المأثورة عن حجج اللّه على البريّات، مع بسط الكلام على حسب مقتضى المقام فيما يتعلّق بها من المعاني اللّغويّة، و الفنون الأدبيّة، و المقاصد الحكميّة، و المسائل الفقهيّة، و الاختلافات المذهبيّة، و الأصول الكلاميّة، و الحقائق الربانيّة، و العلوم النبويّة و الإماميّة، و غير ذلك ممّا يمكن استفادته من الآيات بشي ء من الإشارات و الدلالات.

و لم أقتصر من ذلك على شي ء دون شي ء إذ فيه تفصيل كلّ شي ء فليأخذ كلّ ناظر فيه بضاعته، و لا يتعرّض فيما يخالف صناعته، قد علم كلّ أناس مشربهم، و فهم أهل كلّ فنّ مطلبهم، فإنّ الأغراض

مختلفة، و المقاصد متفنّنة من غير

______________________________

(1) اقتباس من سورة الزخرف: 4.

(2) الباع قد مدّ اليدين يقال طويل الباع و رحب الباع أي كريم مقتدر و قصير الباع و ضيق الباع أي بخيل عاجز- المنجد ص 54-.

(3) الجهد بضم الجيم و فتحها و سكون الهاء أي الطاقة و الاستطاعة يقال بذل جهده أي طاقته- المنجد ص 106-.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 125

تأنيب «1» منّي في تقصير من قصّر أو طوّل، و لا تعييب على من أجمل أو فصّل، بل أقرّ على قريحتي القريحة الجامدة، و فطنتي الجريحة الخامدة بالقصور و النقصان، سيمّا في عداد حلبة «2» فرسان هذا الميدان، على أنّي أعلم أنّ من تصدّى لتصنيف شي ء من الكلام فعليه أن يستعدّ لسهام النقض و الإبرام، بل قيل: قلّما سلم مكثار أو أقيل له عثار، و مع كلّ ذلك فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ «3» إنّه مجمع لجوامع العلوم المتعلّقة بالكتاب الكريم، إذ هو الكافي لتيسير إستبصار تهذيب تبيان مجمع بيانه، الوافي للوسائل إلى بحار علومه و رياض جنانه، الصّافي من عيون ينابيع الحكمة، و بحر حقائق مصباح الشريعة، الشّافي عن الشّرائع بمحاسن صفات الشّيعة، الكشّاف عن وجوه عرائس معالم أنوار التنزيل، الوصّاف لمفاتيح الغيب بلباب نفائس أسرار التأويل، الجامع لفنون الإرشاد الى نهج البلاغة في إكمال الدّين و إتمام النعمة، النافع لأصحاب البصائر و الإختصاص في كشف الغمّة بمعرفة الأئمّة.

و لم آل جهدا في نقل ما ظفرت به من أخبار أهل البيت الّذين جعلهم اللّه تعالى خزنة العلم و مهابط الوحي، و لم أقتصر غالبا على نقل موضع الحاجة حذرا من تقطيع الخبر،- و تفويت الفائدة الّتي سيق لأجلها الأثر.

و

سمّيته «الصراط المستقيم في تفسير الكتاب الكريم» و المرجوّ من فضله و رحمته سبحانه أن يمنّ عليّ بلطفه العميم و فيضه الجسيم، ذلك فضل اللّه يؤتيه من

______________________________

(1) التأنيب: الملامة.

(2) الحلبة بفتح الحاء جمع حلبات و حلائب: الخيل تجمع للساق- المنجد ص 148-.

(3) سورة الواقعة: 75- 76.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 126

يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم، و أسئله أن ينفعني به و سائر المؤمنين من شيعة مولانا أمير المؤمنين- صلّى اللّه عليه و على ذريّته المعصومين-.

و لنمهّد قبل الشروع في تفسير الآيات أربع عشر مقدّمة مهمّات في أبواب:

أحدهما: في الإشارة إلى حقيقة العلم و أنواع العلوم و مراتبها و شرفها و فضلها، و محلّ علم التفسير منها، و توقّفه عليها عموما أو خصوصا، و التنبيه على تعريف هذا العلم و موضوعه و غايته و بيان الحاجة إليه.

ثانيهما: في بيان جملة ممّا يدلّ على شرف القرآن و فضله و تمثّله يوم القيامة لأهله و الحثّ و الترغيب على تعليمه، و تعلّمه و التمسّك به، و قراءته في الصلاة و غيرها و حفظه و حمله، و إكرامه و تعظيم أهله و المواظبة عليه، و غيرها من المباحث المتعلّقة بذلك.

ثالثها: في بيان حقيقة القرآن و مراتبه في الكون و ظهوره عند التنزل في كسوة الحروف و الكلمات و الإشارة الى الصامت و النّاطق الّذين هما الثقلان و هما لا يفترقان بل لا يفارقان ليلة القدر، و البيّنة على سرّ كونه الثقل الأكبر و العترة هم الثقل الأصغر.

رابعها: في الإشارة الى ما له من الأسماء الشريفة و الألقاب المنيفة و تحقيق القول في حدوثه و الإشارة الى كلامه سبحانه و معنى الكلام النفسي، و كيفيّة الوحي و الإلهام،

و التحديث و أنّه هل للأئمّة و ساير الأوصياء عليهم السلام حظّ من الوحي و الإلهام أم لا، و معنى التلقّي و سرّ الغشوة، و تحقيق الحقّ في أنواع المكاشفات و الميزان المميّز للحقّ عن الباطل، و البحث عن كيفيّة الخطابات الواردة فيه و شمولها للغائبين و المعدومين في زمن الخطاب.

خامسها: في أنّ فيه تبيان كلّ شي ء، و تفصيل كلّ علم من العلوم الإلهيّة

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 127

و الحقائق الكلّية، و الأمور الجزئيّة، و بيان كيفيّة انشعابها منه.

سادسها: في بيان معنى التفسير و التنزيل و التأويل، و الظاهر و الباطن و المحكم و المتشابه، و الناسخ و المنسوخ، و الكلام في حجيّة القرآن، و صحّة الاستدلال بظواهره في الأصول و الفروع، و المنع عن التفسير بالرأي و ضابط التأويل.

سابعها: في معنى الإنزال، و الفرق بينه و بين التنزيل، و معنى السّورة و أقسامها الأربعة، و الآية و الكلمة و الحروف و غيرها، و فيه ضبط السور و الآيات و حروف القرآن.

ثامنها: في أنّ علم القرآن مخزون عند أهل البيت عليهم الصّلاة و السلام و بيان انتهاء سلسلة القرآن، و علم التفسير إليهم، و أنّ كلّ ما في أيدي النّاس من علم حقّ فهو منهم.

تاسعها: في أنّ جلّ القرآن بل كلّه إنّما نزل فيهم، و في شيعتهم، و في أعدائهم.

عاشرها: في وجوه إعجازه، و الفرق بينه و بين الحديث القدسي.

حادي عشرها: في بيان ما ورد من أنّ القرآن نزل على سبعة أحرف، و الإشارة الى منشأ اختلاف القرّاء في القراءة من حيث موادّ الحروف، و هيأتها، و تحقيق الكلام فيما ذكر الفقهاء من الإجماع على قراءة السّبع أو العشر، و هل هي متواترة أم لا،

و فيه نبذ من أحوال القرّاء و طرقهم، و جواز الأخذ بقرائتهم.

ثاني عشرها: في كيفية القراءة، و البحث عن آدابها الظاهرة، و وظائفها الباطنة، و فيه تحقيق معنى الغناء، و بيان حرمته و معنى التّرتيل و الإشارة الى الحجب القلبيّة المانعة عن القراءة، و كيفيّة رفعها، و غير ذلك من الوظائف.

ثالث عشرها: في أحكام القراءة من الوجوب و الحرمة و الكراهة

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 128

و الاستحباب.

رابع عشرها: في جملة من الفوائد الّتي ينبغي التّنبيه عليها قبل الشروع في المقصود كالاستشفاء، و الاستكفاء بالآيات، و الإشارة الى سبب مخالفة القرآن لغيره في رسم الخطّ، و ما فيه من سجدات العزائم و غيرها و كيفيّة الإستخارة به.

و هذا أوان الشروع في الأبواب و من اللّه التّيسير و حسن المعونة في كلّ باب.

الباب الأوّل:

اشارة

في الإشارة إلى حقيقة العلم و أقسام العلوم و مراتبها و شرفها و محلّ علم التفسير منها و توقفه عليها عموما أو خصوصا و فيه فصول:

الفصل الأوّل

في تعريف العلم قيل: إنّه لا يحدّكما اختاره في التجريد و غيره، و حكى العلّامة (أعلى اللّه مقامه) عن أكثر المحقّقين أنّه غنيّ عن التعريف لأنّه من الكيفيّات النّفسانيّة الّتي يجدها كلّ عاقل كالفرح و الشبع و غيرهما «1» و قد يقال أنّه لا يمكن تحديده نظرا الى

______________________________

(1) قال العلامة في شرحه على التجريد في شرح قول المتن: (و لا يحدّ) أقول: اختلف العقلاء في العلم فقال قوم لا يحدّ لظهوره فإنّ الكيفيات الوجدانيّة لظهورها لا يمكن تحديدها لعدم انفكاكه عن تحديد الشي ء بالأخفى و العلم منها.

و قال صدر المتألّهين في الأسفار في الجزء الثالث في المرحلة العاشرة في الفصل الأوّل:

لا شي ء أعرف من العلم لأنّه حالة وجدانيّة نفسانيّة يجدها الحيّ العليم من ذاته ابتداء من غير لبس و لا اشتباه و ما هذا شأنه يتعذّر أن يعرف بما هو أجلى و أظهر.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 129

أنّ غير العلم لا يعلم إلّا به فلو علم بغيره لدار «1» و هو مدفوع باختلاف الحيثيّة فإنّ غير العلم متوقّف عليه من جهة كونه إدراكا له و هو متوقّف على غيره من جهة كونه صفة مميّزة له عمّا سواه.

و أمّا ما يقال من أنّ المطلوب من حدّ العلم هو العلم بالعلم و ما عدى العلم ينكشف بالعلم لا بالعلم بالعلم فغير حاسم لمادّة الإشكال فإنّ العلم بالعلم من جزئيّات العلم أو من متعلّقاته و المطلوب من الحدّ معرفة ماهيّة العلم.

ثمّ المعرّفون قد اختلفوا في تعريفه فقد يقال: إنّه معرفة الشي ء

على ما هو عليه مع طمأنينة النّفس، أو أنّه صفة يحصل بها لنفس المتّصف بها التمييز بين حقايق المعاني الكلّية حصولا لا يتطرّق إليه احتمال، أو إنّه صورة مطابقة للمعلوم حاصلة في قوى النّفس، أو أنّه الإعتقاد المقتضى لسكون النّفس «2» أو انّه استبانة الحق، أو أنّه حضور إشراقيّ للمعلوم عند النفس المدركة، أو أنّه حصول صورة المعلوم في الذهن.

______________________________

(1) قال العلّامة في كشف المراد بعد قوله المذكور سابقا: و لان غير العلم انما يعلم بالعلم فلو علم العلم بغيره لزم الدور.

و قال الصدر بعد كلامه المذكور آنفا: و لان كل شي ء يظهر عند العقل بالعلم به فكيف يظهر العلم بشي ء غير العلم.

و قال السبزواري الحاج ملّا هادي في تعليقته على الأسفار ذيل هذا الدليل: و الحاصل أنه يلزم الدور و دفعه بأن ظهور غير العلم انما هو بوجود العلم لا بمفهومه فلا بأس بأن يتوقف ظهور مفهومه على مفهوم غيره.

(2) قال العلّامة في كشف المراد بعد نقل قول المنكرين لتحديد العلم: و قال آخرون: يحدّ، فقال بعضهم أنهم اعتقاد أن الشي ء كذا مع إعتقاد أنه لا يكون إلّا كذا و قال آخرون: إنّه إعتقاد يقتضي سكون النفس و كلاهما غير مانعين.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 130

أو انّه إدراك جازم، أو أنّه نور شعشعاني يتجلّى به الأشياء، أو انّه كشف الحجب الغاسقة الّتي على النفس الإنسانيّة، أو انّه اتّحاد القوى الدرّاكة بالمعلوم، أو أنّه ما لا يعلم الشي ء إلّا به، أو أنّه الواسطة بين العالم و المعلوم، أو أنّه انطباع صورة الأشياء في مرايا النفوس، الى غير ذلك من التعاريف الكثيرة الّتي ليس في التعرض لها فضلا عن المناقشة فيها و دفع ما ربما يورد

أو يرد عليها شي ء من الفائدة بعد وضوح كون أمثال هذه المباحث فاقدة الفائدة، سيمّا بعد حصول معرفة إجماليّة مقنعة إن لم تكن أوّلا بالتأمّل في كلّ من هذه التعاريف فضلا عن جميعها مع أنّ كثيرا من مباحثهم في المقام مناقشات لفظيّة لا تسمن و لا تغني من جوع كما يظهر بالرجوع. بل و كذا حال مناقشاتهم المعنويّة الّتي منها الإيراد على تعريفه بالصورة الحاصلة في النفس المطابقة للمعلوم كما هو الموروث من الحكماء في تعريفه بلزوم اجتماع الضدّين فيها عند تصوّرها لهما و كون النّفس عند تصوّرها الحرارة و البياض و الاستقامة و الوحدة حارّة مبيّضة مستقيمة و كذا أضدادها بل و غيرها.

و بأنّا نتصوّر الأجسام الجسيمة العظيمة كالجبال و البراري و البحار و البلاد بل الكواكب و الأفلاك العظيمة على الوجه الجزئي المانع من الشركة فوجب أن يحصل تلك الأمور في القوى النفسانيّة الّتي ليست جسما و لا جسمانيّا، و في القوى الخياليّة الّتي لا حظّ لها من المقدار طبعا و انطباعا فضلا عن مثل هذه المقادير العظيمة.

و بأنّ جوهريّة الجوهر ذاتيّة فكيف تفارقه بحصوله في الذهن بل و كذا غيرها من المقولات المتباينة الذوات الّتي ترجع جميعها عند العلم بها الى قسم من الكيف.

و هم قد أجابوا عن الأوّل بأنّ المحال اجتماع المتناقضين بحسب الوجود

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 131

الخارجي لا الظلّي الذهني «1» مع أنّ من شروط التناقض اتّحاد الموضوع وحدة حسّية وضعيّة و وحدة القوّة العاقلة ليست وضعيّة تضيق عن المتقابلات بل عقليّة تجامعها كوحدة الطبائع النوعيّة و الجنسيّة فإنّها عقليّة لا تمنع اتّصافها بالفصول و المشخّصات المتقابلة.

و عن الثاني بأنّ الحارّة مثلا ما تقوم به الحرارة في الخارج أن

ما يمكن إدراك حرارتها بالمشاعر الظاهرة، و كذا الكلام في غيره، أو أنّه المتّصف بالحرارة لكنّها كيفيّة محسوسة.

و عن الثالث بأنّ القوّة الخياليّة لمّا لم تكن في نفسها مقدارا يجوز اتصافها بجميع المقادير و الكمّيّات.

و فيه أنّ فقدها للمقدار إن كان لعدم صلاحيّة اتّصافها به أصلا فكيف يتّصف بجميعها و إن كان لعدم فعليّة شي ء منها فبعد اتّصافها بالأوّل لا يتّصف بالثاني إلّا مع زوال الصورة الأولى مع إنّا نتصوّر في آن واحد مقادير عظيمة متخالفة الأوضاع و الأشكال و الجهات اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ للانطباق الحاصل في القوى النفسانيّة أحكاما مغايرة لأحكام الانطباق في الأجسام الكثيفة الخارجيّة و لذا حكى في المواقف «2».

______________________________

(1) قال الحكيم القدوسي نصير الدين الطوسي (قدس سره) في التجريد: و حلول المثال مغايرة و قال الشارح العلّامة في شرح كلام الماتن: أقول: هذا إشارة إلى كيفية حصول الصورة في العاقل و تقريره أنّ الحالّ في العاقل إنّما هو مثال المعقول و صورته لا ذاته و نفسه و لهذا جوّزنا حصول صورة الأضداد في النفس و لم نجوّز حصول الأضداد في الخارج فعلم أنّ حلول المثال و الصورة مغاير لحلول ذات الشي ء.

(2) المواقف في علم الكلام لعضد الدين عبد الرحمن المتوفى سنة 756 ق ألفه لغياث الدين وزير

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 132

و شرحه «1» عن الحكماء أنّهم قالوا: الصّور العقليّة تمتاز عن الخارجيّة بوجوه:

الأوّل: أنّها غير متمانعة في الحلول إذ يجوز حلولها معا في محلّ واحد بخلاف الخارجيّة فإنّ المتشكّل بشكل مخصوص مثلا يمتنع أن يتشكّل بشكل آخر مع بقاء الشكل الأوّل بل الصور العقليّة متعاونة في الحلول فإنّ النّفس إذا كانت خالية عن العلوم كان تصورّها لشي ء من

الحقائق عسرا جدّا، و إذا اتّصف ببعض العلوم زاد استعدادها للباقي و سهل انتقاشها.

الثاني: تحلّ الكبيرة من الصّور العقليّة في محلّ الصغيرة منها معا و لذا تقدر النفس على تخيّل السماوات و الأرض و الأمور الصغيرة معا بخلاف الصور المادّيّة فإنّ العظيمة منها لا تحلّ في محلّ الصغيرة مجتمعة معها.

الثالث: لا تنمحي الضعيف بالقويّ في العقليّة دون الخارجيّة.

الرابع: أنّ الصورة العقليّة إذا حصلت في العاقلة لا تجب زوالها و إذا زالت سهل استرجاعها من غير حاجة إلى تجشّم كسب جديد بخلاف الصورة، الخارجيّة فإنّها واجبة الزوال عن المادّة العنصريّة لإستحالة بقاء قواها أبدا و إذا زالت احتيج

______________________________

خدا بنده و هو كتاب اعتنى به الفضلاء و شرحوه بشروح و حواش و تعليقات كشرح السيد الشريف الجرجاني و شرح شمس الدين الكرماني المتوفى سنة 786 ق و شرح سيف الدين أحمد الأبهري- كشف الظنون ج 2-.

(1) أشهر شروح المواقف شرح ألّفه السيّد شريف علي بن محمّد الجرجاني المتوفى سنة 816 ق فرغ منه في أوائل شوال سنة 807 ق بسمرقند و كتب على شرح الشريف جماعة تعرّض كل منهم لحلّ مغلقاته مثل المولى حسن چلبي المتوفى سنة 886 ق و المولى أحمد بن سليمان المتوفى سنة 940 ق- كشف الظنون ج 2-.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 133

في استرجاعها إلى مثل السبب الأوّل.

الخامس: أنّ الخارجيّة قد تكون محسوسة بالحواسّ الظّاهرة بخلاف العقليّة.

السادس: أنّ العقليّة كليّة بخلاف الخارجيّة.

أقول: و من جميع ما مرّ يظهر الجواب عن الرابع أيضا و لذا قال ابن سينا «1» و غيره ممّن اقتفى أثره: أنّ الجوهر و العرض متباينان في الوجود الخارجي، و أمّا في الوجود العلمي فالجوهر الموجود في النفس جوهر و

عرض معا لأنّ معنى الجوهر ما يكون وجوده الخارجي لا في موضوع، و هذا لا ينافي كون وجوده الذهني في موضوع، و هذا لا ينافي كون وجوده الذهني في موضوع هو الذهن، ثمّ لا يخفى أنّ الجواب المذكور بل أصل التعريف مبنيّ على أحد الأقوال في كيفيّة الإدراك و هو انطباع صورة المعلومات في النّفس فإنّ القوّة العاقلة كالمرآة المصقولة فمتى حصل بينها و بين المعقولات مقابلة انطبعت صورها فيها فيحصل إدراكها بواسطة استعداد

______________________________

(1) ابن سيناء هو الحسين بن عبد اللّه بن سيناء الفيلسوف الرئيس صاحب التصانيف في الطب و المنطق و الطبيعيات و الإلهيات، أصله من بلخ و مولده في إحدى قرى بخارى، نشأ و تعلم في بخارى و طاف البلاد و ناظر العلماء، و تقلد الوزارة في همدان، و ثار عليه عسكرها و نهبوا بيته فتوارى ثم صار الى اصفهان و صنف بها أكثر كتبه و عاد في أواخر أيامه إلى همذان فمرض في الطريق و مات سنة 447 ق. و دفن في همذان و على لوح قبره بيتان فيهما تاريخ ميلاده و وفاته و عمره بالفارسية:

373

حجة الحق أبو علي سينادر شجع آمد از عدم بوجود

391 427

در شصا كرد كسب جمله علوم در تكز كرد از اين جهان بدرود تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 134

القوّة بالأفكار المعدّة لذلك و هذا المذهب هو المحكي عن الأكثر بل قال صاحب المجلي «1» انّ الاتّفاق واقع على انطباع صور المعقولات في القوّة العاقلة على هيئة انطباع الصور المرئيّة في المرآة المحسوسة إلّا أنّ ما ينطبع في القوة العاقلة أقوى و أتمّ و أشمل لأنّه لا يزول عنها و لوصولها بذلك الانطباع الى معرفة ذاتياته و عوارضه

اللّازمة و الفارقة و كون المنطبع فيها صور المرئيّات و غيرها من المحسوسات بالحواسّ الخمس و المعقولات الّتي لها في الخارج ما يطابقها المسماّة بالمعقولات الأولى بل و ما لا يكون كذلك من المعقولات الثانية «2» بل و المعدومات و الممتنعات، بخلاف المرآة الحسّيّة، ثم بعد دعوى الاتّفاق حرّر نزاعا آخر قال:

و حينئذ يكون هناك ثلاثة أمور: نفس الصورة و قبول النفس لها بالانفعال، و النسبة الحاصلة بينهما من جهة الحال و المحلّ أعني الاتّصاف: فاسم العلم هل هو موضوع لنفس الصورة أو لذلك القبول و الانفعال أو لتلك النسبة و مجرّد الاتّصاف.

ثمّ حكى الأوّل عن محقّقي الفلاسفة و أكثر المنطقيّين و المتكلّمين حيث جعلوه نفس الصورة و ان تكلّموا في كيفيّة كون الصورة الشخصيّة القائمة بالقوّة العاقلة متعلّقة بالمعقولات الكلّية مع كونها جزئيّة متشخّصة.

و الثاني عن شذوذ من الحكماء حيث جعلوه نفس ذلك الانفعال، و لذا قالوا:

______________________________

(1) المجلي مرآت المنجي كتاب كلامي في أصول الإعتقاد بطريق العرفان تأليف ابن أبي جمهور الأحسائي شمس الدين محمّد بن زين الدين علي بن الفقهاء و المتكلمين و العرفاء و المحدّثين، ولد في الأحساء و تعلم من علمائها الفنون الأدبية و العلوم الرسميّة ثمّ ارتحل الى النجف و اشتغل بكسب الفضائل. و في العاقبة أقام في المشهد المقدّس الرضوي و ناظر مع أكبر علماء الهرات و غلبه و المناظرة مطبوعة في آخر كتاب نامه دانشوران ج 1 ص 733.

(2) ص 14 في المعقول الثاني اصطلاحان .. الى آخره ج ذكر في ذيل الصفحة.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 135

إنّه قبول القوّة العاقلة للمعقول و انفعالها عنه و اتّحادها به نوعا من الاتّحاد كما هو المحكيّ عن ابن سيناء في

المبدأ و المعاد «1».

و الثالث عن بعض المتكلّمين الّذين جعلوه نفس النسبة و لذا عرّفوه بأنّه إضافة بين العالم و المعلوم فهو على الأوّل من مقولة الكيف لعرضية الصورة و احتياجها في القيام الى العاقلة و على الثاني من مقولة الانفعال، و على الثالث، من مقولة الإضافة.

أقول: و هذه الأقوال كلّها على فرض القول بارتسام صور المدركات في القوى، النفسانيّة و انطباعها فيها، و هذا القول «2» و إن ذهب إليه جمهور الحكماء و المتكلّمين إلّا أنّ الّذي يقتضيه التحقيق هو خلافه، و جملة الكلام في المقام أنّه قد اختصّ الإنسان بأنواع الإدراكات الأربعة الّتي هي الإحساس و التخيّل و التوهّم و التعقّل و المراد بالإحساس إدراك الشي ء الموجود في المادّة الحاضرة عند المدرك على هيئات مخصوصة من الأين و المتى و الوضع، و سائر المشخّصات، و التخيّل إدراكه مع الهيئات المذكورة في حالي حضوره و غيبته، و التوهّم إدراك لمعان غير محسوسة من الكيفيّات و الإضافات مخصوصة بالشي ء الجزئي الموجود في المادة،

______________________________

(1) المبدأ و المعاد كتاب نفيس من مصنّفات الشيخ الرئيس حسين بن عبد اللّه ابن سيناء في التوحيد و المعاد على طريق الحكمة المشائية.

(2) أشار الحاج السبزواري في منظومته الحكمية الى هذه الأقوال في العلم حيث قال: من تلك أن في جنسه أقوال كيف إضافة أو انفعال

فليدر بعد ما تشكّك علم أنّ هنا نقشا بعقلنا رسم

ففينا الانفعال من مرسوم له إضافة إلى المعلوم

فتخرج النسبة و الانفعال عمّا له علما و كيفا قالوا تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 136

و التعقّل إدراك الشي ء من حيث هو هو فقط لا من حيث هو شي ء آخر سواء أخذ وحده أو مع غيره من الصفات فهذه إدراكات مترتبة في

التجريد.

الأوّل: مشروط بثلاثة أشياء حضور المادّة، و اكتناف الهيئات، و كون المدرك جزئيّا.

و الثاني: تجرّد عن الشرط الأوّل.

و الثالث: عن الأوّلين.

و الرابع: عن الجميع على ما حقّقه المحقّق الطوسي طاب ثراه «1».

ثمّ إنّ إنّية الإدراك بأقسامه و إن كانت في غاية الوضوح و الظهور بحيث يقضي به الضرورة الوجدانيّة إلّا انّه قد صعب عليهم إدراك حقيقة و كيفيّته فاختلفوا فيه على أقوال:

أحدها: القول بالانطباع حسب ما مرّت إليه الإشارة، و استدلّوا له بأنّا إذا تصوّرنا شيئا فإمّا أن يحدث في أذهاننا أثر، أو لا يحدث شي ء بل حالنا قبل التصوّر و بعده سواء.

و الثاني: باطل بالضرورة الوجدانيّة، و على الأوّل فذلك الأمر الحاصل إن لم يكن مطابقا لذلك الشي ء لم يكن متصوّرا له و إن كان مطابقا له فهو إمّا عينه أو مثله،

______________________________

(1) في شرح الإشارات (ج 2 ص 323) قال و أنواع الإدراك أربعة إلخ و قال القطب الرازي في شرحه على الشرح: قوله (و أنواع الإدراك أربعة): إمّا جزئية مادية أو غير مادية أمّا الجزئيات المادية فإمّا محسوسة أو غير محسوسة. و المحسوسات إمّا أن يتوقّف إدراكها على حضورها و هو الإحساس أو لا يتوقف و هو التخيل و إدراك غير المحسوسات هو التوهم. و أمّا غير الجزئيات المادية فإمّا أن لا يكون جزئية بل كلية، أو تكون جزئيات غير مادية و أيا ما كان فإدراكها التعقل.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 137

و الأوّل باطل إذ كثيرا ما نتصوّر أمورا لا وجود لها في العين مع أنّ الشي ء الواحد لا يكون موجودا في موضعين: خارج النّفس و داخلها.

فتعيّن أن يكون الموجود في النفس صورة مطابقة للموجود في الخارج و هو المطلوب.

و بأنّ حسن الإدراك

و الحفظ و ضدّهما تابعان للكيفيّات الأربعة الموجبة لسهولة التشكّل و عدمها و لذا قال الأنطاكي «1» في نزهته «2»: العلم حصول صورة المعلوم انتقاشا في قوى العقل و النفس المعبّر عنها بالذهن فهي كالمرآة و الانتقاش فيها كانطباع المرئيّات في تلك، فعليه قد يسهل النقش و زواله إذ أفرطت عليه الرطوبة أو يسهل الأوّل دون الثّاني إذا أفرطت الحرارة و العكس، فالمراتب أربعة ضرورة و هذه القاعدة أصل يتفرّع عليها الحفظ و النسيان و ما يغلب على الدماغ من الأخلاط و علاج ذلك.

أقول: و الوجهان ضعيفان.

أمّا الأوّل فلأنّ المراد بالأثر الحادث إن كان هو خصوص الصورة فنحن نمنع من حدوثها و الضّرورة الوجدانيّة غير قاضية بإثباته كيف و هو أوّل الكلام و إن كان المراد منه الأعمّ من انطباع الصورة و من مشاهدة ذي الصورة فدعوى الضّرورة، حينئذ و إن كانت في محلّها إلّا أنّه لا ينبغي التكلّم حينئذ في المطابقة

______________________________

(1) الأنطاكي هو داود بن عمر الطبيب نزيل القاهرة: صنف كتبا كثيرة في الطلب و توفي سنة 1008 ق.

(2) نزهة الأذهان في طب الأبدان للأنطاكي و هو مختصرة على مقدمة و سبعة فصول و خاتمة جمع فيها الأهم من قواعد الطب.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 138

و عدمها بعد احتمال كون الأمر الحاصل هو المشاهدة الحضورية حسب ما تسمع، سلّمنا لكنّ المراد بالمطابقة حينئذ إنّما هي مطابقة الإدراك للمدرك لا الصّورة لديها.

و أمّا الثّاني فلأنّ لتلك الكيفيّات مدخلا تامّا في كلا الأمرين كما لا يخفى.

ثانيهما: ما ذهب إليه صدر المحققين ناسبا له إلى إلهام اللّه سبحانه و هو أنّ هذه الصورة المقداريّة لنا إنّما هي موجودة بإيجاد النّفس لها لا لقبول النّفس إيّاها و ليست

هي قائمة بالنّفس قيام الأعراض و الصّور لموضوعاتها، و موادّها بل قيام الأشياء الموجودة بمقيمها و فاعلها، و ذلك سرّ إلهي في النّفس حيث أبدعها اللّه تعالى مثالا له تعالى ذاتا و صفة و أفعالا. فللنّفس عالم جسماني مخصوص موجود في صقع من ذاتها و ليست النفس داخلة في عالمها و لا خارجة عنه و لها معيّة بكلّ جزء من أجزاء عالمها أين ما كان و يكون و حيثما كان و يكون شبه المعيّة القيّوميّة الواجبة بكلّ ذرّة من ذرّات السماوات و الأرضين من جهة أنّها ليست كمعيّة جسم بجسم و لا جوهر بجوهر و لا حال بحال و لا عكسه و لا معيّة حالّين بمحلّ واحد، و لا شي ء من سائر المعيّات بل معيّة قيوميّة وجوديّة يعجز عن دركها أكثر الأنام بل لا يدركها إلّا الفاضل الأوحديّ التامّ.

و قال في عرشيته «1»: إنّ الصور المقداريّة و الأشكال و هيئاتها كما تحصل من الفاعل لأجل استعداد الموادّ و مشاركة القوابل فهي قد تحصل أيضا بالإبداع بمجرّد تصوّرات المبادي و جهات الفاعليّة من غير مشاركة قابل و وصفه و استعداده، و من هذا القبيل وجود الأفلاك و الكواكب من تصوّرات المبادئ و الجهات الفاعليّة، و علمه

______________________________

(1) العرشية أو الحكمة العرشية كتاب حكمي في معرفة المبدأ و المعاد محتو على مشرقين، الأوّل في العلم باللّه و صفاته و أسمائه و آياته، و الثاني في علم المعاد.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 139

تعالى بالنظام الأتمّ من غير سابقة قابليّة و استحقاق، و من هذا القبيل أيضا إنشاء الصّور الخياليّة القائمة لا في محلّ بمحض الإرادة من القوّة الخياليّة الّتي قد علمت أنّها مجرّدة من هذا العالم.

و هذا القول

و إن شارك القول الأوّل من حيث إثبات الصورة الذهنيّة، للمدركات إلّا أنّه يقابله و يضادّه من جهة ابتنائه على القول بالفعل دون الانفعال و هو و إن التجأ إلى ذلك القول فرارا عمّا ربّما يرد على القول بالصّور من الاعتراضات الكثيرة و حسبما تصدّوا لذكرها في محلّه إلّا أنّه لا يغني عنه شيئا من ذلك حسبما تسمع.

الفصل الثاني

في الإشارة الى أنواع العلوم و أصنافها اعلم أنّ مطلق العلم الّذي هو انكشاف الشي ء على ما هو عليه قد يسمّى حكمة و لذا عرّفوها بأنّها العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليها بحسب الطّاقة البشريّة الّتي لا إحاطة لها بالحقائق من حيث هي بل من حيث بعض الآثار و اللّوازم و المبادئ و الترتّبات و نحوها كما صرّح به غير واحد ممّن يظنّ رسوخهم في الحكمة المتعالية و هي تنقسم الى عقليّة و شرعيّة، و إن كان كلّها عقليّة شرعيّة كما أنّها تنقسم الى نظريّة و عمليّة، و إن كان كلّها نظريّة عمليّة، فالحكمة النظريّة الّتي يعبّر عنها بالعلوم العقليّة ما كان المقصود من معرفتها نفس تلك المعرفة قصدا أوّليّا و إن قصد بها العمل أيضا كمعرفة الواجب و العلم بحدوث النفس و بقائها و عودها فإنّ هذه العلوم مقصودة في أنفسها و إن ترتّب عليها التعبّد بالشرعيّات أيضا، و لذا

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 140

تراهم يعدّون الطبيعيّات و الرياضيّات من الحكمة النظريّة و إن ترتّب على كثير من مسائلها مزاولة الأعمال بل ربما تكون هي المقصودة منها، و من هنا قسّم كثير منهم الهندسة الى العلميّة و العمليّة، و كذا الطبّ و غيره كما أنّ الحكمة العمليّة ما يتعلّق بكيفيّة العمل فهو علم بشي ء يكون

المقصود إدخاله في الوجود أو منعه عنه كالعلم بالفضائل النفسانيّة و رذائلها بل و كذا العلم بالمسائل الفقهيّة فإنّه على الأصحّ عندي معدود من الحكمة العمليّة حسب ما تسمع.

و بالجملة فالعلوم إمّا عقليّة أو شرعيّة، و كلّ منهما إمّا نظريّة أو عمليّة، فالأقسام أربعة.

الأوّل: العقليّة النظريّة و تنقسم الى إلهيّة و رياضيّة و طبيعيّة لأنّها إن كانت متعلّقة بأمور مستغنية في نحوي الوجود العيني و الذهني عن المادّة و المدّة فهي الحكمة الإلهيّة تسمية لها بأشرف ما يبحث فيها عنه و لو على وجه التّنزيه و التقديس و إن كان يبحث فيها أيضا عن مبادئ الموجودات و عن الأكوان الجبروتيّة و الملكوتيّة من العقل و النفس و الرّوح و غيرها من المجرّدات العالية عن الموادّ الخالية عن القوّة و الاستعداد و إن كان شي ء منها ليس مجرّدا على سبيل الإطلاق لأنّ كلّ ممكن زوج تركيبي، و عن الأمور العامّة الّتي هي الوجود و الماهيّة، و العلّة و المعلول و الكلّي و الجزئي، و الوحدة و الكثرة، و غيرها، و عن الصفات الجلاليّة و الجماليّة من الذاتيّة و الفعليّة مع التنزيه التّام من التّشبيه و التعطيل، و انثلام الوحدة و تعدد القدماء، و غير ذلك من المفاسد الّتي منها الفاعليّة بالعليّة و الإيجاب بإثبات العقول العشرة و نحوها، و عن خصوص العدل الّذى تفرّدت به العدليّة، و عن أحوال النفس بعد مفارقة البدن و بقائها و تنعّمها و عودها، و غير ذلك ممّا يتبعها فهذه هي الفنون الستّة الّتي للعلم الإلهي، و زاد أهل الإسلام على ما دوّنه الفلاسفة فنّا سابعا و هو مباحث

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 141

الحسن و القبح و شكر المنعم و

حسن التكليف، و وجوب اللّطف و بعث الأنبياء، و غير ذلك ممّا يتعلّق بمباحث النبوّة، قيل: و أوّل من زاده الشّيخ ابن سيناء، و أهل الإيمان ثامنا و هو بحث الإمامة و ضرورة الحجّة، و عدم خلوّ الأرض منها لحظة.

قال الأنطاكي: و أوّل من أدخله ابن نوبخت من الشيعة الإماميّة في الياقوت «1» ثمّ تبعهم أهل السنّة و توسّعوا فيه و ضمّوا إليه مباحث التصوّف و الأرزاق و الآجال و غيرها. فهذه الفنون الثمانية من أصول الحكمة الإلهيّة و إن كان قد يعدّ بعضها من الفروع كما أنّه قد يعدّ الكلّ فنّا واحدا لانفراده بالتصنيف الّذي لا عبرة به، و لذا قد تداول بين المتأخّرين منهم ضمّ الطبيعيّ معها بل و المنطق و ربما يعدّ من فروعها علوم أخر كعلم الأعداد و الحساب و السحر و التّسخير و غيرها ممّا هو أليق بغيرها و إن كان بعضها من العلوم المركّبة المتولّدة من الفنّين نعم قد يقال: إنّ الحقّ إدخال المنطق في الحكمة و جعلها من أقسام النظريّة كما فعله الشّيخ الرئيس كيف و لو اختصّ موضوع الحكمة بالموجودات العينيّة لخرج منها العلم بتقاسيم الوجود من الأمور العامّة.

______________________________

(1) ابن نوبخت هو إبراهيم بن إسحاق بن أبي سهل من أكابر المتكلّمين و من عظماء الشيعة الإماميّة في أواسط القرن الرّابع له كتب منيفة منها كتابه «الياقوت» في علم الكلام و هو كتاب نفيس من أقدم كتب الكلامية و مورد لتوّجه الأعلام حتّى شرحوه بشروح منها كتاب «أنوار الملكوت» في شرح الياقوت للعلّامة الحلّي- قدّس سرّه قال في ديباجة هذا الشرح: كتاب «الياقوت» حاو لأشرف المسائل الكلاميّة و جامع لأسنى مباحثها، و شرح السيد عميد الدين ابن أخت

العلّامة كتاب خاله المعظّم: «أنوار الملكوت» و حاكم بين الماتن و الشارح.

و لا يخفى أنّ نسبة كتاب «الياقوت» الى إسماعيل بن إسحاق النوبختي كما عن رياض العلماء و كتاب الشيعة و فنون الإسلام خطاء- ريحانة الأدب ج 4 ص 240-.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 142

و أمّا ما أجيب عنه من أنّ الأمور العامّة هناك ليست موضوعات بل محمولات تثبت للأعيان فلا يخلو من تكلّف مستغنى عنه، و كذا في جعلها المشتقّات دون المبادي إذا لا فرق بين الموجود بما هو موجود و الوجود و الممكن بما هو ممكن و الإمكان كما نصّ عليه الشّيخ في الشّفاء «1» و على هذا فيحتمل كونه من العلوم الإلهيّة أو الرياضيّة أو من مبادئ الأولى خاصّة أو مطلق الحكمة النظرية، و إن كانت متعلقة بالأمور المجرّدة عن المادّة في الذهن خاصّة فهو العلم الرّياضي الّذي كانت العلماء يرتاضون به نفوسهم حيث يقدّمون شيئا منه في تعاليمهم على سائر العلوم حتّى المنطق تقويما لأفكار المتعلّمين، و تأنيسا لطبايعهم بالبراهين كيلا يقبلوا شيئا من المطالب حتى يبلغ درجة الضرورة أو اليقين، و لذا سمّي تعليميا أيضا لأنّه يبحث في أكثر فنونه عن الأجسام و السطوح و الخطوط التعليميّة لأنّ المنشأ في تسميتها أيضا هو الأوّل، و يسمّى بالعلم الأوسط لتوسّطه بين الإلهي الأعلى، و الطّبيعي الأدنى و إن كان ربما يقدّم عليه الطبيعي لوجوه ضعيفة نشير إليها إن شاء اللّه و أصوله أربعة:

أحدها: جو مطريا المفسّرة بالهندسة لأنّها بمعنى الأربعة الّتي هي الموضوع في هذا الفن أعني الجسم التعليمي الّذي هو الكميّة السارية في الأبعاد الثلاثة و نهايته

______________________________

(1) الشّفاء في المنطق قيل هو من ثمانية عشر مجلدا و شرحه أبو

عبد اللّه محمّد بن أحمد الأديب التيجاني صاحب «تحفة العروس» و اختصره شمس الدين الخسروشاهي التبريزي المتوفى سنة 652 ق.

كتب الشيخ أبو سعيد أبو الخير معرّضا لابن سيناء: قطعنا الأخوّة عن معشربهم مرض من كتاب الشفا

فماتوا على دين رسطالس و عشنا على سنّة المصطفى تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 143

الّتي هي السطح المنقسم في جهتين و نهايته الّتي هي الخطّ المنقسم في جهتين و نهايته الّتي هي النقطة، و لا تنقسم أصلا، و هذه الثلاثة هي الأصل لما يبحث منه في هذا العلم من الخطوط و الدوائر و الأشكال المسطّحة و المجسّمة و الزوايا و النسبة الكلّية بين المقادير كما تصدّى لأصولها «أقليدس» الصوري في كتابه «1» و حرّره النحرير في التحرير «2» و من جزئياتها علم الأكر الساكنة و المتحركة و المخروطات و الزّوايا و غيرها «3» ممّا أفردها بالتصنيف ثاوذوسيوس «4»

______________________________

(1) أقليدس بضم الهمزة و كسر الدال و بالعكس لفظ يونانيّ مركّب من أقلي بمعنى المفتاح و دس بمعنى المقدار اسم كتاب في الهندسة ألّفه رجل يقال له ابلونيوس النجار و رسمه خمسة عشر قولا من كل وارد عليه فأخبره بعضهم بأنّ في بلدة صور رجلا مبرزا في الهندسة و الحساب يقال له: أقليدس فطلبه و التمس منه تهذيب الكتب و ترتيبه فرتّبه و هذّبه فاشتهر باسمه بحيث إذا قيل كتاب أقليدس يفهم منه هذا الكتاب. ثم نقل الكتاب من اليونانية الى العربية جماعة منهم حجاج بن يوسف الكوفي فإنّه نقله نقلين: أحدهما يعرف بالهاروني و الآخر بالمأموني و منهم حنين بن إسحاق المطبب المتوفى سنة 260 ق، و منهم أبو الحسن ثابت بن قرة الحرّاني المتوفى سنة 288 ق، و منهم أبو

عثمان الدمشقي.

(2) أخذ كثير من العلماء في تحرير كتاب أقليدس متصرّفين فيه إيجازا و ضبطا و إيضاحا و بسطا و الأشهر ممّا حرّروه تحرير العلّامة النحرير المحقق نصير الدين الطوسي فإنّه حرّره بتحرير موجز غير مخلّ و أضاف إليه ما يليق به ممّا استفاد و استنبط و ذكر أنّه حرّره بعد تحرير المجسطي و إنّ الكتاب يشتمل على خمس عشرة مقالا و أربعمائة و ثمانية و ستون شكلا في نسخة الحجّاج و بزيادة عشرة أشكال في نسخة ثابت- كشف الظنون-.

(3) علم الأكر علم يبحث فيه عن الأحوال العارضة للكرة من حيث إنّها كرة من غير نظر إلى كونها بسيطة أو مركبة عنصرية أو فلكية و فيه كتب للأوائل و الأواخر منها ما يأتي.

(4) ثاوذوسيوس مهندس يوناني و كتابه في علم الأكر من أجلّ الكتب المتوسطات بين أقليدس و المجسطي و هو ثلاث مقالات مشتملة على تسعة و خمسين شكلا و عرّب من اليونانية بأمر

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 144

و اوطولوقس «5» و ابن الهيثم «6» و غيرهم من أصحاب الصناعة.

و فرّعوا عليه كثيرا من العلوم أيضا كعلم مركز الأثقال الّذي استنبطوا منه الموازين، و القبّان، و غيرها، و علم مساحة الدّوائر و السّطوح و الأجسام الكروية و المخروطة و المكعّبة و غيرها، و علم استنباط الماء و إجراء القنوات و معرفة ارتفاع المرتفعات و غيرها و علم الأسطرلاب «7» الّذي يستعمل منه كثير من أحوال الفلكيات و العنصريّات و الزمانيّات، و علم الرّبع المجيّب الّذي مبناه على أخذ الظلال و الجيوب المستوية و المعكوسة، و يعلم به أكثر ما يعلم بالأسطرلاب، و علم الدوائر و الخطوط المرسومة على سطوح الرخامات، و علم وضع الآلات المفيدة

للمطلوب لا من جهة التناسب، و لا من محاكات وضع من أوضاع الفلك كالأسطوانة و الحلزون و الحافر و ساق الجرادة و الميزان الغزاري، و علم عمل الساعات المستوية

______________________________

المستعين باللّه العبّاسي و تولّى نقله الى العربية قسطا بن لوقا البعلبكي في حدود سنة خمسين و مائتين ثم حرّره العلّامة نصير الدين الطوسي و غيره- كشف الظنون-.

(5) اوطولوقس مهندس فاضل يوناني و كتابه في علم الأكر معروف بالأكر المتحركة و قد عرّبوه في زمن المأمون ثم أصلحه يعقوب بن إسحاق الكندي.

(6) ابن الهيثم محمّد بن الحسن بن الهيثم أبو عليّ الفيلسوف البصري كان عالما بالرياضيات و الطب و الفلسفة انتقل الى مصر و توفّي بها في حدود سنة 430 ق و صنف في الهندسة و علم الأكر و الطبّ و الفلسفة كتبا كثيرة- هدية العارفين ج 6 ص 66-.

(7) علم الأسطرلاب علم يبحث فيه عن كيفيّة استعمال آلة معهودة يتوصل بها الى معرفة كثير من الأمور النجومية على أسهل طرق و هو من فروع علم الهيئة و كلمته يونانية و معناها ميزان الشمس و يقال له أيضا اصطرلافون و اصطر هو النجم و لافون هو المرآة و قيل أوّل من وضعه لاب بن إدريس فلما وصلت الآلة التي صنعها إلى إدريس قال من سطره قيل له سطره لاب و قيل فارسي أصله استاره ياب.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 145

و المعوجّة في السطوح الموازية لدائرة الأفق أو لنصف النّهار أو للمعدّل أو لأوّل السّماوات أو لغيرها من دوائر السماوات و غيرها، و علم وضع الآلات الجيبيّة و الكروية و الحادثة عن تسطيح الكرة، و علم وضع الآلات الرصدية كذات الحلق و ذات الثقبتين و ذات الشعبتين و

غيرها، و علم المناظر المتعلّق بالنظر من غير التفات الى الأشعّة، و علم المرايا و المحرقة و المتعلّق بالأشعّة من حيث الانعكاس الى غير ذلك من العلوم الكثيرة، الّتي يستعملها صنّاع الإفرنج، و غيرهم في صنائعهم العجيبة المبتنية على ملاحظة الحدود و المقادير، و النسب الهندسيّة بل المتأمّل في صنائع الناس و حرفهم يجد جلّها بل كلّها مبتنية على القواعد المنتهية الى هذا العلم، بل صنائع أكثر حيوانات العجم من الطيور و غيرها مبنيّة عليه و من أظهرها الهام النحل لبناء البيوت المسدّسة من غير استعانة بالمسطر و الفرجار «1» و غيرهما من الآلات و الأدوات.

و ذلك انّ البيوت المسدّسة جامعة لخاصيّتين لا يجتمعان معا في غيرها من الأشكال و هما امتلاء الفضاء بها و عدم ضيق الزوايا فتبقى معطّلة، و ذلك ان الأشكال المتماثلة إذا ضمّ بعضها الى بعض فمنها ما لا تملأ العرصة كالمسبّع و المثمّن فصاعدا، و منها ما تملأ العرصة لاتّصال بعضها ببعض إلّا انّ زواياه ضيّقة جدّا فتبقى معطّلة كالمثلّث و المربّع، و أمّا المسدّس فزواياها واسعة لا تتعطّل و إذا ضمّ بعضها الى بعض لا تبقى بينها فرجة زائدة فهي الجامعة لكلتا الخاصيّتين.

و بالجملة فهذه العلوم الإثنى عشر من فروع الهندسة و إن كانت جزئيّاتها لا يمكن استقصائها و جلّها نافعة في جلّ العلوم لو لم ينفع الكلّ في الكلّ سيمّا الفلسفة

______________________________

(1) الفرجار بكسر الفاء و سكون الراء البركار و الكلمة فارسيّ معرّب.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 146

و لذا كان أفلاطون الإلهي «1» يقول لا يدخل بيوتنا من لا يعرف الهندسة.

ثانيها: اسطرنوميا و هو علم النجوم و الهيئة الباحث عن الأجرام المسيطة الفلكيّة، و بعض العناصر من حيث الكم

و الكيف و الجهة و الوضع و الحركة بأقسامها و السكون، و هذا العلم و إن عدّ من فنون الرياضي قسيما للهندسة إلّا أنّ الأظهر كما حقّقناه في «اللوامع النورية» أنّ الهيئة المسطّحة من فنون الهندسة أو من مطلق الرياضي على وجه كما تصدّى له فاضل الصناعة بطلميوس «2» و أمّا المجسّمة الّتي فرضوا فيها الخطوط و الدوائر في الأجسام فوردت عليهم إشكالات لا تنحلّ إلّا بتكلّفات ربما يقطع بفسادها فالظاهر انّها من العلوم المتولّدة من الرياضي و الطبيعيّ، و بالجملة فممّا يتفرّع على هذا العلم علم معرفة التواريخ و الحصص، الزمانية و انقسام الشهور و السنين إلى الشمسيّة و القمرية و الحقيقيّة و الصناعيّة، و فيه مداخل سني التوارخ و شهورها و كبائسها و استخراج بعضها من بعض- و الأيّام المشهورة في كلّ منها، و علم الزيج الذي يستخرج منه تقاويم الكواكب في كلّ وقت و نظراتها و تحاويلها و عروضها و أطوالها، و غير ذلك ممّا جرت العادة بإثباتها في صفحات التقويم، و علم الأحكام الباحث على وجه الظن و التخمين لا التحقيق و اليقين كما صرّحوا به عن الأحكام المترتّبة على وجه التجربة أو القياس

______________________________

(1) أفلاطون الحكيم تلميذ سقراط و أستاذ أرسطاطاليس ولد في جزيرة بيونان سنة 430 قبل الميلاد و مات قبل ميلاد المسيح سنة 348 و أفلاطون الالهي يقال له في مقابل أفلاطون الطبيب و هو غيره و سابق عليه.

(2) بطلميوس من علماء الهيئة و التاريخ و الجغرافية و القائل بأنّ الأرض ساكنة و أنّ الفلك يدور حولها. ولد في صعيد مصر و توفى قرب الاسكندرية سنة 167 من الميلاد و أشهر مؤلفاته المجسطي.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 147

على

تلك النظرات و التناظرات و الحدود و الوجوه الاشراف و البيوت و السّهام و الطوالع و أوتاد الزوائج و المستولى عليه و الكدخدا و الهيلاج و التيسيرات و التحويلات و القواطع، و ما يستدلّ بها عليه من السعادات و الأرزاق و الاعمار و غيرها و منه يستخرج أحكام طوالع السنين و المواليد و الاجتماع و الاستقبال و التحويل، و السؤال حسب ما فصّلوها في كتب الأحكام الّتي هي أشبه شي ء بأضغاث الأحلام و لذا ورد في الشريعة الحقّة النبويّة المصطفوية- على صادعها و آله آلاف الف سلام، و تحيّة- المنع عن تعلّم النجوم و الاعتقاد بتأثيرها حتى

ورد «إنّ المنجم كالكاهن و الكاهن كالسّاحر، و السّاحر كالكافر و الكافر في الّنار «1»».

نعم قد حمل ذلك على من يزعم استقلالها بالتأثير و قدمها كما يظهر من خبر الإحتجاج «2» و غيره و لذا قال الصدوق بعد ذكر الخبر إنّ المنجم الملعون، هو

______________________________

(1)

في نهج البلاغة- كلام 77- و من كلام له عليه السّلام قاله لبعض أصحابه لمّا عزم على المسير إلى الخوارج فقال له: يا أمير المؤمنين إنّ سرت في هذا الوقت خشيت ان لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم فقال عليه السّلام: أ تزعم أنّك تهدي إلى الساعة الّتي من سار فيها صرف عنه السوء؟ و تخوّف من الساعة التي من سار فيها حاق به الضّر؟ فمن صدّق بهذا فقد كذّب القرآن و استغنى عن الاعانة باللّه في نيل المحبوب و دفع المكروه و تبتغي في قولك للعامل بأمرك إن يوليك الحمد دون ربّه لانّك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع و امن الضّر ثم اقبل عليه السّلام على الناس فقال: أيها

الناس إيّاكم و تعّلم النجوم إلّا ما يهتدى به في بر أو بحر فانها تدعو إلى الكهانة و المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر كالكافر و الكافر في النار، سيروا على اسم اللّه.

(2) الاحتجاج على أهل اللجاج كتاب في احتجاجات المعصومين عليهم السّلام تأليف أبو منصور أحمد بن عليّ الطبرسي المتوفى 622 ق و يمكن أن يكون المراد من خبر الاحتجاج خبرا طويلا و

فيه انه سأل الزنديق عن الصادق عليه السلام ما تقول في علم النجوم؟ قال عليه تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 148

«3» الذي يقول بقدم الفلك و لا يقول بمفلكه و خالقه- عزّ و جلّ-.

و منه يظهر وجه الجمع بين نوع هذه الأخبار على كثرتها و الأخبار الكثيرة الدالّة على

أنّ له أصلا و انّه كان علم نبيّ من الأنبياء و أنّه علم بنبوّة نوح بالنجوم، و إيّاكم و الّتكذيب بالنجوم فإنّه علم من علوم النبوّة، و أنّ من اقتبس علما من علم النجوم من حملة القرآن إزداد به إيمانا و يقينا ثمّ تلا: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ «4».

و أنّ مولينا أمير المؤمنين عليه السّلام كان اعلم الّناس به، و أنّه لا يعلمها إلّا أهل بيت من العرب و أهل بيت من الهند.

و زاد ابن طاووس «5» في آخر الخبر و أولاد وصىّ إدريس

و لعلّ المراد به

______________________________

السلام: هو علم قلّت منافعه و كثرت مضارّه لأنّه لا يدفع به المقدور و لا يتقى به المحذور. إنّ خبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء إلخ.

(3) الصدوق هو محمّد بن عليّ بن حسين بن بابويه القمي شيخ جليل قيل ولد بدعاء صاحب الزمان عجل اللّه فرجه و

صنف كتبا مفيدة كمن لا يحضره الفقيه و الامالي و العيون و غيرها و توفى سنة 381.

(4) آل عمران: 190.

(5) ابن طاووس هو عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن احمد رضى الدين الطاوسي الحسيني نقيب الطالبين ببغداد ولد سنة 589 ق و توفى سنة 664 ق له مصنفات جليلة منها فرج الهموم بمعرفة منهج الحلال و الحرام من علم النجوم و جوّز في هذا الكتاب تعليم علم النجوم و تعلمه و النظر فيه و العمل به إذا لم يعتقد إنها مؤثرة و أنكر على السيد المرتضى في تحريمه و حمل أخبار النهى على ما إذا اعتقد الإنسان إنها مؤثرة بالاستقلال ثم ذكر رحمه اللّه تأييدا لما رامه أسماء جماعة من الشيعة كانوا عارفن به كحسن بن موسى النوبختي و احمد بن محمّد بن خالد البرقي، و ابن أبي عمير، و العياشي، و المسعودي، و الفضل بن سهل، وزير المأمون و أخيه حسن بن سهل، و بوران بنت الحسن بن سهل، و عضد الدولة، و الشيخ محمود بن عليّ الحمصي

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 149

أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما أنّهم المراد بالأول قطعا إلى غير ذلك من الأخبار الّتي تأتي الإشارة إليها، و إلى ما يعارضها، و تحقيق الكلام فيها عند تفسير قوله تعالى: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ «1» و غيرها من الآيات بل يستفاد من الأخبار و من صحيح الاعتبار انّه يترتّب عليها جملة من الآثار كما يترتّب الإحراق على النّار و ذلك بإفاضة القادر المختار و انّ خطأ الأحكاميّين إنّما هو لعدم اطلاعهم على تمام تلك القواعد مع اختلاط ما بأيديهم منها بما اختلقوها بأذهانهم

القاصرة على انّ تحقّق التأثير و فعليّة الأثر موقوف على الانفعال و القابليّة كتوقّفه على الاقتضاء و الفاعليّة و لذا قال بطلميوس في ثمرته «2» في أحكام علم النجوم منك و منها يريد الاشارة إلى القابل و الفاعل لكن على وجه يقول به الموحّدون كما انّ إحراق النار موقوف على قابليّة المحلّ «3».

و علم مقادير أجرام الفلكيّة من الأفلاك و الكواكب بعض العنصريّة و معرفة أبعادها من مراكز العلم، و نسبة أبعاد بعضها ببعض على ما استخرجوه بالأصول

______________________________

و غيرهم.

(1) صافات آية: 88.

(2) الثمرة في أحكام النجوم لبطلميوس و اسمها بالرومية انطرومطا أي مائة كلمة و هي تمام الكتب الأربعة التي الفها لسورس تلميذه يعني ثمرة تلك الكتب و لها شروح منها شرح أبو يوسيف الاقليدسي و شرح أبي محمّد الشيباني و شرح أبي سعيد الثمالي و شرح ابن الطيب السرخسي و منها شرح العلامة نصير الدين الطوسي و هو شرح مفيد بالفارسية ألفه لصاحب ديوان محمّد بن شمس الدين- كشف الظنون-.

(3) و من أراد التفصيل في المبحث فعليه ببحار الأنوار ج 48 ص 145 و ج 57 ص 338 و ج 58 ص 84 إلى ص 308.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 150

تفسير الصراط المستقيم ج 1 199

الهندسيّة سيمّا بطلميوس بعد مشاهدة بعض الاختلافات الّتي من جملتها مشاهدة تلك الأجرام في بعدي الأقرب و الأبعد، و بعض الكسوفات و الخسوفات الواقعة في زمنه و في عهد أبي حسن «1» و غيره. و لذا يحكى في الحكمة القديمة على نوع من الرمز أنّ بطلميوس كان يعشق علم النجوم فجعل علم الكسوف سلّما يصعد به إلى الفلك بقّوته الروحانيّة فمسح الأفلاك و أبعادها بجملتها و الكواكب

باعظامها ثمّ دوّنه في المجسطي، و جعلوا معيارهم نصف قطر الأرض المعلوم بمقايسة المحيط المستعلم بمحاذات الدرجات الفلكيّة الّتي حصّة كلّ درجة من العظيمة الأرضيّة ستّة و ستّون و ثلثا ميل و بالرصد المأموني «2» الّذي قيل: إنّه صحيح ممتحن أنقص منه بعشرة أميال و عند حكماء الأندلس على ما اعتبروها بمقايساتهم الصحيحة تسعة و ستون ميلا و ثلث خمس.

و علم جغرافيا بأعجام الأوّلين و هو في الأصل كتاب لبطلميوس صنّفه بعد المجسطي في صور الأقاليم و البحار أو في خصوص الثاني غلب على هذا العلم الّذي يبحث فيه عن القدر المكشوف من الأرض و كيفيّة إحاطة الماء بها و صور البحار المحيطة و المحاطة و الخليجات و الأنهار و عروضها و أطوالها و بعض الجزائر الواقعة فيها، و تقسيم بسايط الأرض عند القدماء إلى الأقاليم الواقعة في الربع الشمالي الّذي

______________________________

(1) ابو حسن كوشيار بن لبان بن باشهري الجيلي بالياء المثناة أو الجبلي بالباء الوحدة من جملة المنجمين الكبار سكن بغداد و مات في حدود 450. صنف من الكتب الزيج الجامع. الكيافي النجوم. اللامع في الزيج الجامع. مجمل الأصول في احكام النوم هدية العارفين ج 1 ص 838.

(2) أمر المأمون العباسي في سنة 214 ه العلماء أن يصنعوا الآلات الرصدية كما صنعها بطلميوس فامتثلوا امر الخليفة و اشتغلوا بها ثم قطع بهم من استيفاء غرضهم موت الخليفة في 218 فقيد و ما انتهوا إليه و سموه الرصد المأموني.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 151

هو المعمور منها إذ غيرها أمّا مغمور في الماء أو غير مسكون بزعمهم أصلا و مبدئه عند جمهورهم من خطّ الاستواء أو من حيث نهاره الأطول اثنتا عشرة ساعة و نصف و

ربع و عرضه اثنتا عشرة درجة و ثلثا درجة و قسمة كلّ إقليم من جهة العرض ما يوجب التفاضل نصف ساعة في مقادير النهر الطوال في أوساط الأقاليم، و لذا اختلفت مقاديرها عرضا مع وقوع الجميع بين ما يجاوز عشر درجات في العرض إلى حدود خمسين كما اختلفت طولا لزيادته فيما يلي خطّ الاستواء على ما يقتضيه النظر التعليمي و عند المتأخّرين من حكماء الإفرنج و غيرهم بعد ما ظفروا في أوائل المائة العاشرة من التاريخ الهجري على الأرض الجديدة المسماّة عندهم بأمريكا الجنوبيّة الّتي لم يظفر عليها قبل الكلمب أحد إلى أقسام اربعة:

أحدها: ممالك يورپ (أوربا) المحدودة من جهة الشمال بالمحيط- المنجمد طول السنة لشدّة البرودة، و من الجنوب ببحر الروم الفاصل بينه و بين الإفريقيّة، و من المشرق بممالك آسيا، و من المغرب بالمحيط الفاصل بينه و بين آمريكا، و في هذا القسم بعض بلاد الّروم كقسطنطنيّة و غيرها، و تمام بلاد الافرنج الّتي فيها دول كثيرة أغلبهم جمهورية، و أمرهم شورى بينهم بل قد رأيت في بعض مسفوراتهم أنّ فيهم في هذه السنين أزيد من أربعين دولة جزئية و كليّة كلّها مستقلّة أعظمها بأسا و بطشا و عدّة مملكة الروس حتّى قيل: إنّ طول مملكهم قريب من ألفي فرسخ و عرضها ثمانمائة و خمسون فرسخا.

ثانيها: ممالك آسيا المحدودة شمالا بالمحيط المنجمد أيضا و جنوبا ببحر الهند و شرقا بالمحيط و غربا بممالك يورپ، و فيها ممالك إيران و توران و الترك و الهند و الشام و الصين و الخطاء و بعض ممالك الروس و غيرها.

ثالثها: الإفريقيّة المحدودة شمالا ببحر الروم الفاصل بينها و بين يورپ

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 152

و جنوبا

بالمحيط، و غربا بالمحيط الفاصل بينه و بين القسم الثاني، و شرقا بالمحيط الفاصل بينها و بين ممالك آمريكا و يورپ، و فيها مصر و بلاد السودان و تمام بلاد المغرب.

رابعها: ممالك آمريكا الجنوبيّة الخارجة عن الربع المكشوف المحدودة شرقا بالمحيط الفاصل بينها و بين الإفريقيّة و يورپ، و غربا بالمحيط الفاصل بينها و بين آسيا، جنوبا بالمحيط المنجمد دائما من شدّة البرد، قيل: ساروا في شمالها إلى ثمانين درجة حتّى و صلوا إلى موضع تنجمد فيه رطوبات أبدان الحيوان فضلا عن غيرها من الرطوبات بل قيل: انّه تنجمد فيه النار و ان اجتهدوا في اشتعالها و ذلك لشدّة البرودة و حيث أن عرضها قريب من ثمانين درجة فوسعتها قريبة من تمام هذه المعمورة الّتي قسّموها إلى الأقاليم السبعة، و لذا قيل: أنّهم رصدوها وجدوها كذلك، و مجمل أحوالهم و أديانهم و شمائلهم و أخلاقهم و كيفيّة الاستيلاء عليهم في مسفورات غيرنا مسطور و على ألسنتهم مشهور و بعضها في تحفة العالم «1» مذكور بل فيها أنّ وفور النّعمة و انتظام السلطنة و كثرة العدّة و العدّة و البلاد العامرة في ذلك الربع الجنوبي أزيد منها في هذا الربع الشمالي سيّما في هذه الازمنة إلى غير ذلك ممّا يظهر منه عظمة خلقه- سبحانه في أرضه و سمائه و أن الأرض برحبها و سعتها الّتي سمعت شطرا منها لا قدر لها محسوسا في جنب السماء الاولى فضلا عن غيرها.

______________________________

(1) تحفة العالم كتاب عجيب في جغرافيا العمومي سيما جغرافيا خوزستان و التستر تأليف السيد عبد اللطيف التستري ولد في التستر سنة 1172 ه طبع تحفة العالم في بمبئى إلى الآن ثلاث مرات.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 153

بل

لعلّك قد سمعت ما

في خبر زينب العطارة «1» عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أنّ كلّ طبقة من الأرضين السّبع و السموات بما فيها بالنسبة إلى ما فوقها كحلقة ملقاة في فلاة قيّ «2».

فضلا عن غيرها من العرش و الكرسي و السرادقات و الحجب فسبحانه من مدبّر حكيم، ربّ العرش العظيم.

ثالثها: الأرثماطيقي المفسّر بالعدد للبحث فيه عن من حيث أقسامه و أحكامه و آثاره و خواصه و تناسبه، و غير ذلك ممّا يتعلّق به من حيث إنّه عدد مطلق مع قطع النظر عن حصوله في المادة و من فروعه علم الحساب الّذي يستخرج به كميّات المقادير المجهولة من الأعداد المعلومة الّتي لا ريب في احتياجها إلى المادّة في التحقّق دون التعقل و لذا أعدّ من الرياضي، و إن تأمل فيه الشيخ في الشفا نظرا إلى أنّ المحاسب يبحث عن العدد المفارق للمادّة في الخارج أيضا لعروضه المجّردات أيضا كالعقول و النفوس و ذات الواجب تعالى إن قلنا إنّ الواحد عدد «3» و أجيب بأنّ

______________________________

(1)

الخبر بطوله مروي في توحيد الصدوق رواه مسندا عن الصادق عليه السلام أنّه قال: جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء رسول اللّه و بناته و كانت تبيع منهن العطر فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و هي عندهن فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذا أتيتنا طابت بيوتنا فقالت بيوتك بريحك أطيب يا رسول اللّه فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذا بعت فاحسني و لا تغشي فانه أتقى و أبقى للمال فقالت ما جئت لشي ء من بيعي و انما جئتك أسئلك عن عظمة اللّه قال: صلّى اللّه عليه

و آله و سلم جل جلال اللّه سأحدثك عن بعض ذلك ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: إنّ هذه الأرض بمن فيها و من عليها عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قيّ إلخ. رواه المجلسي في البحار ج 6 ص 83 عن التوحيد.

(2) الفلاة هي المغازة و القيّ بكسر القاف و تشديد الياء الأرض القفر الخالية.

(3) اختلفوا في أن الواحد عدد أم لا بعد تعريفهم العدد بأنه نصف مجموع حاشيتيه كالاثنين مثلا فان حاشية الأعلى ثلاث و حاشيته الأسفل واحد و الاثنان نصف مجموع هاتين الحاشيتين فعلى

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 154

موضوع الحساب ليس العدد مطلقا بل من حيث حصوله في المادّة و البحث عن العدد ليس على وجه تشمل المجردات لعدم تعلّق الغرض به و تمام البحث في هذا الباب يطلب من شرحنا على «خلاصة الحساب».

نعم من غرائب الأوهام في المقام ما قيل: من أنّه قد تقرّر أنّ مراتب الأعداد غير موجودة في الخارج فلا يظهر وجه جعل الحساب من أقسام الحكمة الباحثة عن أحوال أعيان الموجودات. إذ فيه أنّه ليس المراد بالوجودات العينيّة خصوص الماديّة بل المتقرّرة في عالم الكون سواء أ كانت من سرادق الملك أو الملكوت و من البيّن أنّ مراتب الأعداد و تناسبها و ساير أحكامها و لوازمها من الموجودات في المتقرّرة في مراتبها لا بمجرّد الفرض فيتحقّق بالنسبة إليها الصدق و الكذب و إن أنكر وجودها العيني كثير ممّن لا دربة له بل أنكروا نصف العالم بل الأكثر.

ثمّ إنّ التعريف المتقدّم يشمل علم الجبر و المقابلة و علم الأعداد المتناسبة ثلاثة كانت أو أربعة و الخطائين بل مع اعتبار عروض العدد المقادير المجهولة يشمل

علم المساحة أيضا. و لذا يعدّ الجميع فنّا واحدا و إن أفرد بعض كلّا بالتصنيف بل جعلها علوما متعددة إلّا أنّ الأنسب ما ذكرناه كما أنّه يشتمل نوعيه الّذين هما الهوائي الّذي يستخرج منه المجهولات، و الفلاتي المحتاج فيه إلى استعمالها و يسمّى بالتخت و التراب بل قد يقال: إنّ علم الحساب عمليّ منقسم إليهما، و نظريّ يبحث فيه عن ثبوت الأعراض اللازمة للعدد و سلبها عنه و هو المسمّى بالأرثماطيقي لكنّه

______________________________

هذا يخرج الواحد من الاعداد و ان تركبت منه الاعداد لأنه ذو حاشيته واحدة و هو الاثنان فقط و أجيب بأنه أيضا ذو حاشيتين السفلى و هي النصف و العليا و هي واحد و نصف و الواحد نصف مجموع هاتين الحاشيتين.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 155

مخالف لما اصطلحوا عليه في الجملة، و إن أمكن التطبيق مع أنّ الخطب سهل فيه و في دخول حساب التنجيم فيه انّ مبناه على تعلّق الضرب و التقسيم و الجمع و التفريق و غيرهما من الأعمال على الدرجات- و الدقائق و الثواني و غيرها بل و في عدّ علم حساب اليد من فنونه حيث إنّهم اصطلحوا على وضع عقود الأنامل للأعداد من الواحد إلى عشرة آلاف كما سنشير إليه إنشاء اللّه في شرح خبر إسلام أبي طالب و العقد بيده ثلثا و سبعين «1».

و علم الرمل الّذي يبحث فيه عن الأشكال المركّبة من الأفراد و الأزواج أو- أحدها و إن كان كثير من قواعده مأخوذة من علم النجوم و ربما يقال: إنّه راجع إلى علم التخت و الّتراب الّذي هو أحد قسمي الحساب و أمّا صحة انتسابه إلى واحد من الأنبياء عليهم السلام أو إلى خصوص دانيال- على

نبيّنا و آله و عليه السّلام و البحث عن شرائطه و صحته و موانعه يستدعي مجالا أوسع نعم قد يقال: انّ

______________________________

(1)

في الكافي مسندا عن الصادق عليه السلام إنه قال: أسلم ابو طالب بحساب الجمل قال بكل لسان و عقد بيده ثلاثا و ستين

، فعلى هذا لفظ سبعين غلط و اشتباه. و قد ذكر في توجيه الحديث وجوه:

الاول: ما في معاني الأخبار عن حسين بن روح أنّه قال: معناه اله أحد جواد.

الثاني: أنّه أراد به عقد الخنصر و البنصر و الوسطى من اليمين للثلاثة كما هو المعهود بين الناس في عدّ الواحد إلى الثلث و لكن توضع رؤس الأنامل في هذه العقود قريبة من أصولها و أن يوضع للستين ظفر إبهام اليمنى على باطن العقدة اليمنى للسبابة كما يفعله الرماة للحصاة.

الثالث: أنّ أبا طالب علم نبوة نبينا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم قبل بعثته بالجفر.

و ذكر في معناه وجوه آخر و من أراد التفصيل فليراجع إلى التاسع من البحار ص 16 ط القديم و ج 45 ص 79 و مصابيح الأنوار ج 1 ص 376.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 156

التشكلات الرمليّة محصورة في عدد معيّن بحسب اعتبار كلّ شكل في كلّ بيت و هو أقلّ بكثير من الحوادث اليوميّة الّتي لا تكاد تتناهى بخلاف الفلكيّة المعتبرة بحسب أوضاع الكواكب و نسبها المنطبقة على جميع الحوادث سيمّا بعد ملاحظة الأمور الأرضيّة من المطالع و الطوالع و المواليد و الآفاق و الأطوال و العروض و غيرها ممّا لا يتفّق مع اعتبارها اتحاد شكلين منها و لذا قد يقال باعتبار النجوم دون الرّمل.

و فيه أنّه لعلّ مبني إصابة الرّمل على إرائة الصانع العالم الحكيم

بعد التوجه و الإستخارة منه سبحانه على أنّ لخصوص الطوالع فضلا عن غيره من المتشخّصات تأثيرا غريبا في اختلاف الأحكام فالتشكلات الرمليّة تزيد على التشكّلات الملكيّة بل الّنجومية بالعدد المذكور. فتأمل جدّا كي يظهر ضعف ما ذكره، الفاضل القزويني في لسان الخواص «1».

و علم الأعداد الوفقيّة الّذي يبحث فيه عن كيفيّة وضع الأعداد في بيوت سطح المربّع المتساوي الأضلاع بشرط اتحاد كلّ من قطريه و أضلاعه في الكميّة و اختلاف بيوته فيها سواء كان الوفق طبيعيا أولا و المربّع زوجا أو فردا بقسميها محلقا أو ملفقا أو ذا الكتابة إلى غير ذلك من اقسامه و احكامه و شرائطه و موانعه و آدابه و اختلاف مراتب السير فيه طولا و عرضا و خواصّه الغريبة الّتي علمها فضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم.

______________________________

(1) الفاضل القزويني محمّد بن الحسين عالم جليل و فاضل نبيل من تلامذة العلامة ملا خليل القزويني شارح الكافي بالفارسية. توفى سنة 1096 و له مؤلفات منيفه مثل ابطال الرمل.

و ضيافة الاخوان. و قبلة الآفاق. و كحل الأبصار. و هدية الخلان. و لسان الخواصّ و هو كتاب مفيد في شرح اصطلاحات العلماء و في حل مشكلات الآيات و الاخبار و هو مرتب على ترتيب حروف التهجي.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 157

و علم الحروف الّذي يبحث فيه من أعداد الحروف و موادّها و صورها و صفاتها و منسوباتها و الرّوحانيات المتعلّقة بها و انقسامها حسبما نشير إلى شطر منها فيما بعد إن شاء اللّه.

و علم التكسير الذي يقال له: علم الجفر أيضا و هو من العلوم المكنونة المخزونة عند الأئمّة عليه السّلام كما ورد عنهم في أخبار كثيرة بل اشتهر عند

المخالفين أيضا انتسابه إليهم، و لذا قال المحقّق الشريف في «شرح المواقف»: الجفر و الجامعة كتابان لعليّ عليه السّلام قد ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم و كان الأئمّة المعروفون من أولاده يعرفونهما و يحكمون بهما و

في كتاب قبول العهد الذي كتبه عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام إلى المأمون: إنّك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤك فقبلت منك عهدك إلّا أنّ الجفر و الجامعة يدلّان على أنّه لا يتمّ.

و لمشايخ المغاربة نصيب من علم الحروف ينتسبون فيه الى أهل البيت عليهم السلام. الى آخر ما ذكره صاحب «شرح المواقف».

و لخواصّ شيعتهم حظّ من أشعّة أنوارهم و نصيب من لمعات أسرارهم.

و مبناهم على وجوه التكسير و البسط و أقسام الطرح و النظيرة و المستحصلة و المستحضرة و غيرها ممّا يعرفه أهله و لهم في ذلك رموز و إشارات الى كنوز. و أمّا المسطور في الصفحات فعدد كلّ من أجزائه و صفحات كلّ جزء و سطور كلّ صفحة و بيوت كلّ سطر ثمانية و عشرون عدد الحروف.

و قال بعض السادة الأجلّاء (عطّر اللّه مرقده): إنّ الجفر اسم بقرة أتى بها جبرئيل حين كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و أمير المؤمنين (عليه آلاف التحيّة و الثناء) على جبل فاران فذبحها أمير المؤمنين (عليه السلام) بأمر

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 158

رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) فانسلخت و هي مدبوغة فأمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) عليّا أن يجعلها ثمانية و عشرين جزءا و كلّ جزء ثمانية و عشرين ورقة و كلّ ورقة صفحتين يمنى و يسرى، و

كل صفحة ثمانية و عشرين سطرا، و كلّ سطر ثمانية و عشرين بيتا، و كلّ بيت جعل فيه أربعة أحرف.

ففي البيت الأوّل من السطر الأوّل من الصفحة الأولى من الجزء الأوّل أربع ألفات و في البيت الثاني ثلاث ألفات و باء، و هكذا الى تمام السطر فيكون آخره ثلاث ألفات و غين، و هكذا الى آخر الأجزاء. قال: و أسرار هذه الحروف على هذا النحو كثيرة و فوائدها خطيرة.

قلت: لكن في ذكره لكلّ جزء ثمانية و عشرين ورقة و لكلّ ورقة صفحتين نظر لا يخفى إلّا على بعض الوجوه الّتي لا تخلو عن تكلّف، و هذا الخبر لم أظفر به في غير كلامه (رحمه اللّه) نعم

في البصائر «1» و الاختصاص «2» عن الحسن بن راشد قال: سمعت أبا إبراهيم (عليه السلام) يقول: إنّ اللّه تعالى أوحى الى محمّد (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) انّه قد فنيت ايّامك و ذهبت دنياك و اقترب لقاء ربّك فرفع النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) يده الى السّماء و قال اللّهمّ عدتك الّتي وعدتني إنّك لا تخلف الميعاد. فأوحى اللّه اليه أن ائت أحدا أنت و من تثق به فأعاد الدعاء فأوحى اللّه إليه امض أنت و ابن عمّك علي حتى تأتي أحدا ثمّ اصعد على ظهره

______________________________

(1) البصائر في فضائل محمّد (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) كتاب نفيس تأليف محمّد بن فروخ الصفار القمي من أكابر الإمامية في القرن الثالث و توفي سنة 290 ق و له غير البصائر كتب أخر مثل الملاحم، فضائل القرآن، الأشربة، التقية، الجهاد، الدعاء، المثالب، المؤمن.

(2) الاختصاص من تأليفات محمّد بن محمّد بن نعمان المعروف بالمفيد

من محقّقي الاماميّة تقدّم في المقدّمة في المفسّرين المشاهير. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 159

فاجعل القبلة قبالك «1» ثمّ ادع وحش الجبل تجبك فإذا أجابتك فاعمد الى جفرة منهنّ أنثى و هي التي تدعى الجفرة حسن ناهد قرناها للطلوع، و تشخب أوداجها دما و هي الّتي لك. فمر ابن عمّك ليعمد إليها فيذبحها و يسلخها فإنّه سيجدها مدبوغة و سأنزل عليك الرّوح الأمين و جبريل معه دواة و قلم و مداد ليس هو من مداد الأرض يبقى الجلد لا تأكله الأرض و لا يبليه التّراب لا يزداد كلّ ما ينشر إلّا جدّة «2» غير أنّه يكون محفوظا مستورا فيأتي وحيي بما كان و تمليه على ابن عمّك و ليكتب و يمدّ من ذلك المداد. فمضى (عليه السلام) حين انتهى الى الجبل ففعل ما أمره فصادف ما وصف له ربّه فلمّا ابتدأ في سلخ الجفرة نزل جبريل و الرّوح الأمين و عدّة من الملائكة لا يحصى عددهم إلّا اللّه و من حضر ذلك المجلس ثمّ وضع عليّ (عليه السلام) الجلد بين يديه و جائته الدواة و المداد أخضر كهيئة البقل و أشدّ خضرة و أنور ثمّ نزل الوحي على محمّد صلّى اللّه عليه و آله فجعل يملي على عليّ و يكتب عليّ (عليه السّلام) إنّه يصف كلّ زمان و ما فيه، و يخبره بالظهر و البطن و خبره بكلّ ما كان و ما هو كائن الى يوم القيامة، و فسّر له أشياء لا يعلم تفسيرها و تأويلها إلّا اللّه و الرّاسخون في العلم.

فأخبره بالكائنين من أولياء اللّه من ذرّيته أبدا الى يوم القيامة و أخبره بكلّ عدوّ يكون لهم في كلّ زمان من الأزمنة حتّى فهم

ذلك كلّه و كتبه ثمّ أخبره بأمر ما يحدث عليه و عليهم من بعده فسئله عنها فقال الصّبر الصّبر و أوصى الى الأولياء و أشياعهم بالصّبر و التسليم حتّى يخرج الفرج و أخبره بأشراط أوانه و أشراط تولّده

______________________________

(1) في بحار الأنوار ج 17 ص 137 روى الخبر و فيه مكان كلمة «قبالك» كلمة «ظهرك».

(2) الجدة كأنه مصدر جد يجد: أي صار جديدا- بحار الأنوار- ج 7 ص 281. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 160

و علامات تكون في ملك بني هاشم فمن هذا الكتاب استخرجت أحاديث الملاحم كلّها و صار الوصي إذا أفضى إليه الأمر تكلّم بالعجب.

رابعها: علم الموسيقى الّذي يقال له الموسيقار بمعنى النغم و الألحان و لذا قيل:

إنّ موضوعه الصوت المشتمل على الألحان المخصوصة. و المشهور أنّ مخترع هذه الصناعة هو الفارابي «1» و به سمّي معلّما ثانيا.

و ما يقال: إنّه وقع في تراجم فرفوريوس «2» انّه قال للمعلم يعني أرسطاطاليس «3» حين فرغ من المنطق: هل أبقيت شيئا؟ قال: نعم ما دوّنته نصف مادّة الألفاظ و بقي في النفس شي ء لا يدخل تحت الألفاظ بل هو مجرّد الهواء.

ففيه أنّه قد يقال: إنّه إشارة إلى الهندسة الّتي هي أيضا كالمنطق من البراهين على انّهم أجمعوا على أنّ المعلّم الثاني هو الّذي الّف و أبدع، و قسّم و نّوع و رتّب

______________________________

(1) محمّد بن محمّد بن طرخان أبو نصر الفارابي المعلم الثاني أكبر فلاسفة المسلمين تركي الأصل مستعرب. ولد في فاراب على نهر جيحون سنة 260 ق و انتقل الى بغداد و ألّف بها أكثر كتبه و رحل الى مصر و الشام. و اتصل بسيف الدولة بن حمدان. و توفي بدمشق سنة 339 ق،

قيل كان زاهدا في الزخارف. يميل الى الانفراد بنفسه، و لم يكن يوجد غالبا في مدة إقامته بدمشق إلّا عند مجتمع ماء أو مشتبك رياض، له نحو مائة كتاب منها المدخل صناعة الموسيقى.

- وفيات الأعيان ج 2 ص 76- الأعلام للزركلي ج 7 ص 242.

(2) فرفوريوس من أهل مدينة صور من ساحل الشام و له التقدم في معرفة كلام أرسطو و اتحاد العاقل و المعقول في الفلسفة منسوب اليه و كذا ايساغوجي في المنطق (الكلّيات الخمسة) ولد في صور و توفي سنة 204 ق. م.

(3) أرسطاطاليس أو أرسطو هو المعلّم الأول تلميذ أفلاطون و اليه انتهيت فلسفة اليونانيين و ينسب اليه الحكمة المشاء و له تصانيف كثيرة و وثيقة، نقل كثير منها الى العربية في زمن المأمون العباسي ولد سنة 384 قبل الميلاد و توفي سنة 322 ق. م.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 161

الألحان و وقف الأمراض و الأبدان و حرّر النسب الفلكية في النغم- و الأصوات و ركّب في ذلك بعض الآلات.

قال شيخنا البهائي في كشكوله: علم الموسيقى علم يعرف منه النغم و الأيقاع و أحوالها و كيفيّة تأليف الّلحون و اتّخاذ الآلات الموسيقارية و موضوعه الصوت من وجه تأثيره في النفس باعتبار نظامه. و النغمة صوت لابث زمانا تجري فيه الألحان مجرى الحروف من الألفاظ و بسائطها سبعة عشر و أوتارها أربعة و ثمانون و الأيقاع اعتبار زمان الصوت و لا مانع شرعا من تعلّم هذا العلم و كثير من الفقهاء كانوا مبرّزين فيه. نعم الشريعة المطهّرة على صادعها أفضل السّلام منعت من عمله و الكتب المصنّفة فيه إنّها مسموعة على العموم من أيّ آلة اتفقت و صاحب العمل إنّما يأخذها على أنّها

مسموعة من الآلات الطبيعيّة كالحلوق الإنسانيّة و الصناعيّة كالآلات الموسيقاريّة. و أمّا ما يقال: من أنّ الألحان الموسيقيّة مأخوذة من نسب الاصطكاكات الفلكيّة فهو من جملة رموزهم إذ لا اصطكاك في الأفلاك و لا قرع فلا صوت انتهى.

و على كلّ حال فالإعراض عن فنون هذه الصناعة كعلم الأيقاع و معرفة النقرات و كيفيّة تألّف الأصوات و علم النسبة و تفكيك الدائرة و التلحين و غيرها اولى، كما إنّي أعرضت عن تعلّمها و الاشتغال بها رأسا فإنّه مع كونه من تضييع العمر الّذي نسئل اللّه العافية منه لا تحصل الخبرة فيها إلّا بالممارسة العمليّة المحرّمة في الشريعة المطهّرة النبويّة (على صادعها ألف ألف سلام و تحيّة).

نعم قد يعدّ من فروعها علم العروض الّذي ربما يعدّ منه علم القواعد أيضا و إن كانت متعلّقة بالأمور المحتاجة إلى المادة تحققا و تعقلا فهي الحكمة الطبيعيّة الّتي موضوعها الجسم الطبيعي من حيث اشتماله على قوّة التغيّر و لذا يبحث- فيها عن

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 162

الهيولي و الصورة الحركة و السكون و الأجسام العنصرية و الفلكيّة و أحوالها و لوازمها و أعراضها و غير ذلك ممّا يطلب في محلّه. نعم قد حكى الأنطاكي عن المعلّم أنّه قسّم الطبيعي ثمانية أقسام:

الأوّل: علم سماع الكيان بفتح السين على أنّه مصدر سمع و كسرها على أنّه ذكر الأشياء و هو ما يبحث فيه عن الموادّ و الصور و الحركة و السكون و النهاية و اللانهاية و العلل. و المتأخرون سمّوه الأمور العامّة.

قلت: و من الغريب ما وقع في «الأخلاق الناصرية» «1» من تسميته بالأرثماطيقي.

الثاني: علم السماء و العالم، و يبحث فيه عن الأفلاك و العناصر و ارتباطهما و ما يكوّن عن

ذلك و ما فيه من الحكم الالهيّة و أحكام البسائط العلوية و السفلية الثالث: علم الآثار العلوية، و يبحث فيه عن تغيّرات العناصر في أنفسها و استحالاتها و أحكام الصاعدات عندها من بخار و غيره و كيف ارتبطت الحوادث العنصريّة بالحركات الّسماوية و ما علّة حدوث نحو الّصواعق و قوس قزح و ذوات الأذناب و غيرها بعد العناية الالهيّة و هل هي علامات لحوادث الدهر أم لا. قال الأنطاكي: و هذه المكوّنات قد ألحقتها بالمواليد الثلاث و جعلت المواليد أربعة رعاية لمطابقة المزاج العنصري، و سمّيتها بالآثار الناقصة، و لم أسبق إلى ذلك.

الرابع: علم الكون و الفساد، و سمّاه بذلك لتعلّقهما بالمركّبات يبحث فيه عن

______________________________

(1) أخلاق الناصري كتاب في الأخلاق فارسي لنصير الدين الطوسي ألفه بقهستان لاميرها ناصر الدين المحتشم لما التمس منه ترجمة كتاب «طهارة الاعراق» في الحكمة العمليّة لعلي بن مسكوية فضمّ إليه قسمي المدني و المنزلي.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 163

كيفيّة كيان المواليد الثلاثة و استقصاء أنواعها و أشخاصها و آجالها و تدابير أمورها و صورها و بيان علل ذلك.

الخامس: علم المعادن و كيفيّة انقسامها، و أنّها إمّا تامّة جامدة كالياقوت أو تامّة متطرقة كالذّهب و الفضّة أو ناقصة صحيحة سيّالة كالزئبق أو شعاّلة كالكبريت أو فاسدة يرجى صلاحها و ننقلها إلى كيان آخر مثل الكحل أو لا مثل الزاج و ما وجه تولّد كلّ ذلك.

السادس: علم النباتات يبحث فيه عن موادّه من العصارات و المياه و عن تقسيمه إلى ما ينبت و يستنبت إمّا من بذر أو قصب أو ثمر و أنّ كلّا إمّا طويل أو قصير و الطويل إمّا كامل و هو ما جمع الأصول و الفروع و الورق

و الحبّ و الثمر و الصمغ و الليف و القشر و العصارات كالنخل و الناقص ما كان عادما أحدها و ناقص الناقص هو ما عدم الأكثر.

السابع: علم الحيوان، و يبحث فيه عن موادّ صوره و أنواعه و أصنافه و مبادئ حركاتها الإراديّة و احكام نفوسها و قويها.

الثامن: علم النفس من حيث هي كيفيّة بثّها في الجماد و النبات و الحيوان و الإنسان و أنّ هذه النفوس هل هي متغايرة بالذّات أو بالنقصان و الكمال و أنّ النفس الإنسانية باقية بعد انحلال هذا الهيكل. هذا حاصل ما ذكره مع زيادة تحرير.

و أما فروعها فكثيرة جدّا كعلم الطبّ الّذي يعرف منه أحوال الإنسان من جهة ما يعرض لها من صحة و مرض لتحفظ الصحّة الحاصلة و تستردّ زائلة و ينقسم إلى نظري يبحث فيه من الأمور الطبيعيّة و الستّة الضروريّة و أحوال البدن و كليّات التدابير و غيرها، و عمليّ يبحث فيه من الأمراض الجزئيّة و أسبابها و علاماتها و علاجها و غيرها ممّا يلحقها. و منه يظهر أنّ علم الجراحة و جبر الكسر و الكحالة

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 164

و غيرها من عمل اليد حتى الحجامة و الفصادة كلّها من الطبّ و إن افردوا بعضا منها بالتصنيف أو بالصنعة.

و علم معرفة الأدوية و العقاقير الّذي أفردها بالتصنيف ويسقوريدوس بعد ما صرف عمره في استقصاء أنواعها و طبائعها و آثارها و منافعها و مضاّرها ثمّ وسع فيه المتأخرون بعد تلاحق الأفكار و التجارب المكرّرة في مدى الأعصار بل الحقه كثير منهم بالطبّ مع كونه من مبادئه كما ألحقوا به قوانين معرفة الأمزجة و كيفيّة التراكيب و خواصّها بل خواصّ المركّبات و كيفيّة تراكيبها و أجزائها و غيرها

ممّا سمّوها بالإقرابادين الّذين يضرب المثل لا كذب الكذب عند الأدباء بإقرابادين «1» الاطبّاء.

و علم السنبره بمعنى القوانين يذكر فيه أن كلّ نوع من أنواع النبات يحتاج إلى اثني عشر قانونا معرفة حفظه و زمن غرسه أو زرعه و ما ماهيّته من يوم ينبت إلى يوم قلعه و يخدمه أيّ كوكب و كم يبقى حتّى تسقط قواه فلا يستعمل في دواء بعدها، و بم يعرف الصحيح و الفاسد منه، و بأيّ شي ء يغشّ و كيف يعرف، و ما درجته و ما نفعه، و ما القدر المأخوذ منه في اختلاف الأبدان و البلدان و الفصول و الإنسان و ما ضرره و ما إصلاحه، و بما يبدّل عند العدم، و أكثر مسائله مأخوذ من العلم السابق و من الفلاحة.

و علم التشريح الّذي يبحث فيه عن أعداد الأعضاء الأصلية البدنيّة و المركب الآليّة و أجزائها و كيفيّة وضعها و غير ذلك ممّا يلحقها، و تعيين الرئيسيّة الّتي هي

______________________________

(1) اقربادين لفظة فارسية معناها فن تركيب الادوية، وافر نجيتها يونانية الأصل: و كان غير منفصل عن الطب ثم صار فنا قائما برأسه- دائرة المعارف للبستاني ج 4 ص 86.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 165

القلب و الدماغ و الكبد و الأنثيان، إذ في الأوّل قوّة الحياة، و في الثاني قوّة الحسّ و الحركة، و في الثالث قوّة التغذية المحتاج إليها في بقاء الشخص بل في إمداد الروح الحيواني و النفساني، و في الرّابع قوّة التوليد و حفظ النسل المحتاج إليه في بقاء النوع، لكن الرئيس على الإطلاق القلب الّذي هو ينبوع الحرارة الغريزية المصلحة المدبّرة للبدن بإذن اللّه و هو أوّل متكوّن في الحيوان و منه يسري قسط من الروح

الى الدّماغ الّذي يفاض عليها فيه و لو بمعونة قبول الآلات و صلاحيّة المحلّ للرّوح النفسانيّة الّتي هي منشأ الحسّ و الحركة كما أنّه يسري منها قسط، الى الكبد و الأنثيين فيقويان بها على أفعالهما و لعلّك بما ذكرناه تقدر على دفع ما قيل في إطلاق رئاسة غيره مع أنّ في النواميس الشرعيّة إشارات الى ما ذكرناه و ستسمعها في موضعها. ثمّ إنّ هذا العلم أيضا من مبادئ الطبّ و إن كان الأظهر أنّه منه.

و علم الخواصّ الذي يبحث فيه عن خاصيّة العقاقير و المراد بها كلّ فعل لا يتخلّف بعد مباشرة الفاعل القابل دون استناد الى طبع بل الى الصورة النوعيّة قيل: و هي إمّا مطلقة و هي الفاعلة بلا شرط أصلا كجذب المغناطيس الحديد، أو بشرط متعلّق بالزّمان خاصّة كإبطال شهوة النكاح ببذر الفرفخ «1» شتاء، أو بالمكان كالقتل بالبنج في أرض فارس خاصّة، أو بشي ء معيّن من جنس ككيّ الثالول بذكر التين، أو عضو معيّن كخززة الزعفران على الفخذ الأيسر للولادة، أو وزن معيّن يخلّ تغييره بالمطلوب ككونها عشرة محرّرة الى غير ذلك. و هل يعلّل فعل

______________________________

(1) الفرفخ: معرّب (پر پهن) أي عريض الجناح، و يقال لها أيضا خرفه و رجلة قال الطريحي في «مجمع البحرين»: في الحديث: «ليس على وجه الأرض بقلة أشرف من الفرفخ» و في «في» عنهم عليهم السّلام: سمّوها بنو أميّة البقلة الحمقاء بغضا لنا و عداوة لفاطمة عليها السّلام.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 166

الخواصّ أم لا؟ قيل: أكثر الحكماء على الثاني، قال الأنطاكي: و المتّجه هو الأوّل لتحرّي المشاكلة و النسبة الفلكيّة و شهادة الأكوان و الأكوان و متعلّقها المواليد الثلاث و الكواكب و علم الفلاحة.

و

علم الصناعة الأكسيريّة الّذي قد تاه في بيداء طلبه كثير ممّن استولى الشيطان عليهم فأنساهم ذكر اللّه، أولئك حزب الشيطان ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون، و لذا ترى كثيرا ممّن صرف فيه أعمارا طويلة و أموالا جزيلة لا حاصل لهم سوى أعين عمش كليلة، و أدمغة مختبطة عليلة، و نفوس لشدّة الفاقة ذليلة، و قد فاتت عنهم مراتب عظيمة جليلة، و هم مع ذلك يشتغلون لرجاء تحصيل شي ء من الغشّ و التركيب و الإكسير بصنوف العقد و الحلّ و التشويه و التنكيس و التقطير، و لا يظفرون فيها إلّا بأدخنة متصاعدة و أرمدة متقاعدة. فصار وجود العنقاء، و طلبهم له طلب الحمقاء لا يستشمّون منه إلّا روائح الكبريت و الزرنيخ، و لا يستمدّون إلّا من سواد زحل و نحوسة المرّيخ، فإذا قدم عليهم في بلدهم من يدّعي شيئا من ذلك ظنّوا به كلّ خير، و استمكنوا له في كلّ ضير، و بادر كلّ منهم مستخفيا إليه في السير لئلّا يطّلع الغير، و هو يشتدّ عليهم و على أموالهم الغارة بعد الغارة، و يتلعّب بهم تلعّب السنّور بالفأرة، يستعجلون الفقر الدائم طمعا في الغنى، و يرضون بالمنيّة لنيل المنى، يتّبعون كلّ شيطان مارد، و يضربون في حديد بارد، و إذا سمعوا

أنّ مولانا أمير المؤمنين (روحي له الفداء) قال: إنّ الكيمياء في الأسرب و الزّاج و الزّئبق الرجراج و الحديد المزعفر و النحاس الأخضر

، و

أنّه قال: إنّها أخت النبوّة و عصمة المروّة و الناس يعلمون ظاهرها، و أنا أعلم ظاهرها و باطنها

، و

قال (عليه السّلام): ما هو إلّا ماء جامد و هواء راكد و أرض سائلة و نار حائلة

، و

قال (عليه السّلام): خذ الفرّار و الطلقا،

البيتين.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 167

و

أنّ مولانا (عليه السّلام) قال: الرّصاص فضّة مبروصة من قدر على علاجها انتفع بها

«1» الى غير ذلك ظنّوا أنّهم سيطّلعون عليها بمعونة القرع و الأنبيق.

أو يحلّون عقدها بنداوة القعر العميق، أو بحرارة النار النمروديّة ذات الحريق.

و ما يشعرون أنّ الأصباغ الشعريّة و غيرها من النباتيّة بل المعدنيّة ليست صبّاغة و غواصّة نافذة صابرة ثابتة رزينة امينة.

و بالجملة فقد غشيتهم العطالة و البطالة و الخسران كالّذي استهوته الشياطين في الأرض حيران، و ذلك لأنّهم ضلّوا السبيل و لم يطلبوا المطلوب من الدليل، و لو أنّهم أمنوا و اتّقوا لوجدوا كيمياء السعادة من طريق العبادة و الزهادة فإنّه الاسم الأعظم و الحجر المكرّم، فافهم فإنّي قد أوقفتك على كنوز الأسرار إن وفّقت لحلّ الرموز و كشف الأستار.

و علم معرفة الجواهر الغير المتطرّقه كالياقوت و اللؤلؤ و الزبرجد و الألماس و غيرها و فيه حصر أجناسها و استقصاء أنواعها و معرفة خواصها و آثارها و علاماتها.

و علم التعبير الذي يذكر فيه حقيقة الرؤيا الّتي هي جزء من سبعين جزءا أو

______________________________

(1) لم أجد في كتب الحديث أصلا لتلك الأحاديث و الأبيات المنسوبة إلى المعصومين (عليهم السّلام) في الكيمياء.

نعم نقل في بعض الكتب المتفرّقة بعض هذه الأحاديث مرسلا كما

في نفائس الفنون تأليف شمس الدين محمّد بن محمود الآملي من علماء القرن الثامن ج 3 ص 160 عن علي (عليه السّلام) انه قال: إن في الزّجاج و الزاج و الزئبق الرجراج و قشر بيض الدجاج و الزنجار الأخضر و الحديد المزعفر لكنز لوليّ، فقيل: زدنا يا أمير المؤمنين فقال (عليه السّلام): هو هواء راكد و ماء جامد و أرض سائلة و نار خامدة. تفسير الصراط المستقيم،

ج 1، ص: 168

من ستّة أو أربعة جزء من النبوّة و هي المبشّرات، و فيه سبب توجّه النفس إلى عالمها و اتصالها بمبادئها العالية الّتي يحصل لها به بعض العلوم الحقّة، الواقعة على سبيل المشاهدة النفسانيّة أو الانطباع و الانتقاش الرّوحانيّة و انقسامها إلى الصادقة الّتي هي ما سمعت و الكاذبة الّتي هي من تركيب المتخيّلة ببعض الصور المخزونة في الخيال مع بعض و لذا تسمّى بأضغاث الأحلام، و لكلّ منهما أسباب و معدّات و شرائط داخلة و خارجة كالزّمان و المكان و فراغ النفس و علّوها و اعتياد الصدق و الطهارة و نورانية جوهر النفس و قوّتها و قدرتها على خرق الحجب السبعة و الاعتدال في الأحوال و الأفعال بين طريقي الإفراط و التفريط سيمّا اعتدال مزاجه الشخصيّ و العضوي الدماغي، و غير ذلك ممّا هي كالمعدّات للرّؤيا الصادقة و أضدادها لضدّها و الملفقّ للملفق و معرفة أنّ الرؤيا من أيّ القسمين و تبعيّة التعبير للواقع أو الواقع للتعبير أو كلّ لكلّ على وجه و تطبيق عالمي المثال و الخيال و إن سمّي كلّ بكلّ مع قيدي الاتصال و الانفصال و شرائط المعبّر و التعبير و كيفيته و أنّ هذا العلم إلهامّي أو كسبي أو الهامّي و كسبيّ إلى غير ذلك من المباحث الّتي سنشير إلى تحقيق جملة منها في سورة يوسف و الّصافات و غيرهما إنشاء اللّه.

و علم الفراسة الّذي قيل: هو علم بأمور بدنيّة ظاهرة تدلّ على ما خفي من السجايا و الأخلاق، و أوّل من استخرجه فليمون الرومي الطرسوسي «1» في عهد المعلّم فقبله و أجازه ثمّ توسّع الناس فيه حتى استأنس المسلمون له بقول تعالى:

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ «2» و

لذا يسمّى علم التوسّم أيضا و

بقوله صلّى اللّه

______________________________

(1) قال كاتب چلبي في كشف الظنون ج 2 ص 1342: و لا فليمون كتاب في الفراسة يختص بالنسوان.

(2) سورة الحجر آية: 75. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 169

عليه و آله و سلم: (اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه)

«1» و إن كان الأظهر أنّ التوسّم و الفراسة المشار إليهما في الآية و الخبر أشبه بالمكاشفات الغيبيّة و المشاهدات الإيمانيّة الّتي يراها من ينظر بنور اللّه، و لذا لا يختصّ بخصوص الأخلاق و السجايا بل يجري أيضا في قاطبة الحقائق و القضايا كما أنّه و إن كان يسمّى بالقيافة أيضا لكنّه غير القيافة المحرّمة عند الفقهاء، و هي الاستناد إلى علامات و مقادير يترتّب عليها إلحاق بعض الناس ببعض بمجرّد المشابهة الّتي لا عبرة بها أصلا في الشريعة بعد مشاهدة عدم مطابقتها للنسب الشرعي بل الحقيقي أيضا سيّما بعد إناطة الإلحاق في الشريعة على الولادة على الفراش و الإقرار، و غير هما من الطرق الشرعيّة الّتي ليست منها القيافة الّتي تعرف بها الأنساب وقفوا لآثار الجاهليّة، و لذا حكموا بحرمتها إذا جزم بها أو ترتب عليها محرّم، و الّا فلا حرمة لها و إن كان ربما يقال: انّها من الكهانة بل

عن الصادق (عليه السّلام): من تكهّن أو تكهّن له فقد بري ء من دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله قيل: فالقيافة. قال (عليه السّلام): ما أحبّ أن تأتيها، قيل: ما يقولون شيئا إلّا كان قريبا ممّا يقولون فقال عليه السّلام: القيافة فضلة من النبّوة ذهبت من الناس حيث بعث النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم)

______________________________

(1)

في بحار المجلسي (قدس سره) ج 9 ص 278 ط

القديم عن محمّد بن حرب الهلالي أمير المدينة يقول: سألت جعفر بن محمّد (عليه السّلام) فقلت: يا ابن رسول اللّه في نفسي مسألة أريد أن أسئلك عنها فقال إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسئلني و إن شئت فاسئل قال:

قلت: يا ابن رسول اللّه بأي شي ء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي؟ فقال (عليه السّلام): بالتوسّم و التفرّس أما سمعت قول اللّه تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ و قول رسول اللّه اتّقوا فراسته المؤمن فانّه ينظر بنور اللّه إلخ. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 170

الخبر

«1» و ان كان الظاهر منه أنّها غير القيافة المحكوم بحرمتها عندهم.

و بالجملة فالأصل فيه موافقة الهيئات و الأشكال البدنيّة للأحوال و الأخلاق النفسانيّة على سبيل التابعيّة أو المتبوعيّة على خلاف فيه يأتي في موضعه إن شاء اللّه و على الوجهين يستدلّ بها عليها، بل قد يستكشف بها بعض العواقب من الأرزاق و الاعمار و السّعادات و أضدادها، و أصولها عندهم مأخوذ من أصلين: التجربة طول الزّمان حيث إنّهم تأمّلوا غالب الأشخاص و ما يصدر منهم ثم عدّوا ما استمرّ مطابقا أصلا يرجع إليه و القياس على حيوانات العجم، و لذا صرّح صاحب الصناعة بانّه إنّما حكم على واسع الصدر غليظ المنكبين بالشجاعة قياسا على الأسد فإنّه كذلك، و لم يجعل هذه العلامة دليلا على الكرم مع أنّ الأسد كريم أيضا لاتّصاف النمر بها و هو شحيح سجيع، و هكذا باقي الأحكام فلا بدّ من النظر في تركيب العلامات و لزومها و مشاركتها و العمدة فيه هو الحدس الصحيح.

و لذا قال الطرطوسي مبدع الصناعة على ما يحكى عنه: و علمي هذا حرام على الأغبياء لاحتياجه إلى صحّة الفكر و الحذاقة

و الدراية و لعلّك تسمع إن شاء اللّه بعض الكلام فيه في تفسير الآية.

و علم التسخير و العزائم المحرّمة في الشريعة الحقّة، و إن كان المقصود منه استخدام الملائكة و الجنّ و استنزال الشياطين، و تسخير الأرواح للتصرف فيها في النفوس و الأبدان و استكشاف الغايبات، و علاج المرضى، و الاطّلاع على الأخبار البعيدة و خواصّ العقاقير و استجلاب الثمار و الفواكه و الفصة الطرية في غير أو انها إلى غير ذلك ممّا لا يحصل إلّا بأقسام الأقسام و الأعزام و الرّياضيات الشاقّة الصعبة

______________________________

(1) وسائل الشيعة ط الجديد ج 12 ص 108 عن الخصال.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 171

الخطرة الّتي قلّ من يسلم معها من الموت أو الجنون أو اختلاف العقل و ضعف الدماغ و الوسوسة إلى غير ذلك من الضرر الراجع إلى العقول و الأبدان فضلا عن الإيمان الذي لا يكاد يبقى لمن ابتلى بتلك البليّات و أصيب بهذه المصيبات و مع ذلك فلهم في الدنيا ذلّة دائمة و كثافة لازمة و الفقر العاجل و انقطاع النسل و البوار ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب النّار.

و علم النيرنجات و هو فارسيّ معرّب نيرنك و نورنك: أي اللّون الجديد و ربما يقال: النيرنجات بالياء و النسبة المشدّدة و هي إظهار غرائب خواصّ الامتزاجات أو أنّها التخيّلات و الأخذ بالعيون الّتي لا ينكر أغلاطها سيمّا مع السرعة و الخطفة، و شدّة الإشتغال بالشواغل الحسيّة، و لذا قيل: إنّها قريبة أو متّحدة مع الشعبدة الّتي عرّفوها بالحركات السريعة الّتي تترتّب عليهما الأفعال العجيبة بحيث يخفى على الحسّ الفرق بين الشي ء و شبهه. فيحكم الرائي له بخلاف الواقع، و لذا قيل: إنّ المشعبد يأخذ

بالعيون يعني إلى غير الجهة الّتي يحتال فكلّما كان أخذه للعيون و الخواطر و جذبه لها إلى سوى مقصوده أقوى كان أحذق في علمه كما أنّه كلّما كانت الأحوال الّتي تفيد حسّ البصر نوعا من أنواع الخلل أشدّ كان هذا العمل أحسن.

و بالجملة فبناء العمل فيها على الإغراء و التدليس و اللهو بل السحر و غيرها من الأباطيل الّتي ورد النهي عنها في الكتاب و السنة، و لذا أجمع الأصحاب على حرمة تعليمها، و التكسب بها كإجماعهم على حرمة السحر تعليما و تعلّما و تكسّبا و عملا بل ظاهر قوله تعالى: وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ «1» حصول الكفر بمجرّد تعليمه و

في النبوي: (ساحر المسلمين يقتل

______________________________

(1) البقرة: 102. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 172

و ساحر الكفّار لا يقتل)

«1» و

في العلوي: (من تعلّم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر و كان آخر عهده بربّه و حدّه أن يقتل)

«2» بل المشهور عدّ النيرنجات و الشعوذة و السيميا و غيرها منه، و لذا قال الشهيد في «الدروس»: تحرم الكهانة و السحر بالكلام و الرقية و الدخنة بعقاقير الكواكب و تصفية النفس و التصوير و العقد و النفث و الأقسام و العزائم بما لا يفهم معناه، و يضرّ بالغير فعله و من السحر الاستخدام للملائكة و الجنّ و الاستنزال للشياطين في كشف الغائب و علاج المصاب، و منه الاستحضار بتلبّس الروح ببدن منفعل كالصّبي و المرأة و كشف الغائب عن لسانه، و منه النيرنجات و هي إظهار غرائب خواصّ الامتزاجات و أسرار النيّرين، و يلحق به الطلسمات و هي تمزيج القوى العالية الفاعلة بالقوى السافلة المنفعلة ليحدث عنها فعل غريب

فعمل هذا كلّه و التكسب به حرام، أمّا علمه ليتوفّى أو لئلّا يغترّ به فلا و ربّما وجب على الكفاية ليدفع المتنبّي بالسحر و يقتل مستحلّه و يجوز حلّه بالقرآن و الذكر و الأقسام لا به و عليه

قوله (عليه السلام): و لا تعقد

«3» انتهى «4».

و علم الطلسم الّذي عدّه الشهيد و غيره من السحر و فسّره بما سمعت و عن «وسيلة القاصد» أنّ معناه عقد لا ينحلّ، و قيل هو مقلوب اسمه يعني مسلّط، و قيل:

______________________________

(1) الكافي ج 2: ص 311، التهذيب ج 10 ص 147. وسائل الشيعة ج 18: ص 576.

(2) وسائل الشيعة ج 18: ص 577 بدون كلمات «قليلا أو كثر فقد كفر». و في آخره: «وحدّه القتل إلّا أن يتوب».

(3) الفروع من الكافي ط الجديد ج 5 ص 115 باب الصناعات من كتاب المعيشة.

(4) الدروس ص 325 و في آخر العبارة: و يجوز حلّه بالقرآن و الذكر و الأقسام لا به و عليه يحمل رواية العلا بحله.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 173

إنّه الظلّ بمعنى الأثر يعني إنّه أثر الاسم أو الفعل، و في «الدروس» قيل: الطلسمات كانت معجزات لبعض الأنبياء على نبيّنا و آله (عليه السّلام).

قلت: و ستسمع بعض الكلام في تفسير قوله تعالى: رب العالمين عند الإشارة الى ربّ النوع و في تفسير الآيات المتعلّقة بالسحر.

و علم السيمياء، و عرّفه في «الدروس» بأنّه إحداث خيالات لا وجود لها في الحسّ للتأثير في شي ء آخر، و ربما ظهر الى الحسّ. و عن بعض أهل الصناعة أنّه مزج القوى العالية بالقوى السافلة ليحدث عن ذلك أمر غريب في عالم الكون و الفساد، و قيل: إنّه ربط الطبائع بالطبائع الجسمانية لذلك و لارتباطها

بالطبائع العلوية قالوا: السيمياء روح في الجسد و الكيمياء جسد في الجسد، و لعلّه إليه و إلى غيره من أسرار العلوم المكتومة أشار العبد الصالح آصف بن برخيا في قوله: إنّ الأشكال مغناطيس لأرواحها، و بعض هذه العلوم أسرار و حقائق و غير ما في أيدي الناس. فافهم أنّ ما عرفوا بل سمعوا بعض التمويهات و التخييلات و الخدع و الأباطيل، و أمّا حقائقها فمكنونة في مستجنّات القلوب و علمها معدودة في جملة الغيوب فألواحها صفائح الأرواح و سطورها منقوشة في الصدور و من لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور.

و علم حصر الأعمار بالانفاس المستأنس له بقوله تعالى: إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا «1» و

بالعلوي المذكور في النهج: اعلموا عباد اللّه أنّ عليكم رصدا من

______________________________

(1) مريم: 84. قال الطريحي في مجمع البحرين في كلمة عدد: قوله تعالى: فَسْئَلِ الْعادِّينَ بتشديد الدال المراد بهم الملائكة تعد الأنفاس، و مثله قوله: نَعُدُّ لَهُمْ يريد به عد الأنفاس كما جاءت به الرواية عن الصادقين عليهم السلام. المراد بالرواية ما رواه محمّد بن يعقوب بإسناد تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 174

أنفسكم، و عيونا من جوارحكم و حفّاظ صدق يحفظون أعمالكم، و يعدّون أنفاسكم «1».

و بالجملة فقد توهّم قوم من الهنود أنّ الاعمار محصورة بالأنفاس فيرتاضون بحبس الأنفاس و تقليلها، و يستعينون على ذلك بترك الأطعمة الحيوانيّة من الّلحم و اللبن و البيض و غيرها، و الاقتصار على الأغذية النباتية إلى أن يبلغوا حدّا يكتفون في يوم أو يومين بل أيّام عديدة بنفس واحد ثم تحتبس النفس في أدمغتهم فلا يتحلّل شي ء من أبدانهم أصلا، و مع تحلّل شي ء يسير من رطوبتها فربما تستمّد الطبيعة من بدلها

من الهواء المجاور بواسطة المنافذ الضيّقة المنتشرة في أطراف البدن فيعيشون بلا غذاء و يزعمون أنّه ينكشف عليهم حينئذ أو بعد أزمنة طويلة شي ء من الحقائق و المعارف و لهم في ذلك قصص و حكايات لا مساغ للعقل إلى التصديق بأمثالها.

الثاني من أقسام الحكمة العقلية هو الحكمة العمليّة الّتي يكون المقصود منها العمل و إن كان كثير من العلوم المتقدّمة أيضا كذلك إلّا أنّنا، تابعناهم في اصطلاحهم، و عرّفوها بأنّها معرفة مصالح الحركات الإرادّية و الأفعالية الصناعية لنوع الإنسان من حيث إنّه يؤدّي إلى النظام الأتمّ الأصلح فيما يتعلّق بمعاشه و معاده، و قسّموها إلى أقسام ثلاثة لأنّها إمّا أن يتعلق بكلّ نفس بانفرادها، و تسمّى سياسة النفس، و علم تهذيب الأخلاق أو بها و بما تحتاج إليه من شهوات قواها الثلاثة الّتي هي الناطقة و الشهوية و الغضبيّة، يسمّى تدبير المنزل، و كان أرسطو يسمّيه المدينة

______________________________

عن الصادق عليه السلام كما في تفسير البرهان ج 3 ص 22.

(1) في ظلال نهج البلاغة: الخطبة 155 ج 2 ص 413.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 175

الفاضلة أو بما يعمّ من ليس لهم مشاركة معه في المنزل و البيت و الدار بل يعرف بها الأحوال الكليّة الّتي تشترك فيها أهل البلدان و الأقاليم، و هو السياسة الملكيّة و السلطانيّة قالوا: و هذا كلّه فيما إذا كان مبدء الحكم فيها العقول المستقيمة و التجارب الصحيحة و هذا في الأحكام الّتي لا يختلف فيها الشرائع و الأديان. و أمّا ما يختلف باختلاف الأدوار و تقلّب الأطوار و الآثار فمبدؤها هو الوضع لا الطبع.

ثمّ الواضع إن كان اتفاق جماعة فيما يتعلّق بأمر المعاش فهو علم الآداب و الرسوم العرفّية و إن كان

شخصا مؤيّدا من عند اللّه مخصوصا بالفيوض الربانيّة و الإلهامات الالهيّة الّتي منها الوحي و العصمة و المعجزة فهي الدولة النبويّة و النواميس الإلهيّة الّتي ختمها اللّه سبحانه بالشريعة الحقة النبوية المصطفويّة المشتملة على جميع العلوم الحقّة الالهيّة و الأسرار المصونة الربانية ممّا يتعلّق بالتوحيد و المبدء و المعاد و معاش العباد من حيث الوحدة و العشرة و العبادة بما يحفظ به المقاصد الخمسة الّتي هي العقل و النفس و الدين و النسب و المال و غير ذلك من أسرار علم الأخلاق، و السياسة البدنيّة و المدنيّة و العشرة مع الأهل و الأولاد و الإخوان، و غيره من افراد الإنسان إلى غير ذلك ممّا يجد المتأمّل فيها جميع محفوظات الحكماء السالفين في طوال تلك الأدوار و السنين بل و جميع ما أورثت الأمم من الأنبياء و المرسلين و الأوصياء الصدّيقين بالنسبة إلى ما ورثنا اللّه سبحانه من نبيّنا و آله الطاهرين (صلوات اللّه عليهم أجمعين) كقطرة من المحيط و شعرة في البسيط.

و امّا الحكمة الشرعيّة، فتنقسم إلى اصوليّة و فروعيّة، و المراد بالأولى المسائل الاعتقادية الّتي لا تتعلّق بكيفيّة العمل سواء وجب الإعتقاد بها في الشريعة على عامّة الناس بحيث لا يعذر جاهلها، و هي أصول الأصول أو لا يجب معرفتها

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 176

جميع طبقات الناس لاختلاف أفهامهم و مراتبهم في العلم و المعرفة، و هي فروع الأصول، فكلّ من الأصول الخمسة الإسلاميّة بل الإيمانّية و إن كانت عن أصول الأصول لكنّ المباحث المتعلّقة بكلّ منها بعد الاتّفاق على الأصول كالبحث عن الصفات الذاتيّة و الفعليّة و الفرق بينهما و تعيين كلّ منهما و البحث عن خصوص كلّ من الصفات فيه سبحانه و

الاشتراك اللفظي و غيرها من المباحث كلّها من فروع الأصول، كما أنّ المسائل العمليّة المتعلّقة ببيان أحكام أفعال المكلّفين هي فروع الفروع و القواعد الكلّية الّتي يستنبط منها تلك الأحكام كقاعدة اليد و الإقرار و الضرر و السلطنة و غيرها من القواعد الكلّية هي أصولها.

و بالجملة فيبحث في الأصول الشرعيّة عن الوجود و انقسامها على سبيل الاشتراك اللفظي إلى الأقسام الثلاثة الّتي هي الوجود الحقّ و الوجود المطلق و الوجود المقّيد و بيان التوحيد في المقامات الأربعة الّتي الذّات و الصفات و الأفعال و العبادة، و الفرق بين مقام الأحدّية و الواحدّية و أنّ كمال التوحيد نفي الصفات و أنّها تنقسم إلى ذاتّية هي عين الذّات بلا مغيرة أصلا لا في الخارج و لا في الذهن، و لا بحسب الإعتبار و إلى فعليّة مخلوقة في مرتبة بالإمكان و الأكوان، و أيضا إلى جماليّة و جلاليّة و إن كان الكلّ قدسّية تنزيهيّة، و بيان معنى القدم و الحدوث، و أنّ كلّا منهما إمّا حقيقي أو اضافي ذاتيّ أو غيري، و أنّ الأزل و الأبد نفس الذات لا من الأوعية الّتي هي السرمد و الدهر و الزمان، و أنّ الارادة و الكلام و المشّية كلّها من صفات الفعل فهي حادثة مخلوقة، و أنّ القران حادث مخلوق غير مختلق و لا مختلف، و تحقيق معنى الاسم و الفعل، و أنّ الأول ما يدلّ على المسمّى و الثاني أثر الفاعل و انقسام الأسماء إلى الحسنى و السوءى، و شرح الأسماء الحسنى، و خصوص التسعة

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 177

و التسعين الّتي من أحصى ألفاظها أو معانيها أو التحقّق و التخلّق بها دخل الجنّة «1» و تعيين الاسم المقدّم الجامع

و الاسم العظيم الأعظم، و كيفيّة المداومة على كلّ اسم من أسماء اللّه و شرائطها و آدابها و أعدادها، و التكلّم في روحانياتها، و بيان مباحث العدل، و سبب ذكره بخصوصه من جملة أصول الدين دون غيره من صفات الأفعال بل و من صفات الذات أيضا، و إبطال الجبر و القدر و تعيين الأمر بين الأمرين،، و أنّ حقيقة الفعل هو الوجود المطلق المنقسم الى المشيّة و الإرادة و القدر و القضاء و الإمضاء، و أنّ صفات الفعليّة مرجعها الى المشيّة الفعليّة الّتي خلقها اللّه بنفسها و أمسكها في ظلّها، و أنّ المشيّة بقسميها أعني الإمكانيّة و الكونيّة حادثة كحدوث الأعيان الثابتة في مراتب المشيّة ردّا على من زعم أنّها غير مجعولة بل هي قديمة كقدم بعض الصفات الّتي يسمّونها المعاني و الأحوال و غيرها، و أنّ أوّل ما خلق اللّه نور نبيّنا محمّد و آله الطّاهرين (صلوات اللّه عليهم أجمعين) «2» و بيان حقيقة المعجزة

______________________________

(1) اشارة إلى الحديث الذي رواه الفريقان عن المعصوم كما

روي الصدوق في توحيده عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) انه قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى تسعة و تسعين اسما مائة الّا واحدة من أحصاها دخل الجنّة إلخ

و كما

روي السيوطي في الدر المنثور انه سأل الباقر (عليه السلام) أباه السجاد (عليه السلام) عن الأسماء التسعة و التسعين التي من أحصاها دخل الجنّة فقال (عليه السلام): هي في القرآن ففي الفاتحة خمسة أسماء: يا اللّه. يا رب يا رحمن يا رحيم. يا مالك إلخ.

(2) الأخبار بهذا المضمون كثيرة منها

ما رواه المجلسي قدس سره في بحار الأنوار ج 15 ط. الجديد ص 23: عن أبي جعفر عليه السلام

قال لجابر الجعفي: يا جابر كان اللّه و لا شي ء غيره، لا معلوم و لا مجهول، فأول ما ابتدأ من خلقه أن خلق محمدا (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و خلقنا أهل البيت من نور عظمته إلخ. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 178

و الكرامة و أنواعهما و مراتب المعراج، و خصوص ما اختصّ به نبيّنا (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و أنّ جميع الأنبياء و المرسلين و الملائكة المقرّبين و العباد الصالحين بل الجنّة و طينة عليّين كلّها مخلوقة من أشعّة أنوارهم و تجلّيات أطوارهم على حسب تدرّج المراتب و ترتّب الدرجات، و بيان المراد بالنبوّة و الولاية المطلقتين و المقيّد في مقام التكوين و التشريع، و بيان النسب بين الثمانية، و أنّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) كان متحقّقا بجميع ذلك بنفسه، و بأوصيائه، و بسفرائه المبعوثين الى جميع الأمم الّذين منهم الألف ألف آدم في ألف ألف عالم، و بيان عالم الذرّ و تعدّده، و كيفيّته، و سبب الإجابة و الإنكار، و أنّ من أجاب خلق بصورة الإجابة و من أنكر خلق بصورة الإنكار، و بيان، السرادقات النوريّة و الحجب الّتي هي سبعون ألف حجاب من نور و ظلمة و العرش و الكرسي و القلم و لوحي المحو و الإثبات و سائر الألواح الجزئيّة و لوح القدر و القضاء و البداء و حقيقته و موضعه من الكون، و حملة العرش و أصناف الملائكة من العالين و الكرّوبيّين و الصّافين و الحافّين و غيرها ممّا لا يعلم عدد أنواعها فضلا عن أشخاصها إلّا اللّه و الراسخون في العلم الّذين أشهدهم اللّه خلق السماوات و الأرض، و بيان المجرّدات

و الملأ الأعلى العالية عن الموادّ الخالية عن القوّة و الاستعداد، و كيفيّة ترتّب العوالم و تنزّلها من الدرّة الى الذرة، و بيان العمق الأكبر، و الأرض الجرز، و أرض الزعفران، و ورق الأس، و ورق الزيتون، و خلق النور و الظلمة و طينة عليّيين و سجّين، و بحر نون و صاد و المزن، و طينة خبال، و تلاقي الرشحات النازلة عن الأولى و الأدخنة الصاعدة عن الثانية في هذا العالم الّذي هو ملتقى البحرين و البرزخ في البين، و أنّ حقيقة النور هو قبول الولاية و الظلمة إنكارها، و عرض ولاية النبيّ و الأئمّة عليهم الصلاة و السلام على أهل جميع العوالم و جميع الآدميين، و أنّهم هم الحجج على جميع ما خلق اللّه تعالى و تحقّقهم في

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 179

مقام الخضوع و الانقياد و العبوديّة الّتي كنهها الربوبيّة إذ مربوب و بيان بدو خلقهم و كينونتهم، و ميمنتهم، و علمهم، و معرفتهم بالنورانيّة و تصرّفهم في الملك و الملكوت، و اختصاصهم بمزايا الّتي اصطفاهم اللّه لمعرفتها و علم الخلفاء و التقلّب في القوالب المثاليّة، و علم طيّ الزمان و المكان و القرائة، و سائر الحركات، و علم نشر كلّ ذلك و علم التكسير و الإكسير و الجفر و الجامعة و صحيفة جدّتنا فاطمة الزهراء (روحي لها الفداء، و على أبيها و بعلها و بنيها و عليها أفضل الصلاة و الثناء) و علم البلايا و المنايا، و معرفة الأنساب و فصل الخطاب، و معرفة حقائق هذه العلوم و غيرها من غرائب علومهم و عجائب أحوالهم و أطوارهم في جميع النشئات، و في هذه النشأة السفلية الناسوتيّة الّتي كانوا مخلوقين قبلها بألوف

من السنين بل كان نور نبيّنا خاتم النبيّين (صلّى اللّه عليه و آله أجمعين) مقدّما في الخلق على نور خاتم الوصيّين الّذي هو عينه و نفسه حيث خلقهم اللّه تعالى نورا واحدا بثمانين ألف سنة من سني الربوبيّة الّتي كلّ يوم منه كألف سنة ممّا تعدّون فما ظنّك بتقدّمهم على غيرهم من المنغمسين في الغواسق الظلمانيّة الهيولانيّة الّتي تتقدّم خلق أرواحها عليها بأربعة آلاف عام أو بسبعين ألف عام، و معرفة المراتب الأربعة للعقل النظري و العملي و إبطال العقول العشرة، و بيان العقول الجزئيّة الّتي هي من رؤوس المشيّة و بيان الأرواح الخمسة الّتي خامسها روح القدس، و بيان حقيقتها و رتبتها و تأييدها، و مغايرتها، للروح الّتي هي من أمر الربّ، و أقسام النفوس الأربعة الّتي هي نامية نباتيّة، و حسيّة حيوانيّة، و ناطقة قدسيّة، و كليّة الهيّة، و السبعة الّتي هي الأمّارة، و الملهمة، و اللّوّامة، و المطمئنّة، و الرّاضية، و المرضيّة، و الفائزة، و كيفيّة تزكية النفس و رياضتها بالتخلّي من الرّذائل و التحلّي بالفضائل، و بيان تبعيّة التشريع للتكوين، و سبب التكليف، و بعث الأنبياء و نصب الأوصياء، و حقيقة العصمة، و تجلّيها على

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 180

قلوب شيعتهم على حسب قربهم، و عدم خلوّ أرض الأكوان عن الحجّة، و أنّها لو خلت منها ساعة لساخت بأهلها و رجعت الى عدمها، و كيفيّة ظهور التوحيد في الدول الثلاث الّتي هي دولة النبوّة و الولاية الظاهرة و الولاية الباطنة، و أنّ الأمر في غير الأخيرة على الامتزاج و الاختلاط و لطخ الطينين، و تلاقي البحرين و تشابه الحركتين، و فيها على صريح الحق و محض التوحيد، و بيان سرّ

الغيبة، و وجه انتفاع الأنام به (عليه السلام) في التكوين و التشريع حالة الغيبة و غيرها نوّابه الخاصّة و العامّة، و الأوتاد و الأركان و الأبدال و السيّاح و البدلاء و النخباء و النقباء و رجال الغيب المشار إليهم في دعاء أمّ داود «1» و في حديث جابر و غيره، و ترتيب طبقاتهم و مراتبهم و شئونهم، و سرّ الدّعاء و الإجابة و التوسّلات و الرّياضيّات و التوجّهات و المنامات المبشّرات و الاطّلاع على المغيّبات، و بيان كيفيّة الرجعة و ظهور الدولة الحقّة، و أنّ لكلّ نفس ميتة و قتلة، و حقيقة الموتتين و النفختين و ما يحدث في البين، و كيفيّة الضغطة و السؤال و البرزخ و الحشر و الموقف و الميزان و الحساب و الكتاب و الجنّة و النار و الروحانيّين و الجسمانيّين و بيان المراد من الجسمين و الجسدين، و مراتب الكسر و الصوغ و سرّ الصوغ الّذي بعده كسر و الّذي لا كسر بعده، و سرّ

______________________________

(1) دعاء أم داوود دعاء جليل مشهور بين أهل الروايات و قد صار موسما عظيما في يوم النصف من رجب معروف بالإجابة

رواه الصدوق، و الشيخ الطوسي، و ابن طاووس في الإقبال و غيرهم. و من جملة فقراتها: اللّهمّ صلّ على الأبدال و الأوتاد و السياح إلخ.

و أمّ داوود اسمها حبيبة أو فاطمة بنت عبد اللّه بن إبراهيم زوجة الحسن المثنّى و ابنها داوود بن الحسن بن الحسن المجتبى (عليه السلام) كان من أصحاب الإمامين الباقر و الصادق عليهما السلام، حبسه المنصور الدوانيقي فعلّم الصّادق (عليه السلام) أمّه الدعاء المعروف، و عمل الاستفتاح في نصف رجب لنجاة ابنها.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 181

الخلود و ابطال انقطاع العذاب،

و بيان الأعراف و أهلها، و سرّ عدد الدرجات و الطبقات و الزبانيّة و الخطائر، و أنّ في الجنّة عبادة من غير تكليف، و تعدّد الأكوان و النشآت و العوالم و الخلق الجديد و الشفاعة (الكليّة و الوسيلة و المقام المحمود) الى غير ذلك من المباحث الكثيرة الّتي ستسمع استيفاء الكلام في شرحها في مواضع من هذا التفسير إن شاء اللّه الموفّق الفيّاض.

و أمّا الحكمة الشرعيّة الفرعيّة: فقد يدرج فيها ما مرّت إليه الإشارة كعلم الأخلاق و المعاشرة و تزكية النفس و غيرها. لكنّ المراد بها حيثما أطلقت الأحكام العمليّة الفقهيّة الّتي يبحث فيها عن أحوال أفعال المكلّفين من حيث الاقتضاء و التخيير و الوضع. و المراد بالاقتضاء طلب الفعل أو الترك مع المنع من النقيض أو الإذن فيه، و بالتخيير الإباحة الشرعية أو العقليّة و إن لم يرد فيه شرع خاص و إن لم يخل عن شرع عامّ لاندراجة تحت الأصول و العمومات مع أنّ كلّما حكم به العقل حكم به الشرع و بالعكس على ما بيّناه في الأصول، و بالوضع جميع الأحكام الوضعية المعتبرة باعتبار الشرع لها كالصحّة و الفساد و الطهارة و النجاسة و الشرطيّة و الجزئيّة و السببيّة و المانعيّة و اللزوم و الإشتغال و غيرها ممّا يبحث فيها عنه حتّى القواعد الفقهيّة الّتي هي مغايرة لمسائلها، و القواعد الأصوليّة و مسائلها أيضا.

نعم ها هنا علوم آليّة هي كالمبادئ لها بل لغيرها أيضا و علوم هي الأصول لها. أمّا العلوم الآليّة فكثيرة كعلم النحو الّذي وضعه مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) و علّمه أبا الأسود الدئلي ثمّ انتشر منه و وسع الناس فيه.

و السبب في ذلك على ما ذكره ابن طاووس

و غيره أنّ قريشا كانوا يزوّجون

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 182

الأنباط «1» فوقع فيما بينهم أولاد ففسد لسانهم حتّى أنّ بنتا لخويلد الأسدي كانت متزوّجة في الأنباط فقالت: إنّ أبوي مات و ترك على مال كثير فلمّا رأى عليّ (عليه السلام) فساد لسانها أسّس النحو «2».

و

روي أنّ إعرابيّا سمع عن سوقيّ يقرأ إنّ اللّه بري ء من المشركين و رسوله «3» بالجرّ فشجّ رأسه فخاصمه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له في ذلك. فقال:

إنّه كفر باللّه في قراءته فقال (عليه السلام): إنّه لم يتعمّد بذلك «4».

و

روي أنّ أبا الأسود كان في بصره سوء و له بنت تقوده الى عليّ (عليه السلام) فقالت: يا أبتاه ما أشدّ حرّ الرّمضاء (بضمّ الدال و الراء) تريد التعجب فنهاها عن مقالها و أخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) بذلك فأسّس «5».

و

روي أنّ أبا الأسود كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل: من المتوفّي (بكسر الفاء) «6»، فقال: اللّه، ثمّ إنّه أخبر عليّا (عليه السّلام) بذلك فأسّس «7».

______________________________

(1) النبط بفتحتين و بكسر الباء قوم من العرب دخلوا في العجم و الروم و اختلفت أنسابهم و فسدت ألسنتهم، و ذلك لمعرفتهم بإنباط الماء أي استخراجه لكثرة فلاحتهم و الجمع أنباط.- مجمع البحرين كتاب الطاء باب ما أوّله النون-.

(2) الشيعة و فنون الإسلام تأليف السيد حسن الصدر نقلا عن المناقب لابن شهر آشوب ص 159.

- بحار الأنوار ط الجديد الآخوندي ج 40 ص 161-.

(3) التوبة: 3.

(4) بحار الأنوار ط الجديد الآخوندي ج 40 ص 162.

(5) بحار الأنوار ط الجديد الآخوندي ج 40 ص 162.

(6) بصيغة أسم الفاعل.

(7) بحار الأنوار ط الجديد الآخوندي ج 40 ص 162.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 183

فعلى أيّ

وجه كان دفعه (عليه السّلام) الى أبي الأسود و قال: ما أحسن هذا النحو أحش له «1» في المسائل فسمّي نحوا.

و

عن ابن سلّام «2» كانت الرقعة: الكلام ثلاثة أشياء: اسم و فعل و حرف جاء لمعنى، فالإسم ما أنبأ عن المسمّى، و الفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى، و الحرف ما أوجد معنى في غيره، و بعضهم اقتصر على هذا القدر، و بعضهم حكى أزيد من ذلك: و كتب (عليه السلام) في آخره كتبه عليّ بن أبو طالب فعجزوا عن ذلك فقالوا أبو طالب اسمه لا كنيته و قالوا: هذه تركيب مثل حضر موت.

و عن الزمخشري في «الفائق»: ترك في حال الجرّ على لفظه في حال الرّفع لأنّه اشتهر بذلك و عرف فجرى مجرى المثل الذي لا يغيّر «3».

و

في «محاضرات الأوائل» عن السيوطي عن أبي الأسود قال: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) فرأيته مطرقا متفكّرا فقلت: فبم تفكّر يا سيّدي؟ فقال (عليه السلام): إنّي سمعت ببلدكم هذا لحنا فأردت أن أصنع كتابا في أصول العربيّة.

فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا و بقيت فينا هذه اللّغة، قال: ثمّ أتيته بعد ثلاث فألقى إليّ صحيفة فيها: بسم اللّه الرحمن الرحيم الكلمة اسم و فعل و حرف. فالإسم ما أنبأ عن المسمّى، و الفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى، و الحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم و لا فعل ثمّ قال (عليه السلام) لي: تتبّعه و زد فيه ما وقع لك، و اعلم يا أبا الأسود أنّ

______________________________

(1) أحش: علق عليه حواشي.

(2) هو أبو عبيد قاسم بن سلّام بن مسكين بن زيد الهروي الفقيه الأذيب اللّغوي المحدّث القاري توفي بالمدينة المنوّرة أو مكّة المكرّمة سنة (224) ه

أو قبلها.

(3) بحار الأنوار ط الجديد الآخوندي ج 40 ص 162. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 184

الأشياء، ثلاثة: ظاهر و مضمر و شي ء ليس بظاهر و لا مضمر، قال أبو الأسود:

فجمعت منه أشياء و عرضتها عليه فكان من ذلك حروف النصب فذكرت فيها إنّ و أنّ وليت و كأنّ و لعلّ و لم أذكر لكنّ، فقال لي: لم تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها.

فقال: بلى هي منها فزدها فيها. و رواه الزجّاج في «الأمالي» بالإسناد عن أبي الأسود «1» و أرسله غير واحد من أصحابنا أيضا.

و علم التصريف الّذي ربما يذكر فيه علم الاشتقاق و علم الخطّ أيضا.

و علم اللّغة الذي لم يكن في أوّل الأمر اهتمام بتدوينه و نقله و ضبطه الى أن شرّف اللّه تعالى هذا اللّسان بنبيّه المرسل و كتابه المنزل بعد ما كانت اللّغة العربيّة في نفسها أفصح اللّغات و أوجزها و أوسعها كما يشهد به مقايستها بغيرها من اللّغات، بل

روى الشيخ الصّدوق في «العلل» عن مولانا الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: ما أنزل اللّه (تبارك و تعالى) كتابا و لا وحيا إلّا بالعربيّة فكان يقع في مسامع الأنبياء بألسنة قومهم و كان يقع في مسامع نبيّنا (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بالعربيّة فإذا كلّم به قومه كلّمهم بالعربيّة فيقع في مسامعهم بلسانهم و كان أحد لا يخاطب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بأيّ لسان خاطبه إلّا وقع في مسامعه بالعربيّة كلّ ذلك يترجم جبرائيل تشريفا من اللّه تعالى له.

و علم المعاني و البيان و البديع و غيرها من العلوم المتداولة الّتي يغني عن التعرّض لها شيوع تداولها.

و أمّا العلوم الشرعيّة الّتي

ليست بأصليّة اعتقاديّة محضة فهي ثلاثة: علم الكتاب العزيز، و علم الأحاديث المأثورة عن النّبي و الأئمّة الطّاهرين (صلوات اللّه

______________________________

(1) معجم الأدباء: ج 14 ص 49.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 185

عليهم أجمعين) و علم الأحكام الشرعيّة الفرعيّة.

أمّا علم الأخبار المأثورة و الأحكام الشرعيّة الفرعيّة الّتي يقابل بها الأصوليّة و غيرهما ممّا يتوقّف كلّ منها عليه كأصول الفقه و الدّراية و الرجال و غيرها من المبادئ العامّة و الخاصّة لكلّ منهما فاشتهار القول فيها و كثرة تداولها أغنانا عن التعرض لها في خصوص المقام الّذي كان المقصود فيه الإشارة الى نوع العلوم.

و أمّا علم تفسير الكتاب و هو المقصود بالبحث في هذا الكتاب فلنشر الى تعريفه و موضوعه و غايته و مرتبته من العلوم و جملة من مبادئه على وجه الاختصار بعد التنبيه على شرف العلم سيّما ما تعلّق فيه بالكتاب السنّة.

الفصل الثالث

في شرف العلم و فضله من الكتاب و السنة و العقل أمّا الشواهد القرآنيّة فكثيرة جّدا كقوله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ «2» فإنّه أثبت الرفعة و الفضيلة أولا للمؤمنين ثمّ خصّ من بينهم أولى العلم و فضّلهم على غيرهم بدرجات مبهمة غير معيّنة تعظيما و تفخيما و تكثيرا لها و أشعارا على أنّها على حسب اختلاف مراتبهم في العلم. ثمّ إنّ التفضيل بالدرجات و إن كان للمؤمنين أيضا من أهل بدر في قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ إلى قوله:

______________________________

(2) المجادلة: 11.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 186

لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ «1» و للمجاهدين في قوله تعالى: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً «2» و لمن وفّق للايمان و العمل

الصالح في قوله تعالى:

وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى «3» إلّا أنّ درجات أهل العلم أرفع من درجات الجميع لأنّ الايمان يجمعهم و يشملهم و قد جعله عامّا متعقّبا بالخاص لمزيد الإختصاص سيّما بعد كون المخاطب بقوله: منكم من مؤمني أهل بدر و مع اتّصافهم بالجهاد و الإيمان و العمل الصالح فدلّت الآية الشريفة على أشرفيّة أهل العلم على غيرهم من بني آدم المفضّلين على غيرهم من أهل العالم بل يستفاد ذلك أيضا من قوله تعالى: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ «4» وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ «5» و كقوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ «6» الدالّ على نفي المساواة بين العالم و الجاهل بل قيل: إنّه يرجع إليه أيضا ما في القرآن من نفي الدالّ المساواة في المواضع الستّة الباقية تمام السبعة الّتي فرّق بينهما و هي مضافا إليه الخبيث و الطّيب، الأعمى و البصير، و الظلمات و النور، و الظلّ و الحرور، و الأحياء و الأموات، و أصحاب الجنة و أصحاب النّار.

و كقوله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ «7» فبدء، سبحانه أوّلا بنفسه و ثنّى بالملائكة، و ثلّثهم بأولى العلم، و كفى به شرفا و فضلا

______________________________

(1) الأنفال: 2.

(2) النساء: 95.

(3) طه: 75.

(4) الانعام: 83. و يوسف: 76.

(5) يوسف: 76.

(6) الزمر: 9.

(7) آل عمران: 18.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 187

بل اقتصر عليهم بعد ذكر نفسه سبحانه في قوله: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ «1» على أظهر الوجهين بل و في قوله تعالى: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ

عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ «2» و قوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ «3» حيث شاركوا الملائكة في أجلّ صفاتهم فإنّهم من خشية ربّهم مشفقون، بل قد يقال: إنّه يستفاد من الحصر الظاهر منه بضميمة قوله تعالى:

جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إلى قوله: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ «4» إنّه ليس للجنّة أهل إلّا العلماء الّذين هم أهل الخشية. و قوله تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَ سُلَيْمانَ عِلْماً وَ قالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ «5» و قوله تعالى: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ «6» و قوله تعالى: وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ «7» و قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ «8» إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الّتي لا يخفى التقريب في كلّ منها.

و أمّا الأخبار فكثيرة،

ففي «الأمالي» عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) من خرج من بيته يطلب علما شيّعه سبعون ألف ملك يستغفرون له «9».

و

فيه عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): «طلب العلم فريضة على كل مسلم» فاطلبوا العلم من مظانه و اقتبسوه من أهله فانّ تعليمه للّه حسنة و طلبه عبادة،

______________________________

(1) آل عمران: 7.

(2) الرعد: 43.

(3) فاطر: 28.

(4) البينة: 8.

(5) النمل: 15.

(6) العنكبوت: 49.

(7) سبأ: 6.

(8) الروم: 22.

(9) أمالي الشيخ الطوسي- بحار الأنوار- ط الاخوندي ج 1 ص 170. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 188

و المذاكرة به تسبيح، و العمل به جهاد، و تعليمه من لا يعلمه صدقة، و بذله لأهله قربة الى اللّه تعالى، لأنه معالم الحلال و الحرام، و منار سبل الجنة، و المؤنس

في الوحشة، و الصاحب في الغربة و الوحدة، و المحدّث في الخلوة، و الدليل على السرّاء و الضرّاء و السلاح على الأعداء، و الزّين عند الأخلّاء، يرفع اللّه به أقواما فيجعلهم في الخير قادة تقتبس آثارهم، و يهتدي بفعالهم، و ينتهى الى رأيهم، و ترغب الملائكة في خلّتهم، و بأجنحتها تمسحهم، و في صلاتها تبارك عليهم يستغفر لهم كل رطب و يابس حتى حيتان البحر، و هو امه و سباع البر و أنعامه، إنّ العلم حياة القلوب من الجهل و ضياء الأبصار من الظلمة، و قوّة الأبدان من الضعف، يبلغ بالعبد منازل الأخيار، و مجالس الأبرار، و الدرجات العلى في الآخرة و الاولى، الذكر فيه يعدل بالصيام، و مدارسته بالقيام، به يطاع الرّب و يعبد، و به توصل الأرحام، و به يعرف الحلال و الحرام، العلم امام العمل و العمل تابعه يلهمه السعداء، و يحرّمه الأشقياء، فطوبى لمن لا يحرمه اللّه منه حظّه «1».

و

فيه عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): العالم بين الجهّال كالحيّ بين الأموات، و إنّ طالب العلم ليستغفر له كل شي ء حتى حيتان البحر و هو امه، و سباع البر و أنعامه فاطلبوا العلم، فانه السبب بينكم و بين اللّه «2».

و

في «غوالي الليالي» «3» عنه عليه السلام، من خرج من بيته يلتمس بابا من

______________________________

(1) أمالي الشيخ الطوسي- بحار الأنوار- ط الاخوندي ج 1 ص 171.

(2) أمالي الشيخ الطوسي- بحار الأنوار- ط الاخوندي ج 1 ص 172.

(3) غوالي الليالي- بحار الأنوار- ط الاخوندي ج 1 ص 177. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 189

العلم لينتفع و يعلّمه غيره كتب اللّه له بكل خطوة «1» عبادة ألف سنة صيامها و قيامها و

حفّته الملائكة بأجنحتها، و صلّى عليه طيور السماء و حيتان البحر و دوابّ البر، و أنزله اللّه منزلة سبعين صدّيقا، و كان خيرا له من أن كانت الدنيا كلّها له فجعلها في الآخرة.

و

في «منية المريد» عنه عليه السلام: من أحبّ أن ينظر الى عتقاء اللّه من النار فلينظر الى المتعلّمين، فو الذي نفسي بيده ما من متعلّم يختلف الى باب العلم إلّا كتب اللّه له بكل قدم عبادة سنه، و بنى اللّه له بكل قدم مدينة في الجنة و يمشي على الأرض و هي تستغفر له، و يمسي و يصبح مغفورا له و شهدت الملائكة أنّهم عتقاء اللّه من النار «2»

، و

قال (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): من جائه الموت و هو يطلب العلم ليحيا به الإسلام كان بينه و بين الأنبياء درجة واحدة في الجنة «3».

و

قال (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): نوم مع علم خير من صلاة مع جهل «4».

و

قال (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): من تعلّم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل كان أفضل من أن يصلّي ألف ركعة تطوعا «5».

و

في «جامع الاخبار» عنه عليه السلام: يا أبا ذر من خرج من بيته يلتمس بابا من العلم كتب اللّه- عز و جل- له بكل قدم ثواب نبي من الأنبياء و أعطاه اللّه بكل حرف يسمع أو يكتب مدينة في الجنة، و طالب العلم أحبه اللّه و أحبّه الملائكة

______________________________

(1) الخطوة بضم الخاء و سكون الطاء: ما بين القدمين عند المشي.

(2) بحار الأنوار ط الاخوندي ج 1 ص 184.

(3) بحار الأنوار ط الجديد ج 1 ص 184 عن منية المريد.

(4) بحار الأنوار ط الجديد ج 1 ص

185 عن منية المريد.

(5) بحار الأنوار ط الجديد ج 1 ص 180 عن روضة الواعضين. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 190

و احبّه النبيون، لا يحبّ العلم إلّا السعيد، فطوبى لطالب العلم يوم القيامة، و من خرج من بيته يلتمس بابا من العلم كتب اللّه له بكل قدم ثواب شهيد من شهداء بدر، و طالب العلم حبيب اللّه، و من أحبّ العلم وجبت له الجنة، و يصبح و يمسي في رضا اللّه، و لا يخرج من الدنيا حتى يشرب من الكوثر، و يأكل من ثمرة الجنة و يكون في الجنة رفيق الخضر عليه السلام، و هذا كله تحت هذه الآية: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ «1».

و

قال مولينا أمير المؤمنين عليه السلام: كفى بالعلم شرفا أنه يدّعيه من لا يحسنه و يفرج إذا نسب اليه، كفى بالجهل ذما أن يتبرّأ منه من هو فيه.

و

عنه عليه السلام، العلم أفضل من المال بسبعة: الأوّل: أنه ميراث الأنبياء، و المال ميراث الفراعنة، و الثاني: العلم لا ينقص بالنفقة و المال ينقص، و الثالث يحتاج المال إلى الحافظ، و العلم يحفظ صاحبه، الرابع: العلم يدخل في الكفن و يبقى المال، الخامس: المال يحصل للمؤمن و الكافر و العلم لا يحصل الّا للمؤمن خاصّة، السادس: جميع الناس يحتاجون إلى العلم «العالم» .. في أمر دينهم، السابع: العلم يقوّي الرجل على المرور على الصراط و المال يمنعه «2».

و

قال عليه السلام: الجاهل صغير و إن كان شيخا، و العالم كبير و إن كان حدثا «3».

و

قال عليه السلام: الناس أبناء ما يحسنون.

و

قال عليه السلام: من عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار.

______________________________

(1) بحار الأنوار ط الاخوندي ج 1 ص 178 عن جامع

الاخبار.

(2) بحار الأنوار ط الجديد ج 1 ص 185.

(3) الحديث: الشاب.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 191

و

قال عليه السلام: المودّة اشبك الأنساب و العلم أشرف الأنساب «1».

و

قال عليه السلام: لا كنز أنفع من العلم، و لا قرين سوء شر من الجهل «2».

و

قال عليه السلام: الشريف من شرّفه علمه «3».

و

قال عليه السلام: عليكم بطلب العلم فإنّ طلبه فريضة، و هو صلة بين الأخوان، و دالّ على المروئة، و تحفة في المجالس، و صاحب في السفر، و انس في الغربة «4».

و

قال عليه السلام: كل وعاء يضيق بما جعل فيه الّا و وعاء العلم فإنّه يتسع.

و

في عدّة الداعي عنه عليه السلام: جلوس ساعة عند العلماء أحبّ إلى اللّه من عبادة ألف سنة، و النظر إلى العالم أحبّ إلى اللّه من اعتكاف سنة في البيت الحرام، و زيارة العلماء أحبّ إلى اللّه تعالى من سبعين طوافا حول البيت و أفضل من سبعين حجّة و عمرة مبرورة متقبّلة، و رفع اللّه له سبعين درجة و أنزل اللّه عليه الرحمة، و شهدت له الملائكة أنّ الجنة وجبت له «5».

و

عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): إن للّه- عز و جل- كلّ يوم و ليلة ألف رحمة على جميع خلقه فتسعمأة و تسعة و تسعون رحمة للعلماء و طالب العلم و المسلمين و رحمة واحدة لسائر الناس.

و

عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): حملة القرآن عرفاء أهل الجنة، و الشهداء

______________________________

(1) بحار الأنوار ط الجديد ج 1 ص 183.

(2) بحار الأنوار ط الجديد ج 1 ص 183.

(3) بحار الأنوار ط الجديد ج 1 ص 183.

(4) بحار الأنوار ط الجديد ج 1 ص 183.

(5) بحار الأنوار ط الجديد ج 1 ص 205

عن عده الداعي. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 192

قوّاد أهل الجنة، و الأنبياء سادة أهل الجنة «1».

و

عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): إنّ فضل العالم على العابد كفضل الشمس على الكواكب، و فضل العابد على غير العابد كفضل القمر على الكواكب «2».

و

في البصائر عن أبي جعفر عليه السلام، قال: عالم ينتفع بعلمه أفضل من عبادة سبعين ألف عابد «3».

و

في الغوالي: علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل،

إلى ذلك من الاخبار الكثيرة الدالّة على فضل العلم و المعرفة على العبادة فضلا عن غيرها.

هذا مضافا إلى أنّ فضيلة الإنسان و شرفه على غيره ليس بشي ء مما يرجع إلى الأمور البدنية الجسمانية، و لا بشي ء من القوى الحيوانية التي هي أقوى في كثير من الحيوانات منها الإنسان بل إنّما هو بالعلم و العمل المتعلّقين بإصلاح أمور المعاش و المعاد، فيما يتعلّق بالدين و الدنيا، و لا ريب أنّ الأصل في العمل هو العلم لأنّ العامل على غير علم و بصيرة كالسائر على غير طريق لا يزيده كثرة السير إلّا بعدا و انحرافا عن الطريق، و هذا العلم قد اختصّ به الإنسان من بين الأكوان و الأعيان، و لذا قال: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ «4»، و كان أول ما أنزل على رسوله اللّه في النزول الثانوي التفصيلي الجسماني مطابقا لما في النزول الجملي الروحاني النوراني قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ «5»، ثم

______________________________

(1) الأصول من الكافي ج 2 ص 606 بتفاوت يسير.

(2) بحار الأنوار ط الجديد- ج 2 ص 19.

(3) بحار الأنوار ط الجديد- ج 2 ص 19.

(4)

الرحمن: 1- 3.

(5) العلق: 1- 5.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 193

لا يخفى أنّ الإنسان ميّت و حياته بالعلم و المعرفة.

فالعلم يحيي نفوسا قطّ ما عرفت من قبل ما الفرق بين الصدق و المين

العلم للنفس نور يستدلّ به على الحقائق مثل النور في العين

و ربما

ينسب إلى مولينا أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال:

و في الجهل قبل الموت موت لأهله و أبدانهم قبل القبور قبور

و إن أمرأ لم يحيى بالعلم ميّت و ليس له حتى النشور نشور

و من بعضهم:

الّناس موتى و أهل العلم أحياءو الناس مرضى و هم فيهم أطبّاء

و الّناس أرض و أهل العلم فوقهم سماء نور و ما في النور ظلماء

و زمرة العلم روح الخلق كلّهم و ساير الناس في التمثيل أعضاء

و عن بعض اليونانيين: كما أن البدن الخالي عن النفس يفوح منه نتن الجيف فكك النفس الخالية عن العلم و الأدب، فالحياة الحقيقة الدائمة للنفس الإنسانية إنما هي بالعلم و المعرفة و اليه إشارات كثيرة في الكتاب العزيز.

كقوله تعالى: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ «1»، و قوله تعالى: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ «2» أي ظلمات الجهالة و الضلالة، و قوله تعالى: وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ «3» و قوله تعالى:

______________________________

(1) يس: 70.

(2) الانعام: 122.

(3) الأعراف: 179.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 194

وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ «1» يعني قبور الأجسام الناسوتية.

و

عن مولينا أمير المؤمنين عليه

السلام: إنّ هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة «2» «3».

و

كان عليه السلام يقول روّحوا أنفسكم ببديع الحكمة فإنّها تكلّ كما تكلّ الأبدان «4».

و

في النبوي: الناس كلهم موتى إلّا العالمون.

و عن بعض الحكماء: إنّ القلب ميّت و حياته بالعلم، و العلم ميّت و حياته بالطلب، و الطلب ضعيف و قوّته بالمدارسة، فهو محتجب و إظهاره بالمناظرة، و هو عقيم نتاجه العمل، فإذا زوّج العلم بالعلم توالد و تناسل ملكا أبديا لا آخر له.

و قال سقراط: من فضيلة العلم أنّك لا تقدر أن يخدمك فيه أحد كما يخدمك في سائر الأشياء بل تخدمه بنفسك، و لا يقدر أحد على سلبه عنك.

و من جوامع الكلم قولهم: العلم أحسن حلية، و العلم أفضل قنية، العلم أفضل خلف، و العمل به أكمل شرف، لا سمير كالعلم، و لا ظهير كالحلم، خير إلّا المواهب العقل، و شرّ المصائب الجهل، من صاحب العلماء وقر، و من صاحب السفهاء حقر، من قلّ عقله كثر هزله، من لم يتعلّم في صغره لم يتقدّم في كبره.

العلم كنز لا يفنى، و العقل ثوب لا يبلى، لا يستخف بالعلم إلّا وكيع جاهل أو

______________________________

(1) فاطر: 22.

(2) نهج البلاغة ج 2- ص 181.

(3) طرائف الحكمة: لطائفها و غرائبها المعجبة للنفس اللذيذة لها- مجمع البحرين ط النجف ج 5 ص 89.

(4) في مجمع البحرين ج 4 ص 298: بديع الحكمة: غرائبها، و منه

الحديث روّحوا أنفسكم ببديع الحكمة. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 195

وضيع خامل، كم من عزيز أذلّه جهل، و كم من ذليل أعزّه عقله، الرأي بغير علم ضلال، و العلم بغير علم و بال، العلم جمال و استعماله كمال.

و عن بعضهم إذا تجرّد العلم

عن العلم يكون عقيما، و إذا خلى العمل عن العلم كان سقيما.

العقل و الشرع و إن تطابقا على شرف العلم و فضله إلّا أنّه لا ريب في اختلاف أنواع العلم من حيث الشرف و الرتبة، إمّا باعتبار الموضوع أو الغاية أو غيرها، بل ربما يكون بعض العلوم مما لا يضرّ جهله، و لا ينفع علمه و بعضها مما يضرّ و لا ينفع كالسحر المشار اليه بقوله تعالى: وَ يَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ «1»، و من هنا يظهر أنّ الوجه انقسام العلوم بانقسام الأحكام الخمسة، و قد أشير

في خبر إبراهيم بن عبد الحميد المرويّ في الكافي و غيره عن مولينا الكاظم عليه السلام إلى الأقسام منها:

قال عليه السلام: دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم المسجد و إذا جماعة قد أطافوا برجل فقال (صلّى اللّه عليه و آله): ما هذا؟ فقيل: العلّامة، فقال (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): و ما العلّامة فقالوا له: اعلم الناس بأنساب العرب و وقائعها، و أيّام الجاهلية و الأشعار و العربية: قال: فقال النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): ذلك علم لا يضرّ من جهله و لا ينفع من علمه، ثم قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم: إنّما العلم ثلاثة: آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنّة قائمة، و ما خلاهن فهو فضل «2».

______________________________

(1) البقرة: 102.

(2) الأصول من الكافي ط الجديد ص 32 كتاب فضل العلم.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 196

و المراد بالآية المحكمة غير المتشابهات بأن تكون واضحة الدلالة و غير المنسوخة كي يجوز العمل بها، و أمّا المتشابه و المنسوخ فلا ينتفع بهما، و الفريضة العادلة كلّ

ما علم وجوبها في الشريعة، أو خصوص ما علم من الكتاب كما هو أحد إطلاقات الفرض، أو خصوص ما علم من غيره لمقابلته في المقام للآية المحكمة و التعميم أقرب، و أبعد من الكلّ إرادة الفرائض المستعملة في باب الميراث بأن يراد العدل في القسمة أي معدّله على السهام المذكورة في الكتاب و السنّه من غير جور، أو خصوص ما اتّفق عليه المسلمون من الأحكام «1» إذ لا وجه للحمل عليهما.

و أمّا السنّة فالمراد إمّا خصوص المستحبّات، أو مع المكروهات بناء على استحباب ترك المكروه، أو ما علم بالسنّة و إن كان واجبا، و قيامها بقائها من غير نسخ.

و قد يقال في بيان هذه الأقسام: إنّ العلوم الاخرويّة قسمان: علوم معاملة و علوم مكاشفة، و الثاني لا يوجد في كل وقت إلّا في أقلّ قليل من الناس و هو أعزّ من الكبريت الأحمر و المذكور منه في القرآن إنّما هو على سبيل الرمز و الإيماء بحيث لا يعلمه إلّا اللّه و الراسخون في العلم. و امّا علوم المعاملة فهذه الأقسام الثلاثة المذكورة في الخبر كلّها منها، و ذلك لأنّ العلوم الدينيّة النافعة في الآخرة إمّا متعلّقة بالأصول الاعتقادية أو بالفروع العلمية، و الثانية إمّا متعلّقة بالأفعال و أعمال الجوارح من الحلال و الحرام و امّا متعلّقة بالأحوال و أعمال القلب من محاسن الأخلاق و أضدادها فهذه أقسام ثلاثة.

______________________________

(1) كما قال ابن الأثير في النهاية ج 3 ص 433: الفريضة العادلة: العدل في القسمة بحيث تكون على السهام المذكورة في الكتاب و السنة- و قيل: ما اتفق عليه المسلمون.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 197

فالآية المحكمة أشارة إلى أصول العقائد و أركانها المستفادة من الآيات المحكمات القرآنيّة.

و الفريضة العادلة إشارة إلى العلم بالفرائض و الواجبات و المحرمات الّتي يجب على المكلّفين الإتيان بها أو الكفّ عنها.

و السنّة القائمة إشارة إلى العلم بالسنن و النوافل فانّها من الأعمال الّتي تؤثّر في جلب الأحوال للقلوب و كسب الأخلاق الحسنة و إزالة الملكات الرديّة و كلّها ثابتة من طريق الكتاب و السنّة.

قلت: و يحتمل أيضا أن يكون المراد بالآية المحكمة العلم بالكتاب العزيز و وجوه آياته و تفسيرها و تنزيلها و تأويلها و ظاهرها و باطنها إلى سبعين بطنا و أزيد، فإنّ الكلمة من آل محمّد (عليهم السلام) لتنصرف على سبعين وجها من كلّها المخرج فما ظنّك بالقرآن الذي لا يعلمه إلّا من خوطب به و المعصومين من ذريّته و هم الرّاسخون في العلم الّذين قرنهم اللّه تعالى بنفسه في محكم كتابه.

قال (عليه السلام): ما من شي ء إلّا و فيه كتاب و سنّة.

و

قال (عليه السلام): ما من أمر يختلف فيه اثنان إلّا و له أصل في كتاب اللّه تعالى و لكن لا تبلغه عقول الرّجال «1».

و بالفريضة العادلة ما يجب على المكلّفين علمه و لا يعذر أحد بجهله من الواجبات و المحرّمات المتعلّقة بالعبادات و غيرها، و المراد بعدلها توسطها بين طرفي الإفراط و التفريط.

و بالسنّة القائمة الطريقة المستفادة من الشريعة الحقّة في السنن و الآداب و العقود و الإيقاعات و الأحكام و الأخلاق و غيرها.

______________________________

(1) المحاسن ص 267- بحال الأنوار ج 92 ص 100 نقلا عن المحاسن.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 198

و على كلّ حال فلا ريب أنّ الأصل في العلوم الشرعية من الأصولية الاعتقادية و الفروعيّة العملية هو كتاب اللّه المشتمل على جميع المعارف و الحقائق و الأصول و الفروع، و لذا

قال

مولانا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) على ما رواه الإمام (عليه السلام) في تفسير: عليكم بالقرآن فإنّه الشفاء النّافع، و الدّواء المبارك.

عصمة لمن تمسّك به. و نجاة لمن تبعه لا يعوجّ فيقوم، و لا يزيغ فيستعتب. و لا تنقضي عجائبه، و لا يخلق على كثرة الردّ إلى أن قال (صلّى اللّه عليه و آله) ما أنعم اللّه (عزّ و جلّ) على عبد بعد الإيمان باللّه أفضل من العلم بكتاب اللّه و المعرفة بتأويله و من جعل اللّه له في ذلك حظّا ثمّ ظنّ أنّ أحدا لم يفعل به ما فعل به قد فضّل عليه فقد حقّر نعم اللّه تعالى عليه «1».

و

قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ «2»: فضل اللّه القرآن و العلم بتأويله، و رحمته توفيقه لمولاه محمد و آله الطاهرين و معاداة أعدائهم.

ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: و كيف لا يكون ذلك خيرا مما يجمعون و هو ثمن الجنة و نعيمها، فأنه يكتسب بها رضوان اللّه الذي هو أفضل من الجنة و يستحق بها الكون بحضرة محمّد و آله الطيبين الذي هو أفضل من الجنة، ان محمد للّه و آله الطيبين أشرف زينة في الجنان.

ثم قال (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): يرفع اللّه بهذا القرآن و العلم بتأويله و بموالاتنا أهل البيت و التبّري من أعدائنا أقواما فيجعلهم في الخير قادة أئمة في الخير

______________________________

(1) تفسير الامام ص 4 و 5.

(2)

يونس: 57- 58. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 199

تقتص آثارهم و ترمق أعمالهم، و يقتدى بأفعالهم و ترغب الملائكة في خلّتهم و بأجنحتها تمسحهم، و في صلواتها تبارك عليهم و يستغفر لهم كل رطب و يابس حتى حيتان البحر و هوامّه، و سباع البر و أنعامه، و السماء و نجومها «1».

و

في «نهج البلاغة» انّ مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في خطبة له: و تعلّموا القرآن فإنّه أحسن الحديث، و تفقّهوا فيه فإنّه ربيع القلوب، و استضيئوا و استشفوا (خ ل) بنوره فإنّه شفاء الصدور، و أحسنوا تلاوته فإنّه أحسن القصص فإنّ العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله بل الحجة عليه أعظم و الحسرة له ألزم و هو عند اللّه ألوم «2».

و

فيه عن مولينا أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له قال عليه السلام: إنّ علم القرآن ليس يعلم ما هو إلّا من ذاق طعمه فعلم بالعلم به جهله و بصّر به عماه و سمّع به صممه و أدرك به ما قد فات، و حيي به بعد أن مات، فاطلبوا ذلك من عند أهله و خاصّته، فإنّهم خاصّة نور يستضاء به و أئمة يقتدى بهم، هم عيش العلم و موت الجهل، و هم الذين يخبركم حلمهم عن علمهم و صمتهم عن منطقهم و ظاهرهم عن باطنهم لا يخالفون الحقّ و لا يختلفون فيه «3».

______________________________

(1) تفسير الامام ص 4 و 5- بحار الأنوار ج 92 كتاب القرآن ص 183.

(2) نهج البلاغة: الخطبة- 108.

(3) نهج البلاغة: الخطبة- 145.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 200

الفصل الرابع

تفسير الصراط المستقيم ج 1 253

في علم التفسير علم التفسير هو علم يبحث فيه عن مراد اللّه تعالى من

قرآنه المجيد، و هذا التعريف هو المحكيّ عن مولينا قطب الدين الرازي البويهي تلميذ العلامة أعلى اللّه مقامه في شرحه للكشاف.

و أورد عليه بأنّ البحث فيه ربما يكون عن أحوال الألفاظ كمباحث القراءة و ناسخيّة الألفاظ و منسوخيّتها و أسباب نزولها و ترتيب نزولها إلى غير ذلك فلا يجمعها حدّه.

و أيضا يدخل فيه البحث في الفقه عما يثبت بالكتاب فإنّه البحث عن مراد اللّه تعالى من قرآنه، فالحدّ غير جامع و لا مانع.

قيل: و لذا عدل الشارح التفتازاني عنه إلى قوله: هو العلم الباحث عن أحوال ألفاظ كلام اللّه تعالى من حيث الدلالة على مراد اللّه تعالى.

أقول: أمّا النقض في مراده بمباحث القرائة و غيرها مما ذكره فهو غير وارد عليه، و ذلك لأنّ تلك المباحث و ما ضاهاها إن كانت له مدخلية في اختلاف المعنى المراد من اللفظ فلا ريب في دخوله من تلك الجهة في علم التفسير و الحدّ أيضا يشمله و إن لم يكن لها مدخليّة أصلا في اختلاف المعاني فدخولها في علم التفسير ممنوع جدا، و لذا أفردوا علم القرائة و غيرها بالتصنيف و إنّما أشاروا إليها في كتب التفسير على وجه الإجمال و الاختصار مع الحوالة إلى تلك الكتب و ربما لم يشيروا إليها أصلا.

و بعضهم تصدّى لذكر المشاهير منها دون الشواذّ النوادر.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 201

و منهم من أشار إلى ما يختلف به المعنى الظاهر في أنظارهم دون غيره و نحن لمّا رأينا اختلاف المعاني غالبا باختلافها و لو باعتبار التأويل و البطون و دلالة الإشارة و الفحوى و غيرها فلذلك التزمنا بنقل ما ظفرنا منها في هذا التفسير مع الإشارة إلى ما ذكره من الوجوه المرجّحة لكل

منها على غيره بالنسبة إلى القراءات.

و البحث عن الناسخ و المنسوخ و أسباب النزول و ترتيبه و غيرها مع أنّ ما لا مدخليّة له منها في اختلاف المعاني مذكور في التفاسير على وجه- الاستطراد، و كذا ما يذكر فيها من البحث عن كون السورة أو الآية مكيّة أو مدنيّة و عن عدد السور و الآيات و الكلمات و الحروف و خواص السور و الآيات على الوجه المذكور في الأخبار و غيرها فإنّ ذلك كلّه مذكور على وجه الاستطراد.

و توهّم كون الجميع من التفسير ضعيف جدا بعد ظهور كون الظاهر من اللفظ حسبما يستفاد من الأخبار و يساعده العرف و اللغة هو الكشف عن المعنى المراد من اللفظ على ما سنشير إليه إن شاء اللّه في الباب السادس.

و امّا ما أورده على عكسه من النقض بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة المستفاد من الكتاب مع كونها معدودة من الفقه فهو ضعيف جدا كيف و من البيّن أنّ الاعتبارين مغايران، فإنّ الحكم المستفاد من جهة البحث من كونه مراد اللّه تعالى، من قرآنه معدود من التفسير، و من جهة كونه حكما شرعيا مستنبطا من الدليل التفصيلي معدود من الفقه.

و من هنا يظهر أنّ البحث عن آيات الأحكام و مداليلها معدود من التفسير و إن أفرده جمّ غفير منّا و ممّن خالفنا بالتصنيف.

و أما ما آثره التفتازاني فهو غير سالم عما أورد على الأول على فرض الورود و ذلك لأنّ البحث عن القراءات و أخواتها ربما لا يكون بحيث يؤثّر في المعنى المراد

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 202

بالدلالة و البيان سيمّا ما كان مثل التفخيم و الإمالة و الجهر و الشدّة و غيرهما من الصفات، و كذا الإدغام و الإخفاء، و

نحوها مع اللّهم إلّا أن يلتزم بخروجها عن التفسير رأسا كما أشرنا اليه، و منه يظهر ضعف ما قيل: من أنّ علم القرائه جزء من التفسير أفرز عنه لمزيد الاهتمام إفراز الكحالة من الطبّ و الفرائض من الفقه.

ثم إنّه يمكن الإيراد على تعريف التفتازاني بوجوه:

منها أنّه ينتقض في طرده بالعلوم الأدبيّة و اللغة و وجوه الإعراب و- مسائل الاشتقاق و علم المعاني و البيان و غيرهما ممّا له مدخلية تامّة في اختلاف المعاني و وجوه الدلالة إذ يصدق على كل منها أنّه علم يبحث فيه إلخ.

و يمكن الجواب بأنّ ظاهر التعريف كون موضوع العلم ألفاظ كلام اللّه تعالى من الحيثية المذكورة، من البيّن أنّ الموضوع لتلك العلوم مغاير لذلك و لو باعتبار العموم و الخصوص، ألا ترى أنّ موضوع علم النحو هو الكلمة و الكلام مطلقا لا خصوص ألفاظ القرآن، نعم يبقى الإشكال حينئذ بالنسبة إلى الكتب المصنّفة في البحث من جهات العلوم المتقدّمة عن خصوص القرآن أو عنه و عن الحديث كالكتب المصنّفة في غريب القرآن و الغريبين كمجمع البحرين و كذا ما صنّفوه في بيان وجوه إعراب القرآن و نكاته البيانية و البديعيّة، اللّهم إلّا أن يقال بالتزام دخول كل ذلك في التفسير و لا بأس به غير أنّه مخالف لظاهر الأكثر.

و منها أنّه إن أريد بمراد اللّه سبحانه مراده في نفس الأمر فلا يفيد بحث التفسير لأنّ طريقه غالبا إمّا نقل الآحاد، أو الاعتماد على أقوال المفسرين و الأدباء و اللغويين، و شي ء منها لا يفيد القطع بمراده سبحانه سيمّا بعد ملاحظة كثرة الاختلافات و تعارض الاحتمالات، على ان ما يستفاد علما أو ظنا على فرض المصادقة و الموافقة انما هو لبعض

المراد من اللفظ لإتمامه، و ان أريد به مراده في زعم

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 203

المفسّر ففيه أنّه يكون علم التفسير بالنسبة إلى كلّ مفسر بل بالنسبة إلى كل أحد شيئا آخر على أنّ المنساق من الألفاظ بحسب الوضع و الاستعمال هو المعاني النفس الأمريّة حسبما قرّر في الأصول، فلو أريد في الحدّ الدلالة على ما يظنّ أنّه المراد لوجب التقييد به صونا للتعريف عن الإجمال فضلا عن إرادة خلاف الظاهر.

و الجواب أنّ المراد هو مراده الواقعي لكن البحث عنه لا يستلزم المصادفة و الإصابة فإنّ هذا العلم إنّما سمّي بالتفسير باعتبار الاستكشاف عن مراده، فإذا أطلق على شي ء فإنّما هو باعتبار كونه كشفا عن مراد اللّه سبحانه من كتابه، فاذا فرض أنّه مخالف لما هو المراد من الآية تبيّن منه أنّه ليس بتفسير لها، و باب العلم بالمراد و إن كان مسدودا بالنظر الى معاني كثير من الآيات إلّا أنّ العلم بالطريق حاصل لثبوت حجية الأخبار المعصومية و حجّية الظن من الطريق المعتبر في باب اللغات.

و أمّا كون المستفاد بعض المراد فغير قادح بعد ظهور إرادة عدم- الإستيعاب، و ربما يجاب عن أصل الإيراد بأنّ التعدد ليس في حقيقة النوعيّة بل في جزئياتها المختلفة باختلاف القوابل، و بأنه قد ذكر القونوي و غيره أنّ جميع المعاني مراد اللّه تعالى لكن بحسب المراتب و القوابل لا في حقّ كل واحد.

أقول: أمّا الثاني ففاسد قطعا ضرورة أنّ إرادة اللّه سبحانه من كلامه المنزل على نبيّه المرسل ليست تابعة لأهواء الجهّال و آراء الرجال التابعين لطرق أهل الضلال، و لذا

ورد في أخبار متواترة أنّ علم الكتاب مخزون عند النبي و آله المعصومين صلى اللّه عليهم أجمعين،

و إنّه يجب على الناس الرجوع إليهم في معرفته

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 204

و أنّه لا يجوز التفسير بالرأي «1»

بل قد

روت العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أنه قال: من فسّر القرآن برايه و أصاب الحق فقد أخطأ «2».

و

عن «فردوس الأحاديث» عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) من فسّر القرآن برايه و أصاب كتب عليه خطيئة لو قسمت بين الخلائق لوسعتهم.

و

من طرق الفريقين عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار «3»

، و لعلّ الظاهر أنّ مراد القونوي كون المعاني الصحيحة في مراتب الظهور و البطون كلّها مرادة للّه سبحانه و هو كلام صحيح لكنّه لا يجدي في دفع الإيراد كما لا يخفى، و مما ذكرنا يظهر الحال بالنسبة إلى الجواب الأوّل أيضا.

و منها أنّ عبارة العلم الباحث ينصرف في المتعارف إلى الأصول و القواعد الكلية أو ملكتها، و من البيّن أنّه ليس لعلم التفسير قواعد يتفرّع عليها الجزئيات إلّا في مواضع نادرة فلا يتناول غير تلك المواضع إلّا بالعناية، و لذا قيل: إنّ الأولى أن يقال: علم التفسير معرفة أحوال كلام اللّه من حيث إنّه مراد اللّه تعالى بقدر الطاقة الإنسانية.

و الجواب المنع من الانصراف المذكور بعد ظهور عموم الموصولة، بل المفرد المحلّى باللام أيضا و لو على وجه الحكمة مع تعليق البحث بالأمور الشخصية

______________________________

(1)

عن الصادق عليه السلام قال: من فسّر القرآن برأيه فأصاب لم يوجر، و إن اخطأ كان أئمة عليه، تفسير العياشي ج 1 ص 17- بحار الأنوار ج 92 ص 110.

و

عنه عليه السلام: من فسّر آية من كتاب اللّه فقد كفر- المصدران المتقدمان

.

(2) رواه أبو داود و الترمذي و النسائي في صحاحهم.

(3) بحار الأنوار ج 92 ص 11 عن منية المريد.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 205

من جهة خاصة.

و دعوى انّ الكلية هي المنساقة من لفظ العلم بخلاف المعرّفة ممنوعة جدا مع أنّ قضية ذلك المنع من إطلاق علم اللغة و علم التاريخ و علم الرجال و نحوها و هو كما ترى مضافا إلى أنّه يمكن المناقشة في المقدّمة الثانية أيضا.

و أمّا ما ذكره من التعريف ففيه أنّ من الظاهر أنّ الضمير في قوله: من حيث إنّه مراد اللّه للكلام.

ثم المراد به إن كان هو اللفظ فلا وجه لتقييده بحيثيّة إلّا اخرج الألفاظ المشتركة بين القرآن و غيره فيرجع الحاصل إلى معرفة ألفاظ القرآن من حيث إنّها ألفاظ القرآن و إن كان هو المعنى ففيه مع استلزامه التجوّز في الحدود أو القول بالكلام النفسي أنّه ليس للمعاني أحوال تعرف ثمّ إنّ ما يتحصّل من ذلك، ليس هو المراد بعلم التفسير كما لا يخفى، الّلهم إلّا أن يقال: إنّ المراد بكلام اللّه لفظا هو اللفظ، و مرجعا للضمير هو المعنى على وجه الاستخدام. و أنت ترى أنّ ارتكابه في التعاريف ليس على ما ينبغي.

ثمّ لا يخفى أنّ المقصود من التعاريف و الحدود المذكورة في العلوم إنّما هو مجرّد التعبير و الإشارة إلى نوع المعنى أو ما يقرب عن حقيقته بذكر بعض الآثار و اللوازم بل سبيلهم في ذلك سبيل أرباب اللّغة في الكشف من معاني الألفاظ بالتعاريف اللفظيّة إرشادا إلى تصوير نوع المعنى كقولهم: سعدانة نبت، و على هذا فلا يقدح فيها بعض المساحات الموجبة لعدم سلامة طرده أو عكسه عن بعض المناقشات، بعد إحراز الفرض الّذي هو الاشارة

إلى سنخ المعنى ليتصور الطالب فيكون على بصيرة في طلبه، و من هنا يظهر التعويل على كلّ من التعاريف المتقدّمة، و إن كان الأولى ما ذكره أوّلا.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 206

و اعلم أنّ ما ذكرناه هو حدّ هذا العلم من حيث العلميّة، و أمّا من حيث الإضافة فالعلم قد مرّ بعض الكلام فيه، و ستسمع البحث عن معنى التفسير في الباب السادس إن شاء اللّه.

ثمّ أنّه قد ظهر من جميع ما مرّ أنّ موضوع هذا العلم الكتاب الّذي هو منبع كلّ حكمة و معدن كلّ فضيلة ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَ لكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ «1» و غايته التوصّل إلى فهم معاني كتاب اللّه تعالى بنيل الحقائق العلمية و المقاصد العملّية للفوز بسعادة الدارين و كمال النشأتين، و قد تقرّر في محلّه أنّ شرف العلم و جلالته إنّما هو باعتبار شرف موضوعه و غايته و المقاصد، و من البيّن أنّ الموضوع و الغاية في هذا العلم أشرف منهما في غيره فيكون أشرف العلوم و أعظمها على الإطلاق. أمّا شرف موضوعه فلأنّه هو الثقل الأكبر الذي قرنه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بعترته المعصومين (صلّى اللّه عليهم أجمعين) و

قال: (إنّهما لن يفترقا أبدا حتى يردا عليّ الحوض «2»

بل قد سمّاه بالثقل الأكبر و الأعظم و العترة بالثقل الأصغر، و

قال (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): إنّه هو النور المبين و الحبل المتين، و العروة الوثقى، و الدرجة العليا. و الشفاء الأشفى، و الفضيلة الكبرى، و السعادة العظمى «3».

و أمّا شرف غايته فواضح بعد ما

ورد: أنّه هدى من الضلالة، و

تبيان من

______________________________

(1) سورة يوسف: 111.

(2) رواه غير واحد من الفريقين كابن سعد في الطبقات ج 2 ص 194 و الطبراني في المعجم الصغير ص 73 و السيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 60 و العسقلاني في المواهب اللدنية ج 7 ص 7 و المتقي الهندي في كنز العمال ج 1 ص 342 و غيرهم كما فصّل في احقاق الحق ج 9 من صفحة 309 الى ص 375.

(3) تفسير الإمام ص 203. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 207

العمى، و استقالة من العثرة، و نور من الظلمة و عصمة من الهلكة «1».

إلى غير ذلك ممّا يأتي إليه الإشارة في أخبار متواترة بل يستفاد منها فضله على جميع العلوم.

و أمّا علم أصول الدين المشتمل على معرفة اللّه سبحانه و صفاته الجماليّة و غيرها من العقائد الحقّة فهو و إن كان مفصّلا على غيره من العلوم إلّا أنّه غير خارج من علم التفسير، فإنّ إثبات التوحيد و أدلّتها و سائر المعارف الحقّة كلّها مستفادة من كتاب اللّه سبحانه بل ليس من علم حقّ إلّا و في كتاب اللّه تعالى أصله و معدنه كما

في الخبر بل فيه تبيان كل شي ء «2»، و تفصيل كل شي ء «3»، و ما فرط اللّه فيه من شي ء «4»

كما في الآيات فهو محتو على علم الحقائق الكلية و العقائد الأصلية و الأحكام الفرعية و العملية و غيرها من العلوم الحقّة المتعلقة بالدين و الدنيا و ان كان الناس في جهالة و ضلالة عن العلم بها و معرفة طرق استنباطها منه: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ «5».

و من هنا يظهر أنّ مباديه علوم كثيرة بل

أكثر العلوم من جملة مباديه، و قد أنهاها بعضهم الى ثلثين علما مع تقصير واضح في ترك بعض العلوم أيضا، بل التأمّل الصحيح قاض بأنّ استنباط بعض المعاني و البطون القرآنية موقوف على علوم غيبية و أسرار إلهية و معرفة أنواع من الدلالات و الإشارات المحجوبة عن غير الأئمة المعصومين عليهم صلوات اللّه و بتلك الطرق يستنبطون منه جميع المعارف

______________________________

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 5.

(2) كما في المصحف الشريف: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ النحل: 89.

(3) كما في القرآن: وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْ ءٍ يوسف: 111.

(4) كما في الكتاب العزيز: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ: الانعام: 38.

(5) النساء: 83.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 208

و الأحكام الشرعية و الحوادث الواقعة مما كان أو يكون إلى يوم القيامة، و إلّا فمن البيّن أنّ العلم بالأوضاع الظاهرة اللغوية و الدلالات المستفادة العرفية غير واف باستنباط عشر عشير من معشار تلك العلوم الجمّة المحتوية على تمام عالم التكوين و التشريع، و لذا

ورد في أخبار كثيرة أنّهم عليهم السلام، هم المخصوصون بعلم تفسير كتاب اللّه و أنّ عليا هو تفسير الكتاب، و أنّه هو الّذي عنده علم الكتاب

كما يستفاد ذلك من الأخبار المتواترة المأثورة في تفسير آيات كثيرة كقوله: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ «1» و قوله تعالى: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ «2» و قوله تعالى: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ «3» و قوله تعالى: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ «4» و قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا «5» و قوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ

حَقَّ تِلاوَتِهِ «6» و قوله تعالى:

وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ «7» و قوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ «8» و قوله تعالى: وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ «9» إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة بل أخبار المتواترة التي تأتي إلى بعضها الإشارة، و لذا أطبقت أمّة النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) من العامّة و الخاصّة على أنّه عليه

______________________________

(1) الرعد: 43.

(2) آل عمران: 7.

(3) العنكبوت: 49.

(4) النساء: 82.

(5) فاطر: 32.

(6) البقرة: 121.

(7) الانعام: 59.

(8) الانعام: 38.

(9) يس: 12.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 209

السلام، كان أعلم الناس، بكتاب اللّه بعد النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) «1»، و رجوع الصحابة إليه في معرفة تنزيل الآيات و تأويلها مشهور بين الفريقين «2».

و قول ابن عباس الذي هو من أعظم مفسريهم بل سمّوه ترجمان القرآن «3»:

إنّ علمي إلى علم علي عليه السلام كالقرارة في المتفجّر «4» مشهور، و في كتب الفريقين مسطور و قد

روى أنّه عليه السلام تكلّم معه في تفسير الباء من البسملة إلى مطلع الفجر ثم قال له يا ابن عباس لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من باء بسم اللّه الرحمن الرحيم «5»

و عن تفسير النقاش عن ابن عباس: جلّ ما تعلمت من التفسير من علي بن أبي طالب عليه السلام.

و عن ابن مسعود: أنّ القرآن انزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلّا له ظهر و بطن، و إنّ علي بن أبي طالب علم الظاهر و الباطن «6».

______________________________

(1) قال سعيد بن المسيب: ما كان أحد بعد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) أعلم من علي بن أبي طالب،

الكنى و الأسماء للدولابي (ج 1 ص 197).

(2) قال ابن أبي الحديد: من العلوم علم التفسير و عن علي عليه السلام أخذ و منه فرّع لأنّ أكثره عنه و عن ابن عباس و قد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له و انقطاعه اليه، و انه تلميذه و خرّيجه، شرح النهج- ج 1 ص 6.

(3) كما عن ابن مسعود انه قال: نعم ترجمان القرآن ابن عباس، الاعلام زركلي ج 4 ص 229.

(4) الصحيح: المثعنجر بضم الميم و سكون الثاء و فتح العين كما قال ابن الأثير في النهاية في كمله ثعجر: المثعنجر أكثر موضع في البحر ماء، و منه حديث ابن عباس «علمي بالقرآن في علم علي كالقرارة في المثعنجر» و الميم و النون زائدتان، و القرارة: الغدير الصغير، النهاية ج 1 ص 212.

(5) رواه جماعة من العامة منهم الشعراني في لطائف المنن ج 1 ص 171 قال (ع) لو شئت لأوقرت ثمانين بعيرا من معنى الباء.

(6) رواه جماعة من العامة منهم الحافظ ابو نعيم في حلية الأولياء (ج 1 ص 65) و منهم العلامة

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 210

و في «كشف الظنون عن أسامي الكتب و الفنون»: أنّ الخلفاء الأربعة أكثر من روى عنه علي بن أبي طالب عليه السلام، و الرواية عن الثلاثة في ندرة، ثم حكى عن ابن مسعود أنّ عليا عنده علم ظاهر القرآن و باطنه، و أنّ ابن مسعود ينتهي أكثر رواياته اليه.

و في كتب الرجال: أنّ ميثم الّتمار كان يقول لابن عباس: سلني ما شئت من القرآن فإنّي قرأت تنزيله على أمير المؤمنين عليه السلام و علّمني تأويله «1».

و عن فضائل العكبري قال الشعبي: ما أحد أعلم بكتاب

اللّه بعد نبي اللّه من علي بن أبي طالب عليه السلام «2».

و

عن «تاريخ البلاذري» و «حلية الأولياء» قال علي عليه السلام: و اللّه ما نزلت آية إلا و قد علمت فيما نزلت و أين نزلت أ بليل نزلت أم بنهار، و نزلت في سهل أو جبل، إنّ ربي وهب لي قلبا عقولا و لسانا سئولا «3».

و

عن «قوت القلوب» قال علي عليه السلام: لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا في تفسير فاتحة الكتاب «4».

و

في «كتاب سليم بن قيس» عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: كنت إذا سئلت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) أجابني و أن فنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت عليه آية في ليل أو نهار و لا سماء و لا أرض و لا دنيا و لا آخرة و لا جنة و لا نار و لا سهل و لا جبل و لا نور و لا ظلمة إلّا أقرأنيها و أملأها علي و كتبتها بيدي،

______________________________

الخواجة بارسا في فصل الخطاب على ما في ينابيع المودة ص 373.

(1) كشف الظنون ج 1 ص 429.

(2) بحار الأنوار ج 92 ص 93.

(3) بحار الأنوار ج 92 ص 93.

(4) بحار الأنوار ج 92 ص 93. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 211

و علّمني تأويلها و تفسيرها، و محكمها و متشابهها، و خاصّها و عامّها، و كيف نزلت، و أين نزلت، و فيمن أنزلت إلى يوم القيامة دعا اللّه لي أن يعطيني فهما و حفظا فما نسيت آية من كتاب اللّه و لا على من أنزلت «1».

إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة التي تأتي إلى بعضها الإشارة في الأبواب الآتية.

ثم إنّ الأئمة المعصومين صلّى اللّه عليهم قد أورثوا منه علم الكتاب

كما أنّهم قد أورثوا منه الكتاب الذي جمعه بعد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) و أصحابهم (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) كانوا في كل عصر يقتبسون من مشكاة أنوارهم، و يلتمسون من جواهر أسرارهم مما يتعلّق بالشرايع و الأحكام و الحلال و الحرام و مسائل الأصول و القصص و التفسير، و غيرها فكم صنّفوا فأكثروا و قصّروا و طوّلوا في فنون العلوم الدينية و الأحكام الشرعية حتّى أنّ المضبوط في كتب الرجال من كتبهم المصنّفة في عصر الأئمة عليهم السلام، أزيد من ستة آلاف كتاب و كانوا يقتصرون في كل ذلك ما هو المستفاد من نصوص أهل الخصوص من دون استعمال شي ء من الآراء و الأهواء.

فمن مصنّفاتهم في علم التفسير تفسير أبان بن تغلب، و تفسير إبراهيم بن محمد الثقفي، و له أيضا كتاب ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام، و تفسير أحمد بن الحسن الأسفرايني الضرير المفسّر، الموسوم «بالمصابيح في ذكر ما نزل من القرآن في أهل البيت».

قال النجاشي: و هو كتاب كثير الفوائد، و تفسير أحمد بن صبيح، و تفسير

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 92 ص 99 بتفاوت يسير.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 212

أحمد بن محمد بن الحسن القمي، و تفسير ابن عقدة، قال النجاشيّ: و هو كتاب حسن.

و تفسير أحمد بن محمد بن عيّاش المشتمل على الناسخ و المنسوخ، و تفسير أبي حمزة الثمالي و قد روى عنه الثعلبي و غيره و للشيخ طريق اليه.

و تفسير جابر بن يزيد الجعفي، و تفسير الحسن بن أحمد العلوي النقيب في خصائص أمير المؤمنين عليه السلام من القرآن، و تفسير الحسن بن محبوب، و تفسير الحسن بن

فضّال، و تفسير الحسين بن سعيد، و تفسير الحسين بن علي العربي، و تفسير الحصين بن مخارق، و كتاب ناسخ القرآن و منسوخه و محكمه و متشابهه لسعد بن عبد اللّه الاشعري، و تفسير سلمة بن الخطاب، و كتاب ما نزل في الخمسة لعبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري، و له تفسير آخر كبير، و له أيضا كتاب ما نزل من القرآن في علي عليه السلام، و كتاب الناسخ و المنسوخ لعبد اللّه بن عبد الرحمن المسمعي، و تفسير علي بن إبراهيم القمي، و قد حكينا عنه كثيرا في هذا التفسير، و له أيضا كتاب الناسخ و المنسوخ، و تفسير علي بن أبي حمزة البطائني و تفسير علي بن أبي سهل القزويني، و تفسير علي بن الحسن بن فضّال، و تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي، و هو و إن لم يكن مذكورا في كتب الرجال إلّا انه مذكور في أسانيد الأخبار و لو أظفر على أحد قبل شيخنا المجلسي حكى عن تفسيره نعم قال في أول البحار: انه و ان لم يتعرض الأصحاب لمؤلفه بمدح و لا قدح لكن كون أخباره موافقة لما وصل إلينا من الأحاديث المعتبرة، و حسن الضبط في نقلها مما يعطي الوثوق بمؤلفه، و حسن الظن، قال و قد روى الصدوق عنه أخبارا بتوسط الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي، و روى عنه الحاكم أبو القاسم الحسكاني في «شواهد التنزيل» و غيره.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 213

أقول: و في «مجمع البحرين» في مادة فرت: فرات بن إبراهيم له تفسير عظيم الشأن، و هو من جملة الرواة الذين يروي عنهم علي بن إبراهيم.

أقول: و على كل حال فهو ممدوح جدّا و أخباره

في غاية الاعتماد.

و تفسير علي بن مهزيار، و تفسير عيسى بن داود الكوفي، و تفسير الفضل بن شاذان، و تفسير محمد بن إبراهيم الجعفي الموسوم بتفسير معاني القرآن و تسمية أصناف كلامه، و تفسير محمد بن أحمد بن أبي الثلچ الموسوم بكتاب التنزيل في أمير المؤمنين عليه السلام، و كتاب نوادر القرآن لمحمد بن أحمد أبي الحسن المحاربي، و كتاب تفسير الباطن لمحمد بن أرومة، و له تفسير آخر، و له أيضا كتاب ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام، و كتاب المجاز من القرآن لمحمد بن جعفر الهمداني، و كتاب إعراب القرآن لمحمد بن الحسن بن أبي سارة الرواسي أستاذ الكسائي، و تفسير محمد بن الحسن بن الوليد القمي، و تفسير محمد بن خالد البرقي، و له أيضا كتاب التنزيل و التأويل، و كتاب تأويل ما أنزل في البني (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) لمحمد بن عيّاش، و له أيضا تفسير كبير، كتاب ما نزل في شيعتهم، و كتاب ما نزل في أعدائهم، و كتاب الناسخ و المنسوخ له أيضا، و تفسير الشلمغاني، و العبدكي الجرجاني، و تفسير محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، و تفسير محمد بن مسعود العياشي، و له تفسيران آخران، أحدهما التنزيل و الآخر باطن القرآن، و المشهور من الثلاثة هو الأول لكن الموجود منه نسخة محذوفة الأسانيد، قال شيخنا المجلسي: إن بعض الناسخين حذف أسانيده للاختصار و ذكر في أوله عذرا هو اشنع من جرمه.

تفسير معلى بن محمد البصري، و تفسير منخل بن جميل، و كتاب جوامع التفسير لموسى بن إسماعيل، و تفسير وهب بن حفص أبي علي الجريري، و كتاب

تفسير الصراط المستقيم، ج 1،

ص: 214

ما نزل من القرآن في علي عليه السلام، لهارون بن عمر المجاشعي، و تفسير يونس بن عبد الرحمن، و كتاب ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام، و أهله لابي الفرج الأصفهاني، و تفسير أبي منصور الصرّام النيسابوري قال الشيخ في الفهرست: إنه كبير حسن و تفسير ابن عبدك، قال الشيخ في الفهرست: انه كبير حسن، و تفسير الأصول ابن وضاح إلى غير ذلك من التفاسير المصنفة في أعصار الأئمة عليهم السلام، بل سائر الأصول و مصنّفاتهم، التي هي أكثر من ذلك و أكثرها مشتمل على كثير من الأخبار المتضمنة للتنزيل و تأويل الآيات هذا مضافا إلى ما رووه عنهم عليهم السلام، من كتب التفسير ككتاب التفسير الذي رواه الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام، المشتمل على أنواع آيات القرآن و شرح ألفاظه برواية محمد بن إبراهيم النعماني و قد أورده شيخنا المجلسي بتمامه في كتاب القرآن، و التفسير المنسوب إلى الامام الهمام الحسن ابن علي العسكري عليه و على آبائه و على ولده الخلف الحجة أفضل الصلاة و السلام، و الإسناد اليه مذكور في أوله و شهرته بين الإمامية و تلقّيهم له بالقبول و إيرادهم أخباره في كثير من الكتب و الأصول يكفينا مؤنة التأمل في أحوال رجاله فضلا عن الإصغاء إلى قدح من يقدح فيه من المحدّثين سيما مع كون الأصل في ذلك هو ابن الغضايري الذي لا يكاد يسلم من طعنة جليل.

و لذا قال شيخنا المجلسي- رحمه اللّه- في أول البحار: انّ تفسير الامام عليه السلام من الكتب المعروفة و اعتمد الصدوق عليه و أخذ منه و إن طعن فيه بعض المحدثين لكن الصدوق (رحمه اللّه) أعرف

و أقرب عهدا ممن طعن فيه و قد روى عنه أكثر العلماء من غير غمز فيه انتهى كلامه- زيد مقامه-.

مع ان الأصل في قدحه انما هو رمي محمد بن القاسم المفسر بالضعف و الكذب

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 215

و انه يرويه عن رجلين مجهولين، و فيهما ما لا يخفى، أما محمد بن القاسم فقد أكثر الصدوق من النقل عنه في كثير من كتبه «كالفقيه» و كتاب «التوحيد» و عيون أخبار الرضا عليه السلام و غيرها، و في كل موضع يذكره يقول رحمه اللّه أو رضي اللّه عنه مع انه قد قال في أول «الفقيه» ما قال «1»، و أما الرجلان فالصدوق أعرف بحالهما مع أن شيخنا الطبرسي قال في أول «الاحتجاج» قال اي الصدوق- رحمه اللّه-: حدّثني ابو الحسن محمد بن القاسم الإسترابادي المفسّر قال: حدّثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد، و أبو الحسن علي بن محمد السيّار، و كانا من الشيعة- الإمامية الحديث، و من هنا و غيره قد بالغ غير واحد من الإمامية في الذبّ عنه و حكموا بالاعتماد عليه، و لذا أوردناه بتمامه في هذا التفسير مفرّقا على ما يناسبه من الآيات.

ثم إنّ طريقة المفسرين من أصحاب الأئمة عليهم السلام، كانت مستقره على الاقتصار على إيراد الاخبار بل و كذا غيرهم من مصنّفي الأصول و الأحكام، و اما الطبقة المتاخرة عنهم فإنّهم و إن اقتفوا آثارهم في الاعتماد على الأخبار إلّا أنّه بسطوا الكلام مضافا الى ذلك في البحث و الاستدلال و وجوه الاستنباط و النظر في اللغات و إعراب الكلمات و اختلاف القراءات و ربما تصدّوا لحكاية أقوال المفسّرين من العامّة لا لاعتماد عليها بل لترجيح بعض ما

وافق الحقّ منها على غيره، أو للردّ عليها، أو للتنبيه على ضعفها و قصورها، أو لغير ذلك من الأغراض الصحيحة، و بالجملة فمن التفاسير المصنفة بعد الطبقة الاولى كتاب التفسير للصدوق الأوّل و كتاب التفسير للصدوق الثاني محمد بن علي بن بابويه القمي، قال النجاشي: له

______________________________

(1) قال: إني لا أورد في هذا الكتاب إلّا ما أفتي به و أحكم بصحته، و هو حجة بيني و بين ربي.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 216

جامع كبير، و كتاب مختصر تفسير القرآن، و كتاب الناسخ و المنسوخ، و كتاب تفسير ثالث لم يتمّه.

و مما صنّفه الشيخ السعيد المفيد كتاب الكلام في وجوه إعجاز القرآن، و كتاب البيان تأليف القرآن، و كتاب الكلام في حروف القرآن، و كتاب البيان من غلط قطرب في القرآن.

و من مصنّفات المرتضى رضي اللّه عنه كتاب الصرفة في إعجاز القرآن، و كتاب الغرر و الدرر المتضمن لتفسير كثير من الآيات، و قد حكينا عنه كثيرا في هذا التفسير.

و للسيد الرضي رضي اللّه عنه كتاب تفسير القرآن و كتاب «المتشابه في القرآن» و كتاب «حقايق التنزيل» و كتاب «مجازات القرآن».

و للشيخ أبي جعفر الطوسي طاب ثراه كتاب «التبيان في تفسير القرآن».

و للشيخ أمين الدين أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي كتاب «مجمع البيان في معاني القرآن» عشر مجلدات، و كتاب «الوسيط في التفسير» أيضا أربع مجلدات، و هو المسمى بجوامع الجامع، و التفسير الوجيز مجلد، و له أيضا التفسير الكافي الشاف من كتاب الكشّاف، و لعله هو الثالث المتقدم.

و للحسين بن علي الخزاعي الرازي المفسر التفسير المسمى «بروض الجنان و روح الجنان» في تفسير القرآن عشرون مجلدا قال ابن شهر آشوب: فارسي عجيب.

أقول: و قد

رأيت قطعة وافرة من أواخر سورة البقرة و أواسط القرآن و ذكر بعض الاصحاب: أنّ له تفسيرا آخر بالعربية.

و للشيخ الجليل قطب الدين الراوندي كتاب خلاصة التفاسير عشر مجلّدات.

و للعلامة الحلي- أعلى مقامه- كتاب إيضاح مخالفة السنة لنص الكتاب

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 217

و السنّة، قال في «أمل الآمل»: رأينا منها نسخة قديمة من الخزينة الموقوفة الرضوية سلك فيها مسلكا عجيبا، قال: و الذي وصل إلينا هو المجلد الثاني و فيه سورة آل عمران لا غير ذكر فيها مخالفتهم لكلّ آية من وجوه كثيرة بل لأكثر الكلمات، و له تفسير آخر سماه بنهج الإيمان في تفسير القرآن، و له تفسير ثالث سماه بكتاب الأنس لأهل التميز في تفسير الكتاب العزيز.

و للشيخ أحمد بن متوّج البحراني كتاب تفسير القرآن، و له رسالة في الآيات الناسخة و المنسوخة.

و لشيخنا البهائي طاب ثراه التفسير الموسوم بالعروة الوثقى لم يتمّ و آخر موسوم بعين الحياة، و له حواش و تعليقات على الكشاف و تفسير البيضاوي.

و للسيد هاشم البحراني كتاب البرهان في تفسير القرآن ستّ مجلدات، قد جمع فيه جملة من الأخبار الواردة من الكتب القديمة، و له أيضا كتاب الهادي و ضياء النادي مجلدات.

و للشيخ عبد على الحويزي تفسير «نور الثقلين» و للمحدث الكاشاني «الصافي» و «الاصفى»، و لختنه «1» الصدر الأجلّ الشيرازي التفسير الموسوم «بمفاتح الغيب»، و له أيضا تفسير سورة الحديد و سورة التوحيد و الواقعة و الأعلى و آية الكرسي و غيرها من الآيات و السور.

و أما تفاسير العامّة فهي بكثرتها مقصورة على النقل عن بعض الصحابة و التابعين أو الاعتماد على آرائهم و أهوائهم التي لا طريق لها إلى فهم حقايق معاني آيات الكتاب

المبين لأنّهم لم يأتوا البيوت من أبوابها و لم يتوصّلوا إلى المقاصد

______________________________

(1) الختن بفتح الخاء و التاء كل من كان من قبل المرأة من الأب و الأخ.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 218

بأسبابها و هم يروون في كتبهم على ما ستأتي الإشارة اليه

أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال: أنا مدينة العلم و علي بابها،

و أنّ علم القرآن مخزون عنده و عند ذريته الطاهرين- صلّى اللّه عليهم أجمعين- و مع ذلك تريهم يتكلّمون على أهوائهم بغير علم وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ و لذا لا ترى في تفاسيرهم شيئا من النور و السرور، بل لو فتّشتها لوجدتها إمّا من الأهواء المبتدعة أو مقصورة على مجرّد القشور، و من لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور.

قال مصنّف كتاب «كشف الظنون» و هو من أعاظم متأخّريهم بعد الاشارة إلى طريقة أسلافهم في التفسير من الاعتماد على قول الصحابة و التابعين ما لفظه:

ثم ألّف في التفسير طائفة من المتأخرين فاختصروا الأسانيد و نقلوا الأقوال بتراء فدخل من هنا الدخيل، و التبس الصحيح بالعليل، ثم صار كل من سنح له قول يورده و من خطر بباله شي ء يعتمد عليه غير ملتفت إلى تحرير، ما ورد عن السلف الصالح و هم القدوة في هذا الباب، ثم صنّف بعد ذلك قوم برعوا في شي ء من العلوم و ملئوا كتابهم بما غلب على طبعهم من الفنّ، و اقتصروا فيه على ما تمهّروا فيه كأنّ القرآن أنزل لأجل هذا العلم لا غير، مع أنّ فيه تبيان كل شي ء، فالنحوي تراه ليس له همّ إلا الإعراب و تكثير الأوجه

المحتملة فيه و إن كان بعيدة، و ينقل قواعد النحو و مسائله و فروعه، و خلافيّاته كالزجّاج، و الواحدي في «البسيط»، و أبو حيّان في «البحر و النهر»، و الأخباري ليس له شغل إلا القصص و استيفاؤها و الإخبار عمن سلف سواء كانت صحيحة أو باطلة و منهم الثعلبي، و الفقيه يكاد يسرد فيه الفقه، جمعا و ربما استطرد الى اقامة أدلة الفروع الفقهية التي لا تعلّق لها بالآية أصلا و الجواب عن أدله المخالفين كالقرطبي، و صاحب العلوم العقلية

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 219

خصوصا الامام فخر الدين قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء و الفلاسفة، و خرج من شي ء إلى شي ء حتى يقضي الناظر العجب، لذا قال أبو حيان في «البحر»: جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة إليها في علم التفسير، و المبتدع ليس له قصد إلّا تحريف الآيات و تسويتها على مذهبه الفاسد بحيث إنّه كلما لاح له شاردة من بعيد اقتصها، أو وجد موضعا له فيه أدنى مجال سارع اليه كما نقل عن البلقيني «1» أنه قال: استخرجت من الكشاف اعتزالا بالمناقيش، و الملحد فلا تسئل عن كفره و إلحاده في آيات اللّه لا فترائه على اللّه ما لم يقله كقول بعضهم في قوله: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ «2»: ما على العباد أضرّ من ربهم، و ينسب هذا القول إلى صاحب «قوت القلوب» أبي طالب المكي، و من ذلك القبيل الذين يتكلمون في القرآن بلا سند و لا نقل عن السلف و لا رعاية الأصول الشرعية و القواعد العربية كتفسير محمود بن حمزة بن الكرماني «3» في مجلدين سمّاه العجائب و الغرائب ضمّنه أقوالا هي عجائب عند العوام و

غرائب عمّا عهد عن السلف أقوال منكرة لا يحل الإعتقاد عليها و لا ذكرها إلّا للتحذير كقوله من قال في رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ «4»: إنّه الحبّ و العشق، و من ذلك قولهم في و من شر غاسق إذا وقب «5»: انه الذكر إذا قام،

______________________________

(1) هو عمر بن رسلان بن نصير بن صالح القاهري الشافعي سراج الدين البلقيني الحافظ الأديب المفسر المتكلم توفي بالقاهرة سنة (805) ه ص 85 و من مصنفاته حاشية على الكشاف للزمخشري في ثلاث مجلدات- الضوء اللّامع ج 1-.

(2) الأعراف: 155.

(3) هو محمود بن حمزة بن نصر الكرماني الشافعي المعروف بتاج القراء، كان مقرئا مفسرا، أديبا توفي سنة (500) ه من تصانيفه عجائب التأويل في مجلدين.

(4) سورة البقرة: 286.

(5) الفلق: 3.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 220

و قولهم من ذا الذي يشفع عنده «1»، معناه من ذلّ أي من الذلّ و ذي إشارة إلى النفس و يشف جواب من، و ع من الوعي إلى آخر ما ذكره.

______________________________

(1) البقرة: 255.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 221

الباب الثاني

اشارة

و فيه فصول

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 223

الفصل الاول

في شرفه و فضله و تمثله يوم القيامة و شفاعته لأهله الشواهد العقلية و النقلية من الكتاب و السنّة على ذلك كثيرة فإنّه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه، و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، و قد نزل به الروح الأمين على قلب خاتم النبيين (صلّى اللّه عليه و آله أجمعين)، و هو الحبل المتين، و الكتاب المبين، و النسخة التدوينية المطابقة لعالم التكوين، و لذا قال سبحانه: وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ «1»، وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ «2».

قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) على ما في تفسير الإمام عليه الصلاة و السلام: إنّ هذا القرآن هو النور المبين، و الحبل المتين، و العروة الوثقى، و الدرجة العليا،- و الشفاء الأشفى و الفضيلة الكبرى، و السعادة العظمى، من استضاء به نورّه اللّه و من عقد به أموره عصمه اللّه، و من تمسك به أنقذه اللّه، و من لم يفارق أحكامه رفعه اللّه، و من استشفى به شفاه اللّه، و من آثره على ما سواه هداه اللّه، و من طلب الهدى في غيره أضلّه اللّه، و من جعله شعاره و دثاره أسعده اللّه، و من جعله إمامه الذي يقتدى به و معوّله الذي ينتهى اليه أدّاه اللّه الى جنات النعيم،

______________________________

(1) يس- 12.

(2) الانعام- 59. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 224

و العيش السليم «1».

و

في «الكافي»، «و تفسير العياشي» عن مولينا الصادق عليه السلام: قال:

قال- رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): القرآن هدى من الضلالة و تبيان من العمى، و

استقالة من العثرة، و نور من الظلمة، و ضياء من الأجداث (الأحزان خ ل، و عصمة من الهلكة، و رشد من الغواية، و بيان من الفتن، و بلاغ من الدنيا إلى الآخرة و فيه كمال دينكم، و ما عدل أحد من القرآن إلّا إلى النار «2».

أقول: الأجداث بالمعجمة جمع الجدث محرّكة بمعنى القبر و المراد من ظلمة القبور على تقدير المضاف، و يحتمل أن يكون بالحاء المهملة، فان أحداث الدهر نوائبه، و إن كان لا يخلو عن تكلف.

و

فيهما بالإسناد عن مولينا الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): أيها الناس إنكم في دار هدنة، و أنتم على ظهر سفر، و السير بكم سريع، و قد رأيتم الليل و النهار، و الشمس و القمر يبليان كل جديد، يقرّبان كل بعيد، و يأتيان بكلّ موعود، فأعدّوا الجهاز لبعد المجاز، قال: فقام المقداد بن الأسود و قال: يا رسول اللّه ما دار الهدنة؟ قال (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): دار بلاغ و انقطاع فاذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفع، و ما حل مصدق، و من جعله أمامه قاده إلى الجنة، و من جعله خلفه ساقه إلى النار، و هو الدليل يدل على خير سبيل، و هو كتاب فيه تفصيل و بيان و تحصيل، و هو الفصل ليس بالهزل، و له ظهر و بطن فظاهره حكم و باطنه علم، ظاهره أنيق- و باطنه عميق، له تخوم و على تخومه تخوم لا تحصى

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 92 ص 302.

(2) تفسير العياشي ج 1 ص 5. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص:

225

عجائبه، و لا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى، و منار الحكمة، و دليل على المعرفة لمن عرف الصفة «1»، و زاد في الكافي: فليجل جال بصره، و ليبلغ الصفة نظره ينج من عطب و يخلص من نشب، فإنّ التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور فعليكم بحسن التخلّص و قلّة التربص «2».

قلت: إنّما عبّر (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) عن الدنيا بدار الهدنة و هي المصالحة و الدعة و السكون إذ فيها اختلاط الحق و الباطل مع عدم الفصل و التميز التام و التباس كل منهما بالآخر فلا يقصد فيها الاقامة بل السير على وجه السلامة، و نيل الكرامة، و هي ما أشار اليه بقوله: إنّه بلاغ إلى الآخرة و انقطاع عن الدنيا، و ما حل مصدّق أي قويّ شديد يصدّق من اتّبعه أو يصدّقه اللّه تعالى فيمن يشهد له و يشفعه فيمن يشفع فيه، أو أنه يسعى بصاحبه إلى اللّه، أو أنّه خصم مجادل لأعدائه، مصدّق موافق لأوليائه، و من جعله خلفه، يعني بالمخالفة و الإهانه و التكذيب، و التخوم كالنجوم جمع تخم بفتح المثناة و سكون الخاء المعجمة كفلس و فلوس.

و عن ابن الأعرابي و ابن السكّيت أن الواحد تخوم كرسول و الجمع تخم كرسل، و على كلّ حال فهو حدّ الأرض و في القاموس: إنه الفصل بين الأرضين من المعالم و الحدود.

و

قوله (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): لمن عرف الصفة

: أي صفه التعرّف و كيفية الاستنباط، كما قيل، أو أنّه دليل على معرفة الذات لمن عرف الصفات فإنّه لا يمكن معرفته سبحانه إلّا بالصفات التي هي نفس فعله و هو مقام المشيئة و هو الأعراف

الذين لا يعرفون اللّه إلّا بسبيل و لا يتهم و محبتهم و ذلك لأنّ القرآن إنما نزل فيهم و في

______________________________

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 2.

(2) الأصول من الكافي ج 2 ص 599.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 226

شيعتهم و في أعدائهم كما تأتي الاشارة اليه.

و

روي العياشي بالإسناد عن الحارث الأعور قال: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام فقلت: يا أمير المؤمنين إنّا إذا كنّا عندك سمعنا الذي نسدّد به ديننا و إذا خرجنا من عندك سمعنا أشياء مختلفة مغموسة، و لا ندري ما هي؟ قال أو قد فعلوها؟ قال: قلت نعم قال عليه السلام: سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) يقول: أتاني جبرئيل فقال: يا محمد ستكون في أمتك فتنة قلت: فما المخرج منها؟ فقال: كتاب اللّه فيه بيان ما قبلكم من خبر و خبر ما بعدكم و حكم ما بينكم، و هو الفصل ليس بالهزل، و من وليه من جبّار و عمل بغيره قصمه اللّه، و من التمس الهدى في غيره أضلّه اللّه، و هو حبل اللّه المتين، و هو الذكر الحكيم، و هو الصراط المستقيم، لا تزيغه الأهوية و لا تلبسه الألسنة، و لا يخلق على الردّ، و لا ينقضي عجائبه، و لا يشبع منه العلماء، هو الذي لم تلبث الجن إذا سمعته أن قالوا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ «1» من قال به صدق، و من عمل به أجر، و من اعتصم به فقد هدي صراط مستقيم، هو الكتاب العزيز الذي، لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد «2».

و

في «الكافي» عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يجي ء القرآن

يوم القيامة في أحسن منظور اليه صورة إلى ان قال عليه السلام: حتى ينتهي إلى رب العزة فيقول: يا ربّ فلان بن فلان أظمأت هواجره «3» و أسهرت ليله في دار الدنيا، و فلان بن فلان لم أظمئ هو اجره لم اسهر ليله فيقول- تبارك و تعالى- أدخلهم الجنة

______________________________

(1) الجن: 1.

(2) تفسير العياشي ج 1 ص 3.

(3) الهواجر جمع الهاجرة و هي شدة حر النهار. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 227

على قدر منازلهم فيقوم فيتبعونه فيقول للمؤمن اقرأ و ارق قال: فيقرأ و يرقى حتى يبلغ كلّ منهم منزلته التي هي له فينزلها «1».

و

فيه عن مولينا الصادق عليه السلام في حديث يدعى ابن آدم فيقدم القرآن أمامه في أحسن صورة فيقول: يا ربّ أنا القرآن و هذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتي و يطيل ليله بترتيلي، و تفيض عيناه إذا تهجّد فأرضه كما أرضاني قال:

فيقول العزيز الجبار: عبدي أبسط يمينك فيملأها من رضوان اللّه و يملأ شماله من رحمة اللّه ثم يقال هذه الجنة مباحة لك فاقرء و اصعد فإذا قرء آية صعد درجة «2».

أقول: رضوان اللّه تعالى إشارة إلى فضله و رحمته عدله، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا «3» أو أنّهما للإشارة إلى قسمي الرحمة، و هي الواسعة و المكتوبة.

و لذا

ورد في تفسير الآية عن مولينا الباقر عليه السلام: إنّ فضل اللّه رسول اللّه، و رحمته علي بن أبي طالب عليه السلام.

بل

عنه عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) فضل اللّه نبّوة نبيّكم و رحمته ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام

فبذلك

قال (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): بالنبوة و الولاية فليفرحوا

يعني الشيعة هو

خير مما يجمعون يعني مخالفيهم من الأهل و المال و الولد، و اختصاص اليمين بالرضوان و الشمال بالرحمة لا يخفى وجهه بعد ما سمعت و لذلك قال: و رضوان من اللّه أكبر كما أنّ امتلاء الكفّين منهما إشارة إلى عموم فيضه و شمول فضله و أنه إنّما يختلف فيهما الناس باختلاف استعداداتهم

______________________________

(1) الأصول من الكافي ج 2 ص 601.

(2) الأصول من الكافي ج 2 ص 602.

(3) يونس: 58.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 228

و قبولهم و اختيارهم، كما قال سبحانه: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها «1» و أما

قوله عليه السلام: اقرأ و اصعد

فكانّ الأمر فيه تكويني و إن كان مستفادا من التشريع بل مقارنا له لتطابق العوالم فالتحقق بحقيقة كلّ آية من الآيات الفرقانية، أو القرآنية يوجب تجوهر تلك الحقيقة على قدر التحقق بها في المراتب الغير المتناهية إذ به تبلى السرائر و تكشف الضمائر و تجلو الغطاء من البصائر.

و

في «الكافي» بالإسناد عن سعد الخفّاف عن مولينا أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: يا سعد تعلموا القرآن فإنّ القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر اليه الخلق و الناس صفوف عشرون و مأة ألف صف ثمانون ألف صفّ أمة محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) و أربعون الف صفّ من ساير الأمم فيأتي على صفّ المسلمين في صورة رجل فيسلم فينظرون اليه ثم يقولون: لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم إنّ هذا الرجل من المسلمين نعرفه بنعته و صفته غير أنه كان أشد اجتهادا منّا في القرآن فمن هناك أعطى من البهاء و الجمال و النور ما لم نعطه ثم يجاوز حتى يأتي على صفّ الشهداء فينظر إليه الشهداء ثم

يقولون: لا إله إلّا اللّه الرب الرحيم إنّ هذا الرجل من الشهداء نعرفه بسمته و صفته غير أنّه من شهداء البحر في صورة شهيد فينظر اليه شهداء البحر فيكثر تعجبهم و يقولون: إنّ هذا من شهداء البحر نعرفه بسمته و صفته غير ان الجزيرة التي أصيب فيها كان أعظم هولا من الجزيرة التي أصبنا فيها فمن هناك أعطى من البهاء و الجمال و النور ما لم نعطه، ثم يجاوز حتى يأتي صف النبيين و المرسلين في صورة نبي مرسل فينظر النبيون و المرسلون إليه فيشتدّ لذلك تعجبهم

______________________________

(1) الرعد: 17. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 229

و يقولون: لا إله إلا اللّه الحليم الكريم إنّ هذا النبيّ مرسل نعرفه بصفته و سمته غير أنه أعطي فضلا كثيرا قال: فيجتمعون فيأتون رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) فيسألونه و يقولون: يا محمد من هذا فيقول (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): أو ما تعرفونه فيقولون: ما نعرفه هذا مما لم يغضب اللّه عليه، فيقول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): هذا حجّة اللّه على خلقه فيسلّم ثم يجاوز حتى صفّ الملائكة في صورة ملك مقرّب فينظر اليه الملائكة فيشتدّ تعجبهم و يكبر ذلك عليهم لما رأو من فضله و يقولون: تعالى ربنا و تقدس إنّ هذا العبد من الملائكة نعرفه بسمته و صفته غير أنّه كان أقرب الملائكة من اللّه- عز و جل- مقاما من هناك البس من النور و الجمال ما لم نلبس، ثم يجاوز حتى ينتهي إلى رب العزة تبارك و تعالى: فيخرّ تحت العرش فيناديه تبارك و تعالى يا حجتي في الأرض و كلامي الصادق الناطق ارفع

رأسك و سل تعط و اشفع تشفع فيرفع رأسه فيقول اللّه تبارك و تعالى: كيف رأيت عبادي، فيقول: يا رب منهم من صانني و حافظ علي و لم يضيّع شيئا و منهم من ضيّعني و استخفّ بحقي و كذّب بي و أنا حجتك على جميع خلقك، فيقول اللّه تبارك و تعالى: و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني لاثيبنّ عليك اليوم أحسن الثواب و لأعاقبنّ عليك اليوم أليم العقاب قال فيرفع القرآن رأسه في صورة اخرى.

قال: فقلت له: يا أبا جعفر في أي صورة يرجع؟ قال عليه السلام: في صورة رجل شاحب متغيّر ينكره أهل الجمع فيأتي الرجل من شيعتنا الذي كان يعرفه و يجادل به أهل الخلاف، فيقول: ما تعرفني؟ فينظر اليه الرجل فيقول: ما أعرفك يا عبد اللّه قال: فيرجع في صورته التي كانت في الخلق الأول فيقول: ما تعرفني؟ فقال:

نعم، فيقول القرآن: أنا الذي أسهرت ليلك، و أنصبت عيشك و سمعت الأذى و رجمت بالقول فيّ ألا و إنّ كل تاجر قد استوفى تجارته، و أنا ورائك اليوم، قال:

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 230

فينطلق به إلى رب العزة- تبارك و تعالى- فيقول: يا رب عبدك و أنت أعلم به قد كان نصبا بي مواظبا عليّ يعادي بسبي و يحب في فيقول اللّه- عز و جل- أدخلوا عبدي جنّتي و أكسوه حلّة من حلل الجنة و توجوه بتاج، فاذا فعل به ذلك عرض على القرآن فيقال له: هل رضيت بما صنع بوليك؟ فيقول: يا رب أستقلّ هذا له فزده مزيد الخير كله فيقول: و عزّتي و جلالي و علوي و ارتفاع مكاني لأنحلنّ له اليوم خمسة أشياء مع المزيد له و لمن كان

بمنزلته الا إنّهم شباب لا يهرمون، و أصحاء لا يسقمون و أغنياء لا يفتقرون، و فرحون لا يحزنون، و احياء لا يموتون، ثمّ تلا هذه الآية لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى «1» قلت: جعلت فداك يا أبا جعفر و هل يتكلّم القرآن؟ فتبسم ثمّ قال: رحم اللّه الضعفاء من شيعتنا إنّهم أهل تسليم، ثم قال: نعم يا سعد و الصلاة تتكلّم و لها صوره و خلق تأمر و تنهي، قال و تغير لذلك لوني و قلت: هذا شي ء لا أستطيع أتكلم به في الناس، فقال أبو جعفر عليه السلام: و هل الناس إلّا شيعتنا فمن لم يعرف بالصلاة فقد أنكر حقنا ثم قال عليه السلام: يا سعد أسمعك كلام القرآن؟ قال سعد: فقلت: بلى صلّى اللّه عليك فقال عليه السلام إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر و لذكر اللّه أكبر فالنهى كلام، و الفحشاء و المنكر رجال و نحن ذكر اللّه و نحن أكبر «2».

اعلم ان التعلم المأمور به في هذا الخبر و غيره من الأخبار يشمل تعلم ألفاظه و نقوشه و معانيه، و ظواهره و بطونه، و التحقق بحقايقه، و التخلّق بأخلاقه، و امتثال أوامره و نواهيه، فان جميع ذلك داخل تحت صدق التعلم الذي له عرض عريض و ان كانت أفراده مختلفة بحسب المراتب و الدرجات التي يترتب عليها نيل

______________________________

(1) الدخان: 56.

(2) الأصول من الكافي ج 2 ص 596.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 231

الكرامات و رفع الدرجات حسبما نشير اليه، و أمّا تمثّله يوم القيامة و مجيئه في أحسن صورة نظر اليه الخلق فلتجوهر الحقائق و تجّسم الأعمال و لذا يتجلى بأحسن صورة غير أنّ الخلايق لا يقدرون على

رؤيته على الصورة التي له في نفسه لقصور أنظارهم و كلال أبصارهم و إنّما يراه كل أحد بأحسن ما هو عنده من نظره و اعتقاده على حسبما كانوا يتعلّمونه و يتلونه في الدنيا، و لذا يترائي لكل من مأة الناس و الشهداء و الأنبياء و الملائكة على صوره أحسنهم و أشرفهم و أفضلهم فإنّهم لما آنسوا به أظمئوا هواجرهم و أسهروا لياليهم بتلاوته بل تخلّقوا بأخلاقه و تحقّقوا ببعض حقائقه عرفوه بنعته و صفته فهم لأنسهم بما يناسبه من المعارف و الحقائق يعرفونه و يأنسون به و يستبشرون برؤيته و إن كانوا لا يعرفونه حقّ معرفته لقصورهم عن إدراك درجته و مرتبته لأنّهم لم يتلوه حق تلاوته و قد يقال: إنه لما كان المؤمن في نيته أن يعبد اللّه حقّ عبادته و يتلو كتابه حقّ تلاوته إلّا أنه لا يتيسر له ذلك كما يريد.

و بالجملة لا يوافق عمله ما في نيته، كما

ورد في الحديث: نيّة المؤمن خير من عمله «1»

فالقرآن يتجلّى لكل طائفة بصورة من جنسهم إلّا انه أحسن في الجمال و البهاء و هي الصورة التي لو كانوا يأتون بما في نيتهم من العمل بالقرآن لكان لهم تلك الصورة، و إنّما لا يعرفونه بنعته و وصفه، لأنّهم كانوا يتلونه، و إنّما و صفوا اللّه بالحلم و الكرم و الرحمة حين رؤيتهم لما رأو في أنفسهم في جنبه من النقص و القصور الناشيين من تقصيرهم، و لذا يرجون من اللّه العفو و الكرم و الرحمة.

______________________________

(1) مشهور بين الفريقين و قيل في معناه وجوه و احتمالات كما في أمالي السيد المرتضى و مشكلات العلوم للنراقي و غيرهما.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 232

و أمّا إنّه سبحانه يثيب

عليه. أحسن الثواب و يعاقب عليه أليم العقاب فلأنه مشتمل على جميع شرايع الإسلام و كليات الأحكام من الأصول و الفروع، و مسائل الحلال و الحرام فهو الميزان الذي يعرف به قدر طاعة المطيعين و معصية العاصين، و ظهوره في صورة رجل شاحب: اي متغير من شحب جسمه إذا تغيّر قيل: لعله للغضب على المخالفين أو للاهتمام بشفاعة المؤمنين، كما

ورد أنّ السقط يقوم محبنطا على باب الجنة

أو لإسماعه الوعد الشديد على من خالفه، و هو و ان كان لمستخفّيه إلّا أن لا يخلو من تأثير لمن يطلع عليه و هو بعيد، بل الأول أيضا، و لعل الأقرب رجوعه إلى صورته التي هو عليها في نفسه، و لذا ينكره أهل الجمع إذ لم يعرفه أحد حقّ معرفته، و لم يتله حق تلاوته فلا يعرفونه حتى يرجع الى صورته التي كانت في الخلق الاول، و أمّا انّ الضعفاء من شيعتهم أهل تسليم فإنّهم و إن لم يعرفوا الحقائق الغامضة الكلية على ما هي عليها بالكشف و الشهود و اليقين إلّا أنّهم لوصولهم إلى مقام اليقين يقبلون كلّما سمعوا من الأئمة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين فيؤمنون بالغيب و لا يحصل لهم الشك و الريب، و ذكر شيخنا المجلسي «1».

______________________________

(1) المولى محمد باقر بن محمد تقي المجلسي ولد في اصفهان سنة 1027 و توفي فيها سنة 1110 كان شيخ الإسلام من قبل السلاطين في اصفهان و يباشر جميع المرافعات بنفسه و لا تفوته صلاة الأموات و الجماعات و الضيافات و العبادات، و كان يباشر أمور معاشه و حوائج دنياه بغاية الضبط و مع ذلك بلغت مؤلفاته ما بلغت، و خرج من مجلس درسه جماعة كثيرة من الفضلاء بلغوا

ألف و يقال تصانيفه تبلغ 1402700 بيتا و البيت عبارة عن خمسين حرفا أشهر تصانيفه و أكبرها بحار الأنوار 25 مجلدا.

قال مؤلّف الكتاب في رجاله (نخبة المقال) في ترجمة المجلسي: و المجلسي ابن تقي باقرله بحار كلها جواهر تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 233

- رحمه اللّه تعالى- في

قوله (عليه السلام) أسمعك كلام القرآن

وجوها على وجه الاحتمال: الأول أن تكلم القرآن عبارة من إلقائه إلى السمع ما يفهم منه المعنى و هذا هو معنى حقيقة الكلام فإنّه لا يشترط فيه أن يصدر من لسان لحمي، و كذا تكلم الصلاة فإنّ من أتى بالصلاة بحقّها و حقيقتها نهته الصلاة من متابعة أعداء الدين و غاصبي حقوق الأئمة الراشدين الذين من عرفهم عرف اللّه، و من ذكرهم ذكر اللّه، الثاني أن لكل عبادة صورة و مثالا تترتب عليها آثار تلك العبادة و هذه الصورة تظهر للناس في القيامة، فالمراد

بقولهم عليهم السّلام في موضع آخر: الصلاة رجل،

أنّها في القيامة تتشكل بإزائها رجل يشفع لمن ترعيها حق رعايتها، و في الدنيا أيضا لا يبعد أن يخلق اللّه بإزائها ملكا أو خلقا آخر من الروحانيين يسدّد من أتى بالصلاة حق إتيانها و يهديه إلى مراشده و كذا في القرآن و سائر العبادات، الثالث ما أفيض عليّ، ببركات الأئمة الطاهرين، و به ينحلّ كثير من غوامض أخبار الأئمة المعصومين (صلوات اللّه عليهم أجمعين) و هو أنّه كما أنّ الجسد الانساني له حياة ظاهرية من جهة الروح الحيوانية المنبعثة من القلب الظاهري و بها يسمع و يبصر و يمشي و ينطق و يحسّ فكذا له حياة معنوية من جهة العلم و الإيمان، و الطاعات فالإيمان ينبعث من القلب المعنوي و يسري

في سائر الأعضاء فينوّر العين بنور آخر كما

قال (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): المؤمن ينظر بنور اللّه و يسمع بسمع آخر.

و بالجملة يتصرف الايمان في بدنه و عقله و نفسه و يملكه بأسره فلا يرى إلّا الحقّ و لا يسمع شيئا من الحق إلّا فهمه و صدّقه و لا ينطق إلّا بالحق و لا يمشي إلّا

______________________________ مجدد المذهب بالوجه الأتم و- عد- عمر أقبضه- حزن و غم- تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 234

للحق فالإيمان روح لذلك الجسد، و لذا قال تعالى في وصف الكفار: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ «1» و قال: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ «2» و ما ذلك إلّا لذهاب نور الإيمان من قلوبهم و جوارحهم و كذا الصلاة إذا كملت في شخص و أتى بها كما هو حقّها تصرفت في بدنه و نوّرت قلبه و سمعه و بصره و لسانه و منعته عن إتباع الشهوات و حثّته على الطاعات، و كذا ساير العبادات.

ثم إنّ القرآن ليس تلك النقوش بل هو ما يدل عليه تلك النقوش، و إنما صار الخط و ما ينقش عليه محترما لدلالته على ذلك الكلام، و الكلام إنما صار محترما مكرما لدلالته على المعاني التي أرادها الملك العلّام، فمن انتقش في قواه ألفاظ القرآن و في عقله معناه و اتصف بصفاته الحسنة على ما هي فيه، و احترز عمّا نهى اللّه عنه فيه و اتعظ بمواعظه، و صيّر القرآن خلقه، و داوى به أدواءه، فهو أولى بالتعظيم و الإكرام، و لذا

ورد «انّ المؤمن أعظم حرمة من الكعبة و القرآن».

فاذا عرفت ذلك فاعلم أنه كما يطلق على الجسد لتعلّق الروح و النفس به الإنسان، فكذا يجوز أن يطلق على

البدن الذي إذا كمل فيه الإيمان، و تصرّف فيه و صار روحه أنّه إيمان، و كذا الصلاة و الزكاة و سائر الطاعات، و هذا في القرآن أظهر لأنه قد انتقش بلفظه و معناه و اتصف بصفاته و مؤدّاه و احتوى عليه، و تصرّف في بدنه و قواه فبالحرّي أن يطلق عليه القرآن، فاذا عرفت ذلك ظهر لك سرّ

الإخبار الواردة في أنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو كلام اللّه، و هو الايمان و الإسلام و الصلاة و الزكاة،

و قس على ذلك حال أعدائه، و ما ورد أنّهم الكفر و الفسوق و العصيان، و شرب الخمر و الزنا و سائر المحارم لاستقرار تلك الصفات فيهم، بحيث

______________________________

(1) النحل: 21.

(2) البقرة: 18.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 235

صارت أرواحهم الخبيثة، فلا يبعد أن يكون المرد بالصورة التي يأتي في القيامة هو أمير المؤمنين عليه السلام، فيشفع لمن قرء القرآن لأنه روحه، و لا يعمل بالقرآن إلّا من يتولّاه، و ينادي القرآن بلعن من عاداه. ثم

ذكر عليه السلام لرفع الاستبعاد أنّ الصلاة رجل

و هو أمير المؤمنين فهو ينهي الناس عن متابعة من كمل فيه الفحشاء و المنكر يعني الرجلين.

و على هذا لا يبعد أن يكون

قوله عليه السلام: «أسمعك كلام القرآن»

أشار به الى أنّه عليه السلام أيضا القرآن و كلامه كلام القرآن «1»، انتهى كلامه- زيد في الخلد مقامه-.

و إنّما ذكرناه بطوله لحسن مفاده و جودة محصوله مع أنّ في كلامه كسرا لسوره إنكار أهل العناد الذين ينسبون أهل الحقّ إلى الإلحاد، و أنّ اللّه لهم بالمرصاد، و هو الهادي إلى سبيل الرشاد.

______________________________

(1) بحار الأنوار طبع الاخوندي ج 7 ص 322 الى ص 324.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص:

236

الفصل الثاني

في الحث و الترغيب على تعلم القرآن و تعليمه و العمل به و إكرامه و حفظه و حمله و قراءته و تعظيم أهله أمّا وجوب تعلمه كفاية لتوقف استنباط الأحكام عليه، و لبقاء العلم به و عدم اندراسه سيما مع كونه معجزة باقيه على مرّ الدهور، فممّا لا ريب فيه بل و لا في وجوبه عينا في الجملة من جهة توقّف صحة الصلاة الواجبة على الأعيان عليه، و امّا وجوب تعلّمه مطلقا على كل أحد، فهو و إن كان ربما يترائى من ظواهر الأوامر المتقدمة، و التي تأتي إليها الإشارة الظاهرة بإطلاقها في الوجوب إلّا أنّها محمولة على تأكّد الاستحباب لاستقرار المذهب عليه، و عدم القول بوجوبه على الأعيان، و ظهور الأخبار الكثيرة في شدّة الترغيب المحمولة لذلك، و لوجوه أخر على تأكّد الاستحباب الذي لا ريب فيه أصلا بل لعلّه من ضروري المذهب سيّما بعد ملاحظة العلوم الحقيقية و اشتماله عليها مضافا إلى خصوص الأخبار الكثيرة.

ففي «الكافي» عن الصادق عليه السلام: «ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتى يتعلّم القرآن أو يكون في تعلّمه» و في بعض النسخ «في تعليمه» «1».

و

فيه عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) «تعلّموا القرآن فإنّه يأتي يوم

______________________________

(1) الأصول من الكافي ج 2 ص 607 طبع دار الكتب الاسلامية. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 237

القيامة صاحبه في صورة شابّ جميل شاحب اللون، فيقول له: أنا القرآن الذي كنت أسهرت ليلك، و أظمأت هو أجرك، و أجففت ريقك، و أسبلت دمعتك، إلى ان قال فأبشر فيؤتى بتاج فيوضع على رأسه، و يعطى الأمان بيمينه، و الخلد في الجنان بيساره، و يكسى حلّتين ثم يقال له: اقرء و

ارق، فكلما قرء آية صعد درجة، و يكسى أبواه حلّتين إن كانا مؤمنين، ثم يقال لهما هذا لما علّمتماه القرآن» «1».

و

روى الصدوق بالإسناد عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) قال: «من قرء القرآن ابتغاء وجه اللّه، و تفقّها في الدين كان له من الثواب مثل جميع ما أعطي الملائكة و الأنبياء و المرسلون، و من تعلّم القرآن و تواضع في العلم، و علّم عباد اللّه و هو يريد ما عند اللّه لم يكن في الجنة أعظم ثوابا منه، و لا أعظم منزلة منه و لم يكن في الجنة منزل، و لا درجة رفيعة، و لا نفيسة إلّا و كان له فيها أوفر النصيب و أشرف المنازل» «2».

و

روى الطبرسي في «المجمع» عن رجاء بن حياة قال: «كنّا أنا و أبي عند معاذ بن جبل، فقال: من هذا يا حياة؟ قال: هذا ابني رجاء، فقال معاذ: هل علّمته القرآن؟ قال: لا، قال: فعلّمه القرآن، فإنّي سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) يقول: ما من رجل علّم ولده القرآن إلّا توج أبواه يوم القيامة بتاج الملك، كسيا حلّتين لم ير الناس مثلهما ثم ضرب بيده على كتفي فقال: يا بني إن استطعت أن تكسي أبويك يوم القيامة حلّتين فافعل» «3».

و

في «ثواب الأعمال» و «الفقيه» و «العلل» عن الأصبغ بن نباتة قال: قال

______________________________

(1) الأصول من الكافي ج 2 ص 603.

(2) وسائل الشيعة طبع بيروت ج 4 ص 838.

(3) مقدمة مجمع البيان طبع صيدا ص 9. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 238

أمير المؤمنين عليه السلام،: «إنّ اللّه ليهمّ بعذاب أهل الأرض جميعا حتى لا يحاشي «1» منهم أحدا إذا عملوا بالمعاصي و

اجترحوا السيّئات، فاذا نظر إلى الشيّب «2» ناقلي أقدامهم إلى الصلاة، و الولدان يتعلّمون القرآن رحمهم فأخّر ذلك عنهم» «3».

و

في «المجمع» عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): «إذا قال المعلّم للصبي:

قل: بسم اللّه الرحمن الرحيم، فقال الصبي: بسم اللّه الرحمن الرحيم كتب اللّه برائة للصبي، و برائة لأبويه، و برائة للمعلّم من النار» «4».

و

عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) من قرء القرآن حتى يستظهره و يحفظه أدخله اللّه الجنة و شفّعه في عشرة من أهل بيته كلّهم قد وجبت لهم النار «5».

و

في «الخصال» و «المجمع» عن مولينا أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: من دخل في الإسلام طائعا، و قرء القرآن ظاهرا فله في كلّ سنة مائتا دينار في بيت مال المسلمين، و إن منع في الدنيا أخذها يوم القيامة وافية أحوج ما يكون إليها «6».

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالّة على فضل تعلّمه و تعليمه بشرط خلوص القصد و النية و اقترانه بالعمل به، و إلّا فالعقوبة على العالم التارك للعمل به أشدّ و أعظم و هو في الآخرة أندم و ألوم.

ففي عقاب الأعمال عن مولينا الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام

______________________________

(1) في النسخة علل الشرائع هكذا: حتى لا يريد ان يحاشي إلخ.

(2) الشيب بضم الشين و فتح الياء المشددة جمع الشائب و هو من ابيض رأسه.

(3) علل الشرائع ج 2 ص 209.

(4) مجمع البيان ج 1 ص 19.

(5) مجمع البيان ج 1 ص 17.

(6) مجمع البيان ج 1 ص 16، الخصال ج 2 ص 150. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 239

قال: من قرء القرآن يأكل به الناس جاء يوم القيامة و وجهه عظم ليس عليه

لحم «1».

و

فيه عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) قال: «من تعلّم القرآن فلم يعمل به و آثر عليه حبّ الدنيا و زينتها استوجب سخط اللّه، و كان في الدرجة مع اليهود و النصارى الذين ينبذون كتاب اللّه وراء ظهورهم، و من قرء القرآن يريد به سمعة و التماس الدنيا لقي اللّه يوم القيامة و وجهه عظم ليس عليه لحم، و زجّ القرآن في قفاه حتى يدخله النار، و يهوي فيها مع من هوى، و من قرء القرآن، و لم يعمل به حشره اللّه تعالى يوم القيامة أعمى فيقول: يا رب لم حشرتني أعمى، و قد كنت بصيرا قال:

كذلك أتتك آياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسى فيؤمر به إلى النار، و من تعلّم القرآن يريد به رياء و سمعة ليماري به السفهاء، و يباهي به العلماء، و يطلب به الدنيا بدّد اللّه عظامه يوم القيامة و لم يكن في النار أشدّ عذابا منه، و ليس له نوع من العذاب إلّا سيعذّب به من شدّة غضب اللّه عليه و سخطه» «2».

و

روي عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) قال: «إنّ في جهنم واديا يستغيث أهل النار كلّ يوم سبعين ألف مرة منه، إلى ان قال: فقيل له: لمن يكون هذا العذاب؟ قال: لشارب الخمر من أهل القرآن، و تارك الصلاة» «3».

و

في «الكافي» و «الأمالي» و «الخصال» عن الباقر عليه السلام قال: «قراّء القرآن ثلاثة رجل قرء القرآن فاتّخذه بضاعة و استدر به الملوك و استطال به على الناس، و رجل قرء القرآن فحفظ حروفه و ضيّع حدوده و أقامه إقامة القدح فلا كثّر اللّه

______________________________

(1) ثواب الأعمال ص 44.

(2) عقاب الأعمال ص

45 و 47 و 52.

(3) بحار الأنوار طبع الاخوندي ج 79 ص 148. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 240

هؤلاء من حملة القرآن، و رجل قرء القرآن فوضع دواء القرآن على داء قلبه فأسهر به ليله و أظمأ به نهاره، و قام به في مساجده و تجافى به عن فراشه، فبأولئك يدفع البلاء، و بأولئك يديل اللّه من الأعداء، و بأولئك ينزل اللّه الغيث من السماء فو اللّه لهؤلاء في قراّء القرآن أعزّ من الكبريت الأحمر» «1».

و من جميع ما مرّ يظهر فضل إكرامه بل وجوبه في الجملة و حرمة إهانته مضافا إلى ما رواه.

و

في «الكافي» عن الصّادق عليه السلام قال: إذا جمع اللّه- عز و جل- الأولين و الآخرين إذا همّ بشخص قد أقبل لم ير قطّ أحسن صورة منه فإذا نظر اليه المؤمنون و هو القرآن قالوا: هذا منّا هذا أحسن شي ء رأينا، فاذا انتهى إليهم جازهم».

إلى ان قال: «حتى يقف عن يمين العرش فيقول الجبّار- عز و جلّ- و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني لأكرمنّ من أكرمك و لأهيننّ من أهانك» «2».

إلى غير ذلك من الأخبار الآتية بل الاستخفاف به كغيره من شعائر اللّه التي يجب على المسلمين تعظيمها يوجب الكفر و الارتداد.

و أمّا حفظه، و حمله فالأخبار بهما كثيرة جدا.

ففي «الأمالي» عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): «لا يعذّب اللّه تعالى قلبا وعى القرآن «3».

و

عنه عليه السلام: «أشرف أمّتي حملة القرآن و أصحاب اللّيل» «4».

______________________________

(1) أمالي الصدوق ص 122.

(2) الأصول من الكافي ج 2 ص 602.

(3) أمالي الطوسي ج 1 ص 5.

(4) أمالي الصدوق ص 141.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 241

و

عنه عليه السلام: «من قرء القرآن حتى يستظهره

و يحفظه أدخله اللّه الجنة و شفّعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار» «1».

و

عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): «حملة القرآن في الدنيا عرفاء أهل الجنة يوم القيامة» «2».

و

في «الكافي» و «ثواب الأعمال» عن الصادق عليه السلام: «من شدّد عليه القرآن كان له أجران، و من يسّر عليه كان مع الأولين» «3».

و في رواية: «كان مع الأبرار» «4».

و

في «الكافي» و «ثواب الأعمال» عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) من قرء القرآن و هو شابّ مؤمن اختلط القرآن بلحمه و دمه، و جعله اللّه مع السفرة الكرام البررة، و كان القرآن حجيزا عنه يوم القيامة يقول: يا ربّ إنّ كل عامل قد أصاب أجر عمله غير عاملي فبلّغ به أكرم عطاياك، قال: فيكسوه اللّه العزيز الجبّار حلّتين من حلل الجنة و يوضع على رأسه تاج الكرامة ثم يقال له: هل أرضيناك فيه؟ فيقول القرآن: يا ربّ قد كنت أرغب له فيما هو أفضل من هذا قال: فيعطى الأمن بيمينه و الخلد بيساره، ثم يدخل الجنة فيقال له: اقرأ آية فاصعد درجة ثم يقال له: «هل بلغنا به و أرضيناك؟ فيقول: نعم قال: و من قرأه كثيرا و تعاهده بمشقّة من شدّة حفظه أعطاه اللّه أجر هذا مرتين» «5».

و

عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) قال: الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة

______________________________

(1) مجمع البيان ص 16.

(2) بحار الأنوار ج 92 ص 177.

(3) الأصول من الكافي ج 2 ص 607.

(4) ثواب الأعمال ص 91.

(5) الأصول من الكافي ج 2 ص 603. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 242

الكرام البررة «1».

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يستفاد منها مضافا إلى

الحثّ البليغ و التأكيد الشديد على حفظه و حمله و قراءته.

و المراد بحفظه ليس مجرّد حفظ المصحف عن الضياع و عن وقوع السقط و التحريف و التغيير فيه بالزيادة و النقصان، أو حفظ قراءته بمراعات الترتيل و حفظ الوقوف و أداء الحروف أو حفظه عن ظهر القلب، و إن كان كلّ ذلك من أقسام الحفظ المطلوب شرعا المأمور به في بعض الأخبار أيضا، بل المراد به في كثير من هذه الأخبار و غيرها مضافا الى المعاني المتقدّمة التي هي من مراتبه أن يحفظ حدود معانيه و فحاويه، و مطاويه، و ظهوره و بطونه بالتحقّق بحقائقه و التخلّق بأخلاقه، و امتثال أوامره و نواهيه، و الاتّعاظ بمواعظه، و إتّباع سننه، و التدبير في أمثاله المضروبة للأنام و التفكر في حقائقه المحجوبة عن ظواهر الأفهام، المكشوفة للمقتبسين من مشكوة الوحي و الإلهام.

و كذا ليس المراد من حمله حمل صورة المصحف أو تحمل ظاهر ألفاظه أو انتقاش صور معانيه، و ترجمة ألفاظه في الذهن مع قطع النظر عن العمل به إلى غير من المراتب التي لا ينبغي الاقتصار و الجمود عليها، بل ينبغي الترقّي منها الى ما سواها، فإنّ مثل الدين حمّلوا التورية بل القرآن و غيره أيضا كما لا يخفى بشي ء من هذه المراتب و المعاني ثمّ لم يحملوها بالعمل بها و التحقّق بحقايقها، و التخلّق بأخلاقها، و غير ذلك مما سمعت كمثل الحمار يحمل أسفارا فإنّه أيضا حامل للنقوش و الأوراق المشتملة على الكتابة، فينبغي رسم العلوم الحقيقية الإلهية و كتابتها على

______________________________

(1) ثواب الأعمال ص 92 و أمالي الصدوق ص 36.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 243

الضمائر و الصدور لا الدفاتر و السّطور، و من لم

يجعل اللّه له نورا فما له من نور.

و لذا

قال الامام الهمام (عليه الصلاة و السلام)، رواية عن جده رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) أنه قال: «حملة القرآن المخصوصون برحمة اللّه الملبّسون نور اللّه، المعلّمون كلام اللّه، المقرّبون من اللّه من والاهم فقد والى اللّه، و من عاداهم فقد عادى اللّه، يدفع اللّه عن مستمع القرآن بلوى الدنيا، و عن قاريه بلوى الآخرة، و الذي نفس محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) بيده لسامع آية من كتاب اللّه- عز و جل- و هو معتقد أنّ المورد له من اللّه تعالى محمد الصادق في كل أقواله الحكيم في كل أفعاله، المودع ما أودعه اللّه تعالى من علومه أمير المؤمنين عليا المعتقد للانقياد له فيما يأمر، و يرسم أعظم أجرا من ثبير ذهب يتصدّق به من لا يعتقد هذه الأمور بل صدقته وبال عليه، و لقارئ آية من كتاب اللّه معتقدا لهذه الأمور أفضل مما دون العرش الى أسفل التخوم يكون لمن لا يعتقد هذا الاعتقاد فيتصدّق به، بل ذلك كله و بال على هذا المتصدق به».

ثم قال: «أ تدرون متى يتوفر على هذا المستمع و هذا القارئ هذه المثوبات العظيمات؟ إذا لم يغل في القرآن و لم يجف عليه و لم يستأكل به و لم يراء به» «1».

و من هذا كله يظهر اختلاف المراتب و الدرجات في قراءته بحسب اختلاف الأحوال و الأشخاص و القوابل و الاستعدادات و التأثر و العمل و الاتعاظ و التخلّق، بل

قد سمعت عن مولينا الباقر عليه السلام، فيما مرّ بروايته عن «الكافي» و غيره إنّ قرّاء القرآن ثلاثة «2»

و لا يخفى أنّه بحسب الاختلاف في

الجنس و إلّا فبحسب

______________________________

(1) تفسير الامام ص 4 و 5- بحار الأنوار ج 92 ص 182-.

(2) أمالي الصدوق ص 122.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 244

الأنواع و الأصناف لا تكاد تنضبط و تتناهى لاختلاف مراتب القراءة بحسب اختلاف الأشخاص للاختلاف في الأحوال و غيرها من المشخصات بل يختلف فضل القراءة لشخص واحد في زمانين و إن كانت مطلوبة على كل حال.

و لذا

قال النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) في وصيّه لعلي عليه السلام: «و عليك بتلاوة القرآن على كل حال».

و

في «المجمع» عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): «أفضل العبادة قراءة القرآن «1».

و

فيه عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) قال: إنّ هذا القرآن مأدبة اللّه تعالى فتعلّموا من مأدبته ما استطعتم، إنّ هذا القرآن حبل اللّه، و هو النور المبين و الشفاء النافع، عصمة لمن تمسّك به، و نجاة لمن تبعه، لا يعوجّ فيقّوم، و لا يزيغ فيستعتب، و لا تنقضي عجائبه، و لا يخلق على كثرة الرّد، فاتلوه فإنّ اللّه يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إنّي لا أقول: الم عشر و لكن ألف عشر و لام عشر و ميم عشر» «2».

و

فيه عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) أنه: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ و ارق، و رتّل كما كنت ترتّل في الدنيا فإنّ منزلك عند آخر آية تقرؤها» «3».

و

عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): «من قرء القرآن فرأى أنّ أحدا أعطى أفضل مما أعطي فقد حقّر ما عظّم اللّه و عظّم ما حقّر اللّه» «4».

و

في الكافي عن مولينا الصادق (عليه السلام): «ما من عبد من شيعتنا يتلو

______________________________

(1) مجمع البيان ج 1 ص 15.

(2)

مجمع البيان ج 1 ص 16.

(3) مجمع البيان ج 1 ص 16.

(4) مجمع البيان ج 1 ص 16. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 245

القرآن في صلوته قائما إلّا و له بكل حرف مأة حسنة، و لا قرء في صلوته جالسا إلّا و له بكل حرف خمسون حسنة، و لا في غير صلوته إلّا و له بكل حرف عشر حسنات» «1».

و

فيه عنه و عن السجاد عليهما السلام بالإسناد قال: «من استمع حرفا من كتاب اللّه من غير قراءة كتب اللّه له حسنة، و محى عنه سيئة، و رفع له درجة و من قرء نظرا من غير صلاة (صوت خ ل) كتب اللّه له بكل حرف حسنة، و محى عنه سيئة و رفع له درجة، و من تعلّم منه حرفا ظاهرا كتب اللّه له عشر حسنات و محى عنه عشر سيئات، و رفع له عشر درجات، قال: لا أقول بكل آية، و لكن بكل حرف باء أو تاء أو شبههما، قال: و من قرء حرفا و هو جالس في صلاة كتب اللّه له به خمسين حسنة و محى عنه خمسين سيئة، و رفع له خمسين درجة، و من قرء حرفا و هو قائم في صلاته كتب اللّه له مأة حسنة و محى عنه مأة سيئة و رفع له مأة درجة و من ختمه كانت له دعوة مستجابة مؤخّرة، أو معجلة قال قلت: جعلت فداك ختمه كله قال: قال ختمه كله» «2».

و

فيه بالإسناد عن الزهري قال: قلت لعلي بن الحسين عليه السلام: «ايّ الأعمال أفضل؟ قال عليه السلام: الحالّ المرتحل، قلت: و ما الحالّ المرتحل قال عليه السلام: فتح القرآن و ختمه كلما جاء بأوله ارتحل بآخره «3».

أقول:

و ستسمع سائر أخبار الحلّ و الارتحال في باب آداب القراءة

______________________________

(1)

روى هذا الحديث في الكافي و ثواب الأعمال عن أبي جعفر (عليه السلام) و أوله: من قرأ القرآن قائما في صلوته إلخ كافي ج 4 ص 611 ثواب الأعمال ص 91-.

(2) الأصول من الكافي ج 2 ص 612.

(3) الكافي ج 2 ص 605.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 246

و أحكامها إن شاء اللّه.

و

فيه و في «معاني الأخبار» للصدوق عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): «من أعطاه اللّه القرآن فرأى أنّ رجلا أعطي أفضل مما أعطي فقد صغّر عظيما و عظّم صغيرا» «1».

و

فيه عن مولينا الكاظم عليه السلام: «إنّ درجات الجنة على قدر آيات القرآن يقال للقارئ: اقرأ و ارق فيقرأ ثم يرقى» «2».

و

في «معاني الأخبار» عن الصادق عليه السلام، قال: «من قرء مأة آية يصلّي بها في ليلة كتب اللّه له بها قنوت ليلته، و من قرء مأتي آية في غير صلاة الليل كتب اللّه له في اللوح المحفوظ قنطارا من الحسنات، و القنطار ألف و مأتا أوقيّة و الاوقيّة أعظم من جبل أحد «3».

و

فيه عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): «من قرء مائة آية لم يكتب من الغافلين، و من قرء مأتي آية كتب من القانتين، و من قرء ثلاثمائة آية لم يحاجّه القرآن، يعني من حفظ قدر ذلك من القرآن يقال: قرء الغلام القرآن إذا حفظه «4».

قلت: و الظاهر أنّه من كلام الصدوق و لعلّه وجد عليه بعض الشواهد و الّا فلا داعي للصرف عن الظاهر.

ينبغي لمن تعلم القرآن أو حفظه أن يواظب على قراءته في آناء الليل و أطراف النهار، و أن لا يتركه، و لا

يهجره تركا يودّي الى النسيان بل ينبغي ان لا يترك العمل به، و أن يتأدّب بآدابه، و يتخلّق بأخلاقه كي يكون القرآن له شفيعا

______________________________

(1) الكافي ج 2 ص 605.

(2) الكافي ج 2 ص 606.

(3) معاني الاخبار ص 147.

(4) معاني الاخبار ص 410.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 247

مشفّعا، و طريقا إلى رضوان اللّه مهيعا، و صديقا له سلما، و لا يكون له عدوّا خصما.

ففي «الكافي» عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام: «أن الرجل إذا كان يعلم السورة ثم نسيها أو تركها و دخل الجنة أشرفت عليه من فوق في أحسن صوره فيقول: تعرفني؟ فيقول: لا فتقول: أنا سورة كذا لم تعمل بي و تركتني أما و اللّه لو عملت بي لبلغت بك هذه الدرجة، و أشارت بيدها الى فوقها» «1».

و

فيه عن يعقوب الأحمر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك إنّه أصابتني هموم و أشياء لم يبق شي ء من الخبر إلّا و قد تفلّت مني منه طائفة حتى القرآن لقد تفلّت مني طائفة منه قال: ففزع عند ذلك حين ذكرت القرآن ثم قال عليه السلام: «إنّ الرجل لينسى للسورة من القرآن فتأتيه يوم القيامة حتى تشرف عليه من درجة من بعض الدرجات، فتقول: السلام عليك فيقول: و عليك السلام من أنت؟ فتقول: أنا سورة كذا و كذا ضيّعتني و تركتني أما لو تمسّكت بي لبلغت بك هذا الدرجة».

ثمّ أشار بإصبعه ثم قال: «عليكم بالقرآن فتعلّموه فإنّ من الناس من يتعلّم القرآن ليقال له فلان قارئ، و منهم من يتعلّمه فيطلب به الصوت فيقال فلان حسن الصوت و ليس في ذلك خير، و منهم من يتعلّمه فيقوم به في ليلة

و نهاره لا يبالي من علم ذلك و من لم يعلمه» «2».

و

عن يعقوب في خبر آخر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ علي دينا

______________________________

(1) أصول من الكافي ج 2 ص 608.

(2) الأصول من الكافي ج 2 ص 609. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 248

كثيرا فقد دخلني ما كاد القرآن يتفلّت مني فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّ الآية من القرآن و السورة لتجي ء يوم القيامة حتى تصعد ألف درجة يعني في الجنة فتقول: لو حفطتني لبلغت بك هاهنا» «1».

إلى غير ذلك من الأخبار المشتملة على الحثّ و التأكيد الشديد في المحافظة على قراءته و المداومة عليها، بل قد سمعت أنّ المراد بذلك كلّه هو العمل به و المحافظة على أوامره و نواهيه كما صرح به في الخبر الأول و غيره.

و على هذا ينزّل أيضا ما ورد من التهديد و الوعيد على النسيان الظاهر و لو بقرينة ما تقدّم و غيره في ترك العمل به أو الترك الناشئ من التهاون و الاستخفاف كما يحمل على شي ء منها النبويّ المرويّ في «الفقيه».

و

في «عقاب الأعمال»: «ألا و من تعلّم القرآن ثم نسيه لقي اللّه يوم القيامة مغلولا يسلّط اللّه عليه بكل آية نسيها حيّة تكون قرينه إلى النار و إلّا أن يغفر له «2».

كما أنه ينزّل على نسيان مجرّد العبارة مطلقا أو للاضطرار و غيره من الأعذار ما ورد من نفي البأس عنه في الأخبار

كخبر الهيثم بن عبيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قرء القرآن ثمّ نسيه فرددت عليه ثلاثا، أ عليه فيه حرج؟

فقال عليه السلام: لا «3».

______________________________

(1) الأصول من الكافي ج 2 ص 608.

(2) بحار الأنوار ج 92 ص 187

نقلا عن أمالي الصدوق ص 256.

(3) الأصول من الكافي ج 2 ص 608 قال الفيض الكاشاني في الوافي: أريد بنفي الحرج عدم ترتب العقاب عليه فلا ينافي الحرمان به عن الدرجة الرفيعة في الجنة على أنّ النسيان قسمان فنسيان لا سبيل معه إلى القرائة إلّا بتعلّم جديد، و نسيان لا يقدر معه على القرائة على ظهر القلب و و إن امكنه القرائة في المصحف فيحتمل أن يكون الأخير مما لا حرج فيه دون الأوّل إلّا أن

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 249

و

سئل سعيد بن عبد اللّه الأعرج أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقرأ القرآن ثم ينساه ثم يقرأه ثم ينساه أ عليه فيه حرج؟ فقال: لا «1».

بل مجرّد ترك العمل بالقرآن، و عدم الايتمار بأوامره و الانتهاء عن نواهيه يوجب شدّة العقوبة على من كان عالما به فإنّه يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد، و ذلك أنّ الحجّة عليه ألزم و جرمه لعلمه أفظع و أعظم و هو عند اللّه ألوم.

و لذا

ورد في النبوي المتقدم: «إنّ في جهنّم واديا يستغيث أهل النار كل يوم سبعين ألف مرّة منه إلى اللّه و ذلك لشارب الخمر من أهل القرآن «2».

بل

روى هاشم بن سالم عن مولينا أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ قراّء القرآن ثلاثة: قارئ قرء القرآن فحفظ حروفه، وضيّع حدوده فذلك من أهل النار و قارئ قرء القرآن فاستتر به تحت برنسه، فهو يعمل بمحكمه و يؤمن بمتشابهه و يقيم فرائضه و يحلّ حلاله، و يحرّم حرامه، فهذا ممن ينقذه اللّه من مضلّات الفتن، و هو من أهل الجنة و يشفع فيمن يشاء» «3».

و لا يخفى أنّ هؤلاء الفرقة

الثالثة هم أهل القرآن الذين يجب تعظيمهم و تكريمهم، و يحرم استضعافهم و إهانتهم كما

في «الكافي» عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): «إنّ أهل القرآن في أعلى درجة من الآدميين ما خلا النبيين و المرسلين

______________________________

يتركه صاحب الأخير فيكون حكمه حكم الأوّل كما وقع التصريح به في الاخبار السابقة- الوافي ج 2 ص 263.

(1) الأصول في الكافي ج 2 ص 633.

(2) بحار الأنوار ج 79 ص 148.

(3) بحار الأنوار ج 92 ص 179 نقلا عن الخصال ج 1 ص 70. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 250

فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم فإنّ لهم من اللّه العزيز الجبّار لمكانا عليّا» «1»،

و قد تقدّم أنّهم أشراف الامة و عرفاء أهل الجنة، و أنّهم المخصوصون بالرحمة، و الملبّسون أنوار الكرامة، الشافعون لغيرهم يوم القيامة، إلى غير ذلك مما تقدمت الاشارة اليه.

ثم إنّ الأخبار المتعلقة بمقاصد هذا الباب كثيرة جدا و ستسمع منها عند التعرّض لآداب القرائة و أحكامها و جملة منها عند تفسير بعض الآيات المتعلقة بها.

______________________________

(1) الأصول من الكافي ج 2 ص 603.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 251

الباب الثالث

في بيان حقيقة القرآن و مراتبه في الكون و ظهوره عند التنزل في الحروف و الكلمات و تقسيم الكتاب إلى الصامت و الناطق الذين هما الثقلان اللذان لا يفترقان اعلم أنّ اللّه سبحانه و تعالى كان في أزليته و دوام سر مديّته و لم يكن معه شي ء من الأشياء لا من المجرّدات و لا من الماديات و لا من الحقائق و الطبائع و الوجود و الماهية و غيرها مما يطلق عليه اسم الشي ء فأوّل ما خلقه هو المشيّة الإمكانية ثم الكونية حسبما تأتي إليهما الإشارة و هذه

المشيّة هي التي يقال لها: الإبداع و الارادة و الفعل، و العقل، و القلم، و الصنع و الوجود المطلق، و عالم المحبة، و غيرها من الألقاب الشريفة التي ربما أشير إليها في آثار الأئمة الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين، بل في بعضها بالنسبة إلى بعض هذه الألقاب إنّه أوّل ما خلق اللّه «1».

و

في النبوي أوّل ما خلق اللّه نور نبيك يا جابر

و في معناه أخبار كثيرة تدلّ على كونهم عليهم السّلام أوّل ما خلق اللّه و أن من سواهم حتى الأنبياء و الملائكة و الجنة و غيرها، إنّما خلقوا من أشعّة أنوارهم، بل يستفاد من

قوله عليه السّلام: خلق اللّه المشيّة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيّة «2»

منضمّا إلى

العلوي نحن صنائع اللّه

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 15 ص 24.

(2) بحار الأنوار ج 4 ص 145 نقلا عن التوحيد للصدوق و احتمل في بيان هذا الخبر الذي هو من تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 252

و الخلق بعد صنائع لنا كما في «نهج البلاغة» «1» أو صنائعنا كما في «الاحتجاج» عن الحجة- عجل اللّه فرجه- «2»

أنّهم نفس المشيّة بناء على أن نورهم عليهم السّلام في أصل الخلقة ان كان هو المشية فهو المطلوب و الّا يلزم ارتكاب التخصيص في أحد الخبرين، إلّا أن فيه بعد الغضّ عن ضعف الدليل سندا «3» و دلالة أنّ إثبات تلك المقاصد بمثله مشكل جدا، سيّما بعد ظهور أنّهم أيضا عباد مخلوقون مربوبون، لا بدّ في خلقهم من تعلّق المشيّة بخلقهم، و سبقها عليهم و على كلّ حال فالنبي و الأئمة عليهم السّلام و إن اشتركوا جميعهم- صلوات اللّه عليهم- في عالم الأنوار لاتّحاد حقائقهم و نورانيتهم إلّا أنه

روي في النبوي:

أوّل ما خلق اللّه نوري ثم فتق منه نور علي عليه السّلام فلم نزل نتردّد في النور حتى وصلنا إلى حجاب العظمة في ثمانين ألف سنة ثم خلق الخلايق من نورنا فنحن صنائع اللّه و الخلق بعد صنائع لنا «4».

______________________________

غوامض الاخبار وجوها: منها أن لا يكون المراد بالمشيّة الإرادة بل إحدى مراتب التقديرات التي اقتضت الحكمة جعلها من أسباب وجود الشي ء كالتقدير في اللوح مثلا و الإثبات فيه.

و منها: أن يكون خلق المشيّة بنفسها كناية عن كونها لازمة لذاته تعالى غير متوقفة على ارادة اخرى فيكون نسبة الخلق إليها مجازا عن تحقّقها بنفسها منتزعة عن ذاته تعالى.

و منها ان المراد بالمشية مشية العباد و بالأشياء أفاعيلهم.

و منها أن للمشية معنيين أحدهما متعلق بالشائي و هي كون ذاته سبحانه بحيث يختار ما هو الخير و الصلاح و الآخر متعلق بالمشي ء و هو حادث بحدوث المخلوقات و هو إيجاده سبحانه إياه بحسب اختياره إلخ.

و منها غير ذلك و من أراد التفصيل فليراجع إلى البحار.

(1)

في جملة ما كتبه عليه السّلام إلى معاوية: فإن صنائع ربنا و الخلق بعد صنائع لنا إلخ.

(2) الاحتجاج طبع النجف ج 2 ص 278.

(3) لإرسال ما نقل عن نهج البلاغة و الاحتجاج.

(4) لم اعثر إلى الآن على مأخذه.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 253

روى عن جابر بن عبد اللّه في تفسير قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ «1» قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): أوّل ما خلق اللّه نوري ابتدعه من نوره و اشتقه من جلال عظمته، فاقبل يطوف بالقدرة حتى وصل إلى جلال العظمة في ثمانين ألف سنة، ثم سجد للّه تعظيما، ففتق منه نور علي عليه السّلام

فكان نوري محيطا بالعظمة و نور علي محيطا بالقدرة، ثم خلق العرش و اللوح و الشمس و القمر و النجوم و ضوء النهار، و ضوء الأبصار و العقل، و المعرفة، و أبصار العباد، و أسماعهم، و قلوبهم من نوري، و نوري مشتق من نوره «2».

و لا يخفى أن قضيّة الجمع بين الخبرين تقدّم نور النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) على نور علي عليه السّلام، بثمانين ألف سنة، و تقدّم نورهما معا على سائر الخلق بتلك المدّة أيضا، فيكون تقدّم النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بضعفها.

و

عن ابن بابويه عن مولينا أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ اللّه خلق نور محمّد صلّى اللّه عليه و آله قبل خلق المخلوقات كلّها بأربعماة ألف سنة و أربعة و عشرين ألف سنة و خلق منه اثنى عشر حجابا «3».

و المراد بالسنين مراتب تقدمه عليه السّلام على الأنبياء و بالحجب الأئمة عليهم السّلام فيستفاد منه و من غيره مما مرّ تقدم نوره (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) على غيره حتى أنوار الأئمة عليهم السّلام في عالم الأنوار، مع اتحادهم حقيقة في النورانية، فإنّ أنوارهم مشتقّة من نوره (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بعد وصوله إلى جلال العظمة في مدّة ثمانين ألف سنة كما في الخبر المتقدم.

______________________________

(1) آل عمران: 110.

(2) بحار الأنوار ج 7 ط. القديم ص 185.

(3) الخصال ج 1: 82، معاني الاخبار: 88، بحار الأنوار ج 15: 4.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 254

تفسير الصراط المستقيم ج 1 299

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ من جملة العوالم المتطابقة المتساوية في جهة العرض المتفقة في مراتب الطول عالمي التكوين و التدوين، فإنهما واقعان

في عرض واحد لا بفصل أحدهما عن الآخر بشي ء أصلا إلّا أنّ الثاني ظلّ الأوّل و مرآته، و هو مشتمل على جميع المراتب الكلية و الحقائق الإلهية، و اللوامع النورانية المطوية في كينونة الأول.

و إن شئت فتح الباب و كشف الحجاب فاعلم، أنّ للصادر الأول تجليّا و ظهورا في عالم التكوين، و هو المعبّر عنه بالمشيّة الفعلية التي خلق اللّه تعالى بها جميع الكينونات و هو الوجود المطلق و وجه الحق و أنّ له تجليا و ظهورا في عالم التدوين، و أوّل ظهوره فيه هو الحروف النورانية العلميّة السارية في جميع الحقائق في عالم الأنوار، ثم في عالم العقول، ثم في عالم العقول، ثم في عالم الأرواح، ثم في عالم النفوس، ثم في عالم المعاني الكلية، ثم في عالم المعاني الجزئية، ثم في عالم الحروف النفسية، ثم في عالم الحروف اللفظية، ثم في عالم الحروف النقشية، و هذه الحروف أصل القرآن و حقيقته و بسائطه، بل أصل الأشياء كلها في صقع التدوين، و لذا

قال مولينا الرضا عليه السّلام عليه و التحية و الثناء في خبر عمران الصابي «1»: اعلم أن الإبداع و المشية و الإرادة معناها واحد و أسمائها ثلاثة و كان أوّل إبداعه و إرادته و مشيته الحروف التي جعلها أصلا لكل شي ء و دليلا على كل مدرك، و فاصلا لكل مشكل، و بتلك الحروف تفريق كل شي ء من اسم حق أو باطل،

______________________________

(1) عمران الصابي كان من المتكلمين في عصر المأمون، و كان منحرفا و لكن هداه اللّه بنور السّلام لمّا باحث مع الامام الرضا عليه السّلام، و ظهر له الحق فخرّ ساجدا، و أسلّم و ولاه الرضا عليه السّلام صدقات بلخ. تفسير الصراط

المستقيم، ج 1، ص: 255

أو فعل أو مفعول، أو معنى أو غير معنى، و عليها اجتمعت الأمور كلها و لم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى و لا وجود لها لأنها مبدعة بالإبداع و النور في هذا الموضع أوّل فعل اللّه تعالى الذي هو نور السموات و الأرض و الحروف هو المفعول بذلك الفعل و هي الحروف التي عليها الكلام «1».

و قد

روي عن أبي ذر الغفاري عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قال: قلت: يا رسول اللّه كل نبي مرسل بم يرسل؟ قال عليه السّلام: بكتاب منزل، قلت: يا رسول اللّه أيّ كتاب أنزل اللّه على آدم (عليه السّلام)؟ قال (عليه السّلام):

كتاب المعجم، قلت: أيّ كتاب المعجم؟ قال عليه السّلام: أ ب ت ث، و عدها إلى آخرها.

فالحروف البسيطة إشارة إلى بسائط العوالم و مجرّداتها و المركبة إشارة إلى كلياتها و مركباتها، و الحقائق، و الروابط و الإضافات و النسب المتصلة أو المعتبرة بينها، فهذه الحروف المعدودة مع قلّتها و تناهيها أو عية لجميع الحقائق النورية و شبكة و مصيدة لاصطياد المعارف و الحقائق و العلوم الكلية و الجزئية و لذا ليس مطلب من المطالب و لا حقيقة من الحقائق و لا شي ء ممّا في صقع الإمكان أو في عرصة الأكوان الّا و يمكن التعبير عنه بجملة من تلك الحروف المؤلفة على نسبة من التأليف المستعدّة بحسب الاستعداد أو الشخصي لاقتناص تلك المعاني، و افاضتها عليها حيث إنّ نسبتها منها كنسبة الأرواح إلى الأجساد.

و لذا

ورد عن الإمام عليه السّلام إن المعنى من اللفظ كالروح في الجسد «2».

______________________________

(1) التوحيد: ص 428- 457، عيون الاخبار: ص 87- 100.

(2)

في سفينة البحار ج

1 ص 537: نقل عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) انه قال: الروح في الجسد تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 256

و عن آصف بن برخيا على نبينا و آله عليه السّلام أنّ الاشكال مقناطيس الأرواح، بناء على شمول كل الاشكال و الأرواح للقسمين التكوينية و التدوينية بل يشمل القسم الثالث الذي هو التشريعية أيضا فالقرآن و ان كان متنزلا في هذا العالم الناسوتي الظلماني بصورة الحروف و الكلمات الملفوظة أو المنقوشة أو المتصورة الملحوظة لكنه في أصله و في بدو خلقته و عظيم جبروته نور إلهي و تجليّ شعشعاني قد تنزّل من عوالم كثيرة إلى أن تنزّل إلى هذا العالم و حيث إنّ كتاب كل نبي من الأنبياء مبيّن لعلوم شريعته، موضح لرسوم طريقته، كافل لمراتب حقيقته، كان مساوقا لرتبة وجوده، و مقام شهوده فاعتبر الفضل بين الأنبياء و لذا كان القرآن مهيمنا على جميع الكتب السماوية كما أنّ نبينا (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) خاتم النبيين لما سبق و فاتح لما انفلق و مهيمن على ذلك كله.

و حيث إنّ وجود نبينا (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) مبدأ التكوين فكتابه ديباجة التدوين بل تمامه و كماله لاشتماله على تمام حقايق الكون و بسائطه و مركباته لأنه قد اعتبر في تأليفه من تلك الحروف المحصورة كما أنّ الاتفاق و جميع وجوه الدلالات بكلماته و حروفه على المعاني التي لا تكاد تتناهى.

و لذا

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في تفسير باء البسملة: لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير باء بسم اللّه الرحمن الرحيم «1».

______________________________

كالمعنى في اللفظ

، قال الصفدي: و ما رأيت مثالا أحسن من هذا.

(1) روى هذا الحديث جماعة من القوم مع تفاوت و

اختلاف:

منهم

القندوزي في ينابيع المودة ص 65 ط اسلامبول، و الهروي في شرح العين و زين الحلم ص 91، و الكاكوردي في الروض الأزهر ص 33 ط حيدرآباد الدكن، و بهجت افندي في تاريخ آل محمّد ص 150 قالوا: قال علي كرم اللّه وجه: لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 257

و

قال الباقر عليه السّلام: لو وجدت لعلمي الذي آتاني اللّه- عز و جل- حملة لنشرت التوحيد و الإسلام و الإيمان و الشرائع من الصمد الخبر «1».

فاتّضح أنّ رتبة القرآن مساوق لرتبة نبينا (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) إلّا ان الاختلاف من جهة التكوين و التدوين فهما في عرضين من طول واحد فالاختلاف عرضي لا طولي.

و أمّا مولينا أمير المؤمنين عليه السّلام، فهو و إن ساوق رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) في السلسلة الطولية التكوينية إلّا أنّه متأخر عنه في هذه السلسلة بحرف واحد طولها ثمانون ألف سنة حسبما سمعت فالقرآن جامع لجميع علوم النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) مساوق معه في التدوين و إنّما كان (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) مأمورا بتعليم علوم القرآن و تبليغ شرائعه و آدابه و احكامه و سننه و لطائفه و إشاراته و حقائقه.

و لمّا كان الناس يومئذ غير مستعدّين و لا متأهلين لا لاستماع ذلك كله لجمود طبائعهم على الجاهلية الجهلاء، و خمود فطرتهم الأصليّة بالانحراف و الشفاء فبعثه اللّه و ليس أحد من العرب يقرء كتابا و لا يعرف علما حين فترة من الرسل و طول هجعة من الأمم و اغترام من الفتن، و انتشار من الأمور، و تلظّ من الحروب، و

الدنيا

______________________________

تفسير فاتحة الكتاب.

و منهم

محمّد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤل ص 26 ط. طهران قال: قال (عليه السّلام) لو شئت لأوقرت بعيرا من تفسير بسم اللّه الرحمن الرحيم.

و منهم

الشعراني في لطائف المنن ج 1 ص 171 ط مصر قال: و روينا عن علي بن أبي طالب (كرم اللّه وجهه) أنه كان يقول: لو شئت لأوقرت لكم ثمانين بعيرا من معنى الباء.

(1) بحار الأنوار ج 3 ط. طهران الاخوندي.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 258

كاسفة النور ظاهرة و الغرور على حين اصفرار من ورقها و إياس من ثمرها، و اغوار من مائها، قد درست أعلام الهدى، و ظهرت أعلام الردى، فقام هاديا مهديا ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلى عبادة اللّه سبحانه و من طاعة الشيطان إلى طاعته بقرآن قد بيّنه و أحكمه ليعرف العباد ربهم إذ جهلوه و ليقرّوا به بعد إذ جحدوه و ليثبتوه بعد إذ أنكروا، فتجلّى سبحانه لهم في كتابه من غير أن يكونوا رأوه بما أراهم من قدرته و خوفهم من سطوته فبلغ إليهم أصول الشريعة و الأحكام في مدة ثلاثة و عشرين سنة، و بقي من علوم القرآن كثير من الحقائق و الشرائع و الأحكام مما يحتاج اليه الناس في أحكامهم الظاهرية و الباطنة من لدن قبضه (عليه السّلام) إلى يوم القيامة فاستودعه عند بابه و حجابه و أمينه في أمّته و المخلوق من طينته مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام، كي يبلّغه بنفسه أو بواسطة ذريّته الطيبين و خلفائه الراشدين و شيعته المخلصين إلى كافة المسلمين و المؤمنين ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حيّ عن بيّنة فأكمل به الدين و أتمّ به النعمة و وعده العصمة،

و أكدّ الأمر بتبليغ ذلك حتى خاطبه بقوله: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ فيعلم منه أنه المقصود من الرسالة بحيث تنتفي بانتفائه.

و لذا

قال (عليه السّلام) في احتجاجه يوم الغدير على ما حكاه في «الوسائل» عن «الاحتجاج» للطبرسي: انّ عليا تفسير كتاب اللّه و الداعي اليه ألا و انّ الحلال و الحرام أكثر من أن أحصيهما و أعرّفهما فأمر بالحلال و أنهى عن الحرام في مقام واحد فأمرت أن آخذ البيعة عليكم الصفقة منكم بقبول ما جئت به عن اللّه (عز و جل) في علي أمير المؤمنين (عليه السّلام) و الأئمة من بعده معاشر الناس تدبّروا و افهموا آياته و انظروا في محكماته و لا تتبّعوا متشابهه فو اللّه لن يبيّن لكم زواجره و لا

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 259

يوضح لكم عن تفسيره إلّا الذي أنا آخذ بيدي «1».

و

في النبوي أنه قال عليه السّلام: يا علي أنت اخي، و أنا أخوك و أنا المصطفى للنبوّة و أنت المجتبى للامامة، و أنا صاحب التنزيل و أنت صاحب التأويل «2».

و

في «الكافي» عن الصادق عليه السّلام: إنّ اللّه علّم نبيّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) التنزيل و التأويل فعلّمه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) عليا ثم قال (عليه السّلام): و علّمنا و اللّه، الخبر «3».

و مما سمعت من مساوقة القرآن في عالم الأنوار لنبينا (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) مع الاختلاف في التدوين و تأخّر مولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام) عنه في عالم التكوين يظهر كون القرآن أحد الثقلين، بل و كونه الثقل الأكبر، بل و يظهر منه سرّ عدم مفارقه كل منهما عن الآخر أبدا.

كما

في «البصائر» عن أبي

جعفر عليه السّلام، قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): يا ايها الناس إني تارك فيكم الثقلين، الثقل الأكبر و الثقل الأصغر إن تمسكتم بهما لن تضلّوا و لا تتبدّلوا، و إني سئلت اللطيف الخبير أن لا يفترقا حتى يردا علىّ الحوض فأعطيت ذلك، قالوا: و ما الثقل الأكبر و ما الثقل الأصغر؟ قال (عليه السّلام) الثقل الأكبر كتاب اللّه سبب طرفه بيد اللّه و سبب طرفه بأيديكم.

و الثقل الأصغر عترتي و أهل بيتي «4».

و

فيه عنه (عليه السّلام): إني تارك فيكم الثقلين، فتمسّكوا بهما فإنّهما لن

______________________________

(1) الاحتجاج: ص 33- 41 و البحار ج 37: ص 201- 217 ط. الاخوندي.

(2) ينابيع المودة ص 123 ط. اسلامبول.

(3) بحار الأنوار ج 7 ط. القديم ص 317.

(4) بحار الأنوار ج 7 ط. السابق ص 29. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 260

يفترقا حتى يردا علي الحوض قال: فقال أبو جعفر (عليه السّلام): لا يزال كتاب اللّه و الدليل منا يدل عليه حتى يردا علىّ الحوض «1».

و

في «أمالي» الشيخ عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال: سمعت أم سلمة تقول:

سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) في مرضه الذي قبض فيه يقول و قد امتلأت الحجرة من أصحابه: أيّها الناس يوشك أن اقبض سريعا فينطلق بي و قد قدمت إليكم، ألا إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب اللّه ربّي (عز و جل) و عترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي (عليه السّلام) فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن و القرآن مع علي، خليفتان نصيران لا يفترقان حتى يردا علي الحوض فأسئلهما ماذا خلّفت فيهما «2».

و

روي العيّاشي أنّه خطب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و

آله و سلّم) يوم الجمعة بعد صلوة الظهر فكان من خطبته أنه قال: أيّها الناس إنّي فرطكم و أنتم واردون علي الحوض، و حوضي عرضه ما بين بصرى و صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة ألا و انّي سائلكم حين تردون علي من الثقلين، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما حتى تلقوني، قالوا: و ما الثقلان يا رسول اللّه؟ قال (عليه السّلام): الثقل الأكبر كتاب اللّه سبب طرف بيد اللّه و طرف في أيديكم فاستمسكوا به لا تضلّوا و لا تذلّوا و الثقل الأصغر عترتي أهل بيتي فإنّه قد نبأني اللطيف الخبير أن لا يفترقا حتى يلقياني و سئلت اللّه تعالى لهما ذلك فأعطانيه فلا تسبقوهم فتهلكوا و لا تقصروا عنهم

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 7 ط. السابق ص 29.

(2) بحار الأنوار ج 6 ط. السابق ص 792 رواه عن كشف الغمة. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 261

فتهلكوا و لا تعلّموهم فهم أعلم منكم «1»

، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في الباب.

اعلم أنّ خبر الثقلين ممّا تواتر نقله عنه (عليه السلام) من طرق الخاصّة و العامّة و قد يستدلّ به على استحقاق مولينا أمير المؤمنين (عليه السلام) للولاية الخاصّة المتصلة دون غيره، أمّا اشتهار الخبر من طرق الخاصّة بل تواتره فمما لا ينكر بل و كذا من طرق العامّة أيضا.

ففي «مسند» أحمد بن حنبل بالإسناد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): إنّي قد تركت فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي و أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي، ألا و إنّهما لن يفترقا

حتى يردا علىّ الحوض «2».

و قد روى عن أبي بكر أنه قال: عترة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) علي (عليه السلام).

و

روى أحمد بن حنبل أيضا في «مسنده» باسناده إلى إسرائيل بن عثمان قال لقيت زيد بن أرقم و هو داخل على المختار أو خارج من عنده فقلت له: أما سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) يقول إنّي تارك فيكم الثقلين؟ قال نعم «3».

و

فيه باسناده إلى زيد بن ثابت قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): إنّي تارك فيكم الثقلين خليفتين كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى

______________________________

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 4- إثبات الهداة ج 3: ص 539.

(2) ملحقات الاحقاق ج 9 ص 311 نقلا عن مناقب احمد بن حنبل.

(3) ملحقات الاحقاق ج 9 ص 322 نقلا عن أحمد بن حنبل في المناقب المخطوط. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 262

الأرض و عترتي أهل بيتي و إنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض «1».

و

في «صحيح» مسلم عنه (عليه السلام) أنه قام خطيبا فينا بماء يدعى خمّا بين مكة و المدينة فحمد اللّه و أثنى عليه و وعظ و ذكّر ثم قال (عليه السلام): أيّها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، و إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما كتاب اللّه فيه الهدى و النور فخذوا بكتاب اللّه و استمسكوا به، فحثّ على كتاب اللّه تعالى و رغّب فيه ثم قال (عليه السلام): و أهل بيتي أذكّر كم اللّه في أهل بيتي أذكّركم اللّه في أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي «2».

و رواه مسلم بطريق آخر أيضا

«3».

و

عن كتاب «الجمع بين الصحاح

الستّة» عن «سنن» أبي داود و عن «صحيح» الترمذي بإسنادهما عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) قال: إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر و هو كتاب اللّه حبل ممدود من السماء الى الأرض و عترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني في عترتي «4».

و

عن الشافعي ابن المغازلي من عدّه طرق بالإسناد عنه (عليه السلام): إنّه قال: إني أوشك أن ادعى فأجيب، و إنّي قد تركت فيكم الثقلين كتاب اللّه حبل ممدود من السماء الى الأرض و عترتي أهل بيتي و انّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن

______________________________

(1) ملحقات الاحقاق ج 9 ص 342 نقلا عن أحمد بن حنبل في المناقب المخطوط.

(2) صحيح مسلم بن الحجاج ج 7 ص 122 ط. محمد علي صبيح.

(3) صحيح مسلم بن الحجاج ج 7 ص 123.

(4) صحيح الترمذي ج 13 ص 200 ط. مصر. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 263

يفترقا حتى يردا علىّ الحوض فانظروا ماذا تخلّفوني فيهما «1».

قال عبد المحمود: لقد أثبتّ هذا في عدّة طرق و قد تركت من الحديث بالمعنى مقدار عشرين رواية لئلّا يطول الكتاب بتكرارها مسندة عن رجال الأربعة المذاهب المشهود لهم بالعلم و الزهد و الدين.

و من ذلك

باسناده إلى ابن أبي الدنيا من كتاب «فضائل القرآن» قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي و قرابتي «2».

و

بإسناده إلى علي بن ربيعة قال: لقيت زيد بن أرقم و هو يريد أن يدخل على المختار فقلت بلغني عنك شي ء فقال: ما هو؟ قلت قلت

سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) يقول: إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي قال اللّهم نعم «3».

و

بإسناده عنه عليه السلام قال: إني فرطكم «4» على الحوض فأسئلكم حين تلقوني عن الثقلين كيف خلّفتموني فيهما فاعقل علينا لا ندري ما الثقلان حتى قام رجل من المهاجرين فقال: يا نبي اللّه بأبي أنت و أمي ما الثقلان؟ قال (عليه السلام): الأكبر منهما كتاب اللّه طرف بيد اللّه تعالى و طرف بأيديكم فتمسكوا به لا تزلّوا، و لا تضلّوا و الأصغر منهما عترتي، من أستقبل قبلتي و أجاب دعوتي فلا

______________________________

(1) ملحقات الاحقاق ج 9 ص 311 نقلا عن مناقب ابن المغازلي المخطوط، و الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 194 ط. مصر.

(2) ملحقات الاحقاق ج 9 ص 359 نقلا عن العلامة ابن المغازلي الشافعي.

(3) ملحقات الاحقاق ج 9 ص 322 نقلا عن احمد بن حنبل في المناقب المخطوط.

(4) الفرط بفتح الفاء و الراء المتقدم في طلب الماء، فرط من باب قعد اي تقدم. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 264

تقتلوهم و لا تغزوهم فإنّي سئلت اللطيف الخبير فأعطاني، أن يردا علي الحوض كهاتين و أشار بالمسبّحة و الوسطى، ناصر هما ناصري، و خاذلهما خاذلي، و عدوّهما عدوّي، ألا و إنّه لن تهلك أمّة قبلكم حتى تدين بأهوائها و تظاهر على نبيها و تقتل من يأمر بالقسط فيها «1».

إلى غير ذلك مما رواه عنهم في «الطرائف».

و عن ابن بطريق في «العمدة» أنه رواه عن مسند أحمد بن حنبل بإسناده إلى علي بن ربيعة، و زيد بن ثابت، و أبي سعيد الخدري.

و عن «صحيح» مسلم بإسناده عن يزيد بن حيّان «2»

و غيره من الأسانيد الكثيرة المذكورة فيه.

و في «تفسير» الثعلبي و «مناقب» ابن المغازلي «3»، و عن الجمع بين الصحاح، الستة عن «سنن» أبي داود السجستاني، و «صحيح» الترمذي «4»، و رواه ابن الأثير في «جامع الأصول» «5».

و روى أيضا عن كتاب «فضائل الصحابة» للسمعاني «6» عن أبي سعيد الخدري و زيد بن أرقم مثل ما مرّ و

عن الثعلبي في تفسير قوله تعالى:

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 7 ص 23 ط. القديم نقلا عن الطرائف.

(2) بحار الأنوار ج 7 ص 24 ط القديم نقلا عن الطرائف.

(3) المناقب المخطوط ص 15- 19.

(4) صحيح الترمذي ج 13 ص 99- 200 ط. مصر.

(5) جامع الأصول لابن الأثير ج 1 ص 187.

(6) الحافظ أبو المظفر منصور بن محمد السمعاني النيسابوري توفي سنة 489. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 265

وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً «1» بأسانيد قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم):

أيها الناس إني قد تركت فيكم الثقلين خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه حبل ممدود ما بين السماء و الأرض أو (قال: إلى الأرض) و عترتي أهل بيتي، ألا و إنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض «2».

و رواه الحميدي «3» في «الجمع بين الصحيحين» بعدّة طرق.

و

روي السيوطي في «الدر المنثور» بالإسناد عنه عليه السلام: إني تركت فيكم خليفتين كتاب اللّه حبل ممدود ما بين السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي و إنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض «4».

و رواه أيضا عن ابن سعد و أحمد و الطبراني.

و بالجملة فالامّة متفّقة على نقله و قبوله، و لذا قال السيد «5» رضي اللّه عنه في

______________________________

(1) آل

عمران: 103.

(2) بحار الأنوار ج 7 ص 25 ط. القديم نقلا عن الطرائف.

(3) الحميدي الحافظ ابو عبد اللّه محمد بن ابو نصر الاندلسي توفى ببغداد سنة 488.

و من شعره: لقاء الناس ليس يفيد شيئاسوى الهذيان من قيل و قال

فاقلل من لقاء الناس إلالاخذ العلم أو إصلاح حال

(4) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ج 2 ص 60 ط. مصر.

(5) السيد علم الهدى ابو القاسم علي بن الحسين الشهير بالسيد المرتضى كان متكلما، فقيها أصوليا، أديبا لغويا صاحب تصانيف قيّمة منها الشافي الذي لم يكتب مثله في الإمامة توفى سنة 436- قيل انه ينشأ في احتضاره البيتين: لئن كان حظّي عاقني عن سعادتي فإنّ رجائي واثق بحليم

و إن كنت من زاد التقية و التقى فقيرا فقد أمسيت ضيف كريم تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 266

الشافي إنّ الامة تلقّت له بالقبول و إنّ أحدا منهم مع اختلافهم في تأويله لم يخالف في صحّته و هذا يدلّ على أنّ الحجّة قامت به في أصله و أنّ الشك مرتفع فيه، و من شأن علماء الامة إذا ورد عليهم خبر مشكوك في صحّته أن يقدّموا الكلام في أصله و ان الحجّة به غير ثابتة ثمّ يشرعوا في تأويله فإذا رأينا جمعهم عدل عن هذه الطريقة في هذا الخبر و حمله كلّ منهم على ما يوافق طريقته و مذهبه دلّ ذلك على صحة ما ذكرناه.

و

عن إبراهيم بن محمد الحمويني «1» و هو من أعيان علمائهم بالإسناد عن زيد بن أرقم: قال قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي و إنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض «2».

و عنه

مثله بإسناد آخر و زاد: ألا و هما الخليفتان من بعدي.

و

عنه بالإسناد عن عطيّة العوفي «3» عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): إني تارك فيكم أمرين أحدهما أطول من الآخر كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض طرف بيد اللّه و عترتي، ألا و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فقلت لأبي سعيد: من عترته؟ قال: أهل بيته «4».

ثم رواه أيضا من طرق كثيرة باختلاف الألفاظ تركناها خوف الإطالة.

______________________________

(1) الشيخ إبراهيم بن محمد بن أبي حمّوية الحمويني توفى سنة 722.

(2) ملحقات الاحقاق ج 9 ص 325 نقلا عن فرائد السمطين للحمويني المخطوط.

(3) عطية بن سعد بن جنادة العوفي كان من المفسرين، تلمذ على عبد اللّه بن عباس و أخذ عنه التفسير و هو صاحب جابر الانصاري في زيارة الحسين (عليه السلام) يوم الأربعين توفى سنة 111 في الكوفة، تقدم ذكره.

(4) ملحقات الاحقاق ج 9 ص 314 نقلا عن الحمويني في فرائد السمطين المخطوط.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 267

و

روى ابن أبي الحديد «1» في شرح النهج عن الواقدي قال: سئل الحسن البصري «2» عن علي (عليه السلام)، و كان يظنّ به الانحراف عنه و لم يكن كما ظنّ فقال: ما تقول فيمن جمع الخصال الأربع: ايتمانه على برائة، و ما قال له في غزاة تبوك فلو كان غير النبوة شي ء لاستثناه، و قوله (عليه السلام): الثقلان كتاب اللّه و عترتي، و إنه لم يؤمّر عليه أمير قطّ و قد أمّرت الأمراء على غيره «3».

و

عن أبي الحسن الفقيه في «المناقب المأة» عن زيد بن ثابت قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم):

إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و علي بن أبي طالب و هو أفضل لكم من كتاب اللّه لأنّه مترجم لكم عن كتاب اللّه.

و عن موفّق بن أحمد من أعيان علمائهم «4» بالإسناد عن مجاهد قال قيل لابن عباس: ما تقول في علي (كرم اللّه وجهه)؟ فقال: ذكرت و اللّه أحد الثقلين سبقنا بالشهادتين، و صلّى بالقبلتين، و بايع البيعتين، و هو أبو السبطين الحسن و الحسين و ردّت عليه الشمس مرتين بعد ما غاب عن القبلتين، و جرّد السيف تارتين، و هو

______________________________

(1) ابن أبي الحديد عزّ الدين المعتزلي عبد الحميد الأديب المؤرخ و كان مذهبه الاعتزال كما شهد لنفسه في احدى قصائده السبعة في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام): و رأيت دين الاعتزال و إنني أهوى لأجلك كلّ من يتشيع، توفى ببغداد سنة 655.

(2) الحسن بن يسار البصري من المنحرفين عن أهل البيت و كانت أمّه خيره مولاة أم سلمه توفى سنة 110.

(3) شرح نهج البلاغة ج 1 ص 369 ط. القاهرة.

(4) موفّق بن أحمد أبو المؤيّد أخطب خوارزم كان فقيها، محدثا، خطيبا، شاعرا له كتاب في مناقب أهل البيت عليهم السلام توفي سنة 568.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 268

صاحب الكونين فمثله في الامة مثل ذي القرنين ذاك مولاي علي بن أبي طالب (عليه السلام).

و

عن الثعلبي بالإسناد عن أبي سعيد قال: سمعت رسول اللّه يقول: أيّها الناس إنّي تركت فيكم الثقلين خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي و إنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض «1»

، إلى غير ذلك من الطرق الكثيرة التي لا داعي الى استقصائها بعد وضوح

صحّة النقل و تواتر الخبر بين الفريقين.

نعم ينبغي التنبيه على أمور:

أحداهما: أنّ الثقلين مأخوذ من الثقل بالفتحتين، قال في القاموس: الثقل محركة متاع المسافر و حشمه و كلّ شي ء نفيس مصون، و منه حديث

إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي.

و عن الحموي عن تغلب أنّه سئل عن معنى

قوله (عليه السلام): إني تارك فيكم الثقلين

لم سميّتا بثقلين؟ قال: لأنّ التمسك بهما ثقيل.

و قال ابن أبي الحديد في شرح

قوله (عليه السلام): عملت فيكم بالثقل الأكبر

يعني الكتاب،

و خلّفت فيكم الثقل الأصغر

يعني ولديه لأنّهما بقيّة الثقل الأصغر فجاز أن يطلق عليهما بعد ذهاب من ذهب منه، و إنّما سمى النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) الكتاب و العترة الثقلين لأنّ الثقل في اللغة متاع المسافر و حشمه.

فكان النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) لمّا شارفه الانتقال إلى جوار ربه جعل نفسه كالمسافر الذي ينتقل من منزل الى منزل و جعل الكتاب و العترة كمتاعه

______________________________

(1) ينابيع المودة ص 31 ط. اسلامبول نقلا عن الثعلبي.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 269

و حشمه لأنّهما أخصّ الأشياء به «1».

و قال ابن الأثير في «النهاية»:

إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي

سمّاهما ثقلين لأن الأخذ بهما و العمل بهما ثقيل و يقال لكل خطير نفيس ثقيل فسمّاهما ثقلين إعظاما لقدر هما و تفخيما لشأنهما «2».

و في «مجمع البيان»: الثقلان أصله من الثقل و كلّ شي ء له قدر و وزن فهو ثقل، و منه قيل لبيض النعامة ثقل، و إنّما سميت الإنس و الجن ثقلين لعظم خطرهما و جلالة شأنهما بالإضافة إلى ما في الأرض من الحيوانات و لثقل وزنهما بالعقل و التمييز، و منه

قول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي

سماهما ثقلين لعظم خطرهما و جلالة قدر هما «3».

قلت: و أنت ترى أنّ صريح الفيروزآبادي كظاهر غيره أنه بالفتحتين و منه يظهر ضعف ما قيل: إنه بالكسر فالسكون ثم إنّهما إنما سميّا لثقلهما و نفاستهما و عظم خطرهما و لثقل العمل بهما و الالتزام بأحكامهما، و الوفاء بعهودهما حيث إنّ مرجعهما إلى الولاية التي ضلّ فيها من ضلّ و هلك من هذه الأمّة فإنّها لم تهلك في اللّه و لا في رسول اللّه و إنما هلكت بالغلوّ و التقصير في مولينا أمير المؤمنين و لميلهما إلى المركز الحق في أقصر الخطوط الذي هو الصراط المستقيم و إنه لدى اللّه لعلىّ الحكيم.

ثانيها: أنّه قد فسرت العترة في غير واحد من الأخبار المعتبرة بأهل بيته (صلّى اللّه عليه و آله و سلم)، و لذا جعل بيانا لها في كثير من الأخبار المتقدمة.

و

في الخبر عن الصادق (عليه السلام) أنّه سئل عن عترة النبيّ (صلّى اللّه عليه

______________________________

(1) شرح نهج البلاغة ج 2 ص 132 ط. القاهرة.

(2) النهاية ج 1 ص 55 ط. مصر.

(3) مجمع البيان ج 5 ص 204 ط. مصر. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 270

و آله و سلم) فقال (عليه السلام) هم أصحاب العباء «1».

و

في «المعاني» عنه (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه سئل عن معنى قوله (عليه السلام): إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي من العترة فقال (صلّى اللّه عليه و آله): أنا و الحسن و الحسين و الأئمة التسعة من ولد الحسين (عليهم السلام) تاسعهم مهديهم و قائمهم لا يفارقون كتاب

اللّه و لا يفارقهم حتى يردوا على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) حوضه. «2».

و في «القاموس» العترة بالكسر: قلادة تعجن بالمسك و الافاويه «3»، و نسل الرجل، و رهطه، و عشيرته الأدنون ممن مضى و غبر «4».

و

في «النهاية» في الخبر: خلّفت فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي

، عترة الرجل أخصّ أقاربه، و عترة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) بنو عبد المطلب و قيل: أهل بيته الأقربون و هم أولاده و علي و أولاده، و قيل: عترته (عليه السلام)، الأقربون و الأبعدون منهم و المشهور و المعروف أنّ عترته أهل بيته الذين حرّمت عليهم الزكاة «5».

أقول: و قد مضى فيما رواه الحمويني عن أبي سعيد الخدري أنّ عترته أهل بيته «6».

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 7 ص 234 ط. القديم.

(2) بحار الأنوار ج 7 ص 234 ط. القديم.

(3) الافاويه قطعة مسك خالصة.

(4) تاج العروس من جواهر القاموس ج 3 ص 380 ط بيروت.

(5) تاج العروس من جواهر القاموس ج 3 ص 380 نقلا عن ابن الأثير في النهاية.

(6) ملحقات الاحقاق ج 9 ص 314 نقلا عن فرائد السمطين للحمويني.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 271

و في «المصباح المنير» العترة: نسل الإنسان، قال الأزهري «1»: و روى تغلب عن ابن الأعرابي أنّ العترة ولد الرجل و ذريته و عقبه من صلبه و لا تعرف العرب من العترة غير ذلك و يقال رهطه الأدنون و يقال: أقرباؤه، و منه قول أبي بكر: نحن عترة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) التي أخرج منها، و بيضته التي تفقأت عنه، و عليه قول ابن السكّيت «2»: العترة و الرهط بمعنى و

رهط الرجل قومه و قبيلته الأقربون.

أقول: قد سمعت في الخبرين المتقدّمين بل في كثير من الأخبار المتقدّمة تفسير العترة بخصوص أصحاب العباء عليهم السلام، وصفا أو شخصا و باهل بيته المشار إليهم في آية التطهير بقوله تعالى:

______________________________

(1) الأزهري أبو منصور محمد بن أحمد الهروي الشافعي كان من أعاظم علماء اللغة ولد سنة 282 و توفي سنة 370.

(2) ابن السكيت بكسر السين و تشديد الكاف هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الدورقي الأهوازي الشيعي أحد أئمة اللغة و الأدب و كان ثقة جليلا و له تصانيف كثيرة مفيدة مثل إصلاح المنطق، قتل بأمر المتوكل في خامس رجب سنة 244 و سبب قتله أن المتوكل قال له يوما:

أيما أحب إليك ابناي هذان: اي المعتز و المؤيد؟ أم الحسن و الحسين؟ فقال ابن السكيت: و الله إن قنبرا خادم علي بن أبي طالب (ع) خير منك و من بنيك، فقال المتوكل للأتراك: سلوا لسانه من قفاه فمات بعد غد ذلك اليوم، و من الغريب أنه وقع فيما حذره من عثرات اللسان بقوله:

يصاب الفتى من عثرة بلسانه* و ليس يصاب المرء من عثرة الرجل فعثرته بالقول تذهب رأسه* و عثرته بالرجل تبرء عن مهل- سفينة البحار ج 1 ص 636-.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 272

إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «1»، و لا ريب ان المراد بأهل البيت هو أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهما السلام)، كما ورد في المتواتر من أخبار الفريقين.

فعن مسلم في «صحيحة» و صاحب «المشكاة» في كتابه عن سعد بن أبي وقاص قال: لما نزلت آية المباهلة دعا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم)

عليا و فاطمة و حسنا و حسينا في بيت أم سلمة و قال: اللّهم هؤلاء أهلي «2»، و أخرجه الترمذي «3»».

و

قال ابن عبد البرّ في «الإستيعاب»: لما نزلت الآية دعا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) فاطمة و عليا و حسنا و حسينا في بيت أم سلمة و قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا «4».

و

في «صحيح» الترمذي و «جامع الأصول» عن أم سلمة قالت: نزلت الآية في بيتي و أنا جالسة عند الباب، فقلت: يا رسول اللّه أ لست من أهل البيت؟ فقال (عليه السلام): انك إلى خير أنت من أزواج رسول اللّه، قالت: و في البيت رسول اللّه و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام)، فجلّلهم بكساء و قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا «5».

و روي الثعلبي في تفسيره أخبارا كثيرة في اختصاص الآية بهم (عليهم

______________________________

(1) الأحزاب: 33.

(2) صحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري ج 2 ص 119 ط. مصر.

(3) صحيح الترمذي ج 13 ص 171 ط. مصر.

(4) الاستيعاب للحافظ ابن عبد البرج 2 ص 460 حيدرآباد الدكن.

(5) صحيح الترمذي ج 13 ص 248 ط. مصر.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 273

السلام) «1».

بل في «صحيح» مسلم و البخاري و أبي داود و الترمذي و «الجمع بين الصحيحين» للحميدي، و «الجمع بين الصحاح الستة» و غيرها من كتبهم أخبار كثيرة تدلّ على تفسير أهل البيت و العترة بهم خاصّة، و ستسمع إن شاء للّه شطرا منها عند تفسير آية المباهلة و التطهير، و قوله تعالى: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ «2» و غيرها في الآيات، و من هنا يتضّح معنى العترة

من غير حاجة إلى الرجوع إلى كلمات أهل اللغة مع أن ذلك هو المتفق عليه من كلماتهم على اختلافها حيثما سمعت.

و امّا دعوى أبي بكر كونه من العترة فليست بأقرب من تقمّصه الخلافة التي هو يعلم أن محل أمير المؤمنين عليه السلام منها محلّ القطب من الرحى، مضافا إلى أنّه قد مرّ في المروي عن «مسند» أحمد بن حنبل عن أبي بكر أنّه قال: عترة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) علي (عليه السلام)، و الفضل ما شهدت به الأعداء على أنّ المحكي عن ابن الأعرابي في دعوى أبي بكر كونه من العترة بالبلد و البيضة.

قال الصدوق (قدس اللّه روحه) حكى محمد بن بحر الشيباني، عن محمد بن عبد الواحد صاحب أبي العباس تغلب في كتابه الذي سماه كتاب «الياقوتة» أنّه قال:

حدّثني أبو العباس تغلب قال: حدثني ابن الأعرابي قال: العترة قطاع المسك الكبار في النافجة، و تصغيرها عتيرة و العترة الريقة العذبة و شجرة تنبت على و جار «3» الضبّ أو الضبع إذا خرجت من و جارها تمرغت على تلك الشجرة فهي لذلك لا تنموا و لا تكبر و العرب تضرب مثلا للذليل و الذلة فيقولون أذلّ من عترة

______________________________

(1) ملحقات الاحقاق ج 9 ص 2 نقلا عن أبي إسحاق الثعلبي في الكشف و البيان.

(2) طه: 132.

(3) الوجار بالكسر و الفتح جحر الضبع و غيرها.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 274

الضبّ، و العترة ولد الرجل و ذريته من صلبه فلذلك سميت ذرية محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) من علي و فاطمة عترة محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) قال تغلب: فقلت لابن الاعرابي: فما معنى قول أبي بكر في

السقيفة نحن عترة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) قال: أراد بلدته و بيضته و عترة محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) لا محالة ولد فاطمة (عليها السلام)، و الدليل على ذلك ردّ أبي بكر و إنفاذ علي (عليه السلام) بسورة برائة و

قوله (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): أمرت أن لا يبلّغها منّي إلا أنا أو رجل مني فأخذها منه، و دفعها إلى علي (عليه السلام)

و قد قيل: إنّ العترة الصخرة العظيمة يتخذ الضبّ عندها جحرا يأوي اليه و هذا لقلّة هدايته، و قد قيل: إنّ العترة أصل الشجرة المقطوعة الّتي تنبت من أصولها و عروقها و العترة في غير هذا المعنى قول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) لا قرعة و لا عتيرة.

قال الأصمعي «1» كان الرجل في الجاهلية ينذر نذرا على أنه إذا بلغت غنمه مائة أن يذبح رجبيّة «2» و عتائره «3» فكان الرجل ربما بخل بشاته فيصيد الظباء و يذبحها عن غنمه، و يقال: العترة الذكر، و العترة الريح، و العترة أيضا شجرة كثيرة اللّبن صغيرة يكون نحو القامة، و أنّه نبت مثل المرزنجوش ينبت متفرقا.

______________________________

(1) الأصمعي عبد الملك بن قريب بن عبد الملك البصري اللغوي الأديب توفى سنة 216.

(2) الرجبية ذبيحة كانت تذبح في رجب يتقرب بها أهل الجاهلية و الإسلام نسخها، تاج العروس ج 3 ص 380.

(3) العتاير جمع العتيرة كذبيحة و هي الرجبية، قال الزبيدي في شرح القاموس في كلمة العتيرة:

إنّ الرجل كان يقول في الجاهلية إن بلغت إبلى مائة عترت عنها عتيرة فاذا بلغت مائة ضمن بالغنم فصاد ضبيا فذبحه.

-

- تاج العروس ج 3 ص 380-.

تفسير الصراط المستقيم،

ج 1، ص: 275

ثم قال الصدوق (رضي اللّه عنه) و العترة علي بن أبي طالب و ذريّته من فاطمة (عليها السلام)، و سلالة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) و هم الذين نصّ اللّه تبارك و تعالى عليهم بالإمامة على لسان نبيه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) و هم اثنى عشر أوّلهم علي و آخرهم القائم (عليهم السلام) على جميع ما ذهب إليه العرب من معنى العترة و ذلك أنّ الأئمة (عليهم السلام) من بين جميع بني هاشم و من بين جميع ولد أبي طالب كقطاع المسك الكبار في النافجة و علومهم العذبة عند أهل الحكمة و العقل.

و هم الشجرة الّتي أصلها رسول اللّه و أمير المؤمنين فرعها و الأئمة من ولده أغصانها و شيعتهم ورقها و علمهم ثمرها.

و هم (عليهم السلام) أصول الإسلام على معنى البلدة و البيضة.

و هم (عليهم السلام) على معنى الصخرة العظيمة التي يتخذ الضبّ عندها جحرا يأوي اليه لقلّة هدايته.

و هم أصل الشجرة المقطوعة لأنّهم و تروا و ظلموا و جفوا و قطعوا و لم يوصلوا فنبتوا من أصولهم و عروقهم، لا يضرّهم قطع من قطعهم و إدبار من أدبر عنهم إذ كانوا من قبل اللّه منصوصا عليهم على لسان نبي اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم)، و من معنى العترة هم المظلمون المؤاخذون بما لم يجرموه و لم يذنبوه و منافعهم كثيرة.

و هم ينابيع العلم على معنى الشجرة الكثيرة اللّبن.

و هم (عليهم السلام) ذكران غير إناث على معنى قول من قال: إنّ العترة هو الذكر و هم جند اللّه (عز و جل) و حزبه على معنى قول الأصمعي: إنّ العترة الريح

قال النبيّ (صلّى

اللّه عليه و آله و سلم) الريح جند اللّه الأكبر في حديث مشهور عنه

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 276

«1» و الريح عذاب على قوم و رحمة للآخرين.

و هم (عليهم السلام) كذلك كالقرآن المقرون إليهم

بقول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي

قال اللّه (عزّ و جل): وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً «2» و قال تعالى: وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ «3».

و هم (عليهم السلام) أصحاب المشاهد المتفرقة على المعنى الذي ذهب اليه من قال: إنّ العترة هو نبت مثل المرزنجوش ينبت متفرقا و بركاتهم منبثة في المشرق و المغرب «4».

انتهى كلامه زيد مقامه، و إنّما حكيناه بطوله لاشتماله على معاني العترة و تطبيقها على ما هو المقصود به في المقام و لو على وجه المجاز و الاستعارة و إن كان كثير منها لا يخلو عن تكلّف و لعلّ الأولى من جميع ذلك ما أشرنا إليه من كونه مفسّرا في كلام النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) بأهل البيت و لو على وجه البدلية أو عطف البيان حسبما مرّت اليه الإشارة.

ثالثها: أنه قد يقال: المراد بعدم افتراقهما أنّ لفظ القرآن كما انزل و تفسيره

______________________________

(1) عن ابن عباس انه قال: الماء و الريح جندان من جنود اللّه، و الريح جند اللّه الأعظم- بحار الأنوار ج 14 ط. القديم.

(2) الإسراء: 82.

(3)

التوبة: 124- 125.

(4) بحار الأنوار ج 7 ص 31 ط. القديم نقلا عن الصدوق (قدّس سرّه).

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 277

و تأويله عندهم و هم يشهدون بصحّة القرآن و القرآن يشهد بحقيقتهم و إمامتهم و لا يؤمن بأحدهما إلّا من آمن بالآخر.

قلت: و يحتمل أيضا أن يكون المراد به مضافا إلى ذلك تطابق النسختين و توافق العالمين فإنّ كلا منهما، مشتمل على جميع ما في الكون الكبير من الحقائق و المعارف و العلوم و الارتباطات و الإضافات و التكوينيات و التشريعيات غاية الأمر أنّه في أحدهما على وجه التكوين و الإحاطة و العلم و في الآخر على وجه التدوين و الإشراق و الوضع مع دوام المصاحبة و الموافقة بينهما في كونهما الحجة على الأمّة و كونهما خليفتين لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) في التبليغ و الإرائة و الإيصال و في كونهما الشاهدين على هذه الأمّة بل على جميع الأمم في الدنيا و الآخرة على أعمالهم و أفعالهم و الشافعين لهم في يوم القيامة مضافا إلى أنّ لهما نوعا من الاتحاد و المساوقة و المطابقة في عالم الأنوار فإنّ أحدهما تكوين الأخر كما أنّ الآخر تدوين الأوّل و لعلّه لذا و لغيره مما ذكر فسرّ الكتاب بهم في كثير من الآيات المفسّرة بالأخبار كما ورد في أخبار كثيرة أنّ المراد بالكتاب و امّ القرآن أمير المؤمنين (عليه السلام) و من المشهور

عنه (عليه السلام) انا كتاب اللّه النّاطق.

و

في الكافي عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ «1» قال (عليه السلام): قالوا أو بدّل عليّا «2»

، و ما أحسن ما قيل

______________________________

(1) يونس: 15.

(2)

في البحار ج 9 ص

111 نقل عن العياش عن الصادق (عليه السلام) في قول اللّه (أئت بقرآن غير هذا أو بدّله) يعني أمير المؤمنين (عليه السلام). تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 278

في المقام شعرا:

ساووا كتاب اللّه إلّا أنّه هو صامت و هم الكتاب النّاطق

رابعها: أنّه قد سمعت تفسير الثقل الأكبر بالكتاب و الأصغر بالعترة و الأخبار متفقّة على هذا المعنى و ربما يشكل بأنّه من الواضح سبق عالم التكوين على التدوين و أنّ تدوين الكتاب بظهوره و تمام بطونه رشحة من رشحات أنوار علومهم و معارفهم مع أنّه قد ورد أنّهم كلام اللّه الناطق و القرآن كلامه الصامت و أيضا القرآن و صفهم و خلقهم الموصوفون المتخلّقون به، بل قد مرّ في كلام المجلسي أنّ من انتقش في قواه ألفاظ القرآن و في عقله معانيه و اتّصف بصفاته الحسنة على ما هي فيه.

و احترز عمّا نهى اللّه عنه فيه و اتّعظ بمواعظه و صيّر القرآن خلقه و داوى به أدوائه فهو أولى بالتعظيم و الإكرام، و لذا ورد أنّ المؤمن أعظم حرمة من القرآن و الكعبة، و على هذا لم أر أحدا من الأصحاب تعرّض لأصله فضلا عن حلّه نعم ذكر الشيخ الاحسائي «1» أنّ ما أورد على هذا الحديث من إشكال كونهم (عليه السلام) الثقل الأصغر قد أجبنا عنه في أجوبتنا لمسائل الملا كاظم السمناني و حاصل ما ذكره هناك بطوله أنّ لهم (عليهم السلام) ثلاث مراتب:

الأولى: مرتبة المعاني و هم في تلك الحال الأعلى الذي لا يظهر بالكلام و لا يدرك بالأفهام و إنّما الواجب على كل من دنى من تلك الطلول «2» كمال الصمت

______________________________

(1) الاحسائي احمد بن زين الدين البحراني متفلسف شيعي و هو مؤسس

مذهب الكشفية نسبة الى الكشف و الإلهام و كان يدّعيهما و تبعه جمع يقال لهم الشيخية، ولد في الأحساء 1166 ه. و تعلّم في بلاد فارس و تنقل بينها و بين العراق، و سكن البحرين. و مات حاجّا بقرب المدينة و حمل إليها فدفن فيها سنة 1241 ه- الاعلام ج 1 ص 124.

(2) الطلول بضم الطاء جمع الطلل بفتح الطاء و هو الموضع المرتفع.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 279

و تمام الخمول، و ذلك أعلى معاني

(نحن الأعراف الّذين لا يعرف اللّه إلّا بسبيل معرفتنا) «1»

و تلك المنازل لا يمكن أن يحلّ بساحتها أحد إلّا من سكن فيها و خرج منها، و هي المعاني الّتي يسئل الأنبياء ربّهم بها، و الأولياء يدعونه بها و هو

قول الحجّة عجّل اللّه فرجه في دعاء رجب: اللّهمّ انّى أسئلك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك المأمونون على سرّك «2».

و في هذا المقام هم أفضل من القرآن و كلّ شي ء من خلق اللّه.

الثانية: مرتبة الأبواب و هم فيها باب اللّه الّذي يصدر منه الفيض إلى جميع ما في الوجود المقّيد بعد هم، و هم في هذه المرتبة مساوون للقرآن، لأنّهم الآن في رتبة العقل الأوّل، و العقل الأول هو الملك الأعظم المسمّى بالرّوح، من أمر اللّه، و هو أوّل خلق من الروحانييّن عن يمين العرش، و هو القران في الباطن، و انّما افترقا من جهة الظهور، فالظهور في اللفظ قرآن، و الظهور في الصورة الملكية روح من أمر اللّه تعالى، و قد أشار سبحانه إليه في كتابه العزيز في قوله: وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي

بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «3» و الروح من أمر اللّه هو الموحى إليه و هو الملك المسمّى بروح القدس الأعلى و هو المجعول نورا يهدي به اللّه من يشاء من عباده و هو القرآن، و من نظر بفؤاده في هذه الآية الشريفة عرف بدليل الحكمة أنّه القرآن و أنّه الملك الأعظم فإنّه هو الّذي يقذف اللّه الوحي في قلبه، و هو معهم

______________________________

(1) سفينة البحار ج 6/ 222- البحار ج 8/ 341.

(2) بحار الأنوار ج 20 ص 343 ط. القديم.

(3) الشورى: 52.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 280

يسدّدهم، فلا يعلمون شيئا إلّا بواسطته و هذا هو القرآن فإنّ اللّه أخبر في مواضع متعدّدة أنّه (عليه السلام) لا يعلم شيئا قبل القرآن مثل قوله تعالى: ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَ لا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا «1» فهم (عليه السلام) في مرتبة الأبواب مساوون في القرآن.

الثالثة: مرتبة الإمامة و هو هذا الأدنى الظاهر الّذي فرض اللّه طاعته على عباده، و هو في هذا المقام لا يعلم شيئا إلّا من القرآن، و ما نزل به جبرئيل (ع) و الملائكة (عليهم السلام) في ليلة القدر و غيرها إنّما هو في بيان ما انطوى عليه القرآن من الخفايا، و لهذا وصف اللّه عليّا بالعلم في غاية الوصف حيث قال تعالى:

وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ «2» و قال تعالى: ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَ لكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ «3».

فأخبر عن كتابه المجيد أنّه تفصيل كلّ شي ء.

و

روى أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل هل عندكم من رسول اللّه شي ء من الوحي سوى القرآن؟ قال (عليه

السلام): لا و الّذي فلق الحبّة، و بري ء النسمة إلّا أن يعطي اللّه عبدا فهما

في كتابه إشارة الى قصّة نوح: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَ لا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا «4» يعني القرآن و قوله تعالى في سورة يوسف: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ «5» أي من قبل القرآن، و قال تعالى في

______________________________

(1) هود: 29.

(2) الرعد: 43.

(3) يوسف: 111.

(4) هود: 49.

(5) يوسف: 3.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 281

آخر سورة يوسف: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ يَمْكُرُونَ «1» و أمثال ذلك ممّا يدلّ على أنّ علمهم مستفاد من القرآن و أنّ ما في الغابر و المزبور و مصحف فاطمة (عليها السلام) و الجفر و الجامعة و غير ذلك كلّه من القرآن فإنّ اللّه سبحانه يقول: وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ «2».

و من المعلوم عند العلماء ممّا لا يختلفون فيه أنّ الكتاب التدويني مطابق للكتاب التكويني و لهذا

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في تفسير باء البسملة: لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير باء بسم اللّه الرحمن الرحيم «3»

، و

قال الباقر (عليه السلام): لو وجدت لعلمي الذي آتاني اللّه (عزّ و جل) حملة لنشرت التّوحيد و الإسلام و الإيمان و الدّين و الشرائع من الصمد «4» الحديث

و أمثال ذلك.

فاذا عرفت المراد ظهر لك أنّ القرآن هو الثقل الأكبر في هذه المرتبة و هم الثقل الأصغر لأنّ حكمهم تابع لحكم القرآن لا العكس و هم حملته و معنى الثقل محرّكا الشي ء النفيس المصون، و سمّيا بذلك

لأنّ التمسك بهما ثقيل و هذا المعنى في بيان كون القرآن الثقل الأكبر و هم (عليهم السلام) الثقل الأصغر حقيقي.

و

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم):

______________________________

(1) يوسف: 102.

(2) يس: 12.

(3) هذا الحديث رواه الفريقان مع اختلاف و تفاوت كما مرّ ففي بعض الكتب كالينابيع و شرح العين و زين الحلم، و الروض الأزهر و غيرها سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب، و في بعضها كمطالب السئول بعيرا من تفسير بسم اللّه الرحمن الرحيم و في بعضها كلطائف المنن ثمانين بعيرا من معنى الباء.

(4) بحار الأنوار ج 3 ص 225 ط. طهران الآخوندي. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 282

إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أطول من الآخر كتاب اللّه حبل ممدود من السّماء الى الأرض طرف بيد اللّه و طرف بيد عترتي ألا و إنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

قيل لأبي سعيد: و من عترته؟ قال: أهل بيته «1». و العبارة عنه في الظاهر أنّ المراد أنّ القرآن بمنزلة العقل، و هم بدون العقل بمنزلة الجسم، و لا ريب أنّ العقل أكبر من الجسم، أمّا إذا اعتبرت العاقل فإنّه أكبر من العقل و العقل هنا في هذا المثال هو المرتبة الأولى المعبّر عنها بالمعاني، و هو جواب آخر لسائر الناس، و هو أنّ الحكيم لا يخاطب الناس إلّا بما يعرفون، و الذي يعرفونه انّهم (عليهم السلام) انّما يأخذون من القرآن فيكون هو الثقل الأكبر.

و هو (عليه السلام) أراد بأهل بيته الذين هم الثقل الأصغر ظاهرهم بين الناس و يريد به مرتبتهم الثالثة كما قرّرنا فلاحظ. و أمّا إنّهم (عليهم السلام) كتاب اللّه الناطق و القرآن كتاب اللّه الصامت

كما قال علي (عليه السلام).

فالمراد أنّ القرآن صامت بالحق لا ينطق بالحق إلّا بحملته فالكتاب ينطق بالحق بلسان حامليه و إلّا فهو صامت و لا ينتفع بالصامت و لا يكون حجّة حال صمته، فالناطق من هذه الحيثية أفضل لعموم الانتفاع و قيام الحجة به.

و كون أنّه ليس في ذرّات الوجود بعد النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) أعلى رتبة منهم صحيح في المرتبة الأولى، و أمّا في المرتبة الثالثة فهم يتعلّمون من الملائكة، و من سائر الموجودات كما أخبر الميمون عليّا (عليه السلام) و هو راكب عليه حين حفر المنافقون له حفيرة في الطّريق و غطّوها بالدغل فلمّا قرب منها أخبره حصانه

______________________________

(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور للحافظ السيوطي ج 2 ص 60 ط. مصر.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 283

بذلك، و غير ذلك من الأمور التي لا تتمشّى إلّا على أحوالهم الظاهرة.

و القرآن مشحون في حقّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) بمثل ذلك مثل قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ «1» و قوله تعالى: وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ «2» و في كلّ هذه الأحوال هم الثقل الأصغر، و أمّا كون القرآن علمهم و العالم أعلى رتبة من العلم فذلك في مرتبتهم الأولى. انتهى كلامه.

و هو و إن أجاد في كثير ممّا أفاد إلّا أنّه لم يأت بتمام المراد، إذ كما أنّ لهم (عليهم السلام) مراتب مترتبة منزلة فكذلك للقرآن الموصوف بالتنزيل أيضا حسبما مرّت إليه الإشارة و طريق المقايسة بين الشيئين إنّما هو مع الإغماض عن المراتب في البين أو مع ملاحظتها من الجانبين على أنّ ذلك لو

كان هو الوجه في تفضيله عليهم لكان مفضّلا على رسول اللّه أيضا و هو كما ترى و لعلّه يلتزم به كما يستفاد من أواخر كلامه.

و على كلّ حال فالذي يختلج بالبال في حلّ الإشكال هو أنّك قد سمعت فيما أشرنا اليه أنّ كتاب كلّ من الأنبياء إنّما هو مساوق لرتبة وجوده و مقام شهوده إلّا أنّ الاختلاف من جهة التكوين و التدوين، و لذا كان هذا الكتاب مهيمنا على جميع الكتب كما أنّ نبيّنا (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) كان مهيمنا على جميع الأنبياء، و حيث إنّهم عليهم السلام كانوا أنزل منه رتبة في عالم التكوين بثمانين ألف سنة حسبما سمعت في الخبر المتقدّم لا جرم كانوا أصغر منه، و ممّا ساوق وجوده و هو كتابه التدويني فالكبر و الصغر انّما لوحظا بالنظر الى مقامه (عليه السلام) و مقامهم (عليهم

______________________________

(1) الكهف: 110.

(2) الأعراف: 188.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 284

السلام) و إن كان من جهة أخرى التكوين أفضل من التدوين، و لذا فضّل في العلويّ الناطق على الصامت بل قد مرّ

في النبوي العامي المرويّ عن زيد بن ثابت عنه عليه السلام أنّ علي بن أبي طالب أفضل لكم من كتاب اللّه لأنّه مترجم لكم عن كتاب اللّه.

و أمّا وصف الأوّل بالكبر فكأنّما وصف به رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) و إن وقع التعبير عنه بتدوين وجوده الذي هو القرآن و لذا ورد أنّه كان خلقه القرآن و سرّ التعبير التنبيه على الاستخلاف و غموض العلم و لزوم التعظيم و الإتباع و لذا سوّى في ذلك بينهما حتى

ورد أنّه (عليه السلام) ضمّ بين سبّابتيه، و قال: حتى يردا علي

الحوض كهاتين «1».

و أمّا ما قد يتوهّم من أنّه (عليه السلام) إنّما جعلهم الثقل الأصغر باعتبار أفهام الناس و اعتقاداتهم حيث إنّهم لم يعرفوهم حقّ معرفتهم ففيه أنّه منه حينئذ تقرير للناس على جهلهم و إبقاء لهم على ضلالتهم و هذا مناف لمنصبه الذي لا مسامح فيه لاحتمال المداهنة و الإغماض و التقية سيّما بعد أن ورد عنه و عن الأئمّة المعصومين (صلّى اللّه عليهم أجمعين) في فضلهم و شرفهم ما هو أعظم من ذلك بل قد مرّ في كلام المجلسي أنّه روي عنهم تفضيل المؤمن على الكعبة «2» و القرآن.

خامسها: أنّ أصحابنا الإمامية (عطّر اللّه مراقدهم) قد استدلّوا بهذا الخبر على ولاية الأئمّة الطاهرين (صلوات اللّه عليهم أجمعين) و خلافتهم بلا فصل و أنّهم

______________________________

(1) ينابيع المودة ص 34 و 114 ط. اسلامبول.

(2)

عن الصادق (عليه السلام): المؤمن أعظم حرمة من الكعبة. بحار الأنوار ج 15 ص 20 ط. القديم. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 285

مطهّرون معصومون و أنّ إجماعهم، بل كلّ منهم حجّة بل يستفاد منه أنّ الأرض لا تخلو من واحد منهم أبدا.

و جملة الدلالة على كلّ ذلك أنّه (صلّى اللّه عليه و آله) قد استخلف عترته و جعلهم خليفته في أمّته، و تركهم فيها و قد قيل: إنّه لا يكون شي ء أبلغ من قول القائل: قد تركت فيكم فلانا، كما يقول الأمير إذا خرج من بلده و استخلف من يقوم مقامه لأهل البلد: قد تركت فلانا فيكم يرعاكم و يقوم مقامي، و كما يقول من أراد الخروج عن أهله و أراد أن يوكّل عليهم وكيلا يقوم بأمرهم: قد تركت فيكم فلانا فاسمعوا له و أطيعوه، فإذا كان ذلك كذلك كان هو النص

الجليّ الذي لا يحتمل غيره، إذ خلّف في جميع الخلق أهل بيته و أمرهم بطاعتهم و الانقياد لهم، ثمّ إنّه (عليه السلام) قد دلّنا بوجوه من الدلالة على أهلّيتهم لذلك، و إنّهم معصومون مطهّرون منصوبون لنصّه (عليه السلام) لحمل أعباء هذا الأمر الجليل و الخطب الجميل.

فذكر أوّلا أنّه هو الّذي استخلفهم في قومه بعده الى يوم القيامة فليس لأحد نقضه و لا الاعتراض عليه في ذلك لأنّه لا يفعل ذلك إلّا بأمر من اللّه تعالى، و إرشاد و وحي منه سبحانه، لأنّه (عليه السلام) لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى، و لذا قال تعالى أيضا: وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ «1».

و ثانيا: إنّه عبّر بالخلافة الظاهرة بل الصريحة في المطلوب حيث، إنّ خليفة الرّجل في قومه على ما يظهر من العرف و اللغة من يقوم مقامه فيهم فيما كان له عليهم و لهم عليه و حيث إنّ اللّه سبحانه أوجب من طاعته عليه السلام على أمّته و تسليمهم

______________________________

(1) الحاقة: 46.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 286

و انقيادهم له ما أوجب حتى أنزل في ذلك: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ «1» قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ «2» فلا بدّ أن يكون مثل ذلك ثابتا للعترة الّذين هم أهل بيته.

و لذا وقع التصريح بالخلافة و وجوب الطاعة في المتواتر من أخبار الفريقين كما

رواه الحافظ النطنزي في كتابه بالإسناد عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): إنّ علي بن أبي طالب وصيّي، و إمام أمّتي و خليفتي عليها بعدي و من ولده القائم المنتظر الذي يملأ

اللّه به الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما و الّذي بعثني بالحقّ بشيرا و نذيرا إنّ الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر، الخبر «3».

و

عن كتاب «كفاية الطالب» بالإسناد عن ابن عباس قال: ستكون فتنة فمن أدركها منكم فعليه بخصلتين: كتاب اللّه تعالى و علي بن أبي طالب فإنّي سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) و هو آخذ بيد علي (عليه السلام) و هو يقول هذا أوّل من آمن بي و هو فاروق هذه الأمّة يفرق بين الحقّ و الباطل، و هو الصدّيق الأكبر و هو بابي الذي أوتي منه، و هو خليفتي من بعدي «4».

و

عن الأعمش عن أبي ذرّ قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): من نازع عليّا في الخلافة بعدي فهو كافر و قد حارب اللّه و رسوله و من شكّ في علي

______________________________

(1) النساء: 80.

(2) آل عمران: 31.

(3) ينابيع المودة ص 494 عن المناقب و في ص 448 عن فرائد السمطين.

(4) بحار الأنوار ج 38 ص 214 طبع الآخوندي نقلا عن كشف اليقين. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 287

فهو كافر «1».

و

عن السمعاني في «فضائل الصحابة» بالإسناد عن أنس قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): إنّ خليلي و وزيري و خليفتي في أهلي و خير من أترك بعدي و من ينجز موعدي و يقضي ديني، علي بن أبي طالب «2».

و

في «أمالي» أبي الصلت الأهوازي عن أنس، قال: قال النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): إنّ أخي و وزيري و وصيّي و خليفتي في أهلي علي بن أبي طالب «3».

و

عن «مناقب»

ابن المغازلي بالإسناد عن أبي ذرّ الغفاري قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): من ناصب عليّا للخلافة بعدي فهو كافر «4».

و

من طريق الخاصّة عنه (عليه السلام) لكلّ أمّة صدّيق و فاروق و صدّيق هذه الأمّة و فاروقها علي بن أبي طالب، إنّ عليّا سفينة نجاتها و باب حطّتها، و إنّه يوشعها و شمعونها و ذو قرنيها، معاشر النّاس إنّ عليّا خليفة اللّه و خليفتي عليكم بعدي. الخبر «5».

و

عنه (عليه السلام): يا علي إنّ اللّه تعالى أمرني أن أتّخذك أخا و وصيّا، فأنت أخي و وصيّي و خليفتي على أهلي في حياتي و بعد موتي، من تبعك فقد تبعني و من تخلّف عنك فقد تخلّف عنّي «6».

و

بالإسناد عن أمّ سلمة تقول: سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم)

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 38 ص 150 طبع الآخوندي نقلا عن عمدة ابن بطريق ص 45.

(2) بحار الأنوار ج 38 ص 146 طبع الآخوندي نقلا عن السمعاني في فضائل الصحابة.

(3) بحار الأنوار ج 38 ص 146 طبع الآخوندي نقلا عن الأمالي.

(4) بحار الأنوار ج 38 ص 155 طبع الآخوندي.

(5) عيون الأخبار للصدوق ص 186.

(6) أمالي الشيخ ص 125. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 288

في مرضه الّذي قبض فيه يقول و قد امتلأت الحجرة من أصحابه: أيّها النّاس يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي و قدّمت إليكم القول معذرة إليكم ألا إنّي مخلّف فيكم كتاب ربّي (عزّ و جلّ) و عترتي أهل بيتي. ثمّ أخذ بيد علي (عليه السلام) فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن و القرآن مع علي (عليه السلام) خليفتاي بصيران لا يفترقان حتّى يردا علي الحوض فأسئلهما ماذا

خلّفت فيهما «1».

الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الّتي تواتر نقلها من الفريقين.

و ثالثا: إنّه (عليه السلام) قرنهم بكتاب اللّه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم مجيد، فكما أنّه مصون بحفظ اللّه عن الاختلاف و الاختلال و البطلان، فكذا هم معصومون من الزلل و الطغيان، بل هم المعجزات الباهرات و الآيات البيّنات و الحجج على البريات، كما أنّ القرآن هو الحجّة البالغة و المعجزة الباقية على مرّ الدهور و الأعصار.

و رابعا إنّه صرّح بالمعيّة المستدامة الحاصلة بينهما الباقية الى انقضاء الدهور و تمام الدنيا، و فيه دليل على أنّ الأرض لا تخلو من واحد من العترة كي يكون حجّة على البريّة شاهدا على أعمالهم و أفعالهم، و يشهد على ذلك يوم القيامة حين يرد مع القرآن على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) حوضه مضافا الى

أنّه (عليه السلام) قد حكي عن اللّه سبحانه بقوله: إنّ اللّطيف الخبير قد أخبرني أنّهما لن يفترقا أبدا و هو سبحانه الصادق في قوله المنجز لوعده.

و قد سمعت المراد من عدم افتراقهما مع دلالة الأخبار الكثيرة الّتي مرّ شطر منها في تضاعيف الباب على ذلك. و من ذلك يظهر أيضا عصمتهم و طهارتهم و أنّهم

______________________________

(1) بحار الأنوار باب وصيّة الرسول (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) عن كشف الغمّة.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 289

لا يفارقون أحكام كتاب اللّه أبدا سيمّا مع تأييد النفي الاستقبالي بكلمة لن الظاهرة بل الصريحة في ذلك، فقد استفيد منه أنّ الأرض لا تخلو من واحد منهم و أنهم الحجج الناطقة بآيات اللّه على البريّة و أنّهم العالمون بجميع ما في

الكتاب من الظواهر و البواطن و الأسرار و العلوم و أنّهم لا يجهلون أبدا.

و خامسا: إنّه صرّح بعد ذلك كلّه بأنّه

إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا

و لعلّه لا يشكّ أحد في أنّ ضمّ العترة الى الكتاب الصامت الّذي أكثر آياته من المتشابهات الّتي لا يعلمها إلّا اللّه و الرّاسخون في العلم للتنبيه و الإشعار بأنّهم أهل علم الكتاب و هم الرّاسخون في العلم، و هم الّذين يستنبطونه منه و هم المأمونون على فهم أسرار الكتاب و علومه و حقائقه و شرائعه و أحكامه و بيان ذلك كلّه للنّاس في جميع الأعصار بعد النّبي المختار.

فإن قلت: إنّ المصرّح في الخبر إنّما هو نفي الضّلالة عن المتمسّك بهما معا و هو كذلك و أين هذا من حجّيّة كلام كلّ العترة منفردين عن الكتاب فضلا عن حجّية كلام كلّ واحد منهم و عصمته و النّص على خلافته كما هو المطلوب.

قلت: لا ريب في حجّية الكتاب بنفسه و لو مع عدم انضمام شي ء إليه إلّا أن يكون المقصود التنبيه على أمرين:

أحدهما: أنّ المتمسك بكلّ واحد من العترة و الكتاب لا يضلّ أبدا نظرا الى أنّ العترة التي مثل الكتاب في الحجّية و دوام الإصابة و عدم الخطأ أصلا و هداية المتمسّك به و لذا شهد لهم بل حكى الشهادة عن اللّه تعالى بعدم افتراقهما أصلا الى أن يردا عليه حوضه فهل ترى من نفسك جواز أن يقال في ضمّ غير المعصوم الى القرآن مثل هذا القول.

و ثانيهما: أنّ الكتاب علمه محجوب عن الأمّة و أنّه لا يطّلع الأمّة إلّا على

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 290

ظواهره بعضا أو كلّا و أمّا بواطنه المشتملة على جميع الحقائق و المعارف

و الشرائع و الأحكام و الحلال و الحرام و غير ذلك ممّا كان أو يكون الى يوم القيامة فجميع النّاس محجوبون عن نيله و إدراكه و معرفته إلّا أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) قد أودع علم ذلك كلّه عند عترته الأئمّة الطّاهرين و جعلهم الحجج على الخلق أجمعين فاقترانهم معه كاقتران الناطق مع الصامت، و المفسّر مع الكتاب، و الشواهد على ما ذكره من أخبار الفريقين كثيرة جدّا يأتي الى بعضها الإشارة في الأبواب الآتية، و من البيّن أنّ الناطق لو لم يكن قوله بانفراده حجّة لم يصلح جعله مفسّرا و مترجما للصامت.

ففي الخبر شهادة على علمهم بجميع معاني الكتاب و وجوهه و عدم انحرافهم عنه أصلا عن عمد و ضلالة، و لا عن خطأ و جهالة فكلّ من أخذ بقول العترة فقد أخذ بالكتاب لأنّهما لا يفترقان و قد

قال (عليه السلام): إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي،

بل في بعض الأخبار المتقدّمة

أنّه قد نبّأني اللّطيف الخبير أن لا يتفرقا حتى يلقياني، و سئلت اللّه تعالى لهما ذلك فأعطانيه فلا تسبقوهم و لا تقصروا عنهم فتهلكوا و لا تعلّموهم فهم أعلم منكم «1».

و توهّم أنّهما إذا كانا لا يفترقان فالمتمسّك بالكتاب متمسّك بقول العترة أيضا فما الحاجة الى العترة بعد وجود الكتاب مدفوع بأنّ الكتاب مشتمل على البطون و الظواهر، و ظاهره أيضا مشتمل على المحكم و المتشابه و الناسخ و المنسوخ و العامّ و الخاصّ و المطلق و المقيّد و المجمل و المبيّن و لا يعلم بحقيقة علمه إلّا النبيّ و الأئمّة الطّاهرون صلّى اللّه عليهم أجمعين.

______________________________

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 4 و إثبات الهداة ج 3 ص 539.

تفسير

الصراط المستقيم، ج 1، ص: 291

و من هنا أخطأ من قال في قوله: حسبنا كتاب اللّه حيث نسبت النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) الى الهجر و الهذيان، و منعه من أن يكتب الوصيّة لأمّته.

و أمّا ما ذكره بعض أهل الخلاف في المقام من أنّ هذا الخبر إنّما يدل على أنّ إجماع العترة لا يكون إلّا حقا لأنّه لا يخلو من أن يريد (عليه السّلام) به جملتهم أو كلّ واحد منهم، و قد علمنا أنّه لا يجوز أن يريد (عليه السّلام) بذلك إلّا جملتهم و لا يجوز أن يريد كلّ واحد منهم، لأنّ الكلام يقتضي الجميع، و لأنّ الخلاف قد يقع بينهم على ما علمناه من حالهم، و لا يجوز أن يكون قول كلّ واحد منهم حقّا لأنّ الحق لا يكون في الشي ء ضدّه، و قد ثبت اختلافهم فيما هذا حاله و لا يجوز أن يقال:

إنّهم مع الاختلاف لا يفارقون الكتاب، و ذلك يبيّن أنّ المراد به أنّ ما أجمعوا عليه يكون حقّا حتّى يصحّ

قوله: لن يفترقا حتى يردا علي الحوض،

و ذلك يمنع من أنّ المراد بالخبر الإمامة لأنّ الإمامة لا تصحّ في جميعهم، و إنّما يختصّ بها الواحد منهم، و قد بيّنا أنّ المقصد بالخبر ما يرجع الى جميعهم و يبيّن ما قلناه أنّ أحدا ممّن خالفنا في هذا الباب لا يقول في كلّ واحد من العترة إنّه بهذه الصفة، فلا بدّ أن يتركوا الظاهر الى أمر آخر يعلم به أنّ المراد بعض من بعض، و ذلك الأمر لا يكون إلّا ببيّنة، و ليس لهم أن يقولوا: إذا دلّ على ثبوت العصمة فيهم و لا تصحّ إلّا في أمير المؤمنين (عليه السّلام)

ثمّ في واحد واحد من الأئمّة فيجب أن يكون هو المراد، و ذلك لأنّ لقائل أن يقول: إنّ المراد عصمتهم فيما اتّفقوا عليه و لا يكون ذلك أليق بالظاهر و بعد، فالواجب حمل الكلام على ما يصحّ أن يوافق العترة فيه الكتاب، و قد علمنا أنّ في كتاب اللّه تعالى دلالة على الأمور فيجب أن يحمل قوله (عليه السّلام) في العترة على ما يقتضي كونه دلالة و ذلك لا يصحّ إلّا بأن يقال: إنّ إجماعها حقّ و دليل و أمّا طريقة الإماميّة فمباينة لهذا الفصل و المقصد.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 292

ففيه أنّ إجماع العترة و إن كان حسبما دلّ عليه التطهير «1» و غيرها بل الخبر أيضا على ما صرّح به هذا المخالف حقّ و حجّة و غيره إلّا أنّ هذا الذي ذهبت اليه الإماميّة و هو الحقّ أنّ المراد بالعترة هم أهل البيت حسبما مرّ الكلام فيه، و أنّ قول كلّ واحد منهم حجّة، و أنّ كلّ واحد منهم معصوم من الخطأ و الزلل، و ذلك للآية و الرواية المتقدّمين، مضافا الى غيرهما ممّا لا داعي للتعرّض له في المقام، أمّا الآية فلأنّه إذا خوطب جماعة بالتطهير و إذهاب الرجس فلا بدّ من أن يكون كلّ منهم متّصفا به و إلّا لم يتّصف المجموع به أيضا إذا المجموع مركّب من الوحدات المجتمعة فإذا أخطأ واحد منهم فلا ريب في أنّه لم يذهب عن جميعهم الرّجس و لم يطهّر الجميع بل البعض.

ثم إنّ البعض الّذي لا يقع منه الخطأ إمّا البعض المعيّن أو على وجه البدليّة و الأول: يوجب تخصيص الحكم أو اختصاص الموضوع من غير سبب بعد فرض العموم فيهما، و الثاني: يلزمه

خطأ الكلّ بعد وقوعه من كلّ واحد منهم في الجملة ثمّ لا يخفى أنّ إذهاب الرّجس و التطهير ليس ممّا يتعلّق أوّلا على المجموع من حيث المجموع بل لو اتّصف به الكلّ فإنّما هو لاتّصاف كلّ واحد من الأفراد به، هذا مضافا الى أنّ صيغة الجمع تنزّل في أمثال المقام على الأفراد لا المجموع من حيث المجموع الّذي ليس متعلّقا بشي ء من الأحكام.

و أمّا الرّواية فلأنّ التأمّل الصادق فيها يقضي بأنّ المراد منها عصمة كلّ من العترة حسبما دلّت عليه الآية و أنّ كلّا منهم مخصوص في عصره بمعرفة الكتاب و تبليغ الأحكام و شرائع الإسلام و بيان الحلال و الحرام ثمّ إنّه (عليه السّلام) أخبر

______________________________

(1) الأحزاب: 33.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 293

بأنّهم لا يفارقون الكتاب أصلا فإنّ كان المراد كلّ واحد منهم ثبت المطلوب أو الجميع فكذلك بالتقريب المتقدّم.

ثمّ إنّه لا يخفى أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) خاطب أمّته بهذا القول على سبيل الإرشاد و الهداية و إزاحة الشكوك و العلّة و قد ورد في كثير من أخبار الباب

أنّه (عليه السّلام) قال إنّهما الخليفتان من بعدي

و إنّما أراد أنّ المرجع إليهما بعدي فيما يرجع اليّ في حياتي فإن أراد أنّ مجرّد إجماعهم حجّة مع جواز الاختلاف بينهم بل و وقوعه كما زعموه فلا ريب أنّه لا يكمل به الحجّة إلّا أن يكون الحجّة في قول كلّ منهم سيّما مع انفراد بعضهم عن غيره في بعض الأزمنة كما هو الواقع و من جميع ذلك يظهر ضعف ما مرّ في كلام السائل من أنّ الكلام يقتضي الجميع مع أنّه إذا أخبر واحد منهم بشي ء فلا بدّ من أن يكون موافقا

لغيره من العترة و موافقا للكتاب، و إلّا لزم مفارقة العترة للكتاب على الوجهين هف.

و منه يظهر أنّه لا يقع بين العترة اختلاف أصلا فيضعف ما أشار إليه السائل بقوله: و لأنّ الخلاف قد يقع بينهم .. الى آخره.

على أنّا في سعة من ذلك كلّه لأنّ الخصم لا يسعه إنكار حجّية إجماعهم و لذا قد صرّح به في أوّل كلامه و لا ريب في انعقاد إجماعهم على عصمتهم و خلافتهم بلا فصل و عددهم، و فضلهم و ولايتهم و غير ذلك ممّا يعلم من ضرورة مذهبهم الّذي عرف منه أنّه لا اختلاف بين أقوالهم و أحكامهم و أنّ أوّلهم يحكم بما يحكم به آخرهم و آخرهم يحكم بما حكم به أوّلهم و أنّ جميعهم بمنزلة متكلّم واحد و أنّ ما وقع في أخبارهم من الاختلاف فإنّما هو لاختلاف الموضوعات و أحوال المكلّفين من باب الحكم البدلي الثانوي الّذي يختلف على حسب التقيّة و العجز و الضعف و غيرها من الأعذار الّتي من أجلّها حفظ شيعتهم بإيقاع الخلاف بينهم.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 294

و لذا

ورد عنهم: نحن أوقعنا الخلاف بينكم «1» و إنّكم لو اجتمعتم على أمر واحد لأخذ برقابكم «2».

و أنّ الاختلاف خير لنا و لكم و أبقى لنا و لكم و لو اجتمعتم على أمر واحد لقصدكم النّاس و لكان أقلّ لبقائنا و بقائكم «3».

و

قال مولانا الصادق (عليه السّلام) لزرارة: لا يضيقنّ صدرك من الّذي أمرك أبي و أمرتك به، و أتاك أبو بصير بخلاف الّذي أمرناك به فلا و اللّه ما أمرناك و لا أمرناه إلّا بأمر وسعنا و وسعكم الأخذ به و لكلّ ذلك عندنا تصاريف و معان توافق الحقّ: و لو

أذن لنا لعلمتم أنّ الحقّ في الّذي أمرناكم فردّوا إلينا الأمر و سلّموا لنا و اصبروا لأحكامنا و ارضوا بها و الّذي فرّق بينكم فهو راعيكم الّذي استرعاه اللّه خلقه و هو أعرف بمصلحة غنمه في فساد أمرها فإن شاء فرّق بينها لتسلّم ثمّ

______________________________

(1)

بحار الأنوار ج 2 ص 220 ط الآخوندي عن نصر الخثعمي عن الصادق (عليه السّلام): من عرف من أمرنا أن لا نقول إلّا حقا فليكتف بما يعلم منّا، فإن سمع منّا خلاف ما يعلم فليعلم أنّ ذلك منّا دفاع و اختيار له.

(2) بحار الأنوار ج 2 ص 236 عن «علل الشرائع» عن أبي الحسن (عليه السّلام) سئل عن اختلاف أصحابنا.

(3)

بحار الأنوار ج 2 ص 236 عن «علل الشرائع» عن زرارة: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن مسئلة فأجابني، ثمّ جاء رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني و أجاب صاحبي، فلمّا خرج الرّجلان قلت: يا ابن رسول اللّه رجلان من أهل العراق من شيعتك قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به الآخر، قال: فقال:

يا زرارة إنّ هذا خير لنا و أبقى لنا و لكم و لو اجتمعتم على أمر واحد لقصدكم الناس، و لكان أقلّ لبقائنا و بقائكم. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 295

يجمع بينها ليأمن من فسادها و خوف عدوّها الخبر «1».

ثمّ من أفضح جهالات ذلك المخالف ما أشار اليه بقوله: و يبيّن ما قلناه أنّ أحدا ممّن خالفنا .. الى آخره.

حيث إنّه نسب في ظاهره كلامه الى الإماميّة أنّهم لا يقولون بعصمة كلّ واحد من العترة و عدم افتراقهم عن الكتاب و أنت ترى أنّ ضرورة مذهبهم تقضي

بذلك بحيث يعرفه كلّ مخالف و مؤالف على الوجه الذي فسّرت به العترة فيما مرّ من المعتبرة، و لعلّه زعم أنّ المراد بالعترة مطلق الذريّة و الأولاد و الأقارب مطلقا و لم يعلم أنّه مفسّر في أخبارهم فضلا عن أخبار الإماميّة بأهل البيت.

فإن قلت: إنّ صريحها بل صريح ما ورد في تفسير الآية «2» تفسير كل من العترة و أهل البيت بالأربعة الّذين هم علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السّلام) فمن أين يتمّ الكلام في سائر الأئمّة (عليهم السّلام) على ما هو مقصد الإماميّة؟

قلت: لا ريب أنّ الاقتصار في بعض الأخبار على الأربعة إنّما هو لكونهم موجودين ظاهرين في هذا العالم الناسوتي عند نزول الآية و إلّا فلا ريب أنّه بعد ثبوت الولاية و العصمة لواحد منهم يثبت للآخرين أيضا بالنصّ منه لثبوت عصمته و شدّة الوثوق بقوله، على أنّه قد تواتر النصوص على الكلّ عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) حسبما هو مسطور في كتب الفريقين بل في كثير من أخبار الفريقين تفسير العترة بالإثني عشر.

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 2 ص 246 عن رجال الكشي.

(2) الأحزاب: 33.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 296

ففي «الكفاية» عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): إنّي تارك فيكم الثّقلين أحدهما كتاب اللّه (عزّ و جل) من اتّبعه كان على الهدى و من تركه كان على الضّلالة ثمّ أهل بيتي قالها ثلاث مرّات فقلت لأبي هريرة فمن أهل بيته نساؤه؟ قال: لا أهل بيته و عقبه و هم الأئمّة الاثنى عشر الّذين ذكرهم اللّه في قوله: و جعلها كلمة باقية في عقبه «1».

و

فيه عن حذيفة

قال: سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) يقول على منبره: معاشر النّاس! إنّي فرطكم و أنتم واردون علىّ الحوض حوضا ما بين بصرى و صنعاء فيه عدد النجوم قدحان من فضّة و إنّي سائلكم حين حين تردون علي عن الثقلين كيف تخلّفوني فيهما الثّقل الأكبر كتاب اللّه سبب طرفه بيد اللّه و طرفه بأيديكم فاستمسكوا به لن تضلّوا و لا تبدّلوا في عترتي أهل بيتي فإنّي قد نبّأني اللّطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض معاشر الناس كأنّي على الحوض أنتظر من يرد علي منكم و سوف يؤخّر أناس من دوني فأقول يا ربّ منّي و من أمّتي فيقال يا محمّد هل شعرت بما عملوا إنّهم قد رجعوا بعدك على أعقابهم ثمّ قال (عليه السّلام): أوصيكم اللّه في عترتي خيرا ثلاثا أو قال في أهل بيتي فقام إليه سلمان فقال: يا رسول اللّه! ألا تخبرني عن الأئمّة بعدك أما هم من عترتك؟ فقال (عليه السّلام): نعم الأئمّة من بعدي من عترتي عدد نقباء بني إسرائيل تسعة من صلب الحسين أعطاهم اللّه علمي و فهمي فلا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم و اتّبعوهم فإنّهم مع الحقّ و الحقّ معهم «2».

______________________________

(1) منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر نقلا عن كفاية الأثر ص 27.

(2) منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر عن كفاية الأثر ص 49.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 297

و

عن الشيخ إبراهيم بن محمّد الحمّوئي من أعيان علماء العامّة في كتاب «فرائد السّمطين في فضائل المرتضى و البتول و السبطين» «1» مسندا الى سليم بن قيس الهلالي في خبر المناشدة الى أن قال: ثمّ قال علي (عليه السّلام): أنشدكم باللّه أ تعلمون أنّ

رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قام خطيبا لم يخطب بعد ذلك فقال: يا أيّها الناس إنّي تارك فيكم الثّقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي فتمسّكوا بهما لن تضلّوا فإنّ اللّطيف أخبرني و عهد إليّ أنّهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض فقام عمر بن الخطّاب شبيه المغضب فقال: يا رسول اللّه أكلّ أهل بيتك؟ فقال (عليه السّلام): و لكن أوصيائي منهم أولهم أخي و وزيري و وارثي و خليفتي في أمّتي، و وليّ كلّ مؤمن بعدي علي بن أبي طالب هو أوّلهم ثمّ ابني الحسن ثم ابني الحسين ثمّ تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض شهداء اللّه في أرضه، و حجّته على خلقه، و خزّان علمه، و معادن حكمته من أطاعهم فقد أطاع اللّه و من عصاهم فقد عصى اللّه فقال الحضّار من المهاجرين و الأنصار كلّهم: نشهد أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قال ذلك ثمّ تمادى بعليّ السؤال فما ترك شيئا إلّا ناشدهم اللّه فيه و سئلهم عنه حتّى أتى على آخر مناقبه و ما قال له رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) كثيرا كل ذلك يصدّقونه و يشهدون أنّه حقّ «2».

و

في «العيون» عن الريّان بن الصّلت قال: حضر الرّضا (عليه السّلام) مجلس المأمون بمرو و قد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق و خراسان فقال

______________________________

(1) إبراهيم بن محمّد بن مؤيّد بن حمويه الشافعي، و لكن جعله السيّد محسن العاملي من أعيان الشيعة و قال: له فرائد السمطين في فضائل المرتضى و البتول و السبطين ولد في سنة 644 و توفي سنة 722-

أعيان الشيعة 5: 458.

(2) بحار الأنوار ج 8 ص 361 ط. القديم. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 298

المأمون: أخبروني عن معنى هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا «1».

فقالت العلماء: أراد اللّه تعالى بذلك الأمّة كلّها، فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن فقال الرّضا (عليه السّلام): لا أقول كما قالوا و لكنّي أقول أراد اللّه (عزّ و جل) بذلك العترة الطّاهرة إلى أن قال المأمون: من العترة الطّاهرة؟ فقال الرّضا (عليه السّلام): الّذين وصفهم اللّه تعالى في كتابه فقال: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «2»، و هم الذين قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): إنّي مخلّف فيكم الثّقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي ألا و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض فانظروني كيف تخلّفوني فيهما أيّها الناس لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم.

قالت العلماء: أخبرنا يا أبا الحسن من العترة أهم الآل أم غير الآل؟

فقال الرضا (عليه السّلام): هم الآل فقالت العلماء: هذا رسول اللّه يؤثر منه أنّه قال: أمّتي آلي و هؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الّذي لا يمكن دفعه آل محمّد أمّته فقال أبو الحسن (عليه السّلام): أخبروني هل تحرم الصّدقة على الآل؟

قالوا: نعم قال (عليه السّلام): فتحرم على الأمّة؟ قالوا: لا، فقال (عليه السّلام):

هذا فرق بين الآل و الأمّة، و يحكم أين يذهب بكم أ ضربتم عن الذّكر صفح أم أنتم قوم مسرفون أما علمتم أنّه وقعت الوراثة و الطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم، قالوا: و من أين يا أبا الحسن؟ فقال (عليه السّلام): من قول اللّه تعالى:

______________________________

(1) فاطر: 35.

(2) الأحزاب: 33. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص:

299

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَ إِبْراهِيمَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ «1»، فصارت النبوّة و الكتاب للمهتدين دون الفاسقين «2».

و

فيه عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال: إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض كهاتين، و ضمّ بين سبّابتيه فقام اليه جابر بن عبد اللّه فقال: يا رسول اللّه من عترتك؟ قال (عليه السّلام): علي و الحسن و الحسين و الأئمّة من ولد الحسين الى يوم القيمة «3».

و

عن «الجمع بين الصحاح الستّة» نقلا عن «صحيح» أبي داود السجستاني و هو كتاب «السنن»، و عن «صحيح» الترمذي عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظم من الأخر و هو كتاب اللّه حبل ممدود من السّماء الى الأرض و عترتي أهل بيتي لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلّفوني في عترتي «4».

قال سفيان: أهل بيته هم ورثة علمه، لأنّه لا يورث من الأنبياء إلّا العلم أهل بيته المقتدون به و العاملون بما جاء به لهم فضلان.

و

عن ابن المغازلي الشافعي في «المناقب» عن زيد بن أرقم قال: أقبل نبيّ اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) من مكّة في حجّة الوداع حتّى نزل بغدير الجحفة بين مكّة و المدينة فأمر الدوحات، فقمّ ما تحتهنّ من شوك ثمّ نادى الصلاة جامعة، فصلّى بنا الظّهر و خطب إلى أن قال في خطبته: ألا و إنّي فرطكم و أنتم تبعي توشكون أن تردوا علي الحوض فأسئلكم

حين تلقوني عن ثقليّ كيف خلّفتموني فيهما قال فأعيل

______________________________

(1) الحديد: 26.

(2) عيون أخبار الرضا ج 1 ص 229.

(3) بحار الأنوار ج 7 ص 30 ط. القديم.

(4) بحار الأنوار ج 7 ص 23 ط. القديم عن الطرائف. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 300

تفسير الصراط المستقيم ج 1 350

علينا «1» ما ندري ما يقول الآن حتّى قام رجل من المهاجرين قال بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه ما الثقلان؟ قال (عليه السّلام): الأكبر منهما كتاب اللّه تعالى سبب بيد اللّه تعالى و طرف بأيديكم فتمسّكوا به و لا تزلّوا و لا تضلّوا و الأصغر منهما عترتي من استقبل قبلتي و أجاب دعوتي فلا تقتلوهم و لا تقهروهم و لا تقصروا عنهم، فإنّي قد سئلت اللّه اللّطيف الخبير فأعطاني أن يردا علي الحوض كهاتين و أشار بالمسبّحة و لو شئت قلت: كهاتين بالسبّابة و الوسطى ناصرهما لي ناصر و خاذلهما ليّ خاذل، و وليّهما ليّ وليّ و عدوّهما ليّ عدوّ، ألا فإنّها لن تهلك أمّة قبلكم حتّى تدين بأهوائها و تظاهر علي نبيّها و تقتل من قام بالقسط منها، ثمّ أخذ بيد علي بن أبي طالب (عليه السّلام) فرفعها فقال من كنت وليّه فهذا وليّه، اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه قالها ثلاثا «2» الخطبة.

الى غير ذلك من الأخبار الّتي يغنينا عن التعرّض لها اشتهارها و تواترها و تكرّرها في أصول الفريقين.

و هذا الخبر هو الّذي أشار اليه

مولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام) في خطبته الّتي رواها في «النهج» و فيها فأين تذهبون؟ و أنّى تؤفكون؟ و الأعلام قائمة و الآيات واضحة، و المنار منصوبة. فأين يتاه بكم «3»؟ و كيف تعمهون «4»؟

و بينكم عترة نبيّكم، و هم أزمّة الحق، و السنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن،

______________________________

(1) قال الجوهري في الصحاح: ج 5 ص 1781: علت الضالة أعيل عيلا و عيلانا فأنا عائل: إذا لم تدر أي وجهة تبغيها- بحار الأنوار: ج 37 ص 185 ط. الآخوندي-

(2) بحار الأنوار ج 37 ص 184 ط. الآخوندي عن عمدة ابن بطريق و الطرائف.

(3) يتاه بكم من التيه بمعنى الضلال و الحيرة.

(4) تعمهون: أي تحيرون. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 301

و ردوهم ورود الهيم العطاش «1»، أيّها الناس! خذوها عن خاتم النبيين (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، إنّه يموت من مات منّا و ليس بميّت «2»، و يبلى من بلي منّا و ليس ببال، فلا تقولوا ما لا تعرفون، فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون، و اعذروا من لا حجّة لكم عليه و أنا هو، ألم أعمل فيكم بالثّقل الأكبر و أترك فيكم الثّقل الأصغر و ركزت فيكم راية الإيمان، و وقفتكم على حدود الحلال و الحرام «3».

قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه ما لفظه: و عترة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أهله الأدنون و نسله، و ليس بصحيح قول من قال: إنّه رهطه و إن بعدوا، و إنّما قال أبو بكر يوم السقيفة أو بعده: «نحن عترة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و بيضته التي تفقأت عنه» على طريق المجاز لأنّهم بالنسبة عترة له لا في الحقيقة، ألا ترى أنّ العدناني يفاخر القحطاني فيقول له: أنا ابن عمّ رسول اللّه ليس يعني أنّه ابن عمّه على الحقيقة لكّنه بالإضافة الى القحطان ابن عمّه و إنّما استعمل ذلك و نطق

به مجازا و إن قدّر مقدّر له على طريق حذف المضاف أي ابن ابن عمّ أب الأب الى عدد كثير في البنين و الآباء فلذلك أراد أبو بكر أنّهم عترة أجداده على طريق حذف المضاف و قد بيّن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) عترته من هي لمّا

قال (عليه السّلام): إنّي تارك فيكم الثقلين فقال عترتي أهل بيتي.

و بيّن في مقام آخر من أهل بيته حين طرح عليهم كساء و

قال حين نزلت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ ..

______________________________

(1) و ردوهم .. الى آخره، أي هلمّوا الى بحار علومهم مسرعين كما تسرع الهيم (أي: الإبل العطشى) الى الماء.

(2) خذوها الى ... و ليس بميت، أي خذوا هذه القضية عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و هي «أنه يموت الميت من أهل البيت و هو في الحقيقة غير ميّت» لبقاء روحه ساطعة النور في عالم الظهور.

(3) نهج البلاغة الخطبة: 85. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 302

الآية: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس.

قال: فإن قلت: فمن هي العترة التي عناها أمير المؤمنين (عليه السّلام) بهذا الكلام؟.

قلت: نفسه و ولداه، و الأصل في الحقيقة نفسه لأنّ ولديه تابعان له و نسبتهما إليه مع وجوده نسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس المشرقة و قد نبّه النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) على ذلك

بقوله: و أبوكما خير منكما.

الى أن قال: إنّ

قوله (عليه السّلام): «فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن»

تحته سرّ عظيم و ذلك أنّه أمر المكلّفين بأن يجروا العترة في إجلالها و إعظامها و الانقياد لها و الطاعة لأوامرها مجرى القرآن.

قال: فإن قلت: هذا القول منه مشعر بأنّ العترة معصومة، فما قول أصحابكم في

ذلك؟

قلت: نصّ أبو محمّد بن متويه في كتاب «الكفاية» على أنّ عليّا معصوم و إن لم يكن واجب العصمة و لا العصمة شرط في الإمامة و لكن أدلّة النصوص دلّت على باطنه و مغيبه و أنّ ذلك أمر اختصّ هو به دون غيره من الصّحابة، و الفرق ظاهر بين قولنا زيد معصوم و زيد واجب العصمة لأنّه إمام و من شرط الإمام أن يكون معصوما، فالاعتبار الأوّل مذهبنا و الإعتبار الثاني مذهب الإماميّة «1».

______________________________

(1) شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ج 2 ص 126 ط. مصر.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 303

الباب الرابع

اشارة

في أسماء القرآن و حدوثه و كيفية الوحي و الإلهام و السماع و الكتابة و الفرق بينه و بين الحديث القدسي و البحث عن كيفية الخطابات الواردة فيه و شمولها للغائبين و المعدومين و فيه فصول:

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 305

الفصل الأوّل

في أسمائه و ألقابه أعلم أنّ الشي ء كلّما كثرت شئونه و آثاره و تجلّت أشعّته و أنواره تعدّدت أسمائه و ألقابه، فهذا النّور اللّامع، و الضياء الساطع، و الكتاب المبين، و حبل اللّه المتين، و الماء المعين، و المنهج القويم، و الصراط المستقيم لمّا كان مطلع أنوار العناية و الهداية و منبع أسرار النبوة و الولاية أشرقت تجلّيات أنواره على أفق التشريع و التكوين، و ظهر من رشحات لمعات أشعّته جميع العالمين و لذا تكثّرت أسمائه الشريفة و تعدّدت ألقابه المنيفة و نحن نكتفي في الإشارة إليها بالإجمال عن التفصيل حذرا من التطويل.

فمنها القرآن الّذي قيل: إنّه غير مشتقّ كالتوراة و الإنجيل إلّا أنّ الأظهر الأشهر اشتقاقه، فإنّه في الأصل مصدر ثالث لقرء كمنع أو نصر على ما قيل يقرء قرأ بالفتح و قراءة بالكسر و قرأنا بالضمّ بمعنى الجمع أو التبليغ أو التلاوة.

قال في القاموس: القرآن التنزيل قرأه و به كنصره و منعه قرأ و قراءة و قرأنا فهو قارئ من قرأة و قرّاء و قارءين تلاه.

الى أن قال: و قرأت الناقة حملت و الشي ء جمعه و ضمّه «1».

______________________________

(1) تاج العروس ج 1 ص 101.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 306

و في «المصباح المنير» قرأت أمّ الكتاب و بأمّ الكتاب يتعدّى بنفسه و بالباء قراءة و قرآنا استعمل القرآن اسما مثل الشكران و الكفران، و إذا أطلق انصرف شرعا الى المعنى القائم بالنفس و

لغة الى الحروف المقطّعة لأنّها هي التي تقرء نحو كتبت القرآن و مسسته، و الفاعل قارئ و الجمع قرأة و قرّاء و قارءون، مثل كافر و كفرة و كفّار و كافرون.

و في «مجمع البحرين»: القرآن اسم لكتاب اللّه تعالى خاصّة لا يسمّى به غيره، و إنّما سمّي قرآنا لأنّه يجمع السور و يضمّها، و قيل: لأنّه جمع القصص و الأمر و النهي و الوعد و الوعيد و الآيات و السّور بعضها الى بعض، و هو مصدر كالغفران و الكفران، يقال فلان يقرء قرآنا حسنا أي قراءة حسنة «1».

قلت: فقد اتّضح من هذا أنّه في الأصل مصدر، بل قد ورد إطلاقه على المعنى المصدري أيضا كقوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ «2»، أي جمعه و تلاوته و لو على لسان جبرئيل أو غيره من مبلّغي الوحي أو بخلق الأصوات و الحروف أو إنّ علينا جمعه في صدرك و إثبات قراءته في لسانك «3»، فإذا قرأناه يعني بلسان جبرئيل أو بأحد الوجوه المتقدّمة فاتّبع قرآنه أي قراءته و تلاوته.

ثمّ إنّه غلب شرعا أو متشرّعا أو عرفا على هذا المعجز الباقي على مرّ الدّهور باعتبار شي ء من الوجوه الآتية الّتي منها كونه متلوّا أو مجمعا للسور أو الآيات أو الكلمات أو الحروف، و لذا يصدق على كلّ آية و سورة بل على كلّ كلمة متميّزة

______________________________

(1) مجمع البحرين ص 67.

(2) القيامة: 17- 18.

(3) مجمع البحرين ص 67.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 307

لذلك شخصا أو قصدا أيضا و قد

قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) لغير واحد من الصّحابة: قد أنزل اللّه فيك قرآنا يريد آية أو أكثر أو سورة.

و البحث في

أنّ إطلاقه على الآية أو السورة حقيقة باعتبار وضعه للكلام المنزل للإعجاز، فيطلق على القليل و الكثير المهية في ضمن الجميع، بمعنى أنّه أيّ فرد أخذ منه فهو فرد منها و إنّ تحقّقت في ضمن أبعاضه أيضا أو أنّه مجاز من باب إطلاق الكلّ على الجزء لأنّه موضوع لما بين الدفتين أو لجميع ما نزل للإعجاز على خاتم الأنبياء (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أو أنّه حقيقة من وجه و مجاز من وجه آخر، باعتبار أنّ له وضعين من وجهين.

هيّن جدّا لقلّة الفائدة فيه إلّا في مثل النذر و أختيه و الوصيّة و نحوها ممّا يقلّ تجرّده فيه عن القرائن الدالّة على إرادة أحد الأمرين و لو باعتبار المقام أو التعليق، و على فرض التجرّد فلعلّه محمول على الجميع لظهور الانسباق و قضية الإشتغال بل التبادر الذي لعلّه المستند للأكثر في القول بوضعه للمجموع.

و بالجملة فالخطب في مثله سهل، إنّما الكلام في وجه المناسبة الملحوظة في التسمية به بعد أخذه من القرآن بالضمّ بمعنى الجمع و الضمّ، أو بالفتح بمعنى الوقت، أو من القراءة التي هي بمعنى التلاوة أو بمعنى القرآن يعني الاقتران لكنّه يرجع الى الأوّل أو من القرينة لأنّه يفسّر بعضه بعضا أو من القري بمعنى الضيافة حيث إنّه مأدبة اللّه لعباده.

بالجملة فالمناسبة شي ء من وجوه ككونه مجتمعا في النزول أوّل ما أنزل في عالم الأنوار على سيّد الأبرار كما ستسمع الإشارة اليه أو حيثما نزل كلّه جملة واحدة في ليلة ثلاث و عشرين من شهر رمضان الى البيت المعمور قبل أن ينزّل في هذا العالم منجّما مفرّقا في طول ثلاث و عشرين سنة فإنّه من هذا الوجه فرقان بخلاف الأوّل

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 308

كما قال تعالى: وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا «1».

و كونه مجمعا لجميع الحقائق الإمكانيّة أو الكونيّة التشريعيّة و التكوينيّة أو لجميع السور و الآيات المنزلة أو لجميع الكتب السماوية و الزبر الإلهيّة كما ورد

في النبويّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) عنهم: أعطيت السور الطول مكان التّورية، و أعطيت المئين مكان الإنجيل، و أعطيت المثاني مكان الزّبور، و فضّلت بالمفصّل ثمان و ستّون سورة و هو مهيمن على سائر الكتب الخبر «2».

و كونه جملة القصص و الأحكام و الحلال و الحرام و المواعظ و الأمثال و الوعد و الوعيد و العذر و النذر و غيرها من تصاريف الشؤون و الأحكام المنطبقة على كافة الأنام أو اشتماله على جملة وجوه الكلام من الخاص و العامّ و المحكم و المتشابه و المطلق و المقيّد و المجمل و المبيّن و الناسخ و المنسوخ و الأمر و النهي و الظاهر و المأوّل

______________________________

(1) الإسراء: 106.

(2) الأصول من الكافي كتاب فضل القرآن حديث: 10.

قال الكاشاني في مقدمة الصافي بعد ذكر الحديث: أقول: اختلفت الأقوال في تفسير هذه الألفاظ أقربها الى الصواب و أحوطها لسور الكتاب أن الطول كصرد هي السبع الأول بعد الفاتحة على أن يعدّ الأنفال و البراءة واحدة لنزولهما جميعا في المغازي و تسميتهما بالقرينتين، و المئين من بني إسرائيل الى سبع سور سمّيت بها لأنّ كلا منها على نحو مائة، و المفصّل من سورة محمّد (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) الى آخر القرآن سميت به لكثرة الفواصل بينها.

و المثاني بقية السور و هي التي تقصر عن المئين و تزيد على المفصل كأن الطول

جعلت مبادئ تارة و التي تلتها مثاني لها لأنّها ثنت الطول أي تلتها، و المئين جعلت مبادئ أخرى و التي تلتها مثاني لها.

و في شرح الكافي للمازندراني:

قوله (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): (و هو مهيمن على سائر الكتب)

أي شاهد عليها و لو لا شهادته لما علم أنها كتب سماويّة لعدم بلوغها حدّ الإعجاز.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 309

و غيرها ممّا تأتي إليها الإشارة، و لعلّه إليه يومئ ما

رواه العيّاشي و القمي عن مولانا الصّادق (عليه السّلام) قال: الفرقان هو كلّ أمر محكم و الكتاب هو جملة القرآن «1».

و

في الكافي عنه (عليه السّلام): القرآن جملة الكتاب و الفرقان المحكم الواجب العمل به «2».

و كونه مقروء أي متلوّا على النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) في هذا العالم أو قبله في العوالم السابقة و يومئ الى الأوّل قوله (عليه السّلام): فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ «3» و الى الثاني قوله: وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا الآية «4» أو أنّه مما يجب على النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و المؤمنين قراءته و تلاوته لقوله تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ «5» أو أنّهم يتلونه حقّ تلاوته أو أنّه ممّا

______________________________

(1) تفسير العياشي ج 2 ص 9 نصّ الحديث هكذا:

عن عبد اللّه بن سنان: قال: سئلت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) عن القرآن و الفرقان؟ قال (عليه السّلام): القرآن جملة الكتاب و اخبار ما يكون و الفرقان المحكم الذي يعمل به، و كل محكم فهو فرقان.

(2) الكافي ج 2 ص 461 ط. الإسلامية بطهران.

قال المازندراني في شرح الحديث:

قوله: (القرآن جملة الكتاب)

القرآن في الأصل مصدر بمعنى الجمع تقول قرأت الشي ء قرآنا إذا جمعته،

ثم نقل الى هذا الكتاب لأنّه جمع القصص و الأمثال و الأمر و النهي و الوعد و الوعيد و السور و غيرها من الأسرار التي لا تحصيها:

قوله: (الفرقان المحكم الواجب العمل به)

الفرقان في الأصل مصدر بمعنى الفرق ثم نقل الى الواجب العمل به على الوجه المطلوب لأنّه فارق فاصل بين الواجب و الحرام و غيرهما من الأحكام و قد يطلق على جملة الكتاب أيضا لأنّه فاصل بين الحق و الباطل و المراد بالمحكم الحكم المتقن الباقي الى آخر الدهر.

(3) القيامة: 18.

(4) الشورى: 52.

(5) المزمل: 20.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 310

يتلى على مرّ الأزمان و الدهور الى يوم ينفخ في الصور الى غير ذلك من الوجوه التي لعلّها بتمامها ملحوظة في التسمية.

ثم إنّه سبحانه قد وصفه بالعظمة في قوله: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ «1» و بالحكمة في قوله: يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ «2» و بالمجد في قوله: ق وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ «3» و بالإبانة في قوله: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَ قُرْآنٍ مُبِينٍ «4» و ذلك لما سمعت من أنّه تدوين للمشيّة من حيث اجتماع مراتبها الكليّة الإجماليّة و التفصيليّة فهو مظهر العظمة الكونيّة إذ لا أعظم منه في التدوين كما أنّه ليس شي ء أعظم من خاتم النبيين في عالم التكوين و لذا كان لمّا خلقه اللّه تعالى سبّح اللّه سبحانه و عظّمه في حجاب العظمة ثمانين ألف سنة الى أن وصل الى حجاب القدرة كما في خبر جابر «5» و غيره فعظمته (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) لعبوديّته المطلقة و خضوعه الدائم الكلّي و لذا كان أوّل العابدين، و كان من أشرف أسمائه عبد اللّه حتى قدّم على

أعظم شئونه الذي هو الرسالة.

و أما حكمته فلأنّه يترشّح عليه من أشعّة أنوار الحكمة الكليّة الأوليّة ما يعطي كلّ شي ء خلقه و يسوق الى كلّ مخلوق رزقه، فيضع كلّ شي ء في محلّه، و يؤدّي الأمانة الى أهله، بل الحكمة بهذا المعنى لمّا كانت من الصفات الفعليّة الانوجاديّة

______________________________

(1) الحجر: 87.

(2) يس: 1- 2.

(3) ق: 1- 2.

(4) الحجر: 1- 2.

(5) بحار الأنوار ج 7 ص 185 ط. القديم، و لعلّ في العبارة تقديما و تأخيرا لأنّ نصّ الرّواية في البحار هكذا،

قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): أوّل ما خلق اللّه نوري ابتدعه من نوره و اشتقه من جلال عظمته، فأقبل يطوف بالقدرة حتى وصل الى جلال العظمة في ثمانين ألف سنة .. الى آخره. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 311

كانت مخلوقة في حضرة المشيّة الّتي هو النور المحمّدي، و هو أوّل من قرع باب الوجود قبل كلّ موجود، فهو الشاهد و هو المشهود، فالقرآن العظيم إذا تحقّق في مقام الحكمة ظهر منه المجد و الشرف و الخير و البركة.

و

في الخبر: إنّ المجد هو حمل المغارم و إيتاء المكارم «1»

و لا ريب أنّ القرآن يجبر النقصانات الإمكانيّة و يعطي الفيوض الربّانيّة، و به تنال الشفاعة الكليّة كما في الأخبار المتقدّمة فمن تمسّك بشي ء منه في الدنيا كان له في القيامة شفيعا مشفّعا و طريقا اليه مهيعا «2» إلّا أنّ ظهوره في هذا العالم بالشرف إنّما هو باشتماله على البيانات الواضحة و الأنوار الساطعة اللائحة فإنّه كان في مقامه و درجته عظيما معظّما و شريفا مفخّما لكنّه بعد ما كان في زبر الأوّلين قد نزل به الرّوح الأمين على قلب خاتم النبيين ليكون به من

المنذرين بلسان عربيّ مبين فهذه المراتب المفصّلة كالأركان الأربعة لظهوره و تجلّى نوره و لعلّه أشرف أسمائه و لذا عبّر عنه فيه به بعدد قوي اسم اللّه العظيم الأعظم و هو ستة و ستّون فافهم.

و منها الفرقان بالضم مصدر فرق بمعنى الفاعل قال في القاموس: فرق بينهما فرقا و فرقانا بالضم فصل فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ «3» أي يقضي وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ «4» أي فصّلناه و أحكمناه وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ «5» فلقناه فَالْفارِقاتِ فَرْقاً «6» الملئكة تنزل بالفرق بين الحقّ و الباطل.

______________________________

(1) قال الطريحي في مجمع البحرين ص 216 في لغة مجد: و المجد الكرم و العز و

في الحديث المجد حمل المغارم و إيتاء المكارم.

(2) المهيع بفتح الميم و الياء و سكون الهاء جمع: مهايع، الطريق الواسع البين.

(3) الدخان: 4.

(4) الإسراء: 106.

(5) البقرة: 50.

(6) المرسلات: 4.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 312

الى أن قال: و الفرقان بالضم القرآن كالفرق بالضم، و كلّما فرّق به بين الحق و الباطل، و النصر، و البرهان، و الصبح، و السحر، و الصبيان و التورية و انفراق البحر و منه: وَ إِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ الْفُرْقانَ «1» و يوم الفرقان يوم بدر. انتهى.

فالقرآن فرقان كما قال: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ «2» لأنّه فارق بين الحقّ و الباطل فالمصدر بمعنى الفاعل.

أو لأنّ فيه تفصيل كلّ شي ء من الحقائق و الشرائع و الأحكام و الحلال و الحرام، فالقرآن في رتبة الإجمال و جمعيّة الحقائق الكليّة، و الفرقان في مقام التفصيل و تبيين المقاصد الواقعيّة.

أو لأنّ نزوله كان منجّما مفرّقا في نيّف و عشرين سنة كما قال: وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ «3» و لذا

قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً «4» كما نزّل سائر الكتب على الأنبياء من قبله فأجيبوا بقوله:

كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا «5».

أو لأنّه نجاة من الآفات و عصمة من الهلكات كما هو أحد الوجوه في قوله:

إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً «6».

أو لأنّه عون و نصرة للأبرار على الفجّار، و لجنود العقل الّذين هم أولياء المؤمنين على جنود الجهل و هم أحزاب الشياطين.

أو لأنّه برهان واضح و مشفق ناصح و دليل لائح على حقائق التوحيد

______________________________

(1) البقرة: 53.

(2) الإسراء: 106.

(3) الفرقان: 32.

(4) الفرقان: 1.

(5) الفرقان: 32.

(6) الأنفال: 39.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 313

و الهداية و مراتب النبوّة و الولاية و غير ذلك من اسرار البداية و النهاية.

أو لأنّه نور اللّه سبحانه أضاء بنوره ظلمة العدم، و انفلق باشعّة تجلّياته غواسق الظلم، الى غير ذلك من الوجوه المشتركة في إطلاقه على الجميع موافقا للقرآن في المصداق و إن خالفه في الجملة لكنّ

في «المجمع» عن مولانا الصادق (عليه السّلام) قال: القرآن جملة الكتاب و الفرقان المحكم الواجب العمل به «1».

و منها الكتاب بالكسر مصدر ثان أو ثالث أو رابع أو من غير تقييد من كتب بمعنى جمع، و منه الكتيبة للجيش، و الكتب للخزر المجتمع بعضها على بعض كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ «2» أي جمع سمّي به المفعول فأطلق على ما من شأنه أن يكتب بعد. و ما يقال من أنّه المنظوم عبارة قبل أن يكتب لأنّه مما يكتب فالمقصود عدم التقييد لا التقييد بالعدم و بالجملة فهو مصدر.

أو فعال للمفعول كاللباس أطلق على القرآن معرّفا و منكّرا و مضافا في قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ «3»، كِتابٌ أَنْزَلْناهُ

إِلَيْكَ «4»، وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ «5» لأنّه مجمع الحقائق و الأحكام.

أو لأنّه المكتوب المؤلّف من الحروف و الألفاظ و المعاني.

أو لأنّه يجب الأخذ بما فيه من الشرائع و الأحكام من كتب بمعنى وجب و منه كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ «6»، كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ «7».

______________________________

(1) الكافي ج 2 ص 461 ط. الإسلامية بطهران.

(2) المجادلة: 22.

(3) البقرة: 2.

(4) إبراهيم: 2.

(5) الكهف: 27.

(6) البقرة: 183.

(7) الأنعام: 12.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 314

أو لأنّه جرى عليه قلم القضاء في عالم التدوين مطابقا لما في التكوين من قوله كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي «1» أي قضى اللّه.

أو لأنّه نسخة من كتاب اللّه الذي هو اللوح الكلّي المشتمل على المحفوظ و المحو و الإثبات و الألواح الجزئيّة كما هو أحد الوجهين أو الوجوه في قوله: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ «2» و قوله: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ «3» الى غير ذلك من الوجوه الّتي لعلّ الأصل في الجميع هو الأوّل فلا تغفل.

ثمّ إنّك قد سمعت أنّ النسبة بين هذه الألقاب الشريفة و هي القرآن و الفرقان و الكتاب إنّما هو ببعض الاعتبارات المتقدّمة و لبعض الأعلام كلمات في المقام لا بأس بالتعرّض لها:

قال الصدر الأجلّ الشيرازي في عرشيته: «إنّ كلام اللّه عبارة عن إنشاء كلمات تامّات و إنزال آيات محكمات و أخر متشابهات في كسوة ألفاظ و عبارات، و الكلام قرآن و فرقان باعتبارين و هو غير الكتاب لأنّه من عالم الخلق وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ «4» و الكلام من عالم الأمر و منزله القلوب و الصدور

لقوله: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ «5» و قوله: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ «6» بالكتاب يدركه كلّ أحد

______________________________

(1) المجادلة: 21.

(2) الجاثية: 29.

(3) التوبة: 36.

(4) العنكبوت: 48.

(5) الشعراء: 193.

(6) العنكبوت: 49.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 315

وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلًا «1» و الكلام لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «2» من أدناس عالم البشرية و القرآن كان خلق النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) دون الكتاب و الفرق بينهما كالفرق بين آدم و عيسى (عليهما السّلام) إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ «3» و آدم كتاب اللّه المكتوب بيدي قدرته، و أنت الكتاب المبين الّذي بأحرفه يظهر المضمر «4» و عيسى قوله الحاصل بأمره وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ «5» و المخلوق باليدين في باب التشريف ليس كالموجود بحرفين و من زعم خلاف ذلك أخطأ.

أقول: و لا يخفى ما في كلّ مقاصده و شواهده من الأنظار الواضحة أمّا الكلام و الكتاب فالفرق بينهما بما ذكره غير واضح بعد ما هو المعلوم من اشتقاق كلّ منهما، و الآية الثانية لا دلالة لها على مرامه بعد ظهور عدم سبق ذكر للكلام حتى يكون الضمير له، مضافا الى أنّ اختصاص الحكم لا يدلّ على اختصاص الموضوع، و أمّا الاستشهاد بقوله: وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ و قوله: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ فهو كما ترى، سيّما مع ظهور كون الضمير في الثاني للكتاب أو القرآن، مع أنّ إطلاق المسّ على إدراك الحقائق مجاز، و كون إدراكه مختصّا بالمطّهرين لا يتمّ إلّا باعتبار

______________________________

(1) قال الفيض الكاشاني في

الصافي: إطلاق الكتاب على الإنسان الكامل شائع في عرف أهل اللّه و خواص أوليائه،

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): دوائك فيك و ما تشعر* و دائك منك و ما تبصر و أنت الكتاب المبين الّذي* بأحرفه يظهر المضمر و تزعم أنّك جرم صغير* و فيك انطوى العالم الأكبر

(2) الأعراف: 145.

(3) الواقعة: 79.

(4) آل عمران: 59.

(5) النساء: 171.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 316

المجموع، و أغرب من جميع ذلك تسوية الفرق بينهما للفرق بين آدم و عيسى، و كأنّه أراد أنّ آدم مخلوق باليدين لقوله تعالى: ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ «1» و أنّ عيسى مخلوق بالكلمتين كقوله تعالى: خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ «2» و أراد أن المخلوق بالكلمتين أشرف من المخلوق باليدين، لأنّ الأوّل روحانيّ من عالم الأمر، و الثاني جسمانيّ من عالم الخلق، و ضعفه واضح من وجوه، سيّما مع ابتنائه على كون الضمير في آية التكوين لعيسى (عليه السّلام) و هو كما ترى.

و من أسماء القرآن النور، و هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره، و لذا ورد في أسمائه سبحانه بل عليه ظاهر قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ «3» و أطلق على النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) في قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ «4» على ما قيل، و إن فسّر في أخبارنا بمولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام) كما فسّر به قوله تعالى: وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ «5» و إن قيل:

إنّ المراد به القرآن كما قيل: إنّه المراد به أيضا في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً «6» فإنّ البرهان

رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و النّور هو القرآن، و لا ينافيه تفسيره بمولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام)، و على الدين الحقّ في قوله تعالى:

______________________________

(1) ص: 75.

(2) آل عمران: 59.

(3) النور: 35.

(4) المائدة: 15.

(5) الأعراف: 157.

(6) النساء: 174.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 317

يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ «1» بإعلاء التوحيد و إظهار النبوة و الولاية.

و على الإيمان الذي يهتدي به المؤمنون الى الجنّة في قوله تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ «2».

و على الهداية الحاصلة من شرح الصدر للإسلام في قوله تعالى: أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ «3».

و على التوراة في قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ «4».

بل يطلق على جميع سبل السلامة، و مناهج الكرامة كما في قوله تعالى:

يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ «5» و قوله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ «6».

بل قد أطلق على الطهارة الحاصلة من الوضوء في

قوله (عليه السّلام) الوضوء على الوضوء نور على نور «7»

كما

ورد إنّه طهر على طهر «8».

و بالجملة يظهر من موارد استعماله في الكتاب و السنّة أنّه يطلق على كلّ حقّ و هداية و رشاد، كما أنّ ضدّه الّذي هو الظلمة يطلق على كلّ باطل و ضلالة و غيّ، و إن كان إطلاق كلّ منهما على ما يطلق عليه على وجه التشكيك فأعظم الأنوار نور أشرق من صبح الأزل فظهر آثاره على هياكل التوحيد

و مظاهر التمجيد و التفريد

______________________________

(1) التوبة: 32.

(2) الحديد: 12.

(3) الزمر: 22.

(4) المائدة: 44.

(5) المائدة: 16.

(6) البقرة: 257.

(7) وسائل الشيعة ج 1 ص 265 ط. بيروت.

(8) وسائل الشيعة ج 1 ص 264 ط. بيروت.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 318

و هم الأئمّة الأطهار صلوات اللّه عليهم أجمعين في مقام المفعول المطلق و النور هو الفعل كما في الرّضوي المذكور في العيون «1»، و صبح الأزل هو اسم الفاعل بالصفات الفعليّة و شؤون الفاعليّة في أفق التجلّي و الظهور و تدوين أطوار هذا الطور في كتاب مسطور في رقّ منشور يقرأه بقراءة حروف نفسه من في قلبه إشراق من البيت المعمور وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ «2».

و منها المصحف قال الراغب: المصحف ما جعل جامعا للصحف المكتوبة و جمعه مصاحف، و عن الفيّومي «3» ضم الميم أشهر من كسرها و لم يذكر الفتح لكن في (القاموس): المصحف مثلّثة الميم من أصحف بالضم أي جعلت فيه الصحف و كأنّه باعتبار الوعاء الظرفي أو الاحتواء العلمي، و المراد في المقام الثاني لاحتواء القرآن على ما في جميع الصحف و هي الكتب النقشيّة و اللفظيّة و الكونيّة و في (محاضرات الأوائل) «4» نقلا عن (الإتقان) للسيوطي أوّل من سمّى المصحف مصحفا حين جمعه و رتّبه أبو بكر، فقال لأصحابه: التمسوا له اسما فقال بعضهم:

سمّوه مصحفا، و كانت الحبشة يسمّوه مصحفا فوافقهم بتسميته مصحفا.

و منها الذكر، و التذكرة، و الذكرى، قال سبحانه:

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج 1 ص 173 ط. طهران دار الكتب الإسلامية.

(2) النور: 40.

(3) الفيومي هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن شيخ كمال الدين المصري فاضل، أديب، لغوي صاحب كتاب المصباح

المنير في غريب شرح الكبير، ولد و نشأ بالفيوم (بمصر) و توفي سنة 770- الأعلام خير الدين الزركلي ج 1 ص 216.

(4) محاضرات الأوائل و مسامرة الأواخر للشيخ علي دده فرغ منه سنة 998.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 319

وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ «1»، وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ «2»، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ «3»، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ «4»، ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ «5»، وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ «6»، الى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي أطلق الذكر فيها عليه.

و ان أطلق في قوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ «7»، و قوله تعالى:

ذِكْراً رَسُولًا «8»، و قوله تعالى: وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ «9» على وجه على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و في بعض الآيات على مولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام) كقوله تعالى حكاية عن الأوّل و هو الظالم: يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً «10»، (يعني الثاني) خليلا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ (يعني الولي) بعد إذ جائني «11» و لذا

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في خطبته الوسيلة بعد تلاوة الآية: فأنا الذكر الذي عنه ضلّ، و السبيل الذي عنه مال، و الإيمان الذي به كفر،

______________________________

(1) الأنبياء: 50.

(2) الزخرف: 44.

(3) الحجر: 9.

(4) يس: 69.

(5) آل عمران: 58.

(6) الحجر: 6.

(7) النحل: 43.

(8) الطلاق: 10- 11 قد أنزل اللّه إليكم ذكرا رسولا يتلوا عليكم آيات اللّه.

(9) العنكبوت: 45.

(10) الفرقان: 28.

(11) الفرقان: 29- قال الفيض في تفسيره الصافي: القمي قال: الأوّل يقول يا ليتني اتخذت مع الرّسول سبيلا،

القمي عن الباقر (عليه السّلام) عليّا وليا

- يا ويلتا ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا- قال

يعني الثاني لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جائني- قال يعني الولاية و كان الشيطان- قال و هو الثاني للإنسان خذولا. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 320

و القرآن الذي إيّاه هجر، و الدين الذي به كذّب، و الصراط الذي عنه نكب «1».

و

في خبر سعد في قوله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ «2» قال: النهي كلام و الفحشاء و المنكر رجال و نحن ذكر اللّه، و نحن أكبر «3».

و يطلق أيضا على مطلق الوحي و الآيات النازلة كما في قوله تعالى:

فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً «4» و قوله تعالى: وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ «5»، أي من بعد الكتب كلّها.

و وجه الإطلاق في الجميع أنّه مذكور من اللّه تكوينا أو تشريعا.

أو أنّه ذكر منه ذكّر به عباده بالحقائق و الشرائع و الأحكام و الحلال و الحرام.

أو أنّه ذكر و شرف و فخر و كرامة في نفسه من اللّه كأنّه تجوهر الشرف به أو لمن آمن به و التزم مشايعته و متابعته.

أو أنّه تذكرة من اللّه لعباده ليهلك من هلك به عن بيّنة و يحيى من حيّ به عن

______________________________

(1) هذه الخطبة

رواها الكليني في (روضة الكافي) و منها: في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع فطال لها الاستماع و لئن تقمّصها دوني الأشقياء، و نازعاني فيما ليس لهما بحق و ركباها ضلالة و اعتقداها جهالة فلبئس ما عليه وردا، و لبئس ما لأنفسهما مهّدا، يتلاعنان في دورها، و يتبرّه كلّ واحد منهما من صاحبه يقول لقرينه إذا التقيا: يا ليت بيني و بينك بعد المشرقين فبئس القرين فيجيبه الأشقى على رثوثة: يا ليتني لم أتخذك خليلا لقد أضللتني عن الذّكر

.. الى آخر- شرح الكافي للمازندراني ج 11 ص 253-.

(2) العنكبوت: 45.

(3) الأصول من الكافي كتاب فضل القرآن الحديث الأوّل.

(4) المرسلات: 5.

(5) الأنبياء: 105.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 321

بيّنة.

وَ إِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ «1»، إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا «2»، فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى «3».

و منها الحكم و الحكمة و الحكيم و المحكم.

فالأوّل: وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا «4» و إن أطلق أيضا على الكمال في العلم و العمل في قوله تعالى: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ «5»، فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً «6».

و على الحكم بين النّاس في قوله تعالى: أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً «7».

و على ما يجري به قضاؤه سبحانه في قوله تعالى: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ «8».

و على الكتاب و الحكمة في قوله تعالى في يحيى: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا «9».

و الثاني: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً الآية «10» على ما

روى في (مصباح الشريعة) من تفسير مولانا الصادق (عليه السّلام) و إن كان أحد الوجوه في الآية قال (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أي لا يعلم ما أودعت و هيّأت في الحكمة إلا من استخلصته لنفسي و خصصته بها و الحكمة هي

______________________________

(1) الحاقّة: 48.

(2) المزمل: 19.

(3) الأعلى: 9.

(4) الرعد: 37.

(5) الشعراء: 83.

(6) الشعراء: 21.

(7) المائدة: 50.

(8) القلم: 48.

(9) مريم: 12.

(10) البقرة: 269. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 322

الكتاب «1» الخبر

كما هو أظهر الوجوه أو أحدها في قوله تعالى: وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَ الْحِكْمَةِ «2»، و قوله تعالى: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ «3»، نعم تطلق أيضا على

النبوة كقوله تعالى: وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ «4»، وَ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ «5»، فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ «6».

و الثالث: وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ «7»، وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ «8».

و الرابع: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ «9»، مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ «10». و هذه المادّة و إن كانت مأخوذة من الإحكام و الإتقان أو من حكمة اللجام بالتحريك لما أحاط بحنكي الفرس من لجامه إلّا أنّ المقصود منها العلم بوجه الشي ء، و حقيقته و من هنا يطلق على النبوّة و العدل و الموعظة و الكتاب و التورية و الإنجيل و العلوم الحقّة و الآداب الدينيّة و غيرها مما يرجع الى ما سمعت و لو على بعض الوجوه.

و منها الهدى بمعنى العلم و الهداية و ما يهتدي به على وجه الإرائة أو الإيصال أو معا و الوجوه مجتمعة في القرآن فإنّه هُدىً لِلْمُتَّقِينَ «11»،

______________________________

(1) تفسير الصافي عن القمي ص 228 ط. طهران الإسلامية.

(2) الأحزاب: 34.

(3) القمر: 5.

(4) ص: 20.

(5) البقرة: 251.

(6) النساء: 54.

(7) آل عمران: 58.

(8) يس: 2.

(9) هود: 1.

(10) آل عمران: 7.

(11) البقرة: 2.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 323

وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ «1» إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ «2» و لظهور أنوار الهداية منه ظهورا تامّا عامّا متشعشعا قالت الجنّ لمّا سمعته: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ «3»، و قالوا أيضا: إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ «4».

و منها التنزيل وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «5»، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ

الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ «6».

و التفعيل للتكثير لكثرة مراتب نزوله الى أن وصل الى هذا العالم، و ذلك لعلوّ رتبته و ارتفاع درجته، و لذا عبّر بالمصدر المنبئ عن مقام الفعل لا الاسم.

و منها الروح: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ «7»،

قال مولانا الباقر (عليه السّلام): إنّه الكتاب و النبوّة «8».

قلت: و ذلك لأنّه يحيى به القلوب الميتة بالجهل و ظلمة المعاصي و هو من عالم الأمر لا الخلق و إن تنزل إليه ففي تفصيل لذكر مبدئه و منتهاه و ستسمع تمام الكلام في حقيقة الروح و أقسامه و خصوص روح القدس و الروح من أمر الربّ و الروح الأمين، و أنّ القرآن هو الروح من أمر الرّب أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا «9»،

______________________________

(1) النحل: 89.

(2) الإسراء: 9.

(3) الجن: 1- 2.

(4) الأحقاف: 30.

(5) الشعراء: 192- 193.

(6) فصلت: 2- 3.

(7) النحل: 2.

(8) الصافي للفيض الكاشاني مرسلا: ص 816.

(9) الشورى: 52.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 324

نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ «1»، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «2».

و منها غير ذلك من الألقاب الكثيرة التي أكثرها على وجه التوصيف و التعبير كالبيان: هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ «3»، على حدّ قولهم زيد عدل لظهور هداياته و دلالاته.

و التبيان: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ «4» و المبين: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ «5».

و الحبل: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً «6»، على أحد الوجوه بل كلّها لاتّحادها في المعنى.

و الشفاء و الرحمة: وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ «7»، وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ «8» لأنّه شفاء من جميع الأمراض الظاهرة و الباطنة التي أعظمها الجهل و النفاق و الكفر و الفسوق و

غيرها من الأمراض النفسانيّة و الأخلاق الرذيلة و الانحرافات القلبيّة و القالبيّة.

و

في (الكافي) عنهم (عليهم السّلام) في قوله تعالى: وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ «9»، قال: من نفث الشّيطان «10».

______________________________

(1) النحل: 102.

(2) الشعراء: 193.

(3) آل عمران: 138.

(4) النحل: 89.

(5) الشعراء: 2.

(6) آل عمران: 103.

(7) الإسراء: 82.

(8) يونس: 57.

(9) يونس: 57.

(10) تفسير الصافي ج 1 ص 756 ط. الإسلاميّة بطهران- النفث شبيه بالنفخ و في الدعاء: و أعوذ بك من نفث الشيطان و هو ما يلقيه في قلب الإنسان و يوقعه في باله مما يصطاده به.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 325

و

في الإهليلجة «1» عن الصادق (عليه السّلام) إنّه شفاء من أمراض الخواطر و مشتبهات الأمور «2».

و

روي العيّاشي عن الصادق (عليه السّلام) أنّه شكى رجل الى النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) وجعا في صدره فقال (عليه السّلام) استشف بالقرآن إنّ اللّه يقول: و شفاء لما في الصّدور «3».

و البصائر: هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ «4» لأنّه يوجب زيادة البصيرة و نقاوة السريرة إذ كما أنّ للناس أبصارا يدركون و يشاهدون بها الأجسام المحدودة، الهيولانيّة، فكذلك لقلوب المؤمنين بصائر يشاهدون بها الأمور المعنويّة و الحقائق النورانيّة و لذا

قالوا: إنّ لشيعتنا أربعة أعين يعني يدركون بها الحقّ و الباطل في الظاهر و الباطن.

و العروة الوثقى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى «5»، و إرادة الولاية لا تنافيه.

و العليّ الحكيم: وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ «6»، على أظهر الوجوه بل أكثرها و هو دليل على كثير ممّا مرّ فتأمّل.

و العزيز: وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ «7»، و لذا وصف بالعزّة فلا يوجد

مثله أو لأنّه قهر غيره من الكتب بالنسخ

______________________________

(1) الأهليلجة حديث مرويّ عن المفضّل بن عمر عن الصادق (عليه السّلام) في التوحيد.

(2) بحار الأنوار ج 3 ص 152 ط. الآخوندي بطهران.

(3) الأصول من الكافي كتاب فضل القرآن ج 2 ص 439 ط. الإسلامية بطهران.

(4) الأعراف: 203.

(5) البقرة: 256.

(6) الزخرف: 4.

(7) فصلت: 41- 42.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 326

و من الأعداء بالجزية و المسخ بل قهر كلّ من لم يؤمن و لم يعمل به بذلّة الكفر و الجهالة و الجزية و الخزي في الدنيا و الآخرة.

و المهيمن الّذي هو الرقيب الحافظ المؤتمن: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ «1»، لأنّه يحكم به على غيره من الكتب بالنسخ و الصحّة و الثبات و غيرها و لا يحكم بها عليه.

و الطيّب: وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ «2»، لتنزّهه عن جميع النقصانات و العيوب، و انتشار نفخات قدسيّة و أنسه في أصقاع القلوب، و استيلاء سلطان حيطته على أسرار الغيوب.

و القول الفصل: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ «3»، لأنّه يفصل بين الحقّ و الباطل، أو أنّه يقضي بالحقّ.

و الكريم: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ «4».

قيل: إنّه تعالى سمّى سبعة أشياء بالكريم: سمّى نفسه بالكريم: ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ «5»، إذ لا جواد أجود منه، و سمّي القرآن بالكريم لأنّه لا يستفاد من شي ء من الكتب نحو ما يستفاد منه من الحكم و العلوم و الحقائق و المعارف، و سمّي موسى كريما: وَ جاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ «6»، سمّي ثواب الأعمال كريما فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ «7»، و سمّي عرشه كريما

______________________________

(1) المائدة: 48.

(2) الحج: 24.

(3) الطارق: 13.

(4) الواقعة: 77.

(5) الإنفطار: 6.

(6) الدخان: 17.

(7) يس: 11.

تفسير

الصراط المستقيم، ج 1، ص: 327

لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ «1»، لأنّه منزل الرحمة، و سمّي جبرئيل كريما: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ «2»، و معناه أنّه عزيز، و سمّي كتاب سليمان كريما: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ «3»، فالقرآن كتاب كريم من ربّ كريم نزل به ملك كريم على رسول كريم لأجل أمّة كريمة فإذا تمسّكوا به نالوا ثوابا كريما.

و المبارك: وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ «4»، لكثرة بركاته و فيوضه، و تجلّيات أنواره و آثاره.

قيل سمّي اللّه به أشياء: فسمّى الموضع الذي كلّم فيه موسى مباركا: فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ «5»، و سمّى شجرة الزيتون مباركة: يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ «6» لكثرة منافعها، و سمّي عيسى (عليه السّلام) مباركا: وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ «7»، و سمّى المطر مباركا: وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً «8» لما فيه من المنافع، و سمّى ليلة القدر مباركة: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ «9».

قلت: و سمّى الأئمّة المعصومين (صلوات اللّه عليهم أجمعين) قرى مباركة:

وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها «10».

فالقرآن ذكر مبارك أنزله ملك مبارك في ليلة مباركة على نبيّ مبارك في قرى مباركة لأنّ القرآن نزل فيهم و في شيعتهم.

و المنادي بناء على أحد التفسير لقوله:

______________________________

(1) المؤمنون: 116.

(2) الحاقة: 40.

(3) النحل: 29.

(4) التكوير: 19.

(5) الأنبياء: 50.

(6) القصص: 30.

(7) النور: 35.

(8) مريم: 31.

(9) الدخان: 3.

(10) الأنبياء: 71.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 328

رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ «1».

و النبأ العظيم: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ «2»، و إن فسّر في الأخبار بمولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام) و بالإمامة كما فسّر بهما أيضا: عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ «3»، لكن التقريب

قريب ممّا مرّ عن قريب.

و الموعظة: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ «4»، و المراد هو القرآن و إن قال القمي «5» بعد ذكر الآية،

قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): و القرآن.

و أحسن الحديث: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ «6»، فإنّه أحسن الحديث إذ لا أحسن منه في عالم التدوين و هو المتشابه لا لأنّه في مقابل المحكم و إن كان ذلك أحد إطلاقاته بل لأنّ بعضه يشبه بعضا في الإعجاز.

و المثاني لأنّه تكرّرت فيه الآيات.

و القصص كما قال: وَ لَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ «7»، أو لاشتماله على الثناء على اللّه سبحانه و أنبيائه و أوليائه أو اشتماله على المزدوجات أو لأنّه ثنّى نزوله مرّة في البيت المعمور نزولا دفعيّا جمليا، و أخرى في هذا العالم منجّما مفرّقا في نيّف و عشرين سنة.

______________________________

(1) آل عمران: 193.

(2) ص: 67.

(3) النبأ: 2.

(4) يونس: 57.

(5) القمي هو علي بن إبراهيم بن هاشم أبو الحسن ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح المذهب و صنف كتبا منها تفسير القرآن، روي عنه الكليني و كان حيا سنة 307- جامع الرواة ج 1 ص 545-.

(6) الزمر: 23.

(7) الإسراء: 89.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 329

و الصراط المستقيم: وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ «1»، و إن فسّر بالولي و بالولاية.

و أحسن القصص: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ «2». و القصص الحقّ: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ «3».

و أصل القصّ و القصّة إتّباع الأثر، فالقرآن يتبع أثر الماضين بل يتبع أثر جميع التكوين لأنّه مطابق معه

في التدوين و يتبع أثره الأولون و الآخرون لأنّ كلّ كتاب من الشرائع السابقة نسخة من بعضه.

و التبصرة: تَبْصِرَةً وَ ذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ «4». و قد سمعت الكلام في البصائر.

و البلاغ: هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَ لِيُنْذَرُوا بِهِ «5». فإنّه كاف في الاعلام و في بيان الشرائع و الأحكام، و في الإيصال الى خير مقصد و مرام.

و الكوثر: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ «6»، و هو المفرط الخير كثير البركة، و قد فسّر بالذريّة الطيّبة، و نهر في الجنّة، و النبوّة، و القرآن و العلم و العمل، و غيرها.

و الوحي: قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ «7».

و الحجّة البالغة: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ «8»، على أحد الوجوه فيها الى غير ذلك من الألقاب الشريفة، و الأوصاف الكريمة الّتي ورد جملة منها في الأخبار

______________________________

(1) الأنعام: 153.

(2) يوسف: 3.

(3) آل عمران: 62.

(4) ق: 8.

(5) إبراهيم: 53.

(6) الكوثر: 1.

(7) الأنبياء: 45.

(8) الانعام: 149.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 330

أيضا كالثقل الأكبر، و حبل المتين، و الكهف الحصين، و جوامع الكلم و الشافع المشفّع، و الماحل المصدّق، و الذكر الحكيم، و المنهج القويم.

و

في النبوي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) إنّه هدى من الضّلالة، و تبيان من العمى، و استقالة من العثرة، و نور من الظّلمة، و ضياء من الأجداث، و عصمة من الهلكة و رشد من الغواية، و بيان من الفتن، و بلاغ من الدّنيا إلى الآخرة «1».

و

فيه إنّ هذا القرآن هو النّور المبين، و الحبل المتين، و العروة الوثقى و الدّرجة العليا، و الشفاء الأشفى، و الفضيلة الكبرى، و السّعادة العظمى «2».

الى غير ذلك من الأخبار الّتي مرّت جملة منها و ستسمع أخرى.

______________________________

(1) الأصول من الكافي ج 2 ص 439 ط.

الإسلامية بطهران.

(2) تفسير الصافي ج 1 ص 10 ط. الإسلاميّة بطهران عن تفسير الإمام (عليه السّلام).

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 331

الفصل الثاني

في حدوث القرآن و الاشارة إلى كلامه سبحانه اعلم أنّ المتكلمين بل كافة المسلمين و غيرهم من الملّيين «1» أجمعوا على إطلاق القول بأنّه تعالى متكلم كما دلّ عليه ظواهر الكتاب و متواتر السنّة، بل هو ضروري عند كافة الملّيين فضلا عن المسلمين فلا حاجة إلى الاستدلال له بالنقل المتواتر من الأنبياء كي يناقش مرّة بالمنع من تحقق شرائط التواتر التي من جملتها تحقق العدد، في جميع مراتب السلسلة، و اخرى باشتماله على الدور الذي قد يدفع بجواز إرسال الرسل بأن يخلق اللّه فيهم علما ضروريا برسالتهم من اللّه تعالى في تبليغ أحكامه، و يصدّقهم بأن يخلق المعجزة حال تحدّيهم فيثبت رسالتهم من غير توقف على ثبوت الكلام، ثم يثبت منه الكلام بقولهم، إنّما الكلام في تحقيق كلامه و حدوثه، و المحكيّ عنهم في سبب اختلافهم على ما ذكره الدواني «2» و غيره أنهم

______________________________

(1) الملّيون هم غير المسلمين من المتألهين، قال في مجمع البحرين: الملّة في الأصل ما شرع اللّه لعباده على السنة الأنبياء ليتوصّلو به إلى جوار اللّه و يستعمل في جملة الشرائع دون آحادها و لا يكاد يوجد مضافة إلى اللّه و لا إلى آحاد أمّة النبيّ (ص) بل يقال أمّة- محمّد (ص) ثم إنها اتسعت فاستعملت في الملل الباطلة.

(2) الدواني محمّد بن سعد أو أسعد جلال الدين ينتهي نسبه إلى محمّد بن أبي بكر حكيم، فاضل، شاعر، مدقق كان من أكابر القرن التاسع و العاشر، له شروح و حواش على جملة من الكتب المنطقية و الحكمية و الكلامية، اختلفوا في

مذهبه، قد يقال: إنه كان مخالفا ثم استبصر و صنف رسالة سماها «نور الهداية» و صّرح فيها بتشيّعه، و نقلوا عنه أبيات تدل على تشيعه مثل هذين البيتين بالفارسية:

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 332

رأوا قياسين متعارضي النتيجة، أحدهما أنّ كلام اللّه صفة له و كلما هي صفة له فقديم فكلام اللّه قديم، و الآخر أنّ كلام اللّه مؤلّف من حروف مترتبة متعاقبة في الوجود و كلّما هو كذلك فهو حادث فكلام اللّه حادث فاضطرّوا إلى القدم في أحد القياسين ضرورة امتناع حقّية النقيضين فمنع كل طائفة بعض المقدمات.

فالمحكي عن الحنابلة «1» أنّ كلام اللّه تعالى حروف و أصوات و هي قديمة و منعوا من حدوث مأتي ألف من حروف و أصوات مترتّبة، بل عن بعضهم القول بقدم الجلد، و الغلاف، و لذا قيل: ما بالهم لم يقولوا بقدم الكتّاب و المجلّد و صانع الغلاف.

و ربما يعتذر عنهم بأنهم إنّما منعوا من اطلاق لفظ الحادث على الكلام اللفظي رعاية للأدب و احترازا عن ذهاب الوهم إلى حدوث الكلام النفسي كما قال بعض الأشاعرة «2» إنّ كلامه تعالى ليس قائما بلسان أو قلب و لا حالّا في مصحف أو لوح و منع عن إطلاق القول بحدوث كلامه و إن كان المراد هو اللفظي رعاية للأدب و احترازا عن ذهاب الوهم إلى الكلام الأزلي.

______________________________ خورشيد كمال است نبي ماه ولى إسلام محمّد است و ايمان على

گر بنيه اى بر اين سخن مى طلبى بنگر كه زبيّنات اسما است جلى

توفى الدواني سنة 907.

(1) الحنابلة اتباع أحمد بن حنبل رابع الأئمّة الأربعة عند العامة كان من خواص الشافعي و أخذ عنه الحديث البخاري و مسلم و دعا إلى القول بخلق القرآن فلم

يجب فضرب و حبس، توفى ببغداد سنة 241.

(2) الأشاعرة فرقة معروفة مرجعهم في العلم على ما نقل إلى أبي الحسن الأشعري علي بن إسماعيل البصري المولد البغدادي المنشأ و الدار ولد سنة 260 و توفى سنة 324 له تصانيف كثيرة.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 333

و فيه أن رعاية الأدب هو إحقاق الحقّ و القول بحدوث الحادث لا الالتزام بقدمه كذبا و اختلافا و جعله شريكا للخالق في قدمه تعالى عن ذلك و عمّا يقول الظالمون الجاهلون علوا كبيرا.

و توهّم أنّهم إنّما يمنعون إطلاق الحدوث، و هو لا يستلزم بإطلاق القدم مدفوع بأنّ صريح كلامهم ذلك، و المعتذر إن كان مقصوده ذلك فلا يجديهم كما لا يخفى، و على كلّ حال فللمنتحلين بالإسلام في هذه المسئلة أقوال:

أحدها ما سمعت عن الحنابلة.

ثانيها مذهب الكرّامية «1» و الموافقين للحنابلة في أنّ كلامه حروف و أصوات لكنّها حادثة قائمة بذاته تعالى لتجويزهم قيام الحوادث بذاته فقدحوا في كبري الأوّل بعد قولهم بصحة الثاني.

ثالثها ما ذهب اليه المعتزلة «2» و هو أنّ كلامه تعالى أصوات و حروف كما

______________________________

(1) الكرّامية أتباع محمّد بن كراّم بن عراق بن حزابة، كان يقول بأن اللّه تعالى مستقر على العرش و أنه جوهر.

ولد ابن كرام في سجستان و جاور بمكة خمس سنين و ورد نيسابور فحبسه طاهر بن عبد اللّه ثم انصرف إلى الشام و عاد على نيسابور فحبسه محمّد بن طاهر و خرج منها سنة 251 ه إلى القدس فمات فيها سنة (255)- تذكرة الحفّاظ ج 2 ص 106- لسان الميزان ج 5 ص 353.

(2) المعتزلة من فرق الإسلام اتباع واصل بن عطاء العزال، أبي حذيفة و هو من البلغاء المتكلمين و سمّي بالمعتزلي

لاعتزاله حلقة درس الحسن البصري، ولد بالمدينة سنة (80 ه) و نشأ بالبصرة، و كان يلثغ بالراء فيجعلها غينا، فتجنب الراء في خطابه و من أقوال الشعراء في ذلك قول أبي محمّد الخازن في مدح صاحب بن عباد: «نعم تجنّب لا، يوم العطاء، كماتجّنب ابن عطاء لفظة الراء»

توفّي واصل سنة 131- كتب ابن حجة في ثمرات الأوراق ما موجزه:

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 334

ذهب اليه الفريقان لكنها ليست قائمة بذاته تعالى، بل خلقها اللّه تعالى في غيره، و معنى كونه تعالى متكلّما عندهم أنّه موجد لتلك الحروف و الأصوات في جسم كاللوح المحفوظ أو جبرئيل أو النبيّ- عليه السّلام- أو غيرها كشجرة موسى عليه السّلام.

رابعها ما ذهب الأشاعرة اليه من ثبوت الكلام النفسي حيث قالوا: كلامه تعالى ليس من جنس الأصوات و الحروف بل هو معنى قائم بذاته يسمى الكلام النفسي و هو مدلول الكلام اللفظي المركّب من الحروف و هو قديم.

إلى غير ذلك من الأقوال التي تأتي إليها الأشاعرة، إلّا أنّ هذه الأقوال هي المشهورة بين أهل السنة، و قد طال التشاجر بينهم في حدوث القرآن و قدمه، و الأكثر منهم على الثاني، بل مذهب كافّتهم بل و خلفائهم كانوا في أول الأمر مستقرّين عليه، حتى قيل: إنّه كان سبب تدوين علم الكلام و اشتقوا منه اسمه.

قال في شرح المواقف: إنما سمى الكلام كلاما إمّا لأنّه بإزاء المنطق للفلاسفة أو لأنّ أبوابه عنونت بالكلام في كذا أو لأنّ مسئلة الكلام يعني قدم القرآن و حدوثه

______________________________

المعتزلة من فرق الإسلام يرون أنّ أفعال الخير من اللّه، و أفعال الشر من الإنسان، و أن القرآن مخلوق محدث ليس بقديم، و أن اللّه تعالى غير مرئي

يوم القيامة، و أن المؤمن إذا ارتكب الذنب، كشرب الخمر و غيره يكون في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمنا و لا كافرا و يرون أن اعجاز القرآن من «الصرفة» لا أنه في نفسه معجز، أي إنّ اللّه لو لم يصرف العرب عن معارضة لأتوا بما يعارضه، و أنّ من دخل النار لم يخرج منها، و سمّوا معتزلة لأنّ واصل بن عطاء كان ممن يحضر درس الحسن البصري، لمّا قالت الخوارج بكفر مرتكب الكبائر و قالت الجماعة بأنّ مرتكب الكبائر مؤمن غير كافر و إن كان فاسقا، خرج واصل عن الفرقتين، و قال: إن الفاسق ليس بمؤمن و لا كافر- الاعلام ج 9: ص 121.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 335

أشهر أجزائه، و سبب أيضا لتدوينه حتى كثر في الحكم بقدمه أو حدوثه التشاجر و التقابل و السفك.

و قد روى أنّ بعض الخلفاء العباسية كان على الاعتزال فقتل جماعة من علماء الأمّة طلبا منهم الاعتراف بحدوث القرآن، و قد يقال: إنّ علي بن إسماعيل بن أبي بشر أبا الحسن الأشعري المنسوب إلى جدّه أبي موسى الأشعري «1»، أو الى أشعر بن سبأ بن يشحب بن يعرب بن قحطان، كان أوّلا على طريقة المعتزلة قائلا بحدوث القرآن ثمّ خطب و هو قاض بالبصرة، و عدل من مذهب محمّد بن عبد الوهاب

______________________________

(1) ابو موسى الأشعري عبد اللّه بن قيس بن سليم بن بني الأشعر من قحطان، ولد في زبيد باليمن سنة «21 ق ه» و قدم مكة عند ظهور الإسلام فأسلم و هاجر الى أرض الحبشة ثم استعمله رسول اللّه (ص) على زبيد و عدن، و ولّاه عمر بن الخطاب البصرة سنة 17 ه فافتتح اصبهان و الأهواز،

و لما ولى عثمان أقرّه عليها ثم عزله فانتقل إلى الكوفة و صار و اليا عليها فأقام بها إلى أن قتل عثمان فعزله علي عليه السّلام بعد التحكيم، قال ابن أبي الحديد: إنّ أبا موسى الأشعري ذكر عند حذيفة بالدين فقال: أمّا أنتم فتقولون ذلك، و أمّا أنا فأشهد أنّه عدو للّه و لرسوله و حرب لهما في الحيوة الدنيا و يوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم و لهم اللعنة و لهم سوء الدار، و كان حذيفة عارفا بالمنافقين آسرّ اليه النبيّ (ص) أمرهم و أعلمه أسمائهم.

روى عن النبيّ (ص) أنّه قال: شر الأولين و الآخرين اثنا عشر- إلى ان قال- و السامري و هو عبد اللّه ابن قيس أبو موسى، قيل و ما السامري؟ قال (ع) قال لا مساس و هو يقول لا قتال.

في التاريخ: إنّ أبا موسى صار من جانب أصحاب علي بن أبي طالب عليه السّلام حكما في صفّين و خدعه عمرو بن العاص و قال له أبو موسى يا عمرو إنما مثلك مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث فأجاب عمرو إنمّا مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا إلخ، توفى بالكوفة سنة 44 ه.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 336

الجبائي «1» فقال بقوله من هذه العظائم التي أحدها القول بقدم كلام اللّه سبحانه لأنه صفة القديم، و حيث لزمهم بذلك أمور شنيعة ذهبوا إلى أن الكلام حقيقة كلام النفس، و هذه الألفاظ ترجمة له بل ذكر صاحب «هداية» الأبرار» في سبب حدوث تلك المذاهب بين العامّة أنّ القدماء منهم بين جبرية و قدرية و مرجئة و مجّسمة

______________________________

(1) كان أبو علي الجبائي محمّد بن عبد الوهاب شيخ المعتزلة، و رئيس

علماء الكلام في عصره ولد في سنة 235 و توفى في شعبان سنة 303 في جبي من قرى البصرة.

قال الصفدي في الوافي بالوفيات ج 4 ص 398 ط مصر: أبو علي الجبائي كان إماما في علم الكلام، و له مقالات مشهورة و تصانيف- أخذ عنه أبو هاشم عبد السّلام و الشيخ أبو الحسن الاشعري كان الجبائي زوج امه ثم اعرض عنه الأشعري لما ظهر له فساد مذهبه و تاب منه.

قال ابن خلكان في وفيات الأعيان ج 3 ص 398 ط مصر: أبو علي الجبائي كان إماما في علم الكلام، و عنه أخذ ابو الحسن الأشعري و له معه مناظرة روتها العلماء، فيقال: ان أبا الحسن الاشعري شيخ الأشاعرة سأل يومأ استاذه أبا علي الجبائي عن ثلاثة إخوة: أحدهم كان مؤمنا برّا تقيا، و الثاني: كان كافرا فاسقا شقيا، و الثالث: كان صغيرا، فماتوا، فكيف حالهم؟

فقال الجبائي: أمّا الزاهد ففي الدرجات، و أمّا الكافر ففي الدركات، و أمّا الصغير ففي السلامة، فقال الاشعري:

إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له؟ فقال الجبائي: لا، لأنه يقال له: إنّ أخاك إنّما وصل إلى هذه الدرجات بسبب الطاعات و أنت فاقد لها، فقال الأشعري: فان قال ذلك الصغير: إنّك ما أبقيتني و إلّا كانت لي تلك الطاعات أيضا، فقال الأستاذ يقول الباري: كنت أعلم أنّك لو بقيت لعصيت، فراعيت مصلحتك، فقال التلميذ: فلو قال الكافر:

يا إله العالمين، كما علمت حاله فقد علمت حالي، فلم راعيت مصلحته دوني؟ فقال الجبائي للاشعري: إنّك مجنون فقال الأشعري: بل وقف حمار الشيخ في العقبة، و هذه المناظرة صارت سببا لعدوله عن مذهب الأستاد، الوافي بالوفيات، وفيات الأعيان، و البداية و

النهاية و الاعلام لخير الدين الزركلي ج 7 ص 136.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 337

و حشوية، و كانت الدولة للمعتزلة لميل أوائل بني العباس كالرشيد و المأمون و المعتصم و المتوكل إلى الاعتزال و دام ذلك إلى أن ظهر أبو الحسن علي بن إسماعيل الاشعري البصري، و كان أوّل أمره معتزليا من تلامذة أبي علي الجبائي، و أراد الانفراد طلبا للرياسة فخالف شيخة و كفّره و اتبعه على ذلك قوم من العامة في زمانه، و مال اليه صلاح الدين يوسف بن أيوب سلطان مصر «1» و أمر بقتل من خالفه حتى شاع في بلاد الإسلام فلم يوّل القضاء و التدريس إلّا من كان أشعريا في الأصول و مقلّدا لأحد المذاهب الأربعة في الفروع و دام الأمر عليه إلى يومنا هذا.

و من هنا يظهر سرّ ميل مشاهير أهل السنّة كالباقلاني «2»، و إمام

______________________________

(1) صلاح الدين الأيوبي يوسف بن أيوب بن شادي أبو المظفر من أشهر ملوك الإسلام كان أبوه و أهله من قرية دوين (في شرقي آذربيجان) و ولد بها صلاح الدين، و نشأ في دمشق، و دخل مع أبيه (نجم الدين) و عمه (شير كوه) في خدمة نور الدين محمود (صاحب دمشق و حلب و موصل) و اشترك صلاح الدين مع عمه في حملة وجهها نور الدين لاستيلاء على مصر سنة 559 ه فكانت وقائع ظهرت فيها مزايا صلاح الدين، و تم الظفر باسم السلطان نور الدين، فاستولى على زمام الأمور بمصر، و استوكده خليفته العاضد الفاطمي، و لكن شير كوه ما لبث ان مات، فاختار العاضد للوزارة و قيادة الجيش صلاح الدين، و لقبه بالملك الناصر، و مرض العاضد مرض موته فقطع صلاح

الدين خطبته و خطب للعباسيين، و انتهى بذلك أمر الفاطميين، و مات نور الدين سنة 569 فاضطربت البلاد الشامية و الجزيرة، و دعا صلاح الدين لضبطها، فاقبل على دمشق سنة 570 و استولى على بعلبك و حمص و حماة و حلب و دانت له البلاد من آخر حدود النوبة جنوبا و برقه غربا إلى بلاد الأرمن شمالا، و بلاد الجزيرة و الموصل شرقا، و كانت مده حكمه بمصر 24 سنة، و بسورية 19 سنة توفى سنة 589 و عمره 57 سنه، أعلام زركلي ج 9 ص 291- مرآة الزمان ج 8: 325.

(2) الباقلاني محمّد بن الطيب البصري القاضي المتكلم الأشعري سكن بغداد و توفى بها سنة

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 338

الحرمين «1»، و الغزالي «2»، و الرازي «3»، و الدواني «4»، و الجرجاني «5»، و العضدي «6»، و البيضاوي «7»، و غيرهم إلى مذهب الأشعري مع ظهور فساد أكثر عقائد و ذلك لميل الحكام و تولية القضاء و الحكومات.

و بالجملة فالقائلون بقدمه أطلقوا القول به أولا ثم لما رأى المتأخرون منهم شناعة مقالهم و وضوح فساده ضرورة أن الأصوات و الحروف الملفوظة و المكتوبة أمور حادثة مترتبة في الوجود فكيف يعقل قدمها مع انها أعراض قائمة بغيرها مفتقرة في تحققها و في بقائها إلى السبب و إلى المحلّ إلى غير ذلك من المفاسد التي ينثلم معها التوحيد اضطرّوا إلى القول بالكلام النفسي بل ربما تبرّء أصحاب

______________________________

403 ه.

(1) عبد الملك بن عبد اللّه امام الحرمين من أصحاب الشافعي ولد في جوين من نواحي نيسابور و رحل إلى بغداد و جاور بمكة أربع سنين و ذهب إلى المدينة و درس جامعا طرف المذاهب توفي سنة 478

ه.

(2) الغزالي حجة الإسلام أبو حامد محمّد بن محمّد الشافعي من أكابر العامة و المتصوفة توفي سنة 505 ه.

(3) الرازي فخر الدين محمّد بن عمر رئيس المشككين من أعاظم العامة في القرن السادس توفي سنة 606 ه.

(4) الدواني جلال الدين مرت ترجمته.

(5) الجرجاني عبد القاهر أبو بكر بن عبد الرحمن أديب، نحوي، لغوي، مؤلف اسرار البلاغة توفي سنة 471 ه.

(6) العضدي قد مرت ترجمته.

(7) البيضاوي ناصر الدين عبد اللّه بن عمر الأشعري الشافعي، المفسر، توفي في تبريز سنة 685 ه

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 339

أحمد «1»، عن نسبة القول بقدم الأصوات و الحروف اليه و لذا حكى عن اليافعي «2» حكاية القول بحدوثها عنه إلّا أنه لا يخفى على من له خبرة بمذاهبهم في الأصول و الفروع أن مثل هذه المقالة ليس ببدع منهم فإنهم خبطوا فيها خبط عشواء «3» و ركبوا ما يتبّرأ عنهم فيه الجاهلية الجهلاء كالقول بالجبر و التجسّم و التشبيه، و أنه تعالى جسم له طول و عرض و عمق، بل عن داود الظاهري «4» أنه قال اعفوني عن الفرج و اللحية و أسئلوني عمّا وراء ذلك.

و القول بجواز الرؤية و نفي الغرض و إنكار المصالح و استناد المفاسد كلها اليه على جميع الوجوه، و إثبات المعاني القديمة التي ليست للّذات كمال، إلّا معها حتى اعترض شيخهم فخر الدين الرازي عليهم، بأن قال: إنّ النصارى، كفروا لأنهم قالوا: إنّ القدماء ثلثة و الأشاعرة أثبتوا قدماء ثمانية بل تسعة إلى غير ذلك من

______________________________

(1) أحمد بن حنبل ابو عبد اللّه الشيباني، أصله من مرو، و كان أبوه والي سرخس، ولد ببغداد سنة 164 ه، سافر في طلب العلم أسفارا كبيرة و صنّف

المسند ستة مجلّدات يحتوي على ثلثين الف حديث، و له كتب أخر، سجن بأمر المعتصم 28 شهرا لامتناعه عن القول بخلق القرآن، و أطلق سنة 220 ه، و لم يصبه شر في زمن الواثق باللّه بعد المعتصم و بعد الواثق في عصر تولي المتوكل أكرم ابن حنبل و لا يولي المتوكل أحدا الا بمشورته، توفى سنة 241 ه- ابن عساكر ج 2 ص 28.

(2) اليافعي عبد اللّه بن أسعد عفيف الدين، مؤرخ، متصوف، من شافعية اليمن ولد في اليمن سنة 698 ه، و توفي بمكة سنة 768 ه- الدرر الكامنة ج 2 ص 247-.

(3) خبط عشواء، يقال: انه يخبط عشواء يتصرف في الأمور على غير بصيرة- المنجد ص 167.

(4) داود الظاهري بن علي بن خلف الاصبهاني تنسب اليه الطائفة الظاهرية و سميت بذلك لاخذها بظاهر الكتاب و السنة و اعراضها عن التأويل و الرأي و القياس، ولد داود في الكوفة سنة 201 ه، و سكن بغداد، و انتهت اليه الرياسة، قيل: كان يحضر مجلسه كل يوم أربعمائة، و قال ثعلب: كان عقل داود أكبر من علمه، توفّى ببغداد سنة 270 ه.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 340

فضائحهم التي ستسمع في هذا التفسير شطرا منها.

و حاصل الكلام في المقام أنّ القائلين بقدم القرآن فرقتان: منهم يقول بقدم الأصوات و الألفاظ و الحروف كما سمعت حكايته عن الحنابلة و عرفت ضعفه، و منهم من يقول بكلام النفسي الذي فسّروه بالمعنى القائم بالنفس الذي هو مدلول الكلام اللفظي المؤلف من الحروف كما ذهب اليه الأشاعرة و استدلوا لإثباته بقوله تعالى: وَ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ «1».

و

قوله (عليه السّلام): رفع عن أمتي ما حدّثت به أنفسهم «2».

و

عن الثاني أنه قال في يوم السقيفة: قد كنت زوّرت «3» في نفسي مقالة فسبقني اليه أبو بكر، و عن الأخطل «4».

______________________________

(1) المجادلة: 8.

(2) في سفينة البحار ج 1 ص 234: قد صح

عنه (صلّى اللّه عليه و آله) قوله: وضع عن أمتي ما حدّثت به نفسها ما لم يعمل به أو يتكلم.

(3) قال الطبري في تاريخه المسمى بالأمم و الملوك ج 2 ص 446 في حديث السقيفة عن عمر بن الخطاب أنه قال: أتينا الأنصار و هم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة و إذا بين أظهرهم رجل مزمّل قال: قلت: من هذا قالوا سعد بن عبادة، فقلت: ما شأنه؟ قالوا: وجع، فقام رجل منهم فحمد اللّه و قال أما بعد فنحن الأنصار و كتبة الإسلام و أنتم يا معشر قريش رهط نبينا و قد دفّت إلينا من قومكم دافّة، قال فلما رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا و يغصبون الأمر و قد كنت زورّت في نفسي مقالة إلخ.

قال: الزبيدي في تاج العروس ج 3 ص 247 في لغة زور: كلام مزوّر أي محسن و قيل هو المثقف قبل أن يتكلم به، و منه قول عمر: ما زوّرت كلاما إلّا سبقني به أبو بكر، اي هيئت و أصلحت، و التزوير إصلاح الشي ء.

(4) الأخطل غياث بن غيوث من نبي تغلب، شاعر مصقول الألفاظ، نصراني اشتهر في عهد

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 341 إن الكلام لفي الفؤاد و إنّماجعل اللسان على الفؤاد دليلا

و من المشتهر في العرف و العادة قولهم: بقي أو بقيت في نفسي كلام أو كلمات، إلى غير ذلك من الشواهد التي قد يستفاد منها أن المراد مدلول اللفظ بل صرح بعضه بأنّ المراد

به نسبة أحد طرفي الخبر إلى الآخر القائمة بنفس المتكلم المغايرة للعلم نظرا إلى أنّ المتكلم قد يخبر عمّا لا يعلمه بل يعلم خلافه أو يشكّ فيه و للارادة فإن الرجل قد يأمر بما لا يريده كالمختبر عبده لامتحان إطاعته، فإنّه قد يأمره و يريد أن لا يفعل المأمور به.

و قد يقال: إن المراد به هو الألفاظ المتصورة المترتبة في الذهن أو المعاني التي وضعت تلك الألفاظ بإزائها أو الكلمات التي رتبها اللّه تعالى في علمه الأزلي بالصفة الأزلية التي هي مبدء ترتيبها و تأليفها إلى غير ذلك من كلماتهم المختلفة التي لا تكاد ترد على أمر واحد و لعله لذلك أو لغيره اختلفت أجوبة المعتزلة عنهم حيث إنّهم ذهبوا إلى ان كلامه تعالى أصوات و حروف ليست قائمه بذاته بل خلقها اللّه تعالى في غيره كجبريل أو الملك أو الروح أو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أو غير ذلك و لو في الأجسام الجامدة كشجرة موسى عليه السّلام.

و استدلوا لذلك أوّلا بقيام الضرورة القطعية من دين النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بحيث يعلمه كل أحد ممّن كان من أهل هذا الدين و من كان، خارجا عنه على

______________________________

بني أمية بالشام، و هو أحد الثلاثة المتفق على أنهم أشعر أهل عصرهم، جرير، و الفرزدق، و الأخطل، ولد في سنة 19 ه، و توفي سنة 90 ه، و كان معجبا بأدبه، كثير العناية بشعره، و كانت إقامته طورا في دمشق مقر الخلفاء من بني أمية و كان شاعرهم.- الاعلام خير الدين زركلي ج 5 ص 318-.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 342

أنّ القرآن هو هذا الكلام المؤّلف المنتظم المفتتح بالبسملة المختتم

بالناس، و عليه يحمل الأخبار المتواترة الواردة في ثواب تلاوته و قراءته و حمله و حفظه و تعظيمه و كتابته و النظر اليه بل وقع فيه التصريح بكونه ذكرا وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ «1»، عربيا إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا «2»، مقروءا بالألسن فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ «3»، مسموعا بالآذان حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ «4».

و ثانيا بأنّ القرآن مشتمل على ذكر القصص و الحكايات المتعلقة بالماضين عن زمان نزوله سواء كانت متقدمة على زمان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كالقصص المتعلّقة بالأنبياء كآدم و نوح و إبراهيم و موسى و غيرهم المعبّر فيها عن أقوالهم و أفعالهم بصيغة الماضي أو واقعة في زمانه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) كقوله تعالى:

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها «5»، وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ «6»، لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ «7»، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يقتضي صدقه سبق وقوع النسبة على الأزل غير معقول، فيتعيّن إمّا حدوث القرآن أو اشتماله على الكذب، و الثاني باطل فالأوّل حقّ.

و ثالثا باشتماله على الأمر و النهي و الطلب و الإخبار و النداء، و غير ذلك مما

______________________________

(1) الأنبياء: 50.

(2) يوسف: 2.

(3) القيامة: 18.

(4) التوبة: 6.

(5) المجادلة: 1.

(6) التوبة: 90.

(7) آل عمران: 181.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 343

لا يصحّ إلّا مع التعلّق فلو كان أزليا لزم الأمر بلا مأمور و النهي بلا منهيّ و الإخبار بلا سامع، و النداء بلا مخاطب، إلى غير ذلك مما يعدّ سفها و عبثا.

و أجيب عن الأوّل بأنه لا نزاع في إطلاق كلّ من القرآن و كلام اللّه بطريق الاشتراك اللفظي على هذا

المولّف الحادث كما هو المتعارف بين العامّة بل خاصة القرّاء و الأصوليين و الفقهاء، و عليه يحمل الأخبار المتواترة الواردة في فضله و شرفه، و على المعنى القديم الذي هو مدلول هذا الكلام اللفظي، و اختصاصه بهذا المؤلّف الحادث ليس لمجرّد دلالته على تلك المعاني القديمة كي يرد أنه لو ألّف غيره تعالى ما يدلّ عليها لصدق عليها القرآن و هو باطل ضرورة أنّ له اختصاصا آخر به سبحانه حيث إنّه أجري اشكاله في اللوح المحفوظ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ «1»، و ألفاظه على لسان الملك إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ «2».

و فيه أنّ نفي النزاع اشتراكه بين المعنين غريب جدا كيف و المعتزلة ينكرون معقوليّة المعنى الثاني فكيف يجوّزون إطلاقه عليه فضلا عن كونه حقيقة فيه، و الأشاعرة ينكرون الكلام اللفظي الحادث المضاف اليه سبحانه نظرا إلى المنع من قيام الحوادث به و من اتّصافه بصفة حادثة، على أنه قد يقال: إنّ المدار في صدق التكلّم إنّما هو الكلام اللفظي بحيث يدور الصدق مع تحققه وجودا و عدما فيقال للإنسان: إنّه متكلّم إذا صدر عنه الكلام اللفظي دون ما إذا لم يصدر عنه و ان علم بوجود الكلام في نفسه أو بإرادة تلّفظه.

و عن الثاني بأنّ كلامه تعالى في الأزل يتصل بالماضي و الحال و الاستقبال

______________________________

(1) البروج: 21.

(2) الحاقة: 40.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 344

لعدم الزمان و إنّما يتصف بذلك فيما لا يزال بحسب التعلّقات و حدوث الأزمنة و الأوقات، و فيه أنه خروج عن القول بكون النفسي مدلول اللفظ الذي سبق على صيغة الماضي مع أنّ من لاحظ تلك القصص و الحكايات الواقعة في القرآن يعلم علما قطعيا أنّ المراد

بتأليف تلك الكلمات و تركيب المعاني المرادة منها أنها هو الحكاية عما مضى للفوائد المترتّبة عليها.

و عن الثالث بأنّ كلامه في الأزل ليس بأمر و لا نهي و لا خبر و لا غير ذلك و إنما يصير أحد الأقسام فيما لا يزال.

و فيه مع خروجه عمّا فسّروه به من معنى اللفظ حيث إنّه غير خارج عن الأقسام المتقدمة ضرورة عدم تحقّق الكلي إلّا متنوّعا متميزا بشي ء من الفصول المنوّعة و العوارض الشخصية أنّ مثل هذا الكلام غير معقول، و إرجاعه إلى العلم مع تصريحهم بمغايرته له لا يدفع الاعتراض.

و توهّم أنّه أمر شخصي يعرض له التنّوع بحسب التعلّقات الحادثة من غير أن يتغيّر هو في نفسه ضعيف جدا بل كانّه دفع للفاسد بالأفسد.

نعم حكي في «أنوار الملكوت» «1»، عن الأشاعرة في بيان معقوليته أن ماهيّة الطلب معقولة لكل أحد فإنّ الإنسان إذا قال اسقني الماء يجد في نفسه طلبا مغايرا لقوله هذا بالضرورة، و لهذا قد تتبدل عليه العبارات مع اتحاده، و مهيّة الطلب غير الإرادة فإنّ الإنسان قد يأمر بما لا يريد كالسيّد إذا أمر عبده، طلبا لإقامة عذره

______________________________

(1) أنوار الملكوت كتاب كلامي لآية اللّه العلّامة الحلّي المتوفى سنة 726 ه، و هو شرح لكتاب الياقوت تأليف الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن نوبخت، كان من أكابر علماء الكلام و من متكلمي الشيعة في القرن الرابع.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 345

عند الملك في عقوبة ذلك العبد بالتخلّف عن امتثال أوامره دفعا لمؤاخذة الملك ايّاه، و الأمر لا بد فيه من الطلب مع جواز انتفاء الإرادة عنه فتغايرا و هذا الطلب هو الذي نسمّيه كلاما.

و استدلّوا على اتصافه تعالى به بأنّه حيّ و كلّ حيّ

يصحّ اتصافه بالكلام و إذا صحّ اتصافه بالكلام وجب أن يكون موصوفا و إلّا اتّصف بضدّه لوجوب اتصاف الذات بأحد الضدين إذا صحّ اتصافه بأحدهما و حيث إنّ ضدّه نقص عليه فهو المتعيّن.

و بأنّ أفعال العباد يصحّ اتصافها بكلّ من الأحكام الخمسة و الاقتضائية و التخييرية و اختصاص بعضها ببعض لا بد أن يكون لمرجّح و هو غير الإرادة إذ قد يأمر بما لا يريد كما في أمره من علم استمراره على الكفر بالايمان فلا بدّ من صفة اخرى يخصّص بها بعض الأفعال ببعض الأحكام و هي الكلام.

و أجاب العلّامة (رحمه اللّه) عمّا ذكروه في بيان معقوليّته بأنّ المعقول إنّما هو الإرادة أو تصوّر المراد و الحروف الدالة على الإرادة و الطلب الذي يجده الإنسان من نفسه عند أمره هو الإرادة بعينها، و ليس هناك أمر زائد على ذلك «1»، و أمر

______________________________

(1) من المسائل التي اختلفت كلمات الفريقين فيها مسئلة اتحاد الطلب و الإرادة.

فمنهم من قال بأنهما مترادفان و النزاع لغوي في تعيين ما هو الموضوع لكليهما هل هو الشوق المؤكد أو من مقدماته.

و منهم من قال بان النزاع عقلي في انهما متحدان مفهوما و مصداقا و متغايران مفهوما و مصداقا أو متغايران مفهوما و متحدان مصداقا، و القائلون بالتغاير اختلفوا عن قولين.

فمنهم من جعل الإرادة و الطلب من مقولة الكيف النفساني و الطلب من مقولة الفعل النفساني.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 346

السيد عبده في المثال المذكور خال عن الطلب، و إنّما هو صيغة موضوعة له، و الاستدلال بما مرّ من قول الأخطل و عمر ضعيف لوجود المعنى في الأخرس و الكاتب و المفهم بالاشارة و غيرها مع عدم صدق التكلم.

و عمّا ذكروه في اتصافه

به يمنع المقدمة المذكورة في كلامه إذ يتّصف الشي ء بكل من الضدّين مع جواز قوله عنها مضافا إلى المنع من اتّصاف الشي ء بالسواد و البياض المتضادين مع جواز خلّوه عنهما بالمعنى الذي عنيتموه، سلّمنا لكن اتصافه في القدم بضدّه أولى لكون الكلام بذلك المعنى نقصا فإنّ توجه الأمر و النهي و الخبر إلى غير مأمور و منهي و مخبر غير معقول، و هو نقص عظيم، فإنّ المراد بكونه غير معقول أنّ العقل لا يجوّز وقوعه من الحكيم لا أنّه غير متصوّر و الّا لما أمكن الحكم عليه بكونه نقصا، و أمّا المخصّص لبعض الأفعال ببعض الأحكام فهو الإرادة و قد تقرّر عندنا معاشر الإمامية صحة القول بالوجوه و الاعتبارات و المصالح الذاتية.

______________________________

و منهم من قال هما متحدان كالمعتزلة كما حكاه عنهم القاضي نور اللّه الشهيد في احقاق الحق في رد ابطال الباطل.

و منهم من قال بأن الإرادة هو العلم بالمصلحة و الطلب أمر لفظي يكشف عن العلم بالمصلحة كما حكي عن البصري.

و منهم من قال بأن الإرادة من اللّه علمه بوقوع الفعل كما حكي عن النظام و الكعبي.

و منهم من قال بأنها معنى سلبي و هو انه ليس بساه و لا مكره و لا مغلوب فيما فعل كما حكي عن النجار، و من أراد التفصيل فليراجع احقاق الحق و إزهاق الباطل ج 1 ص 208 ط المطبعة الاسلامية بطهران مع تعليقات نفيسة للعلّامة البارع آية اللّه السيد شهاب الدين المرعشي (رحمة اللّه و رضوانه عليه).

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 347

هذا مجمل أدلة الفريقين من المقام و قد أغمضنا النظر فيها عن النقض و الإبرام فانتظر لتمام الكلام.

لعلك لو أعطيت النظر حقّه في مقالات الفريقين ينكشف

لك أنّ نزاعهم في المقام يرجع إلى أمرين: لفظي و معنوي، أمّا اللفظي فهو أنّ التكلّم الذي دل الإجماع بل السمع أيضا على ثبوته كقوله تعالى: وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً «1»، وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً «2»، هل هو قيام الكلام به أو قيام التكلم الذي هو خلق الكلام فالمتكلّم هل هو من قام به الكلام أو من صدر عنه ذلك و لو بخلق الأصوات و الحروف في جسم الأجسام؟.

فالاشاعرة على الأوّل فقالوا: إن العبرة في صدق التكلّم و الاتصاف به إنّما هو قيام المعنى فإنّ الكلام و إن كان أعمّ من اللفظي و المعنوي إلّا أنه بعد اتّصافه بالقيام في حق اللّه سبحانه لا بدّ من إرادة الثاني لئلا يكون ذاته محلّا للحوادث، بل ذكر بعضهم أنّ إطلاقه باعتبار الكلام اللفظي مجاز كما قد يستفاد من قول الأخطل، سيّما بعد قوله: و إنّما جعل اللسان على الفؤاد دليلا.

و جميع هذه المقالات فاسدة عند أصحابنا الإمامية و عند المعتزلة نظرا إلى أنّ المراد بالمتكلّم عندهم من صدر عنه الكلام و صدوره، إمّا بالآلات و الأدوات التي خلقت لذلك بحسب الطبيعة و إجراء العادة أو بغيرها ممّا لم تجر العادة به كلسان الملك و شجرة موسى و غير هما، و من هنا ذكر الدواني أنّ صدق المشتق لا يقتضي قيام مبدء الاشتقاق به و إن كان عرف اللغة توهم ذلك حتى فسّر أهل

______________________________

(1) الأنبياء: 163.

(2) الشورى: 51.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 348

العربية اسم الفاعل بما يدّل على أمر قام به المشتق منه و هو بمعزل عن التحقيق فإن صدق الحدّاد إنّما هو بسبب كون الحديد موضوع صناعته و صدق المشمّس

مستند إلى نسبة الماء إلى الشمس بتسخينه بسبب مقابلتهما.

بل ذكر الورع الأردبيلي «1» أنّه معلوم حتى على الصبيان و المجانين أنّ الإنسان متكلّم بكلام لفظي بل لا شك في أنّه إذا لم يتصّف شخص به، و لم يصدر عنه كلام لفظي لا يقال له متكلّم و أنّه إذا تكلّم به، يقال: إنّه متكلم، و التكلّم و الكلام صفة له و ان لم يعلم قيامه به خصوصا بالمعنى المذكور، فيوجد المتكلم بدون قيام المعنى و لا يوجد بوجود الكلام في نفسه، فعلم أنّ المدار على حصول اللفظ لا وجود المعنى.

ثم إنّه لا شك في أنّ التكلّم هو إيجاد الكلام و خلقه و أنّه لا قيام له إلّا بالهواء الحاصل و تحريك اللسان فالإتّصاف بالتكلّم إنّما هو باعتبار خلقه له لا باعتبار المعنى القائم و لا باعتبار قيام اللفظ به و إلّا يلزم أن يكون الهواء متكلّما.

و بالجملة فالظاهر من إطلاق العرف و اللغة أنّ التكلّم إنّما يطلق باعتبار أمر لفظي، فإن كان المتصّف به قد خلقت له الآلات و الأدوات التي يتمكّن بها منه كالصوت و اللسان و الهواء كان الصدق باعتبار صدروه بها لا مجرد المعنى و القصد و الإرادة و العلم و غيرها مما لا يصدق معه التكلّم و إن قلنا بتحققها منه في حق الأخرس و الساكت و نحو هما و أما إذا اتّصف به الواجب سبحانه فإنّما هو بخلق

______________________________

(1) الاردبيلي أحمد بن محمّد، عالم رباني، فقيه محقق صمداني، فضله و زهده أشهر من أن يذكر، قال المجلسي: و المحقق الاردبيلي في الورع و التقوى و الزهد و الفضل بلغ الغاية القصوى و لم ير مثله في المتقدمين و المتأخرين، له مصنفات

جيدة منها: آيات الأحكام و مجمع البرهان شرحه على الإرشاد توفّي بالنجف الأشرف في صفر سنة 993 ه.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 349

الأصوات و الحروف و الكلمات المترتبة في الأجسام الجمادية لتنزهه عن الآلات و عن افتقاره في الصفات الكمالية إلى غيره و عن مشاركة صفة له في قدمه.

و الأشاعرة و إن احترزوا عن قيام الحوادث به إلّا أنهم وقعوا في محذور أشد و أكثر و هو افتقاره في كماله إلى غيره و خلوّه في ذاته عن الكمال بل اتصافه بالنقصان الذي هو إثبات الشريك له في قدمه.

و الحاصل أنّ المستفاد من أخبار أهل البيت الذين هم أعرف الخلق باللّه سبحانه و بأفعاله و بصفاته الذاتية و الفعلية أنّ التكلم من جملة صفات الأفعال فلا يتّصف به سبحانه في ذاته و لا ذكر له في رتبة الذات أصلا، و إنما هو من صفات الفعل الذي هو المشيئة.

و لذا

قال مولينا الصادق عليه السّلام، على ما رواه في «الامالي» بالإسناد عن أبي بصير: لم يزل اللّه جلّ اسمه عالما بذاته و لا معلوم و لم يزل قادرا بذاته و لا مقدور قلت جعلت فداك فلم يزل متكلما قال عليه السّلام: الكلام محدث كان اللّه (عز و جل) ليس بمتكلّم ثم أحدث الكلام «1».

و ذلك أنّ المستفاد من أخبار أهل البيت و أصولهم المقتبسة من مشكوة النبوة ثبوت الفرق بين الصفات الذاتية و الفعلية، و أن المراد بالأول ما لا يمكن تعرية الذات عنه كالوجود و العلم، و القدرة فيتّصف الذات بها لا بأضدادها، لأنّ انفكاك كلّ منها عن الذات موجب للنقصان ضرورة لزوم الاتصاف بأضدادها حينئذ، و هي العدم و الجهل و العجز.

و لذا

قال مولينا أمير المؤمنين

عليه السّلام، أول الدين معرفة اللّه، و أصل

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 4 ص 68 ط. الاخوندي بطهران عن أمالي الشيخ. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 350

معرفته توحيده، و نظام توحيده نفي الصفات عنه بدليل أن كل صفة غير الموصوف و كل موصوف غير الصفة، و شهادة كل صفة و موصوف بالاقتران، و شهادة الاقتران بالحدث و شهادة الحدث بالامتناع من الأزل الخبر «1».

و نحوه كثير من خطبهم و أخبارهم عليهم السّلام، و من هنا يظهر أنّ المراد بالصفات الفعلية ما لا يلزم اتصاف الذات بها على وجه التأبيد بل يمكن اتصاف الذات بها و بأضدادها كالارادة فيصح أن يقال: إن اللّه تعالى أراد هذا و لم يرد ذاك، و كذا الخلق و الرزق و الإحياء و الإماتة و نحوه، فإنّ كلا منها يجوز إثباته و نفيه بحسب اختلاف المتعلّق، و مثلها الكلام و القول فإنّه يصحّ أنّ اللّه تعالى كلّم موسى و لم يكلّم فرعون، و قال كذا و لم يقل ذلك، و لذا استقرّ المذهب من أهل التوحيد الذين هم الإمامية الاثني عشرية على كونه من الصفات الفعلية، و أمّا غيرهم من

______________________________

(1) هذا الفقرات قطعة

من الخطبة التي خطبها أبو الحسن الرضا (عليه السّلام) كما عن التوحيد و عيون أخبار الرضا، و بحار الأنوار: إن المأمون لما أراد ان يستعمل الرضا (عليه السّلام) جمع بني هاشم.

فقال: إني أريد أن استعمل الرضا على هذا الأمر من بعدي فحسده بنو هاشم، و قالوا: تولى رجلا جاهلا ليس له بصر بتدبير الخلافة فابعث اليه يأتنا فترى من جهله ما تستدل به عليه، فبعث اليه فأتاه، فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن اصعد المنبر و انصب

لنا علما نعبد اللّه عليه، فصعد المنبر فقعد مليا لا يتكلم مطرقا، ثم انتفض انتفاضة، و استوى قائما و حمد اللّه و أثنى عليه، و صلّى على نبيه و أهل بيته ثم قال (عليه السّلام): أول عبادة اللّه معرفته، و أصل معرفة اللّه توحيده، و نظام توحيد اللّه نفي الصفات عنه لشهادة العقول أنّ كلّ صفة موصوف مخلوق، و شهادة كل موصوف أنّ له خالقا ليس بصفة و لا موصوف، و شهادة كل صفة و موصوف بالاقتران، و شهادة الاقتران بالحدث، و شهادة الحدث بالامتناع من الأزل لممتنع من الحدث إلخ.- بحار الأنوار ج 4 ص 228 ط. الاخوندي بطهران-. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 351

تفسير الصراط المستقيم ج 1 399

فرق المسلمين فضلا عن الكفار و المشركين فلم يحفظوا حدود التوحيد، و لذا وقعوا في الشرك و الإلحاد و إثبات الأضداد و الأنداد و تكميل الذات بصفات زائدة و توصيفه بسمات حادثة بائدة، و القول بتعدد القدم و الإلحاد في الصفات و الأسماء.

و ذلك لأنّهم قاسوا ربّهم بأنفسهم فاقتبسوا صفاته عن صفاتها فذهبوا الى القول بالصفات المشتركة كالعلم و القدرة و الوجود و غيرها، و لم يدروا أنه كلما يوجد في الخلق لا يوجد في خالقه، و كلّما يمكن فيه يمتنع في صانعه و كيف يجرى عليه ما هو أجراه على خلقه، و أنّي يعود فيه ما قد ابتدئه في صنعه إذا لتفاوتت ذاته و لتجزّء كنهه و لقامت فيه آية المصنوع و لتحوّل دليلا بعد ما كان مدلولا عليه.

و على كلّ حال فبعد الغضّ عن المباحث اللفظية اللغوية التي سمعت شطرا منها في تضاعيف ما مرّ ينبغي أن يقال: إنّ الكلام الذي تقول

الأشاعرة بقدمه و كونه من صفات الذات يحتمل وجوها:

أحدها مطلق الملفوظ الخاص و إن تلفّظ به من كان أين كان متى كان أو خصوص ما تلفّظ به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد نزول الوحي أو ما أوحي إليه بان كان مسموعا و على الأخيرين يكون ملفوظ الغير حينئذ حكاية القرآن لا حقيقته.

ثانيها مطلق المكتوب الخاصّ أو خصوص المكتوب في اللّوح بالقلم الأعلى أو المكتوب بعد نزول الوحي عليه عليه السّلام.

و ثالثها خصوص الكلمات و الحروف المؤلّفة المنتظمة المترتبة بالترتيب الخاص بقطع النظر عن كونها ملفوظة أو مكتوبة أو مقروئة أو لا.

و هذه الوجوه الثلاثة بأقسامها لا ينبغي القول بقدم شي ء منها لأنها مشتركة في انتظام الحروف و ترتبها، و كذا الكلام في الكلمات و الآيات و السور و لأنها

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 352

أعراض قائمة بغيرها لا تقوم بنفسها، و لأنّها بأقسامها مسبوقة بالحروف البسيطة المفردة المفتقرة المتفقرة إليها في تحصل وجودها على الوجوه الثلاثة مع أنّهم لم يقولوا بقدم الحروف الثمانية و العشرين فكيف يصّح القول بقدم ما يتألف منها سيمّا مع تأخر المؤلّف بالفتح عن التأليف و عن البسائط و عن ملاحظة المعنى الحادث و تبعيّة اللفظ له تركيبا و دلالة و وضعا بل لعلّه يلزمهم بعد ذلك القول بقدم سائر الكلمات و التراكيب و تصنيف المصنّفين و لذا و لغيره مما يرد على هذا القول تبرّء المتأخرون منهم عنه و نسبوه إلى الحشوية «1»، و الكرّامية «2»، و الحنابلة «3»، بل ذكر بعضهم أنّ القرآن يطلق بالاشتراك اللفظي على ذلك المعنى القديم و على هذا المؤلّف المخصوص القائم بأول لسان اخترعه اللّه فيه حتى أنّ ما يقرأ كل

واحد سواه بلسانه يكون مثله لا عينه كما هو أحد القولين عندهم و أصحّهما عند بعضهم أنه اسم له لا من حيث تعيين المحلّ فيكون واحدا بالنوع و يكون ما يقرء القاري أيّ قار كان نفسه لا مثله كما هو الحال في كل شعر و كتاب ينسب إلى مؤلّفه.

و حيث قد أورد عليهم بأنه لا وجه حينئذ لاختصاص موسى كليم اللّه مع ان كلّا منّا يسمع كلامه اللفظي، بل كذا الأزلي النفسي، إذا أريد بسماعه فهمه من الأصوات المسموعة.

______________________________

(1) الحشوية طائفة تنسب إلى الحشو بفتح الحاء و ضم الشين قرية من قرى خوزستان أو تنسب الى الحشا بمعنى الأمعاء لان هذه الطائفة كلما خطر على أنفسهم يظهرونه بغير التأمل، و التفكير و هؤلاء أصحاب الحسن البصري كما في مستطرفات البروجردي صاحب الصراط المستقيم- ريحانة الأدب ج 1 ص 328-.

(2) الكرامية أتباع محمّد بن كرّام و قد مرت ترجمته من قبل.

(3) أتباع أحمد بن حنبل و قد مضت ترجمته.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 353

أجابوا عنه مرّة كما عن الغزالي بأنّ موسى عليه السّلام سمع كلامه الأزلي بلا صوت و حرف كما ترى في الآخرة ذاته بلا كمّ و كيف.

و مرّة بأنّه عليه السّلام سمعه بصوت من جميع الجهات على خلاف ما هو العادة و اخرى بأنّه عليه السّلام، سمع من جهة لكن بصوت غير مكتسب للعباد بل صوت تولّى خلقه من غير آلة.

أقول: لا يخفى أنّ الوجه الثالث غير مناف للثاني كما

ورد عن مولينا الرضا عليه السّلام أنّ موسى على نبينا و آله و عليه السّلام لمّا كلمه اللّه و قرّبه نجيا رجع الى قومه فأخبرهم أنّ اللّه كلّمه و قرّبه و ناجاه فقالوا: لن نؤمن

لك حتى نسمع كلام اللّه كما سمعته، و كان القوم سبعمائة ألف فاختار منهم سبعين ألفا ثم اختار منهم سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعمائة ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه فخرج بهم الى طور سيناء فأقامهم في سفح «1» الجبل و صعد موسى (عليه السّلام) إلى الطور و سئل اللّه أن يكلّمه و يسمعهم كلامه و كلّمه اللّه و سمعوا كلامه من فوق و أسفل و يمين و شمال و وراء و أمام لأنّ اللّه أحدثه في الشجرة ثم جعل منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه الخبر «2».

و على هذا فالكليم ليس كل من سمع مثل هذا الكلام بل من سيق لأجله و خوطب، بل لعلّه من الأعلام الغالبة فلا تغفل.

و أمّا ما ابتدعه الغزالي فهو من سنخ ما زعمه من الرؤية و ستسمع فساد هما بما لا مزيد عليه.

______________________________

(1) سفح الجبل أي أسفله حيث يسيح فيه الماء، سفح الدمع: سال يتعدي و لا يتعدى.

(2) عيون اخبار الرضا ج 1 ص 200 ط. الاخوندي بطهران.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 354

و أما حكاية الاشتراك اللفظي فيتضح بعدم معقوليّة أحد المعنيين.

رابعها ما ذكره الأحسائي في بيان مرادهم بالكلام النفسي قال: ما حاصله أنّ الذي يظهر ليّ أن الأشاعرة أشاروا إلى معنى لو كان ذلك في حقّ الحادث لكان صحيحا و لكن بطلان قولهم لا من حيث إنّه غير معقول بل هو معقول معروف ألّلهم إلّا أنهم عجزوا عن التعبير عن مرادهم بعبارة تدلّ عليه فلعجز الأشعري عن التعبير كان المفهوم من كلامه غير معقول، و العبارة الدالّة على مرادهم هو أنّ النفس لها كلام مثل كلام اللّسان بحروف و أصوات إلّا أنها نفسيّة، فالنفس

تخاطب مثال غيرها و تأمره و تنهاه و تطلب منه و كذلك مثالها، و هو قولهم: مثل حديث النفس لأنّ النفس قد تحدّث نفسها، و تحدّث غيرها بكلام مشتمل على كلمات لفظية و حروف صوتية مثل الكلام المسموع بالأذان إلّا أنه نفسي لا جسماني، فالكلام النفسي مثل الكلام اللفظي في جميع ما يعتبر فيه من الترتيب و الإعراب و الوقوف و الوصل و الإدغام و الإظهار و الجهر و الإخفات و الجهر و الهمس و جميع ما يعتبر في اللفظي على جهة الوجوب و الندب و ما هو عليه من الأمر و النهي، و من أساليب الكلام و لمّا عجزوا عن التعبير عن الكلام بما هو عليه نفوا من الكلام النفسي ما لا يتفق الكلام إلّا به، فقالوا: هو ليس بحرف و لا صوت و لا أمر و لا نهي و لا خبر و لا استخبار، و لا شي ء من أساليب الكلام، و لكنّه معنى قائم بالنفس يعبّر عنه بالعبارات المختلفة المتغايرة إلى أن مثّل له بقوله مثلا يتصور زيدا و هذه الصورة من العلم ثم يقول له: هل مضيت السوق أمس؟ فتقول: صورة زيد: بلى، فيقول له:

هل اشتريت الثوب الفلاني لعمرو؟ فتقول: لا، فيقول له: لم تركت و قد أمرتك، اذهب عني فإنّك قد عصيتني و خالفت أمري، فيقول: مثال زيد اعف عني و أمتثل أمرك بعد هذا، و لا أعصي لك أمرا، فيغضب، و لا يعفو حتى تظهر على الجسد صورة

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 355

الغضب من إحمرار الوجه و الرعد يده لشدّة العزم على الانتقام، أو يرضى و يعفو حتى تظهر على ظاهره صورة الرضا و السكون و الطمأنينة، فيظهر أثره على

ظاهر الشخص المتكلم في نفسه مع صورة زيد و مثاله كما يظهر أثر الكلام اللفظي المعروف على ظاهر المتكلم و ليس شي ء من هذا بعلم و إنّما هو كلام و هذا ظاهر لمن فهم ما قلته.

و لكن الأشاعرة ما قدروا على التعبير عمّا أرادوا كما سمعت فانه شي ء معقول صحيح ألا تسمعهم يقولون: إنه تعالى يخاطب المعدوم و يأمره و ينهاه لأنه تعالى يمثل ذلك يستحضر صورتها و يخاطبها إلى آخر ما ذكره.

أقول: هذا المعنى و إن كان معقولا في نفسه متصورا بل محكوما عليه بأحكام كثيرة و لو غير شرعية بالنسبة إلينا إلّا أنّ أصحاب هذا القول الذين هم أعرف بمراد شيخهم بل و لا مخالفيهم لم يشيروا إلى ارادة هذا المعنى في المقام، و إن لم يجر كلامهم على مصبّ واحد، نعم ربما أطلقوا القول بأنّ المراد بمعنى اللفظ، بل لعل في بعض الشواهد المتقدمة كقول الأخطل و عمر و غيرهما إشعارا به، بل يمكن بإمكان غير بعيد أن يكون ذلك هو مراد الأشعري و إن لم يعبّر عنه هو و لا أحد ممن تبعه على ما هو عليه نعم ما حكاه عنهم بقوله هو ليس بحرف و لا صوت إلخ، لا ينطبق عليه تمام الانطباق.

و على كلّ حال فقد فرغنا عن تنزيهه سبحانه عن مثل تلك الخواطر النفسانية و الهواجس الذهنية و أثبتنا في الأصول الكلامية أنّ هذا كله من العوارض الإمكانية التي هي دليل النقصان و لا يتّصف سبحانه به و لا بالصفات الزائدة التي أثبتوها تكميلا للذات، مضافا إلى أنّ الكلام النفسي على هذا الوجه إن كان بالألفاظ المتخيّلة المتردّدة في الذهن فلا بدّ أن يكون بشي ء من اللغات من

العربية

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 356

و غيرها فهو مسبوق بخلق الحروف و وضعها و تأليفها أو غير ذلك مما هو من سمات الحدوث، و إن كان مجردا عن الألفاظ بل بمجرد إدراك المعنى مع قطع النظر عن كونه في ضمن العبارة فمرجعه إلى العلم و إدراك النسبة أو الطلب أو غير ذلك مما تأتي إليها الإشارة مع أنّ الصور الذهنية لها صور شخصية مركبة مسبوقه ببسائطها، بل منتزعة عن غيرها، على أن فرض قدمها يوجب عدم تأثير الذات فيها بوجه من الوجوه لا ذاتا و لا فعلا و لا إيجادا و لا إبقاء و لا غيرها من وجوه التأثير و الاقتضاء فكيف ينسب اليه سبحانه.

خامسها ما مرّت اليه الإشارة في حكاية عنهم و هو أنّ نسبة أحد طرفي الخبر إلى الآخر قائمة بنفس المتكلم و مغايرة للعلم لأنّ المتكلم قد يخبر عمّا لا يعلمه بل يعلم خلافه أو يشكّ فيه، و كذا المعنى النفسي الذي هو الأمر غير الإرادة لأنّه قد يأمر الرجل بما لا يريده كالمختبر لعبده و كالمعتذر من ضرب عبده لعصيانه.

قلت: و من المشتهر الخلاف من أنّ الطلب المدلول للأمر هل هو نفس الارادة أو غيرها، فالمحكي عن أصحابنا و المعتزلة هو الأول نظرا إلى أنّ المتبادر من الأمر الدالّ على الطلب هو إرادة الفعل من المأمور و قضية ذلك اتحادهما معا، و كان مرادهم بالإرادة هو الارادة الاقتضائية الخارجية الواقعة على سبيل إلزامه بالفعل أو ندبه اليه أو غير ذلك من المعاني حتى التهديد و غيره على وجه، فإنّ هذا هو المعنى الإنشائي المناسب للطلب بل المتحد معه مفهوما و تحققا.

و أمّا ما يعبّر عنه بالميل إلى الفعل أو القصد و

الإرادة إلى صدوره من الغير فلا ينبغي التأمل في مغايرته للطلب المعدود من أنواع الإنشاء لخلّو الإرادة بالمعنى الثاني عن المعنى الإنشائي.

و لعلّه يمكن الجمع بين ما سمعت من المذهب و بين ما يعزى الى

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 357

الأشاعرة من القول بالمغايرة، بل ربما يساعد المحكيّ من أدلتهم على هذا الجمع، فإنّهم قد استدلّوا على المغايرة.

أوّلا بأنّ اللّه تعالى أمر الكافر بالايمان و لم يرده منه لاستحالة وقوعه منه، لعلمه سبحانه بعدم صدوره منه، فلو صدر لا نقلب علمه جهلا و من البيّن استحالة إرادة المحال من العالم، و لأنّ صدور الكفر من الكافر لا بدّ أن يستند إلى سبب، و ذلك السبب لا بدّ أن ينتهي إلى الواجب تعالى لاستحالة التسلسل و إيجاده تعالى لذلك السبب يستدعي إرادة وقوع الكفر منه لكون إرادة السبب مع العلم بسببيته إرادة المسبّب، فيستحيل إرادة ضدّه حينئذ لاستحالة إرادة الضدين.

و ثانيا قد ينسخ قبل حضور وقت العمل فلو كان مريدا للمأمور به لاجتمع الإرادة و الكراهة في فعل واحد و هو محال.

و اختلاف الزمان غير مجد لعدم تصوّره في حقه تعالى، و لاتّحاد زمان الفعل و استحالة البدا عليه حقيقة بمعنى الظهور بعد الخفاء.

و ثالثا بضرورة التفكيك بينهما إذ من البيّن تحقق الأمر دون الإرادة في الأوامر الامتحانية و العكس في قول الآمر أريد منك الفعل و لا آمرك به.

قلت: و هذه الوجوه كما ترى ظاهرة في المعنى الثاني من الارادة و هو القصد إلى تحقق الفعل في الخارج، و تحقق الميل و المحبة اليه المقتضي لتحتم تحققه، و أمّا الإرادة الانشائية الاقتضائية الإظهارية فهي متحققة في أمر الكافر و في أمر من يعلم بعصيانه.

و لذا

ورد أنّ

للّه تعالى إرادتين و مشيّتين إرادة حتم و إرادة عزم ينهى و هو يشاء و يأمر و هو لا يشاء أو ما رأيت أنّ اللّه تعالى نهى آدم و زوجته أن يأكلا من الشجرة و هو شاء ذلك و لو لم يشأ لم يأكلا و لو لم يأكلا لغلبت مشيّتهما مشية اللّه

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 358

و أمر إبراهيم بذبح ابنه و شاء أن لا يذبحه و لو لم يشاء أن لا يذبحه لغلبت مشية إبراهيم مشيئة اللّه (عز و جل) «1».

و مما ذكرناه يظهر الجواب عمّا ذكروه من الوجوه، و أمّا ادعّوه من انتهاء سلسلة الأسباب لافعال العباد إلى اللّه سبحانه فهو مبنيّ على مذهبهم الفاسد من القول بالجبر، و ستسمع في موضعه الجواب عن شبهاتهم في ذلك، ثم إنّ الكلام في الجواب عن حجج الفريقين و تحقيق ما هو الحق في البين طويل جدا و قد أشرنا الى ما هو الأصل في المقام.

و على كلّ حال فالذي ينبغي لنا البحث عنه أنّ الارادة بكلا معنييه من المعاني الحادثة فينا بعد وجودنا، و هي من الصفات القائمة بنا و إرادة اللّه تعالى ليست من سنخ إرادتنا حتى تقاس بها، و على فرض المقايسة و المشابهة و لو من بعض الوجوه البعيدة فلا ريب أنّ الإرادة من صفات الأفعال لما سمعت من الفرق الكلي المستفاد من أخبار العترة الطاهرة عليهم الصلوة و السّلام بين الصفات الذاتية و الفعلية.

و لذا

أجاب الامام جعفر الصادق عليه السّلام حيث سئل لم يزل اللّه مريدا بقوله (عليه السّلام): إنّ المريد لا يكون إلا لمراد معه، بل لم يزل اللّه تعالى عالما قادرا ثمّ أراد «2».

و

عن صفوان بن يحيى «3»،

قال قلت لأبي الحسن عليه السّلام: أخبرني عن

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 4 ص 139 ط. الاخوندي بطهران.

(2) بحار الأنوار ج 4 ص 144 ط. الاخوندي بطهران.

(3) صفوان بن يحيى أبو محمّد البجلي الكوفي من أصحاب الكاظم و الجواد (عليهما السّلام) و كان أوثق أهل زمانه و أعبدهم و كان يصلي في كل يوم خمسين و مأة ركعة لأنه كان شريكا لعبد اللّه بن تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 359

الإرادة من اللّه و من الخلق؟ فقال عليه السّلام: الإرادة من الخلق الضمير و ما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل و أمّا من اللّه فإرادته إحداثه لا غير ذلك، لأنه لا يروّى و لا يهمّ و لا يتفكّر و هذه الصفات منفية عنه، و هي صفات الخلق فإرادة اللّه الفعل لا غير ذلك يقول له فيكون بلا لفظ و لا نطق بلسان و لا همّة و لا تفكر و لا كيف لذلك كما أنه بلا كيف «1».

و

في التوحيد عن مولينا الرضا عليه السّلام: المشية من صفات الأفعال فمن زعم أنّ اللّه لم يزل مريدا شائيا فليس بموحّد «2».

و مما سمعت و ما هو المقرّر في الأصول الكلامية يظهر أنّ الإرادة بالمعنيين المذكورين فضلا عما سواهما من العزم و المحبة و الكراهة و الهمّة و الرويّة كلها من صفات الإمكان الواقعة في صقع الحدوث.

سادسها ما أشار أليه المحقق الدواني في «شرح العقائد» «3».

______________________________

جندب و علي بن نعمان و روى انهم تعاقدوا في بيت اللّه الحرام أنّه من مات منهم صلّى من بقي منهم صلوته و صام عنه و زكّى عنه زكوته فماتا و بقي صفوان و كان يصلّي في كل يوم مأة و خمسين ركعة و

يصوم في السنة ثلثة أشهر و يزكّي زكوته ثلث دفعات و كان صفوان من أصحاب الإجماع، توفي سنة 210 ه بالمدينة.

(1) عيون أخبار الرضا ج 1 ص 119 ط. الاخوندي بطهران.

(2) بحار الأنوار ج 4 ص 145 ط. الاخوندي بطهران.

(3) شرح العقائد العضدية في علم الكلام لجلال الدين محمّد بن أسعد الدواني من حكماء القرن التاسع المتولد في سنة 830 بدوان (من بلاد كازرون) و المتوفى بفارس (شيراز) سنة 907 و متن الكتاب لعضد الدين الايجي عبد الرحمن بن أحمد من علماء الشافعية في القرن الثامن من أهل ايج (بفارس) ولي القضاء، وجدت له محنة مع صاحب كرمان، فحبسه بالقلعة، فمات مسجونا سنة 756 له مصنفات في الكلام- منها المواقف و منها العقائد العضدية و هو آخر

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 360

و في رسالته في إثبات الواجب و صفاته قال في الثانية بعد تمهيد أنّ صفه التكلم فينا عبارة عن قوّة تأليف الكلام، و انّ كلامنا عبارة عن الكلمات التي هو مؤلّفة لنا في الخيال: إنّ صفة التكلم القائم بذات اللّه تعالى صفة هي مصدر تأليف الكلمات و كلامه تعالى هي الكلمات التي هي متوجه إلى مخاطب مقدّر، و امتيازه عن العلم ظاهر، فإنّ كلام غيره تعالى معلوم له تعالى، و ليس كلامه، كما أنّ كلام غيرنا معلوم لنا و ليس كلامنا، و هذا الذي ذكرناه ليس ما ذهب إليه الحكماء من أنّ كلامه تعالى علمه و لا مذهب الحنابلة و من يحذو حذوهم من أنّ كلامه الأصوات و الحروف أو ما يشمل الأصوات و الحروف و المعاني و لا ما هو المشهور عن الأشعري من أن كلامه تعالى المعنى المقابل للفظ، بل تحقيق و

تنقيح لمذهب الأشعري كما يظهر بالتأمل الصادق، و لما كان علمه تعالى واحدا محيطا بجميع المعلومات كان كلامه أيضا واحدا مشتملا على أقسامه من الكتب و الصحف باللغات المختلفة و الإخبارات و الإنشائات، و لمّا كان كلامه أزليا كان الخطاب فيه متوجّها إلى المخاطب المقدّر إذ لا يخاطب موجود في الأزل فيكون المضي و الحضور و الاستقبال فيه بالنسبة الى الزمان المقدّر للمخاطب فلا إشكال في ورود بعضها بصفة المضي، و بعضها بصفة الحال، و بعضها بصفة الاستقبال.

______________________________

تصنيفاته.

كان معاصرا للحافظ الشيرازي و ممدوحا له في قطعة أنشأها في مدح الملك.

قال:

بعهد سلطنت شاه شيخ أبو اسحق به پنج شخص عجب ملك فارس بود آباد

نخست پادشهى همچو أو ولايت بخش كه جان خويش بپرورد و داد عيش بداد

دگر مربّى إسلام شيخ مجد الدين كه قاضيى به از أو آسمان ندارد ياد

دگر شهنشه دانش عضد كه در تصنيف بناى كار مواقف بنام شاه نهاد تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 361

ثم أورد على نفسه بأنه قد اطّرد العرف على أنّ من أنشأ كلاما بكتابه يسمى متكلّما به، و ينسب إليه ذلك الكلام، كما يقال: قال الشافعي كذا و كذا، و إنّما ينسب إليه ذلك الأقوال لأنه كتبها فلم لا يجوز أن يكون كلام اللّه تعالى من هذا القبيل، كما يقوله المعتزلة فيكون نسبته اليه تعالى بسبب أنّه كتبه في اللوح المحفوظ أو أوجده في لسان الملك أو الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أجاب بأن من لم يقدر على تأليف الكلمات في النفس لا يسمى متكلّما و إن أوجد النقوش، و كذلك من علم أنه ليس له قصد إلى تلك الألفاظ و الحروف لا يسمى متكلّما، و

نسبة القول إلى من كتب شيئا من الكلام بسبب إعتقاد أنّه دالّ على كلامه النفسي و لو علم انه ليس له الكلام النفسي لم يسمّ متكلما أصلا كما لو فرضنا انه صدر هذه النقوش من غير الإنسان.

و ثانيا بأنّ النصوص السمعية دالّة على إثبات صفة الكلام له تعالى و ظواهر تلك النصوص أنّها صفة مغايرة لساير الصفات كالعلم و القدرة و الإرادة، و القول بما قاله المعتزلة يؤدّي إلى أن لا يكون الكلام صفة اخرى بل راجعة إلى القدرة على خلق الكلمات في محلّها، و التجاوز عن الظواهر من غير ضرورة مستنكر، على أنه لا يمكن الدلالة على نفي الكلام النفسي، و لو نفوه لزمه القدح في كونه تعالى متكلّما بالمعنى العرفي كما سبق، و بعد ثبوت الكلام النفسي يتمّ ما ذكرناه من تحقيق مذهب الأشعري من غير خلل.

أقول: و فيه أولا أنّ ما مهده من أنّ صفة التكلم فينا عبارة عن قوة تأليف الكلام ممنوع جدا، فإنّ التكلّم من الأفعال التي يعتبر فيها الفعلية و لا يكفي فيه الشأن و القوة إذ الفعلية و التحصيل هي المنساق منه عند إطلاقه و لذا لا يقال تكلّم زيد بمجرد قدرته على ذلك، و بالجملة فرق بين الصفات النفسية و الأفعال

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 362

الخارجية، و التكلّم من الثانية، و يشهد له التبادر و صحة السلب عمّا ذكره، مع أنّ قوّة التأليف ترجع إلى القدرة، و قد شنع به أخيرا، و من جميع ما مرّ قد ظهر أيضا ضعف ما تو همّه من كون الكلام فينا عبارة عن الكلمات المؤلّفة الخيالية فإنّها صور ارتسامية من الكلام الخارجي الّذي هو حقيقته لا أنها نفس الكلام، و

لذا ليس للأخرس و لا للساكت كلام.

و ثانيا أنّ صفه التكلّم فيه سبحانه ليست قائمة بذاته تعالى، لأنّ التكلّم إمّا حادث أو قديم، و على الوجهين مغاير للذات كما هو المفروض في كلامهم، و على الوجهين قيامه غير ممكن، أمّا على فرض الحدوث كما هو الحقّ و إن لم يقولوا به فلامتناع كون الذات محلّا للحوادث و تغيّر الذات بعروضه، و لأنّ واجب الوجود لذاته واجب الوجود من جميع جهاته، و لأنّ الأزل لا يدخل فيه شي ء و لا يخرج منه شي ء، و أمّا على فرض القدم فلاستحالة التقارن بل القيام المأخوذ فيه عدم التأصل بل الترتيب و الافتقار، و لما دلّ على أنّ كل صفة خارجة عن الذات عارضة لها أو مقترنة بها في حادثة قطعا لأنّ معنى الوصفية العروض و التأخر، و معه يستحيل فرض القدم الذاتي.

ثم لا يخفى أنّ الصفة التي هي مصدر تأليف الكلمات هي القدرة، إذ بها يصدر التأليف، مع أنّ فرض المصدر لها يوجب تأخّر الصدور فضلا عن الصادر، سيما مع فرض كونه هي الكلمات المؤلّفة التي هي حقيقة في الألفاظ و الحروف المعتبرة فيها صفة التأليف، و أين هي من كونها مؤلّفه له تعالى بذاته في علمه القديم بغير واسطة، إن هذا إلّا التناقض في الكلام، و التقوّل بما لا يخفى فساده على الأفهام، نعم إنّما نشأ ذلك من قيام كلامه سبحانه بكلام خلقه، و قد عرفت الحال في المقيس عليه أيضا تعالى اللّه عما يقول الجاهلون المعاندون علوا كبيرا.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 363

و ثالثا أنه يستفاد من قوله: (و هذا الذي ذكرتها ليس ما ذهب إليه الحكماء إلخ) أنّ هذا الكلام الذي أثبته ليس راجعا إلى

العلم و لا إلى الأصوات و الحروف لا مقرونة بالمعاني و لا مفروقة عنها، و لا من سنخ المعنى المقابل للفظ و من البيّن أنّه ليس هاهنا أمر آخر إلّا ما صرّح به من الصفة التي هي مصدر تأليف الكلمات، و هو القدرة و لذا عبّر عنها أوّلا بالقوّة، فمن أين يكون تحقيقا لمذهب الأشعري؟ على أنه قد وقع أوّلا فيما طعن به أخيرا من إرجاعه إلى الشي ء من الصفات كالعلم و القدرة و نحو هما.

و رابعا أنّ اشتمال هذا الكلام الذي تو همه مع وحدته على أقسام الكلام من الكتب و الصحف باللغات المختلفة و الإخبارات و الإنشاءات غير معقول جدّا، فضلا عن تقدير الأزمنة و الخطاب المقدّر، و كأنه قاس ربّه بنفسه إذا علم أنه يملك بعد مضي مدة من السنين عبيدا سيوجدون بعد ذلك فيتوهّمهم موجودين ثم يخاطبهم مخاطبة وهميّة أو محققة بخطاب و همي مشتملا على أمر و نهي و إخبار و قصص و مواعظ و حكاية عن الماضين، و غير ذلك من الزجر و الوعيد و التهديد، و لعمري إنّ هذه الأمور الوهميّة يستدعي معبودا وهميّا، و هو كذلك عندهم، فإنّهم يتوهّمون ربهم و يعبدون أربابا يتوهمونها في أذهانهم، فهم من عبدة الأصنام الذين يعبدون ما ينحتون، و اللّه خلقهم و ما يعلمون.

و بالجملة المراد بالتقديران كان مجرّد الفرض و الاعتبار فهو كما ترى لتنزّهه سبحانه عن مثل ذلك، مع ان الخطاب و المخاطب و المخاطبة كلها حينئذ تقديرية، فان اعتبرنا الوجود التقديري اشتركت في القدم و إلّا اشتركت في العدم و التفكيك فاسد قطعا إذ لا يجوز حتى من المخلوق مخاطبة المخاطب المتوهم المقدّر بخطاب محقق متحصل.

تفسير الصراط المستقيم،

ج 1، ص: 364

و إن كان المراد تعلّق العلم بحصول ذلك فيما بعد ففيه أنّ مرجعه حينئذ إلى العلم الذي يحاشي عنه في آخر كلامه، مع أنّك ستسمع في موضعه أن تعلّق العلم الذاتي بالحوادث غير ممكن لعدم تعقّل تعلّق نفس الذات بها، فإنّ العلم الذاتي هو الذات، و كذلك الكلام في ساير الصفات الذاتية، نعم العلم الفعلي متعلّق بها لكن التعلّق و المتعلّق بالكسر و المتعلّق بالفتح كلّها في صقع الإمكان المسبوق بالعدم، و أين ذلك عن القدم.

و خامسا أنّ الوجهين الذين ذكرهما دفعا للإيراد ضعيفان.

أمّا الأوّل فلأنّ عدم صدق المتكلّم على موجد النقوش ليس لمجرد عدم القدرة على تأليف الكلمات في النفس، فإنّ الأخرس بل الساكت أيضا مع قدرتهما على تأليف الكلمات حسبما توهمّه في المخلوق لا يتّصفان بالتكلّم و لا يقال لهما المتكلّم.

و أمّا الثاني فلأنّه و إن كان مسلّما في الجملة إلّا أنّ ما ذكره يئول أيضا الى القدرة حسبما سمعت.

سابعها ما يحكى عن صاحب «المواقف» و محصّله أنّ لفظة المعنى يطلق تارة على مدلول اللفظ و أخرى على الأمر القائم بالغير، فالشيخ لمّا قال: الكلام هو المعنى النفسي فهم الأصحاب منه أنّ مراده مدلول اللفظ وحده، و هو القديم، و أمّا العبارات فإنما يسمّى كلاما مجازا لدلالتهما على ما هو كلام حقيقة حتى صرّحوا بأنّ اللفظ حادث على مذهبه، لكنّها ليست كلاما حقيقة، و هذا الذي فهموه من كلام الشيخ له لوازم كثيرة فاسدة، كعدم إنكار من أنكر كلاميّة ما بين دفّتي المصحف مع أنّه علم من الدين ضرورة كونه كلام اللّه تعالى حقيقة، و كعدم المعارضة و التحدّي بكلام اللّه الحقيقي، و كعدم كون المقروء و المحفوظ كلامه حقيقة، إلى

غير ذلك مما

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 365

لا يخفى على المتفطّن في الأحكام الدينية.

فوجب حمل كلام الشيخ على إرادته المعنى الثاني، فيكون الكلام النفسي عنده أمرا شاملا للفظ و المعنى جميعا قائما بذات اللّه و هو مكتوب في المصاحف مقروّ بالألسن محفوظ في الصدور، و هو غير الكتابة و القرائة و الخطوط الحادثة.

و ما يقال من أنّ الحروف و الألفاظ مترتّبة متعاقبة فجوابه أنّ ذلك الترتّب إنّما هو في التلفظ بسبب عدم مساعدة الآلة فالتلفظ حادث و الأدلة على الحدوث يجب حملها على حدوثه دون الملفوظ جمعا بين الأدلّة.

و عن بعضهم أنّ هذا المحمل لكلام الأشعري مما اختاره الشهرستاني أيضا في كتابه المسمى ب «نهاية الاقدام» «1».

قلت: و من التأمل فيما ذكرناه سابقا يظهر لك وجوه المناقشة في هذا الكلام، بل قد يناقش أيضا بأنّ مذهب الأشعري أنّ كلامه تعالى واحد ليس بأمر و لا نهي و لا خبر و إنّما يصير أحدها بحسب التعلّق، و هذه الأوصاف لا ينطبق على الكلام اللفظي بل و لا المعنوي أيضا، و لذا ذهبوا في فهم مراده كل مذهب.

و بأنّ كون الحروف و الألفاظ قائمة بذاته تعالى من غير ترتّب يفضي إلى كون الأصوات مع كونها أعراضا سيّالة موجودة بوجود لا يكون سيّالة و هو سفسطة من قبيل أن يقال: إنّ الحركة يوجد في بعض الموضوعات من غير ترتّب و تعاقب بين أجزائها.

و بأنّ محصّله الفرق بين ما يقوم بالقاري من الألفاظ و بين ما يقوم بذاته تعالى

______________________________

(1) نهاية الاقدام كتاب كلامي مرتّب على عشرين قاعدة لأبي الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني المتوفى سنة 548 ه.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 366

باجتماع أجزاء و عدم اجتماعها بسبب

قصور الألة و حينئذ إن أوجب الفرق اختلاف الحقيقة فلا يكون القائم بذاته تعالى من جنس الكلام و إلّا كان بعض صفاته الحقيقية مجانسا لصفات المخلوقين إذ التفاوت بينهما إنّما يكون بالاجتماع و عدمه الذين هما عارضان من عوارض الحقيقة الواحدة.

و بأنّ لزوم ما ذكره من المفاسد ممنوع إلى غير ذلك ممّا لا يخلو بعضها من المناقشات التي لا ينبغي الإطناب فيها بعد ما سمعت سيمّا مع وضوح المرام.

ثامنها ما حكاه عنهم المحقّق آقا جمال الخوانساري «1»، في بعض حواشيه على «شرح التجريد» و هو أنّه صفة حقيقية بسيطة واحدة وحدة حقيقية قائمة بذاته تعالى ينشعب تارة خبرا و أخرى أمرا و اخرى نهيا إلى غير ذلك قال: و هذا هو الذي حقيق بما قاله المصنّف في الإلهيات و النفساني غير معقول.

قلت: هذا المعنى كما ذكروه غير معقول سيمّا مع ما صرّحوا من مغايرته للعلم و القدرة و غير هما من الصفات الذاتية و مع ذلك فلا ينبغي تسميته الكلام الذي معناه معروف عرفا و عادة حتى في حقّ اللّه سبحانه، فإنّ ما يستعمل فيه اللفظ و لو مجازا ينبغي أن يكون متصوّرا بمعنى كونه متميّزا عمّا عداه. و هذا المعنى قد اختلف فيه مثبتوه على الوجوه التي سمعت و تسمع، و جميع ما ذكروه بين غير معقول لا يتفّوه به عاقل، و بين غير جايز إثباته في حقّه تعالى، و لذا قال الفاضل العلّامة أعلى اللّه مقامه فيما حكيناه عنه من «أنوار الملكوت»: إنّ المراد بكونه غير معقول أنّ العقل لا يجوّز وقوعه عن الحكيم، لا أنّه غير متصور، و إلّا لما أمكن الحكم عليه بكونه

______________________________

(1) هو محمّد جمال الدين بن آقا حسين

الخوانساري الاصفهاني المسكن و المدفن توفي سنة (1125) ه.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 367

نقصا.

قلت: و لعلّ مراد المشهور غير ذلك، و الخطب سهل فيه بل و في التأمل في آخر كلامه.

تاسعها ما ربما يحكي عن المنتمين إلى التصوف و التقشّف «1»، الذين هم من أصحاب الأخدود القائلين بوحدة الوجود، و هؤلاء و إن كانوا مختلفين في هذا الباب إلّا أنا اقتصرنا على بعض كلماتهم في المقام خوف الإطناب.

قال ابن العربي في أول ما سماّه «بالفتوحات» «2»، تكلّم سبحانه لا عن صمت متقدّم و لا سكوت متوهّم بكلام قديم أزلي كسائر صفاته من علمه و إرادته و قدرته كلّم موسى عليه السّلام و سماّه التنزيل و الزبور و التورية و الإنجيل من غير حروف و لا أصوات و لا نغم و لا لغات بل هو خالق الأصوات و الحروف و اللّغات إلخ.

و قد صرّح سابقا بقدم إرادته في قوله و لم يزل سبحانه موصوفا بهذه الإرادة أزلا و العالم معدوم غير موجود و إن كان ثابتا في العلم في عينه ثم أوجد العالم عن العلم السابق و تعيين الإرادة المنزّهة الأزلية القاضية على العالم بما أوجدته عليه من

______________________________

(1) تقشف: ضدّ تنعم- تقشف في لباسه أي تبلغ بالمرقع و الوسخ.

(2) الفتوحات المكية في معرفة اسرار المالكية و الملكية- مجلدات للشيخ محيي الدين محمّد بن علي المعروف بابن عربي الطائي المالكي المتوفى سنة 638 ه، من أعظم كتبه و آخرها تأليفا و ادّعى فيه ما ينبئي عن جنونه أو كفره، قال في الباب الثامن و الأربعين:

اعلم أنّ ترتيب أبواب الفتوحات لم يكن عن إختيار و لا عن نظر فكري و إنمّا الحق تعالى يملي لنا على لسان

ملك الإلهام جميع ما نسطره، و قد نذكر كلاما بين كلامين لا تعلّق له بما قبله و لا بما بعده و ذلك شبيه بقوله سبحانه: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى بين آيات طلاق و نكاح، و عدة و وفاة، و كان الفراغ من هذا الكتاب المترتب على 560 بابا.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 368

زمان و مكان و أكوان و ألوان.

و قال في موضع آخر: إن المفهوم من كون القرآن حروفا أمران: الأمر الواحد المسمّى قولا و كلاما و لفظا، و الأمر الآخر كتابة و رقما و خطّا و القرآن يخطّ فله حروف الرقم و ينطق به فله حروف اللّفظ فلمّا يرجع كونه حروفا منطوقا بها هل لكلام اللّه الذي صفته أو هل للمترجم عنه فاعلم أن اللّه سبحانه قد أخبرنا بنبيّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أنّه سبحانه يتجلّى في القيمة في صور مختلفة فيعرف و ينكر و من كانت حقيقته تقبل التجلّي فلا يعد أن يكون الكلام بالحروف المتلفظ بها المسماّة كلام اللّه لبعض تلك الصور كما يليق بجلاله و كما نقول يتجلّى في صورته كما يليق بجلاله كذلك نقول تكلّم بحروف و صوت كما يليق بجلاله إلى ان قال: فإذا تحقّقت ما قرّرناه تبيّنت أنّ كلام اللّه هو هذا المتلّو المسموع المتلفظ به المسمى قرآنا و تورية و زبورا و انجيلا.

و قال في الفصل الثاني من الباب الثامن و التسعين و المأة في جملة كلام له: نطق عيسى ببرائة أمّه في غير الحالة المعتادة ليكون آية فكان نطقه كلام اللّه في نفس الرحمن فنفس اللّه عن امه بذلك ما كان أصابها من كلام أهلها بما نسبوها اليه مما طهرّها اللّه

عنه، و من هنا قالت المعتزلة: إنّ المتكلم من خلق الكلام فيما ليس من شأنه أن يتكلّم مثل الجماد و النبات و غيرهما إلى أن قال: إنّ كلام اللّه علمه و علمه ذاته، و لا يصح أن يكون كلامه ليس هو، فإنّه كان يوصف بأنه محكوم عليه للزائد على ذاته، و هو لا يحكم عليه عزّ و جل و كل ذي كلام موصوف بأنّه قادر على أن يتكلّم، فيكون كلامه مخلوقا و كلامه قديم في مذهب الأشعري و عين ذاته في مذهب غيره من العقلاء، فنسبة الكلام إلى اللّه مجهولة لا يعرف كما أنّ ذاته تعالى لا تعرف.

و قال في الفصل السادس منه فليس الكون بزائد على كن بواوها الغيبية

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 369

فظهر الكون على صورة كن، و كن أمره، و أمره كلامه، و كلامه علمه، و علمه ذاته، فظهر العالم على صورته فخلق آدم على صورته.

و قال الغزالي: الكلام على ضربين.

أحدهما مطلق في حق الباري.

و الثاني في حق الآدميين أما الكلام الذي ينسب إلى الباري تعالى فهو صفة من صفات الربوبية فلا تشابه بين صفات الباري تعالى و بين صفات الآدميين فإنّ صفات الآدميين زائدة على ذواتهم لتكثر وحدتهم و تقّوم انيّتهم بتلك الصفات و تعيّن حدودهم و رسومهم بها و صفة الباري لاتّحد ذاته و لا ترسمه فليست إذا أشياء زائدة على العلم الذي هو حقيقة هويته تعالى و من أراد أن يعد صفات الباري أخطأ، فالواجب على العاقل أن يتأمّل و يعلم أنّ صفات الباري لا يتعدّد و لا يتفضل بعضها عن بعض إلّا في مراتب العبارات و موارد الإشارات فاذا أضيف علمه الى استماع دعوة المضطرين يقال سميع، و

إذا أضيف علمه إلى رؤيته ضمير الخلق يقال بصير، و إذا أفاض من مكنونات علمه على قلب أحد من الناس من أسرار الالهيّة و دقايق جبروت ربوبيّة يقال متكلّم، فليس بعضه آلة السمع، و بعضه آلة البصر، فاذن كلام الباري ليس شيئا سوى إفادته مكنونات علمه من يريد إكرامه، كما قال تعالى: وَ لَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ فشرّفه اللّه بقربه، و قرّبه بقدسه، و أجلسه على بساط أنسه و شافهه بأجلّ صفاته، و كلّمه بعلم ذاته كما شاء، تكلّم و كما أراد سمع انتهى.

قلت: و هو و إن أجاد في عدم إثبات قديم غير العلم الذي هو عين ذاته سبحانه إلّا أن تسمية العلم الذاتي كلاما أو تكلّما مما لا يساعده اللّغة و لا العرف و لا الشرع كما لا يساعد شي ء منها تسمية إفادة مكنونات علمه به.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 370

نعم قد يسمّى ذلك و حيا أو إلهاما أو قذفا أو حديث النفس أو فهما أو غير ذلك بحسب الموارد و المشخّصات و استشهاده بالآية غريب جدّا، بل لعل فيها الرّد عليه من وجوه كاختصاص موسى عليه السّلام به، و كونه الكلام بعد المجي ء و حكاية القولين معا بعد ذلك.

هذا مع الغضّ عن القطع في الخارج بأنّ كلامه معه لم يكن بمجرد الإلقاء في القلب بل كان بأصوات مخلوقة و ألفاظ مسموعة و لذا سمعه النفر السبعون الذين كانوا معه.

و قال الشيخ صدر الدين القونوي «1» في «تفسير الفاتحة»: كان من جملة ما مّن اللّه تعالى على عبده (أراد به نفسه) أن اطّلعه على بعض أسرار كتابه الكريم الحاوي على كل علم جسيم و أراه أنه ظهر عن مقارعة غيبيّة

واقعة بين صفتي القدرة و الإرادة متّصفا بحكم ما أحاط به العلم في المرتبة الجامعة بين الغيب و الشهادة لكن على نحو ما اقتضاه الموطن و المقام و عيّنه حكم المخاطب و حاله و وقته بالتبعيّة و الاستلزام.

و قال الشيخ شمس الدين الفناري في «شرح مفتاح الغيب» «2»، بعد الاشارة

______________________________

(1) القونوي محمّد بن اسحق صدر الدين، من كبار تلاميذ الشيخ محيي الدين ابن العربي تزوج ابن العربي امه، و رباه و كان شافعي المذهب، و بينه و بين نصير الدين الطوسي مكاتبات في بعض المسائل الحكمية، له مصنفات منها تفسير الفاتحة على اصطلاح أهل التصوف سماه اعجاز البيان في تفسير أم القرآن، و منها مفتاح الغيب في التصوف شرحه جمع من المتصوفة، توفى سنة 673 ه، و القونوي منسوب إلى القونية بضم القاف و كسر النون و تخفيف الياء بلد في الروم بين القسطنطنيّة و الشام.

(2) شرح مفتاح الغيب في التصوف، الماتن كما مرّ صدر الدين القونوي و هذا الشمس الدين

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 371

إلى الأسماء: ثم من ثمرات إحاطه هذه الأسماء كونها في القديم قديمة، و في الحادث حادثة، و كما هي قديمه بحقايقها، قديمه بتعلّقاتها الكلّية و الجزئية التي باعتبارها تدخل في أسماء الصفات و قدم التعلّق هو الأصح أيضا من طريقي أهل النظر و أنّ قدمها بتعلقاتها من حيث اعتبارها من طرف الوجود لا ينافي اتصافها بأوصاف الحدوث من حيث تبعيتها للعلم التابع للمعلوم، و أنّ لكل من الاعتبارين لسانا في الكتاب و السنة فلسان الأول كثير كيف و الحقّ تعالى علم جميع الأشياء في الأزل من عين علمه بذاته و اندراج فيه جميع الأسماء باقتضاءاتها.

أما الثاني فنحوه وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ

حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ «1» إلى أن قال:

فانصباغ تعينّات التعلّقات الأزلية للصفات بخواصّ الحوادث بهذا السبب لا ينافي قدمها في ذاتها و من حيث محلّها.

و على هذا كلام الحق و قد عرّفه الشيخ يعني القونوي في أول التفسير بأنّها الصفة الحاصلة من مقارعة غيبيّة بين صفتي الإرادة و القدرة لا ينافي قدمه، و قدم تعلّقه، انصباغ تعلّقه بما يقتضيه أحوال المخاطبين كالعبرانيّة و العربية و الماضوية و الحالية و المستقبلية فإنّها انصباغة ناشئة من الإعتبار الثاني فيندفع به كثير من الشبه التي عجز عن حلّها فحول أهل النظر ككون الألفاظ القرآنية حروفا و أصواتا مترتّبة حادثة، مع أنه من أنكر كلام اللّه و أنها نزلت فقد كفر، و كاقتضاء

______________________________

محمد بن حمزة الفناري الرومي، عالم بالمنطق و الأصول و التصوف توفى سنة 834، قال في كشف الظنون: لما أقرأ شمس الدين محمد الفناري مفتاح الغيب على ولده صنف شرحا لطيفا و ضمنه من معارف الصوفية ما لم تسمع الآذان و سماه مصباح الانس بين المعقول و المشهود في شرح مفتاح غيب الجمع و الوجود.

(1) محمد (صلى الله عليه و آله): 31.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 372

إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً «1»، قديما قدم نوح، و تحقيق اندفاعه أنّ قدم كل حادث بالنسبة إلى حضوره بكلياته و جزئياته مع الوجود الحق الذي لا يقّيد له من حيث هو بزمان أو حال و الى اطلاعه على ذلك الحضور اطلاعا لازما لا ينفكّ عن ذاته أصلا.

ثمّ حكى عن القونوي في تفسيره أنّه لمّا كان كلّ متعيّن من الأسماء و الصفات حجابا على أصله الذي لا يتعيّن و كان الكلام من جملة الصفات صار حجابا على المتكلّم من حيث نسبة علمه الذاتي

و كلام الحق تجلّى من عينه و حضرة علمه في العماء الذي هو نفس الرحماني و منزل بعض الحقائق و المراتب، و حضرة الأسماء إلى آخر ما ذكره ممّا هو كما سمعت من كلامهم مبنيّ على أصولهم الفاسدة كالقول بالأعيان الثابتة «2»، و الصور العلميّة و وحدة الوجود

______________________________

(1) نوح: 1.

(2) الأعيان الثابتة على اصطلاح الحكماء هي المهيّات الكلية اللازمة للتجلّي.

الأسمائي و الموجودة موجود الحق تطفلا لا بإيجاده أي لا تكون موجودة موجوداتها الخاصة و لذا قالوا: الأعيان الثابتة ما شمّت رائحة الوجود، قالوا في توضيح ذلك: إن حقيقة الوجود الغير المنزل إلى مراتب الامكانية لها ظهورات: فأولّها تجلّى ذاتها لذاتها و يعبرون عن هذا التجلّى بالحضرة الأحدية، و الهوية الصرفة، و غيب الغيوب، و الكنز المخفي، و الغيب المصون، و منقطع الإشارات و مقام لا اسم له و لا رسم له، و إلى هذا التجلّى يشير الجامي عبد الرحمن المتوفى سنة 897 ه بقوله: در آن خلوت كه هستى بي نشان بودبكنج نيستى عالم نهان بود

وجودى بود از قيد دوئى دورز گفت و گوى مائى و توئى دور

وجودى مطلق از قيد مظاهربنور خويشتن بر خويش ظاهر

و الثاني من الظهورات الوجود على تعينات الصفات و الأسماء و لوازمها المسماة بالأعيان الثابتة و هي الماهية الكلية اللازمة لهذا التجلّى الأسمائي الغير المنفكّة عنه نظير عدم

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 373

«3»، و المشاركة في الأسماء. و الصفات و غير ذلك مما يفضي التكلّم فيها في المقام إلى الإطناب و إن كنا نشير الى إبطال كل منها في غير موضع من هذا الكتاب، و اللّه الموفق للصواب.

قال الصدر الأجلّ الشيرازي: الكلام ليس كما قالته الأشاعرة

صفة نفسيّة و معاني قائمة بذاته تعالى سمّوها الكلام النفسي، لأنّه غير معقول و إلّا لكان علما لا كلاما، و ليس عبارة عن مجرّد خلق الأصوات و الحروف الدالّة على المعاني و إلّا لكان كل كلام كلام اللّه تعالى، و لا يفيد التقيّد بكونه على قصد إعلام المعاني من قبل اللّه تعالى، أو على قصد الإلقاء من قبله، إذا لكلّ من عنده، و لو أريد بلا واسطة فهو غير جائز أيضا، و إلّا لم يكن أصواتا و حروفا بل هو عبارة عن إنشاء كلمات تاماّت و إنزال آيات محكمات و أخر متشابهات في كسوة ألفاظ و عبارات.

______________________________

انفكاك لوازم الماهية عن الماهية، و بهذا الاعتبار يسمى ذلك الوجود بالحضرة الواحدية، و عالم الأسماء، و برزخ البرازخ و الفيض الأقدس، و الصبح الأزل، ثم للوجود الحقيقي ظهور ثالث على الأعيان الامكانية و يسمى بهذا الاعتبار الفيض المقدّس، و المشية، و الرحمة الواسعة و الوجود المنبسط.

(3) القائلون بالتوحيد ثلث طوائف: بعضهم يقولون بكثرة الوجود الموجود جميعا، و هم المشاّئون الذين يقولون بكثرتها غاية الأمر يخصّون فردا منها بالواجب.

و بعضهم يقولون بوحدة الوجود و الموجود جميعا و هم الصوفية، و هم أيضا على طائفتين:

الأولى قائلون بأن الوجود الواحد يتشأّن بشئون مختلفه و يتطوّر بأطوار متكثرة ففي السماء سماء و في الأرض أرض و هكذا، و هذا المذهب منسوب إلى جهلة الصوفية، و الثانية أكابرهم القائلون بأن للوجود حقيقة مجردة عن المجالي لكن الوجود بجميعه مجردا عن المجالي و غيره واجب الوجود بخلاف الفهلوبين القائلين بأنّ الواجب هو المجرد عن المجالى و ما سواه ممكن، و بعضهم يقولون بوحده الوجود و كثرة الموجود و هذا مذهب منسوب إلى ذوق التألّه

و هو الذي ارتضاه جمع من المحققين كالدواني و الداماد. المنظومة السبزواري- شرح الآملى-.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 374

قلت: أمّا ما أورده الأشاعرة فهو في محلّه إلّا ما أفاده من جهة الحصر إذ قد يفسّر أيضا بالقدرة، و بالألفاظ النفسية و غيرها مما هو معقول مطلقا أو في حق غيره.

و أمّا ما أورده على المعتزلة فمع الغضّ عمّا في عبارته من المسامحة إذ الأولى التعبير بالأصوات المخلوقة فإنّها الكلام لا خلق الأصوات فإنّه التكلّم.

ففيه أنّ الطعن غير وارد عليهم لأن أفعال الخلق عندهم منسوبة إليهم، بخلاف الأشاعرة الذين يرون أفعال العباد مخلوقة له تعالى من غير صنع للعبد، و أغرب منه القول بعدم إفادة التقييد بأحد الوجهين معلّلا بأن الكلّ من عنده، و من البيّن وضوح الفرق لغة و عرفا و شرعا بين الكلام الذي يتكلّم زيد باختياره و رضاه و إرادته و بين ما خلقه اللّه تعالى في شجرة موسى أو في الهواء أو في الجبال، أو في غيرها من الجمادات، فإنّ الأوّل منسوب إلى زيد و الثاني إلى اللّه سبحانه و إن كان الكلّ منه سبحانه على وجه، و بالجملة لا ريب من إطلاق الكلام على ما ذكره المعتزلة من الأصوات و الألفاظ المخلوقة المسموعة كما في قوله تعالى: وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ «1»، ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ «2»، و قوله: وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً «3»، على التقريب المتقدم و قوله: يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي «4»، و إن كانت

______________________________

(1) التوبة: 6.

(2) البقرة: 75.

(3) النساء: 163.

(4) الأعراف: 143.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 375

جهة الإطلاق في تلك الموارد مختلفة

ففي الأوّلين باعتبار الحكاية و اسم المصدر و في الأخيرين باعتبار الأصالة و المصدر و لذا يفهم منفهما الإختصاص.

ثم إنّ كلامه (رحمه اللّه) كما ترى لا إشعار فيه بقدم الكلام أصلا و إن قيل: إنّ المستفاد من فحوى كلامه و كلام أتباعه مثل الملّا محسن «1»، أنّه قديم إلّا أنه ليس على ما ذهب اليه الأشاعرة الذين يجعلونه كلاما نفسانيا، بل لأنّه بعض شئونه الذاتية و شئون الذات لا تتغّير.

أقول: و لعلّه استفاده من كلامه في مواضع أخر حيث يستفاد من بعض كلماته القول بوحدة الوجود و بإثبات الأعيان الثابتة و الصور العلميّة و الشئون الذاتية و عدم مجعوليّة الماهيّة بل و لا الوجود و كون البقاء للممكنات ببقاء اللّه تعالى لا بقائه و كونه فاعلا بالتجلّي «2» و انّ بسيط الحقيقة كلّ الأشياء إلى غير ذلك من المسائل

______________________________

(1) المولى محمّد بن مرتضى المدعو بمحسن و الملقب بالفيض الكاشاني، محقّق، مدقّق جليل القدر، عظيم الشأن، رفيع المنزلة، أديب شاعر، متبحر في علوم عصره له قريب من مأة تأليف منها الصافي، و الوافي، و الشافي، و محجة البيضاء في إحياء الإحياء، تلمذ على الملّا صدرا و زوّج ابنته و تلمذ أيضا على المير داماد و غير هما توفى سنة 1091 ه، و قبره بكاشان معروف و مزار.

(2) الفاعل بالتجلّى هو الذي يكون علمه التفصيلي بفعله قبل فعله و لا يقترن قبله بالداعي و لا يكون علمه السابق على فعله زائدا على ذاته بل يكون عين ذاته، و لا فرق من هذا الجهة بينه و بين الفاعل بالرضا إلا أن العلم السابق على الفعل في الفاعل بالرضا الذي هو عين الفاعل إجمالي لا غير و في

الفاعل بالتجلّى يكون تفصيليا بمعنى أنه إجمالي في عين الكشف التفصيلي و إنّما ينشأ ذلك من كون الفاعل بسيط الحقيقة و انّ بسيط الحقيقة كل الأشياء، فكما أن وجوده تعالى و تقدّس مع وحدته كلّ الوجودات بحيث لا يشذ عن سعة وجوده وجود فكذلك من علمه بذاته الذي يكون عين ذاته لا أمرا زائدا على ذاته يعلم كل الأشياء حيث لا يكون شي ء خارجا عنه

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 376

التي ملأ بها كتبه بل نسب إلى صهره المحدث الفيض الكاشاني أنه قال في كتابه «أنوار الحكمة» «1»، إنّ التكلم فينا ملكة قائمة بذواتنا نتمكّن بها من إفاضة مخزوننا العلميّة عن غيرنا و فيه سبحانه عين ذاته إلّا أنّه باعتبار كونه من صفات الأفعال متأخّر عن ذاته.

قال مولينا الصادق (عليه السّلام): إنّ الكلام صفة محدثة ليست بأزلية كان اللّه عزّ و جلّ و لا متكلّم «2».

______________________________

و إذا كان ذاته الذي كلّ الأشياء حاضرا لدى ذاته و معلوما لذاته فكل الأشياء معلوم لذاته بنفس علمه بذاته الذي هو عين ذاته لا يعلم آخر و إنمّا سمى الفاعل بالتجلي لكون أفعاله ظهورات ذاته، و تجليات صفاته التي عين ذاته.

الاسفار (و المنظومة) و تعليقة الآملي على المنظومة.

(1) أنوار الحكمة كتاب كلامي في أصول الدين ملخص من علم اليقين مع زيادات حكمية للفيض الكاشاني، طبع في طهران بالطبع الحجري.

(2) لعلّه مضمون الحديث لان متن الحديث على ما رواه في البحار هكذا ...

عن أبي بصير قال (ل) سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لم يزل اللّه جلّ اسمه عالما بذاته و لا معلوم، و لم يزل قادرا بذاته- و لا مقدور، قلت: جعلت فداك فلم يزل متكلما قال:

الكلام محدث،

كان اللّه عز و جل و ليس بمتكلّم ثمّ أحدث الكلام.

- بحار الأنوار ج 4 ص 151.

قال المجلسي (قدس سره) بعد ذكر الحديث السابق ذكره، بيان: اعلم انه لا خلاف بين أهل الملل في كونه تعالى متكلما لكن اختلفوا في تحقيق كلامه و حدوثه و قدمه فالامامية قالوا:

بحدوث كلامه و معنى كونه متكلّما عندهم أنّه موجد تلك الحروف و الأصوات في الجسم كاللوح المحفوظ، أو جبرئيل، أو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو غيرهم كشجرة موسى، و به قالت المعتزلة له أيضا، و الحنابلة ذهبوا إلى أنّ كلامه صفة له مؤلّفة من الحروف و الأصوات الحادثة القائمة بذاته تعالى، و الأشاعرة أثبتوا الكلام النفسي و قالوا: كلامه معنى واحد بسيط، قائم

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 377

أقول: و هو غريب جدا فإنه مع التصريح بكونه عين الذات كيف يتصور كونه من صفات الأفعال و كيف يكون متأخّرا عن الذات، و أغرب من ذلك استشهاده بالخبر الصريح في الحدوث، و بالجملة ففي مواضع من كلامه رحمه اللّه شهادة على حدوثه، و مع ذلك فكيف يكون عين ذاته، و هذا الكتاب لم أظفر به بل لم أره في فهرس مؤلفاته المذكورة في «اللّؤلؤة» إلّا أنّ من حكى عنه أعلم بما حكاه.

اعلم أنّ القرآن كما سمعت كان نورا من أنوار القدس متجلّيا تحت حجاب الواحدية في علم المشيّة بعد التمكين و التكوين في صقع التدوين و هو رشحة من رشحات رحمته الكلّية السارية في عالم الأكوان الجامعة لجميع مراتبها في جميع العوالم و هو الروح الذي هو عن أمر ربنا وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ وَ لكِنْ

جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «1»، يعني أنّه (صلّى اللّه عليه و آله) كان أولا في مقام العبودية المحضة مستغرقا في الإقبال الكلي الذي لا التفات معه إلى غيره أصلا و لذا نسب إليه صلّى اللّه عليه و آله نفي الدرايّة أو لأنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) ليس له من ذاته في صقع وجوده شي ء من الفيوض و الشئون حتى العلوم و المعارف التي تكاد تكون من لوازم ذاته القدسية الشريفة و إنّما الكل من عنده سبحانه: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ «2».

______________________________

بذاته، قديم، و قد قامت البراهين على ابطال ما سوى المذهب الأول، و تشهد البديهة ببطلان بعضها، و قد دلّت الأخبار الكثيرة على بطلان كلّ منها، نعم القدرة على إيجاد الكلام قديمة غير زائدة على الذات و كذا العلم بمدلولاتها، و ظاهر أنّ الكلام غيرهما.

(1) الشورى: 52.

(2) آل عمران: 73.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 378

ثم لم يزل القرآن تنزل من عالم الى عالم و من رتبة إلى رتبة، و يتجلى بصورة بعد صورة و يتجوهر بحلية بعد حلية في السلسلة الطولية إلى أن اكتسى في عالم الأصوات و الألفاظ صور الحروف و الكلمات، و في عالم النقوش صور الرقوم الجزئية المتعينة، و قد سمعت فيما مرّ من الأخبار أنّه يتجلّى في يوم القيمة في صورة شابّ حسن الخلق و الخلق، ينسبه كلّ من المؤمنين و الشهداء و الأنبياء و الملئكة منهم، بل من أفضلهم و أعلمهم، و إطلاقه على كلّ من تلك الصور في جميع العوالم حقيقة لاتحاد الحقيقة، فحدوثه في كل عالم من العوالم إنّما هو باعتبار

ذلك العالم، فهو من جهة أنه نور حادث في عالم الأنوار، و من جهة أنه رحمة حادث في عالم الأرواح، و من جهة أنه معنى حادث في عالم المعاني، و من جهة أنّه ملفوظ حادث في عالم الألفاظ، و من جهة أنّه منقوش حادث في عالم النقوش، بل جميع تلك العوالم كلّها كغيرها من العوالم الإمكانية و الكونية المجردة أو المادية حادثة مسبوقة بالعدم على أنّك قد سمعت غير مرّة أنّ محض التوحيد يأبى إثبات الصفات المغايرة الذاتية فضلا عن الفعلية فضلا، عمّا هو في صقع المفعول كالقرآن، فإنه هو الحاصل من بعض شئون المشيّة و تجلياتها في رتبة المفعول.

و لذا تظافرت الشواهد من الكتاب و السنّة على حدوثه كقوله تعالى في سورة طه: وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَ صَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً «1»، و في سورة الأنبياء: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ «2»، و في سورة الشعراء:

______________________________

(1) طه: 113.

(2) الأنبياء: 2.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 379

وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ «1».

و

في الاحتجاج عن صفوان بن يحيى قال سئلني أبو قرّة المحدّث صاحب شبرمة «2»، أن ادخله إلى أبي الحسن الرّضا عليه السّلام فاستأذنته فأذن له فدخل فسئله عن أشياء من الحلال و الحرام و الفرائض و الأحكام حتى بلغ سئواله الى التوحيد فقال له: أخبرني جعلني اللّه فداك عن كلام اللّه تعالى لموسى فقال: اللّه أعلم بأيّ لسان كلّمه بلسان السريانية أم بالعبرانية، فأخذ أبو قرّة بلسانه، فقال:

إنّما أسئلك عن هذا اللسان، فقال أبو الحسن عليه السّلام سبحان اللّه مما تقول و معاذ

اللّه أن يشبه خلقه أو يتكلّم بمثل ما هم به متكلّمون و لكنه- عزّ و جل- ليس كمثله شي ء و لا كمثله قائل فاعل قال: كيف ذلك؟ قال: كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق و لا يلفظ بشقّ فم و لا لسان و لكنه يقول له كن فكان بمشيته ما خاطب به موسى من الأمر و النهي من غير تردّد من نفس، فقال له أبو قرّة:

فما تقول في الكتب؟ فقال أبو الحسن عليه السّلام: التورية و الإنجيل و الزبور و القرآن و كلّ كتاب انزل كان اللّه أنزله للعالمين نورا و هدى و هي كلّها محدثة و هي غير اللّه تعالى حيث يقول: أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً «3»، و اللّه أحدث الكتب كلها و هو الذي أنزلها فقال أبو قرة: فهل تفنى؟ فقال أبو الحسن عليه السّلام: أجمع المسلمون على أن ما سوى اللّه فان و ما سوى اللّه فعل اللّه و التورية و الإنجيل و الزبور و القرآن فعل اللّه

______________________________

(1) الشعراء: 5.

(2) ابن شبرمة عبد اللّه البجلي الكوفي كان قاضيا لأبي جعفر المنصور على سواد الكوفة، و كان شاعرا توفى سنة 144 ه.

(3) الأنبياء: 2. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 380

ألم تسمع الناس يقولون: ربّ القرآن و إنّ القرآن يوم القيمة يقول: يا ربّ هذا فلان و هو أعرف به منه قد أظمأت نهاره و أسهرت ليله فشفّعني فيه كذلك التورية و الإنجيل و الزبور هي كلّها محدثة مربوبة أحدثها من ليس كمثله شي ء هدى لقوم يعقلون فمن زعم أنهنّ لم يزلن فقد أظهر أنّ اللّه تعالى ليس بأوّل قديم و لا واحد، و ان الكلام لم يزل معه و ليس له

بدو و ليس باله.

قال أبو قرّة: فإنا روينا أنّ الكتب كلها تجي ء يوم القيمة و الناس في صعيد واحد صفوف قيام لرب العالمين ينظرون حتى ترجع فيه و هي جزء منه فإليه تصير قال أبو الحسن عليه السّلام: فهكذا قالت النصارى في المسيح ان روحه جزء منه تعالى و يرجع فيه، و كذلك قالت المجوس في النار و الشمس أنّها جزء منه و يرجع فيه تعالى ربنا أن يكون مجزّءا أو مختلفا و إنّما يختلف و يأتلف المتجزّئ لأنّ كلّ متجزّء متوهم و القلّة و الكثرة مخلوقة دالّة على خالق خلقها «1».

و

في «التوحيد» في جواب مكاتبة عبد الرحيم القصير «2»، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) حيث سئله عن مسائل من جملتها أنّ الناس اختلفوا في القرآن فزعم قوم أنّ القرآن كلام اللّه غير مخلوق و قال آخرون كلام اللّه مخلوق إلى ان قال عليه السّلام: و سئلت رحمك اللّه عن القرآن و اختلاف الناس قبلكم فإنّ القرآن كلام اللّه محدث غير مخلوق و غير أزلي مع اللّه تعالى ذكره و تعالى عن ذلك علوا كبيرا كان اللّه

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 10 ص 344 ط. الاخوندي بطهران.

(2) عبد الرحيم بن روح القصير الاسدي كوفي روى عنهما و بقي بعد أبي عبد اللّه الصادق (عليه السّلام) و يظهر من بعض الأحاديث مدحه عن الصادق (عليه السّلام) كما في جوابه (عليه السّلام) عن كتاب له: سألت يرحمك اللّه. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 381

عزّ و جلّ و لا شي ء غير اللّه معروف و لا مجهول كان عزّ و جلّ و لا متكلم و لا مريد و لا متحرك و لا فاعل جلّ و عزّ ربنا فجميع

هذه الصفات محدثة عن حدوث الفعل منه جل و عزّ ربنا و القرآن كلام اللّه غير مخلوق فيه خبر من كان قبلكم و خبر ما يكون بعدكم، انزل من عند اللّه على محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) «1».

أقول: و دلالة الخبر كسابقه على المطلوب واضح من وجه كوضوح اشتمالها سيما الأول على جملة من البراهين الدالّة على ذلك.

و اما قوله في الثاني: غير مخلوق فالمراد أنّه غير مجعول و لا مختلق من البشر كما تو همّه الكفار، كما قالوا (إن هذا الّا اختلاق) «2»، و لذا صرّح بكونه محدث للّه غير أزلي بل استدلّ له بقضية التوحيد.

و من هنا يظهر الوجه

فيما رواه في «الخصال» عن الصادق (عليه السّلام) قال: و القرآن كلام اللّه ليس بخالق و لا مخلوق «3»

حيث إنّ المراد نفي اختلاقه و افتعاله، و أمّا نفي كونه خالقا فكأنّه من الخلق بمعنى الاندراس اي إنّه غضّ طريّ لا يبلى و لا ينسخ أبدا.

و قد ظهر مما مرّ الجواب عمّا استدلّ به القول بالقدم كما عن الأشاعرة من الخبر المرويّ

عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم القرآن كلام اللّه غير مخلوق.

و لذا قال الصدوق (رحمه اللّه) بعد ذكر الخبر: إن المراد منه أي غير مكذوب،

______________________________

(1) بحار الأنوار- فضائل القرآن ج 19 القديم ص 31 باب ان القرآن مخلوق.

(2) ص: 7.

(3) وردت بهذا المضمون روايات عن الباقر و الرضا (عليهما السّلام) و من أراد الاطلاع عليها فليراجع بحار الأنوار ج 19 ط. القديم باب ان القرآن مخلوق ص 31.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 382

و لا يعني به أنه غير محدث لأنه قال: محدث غير مخلوق و غير أزلي

مع اللّه تعالى:

قيل: و لعلّ المنع من إطلاق الخلق على القرآن إمّا للتقية مماشاة مع العامّة أو لكونه موهما لمعنى آخر أطلق الكفار عليه بهذا المعنى في قولهم: (إن هذا الّا اختلاق) «1».

و

عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لم يزل اللّه تعالى عالما بذاته و لا معلوم و لم يزل قادرا بذاته و لا مقدور، قلت جعلت فدلك فلم يزل متكلّما قال عليه السّلام: الكلام محدث كان اللّه (عزّ و جل) و ليس بمتكلّم ثم أحدث الكلام «2».

و

في خبر آخر عنه (عليه السّلام) لم يزل اللّه- عز و جل- ربنا و العلم ذاته و لا معلوم إلى أن قال: قلت فلم يزل اللّه متكلّما فقال عليه السّلام: إنّ الكلام صفة محدثة و ليست بأزلية كان اللّه (عز و جل) و لا متكلّم «3».

و

في «الاحتجاج» سئل أبو الحسن علي بن محمّد عن التوحيد فقيل: لم يزل اللّه وحده لا شي ء معه ثم خلق الأشياء بديعا و اختار لنفسه أحسن الأسماء و لم تزل الأسماء و الحروف معه قديمة؟ فكتب (عليه السّلام): لم يزل اللّه موجودا ثم كوّن ما أراد .. الخبر «4».

فان قلت: ظاهر الأخبار المتقدّمة، بل و كذا الآيات إنّما هو حدوث القرآن في هذا العالم الناسوتي بعد بعثه خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، حسبما كان

______________________________

(1) ص: 7.

(2) بحار الأنوار ج 4 ط. الآخوندي بطهران ص 150.

(3) بحار الأنوار ج 4 ط. الآخوندي بطهران ص 72.

(4) الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 250.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 383

الملك يأتيه بالخصوص الآيات الفرقانية باعتبار الاقتضاءات الخاصّة التي تقضي نزولها عليه، و أين هذا من القول بسبق صدوره

و تقدّم خلقه في عالم الأنوار و تطور تلك الأطوار عليه؟.

قلت: حدوث نزوله في هذا العالم بحسب الاقتضاءات الخاصة مما لا شبهة فيه و هو لا ينافي نزوله جملة واحدة في ليلة القدر في السماء الرابعة أو نزوله على طور الأطوار على قلب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو على لسان الملك أو على القلم أو على غيرها من الخلق مما يفيد تقدّما دهريا على غيره من الماديّات كما أنّ وجود خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّما حدث في هذا العالم بعد كافّة الأنبياء مع أنّه يستفاد من

قوله عليه السّلام كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين «1»

تقدّم خلقه، بل نبّوته على خلق آدم عليه السّلام فضلا عن غيره، بل يستفاد من أخبار كثيره متواترة أنّه الخلق الأول و أنّ أول ما خلق اللّه روحه و نوره الشريف و أنّه أوّل من نطق بالتسبيح و التهليل و التكبير للّه رب العالمين، و أنّ كلّ من عبد اللّه فإنما كان بتعليمه و تعليم علي عليه السّلام حتى الأنبياء و الملئكة، إلى غير ذلك مما يدلّ على تقدّم خلق أنوارهم و أرواحهم في عالم آخر غير هذا العالم.

______________________________

(1) لم اظفر بسنده و مدركه إلّا أنّه مشهور كما أنّ غواص بحار الأحاديث المجلسي (قدس سره) قال في بحار الأنوار تذنيب ذكره للبحث عن كيفية تعبّد النبيّ (ص) قبل بعثه و هل كان متعبدا بشريعة من كان قبله أولا: إنّ الذي ظهر لي من الأخبار المعتبرة و الآثار المستفيضة هو أنّه (ص) كان قبل بعثته مذ أكمل اللّه عقله في بدو سنه نبيا مؤيّدا بروح القدس، يكلّمه الملك، و يسمع

الصوت، و يرى في المنام ثم بعد أربعين سنة صار رسولا، و كلمه الملك معانية، و نزل عليه القرآن (إلى ان قال:) و يؤيد ذلك الخبر المشهور عندهم:

«كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين» أو «بين الروح و الجسد». تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 384

بل قد دلت الأخبار الكثيرة على أنّ اللّه تعالى خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام أو بأربعة آلاف عام، أو أزيد على اختلاف الأخبار المنزل على جهات الاعتبار، و من هنا قالوا: إنّ كينونة النفس في عالم الدهر و إنّما هو قبل كينونة البدن، أولا ثم تعلّق النقوش و الأرواح بها و بالجملة خلق القرآن بل مطلق الكلام كغيره من الإبداعيات إنّما هو في عالم أعلى و أكمل و أبسط و أجمل ثم يتنزّل أمره شيئا فشيئا إلى أن يصل طرف منه إلى هذا العالم.

و لذا

ورد في دعاء السمات المرويّ عن الحجّة عجل اللّه تعالى فرجه: و أسئلك بمجدك الذي كلّمت به عبدك و رسولك موسى بن عمران عليه السّلام في المقدسين فوق إحساس الكرّوبيّين فوق غمايم النور فوق تابوت الشهادة في عمود النار في طور سيناء و في جبل حوريث في الواد المقدس في البقعة المباركة من جانب الطور الأيمن من الشجرة.

فإنّ هذا الكلام حيث كان الكليم في زمرة المقدّسين الذين طهّرهم اللّه بحقيقة عبوديّتهم عن الالتفات إلى غيره سبحانه فوق إحساس الكروّبيين بفتح الهمزة أي قويهم و مشاعرهم فإنه كان أعظم من أن تناله مداركهم و معارجهم و شئونهم و ترقياتهم، و المراد بالكرّوبيين هم الملئكة المقرّبون كالأربعة الحملة لعرش التكوين، و غمام النور في أصلها السحائب البيض التي تغّم الماء الي تستره في أجوافها و كانت تظلّ

لبني إسرائيل و تابوت الشهادة وعاء العلم و الحكمة و التدبير و حامل التدوير و قلب منطقة معدّل المسير يشهد لحامله بشي ء من النبوّة و الولاية المطلقتين أو المقيدتين على حسب اختلاف التجلّيات و اختلاف الشئونات و مراتب القابليات، و أمّا عمود النار فهو في الظاهر و إن كان إشارة إلى ما ترائى له في الظاهر نارا و كان نورا إلّا أنه بحسب الحقيقة إشارة إلى روح القدس التي هي عمود من نور بين البطون

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 385

و الظهور ينكشف به للإمام عليه السّلام حقايق أحوال المخلوقين و أفعالها و تطوراتها و شئونها و تجلياتها، و الطور جبل بالشام، و السيناء هي الشجرة و ان كانت في الحقيقة هي شجرة الولاية النابتة في النجف الأشرف، بل

ورد في الأخبار أن النجف هو الجبل الذي كلّم اللّه عليه موسى تكليما و اتخذ اللّه إبراهيم خليلا و عيسى روحا و محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حبيبا «1»

، فإن هذا يؤكد ما سمعت.

نعم قد يقال: إن موقع تلك النار على جبل الولاية و منه ظهرت للنبيين و المرسلين و هو

قول سيدنا أمير المؤمنين عليه السّلام: أنا صاحب الأزلية الأولية،

و الولاية جبل واحد تشعبّت منها جبال كثيره منها جبل الاختراع و جبل الابتداع و الجبل الواحدية و الجبل الأحدية و غيرها، و كان ظهور النار لموسى على جبل الولاية جبل الأحدية فافهم، و أمّا جبل حوريث و قيل: حوريثا فهو جبل بأرض مدين خوطب عليه موسى عليه السّلام أوّل خطابه.

ثم لا يخفى أن ما سمعت من معنى الكلام إنّما هو معناه الخاص التدويني و له معنى عام شامل له و للتكويني أيضا و

هو أنّه عبارة عن كلمات صادرة عن المتكلم بإحداثه لها أو تلاوته لها سواء كانت من الذوات المجرّدة أو الماديّة أو من الجواهر أو الأعراض أو الأفعال و الصفات أو الألفاظ أو غيرها إذا لوحظت باعتبار قيامها بالمتكلّم قيام صدور، و من هنا يطلق الكلم على الأرواح و النفوس و منه قوله

______________________________

(1)

في سفينة البحار ج 2 ص 572 عن إرشاد القلوب روى عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) أنه قال: الغرىّ قطعه من الجبل الذي كلّم اللّه عليه موسى تكليما و قدّس عليه عيسى تقديسا و اتخذ عليه إبراهيم خليلا، و محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و عليهم حبيبا و جعله للنبيين مسكنا. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 386

تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ «1»، و قد أطلقت الكلمة على عيسى في مواضع من القرآن و الكلمات على الأئمة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي «2»، وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ «3»، أي فضائلهم و مناقبهم.

و لذا

ورد عنهم في أخبار كثيرة نحن الكلمات التامّات و الأسماء الحسنى «4»

و فيهم نزلت قوله تعالى: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ «5» و تماميتهم إنّما هو في رتبة الإمكان و إن كان الإمكان معدن القصور و النقصان.

ثم ان الكلام هو الكلمات بالإسناد، و هما الكاف و النون و المشار بهما الى المهية و الوجود.

______________________________

(1) فاطر: 10.

(2) الكهف: 109.

(3) لقمان: 27.

(4) راجع بحار الأنوار ج 7 ط. القديم باب 50 ص 126.

(5)

الانعام: 115.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 387

الفصل الثالث

اشارة

في حقيقة الوحي و الإلهام و كيفية نزول القرآن على سيد الأنام (عليه و على عترته المعصومين آلاف التحية و السّلام) الوحي مصدر من وحي اللّه يحي من باب وعد، و مثله أوحى اليه، و أصله الصوت الخفي، أو الاشارة المفهمة، أو إفهام الغير بأيّ وجه غلب استعماله فيما ألقي على الأنبياء من عند اللّه سبحانه.

قال في القاموس: الوحي: الإشارة، و الكتابة، و المكتوب، و الرسالة، و الإلهام، و الكلام الخفي، و كلّما ألقيته إلى غيرك، و الصوت يكون في الناس و في غيرهم كالوحي و الوحاة و الجمع وحيّ بالضم فالكسر ثم التشديد، و أوحي إليه: بعثه و ألهمه، و نفسه: وقع فيها خوف.

و ذكر شيخنا الطبرسي (رحمه اللّه) «1»: أن أصل الوحي عند العرب أن يلقي الإنسان إلى صاحبه شيئا بالاستتار و الإخفاء.

______________________________

(1) الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، أمين الدين أبو علي: مفسر محقق لغوي فقيه من أعاظم الامامية، له مصنفات قيمة منها: مجمع البيان في تفسير القرآن الذي قال الشهيد فيه: لم يؤلف مثله، جوامع الجامع في التفسير، أعلام الورى باعلام الهدى و غيرها توفى سنة 548 ه في سبزوار و نقل إلى المشهد الرضوي (عليه السّلام)

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 388

و أمّا ما روى عن ابن عباس: أنّه لا وحي إلّا القرآن فإنّ المراد به أنّ القرآن هو الوحي الذي نزل به جبرئيل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دون أن يكون أنكر ما قلناه، و يقال: أوحي له و اليه قال العجّاج «1»: أوحي له القرار فاستقرّت.

أقول: لكنّ الأولى عدم إضافه الإلقاء إلى الإنسان بإلقاء القيد، و الخطب فيه

سهل كسهولته في إطلاقه في كلام العرب على وجوه شتى، فقد أطلق على وحي النبوّة في قول تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ «2»، و على إعلام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو عين كلامه و قد اجتمع المعنيان في قوله تعالى: وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ «3»، و على الإلهام و القذف في القلوب كقوله تعالى: وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَ بِرَسُولِي «4»، و قوله تعالى: وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ «5»، و إن قيل: إنّه وحي إعلام لا إلهام فقوله: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ «6»، و على الجبلّة الفطرية كوّنت عليها الأكوان كقوله تعالى: وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ «7»، و إن كان الأقوى وفاقا لأكثر المحققين أنّه على وجه الاعلام و الإلهام لما أشرنا إليه في غير

______________________________

(1) العجاج عبد اللّه بن لبيد بن صخر من شعراء العرب، ولد في الجاهلية، و قال الشعر فيها، ثم أسلّم و عاش إلى أيام الوليد بن عبد الملك، ففلج و أقعد، و هو والد «رؤية» الراجز المشهور، توفى نحو 90 ه.

- أعلام زركلى ج 4 ص 218-.

(2) النساء: 163.

(3) الشورى: 51.

(4) المائدة: 111.

(5) القصص: 7.

(6) القصص: 7.

(7) النحل: 68.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 389

موضع من مساوقة الوجود للشعور، و على الهواجس النفسانية و الوساوس الشيطانية كما في قوله تعالى: وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً «1»، و على الإشارة و الإيماء كقوله

تعالى: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا «2»، قيل معناه: أومي و رمز، و قيل: كتب لهم بيده في الأرض و قد يؤيّد الأوّل بقوله تعالى في موضع آخر: إِلَّا رَمْزاً «3»، بل

عن أحدهما عليهما السّلام فيما رواه العياشي فكان يومي برأسه «4»،

إلى غير ذلك من المعاني التي لا يهمّنا البحث عنها و إنّما الكلام في حقيقة الوحي الذي اختص به الأنبياء عليهم السّلام فقد يعرف بأنّه خطاب من الحقّ الى الخلق يصل إليهم بواسطة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و اليه بواسطة الملك فهما واسطتان في إيصال الخطابات الإلهية أحدهما سفير من الحق، و الآخر إلى الخلق، و لعلّ الأظهر أنّ وساطة الملك غير شرط في ذلك، لا لأنّ الوحي قد يكون في النوم بل في اليقظة أيضا بالقذف في القلب و الإلهام الغيبي إذ الحق توسط الملك في جميع ذلك أيضا بل لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد يكون في الرتبة أعلى من الملك فلا يسعه في المعارج الرّوحانية و المخاطبات الربانية شي ء من الملئكة المقربين و لا أحد من الخلق أجمعين، و لذا خوطب نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقوله عزّ من قائل:

وَ إِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ «5».

______________________________

(1) الانعام: 112.

(2) مريم: 11.

(3) آل عمران: 41.

(4)

عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: لمّا سأل ربه أن يهب له ذكرا فوهب اللّه له يحيى فدخله من ذلك فقال: رب اجعل لي آية قال آيتك ألّا تكلّم الناس ثلاثة أيّام إلّا رمزا، فكان يومي برأسه و هو الرمز.

(5) النمل: 6.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 390

بل

قال الصدوق (رحمه اللّه) في «إكمال الدين»:

«إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يكون بين أصحابه فيغمى عليه و هو ينصابّ عرقا فإذا أفاق قال: قال اللّه (عز و جل) كذا و كذا و نهيكم عن كذا».

و أكثر مخالفينا يقولون: إنّ ذلك كان يكون عند نزول جبرئيل (عليه السّلام)

فسئل الصادق عليه السّلام عن الغشية التي كانت تأخذ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أ كانت تكون عند هبوط جبرئيل عليه السّلام؟ فقال عليه السّلام: لا إنّ جبرئيل عليه السّلام كان إذا أتى النبيّ (ص) لم يدخل عليه حتى يستأذنه فإذا دخل قعد بين يديه قعدة العبد و إنّما ذلك عند مخاطبة اللّه عزّ و جلّ ايّاه بغير ترجمان و واسطة.

ثم قال (الصدوق): حدّثنا بذلك الحسن بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد بن مالك، عن محمد بن الحسين بن زيد، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن ثابت، عن الصادق جعفر بن محمد صلوات اللّه عليهما «1».

ثم انه لا يخفى أنّ النفس الانسانية في بدو كينونتها و أصل خلقتها قابلة لانطباع الصورة الواقعة في عالم الحقائق و المعاني فيها و إنّما المانع لها من انكشاف الصور العمليّة و استنزال الحقائق الواقعية في الكسوة و المثالية و استكشاف الأمور الغيبيّة شي ء من أمور و إن كان مرجع بعضها إلى نفي الاقتضاء:

أحدها تقمّص جوهرها و خمود فطنتها و جمود طبيعتها كحديد المرآة قبل أن يذوب، و يشكّل و يصيقل، و بل كتراب معدن الحديد الذي لم يستعدّ بعد لإفاضة الصور الحديدية عليه، فضلا عن أن يستعدّ للذوب و التشكّل و الصقالة.

______________________________

(1) كمال الدين: 51 بحار الأنوار ج 18 ط. الاخوندي بطهران ص 260.

تفسير الصراط المستقيم،

ج 1، ص: 391

ثانيها كدورات المعاصي و ظلمات الشهوات المكدرّة لجوهر النفس المظلمة لعالمها المانعة عن تجلّي الحق لها و إشراق نور العلم عليها و ذلك كصداء المرآة و طبعها.

ثالثها عدولها عن عالم الحقائق و التوجّه من المبادي العالية إلى مصالح المعيشة و الأمور الدنيّة الحسيّة، بل و كذا استيعاب همّتها و قصر نظرها على ظواهر الطاعات و أبدان العبادات و صرف النظر في الأحكام الظاهرة الحسيّة و الغفلة عن التحقّق بحقايقها النورانية المعنوية فالنفس حينئذ كمرآت معدول بها من جهة الصورة المطلوبة إلى غيرها.

قال مولينا أمير المؤمنين عليه السلام على ما في «النهج» و إنّما الدنيا منتهى بصر الأعمى لا يبصر مما ورائها شيئا، و البصير ينفذها بصره و يعلم أنّ الدار ورائها فالبصير منها شاخص و الأعمى إليها شاخص، و البصير منها متزوّد و الأعمى لها متزوّد «1».

رابعها: وقوع السدّ و الحجاب بينه و بين الصورة المطلوبة باعتقادات واقعة في قلبه حاصلة من العادة و التقليد و التكسّب و التعصّب و غيرها فرسخت و تأكّدت في قلبه و منعت له عن إدراك الحقائق على ما هي عليه، و هذا كالجدار الواقع بين المرآة و الصورة و إليه الإشارة بقوله تعالى: وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ «2».

خامسها جمود القريحة و خمود نار الطبيعة بترك الانتقال و الارتحال من صورة إلى صورة و من منزل إلى أعلى منه حتى يصل إلى ما هو المطلوب الأصلي من

______________________________

(1) نهج البلاغة خطبة «133».

(2) يس: 9.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 392

الحضرة الالهيّة على المنهج القويم، و الصراط المستقيم فإنّ السعادة و بلوغ أقصى المراتب ليست فطرية لكلّ أحد من آحاد

الناس فلا يمكن الوصول إلى المقصد الحقّ إلّا بالعثور على الجهة التي بها يقع الاهتداء و الانتهاء اليه لضرورة بطلان الطفرة.

ثم إنّه لا يخفى أنّ النفس المستعدّة لمقام النبوة و الرسالة فارغة بحسب الفطرة الأصلية و الجبلة الاختيارية الأوليّة عن تلك الموانع و عمّا يئول إليها، فنفوسهم المقدّسة العلوية في أصل الفطرة كمرآت صقيلة مجلّوة بالعلم و العمل و البقاء على مقتضى الكينونة الاولى محاذية لشطر الحق سبحانه إمّا بلا واسطة كنور نبينا صلى اللّه عليه و آله و سلّم أو معها كسائر الأنبياء و الملئكة عليهم السّلام، فإنّ أنوارهم و افئدتهم و أرواحهم مخلوقة من أشعة نور نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و لذا

ورد أنّ قلوب شيعتهم إنّما خلقت من فاضل طينة أبدانهم و أنّ شيعتهم خلقوا من شعاع طينتهم «1»

، و أنّ الأنبياء و المرسلين و الملئكة و المقرّبين حتى العالين و الكروبييّن كلهم من شيعتهم عليهم السّلام من الخلق الأوّل أو غيره كما ورد في تفسير قوله تعالى: وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ «2»، و قوله تعالى: أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ «3»، و قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ «4»، و الأخبار الكثيرة الدالة على كيفيّة بدو أنوارهم و انشعاب الأنوار من نورهم، و بالجملة فنفوس الأنبياء صلوات اللّه عليهم لما كان متنسمة من نفحات المجد و القدس، متنعمة في

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 7 ط. القديم باب بدو أرواحهم و طينتهم و أنوارهم- و ج 4 باب الطينة و الميثاق.

(2) الصافات: 83.

(3) ص: 75.

(4) الأعراف: 143.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 393

بساط سرادق الانبساط و الانس، كانت مختصّة بشرف الوحي و الإلهام.

و القدف و النكت، و الأحلام، و ساير مراتب

التلّقي، و التلقين، و الاعلام بضروبها و أنواعها و مراتبها الكثيرة التي يختص كل منهم بشي ء حسب اختلاف الجهات و المراتب و النشئات تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ «1»، وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ «2».

و لا يخفى أنّ ما ذكرناه من أنواع التلقّي و الاستفاضة و صنوف الوحي و الإلهام ليس بمجرد التخيّل و تجوهر الصورة المرتسمة من مرآت المتخيّلة بحسب قوة الإدراك و ظهور الصور المثالية و الإدراكية في الأعيان حتى يظنّ أنّها أجسام مرئية ملموسة و أصوات مسموعة مدركة بالآلات الجسمانية كما قد يظهر للممرورين «3» و المبرسمين «4»، على ما زعمه بعض ملاحدة الفلاسفة المنكرين للملائكة و الأرواح الروحانية لزعمهم أنّها قوى غير شاعرة و لا مدركة للعالم فإنّ هذا القول إلحاد في الدين و خروج عمّا أجمع عليه كافّة الأنبياء و المرسلين بل الحقّ الذي تظافر به الكتاب و السنّة بل ضرورة الدين و المكاشفات القطعيّة الحاصلة لأرباب الشهود و اليقين بل للأولياء و الأنبياء و المرسلين هو أنّ الملئكة جواهر روحانية شاعرة عابدة للّه سبحانه قادرة على التشكّل بالأشكال المختلفة بإذن ربهم سبحانه و هم الصافات، و الزاجرات، و التاليات للذكر، و الحاملات للوقر، و المقسّمات للأمر إلى

______________________________

(1) البقرة: 152.

(2) البقرة: 87.

(3) الممرور من غلبت عليه المرة و هي بكسر الميم بمعنى الصفراء أو السوداء.

(4) المبرسم بضم الميم و فتح الباء و السين أصيب بالبرسام و هو بكسر الباء التهاب في الحجاب الذي بين الكبد و القلب.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 394

غير ذلك من الفيوض التكوينيّة و التشريعيّة التي لا يعصون اللّه فيها و يفعلون ما يؤمرون و إن

ما يظهر منهم من الأشكال و الأصوات و الكلمات إنّما هو على وجه الحقيقة العينية في الخارج لا مجرد التخيّل و التصور.

ثم اعلم أن الوحي بالمعنى العام الذي مرّت إليه الإشارة قسمان:

أحدهما الوحي التكويني المتعلّق بجعل الذوات و إنشاء الموجودات و إفاضة القابليّات و تشيّؤ الماهيّات و قبول الأعراض و الصفات و غيرها مما ينسبه القائلون بالأعيان الثابتة إلى القدم و القائلون بالطبائع إليها و القائلون بالبخت و الاتّفاق الى البعث إلى غير ذلك من مقالات الجهّال و أهل الضلال سبحانه و تعالى عمّا يقولون علوا كبيرا، فإنّ الحق في ذلك أنّ تذوّت كل ذات من الذوات، و تعيّن كل ماهيّة من الماهيّات، بل وجود كلّ شي ء من الموجودات، و اتصافه بكلّ شي ء من الأحوال و الصفات بلا فرق بين الشرور و الخيرات إنّما بقبوله و إختياره بعد تعلّق المشية الفعلية الإرادة الحتمية التكوينية فسمعت و أجابت و سارعت و أطاعت فخرجت منقادة متشئية، متذوتة، متصفة بما قبلها من الأحوال و الأفعال و الصفات بعد ما كانت في بقعة العدم البحت البات الذي لا تميّز و لا تعيّن لها فيه أصلا، و ظرفية العدم لها مجرّد تعبير، و إلّا فأين الظرف و أين المظروف، و ذلك أنه سبحانه خلق الأشياء بها فخلق ما شاء كما شاء لما شاء، و أوحى إلى كل شي ء أمره، و هذا هو المراد بالقول التكويني في قوله تعالى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ «1»، و بالقول و الوحي في الآيتين: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا

______________________________

(1) النحل: 40.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 395

طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ «1»،

فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَ أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها «2»، بل هو المراد به أيضا في قوله: وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ «3»، و بالهداية في قوله تعالى: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى «4»، فأوّل وحي وقع للّه سبحانه في عالم التكوين فعله لفعله بفعله، فأوحى به إلى نفسه و ترجم عنه به له بما أظهر فيه من آثار الربوبية إذ لا مربوب حسبما اقتضاها الإمكان الراجح في مقام الفعل، و ذلك بعد البد و المحذوف الذي يقال له اسم الفاعل و هو مقاماته و علاماته التي لا تعطّل لها في كلّ مكان يعرفه بها من عرفه لا فرق بينه و بينها إلّا أنّهم عباده و خلقه فيترجم الحقيقة المحمّدية صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كلّ من المقامات الثلاثة بنفسهما لنفسها أوّلا، و للمرتبة النازلة عنها ثانيا فيترجم اسم الفاعل لنفسه، و للفعل و الفعل له و للمفعول الأوّل الّذي هو العقل، و هكذا في العوالم الكثيرة الّتي هي المراتب الواقعة في السلسلة الطولية المنتظمة، المتنسقة التي ما يحمل عليها ما

ورد في بعض الأخبار من أنّ للّه تعالى ألف ألف عالم «5»

فيتنزّل الأمر و الحكم من كل عالم منها إلى غيره.

و جملة القول فيها على وجه الإشارة أنّه يتنزّل من العقل إلى الروح و من الروح إلى النفس، و منها إلى محدّد الجهات الفلك الأعظم، و منه إلى فلك البروج، و منه إلى السموات السبع و إلى العناصر، و منها إلى المعادن، و منها النباتات، و منها

______________________________

(1) فصلت: 11.

(2) فصلت: 12.

(3) النحل: 68.

(4) طه: 50.

(5) بحار الأنوار ج 14 ط. القديم ص 79.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص:

396

إلى الملئكة، و منهم إلى الجانّ، و منهم إلى الإنسان.

ثانيهما الوحي التشريعي المتعلّق بإفاضة العلوم و الحقائق و الأحكام المتعلقة بتكوين الشرع و شرع الكينونة و إن كانت التسمية تومي إلى الإختصاص فإنّ التعبير مبني على التغليب، و لذا قيل بل قد ورد في الأخبار: أنّ مبدء كثير من العلوم الحكمية العقليّة و الصناعيّة هو الوحي من اللّه سبحانه و إنّه كان ذلك بتعليم الأنبياء كالطبّ و النجوم، و الرمل، و الأعداد، و الحروف بل اشتغل كثير منهم بكثير من الصناعات و لعلّه على وجه الإلهام و الاعلام كاشتغال أبينا آدم على نبينا و آله و عليه السّلام بالفلاحة، و إدريس بالخياطة، و نوح بالنجارة، و على كل حال فقد يقال: إن الوحي قسمان: جلّي و خفي، فالجلّي ما كان بواسطة سفير يبلّغه سواء كان ذلك السفير مرئيا مواجها له في سفارته و تبليغه كأن يرى الشخص و يسمع الصوت كما لخصوص أولى العزم أو لغيرهم من المرسلين أيضا أو لم يكن مرئيا له كأن يسمع الصوت و لا يرى الشخص كما في كثير من الأنبياء.

و لذا قد يفرّق بين الرسول و النبيّ بأنّ الرسول هو المخبر عن اللّه تعالى بغير واسطة أحد من البشر، و له شريعة مبتدئة كآدم على نبينا و آله عليه السّلام أو ناسخة كنبينا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و بأنّ النبيّ هو الذي يرى في منامه و يسمع الصوت و لا يرى الملك، و الرسول هو الذي يسمع الصوت و يرى في منامه و يعاين، و بأنّ الرسول قد يكون من الملائكة كما قال سبحانه: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا «1»، و من الناس بخلاف النبيّ،

و الخفي ما لم يكن بواسطة السفير،

______________________________

(1) الحج: 75.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 397

و هو إمّا إلهام في اليقظة أو رؤيا في المنام صريح لا يحتاج إلى التفسير أو تلويح يؤوّل بالتعبير، و هذا القسم من الوحي يكون للأنبياء كما

ورد عن الصادق عليه السّلام قال: الأنبياء و المرسلون على أربع طبقات فنبيّ منبأ في نفسه لا يعد و غيرها، و نبي يرى في المنام و يسمع الصوت و لا يعاينه في اليقظة و لم يبعث إلى أحد عليه امام مثل ما كان لإبراهيم عليه السّلام على لوط عليه السّلام، و نبيّ يرى في منامه و يسمع الصوت و يعاين الملك و قد أرسل إلى طائفة قلّوا أو كثروا كيونس عليه السّلام قال تعالى: وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ «1»

، و عليه إمام، و نبي يرى في منامه و يسمع الصوت و يعاين في اليقظة و هو امام مثل أولي العزم و قد كان إبراهيم على نبيّنا و آله عليه السّلام نبيا و ليس بإمام حتى قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي «بأنه يكون في ولده كلهم» قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ «2».

و يكون للأوصياء أيضا خصوصا للأئمة الطاهرين- صلوات اللّه عليهم أجمعين- الذين هم بعد نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفضل من سائر الأنبياء و المرسلين و الملئكة المقربين.

ففي «إرشاد» المفيد «3» و «الاحتجاج» عن مولينا الصادق عليه السّلام قال:

______________________________

(1) سورة الصافات: 147.

(2) سورة البقرة: 124.

(3) الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري، أبو عبد اللّه، و يعرف بابن المعلم: محقق مدقق، فقيه، انتهت اليه رياسة الشيعة في عصره، ولد في عكبرا (على عشرة فراسخ من

بغداد) سنة 336، و توفي ببغداد سنة 413، و له نحو مأتي مصنف منها الإرشاد في تاريخ النبيّ (ص) و الزهراء و الائمة عليهم السّلام،

قيل: إنه وجد مكتوب بعد دفن المفيد على لوح قبره من الامام الثاني عشر الحجة القائم عجل اللّه تعالى فرجه فيه هذه الأبيات: تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 398

علمنا غابر و مزبور و نكت في القلوب و نقر في الأسماع، و إنّ عندنا الجفر الأحمر و الجفر الأبيض مصحف فاطمة عليها السّلام، و عندنا الجامعة، فيها جميع ما يحتاج إليه، فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال عليه السّلام: أمّا الغابر فالعلم بما يكون و أمّا المزبور فالعلم بما كان، و أمّا النكت في القلوب فهو الإلهام، و أمّا النقر في الأسماع فحديث الملئكة نسمع كلامهم و لا نرى أشخاصهم «1».

و

في «الامالي» عن الحرث النضري قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الذي يسئل عنه الإمام و ليس عنده فيه شي ء من أين يعلمه؟ قال عليه السّلام:

ينكت في القلب نكتا أو ينقر في الاذن نقرا «2».

و

قيل له عليه السّلام: إذا سئل الامام عليه السّلام كيف يجيب؟ قال عليه السّلام: إلهام أو سماع و ربما كانا جميعا «3».

أقول: و أنت ترى أنّهما يدلان على وقوع السماع عن غير الأنبياء بل يظهر من أخبار أخر أنّ المشاهدة يقع منهم أيضا كما

رواه في «الأمالي» عن أبي حمزة قال:

______________________________

لا صوت الناعي بفقدك إنّه* يوم على آل الرسول عظيم إن كنت قد غيّبت في جدث الثرى* فالعدل و التوحيد فيك مقيم و القائم المهدي يفرح كلّما* تليت عليك من الدروس علوم

قال صاحب تفسير (الصراط المستقيم) في رجاله (نخية المقال) في ترجمة المفيد: و شيخنا المفيد بن محمّدعدل

له التوقيع هاد مهتد

أستاذه صدوق السعيدو بعد عزّ رحم المفيد

(1) الإرشاد ج 2 ص 180 ط. طهران مطبعة الحيدرية.

(2) بحار الأنوار ج 7 ط. القديم ص 279 عن أمالي ابن الشيخ.

(3) بحار الأنوار ج 7 ص 279 ط. القديم عن أمالي ابن الشيخ. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 399

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ منّا لمن ينكت في قلبه، و إنّ منّا لمن يؤتى في منامه، و إن منّا لمن يسمع الصوت مثل صوت السلسلة في الطست، و إن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرئيل و ميكائيل «1»

، و

قال عليه السّلام: منا من ينكت في قلبه، و منّا من يقذف في قلبه، و منّا من يخاطب «2»

، و

قال (عليه السّلام): إنّ منا لمن يعاين معاينة، و إنّ منّا لمن ينقر في قلبه كيت و كيت، و إنّ منّا لمن يسمع كما تقع السلسلة في الطست، قال قلت و الذي يعاينون ما هو؟ قال: عليه السّلام: خلق أعظم من جبرئيل و ميكائيل «3».

و

في «البصائر» في الصحيح عن زرارة قال: دخلت عليه و في يده صحيفة فغطّاها عنّي بطيلسانه ثم أخرجها فقرأها علي: إنّ ما يحدّث به المرسلون كصوت السلسلة أو كمناجاة الرجل صاحبه «4».

و

فيه في الصحيح عن أبي جعفر عليه السّلام قال عليه السّلام: كان علي عليه السّلام يعمل بكتاب اللّه و سنّة نبيه فإذا أورد عليه الشي ء الحادث الذي لا في الكتاب و لا في السنّة ألهمه اللّه الحقّ فيه إلهاما، و ذلك و اللّه من المعضلات «5».

و

فيه عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّا نزداد في الليل و النهار و لو لا أن نزداد

لنفد ما عندنا، فقال أبو بصير: جعلت فداك من يأتيكم؟ فقال عليه السّلام: إنّ منّا يعاين معاينة، و منّا من ينقر في قلبه كيت

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 4 ص 279 ط. القديم عن أمالي ابن الشيخ.

(2) نفس المصدر السابق.

(3) بحار الأنوار ج 7 ص 279 ط. القديم عن أمالي ابن الشيخ.

(4) بحار الأنوار ج 7 ص 280 ط. القديم عن أمالي ابن الشيخ.

(5) بحار الأنوار ج 7 ص 288 ط. القديم عن بصاير الدرجات. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 400

تفسير الصراط المستقيم ج 1 449

و كيت، و منّا من يسمع بأذنه وقعا كوقع السلسلة في الطست، قال: قلت: جعلني اللّه فداك من يأتيكم بذاك؟ قال عليه السّلام: هو خلق أكبر من جبرئيل و ميكائيل «1».

و

فيه عن علي بن يقطين قال: سئلت أبا الحسن عليه السّلام عن شي ء من أمر العالم فقال عليه السّلام: نكت و نقر في الأسماع و قد يكونان معا «2».

و

فيه عنه عليه السّلام: علم عالمكم سماع أو إلهام؟ قال عليه السّلام: يكون سماعا و يكون إلهاما و يكونان معا «3».

و

فيه عن علي بن السائي «4» قال: سئلت الصادق عليه السّلام عن مبلغ علمهم، فقال عليه السّلام: مبلغ علمنا ثلثة وجوه: ماض و غابر و حادث، فأمّا الماضي فمفسر، و أما الغابر فمزبور و أما الحادث فقذف في القلوب، و نقر في الأسماع و هو أفضل علمنا، و لا نبيّ بعد نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،.

و فيه إشارة الى أن هذه العلوم على الوجوه المذكورة لا تستلزم النبوّة فإنّها تحصل لغير النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أيضا حسبما تأتي اليه الاشارة.

و

فيه و في «الإختصاص» عن

عبد اللّه بن النجاشي عنه عليه السّلام قال: فينا و اللّه من ينقر في أذنه، و ينكت في قلبه، و تصافحه الملئكة، قلت كان أو اليوم؟ قال

______________________________

(1) نفس المصدر السابق.

(2) بحار الأنوار ج 7 ص 289 ط. القديم عن بصاير الدرجات.

(3) نفس المصدر السابق.

(4) السائي: نسبة إلى ساية و هي قرية من قرى المدينة أو من مكة، و المراد به هو علي بن سويد السائي، عدّه الشيخ من أصحاب الصادق عليه السّلام و وثّقه و عدّه المفيد في الإختصاص من أصحاب الكاظم عليه السّلام. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 401

عليه السّلام: بل اليوم قلت: كان أو اليوم؟ قال عليه السّلام: بل اليوم و اللّه يا بن النجاشي حتى قالها ثلثا «1».

و

فيهما عن الحرث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما علم عالمكم جملة يقذف في قلبه أو ينكت في اذنه؟ قال: فقال عليه السّلام: وحي كوحي أمّ موسى «2».

و

في «البصائر» عن محمّد بن الفضيل، قال قلت لأبي الحسن عليه السّلام:

روينا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: إنّ علمنا غابر و مزبور و نكت في القلوب، و نقر في الأسماع قال: عليه السّلام: أمّا الغابر فما تقدّم من علمنا، و أمّا المزبور فما يأتينا، و أمّا النكت في القلوب فإلهام، أو النقر في الأسماع فإنّه من الملك «3».

و

روي زرارة مثل ذلك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: كيف يعلم إنّه كان من الملك و لا يخاف أن يكون من الشيطان إذا كان لا يرى الشخص؟ قال عليه السّلام: إنّه يلقى عليه السكينة فيعلم أنّه من الملك و لو كان من الشيطان اعتراه فزع، و إن كان الشيطان يا

زرارة لا يتعرّض لصاحب هذا الأمر «4».

أقول: و مع عدم تعرّض الخبيث للإمام عليه السّلام إنّما تعرّض عليه السّلام لبيان الفرق تنبيها على بيان الفرق بين الخواطر الملكية و الشيطانية الواردة على قلوب سائر الناس حسبما تأتي إليها الإشارة.

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 7 ص 289 ط. القديم عن بصاير الدرجات.

(2) نفس المصدر السابق.

(3) بحار الأنوار ج 7 ص 289 ط. القديم عن بصائر الدرجات.

(4) نفس المصدر السابق.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 402

و

في «الأمالي» و «البصائر» عن الصّادق عليه السّلام: كان علي عليه السّلام محدّثا و كان سلمان محدّثا، قال: قلت: فما آية المحدّث؟ قال عليه السّلام يأتيه ملك فينكت في قلبه كيت و كيت «1».

و

في «البصائر» عن أبي جعفر عليه السّلام قال: الاثنى عشر الأئمّة من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله كلّهم محدّث قيل و من يحدّثهم؟ قال عليه السّلام: ملك، قيل و ما منزلتهم أ أنبياءهم؟ قال عليه السّلام: لا و لكنّهم علماء كمنزلة ذي القرنين و صاحب موسى و صاحب سليمان «2».

و المراد بصاحب موسى يوشع أو الخضر، و قد ورد التصريح بكلّ منهما في بعض الأخبار، و التشبيه لمجرد متابعة نبيّ آخر مع سماع الوحي، فلا ينافي ذلك في فضل رتبة الأئمة عليهم السّلام، عليهم و لا لحوق النبوّة و سبقها في صاحبي موسى.

و

فيه سئل بريد العجلي مولينا الصادق عليه السّلام عن الفرق بين الرسول و النبيّ و المحدّث قال (عليه السّلام): الرسول الذي تأتيه الملئكة و يعاينهم و تبلّغه عن اللّه تبارك و تعالى، و النبيّ الذي يرى في منامه فما رأى فهو كما راى و المحدّث الذي يسمع كلام الملك، و ينقر في اذنه و ينكت في قلبه

«3».

و

فيه عن الأحول قال: سمعت زرارة يسئل أبا جعفر عليه السّلام عن الرسول و النبيّ و المحدّث فقال عليه السّلام: الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلا فيراه

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 7 ص 291 ط. القديم عن أمالي ابن الشيخ و البصائر.

(2) بحار الأنوار ج 7 ص 292 و ص 293 عن البصائر، و لا يخفى أن الحديث مركّب من حديثين صدره كما في البحار مرويّ عن الباقر (عليه السّلام) و ذيله عن الصادق (عليه السّلام).

(3) بحار الأنوار ج 7 ص 293 ط. القديم عن بصاير الدرجات. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 403

يكلّمه فهذا الرسول، و أمّا النبيّ فإنّه يرى في منامه على نحو ما رأى إبراهيم عليه السّلام و نحو ما كان رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أسباب النبوّة قبل الوحي حتى أتاه جبرئيل عليه السّلام من عند اللّه بالرسالة و كان محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين جمع له النبوّة و جائته الرسالة من عند اللّه يجيئه بها جبرئيل و يكلّمه بها قبلا، و من الأنبياء من جمع له النبوّة و يرى في منامه يأتيه الروح فيكلّمه و يحدّثه من غير أن يكون رأه في اليقظة و أمّا المحدّث فهو الذي يحدّث فيسمع و لا يعاين و لا يرى في منامه «1».

و

عنه عن الصادق عليه السّلام قال عليه السّلام: الرسول الذي يعاين الملك يأتيه بالرسالة من ربّه يقول: يأمرك بكذا و كذا و الرسول يكون نبيّا مع الرسالة، و النبيّ لا يعاين الملك ينزل عليه النبأ على قلبه فيكون كالمغمى عليه فيرى في منامه قلت: فما علّمه أنّ الذي راى في منامه حق؟ قال عليه

السّلام: يبينه اللّه حتى يعلم أنّ ذلك حق و لا يعاين الملك، و المحدّث الذي يسمع الصوت و لا يرى شاهدا «2».

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي ستسمع كثيرا منها عند التعرّض لتفسير بعض الآيات، نعم في المقام مباحث لا بدّ من التنبيه عليها:

أحدها قد سمعت أنّ الوحي يطلق لغة بل و عرفا عاما و خاصّا في الكتاب و السنّة على الكلام الخفي بل مطلق ما أريد به إفهام الغير و إعلامه مما يتعلّق به أو بغيره سترا له عن غيره، و تخصيصا له به دون من سواه لكن ذكر المفيد في شرح «عقائد الصدوق» بعد الإشارة إلى ذلك أنّه إذا أضيف إلى اللّه تعالى كان فيما يخص

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 7 ص 293 ط. القديم عن البصائر.

(2) بحار الأنوار ج 7 ص 294 ط. القديم عن البصائر.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 404

به الرّسل صلوات اللّه عليهم خاصّة دون من سويهم على عرف الإسلام و شريعة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال اللّه تعالى: وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ «1».

فاتّفق أهل الإسلام على أنّ الوحي كان رويا مناما و كلاما سمعته امّ موسى على الإختصاص، و قال تعالى: وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ «2»، يريد به الإلهام الخفي إذ كان خالصا لمن أفرده دون ما سواه فكان علمه حاصلا للنحل بغير كلام جهر به المتكلّم فأسمعه غيره «3»، و قال تعالى: وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ «4»، بمعنى يوسوسون إلى أوليائهم بما يلقونه من الكلام في أقصى أسماعهم فيخصّون بعلمهم دون من سواهم، و قال تعالى: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ «5»، يريد به إشارة

إليهم من غير إفصاح الكلام شبّه ذلك بالوحي لخفائه عن سوى المخاطبين و لستره عن سواهم، و قد يري اللّه تعالى في المنام خلقا كثيرا ما يصحّ تأويله و يثبت حقّه لكنّه لا يطلق بعد استقرار الشريعة عليه اسم الوحي، و لا يقال في هذا الوقت لمن اطلعه اللّه على علمهم شي ء أنّه يوحي اليه.

و عندنا أنّ اللّه تعالى يسمع الحجج بعد نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كلاما يلقيه إليهم أي الأوصياء في علم ما يكون، لكنّه لا يطلق عليه اسم الوحي لما قدّمناه من إجماع المسلمين على أنّه لأوحى لأحد بعد نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أنه لا يقال في شي ء مما ذكرناه أنّه أوحي إلى أحد، و للّه تعالى أن يبيح إطلاق الكلام

______________________________

(1) القصص: 7.

(2) النحل: 68.

(3) بحار الأنوار ج 7 ص 295 عن شرح عقائد الصدوق للمفيد.

(4) الانعام: 121.

(5) مريم: 11.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 405

أحيانا و يخطره أحيانا، و يمنع التسمية بشي ء حينا و يطلقها حينا فأمّا المعاني فإنّها لا تغيير عن حقائقها «1».

و عنه في «كتاب المقالات» «2»، أن العقل لا يمنع من نزول الوحي إليهم عليهم السّلام و إن كانوا أئمه غير أنبياء اللّه تعالى فقد أوحي اللّه (عزّ و جل) إلى أمّ موسى أن أرضعيه الآية، فعرفت صحة ذلك بالوحي و عملت عليه و لم تكن نبيا و لا رسولا و لا إماما و لكنّها كانت من عباد اللّه الصالحين و إنّما منعت نزول الوحي و الإيحاء بالأشياء إليهم للإجماع على المنع من ذلك و الاتّفاق على أنه من زعم أن أحدا بعد نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و

سلّم يوحى إليه فقد أخطأ و كفر، و لحصول العلم بذلك من دين النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كما أنّ العقل لم يمنع من بعثة نبيّ بعد نبينا صلّى اللّه عليه و آله و نسخ شرعنا كما نسخ ما قبله من شرايع الأنبياء عليهم السّلام، و إنّما منع ذلك الإجماع و العلم بأنّه خلاف دين النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من جهة اليقين و ما يقارب الاضطرار، و الإمامية جميعا على ما ذكرت ليس بينها فيها على ما وصفت خلاف «3».

أقول: و كانّه رحمة اللّه عليه أراد بما تكلّفه من الكلام التقصّي عمّا ربما يورد في المقام من الإشكال الذي حاصله أنّه إن كان المراد بالوحي الذي يتحقّق به النبوة لصاحبه خصوص الوحي التأسيسى الشرعي الذي يكون بمشاهدة الملك و مشافهته في اليقظة كما كان يحصل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحيانا فقضية ذلك

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 7 ص 295 ط. القديم عن شرح عقائد الصدوق للمفيد.

(2) أوائل المقالات في المذاهب المختارات للمفيد فيه مباحث مختلفة كلامية.

(3) بحار الأنوار ج 7 ص 295 عن أوائل المقالات للمفيد.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 406

عدم ثبوت النبوّة لكثير من الأنبياء بل لأكثرهم فإنّ الوحي إلى أكثر الأنبياء لم يكن على وجه التأسيس بل لإظهار الشريعة السالفة و تقويتها، و تبيينها لا لنسخها مع أنّ الوحي إلى كثير منهم بل أكثرهم لم يكن برؤية الشخص بل ربما كانوا لا يرون شخص الملك و إنّما يسمعون الصوت، و ربما لم يكن هناك سماع و إنّما هو مجرد القذف و النكت و الإلهام أو الرؤية في المنام، و إن كان

المراد به مطلق الإنباء عن اللّه سبحانه بأيّ وجه حصل فقضيّة ذلك إثبات النبوة للائمة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين إذ المستفاد من الأخبار الكثيرة المتقدمة التي لا يخفى استفاضتها بل تواترها حصول العلم لهم عليهم السّلام بضروب من الوحي و الإلهام كالنكت في القلوب، و النقر في الأسماع، و سماع صوت الملك و مشاهدته.

و لذا

قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) لأمير المؤمنين (عليه السّلام) على ما روتها الخاصّة و العامة و هو بعينه مذكور في القاصعة من «نهج البلاغة»: يا علي إنّك تسمع ما أسمع و ترى ما أرى إلّا أنّك لست بنبيّ، و لكنك لوزير و إنّك لعلى خير «1».

و

روي الحسن بن سليمان في كتاب «المختصر» مسندا عن الرّضا عليه السّلام في حديث طويل قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في كلام له: و إن شئتم أخبرتكم بما هو أعظم من ذلك، قالوا فافعل، قال عليه السّلام: كنت ذات ليلة تحت سقيفة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إني لا حصي ستّا و ستّين وطئة من الملئكة كلّ وطئة من الملئكة أعرفهم بلغاتهم و صفاتهم و أسمائهم و وطئهم «2».

إلى غير ذلك مما يدلّ على أنّهم محدّثون ملهمون، بل قد دلّ بعض الأخبار

______________________________

(1) نهج البلاغة الخطبة 234.

(2) بحار الأنوار ج 7 ص 296 ط. القديم.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 407

على أنّ بعض شيعتهم كسلمان من المحدّثين أيضا.

و حاصل ما أفاده المفيد (رحمه اللّه) في الجواب أنّ النبوة إنّما هو بمطلق الوحي كان يطلق أوّلا على مجرد الاعلام و الإفهام من اللّه سبحانه على أحد من الوجوه إلّا أنه قد ورد النهي عن إطلاقه على

غير الوحي التأسيسى المختصّ بالأنبياء صلّى اللّه عليهم أجمعين، و هو كما سمعت في ظاهر كلامه هّين لا يعود الى محصّل سوى البحث اللفظي الّذي مرجعه إلى منع إطلاق اللفظ عند الشارع على معنى في وقت آخر و هو كما ترى.

و شيخنا المجلسي رحمه اللّه بعد ما ذكر استنباط الفرق بين النبيّ و الإمام من الأخبار المتقدمة لا يخلو من إشكال قال: و الذي يظهر من أكثرها هو أنّ الامام لا يرى الحكم الشرعي في المنام و النبيّ قد يراه فيه، و أمّا الفرق بين الإمام و النبيّ و بين الرسول هو أنّ الرسول يرى الملك عند إلقاء الحكم و النبيّ غير الرسول، و الإمام لا يريانه في تلك الحال، و إن رأياه في سائر الأحوال و يمكن أن يختصّ الملك الذي لا يريانه بجبرئيل عليه السّلام و يعمّ الأحوال، لكن فيه أيضا منافاة لبعض الأخبار.

و مع قطع النظر من الأخبار لعلّ الفرق بين الأئمّة عليه السّلام و غير أولى العزم من الأنبياء أنّ الأئمة عليهم السّلام نوّاب للرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لا يبلّغون إلا بالنيابة، و أمّا الأنبياء و إن كانوا تابعين لشريعة غيرهم لكنهم مبعوثون بالأصالة، و إن كانت تلك النيابة أشرف من تلك الأصالة، و بالجملة لا بد لنا من الإذعان بعدم كونهم عليهم السّلام أنبياء و بأنهم أفضل و أشرف من غير نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الأنبياء و الأوصياء و لا نعرف جهة لعدم اتّصافهم بالنبوة إلّا رعاية جلالة خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لا يصل عقولنا إلى

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 408

فرق بين النبوّة

و الإمامة «1».

أقول: ما ذكره في الفرق بين الرّسول و بين غيره من النبيّ و الامام و إن سبقه فيه غيره، بل و لحقه الأحسائي في شرح الزيارة «2»، حيث ذكر أنّ الائمة عليهم السّلام يسمعون صوت الوحي من الملك و لا يرون شخصه من حين ينزل بالوحي، و في غير هذه الحال يرونهم و يقعدون معهم، و يخبرونهم بكل ما يسألونهم و يرونهم حتى يأتون بأحكام القضاء و الإمضاء الذي هو بيان ما تنزل به الوحي على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و أمّا إنّهم يسمعون الصوت و لا يرون الشخص فالمراد أنّهم إذا نزل الوحي على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأمر من الأمور فإنّهم يسمعون ما يسمع و لا يرون شخص الملك الذي ينزل بالوحي التأسيسي على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأنّ السماع و الرؤيا معا أعظم مظاهر الحق و أظهر لا تصلح إلّا للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، إلّا أنّه بإطلاقه غير صحيح و إن صحّ في الجملة بالنسبة إلى بعض

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 7 ص 295 ط. القديم.

(2) الاحسائي الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي البحراني، قال الخوانساري في حقّه: ترجمان الحكماء و المتألهين، و لسان العرفاء و المتكلّمين، اختلفوا في حقّه بعضهم أثنوا عليه و أفرطوا و بعضهم طعنوا عليه و فرّطوا، له تأليفات منه شرح الزيارة الجامعة.

ولد سنة 1166 و توفي بالمدينة سنة 1242 و دفن بالبقيع، قال صاحب الصراط المستقيم في نحبة المقال في ترجمته: الشيخ أحمد بن زين الدين ذو العلم و الشهود و اليقين

فوّارة النور جليل أمجدبعد دعاء رحم الشيخ أحمد

76

1242

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 409

الأنبياء و أوصيائهم لكنّه لا يصحّ بالنسبة إلى نبيّنا و وصيه الذي هو مصبّ كلامه، فإنّ الشرافة و الفضلية لهما ليست بسماع صوت الملك كي يفرّق بينهما باختصاص الأوّل بشرف الرؤية حفظا للمرتبة، بل قد سمعت أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قد تلقّى القرآن من لدن حكيم عليم من دون توسط أحد من الملائكة و الروحانيين، و كيف يتوسط الأدنى للأعلى و الرعية للسلطان، و الخادم للمخدوم، بل كيف تستنير الشمس من الأرض التي أشرقت عليها.

و ما ذكرناه لائح لا ستر فيه لمن تأمّل في الأخبار و الآثار المأثورة عنهم، بل

ذكر الصدوق في اعتقاداته موافقا لما حكينا روايته عنه سابقا عن «إكمال الدين» أنّ الغشوة التي كانت تأخذ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فإنّها كانت عند مخاطبة اللّه (عز و جل) إيّاه حتى يثقل و يعرق و أمّا جبرئيل فإنّه كان لا يدخل عليه حتى يستأذنه إكراما له، و كان يقعد بين يديه قعدة العبد «1».

و

في التوحيد عن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك الغشية التي كانت تصيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا نزل عليه الوحي؟

فقال عليه السّلام: ذلك إذا لم يكن بينه و بين اللّه أحد ذاك إذا تجلّى اللّه له، ثم قال عليه السّلام: تلك النبوّة يا زرارة و أقبل بتخشّع «2».

و

في المحاسن عن هشام بن سالم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أتاه الوحي من اللّه و بينهما جبرئيل يقول: هو ذا

______________________________

(1) كمال الدين: 51- و بحار الأنوار ج

18 ص 260 ط. الاخوندي بطهران.

(2) بحار الأنوار ج 18 ص 256 ط. الاخوندي بطهران. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 410

جبرئيل و قال لي جبرئيل، و إذا أتاه الوحي و ليس بينهما جبرئيل تصيبه سبتة «1» و يغشاه منه ما يغشاه لثقل الوحي عليه من اللّه (عز و جل) «2».

و

في «الأمالي» عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه قال: قال بعض أصحابنا:

أصلحك اللّه أ كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: قال جبرئيل و هذا جبرئيل يأمرني ثم يكون في حال اخرى يغمى عليه؟ قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّه إذا كان الوحي من اللّه إليه ليس بينهما جبرئيل أصابه ذلك لثقل الوحي من اللّه، و إذا كان بينهما جبرئيل لم يصبه ذلك فقال: قال لي جبرئيل و هذا جبرئيل «3».

بل الظاهر

من النبويّ المتقدّم: (يا علي إنّك تسمع ما أسمع و ترى ما أرى، إلّا أنّك لست بنبي و لكنّك لوزير) «4»

، أنّه عليه السّلام يسمعه و يراه في زمان سماع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رؤيته.

و لعلّه الظاهر أيضا مما

رواه ابن أبي الحديد في «شرح النهج» عن مولينا الصادق عليه السّلام أنّه قال: كان علي عليه السّلام يرى مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل الرسالة الضوء و يسمع الصوت، و قال عليه السّلام له عليه السّلام: لو لا أنّي خاتم الأنبياء لكنت شريكا في النبوّة، فإن لا تكن نبيا فإنّك وصيّ نبيّ و وارثه، بل أنت سيّد الأوصياء، و إمام الأتقياء «5».

______________________________

(1) سبت يسبت من باب قتل و سبت بالبناء للمفعول غشي عليه.

(2) المحاسن: 338 و بحار الأنوار

ج 18 ص 271 ط. الاخوندي بطهران.

(3) أمالي الشيخ: 49- و بحار الأنوار ج 18 ص 268 الاخوندي بطهران.

(4) نهج البلاغة الخطبة 234.

(5) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 ص 254.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 411

و

في «البصائر» عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: كان جبرئيل يملي على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يملي على علي عليه السّلام، فنام نومة و نعس نعسة فلمّا رجع نظر إلى الكتاب فمدّ يده قال من أملى هذا عليك؟ قال: أنت قال: لا بل جبرئيل عليه السّلام «1».

و بالجملة فالتحقيق الفرق بالأصالة و التبعية في الأمرين معا، أمّا في المتلقّيات اللدنيّة فلأنّ الوصيّ يستمدّ من مشكوة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم استمداد المرآة المحاذية للشمس، و لذا

كان عليه السّلام يقول: أنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كالصنو من الصنو، و كالذراع من العضد «2».

و أمّا جبرئيل و إسرافيل و روح القدس و غيرهم من الروحانيّين و المقّربين الحاملين لوحي ربّ العالمين فإنّهم يتلقّون أنوار العلم و الوحي في هذه السلسلة من مشكوة آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما ورد في الأخبار الكثيرة الدالّة على تقدّم أنوارهم و أرواحهم و استضائة سائر الأرواح من أنوارهم و أشباحهم.

و

رأيت بخط القاضي سعيد القمي تلميذ المحدث الفيض الكاشاني أنه وجد مكتوبا بخط الإمام أبي محمد العسكري عليه السّلام: قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوّة و الولاية، و نوّرنا سبع طرائق بأعلام الفتوّة و الهداية.

إلى قوله عليه السّلام فالكليم ألبس حلّة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء و روح القدس في جنان الصاغورة ذاق من

حدائقنا الباكورة «3»

و أمّا في التّلقّيات

______________________________

(1) بصائر الدرجات: 93، و بحار الأنوار ج 18 ص 270.

(2) نهج البلاغة: كتاب إلى عثمان بن حنيف الانصاري، و هو عامله على البصرة.

(3) بحار الأنوار: ج 17 ص 298 ط القديم عن الدرة الباهرة عن بعض الثقات.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 412

الإيحائية الملكية الظاهرية فلأنّ الخطاب فيها لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إن كان وصيّه أيضا يرى الملك و يسمعه عند نزوله على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فضلا عن سائر الأوقات أيضا، و فضل النبوة حينئذ للأصيل المخاطب لا التابع المستمع، ثمّ لا يخفى أنّ التابع المتّصل المستنير من مشكوة خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفضل بكثير من ساير الأنبياء و المرسلين المتشرّفين بشرف الوحي التأصّلي الابتدائي كما هو المستفاد من الأخبار المتواترة التي مرت الى بعضها

______________________________

قال الخوئي إبراهيم بن الحسن بن الغفار في كتابه (الأربعين): الحديث السابع و الثلاثون ما نقل عن «الدرة الباهرة من الاصداف الطاهرة» في كلام أبي محمد العسكري: و أسباطنا خلفاء الدين، و خلفاء اليقين، و مصابيح الأمم، و مفاتيح الكرم، و الكليم البس حلّة الاصطفاء، لما عهدنا منه الوفاء، و روح القدس في الجنان الصاغورة ذاق من حدائقنا الباكورة.

(اللغة) الباكورة أوّل كلّ شي ء و أوّل الفاكهة، قال بعض الأفاضل:

قوله عليه السّلام: مفاتيح الكرم

يراد به كونهم محاّل ذلك الكرم فعنهم يصل إلى غيرهم فلذلك كانوا مفاتيح الكرم، و كذا

قوله عليه السّلام الكليم البس حلّة الاصطفاء

يعني أنّ موسى لما عهدنا اليه بولايتنا و التسليم لنا و الرد إلينا فأجاب و وفى لنا و عهدنا ذلك منه و جعلناه من

المصطفين الأخيار و روح القدس المعبّر عنه بالعقل الأول عند الحكماء و بالعقل و القلم و الحجاب الأبيض و ما أشبه ذلك عند أهل الشرع أوّل باكورة من ثمار الجنان التي غرسنا بأيدينا فإن تلك الحدائق التي في الجنان الصاغورة غرس فيها من كل شي ء فأوّل ما نبت روح القدس، و معناه ظاهر أنه لما أفاض الوجود على أرض القابليات كان أوّل من وجد هو العقل الأول المسمى بروح القدس، و معنى

قوله عليه السّلام: في الجنان الصاغورة

أي في أعلى عليين في الجنان و المراد بها هنا العرش لأنه هو سقف الجنان و هو من الوجود كالقحف من الدماغ و كان روح القدس أوّل من وجد في الجنة و الجنة أول الموجودات و الباكورة أوّل الثمرات، و المراد أن أوّل من قبل الإيجاد روح القدس و هو ذوقة الباكورة.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 413

الاشارة، و اليه الإشارة بقول شيخنا المجلسي في كلامه المتقدّم أن تلك النيابة أشرف من تلك الأصالة.

و أمّا تحقيق مقام النبوة و الولاية و الوصاية و تقسيمها إلى الظاهرية و الباطنية و إلى مقام التشريع و التكوين، و إلى المطلقة و المقيّدة، و بيان الفضل و الفرق بين تلك المراتب فمما لا يسعها المقام و لعلّنا نتكلّم فيها إنشاء اللّه في مقام أليق.

في أقسام الوحي

ثانيها في أقسام الوحي و مراتبه، اعلم أنّه إذا تجرّدت النفس الانسانية من العلايق البدنية و الشهوات النفسانية، و أعرضت عن الإشتغال بدواعي البدن من الشهوة و الغضب و الحس و التخيل، و توجّهت كليا اتصاليا، إراديا، طبيعا، أو تطبيقيا تلقاء عالم الملكوت الأعلى، اتّصلت بالمبادي العالية النورانية الجوّالة في أفق القدس و سرادق الأنس، ففازت بالسعادة القصوى و

رأت من عجائب الملكوت الأعلى التي هي آيات ربّه الكبرى، فاذا كانت النفس قدسية، شديدة القوة و الاستعداد، قويّة الانسلاخ من مقتضيات المواد، و ساعدتها المشية الربانية في نيل المراد، و استنارت بالتجلّيات الإلهية، و الفيوض القدسية، و استعدّت للاشراق على ما دونها من المراتب السفلية فبقوّتها تضبط الطرفين، و تسقي الجانبين، و تتمكن في الحد المشترك بين الأمرين، فلا يشغلها شأن من شأن، و لا تصرفها نشأة من نشأه، فتستعدّ حينئذ لمقام النبوة و الرسالة التي هي السفارة الكبرى من الحق الى الخلق، و الخلافة العظمى للخلق من الحقّ، فأوّل ما يبدو حينئذ من التجليّات، و يتنسّم عليه من طيب النفحات، و هو ما سميّ في لسان الشارع المبشّرات.

و لذا

ورد أنّه أوّل ما بدء به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الوحي

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 414

الرؤيا فكان لا يرى إلا خرجت مثل فلق الصبح «1»

و حيث إنّه عليه السّلام خصّه اللّه تعالى بالكمال في كلّ فضيلة فله من الوحي أنواعه و ضروبه، لأنّه قد أوتي جوامع الكلم و كان في الرتبة الأعلى من الإمكان، و لما بدي ء في وحيه عليه السّلام بالرؤيا ستة أشهر علمنا أنّ بدي ء الوحي الرؤيا و أنّها جزء من ستة و أربعين جزء من النبوة لكونها ستة أشهر، و كانت نبوته ثلثا و عشرين، فستة أشهر جزء من ستة و أربعين، كذا فسّر الخبر المشهور.

و فيه تكلّف ظاهر، لأنّه بانضمام هذا الجزء يكون من سبعة و أربعين إلا ان يقال: إنّ الأخيرة لم تكن سنة تامة بل نصف سنة.

و لذا

ورد أيضا في خبر آخر أنهّا جزء من خمسة و أربعين جزء من النبوة،

لكنّه لا

يخفى عليك أنّه تكلّف من تكلّف بل مخالف لما هو المنساق من ظواهر الأخبار الدالّة على أنّ رأى المؤمن و رؤياه في آخر الزمان جزء من سبعين جزء من النبوة.

و

في بعض الأخبار أنّها على الثلث

حيث ظاهرها إنّما هو القرب منها في الإصابة لا في المدّة و أنّه كذلك بالنسبة إلى كلّ مؤمن لا بالنسبة اليه خاصة إلى غير ذلك مما سنشير اليه في آية البشرى «2»، ثم لا يخفى أنّه لا يلزم أنّ بدأ الوحي لكل نبي كذلك إذ قد أوحى إلى بعض الأنبياء ابتداء من غير تقدّم الرؤيا، لكنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما بدي ء بالرويا قلنا: إنّها بدؤ الوحي لأنّه مقتضى كما له الذي يقتضيه مقامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هي الباقية من أجزاء النبوة في آخر الزمان بعد انقطاع الوحي و اختتام النبوّة.

______________________________

(1) بحار الأنوار: ج 18 ص 194، ط. الاخوندي بطهران، عن المناقب لابن شهر آشوب.

(2) لهم البشرى في الحيوة الدنيا و في الآخرة: يونس: 64.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 415

ثم إنّه إذا انفتح باب النبوّة فقد تكون أيضا بالرؤيا الصادقة التي معها برهان من اللّه تعالى على صدقها، و الفرق أنّها حينئذ قد تكون على وجه الشرائع دون ما كانت قبلها فإنّها من مبادئ النبوّة و أجزائها، و تكون بالقذف في القلب من غير سماع و لا مشاهدة، و أمّا العلم بأنّ الوارد القلبي إنّما هو من اللّه سبحانه و أنّه يجب العمل بمقتضاه على فرض كونه من التشريعات فإنّما يحصل لأهله من الأنبياء و المحدّثين بعلم ضروري يقذفه اللّه تعالى في قلوبهم.

و اليه الإشارة بما رواه

في التوحيد عن الصادق عليه

السّلام قال: ما علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ جبرئيل من قبل اللّه إلّا بالتوفيق «1».

و

في «تفسير العياشي» عن زرارة قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كيف لم يخف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيما يأتيه من قبل اللّه أن يكون ذلك مما ينزغ الشيطان به؟ فقال عليه السّلام: إنّ اللّه تعالى إذا اتخذ عبدا رسولا أنزل عليه السكينة و الوقار، فكان يأتيه من قبل اللّه مثل الذي يراه بعينه «2».

أقول: و هو المراد بفلق الصبح في الخبر المتقدم «3»، و ربما تسمع الفرق بين الخواطر الرحمانية و الشيطانية فيما يأتي من المكاشفات العرفانية.

و لعلّ الوجه في القذف أنّ مرآة القلب إذا حوذي بها شطر الحق بالشروط العديدة المتقدّمة انطبع فيها ما هو المقرّر في الواقع أو الثابت في الألواح الملكوتية بالأقلام الالهية من الأمور التشريعية، و الأسرار الحقيقية فكما أنّك إذا رأيت زيدا

______________________________

(1) التوحيد للصدوق: 246- و بحار الأنوار ج 18 ص 257 ط. الاخوندي.

(2) بحار الأنوار ج 18 ص 262 ط. الاخوندي بطهران.

(3) نفس المصدر السابق.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 416

بعينه و شخصه رؤية حسيّة لا تشك في أنّك رأيته بشخصه بل لا تلتفت إلى الشك في ذلك لمبادرة اليقين، و مسارعته إلى قلبك، و كذلك إذا رأى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شيئا بنظره الفؤادي فإنما رأى الحقيقية كما قال سبحانه: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى «1».

و لعله إليه الإشارة فيما

ورد من أنّ الروح عمود من نور بين السماء و الأرض يرى الإمام فيه أعمال العباد «2».

إلّا أنّ هذا في غير التشريع و من جهة الإحاطة و الهيمنة التي

تقتضيها الولاية حسبما تأتي إليها الإشارة، و تكون أيضا بالنقر في الأسماع على الوجوه المختلفة التي منها المشيّة في الخبر بوقع السلسلة على الطست، و غير ذلك مما يرجع إلى المشاهدة الغيبيّة و الإدراكات اليقينية.

نعم

روى العيّاشي عن الصادق عليه السّلام في تفسير قوله تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا «3»، مخففة أنّه قال: ظنّت الرسل أنّ الشياطين تمثّل لهم على صورة الملائكة «4».

قال: و عن أبي شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: و كلهم اللّه الى أنفسهم أقلّ من طرفة عين «5».

قال شيخنا المجلسي طاب ثراه بعد نقل الخبرين: لعلّ المراد أنّ اللّه تعالى

______________________________

(1) النجم: 11.

(2) بحار الأنوار ج 7 ص 307 ط. القديم.

(3) يوسف: 110.

(4) بحار الأنوار ج 7 ص 261 ط. الاخوندي بطهران عن العياشي.

(5) بحار الأنوار ج 17 ص 262 ط. الاخوندي بطهران عن العياشي.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 417

و كلهم إلى أنفسهم ليزيد يقينهم بأنّهم معصومون بعصمة اللّه فخطر ببالهم أنّ ما وعدوا من عذاب الأمم لعلّه يكون من الشياطين، فصرف اللّه عنهم ذلك، و عصمهم و ثبّتهم على اليقين بأن ما أوحى إليهم ليس للشيطان فيه سبيل «1».

أقول: و لعل الأولى ردّ علمه إليهم عليهم السّلام فإنّ المعلوم ممّا دلّ على عصمتهم من الكتاب و السنّة بل ضرورة المذهب أنّه ليس للشيطان سبيل عليهم أصلا حتى في مثل تلك الخطرة.

و بالجملة فجميع ضروب الوحي مشتركة في حصول العلم الضروريّ معه بكونه حقا منه سبحانه على ما مّرت إليه الإشارة و إن كانت مختلفة في كيفية نزوله.

قال في «المناقب» و أمّا كيفية نزول الوحي فقد سأله الحارث بن هشام كيف يأتيك الوحي؟ فقال

عليه السّلام: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس و هو أشدّه علىّ فيفصم عنّي و قد وعيت ما قال، و أحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلّمني فأعي ما يقول.

و

روي أنّه كان إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه دويّ كدويّ النحل.

و

روي أنّه كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه و إنّ جبينه لينفصد عرقا.

و

روي أنّه كان إذا نزل عليه كرب لذلك و يربدّ وجهه و نكس رأسه و نكس أصحابه رؤسهم منه

، و منه يقال: برحاء الوحي أي شدّة الكرب من ثقله «2».

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 17 ص 262 ط. الاخوندي بطهران عن العياشي.

(2) مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 41 و بحار الأنوار ج 18 ص 261 ط. الاخوندي.

قال المجلسي بعد ذكر الأحاديث عن المناقب: بيان قال «في النهاية»: في صفة الوحي:

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 418

قال ابن عباس: كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا نزل عليه القرآن تلقّاه بلسانه و شفتيه كان يعالج من ذلك شدة فنزل: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ «1»، و كان إذا نزل عليه الوحي وجد منه ألما شديدا، أو يتصدّع رأسه و يجد ثقلا و ذلك قوله: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا «2»، قال: و سمعت أنّه نزل جبرئيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ستّين ألف مرة «3».

و

في تفسير العياشي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه كان من آخر ما نزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سورة المائدة نسخت ما قبلها و لم ينسخها شي فلقد نزلت عليه و هو على بغلته الشهباء و ثقل عليها الوحي حتى وقفت و تدلى

بطنها حتى رأيت سرّتها تكاد تمسّ الأرض و أغمي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى وضع يده على ذؤابة منبّه بن وهب الجمحي ثم رفع ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقرأ علينا سورة المائدة.

ثالثها في كيفية تلقّي الملك للوحي الالهي، و قد وردت الإشارة إليها في جملة من الأخبار:

ففي الخبر: إنّ جبرئيل عليه السّلام قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

______________________________

كأنّه صلصلة على صفوان، الصلصلة: صوت الحديث إذا حرّك، و قال: فيفصم عني أي يقلع، و أفصم المطر للّه: إذا قلع، و قال فيه: كان إذا نزل عليه الوحي تفصد عرقا اي سال عرقه، تشبيها في كثرته بالفصاد و عرقا منصوب على التميز، و قال فيه: إذا أصابه الوحي كرب له، أي أصابه الكرب و اربدّ وجهه، أي تغير إلى الغبرة، و قال: البرح: الشدة، و منه

الحديث فأخذه البرحاء

أي شدّة الكرب من ثقل الوحي.

(1) القيامة: 16.

(2) المزمل: 5.

(3) مناقب آل أبي طالب 1: 41- و بحار الأنوار ج 18 ص 261 ط. الاخوندي. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 419

في وصف إسرافيل: هذا حاجب الربّ و أقرب خلق اللّه منه و اللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء فإذا تكلّم الربّ تبارك و تعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه ثم ألقي إلينا نسعى به في السموات و الأرض «1».

و

روي أيضا أنّه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لجبرئيل: من أين تأخذ الوحي؟ قال: آخذه من إسرافيل، قال من أين يأخذه؟ قال: يأخذه من ملك فوقه من الروحانيّين، قال من أين يأخذه ذلك الملك؟ قال يقذف في

قلبه قذفا «2».

و

ورد أيضا في كثير من الأسانيد من مولينا الصادق عليه السّلام و غيره من الأئمة عليهم السّلام روايتهم عن آبائهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن إسرافيل، عن اللوح، عن القلم، عن اللّه تبارك و تعالى قال: ولاية علي بن أبي طالب حصني، من دخله أمن من عذابي «3».

و قيل: و هذا الاختلاف منزّل على تعدّد الكيفيات، و أنّ المراد باللوح و القلم في هذا السند الملكان إذ قد ورد لهما في الأخبار معان متعددة.

و قال الصدوق- ره- في اعتقاداته: اعتقادنا في كيفية نزول الوحي من عند اللّه أنّ بين عيني إسرافيل عليه السّلام لوحا فإذا أراد اللّه عزّ و جلّ أن يتكلّم بالوحي ضرب اللوح جبين إسرافيل فينظر فيه فيقرأ ما فيه فيلقيه إلى ميكائيل، و يلقيه

______________________________

(1) تفسير القمي: 389 و بحار الأنوار ج 18 ص 258.

(2) التوحيد: 269- و الاحتجاج: 127 و البحار ج 18: 257.

(3) بحار الأنوار: ج 9 ص 401، ط. القديم عن أمالي ابن الشيخ.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 420

ميكائيل إلى جبرئيل، و يلقيه جبرئيل إلى الأنبياء عليهم السّلام «1».

و قال الشيخ المفيد (قدس اللّه روحه) في شرح هذا الكلام: الذي ذكر أبو جعفر رحمه اللّه من اللوح و القلم و ما يثبت فيه فقد جاء به حديث إلّا أنّا لا نعزم على القول به و لا نقطع على اللّه بصحته، و لا نشهد منه إلّا بما علمناه، و ليس الخبر به متواترا يقطع العذر، و لا عليه إجماع و لا نطق القرآن به، و لا ثبت عن حجة اللّه تعالى فينقاد له، و الوجه أن نقف به

و نجوزه و لا نردّه و نجعله في حّيز الممكن، فأمّا قطع أبي جعفر به و علمه على اعتقاده فهو مستند إلى ضرب من التقليد و لسنا من التقليد في شي ء «2».

أقول أمّا ذكر القلم فكأنّه سهو من القلم إذ لم يجر له ذكر في عبارة الصدوق، و أمّا نسبته إلى التقليد فليست في محلّها فإنّ الصدوق أعرف بسند ما اختاره سيّما بعد نسبته إلى الامامية كما يستفاد من ظاهر كلامه، و طريق إثبات هذه المسائل التي هي من فروع الأصول غير منحصرة في الطرق القطعيّة الغير المتخلفة عن الواقع بل قد يثبت أيضا بمثل الأخبار المصحّحة المشتهرة المتكرّرة في أصول الامامية.

و بالجملة فعدم وصول الحجّة إلى الشيخ المفيد طاب ثراه ليس حجة على صدوق الطائفة فيما ادعّاه و نسبه إلى اعتقاده الامامية هذا مضافا إلى جملة من الأخبار الدالّة عليه مضافا إلى ما مرّ.

ففي تفسير القمي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال جبرئيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في وصف إسرافيل هذا حاجب الربّ، و أقرب خلق اللّه منه

______________________________

(1) اعتقادات الصدوق: ص 100.

(2) تصحيح الاعتقادات: 57- و بحار الأنوار ج 18 ص 250 ط. الاخوندي. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 421

و اللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء، فإذا تكلّم الربّ تبارك و تعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه، فنظر فيه ثمّ ألقى إلينا فنسعى به في السموات و الأرض، إنّه لأدنى خلق الرحمن منه، و بينه و بينه تسعون حجابا من نور يقطع دونها الأبصار ما لا يعدّ و لا يوصف، و إنّي لأقرب الخلق منه، و بيني و بينه مسيرة ألف عام «1».

و

فيه أيضا أنّه قال: اللوح المحفوظ له طرفان

طرف على يمين العرش و طرف على جبهة إسرافيل فإذا تكلّم الربّ جلّ ذكره بالوحي ضرب اللوح جبين إسرافيل فنظر في اللوح فيوحي بما في اللوح إلى جبرئيل «2».

و أمّا ما رواه

في التوحيد و الإحتجاج فيما أجاب به أمير المؤمنين عليه السّلام من أسئلة الزنديق المدعّي للتناقض في القرآن حيث قال عليه السّلام: إنّه قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا جبرئيل هل رأيت ربك؟ فقال جبرئيل: إنّ ربّي لا يرى فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: من أين تأخذ الوحي؟ فقال أخذه من إسرافيل فقال (ص): و من أين يأخذه ذلك الملك؟ قال: يقذف في قلبه قذفا فهذا هو كلام اللّه عزّ و جلّ، و كلام اللّه ليس بنحو واحد منه ما كلّم اللّه به الرسل، و منه ما قذفه في قلوبهم، و منه رؤيا يراها الرسل، و منه وحي و تنزيل يتلى و يقرء فهو كلام اللّه تعالى، فاكتف بما وصفت لك من كلام اللّه تعالى، فإنّ معنى كلام اللّه تعالى ليس بنحو واحد، فإنّ منه ما تبلغ به رسل السماء رسل الأرض. الخبر «3».

فهو مبني على اختلاف التعبير عن ذلك أو على اختلاف ضروبه و أنواعه حسبما أشير فيه اليه.

______________________________

(1) تفسير القمي: 389.

(2) تفسير القمي: 720.

(3) التوحيد: 269- و الاحتجاج: 127- و بحار الأنوار ج 18 ص 258.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 422

رابعها في الفرق بين الوحي و الإلهام، قد يفرّق بينهما.

بأنّ الوحي من خواصّ النبوّة لتعلّقه بالظاهر، و الإلهام من خواص الولاية لتعلّقه بالباطن.

و بأنّ الوحي يتعلق بالأمور التشريعية، و الإلهام بالتكوينية.

و بأنّ الوحي مشروط بالتبليغ يعني أنّ الموحى إليه مأمور

به دون الإلهام، و بأنّ الإلهام قد يحصل من الحقّ سبحانه من غير واسطة الملك بالوجه الخاصّ الّذي له مع كل موجود، و الوحي يحصل بواسطته، و لذلك لا يسمى الأحاديث القدسية بالوحي دون القرآن، و إن كانت هي أيضا كلام اللّه تعالى و سبب ذلك أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اطمأنت نفسه، و انشرح قلبه و صدره، و قويت قواه و مشاعره كلها، فيشاهد صورة ما في جميع العوالم و النشئات، فيمثّل له الملك الحامل في عالم التمثيل الباطن و الحس الداخل كما يدركه أيضا في العالم الروحاني المحض، و أمّا الولي فلا يتلقّى المقاصد إلّا في مقام الأرواح المجرّدة عن عالم التمثيل.

فالأوّل يسمّى، وحيا باعتبار قوة الواردة و شدة المكاشفة، و شهود الملك و سماع كلامه.

و الثاني يسمّى إلهاما و تحديثا، فالوحي من الكشف الشهودي المتضمن للكشف المعنوي، و الإلهام من المعنوي فقط.

و بأنّ الوحي يتولّد من إفاضة العقل الكلي، و الإلهام من إشراق النفس الكلية، و نسبة النفس إلى العقل نسبة حوّاء من آدم، و الوحي أفضل من الإلهام.

و بأنّ الوحي مختصّ بالأنبياء عليه السّلام، و الإلهام يشترك فيه الأنبياء و الأولياء.

خامسها في أنّ العلم ليس منحصرا في الكسبي بل له قسم آخر و هو الوهبي،

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 423

اعلم أنّ كثيرا من المنغمسين في الغواسق النفسانية، و العلائق الهيولانية الجسمانية يزعمون أنّ العلم منحصر في العلوم العقلية و النقلية المشهورة المدونّة في الكتب، و أنّ طريق تحصيلها منحصر في الكسب و التعلّم و قراءة الكتب و مطالعتها، و تتبع آراء العلماء و أقوالهم و التدبّر في عباراتهم و التفكّر في فحاوي إشاراتهم، و الجري معهم في

مباحثاتهم و مناظراتهم إلى غير ذلك مما ترى كثيرا من الناس مشتغلين بها في ليلهم و نهارهم، بل في طول أعمارهم، و مع ذلك فعلّك ترى بعضهم في جهل شديد، و كأنّهم ينادون من مكان بعيد، و لذا خلت قلوبهم من الأنوار، و سرائرهم من الأسرار، و تغطّت بصائرهم بشوائب الأكدار، و ذلك لأنّهم لم يأتوا البيوت من أبوابها و لم يتوصّلوا إلى المسبّبات من طريق أسبابها، و من تأمّل في الرموز القرآنية و إشارات الأخبار النبوية و الإماميّة، يعلم أنّ لتحصيل العلوم الحقة الربانية طريقا آخر، غير الكسب يسمّى بالوهب، و العلوم الحاصلة به تسمّى بالعلوم الربانية و اللّدنية، اقتباسا من قوله تعالى: وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً «1».

و لذا قيل: إشارة إلى القسمين من العلم: إنّكم أخذتم علومكم ميتا من ميت، و أخذنا علومنا من الحيّ الذي لا يموت.

و ذلك أنّا قد لوّحنا سابقا أنّ العلوم الحقيقية، و الارتباطات الواقعية ثابتة في العوالم الإمكانية و الكونية، مرتسمة في الألواح الكلية و الجزئية و الملكوتية بقلم الصنع و المشيّة و أنّ النفس الإنسانية بمنزلة المرآة الّتي ينطبع فيها صور الحقائق الحسيّة و المعنوية، فالتعلّم و التفكّر من الطرق الكسبية لتحصيل العلوم إلّا أنّ أحدهما من خارج و الآخر من باطن، فالتعلّم كما قيل استفادة الشخص من

______________________________

(1) الكهف: 65.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 424

الشخص الجزئي و التفكّر هو استفادة النفس من النفس الكلية، و هي أشدّ تأثيرا و أقوى تعليما من جميع العلماء و العقلاء.

بل أقول: إنّ النفوس الإنسانية مجبولة على العلوم، مستعدّة لها استعدادا قريبا و بعيدا.

فمنها ما هي لجمودها و قسوتها كالحجر الذي لم يذب بعد.

و منها ما قد ذابت و لم

يحصل له تمام التصفية و التنقية.

و منها ما عرض له الرين و الكدورات العرضية الخارجية و منها ما لم يحصل له بالنسبة إلى المحسوس الخاصّ شرط المحاذاة إلى غير ذلك من المعدّات و الشرائط المعتبرة في النفس الإنسانية أيضا. فإنّ الرياضيات العلميّة و العمليّة كالذوب لحجر الزجاج و البلّور فكما أنّ الحجر بكثرة الذوب و التنقية و التصفية يصل إلى درجة البلّور المستعدّ لانتقاش صور الأشياء المحسوسة فيها بعد إعمال الشرائط التي من جملتها إعمال شروط الانعطاف و المحاذاة و غيرها، كذلك النفس الإنسانية إذا خرجت عن حدّ القوّة التي لها في أوان الطفوليّة، و صقلت عن رين المعاصي و كدورات الشبهات، و رفعت عنها حجب التقليد و موافقه المشايخ و العادات و وجه وجهها نحو الملكوت الأعلى المرتسم فيها صور الكائنات، صارت كالمرآة المصقولة المحاذية شطر صورة المطلوب، فإذا غلبت القوى البدنية على النفس بحسّ دواعيها كالشهوة و الغضب و غيرها، يحتاج المتعلّم إلى زيادة المشقّة و طول الكسب، و كثرة التعلّم، و إذا غلب العقل على أوصاف الحسّ و دواعيه استغنى الطالب بقليل التفكر عن كثير التعلّم، و ربّ عالم تفكّر ساعة منه خير من تعلّم سنة من الجاهل، فطريق تكّسب العلوم لبعض الناس هو التعلّم و للآخرين هو التفكّر، و الأوّل يحتاج إلى الثاني في الغالب دون العكس، مع أنّ لبيان اختلاف

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 425

العلوم الحاصلة من الطرفين كمّا و كيفا عرضا عريضا، هذا هو الكلام في قسمي التكسّب.

و أمّا الوهب الإلهي و التعليم الربّاني، فهو أيضا قسمان: قسم يختصّ بها الأنبياء و الأولياء الذين هم أوصياء الأنبياء و قد مرّ الكلام فيه، و قسم يشترك فيه ساير الناس

أيضا ممن يهتدي بأنواره، و يقتصّ على آثارهم بتخلية النفس عن الرذائل، و تحلّيها بالفضائل، بعد ملازمة التقوى، و خلوص النية و التدرّج في مراتب الإيمان و اليقين و الإخلاص و الإحسان الذي هو أن تعبد اللّه كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك.

و قد وردت إليه الإشارة في موارد من الكتاب و السنّة كقوله تعالى: وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ «1»، و قوله تعالى: وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ «2»، و قوله تعالى: وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها «3».

و

عن مولينا أمير المؤمنين عليه السّلام على ما أرسله في «غرر الحكم» و «المناقب» أنّه سئل عن العالم العلوي فقال عليه السّلام: صور عالية عن الموادّ، عارية من القوّة و الاستعداد، تجلّي لها ربها فأشرقت، و طالعها فتلألأت و ألقى في هويّتها مثاله، فأظهر عنها أفعاله، و خلق الإنسان ذا نفس ناطقة، إن زكّيها بالعلم و العمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها، و إذا اعتدل مزاجها، و فارقت الأضداد،

______________________________

(1) البقرة: 282.

(2) القصص: 14.

(3) الشمس: 10. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 426

فقد شارك بها السبع الشداد «1».

و

في «الكافي» و غيره من أخلص للّه سبحانه أربعين صباحا، تفجّرت من قلبه على لسانه ينابيع الحكمة «2».

و

عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليس العلم بكثرة التعلّم، و إنّما العلم نور يقذفه اللّه في قلب من يحبّ، فينفتح له، و يشاهد الغيب، و ينشرح صدره فيحتمل البلاء، قيل يا رسول اللّه و هل لذلك من علامة؟ قال عليه السّلام: التجافي عن دار الغرور، و

الإنابة إلى دار الخلود، و الاستعداد للموت قبل نزوله.

و

في خبر عنوان البصري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: ليس العلم بالتعلّم، إنّما هو نور يقع في قلب من يريد اللّه تبارك و تعالى أن يهديه فإن أردت العلم فاطلب أوّلا في نفسك حقيقة العبوديّة و اطلب العلم باستعماله و استفهم اللّه يفهمك «3».

و

في «منية المريد» عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في وصيّة الخضر لموسى: يا موسى وطّن نفسك على الصبر تلق الحلم، و أشعر قلبك التقوى تنل العلم و رضّ نفسك على الصبر تخلص من الإثم «4».

و

في الخبر ما معناه: إنّ عيسى روح اللّه على نبينا و آله السّلام كان يقول للحواريّين، ليس العلم في السماء فينزل إليكم، و لا في تخوم الأرض فيصعد عليكم،

______________________________

(1) غرر الحكم للآمدي ج 1 ص 459 حرف الصاد: حديث 75.

(2)

في البحار ج 15 باب الإخلاص ص 87 ط. القديم عن عدّة الداعي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: من أخلص للّه أربعين يوما فجّر اللّه ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.

(3) بحار الأنوار طبع القديم ج 1 ص 69- و من المطبوع بطهران جديد ج 1 ص 225.

(4) المصدر السابق ج 1 ص 70- و من المطبوع بطهران جديدا ج 1 ص 227. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 427

و لكن العلم مجبول في قلوبكم، مركوز في طبائعكم، تخلّقوا بأخلاق الروحانيين يظهر لكم.

و

روى أنه قال لبني إسرائيل: يا بني إسرائيل لا تقولوا العلم في السماء من يصعد يأتي به، و لا في تخوم الأرض من ينزل يأتي به، و لا من وراء البحار من يعبر يأتي به، العلم مجبول في قلوبكم، تأدّبوا

بين يدي اللّه بآداب الروحانيين فتخلّقوا بأخلاق الصديقين يظهر العلم من قلوبكم حتى يغطيكم و يغمركم.

فهذه الأخبار و غيرها مما يستفاد منها أنّ من العلوم الحقّة ما يحصل للإنسان بالإقبال على مراسم العبوديّة، و ملازمة التقوى، و الاعتدال في الأقوال و الأفعال و الأحوال، و هذا هو الّذي ربما يسمّونه بالكشف الذي هو لغة رفع الحجاب، يقال كشفت المرئة وجهها أي رفعت نقابها، و عندهم هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من الأمور الحقيقية، سواء كانت من الصور المثالية، أو من المعاني الغيبة، و يسمّى الأوّل بالصوري و الثاني بالمعنوي فالصوري ما يحصل في عالم المثال من طريق الحواس الخمس التي لها الإحاطة العنصرية، و المدّة الزمانية، سواء كانت تلك الإحاطة من طريق المشاهدة، كرؤية المكاشف صور الأرواح أن تتجسّد و تترائى في صور الأجساد الماديّة إمّا بإرادتها أو بإرادة الرائي أو غيره، و إن كان الكلّ بمشيّته سبحانه و من هذا الباب رؤية جبرئيل في صورة دحية الكلبي «1»، أو في غيرها من

______________________________

(1) دحية بن خليفة الكلبي من أصحاب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و كان يضرب به المثل في حسن الصورة بعثه النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، برسالته إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، و حضر كثيرا من الوقايع، و شهد اليرموك و عاش إلى خلافة معاوية و مات نحو سنة 45 من الهجرة

- الاصابة ج 1 ص 473.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 428

الصور، بل و كذا في الصورة التي راها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أوّل البعثة حيث قد ملأ الخافقين بل و كذا رؤية غيره من الملئكة حتى الذين كانوا

يزاحمون الأئمة عليهم السّلام في منازلهم، و يتّكئون في فرشهم و كانوا يلتقطون من زغبهم، و مشاهدة الأرواح الذين انتقلوا من هذا العالم إلى عالم البقاء كما قد يتفق لبعض الصلحاء بل و كذا الأشقياء، و مشاهدة النعمة و النقمة الحاصلين لهم كما لبعض الناس، بل قد يشاهدون اللهيب و النيران المتوقدة المشتعلة من قبور بعض الفجار.

و من هذا الباب مشاهدة الجنّ و الشياطين الذين من الأرواح السفلية الظلمانية، غير أنّ هذه الرؤية قد يكون بعروض التجسّم للأرواح فيشترك حينئذ في رؤيته جميع الخلق أو بتغيّر في أحوال الرائي بحيث ينكشف له شي ء من الملكوت فيختص الرائي بالرؤية دون غيره.

و من هذا الباب و لو من بعض الجهات إرائته عليه السّلام ملكوت السموات و الأرض لأبي بصير و جابر و غيرهما حسبما تأتي إليه الإشارة في تفسير قوله تعالى:

وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ «1»، أو من طريق غير المشاهدة كالسماع و الذوق و اللمس و غيرها، و ذلك أنّ للنفس في ذاتها سمعا و بصرا و شما و ذوقا و لمسا، فهذه أدوات نفسانية كما أنّ من هذه الجهات أدوات جسمانية بدنية، و لعل في قوله تعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ «2»، اشارة إلى ذلك.

بل و أظهر منه دلالة ما

ورد في تفسيره من أنّ لشيعتنا أربعة أعين عينان

______________________________

(1) الحج: 46.

(2) الانعام: 75. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 429

في الظاهر و عينان في الباطن «1»

بعد ظهور ان المراد بالعين مطلق المدرك و لا اختصاص لها بخصوص الجارحة.

بل ورد في خصوص سائر الإدراكات أيضا ما يدل على حصول التجلّي و الانكشاف بالنسبة إليها أيضا.

فيدل على

السماع ما سمعت من الأخبار الكثيرة الدالة على أن الأئمة عليهم السّلام محدثون، بل لا اختصاص له بالإمام (عليه السّلام) لان في خواص شيعتهم أيضا محدثين و سلمان منهم كما مرّ في الخبر المتقدم، و من هنا قيل اشارة إلى هذا المقام فيا لها من كلمات مسموعة هي عند العارف بها ألطف من النسيم أو أحلى من التسنيم، تتضمن معاني ان تجسدت فهي النور على صفحات خدود الحور ظاهرا، و ان تروحت رقمت حقائقها بقلم العقل على لوح النفس باطنا.

و يدل على الاستنشاق الذي هو التنسم بالنفحات الالهية

النبوي المشهور: ان لربكم في أيام دهركم نفحات الا فتعرضوا لها «2»

، و

قوله صلّى اللّه عليه و آله: اني لأجد

______________________________

(1)

في تفسير الصافي ج 2 ص 128 ط. الاسلامية بطهران: في التوحيد و الخصال عن السجاد (عليه السّلام) ان للعبد اربع أعين عينان يبصر بهما أمر دينه و دنياه، و عينان يبصر بهما أمر آخرته فاذا أراد اللّه بعبد خبر فتح له العينين اللتين في قلبه فأبصر بهما الغيب و أمر آخرته، و إذا أراد اللّه به غير ذلك ترك القلب بما فيه.

و

في الكافي عن الصادق عليه السّلام إنّما شيعتنا أصحاب الاربعة الأعين عينان في الرأس و عينان في القلب ألا و إنّ الخلائق كلّهم كذلك إلّا أنّ اللّه عزّ و جلّ فتح أبصاركم و أعمى أبصارهم.

(2) المحجة البيضاء: ج 5 ص 15- و أخرجه البخاري و مسلم و الطبراني. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 430

نفس الرحمن من قبل يمن «1»

، و

قوله (ص): تفوح روائح الجنة من قبل قرن، وا شوقاه إليك يا أويس القرني «2».

و على الذوق

قوله عليه السّلام: إني اظلّ عند ربي فيطعمني و يسقيني «3»،

و

قوله: إنّي شربت اللبن حتى خرج الريّ بين أظافيري إلى غير ذلك مما يرجع إلى الإدراك الذي هو انكشاف الشي ء و رفع الحجاب بينه و بين الرائي و لذا كان الأولى التعبير عن الجميع به، نعم ربما ذكر بعض الصوفية حصول الكشف بالنسبة إليه سبحانه و لو على وجه الملامسة المفسّرة عندهم بالاتصال بين النورين العلويّين، أو بين الجسدين المثاليّين.

و استدلّوا له بما

روي عنه عليه السّلام من طريق العامّة أنّه قال: رأيت ربي ليلة المعراج في أحسن صورة، فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثدييّ فعلمت علوم الأولين و الآخرين.

و اعتبار خصوص الإدراك أو نوعه و إن كان صحيحا بالنسبة إلى غيره سبحانه بناء على ما سمعت من تروّح الأجساد، و تجسّد الأرواح، إلّا أنّ ذلك بالنسبة اليه سبحانه غير ممكن بناء على ما هو المقرّر عندنا في أصول الإمامية من نفي التشبيه و التمثيل و الرؤية و الإحاطة و التجسّم و غير ذلك مما يذهب اليه مخالفونا، و ان

______________________________

(1) قال الفيروزآبادي في القاموس: لا تسبّوا الريح فإنّها من نفس الرحمن و أجد نفس ربكم من قبل اليمن المراد ما تيسر له (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، من أهل المدينة و هم يمانون يعني الأنصار و هم من الأزد و الأزد من اليمن.

(2) بحار الأنوار: ج 9 ط. القديم ص 637 عن فضائل ابن جبريل شاذان القمي.

(3) بحار الأنوار: ج 4 ط. القديم ص 102 عن الاحتجاج.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 431

وافقهم بعض منا كصاحب المجلي «1»، أو الأسفار «2»، في هذا النوع من الكشف، غفلة عن حقيقة الحال.

و أمّا ما يوجد في بعض أخبارنا ممّا يوهم ذلك،

كخبر ابن أبي يعفور

«3» المرويّ في كامل الزيارات لابن قولويه «4» عن مولانا الصادق (عليه السّلام) قال: بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في منزل فاطمة عليها السّلام و الحسين في حجره إذ بكى و خرّ ساجدا ثم قال عليه السّلام: يا فاطمة، يا بنت محمّد إنّ العلي الأعلى ترائي إلىّ في بيتك هذا ساعتي هذه في أحسن صورة، و أهيأ هيئة، و قال:

يا محمّد أ تحبّ الحسين؟ فقلت: نعم قرّة عيني، و ريحانتي، و ثمرة فؤادي، و جلدة ما بين عيني، فقال لي: يا محمّد، و وضع يده على رأس الحسين عليه السّلام بورك من مولود عليه بركاتي و صلواتي، و رحمتي، و رضواني و لعنتي و سخطي، و عذابي

______________________________

(1) قد مرّت ترجمته و هو محمّد بن علي بن أبي جمهور الاحسائي و كتابه المجلي في مرآت المنجي كتاب في المنازل العرفانية و سيرها.

(2) الاسفار الاربعة في الحكمة المتعالية للحكيم المتألّه محمّد بن إبراهيم الشيرازي المتوفى سنة 1050 و قد مرت ترجمته سابقا، قال صاحب الصراط المستقيم في كتابه (نخبة المقال) في حقه:

ثم ابن إبراهيم صدر الأجلّ* في سفر الحج (مريض) ارتحل قدوة أهل العلم و الصفاء* يروي عن الداماد و البهائي

(3) عبد اللّه بن أبي يعفور أبو محمّد كوفي ثقة جليل و هو الذي عرض دينه على الصادق (عليه السّلام) و مات في أيامه.

(4) جعفر بن قولويه القمي من أجلاء الامامية و ثقاتهم في الحديث و الفقه، فضله أشهر من أن يذكر و كتابه (كامل الزيارات) كتاب نفيس، مفيد، توفي سنة 367 و دفن في جوار الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليهما السّلام في الكاظمين جنب قبر المفيد (رحمه اللّه).

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 432

و خزيي و نكالي على من قتله، و ناصبه، و ناواه، و نازعه، أما إنّه سيد الشهداء من الأولين و الآخرين، في الدنيا و الآخرة، و سيّد شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين، و أبوه أفضل منه و خير، فأقرئه السّلام، و بشّره بأنّه رأية الهدى، و منار أوليائي، و حفيظي، و شهيدي على خلقي، و خازن علمي، و حجّتي على أهل السموات و أهل الأرضين، و الثقلين الجن و الانس «1»

و

في الكافي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا قام قائمنا وضع اللّه يده على رؤس العباد فجمع بها عقولهم، و كملت به أحلامهم «2»

و

في النبوي المرسل: قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلّبه كيف يشاء «3»

، إلى غير ذلك ممّا يدلّ على تعلّق الرؤية أو اللمس به سبحانه فلعل الخطب فيه سهل بعد قيام القواطع العقلية على تنزيهه سبحانه عن ذلك كله.

و لذا ذكر شيخنا المجلسي (رحمه اللّه) في شرح الخبر الأول إنّ العليّ الأعلى أي

______________________________

(1) كامل الزيارات ص 67- و بحار الأنوار عن الكامل ج 44 ص 238 ط. الاخوندي بطهران.

(2) منتخب الأثر عن الكافي ص 483- قال المجلسي قدس سره في مرآه العقول في شرح الحديث: الضمير في قوله (يده) اما راجع إلى اللّه أو إلى القائم (عليه السّلام) و على التقديرين كناية عن الرحمة و الشفقة أو القدرة و الاستيلاء و على الأخير يحتمل الحقيقة.

(3)

قال المحدث القمي (رحمه اللّه) في سفينة البحار ج 2 ص 293 ع عن حمران عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: إذا كان الرجل على يمينك على رأي ثم تحول إلى يسارك فلا تقل الا خيرا و لا تبرأ

منه حتى تسمع منه ما سمعت و هو على يمينك على رأي فان القلوب بين إصبعين من أصابع اللّه يقلبها كيف يشاء إلخ.

قال الصدوق: يعني بين طريقين من طرق اللّه يعني بالطريقين طريق الخير و طريق الشر، ان اللّه عز و جل لا يوصف بالأصابع و لا بشبه بخلقه تعالى عن ذلك علوا كبيرا.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 433

رسوله جبرئيل أو يكون الترائي كناية عن غاية الظهور العلمي، و حسن الصورة كناية عن ظهور صفات كماله تعالى (عليه السّلام)، و وضع اليد كناية عن إفاضة الرحمة «1».

كما أنّه يحمل على مثل ذلك أيضا ما

رواه في الكافي في باب بدو الحجر عن مولينا الصادق عليه السّلام: إنّ اللّه عز و جل وضع الحجر الأسود، و هي جوهرة أخرجت من الجنة إلى آدم عليه السّلام، فوضعت في ذلك الركن لعلّة الميثاق و ذلك أنّه لمّا أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم، حين أخذ اللّه عليهم الميثاق في ذلك المكان، و في ذلك المكان ترائى لهم، و من ذلك المكان يهبط الطير على القائم عليه السّلام، فأوّل من يبايعه ذلك الطائر و هو و اللّه جبرئيل عليه السّلام الخبر «2»

فان المراد بالترائي غاية الظهور و الانكشاف بالآيات، أو مقام الخطاب الفحوائي بعد إجابة خطاب كن في مقام التكوين، أو الاجابة التشريعية في عالم الذر.

أو غير ذلك مما يحمل عليه أيضا ما ورد في القرآن كقوله تعالى: وَ جاءَ رَبُّكَ «3»، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ «4»، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ «5»، بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ «6»، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ «7»، إلى غير ذلك مما ورد في الكتاب و السنة.

ثمّ اعلم أنّ أنواع الكشف الصوري

إمّا أن تتعلّق بالحوادث الدنيوية أولا،

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 44 ص 238 ط. الاخوندي بطهران.

(2) الفروع من الكافي ج 4 ص 185 كتاب الحج باب بدء الحجر و العلة في استلامه.

(3) الفجر: 22.

(4) البقرة: 110.

(5) الفتح: 10.

(6) المائدة: 63.

(7) القيامة: 23.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 434

فان تعلقت بها سميّت عندهم رهبانية، لاطّلاعهم على المغيبات الدنيوية الحسية بحسب رياضاتهم و مجاهداتهم، و إن كان قد يحصل ذلك أيضا لغير المسلمين، بل لغير بل لغير المليّين كالبراهمة، و الجوكية، و الزنادقية و الكهنة، و أرباب الرياضات الباطلة لأنّ لأنّ ترتّب بعض العلوم و الآثار على بعض الأفعال و الأحوال من قبيل ترتب الخاصيّة على ذيها، على أنّه سبحانه قد كتب على نفسه أن لا يردّ سائله، و لا يخيّب آمله، فإذا كانت عزيمة الطالب استكشاف بعض الغيوب، أو استعلام بعض الوقايع فلربما ناله جزاء لما فعله من الأعمال الصالحة التي أجلّها مخالفة النفس الأمّارة بالسوء، مجازاة له في العاجل، كي يخاطب من الآجل فيمن يخاطب بقوله: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها «1» و لذا قيل: إن الهمم العالية التي لأهل اللّه من سلّاك الأمم و خواصّهم تأبى عن الالتفات فضلا عن الوقوف على هذه الأمور الدنيّة الدنيوية العاجلة فلا يشتغلون بها أصلا، لاستغراقهم فيما هو أجلّ منه و أعلى و هو الأمور الاخروية، و التجليّات الغيبية، و الإشراقات النوريّة التي هي أشرف و أبهى، بل ربما يعد القسم الأوّل من قبيل الاستدراج و المكر، بل قيل: إنّ أصحاب الكرامات محجوبون، و إنّهم عن نيل الحقائق لمعزولون، و إنّ أرباب الحقيقة هم الذين لا يلتفتون إلى المكاشفات الأخروية أيضا.

كما

ورد الدنيا حرام على أهل الآخرة و

الآخرة حرام على أهل الدنيا و هما حرامان على أهل اللّه تعالى.

و هذا بل غير القسم الأول من القسمين الأخيرين هو المراد بالكشف المعنوي

______________________________

(1) الأحقاف: 20.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 435

المتقدّم إليه الإشارة كالعلم بأحوال المبدء و المعاد، و أسرار التكوين، و مقامات النفس، و أطوارها، و العلم ببطون الكتاب و تأويله، و إشارات السنّة، إلى غير ذلك من أسرار العلوم، و أنوارها، و حقائقها التي يختصّ بمعرفتها من يشاء من عباده.

و جملة الكلام في المقام، أنّ المكاشفات الصورية الصادقة المطابقة مما يشترك فيها المؤمن و الكافر و المنافق، و كذا غيرها من أنواع الكرامات كطّي الأرض، و الخفاء عن الأبصار، و تسخير الحيوانات الوحشية و الموذية و إحضار الطعام و الفواكه في غير أوانها، و استجابة الدعوات، و الأخبار عن المغيبات و استنطاق الجمادات، و عدم التأثر بشي ء من الآلات القاتلة، كالسموم و السيف و النار، و غير ذلك مما ربما يحصل لأصحاب الرياضات، و التسخيرات و الطلسمات، و العزائم، بل قد يحصل كثير منها بتصفية الباطن، و مخالفة النفس، و تسخير القلب، و تقويته، و غير ذلك مما يقع عن غير المتعبّدين بالنواميس الشرعية، و لذا قيل: إنّه لا تدلّ الكرامات على المقامات، و إن توهّمه آخرون كما حكي عنهم فيما قيل شعرا:

بعض الرجال يرى كون الكرامات دليل حقّ على نيل المقامات

و إنها عين بشرى قد أتتك بهارسل المهيمن من فوق السموات

و عندنا فيه تفصيل إذا علمت به الجماعة لم تفرح بآيات

كيف السرور و الاستدراج يصحبهافي حقّ قوم ذوي جهل و آفات

و ليس يدرون حقا أنّهم جهلواو ذا إذا كان من أقوى الجهالات

و ما الكرامة إلّا عصمة وجدت في حال

قوم و أفعال و نيّات

تلك الكرامة لا تبغي لها بدلاو احذر من المكر في طيّ الكرامات

فخرق العادات المسمّى عندهم مع عدم التحدّي بالكرامات يقع كثيرا على وجه الإمهال و الاستدراج، و تعجيل المثوبة، و التشبّت بذوات الخواصّ و العزائم،

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 436

و التسخيرات، و غير ذلك من التمويهات الواقعة بين العلويّة و السفليّة، مع أنّ كثيرا من أنواع خرق العادات يشارك فيها الإنسان غيره فان الجن و الشياطين قادرون على الاطلاع بالضماير و على الخفاء عن الأبصار و على التمثّل في صور كثيرة، و على طيّ الأرض و على دخول الدار من الجدار و على التصرف و الوسوسة في الصدور، بل الطيور و كثير من الحيوانات يتمكّن من كثير من الخوارق بالنسبة إلى الإنسان و إن لم تكن خارقة بالنسبة إليها.

بل في «الفتوحات» «1»، أنه سئل أبو يزيد من طيّ الأرض فقال ليس بشي ء فإنّ إبليس يقطع من المشرق إلى المغرب في اللحظة الواحدة، و ما هو عند اللّه بمكان.

و سئل عن اختراق الهواء فقال: إن الطير يخترق الهواء و المؤمن عند اللّه أفضل من الطير، فكيف يحسب كرامة من شاركه فيها طائر، و هكذا في غيره، ثم قال: إلهي إنّ قوما طلبوك لما ذكروه فشغلتهم به و أهّلتهم له اللّهم مهما أهّلتني لشي ء فأهّلني لشي ء من أشيائك يقول من أسرارك، فما طلب إلّا العلم.

ثم هذا كلّه في المكاشفات الصادقة، و الكرامات الواقعة الحقّة، و أمّا المكائد و الخدع، و التمويهات و الحيل، و الأخذ على العيون، و غير ذلك مما لا أصل له فلا ينبغي التكلّم فيه رأسا.

و أمّا المكاشفات المعنوية، و الإشراقات العلمية، و التجلّيات الحقيقية فهي و ان

ادّعاها كثير من الناس إلّا أنّ أكثرهم عن السمع لمعزولون، ألم تر أنّهم في كل واد يهيمون، و أنّهم يقولون ما لا يعلمون.

______________________________

(1) الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية و الملكية مجلدات للشيخ محيي الدين محمّد بن علي المعروف بابن عربي الطائي المالكي المتوفى سنة 638، من أعظم كتبه و آخرها تأليفا.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 437 و كلّ يدّعي وصلا بليلى و ليلى لا تقرّ لهم بذاكا

إذا انبجست خدود من دموع تبيّن من بكى ممن تباكا

و حيث إنّ كلا يدّعي لنفسه الإصابة مع الانحرافات العجيبة، و الاعوجاجات الغريبة الواقعة منهم فلا بدّ من ميزان يتميز به الحقّ من الباطل و الثابت من الزائل.

اعلم أنّ قلب الإنسان متجاذب بين الملك و الشيطان، و المطاردة بين جنودهما قائمة في معركة القلب ما لم يحصل الفتح الكلّي لأحدهما، و ذلك أنّ اللّه سبحانه ركّب في الأناس قوى متضادّة و أرواحا متخالفة كالقوى النباتية و الحيوانية، و البهيمية، و السبعية، و الشيطانية و الملكية القدسية، و الكليّة الالهية، و هو في أصل الفطرة صالح لقبول آثار الملائكة و الشياطين بالعلم و العلم، و تركهما على ما فصّل في غير هذا الموضع، فالخواطر الواردة على القلب يمكن أن تكون من الرحمن، و من الشيطان.

كما

ورد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ في القلب لمتّان لمّة من الملك إيعاد بالخير و تصديق بالحق، و لمّة من العدوّ إيعاد بالشر و تكذيب للحق و نهي عن الخير فمن وجد ذلك فليعلم أنّه من اللّه، و من وجد الآخر فليتعوّذ باللّه من الشيطان الرجيم، ثم قرء صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ، وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ

وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلًا «1» «2»

______________________________

(1) البقرة: 268.

(2)

في الدر المنثور: اخرج الترمذي و النسائي و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن حيان و البيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): إن للشيطان لمّة بابن آدم و للملك لمّة: فأما لمّة الشيطان فإيعاد بالشر، و تكذيب بالحق، و أما لمّة الملك فإيعاد الخير و تصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من اللّه فليحمد اللّه، و من وجد تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 438

و بوجه آخر القلب دائم الانقلاب و التقلّب بين الكينونة المستقيمة الفطرية الطبيعية الّتي هي على هيكل التوحيد فيترسّخ فيه حينئذ الحقائق و يترشّح عنه الى ساير الأدوات و الأعضاء الأعمال الصالحة، و الخيرات و الأقوال الحسنة و غيره، و بين الكينونة المعوّجة المنحرفة التطبعية التي هي على هيكل النفاق و الشرك، فيترشّح منه إلى الأدوات الأعمال القبيحة و النفاق و الكذب، و غيرها، فإنّ القلب خزانة لأعمال الخوارج.

و لذا قال عيسى بن مريم على نبينا و آله و عليه السّلام: إن اللّسان يتكلّم بزوائد القلب و لعلّ

في قول مولينا أمير المؤمنين عليه السّلام،: «لكن يرشح عليك ما يطفح منّى»

إشارة اليه مع أنّ له وجوها اخرى.

و

في «المجلي» لابن جمهور الاحسائي: روي أنّ داود ناجى ربه فقال: إلهي لكل ملك خزانة فأين خزانتك؟ فقال جلّ جلاله: لي خزانة أعظم من العرش، و أوسع من الكرسي، و أطيب من الجنّة، و أزين من الملكوت، أرضها المعرفة، و سمائها الإيمان و شمسها الشوق، و قمرها المحبّة، و نجومها الخواطر، و سحابها العقل، و مطرها الرحمة، و شجرها

الطاعة، و ثمرها الحكمة و لها أربعة أركان: التوكل، و التفكر، و الأنس، و الذكر، و لها أربعة أبواب: العلم، و الحكمة، و الصبر، و الرضا، ألا و هي القلب «1»

______________________________

الاخرى فليتعوّذ باللّه من الشيطان ثم قرء: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ الآية.

- الميزان ج 2 ص 404-

(1) بحار الأنوار ج 15- أبواب مكارم الأخلاق ص 39 ط. القديم.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 439

قال: و روي عن وهب بن المنبّه «1»، أنّه قال: إنّ اللّه تعالى قال لموسى عليه السّلام: يا موسى جرّد قلبك لحبّي، فإنّي جعلت قلبك ميدان حبّي و بسطت في قلبك أرضا من معرفتي، و بنيت في قلبك بيتا من الإيمان، و أجريت في قلبك شمسا من شوقي، و أمضيت في قلبك قمرا من محبّتي، و أسريت نجوما من مرادي، و جعلت في قلبك عينا من تفكّري، و أدرت في قلبك ريحا من توفيقي، و أمطرت في قلبك مطرا من تفضّلي، و زرعت في قلبك زرعا من صدقي، و أنبتّ في قلبك أشجارا من طاعتي، و جعلت أوراقها دعائي، و أوليت ثمرها حكمة من مناجاتي، و أجريت في قلبك أنهارا من دقايق علوم أزليّتي، و وضعت في قلبك جبالا من يقيني.

و هذا كلّه في القلوب الصالحة التقيّة الطيّبة الملكية، و أمّا القلوب الطالحة الشقية الخبيثة الشيطانية فالأمر بالعكس في كل ما سمعت.

و بوجه ثالث قد سمعت أنّ القلب ينطبع فيه صور المعاني و الحقائق الحقّة الواقعية، و الصور المخترعة الوهميّة، و غيرها ممّا حصل له المحاذاة بالنسبة إليه كما أنّ المرآة ينطبع فيها صور الأجسام المحسوسة، و أنّ لكلّ معنى من المعاني

______________________________

(1) وهب بن منبّه و هو الذي ينقل عنه

القطب الراوندي كثيرا و العلماء لا يعتمدون على متفرداته مؤرّخ، كثير الأخبار عن الكتب القديمة، عالم بأساطير الأولين، و لا سيما الاسرائيليات أصله من أبناء الفرس الذين بعث بهم كسرى إلى اليمن، و أمّه من حمير، ولد بصنعاء سنة 34- و ولّاه عمر بن عبد العزيز قضاءها، و كان يقول: سمعت إثنين و تسعين كتابا كلها أنزلت من السماء، و وجدت في كلها أنّ من أضاف إلى نفسه شيئا من المشيّة فقد كفر، يقال: إنّه صحب ابن عباس و لازمه ثلاث عشر سنة، له من الكتب قصص الأنبياء و قصص الأخيار، ذكرهما صاحب كشف الظنون، توفى بصنعاء سنة 114.

- سفينة البحار ج 2 ص 693 و الاعلام للزركلي ج 9 ص 150.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 440

و الحقائق الكونية بل الإمكانية صقعا من العوالم، أمّا في دركات سجّين، فالقلب ما دام كائنا في شطر الحق، باقيا وجهه تلقاء عليين ينطبع فيه صور الحقائق و المعاني الحقة و الواقعية، فإذا صار منكوسا، منحرفا وجهه عن الملكوت الأعلى، حصل له المحاذاة إلى سجّين، فينطبع فيه صور الحقائق و المعاني الحقّة و الواقعيّة، فإذا صاد منكوسا، منحرفا وجهه عن الملكوت الأعلى، حصل له المحاذاة إلى سجّين، فينطبع فيه صور الأوهام الباطلة، و الخيالات المخبثة الشيطانية، و الأهواء الرديّة.

و على كل حال فالواردات القلبية كثيرا ما يشتبه حقّها بباطلها، و صدقها بكذبها، بل ربما يشتبه أيضا على من خطر له هذه الخواطر، فضلا عن غيره، فلذا مسّت الحاجة إلى إقامة ميزان، يتميّز به كل من الآخر.

فعن بعضهم أنّ الخواطر الملكية ما يدعوا إلى الطاعة و العبادة، و الشيطانية ما يدعوا إلى المخالفة و المعصية، و ردّ بأنّه ربما يكون

الهمّ بالعبادة أفسد من الهمّ بالمعصية، لما فيه من مكائد خفيّة للنفس، و قد يلمّ بنشاط في العبادة و العبد يظنّ أنّه بخلوص القلب، و ربما كان لنفاق خفي منه، و علّة كامنة في ذاته من طلب المنزلة و الجاه عند الخلق، بل قيل: إنّ معرفة تميز الخواطر صعب المنازل جدّا لا يكاد يتيسّر إلا بعد استقصاء تامّ في العلوم الحقّة مع التقوى، و انه اتّفق المشايخ على أنّ من كان أكله من الحرام لا يفرّق بين الوسوسة و الإلهام.

و عن آخر أنّ كلّ ما يكون سببا للخير بحيث يكون مأمون الغائلة في العاقبة و لا يكون سريع الانتقال على غيره، و يحصل بعده توجّه تامّ إلى الحقّ و لذّة عظيمة مرغّبة في العبادة فهو ملكي رحماني، و إلّا شيطاني، و فيه المنع من اطّراده و انعكاسه.

و عن ثالث أنّ ما يظهر من يمين القلب و قدّامه أكثره ملكي، و ما يظهر من

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 441

اليسار و الخلف أكثره شيطاني، و ردّ بأنّ الشيطان يأتي من الجهات كلّها كما يستفاد من قوله: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ «1» نعم قد يقال: إنّ الشيطان لا يأتي من جهة الفوق و التحت، أمّا الأوّل فلأنّه لعنه رأى نزول الأنوار على العبد من فوقه فخاف من الاحتراق فلم يتعرّض في إتيانه له، و أمّا الثاني على خطّ مستقيم مع الفوق، و أنّ ذلك النور متّصل بالتحت للاستقامة، و من هنا وقع النهي عن استقبال القبلة و استدبارها في بعض الأحوال، لأنّهما على خط واحد، و لذا خصّ الجهتين بالذكر في قوله:

وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ «2» و على كلّ حال فهذه الموازين و أمثالها مع عدم الإحساس بها غالبا لا اطّراد لها، و الميزان الكلّي المستفاد من الكتاب و السنّة إنّما هو موافقة الشريعة الطاهرة في الأفعال و الأقوال و الأحوال، و إنّما يكون ذلك بخلوص النية، و نقاء السريرة، و التدرّج في مراتب الايمان، و التحقّق بمقام اليقين و الإحسان، و المداومة على اقامة الفرائض و السنن، و مجانبة الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، و الاجتهاد في التوجه و الإقبال في جميع الأفعال و الأعمال كي يصير ساير عاداته من العبادات و التوسل بأنحاء القربات و وظائف الطاعات، و ملازمة قراءة القرآن، و الأدعية و ساير الأذكار، مع التذكر و التدبر و ساير الوظائف الشرعية، و الإشتغال بالتفكر في الموت الذي هو حيوة القلوب، و في أناء الليل و النهار، و تذكر قوله تعالى:

______________________________

(1) الأعراف: 17.

(2) المائدة: 66.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 442

وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصارِ «1»، إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ «2»، وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ «3»، و التفرّغ للتفكر في خلق الآفاق و الأنفس، و التدبّر في بديع صنعه سبحانه ليلا و نهارا، هذا كلّه مع ملازمة التقوى، و دوام الطهارة الظاهرة و الباطنة، و التخلّي عن الأخلاق و الصفات الذميمة التي هي الرذائل، و التخلق بالأخلاق الحميدة التي هي من الفضائل و الاعتدال و التوسط في جميع ذلك و غيره حتى الأكل و الشرب و النوم و التكلّم و المعاشرة مع الخلق، و سائر

الأفعال البدنية و النفسانية، و دوام الاستقامة في كلّ ما مرّ و في غيره ممّا هو من مقتضيات الولاية، و صدورها من جهة الشوق و المحبّة، فإذا استقام على جميع ذلك كان مخلصا له سبحانه في جميع أحواله و أطواره و شئونه، و فينفجر ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، و يعتدل مزاجه، و يستوفي أخلاقه، فيقوى اثر النفس فيه، فيكون محسنا في عمله، فيأتيه العلم و الحكمة من دون التعلّم بمقتضى الآية.

بل

قد روى عن مولينا الباقر عليه السّلام أنّه قال: ما من عبد أحبّنا و زاد في حبّنا و أخلص في مودّتنا و سئلنا مسئلة إلا أجبناه و نفثنا في روعه جوابا لتلك المسئلة.

و بالجملة فهذا العبد حينئذ تنكشف له الحقائق الواقعية و يتجلّى له الصور المطابقة العمليّة، و مع ذلك فلا بدّ أن يزنه بميزان الشريعة، فإن كان ما انكشف له من العلوم موافقا لما ثبت في الشريعة سواء كان من أصول العقائد أو الفروع العلمية، فليحمد اللّه سبحانه على الاستقامة، و إن كان مخالفا لما هو الثابت فيها فليتّهم نفسه،

______________________________

(1) ص 45.

(2) ص: 46.

(3) ص: 47.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 443

لأنّ هذه المخالفة لا تكون إلّا عن اعوجاج في النظر أو انحراف في الأعمال و مباديها و لو من غير التفات و تذكّر منه لذلك فإن المرآة إذا كانت منحرفة في وضعها، أو معوجّة في نفسها ظهر الانحراف و الاعوجاج في الصور المنطبعة فيها.

و بالجملة فالكشف الصحيح ما ينتج الاستقامة فلا يزال يزيد العلم بالعمل و العمل بالعلم، و هو المراد بما في الخبر عن الصادق عليه السّلام: بالحكمة تستخرج غور الحكمة.

و بالجملة فالكشف الصحيح الصريح في الصور المثالية في الحقائق

العملية إنّما يحصل بما سمعت إجماله من الإخلاص في العبودية و إن شئت فسمّه رياضه شرعيّة، و أمّا الرياضات التي وضعتها و ابتدعتها الجوكية و السحرة و أصحاب التسخير و العزائم، و غيرها فهي من البدعة التي كلّها ضلالة.

و

قد قال عليه السّلام: كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار «1»

، بل و كذا الرياضات المبتدعة من المتصوفة لتجريد نفوسهم، و تصفية أرواحهم فإنّ تلك الرياضات مشوبة بالباطل، موصلة اليه.

أما الأوّل فلما فيها من تحليل بعض المحرّمات، و تحريم بعض المحلّلات و عدم الخلوص في النيّة و رفض الطاعات، بتوهّم الوصول إلى مقام اليقين، و تخريب سنّة سيّد المرسلين كما لا يخفى على من اطّلع على مقالاتهم الشنيعة و بدعهم المحدثة.

و أمّا الثاني فلأنّ الحاصل من تجلّياتهم و مكاشفاتهم في خلواتهم و رياضاتهم في ما يقضي ضرورة الدين ببطلانه كالقول بوحدة الوجود الشائع الذائع في جمهور المتصوفة، كما يشهد به كلماتهم و أشعارهم في هذا الباب.

______________________________

(1) بحار الأنوار ج 2 ص 308 و ص 309 ط. الاخوندي بطهران.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 444

قال ابن العربي: سبحان من أظهر الأشياء و هو عينها، و قال:

فوقتا يكون العبد ربّا بلا شك و وقتا يكون الربّ عبدا بلا إفك.

و قال في ديباجة ما سمّاه بالفتوحات: إن خاطب عبده فهو المسمع السميع، و إن فعل ما أمر به بفعله فهو المطاع المطيع، ثمّ أنشد:

الربّ عبد و العبد حقّ يا ليت شعري من المكلّف

إن قلت عبد فذاك ميت أو قلت ربّ أنى يكلف

فهو سبحانه يطيع نفسه إذا شاء بخلقه، و ينصف نفسه مما تعيّن عليه من واجب حقّه، فليس إلّا أشباح خالية، على عروشها خاوية.

و قال في «الفصوص» فيحمدني

و أحمده، و يعبدني و أعبده، ففي حال أقرّ به، و في الأعيان أجحده.

و قال الجندي «1»:

البحر بحر على ما كان في القدم إنّ الحوادث أمواج و أنهار

لا يحجبنك أشكال تشاكلهاعمّن تشكّل فيها و هي أستار

و له أيضا:

هو الواحد الموجود في الكلّ وحده سوى أنّه في الوهم سمى بالسوى

و قال بعضهم:

فلما أضاء الفجر أصبحت عارفابأنّك مذكور و ذكر و ذاكر

______________________________

(1) الجندي لعله هو الجنيد البغدادي سعيد بن محمّد الخزاز، الزجاج النهاوندي الأصل بغدادي المولد و المنشأ و المدفن من مشاهير العرفاء و أكابر الصوفية، كان تلميذ سفيان الثوري، توفى ببغداد سنة 297- وفيات الأعيان ج 1 ص 117-

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 445

و قد اشتهر عن بعض مشايخهم «1»، سبحاني سبحاني ما أعظم شأنى، و إني انا اللّه و إنّه ليس في جبّتي إلا اللّه، إلى غير ذلك من الهذيانات و الخرافات التي لو لا المراد إظهار شناعتها لما ساغ التعرّض لها، و ستسمع كثيرا من كلمات الملّا صدرا، و المحدّث الفيض في ذلك، بل من اطّلع على كلماتهم في ذلك يعلم أنّهم قد ملئوا فيه الكتب و الرسائل.

و كالقول بالأعيان الثابتة، و الصور العلمية، و قدم القرآن، و أنّ بسيط الحقيقة كلّ الأشياء و إنّ اللّه أحب أن يعبد في كل صورة، صرّحوا بأنه ما عبد غير اللّه في كل معبود، إذ لا غير في الوجود، حتى أنّ من يعبد الشمس و القمر و الأصنام، و الأحجار، و العجل، و غيرها، فإنّما يعبد اللّه في صورة التقييد، و لذا أنشد أبن العربي في ذلك:

عقد الخلائق في الإله عقائداو أنا شهدت جميع ما اعتقدوه

لمّا بدا في صورهم متحوّلاقالوا بما شهدوا و ما

جحدوه

قد أعذر الشرع الموحّد وحده و المشركين شقوا و إن عبدوه

و كالقول بأنّ فرعون اللّعين خرج من الدنيا موحّدا، خاليا عن جميع الذنوب و المعاصي «2»، و أن أبا طالب رحمه اللّه مات مشركا

______________________________

(1) هو أبو يزيد البسطامي طيفور بن عيسى من أكابر متقدمي الصوفية، و في المستشرقين من يرى انه كان يقول بوحدة الوجود، و انه ربما كان أول قائل بمذهب الفناء، و شطيحاته معروفة منها انه كان يقول: انى انا اللّه لا إله إلا انا فاعبدون، و منها انه كان يقول: سبحاني و ما أعظم شأني.

- الاعلام زركلي ج 3 ص 339- و تذكرة الأولياء للعطار ص 112.

(2) قال ابن العربي في الفصوص و شارحه في الفصّ الموسوي: فقالت لفرعون في حق موسى انه قرة عين لي و لك فيه أي في موسى «قرة عينها بالكمال الذي حصل لها و كان قرة عين لفرعون

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 446

«3»، كما ذهب إلى القولين ابن

______________________________

بالايمان الذي أعطاه اللّه عند الغرق» و ذلك لأنّ الحقّ تكلّم بلسانها من غير اختيارها و أخبر بأنه قرة عين لها و لفرعون فوجب أن يكون كذلك في نفس الأمر «فقبضه» اي الحق «طاهرا مطهرا ليس فيه شي ء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام و الإسلام يجّب ما قبله و جعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة اللّه، فانّه لا ييأس من رحمة اللّه إلا القوم الكافرون، فلو كان فرعون ممن ييأس ما بادر إلى الايمان.

- شرح نهج البلاغة للخوئي ج 13 ص 146-

(3) أبو طالب بن عبد المطلب اسمه عبد مناف و قيل اسمه

عمران، و قيل اسمه كنيه كان رضوان اللّه عليه عالما كبيرا أديبا محلقا، شاعرا مجيدا، له ديوان مطبوع يحتوي على الشعر الرائق، و كان مجاهدا في سبيل اللّه، يعمل الخير من أجل الخير، يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر، و هو الذي قرّر دية المقتول ألف دينار أو مأة إبل و قد أمضاها الإسلام و كان بعد أبيه سيد البطحاء، و رئيس قريش و الناس يعظّمونه و بنو هشام يأتمرون بأمره، و ينزجرون بزجره، و كان كافل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و ناصره منذ مات أبوه عبد المطلب و كان يؤثر الرسول (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، على نفسه و أهله بالنفقة و الكسوة، و لا يبارحه ليلا و نهارا، و يقتفي اثره و يتبعه اتباع الظل، حتى إذا بلغ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، أشدّه و بعث من اللّه تعالى للهداية، و نازع معه الكفار و أهل الغواية، كان أبو طالب يومئذ أشدّ حام له (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، كما أنّ ابنه علي بن أبي طالب عليه السّلام أوّل من آمن برسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، هو أيضا أول من أعلن حمايته له (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و قال: فاصدع بأمرك ما عليك غضاضةو أبشر بذاك و قرّ منك عيونا

و دعوتني و علمت أنّك صادق و لقد صدقت و كنت ثمّ أمينا

و لقد علمت بأنّ دين محمّدمن خير أديان البرية دينا

و اللّه لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسّد في التراب دفينا

و كان النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) في أيّام الحصار

في الشعب إذا أخذ مضجعه و نامت العيون جاء أبو طالب و أنهضه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، عن مضجعه و أضجع عليا (عليه

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 447

______________________________

السّلام)، مكانه و وكّل عليه ولده و ولد أخيه.

توفّى أبو طالب مسلما مؤمنا في آخر السنة العاشرة من مبعث الرسول (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، ثمّ توفيّت خديجة بعده بثلثة أيّام فسمّى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، ذلك العالم عام الحزن

فقال (عليه السّلام): و ما زالت قريش قاعدة عنيّ حتى مات أبو طالب.

و من الأسف جدّا تحريف هذه الشخصية الكبرى و نسبته إلى الكفر حسدا و بغيا عليه و على أمير المؤمنين ولده العزيز من أراد الاطلاع تفصيلا عن كلمات الأعداء في حقه و الجواب عنهم فليراجع الكتب القيّمة، المصنفة في ايمان أبي طالب و إليك ما تيسّر لنا ذكره:

1- منى الطالب في إيمان أبي طالب لابي سعيد النيسابوري.

2- ايمان أبي طالب لأحمد بن القاسم.

3- البيان من خيرة الرحمن لأبي الحسن علي بن بلال.

4- ايمان أبي طالب لأبي علي الكوفي أحمد بن محمّد.

5- ايمان أبي طالب لأبي الحسين أحمد بن محمّد بن طرخان.

6- ايمان أبي طالب للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن نعمان.

7- ايمان أبي طالب لابي محمّد سهل بن احمد الديباجي.

8- منية الطالب للسيد حسين الطباطبائي اليزدي.

9- مقصد الطالب للميرزا محمّد حسين المطبوع في بمبئي.

10- القول الواجب للشيخ محمّد علي الفصيح.

11- بغية الطالب للسيد القاضي التستري الهندي.

12- ايمان أبي طالب للسيد احمد بن طاووس.

13- ايمان أبي طالب لأبي نعيم علي بن حمزة البصري.

14- أسنى المطالب للسيد احمد بن السيد زيني الشافعي.

15- مواهب الواهب للشيخ جعفر نقدي.

تفسير

الصراط المستقيم، ج 1، ص: 448

العربي و غيره.

و كالقول بانقطاع العذاب للمشركين و الكفار من أهل النار، و أن النار تصير رحمة لهم، و العذاب عذبا للمجانسة «1»، و بجواز خلف الوعيد و غيرهما من الوجوه

______________________________

16- ابو طالب مؤمن قريش للخنيزي.

17- الحجّة على الذاهب للسيد شمس الدين بن معد.

18- ابو طالب و بنوه للسيد محمّد علي آل السيد عليخان.

(1) قال ابن العربي في الفص اليونسي من الفصوص: و أمّا أهل النار فمآلهم إلى النعيم و لكن في النار إذ لا بدّ لصورة النار بعد انتهاء حدّة العقاب أن يكون بردا و سلاما على من فيها و هذا نعيمهم فنعيم أهل النار بعد استيفاء الحقوق نعيم خليل اللّه حين القي في النار.

قال القيصري في شرحه: أي مآل أهل النار إلى النعيم المناسب لأهل الجحيم إمّا بالخلاص من العذاب و الالتذاذ به بالتعود أو تجلّى الحق في صورة اللطف في عين النهار كما جعل النار بردا و سلاما على إبراهيم و لكن ذلك بعد انتهاء مدة العقاب كما جاء: ينبت في قعر جهنم الجرجير، و ما جاء نص بخلود في النار و لا يلزم منه الخلود في العذاب.

و قال القيصري أيضا في شرحه الفصّ الهودي: و اعلم أنّ كل من اكتحلت عينه بنور الحق يعلم أنّ العالم بأسره عباد اللّه و ليس لهم وجود و صفة و فعل إلا باللّه و حوله و قوته، و كلهم محتاجون إلى رحمته و هو الرحمن الرحيم و من شأن من هو موصوف بهذه الصفات أن لا يعذّب أحدا عذابا أبدا و ليس ذلك المقدار من العذاب أيضا إلا لأجل إيصالهم إلى كمالاتهم المقدرة لهم كما يذهب الذهب و الفضة في

النار لأجل الخلاص مما يكدّره و ينقض عباده فهو متضمن لعين اللطف و الرحمة كما قيل: و تعذيبكم عدل و سخطكم رضاو قطعكم وصل و جوركم عدل

قال شارح نهج البلاغة العلّامة الخوئي بعد ذكر هذه الكلمات السخيفة:

أقول: فلينظر العاقل إلى هذين الضليلين كيف يخالفان إجماع المسلمين، و ينبذان آيات الكتاب المبين وراء ظهورهما بآرائهم الفاسدة و الاستحسانات الكاسدة، و يعتمدان في ذلك

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 449

الضعيفة التي ستسمع ضعف الجميع، سيّما بعد قيام ضرورة دين الإسلام على فساده، و تظافر الآيات و الأخبار الدالّة على خلودهم فيها معذّبين.

بل هذا القول و إن أبداه ابن العربي و تبعه فيه كثير من المبتعدين و المنحرفين عن طريقة الأئمة الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين، بل ربما مال إليه بعض المنتحلين بهذا الدين كالصدر الأجلّ الشيرازي في بعض كتبه، إلّا أنّه مقالة شرذمة من اليهود حيث قالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً «1»، فرد اللّه عليهم بقوله: قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ «2»، بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ «3»، الى غير ذلك من المذاهب السخيفة الباطلة التي يدعون فيها الكشف و الشهود، مع قيام قواطع الأدلّة على خلافها، حسبما سمعت شطرا منها.

بل ربما يدّعون أنّهم قد شاهدوا في مكاشفاتهم و تجلّياتهم و لبعض مشايخهم أو خلفائهم مناصب جليلة، و مراتب عظيمة ربما تكون مضحكة للثكلى بل ذكر مميت الدين ابن العربي في حتوفاته في ترجمة من سمّاهم بالأولياء الرجبيين: ان الذي رأيته منهم قد أبقى عليه كشف الروافض من أهل الشيعة في تمام السنة، فكان

يراهم خنازير، فأتي الرجل المستور الذي لا يعرف عليه هذا المذهب قطّ، و هو

______________________________

على أخبارهم المجعولة و أحاديثهم الموضوعة، و قد تبعهما في حديثهم المرسل المجعول المتصوف الجامي في شرح منتخب الفصوص حيث نقل عن النبيّ (ص) إنّ بعض أهل النار يتلاعبون بالنار، و هذه الأحاديث مضافا إلى مخالفتها لصريح الآيات و روايات المتواترات قد نصّ في أخبارهم بأنها مجعولة كاذبة.

(1) البقرة: 80.

(2) البقرة: 80.

(3) البقرة: 81.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 450

تفسير الصراط المستقيم ج 2 5

في نفسه موف به يدين به ربه، فاذا مرّ عليه يراه في صورة خنزير فيستدعيه و يقول له تب إلى اللّه فإنّك شيعيّ رافضيّ، فيبقى الآخر متعجبا من ذلك، فإن تاب و صدق في توبته رآه إنسانا، و إن قال به بلسانه تبت و هو يضمر مذهبه لا يزال يراه خنزيرا، فيقول كذبت في قولك تبت، إلى آخر ما ذكره لعنه اللّه و أخزاه فإنّه أخبر من كشفه عن سؤته فهذا حال من ادّعى منهم الكشف و الشهود.

دم زند از كشف و نبود جز هوس كشف عورت ميكند امّا ز پس

و دع الخطب فيه و في أصحابه و أحزابه الذين كانوا على السنّة الشنيعة

فدع عنك نهبا صيح في حجراته و لكن حديثا ما حديث الرواحل

و هلّم الخطب في بعض من تبعهم على غرّة و غفلة من الشيعة الإمامية الذين لم يقتصّوا آثار أئمتهم في مذاهبهم، و مشاربهم، و مسالكهم حتى ظهر منهم القول بوحدة الوجود، و الأعيان الثابتة، و انبساط وجوده على الأعيان و القول بفاعليته بالتجلي لا الاختيار «1»، و أنّ عذاب النار ينقطع عن الكفّار و هذا كله إنّما نشأ من انحرافات الطريقة، و اعوجاج السليقة،

و قد قال سبحانه: وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً «2» و المراد بالطريقة مقتضيات الولاية، و قد أمر بالوزن و اقامة الميزان في قوله:

وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ «3»، و قوله: وَ السَّماءَ (اي النبوة) رَفَعَها وَ وَضَعَ الْمِيزانَ (اي الولاية)

______________________________

(1) قدر مر تفصيل هذا القول في التعليقات السابقة.

(2) الجن: 16.

(3) الإسراء: 35.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 451

أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَ لا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ «1» و بالجملة فإقامة ولايتهم قولا و فعلا و عملا و قلبا و إرادة و اعتقادا هي الميزان العدل المستقيم الذي يعرف به الحق من الباطل.

كما

ورد في أخبار كثيرة ليس منا من يدّعي ولايتنا و هو متشبث بفروع غيرنا.

فإن قلت: إنّا نعلم كثيرا ممّن يدّعى الكشف يتراءى لهم في مكاشفاتهم ما هو مخالف عندك للحق و هو صادق في دعواه للكشف، غير متعمّد للكذب فما السبب الذي يكشف به الباطل مع أنّ فتح هذا الباب يئول إلى سدّ باب الكشف رأسا لفقد الترجيح و الأولوية، و تطرّق الاحتمال في كل حال؟

قلت: لا ريب أنّ الكشف الصحيح يتضمّن أمرين:

أحدهما إصابة الواقع سواء كان المنكشف عن الصور المثالية الحسية أو النسب العلمية.

و الآخر ظهور المنكشف على وجه الانجلاء و الوضوح.

أمّا الأول فالطبائع و الأذهان سيما بعد التشبّث بالأديان مختلفة في كمية الإصابة، و كيفيّتها، و سرعتها، و بطؤها، و ساير مشخصاتها، و الفطرة و إن كانت مجبولة على الإصابة، و إدراك الوقايع، إلّا أنّها غير باقية على ما فطرها اللّه عليه، و كلما اقترف الإنسان ذنبا و إن تعقّبه التوبة و المغفرة فقد فقد عصمة و استقامة لا ترجع إليه أبدا، أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا

السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ «2»

______________________________

(1) الرحمن: 9.

(2) الجاثية: 31.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 452

و لعلّ تأثير بعض الانحرافات و الاعوجاجات بمنزلة ذي الخاصية غير مشروط بالعلم، بل يؤثّر مع الجهل أيضا، فاذا بقي العبد على جادّة الشريعة مراعيا لوظايف العبوديّة، و حقوق الولاية فحينئذ ينجلي في قلبه ضياء العلم و الحكمة و المعرفة، فيشرح صدره و يتّسع قلبه لقبول الأعمال الحسنة، و لو رود الخواطر الملكوتية على قليه، فبورود الواردات الملكية يقوى على الأعمال المرضيّة، و بممارسة الأعمال الحسنة يستعدّ قلبه لقبول أشعة أنوار العلم و المعرفة، فكلّ من الواردات القلبية و الأعمال البدنية يقوى على صاحبه، بل كان كل منهما مقدمة إعدادية، أو علّية مادية للآخر، بل لا يخفى سريان الحكم إلى جميع الواردات و الأعمال، إن خيرا فخير، و إن شرا فشر، فإذا كانت الأعمال و الأفعال و الأقوال و الأحوال كلّها على نهج الاستقامة و الاعتدال على حسب ما يقتضيه إقامة الولاية كانت الثمرات المترتبة، و الخاطرات الواردة كلّها على نهج الصواب و السداد، و ان كان العكس فالعكس، ضرورة أنّ استقامة الشاخص يلزمه استقامة الظل، و يستلزم الاعوجاج الاعوجاج: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً «1»، و هو ما يقتضيه الفطرة الأصلية التي ربما يظهر مقتضياتها عند مصادفة عدم مزاحمة الموانع.

و بالجملة فالإصابة إنما تترّتب على ملازمة الصواب، فإذا كان هناك انحراف في شي ء من العقائد أو الأعمال انحرف بقدره وجه القلب الذي قلنا إنه كالمرآة عن المحاذاة و إذا تعدّى عن السنّة و المنهاج حدث فيه الاعوجاج.

و أمّا الثاني فاعلم أنّ

مراتب الرؤية القلبية مع قطع النظر عن كونها على وجه

______________________________

(1) الأعراف: 58.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 453

الصواب أو الخطأ تختلف باعتبار شدة ظهور المرئي و خفائه، و بينهما مراتب لا تكاد تتناهى كما أنّ مراتب الرؤية البصرية تختلف أيضا هذا الاختلاف و إن لم تكن افرادها كالأولى في الكثرة، فإذا نظرت في ظلمة الليل الدامس «1»، إلى رجل واقف في مقابلتك فلعلك لا ترى شخصه و لا شبحه أصلا فإذا انكشف السحاب، و تجلى لك بعض النجوم ترى شبحا قائما في مقابلتك غير أنّك لا تعلم أنّه إنسان أو حجر موضوع أو شي آخر من الأجسام، فإذا طلع الفجر تبيّن لك أنّه إنسان لكنك لا تعرف شخصه و لا اسمه و بزيادة النور يزيد العلم بخصوصياته و مشخصاته حتى أنّك بعد طلوع الشمس تعرف أوصاف الشخصية من لونه و شكله، و تخطيط أعضائه و خصوصيات حركاته و أفعاله فينجلي لك جميع ذلك انجلاء ظاهرا واضحا مكشوفا لا خفاء فيه أصلا بل لا يخفى أنّك ربما ترى شبح ذلك الرجل و أنت تعرفه في ظلمة الليل، ثم يتوارد عليه في رؤيته مراتب الظهور و الانجلاء بعد شدة الظلمة و الخفاء، و المرئي في جميع ذلك هو ذلك الرجل المعلوم اولا.

و هذا الكلام في الرؤية القلبية بلا فرق بين الصواب منها و الخطأ، كما أنّه لا فرق في الرؤية البصرية بين الأحول و الصحيح.

و بالجملة فالاعتقادات الراسخة في القلب حقّا كان أو باطلا يشتدّ ظهورها و انجلاؤها و انكشافها بالمجاهدات و الرياضات التي مدارها عندهم على الأمور الأربعة و هي الجوع، و السهر، و العزلة، و الصمت.

أمّا الجوع فانه ينقص دم القلب فيبيّضه، و في بياضه

نوره، و يذيب شحم الفؤاد، و في ذوبانه رقّته، و كما أنّ قسوته سبب الحجاب فرقّته سبب الانجلاء

______________________________

(1) الدامس: المظلم.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 454

و الكشف.

و لذا

روى أنّ اللّه تعالى أوحى إلى داود النبيّ على نبينا و آله و عليه السّلام يا داود حذّر و أنذر أصحابك أكل الشهوات، فإنّ القلوب المتعلّقة بشهوات الدنيا عقولها عنّي محجوبة «1»

و

عن مولينا الصادق (عليه السّلام): اجتمعت العلماء و الحكماء على أنّ النعيم لا يدرك إلّا بترك النعيم «2».

و

عن المسيح الملكوتي على نبينا و آله و عليه السّلام: يا معشر الحواريين جوّعوا بطونكم لعلّ قلوبكم ترى ربكم «3»

في الخبر: إنّ البطنة تميت الفطنة.

و

في النبوي: أحيوا قلوبكم بقلّة الضحك و الشبع و طهّروا بالجوع تصفوا «4»

و

فيه مثل الجوع مثل الرعد، و القناعة كالسّحاب، و الحكمة كالمطر «5»

و بالجملة فالجوع يلزمه صفاء القلب، و فراغ النفس، و خفّه الطبع و إيقاد القريحة، و نفاذ البصيرة، و رقّة القلب و صفائه الذي به يتهيأ الإنسان لإدراك لذّة المناجاة، و للتأثر من الذكر، برفع حجاب قساوة القلب التي تمنع من ذلك، مع

______________________________

(1)

روى في معالم العبر في استدراك البحار السابع عشر عن الاختصاص قال اللّه لداود (عليه السّلام): يا داود احذر القلوب المعلقة بشهوات الدنيا فإنّ عقولها محجوبة عني.

معالم العبر: ص 24.

(2) رواه في احياء الأحياء ج 5 ص 116 عن جعفر بن حميد.

(3)

قال في احياء الأحياء ج 5 ص 148: قال عيسى (عليه السّلام): أجيعوا أكبادكم و أعروا أجسادكم فلعل قلوبكم ترى اللّه (عز و جل).

(4) احياء الأحياء ج 5 ص 154.

(5) احياء الأحياء ج 5 ص 145.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 455

ما يلزمه من الانكسار، و قمع الشهوات، و الذلّ، و

رفع الأشر و البطر الذي هو مبدء الطغيان، و الغفلة عن الرحمان، فقد قيل: إنه لا تنكسر النفس و لا تذلّ بشي ء مثل ما تذّل بالجوع، فعنده تستكين لربّها، و تخشع له و تشاهد عجزها و ضعفها، حيث إنّها عجزت، و ذلّت، و ضعفت، و أظلمت عليها الدنيا و ضاقت حياتها، و استكانت لربّها، بلقمة طعام فاتتها، أو شربة ماء تأخّرت عنها، و ما لم يشاهد الإنسان ذلّ نفسه، و عجزها، لا يرى عزة ربّه، و قهره، و جلالته «1» ثم لا يخفى أنّ مبدء المعاصي كلّها هو الشهوات النفسانية، و الميول الحيوانية التابعة للقوى الطبيعية، و الإرادية، و مادّة كلّ ذلك هي الأطعمة التي يستمدّ منها القوى البهيمية و الشهوات النفسانية، فتقليلها يضعّف جميعها، فيجعلها مقهورة، تحت سلطان العقل، فالسعيد من ملك نفسه، و الشقي من ملكته نفسه، و أمّا النفس كالدابة الجموح إذا جاعت ضعفت، و ضمرت، و انقادت، و إذا شبعت قويت، و شردت، و جمحت و لذا قيل: إنّ الجوع كنز الفوائد و مجمع العوائد و إنّه خزانة من خزائن اللّه تعالى، و لعلّه أيضا أحد الوجوه

في النبوي (ص): المعدة بيت كلّ داء، و الحمية رأس كل دواء

، ثم إنّ الجوع يعين على غيره من الأمور الأربعة المذكورة و على غيرها.

أمّا السهر فقلّة الأكل، و خلوّ المعدة، و قلّة الأبخرة المتصاعدة و ضعف القوى البدنية كلها تعين عليه، و سبب الجميع هو الجوع، كما أنّ الشبع سبب لأضدادها، و لذا قيل: لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا، فترقدوا كثيرا فتخسروا كثيرا «2»، و السهر يجلي القلب، و ينوّره، و يصفّيه، فيصير القلب كالمرآة المجلّوة المستعدة

______________________________

(1) احياء الأحياء ج 5 ص 155.

(2)

احياء الأحياء ج 5 ص 158.

تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 456

لظهور ما قوبل بها فيها.

و أمّا العزلة و الصمت فالمقصود الكلّي منهما دفع الشواغل الخارجة، و ضبط السمع و البصر الذين هما دهليز القلب عن الواردات الشاغلة له عما ينبغي الاشتغال به، و لذا قيل: إنّ القلب بمنزله حوض تنصبّ فيه مياه كدرة قذرة من أنهار الحواسّ، و المقصود من الرياضة تفريغ الحوض من تلك المياه، و من الطين الحاصل فيه لينحضر أسفل الحوض، فينفجر منه الماء اللطيف الطاهر فكيف يصحّ أن ينزع الماء من الحوض و الأنهار مفتّحة إليه فيتجدّد في كل حالة أكثر مما ينقص، فلا بدّ من ضبط الحواسّ إلا عن قدر الضرورة.

و بالجملة فالّذي ذكروه من الرياضة بالأمور الأربعة، و غيرها مما يوجب صفاء النفس و تفريغها، و ميلها إلى عالم الأعلى إنّما يوجب في الغالب صيرورة المعتقدات بمنزلة المشاهدات، و أمّا الإصابة و المطابقة للواقع فإنما هي أمر آخر وراء ذلك حسبما مرّت اليه الإشارة، و إنّما تحصل بملازمة الشرع و مداومة التقوى، و الاعتصام بحبل الولاية، و لزوم الاستقامة من البداية إلى النهاية.

و لذا ترى كثيرا من العامّة بل غيرهم من فرق الكفر و الشرك أيضا ينكشف لهم في رياضاتهم و مجاهداتهم المنحرفة المبتدعة صحة مذاهبهم الباطلة و عقائدهم السخيفة الزائلة كما هو المعروف من ابن العربي في مشاهداته و غيره، بل ربما تقذف الشياطين في قلوبهم، و يسمعهم صوتها في آذانهم كما

سمعه الحسن البصري حين تهيّأ لقتال البصرة على ما رواه في الاحتجاج عن ابن عباس قال: مرّ أمير المؤمنين عليه السّلام بالحسن البصري «1»، و هو يتوضّأ فقال عليه السّلام: يا حسن أسبغ

______________________________

(1) الحسن البصري بن

اليسار، أو سعيد: تابعي، كان من الزهاد الثمانية و أمّه خيرة مولاة أم سلمة تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 457

الوضوء، فقال: يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون أن لا اله الا اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّدا عبده و رسوله، يصلّون الخمس، و يسبغون الوضوء، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام قد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدوّنا؟

فقال: و اللّه لأصدقنك يا أمير المؤمنين لقد خرجت في أول يوم فاغتسلت، و تحنّطت، و صببت علىّ سلاحي، و انا لا أشكّ في أنّ التخلّف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر، فلمّا انتهيت إلى موضع من الحزيبة «1»، ناداني مناد: يا حسن إلى اين؟

إرجع فان القاتل و المقتول في النار، فرجعت ذعرا «2»، و جلست في بيتي، فلما كان

______________________________

زوجة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، ولد الحسن سنة 21 بالمدينة و استكتبه الربيع بن زياد والي خراسان في عهد معاوية، و سكن البصرة.

في كتاب العدد للشيخ رضي الدين علي بن يوسف بن مطهر الحلي أن الحسن البصري كتب إلى الحسن بن علي عليهما السّلام: أما بعد فأنتم أهل بيت النبوة، و معدن الحكمة، و إن اللّه جعلكم الفلك الجارية في اللجج الغامرة يلجأ إليكم اللاجئ، و يعتصم بحبلكم العالي، من اقتدى بكم اهتدى، و من تخلّف عنكم هلك و غوى، فكتب عليه السّلام اليه: أما بعد فإنّا أهل بيت كما ذكرت عند اللّه و عند أوليائه، فما عندك و عند أصحابك فلو كنا كما ذكرت ما تقدمتمونا و لا و لا استبدلتم بنا غيرنا، و لعمري لقد ضرب اللّه مثلكم في كتابه حيث يقول: أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى

بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ إلخ

، توفّى الحسن البصري سنة 110 ه، قال ابن أبي الحديد: و ممن قيل فيه إنّه ببغض عليا و يذمّه الحسن البصري، و

روى أنّ عليا عليه السّلام راى الحسن البصري يتوضأ في ساقية فقال عليه السّلام: أسبغ طهورك قال لقد قتلت بالأمس رجالا كانوا يسبغون الوضوء، قال عليه السّلام: و إنك لحزين عليهم؟ قال: نعم فقال عليه السّلام: فأطال اللّه حزنك.

- ميزان الاعتدال ج 1 ص 254- سفينة البحار ج 1 ص 263.

(1) الحزيبة بضم الحاء و فتح الزاء كجهينة موضع بالبصرة تسمى البصرة الصغرى.

(2) الذعر بضم الذال، و فتحها هو الخوف- المنجد ص 235-. تفسير الصراط المستقيم، ج 1، ص: 458

اليوم الثاني لم أشكّ أنّ التخلّف عن أمّ المؤمنين عائشة هو الكفر، فتحنّطت و صببت علي سلاحي، و خرجت إلى القتال، حتى انتهيت إلى موضع من الحزيبة فناداني مناد من خلفي يا حسن إلى أين مرّة بعد اخرى؟ فإن القاتل و المقتول في النار، قال علي عليه السّلام: صدقت أ فتدري من ذلك المنادي؟ قال: لا، قال علي (عليه السّلام): ذاك أخوك إبليس و صدقك أنّ القاتل منهم و المقتول في النار «1»

، إلى غير ذلك مما لا يحصى، و هذا كلّه من وحي الشياطين المشار اليه بقوله: وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ «2»، و قوله: شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ «3»، وَ لِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ لِيَرْضَوْهُ وَ لِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ «4» انتهى المجلّد الأوّل و له الحمد

______________________________

(1) الاحتجاج طبع النجف مطبعة النعمان ج 1 ص 250.

(2)

سورة الانعام آية 121.

(3) سورة الانعام: 112.

(4) سورة الانعام: 113.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.