الوافي المجلد 1

اشارة

سرشناسه : فیض کاشانی، محمد بن شاه مرتضی، 1006-1091ق.

عنوان و نام پديدآور : ...الوافی/ محمدمحسن المشتهر بالفیض الکاشانی؛ تحقیق مکتبةالامام امیرالمومنین علی علیه السلام (اصفهان)، سیدضیاءالدین حسینی «علامه»؛ اشراف السیدکمال الدین فقیه ایمانی.

مشخصات نشر : اصفهان: عطر عترت، 1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری : 26 ج.

شابک : 2000000 ریال: دوره 978-964-7941-93-8 : ؛ ج. 1 978-964-7941-94-5 : ؛ ج. 2 978-964-7941-95-2 : ؛ ج. 3 978-964-7941-96-9 : ؛ ج. 4 978-964-7941-97-6 : ؛ ج. 5 978-600-5588-03-3 : ؛ ج. 6 978-600-5588-04-0 : ؛ ج. 7 978-600-5588-05-7 : ؛ ج. 8 978-600-5588-06-4 : ؛ ج. 9 978-600-5588-07-1 : ؛ ج. 10 978-600-5588-08-8 : ؛ ج. 11 978-600-5588-09-5 : ؛ ج. 12 978-600-5588-10-1 : ؛ ج. 13 978-600-5588-11-8 : ؛ ج. 14 978-600-5588-12-5 : ؛ ج. 15 978-600-5588-13-2 : ؛ ج. 16 978-600-5588-14-9 : ؛ ج. 17 978-600-5588-15-6 : ؛ ج. 18 978-600-5588-16-3 : ؛ ج. 19 978-600-5588-17-0 : ؛ ج. 20 978-600-5588-18-7 : ؛ ج. 21 978-600-5588-19-4 : ؛ ج. 22 978-600-5588-20-0 : ؛ ج. 23 978-600-5588-21-7 : ؛ ج. 24 978-600-5588-22-4 : ؛ ج. 25 978-600-5588-23-1 : ؛ ج. 26 978-600-5588-24-8 :

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه.

مندرجات : ج. 1. کتاب العقل والعلم والتوحید.- ج. 2 و 3. کتاب الحجة.- ج. 4 و 5. کتاب الایمان والکفر.- ج. 6. کتاب الطهارة والتزین.- ج. 7، 8 و 9. کتاب الصلاة والدعاء والقرآن.- ج. 10. کتاب الزکاة والخمس والمیراث.- ج. 11. کتاب الصیام والاعتکاف والمعاهدات.- ج. 12، 13و 14. کتاب الحج والعمرة والزیارات.- ج. 15و 16. کتاب الحسبة والاحکام والشهادات.- ج. 17و 18. کتاب المعایش والمکاسب والمعاملات.- ج. 19 و 20. کتاب المطاعم والمشارب والتجملات.- ج. 21، 22 و 23. کتاب النکاح والطلاق والولادات.- ج. 24 و 25. کتاب الجنائز والفرائض والوصیات.- ج. 26. کتاب الروضة.

موضوع : احادیث شیعه -- قرن 10ق.

شناسه افزوده : علامه، سیدضیاءالدین، 1290 - 1377.

شناسه افزوده : فقیه ایمانی، سیدکمال

شناسه افزوده : Faghih Imani,

Kamal

شناسه افزوده : کتابخانه عمومی امام امیرالمومنین علی علیه السلام(اصفهان)

رده بندی کنگره : BP134/ف9و2 1388

رده بندی دیویی : 297/212

شماره کتابشناسی ملی : 1911094

مقدمة المصنف

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

نحمدك اللهم يا من هدانا بأنوار القرآن و الحديث لمعرفة الفرائض و السنن و نجانا بسفينة أهل بيت نبيه من أمواج الفتن و أغنانا بعلمهم عن اجتهاد الرأي و القول بالظن و أراحنا بمتابعتهم عن تقليد آراء الناس في الأعصار و الزمن.

فألهمنا اللهم طاعتك و جنبنا معصيتك و يسر لنا بلوغ ما نتمنى من ابتغاء رضوانك و أحللنا بحبوحة جنانك و اقشع عن بصائرنا سحائب الارتياب و اكشف عن قلوبنا أغشية الريب و الحجاب و أزهق الباطل عن ضمائرنا و أثبت الحق في سرائرنا فإن الشكوك و الظنون لواقح الفتن و مكدرة الصفح و المنن.

و احملنا في سفن نجاتك و متعنا بلذيذ مناجاتك و أوردنا حياض حبك و أذقنا حلاوة ودك و قربك و اجعل شغلنا فيك و همنا في طاعتك و أخلص نياتنا في معاملتك فإنا بك و لك و لا وسيلة لنا إليك إلا أنت سبحانك ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله و ما أوضح الحق عند من هديته سبيله فاسلك بنا سبل الوصول إليك و سيرنا

الوافي، ج 1، ص: 4

في أقرب الطرق للوفود عليك قرب علينا البعيد و سهل لدينا العسير الشديد و ألحقنا بعبادك الذين هم بالبدار إليك يسارعون و بابك على الدوام يطرقون و إياك في الليل و النهار يعبدون و هم من هيبتك مشفقون.

الذين صفيت لهم المشارب و بلغتهم الرغائب و أنجحت لهم المطالب و قضيت لهم من فضلك المآرب و ملأت ضمائرهم من حبك و رؤيتهم من صافي شراب ودك

فبك إلى لذيذ مناجاتك وصلوا و منك على أقصى مقاصدهم حصلوا.

اللهم و صل و سلم على أوفرهم منك حظا و أعلاهم عندك منزلا و أجزلهم من حبك قسما و أفضلهم في معرفتك نصيبا محمد المصطفى و على أخيه و صنوه علي المرتضى و على سبطيه الحسن و الحسين و على التسعة من ولد الحسين الأئمة المجتبين و على سائر أنبيائك و أوليائك و أهل اصطفائك و اجعلنا لأنعمك من الشاكرين و لآلائك من الذاكرين.

أما بعد فيقول خادم علوم الدين و راصد أسرار الأئمة المعصومين محمد بن مرتضى المدعو بمحسن أحسن اللّٰه تعالى حاله و جعل إلى الرفيق الأعلى مآله هذا يا إخواني كتاب واف في فنون علوم الدين يحتوي على جملة ما ورد منها في القرآن المبين و جميع ما تضمنته أصولنا الأربعة التي عليها المدار في هذه الأعصار أعني الكافي و الفقيه و التهذيب و الاستبصار من أحاديث الأئمة الأطهار س حداني إلى تأليفه ما رأيت من قصور كل من الكتب الأربعة عن الكفاية و عدم وفائه بمهمات الأخبار الواردة

الوافي، ج 1، ص: 5

للهداية و تعسر الرجوع إلى المجموع لاختلاف أبوابها في العنوانات و تباينها في مواضع الروايات و طولها المنبعث عن المكررات.

أما الكافي فهو و إن كان أشرفها و أوثقها و أتمها و أجمعها لاشتماله على الأصول من بينها و خلوه من الفضول و شينها إلا أنه أهمل كثيرا من الأحكام و لم يأت بأبوابها على التمام و ربما اقتصر على أحد طرفي الخلاف من الأخبار الموهمة للتنافي و لم يأت بالمنافي ثم إنه لم يشرح المبهمات و المشكلات و أخل بحسن الترتيب في بعض الكتب و الأبواب و الروايات.

و ربما أورد

حديثا في غير بابه و ربما أهمل العنوان لأبوابه و ربما أخل بالعنوان لما يستدعيه و ربما عنون ما لا يقتضيه.

و أما الفقيه فهو كالكافي في أكثر ذلك مع خلوه من الأصول و قصوره عن كثير من الأبواب و الفصول.

و ربما يشبه الحديث فيه بكلامه و يشبه كلامه في ذيل الحديث بتمامه و ربما يرسل الحديث إرسالا و يهمل الأسناد إهمالا.

و أما التهذيب فهو و إن كان جامعا للأحكام موردا لها قريبا من التمام إلا أنه كالفقيه في الخلو من الأصول مع اشتماله على تأويلات بعيدة و توفيقات غير سديدة و تفريق

الوافي، ج 1، ص: 6

لما ينبغي أن يجمع و جمع لما ينبغي أن يفرق و وضع لكثير من الأخبار في غير موضعها و إهمال لكثير منها في موضعها و تكررات مملة و تطويلات للأبواب مع عنوانات قاصرة مخلة.

و أما الإستبصار فهو بضعة من التهذيب أفردها منه مقتصرا على الأخبار المختلفة و الجمع بينها بالقريب و الغريب.

و بالجملة فالمشايخ الثلاثة شكر اللّٰه مساعيهم و إن بذلوا جهدهم فيما أرادوا و سعوا في نقل الأحاديث و جمع شتاتها و أجادوا إلا أنهم لم يأتوا فيها بنظام تام و لا وفى كل واحد منهم بجميع الأصول و الأحكام و لم يشرحوا المبهمات منها شرحا شافيا و لم يكشفوا كثيرا مما كان منها خافيا و لم يتعاطوا حل غوامضه و لا تفرغوا لتفسير مغامضه و لكن الإنصاف أن الجمع بين ما فعلوا و بين ما تركوا أمر غير ميسر بل خطب لا تبلغه مقدرة البشر فهم قد فعلوا ما كان عليهم و إنما بقي ما لم يكن موكولا إليهم فكم من سرائر بقيت تحت السواتر و كم

ترك الأول للآخر فجزاهم اللّٰه عنا خير الجزاء بما بلغوا إلينا و أسكنهم الجنان في العقبى لما تلوا علينا.

و لم أر أحدا تصدى لتتميم هذا الأمر إلى الآن و لا صدع به أحد من مشايخنا في طول الزمان مع أن الأفئدة في الأعصار و الأدوار هاوية إليه و الأكباد في الأقطار و الأمصار هائمة عليه.

و إني و إن كنت في هذا الشأن لقليل البضاعة غير ممتط ظهر الخطر في بوادي هذه الصناعة إلا أن الدهر لما كان عن إبراز الرجال في وسن و لم يكن لمعضلات

الوافي، ج 1، ص: 7

القضايا أبو حسن و كانت آمال جماعة من الإخوان متوجهة إلي و وجوه قلوبهم مقبلة علي اضطرني ذلك إلى الخوض في هذا الخطب الشريف و الأخذ في هذا الجمع و التأليف و الإتيان من المباني و المعاني بالتليد و الطريف.

فشرعت فيه مستعينا بالله عز و جل و جمعته جمعا و تدوينا و نظمته نظما و ترقينا و هذبته تهذيبا و رتبته ترتيبا و فصلته تفصيلا و سهلت طريق تناوله تسهيلا و بذلت جهدي في أن لا يشذ عنه حديث و لا إسناد يشتمل عليه الكتب الأربعة ما استطعت إليه سبيلا و شرحت منه ما لعله يحتاج إلى بيان شرحا مختصرا في غير طول.

و أوردت بتقريب الشرح أحاديث مهمة من غيرها من الكتب و الأصول و وفقت بين أكثر ما يكاد يكون متنافيا منه توفيقا سديدا و أولت بعضه إلى بعض تأويلا غير بعيد ليكون قانونا يرجع إليه أهل المعرفة و الهدى من الفرقة الناجية الإمامية و دستورا يعول عليه من يطلب النجاة في العقبى من شيعة العترة النبوية و لا يحتاجوا معه إلى كتاب آخر

و لا يفتقروا بعده في استنباط المسائل و الأحكام إلى كثير نظر و يستريحوا من الاجتهادات الفاسدة و الإجماعات الكاسدة و الأصول الفقهية المختلقة و الأنظار الوهمية المختلفة و سميته بالوافي لوفائه بالمهمات و كشف المبهمات و أسأل اللّٰه تعالى التوفيق للبلوغ إلى انتهائه كما هيأ لي أسباب ابتدائه و أن يجعله خالصا لوجهه و رضائه و يشركني في أجر كل من انتفع به إلى يوم لقائه.

و نقدم أمام الخوض في المقصود ثلاث مقدمات

اشارة

ننبه في إحداها على طريق معرفة العلوم الدينية من كان غافلا أو مريبا ف إِنَّهُمْ

الوافي، ج 1، ص: 8

يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَ نَرٰاهُ قَرِيباً.

و نوقف في الأخرى لقسط من معرفة أسانيد الأخبار من أراد منها نصيبا.

و نمهد في الثالثة اصطلاحات و قواعد نختصر بتمهيدها الكتاب و نهذبه تهذيبا و من اللّٰه الاستعانة في كل باب إنه كان قريبا مجيبا

الوافي، ج 1، ص: 9

المقدمة الأولى في التنبيه على طريق معرفة العلوم الدينية

اشارة

تنبيه العلوم الدينية قسمان قسم يقصد لذاته و هو العلم بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و هو إما تحقيقي أو تقليدي.

فالتحقيقي نور يظهر في القلب فينشرح فيشاهد الغيب و ينفسح فيحتمل البلاء و يحفظ السر و علامته التجافي عن دار الغرور و الإنابة إلى دار الخلود و التأهب للموت قبل نزوله و يسمى بالعلم اللدني أخذا من قوله سبحانه وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً.

و هو أفضل العلوم و أعلاها بل هو العلم حقيقة و ما عداه بالإضافة إليه جهل و هو المقصد الأقصى من الإيجاد.

و التقليدي تلقي بعض مسائل هذا العلم من صاحب الشرع على قدر الفهم و الحوصلة كما و كيفا ثم التدين به.

و قسم يقصد للعمل ليتوسل به إلى ذلك النور و هو العلم بما يقرب إلى اللّٰه تعالى و ما يبعد منه من طاعات الجوارح و معاصيها و مكارم الأخلاق و مساويها و هو تقليد

الوافي، ج 1، ص: 10

كله لصاحب الشرع إلا ما لا يختلف فيه العقول منه و له التقدم بالنسبة إلى تحقيقي الأول لأنه الشرط فيه.

و طريق معرفة العلم التحقيقي اللدني تفريغ القلب للتعلم و تصفية الباطن بتخليته من الرذائل و تحليته بالفضائل و متابعة الشرع و ملازمة التقوى كما قال

اللّٰه تعالى وَ اتَّقُوا اللّٰهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللّٰهُ و قال إِنْ تَتَّقُوا اللّٰهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقٰاناً.

و قال وَ الَّذِينَ جٰاهَدُوا فِينٰا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنٰا

و في الحديث النبوي ليس العلم بكثرة التعلم إنما هو نور يقذفه اللّٰه في قلب من يريد اللّٰه أن يهديه

و فيه من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه

و فيه من علم و عمل بما علم ورثه اللّٰه علم ما لم يعلم.

و مثل ذلك مثل من يمشي بسراج في ظلمة فكلما أضاء له من الطريق قطعة مشى فيها فيصير ذلك المشي سببا لإضاءة قطعة أخرى منه و هكذا فالعلم بمنزلة السراج و العمل بمنزلة المشي

و في الحديث النبوي أيضا ما من عبد إلا و لقلبه عينان و هما غيب يدرك بهما الغيب فإذا أراد اللّٰه بعبد خيرا فتح عيني قلبه فيرى ما هو غائب عن بصره.

و في أخبار أهل البيت ع من أمثال هذه الكلمات أكثر من أن تحصى و لا سيما في كلام أمير المؤمنين ص و ستقف على بعضها في هذا الكتاب إن شاء اللّٰه تعالى.

و هذا العلم يجب أن يكون مكنونا عن كل ذي عمه و جهل مضنونا عمن

الوافي، ج 1، ص: 11

ليس له بأهل إذ كل أحد لا يفهم كل علم و إلا لفهم كل حائك و حجام ما يفهمه العلماء من دقائق العلوم فكما أنهم لا يفهمون فكذلك علماء الرسوم لا يفهمون أسرار الدين و لا يحتملون و إن كانوا مدققين فيما يعلمون و لهذا أكابر الصحابة رضي اللّٰه عنهم يكتم بعضهم علمه عن بعض.

قال أمير المؤمنين و إمام المتقين ع مشيرا إلى صدره المبارك إن هاهنا لعلما جما لو وجدت له

حملة

و قال سيد العابدين و زينهم ص لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله و في رواية لكفره

و لقد آخى رسول اللّٰه ص بينهما

و قال ع

إني لأكتم من علمي جواهره كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا

و قد تقدم في هذا أبو حسن إلى الحسين و وصي قبله الحسنا

و رب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا

و لاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا

و قال أبو جعفر الباقر ع ما زال العلم مكتوما منذ بعث اللّٰه نوحا على نبيا و عليه السلام

و قال أبو عبد اللّٰه الصادق ع خالطوا الناس بما يعرفون و دعوهم مما ينكرون و لا تحتملوا على أنفسكم و علينا إن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن اللّٰه قلبه للإيمان.

و ذلك لأن أسرار العلوم على ما هي عليه لا تطابق ما يفهمه الجمهور من ظواهر الشرع و طريق معرفة العلم التقليدي بنوعيه أعني الاعتقادي و العملي ليس إلا تعرف آثار أهل البيت ع و تعلم أحاديثهم من الأصول المنقولة عنهم لأنهم هم خلفاء النبي ص و مهابط الوحي و خزنة العلم

الوافي، ج 1، ص: 12

و الراسخون فيه و أهل الذكر الذين أمرنا بمسألتهم و أولوا الأمر الذين أمرنا بطاعتهم.

و قد صعدوا ذرى الحقائق بإقدام النبوة و الولاية و نوروا طبقات أعلام الفتوى بالهداية و سائر العلماء و الحكماء إنما استضاءوا بأنوارهم بل الأنبياء و الأوصياء إنما اقتدوا في عالم الأرواح بآثارهم.

فالكليم ألبس حلة الاصطفاء لما شاهدوا منه الوفاء و روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقهم الباكورة فهم منار الهدى

و العروة الوثقى و الحجة على أهل الدنيا خزائن أسرار الوحي و التنزيل و معادن جواهر العلم و التأويل الأمناء على الحقائق و الخلفاء على الخلائق مفاتيح الكرم و مصابيح الأمم طهرهم اللّٰه من الرجس تطهيرا و صلى اللّٰه عليهم و سلم تسليما كثيرا.

و نحن بحمد اللّٰه عازمون على أن نجمع مهمات أحاديثهم بل جل ما بأيدينا اليوم منها في هذا الكتاب بتوفيق اللّٰه و تأييده.

و أما طريقة المتكلمين و أهل الجدل و الاجتهاد فحاشا أن تكون مصححة للاعتقاد أو أساسا لعبادة العباد بل هي مما يقسي القلب و يبعد عن اللّٰه سبحانه غاية الأبعاد و تربو به الشبه و الشكوك و تزداد.

فالإنسان لا بد أن يكون أحد رجلين إما محققا صاحب كشف و يقين أو مقلدا صاحب تصديق و تسليم و أما الثالث فهالك و إلى الضلال سالك و هو الذي يمزج الحق بالباطل و يحمل الكتاب و السنة على رأيه و يتصرف فيهما بعقله كما ورد في وصفه و ذمة الأخبار عن الأئمة الأطهار و ستقف على بعضها.

الوافي، ج 1، ص: 13

و قد قالوا ع كن عالما أو متعلما و لا تكن الثالث فتهلك

و قالوا أيضا نحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و سائر الناس غثاء

و إنما رخص في التكلم لدفع شبه المعاندين و رد الجاحدين

و قد ورد أن إثمه أكبر من نفعه

و أول من أحدث الجدال في الدين و استنباط الأحكام بالرأي و التخمين في هذه الأمة أئمة الضلال خذلهم اللّٰه ثم تبعهم في ذلك علماء العامة ثم جرى على منوالهم فريق من متأخري الفرقة الناجية بخطإ و جهالة و نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ.

تنبيه إنه لما افتتن الناس بعد وفاة رسول

اللّٰه ص فغرقوا في لجج الفتن و هلكوا في طوفان المحن إلا شرذمة ممن عصمه اللّٰه و بسفينة أهل البيت ع نجاة و بالتمسك بالثقلين أبقاه استكتم الناجون دينهم و صانوا وتينهم فاستبقى اللّٰه عز و جل بهم رمق الشريعة في هذه الأمة و أبقى بإبقاء نوعهم سنة خاتم النبيين إلى يوم القيامة.

فبعث إمام هدى بعد إمام و أقام خلف شيعة لهم بعد سلف فكان لا تزال طائفة من الشيعة رضي اللّٰه عنهم يحملون الأحاديث في الفروع و الأصول عن أئمتهم ع بأمرهم و ترغيبهم و يروونها لآخرين و يروي الآخرون لآخرين و هكذا إلى أن وصلت إلينا و الحمد لله رب العالمين.

و كانوا يثبتونها في الصدور و يسطرونها في الدفاتر و يعونها كما يسمعونها

الوافي، ج 1، ص: 14

و يحفظونها كما يتحملونها و يبالغون في نقدها و تصحيحها و رد زيفها و قبول صحيحها و تخريج صوابها و سليمها من خطئها و سقيمها حتى يرى أحدهم لا يستحل نقل ما لا وثوق به و لا إثبات ذلك في كتبه إلا مقرونا بالتضعيف و مشفوعا بالتزييف طاعنا في من يروي كل ما يروى و يسطر كل ما يحكى كما هو غير خاف على من تتبع كتب الرجال و تعرف منها الأحوال.

و كانوا لا يعتمدون على الخبر الذي كان ناقله منحصرا في مطعون أو مجهول و ما لا قرينة معه تدل على صحة المدلول و يسمونه الخبر الواحد الذي لا يوجب علما و لا عملا و كانوا لا يعتقدون في شي ء من تفاصيل الأصول الدينية و لا يعملون في شي ء من الأحكام الشرعية إلا بالنصوص المسموعة عن أئمتهم ع و لو بواسطة ثقة أو وسائط ثقات

و كانوا مأمورين بذلك من قبل أولئك السادات و لا يستندون في شي ء منها إلى تخريج الرأي بتأويل المتشابهات و تحصيل الظن باستعانة الأصول المخترعات الذي يسمى بالاجتهاد و لا إلى اتفاق آراء الناس الذي يسمى بالإجماع كما يفعل ذلك كله الجمهور من العامة و كانوا ممنوعين عن ذلك كله من جهتهم ع و من جهة صاحب الشرع بالآيات الصريحة و الأخبار الصحيحة و كان المنع من ذلك كله معروفا من مذهبهم مشهورا منهم حتى بين مخالفيهم كما صرح به طائفة من الفريقين.

ثم لما انقضت مدة ظهور الأئمة المعصومين صلوات اللّٰه عليهم أجمعين و انقطعت السفراء بينهم و بين شيعتهم و طالت الغيبة و اشتدت الفرقة و امتدت دولة الباطل و خالطت الشيعة بمخالفيهم و ألفت في صغر سنهم بكتبهم إذ كانت هي المتعارف تعليمها في المدارس و المساجد و غيرها لأن الملوك و أرباب الدول كانوا منهم و الناس إنما يكونون مع الملوك و أرباب الدول فعاشرت معهم في مدارسة العلوم الدينية

الوافي، ج 1، ص: 15

و طالعوا كتبهم التي صنفوها في أصول الفقه التي دونوها لتسهيل اجتهاداتهم التي عليها مدار أحكامهم فاستحسنوا بعضا و استهجنوا بعضا أداهم ذلك إلى أن صنفوا في ذلك العلم كتبا إبراما و نقضا و تكلموا فيها تكلم العامة فيه من الأشياء التي لم يأت بها الرسول ص و لا الأئمة المعصومون ص و كثروا بها المسائل و لبسوا على الناس طرق الدلائل.

و كانت العامة قد أحدثوا في القضايا و الأحكام أشياء كثيرة بآرائهم و عقولهم في جنب اللّٰه و اشتبهت أحكامهم بأحكام اللّٰه و لم يقنعوا بإبهام ما أبهم اللّٰه و السكوت عما سكت اللّٰه بل جعلوا لله

شركاء حكموا كحكمه فتشابه الحكم عليهم بل لله الحكم جميعا و إليه ترجعون و سيجزيهم اللّٰه بما كانوا يعملون.

ثم لما كثرت تصانيف أصحابنا في ذلك و تكلموا في أصول الفقه و فروعه باصطلاحات العامة اشتبهت أصول الطائفتين و اصطلاحاتهم بعضها ببعض و انجر ذلك إلى أن التبس الأمر على طائفة منهم حتى زعموا جواز الاجتهاد و الحكم بالرأي و وضع القواعد و الضوابط لذلك و تأويل المتشابهات بالتظني و الترئي و الأخذ باتفاق الآراء و تأيد ذلك عندهم بأمور أحدها ما رأوه من الاختلاف في ظواهر الآيات و الأخبار التي لا تتطابق إلا بتأويل بعضها بما يرجع إلى بعض و ذلك نوع من الاجتهاد المحتاج فيه إلى وضع الأصول و الضوابط.

و الثاني ما رأوه من كثرة الوقائع التي لا نص فيها على الخصوص مع مسيس الحاجة إلى معرفة أحكامها.

و الثالث ما رأوه من اشتباه بعض الأحكام و ما فيه من الإبهام الذي لا ينكشف و لا يتعين إلا بتحصيل الظن فيه بالترجيح و هو عين الاجتهاد.

فأولوا الآيات و الأخبار الواردة في المنع من الاجتهاد و العمل بالرأي بتخصيصها

الوافي، ج 1، ص: 16

بالقياس و الاستحسان و نحوهما من الأصول التي تختص بها العامة و الواردة في النهي عن تأويل المتشابهات و متابعة الظن بتخصيصها بأصول الدين و الواردة في ذم الأخذ باتفاق الآراء بتخصيصها بالآراء الخالية من قول المعصوم لما ثبت عندهم أن الزمان لا يخلو من إمام معصوم.

فصار ذلك كله سببا لكثرة الاختلاف بينهم في المسائل و تزايده ليلا و نهارا و توسع دائرته مددا و أعصارا حتى انتهى إلى أن تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولا أو ثلاثين أو أزيد بل

لو شئت أقول لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها.

و ذلك لأن الآراء لا تكاد تتوافق و الظنون قلما تتطابق و الأفهام تتشاكس و وجوه الاجتهاد تتعاكس و الاجتهاد يقبل التشكيك و يتطرق إليه الركيك فيتشبه بالقوم من ليس منهم و يدخل نفسه في جملتهم من هو بمعزل عنهم فظلت المقلدة في غمار آرائهم يعمهون و أصبحوا في لجج أقاويلهم يغرقون.

تنبيه

ليت شعري كيف ذهب عنهم ما ينحل به عقد هذه المشكلات عن ضمائرهم أم كيف خفي عنهم ما ينقلع به أصول هذه الشبهات من سرائرهم أ لم يسمعوا حديث التثليث المشهور المستفيض المتفق عليه بين العامة و الخاصة المتضمن لإثبات الإبهام في بعض الأحكام.

و أن الأمور ثلاثة بين رشده و بين غيه و أمر مشكل يرد حكمه إلى اللّٰه

الوافي، ج 1، ص: 17

و رسوله.

و هلا سوغوا أن في إبهام بعض الأحكام حكما و مصالح مع أن من تلك الحكم ما يمكن أن يتعرف و لعل ما لا يعرف منها يكون أكثر على أن الاجتهاد لا يغني من ذلك لبقاء الشبهات بعده إن لم تزد به كلا بل زادت و زادت أ حسبوا أنهم خلصوا منها باجتهادهم كلا بل أمعنوا فيها بازديادهم أ زعموا أنهم هدوا بالتظني إلى التثني كلا بل التثلث باق و ما لهم منه من واق.

أ و لم يدبروا قول اللّٰه عز و جل فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مٰا تَشٰابَهَ مِنْهُ ابْتِغٰاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغٰاءَ تَأْوِيلِهِ وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّٰهُ وَ الرّٰاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.

أ ما طن آذانهم أن المراد بالراسخين في العلم الأئمة ع لا هم أغفلوا عن الأحاديث المعصومية المتضمنة لكيفية الترجيح بين

الروايات عند تعارضها و إثبات التخيير في العمل عند عدم جريانه و أنه يؤخذ بخبر الأوثق و ما للقرآن أوفق أو عن آراء المخالفين أبعد و أسحق ثم التخيير على وجه التسليم المطلق.

أ و ما بلغهم و بلغك

بأيها أخذت من باب التسليم وسعك.

أ و خفي عليهم أن قول المعصوم ع إنما يعرف بالحديث المسموع عنه عند حضوره و المحفوظ في صدور الثقات أو المثبت في دفاترهم عند غيبته و لا مدخل لضم الآراء معه اتفقوا أو اختلفوا.

نعم قد يكون الحديث مما اتفقت الطائفة المحقة على نقله أو العمل بمضمونه بحيث اشتهر عنهم و فيما بينهم و يسمى ذلك الحديث بالمجمع عليه

كما ورد في

الوافي، ج 1، ص: 18

كلام أبي عبد اللّٰه ع في حديث الترجيح بين الروايات المتعارضة خذ بالمجمع عليه بين أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه.

و هذا معنى الإجماع الصحيح المشتمل على قول المعصوم عند قدماء الشيعة لا غير.

فلو أنهم تركوا المتشابه على حاله من غير تصرف فيه و سكتوا عما سكت اللّٰه عنه و أبهموا ما أبهم اللّٰه و جعلوا الأحكام ثلاثة و احتاطوا في المتشابه و ردوا علمه إلى اللّٰه و رسوله و خيروا في المتعارض و وسعوا في المتناقض كما ورد بذلك كله النصوص عن أهل الخصوص لاجتمعت أقوالهم و اتفقت كلمتهم و مقالهم و كانوا فقهاء متوافقين و لأحاديث أئمتهم ناقلين لا خصماء متشاكسين و عن النصوص ناكلين.

و لكان كلما جاء منهم خلف دعوا لسلفهم لا كلما دخلت منهم أمة طعنت في أختها بصلفهم و لكان كل امرئ منهم بالقرآن و الحديث منطيقا و عن الآراء سكيتا وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مٰا يُوعَظُونَ بِهِ لَكٰانَ خَيْراً لَهُمْ

وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً.

و ليت شعري ما حملهم على أن تركوا السبيل الذي هداهم إليه أئمة الهدى و أخذوا سبلا شتى و اتبعوا الآراء و الأهواء كل يدعو إلى طريقة و يذود عن الأخرى.

ثم ما الذي حمل مقلدتهم على تقليدهم في الآراء دون تقليد الأئمة ع على الطريقة المثلي إن هي إلا سنة ضيزى ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكٰاءُ مُتَشٰاكِسُونَ وَ رَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيٰانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلّٰهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لٰا يَعْلَمُونَ.

و قد أشبعنا الكلام في تحقيق هذه الكلمات و تشييدها بالآيات و الروايات في كتابنا الموسوم بسفينة النجاة و في الأصول الأصيلة و غيرهما من المصنفات و الحمد لله وحده

المقدمة الثانية في التوقيف لمعرفة الأسانيد

توقيف

قد يعبر عن بعض الرواة باسم مشترك يوجب الالتباس على بعض الناس لكن كثرة الممارسة تكشف في الأغلب عن حقيقة الحال فمن ذلك محمد بن إسماعيل المذكور في صدر السند من كتاب الكافي الذي يروي عن الفضل بن شاذان النيسابوري و هو محمد بن إسماعيل النيسابوري الذي يروي عنه أبو عمرو الكشي أيضا عن الفضل بن شاذان و يصدر به السند و هو أبو الحسن المتكلم الفاضل المتقدم البارع المحدث تلميذ الفضل بن شاذان الخصيص به يقال له بندفر و توهم كونه محمد بن إسماعيل بن بزيع أو محمد بن إسماعيل البرمكي صاحب الصومعة بعيد جدا.

و من ذلك العباس الذي يروي عنه محمد بن علي بن محبوب فإنه كثيرا ما يقع مطلقا غير مقرون بفصل مميز و لكنه ابن معروف الثقة القمي.

و من ذلك حماد الذي يروي عنه الحسين بن سعيد فإنه ابن عيسى الثقة الجهني الذي يروي غالبا عن حريز و حريز هذا هو ابن عبد اللّٰه السجستاني.

و من ذلك العلاء

الذي يروي عن محمد بن مسلم و قد يقال العلاء عن محمد

الوافي، ج 1، ص: 20

من غير تقييد بابن مسلم و المراد ابن رزين الثقة و محمد الذي يروي عنه هو ابن مسلم.

و من ذلك محمد بن يحيى فإنه مشترك بين جماعة منهم العطار القمي شيخ أبي جعفر الكليني الذي هو مراده عند إطلاقه هذا الاسم في أول السند.

و منهم الخزاز بالمعجمات الذي يروي كثيرا عن غياث بن إبراهيم و يروي عنه البرقي.

و منهم الخثعمي الكوفي الذي يروي عنه ابن سماعة و ابن أبي عمير و كلاهما يرويان عن الصادق ع و الثلاثة ثقات و تميزهم بالطبقات.

و من ذلك محمد بن قيس و هو مشترك بين أربعة اثنان ثقتان و هما الأسدي أبو نصر و البجلي أبو عبد اللّٰه و كلاهما يرويان عن الباقر و الصادق ع و الثالث ممدوح من غير توثيق و هو الأسدي مولى بني نصر و لم يذكروا عمن يروي و الرابع ضعيف و هو أبو أحمد يروي عن الباقر ع خاصة فالراوي عن الصادق ع غير ضعيف البتة و احتمال كونه الثقة أقرب من احتمال كونه الممدوح و الذي له كتاب قضايا أمير المؤمنين ع الذي يرويه عن أبي جعفر ع و يروي عنه عاصم بن حميد الحناط و يوسف بن عقيل هو البجلي الثقة على ما قاله الشيخ أبو جعفر الطوسي في فهرسته و رجاله و لكن النجاشي نسب الكتاب إلى الأسدي الثقة و الأمر فيه سهل.

و من ذلك أحمد بن محمد فإنه مشترك بين جماعة يزيدون على الثلاثين و لكن

الوافي، ج 1، ص: 21

أكثرهم إطلاقا و تكرارا في الأسانيد أربعة ثقات ابن الوليد القمي و ابن

عيسى الأشعري و ابن خالد البرقي و ابن أبي نصر البزنطي فالأول يذكر في أوائل السند و الأوسطان في أواسطه و الأخير في أواخره و أكثر ما يقع الاشتباه بين الأوسطين و لكن حيث أنهما ثقتان لم يكن في البحث عن التعيين فائدة يعتد بها و أما البواقي فأغلب ما يذكرون مع قيد مميز و النظر في من روى عنهم و رووا عنه ربما يعين الممارس على استكشاف الحال.

و من ذلك ابن سنان فإنه يذكر كثيرا من غير فصل مميز يعلم به أنه عبد اللّٰه الثقة أو محمد الضعيف و يمكن استعلام كونه عبد اللّٰه بوجوه منها أن يروي عن الصادق ع بغير واسطة فإن محمدا إنما يروي عنه بواسطة.

و منها أن يروي عنه ع بتوسط عمر بن يزيد أو أبي حمزة أو حفص الأعور فإن محمدا لا يروي عنه بتوسط بعض هؤلاء.

و منها أن ابن سنان الذي يروي عنه النضر بن سويد أو عبد اللّٰه بن المغيرة أو عبد الرحمن بن أبي نجران أو أحمد بن محمد بن أبي نصر أو فضالة أو عبد اللّٰه بن جبلة فهو عبد اللّٰه لا محمد.

و ابن سنان الذي يروي عنه أيوب بن نوح أو موسى بن القاسم أو أحمد بن محمد بن عيسى أو علي بن الحكم فهو محمد لا عبد اللّٰه.

و قد يختلف كلام علماء الرجال في ترجمة الرجل الواحد فيظن بسبب ذلك اشتراكه كما ظن الحسن بن داود في محمد بن الحسن الصفار و العلامة الحلي في علي بن الحكم.

و قد يكون الرجل متعددا فيظن أنه واحد كما ظنه العلامة في إسحاق بن عمار فإنه مشترك بين اثنين أحدهما من أصحابنا و هو ابن عمار

بن حيان الكوفي أبو يعقوب الصيرفي و الآخر فطحي و هو ابن عمار بن موسى الساباطي كما يظهر على المتأمل إلى غير ذلك فلا بد من إمعان النظر لمن أراد زيادة التبصر.

الوافي، ج 1، ص: 22

توقيف

قد اصطلح متأخرو فقهائنا على تنويع الحديث المعتبر في صحيح و حسن و موثق.

فإن كان جميع سلسلة سنده إماميين ممدوحين بالتوثيق سموه صحيحا أو إماميين ممدوحين بدونه كلا أو بعضا مع توثيق الباقي سموه حسنا أو كانوا كلا أو بعضا غير إماميين مع توثيق الكل سموه موثقا.

و أول من اصطلح على ذلك و سلك هذا المسلك العلامة الحلي رحمه اللّٰه و هذا الاصطلاح لم يكن معروفا بين قدمائنا قدس اللّٰه أرواحهم كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه و اقترن بما يوجب الوثوق به و الركون إليه كوجوده في كثير من الأصول الأربعمائة المشهورة المتداولة بينهم التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة س و كتكرره في أصل أو أصلين منها فصاعدا بطرق مختلفة و أسانيد عديدة معتبرة و كوجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم كزرارة و محمد بن مسلم و الفضيل بن يسار.

أو على تصحيح ما يصح عنهم كصفوان بن يحيى و يونس بن عبد الرحمن و أحمد بن محمد بن أبي نصر أو على العمل بروايتهم كعمار الساباطي و نظرائه.

و كاندراجه في أحد الكتب التي عرضت على أحد الأئمة المعصومين ع فأثنوا على مؤلفيها ككتاب عبيد اللّٰه الحلبي الذي عرض على الصادق ع

الوافي، ج 1، ص: 23

و كتابي يونس بن عبد الرحمن و الفضل بن شاذان

المعروضين على العسكري ع.

و كأخذه من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها و الاعتماد عليها سواء كان مؤلفوها من الإمامية ككتاب الصلاة لحريز بن عبد اللّٰه السجستاني و كتب بني سعيد و علي بن مهزيار.

أو من غير الإمامية ككتاب حفص بن غياث القاضي و الحسين بن عبد اللّٰه السعدي و كتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري.

و قد جرى صاحبا كتابي الكافي و الفقيه على متعارف المتقدمين في إطلاق الصحيح على ما يركن إليه و يعتمد عليه فحكما بصحة جميع ما أورداه في كتابيهما من الأحاديث و إن لم يكن كثير منه صحيحا على مصطلح المتأخرين.

قال صاحب الكافي في أول كتابه في جواب من التمس عنه التصنيف و قلت إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علوم الدين ما يكتفي به المتعلم و يرجع إليه المسترشد و يأخذ منه من يريد علم الدين و العمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين ع و السنن القائمة التي عليها العمل و بها يؤدي فرض اللّٰه و سنة نبيه ص إلى أن قال و قد يسر اللّٰه و له الحمد تأليف ما سألت و أرجو أن يكون بحيث توخيت.

و قال صاحب الفقيه في أوله إني لم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به و أحكم بصحته و أعتقد فيه أنه حجة فيما بيني و بين ربي تقدس ذكره و جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول و إليها المرجع.

و قال صاحب التهذيب في كتاب العدة إن ما أورده في كتابي الأخبار إنما آخذه من الأصول المعتمدة عليها و قد سلك على ذلك المنوال كثير

من علماء الرجال

الوافي، ج 1، ص: 24

فحكموا بصحة حديث بعض الرواة الغير الإمامية كعلي بن محمد بن رباح و غيره لما لاح لهم من القرائن المقتضية للوثوق بهم و الاعتماد عليهم و إن لم يكونوا في عداد الجماعة الذين انعقد الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم بل المتأخرون ربما يسلكون طريقة القدماء فيصفون بعض الأحاديث التي في سندها من يعتقدون أنه فطحي أو ناووسي بالصحة نظرا إلى اندراجه في من أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم بل يصفون مراسيل هؤلاء و مقاطيعهم و مرافيعهم و مسانيدهم إلى الضعفاء و المجاهيل بالصحة لذلك.

و على هذا جرى العلامة و الشهيد في مواضع من كتبهما مع أنهما الأصل في الاصطلاح الجديد و ربما يقال الباعث لهم على العدول عن طريقة القدماء طول المدة و اندراس بعض الأصول المعتمدة و التباس الأحاديث المأخوذة من الأصول المعتمدة بالمأخوذة من غير المعتمدة و اشتباه المتكررة في كتب الأصول بغير المتكررة و عدم إمكانهم الجري على أثر القدماء في تمييز ما يعتمد عليه مما لا يركن إليه.

و هذا إن صح فهذا الاصطلاح لا يغني عنه شيئا مع أن مدار الأحكام الشرعية اليوم على هذه الأصول الأربعة و هي المشهود عليها بالصحة من مصنفيها و لا مدخل لما ذكر في ذلك فإن كانوا لا يعتمدون على شهادتهم بصحة كتبهم فلا يعتمدوا على شهادتهم و شهادة أمثالهم في الجرح و التعديل أيضا و أي فرق بين الأمرين.

و بعد فأي مدخل لفساد العقيدة في صدق حديث المرء إذا كان ثقة في مذهبه و أي منافاة للممدوحية بفضيلة ما مع المسامحة في نقل الحديث.

الوافي، ج 1، ص: 25

و أيضا فإن كثيرا من الرواة المعتنين بشأنهم

الذين هم مشايخ مشايخنا المشاهير الذين يكثرون الرواية عنهم ليسوا بمذكورين في كتب الجرح و التعديل بمدح و لا قدح و يلزم على هذا الاصطلاح أن يعد حديثهم في الضعيف مع أن أصحاب هذا الاصطلاح أيضا لا يرضون بذلك و ذلك مثل أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد الذي هو من مشايخ شيخنا المفيد و الواسطة بينه و بين أبيه و الرواية عنه كثيرة.

و مثل أحمد بن محمد بن يحيى العطار الذي هو من مشايخ الشيخ الصدوق و يروي عنه كثيرا و هو الواسطة بينه و بين سعد بن عبد اللّٰه.

و مثل الحسين بن الحسن بن أبان الذي هو من مشايخ محمد بن الحسن بن الوليد و الواسطة بينه و بين الحسين بن سعيد.

و مثل أبي الحسين علي بن أبي جيد و هو من مشايخ الشيخ الطوسي و النجاشي و الواسطة بين الشيخ و بين محمد بن الحسن بن الوليد.

و مثل إبراهيم بن هاشم القمي الذي أكثر صاحب الكافي الرواية عنه بواسطة ابنه علي و هو أول من نشر حديث الكوفيين بقم إلى غير ذلك من الرجال.

و بعد فإن في الجرح و التعديل و شرائطهما اختلافات و تناقضات و اشتباهات لا يكاد ترتفع بما تطمئن إليه النفوس كما لا يخفى على الخبير بها فالأولى الوقوف على طريقة القدماء و عدم الاعتناء بهذا الاصطلاح المستحدث رأسا و قطعا و الخروج عن هذه المضايق.

نعم إذا تعارض الخبران المعتمد عليهما على طريقة القدماء فاحتجنا إلى الترجيح بينهما فعلينا أن نرجع إلى حال رواتهما في الجرح و التعديل المنقولين عن المشايخ فيهم و نبني الحكم على ذلك كما أشير إليه في الأخبار الواردة في التراجيح

بقولهم ع فالحكم

ما حكم به أعدلهما و أورعهما و أصدقهما في الحديث

الوافي، ج 1، ص: 26

و هو أحد وجوه التراجيح المنصوص عليها و هذا هو عمدة الأسباب الباعثة لنا على ذكر الأسانيد في هذا الكتاب.

توقيف

نقل عن أبي عمرو الكشي رحمه اللّٰه أنه قال في كتاب رجاله عند تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه ع أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه ع و انقادوا لهم بالفقه و قالوا أفقه الأولين ستة زرارة و معروف بن خربوذ و بريد و أبو بصير الأسدي و الفضيل بن يسار و محمد بن مسلم الطائفي.

قالوا و أفقه الستة زرارة و قال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي أبو بصير المرادي و هو ليث بن البختري

و روى بإسناده عن الصادق ع أنه قال أوتاد الأرض و أعلام الدين أربعة محمد بن مسلم و بريد بن معاوية و ليث بن البختري المرادي و زرارة بن أعين

و قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللّٰه ع أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء و تصديقهم لما يقولون و أقروا لهم بالفقه من دون هؤلاء الستة الذين عددناهم و سميناهم ستة نفر جميل بن دراج و عبد اللّٰه بن مسكان و عبد اللّٰه بن بكير و حماد بن عيسى و حماد بن عثمان و أبان بن عثمان.

قال و زعم أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج و هم أحداث أبي عبد اللّٰه ع.

و قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم و أبي الحسن الرضا ع أجمع الأصحاب على تصحيح ما يصح عن هؤلاء و

تصديقهم و أقروا لهم بالفقه و العلم و هم ستة نفر آخر دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد اللّٰه ع

الوافي، ج 1، ص: 27

منهم يونس بن عبد الرحمن و صفوان بن يحيى بياع السابري و محمد بن أبي عمير و عبد اللّٰه بن المغيرة و الحسن بن محبوب و أحمد بن محمد بن أبي نصر و قال بعضهم مكان الحسن بن محبوب الحسن بن علي بن فضال و فضالة بن أيوب و قال بعضهم مكان ابن فضال عثمان بن عيسى و أفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن و صفوان بن يحيى انتهى كلامه.

و قد فهم جماعة من المتأخرين من قوله أجمعت العصابة أو الأصحاب على تصحيح ما يصح عن هؤلاء الحكم بصحة الحديث المنقول عنهم و نسبته إلى أهل البيت ع بمجرد صحته عنهم من دون اعتبار العدالة في من يروون عنه حتى لو رووا عن معروف بالفسق أو بالوضع فضلا عما لو أرسلوا الحديث كان ما نقلوه صحيحا محكوما على نسبته إلى أهل العصمة ص و أنت خبير بأن هذه العبارة ليست صريحة في ذلك و لا ظاهرة فيه فإن ما يصح عنهم إنما هو الرواية لا المروي بل كما يحتمل ذلك يحتمل كونها كناية عن الإجماع على عدالتهم و صدقهم بخلاف غيرهم ممن لم ينقل الإجماع على عدالته.

توقيف

اعلم أن إضمار الحديث من الثقات المشهورين من أصحاب الأئمة ع ليس طعنا في الحديث إذ قد يكون ذلك اعتمادا على القرينة و قد يكون للتقية و قد يكون لقطع الأخبار بعضها عن بعض فإن الراوي كان يصرح باسم الإمام الذي يروي عنه في أول الروايات ثم قال و سألته عن

كذا و سألته عن كذا إلى أن يستوفي الروايات التي رواها عن ذلك الإمام ع فلما حصل القطع توهم الإضمار.

و كذلك الرواية عن أحد تارة بواسطة و أخرى بدونها لا توجب الاضطراب في الرواية كما ظن لجواز تعدد سماعة.

أما رواية الحديث تارة على وجه و أخرى على وجه آخر مخالف له فهي توجب

الوافي، ج 1، ص: 28

الاضطراب و عدم الاعتماد.

و مما يوجب عدم الاعتماد القطع و هو أن لا يبلغ الإسناد إلى المعصوم بل ينتهي إلى بعض الوسائط.

و منه الإرسال و هو أن يروي عن المعصوم من لم يدركه بغير واسطة أو بوسائط نسيها أو تركها أو أبهمها كما قيل عن رجل أو عمن أخبره أو عن بعض أصحابه.

توقيف

قد يعبر عن المعصوم ع بالعالم و الفقيه و الشيخ و العبد الصالح و الرجل و الماضي و غير ذلك للتقية و شدة الزمان المانعة من التصريح بالاسم أو الكنية و يعرف ذلك بقرينة الراوي و أكثر ما يكون ذلك في أبي الحسن موسى بن جعفر ع.

و قد يعبر عن الإمام باسم مشترك كمحمد بن علي أو كنية مشتركة كأبي جعفر و أبي الحسن و يعرف ذلك أيضا بقرينة الراوي و طبقته.

و كلما قيل أبو الحسن الأول أو الماضي فالمراد به الكاظم ع أو الثاني فالرضا ع أو الثالث أو الأخير فالهادي ع.

و إذا قيل أبو جعفر الأول فالباقر أو الثاني فالجواد أو أبو عبد اللّٰه فالصادق ع.

توقيف

لي إلى رواية الأصول الأربعة عن مؤلفيها الثلاثة طرق متعددة و كذا إلى غيرها من الكتب و الأصول و لكن أقتصر فأقول إني أروي الأصول الأربعة تارة عن أستادي و من عليه في العلوم الشرعية استنادي و عليه اعتمادي السيد ماجد بن هاشم

الوافي، ج 1، ص: 29

الصادقي البحراني تغمده اللّٰه بغفرانه عن الشيخ الفاضل الكامل بهاء الدين محمد العاملي طاب ثراه.

و تارة عن الشيخ المذكور بلا وساطة الأستاد و هو يروي عن أبيه و أستاده الحسين بن عبد الصمد الحارثي و هو عن شيخه الأجل السعيد زيد الدين بن علي بن أحمد العاملي الشهيد.

و تارة أروي الأصول الأربعة و سائر كتب الحديث و غيرها عن الشيخ محمد بن الشيخ حسن بن الشيخ زين الدين الشهيد عن أبيه عن جده.

و هو يروي عن الشيخ الفاضل علي بن عبد العالي العاملي الميسي عن الشيخ شمس الدين محمد بن المؤذن الجزيني عن الشيخ ضياء الدين علي عن والده الأجل

الشيخ شمس الدين محمد بن مكي الشهيد عن الشيخ فخر الدين أبي طالب محمد عن والده العلامة جمال الملة و الدين الحسن بن مطهر الحلي عن شيخه المحقق نجم الملة و الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد عن السيد الجليل أبي علي فخار بن معد الموسوي عن الشيخ أبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمي عن الشيخ الفقيه عماد الدين أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري عن الشيخ أبي علي الحسن عن والده شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي.

و له إلى ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طرق متعددة منها عن أبي عبد اللّٰه محمد بن محمد بن النعمان المفيد عن شيخه أبي القاسم جعفر بن قولويه عنه طاب ثراه.

و كذلك له إلى الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي طرق منها عن الشيخ المفيد عنه قدس اللّٰه أسرارهم جميعا

الوافي، ج 1، ص: 31

المقدمة الثالثة في تمهيد الاصطلاحات و القواعد

تمهيد

قد سلك كل من مشايخنا الأبي جعفرين المحمدين الثلاثة في كتابه مسلكا لم يسلكه الآخر أما ثقة الإسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه فإنه ملتزم في الكافي أن يذكر في كل حديث إلا نادرا جميع سلسلة السند بينه و بين المعصوم ع و قد يحذف صدر السند و لعله لنقله عن أصل المروي عنه من غير واسطة أو لحوالته على ما ذكره قريبا و هذا في حكم المذكور.

و أما رئيس المحدثين أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي عطر اللّٰه مرقده فدأبه في كتاب من لا يحضره الفقيه ترك أكثر السند و الاقتصار في الأغلب على ذكر الراوي الذي أخذ عن المعصوم فقط أو مع من يروي عنه ثم إنه ذكر

في آخر الكتاب طريقه المتصل بذلك الراوي و لم يخل بذلك إلا نادرا كإخلاله بطريقه إلى بريد بن معاوية العجلي و إلى يحيى بن سعيد الأهوازي.

و أما شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه اللّٰه فقد يجري في كتابي التهذيب و الاستبصار على وتيرة الكليني فيذكر جميع السند حقيقة أو حكما و قد يقتصر على البعض فيذكر أواخر السند و يترك أوائله و كل موضع سلك هذا المسلك أعني الاقتصار على البعض فقد ابتدأ فيه بذكر صاحب الأصل الذي أخذ الحديث من أصله أو مؤلف الكتاب الذي نقل الحديث من كتابه و ذكر في آخر

الوافي، ج 1، ص: 32

الكتابين بعض طرقه إلى أصحاب تلك الأصول و مؤلفي تلك الكتب و أحال البواقي على ما أورده في كتاب فهرست الشيعة.

و أنا أسلك في كل حديث أنقله في هذا الكتاب من أحد كتب هؤلاء المشايخ ما سلكه صاحب ذلك الكتاب فأذكر جميع السند إن ذكره و أقتصر على البعض إن اقتصر عليه و لا أنقل الحديث الذي نقل بعض هؤلاء عن بعض إلا عن الأعلى و لا المتكرر في الكتب المتعددة أو الكتاب الواحد بسند واحد بعينه إلا مرة إلا نادرا فأرقم علامات لتلك الكتب في أول السند إلا الإستبصار فأكتفي بالتهذيب عنه لأنهما في حكم واحد و من أراد أن يكتب علامة الإستبصار أيضا فليكتبها في الحاشية و كذلك فليفعل فيما نقل في الكتابين عن صاحب الكافي فيكتب علامتهما في الحاشية إذ ثبت العلامة في هذه الصورة ليس بمهم.

و إن تعدد سند حديث واحد في كتاب واحد أو أكثر أذكر تلك الأسناد أولا مع علامة ذلك الكتاب أو تلك الكتب ثم أذكر الحديث

إن اتحد الراوي عن المعصوم و المعصوم جميعا و إلا فإن اختلف تمام السند أنقل الحديث من الكافي أولا بإسناده ثم أذكر الأسناد الآخر مشيرا إلى الحديث من غير تكرير.

و إن اختص الاختلاف ببعض السند أرقم علامة المنفرد في أول ما انفرد به و علامة شريكه فقط في أول المشترك إن كان في موضع لم يشتبه فيه بالمنفرد كوقوعه بعد لفظة عن و إلا فأكرر ذكر رجل لرفع الاشتباه كما هو مصطلحهم في مثله.

و في بعض المواضع أرقم علامة ش إن اشترك فيه جميع ما سبق علامته ثلاثة كان أو اثنين و إلا فعلامة الشريكين و كذلك أفعل في متن الحديث إذا اختلف ألفاظه في كتابين أو أكثر بزيادة أو نقصان.

و إن اختلف اللفظ بتبديل قليل فإن لم يختلف به المعنى أقتصر على ذكر الأوضح لفظا أو الأقدم مصنفا و إن اختلف المعنى أو كان التفاوت كثيرا أذكر الأسناد مرة أخرى مفصلا مع التعدد و مجملا مع الاتحاد.

الوافي، ج 1، ص: 33

ثم أذكر الحديث تارة أخرى مفصلا إن اختلف المعنى و مجملا مع الإشارة إلى التفاوت إن لم يختلف و ربما أشير إلى اختلاف النسخ إذا كان مما يعتنى به في مقام البيان و اللّٰه المستعان.

تمهيد

كثيرا ما يتكرر في أوائل أسانيد الكافي ذكر قوله عدة من أصحابنا فإن قال بعده عن أحمد بن محمد بن عيسى فالمراد بهم محمد بن يحيى العطار و علي بن موسى الكميداني و داود بن كورة و أحمد بن إدريس و علي بن إبراهيم بن هاشم.

و إن قال بعده عن سهل بن زياد فهم علي بن محمد بن علان و محمد بن أبي عبد اللّٰه و محمد بن الحسن

و محمد بن عقيل الكليني.

و إن قال بعده عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي فهم علي بن إبراهيم و علي بن محمد بن عبد اللّٰه بن أذينة و أحمد بن محمد بن أمية و علي بن الحسن كذا

الوافي، ج 1، ص: 34

نقل العلامة الحلي رحمه اللّٰه عنه في خلاصته.

و أنا أعبر عن الجماعة في كل من المواضع الثلاثة بقولي العدة.

و كثيرا ما يتكرر في أوائل أسانيده أو أسانيد التهذيب محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان و أنا أعبر عنهما بقولي النيسابوريان.

و كثيرا ما يتكرر في أوائل أسانيدهما أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار و قد يعبر عنهما بأحمد بن إدريس عن محمد بن أبي الصهبان و أنا أعبر عنهما بقولي القميان.

و إن تفرد أحدهما عن الآخر أعبر عن الأول بالقمي و عن الثاني بالصهباني.

و إن اجتمع الأربعة بالعطف و كان المروي عنه صفوان بن يحيى قلت الأربعة عن صفوان و كثيرا ما يتكرر في أوائل أسانيدهما الحسين بن محمد عن معلى بن محمد و أنا أكتفي عن ذكرهما بقولي الاثنان و كثيرا ما يتكرر في أوائل أسانيدهما هؤلاء الثلاثة هكذا علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير و أنا أكتفي عن تعدادهم بقولي الثلاثة.

فإن كان تتمة السند عن حماد عن الحلبي أعبر عنهم بالخمسة.

و حماد هذا هو حماد بن عثمان و الحلبي عبيد اللّٰه بن محمد.

و كثيرا ما يتكرر في أوائل أسانيدهما هؤلاء الخمسة هكذا علي بن إبراهيم عن أبيه و محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير و أنا أكتفي

الوافي، ج 1، ص: 35

عن تعدادهم بالخمسة و كثيرا ما يتكرر في

تمام أسانيدهما هؤلاء الأربعة هكذا علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني و أنا أكتفي عن تعدادهم بالأربعة.

و ربما يتكرر في تمام أسانيدهما هؤلاء الخمسة هكذا علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن محمد بن مسلم و أنا أكتفي عنهم بقولي الأربعة عن محمد.

و ربما يكون مكان محمد غيره فأقول الأربعة عن فلان.

و ربما يتكرر في تمام أسانيدهما هؤلاء الخمسة هكذا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن العلاء عن محمد بن مسلم و أنا أكتفي عنهم بقولي محمد عن الأربعة.

و ربما يتكرر في أسانيدهما هؤلاء الأربعة الفطحية هكذا أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى و أنا أكتفي عن تعدادهم بالفطحية.

و ربما يتكرر في أوائل أسانيد التهذيب هؤلاء المشايخ الثلاثة هكذا محمد بن محمد بن النعمان عن أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد و أنا أكتفي عن تعدادهم بالمشايخ.

و ربما يتكرر في الكتابين و لا سيما التهذيب رواية الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي أو رواية سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن شمون عن عبد اللّٰه بن عبد الرحمن الأصم عن مسمع بن عبد الملك أو رواية الصفار عن الحسن بن موسى الخشاب عن غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمار و أنا أقول الحسين أو سهل أو الصفار عن الثلاثة و ربما يتكرر في أواسط السند محمد بن إسماعيل عن محمد بن الفضيل و أنا أكتفي عنهما بالمحمدين

الوافي، ج 1، ص: 36

و ربما يتكرر في أواخر السند هارون بن مسلم عن

مسعدة بن صدقة و أنا أكتفي عنهما بالاثنين.

و ربما يتكرر القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد و أنا أكتفي عنهما بالقاسم عن جده و كذلك يتكرر علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير الهاشمي فأقول علي عن عمه و كذلك يتكرر ابن أسباط عن عمه يعقوب بن سالم الأحمر فأكتفي بقولي ابن أسباط عن عمه و كثيرا ما يتكرر في السند أسماء رجال كثيرة الألفاظ مثل أحمد بن محمد بن خالد البرقي و أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي و عبد الرحمن بن الحجاج البجلي و عبد الرحمن بن أبي نجران التميمي و عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه البصري و عبد الرحمن بن محمد العرزمي و محمد بن عيسى العبيدي اليقطيني و إبراهيم بن أبي محمود الخراساني و عبد اللّٰه بن يحيى الكاهلي و بريد بن معاوية العجلي و أحمد بن الحسن الميثمي و علي بن محمد القاساني و جعفر بن محمد الأشعري و سليمان بن جعفر الجعفري و سليمان بن داود المنقري و الهيثم بن أبي مسروق النهدي و إبراهيم بن عمر اليماني و محمد بن خالد الطيالسي و إسماعيل بن الفضل الهاشمي و الحسن بن الحسين اللؤلؤي و الحسن بن علي الكوفي و هارون بن حمزة الغنوي و إبراهيم بن زياد الكرخي و علي بن الحسن بن علي بن فضال التيملي و يقال له التيمي و ربما يصحف بالميثمي

الوافي، ج 1، ص: 37

و علي بن الحسن الطاطري و القاسم بن محمد الجوهري و شعيب بن يعقوب العقرقوفي و موسى بن أكيل النميري و أحمد بن محمد السياري و بكر بن محمد الأزدي و أيوب بن نوح

النخعي و محمد بن أحمد العلوي و سليمان بن حفص المروزي و محمد بن سليمان الديلمي و أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري و محمد بن مسعود العياشي و أبي الصباح الكناني و أبي حمزة الثمالي و أبي بكر الحضرمي و أبي عبد اللّٰه أحمد بن محمد العاصمي و أبي عبد اللّٰه محمد بن أحمد الرازي الجاموراني و أنا أكتفي عنها بكلمات النسبة كما أكتفي عن أبي عبد اللّٰه محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد و محمد بن الحسن الصفار.

و الحسن بن موسى الخشاب و الحسن بن محبوب السراد و الحسن بن زياد الصيقل و الحسن بن علي الوشاء و الحسين بن نعيم الصحاف و أبي عبيدة الحذاء و أبي أيوب الخراز و عبد اللّٰه بن محمد الحجال و عبد اللّٰه بن ميمون القداح و عبيد اللّٰه بن عبد اللّٰه الدهقان و عبد اللّٰه بن عبد الرحمن الأصم و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الزيات و أبي أسامة زيد الشحام و أبي العباس محمد بن جعفر الرزاز و أبي العباس الفضل بن عبد الملك البقباق و أبي جعفر محمد بن النعمان الأحول الملقب بمؤمن الطاق و يزيد بن إسحاق شعر و منصور بن يونس بزرج بالأوصاف و الألقاب.

و كما أكتفي عن

الوافي، ج 1، ص: 38

علي بن محمد بن بندار و أحمد بن محمد بن عيسى و الحسن بن محمد بن سماعة و محمد بن الحسن بن شمون و الحسن بن علي بن يوسف بن بقاح و الحسن بن علي بن فضال و علي بن الحسن بن رباط و علي بن أحمد بن أشيم و جعفر بن محمد بن قولويه و محمد بن

إسماعيل بن بزيع و الحسين بن الحسن بن أبان و محمد بن علي بن محبوب و الحسن بن علي بن يقطين و الحسن بن علي بن أبي حمزة و محمد بن عبد اللّٰه بن هلال و محمد بن عبد اللّٰه بن زرارة و أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة و علي بن محمد بن الزبير بنسبتهم إلى أجدادهم و حذف أسمائهم.

و كذلك أكتفي عمن له اسم غريب باسمه عن اسم أبيه كمسمع بن عبد الملك أبي سيار الملقب بكردين.

و درست بن أبي منصور الواسطي و ذريح بن محمد بن يزيد المحاربي أبي الوليد و يقال له ذريح بن يزيد و ذبيان بن حكيم الأودي بضم المعجمة و إسكان الموحدة و بنان بن محمد بن عيسى أخي أحمد بن محمد بن عيسى بتقديم الموحدة على النون و يقال له عبد اللّٰه بن محمد و سماعة بن مهران الحضرمي و رفاعة بن موسى النخاس الأسدي.

و كذلك أكتفي عمن كان لأبيه اسم غريب بنسبته إليه و حذف اسمه كعلي بن رئاب و علي بن أسباط و غياث بن كلوب و إسماعيل بن مرار و عن معاوية بن عمار و معاوية بن وهب كذلك و عن أكثر العباد له المشاهير المتكررة كذلك.

كما يفعلونه كثيرا مثل عبد اللّٰه بن المغيرة و ابن أبي يعفور و ابن مسكان و ابن بكير و عن الحسين بن علي بن يقطين إذا كان مع أخيه الحسن بأخيه و عن أبيهما إذا كان معهما بأبيه كل ذلك إذا لم يحتمل غيره.

و ربما أحذف أسماء الآباء لدلالة القرائن عليها كما أفعل في علي بن إبراهيم

الوافي، ج 1، ص: 39

و محمد بن يحيى المتكررين في

أوائل أسانيد الكافي و في سهل بن زياد و أحمد بن محمد المتكررين في ثوانيها.

و قد يقعان في أوائلها بحذف الصدر و كما أفعل في أحمد بن محمد و الحسين بن سعيد و سعد بن عبد اللّٰه المتكررين في أوائل أسانيد التهذيب أو أواسطها و موسى بن القاسم البجلي المتكرر في أوائلها في كتاب الحج و النضر بن سويد و فضالة بن أيوب المتكررين بعد الحسين غالبا و أبان بن عثمان و عثمان بن عيسى و صفوان بن يحيى و حماد بن عثمان و حسين بن عثمان المتكررين غالبا فيما قبل آخر السند أو آخره.

و يكتب حسين هذا بلا لام و كما أفعل في عاصم بن حميد الراوي عن محمد بن قيس و حميد بن زياد الراوي عن ابن سماعة و علي بن أبي حمزة الراوي عن أبي بصير و العلاء بن رزين و محمد بن مسلم المتكررين معا في أواخر السند.

و أحذف اسم الجد في مثل محمد بن أحمد بن يحيى و اسم الأب في مثل علي بن إسماعيل الميثمي المتكرر في أوائل أسانيد التهذيب ممن لا يشتبه.

و ربما يتكرر في أثناء أسانيد التهذيب أبو جعفر و لا سيما في كتابي الزكاة و الصيام منه و يشبه أن يكون أحمد بن محمد بن عيسى و قد قطع بعض أصحاب كتب الرجال بأنه هو إذا روى عنه سعد إلا أنا اتبعنا صاحب التهذيب في التعبير عنه بأبي جعفر في الأكثر لعدم الجزم.

و قد وضعت لكل من الأصول الأربعة علامة فعلامة الكافي كا و علامة الفقيه يه و علامة التهذيب يب و علامة الاستبصار صا و عنوان ما يتعلق بشرح الحديث بيان و اللّٰه المستعان.

تمهيد

لقد

كنت أردت أن أرتب كتب هذا الكتاب أولا على ما هو به خليق ثم أضع أبواب كل كتاب في مواضعها كما يليق ثم أورد كل حديث في بابه واضعا له على ترتيب هو به حقيق فتعسر ذلك علي على ما هو حقه و كما أردت و أبى أن يأتيني على

الوافي، ج 1، ص: 40

وجهه و كما شئت و ذلك لتشابه بعض الأخبار و العنوانات في التناسب و التقارب مع بعض و كونه ذا وجوه في التقدم و التأخر مع آخر و لقرب بعض العنوانات من بعض و تشاركهما في أمر مع وجود موانع من الجمع بينهما و لتشتت الأخبار المتناسبة المتقاربة في الأماكن المتباينة المتباعدة من الكتب الأربعة و ذهابها عن النظر في أوقات نقلها و لاشتمال بعضها على الأحكام المتباينة مع تعسر التفريق و حزازة التكرير إلى غير ذلك من الأسباب.

و مع ذلك كله قد بذلت جهدي في الإتيان بما أردت على حسب المقدور و بقدر الميسور فإن ما لا يدرك كله لا يترك كله فربما فرقت حديثا واحدا يشتمل على حكمين في بابين و كررت الأسناد رعاية لمناسبة العنوان و هذا مما يفعله أرباب الحديث كثيرا.

و ربما أوردت طائفة من الأخبار الواردة في حكم واحد في باب و ذكرت سائرها في باب آخر مع الإشارة إلى ذلك في كل منهما لكون هذه أربط بهذا و ذاك بذاك و كل حديث يناسب بابين أو أكثر أو كتابين أو أكثر أوردته في الأقدم ثم أحلت عليه فيما تأخر و ربما عكست الأمر إذا كان بالمتأخر أربط و ربما كررت فجاء بحمد اللّٰه قريبا مما أردت و حافظت على عنوانات أبواب الكافي و ترتيباته ما

أمكن و ابتدأت في كل باب غالبا بذكر ما فيه حتى إذا استوفيت ما في الباب منه أتيت بما في التهذيب و الفقيه إلا إذا كان في الباب أمور مختلفة فمهما فرغت من أمرها من الكافي أوردت ذلك الأمر من غيره أولا ثم أتيت بالأمر الآخر منه.

و كل حديث يحتاج إلى شرح فإن وجدت شرحه من حديث آخر و لو من غير الكتب الأربعة شرحته به و لو بذكره في جنبه إذا كان منها و إلا فإن تعرض لشرحه أحد المشايخ الثلاثة و لو نادرا أو ألفيته في كلام غيرهم من أهل العلم أو أئمة اللغة و لو أحيانا نقلته عنهم و إلا شرحته بعقلي بمقدار فهمي القاصر و على مبلغ علمي الناصر فإن أصبت فمن اللّٰه جل و عز و له الحمد و المنة على ذلك و إن أخطأت فمن

الوافي، ج 1، ص: 41

نفسي و اللّٰه غفور رحيم.

و أما التوفيق و الجمع بين الأخبار المختلف ظاهرها بالتأويل فما وجدت منه في الفقيه و لو على الشذوذ نقلته عنه و كذا ما ذكره في التهذيب و الاستبصار مما كان قريبا معبرا عنهما معا بالتهذيبين و ما كان بعيدا فربما لم أتعرض له و ربما أشرت إلى بعده من غير ذكر له ثم إن خطر لي فيه تأويل غير بعيد ذكرته و إلا فإن أمكن الترجيح بحسب الإسناد أو موافقة القرآن و السنة أو مخالفة العامة بالحمل على التقية أشرت إليه و إلا تركته على حاله ليكون من المتعارضات التي يكون الحكم فيها التخيير.

تمهيد

اعلم أن لفظة الواجب و السنة و الأمر بالشي ء في كلام أهل البيت ع أعم من الفرض و الاستحباب و كذا

لفظة الكراهة و النهي عن الشي ء أعم من التحريم و التنزيه و لكل مراتب في الشدة و التأكد و عدمهما و تخصيص الألفاظ الخمسة بالأحكام الخمسة مجرد اصطلاح من المتأخرين محدث.

و على هذا فإطلاق الوجوب على فعل شي ء أو الأمر به في حديث لا ينافي نفي البأس عن تركه في آخر و كذا إطلاق السنة على فعل في خبر لا ينافي الحكم بالمعصية على تركه في آخر و كذا إطلاق الكراهة على فعل شي ء أو النهي عنه في رواية لا ينافي نفي البأس عن فعله في أخرى.

و ربما يكون إيجاب شي ء أو تحريمه أصلا فيه و مع هذا وردت رخصة في خلافه و تكون تلك الرخصة لذوي الأعذار و أهل الزمانة و الاضطرار و هذه قواعد يمكن أن يجمع بها بين كثير من الأخبار المتنافية بحسب الظاهر و قد تعرض لها في التهذيب و الاستبصار في غير موضع و أما نحن فنكتفي غالبا بهذا التمهيد و في مواضعه فلا نعيد.

الوافي، ج 1، ص: 42

تمهيد

قد رتبت هذا الكتاب على أربعة عشر جزء و خاتمة كل جزء كتاب على حدة هذا فهرسه كتاب العقل و العلم و التوحيد كتاب الحجة كتاب الإيمان و الكفر كتاب الطهارة و التزين كتاب الصلاة و الدعاء و القرآن كتاب الزكاة و الخمس و المبرات كتاب الصيام و الاعتكاف و المعاهدات كتاب الحج و العمرة و الزيارات كتاب الحسبة و الأحكام و الشهادات كتاب المعايش و المكاسب و المعاملات كتاب المطاعم و المشارب و التجملات كتاب النكاح و الطلاق و الولادات كتاب الجنائز و الفرائض و الوصيات كتاب الروضة الجامعة للمتفرقات.

و أما الخاتمة

فنذكر فيها ما ترك في كل من الفقيه و التهذيبين من صدر الأسناد و استدرك في آخر الكتاب بالإيراد و يندرج في المبرات القرض و العتق و المكاتبة و الوقوف و الهبات و في الحسبة الحدود و الجهاد و القصاص و الديات.

و في المكاسب و المعاملات الصناعات و التجارات و الزراعات و الإجارات و الديون و الضمانات و الرهون و الأمانات.

و في التجملات الملابس و المراكب و المساكن و الدواجن.

و جعلت كل كتاب على أبواب و أفردت كل جملة من أبواب كتاب واحد اشتركت في معنى بعنوان يخصها و عنونت الباب الأخير من تلك الجملة بالنوادر و هي الأحاديث المتفرقة التي لا يكاد يجمعها معنى واحد حتى تدخل معا تحت عنوان

الوافي، ج 1، ص: 43

و أوردت من الآيات القرآنية في أول كل كتاب ما يناسبه ثم في أول كل جملة من الأبواب ما يناسبها.

و كررت البيانات اللغوية في الجمل المتعددة من الأبواب لبعد العهد دون الجملة الواحدة أو ما مر منها في أواخر الجملة السابقة و احتيج إليها في أوائل اللاحقة في كتاب

واحد لقربه و لم أكرر البيانات المعنوية التي احتاجت إلى بسط في الكلام بل أحلت إلى موضعه الأول.

و ربما تعرضت لتفسير بعض الألفاظ التي لا يكاد يحتاج إلى التفسير عند المحصل لالتماس جماعة من الإخوان ذلك لكي يعم نفعه من لم يكن له كثير معرفة بالفنون العربية ممن خلصت نيته و صلحت سريرته من الطالبين و لم أتعرض لكشف غوامض بعض الأحاديث الأصولية و حل مرموزاته كما ينبغي لقصور أفهام الجمهور عن دركها على ما هي عليه إذ كانت من العلوم التحقيقية التي أمرنا بكتمانها.

و بذلت جهدي في أن لا أتنطق في البيانات إلا باصطلاحات أهل ظواهر الشرائع و الديانات ما استطعت دون اصطلاحات أهل السر ممن خفيت مقاصدهم عن أفهام الجماهير وَ مٰا تَوْفِيقِي إِلّٰا بِاللّٰهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ

الوافي، ج 1، ص: 45

<بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ> الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول اللّٰه ثم على أهل بيت رسول اللّٰه ثم على رواة أحكام اللّٰه ثم على من انتفع بمواعظ اللّٰه

الوافي، ج 1، ص: 47

كتاب العقل و العلم و التوحيد

اشارة

و هو الجزء الأول من أجزاء كتاب الوافي تصنيف محمد بن مرتضى المدعو بمحسن أيده اللّٰه تعالى الآيات قال اللّٰه عز و جل وَ إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ الرَّحْمٰنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلٰافِ اللَّيْلِ وَ النَّهٰارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمٰا يَنْفَعُ النّٰاسَ وَ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ مِنَ السَّمٰاءِ مِنْ مٰاءٍ فَأَحْيٰا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّيٰاحِ وَ السَّحٰابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

و قال سبحانه في غير موضع من كتابه إِنَّ فِي ذٰلِكَ

لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

و قال جل اسمه هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لٰا يَعْلَمُونَ إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبٰابِ.

و قال عز و جل شَهِدَ اللّٰهُ أَنَّهُ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ وَ الْمَلٰائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ.

الوافي، ج 1، ص: 48

و قال إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ.

و قال وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ.

و قال سبحانه يَرْفَعِ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجٰاتٍ

الوافي، ج 1، ص: 49

أبواب العقل و العلم

الآيات

قال اللّٰه تبارك و تعالى وَ تِلْكَ الْأَمْثٰالُ نَضْرِبُهٰا لِلنّٰاسِ وَ مٰا يَعْقِلُهٰا إِلَّا الْعٰالِمُونَ

الوافي، ج 1، ص: 51

باب 1 العقل و الجهل

[1]

1- 1 الكافي، 1/ 10/ 1/ 1 محمد عن أحمد عن السراد عن العلاء عن محمد عن أبي جعفر ع قال لما خلق اللّٰه تعالى العقل استنطقه ثم قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال و عزتي و جلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك و لا أكملتك إلا في من أحب أما إني إياك آمر و إياك أنهى و إياك أعاقب و إياك أثيب

[2]
اشارة

2- 2 الكافي، 1/ 26/ 26/ 1 محمد بن الحسن عن سهل عن التميمي عن العلاء عن محمد عن أبي جعفر ع قال لما خلق اللّٰه تعالى العقل قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال و عزتي ما خلقت خلقا أحسن منك إياك آمر و إياك أنهى و إياك أثيب و إياك أعاقب

الوافي، ج 1، ص: 52

بيان

هذا الحديث مما روته العامة و الخاصة بأسانيد مختلفة و ألفاظ متغايرة و العقل جوهر ملكوتي نوراني خلقه اللّٰه سبحانه من نور عظمته و به أقام السماوات و الأرضين و ما فيهن و ما بينهن من الخيرات و لأجله ألبس الجميع حلة نور الوجود و بوساطته فتح أبواب الكرم و الجود و لولاه لكن جميعا في ظلمة العدم و لأغلقت دوننا أبواب النعم و هو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش و هو بعينه نور نبينا ص و روحه الذي تشعب منه أنوار أوصيائه المعصومين و أرواح الأنبياء و المرسلين سلام اللّٰه عليهم أجمعين ثم خلقت من شعاعها أرواح شيعتهم من الأولين و الآخرين.

قال نبينا ص أول ما خلق اللّٰه تعالى نوري و في رواية أخرى روحي

و في الحديث القدسي مخاطبا إياه لولاك لما خلقت الأفلاك

و في هذا المعنى وردت روايات كثيرة.

و في حديث المفضل عن الصادق ع إنا خلقنا أنوارا و خلقت شيعتنا من شعاع ذلك النور فلذلك سميت شيعة فإذا كان يوم القيامة التحقت السفلى بالعليا.

استنطقه جعله ذا نطق و كلام يليق بذلك المقام ليصير أهلا للخطاب أو طلب منه النطق بأن قال له تكلم كما ورد في رواية أخرى يأتي ذكرها في آخر هذا البيان إن شاء اللّٰه تعالى.

أقبل الإقبال و

الإدبار في هذا الحديث يحتملان معنيين مبتنيين على معنيي

الوافي، ج 1، ص: 53

العقل المتغايرين بالاعتبار فإنا إذا حملنا العقل على روح نبينا ص بعد ظهوره في هذا العالم و تكونه فيه فمعنى إقباله عبارة عن اكتسابه الكمالات و ترقياته في الدرجات إلى أن يصل إلى اللّٰه سبحانه و هو المعبر عنه بالعقل المكتسب كما يأتي بيانه.

و إدباره عبارة عن رجوعه إلى الخلق لتكميل من يقبل التكميل و إن حملناه على المخلوق الأول قبل نزوله إلى هذه النشأة الدنياوية فمعنى إقباله إلى الدنيا يعني أقبل إلى الدنيا و اهبط إلى الأرض رحمة للعالمين و التعبير عن هذا المعنى بالإقبال باعتبار أن اللّٰه سبحانه بكل شي ء محيط فالإقبال إليه عين الإدبار عنه و بالعكس و لهذا عبر عن هذا المعنى في هذا الحديث على هذا الاحتمال بالإقبال و في الحديث الآتي بالإدبار.

فأقبل معناه على المعنى الأول قد تبين مما ذكر و كذا معنى أدبر و على المعنى الثاني فأقبل أي فنزل إلى هذا العالم فأفاض النفوس الفلكية بإذن ربه ثم الطبائع ثم الصور ثم المواد فظهر في حقيقة كل منها و فعل فعلها فصار كثرة و أعدادا و تكثر أشخاصا و أفرادا.

ثم قال له أدبر ارجع إلى ربك فأدبر فأجاب داعي ربه و توجه إلى جناب قدسه.

بأن صار جسما مصورا من ماء عذب و أرض طيبة ثم نبت نباتا حسنا ثم صار حيوانا ذا عقل هيولاني ثم صار عقلا بالملكة ثم عقلا مستفادا ثم عقلا بالفعل ثم فارق الدنيا و لحق بالرفيق الأعلى و كذلك فعل كل من تبعه و شيعه من الأرواح

الوافي، ج 1، ص: 54

المنشعبة منه المقتبسة من نوره أو المنبجسة من شعائه

و يلحق به الجميع و يحشر معه في عروجه إلى العالم الأعلى و رجوعه إلى الهّٰو تعالى.

فإقباله عبارة عن توجهه إلى هذا العالم الجسماني و إلقائه عليه من شعاع نوره و إظهاره الأعيان فيه و إفاضاته الشعور و الإدراك و العلم و النطق على كل منها بقدر استعداده له و قبوله منه من غير أن يفارق معدنه و يخلي مرتبته و مقامه في القرب بل يرشح بفضل وجوده الفائض من اللّٰه عز و جل على وجود ما دونه.

و إدباره عبارة عن رجوعه إلى جناب الحق و عروجه إلى عالم القدس باستكماله لذاته بالعبودية الذاتية شيئا فشيئا من أرض المادة إلى سماء العقل حتى يصل إلى اللّٰه تعالى و يستقر إلى مقام الأمن و الراحة و يبعث إلى المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون و الآخرون فإقباله في جميع المراتب إيجابي تكويني لا يحتمل العصيان و أمري دفعي لا يدخل تحت الزمان و لا يتطرق إلى السابق عند وجود اللاحق بطلان و لا نقصان و إدباره في الأواخر تكليفي تشريعي و كله خلقي تدريجي مقيد بالزمان يبطل السابق عند حدوث اللاحق شخصا و جسما لا حقيقة و روحا و كل مرتبة منهما عين نظيرته من الآخر حقيقة و غيره شخصا.

و مثل نور العقل في عالم الغيب مثل نور الشمس في عالم الشهادة فكلما أن عين البصر تدرك بنور الشمس المحسوسات في هذا العالم و لولاه لما أبصرت شيئا فكذلك عين البصيرة تدرك بنور العقل المعقولات في ذلك العالم و لولاه لما أبصرت شيئا و كما أن من عمي بصره لا يبصر بنور الشمس شيئا فكذلك من عميت بصيرته لا يبصر بنور العقل شيئا.

ثم إن هذه الأنوار

الشعاعية المنبجسة من ضياء العقل و النور المحمدي منها ما هو غريزي للإنسان به يهيأ لإدراك العلوم النظرية و تدبير الصناعات الخفية فيخرجها من القوة إلى الفعل شيئا فشيئا و بها يفارق سائر الحيوانات و منها ما هو مكتسب له به يميز بين النافع له في المال و الضار به فيه فيقدم على النافع و يجتنب الضار و يختار الآجل

الوافي، ج 1، ص: 55

الباقي على العاجل الفاني في النفع و بالعكس في الضرر و هو ثمرة الأول و الغاية القصوى له و تؤيده الملائكة و تلهمه و تهديه.

و إلى كلا العقلين أشير

فيما ينسب إلى أمير المؤمنين ص أنه قال رأيت العقل عقلين فمطبوع و مسموع و لا ينفع مسموع إذا لم يك مطبوع كما لا ينفع الشمس و ضوء العين ممنوع

و لكل منهما درجات و مراتب فكامل و أكمل و ناقص و أنقص.

إياك آمر إما على حقيقته أو بمعنى بك و لأجلك إذ العقل هو المكلف أو هو ملاك التكليف.

و إياك أعاقب يعني عند انغمارك في التعلقات الجسمانية و استغراقك في الشهوات الدنياوية و إلا فالجوهر العقلي من جهة ذاته بذاته سعيد في الدنيا و الآخرة لا ذنب له و لا معصية و إنما يعتريه شي ء من ذلك لأجل صحبة البدن و مخالطة الوهم و الخيال و النزول في منزل الأرذال.

هذا ما عندي في شرح هذا الحديث و إنما اقتبسته من مشكاة أنوار أئمتنا ع و إفاضة أشعة أضوائهم فإن عطاياهم لا تحملها إلا مطاياهم و سيأتي في كلماتهم ع ما يؤكده و يحققه إن شاء اللّٰه تعالى.

و زاد في محاسن البرقي في آخر الحديث فأعطي محمدا ص تسعة و تسعين جزءا ثم

قسم بين العباد جزءا واحدا

و كأنه أريد بالجزء الواحد الجزء الشعاعي الذي لا ينتقص بانبجاسه من عقل الكل شي ء منه و إنما قيل ذلك تمثيلا للنسبة.

و روى الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن موسى بن بابويه رحمه اللّٰه في كتاب الخصال مرسلا عن علي ع قال قال رسول اللّٰه ص

الوافي، ج 1، ص: 56

إن اللّٰه تعالى خلق العقل من نور مخزون مكنون في سابق علمه الذي لم يطلع عليه نبي مرسل و لا ملك مقرب فجعل العلم نفسه و الفهم روحه و الزهد رأسه و الحياء عينيه و الحكمة لسانه و الرأفة همته و الرحمة قلبه.

ثم حشاه و قواه بعشرة أشياء باليقين و الإيمان و الصدق و السكينة و الإخلاص و الرفق و العطية و القنوع و التسليم و الشكر ثم قال عز و جل له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل ثم قال له تكلم فقال الحمد لله الذي ليس له ضد و لا ند و لا شبيه و لا كفو و لا عديل و لا مثل الذي كل شي ء لعظمته خاضع ذليل فقال الرب تبارك و تعالى و عزتي و جلالي ما خلقت خلقا أحسن منك و لا أطوع لي منك و لا أرفع منك و لا أشرف منك و لا أعز منك بك أحيي و بك آخذ و بك أعطي و بك أوحد و بك أعبد و بك أدعى و بك أرتجى و بك أبتغى و بك أخاف و بك أحذر و بك الثواب و بك العقاب.

فخر العقل عند ذلك ساجدا و كان في سجوده ألف عام فقال الرب تبارك و تعالى ارفع رأسك و سل تعط و اشفع

تشفع فرفع العقل رأسه فقال إلهي أسألك أن تشفعني فيمن خلقتني فيه فقال اللّٰه عز و جل لملائكته أشهدكم أني قد شفعته فيمن أخلقه فيه

و يأتي لبعض ألفاظ هذا الحديث بيان في ضمن بيان بعض الأخبار الآتية إن شاء اللّٰه تعالى و في هذا المقام أسرار لا يحتملها أفهام الجمهور فلنذرها في سنابلها

[3]
اشارة

3- 3 الكافي، 1/ 20/ 14/ 1 العدة عن أحمد عن علي بن حديد عن سماعة قال كنت عند أبي عبد اللّٰه ع و عنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل و الجهل فقال أبو عبد اللّٰه ع اعرفوا العقل و جنده و الجهل و جنده تهتدوا قال سماعة فقلت جعلت فداك لا نعرف إلا ما عرفتنا

الوافي، ج 1، ص: 57

فقال أبو عبد اللّٰه ع إن اللّٰه تعالى خلق العقل و هو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل فقال اللّٰه تعالى خلقتك خلقا عظيما و كرمتك على جميع خلقي قال ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانيا فقال له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فلم يقبل فقال له استكبرت فلعنه ثم جعل للعقل خمسة و سبعين جندا فلما رأى الجهل ما أكرم اللّٰه به العقل و ما أعطاه أضمر له العداوة فقال الجهل يا رب هذا خلق مثلي خلقته و كرمته و قويته و أنا ضده و لا قوة لي به فأعطني من الجند مثل ما أعطيته فقال نعم فإن عصيت بعد ذلك أخرجتك و جندك من رحمتي قال قد رضيت فأعطاه خمسة و سبعين جندا فكان مما أعطى العقل من الخمسة و سبعين الجند الخير و هو

وزير العقل و جعل ضده الشر و هو وزير الجهل و الإيمان و ضده الكفر و التصديق و ضده الجحود و الرجاء و ضده القنوط و العدل و ضده الجور و الرضا و ضده السخط و الشكر و ضده الكفران و الطمع و ضده اليأس و التوكل و ضده الحرص-

الوافي، ج 1، ص: 58

و الرأفة و ضدها القسوة و الرحمة و ضدها الغضب و العلم و ضده الجهل و الفهم و ضده الحمق و العفة و ضدها التهتك و الزهد و ضده الرغبة و الرفق و ضده الخرق و الرهبة و ضدها الجرأة و التواضع و ضده الكبر و التؤدة و ضدها التسرع و الحلم و ضده السفه و الصمت و ضده الهذر و الاستسلام و ضده الاستكبار و التسليم و ضده الشك و الصبر و ضده الجزع و الصفح و ضده الانتقام و الغنى و ضده الفقر و التذكر و ضده السهو و الحفظ و ضده النسيان و التعطف و ضده القطيعة و القنوع و ضده الحرص-

الوافي، ج 1، ص: 59

و المواساة و ضدها المنع و المودة و ضدها العداوة و الوفاء و ضده الغدر و الطاعة و ضدها المعصية و الخضوع و ضده التطاول و السلامة و ضدها البلاء و الحب و ضده البغض و الصدق و ضده الكذب و الحق و ضده الباطل و الأمانة و ضدها الخيانة- و الإخلاص و ضده الشوب و الشهامة و ضدها البلادة و الفهم و ضده الغباوة و المعرفة و ضدها الإنكار و المداراة و ضدها المكاشفة و سلامة الغيب و ضدها المماكرة و الكتمان و ضده الإفشاء و الصلاة و ضدها الإضاعة و الصوم و

ضده الإفطار و الجهاد و ضده النكول و الحج و ضده نبذ الميثاق و صون الحديث و ضده النميمة و بر الوالدين و ضده العقوق-

الوافي، ج 1، ص: 60

و الحقيقة و ضدها الرياء و المعروف و ضده المنكر و الستر و ضده التبرج و التقية و ضدها الإذاعة و الإنصاف و ضده الحمية و التهيئة و ضدها البغي و النظافة و ضدها القذر و الحياء و ضده الخلع و القصد و ضده العدوان و الراحة و ضدها التعب و السهولة و ضدها الصعوبة و البركة و ضدها المحق و العافية و ضدها البلاء و القوام و ضده المكاثرة و الحكمة و ضدها الهوى و الوقار و ضده الخفة و السعادة و ضدها الشقاوة و التوبة و ضدها الإصرار و الاستغفار و ضده الاغترار و المحافظة و ضدها التهاون و الدعاء و ضده الاستنكاف و النشاط و ضده الكسل-

الوافي، ج 1، ص: 61

و الفرح و ضده الحزن و الألفة و ضدها الفرقة و السخاء و ضده البخل و لا يجتمع هذه الخصال كلها من أجناد العقل إلا في نبي أو وصي نبي أو مؤمن قد امتحن اللّٰه قلبه للإيمان و أما سائر ذلك من موالينا فإن أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود حتى يستكمل و ينقي من جنود الجهل فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء و الأوصياء و إنما يدرك ذلك بمعرفة العقل و جنوده و مجانبة الجهل و جنوده وفقنا اللّٰه و إياكم لطاعته و مرضاته

بيان

من مواليه أي محبيه و تابعيه من الروحانيين بالضم نسبة إلى الروح و الألف و النون من مزيدات النسبة عن يمين العرش العرش

عبارة عن جميع الخلائق كما ورد في الحديث و يأتي ذكره و يمينه أقوى جانبيه و أشرفهما و هو عالم الروحانيات كما أن يساره أضعفهما و أدونهما و هو عالم الجسمانيات من نوره من نور ذاته الذي هو عين ذاته.

أدبر أي انصرف إلى الدنيا و اهبط إلى الأرض رحمة للعالمين فمعنى الإدبار هاهنا بعينه هو معنى الإقبال في الحديث الأول على المعنى الثاني

الوافي، ج 1، ص: 62

فلا منافاة بين الحديثين في التقديم و التأخير.

أقبل توجه إلي و ترق إلى معارج الكمال باكتساب المقامات و الأحوال خلقا عظيما إذ به يقوم كل شي ء بعد تقويم اللّٰه تعالى إياه و كرمتك على جميع خلقي إذ هو وسيلة إفاضة نور الوجود على الجميع.

ثم خلق الجهل و هو جوهر نفساني ظلماني خلق بالعرض و بتبعية العقل من غير صنع فيه غير صنع العقل يقوم به كل ما في الأرض من الشرور و القبائح و هو بعينه نفس إبليس و روحه الذي به قوام حياته الذي تشعب منه أرواح الشياطين ثم خلقت من ظلماتها أرواح الكفار و المشركين من البحر الأجاج من المادة الجسمانية الظلمانية الكدرة التي هي منبع الشرور و الآفات في هذا العالم و هو إشارة إلى علته القابلية.

قال اللّٰه تعالى وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمٰاءِ أي كان بناء العالم الجسماني و قوامه على المادة التي لها قبول كل خير و شر كالماء القابل للتشكلات المختلفة بسهولة فمنه عذب فرات و منه ملح أجاج

و قال أبو جعفر الباقر ع إن اللّٰه تعالى قبل أن يخلق الخلق قال كن ماء عذبا أخلق منك جنتي و أهل

الوافي، ج 1، ص: 63

طاعتي و كن ملحا أجاجا أخلق منك ناري

و أهل معصيتي ثم أمرهما فامتزجا فمن ذلك صار يلد المؤمن كافرا و الكافر مؤمنا

و يؤيد هذا التشبيه و التجوز و يشيده ما يقال إن نسبة المادة إلى مقبولاتها التي هي لابستها و خالعتها من الصور و الأعراض نسبة البحر إلى الأمواج.

فقال له أدبر أمر اللّٰه له أمر التكوين أن اهبط من عالم الملكوت و النور إلى عالم المواد و الظلمات مصلحة للنظام و ابتلاء للأنام إذ نظام هذا العالم و عمارته لا ينصلح إلا بنفوس شريرة و قلوب قاسية و تكميل السعداء المهتدين لا يتمشى إلا بوجود الأشقياء المردودين و لأن يتحقق مظاهر بعض الأسماء فيوجد آثارها كالعدل و المنتقم و الجبار و التواب و الغفور و العفو فإنها أسماء إلهية و صفات ربانية لا تظهر آثارها و غاياتها إلا إذا جرى على العبد ذنب و لذلك

ورد في بعض الأخبار لو لا أنكم تذنبون لذهب اللّٰه بكم و جاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر اللّٰه لهم.

فأدبر فتوجه إلى عالم الزور و بعد عن مقام الرحمة و النور هابطا مع العقل حيث هبط و ظهر في حقائق النفوس الفلكية و الطبائع و الصور و المواد فصار جسما مصورا من ماء أجاج و أرض خبيثة منتنة ثم صار نباتا ثم حيوانا ذا جهل هيولاني ثم اكتسب جهلا بالملكة ثم جهلا مستفادا ثم جهلا بالفعل و عند ذلك انتهى إدباره و صار في غاية البعد عن اللّٰه سبحانه.

و كذلك فعل من تبعه و شيعه من الأرواح الخبيثة المنشعبة منه و يلحق به و يحشر معه في هويه إلى دركات الجحيم و نزوله إلى أسفل سافلين و إدباره في جميع المراتب تابع لإدبار العقل و إقباله جميعا و

إنما تحقق بالعرض لا بالذات إذ كل من لم يقبل من شعاع نور العقل أو قل قبوله منه بقي في ظلمة الجهل بمقدار عدم قبوله منه و ذلك لسوء استعداد مادته و خبث طينته.

الوافي، ج 1، ص: 64

ثم قال له أقبل أمرا تكليفيا تشريعيا فلم يقبل لأنه بلغ بالإدبار أقصى مراتب الكمال المتصور في حقه و لهذا استكبر لتأكد وجوده الظلماني و رسوخه في ذمائم الصفات و قوة أنانيته و اغتراره و الإقبال إلى الحق إنما يتيسر لنفوس السعداء لأجل ضعف وجودهم الجسماني و قبولهم التبدل في الأكوان الوجودية و تطورهم في الأطوار الأخروية بفناء بعد فناء لبقاء فوق بقاء و عدم تعلقهم بهذا الوجود و لا تقيدهم بهذه المحابس و القيود و ترك التفاتهم إلى شي ء سوى مبدأ كل خير و جود و ليس شي ء من هذه في الأشقياء بل هم متصفون بأضدادها.

فلعنه أبعده عن رحمته و طرده عن دار كرامته خمسة و سبعين جندا المذكور في النسخ التي رأيناها عند التفصيل ثمانية و سبعون و لعل الثلاثة الزائدة الطمع و العافية و الفهم لاتحاد الأولين مع الرجاء و السلامة المذكورين و ذكر الفهم مرتين في مقابلة اثنين متقاربين و لعل الوجه في ذلك أنه لما كان كل منهما غير صاحبه في دقيق النظر ذكر على حدة و لما كان الفرق دقيقا خفيا و المعنى قريبا كما يأتي ذكره لم يحسب من العدد.

أضمر له العداوة قال أستادنا في العلوم الحقيقية صدر المحققين محمد بن إبراهيم الشيرازي قدس اللّٰه سره إنما لم يعلن بالعداوة لعدم قدرته على إمضائها و ذلك أنه لما ظهر له من فضائل العقل و محاسنه و ما أكرمه اللّٰه به من

العلوم و الكمالات مما هو مسلوب عنه و لا يمكنه تحصيلها لنفسه لإعراضه عن الحق سابقا بالإيجاب و لاحقا بالاكتساب و لا يقدر أيضا على جحودها و إنكارها لغاية ظهورها و ظهور آثارها فغلبه الحسد و البغضاء.

فجعل تارة يكتسب لنفسه صفات مشبهة و علوما مموهة و أقوالا مزخرفة

الوافي، ج 1، ص: 65

يتراءى عند الجهال أنها كمالات و أخرى يعارض العقلاء و يقاوم الحكماء بصفات تضاد صفاتهم فالتطارد بين حزب اللّٰه و حزب الشيطان واقع إلى يوم القيامة كما قال وَ بَدٰا بَيْنَنٰا وَ بَيْنَكُمُ الْعَدٰاوَةُ وَ الْبَغْضٰاءُ أَبَداً حَتّٰى تُؤْمِنُوا بِاللّٰهِ وَحْدَهُ هذا ملخص ما أفاده قدس سره.

و في العلل أظهر له العداوة مثلي فإني مخلوقك كما أنه مخلوقك مثل ما أعطيته في القوة و الكثرة ليتحقق لي بكل منها المعارضة و المجادلة معه.

و ذلك قول اللّٰه عز و جل وَ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ خَلَقْنٰا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.

من رحمتي أي من الرحمة العامة الواسعة التي وسعت كل شي ء لا الخاصة التي هي لأهل السعادة خالصة لخروج الجهل و جنده من تلك الرحمة أزلا و أبدا.

الخير المراد به معناه الحقيقي دون الإضافي و هو ظاهر و إنما جعل وزير العقل لدخول سائر جنود العقل تحته كدخول سائر جنود الملك تحت حكم وزيره و كذا الكلام في الشر.

و الإيمان هو الاعتقاد الجازم الثابت بالله سبحانه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و كماله إنما يكون بالعمل بمقتضاه و التصديق يعني بما ظهر حقيقته و لأهل الحق إذا عرفه و الرجا هو بالقصر و قد يمد و الفرق بينه و بين الطمع و كذا بين القنوط و اليأس إما بأن يخص الرجاء و القنوط

بالأمور الأخروية و الآخران بالأمور الدنيوية كما يشعر به قوله سبحانه لٰا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً و قوله عز و جل حكاية عن يعقوب ع فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ وَ لٰا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّٰهِ.

الوافي، ج 1، ص: 66

أو يخص الرجاء بما يكون بالاستحقاق و الطمع بما ليس بالاستحقاق و كذا الآخران أو يخص أحدهما بإعطاء الثواب و الآخر بترك العقاب و مقابلاهما بما يقابلهما.

و العدل هو لزوم الاقتصاد في كل شي ء من الأخلاق و الأعمال و معاملات الناس من غير ميل إلى طرفي الإفراط و التفريط.

و الرضا أي بقضاء اللّٰه عز و جل و علامته ترك الشكاية في نفسه و إلى غيره.

و الشكر و هو يكون باللسان بأن يحمد اللّٰه على نعمه و بالجنان بأن يعتقد أنها من اللّٰه سبحانه و بالأركان بأن يصرفها في طاعة اللّٰه.

و التوكل هو أن يكل أموره جميعا إلى اللّٰه تعالى و لا يعتمد على الأسباب و لا ينافيه السعي الإجمالي فيها من غير اعتماد و ضده الحرص هو بذل الجهد في التحصيل معتقدا أنه بدون ذلك لا يحصل و لاشتماله على المعنيين قوبل تارة بالقنوع كما يأتي و أخرى بالتوكل كما هنا و قيل بل الذي هو ضد التوكل إنما هو بالضاد المعجمة و التحريك و معناه الهم بالشي ء و الحزن له و الوجد عليه و تقسم البال في التوصل إليه.

و الرأفة قيل هي حال القلب المعنوي و الرحمة حال القلب الجسماني.

و ضده الجهل هو عدم العلم عمن شأنه أن يكون عالما فهو غير الجهل الذي في مقابلة العقل الذي قد مر تفسيره.

و ضده الحمق هو البلادة المفرطة و لعل الفرق بينه

و بين الغباوة كالفرق بين الجهل المركب و البسيط.

و العفة هي اعتدال القوة الشهوية في كل شي ء من غير ميل إلى الإفراط و التفريط

الوافي، ج 1، ص: 67

و ضدها التهتك هو إفراط القوة الشهوية و استعمالها فيما لا ينبغي.

و الزهد يعني في الدنيا و الرفق هو التلطف و لين الجانب.

و ضده الخرق بالضم و بالتحريك و هو الزجر و الخشونة و أصله الجهل و الحمق و يقال الأخرق لمن لا يحسن العمل و التصرف في الأمور أيضا.

و الرهبة يعني من اللّٰه سبحانه و ضدها الجرأة يعني على محارم اللّٰه سبحانه.

و ضده الكبر هو ما يكون في النفس كامنا فإن ترتب عليه الآثار فهو التكبر و الاستكبار.

و التؤدة هي التأني و التثبت في الأمور و ضده السفه هو الخفة و الطيش.

و الصمت هو السكوت عما لا يحتاج إليه و ضده الهذر و هو الهذيان و الكلام الذي لا فائدة فيه.

و الاستسلام هو الطاعة و الانقياد لكل ما هو حق و التسليم هو الإذعان للحق من غير تزلزل و اضطراب.

و ربما يوجد

في بعض نسخ الكافي و غيره و التسليم و ضده التجبر و العفو و ضده الحقد و الرقة و ضدها القسوة و اليقين و ضده الشك.

و يمكن إرجاع بعض هذه إلى غيره مما ذكر.

و الصبر و هو يكون على الطاعات و عن المعاصي و على المكاره.

و الصفح هو العفو و التجاوز.

و الغناء يعني بالحق أو غناء النفس أو التغاني و ضده الفقر يعني إلى الخلق أو فقر النفس أو التفاقر.

و التذكر هو استحضار القوة المدركة الصورة العلمية من الحافظة ثانيا بعد

الوافي، ج 1، ص: 68

ما أدركها أولا و اختزنها فيها.

و في بعض النسخ

التفكر يعني في صنائع اللّٰه تعالى و بدائعه و آفات النفس و الأمور الأخروية و نحو ذلك.

و ضده السهو السهو أن جعل ضد التذكر فمعناه زوال تلك الصورة من المدركة لا الحافظة فيمكن استحضارها ثانيا عند التفتيش و الإمعان و الاسترجاع و إن جعل ضد التفكر فمعناه الغفلة عما ينبغي أن يتفكر فيه.

و الحفظ يعني حفظ ما ينبغي حفظه و هو اختزان الصورة العلمية في الحافظة.

و ضده النسيان هو زوالها عن الحافظة.

و التعطف هو الميل و الإشفاق و الرحمة.

و القنوع أي في أمور الدنيا بالقليل اليسير و على قدر الكفاية.

و المواساة هي المشاركة في المعاش و المساهمة في الرزق مع إخوانه الذين هم نظراؤه في الدين.

و المودة هي من الود بمعنى الحب و كان الفرق بينها و بين الحب أن الحب ما كان كامنا في النفس و ربما لم يظهر أثره بخلاف المودة فإنها عبارة عن إظهار المحبة و إبراز آثارها من التألف و التعطف و نحو ذلك فالحب أعم و كذا مقابلاهما.

و الوفاء هو إتمام الحقوق و توفيرها.

و الخضوع أي لمن ينبغي و يستحق له و هو التذلل و ربما يفرق بينه و بين الخشوع بأن يخص الخضوع بالصوت و البصر و الخشوع بالبدن أو أحدهما بالقلب و الآخر بالجوارح.

الوافي، ج 1، ص: 69

و ضده التطاول هو الترفع و الاستحقار.

و السلامة و ضدها البلاء و يأتي أيضا.

و العافية و ضدها البلاء و ربما يفرق بينهما بأن يجعل البلاء الذي هو ضد السلامة بمعنى الامتحان و الاختبار و يكون بالخير و الشر و البلاء الذي هو ضد العافية بمعنى البلوى و البلية.

و ربما يخص متعلق إحداهما بما يكون العبد سببا له كالفسوق و العادات الردية

و الأخرى بما يكون من جهته سبحانه كالأمراض و العلل أو يخص إحداهما بالروح و الأخرى بالجسد أو يخص إحداهما بالنفس و الأخرى بما يخرج عنها كالأهل و المال و الولد و الأول أولى.

و أما تفسير السلامة بسلامة الناس منه و تفسير العافية بسلامته من الناس و تفسير البلاء المقابل للسلامة بابتلاء الناس به و المقابل للعافية بابتلائه بهم فبعيد جدا و إن كان هذان المعنيان لازمين لأكثر معانيهما و إنما هما معا معنى المعافاة.

ثم إن فسرناهما أو إحداهما بالخلو من الأمراض النفسانية و الآراء الفاسدة و الأعمال القبيحة فكونهما من جنود العقل و كون ضدهما من جنود الجهل ظاهر فإن العاقل يتخلص منها لمعرفته بها و الجاهل يختارها أو يقع فيها من حيث لا يشعر.

و أما إذا فسرناهما أو إحداهما بالخلو من الأمراض و العلل فبيانه يحتاج إلى بسط في الكلام

مع أنه ورد في الحديث أن البلاء موكل بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل

فكيف يكون من جنود الجهل ما هو بالأنبياء و الأولياء أخص و بهم أليق فنقول و بالله التوفيق قد دل قوله سبحانه مٰا أَصٰابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمٰا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ على أن جميع المصائب من الأمراض و العلل و غيرها متسبب عن سيئات العبد و معاصيه

الوافي، ج 1، ص: 70

الناشئة من جهله فهو بمقدار جهله و قلة عقله سبب لمعاصيه الموجبة لابتلائه بالبلايا.

و أما الأنبياء و الأولياء فابتلاؤهم مخصوص بأبدانهم و ما يتعلق بحياتهم الدنيوية فحسب دون أرواحهم و ما يرتبط بحياتهم الأخروية و أبدانهم في معرض الغفلة و الحجاب و البعد عن اللّٰه سبحانه اللازمة للبشرية فهم إنما يبتلون في أبدانهم بقدر غفلتهم و لوازم

بشريتهم في هذه الدار التي هي بمنزلة السجن لهم ليتخلصوا إلى جناب القدس خالصين مخلصين بفتح اللام و هذا لا ينافي عصمتهم لأن عصمتهم إنما هي من الذنوب و المعاصي لا المباحات المبعدة لهم عن عوالي المراتب الموجبة لابتلائهم بالمصائب ليعودوا إليها يدل على ذلك ما نسب إليهم في القرآن مما لا ينبغي و إن لم يكن معاصي.

و في روضة الكافي بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه ع قال قلت له فَإِذٰا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّٰهِ مِنَ الشَّيْطٰانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطٰانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فقال يا أبا محمد تسلطه و اللّٰه من المؤمن على بدنه و لا يسلط على دينه و قد سلط على أيوب ع فشوه خلقه و لم يسلط على دينه و قد يسلط من المؤمنين على أبدانهم و لا يسلط على دينهم قلت قوله تعالى إِنَّمٰا سُلْطٰانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ قال الذين هم بالله مشركون يسلط على أبدانهم و على أديانهم.

و ربما يقال المراد بالعافية و البلاء ما هو بحسب الآخرة و النشأة الدائمة فلا يرد النقض.

الوافي، ج 1، ص: 71

أو يقال المراد بهما ما يكون من جهة العقل فحسب.

و قيل إن العاقل بشكره و عفوه تدوم النعمة عليه و يعفى عنه و الجاهل بكفرانه و شدة مؤاخذته يبتلي بالمكاره و زوال النعم و ما ذكرناه أولى و أتم.

و الإخلاص هو أن يفعل الطاعة ابتغاء لوجه اللّٰه سبحانه و الدار الآخرة لا لشي ء آخر من هوى أو شهوة أو عادة أو رياء أو نحو ذلك.

و ضده الشوب هو أن يكون مشوبا بإحدى هذه.

و الشهامة هي الجلادة و ذكاء الفؤاد

و توقده.

و المعرفة ربما يفرق بينهما و بين العلم بأنها إدراك الجزئيات و العلم إدراك الكليات أو هي إدراك البسائط و هو إدراك المركبات أو هي الإدراك التصوري و هو الإدراك التصديقي أو هي إدراك الشي ء ثانيا و تصديقه بأن هذا ذاك الذي قد أدركه أولا و كأنه المراد هاهنا لأن الإنكار لا يصلح أن يكون ضدا إلا لمثل هذا المعنى.

و المداراة هي الستر على المعايب و ترك الجفاء و الصبر على الأذى.

و ضدها المكاشفة هي إظهار العداوة و كشف البغضاء.

و سلامة الغيب أي سلامة غيره عنه في غيبته فلا يمكره و قيل بل أراد بالغيب القلب و يعني بسلامته صفاء الباطن عن الكدورات من الغش و الدغل و المكر و الكذب و النفاق و نحوها و الأول أشبه بمحاوراتهم ع.

و الكتمان أي ستر عيوب الإخوان و أسرار الخلان.

قيل و إن اضطر إلى الكذب فله أن يفعل كما في حق نفسه فالمؤمنون كنفس واحدة.

و الصلاة و ضدها الإضاعة للإضاعة مراتب أعلاها تركها بالكلية و أدناها ترك شي ء من آدابها و سننها كالمحافظة على وقتها و الإقبال عليها و الجماعة فيها.

الوافي، ج 1، ص: 72

و ضده الإفطار للإفطار أيضا مراتب أعلاها الأكل و الشرب و الوقاع و أدناها الغيبة و الكذب و الفحش و الخصومة و نحوها.

و الجهاد و هو شامل للأصغر الذي هو مع الأعداء الظاهرة و الأكبر الذي هو مع النفس التي هي أعدى الأعداء.

و ضده النكول هو الامتناع و ترك الإقدام و للنكول مراتب أعلاها ترك الجهاد بالكلية و أدناها ترك الإخلاص فيه و شوبه بالحظوظ العاجلة.

و ضده نبذ الميثاق هو ترك الوفاء بالعهد فإن لله سبحانه عهدا في عنق عباده أن يحجوا

بيته الحرام و يتذكروا الميثاق الذي جعله [جعل] اللّٰه سبحانه لهم في الحجر الأسود بالربوبية لنفسه و بالنبوة لمحمد ص و بالوصية لعلي ع فإنه أول من أسرع إلى الإقرار بذلك

الوافي، ج 1، ص: 73

فاختاره اللّٰه لأن يجعل فيه ميثاق الناس فيشهد يوم القيامة لكل من وافاه و حفظ الميثاق كما جاءت به الرواية عنهم ع و يأتي في كتاب الحج إن شاء اللّٰه تعالى.

و ضده النميمة هي نقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الإفساد و الشر فهي أخص من الإفشاء لأن الإفشاء قد يتعلق بغير الحديث كما أن صون الحديث أخص من الكتمان.

و ضده العقوق هو الإساءة إليهما و تضييع حقوقهما.

و الحقيقة قيل المراد بها الخلوص في التوحيد قلت إفرادها عن الإخلاص و مقابلتها بالرياء يشعران بأنها أعم من ذلك و كأنه أراد بها أن يفعل الطاعة لغرض حق ثابت له أصل كابتغاء وجه اللّٰه و تحصيل الثواب و الخلاص من العقاب و نحو ذلك دون ما كان باطلا محضا و وهما صرفا كالرياء فهي أعم من الإخلاص و ترجع إلى استواء السر و العلانية بأن لا يظهر في أفعاله و أقواله ما ليس له و لا يرائي الناس بما ليس فيه فإن الحقيقة ما يثبت به الشي ء و يتضح

قال رسول اللّٰه ص في حديث حارثة حيث ادعى الإيمان إن لكل شي ء حقيقة فما حقيقة إيمانك.

و المعروف هو اسم جامع لكل ما عرف من طاعة اللّٰه عز و جل و التقرب إليه و الإحسان إلى الناس و كل ما ندب إليه الشرع من فعل الحسنات و ترك القبائح و هو من الصفات الغالبة أي الأمر المعروف بين الناس إذا رأوه

لا ينكرونه.

و الستر هو بفتح السين بمعنى التغطية و المراد به تغطية ما يقبح إظهاره و يستهجن شرعا أو عرفا.

و ضده التبرج هو التظاهر بذلك من دون مبالاة.

و التقية هي وقاية النفس من اللائمة أو العقوبة و هي من الدين و في كل

الوافي، ج 1، ص: 74

شي ء.

و ضدها الإذاعة هي الإشاعة قال اللّٰه تعالى تعييرا لقوم وَ إِذٰا جٰاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذٰاعُوا بِهِ.

و الإنصاف هو التسوية و العدل من النصف.

و ضده الحمية هي التجاوز من العدل و التعدي من الحق استنكافا منهما للغيرة النفسانية و التعصب للشي ء سميت بها لأنها سبب الحماية.

و التهيئة لعل المراد بها هاهنا التأني و التثبت في الأمور و الاستقامة على المأمور و ربما تفسر بالموافقة و المصالحة للجماعة و إمامهم و في بعض النسخ بالنون قبل الهاء فإن صحت فهي اسم من انتهى عن المنكر و تناهى عنه.

و ضده الخلع هو في الأصل بمعنى النزع و من لم يستحي فكأنه نزع عن نفسه قيد الشرع و عقال العقل يقال فلان خليع العذار أي يتسرح في الشهوات و يفعل ما يشتهي كالدابة التي لا عقال عليها و العذار اللجام.

و القصد هو التوسط في الأمور كلها و يؤدي بصاحبه إلى الجنة و ضده العدوان هو التجاوز عن الوسط و العدول عن الاستقامة إما إلى الإفراط أو التفريط و يوجب السقوط إلى الجحيم.

و الراحة قيل يعني بها اختيار ما يوجبها بحسب النشأتين.

قال أستادنا صدر المحققين طاب ثراه إنما كانت الراحة من جنود العقل لقلة شواغل العاقل بالأمور الدنياوية لاستئناسه بذكر الحق و رضائه بما جرى عليه و قسم له من قضاء اللّٰه صابرا على أحكامه شاكرا لنعمه لا يحسد

أحدا من الخلق و لا يريد ظلما و لا سوء و لا يضمر دغلا و لا شرا فنفسه ساكنة عن الوسواس و قلبه فارغ عن الخلق يستوي عنده إنكارهم و إذعانهم لعلمه بحقارة الدنيا و دثورها.

الوافي، ج 1، ص: 75

و أما الجاهل فهو أبدا في تعب و مشقة تارة من جهة عاداته الردية و أمراضه النفسانية كالحقد و الحسد و العداوة و غيرها من الملكات التي هي كشعلات نارية يحترق بها قلبه في الدنيا و الآخرة و تارة من جهة أغراضه النفسانية الشهوية و اكتساب مشتهياته التي يتعب بدنه في تحصيلها من ارتكاب الأسفار البعيدة و ركوب البحار العميقة و قطع المفاوز الخطيرة.

و تارة من جهة حبه الرئاسات و المناصب و الترفعات على الأقران بارتكاب المخاطرات كتقرب السلاطين و تعرضه لمكافحة الخصماء و محاربة الأعداء إلى غير ذلك من الأمور الباطلة المتعبة للنفوس و الأبدان المعذبة للقلوب و الأرواح و منشأ هذه كلها الجهل بدناءة الحياة الدنيا و خساسة هذه الأغراض و دثورها و زوالها.

و السهولة هي الانقياد و لين الجانب

في الحديث النبوي المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف إن قيد انقاد و إن أنيخ على صخرة استناخ.

و البركة هي الدوام و الثبات و النماء و ضدها المحق هو النقص و المحو و الإبطال.

و القوام هو القناعة بما يقوم به الشخص في الدنيا و يتقوى به في العبادة و الكفاية بالمقدور و الاقتصاد في التحصيل و الإنفاق قال اللّٰه تعالى وَ الَّذِينَ إِذٰا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كٰانَ بَيْنَ ذٰلِكَ قَوٰاماً.

و ضده المكاثرة هي جمع الأسباب و الحرص على التكاثر في الأموال و الأولاد و الضياع و العقار و النساء و الخيل

و الأنعام و غير ذلك من متاع الحياة الدنيا مما يزول و يبقى حسرته

و قد ورد أن الدنيا دار من لا دار له و لها يجمع من لا عقل له.

الوافي، ج 1، ص: 76

و الحكمة هي الأخذ باليقينيات الحقة في القول و العمل و ضدها الهوى هو الرأي الفاسد و اتباع النفس و شهواتها الباطلة فيهما قال اللّٰه تعالى وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ.

و الوقار هو الثبات و السكون و الحلم و الرزانة.

و السعادة و ضدها الشقاوة السعادة هي نيل ما تشتهيه النفس مع الشعور به و الشقاوة فقد ذلك مع الشعور به و كل منهما ينقسم إلى الدنياوية و الأخراوية و السعادة الدنياوية أيضا من جنود العقل إذا لم تخل بالأخراوية و أما الشقاوتان فكلتاهما من جنود الجهل كما بيناه في بيان الراحة و التعب.

و التوبة هي الرجوع من الذنب إلى الطاعة.

و ضدها الإصرار هو الإقامة على الذنب و الإدامة عليه.

و الاستغفار هو طلب المغفرة و العفو من اللّٰه تعالى عن تقصيره في جنب اللّٰه.

و ضده الاغترار هو الغفلة عن التقصير بسبب غلبة الهوى.

و المحافظة هي المراقبة و المداومة على فعل الخيرات.

و ضدها التهاون هو الاستحقار و الاستخفاف.

و النشاط هو النهوض للعبادة على وجه الخفة و السهولة.

و ضده الكسل هو التثاقل في الأمر.

و الفرح هو السرور و إنما كان الفرح من جنود العقل لأنه من لوازم إدراك المحبوب و صفاته و آثاره.

و كلما كان المحبوب أشرف و أعلى فإدراكه و إدراك صفاته و آثاره ألذ و أبهج و سرور المدرك به أشد و أكثر و العاقل محبوبه هو اللّٰه سبحانه الذي هو أعلى الأشياء و هو مدرك لصفاته و آثاره عز و جل

فهو فرحان بالحق و بكل شي ء لأنه يرى فيه الحق و يعلم أنه منه و أن مصيره إليه لأنه ينظر إلى الأشياء بنور اللّٰه.

الوافي، ج 1، ص: 77

و الجاهل مطلوبه إنما هي اللذات الفانية التي هي حاجات متعبة و ضرورات مزعجة فإن الأكل و الشرب و الوقاع و قهر العدو و نحوها مثلا إن هي إلا دفع آلام و رفع كربات و تسكين نيران و إطفاء لهبات من جوع أو عطش أو غلمة أو تشفي غيظ أو نحو ذلك و إنما سمي ما يحصل له عقيب انفعاله عنها فرحا و سرورا من باب الغلط و الاشتباه لعدم وجدان صاحبه الفرح الحقيقي فيحصل بسببه الغرور كما قال سبحانه إِنَّمَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا لَعِبٌ إلى قوله وَ مَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا إِلّٰا مَتٰاعُ الْغُرُورِ.

بل كلما نال منها شيئا اهتم في تحصيل آخر و لم يرض به و هكذا فهو دائما في غم و حزن في تحصيل مآربه و مآربه كَسَرٰابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مٰاءً حَتّٰى إِذٰا جٰاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً.

و ضده الحزن إنما كان الحزن من جنود الجهل لأن الحزن إنما يكون على ما فات و العاقل من حيث هو عاقل لا يتأسف على ما فاته قال اللّٰه سبحانه لِكَيْلٰا تَأْسَوْا عَلىٰ مٰا فٰاتَكُمْ و قال إِنَّ أَوْلِيٰاءَ اللّٰهِ لٰا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لٰا هُمْ يَحْزَنُونَ.

و الألفة يعني بالموافق و المخالف قال أستادنا قدس سره الوجه في كون الألفة من صفات العقل إنه جوهر مرتفع الذات عن الأجسام و الجسمانيات و عالمه عالم الوحدة و الجمعية و منه يتفرع كل خير و رحمة و الجهل صفة النفوس المتعلقة بالأجسام التي وجودها عين قبول الانقسام و الافتراق و وحدتها عين

الكثرة و وصلها عين الفصل و المباينة و كل واحد من ذوي النفوس الجزئية قبل أن يستكمل ذاته عقلا بالفعل لا يحب إلا نفسه بل يعادي غيره و يحسده على ما آتاه اللّٰه من فضله.

و إذا أحب أحدا فإنما أحبه ليتوسل به إلى هواه و شهوته فإذا ارتفعت الأغراض

الوافي، ج 1، ص: 78

و الأعواض من بينهم كما في الآخرة رجعوا إلى ما كانوا عليه من الفرقة و العداوة كما قال سبحانه الْأَخِلّٰاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ.

و ضدها الفرقة في بعض النسخ العصبية.

و السخاء له مراتب أعلاها بذل المهجة في سبيل اللّٰه ثم الإيثار و هو البذل مع الحاجة و في مقابله الإمساك عن نفسه مع حاجته و هي غاية اللؤم.

امتحن اللّٰه قلبه شرحه و وسعه بالتصفية و التحلية للإيمان لنور الإيمان و هو العلم التحقيقي اللدني الذي أشرنا إليه في صدر الكتاب بمعرفة العقل و جنوده لأنه إذا عرف العقل و جنوده عرف الجهل و جنوده لأن الأشياء إنما تعرف بأضدادها.

و مجانبة الجهل و جنوده لأنه إذا جونب الجهل و جنوده حصل العقل و جنوده لأن التخلية و التجلية تستلزمان التحلية فالأول إشارة إلى العلم و الثاني إلى العمل

[4]
اشارة

4- 4 الكافي، 1/ 27/ 32/ 1 العاصمي عن علي بن الحسن عن ابن أسباط عن الحسن بن الجهم عن أبي الحسن الرضا ع قال ذكر عنده أصحابنا و ذكر العقل قال فقال لا يعبأ بأهل الدين ممن لا عقل له قلت جعلت فداك إن ممن يصف هذا الأمر قوما لا بأس بهم عندنا و ليست لهم تلك العقول فقال ليس هؤلاء ممن خاطب اللّٰه إن اللّٰه خلق العقل فقال له أقبل

فأقبل و قال له أدبر فأدبر فقال و عزتي [و جلالي] ما خلقت شيئا أحسن منك أو أحب إلي منك بك آخذ و بك أعطي

بيان

لا يعبأ بأهل الدين لا يبالي بهم و لا يلتفت إليهم يصف هذا الأمر أي

الوافي، ج 1، ص: 79

يقول بإمامة أئمة الحق تلك العقول أي العقول الكاملة ممن خاطب اللّٰه ممن كلفهم بالمعرفة إذ ليست لهم قوة عقلية و نور شعشعاني يمكنهم بهما الارتقاء إلى درجة العرفان و الإقبال على اللّٰه.

و التكليف إنما يكون بقدر تلك القوة و ذلك النور و هؤلاء هم الذين ورد فيهم أنه يلهى عنهم بعد موتهم و يعدم أنفسهم عند فساد أجسادهم فلا يشعرون بشي ء حتى يبعثوا لأنهم لم يمحضوا الإيمان محضا و لا الكفر محضا كما رواه شيخنا المفيد في شرح اعتقادات الصدوق طاب ثراه

[5]
اشارة

5- 5 الكافي، 1/ 11/ 3/ 1 القميان عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد اللّٰه ع قال قلت له ما العقل قال ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان قال قلت فالذي كان في معاوية فقال تلك النكراء تلك الشيطنة و هي شبيهة بالعقل و ليست بالعقل

بيان

ما عبد به الرحمن هذا تفسير للعقل بمعناه الثاني من معنييه اللذين ذكرناهما في شرح الحديث الأول و هو العقل المكتسب ثم إن جعلنا العبادة عبارة عن العبادة الناشئة عن المعرفة المترتبة عليها كانت إشارة إلى كمال القوة النظرية و اكتساب الجنان إلى كمال القوة العملية.

تلك النكراء هي الفطنة المجاوزة عن حد الاعتدال إلى الإفراط الباعثة لصاحبها على المكر و الحيل و الاستبداد بالرأي و طلب الفضول في الدنيا و يسمى بالجربزة و الدهاء يقال ما أشد نكره بالضم و الفتح

الوافي، ج 1، ص: 80

[6]
اشارة

6- 6 الكافي، 8/ 241/ 331/ 1 سهل عن داود بن مهران عن علي الميثمي عن رجل عن جويرية بن مسهر قال اشتددت خلف أمير المؤمنين ع فقال لي يا جويرية إنه لم يهلك هؤلاء الحمقى إلا بخفق النعال خلفهم ما جاء بك قلت جئت أسألك عن ثلاث عن الشرف و عن المروة و عن العقل فقال أما الشرف فمن شرفه السلطان شرف و أما المروة فإصلاح المعيشة و أما العقل فمن اتقى اللّٰه عقل

بيان

اشتددت عدوت و الخفق صوت النعل أراد بالحمقى الجهال المتسمين بالعلم يحسبهم الجاهل علماء و بهلاكهم هلاكهم الأخروي بصدهم الناس عن أهل العلم و صرفهم إياهم عن سبيل الحق كان غرضه ع من هذا الكلام إرشاد جويرية لوجوب تعرف أهل العلم أولا ثم الأخذ منه و المشي خلفه لئلا يضل عن الهدى ثم تنبيهه على عرفان قدره ع و شكره على إمكان الوصول إليه و تيسر الأخذ عنه ع و أراد بالشرف الشرف عند الناس و إنما يكون ذلك بتشريف السلطان و ما كان منه بالعلم و غيره فلا يتم أيضا عند الناس إلا بذلك و المروة هي الإنسانية باصطناع المعروف من المرء تهمز و تشدد و لا يتم إلا بإصلاح المعيشة إذ بدونه لا يتمكن من ذلك و تفسير العقل بالتقوى يتبين مما سبق

[7]
اشارة

7- 7 الكافي، 1/ 10/ 2/ 1 علي بن محمد عن سهل عن عمرو بن عثمان عن الفقيه، 4/ 416/ 5906 المفضل بن صالح عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن علي ع قال هبط جبرئيل ع على

الوافي، ج 1، ص: 81

آدم ع فقال يا آدم إني أمرت أن أخيرك واحدة من ثلاث فاخترها و دع اثنتين فقال له آدم يا جبرئيل و ما الثلاث فقال العقل و الحياء و الدين فقال آدم إني قد اخترت العقل فقال جبرئيل للحياء و الدين انصرفا و دعاه فقالا يا جبرئيل إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان قال فشأنكما و عرج

بيان

علي بن محمد هذا كأنه أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف بعلان ثقة عين فشأنكما أي أنتما و شأنكما يعني إن الأمر إليكما في ذلك و الغرض من الحديث التنبيه على استلزام العقل للحياء و الدين و تبعيتهما له

[8]
اشارة

8- 8 الكافي، 1/ 11/ 4/ 1 محمد عن ابن عيسى عن ابن فضال عن الحسن بن الجهم قال سمعت الرضا ع يقول صديق كل امرئ عقله و عدوه جهله

بيان

لأن الصديق من أحب للصديق الخير و أوصله إليه و العدو من أحب للعدو الشر و أوصله إليه و العقل و الجهل كذلك بل هما الأصل في ذلك

[9]
اشارة

9- 9 الكافي، 1/ 11/ 5/ 1 عنه عن أحمد عن ابن فضال عن الحسن بن الجهم قال قلت لأبي الحسن ع إن عندنا قوما لهم محبة و ليست لهم تلك العزيمة يقولون بهذا القول فقال ليس أولئك ممن عاتب اللّٰه إنما قال اللّٰه فَاعْتَبِرُوا يٰا أُولِي الْأَبْصٰارِ

الوافي، ج 1، ص: 82

بيان

لهم محبة أي للأئمة المعصومين ع و ليست لهم تلك العزيمة أي المعهودة بين الشيعة من الرسوخ في المحبة بحيث يسع معها بذل المهج و الأموال و الأولاد أولي الأبصار أولي البصائر العقلانية

[10]

10- 10 الكافي، 1/ 11/ 6/ 1 القمي عن محمد بن حسان عن أبي محمد الرازي عن سيف بن عميرة عن إسحاق بن عمار قال قال أبو عبد اللّٰه ع من كان عاقلا كان له دين و من كان له دين دخل الجنة

[11]
اشارة

11- 11 الكافي، 1/ 11/ 7/ 1 العدة عن البرقي عن ابن يقطين عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن أبي جعفر ع قال إنما يداق اللّٰه العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا

بيان

يداق اللّٰه من الدقة في الحساب أي يناقشهم فيه لما كانت العقول متفاوتة كمالا و نقصا و التكاليف إنما تقع على مراتب العقول فالأقوى عقلا أشد تكليفا فيناقش في الحساب يوم القيامة مع أهل الفطانة بما لا يناقش به ضعفاء العقول

[12]
اشارة

12- 12 الكافي، 1/ 11/ 8/ 1 علي بن محمد بن عبد اللّٰه عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر عن الديلمي عن أبيه قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع فلان من عبادته و دينه و فضله فقال كيف عقله قلت لا أدري فقال إن الثواب على قدر العقل إن رجلا من بني إسرائيل كان

الوافي، ج 1، ص: 83

يعبد اللّٰه في جزيرة من جزائر البحر خضراء نضرة كثيرة الشجر ظاهرة الماء و إن ملكا من الملائكة مر به فقال يا رب أرني ثواب عبدك هذا فأراه اللّٰه ذلك فاستقله الملك فأوحى اللّٰه تعالى إليه أن أصحبه فأتاه الملك في صورة إنسي فقال له من أنت قال أنا رجل عابد بلغني مكانك و عبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد اللّٰه معك فكان معه يومه ذلك فلما أصبح قال له الملك إن مكانك لنزه و ما يصلح إلا للعبادة فقال له العابد إن لمكاننا هذا عيبا فقال له و ما هو قال ليس لربنا بهيمة فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع فإن هذا الحشيش يضيع فقال له الملك و ما لربك حمار فقال لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش فأوحى اللّٰه تعالى إلى الملك إنما أثيبه على قدر عقله

بيان

علي بن محمد بن عبد اللّٰه هذا كأنه ابن أذينة الذي هو من مشايخ الكليني و يحتمل ابن عمران البرقي.

فلان من عبادته بحذف الخبر أي كذا و كذا كما في عرض المجالس.

ظاهرة الماء بالظاء المعجمة أي ماؤها على وجه الأرض و الإهمال كأنه تصحيف فاستقله الملك رآه قليلا بالقياس إلى كثرة عمله و سعيه بلغني مكانك أي منزلتك و مكانتك

[13]
اشارة

13- 13 الكافي، 1/ 12/ 9/ 1 الأربعة عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رسول اللّٰه ص إذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا في حسن عقله فإنما يجازى بعقله

الوافي، ج 1، ص: 84

بيان

حسن حال من طاعة أو مكرمة فانظروا في حسن عقله أي لا تحكموا بمجرد الأعمال و الأحوال الظاهرة على حسن عاقبته و صحة عقيدته و سلامة قلبه من الآفات ما لم تنظروا أولا في حسن عقله و كمال جوهره و ذاته فإن النتائج و الثمرات تابعة للأصول و المبادئ و مراتب الفضل في الأجر و الجزاء على حسب درجات العقول في الشرف و البهاء

[14]
اشارة

14- 14 الكافي، 1/ 12/ 10/ 1 محمد عن أحمد عن السراد عن عبد اللّٰه بن سنان قال ذكرت لأبي عبد اللّٰه ع رجلا مبتلى بالوضوء و الصلاة و قلت هو رجل عاقل فقال أبو عبد اللّٰه ع و أي عقل له و هو يطيع الشيطان فقلت له و كيف يطيع الشيطان فقال سله هذا الذي يأتيه من أي شي ء هو فإنه يقول لك من عمل الشيطان

بيان

مبتلى بالوضوء و الصلاة أي بالوسواس في نيتهما أو أفعالهما أو غير ذلك من شرائطهما و سبب الوسواس إما فساد في العقل أو جهل بالشرع لأن امتثال أوامر اللّٰه تعالى كغيره من الأفعال فيما يتعلق بالقصد فمن دخل عليه عالم فقام تعظيما له فلو قال انتصب قائما تعظيما لدخول هذا الفاضل لأجل فضله مقبلا عليه بوجهي لعد سفيها لأن هذه المعاني مخطورة بالبال إجمالا بل هي الباعثة على تلك الحركة و ذلك كاف في القصد و لا يستدعي فكرا فيها و إحضارا تفصيليا لها و فرق بين حضور الشي ء في النفس إجمالا و بين إحضاره فيها تفصيلا و النية عبارة عن الأول دون الثاني.

ثم الوسواس في غير النية أشنع و أقبح يقول لك من عمل الشيطان هذا قول منه باللسان من غير أن يؤمن به قلبه إذ لو عرف على وجه البصيرة أن الذي يأتيه من عمل

الوافي، ج 1، ص: 85

الشيطان لكان رجلا عاقلا لا موسوسا و إنما يقوله تقليدا و اضطرارا حيث لا يجد له مستندا في الشرع و لا في العقل نظيره ما حكى اللّٰه عن الكفار بقوله وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّٰهُ

[15]
اشارة

15- 15 الكافي، 1/ 12/ 11/ 1 العدة عن البرقي عن بعض أصحابه رفعه قال قال رسول اللّٰه ص ما قسم اللّٰه للعباد شيئا أفضل من العقل فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل و إقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل و لا بعث اللّٰه نبيا و لا رسولا حتى يستكمل العقل و يكون عقله أفضل من جميع عقول أمته و ما يضمر النبي في نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين و ما أدى العبد فرائض

اللّٰه حتى عقل عنه و لا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل و العقلاء هم أولوا الألباب الذين قال اللّٰه تعالى و ما يتذكر إلا أولوا الألباب

بيان

من شخوص الجاهل أي خروجه من بلده طلبا للخير و الثواب كجهاد أو حج أو تحصيل للعلم أو نحو ذلك و إنما كان نوم العاقل و إقامته أفضل من سهر الجاهل و شخوصه لأن العاقل إنما ينام ليسكن به من حركات التعب و نهضات النصب فيكون ذلك له جماما على الطاعات و قوة على العبادات و كذلك يقيم إذا رأى الإقامة أنفع له في دينه و أعظم أجرا و إنما فضيلة الأعمال بالنيات و روحها التقرب بها إلى اللّٰه سبحانه.

و ذلك إنما يتصور بعد المعرفة و اليقين و الجاهل بمعزل عنهما و ما يضمر النبي في

الوافي، ج 1، ص: 86

نفسه هو العلوم اللدنية التحقيقية النورية التي أخذها عن اللّٰه عز و جل بلا واسطة تعليم بشر كما قال سبحانه لنبينا ص وَ عَلَّمَكَ مٰا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كٰانَ فَضْلُ اللّٰهِ عَلَيْكَ عَظِيماً.

من اجتهاد المجتهدين من أجر شدة عبادة العابدين من الجهد بمعنى المشقة و الكلفة أي ثواب معرفته الموهبية فحسب من دون إضافة ثواب سائر عباداته و معارفه المكتسبة إليه أفضل من ثواب عباداتهم الشاقة و مكتسباتهم المبذول فيها غاية جهدهم من العلوم النظرية.

و ما أدى العبد فرائض اللّٰه أي جميعا أو كما هو حق الأداء حتى عقل عنه أي أخذ العلم عن اللّٰه و فهم حقائق الأشياء من قبله سبحانه بلا وساطة بشر و تقليد أحد كما للأنبياء ع أو ببركة متابعة الأنبياء كما للعلماء

[16]
اشارة

16- 16 الكافي، 1/ 13/ 12/ 1 أبو عبد اللّٰه الأشعري عن بعض أصحابنا رفعه عن هشام بن الحكم قال قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر ع يا هشام إن اللّٰه تبارك و تعالى بشر

أهل العقل و الفهم في كتابه فقال فَبَشِّرْ عِبٰادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولٰئِكَ الَّذِينَ هَدٰاهُمُ اللّٰهُ وَ أُولٰئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبٰابِ يا هشام إن اللّٰه تبارك و تعالى أكمل للناس الحجج بالعقول و نصر النبيين بالبيان و دلهم على ربوبيته بالأدلة فقال وَ إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ الرَّحْمٰنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلٰافِ اللَّيْلِ وَ النَّهٰارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمٰا يَنْفَعُ النّٰاسَ وَ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ مِنَ السَّمٰاءِ مِنْ مٰاءٍ فَأَحْيٰا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّيٰاحِ وَ السَّحٰابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

الوافي، ج 1، ص: 87

يا هشام قد جعل اللّٰه ذلك دليلا على معرفته بأن لهم مدبرا فقال وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومُ مُسَخَّرٰاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ و قال هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفّٰى مِنْ قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ و قال إِنَّ فِي .. اخْتِلٰافِ اللَّيْلِ وَ النَّهٰارِ .. وَ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ مِنَ السَّمٰاءِ مِنْ مٰاءٍ فَأَحْيٰا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا .. وَ تَصْرِيفِ الرِّيٰاحِ وَ السَّحٰابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ و قال يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا قَدْ بَيَّنّٰا لَكُمُ الْآيٰاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ و قال وَ جَنّٰاتٌ مِنْ أَعْنٰابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوٰانٌ وَ غَيْرُ صِنْوٰانٍ يُسْقىٰ بِمٰاءٍ وٰاحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَهٰا عَلىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ

يَعْقِلُونَ و قال وَ مِنْ آيٰاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ و قال قُلْ تَعٰالَوْا أَتْلُ مٰا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلّٰا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً وَ لٰا تَقْتُلُوا أَوْلٰادَكُمْ مِنْ إِمْلٰاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِيّٰاهُمْ وَ لٰا تَقْرَبُوا الْفَوٰاحِشَ مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا وَ مٰا بَطَنَ وَ لٰا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّٰهُ إِلّٰا بِالْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصّٰاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ و قال هَلْ لَكُمْ مِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ شُرَكٰاءَ فِي مٰا رَزَقْنٰاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوٰاءٌ تَخٰافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيٰاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يا هشام ثم وعظ أهل العقل و رغبهم في الآخرة فقال

________________________________________

كاشانى، فيض، محمد محسن ابن شاه مرتضى، الوافي، 26 جلد، كتابخانه امام امير المؤمنين علي عليه السلام، اصفهان - ايران، اول، 1406 ه ق

الوافي؛ ج 1، ص: 88

الوافي، ج 1، ص: 88

وَ مَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا إِلّٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ لَلدّٰارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَ فَلٰا تَعْقِلُونَ يا هشام ثم خوف الذين لا يعقلون عقابه فقال تعالى ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلٰا تَعْقِلُونَ و قال إِنّٰا مُنْزِلُونَ عَلىٰ أَهْلِ هٰذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّمٰاءِ بِمٰا كٰانُوا يَفْسُقُونَ وَ لَقَدْ تَرَكْنٰا مِنْهٰا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يا هشام إن العقل مع العلم فقال وَ تِلْكَ الْأَمْثٰالُ نَضْرِبُهٰا لِلنّٰاسِ وَ مٰا يَعْقِلُهٰا إِلَّا الْعٰالِمُونَ يا هشام ثم ذم الذين لا يعقلون فقال وَ إِذٰا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ قٰالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مٰا أَلْفَيْنٰا عَلَيْهِ آبٰاءَنٰا أَ وَ لَوْ كٰانَ آبٰاؤُهُمْ لٰا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لٰا يَهْتَدُونَ

قال وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمٰا لٰا يَسْمَعُ إِلّٰا دُعٰاءً وَ نِدٰاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لٰا يَعْقِلُونَ و قال وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَ لَوْ كٰانُوا لٰا يَعْقِلُونَ و قال أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلّٰا كَالْأَنْعٰامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا و قال لٰا يُقٰاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلّٰا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرٰاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّٰى ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لٰا يَعْقِلُونَ و قال وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتٰابَ أَ فَلٰا تَعْقِلُونَ

الوافي، ج 1، ص: 89

يا هشام ثم ذم اللّٰه الكثرة فقال وَ إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ و قال وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّٰهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لٰا يَعْلَمُونَ [لا يعقلون] و قال وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَأَحْيٰا بِهِ الْأَرْضَ (مِنْ) بَعْدِ مَوْتِهٰا لَيَقُولُنَّ اللّٰهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لٰا يَعْقِلُونَ يا هشام ثم مدح القلة فقال وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبٰادِيَ الشَّكُورُ و قال وَ قَلِيلٌ مٰا هُمْ و قال وَ قٰالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمٰانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللّٰهُ و قال وَ مَنْ آمَنَ وَ مٰا آمَنَ مَعَهُ إِلّٰا قَلِيلٌ و قال وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لٰا يَعْلَمُونَ

الوافي، ج 1، ص: 90

و قال وَ أَكْثَرُهُمْ لٰا يَعْقِلُونَ و قال وَ (لٰكِنَّ) أَكْثَرَهُمْ لٰا يَشْكُرُونَ يا هشام ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر و حلاهم بأحسن الحلية فقال يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشٰاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَ مٰا

يَذَّكَّرُ إِلّٰا أُولُوا الْأَلْبٰابِ و قال وَ الرّٰاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنٰا وَ مٰا يَذَّكَّرُ إِلّٰا أُولُوا الْأَلْبٰابِ و قال إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلٰافِ اللَّيْلِ وَ النَّهٰارِ لَآيٰاتٍ لِأُولِي الْأَلْبٰابِ و قال أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمىٰ إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبٰابِ و قال أَمَّنْ هُوَ قٰانِتٌ آنٰاءَ اللَّيْلِ سٰاجِداً وَ قٰائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لٰا يَعْلَمُونَ إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبٰابِ و قال كِتٰابٌ أَنْزَلْنٰاهُ إِلَيْكَ مُبٰارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيٰاتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبٰابِ و قال وَ لَقَدْ آتَيْنٰا مُوسَى الْهُدىٰ وَ أَوْرَثْنٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ الْكِتٰابَ هُدىً وَ ذِكْرىٰ لِأُولِي الْأَلْبٰابِ

الوافي، ج 1، ص: 91

و قال وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ يا هشام إن اللّٰه يقول في كتابه إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَذِكْرىٰ لِمَنْ كٰانَ لَهُ قَلْبٌ يعني عقل و قال وَ لَقَدْ آتَيْنٰا لُقْمٰانَ الْحِكْمَةَ قال الفهم و العقل يا هشام إن لقمان قال لابنه تواضع للحق تكن أعقل الناس و إن الكيس لدى الحق يسير يا بني إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوى اللّٰه و حشوها الإيمان و شراعها التوكل و قيمها العقل و دليلها العلم و سكانها الصبر يا هشام إن لكل شي ء دليلا و دليل العقل التفكر و دليل التفكر الصمت و لكل شي ء مطية و مطية العقل التواضع و كفي بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه يا هشام ما بعث اللّٰه أنبياءه و رسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن اللّٰه فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة و أعلمهم بأمر اللّٰه

أحسنهم عقلا و أكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنيا و الآخرة يا هشام إن لله على الناس حجتين حجة ظاهرة و حجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمة و أما الباطنة فالعقول يا هشام إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره و لا يغلب الحرام صبره يا هشام من سلط ثلاثا على ثلاث فكأنما أعان على هدم عقله من أظلم نور تفكره بطول أمله و محا طرائف حكمته بفضول كلامه و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فكأنما أعان هواه على هدم عقله و من هدم عقله أفسد عليه دينه

الوافي، ج 1، ص: 92

و دنياه يا هشام كيف يزكو عند اللّٰه عملك و أنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك و أطعت هواك على غلبة عقلك يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوة العقل فمن عقل عن اللّٰه اعتزل أهل الدنيا و الراغبين فيها و رغب فيما عند اللّٰه و كان اللّٰه أنسه في الوحشة و صاحبه في الوحدة و غناه في العيلة و معزه من غير عشيرة يا هشام نصب الحق لطاعة اللّٰه و لا نجاة إلا بالطاعة و الطاعة بالعلم و العلم بالتعلم و التعلم بالعقل يعتقد و لا علم إلا من عالم رباني و معرفة العلم بالعقل يا هشام قليل العمل من العالم مقبول مضاعف و كثير العمل من أهل الهوى و الجهل مردود يا هشام إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة و لم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا فلذلك ربحت تجارتهم يا هشام إن العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب و ترك الدنيا من الفضل و ترك الذنوب من الفرض يا هشام إن العاقل نظر إلى الدنيا و

إلى أهلها فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة و نظر إلى الآخرة فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة فطلب بالمشقة أبقاهما يا هشام إن العقلاء زهدوا في الدنيا و رغبوا في الآخرة لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة و إن الآخرة طالبة و مطلوبة فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه و من طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه و آخرته يا هشام من أراد الغناء بلا مال و راحة القلب من الحسد و السلامة في

الوافي، ج 1، ص: 93

الدين فليتضرع إلى اللّٰه في مسألته بأن يكمل عقله فمن عقل قنع بما يكفيه و من قنع بما يكفيه استغنى و من لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغناء أبدا يا هشام إن اللّٰه تعالى حكى عن قوم صالحين أنهم قالوا رَبَّنٰا لٰا تُزِغْ قُلُوبَنٰا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنٰا وَ هَبْ لَنٰا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّٰابُ حين علموا أن القلوب تزيغ و تعود إلى عماها و رداها إنه لم يخف اللّٰه من لم يعقل عن اللّٰه و من لم يعقل عن اللّٰه لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها و يجد حقيقتها في قلبه و لا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا و سره لعلانيته موافقا لأن اللّٰه تبارك اسمه لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه و ناطق عنه يا هشام كان أمير المؤمنين ع يقول ما عبد اللّٰه بشي ء أفضل من العقل و ما تم عقل امرئ حتى يكون فيه خصال شتى الكفر و الشر منه مأمونان و الرشد و الخير منه مأمولان و فضل ماله مبذول و فضل قوله مكفوف نصيبه

من الدنيا القوت لا يشبع من العلم دهره الذل أحب إليه مع اللّٰه من العز مع غيره و التواضع أحب إليه من الشرف يستكثر قليل المعروف من غيره و يستقل كثير المعروف من نفسه و يرى الناس كلهم خيرا منه و إنه شرهم في نفسه و هو تمام الأمر يا هشام إن العاقل لا يكذب و إن كان فيه هواه يا هشام لا دين لمن لا مروة له و لا مروة لمن لا عقل له و إن أعظم الناس قدرا الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطرا أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها يا هشام إن أمير المؤمنين ع كان يقول إن من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال يجيب إذا سئل و ينطق إذا عجز القوم عن الكلام و يشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح أهله فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شي ء فهو أحمق

الوافي، ج 1، ص: 94

إن أمير المؤمنين ع قال لا يجلس في صدر المجلس إلا رجل فيه هذه الخصال الثلاث أو واحدة منهن فمن لم يكن فيه شي ء منهن فجلس فهو أحمق و قال الحسن بن علي ع إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها قيل يا بن رسول اللّٰه و من أهلها قال الذين قص اللّٰه في كتابه و ذكرهم فقال إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبٰابِ قال هم أولوا العقول و قال علي بن الحسين ع مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح و آداب العلماء زيادة في العقل و طاعة ولاة العدل تمام العز و استثمار المال تمام المروة و إرشاد المستشير قضاء لحق النعمة و كف الأذى من كمال العقل و فيه راحة البدن

عاجلا و آجلا يا هشام إن العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه و لا يسأل من يخاف منعه و لا يعد ما لا يقدر عليه و لا يرجو ما يعنف برجائه و لا يتقدم على ما يخاف فوته بالعجز عنه

بيان

أبو عبد اللّٰه الأشعري هو الحسين بن محمد و ليس في بعض النسخ بل صدر السند ببعض أصحابنا فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ مثل ما يستمعون أن إله العالم واحد لا شريك له و أنه عالم قادر حكيم إلى غير ذلك من صفات الكمال ثم يستمعون ما يخالف ذلك كله فيتبعون الأول دون الثاني لأن الأول هو الأحسن عند ذوي البصائر و العقول السليمة.

و مثل ما يستمعون أن إله العالم أرسل إلى عباده رسولا ليهديهم إلى الحق و إلى طريق مستقيم.

ثم يستمعون أنه وكلهم إلى عقولهم المتباينة فيتبعون الأول دون الثاني.

الوافي، ج 1، ص: 95

و مثل ما يستمعون أن الرسول أوصى إلى معصوم من أهل بيته بأن يخلفه في أمته بعد رحلته.

ثم يستمعون أنه أهمل ذلك و ترك الأمة في ضلالة و حيرة فيتبعون الأول دون الثاني إلى غير ذلك من نظائره.

أكمل للناس الحجج أي البراهين بالبيان أي ببيانه البراهين لهم للرشد و الإرشاد و دلهم جميعا لآيات لدلائل و شواهد جعل اللّٰه ذلك أي التسخير الذي سيذكر ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أي ثم طورا بعد طور لكي تبلغوا أَشُدَّكُمْ أي كمال قوتكم و أوان عقلكم و تمييزكم من رزق عبر هنا عن الماء بالرزق لأنه وسيلة إليه.

صِنْوٰانٌ نخلات أصلها واحد و في حديث العباس عم الرجل صنو أبيه.

وَ غَيْرُ صِنْوٰانٍ متفرقات مختلفة الأصول خَوْفاً إرادة خوف أو إخافة من نحو الصاعقة و الغيث الضار وَ طَمَعاً إرادة طمع أو

إطماعا في الغيث النافع أَلّٰا تُشْرِكُوا لما أوجب ترك الشرك و الإحسان إلى الوالدين فقد حرم الشرك و الإساءة إليهما لأن إيجاب الشي ء نهي عن ضده فيصح أن يقع تفصيلا لما حرم.

مِنْ إِمْلٰاقٍ فقر أي من خوف الفقر و صرح بذكر الخوف في قوله تعالى وَ لٰا تَقْتُلُوا أَوْلٰادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلٰاقٍ.

مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا علانية وَ مٰا بَطَنَ سرا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ فيه إشارة إلى أن الغرض الأصلي و الغاية الذاتية من فعل الواجبات و ترك المحرمات إنما هو حصول العقل و العاقل بما هو عاقل و أن لتكميل القوة العملية مدخلا في ذلك كما أن لتكميل القوة النظرية مدخلا و أن أحدهما لا يستغني عن الآخر مِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ يعني عبيدكم الذين ملكهم طار قابل للنقل و الزوال و هم أمثالكم في الإنسانية حتى أنه ليس لكم تصرف في أرواحهم و آدميتهم.

الوافي، ج 1، ص: 96

مِنْ شُرَكٰاءَ فِي مٰا رَزَقْنٰاكُمْ من الأموال يعني أن الذي لكم هو في الحقيقة ليس لكم بل هو لله و من رزقه و الذي لله هو في الحقيقة له فإذا لم يجز أن يكون لكم شريك من أمثالكم في مالكم من حيث الاسم فكيف يجوز أن يكون له شريك من مخلوقاته في ماله من حيث الحقيقة.

و قوله فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوٰاءٌ أي هل أنتم و مماليككم في شي ء مما تملكون أنتم سواء ليس كذلك فلا يكون لله شريك في شي ء مما يملكه لكن كل شي ء فهو لله فما تدعون إلهيته لا يملكون شيئا أصلا و لا مثقال ذرة من خردل و قوله تَخٰافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ أي لستم تخافونهم كخيفتكم أنفسكم إذ ليس لهم عندكم حرمة كحرمة الأحرار.

ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ أهلكناهم إشارة

إلى قصة قوم لوط لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ على منازلهم في متاجركم إلى الشام فإن سدوم التي هي بلدتهم في طريقه مُصْبِحِينَ داخلين في الصباح رِجْزاً عذابا آيَةً بَيِّنَةً قيل هي حكايتها الشائعة أو آثار الديار الخربة و في رواية أنها بيت نبيهم أَلْفَيْنٰا وجدنا و في الآية دلالة على وجوب إعمال البصيرة و لو في معرفة من يقلده.

لٰا يَعْقِلُونَ شَيْئاً أي من المعقولات من العلم بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و إن فهموا كثيرا من أمور الدنيا وَ لٰا يَهْتَدُونَ أي إلى طريق اكتسابه.

وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي مثل داعيهم أو مثل دعوتهم لأصنامهم أو مثلهم في عبادتهم لها في قلة عقولهم أو في اتباعهم لآبائهم في عدم الفائدة و النعق مأخوذ من نعق الراعي بالغنم إذا صاح بها صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ من حيث آذانهم و ألسنتهم و أبصارهم العقلانية.

قُلِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ المحامد كلها راجعة إليه لأن المنعم الحقيقي هو اللّٰه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لٰا يَعْقِلُونَ أي لا يفهمون ما يقولون و إنما يقولونه تقليدا أو لا يفهمون أن المحامد لله عز و جل و ذلك لأن فهم ذلك موقوف على العلم بتوحيد الأفعال و أن لا مؤثر في الوجود إلا اللّٰه.

الوافي، ج 1، ص: 97

و هذا علم غامض شريف حرم عنه الأكثرون و ورد الحمد لله مل ء الميزان.

أَمَّنْ هُوَ قٰانِتٌ قائم بما يجب عليه من الطاعة إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ هذا التفاوت العظيم بين العلماء و الجهال.

تواضع للحق أي تواضع مع الناس للحق سبحانه لا لغرض آخر فإن من تواضع لله رفعه اللّٰه كما ورد في الحديث أو نقول التواضع للحق هو الإقرار به و الإطاعة له و الانقياد كما هو مقتضى العقل.

و

قال أستادنا طاب ثراه هو أن لا يرى العبد لنفسه وجودا و لا حولا و لا قوة إلا بالحق تعالى و حوله و قوته فيرى أن لا حول و لا قوة له و لا لغيره إلا بالله.

و في الحديث النبوي من تواضع لله رفعه اللّٰه

فإذا فنى عن نفسه بالموت الإرادي قبل الموت الطبيعي يكون باقيا بالله قال و هو المراد بقوله تكن أعقل الناس فإن أعقل الناس هم الأنبياء و الأولياء ثم الأمثل فالأمثل.

و أن الكيس لدى الحق يسير قال أستادنا قدس اللّٰه سره يعني أن كياسة الإنسان و هي عقله و فطانته يسير عند الحق لا قدر له و إنما الذي له قدر عند اللّٰه هو التواضع و المسكنة و الخضوع و الافتقار إليه فكل علم و كمال لا يؤدي بصاحبه إلى مزيد فقر و حاجة إليه تعالى يصير وبالا عليه و كان الجهل و النقيصة أولى به و لذلك قيل غاية مجهود العابدين تصحيح جهة الإمكان و الفقر إليه تعالى انتهى كلامه.

و أراد بالعقل ما يسمى بالعقل الجزئي و هو فهم الجزئيات.

أقول و يحتمل أن يكون الكيس بالتشديد و الحق إما بالمعنى المذكور أو في مقابلة الباطل و اليسير بمعنى القليل و المعنى أن الكيس عند اللّٰه أو عند فهم المعارف الحقة الثابتة الأخروية و العلوم الكلية الإلهية قليل فإن أكثر الأكياس إنما هم أكياس عند الناس و عند أنفسهم أو كياستهم مقصورة على فهم الأمور الجزئية الزائلة و الأشياء الدنيوية الباطلة و قد يفسر الحديث بمعان أخر لا قدر لها عند الكيس لدى

الوافي، ج 1، ص: 98

الحق و ينبغي أن يفسر الحق في الموضوعين بمعنى واحد.

بحر عميق وجه الشبه تغيرها و

استحالتها و إهلاكها و الكائنات فيها كالأمواج و ما من صورة فيها إلا و لا بد أن تفسد.

و أيضا الناس يعبرون عليها إلى دار أخرى بسفن أخلاقهم الحسنة و السفينة الناجية هي التقوى المحشوة بالإيمان.

و شراع السفينة بالكسر ما يرفع فوقها من ثوب ليدخل فيه الريح فتجريها و التوكل هو الوثوق بالله و الاعتماد عليه في كل الأمور لا على الأسباب و قيم السفينة ربانها الذي نسبته إليها نسبة النفس إلى البدن و سكانها بالضم و التشديد ذنبها لأنها به تقوم و تسكن.

لكل شي ء دليلا يوصله إلى مطلوبه فإن العقل يصل إلى مطلوبه بالتفكر و التفكر يتم بالصمت أو الدليل بمعنى العلامة فإن علامة كون الإنسان عاقلا كونه دائم التفكر في خلق اللّٰه و علامة التفكر الصمت أ لا ترى أنك عند التفكر تكون صامتا مطية حاملا يركب عليه في حركته إلى غايته التي خلق لها فإن المطية الناقة التي تركب مطاها أي ظهرها و مطية العقل التواضع أي التذلل و الانقياد للأوامر و النواهي و الغناء [و الفناء] عن النفس.

قال أستادنا تغمده اللّٰه بغفرانه تحقيقه أن مادة العقل هي النفس و كل مادة تستعد لصورة كمالية فإنما تستعدها لكونها في نفسها خالية من الفعلية و الوجود الذي من جنسها و إلا لم تكن قابلة لها فكذلك النفس ما لم تصر موصوفة بصفة التواضع و الفقر لم تصر مطية للعقل الذي هو الصورة الكمالية التي بها تصير الأشياء معقولة للإنسان.

أن تركب ما نهيت عنه لأن اشتغال النفس بالمحسوسات يوجب تقيدها و تصورها بصورها الحسية و هي حاجبة لها لا محالة عن المعقولات و الحجاب عن المعقولات عين الجهل.

ليعقلوا عن اللّٰه ليكتسبوا العلوم الدينية عن اللّٰه

سبحانه بواسطة متابعة الأنبياء

الوافي، ج 1، ص: 99

و الرسل الذين هم أولوا العقول الكاملة فيهتدوا إلى الحق و يتوافقوا عليه و لا يتكلوا على عقولهم الجزئية الناقصة المتباينة فيضلوا و يختلفوا.

فأحسنهم استجابة لقبول الدعوة و انقياد الرسالة أحسنهم معرفة بالله و آياته و كلماته و أعلمهم بأمر اللّٰه بأحكامه و شرائعه أو بأفعاله سبحانه.

أحسنهم عقلا لأن حسن العقل إنما يكون بالعلم و العمل و قبول العمل إنما يكون بإصابة السنة و هي إنما تكون بالعلم بالسنة و هو العلم بأمر اللّٰه بالمعنى الأول.

أو نقول إن حسن العقل إنما يكون بتعلم الحكمة و هي العلم بأفعال اللّٰه عز و جل على ما هي عليه و هو العلم بأمر اللّٰه بالمعنى الثاني.

بطول أمله فإن طول الأمل في الدنيا يمنع التفكر في الأمور الإلهية النورية لأنه يحمل النفس على التفكر في الأمور العاجلة و تحصيل أسبابها الظلمانية فمن بدل تفكره في الأنوار الأخروية و الباقيات الصالحات بتفكره في الظلمات الدنيوية الناشئة عن طول أمله و حبه للفانيات فقد أظلم نور تفكره بطول أمله.

بفضول كلامه لأن للكلام حلاوة و لذة و سكرا يشغل النفس عن جهة الباطن و يجعل همها مصروفا إلى تحسين العبارات و تحريك القلوب بالنكات و الإشارات فيمحو به طرائف الحكمة عن قلبه بشهوات نفسه لأن حب الشي ء يعمي و يصم عن إدراك غيره فحب الشهوات يعمي القلب و يذهب بنور عبرته كيف يزكو يطهر و يخلص و ينمو.

و أنت قد شغلت بالأمور الثلاثة المذكورة في الخطاب المتقدم أو ببعضها.

فمن عقل عن اللّٰه بلغ عقله إلى حد يأخذ العلم عن اللّٰه من غير تعليم بشر في كل أمر أمر.

اعتزل أهل الدنيا إذ لم يبق له

رغبة في الدنيا و أهلها و إنما يرغب فيما عند اللّٰه من الخيرات الحقيقية و الأنوار الإلهية و الإشراقات العقلية و الابتهاجات الذوقية و السكينات الروحية.

الوافي، ج 1، ص: 100

كان اللّٰه أنسه مؤنسه إذ موجب الوحشة فقد المألوف و خلو الذات من الفضيلة و اللّٰه تعالى مألوفة و هو منبع كل خير و فضيلة في العيلة في الفاقة نصب الحق على البناء للمفعول و يعني بالحق دين الحق أي أقيم الدين بإرسال الرسل و إنزال الكتب ليطاع اللّٰه في أوامره و نواهيه.

و الطاعة بالعلم أي العلم بكيفية الطاعة و التعلم بالعقل يعتقد على البناء للمفعول أي يذعن و يتعرف محصوله و لا علم أي بكيفية الطاعة.

إلا من عالم رباني أي بالتعلم منه دون الاجتهاد و الرأي و قد بينا ذلك في مقدمة الكتاب.

و معرفة العلم بالعقل أي معرفة كونه علما صحيحا و في بعض النسخ العالم و هو الأظهر.

قليل العمل من العالم مقبول لأنه يؤثر في صفاء قلبه و ارتفاع الحجاب عنه ما لا يؤثر أضعافه في قلوب أهل الهوى و الجهل لممارسته العلوم و الأفكار المجلية لقلبه و المصيقلة له عن الرين و الغين المعدة له لاستفاضة النور عليه بسبب قليل من العمل و قسوة قلوب أهل الهوى و الجهل و غلظ حجبهم و جرمانية نفوسهم و بعدها عن قبول التصفية فلا يؤثر فيها كثير العمل.

رضي بالدون من الدنيا و هو قدر البلغة مع الدنيا و إن كانت وافية و لذتها كاملة ربحت تجارتهم إذ بدلوا أمرا خسيسا فانيا بأمر شريف باق.

و عن أمير المؤمنين ع لو كانت الدنيا من ذهب و الآخرة من خزف لاختار العاقل الخزف الباقي على الذهب الفاني

كيف و الأمر

على العكس من ذلك.

تركوا فضول الدنيا و إن كانت مباحة لأنها تمنع عن مزيد الكرامة و كمال

الوافي، ج 1، ص: 101

القرب من اللّٰه سبحانه فكيف الذنوب المورثة لاستحقاق المقت و العقوبة إن الدنيا طالبة طالبية الدنيا عبارة عن إيصالها الرزق المقدر إلى من هو فيها ليكونوا فيها إلى الأجل المقرر و مطلوبيتها عبارة عن سعي أبنائها لها ليكونوا على أحسن أحوالها و طالبية الآخرة عبارة عن بلوغ الأجل و حلول الموت لمن هو في الدنيا ليكونوا فيها و مطلوبيتها عبارة عن سعي أبنائها لها ليكونوا على أحسن أحوالها.

و لا يخفى أن الدنيا طالبة بالمعنى المذكور لأن الرزق فيها مقدر مضمون يصل إلى الإنسان لا محالة طلبه أو لا وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلّٰا عَلَى اللّٰهِ رِزْقُهٰا و إن الآخرة طالبة أيضا لأن الأجل مقدر كالرزق مكتوب قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرٰارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لٰا تُمَتَّعُونَ إِلّٰا قَلِيلًا.

لٰا تُزِغْ قُلُوبَنٰا الزيغ هو العدول عن الطريق و رداها الردى الهلاك لم يخف اللّٰه من لم يعقل عن اللّٰه أي من لم يأخذ علمه عن اللّٰه كالأنبياء و الأوصياء و كل من اقتبس من أنوارهم و ذلك لأن غيرهم إما مقلد محض كالعامي أو جدلي ظان كالكلامي و كل منهما لم يعرف أن الذي يصل إليه يوم القيامة إنما هو من نتائج أخلاقه و تبعات أعماله التي لا تنفك عنها للعلاقة الذاتية بين الأشياء و أسبابها فلم يخش اللّٰه حق خشيته.

و إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ أهل اليقين و البرهان و أهل الكشف و العيان فإنهم العارفون بأن الآخرة إنما تنشأ من الدنيا على الإيجاب و اللزوم علما قطعيا

من غير تخمين و جزاف فهؤلاء هم الذين عقدت قلوبهم على معرفة ثابتة غير قابلة للزوال.

و لا يكون أحد كذلك أي عالما ربانيا عاقلا عن اللّٰه إلا من كان قوله لفعله مصدقا أي لا يدل قوله على خلاف ما يدل عليه فعله إلا بظاهر منه كالفعل و ناطق عنه كالقول.

أفضل من العقل أي أفضل ما يتقرب به العبد إلى اللّٰه هو تكميل العقل

الوافي، ج 1، ص: 102

باكتساب العلوم الحقيقية الأخروية و المعارف اليقينية الباقية المأخوذة من اللّٰه سبحانه دون غيره من الطاعات و العبادات البدنية و المالية و النفسية

كما ورد عن النبي ص يا علي إذا تقرب الناس إلى خالقهم بأنواع البر فتقرب أنت إليه بالعقل حتى تسبقهم.

و ما تم عقل امرء يحتمل أن يكون من كلام أمير المؤمنين و أن يكون من كلام أبي الحسن ع و على التقديرين فالمنبع واحد ذرية بعضها من بعض.

الكفر و الشر منه مأمونان لازمين كانا أو متعديين الكفر في الاعتقاد و الشر في القول و الفعل و الكل ينشأ من الجهل المنافي للعقل.

و الرشد و الخير منه مأمولان كذلك لكونه مهتديا صالحا و هاديا للخلق مصلحا لهم و الكل ناش من العقل.

و فضل ماله مبذول لاستغنائه بالحق عن كل شي ء.

و فضل قوله مكفوف لمنافاته طرائف الحكمة كما مر.

نصيبه من الدنيا القوت لأن الدنيا فانية داثرة مستعارة لا تأتي بخير.

لا يشبع من العلم دهره إذ لا نهاية له و فيه إشارة إلى أن العلم غذاء الروح به يتقوى و يكمل و به حياته.

الذل أحب إليه مع اللّٰه من العز مع غيره لعلمه بأن العزة لله جميعا بالذات و لما سواه بالعرض فالعزيز من أعزه اللّٰه فمن كان

مع اللّٰه بالفناء عن نفسه كان عزيزا بعزة اللّٰه فضلا عن كونه عزيزا بإعزازه و من كان مع غيره كان دليلا مثله.

و التواضع أحب إليه من الشرف لأنه أنسب إلى العبودية و أدخل في تصحيح تلك النسبة و التحقق بها.

يستكثر قليل المعروف من غيره تخلقا بأخلاق اللّٰه في تضعيفه لحسنات العباد.

و يستقل كثير المعروف من نفسه لكرامة نفسه و اتصاله بمنبع الجود و الخير.

و يرى الناس كلهم خيرا منه لحسن ظنه بعباد اللّٰه و حمله ما صدر منهم على

الوافي، ج 1، ص: 103

المحمل الصحيح لسلامة صدره و لما رأى من محاسن ظواهرهم دون ما خفي من بواطنهم فيراهم أحسن أحوالا منه.

و إنه شرهم في نفسه لاطلاعه على دقائق عيوب نفسه.

و هو تمام الأمر أي رؤية الناس خيرا و نفسه شرا تمام الأمر لأنها موجبة للاستكانة و التضرع التام إلى اللّٰه تعالى و الخروج إليه بالفناء عن هذا الوجود المجازي الذي كله ذنب و شر كما قيل.

وجودك ذنب لا يقاس به ذنب و قيل أيضا.

بيني و بينك إني ينازعني. فارفع بلطفك إني من البين.

و يحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى الكون الذي في قوله حتى يكون فكان المعنى أن ملاك الأمر و تمامه في أن يكون الإنسان كاملا تام العقل هو كونه متصفا بمجموع هذه الخصال المذكورة.

كذا أفاد أستادنا رحمه اللّٰه و أكثر ما كتبناه في شرح هذه الفقرة استفدناه من كلامه.

لا دين لمن لا مروة له و لا مروة لمن لا عقل له لأن من لا عقل له لا يكون عارفا بما ينبغي أن يفعله و يليق به و ما لا ينبغي و لا يليق فربما يترك اللائق و يأتي بما لا ينبغي.

و

من كان كذلك لا يكون ذا مروة و لا دين خطرا قدرا و منزله إما حرف تنبيه أبدانكم ليس لها ثمن إلا الجنة أي ما يليق أن يكون ثمنا لها شبه استعمال البدن في المكتسبات الباقية ببيعها بها.

قال الأستاد رحمه اللّٰه و ذلك لأن الأبدان في التناقص يوما فيوما لتوجه النفس منها إلى عالم آخر فإن كانت النفس سعيدة كانت غاية سعيه في هذه الدنيا و انقطاع حياته البدنية إلى اللّٰه سبحانه و إلى نعيم الجنة لكونه على منهج الهداية و الاستقامة فكأنه باع بدنه بثمن الجنة معاملة مع اللّٰه تعالى و لهذا خلقه اللّٰه عز و جل

الوافي، ج 1، ص: 104

و إن كانت شقية كانت غاية سعيه و انقطاع أجله و عمره إلى مقارنة الشيطان و عذاب النيران لكونه على طريق الضلالة فكأنه باع بدنه بثمن الشهوات الفانية و اللذات الحيوانية التي ستصير نيرانات محرقة مؤلمة و هي اليوم كامنة مستورة عن حواس أهل الدنيا و ستبرز يوم القيامة وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرىٰ معاملة مع الشيطان وَ خَسِرَ هُنٰالِكَ الْمُبْطِلُونَ.

و قال السيد الداماد رحمه اللّٰه جعل الجنة ثمن البدن إشارة إلى أن ثمن النفس المجردة و الأرواح القدسية هو اللّٰه سبحانه و الفناء المطلق فيه و في مشاهدة نور وجهه الكريم و في إضافة البدن إلى ضمير الخطاب دلالة على أن النفس الناطقة التي هي الإنسان حقيقة جوهر آخر وراء البدن.

يجيب إلى آخره يعني يجيب في وقته و يقدر عليه و ينطق في محله و لا يعجز عنه و يعرف مصلحة الأمور و لا يضن بها و فيه إشارة إلى أن العاقل لا يتكلم إلا إذا دعته ضرورة إلى الكلام لأن مواضع

الكلام الضروري تنحصر في هذه الثلاثة إذا كان لمصلحة الغير و المراد بصدر المجلس إما معناه المعروف أو مكان من يراجع الناس إليه لحوائجهم فيستحق أن يعظموه و يوقروه.

هم أولوا العقول أما طلب الحوائج الدينية منهم فظاهر و أما الدنيوية فللذل في رفع الحاجة إلى الناقص في الدين و لعدم الأمن من حماقته فربما يمنعه أو يأتي بما ضره أكثر من نفعه.

قال علي بن الحسين ع مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح في

الوافي، ج 1، ص: 105

كلامه ع هذا ترغيب إلى المعاشرة مع الناس و المؤانسة بهم و استفادة كل فضيلة من أهلها و زجر عن الاعتزال و الانقطاع اللذين هما منبت النفاق و مغرس الوسواس و الحرمان عن المشرب الأتم المحمدي و المقام المحمود الجمعي و الكأس الأوفى و القدح المعلى الموجب لترك كثير من الفضائل و الخيرات و فوت السنن الشرعية و آداب الجمعة و الجماعات و انسداد أبواب مكارم الأخلاق و الحسنات و التعري عن حلية الكمالات النفسانية الحاصلة بالسياسات و التعطل عن اكتساب العلوم و استيضاح المبهمات و استكشاف المشكلات و حل الشبهات و التبرك بصحبة العلماء و خدمة المشايخ و الكبراء للمبتدي و المتوسط و الفوز بسعادة الشيخوخة و التأديب و الإصلاح للمنتهي و الكامل إلى غير ذلك.

كذا أفاد أستادنا قدس سره و المراد بآداب العلماء أما التأدب بها أو رعاية الآداب معهم.

و استثمار المال تمام المروة و ذلك لأنه به يتمكن من أن يأتي بما يليق به من الإنسانية.

و كف الأذى سواء كان أذى نفسه أو أذى غيره فيشمل التنزه عن مساوي الأخلاق كلها و صاحبه أفضل أصناف البشر لجمعه بين الرئاستين العلمية بقوة البصيرة و العملية بكمال القدرة

و لهذا عده من كمال العقل.

و فيه راحة البدن بدن نفسه و بدن غيره.

و لا يعد ما لا يقدر عليه الأظهر فيه التخفيف من الوعد و إن قرئ بالتشديد من الإعداد فمعناه لا يمهد أمرا من الأمور حتى يعلم أنه قادر على إتمامه و البلوغ إلى غايته.

الوافي، ج 1، ص: 106

و لا يرجو ما يعنف برجائه التعنيف التوبيخ و التقريع و اللؤم أي العاقل لا يرجو فوق ما يستحقه و لا يتطلع إلى ما لم يستعده و لا يتقدم على ما يخاف فوته أي لا يفعل فعلا قبل أوانه مبادرا إليه خوفا من أن يفوته في وقته بسبب عجزه عنه بل يفوض أمره إلى اللّٰه.

و لهذا الحديث ذيل في غير الكافي نذكره في كتاب الروضة إن شاء اللّٰه تعالى

[17]
اشارة

17- 17 الكافي، 1/ 20/ 13/ 1 علي بن محمد عن سهل رفعه قال قال أمير المؤمنين ع العقل غطاء ستير و الفضل جمال ظاهر فاستر خلل خلقك بفضلك و قاتل هواك بعقلك تسلم لك المودة و تظهر لك الحجة

بيان

العقل أي النظري ستير ساتر للعيوب الباطنة و غافر للذنوب الإمكانية أو مستور عن الحواس.

و الفضل أي الزائد على العقل النظري من حسن الخلق و الكرم و اللطف و المودة و سائر الأخلاق الحميدة و العلوم المتعلقة بها التي هي كمالات للقوة العملية جمال ظاهر لظهور آثارها.

فاستر خلل خلقك بضم الخاء أي فأجبر مساوي أخلاقك بفضلك أي بفضائلها و كمالاتها فإن من الأخلاق الرذيلة ما لا يمكن إزالته بالكلية لكونه معجونا في جبلة صاحبه و خلقه بفتح الخاء فالمجبول على صفة الجبن مثلا لا يصير شجاعا مقداما في الحروب سيما إذا تأكدت في نفسه بالنشو عليها مدة من العمر فغاية سعيه في معالجتها أن يمنعها من [عن] الظهور بمقتضاها و لا يمهلها أن يمضي أفعالها و لهذا أمر بالستر.

الوافي، ج 1، ص: 107

و قاتل هواك جهلك و جحودك الحق بعقلك بعلمك و حكمتك و إدراكك ما من شأنك أن تدركه و تركك الجحود لما لم تدركه بعد و دفعك العناد و اللجاج و الاستكبار و هذا كله مقدور لمن سبقت له العناية بالحسنى و لهذا أمر بالمقاتلة.

تسلم لك أي بالستر المودة يعني مودة الناس و محبتهم لك و تظهر لك أي بالمقاتلة.

الحجة يعني حجتك على الناس و فضلك عليهم فيطيعوك في الحق و يتبعوك فتفوز بسعادتي الصلاح و الإصلاح و الرشاد و الإرشاد.

و في نهج البلاغة هكذا الحلم غطاء ساتر و العقل حسام باتر فاستر

خلل خلقك بحلمك و قاتل هواك بعقلك

و هو أوضح و في بعض النسخ المحبة بدل الحجة يعني محبتك للناس و يحتمل أن يراد بالعقل ما يشمل النظري و العملي جميعا و بالفضل ما يعده الناس من المحاسن و المحامد و إن لم يكن كمالا أخرويا كما في قوله ص في حديث قسمة العلم الآتي و ما خلاهن فهو فضل و قس عليه شرح تمام الحديث

[18]
اشارة

18- 18 الكافي، 1/ 23/ 15/ 1 محمد عن أحمد عن ابن فضال الكافي، جماعة من أصحابنا عن ابن عيسى عن ابن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه ع قال ما كلم رسول اللّٰه ص العباد بكنه عقله قط و قال قال رسول اللّٰه ص إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم

بيان

المراد بالعباد جمهور الناس لا جميعهم لعدم دخول أمير المؤمنين ع في

الوافي، ج 1، ص: 108

هذا العموم لأنه كان بمنزلة نفسه و صاحب سره و نجواه و في هذا الحديث دلالة على المنع من بث العلوم و الحقائق إلى غير أهلها

[19]
اشارة

19- 19 الكافي، 1/ 23/ 16/ 1 علي بن محمد عن سهل عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه قال قال أمير المؤمنين ع إن قلوب الجهال تستفزها الأطماع و ترتهنها المنى و تستغلقها الخدائع

بيان

تستفزها تستخفها و تخرجها من مقرها فإنك ترى أحدهم كثيرا ما ينزعج من مكانه بطمع فاسد لا أصل له و لا طائل تحته.

ترتهنها تقيدها و المنى جمع المنية بمعنى التشهي و إرادة ما لا يتوقع حصوله من أحاديث النفس و تسويلات الشيطان فإنك تراهم كثيرا يفرحون بالأماني الباطلة و الآمال الكاذبة و تطمئن قلوبهم إليها.

و تستغلقها تستسخرها و تستعبدها و لهذا يَعِدُهُمْ الشيطان وَ يُمَنِّيهِمْ وَ مٰا يَعِدُهُمُ الشَّيْطٰانُ إِلّٰا غُرُوراً و في بعض النسخ بإهمال العين أي تربطها بالحبال كالصيد و في بعضها بالقافين من القلق بمعنى الانزعاج

[20]
اشارة

20- 20 الكافي، 1/ 23/ 17/ 1 علي عن أبيه عن الأشعري عن الدهقان عن درست عن إبراهيم بن عبد الحميد قال قال أبو عبد اللّٰه ع

الوافي، ج 1، ص: 109

أكمل الناس عقلا أحسنهم خلقا

بيان

و ذلك لأن حسن الخلق تابع لكمال العقل و كما أن العقل عقلان مطبوع و مكتسب فكذلك حسن الخلق فمطبوعه تابع لمطبوعه و مكتسبه تابع لمكتسبه

[21]
اشارة

21- 21 الكافي، 1/ 23/ 18/ 1 علي عن أبيه عن أبي هاشم الجعفري قال كنا عند الرضا ع فتذاكرنا العقل و الأدب فقال يا أبا هاشم العقل حباء من اللّٰه و الأدب كلفة فمن تكلف الأدب قدر عليه و من تكلف العقل لم يزدد بذلك إلا جهلا

بيان

لفظة عن أبيه ليست في بعض النسخ و لعل إسقاطها سهو من النساخ إذ لا علي في صدر السند يروي عن الجعفري بغير واسطة كذا قيل.

و الحباء بالكسر العطاء يعني أن العقل غريزة من اللّٰه موهبة ليس للكسب فيه أثر أما مطبوعه فظاهر و أما مكتسبه فلأن كل إنسان ليس له صلاحية اكتساب العقل بل يختص ذلك بمن كان في جبلته قبوله فالقابلية للاكتساب موهبة.

و الأدب كلفة أي السيرة العادلة و الطريقة الحسنة في المحاورات و المعاشرات

الوافي، ج 1، ص: 110

و المكاتبات و ما يتعلق بمعرفتها و تحصيل ملكتها مما يتكلفه الإنسان و يتجشمه و يمكن له تحصيله بالكسب و إن لم يكن في جبلته

[22]
اشارة

22- 22 الكافي، 1/ 24/ 19/ 1 علي عن أبيه عن يحيى بن المبارك عن ابن جبلة عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه ع قال قلت له جعلت فداك إن لي جارا كثير الصلاة كثير الصدقة كثير الحج لا بأس به قال فقال يا إسحاق كيف عقله قال قلت جعلت فداك ليس له عقل قال فقال لا يرتفع بذلك منه

بيان

لا بأس به أي لا يظهر منه عداوة لأهل الدين و شدة على المؤمنين أو لا يطلع منه على معصية لا يرتفع بذلك أي بسبب أن ليس له عقل و في بعض النسخ لا ينتفع و الضميران المستتر و البارز يتعاكسان بحسب النسختين في المرجعين العمل و العامل

[23]
اشارة

23- 23 الكافي، 1/ 24/ 20/ 1 الحسين بن محمد عن السياري عن أبي يعقوب البغدادي قال قال ابن السكيت لأبي الحسن ع لما ذا بعث اللّٰه

الوافي، ج 1، ص: 111

موسى بن عمران بالعصا و يده البيضاء و آلة السحر و بعث عيسى بآلة الطب و بعث محمدا صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و على جميع الأنبياء بالكلام و الخطب فقال أبو الحسن ع إن اللّٰه لما بعث موسى ع كان الغالب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند اللّٰه بما لم يكن في وسعهم مثله و ما أبطل به سحرهم و أثبت به الحجة عليهم و إن اللّٰه بعث عيسى ع في وقت قد ظهرت فيه الزمانات و احتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عند اللّٰه بما لم يكن عندهم مثله و بما أحيا لهم الموتى و أبرأ الأكمه و الأبرص بإذن اللّٰه و أثبت به الحجة عليهم و إن اللّٰه بعث محمدا ص في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب و الكلام و أظنه قال و الشعر فأتاهم من عند اللّٰه من مواعظه و حكمه ما أبطل به قولهم و أثبت به الحجة عليهم قال فقال ابن السكيت تالله ما رأيت مثلك قط فما الحجة على الخلق اليوم

الوافي، ج 1، ص: 112

قال فقال ع العقل تعرف به الصادق على اللّٰه فتصدقه

و الكاذب على اللّٰه فتكذبه قال فقال ابن السكيت هذا و اللّٰه هو الجواب

بيان

قيل يعني بأبي الحسن الهادي ع و في الاحتجاج صرح بأنه الرضا بتقييده به ع و كذلك فعله في العيون و السحر ما لطف مأخذه و دق و خفي سببه و تخيل على غير حقيقته.

و المراد بالتي السحر و الطب ما يناسب آلتيهما و إلا فليس ذلك سحرا و لا ذاك طبا بل هما مما يبطل السحر و الطب و المعنى أنهم ع إنما أتوا بالغالب على أهل العصر لأنه أقوى و أتم في إثبات المقصود حيث عرفوا نهاية المقدور لهم فيه فإذا جاوزه حصل لهم العلم بأنه ليس من فعل أشباههم بخلاف غيره فإنه ربما يتوهم أنهم لو تناولوه و سعوا فيه بلغوا مبلغه.

الزمانات الآفات الواردة على بعض الأعضاء فيمنعها عن الحركة كالفالج و اللقوة و ربما يطلق المزمن على مرض طال زمانه و الزمن على من طال مرضه.

اليوم أي هذا الزمان الذي ليس الغالب على الخلق غريزة الفصاحة حتى يعرفوا حجية القرآن.

العقل فيه تنبيه على ترقي الاستعدادات و تلطف القرائح في هذه الأمة حتى استغنوا بعقولهم عن مشاهدة المعجزات المحسوسة فإن الإيمان بالمعجزة دين اللئام و منهج العوام و أهل البصيرة لا يقنعون إلا بانشراح الصدر بنور اليقين أَ فَمَنْ شَرَحَ اللّٰهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلٰامِ فَهُوَ عَلىٰ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ تعرف به الصادق على اللّٰه بعلمه بكتاب اللّٰه و مراعاته له و تمسكه بالسنة و حفظه لها و الكاذب على اللّٰه بجهله بالكتاب و تركه له و مخالفته السنة و عدم مبالاته بها قال في الاحتجاج و قد ضمن الرضا ص في كلامه هذا أن

الوافي، ج 1، ص: 113

العالم

لا يخلو في زمان التكليف من صادق من قبل اللّٰه يلتجئ المكلف إليه في ما اشتبه عليه من أمر الشريعة صاحب دلالة تدل على صدقه عليه تعالى يتوصل المكلف إلى معرفته بالعقل و لولاه لما عرف الصادق من الكاذب فهو حجة اللّٰه على الخلق أولا

[24]
اشارة

24- 24 الكافي، 1/ 25/ 22/ 1 علي بن محمد عن سهل عن محمد بن سليمان عن علي بن إبراهيم عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه ع قال حجة اللّٰه على العباد النبي ص و الحجة فيما بين العباد و بين اللّٰه العقل

بيان

يعني ما يقطع به عذرهم في تركهم لما به يتوصلون إلى سعادتهم و فيه نجاتهم هو النبي بعد تصديقهم بالله سبحانه و ما يقطع به عذرهم في تركهم لمعرفة اللّٰه سبحانه و التصديق به قبل ذلك هو العقل و لما كانت الحجة في الأول موصلة لهم إلى شي ء آخر غير اللّٰه أعني سعادتهم و كانوا معتقدين لإلهيته سبحانه أضاف الحجة إلى اللّٰه تعالى و أورد لفظة على و لما كانت في الثانية موصلة لهم إليه تعالى و كانوا غير معتقدين بعد لإلهيته و هي قد تكون حجة لهم و قد تكون حجة عليهم لاختلاف مراتب عقولهم قال فيما بينهم و بين اللّٰه.

الوافي، ج 1، ص: 114

و قال أستادنا رحمه اللّٰه ما محصله إن الناس إما أهل بصيرة و إما أهل حجاب و الحجة لله عليهم إما ظاهرة و إما باطنة و يكفي لأهل الحجاب الحجة الظاهرة إذ لا باطن لهم لأنهم عميان القلوب لا يبصرون بباطنهم شيئا لهم قلوب لا يفقهون بها فالحجة عليهم هو النبي مع معجزته و هي الحجة الظاهرة و أما أهل البصيرة فالحجة الظاهرة عليهم هو النبي ص و الباطنة هو العقل المكتسب مما استفادوا من النبي.

أقول هذا تحقيق حسن إلا أن إرادته من الحديث بعيدة قال و الحجتان لأهل البصيرة حجتان لهم على أنفسهم كما أنهما حجتان لله عليهم

[25]
اشارة

25- 25 الكافي، 1/ 25/ 21/ 1 الاثنان عن الوشاء عن المثنى الحناط عن قتيبة الأعشى عن ابن أبي يعفور عن مولى لبني شيبان عن أبي جعفر ع قال إذا قام قائمنا وضع اللّٰه يده على رءوس العباد فجمع بها [به] عقولهم و كملت به أحلامهم

بيان

قام أي بالأمر ظهر و خرج.

قائمنا و هو المهدي الموعود صاحب الزمان ص.

وضع اللّٰه يده أنزل رحمته و أكمل نعمته أو عبر باليد عن واسطة جوده و فيضه و المراد بها إما القائم ع أو العقل الذي هو أول ما خلق اللّٰه عن يمين عرشه أو ملك من ملائكة قدسه و نور من أنوار عظمته.

الوافي، ج 1، ص: 115

رءوس العباد نفوسهم الناطقة و عقولهم الهيولانية و عبر عنها بالرأس لأنها أرفع شي ء من أجزائهم الباطنة و الظاهرة.

فجمع بها بواسطة تلك اليد بالتعليم و الإلهام و إفاضة النور التام.

عقولهم فعلموا ذواتهم و عرفوا نفوسهم و استكملوا بالعلم و الحال و رجعوا إلى معدنهم الأصلي و عادوا من مقام التفرقة و الكثرة إلى مقام الجمعية و الوحدة و آبوا من الفصل إلى الوصل و أنابوا من الفرع إلى الأصل.

و الحلم بالكسر العقل و الجملتان متقاربتان في المعنى و هاهنا أسرار لطيفة لا يحتملها الأفهام و لا رخصة في إفشائها للأنام

[26]
اشارة

26- 26 الكافي، 1/ 25/ 23/ 1 العدة عن أحمد مرسلا قال قال أبو عبد اللّٰه ع دعامة الإنسان العقل و العقل منه الفطنة و الفهم و الحفظ و العلم و بالعقل يكمل و هو دليله و مبصره و مفتاح أمره فإذا كان تأييد عقله من النور كان عالما حافظا ذاكرا فطنا فهما فعلم بذلك كيف و لم و حيث و عرف من نصحه و من غشه فإذا عرف ذلك عرف مجراه و موصولة و مفصولة و أخلص الوحدانية لله و الإقرار بالطاعة فإذا فعل ذلك كان مستدركا لما فات و واردا على ما هو آت و يعرف ما هو فيه و لأي شي ء هو هاهنا

و من أين يأتيه و إلى ما هو صائر و ذلك كله من تأييد العقل

بيان

الدعامة العماد و ما يعتمد عليه و الأصل الذي ينشأ منه الفروع و الأحوال.

الوافي، ج 1، ص: 116

و مبصره من أبصره إذا جعله ذا بصيرة.

من النور أي نور البصيرة العلمية أو أول المخلوقات الذي خلقه اللّٰه من نوره و ذلك التأييد بكمال إشراقه عليها.

كيف أي صفته المستقرة فيه.

و لم أي سبب وجوده.

و حيث أي جهته و سمته أو مرتبته و مقامه.

مجراه مسلكه أ مستقيم أم معوج و إلى سمت المطلوب أو معدول عنه.

و موصولة و مفصولة ما يصل إليه و ما يفصل عنه.

مستدركا لما فات أي مستدركا لما فرط في جنب اللّٰه بالتوبة و التلافي.

على ما هو آت من الموت و البعث و ما بعدهما قبل أن يرد ذلك عليه.

يعرف ما هو فيه أي حقيقة هذه النشأة.

و لأي شي ء أي العلة التي بها هبط إلى هذا المنزل الأدنى.

و من أين يأتيه أي من أي مرتبة و عالم يأتي هو هذا العالم الذي هو فيه اليوم أو من أين يأتيه ما يأتيه.

و إلى ما هو صائر و إلى أي مقام و مصير سيرجع من هذا العالم أشار بذلك إلى العلم بأحوال المبدأ و المعاد و ما بينهما و النظر إليها حق النظر و الاعتبار بها حق الاعتبار على طبق

ما روي عن أمير المؤمنين ع حيث قال رحم اللّٰه امرء أعد لنفسه و استعد لرمسه و علم من أين و في أين و إلى أين

و الرمس القبر

[27]

27- 27 الكافي، 1/ 25/ 24/ 1 علي بن محمد عن سهل عن إسماعيل بن مهران عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّٰه ع قال العقل دليل المؤمن

الوافي، ج 1، ص: 117

[28]
اشارة

28- 28 الكافي، 1/ 25/ 25/ 1 الاثنان عن الوشاء عن حماد بن عثمان عن السري بن خالد عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رسول اللّٰه ص يا علي لا فقر أشد من الجهل و لا مال أعود من العقل

بيان

أعود أنفع من العائدة و هي المنفعة و العطف و الوجه فيه أن الرجل ينال بالعقل من المنافع و الخيرات و الحظوظ ما لا ينال بالمال و بالجهل يفوته من ذلك ما لا يفوته بالفقر و أيضا بالعقل يمكن الوصول إلى المال و بالمال لا يمكن الوصول إلى العقل

[29]
اشارة

29- 29 الكافي، 1/ 26/ 27/ 1 العدة عن أحمد عن النهدي عن الحسين بن خالد عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع الرجل آتيه و أكلمه ببعض كلامي فيعرفه كله و منهم من آتيه فأكلمه بالكلام فيستوفي كلامي كله ثم يرده علي كما كلمته و منهم من آتيه فأكلمه بالكلام فيقول أعد علي فقال يا إسحاق و ما تدري لم هذا قلت لا قال الذي تكلمه ببعض كلامك فيعرفه كله فذلك من عجنت نطفته بعقله و أما الذي تكلمه فيستوفي كلامك ثم يجيبك على كلامك فذاك الذي ركب عقله فيه في بطن أمه و أما الذي تكلمه بالكلام فيقول أعد علي فذاك الذي ركب عقله فيه بعد ما كبر فهو يقول لك أعد علي

الوافي، ج 1، ص: 118

بيان

ثم يرده علي كما كلمته أي يرده كما سمعه حافظا لألفاظه و معانيه.

عجنت نطفته بعقله أي عجنت مادة بدنه بأثر نور العقل منذ كانت نطفة للطافتها و قربها من الاعتدال.

ركب عقله فيه أي أثر العقل في بطن أمه لتوسط مادة بدنه في اللطافة و الكثافة و الاعتدال و الخروج عنه.

بعد ما كبر لكثافة مادة بدنه و بعدها عن الاعتدال المانع من قبول أثر العقل على قرب

[30]
اشارة

30- 30 الكافي، 1/ 26/ 28/ 1 العدة عن أحمد عن بعض من رفعه عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رسول اللّٰه ص إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصوم فلا تباهوا به حتى تنظروا كيف عقله

بيان

المباهات المفاخرة

[31]
اشارة

31- 31 الكافي، 1/ 26/ 29/ 1 بعض أصحابنا رفعه عن مفضل بن عمر عن أبي عبد اللّٰه ع قال يا مفضل لا يفلح من لا من لا يعقل و لا يعقل من لا يعلم و سوف ينجب من يفهم و يظفر من يحلم و العلم جنة و الصدق عز و الجهل ذل و الفهم مجد و الجود نجح و حسن الخلق مجلبة للمودة و العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس و الحزم مساءة الظن و بين المرء و الحكمة نعمة العالم و الجاهل

الوافي، ج 1، ص: 119

شقي بينهما و اللّٰه ولي من عرفه و عدو من تكلفه و العاقل غفور و الجاهل ختور و إن شئت أن تكرم فلن و إن شئت أن تهان فاخشن و من كرم أصله لأن قلبه و من خشن عنصره غلظ كبده و من فرط تورط و من خاف العاقبة تثبت عن التوغل فيما لا يعلم و من هجم على أمر بغير علم جدع أنف نفسه و من لم يعلم لم يفهم و من لم يفهم لم يسلم و من لم يسلم لم يكرم و من لم يكرم يهضم و من يهضم كان ألوم و من كان كذلك كان أحرى أن يندم

بيان

الفلاح الفوز بالمطلوب و النجاة و البقاء و المراد بالعقل المنفي العقل المكتسب و النجابة الكرامة في الذات و الحلم الأناة و الجنة بالضم السترة و الوقاية و المجد الكرم و النجح بالضم الظفر بالحوائج و المطالب و المجلبة بكسر الميم اسم الآلة و يحتمل المصدر و العالم بزمانه أي بأطوار زمانه و عادات أبناء دهره لا تهجم عليه اللوابس لا يقع في الشبهات و الأغاليط بل

يكون ذا حزم و احتياط.

و الحزم مساءة الظن الحزم إحكام الأمر و ضبطه و الأخذ بالثقة و المساءة مصدر ميمي و المراد بمساءة الظن التجويز العقلي الذي يقع بها الاحتياط لا اعتقاد الفساد أو القول بالسوء رجما بالغيب فإنه مذموم بل ينبغي أن يكون الإنسان حسن الظن بالخلائق و لا منافاة بين الأمرين.

و بين المرء و الحكمة نعمة العالم بفتح النون يعني أن الموصل للمرء إلى الحكمة تنعم العالم بعلمه فإنه إذا رآه المرء انبعثت نفسه إلى تحصيل الحكمة أو إضافة النعمة بالكسر بيانية أي العالم الذي هو نعمة من اللّٰه سبحانه يوصل المرء إلى الحكمة بتعليمه له إياها.

الوافي، ج 1، ص: 120

و الجاهل شقي بينهما أي له شقاوة حاصلة من بين المرء و الحكمة أو المتعلم و العالم و ذلك لأنه لا يزال يتعب نفسه إما بالحسد أو الحسرة على الفوت أو السعي في التحصيل مع عدم القابلية للفهم.

و قال أستادنا صدر المحققين طاب ثراه لعل المراد به أن الرجل الحكيم من لدن عقله و تمييزه إلى بلوغه حد الحكمة يتنعم بنعمة العلم و نعيم العلماء فإنه لا يزال في نعمة من أغذية العلوم و فواكه المعارف فإن معرفة الحضرة الإلهية لروضة فيها عين جارية و أشجار مثمرة قطوفها دانية بل جنة عرضها كعرض السماء و الأرض و الجاهل بين مبدإ أمره و منتهى عمره في شقاوة عريضة و أمل طويل و معيشة ضنك و ضيق صدر و ظلمة قلب إلى قيام ساعته و كشف غطائه و في الآخرة عذاب شديد.

ولي من عرفه الولي القريب و المحب و المعرفة تستلزم القرب و الود.

و عدو من تكلفه أي العرفان و المتكلف بالعرفان المتصنع المرائي به

هو أخبث ذاتا و أشد بعادا عن الحق من الجاهل المحض إذ النفاق أسوأ من الكفر.

و العاقل غفور لقربه من منبع الرحمة و المغفرة.

و الجاهل ختور غدار كثير الغدر لقربه من معدن المكر و الخديعة و في بعض النسخ بالمثلثة من الخثورة و هي نقيض الرقة.

و من خشن عنصره أصله و نسبه و طينته غلظ كبده لأن الأبدان تابعة للأرواح و هي معادن كمعادن الذهب و الفضة عبر بالكبد عن القوى البدنية لأنه مناطها و منبعها و إنما عدل عن القلب إلى الكبد تنبيها على أن الجاهل لا قلب له فإن القلب يطلق على محل المعرفة و الإيمان قال اللّٰه سبحانه إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَذِكْرىٰ لِمَنْ كٰانَ لَهُ قَلْبٌ.

و من فرط تورط أي من قصر في طلب الخير و النجاة وقع في ورطة الشر و الهلاك.

و التوغل الدخول في الشي ء و الجدع بالجيم و المهملتين قطع الأنف و هو

الوافي، ج 1، ص: 121

كناية عن الخزي و الذل.

و من لم يعلم لم يفهم أي من لم يكن عالما بشي ء لم يميز الحق من الباطل فيه فلم يسلم من ارتكاب الباطل و الهضم الكسر و الظلم و في بعض النسخ تهضم من باب التفعل و هو أوفق بنظائره لدلالته على المضي و حاصل آخر الحديث إن من لم يكن من أهل العلم و المعرفة كان من أهل اللؤم و العيب فهو أحرى الناس بالحسرة و الندامة

[32]
اشارة

32- 32 الكافي، 1/ 27/ 30/ 1 محمد رفعه قال قال أمير المؤمنين ع من استحكمت لي فيه خصلة من خصال الخير احتملته عليها و اغتفرت فقد ما سواها و لا أغتفر فقد عقل و لا دين لأن مفارقة

الدين مفارقة الأمن فلا يتهنأ بحياة مع مخافة و فقد العقل فقد الحياة و لا يقاس إلا بالأموات

بيان

استحكمت لي أثبتت في نفسه بحيث يصير خلقا له و ملكة راسخة فيه.

خصلة واحدة أية خصلة كانت من خصال الخير من جنود العقل الخمسة و السبعين التي مر ذكرها كالفهم أو السخاء أو حسن الخلق مثلا.

احتملته عليها قبلته و رحمته على تلك الخصلة في الدنيا و شفعت له و لا أدعه يعذب بالنار في الآخرة.

و اغتفرت فقد ما سواها إلا فقد العقل و الدين فإن فقد شي ء منهما غير مغتفر أصلا و لو تحقق معه ألف حسنة لأن أحدهما بمنزلة الأمن الذي بدونه لا يتهنأ بالحياة و الآخر بمنزلة الحياة التي من فقدها فهو من الأموات و ذلك لأن من لا دين له فهو لا يزال في مخافة أن تنزل به نقمة من اللّٰه و من لا عقل له فهو لا يزال يتعاطى ما ضره أقرب من نفعه فحياته كلا حياة و لا يقاس إلا بالأموات

الوافي، ج 1، ص: 122

[33]
اشارة

33- 33 الكافي، 1/ 27/ 31/ 1 علي عن موسى بن إبراهيم المحاربي عن الحسن بن موسى عن موسى بن عبد اللّٰه عن ميمون بن علي عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال أمير المؤمنين ع إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله

بيان

إعجاب المرء بنفسه استعظامه نفسه بما يرى فيه من الكمال علما كان أو عملا أو وجدان مال أو جاه أو غير ذلك مع نسيان إضافته إلى اللّٰه تعالى و منشأه قلة بصيرته و قصور علمه بحال نفسه من عجزه و اضطراره و ذلة بين يدي ربه و إبهام عاقبته إلى غير ذلك

[34]
اشارة

34- 34 الكافي، 1/ 28/ 33/ 1 علي بن محمد عن البرقي عن أبيه عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه ع قال ليس بين الإيمان و الكفر إلا قلة العقل قيل و كيف ذاك يا بن رسول اللّٰه قال إن العبد يرفع رغبته إلى مخلوق فلو أخلص نيته لله لأتاه الذي يريد في أسرع من ذلك

بيان

إلا قلة العقل و ذلك لأن الإيمان و الكفر عبارتان عن نور العقل و ظلمة الجهل إن العبد هذا مثل ضربه ع لتفهيم السائل و معناه إن قلة العقل تحمل صاحبها على أن يرفع حاجته إلى مخلوق و يعرض عن اللّٰه سبحانه و ذلك هو الشرك الذي هو من أنواع الكفر و فيه تنبيه على أنه كلما وقع من العبد من زلة أو معصية أو كفر فذلك من قلة عقله فلو أخلص نيته لله بأن علم و آمن بأن لا مؤثر في الوجود

الوافي، ج 1، ص: 123

و لا معطي للجود إلا اللّٰه سبحانه لم يرفع حاجته إلى مخلوق بل رفعها إلى اللّٰه وحده فأنجح في أسرع من ذلك

[35]
اشارة

35- 35 الكافي، 1/ 28/ 34/ 1 العدة عن سهل عن الدهقان عن أحمد بن عمر الحلبي عن يحيى بن عمران عن أبي عبد اللّٰه ع قال كان أمير المؤمنين ع يقول بالعقل استخرج غور الحكمة و بالحكمة استخرج غور العقل و بحسن السياسة يكون الأدب الصالح قال و كان يقول التفكر حياة قلب البصير كما يمشي الماشي في الظلمات بالنور بحسن التخلص و قلة التربص

بيان

بالعقل أي باستعمال العقل النظري و العملي معا.

استخرج غور الحكمة أي غوامض المعارف الحكمية و العلوم الإلهية.

و بالحكمة استخرج غور العقل أي بإدراك الحقائق العقلية و تحصيل المعارف الحكمية استخرج النفس من حد القوة إلى الفعل و من حد النقص إلى الكمال في باب العقل و المعقول و في التأدب بالآداب الصالحة و التخلق بالأخلاق الحميدة فتصير عقلا

الوافي، ج 1، ص: 124

كاملا بالفعل و هو المراد من غور العقل يعني غايته و كماله الأقصى.

و الحاصل أن كل مرتبة من العقل يقتضي استعداد الوصول إلى مرتبة من الحكمة إذا حصلت للنفس تجعلها مستعدة لفيضان مرتبة أخرى فوقها من العقل و بالعكس و هكذا يتدرجان في الاشتداد و الازدياد إلى أن يبلغا إلى الغاية القصوى و الدرجة العليا فبكل منهما يقع الوصول إلى غور الآخر و غايته.

بحسن السياسة أي باستعمال العقل العملي و تهذيب الأخلاق سواء كان السائس من خارج كالسلطان أو من داخل كحسن تدبير النفس.

التفكر حياة قلب البصير إشارة إلى كيفية استخراج الحكمة و السير في عالم الملكوت و شبه التفكر في ظلمات النفس بالنور في ظلمات الأرض ضربا للمثل.

بحسن التخلص أي من الورطات.

و قلة التربص أي بسرعة الوصول إلى المطلوب

الوافي، ج 1، ص: 125

باب 2 فرض طلب العلم و الحث عليه

[1]
اشارة

36- 1 الكافي، 1/ 30/ 1/ 1 علي عن أبيه عن الحسن بن أبي الحسين الفارسي عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رسول اللّٰه ص طلب العلم فريضة على كل مسلم ألا إن اللّٰه يحب بغاة العلم

بيان

العلم الذي طلبه فريضة على كل مسلم هو العلم الذي يستكمل به الإنسان بحسب نشأته الأخروية و يحتاج إليه في معرفة نفسه و معرفة ربه و معرفة أنبيائه و رسله و حججه و آياته و اليوم الآخر و معرفة العمل بما يسعده و يقربه إلى اللّٰه تعالى و بما يشقيه و يبعده عنه جل و عز.

و يختلف مراتب هذا العلم حسب اختلاف استعدادات أفراد الناس و اختلاف

الوافي، ج 1، ص: 126

حالات شخص واحد بحسب استكمالاته يوما فيوما فكلما حصل الإنسان مرتبة من العلم وجب عليه تحصيل مرتبة أخرى فوقها إلى ما لا نهاية له بحسب طاقته و حوصلته.

و لهذا قيل لأعلم الخلائق قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً و قيل وقت الطلب من المهد إلى اللحد هذا أقوم ما قيل فيه و بغاة العلم طلابه جمع باغ كهداة جمع هاد و باغ العلم عرفا من يكون اشتغاله به دائما بحيث يعرف به و يعد ذلك من أحواله كما هو ظاهر

[2]

37- 2 الكافي، 1/ 30/ 2/ 1 محمد عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد اللّٰه عن عيسى بن عبد اللّٰه العمري عن أبي عبد اللّٰه ع قال طلب العلم فريضة

[3]

38- 3 الكافي، 1/ 30/ 5/ 1 العدة عن البرقي عن يعقوب بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه رجل من أصحابنا رفعه قال قال أبو عبد اللّٰه ع قال رسول اللّٰه ص طلب العلم فريضة

[4]
اشارة

39- 4 الكافي، 1/ 30/ 3/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن بعض أصحابه قال سئل أبو الحسن ع هل يسع الناس ترك المسألة عما يحتاجون إليه فقال لا

بيان

عما يحتاجون إليه أي في أمور دينهم فالجواب على المسئول إن كان عالما به و إلا فالحوالة على العالم

الوافي، ج 1، ص: 127

[5]
اشارة

40- 5 الكافي، 1/ 30/ 4/ 1 علي بن محمد و غيره عن سهل و محمد عن ابن عيسى جميعا عن السراد عن هشام بن سالم عن أبي حمزة عن أبي إسحاق السبيعي عمن حدثه قال سمعت أمير المؤمنين ع يقول أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم و العمل به ألا و إن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال إن المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم و ضمنه و سيفي لكم و العلم مخزون عند أهله و قد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه

بيان

مقسوم إشارة إلى قوله سبحانه نَحْنُ قَسَمْنٰا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا مضمون لكم إشارة إلى قوله عز و جل وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلّٰا عَلَى اللّٰهِ رِزْقُهٰا عند أهله و هم علماء أهل البيت الذين هم أوصياء النبي ص و خلفاء اللّٰه في أرضه و حججه على خلقه ثم من أخذ عنهم و استفاد من محكمات كلامهم من غير تصرف فيه

[6]
اشارة

41- 6 الكافي، 1/ 31/ 6/ 1 علي بن محمد بن عبد اللّٰه عن البرقي عن عثمان عن علي بن أبي حمزة قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول تفقهوا في الدين فإنه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي إن اللّٰه يقول في كتابه لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ

الوافي، ج 1، ص: 128

بيان

تفقهوا في الدين حصلوا لأنفسكم البصيرة في علم الدين و الفقه أكثر ما يستعمل في القرآن و الحديث يكون بهذا المعنى و الفقيه هو صاحب هذه البصيرة و علم الدين هو العلم الأخروي الكمالي الذي أشرنا إليه آنفا و يدخل فيه معرفة آفات النفوس و مفسدات الأعمال و الإحاطة بحقارة الدنيا و التطلع إلى نعيم الآخرة و استيلاء الخوف على القلب كما يدل عليه قوله سبحانه وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ و معرفة مهمات الحلال و الحرام و شرائع الأحكام على ما جاء به النبي ص و بلغ عنه أهل البيت ع في محكماتهم دون ما يستنبط من المتشابهات و يستكثر به المسائل و التفريعات كما اصطلح عليه القوم اليوم.

أعرابي عامي جاهل بأمر الدين بفتح الهمزة منسوب إلى الأعراب و هم سكان البوادي الذين لا يدخلون الأمصار إلا لحاجة دنيوية و يكونون جهله لا يعرفون مناهج الشريعة و الدين قال اللّٰه تعالى الْأَعْرٰابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفٰاقاً وَ أَجْدَرُ أَلّٰا يَعْلَمُوا حُدُودَ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ و يقابله المهاجر و هو الذي هجر وطنه و فارقه لأجل اكتساب البصيرة في الدين و تعلم الفقه و اليقين

[7]
اشارة

42- 7 الكافي، 1/ 31/ 7/ 1 الحسين بن محمد عن جعفر بن محمد عن القاسم بن الربيع عن مفضل بن عمر قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول عليكم بالتفقه في دين اللّٰه و لا تكونوا إعرابا فإنه من لم يتفقه في دين اللّٰه لم ينظر اللّٰه إليه يوم القيامة و لم يزك له عملا

الوافي، ج 1، ص: 129

بيان

لم ينظر اللّٰه إليه يعني بعين اللطف و العناية لأن قلبه مظلم فلا يصلح لأن يقع موضع نظر اللّٰه سبحانه.

و النظر يكنى به عن الرحمة و العطوفة و الاختيار كما يكنى بتركه عن الغضب و المقت و الكراهة.

و لم يزك له عملا لأن العامل من غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزداده كثرة السير إلا بعدا

[8]
اشارة

43- 8 الكافي، 1/ 31/ 8/ 1 النيسابوريان عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّٰه ع قال لوددت أن أصحابي ضربت رءوسهم بالسياط حتى يتفقهوا

بيان

السياط جمع سوط و هو ما يجلد به

[9]
اشارة

44- 9 الكافي، 1/ 31/ 9/ 1 علي بن محمد عن سهل عن محمد بن عيسى عمن رواه عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال له رجل جعلت فداك رجل عرف هذا الأمر لزم بيته و لم يتعرف إلى أحد من إخوانه قال فقال كيف يتفقه هذا في دينه

الوافي، ج 1، ص: 130

بيان

المراد بهذا الأمر التشيع و معرفة حجية أهل البيت ع و في الحديث دلالة على أن اعتزال العامي الجاهل بأمر الدين لا خير له بل هو حرام لاستلزامه فوت الفريضة التي هي التعلم و التفقه

[10]

45- 10 الكافي، 1/ 32/ 3/ 1 الاثنان عن الوشاء عن حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه ع قال إذا أراد اللّٰه بعبد خيرا فقهه في الدين

[11]
اشارة

46- 11 الكافي، 1/ 33/ 6/ 1 القمي عن محمد بن حسان عن إدريس بن الحسن عن أبي إسحاق الكندي عن بشير الدهان قال قال أبو عبد اللّٰه ع لا خير فيمن لا يتفقه من أصحابنا يا بشير إن الرجل منهم إذا لم يستغن بفقهه احتاج إليهم فإذا احتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم و هو لا يعلم

بيان

مرجع ضمائر الجمع العامة سوى الأول فإن مرجعه الأصحاب

[12]
اشارة

47- 12 الكافي، 8/ 242/ 333/ 1 العدة عن البرقي عن بعض أصحابنا عن محمد بن الهيثم عن زيد بن الحسن قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول من كانت له حقيقة ثابتة لم يقم على شبهة هامدة حتى يعلم منتهى الغاية و يطلب الحادث من الناطق عن الوارث بأي شي ء جهلتم ما أنكرتم و بأي شي ء عرفتم ما أبصرتم إن كنتم مؤمنين

الوافي، ج 1، ص: 131

بيان

الهمود السكون و التسكين يعني من كان له قدم راسخ في الدين و همة عالية في طلب اليقين لم يصبر على الوقوع في شبهة دينية ساكنة فيه أو مسكنة له دون أن يطلب الخروج منها و التخلص عنها حتى يعلم منتهى غاية كل شي ء و ذلك بأن يكتسب العلم الجديد الذي يميط عن قلبه كل شبهة ممن ينطق عن الوارث للكتب المنزلة و العلوم الإلهية من النبيين و المصطفين.

و هل جهلتم ما جهلتم إلا بوقوفكم على الشبهة الساكنة و رضاكم بالجهل اللازم و ترككم لطلب العلم من أهله و هل عرفتم ما عرفتم إن كنتم من أهل البصيرة و الإيمان إلا بأخذكم العلم من أهله و تعلمكم من العالم به فما الذي يثبطكم عن ذلك و في هذا الحديث حث و كيد و ترغيب شديد على التفقه في الدين و استزادة اليقين و يحتمل أن يكون في الحديث إشارة إلى وجوب معرفة الإمام و أريد بالحادث الإمام الذي يكون بعد الناطق عن الوارث

[13]
اشارة

48- 13 الكافي، 1/ 32/ 4/ 1 النيسابوريان عن حماد بن عيسى عن ربعي عن رجل عن أبي جعفر ع قال قال الكمال كل الكمال التفقه في الدين و الصبر على النائبة و تقدير المعيشة

بيان

النائبة المصيبة و تقدير المعيشة تعديلها و تقويمها بحيث لا يميل إلى طرفي الإسراف و التقتير كما قال اللّٰه سبحانه وَ الَّذِينَ إِذٰا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كٰانَ بَيْنَ ذٰلِكَ قَوٰاماً

الوافي، ج 1، ص: 132

و في بعض ألفاظ هذه الرواية و حسن تقدير المعيشة كما يأتي في كتاب المعايش و لعمري إن التكاليف الشاقة منحصرة في هذه الثلاث

[14]
اشارة

49- 14 الكافي، 1/ 33/ 7/ 1 علي بن محمد عن سهل عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّٰه ع عن آبائه ع قال قال رسول اللّٰه ص لا خير في العيش إلا لرجلين عالم مطاع أو مستمع واع

بيان

العيش الحياة و الواعي الحافظ و الجامع

الوافي، ج 1، ص: 133

باب 3 صفة العلم

[1]
اشارة

50- 1 الكافي، 1/ 32/ 1/ 1 محمد بن الحسن و علي بن محمد عن سهل عن محمد بن عيسى عن الدهقان عن درست عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى ع قال دخل رسول اللّٰه ص المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل فقال ما هذا فقيل علامة فقال و ما العلامة فقالوا له أعلم الناس بأنساب العرب و وقائعها و أيام الجاهلية و الأشعار و العربية قال فقال النبي ص ذاك علم لا يضر من جهله و لا ينفع من علمه ثم قال النبي ص إنما العلم ثلاثة آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة و ما خلاهن فهو فضل

الوافي، ج 1، ص: 134

بيان

علامة أي كثير العلم و التاء فيه للمبالغة.

لا يضر من جهله نبههم على أنه ليس بعلم في الحقيقة إذ العلم في الحقيقة هو الذي يضر جهله في المعاد و ينفع اقتناؤه يوم التناد لا الذي يستحسنه العوام و يكون مصيده للحطام ثم بين لهم العلم النافع المحثوث عليه في الشرع و حصره في ثلاثة.

و كان الآية المحكمة إشارة إلى أصول العقائد فإن براهينها الآيات المحكمات من العالم أو من القرآن و في القرآن في غير موضع إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ أو لَآيَةً حيث يذكر دلائل المبدأ و المعاد و الفريضة العادلة إشارة إلى علوم الأخلاق التي محاسنها من جنود العقل و مساويها من جنود الجهل فإن التحلي بالأول و التخلي عن الثاني فريضة و عدالتها كناية عن توسطها بين طرفي الإفراط و التفريط و السنة القائمة إشارة إلى شرائع الأحكام و مسائل الحلال و الحرام و انحصار العلوم الدينية في هذه الثلاثة معلوم و هي التي جمعها

هذا الكتاب و هي مطابقة على النشئات الثلاث الإنسانية فالأول على عقله و الثاني على نفسه و الثالث على بدنه بل على العوالم الثلاثة الوجودية التي هي عالم العقل و الخيال و الحس فهو فضل زائد لا حاجة إليه أو فضيلة و لكنه ليس بذاك

الوافي، ج 1، ص: 135

[2]
اشارة

51- 2 الكافي، 1/ 50/ 11/ 1 علي عن أبيه عن القاسم بن محمد عن المنقري عن سفيان بن عيينة قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول وجدت علم الناس كله في أربع أولها أن تعرف ربك و الثاني أن تعرف ما صنع بك و الثالث أن تعرف ما أراد منك و الرابع أن تعرف ما يخرجك من دينك

بيان

في أربع لأن الغاية فيه إما مجرد العلم أو العمل بموجبه و الأول إما متعلق بأحوال المبدأ أو المعاد و الثاني إما المطلوب فيه اقتناء فضيلة أو اجتناب رذيلة فهذه أربعة أقسام أن تعرف ربك إشارة إلى القسم الأول و يندرج فيه معرفة ذات اللّٰه و وحدانيته و معرفة صفاته العليا و أسمائه الحسنى و معرفة آثاره و أفعاله و قضائه و قدره و عدله و حكمته.

ما صنع بك إشارة إلى معرفة النفس و أحوالها و مقاماتها و معرفة ما تعود إليه و تنشأ منه و كيفية نشوء الآخرة من الدنيا و معرفة الموت و البعث و الصراط و الحساب و الميزان و الثواب و العقاب و الجنة و النار فإن جميع هذه الأمور مما صنعه اللّٰه بالنفس الإنسانية و فيها و منها و ليس شي ء منها خارجا عن ذات النفس.

ما أراد منك إشارة إلى معرفة الفضائل النفسانية ليمكن اكتسابها و هي

الوافي، ج 1، ص: 136

الأخلاق الحسنة و الملكات الحميدة التي هي من جنود العقل كالعلم و الكرم و العفة و الصبر و الشكر و التوكل و الرضا و ما يجري مجراها و يندرج فيها العلم بالأوامر و ما يتعلق بها من المعاملات التي يؤتى بها.

ما يخرجك من دينك إشارة إلى معرفة الرذائل النفسانية ليمكن

اجتنابها و هي الأخلاق السيئة و الملكات المذمومة التي هي من جنود الجهل كإعدام تلك الفضائل أو أضدادها و يندرج فيها العلم بالنواهي و ما يتعلق بها من المعاملات التي ينتهي عنها و القسمان الأولان من هذه الأربعة يندرجان في الأول من الثلاثة المذكورة في الخبر السابق و الآخران يقتسمان الآخرين فالخبران متوافقان

[3]
اشارة

52- 3 الكافي، 1/ 49/ 7/ 1 الاثنان عن محمد بن جمهور عن التميمي عن من ذكره عن أبي عبد اللّٰه ع قال من حفظ من أحاديثنا أربعين حديثا بعثه اللّٰه يوم القيامة عالما فقيها

بيان

هذا الحديث مشهور مستفيض بين الخاصة و العامة بل قال بعضهم بتواتره و قد رواه أصحابنا بطرق كثيرة مع اختلاف في اللفظ

فمنها ما رواه الصدوق بإسناده عن الكاظم ع قال قال رسول اللّٰه ص من حفظ على أمتي أربعين حديثا مما يحتاجون إليه في أمر دينهم بعثه اللّٰه يوم القيامة فقيها عالما و في رواية أخرى كنت له شفيعا يوم القيامة

و كأن على بمعنى اللام أي لأجلهم أو يكون لتضمين معنى الشفقة و نحوها و في الرواية الأخرى من مكان على و حفظ الحديث ضبطه و فهم معانيه و روايته و حراسته عن الاندراس سواء كان عن ظهر القلب أو بالكتابة.

الوافي، ج 1، ص: 137

و حافظ اللفظ فقط من دون فهم المعنى مأجور مرحوم

لقوله ص رحم اللّٰه امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب حامل فقه ليس بفقيه و رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه

إلا أن دخوله في هذا الحديث بعيد لأنه ليس بفقيه و لا عالم فكيف يبعث فقيها عالما و أحاديث أهل البيت ع لها مزيد اختصاص و شرف ليس في غيرها مما روته العامة و لا سيما روايات العامة لا اعتماد عليها لكثرة كذبهم فيها لأغراضهم الفاسدة و لهذا قال من أحاديثنا و لا بد من المغايرة بين أفراد هذا العدد في المعنى و المضمون دون اللفظ فقط و أن تكون من الأمور الدينية كما هو المصرح به في بعضها أعني العلوم

الثلاثة التي ذكرناها آنفا و لعل الوجه في تعيين عدد الأربعين أن اكتساب هذا المقدار من العلم يورث في القلب غالبا ملكة علمية و بصيرة نورية يقتدر بها على استحضار غيرها من المعلومات فيبعث في زمرة الفقهاء و العلماء أو أن مجامع العلوم الثلاثة و رءوس مسائلها تئول إلى ذلك كما يدل عليه

ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه في الخصال في هذا المعنى عن علي بن أحمد بن موسى الدقاق و الحسين بن إبراهيم بن هشام المكتب و محمد بن أحمد السناني رضي اللّٰه عنهم قالوا حدثنا موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي و إسماعيل بن أبي زياد جميعا عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي ع قال إن رسول اللّٰه ص أوصى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فيما كان أوصى به أن قال له يا علي من حفظ من أمتي أربعين حديثا يطلب بذلك وجه اللّٰه عز و جل و الدار الآخرة حشره اللّٰه يوم القيامة مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا فقال علي ع يا رسول اللّٰه ما هذه الأحاديث فقال إن تؤمن بالله وحده لا شريك له و تعبده و لا تعبد غيره

الوافي، ج 1، ص: 138

و تقيم الصلاة بوضوء سابغ في مواقيتها و لا تؤخرها فإن في تأخيرها من غير علة غضب الرب عز و جل و تؤدي الزكاة و تصوم شهر رمضان و تحج البيت إذا كان لك مال و كنت مستطيعا و أن لا تعق والديك و لا تأكل مال اليتيم ظلما

و لا تأكل الربا و لا تشرب الخمر و لا شيئا من الأشربة المسكرة و أن لا تزني و لا تلوط و لا تمشي بالنميمة و لا تحلف بالله كاذبا و لا تسرق و لا تشهد شهادة الزور لأحد قريبا كان أو بعيدا و أن تقبل الحق ممن جاء به صغيرا كان أو كبيرا و أن لا تركن إلى ظالم و إن كان حميما قريبا و أن لا تعمل بالهوى و لا تقذف المحصنة و لا ترائي فإن أيسر الرياء شرك بالله عز و جل و أن لا تقول لقصير يا قصير و لا لطويل يا طويل تريد بذلك عيبه و أن لا تسخر من خلق اللّٰه و أن تصبر على البلاء و المصيبة و أن تشكر نعم اللّٰه التي أنعم اللّٰه بها عليك و أن لا تأمن عقاب اللّٰه على ذنب تصيبه و أن لا تقنط من رحمة اللّٰه و أن تتوب إلى اللّٰه عز و جل من ذنوبك فإن التائب من ذنوبه كمن لا ذنب له و أن لا تصر على الذنوب مع الاستغفار فتكون كالمستهزئ بالله و آياته و رسله و أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك و أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك و أن لا تطلب سخط الخالق برضا المخلوقين و أن لا تؤثر الدنيا على الآخرة و أن تؤثر الآخرة على الدنيا لأن الدنيا فانية و الآخرة باقية و أن لا تبخل على إخوانك مما تقدر عليه و أن تكون سريرتك كعلانيتك و أن لا تكون علانيتك حسنة و سريرتك قبيحة فإن فعلت ذلك كنت من المنافقين و أن لا تكذب و لا تخالط الكذابين و أن

لا تغضب إذا سمعت حقا و أن تؤدب

الوافي، ج 1، ص: 139

نفسك و أهلك و ولدك و جيرانك على حسب الطاقة و أن تعمل بما علمت و لا تعاملن أحدا من خلق اللّٰه عز و جل إلا بالحق و أن تكون سهلا للقريب و البعيد و أن لا تكون جبارا عنيدا و أن تكثر من التسبيح و التقديس و التهليل و الدعاء و ذكر الموت و ما بعده من القيامة و الجنة و النار و أن تكثر من قراءة القرآن و تعمل بما فيه و أن تستغنم البر و الكرامة بالمؤمنين و المؤمنات و لا تمل من فعل الخير و أن تنظر إلى ما لا ترضى فعله لنفسك فلا تفعله بأحد من المؤمنين و لا تثقل على أحد و أن لا تمن على أحد إذا أنعمت عليه و أن تكون الدنيا عندك سجنا حتى يجعل اللّٰه لك جنته فهذه أربعون حديثا من استقام عليها و حفظها عني من أمتي دخل الجنة برحمة اللّٰه و كان من أفضل الناس و أحبهم إلى اللّٰه عز و جل بعد النبيين و الصديقين و حشره اللّٰه يوم القيامة مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا

و على هذا الحديث يكون المراد بالحفظ العمل كما ظهر من سياقه

[4]
اشارة

53- 4 الكافي، 1/ 48/ 4/ 1 علي بن محمد عن سهل عن الأشعري عن القداح عن أبي عبد اللّٰه عن آبائه ع قال جاء رجل إلى رسول اللّٰه ص فقال يا رسول اللّٰه ما العلم فقال الإنصات قال ثم مه قال الاستماع قال ثم مه قال الحفظ قال ثم مه قال العمل به قال ثم مه

يا رسول اللّٰه قال نشره

الوافي، ج 1، ص: 140

بيان

تعريف العلم بهذه الأمور من باب تعريف الشي ء بعلاماته و أسبابه و غاياته فعلامة حصول العلم في أحد كونه متصفا بهذه الصفات و سبب حدوثه الإنصات و الاستماع من المعلم خارجيا كان أو داخليا بالإذن الحسي أو الإذن العقلي كما للأنبياء و الأولياء و سبب بقائه حفظه و العمل بموجبه و غايته المتفرعة عليه في الدنيا العمل به و نشره و أما غايته الذاتية فالتقرب إلى اللّٰه تعالى

الوافي، ج 1، ص: 141

باب 4 فضل العلماء

[1]
اشارة

54- 1 الكافي، 1/ 32/ 2/ 1 محمد عن ابن عيسى عن البرقي عن أبي البختري عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن العلماء ورثة الأنبياء و ذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا و إنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشي ء منها فقد أخذ حظا وافرا فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين

الوافي، ج 1، ص: 142

بيان

ورثة الأنبياء يعني ورثهم من غذاء الروح لأنهم أولادهم الروحانيون الذين ينتسبون إليهم من جهة أرواحهم المتغذية بالعلم المستفاد منهم ع كما أن من كان من نسلهم ورثتهم من غذاء الجسم لأنهم أولادهم الجسمانيون الذين ينتسبون إليهم من جهة أجسادهم المتغذية بالغذاء الجسماني حظا وافرا كثيرا لأن قليل العلم خير مما طلعت عليه الشمس.

فانظروا يعني لما ثبت أن العلم ميراث الأنبياء فلا بد أن يكون مأخوذا عن الأنبياء ع و عن أهل بيت النبوة الذين هم مستودع أسرارهم و فيهم أصل شجرة علمهم دون غيرهم فإن المجاوزين عن الوسط الحق يحرفون الكلم عن مواضعه بحسب أهوائهم و المبطلون يدعون لأنفسهم العلم و يلبسون الحق بالباطل لفساد أغراضهم.

و الجاهلون يأولون المتشابهات على غير معانيها المقصودة منها لزيغ قلوبهم فيشتبه بسبب ذلك طريق التعلم على طلبه العلم و في أهل بيت النبي ص في كل خلف بعد سلف أمة وسط لهم الاستقامة في طريق الحق من غير غلو و لا تقصير و لا زيغ و لا تحريف يعني الإمام المعصوم و خواص شيعته الأمناء على إسراره الحافظين لعلمه الضابطين لأحاديثه.

فإن الأرض لا تخلو منهم أبدا و هم لا يزالون ينفون

عن العلم تحريف الغالين و تلبيس المبطلين و تأويل الجاهلين فخذوا علمكم عنهم دون غيرهم لتكونوا ورثة الأنبياء و هذا الحديث ناظر إلى

ما روي عن النبي ص أنه قال يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و تفسير للعدول الوارد فيه.

الوافي، ج 1، ص: 143

و الخلف بالتحريك و السكون كل من يجي ء بعد من مضى إلا أنه بالتحريك في الخير و بالتسكين في الشر يقال خلف صدق و خلف شر

[2]

55- 2 الكافي، 1/ 33/ 5/ 1 محمد عن ابن عيسى عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّٰه ع قال العلماء أمناء و الأتقياء حصون و الأوصياء سادة

[3]
اشارة

56- 3 الكافي، 1/ 33/ 5/ 1 و في رواية أخرى العلماء منار و الأتقياء حصون و الأوصياء سادة

بيان

أمناء أي أمناء اللّٰه في أرضه لأنهم حملة كتابه و حفظة إسراره و خزنة حكمته حصون أي للشريعة لأن بالتقوى يدفع فساد المفسدين فإن مواظبة أهل التقوى على فعل الطاعات و ترك المنكرات تؤثر تأثيرا عظيما في قلوب الناس فلا يجترءون على هتك حرمة الشريعة و هدم حصونها أو للأمة لأن بهم و بتقواهم يدفع العذاب عن غيرهم.

سادة أي رؤساء لأنهم يعظمون و تطاع أوامرهم و نواهيهم و ليس لأحد الخروج من طاعتهم و أيضا لأنهم أجل العلماء و أعظمهم و العلماء سادات الناس لأنهم في رتبة الإنسانية و حقيقة الآدمية و هي العقل و التمييز و الروية و النطق فهم أعظمهم و أكملهم و الأفضل من الأفضل أولى بأن يكون أفضل و أجل فالأوصياء أولى بأن يكونوا سادة الخلائق أجمعين ما خلا النبيين و المرسلين.

منار لأن بهم يعرف معالم دين اللّٰه و سبيل طاعته و طريق رضوانه و المنار جمع منارة و هي موضع النور و علم الطريق

الوافي، ج 1، ص: 144

[4]
اشارة

57- 4 الكافي، 1/ 33/ 8/ 1 الثلاثة و محمد عن أحمد عن ابن أبي عمير عن سيف بن عميرة عن أبي حمزة عن أبي جعفر ع قال عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد

بيان

و ذلك لأن بالعلم حياة النشأة العقلية و التحلي بالفضائل النفسانية و التخلي عن الأخلاق الردية و به ترى حقائق الأشياء كما هي و به تعرف الشرائع من الأوامر و النواهي و هو أصل كل سعادة و خير و دفع كل شقاوة و شر و هو غاية كل سعي و حركة و نهاية كل عمل و طاعة و به يصير الحيوان البشري ملكا مقربا و الجوهر الظلماني نورا عقليا و الأعمى بصيرا و الضال مهديا هاديا و السفلى علويا و المسجون في سجين صائرا في عليين.

و هذه النسبة أيضا أي نسبة السبعين ألف إلى الواحد إنما تكون متحققة لأجل ما في العبادة من رائحة العلم إذ معرفة الكيفية معتبرة فيها و إلا فلا نسبة بين العلم و مجرد العمل بلا معرفة

[5]
اشارة

58- 5 الكافي، 1/ 33/ 9/ 1 الحسين بن محمد عن أحمد بن إسحاق عن سعدان بن مسلم عن ابن عمار قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس و يشدده في قلوبهم و قلوب شيعتكم و لعل عابدا من شيعتكم ليست له هذه الرواية أيهما أفضل قال الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد

الوافي، ج 1، ص: 145

بيان

راوية أي كثير الرواية و التاء فيه للمبالغة كما في العلامة و النسابة و بث الحديث نشره و إظهاره و الشد القوة أي يقوي بسبب بث الحديث عقيدة قلوبهم و يزداد بذلك إيمانهم و محبتهم و في بعض النسخ بالمهملة من التسديد بمعنى التقويم و إنما فضل العالم على السبعين ألف و الراوي على الألف لأن الراوي لا يعتبر فيه أن يكون عالما فرب حامل فقه ليس بفقيه.

و إنما كان أفضل من العابد لأنه وسيلة لحصول العلم و استفادة المعرفة و اليقين لنفسه و لغيره بخلاف العابد فإنه لا يتعدى خيره و لو تعدى بالاقتداء صار وسيلة للعمل دون العلم و فرقان ما بين الوسيلتين كما بين أصليهما

[6]
اشارة

59- 6 الفقيه، 4/ 398/ 5853 المعلى بن محمد عن أحمد بن محمد بن عبد اللّٰه عن عمرو بن زياد عن مدرك بن عبد الرحمن عن أبي عبد اللّٰه ع قال إذا كان يوم القيامة جمع اللّٰه عز و جل الناس في صعيد واحد و وضعت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء

بيان

قد بينا كيفية هذه الموازنة و معنى الموازين في رسالتنا الموسومة بميزان القيامة و السر في رجحان مداد العلماء على دماء الشهداء أن الأول وسيلة لحفظ الأديان عن الكفر و الضلال الموجبين للخلود في النار و الحرمان الدائم عن النعيم مع الأبرار و الثاني وسيلة لحفظ الأبدان و الأموال عن القتل و النهب في هذه الدار و أين ذا من ذاك

الوافي، ج 1، ص: 146

[7]

60- 7 الفقيه، 4/ 420/ 5919 قال أمير المؤمنين ع قال رسول اللّٰه ص اللهم ارحم خلفائي قيل يا رسول اللّٰه و من خلفاؤك قال الذين يأتون بعدي و يروون حديثي و سنتي

الوافي، ج 1، ص: 147

باب 5 فقد العلماء

[1]
اشارة

61- 1 الكافي، 1/ 38/ 1/ 1 العدة عن البرقي عن عثمان عن الخراز الكافي، محمد عن أحمد عن السراد عن الخراز عن سليمان بن خالد عن الفقيه، 1 186 559 أبي عبد اللّٰه ع قال ما من أحد يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من موت فقيه

بيان

و ذلك لأن شأن الفقيه إفادة العلم و تعليم الحق و إرشاد السبيل و الحث على الطاعة و الزجر عن المعصية و شأن إبليس إلقاء الشك و الوسوسة في النفوس و إراءة الباطل في صورة الحق و الإضلال و الحث على المعاصي فإذا كان منه على طرف الضد فلا محالة أحب فقده و ليس موت سائر المؤمنين عنده بهذه المنزلة و ليس في الفقيه لفظة من المؤمنين

الوافي، ج 1، ص: 148

[2]
اشارة

62- 2 الكافي، 1/ 38/ 1/ 1 الثلاثة عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه ع قال إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شي ء

بيان

الثلمة الخلل في الحائط و نحوه شبه الإسلام بمدينة و العلماء بمنزلة الحصن لها

[3]

63- 3 الكافي، 1/ 38/ 3/ 1 محمد عن أحمد عن السراد عن علي بن أبي حمزة قال سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر ع يقول إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة و بقاع الأرض التي كان يعبد اللّٰه عليها و أبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله و ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شي ء لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها

[4]

64- 4 الكافي، 3/ 254/ 13/ 1 سهل و علي عن أبيه جميعا عن السراد عن ابن رئاب قال سمعت أبا الحسن ع يقول الحديث بدون لفظة الفقهاء

[5]
اشارة

65- 5 الفقيه، 1/ 139/ 381 قال الصادق ع إذا مات المؤمن بكت عليه بقاع الأرض التي كان يعبد اللّٰه عز و جل فيها و الباب الذي كان يصعد منه عمله و موضع سجوده

بيان

سبب بكاء الملائكة و الأرض و السماء على المؤمن أن المقصد الأقصى من خلق

الوافي، ج 1، ص: 149

العالم إنما هو الإيمان الحقيقي المنبعث عن العلم و العبادة و وجود المؤمن العالم فيه فإذا فقد المؤمن العالم عن العالم أو نقض من أفراده ساء حال العالم بالفتح لا محالة و حال أجزائه سيما ما يتعلق منه بالمؤمن نفسه من الملائكة التي كانت مسرورة بحفظه و خدماته و البقاع التي كانت معمورة بحركاته و سكناته و أبواب السماء التي كانت مفتوحة لصعود أعماله و حسناته

[6]
اشارة

66- 6 الكافي، 1/ 38/ 5/ 1 علي بن محمد عن سهل عن ابن أسباط عن عمه عن داود بن فرقد قال قال أبو عبد اللّٰه ع إن أبي كان يقول إن اللّٰه تعالى لا يقبض العلم بعد ما يهبطه و لكن يموت العالم فيذهب بما يعلم فتليهم الجفاة فيضلون و يضلون و لا خير في شي ء ليس له أضل

بيان

إنما لا يقبض العلم بعد إهباطه لأن العلم إذا حصل في نفس العالم صار صورة ذاته فلا يقبل الزوال عنه فتليهم من الولاية بالكسر و هي الإمارة و السلطنة و في بعض النسخ فتأمهم من الإمامة و الجفاة أهل النفوس الغليظة و القلوب القاسية الغير القابلة لاكتساب العلم فضلا عن أن تكون عالمة جمع الجافي من الجفاء و هو الغلظ في المعاشرة و الخرق في المعاملة و ترك الرفق و اللين و لما كان بناء الولاية و السياسة على العلم فلا خير في ولاية لا علم لصاحبها

[7]
اشارة

67- 7 الكافي، 1/ 38/ 6/ 1 العدة عن أحمد عن محمد بن علي عمن ذكره عن جابر عن أبي جعفر ع قال كان علي بن الحسين ع

الوافي، ج 1، ص: 150

يقول إنه يسخي نفسي في سرعة الموت و القتل فينا قول اللّٰه تعالى أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّٰا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهٰا مِنْ أَطْرٰافِهٰا و هو ذهاب العلماء

بيان

يعني مفاد هذه الآية يجعل نفسي سخية في سرعة الموت أو القتل فينا أهل البيت فتجود نفسي بهذه الحياة اشتياقا إلى لقاء اللّٰه تعالى لأن المراد من نقصان الأرض من أطرافها و هي نهاياتها ذهاب العلماء و مصيرهم إلى اللّٰه سبحانه و لقائه و الآية دلت على أن المتولي لتوفي نفوسهم و قبض أرواحهم هو اللّٰه سبحانه بنفسه.

و إنما عبر عن العلماء بنهايات الأرض لأن غاية الحركات الأرضية و نهاية الكمالات المترتبة عليها من لدن حصول المعادن منها ثم النباتات ثم الحيوانات إلى الوصول إلى الدرجة الإنسانية و ما فوقها إنما هو وجود العلم و العلماء فالأرض و الأرضيات بهم تنتهي إلى سماء العلم و العقل فهم بمنزلة نهاياتها.

و أيضا فإنهم وسائط بين أهل الأرض و أهل السماء فكأنهم أطراف الأرض و أكناف السماء و قال في الغريبين أطراف الأرض الأشراف و العلماء الواحد طرف و يقال طرف أيضا يعني بالتسكين و على هذا فلا حاجة إلى التأويل

[8]

68- 8 الفقيه، 1/ 186/ 560 سئل يعني الصادق ع عن قول اللّٰه تعالى أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّٰا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهٰا مِنْ أَطْرٰافِهٰا فقال فقد العلماء

الوافي، ج 1، ص: 151

باب 6 أصناف الناس

[1]
اشارة

69- 1 الكافي، 1/ 33/ 1/ 1 علي بن محمد عن سهل و محمد عن ابن عيسى جميعا عن السراد عن الشحام عن هشام بن سالم عن أبي حمزة عن أبي إسحاق السبيعي عمن حدثه ممن يوثق به قال سمعت أمير المؤمنين ع يقول إن الناس آلوا بعد رسول اللّٰه ص إلى ثلاثة آلوا إلى عالم على هدى من اللّٰه قد أغناه اللّٰه بما علم عن علم غيره و جاهل مدع للعلم لا علم له معجب بما عنده قد فتنته الدنيا و فتن غيره و متعلم من عالم على سبيل هدى من اللّٰه و نجاة ثم هلك من ادعى و خاب من افترى

الوافي، ج 1، ص: 152

بيان

آلوا رجعوا و صاروا على هدى تمثيل لتمكنه من الهدى و استقراره عليه بحال من اعتلى الشي ء و ركبه من اللّٰه أي أخذ هداه و علمه من لدنه على وجه الإلهام و الإلقاء في الروع كالأئمة ع و من يحذو حذوهم معجب بما عنده من ظواهر الأقوال و صور الأحاديث أو المجادلات الكلامية أو المغالطات الفلسفية أو الخيالات التصوفية أو الخطابات الشعرية التي تجلب بها نفوس العوام كأعداء الأئمة و حسدتهم و من يسير بسيرة أولئك من أهل أي مذهب كان قد فتنته أضلته و أوقعته في فتنة الجاه و المال و حب الرئاسة.

و فتن غيره أضل غيره و أوقعه فيما وقع فيه من المهالك لاستحسانه ما رأى منه بسبب اشتهاره بالعلم في الظاهر و إن كان باطنه مفلسا عن حقيقة العلم و الحال.

على سبيل هدى على طريقة سالك إليه و إن لم يكن بالفعل عليه كشيعة الأئمة المقتبسين من أنوارهم فإن قيل و أين الجاهل الغافل الذي

ليس بمتعلم و لا ضال قلنا المقسم من له قوة الارتقاء إلى ملكوت السماء و الذين أدركوا الخدمة و الصحبة و شاهدوا الوحي و الآيات دون أهل الضرر و الزمانات فإنهم بمعزل عن ذلك.

هلك من ادعى أي القسم الثاني لأن الحياة الأخروية إنما تكون للعالم بالفعل و للمتعلم بالقوة و أما الجاهل المدعي فقد أبطل استعداده لها فهو هالك خائب

[2]
اشارة

70- 2 الكافي، 1/ 34/ 2/ 1 الاثنان عن الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة سالم بن مكرم عن أبي عبد اللّٰه ع قال الناس ثلاثة عالم و متعلم و غثاء

بيان

الغثاء بضم المعجمة و الثاء المثلثة و المد ما يحمله السيل من الزبد و الوسخ أريد به أراذل الناس و سقطهم و المراد بالعالم العالم بالعلم اللدني و بالمتعلم من أخذ عنه كما

الوافي، ج 1، ص: 153

مر مرارا

[3]
اشارة

71- 3 الكافي، 1/ 34/ 3/ 1 محمد عن عبد اللّٰه بن محمد عن علي بن الحكم عن العلاء عن محمد عن الثمالي قال قال لي أبو عبد اللّٰه ع اغد عالما أو متعلما أو أحب أهل العلم و لا تكن رابعا فتهلك ببغضهم

بيان

اغد صر و أصبح و أصله من الغدو بالضم بمعنى سير أول النهار نقيض الرواح و فيه دلالة على أن غير الأئمة ع يجوز أن يصير عالما علما لدنيا فإنه المراد بالعلم دون حفظ الأقوال و حمل الأسفار ببغضهم بعداوتهم حسدا لهم و إهمال العين كما ظن تصحيف

[4]

72- 4 الكافي، 1/ 34/ 4/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن جميل عن أبي عبد اللّٰه ع قال سمعته يقول يغدو الناس على ثلاثة أصناف عالم و متعلم و غثاء فنحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و سائر الناس غثاء

الوافي، ج 1، ص: 155

باب 7 ثواب العالم و المتعلم

[1]
اشارة

73- 1 الكافي، 1/ 34/ 1/ 1 محمد بن الحسن و علي بن محمد عن سهل و محمد عن أحمد جميعا عن الأشعري عن القداح و علي عن أبيه عن حماد بن عيسى عن القداح عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رسول اللّٰه ص من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك اللّٰه به طريقا إلى الجنة و إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به و إنه يستغفر لطالب العلم من في السماء و من في الأرض حتى الحوت في البحر و فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر و إن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا

الوافي، ج 1، ص: 156

دينارا و لا درهما و لكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر

بيان

إنما يسلك به طريقا إلى الجنة لأن العلم هو بعينه نعيم أهل الجنة و هو الذي يصير هناك لصاحبه شرابا و فاكهة و ظلا.

روى في بصائر الدرجات بإسناده عن نصر بن قابوس قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه عز و جل وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ وَ مٰاءٍ مَسْكُوبٍ وَ فٰاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لٰا مَقْطُوعَةٍ وَ لٰا مَمْنُوعَةٍ قال يا نصر إنه و اللّٰه ليس حيث يذهب الناس إنما هو العالم و ما يخرج منه

قال بعض العلماء لو علم الملوك ما نحن فيه من لذة العلم لحاربونا بالسيوف وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجٰاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلًا و يأتي حديث آخر في هذا المعنى إن شاء اللّٰه.

و الملائكة هي الجواهر القدسية الغائبة عن الأبصار و أجنحتها هي قواها العلمية و العملية التي بها تترقى و تتنزل و طالب العلم بتفكره في المعقولات و انتقاله من معقول إلى

معقول حتى ينتهي إلى معرفة اللّٰه و صفاته كأنه يطأ أجنحة الملائكة بقدم عقله أو أنه إذا أدرك المعقولات و أحاط بها علما فكأن الملائكة نزلت عن سماء ملكوتها و مقامها عنده و خضعت له و بالجملة وضع أجنحتها كناية عن خضوعها له.

و الاستغفار طلب الستر للذنب و طالب العلم يطلب ستر ذنب جهله الذي هو رئيس جنود هي المعاصي بنور العلم و يشركه في هذا الطلب كل من في السماء و الأرض و ما بينهما لأن عقله و فهمه و إدراكه لا يقوم إلا ببدنه و بدنه لا يقوم إلا بالغذاء و الغذاء لا يقوم إلا بالأرض و السماء و الغيم و الهواء و غير ذلك إذ العالم كله كالشخص الواحد يرتبط البعض منه بالبعض فالكل مستغفر له.

و إنما مثل نور العابد بنور النجوم لأنه لا يتعدى نفسه إذ لا يبصر بنوره شي ء

الوافي، ج 1، ص: 157

بخلاف القمر ليلة البدر و تمثيل نور العالم بنور القمر يشعر بأنه أراد به من لم يكن علمه لدنيا لأن نور القمر مستفاد من الشمس فمن كان علمه لدنيا كالأنبياء و الأولياء ففضله على العابد كفضل الشمس على النجوم المستفاد نورها من اللّٰه تعالى بلا توسط شي ء آخر من نوعها أو جنسها

[2]
اشارة

74- 2 الكافي، 1/ 35/ 2/ 1 محمد عن أحمد عن السراد عن جميل بن صالح عن محمد عن أبي جعفر ع قال إن الذي يعلم العلم منكم له أجر مثلا أجر المتعلم و له الفضل عليه فتعلموا العلم من حملة العلم و علموه إخوانكم كما علمكموه العلماء

بيان

منكم أي من الشيعة و كذا المراد بإخوانكم مثلا أجر المتعلم أحدهما لتعلمه السابق و الآخر لتعليمه اللاحق أو كلاهما للتعليم فحسب و له الفضل عليه لأنه المعطي و المفيض و في قوله من حملة العلم إشارة إلى أن للعلم أهلا و لا بد للمتعلم أن يتعلم منهم دون غيرهم و قد مر في هذا حديث و يأتي باب آخر لبيان ذلك إن شاء اللّٰه تعالى

[3]
اشارة

75- 3 الكافي، 1/ 35/ 3/ 1 علي عن البرقي عن علي بن الحكم عن علي عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول من علم خيرا فله مثل أجر من عمل به قلت فإن علمه غيره يجري ذلك له قال إن علمه الناس كلهم جرى له قلت فإن مات قال و إن مات

الوافي، ج 1، ص: 158

بيان

فإن علمه غيره يعني إن علمه المتعلم ثالثا أ يجري للأول أجر عمل الثالث به أو يجري للأول أجر تعليم الثاني كما يجري له أجر عمله قال إن علمه الناس كلهم يعني و لو بوسائط و الفعلان من الجريان بالراء المهملة لا من الإجزاء بالزاي و لا الحاء المهملة كما ظن و إن مات أي ذلك المعلم لا الخير كما ظن

[4]

76- 4 الكافي، 1/ 135/ 4/ 1 بهذا الإسناد عن محمد بن عبد الحميد عن العلاء عن الحذاء عن أبي جعفر ع قال من علم باب هدى فله مثل أجر من عمل به و لا ينقص أولئك من أجورهم شيئا و من علم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به و لا ينقص أولئك من أوزارهم شيئا

[5]
اشارة

77- 5 الكافي، 1/ 35/ 5/ 1 الحسين بن محمد عن علي بن محمد بن سعد رفعه عن أبي حمزة عن علي بن الحسين ع قال لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه و لو بسفك المهج و خوض اللجج إن اللّٰه تعالى أوحى إلى دانيال أن أمقت عبيدي إلي الجاهل المستخف بحق أهل العلم التارك للاقتداء بهم و إن أحب عبيدي إلي التقي الطالب للثواب الجزيل اللازم للعلماء التابع للحلماء القائل عن الحكماء

بيان

السفك الإراقة و ربما يخص بالدم و المهج جمع مهجة و هي دم القلب

الوافي، ج 1، ص: 159

و الخوض الدخول في الماء و اللجج جمع لجة و هي معظم الماء و المقت البغض و الحليم العاقل من الحلم بمعنى العقل و الحكيم العالم بالعلوم النظرية و العملية العامل بعلمه قابل التقي بالجاهل لأن التقوى من آثار كمال العقل المقابل للجهل و المراد بطالب الثواب الجزيل العامل بما يوصله إليه و ملازمة العلماء كثرة مجالستهم و مصاحبتهم و متابعة العقلاء سلوك طريقتهم و القول عن الحكماء الرواية عنهم و لو بوسائط

[6]
اشارة

78- 6 الكافي، 8/ 247/ 347/ 1 محمد بن سالم بن أبي سلمة عن أحمد بن الريان عن أبيه عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه ع قال لو يعلم الناس ما في فضل معرفة اللّٰه تعالى ما مدوا أعينهم إلى ما متع به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا و نعيمها و كانت دنياهم أقل عندهم مما يطئونه بأرجلهم و لنعموا بمعرفة اللّٰه تعالى و تلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء اللّٰه إن معرفة اللّٰه تعالى أنس من كل وحشة و صاحب من كل وحدة و نور من كل ظلمة و قوة من كل ضعف و شفاء من كل سقم ثم قال قد كان قبلكم قوم يقتلون و يحرقون و ينشرون بالمناشير و تضيق عليهم الأرض برحبها فما يردهم عما هم عليه شي ء مما هم فيه من غير ترة وتروا من فعل ذلك بهم و لا أذى بما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد فسلوا ربكم درجاتهم و اصبروا على نوائب دهركم تدركوا سعيهم

بيان

الزهرة البهجة و النضارة و الرحب الاتساع و الترة الحقد بما نقموا منهم بما أنكروا منهم و المستثنى منه محذوف أي و ما سبب ذلك إلا أن يؤمنوا أو الاستثناء منقطع أي من غير ترة و لا أذى إلا زيادة الإيمان

الوافي، ج 1، ص: 160

[7]
اشارة

79- 7 الكافي، 1/ 35/ 6/ 1 علي عن أبيه عن القاسم بن محمد عن المنقري عن حفص بن غياث قال قال لي أبو عبد اللّٰه ع من تعلم العلم و عمل به و علم لله دعي في ملكوت السماوات عظيما فقيل تعلم لله و عمل لله و علم لله

بيان

علم بتشديد اللام و قوله لله متعلق بكل من الأفعال الثلاثة و دعي أي سمي و ملكوت كل شي ء باطنه المتصرف فيه المالك لأمره بإذن اللّٰه و لكل موجود في هذا العالم الحسي الشهادي ملكوت روحاني غيبي نسبتها إليه نسبة الروح إلى البدن و ملكوت الأعلى أشرف من ملكوت الأسفل فمن دعي في ملكوت السماء عظيما كان في ملكوت الأرض أعظم و أشرف و مقامه أعلى فإذا كان حال العلم العملي هذا فما ظنك بحال العلم الذي هو المقصود بالذات

الوافي، ج 1، ص: 161

باب 8 صفة العلماء

[1]
اشارة

80- 1 الكافي، 1/ 36/ 1/ 1 محمد عن ابن عيسى عن السراد عن ابن وهب قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول اطلبوا العلم و تزينوا معه بالحلم و الوقار و تواضعوا لمن تعلمونه العلم و تواضعوا لمن طلبتم منه العلم و لا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم

بيان

الجبار المتكبر نبه على أن التكبر للعبد باطل ممحق للعلم مزيل له هذا إذا كان عالما بأمر اللّٰه و لم يكن عالما بالله إذ كون العبد عالما بالله ينافي كونه متكبرا

قال اللّٰه تعالى الكبرياء ردائي و العظمة إزاري فمن نازعني فيهما قصمت ظهره

فمن عرف اللّٰه بكبريائه و عظمته تواضع لعباد اللّٰه فالتكبر على الخلق من العالم دليل جهله و أنه إنما حفظ الأقوال من غير بصيرة فيها

الوافي، ج 1، ص: 162

[2]
اشارة

81- 2 الكافي، 1/ 36/ 2/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن حماد بن عثمان عن الحارث بن المغيرة النضري عن أبي عبد اللّٰه ع في قول اللّٰه تعالى إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ قال يعني بالعلماء من صدق فعله قوله و من لم يصدق فعله قوله فليس بعالم

بيان

و ذلك لأن تركه العمل بعلمه دليل على أنه ليس بمستيقن في علمه و أن العلم عنده مستعار و مستودع و سيسلب عنه

[3]
اشارة

82- 3 الكافي، 8/ 166/ 180/ 1 علي عن أبيه و العدة عن سهل عن يعقوب بن يزيد عن إسماعيل بن قتيبة عن حفص بن عمر عن إسماعيل بن محمد عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن اللّٰه تعالى يقول إني لست كل كلام الحكمة أتقبل إنما أتقبل هواه و همه فإن كان هواه و همه في رضاي جعلت همه تقديسا و تسبيحا

بيان

البارز في هواه و همه راجع إلى المتكلم بالحكمة المستفاد من كلام الحكمة يعني إنما أتقبل من كلام المتكلم بالحكمة ما كان هواه و همه من التكلم به رضاي لا إظهار الفضيلة و الترفع في القبيلة و ما كان من هذا القبيل

[4]

83- 4 الكافي، 1/ 36/ 3/ 1 العدة عن البرقي عن إسماعيل بن مهران عن أبي

الوافي، ج 1، ص: 163

سعيد القماط عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال أمير المؤمنين ع أ لا أخبركم بالفقيه حق الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة اللّٰه و لم يؤمنهم من عذاب اللّٰه و لم يرخص لهم في معاصي اللّٰه و لم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكر

[5]
اشارة

84- 5 الكافي، 1/ 36/ 3/ 1 و في رواية أخرى ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها ألا لا خير في نسك لا ورع فيه

بيان

حق الفقيه إما بدل من الفقيه أو مبتدأ أو منصوب بتقدير أعني يعني أن الفقيه حقيقة ليس إلا من يكون عالما بالمراد من الوعد و الوعيد جميعا عارفا بالمقصود من الأوامر و النواهي جملة بملاحظة بعضها إلى بعض و إنما عرف الفقيه بهذه العلامات السلبية لأن أكثر من يسمى عند الجمهور بهذا الاسم في كل زمان يكون موصوفا بأضدادها فكأنه ع عرض بالعلماء السوء و الفقهاء الزور و قد أبطل بكل

الوافي، ج 1، ص: 164

علامة مذهبا من المذاهب الباطلة أو أكثر في الأصول و الفروع فبالأولى أبطل مذهب المعتزلة القائلة بإيجاب الوعيد و تخليد صاحب الكبيرة في النار.

و مذهب الخوارج المضيقين في التكاليف الشرعية و بالثانية مذهب المرجئة و من يجري مجراهم من المغترين بالشفاعة و صحة الاعتقاد و بالثالثة مذهب الحنابلة و الأشاعرة و من يشبههم كأكثر المتصوفة و بالرابعة مذهب المتفلسفة الذين أعرضوا عن القرآن و أهله و حاولوا اكتساب العلم و العرفان من كتب قدماء الفلاسفة و مذهب الحنفية الذين عملوا بالقياس و تركوا القرآن و العلم الذي ليس فيه تفهم كالعلم الظني و التقليدي و مجرد حفظ الأقوال و الروايات فإنها ليست بعلم في الحقيقة و العبادة و النسك متقاربتان و لعله يعتبر في النسك التجرد لها و الورع اجتناب المحارم

[6]
اشارة

85- 6 الكافي، 1/ 70/ 8/ 1 بهذا الإسناد عن القماط عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر ع إنه سئل عن مسألة فأجاب فيها قال فقال الرجل إن الفقهاء لا يقولون هذا فقال يا ويحك و هل رأيت فقيها قط إن الفقيه حق الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة المتمسك بسنة النبي ص

بيان

ويح كلمة رحمة و إنما جعل هذه الصفات الثلاث علامة للفقيه الحقيقي لأن الأوليين دليل على معرفته بالله و اليوم الآخر و الأخيرة دليل على معرفته بالأخلاق السنية النبوية و الشرائع المصطفوية و هي تمام معنى الفقه

[7]

86- 7 الكافي، 1/ 36/ 4/ 1 محمد عن ابن عيسى و النيسابوريان جميعا عن صفوان عن أبي الحسن الرضا ع قال إن من علامات الفقه الحلم

الوافي، ج 1، ص: 165

و الصمت

[8]
اشارة

87- 8 الكافي، 1/ 36/ 5/ 1 أحمد بن عبد اللّٰه عن البرقي عن بعض أصحابه رفعه قال قال أمير المؤمنين ع لا يكون السفه و الغرة في قلب العالم

بيان

السفه الخفة و الطيش ضد الحلم و الغرة بالغين المعجمة و الراء المهملة الغفلة عن لوازم الشي ء و قلة الفطنة للشر الذي تحته و ترك البحث و التفتيش عنه

[9]
اشارة

88- 9 الكافي، 1/ 37/ 6/ 1 بهذا الإسناد عن محمد بن خالد عن محمد بن سنان رفعه قال قال عيسى بن مريم ع يا معشر الحواريين لي إليكم حاجة اقضوها لي قالوا قضيت حاجتك يا روح اللّٰه فقام فغسل أقدامهم فقالوا كنا نحن أحق بهذا يا روح اللّٰه فقال إن أحق الناس بالخدمة العالم إنما تواضعت هكذا لكي ما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم ثم قال عيسى ع بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر و كذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل

بيان

الحواريون خلصان الأنبياء الذين أخلصوا و نقوا من كل عيب و إنما أتوا

الوافي، ج 1، ص: 166

بصيغة المجهول في قضيت رعاية للأدب و في بعض النسخ قبل بدل غسل و فعله ع غاية ما يكون في التواضع حيث أراد غسل الأقدام أو تقبيلها ثم جعل ذلك مطلوبا له و سماه حاجة ثم استأذن فيه ثم صنع بمن دونه و تلامذته و تابعيه ثم قال إنه أحق بذلك.

و قد ذكر لفعله غايتين متعدية و لازمة و مثل لإحداهما كما هو عادة الأنبياء ع و السر فيه أن اختيار المسكنة و الضعة يوجب نيل الشرف و الرفعة و لهذا ورد من تواضع لله رفعه اللّٰه تعالى و لا سيما لمن استعد لذلك

________________________________________

كاشانى، فيض، محمد محسن ابن شاه مرتضى، الوافي، 26 جلد، كتابخانه امام امير المؤمنين علي عليه السلام، اصفهان - ايران، اول، 1406 ه ق

الوافي؛ ج 1، ص: 166

[10]
اشارة

89- 10 الكافي، 1/ 37/ 7/ 1 علي عن أبيه عن علي بن معبد عمن ذكره عن ابن وهب عن أبي عبد اللّٰه ع قال كان أمير المؤمنين ع يقول يا طالب العلم إن للعالم ثلاث علامات العلم و الحلم و الصمت و للمتكلف ثلاث علامات ينازع من فوقه بالمعصية و يظلم من دونه بالغلبة و يظاهر الظلمة

بيان

المظاهرة المعاونة و النصر

[11]
اشارة

90- 11 الكافي، 1/ 49/ 5/ 1 علي رفعه إلى أبي عبد اللّٰه ع قال طلبة العلم ثلاثة فاعرفهم بأعيانهم و صفاتهم صنف يطلبه للجهل و المراء و صنف يطلبه للاستطالة و الختل و صنف يطلبه للفقه و العقل فصاحب الجهل و المراء مؤذ ممار متعرض للمقال في أنديه الرجال بتذاكر العلم و صفة الحلم

الوافي، ج 1، ص: 167

قد تسربل بالخشوع و تخلى من الورع فدق اللّٰه من هذا خيشومه و قطع منه حيزومه و صاحب الاستطالة و الختل ذو خب و ملق يستطيل على مثله من أشباهه و يتواضع للأغنياء من دونه فهو لحلوائهم هاضم و لدينه حاطم فأعمى اللّٰه على هذا خبره و قطع من آثار العلماء أثره و صاحب الفقه و العقل ذو كآبة و حزن و سهر قد تحنك في برنسه و قام الليل في حندسه يعمل و يخشى وجلا داعيا مشفقا مقبلا على شأنه عارفا بأهل زمانه مستوحشا من أوثق إخوانه فشد اللّٰه من هذا أركانه و أعطاه يوم القيامة أمانه

و حدثني به محمد بن محمود أبو عبد اللّٰه القزويني عن عدة من أصحابنا منهم جعفر بن أحمد [محمد] الصيقل بقزوين عن أحمد بن عيسى العلوي عن عباد بن صهيب البصري عن أبي عبد اللّٰه ع

الوافي، ج 1، ص: 168

بيان

أريد بالجهل هنا مثل الأنفة و الغضب و الشتم و نحوها الذي يصدر من أهل الجاهلية و في الحديث و لكن استجهله الحمية أي حملته على الجهل و المراء المجادلة و الاعتراض على كلام الغير من غير غرض ديني.

و الاستطالة العلو و الترفع و الختل بالمعجمة و المثناة الفوقانية الخدعة و كأنه أراد بالفقه المعرفة و بالعقل التخلق بالأخلاق

الحسنة مؤذ ممار لخبث باطنه و قدرته على التكلم.

متعرض للمقال لأن غرضه إظهار التفوق و الغلبة و الأندية جمع النادي و هو مجلس القوم و متحدثهم ما داموا فيه مجتمعين فإذا تفرقوا فليس بناد و التسربل تفعلل من السربال و هو القميص أي أظهر الخشوع بالتشبه بالخاشعين و التزيي بزيهم مع خلوه منه لخلوه من الورع اللازم له فدق اللّٰه دعاء عليه أو خبر عما سيلحقه و كذا نظائره.

و الخيشوم أقصى الأنف و الحيزوم بالمهملة و الزاي وسط الصدر و الخب بالكسر الخدعة و الجربزة و الملق الود و اللطف الشديد و رجل ملق يعطي بلسانه ما ليس في قلبه فهو لحلوائهم هاضم و لدينه حاطم يعني يأكل من مطعوماتهم و يعطيهم من دينه فوق ما يأخذ من مالهم فلا جرم يحطم دينه و يهدم إيمانه و يقينه أو أنه يحل لهم بفتواه ما يشتهون و يحطم دينه بما يدهن فيدهنون ثم دعا عليه بالاستئصال بحيث لم يبق له خبر و لا أثر عمي عليه الخبر أي خفي تجوز من عمي البصر و إنما دعا على الصنفين للحوق ضررهما على العلماء المحقين أكثر من ضرر الكفار المتمردين.

ذو كآبة سوء حال و انكسار قلب لكثرة خوفه من أمر الآخرة و خشيته لله عز و جل و لما يرى من مقاساة الزمان و شدائد الدوران و جفاء الأقران و نفاق الإخوان و ترفع الجهلة و الأراذل و رثاثة حال الأفاضل و الأماثل.

الوافي، ج 1، ص: 169

و التحنك إدارة العمامة و نحوها تحت الحنك و البرنس بضم الموحدة و النون و المهملتين قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإسلام.

و قيل كل ثوب رأسه منه ملتزق به دراعة

كانت أو جبة أو غيرهما و الحندس الليل الشديد الظلمة يعمل و يخشى بخلاف الصنفين الآخرين حيث لا يعملون و يأمنون وجلا داعيا مشفقا أي خائفا من عذاب القيامة متضرعا إلى اللّٰه تعالى في طلب المغفرة حذرا من سوء العاقبة.

مقبلا على شأنه لإصلاح نفسه و تهذيب باطنه بخلاف الآخرين المقبلين على الناس و قد أهملا أمر أنفسهما و إصلاح بواطنهما و قد تلطخت بالرذائل و الآثام و اعتلت بالأمراض المهلكة و الأسقام عارفا بأهل زمانه أي بأحوال نفوسهم و أغراض بواطنهم لما شاهد من أفعالهم و أقوالهم.

و في الحديث اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّٰه

مستوحشا من أوثق إخوانه لعرفانه بحاله فشد اللّٰه دعاء له بالتثبت على العلم و اليقين و إحكام أركان الإيمان و الدين و إعطاء الأمن له و الأمان يَوْمَ يَقُومُ النّٰاسُ لِرَبِّ الْعٰالَمِينَ

[12]
اشارة

91- 12 الكافي، 1/ 49/ 6/ 1 علي عن أبيه عن محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول إن رواة الكتاب كثير و إن رعاته قليل و كم من مستنصح للحديث مستغش للكتاب فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية و الجهلاء يحزنهم حفظ الرواية فراع يرعى حياته و راع يرعى هلكته فعند ذلك اختلف الراعيان و تغاير الفريقان

الوافي، ج 1، ص: 170

بيان

كأن المراد بالحديث و اللّٰه ثم قائله أعلم أن الحافظين للقرآن المجيد بتصحيح ألفاظه و تجويد قراءته و صون حروفه عن اللحن و الغلط كثير و رعاته بتفهمه و تدبر معانيه و استكشاف حقائقه و استعلام ما أريد به من أهله ثم استعمال ذلك كله على حسب ما يقتضيه قليل و كم من مستنصح للحديث برعاية فهم معانيه و التدبر فيه و العمل بما يقتضيه مستغش للقرآن بترك استعمال ذلك كله فيه لقصور فهمه عن إدراكه و نيله.

فالعلماء يحزنهم ترك رعاية القرآن و يغمهم عدم فهمهم له و فقد العمل به و عدم اقتدارهم على ذلك و الجهال يهمهم حفظ روايته و يغمهم عدم قدرتهم عليه لما يزعمونه كمالا و فوزا و يحتمل أن يكون المراد بالعلماء أهل بيت النبوة س و من يحذو حذوهم ممن تعلم منهم و يكون المراد أنهم ع يحزنهم ترك رعاية القرآن من التاركين لها الحافظين للحروف فإنهم لو راعوه لاهتدوا به و أقروا بالحق و الجهال و هم الذين لم ينتفعوا من القرآن بشي ء لا رواية و لا دراية يحزنهم حفظ الرواية من الحافظين لها التاركين للرعاية لما رأوا أنفسهم قاصرين عن رتبة أولئك و يحسبون أنهم على شي ء و أنهم مهتدون

فتغبطهم نفوسهم.

و يؤيد هذا المعنى ما يأتي في الروضة من هذا الكتاب من قول أبي جعفر ع في رسالته إلى سعد الخير و كان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه و حرفوا حدوده فهم يروونه و لا يرعونه و الجهال يعجبهم حفظهم للرواية و العلماء يحزنهم تركهم للرعاية فإن في قوله ع يعجبهم هناك بدل يحزنهم هنا دلالة على ما قلناه.

و يحتمل أن يكون المراد بالجهال هناك الحافظين للحروف فإنهم جهال في الحقيقة و لا يجوز إرادته هاهنا لأنه لا يلائم الحزن إلا أن يقال إن حفظ الرواية من دون رعاية يؤدي إلى حزنهم في العاقبة و فيه بعد.

فراع يرعى حياته و هو الذي يريد بذلك وجه اللّٰه عز و جل و الدار الآخرة عالما

الوافي، ج 1، ص: 171

كان أو جاهلا و راع يرعى هلكته و هو الذي يريد به الدنيا و المباهاة به فعند ذلك أي عند النظر إلى قلوبهم و ضمائرهم و الاطلاع على نياتهم و سرائرهم اختلفا و تغايرا بعد أن يكونا متحدين بحسب الظاهر في الاهتمام به.

و إنما ينكشف ذلك بحيث يراه الناس جميعا في الآخرة و يوم تبلى السرائر يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ- فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ

[13]
اشارة

92- 13 الكافي، 1/ 48/ 2/ 1 العدة عن أحمد عن نوح بن شعيب النيسابوري عن الدهقان عن درست عن عروة بن أخي شعيب العقرقوفي عن شعيب عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول كان أمير المؤمنين ع يقول يا طالب العلم إن العلم ذو فضائل كثيرة فراسة التواضع و عينه البراءة من الحسد و أذنه الفهم و لسانه الصدق و حفظه الفحص و قلبه حسن النية و

عقله معرفة الأشياء و الأمور و يده الرحمة و رجله زيارة العلماء و همته السلامة و حكمته الورع و مستقره النجاة و قائده العافية و مركبة الوفاء و سلاحه لين الكلمة و سيفه الرضا و قوسه المداراة و جيشه مجاورة العلماء و ماله الأدب و ذخيرته اجتناب الذنوب و زاده المعروف و مأواه الموادعة و دليله الهدى و رفيقه محبة الأخيار

بيان

شبه العلم بشخص كامل فاضل روحاني له أعضاء و قوى و مستقر و قائد و مركب و سلاح و غير ذلك كلها روحانية معنوية فاستعار هذه الألفاظ لتلك الفضائل ترشيحا أو تمثيلا كل لما يشابهه أو يناسبه فجعل الرأس للتواضع لأن الأصل

الوافي، ج 1، ص: 172

و المبدأ في تحصيل العلم التواضع و المذلة و ترك العلو و العين للبراءة من الحسد لأن الحسد يصير غشاوة على بصر الحاسد فلا يرى العلم عند أهله لينتفع بعلمه و الأذن للفهم لأنه غايتها و على هذا القياس و نبه بذلك على أنه من اجتمعت فيه هذه الفضائل و الحسنات فهو العالم بالحقيقة و من اتصف بأضدادها فهو جاهل و ما بين المنزلتين مراتب و منازل و مال كل إلى ما هو الغالب عليه من المحاسن و المساوي و الموادعة المصالحة و السكون

[14]
اشارة

93- 14 الكافي، 1/ 48/ 3/ 1 محمد عن ابن عيسى عن البزنطي عن حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رسول اللّٰه ص نعم وزير الإيمان العلم و نعم وزير العلم الحلم و نعم وزير الحلم الرفق و نعم وزير الرفق الصبر

بيان

أريد بالوزير المعين أو شبه الإيمان و أخواته بالسلطان

الوافي، ج 1، ص: 173

باب 9 حق العالم

[1]
اشارة

94- 1 الكافي، 1/ 37/ 1/ 1 علي بن محمد بن عبد اللّٰه عن أحمد عن محمد بن خالد عن الجعفري عمن ذكره عن أبي عبد اللّٰه ع قال كان أمير المؤمنين ع يقول إن من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤال و لا تأخذ بثوبه و إذا دخلت عليه و عنده قوم فسلم عليهم جميعا و خصه بالتحية دونهم و اجلس بين يديه و لا تجلس خلفه و لا تغمز بعينك و لا تشر بيدك و لا تكثر من قول قال فلان و قال فلان خلافا لقوله و لا تضجر بطول صحبته فإنما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها متى يسقط عليك منها شي ء و العالم أعظم أجرا من الصائم القائم الغازي في سبيل اللّٰه إن شاء اللّٰه تعالى

بيان

لعل المراد بالجلوس بين يديه جلوسه بحيث لا يحوجه إلى الالتفات حين الخطاب و بالخلف ما يقابله و الغمز بالعين الإشارة بها و حذف المفعول لعله للتعميم أي سواء

الوافي، ج 1، ص: 174

تغمز و تشير إليه أو إلى غيره في حضوره لأن ذلك ينافي التعظيم و الحرمة و العالم أعظم أجرا لتعدي نفعه بالنسبة إلى الصائم القائم و أشمليته بالقياس إلى الغازي

الوافي، ج 1، ص: 175

باب 10 مجالسة العلماء و صحبتهم

[1]
اشارة

95- 1 الكافي، 1/ 39/ 1/ 1 علي عن العبيدي عن يونس رفعه قال قال لقمان لابنه يا بني اختر المجالس على عينك فإن رأيت قوما يذكرون اللّٰه تعالى فاجلس معهم فإن تكن عالما نفعك علمك و إن تكن جاهلا علموك و لعل اللّٰه أن يظلهم برحمته فتعمك معهم و إذا رأيت قوما لا يذكرون اللّٰه تعالى فلا تجلس معهم فإن تكن عالما لم ينفعك علمك و إن كنت جاهلا يزيدوك جهلا و لعل اللّٰه أن يظلهم بعقوبة فتعمك معهم

بيان

على عينك أي على بصيرة منك و معرفة لك بها يذكرون اللّٰه يتذاكرون بالعلم و يذكرون محامد اللّٰه و المعارف الإلهية نفعك علمك بزيادة التمرن و الرسوخ بالإفادة و الاستفادة يظلهم برحمته يقبل عليهم و يدنو منهم و يلقي عليهم ظل رحمته و يستر ذنوبهم بغفرانه

الوافي، ج 1، ص: 176

[2]
اشارة

96- 2 الكافي، 1/ 39/ 2/ 1 علي عن أبيه و محمد عن ابن عيسى جميعا عن السراد عن درست عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى بن جعفر ع قال محادثة العالم على المزابل خير من محادثة الجاهل على الزرابي

بيان

الزرابي قيل هي بسط عراض فأخره و قيل هي الطنافس التي بها خمل رقيق و قيل هي النمارق جمع زربية مثلثة الزاي مشددة الياء المثناة من تحت بعد الباء الموحدة و النمرقة الوسادة

[3]
اشارة

97- 3 الكافي، 1/ 39/ 3/ 1 العدة عن البرقي عن شريف بن سابق عن الفضل بن أبي قرة عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رسول اللّٰه ص قالت الحواريون لعيسى يا روح اللّٰه من نجالس قال من يذكركم اللّٰه رؤيته و يزيد في علمكم منطقه و يرغبكم في الآخرة عمله

بيان

الصفات المذكورة هي صفات العالم العامل بعلمه ليس إلا

[4]
اشارة

98- 4 الكافي، 1/ 39/ 4/ 1 النيسابوريان عن ابن أبي عمير عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رسول اللّٰه ص مجالسة أهل الدين شرف الدنيا و الآخرة

بيان

المراد بأهل الدين هم العلماء العارفون بأركانه العاملون بأحكامه

الوافي، ج 1، ص: 177

[5]
اشارة

99- 5 الفقيه، 4/ 409/ 5888 قال النبي ص بادروا إلى رياض الجنة قالوا يا رسول اللّٰه و ما رياض الجنة قال حلق الذكر

بيان

أريد بحلق الذكر مجالس العلم كما يستفاد من حديث أول الباب و غيره من الأخبار

[6]
اشارة

100- 6 الكافي، 1/ 39/ 5/ 1 علي عن أبيه عن القاسم بن محمد الأصبهاني عن المنقري عن سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام قال سمعت أبا جعفر ع يقول لمجلس أجلسه إلى من أثق به أوثق في نفسي من عمل سنة

بيان

مسعر بكسر الميم و ربما يفتح و المهملات و فتح العين شيخ السفيانين الثوري و ابن عيينة و كدام بكسر الكاف و المهملة و المجلس إما مصدر و إما اسم مكان بتقدير في و إلى إما بمعنى مع و إما بتضمين القرب و نحوه و في بعض النسخ المجلس معرفا بدون التأكيد و يأتي في آخر باب فرض طاعة الأئمة من كتاب الحجة حديث يناسب هذا الباب

الوافي، ج 1، ص: 179

باب 11 سؤال العلماء و تذاكر العلم

[1]
اشارة

101- 1 الكافي، 1/ 40/ 1/ 1 الثلاثة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه ع قال سألته عن مجدور أصابته جنابة فغسلوه فمات قال قتلوه ألا سألوا فإن دواء العي السؤال

بيان

المجدور من به الجدري و هو بفتحتين و بضم الجيم داء معروف و إنما قتلوه لأنه كان فرضه التيمم فمن غسله أو أفتى بغسله فهو ضامن و دخول ألا المشددة على الماضي للتوبيخ و اللوم على ترك الفعل و العي بكسر المهملة و التشديد الجهل و عدم الاهتداء لوجه المراد و العجز عنه و هو داء نفساني يبقى بعد خراب البدن في النفس و علاجه في العلوم الظاهرة السؤال و في الإسرار الإلهية مع التضرع إلى اللّٰه و الابتهال و في كتاب الطهارة شفاء العي كما يأتي و أما آفة العي كما نقله بعض الأعلام و تكلف في شرحه فلم نجده في شي ء من النسخ

الوافي، ج 1، ص: 180

[2]
اشارة

102- 2 الكافي، 1/ 40/ 2/ 1 محمد عن ابن عيسى عن حماد عن حريز عن زرارة و محمد و العجلي قالوا قال أبو عبد اللّٰه ع لحمران بن أعين في شي ء سأله إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون

بيان

أراد بالهلاك الهلاك الأخروي فإن الجهل مهلك في الآخرة و لا سيما إذا لم يشعر صاحبه به

[3]

103- 3 الكافي، 1/ 40/ 3/ 1 علي بن محمد عن سهل عن الأشعري عن القداح عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال إن هذا العلم عليه قفل و مفتاحه المسألة

[4]
اشارة

104- 4 الكافي، 1/ 40/ 3/ 1 الأربعة عن أبي عبد اللّٰه ع مثله

بيان

هذا العلم أي الذي يحتاج إليه الناس و كلفوا بطلبه

[5]
اشارة

105- 5 الكافي، 1/ 40/ 4/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن مؤمن الطاق عن أبي عبد اللّٰه ع قال لا يسع الناس حتى يسألوا و يتفقهوا و يعرفوا إمامهم و يسعهم أن يأخذوا بما يقول و إن كانت تقية

الوافي، ج 1، ص: 181

بيان

أي يسع الناس و يكفيهم أن يأخذوا بقول إمامهم و إن كانت أقوال إمامهم تقية و لا يسعهم و لا يكفيهم أن يأخذوا بما لم يتفقهوا فيه و لم يتعرفوه عن إمامهم و إن وافق الحق الصريح الذي لا تقية فيه كذا قيل

[6]

106- 6 الكافي، 1/ 40/ 5/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عمن ذكره عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رسول اللّٰه ص أف لرجل لا يفرغ نفسه في كل جمعة لأمر دينه فيتعاهده و يسأل عن دينه

[7]
اشارة

107- 7 الكافي، 1/ 40/ 5/ 1 و في رواية أخرى لكل مسلم

بيان

أف كلمة ضجر و المراد بالجمعة أما اليوم المعهود و إما الأسبوع بتقدير يوما و الأول أقرب لأنه مجمع الناس و لغنائه عن التقدير و يعني بالتفريغ لأمر الدين ترك شواغل الدنيا و مكاسب المعيشة لتحصيل العلم و التعاهد إما لذلك اليوم أو لأمر الدين و هو تجديد العهد به و طلب ما يفقده منه و المحافظة عليه

[8]
اشارة

108- 8 الكافي، 1/ 40/ 6/ 1 الثلاثة عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رسول اللّٰه ص إن الهّٰ تعالى يقول تذاكر العالم بين عبادي مما تحيي عليه القلوب الميتة إذا هم انتهوا فيه إلى أمري

الوافي، ج 1، ص: 182

بيان

في بعض النسخ العلم بدل العالم و المعنى أن مذاكرة العلم بين العباد سبب إحياء قلوبهم الميتة بشرط أن يكون اقتباسه من مشكاة النبوة لا من آرائهم و عقولهم

[9]
اشارة

109- 9 الكافي، 1/ 41/ 7/ 1 محمد عن ابن عيسى عن محمد بن سنان عن أبي الجارود قال سمعت أبا جعفر ع يقول رحم اللّٰه عبدا أحيا العلم قال قلت و ما إحياؤه قال أن يذاكر به أهل الدين و أهل الورع

بيان

إنما قيد أهل تذاكر العلم بأن يكونوا من أهل الدين و أهل الورع حتى يكون تذاكرهم إحياء للعلم لأن العلم المحيي إنما هو علم الدين و طهارة القلب بالورع و التقوى شرط لحصوله كما قال سبحانه وَ اتَّقُوا اللّٰهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللّٰهُ

[10]
اشارة

110- 10 الكافي، 1/ 41/ 8/ 1 محمد عن أحمد عن الحجال عن بعض أصحابه رفعه قال قال رسول اللّٰه ص تذاكروا و تلاقوا و تحدثوا فإن الحديث جلاء للقلوب إن القلوب لترين كما يرين السيف جلاؤه الحديث

بيان

أراد بالتذاكر و التحدث مذاكرة العلوم الدينية و الرين الطبع و الدنس و يأتي

الوافي، ج 1، ص: 183

خبر آخر في هذا المعنى في باب تذاكر الإخوان من كتاب الإيمان و الكفر إن شاء اللّٰه تعالى

[11]
اشارة

111- 11 الكافي، 1/ 41/ 9/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه عن فضالة عن عمر بن أبان عن منصور الصيقل قال سمعت أبا جعفر ع يقول تذاكر العلم دراسة و الدراسة صلاة حسنة

بيان

الدراسة القراءة مع تعهد و تفهم قال ابن الأثير في الحديث تدارسوا القرآن أي اقرءوه و تعهدوه لئلا تنسوه و إنما كانت صلاة حسنة لاشتمالها على ذكر اللّٰه سبحانه الذي هو روح الصلاة و غايتها كما قال اللّٰه سبحانه أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِذِكْرِي و ربما يقرأ بكسر الصاد و سكون اللام و يفسر بالصلة

الوافي، ج 1، ص: 185

باب 12 بذل العلم

[1]
اشارة

112- 1 الكافي، 1/ 41/ 1/ 1 محمد عن ابن عيسى عن ابن بزيع عن منصور بن حازم عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّٰه ع قال قرأت في كتاب علي ع إن اللّٰه تعالى لم يأخذ على الجهال عهدا بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهدا ببذل العلم للجهال لأن العلم كان قبل الجهل

الوافي، ج 1، ص: 186

بيان

إنما علل تقدم العهد على العالم على العهد على الجاهل بتقدم العلم على الجهل لاستلزام تقدم العلم تقدم العالم و تقدم العالم تقدم العهد عليه و إنما كان العلم قبل الجهل مع أنه يكتسبه الجاهل بعد جهله لوجوه منها أن اللّٰه سبحانه قبل كل شي ء و العلم عين ذاته فطبيعة العلم متقدمة على الجهل.

و منها أن العلماء كالملائكة و آدم و اللوح و القلم لهم التقدم على الجهال من أولاد آدم.

و منها أن العلم غاية الخلق كما قال سبحانه وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلّٰا لِيَعْبُدُونِ و ثمرة العبادة المعرفة و الغاية متقدمة على ذي الغاية لأنها سبب له و منها أن الجهل عدم العلم و الإعدام إنما تعرف بملكاتها و تتبعها فالعلم متقدم على الجهل بالحقيقة و الماهية.

و منها أنه أشرف فله التقدم بالشرف و الرتبة

[2]
اشارة

113- 2 الكافي، 1/ 41/ 2/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه عن ابن المغيرة و محمد بن سنان عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّٰه ع في هذه الآية وَ لٰا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّٰاسِ قال ليكن الناس عندك في العلم سواء

بيان

تصعير الخد إمالته تكبرا و معنى الآية لا تعرض عن الناس تكبرا و معنى الحديث أن العالم إذا التفت إلى بعض تلامذته دون بعض أو استنكف عن تعليم البعض أو نصحه فكأنه مال بوجهه عنه أو تكبر و يؤيد هذا التأويل صدور الخطاب من

الوافي، ج 1، ص: 187

لقمان الحكيم إلى ابنه و أصحابه لم يكونوا إلا طلاب العلوم فكأنه نصحه أن يسوي بينهم في الإفادة و الإرشاد

[3]

114- 3 الكافي، 1/ 41/ 3/ 1 بهذا الإسناد عن أبيه عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال زكاة العلم أن تعلمه عباد اللّٰه

[4]
اشارة

115- 4 الكافي، 1/ 42/ 4/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عمن ذكره عن أبي عبد اللّٰه ع قال قام عيسى بن مريم ع خطيبا في بني إسرائيل فقال يا بني إسرائيل لا تحدثوا الجهال بالحكمة فتظلموها و لا تمنعوها أهلها فتظلموهم

بيان

المراد بالجهال من لا عقل لهم يعبدون به الرحمن و يكتسبون به الجنان و بأهل الحكمة من يقابلهم و أنشد في هذا المعنى.

فمن منح الجهال علما إضاعة. و من منع المستوجبين فقد ظلم

[5]

116- 5 الكافي، 8/ 345/ 545/ 1 العدة عن سهل عن الدهقان عن عبد اللّٰه بن القاسم عن التميمي عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّٰه ع قال كان المسيح ع يقول إن التارك شفاء المجروح من جرحه شريك لجارحه لا محالة و ذلك أن الجارح أراد فساد المجروح و التارك لإشفائه لم يشأ صلاحه و إذا لم يشأ صلاحه فقد شاء فساده اضطرارا فكذلك لا تحدثوا بالحكمة غير أهلها فتجهلوا و لا تمنعوها أهلها فتأثموا و ليكن أحدكم بمنزلة الطبيب

الوافي، ج 1، ص: 188

المداوي إن رأى موضعا لدوائه و إلا أمسك

[6]

117- 6 التهذيب، 6/ 225/ 538/ 1 ابن محبوب عن علي بن السندي عن أبيه قال سألت أبا الحسن ع عن الرجل يأتيه من يسأله عن المسألة فيتخوف إن هو أفتى بها أن يشنع عليه يسكت عنه أو يفتيه بالحق أو يفتيه بما لا يتخوف على نفسه قال السكوت عنه أعظم أجرا و أفضل

[7]

118- 7 التهذيب، 6/ 225/ 539/ 1 عنه عن العباس بن معروف عن ابن المغيرة عن معاذ الهراء و كان أبو عبد اللّٰه ع يسميه النحوي قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع إني اجلس في المسجد فيأتيني الرجل فإذا عرفت أنه يخالفكم أخبرته بقول غيركم و إذا كان ممن لا أدري أخبرته بقولكم و قول غيركم فيختار لنفسه و إذا كان ممن يقول بقولكم أخبرته بقولكم فقال رحمك اللّٰه هكذا فاصنع

الوافي، ج 1، ص: 189

باب 13 النهي عن القول بغير علم

[1]
اشارة

119- 1 الكافي، 1/ 42/ 1/ 1 محمد عن ابن عيسى و أخيه بنان عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن مفضل بن مزيد قال قال أبو عبد اللّٰه ع أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال أنهاك أن تدين اللّٰه بالباطل و تفتي الناس بما لا تعلم

بيان

تدين اللّٰه بالباطل أي تتخذ الباطل دينا بينك و بين اللّٰه تعبد به اللّٰه عز و جل

الوافي، ج 1، ص: 190

و الباطل و ما لا تعلم يشملان كل ما لا يؤخذ عن اللّٰه سبحانه أو أولى العلم من الأنبياء و الأوصياء ع سواء حصل بالدلائل الكلامية أو القياس أو الاجتهاد أو غير ذلك من الاستدلال بالمتشابهات و الظنيات إذ لا علم إلا ما يؤخذ عن أهله كما يأتي فمن العلوم ما لا يؤخذ إلا عن اللّٰه سبحانه ببركة متابعة النبي ص و هي الأسرار الإلهية و منها ما لا يؤخذ إلا عن النبي و أوصيائه ع و هي العلوم الشرعية

[2]
اشارة

120- 2 الكافي، 1/ 42/ 2/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن البجلي قال قال لي أبو عبد اللّٰه ع إياك و خصلتين ففيهما هلك من هلك إياك أن تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم

بيان

الرأي أعم من القياس و الاجتهاد المتعارف بين متأخري فقهائنا اليوم كما يسمونه به

[3]
اشارة

121- 3 الكافي، 1/ 42/ 3/ 1 الكافي، 7/ 409/ 2/ 1 محمد عن التهذيب، 6/ 223/ 23/ 1 ابن عيسى عن السراد عن ابن رئاب عن الحذاء عن أبي جعفر ع قال من أفتى الناس بغير علم و لا هدى من اللّٰه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه

الوافي، ج 1، ص: 191

بيان

المراد بالعلم ما يستفاد من الأنوار الإلهية و الإلهامات الكشفية كما هو للأئمة ع و بالهدي ما يسمع من أهل بيت النبوة كما هو لنا و بملائكة الرحمة الهادون لنفوس الأخيار إلى مقاماتهم في درجات الجنان و بملائكة العذاب السائقون لنفوس الأشرار إلى منازلهم في دركات الجحيم و النيران

[4]
اشارة

122- 4 الكافي، 1/ 42/ 4/ 1 العدة عن البرقي عن الوشاء عن أبان عن زياد بن أبي رجاء عن أبي جعفر ع قال ما علمتم فقولوا و ما لم تعلموا فقولوا اللّٰه أعلم إن الرجل لينتزع الآية من القرآن يخر فيها أبعد ما بين السماء و الأرض

بيان

ما علمتم أي بالنور الإلهي المقذوف في قلوبكم أو بالسماع من أهل بيت النبوة و ما لم تعلموا أي بإحدى الوجهين و انتزاع الآية من القرآن استخراجها منه للاستدلال بها على المقصود و الخرور السقوط فيها أي في تفسيرها على حذف المضاف و نسخة يحرفها كأنها تصحيف

[5]
اشارة

123- 5 الكافي، 1/ 42/ 5/ 1 النيسابوريان عن حماد بن عيسى عن ربعي عن

الوافي، ج 1، ص: 192

محمد عن أبي عبد اللّٰه ع قال للعالم إذا سئل عن شي ء و هو لا يعلمه أن يقول اللّٰه أعلم و ليس لغير العالم أن يقول ذلك

بيان

و ذلك لأن مقتضى صيغة التفضيل أن يكون للمفضل عليه شركة فيما فيه الفضل و ليس للجاهل و ذلك و أما العالم فلما كان له نصيب من جنس العلم صح له هذا القول و إن كان حكمه حكم الجاهل فيما سئل عنه

[6]
اشارة

124- 6 الكافي، 1/ 42/ 6/ 1 علي عن البرقي عن حماد عن حريز عن محمد عن أبي عبد اللّٰه ع قال إذا سئل الرجل منكم عما لا يعلم فليقل لا أدري و لا يقل اللّٰه أعلم فيوقع في قلب صاحبه شكا و إذا قال المسئول لا أدري فلا يتهمه السائل

بيان

شكا أي في عدم علمه فيتهمه بالعلم قيل لا أدري نصف العلم و كأنه إشارة إلى أن المتعلق بكل مسألة علمان علم بها و علم بأنه يعلمها أو لا يعلمها و لا أدري أحد العلمين و ورد العلم ثلاثة كتاب ناطق و سنة قائمة و لا أدري و على هذا فهو ثلث العلم

[7]
اشارة

125- 7 الكافي، 1/ 43/ 8/ 1 الثلاثة عن يونس عن أبي يعقوب و إسحاق بن عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن اللّٰه تعالى خص عباده بآيتين من كتابه أن لا يقولوا حتى يعلموا و لا يردوا ما لم يعلموا و قال تعالى أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثٰاقُ الْكِتٰابِ أَنْ لٰا يَقُولُوا عَلَى اللّٰهِ إِلَّا الْحَقَّ و قال

الوافي، ج 1، ص: 193

بَلْ كَذَّبُوا بِمٰا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمّٰا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ

بيان

خص عباده قيل يعني عباده الذين هم من أهل الكتاب و الكلام كان من سواهم ليسوا مضافا إليه بالعبودية بآيتين أي مضمونهما و إلا فالآيات في ذلك فوق اثنتين كقوله تعالى وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرىٰ عَلَى اللّٰهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيٰاتِهِ- وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ- فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ- فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ إلى غير ذلك.

و لا يردوا ما لم يعلموا يعني لا يكذبوا به بل يكلوا علمه إلى قائله فإن التصديق بالشي ء كما هو محتاج إلى تصوره إثباتا فكذلك هو مفتقر إليه نفيا و هذا في غاية الظهور و لكن أكثر الناس لا يعلمون

[8]
اشارة

126- 8 الكافي، 1/ 43/ 7/ 1 الاثنان عن ابن أسباط عن جعفر بن سماعة عن غير واحد عن أبان عن زرارة قال سألت أبا جعفر ع ما حق اللّٰه على العباد قال أن يقولوا ما يعلمون و يقفوا عند ما لا يعلمون

بيان

ما حق اللّٰه على العباد أي فيما أتاهم من العلم و أخذ عليهم من الميثاق و إلا فحقوقه جل و عز عليهم كثيرة

الوافي، ج 1، ص: 194

[9]

127- 9 الكافي، 1/ 50/ 12/ 1 الثلاثة عن هشام بن سالم قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع ما حق اللّٰه على خلقه فقال أن يقولوا ما يعلمون و يكفوا عما لا يعلمون فإذا فعلوا ذلك فقد أدوا إلى اللّٰه تعالى حقه

[10]
اشارة

128- 10 الكافي، 1/ 50/ 9/ 1 محمد عن ابن عيسى عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن داود بن فرقد عن أبي سعيد الزهري عن أبي جعفر ع قال الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة و تركك حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه

بيان

الاقتحام في الشي ء رمي النفس فيه من غير روية و الإحصاء العد و الحفظ و الإحاطة بالشي ء و المعنى أن تركك رواية حديث قد أحصيته فلم تروه خير من روايتك حديثا لم تحط به فإذا تردد الأمر بين أن تترك حديثا قد رويته و لم تحط به و لم تحفظه على وجهه و لم تكن على يقين و معرفة بأنه كما هو عندك و بين أن ترويه فالأولى أن لا ترويه.

لأن في رواية الحديث منفعة و في رواية ما ليس بحديث على أنه حديث مفسدة و دفع المفسدة أهم و أولى من جلب المنفعة

و في نهج البلاغة من وصايا أمير المؤمنين لابنه الحسن ع و دع القول فيما لا تعرف و الخطاب فيما لا تكلف و أمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فإن الكف عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال

الوافي، ج 1، ص: 195

[11]
اشارة

129- 11 الكافي، 1/ 50/ 10/ 1 محمد عن أحمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن حمزة الطيار أنه عرض على أبي عبد اللّٰه ع بعض خطب أبيه حتى إذا بلغ موضعا منها قال له كف و اسكت ثم قال أبو عبد اللّٰه ع لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف عنه و التثبت و الرد إلى الأئمة الهدى حتى يحكموكم فيه على القصد و يجلوا عنكم فيه العمى و يعرفوكم فيه الحق قال اللّٰه تعالى فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ

بيان

يحكموكم يقال حكمت و حكمت و أحكمت بمعنى رددت قاله الأزهري و في بعض النسخ يحملوكم و كما أن في القرآن محكما و متشابها و لا يعلم تأويل متشابهه إلا اللّٰه و الراسخون في العلم كذلك في أحاديث أهل البيت ع محكم و متشابه و لا يعلم تأويل متشابهها إلا أهله و ليس لسائر الناس أن يتكلموا فيه بآرائهم و لهذا منع ع عن ذلك و أمر بالكف و التثبت أي التوقف و الرد إلى أهله و القصد من الأمور المعتدل الذي لا يميل إلى أحد طرفي الإفراط و التفريط و الجلاء الكشف و أهل الذكر هم ع و الذكر هو القرآن كما يأتي في أحاديثهم ع

[12]
اشارة

130- 12 الكافي، 1/ 43/ 9/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن داود بن فرقد عمن حدثه عن ابن شبرمة قال ما ذكرت حديثا سمعته عن جعفر بن محمد ع إلا كاد أن ينصدع [يتصدع] قلبي قال حدثني أبي عن

الوافي، ج 1، ص: 196

جدي عن رسول اللّٰه ص قال ابن شبرمة و أقسم بالله ما كذب أبوه على جده و لا جده على رسول اللّٰه ص قال قال رسول اللّٰه ص من عمل بالمقاييس فقد هلك و أهلك و من أفتى الناس و هو لا يعلم الناسخ من المنسوخ و المحكم من المتشابه فقد هلك و أهلك

بيان

ابن شبرمة هو عبد اللّٰه بن شبرمة الضبي الكوفي بفتح المعجمة و ربما بكسر و سكون الموحدة و ضم الراء كان قاضيا لأبي جعفر المنصور على سواد الكوفة و الانصداع الانشقاق و التصدع التفرق و المقياس ما يقدر به الشي ء على مثال و المراد هنا ما جعلوه معيار إلحاق فرع بأصل من معنى مشترك بأن يثبت حكم في جزئي لثبوته في جزئي آخر لمعنى مشترك بينهما و هو أصل من أصول كثير من العامة يستعملونه في علومهم و المحكم ما لا يحتمل غير المعنى المقصود منه و المتشابه ما يحتمله و من لم يفرق بينهما فربما يفتي بالمتشابه و لا يعلم بتشابهه كما نرى من كثير من أهل الاجتهاد

[13]

131- 13 الكافي، 7/ 409/ 1/ 1 التهذيب، 6/ 223/ 22/ 1 الثلاثة عن البجلي

الوافي، ج 1، ص: 197

قال كان أبو عبد اللّٰه ع قاعدا في حلقة ربيعة الرأي فجاء أعرابي فسأل ربيعة عن مسألة فأجابه فلما سكت قال له الأعرابي أ هو في عنقك فسكت عنه ربيعة و لم يرد عليه شيئا فأعاد المسألة عليه فأجابه بمثل ذلك فقال له الأعرابي أ هو في عنقك فسكت ربيعة فقال أبو عبد اللّٰه ع هو في عنقه قال أ و لم يقل كل مفت ضامن

[14]

132- 14 التهذيب، 6/ 295/ 823/ 1 سعد عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن حماد عن عاصم قال حدثني مولى لسلمان عن عبيدة السلماني قال سمعت عليا ع يقول يا أيها الناس اتقوا اللّٰه و لا تفتوا الناس بما لا تعلمون فإن رسول اللّٰه ص قد قال قولا آل منه إلى غيره و قد قال قولا من وضعه غير موضعه كذب عليه فقام عبيدة و علقمة و الأسود و أناس منهم فقالوا يا أمير المؤمنين فما نصنع بما قد خبرنا به في المصحف قال يسأل عن ذلك علماء آل محمد ع

[15]
اشارة

133/ 15/ الفقيه، 4/ 75/ 5149 خطب أمير المؤمنين ع الناس فقال إن اللّٰه تعالى حد حدودا فلا تعتدوها و فرض فرائض فلا تنقضوها و سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا لها فلا تتكلفوها رحمة من اللّٰه لكم فاقبلوها ثم قال علي ع حلال بين و حرام بين و شبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك و المعاصي حمى اللّٰه عز و جل فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها

الوافي، ج 1، ص: 198

بيان

فلا تتكلفوها معناها أن ما لم يصل إليكم من التكاليف و لم يثبت في الشرع فليس عليكم فيه شي ء فلا تتكلفوه على أنفسكم فإنه رحمة من اللّٰه لكم و في هذا قيل اسكتوا عما سكت اللّٰه عنه

الوافي، ج 1، ص: 199

باب 14 من عمل بغير علم

[1]
اشارة

134- 1 الكافي، 1/ 43/ 1/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه عن الفقيه، 4 401 5864 محمد بن سنان عن طلحة بن زيد قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا تزيده سرعة السير الفقيه، من الطريق ش إلا بعدا

بيان

على غير بصيرة أي غير معرفة بدينه و بما يعمله و قد بينا طريق المعرفة غير مرة و في بعض النسخ كثرة السير بدل سرعة السير

[2]
اشارة

135- 2 الكافي، 1/ 44/ 3/ 1 محمد عن أحمد عن ابن فضال عمن رواه عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رسول اللّٰه ص

الوافي، ج 1، ص: 200

من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح

بيان

هذا الحديث مثل سابقه في المعنى و السر فيهما أن إصلاح القلب و تطهيره بالعبادات الجسمانية و تصفية النفس و تهذيبها بالأعمال البدنية ليست مقصودة بالذات لأنها كالإعدام للملكات و العدم لا يكون مطلوبا إلا بالعرض إنما المطلوب أن ينكشف له المعارف الحقيقية من العلم بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر لكل إنسان بحسب عقله و فهمه على تفاوت مراتبهم في ذلك.

و لا تنكشف هذه المعارف إلا بأن يقع ذلك الإصلاح و التطهير على وجهه مأخوذا عن صاحب الشرع ص مع اعتقاد صحيح و لو بالسماع منه فمن اقتصر في سلوكه على مجرد العمل و الرياضة و المجاهدة من غير بصيرة و لا معرفة فالتصفية تصير وبالا عليه إذ تتحرك النفس بالخواطر الوهمية و تستولي عليه الوساوس النفسانية فيشوش القلب حيث لم يتقدم له رياضة النفس بالعلوم الحقة و الأفكار الصحيحة و لم يأخذ كيفية العبادة عن صاحب الشرع و خلفائه ص.

فيتشبث بالقلب خيالات فاسدة و تصورات باطلة و أوهام كاذبة و ربما يتخيل في ذات اللّٰه و صفاته اعتقادات فاسدة من باب الكفر و الزندقة و في زعمه أنها صحيحة حقة نعوذ بالله منه و ربما يقتدي به غيره فيتعدى شره و يصير من الجاهلين المتنسكين القاصمين للظهر ثم مع ذلك قلما يخلو من إعجاب بنفسه و افتخار بعمله و اغترار بعبادته و نظر إلى سائر الناس بعين الاحتقار و الازدراء.

و

ربما يتشحن باطنه بأمراض نفسانية و هو غافل عنها غير ملتفت إلى معالجتها و إزالتها و ربما يظن الرذائل فضائل و العيوب كمالات فيكون ممن أخبر اللّٰه تعالى عنهم بقوله سبحانه

الوافي، ج 1، ص: 201

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمٰالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً

[3]
اشارة

136- 3 الكافي، 1/ 44/ 2/ 1 عنه عن ابن عيسى عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن الصيقل قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول لا يقبل اللّٰه عملا إلا بمعرفة و لا معرفة إلا بعمل فمن عرف دلته المعرفة على العمل و من لم يعمل فلا معرفة له ألا إن الإيمان بعضه من بعض

بيان

و لا معرفة لا لنفي الجنس و ليس للعطف كما قد يظن و تحقيق المقام أن كل معرفة تثمر حالا و صفاء في النفس و كل حال يحمل صاحبه على عمل و طاعة و كل طاعة تثمر حالا آخر و صفاء غير الأول و هو يثمر معرفة أخرى سوى الأولى و هكذا يتكامل إيمان المرء بالمعرفة و الطاعة حتى بلغ الغاية و خلص من التعب و المشقة و استقر في مقام الأمن و الراحة واصلا إلى عين اليقين.

و قد ضربنا لذلك مثلا في مقدمة الكتاب فمن لا معرفة له بالله و اليوم الآخر فكيف يعبده أم كيف ينوي التقرب إليه أو يخضع له أو يشتاق لقاءه مع أن هذه كلها هي روح العبادة و قوامها و من لا عبادة له و لا رياضة شرعية كيف يصفي نفسه و يرق

الوافي، ج 1، ص: 202

قلبه و يطهر باطنه مع أن هذه كلها هي شرائط فيضان نور العلم عليه و الإيمان إن أريد به نفس المعرفة فمعناه أن كل مرتبة منه أعلى تحصل من مرتبة أخرى سابقة عليها دونها في الكمال و القوة بوسيلة العمل و إن أريد مجموع العلم و العمل فمعناه أن كلا من جزئية يحصل من الآخر كما بيناه

الوافي، ج 1، ص: 203

باب 15 استعمال العلم

[1]
اشارة

137- 1 الكافي، 1/ 44/ 1/ 1 محمد عن ابن عيسى عن حماد بن عيسى عن ابن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي قال سمعت أمير المؤمنين ع يحدث عن النبي ص أنه قال في كلام له العلماء رجلان رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج و عالم تارك لعلمه فهذا هالك و إن أهل النار

ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه و إن أشد أهل النار ندامة و حسرة رجل دعا عبدا إلى اللّٰه تعالى فاستجاب له و قبل منه فأطاع اللّٰه فأدخله اللّٰه الجنة و أدخل الداعي النار بترك علمه و اتباعه الهوى و طول الأمل أما اتباع الهوى فيصد عن الحق و طول الأمل ينسي الآخرة

بيان

هذا التقسيم إنما هو للعلماء الذين علمهم مقصور على ما يتعلق بالعمل كالعالم

الوافي، ج 1، ص: 204

بالشريعة و كالعالم بالأخلاق دون الذين علمهم مقصود لذاته كالعالم بالمبدإ و المعاد فإنه لا يكون غالبا إلا ناجيا و إذا وقع منه زلة أو ذنب تذكر لربه و تاب و تضرع إليه و أناب.

و إنما كان عذاب العالم أشد لأن نفسه أقوى و معرفته بقبح ما صدر منه أتم فتأذيه بالمؤلم لا محالة أشد و تحسره أدوم كما أن ثوابه مع العمل أكثر و أعظم فيصد عن الحق أي يحجب القلب عن فهم المعارف لأنه يضاد العلم و المعرفة كما قيل حبك الشي ء يعمي و يصم ينسي الآخرة و ذلك لأنه يوجب تسويف العمل لها فينجر إلى محوها عن الذكر

[2]
اشارة

138- 2 الكافي، 1/ 44/ 2/ 1 محمد عن أحمد عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّٰه ع قال العلم مقرون إلى العمل فمن علم عمل و من عمل علم و العلم يهتف بالعمل فإن أجابه و إلا ارتحل عنه

بيان

و ذلك لأن كلا منهما يستدعي الآخر و يتقوى به كما عرفت و الهتف الصوت و الدعاء و هتافه به استدعاؤه له و ارتحاله عنه نسيانه و انمحاؤه عنه

الوافي، ج 1، ص: 205

[3]
اشارة

139- 3 الكافي، 1/ 44/ 3/ 1 العدة عن البرقي عن القاساني عمن ذكره عن عبد اللّٰه بن القاسم الجعفري عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا

بيان

الصفا بالقصر جمع الصفاة و هي الحجر الصلد الذي لا ينبت شبه العلم و الموعظة بماء المطر و عدم تأثيره و ثباته في القلوب بعدم استقرار المطر في الحجر الأملس قيل السر في عدم تأثير الموعظة إذا صدر ممن لا يتصف بمقتضاها إن الكلام ينتهي من المخاطب إلى مثل ما يبتدئ من المتكلم فإن ابتدأ من قلب المتكلم انتهى إلى قلب المخاطب و تمكن منه و إن ابتدأ من لسانه دون مشاركة القلب انتهى إلى ظاهر السمع فحسب فتأثير الروحاني في الروحاني و الجسماني في الجسماني

[4]
اشارة

140- 4 الكافي، 1/ 44/ 4/ 1 علي عن أبيه عن القاسم بن محمد عن المنقري عن علي بن هاشم بن البريد عن أبيه قال جاء رجل إلى علي بن الحسين ع فسأله عن مسائل فأجاب ثم عاد ليسأل عن مثلها فقال علي بن الحسين ع مكتوب في الإنجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون و لما تعملوا بما علمتم فإن العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلا كفرا و لم يزدد من اللّٰه إلا بعدا

بيان

الواو في و لما تعملوا للحالية أي لا تسألوا عن المجهول و الحال أنكم لم تعملوا بعد بالمعلوم و إنما لم يزدد صاحبه إلا كفرا و بعدا لأن العلم المتعلق بالعمل حجاب عن

الوافي، ج 1، ص: 206

الحق و اشتغال بما سواه و صد عن الرجوع إلى جانب القدس و نسيان للآخرة و إنما الضرورة دعت إليه فلما لم يستعمل في الضرورة و اهتم به لا بقصد العمل بقي وباله عليه إذ ينشعب منه آثار ردية و تنبعث منه عادات ممرضة للنفس مميتة للقلب و يصير حجة عليه

[5]
اشارة

141- 5 الكافي، 1/ 45/ 5/ 1 محمد عن ابن عيسى عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّٰه ع قال قلت له بم يعرف الناجي قال من كان فعله لقوله موافقا فأثبت له الشهادة و من لم يكن فعله لقوله موافقا فإنما ذلك مستودع

بيان

فأثبت إما بصيغة الماضي المجهول أو المعلوم أو المستقبل أو الأمر و في بعض النسخ فإنما له الشهادة و أريد بالشهادة الشهادة بالنجاة كما يأتي التصريح به في باب المستودع و المعار من كتاب الإيمان و الكفر فإنما ذلك مستودع أي إيمانه غير مثبت في قلبه بل يزول بأدنى شبهة فهو في مشيئة اللّٰه إن شاء تممه له و إن شاء سلبه عنه

الوافي، ج 1، ص: 207

و كأنه إليهما أشير بقوله عز و جل فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ

[6]
اشارة

142- 6 الكافي، 1/ 45/ 6/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه رفعه قال قال أمير المؤمنين ع في كلام له خطب به على المنبر أيها الناس إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلكم تهتدون إن العالم العامل بغيره كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق عن جهله بل قد رأيت أن الحجة عليه أعظم و الحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه منها على هذا الجاهل المتحير في جهله و كلاهما حائر بائر لا ترتابوا فتشكوا و لا تشكوا فتكفروا و لا ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا و لا تدهنوا في الحق فتخسروا و إن من الحق أن تفقهوا و من الفقه أن لا تغتروا و إن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه و أغشكم لنفسه أعصاكم لربه و من يطع اللّٰه يأمن و يستبشر و من يعص اللّٰه يخب و يندم

بيان

في قوله لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ تنبيه على أن العمل بمقتضى العلم يؤدي إلى الاهتداء بهدى اللّٰه و هو [من] نور اليقين الذي هو غاية كل سعي و قد بينا كيفية ذلك و في قوله لا يستفيق عن جهله إشعار بأن الجهل كالسكر أو المرض فإن الاستفاقة بمعنى الخلاص من أحدهما قوله و الحسرة أدوم مبتدأ و خبر و يحتمل أن يكون عطفا على

الوافي، ج 1، ص: 208

قوله الحجة عليه أعظم و يكون قوله على هذا العالم بدلا من عليه و الضمير في منها راجعا إلى الحجة و الحسرة جميعا باعتبار كل واحدة منهما و الأول أولى لاستغنائه عن هذا التكلف في الضمير و إنما كانت الحسرة عليه أدوم لأنه بالعلم يدرك درجات العاملين بعلمهم في القرب فيشتد حسرته و ندامته بخلاف الجاهل.

و كلاهما حائر بائر يقال رجل حائر

بائر إذا لم يتجه بشي ء و لا يأتمر رشدا و لا يطيع مرشدا لا ترتابوا أي لا تمكنوا الريب و الشك من قلوبكم بل ادفعوا عن أنفسكم كيلا تعتادوا به فتصيروا من أهل الشك و الوسواس فتكونوا من الكافرين فإن من غلب عليه الشك و الوسواس يصير من أهل الكفر هذا في باب العلم.

و لا ترخصوا لأنفسكم أي اعزموا على الطاعات و ترك المعاصي و لا تساهلوا في ارتكاب الشهوات فتقعوا في المداهنة في أمر الدين و المساهلة في باب الحق و اليقين فتكونوا من الخاسرين و هذا في باب العمل و إن من الحق أن تفقهوا أي و إن من الحق اللازم عليكم أولا أن تفقهوا في الدين و تعلموا الحلال و الحرام و الخير و الشر ثم اعملوا بما فقهتم و من الفقه أن لا تغتروا بعلمكم و لا بعملكم فإن الغرور من المهلكات و المغرور بالعلم و الطاعة أدون حالا من الجاهل و العاصي.

و الغش خلاف النصيحة يأمن أي من العقوبات و يستبشر أي بالمثوبات و في بعض النسخ و يسترشد يخب من الدرجات العلى من الخيبة و يندم أي على تفويت الفرصة و تضييع العمر

[7]
اشارة

143- 7 الكافي، 1/ 45/ 7/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه عمن ذكره عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال سمعت أبا جعفر ع

الوافي، ج 1، ص: 209

يقول إذا سمعتم العلم فاستعملوه و ليتسع قلوبكم فإن العلم إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله قدر الشيطان عليه فإذا خاصمكم الشيطان فأقبلوا عليه بما تعرفون فإن كيد الشيطان كان ضعيفا فقلت و ما الذي نعرفه قال خاصموا بما ظهر لكم من

قدرة اللّٰه تعالى

بيان

يعني ينبغي أن يكون اهتمامكم بالعمل لا بكثرة السماع و الحفظ و أن لا تكثروا من العلم إلى حد تضيق قلوبكم عن احتماله و يضعف عن الإحاطة به و ذلك إنما يكون بترك العمل لأن العالم إذا عمل بعلمه لا يضيق قلبه عن احتمال العلم و إن كثر ثم القلب إذا ضاق عن قبول الحق و ضعف يستولي عليه الشيطان بالوسواس و الإغواء و لما كان لقائل أن يقول فبما ذا نخاصم الشيطان إذا كانت كثرة العلم هي سبب اقتداره علينا و استيلاؤه على قلوبنا قال فإذا خاصمكم الشيطان فأقبلوا عليه بما تعرفون يعني أدنى المعرفة يكفي لدفع كيده لأن كيده كان ضعيفا أشار به إلى قول اللّٰه عز و جل إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطٰانِ كٰانَ ضَعِيفاً

الوافي، ج 1، ص: 210

ثم نبه على أدنى المعرفة الكافية لدفع مخاصمته بأنها هي معرفة ما ظهر من قدرة اللّٰه تعالى على كل شي ء فإنه يوجب قدرته على إنشاء النشأة الآخرة و أثابه المطيع و تعذيب العاصي فإن بهذه المعرفة تنبعث النفس على فعل الطاعات و ترك السيئات ثم كلما ازداد عملا و سعيا ازداد بصيرة و يقينا

الوافي، ج 1، ص: 211

باب 16 المستأكل بعلمه و المباهي به

[1]
اشارة

144- 1 الكافي، 1/ 46/ 1/ 1 محمد عن ابن عيسى و علي عن أبيه جميعا عن حماد التهذيب، 6 328/ 906/ 1 الحسين عن حماد عن ابن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال سمعت أمير المؤمنين ع يقول قال رسول اللّٰه ص منهومان لا يشبعان طالب دنيا و طالب علم فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل اللّٰه له سلم و من تناولها من غير حلها هلك إلا أن يتوب أو

يراجع و من أخذ العلم من أهله و عمل بعلمه نجا و من أراد به الدنيا فهي حظه

الوافي، ج 1، ص: 212

بيان

النهمة بالفتح إفراط الشهوة و بلوغ الهمة في الشي ء و قد نهم بكذا فهو منهوم أي مولع به حريص عليه و ليس في الحديث دلالة على أن الحرص في تحصيل العلم و الإكثار منه مذموم و إن المراد به غير علم الآخرة كما ظن بل المراد من صدره أن من خاصية الدنيا و العلم أن من ذاق طعمهما لم يشبع منهما بل يحرص عليهما ثم بين الممدوح من ذلك و المذموم منه فذكر أن من اقتصر على الحلال من الدنيا فهو ناج أكثر منه أو أقل و من تناولها من غير حلها فهو هالك أكثر منها أو أقل و كذلك من أخذ العلم من أهله و عمل به فهو ناج أكثر من تحصيله أو أقل و من أراد به الدنيا فليس له في الآخرة نصيب أكثر منه أو أقل فليس حظه منه سوى الدنيا

[2]

145- 2 الكافي، 1/ 46/ 2/ 1 الاثنان عن الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه ع قال من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب و من أراد به خير الآخرة أعطاه اللّٰه خير الدنيا و الآخرة

[3]

146- 3 الكافي، 1/ 46/ 3/ 1 علي عن أبيه عن القاسم بن محمد الأصبهاني عن المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّٰه ع قال من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب

[4]
اشارة

147- 4 الكافي، 1/ 46/ 4/ 1 بهذا الإسناد عن أبي عبد اللّٰه ع قال إذا رأيتم العالم محبا لدنياه فاتهموه على دينكم فإن كل محب لشي ء يحوط ما أحب و قال ع أوحى اللّٰه تعالى إلى داود ع لا تجعل بيني و بينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي فإن أولئك

الوافي، ج 1، ص: 213

قطاع طريق عبادي المريدين إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم

بيان

فاتهموه أي اعتقدوه متهما في قوله و فعله صونا على دينكم فإنه ليس على حقيقة في علمه و ذلك لأن حب الدين و حب الدنيا لا يجتمعان في قلب واحد و الحوط و الحياطة الحفظ و الصيانة و التوفر على مصالح الشي ء و الذب عنه لا تجعل بيني و بينك عالما أي لا تجعله وسيلة إلى التقرب إلي بالاستفادة منه و الاسترشاد فيصدك فيمنعك لما قلنا من عدم اجتماع الحبين و المناجاة المنزوع حلاوتها من قلبه تشمل ما يكون منها باللسان على نحو الخطاب و الدعاء و ما يكون بالعقل من الإلهامات العلمية و المكالمات الروحية التي كان قابلا لها في أوائل فطرته قبل فساد قريحته

[5]
اشارة

148- 5 الكافي، 1/ 46/ 5/ 1 الأربعة عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رسول اللّٰه ص الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول اللّٰه و ما دخولهم في الدنيا قال اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم

الوافي، ج 1، ص: 214

بيان

أمناء الرسل لأنهم مستودعو علومهم و اتباع السلطان يشمل قبول الولاية منهم على القضاء و نحوه و الخلطة بهم و المعاشرة معهم اختيارا و رضي به

[6]
اشارة

149- 6 الكافي، 1/ 47/ 6/ 1 النيسابوريان عن حماد بن عيسى عن ربعي عمن حدثه عن أبي جعفر ع قال من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها

بيان

في بعض النسخ حريز بدل ربعي و كأنه الأصح و كلاهما ثقة و المباهاة

الوافي، ج 1، ص: 215

المفاخرة و المماراة المجادلة و يتبوأ من كذا أي يتخذه منزلا و مقعده نصب على المفعول له أي لمنزله أو نصبه على المفعول به و من النار متعلق به أي فليحل مقعده من النار و ليقم و المعنى أن من طلب العلم لغرض من الأغراض النفسانية التي تدور غالبا على أحد هذه الأمور فهو من أهل النار و نبه ع على خطر أمر الرئاسة و عظم آفتها بأنها لا تصلح إلا لأهلها و هم الكاملون في قوتي العلم و العمل من الأنبياء و الأوصياء و من يحذو حذوهم من النفوس القدسية المنزهة عن الميل إلى الدنيا و ما فيها.

روى الصدوق رحمه اللّٰه في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال سمعت أبا الحسن الرضا ع يقول رحم اللّٰه عبدا أحيى أمرنا فقلت له و كيف يحيي أمركم قال يتعلم علومنا و يعلمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا قال فقلت له يا بن رسول اللّٰه فقد روي لنا عن أبي عبد اللّٰه ع أنه قال من تعلم علما ليماري به السفهاء أو يباهي به العلماء أو ليقبل بوجوه الناس إليه فهو في النار فقال ع صدق جدي أ فتدري من السفهاء فقلت لا يا

بن رسول اللّٰه قال هم قصاص مخالفينا و تدري من العلماء فقلت لا يا بن رسول اللّٰه قال هم علماء آل محمد ع الذين فرض اللّٰه طاعتهم و أوجب مودتهم ثم قال أ و تدري ما معنى قوله أو ليقبل بوجوه الناس إليه قلت لا قال يعني بذلك و اللّٰه ادعاء الإمامة بغير حقها و من فعل ذلك فهو في النار

و بإسناده عن حمزة بن حمران قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول من استأكل بعلمه افتقر فقلت له جعلت فداك إن في شيعتك و مواليك قوما يتحملون علومكم و يبثونها في شيعتكم و لا يعدمون على ذلك منهم البر و الإحسان و الصلة و الإكرام فقال ع ليس أولئك المستأكلين إنما المستأكل بعلمه الذي يفتي بغير علم و لا هدى من اللّٰه عز و جل ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا

الوافي، ج 1، ص: 217

باب 17 لزوم الحجة على العالم و تشديد الأمر عليه

[1]
اشارة

150- 1 الكافي، 1/ 47/ 1/ 1 علي عن أبيه عن القاسم بن محمد عن المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال يا حفص يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد

بيان

و ذلك لأن الإدراك كلما كان أقوى كانت اللذة أتم و الألم أكثر و أشد و العالم إدراكه لقبح الذنب أقوى من الجاهل لأن معرفة العالم إنما تكون على بصيرة بخلاف الجاهل فإنه إنما يعرف الشي ء تقليدا و المغفرة عبارة عن الستر و الإخفاء و إنما يستر على

الوافي، ج 1، ص: 218

من كان الأمر عليه مستورا أو مشتبها غير واضح و هو الجاهل دون العالم إلا أن يكون على بصيرة العالم غشاوة من هوى

[2]
اشارة

151- 2 الكافي، 1/ 47/ 2/ 1 بهذا الإسناد قال قال أبو عبد اللّٰه ع قال عيسى بن مريم ويل للعلماء السوء كيف تلظى عليهم النار

بيان

تلظى تتلهب و تضطرم و ذلك لحسرتهم على ما صدر منهم حين كونهم بصراء بقبحه

[3]
اشارة

152- 3 الكافي، 1/ 47/ 3/ 1 الخمسة عن جميل بن دراج قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول إذا بلغت النفس هاهنا و أشار بيده إلى حلقه لم يكن للعالم توبة ثم قرأ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّٰهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهٰالَةٍ

الوافي، ج 1، ص: 219

بيان

النفس بسكون الفاء الروح قال اللّٰه تعالى فَلَوْ لٰا إِذٰا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ يعني روح المشرف على الموت و بلوغ الروح الحلق هو الزمان المتصل بزمان الاحتضار و معاينة الغيب أعني قبيل حد المعاينة و هو آخر وقت قبول توبة الجاهل.

و أما عند المعاينة و ما بعدها فلا تأثير للتوبة أصلا لا من الجاهل و لا من العالم لحصول اليأس التام من الحياة و سقوط التكليف و هو منصوص عليه في القرآن و الأخبار كما سيأتي و لعل السبب في عدم قبول التوبة من العالم في ذلك الوقت ما مر من أن إدراكه لقبح الذنب أقوى فلا يليق به أن يؤخر التوبة إلى ذلك الوقت و لحصول يأسه من الحياة بأمارات الموت بخلاف الجاهل فإنه لا ييأس إلا بعد المعاينة.

قال بعض المفسرين و من لطف اللّٰه بالعباد أن أمر قابض الأرواح بالابتداء في نزعها من أصابع الرجلين ثم يصعد شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى الصدر ثم ينتهي إلى الحلق ليتمكن في هذه المهلة من الإقبال بالقلب على اللّٰه تعالى و الوصية و التوبة ما لم يعاين و الاستحلال و ذكر اللّٰه سبحانه فيخرج روحه و ذكر اللّٰه على لسانه فيرجى بذلك حسن خاتمته رزقنا اللّٰه ذلك بمنه إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّٰهِ أي قبول التوبة الذي أوجبه اللّٰه على نفسه بمقتضى وعده.

و التوبة هي الرجوع و الإنابة فإذا نسبت إلى

اللّٰه تعالى تعدت بعلى و إذا نسبت إلى العبد تعدت بإلى و لعل الأول لتضمين معنى الإشفاق و العطف و معنى التوبة من العبد رجوعه إلى اللّٰه بالطاعة و الانقياد بعد ما عصى و عتا و معنى التوبة من اللّٰه رجوعه بالعطف على عبده بإلهامه التوبة أولا ثم قبوله إياها منه آخرا فلله توبتان

الوافي، ج 1، ص: 220

و للعبد واحدة بينهما قال اللّٰه تعالى ثُمَّ تٰابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا أي ألهمهم التوبة ليرجعوا ثم إذا رجعوا قبل توبتهم لأنه هو التواب الرحيم فالتوبة في قوله سبحانه إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّٰهِ من تاب عليه إذا قبل توبته إلا أن على هذه ليست هي على في قولهم تاب عليه بِجَهٰالَةٍ أي متلبسين بها سفها فإن ارتكاب الذنب و المعصية سفه و جهل و لهذا قيل من عصى اللّٰه فهو جاهل حتى ينزع من جهالته و أما قوله سبحانه ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فيعني به من قبل أن يشرب في قلوبهم حبه فتطبع عليها فيتعذر عليهم الرجوع.

و أما الحصر المدلول عليه بلفظة إنما فلا ينافي قبولها ممن أخرها إلى قبيل المعاينة كما ورد في الأخبار لأن وجوب القبول غير التفضل به

[4]
اشارة

153- 4 الكافي، 1/ 47/ 4/ 1 محمد عن ابن عيسى عن الحسين عن النضر عن يحيى الحلبي عن أبي سعيد المكاري عن أبي بصير عن أبي جعفر ع في قول اللّٰه تعالى فَكُبْكِبُوا فِيهٰا هُمْ وَ الْغٰاوُونَ قال هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثم خالفوا إلى غيره

الوافي، ج 1، ص: 221

بيان

كبه على وجهه صرعه فأكب عكس سائر اللغات و الكبكبة تكرير الكب جعل التكرير في اللفظ دليلا على التكرير في المعنى و الغي الضلال عدلا صفة عدالة ثم خالفوا أي لم يعملوا بموجبه معرضين عنه إلى غيره فغوت و ضلت مقلدتهم بما رأوا منهم من هذا الصنيع الشنيع و في بعض النسخ خالفوه مع العائد

الوافي، ج 1، ص: 223

باب 18 أنه لا علم إلا ما يؤخذ عن أهله

[1]
اشارة

154- 1 الكافي، 1/ 49/ 8/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه عمن ذكره عن الشحام عن أبي جعفر ع في قول اللّٰه تعالى فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسٰانُ إِلىٰ طَعٰامِهِ قال قلت ما طعامه قال علمه الذي يأخذه عمن يأخذه

بيان

لم يرد ع أن الآية نزلت في العلم خاصة دون طعام البدن كيف و هو الذي قال لبعض أصحابه حيث سأله عن آية فخص تنزيلها ثم عمم تأويلها ثم قال و لا تكونن ممن يقول للشي ء أنه في شي ء واحد و سيأتي الحديث بإسناده و لما كان تفسير الآية ظاهرا لم يتعرض له و إنما تعرض لتأويلها بل التحقيق أن كلا المعنيين مراد من اللفظ بإطلاق واحد فإن الطعام يشمل طعام البدن و طعام الروح جميعا.

كما أن الإنسان يشمل البدن و الروح معا فلا تأويل بل كلا المعنيين تفسير بل هما معنى واحد بلا تعدد و بيانه أن المراد أن الإنسان كما أنه مأمور بأن ينظر إلى غذائه

الوافي، ج 1، ص: 224

الجسماني ليعلم أنه نزل من السماء من عند اللّٰه سبحانه بأن صب اللّٰه الماء صبا ثم شق الأرض شقا إلى آخر الآيات فكذلك مأمور بأن ينظر إلى غذائه الروحاني الذي هو العلم ليعلم أنه نزل من السماء من عند اللّٰه عز و جل بأن صب اللّٰه أمطار الوحي إلى أرض النبوة و شجرة الرسالة و ينبوع الحكمة فأخرج منها حبوب الحقائق و فواكه المعارف لتغتذى بها أرواح القابلين للتربية فقوله ع علمه الذي يأخذه عمن يأخذه أي ينبغي له أن يأخذ علمه عن أهل بيت النبوة الذين هم مهابط الوحي و ينابيع الحكمة الآخذين علومهم عن اللّٰه سبحانه حتى يصلح أن يصير غذاء لروحه دون

غيرهم ممن لا رابطة بينه و بين اللّٰه سبحانه من حيث الوحي و الإلهام و قد بينا في مقدمة الكتاب أن العلم قسمان تحقيقي و تقليدي و أن كليهما مستفاد من النبوة و أن ما لا يستفاد من النبوة فليس بعلم حقيقة لأنه إما حفظ أقاويل رجال ليس في أقوالهم حجة و إما آلة جدال لا مدخل لها في المحجة و ليس شي ء منهما من اللّٰه عز و جل بل من الشيطان فلا يصلح غذاء للروح و الإيمان

[2]
اشارة

155- 2 الكافي، 1/ 51/ 15/ 1 الاثنان عن الوشاء عن أبان عن عبد اللّٰه بن سليمان قال سمعت أبا جعفر ع يقول و عنده رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعمى و هو يقول إن الحسن البصري يزعم أن الذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار فقال أبو جعفر ع فهلك إذن مؤمن آل فرعون ما زال العلم مكتوما منذ بعث اللّٰه تعالى نوحا فليذهب الحسن يمينا و شمالا فو الله ما يوجد العلم إلا هاهنا

الوافي، ج 1، ص: 225

بيان

لما لم يكن عند الحسن من العلوم الحقيقية شي ء لم يدر أن من العلم ما يجب كتمانه كما أن منه ما يحرم كتمانه بل زبدة العلم في الحقيقة ليس إلا ما يكتم كما قاله سيد العابدين ع

إني لأكتم من علمي جواهره. كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا.

و إليه الإشارة بقوله ع فو الله ما يوجد العلم إلا هاهنا يعني أن ما هو الحقيق بأن يسمى علما ليس إلا ما هو المخزون عندنا

[3]
اشارة

156- 3 الكافي، 1/ 50/ 13/ 1 محمد بن الحسن عن سهل عن ابن سنان عن محمد بن مروان العجلي عن علي بن حنظلة قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنا

بيان

يعني على مقدار روايتهم عنا كثرة و قلة و يحتمل أن يكون المراد على رتبة روايتهم عنا دقة و لطافة فالأعلى من روى سرا مخزونا دقيقا و معنى مكنونا لطيفا و الأدنى من روى كلاما مبتذلا و قولا مشهورا و فيما بينهما درجات

الوافي، ج 1، ص: 227

باب 19 رواية الحديث

[1]
اشارة

157- 1 الكافي، 1/ 51/ 1/ 1 الثلاثة عن بزرج عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع قول اللّٰه عز و جل الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ قال هو الرجل يسمع الحديث فيحدث به كما سمعه لا يزيد فيه و لا ينقص منه

بيان

هذا أحد معاني هذه الآية و قد مضى لها معنى آخر في حديث هشام الطويل و لعل لها معاني أخر غيرهما كثيرة فإن القرآن ذو وجوه كما ورد في الخبر

[2]

158- 2 الكافي، 1/ 51/ 2/ 1 محمد عن محمد بن الحسين عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن محمد قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع أسمع الحديث

الوافي، ج 1، ص: 228

منك فأزيد و أنقص قال إن كنت تريد معانيه فلا بأس

[3]
اشارة

159- 3 الكافي، 1/ 51/ 3/ 1 عنه عن محمد بن الحسين عن ابن سنان عن داود بن فرقد قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع إني أسمع الكلام منك فأريد أن أرويه كما سمعته منك فلا يجي ء قال فتتعمد ذلك قلت لا فقال تريد المعاني فقلت نعم قال فلا بأس

بيان

يعني تتعمد ترك حفظ الألفاظ بعدم المبالاة بحفظها [بضبطها] أو إنك نسي و في بعض النسخ بحذف إحدى التاءين كما يكون في نظائره و في الخبرين دلالة صريحة على جواز نقل الحديث بالمعنى كما هو الحق عند أهل التحقيق و إن كان نقله بألفاظه أحسن كما تبين من الخبر السابق

[4]
اشارة

160- 4 الكافي، 1/ 51/ 4/ 1 عنه عن ابن عيسى عن الحسين عن القاسم بن محمد عن علي عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع الحديث أسمعه منك أرويه عن أبيك أو أسمعه من أبيك أرويه عنك قال سواء إلا أنك ترويه عن أبي أحب إلي و قال أبو عبد اللّٰه ع لجميل ما سمعت مني فاروه عن أبي

الوافي، ج 1، ص: 229

بيان

إنما كان سواء لأن علومهم كلها من معدن واحد و عين واحدة كما صرح به في الخبر الآتي بل ذواتهم من نور واحد كما ورد في كثير من الأخبار

و في بعضها خلقنا واحد و علمنا واحد و فضلنا واحد و كلنا واحد عند اللّٰه و في رواية أخرى و نحن شي ء واحد

و أما أحبية الرواية عن الأب فلعل الوجه فيه التقية فإن ذلك أبعد من الشهرة و الإنكار و أيضا فإن قول الماضي أقرب إلى القبول من قول الشاهد عند الجماهير لأنه أبعد من أن يحسد و يبغض.

و قيل فيه وجه آخر و هو أن علو السند و قرب الإسناد من الرسول ص مما له رجحان عند الناس في قبول الرواية و خصوصا فيما يختلف فيه الأحكام و فيه وجه آخر و هو أن من الواقفية من توقف على الأب فلا يكون قول الابن حجة عليه فيما يناقض رأيه بخلاف العكس إذ القائل بإمامة الابن قائل بإمامة الأب من دون العكس كليا

[5]
اشارة

161- 5 الكافي، 1/ 53/ 14/ 1 علي بن محمد عن سهل عن أحمد بن محمد عن عمر بن عبد العزيز عن هشام بن سالم و حماد بن عثمان [عيسى] و غيره قالوا سمعنا أبا عبد اللّٰه ع يقول حديثي حديث أبي و حديث أبي حديث جدي و حديث جدي حديث الحسين و حديث الحسين حديث الحسن و حديث الحسن حديث أمير المؤمنين و حديث أمير المؤمنين ع حديث رسول اللّٰه ص و حديث رسول اللّٰه ص قول اللّٰه تعالى

الوافي، ج 1، ص: 230

بيان

قد سبق وجه الاتحاد و سنؤكده في كتاب الحجة

[6]
اشارة

162- 6 الكافي، 1/ 51/ 5/ 1 محمد عن أحمد و محمد بن الحسين عن السراد عن عبد اللّٰه بن سنان قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع يجيئني القوم فيسمعون مني حديثكم فأضجر و لا أقوى قال فاقرأ عليهم من أوله حديثا و من وسطه حديثا و من آخره حديثا

بيان

الضجر القلق من الغم و السأمة و المعنى أن الحديث إذا كان متعددا و ضعفت عن قراءته و عجزت جاز أن تقرأ عليهم من أول الكتاب حديثا و من وسطه آخر و من آخره آخر أو المعنى أن الحديث الواحد إذا كان طويلا فاقرأ عليهم كلاما مفيدا بالاستقلال من أوله و آخر من وسطه و آخر من آخره يعني إذا اشتمل الحديث الواحد على جمل متعددة يكون كل منها مستقلة بالإفادة كحديث هشام الطويل الذي مضى ذكره في الباب الأول.

و أما إذا ارتبط بعض أجزاء الحديث ببعض فلا يجوز فيه الاقتصار على نقل البعض إذ ليس كل من تلك الأجزاء بحديث بل بعض منه قيل و لعل الوجه في تخصيص الأول و الوسط و الآخر أن الجمل المتقاربة تكون في أكثر الأمر من نوع واحد فليست الفائدة فيها كما التي تكون في الجمل المتباعدة إذ الكلام فيها ينتقل من نوع إلى

الوافي، ج 1، ص: 231

نوع يباينه فالفائدة فيها لا محالة أكثر لاحتوائها على فنون مختلفة من الأحكام كل منها نوع برأسه

[7]
اشارة

163- 7 الكافي، 1/ 52/ 6/ 1 عنه بإسناده عن أحمد بن عمر الحلال قال قلت لأبي الحسن الرضا ع الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب و لا يقول اروه عني يجوز لي أن أرويه عنه قال فقال إذا علمت أن الكتاب له فاروه عنه

بيان

الحلال بالمهملة و تشديد اللام من يبيع الحل و هو دهن السمسم

[8]

164- 8 الكافي، 1/ 52/ 7/ 1 الأربعة و علي عن البرقي عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال أمير المؤمنين ع إذا حدثتم بحديث فأسندوه إلى الذي حدثكم فإن كان حقا فلكم و إن كان كذبا فعليه

[9]
اشارة

165- 9 الكافي، 1/ 52/ 12/ 1 العدة عن البرقي عن محمد بن علي رفعه قال قال أبو عبد اللّٰه ع إياكم و الكذب المفترع قيل له و ما الكذب المفترع قال أن يحدثك الرجل بالحديث فتتركه و ترويه عن الذي لم يحدثك به

الوافي، ج 1، ص: 232

بيان

افترع البكر افتضها و وصف الكذب بالمفترع كناية عن ابتداعه و أنه مما لم يقله أحد كذا قيل و قيل بل هو من الفرع بمعنى العلو فإن فرع كل شي ء أعلاه فكان هذا المحدث يريد أن يجعل حديثه مفترعا أي مرتفعا فيسنده إلى الأعلى بحذف الواسطة ليوهم علو السند كما إذا حدثه زرارة عن أبي عبد اللّٰه ع فيقول قال أبو عبد اللّٰه ع كذا.

و أما إذا قال حدثني أبو عبد اللّٰه ع فهو كذب صريح أقول التفسيران لا يخلوان من تكلف و الصواب أن يقال الافتراع بمعنى التفرع فإنه فرع قوله على صدق الراوي بأن قال في نفسه إذا رواه الفرع عن الأصل فقد قاله الأصل فيجوز لي أن أسنده إلى الأصل فأسنده إليه و إنما كان كذبا لأنه غير جازم بصدوره عن الأصل و لعل الفرع قد كذب عليه أو سها في نسبته إليه و لا بد له من تجويز ذلك فلا يحصل له الجزم به فهو كاذب في قوله و إن قدرنا أن الأصل قد قاله كما أن المنافقين كانوا كاذبين في شهادتهم بالرسالة لأنهم كانوا غير جازمين به و إنما كان كذبا مفترعا لأنه فرع على كذب مقدر و لعله لم يكن كذبا فهو ليس بكذب صريح بل هو كذب مفترع كما أنه صدق مفترع.

أو نقول سمي مفترعا لأنه ذو فرع فأصله الكذب

و افتراعه الافتراء على من لم يحدثه و من ضبط المقترع بالقاف من الاقتراع بمعنى الاختيار فلعله صحف

الوافي، ج 1، ص: 233

و في بعض النسخ عن الذي حدثك عنه مكان الذي لم يحدثك به و في آخر عن غير الذي حدثك به

[10]
اشارة

166- 10 الكافي، 1/ 52/ 13/ 1 محمد عن ابن عيسى عن البزنطي عن جميل بن دراج قال قال أبو عبد اللّٰه ع أعربوا حديثنا فإنا قوم فصحاء

بيان

أي لا تلحنوا في إعراب الكلمات بل أعطوا حقها من الإعراب و التبيين حين التكلم به فإن كلامنا فصيح فإذا لحنتم فيه اختلت فصاحته و يحتمل أن يراد إعرابه حين الكتابة بأن يكتب الحروف بحيث لا يشتبه بعضها ببعض أو يجعل عليها ما يسمى اليوم إعرابا عند الناس إلا أن الأول أظهر و أقرب إلى طريقة السلف

الوافي، ج 1، ص: 235

باب 20 فضل الكتاب و التمسك بالكتب

[1]
اشارة

167- 1 الكافي، 1/ 52/ 8/ 1 علي بن محمد بن عبد اللّٰه عن أحمد عن أبي أيوب المدني عن ابن أبي عمير عن حسين الأحمسي عن أبي عبد اللّٰه ع قال القلب يتكل على الكتابة

بيان

الاتكال الاعتماد يعني إذا كتبتم الحديث الذي سمعتموه جمعت قلوبكم و اطمأنت نفوسكم لتمكنكم حينئذ من الرجوع إلى الكتاب إذا نسيتم و فيه حث على كتابة الحديث

[2]

168- 2 الكافي، 1/ 52/ 9/ 1 الاثنان عن الوشاء عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا

[3]

169- 3 الكافي، 1/ 52/ 10/ 1 محمد عن ابن عيسى عن ابن فضال عن ابن بكير عن عبيد بن زرارة قال قال أبو عبد اللّٰه ع احتفظوا

الوافي، ج 1، ص: 236

بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها

[4]
اشارة

170- 4 الكافي، 1/ 52/ 11/ 1 العدة عن البرقي عن بعض أصحابه عن أبي سعيد الخيبري عن المفضل بن عمر قال قال لي أبو عبد اللّٰه ع اكتب و بث علمك في إخوانك فإن مت فأورث كتبك بنيك فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم

بيان

البث النشر أي انشر علمك فيهم بواسطة الكتاب و يحتمل أن يكون مطلوبا برأسه و الهرج الفتنة و الاختلاط و المراد به هاهنا فقد أهل العلم و من يؤنس به منهم أو فقد تميزهم عن غيرهم لتسلط أمراء الجور و تشبه الجهلة و الأراذل بصورة العلماء و الأكياس في الزي و المنطق و اللباس

[5]
اشارة

171- 5 الكافي، 1/ 53/ 15/ 1 العدة عن أحمد عن محمد بن الحسن بن أبي خالد شينولة قال قلت لأبي جعفر الثاني ع جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه ع و كانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم يرووا عنهم فلما ماتوا صارت الكتب إلينا فقال حدثوا بها فإنها حق

الوافي، ج 1، ص: 237

بيان

في بعض النسخ لم ترو على صيغة المجهول و التأنيث و في هذه الأخبار كلها دلالة على صحة الاعتماد على الكتب و العمل بما فيها من الأحكام إن كانت صحيحة

الوافي، ج 1، ص: 239

باب 21 التقليد

[1]
اشارة

172- 1 الكافي، 1/ 53/ 1/ 1 العدة عن البرقي عن عبد اللّٰه بن يحيى عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه ع قال قلت له اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ فقال أما و اللّٰه ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم- و لو دعوهم ما أجابوهم و لكن أحلوا لهم حراما و حرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون

الوافي، ج 1، ص: 240

بيان

هذا الخبر أورده مرة أخرى في باب الشرك عن العدة عن البرقي عن أبيه عن عبد اللّٰه بن يحيى و الظاهر أن ابن يحيى هذا هو الكاهلي و الأحبار العلماء و الرهبان العباد و معنى الحديث أن من أطاع أحدا فيما يأمره به خلاف ما أمر اللّٰه تعالى به فقد اتخذه ربا و عبده من حيث لا يشعر و مما يدل على ذلك من القرآن المجيد قوله سبحانه أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلٰهَهُ هَوٰاهُ و قوله عز و جل أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰا بَنِي آدَمَ أَنْ لٰا تَعْبُدُوا الشَّيْطٰانَ و ذلك لأن العبادة عبارة عن الطاعة و الانقياد و في هذا الحديث دلالة واضحة على عدم جواز تقليد المجتهدين في الأحكام بآرائهم كما هو الشائع الذائع إلى اليوم حتى بين أصحابنا فضلا عن العامة و ليت شعري كيف يجيبون عن ذلك إلا من أفتى بمحكمات القرآن و الحديث فإن اتباع قوله حينئذ ليس بتقليد له بل تقليد لمن فرض اللّٰه طاعته و حكم بحكم الهّٰ عز و جل

[2]

173- 2 الكافي، 1/ 53/ 3/ 1 النيسابوريان عن حماد بن عيسى عن ربعي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه ع في قول اللّٰه تعالى اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ فقال و اللّٰه ما صاموا لهم و لا صلوا لهم و لكن أحلوا لهم حراما و حرموا عليهم حلالا فاتبعوهم

[3]
اشارة

174- 3 الكافي، 1/ 53/ 2/ 1 علي بن محمد عن سهل عن إبراهيم بن محمد الهمداني عن محمد بن عبيدة قال قال لي أبو الحسن ع يا محمد أنتم أشد تقليدا أم المرجئة قال قلت قلدنا و قلدوا فقال لم أسألك عن

الوافي، ج 1، ص: 241

هذا فلم يكن عندي جواب أكثر من الجواب الأول فقال أبو الحسن ع إن المرجئة نصبت رجلا لم تفرض طاعته و قلدوه و أنتم نصبتم رجلا و فرضتم طاعته ثم لم تقلدوه فهم أشد منكم تقليدا

بيان

المرجئة قد تطلق في مقابلة الشيعة من الإرجاء بمعنى التأخير لتأخيرهم عليا ع عن درجته و كأنه المراد هنا و قد تطلق في مقابلة الوعيدية إما من الإرجاء بمعنى التأخير لأنهم يؤخرون العمل عن النية و القصد و إما بمعنى إعطاء الرجاء لأنهم يعتقدون أن لا يضر مع الأيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة و السبب في شدة تقليدهم لأئمتهم و جدهم في ذلك أكثر من تقليد أصحابنا لأئمة الحق مع أن أئمتهم

الوافي، ج 1، ص: 242

يدعونهم إلى اعتقادات فاسدة و أئمتنا ع يدعوننا إلى الحق أنهم يدعونهم إلى الدعة و الراحة و أئمتنا ع يدعوننا إلى التكليف و المشقة فتقليدهم أهون على طباعهم

[4]

175- 4 الكافي، 1/ 7/ 0/ 0 قال العالم ع من دخل في الإيمان بعلم ثبت فيه و نفعه إيمانه و من دخل فيه بغير علم خرج منه كما دخل فيه

[5]

176- 5 الكافي، 1/ 7/ 0/ 0 و قال ع من أخذ دينه من كتاب اللّٰه و سنة نبيه ص زالت الجبال قبل أن يزول و من أخذ دينه من أفواه الرجال ردته الرجال

[6]

177- 6 الكافي، 1/ 7/ 0/ 0 و قال ع من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكب الفتن

الوافي، ج 1، ص: 243

باب 22 البدع و الرأي و المقاييس

[1]
اشارة

178- 1 الكافي، 1/ 54/ 1/ 1 الاثنان عن الوشاء و العدة عن أحمد عن ابن فضال جميعا عن عاصم بن حميد عن محمد عن أبي جعفر ع قال خطب أمير المؤمنين الناس فقال أيها الناس إنما بدؤ وقوع الفتن أهواء تتبع- و أحكام تبتدع يخالف فيها كتاب اللّٰه يتولى فيها رجال رجالا فلو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى و لو أن الحق خلص لم يكن اختلاف و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه و نجى الذين سبقت لهم من اللّٰه الحسنى

الوافي، ج 1، ص: 244

بيان

التولي الاتباع و الحجى بكسر المهملة ثم الجيم المفتوحة العقل و الضغث القبضة من الحشيش المختلط رطبه باليابس أو الحزمة منه و مما أشبهه و هو هنا استعارة و الاستحواذ الغلبة و المعنى ظاهر

[2]

179- 2 الكافي، 1/ 54/ 2/ 1 الاثنان عن محمد بن جمهور العمي يرفعه قال قال رسول اللّٰه ص إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّٰه

[3]

180- 3 الكافي، 1/ 54/ 3/ 1 الاثنان عن محمد بن جمهور رفعه قال قال رسول اللّٰه ص من أتى ذا بدعة فعظمه فإنما يسعى في هدم الإسلام

الوافي، ج 1، ص: 245

[4]

181- 4 الفقيه، 3/ 573/ 4957/ 1 قال علي ع من مشى إلى صاحب بدعة فقد سعى في هدم الإسلام

[5]
اشارة

182- 5 الكافي، 2/ 375/ 4/ 1 محمد عن محمد بن الحسين عن البزنطي عن داود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رسول اللّٰه ص إذا رأيتم أهل البدع و الريب من بعدي فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة و باهتوهم حتى لا يطمعوا في الفساد في الإسلام و يحذرهم الناس و لا يتعلمون من بدعهم يكتب اللّٰه لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات

بيان

و القول فيهم يعني بما يشينهم و الوقيعة الغيبة باهتوهم أي جادلوهم و اسكتوهم و أقطعوا الكلام عليهم

[6]
اشارة

183- 6 الكافي، 1/ 54/ 4/ 1 الاثنان عن محمد بن جمهور رفعه قال قال رسول اللّٰه ص أبى اللّٰه لصاحب البدعة بالتوبة قيل يا رسول اللّٰه و كيف ذلك قال إنه قد أشرب قلبه حبها

بيان

أشرب قلبه بصيغة المجهول أي خالطه و منه قوله تعالى وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ

الوافي، ج 1، ص: 246

و إنما أشرب قلبه حبها لاعتقادها الراسخ بها الحاصل له من تزيين الشيطان إياها لديه آنا فآنا و تسويل نفسه الإمارة لها عنده يوما فيوما و بهذا تتميز البدعة عن المعاصي الأخر فإن ما لم يعتقد شرعيته منها فليس ببدعة

[7]
اشارة

184- 7 الكافي، 1/ 54/ 5/ 1 محمد عن ابن عيسى عن السراد عن ابن وهب قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول قال رسول اللّٰه ص إن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإيمان وليا من أهل بيتي موكلا به يذب عنه ينطق بإلهام من اللّٰه و يعلن الحق و ينوره و يرد كيد الكائدين يعبر عن الضعفاء فاعتبروا يا أولي الأبصار و توكلوا على اللّٰه

بيان

الذب الطرد و الدفع يعبر عن الضعفاء أي يكون لسانا لهم معبرا عنهم ما يدفع تلك البدعة قوله فاعتبروا يحتمل أن يكون من كلام الصادق ع

[8]
اشارة

185- 8 الكافي، 1/ 54/ 6/ 1 محمد عن بعض أصحابه و علي عن الاثنين عن أبي عبد اللّٰه ع و علي عن أبيه عن السراد رفعه عن أمير المؤمنين ع أنه قال إن من أبغض الخلق إلى اللّٰه تعالى لرجلين رجل وكله اللّٰه تعالى إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل مشعوف بكلام بدعة قد لهج بالصوم و الصلاة فهو فتنة لمن افتتن به ضال عن هدى من كان قبله مضل لمن اقتدى به في حياته و بعد موته حمال خطايا غيره رهن بخطيئته و رجل قمش جهلا في جهال الناس غان بأغباش الفتنة قد سماه أشباه الناس عالما و لم يغن فيه

الوافي، ج 1، ص: 247

يوما سالما بكر فاستكثر ما قل منه خير مما كثر حتى إذا ارتوى من آجن و أكثر من غير طائل جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره و إن خالف قاضيا سبقه لم يأمن أن ينقض حكمه من يأتي بعده كفعله بمن كان قبله- و إن نزلت به إحدى المبهمات المعضلات هيأ لها حشوا من رأيه ثم قطع [به] فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ- لا يحسب العلم في شي ء مما أنكر و لا يرى أن وراء ما بلغ فيه مذهبا إن قاس شيئا بشي ء لم يكذب نظره و إن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه- يكن الصواب لكي لا يقال له لا يعلم ثم جسر فقضى

فهو مفاتيح عشوات- ركاب شبهات خباط جهالات لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم و لا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم يذري الروايات ذرو الريح الهشيم تبكي منه المواريث و تصرخ منه الدماء يستحل بقضائه الفرج الحرام و يحرم بقضائه الفرج الحلال- لا ملي ء بإصدار ما عليه ورد و لا هو أهل لما منه فرط من ادعائه علم الحق

بيان

كان الرجل الأول هو المبتدع في الأصول و الثاني هو المبتدع في الفروع كما قاله ابن أبي الحديد و إنما صارا من أبغض الخلائق لأن شرهما متعد و لأنه شر في الدين

الوافي، ج 1، ص: 248

و لأنه يبقى بعدهما عن قصد السبيل أي السبيل العدل المستقيم المستوي و المشعوف بالمعجمة و المهملة و بهما قرئ قوله تعالى قَدْ شَغَفَهٰا حُبًّا و على الأول معناه دخل حب كلام البدعة شغاف قلبه أي حجابه حتى وصل إلى فؤاده.

و على الثاني غلبه حبه و أحرقه فإن الشعف بالمهملة شدة الحب و إحراقه القلب و اللهج بالشي ء محركة الولوع فيه و الحرص عليه عن هدي من كان قبله بفتح الهاء و كسرها و سكون المهملة أي عن سيرته و طريقته يقال هدى هدي فلان أي سار بسيرته و عمل بطريقته و يحتمل ضم الهاء و فتح الدال المقابل للضلال و القمش الجمع و منه القماش أي المجموع غان بأغباش الفتنة بالغين المعجمة و النون من غنى بالكسر أقام و عاش أي مقيم في ظلماتها أسير بها و أشباه الناس كناية عن العوام و الجهال لخلوهم عن معنى الإنسانية و حقيقتها و لم يغن فيه يوما سالما لم يلبث في العلم يوما تاما و لم يعش بكر من البكور و

هو إدراك أول الوقت يعني أنه و إن لم يصرف يوما في طلب العلم و لكن خرج من أول الصباح في كسب الدنيا و متاعها و شهواتها أو في كسب الجهالات التي زعمته الجهال علما و أحدهما هو المعنى بقوله ما قل منه خير مما كثر.

و في نهج البلاغة فاستكثر من جمع ما قل و هو أوضح و الارتواء من الشراب كالشبع من الطعام و الآجن الماء المتغير الطعم و اللون أو الريح شبه علمه الباطل بالماء المتعفن و أكثر في بعض النسخ اكتثر و في بعضها اكتنز من الكنز بمعنى الجمع و يقال هذا الأمر لا طائل فيه إذا لم يكن فيه غنى و مزية و في الكلام لف و نشر إن جعلنا بكوره في الدنيا فقوله قمش إلى سالما إشارة إلى علمه و قوله بكر إلى كثر إلى دنياه.

الوافي، ج 1، ص: 249

و قوله حتى إذا ارتوى ناظر إلى الأول و قوله أكثر إلى الثاني ثم قطع أي جزم لبس الشبهات إما بفتح اللام بمعنى الاختلاط و أصله اختلاط الظلام و إما بالضم بمعنى الإلباس و في بعض النسخ المشتبهات في مثل غزل العنكبوت في عجزه عن التخلص عنها كالذباب الواقع فيه و في وهنه و عدم ابتنائه على أصل ثابت ثم جسر أي اجترأ.

و العشوة مثلثة العين الظلمة و الأمر الملتبس و الخبط الضرب على غير استواء يقال خبط الرجل إذا طرح نفسه حيث كان و لا يتوقى شيئا و لا يعض في العلم بضرس قاطع كناية عن قصور حظه في باب العلم تشبيها للعلم بالطعام لأنه غذاء الروح و لكلال قوته النظرية بضرس غير قاطع للغذاء و ذرته الريح و أذرته

تذروه و تذريه إذا سفته و أطارته و إذراؤه للروايات تصفحها و قراءتها و سردها و درسها مع عدم فهمها و الملي ء بالهمزة الثقة الغنى أي ليس له من العلم و الثقة قدر ما يمكنه أن يصدر عنه انحلال ما ورد عليه من الإشكالات و الشبهات فرط سبق و تقدم

و زاد في نهج البلاغة إلى اللّٰه أشكو من معشر يعيشون جهالا و يموتون ضلالا ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته و لا أنفق سلعة و أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرف عن مواضعه و لا عندهم أنكر من المعروف و لا أعرف من المنكر

[9]

186- 9 الكافي، 1/ 56/ 8/ 1 علي عن أبيه و النيسابوريان رفعه عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه ع قالا كل بدعة ضلالة و كل ضلالة سبيلها إلى النار

[10]

187- 10 الكافي، 1/ 56/ 12/ 1 العدة عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن عمر بن أبان الكلبي عن عبد الرحيم القصير عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رسول اللّٰه ص كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار

الوافي، ج 1، ص: 250

[11]
اشارة

188- 11 الكافي، 1/ 56/ 10/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه رفعه عن يونس بن عبد الرحمن قال قلت لأبي الحسن الأول ع بما أوحد اللّٰه فقال يا يونس لا تكونن مبتدعا من نظر برأيه هلك و من ترك أهل بيت نبيه ضل- و من ترك كتاب اللّٰه و قول نبيه كفر

بيان

بما أوحد اللّٰه يعني بما استدل على التوحيد كأنه يريد الدلائل الكلامية فنهاه عن غير السمع و هذا صريح فيما قدمناه من أنه لا علم إلا ما يؤخذ عن أهله

[12]

189- 12 الكافي، 1/ 56/ 7/ 1 الاثنان عن الوشاء عن أبان عن أبي شيبة الخراساني قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول إن أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من الحق إلا بعدا و إن دين اللّٰه لا يصاب بالمقاييس

[13]
اشارة

190- 13 الكافي، 1/ 56/ 9/ 1 الثلاثة عن محمد بن حكيم قال قلت لأبي الحسن موسى ع جعلت فداك فقهنا في الدين و أغنانا اللّٰه بكم

الوافي، ج 1، ص: 251

عن الناس حتى أن الجماعة منا لنكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة و يحضره جوابها فيما من اللّٰه علينا بكم فربما ورد علينا الشي ء لم يأتنا فيه عنك و لا عن آبائك شي ء فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا و أوفق الأشياء لما جاءنا عنكم فنأخذ به فقال هيهات هيهات في ذلك و اللّٰه هلك من هلك يا بن حكيم ثم قال لعن اللّٰه أبا حنيفة كان يقول قال علي و قلت قال محمد بن حكيم لهشام بن الحكم و اللّٰه ما أردت إلا أن يرخص لي في القياس

بيان

ما في ما يسأل نافية أي لا يحتاج إلى السؤال لأنها تحضره مع جوابها و يحتمل أن تكون زائدة أو موصولة بتقدير العائد أعني عنه و ربما يوجد في بعض النسخ إلا و يحضره و على هذا فلا إشكال.

قال علي و قلت يعني و قلت خلاف قوله أراد أنه كان يرى في المسألة رأيا و أنا رأيت فيها رأيا آخر بخلافه و أنه كان مجتهدا و أنا أيضا مجتهد مثله قال الزمخشري في ربيع الأبرار قال يوسف بن أسباط رد أبو حنيفة على رسول اللّٰه ص أربعمائة حديث و أكثر قيل مثل ما ذا قال

قال رسول اللّٰه ص للفرس سهمان و للرجل سهم

قال أبو حنيفة لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن و أشعر رسول اللّٰه ص و أصحابه البدن و قال أبو حنيفة

الوافي، ج 1، ص: 252

الإشعار مثلة

و قال

ص البيعان بالخيار ما لم يتفرقا

و قال أبو حنيفة إذا وجب البيع فلا خيار و كان ع يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا و أقرع أصحابه- و قال أبو حنيفة القرعة قمار

[14]
اشارة

191- 14 الكافي، 1/ 57/ 13/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن سماعة عن أبي الحسن موسى ع قال قلت أصلحك اللّٰه إنا نجتمع فنتذاكر ما عندنا فلا يرد علينا شي ء إلا و عندنا فيه شي ء مستطر و ذلك مما أنعم اللّٰه به علينا بكم ثم يرد علينا الشي ء الصغير ليس عندنا فيه شي ء فينظر بعضنا إلى بعض و عندنا ما يشبهه فنقيس على أحسنه- فقال ما لكم و للقياس إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس- ثم قال إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به و إن جاءكم ما لا تعلمون فها- و أهوى بيده إلى فيه ثم قال لعن اللّٰه أبا حنيفة كان يقول قال علي و قلت أنا و قالت الصحابة و قلت ثم قال أ كنت تجلس إليه فقلت لا و لكن هذا كلامه فقلت أصلحك اللّٰه أتى رسول اللّٰه ص الناس بما يكتفون به في عهده قال نعم و ما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة فقلت فضاع من ذلك شي ء فقال لا هو عند أهله

الوافي، ج 1، ص: 253

بيان

ها حرف تنبيه و أهوى بيده إلى فيه يعني أشار بوضع اليد إلى الفم إلى السكوت مطابقا لما مر من قوله ع أن يقولوا ما يعلمون و يكفوا عما لا يعلمون و لم يعن به اسألوا عني كما توهم

[15]

192- 15 الكافي، 1/ 56/ 11/ 1 محمد عن أحمد عن الوشاء عن مثنى الحناط عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع ترد علينا أشياء لا نعرفها في كتاب و لا سنة فننظر فيها قال لا أما إنك إن أصبت لم تؤجر و إن أخطأت كذبت على اللّٰه تعالى

[16]
اشارة

193- 16 الكافي، 1/ 57/ 15/ 1 النيسابوريان عن صفوان عن البجلي عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن السنة لا تقاس- أ لا ترى أن المرأة تقضي صومها و لا تقضي صلاتها يا أبان إن السنة إذا قيست محق الدين

الوافي، ج 1، ص: 254

بيان

المحق ذهاب الشي ء كله حتى لا يرى منه أثر و إنما يمحق الدين بالقياس لأن لكل أحد أن يرى بعقله أو هواه مناسبة بين الشي ء و ما أراد أن يقيسه عليه فيحكم عليه بحكمه و ما من شي ء إلا و بينه و بين شي ء آخر مجانسة أو مشاركة في كم أو كيف أو نسبة فإذا قيس بعض الأشياء على بعض في الأحكام صار الحلال حراما و الحرام حلالا حتى لم يبق شي ء من الدين

[17]

194- 17 الكافي، 1/ 57/ 16/ 1 العدة عن أحمد عن عثمان قال سألت أبا الحسن موسى ع عن القياس فقال ما لكم و للقياس إن اللّٰه لا يسأل كيف أحل و كيف حرم

[18]
اشارة

195- 18 الكافي، 1/ 57/ 14/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن أبان عن أبي شيبة قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول ضل علم ابن شبرمة

الوافي، ج 1، ص: 255

عند الجامعة إملاء رسول اللّٰه ص و خط علي ع بيده إن الجامعة لم تدع لأحد كلاما فيها علم الحلال و الحرام إن أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس فلم يزدادوا من الحق إلا بعدا إن دين اللّٰه لا يصاب بالقياس

بيان

هو عبد اللّٰه بن شبرمة القاضي و كأنه يعمل بالقياس أي ضاع و بطل و اضمحل علمه في جنب كتاب الجامعة الذي لم يدع لأحد كلاما إذ ليس من شي ء إلا و هو مثبت فيه و سيأتي وصف ذلك الكتاب في كتاب الحجة إن شاء اللّٰه

[19]
اشارة

196- 19 الكافي، 1/ 57/ 17/ 1 علي عن الاثنين قال حدثني جعفر عن أبيه ع أن عليا ص قال من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس و من دان اللّٰه بالرأي لم يزل دهره في ارتماس قال و قال أبو جعفر ع من أفتى الناس برأيه فقد دان اللّٰه بما لا يعلم- و من دان اللّٰه بما لا يعلم فقد ضاد اللّٰه حيث أحل و حرم فيما لا يعلم

الوافي، ج 1، ص: 256

بيان

كأنه عنى بالارتماس الانغماس في بحر الهوى و ظلمات الباطل و في هذا الحديث دلالة ظاهرة على أن الرأي غير القياس خلاف ما فهمه جمهور متأخري فقهائنا من الاتحاد و ليس إلا اجتهاداتهم في استنباط الأحكام عن المتشابهات التي يسمونها أنفسهم رأيا

[20]
اشارة

197- 20 الكافي، 1/ 58/ 18/ 1 محمد عن أحمد عن ابن يقطين عن الحسين بن مياح عن أبيه عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن إبليس قاس نفسه بآدم فقال خَلَقْتَنِي مِنْ نٰارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فلو قاس الجوهر الذي خلق اللّٰه منه آدم بالنار كان ذلك أكثر نورا و ضياء من النار

بيان

مياح بفتح الميم و تشديد المثناة التحتانية و في بعض النسخ جناح بالجيم و النون و كأنه جناح بن رزين و أراد بالجوهر الذي خلق اللّٰه منه آدم روحه المقدسة التي هي أمر من أمر اللّٰه عز و جل و كلمة من كلماته و نور من أنواره التي بها صار آدم مكرما مستحقا لمسجودية الملائكة و هي نور معنوي عقلاني لا نسبة له إلى الأنوار الحسية كنور الشمس و القمر فضلا عن نور النار الذي يضمحل في النهار و آدم في الحقيقة عبارة عنه لا عن الجسد و لما لم يكن لإبليس منه نصيب لم يره من آدم و لم يعرفه و هو يختص بالأنبياء و الأولياء و أهل السعادة الكاملة من العلماء.

الوافي، ج 1، ص: 257

و أما الأرواح التي لسائر أفراد البشر فلإبليس في مثلها مشاركة

[21]
اشارة

198- 21 الكافي، 1/ 58/ 20/ 1 علي عن أبيه عن أحمد بن عبد اللّٰه العقيلي عن عيسى بن عبد اللّٰه القرشي قال دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّٰه ع فقال له يا أبا حنيفة بلغني أنك تقيس قال نعم قال لا تقس فإن أول من قاس إبليس حين قال خَلَقْتَنِي مِنْ نٰارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ- فقاس ما بين النار و الطين و لو قاس نورية آدم بنورية النار عرف فضل ما بين النورين و صفاء أحدهما على الآخر

بيان

قيل هو أحمد النسابة المحدث بنصيبين

و روي عن أبي حنيفة أنه قال جئت إلى حجام ليحلق رأسي فقال لي ادن ميامنك و استقبل القبلة و سم اللّٰه فتعلمت منه ثلاث خصال لم تكن عندي فقلت له مملوك أنت أم حر فقال مملوك قلت لمن قال لجعفر بن محمد الصادق ع قلت أ شاهد أم غائب قال شاهد فصرت إلى بابه و استأذنت عليه فحجبني و جاء قوم من أهل الكوفة فاستأذنوا فأذن لهم فدخلت معهم- فلما صرت عنده قلت له يا بن رسول اللّٰه لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمد فإني تركت بها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم فقال لا يقبلون مني فقلت و من لا يقبل منك و أنت ابن رسول اللّٰه فقال أنت أول من لا يقبل مني دخلت داري بغير إذني و جلست بغير أمري و تكلمت بغير رأيي و قد بلغني أنك تقول بالقياس قلت نعم أقول- قال ويحك يا نعمان أول من قاس اللّٰه إبليس حين أمر بالسجود لآدم ع فأبى و قال خلقتني من نار و خلقته من طين أيما أكبر يا نعمان

القتل أو الزنا

الوافي، ج 1، ص: 258

قلت القتل قال فلم جعل اللّٰه في القتل شاهدين و في الزنا أربعة أ ينقاس لك هذا قلت لا قال فأيما أكبر البول أو المني قلت البول قال فلم أمر اللّٰه تعالى في البول بالوضوء و في المني بالغسل أ ينقاس لك هذا قلت لا قال فأيما أكبر الصلاة أو الصيام قلت الصلاة قال فلم وجب على الحائض أن تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة أ ينقاس لك هذا قلت لا قال فأيما أضعف المرأة أو الرجل قلت المرأة قال فلم جعل اللّٰه تعالى في الميراث للرجل سهمين و للمرأة سهم أ ينقاس لك قلت لا قال فبم حكم اللّٰه في من سرق عشر دراهم القطع و إذا قطع الرجل يد رجل فعليه ديتها خمسة آلاف درهم أ ينقاس لك هذا قلت لا قال و قد بلغني أنك تقرأ آية من كتاب اللّٰه تعالى و هي لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ أنه الطعام الطيب و الماء البارد في اليوم الصائف قلت نعم قال لو دعاك رجل و أطعمك طعاما طيبا و سقاك ماء باردا ثم امتن عليك به ما كنت تنسبه إليه قلت إلى البخل قال أ فتبخل اللّٰه تعالى قلت فما هو قال حبنا أهل البيت.

و روى الصدوق في كتاب علل الشرائع ما يقرب من هذا و فيه طول

[22]
اشارة

199- 22 الكافي، 1/ 58/ 21/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن قتيبة قال سأل رجل أبا عبد اللّٰه ع عن مسألة فأجابه فيها فقال الرجل أ رأيت إن كان كذا و كذا ما كان يكون القول فيها فقال له مه ما أجبتك فيه من شي ء فهو عن

رسول اللّٰه ص لسنا من أ رأيت في شي ء

الوافي، ج 1، ص: 259

بيان

________________________________________

كاشانى، فيض، محمد محسن ابن شاه مرتضى، الوافي، 26 جلد، كتابخانه امام امير المؤمنين علي عليه السلام، اصفهان - ايران، اول، 1406 ه ق

الوافي؛ ج 1، ص: 259

كلمة مه زجر يعني اكفف فإن ما أجبتك به ليس صادرا عن الرأي و القياس حتى تقول أ رأيت الذي هو سؤال عن الرأي بل هو عن رسول اللّٰه ص و ليس معنى ذلك ما يفهمه الظاهريون أن شأنهم ع حفظ الأقوال خلفا عن سلف حتى يكون فضلهم على سائر الناس في قوة الحفظ للمسموعات أو بكثرة المحفوظات بل المراد أن نفوسهم القدسية استكملت بنور العلم و قوة المعرفة بسبب اتباع الرسول ص بالمجاهدة و العبادة مع زيادة استعداد أصلي و صفاء فطري و طهارة غريزية حتى أحبهم اللّٰه كما قال فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ و من أحبه اللّٰه يفيض عليه من لدنه أنوارا علمية و أسرارا عرفانية من غير واسطة أمر مباين من سماع أو رواية أو اجتهاد.

بل بأن تصير نفسه كمرآة مجلوة يحاذي بها شطر الحق فينعكس إليها الأمر كما هو عليه قال كمال الدين بن ميثم البحراني في شرح قول أمير المؤمنين ع إنما هو تعلم من ذي علم أن ذلك إشارة إلى وساطة تعليم الرسول له و هو إعداد نفسه على طول الصحبة بتعليمه و إرشاده إلى كيفية السلوك و أسباب التطويع و الرياضة حتى استعد للانتقاش بالأمور الغيبية و الإخبار عنها و ليس التعليم هو إيجاد العلم و إن كان أمرا قد يلزمه إيجاد العلم فتبين إذا أن تعليم الرسول له لم يكن مجرد توقيف على الصور الجزئية بل إعداد نفسه

بالقوانين الكلية.

و لو كانت الأمور التي تلقاها عن الرسول صورا جزئية لم يحتج إلى مثل دعائه في فهمه لها فإن فهم الصور الجزئية أمر ممكن سهل في حق من له أدنى فهم و إن ما يحتاج إلى الدعاء و إعداد الأذهان بأنواع الإعدادات هو الأمور الكلية العامة للجزئيات و كيفية انشعابها عنها و تفريعها و تفصيلها و أسباب تلك الأمور المعدة لإدراكها و مما يؤيد ذلك

قوله ع

الوافي، ج 1، ص: 260

علمني رسول اللّٰه ص ألف باب من العلم فانفتح لي من كل باب ألف باب

و قول الرسول أعطيت جوامع الكلم و أعطي علي جوامع العلم

و المراد بالانفتاح ليس إلا التفريع و انشعاب القوانين الكلية عما هو أعم منها و بجوامع العلم ليس إلا ضوابطه و قوانينه و في قوله و أعطي بالبناء للمفعول دليل ظاهر على أن المعطي لعلي جوامع العلم ليس هو النبي ص بل الذي أعطاه هو الذي أعطى النبي ص جوامع الكلم و هو الحق سبحانه انتهى كلامه و سيأتي في هذا المعنى كلام آخر عند تفسيرنا أن في القرآن تبيان كل شي ء

[23]

200- 23 الكافي، 7/ 362/ 7/ 1 محمد عن التهذيب، 10/ 168/ 4/ 1 أحمد عن ابن بزيع عن حنان بن سدير قال قال لي أبو عبد اللّٰه ع سألني ابن شبرمة ما تقول في القسامة في الدم فأجبته بما صنع النبي ص فقال أ رأيت لو أن النبي ص لم يصنع هذا كيف كان القول فيه قال فقلت له أما ما صنع النبي ص فقد أخبرتك و أما ما لم يصنع فلا علم لي به

[24]
اشارة

201- 24 الكافي، 1/ 58/ 19/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن حريز عن زرارة قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن الحلال و الحرام فقال حلال محمد حلال أبدا إلى يوم القيامة و حرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة لا يكون غيره و لا يجي ء غيره و قال قال علي ع ما ابتدع أحد بدعة إلا ترك بها سنة

الوافي، ج 1، ص: 261

بيان

يعني أن الأحكام التي بقيت عنه ص بعد نسخ ما نسخ منها مستمرة إلى يوم القيامة لا يعارضها نسخ و لا اجتهاد و لا يبطله رأي و لا قياس رد بذلك على أصحاب الرأي و الاجتهاد فإن آرائهم تتغير و كأنه أشار بنقل كلام أمير المؤمنين ع هاهنا إلى أن الحكم بالرأي و العمل به بدعة و أنه مستلزم لترك السنة و إنما كان كل بدعة مستلزمة لترك سنة لقيامها مقامها و لأن من طلب ما لا يعنيه فاته ما يعنيه

[25]
اشارة

202- 25 التهذيب، 6/ 296/ 32/ 1 سعد عن أحمد بن فضال عن أبيه عن أبان عن أبي مريم عن أبي جعفر ع قال قال علي ص لو قضيت بين الرجلين بقضية ثم عادا إلي من قابل لم أزدهما على القول الأول لأن الحق لا يتغير

بيان

هذا الخبر أيضا صريح في بطلان الاجتهاد و القول بالرأي

[26]
اشارة

203- 26 الكافي، 1/ 59/ 22/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه مرسلا قال قال أبو جعفر ع لا تتخذوا من دون اللّٰه وليجة فلا تكونوا مؤمنين

الوافي، ج 1، ص: 262

فإن كل سبب و نسب و قرابة و وليجة و بدعة و شبهة منقطع إلا ما أثبته القرآن

بيان

أورد هذا الخبر تارة أخرى في كتاب الروضة بهذا الإسناد بعينه و زاد بعد قوله منقطع مضمحل كالغبار الذي يكون على الحجر الصلد إذا أصابه المطر و وليجة الرجل بطانته و دخيلته و خاصته و من يعتمد عليه و يفشي إليه سره و المعنى لا تتخذوا من دون اللّٰه معتمدا تعتمدون عليه فلم تكونوا مؤمنين بالله و آياته إذ المؤمن الحقيقي من لا اعتماد و لا توكل له إلا على اللّٰه و لا استعانة له إلا به و من استعان بغير اللّٰه ذل.

و أما اعتماد المؤمنين بعضهم على بعض في السر و النجوى و اتخاذ بعضهم بعضا وليجة في الدين و الدنيا و تعاونهم فيما بينهم على البر و التقوى فيرجع إلى الاعتماد على اللّٰه سبحانه لأن ارتباط المؤمنين فيما بينهم من جهة الإيمان و تحابهم في الدين إنما يكون في اللّٰه و لله و لهذا ورد في القرآن تارة و لا تتخذوا من دون اللّٰه وليجة و أخرى أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمّٰا يَعْلَمِ اللّٰهُ الَّذِينَ جٰاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ لٰا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً و كأنه أراد بما أثبته القرآن التمسك بحبل أهل البيت ع.

فإن عامة القرآن نزلت فيهم و في التمسك بهم و هم شريكه و تريكه و نزيله و عندهم تنزيله و تأويله و هو معهم

و هم معه لن يفترقا و لن يختلفا و هما الثقلان اللذان أمرنا بالتمسك بهما و الكون معهما فهو يثبتهم و هم يثبتونه و يؤيد هذا

ما رواه في الكافي و سيأتي في محله عن أبي حمزة الثمالي قال قال لي أبو عبد اللّٰه ع إياك و الرئاسة و إياك أن تطأ أعقاب

الوافي، ج 1، ص: 263

الرجال قال قلت جعلت فداك أما الرئاسة فقد عرفتها و أما أن أطأ أعقاب الرجال فما ثلثا [نلت] ما في يدي إلا مما وطأت أعقاب الرجال فقال ليس حيث تذهب إياك أن تنصب رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما قال

و يحتمل تخصيص الوليجة بالوليجة في الدين أي لا تعتمدوا في دينكم إلا على اللّٰه و لا تأخذوه إلا من اللّٰه من جهة الرسول و أوصيائه ع و هذا أوفق بالاستثناء كما أن التعميم أوفق بذكر السبب و النسب و القرابة فإن قيل فما وجه ذكر السبب و النسب و القرابة على تقدير تخصيص الوليجة بالوليجة في الدين.

قلنا معناه حينئذ لا تقتدوا في دينكم بآبائكم و أقربائكم و لا تكونوا كالذين قالوا إِنّٰا وَجَدْنٰا آبٰاءَنٰا عَلىٰ أُمَّةٍ وَ إِنّٰا عَلىٰ آثٰارِهِمْ مُقْتَدُونَ أو لا تداهنوا في الدين لمسرة أقربائكم.

و حاصل الحديث النهي عن الاعتماد في علوم الدين على غير أهل البيت ع

[27]
اشارة

204- 27 التهذيب، 6/ 294/ 27/ 1 محمد بن أحمد عن السياري عن ابن أسباط قال قلت له يحدث الأمر من أمري لا أجد بدا من معرفته و ليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه قال فقال ائت فقيه البلد إذا كان ذلك فاستفته في أمرك- فإذا أفتاك بشي ء فخذ بخلافه فإن الحق فيه

بيان

و ذلك لأنهم كانوا متعصبين على مخالفة الشيعة حتى قال قائلهم إن من السنة التختم باليمين و إنما نتختم باليسار مخالفة للشيعة و إن من السنة تربيع القبور و إنما نسنمها مخالفة للشيعة إلى غير ذلك كما يتبين لمن تتبع كتبهم و آرائهم

الوافي، ج 1، ص: 265

باب 23 أنه ليس شي ء مما يحتاج إليه الناس إلا و قد جاء فيه كتاب أو سنة

[1]
اشارة

205- 1 الكافي، 1/ 59/ 1/ 1 محمد عن ابن عيسى عن علي بن حديد عن مرازم عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن اللّٰه تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شي ء حتى و اللّٰه ما ترك اللّٰه شيئا يحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا أنزل في القرآن ألا و قد أنزله اللّٰه فيه

الوافي، ج 1، ص: 266

بيان

جملة حتى الثانية لتأكيد الأولى أو للتعليل و لو للتمني و الاستثناء من مقدر و ألا بفتح الهمزة و تخفيف اللام حرف تنبيه قال أستادنا قدس سره ما ملخصه إن العلم بالشي ء إما يستفاد من الحس برؤية أو تجربة أو سماع خبر أو شهادة أو اجتهاد أو نحو ذلك و مثل هذا العلم لا يكون إلا متغيرا فاسدا محصورا متناهيا غير محيط لأنه إنما يتعلق بالشي ء في زمان وجوده علم و قبل وجوده علم آخر و بعد وجوده علم ثالث و هذا كعلوم أكثر الناس و إما يستفاد من مبادئه و أسبابه و غاياته علما واحدا كليا بسيطا محيطا على وجه عقلي غير متغير فإنه ما من شي ء إلا و له سبب و لسببه سبب و هكذا إلى أن ينتهي إلى مسبب الأسباب و كل ما عرف سببه من حيث يقتضيه و يوجبه فلا بد و أن يعرف ذلك الشي ء علما ضروريا دائما فمن عرف اللّٰه تعالى بأوصافه الكمالية و نعوته الجلالية و عرف أنه مبدأ كل وجود و فاعل كل فيض و جود و عرف ملائكته المقربين ثم ملائكته المدبرين المسخرين للأغراض الكلية العقلية بالعبادات الدائمة و النسك المستمرة من غير فتور و لغوب الموجبة لأن يترشح عنها صور الكائنات كل

ذلك على الترتيب السببي و المسببي فيحيط علمه بكل الأمور و أحوالها و لواحقها علما بريئا من التغير و الشك و الغلط فيعلم من الأوائل الثواني و من الكليات الجزئيات المترتبة عليها و من البسائط المركبات و يعلم حقيقة الإنسان و أحواله و ما يكملها و يزكيها و يسعدها و يصعدها إلى عالم القدس و ما يدنسها و يرديها و يشقيها و يهويها إلى أسفل السافلين علما ثابتا غير قابل للتغيير و لا محتمل لتطرق الريب.

فيعلم الأمور الجزئية من حيث هي دائمة كلية و من حيث لا كثرة فيه و لا تغير و إن كانت هي كثيرة متغيرة في أنفسها و بقياس بعضها إلى بعض و هذا كعلم اللّٰه سبحانه بالأشياء و علم ملائكته المقربين و علوم الأنبياء و الأوصياء ع بأحوال

الوافي، ج 1، ص: 267

الموجودات الماضية و المستقبلة و علم ما كان و علم ما سيكون إلى يوم القيامة من هذا القبيل.

فإنه علم كلي ثابت غير متجدد بتجدد المعلومات و لا متكثر بتكثرها و من عرف كيفية هذا العلم عرف معنى قوله عز و جل وَ نَزَّلْنٰا عَلَيْكَ الْكِتٰابَ تِبْيٰاناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ و صدق بأن جميع العلوم و المعاني في القرآن الكريم عرفانا حقيقيا و تصديقا يقينيا على بصيرة لا على وجه التقليد و السماع و نحوهما إذ ما من أمر من الأمور إلا و هو مذكور في القرآن إما بنفسه أو بمقوماته و أسبابه و مبادئه و غاياته و لا يتمكن من فهم آيات القرآن و عجائب إسراره و ما يلزمها من الأحكام و العلوم التي لا تتناهى إلا من كان علمه بالأشياء من هذا القبيل انتهى كلامه أعلى اللّٰه مقامه و

ينبه عليه لفظة الأصل في الخبر الآتي

[2]

206- 2 الكافي، 1/ 60/ 6/ 1 محمد عن أحمد عن ابن فضال عن ثعلبة بن ميمون عمن حدثه عن المعلى بن خنيس قال قال أبو عبد اللّٰه ع ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا و له أصل في كتاب اللّٰه و لكن لا تبلغه عقول الرجال

[3]
اشارة

207- 3 الكافي، 1/ 59/ 2/ 1 الكافي، 7/ 175/ 11/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن الحسين بن المنذر عن عمرو بن قيس عن أبي جعفر ع قال سمعته يقول إن اللّٰه تعالى لم يدع شيئا يحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه و بينه لرسوله ص و جعل لكل شي ء حدا و جعل عليه دليلا يدل عليه و جعل على من تعدى ذلك الحد حدا

الوافي، ج 1، ص: 268

بيان

مثال ذلك في العبادات أنه عز و جل جعل للصوم حدا و هو الكف عن الأكل و الشرب و المباشرة مدة و جعل عليه دليلا و هو قوله تعالى فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا مٰا كَتَبَ اللّٰهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ ثم جعل على من تعدى ذلك الحد بأن أكل أو شرب أو باشر حدا و هو الكفارة و مثاله في المعاملات أنه سبحانه جعل لثبوت الزنا حدا و هو الأربعة شهود و جعل عليه دليلا و هو قوله تعالى فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ثم جعل على من تعدى ذلك الحد بأن شهد عليها قبل تمام العدد حدا و هو الثمانون جلدة إلى غير ذلك

[4]

208- 4 الكافي، 1/ 59/ 3/ 1 علي عن محمد عن يونس عن أبان عن سليمان بن هارون قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول ما خلق اللّٰه حلالا و لا حراما إلا و له حد كحد الدار فما كان من الطريق فهو من الطريق- و ما كان من الدار فهو من الدار حتى أرش الخدش فما سواه و الجلدة و نصف الجلدة

[5]
اشارة

209- 5 الكافي، 7/ 175/ 9/ 1 الاثنان عن الوشاء عن أبان عن سليمان بن أخي أبي حسان العجلي قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع الحديث بأدنى تفاوت

الوافي، ج 1، ص: 269

بيان

الخدش تقشير الجلد بعود و نحوه و أرشه ما يجبر نقصه من الدية و الجلدة الضربة بالسوط و نصفها أن يؤخذ بنصف السوط فيضرب و لا يخفى أن هذه الأخبار صريحة في أنه ليس لأحد التصرف في أحكام اللّٰه برأيه و أن المتناقضات التي أدت إليها آراء المجتهدين لا يجوز العمل بها لا لمن اجتهد و لا لمن قلد و أن الحلال حلال دائما و الحرام حرام أبدا و لكل منهما حد معين و دليل معين أبدا

[6]

210- 6 الكافي، 5/ 300/ 2/ 1 علي عن أبيه عن العبيدي عن يونس و العدة عن التهذيب، 7/ 231/ 30/ 1 البرقي عن أبيه عن يونس عن عبد اللّٰه بن سنان أو ابن مسكان عن أبي الجارود الكافي، علي عن العبيدي عن يونس عن حماد عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي الجارود قال قال أبو جعفر ع إذا حدثتكم بشي ء فاسألوني [أين هو] من كتاب اللّٰه ثم قال في بعض حديثه إن رسول اللّٰه ص نهى عن القيل و القال و فساد المال و كثرة السؤال فقيل له يا بن رسول اللّٰه أين هذا من كتاب اللّٰه قال إن اللّٰه تعالى يقول لٰا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوٰاهُمْ إِلّٰا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلٰاحٍ بَيْنَ النّٰاسِ

الوافي، ج 1، ص: 270

و قال وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّٰهُ لَكُمْ قِيٰاماً و قال لٰا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيٰاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ

[7]
اشارة

211- 7 الكافي، 1/ 60/ 7/ 1 محمد عن بعض أصحابه عن الاثنين عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال أمير المؤمنين ع أيها الناس إن اللّٰه تعالى أرسل إليكم الرسول ص و أنزل عليه الكتاب بالحق و أنتم أميون عن الكتاب و من أنزله و عن الرسول و من أرسله على حين فترة من الرسل و طول هجعة من الأمم و انبساط من الجهل و اعتراض من الفتنة و انتقاض من المبرم و عمى عن الحق و اعتساف من الجور و امتحاق من الدين و تلظي من الحروب على حين اصفرار من رياض جنات الدنيا و يبس

الوافي، ج 1، ص: 271

من أغصانها و انتثار من ورقها و يأس من

ثمرها و اغورار من مائها- قد درست أعلام الهدى و ظهرت أعلام الردى فالدنيا متهجمة في وجوه أهلها- مكفهرة مدبرة غير مقبلة ثمرتها الفتنة و طعامها الجيفة و شعارها الخوف و دثارها السيف مزقتم كل ممزق و قد أعمت عيون أهلها و أظلمت عليها أيامها قد قطعوا أرحامهم و سفكوا دماءهم و دفنوا في التراب الموءودة بينهم من أولادهم يجتاز دونهم طيب العيش و رفاهية خفوض الدنيا لا يرجون من اللّٰه ثوابا و لا يخافون و اللّٰه منه عقابا حيهم أعمى نجس و ميتهم في النار مبلس فجاءهم بنسخة ما في الصحف الأولى و تصديق الذي بين يديه و تفصيل الحلال من ريب الحرام ذلك القرآن فاستنطقوه و لن ينطق لكم أخبركم عنه أن فيه علم ما مضى و علم ما يأتي إلى يوم القيامة و حكم ما بينكم و بيان ما أصبحتم فيه تختلفون فلو سألتموني عنه لعلمتكم

بيان

الأمي من لا يكتب و لا يقرأ ضمنه ما يعدى بعن كالنوم و الغفلة و نحوهما و الفترة الزمان الذي بين الرسولين و الهجعة النوم كني بها عن الغفلة و الفتنة الضلال عن سبيل الحق و الحيرة و المبرم المحكم أشار بانتقاضه إلى زوال ما كان الناس عليه قبلهم من نظام أحوالهم بسبب الشرائع السابقة و الاعتساف الظلم و الامتحاق المحو و التلظي اشتعال النار قوله على حين اصفرار إلى قوله أيامها استعارات و ترشيحات و اغورار الماء ذهابه في باطن الأرض و الدرس المحو و الردى الهلاك و التهجم التهدم و الظرف إما متعلق به أو بما بعده.

و الاكفهرار العبوس و الشعار ما يلي شعر الجسد من الثياب و الدثار ما فوق الشعار منها و

التمزيق الخرق و الموءودة المدفونة في التراب حية من البنات كان إذا ولدت لأحدهم في الجاهلية بنت دفنها في التراب حية يجتاز دونهم بالجيم

الوافي، ج 1، ص: 272

و الزاي من الاجتياز بمعنى المرور و القطع من جاز المكان و جاوزه أراد يزول عنهم و الخفوض جمع الخفض و هو الدعة و الراحة و السكون.

و في نسخة يختار بالخاء أي يراد و في أخرى طلب العيش بدل طيب العيش و العمى كناية عن الجهل و النجاسة عن الكفر و في بعض النسخ بالحاء المهملة المكسورة من النحوسة و هي الشقاوة و ربما يجعل بالباء الموحدة و الخاء المعجمة المكسورة من البخس بمعنى نقص الحظ و الإبلاس الغم و الانكسار و الحزن و الإياس من رحمة اللّٰه و منه إبليس و الصحف الأولى الكتب المنزلة من قبل كالتوراة و الإنجيل و الزبور و صحف إبراهيم و غيرها و هي المراد بالذي بين يديه و كل أمر تقدم أمرا منتظرا قريبا منه يقال إنه جاء بين يديه.

و ريب الحرام شبهته يعني فضلا عن صريحه فاستنطقوه أي استعلموا منه الأخبار و الأحكام ثم أشار إلى أن ليس كل أحد ممن ينطق له القرآن إذ لا يفهم لسانه إلا أهل اللّٰه خاصة لعدم الإذن الباطني و السمع القلبي لغيرهم ثم بين أنه لسان اللّٰه الناطق عن كتبه للخلق المخبر عن أسرار القرآن فقال أخبركم عنه و في نهج البلاغة و لكن أخبركم عنه و نبه على أن في نفسه القدسية العلوم التي ذكرها و أشار بإيراد كلمة لو دون إذا إلى فقد من يسأله عن غوامض مقاصد القرآن و أسرار علومه

كما دل عليه بقوله إن هاهنا لعلوما جمة

لو وجدت لها حملة مشيرا إلى صدره ع

[8]
اشارة

212- 8 الكافي، 1/ 61/ 8/ 1 محمد عن الصهباني عن ابن فضال عن حماد بن عثمان عن عبد الأعلى بن أعين قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول قد ولدني رسول اللّٰه ص و أنا أعلم كتاب اللّٰه و فيه بدو الخلق و ما هو كائن إلى يوم القيامة و فيه خبر السماء و خبر الأرض

الوافي، ج 1، ص: 273

و خبر الجنة و خبر النار و خبر ما كان و ما هو كائن أعلم ذلك كما أنظر إلى كفي- إن اللّٰه يقول فيه تبيان كل شي ء

بيان

الولادة المشار إليها تشمل الولادة الجسمانية و الروحانية فإن علمه يرجع إليه كما أن نسبه يرجع إليه فهو وارث علمه كما هو وارث ماله و لهذا قال و أنا أعلم كتاب اللّٰه و فيه كذا و كذا يعني و أنا عالم بذلك كله

[9]
اشارة

213- 9 الكافي، 1/ 61/ 9/ 1 العدة عن ابن عيسى عن علي بن نعمان عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّٰه ع قال كتاب اللّٰه فيه نبأ ما قبلكم و خبر ما بعدكم و فصل ما بينكم و نحن نعلمه

بيان

معناه ظاهر و يحتمل معنى آخر و هو أن يراد بنبإ ما قبلكم علم المبدأ من العلم بالله و ملائكته و كتبه و رسله و بخبر ما بعدكم علم المعاد من العلم باليوم الآخر و أحواله و أهواله و الجنة و النار و بفصل ما بينكم علم الشرائع و الأحكام بأن تحمل القبلية و البعدية على الذاتيتين أو ما يعمهما و الزمانيتين و ضمير نعلمه يرجع إلى الكتاب أو إلى الجميع

[10]
اشارة

214- 10 الكافي، 1/ 62/ 10/ 1 العدة عن البرقي عن إسماعيل بن مهران عن

الوافي، ج 1، ص: 274

سيف بن عميرة عن أبي المغراء عن سماعة عن أبي الحسن موسى ع قال قلت له أ كل شي ء في كتاب اللّٰه و سنة نبيه ص أو يقولون فيه قال بل كل شي ء في كتاب اللّٰه و سنة نبيه ص

بيان

أو تقولون فيه بالخطاب أي تحكمون فيه بما ترون

[11]

215- 11 الكافي، 1/ 59/ 4/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن حماد عن أبي عبد اللّٰه ع قال سمعته يقول ما من شي ء إلا و فيه كتاب أو سنة

[12]

216- 12 الفقيه، 3/ 112/ 3432 علي بن عبد اللّٰه الوراق عن سعد بن عبد اللّٰه عن التهذيب، 6/ 319/ 86/ 1 ابن عيسى عن ابن أبي عمير عن حماد عن محمد عن أبي عبد اللّٰه ع قال في حديث طويل إن أمير المؤمنين ع قال الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بينت للأمة جميع ما تحتاج إليه

الوافي، ج 1، ص: 275

باب 24 اختلاف الحديث و الحكم

[1]
اشارة

217- 1 الكافي، 1/ 62/ 1/ 1 علي عن أبيه عن حماد بن عيسى عن اليماني عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي قال قلت لأمير المؤمنين ع إني سمعت من سلمان و المقداد و أبي ذر شيئا من تفسير القرآن و أحاديث عن نبي اللّٰه غير ما في أيدي الناس ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم و رأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن و من الأحاديث عن نبي اللّٰه ص أنتم تخالفونهم فيها و تزعمون أن ذلك كله باطل أ فترى الناس يكذبون على رسول اللّٰه ص متعمدين و يفسرون القرآن بآرائهم قال فأقبل ع علي فقال قد سألت فافهم الجواب إن في أيدي الناس حقا و باطلا و صدقا و كذبا و ناسخا و منسوخا و عاما و خاصا

الوافي، ج 1، ص: 276

و محكما و متشابها و حفظا و وهما و قد كذب على رسول اللّٰه ص على عهده حتى قام خطيبا فقال أيها الناس قد كثرت علي الكذابة- فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ثم كذب عليه من بعده و إنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس رجل منافق يظهر الإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثم و لا يتحرج

أن يكذب على رسول اللّٰه متعمدا فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه و لم يصدقوه و لكنهم قالوا هذا قد صحب رسول اللّٰه ص و رآه و سمع منه فيأخذون عنه و هم لا يعرفون حاله و قد أخبر اللّٰه عن المنافقين بما أخبره و وصفهم بما وصفهم فقال تعالى وَ إِذٰا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسٰامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة و الدعاة إلى النار بالزور و الكذب و البهتان فولوهم الأعمال و حملوهم على رقاب الناس و أكلوا بهم الدنيا و إنما الناس مع الملوك و الدنيا إلا من عصم اللّٰه فهذا أحد الأربعة- و رجل سمع من رسول اللّٰه ص شيئا لم يحمله على وجهه و وهم فيه و لم يتعمد كذبا فهو في يده يقول به و يعمل به و يرويه فيقول أنا سمعته من رسول اللّٰه ص فلو علم المسلمون أنه وهم

الوافي، ج 1، ص: 277

لم يقبلوه و لو علم هو أنه وهم لرفضه- و رجل ثالث سمع من رسول اللّٰه ص شيئا أمر به ثم نهى عنه و هو لا يعلم أو سمعه ينهى عن شي ء ثم أمر به و هو لا يعلم فحفظ منسوخه و لم يحفظ الناسخ فلو علم أنه منسوخ لرفضه و لو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه- و آخر رابع لم يكذب على رسول اللّٰه ص مبغض للكذب خوفا من اللّٰه و تعظيما لرسوله لم ينسه بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه و لم ينقص منه و علم الناسخ و المنسوخ و عمل بالناسخ و رفض المنسوخ

فإن أمر النبي ص مثل القرآن ناسخ و منسوخ و خاص و عام و محكم و متشابه قد كان يكون من رسول اللّٰه ص الكلام له وجهان كلام عام و كلام خاص مثل القرآن و قال اللّٰه تعالى في كتابه مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فيشتبه على

الوافي، ج 1، ص: 278

من لم يعرف و لم يدر ما عنى اللّٰه به و رسوله ص و ليس كل أصحاب رسول اللّٰه ص كان يسأله عن الشي ء فيفهم- و كان منهم من يسأله و لا يستفهمه حتى أن كانوا ليحبون أن يجي ء الأعرابي و الطاري فيسأل رسول اللّٰه ص حتى يسمعوا و قد كنت أدخل على رسول اللّٰه ص كل يوم دخلة و كل ليلة دخلة- فيخليني فيها أدور معه حيث دار- و قد علم أصحاب رسول اللّٰه ص أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري فربما كان في بيتي يأتيني رسول اللّٰه ص أكثر ذلك في بيتي و كنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلا بي و أقام عني نساءه فلا يبقى عنده غيري و إذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم يقم عني فاطمة و لا أحدا من بني و كنت إذا سألته أجابني و إذا سكت عنه و فنيت مسائلي ابتدأني فما نزلت على رسول اللّٰه ص آية من القرآن إلا أقرأنيها و أملاها علي فكتبتها بخطي و علمني تأويلها و تفسيرها و ناسخها و منسوخها و محكمها و متشابهها و خاصها و عامها و دعا اللّٰه أن يعطيني فهمها و حفظها فما نسيت آية من كتاب اللّٰه تعالى و لا علما أملاه علي و كتبته منذ دعا اللّٰه لي

بما دعا و ما ترك شيئا علمه اللّٰه من حلال و لا حرام و لا أمر و لا نهي كان أو يكون و لا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه و حفظته فلم أنس حرفا واحدا ثم وضع يده على صدري و دعا اللّٰه لي أن يملأ قلبي علما و فهما و حكما و نورا فقلت يا رسول اللّٰه بأبي أنت و أمي منذ دعوت اللّٰه لي بما دعوت لم أنس شيئا و لم يفتني شيئا لم أكتبه أ فتتخوف علي النسيان فيما بعد- فقال لا لست أتخوف عليك النسيان و الجهل

الوافي، ج 1، ص: 279

بيان

المحكم هو الدال على معنى لا يحتمل غيره و المتشابه بخلافه و الوهم أن لا يحفظ الشي ء كما هو بل غلط فيه و التاء في الكذابة للمبالغة كما هي في العلامة و يحتمل كسر الكاف و تخفيف المعجمة على المصدر و منه قولهم المرء ينفعه كذابة و بمعنى المكذوب كالكتاب بمعنى المكتوب و التاء للتأنيث.

و قد ذكر العلماء دليلا على وقوع الكذب على النبي ص فقالوا قد نقل عنه هذا الخبر و ما في معناه فإن كان صدقا فهو المطلوب و إن كان كذبا فقد كذب عليه

روى العتائقي في شرحه لنهج البلاغة أن رجلا سرق رداء النبي ص و خرج إلى قوم فقال هذا رداء محمد ص أعطانيه لتمكنوني من تلك المرأة- فاستنكروا ذلك فبعثوا من سأله عنه فقام فشرب ماء فلدغته الحية فمات و لما سمع النبي ص ذلك قال لعلي انطلق فإن وجدته و قد كفيت فأحرقه بالنار فجاء و أمر بإحراقه

فكان ذلك سبب الخبر المذكور و التصنع التكلف و المتصنع

بالإسلام المتزين به المتحلي في عيون أهله لا يتأثم أي لا يعتقد الإثم إثما و لا يعترف به و لا يتحرج أي لا يضيق صدره و أراد بأئمة الضلالة الثلاثة و من يحذو حذوهم من بني أمية و أشباههم و قوله بالزور متعلق بتقربوا نقل العتائقي عن المدائني أنه قال في كتاب الأحداث أن معاوية لعنه اللّٰه عليه كتب إلى عماله أن ادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة و لا تتركوا خبرا يرويه أحد في أبي تراب إلا و ائتوني بمناقض له في الصحابة فرويت أخبار كثيرة مفتعلة لا حقيقة لها حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر.

الوافي، ج 1، ص: 280

و روى ابن أبي الحديد أن معاوية لعنه اللّٰه عليه أعطى صحابيا مالا كثيرا ليضع حديثا في ذم علي ع و يحدث به على المنبر ففعل و يروى عن ابن عرفة المعروف بنفطويه أن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون بها أنف بني هاشم مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ أشار بذكر هذه الآية إلى وجوب اتباع حديث الرسول ليرتب عليه الاشتباه في الحديث كي لا يتوهم أحد جواز رفض الحديث إذا لم يتبين معناه.

و عدم الاستفهام لعله للاحترام و الإجلال لغاية عظمته في قلوبهم و الطاري الذي يأتي من مكان بعيد فيخليني فيها إما من الإخلاء أي يجتمع بي في خلوة أو يتفرغ لي عن كل شغل من قولهم أخل أمرك و أخل بأمرك أي تفرغ له و تفرد به أو من التخلية من قولهم خليت سبيله يفعل ما يشاء و أما قوله أخلاني فيحتمل الأول و أن يكون بالباء الموحدة من أخليت به

إذا انفردت به و الحكم بضم الحاء و سكون الكاف الحكمة.

و إنما نبه على غاية قربه من الرسول و نهاية اختصاصه فيما يتعلق بالعلم و الحفظ و الدراية و الإحاطة بجميع الكتب الإلهية ليرجع الناس في أمور دينهم إليه و يقتبسوا من مشكاة علمه و يستضيئوا بأنواره و يقتدوا بهداه صلوات اللّٰه و سلامه عليه و على من تقرب إليه

[2]

218- 2 الكافي، 1/ 64/ 2/ 1 العدة عن أحمد عن عثمان عن الخراز عن محمد عن أبي عبد اللّٰه ع قال قلت له ما بال أقوام يروون عن فلان و فلان عن رسول اللّٰه ص لا يتهمون بالكذب فيجي ء منكم خلافه قال إن الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن

الوافي، ج 1، ص: 281

[3]
اشارة

219- 3 الكافي، 1/ 65/ 3/ 1 علي عن أبيه عن التميمي عن عاصم بن حميد عن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب ثم يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر فقال- إنا نجيب الناس على الزيادة و النقصان قال قلت فأخبرني عن أصحاب رسول اللّٰه ص صدقوا على محمد أم كذبوا قال بل صدقوا قال قلت فما بالهم اختلفوا فقال أ ما تعلم أن الرجل كان يأتي رسول اللّٰه ص فسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب ثم يجيئه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب فنسخت الأحاديث بعضها بعضا

بيان

يعني الزيادة و النقصان في القول كما و كيفا على حسب تفاوت أحوال الناس في الفهم و الاحتمال و المراد بنسخ الأحاديث بعضها بعضا أن حديث رسول اللّٰه ص ربما ينسخ و لا يعلم الراوي نسخه فيرويه ظنا منه بقاء حكمه من غير كذب فيجي ء غيره بالناسخ فيقع الاختلاف

[4]

220- 4 الكافي، 1/ 65/ 4/ 1 علي بن محمد عن سهل عن السراد عن ابن رئاب عن الحذاء عن أبي جعفر ع قال قال لي يا زياد ما تقول لو أفتينا رجلا ممن يتولانا بشي ء من التقية قال قلت له أنت أعلم جعلت فداك قال إن أخذ به فهو خير له و أعظم أجرا

الوافي، ج 1، ص: 282

[5]

221- 5 الكافي، 1/ 65/ 4/ 1 و في رواية أخرى إن أخذ به أوجر و إن تركه و اللّٰه أثم

[6]
اشارة

222- 6 الكافي، 1/ 65/ 5/ 1 القميان عن الحسن بن علي عن ثعلبة بن ميمون عن زرارة عن أبي جعفر ع قال سألته عن مسألة فأجابني ثم جاء رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ثم جاء آخر فأجابه بخلاف ما أجابني و أجاب صاحبي- فلما خرج الرجلان قلت يا بن رسول اللّٰه رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه فقال يا زرارة إن هذا خير لنا و أبقى لنا و لكم و لو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا و لكان أقل لبقائنا و لبقائكم قال ثم قلت لأبي عبد اللّٰه ع شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا و هم يخرجون من عندكم مختلفين قال فأجابني بمثل جواب أبيه

بيان

لصدقكم الناس أي جعلوكم متحققين كقوله سبحانه لَقَدْ صَدَقَ اللّٰهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيٰا و قوله عز و جل رِجٰالٌ صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اللّٰهَ عَلَيْهِ علينا أي على اتباعنا و الأسنة جمع سنان لمضوا لأجابوا و هم يخرجون يعني و الحال أنهم يخرجون

الوافي، ج 1، ص: 283

مختلفين فما السبب في ذلك

[7]
اشارة

223- 7 الكافي، 1/ 65/ 6/ 1 محمد عن ابن عيسى عن محمد بن سنان عن نصر الخثعمي قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول من عرف إنا لا نقول إلا حقا فليكتف بما يعلم منا فإن سمع منا خلاف ما يعلم فليعلم أن ذلك دفاع منا عنه

بيان

دفاع منا أي للفتنة و الضرر يعني لا يريبكم في أمرنا اختلافنا في الأجوبة فإنما ذلك للمصلحة

[8]

224- 8 الكافي، 1/ 66/ 7/ 1 علي عن أبيه عن عثمان و السراد جميعا عن سماعة عن أبي عبد اللّٰه ع قال سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه أحدهما يأمر بأخذه و الآخر ينهاه عنه كيف يصنع قال يرجئه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه

[9]
اشارة

225- 9 الكافي، 1/ 66/ 7/ 1 و في رواية أخرى بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك

الوافي، ج 1، ص: 284

بيان

يرجئه أي يؤخره و الجمع بين الروايتين بأن يخص التأخير بمن يمكنه الإرجاء و يرجو اللقاء و التخيير بغيره ثم التخيير إنما يكون فيما يتعلق بالعمل دون الاعتقاد فإن قلت كيف أذن ع بالتخيير مع أن حكم اللّٰه سبحانه واحد في كل قضية قلنا إن مع الجهل بالحكم يسقط الأخذ به للاضطرار دفعا لتكليف ما لا يطاق.

و لهذا جاز العمل بالتقية أيضا فالحكم في مثله اضطراري قال اللّٰه عز و جل الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلٰامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجٰانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ على أنا لا نمنع أن يكون الحكم في بعض المسائل التخيير و كانوا قد أتوا في كل خبر بأحد فردي المخير فيه كما يستفاد

من رواية علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب لعبد اللّٰه بن محمد إلى أبي الحسن ع اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد اللّٰه ع في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم أن صلهما في المحمل و روى بعضهم أن لا تصلهما إلا على الأرض فأعلمني كيف تصنع أنت لأقتدي بك في ذلك فوقع ع موسع عليك بأية عملت

[10]
اشارة

226- 10 الكافي، 1/ 67/ 8/ 1 علي عن أبيه عن عثمان عن الحسين بن المختار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه ع قال أ رأيتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بأيهما كنت تأخذ قال قلت كنت آخذ بالأخير فقال لي رحمك اللّٰه

الوافي، ج 1، ص: 285

بيان

وجه الأخذ بالأخير أن بعض الأزمنة يقتضي الحكم بالتقية للخوف الذي فيه و بعضها لا يقتضيه لعدمه فالإمام ع في كل زمان يحكم بما يراه المصلحة في ذلك الزمان فليس لأحد أن يأخذ في العام بما حكم به في عام أول و هذا معنى قوله ع في الحديث الآتي إنا و اللّٰه لا ندخلكم إلا فيما يسعكم

[11]

227- 11 الكافي، 1/ 67/ 9/ 1 عنه عن أبيه عن ابن مرار عن يونس عن داود بن فرقد عن المعلى بن خنيس قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع إذا جاء حديث عن أولكم و حديث عن آخركم بأيهما نأخذ فقال خذوا به حتى يبلغكم عن الحي فإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله قال ثم قال أبو عبد اللّٰه ع إنا و اللّٰه لا ندخلكم إلا فيما يسعكم

[12]
اشارة

228- 12 الكافي، 1/ 67/ 9/ 1 و في حديث آخر خذوا بالأحدث

بيان

قد مر معناه

[13]

229- 13 الكافي، 1/ 67/ 10/ 1 التهذيب، 6/ 301/ 52/ 1 محمد عن محمد بن الحسين عن محمد بن عيسى التهذيب، ابن محبوب عن محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن

الوافي، ج 1، ص: 286

داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان و إلى القضاة أ يحل ذلك قال من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت و ما يحكم له فإنما يأخذ سحتا و إن كان حقا ثابتا له لأنه أخذه بحكم الطاغوت و قد أمر اللّٰه أن يكفر به قال اللّٰه تعالى يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى

الوافي، ج 1، ص: 287

الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ قلت فكيف يصنعان قال ينظران من كان منكم قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما

الوافي، ج 1، ص: 288

استخف بحكم اللّٰه و علينا رد و الراد علينا الراد على اللّٰه و هو على حد الشرك بالله قلت فإن كان كل رجل اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما و اختلفا فيما حكما و كلاهما اختلفا في حديثكم قال الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما و لا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر قال قلت فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا- لا يفضل واحد منهما على الآخر قال فقال ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في

الوافي، ج 1، ص: 289

ذلك الذي

حكما به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه و إنما الأمور ثلاثة- أمر بين رشده فيتبع و أمر بين غيه فيجتنب و أمر مشكل يرد علمه إلى اللّٰه و إلى رسوله ص- قال رسول اللّٰه ص حلال بين و حرام بين و شبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات و من أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات و هلك من حيث لا يعلم قلت فإن كان الخبران عنكما مشهورين- قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب و السنة- و خالف العامة فيؤخذ به و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنة و وافق العامة قلت جعلت فداك أ رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنة و وجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة و الآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ قال ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت جعلت فداك فإن وافقها

الوافي، ج 1، ص: 290

الخبران جميعا قال ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم و قضاتهم فيترك و يؤخذ بالآخر قلت فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا قال إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات

[14]
اشارة

230- 14 الفقيه، 3/ 8/ 3233 داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد اللّٰه ع قال قلت في رجلين اختار كل واحد منهما رجلا الحديث

بيان

دين بفتح الدال و الطاغوت الشيطان مبالغة من الطغيان و المراد به هنا من يحكم بغير الحق لفرط طغيانه أو لتشبيهه بالشيطان أو لأن التحاكم إليه تحاكم إلى الشيطان من حيث أنه الحامل له على الحكم كما نبه عليه تتمة الآية وَ يُرِيدُ الشَّيْطٰانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلٰالًا بَعِيداً

و عن أمير المؤمنين ع كل حكم حكم بغير قولنا أهل البيت فهو طاغوت ثم قرأ هذه الآية

و السحت الحرام و الكفر بالطاغوت أن يعتقد أنه ليس أهلا للتحاكم فمن اعتقد ذلك ثم أراد التحاكم إليه فهو خائن.

فإن لم يرد لكن اضطر إليه كما إذا لم يوجد هناك عدل أو كان خصمه لا يرضى بالتحاكم إلى العدل فحينئذ يحتمل حل ما أخذ إذا كان حقا له ثابتا لأنه كافر به و قد اضطر إلى التحاكم إليه من غير إرادة منه و لعل ذلك هو السر في قوله سبحانه.

يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا دون يتحاكمون ثم ظاهر هذا الخبر عدم الفرق في حرمة ما أخذ بحكم الطاغوت بين ما لو تحاكما فيه إلى العدل و لم يحكم له بذلك و بين ما حكم له بذلك لأن الأخذ في كليهما بحكم الطاغوت و أما في صورة الاضطرار فالظاهر الفرق.

هذا كله إذا كان الحاكم هو الطاغوت فأما إذا كان الحاكم هو العدل و إنما أخذ حقه منه بقوة سلطان الطاغوت لتوقف أخذ حقه على الاستعانة به فليس مما نحن فيه

الوافي، ج 1، ص: 291

في شي ء بل ذلك حديث آخر و الظاهر أنه لم يحرم

الحق بذلك.

ثم ظاهر هذا الخبر و ما في معناه مما يأتي في أبواب القضاء من كتاب الحسبة و وروده في سلاطين المخالفين و قضاتهم و في حكمهم فساق قضاة الشيعة و حكامهم الذين يأخذون الرشا على الأحكام و توابعها و يحكمون بغير حكم أهل البيت ع لدخولهم في الطاغوت سواء كانوا عارفين بأحكام أهل البيت ع أم لا أما إذا لم يحكموا بين الخصمين و إنما حملوهما على الصلح و أخذ البعض و الإبراء عن الباقي فذلك حديث آخر.

من كان منكم أي من الشيعة الإمامية و عرف أحكامنا أي من أحاديثنا المحكمات لا من اجتهاده في المتشابهات و استنباطه الرأي منها بالظنون و الخيالات باستعانة الأصول المخترعات.

المجمع عليه أي المتفق على نقله المشهور بينهم و ليس المراد به الإجماع المصطلح عليه بين أصحابنا اليوم كيف و الكلام في الحديث و روايته لا القول و الإفتاء به و لهذا قال و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور فالمراد بالمجمع عليه بين أصحابك في هذا الحديث هو بعينه ما عبر عنه بالمشتهر بين أصحابك

في رواية زرارة عن أبي جعفر ع قال سألته فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان- فبأيهما آخذ فقال ع يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك و دع الشاذ النادر- فقلت يا سيدي إنهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم فقال خذ بما يقول أعدلهما عندك و أوثقهما في نفسك فقلت إنهما معا عدلان مرضيان موثقان فقال انظر إلى ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه و خذ بما خالفهم فإن الحق فيما خالفهم- قلت ربما كانا معا موافقين لها أو مخالفين فكيف أصنع فقال إذن فخذ فيه الحائطة لدينك و اترك ما

خالف الاحتياط فقلت إنهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع فقال إذن فتخير أحدهما فتأخذ به و تدع الآخر

و هذه الرواية رواها محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحسائي في كتاب عوالي اللئالي عن العلامة

الوافي، ج 1، ص: 292

الحلي مرفوعا إلى زرارة و الأخبار في هذا المعنى كثيرة.

و قد أوردنا شطرا منها في كتابنا المسمى بسفينة النجاة و في كتابنا الموسوم بالأصول الأصيلة

و في بعضها و ما لم تجدوه في شي ء من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك و لا تقولوا فيه بآرائكم و عليكم بالكف و التثبت و الوقوف و أنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا

و لا يخفى أن رد علمه إليهم ع لا ينافي التخيير في العمل من باب التسليم فلا يجوز الفتوى بأنه حكم اللّٰه في الواقع و إن جاز الفتوى بجواز العمل به و جاز العمل به و المراد بالشهرة في الخبرين شهرة الحديث الكائنة بين قدماء أصحابنا الأخباريين الذين لا يتعدون النص في شي ء من الأحكام دون شهرة القول الحادثة بين المتأخرين من أهل الرأي و التخمين فإنها لا اعتماد عليها أصلا كما حققه الشهيد الثاني في شرح درايته.

قوله الخبران عنكما أي عن الاثنين منكم و في نسخة عنهما و هو أوضح فإن قيل يستفاد من الأخبار السابقة وجوب الأخذ بما ورد عنهم ع على التقية و يظهر من هذين الخبرين و أشباههما وجوب ترك ما وافق القوم فكيف التوفيق قلنا إن ذلك إنما هو في العمل و هذا في العلم و الاعتقاد بأنه حق و إن كان قد يجب العمل بخلافه كما إذا كان محل الخوف و بهذا يظهر

وجه أمرهم ع بالأخذ بالأحدث و الأخير أي العمل به حقا كان أو تقية كما أشرنا إليه سابقا قال الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي رحمه اللّٰه في كتاب الاحتجاج بعد نقل هذا الحديث جاء هذا الخبر على سبيل التقدير لأنه قلما يتفق في الآثار أن يرد خبران مختلفان في حكم من الأحكام موافقين للكتاب و السنة.

الوافي، ج 1، ص: 293

و ذلك مثل الحكم في غسل الوجه و اليدين في الوضوء فإن الأخبار جاءت بغسلها مرة مرة و بغسلها مرتين مرتين و ظاهر القرآن لا يقتضي خلاف ذلك بل يحتمل كلتي الروايتين و مثل ذلك يوجد في أحكام الشرع و أما قوله ع للسائل أرجه و قف حتى تلقى إمامك أمره بذلك عند تمكنه من الوصول إلى الإمام.

فأما إذا كان غائبا و لا يتمكن من الوصول إليه و الأصحاب كلهم مجمعون على الخبرين و لم يكن هناك رجحان لرواة أحدهما على رواة الآخر بالكثرة و العدالة كان الحكم بهما من باب التخيير يدل على ما قلناه

ما روي عن الحسن بن الجهم عن الرضا ع قال قلت له يجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة قال ما جاءك عنا فأعرضه على كتاب اللّٰه عز و جل و أحاديثنا فإن كان يشبههما فهو منا و إن لم يكن يشبههما فليس منا- قلت يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم أيهما الحق فقال إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت

و ما رواه الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّٰه ع قال إذا سمعت من أصحابك الحديث و كلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم ع فترد إليه

انتهى كلامه.

و قال ثقة الإسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني رحمه

اللّٰه في أوائل الكافي يا أخي أرشدك اللّٰه إنه لا يسع أحدا تمييز شي ء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء ع برأيه إلا على ما أطلقه العالم

بقوله اعرضوها على كتاب اللّٰه فما وافق كتاب اللّٰه عز و جل فخذوه و ما خالف كتاب اللّٰه فردوه

و قوله ع دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم

و قوله ع خذوا بالمجمع عليه فإن المجمع عليه لا ريب فيه

و نحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقله و لا نجد شيئا أحوط و لا أوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم ع و قبول ما وسع من الأمر فيه بقوله ع بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم انتهى كلامه قوله طاب ثراه و نحن لا نعرف من جميع ذلك

الوافي، ج 1، ص: 294

إلا أقله يعني به إنا لا نعرف من الضوابط الثلاث إلا حكم أقل ما اختلف فيه الرواية دون الأكثر لأن أكثره لا يعرف من موافقة الكتاب و لا من مخالفة العامة و لا من كونه المجمع عليه لعدم موافقته لشي ء منهما و لا مخالفته إياهما و لا شهرته بين القدماء أو لعدم العلم بشي ء من ذلك فيه فلا نجد شيئا أقرب إلى الاحتياط من رد علمه إلى العالم أي الإمام ع و لا أوسع من التخيير في العمل من باب التسليم دون الهوى أي لا يجوز لنا الإفتاء و الحكم بأحد الطرفين بتة و إن كان يجوز لنا العمل به من باب التسليم بالإذن عنهم ع قيل و إنما لم يذكر الترجيح باعتبار الأفقهية و الأعدلية و باعتبار كثرة العدد لأنه رحمه اللّٰه أخذ أحاديث كتابة من الأصول المقطوع بها المجمع عليها

الوافي،

ج 1، ص: 295

باب 25 الأخذ بالسنة و شواهد الكتاب

[1]
اشارة

231- 1 الكافي، 1/ 69/ 1/ 1 الأربعة عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رسول اللّٰه ص إن على كل حق حقيقة و على كل صواب نورا فما وافق كتاب اللّٰه فخذوه و ما خالف كتاب اللّٰه فدعوه

بيان

حقيقة أي أصلا ثابتا و مستندا متينا يمكن أن يفهم منه حقيته نورا أي برهانا واضحا يتبين به و يظهر منه أنه صواب و القرآن أصل كل حديث حق و برهان كل قول صواب و مستند كل أمر و علم لمن يمكنه أن يستفهم عنه بقدر فهمه و علمه

[2]
اشارة

232- 2 الكافي، 1/ 69/ 2/ 1 محمد عن عبد اللّٰه بن محمد عن علي بن الحكم عن أبان عن ابن أبي يعفور قال و حدثني الحسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن

الوافي، ج 1، ص: 296

أبي يعفور في هذا المجلس قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به و منهم من لا نثق به قال إذا ورد عليكم حديث- فوجدتم له شاهدا من كتاب اللّٰه أو من قول رسول اللّٰه ص و إلا فالذي جاءكم به أولى به

الوافي، ج 1، ص: 297

بيان

أولى به أي ردوه عليه و لا تقبلوه منه

[3]
اشارة

233- 3 الكافي، 1/ 69/ 3/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه عن النضر عن يحيى الحلبي عن أيوب بن الحر قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول كل شي ء مردود إلى الكتاب و السنة و كل حديث لا يوافق كتاب اللّٰه تعالى فهو زخرف

بيان

الزخرف المموه المزور و الكذب المحسن

[4]

234- 4 الكافي، 1/ 69/ 4/ 1 محمد عن ابن عيسى عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن أيوب بن راشد عن أبي عبد اللّٰه ع قال ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف

[5]

235- 5 الكافي، 1/ 69/ 5/ 1 النيسابوريان عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم و غيره عن أبي عبد اللّٰه ع قال خطب النبي ص بمنى فقال أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب اللّٰه فأنا قلته و ما جاءكم يخالف كتاب اللّٰه فلم أقله

[6]
اشارة

236- 6 الكافي، 1/ 70/ 6/ 1 بهذا الإسناد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول من خالف كتاب اللّٰه و سنة محمد ص فقد كفر

الوافي، ج 1، ص: 298

بيان

لعله ع أراد بالمخالفة ما يرجع منها إلى الاعتقاد بأن يعتقد الحل فيما حرمة أو الحرمة فيما أحله و نحو ذلك أو يفتي بذلك دون العمل فإنه فسق و ليس بكفر

[7]
اشارة

237- 7 الكافي، 1/ 70/ 7/ 1 علي عن العبيدي عن يونس رفعه قال قال علي بن الحسين ع إن أفضل الأعمال عند اللّٰه ما عمل بالسنة و إن قل

بيان

الوجه فيه أن الأعمال الجسمانية لا قدر لها عند اللّٰه إلا بالنيات القلبية

كما ورد في الحديث المشهور إنما الأعمال بالنيات

و من يعمل بالسنة فإنما يعمل بها طاعة لله و انقيادا للرسول فيكون عمله مشتملا على نية التقرب و هيئة التسليم و الخضوع الناشئين من القلب فلا محالة ثوابه كثير و أجره عظيم و إن قل عدده أو صغر مقداره و إليه أشير بقوله سبحانه لَنْ يَنٰالَ اللّٰهَ لُحُومُهٰا وَ لٰا دِمٰاؤُهٰا وَ لٰكِنْ يَنٰالُهُ التَّقْوىٰ مِنْكُمْ

[8]

238- 8 الكافي، 1/ 70/ 9/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه عن أبي إسماعيل إبراهيم بن إسحاق الأزدي عن أبي عثمان العبدي عن جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين ع قال قال رسول اللّٰه ص

الوافي، ج 1، ص: 299

لا قول إلا بعمل و لا قول و لا عمل إلا بنية و لا قول و لا عمل و لا نية إلا بإصابة السنة

[9]
اشارة

239- 9 التهذيب، 4/ 186/ 3/ 1 عن الرضا ع أنه قال لا قول إلا بعمل و لا عمل بنية و لا نية إلا بإصابة السنة

بيان

إنما نفى النية إلا بالسنة لأن المخالف للسنة و المخطئ لها لا يمكنه نية التقرب إذ التقرب إنما يحصل بالإطاعة و الانقياد و بعد الاهتداء إلى صحة الاعتقاد

[10]
اشارة

240- 10 الكافي، 2/ 87/ 1/ 1 الثلاثة عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه ع قال من سمع شيئا من الثواب على شي ء فصنعه كان له أجره و إن لم يكن على ما بلغه

بيان

هذا لا ينافي الخبر السابق لأنه إنما صنعه على نية أنه من السنة لأنه منسوب إليها من غير خطإ منه في هذه النسبة و يأتي حديث آخر في هذا المعنى في باب النية من كتاب الإيمان و الكفر إن شاء اللّٰه

[11]
اشارة

241- 11 الكافي، 1/ 70/ 10/ 1 علي عن أبيه عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال قال ما من أحد إلا و له شرة و فترة فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى و من كانت فترته إلى بدعة فقد غوى

الوافي، ج 1، ص: 300

بيان

الشرة إما بالكسر و تشديد الراء و التاء بمعنى النشاط و الرغبة

كما في الحديث لكل عابد شرة

و إما بالفتح و التخفيف و الهاء بمعنى غلبة الحرص على الشي ء و الفترة في مقابلها يعني أن كل واحد من أفراد الناس له قوة و سورة و حركة و نشاط و حرص على تحصيل كماله اللائق به في وقت من أوقات عمرة كما يكون للأكثرين في أيام شبابهم و له فتور و ضعف و سكون و استقرار و تقاعد عن ذلك في وقت آخر كما يكون للأكثرين في أوان شيخوختهم فمن كان فتوره و قراره و اطمينانه و سكونه و ختام أمره في عبادته إلى سنة فقد اهتدى و من كان سكونه و ختام أمره و قراره إلى بدعة فقد غوى

[12]

242- 12 الكافي، 2/ 86/ 2/ 1 العدة عن سهل عن الحجال عن ثعلبة قال قال أبو عبد اللّٰه ع لكل أحد شرة و لكل شرة فترة فطوبى لمن كانت فترته إلى خير

[13]
اشارة

243- 13 الكافي، 2/ 85/ 1/ 1 محمد عن ابن عيسى عن السراد عن مؤمن الطاق عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر ع قال قال رسول اللّٰه ص ألا إن لكل عبادة شرة ثم تصير إلى فترة فمن كانت شرة عبادته إلى سنتي فقد اهتدى و من خالف سنتي فقد ضل و كان عمله في تباب أما إني أصلي و أنام و أصوم و أفطر و أضحك و أبكي فمن رغب عن منهاجي و سنتي فليس مني و قال كفى بالموت موعظة و كفى باليقين غنى و كفى بالعبادة شغلا

الوافي، ج 1، ص: 301

بيان

المراد بهذا الحديث أن المهتدي من لا يتجاوز شرة عبادته سنة رسول اللّٰه ص و إن كان ناشطا لها فلا يصلي دائما و لا يصوم دائما و لا يبكي دائما بل قد و قد و التباب الخسار

[14]
اشارة

244- 14 الكافي، 1/ 70/ 11/ 1 علي بن محمد عن البرقي عن علي بن حسان و محمد عن سلمة بن الخطاب عن علي بن حسان عن موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر ع قال كل من تعدى السنة رد إلى السنة

بيان

أمر برد المبتدع إلى السنة لئلا تبقى بدعته في الناس فيقعوا بسببها في الضلال

[15]

245- 15 الكافي، 6/ 58/ 2/ 1 العدة عن سهل عن البزنطي عن عبد الكريم عن عبد اللّٰه بن سليمان الصيرفي عن أبي جعفر ع قال كل شي ء خالف كتاب اللّٰه عز و جل رد إلى كتاب اللّٰه و السنة

[16]
اشارة

246- 16 الكافي، 1/ 71/ 12/ 1 الأربعة عن أبي عبد اللّٰه عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع السنة سنتان سنة في فريضة

الوافي، ج 1، ص: 302

الأخذ بها هدى و تركها ضلالة و سنة في غير فريضة الأخذ بها فضيلة و تركها إلى غير خطيئة

بيان

السنة في الأصل الطريقة ثم خصت بطريقة الحق التي وضعها اللّٰه للناس و جاء بها الرسول ص ليتقربوا بها إلى اللّٰه عز و جل و يدخل فيها كل عمل شرعي و اعتقاد حق و تقابلها البدعة و تنقسم السنة إلى واجب و ندب و بعبارة أخرى إلى فرض و نفل و بثالثة إلى فريضة و فضيلة.

و الفريضة ما يثاب بها فاعلها و يعاقب على تركها و الفضيلة ما يثاب بإتيانها و لا يعاقب بتركها كما فسرهما ص و قد تطلق السنة على قول النبي ص و فعله و هي في مقابلة الكتاب و يحتمل أن يكون المراد بها هاهنا كما يشعر به لفظة في المنبئة عن الورود و أما تخصيص السنة بالنفل و الفضيلة فعرف طار من الفقهاء نشأ حديثا و ليس في كلام أهل البيت ع منه أثر بل كانوا يقولون غسل الجمعة سنة واجبة و نحو ذلك

الوافي، ج 1، ص: 303

باب 26 النوادر

[1]
اشارة

247- 1 الكافي، 1/ 48/ 1/ 1 الثلاثة عن حفص بن البختري رفعه قال كان أمير المؤمنين ع يقول روحوا أنفسكم ببديع الحكمة فإنها تكل كما تكل الأبدان

بيان

الكلال الضعف و الثقل و كان الخطاب منه إلى تلامذته الذين كانوا لا يفرحون إلا بذكر اللّٰه و لا يتلذذون إلا بالعلم و الحكمة دون سائر الناس الذين لذاتهم مقصورة على الشهوات الحيوانية فإن قلوب هؤلاء تشمئز من استماع بدائع الحكمة و طرائف العرفان قيل فيه تنصيص على تجرد النفس الناطقة الإنسانية إذ هو ناص على أن الأنفس وراء الأبدان و أن كلالها وراء كلال الأبدان و ترويح النفس ببديع الحكمة برهان على أنها جوهر مجرد وراء البدن فإن البدن لا يتروح إلا بالبدائع الجرمانية و اللطائف الجسمانية

الوافي، ج 1، ص: 304

[2]
اشارة

248- 2 الكافي، 8/ 167/ 186/ 1 العدة عن سهل عن بكر بن صالح عن ابن سنان عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال الحكمة ضالة المؤمن فحيثما وجد أحدكم ضالته فليأخذها

بيان

يعني لا يأنف من أخذها عمن هو دونه في العلم فربما يوجد عند الأدنى ما لا يوجد عند الأعلى و في التعبير عن الحكمة بالضالة إشارة إلى أنها مركوزة في فطرة المؤمن فإذا جهلها فكأنها ضلت عنه

[3]

249- 3 الفقيه، 4/ 406/ 5879 السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه ع قال قال رسول اللّٰه ص كلمتان غريبتان احتملوهما كلمة حكمة من سفيه فاقبلوها و كلمة سفه من حكيم [حليم] فاغفروها

[4]
اشارة

250- 4 الكافي، 1/ 50/ 14/ 1 الحسين بن الحسن عن محمد بن زكريا الغلابي عن ابن عائشة البصري رفعه أن أمير المؤمنين ع قال في بعض خطبه أيها الناس اعلموا أنه ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه- و لا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه الناس أبناء ما يحسنون و قدر كل

الوافي، ج 1، ص: 305

امرئ ما يحسن فتكلموا في العلم تبين أقداركم

بيان

الانزعاج الانقلاع من المكان و عدم الاستقرار فيه و الزور الكذب و الباطل و التهمة ما يحسنون من الإحسان بمعنى العلم و أحسن الشي ء تعلمه فعلمه حسنا و الوجه فيه أن العاقل يعلم أن الافتراء عليه لا ينقص من كماله شيئا و الحكيم يتيقن أن الثناء عليه لا يزيده كمالا و كلاهما يعلمان أن نقص الإنسان و كماله ليس إلا بالجهل و العلم و كل امرئ كأنه ولد علمه و قدره و شرفه و فضله و كماله بقدر علمه

كما قال ع في أبيات تنسب إليه

الناس من جهة التمثال أكفاء أبوهم آدم و الأم حواء

لا فضل إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء-

و قيمة المرء ما قد كان يحسنه و الجاهلون لأهل العلم أعداء-

نقم بعلم و لا نبغي له بدلا فالناس موتى و أهل العلم أحياء

آخر أبواب العقل و العلم و الحمد لله أولا و آخرا

الوافي، ج 1، ص: 307

أبواب معرفة اللّٰه تعالى

الآيات

اشارة

قال اللّٰه عز و جل قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ اللّٰهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ و قال تبارك اسمه سَبَّحَ لِلّٰهِ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مُلْكُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ هُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّٰاهِرُ وَ الْبٰاطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اسْتَوىٰ عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مٰا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ مٰا يَخْرُجُ مِنْهٰا وَ مٰا يَنْزِلُ مِنَ السَّمٰاءِ وَ مٰا يَعْرُجُ فِيهٰا وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ وَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ

الوافي، ج 1، ص: 308

بَصِيرٌ لَهُ مُلْكُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَى اللّٰهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهٰارِ وَ يُولِجُ النَّهٰارَ فِي اللَّيْلِ وَ هُوَ عَلِيمٌ بِذٰاتِ الصُّدُورِ

بيان

سيأتي في شأن هذه الآيات كلام لعلي بن الحسين ع مع تفسيره سورة التوحيد عن الباقر ع

الوافي، ج 1، ص: 309

باب 27 حدوث العالم و إثبات المحدث

[1]
اشارة

251- 1 الكافي، 1/ 72/ 1/ 1 علي عن أبيه عن الحسن بن إبراهيم عن يونس بن عبد الرحمن عن علي بن منصور قال قال لي هشام بن الحكم كان بمصر زنديق يبلغه عن أبي عبد اللّٰه ع أشياء فخرج إلى المدينة ليناظره فلم يصادفه بها و قيل له إنه خارج بمكة فخرج إلى مكة و نحن مع أبي عبد اللّٰه ع فصادفنا و نحن مع أبي عبد اللّٰه ع في الطواف- و كان اسمه عبد الملك و كنيته أبو عبد اللّٰه فضرب كتفه كتف أبي عبد اللّٰه ع فقال له أبو عبد اللّٰه ع ما اسمك قال اسمي عبد الملك قال فما كنيتك قال كنيتي أبو عبد اللّٰه فقال له أبو عبد اللّٰه ع فمن هذا الملك الذي أنت عبده أ من ملوك الأرض أم من ملوك السماء- و أخبرني عن ابنك عبد إله السماء أم عبد إله الأرض قل ما شئت تخصم- قال هشام بن الحكم فقلت للزنديق أ ما ترد عليه قال فقبح قولي فقال أبو عبد اللّٰه ع إذا فرغت من الطواف فأتنا- فلما فرغ أبو عبد اللّٰه ع أتاه الزنديق فقعد بين يدي أبي عبد اللّٰه ع و نحن مجتمعون عنده فقال أبو عبد اللّٰه ع للزنديق

الوافي، ج 1، ص: 310

أ تعلم أن للأرض تحتا و فوقا قال نعم قال فدخلت تحتها قال لا قال فما يدريك ما تحتها قال لا أدري إلا أني أظن أن ليس تحتها شي ء فقال أبو عبد اللّٰه ع فالظن عجز لما لا

يستيقن ثم قال أبو عبد اللّٰه ع أ فصعدت السماء قال لا قال فتدري ما فيها قال لا- قال عجبا لك لم تبلغ المشرق و لم تبلغ المغرب و لم تنزل الأرض و لم تصعد السماء و لم تجز هناك فتعرف ما خلفهن و أنت جاحد بما فيهن و هل يجحد العاقل ما لا يعرف قال الزنديق ما كلمني بهذا أحد غيرك فقال أبو عبد اللّٰه ع فأنت من ذلك في شك فلعله هو و لعله ليس هو فقال الزنديق و لعل ذلك- فقال أبو عبد اللّٰه ع أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم و لا حجة للجاهل يا أخا أهل مصر تفهم عني فإنا لا نشك في اللّٰه أبدا- أ ما ترى الشمس و القمر و الليل و النهار يلجان فلا يشتبهان و يرجعان قد اضطرا- ليس لهما مكان إلا مكانهما فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلم يرجعان و إن كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهارا و النهار ليلا- اضطرا و اللّٰه يا أخا أهل مصر إلى دوامهما و الذي اضطرهما أحكم منهما و أكبر فقال الزنديق صدقت ثم قال أبو عبد اللّٰه ع يا أخا أهل مصر إن الذي يذهبون إليه و يظنون أنه الدهر إن كان الدهر يذهب بهم لم لا يردهم و إن كان يردهم لم لا يذهب بهم القوم مضطرون يا أخا أهل مصر

الوافي، ج 1، ص: 311

لم السماء مرفوعة و الأرض موضوعة لم لا تنحدر السماء على الأرض- لم لا تنحدر الأرض فوق طاقتها و لا يتماسكان و لا يتماسك من عليها قال الزنديق أمسكهما اللّٰه ربهما و سيدهما قال فأمن الزنديق

على يدي أبي عبد اللّٰه ع فقال له حمران جعلت فداك إن آمنت الزنادقة على يدك- فقد آمن الكفار على يدي أبيك فقال المؤمن الذي آمن على يدي أبي عبد اللّٰه ع اجعلني من تلامذتك فقال أبو عبد اللّٰه ع يا هشام بن الحكم خذه إليك فعلمه هشام و كان معلم أهل الشام و أهل مصر الإيمان و حسنت طهارته حتى رضي بها أبو عبد اللّٰه ع

بيان

قال في القاموس الزنديق بالكسر من الثنوية أو القائل بالنور و الظلمة أو من

الوافي، ج 1، ص: 312

لا يؤمن بالآخرة و بالربوبية أو من يبطن الكفر و يظهر الإيمان أو هو معرب زن دين أي دين المرأة انتهى كلامه و ربما يقال إنه معرب زندي منسوب إلى زند و هو الكتاب المشهور للمجوس و هذا يرجع إلى المعنيين الأولين و الظاهر أن المراد به هاهنا المعنى الثالث كما يظهر من سياق الحديث تخصم تغلب يقال خصمته في البحث أي غلبته.

قال أستادنا صدر المحققين طاب ثراه سلك ع في الاحتجاج ثلاثة مسالك الجدل أولا و الخطابة ثانيا و البرهان ثالثا تدرجا به في الهداية و الإرشاد و عملا بما أمر اللّٰه به الرسول ع في قوله تعالى ادْعُ إِلىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جٰادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فقوله ع ما اسمك إلى قوله قل ما شئت تخصم هو طريق المجادلة بالتي هي أحسن و قوله أ تعلم أن للأرض تحتا إلى قوله و هل يجحد العاقل ما لا يعرف حجة على طريق الخطابة و قوله أ ما ترى الشمس و القمر شروع في البرهان انتهى كلامه.

أقول أما المجادلة فظاهرة و أما الحجة الخطابية فتقريرها أن

يقال أنك إنما تجحد الرب الصانع لأنك لم تره فإنك لو كنت رأيته لما جحدته فلعله يكون في موضع لم تشهد أنت ذلك الموضع حتى تدري ما فيه فإنك ما استقصيت الأماكن كلها بالشهود عجز لما لا يستيقن في كتاب توحيد الصدوق رحمه اللّٰه عجز ما لم تستيقن و هو الصواب و يمكن تصحيح ما في الكافي بأن يقرأ لما لا يستيقن على صيغة المجهول أي لمعرفته و في بعض النسخ لمن لا يستيقن على المعلوم يعني من استيقن شيئا فيقول أظنه لمصلحة تقتضي ذلك فليس بعاجز في معرفته و إنما العجز لغير المستيقن و لم تجز بضم الجيم من الجواز فتعرف ما خلفهن ما أما موصولة أو استفهامية و على التقديرين فهي المشار إليها بذلك في قوله فأنت من ذلك في شك فلعله هو أي فلعل ما خلفهن هو الرب.

تفهم عني يعني معرفة اللّٰه تعالى فإني في المعرفة على يقين تام قد عرفت اللّٰه

الوافي، ج 1، ص: 313

بالله لا بشي ء غيره و أما تقرير البرهان فهو أن يقال إن حركة الشمس و القمر على نهج واحد و اختلاف الليل و النهار على طريقة واحدة من غير أن يشتبه أحدهما بالآخر دليل على اضطرارها و أنها مسخرات بأمر آمر سخرها على ذلك إذ لو كان لها قدرة و اختيار لاختلفت حركاتها و لفعلت ما شاءت إن كان الدهر يذهب بهم يعني من غير رد لم لا يردهم يعني أن إذهابهم و ردهم متساويان في الجواز فلا بد في وقوع أحدهما من مرجح موجب و ينتهي لا محالة إلى واجب بالذات و هو اللّٰه سبحانه.

و كان المراد بإذهابهم إذهابهم إلى العدم و الفناء و بردهم

ردهم إلى الوجود على سبيل التناسخ كما كانوا يعتقدونه أو على نحو آخر القوم مضطرون يعني في هذا الذهاب و الارتداد و المراد أنهم مضطرون تحت سلطنة من يفعل ذلك بهم

و هذا مثل قوله ع عرفت اللّٰه بفسخ العزائم

فإن قيل لعل الدهر يفعل ذلك بهم قلنا كل من يفعل ذلك لمرجح و حكمة على حسب مشيئته و إرادته فهو الذي نريد بالرب سواء سميتموه بالدهر أم بغيره و إن لم يكن لمرجح و حكمة فذلك محال كما بيناه و إن شئت بيانا للبرهان أوضح و أتم مما ذكر فاسمع إن كل ما يجوز أن يقع و يجوز أن لا يقع فلا بد لوقوعه من مرجح يقتضيه لاستحالة الترجح من غير مرجح ففاعل ذلك الشي ء مضطر إلى ذلك المرجح في إيقاعه لذلك الفعل مسخر تحت حكمه إلا أن يكون ذلك المرجح حكمة و تكون تلك الحكمة نفس ذات الفاعل ليست صفة زائدة على ذات الفاعل فيتثنى الفاعل بها و تكون هي أعلى من الفاعل تحكم عليه فحينئذ لا يفتقر إلى شي ء آخر و نحن لا نريد بصانع العالم إلا هذا الحكيم الغني بحكمته التي هي عين ذاته عما سواه.

إذا تمهد هذا فنقول إن الشمس و القمر يلجان أي يغيبان في الأفق بحركة فلكيهما مع ثباتهما في مكانهما من الفلك فإن كان يقدران على أن يذهبا و يسكنا تحت الأرض فلم يتحركان و يرجعان دائما فإنه على هذا التقدير كما يجوز على فلكيهما الحركة يجوز عليهما السكون ثم إن لم يكونا مضطرين إلى الحركة الدائمة بل يجوز عليهما السكون فلم لا يصير الليل نهارا بأن يسكن الشمس فوق الأرض أو يصير النهار ليلا بأن يسكن الشمس

تحت الأرض بل اضطرا و اللّٰه في دوام الحركة إلى قاهر يقهرهما عليه و أيضا

الوافي، ج 1، ص: 314

فإن الدهر الذي يذهب بالخلائق إلى العدم كما تظنون لم لا يردهم إلى الوجود ليجزيهم بما عملوا و ينتصر للمظلوم من الظالم فإن الرد إلى الوجود جائز كالإذهاب و إن كان يردهم إلى الوجود بمجرد جواز الرد من غير وجوب لم لا يذهب بهم إلى العدم من غير رد فإنهما سيان على زعمكم في الجواز فلا بد من قاهر يقهره على ما يفعل.

و أيضا فإن رفع السماء و وضع الأرض و ثباتهما على ما كانا عليه دائما من غير سقوط إحداهما و انحدار الأخرى مع جواز السقوط و الانحدار دليل على قاهر يقهرهما على ذلك بإمساك كل منهما بمن عليه هنالك فوق طاقتها و في بعض النسخ طباقها و جملة و لا يتماسكان حالية و حسنت طهارته أي من الشرك و الزندقة

[2]
اشارة

252- 2 الكافي، 1/ 74/ 2/ 1 العدة عن البرقي عن محمد بن علي عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي هاشم عن محمد بن محسن الميثمي قال كنت عند أبي منصور المتطبب فقال أخبرني رجل من أصحابي قال كنت أنا و ابن أبي العوجاء و عبد اللّٰه بن المقفع في المسجد الحرام فقال ابن المقفع ترون هذا الخلق و أومأ بيده إلى موضع الطواف ما منهم أحد أوجب له اسم الإنسانية إلا ذلك الشيخ الجالس يعني أبا عبد اللّٰه جعفر بن محمد ع و أما الباقون فرعاع و بهائم فقال له ابن أبي العوجاء و كيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء قال لأني رأيت عنده ما لم أره عندهم فقال

له ابن أبي العوجاء لا بد من اختبار ما قلت فيه منه قال فقال له ابن المقفع لا تفعل

الوافي، ج 1، ص: 315

فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك فقال ليس ذا رأيك و لكن تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إياه المحل الذي وصفت فقال ابن المقفع أما إذا توهمت علي هذا فقم إليه و تحفظ ما استطعت من الزلل و لا تثني عنانك إلى استرسال فيسلمك إلى عقال و سمه ما لك و عليك- قال فقام ابن أبي العوجاء و بقيت أنا و ابن المقفع جالسين فلما رجع إلينا ابن أبي العوجاء قال ويلك يا بن المقفع ما هذا ببشر و إن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظهر و يتروح إذا شاء باطنا فهو هذا فقال له و كيف ذلك قال جلست إليه فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء و هو على ما يقولون يعني أهل الطواف فقد سلموا و عطبتم و إن يكن الأمر على ما تقولون و ليس كما تقولون فقد استويتم و هم فقلت له يرحمك اللّٰه و أي شي ء نقول و أي يقولون ما قولي و قولهم إلا واحدا فقال و كيف يكون قولك و قولهم واحدا و هم يقولون إن لهم معادا و ثوابا و عقابا و يدينون بأن في السماء إلها و أنها عمران و أنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد

الوافي، ج 1، ص: 316

قال فاغتنمتها منه فقلت له ما منعه إن كان الأمر كما يقولون أن يظهر لخلقه و يدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف منهم اثنان و لم احتجب عنهم و

أرسل إليهم الرسل و لو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به فقال لي ويلك- و كيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك نشؤك و لم تكن و كبرك بعد صغرك و قوتك بعد ضعفك و ضعفك بعد قوتك و سقمك بعد صحتك و صحتك بعد سقمك و رضاك بعد غضبك و غضبك بعد رضاك و حزنك بعد فرحك و فرحك بعد حزنك و حبك بعد بغضك و بغضك بعد حبك و عزمك بعد إنائك و إنائك بعد عزمك و شهوتك بعد كراهيتك و كراهيتك بعد شهوتك و رغبتك بعد رهبتك و رهبتك بعد رغبتك و رجاؤك بعد يأسك و يأسك بعد رجائك و خاطرك بما لم يكن في وهمك و عزوب ما أنت معتقده عن ذهنك ما زال يعدد على قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها حتى ظننت أنه سيظهر فيما بيني و بينه

بيان

محمد بن علي هو محمد بن علي الكوفي أبو سمينة الصيرفي عينه الصدوق رحمه اللّٰه في كتاب التوحيد في إسناد هذا الحديث و ابن أبي العوجاء هو عبد الكريم كان من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد فقيل له تركت مذهب صاحبك و دخلت فيما لا أصل له و لا حقيقة.

فقال إن صاحبي كان مخلطا كان يقول طورا بالقدر و طورا بالجبر و ما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه.

الوافي، ج 1، ص: 317

أوجب من الإيجاب إما على صيغة المتكلم أو الماضي المجهول و الأول أنسب بما يأتي من قول ابن أبي العوجاء و كيف أوجبت.

و الرعاع بالمهملات و فتح أوله الأحداث الطغام الرذال و الاختبار الامتحان ما في يدك أي معتقدك في إحلالك بالحاء المهملة و لا

تثني عنانك أي لا تعطفه عن الاستمساك إلى استرسال بأن تقول ما جرى على لسانك من غير روية أو إلى استيناس و طمأنينة إليه و وثوق به و العقال الحبل الذي يشد به وظيف البعير إلى ذراعه.

و سمه على صيغة الأمر أي أعرض عليه و أصله من السوم في المبايعة و هو طلب الشراء و العرض على المشتري و عطبتم هلكتم و أنها عمران بصنوف من الملائكة الموكلين عليها أراك قدرته في نفسك بأحوالك المتقابلة و هيأتك المتضادة التي ليست بقدرتك و اختيارك لا تملك لنفسك نفعا و لا ضرا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا بل تريد أن تعلم فتجهل و تريد أن تذكر فتنسى و تريد أن تنسى فتغفل عن الشي ء فلا تغفل فلا يملك قلبك قلبك و لا نفسك نفسك فيتغير عليك الأحوال من غير اختيار لك و عزمك بعد إنائك بالنون و الهمزة بمعنى الفتور و التأخر و الإبطاء و ربما يجعل بالباء الموحدة بمعنى الامتناع.

و في توحيد الصدوق اينائك و هذا دليل النون لأن الايباء بمعنى الامتناع خطأ بخلاف الايناء بمعنى التأخر و العزوب بالمهملة و الزاي الغيبة و الذهاب و سيأتي كلام يناسب هذا المقام في باب أن الفطرة على التوحيد من كتاب الإيمان و الكفر إن شاء اللّٰه تعالى

[3]
اشارة

253- 3 الكافي، 1/ 78/ 2/ 1 محمد بن جعفر الأسدي عن محمد بن إسماعيل البرمكي الرازي عن الحسين بن الحسن بن برد الدينوري عن محمد بن علي عن

الوافي، ج 1، ص: 318

محمد بن عبد اللّٰه الخراساني خادم الرضا ع قال دخل رجل من الزنادقة على أبي الحسن ع و عنده جماعة- فقال أبو الحسن

ع أيها الرجل أ رأيت إن كان القول قولكم و ليس هو كما تقولون أ لسنا و إياكم شرعا سواء لا يضرنا ما صلينا و صمنا و زكينا و أقررنا فسكت الرجل- ثم قال أبو الحسن ع و إن كان القول قولنا و هو قولنا أ لستم قد هلكتم و نجونا فقال رحمك اللّٰه أوجدني كيف هو و أين هو فقال ويلك إن الذي ذهبت إليه غلط هو أين الأين بلا أين و كيف الكيف بلا كيف فلا يعرف بالكيفوفية و لا بأينونية و لا يدرك بحاسة و لا يقاس بشي ء- فقال الرجل فإذا أنه لا شي ء إذا لم يدرك بحاسة من الحواس فقال أبو الحسن ع ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته و نحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا بخلاف شي ء من الأشياء- قال الرجل فأخبرني متى كان قال أبو الحسن ع إني لما نظرت إلى جسدي و لم يمكني فيه زيادة و لا نقصان في العرض و الطول و دفع المكاره عنه و جر المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانيا فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته و إنشاء السحاب و تصريف الرياح و مجرى الشمس و القمر و النجوم و غير ذلك من الآيات العجيبات المبينات علمت أن لهذا مقدرا و منشأ

الوافي، ج 1، ص: 319

بيان

محمد بن علي هو أبو سمينة الكوفي كما في الحديث السابق عينه الصدوق أيضا و الشرع بإسكان الراء بمعنى السواء أوجدني أفدني بالكيفوفية في توحيد الصدوق نكرها موافقا لنظيرتها و هو أحسن و زاد فيه بعد قوله قال الرجل فأخبرني متى كان قال أبو الحسن ع أخبرني متى

لم يكن فأخبرك متى كان قال الرجل فما الدليل عليه قال أبو الحسن ع إني لما نظرت إلى آخر الحديث.

و كان هذه الزيادة سقطت في نسخ الكافي من قلم النساخ قيل و تحقيق قوله ع أخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان ما تحقق في الحكمة الإلهية أنه لا يكون لوجود شي ء متى إلا إذا كان لعدمه متى و بالجملة لا يدخل الشي ء في مقولة متى بوجوده فقط بل بوجوده و عدمه جميعا فإذا لم يصح أن يقال لشي ء متى لم يكن وجوده لم يصح أن يقال متى كان وجوده.

أقول و يأتي في باب نفي الزمان ما يؤكد هذا المعنى و يشيده

[4]
اشارة

254- 4 الكافي، 1/ 79/ 4/ 1 علي عن محمد بن إسحاق الخفاف أو عن أبيه عن محمد بن إسحاق قال إن عبد اللّٰه الديصاني سأل هشام بن الحكم فقال له أ لك رب فقال بلى قال أ قادر هو قال نعم قادر قاهر قال يقدر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تكبر البيضة و لا تصغر الدنيا قال

الوافي، ج 1، ص: 320

هشام النظرة فقال له قد أنظرتك حولا ثم خرج عنه فركب هشام إلى أبي عبد اللّٰه ع فاستأذن عليه فأذن له فقال له يا بن رسول اللّٰه أتاني عبد اللّٰه الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على اللّٰه و عليك- فقال له أبو عبد اللّٰه ع عما ذا سألك فقال قال لي كيت و كيت فقال أبو عبد اللّٰه ع يا هشام كم حواسك قال خمس قال أيها أصغر قال الناظر قال و كم قدر الناظر قال مثل العدسة أو أقل منها فقال له يا هشام فانظر أمامك و فوقك

و أخبرني بما ترى- فقال أرى سماء و أرضا و دورا و قصورا و براري و جبالا و أنهارا فقال له أبو عبد اللّٰه ع إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها- قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تصغر الدنيا و لا تكبر البيضة فأكب هشام عليه و قبل يديه و رأسه و رجليه و قال حسبي يا بن رسول اللّٰه و انصرف إلى منزله- و غدا عليه الديصاني فقال يا هشام إني جئتك مسلما و لم أجئك متقاضيا للجواب فقال له هشام إن كنت جئت متقاضيا فهاك الجواب فخرج الديصاني عنه حتى أتى باب أبي عبد اللّٰه ع فاستأذن عليه فأذن له- فلما قعد قال له يا جعفر بن محمد دلني على معبودي فقال له أبو عبد اللّٰه ع

الوافي، ج 1، ص: 321

ما اسمك- فخرج عنه و لم يخبره باسمه فقال له أصحابه كيف لم تخبره باسمك قال لو كنت قلت له عبد اللّٰه كان يقول من هذا الذي أنت له عبد فقالوا له عد إليه و قل له يدلك على معبودك و لا يسألك عن اسمك فرجع إليه و قال يا جعفر بن محمد دلني على معبودي و لا تسألني عن اسمي فقال له أبو عبد اللّٰه ع اجلس فإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها فقال أبو عبد اللّٰه ع يا غلام ناولني البيضة فناولها إياها- فقال أبو عبد اللّٰه ع يا ديصاني هذا حصن مكنون له جلد غليظ و تحت الجلد الغليظ جلد رقيق و تحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة و فضة ذائبة- فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة و لا الفضة الذائبة تختلط

بالذهبة المائعة- فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها و لا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها لا يدرى أ للذكر خلقت أم للأنثى تنفلق عن مثل ألوان الطواويس أ ترى لها مدبرا قال فأطرق مليا ثم قال أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله و أنك إمام و حجة من اللّٰه على خلقه و أنا تائب مما كنت فيه

بيان

النظرة المهلة قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة هذه مجادلة بالتي هي أحسن و جواب جدلي مسكت يناسب فهم السائل و قد صدر مثله عن أبي الحسن الرضا ع أيضا فيما رواه الصدوق رحمه اللّٰه في توحيده عنه ع و الجواب

الوافي، ج 1، ص: 322

البرهاني أن يقال إن عدم تعلق قدرته تعالى على ذلك ليس من نقصان في قدرته سبحانه و لا لقصور في عمومها و شمولها كل شي ء بل إنما ذاك من نقصان المفروض و امتناعه الذاتي و بطلانه الصرف و عدم حظه من الشيئية

كما أشار إليه أمير المؤمنين ع فيما رواه الصدوق أيضا بإسناده عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن أبي عبد اللّٰه ع قال قيل لأمير المؤمنين ع هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة- من غير تصغير الدنيا أو تكبير البيضة قال إن اللّٰه تعالى لا ينسب إلى العجز و الذي سألتني لا يكون و في رواية أخرى ويلك إن اللّٰه تعالى لا يوصف بالعجز و من أقدر ممن يلطف الأرض و يعظم البيضة

و لنا أن نجعل الجواب الأول أيضا برهانيا على قاعدة الانطباع بأن نقول إن ذلك إنما يتصور و يعقل بحسب

الوجود الانطباعي الارتسامي و اللّٰه سبحانه قادر على ذلك حيث أدخل الذي تراه جليدية ناظرتك.

مكنون أي مكنون ما فيه أو على سبيل الإضافة و الذائب خلاف الجامد و هو أشد لطافة من المائع.

لم يخرج منها خارج مصلح يعني بعد ما دخل فيها فيخبر عن فسادها يعني بعد ما خرج منها و إنما اكتفي ببعض الكلام عن بعض اعتمادا على القرينة و إنما ذكر الخروج و الأخبار تنبيها على أنه كما لم يدخلها أحد منا للإصلاح أو الإفساد كذلك ليس لنا خبر بذلك لا يدرى أ للذكر خلقت يعني كما أن صلاحها و فسادها غير معلوم لنا قبل أن تفرخ أو تبين فسادها فكذلك كونها مخلوقة للذكر أم الأنثى مجهول لنا حتى يوجد أحدهما و هذا كله دليل على أن ذلك ليس من فعل أمثالنا لعدم دخولنا فيها و خروجنا منها و إصلاحنا لها أو إفسادنا إياها و جهلنا بما هي مستعدة له من الصلاح و الفساد و بما هي صالحة له من الذكر و الأنثى و الحاصل أن أمثال هذه الأمور إذا صدرت من أمثالنا فلا بد فيها من مباشرة و مزاولة و علم و خبر و لا يجوز أيضا أن تتأتى بأنفسها و هو ظاهر.

فلا بد من فاعل حكيم و صانع مدبر عليم تنفلق تنشق عن مثل ألوان الطواويس على تضمين معنى الكشف أي كاشفة عنها أ ترى لها مدبرا استفهام

الوافي، ج 1، ص: 323

إنكار أي لا ترى لها مدبرا من أمثالنا فلا بد لها من مدبر غير مرئي لا يكون من أمثالنا بل يكون داخلا فيها حال خروجه عنها مصلحا لصالحها و مفسدا لفاسدها معينا لذكرها و أنشأها على وفق مشيته و

مقتضى حكمته تعالى شأنه و تبارك سلطانه فأطرق سكت ناظرا إلى الأرض مليا زمانا متسعا

[5]

255- 5 الكافي، 1/ 81/ 6/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن داود بن فرقد عن أبي سعيد الزهري عن أبي جعفر ع قال كفى لأولي الألباب بخلق الرب المسخر و ملك الرب القاهر و جلال الرب الظاهر و نور الرب الباهر و برهان الرب الصادق و ما أنطق به ألسن العباد و ما أرسل به الرسل و ما أنزل على العباد دليلا على الرب

الوافي، ج 1، ص: 325

باب 28 الدليل على أنه واحد و إطلاق القول بأنه شي ء

[1]
اشارة

256- 1 الكافي، 1/ 80/ 5/ 1 علي عن أبيه عن عباس بن عمرو الفقيمي عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد اللّٰه ع و كان من قول أبي عبد اللّٰه ع لا يخلو قولك إنهما اثنان من أن يكونا

الوافي، ج 1، ص: 326

قديمين قويين أو يكونا ضعيفين أو يكون أحدهما قويا و الآخر ضعيفا فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه و يتفرد بالتدبير و إن زعمت أن أحدهما قوي و الآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول للعجز الظاهر في الثاني- فإن قلت إنهما اثنان لم يخلوا من أن يكونا متفقين من كل وجه أو مفترقين من كل جهة فلما رأينا الخلق منتظما و الفلك جاريا و التدبير واحدا- و الليل و النهار و الشمس و القمر دل صحة الأمر و التدبير و ائتلاف الأمر على أن المدبر واحد ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فرجة ما بينهما حتى يكونا اثنين فصارت الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما فيلزمك ثلاثة فإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين حتى يكون بينهم فرجة فيكونوا خمسة ثم يتناهى في العدد إلى ما لا

نهاية له في الكثرة قال هشام فكان من سؤال الزنديق أن قال فما الدليل عليه فقال أبو عبد اللّٰه ع وجود الأفاعيل دلت على أن صانعا صنعها أ لا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانيا و إن

الوافي، ج 1، ص: 327

كنت لم تر الباني و لم تشاهده قال فما هو قال شي ء بخلاف الأشياء ارجع بقولي إلى إثبات معنى و أنه شي ء بحقيقة الشيئية غير أنه لا جسم و لا صورة- و لا يحس و لا يدرك بالحواس الخمس لا تدركه الأوهام و لا تنقصه الدهور و لا تغيره الأزمان فقال له السائل فتقول إنه سميع بصير قال هو سميع بصير سميع بغير جارحة و بصير بغير آلة بل يسمع بنفسه و يبصر بنفسه ليس قولي

الوافي، ج 1، ص: 328

إنه سميع يسمع بنفسه و يبصر بنفسه أنه شي ء و النفس شي ء آخر و لكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسئولا و إفهاما لك إذ كنت سائلا فأقول إنه سميع بكله لا أن الكل منه له بعض و لكني أردت إفهامك و التعبير عن نفسي و ليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات و لا اختلاف المعنى قال له السائل فما هو قال أبو عبد اللّٰه ع هو الرب و هو المعبود و هو اللّٰه و ليس قولي اللّٰه إثبات هذه الحروف- ألف و لام و هاء و لا راء و لا باء و لكن أرجع إلى معنى و شي ء خالق الأشياء و صانعها و نعت هذه الحروف و هو المعنى سمي به اللّٰه و الرحمن و الرحيم و العزيز

الوافي، ج 1، ص:

329

و أشباه ذلك من أسمائه و هو المعبود جل و عز قال له السائل فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا قال أبو عبد اللّٰه ع لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد عنا مرتفعا لأنا لم نكلف غير موهوم و لكنا نقول كل موهوم بالحواس مدرك به- تحده الحواس و تمثله فهو مخلوق إذ كان النفي هو الإبطال و العدم و الجهة الثانية التشبيه إذ كان التشبيه هو صفة المخلوق الظاهر التركيب و التأليف فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين و الاضطرار إليهم أنهم مصنوعون و أن صانعهم غيرهم و ليس مثلهم إذ كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب و التأليف و فيما يجري عليهم من حدوثهم بعد إذ لم يكونوا و تنقلهم من صغر إلى كبر و سواد إلى بياض و قوة إلى ضعف و أحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيرها لبيانها و وجودها فقال السائل فقد حددته إذ أثبت وجوده- قال أبو عبد اللّٰه ع لم أحده و لكني أثبته إذ لم يكن بين النفي و الإثبات منزلة قال له السائل فله إنية و مائية قال نعم لا يثبت الشي ء إلا بانية و مائية قال له السائل فله كيفية قال لا لأن الكيفية جهة الصفة و الإحاطة و لكن لا بد من الخروج عن جهة التعطيل و التشبيه لأن من نفاه فقد أنكره و دفع ربوبيته و أبطله و من شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقون الربوبية و لكن لا بد من إثبات أن له كيفية لا يستحقها غيره و لا يشارك فيها و لا يحاط بها و لا يعلمها غيره قال السائل

الوافي، ج 1،

ص: 330

فيعاني الأشياء بنفسه قال أبو عبد اللّٰه ع هو أجل من أن يعاني الأشياء بمباشرة و معالجة لأن ذلك صفة المخلوق الذي لا يجي ء الأشياء له إلا بالمباشرة و المعالجة و هو متعال نافذ الإرادة و المشية فعال لما يشاء

بيان

فقيم حي من كنانة قوله ع لا يخلو قولك إلى قوله فإن قلت برهان مبني على ثلاث مقدمات مبينة في كتب الحكمة مضمنة في كلامه ع إحداها أن صانع العالم لا بد أن يكون قويا مستقلا بالإيجاد و التدبير لكل واحد واحد و الجميع و الثانية عدم جواز استناد حادث شخصي إلى موجدين مستقلين بالإيجاد و الثالثة استحالة ترجح أحد الأمرين المتساويين على الآخر من غير مرجح و قد وقعت الإشارة إلى الثلاث بقوله ع فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه ثم دفع كل واحد منهما صاحبه مع أنه محال في نفسه مستلزم للمطلوب.

و قوله ع لم يخلو برهان آخر مبني على ثلاث مقدمات حدسية إحداها أن كل متفقين من كل وجه بحيث لا تمايز بينهما أصلا لا يكونان اثنين بل هما واحد البتة كما قيل صرف الوجود الذي لا أتم منه كلما فرضته ثانيا فإذا نظرت فهو هو و الثانية أن كل مفترقين من كل جهة لا يكون صنع أحدهما مرتبطا بصنع الآخر و لا تدبيره مؤتلفا بتدبيره بحيث يوجد عنهما أمر واحد شخصي و الثالثة أن العالم أجزاؤه مرتبط بعضها ببعض كان الكل شخص واحد.

الوافي، ج 1، ص: 331

و قوله ع ثم يلزمك إما برهان ثالث مستقل على حياله و إما تنوير للثاني و تشييد له على سبيل الاستظهار بأن يكون إشارة إلى إبطال قسم ثالث و هو أن يكونا

متفقين من وجه و مفترقين من وجه آخر فيقال لو كانا كذلك يكون لا محالة ما به الامتياز بينهما غير ما به الاشتراك فيهما فيكونوا ثلاثة و إلى البرهان الثاني أشار

ما رواه الصدوق في كتاب التوحيد بإسناده عن هشام بن الحكم قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع ما الدليل على أن اللّٰه واحد قال اتصال التدبير و تمام الصنع كما قال عز و جل لَوْ كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلَّا اللّٰهُ لَفَسَدَتٰا

و روى فيه أيضا بإسناده عن أمير المؤمنين ع أنه قال إن القول في أن اللّٰه واحد على أربعة أقسام فوجهان منها لا يجوزان على اللّٰه عز و جل و وجهان يثبتان فيه فأما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل واحد يقصد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز- لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد أ ما ترى أنه كفر من قال ثالث ثلاثة و قول القائل هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس فهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه و جل ربنا و تعالى عن ذلك و أما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل هو واحد ليس له في الأشياء شبه كذلك ربنا و قول القائل أنه ربنا عز و جل أحدي المعنى يعني به أنه لا ينقسم في وجود و لا عقل و لا وهم كذلك ربنا عز و جل.

و في بعض النسخ بعد قوله و لا يحس بالمهملة و لا يجس بالجيم و هو إما من جسست الأخبار و تجسستها أي تفحصت عنها و إما من جسسته بيدي أي مسسته فنقول إنه سميع بصير لعل السائل توهم أن تنزيهه ع للباري سبحانه عن مشاركة

غيره ينافي كونه سميعا بصيرا فأزاح ع ذلك الوهم بأن غيره سميع بجارحة بصير بآلة و هو سبحانه يسمع و يبصر لا بجارحة و لا بآلة و لا بصفة زائدة على ذاته و ذلك لأن معنى السماع و الإبصار ليس إلا حضور المسموع عند السامع و انكشاف المبصر عند البصير و ليس من شرطهما أن يكونا بآلة أو جارحة.

فذاته تعالى سميع إذ ينكشف عنده المسموعات و سمع إذ يقع به ذلك الانكشاف

الوافي، ج 1، ص: 332

و بصير إذ ينكشف عليه المبصرات و بصر إذ يقع به ذلك الانكشاف و هذه الاعتبارات لا توجب له كثرة إذ مرجع الجميع إلى الذات الأحدية المنفصلة عما سواه بنفسه عبارة عن نفسي أي عبارة عما في نفسي بما يناسب ذاتي إذ كنت مسئولا و إفهامك الأمر بما يناسب ذاتك إذ كنت سائلا و المرجع إلى نفي اختلاف الذات و نفي اختلاف الحيثيات و سلب المعاني المتغايرة و في ذلك قيل وجود كله وجوب كله علم كله قدرة كله حياة كله إرادة كله لا أن شيئا منه علم و شيئا آخر قدرة ليلزم التركب في ذاته و لا أن شيئا فيه علم و شيئا آخر فيه قدرة ليلزم التكثر في صفاته و تمام تحقيق هذا الكلام يأتي في أبواب معرفة الصفات إن شاء اللّٰه.

و في توحيد الصدوق رحمه اللّٰه مكان قوله و لكن أرجع إلى معنى إلى قوله سمي به اللّٰه و لكني أرجع إلى معنى هو شي ء خالق الأشياء و صانعها وقعت عليه هذه الحروف و هو المعنى الذي يسمى به اللّٰه و هو الصواب و فيه لأنا لم نكلف أن نعتقد غير موهوم و هو الصحيح و

فيه كل موهوم بالحواس مدرك بها على التأنيث و بعد قوله فهو مخلوق و لا بد من إثبات صانع للأشياء خارج من الجهتين المذمومتين إحداهما النفي إذ كان النفي هو الإبطال و العدم و كأنه أسقطه بعض نساخ الكافي سهوا و تبعه آخرون و فيه بعد قوله لوجود المصنوعين و الاضطرار منهم إليه يثبت أنهم مصنوعون و هو الصواب و معاناة الشي ء ملابسته و معاشرته و أصله المقاساة من العناء

[2]
اشارة

257- 2 الكافي، 1/ 82/ 1/ 1 علي عن محمد بن عيسى عن التميمي قال سألت أبا جعفر ع عن التوحيد فقلت أتوهم شيئا فقال نعم غير

الوافي، ج 1، ص: 333

معقول و لا محدود فما وقع وهمك عليه من شي ء فهو خلافه لا يشبهه شي ء و لا تدركه الأوهام كيف تدركه الأوهام و هو خلاف ما يعقل و خلاف ما يتصور في الأوهام- إنما يتوهم شي ء غير معقول و لا محدود

بيان

و المراد بأبي جعفر هنا الجواد ع نعم غير معقول و لا محدود أي يصدق عليه مفهوم شي ء و إن لم يكن شيئا معقولا لغيره و لا محدودا بحد و لا يشبهه شي ء مما في المدارك و الأوهام و ذلك للفرق بين مفهوم الأمر و ما صدق عليه فهو ليس بمفهوم الشي ء و لا شيئا من الأشياء و إن صدق عليه أنه شي ء

[3]
اشارة

258- 3 الكافي، 1/ 82/ 2/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه عن محمد بن إسماعيل عن الحسين بن الحسن عن بكر بن صالح عن الحسن بن سعيد قال سئل أبو جعفر الثاني ع يجوز أن يقال لله إنه شي ء قال نعم تخرجه من الحدين حد التعطيل و حد التشبيه

بيان

محمد بن إسماعيل هذا هو البرمكي صاحب الصومعة عينه الصدوق رحمه اللّٰه و لما دل السؤال على أن السائل نفى التشبيه عن اللّٰه جل جلاله أجاب ع

الوافي، ج 1، ص: 334

بقوله تخرجه من الحدين و إلا فإطلاق الشي ء عليه إخراج له من حد التعطيل فقط فينبغي أن يقال شي ء لا كالأشياء

[4]

259- 4 الكافي، 1/ 85/ 7/ 1 العدة عن البرقي عن محمد بن عيسى عمن ذكره قال سئل أبو جعفر ع الحديث

[5]
اشارة

260- 5 الكافي، 1/ 82/ 3/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن أبي المغراء رفعه عن أبي جعفر ع قال قال إن اللّٰه خلو من خلقه و خلقه خلو منه و كل ما وقع عليه اسم شي ء فهو مخلوق ما خلا اللّٰه

بيان

الخلو بالكسر الخالي و السر في خلو كل منهما عن الآخر أن اللّٰه سبحانه وجود بحت خالص لا ماهية له سوى الإنية و الخلق ماهيات صرفة لا إنية لها من حيث هي و إنما وجدت به سبحانه و بإنيته فافترقا

[6]
اشارة

261- 6 الكافي، 1/ 83/ 5/ 1 الثلاثة عن علي بن عطية عن خيثمة عن أبي جعفر ع قال إن اللّٰه تعالى خلو من خلقه و خلقه خلو منه و كل ما وقع عليه اسم شي ء ما خلا اللّٰه فهو مخلوق و اللّٰه خالق كل شي ء

الوافي، ج 1، ص: 335

بيان

خيثمة بتقديم المثناة

[7]

262- 7 الكافي، 1/ 82/ 4/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه عن النضر عن يحيى الحلبي عن ابن مسكان عن زرارة قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول إن اللّٰه تعالى خلو من خلقه و خلقه خلو منه و كل ما وقع عليه اسم شي ء ما خلا اللّٰه فهو مخلوق و اللّٰه خالق كل شي ء تبارك الذي ليس كمثله شي ء و هو السميع البصير

الوافي، ج 1، ص: 337

باب 29 أنه لا يعرف إلا به

[1]
اشارة

263- 1 الكافي، 1/ 85/ 1/ 1 علي بن محمد عمن ذكره عن ابن عيسى عن محمد بن حمران عن الفضل بن سكن عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال أمير المؤمنين ع اعرفوا اللّٰه بالله و الرسول بالرسالة و أولي الأمر بالأمر بالمعروف و العدل و الإحسان

بيان

قال الكليني رضي اللّٰه عنه و معنى قوله اعرفوا اللّٰه بالله يعني أن اللّٰه خلق الأشخاص و الأنوار و الجواهر و الأعيان فالأعيان الأبدان و الجواهر الأرواح فهو جل و عز لا يشبه جسما و لا روحا و ليس لأحد في خلق الروح الحساس الدراك أمر و لا سبب هو المنفرد بخلق الأرواح و الأجسام فإذا نفي عنه الشبهين شبه الأبدان و شبه الأرواح فقد عرف اللّٰه بالله و إذا شبه بالروح أو البدن أو النور فلم يعرف اللّٰه بالله.

و قال الصدوق طاب ثراه في كتاب التوحيد بعد ما أسند هذا التفسير إلى الكليني رحمه اللّٰه و ذكر أخبارا أخر في هذا المعنى و القول الصواب في هذا الباب أن يقال عرفنا اللّٰه بالله لأنا إن عرفناه بعقولنا فهو عز و جل واهبها و إن عرفناه عز و جل بأنبيائه و رسله و حججه ع فهو عز و جل باعثهم و مرسلهم و متخذهم

الوافي، ج 1، ص: 338

حججا و إن عرفناه بأنفسنا فهو جل و عز محدثها فبه عرفناه.

و قد قال الصادق ع لو لا اللّٰه ما عرفنا و لو لا نحن ما عرف اللّٰه

و معناه لو لا الحجج ما عرف اللّٰه حق معرفته و لو لا اللّٰه ما عرف الحجج انتهى كلامه و قال أهل الحكمة من عرف اللّٰه جل و عز لا باستشهاد من

الخلق عليه بل إنما عرفه بالنظر إلى حقيقة الوجود بما هو وجود و إنه لا بد أن يكون قائما بذاته أو مستندا إلى من يقوم بذاته فقد عرف اللّٰه بالله.

أقول أما تفسير الكليني رحمه اللّٰه ففيه إجمال و إبهام و هو لا يوضح المطلوب حق الإيضاح و أما تفسير الصدوق طاب ثراه فهو يعطي انحصار طريق معرفة اللّٰه سبحانه في معرفته به عز و جل و هو خلاف ظاهر الحديث فإن ظاهر الحديث يعطي أن لها طريقا آخر غير هذا إلا أن هذا هو الأولى و الأرجح و الأصوب.

و أما قول الحكماء فهو راجع إلى إثبات ذاته عز و جل بذاته لا معرفته بذاته و فرق بين إثبات الشي ء و معرفته و ليس الكلام هاهنا في إثباته سبحانه بل في معرفته فإنهم يعدون ثبوته بديهيا فطريا كما أشير إليه بقوله عز و جل فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِي فَطَرَ النّٰاسَ عَلَيْهٰا و نبه على ذلك في غير موضع من كتابه عز و جل مثل قوله أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ و قوله حكاية عن الخليل ع بقوله هٰذٰا رَبِّي و بقوله حكاية عن فرعون بقوله وَ مٰا رَبُّ الْعٰالَمِينَ فإن في أمثال هذه الآيات دلالة على أن وجود الرب أمر ثابت.

و إنما الكلام في تعيينه و نعته فهم لا يطلبون إلا معرفته لا يشكون في وجوده كما قال أَ فِي اللّٰهِ شَكٌّ فٰاطِرِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ فإن قيل فما معنى الحديث إذن فنقول و من اللّٰه التأييد كما أن لكل شي ء ماهية هو بها هو و هي وجهه الذي إلى ذاته كذلك لكل شي ء حقيقة محيطة به بها قوام ذاته و بها ظهور آثاره و صفاته.

الوافي، ج 1، ص: 339

و بها حوله عما يرديه و يضره و قوته على ما ينفعه و يسره و هي وجهه الذي إلى اللّٰه سبحانه و إليهما أشير بقوله عز و جل إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ مُحِيطٌ و بقوله سبحانه وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ و بقوله تعالى وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ و بقوله عز اسمه وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لٰكِنْ لٰا تُبْصِرُونَ و بقوله كُلُّ شَيْ ءٍ هٰالِكٌ إِلّٰا وَجْهَهُ فإن تلك الحقيقة هي التي تبقى بعد فناء الأشياء فقوله ع اعرفوا اللّٰه بالله معناه انظروا في الأشياء إلى وجوهها التي إلى اللّٰه سبحانه بعد ما أثبتم أن لها ربا صانعا.

فاطلبوا معرفته بآثاره فيها من حيث تدبيره لها و قيوميته إياها و تسخيره لها و إحاطته بها و قهره عليها حتى تعرفوا اللّٰه بهذه الصفات القائمة به و لا تنظروا إلى وجوهها التي إلى أنفسها أعني من حيث أنها أشياء لها ماهيات لا يمكن أن توجد بذواتها بل مفتقرة إلى موجد يوجدها فإنكم إذا نظرتم إليها من هذه الجهة تكونوا قد عرفتم اللّٰه بالأشياء فلن تعرفوه إذن حق المعرفة فإن معرفة مجرد كون الشي ء مفتقرا إليه في وجود الأشياء ليست بمعرفة في الحقيقة على أن ذلك غير محتاج إليه لما عرفت أنها فطرية بخلاف النظر الأول فإنكم تنظرون في الأشياء أولا إلى اللّٰه عز و جل و آثاره من حيث هي آثاره ثم إلى الأشياء و افتقارها في أنفسها فإنا إذا عزمنا على أمر مثلا و سعينا في إمضائه غاية السعي فلم يكن علمنا أن في الوجود شيئا غير مرئي الذات يمنعنا عن ذلك و يحول بيننا و بين ذلك.

و علمنا أنه غالب على

أمره و أنه مسخر للأشياء على حسب مشيته و مدبر لها بحسب إرادته و أنه منزه عن صفات أمثالنا و هذه صفات بها يعرف صاحبها حق المعرفة فإذا عرفنا الهّٰإ عز و جل بهذا النظر فقد عرفنا اللّٰه بالله و إلى مثل هذه المعرفة أشير في غير موضع من القرآن المجيد بالآيات حيث قيل إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلٰافِ اللَّيْلِ

الوافي، ج 1، ص: 340

وَ النَّهٰارِ لَآيٰاتٍ لِأُولِي الْأَلْبٰابِ و أمثال ذلك من نظائره و على هذا القياس معرفة الرسول بالرسالة فإنا بعد ما أثبتنا وجوب رسول من اللّٰه سبحانه إلى عباده و حاولنا أن نعرفه و نعينه من بين سائر الناس فسبيله أن ننظر إلى من يدعي ذلك هل يبلغ الرسالة كما ينبغي أن تبلغ و ينهج الدلالة كما ينبغي أن تنهج فإذا نظرنا إليه من هذه الجهة فقد عرفناه بالرسالة.

و كذا القول في الإمام فإن الكل على وتيرة واحدة و مما يؤيد ما قلناه

ما أورده الصدوق رحمه اللّٰه في توحيده في هذا الباب بإسناده عن أبي جعفر عن أبيه عن جده ع أنه قال إن رجلا قام إلى أمير المؤمنين ع فقال يا أمير المؤمنين بما ذا عرفت ربك قال بفسخ العزم و نقض الهم لما هممت فحيل بيني و بين همي و عزمت فخالف القضاء و القدر عزمي علمت أن المدبر غيري

و بإسناده عن موسى بن جعفر ع قال قال قوم للصادق ع ندعو فلا يستجاب لنا قال لأنكم تدعون من لا تعرفونه

[2]
اشارة

264- 2 الكافي، 1/ 85/ 2/ 1 العدة عن البرقي عن بعض أصحابنا عن علي بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ربيعة [ذبيحة] مولى

رسول اللّٰه ص قال سئل أمير المؤمنين ع بم عرفت ربك- قال بما عرفني نفسه قيل و كيف عرفك نفسه قال لا يشبهه صورة

الوافي، ج 1، ص: 341

و لا يحس بالحواس و لا يقاس بالناس قريب في بعده بعيد في قربه فوق كل شي ء و لا يقال شي ء فوقه أمام كل شي ء و لا يقال له أمام داخل في الأشياء لا كشي ء داخل في شي ء و خارج من الأشياء لا كشي ء خارج من شي ء سبحان من هو هكذا و لا هكذا غيره و لكل شي ء مبتدأ

بيان

و لكل شي ء مبتدأ أي و هو مبتدأ لكل شي ء يعني يقع الابتداء به و بأثره من حيث هو أثره كلما ينظر إلى شي ء كما نبهنا عليه و يحتمل أن تكون الجملة حالية و يكون المعنى كيف يكون هكذا غيره و الحال أن كل شي ء غيره له مبدأ و موجد و هو مبدؤه و موجدة و المبدأ لا يكون مثل ما له ابتداء

[3]

265- 3 الكافي، 1/ 86/ 3/ 1 النيسابوريان عن صفوان بن يحيى عن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع إني ناظرت قوما فقلت لهم إن اللّٰه أجل و أكرم من أن يعرف بخلقه بل العباد يعرفون بالله فقال رحمك اللّٰه

الوافي، ج 1، ص: 343

باب 30 أدنى المعرفة

[1]
اشارة

266- 1 الكافي، 1/ 86/ 1/ 1 محمد بن الحسن عن عبد اللّٰه بن الحسن العلوي و علي بن إبراهيم عن المختار بن محمد بن المختار الهمداني جميعا عن الفتح بن يزيد عن أبي الحسن ع قال سألته عن أدنى المعرفة فقال الإقرار بأنه لا إله غيره و لا شبه له و لا نظير و أنه قديم مثبت موجود غير فقيد و أنه ليس كمثله شي ء

الوافي، ج 1، ص: 344

بيان

الظاهر أن المراد بأبي الحسن الهادي ع لأن الشيخ الطوسي رحمه اللّٰه ذكر الفتح في رجاله و يحتمل الرضا ع لأنه قد يروي عنه أيضا

[2]
اشارة

267- 2 الكافي، 1/ 86/ 2/ 1 علي بن محمد عن سهل عن طاهر بن حاتم في حال استقامته أنه كتب إلى الرجل ما الذي لا يجتزئ في معرفة الخالق بدونه- فكتب إليه لم يزل عالما و سامعا و بصيرا و هو الفعال لما يريد و سئل أبو جعفر ع عن الذي لا يجتزئ بدون ذلك من معرفة الخالق فقال ليس كمثله شي ء و لا يشبهه شي ء لم يزل عالما سميعا بصيرا

بيان

إنما قال في حال استقامته لأنه كان مستقيما ثم تغير و أظهر القول بالغلو و لعل المراد بالرجل الرضا ع لأنه عد من رجاله و الاجتزاء الاكتفاء و في توحيد الصدوق كتب إلى الطيب يعني أبا الحسن ع و ليس فيه و سئل و ما بعده و الظاهر أنه رواية أخرى لطاهر أو الكليني مرفوعة و ليس من تمام المكاتبة

الوافي، ج 1، ص: 345

باب 31 المعبود

[1]

268- 1 الكافي، 1/ 87/ 1/ 1 علي عن العبيدي عن السراد عن ابن رئاب و عن غير واحد عن أبي عبد اللّٰه ع قال من عبد اللّٰه بالتوهم فقد كفر- و من عبد الاسم دون المعنى فقد كفر و من عبد الاسم و المعنى فقد أشرك و من عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه و نطق به لسانه في سر أمره و علانيته فأولئك أصحاب أمير المؤمنين ع حقا

الوافي، ج 1، ص: 346

[2]
اشارة

269- 2 الكافي، 1/ 87/ 1/ 1 و في حديث آخر أولئك هم المؤمنون حقا

بيان

بالتوهم يعني من غير جزم بوجوده أو بما يتوهمه من مفهوم اللفظ أي عبد الصورة الوهمية التي تحصل في ذهنه من مفهوم اللفظ و من عبد الاسم أي اللفظ الدال على المسمى أو ما يفهم من اللفظ من الأمر الذهني دون المعنى أي ما يصدق عليه اللفظ أعني المسمى الموجود في خارج الذهن.

و الحاصل أن الاسم و ما يفهم منه غير المسمى فإن لفظ الإنسان مثلا ليس بإنسان و كذا ما يفهم من هذا اللفظ مما يحصل في الذهن فإن ليس له جسمية و لا حياة و لا نطق و لا شي ء من خواص الإنسانية

[3]
اشارة

270- 3 الكافي، 1/ 87/ 2/ 1 الكافي، 1/ 114/ 2/ 1 علي عن أبيه عن النضر بن سويد عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد اللّٰه ع عن أسماء اللّٰه و اشتقاقها اللّٰه مما هو مشتق قال فقال لي يا هشام اللّٰه مشتق من إله و الإله يقتضي مألوها و الاسم غير المسمى فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر- و لم يعبد شيئا و من عبد الاسم و المعنى فقد كفر و عبد اثنين و من عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد أ فهمت يا هشام قال فقلت زدني- قال إن لله تسعة و تسعين اسما فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها إلها و لكن اللّٰه معنى يدل عليه بهذه الأسماء و كلها غيره يا هشام الخبز اسم للمأكول و الماء اسم للمشروب و الثوب اسم للملبوس و النار اسم للمحرق- أ فهمت يا هشام فهما تدفع به و تناضل به أعداءنا و الملحدين مع اللّٰه تعالى

الوافي، ج 1، ص: 347

غيره قلت نعم

قال فقال نفعك اللّٰه به و ثبتك يا هشام قال هشام فو الله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا

بيان

قال في الصحاح أله بالفتح إلهه أي عبد عبادة و منه قولنا اللّٰه و تقول أله يأله إلها أي تحير و الظاهر أن لفظة إله في الحديث فعال بمعنى المفعول و قوله ع و الإله يقتضي مألوها معناه أن إطلاق هذا الاسم و استعماله بين الأنام يقتضي أن يكون في الوجود ذات معبود ينطلق عليه هذا الاسم فإن الاسم غير المسمى إذ الاسم عبارة عن اللفظ و المفهوم منه و المسمى هو المعنى المقصود من اللفظ الذي هو مصداقه و يحتمل أن يكون إله في الحديث فعل ماض أو مصدرا و قوله و الإله يقتضي مألوها بالسكون يعني أن العبادة يقتضي أن يكون في الوجود ذات معبود لا يكفي فيها مجرد الاسم من دون أن يكون له مسمى.

فإن الاسم غير المسمى فإن قيل عبادة الاسم إن لم تكن عبادة فكيف وقع الإشراك في الثاني و إن كانت عبادة فكيف حكم في الأول بأنه لم يعبد شيئا قلنا إن المراد في الأول أنه لم يعبد شيئا محققا في الواقع بل عبد أمرا وهميا و في الثاني وجدت العبادتان إحداهما لشي ء و الأخرى لغير شي ء ففيه وقع الإشراك في نفس العبادة و المراد بالخبز و معطوفاته إما الألفاظ أو المفاهيم و بالمأكول و نظائره الأعيان التي في الخارج كما أشرنا إليه آنفا.

و تناضل إما بفتح التاء بحذف إحدى التاءين أو بضمها أي تجادل و تخاصم و تدافع و هذا الحديث أورده في الكافي مرتين مرة هنا و أخرى في باب الأسماء و هناك تناقل بدل

تناضل و المناقلة في الكلام أن تحدثه و يحدثك حتى قمت مقامي هذا أي منذ ذلك الوقت إلى وقت قيامي الآن في هذا الموضع

الوافي، ج 1، ص: 348

[4]
اشارة

271- 4 الكافي، 1/ 87/ 3/ 1 علي عن العباس بن معروف عن التميمي قال كتبت إلى أبي جعفر ع أو قلت له جعلني اللّٰه فداك نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد قال فقال إن من عبد الاسم دون المسمى بالأسماء فقد أشرك و كفر و جحد و لم يعبد شيئا بل أعبد اللّٰه الواحد الأحد الصمد المسمى بهذه الأسماء دون الأسماء إن الأسماء صفات وصف بها نفسه

بيان

يعني لا بد أن تنسب عبادتك أولا إلى اللّٰه ثم تصفه بالصفات التي دلت عليها هذه الأسماء لأن اللّٰه هو اسم الذات المسمى بهذه الأسماء و هذه أسماء صفات له و سيأتي بيان معنى الصمد و تأويله

الوافي، ج 1، ص: 349

باب 32 نفي الزمان و المكان و الكيف عنه تعالى

[1]
اشارة

272- 1 الكافي، 1/ 88/ 1/ 1 محمد عن أحمد عن السراد عن أبي حمزة قال سأل نافع بن الأزرق أبا جعفر ع فقال أخبرني عن اللّٰه متى كان فقال متى لم يكن حتى أخبرك متى كان سبحان من لم يزل و لا يزال فردا صمدا لم يتخذ صاحبة و لا ولدا

بيان

نبه بهذا التسبيح على أن متى من صفات المخلوقين و أن متى كان يستلزم متى لم يكن كما مضى تحقيقه

الوافي، ج 1، ص: 350

[2]
اشارة

273- 2 الكافي، 1/ 88/ 2/ 1 العدة عن البرقي عن البزنطي قال جاء رجل إلى أبي الحسن الرضا ع من وراء نهر بلخ فقال إني أسألك عن مسألة- فإن أجبتني فيها بما عندي قلت بإمامتك فقال أبو الحسن ع سل عما شئت فقال أخبرني عن ربك متى كان و كيف كان و على أي شي ء كان اعتماده فقال أبو الحسن ع إن اللّٰه تبارك و تعالى أين الأين بلا أين و كيف الكيف بلا كيف و كان اعتماده على قدرته فقام إليه الرجل فقبل رأسه و قال- أشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أن محمدا رسول اللّٰه و أن عليا وصي رسول اللّٰه و القيم بعده بما أتى به رسول اللّٰه و أنكم الأئمة الصادقون و أنك الخلف من بعدهم

بيان

لما كان المكان و الزمان متصاحبين متلازمين نبه بنفي أحدهما على نفي الآخر و في عيون الأخبار أين كان مكان متى كان و هو الصواب و يشبه أن يكون ما في الكافي من غلط النساخ

الوافي، ج 1، ص: 351

[3]
اشارة

274- 3 الكافي، 1/ 88/ 3/ 1 محمد عن ابن عيسى عن الحسين عن القاسم بن محمد عن علي عن أبي بصير قال جاء رجل إلى أبي جعفر ع فقال له أخبرني عن ربك متى كان فقال ويلك إنما يقال لشي ء لم يكن متى كان إن ربي تبارك و تعالى كان و لم يزل حيا بلا كيف و لم يكن له كان و لا كان لكونه كون كيف و لا كان له أين و لا كان في شي ء و لا كان على شي ء

الوافي، ج 1، ص: 352

و لا ابتدع لمكانة مكانا و لا قوى بعد ما كون الأشياء و لا كان ضعيفا قبل أن يكون شيئا و لا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا و لا يشبه شيئا مذكورا و لا كان خلوا من الملك قبل إنشائه و لا يكون منه خلوا بعد ذهابه- لم يزل حيا بلا حياة و ملكا قادرا قبل أن ينشئ شيئا و ملكا جبارا بعد إنشائه للكون فليس لكونه كيف و لا له أين و لا له حد و لا يعرف بشي ء يشبهه و لا يهرم لطول البقاء و لا يصعق لشي ء بل لخوفه تصعق الأشياء كلها كان حيا بلا حياة حادثة و لا كون موصوف و لا كيف محدود و لا أين موقوف عليه و لا مكان جاور شيئا بل حي يعرف و ملك لم يزل له القدرة و

الملك أنشأ ما شاء حين شاء بمشيته لا يحد و لا يبعض و لا يفنى كان أولا بلا كيف و يكون آخرا بلا أين و كل شي ء هالك إلا وجهه له الخلق و الأمر تبارك اللّٰه رب العالمين- ويلك أيها السائل إن ربي لا تغشاه الأوهام و لا تنزل به الشبهات و لا يجار من شي ء و لا يجاوره شي ء و لا تنزل به الأحداث و لا يسأل عن شي ء و لا يندم على شي ء و لا تأخذه سنة و لا نوم له ما في السماوات و ما في الأرض و ما بينهما و ما تحت الثرى

الوافي، ج 1، ص: 353

بيان

و لا كان لكونه كون كيف يعني أن كونه كون لم يتحقق له كيف و لا ابتدع لمكانة أي لتمكنه شيئا مذكورا المذكور ما حصل في الذكر أي في الخاطر و لا كان خلوا من الملك قبل إنشائه و لا يكون منه خلوا بعد ذهابه بيان ذلك و تحقيقه أن المخلوقات و إن لم تكن موجودة في الأزل لأنفسها و بقياس بعضها إلى بعض على أن يكون الأزل ظرفا لوجوداتها كذلك إلا أنها موجودة في الأزل لله سبحانه وجودا جمعيا وحدانيا غير متغير بمعنى أن وجوداتها اللايزالية الحادثة ثابتة لله سبحانه في الأزل كذلك.

و هذا كما أن الموجودات الذهنية موجودة في الخارج إذا قيدت بقيامها بالذهن و إذا أطلقت من هذا القيد فلا وجود لها إلا في الذهن فالأزل يسع القديم و الحادث و الأزمنة و ما فيها و ما خرج عنها و ليس الأزل كالزمان و أجزائه محصورا مضيقا يغيب بعضه عن بعض و يتقدم جزء و يتأخر آخر فإن الحصر و الضيق

و الغيبة من خواص الزمان و المكان و ما يتعلق بهما و الأزل عبارة عن اللازمان السابق على الزمان سبقا غير زماني و ليس بين اللّٰه سبحانه و بين العالم بعد مقدر لأنه إن كان موجودا يكون من العالم و إلا لم يكن شيئا و لا ينسب أحدهما إلى الآخر من حيث الزمان بقبلية و لا بعدية و لا معية لانتفاء الزمان عن الحق و عن ابتداء العالم.

فسقط السؤال بمتى عن العالم كما هو ساقط عن وجود الحق لأن متى سؤال عن الزمان و لا زمان قبل العالم فليس إلا وجود بحت خالص ليس من العدم و هو وجود الحق و وجود من العدم و هو وجود العالم فالعالم حادث في غير زمان و إنما يتعسر فهم ذلك على الأكثرين لتوهمهم الأزل جزء من الزمان يتقدم سائر الأجزاء و إن لم يسموه بالزمان فإنهم أثبتوا له معناه و توهموا أن اللّٰه سبحانه فيه و لا موجود فيه سواه ثم أخذ يوجد الأشياء شيئا فشيئا في أجزاء أخر منه و هذا توهم باطل و أمر محال.

فإن اللّٰه جل و عز ليس في زمان و لا في مكان بل هو محيط بهما و بما فيهما و ما معهما

الوافي، ج 1، ص: 354

و ما تقدمها و تحقيق المقام يقتضي بسطا من الكلام و فتح باب علم مكنون لا تسعه العقول المشوبة بالأوهام و نحن نشير إلى لمعة منه لمن كان أهله سائلين من اللّٰه عز و جل أن يحفظها عن القاصرين المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق إن شاء اللّٰه.

فنقول ليعلم أن نسبة ذاته سبحانه إلى مخلوقاته يمتنع أن تختلف بالمعية و اللامعية و إلا فيكون بالفعل مع

بعض و بالقوة مع آخرين فيتركب ذاته سبحانه من جهتي فعل و قوة و يتغير صفاته حسب تغير المتجددات المتعاقبات تعالى عن ذلك بل نسبة ذاته التي هي فعلية صرفة و غناء محض من جميع الوجوه إلى الجميع و إن كان من الحوادث الزمانية نسبة واحدة و معية قيومية ثابتة غير زمانية و لا متغيرة أصلا و الكل بغنائه بقدر استعداداتها مستغنيات كل في وقته و محله و على حسب طاقته و إنما فقرها و فقدها و نقصها بالقياس إلى ذواتها و قوابل ذواتها و ليس هناك إمكان و قوة البتة فالمكان و المكانيات بأسرها بالنسبة إلى اللّٰه سبحانه كنقطة واحدة في معية الوجود و السماوات مطويات بيمينه و الزمان و الزمانيات بآزالها و آبادها كان واحد عنده في ذلك جف القلم بما هو كائن ما من نسمة كائنة إلا و هي كائنة.

و الموجودات كلها شهادياتها و غيبياتها كموجود واحد في الفيضان عنه مٰا خَلْقُكُمْ وَ لٰا بَعْثُكُمْ إِلّٰا كَنَفْسٍ وٰاحِدَةٍ و إنما التقدم و التأخر و التجدد و التصرم و الحضور و الغيبة في هذه كلها بقياس بعضها إلى بعض و في مدارك المحبوسين في مطمورة الزمان المسجونين في سجن المكان لا غير و إن كان هذا لمما تستغربه الأوهام و يشمئز عنه قاصروا الأفهام.

و أما قوله عز و جل كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فهو كما قاله بعض أهل العلم إنها شئون يبديها لا شئون يبتديها و لعل من لم يفهم بعض هذه المعاني يضطرب فيصول و يرجع فيقول كيف يكون وجود الحادث في الأزل أم كيف يكون المتغير في نفسه ثابتا عند ربه أم كيف يكون الأمر المتكثر المتفرق وحدانيا جميعا أم

كيف يكون الأمر

الوافي، ج 1، ص: 355

الممتد أعني الزمان واقعا في غير الممتد أعني اللازمان مع التقابل الظاهر بين هذه الأمور.

فلنمثل له بمثال حسي يكسر سورة استبعاده فإن مثل هذا المعترض لم يتجاوز بعد درجة الحس و المحسوس فليأخذ أمرا ممتدا كحبل أو خشب مختلف الأجزاء في اللون ثم ليمرره في محاذاة نملة أو نحوها مما يضيق حدقته عن الإحاطة بجميع ذلك الامتداد فإن تلك الألوان المختلفة متعاقبة في الحضور لديها تظهر لها شيئا فشيئا واحدا بعد آخر لضيق نظرها و متساوية في الحضور لديه يراها كلها دفعة لقوة إحاطة نظره و سعة حدقته وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.

بلا حياة أي بلا حياة زائدة على ذاته حادثة كما يأتي بعيدة و ملكا قادرا قبل أن ينشئ شيئا إذ له الإنشاء بذاته لم يزل و لا يصعق أي لا يغشى عليه بمشيته إذ لو لم يشأ لم يفعل كما قال وَ لَوْ شٰاءَ لَجَعَلَهُ سٰاكِناً كان أولا بلا كيف و يكون آخرا بلا أين لما لم يتوهم لأوليته سبحانه أين اقتصر فيها على نفي الكيف بخلاف الآخرية كُلُّ شَيْ ءٍ هٰالِكٌ إِلّٰا وَجْهَهُ أي ذاته إن جعلنا الضمير لله تعالى و جهة استناده إليه تعالى إن جعلناه للشي ء و لا يجار من شي ء من الإجارة بمعنى الإنقاذ من الظلم أو العذاب و لا يسأل عن شي ء أي لم فعلم كما قال عز و جل لٰا يُسْئَلُ عَمّٰا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ

[4]
اشارة

275- 4 الكافي، 1/ 89/ 4/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه رفعه قال اجتمعت

الوافي، ج 1، ص: 356

اليهود إلى رأس الجالوت فقالوا له إن هذا الرجل عالم يعنون أمير المؤمنين ع فانطلق بنا

إليه نسأله فأتوه فقيل لهم هو في القصر فانتظروه حتى خرج- فقال له رأس الجالوت جئناك نسألك قال سل يا يهودي عما بدا لك فقال أسألك عن ربك متى كان فقال كان بلا كينونة كان بلا كيف كان لم يزل بلا كم و بلا كيف كان ليس له قبل هو قبل القبل بلا قبل و لا غاية و لا منتهى انقطعت عنه الغاية و هو غاية كل غاية فقال رأس الجالوت امضوا بنا فهو أعلم مما يقال فيه

بيان

رأس الجالوت كان من علماء اليهود و عظمائهم بلا كم و بلا كيف كرره لاستدراك لم يزل أو صفتان للم يزل و لا غاية يأتي الكلام في تفسيره عن قريب مما يقال فيه أي من نسبة العلم إليه

[5]

276- 5 الكافي، 1/ 89/ 5/ 1 العدة عن البرقي عن البزنطي عن أبي الحسن

الوافي، ج 1، ص: 357

الموصلي عن أبي عبد اللّٰه ع قال جاء حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنين ع فقال يا أمير المؤمنين متى كان ربك فقال له ثكلتك أمك متى لم يكن حتى يقال متى كان كان ربي قيل القبل بلا قبل و بعد البعد بلا بعد و لا غاية و لا منتهى لغايته انقطعت الغايات عنده فهو منتهى كل غاية فقال يا أمير المؤمنين فنبي أنت فقال ويلك إنما أنا عبد من عبيد محمد ص

[6]
اشارة

277- 6 الكافي، 1/ 90/ 5/ 1 و روى أنه سئل ع أين كان ربنا قبل أن يخلق سماء و أرضا فقال ع أين سؤال عن مكان و كان اللّٰه و لا مكان

بيان

الحبر بالكسر و الفتح واحد أحبار اليهود أي علماؤهم و بالكسر أفصح ثكلتك فقدتك من عبيد محمد ص قال الصدوق في توحيده يعني بذلك عبد طاعة لا غير ذلك

[7]
اشارة

278- 7 الكافي، 1/ 90/ 6/ 1 علي بن محمد عن سهل عن عمرو بن عثمان عن محمد بن يحيى عن محمد بن سماعة عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رأس الجالوت لليهود إن المسلمين يزعمون أن عليا من أجدل الناس و أعلمهم

الوافي، ج 1، ص: 358

اذهبوا بنا إليه لعلي أسأله عن مسألة أو أخطئه فيها فأتاه فقال يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن مسألة- قال سل عما شئت قال يا أمير المؤمنين متى كان ربنا قال له يا يهودي إنما يقال متى كان لمن لم يكن فكان متى كان هو كائن بلا كينونية كائن كان بلا كيف يكون بلى يا يهودي ثم بلى يا يهودي كيف يكون له قبل هو قبل القبل بلا غاية و لا منتهى غاية و لا غاية إليها انقطعت الغايات عنده هو غاية كل غاية فقال أشهد أن دينك هو الحق و أن ما خالفه باطل

بيان

كلمة أو في قوله أو أخطئه بمعنى إلى أن فكان متى كان أي فكان في وقت كان فيه و حدث بلا كينونية كائن بالإضافة أي بلا كينونية تكون ثابتة لكائن بلا كيف يكون العائد في يكون راجع إلى كيف و يحتمل رجوعه إلى الرب و لما كانت قبليته سبحانه هي القبلية الذاتية التي تنحصر في الفاعل و الغاية و الغاية هي سبب فاعلية الفاعل بين ذلك بكونه غاية الغايات بأن نفى عنه الغاية القريبة بقوله بلا غاية و البعيدة بقوله و لا منتهى غاية ثم صرح بأن الغاية المنفية هي الغاية الزائدة على ذاته بقوله و لا غاية إليها انقطعت الغايات عنده فقوله عنده متعلق بقوله و لا غاية بمعنى لا

غاية عنده إلى تلك الغاية انقطعت الغايات غير ذاته بل هو نفسه غاية كل غاية.

و في توحيد الصدوق و لا غاية إليها غاية انقطعت الغايات عنده فهو غاية كل غاية و لعله أجود و يحتمل أن يكون قوله بلا غاية إشارة إلى الغاية السابقة و قوله و لا منتهى غاية إلى اللاحقة و يكونان حينئذ منقطعين عما قبله

الوافي، ج 1، ص: 359

[8]
اشارة

279- 8 الكافي، 1/ 90/ 7/ 1 عنه رفعه عن زرارة قال قلت لأبي جعفر ع أ كان اللّٰه و لا شي ء قال نعم كان و لا شي ء قلت فأين كان يكون قال و كان ع متكئا فاستوى جالسا و قال أحلت يا زرارة و سألت عن المكان إذ لا مكان

بيان

كان في كان يكون كلمة ربط قال يعني زرارة أحلت أتيت بالمحال و تكلمت به

[9]
اشارة

280- 9 الكافي، 1/ 90/ 8/ 1 عنه عن سهل عن محمد بن الوليد عن البزنطي عن أبي الحسن الموصلي عن أبي عبد اللّٰه ع قال أتى حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنين ع فقال يا أمير المؤمنين متى كان ربك قال ويلك إنما يقال متى كان لما لم يكن فأما ما كان فلا يقال متى كان كان قبل القبل بلا قبل و بعد البعد بلا بعد و لا منتهى غاية لتنتهي غايته- فقال له أ نبي أنت فقال لأمك الهبل إنما أنا عبد من عبيد رسول اللّٰه ص

بيان

الهبل بالتحريك مصدر قولك هبلته أمه أي ثكلته و فقدته

الوافي، ج 1، ص: 360

[10]
اشارة

281- 10 الكافي، 1/ 94/ 9/ 1 علي عن أبيه عن الحسن بن علي عن اليعقوبي عن بعض أصحابنا عن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن يهوديا يقال له سبخت جاء إلى رسول اللّٰه ص فقال يا رسول اللّٰه جئت أسألك عن ربك فإن أنت أجبتني عما أسألك عنه و إلا رجعت قال سل عما شئت قال أين ربك قال في كل مكان و ليس في شي ء من المكان المحدود قال و كيف هو قال و كيف أصف ربي بالكيف و الكيف مخلوق و اللّٰه لا يوصف بخلقه قال فمن أين يعلم أنك نبي قال فما بقي حوله حجر و لا غير ذلك إلا تكلم بلسان عربي مبين- يا سبخت إنه رسول اللّٰه ص فقال سبخت ما رأيت كاليوم أمرا أبين من هذا ثم قال أشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أنك رسول اللّٰه

الوافي، ج 1، ص: 361

بيان

اليعقوبي بالياء المثناة التحتانية و العين المهملة و القاف ثم الموحدة كذا صححه في الإيضاح و أورده الفاضل الأسترآبادي في حرف الياء المثناة أيضا و نقل أبي رحمه اللّٰه عن خط الشهيد الثاني طاب اللّٰه ثراه أنه بالباء الموحدة في أوله و أن بعقوب بالموحدة قرية من قرى بغداد و اسمه على التقديرين داود بن علي الهاشمي و هو ثقة

و من طرق هذه الرواية طرق الصدوق رحمه اللّٰه في توحيده بإسناده عن عبد اللّٰه بن جعفر الأزهري عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه ع قال قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع في بعض خطبه من

الذي حضر سبخت الفارسي و هو يكلم رسول اللّٰه ص فقال القوم ما حضره منا أحد فقال علي ع لكني كنت معه و قد جاء سبخت و كان رجلا من ملوك فارس و كان ذربا فقال له يا محمد إلى ما تدعو قال أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله فقال سبخت و أين اللّٰه يا محمد قال هو في كل مكان موجود بآياته قال فكيف هو فقال لا كيف له و لا أين- لأنه عز و جل كيف الكيف و أين الأين قال فمن أين جاء قال لا يقال له جاء- و إنما يقال جاء للزائل من مكان إلى مكان و ربنا لا يوصف بمكان و لا بزوال بل لم يزل بلا مكان و لا يزال فقال يا محمد إنك لتصف ربا عظيما بلا كيف فكيف لي أن أعلم أنه أرسلك- فلم يبق بحضرتنا ذلك اليوم حجر و لا مدر و لا جبل و لا شجر و لا حيوان إلا قال مكانه أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله و قلت أنا أيضا

الوافي، ج 1، ص: 362

أشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أن محمدا عبده و رسوله فقال يا محمد من هذا قال هذا خير أهلي و أقرب الخلق مني لحمه من لحمي و دمه من دمي و روحه من روحي و هو الوزير مني في حياتي و الخليفة بعد وفاتي كما كان هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي- فاسمع له و أطع فإنه على الحق ثم سماه عبد اللّٰه

[11]
اشارة

282-

11 الكافي، 1/ 103/ 12/ 1 علي بن محمد عن سهل أو عن غيره عن محمد بن سليمان عن علي بن إبراهيم عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال إن اللّٰه عظيم رفيع لا يقدر العباد على صفته و لا يبلغون كنه عظمته لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير و لا يوصف بكيف و لا أين و حيث و كيف أصفه بالكيف و هو الذي كيف الكيف حتى صار كيفا فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف أم كيف أصفه بأين و هو الذي أين الأين حتى صار أينا فعرفت الأين بما أين لنا من الأين أم كيف أصفه بحيث و هو الذي حيث الحيث حتى صار حيثا فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث فالله تعالى داخل في كل مكان و خارج من كل شي ء لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار لا إله إلا هو العلي العظيم و هو اللطيف الخبير

بيان

محمد بن سليمان هو أبو طاهر الزراري الثقة و علي بن إبراهيم هو الجعفري كما نص عليه الصدوق رحمه اللّٰه

الوافي، ج 1، ص: 363

باب 33 النسبة و تفسير سورة التوحيد

[1]
اشارة

283- 1 الكافي، 1/ 91/ 1/ 1 القميان عن صفوان عن الخراز عن محمد عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن اليهود سألوا رسول اللّٰه ص فقالوا انسب لنا ربك فلبث ثلاثا لا يجيبهم ثم نزلت قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ إلى آخرها

بيان

هذا الخبر بعينه رواه الشيخ الصدوق رحمه اللّٰه في توحيده و زاد في آخره فقلت له ما الصمد فقال الذي ليس بمجوف

و روى فيه عن الربيع بن مسلم قال سمعت أبا الحسن ع و سئل عن الصمد فقال الصمد الذي لا جوف له

قال أستادنا في العلوم الحقيقية صدر المحققين طاب ثراه لما كان الممكن وجوده أمرا زائدا على أصل ذاته و مقتضى ذاته و باطنه العدم و اللاشي ء فهو يشبه الأجوف

الوافي، ج 1، ص: 364

كالحقة الخالية عن شي ء و الكرة المفرغة لأن باطنه الذي هو ذاته لا شي ء محض و الوجود الذي يحيط به و يحدده هو غيره و أما الذي ذاته الوجوب و الوجود من غير شائبة عدم و فرجة خلل فيستعار له الصمد انتهى كلامه و سيأتي كلمات أخر في معنى الصمد و تأويله عن قريب إن شاء اللّٰه تعالى

[2]
اشارة

284- 2 الكافي، 1/ 91/ 2/ 1 محمد عن البرقي عن علي بن الحكم عن الخراز و محمد عن ابن عيسى و محمد بن الحسين عن السراد عن حماد بن عمرو النصيبي عن أبي عبد اللّٰه ع قال سألته عن قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ فقال نسبة اللّٰه تعالى إلى خلقه أحدا صمدا أزليا صمديا لا ظل له يمسكه و هو يمسك الأشياء بأظلتها عارف بالمجهول معروف عند كل جاهل فردانيا لا خلقه فيه- و لا هو في خلقه غير محسوس و لا مجسوس لا تدركه الأبصار علا فقرب و دنا فبعد و عصي فغفر و أطيع فشكر لا تحويه أرضه و لا تقله سماواته حامل الأشياء بقدرته ديمومي أزلي لا ينسى و لا يلهو و لا يغلط و لا يلعب و

لا لإرادته فصل و فصله جزاء و أمره واقع لم يلد فيورث و لم يولد فيشارك و لم يكن له كفوا أحد

بيان

نسبة اللّٰه إلى خلقه هي كونه منزها عما سواه مسلوبا عنه شبه ما عداه لا ظل له يمسكه أي لا جسم له في حديث ابن عباس الكافر يسجد لغير اللّٰه و ظله يسجد لله أي جسمه و إنما يقال للجسم الظل لأنه عنه الظل و لأنه ظل للروح لأنه ظلماني و الروح نوراني و هو تابع له يتحرك بحركته النفسانية و يسكن بسكونه النفساني بأظلتها أي مع أجسامها و أشباحها عارف بالمجهول أي بما هو مجهول للخلق من المغيبات أو المعدومات التي لم تظهر أو لم توجد بعد معروف عند كل جاهل.

يعني أن النفوس مجبولة على معرفته بوجه و التصديق بوجوده و ذلك لانبساط نوره و سعة رحمته و فيض جوده و لا تقله سماواته لا تطيق حمله و لا لإرادته فصل يعني

الوافي، ج 1، ص: 365

عن المراد و فصله جزاء أي فصله بين عباده المشار إليه بقوله سبحانه يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ جزاء لهم و هو غير جائر فيه.

روى الشيخ الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده عن أبي البختري وهب بن وهب القرشي عن أبي عبد اللّٰه الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي الباقر ع في قول اللّٰه تعالى قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ قال قل أي أظهر ما أوحينا إليك و نبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع و هو شهيد و هو اسم مكنى مشار إلى غائب فالهاء تنبيه على معنى ثابت و الواو إشارة إلى الغائب عن الحواس.

كما أن قولك هذا إشارة إلى

الشاهد عند الحواس و ذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك فقالوا هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالأبصار فأشر أنت يا محمد إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه و ندركه و لا نأله فيه فأنزل اللّٰه تبارك و تعالى قُلْ هُوَ فالهاء تثبيت للثابت و الواو إشارة إلى الغائب عن درك الأبصار و لمس الحواس و أنه تعالى عن ذلك بل هو مدرك الأبصار و مبدع الحواس

قال الباقر ع اللّٰه معناه المعبود الذي إله الخلق عن درك مائيته و الإحاطة بكيفيته

و يقول العرب إله الرجل إذا تحير في الشي ء فلم يحط به علما و وله إذا فزع إلى شي ء مما يحذره و يخافه و الإله هو المستور عن حواس الخلق.

قال الباقر ع الأحد الفرد المتفرد و الأحد و الواحد بمعنى واحد و هو المتفرد الذي لا نظير له و التوحيد الإقرار بالوحدة و هو الانفراد و الواحد المتبائن الذي لا ينبعث من شي ء و لا يتحد بشي ء و من ثمة قالوا إن بناء العدد من الواحد و ليس الواحد من العدد لأن العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله اللّٰهُ أَحَدٌ- أي المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه و الإحاطة بكيفيته فرد بإلهيته متعال عن صفات خلقه

الوافي، ج 1، ص: 366

قال الباقر ع و حدثني أبي زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي ع أنه قال الصمد الذي لا جوف له و الصمد الذي قد انتهى سؤدده- و الصمد الذي لا يأكل و لا يشرب و الصمد الذي لا ينام و الصمد الدائم الذي لم يزل و لا يزال

قال الباقر ع كان محمد بن الحنفية يقول الصمد

القائم بنفسه الغني عن غيره

و قال غيره الصمد المتعالي عن الكون و الفساد و الصمد الذي لا يوصف بالتغاير.

قال الباقر ع الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر و ناهي

قال و سئل علي بن الحسين زين العابدين ع عن الصمد فقال الصمد الذي لا شريك له و لا يئوده حفظ شي ء و لا يعزب عنه شي ء

قال وهب بن وهب القرشي قال زيد بن علي الصمد الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون و الصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا و أشكالا و أزواجا و تفرد بالوحدة بلا ضد و لا شكل و لا مثل و لا ند.

قال وهب بن وهب القرشي و حدثني الصادق جعفر بن محمد عن أبيه الباقر عن أبيه ع أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي ع يسألونه عن الصمد فكتب إليهم بسم اللّٰه الرحمن الرحيم أما بعد فلا تخوضوا في القرآن و لا تجادلوا فيه و لا تتكلموا فيه بغير علم فقد سمعت جدي رسول اللّٰه ص يقول من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار و إن اللّٰه سبحانه قد فسر الصمد فقال اللّٰهُ أَحَدٌ اللّٰهُ الصَّمَدُ ثم فسره فقال لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ لم يلد لم يخرج منه شي ء كثيف كالولد و سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين و لا شي ء لطيف كالنفس و لا تنشعب منه البدوات كالسنة و النوم و الخطرة و الوهم و الحزن و البهجة و الضحك و البكاء و الخوف و الرجاء و الرغبة و السأمة و الجوع و الشبع تعالى عن أن يخرج

الوافي، ج 1، ص: 367

منه شي ء و أن

يتولد منه شي ء كثيف أو لطيف وَ لَمْ يُولَدْ لم يتولد من شي ء و لم يخرج من شي ء كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشي ء من الشي ء و الدابة من الدابة و النبات من الأرض و الماء من الينابيع و الثمار من الأشجار و لا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين و السمع من الأذن و الشم من الأنف و الذوق من الفم و الكلام من اللسان و المعرفة و التمييز من القلب و كالنار من الحجر.

لا بل هو اللّٰه الصمد الذي لا من شي ء و لا في شي ء و لا على شي ء مبدع الأشياء و خالقها و منشئ الأشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته و يبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم اللّٰه الصمد الذي لم يلد و لم يولد عالم الغيب و الشهادة الكبير المتعال و لم يكن له كفوا أحد

قال وهب بن وهب القرشي سمعت الصادق ع يقول قدم وفد من فلسطين على الباقر ع فسألوه عن مسائل فأجابهم ثم سألوه عن الصمد- فقال تفسيره فيه الصمد خمسة أحرف فالألف دليل على إنيته و هو قوله عز و جل شَهِدَ اللّٰهُ أَنَّهُ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ و ذلك تنبيه و إشارة إلى الغائب عن درك الحواس و اللام دليل على إلهيته بأنه هو اللّٰه و الألف و اللام مدغمان لا يظهران على اللسان و لا يقعان في السمع و يظهران في الكتابة دليلان على أن إلهيته بلطفه خافية لا تدرك بالحواس و لا تقع في لسان واصف و لا أذن سامع لأن تفسير الإله هو الذي إله الخلق عن درك مائيته و كيفيته بحس أو بوهم لا بل هو

مبدع الأوهام و خالق الحواس و إنما يظهر ذلك عند الكتابة دليل على أن اللّٰه تعالى أظهر ربوبيته في إبداع الخلق و تركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه كما أن لام الصمد لا تتبين و لا تدخل في حاسة من حواسه الخمس فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي و لطف فمتى تفكر العبد في مائية الباري و كيفيته إله فيه و تحير و لم تحط فكرته بشي ء يتصور له لأنه عز و جل خالق الصور فإذا نظر إلى خلقه ثبت له أنه عز و جل خالقهم- و مركب أرواحهم في أجسادهم و أما الصاد فدليل على أنه عز و جل صادق و قوله

الوافي، ج 1، ص: 368

صدق و كلامه صدق و دعا عبادة إلى اتباع الصدق بالصدق و وعد بالصدق دار الصدق و أما الميم فدليل على ملكه و أنه الملك الحق لم يزل و لا يزال و لا يزول ملكه- و أما الدال فدليل على دوام ملكه فإنه عز و جل دائم تعالى عن الكون و الزوال بل هو عز و جل مكون الكائنات الذي كان بتكوينه كل كائن- ثم قال ع لو وجدت لعلمي الذي آتاني اللّٰه عز و جل حملة لنشرت التوحيد و الإسلام و الإيمان و الدين و الشرائع من الصمد و كيف لي بذلك و لم يجد جدي أمير المؤمنين ع حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء و يقول على المنبر- سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين الجوانح مني علما جما هاه هاه ألا لا أجد من يحمله ألا و إني عليكم من اللّٰه الحجة البالغة ف لٰا تَتَوَلَّوْا قَوْماً

غَضِبَ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ- كَمٰا يَئِسَ الْكُفّٰارُ مِنْ أَصْحٰابِ الْقُبُورِ- ثم قال الباقر ع الحمد لله الذي من علينا و وفقنا لعبادة الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد و جنبنا عبادة الأوثان حمدا سرمدا و شكرا واصبا- و قوله عز و جل لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ يقول لم يلد عز و جل فيكون له ولد يرثه ملكه و لم يولد فيكون له والد يشركه في ربوبيته و ملكه وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ فيعازه في سلطانه

هذا آخر حديث القرشي و سيأتي معان أخر للصمد في باب معاني الأسماء إن شاء اللّٰه و جملة ما قيل في معنى الصمد ترجع إلى التمام و فوق التمام الذي لا يعوزه شي ء يستغني عن كل شي ء في كل شي ء و يفتقر إليه كل شي ء في كل شي ء

[3]
اشارة

285- 3 الكافي، 1/ 91/ 3/ 1 محمد عن أحمد عن الحسين عن النضر عن عاصم بن حميد قال قال سئل علي بن الحسين ع عن التوحيد- فقال إن اللّٰه عز و جل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل اللّٰه

الوافي، ج 1، ص: 369

قل هو اللّٰه أحد و الآيات من سورة الحديد إلى قوله عَلِيمٌ بِذٰاتِ الصُّدُورِ فمن رام وراء ذلك فقد هلك

________________________________________

كاشانى، فيض، محمد محسن ابن شاه مرتضى، الوافي، 26 جلد، كتابخانه امام امير المؤمنين علي عليه السلام، اصفهان - ايران، اول، 1406 ه ق

الوافي؛ ج 1، ص: 369

بيان

لعله أشار بالمتعمقين إلى أكابر أهل المعرفة و لعمري إن في سورتي التوحيد و الحديد ما لا يدرك غوره إلا الأوحدي الفريد و لا سيما الآيات الأول من سورة الحديد و خصوصا قوله عز و جل وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ

[4]
اشارة

286- 4 الكافي، 1/ 91/ 4/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه رفعه عن عبد العزيز بن المهتدي قال سألت الرضا ع عن التوحيد فقال كل من قرأ قل هو اللّٰه أحد و آمن بها فقد عرف التوحيد قلت كيف يقرؤها قال كما يقرؤها الناس و زاد فيها ذلك اللّٰه ربي

الوافي، ج 1، ص: 370

بيان

في بعض النسخ بدل ذلك اللّٰه ربي كذلك اللّٰه ربي مرتين و هذه الزيادة هي المعنى الإيمان بها الموجب لعرفان التوحيد إلا أن للإيمان و العرفان قوة و ضعفا مراتب بعضها فوق بعض يتدرج بتدرج صفاء قلوب الناس و فطانتهم وَ يَزِيدُ اللّٰهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً و يَرْفَعِ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجٰاتٍ و يأتي تمام تحقيق ذلك في كتاب الإيمان و الكفر إن شاء اللّٰه تعالى

الوافي، ج 1، ص: 371

باب 34 النهي عن الكلام في ذاته تعالى

[1]

287- 1 الكافي، 1/ 92/ 1/ 1 محمد بن الحسن عن سهل عن السراد عن ابن رئاب عن أبي بصير قال قال أبو جعفر ع تكلموا في خلق اللّٰه و لا تتكلموا في اللّٰه فإن الكلام في اللّٰه لا يزداد صاحبه إلا تحيرا

[2]
اشارة

288- 2 الكافي، 1/ 92/ 1/ 1 و في رواية أخرى عن حريز تكلموا في كل شي ء و لا تتكلموا في ذات اللّٰه تعالى

بيان

في توحيد الصدوق عن علي بن رئاب عن ضريس عن أبي جعفر ع

الوافي، ج 1، ص: 372

قال اذكروا من عظمة اللّٰه ما شئتم و لا تذكروا ذاته فإنكم لا تذكرون منه إلا و هو أعظم منه

[3]

289- 3 الكافي، 1/ 92/ 2/ 1 محمد عن أحمد عن ابن أبي عمير عن البجلي عن سليمان بن خالد قال قال أبو عبد اللّٰه ع إن اللّٰه تعالى يقول وَ أَنَّ إِلىٰ رَبِّكَ الْمُنْتَهىٰ فإذا انتهى الكلام إلى اللّٰه تعالى فأمسكوا

[4]

290- 4 الكافي، 1/ 92/ 3/ 1 الثلاثة عن الخراز عن محمد قال قال أبو عبد اللّٰه ع يا محمد إن الناس لا يزال بهم المنطق حتى يتكلموا في اللّٰه فإذا سمعتم ذلك فقولوا لا إله إلا اللّٰه الواحد الذي ليس كمثله شي ء

[5]

291- 5 الكافي، 1/ 92/ 4/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن حمران عن الحذاء قال قال أبو جعفر ع يا زياد إياك و الخصومات فإنها تورث الشك و تحبط العمل و تردى صاحبها و عسى أن يتكلم بالشي ء فلا يغفر له إنه كان فيما مضى قوم تركوا علم ما وكلوا به و طلبوا

الوافي، ج 1، ص: 373

علم ما كفوه حتى انتهى كلامهم إلى اللّٰه فتحيروا حتى كان الرجل ليدعي من بين يديه فيجيب من خلفه و يدعي من خلفه فيجيب من بين يديه

[6]
اشارة

292- 6 الكافي، 1/ 92/ 4/ 1 و في رواية أخرى حتى تاهوا في الأرض

بيان

إياك و الخصومات أي في الدين كما نراه من المتكلمين و الإرداء الإهلاك علم ما وكلوا به على صيغة المجهول من الكلة أو التوكيل أي كلفهم اللّٰه به و هو علم الشرائع علم ما كفوه على صيغة المجهول من الكفاية أي ما كفاهم اللّٰه مئونته تاهوا ذهبوا متحيرين

[7]

293- 7 الكافي، 1/ 93/ 5/ 1 العدة عن البرقي عن بعض أصحابه عن الحسين بن مياح عن أبيه قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول من نظر في اللّٰه كيف هو هلك

[8]
اشارة

294- 8 الكافي، 9311/ 6/ 1 محمد عن ابن عيسى عن ابن فضال عن ابن بكير عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن ملكا عظيم الشأن

الوافي، ج 1، ص: 374

كان في مجلس له فتناول الرب تعالى ففقد فما يدري أين هو

بيان

فتناول الرب أي أخذ يتكلم في ذات الرب سبحانه بما لا يليق بجناب قدسه

[9]

295- 9 الكافي، 1/ 93/ 7/ 1 العدة عن البرقي عن محمد بن عبد الحميد عن العلاء عن محمد عن أبي جعفر ع قال إياكم و التفكر في اللّٰه- و لكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه

[10]
اشارة

296- 10 الكافي، 1/ 93/ 8/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه رفعه قال قال أبو عبد اللّٰه ع ابن آدم لو أكل قلبك طائر لم يشبعه و بصرك لو وضع عليه خرق إبرة لغطاه تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات و الأرض إن كنت صادقا فهذه الشمس خلق من خلق اللّٰه فإن قدرت أن تملأ عينيك منها فهو كما تقول

بيان

أريد بالقلب اللحم الصنوبري المعروف و لهذا جعله مأكولا و ظاهر أنه لا يصح أن يعرف به ملكوت السماوات و الأرض كما لا يصح أن يعرف بالبصر لأنهما من عالم الملك فكيف يعرف بهما الملكوت فالخطاب خاص بمن لا يتجاوز درجة الحس و المحسوس من أفراد بني آدم المشار إليهم بقوله سبحانه لَهُمْ قُلُوبٌ لٰا يَفْقَهُونَ بِهٰا فأما من

الوافي، ج 1، ص: 375

جاوزها منهم و بلغ إلى درجة العقل و المعقول و هم أصحاب القلوب الملكوتية المشار إليهم بقوله عز و جل إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَذِكْرىٰ لِمَنْ كٰانَ لَهُ قَلْبٌ.

فلهم أن يعرفوا بقلوبهم ملكوت السماوات و الأرض لأن قلوبهم من الملكوت و لهذا حث اللّٰه جل و عز على النظر في الملكوت في غير موضع من كتابه قال سبحانه أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ مٰا خَلَقَ اللّٰهُ مِنْ شَيْ ءٍ وَ أَنْ عَسىٰ أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ و قال تعالى وَ كَذٰلِكَ نُرِي إِبْرٰاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ إلى غير ذلك من الآيات بلى إن ذاته سبحانه لا يجوز أن يكتنه بالقلب كما لا يجوز أن يدرك بالبصر بل إنما يجوز أن يطلع بالقلب على شي ء من عظمته فحسب قيل

كما يعتري العين الظاهرة التي هي بصر الجسد عند التحدق في جرم الشمس عمش يثبطه عن تمام الإبصار فكذلك يعتري العين الباطنة التي هي بصر العقل عند إدراك البارئ القدوس تعالى دهش يكمهه عن اكتناه ذاته سبحانه

[11]
اشارة

297- 11 الكافي، 1/ 94/ 10/ 1 الثلاثة عن محمد بن يحيى الخثعمي عن عبد الرحمن بن عتيك القصير قال سألت أبا جعفر ع عن شي ء من الصفة فرفع يده إلى السماء ثم قال تعالى الجبار تعالى الجبار من تعاطى ما ثم هلك

بيان

تعاطى تناول

الوافي، ج 1، ص: 377

باب 35 إبطال الرؤية

[1]

298- 1 الكافي، 1/ 95/ 1/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه عن علي بن أبي القاسم عن يعقوب بن إسحاق قال كتبت إلى أبي محمد ع أسأله كيف يعبد العبد ربه و هو لا يراه فوقع ع يا أبا يوسف جل سيدي و مولاي و المنعم علي و على آبائي أن يرى قال و سألته هل رأى رسول اللّٰه ص ربه فوقع ع إن اللّٰه تعالى أرى رسوله بقبلة من نور

الوافي، ج 1، ص: 378

عظمته ما أحب

[2]
اشارة

299- 2 الكافي، 1/ 98/ 8/ 1 محمد و غيره عن ابن عيسى عن البزنطي عن أبي الحسن الرضا ع قال قال رسول اللّٰه ص لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل مكانا لم يطأه قط جبرئيل فكشف له فأراه اللّٰه من نور عظمته ما أحب

بيان

قوله فكشف له إلى آخره من كلام الرضا ع و في توحيد الصدوق فكشف لي فأراني و بتقديم جبرئيل على قط و هو أوضح و فاعل أحب أما الرسول و فيه إشارة إلى أن قوة الرؤية على قدر قوة المحبة و سعة إدراك المحب لا على قدر شدة نور المحبوب لأنه غير متناه و إما اللّٰه و هو الأظهر أي ما أحب اللّٰه أن يريه من نفسه في ذلك الوقت و على التقديرين لم تتعلق الرؤية بكنه ذاته و تمام حقيقته

[3]

300- 3 الكافي، 1/ 95/ 2/ 1 القميان عن صفوان قال سألني أبو قرة المحدث أن أدخله إلى أبي الحسن الرضا ع فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه فسأله عن الحلال و الحرام و الأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال أبو قرة إنا روينا أن اللّٰه قسم الرؤية و الكلام بين نبيين فقسم الكلام لموسى و لمحمد ص الرؤية- فقال أبو الحسن ع فمن المبلغ عن اللّٰه إلى الثقلين من الجن و الإنس لا تدركه الأبصار و لا يحيطون به علما و ليس كمثله شي ء أ ليس محمد قال بلى قال كيف يجي ء رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند اللّٰه و أنه يدعوهم إلى اللّٰه بأمر اللّٰه فيقول لا تدركه الأبصار و لا يحيطون به علما و ليس كمثله شي ء ثم يقول أنا رأيته بعيني و أحطت به علما و هو على صورة البشر أ ما تستحون ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من

الوافي، ج 1، ص: 379

عند اللّٰه بشي ء ثم يأتي بخلافه من وجه آخر قال أبو قرة فإنه يقول وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً

أُخْرىٰ فقال أبو الحسن ع إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى- حيث قال مٰا كَذَبَ الْفُؤٰادُ مٰا رَأىٰ يقول ما كذب فؤاد محمد ص ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأى فقال لَقَدْ رَأىٰ مِنْ آيٰاتِ رَبِّهِ الْكُبْرىٰ فآيات اللّٰه غير اللّٰه و قد قال اللّٰه وَ لٰا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم و وقعت المعرفة فقال أبو قرة فتكذب بالروايات فقال أبو الحسن ع إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها و ما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما و لا تدركه الأبصار و ليس كمثله شي ء

[4]
اشارة

301- 4 الكافي، 1/ 96/ 3/ 1 القمي عن أبي عيسى عن علي بن سيف عن محمد بن عبيد قال كتبت إلى أبي الحسن الرضا ع أسأله عن الرؤية و ما ترويه العامة و الخاصة و سألته أن يشرح لي ذلك فكتب بخطه اتفق الجميع لا تمانع بينهم أن المعرفة من جهة الرؤية ضرورة فإذا جاز أن يرى اللّٰه بالعين وقعت المعرفة ضرورة ثم لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيمانا أو ليست بإيمان فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيمانا فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان لأنها ضده فلا يكون في الدنيا مؤمن- لأنهم لم يروا اللّٰه عز ذكره و إن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا- لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب أن تزول و لا تزول في المعاد فهذا

الوافي، ج 1، ص: 380

دليل على أن اللّٰه تعالى ذكره لا يرى بالعين إذ العين تؤدي إلى ما وصفنا

بيان

قال السيد الداماد تغمده اللّٰه بغفرانه في تفسير هذا الحديث يعني لا يزول في نشأة المعاد عن النفس علم قد اكتسبته في هذه النشأة فلو كان اللّٰه سبحانه يرى بالعين في تلك النشأة لكان يتعلق به الإدراك الإحساسي الضروري و العلم العقلي الاكتسابي معا و ذلك محال بالضرورة البرهانية و لا سيما إذا كان الإدراكان المتباينان بالنوع بل المتنافيان بالحقيقة في وقت واحد أقول فيه نظر إذ لقائل أن يقول إن الإدراك الاكتسابي لم يتعلق إلا بالتصديق بوجوده و نعوته لا ذاته و هويته و لعل الإدراك الإحساسي يتعلق بذاته و هويته فلا منافاة بين الإدراكين لتغاير متعلقيهما.

فالصواب أن يقال في معنى الحديث أنه

لا شك أن المعرفة بالشي ء تحصل من جهة رؤيته ضرورة فإذا جاز رؤيته سبحانه وقعت المعرفة به ضرورة ثم لا يخلو إما أن يكون الإيمان به سبحانه عبارة عن تلك المعرفة التي تحصل من جهة رؤيته أو عبارة عن المعرفة التي اكتسبناها في دار الدنيا فإن كان الإيمان به عز و جل عبارة عن تلك المعرفة التي تحصل من جهة رؤيته سبحانه فالمعرفة التي اكتسبناها في دار الدنيا ليست بإيمان لأنها ضده فإنا قد اكتسبنا في دار الدنيا علما برهانيا من جهة العقل و النقل بأن اللّٰه سبحانه ليس بجسم و لا صورة و لا محدود و لا محصور في جهة و لا مكان و لا زمان و أنه حاضر عندنا و لا نراه بهذه الأعين مع صحة أعيننا و جامعيتها لشرائط الرؤية و بالجملة لا يجوز أن يحاط به معرفة و علما كما قال عز و جل وَ لٰا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً و كما دل عليه إحاطته عز و جل بكل شي ء فلا يحاط بشي ء و ظاهر أن هذا ضد لمعرفته سبحانه من جهة الرؤية بهذه الأعين و إن كان الإيمان به جل ذكره عبارة عن المعرفة التي اكتسبناها في دار الدنيا فلا يخلو إما أن تزول تلك المعرفة عند رؤيته سبحانه في

الوافي، ج 1، ص: 381

الآخرة أو لا تزول و لا يجوز أن لا تزول لأنهما ضدان فكيف يجتمعان و لا يجوز أيضا أن تزول لأن الفرض أن الإيمان عبارة عن هذه المعرفة و أن هذا العلم من جملة أركان الإيمان و الاعتقاد الصحيح بالله جل ذكره و أنه كذلك و ظاهر أن الاعتقاد الصحيح لا يزول في الآخرة فمعرفته من جهة

الرؤية ليست بصحيحة فلا يجوز أن يرى اللّٰه سبحانه بهذه الأعين بحال

[5]
اشارة

302- 5 الكافي، 1/ 97/ 4/ 1 عنه عن أحمد بن إسحاق قال كتبت إلى أبي الحسن الثالث ع أسأله عن الرؤية و ما اختلف فيه الناس- فكتب لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي و المرئي هواء ينفذه البصر فإذا انقطع الهواء عن الرائي و المرئي لم تصح الرؤية و كان في ذلك الاشتباه لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه و كان ذلك التشبيه لأن الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات

بيان

يعني بقوله و كان في ذلك الاشتباه أنه متى كان كذلك كان اللّٰه مشتبها بخلقه تعالى عن ذلك علوا كبيرا

[6]
اشارة

303- 6 الكافي، 1/ 97/ 5/ 1 علي عن أبيه عن علي بن معبد عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبيه قال حضرت أبا جعفر ع فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له يا أبا جعفر أي شي ء تعبد قال اللّٰه تعالى قال رأيته قال بلى لم تره العيون بمشاهدة الإبصار و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان- لا يعرف بالقياس و لا يدرك بالحواس و لا يشبه بالناس موصوف بالآيات معروف

الوافي، ج 1، ص: 382

بالعلامات لا يجوز في حكمه ذلك اللّٰه لا إله إلا هو قال فخرج الرجل و هو يقول اللّٰهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسٰالَتَهُ

بيان

بمشاهدة الإبصار بالكسر على المصدر في مقابلة الإيمان و في توحيد الصدوق العيان مكان الإبصار و حقائق الإيمان أركانه من التصديق بالله و بوحدانيته و اعتبارات أسمائه و صفاته عز و جل و لرؤية اللّٰه سبحانه بالقلوب مراتب بحسب درجات الإيمان قوة و ضعفا

[7]
اشارة

304- 7 الكافي، 1/ 97/ 6/ 1 العدة عن البرقي عن البزنطي عن أبي الحسن الموصلي عن أبي عبد اللّٰه ع قال جاء حبر إلى أمير المؤمنين ع فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته قال فقال ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره قال و كيف رأيته قال ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الإبصار- و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان

بيان

و في التوحيد بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه ع قال قلت له أخبرني عن اللّٰه عز و جل هل يراه المؤمنون يوم القيامة قال نعم و قد رأوه قبل يوم القيامة فقلت متى- قال حين قال لهم أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قٰالُوا بَلىٰ ثم سكت ساعة ثم قال و إن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة أ لست تراه في وقتك هذا قال أبو بصير فقلت له جعلت فداك- فأحدث بهذا عنك فقال لا فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر و ليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى اللّٰه عما يصفه المشبهون و الملحدون

الوافي، ج 1، ص: 383

[8]
اشارة

305- 8 الكافي، 1/ 98/ 7/ 1 القميان عن صفوان عن عاصم بن حميد عن أبي عبد اللّٰه ع قال ذاكرت أبا عبد اللّٰه ع فيما يروون من الرؤية فقال الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي و الكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش و العرش جزء من سبعين جزءا من نور الحجاب- و الحجاب جزء من سبعين جزءا من نور الستر فإن كانوا صادقين فليملئوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب

بيان

لعل الأنوار الأربعة التي جعلها فوق نور الشمس إشارة إلى النور الخيالي و النفسي و العقلي و الإلهي فالخيالي هو الذي مظاهرة في هذا العالم أبدان الحيوانات الأرضية و صدر الإنسان الصغير و أعظم المظاهر لأعظم أفراده هو الكرسي الذي هو صدر الإنسان الكبير و لهذا نسبه إلى الكرسي و النور النفسي هو الذي مظاهرة في هذا العالم قلوب بني آدم لمن كان له قلب و أعظم المظاهر لأعظم أفراده هو العرش الذي هو قلب العالم الكبير و لهذا نسبه إلى العرش و هو مظهر النور العقلي الذي نسبه إلى الحجاب لأن العقل حجاب للمشاهدة و هو مظهر النور الإلهي الذي نسبه إلى الستر لأنه مستور عن العقول و هذه الأنوار كلها من سنخ واحد بسيط لا تفاوت بينها إلا بالشدة و الضعف لأن حقيقة النور ليست إلا نفس الظهور أعني الظاهر لنفسه المظهر لغيره فلا شي ء أظهر منه و لا يمكن الاطلاع على شي ء من أفراده إلا بالمشاهدة الحضورية و كل ما كان منها أشد ظهورا و أقوى نورا في حد ذاته فهو أبطن و أخفى من إدراك هذه الحواس الظاهرة الجسمانية.

و نسبة كل إلى ما فوقها في شدة

النورية كنسبة الواحد إلى السبعين كما أشار إليه ثم لا نسبة لأعلى طبقاتها إلى الذات الإلهية التي هي نور الأنوار لأنه في شدة النورية فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى فما أضل و أغوى من زعم و ادعى إمكان رؤيته سبحانه بهذه العين و هو ممن يعجز عن تحديق بصره إلى جرم الشمس و إملاء عينه من نورها بلا سحاب

الوافي، ج 1، ص: 385

باب 36 نفي إحاطة أوهام القلوب

[1]
اشارة

306- 1 الكافي، 1/ 98/ 9/ 1 محمد عن ابن عيسى عن التميمي عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه ع في قوله لٰا تُدْرِكُهُ الْأَبْصٰارُ قال إحاطة الوهم أ لا ترى إلى قوله قَدْ جٰاءَكُمْ بَصٰائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ليس يعني بصر العيون فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ليس يعني من البصر بعينه وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهٰا ليس يعني عمي العيون إنما عنى إحاطة الوهم كما يقال فلان بصير بالشعر و فلان بصير بالفقه و فلان بصير بالدراهم و فلان بصير بالثياب اللّٰه أعظم من أن يرى بالعين

بيان

أريد بالوهم بصيرة القلب كما يدل عليه قوله ع في الخبرين الآتيين أوهام القلوب أكبر أو أدق أي بصائرها و مفاد الأخبار الثلاثة أن المراد بالأبصار في الآية الكريمة أبصار القلوب أو ما يشمل أبصار العيون و أبصار القلوب و الأول أظهر من لفظ الحديث و الثاني أقرب إلى أن يكون معنى الآية و على الأول يكون الاقتصار على الأخفى ليفهم منه الأجلى بالطريق الأولى.

الوافي، ج 1، ص: 386

و أما قوله ع أ لا ترى إلى آخر الحديث فالمراد به أن يبين أن للقلب بصرا يسمى بالبصيرة كما أن للعين بصرا و أما قوله في آخر الحديث اللّٰه أعظم من أن يرى بالعين فالمراد به على المعنى الأول أن هذا مما لا يحتاج إلى البيان و إنما المحتاج إلى أن يبين نفي إحاطة الوهم

[2]

307- 2 الكافي، 1/ 98/ 10/ 1 محمد عن أحمد عن أبي هاشم الجعفري عن أبي الحسن الرضا ع قال سألته عن اللّٰه هل يوصف فقال أ ما تقرأ القرآن قلت بلى قال أ ما تقرأ قوله تعالى لٰا تُدْرِكُهُ الْأَبْصٰارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصٰارَ قلت بلى قال فتعرفون الأبصار قلت بلى قال ما هي قلت أبصار العيون فقال إن أوهام القلوب أكبر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام و هو يدرك الأوهام

[3]
اشارة

308- 3 الكافي، 1/ 99/ 11/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه عمن ذكره عن محمد بن عيسى عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال قلت لأبي جعفر ع لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار فقال يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون أنت قد تدرك بوهمك السند و الهند و البلدان التي لم تدخلها و لا تدركها ببصرك و أوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون

بيان

أورد في الكافي بعد هذه الأخبار الثلاثة خبرا آخر في هذا المعنى من كلام هشام بن الحكم تركنا ذكره لعدم وضوحه من أراده فليراجع إليه

الوافي، ج 1، ص: 387

باب 37 نفي الجسم و الصورة و التحديد

[1]

309- 1 الكافي، 1/ 102/ 5/ 1 علي بن محمد و محمد بن الحسن عن سهل عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال كتبت إلى الرجل ع أن من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد فمنهم من يقول جسم و منهم من يقول صورة

الوافي، ج 1، ص: 388

فكتب بخطه سبحان من لا يحد و لا يوصف ليس كمثله شي ء و هو السميع العليم أو قال البصير

[2]
اشارة

310- 2 الكافي، 1/ 102/ 9/ 1 سهل عن بشر بن بشار النيسابوري قال كتبت إلى الرجل ع الحديث بأدنى تفاوت و زاد و لا يشبهه شي ء بعد قوله و لا يوصف

بيان

المراد بالرجل في الحديثين أبو الحسن الثالث ع

[3]
اشارة

311- 3 الكافي، 1/ 103/ 10/ 1 سهل قال كتبت إلى أبي محمد ع سنة خمس و خمسين و مائتين قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد منهم من يقول جسم و منهم من يقول صوره فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه و لا أجوزه فعلت متطولا على عبدك فوقع بخطه ع سألت عن التوحيد و هذا عنكم معزول اللّٰه واحد أحد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد خالق و ليس بمخلوق يخلق تبارك و تعالى ما يشاء من الأجسام و غير ذلك- و ليس بجسم و يصور ما يشاء و ليس بصورة جل ثناؤه و تقدست أسماؤه أن يكون له شبه هو لا غيره لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

الوافي، ج 1، ص: 389

بيان

هذا عنكم معزول إذ ليس لكل أحد أن يخوض في أمر التوحيد لقصور أكثر الناس عن دركه بل يكفيهم أن يعتقدوا أن اللّٰه واحد أحد إلى آخر ما ذكره ع

[4]

312- 4 الكافي، 1/ 104/ 1/ 1 القميان عن صفوان عن علي بن أبي حمزة قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم أن اللّٰه جسم صمدي نوري معرفته ضرورة يمن بها على من يشاء من خلقه فقال ع- سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو ليس كمثله شي ء و هو السميع البصير لا يحد و لا يحس و لا يجس و لا تدركه الأبصار و لا الحواس و لا يحيط به شي ء و لا جسم و لا صورة و لا تخطيط و لا تحديد

[5]

313- 5 الكافي، 1/ 104/ 2/ 1 محمد بن الحسن عن سهل عن حمزة بن محمد قال كتبت إلى أبي الحسن ع أسأله عن الجسم و الصورة فكتب سبحان من ليس كمثله شي ء لا جسم و لا صورة و رواه محمد بن أبي عبد اللّٰه إلا أنه لم يسم الرجل

[6]
اشارة

314- 6 الكافي، 1/ 105/ 4/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه عمن ذكره عن علي بن العباس عن البزنطي عن محمد بن حكيم قال وصفت لأبي إبراهيم ع قول هشام بن سالم الجواليقي و حكيت له قول هشام بن الحكم أنه جسم- فقال إن اللّٰه تعالى لا يشبهه شي ء أي فحش أو خناء أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد و أعضاء تعالى اللّٰه عن ذلك علوا كبيرا

الوافي، ج 1، ص: 390

بيان

الخناء بالخاء المعجمة و النون الفحش

[7]
اشارة

315- 7 الكافي، 1/ 105/ 5/ 1 علي بن محمد رفعه عن محمد بن الفرج الرخجي قال كتبت إلى أبي الحسن ع أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم و هشام بن سالم في الصورة فكتب ع دع عنك حيرة الحيران- و استعذ بالله من الشيطان الرجيم ليس القول ما قال الهشامان

بيان

الرخجي بالراء المهملة ثم الخاء المعجمة المفتوحة و الجيم بعده

[8]
اشارة

316- 8 الكافي، 1/ 106/ 6/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه عن محمد بن إسماعيل عن الحسين بن الحسن عن بكر بن صالح عن الحسن بن سعيد عن ابن المغيرة عن محمد بن زياد قال سمعت يونس بن ظبيان يقول دخلت على أبي عبد اللّٰه ع فقلت له إن هشام بن الحكم يقول قولا عظيما إلا أني أختصر لك منه أحرفا- فزعم أن اللّٰه تعالى جسم لأن الأشياء شيئان جسم و فعل الجسم فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل و يجوز أن يكون بمعنى الفاعل فقال أبو عبد اللّٰه ع ويله أ ما علم أن الجسم محدود متناه و الصورة محدودة متناهية- فإذا احتمل الحد احتمل الزيادة و النقصان و إذا احتمل الزيادة و النقصان كان مخلوقا- قال قلت فما أقول قال لا جسم و لا صورة و هو مجسم الأجسام و مصور

الوافي، ج 1، ص: 391

الصور لم يتجز و لم يتناه و لم يتزايد و لم يتناقص لو كان كما يقولون لم يكن بين الخالق و المخلوق فرق و لا بين المنشئ و المنشأ لكن هو المنشئ فرق بين من جسمه و صوره و أنشأه إذ كان لا يشبهه شي ء و لا يشبه هو شيئا

بيان

في توحيد الصدوق عن صالح بن أبي حماد بعد الحسين بن الحسن و كأنه سقط عن نسخ الكافي فرق بين من جسمه أي بينه و بين من جسمه

[9]
اشارة

317- 9 الكافي، 1/ 106/ 7/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه عن محمد بن إسماعيل عن علي بن العباس عن الحسن بن عبد الرحمن الحماني قال قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر ع إن هشام بن الحكم زعم أن اللّٰه جسم ليس كمثله شي ء سميع بصير عالم قادر متكلم ناطق و الكلام و القدرة و العلم يجري مجرى واحد ليس شي ء منها مخلوقا فقال قاتله اللّٰه أ ما علم أن الجسم محدود و الكلام غير المتكلم معاذ اللّٰه و أبرأ إلى اللّٰه من هذا القول لا جسم و لا صورة و لا تحديد و كل شي ء سواه مخلوق إنما يكون الأشياء بإرادته و مشيته من غير كلام و لا تردد في نفس و لا نطق بلسان

بيان

إنما يكون الأشياء بإرادته إشارة إلى دفع شبهة نشأت من قوله تعالى إِنَّمٰا أَمْرُهُ إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ و هي أن الكلام لو كان مخلوقا لكان مسبوقا بكلام آخر و هو قوله تعالى كن فيلزم التسلسل و الجواب أن المراد منه إرادته و مشيته قال

الوافي، ج 1، ص: 392

الزمخشري في قوله تعالى كُنْ إنه مجاز من الكلام و تمثيل لأنه لا يمتنع عليه شي ء من المكونات و أنه بمنزلة المأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع و في هذا المقام كلام آخر ليس هنا محل ذكره

[10]
اشارة

318- 10 الكافي، 1/ 106/ 8/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن محمد بن حكيم قال وصفت لأبي الحسن ع قول هشام الجواليقي و ما يقول في الشاب الموفق و وصفت له قول هشام بن الحكم فقال إن اللّٰه لا يشبهه شي ء

بيان

يأتي حديث الشاب الموفق و كل ما نسب إلى الهشامين من التشبيه فظني أنه إنما نشأ من سوء الفهم لكلامهما و إلا فالرجلان أجل قدرا من ذلك و أما قول الإمام ع ويله و قاتله اللّٰه فإنما ذلك لتكلمهما بمثل ذلك عند ما لا يفهم و كان لهما و لأمثالهما من موالي أئمتنا ع مرموزات كمرموزات الحكماء الأوائل و تجوزات كتجوزاتهم لا تصل إليها أفهام الجماهير و لهذا نسبوهم إلى التجسيم و التصوير و لعل نقله كلامهم أيضا تصرفوا في الألفاظ و حرفوا الكلم عن مواضعها.

قال الشهرستاني في كتاب الملل و النحل بعد ما نقل أن هشام بن الحكم غلا في حق علي ع و هذا هشام بن الحكم صاحب غور في الأصول لا يجوز أن يغفل عن إلزاماته على المعتزلة فإن الرجل وراء ما يلزم به على الخصم و دون ما يظهره من التشبيه و ذلك أنه ألزم أبا هذيل العلاف فقال إنك تقول الباري تعالى عالم بعلم و علمه ذاته فيشارك المحدثات في أنه عالم بعلم و يباينها في أن علمه ذاته فيكون عالما لا كالعالمين فلم لا تقول أنه جسم لا كالأجسام و صورة لا كالصور و له قدر لا كالأقدار انتهى كلامه و لا شك أن أقوالهما بحسب الظاهر أقوال باطلة و آراء سخيفة متناقضة لكن الرجلين ممدوحان مقبولان وردت في مدحهما روايات فلعل هذه الأقوال رموزات و

تجوزات ظواهرها فاسدة و بواطنها صحيحة.

و لها تأويلات و محامل أولهما في التقول بها مصلحة دينية أو غرض صحيح

الوافي، ج 1، ص: 393

و بالجملة فلعل صدور مثل هذه الكلمات عن مثل هذه الموالي ليس عن محض الجهالة و الغفلة عن معنى الإلهية و التوحيد الخالص عن شوب الكثرة أو صدوره عنهم إنما كان من قبل رجوعهم إلى الحق فقد قيل إن هشام بن الحكم كان قبل وصوله إلى خدمة الصادق ع على رأى جهم بن صفوان فلما وصل إلى خدمته ع تاب و رجع إلى الحق و اللّٰه تعالى أعلم بسرائر عباده

الوافي، ج 1، ص: 395

باب 38 نفي الحركة و الانتقال

[1]
اشارة

319- 1 الكافي، 1/ 125/ 1/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن علي بن عباس الجراذيني عن الحسن بن راشد عن يعقوب بن جعفر الجعفري عن أبي إبراهيم ع قال ذكر عنده قوم يزعمون أن اللّٰه تعالى ينزل إلى سماء الدنيا فقال إن اللّٰه لا ينزل و لا يحتاج إلى أن ينزل إنما منظره في القرب و البعد سواء لم يبعد منه قريب و لم يقرب منه بعيد و لم يحتج إلى شي ء بل يحتاج إليه و هو ذو الطول لا إله إلا هو العزيز الحكيم- أما قول الواصفين أنه ينزل تبارك و تعالى فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة و كل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به فمن ظن بالله الظنون هلك فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد تحدونه بنقص أو

الوافي، ج 1، ص: 396

زيادة أو تحريك أو تحرك أو زوال أو استنزال أو نهوض أو قعود فإن اللّٰه تعالى جل و

عز عن صفة الواصفين و نعت الناعتين و توهم المتوهمين وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرٰاكَ حِينَ تَقُومُ وَ تَقَلُّبَكَ فِي السّٰاجِدِينَ

بيان

ينزل إلى سماء الدنيا إشارة إلى

ما رواه جماعة من المحدثين أن اللّٰه ينزل في الثلث الأخير أو النصف الأخير من كل ليلة و في ليلة الجمعة في أول الليل إلى السماء الدنيا- فينادي فهل من داع هل من مستغفر هل من سائل

الحديث و لما كان تأويله بما لا يوجب تجسيما و لا حركة مما لا يناله فهم الجماهير أعرض ع عن تصحيحه و تكذيبه إلى ما ناسب فهم السائل من ذلك و قد ورد في بعض الروايات تأويله بإنزاله ملكا ينادي بذلك كما يأتي في كتاب الصلاة.

و بالجملة فأصل الحديث ثابت و يأتي في الباب الآتي ما يدل على صحته و من جملة تأويلاته على ما يناسب فهم الخواص ما ذكره أستادنا قدس سره إن المراد بنزوله نزول مبادي رحمته و عنايته و أسباب فيضه و كرمه إلى سماء الدنيا التي هي موضع تقدير الأمور و تقسيم الأرزاق و تخصص بعض الأوقات دون بعض لتفاوت القوابل في صلوحها لقبول الفيض و الرحمة و قرب استعدادها في أوقات مخصوصة فنزول الفاعل كناية عن قرب استعداد القابل لم يبعد منه قريب و لم يقرب منه بعيد تأكيد لنفي الحركة و الانتقال عنه سبحانه يعني أن اللّٰه عز و جل لم يزل على حال واحد لا يجوز عليه النقل من مكان إلى مكان و التحول من حال إلى حال و نسبته إلى جميع الأشياء لم تزل نسبة واحدة لا تتغير و لا تتبدل.

و الطول الفضل و القدرة و الغناء و السعة إلى نقص أو

زيادة و ذلك لأن من ينزل إلى مكان فلا بد أن يكون نزوله لغرض يستكمل به و المستكمل ناقص محتاج إلى زيادة و كمال إلى من يحركه هذا إذا كانت حركته قسرية أو نفسانية فإن الحركة القسرية

الوافي، ج 1، ص: 397

لا بد فيها من قاسر و النفسانية تفتقر إلى داع أو يتحرك به هذا إذا كانت الحركة طبيعية فإنها تحتاج إلى طبيعة بها يتحرك صاحبها الذي يراك حين تقوم استشهاده ع بهذه الآية لبيان إحاطة علمه سبحانه بالأشياء و شموله لها جميعا في جميع الأحوال على نسق واحد ليتبين به أن من كان كذلك لا يحتاج إلى أمثال هذه الأمور

[2]
اشارة

320- 2 الكافي، 1/ 125/ 2/ 1 عنه رفعه عن الحسن بن راشد عن يعقوب بن جعفر عن أبي إبراهيم ع أنه قال لا أقول إنه قائم فأزيله عن مكانه و لا أحده بمكان يكون فيه و لا أحده أن يتحرك في شي ء من الأركان و الجوارح و لا أحده بلفظ شق فم و لكن كما قال تعالى كُنْ فَيَكُونُ بمشيته من غير تردد في نفس صمدا فردا لم يحتج إلى شريك يذكر له ملكه و لا يفتح له أبواب علمه

بيان

فأزيله عن مكانه أي مستقره قبل القيام أو مطلق المستقر فإن القائم كأنه لا استقرار له و لما كان هذا القول منه ع موهما لإثبات المكان له عز و جل تدارك ذلك بقوله و لا أحده بمكان يكون فيه و لا أحده أن يتحرك في شي ء من الأركان و الجوارح أي حركة كمية أو المراد بشي ء منها يعني حركة أينية بكله أو

الوافي، ج 1، ص: 398

ببعضه و هو أظهر فإن حروف الأدوات ينوب بعضها مناب بعض بلفظ شق فم أي بكلمة تخرج من فلقة الفم عند تكلمه و تلفظه في نفس بالتحريك و يحتمل التسكين أي من غير تردد و تفكر و روية في نفس.

يذكر له ملكه أي يذكره إذا نسي أو يدبر له و يعينه في ملكه و سلطانه بذكر ما ينبغي ذكره فيهما و في توحيد الصدوق إلى شريك يكون له في ملكه و هو أظهر و لا يفتح له أي و لم يحتج إلى شريك يفتح له

الوافي، ج 1، ص: 399

باب 39 إحاطته بكل شي ء

[1]
اشارة

321- 1 الكافي، 1/ 125/ 3/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه عن محمد بن إسماعيل عن داود بن عبد اللّٰه عن عمرو بن محمد عن عيسى بن يونس قال قال ابن أبي العوجاء لأبي عبد اللّٰه ع في بعض ما كان يحاوره ذكرت اللّٰه فأحلت على غائب فقال أبو عبد اللّٰه ع ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد و إليهم أقرب من حبل الوريد يسمع كلامهم

الوافي، ج 1، ص: 400

و يرى أشخاصهم و يعلم أسرارهم فقال ابن أبي العوجاء أ هو في كل مكان أ ليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض و

إذا كان في الأرض كيف يكون في السماء فقال أبو عبد اللّٰه ع إنما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل من مكان اشتغل به مكان و خلا منه مكان فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما يحدث في المكان الذي كان فيه فأما اللّٰه العظيم الشأن الملك الديان فلا يخلو منه مكان و لا يشتغل به مكان و لا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان

بيان

محمد بن إسماعيل هو البرمكي و عمرو بن محمد هو الأسدي من رجال الكاظم ع و عيسى بن يونس هو الشاكري الكوفي كذا قيل فأحلت من الحوالة و حبل الوريد عرق في العنق

[2]
اشارة

322- 2 الكافي، 1/ 128/ 10/ 1 الثلاثة عن هشام بن الحكم قال قال أبو شاكر الديصاني إن في القرآن آية هي قولنا قلت و ما هي فقال وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّمٰاءِ إِلٰهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلٰهٌ فلم أدر بما أجيبه فحججت فخبرت أبا عبد اللّٰه ع فقال هذا كلام زنديق خبيث إذا رجعت إليه فقل له ما اسمك بالكوفة فإنه يقول فلان فقل ما اسمك بالبصرة فإنه يقول فلان فقل كذلك اللّٰه ربنا في السماء إله و في الأرض إله و في البحار إله و في القفار إله و في كل مكان إله قال فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته فقال هذه نقلت من الحجاز

الوافي، ج 1، ص: 401

بيان

هي قولنا أي دالة على ما ذهبنا إليه من أن فاعل الأشياء متعدد فحججت أي ذهبت إلى مكة و حججت فلقيت أبا عبد اللّٰه ع هناك فخبرته في السماء إله أي معبود لأن الجامد العلمي لا يتعلق بالظرف إلا أنه ع ألزمه بما هو أوضح و أقرب إلى فهمه

[3]
اشارة

323- 3 الكافي، 1/ 126/ 5/ 1 العدة عن البرقي عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن أبي عبد اللّٰه ع في قوله تعالى مٰا يَكُونُ مِنْ نَجْوىٰ ثَلٰاثَةٍ إِلّٰا هُوَ رٰابِعُهُمْ وَ لٰا خَمْسَةٍ إِلّٰا هُوَ سٰادِسُهُمْ فقال هو واحد واحدي الذات بائن من خلقه و بذاك وصف نفسه- و هو بكل شي ء محيط بالإشراف و الإحاطة و القدرة لٰا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقٰالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ لٰا فِي الْأَرْضِ وَ لٰا أَصْغَرُ مِنْ ذٰلِكَ وَ لٰا أَكْبَرُ بالإحاطة و العلم لا بالذات- لأن الأماكن محدودة يحويها حدود أربعة فإذا كان بالذات لزمها الحواية

بيان

نجوى صيغة جمع بمعنى متناجين لما كان ظاهر قوله سبحانه رابعهم و سادسهم

الوافي، ج 1، ص: 402

يوهم كونه عز و جل معدودا مع خلقه حاصلا في عدادهم واقعا في جملتهم كأنه أحدهم مع أنه سبحانه مقدس عن الوحدة العددية كتقدسه عن الكثرة العددية نفى ع أولا عنه سبحانه خواص المعدودية دفعا لهذا التوهم ثم شرع في تأويل الآية و بيان معناها فقوله ع واحد أي لا ثاني له يصح أن يعد معه واحدي الذات أي لا تركيب فيه فيكون ما به الامتياز منه غير ما به الاشتراك ليصح أن يعد مع غيره بائن من خلقه أي لا يشبههم حتى يجوز أن يكون واحدا منهم.

و بذلك وصف نفسه حيث قال عز و جل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ و إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ مُحِيطٌ هذا شروع في تمهيد بيان معنى الآية لا يعزب لا يغيب و لا يذهب و قوله ع بالإحاطة و العلم متعلق بالآية و بيان لها يعني أنه عز و جل إنما هو رابع الثلاثة

النجوى و سادس الخمسة المتناجين باحاطته بهم و معيته لهم و علمه بما يتناجون به و حضوره في تناجيهم و شهوده لديهم لا أنه تعالى واحد منهم و في عدادهم بذاته المقدسة لأن ذلك يستلزم الحد و المكان و الحواية و أما تعليق قوله ع بالإحاطة و العلم بقوله بكل شي ء محيط أو بقوله لا يعزب فبعيد عن مقام تأويل الآية و بيانها و حل الإشكال و تطبيق الجواب للسؤال أن قيل قد قال اللّٰه سبحانه لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اللّٰهَ ثٰالِثُ ثَلٰاثَةٍ فكيف التوفيق بينه و بين هذه الآية قلنا ليس هذه مثل هذه فإنه هناك أضيف الثالث إلى الثلاثة و هاهنا لم يضف الرابع إلى الأربعة بل أضيف إلى الثلاثة فالأول صريح في أن الثالث من جنس الثلاثة و في عدادهم غير قابل للتأويل بخلاف الأخير.

فإن رابع الثلاثة لا يلزم أن يكون من جنس الثلاثة و في عدادهم بل يجوز أن يكون على نحو آخر بأن يكون محيطا بهم عالما بما اشتركوا فيه من الجهة الجامعة فلو قيل ثالث اثنين مكان قولهم ثالث ثلاثة لم يلزم كفر فأحسن التأمل فيه فإنه لا يخلو من دقة وفقك اللّٰه لفهمه.

الوافي، ج 1، ص: 403

و في توحيد الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده عن يعقوب بن جعفر الجعفري عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر ع قال إن اللّٰه تعالى لم يزل بلا زمان و لا مكان- و هو الآن كما كان لا يخلو منه مكان و لا يشتغل به مكان و لا يحل في مكان ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم و لا خمسة إلا هو سادسهم و لا أدنى من ذلك و لا أكثر

إلا هو معهم أينما كانوا ليس بينه و بين خلقه حجاب غير خلقه احتجب بغير حجاب محجوب و استتر بغير ستر مستور لا إله إلا هو الكبير المتعال

قوله حجاب محجوب و ستر مستور إنما هو على الإضافة دون التوصيف أي الحجاب الذي يكون للمحجوب و الستر الذي يكون للمستور و للمتكلفين فيه كلمات أخر بعيدة

و بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن قال قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر ع لأي علة عرج اللّٰه بنبيه إلى السماء و منها إلى سدرة المنتهى و منها إلى حجب النور- و خاطبه و ناجاه هناك و اللّٰه لا يوصف بمكان فقال ع إن اللّٰه لا يوصف بمكان و لا يجري عليه زمان و لكنه عز و جل أراد أن يشرف به ملائكته و سكان سماواته- و يكرمهم بمشاهدته و يريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه و ليس ذلك على ما يقوله المشبهون سُبْحٰانَهُ وَ تَعٰالىٰ عَمّٰا يُشْرِكُونَ

انتهى كلامه ع.

و لعل ما يقوله المشبهون أنه تعالى إنما عرج به ليقرب منه فيخاطبه على قرب و لم يدروا أن قربه من كل مكان سواء

[4]
اشارة

324- 4 الكافي، 1/ 126/ 4/ 1 علي بن محمد عن سهل عن محمد بن عيسى محمد بن جعفر الكوفي عن محمد الكوفي عن محمد بن عيسى قال كتبت إلى أبي الحسن علي بن محمد ع جعلني اللّٰه فداك

الوافي، ج 1، ص: 404

يا سيدي قد روي لنا أن اللّٰه في موضع دون موضع على العرش استوى و أنه ينزل كل ليلة في النصف الأخير إلى السماء الدنيا و روي أنه ينزل عشية عرفة ثم يرجع إلى موضعه فقال بعض مواليك في ذلك

إذا كان في موضع دون موضع فقد يلاقيه الهواء و يتكنف عليه و الهواء جسم رقيق يتكنف على كل شي ء على كل شي ء بقدره فكيف يتكنف عليه جل و عز على هذا المثال فوقع ع علم ذلك عنده و هو المقدر له بما هو أحسن تقديرا و اعلم أنه إذا كان في السماء الدنيا فهو كما هو على العرش و الأشياء كلها له سواء علما و قدرة و ملكا و إحاطة

بيان

تكنفه و اكتنفه بمعنى أي أحاط به و التعدية بعلى للتضمين فهو كما هو على العرش يعني إذا نزل إلى سماء الدنيا فليس أنه ينصرف و يزول عن الموضع الذي نسب إليه قبل ذلك و إذا كان مع شي ء لم تبطل معيته لشي ء آخر بل هو دائما بحال واحد من غير تفاوت في قربه و بعده و إنما التفاوت من جهة الأشياء في قربها و بعدها منه تعالى لتفاوت مراتبها و درجاتها في الكمال و النقص و إنما أجمل ع في الجواب لغموض سر النزول و عدم نيل فهم السائل إليه

الوافي، ج 1، ص: 405

باب 40 النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى

[1]
اشارة

325- 1 الكافي، 1/ 100/ 1/ 1 علي عن العباس بن معروف عن التميمي عن حماد بن عثمان عن عبد الرحيم بن عتيك القصير قال كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللّٰه ع أن قوما بالعراق يصفون اللّٰه تعالى بالصورة و بالتخطيط فإن رأيت جعلني اللّٰه فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد فكتب إلي سألت رحمك اللّٰه عن التوحيد- و ما ذهب إليه من قبلك فتعالى اللّٰه الذي ليس كمثله شي ء و هو السميع البصير- تعالى عما يصفه الواصفون المشبهون اللّٰه بخلقه المفترون على اللّٰه فاعلم رحمك اللّٰه- أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات اللّٰه تعالى فأنف

الوافي، ج 1، ص: 406

عن اللّٰه تعالى البطلان و التشبيه فلا نفي و لا تشبيه هو اللّٰه الثابت الموجود تعالى اللّٰه عما يصفه الواصفون و لا تعدوا القرآن فتضلوا بعد البيان

بيان

أمر بنفي البطلان و التشبيه لأن جماعة أرادوا تنزيه اللّٰه سبحانه عن مشابهة المخلوقات فوقعوا في البطلان و التعطيل و أخرى أرادوا أن يصفوه بصفات ليعرفوه فأثبتوا له صفات غير لائقة بذاته فشبهوه بخلقه فهم بين معطل و مشبه فالواجب على المسلم أن لا يقول بنفي الصفات رأسا و لا بإثباتها على وجه التشبيه قوله هو اللّٰه الثابت الموجود إشارة إلى نفي البطلان و قوله تعالى اللّٰه عما يصفه الواصفون إشارة إلى نفي التشبيه و لا تعدوا القرآن أي لا تجاوزوا ما فيه

[2]
اشارة

326- 2 الكافي، 1/ 100/ 3/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه عن محمد بن إسماعيل عن الحسين بن الحسن عن بكر بن صالح عن الحسن بن سعيد عن إبراهيم بن محمد الخراز و محمد بن الحسين قالا دخلنا على أبي الحسن الرضا ع فحكينا له أن محمدا ص رأى ربه في صورة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة و قلنا إن هشام بن سالم و صاحب الطاق و الميثمي يقولون إنه أجوف إلى السرة و البقية صمد فخر ساجدا لله سبحانه ثم قال سبحانك ما عرفوك و لا وحدوك فمن أجل ذلك وصفوك سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن يشبهوك بغيرك اللهم لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك و لا أشبهك بخلقك أنت أهل لكل خير فلا تجعلني من القوم الظالمين ثم التفت إلينا فقال ما توهمتم من شي ء فتوهموا اللّٰه غيره ثم قال نحن آل محمد النمط الأوسط الذي لا يدركنا الغالي و لا يسبقنا التالي يا محمد إن رسول اللّٰه ص حين نظر إلى

الوافي، ج 1، ص: 407

عظمة ربه

كان في هيئة الشاب الموفق و سن أبناء ثلاثين سنة يا محمد عظم ربي و جل أن يكون في صفة المخلوقين قال قلت جعلت فداك من كانت رجلاه في خضرة قال ذلك محمد ص كان إذا نظر إلى ربه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب حتى يستبين له ما في الحجب إن نور اللّٰه منه أخضر و منه أحمر و منه أبيض و منه غير ذلك يا محمد ما شهد له الكتاب و السنة فنحن القائلون به

بيان

الموفق الذي وصل في الشباب إلى الكمال و جمع بين تمام الخلقة و كمال المعنى في الجمال أو الذي هيئت له أسباب الطاعة و العبادة و صاحب الطاق هو أبو جعفر محمد بن النعمان الأحول المعروف بمؤمن الطاق و الميثمي هو أحمد بن الحسن و الصمد يقابل الأجوف يعني به المصمت و توجيه كلامهم أنهم زعموا أن العالم كله شخص واحد و ذات واحدة له جسم و روح فجسمه جسم الكل أعني الفلك الأقصى بما فيه و روحه روح الكل و المجموع صورة الحق الإله.

فقسمه الأسفل الجسماني أجوف لما فيه من معنى القوة الإمكانية و الظلمة الهيولوية الشبيهة بالخلاء و العدم و قسمه الأعلى الروحاني صمد لأن الروح العقلي موجود فيه بالفعل بلا جهة إمكان استعدادي و مادة ظلمانية تعالى اللّٰه عن التشبيه و التمثيل و لما سمع ع مقالتهم الناشئة عن عدم العرفان و جرأتهم في حق اللّٰه الصادرة عن الجهل و العصيان سقط ساجدا لله تعظيما له و استبعادا عما وقع منهم من الاجتراء و الافتراء في حقه تعالى و تحاشيا عن ذلك ثم سبحه تعالى تنزيها له و تقديسا ثم تعجب من انسلاخ نفوسهم

عما فطرهم اللّٰه عليه من التوحيد ثم خاطب اللّٰه و ناداه ببراءة نفسه القدسية عن مثل ما يصفه المشبهون ثم مهد قاعدة كلية بقوله

الوافي، ج 1، ص: 408

كل ما توهمتم من شي ء فتوهموا اللّٰه غيره و هو ما مر مرارا في كلامهم ع و سيأتي في غير موضع موافقا لما

روي عن جده أبي جعفر الباقر ع كل ما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم

و لعل النمل الصغار يتوهم أن لله زبانيين فإن ذلك كمالها و يتوهم أن عدمهما نقصان لمن لم يتصف بهما و هكذا حال العقلاء فيما يصفون اللّٰه تعالى به و الزباني القرن و النمط الطريقة و النوع من الشي ء و الجماعة من الناس أمرهم واحد أراد ع نحن على الطريقة الوسطى من أمر الدين و على النوع الوسط منه و الجماعة الأوسط فيه القائمون بالقسط و العدل لا نفرط و لا نفرط لا نغلو و لا نقصر أما الغالي فقد جاوزنا بغيا و عدوا و لا يدركنا إلا أن يرجع إلينا و أما التالي فلم يصل بعد إلينا و ليس له أن يسبقنا قال اللّٰه عز و جل وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنٰاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدٰاءَ عَلَى النّٰاسِ.

و في الحديث النبوي خير هذه الأمة النمط الأوسط يلحق بهم التالي و يرجع إليهم الغالي

ثم إنه ع أول الحديث النبوي الذي رواه العامة في ذلك و صدقه و أكد التصديق في آخر الحديث بقوله ما شهد له الكتاب و السنة فنحن القائلون به.

قال السيد الداماد تغمده اللّٰه بغفرانه الحجب من ضروب ملائكة اللّٰه هي جواهر قدسية و أنوار عقلية هم حجب أشعة جمال نور الأنوار و وسائط النفوس الكاملة

في الاتصال بجناب رب الأرباب جل سلطانه و بهر برهانه

و في الحديث إن لله سبعا و سبعين حجابا من نور لو كشف عن وجهه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره

و في رواية سبعمائة حجاب و في أخرى سبعين ألف حجاب و في أخرى حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه قال و النفس الإنسانية إذا استكملت ذاتها الملكوتية و نفضت جلبابها الهيولاني ناسبت

الوافي، ج 1، ص: 409

نوريتها نورية تلك الأنوار و شابهت جوهريتها فاستحقت الاتصال و الانخراط في زمرتها و الاستفادة منها و مشاهدة أضوائها و مطالعة ما في ذواتها من صور الحقائق المنطبعة فيها.

و إلى ذلك الإشارة بقوله ع جعله في نور مثل نور الحجب حتى يستبين له ما في الحجب و النور الأخضر هو النور الموكل على أقاليم الأرواح الحيوانية التي هي ينابيع عيون الحياة و منابع خضرتها و الأحمر هو النور العامل على ولايات المنة و القوة و القهر و النور الأبيض هو النور المتولي لأمور إفاضة المعارف و العلوم و الصناعات.

و قال أستادنا أسكنه اللّٰه الفردوس الحجب النورانية متفاوتة النورية بعضها أخضر و منه أحمر و أبيض و منه غير ذلك فالنور الأبيض ما هو أقرب من نور الأنوار و الأخضر ما هو أبعد منه فكأنه ممتزج بضرب من الظلمة لقربه من ليالي حجب الأجرام الفلكية و غيرها و الأحمر هو المتوسط بينهما و ما بين كل اثنين من الثلاثة من الأنوار ما يناسبهما فاعتبر بأنوار الصبح و الشفق المختلفة في الألوان لقربها و بعدها من نور الأنوار الحسية أعني نور الشمس.

فالقريب من النهار هو الأبيض و البعيد منه الممتزج بظلمة الليل هو

الأخضر و المتوسط بينهما هو الأحمر ثم ما بين كل اثنين ألوان أخرى مناسبة كالصفرة ما بين الحمرة و البياض و البنفسجية ما بين الخضرة و الحمرة فتلك أنوار إلهية واقعة في طريق الذاهب إلى اللّٰه بقدمي الصدق و العرفان لا بد من مروره عليها حتى يصل إليه تعالى فربما يتمثل لبعض السلاك في كسوة الأمثلة الحسية و ربما لا يتمثل

[3]
اشارة

327- 3 الكافي، 1/ 102/ 4/ 1 علي بن محمد و محمد بن الحسن عن سهل عن أحمد بن بشير البرقي عن عباس بن عامر القصباني عن هارون بن الجهم عن أبي حمزة عن علي بن الحسين ع قال لو اجتمع أهل السماء و الأرض أن يصفوا اللّٰه بعظمته لم يقدروا

الوافي، ج 1، ص: 410

بيان

يعني أن يصفوه على ما هو عليه من العظمة

[4]

328- 4 الكافي، 1/ 102/ 6/ 1 سهل عن محمد بن عيسى عن إبراهيم عن محمد بن حكيم قال كتب أبو الحسن موسى بن جعفر ع إلى أبي إن اللّٰه أعلى و أجل و أعظم من أن يبلغ كنه صفته فصفوه بما وصف به نفسه و كفوا عما سوى ذلك

[5]

329- 5 الكافي، 1/ 102/ 7/ 1 عنه عن السندي بن الربيع عن ابن أبي عمير عن حفص أخي مرازم عن المفضل قال سألت أبا الحسن ع عن شي ء من الصفة قال لا تجاوز ما في القرآن

[6]

330- 6 الكافي، 1/ 102/ 8/ 1 عنه عن محمد بن علي القاساني قال كتبت إليه أن من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد قال فكتب سبحان من لا يحد و لا يوصف- ليس كمثله شي ء و هو السميع البصير

[7]

331- 7 الكافي، 1/ 100/ 2/ 1 النيسابوريان عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي حمزة قال قال لي علي بن الحسين ع يا أبا حمزة إن اللّٰه لا يوصف بالمحدودية عظم ربنا عن الصفة

الوافي، ج 1، ص: 411

و كيف يوصف بمحدودية من لا يحد و لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير

[8]

332- 8 الكافي، 1/ 103/ 11/ 1 عنهما عن حماد بن عيسى عن ربعي عن الفضيل بن يسار قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول إن اللّٰه لا يوصف و كيف يوصف و قد قال في كتابه وَ مٰا قَدَرُوا اللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ فلا يوصف بقدر إلا كان أعظم من ذلك

[9]

333- 9 الكافي، 1/ 103/ 12/ 1 علي بن محمد عن سهل أو غيره عن محمد بن سليمان عن علي بن إبراهيم عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال إن اللّٰه عظيم رفيع لا يقدر العباد على صفته و لا يبلغون كنه عظمته لٰا تُدْرِكُهُ الْأَبْصٰارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصٰارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الحديث و قد مر

الوافي، ج 1، ص: 413

باب 41 تأويل ما يوهم التشبيه

[1]

334- 1 الكافي، 1/ 127/ 6/ 1 علي بن محمد و محمد بن الحسن عن سهل عن الخشاب عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّٰه ع أنه سئل عن قول اللّٰه عز و جل الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ فقال استوى على كل شي ء فليس شي ء أقرب إليه من شي ء

[2]

335- 2 الكافي، 1/ 128/ 7/ 1 بهذا الإسناد عن سهل عن السراد عن محمد بن مارد أن أبا عبد اللّٰه ع سئل عن قول اللّٰه عز و جل الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ فقال استوى من كل شي ء فليس شي ء أقرب إليه من شي ء

[3]
اشارة

336- 3 الكافي، 1/ 128/ 8/ 1 عنه عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان عن البجلي قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه تعالى- الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ فقال استوى في كل شي ء فليس شي ء أقرب إليه من شي ء لم يبعد منه بعيد و لم يقرب منه قريب استوى في كل شي ء

الوافي، ج 1، ص: 414

بيان

فسر ع الاستواء باستواء النسبة و العرش بمجموع الأشياء إذ هو عبارة عن الجسم المحيط بجميع الأجسام مع كل ما فيه كما يأتي تفسيره و ضمن الاستواء ما يتعدى بعلى كالاستيلاء و الإشراف و نحوهما لموافقة الآية فيصير المعنى استوى نسبته إلى كل شي ء حال كونه مستوليا على الكل ففي الآية دلالة على نفي المكان الخاص عنه سبحانه خلاف ما يفهمه الجمهور منها من دلالتها على إثبات المكان و فيها أيضا إشارة إلى معيته القيومية و اتصاله المعنوي بكل شي ء على السواء على الوجه الذي لا ينافي أحديته و قدس جلاله و إفاضته الرحمة على الجميع على نسبة واحدة و إحاطة علمه بالكل بنحو واحد و قربه من كل شي ء على نهج سواء و أتى بلفظة من في الحديث الثاني تحقيقا لمعنى الاستواء في القرب و البعد و بلفظة في في الثالث تحقيقا لمعنى ما يستوي فيه.

و أما اختلاف المقربين كالأنبياء و الأولياء مع البعداء كالشياطين و الكفار في القرب و البعد فليس ذلك من قبله سبحانه بل من جهة تفاوت نفوسهم في ذواتها و إنما نسب الاستواء إلى الرحمن لأنه إنما استوى بالنسبة إلى الكل بالرحمة العامة الشاملة المدلول عليها بهذه اللفظة دون غيرها

[4]

337- 4 الكافي، 1/ 128/ 9/ 1 عنه عن محمد عن ابن عيسى عن الحسين عن النضر عن عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه ع قال من زعم أن اللّٰه من شي ء أو في شي ء أو على شي ء فقد كفر قلت فسر لي قال أعني بالحواية من الشي ء له أو بإمساك له أو من شي ء سبقه

[5]
اشارة

338- 5 الكافي، 1/ 128/ 9/ 1 و في رواية أخرى من زعم أن اللّٰه من شي ء فقد جعله محدثا و من زعم أنه في شي ء فقد جعله محصورا و من زعم أنه على شي ء

الوافي، ج 1، ص: 415

فقد جعله محمولا

بيان

الباء في بالحواية و بإمساك متعلق بمحذوف تقديره أعني بقوله في شي ء كونه بالحواية من الشي ء له و بقولي على شي ء كونه بإمساك من الشي ء له و بقولي من شي ء كونه من شي ء سبقه فالحواية تفسير لفي و الإمساك لعلي و السبق لمن و النشر على غير ترتيب اللف

[6]
اشارة

339- 6 الكافي، 1/ 134/ 4/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه عن عبد اللّٰه بن بحر عن الخراز عن محمد قال سألت أبا جعفر ع عما يروون- أن اللّٰه خلق آدم على صورته- فقال هي صورة محدثة مخلوقة اصطفاها اللّٰه تعالى و اختارها على سائر الصور المختلفة فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه و الروح إلى نفسه- فقال بَيْتِيَ- وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي

بيان

لما كان في إضافة الصورة و الروح و نحوهما إلى اللّٰه سبحانه ما يوهم كون اللّٰه سبحانه جسما ذا صورة و روح و كون الصورة غير مخلوقة بل قديمة اندفع السائل إلى مثل هذا السؤال في هذا الخبر و ما بعده و أجيب بما أجيب و حاصل الجواب أن الصورة المضافة إلى اللّٰه سبحانه ليست صورته عز و جل بل هي صورة مخلوقة له سبحانه اصطفاها اللّٰه على سائر الصور ثم أضافها إلى نفسه و كذا الكلام في الروح

الوافي، ج 1، ص: 416

[7]

340- 7 الكافي، 1/ 133/ 1/ 1 العدة عن ابن عيسى عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن مؤمن الطاق قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن الروح التي في آدم ع قوله فَإِذٰا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي قال هذه روح مخلوقة و الروح التي في عيسى مخلوقة

[8]

341- 8 الكافي، 1/ 133/ 2/ 1 العدة عن ابن عيسى عن الحجال عن ثعلبة عن حمران قال سألت أبا جعفر ع عن قول اللّٰه تعالى وَ رُوحٌ مِنْهُ قال هي روح اللّٰه مخلوقة خلقها في آدم و عيسى

[9]
اشارة

342- 9 الكافي، 1/ 133/ 3/ 1 محمد عن أحمد عن محمد بن خالد عن القاسم بن عروة عن عبد الحميد الطائي عن محمد قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه تعالى وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي كيف هذا النفخ فقال إن الروح متحرك كالريح و إنما سمي روحا لأنه اشتق اسمه من الريح و إنما أخرجه على لفظة الريح لأن الأرواح مجانس للريح و إنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح كما قال لبيت من البيوت بيتي و لرسول من

الوافي، ج 1، ص: 417

الرسل خليلي و أشباه ذلك و كل ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبر

بيان

الروح و إن لم يكن في أصل جوهره من هذا العالم إلا أن له مظاهر و مجالي في الجسد و أول مظهر له فيه بخار لطيف دخاني شبيه في لطافته و اعتداله بالجرم السماوي و يقال له الروح الحيواني و هو مستوى الروح الأمري الرباني و مركبة و مطية قواه فعبر ع عن الروح بمظهره تقريبا له إلى الأفهام لأنها قاصرة عن فهم حقيقته كما أشير إليه بقوله تعالى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ مٰا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلّٰا قَلِيلًا و لأن مظهره هذا هو المنفوخ حقيقة دون أصله

[10]
اشارة

343- 10 الكافي، 1/ 143/ 1/ 1 محمد عن ابن عيسى عن علي بن النعمان عن سيف بن عميرة عمن ذكره عن الحارث بن المغيرة النصري قال سئل أبو عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه تعالى كُلُّ شَيْ ءٍ هٰالِكٌ إِلّٰا وَجْهَهُ فقال ما يقولون فيه- قلت يقولون يهلك كل شي ء إلا وجه اللّٰه فقال سبحان اللّٰه لقد قالوا قولا عظيما إنما عنى بذلك وجه اللّٰه الذي يؤتى منه

بيان

إنما تعجب ع من قولهم و استعظمه لأن إطلاق الوجه بظاهره عليه تشبيه له سبحانه و تجسيم إياه و يعني بوجه اللّٰه الذي يؤتى منه الذي يهدي العباد إلى اللّٰه تعالى و إلى معرفته من نبي أو وصي أو عقل كامل بذلك وفي فإنه وجه اللّٰه الذي يؤتى اللّٰه منه و ذلك لأن الوجه ما يواجه به و اللّٰه سبحانه إنما يواجه عباده و يخاطبهم

الوافي، ج 1، ص: 418

بواسطة نبي أو وصي أو عقل كامل.

و في حديث آخر جعل الضمير في وجهه راجعا إلى الشي ء و وجه الشي ء ما يقابل منه إلى اللّٰه تعالى و هو روحه و حقيقته و ملكوته و محل معرفة اللّٰه منه التي تبقى بعد فناء جسمه و شخصه و المعنيان متقاربان و ربما يفسر الوجه بالذات

[11]
اشارة

344- 11 الكافي، 1/ 143/ 2/ 1 العدة عن البرقي عن البزنطي عن صفوان الجمال عن أبي عبد اللّٰه ع في قول اللّٰه تعالى كُلُّ شَيْ ءٍ هٰالِكٌ إِلّٰا وَجْهَهُ- قال من أتى اللّٰه بما أمر به من طاعة محمد ص فهو الوجه الذي لا يهلك و كذلك قال مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ

بيان

يعني كل مطيع لله و لرسوله متوجه إلى اللّٰه فهو باق في الجنان أبد الآبدين و هو وجه اللّٰه في خلقه يواجه اللّٰه تعالى به عباده و من هو بخلافه فهو في النيران مع الهالكين قوله و كذلك قال إشارة إلى أن إطاعته للرسول توجه منه إلى اللّٰه سبحانه و إلى وجهه و توجه من اللّٰه تعالى به إلى خلقه و هو السبب في تسميته وجه اللّٰه و إضافته إليه

[12]
اشارة

345- 12 الكافي، 1/ 143/ 3/ 1 محمد عن ابن عيسى عن محمد بن سنان عن أبي سلام النخاس عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر ع قال نحن المثاني

الوافي، ج 1، ص: 419

التي أعطاها اللّٰه نبينا محمد ص و نحن وجه اللّٰه نتقلب في الأرض بين أظهركم و نحن عين اللّٰه في خلقه و يده المبسوطة بالرحمة على عباده- عرفنا من عرفنا و جهلنا من جهلنا و إمامة المتقين

بيان

نحن المثاني إشارة إلى قوله عز و جل وَ لَقَدْ آتَيْنٰاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثٰانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ و المثاني جمع مثناة من التثنية أو جمع مثنية من الثناء قال الشيخ الصدوق رحمه اللّٰه معنى قوله نحن المثاني أي نحن الذين قرننا النبي ص إلى القرآن و أوصى بالتمسك بالقرآن و بنا و أخبر أمته أنا لا نفترق حتى نرد عليه حوضه.

و أقول لعلهم ع إنما عدوا سبعا باعتبار أسمائهم فإنها سبعة و على هذا فيجوز أن تجعل المثاني من الثناء و أن تجعل من التثنية باعتبار تثنيتهم مع القرآن أو تجعل كناية عن عددهم الأربعة عشر بأن يجعل نفسه واحدا منهم بالتغاير الاعتباري بين المعطي و المعطى له و الظهر كناية عن الذات كما يقال للمرأة أنت علي كظهر أمي أي كذات أمي و إنما كانوا ع عين اللّٰه لأن اللّٰه سبحانه بهم ينظر إلى عباده نظر الرحمة و يده لأنه بهم يربيهم و إمامة المتقين عطف على المنصوب في جهلنا

[13]
اشارة

346- 13 الكافي، 1/ 144/ 5/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه عن محمد بن إسماعيل عن الحسين بن الحسن عن بكر بن صالح عن الحسن بن سعيد عن الهيثم بن

الوافي، ج 1، ص: 420

عبد اللّٰه عن مروان بن صباح قال قال أبو عبد اللّٰه ع إن اللّٰه خلقنا فأحسن خلقنا و صورنا فأحسن صورنا و جعلنا عينه في عباده و لسانه الناطق في خلقه و يده المبسوطة على عباده بالرأفة و الرحمة و وجهه الذي يؤتى منه و بابه الذي يدل عليه و خزانة في سمائه و أرضه بنا أثمرت الأشجار و أينعت الثمار و جرت الأنهار و بنا ينزل غيث السماء

و ينبت عشب الأرض و بعبادتنا عبد اللّٰه و لو لا نحن ما عبد اللّٰه

بيان

حسن الخلق عبارة عن اعتدال المزاج و استواء أجزائه و حسن الصورة عبارة عن تناسب الأعضاء و الأشكال و الهيئات و هما في الأكثر يكونان على حسب شرافة الروح و ذكائها و حسن أخلاقها و اتصافها بالملكات الفاضلة و سلامتها من الأمراض الباطنة و الرذائل النفسانية فالروح الأكمل إنما يكون للمزاج الأعدل و إنما هم عين اللّٰه من

الوافي، ج 1، ص: 421

حيث كونهم واسطة في رؤيته تعالى للمخلوقات باعتبار و باعتبار آخر بالعكس و لسان اللّٰه من حيث كونهم واسطة في إنشاء الكلام و تبليغه إلى العباد و يد اللّٰه من حيث كونهم واسطة في تصريف الأشياء و وجه اللّٰه من حيث أن بهم يتوجه اللّٰه إلى الخلائق و بهم يتوجه العباد إلى اللّٰه و باب اللّٰه من حيث أن بهم يدخلون إلى دار رحمته و منازل كرامته و خزان اللّٰه من حيث أن عندهم العلم بحقائق الأشياء على الإجمال.

و أما أن بهم أثمرت الأشجار إلى آخر ما قال فلكونهم المقصود من الوجود و الإيجاد و أما أن بعبادتهم عبد اللّٰه فلأن العبادة إنما تصح على المعرفة الكاملة و ليست إلا لهم كما قال سبحانه وَ مٰا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّٰهِ إِلّٰا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ و ينع الثمر بتقديم المثناة التحتانية على النون نضجه و إدراكه أي صارت نضيجة و العشب بالتسكين الكلاء الرطب

[14]
اشارة

347- 14 الكافي، 1/ 144/ 6/ 1 محمد عن محمد بن الحسين عن ابن بزيع عن عمه حمزة بن بزيع عن أبي عبد اللّٰه ع في قول اللّٰه تعالى فَلَمّٰا آسَفُونٰا انْتَقَمْنٰا مِنْهُمْ فقال إن اللّٰه تعالى لا يأسف كأسفنا و لكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون و يرضون و هم

مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه و سخطهم سخط نفسه لأنه جعلهم الدعاة إليه و الأدلاء عليه فلذلك صاروا كذلك و ليس أن ذلك يصل إلى اللّٰه كما يصل إلى خلقه لكن هذا معنى ما قال من ذلك و قد قال من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة و دعاني إليها و قال مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ و قال إِنَّ الَّذِينَ يُبٰايِعُونَكَ إِنَّمٰا يُبٰايِعُونَ اللّٰهَ يَدُ اللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ- فكل هذا و شبهه على ما ذكرت لك و هكذا الرضا و الغضب و غيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك و لو كان يصل إلى اللّٰه الأسف و الضجر و هو الذي

الوافي، ج 1، ص: 422

خلقهما و أشباههما لجاز لقائل هذا أن يقول إن الخالق يبيد يوما ما لأنه إذا دخله الغضب و الضجر دخله التغيير و إذا دخله التغيير لم يؤمن عليه بالإبادة ثم لم يعرف المكون من المكون و لا القادر من المقدور عليه و لا الخالق من المخلوق- تعالى اللّٰه عن هذا القول علوا كبيرا بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة فإذا كان لا لحاجة استحال الحد و الكيف فيه فافهم إن شاء اللّٰه تعالى

بيان

آسفونا أغضبونا يبيد يهلك و الإبادة الإهلاك اعلم أن الولي الكامل لما قويت ذاته بحيث وسع قلبه و انشرح صدره و صار جالسا في مقام التمكين على الحد المشترك بين الحق و الخلق غير محتجب بأحدهما عن الآخر فحينئذ كلما يصدر عنه من الأعمال و الأفعال و المجاهدات و المخاصمات و غيرها كان لله و بالله و من اللّٰه و في اللّٰه فإن غضب كان غضبه بالله و لله و إن رضي كان رضاه كذلك.

فهكذا في

جميع ما يفعل أو ينفعل إلا أن صفات الوجود تختلف بحسب المواطن و المقامات إنما تكون في كل بحسبه فالغضب مثلا في الجسم جسماني يظهر بثوران الدم و حرارة الجلد و حمرة الوجه و في النفس نفساني إدراكي يظهر بإرادة الانتقام و التشفي عن الغيظ و في العقل عقلي يظهر بالحكم الشرعي بتعذيب طائفة أو حربهم لإعلاء دين اللّٰه و في اللّٰه سبحانه ما يليق بمفهومات صفاته الموجودة بوجود ذاته و كذا الشهوة فإنها في النبات الميل إلى جذب الغذاء و النمو و في الحيوان الميل إلى ما يوافق طبعه و يشتهيه و في النفس الإنسانية الميل إلى ما يلائم الناطقة من كرائم الملكات و في العقل الابتهاج بمعرفة اللّٰه و صفاته و أفعاله و كيفية ترتيب الوجود في سلسلتي البدء و النهاية و الخلق و الأمر و الملك و الملكوت و في اللّٰه سبحانه كون ذاته تعالى مبدأ الخيرات كلها و غايتها.

الوافي، ج 1، ص: 423

و على هذا القياس سائر الصفات و هو سبحانه بحسب كل صفة و نعت هو له ليس كمثله شي ء في تلك الصفة لأن المخلوق لا يكون أبدا مثل خالقه في شي ء من الأشياء لأنه محتاج و خالقه غير محتاج فلا حد لصفة اللّٰه و لا كيف لأنهما من خواص الحاجة و لدقة هذه المسألة و غموضها أمر السائل بالفهم و علقه بمشية اللّٰه إذ ليس له فيه اختيار كما في أفعال الجوارح

[15]

348- 15 الكافي، 1/ 145/ 7/ 1 العدة عن أحمد عن البزنطي عن محمد بن حمران عن أسود بن سعيد قال كنت عند أبي جعفر ع فأنشأ يقول ابتداء منه من غير أن أسأله نحن حجة

اللّٰه و نحن باب اللّٰه و نحن لسان اللّٰه و نحن وجه اللّٰه و نحن عين اللّٰه في خلقه و نحن ولاة أمر اللّٰه في عباده

[16]

349- 16 الكافي، 1/ 145/ 8/ 1 محمد عن محمد بن الحسين عن البزنطي عن حسان الجمال عن هاشم بن أبي عمار الجنبي قال سمعت أمير المؤمنين ع يقول أنا عين اللّٰه و أنا يد اللّٰه و أنا جنب اللّٰه و أنا باب اللّٰه

[17]

350- 17 الكافي، 1/ 145/ 9/ 1 عنه عن محمد بن الحسين عن ابن بزيع عن عمه حمزة بن بزيع عن علي بن سويد عن أبي الحسن موسى بن جعفر ع في قول اللّٰه يٰا حَسْرَتىٰ عَلىٰ مٰا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّٰهِ قال جنب اللّٰه

الوافي، ج 1، ص: 424

أمير المؤمنين و كذلك ما كان بعده من الأوصياء بالمكان الرفيع إلى أن ينتهي الأمر إلى آخرهم

[18]
اشارة

351- 18 الكافي، 1/ 145/ 10/ 1 الاثنان عن محمد بن جمهور عن علي بن الصلت عن الحكم و إسماعيل ابني حبيب عن العجلي قال سمعت أبا جعفر ع يقول بنا عبد اللّٰه و بنا عرف اللّٰه و بنا وحد اللّٰه و محمد حجاب اللّٰه تعالى

بيان

يعني بسبب تعليمنا و إرشادنا للناس و كوننا بينهم و بين اللّٰه يعبدون اللّٰه و يعرفونه و يوحدونه أو المراد أن غيرنا لا يعبد اللّٰه حق عبادته و لا يعرفه حق معرفته و لا يوحده حق توحيده لأن توحيده ناقص مخلوط بالشرك كما مضى في الحديث السابق و محمد حجاب اللّٰه يعني أنه متوسط بينه و بين عباده به يصل الفيض و الرحمة و الهداية و التوفيق من اللّٰه إلى عباده

[19]
اشارة

352- 19 الكافي، 1/ 146/ 11/ 1 العدة عن محمد بن عبد اللّٰه عن عبد الوهاب بن بشر عن موسى بن قادم عن سليمان عن زرارة عن أبي جعفر ع

الوافي، ج 1، ص: 425

قال سألته عن قول اللّٰه تعالى وَ مٰا ظَلَمُونٰا وَ لٰكِنْ كٰانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ قال إن اللّٰه تعالى أعظم و أعز و أجل و أمنع من أن يظلم و لكنه خلطنا بنفسه و جعل ظلمنا ظلمه و ولايتنا ولايته حيث يقول إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا يعني الأئمة منا- ثم قال في موضع آخر وَ مٰا ظَلَمُونٰا وَ لٰكِنْ كٰانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ثم ذكر مثله

بيان

و جعل ظلمنا ظلمه يعني في قوله تعالى وَ مٰا ظَلَمُونٰا ثم قال في موضع آخر يعني قال اللّٰه ذلك في موضع آخر و كرره للتأكيد و معناه معناه و قد مضى في باب الإحاطة ما يناسب هذا الباب من تأويل ما يوهم التشبيه

الوافي، ج 1، ص: 427

باب 42 جوامع التوحيد

[1]
اشارة

353- 1 الكافي، 1/ 134/ 1/ 1 محمد و محمد بن أبي عبد اللّٰه رفعاه إلى أبي عبد اللّٰه ع إن أمير المؤمنين ع استنهض الناس في حرب معاوية في المرة الثانية فلما حشد الناس قام خطيبا فقال الحمد لله الواحد الأحد الصمد المتفرد الذي لا من شي ء كان و لا من شي ء خلق ما كان قدرة بان بها من الأشياء و بانت الأشياء منه فليست له صفة تنال و لا حد يضرب له فيه الأمثال كل دون صفاته تحبير اللغات و ضل هناك تصاريف الصفات و حار في

الوافي، ج 1، ص: 428

ملكوته عميقات مذاهب التفكير و انقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير- و حال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب تاهت في أدنى أدانيها طامحات العقول في لطيفات الأمور فتبارك الذي لا يبلغه بعد الهمم و لا يناله غوص الفطن و تعالى الذي ليس له وقت معدود و لا أجل ممدود و لا نعت محدود- و سبحان الذي ليس له أول مبتدأ و لا غاية منتهى و لا آخر يفنى سبحانه هو كما وصف نفسه و الواصفون لا يبلغون نعته حد الأشياء كلها عند خلقه إبانة لها من شبهه و إبانة له من شبهها فلم يحلل فيها فيقال هو فيها كائن و لم ينأ عنها فيقال هو منها بائن و لم يخل منها فيقال

له أين- لكنه سبحانه أحاط بها علمه و أتقنها صنعه و أحصاها حفظه لم يعزب عنه خفيات غيوب الهواء و لا غوامض مكنون ظلم الدجى و لا ما في السماوات العلى إلى الأرضين السفلى لكل شي ء منها حافظ و رقيب و كل شي ء منها بشي ء محيط و المحيط بما أحاط منها الواحد الأحد الصمد الذي لا تغيره صروف الأزمان و لا يتكأده صنع شي ء كان- إنما قال لما شاء كن فكان ابتدع ما خلق بلا مثال سبق و لا تعب و لا نصب و كل صانع شي ء فمن شي ء صنع و اللّٰه لا من شي ء صنع ما خلق و كل عالم فمن بعد جهل تعلم و اللّٰه لم يجهل و لم يتعلم أحاط بالأشياء علما قبل كونها فلم يزدد بكونها علما علمه بها قبل أن يكونها كعلمه بعد تكوينها لم يكونها لتشديد سلطان و لا خوف من زوال و لا نقصان و لا استعانة على ضد مناو و لا ند مكاثر و لا شريك مكابر لكن خلائق مربوبون و عباد داخرون فسبحان الذي لا يئوده خلق ما ابتدأ و لا تدبير ما برأ و لا من عجز و لا من فترة بما خلق اكتفى علم ما خلق و خلق ما علم لا بالتفكير في علم حادث- أصاب ما خلق و لا شبهة دخلت عليه فيما لم يخلق لكن قضاء مبرم و علم محكم و أمر متقن توحد بالربوبية و خص نفسه بالوحدانية و استخلص بالمجد و الثناء و تفرد بالتوحيد و المجد و السناء و توحد بالتحميد و تمجد بالتمجيد و علا عن اتخاذ الأبناء و تطهر و تقدس

الوافي، ج 1، ص: 429

عن ملامسة النساء

و عز و جل عن مجاورة الشركاء فليس له فيما خلق ضد و لا له فيما ملك ند و لم يشركه في ملكه أحد الواحد الأحد الصمد المبيد للأبد و الوارث للأمد الذي لم يزل و لا يزال وحدانيا أزليا قبل بدو الدهور و بعد صروف الأمور الذي لا يبيد و لا ينفد بذلك أصف ربي فلا إله إلا اللّٰه من عظيم ما أعظمه و من جليل ما أجله و من عزيز ما أعزه و تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا

بيان

النهوض القيام حشد القوم حفوا في التعاون أو دعوا فأجابوا مسرعين أو اجتمعوا على أمر واحد لا من شي ء كان كما يكون الكائن من عنصره و مادته أو المركب من أجزائه العينية أو الشي ء من جوهرياته المحمولة و مقوماته الذاتية أو الشي ء من جاعل ذاته و فاعل وجوده و لا من شي ء خلق ما كان تحقيق لمعنى الإبداع الذي هو تأييس الآيس من الليس المطلق لا من مادة و لا بمدة و هذا في كل الوجود أو على ما هو التحقيق عند العارفين و إن كان في الكائنات تكوين من موادها المخلوقة إبداعا لا من شي ء عند الجماهير.

قدرة منصوب على التمييز أو نزع الخافض يعني و لكن خلق الأشياء قدرة أو بقدرة أو مرفوع أي له قدرة أو هو قدرة فإن صفته عين ذاته كل وهن دون صفاته أي قبل الوصول إليها و التحبير التزيين و الحبرة المبالغة فيما وصف بالجميل و ضل هناك تصاريف الصفات أي لم يهتد إليه وصف الواصفين بأنحاء تصاريفهم الصفات في علمه متعلق بانقطع أو الرسوخ و الضمير البارز راجع إلى اللّٰه سبحانه و هذا كقول اللّٰه سبحانه وَ

لٰا يُحِيطُونَ بِشَيْ ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلّٰا بِمٰا شٰاءَ دون غيبه أي قبل الوصول إلى غيبة و التيه الحيرة و الضمير في أدانيها راجع إلى الحجب و الطامح المرتفع و طامحات العقول العقول المرتفعة لا يبلغه بعد الهمم

الوافي، ج 1، ص: 430

أي الهمم البعيدة و ألهمه العزم الجازم و بعدها تعلقها بالأمور العلية دون محقراتها أي لا تبلغه النفوس ذوات الهمم البعيدة و إن أمعنت في الطلب كنه حقيقته و قدم الصفة للعناية بها غوص الفطن أي الفطن الغائصة استعار وصف الغوص لتعمق الأفهام الثاقبة في مجاري صفات جلاله التي لا قرار لها و لا غاية و اعتبار نعوت كماله التي لا تقف عند حد و نهاية وقت معدود أي داخل في العد و ذلك لتقدسه تعالى عن إحاطة الزمان و لا أجل ممدود لكونه واجب الوجود دائمة و لا نعت محدود أي ليس لما تعتبره عقولنا من الصفات نهاية معقولة تكون حدا لها عند خلقه أي عند تقديره و إيجاده من شبهه من أن يشبهه.

فلم يحلل فيها كيف و هو غني عنها و لم ينأ عنها كيف و هو معها أينما كانت و لم يخل منها كيف و هو قيوم لها لم يعزب لم يغب و الدجى الظلمة لكل شي ء منها حافظ و رقيب إشارة إلى أن لكل ظاهر باطنا و لكل ملك ملكوتا و لكل شهادة غيبا و كل شي ء منها بشي ء محيط إشارة إلى ترتب الموجودات و كون بعضها سببا للبعض و أنه سبحانه مسبب الأسباب و لا يتكأده أي لا يثقله فلم يزدد بكونها علما لأنه لا يعلم الأشياء من الأشياء و لا في الأزمنة لتنزهه عن الزمان و اتصافه بالعلم

في مرتبة ذاته كما مر تحقيقه لتشديد سلطان أي تقويته مناو معاد و في توحيد الصدوق مثاور أي مواثب داخرون صاغرون.

لا يئوده لا يثقله و البرء الخلق و لا من عجز أي ليس اكتفاؤه بما خلق من عجز و لا من فتور بل إنما هو لعدم إمكان الزائد عليه و نقص قابلية ما خلق لأزيد فالنقصان في جانب القابل لا من جهة الفاعل تعالى شأنه المبيد للأبد إما بتقديم الموحدة على المثناة التحتانية من الإبادة بمعنى الإهلاك أي المجاوز عنه أو بتأخيرها عن الهمزة من التأبيد أي هو الذي أبد الأبد حتى صار الأبد أبدا.

قال صاحب الكافي رحمه اللّٰه و هذه الخطبة من مشهورات خطبه ع حتى لقد ابتذلها العامة و هي كافية لمن طلب علم التوحيد إذا تدبرها و فهم ما فيها فلو اجتمع ألسنة الجن و الإنس ليس فيها لسان نبي على أن يبينوا التوحيد بمثل ما أتى به بأبي و أمي ما قدروا عليه و لو لا إبانته ع ما علم الناس كيف

الوافي، ج 1، ص: 431

يسلكون سبيل التوحيد أ لا ترون إلى قوله لا من شي ء كان و لا من شي ء خلق ما كان فنفى بقوله لا من شي ء كان معنى الحدوث و كيف أوقع على ما أحدثه صفة الخلق و الاختراع بلا أصل و لا مثال نفيا لقول من قال إن الأشياء كلها محدثة بعضها من بعض و إبطالا لقول الثنوية الذين زعموا أنه لا يحدث شيئا إلا من أصل و لا يدبر إلا باحتذاء مثال.

فدفع ع بقوله لا من شي ء خلق ما كان جميع حجج الثنوية و شبههم لأن أكثر ما تعتمد الثنوية في حدوث العالم أن يقولوا

لا يخلو من أن يكون الخالق خلق الأشياء من شي ء أو من لا شي ء فقولهم من شي ء خطأ و قولهم من لا شي ء مناقضة و إحالة لأن من توجب شيئا و لا شي ء ينفيه فأخرج أمير المؤمنين ع هذه اللفظة على أبلغ الألفاظ و أصحها فقال ع لا من شي ء خلق ما كان فنفى من إذ كانت توجب شيئا و نفي الشي ء إذ كان كل شي ء مخلوقا محدثا لا من أصل أحدثه الخالق كما قالت الثنوية إنه خلق من أصل قديم فلا يكون تدبير إلا باحتذاء مثال ثم قوله ع ليست له صفة تنال و لا حد يضرب له فيه الأمثال كل دون صفاته تحبير اللغات فنفى ع أقاويل المشبهة حين شبهوه بالسبيكة و البلورة و غير ذلك من أقاويلهم من الطول و الاستواء و قولهم متى ما لم تعقد القلوب منه على كيفية و لم ترجع إلى إثبات هيئة لم تعقل شيئا

الوافي، ج 1، ص: 432

فلم تثبت صانعا.

ففسر أمير المؤمنين ع أنه واحد بلا كيفية و أن القلوب تعرفه بلا تصوير و لا إحاطة ثم قوله ع الذي لا يبلغه بعد الهمم و لا يناله غوص الفطن و تعالى الذي ليس له وقت معدود و لا أجل ممدود و لا نعت محدود ثم قوله ع لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن و لم ينأ عنها فيقال هو منها بائن فنفى ع بهاتين الكلمتين صفة الأعراض و الأجسام لأن من صفة الأجسام التباعد و المباينة و من صفة الأعراض الكون في الأجسام بالحلول على غير مماسة و مباينة الأجسام على تراخي المسافة ثم قال ع لكن أحاط بها علمه و أتقنها صنعة

أي هو في الأشياء بالإحاطة و التدبير و على غير ملامسة

[2]
اشارة

354- 2 الكافي، 1/ 137/ 2/ 1 علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن الحسين بن يزيد عن ابن أبي حمزة عن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن اللّٰه تبارك اسمه و تعالى ذكره و جل ثناؤه سبحانه و تقدس و تفرد و توحد و لم يزل و لا يزال و هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن فلا أول لأوليته رفيعا في أعلى علوه شامخ الأركان رفيع البنيان عظيم السلطان منيف الآلاء سني العلياء الذي يعجز الواصفون عن كنه صفته و لا يطيقون حمل معرفة إلهيته و لا يحدون حدوده لأنه بالكيفية لا يتناهى إليه

بيان

إبراهيم هذا يحتمل الصيقل و الكرخي و البصري و الشامخ العالي و الإنافة الزيادة و الإشراف على الشي ء و السناء العلو

[3]
اشارة

355- 3 الكافي، 1/ 137/ 3/ 1 علي عن المختار بن محمد بن المختار و محمد بن الحسن عن عبد اللّٰه بن الحسن العلوي جميعا عن الفتح بن يزيد الجرجاني قال ضمني و أبا الحسن ع الطريق في منصرفي من مكة إلى خراسان و هو سائر إلى العراق فسمعته

الوافي، ج 1، ص: 433

يقول من اتقى اللّٰه يتقى و من أطاع اللّٰه يطاع فلطفت في الوصول إليه فوصلت فسلمت عليه فرد علي السلام ثم قال يا فتح من أرضى الخالق لم يبال بسخط المخلوق و من أسخط الخالق فقمين أن يسلط اللّٰه عليه سخط المخلوق و إن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه و أنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه و الأوهام أن تناله و الخطرات أن تحده و الأبصار عن الإحاطة به جل عما وصفه الواصفون و تعالى عما ينعته الناعتون نأى في قربه و قرب في نائه فهو في نائه قريب و في قربه بعيد كيف الكيف فلا يقال كيف و أين الأين فلا يقال أين إذ هو منقطع الكيفوفية و الأينونية

بيان

يعني بأبي الحسن الرضا ع كما يستفاد من كتاب عيون إخباره فلطفت في الوصول إليه أي ذهبت إليه بحيث لم يشعر به أحد يقال لطف فلان في مذهبه أي لم يدر أحد مذهبه لغموضه و القمين الخليق و الجدير و كذا القمن بكسر الميم كما في بعض النسخ و النأي البعد

[4]
اشارة

356- 4 الكافي، 1/ 138/ 4/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه رفعه عن أبي عبد اللّٰه ع قال بينا أمير المؤمنين ع يخطب على منبر الكوفة إذ قام إليه رجل يقال له ذعلب ذو لسان بليغ في الخطب شجاع القلب فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك فقال ويلك يا ذعلب ما كنت أعبد ربا لم أره فقال يا أمير المؤمنين كيف رأيته قال ويلك يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الإبصار و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ويلك يا ذعلب إن ربي لطيف اللطافة لا يوصف

الوافي، ج 1، ص: 434

باللطف عظيم العظمة لا يوصف بالعظم كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ قبل كل شي ء لا يقال شي ء قبله و بعد كل شي ء لا يقال له بعد شاء الأشياء لا بهمة دراك لا بخديعة في الأشياء كلها غير متمازج بها و لا بائن منها ظاهر لا بتأويل المباشرة متجل لا باستهلال رؤية- ناء لا بمسافة غريب لا بمداناة لطيف لا بتجسم موجود لا بعد عدم- فاعل لا باضطرار مقدر لا بحركة مريد لا بهمامة سميع لا بآلة بصير لا بأداة لا تحويه الأماكن و لا تضمنه الأوقات و لا تحده الصفات و لا تأخذه السنات سبق الأوقات كونه و العدم وجوده و الابتداء أزله بتشعيره المشاعر عرف أن

لا مشعر له و بتجهيزه الجواهر عرف أن لا جوهر له و بمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له و بمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له ضاد النور بالظلمة و اليبس بالبلل و الخشن باللين و الصرد بالحرور مؤلف بين متعادياتها مفرق بين متدانياتها دالة بتفريقها على مفرقها و بتأليفها على مؤلفها و ذلك قول اللّٰه تعالى وَ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ خَلَقْنٰا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ- ففرق بين قبل و بعد ليعلم أن لا قبل له و لا بعد شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه و بين خلقه كان ربا إذ لا مربوب و إلها إذ لا مألوه و عالما إذ لا معلوم و سميعا إذ لا مسموع

الوافي، ج 1، ص: 435

بيان

هذا الحديث مشهور بين الخاصة و العامة بألفاظ مختلفة متقاربة و إسناد متعددة بينا ظرف زمان و بمعنى المفاجأة أيضا أصله بين بمعنى الوسط أشبعت الفتحة فصارت ألفا و ربما زيدت عليه ما كما في بعض النسخ هنا و المعنى واحد تقريره بين أوقات و هو من حروف الابتداء و ما بعده مبتدأ و ذعلب بكسر المعجمة و إسكان المهملة بعدها ثم اللام المكسورة قبل الموحدة و إضافة المشاهدة إلى الإبصار بكسر الهمزة بيانية أو تخصيصية و القلوب الألباب الزكية و العقول النقية لطيف اللطافة اللطيف النافذ في الأشياء الممتنع من أن يدرك.

كما يأتي في كلام الرضا ع و اللطيف أيضا العالم بدقائق المصالح و غوامضها السالك في إيصالها إلى المستصلح سبيل الرفق دون العنف و إضافته إلى اللطافة مبالغة في اللطف لا يوصف باللطف أي

اللطف الذي من صفات الأجسام و هو الصغر و الدقة و القلة و النحافة و رقة القوام و نحوها و كذا العظم المنفي و نظائره شاء الأشياء على صيغة الفاعل المنونة و نصب الأشياء و يحتمل الماضي.

و في بعض النسخ شيأ على صيغة الماضي و الهمة يقال للإرادة السانحة الزائدة على الذات دراك لا بخديعة كأنه أراد به أن سبحانه عالم بما في الضمائر و المكامن من غير مكر و حيلة يتوسل بهما إلى الوصول إلى ذلك كما قد يفعله بعض الناس لا باستهلال رؤية أي لا بإبصار.

قال ابن الأثير أهل و استهل إذ أبصر و أهللته إذا أبصرته ناء بعيد لطيف لا بتجسم أي برقة قوام فإنه معنى اللطف في الجسم سبق الأوقات كونه تقديم المفعول في الفقرات الثلاث لعله لرعاية السجع بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له إنما عرف بتشعيره المشاعر انتفاء المشعر عنه تعالى لأنه بتشعيره عز و جل إياها عرف أن المشاعر محتاجة إلى مشعر يشعرها فلو كان له عز و جل مشعر لكان محتاجا إلى من يشعر له إذ لا يجوز أن يفيض على نفسه المشعر من حيث هو فاقد له فيكون محتاجا بذاته.

الوافي، ج 1، ص: 436

و ليعلم أن إفاضة اللّٰه سبحانه الكمالات على عباده دليل على أنه عز و جل متصف بها على الوجه الأتم الخالي من شوب النقصان أما دلالتها على اتصافه بها فلأن المفيض للكمال لا يجوز أن يكون ممنوا في ذاته عن ذلك الكمال و أما دلالتها على أن ذلك له من حيث لا نقصان فيه فلأن النقصان دليل الافتقار المنافي للألوهية و الربوبية و الغناء الحقيقي و وجوب الوجود فكما أن لنا أن

نستدل بإفاضة اللّٰه سبحانه العلم و القدرة و الإدراك علينا بأنه تعالى متصف بها.

فكذلك لنا أن نستدل بتعلمنا بعد الجهل و اكتسابنا صفة القدرة بعد العجز و إدراكنا المحسوسات باستعانة المشاعر و افتقارنا إليها في ذلك على أن اللّٰه عز و جل منزه في علمه و قدرته و إدراكه عن التعلم و الاكتساب و المشاعر بل عن الصفة الزائدة على الذات مطلقا لأن حصول هذه الصفات لنا على النحو الذي اتصفنا بها إنما هو من الغير فلو كان اللّٰه سبحانه اتصف بها على هذا النحو لافتقر هو أيضا إلى الغير كما افتقرنا و كذلك نقول في نظائره من التجهيز و المضادة و المقارنة و غيرها و الصرد البرد فارسي معرب دالة أي هي دالة بغرائزها بطبائعها

[5]
اشارة

357- 5 الكافي، 1/ 139/ 5/ 1 علي بن محمد عن سهل عن شباب الصيرفي و اسمه محمد بن الوليد عن علي بن سيف بن عميرة عن إسماعيل بن قتيبة قال دخلت أنا و عيسى شلقان على أبي عبد اللّٰه ع فابتدأنا فقال عجبا لأقوام يدعون على أمير المؤمنين ع ما لم يتكلم به قط- خطب أمير المؤمنين ع الناس بالكوفة فقال الحمد لله الملهم عباده حمده و فاطرهم على معرفة ربوبيته الدال على وجوده بخلقه و بحدوث خلقه على أزله و باشتباههم على أن لا شبه له المستشهد بآياته على قدرته الممتنعة من الصفات ذاته و من الأبصار رؤيته و من الأوهام الإحاطة به لا أمد لكونه

الوافي، ج 1، ص: 437

و لا غاية لبقائه لا تشمله المشاعر و لا تحجبه الحجب و الحجاب بينه و بين خلقه- خلقه إياهم لامتناعه مما يمكن في ذواتهم و لإمكان مما

يمتنع منه و لافتراق الصانع من المصنوع و الحاد و المحدود و الرب و المربوب الواحد بلا تأويل عدد و الخالق لا بمعنى حركة و البصير لا بأداة و السميع لا بتفريق آلة و الشاهد لا بمماسة و الباطن لا باجتنان و الظاهر البائن لا بتراخي مسافة أزله نهية لمجاول الأفكار و دوامه ردع لطامحات العقول- قد حسر كنهه نوافذ الأبصار و قمع وجوده جوائل الأوهام فمن وصف اللّٰه فقد حده و من حده فقد عده و من عده فقد أبطل أزله و من قال أين فقد غياه و من قال على ما فقد أخلا منه و من قال فيم فقد ضمنه

بيان

شلقان بفتح المعجمة و اللام ثم القاف لقب عيسى بن أبي منصور ما لم يتكلم به قط كأنه ع أراد بذلك شيئا من الغلو و بحدوث خلقه على أزله قد مضى في الحديث السابق ما يصلح أن يكون تفسيرا له و لما بعده لا أمد لكونه لأن كونه وجود صرف متمجد عن الليالي و الأيام و الشهور و الأعوام و الحدود و الآنات و الأوقات و الساعات و لا غاية لبقائه لأن بقاءه بقاء حقيقي متقدس عن الاستمرار الامتدادي و الكون الزماني و قال ع في خطبة الوسيلة التي يأتي ذكرها في الروضة إن قيل كان فعلى تأويل أزلية الوجود و إن قيل لم يزل فعلى تأويل نفي العدم و لإمكان بالتنوين بحذف المضاف إليه أي و لإمكان ذواتهم.

و في توحيد الصدوق رحمه اللّٰه هكذا و لإمكان ذواتهم مما يمتنع منه ذاته و هو الصواب و كان اللفظتين سقطتا من قلم النساخ بلا تأويل عدد إذ الوحدة العددية إنما تتقوم بتكررها الكثرة العددية

و يصح بحسبها أن يقال إن المتصف بها أحد أعداد الوجود أو

الوافي، ج 1، ص: 438

أحد آحاد الموجودات و عز مجده سبحانه أن يكون كذلك بل الوحدة العددية و الكثرة العددية التي هي في مقابلتها جميعا من صنع وحدته المحضة الحقيقية التي هي نفس ذاته القيومية و هي وحدة حقة صرفة وجوبية قائمة بالذات لا مقابل لها و من لوازمها نفي الكثرة و قد مضت الإشارة إليه في كلام له ع نقلناه في باب الدليل على أنه واحد و تمام تحقيقه من الغوامض و أما ما ورد في بعض الأدعية السجادية من قوله ع لك يا إلهي وحدانية العدد فإنما أراد بذلك جهة وحدة الكثرات واحدية جمعها لا إثبات الوحدة العددية له فافهم لا بمعنى حركة بل بمعنى إبداع و اختراع و صنع و إفاضة من دون تدريج و تدرج و تعاقب و تغير بالنسبة إليه لا يشغله خلق عن خلق و لا صنع عن صنع لا بتفريق آلة أي لا بآلة مغايرة لذاته و هي من لوازم كون الآلة آلة باجتنان باستتار أزله نهية منع من نهاه ينهاه ضد أمره و المجاول جمع مجول و هو محل الجولان جوائل الأوهام بالجيم الأوهام الجائلة فقد حده فقدر له حدا معقولا من حيث ذلك الوصف لا يتعداه و من جعله محدودا فقد عده و أدخله في الكثرة العددية بوجه فأخرجه من أزله الذاتي أي وجوب الوجود الصرف الحق بالذات فقد أخلا منه أي ذلك الشي ء الذي قال إنه عليه ضرورة أن المحمول يكون خارجا عن حامله

[6]
اشارة

358- 6 الكافي، 1/ 140/ 6/ 1 و رواه محمد بن الحسين عن صالح بن حمزة عن فتح

بن عبد اللّٰه مولى بني هاشم قال كتبت إلى أبي إبراهيم ع أسأله عن شي ء من التوحيد فكتب إلي بخطه الحمد لله الملهم عباده حمده و ذكر مثل ما رواه سهل إلى قوله و قمع وجوده جوائل الأوهام ثم زاد فيه أول الديانة به معرفته و كمال معرفته توحيده و كمال توحيده نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف- و شهادة الموصوف أنه غير الصفة و شهادتهما جميعا بالتثنية الممتنع منه الأزل فمن

الوافي، ج 1، ص: 439

وصف اللّٰه فقد حده و من حده فقد عده و من عده فقد أبطل أزله و من قال كيف فقد استوصفه و من قال في ما فقد ضمنه و من قال على ما فقد جهله و من قال أين فقد أخلا منه و من قال ما هو فقد نعته و من قال إلى ما فقد غاياه- عالم إذ لا معلوم و خالق إذ لا مخلوق و رب إذ لا مربوب و كذلك يوصف ربنا و فوق ما يصفه الواصفون

بيان

بالتثنية الممتنع منه الأزل أي من التثني و في بعض النسخ الممتنعة من الأزل فقد جهله بالتشديد و يحتمل التخفيف و في بعض النسخ فقد حمله و من قال إلى ما فقد غاياه و من طريق الصدوق طاب ثراه و من قال إلى م فقد وقته

[7]
اشارة

359- 7 الكافي، 1/ 141/ 7/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه عن أحمد بن النضر و غيره عمن ذكره عن عمرو بن ثابت عن رجل سماه عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور قال خطب أمير المؤمنين ع يوما خطبة بعد العصر فعجب الناس من حسن صفته و ما ذكره من تعظيم اللّٰه تعالى- قال أبو إسحاق فقلت للحارث أ و ما حفظتها قال قد كتبتها فأملاها علينا من كتابه- الحمد لله الذي لا يموت و لا تنقضي عجائبه لأن كل يوم في شأن من أحداث بديع لم يكن الذي لم يلد فيكون في العز مشاركا و لم يولد فيكون موروثا هالكا و لم تقع عليه الأوهام فتقدره شبحا ماثلا و لم تدركه الأبصار فيكون بعد انتقالها حائلا الذي ليست في أوليته نهاية و لا لآخريته حد و لا غاية الذي لم يسبقه وقت و لم يتقدمه زمان و لم يتعاوره زيادة و لا نقصان و لم يوصف بأين

الوافي، ج 1، ص: 440

و لا بم و لا مكان الذي بطن من خفيات الأمور فظهر في المعقول بما يرى في خلقه من علامات التدبير الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد و لا ببعض بل وصفته بفعاله و دلت عليه بآياته لا تستطيع عقول المتفكرين جحده لأن من كانت السماوات و الأرض فطرته و ما فيهن و ما

بينهن و هو الصانع لهن فلا مدفع لقدرته الذي نأى من الخلق فلا شي ء كمثله الذي خلق خلقه لعبادته و أقدرهم على طاعته بما جعل فيهم و قطع عذرهم بالحجج فعن بينة هلك من هلك و بمنه نجا من نجا و لله الفضل مبدأ و معيدا ثم إن اللّٰه و له الحمد افتتح الحمد لنفسه و ختم أمر الدنيا و محل الآخرة بالحمد لنفسه فقال وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسيد و المرتدي بالجلال بلا تمثيل- و المستوي على العرش بلا زوال و المتعالي على الخلق بلا تباعد منهم و لا ملامسة منه لهم ليس له حد ينتهي إلى حده و لا له مثل فيعرف بمثله ذل من تجبر غيره و صغر من تكبر دونه و تواضعت الأشياء لعظمته و انقادت لسلطانه و عزته و كلت عن إدراكه طروف العيون و قصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق الأول قبل كل شي ء و لا قبل له و الآخر بعد كل شي ء و لا بعد له- الظاهر على كل شي ء بالقهر له و المشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال إليها- لا تلمسه لأمسه و لا تحسه حاسة هُوَ الَّذِي فِي السَّمٰاءِ إِلٰهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلٰهٌ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ أتقن ما أراد من خلقه من الأشباح كلها لا بمثال سبق إليه و لا لغوب دخل عليه في خلق ما خلق لديه ابتدأ ما أراد ابتداءه و أنشأ ما أراد إنشاءه على ما أراد من الثقلين الجن و الإنس ليعرفوا بذلك ربوبيته و تمكن فيهم طاعته نحمده بجميع محامده كلها على جميع نعمائه كلها و نستهديه لمراشد أمورنا

الوافي،

ج 1، ص: 441

و نعوذ به من سيئات أعمالنا و نستغفره للذنوب التي سبقت منا و نشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أن محمدا عبده و رسوله بعثه بالحق نبيا دالا عليه و هاديا إليه فهدي به عن الضلالة و استنقذنا به من الجهالة مَنْ يُطِعِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فٰازَ فَوْزاً عَظِيماً و نال ثوابا جزيلا وَ مَنْ يَعْصِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرٰاناً مُبِيناً و استحق عذابا أليما فابخعوا بما يحق عليكم من السمع و الطاعة و إخلاص النصيحة و حسن المؤازرة و أعينوا على أنفسكم بلزوم الطريقة المستقيمة و هجر الأمور المكروهة و تعاطوا الحق بينكم و تعاونوا به دوني و خذوا على يد الظالم السفيه- و مروا بالمعروف و انهوا عن المنكر و اعرفوا لذوي الفضل فضلهم عصمنا اللّٰه و إياكم بالهدي و ثبتنا و إياكم على التقوى و أستغفر اللّٰه لي و لكم

بيان

حائلا من حال الشي ء يحول إذا تغير عن حاله و لا بم أي لا يوصف بما هو بل وصفته بفعاله كما قال الخليل رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ و كما قال الكليم رَبُّ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ مٰا بَيْنَهُمَا و محل الآخرة مصدر ميمي أي حلولها و من الناس من صحف و تكلف و تعسف بغير واحد من أنواعها و الآخرة عبارة عن القرار في الجنة و النار و حلولها إنما يكون عند الفراغ من القضاء بين الخلائق الذي هو من أمر الدنيا فختم أمر الدنيا و حلول الآخرة كلاهما إنما يكونان بالحمد المقول بعد الفراغ من القضاء بينهم و لهذا فرع ع عليه ذكر الآية بقوله فقال طروف العيون الطرف تحريك الجفن بالنظر لغوب

إعياء و تعب فابخعوا بالباء الموحدة ثم الخاء المعجمة ثم العين المهملة أي فبالغوا في أداء ما يجب عليكم.

الوافي، ج 1، ص: 442

قال ابن الأثير في الحديث أتاكم أهل اليمن أرق قلوبا و أبخع طاعة أي أبلغ و أنصح في الطاعة من غيرهم كأنهم بالغوا في بخع أنفسهم أي قهرها و إذلالها بالطاعة و قال الجوهري بخع بالحق أي خضع له و أقر به و مثله في القاموس و المؤازرة المعاونة دوني من غير مراجعة إلي في كل أمر أمر

[8]
اشارة

360- 8 الكافي، 1/ 105/ 3/ 1 محمد بن الحسن عن سهل عن ابن بزيع عن محمد بن زيد قال جئت إلى الرضا ع أسأله عن التوحيد فأملى علي الحمد لله فاطر الأشياء إنشاء و مبتدعها ابتداء بقدرته و حكمته لا من شي ء فيبطل الاختراع و لا لعلة فلا يصح الابتداع خلق ما شاء كيف شاء متوحدا بذلك لإظهار حكمته و حقيقة ربوبيته لا تضبطه العقول و لا تبلغه الأوهام- و لا تدركه الأبصار و لا يحيط به مقدار عجزت دونه العبارة و كلت دونه الأبصار- و ضل فيه تصاريف الصفات احتجب بغير حجاب محجوب و استتر بغير ستر مستور عرف بغير رؤية و وصف بغير صورة و نعت بغير جسم لا إله إلا اللّٰه الكبير المتعال

بيان

أملى علي أنشأ و قد مضى تفسير ما يحتاج إلى التفسير من هذا الحديث آخر أبواب معرفة اللّٰه سبحانه و الحمد لله أولا و آخرا

الوافي، ج 1، ص: 443

أبواب معرفة صفاته و أسمائه سبحانه

الآيات

قال اللّٰه سبحانه سُبْحٰانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّٰا يَصِفُونَ و قال تعالى سُبْحٰانَ اللّٰهِ عَمّٰا يَصِفُونَ و قال جل اسمه وَ لِلّٰهِ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ فَادْعُوهُ بِهٰا

الوافي، ج 1، ص: 445

باب 43 صفات الذات

[1]
اشارة

361- 1 الكافي، 1/ 107/ 1/ 1 علي عن الطيالسي عن صفوان بن يحيى عن ابن مسكان عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول لم يزل اللّٰه تعالى ربنا و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر- و القدرة ذاته و لا مقدور فلما أحدث الأشياء و كان المعلوم وقع العلم منه على

الوافي، ج 1، ص: 446

المعلوم و السمع على المسموع و البصر على المبصر و القدرة على المقدور قال قلت فلم يزل اللّٰه متحركا قال فقال تعالى اللّٰه إن الحركة صفة محدثة بالفعل- قال قلت فلم يزل اللّٰه متكلما قال فقال إن الكلام صفة محدثة ليست بأزلية كان اللّٰه عز و جل و لا متكلم

بيان

اعلم أن من صفات اللّٰه سبحانه ما هو ثابت له عز و جل في الأزل و هو كمال في نفسه و على الإطلاق و ضده نقص و يسمى بصفة الذات و هو على قسمين قسم لا إضافة له إلى غيره جل ذكره أصلا بل له وجه واحد كالحياة و البقاء و قسم له إضافة إلى غيره و لكن تتأخر إضافته عنه كالعلم و السمع و البصر فإنها عبارة عن انكشاف الأشياء له في الأزل كلياتها و جزئياتها كل في وقته و بحسب مرتبته و على ما هو عليه فيما لا يزال مع حصول الأوقات و المراتب له سبحانه في الأزل مجتمعة و إن لم تحصل بعد لأنفسها و بقياس بعضها إلى بعض متفرقة على ما مضى تحقيقه في باب نفي الزمان و هذا الانكشاف حاصل له بذاته من ذاته قبل خلق الأشياء بل هو عين ذاته.

كما

أشار إليه الإمام ع بقوله لم يزل اللّٰه تعالى ربنا و العلم ذاته و لا معلوم و السمع ذاته و لا مسموع و البصر ذاته و لا مبصر و إن تأخرت إضافتها إلى الأشياء على حسب تأخرها و تفرقها في أنفسها و بقياس بعضها إلى بعض كما أشار إليه بقوله ع فلما أحدث الأشياء و كان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم و السمع على المسموع و البصر على المبصر و كالقدرة فإنها عبارة عن كون ذاته بذاته في الأزل بحيث يصح عنها خلق الأشياء فيما لا يزال على وفق علمه بها و هذا المعنى أيضا ثابت له بذاته من ذاته قبل أن يخلق شيئا بل هو عين ذاته كما قال ع و القدرة ذاته و لا مقدور و إن تأخرت الإضافة عنه كما قال ع و القدرة على المقدور و من الصفات ما يحدث بحدوث الخلق بحسب المصالح و هو ما يكون

الوافي، ج 1، ص: 447

كمالا من وجه دون وجه و قد يكون ضده كمالا و يسمى بصفة الفعل و هو أيضا على قسمين قسم هو إضافة محضة خارجة عن ذاته سبحانه ليس لها معنى في ذاته زائد على العلم و القدرة و الإرادة و المشية كالخالقية و الرازقية و التكلم و نحوها و قسم له معنى سوى الإضافة إلا أنه لا ينفك عنه الإضافة و المضاف إليه كالمشية و الإرادة فإنهما في اللّٰه سبحانه لا يتخلف عنهما المشي ء و المراد بوجه بل إِنَّمٰا أَمْرُهُ إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ و ما شاء اللّٰه كان فلا توجد الصفتان إلا بوجود متعلقيهما إلا أن الإرادة جزئية و مقارنة و المشية كلية

و متقدمة و هذان القسمان إنما يكونان كمالا إذا تعلقا بالخير و بما ينبغي كما ينبغي لا مطلقا و لهذا قد يخلق و قد لا يخلق و قد يريد و قد لا يريد إلى غير ذلك.

كما قال عز و جل يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ فإن قيل إن كانت الصفات المحدثة المتعلقة بالخير كمالا لله سبحانه فما بالها لم تثبت لله عز و جل في الأزل قلنا إن لها مبدأ و منشأ في ذاته سبحانه هو كمال في الحقيقة و هو كون ذاته بذاته في الأزل بحيث يخلق ما يخلق و يرزق ما يرزق و يتكلم مع من يتكلم و يريد ما يريد و يشاء كما يشاء فيما لا يزال و هو من صفات الذات ثابت لها في الأزل و إنما هذه الإضافات فروع لها مترتبة عليها فيما لا يزال على وفق المصلحة و بحسب ما يسعه الإمكان فلا بأس بتأخرها عن الذات إذا كان مبدؤها الذاتي و منشؤها الكمالي قديما.

بل نقول إن الإرادة و المشية أيضا لهما معنى ثابت في الأزل من وجه زائد على ما ذكرناه و هو كون ذاته تعالى بذاته في الأزل بحيث يكفي علمه بالخير في خلقه إياه على حسب القدرة و الاختيار فيما لا يزال و هو من صفات الذات فإن قيل فما الفرق بين الإرادة و المشية بل سائر ما يعد من صفات الفعل و بين نحو العلم و القدرة مما يعد في صفات الذات حيث جعل الأول محدثا فعليا و الثاني أزليا ذاتيا مع اشتراك الكل في كونه صفة ثابتة ذات إضافة لها وجه أزلي و آخر حادث قلنا لما كان العلم و

القدرة

الوافي، ج 1، ص: 448

و السمع و البصر جهة الثبات فيها أدل على المجد و الكمال من جهة التجدد و أظهر حيث لا يقدح تخلف متعلقاتها عنها في كماليتها بل يزيد عدت من صفات الذات بخلاف الإرادة و المشية و نحوهما فإن جهة التجدد في أمثالها أدل على العز و الجلال و أظهر من جهة الثبات حيث لا يتخلف متعلقاتها عنها و لذا عدت من صفات الفعل و ذلك لأن خطاب الشارع مع الجماهير و ينبغي أن يذكر معهم في نعته سبحانه ما هو أدل على الكمال و أظهر في العز و الجلال و إلا فلا فرق بين هذه الصفات في هذا المعنى بحسب التحقيق.

إن قيل ما معنى قوله ع و العلم ذاته و كيف يكون العلم عين الذات مع أن مفهومه غير ما يفهم من الذات و كذلك القول في نظائره و أيضا فإن مفهوم كل صفة غير مفهوم صفة أخرى فكيف يكون الكل متحدة مع الذات قلنا قد تكون المفهومات المتعددة موجودة بوجود واحد فالصفات بحسب المفهوم و إن كانت غير الذات و بعضها يغاير البعض إلا أنها بحسب الوجود ليست أمرا وراء الذات أعني أن ذاته الأحدية تعالى مجده هي بعينها صفاته الذاتية بمعنى أن ذاته بذاته وجود و علم و قدرة و حياة و إرادة و سمع و بصر و هي أيضا موجود عالم قادر حي مريد سميع بصير تترتب عليها آثار جميع الكمالات و يكون هو من حيث ذاته مبدأ لها من غير افتقار إلى معان أخر قائمة به تسمى صفات تكون مصدرا للآثار لمنافاته الوحدة و الغناء الذاتيين و الاختصاص بالقدم فذاته صفاته و صفاته ذاته.

فإن قلت الموجود

ما قام به الوجود و العالم ما قام به العلم و كذا في سائر المشتقات قلنا ليس كذلك بل الموجود ما ثبت له الوجود و العالم ما ثبت له العلم و الأبيض ما ثبت له البياض سواء كان بثبوت عينه أو بثبوت غيره فإنا لو فرضنا بياضا قائما بنفسه لقلنا إنه مفرق للبصر و إنه أبيض و كذا الحال في ما سواه فإن قلت ذاته مجهول الكنه لنا و مفهوم العلم معلوم لنا فكيف يكون أحدهما عين الآخر قلنا المعلوم من العلم مفهومه الكلي المشترك المقول بالتشكيك على أفراده الموجود بوجودات مختلفة و الذي هو ذات البارئ فرد خاص منه و ذلك الفرد لشدة نوريته و فرط ظهوره مجهول لنا محتجب عن عقولنا و أبصارنا و كذا الكلام في سائر الصفات و أما

ما ورد في كلام أمير المؤمنين ع

الوافي، ج 1، ص: 449

و كمال الإخلاص له نفي الصفات عنه

فالمراد به نفي الصفة الموجودة بوجود غير وجود الذات كالبياض في الأبيض لا كالناطق للإنسان و لما كان أكثر ما يطلق عليه اسم الصفة هو الذي يكون أمرا عارضا و لا يقال للمعاني الذاتية للشي ء إنها صفات له نفى عنه الصفة أ لا ترى إلى قوله ع بعد ذلك فمن وصف اللّٰه سبحانه فقد قرنه و من قرنه فقد ثناه فعلم أنه أراد بالصفة ما قارن الذات الموجب للاثنينية فيها فالعلم في غيره سبحانه صفة زائدة و فيه نفسه تعالى فهو علم باعتبار و عالم باعتبار و هكذا في سائر الصفات و هذه الاعتبارات العقلية لا توجب تكثرا في ذاته بوجه من الوجوه و لا تخل بوحدانيته الصرفة الخالصة أصلا.

بل تزيده وحدة لأنه لو فرض أنه

لم يكن في ذاته شي ء منها لما كان واحدا حقيقيا مثلا لو فرض أنه علم و ليس بقدرة أو أنه علم و ليس بعالم لكان فيه جهة غير جهة الوجوب و الوجود و هي جهة الإمكان و العدم فيلزم تركبه من جهتين و هو محال

[2]
اشارة

362- 2 الكافي، 1/ 107/ 2/ 1 محمد عن محمد بن الحسين عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن محمد عن أبي جعفر ع قال سمعته يقول كان اللّٰه و لا شي ء غيره و لم يزل عالما بما يكون فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه

بيان

شرح ذلك أن اللّٰه سبحانه أدرك الأشياء جميعا إدراكا تاما و أحاط بها إحاطة كاملة فهو عالم بأن أي حادث يوجد في أي زمان من الأزمنة و كم يكون بينه و بين الحادث الذي بعده أو قبله من المدة و لا يحكم بالعدم على شي ء من ذلك بل بدل ما نحكم بأن الماضي ليس بموجود في الحال يحكم هو بأن كل موجود في زمان معين لا يكون موجودا في غير ذلك الزمان من الأزمنة التي تكون قبله أو بعده و هو عالم بأن كل شخص في أي جزء يوجد من المكان و أي نسبة تكون بينه و بين ما عداه مما يقع في جميع جهاته و كم الأبعاد بينهما على الوجه المطابق للحكم و لا يحكم على شي ء بأنه

الوافي، ج 1، ص: 450

موجود الآن أو معدوم أو موجود هناك أو معدوم أو حاضر أو غائب لأنه عز و جل ليس بزماني و لا مكاني بل هو بكل شي ء محيط أزلا و أبدا يَعْلَمُ مٰا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مٰا خَلْفَهُمْ وَ لٰا يُحِيطُونَ بِشَيْ ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلّٰا بِمٰا شٰاءَ و إليه أشار أمير المؤمنين ع بقوله لم يسبق له حال حالا فيكون أولا قبل أن يكون آخرا و يكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا و قال ع علمه بالأموات الماضين كعلمه بالأحياء الباقين و علمه بما

في السماوات العلى كعلمه بما في الأرضين السفلى

[3]

363- 3 الكافي، 1/ 107/ 4/ 1 محمد عن سعد عن محمد بن عيسى عن النخعي أنه كتب إلى أبي الحسن ع يسأله عن اللّٰه عز و جل- أ كان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء و كونها أو لم يعلم ذلك حتى خلقها و أراد خلقها و تكوينها فعلم ما خلق عند ما خلق و ما كون عند ما كون فوقع بخطه ع لم يزل اللّٰه تعالى عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء- كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء

[4]

364- 4 الكافي، 1/ 107/ 5/ 1 علي بن محمد عن سهل عن جعفر بن محمد بن حمزة قال كتبت إلى الرجل ع أسأله أن مواليك اختلفوا في العلم- فقال بعضهم لم يزل اللّٰه عالما قبل فعل الأشياء و قال بعضهم لا نقول لم يزل اللّٰه عالما لأن معنى يعلم يفعل فإن أثبتنا العلم فقد أثبتنا في الأزل معه شيئا فإن

الوافي، ج 1، ص: 451

رأيت جعلني اللّٰه فداك أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه و لا أجوزه فكتب بخطه ع لم يزل اللّٰه عالما تعالى ذكره

[5]
اشارة

365- 5 الكافي، 1/ 108/ 6/ 1 محمد عن أحمد عن الحسين عن القاسم بن محمد عن عبد الصمد بن بشير عن فضيل بن سكرة قال قلت لأبي جعفر ع جعلت فداك إن رأيت أن تعلمني هل كان اللّٰه جل وجهه يعلم قبل أن يخلق الخلق أنه وحده فقد اختلف مواليك فقال بعضهم قد كان يعلم قبل أن يخلق شيئا من خلقه و قال بعضهم إنما معنى يعلم يفعل فهو اليوم يعلم أنه لا غيره قبل فعل الأشياء فقالوا إن أثبتنا أنه لم يزل عالما بأنه لا غيره- فقد أثبتنا معه غيره في أزليته فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني ما لا أعدوه إلى غيره- فكتب ما زال اللّٰه عالما تبارك و تعالى ذكره

بيان

قد أسلفنا تحقيق ذلك و بيانه بما لا مزيد عليه

[6]
اشارة

366- 6 الكافي، 1/ 108/ 1/ 1 علي عن العبيدي عن حماد عن حريز عن محمد عن أبي جعفر ع أنه قال في صفة القديم أنه واحد صمد

الوافي، ج 1، ص: 452

أحدي المعنى ليس بمعاني كثيرة مختلفة- قال قلت جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق أنه يسمع بغير الذي يبصر و يبصر بغير الذي يسمع قال فقال كذبوا و ألحدوا و شبهوا تعالى اللّٰه عن ذلك إنه سميع بصير يسمع بما يبصر و يبصر بما يسمع قال قلت يزعمون أنه بصير على ما يعقلونه قال فقال تعالى اللّٰه إنما يعقل ما كان بصفة المخلوق ليس اللّٰه كذلك

بيان

قد مضى بعض معاني الصمد في باب النسبة و سيأتي له معان أخر في باب معاني الأسماء إن شاء اللّٰه تعالى و أعاد في الكافي هنا ذكر طائفة من حديث الزنديق الطويل الذي مر ذكره في باب الدليل على أنه تعالى واحد مع إسناده لمناسبتها هذا الموضع أيضا و نحن اقتصرنا على ذكرها هناك و من أرادها فليراجع إليه و مما أورده الصدوق رحمه اللّٰه في توحيده من الأخبار المناسبة لهذا المقام

ما رواه بإسناده عن الصادق ع أنه قيل له إن رجلا ينتحل موالاتكم أهل البيت يقول إن اللّٰه تبارك و تعالى لم يزل سميعا بسمع و بصيرا ببصر و عليما بعلم و قادرا بقدرة- فغضب ع ثم قال من قال بذلك و دان به فهو مشرك و ليس من ولايتنا على شي ء إن اللّٰه تبارك و تعالى ذات علامة سمعية بصيرة قادرة

و في رواية أخرى عن الرضا ع من قال ذلك و دان به فقد اتخذ مع اللّٰه آلهة أخرى- و ليس من ولايتنا على

شي ء ثم قال ع لم يزل اللّٰه عز و جل عليما قادرا- حيا قديما سميعا بصيرا لذاته تعالى عما يقول المشركون و المشبهون علوا كبيرا

و بإسناده عن محمد بن عرفة قال قلت للرضا ع خلق اللّٰه الأشياء بقدرة أم بغير قدرة فقال لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة لأنك إذا قلت خلق الأشياء بالقدرة فكأنك قد جعلت القدرة شيئا غيره و جعلتها آلة له بها خلق الأشياء و هذا شرك و إذا قلت خلق الأشياء بقدرة فإنما تصفه أنه جعلها باقتدار عليها و قدرة- و لكن ليس هو بضعيف و لا عاجز و لا محتاج إلى غيره و زاد في العيون بل هو سبحانه

الوافي، ج 1، ص: 453

قادر بذاته لا بالقدرة

و بإسناده عن هشام بن سالم قال دخلت على أبي عبد اللّٰه ع فقال لي أ تنعت اللّٰه قلت نعم قال هات فقلت هو السميع البصير- قال هذه صفة يشترك فيها المخلوقون قلت فكيف تنعته فقال هو نور لا ظلمة فيه و حياة لا موت فيه و علم لا جهل فيه و حق لا باطل فيه فخرجت من عنده و أنا أعلم الناس بالتوحيد

و بإسناده عن الصادق ع قال هو نور ليس فيه ظلمة و صدق ليس فيه كذب و عدل ليس فيه جور و حق ليس فيه باطل كذلك لم يزل و لا يزال أبد الآبدين- و كذلك كان إذ لم يكن أرض و لا سماء و لا ليل و لا نهار و لا شمس و لا قمر و لا نجوم- و لا سحاب و لا مطر و لا رياح

و في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين ص أنه قال و كمال الإخلاص له

نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف- و شهادة كل موصوف أنه غير الصفة فمن وصف اللّٰه سبحانه فقد قرنه و من قرنه فقد ثناه- و من ثناه فقد جزأه و من جزأه فقد جهله

الحديث

[7]

367- 7 الكافي، 1/ 107/ 3/ 1 محمد عن محمد بن الحسين عن صفوان عن الكاهلي قال كتبت إلى أبي الحسن ع في دعاء الحمد لله منتهى علمه فكتب إلي لا تقولن منتهى علمه فليس لعلمه منتهى و لكن قل منتهى رضاه

الوافي، ج 1، ص: 455

باب 44 صفات الفعل

[1]
اشارة

368- 1 الكافي، 1/ 109/ 1/ 1 محمد عن ابن عيسى عن الحسين عن النضر عن عاصم بن حميد عن أبي عبد اللّٰه ع قال قلت لم يزل اللّٰه تعالى مريدا قال إن المريد لا يكون إلا المراد معه لم يزل عالما قادرا ثم أراد

بيان

المراد بالإرادة هاهنا الإحداث كما نص عليه في الخبر الآتي لا التي هي عين ذاته الأحدية

[2]
اشارة

369- 2 الكافي، 1/ 109/ 3/ 1 القميان عن صفوان قال قلت لأبي الحسن ع أخبرني عن الإرادة من اللّٰه و من الخلق قال فقال الإرادة من

الوافي، ج 1، ص: 456

الخلق الضمير و ما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل و أما من اللّٰه فإرادته إحداثه لا غير ذلك لأنه لا يروي و لا يهم و لا يتفكر و هذه الصفات منفية عنه و هي صفات الخلق فإرادة اللّٰه تعالى الفعل لا غير ذلك يقول له كُنْ فَيَكُونُ بلا لفظ و لا نطق بلسان و لا همة و لا تفكر و لا كيف لذلك كما أنه لا كيف له

بيان

الضمير هو تصور الفعل و ما يبدو لهم بعد ذلك أي مع ما يبدو و هو اعتقاد النفع فيه ثم الرؤية ثم الهمة ثم انبعاث الشوق منه ثم تأكده إلى أن يصير إجماعا باعثا على الفعل و ذلك كله إرادة فينا متوسطة بين ذاتنا و بين الفعل فقوله ع من الفعل أي من أسباب الفعل و يحتمل أن يكون الضمير عبارة عن مجموع ما يتوسط و ما يبدو عبارة عن الفعل بمعنى المصدر و يكون من بيانا لما و هذا أوفق باللفظ و يؤيده قوله لا غير و في الجناب القدسي يترتب الفعل الذي هو إرادة باعتبار على نفس ذاته الأحدية التي هي إرادة باعتبار آخر من غير أن يتوسط بين الذات و بين أفعاله الاختيارية شي ء من الصفات و الأحوال العارضة للذات أصلا فنفس ذاته القيوم الواحد الأحد إرادة لما يريد و يفعل كما أنها علم بالأشياء و مشية لأفعاله الاختيارية و لا إرادة و لا مشية هناك وراء نفس الذات إلا نفس الفعل و

الإحداث اللذين هما عبارة عن إرادته بالمعنى الآخر

[3]
اشارة

370- 3 الكافي، 1/ 109/ 2/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه عن محمد بن إسماعيل عن الحسين بن الحسن عن بكر بن صالح عن ابن أسباط عن الحسن بن الجهم عن بكير بن أعين قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع علم اللّٰه و مشيته هما

الوافي، ج 1، ص: 457

مختلفان أو متفقان فقال العلم ليس هو المشية أ لا تدري أنك تقول سأفعل كذا إن شاء اللّٰه تعالى و لا تقول سأفعل كذا إن علم اللّٰه فقولك إن شاء اللّٰه دليل على أنه لم يشأ فإذا شاء كان الذي شاء كما شاء و علم اللّٰه السابق المشية

بيان

مختلفان أو متفقان أي معنيان متغايران أو عبارتان عن معنى واحد دليل على أنه لم يشأ أي لم يشأ بعد و المراد بالمشية هنا الإحداث و الإيجاد و مغايرتها للعلم واضحة و أما المشية بمعنى كون ذاته سبحانه بحيث يختار ما يختار فمغايرتها للعلم بالاعتبار و علم اللّٰه السابق المشية أي علمه سابق على مشيته فعلم اللّٰه مبتدأ و السابق المشية خبره و هذا كما يقال زيد الحسن الوجه

[4]
اشارة

371- 4 الكافي، 1/ 110/ 4/ 1 الثلاثة عن ابن أذينة عن أبي عبد اللّٰه ع قال خلق اللّٰه المشية بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشية

الوافي، ج 1، ص: 458

بيان

قال السيد الداماد ره المراد بالمشية هاهنا مشية العباد لأفعالهم الاختيارية لتقدسه سبحانه عن مشية مخلوقة زائدة على ذاته عز و جل و بالأشياء أفاعيلهم المترتب وجودها على تلك المشية و بذلك تنحل شبهة ربما أوردت هاهنا أنه لو كانت أفعال العباد مسبوقة بإرادتهم لكانت الإرادة مسبوقة بإرادة أخرى و تسلسلت الإرادات لا إلى نهاية.

أقول ما ذكره خلاف الظاهر من الحديث و كيف لا يكون له مشية مخلوقة و حديث ابن مسلم الآتي نص في ذلك لا يحتمل التأويل بمشية العبد لظهور حدوث مشية العبد فلا معنى لإفادة ذلك مع أن المقام موضع ذكر صفات اللّٰه سبحانه و الباب موضوع لذلك كما هو ظاهر فالصواب أن يقال إن للمشية معنيين أحدهما متعلق بالشائي و هي صفة كمالية قديمة هي نفس ذاته سبحانه و هي كون ذاته سبحانه بحيث يختار ما هو الخير و الصلاح.

و الآخر يتعلق بالمشي ء و هو حادث بحدوث المخلوقات لا تتخلف المخلوقات عنه و هو إيجاده سبحانه إياها بحسب اختياره و ليست صفة زائدة على ذاته عز و جل و على المخلوقات بل هي نسبة بينهما تحدث بحدوث المخلوقات لفرعيتها المنتسبين معا و قد عرفت تحقيق ذلك فيما أسلفناه إذا تمهد هذا فنقول في شرح الحديث و بيان معناه مستعينا بالله عز و جل إنه لما كان هاهنا مظنة شبهة هي أنه إن كان اللّٰه عز و جل خلق الأشياء بالمشية فبم خلق المشية أ بمشية أخرى فيلزم أن يكون قبل كل مشية

مشية إلى ما لا نهاية له فأفاد الإمام ع أن الأشياء مخلوقة بالمشية و أما المشية نفسها فلا يحتاج خلقها إلى مشية أخرى بل هي مخلوقة بنفسها لأنها نسبة و إضافة بين الشائي و المشي ء تتحصل بوجوديهما العيني و العلمي و لذا أضاف خلقها إلى اللّٰه سبحانه لأن كلي الوجودين له و فيه و منه و في قوله ع بنفسها دون أن يقول بنفسه إشارة لطيفة إلى ذلك نظير ذلك ما يقال إن الأشياء إنما توجد بالوجود فأما الوجود نفسه

الوافي، ج 1، ص: 459

فلا يفتقر إلى وجود آخر بل إنما يوجد بنفسه فافهم راشدا

[5]
اشارة

372- 5 الكافي، 1/ 110/ 7/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن محمد عن أبي عبد اللّٰه ع قال المشية محدثة

بيان

أراد بهذه المشية الإحداث و الإيجاد لا كون ذاته بحيث يختار ما يختار

[6]
اشارة

373- 6 الكافي، 1/ 110/ 5/ 1 العدة عن البرقي عن محمد بن عيسى عن المشرفي حمزة بن المرتفع عن بعض أصحابنا قال كنت في مجلس أبي جعفر ع إذ دخل عليه عمرو بن عبيد فقال له جعلت فداك قول اللّٰه تعالى وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوىٰ ما ذلك الغضب- فقال أبو جعفر ع هو العقاب يا عمرو إنه من زعم أن اللّٰه قد زال من شي ء إلى شي ء فقد وصفه صفة مخلوق إن اللّٰه تعالى لا يستفزه شي ء فيغيره

بيان

سند الحديث في توحيد الصدوق رحمه اللّٰه هكذا أحمد بن إدريس عن أحمد بن أبي عبد اللّٰه عن محمد بن عيسى اليقطيني عن المشرفي عن حمزة بن الربيع عمن ذكره

الوافي، ج 1، ص: 460

قال كنت الحديث و المشرفي بالفاء و قيل بالقاف هو هشام بن إبراهيم العباسي و حمزة بن الربيع و هو ابن الربيع المصلوب على التشيع و في رواية الصدوق لا يستفزه شي ء و لا يغيره تقول استفززته إذا أزعجته و أفزعته و هززت سره و حيرت فؤاده و استفزه الخوف استخفه

[7]
اشارة

374- 7 الكافي، 1/ 110/ 6/ 1 علي عن أبيه عن العباس بن عمرو عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد اللّٰه ع فكان من سؤاله أن قال له فله رضا و سخط- فقال أبو عبد اللّٰه ع نعم و لكن ليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين و ذلك أن الرضا حال تدخل عليه فتنقله من حال إلى حال لأن المخلوق أجوف معتمل مركب للأشياء فيه مدخل و خالقنا لا مدخل للأشياء فيه لأنه واحد و أحدي الذات و أحدي المعنى فرضاه ثوابه و سخطه عقابه من غير شي ء يتداخله فيهيجه و ينقله من حال إلى حال لأن ذلك من صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين

بيان

في توحيد الصدوق أن الرضا دخال و أحدي الذات أحدي المعنى بدون الواوين و إنما كان المخلوق أجوف لأنه مزدوج الحقيقة فيه تركيب من الوجود و العدم كما مضى بيانه في باب النسبة و إليه الإشارة بقوله ع مركب و فيه إشارة إلى جواز إطلاق الصمد على اللّٰه سبحانه بمعنى ما لا جوف له و المعتمل الذي عمل فيه غيره و زاد الصدوق بعد قوله ع المحتاجين و هو تبارك و تعالى القوي العزيز الذي لا حاجة به إلى شي ء مما خلق و خلقه جميعا محتاجون إليه إنما خلق الأشياء من غير حاجة و سبب بل اختراعا و ابتداعا قيل في قوله ع من غير حاجة

الوافي، ج 1، ص: 461

نفي لمبادئ الأفعال الاختيارية التي فينا عنه سبحانه و عن أفعاله الاختيارية و قوله و لا سبب تصريح بأن السبب الغائي الحقيقي الذي هو غاية الغايات لأفعاله سبحانه نفس ذاته لا أمر وراء ذاته انتهى و

الاختراع مطلق الإنشاء و الابتداع الإنشاء من غير مثال.

قال أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني رحمه اللّٰه في آخر هذا الباب جملة القول في صفات الذات و صفات الفعل أن كل شيئين وصفت اللّٰه بهما و كانا جميعا في الوجود فذلك صفة فعل و تفسير هذه الجملة أنك تثبت في الوجود ما يريد و ما لا يريد و ما يرضاه و ما يسخطه و ما يحب و ما يبغض فلو كانت الإرادة من صفات الذات مثل العلم و القدرة كان ما لا يريد ناقضا لتلك الصفة أ لا ترى أنا لا نجد في الوجود ما لا يعلم و ما لا يقدر عليه و كذلك صفات ذاته الأزلي إلى آخر ما قاله مما لا مدخل لبقيته في زيادة التبيين و ملخصه أن ما يختلف من صفاته سبحانه بالنسبة إلى المخلوقات فهو من صفات الفعل و ما لا يختلف بالإضافة إليها بل يشمل كلها على نسق واحد فهو من صفات الذات و قد حققنا ذلك في أول الأبواب بما لا مزيد عليه

الوافي، ج 1، ص: 463

باب 45 حدوث الأسماء

[1]
اشارة

375- 1 الكافي، 1/ 112/ 1/ 1 علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن الحسين بن يزيد عن ابن أبي حمزة عن إبراهيم بن عمر عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن اللّٰه تعالى خلق اسما بالحروف غير متصوت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ منفي عنه الأقطار مبعد عنه الحدود محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستر- فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معا ليس منها واحد قبل الآخر فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها

و حجب واحدا منها و هو الاسم المكنون المخزون- فهذه الأسماء التي ظهرت فالظاهر هو اللّٰه تعالى و سخر سبحانه لكل اسم من هذه الأسماء أربعة أركان فذلك اثنا عشر ركنا ثم خلق لكل ركن منها ثلاثين اسما فعلا منسوبا إليها فهو الرحمن الرحيم الملك القدوس الخالق- البارئ المصور الحي القيوم لا تأخذه سنة و لا نوم العليم الخبير السميع البصير الحكيم العزيز الجبار المتكبر العلي العظيم المقتدر القادر

الوافي، ج 1، ص: 464

السلام المؤمن المهيمن البارئ المنشئ البديع الرفيع الجليل الكريم- الرازق المحيي المميت الباعث الوارث فهذه الأسماء و ما كان من الأسماء الحسنى حتى يتم ثلاثمائة و ستين اسما فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة و هذه الأسماء الثلاثة أركان و حجب الاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة و ذلك قوله تعالى قُلِ ادْعُوا اللّٰهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمٰنَ أَيًّا مٰا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ

بيان

الاسم ما دل على الذات الموصوفة بصفة معينة سواء كان لفظا أو حقيقة من الحقائق الموجودة في الأعيان فإن الدلالة كما تكون بالألفاظ كذلك تكون بالذوات من غير فرق بينهما فيما يئول إلى المعنى بل كل موجود بمنزلة كلام صادر عنه تعالى دال على توحيده و تمجيده بل كل منها عند أولي البصائر لسان ناطق بوحدانيته يسبح بحمده و يقدسه عما لا يليق بجنابة كما قال تعالى وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلّٰا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ بل كل من الموجودات ذكر و تسبيح له تعالى إذ يفهم منه وحدانيته و علمه و اتصافه بسائر صفات الكمال و تقدسه عن صفات النقص و الزوال قوله ع مستتر من الاستتار غير مستر من التستير على البناء للمفعول إشارة إلى أن خفاءه و عدم نيله

إنما هو لضعف البصائر و الأبصار لا أنه جعل عليه ستر أخفاه و كأن الاسم الموصوف بالصفات المذكورة إشارة إلى أول ما خلق اللّٰه الذي مر ذكره في باب العقل أعني النور المحمدي و الروح الأحمدي و العقل الكلي و أجزاؤه الأربعة إشارة إلى جهته الإلهية و العوالم الثلاثة التي يشتمل عليها أعني عالم العقول المجردة عن المواد و الصور و عالم الخيال المجرد عن المواد دون الصور و عالم الأجسام المقارنة للمواد.

و بعبارة أخرى إلى الحس و الخيال و العقل و السر و بثالثة إلى الشهادة و الغيب و غيب الغيب و غيب الغيوب و برابعة إلى الملك و الملكوت و الجبروت و اللاهوت و معية

الوافي، ج 1، ص: 465

الأجزاء عبارة عن لزوم كل منها الآخر و توقفه عليه في تمامية الكلمة و جزؤه المكنون السر الإلهي و الغيب اللاهوتي قوله فهذه الأسماء التي ظهرت كذا وجدت فيما رأيناه من نسخ الكافي و الصواب بهذه الأسماء بالباء كما رواه الصدوق طاب ثراه في كتاب توحيده و يدل عليه آخر الحديث حيث قال و حجب الاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة فالظاهر هو اللّٰه يعني أن الظاهر بهذه الأسماء الثلاثة هو اللّٰه فإن المسمى يظهر بالاسم و يعرف به و الأركان الأربعة الحياة و الموت و الرزق و العلم التي وكل بها أربعة أملاك هي إسرافيل و عزرائيل و ميكائيل و جبرائيل و فعل الأول نفخ الصور و الأرواح في قوالب المواد و الأجساد و إعطاء قوة الحس و الحركة لانبعاث الشوق و الطلب و له ارتباط مع المفكرة و لو لم يكن هو لم ينبعث الشوق و الحركة لتحصيل الكمال في أحد.

و

فعل الثاني تجريد الأرواح و الصور عن الأجساد و المواد و إخراج النفوس من الأبدان و له ارتباط مع المصورة و لو لم يكن هو لم يمكن الاستحالات و الانقلابات في الأجسام و لا الاستكمالات و الانتقالات الفكرية في النفوس و لا الخروج من الدنيا و القيام عند اللّٰه للأرواح بل كانت الأشياء كلها واقفة في منزل واحد و مقام أول.

و فعل الثالث إعطاء الغذاء و الإنماء على قدر لائق و ميزان معلوم لكل شي ء بحسبه و له ارتباط مع الحفظ و الإمساك و لو لم يكن هو لم يحصل النشوء و النماء في الأبدان و لا التطور في أطوار الملكوت في الأرواح و لا العلوم الجمة للفطرة.

و فعل الرابع الوحي و التعليم و تأدية الكلام من اللّٰه سبحانه إلى عباده و له ارتباط مع القوة النطقية و لو لم يكن هو لم يستفد أحد معنى من المعاني بالبيان و القول و لم يقبل قلب أحد إلهام الحق و إلقاءه في الروع و هاهنا أسرار لا يحتملها المقام

[2]
اشارة

376- 2 الكافي، 1/ 113/ 2/ 1 القمي عن الحسين بن عبد اللّٰه عن محمد بن عبد اللّٰه و موسى بن عمر و الحسن بن علي بن عثمان عن ابن سنان قال سألت أبا الحسن الرضا ع هل كان اللّٰه تعالى عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق

الوافي، ج 1، ص: 466

قال نعم قلت يراها و يسمعها قال ما كان محتاجا إلى ذلك لأنه لم يكن يسألها و لا يطلب منها هو نفسه و نفسه هو قدرته نافذة فليس يحتاج أن يسمي نفسه و لكنه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها لأنه إذا لم يدع باسمه لم

يعرف فأول ما اختار لنفسه العلي العظيم لأنه أعلى الأشياء كلها فمعناه اللّٰه و اسمه العلي العظيم هو أول أسمائه علا على كل شي ء

بيان

لله سبحانه العلو الحقيقي كما أن له العلو الإضافي و الأول من خواصه سبحانه لا يشاركه فيه غيره و لهذا قال اختار لنفسه العلي العظيم و جعله أول أسمائه لعدم توقف تعقله على تعقل الغير و جعل اللّٰه المعنى لأنه بإزاء الذات غير مفهوم المعنى للخلق فهو المسمى و العلي العظيم الاسم لأنه وسيلة إلى فهم المعنى

[3]
اشارة

377- 3 الكافي، 1/ 113/ 3/ 1 بهذا الإسناد عن محمد بن سنان قال سألته عن الاسم ما هو قال صفة لموصوف

بيان

في هذا إشارة إلى ما ذكرنا من معنى الاسم

[4]
اشارة

378- 4 الكافي، 1/ 113/ 4/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن بكر بن صالح عن علي بن صالح عن الحسن بن محمد بن

الوافي، ج 1، ص: 467

خالد بن يزيد عن عبد الأعلى عن أبي عبد اللّٰه ع قال اسم اللّٰه غير اللّٰه و كل شي ء وقع عليه اسم شي ء فهو مخلوق ما خلا اللّٰه فأما ما عبرته الألسن أو عملت الأيدي فهو مخلوق و اللّٰه غاية من غاياته و المغيى غير الغاية و الغاية موصوفة و كل موصوف مصنوع و صانع الأشياء غير موصوف بحد مسمى لم يتكون فتعرف كينونيته بصنع غيره و لم يتناه إلى غاية إلا كانت غيره- لا يذل من فهم هذا الحكم أبدا و هو التوحيد الخالص فارعوه و صدقوه و تفهموه بإذن اللّٰه من زعم أنه يعرف اللّٰه بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك- لأن حجابه و مثاله و صورته غيره و إنما هو واحد موحد فكيف يوحده من زعم أنه عرفه بغيره و إنما عرف اللّٰه من عرفه بالله فمن لم يعرفه به فليس يعرفه إنما يعرف غيره ليس بين الخالق و المخلوق شي ء و اللّٰه خلق الأشياء لا من شي ء كان و اللّٰه يسمى بأسمائه و هو غير أسمائه و الأسماء غيره

الوافي، ج 1، ص: 468

بيان

اسم اللّٰه غير اللّٰه سواء أريد به اللفظ أو الكتابة أو المفهوم الذي يفتقر في وجوده و تعقله إلى غيره و هذا الحكم ظاهر ما خلا اللّٰه أي ما خلا ذاته و معناه المسمى بالاسم اللّٰه ما عبرته الألسن بالتخفيف من العبارة أشار به إلى الأسماء الملفوظة أو عملت الأيدي أشار به

إلى الأسماء المكتوبة فهو مخلوق فيه إشارة إلى رد مذهب من زعم أن القرآن قديم أو الكلام عين المتكلم أو الاسم عين المسمى و اللّٰه غاية من غاياته أي المفهوم من اسم اللّٰه حد من حدود ما عبرته الألسن أو عملته الأيدي ينتهيان إليه و المغيى إن كانت بالمعجمة و التحتانية كما يوجد في النسخ التي رأيناها بمعنى ذي الغاية.

فالمراد بقوله ع و المغيى غير الغاية أن ما عبرته الألسن أو عملته الأيدي غير المفهوم منهما و المفهوم منهما موصوف بهما و كل موصوف مصنوع لأنه يصنعه الواصف في ذهنه و إن كانت بالمهملة و النون كما هو الأظهر فالمراد أن المقصود باسم اللّٰه يعني ذاته سبحانه و تعالى غير الغاية أي الاسم و لم يتناه إلى غاية أي لم يحد بحد و مفهوم و علامة هذا الحكم أي الحكمة أو القضاء و الحكم جاء بالمعنيين فارعوه إما بالوصل من الرعاية بمعنى الحفظ و إما بالقطع من الإرعاء بمعنى الإصغاء و تمام الحديث قد مضى بيانه

الوافي، ج 1، ص: 469

باب 46 معاني الأسماء

[1]
اشارة

379- 1 الكافي، 1/ 114/ 1/ 1 العدة عن البرقي عن القاسم عن جده عن عبد اللّٰه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن تفسير بسم اللّٰه الرحمن الرحيم- قال الباء بهاء اللّٰه و السين سناء اللّٰه و الميم مجد اللّٰه و روي بعضهم الميم ملك اللّٰه و اللّٰه إله كل شي ء الرحمن بجميع خلقه و الرحيم بالمؤمنين خاصة

بيان

أشير بهذا التفسير إلى علم الحروف فإنه علم شريف يمكن أن يستنبط منه جميع العلوم و المعارف كلياتها و جزئياتها إلا أنه مكنون عند أهله و كان الرحمن إنما هو من الرحمة التي وسعت كل شي ء و الرحيم من الرحمة التي يختص بها من يشاء من عباده قال أستادنا قدس اللّٰه سره بعد تحقيق معنى الرحمة على ما يفهمه الجمهور و إذا أطلق بعض هذه الصفات على اللّٰه فلا بد أن يكون هناك على وجه أعلى و أشرف لأن صفات كل موجود على حسب وجوده فصفات الجسم كوجوده جسمانية و صفات النفس نفسانية و صفات العقل عقلانية و صفات اللّٰه إلهية لا كما عليه كثير من أهل التمييز من أن ينكر هذه الصفات في حق اللّٰه رأسا و يقال إن أسماء اللّٰه إنما تطلق باعتبار

الوافي، ج 1، ص: 470

الغايات التي هي الأفعال دون المبادئ التي تكون انفعالات و هذا من قصور العلم و ضيق الصدر و عدم سعة التعقل حيث لم يدركوا مقامات الوجود و مواطنه و معارجه و منازله و أحواله في كل موطن و مقام فوقعوا في مثل هذا التعطيل الخالي عن التحصيل و بالجملة العوالم متطابقة فما وجد من الصفات الكمالية في الأدنى يكون في الأعلى على وجه أرفع و

أشرف و أبسط قال فافهم هذا التحقيق و اغتنم فإنه عزيز جدا

[2]
اشارة

380- 2 الكافي، 1/ 114/ 3/ 1 بهذا الإسناد عن الحسن بن راشد عن أبي الحسن موسى بن جعفر ع قال سئل عن معنى اللّٰه فقال استولى على ما دق و جل

بيان

لما كان اللّٰه اسما للذات الأحدية القيومية فسر بما يختص به الذات و هو استيلاؤها على الدقيق و الجليل

[3]

381- 3 الكافي، 1/ 115/ 4/ 1 علي بن محمد عن سهل عن يعقوب بن يزيد عن العباس بن هلال قال سألت الرضا ع عن قول اللّٰه تعالى اللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ فقال هاد لأهل السماء و هاد لأهل الأرض

[4]
اشارة

382- 4 الكافي، 1/ 115/ 4/ 1 و في رواية البرقي هادي من في السماء و هادي من في الأرض

بيان

في بعض النسخ هدى بدل هادي في المواضع الأربعة

الوافي، ج 1، ص: 471

[5]
اشارة

383- 5 الكافي، 1/ 115/ 5/ 1 القميان عن صفوان عن فضيل بن عثمان عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه تعالى هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ و قلت أما الأول فقد عرفناه و أما الآخر فبين لنا تفسيره- فقال إنه ليس شي ء إلا يبيد أو يتغير أو يدخله التغير و الزوال أو ينتقل من لون إلى لون و من هيئة إلى هيئة و من صفة إلى صفة و من زيادة إلى نقصان و من نقصان إلى زيادة إلا رب العالمين فإنه لم يزل و لا يزال بحالة واحدة هو الأول قبل كل شي ء و هو الآخر على ما لم يزل و لا تختلف عليه الصفات و الأسماء كما تختلف على غيره مثل الإنسان الذي يكون ترابا مرة و مرة لحما و دما و مرة رفاتا و رميما و كالبسر الذي يكون مرة بلحا و مرة بسرا و مرة رطبا و مرة تمرا فتتبدل عليه الأسماء و الصفات و اللّٰه تعالى بخلاف ذلك

بيان

يبيد يهلك و الرفاة ما دق و كسر و تفتت كالفتات و الرميم ما بلي من العظام و البسر بضم الموحدة و المهملتين ما لم ينضج بعد من الرطب و أول ما يبدو من

الوافي، ج 1، ص: 472

النخلة يقال له طلع ثم خلال ثم بلح بالموحدة و المهملة و فتح اللام ثم بسر ثم رطب ثم تمر أراد ع أن اللّٰه سبحانه لم يستفد من خلقة العالم كمالا كان فاقدا له قبل الخلق بل إنه كما كان في الأزل يكون في الأبد من غير تغير فيه فهو الأول و هو بعينه الآخر يكون كما كان بخلاف

غيره من الأشياء فإنها إنما خلقت لغايات و كمالات تستفيدها إلى نهاية آجالها فالأول منها غير الآخر

[6]
اشارة

384- 6 الكافي، 1/ 116/ 6/ 1 الثلاثة عن ابن أذينة عن محمد بن حكيم عن ميمون البان قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع و قد سئل عن الأول و الآخر فقال الأول لا عن أول قبله و لا عن بدء سبقه و آخر لا عن نهاية كما يعقل من صفة المخلوقين و لكن قديم أول آخر لم يزل و لا يزول بلا بدء و لا نهاية لا يقع عليه الحدوث و لا يحول من حال إلى حال خالق كل شي ء

بيان

في قوله ع أول آخر بدون العطف إشارة إلى أن أوليته عين آخريته ليدل على أن كونه قديما ليس بمعنى القدم الزماني أي الامتداد الكمي بلا نهاية إذ وجوده ليس بزماني بل هو فوق الزمان و الدهر نسبته إلى الأزل كنسبته إلى الأبد فهو بما هو أزلي أبدي و بما هو أبدي أزلي فهو و إن كان مع الأزل و الأبد لكن ليس في الأزل و لا في الأبد حتى يتغير ذاته و إليه الإشارة بقوله لا يقع عليه الحدوث

[7]
اشارة

385- 7 الكافي، 1/ 116/ 7/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه رفعه إلى أبي هاشم الجعفري قال كنت عند أبي جعفر الثاني ع فسأله رجل فقال أخبرني عن الرب تبارك و تعالى له أسماء و صفات في كتابه و أسمائه و صفاته هي هو

الوافي، ج 1، ص: 473

فقال أبو جعفر ع إن لهذا الكلام وجهين إن كنت تقول هي هو أي إنه ذو عدد و كثرة- فتعالى اللّٰه عن ذلك و إن كنت تقول هذه الصفات و الأسماء لم تزل فإن لم تزل محتمل معنيين فإن قلت لم تزل عنده في علمه و هو مستحقها فنعم و إن كنت تقول لم تزل تصويرها و هجاها و تقطيع حروفها فمعاذ اللّٰه أن يكون معه شي ء غيره بل كان اللّٰه و لا خلق ثم خلقها وسيلة بينه و بين خلقه يتضرعون بها إليه و يعبدونه و هي ذكره و كان اللّٰه و لا ذكر و المذكور بالذكر هو اللّٰه القديم الذي لم يزل و الأسماء و الصفات مخلوقات و المعاني و المعني بها هو اللّٰه الذي لا يليق به الاختلاف و لا الائتلاف و إنما

يختلف و يأتلف المتجزئ فلا يقال اللّٰه مؤتلف- و لا اللّٰه قليل و لا كثير و لكنه القديم في ذاته لأن ما سوى الواحد متجزئ- و اللّٰه واحد لا متجزئ و لا متوهم بالقلة و الكثرة و كل متجزئ أو متوهم بالقلة و الكثرة فهو مخلوق دال على خالق له فقولك إن اللّٰه قدير خبرت أنه لا يعجزه شي ء فنفيت بالكلمة العجز و جعلت العجز سواه و كذلك قولك عالم إنما نفيت بالكلمة الجهل و جعلت الجهل سواه و إذا أفنى اللّٰه الأشياء أفنى الصورة و الهجاء و التقطيع و لا يزال من لم يزل عالما فقال الرجل فكيف سمينا ربنا سميعا فقال لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالإسماع و لم نصفه بالسمع المعقول في الرأس و كذلك سميناه بصيرا لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك و لم نصفه ببصر لحظة العين و كذلك سميناه لطيفا لعلمه بالشي ء اللطيف مثل البعوضة و أخفى من ذلك و موضع النشوء منها و العقل و الشهوة للسفاد و الحدب على نسلها و أقام بعضها على بعض و نقلها الطعام و الشراب إلى أولادها في الجبال و المفاوز و الأودية و القفار فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف و إنما الكيفية للمخلوق المكيف و كذلك سمينا ربنا قويا- لا بقوة البطش المعروف من المخلوق و لو كانت قوته قوة البطش المعروف من

الوافي، ج 1، ص: 474

المخلوق لوقع التشبيه و لاحتمل الزيادة و ما احتمل الزيادة احتمل النقصان- و ما كان ناقصا كان غير قديم و ما كان غير قديم كان عاجزا فربنا تبارك و تعالى لا شبه له و لا

ضد و لا ند و لا كيف و لا نهاية و لا تبصار بصر و محرم على القلوب أن تمثله و على الأوهام أن تحده و على الضمائر أن تكونه جل و عز عن أدات خلقه و سمات بريته و تعالى عن ذلك علوا كبيرا

بيان

في توحيد الصدوق رفع رفعه بمحمد بن بشر قوله و هي ذكره ربما يجعل الضمير في تاء بمعنى الذكرى و إرادة ما به الذكرى و فيه تكلف لفقد التاء فيما بعده قيل قوله و المعاني محذوف الخبر يعني مخلوقات و الأولى أن يجعل مبتدأ و يجعل المعني بها عطف تفسير له بإرجاع الضمير المجرور إلى الأسماء و الصفات و في بعض النسخ مخلوقات المعاني بدون الواو و لا يزال من لم يزل عالما أي و لا يزال عالما يعني به أن عالميته و سائر صفاته الذاتية إنما هي بنفس ذاته الأحدية الحقة القديمة لا بالأسماء و الصفات بالسمع المعقول أي المحبوس و موضع النشوء منها أي لعلمه بموضع النشوء منها من نشأ ينشأ بمعنى النماء و قيل بل هو بالواو و التاء بمعنى السكر لاقترانه بالعقل و فيه تكلف مع أن اقتران الجسد بالعقل بمعنى الروح أشمل و السفاد بكسر السين قبل الفاء نزو الذكر على الأنثى و الحدب على القوم بإهمال الحاء و الدال و بالتحريك العطف و الشفقة عليهم و أقام بعضها بكسر الهمزة أي كونه مقيما قواما قويا عليه قائما بأموره حافظا لأحواله و أصله إقامة.

و في توحيد الصدوق و إفهام بعضها عن بعض موافقا لخبر فتح الآتي في الباب التالي لهذا الباب و قيل معنى اللطيف فاعل اللطف و هو ما يقرب العبد إلى الطاعة و

يبعده عن المعصية و يمكن الجمع بين المعنيين بأن يقال اللطيف من يعلم دقائق المصالح و غوامضها و ما دق منها و لطف ثم يسلك في إيصالها إلى المستصلح سبيل الرفق دون

الوافي، ج 1، ص: 475

العنف فإذا اجتمع الرفق في الفعل و اللطف في الإدراك تم معنى اللطف و القفر بتقديم القاف المفازة التي لا نبات فيها و لا ماء و التبصار تفعال من البصر عن أدات خلقة أما بفتح الهمزة بمعنى الآلة أي عن نيلها إياها و لم تكتب بالتاء المدورة لأنها ليست بمحل وقف أو بكسرها بمعنى المعونة أو جمع الإدة بمعنى الثقل و فيهما تكلف ارتكبه متكلف الذكرة و النشوة و السمة بالكسر العلامة

[8]

386- 8 الكافي، 1/ 117/ 8/ 1 علي بن محمد عن سهل عن السراد عمن ذكره عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رجل عنده اللّٰه أكبر فقال اللّٰه أكبر من أي شي ء فقال من كل شي ء فقال أبو عبد اللّٰه ع حددته فقال الرجل كيف أقول قال قل اللّٰه أكبر أكبر من أن يوصف

[9]
اشارة

________________________________________

كاشانى، فيض، محمد محسن ابن شاه مرتضى، الوافي، 26 جلد، كتابخانه امام امير المؤمنين علي عليه السلام، اصفهان - ايران، اول، 1406 ه ق

الوافي؛ ج 1، ص: 475

387- 9 الكافي، 1/ 118/ 9/ 1 و رواه محمد عن ابن عيسى عن مروك بن عبيد عن جميع بن عمير قال قال أبو عبد اللّٰه ع أي شي ء اللّٰه أكبر فقلت اللّٰه أكبر من كل شي ء فقال و كان ثم شي ء فيكون أكبر

الوافي، ج 1، ص: 476

منه فقلت فما هو اللّٰه أكبر من أن يوصف

بيان

حددته بالتشديد من التحديد أي جعلت له حدا محدودا و ذلك لأنه جعله في مقابلة الأشياء و وضعه في حد و الأشياء في حد آخر و وازن بينهما مع أنه محيط بكل شي ء لا يخرج عن معيته و قيوميته شي ء كما أشار إليه بقوله ع و كان ثم شي ء يعني مع ملاحظة ذاته الواسعة و إحاطته بكل شي ء و معيته للكل لم يبق شي ء تنسبه إليه بالأكبرية بل كل شي ء هالك عند وجهه الكريم و كل وجود و كمال وجود مضمحل في مرتبة ذاته و وجوده القديم

[10]
اشارة

388- 10 الكافي، 1/ 118/ 10/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن هشام بن الحكم قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن سبحان اللّٰه فقال أنفة لله

بيان

يعني تنزيه لذاته الأحدية عن كل ما لا يليق بجنابة يقال أنف من الشي ء إذا استنكف عنه و كرهه و شرف نفسه عنه و سبحان مصدر منصوب بفعل مضمر

[11]

389- 11 الكافي، 1/ 118/ 11/ 1 أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد اللّٰه الحسني عن ابن أسباط عن سليمان مولى طربال عن هشام الجواليقي قال سألت أبا

الوافي، ج 1، ص: 477

عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه سُبْحٰانَ اللّٰهِ ما يعني به قال تنزيه

[12]
اشارة

390- 12 الكافي، 1/ 118/ 12/ 1 علي بن محمد و محمد بن الحسن عن سهل و محمد عن ابن عيسى جميعا عن أبي هاشم الجعفري قال سألت أبا جعفر الثاني ع ما معنى الواحد فقال إجماع الألسن عليه بالوحدانية- كقوله وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّٰهُ

بيان

يعني كما أن الغرائز الإنسانية مجبولة بحسب الفطرة الأولى على الاعتراف بأن اللّٰه واحد لا شريك له و لو لا الأغراض النفسانية لما اختلف فيه اثنان و لهذا لما سألهم أ لست بربكم قالوا بلى بالاتفاق كذلك في الفطرة الثانية لو خلوا و طبائعهم و لم يكن لهم غرض آخر و سألوا من الخالق إياهم ليقولن اللّٰه.

روي أن زنديقا دخل على الصادق ع فسأله عن الدليل على إثبات الصانع فأعرض ع عنه ثم التفت إليه و سأله من أين أقبلت و ما قصتك- فقال الزنديق إني كنت مسافرا في البحر فعصفت علينا الريح و تقلبت بنا الأمواج- فانكسرت سفينتنا فتعلقت بساجة منها و لم يزل الموج يقلبها حتى قذفت بي إلى الساحل فنجوت عليها- فقال ع أ رأيت الذي كان قلبك إذا انكسرت السفينة و تلاطمت عليكم الأمواج فزعا عليه مخلصا له في التضرع طالبا منه النجاة فهو إلهك فاعترف الزنديق بذلك و حسن اعتقاده

و ذلك من قوله تعالى وَ إِذٰا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلّٰا إِيّٰاهُ

الوافي، ج 1، ص: 478

[13]
اشارة

391- 13 الكافي، 1/ 123/ 1/ 1 علي بن محمد و محمد بن الحسن عن سهل عن محمد بن الوليد و لقبه شباب الصيرفي عن داود بن القاسم الجعفري قال قلت لأبي جعفر الثاني ع جعلت فداك ما الصمد قال السيد المصمود إليه في القليل و الكثير

بيان

المصمود إليه المقصود

[14]
اشارة

392- 14 الكافي، 1/ 123/ 2/ 1 العدة عن البرقي عن العبيدي عن يونس عن الحسن بن السري عن جابر بن يزيد الجعفي قال سألت أبا جعفر ع عن شي ء من التوحيد فقال إن اللّٰه تبارك و تعالى أسماؤه التي يدعي بها- و تعالى في علو كنهه واحد توحد بالتوحيد في توحده ثم أجراه على خلقه فهو واحد صمد قدوس يعبده كل شي ء و يصمد إليه كل شي ء و وسع كل شي ء علما

بيان

توحد بالتوحيد في توحده يعني أن كل واحد دون اللّٰه غير متوحد في توحده إذ قد وجدت له في توحده أمثال موجودة أو مفروضة فهو سبحانه كما لا شريك له في إلهيته لا شريك له في أحديته و ذلك لأن وحدته ليست من جنس الوحدة العددية التي تدخل في باب الأعداد و لا الوحدة المبهمة التي توصف بها الأنواع و الأجناس ثم أجراه على خلقه يعني أجرى ظل التوحد على الخلق كما أجرى فيض الوجود عليهم إذ الوحدة

الوافي، ج 1، ص: 479

في كل شي ء هي عين وجوده بالذات و غيره بالاعتبار و هي فيه متشابكة بالكثرة و لذلك قال فهو واحد صمد أي فهو فقط واحد ذلك الواحد صمد في وجوده لا فرجة فيه قدوس في وحدته لا يمازجه كثرة فلذلك يعبده كل شي ء طلبا لتتميم كماله الوجودي و يصمد إليه كل شي ء تخلصا عن عالم التفرقة و الكثرة إلى عالم الجمعية و الوحدة و قوله وسع كل شي ء علما إشارة إلى أن وحدته الذاتية كعلمه الذي هو نفس ذاته وسعت كل شي ء لأنه مع كل شي ء لا بممازجة و غيره لا بمباينة كما ورد عن أمير المؤمنين ع.

كذا أفاد أستادنا

قدس سره في معنى هذا الحديث قال محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه بعد نقل هذا الحديث و الذي قبله فهذا هو المعنى الصحيح في تأويل الصمد لا ما ذهب إليه المشبهة أن تأويل الصمد المصمت الذي لا جوف له لأن ذلك لا يكون إلا من صفة الجسم و اللّٰه جل ذكره متعال عن ذلك هو أعظم و أجل من أن تقع الأوهام على صفته أو تدرك كنه عظمته.

و لو كان تأويل الصمد في صفة اللّٰه تعالى المصمت لكان مخالفا لقوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ لأن ذلك من صفة الأجسام المصمتة التي لا أجواف لها مثل الحجر و الحديد و سائر الأشياء المصمتة التي لا أجواف لها تعالى اللّٰه عن ذلك علوا كبيرا فأما ما جاء في الأخبار من ذلك فالعالم ع أعلم بما قال و هذا الذي قال ع إن الصمد هو السيد المصمود إليه هو معنى صحيح موافق لقول اللّٰه تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ و المصمود إليه المقصود في اللغة قال أبو طالب في بعض ما كان يمدح به النبي ص من شعره

و بالجمرة القصوى إذا صمدوا لها. يؤمون قذفا رأسها بالجنادل.

يعني قصدوا نحوها يرمونها بالجنادل يعني الحصا الصغار التي تسمى بالجمار.

و قال بعض شعراء الجاهلية

الوافي، ج 1، ص: 480

ما كنت أحسب أن بيتا ظاهرا. لله في أكناف مكة يصمد.

يعني يقصد و قال ابن الزبرقان

و لا رهينة إلا سيد صمد

و قال شداد بن معاوية في حذيفة بن بدر

علوته بحسام ثم قلت له. خذها حذيف فأنت السيد الصمد.

و مثل هذا كثير و اللّٰه تعالى هو السيد الصمد الذي جميع الخلق من الجن و الإنس إليه يصمدون

في الحوائج و إليه يلجئون عند الشدائد و منه يرجون الرخاء و دوام النعماء ليدفع عنهم الشدائد انتهى كلامه.

أقول و أنت قد علمت أن تأويل الصمد بمعنى لا جوف له أيضا صحيح لما أدريناك من قبل في باب النسبة و علمت أنه قد جاء به روايات عن أهل العصمة سلام اللّٰه عليهم أجمعين.

كما اعترف به شيخنا أبو جعفر الكليني رحمه اللّٰه و لا ينافيه صحة المعنى الذي ذكره بل له معان أخر أيضا كلها صحيحة موافقة لأقوال أئمة اللغة قال ابن الأثير في النهاية في أسماء اللّٰه تعالى الصمد هو السيد الذي انتهى إليه السؤدد.

و قيل هو الدائم الباقي و قيل الذي لا جوف له و قيل الذي يصمد إليه في الحوائج أي يقصد

الوافي، ج 1، ص: 481

باب 47 فرق ما بين المعاني التي تحت أسماء اللّٰه تعالى و أسماء المخلوقين

[1]
اشارة

393- 1 الكافي، 1/ 118/ 1/ 1 علي عن المختار بن محمد بن المختار الهمداني و محمد بن الحسن عن عبد اللّٰه بن الحسن العلوي جميعا عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن ع قال سمعته يقول و هو اللطيف الخبير السميع البصير الواحد الأحد الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد- لم يعرف الخالق من المخلوق و لا المنشئ من المنشأ لكنه المنشئ فرق بين من جسمه و صوره و أنشأه إذ كان لا يشبهه شي ء و لا يشبه هو شيئا قلت أجل جعلني اللّٰه فداك لكنك قلت الأحد الصمد و قلت لا يشبهه شي ء و اللّٰه واحد و الإنسان واحد أ ليس قد تشابهت الوحدانية قال يا فتح أحلت ثبتك اللّٰه إنما التشبيه في المعاني فأما في الأسماء فهي واحدة و هي دالة على المسمى و ذلك أن

الإنسان و إن قيل واحد فإنه يخبر أنه جثة واحدة و ليس باثنين و الإنسان بنفسه ليس بواحد لأن أعضاءه مختلفة و ألوانه مختلفة و من ألوانه مختلفة غير

الوافي، ج 1، ص: 482

واحد و هو أجزاء مجزأ ليست بسواء دمه غير لحمه و لحمه غير دمه و عصبه غير عروقه و شعره غير بشرته و سواده غير بياضه و كذلك سائر جميع الخلق فالإنسان واحد في الاسم و لا واحد في المعنى و اللّٰه تعالى هو واحد لا واحد غيره لا اختلاف فيه و لا تفاوت و لا زيادة و لا نقصان فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف من أجزاء مختلفة و جواهر شتى غير أنه بالاجتماع شي ء واحد قلت جعلت فداك فرجت عني فرج اللّٰه عنك فقولك اللطيف الخبير فسره لي كما فسرت الواحد- فإني أعلم أن لطفه على خلاف لطف خلقه للفصل غير أني أحب أن تشرح ذلك لي- فقال يا فتح إنما قلنا اللطيف للخلق اللطيف لعلمه بالشي ء اللطيف- أ و لا ترى وفقك اللّٰه و ثبتك إلى أثر صنعه في النبات اللطيف و غير اللطيف و من الخلق اللطيف و من الحيوان الصغار و من البعوض و الجرجس و ما هو أصغر منها- ما لا يكاد تستبينه العيون بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى و الحدث المولود من القديم فلما رأينا صغر ذلك في لطفه و اهتداؤه للسفاد و الهرب من الموت و الجمع لما يصلحه و ما في لجج البحار و ما في لحاء الأشجار و المفاوز و القفار- و إفهام بعضها عن بعض منطقها و ما يفهم به أولادها عنها و نقلها الغذاء إليها ثم تأليف ألوانها حمرة

مع صفرة و بياض مع حمرة و أنه ما لا يكاد عيوننا تستبينه لدمامة خلقها لا تراه عيوننا و لا تلمسه أيدينا علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف

الوافي، ج 1، ص: 483

لطف بخلق ما سميناه بلا علاج و لا أداة و لا آلة و إن كل صانع شي ء فمن شي ء صنع و اللّٰه الخالق اللطيف الجليل خلق و صنع لا من شي ء

بيان

عن أبي الحسن يعني الرضا ع كما شهد له إيراده الصدوق طاب ثراه في كتاب عيون أخباره ع و فيه و في كتاب توحيده بعد قوله كفوا أحد منشئ الأشياء و مجسم الأجسام و مصور الصور و لو كان كما يقولون لم يعرف الخالق من المخلوق و كان هذه الزيادة سقطت من قلم صاحب الكافي قوله كما يقولون يعني المشبهة و ربما يوجد في بعض نسخ الكافي و لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف لكنه المنشئ إما كلام تام و ما بعده كلام آخر أو المنشئ بدل من الضمير و ما بعده خبره فرق إما فعل ماض أو منون بين من جسمه أي بينه و بين من جسمه أجل هو مثل نعم إلا أنه أحسن منه في التصديق و نعم أحسن منه في الاستفهام أحلت أتيت بالمحال ثبتك اللّٰه يعني على الحق إنما التشبيه في المعاني قيل يعني ليس في الحقيقة و الذات تشبيه أصلا و إنما التشبيه في المفهومات المدلول عليها بلفظ واحد.

أقول بل المراد أن التشبيه الممنوع منه ما يكون في المعاني يعني ما إذا شبه ذاته بشي ء من خلقه لا ما يكون في الأسماء بإطلاق لفظ واحد عليه و على خلقه مع تعدد المعنى المراد بذلك اللفظ و كذلك

سائر جميع الخلق يعني و إن كان كل منها واحدا بسيطا في الخارج فإنه متعدد مركب ذو أجزاء و لو من جنس و فصل و ماهية و إنية متغايرتين فالوحدانية الخالصة ليست إلا لله سبحانه من أجزاء مختلفة هذا الظرف خبر للإنسان أو المؤلف خبر أو المصنوع للخلق اللطيف الخلق هنا بمعنى المصدر لعلمه بالشي ء اللطيف بدل للخلق أو تعليل له و في بعض نسخ الكتاب و كتابي الشيخ الصدوق و لعلمه بالواو و هو الأصوب الأوضح ليكون تعليلا ثانيا لتسميته سبحانه لطيفا و الجرجس بكسر الجيمين بينهما الراء و إهمال السين البعوض الصغار

الوافي، ج 1، ص: 484

و يسمى بالقرقس أيضا.

و ما في لجج البحار أي من ذلك و في بعض النسخ مما بيانا لما يصلحه و هو أوضح و اللحاء بكسر اللام و إهمال الحاء و المد قشر الشجر و بياض في نسخ العيون بالنصب و هو أظهر لدمامة خلقها بفتح الدال المهملة حقارته بلا علاج مزاولة و مباشرة

[2]
اشارة

394- 2 الكافي، 1/ 120/ 2/ 1 علي بن محمد مرسلا عن أبي الحسن الرضا ع قال قال اعلم علمك اللّٰه الخير أن اللّٰه تبارك و تعالى قديم و القدم صفته التي دلت العاقل على أنه لا شي ء قبله و لا شي ء معه في ديموميته فقد بان لنا بإقرار العامة معجزة الصفة أنه لا شي ء قبل اللّٰه و لا شي ء مع اللّٰه في بقائه- و بطل قول من زعم أنه كان قبله أو كان معه شي ء- و ذلك أنه لو كان معه شي ء في بقائه لم يجز أن يكون خالقا له لأنه لم يزل معه فكيف يكون خالقا لمن لم يزل معه و

لو كان قبله شي ء كان الأول ذلك الشي ء لا هذا و كان الأول أولى بأن يكون خالقا للأول ثم وصف نفسه تبارك و تعالى بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم و تعبدهم و ابتلاهم إلى أن يدعوه بها فسمى نفسه سميعا بصيرا قادرا قائما ناطقا ظاهرا باطنا لطيفا خبيرا قويا عزيزا حكيما حليما عليما و ما أشبه هذه الأسماء فلما رأى ذلك من أسمائه الغالون المكذبون و قد سمعونا نحدث عن اللّٰه أنه لا شي ء مثله و لا شي ء من الخلق في حاله قالوا أخبرونا إذ زعمتم أنه لا مثل لله و لا شبه له كيف شاركتموه في أسمائه الحسنى فتسميتم بجميعها فإن في ذلك دليلا على أنكم مثله في حالاته كلها أو بعضها دون بعض إذ جمعتم الأسماء الطيبة قيل لهم إن اللّٰه تعالى ألزم العباد أسماء من أسمائه على اختلاف المعاني- و ذلك كما يجمع الاسم الواحد معنيين مختلفين

الوافي، ج 1، ص: 485

و الدليل على ذلك قول الناس الجائز عندهم الشائع و هو الذي خاطب اللّٰه به الخلق فكلمهم بما يعقلون ليكون عليهم حجة في تضييع ما ضيعوا فقد يقال للرجل كلب و حمار و ثور و سكرة و علقمة و أسد كل ذلك على خلافه و حالاته- لم تقع الأسامي على معانيها التي كانت بنيت عليه لأن الإنسان ليس بأسد و لا كلب فافهم ذلك رحمك اللّٰه و إنما سمي اللّٰه بالعلم لغير علم حادث علم به الأشياء استعان به على حفظ ما يستقبل من أمره و الروية فيما يخلق من خلقه و يفسد ما مضى بما أفنى من خلقه مما لو لم يحضره ذلك العلم و يعينه كان جاهلا ضعيفا كما أنا

لو رأينا علماء الخلق إنما سموا بالعلم لعلم حادث إذ كانوا فيه جهلة- و ربما فارقهم العلم بالأشياء فعادوا إلى الجهل و إنما سمي اللّٰه عالما لأنه لا يجهل شيئا فقد جمع الخالق و المخلوق اسم العالم و اختلف المعنى على ما رأيت و سمي ربنا سميعا لا بخرت فيه يسمع به الصوت و لا يبصر به كما أن خرتنا الذي به نسمع لا نقوى به على البصر و لكنه أخبر أنه لا يخفى عليه شي ء من الأصوات- ليس على حد ما سمينا نحن فقد جمعنا الاسم بالسمع و اختلف المعنى و هكذا البصر لا بخرت منه أبصر كما أنا نبصر بخرت منا لا ننتفع به في غيره و لكن اللّٰه بصير لا يحتمل شخصا منظورا إليه فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى و هو قائم ليس على معنى انتصاب و قيام على ساق في كبد كما قامت الأشياء و لكن قائم يخبر أنه حافظ كقول الرجل القائم بأمرنا فلان و اللّٰه هو القائم على كل نفس بما كسبت و القائم أيضا في كلام الناس الباقي و القائم أيضا يخبر عن الكفاية- كقولك للرجل قم بأمر بني فلان أي اكفهم و القائم منا قائم على ساق فقد جمعنا الاسم و لم نجمع المعنى و أما اللطيف فليس على قلة و قضافة و صغر و لكن ذلك على النفاذ في الأشياء و الامتناع من أن يدرك كقولك للرجل لطف عني هذا

الوافي، ج 1، ص: 486

الأمر و لطف فلان في مذهبه و قوله يخبرك أنه غمض فيه العقل و فات الطلب- و عاد متعمقا متلطفا لا يدركه الوهم- فكذلك لطف اللّٰه تبارك و تعالى عن أن يدرك

بحد أو يحد بوصف و اللطافة منا الصغر و القلة فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى و أما الخبير فالذي لا يعزب عنه شي ء و لا يفوته ليس للتجربة و لا للاعتبار بالأشياء فعند التجربة و الاعتبار علمان و لولاهما ما علم لأن من كان كذلك كان جاهلا و اللّٰه لم يزل خبيرا بما يخلق- و الخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى- و أما الظاهر فليس من أجل أنه علا الأشياء بركوب فوقها و قعود عليها و تسنم لذراها و لكن ذلك لقهره و لغلبته الأشياء و قدرته عليها كقول الرجل ظهرت علي أعدائي و أظهرني اللّٰه على خصمي يخبر عن الفلج و الغلبة فهكذا ظهور اللّٰه على الأشياء و وجه آخر أنه الظاهر لمن أراده و لا يخفى عليه شي ء و أنه مدبر لكل ما يرى- فأي ظاهر أظهر و أوضح من اللّٰه تبارك و تعالى لأنك لا تعدم صنعته حيث ما توجهت و فيك من آثاره ما يغنيك و الظاهر منا البارز بنفسه و المعلوم بحده- فقد جمعنا الاسم و لم يجمعنا المعنى و أما الباطن فليس على معنى الاستبطان بالأشياء بأن يغور فيها و لكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما و حفظا و تدبيرا كقول القائل أبطنته يعني خبرته و علمت مكتوم سره و الباطن منا الغائب في الشي ء المستتر فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى و أما القاهر فليس على معنى علاج و تصلب و احتيال و مداراة و مكر كما يقهر العباد بعضهم

الوافي، ج 1، ص: 487

بعضا و المقهور منهم يعود قاهرا و القاهر يعود مقهورا و لكن ذلك من اللّٰه تبارك

و تعالى على أن جميع ما خلق ملبس به الذل لفاعله و قلة الامتناع لما أراد به لم يخرج منه طرفة عين أن يقول له كن فيكون و القاهر منا على ما ذكرت و وصفت فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى و هكذا جميع الأسماء و إن كنا لم نستجمعها كلها فقد يكتفي الاعتبار بما ألقينا إليك و اللّٰه عونك و عوننا في إرشادنا و توفيقنا

بيان

هذا الخبر رواه الشيخ الصدوق طاب ثراه في العيون و التوحيد مسندا هكذا أحمد بن محمد بن عمران الدقاق عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن محمد المعروف بعلان عن محمد بن عيسى عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا ع الحديث قوله ع معجزة الصفة في العيون مع معجزة الصفة و هو الصواب و كأنه سقط من قلم نساخ الكافي و لمتكلف أن يتكلف في توجيه ما فيه بأن يقرأ معجزة الصفة بفتح الجيم و الجر صفة للعامة أي الذين أعجزتهم الصفة عن نيلها أو بكسر الجيم و الرفع ليكون فاعلا لبان و ما بعدها يكون بدلا عنها يعني بان لنا بإقرار العامة بأن اللّٰه قديم معجزة هذه الصفة أي أعجازها لمن زعم أن شيئا قبله تعالى أو معه بأن يكون خالقا للأول في العيون بأن يكون خالقا للثاني و هو أوضح و أصوب قائما ناطقا في العيون مكان اللفظتين قاهرا حيا قيوما و هو الذي خاطب اللّٰه به الخلق حيث مثل اليهود بالحمار لبلادتهم و بلعم بالكلب لعدم تأثير الهداية فيه و عبر عن القدرة باليد لجريانها عليها في الغالب إلى غير ذلك و علقمة العلقمة شجر مر و يقال علقمة للحنظل و لكل شي ء

مر بنيت عليه في العيون عليها و هو أظهر و يعينه بالمهملة من الإعانة و هكذا وجد في النسخ بدون الجزم و في العيون و يعنه مجزوما و هو الصحيح و من الناس من تكلف فيه فجعله تغيبه

الوافي، ج 1، ص: 488

بالمعجمة و الباء الموحدة فعل ماض من باب التفعل من الغيبة على الحذف و الإيصال أي تغيب عنه.

و في بعض نسخ العيون و الروية فيما يخلق من خلقه و تفنية ما مضى مما أفنى من خلقه مما لو لم يحضره ذلك العلم و تقنيته كان جاهلا ضعيفا من القنية بخرت بضم الخاء المعجمة و الراء سماخ الأذن و ثقب الإبرة و نحوها في كبد أي شدة و تعب و قضافة بالقاف و الضاد المعجمة ثم الفاء الدقة و النحافة و قوله بالجر عطف على مذهبه يخبرك خبر مبتدأ محذوف أي هذا القول و في نسخة و قولك يخبرك غمض فيه العقل بفتح الميم و ضمه بمعنى خفي و اشتد غوره و الغامض من الكلام خلاف الواضح.

و في كتابي الصدوق غمض فبهر العقل و هو الأصح من بهره إذا غلبه معلوما و مجهولا فعند التجربة في كتابي الصدوق فيفيده التجربة و الاعتبار علما المستخبر عن جهل أي المتصف بالعلم بعد جهل سابق المتعلم يعني من غيره و تسنم لذراها ارتفاع لأعلاها و كل شي ء علا شيئا فقد سنمه و تسنمه عن الفلج أي الظفر و لا يخفى عليه شي ء قيل هذا وجه آخر لظاهريته جل سلطانه وراء أنه الظاهر لمن أراده فإن ظهور كل شي ء لله سبحانه إنما هو بنفس ظهور ذاته سبحانه لذاته.

أقول تعدد الوجه بعيد عن العبارة و الأولى أن يقال لما

كان سبحانه محيطا بالأشياء و له المعية مع كل شي ء فعدم خفاء شي ء عليه يستلزم ظهوره للأشياء و كذا تدبيره لها يستلزم ظهوره لديهم فكأنه أكد ظهوره لمن أراده بالأمرين.

قال سيد الشهداء ص في دعاء عرفة كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أ يكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك- متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك و متى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك عميت عين لا تراك و لا تزال عليها رقيبا و خسرت صفقة عبد لم تجعل له

الوافي، ج 1، ص: 489

من حبك نصيبا

أبطنته لعله بمعنى بطنته أو الهمزة للاستفهام.

قال الجوهري بطنت الأمر إذا عرفت باطنه و منه الباطن في أسماء اللّٰه تعالى و الباطن منا الغائب في الشي ء في العيون الغائر في الشي ء و هو أوفق بما قبله و قلة الامتناع لما أراد به بالقلة العدم.

قال ابن الأثير في الحديث أنه ع كان يقل اللغو أي لا يلغو أصلا و هذا اللفظ يستعمل في نفي أصل الشي ء كقوله تعالى فَقَلِيلًا مٰا يُؤْمِنُونَ لم يخرج منه طرفة عين لأن الذات الممكنة هالكة في حد نفسها باطلة بحسب جوهرها في الآزال و الآباد جميعا فما دام الحق سبحانه يفيض عليها الوجود و يقول لجوهرها كن فيكون و تتحقق فإذا أمسك عن إفاضته و قول كن لجوهرها رجعت نفسها إلى هلاكها الذاتي و عادت ذاتها إلى بطلانها السرمدي وَ لَئِنْ زٰالَتٰا إِنْ أَمْسَكَهُمٰا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ

الوافي، ج 1، ص: 491

باب 48 النوادر

[1]
اشارة

395- 1 الكافي، 1/ 143/ 4/ 1 الحسين بن محمد و محمد جميعا عن أحمد بن إسحاق عن سعدان بن مسلم عن

ابن عمار عن أبي عبد اللّٰه ع في قول اللّٰه تعالى وَ لِلّٰهِ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ فَادْعُوهُ بِهٰا قال نحن و اللّٰه الأسماء الحسنى التي لا يقبل اللّٰه من العباد عملا إلا بمعرفتنا

بيان

قد سلف منا ما يصلح شرحا لهذا الحديث و نزيد فنقول كما أن الاسم يدل على المسمى و يكون علامة له كذلك هم ع أدلاء على اللّٰه يدلون الناس عليه سبحانه و هم علامة لمحاسن صفاته و أفعاله و آثاره فادعوه بها أي فادعوا اللّٰه و اطلبوا التقرب إليه بسبب معرفتها فإن معرفته تعالى منوطة بمعرفتهم ع و العبادة غير مقبولة إلا بمعرفة المعبود المتوقفة على معرفتهم.

آخر أبواب معرفة صفاته و أسمائه سبحانه و الحمد لله أولا و آخرا

الوافي، ج 1، ص: 493

أبواب معرفة مخلوقاته و أفعاله تبارك و تعالى

الآيات

اشارة

قال اللّٰه سبحانه الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا وَ مٰا تَحْتَ الثَّرىٰ.

و قال عز و جل وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ وَ لٰا يَؤُدُهُ حِفْظُهُمٰا.

و قال تعالى وَ هُوَ الْقٰاهِرُ فَوْقَ عِبٰادِهِ.

و قال مٰا مِنْ دَابَّةٍ إِلّٰا هُوَ آخِذٌ بِنٰاصِيَتِهٰا.

و قال جل ذكره أَلٰا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبٰارَكَ اللّٰهُ رَبُّ الْعٰالَمِينَ.

بيان

سيأتي في هذه الأبواب ما يصلح شرحا لهذه الآيات

الوافي، ج 1، ص: 495

باب 49 العرش و الكرسي

[1]
اشارة

396- 1 الكافي، 1/ 129/ 1/ 1 العدة عن البرقي رفعه قال سأل الجاثليق أمير المؤمنين ع فقال له أخبرني عن اللّٰه تعالى يحمل العرش أم العرش يحمله فقال أمير المؤمنين ع اللّٰه تعالى حامل العرش- و السماوات و الأرض و ما فيهما و ما بينهما و ذلك قوله تعالى إِنَّ اللّٰهَ يُمْسِكُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولٰا وَ لَئِنْ زٰالَتٰا إِنْ أَمْسَكَهُمٰا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كٰانَ حَلِيماً غَفُوراً قال فأخبرني عن قوله وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمٰانِيَةٌ فكيف قال ذاك و قلت إنه يحمل العرش و السماوات و الأرض- فقال أمير المؤمنين ع إن العرش خلقه اللّٰه تبارك و تعالى من أنوار أربعة نور أحمر منه احمرت الحمرة و نور أخضر منه اخضرت الخضرة و نور أصفر منه اصفرت الصفرة و نور أبيض منه البياض و هو العلم الذي حمله

الوافي، ج 1، ص: 496

اللّٰه الحملة و ذلك نور من عظمته فبعظمته و نوره أبصر قلوب المؤمنين و بعظمته و نوره عاداه الجاهلون و بعظمته و نوره ابتغى من في السماء و الأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة و الأديان المتشتتة فكل محمول يحمله اللّٰه بنوره و عظمته و قدرته لا يستطيع لنفسه ضرا و لا نفعا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا- فكل شي ء محمول و اللّٰه تعالى الممسك لهما أن تزولا و المحيط بهما من شي ء و هو حياة كل شي ء و نور كل شي ء سبحانه و تعالى عما يقولون علوا كبيرا قال له فأخبرني عن اللّٰه عز و جل

أين هو فقال أمير المؤمنين ع و هو هاهنا و هاهنا و فوق و تحت و محيط بنا و معنا و هو قوله مٰا يَكُونُ مِنْ نَجْوىٰ ثَلٰاثَةٍ إِلّٰا هُوَ رٰابِعُهُمْ وَ لٰا خَمْسَةٍ إِلّٰا هُوَ سٰادِسُهُمْ وَ لٰا أَدْنىٰ مِنْ ذٰلِكَ وَ لٰا أَكْثَرَ إِلّٰا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مٰا كٰانُوا- فالكرسي محيط بالسماوات و الأرض و ما بينهما و ما تحت الثرى وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفىٰ و ذلك قوله وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ وَ لٰا يَؤُدُهُ حِفْظُهُمٰا وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حملهم اللّٰه علمه و ليس يخرج عن هذه الأربعة شي ء خلق اللّٰه في ملكوته و هو الملكوت الذي أراه اللّٰه أصفياءه و أراه خليله ع- فقال وَ كَذٰلِكَ نُرِي إِبْرٰاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ- و كيف يحمل حملة العرش اللّٰه و بحياته حييت قلوبهم و بنوره اهتدوا إلى معرفته

بيان

قد يراد بالعرش الجسم المحيط بجميع الأجسام و قد يراد به ذلك الجسم مع جميع

الوافي، ج 1، ص: 497

ما فيه من الأجسام أعني العالم الجسماني بتمامه و قد يراد به ذلك المجموع مع جميع ما يتوسط بينه و بين اللّٰه سبحانه من الأرواح و العقول التي لا تتقوم الأجسام إلا بها أعني العوالم كلها بملكها و ملكوتها و جبروتها و بالجملة ما سوى اللّٰه عز و جل و قد يراد به علم اللّٰه سبحانه المتعلق بما سواه و قد يراد به علم اللّٰه تعالى الذي أطلع عليه أنبياءه و رسله و حججه ص خاصة و هو الذي فسر به في هذا الحديث و ما بعده و قد

وقعت الإشارة إلى كل منها في كلامهم ع و عن الصادق ع أنه سئل عن العرش و الكرسي ما هما.

فقال العرش في وجه هو جملة الخلق و الكرسي وعاؤه و في وجه آخر العرش هو العلم الذي أطلع اللّٰه عليه أنبياءه و رسله و حججه ع و الكرسي هو العلم الذي لم يطلع عليه أحدا من أنبيائه و رسله و حججه ع و كان جملة الخلق عبارة عن مجموع العالم الجسماني و وعاؤه عن عالمي الملكوت و الجبروت لاستقراره عليهما و قيامه بهما و سيأتي تمام الكلام في الكرسي إن شاء اللّٰه و قد ثبت أن العلم و المعلوم متحدان بالذات متغايران بالاعتبار فمعاني العرش كلها متقاربة و قوائمه عبارة عن أركان العالم أعني ما كان بناء الخلق عليه و قد مر منا الإشارة إليها و إلى الموكلين بها في باب حدوث الأسماء و حملته عبارة عن الأرواح الموكلة بتدبيره على المعاني الأول و عن حملة العلم على الأخيرين و يأتي شرحها إن شاء اللّٰه.

و الأنوار الأربعة هي الجواهر القدسية العقلية التي هي وسائط جوده تعالى و ألوانها كناية عن اختلاف أنواعها الذي هو سبب اختلاف الأنواع الرباعية في هذا العالم الحسي كالعناصر و الأخلاط و أجناس الحيوانات أعني الإنسان و البهائم و السباع و الطيور و مراتب الإنسان أعني الطبع و النفس الحساسة و النفس المتخيلة و العقل و أجناس المولدات كالمعدن و النبات و الحيوان و الإنسان و ضمير هو في قوله ع و هو العلم راجع إلى العرش لا النور الأبيض كما ظن فبعظمته و نوره أبصر قلوب المؤمنين لأن بنور العقل يكون أبصار القلوب و بهما عاداه الجاهلون لأن الجهل منشؤه

الظلمة التي هي ضد النور و المعاداة إنما يكون بين الضدين و بهما يبتغي الوسيلة إلى اللّٰه لأن كل شي ء يرجع إلى أصله و غايته اللذين منهما نشأ و يطلبهما و يتوسل بهما

الوافي، ج 1، ص: 498

و منشأ كل شي ء النور المخلوق أولا من نور العظمة كما مر بيانه مرارا و ضمير التثنية المجرور في الممسك لهما راجع إلى السماوات و الأرض و المحيط إما بالجر عطفا عليه و إما بالرفع على الممسك و الأول أنسب بقوله من شي ء إذ على الثاني لا بد من إضمار متعلق له بأن يقال و المحيط بهما بما حوياه من شي ء و أما ما يتوهم من استلزام الأول العطف على الضمير المجرور بلا إعادة الخافض و أنه مما لا يجوز فيدفعه أنه لم يثبت عدم الجواز بل هو مما يقع في كلام المعصومين ع.

قوله و كيف يحمل حملة العرش اللّٰه رد لما لزم من قول السائل أم العرش يحمله من كون حملته حملة اللّٰه و أما تبديل التاء في حملة بالضمير و جعله المفعول المطلق كما فعله بعض الشراح فتحريف و تصحيف لا تساعده النسخ و لا الفصاحة و لا ضمائر الجمع فيما بعده

[2]
اشارة

397- 2 الكافي، 1/ 130/ 2/ 1 القميان عن صفوان قال سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضا ع فاستأذنته فأذن لي فدخل فسأله عن الحلال و الحرام ثم قال له أ فتقر أن اللّٰه محمول فقال أبو الحسن ع كل محمول مفعول به مضاف إلى غيره محتاج و المحمول اسم نقص في اللفظ و الحامل فاعل و هو في اللفظ مدحة و كذلك قول القائل فوق و تحت و

أعلا و أسفل و قد قال اللّٰه (له) لِلّٰهِ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ فَادْعُوهُ بِهٰا- و لم يقل في كتبه أنه المحمول بل قال إنه الحامل في البر و البحر و الممسك للسماوات و الأرض أن تزولا و المحمول ما سوى اللّٰه و لم يسمع أحد آمن بالله و عظمته قط قال في دعائه يا محمول- قال أبو قرة فإنه قال وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمٰانِيَةٌ و قال الَّذِينَ

الوافي، ج 1، ص: 499

يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ فقال أبو الحسن ع العرش ليس هو اللّٰه و العرش اسم علم و قدرة و عرش فيه كل شي ء ثم أضاف الحمل إلى غيره خلق من خلقه- لأنه استعبد خلقه بحمل عرشه و هم حملة علمه و خلقا يسبحون حول عرشه و هم يعلمون بعلمه و ملائكة يكتبون أعمال عباده و استعبد أهل الأرض بالطواف حول بيته و اللّٰه على العرش استوى كما قال العرش و من يحمله و من حول العرش- و اللّٰه الحامل لهم الحافظ لهم الممسك القائم على كل نفس و فوق كل شي ء و على كل شي ء و لا يقال محمول و لا أسفل قولا مفردا لا يوصل بشي ء فيفسد اللفظ و المعنى قال أبو قرة فتكذب بالرواية التي جاءت أن اللّٰه إذا غضب إنما يعرف غضبه أن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم فيخرون سجدا فإذا ذهب الغضب خف و رجعوا إلى مواقفهم فقال أبو الحسن ع أخبرني عن اللّٰه تبارك و تعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا هو غضبان عليه فمتى رضي و هو في صفتك لم يزل غضبانا عليه و على أوليائه و على أتباعه كيف تجترئ أن تصف ربك بالتغير

من حال إلى حال و أنه يجري عليه ما يجري على المخلوقين سبحانه لم يزل مع الزائلين و لم يتغير مع المتغيرين- و لم يتبدل مع المتبدلين و من دونه في يده و تدبيره و كلهم إليه محتاج و هو غني عمن سواه

الوافي، ج 1، ص: 500

بيان

المحمول اسم نقص اعلم أن كل لفظ ليس هو من الألفاظ الكمالية فيما نعقله و نتصوره فإنه لا يجوز إطلاقه عليه سبحانه بوجه من الوجوه أصلا.

و أما الألفاظ الكمالية فإن لم يرد فيه من جهة الشرع أذن بالتسمية كواجب الوجود فذلك إنما يجوز إطلاقه عليه سبحانه توصيفا لا تسمية و إن ورد فيه الإذن بالتسمية ساغ الإطلاق توصيفا و تسمية كالحي و العالم و كذلك قول القائل يعني أن فوق و أعلى مدحة كالحامل و تحت و أسفل اسم نقص كالمحمول و عرش فيه كل شي ء بالجر عطفا على علم و قدرة أي اسم عرش جسماني و خلقا عطف على خلقه و كذا ملائكة أي استعبد خلقا و ملائكة و كان الخلق الأول كناية عن الملائكة المقربين و النفوس الكاملين و لهذا أضافهم إلى اللّٰه و الثاني عن الملائكة المدبرين و النفوس السماوية و لهذا نسبهم إلى حول العرش.

و إلى العمل على ما في بعض النسخ من تقدم الميم على اللام و ملائكة كناية عن الموكلين على بني آدم و النفوس الأرضية و أهل الأرض عن أجساد بني آدم العرش و من يحمله و من حول العرش يعني استوى على الجميع قولا مفردا متعلق بأسفل خاصة يعني من دون أن يقال معه و أعلى فمتى رضي يعني إذا كان حال غضبه غير حال رضاه و قد ثبت غضبه

على إبليس في هذه المدة المديدة بزعمك فلا يكون له سبحانه حال رضا في هذه المدة عن أحد أصلا لم يزل بضم الزاي من الزوال

[3]
اشارة

398- 3 الكافي، 1/ 132/ 7/ 1 محمد بن الحسن عن سهل عن السراد عن عبد الرحمن بن كثير عن داود الرقي قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه عز و جل وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمٰاءِ فقال ما يقولون قلت يقولون إن العرش كان على الماء و الرب فوقه

الوافي، ج 1، ص: 501

فقال كذبوا من زعم هذا فقد صير اللّٰه محمولا و وصفه بصفة المخلوق و لزمه أن الشي ء الذي يحمله أقوى منه قلت بين لي جعلت فداك فقال إن اللّٰه حمل دينه و علمه الماء قبل أن يكون أرض أو سماء أو جن أو أنس أو شمس أو قمر- فلما أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم من ربكم فأول من نطق رسول اللّٰه ص و أمير المؤمنين ع و الأئمة ع- فقالوا أنت ربنا فحملهم العلم و الدين ثم قال للملائكة هؤلاء حملة ديني و علمي و أمنائي في خلقي و هم المسئولون ثم قال لبني آدم أقروا لله بالربوبية و لهؤلاء النفر بالولاية و الطاعة فقالوا نعم ربنا أقررنا فقال اللّٰه للملائكة اشهدوا فقالت الملائكة شهدنا على أن لا يقولوا غدا إِنّٰا كُنّٰا عَنْ هٰذٰا غٰافِلِينَ أو يقولوا إِنَّمٰا أَشْرَكَ آبٰاؤُنٰا مِنْ قَبْلُ وَ كُنّٰا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِكُنٰا بِمٰا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ يا داود ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق

بيان

قد يراد بالماء المادة الجسمانية التي خلق منها الجهل و جنوده و النار و توصف بالأجاج كما مر في حديث العقل و الجهل و كما يأتي في باب طينة المؤمن و الكافر

الوافي، ج 1، ص: 502

و قد يراد به ما خلق منه الأصفياء و الجنة باعتبار

قبوله الكمالات من اللّٰه سبحانه بإفاضته عليه و توصف بالعذب كما يأتي في باب الطينة و هو المراد به هاهنا و قبلية حمل الدين و العلم إياه على الموجودات المذكورة قبلية بالذات و المرتبة لا بالزمان و هي أقوى و أشد لأنها بعلاقة ذاتية نثرهم أي نثر ماهياتهم و حقائقهم بين يدي علمه فاستنطق الحقائق بالسنة قابليات جواهرها و السن استعدادات ذواتها و فيه إشارة إلى قوله سبحانه وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ أي عند كون نفوسهم في أصلاب آبائهم العقلية و معادنهم الأصلية يعني شاهدهم و هم رقائق في تلك الحقائق و عبر عن تلك الآباء بالظهور لأن كل واحد منهم ظهر أو مظهر لطائفة من النفوس أو هي ظاهرة عنده لكونها هناك صورا عقلية نورية ظاهرة بذواتها و أشهدهم على أنفسهم أي أعطاهم في تلك النشأة الإدراكية العقلية شهود ذواتهم العقلية و هوياتهم النورية فكانوا بتلك القوى العقلية يسمعون خطاب أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ كما يسمعون الخطاب في دار الدنيا بهذه القوى البدنية و قالوا بالسنة تلك العقول بَلىٰ أنت ربنا الذي أعطيتنا وجودا قدسيا ربانيا سمعنا كلامك و أجبنا خطابك

و عن الصادق ع أنه سئل كيف أجابوا و هم ذر فقال ع جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه يعني في الميثاق

و لعله ع أراد أنه نصب لهم دلائل ربوبيته و ركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قٰالُوا بَلىٰ فنزل تمكينهم من العلم بها و تمكنهم منه بمنزلة الإشهاد و الاعتراف على طريقة التمثيل.

نظير ذلك قوله عز و جل إِنَّمٰا قَوْلُنٰا لِشَيْ ءٍ إِذٰا أَرَدْنٰاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ

كُنْ فَيَكُونُ و قوله عز و جل فَقٰالَ لَهٰا وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيٰا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قٰالَتٰا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ و معلوم أنه لا قول ثمة و إنما هو تمثيل و تصوير للمعنى و يأتي ذكر هذا الحديث في باب أخذ الميثاق بولايتهم

الوافي، ج 1، ص: 503

ع مسندا إن شاء اللّٰه تعالى و لا يبعد أيضا أن يكون ذلك النطق باللسان الملكوتي في العالم المثالي الذي دون عالم العقل فإن لكل شي ء ملكوتا فيه كما قال سبحانه فَسُبْحٰانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ ءٍ و الملكوت باطن الملك و هو كله حياة كما قال جل و عز وَ إِنَّ الدّٰارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوٰانُ لأن الدار الآخرة من جنس الملكوت فلكل ذرة لسان ملكوتي ناطق بالتسبيح و التحميد و التوحيد و التمجيد و بهذا اللسان نطق الحصى في كف النبي ص و به تنطق الأرض يوم القيامة يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبٰارَهٰا و به تنطق الجوارح أَنْطَقَنَا اللّٰهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ

[4]
اشارة

399- 4 الكافي، 1/ 132/ 6/ 1 محمد عن ابن عيسى عن البزنطي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي عبد اللّٰه ع قال حملة العرش و العرش العلم ثمانية أربعة منا و أربعة ممن شاء اللّٰه

بيان

منا أي من أهل البيت ع ممن شاء اللّٰه كني به عمن تقدمهم من الأنبياء ع

و عن الكاظم ع قال إذا كان يوم القيامة كان حملة العرش ثمانية أربعة من الأولين نوح و إبراهيم و موسى و عيسى ع و أربعة من الآخرين محمد و علي و الحسن و الحسين ع

و في اعتقادات الشيخ الصدوق قدس سره فأما العرش الذي هو جملة الخلق فحملته أربعة من الملائكة لكل واحد منهم ثماني أعين كل عين طباق الدنيا واحد منهم على صورة بني آدم يسترزق اللّٰه تعالى لولد آدم و الآخر على صورة الثور يسترزق اللّٰه تعالى للبهائم كلها و الآخر على صورة الأسد يسترزق اللّٰه تعالى للسباع و الآخر على صورة

الوافي، ج 1، ص: 504

الديك يسترزق اللّٰه تعالى للطيور فهم اليوم هؤلاء الأربعة و إذا كان يوم القيامة صاروا ثمانية و أما العرش الذي هو العلم فحملته أربعة من الأولين و أربعة من الآخرين فأما الأربعة من الأولين فنوح و إبراهيم و موسى و عيسى و أما الأربعة من الآخرين فمحمد و علي و الحسن و الحسين ع هكذا روي بالأسانيد الصحيحة عن الأئمة ع في العرش و حملته انتهى كلام الشيخ الصدوق قدس سره.

و يشبه أن تكون الملائكة كناية عن أرباب الأنواع العقلية على ما رآه طائفة من الحكماء و يكون أربعة في جانب البدو و النشأة الأولى و هي التي ذكر تفصيلها و

أنها على صور تلك الأنواع تربيها و تفيض عليها ما تحتاج إليه و تصير ثمانية في جانب العود و النشأة الأخرى التي تصير إليها الأنواع بعد تحصيل كمالاتها في هذه النشأة و هي هناك حملة العلم و أعينها كناية عن أصناف علومها بما تحتاج إليه في تربية الأنواع فإن بالعلم يبصر العالم كما أن بالعين يبصر الرائي و عددها مطابق لعدد حملة العلم كأنها تبصر بعلومهم إذ لكل منهم علم و كمال خاص يقتضيها المزاج الخاص و طباقها الدنيا عبارة عن شمول علمها و تدبيرها جميع جزئيات تلك الأنواع

[5]
اشارة

400- 5 الكافي، 1/ 132/ 3/ 1 النيسابوريان عن حماد بن عيسى عن ربعي عن الفضيل بن يسار قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه عز و جل- وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ فقال يا فضيل كل شي ء في الكرسي السماوات و الأرض و كل شي ء في الكرسي

بيان

كان المراد بالكرسي في هذا الحديث و ما بعده هو العلم و يؤيد هذا

ما رواه الصدوق طاب ثراه في توحيده بإسناده عن حفص بن غياث قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه عز و جل وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ قال علمه

الوافي، ج 1، ص: 505

و قد يراد بالكرسي الجسم الذي تحت العرش بالمعنى الأول الذي دونه السماوات و الأرض لاحتوائه على العالم الجسماني كأنه مستقره و العرش فوقه كأنه سقفه و في الحديث ما السماوات و الأرضون السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة و فضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة و قد يراد به وعاء العرش كما مر في الحديث و كأنه أشير به إلى العلم أو إلى عالمي الملكوت و الجبروت لاستقرار مجموع العالم الجسماني الذي يعبر عنه بالعرش عليهما و قيامه بهما و قد يراد به العلم الذي لم يطلع عليه سوى اللّٰه سبحانه و قد مضى أيضا في الحديث و ربما يقال إن كون العرش في الكرسي لا ينافي كون الكرسي في العرش لأن أحد الكونين بنحو و الآخر بنحو آخر لأن أحدهما كون عقلي إجمالي و الآخر كون نفساني تفصيلي و قد يجعل الكرسي كناية عن الملك لأنه مستقر الملك و قد يقال إنه تصوير لعظمته تعالى و تخييل بتمثيل حسي

و لا كرسي و لا قعود و لا قاعد كقوله سبحانه وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ السَّمٰاوٰاتُ مَطْوِيّٰاتٌ بِيَمِينِهِ و هذا مسلك الظاهريين و ما قلناه أولا مسلك الراسخين في العلم

[6]
اشارة

401- 6 الكافي، 1/ 132/ 4/ 1 محمد عن ابن عيسى عن الحجال عن ثعلبة عن زرارة قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه تعالى وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ السماوات و الأرض وسعن الكرسي أم الكرسي وسع السماوات و الأرض فقال بل الكرسي وسع السماوات و الأرض و العرش- و كل شي ء وسع الكرسي

الوافي، ج 1، ص: 506

بيان

وسع الكرسي أي وسعه الكرسي يعني العلم أو العالمين المجردين عن المادة الجسمانية

[7]

402- 7 الكافي، 1/ 132/ 5/ 1 محمد عن أحمد عن الحسين عن فضالة عن ابن بكير عن زرارة قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه عز و جل- وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ السماوات و الأرض وسعن الكرسي أم الكرسي وسع السماوات و الأرض فقال إن كل شي ء في الكرسي

الوافي، ج 1، ص: 507

باب 50 البداء

[1]

403- 1 الكافي، 1/ 146/ 1/ 1 محمد عن ابن عيسى عن الحجال عن ثعلبة عن زرارة عن أحدهما ع قال ما عبد اللّٰه بشي ء مثل البداء

[2]
اشارة

404- 2 الكافي، 1/ 146/ 1/ 1 و في رواية ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه ع ما عظم اللّٰه بمثل البداء

بيان

بدا له في هذا الأمر بداء ممدودا أي نشأ له فيه أمر و إنما لم يعبد اللّٰه و لم يعظم بشي ء مثل البداء لأن مدار استجابة الدعاء و الرغبة إليه سبحانه و الرهبة منه و تفويض الأمور إليه و التعلق بين الخوف و الرجاء و أمثال ذلك من أركان العبودية عليه فإن قيل كيف يصح نسبة البداء إلى اللّٰه تعالى مع إحاطة علمه بكل شي ء أزلا و أبدا على ما هو عليه في نفس الأمر و تقدسه عما يوجب التغير و السنوح و نحوهما فاعلم أن القوى المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الأمور دفعة واحدة لعدم تناهي تلك الأمور بل إنما ينتقش فيها الحوادث شيئا فشيئا و جملة فجملة مع أسبابها و عللها على

الوافي، ج 1، ص: 508

نهج مستمر و نظام مستقر.

فإن ما يحدث في عالم الكون و الفساد إنما هو من لوازم حركات الأفلاك المسخرة لله و نتائج بركاتها فهي تعلم أنه كلما كان كذا كان كذا فمهما حصل لها العلم بأسباب حدوث أمر ما في هذا العالم حكمت بوقوعه فيه فينتقش فيها ذلك الحكم و ربما تأخر بعض الأسباب الموجب لوقوع الحادث على خلاف ما يوجبه بقية الأسباب لو لا ذلك السبب و لم يحصل لها العلم بذلك بعد لعدم اطلاعها على سبب ذلك السبب ثم لما جاء أوانه و اطلعت عليه حكمت بخلاف الحكم الأول فيمحى عنها نقش الحكم السابق و يثبت الحكم الآخر مثلا لما حصل لها العلم بموت زيد

بمرض كذا في ليلة كذا لأسباب تقتضي ذلك و لم يحصل لها العلم بتصدقه الذي سيأتي به قبيل ذلك الوقت لعدم اطلاعها على أسباب التصدق بعد ثم علمت به و كان موته بتلك الأسباب مشروطا بأن لا يتصدق فتحكم أولا بالموت و ثانيا بالبرء و إذا كانت الأسباب لوقوع أمر و لا وقوعه متكافئة و لم يحصل لها العلم برجحان أحدهما بعد لعدم مجي ء أوان سبب ذلك الرجحان بعد كان لها التردد في وقوع ذلك الأمر و لا وقوعه فينتقش فيها الوقوع تارة و اللاوقوع أخرى فهذا هو السبب في البداء و المحو و الإثبات و التردد و أمثال ذلك في

الوافي، ج 1، ص: 509

أمور العالم و أما نسبة ذلك كله إلى اللّٰه تعالى فلأن كل ما يجري في العالم الملكوتي إنما يجري بإرادة اللّٰه تعالى بل فعلهم بعينه فعل اللّٰه سبحانه حيث إنهم لٰا يَعْصُونَ اللّٰهَ مٰا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ إذ لا داعي لهم على الفعل إلا إرادة اللّٰه جل و عز لاستهلاك إرادتهم في إرادته تعالى و مثلهم كمثل الحواس للإنسان كلما هم بأمر محسوس امتثلت الحاسة لما هم به و إرادته دفعة فكل كتابة تكون في هذه الألواح و الصحف فهو أيضا مكتوب اللّٰه عز و جل بعد قضائه السابق المكتوب بقلمه الأول فيصح أن يوصف اللّٰه عز و جل بأمثال ذلك بهذا الاعتبار و إن كان مثل هذه الأمور يشعر بالتغير و السنوح و هو سبحانه منزه عنه فإن كل ما وجد أو سيوجد فهو غير خارج عن عالم ربوبيته نظير ذلك ما مضى في الحديث في باب تأويل ما يوهم التشبيه من أن

الوافي، ج 1، ص: 510

نسبة الأسف و المظلومية و نحوهما إلى نفسه تعالى إنما هو باعتبار خلطه بعض عباده بنفسه و لله الحمد على ما فهمنا من غوامض علمه

[3]
اشارة

405- 3 الكافي، 1/ 146/ 2/ 1 الثلاثة عن هشام بن سالم و حفص بن البختري و غيرهما عن أبي عبد اللّٰه ع قال في هذه الآية يَمْحُوا اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ قال- فقال و هل يمحى إلا ما كان ثابتا و هل يثبت إلا ما لم يكن

بيان

يعني أن في هذه الآية دلالة على ثبوت البداء لله سبحانه فلا وجه لإنكار المخالفين علينا بذلك و ذلك لأن القول بالبداء لله تعالى من خواص مذهب أهل البيت ع

[4]

406- 4 الكافي، 1/ 147/ 3/ 1 الثلاثة عن هشام بن سالم عن محمد عن أبي عبد اللّٰه ع قال ما بعث اللّٰه نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال- الإقرار له بالعبودية و خلع الأنداد و أن اللّٰه يقدم ما يشاء و يؤخر ما يشاء

[5]

407- 5 الكافي، 1/ 165/ 177/ 1 سهل عن الريان بن الصلت عن يونس رفعه قال قال أبو عبد اللّٰه ع إن اللّٰه تعالى لم يبعث نبيا قط إلا صاحب مرة سوداء صافية و ما بعث اللّٰه نبيا قط حتى يقر له بالبداء

الوافي، ج 1، ص: 511

[6]
اشارة

408- 6 الكافي، 1/ 148/ 13/ 1 العدة عن البرقي عن بعض أصحابنا عن محمد بن عمرو الكوفي أخي يحيى عن مرازم بن حكيم قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله بخمس بالبداء و المشية و السجود و العبودية و الطاعة

بيان

يعني بالمشية أن كل شي ء يقع في هذا العالم فإنما يقع بمشيئة اللّٰه سبحانه

[7]
اشارة

409- 7 الكافي، 1/ 148/ 15/ 1 التهذيب، 9/ 102/ 181/ 1 علي عن أبيه عن الريان بن الصلت قال سمعت الرضا ع يقول ما بعث اللّٰه نبيا قط إلا بتحريم الخمر و أن يقر لله بالبداء

بيان

هذا الحديث نقله في التهذيب عن محمد بن يعقوب و زاد في آخره و إن اللّٰه يفعل ما يشاء و أن يكون في تراثه الكندر

[8]
اشارة

410- 8 الكافي، 1/ 148/ 12/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن مالك الجهني قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه

بيان

و ذلك لأن أكثر مصالح العباد موقوف على القول بالبداء إذ لو اعتقدوا أن كل ما قدر في الأزل فلا بد من وقوعه حتما لما دعوا اللّٰه في شي ء من مطالبهم و ما تضرعوا إليه

الوافي، ج 1، ص: 512

و ما استكانوا لديه و لا خافوا منه و لا رجوا إليه إلى غير ذلك من نظائره و أما عدم المنافاة بين الأمرين فلا يفهمه من ألف ألف إلا واحد و سره أن هذه الأمور من جملة الأسباب و قد قدر في الأزل أن يتحقق بها لا بدونها

[9]

411- 9 الكافي، 1/ 147/ 4/ 1 محمد عن أحمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن زرارة عن حمران عن أبي جعفر ع قال سألته عن قول اللّٰه عز و جل قَضىٰ أَجَلًا وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ قال هما أجلان أجل محتوم و أجل موقوف

[10]
اشارة

412- 10 الكافي، 1/ 147/ 6/ 1 النيسابوريان عن حماد بن عيسى عن ربعي عن الفضيل بن يسار قال سمعت أبا جعفر ع يقول العلم علمان فعلم عند اللّٰه مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه و علم علمه ملائكته و رسله فما علمه ملائكته و رسله فإنه سيكون لا يكذب نفسه و لا ملائكته و لا رسله- و علم عنده مخزون يقدم منه ما يشاء و يؤخر منه ما يشاء و يثبت ما يشاء

بيان

و ذلك لأن صور الكائنات كلها منتقشة في أم الكتاب المسمى باللوح المحفوظ تارة هو العالم العقلي و الخلق الأول و في كتاب المحو و الإثبات أخرى و هو العالم النفسي و الخلق الثاني و أكثر اطلاع الأنبياء و الرسل ع على الأول و هو محفوظ من المحو و الإثبات و حكمه محتوم بخلاف الثاني فإنه موقوف و في الأول إثبات المحو في الثاني و إثبات الإثبات فيه و محو الإثبات عند وقوع الحكم و إنشاء أمر آخر فهو مقدس عن المحو يحكم باختلاف الأمور و عواقبها مفصلة مسطرة بتقدير العزيز العليم

الوافي، ج 1، ص: 513

[11]

413- 11 الكافي، 1/ 147/ 7/ 1 بهذا الإسناد عن الفضيل قال سمعت أبا جعفر ع يقول من الأمور أمور موقوفة عند اللّٰه يقدم منها ما يشاء و يؤخر منها ما يشاء

[12]

414- 12 الكافي، 1/ 147/ 8/ 1 العدة عن ابن عيسى عن ابن أبي عمير عن جعفر بن عثمان عن سماعة عن أبي بصير و وهيب بن حفص عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن لله علمين علم مكنون مخزون لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء و علم علمه ملائكته و رسله و أنبياؤه فنحن نعلمه

[13]

415- 13 الكافي، 1/ 256/ 2/ 1 محمد عن بنان عن السراد عن ابن رئاب عن سدير الصيرفي قال سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر ع عن قول اللّٰه تعالى بَدِيعُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ قال أبو جعفر ع إن اللّٰه تعالى ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله فابتدع السماوات و الأرضين و لم يكن قبلهن سماوات و لا أرضون أ ما تسمع لقوله تعالى وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمٰاءِ فقال له حمران أ رأيت قوله تعالى عٰالِمُ الْغَيْبِ فَلٰا يُظْهِرُ عَلىٰ غَيْبِهِ أَحَداً- فقال أبو جعفر ع إِلّٰا مَنِ ارْتَضىٰ مِنْ رَسُولٍ و كان و اللّٰه محمد ممن ارتضاه و أما قوله تعالى عٰالِمُ الْغَيْبِ فإن اللّٰه تعالى عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدر من شي ء و يقضيه في علمه قبل أن يخلقه و قبل أن يفضيه إلى الملائكة فذلك يا حمران علم موقوف عنده إليه فيه المشية فيقضيه إذا أراد و يبدو له فيه فلا يمضيه فأما العلم الذي يقدره اللّٰه تعالى و يقضيه و يمضيه فهو العلم الذي

الوافي، ج 1، ص: 514

انتهى إلى رسول اللّٰه ص ثم إلينا

[14]
اشارة

416- 14 الكافي، 1/ 148/ 9/ 1 محمد عن أحمد عن الحسين عن السراد عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه ع قال ما بدا لله في شي ء إلا كان في علمه قبل أن يبدو له

بيان

و ذلك لأن البداء ليس منشؤه من عنده بل و لا من عند الخلق الأول بل إنما ينشأ في الخلق الثاني كما علمت

[15]
اشارة

417- 15 الكافي، 1/ 148/ 10/ 1 عنه عن أحمد عن ابن فضال عن داود بن فرقد عن عمرو بن عثمان الجهني عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن اللّٰه لم يبد له من جهل

بيان

و ذلك لإحاطة علمه بما كان كما كان و بما سيكون كما سيكون أزلا و أبدا و إنما البداء ينشأ من الوسائط لمصالح ترجع إلى الخلق

[16]

418- 16 الكافي، 1/ 148/ 11/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن منصور بن حازم قال سألت أبا عبد اللّٰه ع هل يكون اليوم شي ء لم يكن في علم اللّٰه بالأمس قال لا من قال هذا فأخزاه اللّٰه قلت أ رأيت ما كان- [أ رأيت] ما هو كائن إلى يوم القيامة أ ليس في علم اللّٰه قال بلى قبل أن يخلق الخلق

الوافي، ج 1، ص: 515

[17]

419- 17 الكافي، 1/ 148/ 14/ 1 العدة عن أحمد عن جعفر بن محمد عن يونس عن جهم بن أبي جهم عمن حدثه عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن اللّٰه جل و عز أخبر محمدا ص بما كان منذ كانت الدنيا- و بما يكون إلى انقضاء الدنيا و أخبره بالمحتوم من ذلك و استثنى عليه فيما سواه

الوافي، ج 1، ص: 517

باب 51 أسباب الفعل

[1]
اشارة

420- 1 الكافي، 1/ 148/ 16/ 1 الاثنان قال سئل العالم ع كيف علم اللّٰه- قال علم و شاء و أراد و قدر و قضى و أمضى فأمضى ما قضى و قضى ما قدر و قدر ما أراد فبعلمه كانت المشية و بمشيته كانت الإرادة و بإرادته كان التقدير و بتقديره كان القضاء و بقضائه كان الإمضاء و العلم يتقدم المشية و المشية ثانية و الإرادة ثالثة و التقدير واقع على القضاء بالإمضاء فلله تبارك و تعالى البداء فيما علم متى شاء و فيما أراد لتقدير الأشياء فإذا وقع القضاء

الوافي، ج 1، ص: 518

بالإمضاء فلا بداء فالعلم بالمعلوم قبل كونه و المشية في المشاء قبل عينه- و الإرادة في المراد قبل قيامه و التقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها و توصيلها- عيانا و وقتا و القضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام- المدركات بالحواس من ذي لون و ريح و وزن و كيل و ما دب و درج من إنس و جن و طير و سباع و غير ذلك مما يدرك بالحواس فلله تعالى فيه البداء مما لا عين له فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء و اللّٰه يفعل ما يشاء فبالعلم علم الأشياء قبل كونها و بالمشية عرف صفاتها و حدودها

و إنشاءها قبل إظهارها و بالإرادة ميز أنفسها في ألوانها و صفاتها و بالتقدير قدر أقواتها و عرف أولها و آخرها و بالقضاء أبان للناس أماكنها و دلهم عليها و بالإمضاء شرح عللها و أبان أمرها و ذلك تقدير العزيز العليم

بيان

الفرق بين المشية و الإرادة بالكلية و الجزئية و التقدم و المقارنة و كذا الفرق بين القضاء و القدر على المشهور و أما في الأخبار فالقضاء بمعنى الحكم و الإيجاب فيتأخر عن القدر و الإمضاء هو الإيجاد في الخارج قوله فأمضى ما قضى إلى آخره إشارة إلى الترتب الذاتي بين هذه الأمور و قوله فبعلمه كانت المشية إشارة إلى سببية بعضها لبعض و قوله و العلم يتقدم المشية تصريح بالعلية و المعلولية و قوله فلله البداء إشارة إلى تعيين محل البداء من هذه المراتب و هو ما وقع في الوسط دون الطرفين و قوله فالعلم بالمعلوم قبل كونه إلى آخره إشارة إلى أن هذه الموجودات الواقعة في الأكوان لها ضرب من الوجود و التحقق في العلم الإلهي قبل تحققها في العالم الكوني قبل تفصيلها أي تفريق بعضها من بعض و توصيلها أي تركيب بعضها مع بعض و ما دب و درج أي تحرك و مشى

الوافي، ج 1، ص: 519

[2]

421- 2 الكافي، 1/ 149/ 1/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه و محمد عن ابن عيسى عن الحسين و محمد بن خالد جميعا عن فضالة عن محمد بن عمارة الكافي، علي عن أبيه عن محمد بن حفص عن محمد بن عمارة عن حريز و ابن مسكان جميعا عن أبي عبد اللّٰه ع إنه قال لا يكون شي ء في الأرض و لا في السماء إلا بهذه الخصال السبع بمشية و إرادة و قدر و قضاء و إذن و كتاب و أجل فمن زعم أنه يقدر على نقض واحدة فقد كفر

[3]
اشارة

422- 3 الكافي، 1/ 149/ 2/ 1 علي عن أبيه عن محمد بن خالد عن زكريا بن عمران عن أبي الحسن موسى بن جعفر ع قال لا يكون شي ء في السماوات و لا في الأرض إلا بسبع بقضاء و قدر و إرادة و مشية و كتاب و أجل و إذن فمن زعم غير هذا فقد كذب على اللّٰه أو رد على اللّٰه

بيان

الإذن هو الإمضاء و الكتاب ثبته في الألواح و الأجل تعيين الوقت

[4]
اشارة

423- 4 الكافي، 1/ 150/ 1/ 1 علي بن محمد بن عبد اللّٰه عن البرقي عن أبيه عن الديلمي عن علي بن إبراهيم الهاشمي قال سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر ع يقول لا يكون شي ء إلا ما شاء اللّٰه و أراد و قدر و قضى قلت ما معنى شاء قال ابتداء الفعل قلت ما معنى أراد قال الثبوت عليه قلت ما معنى قدر قال تقدير الشي ء من طوله و عرضه- قلت ما معنى قضى قال إذا قضى أمضاه فذلك الذي لا مرد له

الوافي، ج 1، ص: 520

بيان

قراءة ابتداء الفعل على المصدر ليوافق نظيره أولى و لم نجد في نسخ الكافي السؤال عن معنى الإرادة و جوابه و إنما كتبنا ذلك من الاحتجاج إذا قضى أمضاه يعني أن القضاء ما يتفرع عليه الإمضاء و هو الحكم و الإيجاب

[5]
اشارة

424- 5 الكافي، 1/ 150/ 2/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن أبان عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع شاء و أراد و قدر و قضى قال نعم قلت و أحب قال لا قلت و كيف شاء و أراد و قدر و قضى و لم يحب- قال هكذا خرج إلينا

بيان

لعل الإمام ع إنما أعرض عن جواب السائل و أبهم الأمر فيه لدقة الجواب و كونه بحيث لا يناله فهم الأكثرين و يمكن الإشارة إلى لمعة منه لمن كان أهله في هذا الزمان الذي يوجد فيه أقوام متعمقون كما أشير إليه في حديث عاصم بن حميد في باب النسبة بأن يقال إن المشية و الإرادة و التقدير و القضاء كلها من فعل اللّٰه سبحانه و هي حكم اللّٰه في الأشياء على حد علمه بها و أما المشي ء المراد المقدر المقضي الذي يقع في الوجود فإنه ربما يكون من فعل العبد الذي يطلبه من اللّٰه تعالى باستعداده و هو قد يكون محبوبا مرضيا كالإيمان و الطاعات و قد يكون مبغوضا مسخوطا كالكفر و المعاصي.

و لا شك أن الحكم غير المحكوم به و المحكوم عليه لكونه نسبة قائمة بهما فلا يلزم من كون الحكم الذي من طرف الحق خيرا أن يكون المحكوم به الذي من جهة العبد خيرا و محبوبا و هذا هو التحقيق في التفصي عن شبهة مشهورة هي أنه قد ثبت

الوافي، ج 1، ص: 521

وجوب الرضا بالقضاء و عدم جواز الرضا بالكفر و المعاصي فإذا كان الكفر و المعاصي بالقضاء فكيف التوفيق و في هذا المقام أسرار طوبى لمن فاز بها

[6]
اشارة

425- 6 الكافي، 1/ 150/ 3/ 1 علي عن أبيه عن علي بن معبد عن واصل بن سليمان عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه ع قال سمعته يقول أمر اللّٰه و لم يشأ و شاء و لم يأمر أمر إبليس أن يسجد لآدم و شاء أن لا يسجد و لو شاء لسجد و نهى آدم ع عن أكل الشجرة

و شاء أن يأكل منها و لو لم يشأ لم يأكل

الوافي، ج 1، ص: 522

بيان

سر هذا الكلام أن لله سبحانه بالنسبة إلى عباده أمرين أمرا إراديا إيجاديا و أمرا تكليفيا إيجابيا و الأول بلا واسطة الأنبياء ع و لا يحتمل العصيان و المطلوب منه وقوع المأمور به و يوافق مشيته تعالى طردا و عكسا لا يتخلف عنها البتة فيقع المأمور به لا محالة و إليه أشير بقوله عز و جل إِنَّمٰا قَوْلُنٰا لِشَيْ ءٍ إِذٰا أَرَدْنٰاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ و الثاني يكون بواسطة الأنبياء ع و المطلوب منه قد يكون وقوع المأمور به فيوافق مشيته تعالى و يقع المأمور به من غير معصية فيه كالأوامر التي كلف اللّٰه بها الطائعين و قد يكون نفس الأمر من دون وقوع المأمور به لحكم و مصالح ترجع إلى العباد فهذا الأمر الذي لا يوافق المشية و لا الإرادة يعني لم يشأ اللّٰه به وقوع المأمور به و لا إرادة و إن شاء لأمر به و أراد و أمر و لذلك لم يقع المأمور به

[7]
اشارة

426- 7 الكافي، 1/ 151/ 4/ 1 علي عن المختار بن محمد الهمداني و محمد بن الحسن عن عبد اللّٰه بن الحسن العلوي جميعا عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن ع قال إن لله إرادتين و مشيتين إرادة حتم و إرادة

الوافي، ج 1، ص: 523

عزم ينهى و هو يشاء و يأمر و هو لا يشاء أ و ما رأيت أنه نهى آدم و زوجته أن يأكلا من الشجرة و شاء ذلك و لو لم يشأ أن يأكلا لما غلبت مشيتهما مشية اللّٰه- و أمر إبراهيم أن يذبح إسحاق و لم يشأ أن يذبحه و لو شاء أن يذبحه لما غلبت مشية إبراهيم مشية اللّٰه

بيان

لما غلبت مشية إبراهيم مشية اللّٰه يعني محبته الطبيعية لبقاء ولده و ذلك لا ينافي إرادة الطاعة منه و التسليم لأمر اللّٰه المشار إليه بقوله عز و جل فَلَمّٰا أَسْلَمٰا وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ حاشا الخليل أن يشاء ما لا يشاء اللّٰه

[8]

427- 8 الكافي، 1/ 151/ 5/ 1 علي عن أبيه عن علي بن معبد عن درست عن فضيل بن يسار قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول شاء و أراد و لم يحب و لم يرض شاء أن لا يكون شي ء إلا بعلمه و أراد مثل ذلك و لم يحب أن يقال ثالث ثلاثة و لم يرض لعباده الكفر

الوافي، ج 1، ص: 524

[9]

428- 9 الكافي، 1/ 152/ 1/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن حمزة بن محمد الطيار عن أبي عبد اللّٰه ع قال ما من قبض و لا بسط إلا و لله فيه مشية و قضاء و ابتلاء

[10]
اشارة

429- 10 الكافي، 1/ 152/ 2/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه عن فضالة عن حمزة بن محمد الطيار عن أبي عبد اللّٰه ع قال إنه ليس شي ء فيه قبض أو بسط مما أمر اللّٰه به أو نهى عنه إلا و فيه لله جل جلاله ابتلاء و قضاء

بيان

الابتلاء من اللّٰه سبحانه إظهار ما كتب لنا أو علينا في القدر و إبراز ما أودع فينا و غرز في طباعنا بالقوة بحيث يترتب عليه الثواب و العقاب فإنه ما لم يخرج من القوة إلى الفعل لم يوجد بعد و إن كان معلوما لله سبحانه فلا يحصل ثمرته و تبعته اللازمتان و لهذا قال عز و جل وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّٰى نَعْلَمَ الْمُجٰاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّٰابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبٰارَكُمْ و أمثال ذلك أي نعلمهم موصوفين بهذه الصفة بحيث يترتب عليها الجزاء و أما قبل ذلك الابتلاء فإنه علمهم مستعدين للمجاهدة و الصبر صائرين إليهما بعد حين

[11]

430- 11 الكافي، 1/ 152/ 6/ 1 محمد عن أحمد عن البزنطي قال قال أبو الحسن الرضا ع قال اللّٰه تعالى ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء و بقوتي أديت فرائضي و بنعمتي قويت على معصيتي- جعلتك سميعا بصيرا قويا ما أصابك من حسنة فمن اللّٰه و ما أصابك من سيئة فمن

الوافي، ج 1، ص: 525

نفسك و ذلك إني أولى بحسناتك منك و أنت أولى بسيئاتك مني و ذاك إني لا أسأل عما أفعل و هم يسألون صدق اللّٰه

[12]
اشارة

431- 12 الكافي، 1/ 159/ 12/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه و غيره عن سهل عن البزنطي قال قلت لأبي الحسن الرضا ع إن بعض أصحابنا يقول بالجبر و بعضهم يقول بالاستطاعة قال فقال لي اكتب بسم اللّٰه الرحمن الرحيم قال علي بن الحسين ع قال اللّٰه عز و جل يا بن آدم الحديث- قال في آخره قد نظمت لك كل شي ء تريد

بيان

إنما كان اللّٰه أولى بحسنات العبد منه لأن القوة القاهرة المبدئية لا تمكن الوسائط في استقلال التأثير و إنما كان العبد أولى بسيئاته من اللّٰه لأن النقائص و الشرور من لوازم الماهيات المتنزلة في عالم التضاد و أما أنه لا يسأل عما يفعل فلأن الغاية في فعله سبحانه غير زائدة على ذاته و علمه بذاته إذ لا يتصور أن يكون أمر أولى بالغنى المطلق أن يقصده و إلا لكان فقيرا في حصول ما هو الأولى له إلى ذلك الشي ء و تحقيق هذا يحتاج إلى بسط من الكلام ليس هاهنا محله فليطلب من كتبنا التي ألفناها في أصول أصول الدين و سيأتي ما يصلح أن يكون زيادة شرح لهذا الحديث و أما ما في آخر الرواية الثانية من الزيادة فيحتمل أن تكون من كلام اللّٰه و يكون معناها قد نظمت أسباب معاشك و معادك و سهلت عليك سبيل الخير و أوضحت لك طريقي السعادة و الشقاوة من غير جبر و ضيق عليك و لا منع و صد مني إياك فإن أطعت و سلكت سبيل الخير و السعادة فلك الأجر و الثواب و لي عليك الفضل و المنة و إن عصيت و سلكت سبيل الشقاوة فلزمك العذاب و تبعك الحساب و العقاب و

لي عليك الحجة و العتاب و يحتمل أن يكون من كلام أبي الحسن الرضا أو علي بن الحسين ع و يكون معناها قد بينت لك ما في هذه المسألة من الإبهام و الاشتباه

الوافي، ج 1، ص: 527

باب 52 السعادة و الشقاوة

[1]
اشارة

432- 1 الكافي، 1/ 152/ 1/ 2 النيسابوريان عن صفوان عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن اللّٰه خلق السعادة و الشقاء قبل أن يخلق خلقه فمن خلقه اللّٰه سعيدا لم يبغضه أبدا و إن عمل شرا أبغض عمله و لم يبغضه و إن كان شقيا لم يحبه أبدا و إن عمل صالحا أحب عمله و أبغضه لما يصير إليه فإذا أحب اللّٰه شيئا لم يبغضه أبدا و إذا أبغض شيئا لم يحبه أبدا

الوافي، ج 1، ص: 528

بيان

السر في تفاوت النفوس في الخير و الشر و اختلافها في السعادة و الشقاوة هو اختلاف الاستعدادات و تنوع الحقائق فإن المواد السفلية بحسب الخلقة و الماهية متباينة في اللطافة و الكثافة و أمزجتها مختلفة في القرب و البعد من الاعتدال الحقيقي و الأرواح الإنسية التي بإزائها مختلفة بحسب الفطرة الأولي في الصفاء و الكدورة و القوة و الضعف مترتبة في درجات القرب و البعد من اللّٰه تعالى لما تقرر و تحقق أن بإزاء كل مادة ما يناسبها من الصور فأجود الكمالات لأتم الاستعدادات و أخسها لأنقصها كما أشير إليه بقوله ع.

الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام

فلا يمكن لشي ء من المخلوقات أن يظهر في الوجود ذاتا و صفة و فعلا إلا بقدر خصوصية قابليته و استعداده الذاتي و وجه آخر و هو أنه قد ثبت أن لله عز و جل صفات و أسماء متقابلة هي من أوصاف الكمال و نعوت الجلال و لها مظاهر متباينة بها يظهر أثر تلك الأسماء فكل من الأسماء يوجب تعلق إرادته سبحانه و قدرته إلى إيجاد مخلوق يدل عليه من حيث اتصافه

بتلك الصفة فلذلك اقتضت رحمة اللّٰه جل و عز إيجاد المخلوقات كلها لتكون مظاهر لأسمائه الحسنى و مجالي لصفاته العليا.

مثلا لما كان قهارا أوجد المظاهر القهرية التي لا يترتب عليها إلا أثر القهر من الجحيم و ساكنيه و الزقوم و متناوليه و لما كان عفوا غفورا أوجد مجالي للعفو و الغفران يظهر فيها آثار رحمته و قس على هذا فالملائكة و من ضاهاهم من الأخيار و أهل الجنة مظاهر اللطف و الشياطين و من والاهم من الأشرار و أهل النار مظاهر القهر و منهما تظهر السعادة و الشقاوة فمنهم شقي و سعيد فظهر أن لا وجه لإسناد الظلم و القبائح إلى اللّٰه سبحانه لأن هذا الترتيب و التمييز من وقوع فريق في طريق اللطف و آخر في طريق القهر من ضروريات الوجود و الإيجاد و من مقتضيات الحكمة و العدالة و من هنا قال بعض العلماء ليت شعري لم لا ينسب الظلم إلى الملك المجازي حيث يجعل بعض من تحت تصرفه وزيرا قريبا و بعضهم كناسا بعيدا لأن كلا منهما من ضروريات مملكته

الوافي، ج 1، ص: 529

و ينسب الظلم إلى اللّٰه تعالى في تخصيص كل من عبيده بما خصص مع أن كلا منهما ضروري في مقامه

[2]
اشارة

433- 2 الكافي، 1/ 153/ 2/ 1 علي بن محمد رفعه عن العقرقوفي عن أبي بصير قال كنت بين يدي أبي عبد اللّٰه ع جالسا و قد سأله سائل فقال جعلت فداك يا بن رسول اللّٰه من أين لحق الشقاء أهل المعصية حتى حكم لهم في علمه بالعذاب على عملهم- فقال أبو عبد اللّٰه ع أيها السائل حكم اللّٰه عز و جل أن لا يقوم له أحد

من خلقه بحقه فلما حكم بذلك وهب لأهل محبته القوة على معرفته- و وضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم أهله و وهب لأهل المعصية القوة على معصيته لسبق علمه فيهم و منعهم أطاقه القبول منه فواقعوا ما سبق لهم في علمه و لم يقدروا أن يأتوا حالا ينجيهم من عذابه لأن علمه أولى بحقيقة التصديق و هو معنى شاء ما شاء و هو سره

بيان

يمكن الإشارة إلى سر ذلك لأهله من المتعمقين و إن كان الظاهريون لبمعزل عن فهمه و نيله بأن يقال لما كان الخلق هم المعلومون لله سبحانه و هو العالم بهم و المعلوم يعطي العالم و يجعله بحيث يدرك ما هو عليه في نفسه و لا أثر للعلم في المعلوم بأن يحدث فيه ما لا يكون له في حد ذاته بل هو تابع للمعلوم و الحكم على المعلوم تابع له فلا حكم من العالم على المعلوم إلا بالمعلوم و بما يقتضيه بحسب استعداده الكلي و الجزئي فما قدر اللّٰه سبحانه على الخلق الكفر و العصيان من نفسه بل باقتضاء أعيانهم و طلبهم بالسنة استعداداتهم أن يجعلهم كافرا أو عاصيا كما تطلب عين الصورة الكلبية الحكم عليها بالنجاسة العينية فما كانوا في علم اللّٰه سبحانه ظهروا به في وجوداتهم العينية فليس

الوافي، ج 1، ص: 530

للحق إلا إفاضة الوجود عليهم و الحكم لهم و عليهم فلا يحمدوا إلا أنفسهم و لا يذموا إلا أنفسهم و ما يبقى للحق إلا حمد إفاضة الوجود لأن ذلك له لا لهم و لذلك قال مٰا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَ مٰا أَنَا بِظَلّٰامٍ لِلْعَبِيدِ أي ما قدرت عليهم الكفر الذي يشقيهم ثم طلبتهم بما ليس في وسعهم

أن يأتوا به بل ما عاملناهم إلا بما علمناهم و ما علمناهم إلا بما أعطونا من نفوسهم مما هم عليه فإن كان ظلما فهم الظالمون و لذلك قال وَ لٰكِنْ كٰانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.

و في الحديث من وجد خيرا فليحمد اللّٰه و من وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه

كذا قيل فإن قلت لو كانت المعلومات أعطت الحق سبحانه العلم من نفسها فقد توقف حصول العلم له على المعلومات و من توقف وصفه على شي ء كان مفتقرا إلى ذلك الشي ء و وصف العلم له سبحانه وصف نفسي ذاتي فكان يلزم من هذا أن يكون في نفسه مفتقرا إلى شي ء تعالى اللّٰه عن ذلك علوا كبيرا قلنا ليس الأمر كذلك بل اللّٰه سبحانه إنما علم المخلوقات بعلم أصلي ذاتي منه تعالى غير مستفاد مما هي عليه فيما اقتضته بحسب ذواتها غير أنها اقتضت في نفسها ما كانت عليه في علمه سبحانه فحكم لها ثانيا بما اقتضته بحسب علمه و لأجل ذلك قيل إنها أعطته العلم من نفسها فإن قلت فما فائدة قوله سبحانه وَ لَوْ شٰاءَ لَهَدٰاكُمْ أَجْمَعِينَ قلنا لو حرف امتناع لامتناع فما شاء إلا ما هو الأمر عليه و لكن عين الممكن قابل للشي ء و نقيضه في حكم دليل العقل و أي الحكمين المعقولين وقع فهو الذي عليه الممكن في حال ثبوته في العلم فمشيته أحدية التعلق و هي نسبة تابعة للعلم و العلم نسبة تابعة للمعلوم و المعلوم أنت و أحوالك فعدم المشية معلل بعدم إعطاء أعيانهم هداية الجميع لتفاوت استعداداتهم و عدم قبول بعضها الهداية و ذلك لأن الاختيار في حق الحق تعارضه وحدانية المشية فنسبته إلى الحق من حيث ما هو الممكن

عليه لا من حيث

الوافي، ج 1، ص: 531

ما هو الحق عليه قال تعالى وَ لٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي و قال أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذٰابِ و قال مٰا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ فهذا هو الذي يليق بجناب الحق و الذي يرجع إلى الكون وَ لَوْ شِئْنٰا لَآتَيْنٰا كُلَّ نَفْسٍ هُدٰاهٰا فما شاء فإن الممكن قابل للهداية و الضلال من حيث ما هو قابل فهو موضع الانقسام و في نفس الأمر ليس للحق فيه إلا أمر واحد فإن قلت حقائق المخلوقات و استعداداتها فائضة من الحق سبحانه فهو جعلها كذلك قلنا الحقائق غير مجعولة بل هي صور علمية للأسماء الإلهية و إنما المجعول وجوداتها في الأعيان و الوجودات تابعة للحقائق و لنقبض عنان القلم عن أمثال هذه الأسرار فإنها من جملة أسرار القدر المنهي عن إفشائها و لله الحمد

[3]
اشارة

434- 3 الكافي، 1/ 154/ 3/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه عن النضر عن يحيى بن عمران الحلبي عن معلى أبي عثمان عن علي بن حنظلة عن أبي عبد اللّٰه ع إنه قال يسلك بالسعيد في طريق الأشقياء حتى يقول الناس ما أشبهه بهم بل هو منهم ثم يتداركه السعادة و قد يسلك بالشقي طريق السعداء حتى يقول الناس ما أشبهه بهم بل هو منهم ثم يتداركه الشقاء إن من كتبه اللّٰه سعيدا و إن لم يبق من الدنيا إلا فواق ناقة ختم له بالسعادة

بيان

الفواق ما بين الحلبتين من الوقت لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب فيقال ما أقام عنده إلا فواقا

و في الحديث العيادة قدر فواق ناقة

الوافي، ج 1، ص: 533

باب 53 الخير و الشر

[1]

435- 1 الكافي، 1/ 154/ 1/ 2 العدة عن البرقي عن السراد و علي بن الحكم عن ابن وهب قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول إن مما أوحى اللّٰه إلى موسى ع و أنزل عليه في التوراة إني أنا اللّٰه لا إله إلا أنا خلقت الخلق و خلقت الخير و أجريته على يدي من أحب فطوبى لمن أجريته على يديه- و أنا اللّٰه لا إله إلا أنا خلقت الخلق و خلقت الشر و أجريته على يدي من أريده- فويل لمن أجريته على يديه

[2]

436- 2 الكافي، 1/ 154/ 2/ 1 العدة عن البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن حكيم عن محمد قال سمعت أبا جعفر ع يقول إن في بعض ما أنزل اللّٰه من كتبه إني أنا اللّٰه لا إله إلا أنا خلقت الخير و خلقت الشر- فطوبى لمن أجريت على يديه الخير و ويل لمن أجريت على يديه الشر و ويل لمن يقول كيف ذا و كيف ذا

[3]
اشارة

437- 3 الكافي، 1/ 154/ 3/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن بكار بن كردم عن مفضل بن عمر و عبد المؤمن الأنصاري عن أبي عبد اللّٰه ع

الوافي، ج 1، ص: 534

قال قال اللّٰه جل و عز أنا اللّٰه لا إله إلا أنا خالق الخير و الشر فطوبى لمن أجريت على يديه الخير و ويل لمن أجريت على يديه الشر و ويل لمن يقول كيف هذا قال يونس يعني من ينكر هذا الأمر يتفقه فيه

بيان

بكار بفتح الموحدة و التشديد و كردم معناه في اللغة الرجل القصير الضخم ثم جعل علما و شاعت به التسمية قوله يتفقه فيه أي يجتهد بعقله و يقول برأيه و قد مضى منا ما يصلح شرحا لهذه الأخبار

الوافي، ج 1، ص: 535

باب 54 الجبر و القدر و الأمر بين الأمرين

[1]
اشارة

438- 1 الكافي، 1/ 155/ 1/ 1 علي بن محمد عن سهل و إسحاق بن محمد و غيرهما رفعوه قال كان أمير المؤمنين ص جالسا بالكوفة بعد منصرفه من صفين إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه ثم قال له يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام أ بقضاء من اللّٰه و قدر فقال له فقال له أمير المؤمنين ع أجل يا شيخ ما علوتم تلعة و لا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من اللّٰه و قدر فقال له الشيخ عند اللّٰه أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين فقال له مه يا شيخ فو الله لقد عظم اللّٰه لكم الأجر في مسيركم و أنتم سائرون و في مقامكم و أنتم مقيمون و في منصرفكم- و أنتم منصرفون و لم تكونوا في شي ء من حالاتكم مكرهين و لا إليه مضطرين- فقال له الشيخ و كيف لم نكن في شي ء من حالاتنا مكرهين و لا إليه مضطرين و كان بالقضاء و القدر مسيرنا و منقلبنا و منصرفنا فقال له و تظن أنه كان قضاء حتما و قدرا لازما إنه لو كان كذلك لبطل الثواب و العقاب- و الأمر و النهي و الزجر من اللّٰه عز و جل و سقط معنى الوعد و الوعيد فلم تكن لأئمة للمذنب و لا محمدة للمحسن و لكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن- و لكان المحسن أولى بالعقوبة من

المذنب تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان و خصماء الرحمن و حزب الشيطان و قدرية هذه الأمة و مجوسها إن اللّٰه تبارك و تعالى كلف

الوافي، ج 1، ص: 536

تخييرا و نهى تحذيرا و أعطى على القليل كثيرا و لم يعص مغلوبا و لم يطع مكرها- و لم يملك مفوضا و لم يخلق السماوات و الأرض و ما بينهما باطلا و لم يبعث النبيين مبشرين و منذرين عبثا ذٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّٰارِ فأنشأ الشيخ يقول

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته يوم النجاة من الرحمن غفرانا-

أوضحت من أمرنا ما كان ملتبسا جزاك ربك بالإحسان إحسانا

بيان

إسناد هذا الحديث في توحيد الشيخ الصدوق رحمه اللّٰه متصل غير مرفوع هكذا أحمد بن عمران الدقاق عن محمد بن الحسن الطائي عن سهل عن علي بن جعفر الكوفي قال سمعت سيدي علي بن محمد ع يقول حدثني أبي محمد بن علي عن أبيه الرضا عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه الحسين ع و رواه بسند آخر أيضا الصفين كسجين موضع قرب الرقة بشاطئ الفرات كانت به الوقعة العظمى بين أمير المؤمنين ع و معاوية بن أبي سفيان و جثا يجثو جثوا و جثيا بضمهما جلس على ركبتيه و أقام على أطراف أصابعه و التلعة ما ارتفع من الأرض عند اللّٰه أحتسب عنائي أي منه أطلب أجر مشقتي في هذا السفر مع وقوع ذلك بقضائه و قدره كأنه استبعد ذلك و زعم أن فيه تضادا و زيد في بعض الروايات و لا أرى لي في ذلك أجرا فردعه ع و ذكر أنه ليس حتما يبلغ حد الإكراه و الاضطرار.

و ذلك لأنه إنما وقع

بالأسباب التي من جملتها اختيار العبد و سعيه و إن كان ذلك أيضا مقضيا ثم بين ذلك ببيان مفاسد الجبر و إنما كان المذنب أولى بالإحسان لأنه لا يرضى بالذنب كما يدل عليه جبره عليه فجبره عليه يستدعي إحسانا في مقابلته و المحسن أولى بالعقوبة لأنه لا يرضى بالإحسان لدلالة الجبر عليه و من لا يرضى

الوافي، ج 1، ص: 537

بالإحسان أولى بالعقوبة من الذي يرضى به قوله و مجوسها إشارة إلى

الحديث النبوي المشهور القدرية مجوس هذه الأمة

و وجه تسميتهم بالمجوس مشاركتهما في سلب الفعل عن العبد فإن المجوس يسندون الخيرات إلى اللّٰه و الشرور إلى إبليس و تحقيق هذا المقام يحتاج إلى بسط من الكلام فنقول و بالله التوفيق اعلم أن القدر في الأفعال و خلق الأعمال من الأسرار و الغوامض التي تحيرت فيها الأفهام و اضطربت فيها آراء الأنام و لم يرخص في إفشائها بالكلام فلا يدون إلا مرموزا و لا يعلم إلا مكنونا لما في إظهاره من إفساد العامة و هلاكهم و لهذا لم يرد في بيانه إلا مجملات و ترى أئمتنا ع تارة يقولون في مثله هكذا خرج إلينا كما مر و أخرى يقولون لا جبر و لا قدر و لكن منزلة بينهما فيها الحق التي بينهما لا يعلمها إلا العالم أو من علمها إياه العالم كما يأتي.

و عن النبي ص القدر سر اللّٰه فلا تظهروا سر اللّٰه

و في معناه أخبار أخر فالغور فيه ممنوع منه إلا أنه يمكن الإشارة إلى لمعة منه لمن كان أهله بنقل المذاهب و بيانها فإن الآراء أربعة اثنان فاسدان و هما الجبر و التفويض اللذان هلك بهما كثير من الناس و اثنان دائران حول

التحقيق و مرجعهما إلى الأمر بين الأمرين أحدهما أقرب إلى الحق و النقول و أبعد من الأفهام و العقول و هو طريقة أهل الشهود العارفين بأسرار الأخبار و الآخر بالعكس و هو طريقة أهل العقول و الأنظار و بيان الأول عسير لغموضه جدا فلنطوها طيا و نكتفي ببيان الثاني و إن لم نرتضه لتضمنه أكثر ما يترتب على الجبر من المفاسد في بادئ النظر و عند النظر القاصر إلا أنه يخرج عقول الخواص من بعض أسباب الحيرة.

و لهذا مال إليه فحول العلماء و لنذكر في بيانه ما ذكره بعض المحققين موافقا لما حققه المحقق الطوسي نصير الملة و الدين قدس اللّٰه سره في بعض رسائله المعمول في ذلك قال قد ثبت أن ما يوجد في هذا العالم فقد قدر بهيئته و زمانه في عالم آخر فوق هذا العالم قبل وجوده و قد ثبت أن اللّٰه عز و جل قادر على جميع الممكنات و لم يخرج شي ء من الأشياء عن مصلحته و علمه و قدرته و إيجاده بواسطة أو بغير واسطة و إلا لم يصلح لمبدئية الكل فالهداية و الضلالة و الإيمان و الكفر و الخير و الشر و النفع و الضر و سائر المتقابلات

الوافي، ج 1، ص: 538

كلها منتهية إلى قدرته و تأثيره و علمه و إرادته و مشيته إما بالذات أو بالعرض فأعمالنا و أفعالنا كسائر الموجودات و أفاعيلها بقضائه و قدره و هي واجبة الصدور منا بذلك و لكن بتوسط أسباب و علل من إدراكاتنا و إراداتنا و حركاتنا و سكناتنا و غير ذلك من الأسباب العالية الغائبة عن علمنا و تدبيرنا الخارجة عن قدرتنا و تأثيرنا فاجتماع تلك الأمور التي هي

الأسباب و الشرائط مع ارتفاع الموانع علة تامة يجب عندها وجود ذلك الأمر المدبر المقضي المقدر و عند تخلف شي ء منها أو حصول مانع بقي وجوده في حيز الامتناع و يكون ممكنا وقوعيا بالقياس إلى كل واحد من الأسباب الكونية و لما كان من جملة الأسباب و خصوصا القريبة منها إرادتنا و تفكرنا و تخيلنا و بالجملة ما نختار به أحد طرفي الفعل و الترك فالفعل اختياري لنا فإن اللّٰه أعطانا القوة و القدرة و الاستطاعة ليبلونا أينا أحسن عملا مع إحاطة علمه.

فوجوبه لا ينافي إمكانه و اضطراريته لا تدافع كونه اختياريا كيف و إنه ما وجب إلا بالاختيار و لا شك أن القدرة و الاختيار كسائر الأسباب من الإدراك و العلم و الإرادة و التفكر و التخيل و قواها و آلاتها كلها بفعل اللّٰه تعالى لا بفعلنا و اختيارنا و إلا لتسلسلت القدر و الإرادات إلى غير النهاية و ذلك لأنا و إن كنا بحيث إن شئنا فعلنا و إن لم نشأ لم نفعل لكنا لسنا بحيث إن شئنا شئنا و إن لم نشأ لم نشأ بل إذا شئنا فلم يتعلق مشيتنا بمشيتنا بل بغير مشيتنا فليست المشية إلينا إذ لو كانت إلينا لاحتجنا إلى مشية أخرى سابقة و تسلسل الأمر إلى غير النهاية و مع قطع النظر عن استحالة التسلسل نقول جملة مشياتنا الغير المتناهية بحيث لا يشذ عنها مشية لا تخلو إما أن يكون وقوعها بسبب أمر خارج عن مشيتنا أو بسبب مشيتنا و الثاني باطل لعدم إمكان مشية أخرى خارجة عن تلك الجملة و الأول هو المطلوب فقد ظهر أن مشيتنا ليست تحت قدرتنا كما قال اللّٰه عز و جل وَ

مٰا تَشٰاؤُنَ إِلّٰا أَنْ يَشٰاءَ اللّٰهُ فإذا نحن في مشيتنا مضطرون و إنما تحدث المشية عقيب الداعي و هو تصور الشي ء الملائم تصورا ظنيا أو

الوافي، ج 1، ص: 539

تخيليا أو علميا فإنا إذا أدركنا شيئا فإن وجدنا ملاءمته أو منافرته لنا دفعة بالوهم أو ببديهة العقل انبعث منا شوق إلى جذبه أو دفعه و تأكد هذا الشوق هو العزم الجازم المسمى بالإرادة و إذا انضمت إلى القدرة التي هي هيئة للقوة الفاعلة انبعثت تلك القوة لتحريك الأعضاء الأدوية من العضلات و غيرها فيحصل الفعل فإذن إذا تحقق الداعي للفعل الذي تنبعث منه المشية تحققت المشية و إذا تحققت المشية التي تصرف القدرة إلى مقدورها انصرفت القدرة لا محالة و لم يكن لها سبيل إلى المخالفة فالحركة لازمة ضرورة بالقدرة و القدرة محركة ضرورة عند انجزام المشية و المشية تحدث ضرورة في القلب عقيب الداعي فهذه ضروريات يترتب بعضها على بعض و ليس لنا أن ندفع وجود شي ء منها عند تحقق سابقه فليس يمكن لنا أن ندفع المشية عند تحقق الداعي للفعل و لا انصراف القدرة إلى المقدور بعدها فنحن مضطرون في الجميع فنحن في عين الاختيار مجبورون فنحن إذا مجبورون على الاختيار هذا ملخص ما ذكره و الحق فيه أمر آخر لا يصل إليه إلا من هو من أهله و ذٰلِكَ فَضْلُ اللّٰهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشٰاءُ وَ اللّٰهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

[2]
اشارة

439- 2 الكافي، 1/ 156/ 3/ 1 الاثنان عن الوشاء عن حماد بن عثمان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه ع قال من زعم أن اللّٰه يأمر بالفحشاء فقد كذب على اللّٰه و من زعم أن الخير و الشر إليه فقد كذب

على اللّٰه

الوافي، ج 1، ص: 540

بيان

إليه يعني إلى نفسه إنما كذبا على اللّٰه تعالى لأن الأول قصر نظره على السبب الأول و قطع النظر عن الأسباب القريبة للفعل مطلقا و لم يفرق بين أعمال الإنسان و أعمال الجمادات و اللّٰه تعالى أعدل من أن يجبر خلقه ثم يعذبهم و أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون و الثاني قصر نظره على الأسباب القريبة و قطع النظر عن السبب الأول و اللّٰه أحكم من أن يهمل عبده و يكله إلى نفسه و أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد

[3]

440- 3 الكافي، 1/ 158/ 6/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن حفص بن قرط عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال رسول اللّٰه ص من زعم أن اللّٰه يأمر بالسوء و الفحشاء فقد كذب على اللّٰه و من زعم أن الخير و الشر بغير مشية اللّٰه فقد أخرج اللّٰه من سلطانه و من زعم أن المعاصي بغير قوة اللّٰه فقد كذب على اللّٰه و من كذب على اللّٰه أدخله اللّٰه النار

[4]

441- 4 الكافي، 1/ 160/ 14/ 1 العدة عن البرقي عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه ع قال اللّٰه أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون و اللّٰه أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد

[5]
اشارة

442- 5 الكافي، 1/ 158/ 7/ 1 العدة عن البرقي عن عثمان عن إسماعيل بن جابر قال كان في مسجد المدينة رجل يتكلم في القدر و الناس مجتمعون قال

الوافي، ج 1، ص: 541

فقلت يا هذا أسألك قال سل قلت قد يكون في ملك اللّٰه تعالى ما لا يريد قال فأطرق طويلا ثم رفع رأسه إلي فقال يا هذا لئن قلت إنه يكون في ملكه ما لا يريد إنه لمقهور و لئن قلت لا يكون في ملكه إلا ما يريد أقررت لك بالمعاصي- قال فقلت لأبي عبد اللّٰه ع سألت هذا القدري فكان من جوابه كذا و كذا فقال لنفسه نظر أما لو قال غير ما قال لهلك

بيان

بالمعاصي يعني بأنه يريدها

[6]
اشارة

443- 6 الكافي، 1/ 157/ 3/ 1 الاثنان عن الوشاء عن أبي الحسن الرضا ع قال سألته فقلت اللّٰه فوض الأمر إلى العباد قال اللّٰه أعز من ذلك قلت فجبرهم على المعاصي قال اللّٰه أعدل و أحكم من ذلك قال ثم قال قال اللّٰه يا بن آدم أنا أولى بحسناتك منك و أنت أولى بسيئاتك مني- عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك

بيان

أما أولوية اللّٰه عز و جل بالحسنات فلأنه سبحانه أمر بها و وهب القوة عليها و وفق لها و أما أولوية العبد بالسيئات فلأن اللّٰه عز و جل نهى عنها و أوعد عليها و وهب القوة ليصرفها العبد في الطاعات فصرفها في المعاصي و فيه وجه آخر بعيد عن أفهام الجماهير و قد مضى

الوافي، ج 1، ص: 542

[7]
اشارة

444- 7 الكافي، 1/ 157/ 4/ 1 علي عن أبيه عن ابن مرار عن يونس بن عبد الرحمن قال قال لي أبو الحسن الرضا ع يا يونس لا تقل بقول القدرية فإن القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة و لا بقول أهل النار و لا بقول إبليس فإن أهل الجنة قالوا الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي هَدٰانٰا لِهٰذٰا وَ مٰا كُنّٰا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لٰا أَنْ هَدٰانَا اللّٰهُ و قال أهل النار رَبَّنٰا غَلَبَتْ عَلَيْنٰا شِقْوَتُنٰا وَ كُنّٰا قَوْماً ضٰالِّينَ- و قال إبليس رَبِّ بِمٰا أَغْوَيْتَنِي فقلت و اللّٰه ما أقول بقولهم و لكني أقول لا يكون إلا بما شاء اللّٰه و أراد و قدر و قضى فقال يا يونس ليس هكذا لا يكون إلا ما شاء اللّٰه و أراد و قدر و قضى يا يونس تعلم ما المشية قلت لا قال هي الذكر الأول فتعلم ما الإرادة قلت لا قال هي العزيمة على ما يشاء فتعلم ما القدر قلت لا قال هي الهندسة و وضع الحدود من البقاء و الفناء- قال ثم قال و القضاء هو الإبرام و إقامة العين قال فاستأذنته أن أقبل رأسه و قلت فتحت لي شيئا كنت عنه في غفلة

الوافي، ج 1، ص: 543

بيان

المراد بالقدرية في هذا الحديث المفوضة القائلون بقدرة العبد و استقلاله فإن أهل الجنة سلبوا الفعل عنهم بإسناد الهداية إلى اللّٰه و أهل النار سلبوه عنهم بإسناده إلى غلبة الشقوة عليهم و إبليس سلبه عنه بإسناد الإغواء إلى اللّٰه و الفرق بين قول يونس بما شاء اللّٰه و قول الإمام ع ما شاء اللّٰه أن الأول جبر محض و لهذا نهاه عنه و الثاني أعم منه و من الأمر

بين الأمرين و لهذا أثبته و إنما يصح إذا أريد به ما لا يكون جبرا و الذكر الأول هو اللوح المحفوظ و إنما سماه مشية لأنه مرتبة تعين العلم بالنظام الأوفق المعنى بالمشية كما أشرنا إليه في أوائل أبواب الصفات و أريد بالبقاء و الفناء مدد أعمار الأشياء و آجالها

[8]
اشارة

445- 8 الكافي، 1/ 158/ 5/ 1 النيسابوريان عن حماد بن عيسى عن اليماني عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن اللّٰه خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه- و أمرهم و نهاهم فما أمرهم به من شي ء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه و لا يكونون آخذين و لا تاركين إلا بإذن اللّٰه

بيان

في توحيد الصدوق و الاحتجاج هكذا فما أمرهم به من شي ء فقد جعل لهم السبيل إلى أخذه و ما نهاهم عنه من شي ء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه و هو الصواب

[9]
اشارة

446- 9 الكافي، 1/ 159/ 8/ 1 محمد عن أحمد بن محمد بن الحسن زعلان عن أبي طالب القمي عن رجل عن أبي عبد اللّٰه ع قال قلت أجبر اللّٰه العباد على المعاصي قال لا قال قلت ففوض إليهم الأمر قال لا

الوافي، ج 1، ص: 544

قال قلت فما ذا قال لطف من ربك بين ذلك

بيان

يعني هو معنى دقيق غامض من صنع اللّٰه يلطف إدراكه عن العقول و الأفهام و هو أمر بين الجبر و التفويض

[10]

447- 10 الكافي، 1/ 159/ 9/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن غير واحد عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه ع قالا إن اللّٰه تعالى أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها و اللّٰه أعز من أن يريد أمرا فلا يكون قال فسئلا ع هل بين الجبر و القدر منزلة ثالثة قالا نعم أوسع ما بين السماء و الأرض

[11]

448- 11 الكافي، 1/ 159/ 10/ 1 بهذا الإسناد عن يونس عن صالح بن سهل عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه ع قال سئل عن الجبر و القدر فقال لا جبر و لا قدر و لكن منزلة بينهما فيها الحق التي بينهما لا يعلمها إلا العالم أو من علمها إياه العالم

الوافي، ج 1، ص: 545

[12]

449- 12 الكافي، 1/ 159/ 11/ 1 بهذا الإسناد عن يونس عن عدة عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال له رجل جعلت فداك أ جبر اللّٰه العباد على المعاصي قال اللّٰه أعدل من أن يجبرهم على المعاصي ثم يعذبهم عليها فقال له جعلت فداك ففوض اللّٰه إلى العباد قال فقال لو فوض إليهم لم يحصرهم بالأمر و النهي فقال له جعلت فداك فبينهما منزلة قال فقال نعم أوسع ما بين السماء و الأرض

[13]
اشارة

450- 13 الكافي، 1/ 160/ 13/ 1 محمد بن أبي عبد اللّٰه عن الحسين بن محمد عن محمد بن يحيى عمن حدثه عن أبي عبد اللّٰه ع قال لا جبر و لا تفويض و لكن أمر بين أمرين قال قلت و ما أمر بين أمرين قال مثل ذلك رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية

بيان

هذا مثال حسن لمخاطبة العامي الضعيف الذي قصر فهمه عن درك كيفية الأمر بين الأمرين تقريبا لفهمه و حفظا لاعتقاده في أفعال العباد حتى لا يعتقد كون العبد مجبورا في فعله و لا مفوضا إليه اختياره

الوافي، ج 1، ص: 547

باب 55 الاستطاعة

[1]
اشارة

451- 1 الكافي، 1/ 160/ 1/ 1 علي عن الحسن بن محمد عن القاساني عن ابن أسباط قال سألت أبا الحسن الرضا ع عن الاستطاعة فقال يستطيع العبد بعد أربع خصال أن يكون مخلى السرب صحيح الجسم سليم الجوارح له سبب وارد من اللّٰه قال قلت جعلت فداك فسر لي هذا قال أن يكون العبد مخلى السرب صحيح الجسم سليم الجوارح يريد أن يزني فلا يجد امرأة ثم يجدها فإما أن يعصم نفسه فيمتنع كما امتنع يوسف ع أو يخلي بينه و بين إرادته فيزني فيسمى زانيا و لم يطع اللّٰه بإكراه و لم يعصه بغلبة

بيان

السرب بالفتح الطريق و فلان آمن في سربه بالكسر أي في نفسه و فلان واسع السرب أي رخي البال و قد قدمنا ما يصلح أن يكون شرحا لهذا الحديث و ما بعده

[2]
اشارة

452- 2 الكافي، 1/ 161/ 2/ 1 محمد و علي عن أحمد عن علي بن الحكم و عبد اللّٰه بن يزيد جميعا عن رجل من أهل البصرة قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن الاستطاعة فقال أبو عبد اللّٰه ع أ تستطيع أن تعمل

الوافي، ج 1، ص: 548

ما لم يكون قال لا قال فتستطيع أن تنتهي عما قد كون قال لا فقال له أبو عبد اللّٰه ع فمتى أنت مستطيع قال لا أدري قال فقال أبو عبد اللّٰه ع إن اللّٰه خلق خلقا فجعل فيهم آلة الاستطاعة ثم لم يفوض إليهم فهم مستطيعون للفعل وقت الفعل مع الفعل إذا فعلوا ذلك الفعل فإذا لم يفعلوه لم يكونوا مستطيعين أن يفعلوا فعلا لم يفعلوه لأن اللّٰه عز و جل أعز من أن يضاده في ملكه أحد- قال البصري فالناس مجبورون قال لو كانوا مجبورين كانوا معذورين- قال ففوض إليهم قال لا قال فما هم قال علم منهم فعلا فجعل فيهم آلة الفعل فإذا فعلوا كانوا مع الفعل مستطيعين قال البصري أشهد أنه الحق- و أنكم أهل بيت النبوة و الرسالة

بيان

ظاهر هذا الحديث يدل على نفي الاستطاعة و ظاهر الحديث السابق يدل على إثباتها و الجمع بينهما بأن يقال إن الاستطاعة في الحال لا تنافي عدمها في الاستقبال و لا العكس فنجيب عن قول القائل أ تستطيع أن تؤثر حال عدم الأثر أو لا تؤثر حال وجوده نعم نستطيع لكن معنى استطاعتنا أنا نتمكن من الفعل و الترك في ثاني الحال فلا ينافيه عدم استطاعتنا في الحال بمعنى عدم تمكننا من التأثير في وجود الأثر حال عدمه و لا في عدمه حال وجوده و لا في

وجوده حال وجوده و لا في عدمه حال عدمه لأن في الأولين تناقضا و في الآخرين تحصيلا للحاصل و معنى قوله ع فجعل فيهم آلة الاستطاعة إلى قوله في ملكه أحد أن العبد لا يفعل إلا ما أراد اللّٰه منه فهو مستطيع في وقت الفعل للفعل لا للترك و مستطيع في وقت الترك للترك لا للفعل فلا يستطيع في كل وقت إلا لما جعل اللّٰه فيه آلة الاستطاعة لأجله ثم أشار ع إلى أن الناس مع ذلك ليسوا مجبورين و لا مفوضا إليهم أيضا

الوافي، ج 1، ص: 549

[3]
اشارة

453- 3 الكافي، 1/ 162/ 3/ 1 محمد و علي عن أحمد و محمد بن أبي عبد اللّٰه عن سهل جميعا عن علي بن الحكم عن صالح النيلي قال سألت أبا عبد اللّٰه ع هل للعباد من الاستطاعة شي ء قال فقال لي إذا فعلوا الفعل كانوا مستطيعين بالاستطاعة التي جعلها اللّٰه فيهم قال قلت و ما هي قال الآلة مثل الزنا إذا زنى كان مستطيعا للزنا حين زنى و لو أنه ترك الزنا و لم يزن كان مستطيعا لتركه إذا ترك قال ثم قال ليس له من الاستطاعة قبل الفعل قليل و لا كثير و لكن مع الفعل و الترك كان مستطيعا قلت فعلى ما ذا يعذبه قال بالحجة البالغة و الآلة التي ركبها فيهم إن اللّٰه لم يجبر أحدا على معصيته و لا أراد إرادة حتم الكفر من أحد و لكن حين كفر كان في إرادة اللّٰه أن يكفر و هم في إرادة اللّٰه و في علمه ألا يصيروا إلى شي ء من الجبر قلت أراد منهم أن يكفروا قال ليس هكذا أقول و لكني أقول

علم أنهم سيكفرون فأراد الكفر لعلمه فيهم و ليست إرادة حتم إنما هي إرادة اختبار

بيان

قوله ليس له من الاستطاعة قبل الفعل قليل و لا كثير إشارة إلى نفي وقوع الفعل بالأولوية و تقرير أنه ما لم يجب يوجد و قول السائل فعلى ما ذا يعذبه يعني إذا كان جميع ما يتوقف عليه فعل العبد من قدرته و استطاعته بخلق اللّٰه و جعله فيه فلما ذا يعذب الكافر و يعاقب العاصي فأجاب ع بأن تعذيب اللّٰه لعباده ليس من جهة غرض له فيه لأنه سبحانه بري ء من الغرض غني عما سواه بل انساقت حجته البالغة و حكمته الكاملة إلى تعذيب فريق و تنعيم فريق بما ركب في كل واحد منهم من

الوافي، ج 1، ص: 550

الآلات و خلق لهم من الدواعي و الإرادات و غيرها من أسباب المعاصي و الطاعات و الشرور و الخيرات فانقسمت أفعال اللّٰه إلى ما ينساق إلى الغاية المطلوبة بالذات و إلى ما ينساق إلى غاية أخرى مرادة بالعرض فأطلق على الأول اسم المحبوب و على الثاني اسم المكروه و انقسم عباده الذين هم أيضا من فعله و اختراعه إلى من سبقت لهم العناية بالحسنى بتسليط الدواعي و البواعث عليه لسياقتهم إلى غاية الحكمة و إلى من سبقت لهم المشية بالردى لسياقتهم إلى غاية الحكمة فلكل منهما نسبة إلى المشية الربانية أما قوله إن اللّٰه لم يجبر أحدا على معصيته فالوجه فيه أن المجبور هو الذي لم يترتب فعله على قدرته و فعله و إرادته و هاهنا تتوقف المعصية على تلك الأمور كما دريت

[4]
اشارة

454- 4 الكافي، 1/ 162/ 4/ 1 محمد عن ابن عيسى عن الحسين عن بعض أصحابنا عن عبيد بن زرارة عن حمزة بن حمران قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن

الاستطاعة فلم يجبني فدخلت عليه دخلة أخرى فقلت أصلحك اللّٰه إنه قد وقع في قلبي منها شي ء لا يخرجه إلا شي ء أسمعه منك قال فإنه لا يضرك ما كان في قلبك قلت أصلحك اللّٰه إني أقول إن اللّٰه تبارك و تعالى لم يكلف العباد ما لا يستطيعون و لم يكلفهم إلا ما يطيقون و إنهم لا يصنعون شيئا من ذلك إلا بإرادة اللّٰه و مشيته و قضائه و قدره قال فقال هذا دين اللّٰه الذي أنا عليه و آبائي أو كما قال

بيان

يأتي في نوادر الأبواب الأول من كتاب الحج ما يناسب هذا الباب إن شاء اللّٰه تعالى

الوافي، ج 1، ص: 551

باب 56 البيان و التعريف و لزوم الحجة

[1]
اشارة

455- 1 الكافي، 1/ 162/ 1/ 1 محمد و غيره عن ابن عيسى عن الحسين عن ابن أبي عمير الكافي النيسابوريان عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن ابن الطيار عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن اللّٰه احتج على الناس بما أتاهم و عرفهم

بيان

يعني بما أتاهم من العقل و الفهم و عرفهم من الخير و الشر دون ما لم يؤتهم و لم يعرفهم من ذلك و لا ينافي هذا لزوم بذل الجهد بالقدر المقدور فإنه أيضا من الأسباب إلا أن

الوافي، ج 1، ص: 552

ترتب حصول المعرفة على السعي في حيز الإمكان و بحسب مشية اللّٰه و على اختلاف درجات الناس في الهمة و الاستعداد و ليس عليهم إلا التعرض لها بتحصيل مقدماتها

كما ورد في الحديث النبوي إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها

و كل ميسر لما خلق له فالعبد إنما يستحق العذاب و العقوبة في ترك واجب أو فعل محرم إذا كان قد أوتي له التكليف و عرف المكلف به و بالجملة كان في ذاته استعداد فضيلة أو داعية ثم تكاسل في تحصيله أو انحرف عن قصد سبيله بقدر ما قصر في ذلك و بحسبه

[2]
اشارة

456- 2 الكافي، 1/ 86/ 3/ 2 محمد عن محمد بن الحسين عن ابن بقاح عن سيف بن عميرة عن اليماني قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول إن أمر اللّٰه كله عجب إلا أنه قد احتج عليكم بما عرفكم من نفسه

بيان

يعني أن في صفات اللّٰه سبحانه و أفعاله عجائب و غرائب لا يدرك إسرارها و لا يصل إلى أغوارها إلا الأقلون و لكن اللّٰه سبحانه لم يطلب منكم البلوغ إليها و لم يطلب ممن لم يبلغ إليها أن يعبده بحسبها بل بحسب ما بلغ إليه منها و عرفه اللّٰه تعالى من نفسه فحسب و إنما احتج عليكم بقدر معرفتكم التي أعطاكم لا أزيد منه

[3]

457- 3 الكافي، 1/ 163/ 3/ 1 العدة عن البرقي عن ابن فضال عن ثعلبة بن ميمون عن حمزة بن محمد الطيار عن أبي عبد اللّٰه ع في قول اللّٰه عز و جل وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدٰاهُمْ حَتّٰى يُبَيِّنَ لَهُمْ مٰا يَتَّقُونَ قال حتى

الوافي، ج 1، ص: 553

يعرفهم ما يرضيه و ما يسخطه و قال فَأَلْهَمَهٰا فُجُورَهٰا وَ تَقْوٰاهٰا قال بين لها ما تأتي و ما تترك و قال إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ السَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً قال عرفناه إما آخذ و إما تارك و عن قوله وَ أَمّٰا ثَمُودُ فَهَدَيْنٰاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمىٰ عَلَى الْهُدىٰ- قال عرفناهم فاستحبوا العمى على الهدى و هم يعرفون

[4]
اشارة

458- 4 الكافي، 1/ 163/ 3/ 1 و في رواية بينا لهم

بيان

ليضل قوما بالمعاصي و الكفر بعد إذ هداهم سبيل الإيمان

[5]
اشارة

459- 5 الكافي، 1/ 163/ 4/ 1 علي عن العبيدي عن يونس عن ابن بكير عن حمزة بن محمد عن أبي عبد اللّٰه ع قال سألته عن قول اللّٰه عز و جل- وَ هَدَيْنٰاهُ النَّجْدَيْنِ قال نجد الخير و الشر

بيان

النجد الطريق الواضح

[6]
اشارة

460- 6 الكافي، 1/ 163/ 5/ 1 بهذا الإسناد عن يونس عن حماد عن عبد الأعلى قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع أصلحك اللّٰه هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة قال فقال لا قلت فهل كلفوا المعرفة قل لا على

الوافي، ج 1، ص: 554

اللّٰه البيان لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا و لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا مٰا آتٰاهٰا قال و سألته عن قوله وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدٰاهُمْ حَتّٰى يُبَيِّنَ لَهُمْ مٰا يَتَّقُونَ قال حتى يعرفهم ما يرضيه و ما يسخطه

بيان

أداة ينالون بها أي في أنفسهم من دون استعانة برسول منه أو وحي من عنده فهل كلفوا المعرفة أي من قبل إرسال الرسل و إلزام الحجة إلا وسعها أي دون طاقتها

[7]
اشارة

461- 7 الكافي، 1/ 163/ 6/ 1 بهذا الإسناد عن يونس عن سعدان رفعه عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن اللّٰه لم ينعم على عبد نعمة إلا و قد ألزمه فيها الحجة من اللّٰه فمن من اللّٰه عليه فجعله قويا فحجته عليه القيام بما كلفه- و احتمال من هو دونه ممن هو أضعف منه و من من اللّٰه عليه فجعله موسعا عليه- فحجته عليه ماله ثم تعاهده الفقراء بعد بنوافله و من من اللّٰه عليه فجعله شريفا في بيته جميلا في صورته فحجته عليه أن يحمد اللّٰه على ذلك و لا يتطاول على غيره فيمنع حقوق الضعفاء لحال شرفه و جماله

الوافي، ج 1، ص: 555

بيان

و قد ألزمه فيها الحجة يعني أوجب عليه شكره عليها بأن يصرفها فيما خلقت لأجله القيام بما كلفه أي يقول له عند الاحتجاج عليه هل قمت بما كلفتك أو على حذف المضاف أي قدرة القيام من هو دونه أي مئونة من هو دونه و القوة تشمل الصورية و المعنوية أعني الجاه و المنزلة عند الناس فحجته عليه ماله ثم تعاهده الفقراء بعد بنوافله أي حجته إعطاؤه إياه المال و تمكينه له من أن يتعاهد الفقراء و يصرف إليهم ما يزيد عن مئونة نفسه

[8]
اشارة

462- 8 الكافي، 1/ 164/ 1/ 2 محمد بن أبي عبد اللّٰه عن سهل عن ابن أسباط عن الحسين بن زيد عن درست عمن حدثه عن أبي عبد اللّٰه ع قال ستة أشياء ليس للعباد فيها صنع المعرفة و الجهل و الرضا و الغضب و النوم و اليقظة

بيان

ليس ذكر العدد للحصر لوجود أشياء أخر كثيرة من هذا القبيل كالمرض و الصحة و البكاء و الضحك و غير ذلك و إدخال غير المذكور في المذكور لا يخلو من تكلف و إنما ليس لهم فيها صنع بعد حصول الأسباب و ارتفاع الموانع أو في تحصيل جميع الأسباب و رفع الموانع إما في تحصيل بعضها الذي من جملته السعي و الكسب لبعض ما يتوقف عليه فلهم فيه مدخل و إن لم يكف في حصول المطلوب و لهذا نفى عنهم الصنع رأسا فإن قيل فكيف يصح التكليف بمعرفة اللّٰه و الرضا عن اللّٰه قلنا التكليف إنما يتوجه إلى مقدماتهما فإن المعرفة نور من اللّٰه سبحانه إنما يفيضه على قلب من يتهيأ له بالحركات النفسانية و الانتقالات الذهنية أو بالرياضات البدنية و التهذيبات النفسانية فإن كان

الوافي، ج 1، ص: 556

بواسطة معلم بشري فهو إنما يلقى عليه الألفاظ و العبارات حتى يستعد المتعلم بما يعلمه بنفسه أو يسمعه من أستاده لأن تفيض عليه من اللّٰه صورة علمية أو ملكة نورية يحصل بهما المعرفة فليس له فيها صنع إلا بالتهيئة و الإعداد دون الإفاضة و الإيجاد فلا تكليف عليه إلا بالإعداد و تحصيل الاستعداد و كذلك الرضا عن اللّٰه تعالى إنما يحصل بمعرفة أن ما يفعله سبحانه بعبده المؤمن هو خير له و فيه صلاحه و هذه المعرفة إنما تحصل

بالتهيؤ لها و إعداد النفس لحصولها اللذين هما من المقدمات

[9]

463- 9 الكافي، 2/ 15/ 2/ 1 محمد عن أحمد عن صفوان عن أبان عن الفضيل قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع أُولٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمٰانَ- هل لهم فيما كتب في قلوبهم صنع قال لا

[10]

464- 10 الكافي، 1/ 163/ 2/ 1 محمد و غيره عن ابن عيسى عن ابن أبي عمير عن محمد بن حكيم قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع المعرفة من صنع من هي قال من صنع اللّٰه ليس للعباد فيها صنع

[11]
اشارة

465- 11 الكافي، 1/ 164/ 211 محمد عن محمد بن الحسين عن أبي شعيب المحاملي عن درست عن العجلي عن أبي عبد اللّٰه ع قال ليس لله على خلقه أن يعرفوا و للخلق على اللّٰه أن يعرفهم و لله على الخلق إذا عرفهم أن يقبلوا

الوافي، ج 1، ص: 557

بيان

ليس لله على خلقه أن يعرفوا يعني من قبل أن يخلق فيهم آلات الاستطاعة للمعرفة من العقل و الفهم و إرسال الرسل و للخلق على اللّٰه أن يعرفهم لأن من دأب العناية الإلهية أن لا يهمل أمرا ضروريا يحتاج إليه كل نوع في وجوده و بقائه و لا سيما نوع الإنسان المخلوق للأبد أن يقبلوا إما من القبول أي يتلقوا بالقبول و يتعرفوا منه أو من الإقبال أي يتوجهوا بكنههم إليه و يرغبوا فيما عنده و يزهدوا فيما يبعدهم عن دار كرامته

[12]

466- 12 الكافي، 1/ 164/ 2/ 1 العدة عن ابن عيسى عن الحجال عن ثعلبة بن ميمون عن عبد الأعلى بن أعين قال سألت أبا عبد اللّٰه ع من لم يعرف شيئا هل عليه شي ء قال لا

[13]

467- 13 الكافي، 1/ 164/ 3/ 1 محمد عن ابن عيسى عن ابن فضال عن داود بن فرقد عن أبي الحسن زكريا بن يحيى عن أبي عبد اللّٰه ع قال ما حجب اللّٰه عن العباد فهو موضوع عنهم

الوافي، ج 1، ص: 558

[14]
اشارة

468- 14 الكافي، 1/ 164/ 4/ 1 العدة عن البرقي عن علي بن الحكم عن أبان عن ابن الطيار عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال لي اكتب فأملى علي إن من قولنا أن اللّٰه يحتج على العباد بما آتاهم و عرفهم ثم أرسل إليهم رسولا و أنزل عليهم الكتاب فأمر فيه و نهى أمر فيه بالصلاة و الصيام فنام رسول اللّٰه ص عن الصلاة فقال أنا أنيمك و أنا أوقظك فإذا قمت فصل ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف يصنعون ليس كما يقولون إذا نام عنها هلك و كذلك الصيام أنا أمرضك و أنا أصحك فإذا شفيتك فاقضه ثم قال أبو عبد اللّٰه ع و كذلك إذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد أحدا في ضيق و لم تجد أحدا إلا و لله عليه الحجة و لله فيه المشية و لا أقول إنهم ما شاءوا صنعوا ثم قال إن اللّٰه يهدي و يضل و قال و ما أمروا إلا بدون سعتهم و كل شي ء أمر الناس به فهم يسعون له و كل شي ء لا يسعون له فهو موضوع عنهم و لكن الناس لا خير فيهم ثم تلا ع لَيْسَ عَلَى الضُّعَفٰاءِ وَ لٰا عَلَى الْمَرْضىٰ وَ لٰا عَلَى الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ مٰا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ فوضع عنهم مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَ لٰا عَلَى الَّذِينَ إِذٰا مٰا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ

قال فوضع عنهم لأنهم لا يجدون

الوافي، ج 1، ص: 559

بيان

و لا أقول إنهم ما شاءوا صنعوا هذا بيان لقوله و لله فيه المشية و إزاحة لما يتوهم من قوله ع و لله عليه الحجة من شبهة التفويض و قوله ع إن اللّٰه يهدي و يضل تأكيد لهذا البيان و الإزاحة بدون سعتهم فضلا عن طاقتهم فهم يسعون له يطيقون فوقه لا خير فيهم لضلالهم عن الطاعة بعد الهداية و البيان و الأقدار و إساءتهم بالعصيان بعد الإحسان إليهم بالتعريف و الإنذار لٰا يَجِدُونَ مٰا يُنْفِقُونَ أي في الجهاد حَرَجٌ ضيق و ذنب فوضع عنهم يعني الجهاد مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ بنية الخير و إرادة الطاعة مِنْ سَبِيلٍ فإنما يثيب اللّٰه عباده بالنيات لِتَحْمِلَهُمْ أي على الرواح للجهاد و تمام الآية قُلْتَ لٰا أَجِدُ مٰا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّٰا يَجِدُوا مٰا يُنْفِقُونَ

[15]

469- 15 التهذيب، 4/ 153/ 9/ 1 التيملي عن محمد بن الربيع الأقرع عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه ع قال سمعته يقول ما كلف اللّٰه العباد فوق ما يطيقون فذكر الفرائض و قال إنما كلفهم صيام شهر من السنة و هم يطيقون أكثر من ذلك

الوافي، ج 1، ص: 561

باب 57 أن الهداية من اللّٰه

[1]
اشارة

470- 1 الكافي، 1/ 165/ 1/ 1 العدة عن ابن عيسى الكافي، 2/ 213/ 2/ 1 محمد عن ابن عيسى عن ابن بزيع عن أبي إسماعيل السراج عن ابن مسكان عن ثابت بن أبي سعيد قال قال أبو عبد اللّٰه ع يا ثابت ما لكم و للناس كفوا عن الناس و لا تدعوا أحدا إلى أمركم فو الله لو أن أهل السماوات و أهل الأرضين اجتمعوا على أن يهدوا عبدا يريد اللّٰه ضلالته- ما استطاعوا على أن يهدوه و لو أن أهل السماوات و أهل الأرضين اجتمعوا على أن يضلوا عبدا يريد اللّٰه هداه ما استطاعوا أن يضلوه كفوا عن الناس و لا يقول أحد عمي و أخي و ابن عمي و جاري فإن اللّٰه إذا أراد بعبد خيرا طيب روحه- فلا يسمع معروفا إلا عرفه و لا منكرا إلا أنكره ثم يقذف اللّٰه في قلبه كلمة يجمع بها أمره

بيان

إلى أمركم يعني إلى التشيع و الدين الحق و لا يقول أحد عمي أي لا يتأسف

الوافي، ج 1، ص: 562

على ضلال أقربائه و جيرانه

[2]

471- 2 الكافي، 1/ 166/ 2/ 1 الثلاثة عن محمد بن حمران عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن اللّٰه إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور و فتح مسامع قلبه و وكل به ملكا يسدده و إذا أراد بعبد سوءا نكت في قلبه نكتة سوداء و سد مسامع قلبه و وكل به شيطانا يضله ثم تلا هذه الآية فَمَنْ يُرِدِ اللّٰهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلٰامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمٰا يَصَّعَّدُ فِي السَّمٰاءِ

[3]
اشارة

472- 3 الكافي، 2/ 214/ 7/ 1 الثلاثة عن محمد بن حمران عن محمد عن أبي عبد اللّٰه ع مثله إلى قوله يضله إلا أنه قال نكتة بيضاء بدل قوله نكتة من نور

بيان

إن اللّٰه إذا أراد بعبد خيرا أي قدرة في عالم التقدير من أهل السعادة الأخروية و جعل روحه من جنس أرواح الملائكة الأخيار نكت في قلبه نكتة من نور ألقى في قلبه نية صالحه أو خاطر خير يؤثر فيه من فعل فعل أو قول سمع و النكت أن يضرب في الأرض بقضيب و نحوه فيؤثر فيها و فتح مسامع قلبه بتكرير الإدراكات النورية الناشئة من تكثير الأعمال الصالحة و سماع الأقوال الفاتحة من جنس ما يتأثر منه قلبه أولا فيقوي بها استعداده لأن يصير بها ملكة نفسانية و يخرج بها نور قلبه من الضعف

الوافي، ج 1، ص: 563

إلى الكمال و من القوة إلى الفعل فيستعد أن يصير ذاتا جوهرية نورانية قائمة بذاتها فاعلة للخير و الهداية و إليها أشار بقوله وكل به ملكا يسدده فهذا الملك خلقه اللّٰه من مادة تلك النية الصالحة و الحالة النفسانية و اشتدادها بتكرر النيات و الإدراكات التي تناسبها و يولد هذا الملك في عالم المعنى من تلك النية و ما يتقوى به في رحم النفس كتولد الحيوان في عالم الصورة من ماء مهين يتغذى و يتقوى مدة بدم الحيض في رحم الأم حتى يصير شخصا حيوانيا مستقلا بذاته و قس عليه معنى إرادة السوء و النكتة السوداء و سد المسامع و توكيل الشيطان و إضلاله إياه

[4]

473- 4 الكافي، 2/ 214/ 6/ 1 الثلاثة عن عبد الحميد بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن اللّٰه تعالى إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور فأضاء لها سمعه و قلبه حتى يكون أحرص على ما في أيديكم منكم- و إذا أراد بعبد سوءا

نكت في قلبه نكتة سوداء فأظلم لها سمعه و قلبه ثم تلا هذه الآية فَمَنْ يُرِدِ اللّٰهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلٰامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمٰا يَصَّعَّدُ فِي السَّمٰاءِ

[5]

474- 5 الكافي، 2/ 212/ 1/ 1 الثلاثة عن كليب بن معاوية الصيداوي قال قال لي أبو عبد اللّٰه ع إياكم و الناس إن اللّٰه تعالى إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة فتركه و هو يجول لذلك و يطلبه ثم قال لو أنكم إذا كلمتم الناس قلتم ذهبنا حيث ذهب اللّٰه و اخترنا من اختار اللّٰه اختار اللّٰه محمدا و اخترنا آل محمد ص

[6]

475- 6 الكافي، 2/ 214/ 5/ 1 علي عن أبيه عن عثمان عن ابن أذينة عن أبي

الوافي، ج 1، ص: 564

عبد اللّٰه ع قال إن اللّٰه تعالى خلق قوما للحق فإذا مر بهم الباب من الحق قبلته قلوبهم و إن كانوا لا يعرفونه و إذا مر بهم الباطل أنكرته قلوبهم و إن كانوا لا يعرفونه و خلق قوما لغير ذلك فإذا مر بهم الباب من الحق أنكرته قلوبهم و إن كانوا لا يعرفونه و إذا مر بهم الباب من الباطل قبلته قلوبهم- و إن كانوا لا يعرفونه

[7]
اشارة

476- 7 الكافي، 1/ 166/ 3/ 1 الكافي، 2/ 213/ 4/ 1 العدة عن ابن عيسى الكافي محمد عن ابن عيسى عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن أبيه قال سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول اجعلوا أمركم لله و لا تجعلوه للناس فإنه ما كان لله فهو لله و ما كان للناس فلا يصعد إلى اللّٰه و لا تخاصموا الناس لدينكم فإن المخاصمة ممرضة للقلب إن اللّٰه تبارك و تعالى قال لنبيه ص إِنَّكَ لٰا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ- و قال أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النّٰاسَ حَتّٰى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ذروا الناس فإن الناس أخذوا عن الناس و إنكم أخذتم عن رسول اللّٰه ص إني سمعت أبي ع يقول إن اللّٰه عز و جل إذا كتب على عبد أن يدخل في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره

بيان

زاد في الإسناد الثاني و علي ع و لا سواء بعد قوله عن رسول اللّٰه ص اجعلوا أمركم لله أي أخلصوا دينكم و انقيادكم لمن أمركم اللّٰه بانقياده لله سبحانه و لا تجعلوه للناس و لا تراءوا به فإن الرياء شرك خفي مردود إلى صاحبه ممرضة للقلب إما بضم الميم اسم فاعل أو بكسرها اسم آلة و الوكر

الوافي، ج 1، ص: 565

عش الطائر و إن لم يكن فيه

[8]

477- 8 الكافي، 1/ 167/ 4/ 1 القميان عن صفوان عن محمد بن مروان عن فضيل بن يسار قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع ندعو الناس إلى هذا الأمر فقال لا يا فضيل إن اللّٰه إذا أراد بعبد خيرا أمر ملكا فأخذ بعنقه فأدخله في هذا الأمر طائعا أو كارها

الوافي، ج 1، ص: 567

باب 58 النوادر

[1]
اشارة

478- 1 الكافي، 1/ 147/ 5/ 1 أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد اللّٰه الحسنى عن ابن أسباط عن خلف بن حماد عن ابن مسكان عن مالك الجهني قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه تعالى- (أ و لم ير) أَ وَ لٰا يَذْكُرُ الْإِنْسٰانُ أَنّٰا خَلَقْنٰاهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً- قال فقال لا مقدرا و لا مكونا قال و سألته عن قوله هَلْ أَتىٰ عَلَى الْإِنْسٰانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً فقال كان مقدورا غير مذكور

بيان

أريد بقوله سبحانه من قبل القبلية الذاتية و ذلك حيث كان اللّٰه و لم يكن معه شي ء و لهذا قال و لم يك شيئا و أريد بالخلق التقدير في العلم و بقوله تعالى حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ما بعد خلق السماوات و الأرضين و تقدير الأشياء و تدبيرها و لهذا قال لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً

الوافي، ج 1، ص: 568

و المذكور ما حصل في الذكر أي في الخاطر.

آخر أبواب معرفة مخلوقاته و أفعاله سبحانه و بتمامه قد تم الجزء الأول من كتاب الوافي و هو كتاب العقل و العلم و التوحيد و يتلوه في الجزء الثاني كتاب الحجة إن شاء اللّٰه تعالى و الحمد لله أولا و آخرا و باطنا و ظاهرا و الصلاة و السلام على محمد و آله

________________________________________

كاشانى، فيض، محمد محسن ابن شاه مرتضى، الوافي، 26 جلد، كتابخانه امام امير المؤمنين علي عليه السلام، اصفهان - ايران، اول، 1406 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.