جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد30

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج30، ص: 1

[تتمة القسم الثاني في العقود]

[تتمة كتاب النكاح]

[تتمة القسم الأول في النكاح الدائم]

[تتمة الفصل الرابع في أسباب التحريم]
[السبب الرابع استيفاء العدد]
[القسم الأول إذا استكمل الحر أربعا بالعقد الدائم حرم عليه ما زاد]
اشارة

ج 30، ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

السبب الرابع استيفاء العدد، و هو قسمان

[القسم الأول إذا استكمل الحر أربعا بالعقد الدائم حرم عليه ما زاد]

الأول إذا استكمل الحر أربعا بالعقد الدائم حرم عليه مع وجود الأربع عنده نكاح ما زاد غبطة أي دواما إجماعا من المسلمين بل ضرورة من الدين، و ما عن طائفة من الزيدية من جواز نكاح تسع لم يثبت، بل المحكي عن مشايخهم البراءة من ذلك، نعم قد اختص النبي (صلى الله عليه و آله) بنكاح الأزيد من ذلك، و هل كان يجوز له أزيد من التسع الذي مات عنهن أو لا يجوز؟ فيه بحث، لكنه قليل الجدوى، و على كل حال فالأصل فيه قوله تعالى (1):


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 3.

ج 30، ص: 3

«وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ» بناء على ما عرفته سابقا من أن الأمر فيها للإباحة، و مقتضى إباحة الأعداد المخصوصة تحريم ما زاد عليها، إذ لو كان مباحا لما خص الجواز بها، لمنافاته الامتنان و قصد التوسيع على العباد، و لأن مفهوم إباحة الأربع حصر ما دون الأربع أو ما زاد عليها، و الأول باطل بتجويز الثلاث فيها صريحا، فتعين الثاني.

بل يمكن أن يكون المراد منها إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى بالإنفاق من أموالهم التي في أيديكم التي جوز الله لوليهم الإنفاق منها بالمعروف فاقتصروا على نكاح ما طاب لكم، و حل و ساغ من العدد أعني مثنى و ثلاث و رباع إلى أن قال:

«ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا» فيستفاد منها حينئذ انحصار الحل في العدد المزبور، و لذا

أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) قيس بن الحرث عند نزول الآية و كان تحته ثمانية أن يطلق أربعا و يمسك أربعا قال: «فجعلت أقول للمرئة التي لم تلد: يا فلانة أدبري، و التي قد ولدت: يا فلانة أقبلى» (1)

فمن الغريب دعوى بعض الناس عدم دلالة الآية على تحريم ما زاد، و إنما استفيد من دليل آخر.

ثم إن هذه الألفاظ ألفاظ معدولة عن أعداد مكررة هي ثنتين ثنتين، و ثلاث ثلاث، و أربع أربع، و هي غير منصرفة للعدل و الصفة، فإنها بينت صفات و إن كانت أصولها لم تبن لها، و قيل عدم انصرافها لتكرير العدل عدلها عن صيغها و عدلها عن تكررها، أى أن الأصل كان اثنين اثنين مثلا فغير اللفظ إلى مثنى، و عدل بها عن التكرير، فصار بها عدلان لفظي و معنوي، و نصبها على البدلية من المفعول، أو على الحال من فاعل طاب، و معنى الحالية فيها مثلها في قولك:

«جئت فارسا و راجلا و حافيا و ناعلا» تريد أنك جئت في كل حال من هذه الأحوال لا أنك جئت في حال ثبوت جميعها، و كذا الحال في الآية، فان المراد جواز النكاح في كل حال من الأحوال الثلاثة دون مجموعها، و إلا لزم نكاح التسع.


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 183 مع اختلاف يسير، و فيه أنه أسلم و عنده ثمان نسوة.

ج 30، ص: 4

و اليه يرجع ما عن الكشاف من تقدير الحال المذكورة، فانكحوا الفتيات معدودات، هذا العدد ثنتين ثنتين، و ثلاثا ثلاثا و أربعا أربعا، و على كل حال فمقتضى العطف بالواو جمع المتعاطفة في الجواز، لا جواز الجمع بينها فلا يلزم نكاح التسع، بل قيل معنى الآية الاذن لكل ناكح يريد الجمع أن ينكح ما شاء من العدد المذكور متفقين فيه و مختلفين، كقولك: «اقتسموا هذه البدرة درهمين درهمين و ثلاثة ثلاثة» و لو أفردت كان المعنى تجويز الجمع بين هذه الأعداد دون التوزيع، و لو ذكرت بأو لذهب تجويز الاختلاف في العدد و إن كان لا يخلو من نظر، لما عرفت من أن الجمع بالحكم لا يقتضي الحكم بالجمع، فلا يلزم من الأفراد تجويز الجمع بين الأعداد، و لأن تجويز الأعداد لجماعة المخاطبين بمعنى تجويزه، لكل واحد منهم لا للمجموع من حيث الإجماع، فالتخيير الذي يقتضيه العطف بأو لو كان يكون لكل ناكح يريد الجمع، فلو اختلفوا لم يفعلوا إلا ما هو الجائز كما لو اتفقوا، فلا يلزم أن يذهب تجويز الاختلاف على تقديره.

نعم يمكن أن يقال: إن العطف بالواو للدلالة على جواز كل من الأعداد لكل جامع أو مريد للجمع، فيجوز الأربع لواجد الثلاث بالتكميل، و كذا الثنتان بالنقص، و لو عطف بأو لذهب التجويز في حق الجامع، لأنه قد استوفي العدد المباح له، فلا يجوز له غيره على ما يقتضيه التخيير.

و كيف كان فالغرض دلالة الآية على المطلوب من دون حاجة الى جعل الواو فيها بمعنى أو كما في جامع المقاصد و المسالك، معللين ذلك بأنها لو بقيت على معناها اقتضت الآية جواز نكاح الثمانية عشر.

و فيه أو لا أن مثنى مثلا بمنزلة اثنين اثنين ذكرا، و هو أعم من كونه اثنين و اثنين على جهة التغاير، و لذا قال بعضهم إنه يلزم نكاح التسع لا الثمانية عشر، و ثانيا أن إباحة هذه المراتب من الأعداد من حيث كونها أعدادا لا يقتضي جواز الجمع على الوجه المزبور، ضرورة عدم كون المراد من إباحة الثلاثة مثلا أنها أفراد غير الاثنين و الأربعة غير الثلاثة، بل قد عرفت أن الواو تقتضي الجمع

ج 30، ص: 5

في الحكم الذي هو الإباحة لا الحكم بالجمع كما هو واضح، و الأمر سهل بعد ضرورية أصل الحكم الذي لا فرق فيه بين الابتداء و الاستدامة، و لذا

قال رسول الله صلى الله عليه و آله لغيلان بن سلمة لما أسلم و تحته عشر نسوة: «أمسك أربعا و فارق سائرهن» (1)

بل هو مقتضى

قول الصادق عليه السلام في صحيح زرارة (2): «لا يجمع ماءه في خمس».

و كذا لا يحل له أي الحر من الإماء بالعقد الدائم أكثر من اثنتين بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و قد يستفاد ذلك من

خبر أبي بصير (3) عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن رجل له امرأة نصرانية له أن يتزوج عليها يهودية، فقال: إن أهل الكتاب مماليك الامام، و ذلك موسع منا عليكم خاصة، فلا بأس أن يتزوج. قلت: فإنه يتزوج عليها أمة، قال: لا يصلح أن يتزوج ثلاث إماء»

الحديث بل

في خبر عباد بن صهيب (4) عن الصادق عليه السلام «و لا يحل له من الإماء إلا واحدة»

بل قد عرفت فيما مضى أن المختار عدم جواز نكاح الأمة إلا بالشرطين، و من هنا قال في المسالك: «هذا كله على القول بجواز نكاح الأمة اختيارا، أما عند من يعتبر الشرطين فلا يجوز نكاح الثانية» و إن كان قد عرفت ما فيه سابقا من إمكان فرض تحقق الشرطين مع نكاح الأمة لعدم رفع العنت بها و غيره، بل لو لا الإجماع لأمكن فرضهما مع الاثنتين أيضا.

و على كل حال فحيث ينكح الاثنتين فهما محسوبان عليه من جملة الأربع لا أنهما معا بمنزلة حرة، لإطلاق الأدلة، فلا يجوز له حينئذ الجمع بين ثلاث حرائر و أمتين فضلا عن حرتين و ثلاث إماء أو أربع كما هو واضح.

و إذا استكمل العبد أربعا من الإماء أو حرتين أو حرة و أمتين حرم عليه


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 181.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب استيفاء العدد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب استيفاء العدد الحديث 2.
4- 4 المستدرك الباب- 41- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

ج 30، ص: 6

ما زاد إجماعا منا بقسميه، و نصوصا كادت تكون متواترة، ف

في صحيح ابن مسلم (1) عن أحدهما عليهما السلام «سألته عن العبد يتزوج أربع حرائر، قال: لا، و لكن يتزوج حرتين، و إن شاء تزوج أربع إماء»

و في خبر الصيقل (2) عن أبى عبد الله عليه السلام «سألته عن المملوك ما يحل له من النساء، فقال: حرتان أو أربع إماء»

و في خبر زرارة (3) عن أحدهما عليهما السلام «سألته عن المملوك كم يحل له أن يتزوج؟ قال: حرتان أو أربع إماء»

و في خبره الآخر (4) عن أبى جعفر عليه السلام «لا يجمع من النساء أكثر من الحرتين»

و لا ينافي ذلك ما

في خبر الكناني (5)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المملوك كم يحل له من النساء؟ قال: امرأتان»

و كذا خبر سماعة (6)

بل

في خبر زرارة (7) عن أبى جعفر عليه السلام «لا يجمع المملوك من النساء أكثر من امرأتين»

وخبر الفضيل (8)

«سألت أبا الحسن عليه السلام عن المملوك كم تحل له من النساء، فقال: لا يحل إلا ثنتين»

بعد موافقتها لما تسمعه من العامة، و إمكان إرادة الحرائر من ذلك.

نعم قد يقال: إنه لا دلالة في شي ء منها على جواز حرة و أمتين الذي ذكره المصنف و غيره، و دعوى إمكان استفادة تنزيل الحرة بالنسبة إلى العبد منزلة الأمتين و تنزيل الأمتين للحر منزلة الحرة يدفعها منع دلالة النصوص على ذلك، و إن اشتملت على بعض ما ينطبق على ذلك لكنه لا يستفاد منها على وجه التعميم بعد حرمة القياس و استنباط العلة و السير و نحو ذلك عندنا، على أنه إن تم في العبد فلا يتم في الحر لما عرفته من عدم جواز ثلاث حرائر و أمتين للحر و حرتين و ثلاث إماء و نحو ذلك مما لا يطابق ما عرفت.


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب استيفاء العدد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب استيفاء العدد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 22- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب استيفاء العدد الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 22- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.
6- 6 الوسائل الباب- 22- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 6.
7- 7 الوسائل الباب- 22- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.
8- 8 الوسائل الباب- 22- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3 عن محمد بن الفضيل.

ج 30، ص: 7

نعم قد يقال بإمكان الاستدلال على جوازه بما دل على جواز الحرتين للعبد (1)

القاضي بجواز الحرة له قطعا و جواز الأربع (2)

القاضي بجواز ما دون ذلك له، و أن الأدلة أقصى ما دلت عليه المنع من الزيادة على الحرتين و الزيادة على الأربع إماء بمعنى إن تزوج حرائر فلا يزيد على حرتين، و إن تزوج إماء فلا يزيد على أربع، و أما صور الخلط فليس في شي ء من الأدلة التعرض الى منعه، فيبقى على أصل الجواز و على فحوى دليل كل من الصنفين، و فيه أن مقتضى ذلك جواز الحرة و ثلاث إماء، بل جواز الحرتين و أربع إماء، و دعوى استفادة المنع فيه من دليل آخر كما ترى، فالأوجه أن يقال: إن دليله بعد الإجماع بقسميه عليه و عدم صدق الزيادة على أربع منه ما في الفقيه، فإنه بعد أن

روى عن حماد بن عيسى (3)

«أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام كم يتزوج العبد؟ قال: قال أبى عليه السلام: قال علي عليه السلام: لا يزيد على امرأتين»

قال: و

في حديث آخر (4)

«يتزوج العبد حرتين، أو أربع إماء، أو أمتين و حرة»

مؤيدا بإمكان دعوى ظهور نصوص العبد خاصة في تنزيل الحرة بالنسبة إليه منزلة الأمتين، فالعدد الممتنع منه الزيادة على أربع إماء حقيقة أو حكما، و الأمتان و الحرة بمنزلة الأربع حكما، فلا زيادة فيه، فلا منع، و الأمر سهل بعد وضوح الحكم عندنا بخلاف غيرنا، فعن الأكثر أنه لا يتجاوز اثنتين مطلقا على النصف من الحر و عن بعض أن له أربعا مطلقا كالحر، و إجماع الفرقة المحقة و نصوصها على خلافهم.

و على كل حال فقد ذكر غير واحد من الأصحاب إن الأمة المبعضة كالأمة في حق الحر، و كالحرة في حق العبد، و المبعض كالحر في حق الإماء، فلا يتجاوز أمتين، و كالعبد في حق الحرائر، فلا يتجاوز حرتين تغليبا لجانب الحرية في الجامع للوصفين، و لا ريب في أنه أحوط و إن كان لا يخلو من بحث إن لم يكن إجماعا،


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 22- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 10.

ج 30، ص: 8

خصوصا في التبعيض اللاحق في التزويج الذي قد يتعارض فيه الاحتياط، فتأمل جيدا و الله العالم.

و كيف كان ف لكل منهما أن ينكح بالعقد المنقطع ما شاء بلا خلاف معتد به فيه بيننا، لظهور الآية (1) في نكاح الدوام بقرائنه فيها، و استفاضة النصوص (2)

و تواترها في ذلك، نعم

في خبر البزنطي (3) عن الرضا عليه السلام قال: «قال أبو جعفر عليه السلام: اجعلوهن من الأربع، فقال له صفوان بن يحيى:

على الاحتياط، قال: نعم»

و في خبره الأخر (4) عن أبى الحسن عليه السلام أيضا «سألته عن الرجل يكون عنده الامرأة أ يحل له أن يتزوج بأختها متعة؟ قال: لا، قلت:

حكى زرارة عن أبى جعفر عليه السلام إنما هي مثل الإماء يتزوج ما شاء، قال: لا هي من الأربع»

وخبر الساباطي (5) عن أبى عبد الله عليه السلام «عن المتعة، قال: هي أحد الأربعة»

و من المعلوم إرادة جعلها من الأربع حذرا من اطلاع المخالفين، كما أومأ إليه الخبر الأول بذكر الاحتياط الذي لا يتصور من الامام عليه السلام الأمر به بالنسبة إلى الحكم، على أنها في مقابلة ما جاء في الجواز كالعدم.

فمن الغريب ما عن ابن حمزة من أنها إحدى الأربع، و أغرب منه ميلة في المسالك إلى ذلك، مناقشا في أسانيد بعض روايات الجواز، حاكيا عن المختلف أنه اقتصر في الحكم على مجرد الشهرة و لم يصرح بمختاره، قال: «و عذره واضح، و دعوي الإجماع في ذلك غير سديد» قلت: لا بأس بدعوى ضرورة المذهب على ذلك فضلا عن الإجماع، و النصوص- بعد استفاضتها و تعاضدها و اشتمالها على ضروب من الدلالة و التعليلات و اعتضادها بمثل هذا العمل- لا ينظر إلى أسنادها، كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بأصول المذهب و قواعده، و الله العالم.

و كذا لكل منهما أن ينكح بملك اليمين ما شاء بلا خلاف فيه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين، بل لعله من ضروريات الدين، نعم قد تقدم


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 3.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب المتعة.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب المتعة الحديث 9.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب المتعة الحديث 11.
5- 5 الوسائل الباب- 4- من أبواب المتعة الحديث 10.

ج 30، ص: 9

سابقا البحث في ملك العبد و عدمه، لكن قد استفاضت النصوص (1)

هنا بأنه لا بأس في إذن المولى لعبده بأن يتسرى ما شاء و يشترى ما يشاء من الجواري و يطأهن، و المراد منها التحليل له، و منه يعلم أنه لا بأس بالوطء بالتحليل لغيره ما شاء أيضا، مع أن الظاهر عدم الخلاف فيه، سواء قلنا إنه إباحة أو تمليك، ضرورة عدم تناول ما دل على النهي عن الأربع له بعد ظهوره في نكاح الدوام كما هو واضح، و الله العالم.

[مسألتان]
[المسألة الأولى إذا طلق واحدة من الأربع حرم عليه العقد على غيرها حتى تنقضي عدتها]

مسألتان:

[المسألة الأولى إذا طلق واحدة من الأربع حرم عليه العقد على غيرها حتى تنقضي عدتها]

الأولى إذا طلق واحدة من الأربع، حرم عليه العقد على غيرها حتى تنقضي عدتها إن كان الطلاق رجعيا بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، لأنها بحكم الزوجة نصا (2)

و فتوى الذي منه ذلك، بل ظاهرهما أنها كذلك و إن التزم بعدم الرجوع بملزم شرعي، فإنه لا يخرجها عن حكم المطلقة رجعيا التي هي بحكم الزوجة، نعم لو كان الطلاق بائنا جاز له العقد على الأخرى في الحال لخروجها عن الزوجية بالطلاق، و عدم ما يدل على أنها بحكمها في العدة، فلا جمع حينئذ بين خمس، فيشمله حينئذ دليل الإباحة و كذا القول في نكاح أخت الزوجة مع البينونة إلا أنه على كراهة مع البينونة لبقاء عصمة النكاح في الجملة، و

لصحيح زرارة (3) المحمول على ذلك عن الصادق عليه السلام «إذا جمع الرجل


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب أقسام الطلاق و الباب- 13- منها الحديث 6 و الباب- 20- منها الحديث 11 و الباب- 18 و 20 و 21- من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 1.

ج 30، ص: 10

أربعا فطلق إحداهن فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلقت»

أو على الرجعي، و بمعناه غيره من النصوص (1)

المستفيضة، لكن في كشف اللثام عن ظاهر التهذيب الحرمة، قال: «و هو ظاهر الأخبار» و في المسالك «في الحمل نظر من حيث عدم المعارض، نعم ورد التفصيل في الأخت في روايات: منها

حسنة الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام «في الرجل طلق امرأته أو اختلعت منه أو بانت إله أن يتزوج أختها؟ فقال: إذا برأ عصمتها فلم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها»

قلت: قد يستفاد ذلك من هذه الرواية، ضرورة ظهورها في أن المدار على الإبراء من العصمة بعدم ملك الرجعة، فهو حينئذ كالتعليل الذي لا يخص الأخت و لو بقرينة فتوى الأصحاب مع ذلك.

بل يمكن أن يكون في النصوص إشارة إلى ذلك أيضا بجعل العدة له، ف

في الموثق (3) أنه سئل أبو عبد الله عليه السلام «عن رجل جمع أربع نسوة فطلق واحدة فهل يحل له أن يتزوج اخرى مكان التي طلق؟ قال: لا يحل له أن يتزوج اخرى حتى يعتد مثل عدتها»

بل

في خبرهم الآخر (4) أنه سئل أبو عبد الله عليه السلام «عن الرجل يكون له أربع نسوة فتموت إحداهن هل يحل له أن يتزوج اخرى مكانها؟ قال: لا حتى يأتي عليه أربعة أشهر و عشرا، سئل فإن طلق واحدة هل يحل له أن يتزوج؟ قال: لا حتى يأتي عليها عدة المطلقة»

و في خبر أبى بصير (5) عنه عليه السلام أيضا، قال: «سألته عن رجل له أربع نسوة فطلق واحدة يضيف إليهن أخرى، قال: لا حتى تنقضي العدة، فقلت: من يعتد؟ فقال: هو، قلت: و إن كان متعة، قال: و إن كان متعة»

إلى غير ذلك من النصوص المشعرة بكون الحكم على


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد و الباب- 47- من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 48- من أبواب العدد الحديث 2 من كتاب الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 47- من أبواب العدد الحديث 2 من كتاب الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 4.

ج 30، ص: 11

ضرب من الكراهة و الندب، نعم لو لم يكن للمرأة عدة لعدم الدخول لم يكن بأس أصلا، كما أومأ اليه

خبر ابن طريف (1) قال: «سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل كن له ثلاث نسوة ثم تزوج امرأة أخرى فلم يدخل بها، ثم أراد أن يعتق أمة و يتزوجها، فقال: إن هو طلق التي لم يدخل بها فلا بأس أن يتزوج اخرى من يومه ذلك، و إن هو طلق من الثلاث النسوة اللاتي دخل بهن واحدة لم يكن له أن يتزوج امرأة أخرى حتى تنقضي عدة التي طلقها»

و على كل حال فلا ريب في الحكم المزبور، و لا ينافيه إمكان رجوع البائنة رجعيا في بعض الأحوال، ضرورة عدم جريان هذا الحكم عليه مع فرض التزويج، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا طلق إحدى الأربع بائنا و تزوج اثنتين فان سبقت إحداهما كان العقد لها]

المسألة الثانية إذا طلق إحدى الأربع بائنا و تزوج اثنتين فان سبقت إحداهما كان العقد لها بلا خلاف و لا إشكال. و إن اتفقتا في حالة بطل العقدان وفاقا للمشهور، لاستلزام صحة كل منهما بطلان الأخر و لا ترجيح، و صحة أحدهما دون الأخر غير معقولة، و الصحة في إحدى الامرأتين على جهة الإطلاق الذي مرجعه الى تخيير الزوج في تعيينها غير مفادهما، و لو فرض قصد ذلك فهو غير صحيح، للإجماع على اعتبار تعيين الزوجة في عقد النكاح على وجه التشخيص. و لكن في المتن روى أنه يتخير ثم قال و في الرواية ضعف قلت: بل لم نعثر عليها في خصوص الفرض، كما اعترف به في المسالك و غيرها، نعم

روى عنبسة بن مصعب (2)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت له ثلاث نسوة فتزوج عليهن امرأتين في عقد، فدخل بواحدة منهما ثم مات، قال: إن كان دخل بالمرأة التي بدأ باسمها


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 1.

ج 30، ص: 12

و ذكرها عند عقدة النكاح فان نكاحها جائز، و لها الميراث، و عليها العدة، و إن كان دخل بالمرأة التي سميت و ذكرت بعد ذكر المرأة الأولى فإن نكاحها باطل»

الحديث. و هو كما ترى لا تخيير فيه، مع احتمال أن يراد به وقوع النكاح للأولى فيما لو قال الوكيل مثلا: «زوجتك فاطمة و زينب» فقال: «قبلت تزويج فاطمة و زينب» فان النكاح يقع للأولى حينئذ. و على كل حال هو خارج عما نحن فيه.

و يمكن أن يريد المصنف

صحيح جميل (1) المروي في الكافي و الفقيه و التهذيب الوارد عن أبى عبد الله عليه السلام «في رجل تزوج خمسا في عقدة، قال: يخلي سبيل أيتهن شاء و يمسك الأربع»

لعدم الفرق بين المسألتين، إلا أنه لا ضعف في سنده، اللهم إلا أن يريد الضعف في دلالته باعتبار احتمال إرادة التزوج حال الكفر، و احتمال الإمساك بالعقد الجديد، خصوصا بعد أن عبر بمثله فيما علم إرادة ذلك منه فيمن تزوج أختين على الترتيب، كما سمعته فيما تقدم إلا أنه كما ترى خلاف الظاهر الذي هو الحجة، على أن الخبر غير مهجور، بل عمل به الشيخ و أتباعه، بل و تبعهم يحيى بن سعيد في المحكي عنه و العلامة في المختلف، و ليس متضمنا لممتنع كي يتجه طرحه أو تأويله، إذ يمكن كون التخيير فيه على حسب التخيير لمن أسلم على أزيد من النصاب، و إن كان ذلك في الاستدامة و هذا في الابتداء لكنه لا يصلح فارقا، فان ما لا يؤثر في الابتداء لا يؤثر استدامة، بل ذلك غير فاقد للتعيين، و ليس هو بمنزلة «زوجتك إحدى الامرأتين» ضرورة كون الفرض تعيين كل منهما.

و لعله إلى ذلك أومأ في المختلف، حيث احتج له مضافا الى الصحيح بوجود المقتضى و انتفاء المانع، إذ ليس إلا انضمام العقد على الأخرى، و هو لا يقتضي تحريم المباح، كما لو جمع بين محرمة عينا و محللة عينا في عقد، و كما لو جمع بين المحلل و المحرم في البيع، و لا أثر للإطلاق و التعيين، إذ في التعيين تحرم واحدة معينة، فيبطل العقد عليها، و تحل أخرى معينة، و في الإطلاق تحل واحدة


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 1.

ج 30، ص: 13

مطلقة و تحرم اخرى مطلقة، و قد عقد عليهما معا، فيدخلان في العقد، إذ لا وجود للكلي إلا في جزئياته، فما في المسالك- من مناقشته بأن العقد على المحرمة ثابت بدون العقد و على المحللة كذلك، فلا يضر الانضمام، بخلاف غير المعينة، لأن كل واحدة صالحة للصحة منفردة و منهي عنها مع الانضمام، و لا أولوية، و تعلق العقد بغير معينة غير كاف في الصحة، بل لا بد من تعينها قبل العقد، و لذا لا يجوز على إحدى المرأتين إجماعا، و بهذا يحصل الفرق بين من يحرم نكاحها عينا و مطلقا- مدفوعة بما عرفت من أن ذلك ليس من فاقد التعيين، بل هو كأثر العقد بعد الإسلام.

و من ذلك يظهر لك قوة القول بالتخيير، بل لو قلنا بأن القواعد تقتضي البطلان كان المتجه ذلك، للنص الحاكم عليها بعد جمعه شرائط الحجية، و الاحتياط مع أنه غير واجب هو ليس في البطلان مطلقا، ضرورة عدم موافقته لجواز تزويجهما من غير طلاق، و تغليب جانب الحرمة إنما يسلم وجوبه في متحقق الحرمة، و لا يخلص إلا بالاجتناب، و هو في المقام ممنوع، و لو تزوج الحر حرة في عقد و اثنتين في عقد و ثلاثا في عقد و اشتبه السابق صح نكاح الواحدة على القول بالبطلان، للقطع بصحة نكاحها كيفما فرض، و يبقى الاشتباه في الآخرين، و الوجه استعمال القرعة كما سمعته سابقا في مسألة الأختين، و عن التذكرة الحكم بها هنا و لعله أولى من المحكي عن الشافعية من الوجهين: أحدهما بطلان العقد، و الأخر الإيقاف إلى البيان، فان لم يعلم كان لهن الفسخ، و إن صبرن لم ينفسخ، و عليه الإنفاق عليهن في مدة التوقف، و أما على القول بالتخيير فلا يتعين الواحدة للصحة، لاحتمال تأخر عقدها عن الآخرين مع جواز صحتهما باختيار إحدى الاثنتين أو اثنتين من الثلاث.

ج 30، ص: 14

[القسم الثاني إذا استكملت الحرة ثلاث طلقات حرمت على المطلق حتى تنكح]

القسم الثاني من قسمي استيفاء العدد إذا استكملت الحرة ثلاث طلقات لم ينكحها بينها زوج آخر حرمت على المطلق حتى تنكح دواما زوجا غيره و تذوق عسيلته و يذوق عسيلتها بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى الكتاب (1) و السنة (2)

قال الله تعالى «الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ- ثم قال:- فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا» الآية فإنها صريحة في حرمة المطلقة على زوجها بالطلاق، و أن حلها موقوف على أن تنكح زوجا غيره، و أما أن الطلاق المحرم هو الثالث فمستفاد منها بمعونة تعقيبها لقوله تعالى:

«الطَّلاقُ مَرَّتانِ» فإنه يقتضي كون المعنى إن طلقها بعد المرتين أى التطليقتين الأولتين، و الطلاق الواقع بعدهما ليس إلا الثالث، إذ غيره لا يطلق عليه أنه بعد المرتين عرفا، بل بعد الثلاث فما زاد، و لأن التحريم بالثالث يقتضي انتفاءه في غيره، إلا إذا انتهى الدور، فيحرم لكونه ثالثا أيضا، فلا يكون التحريم إلا به.

ثم إن الظاهر إرادة الرجعي من الطلاق في قوله تعالى «الطَّلاقُ مَرَّتانِ» بمعنى إن الطلاق الرجعي الذي يجوز للزوج الرجوع فيه مرتان، أي تطليقتان، فالثالث بائن لا رجعي، و معنى قوله تعالى «فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ» إن الزوج بعد التطليقتين الأولتين مخير بين إمساك المرأة بالرجوع و حسن المعاشرة على الوجه المعروف شرعا و عرفا و تسريحها بالإحسان، بأن يطلقها التطليقة الثالثة


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 229 و 230.
2- 2 الوسائل الباب- 3 و 4- من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.

ج 30، ص: 15

و لا يراجعها حتى تنقضي عدتها و تبين عنه بانقضاء العدة، فإنه يجوز له كل من الأمرين، لكون الطلاق في المرتين رجعيا، و مقتضاه جواز الرجوع في العدة، و يكون قوله تعالى «فَإِمْساكٌ» بيانا للازم الحكم الأول، و هو كون الطلاق رجعيا.

و قيل: إن المعنى في الآية: الطلاق الشرعي مرتان، أي تطليقة بعد تطليقة، على أن تكون التثنية لمطلق التكرير، كما في قوله تعالى (1) «ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ» أى كرة بعد اخرى، و الفرض نفي شرعية الجمع و الإرسال كما ذهب إليه أكثر العامة، و وجوب التفريق بين الطلاقين كما ذهب إليه أصحابنا، و على هذا يكون قوله تعالى «فَإِمْساكٌ» تخييرا للأزواج بعد تعليمهم كيفية الطلاق الشرعي بين الإمساك بحسن المعاشرة و القيام بحقوق الزوجية و التسريح بالإحسان، أي التسريح الجميل الذي علمهم، و هو الطلاق الذي لا إرسال فيه، أو يكون المعنى على قياس ما سبق في الأول أنه بعد وقوع الطلاق المشتمل على التفريق ما يوجب أحد الأمرين من إمساك الزوجة بالرجوع و تسريحها بالطلاق الثالث، أو ترك الرجوع حتى تنقضي العدة، و ذلك لأن تفريق الطلاق يستلزم تعدده، و أقل ما يصدق معه التعدد المرتان، فيكون الطلاق الواقع بعده ثالثا، و حينئذ يكون قوله تعالى «فَإِمْساكٌ» إلخ بيانا لحكم الزوجة بعد تطليقها من غير ترتب على سابقه كما في الأول.

و كيف كان فالطلاق المشار اليه بقوله تعالى «فَإِنْ طَلَّقَها» هو الثالث، أما على الأول فظاهر، و أما على الثاني فلأن المعنى إن طلقها بعد التكرير، أى التطليقة الواقعة بعد اخرى، و لا ريب في صدق المعنى المذكور في الطلاق الثالث، فإن أقل ما يتحقق معه التكرير مرتان، و الواقع بعد هما هو الثالث.

لكن لا يخفى أن الأصح ما قلناه أولا من أن المراد الطلاق الرجعي و أن الثالث هو التسريح بإحسان، أما الأول فلوضوح كون المرتين حقيقة في معنى التثنية، و استعماله في مطلق التكرير مجاز قليل الاستعمال، و دعوى تبادر الشرعي في أمثال


1- 1 سورة الملك: 67- الآية 4.

ج 30، ص: 16

ذلك ممنوعة هنا، فان قوله تعالى «فَإِنْ طَلَّقَها» قرينة على أن المراد مما قبله الرجعي الذي تحل معه الزوجة، و كذا قوله تعالى «فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا» كما هو واضح، مضافا إلى

المروي عن النبي صلى الله عليه و آله (1)

«إنه قيل له:

الطَّلاقُ مَرَّتانِ فأين الثالثة؟ قال فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ»

و إلى ما

روى في سبب نزولها (2)

«أن امرأة أتت عائشة فشكت من زوجها يطلقها و يسترجعها يضارها، و كان الرجل في الجاهلية إذا طلق امرأته له أن يراجعها و لو ألف مرة، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و آله، فنزلت الطلاق مرتان»

فجعل حد الطلاق ثلاثا.

و أما الثاني فللنبوى الذي سمعته، و ل

خبر أبى بصير المروي عن تفسير العياشي (3) عن أبى عبد الله عليه السلام، قال: «المرأة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره التي تطلق ثم تراجع ثم تطلق ثم تراجع ثم تطلق الثالثة، فلا تحل حتى- إلى آخرها- إن الله يقول: الطلاق مرتان- إلى آخرها- و التسريح هو التطليقة الثالثة»

وعنه (4) عن أبي جعفر عليه السلام «إن الله تعالى يقول الطَّلاقُ- الى آخرها- و التسريح بإحسان هي التطليقة الثالثة»

و عن سماعة بن مهران (5)

«سألته عن المرأة التي لا تحل حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ و تذوق عسيلته و يذوق عسيلتها، و هو قول الله عز و جل الطَّلاقُ- الى آخرها- قال: التسريح بإحسان التطليقة الثالثة»

و لا ينافي ذلك ما

روي (6)

«من أن قوله تعالى فَإِنْ طَلَّقَها فلا تحل له هي التطليقة الثالثة»

لأن قوله تعالى «فَإِنْ طَلَّقَها» على هذا التقدير بيان لحكم التسريح في قوله تعالى «أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ» فيكون الطلاق الثالث مرادا منه أيضا، و إنما سمي تسريحا لأن المرأة تطلق به من قيد الزواج، إذ هو مأخوذ من السرح، و هو الإطلاق، يقال: سرح الماشية في المرعى سرحا: إذا أطلقها ترعى، و سرحت


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 340.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 333.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 10 من كتاب الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 12 من كتاب الطلاق.
5- 5 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 13 من كتاب الطلاق.
6- 6 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11 من كتاب الطلاق.

ج 30، ص: 17

الماشية: انطلقت في المرعى، و منه المسرح للمشط، لانطلاق الشعر به، و إنما كان بإحسان لأنه لا يرجى معه الرجوع المضار للزوجة، لبيونتها به، و على كل حال فدلالة الآية ظاهرة على المطلوب الذي هو نفي الحل له بجميع وجوهه، من غير فرق بين الدوام و المتعة.

و أما النصوص (1)

فهي متواترة فيه أيضا و في أنها لا تحل له حتى ينكحها دواما زوج آخر غيره، و لا تكفي المتعة منها، ل

خبر الصيقل (2) عن أبي عبد الله عليه السلام «قلت: رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فتزوجها رجل متعة أ تحل للأول؟ قال: لا، لأن الله تعالى يقول فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها، و المتعة ليس فيها طلاق»

و قد يشعر هذا الخبر بالحكم في المسألة الأصولية، و هو تخصيص العام أو تقييد المطلق بذكر الحكم الخاص لبعض أفرادهما في مساقهما، بل لعل من ذلك مسألة الضمير أيضا، هذا و يأتي إن شاء الله باقي أحكام المسألة في كتاب الطلاق.

نعم الحكم المذكور ثابت للحرة سواء كانت تحت حر أو عبد عندنا، لأن نصوصنا قد تواترت في أن العبرة بعدد الطلقات النساء لا الرجل. و حينئذ ف إذا استكملت الأمة طلقتين لم يتخلل بينهما نكاح رجل آخر حرمت عليه أي المطلق حتى تنكح زوجا غيره و لو كانت تحت حر بلا خلاف أجده بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (3)

متواترة فيه أيضا كما تسمعها إن شاء الله، خلافا للمحكي عن العامة، فجعلوا العبرة بالزوج، فان كان عبدا حرمت عليه بالطلقتين و إن كانت حرة، و إن كان حرا اعتبر الثلاث و إن كانت زوجته أمة، و المراد حرمة وطئها عليه و لو بملك اليمين كما صرحت به النصوص (4)

أيضا.


1- 1 الوسائل الباب- 3 و 4 و 9- من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4 من كتاب الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 24- من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 26- من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.

ج 30، ص: 18

و لا فرق في الطلقات المحرمة على هذا الوجه بين كونها للعدة و غيرها، خلافا لابن بكير و أصحابه فاعتبروا كونها للعدة، و إلا حلت لزوجها من دون محلل و لو ألف مرة كما تسمعه إن شاء الله فيما يأتي، و تسمع أيضا أن النكاح المتخلل بين الطلقات يهدم ما تقدمه من الطلاق، فإذا رجعت لزوجها مثلا بعده تكون عنده على الثلاث كحالها السابق أولا، و الله العالم.

و إذا استكملت المطلقة تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان حرمت على المطلق أبدا إجماعا بقسميه، و المراد بالطلاق للعدة أن يطلقها بالشرائط ثم يراجع في العدة و يطأ، ثم يطلق في طهر آخر ثم يراجع في العدة و يطأ، ثم يطلق الثالثة فينكحها بعد عدتها زوج آخر، ثم يفارقها بعد أن يطأها، فيتزوجها الأول بعد العدة، و يفعل كما فعل أولا إلى أن يكمل لها تسعا كذلك يتخلل بينهما نكاح رجلين، فتحرم في التاسعة مؤبدا لكن لا يخفى عليك أن إطلاق التسع للعدة حينئذ مجاز، لأن الثالثة من كل ثلاثة ليست للعدة، بل للسنة، و وجه التجوز إما بإطلاق اسم الأكثر على الأقل أو باعتبار المجاورة، و تظهر فائدة الاعتبارين فيما لو طلق الأول للعدة و الثانية للسنة، فان المعنيين ينتفيان عن الثالثة، و يصدق على الثانية اسم العدية بالاعتبار الثاني دون الأول، و فيما لو كانت الثانية للعدة و الأولى للسنة، فعلى الأول يختص بها الاسم، و على الثاني يصدق الاسم على الطرفين لمجاورتها.

و في المسالك بعد أن ذكر ما عرفت قال: «و مع ذلك ففي اعتبار التحريم بمثل هذا إشكال، من وجود العلاقة فيهما كما اعتبرت في الثالثة إجماعا، و من أن تعليق الحكم على المعنى المجازي على خلاف الأصل لا يصار إليه في موضع الاشتباه، و هذا هو الأقوى، فيجب الاقتصار في التحريم المؤبد على موضع اليقين، و هو وقوع التسع على الوجه الأول، أو إكمال التسع للعدة حقيقة مع التفرق، و لا تغتفر الثالثة كما اغتفرت في الأولى لكونها على خلاف الأصل مما ذكرناه، فيقتصر بها على موردها و هو وقوعها بعد عدتين، و على هذا إن وقع في كل ثلاث واحدة عدية احتسبت خاصة،

ج 30، ص: 19

و إن وقع في بعض الأدوار عدتين احتمل إلحاق الثالثة بهما كما في مورد النص، لوجود العلاقة بالمعنيين، و عدمه لخروج مجموع الواقع من مورده، و للتوقف في الحكم بالتحريم مطلقا فيما خرج عن موضع النص و الإجماع مجال- ثم قال- هذا كله في الحرة، و أما الأمة فيحتمل تحريمها بالست لتنزيلها منزلة التسع للحرة، و لأن نكاح الرجلين يتحقق فيهما كتسع الحرة، و بالتسع كالحرة، لأنها إذا طلقت تسعا ينكحها بعد كل طلقتين رجل صدق أنه نكحها بين التسع رجلان، فيجتمع الشرطان المعتبران في التحريم المؤبد، و هما التسع و نكاح الرجلين، بخلاف الست، لتخلف الأول، و يحتمل عدم تحريمها مؤبدا مطلقا، لأن ظاهر النص كون مورده الحرة، فيتمسك في الأمة بأصالة بقاء الحل، و لأن شرط التحريم المؤبد وقوع التسع للعدة ينكحها بينها رجلان، و ذلك منتف في الأمة على كل حال، لتوقف التسع فيها على نكاح أزيد من رجلين، و هو مغاير لظاهر اعتبار الرجلين خاصة، و بالجملة فالحكم بالتحريم المؤبد بمثل هذه المناسبات مشكل، و وروده في كيفية مخصوصة لا يوجب تعديته إلى غيرها، لجواز أن يكون للهيئة الاجتماعية، من كون طلقتين متواليتين للعدة و ثالثة بعدهما محرمة و هكذا ثلاث مرات يوجب حكما لا يحصل بدونها، و مع ذلك ففيها إشكال آخر، و هو أن الحكم بالتحريم مع تمام العدد يوجب تعلقه بغير ثالثة و ثانية في الأمة لأنه يتم في الحرة بالخامسة و العشرين إن كانت العدية هي أول الدور، و السابعة عشر في الأمة، و ذلك غير معهود في حكم التحريم المرتب على الطلاق».

قلت مضافا إلى أن المفهوم من النصوص (1)

التي عثرنا عليها اعتبار توالي التسع للعدة في التحريم المؤبد و هو لا يكون إلا في الصورة الأولى، فيبقى غيرها على إطلاق ما دل على الحل بالمحلل في كل ثلاث، و من ذلك يعلم أنه لا وجه للحكم بالتحريم المؤبد في صور الشك تمسكا بإطلاق ما دل (2)

عليه بالتسع خرج ما خرج


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4 و 8 من كتاب الطلاق.

ج 30، ص: 20

مما لم يكن للعدة و يبقى غيره، ضرورة أنك قد عرفت ظهور النصوص في اعتبار توالي التسع المحرمة، إذ هي ليست إلا

الموثق (1) عن أبى عبد الله عليه السلام قال: «الملاعنة إذا لاعنها زوجها لم تحل له أبدا، و الذي يتزوج امرأة في عدتها و هو يعلم لا تحل له أبدا، و الذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات و تتزوج ثلاث مرات لا تحل له أبدا»

و خبر أبى بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا قال: «و سألته عن الذي يطلق ثم يراجع ثم يطلق ثم يراجع ثم يطلق، قال:

لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فيتزوجها رجل آخر فيطلقها على السنة، ثم ترجع الى زوجها الأول فيطلقها ثلاث تطليقات فتنكح زوجا غيره فيطلقها، ثم ترجع الى زوجها الأول فيطلقها ثلاث مرات على السنة، ثم تنكح، فتلك التي لا تحل له أبدا»

وصحيح إبراهيم بن عبد الحميد (3) عن أبى عبد الله و أبى الحسن عليهما السلام «إذا طلق الرجل المرأة فتزوجت، ثم طلقها زوجها فتزوجها الأول، ثم طلقها فتزوجت رجلا، ثم طلقها فتزوجت الأول، ثم طلقها هكذا ثلاثا لم تحل له أبدا».

و هي كما ترى ظاهرة أو صريحة في اعتبار التوالي، نعم لا ظهور فيها باعتبار كونها للعدة في التحريم المؤبد، بل الصحيح الأخير منها صريح في عدم ذلك، كما أن الثاني منها صريح أيضا في أن الثلاثة الأخيرة للسنة، و مطلق في الثلاثة الثانية، بل ظاهر الأول منها أن موضوع المحرمة حتى تنكح و موضوع المحرمة أبدا واحد إلا أن الاولى الثلاث و الثانية التسع، فالمتجه حينئذ إما تخصيصهما معا


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 31- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 و وسطه في الباب- 17- منها الحديث 1 و ذيله في الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4 من كتاب الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أقسام الطلاق الحديث 2.
3- 3 أشار إليه في الوسائل في الباب- 11- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 2 و ذكره في الكافي ج 5 ص 428.

ج 30، ص: 21

بالعدية كما هو صريح ابن بكير و أصحابه أو الاكتفاء فيهما جميعا بالسني، فالاكتفاء حينئذ في الأولى بالسني و تخصيص الثانية بالعدى مناف لظاهرة، بل و ظاهر غيره، بل و الاعتبار، ضرورة أن التحريم عليه بالثالث حتى تنكح نوع من العقاب و ضرب من التأديب، فان لم يحصل بذلك حتى فعله ثلاث مرات كان أدبه الحرمة أبدا بالتسع كما أومأ إليه الرضا عليه السلام في خبر ابن سنان (1) المروي في الفقيه في علة تثليث الطلاق و علة تحريم المرأة بعد التسع.

لكن ربما دفع ذلك كله بشذوذ الصحيح الأخير، و بإرادة المقابل للبدعة من السنة في الثلاثة الأخيرة من الثاني، و المقيد من الثلاثة الثانية فيه على معنى التطليقات المذكورة أولا، و بأن الأول و إن كان مطلقا إلا أنه مقيد بمفهوم القيد المعتبر في

المروي (2) عن الخصال في تعداد المحرمات بالسنة قال: «و تزويج الرجل المرأة قد طلقها للعدة تسع تطليقات»

وبمفهوم الشرط في الرضوي (3) حيث قال: «و أما طلاق العدة فهو أن يطلق الرجل امرأته على طهر من غير جماع، ثم يراجعها من يوم واحد أدنى ما يريد من قبل أن تستوفي قرءها، و أدنى المراجعة أن يقبلها أو ينكر الطلاق، فيكون إنكار الطلاق مراجعة، فإذا أراد أن يطلقها ثانية لم يجز ذلك إلا بعد الدخول بها، و إذا أراد طلاقها تربص بها حتى تحيض و تطهر ثم يطلقها، فإذا أراد راجعها. و إن طلقها الثالثة فقد بانت منه ساعة طلقها فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فإذا انقضى عدتها منه تزوجها رجل آخر و طلقها أومأت عنها، فإذا أراد أن يتزوجها فعل- الى أن قال-: فان طلقها ثلاث تطليقات علي ما و صفته واحدة بعد واحدة فقد بانت منه،


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 8 من كتاب الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
3- 3 ذكر صدره في المستدرك الباب- 2- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 و ذيله في الباب- 4- منها الحديث 6 و تمامه في البحار ج 104 ص 142 و 143 مع اختلاف في اللفظ فيهما.

ج 30، ص: 22

و لا تحل له بعد تسع تطليقات أبدا، و اعلم أن كل من طلق تسع تطليقات على ما وصفت له لم تحل له أبدا»

إذ هو ظاهر في اعتبار ذلك، خصوصا بعد ذكر طلاق السنة فيه مع عدم الإشارة إلى التحريم به إذا كان تسعا.

بل قد يدل على ذلك أيضا خصوص المعتبرين (1)

بوجود ابن أبى عمير و عبد الله بن المغيرة اللذين هما مما أجمع العصابة على تصحيح ما يصح عنهما في سنديهما، فلا يضر ضعف الراوي لو كان في وجه، ف

في أحدهما «عن رجل طلق امرأته ثم لم يراجعها حتى حاضت ثلاث حيض، ثم تزوجها ثم طلقها فتركها حتى حاضت ثلاث حيض، ثم تزوجها ثم طلقها فتركها حتى حاضت ثلاث حيض، من غير أن يراجعها يعنى يمسها، قال: له أن يتزوجها أبدا ما لم يراجع و يمس»

فان لفظ التأييد صريح في العموم، كما لو طلقت كذلك و لو تجاوزت التسع، و أنها لا تحرم بذلك إلى حصول الأمرين من الرجوع و الوقاع، و ليس نصا في مختار ابن بكير، لقبوله التقييد بحصول المحلل بعد كل ثلاث، فيكون مقتضاه حينئذ حل التزويج له أبدا بعد حصول المحلل لا مطلقا.

قيل: و أصرح منهما

الموثق (2) عن الصادق عليه السلام «فان فعل هذا- مشيرا إلى المطلقة بالسنة- مأة مرة هدم ما قبله، و حلت بلا زوج، و إن راجعها قبل أن تملك نفسها ثم طلقها ثلاث مرات يراجعها و يطلقها لم تحل له إلا بزوج»

بالتقريب السابق، و خروج الذيل عن الحجية بالإجماع و المعتبرة غير ملازم لخروج الجميع عنها، فقد يكون من إلحاق ابن بكير الذي في سنده، و كلامه


1- 1 ذكر أحدهما و أشار الى الثاني في الوسائل في الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 13 و ذكرهما في الكافي ج 6 ص 77.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 16 من كتاب الطلاق عن أبى جعفر عليه السلام.

ج 30، ص: 23

اجتهاد منه، و يؤيده تصريح ابن بكير على ما حكي عنه في عدة من الأخبار (1)

بعدم سماعه عدم اعتبار المحلل من أحد الأئمة صلوات الله و سلامه عليهم، و أنه من الرأي الذي رآه و رزقه الله إياه.

هذا و لكن الجميع كما ترى إذ خبر العلل مع أنه من المفهوم الضعيف يمكن إرادة الطلاق في طهر لم يواقعها فيه الذي هو ابتداء العدة على نحو قوله تعالى (2):

«فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ» و حينئذ فيندرج فيه الطلاق السني المقابل للبدعي الذي هو الطلاق في طهر المواقعة، و ربما يؤيده ذلك أن التسع للعدة لا يكون حقيقة إلا بهذا المعنى، ضرورة عدم كون التسع للعدة فيما فرضوه، لما عرفت من خروج كل ثالث منه، فليس هو إلا مجازا (3) لا قرينة عليه، و ما في النص (4)

و الفتوى من تفسير الطلاق العدي بالمراجع فيه في العدة مواقعا فيها في مقابل السني لا يقتضي أن التسع للعدة كذلك، بل لعله يقضي بخلافه، بل لعل ذكرهم التسع مع نصهم على الحرمة بالمفروض قرينة على عدم ذلك، و إلا كان مقتضاه تحريمها بالرابعة عشر، فإنها هي التي تكمل بها التسع للعدة حقيقة.

و أما الرضوي فهو- مع أنه لم يثبت نسبته الى الرضا عليه السلام عندنا- يجرى فيه نحو ذلك.

و أما الأخبار الثلاث فلا يخفى تجشم ما سمعته فيها، بل يمكن القطع بعدم إرادة ذلك منها و إن كان هو مقتضى صناعة الأصول، إذ ليس كل ما تقتضيه الصناعة حجة يعمل عليه مع القطع أو الظن المعتد به بعدم إرادته، بل فتح الباب المزبور في الخبر الثالث يسقط الأخبار عن الحجية، ضرورة قيام احتمال تصرف الراوي


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11 و 12 و الكافي ج 6 ص 77 و 78 و الاستبصار ج 3 ص 271 الرقم 963 و 964.
2- 2 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
3- 3 في النسختين الأصليتين المبيضة و المسودة «الا مجاز» و الصحيح ما أثبتناه.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 من كتاب الطلاق.

ج 30، ص: 24

في جميعها، فليس هي إلا أخبار موافقة لابن بكير و أصحابه، فالمتجه إما طرحها لمعارضتها بالأقوى منها، أو العمل بها كما تعرفه في محله إن شاء الله.

و من ذلك كله توقف بعض متأخري الأصحاب في الحكم المزبور، و هو في محله، نعم إن تم الإجماع المدعى على عدم اعتبار الطلاق العدي في الحرمة حتى تنكح في مقابل ابن بكير، و تم الإجماع المدعى أيضا على اعتبار العدي في الحرمة أبدا، و تم الإجماع المدعى أيضا على تحقق التسع للعدة بالمعنى المجازي ثبت ما ذكروه، و إلا كان للنظر فيه مجال.

و عليه فالمتجه حينئذ الاقتصار عليه وقوفا على ما خالف الأصل على المتيقن من النص و الفتوى، فلا تكفي المتفرقة، و لا يجرى الحكم في الأمة لما عرفت من عدم إطلاق يرجع إليه حينئذ في صور الشك بعد فهم التوالي من النصوص المزبورة، و الله العالم و ربما يأتي زيادة تحقيق للمسألة في باب الطلاق إن شاء الله.

[السبب الخامس اللعان]

السبب الخامس اللعان، و هو سبب لتحريم الملاعنة تحريما مؤبدا نصا (1)

و إجماعا، و لكن شروطه (2) الآتية في محله كأن يرميها بالزنا و يدعي المشاهدة و لا بينة، أو ينفى ولدها الجامع لشرائط الإلحاق به و تنكر ذلك، فتلزمهما حينئذ الملاعنة، و يأمرهما الحاكم بها، فإذا تلاعنا سقط عنه حد القذف و عنها حد الزنا، و انتفى الولد عنه، و حرمت عليه مؤبدا، بلا إشكال في شي ء من ذلك و لا خلاف، و لو لم يدع المشاهدة أو أقام بينة فلا لعان إجماعا، لاشتراطه بعدم الشهداء بنص الآية (3).


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب اللعان.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة، الا أن الموجود في المسودة التي هي بخط المصنف قده «بشروطه» و هو الصحيح.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 6.

ج 30، ص: 25

و كذا في كونه سببا للحرمة أبدا قذف الزوجة الصماء أو الخرساء بما يوجب اللعان لو لم تكن كذلك و إن لم يكن لعان بينهما، لانتفاء شرطه بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى

صحيح أبى بصير أو موثقه (1) قال: «سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل قذف امرأته بالزنا و هي خرساء صماء لا تسمع ما قال، فقال: إن كان لها بينة تشهد لها عند الإمام جلده الحد و فرق بينهما، ثم لا تحل له أبدا، و إن لم تكن لها بينة فهي حرام عليه ما أقام معها و لا إثم عليها»

وحسن الحلبي و محمد بن مسلم (2) عنه عليه السلام «في رجل قذف امرأته و هي خرساء، قال: يفرق بينهما»

و خبر محمد بن مروان (3) عنه عليه السلام «في المرأة الخرساء كيف يلاعنها زوجها؟

قال: يفرق بينهما و لا تحل له أبدا»

و ظاهر الأخيرين الاكتفاء بالخرس وحده، بل هو ظاهر الأول أيضا بناء على رواية الشيخ له هنا بأو، لكن رواه في باب اللعان بدونها كالكليني الذي هو أضبط من الشيخ قطعا، لكن مع كون ذلك في كلام السائل و الاقتصار على الخرس في الروايتين و التعبير بأو في كلام الأكثر بل هو في معقد إجماعي الغنية و محكي السرائر يتجه الاكتفاء بأحدهما، نعم في محكي التحرير الإشكال في الصماء، و في المسالك هو مبنى على اعتبار الأمرين.

و فيه أنه لو كان كذلك لم يخص الصماء بالإشكال، ضرورة كونهما حينئذ من واد واحد، بل هو مبني على مفروغية سببية الخرس وحده للروايتين، و إحدى النسختين و معقد الإجماعين، أما الصمم فقد يتوقف فيه من حيث إنه ليس إلا في سؤال خبر أبى بصير المحتمل كونه مذكورا فيه لبيان الواقع، لا لأن له مدخلية في الحكم، كما أنه ليس في الجواب إلا الحكم المزبور الذي لا إشكال في ثبوته على فرض تمامية الخرس في التسبيب، إذ الصمم إن لم يكن مؤكدا لم يكن مانعا، فالعمومات حينئذ تقتضي عدم التحريم معه، و من الإجماعين المزبورين و إحدى النسختين و ظهور السؤال في مدخليته في الحكم سيما مع قول السائل: «لا تسمع ما قال» مع تقرير الامام له، فإذا ثبت أن الخرس وحده سبب في الحكم استلزم ذلك


1- 1 الوسائل الباب- 8- من كتاب اللعان الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من كتاب اللعان الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من كتاب اللعان الحديث 4.

ج 30، ص: 26

ثبوت الصمم وحده أيضا بعد فرض ظهور الخبر في مدخليته في الحكم، إذ احتمال الإطلاق في سببية الخرس و تقييد سببية الصمم به لا يرجع إلى محصل.

نعم ربما يقوى في النفس أن الاختلاف المزبور في النصوص للتلازم بين الخرس الخلقي و الصمم، و منه ينقدح تخصيص موضوع هذا الحكم المخالف للأصول بذلك، أما الخرس العارضي بقطع لسان و نحوه و كذلك الصمم فلا يثبت له هذا الحكم، و هو جيد جدا إن لم يكن إجماع على خلافه.

و على كل حال فقد سمعت في المتن و غيره اعتبار ما يوجب اللعان في القذف المسبب لذلك، و قد يشكل ذلك بخلو الصحيح و الحسن بل و معقد إجماع الغنية عن ذلك، و من هنا قال بعضهم: «لو لا الإجماع على القيد المزبور لأمكن جعل السبب مطلقا قذف الزوج الصماء و الخرساء» لكن قد يقال مضافا إلى ذلك: إن الخبر الثالث- و إن لم يكن مقيدا لهما باعتبار عدم منافاته لهما- مشعر بأن التفرقة المزبورة هي اللعان بينهما، بل لعل السؤال في الخبرين الأولين مبني على ذلك، بمعنى أن الخرساء و الصماء التي لا لعان معها باعتبار خرسها و صممها إذا قذفها زوجها كيف الحكم في هذا القذف؟ فأجاب عليه السلام بما عرفت، أي أن حكم اللعان يجري و إن لم يكن فيكون هذا هو اللعان بينهما، و هذا هو المناسب لقاعدة الاقتصار على المتيقن فيما خالف الأصل و العمومات، و من هنا قيد المصنف و غيره القذف بما يوجبه، بل هو ظاهر غيره أيضا مما ذكره متصلا بحكم الملاعنة.

و من ذلك يعلم أن الحكم ثابت على سببي اللعان، و هو القذف و إنكار الولد، و هذا معنى قوله: «كيف يلاعنها؟» أي إذا حصل سبب اللعان في غيرها معها كيف يلاعنها؟ فما وقع من بعضهم من التصريح باختصاص الحكم في القذف بالزنا دون نفي الولد في غير محله، كاحتمال جريان اللعان منها بالإشارة فيه بخلاف الأول، لما ستعرف من اشتراط اللعان في كل من سببية بعدم الخرس و الصمم، كما هو واضح.

بل من ذلك يعلم أيضا سقوط ما عن الصدوق من ثبوت الحكم لو قذفت الزوجة

ج 30، ص: 27

الزوج الأخرس أو الأصم و إن شهد له

المرسل (1) الفاقد لشرائط الحجية و إن كان المرسل ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه على ما رواه الكشي (2)

«في امرأة قذفت زوجها الأصم، قال: يفرق بينهما و لا يحل له أبدا»

لكن قد عرفت أن هذا الحكم من أحكام اللعان بين الزوجة و زوجها، و هو إنما في قذف الزوج للزوجة لا العكس، نعم لو قلنا: إنه حكم للقذف من حيث كونه قذفا- ترتب عليه لعان لو لا الآفة أو لم يترتب- أمكن حينئذ تعميم الحكم و لو لقاعدة الاشتراك في وجه، و يخرج المرسل حينئذ شاهدا، لكن قد عرفت أن الحكم مترتب عليه من حيث كونه سبب لعان، فلا يتجه ذلك، و لذا لو قذفها على وجه لا يكون لعان به لعدم دعوى المشاهدة أو لحصول البينة أو لغير ذلك لم يترتب عليه الحكم المزبور، كما هو واضح، و الله العالم.

[السبب السادس الكفر]
[المقصد الأول لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية]

السبب السادس الكفر، و النظر فيه يستدعي بيان مقاصد:

[المقصد الأول لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية]

الأول لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية إجماعا من المسلمين فضلا عن المؤمنين، و كتابا (3) و سنة (4)

و ما عساه يظهر من محكي الخلاف عن بعض أصحاب الحديث من أصحابنا من القول بالجواز مع أنا لم نتحققه و لا نقله غيره مسبوق بالإجماع و ملحوق به، نعم في تحريم الكتابية من اليهود و النصارى روايتان (5)


1- 1 الوسائل الباب- 8- من كتاب اللعان الحديث 3.
2- 2 رجال الكشي ص 466 ط النجف.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 221.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالكفر.
5- 5 الوسائل الباب- 1 و 2- من أبواب ما يحرم بالكفر.

ج 30، ص: 28

أشهرهما عملا بين المتأخرين المنع في النكاح الدائم، و الجواز في المؤجل و ملك اليمين جمعا بين الدليلين، لكن لا ريب في دلالة قوله تعالى (1) «وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ» الآية على منع النكاح مطلقا، لأن تعليق النهي على الغاية التي هي الإيمان يدل على اشتراطه في النكاح، بل تعقيب النهي بقوله تعالى «أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ، وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ» يقتضي كونه علة للمنع، فان الزوجين ربما أخذ أحدهما من دين صاحبه، فيدعو ذلك إلى دخول النار، و هذا المعنى مطرد في جميع أقسام الكفر، و لا اختصاص له بالشرك، على أنه قيل: إن اليهود و النصارى منهم أيضا، لقول النصارى بالأقانيم الثلاثة، و قد قال الله تعالى (2) «وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ» و قال أيضا (3) «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ الْمَسِيحَ- إلى أن قال:- سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» و الإشراك كما يتحقق بإثبات إله آخر مع الله سبحانه كذا يتحقق بإثبات إله غيره، فتكون الآية حينئذ دالة على المطلوب.

بل لعل قوله تعالى (4) «وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا» الآية دال على المطلوب أيضا، فإنه إنما جوز نكاح الأمة إن لم يقدر على الحرة المؤمنة، فلو جاز نكاح الكافرة لزم جواز نكاح الأمة مع الحرة الكافرة، و لم يقل به أحد، و لأن التوصيف بالمؤمنات في قوله تعالى (5) «مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ» يقتضي أن لا يجوز نكاح الكافرة من الفتيات مع انتفاء الطول، و ليس إلا لامتناع نكاحها مطلقا، للإجماع على انتفاء الخصوصية بهذا الوجه، و لأن المنع عنها مع انتفاء الطول يقتضي المنع معه بطريق أولى، و في المحكي

عن نوادر الراوندي بإسناده (6) عن موسى بن جعفر عن آبائه عن علي عليهم السلام «لا يجوز للمسلم التزويج بالأمة اليهودية


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 221.
2- 2 سورة التوبة: 9- الآية 30.
3- 3 سورة التوبة: 9- الآية 31.
4- 4 سورة النساء: 4- الآية 25.
5- 5 سورة النساء: 4- الآية 25.
6- 6 البحار ج 103 ص 380 ط الحديث.

ج 30، ص: 29

و لا النصرانية، لأن الله تعالى يقول مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ».

بل قوله تعالى (1) «وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» دال على المطلوب أيضا فإن العصم جمع عصمة، و هي ما يعتصم به من عقد أو ملك، لأن المرأة بالنكاح تعصم من غير زوجها، و الكوافر جمع كافرة، فالمراد نهي المؤمنين عن المقام على نكاح الكافرات، لانقطاع العصمة بينهما بالإسلام، و قد

روى (2)

«إنها لما نزلت أطلق المسلمون نساءهم التي لم يهاجرن حتى تزوج بهن الكفار»

و في مرسل علي بن إبراهيم (3) عن أبي جعفر عليه السلام في تفسيرها «من كانت عنده امرأة كافرة على غير ملة الإسلام و هو على ملة الإسلام فليعرض عليها الإسلام، فإن قبلت فهي امرأته، و إلا فهي بريئة منه، نهي الله أن يمسك بعصمهم»

و متى ثبت انقطاع العصمة الثابتة بالنكاح السابق لزم منه عدم تأثير اللاحق، بل لعله أولى، بل يمكن إرادة الأعم من السابق و اللاحق من الإمساك المنهي عنه فيها، فإن الاستدامة من لوازم التحصيل عادة، و المنع من اللازم يقتضي المنع من الملزوم، و على كل حال فلا ريب في دلالتها على ذلك من غير اختصاص بالمشركات و إن نزلت فيهن على ما قيل، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بحصول السبب.

مضافا إلى

موثق ابن الجهم (4) قال: «قال لي أبو الحسن الرضا عليه السلام: يا أبا محمد ما تقول في رجل يتزوج نصرانية على مسلمة؟ قلت: جعلت فداك و ما قولي بين يديك؟ قال: لتقولن، فان ذلك تعلم به قولي، قلت: لا يجوز تزويج نصرانية على مسلمة و لا على غير مسلمة، قال: و لم؟ قلت: لقول الله عز و جل (5):


1- 1 سورة الممتحنة: 60- الآية 10.
2- 2 مجمع البيان ذيل الآية 10 من سورة الممتحنة.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 3.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 221.

ج 30، ص: 30

وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ- إلى آخرها- قال: فما تقول في هذه الآية (1) وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ؟ قلت: قوله: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ نسخت هذه الآية، فتبسم ثم سكت».

و إلى

خبر زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام: «لا ينبغي نكاح أهل الكتاب، قلت: جعلت فداك و أين تحريمه؟ قال: قوله وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» (3)

و صحيحه الآخر (4)

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله سبحانه وَ الْمُحْصَناتُ- إلى آخرها- قال: هذه منسوخة بقوله وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ».

و إلى

خبر مسعدة بن صدقة المروي عن تفسير العياشي (5) قال: «سئل أبو جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى وَ الْمُحْصَناتُ- إلى آخرها- قال: نسختها وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ».

و إلى ما

عن الطبرسي أنه روى عند قوله تعالى «وَ الْمُحْصَناتُ» عن أبي- الجارود (6) عن أبي جعفر عليه السلام «أنه منسوخ بقوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ»

بل قيل إن المراد بالمحصنات اللاتي أسلمن منهن، و بالمحصنات من المؤمنات اللائي كن في الأصل مؤمنات بأن ولدن على الإسلام، لما حكي أن قوما كانوا يتحرجون من العقد على من أسلمت عن كفر، فبين سبحانه أنه لا حرج في ذلك، فلذا أفرده بالذكر.

و إلى قوله تعالى (7) «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» إلى آخرها، فإن


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 5.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4.
3- 3 سورة الممتحنة: 60- الآية 10.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
5- 5 المستدرك الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 7.
7- 7 سورة المجادلة: 58- الآية 22.

ج 30، ص: 31

التزويج بهن مودة، خصوصا بعد قوله تعالى (1) «وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً» و إلى قوله (2) «لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ» فان نفي الاستواء يقتضي نفيه من جميع الوجوه التي منها المناكحة، و من ذلك كله ذهب المفيد و المرتضى و ابن إدريس فيما حكى عنه إلى المنع مطلقا حتى الوطء بملك اليمين الذي هو أحد العصم، بل ادعى المرتضى منهم الإجماع على ذلك.

إلا أن التحقيق الجواز مطلقا وفاقا للحسن و الصدوقين على كراهية متفاوتة في الشدة و الضعف بالنسبة (3)

إلى الدائم و المنقطع و ملك اليمين، و بالنسبة (4)

إلى من يستطيع نكاح المسلمة و غيره، و بالنسبة (5)

لمن يكون عنده المسلمة و غيره، و بالنسبة (6)

إلى البله منهن و غيرها، كما أومأت إلى ذلك كله النصوص التي ستسمعها، لقوله تعالى (7) «وَ الْمُحْصَناتُ» إلى آخرها التي هي من سورة المائدة المشهورة في أنها محكمة لا نسخ فيها.

قال رسول الله صلى الله عليه و آله (8): «إن سورة المائدة آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها و حرموا حرامها».

والمروي (9) عن الطبرسي عن العياشي بإسناده و عيسى بن عبد الله، عن أبيه


1- 1 سورة الروم: 30- الآية 21.
2- 2 سورة الحشر: 59- الآية 20.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالكفر و الباب- 13- من أبواب المتعة و الباب- 16- من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 من كتاب التجارة.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالكفر.
5- 5 الوسائل الباب- 2 و 7 و 8- من أبواب ما يحرم بالكفر.
6- 6 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم بالكفر.
7- 7 سورة المائدة: 5- الآية 5.
8- 8 الدر المنثور ج 2 ص 252.
9- 9 البحار ج 92 ص 274.

ج 30، ص: 32

عن جده، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «كان القرآن ينسخ بعضه بعضا، و إنما يؤخذ من رسول الله صلى الله عليه و آله بآخره، و كان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة نسخت ما قبلها و لم ينسخها شي ء، لقد نزلت عليه و هو على بغلة شهباء، و قد ثقل عليه الوحي حتى وقفت و تدلى بطنها حتى رأيت سرتها تكاد تمس الأرض و أعيى، و أغمي على رسول الله صلى الله عليه و آله حتى وضع يده على ذؤابة شيبة بن وهب الجمحي، ثم رفع ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و آله، فقرأ علينا رسول الله صلى الله عليه و آله سورة المائدة، فعمل رسول الله صلى الله عليه و آله و عملنا».

والمروي مرسلا (1) عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى (2) «لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ» الآية «إنه لم ينسخ من هذه السورة شي ء و لا من هذه الآية لأنه لا يجوز أن يبتدأ المشركون في أشهر الحرم بالقتال إلا إذا قاتلوا»

و فيه رد على من زعم أن قوله تعالى (3) «وَ لَا الشَّهْرَ الْحَرامَ» منسوخ بقوله (4) «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ».

و

صحيح زرارة (5) عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سمعته يقول: جمع عمر بن الخطاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و فيهم على عليه السلام، فقال: ما تقولون في المسح على الخفين؟

فقام المغيرة بن شعبة، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله يمسح على الخفين، فقال علي عليه السلام: قبل المائدة أو بعدها، فقال: لا أدري، فقال علي عليه السلام: سبق الكتاب الخفين، إنما نزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة».

والمروي عن العياشي، عن زرارة و أبي حنيفة عن أبي بكر بن حزم (6) قال:


1- 1 مجمع البيان ذيل الآية 2 من سورة المائدة.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 2.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 2.
4- 4 سورة التوبة: 9- الآية 5.
5- 5 الوسائل الباب- 38- من أبواب الوضوء- الحديث 6 من كتاب الطهارة.
6- 6 الوسائل الباب- 6- من أبواب صفات القاضي- الحديث 48 من كتاب القضاء.

ج 30، ص: 33

«توضأ رجل فمسح على خفيه فدخل المسجد فصلى، فجاء علي عليه السلام فوطأ على رقبته، فقال: ويلك تصلى على غير وضوء، فقال: أمرني عمر بن الخطاب، قال: فأخذ بيده فانتهى به اليه، فقال: انظر ما يروى هذا عليك و رفع صوته، فقال: نعم أنا أمرته إن رسول الله صلى الله عليه و آله مسح على الخفين، قال: قبل المائدة أو بعدها، قال: لا أدرى، قال: فلم تفتي و أنت لا تدري، سبق الكتاب الخفين».

بل يدل على انتفاء النسخ في خصوص الآية بل هي ناسخة لما ادعوا نسخها به ما رواه السيد في المحكي من

رسالة المحكم و المتشابه نقلا عن تفسير النعماني بإسناده (1) عن علي عليه السلام قال: «و أما الآيات التي نصفها منسوخ و نصفها متروك بحاله لم ينسخ، و ما جاء من الرخصة في العزيمة فقوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ- إلى آخرها- و ذلك أن المسلمين كانوا ينكحون في أهل الكتاب من اليهود و النصارى و ينكحونهم حتى نزلت هذه الآية نهيا أن ينكح المسلم في المشرك أو ينكحونه، ثم قال الله تعالى في سورة المائدة ما نسخ هذه الآية، فقال وَ الْمُحْصَناتُ- الآية- فأطلق الله تعالى مناكحتهن بعد أن كان نهى، و ترك قوله وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا على حاله، لم ينسخه».

بل يشهد له أيضا ما ذكره الثقة الجليل

علي بن إبراهيم (2) في تفسيره عند قوله تعالى «وَ لا تَنْكِحُوا» الآية «هي منسوخة بقوله تعالى في سورة المائدة:


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 6.
2- 2 الموجود في تفسير على بن إبراهيم في ص 63 طبع إيران عام 1313 ذيل الآية 221 من سورة البقرة «فقوله وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ منسوخة بقوله: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ، و قوله وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا على حاله لم ينسخ» و في ص 151 ذيل الآية 5 من سورة المائدة «فقد أحل الله نكاح أهل الكتاب بعد تحريمه في قوله في سورة البقرة وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ، و انما يحل نكاح أهل الكتاب الذين يؤدون الجزية على ما يجب، فأما إذا كانوا في دار الشرك و لم يؤدوا الجزية لم يحل مناكحتهم».

ج 30، ص: 34

الْيَوْمَ- الآية- ثم قال: نسخت هذه الآية قوله وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ، و ترك قوله وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ على حاله لم ينسخ، لأنه لا يحل للمسلم أن ينكح المشرك، و يحل له أن يتزوج المشركة من اليهود و النصارى»

فإنه و إن لم يسنده إلى حجة إلا أن الظاهر كونه مأخوذا عنهم عليهم السلام، كما يشهد به طريقة المحدثين و خصوصا فيما طريقه النقل من نقل متون الأخبار بحذف الإسناد كأنه من كلامهم.

و من ذلك كله يظهر لك ما في المحكي عن جماعة من منع كون سورة المائدة محكمة، لاشتمالها على ما هو منسوخ، و عدوا منه قوله تعالى (1) «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ» و قوله تعالى (2) «ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ»* و قوله تعالى (3) «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ» فإنها جميعا منسوخة بآية السيف، و هي قوله تعالى (4) «وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» على أن ذلك ليس من النسخ قطعا.

و أيضا فإن الروايات السابقة الدالة على نسخ آية المائدة منها ما دل على أنها منسوخة بقوله تعالى «وَ لا تُمْسِكُوا» و منها ما دل على أنها منسوخة بقوله تعالى:

«وَ لا تَنْكِحُوا» إلى آخرها، و من المعلوم أن النسخ بأحدهما لا يجتمع مع النسخ بالأخرى لاستحالة نسخ الشي ء و رفعه بعد زواله و ارتفاعه.

و منه يعلم أن ما تضمنته رواية الطبرسي من اسناد النسخ إليهما معا خلاف ما يقتضيه الاعتبار، إلا أن يقال: إن الناسخ هو إحدى الآيتين خاصة، و إنما أضيف النسخ إلى الأخرى لكونها بمنزلة الناسخ من حيث الدلالة على ما يخالف حكم المنسوخ و إن حصل الرفع بغيرها، أو ما من شأنه النسخ به، أو يقال بتكرر النسخ و إن المنسوخ هو حل الكتابية لا من حيث استفادته من خصوص الآية بل حلها مطلقا و إن كان لأجل السنة لكن الكل كما ترى.

و أيضا قد عرفت أن الظاهر من آية النهي عن الإمساك المنع عن البقاء على


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 13.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 99.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 105.
4- 4 سورة النساء: 4- الآية 89.

ج 30، ص: 35

نكاح الكوافر و استدامته كما نص عليه المفسرون، فيشكل الحكم بكونه ناسخا لحل الكتابية، للإجماع على بقاء النكاح إذا أسلم زوج الذمية دونها و إن اختلفوا في جواز نكاحها ابتداء و عدمه، و لا تجدي أولوية المنع عن الابتداء بعد انتفاء حكم الأصل، نعم يصح جعل الآية ناسخة لو حمل الإمساك على ما يعم الابتداء و الاستدامة، لكنه خلاف المتبادر من اللفظ، و لذا لم يذكره المفسرون.

و أما النسخ بقوله تعالى «وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ» فيتوجه عليه منع دخول الكتابية في المشركة، لأن المتبادر من الشرك في إطلاق الشرع غير أهل الكتاب، كما يؤيده عطف المشركين على أهل الكتاب و بالعكس في كثير من الآيات (1) و هذا لا ينافي اعتقادهم ما يوجب الشرك، إذ ليس الغرض نفي الشرك عنهم، بل عدم تبادره من إطلاق لفظ المشرك، و ادعاء النسخ بالاية لفهم العموم منها بالقرائن و إن كان ممكنا إلا أنه خلاف ظاهر الرواية الدالة على النسخ بها من غير التفات إلى قرائن العموم، فوجب حينئذ طرح ما دل على ذلك، أو تأويله. على أن خبر ابن الجهم ليس فيه إلا أنه تبسم و سكت، و يمكن أن يكون تبسمه على اشتباهه، خصوصا و الامام عليه السلام سأله عن تزويج النصرانية على المسلمة الظاهر في المفروغية من جواز نكاحها لا على مسلمة.

و أيضا صدر آية المائدة بقوله تعالى (2) «الْيَوْمَ أُحِلَّ» إلى آخرها المراد منه بحسب الظاهر ما تعلق بالكتابيين، فإنه ظاهر في تجدد الحل و رفع الحرمة السابقة، فهو حينئذ كالصريح في أنه ناسخ لا منسوخ، على أنه لو أغضينا عن ترجيح ما ذكرناه، و قلنا: إن خبر الواحد لا يثبت به النسخ و لا الناسخ فلا أقل من التعارض، و لا ريب في أن التخصيص أولى من النسخ، و هو حاصل بتحكيم سورة المائدة.

هذا كله مضافا إلى موافقة ذلك للنصوص المستفيضة أو المتواترة الدالة على


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 105 و سورة البينة: 98- الآية 1 و 6.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 5.

ج 30، ص: 36

جواز نكاح الكتابية منطوقا و مفهوما ك

صحيح ابن وهب (1) و غيره المروي في الكافي و الفقيه عن أبى عبد الله عليه السلام «في الرجل المؤمن يتزوج النصرانية و اليهودية، قال: إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية و النصرانية؟ فقلت: يكون له فيها الهوى، فقال: إن فعل فليمنعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير، و اعلم أن عليه في دينه في تزويجه إياها غضاضة»

و منه يعلم الكراهة لمن يجد المسلمة

في خبر محمد (2) عن أبي جعفر عليه السلام «لا ينبغي للمسلم أن يتزوج يهودية و لا نصرانية و هو يجد مسلمة حرة أو أمة»

مضافا إلى إشعار لفظ «لا ينبغي» فيه، و إلى

خبر عبد الله بن سنان (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سأله أبي و أنا أسمع عن نكاح اليهودية و النصرانية، فقال: نكاحهما أحب إلى من نكاح الناصبية، و ما أحب للرجل المسلم أن يتزوج اليهودية و لا النصرانية مخافة أن يتهود ولده أو يتنصروا»

. فما عن أبي علي- من حرمة النكاح اختيارا و الجواز اضطرارا للخبر المزبور و

خبر حفص بن غياث (4) قال: «كتب إلى بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل، فسألته عن الأسير هل له أن يتزوج في دار الحرب؟ فقال: أكره ذلك فان فعل في بلاد الروم فليس هو بحرام، و هو نكاح، و أما في الترك و الديلم و الخزر فلا يحل له ذلك»

و نحوه، كخبر الخزاز (5) عنه عليه السلام- واضح الضعف، على أن خبر حفص لا صراحة فيه، بل و لا ظهور في اشتراط الاضطرار المزبور في الجواز، بل هو في الدلالة على عدمه أظهر، فيندرج حينئذ في أدلة المختار التي منها ما عرفت.


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 2.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 10. و ذيله في الباب- 1- منها- الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4.
5- 5 أشار إليه في الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالكفر- الحديث 4 و ذكره في التهذيب ج 7 ص 433 الرقم 1727.

ج 30، ص: 37

و (منها) أيضا

موثق سماعة (1)

«سألته عن اليهودية و النصرانية أ يتزوجها الرجل على المسلمة؟ قال: لا و تزوج المسلمة على اليهودية و النصرانية»

الذي منه تظهر دلالة القيد في

الصحيح أو الحسن (2) عن أبي جعفر عليه السلام «لا يتزوج اليهودية و النصرانية على المسلمة»

بل و

خبر أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام «لا يتزوج اليهودية و لا النصرانية على حرة متعة و غير متعة».

و (منها)

خبر أبي بصير (4) أيضا عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن رجل له امرأة نصرانية له أن يتزوج عليها يهودية؟ فقال إن أهل الكتاب مماليك للإمام، و ذلك موسع منا عليكم خاصة، فلا بأس أن يتزوج، قلت: فإنه يتزوج عليها أمة، قال: لا يصلح له أن يتزوج ثلاث إماء، فإن تزوج عليها حرة مسلمة و لم تعلم أن له امرأة نصرانية و يهودية ثم دخل بها فان لها ما أخذت من المهر، فإن شاءت أن تقيم بعد معه أقامت، و إن شاءت أن تذهب إلى أهلها ذهبت، و إذا حاضت ثلاث حيض أو مرت ثلاثة أشهر حلت للأزواج، قلت: فان طلق عليها اليهودية و النصرانية قبل أن تنقضي عدة المسلمة له عليها سبيل أن يردها إلى منزله؟ قال:

نعم»

و خبر منصور بن حازم (5) عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل تزوج ذمية على مسلمة و لم يستأمرها، قال: يفرق بينهما، قلت: فعليه أدب؟ قال: نعم اثنى عشر سوطا و نصف ثمن حد الزاني و هو صاغر، قلت: فان رضيت المرأة الحرة المسلمة بفعله بعد ما كان فعل، قال: لا يضرب و لا يفرق بينهما، يبقيان على النكاح الأول»

و خبر هشام بن سالم (6) عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل تزوج ذمية على


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
5- 5 أشار إليه في الوسائل الباب- 7- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4 و ذكره في الباب- 49- من أبواب حد الزنا- الحديث 1 من كتاب الحدود.
6- 6 الوسائل الباب- 7- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4.

ج 30، ص: 38

مسلمة، قال: يفرق بينهما و يضرب ثمن الحد، اثني عشر سوطا و نصف، فان رضيت المسلمة ضرب ثمن الحد و لم يفرق بينهما، قلت: كيف يضرب النصف؟ قال: يؤخذ السوط بالنصف فيضرب به»

و خبر أبي مريم الأنصاري (1) عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن طعام أهل الكتاب و نكاحهم حلال هو؟ فقال: نعم قد كانت تحت طلحة يهودية»

وصحيح محمد بن مسلم (2) عنه عليه السلام أيضا «سألته عن نكاح اليهودية و النصرانية، فقال: لا بأس به، أما علمت أنه كان تحت طلحة بن عبد الله يهودية على عهد النبي صلى الله عليه و آله و سلم؟».

و (منها) خصوص ما جاء في المتعة ك

مرسل ابن فضال (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لا بأس أن يتمتع الرجل باليهودية و النصرانية و عنده حرة»

و خبر زرارة (4)

«سمعته عليه السلام يقول: لا بأس أن يتزوج اليهودية و النصرانية، فقال: لا بأس به يعني متعة»

وخبر الأشعري (5)

«سألته عليه السلام عن الرجل يتمتع من اليهودية و النصرانية، فقال: لا أرى بذلك بأسا»

الحديث. و

خبر الحسن التغلبي (6)

«سألت الرضا عليه السلام أ نتمتع من اليهودية و النصرانية؟ فقال: تتمتع من الحرة المؤمنة أحب إلى، و هي أعظم حرمة منها»

إلى غير ذلك من


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالكفر- الحديث 2 و الباب 13 من أبواب المتعة- الحديث 2. و في الموضعين قال: «سمعته يقول: لا بأس أن يتزوج اليهودية و النصرانية متعة و عنده امرأة» و اما قوله: فقال: لا بأس به يعني متعة» فهو من تتمة حديث محمد بن سنان الذي ذكره في الوسائل بعد خبر زرارة في الموضع الثاني بلا فصل، و الظاهر انه سهو من قلمه و طفرة من نظره الشريف طاب تراه.
5- 5 الوسائل الباب- 13- من أبواب المتعة الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 7- من أبواب المتعة الحديث 3 و الباب- 13- منها- الحديث 6 عن الحسن التفليسي كما في الاستبصار- ج 3 ص 145- الرقم 524.

ج 30، ص: 39

النصوص الدالة على ذلك، مضافا إلى ما عن المبسوط من أنه قد أجاز أصحابنا كلهم التمتع بالكتابية و وطءها بملك اليمين.

إلا أن النصوص جميعها كما ترى لا تفصيل في شي ء منها بالدائم و المؤجل و ملك اليمين الذي اختاره المصنف و غيره، بل قيل: إنه المشهور، بل ظاهر بعضها أو صريحه التعميم زيادة على إطلاق النكاح و التزويج الذي إن لم يكن ظاهرا في الدوام فلا ريب في تناوله لهما معا.

و دعوى ظهور الآية (1) في المتعة- باعتبار ذكر الأجر فيها الظاهر في عوضها، دون الدائم، فإن عوضه يسمى بالمهر و الصداق و نحوهما- يدفعها- مع أنه لا دلالة فيها على التفصيل المنافي للطلاق، بل هي حينئذ كأخبار المتعة- منع اختصاص لفظ الأجر في ذلك، و منع انصرافه إليه، بل أطلق في الكتاب و السنة على المهر باعتبار كونه عوض ملك منفعة البضع، على أن الآية قد اشتملت على المحصنات من المؤمنات و المحصنات من أهل الكتاب، و المراد أجور الجميع، و لا ريب في عدم اختصاص الجواز في المؤمنات بالتمتع، و احتمال اختصاص القيد بالكتابيات يدفعه ظهور الآية في خلافه، و خبر زرارة (2)

المشتمل على التفسير بالمتعة مع أنه منه لأمن الإمام عليه السلام لا يقتضي التقييد، إذ أقصاه أن مراد الامام عليه السلام في خصوص الخبر المزبور من التزويج المتعة.

و دعوى حمل جميع ما دل على جواز الدوام على التقية يدفعها أن جملة من رواة تلك النصوص ممن لا يعطون من جراب النورة، على أن فيها ما ينافي التقية كالخبر المشتمل على كونهن ملكا للإمام، و غيره. كل ذلك مع عدم المعارض الذي يحمل لأجله الخبر على التقية المسقطة لحجيته، و عدم الإشعار في شي ء منها بذلك، كما هو المتعارف في الأخبار الواردة مورد التقية، و الاستدلال بفعل طلحة باعتبار تقرير النبي صلى الله عليه و آله له عليه فلا دلالة فيه على ذلك، كما هو واضح.


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 25.
2- 2 راجع التعليقة 4 من الصفحة 38.

ج 30، ص: 40

و كذا المناقشة فيها- باشتمالها على اعتبار المنع من أكل لحم الخنزير و شرب الخمر، و هو غير شرط في صحة النكاح، و لا واجب من حيث كونها زوجة و وجوبه من حيث الأمر بالمعروف خارج عما نحن فيه، و اشتمال الأخر على اختصاص التوسعة بالشيعة، و على معاملتهن معاملة الأمة في عدم جواز الجمع بين الثلاث منهن، و عدم نكاحهن على المسلمة، و الخيار للمسلمة لو نكحت عليهن و هي غير عالمة، و أن له الرجوع على المسلمة في عدة الفسخ لو طلق اليهودية، و غير ذلك مما لا يلتزمه القائل بالجواز- يدفعها عدم سقوط الخبر عن الحجية بذلك، على أن الصدوق و ابنه قد أفتيا بمضمون الصحيح المشتمل على المنع من لحم الخنزير و شرب الخمر، فلعلهما يعملان به بالنسبة إلى ذلك، و إن كان الأقوى خلافه، لا طلاق النصوص، نعم لا يبعد الاستحباب المؤكد أو الوجوب مع التمكن و لو بالاشتراط في عقد النكاح، كما أنه لا يبعد الكراهة في نكاحها على المسلمة احتراما لها، بل لعل الرجوع إليها بعد الطلاق دليل على عدم كون الفسخ حقيقة، و أنها باقية لعى حباله، كل ذلك بعد فرض الإجماع على عدم هذه الأحكام فيهن، كما هو واضح، و من ذلك كله يظهر لك أن مختار المصنف و غيره من التفصيل في غاية الضعف.

و أضعف منه اختصاص الجواز بملك اليمين كما هو ظاهر المفيد، و كذا القول بالتفصيل بين الاضطرار و غيره في الدائم و الجواز مطلقا متعة، فإن جميع ذلك مناف للعمومات و لما سمعته من الكتاب و السنة السالمة عن معارضة ما عدا التعميم و التخصيص إلا ما تقدم من النصوص (1)

المتضمنة لنسخ آية المائدة (2) بآية «وَ لا تُمْسِكُوا» (3) و بآية «وَ لا تَنْكِحُوا» (4) و قد عرفت الحال فيها و قصورها عن


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالكفر- الحديث 1 و 3 و 7 و المستدرك الباب- 1- منها- الحديث 1.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 5.
3- 3 سورة الممتحنة: 60- الآية 10.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 221.

ج 30، ص: 41

المعارضة من وجوه.

و آية المحادة (1)- بعد منع كون التزويج موادة، فإنه ربما كان للحاجة دون المحبة، و آية «وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً» (2) محمولة على الغالب، لتحقق النشوز و الشقاق المنافيين للمودة قطعا- ظاهرة في أن المراد موادة المحاد من حيث المحادة، لتعليقها على الوصف الظاهر في العلية، إذ الموادة لا من تلك الجهة لا تكون داخلة تحت الاختيار، فلا يتوجه النهي إليها، و لا يصح الحمل على اللوازم، لجواز صلة المحاد، لقوله تعالى (3) «وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً» و

قوله صلى الله عليه و آله (4):

«لكل كبد حرى أجر»

و لا ريب في تحريم الموادة من حيث المحادة، بل منافاتها للايمان، فإنه و محبة الكفر مما لا يجتمعان، و حينئذ فالاية محمولة على ظاهرها، و لا حاجة فيها إلى تأويل قوله تعالى «لا تَجِدُ» بما قيل من أن المعنى لا ينبغي أن تجدوا، فإنه انما يحتاج إلى ذلك لو أريد بالموادة مطلق المحبة، و قد عرفت فساده، بل لعل الغرض من هذا الحكم نفي الايمان عن الذين كانوا يدعون الايمان و يضمرون الموادة للكفار المعلنين بالكفر، و هم المنافقون الذين كان يعرفهم النبي صلى الله عليه و آله بلحن القول و إشارات الوحي، و إنما ترك التصريح، لأن الكناية أوفق بالبلاغة و ادعى إلى الرجوع إلى الحق، و لما في التصريح من خشية تظاهرهم بالأمر و لحوقهم بالكفار الداعي إلى تقوية الكفر و ضعف الإسلام لكثرة المنافقين في عصره صلى الله عليه و آله، و لا ريب في نقضه للغرض.

أما آية الاستواء (5) فهي أجنبية عما نحن فيه، على أنها هي و غيرها من


1- 1 سورة المجادلة: 58- الآية 22.
2- 2 سورة الروم: 30- الآية 21.
3- 3 سورة لقمان: 31- الآية 15.
4- 4 مسند أحمد ج 2 ص 222 و فيه «في كل ذات كبد حرا أجر».
5- 5 سورة الحشر: 59 الآية 20.

ج 30، ص: 42

الايات معارضة لاية المائدة بالعموم الذي لا يعارض الخاص، و أما احتمال إرادة المسلمات من «الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» (1) فتخرج عن أصل المعارضة فيدفعه أنه مناف للظاهر خصوصا مع المقابلة بالمحصنات من المؤمنات و اتصال هذا الحكم بأحكام أهل الكتاب الثابتين على الكفر في قوله تعالى (2) «وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ» إلى آخرها، فإنه لا ريب في أن المراد من أهل الكتاب من ثبت منهم على الكفر دون من أسلم باتفاق المفسرين- على ما قيل- و النصوص الواردة في تفسيرها، على أن العمدة للخصم النص الدال على أنها منسوخة، و لولاه لكان الواجب التخصيص، و حينئذ فالأمر دائر بين النسخ و التخصيص. و على كل حال فالمراد بالمحصنات من الذين اللاتي لم يسلمن من الكتابيات، و قد عرفت رجحان عدم نسخها، بل قد عرفت ما يدل على أنها ناسخة.

و أما

صحيح زرارة (3)

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن نكاح اليهودية و النصرانية فقال: لا يصلح للمسلم أن ينكح يهودية و لا نصرانية، إنما يحل منهن نكاح البله»

فلم أجد عاملا به، نعم يحكى عن سلار أنه جوز نكاح المؤمنة و المستضعفة دواما و مطلق الذمية متعة، لكنه على كل حال قاصر عن معارضة غيره مما عرفت، على أن قوله عليه السلام فيه: «لا يصلح» مشعر بالكراهة، و إرادة الحرمة منه بقرينة قوله عليه السلام:

«إنما يحل» ليس بأولى من إرادة ضعف الكراهة من الثاني بقرينة قوله: «لا يصلح» في الأول، فيكون عدم البلاهة مرتبة من مراتب الكراهة التي أشرنا إليها، و قلنا بتنزيل النصوص عليها، للإشعار فيها بذلك من وجوه.

و قد ظهر لك من ذلك كله ضعف الأقوال الستة أو السبعة، و أن الأقوال المفصلة منها مبنية على الجمع بلا شاهد و نحوه مما هو واضح البطلان، و مما سمعته تعرف ما في دعوى المرتضى (ره) من الإجماع على عدم الجواز مطلقا المتبين خلافه، خصوصا في المتعة و ملك اليمين، فلم يبق بحمد الله سبحانه في المسألة بعد اليوم من


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 5.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 5.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.

ج 30، ص: 43

إشكال، و الحمد لله المتعال، و الله هو العالم بحقيقة الحال.

هذا و قد قال المصنف تبعا لجماعة و كذا حكم المجوس على أشبه الروايتين أي لا يجوز النكاح فيهم إلا مؤجلا أو ملك يمين، ف

في صحيح ابن مسلم (1)

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل المسلم أ يتزوج المجوسية؟ قال: لا، و لكن إن كانت له أمة مجوسية فلا بأس أن يطأها و يعزل عنها، و لا يطلب ولدها»

و خبر منصور الصيقل (2) عن أبى عبد الله عليه السلام «لا بأس بالرجل أن يتمتع بالمجوسية»

و نحوه خبرا محمد بن سنان (3)

و حماد بن عيسى (4) عن الرضا و أبي عبد الله عليهما السلام، فالجمع بين الصحيح المزبور و بين ما دل على عدم جواز نكاح المشركات و الكوافر (5) و بينها قاض بذلك، مضافا إلى مشابهة المتعة لملك اليمين، بل و إلى ما دل على أن المجوس كتابيون- بناء على أن حكمهم عند المصنف ذلك- من

مرسل الواسطي (6) عن الصادق عليه السلام قال: «سئل عن المجوس أ كان لهم نبي؟ فقال: نعم أ ما بلغك كتاب رسول الله صلى الله عليه و آله إلى أهل مكة أن أسلموا و إلا فأذنوا بحرب، فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه و آله خذ منا الجزية و دعنا على عبادة الأوثان، فكتب إليهم النبي صلى الله عليه و آله إني لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب، فكتبوا إليه يريدون تكذيبه: زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب، ثم أخذت الجزية من مجوس هجر؟ فكتب إليهم النبي صلى الله عليه و آله: إن المجوس كان لهم نبي فقتلوه، و كتاب أحرقوه أتاهم نبيهم بكتابهم في اثنى عشر ألف جلد ثور»

و نحوه


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب المتعة الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب المتعة الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب المتعة الحديث 5 مرسل حماد بن عيسى.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1 و 3 و 7.
6- 6 الوسائل الباب- 49- من أبواب جهاد العدو- الحديث 1 من كتاب الجهاد.

ج 30، ص: 44

المروي في محكي العلل عن أمير المؤمنين عليه السلام (1)

و

النبوي (2)

«سنوا بهم سنة أهل الكتاب».

لكن قد يناقش في ذلك كله بأن مقتضى الآية و الصحيح الأول عدم جواز النكاح مطلقا غبطة و متعة، و الأخبار الثلاثة ضعيفة لا جابر لها، ضرورة عدم تحقق شهرة بذلك، بل لعل الشهرة على الخلاف، بل عن التبيان و السرائر الإجماع على ذلك، و المرسلان فاقدان شرائط الحجية، بل زيد في الثاني منهما «غير ناكحي نسائهم و لا آكلي ذبائحهم» فيراد منهما بالنسبة إلى غير ما نحن فيه، ف

في المقنعة عن أمير المؤمنين عليه السلام (3) أنه قال: «المجوس إنما ألحقوا باليهود و النصارى في الجزية و الديات لأنه قد كان لهم فيما مضى كتاب».

على أن المراد بأهل الكتاب من أظهر اتباعه و الانقياد له، لا من أحرقه و أعرض عنه، بل المنساق من أهل الكتاب في مثل آية المائدة التي في محل البحث اليهود و النصارى كما لا يخفى على من تأمل موارد إطلاق هذا اللفظ، لعدم العبرة عندنا بغير التوراة و الإنجيل من باقي الكتب التي هي على ما قيل نقل من الأنبياء بالمعنى، لا أن ألفاظها نزلت من رب العزة، أو أنها مواعظ و نحوها لا أحكام، و لعله لذلك خص أهل الكتابين ببعض الأحكام دون غيرهم، فالذي يقوى في النظر حرمة نكاحهم مطلقا إلا بملك اليمين.

نعم الظاهر أن السامرة- على ما قيل- قوم من اليهود يسكتون بيت المقدس و قرايا من أعمال مصر يتقشفون في الطهارة أكثر من سائر اليهود، أثبتوا نبوة موسى و هارون و يوشع و أنكروا نبوة من بعدهم رأسا إلا نبيا واحدا، و قالوا:


1- 1 لم نعثر على هذه الرواية في العلل بعد التتبع التام فيه و انما روى الصدوق قده في الأمالي و التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام ما يدل على ان المجوس كان لهم كتاب و بعث إليهم النبي و قد ذكره في الوسائل في الباب- 3- من أبواب ما يحرم بالنسب- الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 49- من أبواب جهاد العدو الحديث 5 و 9 من كتاب الجهاد.
3- 3 الوسائل الباب- 49- من أبواب جهاد العدو الحديث 8 من كتاب الجهاد.

ج 30، ص: 45

التوراة إنما بشرت بنبي واحد يأتي بعد موسى بصدق ما بين يديه من التوراة و يحكم بحكمها، و لا يخالفها البتة، و قبلتهم الطور الذي كلم الله تعالى عليه موسى، و قالوا:

إن الله تعالى أمر داود أن يبنى عليه بيت المقدس، فخالف و ظلم فبناه بايليا.

و أما الصابئون فعن أبي على «أنهم قوم من النصارى» و عن المبسوط «أن الصحيح خلافه، لأنهم يعبدون الكواكب» و عن التبيان و مجمع البيان «أنه لا يجوز عندنا أخذ الجزية منهم، لأنهم ليسوا أهل الكتاب» و في المحكي عن الخلاف «نقل الإجماع على أنه لا يجري على الصابئة حكم أهل الكتاب» و عن العين ان دينهم يشبه دين النصارى، إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب حيال نصف النهار، يزعمون أنهم على دين نوح، و قيل: قوم من أهل الكتاب يقرؤون الزبور، و قيل: بين اليهود و المجوس، و قيل: قوم يوحدون و لا يؤمنون برسول، و قيل: قوم يقرون بالله عز و جل و يعبدون الملائكة و يقرؤون الزبور و يصلون إلى الكعبة، و قيل: قوم كانوا في زمن إبراهيم عليه السلام يقولون بأنا نحتاج في معرفة الله و معرفة طاعته إلى متوسط روحاني لا جسماني، ثم لما لم يمكنهم الاقتصار على الروحانيات و التوسل بها فزعوا إلى الكواكب، فمنهم من عبد السيارات السبع، و منهم من عبد الثوابت، ثم إن منهم من اعتقد الإلهية في الكواكب، و منهم من سماها ملائكة، و منهم من تنزل عنها إلى الأصنام.

لكن في القواعد «الأصل في الباب أنهم،- أي السامرة و الصابئين- إن كانوا إنما يخالفون القبيلتين في فروع الدين فهم منهم، و إن خالفوهم في أصله فهم ملحدة لهم حكم الحربيين» و في كشف اللثام «بهذا يمكن الجمع بين القولين لجواز أن يعدوا منهم و إن خالفوهم ببعض الأصول، كما يعد كثير من الفرق من المسلمين مع المخالفة في الأصول، بل الأمر كذلك في غير الإمامية، و قد قيل: إنه لا كلام في عد هما من القبيلتين، و انما الكلام في الأحكام».

قلت: لا ينبغي الكلام في الأحكام بعد فرض أنهم من القبيلتين، أي اليهود و النصارى، ضرورة تعليق الأحكام في النص و الفتوى على المسمين بهذا الاسم الذي يشملهم أهل الكتاب، فمع فرض انتحالهم ملة موسى و عيسى و التوراة و الإنجيل و ركونهم إلى ما جاءا به جرت عليهم الأحكام، بل الظاهر عدم العبرة فيما بينهم من الاختلاف

ج 30، ص: 46

في الأصول و الفروع، ضرورة تناول الاسم لهم جميعا، و هو مدار الأحكام.

كما أن الظاهر الاكتفاء في إثبات يهوديته مثلا بإقراره من غير حاجة إلى العلم بالتواتر، أو بالشياع المفيد له أو ما يقوم مقامه من شهادة العدلين و إن احتمله في جامع المقاصد، لكن الذي يقوى خلافه، ضرورة كونهم في ذلك كالمسلمين في أصل الإسلام و في فرقه، و كغيره من الأشياء التي لا تعلم إلا من قبل أصحابها، ضرورة كونها من الاعتقادات المقبول خبر أصحابها بالنسبة إلى جريان أحكامها من غير فرق بين ما رجع منها إليهم و بين ما رجع منها إلى غيرهم التي منها جواز نكاحهم.

نعم لا عبرة عندنا بمن تهود أو تنصر بعد البعثة، لأن كل من انتقل من الإسلام أو من دين من أديان الكفر إلى دين أهل الكتاب بعد مبعث النبي صلى الله عليه و آله لم يقبل منه عندنا من غير خلاف يعرف فيه إلا ما تسمعه من الشيخ (ره) بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه، بل قيل لقوله تعالى (1) «وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» و عموم

قوله صلى الله عليه و آله (2): «من بدل دينه فاقتلوه»

و لأن دينهم لنسخة لم تبق له حرمة، خلافا للمحكي عن الشيخ من إقرار الكتابي المنتقل إلى غير ملته إذا كان الثاني مما يقر عليه، ناقلا عليه الإجماع، و الأول أقوى و حينئذ فليس لأولادهم حرمة و إن نشؤوا على دين أهل الكتاب و لا يقرون عليه، إذ الأولاد إنما يحترمون لاحترام آبائهم، و كذا أولاد الوثنيين إذا نشؤوا على اليهودية أو النصرانية، فإنه في حكم الانتقال.

و لو كان التهود و التنصر قبل البعثة لم يبعد القبول مطلقا سواء كان انتقاله إلى الدين المبدل بهم أو إلى القديم، لكن في القواعد «إن كان الانتقال قبله- أي المبعث- و قبل التبديل قبل و أقر أولادهم عليه، و ثبت لهم حرمة أهل الكتاب، و هل التهود بعد مبعث عيسى كهو بعد مبعث النبي صلى الله عليه و آله؟ إشكال، و إن كان بينهما


1- 1 سورة آل عمران: 3- الآية 85.
2- 2 المستدرك الباب- 1- من أبواب حد المرتد الحديث 2 من كتاب الحدود.

ج 30، ص: 47

فان انتقل إلى دين من بدل لم يقبل، و إلا قبل، و لو أشكل هل انتقلوا قبل التبديل، أو بعده؟ أو علم و أشكل هل دخلوا في دين من بدل أولا؟ فالأقرب إجراؤهم مجرى الكتابيين» قلت: لا إشكال في القبول لعموم الأدلة الشامل لهم، بل هو شامل لمن انتقل بين المبعث و التبديل، خصوصا و المبدلون في زمن النبي صلى الله عليه و آله و الأئمة عليهم السلام أكثر من غيرهم، بل لم يكن لهم إلا الدين المبدل، فإن الإقرار بنبوة نبينا صلى الله عليه و آله من دينهم، فاما أن يكونوا هم المبدلين أو الداخلين في دين المبدل و آبائهم، بل هو شامل أيضا للمتهود بعد مبعث عيسى عليه السلام، فالأقوى حينئذ إجراء حكم اليهود و النصارى على هؤلاء أجمع إلا من علم تهوده بعد البعثة بناء على عدم قبول ذلك منه لما عرفت، كما هو واضح، و الله العالم.

و لو ارتد أحد الزوجين عن الإسلام أو ارتدا معا دفعة قبل الدخول وقع الفسخ في الحال مطلقا، سواء كان الارتداد عن فطرة أو ملة، بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل من أهل العلم كافة في الأول على ما عن التذكرة، لعدم جواز نكاح المسلم و المسلمة كافرة و كافرا ابتداء و استدامة و لو كتابيا، لعدم إقرارهم عليه إذا كان ارتدادا، و للمعتبرة (1)

في المرتد الفطري الشاملة لصورتي الدخول و عدمه كما تسمعها، و

الخبر (2) في الملي «المرتد تعزل عنه امرأته، و لا تؤكل ذبيحته، و يستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب و إلا قتل»

و هو و إن كان خاصا بارتداد الرجل لكن في الرياض إن ارتداد المرأة ملحق به، للإجماع المركب، نعم قد يناقش بظهوره فيما بعد الدخول، اللهم إلا أن يقال: إن ما قبل الدخول أولى فتأمل.

كما أنه قد يناقش في الفسخ بردتهما دفعة، و لعله لإطلاق ما دل على ذلك


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب حد المرتد الحديث 2 و 3 من كتاب الحدود و الباب- 6- من موانع الإرث- الحديث 4 و 5 من كتاب الإرث.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب حد المرتد الحديث 5 من كتاب الحدود.

ج 30، ص: 48

من نص أو معقد إجماع، بل قد يقال: إن المرتد مطلقا و إن كان مليا لا يصح نكاحه ابتداء و لا استدامة و لو لكافرة كتابية أو غيرها، و كذا المرتدة، لأنه بعد أن كان حكمه القتل و لو بعد الاستتابة صار بحكم العدم الذي لا يصح نكاحه، و كذا الامرأة، فإن حكمها السجن و الضرب أوقات الصلاة حتى تتوب أو تموت، و من هنا قال في الدروس: «و تمنع الردة صحة النكاح لكافرة أو مسلمة» و قال أيضا: «و لا يصح تزويج المرتد و المرتدة على الإطلاق، لأنه دون المسلمة و فوق الكافرة، و لأنه لا يقر على دينه، و المرتدة فوقه، لأنها لا تقتل» قلت: و من ذلك يظهر لك الوجه في المرتدين دفعة و لو عن ملة، مضافا إلى دعوى الإجماع و إطلاق ما دل على البينونة بالارتداد الشامل لحالي ارتداد الأخر و عدمه، بل يظهر لك الوجه في الانفساخ حتى لو كانت الزوجة كتابية و الزوج مرتدا مليا عن ذلك الصنف من الكتابي، كما هو واضح.

و على كل حال ف يسقط المهر إن كان من المرأة بلا خلاف أجده فيه لأن الفسخ جاء من قبلها، و لأن المعاوضة انفسخت قبل التقابض و نصفه إن كان من الرجل تنزيلا للفسخ بارتداده منزلة طلاقه المنصف للمهر قبل الدخول سواء كان لمسمى أو لمهر مثل، و فيه أن الأصل يقتضي وجوب المهر للعقد المسبب لذلك، و خروج الطلاق بدليل خاص لا يقتضي التعدية بعد حرمة القياس عندنا، و من هنا صرح غير واحد بوجوب الجميع عليه، خصوصا في الارتداد الفطري المنزل المرتد (1) منزلة الميت، و ستعرف أن الموت قبل الدخول يوجب الجميع، اللهم إلا أن يقال: إن الأصل في الفسخ أو ما يقوم مقامه رد كل عوض إلى صاحبه كالإقالة في البيع، فمع فرض عدم الدخول لم يكن لها عليه شي ء، لعدم التقابض، لكن ثبت في الطلاق النصف للدليل، و ألحق به كل فسخ جاء من قبله بوجوب


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة و الصحيح للمرتد كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.

ج 30، ص: 49

المنصف، للإجماع عليه، كما قد أشرنا إلى ذلك في الرضا، فلا حظ و تأمل.

و كيف كان ف لو وقع الارتداد بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة من غير فرق في وقوعه من أيهما كان بل و من غير فرق في ارتداد الزوجة بين الفطري و الملي، نعم يعتبر في الزوج أن يكون عن ملة لما ستعرف أنه لا انتظار للفطري، و حينئذ فإن رجع أو رجعت قبل انقضاء العدة كانت زوجته و إلا انكشف أنها بانت من أول الارتداد، كما أنه ينكشف بالإسلام منها أن مثل هذه الردة غير مانعة و أن النكاح باق، لما ستعرفه من النصوص (1)

الدالة على ذلك في نكاح الكفار إذا أسلموا، بل هو ظاهر العزل في الخبر السابق (2)

بل منها يعلم أن الرجوع إلى الزوجية بالإسلام قهري لا حاجة فيه إلى قول: «رجعت» و نحوه كالمطلقة، فما

في خبر الحضرمي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة ثلاثا، و تعتد منه كما تعتد المطلقة فإن رجع إلى الإسلام و تاب قبل أن تتزوج فهو خاطب، و لا عدة عليها منه له، و إنما عليها العدة لغيره، فان قتل أو مات قبل انقضاء العدة اعتدت منه عدة المتوفى عنها زوجها، و هي ترثه في العدة، و لا يرثها إن ماتت و هو مرتد عن الإسلام»

محمول على الرجوع بعد العدة، كما أنه يحمل ما فيه من التشبيه بالمطلقة ثلاثا على إرادة عدم الرجوع له و هو كافر، بل تبين عنه في هذا الحال بينونة تامة.

و على كل حال ف لا يسقط شي ء من المهر قطعا لاستقراره بالدخول هذا كله في المرتد عن ملة.

و اما إن كان أي الزوج ولد على الفطرة فارتد انفسخ النكاح في الحال و إن كان بعد الدخول، لأنه لا يقبل عوده بالنسبة إلى ذلك بلا خلاف، بل


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالكفر.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب حد المرتد الحديث 5 من كتاب الحدود.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب موانع الإرث الحديث 4 من كتاب المواريث بطريق الشيخ.

ج 30، ص: 50

الإجماع بقسميه عليه،

قال الساباطي (1): «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام و جحد رسول الله صلى الله عليه و آله نبوته و كذبه فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه، و امرأته بائنة منه يوم ارتد، و يقسم ماله على ورثته، و تعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها، و على الامام أن يقتله و لا يستتيبه»

و قال ابن مسلم (2)

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرتد، فقال: من رغب عن الإسلام و كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه و آله و سلم بعد إسلامه فلا توبة له، و قد وجب قتله، و بانت منه امرأته، و يقسم ما ترك على ولده»

و قد تقدم في كتاب الطهارة (3) تمام البحث في قبول توبته باطنا مفصلا، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

و إذا أسلم زوج الكتابية فهو على نكاحه سواء كان قبل الدخول أو بعده بلا خلاف أجده، بل في المسالك و غيرها الإجماع عليه، بل و لا إشكال على المختار من جواز نكاح المسلم الكتابية ابتداء فضلا عن الاستدامة، بل و على غيره لضعف الاستدامة عن الابتداء، و لما عرفت من الإجماع المعتضد بنفي الخلاف، و

خبر العبيدي عن يونس (4) قال: «الذمي تكون له المرأة الذمية فتسلم امرأته قال: هي امرأته يكون عندها بالنهار و لا يكون عندها بالليل، قال: فإن أسلم الرجل و لم تسلم المرأة يكون الرجل عندها بالليل و النهار»

و ل

حسن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن ابن مسلم (5) عن أبي جعفر عليه السلام «إن أهل الكتاب و جميع من له ذمة


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب حد المرتد- الحديث 3 من كتاب الحدود.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب حد المرتد- الحديث 2 من كتاب الحدود.
3- 3 الجزء الأول ص 420.
4- 4 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 8 مع الاختلاف و رواه بعينه في الكافي ج 5 ص 437.
5- 5 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 5 رواه عن الكليني بإسناده عن إبراهيم بن هاشم، عن بعض أصحابه، عن محمد بن مسلم و في الاستبصار ج 3 ص 183 الرقم 663 عن ابن أبى عمير، عن بعض أصحابه، عن محمد بن مسلم.

ج 30، ص: 51

إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما، و ليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها، و لا يبيت معها، و لكنه يأتيها بالنهار، و أما المشركون مثل مشركي العرب و غيرهم فهم على نكاحهم إلى انقضاء العدة فإن أسلمت المرأة ثم أسلم الرجل قبل انقضاء عدتها فهي امرأته، و إن لم تسلم إلا بعد انقضاء العدة فقد بانت منه و لا سبيل له عليها، و كذلك جميع من لا ذمة له»

و ما

في صحيح ابن سنان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل هاجر و ترك امرأته في المشركين ثم لحقت به بعد أ يمسكها بالنكاح الأول أو تنقطع عصمتها منه؟ قال: يمسكها و هي امرأته».

و لإطلاق هذين ألحق الشيخ المجوسية في هذا الحكم، لكن ينافيه

خبر منصور بن حازم (2)

«سأل الصادق عليه السلام عن رجل مجوسي كانت تحته امرأة على دينه فأسلم أو أسلمت، قال: ينتظر بذلك انقضاء عدتها، و إن هو أسلم أو أسلمت قبل أن تنقضي عدتها فهما على نكاحهما الأول، و إن هو لم يسلم حتى تنقضي فقد بانت منه»

و نحوه خبر آخر له عنه عليه السلام (3)

و من هنا جعلها في محكي الخلاف و المبسوط كالوثنيين، لكن يمكن حملهما على من لم يكن له ذمة بل كان في دار الحرب، كما عن الشيخ في الكتابية و إن تختص البينونة بما إذا أسلمت دونه، فإنه الذي نص عليه آخرا و لا ينافيه التعميم أولا، إلا أنهما معا كما ترى، فالأقوى حينئذ عدم الإلحاق.

و لو أسلمت زوجته قبل الدخول انفسخ العقد لحرمة تزويجها بالكافر و لو استدامة، فإن الله لم يجعل لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (4) و ل

صحيح


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالكفر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالكفر- الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالكفر- الحديث 3 بطريق الكليني قده.
4- 4 سورة النساء: 4- الآية 141.

ج 30، ص: 52

ابن سنان (1) عن الصادق عليه السلام «إذا أسلمت امرأة و زوجها على غير الإسلام فرق بينهما»

الحديث.

نعم لا مهر لها لأن الفسخ جاء من قبلها، و

في صحيح ابن الحجاج (2) عن أبي الحسن عليه السلام «في نصراني تزوج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها، قال:

قد انقطعت عصمتها منه، و لا مهر لها، و لا عدة عليها منه»

لكن

في الحسن كالصحيح (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام في مجوسية أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام لزوجها: أسلم فأبى زوجها أن يسلم، فقضى لها عليه نصف الصداق، و قال: لم يزدها الإسلام إلا عزا»

إلا أني لم أجد عاملا به.

و إن كان إسلامها بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة فإن أسلم فيها فهي امرأته و إلا بان أنها بانت منه بإسلامها، وفاقا للأكثر، بل المشهور، لنفي السبيل (4) و للنصوص السابقة (5)

مضافا إلى

صحيح البزنطي (6)

«سأل الرضا عليه السلام عن الرجل تكون له الزوجة النصرانية فتسلم، يحل لها أن تقيم معه؟ قال: إذا أسلمت لم تحل له، قلت: جعلت فداك فان الزوج أسلم بعد ذلك أ يكونان على النكاح؟ قال: لا إلا بتزويج جديد»

خلافا للشيخ في نهايته و المحكي من كتابي الأخبار له، لمرسل ابن أبي عمير (7)

السابق، و

مرسل جميل بن دراج (8) عن أحدهما عليهما السلام قال: «في اليهودي و النصراني و المجوسي إذا أسلمت


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالكفر- الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالكفر- الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالكفر- الحديث 7.
4- 4 سورة النساء: 4- الآية 141.
5- 5 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 2 و 3 و 5.
6- 6 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 5.
7- 7 راجع التعليقة 5 من صفحة 50.
8- 8 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.

ج 30، ص: 53

امرأته و لم يسلم، قال: هما على نكاحهما، و لا يفرق بينهما، و لا يترك يخرج بها من دار الإسلام إلى الهجرة»

أو إليه أشار المصنف.

و قيل: إن كان الزوج بشرائط الذمة كان نكاحه باقيا، غير أنه لا يمكن من الدخول عليها ليلا و لا من الخلوة بها و في بعض النسخ زيادة نهارا لكن الموجود في النهاية ما هذا لفظه «و إذا أسلمت زوجة الذمي و لم يسلم الرجل و كان الرجل على شرائط الذمة فإنه يملك عقدها، غير أنه لا يمكن من الدخول إليها ليلا، و لا من الخلوة بها، و لا من إخراجها من دار الهجرة إلى دار الحرب» إلى آخره، و في محكي السرائر «قول الشيخ مما يضحك الثكلى، إن كانت زوجته فلا يحل أن يمنع منها، ثم إن منع منها و من الدخول إليها كانت نفقتها ساقطة، لأنها في مقابلة الاستمتاع و هو لا يتمكن منه، فتسقط عنه» قلت: قد سمعت خلو الخبرين المزبورين اللذين هما مستند الشيخ عن جواز الوطء و عدمه، و ما في أولهما من عدم المبيت عندها لا دلالة فيه على ذلك، خصوصا بعد

قوله عليه السلام: «و يأتيها نهارا»

و على تقدير أن الشيخ (ره) فهم ذلك منه يتخرج له ما ذكره، و لا استبعاد بالعقوبة له بذلك، و لا تسقط النفقة عنه، لأن الامتناع من الوطء لتقصيره بعدم الإسلام الذي قد فرض اشتراط جواز الوطء به، كالخلو من الحيض مثلا.

و الأمر سهل بعد ضعف القول في نفسه، و أن الشيخ (ره) إنما ذكره في الكتب الثلاثة التي لم تعد للفتوى، و لذا رجع عنه في المحكي من خلافه و مبسوطة، على أن الخبرين فاقدان لشرائط الحجية بالإرسال و الضعف بعلي بن حديد، و مرسل (1) جميل فضلا عن أن يعارضا تلك الأدلة المعمول بها من خبري منصور و غيرهما. و من ذلك كله بان لك أن الأول أشبه بقواعد الفن.

هذا و في المسالك و غيرها «إنه لا فرق على قول الشيخ بين حالي الدخول


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة و الصحيح «في مرسل.» كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.

ج 30، ص: 54

و عدمه، لا طلاق دليله» قلت: قد يفرق الشيخ بينهما لصحيح ابن الحجاج (1)

المتقدم و لعله لذا ظهر من بعضهم أن محل خلافه (ره) فيما بعد الدخول، و الله العالم. هذا كله في إسلام زوج الكتابية و إن لم يكن هو كتابيا، و في إسلام زوجة الكتابي و إن لم تكن هي كتابية.

و أما غير الكتابيين أي أن الزوج و الزوجة غير كتابيين ف الحكم فيهما ان إسلام أحد الزوجين موجب لانفساخ العقد في الحال إن كان قبل الدخول، و إن كان بعده وقف على انقضاء العدة بلا خلاف في شي ء من ذلك و لا إشكال نصا (2)

و فتوى، بل لعل الاتفاق نقلا و تحصيلا عليه.

و لو انتقلت زوجة الذمي إلى غير دينها من ملل الكفر وقع الفسخ في الحال و لو عادت إلى دينها، و هو بناء على أنه لا يقبل منها بعد البعثة إلا الإسلام لقوله تعالى (3) «وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» و

النبوي (4)

«من بدل دينه فاقتلوه»

من غير فرق بين المدخول بها و غيرها، و في المنتقلة منه و إليه بين كونه ممن يقر عليه أهله أولا، و حينئذ، فلو أسلمت هي بعد ذلك أو أسلم هو أو أسلما مما لم يكن بينهما نكاح و إن كان ذلك قبل انقضاء العدة، لحصول الفسخ قبل الإسلام.

لكن لا يخفى عليك ما في هذا الحكم من الإشكال، ضرورة عدم الاعتراض لنا على نكاح أهل الذمة فيما بينهم، فمع فرض جواز ذلك عندهم لم يكن وجه لفسخ النكاح، و عدم إقرارها على الدين الجديد لا ينافي بقاء النكاح، و كذا عدم قبول رجوعها إلى دينها الأول، اللهم إلا أن يدعى أن الحكم بوجوب القتل يستلزم انفساخ النكاح كما سمعته في المرتد، و هو كما ترى، على أن وجوب


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالكفر- الحديث 2 و 3 و 5 و 6.
3- 3 سورة آل عمران: 3- الآية 85.
4- 4 المستدرك الباب- 1- من أبواب حد المرتد الحديث 2 من كتاب الحدود.

ج 30، ص: 55

القتل إن لم تسلم، فلا أقل حينئذ من أن تكون كالمرتد الملي الذي لا ينفسخ نكاحه للمسلمة مثلا بعد الدخول إلا بعد عدم إسلامه إلى انقضاء العدة.

و الذي يقوى في نفسي أن عبارة المتن كانت «زوجته الذمية» أي زوجة المسلم الذمية، نحو ما فرضه العلامة في المحكي من تذكرته من انتقال الكتابية زوجة المسلم إلى التوثن، و انما التغيير من النساخ، و الحكم فيه حينئذ كما ذكر مع فرض بقائها على الكفر إلى انقضاء العدة و إلا فلو أسلمت فيها كانت زوجة له مع الدخول بخلاف ما لو بقيت، ضرورة عدم جواز نكاح المسلم ابتداء و استدامة غير الكتابية، و الفرض خروجها عن ذلك إلى ما لا يقبل منها و لو ملة كتابية، كعدم قبول دينها الأول منها، فيتعين الفسخ حينئذ.

لكن يبعده فرض هذه المسألة في محكي الخلاف على نحو ما هو موجود هنا، بل و في القواعد أيضا قال فيها: «و لو انتقلت الذمية إلى ما لا يقر أهله عليه فان كان قبل الدخول فسد، و بعده يقف على الانقضاء، فان خرجت و لم يسلم الزوجان فسد العقد، و إن قلنا بقبول الرجوع كان العقد باقيا إن رجعت في العدة، و لو انتقلت إلى ما يقر أهله عليه فكذلك إن لم نقرها عليه، و إلا كان النكاح باقيا، و لو انتقلت الوثنية إلى الكتابية و أسلم الزوج فان قبلنا منها غير الإسلام فالنكاح باق، و إلا وقف على الانقضاء بعد الدخول، و قبله يبطل» فان قوله في القسم الأول: «و لم يسلم الزوجان» يقتضي أن الزوج غير مسلم، فيلزم منه أن الذمية تحت الذمي إذا توثنت ينفسخ النكاح في الحال إن كان ذلك قبل الدخول.

و في كشف اللثام إنه أطلق في التحرير فساد العقد في الحال إذا انتقلت الذمية زوجة الذمي إلى غير دينها من ملل الكفر بناء على أنه لا يقبل منها إلا الإسلام حتى الرجوع إلى دينها، فيمكن تقييد ذلك منهم بما إذا لم يكن النكاح مع ذلك صحيحا عندهم، أو يكون المراد انفساخ النكاح و إن لم يجب التفريق، بمعنى أن الذمي حكمه حكم المسلم في الصحة و الفساد، و إن أقر على ما عقده فحينئذ إذا كان

ج 30، ص: 56

متزوجا ذمية مثلا كان نكاحه صحيحا في نفس الأمر بناء على جواز نكاح المسلم لها، فان انتقلت إلى غير دينها انفسخ نكاحه كالمسلم، و إن وجب إقراره عليه مع فرض صحته في دينه، لكن ذلك لا ينافي حرمة الوطء عليه مثلا، و مرجع ذلك إلى أن الردة من الباطل إلى الباطل تفسخ النكاح مع استمرارها، كالردة من الحق إلى الباطل، حتى في الكفار بعضهم مع بعض، للشركة معنا في الفروع و إن أقروا عليه مع فرض الصحة عندهم، و من ذلك كله ظهر لك الحكم في جميع أقسام المسألة في الذمية إذا كانت زوجة لمسلم أو ذمي و قد انتقلت إلى غير دينها.

و إذا أسلم الذمي أو غيره على أكثر من أربع من المنكوحات الكتابيات بالعقد الدائم استدام أربعا من الحرائر أو أمتين و حرتين أو ثلاث حرائر و أمة إن جاز ابتداء نكاح الأمة مع الحرة و جاز نكاح أمتين، لأولوية الاستدامة منه، بل عن المبسوط و التذكرة ظهور الاتفاق على جوازها و إن كان قد يشكل إن لم يتم الإجماع بإطلاق دليل المنع على حسب غيره من الممنوع الذي يعتبر في الإقرار عليه بعد الإسلام جواز الابتداء، بمعنى ملاحظة الاستدامة ابتداء فيعتبر فيها ما يعتبر فيه.

و لو كان عبدا استدام حرتين أو حرة و أمتين أو أربع إماء و فارق سائرهن من غير فرق في ذلك كله بين ترتب عقدهن و عدمه، و بين اتحاده و تعدده، و بين دخوله بهن و عدمه، و بين الأوائل و الأواخر، لعموم أدلة الاختيار. و للعامة قول بانفساخ نكاح الجميع مع اتحاد العقد، كالقول بانفساخ نكاح الأواخر، و فيه أنه مناف لقاعدة الإقرار المقتضية لعدم وجوب الفحص و البحث عن كيفية وقوع نكاحهم، لأن الأصل الصحة و البراءة من الفحص، و لأن كثيرا من الكفار أسلموا على عهده صلى الله عليه و آله مع أزواجهم، فأقرهم على نكاحهم من غير استفصال.

نعم لو علم أن نكاحهم مشتمل على مقتضى الفساد استدامة أيضا كنكاح إحدى المحرمات عينا أو جمعا أجرى عليه حكم الإسلام، و لذا

روي (1) عن


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 184.

ج 30، ص: 57

النبي صلى الله عليه و آله «أن فيروز الديلمي لما أسلم عن أختين قال له النبي صلى الله عليه و آله: اختر إحداهما»

إذ عنوان الحرمة في الجميع لا فرق فيه بين الابتداء و الاستدامة، و لذا يبطل النكاح بالأمومة الحادثة بالرضاع، و البنت كذلك، و الجمع بالأختين الحادثة به، و هكذا. و من ذلك على الظاهر الجمع بين الأمة و الحرة، اللهم إلا أن يثبت ما سمعته من الإجماع إلا مع عدم بقاء المفسد، فالظاهر إقرارهم عليه مع صحته عندهم و إن كان فاسدا عندنا، فضلا عن الصحيح عندنا و إن كان فاسدا عندهم، كما لو اعتقدوا اباحة النكاح الموقت من غير مهر أو العقد في العدة و أسلما بعد انقضائها أو جواز شرط الخيار مدة و أسلما بعد انقضائها بخلاف ما إذا أسلما و العدة أو مدة الخيار باقية، فان المانع حينئذ موجود، فيجري عليه حكم المسلمين دون الأول الذي قد مضى فيه المفسد في زمن الكفر المقرين عليه و منه نكاح الأزيد من أربع، فإن المفسد كان في زمن الكفر المقر عليه، فشارك العقد السابق في استدامة الصحة، و لذا كان له الخيار في إمساك الأوائل و الأواخر، ضرورة كونهن بالنسبة إليه كثمن الخمر الذي أسلم عليه، فإنه لا إشكال في ملكيته عليه و إن كان هو أثر العقد الفاسد، إلا أن المفسد لم يكن موجودا حال الاستدامة، نعم الزيادة على الأربع ممنوعة ابتداء و استدامة، فلذا كان له الخيار من غير فرق بين الجميع، فتأمل جيدا، و ربما يأتي له تتمة.

و كيف كان فلا يشترط إسلامهن لما عرفت من جواز ابتداء نكاح الكتابية، نعم لو كن و ثنيات انفسخ مع عدم الدخول، و معه انتظر إسلامهن في العدة، و لو أسلم معه أربع من ثمان كان له اختيار الكتابيات، لا طلاق دليل التخيير، و لأن الإسلام لا يحرمهن عليه، و لا يوجب نكاح المسلمات، نعم الأولى له اختيار المسلمات، لشرفهن، و ليس للمرأة المتزوجة في الكفر بزوجين اختيار أحدهما إذا أسلما، بل يبطل عقدهما معا مع الاقتران، و الثاني خاصة مع الترتيب و إن اشتبه فالقرعة أو البطلان أو الإيقاف أو الإلزام بالطلاق أو نحو ذلك مما تقدم في نظائره.

و على كل حال فلا مهر للزائد مع عدم الدخول، و مهر المثل معه إن قلنا بعدم

ج 30، ص: 58

الصحة للعقد الزائد من أصله، و إن الاختيار لمن عداها كاشف عن ذلك، و أما إن قلنا بصحته على الكل بناء على صحة نكاحهم، و إن الاختيار هو المبطل له عن غير المختار فينبغي أن يثبت المسمى بالدخول، و نصفه أو كله مع عدم الدخول، كما هو واضح.

و لو لم يزد عددهن بعد إسلامه على القدر المحلل له لو كان مسلما كان عقدهن ثابتا بلا خلاف و لا إشكال و ليس للمسلم إجبار زوجته الذمية مثلا على الغسل من الحيض فضلا عن غيره لأن الاستمتاع ممكن من دونه بناء على الأصح من عدم اشتراط الوطء به، و ذمتهم تمنع من إجبارهم على ما ليس في دينهم، نعم قد ذكر غير واحد من الأصحاب إن له إجبارها عليه بناء على اشتراط جواز الوطء به و إن كان فاسدا، لعدم صحته منها، و فيه منع حصول الشرط حينئذ بذلك، بل المتجه استمرار الحرمة عليه حتى تؤمن، ضرورة عدم رفع حكم حدث الحيض المفروض منعه بالغسل الفاسد، و دعوى قيامه مقام الصحيح في ذلك محتاجة إلى دليل يدل عليه.

و لو اتصفت بما يمنع من الاستمتاع ألزمت بالمنع منه كالمسلمة، بل لا يبعد مع كونه مانعا لكماله باعتبار أنه ينفره كالنتن الغالب، و طول الأظفار المنفر و نحو ذلك كان له إلزامها بإزالته أما إذا كان مانعا للكمال لا للنفرة بل لعدم حصول داع إلى هيجان الشهوة معه ففي تسلطه على إلزامها بإزالته إشكال و له منعها من الخروج من منزله إلى الكنائس و البيع (11) كالمسلمة إلى المساجد و نحوها، لمنافاته للاستمتاع كما له منعها من (12) مطلق الخروج من منزله (13) و لو إلى دور أهلها و أرحامها.

و (14) كذا له منعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير و استعمال النجاسات (15) ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن وهب (1) الذي سأل فيه عن تزوج


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالكفر- الحديث 1.

ج 30، ص: 59

النصرانية و اليهودية: «إن فعل فليمنعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير»

و في كشف اللثام تعليله مع ذلك بالنفرة، كما أن فيه عن المبسوط إن قدر ما يسكر له منعها، و القدر الذي لا يسكر قيل: فيه قولان، و إن أكلت لحم الخنزير قيل:

فيه قولان، أقواهما أنه ليس له ذلك، أي زوجة كانت، مسلمة كانت أو مشركة بل فيه عنه أنه قوي عدم المنع له عما ينقص الاستمتاع من استعمال النجاسات التي هي كذلك، و من أكل الثوم و البصل و الكراث و نحوها و إن كان هو كما ترى.

نعم قد يتجه الإشكال في غير المنفر، و غير المانع أو المنقص من الاستمتاع و لو كان شرب خمر و أكل لحم خنزير و استعمال نجس، ضرورة عدم الدليل على ذلك من حيث الزوجية و الصحيح المزبور لأدلة فيه على ذلك، فإنه ليس له ذلك في المسلمة فضلا عن الذمية التي لا تجبر على ما هو غير مناف لدينها، كما أن الظاهر منه أيضا عدم شرطية حل النكاح بذلك و إن كان ربما يتوهم إلا أنه يجب حمله على ضرب من الندب أو نحوه، لإطلاق النص و الفتوى، و الله العالم.

[المقصد الثاني في كيفية الاختيار]

المقصد الثاني في كيفية الاختيار الذي لم نعثر على التعبير عنه بلفظة في شي ء من نصوصنا، نعم

في شرح الإرشاد لبعض فضلاء المخالفين «إن النبي صلى الله عليه و آله قال لغيلان ابن سلمة لما أسلم و تحته عشر نسوة» (1): «اختر أربعا و فارق سائرهن» قال: رواه ابن حيان بهذا اللفظ، و رواه الشافعي و الترمذي و ابن ماجة، و صححه الحاكم و غيره في ألفاظهم خصوصا المخالفين «أمسك أربعا و فارق سائرهن»

و هو أشهر في كتب الفقه، قلت: و هو كذلك، و هو و إن كان بمعنى الاختيار إلا أنه لا يوجب البحث عن كيفية الاختيار و عما يتحقق به مفهومه و غير ذلك مما أطالوا به في هذا المقام الذي هو ليس أولى من غيره، بل لعل استقصاء البحث فيه في بحث الخيار أولى من


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 182.

ج 30، ص: 60

ذلك، كما هو واضح.

و على كل حال ف هو يتحقق إما بالقول الدال على الإمساك صريحا كقوله: «اخترتك» أو «أمسكتك» أو ما أشبهه أو «اخترت نكاحك» أو «أمسكته» أو نحو ذلك من الألفاظ الدالة عليه صريحا من أي لغة كانت و عن بعض الشافعية إن ما لم يذكر فيه لفظ النكاح كناية، و حكى عن الرافعي بل هو ظاهر الشهيد منافي المسالك، و ضعفه واضح، نعم من الكناية ما يدل على فسخ من عدا المختارات، فإنه يلزمه حينئذ نكاح المختارات، و نحو قوله: «أريد كن» أو «لا اريدكن» و الأمر سهل بعد فرض استواء الجميع في ترتيب الحكم، فان احتمال اعتبار صراحة اللفظ هنا كالعقود و الإيقاعات بناء على ذلك فيها بعيد و إن أمكن تقرير ما استدلوا به على ذلك هناك هنا، إلا أن الظاهر إمكان تحصيل الإجماع على خلافه هنا، و لعله لصدق إمساك الأربع بذلك كله، بل ستعرف ثبوته، بالفعل فضلا عن القول، بل إن لم يكن إجماعا أمكن دعوى ترتب الحكم عليه بالمعنى النفساني الإنشائي و إن لم يذكر ما يدل عليه من قول أو فعل، على حسب ما احتمل في تحقق الرضا فيما اعتبر به فيه بذلك، و

قوله عليه السلام (1): «انما يحلل الكلام و يحرم الكلام»

إنما يراد به في العقود و الإيقاعات المعهودة، دون ما كان من توابع العقود مثلا، كالرضا و الخيار و الاختيار و نحو ذلك و لو رتب الاختيار ثبت عقد الأربع الأول و اندفع عقد البواقي لاستيفائه العدد بما سبق من اختياره كما هو المفروض، و لو حصر اختياره في ستة مثلا أو خمسة اندفع عقد غيرهن، و كان بمنزلة ما اختار فراق إحداهن مثلا و لو قال لما زاد على الأربع: «اخترت فراقكن» اندفعن و ثبت نكاح البواقي و إن لم يحصل منه إنشاء بقاء نكاحهن، ضرورة عدم الملازمة بين اختيار فراق ما زاد و بين ذلك، إلا أن العقد الأول بعد فسخ الزائد مقتض تام في بقاء نكاحهن، و منه يعلم عدم توقف بقائه على أنشأ الاختيار النفساني، فلا حاجة إلى تكلف دلالة ذلك عليه بالكناية


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام العقود الحديث 4 من كتاب التجارة.

ج 30، ص: 61

كي يناقش بفرض الغفلة و نحوها، بل و بعدم الملازمة بين القصدين، فان اختيار فراق ما زاد على الأربع يلزمه بقاء الأربع لا قصد بقاء الأربع الذي هو معنى الاختيار كما هو واضح، و لو قصد بالفراق الكناية عن الطلاق و قلنا إن الكناية، عنه مثله في الدلالة على النكاح كما ستعرفه ثبت عقد المراد طلاقهن، و لن يقع بهن طلاق، و انتفى نكاح غيرهن، فينعكس الحكم حينئذ، و إن لم نقل بذلك لم يكن ثم اختيار.

و لو قال لواحدة مثلا «طلقتك» صح نكاحها و طلقت، و كانت من الأربع، و لو طلق أربعا اندفع البواقي بالشرع و ثبت نكاح المطلقات ثم طلقن بالطلاق، لأنه لا يواجه به إلا الزوجة، إذ موضوعه إزالة قيد النكاح فهو حينئذ جزء مفهومه، و لازمه لزوما بينا، فإثباته يستلزم إثباته، خلافا لما عن بعض من عدم كونه معينا للنكاح في وجه، ل

قوله صلى الله عليه و آله و سلم لفيروز الديلمي (1) و قد أسلم على أختين: «طلق أيتهما شئت»

فلو كان الطلاق تعيينا للنكاح لكان ذلك تعيينا لنكاحهما عليه، و فيه أن المراد من الطلاق فيه الفراق مجازا.

نعم قد يناقش ذلك بأن وقوع الطلاق صحيحا يستلزم ثبوت النكاح، لأن (2) قصد الطلاق يستلزم قصد اختيار النكاح، ضرورة إمكان قصد معنى الطلاق في الأجنبية و إن لم يقع صحيحا، فدعوى لزوم قصد الطلاق لقصد النكاح على وجه يتحقق به إنشاء الاختيار محل منع، و من ذلك يعلم أنه لو طلق جاهلا بعدم حاجة فراقهن إلى طلاق فأوقعه بقصد إرادة المفارقة لهن و بقاء نكاح غيرهن كان في الحقيقة دالا على اختيار ما عداهن، اللهم إلا أن يقال في الفرض: إنه لما أنشأ طلاقهن، دل ذلك على أنه قد اختار نكاحهن ثم أنشأ طلاقهن باعتبار معلومية عدم طلاق غير الزوجة، فيحكم عليه بحسب ما وقع منه من الطلاق المحمول على الوجه الصحيح المتوقف صحته على كونه قد


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 184.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة، و الصحيح «لا أن قصد الطلاق يستلزم.» كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.

ج 30، ص: 62

اختار نكاحهن، إلا أنه هو- مع كونه غير ما سمعته من تقرير الدلالة- قد يناقش فيه بإمكان منع الظهور هنا، لإمكان الاشتباه فيه بالاكتفاء فيه بعلاقة الزوجية، فلا ظهور حينئذ على كونه اختار قصد النكاح ثم قصد الطلاق.

مضافا إلى إمكان منع تحقق الاختيار بمجرد الإنشاء باطنا من دون دلالة عليه و لو فعلا كما أومأنا إليه سابقا و في الفضولي و إن كان الأقوى خلافه، و إلى عدم اختصاص الدعوى بالطلاق الصحيح، بل ظاهرهم ثبوت الاختيار به و إن كان الطلاق فاسدا بعدم الشاهدين أو الصيغة أو غير ذلك، بل ظاهر بعض و صريح آخر ثبوته به و إن وقع معلقا، فإنه و إن لم يقع طلاق لكنه على كلامهم دال بالكناية على الاختيار، و ليس تعليقه تعليق له، بل لعل قول المصنف: «و لو قال لواحدة» إلى آخره من ذلك أيضا بناء على عدم وقوع الطلاق بهذا اللفظ، فتأمل جيدا.

و ربما ألحق الفسخ بالعيب بالطلاق في الدلالة على الاختيار على الوجه الذي عرفت نعم الظهار و الإيلاء ليس لهما دلالة على الاختيار كما صرح به غير واحد من العامة و الخاصة لأنه قد يواجه به غير الزوجة بل لعل الأجنبية أليق بهما من الزوجة، و إن كان لكل منهما أحكام مخصوصة لو خوطب بهما الزوج (1) إلا أن ذلك لا يقضي بالاختيار، و به فرقوا بينهما و بين الطلاق الذي جزء مفهومه النكاح أو لازمه لزوما بينا.

لكن قد يشكل ذلك بما سمعته سابقا من أن مفهومه إزالة قيد النكاح لا اختياره، بل لا تلازم بين معنى اللفظ في نفسه و بين وقوعه، فالطلاق لو وقع بالأجنبية كان له معنى، لكنه لا يؤثر أثرا، فوقوع النكاح حينئذ شرط تأثيره لا أن أصل المعني موقوف على حصول النكاح، و بأنه كما لا يتحقق معنى الطلاق خارجا إلا في الزوجة كذلك الظهار و الإيلاء أيضا و إن كانا لو وقعا بالأجنبية كان


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة، و الصحيح «الزوجة» كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.

ج 30، ص: 63

لهما معنى صحيح، بل لو حلف على ترك وطء (1) الأجنبية فتزوجها و وطأها كان عليه الكفارة، لكن ذلك كله لا يسمى ظهارا و لا إيلاء.

و منه لم يفرق الشيخ فيما حكى عن مبسوطة بين الجميع في كونهن اختيارا و إن كان غير خفي عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، و أن جعل الجميع ليس اختيارا إلا بالقرائن أولى و حينئذ فإن اختار التي ظاهرها أو آلى عليها صحا، و كان ابتداء مدة الإيلاء من وقت الاختيار، و كان في الظهار عائدا إن لم يفارقها في الحال من غير خلاف يعرف فيه منهم، لكن قد يشكل بأنه بالاختيار انكشف سبق الزوجية فيكونان حينئذ قد بان أنهما وقعا على الزوجة من أول صدورهما، و منه يعلم حينئذ أنه لو طلق و قلنا إنه ليس اختيارا أو نصب قرينة على ذلك أمكن دعوى ظهور وقوعه و صحته بالاختيار الواقع بعده الكاشف عن الزوجية حال وقوع الطلاق، و ليس ذا من التعليق في شي ء، بل هو كطلاق الامرأة المعقودة فضولا قبل تحقق إجازتها بناء على أن الإجازة للكشف خاصة و لا تأثير لها في النكاح، و دعوى أن الاختيار ارتجاع لا استدامة و الطلاق لا يقع إلا بالزوجة واضحة المنع.

و لو قذف واحدة و اختار غيرها وجب الحد، و سقط بالبينة خاصة دون اللعان، لأنها بحكم أجنبية و إن كان لها حكم الزوجة قبل الاختيار.

و لو طلق أو ظاهر أو آلى أو قذف بعد إسلامه حال كفرهن فان خرجت العدة على كفرهن فلا حكم للجميع حتى القذف بالنسبة إلى اللعان و بالنسبة إلى الحد، لأنهن كافرات، و إنما عليه التعزير فيه، و يسقط بالبينة، و إن أسلمن فيها فالأقرب وقوع الطلاق عليهن إن لم يزدن على النصاب أو لم يطلق إلا النصاب فما دون، فان بقاء الزوجية مراعي بالإسلام في العدة فكذا الطلاق، و لا جهة لبطلانه، فإن الإسلام كاشف عن بقاء الزوجية، و إن زدن و وقع الطلاق على النصاب أو ما دونه كان اختيارا عند من عرفت، و يحتمل العدم، لأنه حين


1- 1 في النسخة الأصلية المبيضة و المسودة «بل لو حلف على وطء الأجنبية» و الصحيح ما أثبتناه.

ج 30، ص: 64

طلق لم يكن له الاختيار، و إن اختار لم يصح، و الإسلام مشترك بين الجميع، نعم إن اختار المطلقات صح طلاقهن، فهو طلاق مراعي بالإسلام و الاختيار جميعا، و إن زدن على النصاب و طلق الكل كشف الإسلام عن صحته على النصاب و تتعين بالاختيار أو القرعة، و أما الظهار و الإيلاء فإن اختار من أوقع عليها ذلك صح و ترتب عليه أحكامه و إلا فلا، و أما القذف فان اختار المقذوفة فعليه التعزير، لأنه قذفها كافرة و يسقط باللعان أو البينة، و إن لم يخترها أسقطه بالبينة خاصة.

ثم على فرض كون الطلاق اختيارا فهل ينزل الكناية عنه منزلته؟ إشكال أقربه عند الفاضل العدم، لأنها لا تفيد الطلاق، فلا تفيد الاختيار و إن قصد بما تلفظ به الطلاق، لكن فيه أن الاختيار لا ينحصر في لفظ، بل العبرة فيه بما في النفس، فمع فرض أنا علمنا قصده الطلاق بذلك يكون اختيارا و إن لم يقع طلاق، لما عرفت من دلالة قصد معنى الطلاق عليه عندهم، و لذا يقع به عندهم و إن كان فاسدا، بل قد يقال بكونه اختيارا لو أوقع طلاقا مشروطا بالإسلام، كما لو قال:

«كلما أسلمت منكن واحدة فهي طالق» بناء على تأثير الاختيار لو وقع حال الكفر، و لكن يراعى بالإسلام في العدة، و لو قال: «إن دخلت الدار- مثلا- فقد اخترتك للنكاح» مثلا لم يقع، لاشتراط التنجيز فيه كغيره من أسباب المعاملات، فان الدليل فيها جميعا متحد، و ليس ذا من قبيل تعليق الطلاق، كما لو قال:

«أنت طالق إن جاء زيد، أو إن طلعت الشمس، أو إن كانت الشمس طالعة» فإنه يمكن أن يكون اختيارا، لأنه ليس تعليقا له، بل للطلاق الذي قد عرفت دلالة قصده عندهم على الاختيار و إن لم يقع الطلاق بذلك، هذا كله في الاختيار بالقول صريحا أو كناية.

و إما بالفعل ف لا خلاف أجده عندهم فيما دل عليه صريحا، لأولوية اندراجه في

قوله صلى الله عليه و آله (1): «أمسك أربعا و فارق سائرهن»

من القول، بل ظاهر المصنف


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 182.

ج 30، ص: 65

و غيره ذلك أيضا في مثل أن يطأها، إذ ظاهره الاختيار باعتبار دلالته على الرغبة فيها، و حمل فعله على الوجه الصحيح السالم عن الزنا، و لذا عد رجوعا في الطلاق و فسخا في خيار البائع. و حينئذ ف لو وطأ أربعا ثبت عقدهن و اندفع عقد البواقي لكن قد يشكل ذلك بعد عدم الدليل شرعا على كونه اختيارا، و إنما هو من حيث الدلالة بأنه لا بد من تقييده بالوطء المتذكر المتنبه، لا مطلق الوطء، و بما إذا لم يكن ثم قرينة تدل على عدم قصده الاختيار، بل قد يشكل أيضا مع ذلك فيما إذا ادعى عدم خطور الاختيار في الذهن حال الوطء و عدم قصده، فان الحكم عليه بمجرد وقوع الوطء منه خصوصا بعد الدعوى منه لا يخلو من إشكال، خصوصا بعد إشكاله في التقبيل و اللمس بشهوة.

قال و لو قبل أو لمس بشهوة يمكن أن يقال: هو اختيار كما هو رجعة في حق المطلقة، و هو يشكل بما يتطرق اليه من الاحتمال، ضرورة عدم ظهور الفرق بينهما بناء على كون المدرك في ذلك حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح الذي هو مشترك بينهما، بل مقتضى ذلك عدم التقييد بشهوة، فإن مطلق التقبيل و اللمس محرم لغير الزوجة، فمقتضى حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح كونه اختيارا، لكن هو كما ترى، ضرورة عدم اقتضاء صحة فعل المسلم الحكم بوجود الشرط الذي عدمه مقتضى الأصل، حتى بالنسبة الى غير ذلك الموضوع الذي فعله المسلم، خصوصا بعد دعواه عدم القصد الذي هو أدرى به من غيره، و خصوصا مع عدم معارضة الزوجة بالإنكار، لعدم علمها أو لغيره، فالوجه التوقف فيه ما لم تقم قرينة على قصد الاختيار قبله بعد عدم الدليل شرعا على عدم كونه اختيارا فتأمل جيدا، و الله العالم.

و لو تزوج بأخت إحداهن قبل الفسخ أو الاختيار لم يصح، لبقاء علقة الزوجية، و هل يكون اختيار الفسخ عقد أختها إذا كان تحته أكثر من النصاب سواء كان دواما أو متعة؟ إشكال من التنافي، و اختيار أحد المتنافيين يدل على كراهة الأخر و إن كان فاسدا، و من أن التنافي إنما يكون إذا صح و ليس كما عرفت، و العموم إذ ربما غفل أو جهل، قلت: يتجه كونه اختيارا بناء على ما ذكروه من

ج 30، ص: 66

حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح، كما أنه يتجه حينئذ الحكم بصحة عقد الأخت و فسخ عقد السابقة مع فرض عدم العلم بحاله، فيكون من الفعل الدال كناية، نعم فيه ما قدمناه سابقا من الاشكال، و لو قال: «حصرت المختارات في ست» مثلا و عينهن انحصرن فيهن، فتعتد الباقيات حينئذ، لدلالته على فسخ نكاحهن، و لو لحقه أربع و تخلف أربع فعين الأوائل للنكاح صح، لإطلاق الأدلة، و لو عينهن للفسخ ففي القواعد لم يصح إن كان الأواخر و ثنيات و إلا صح، و كان وجهه إمكان أن لا يسلمن، فيتعين الأوائل للزوجية بخلاف الكتابيات، فان اختيارهن غير موقوف على إسلامهن، و لو عين المتخلفات للفسخ فلا إشكال، لكن فيه أنه يمكن أن يقال بالصحة في الأول على وجه المراعاة، فإن أسلمن الأواخر علم أن الفسخ في محله و إلا كان باطلا، فيكون حينئذ شرط الفسخ تجويز إمكان بقاء الزوجية لا العلم بإمكان بقائها، لا طلاق الأدلة الذي لا يعارضه أصل عدم الانفساخ و عدم تعيين البواقي للزوجية، فتأمل جيدا.

و كيف كان فيجب الفور في الاختيار على وجه لا يستلزم الضرر و التعطيل على الأزواج، فإن امتنع مع ذلك ألزمه الحاكم به، فإن أصر على الامتناع قيل إنه يعزر حتى يختار، و لا يختار عنه الحاكم، لأنه منوط بالشهوة، قلت: يمكن دعوى تولي الحاكم مع ذلك، لعموم ولايته على مثله، و منه يعلم تولي ولاية ولي المجنون له، بل و الصغير للعموم، لكن في القواعد «و لو أسلم الكافر يعد أن زوج ابنه الصغير بعشر تبعه ابنه في الإسلام، فإن أسلمن مع الأب اختار بعد البلوغ، و يمنع أي و هو صغير من الاستمتاع بهن، و تجب النفقة عليهن، و لو أسلم المجنون ففي التبعية إشكال، فإن قلنا به تخير الأب أو الحاكم» بل عن معطي كلام التذكرة الإيقاف فيه أيضا إلى البرء، لأن الاختيار بالتشهي، و فيه أن إطلاق الولاية يشمل ذلك، خصوصا مع قاعدة نفى الضرار، و القياس على الطلاق غير جائز عندنا، فيقوى حينئذ وقوعه عن الولي فضلا عن الوكيل، و لعل في ذلك كفاية عما يتصور من الفروع في المقام، خصوصا بعد ملاحظة النظائر في الخيارات و نحوها، فلا حظ و تأمل، و الله

ج 30، ص: 67

المؤيد و العالم.

[المقصد الثالث في مسائل مترتبة على اختلاف الدين]
[المسألة الأولى إذا تزوج الكافر امرأة و بنتها ثم أسلم بعد الدخول بهما حرمتا]

المقصد الثالث في مسائل مترتبة على اختلاف الدين:

[المسألة الأولى إذا تزوج الكافر امرأة و بنتها ثم أسلم بعد الدخول بهما حرمتا]

الأولى إذا تزوج الكافر امرأة و بنتها دفعة أو ترتيبا ثم أسلم بعد الدخول بهما و كن كتابيتين مثلا حرمتا أبدا عليه، لصدق «أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ» (1) و صدق «رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» (2) و كذا لو كان قد دخل بالأم وحدها، لذلك أيضا، بخلاف ما لو دخل بالبنت وحدها، فإنه يثبت نكاحه لها، و تختص الأم بالحرمة أبدا بأمهات النساء، و الوجه في ذلك كله ما عرفت من أن الكفار مخاطبون بالفروع عندنا، إلا أنه يحكم بصحة ما في أيديهم من النكاح و غيره، بمعنى ترتب الآثار عليه و إن كان فاسدا عندنا، بل يقرون عليه بعد الإسلام ما لم يكن المفسد مستمرا، فإنه لا يقر عليه حينئذ بعد الإسلام، ضرورة كونه كالمسلم الذي يعرض لنكاحه الصحيح ذلك، فيفسد به، فإن استدامة صحة نكاح الكافر المقر عليها لا تزيد على استدامة نكاح المسلم الصحيح، و من ذلك ما نحن فيه، فإنه لا ريب في بطلان نكاح المسلم بعروض صدق أمهات النساء و الربيبة المدخول بأمهات بالرضاع مثلا فاستدامة نكاح الكافر كذلك، و كذا يبطل نكاح الأم خاصة لو فرض عروض الاندراج في أمهات النساء دون الربيبة التي لم يدخل بأمها، كما لو أرضعت زوجته


1- 1 سورة النساء: 4 الآية 23.
2- 2 سورة النساء: 4 الآية 23.

ج 30، ص: 68

الكبيرة التي لم يدخل بها زوجته الصغيرة فإنها تحرم الكبيرة دون الصغيرة 7 فكذلك الكافر الذي أسلم، فإنه بإسلامه يكون قد عرض لنكاحه المقر عليه صدق الاندراج الإسلام بعد فرض كونه مفسدا في الابتداء و في الاستدامة.

و من ذلك يعلم الوجه في قول المصنف و غيره هنا أما لو لم يكن الكافر دخل بواحدة منهما أي الأم و البنت و أسلم بطل عقد الام و حرمت عليه أبدا بأمهات النساء دون البنت فإنه يثبت عقدها، لأنها ربيبة لم يدخل بأمها، فهو حينئذ كالمسلم الذي أرضعت زوجته الكبيرة الصغيرة قبل الدخول و حينئذ ف لا اختيار له، ضرورة تعين المحللة له و هي البنت خاصة.

لكن قال الشيخ: له التخيير فإن المحكي عنه في الخلاف «إذا جمع بين العقد على الام و البنت في حال الشرك بلفظ واحد ثم أسلم كان له إمساك أيتهما شاء و يفارق الأخرى» و في المبسوط «إن لم يدخل بهما قيل: يتخير في إمساك أيتهما شاء، و قيل: يثبت نكاح البنت، و يقوى في نفسي الأول» و في المختلف «احتج الشيخ بأن المشرك إذا جمع بين من لا يجوز له الجمع بينهما في نكاح فإنما يحكم بصحة نكاح من ينضم الاختيار الى عقدها أ لا ترى أنه إذا عقد على عشر دفعة واحدة و أسلم اختار منهن أربعا، فإذا فعل حكمنا بأن نكاح الأربع وقع صحيحا، و نكاح البواقي وقع باطلا، بدليل أن نكاح البواقي يزول، و لا يجب عليه نصف المهر إذا كان قبل الدخول، فإذا كان كذلك فمتى اختار إحداهما حكمنا بأنه هو الصحيح و الأخر باطل، و لأنه إذا جمع بين من لا يجوز الجمع بينهما و اختار في حال الإسلام لكان اختياره بمنزلة ابتداء عقد، بدليل أنه لا يجوز أن يختار إلا من يجوز له أن يستأنف نكاحها حين الاختيار، و إذا كان الاختيار كابتداء العقد كان كأنه الان تزوج بها وحدها، فوجب أن يكون له اختيار كل واحدة منهما» ثم أجاب عنه في المختلف «بأن الذي ذكره إنما يتم في صورة

ج 30، ص: 69

الاختيار في حال الإسلام، و هنا لا يمكن الاختيار في حال الإسلام، فإن الام حرمت بمجرد العقد على البنت».

و هذا الجواب منه- ره- مبنى على ما استدل به للمطلوب من أن المقتضي للتحريم موجود، و المانع لا يصلح للمانعية، أما وجود المقتضي فللأدلة المانعة من الجمع بين الام و البنت من الكتاب (1) و السنة (2) المتواترة و الإجماع، و أما عدم صلاحية المانع فلما تقرر في الأصول من أن الكفار مخاطبون بالفروع، و فيه أن هذه المسألة غير مبنية على ذلك، و إلا كان المتجه ما ذكره الشيخ من عدم حرمة إحداهما عليه، ضرورة أن المسلم لو عقد على الام و البنت دفعة لم تحرم إحداهما عليه، بل له استئناف العقد على كل منهما، فكذلك الكافر بناء على الشركة، بل لو عقد على الأم أولا ثم عقد على البنت بعد ذلك لم تحرم بذلك الأم، الى غير ذلك من الأحكام التي تترتب على قاعدة الاشتراك المنافية لإطلاق الأصحاب هنا بل و لصريحه، فالأولى الاستدلال بما عرفت.

و منه يعلم أن الأول أشبه لا ما ذكره الشيخ الذي يأتي مثله في مسألة الدخول، ضرورة كونه حينئذ بمنزلة عدمه قبل الاختيار الذي هو ابتداء نكاح، فإن

«الإسلام يجب ما قبله» (3)

و فيه أنه لا يمنع صدق الاندراج في عنوان المحرم.

نعم قد يقال: إن الحكم فيما لو أسلم عن أمة و بنتها مبني على قاعدة الاشتراك ف يقال حينئذ إن كان وطأهما حرمتا عليه أبدا و إن كان وطأ إحداهما حرمت الأخرى خاصة أبدا و إن لم يكن وطأ واحدة منهما تخير


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 23.
2- 2 الوسائل الباب- 18 و 19- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
3- 3 المستدرك الباب- 15- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2 و الخصائص الكبرى ج 1 ص 249 و كنز العمال ج 1 ص 17- الرقم 243 و الجامع الصغير- ج 1 ص 123.

ج 30، ص: 70

كالمسلم في ذلك كله في الصورة الأولى، بناء على أن وطء الشبهة يحرم السابقة أيضا، اللهم إلا أن يقال بالحرمة هنا و إن لم نقل به في وطء الشبهة، فيختص الكافر حينئذ بذلك، و ينزل حينئذ وطؤه لكل منهما منزلة عقده على كل منهما و دخوله المحكوم بصحته في حال الكفر، فيترتب حينئذ عليه بعد الإسلام ما يترتب على الصحيح، فيفيد الحرمة على كل منهما أبدا.

و لو أسلم عن أختين تزوجهما دفعة أو مرتبا تخير أيتهما شاء و لو كان قد وطأهما بعين ما عرفته سابقا، فهو حينئذ كالمسلم الذي ارتضعت زوجته الصغيرة من لبن أم الكبيرة، فإنه يتخير واحدة منهما، نعم يفرق بينهما بالاحتياج الى عقد مستأنف في وجه في المسلم بخلاف الكافر.

و كذا يتخير لو كان أسلم و عنده امرأة و عمتها أو خالتها و لم تجز العمة و لا الخالة الجمع لأنه بعد الحكم باستمرار صحة عقده المقر عليه- من غير فرق بين سبق العمة و تأخرها و المقارنة- يكون حينئذ بعد الإسلام بمنزلة مسلم قد عقد على العمة و بنت أخيها دفعة من غير رضا العمة، فيتخير إحداهما بعقد مستأنف أو بدونه على الوجهين، كالاختين أو كمسلم عرض ذلك لنكاحه برضاع مثلا. أما لو رضيتا أى العمة و الخالة صح الجمع بلا إشكال، بل الظاهر كفاية رضا هما في حال الكفر، لإطلاق الأدلة، فاحتمال أنه بعد الإسلام كابتداء نكاح لا بد له من رضا مستأنف مدفوع بها.

و كذا لو أسلم عن حرة و أمة زوجتين يصح الجمع مع فرض رضا الحرة و لو حال الكفر، و إلا انفسخ عقد الأمة، لأنه يكون بعد إسلامه بمنزلة عقد المسلم عليهما دفعة الذي قد سمعت أن الحكم فيه انفساخ عقد الأمة مع عدم رضا الحرة نصا (1)

و فتوى أو بمنزلة عروض ذلك للمسلم بعد نكاحه، بأن أسرت إحدى زوجتيه فصارت أمة.

و من ذلك يعلم أن الحكم في الحرة و الأمة غيره في العمة و الخالة و إن اشتركا


1- 1 الوسائل الباب- 48- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

ج 30، ص: 71

في صحة الجمع مع الرضا، مع أنه قد يشكل إن لم يكن إجماعا بأن المتجه الانفساخ في الأمة و إن رضيت الحرة، بناء على عدم جواز نكاحها مع التمكن من الحرة كما جزم به العامة، اللهم إلا أن يفرق بين الابتداء و الاستدامة، كما لو أسلم زوج الكتابية، فإنه يقر عليه حتى على القول بعدم جواز نكاحها غبطة ابتداء، لكن لا يخفى عليك احتياجه الى الدليل، و ليس إلا الإجماع إن ثبت، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا أسلم المشرك و عنده حرة و ثلاث إماء وثنيات بالعقد فأسلمن معه تخير مع الحرة اثنتين إذا رضيت الحرة]

المسألة الثانية إذا أسلم المشرك و عنده حرة و ثلاث إماء وثنيات بالعقد فأسلمن معه تخير مع الحرة اثنتين إذا رضيت الحرة لعدم جواز نكاح الأزيد منهما له. و كذا لو أسلم الحر و عنده أربع إماء بالعقد تخير منهن أمتين، و لو كن أربع حرائر ذميات مثلا ثبت عقده عليهن، و كذا الحكم لو أسلمن قبل انقضاء العدة يتخير أمتين من الأربع إن كن إماء، و يثبت عقده عليهن إن كن حرائر و ثنيات، لأن إسلامهن في العدة كاسلامهن معه.

و لو كن أكثر من أربع فأسلم بعضهن كان بالخيار بين اختيارهن و بين التربص، فان لحقن به أو بعضهن و لم يزدن عن أربع و اختارهن ثبت عقده عليهن، و إن زدن عن أربع تخير أربعا، و لو اختار من سبق إسلامهن لم يكن له خيار في الباقيات، و لو لحقن به قبل العدة بلا خلاف في شي ء من ذلك و لا إشكال لإطلاق الأدلة، و لو اختار الأربع من الكافرات حال كفرهن و اتفق لحوقهن به في العدة أمكن الاكتفاء به و ثبوت عقده حينئذ عليهن، و ليس هو من التعليق بعد انكشاف كونهن من محل الاختيار بإسلامهن في العدة، نعم لو علق اختياره على من سبق إسلامهن احتمل بطلانه للتعليق، أما لو اختار أربعا مخصوصات منهن فاتفق

ج 30، ص: 72

إسلامهن لحقه حكم الاختيار، و لا يخفى عليك أن ما ذكرنا من الإماء مبني على جواز نكاح الأمة للحر القادر على الحرة و إلا لم يجز له اختيار الأمة و إن رضيت الحرة، كما هو واضح.

[المسألة الثالثة لو أسلم العبد و عنده أربع حرائر وثنيات فأسلم معه اثنتان ثم أعتق و لحق به من بقي لم يزد على اختيار اثنتين]

المسألة الثالثة لو أسلم العبد و عنده أربع حرائر وثنيات فأسلم معه اثنتان فصاعدا ثم أعتق و لحق به من بقي لم يزد على اختيار اثنتين و إن كان لحوقهن به في العدة لأنه كمال العدد المحلل له حال إسلامه الذي هو ابتداء جريان أحكام المسلمين عليه. و لو أسلمن جميعهن قبله ثم أعتق ثم أسلم أو أسلمن بعد عتقه و إسلامه في العدة ثبت نكاحه عليهن بلا إشكال في الصورة الاولى لا تصافه بالحرية المبيحة للأربع قبل إسلامه، و سبق إسلامهن بعد أن كان زمان العدة لهن مراعى فيه حال الزوج غير مناف و إن انكشف حينئذ بإسلامه فيه حرا أنهن زوجات له من حين إسلامهن و إن كان عبدا فيه، لأن العبودية حال الكفر المتعقبة للحرية و الإسلام لا تنافي نصاب الأربع، كما لا ينافي كفره المتعقب للإسلام في العدة كونهن زوجات له حال إسلامهن المفروض كفره فيه، و دعوى أنه بإسلامهن قبله تبين اثنتان منهن و تبقى اثنتان مراعى بإسلامه في العدة يدفعها منع ذلك، بل المتجه أن المراعاة زمان العدة لحال إسلامه، فإن أسلم حرا لحقه حكم الحر المسلم، و إن كان عبدا لحقه حكم العبد المسلم، ضرورة أنه إذا أعتق ثم أسلم قبلهن لحقه حكم الحر المسلم، و لا عبرة بنكاحه الأربع حال كونه كافرا عبدا بعد أن أقر عليه، فكذا زمان العدة الذي أمهله الشارع فيه و جعل الشارع إسلامه فيه مثل إسلامه معهن، فهو حينئذ حر قد أسلم هو و هن دفعة واحدة، كما هو واضح.

ج 30، ص: 73

نعم في الفرق بين الصورة الاولى و الصورة الأخيرة إشكال ضرورة اشتراكهما في مقتضى الأربع أو مقتضي الاثنتين، فلا وجه لقصر اختياره في الأولى على اثنتين، و لبقاء نكاحه على الأربع في الأخيرة، بل لعل المتجه فيهما الاقتصار على اثنتين، لأنه عبد حال إسلامه الذي هو ابتداء جريان الأحكام عليه، و ليس الاختيار ابتداء نكاح، حتى تلحظ رقيته و حريته حاله، على أن إسلام الاثنتين في الصورة الاولى لا يعين عليه الاختيار، لأن له انتظار الأخيرتين في العدة، فلو كان المدار على حاله عنده لاتجه حينئذ ثبوت نكاحه عليهن أجمع، مع فرض لحوق الاثنتين في العدة و بعد عتقه، ضرورة كونه حرا حينئذ كالصورة المتأخرة.

و من هنا يتجه أن يقال: إن الضابط في بقاء نكاحه عليهن أجمع و اقتصاره على الاثنتين سبق حريته على إسلامه و تأخرها عنه، ففي الأول يثبت نكاحه عليهن، سواء أسلمن قبله أو بعده أو معه أو بعضهن قبله أو معه و بعضهن بعده لكونه حال جريان حكم الإسلام عليه حرا، و لا عبرة بعبوديته حال الكفر الذي قد أقر على نكاحه فيه و إن كان فاسدا عندنا، و في الثاني لا يزيد على اختيار اثنتين، لكونه حال إسلامه عبدا، فيثبت له حكم العبد المسلم، من غير فرق بين إسلام اثنتين معه و عدمه، لعدم مدخلية وجود محل الاختيار في ذلك بعد أن لم يكن متعينا عليه.

و بذلك ظهر لك حكم سائر الصور التي ذكرها في المسالك و غيرها، و أطالوا الكلام فيها، و لعل ما ذكرناه هو ظاهر الفاضل في القواعد، حيث قال:

«و لو أسلم العبد عن أربع حرائر فصاعدا و ثنيات ثم أعتق و لحقن به في العدة تخيير اثنتين، فإذا اختارهما انفسخ نكاح البواقي و كان له العقد على اثنتين أخريين، و لو أعتق أولا ثم أسلم و لحقن به تخير أربعا».

لكن في كشف اللثام «هذا يشمل ما إذا تقدم العتق على إسلامهن أو تأخر أو توسط، و على الأول الأقوى وفاقا للمبسوط و التذكرة و التحرير ثبوت النكاح على الجميع، فان استقرار الاختيار من حين إسلامهن، و هو حينئذ حر، و على التوسط بأن أسلم ثم أسلمت اثنتان أو أسلمتا معه ثم أعتق ثم لحقت به الأخريان

ج 30، ص: 74

في العدة يحتمل ثبوت النكاح على الجميع من أنه لا يتعين عليه اختيار من سبقت إلى الإسلام، لجواز التربص إلى إسلام الباقيتين، و إذا أسلمتا كان حرا، و العدم كما في المبسوط من تحقق الاختيار من حين إسلام الأولتين و إن جاز له التربص إلى إسلام الأخيرتين، و هو حينئذ عبد، و قد تبع بذلك ثاني الشهيدين الذي قد جعل وجه الفرق بين الصورة الاولى و المتأخرة وجود محل الاختيار حال العبودية، فيتعين عليه اثنتان بخلافه في المتأخرة، و فيما لو أسلم معه واحدة و غير ذلك مما لا يتحقق معه خطاب الاختيار، لعدم وجود موضوعه أو عدم كماله، بخلاف ما لو أسلم معه اثنتان أو ثلاث مثلا، فان الاختيار قد يتحقق و إن كان له تأخيره إلى التمام، لكن تشخص أن اختياره اثنتين و إن أخر ذلك إلا أنه لا يتغير اختياره، لأن الفرض تحقق موضوعه، و هو عبد، فيكون له اختيار العبد و إن تعقبت الحرية، و قد شبهوا ذلك بما إذا طلق العبد امرأته طلقتين ثم أعتق، فإنه لا يملك بالعتق طلقة ثالثة و لم يجز نكاحها إلا بمحلل، و لو طلقها طلقة ثم أعتق و نكحها أو راجعها ملك طلقتين، و بما إذا كانت تحته حرة و أمة فقسم للحرة ليلتين و للأمة ليلة ثم أعتقت الأمة، فإن أعتقت بعد تمام ليلتها لم تستحق زيادة، و إن أعتقت قبل تمامها كمل لها ليلتين- ثم قال-: و العبارة الجامعة لهذه المسائل أن يقال: الرقية و الحرية إذا تبدل أحدهما بالاخر فإن بقي من العدد المعلق بكل واحد من الزائد و الطاري شي ء أثر الطاري و كان الثابت على العدد المعلق به زائدا كان أم ناقصا، و إن لم يبق منهما جميعا لم يؤثر الطاري و لم يغير حكما، ففي مسألتنا إذا أسلم معه حرتان ثم عتق لم يبق من العدد المعلق بالزائد شي ء، فلم يثبت العدد المعلق بالطاري و إذا أسلمت معه واحدة بقي من العدد المعلق بالزائد شي ء، و من العدد المعلق بالطاري شي ء، فأثر العتق و ثبت حكمه، و على هذا قياس باقي المسائل، و مما يتفرع على هذا الأصل ما لو طلق الذمي زوجته طلقتين ثم التحق بدار الحرب ناقضا للعهد فسبي و استرق و نكح تلك المرأة بإذن مالكه يملك عليها طلقة، لأنه بقي من عدد الزائد شي ء، و لم يبق من عدد الطاري شي ء، فلم يؤثر الطاري، و لو كان قد طلقها طلقة فإذا نكحها لا يملك عليها إلا طلقة، لأنه بقي من عدد الزائد طلقتان و من عدد الطاري طلقة، و كان الثابت حكم الطاري، و هو الرق».

ج 30، ص: 75

و لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا ما في جميع ذلك حتى الفرق بين المشبه و المشبه به، ضرورة أن العبد إذا طلق طلقتين وقع الحكم بالتحريم المحتاج الى محلل، فحصول العتق بعده لا يؤثر في رفعه، و إذا مضى قرءان وقع الحكم ببراءة الذمة و بتحليلها للأزواج و كذا باقي النظائر بخلاف المقام، فإنه لا يصير مستوفيا لحقه بإسلام اثنتين معه، و إنما يصير متمكنا من الاستيفاء، و التمكين من الشي ء لا يحل محل الشي ء، و أما ما ذكره من العبارة الجامعة لم نعرف مدركه، بل هي محض دعوى بلا دليل و المتجه ما عرفت من كون العبرة بالعتق قبل إسلامه و بعده، ففي الأول يجري عليه حكم المسلمين الأحرار، و في الثاني يجرى عليه حكم المسلمين العبيد، لأن حال إسلامه هو حال جريان الأحكام عليه، و الاختيار و عدمه لا مدخل له في ذلك، كما لا مدخل له في صدق تناول الأدلة التي هي حر أسلم عن أربع و عبد أسلم عن ذلك، كما هو واضح بأدنى تأمل، و الله العالم.

[المسألة الرابعة اختلاف الدين فسخ قطعا لا طلاق]

المسألة الرابعة اختلاف الدين فسخ قطعا لا طلاق فلا يلحقه حكمه إلا بدليل فان كان من المرأة قبل الدخول سقط به المهر الذي هو بمنزلة العوض، فإذا انفسخ العقد الذي كان قد أوجبه قبل استيفاء المعوض رجع استحقاق العوض الى مالكه، سيما مع كون الفسخ من قبلها و إن كان بأمر واجب عليها، من غير فرق بين كونه عينا أو دينا، تصرفت به أولا و تقصيره بعدم إسلامه لا يرفع مقتضى قاعدة الفسخ و ثبوته في ذمته لو ماتت أو مات على القول به، لعدم ثبوت كون الموت فسخا، و لذا جاز النظر و اللمس و التغسيل و نحو ذلك، و

في صحيح ابن الحجاج (1) عن أبي الحسن عليه السلام «في نصراني تزوج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها، قال:


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 6.

ج 30، ص: 76

قد انقطعت عصمتها منه، و لا مهر لها، و لا عدة عليها منه».

و إن كان من الرجل فنصفه على قول مشهور تنزيلا له منزلة الطلاق قبل الدخول، و فيه منع ما يدل على التنزيل على وجه يقتضي ذلك، و من هنا استوجه غير واحد من المتأخرين ثبوت الجميع عليه، بدعوى إيجاب العقد له أجمع، فيستصحب ثبوته بعد أن لم يكن الفسخ من قبلها، و تقصيرها بعدم الإسلام معه لا يرفع أصل استحقاقها الثابت لها بالعقد، و فيه أن قاعدة الفسخ التي ذكرناها تقتضي رد كل عوض الى مالكه، فيتجه حينئذ سقوط الجميع عنه، خصوصا بعد أن كان سبب الفسخ ليس من تقصيره، بل من وجوب ذلك شرعا عليه، نعم قد يقال بثبوت النصف عليه، لكونه القدر المتفق عليه بين القولين، و لقوة إلحاقه به باعتبار كونهما معا فسخا للنكاح قبل الدخول، و إن كان الأخير كما ترى لا يخرج عن القياس المحرم، اللهم إلا أن يكون مستنده بعض النصوص (1)

الواردة في الارتداد المشبهة له بالطلاق.

و إن كان بعد الدخول منه أو منها فقد استقر المهر و لم يسقط بالعارض منه شي ء، ضرورة تمامية المعاوضة حينئذ و لو بالانتفاع بالبضع آنا ما، و الفرض تعذر رده، و إمكان رد مهر المثل مثلا ليس ردا له هنا شرعا، لكون المقطوع به نصا (2)

و فتوى استقرار المهر بالدخول، و في المسالك إنه محل وفاق.

و لو أسلما دفعة بأن تقارن آخر الشهادتين منهما فلا فسخ، و لو لم يعلم الحال و جهل التاريخ و أمكن الاقتران حكم به عند جماعة، و إن علم عدم الاقتران أو قلنا:

إن الأصل أيضا يقتضي عدمه فلا شي ء لها عليه على ما قلناه، و لها الجميع أو النصف على القولين الآخرين، بل لو ادعت سبقه و ادعى سبقها كان القول قولها عليهما، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب موانع الإرث الحديث 4 من كتاب المواريث.
2- 2 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور.

ج 30، ص: 77

و كيف كان ف لو كان المهر فاسدا باختلال شرط من شروط صحته عندنا كالمعلومية مثلا لا من حيث تحريمه في شرع الإسلام كالخمر و الخنزير الذي سيذكر حكمه وجب به مهر المثل مع الدخول كالمسلمة المساوية لها في الفروع و قبله لا شي ء لها إن كان منها و نصفه إن كان أي الفسخ من الرجل على القول المشهور، و جميعه على القول الأخر، و لا شي ء على ما عرفت، بل قد يشكل الأول بأنه مناف لقاعدة إقرارهم على ما وقع منهم حال كفرهم، فمع فرض جواز ذلك في دينهم و قد حصل القبض فيه يتجه عدم رجوعها عليه بشي ء.

و إن كان قد دخل بها و أمهرها شيئا مجهولا بل لو لم يسم لها مهرا و الحال هذه و دخل بها و كان في دينهم جواز ذلك لم يكن لها عليه شي ء لما عرفت، لكنه خلاف المصرح به في كلامهم، بل قالوا لو لم يسم لها مهرا و لم يدخل بها و أسلم دونها كان لها المتعة كالمطلقة، و فيه تردد بل منع، لما عرفت من عدم كون الفسخ طلاقا و عدم ما يقتضي جريان أحكامه عليه، فيتجه حينئذ عدم شي ء لها عليه، للأصل و غيره وفاقا لجماعة، بل قد عرفت أن المتجه ذلك مع الدخول فضلا عن عدمه لقاعدة الإقرار، اللهم إلا أن يقال: إن استيفاء البضع من قبيل الأسباب التي تترتب عليها مسبباتها، فهو حينئذ كإتلاف كافر مالا من كافر مثلا على وجه لم يلتزم به في دينهم ثم أسلم و كان من دين الإسلام التزامه به، فإنه يجب عليه أداؤه له، و قاعدة الإقرار إنما هي بالنسبة إلى الصحة و الفساد في العقد مثلا لا في نحو ذلك، و ما نحن فيه منه فتأمل جيدا.

و لو دخل الذمي (11) مثلا و أسلم و كان المهر خمرا (12) مثلا و قد أقبضه تماما إياها حال الكفر لم يكن لها شي ء بلا خلاف و لا إشكال، لأن

«الإسلام يجب ما قبله» (1)

و (13) إن كان لم تقبضه (14) منه قيل: يسقط (15) لأنها قد رضيت به،


1- 1 المستدرك الباب- 15- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2 و الخصائص الكبرى ج 1 ص 249 و كنز العمال ج 1 ص 17 الرقم 243 و الجامع الصغير ج 1 ص 123.

ج 30، ص: 78

فيدام حكم رضاها، و قد تعذر إقباضه بعد الإسلام بالنسبة إلى المستحق عليه، فسقطت المطالبة به و قيل: يجب به مهر المثل لأنها لم ترض إلا بالمهر، و الفرض امتناعه عليه بعد الإسلام، فيرجع الى مهر المثل، و

عن طلحة بن يزيد (1)

«سأل الصادق عليه السلام عن رجلين من أهل الذمة أو من أهل الحرب تزوج كل منهما امرأة و أمهرها خمرا أو خنازير ثم أسلما فقال: النكاح جائز حلال، و لا يحرم من قبل الخمر و لا من قبل الخنازير، قلت: فإن أسلما حرم عليه أن يدفع إليها الخمر و الخنازير، فقال: إذا أسلما حرم عليه أن يدفع إليها شيئا من ذلك، و لكن يعطيها صداقا.»

و قيل: يلزمه قيمته عند مستحليه، و هو أصح عند المصنف. لأنه أقرب شي ء إليه، كما لو جرى العقد على عين و تعذر تسليمها، و لأن مهر المثل قد يزيد عن قيمة المسمى مع اعتراف الزوجة بعدم استحقاقه، و قد ينقص مع اعتراف الزوج باستحقاقها الأزيد، و لوجوب قيمة الخمر لو أتلفها متلف على ذمي و ترافعا إلينا، و ل

خبر زرارة (2) قال للصادق عليه السلام «النصراني يتزوج النصرانية على ثلاثين دنّا خمرا و ثلاثين خنزيرا ثم أسلما بعد ذلك و لم يكن دخل بها، قال: ينظر كم قيمة الخمر و كم قيمة الخنزير فيرسل به إليها ثم يدخل عليها، و هما على نكاحهما الأول»

و لعله غير مناف للأول الذي يمكن إرادة ذلك من الصداق فيه لا مهر المثل، نعم قد يشكل بضعف الخبر، كما أنه قد يشكل سابقه بذلك أيضا و الأول أوفق بأصول المذهب، كأصل البراءة و قاعدة جب الإسلام و غير ذلك، و من هنا يقوى حينئذ سقوط المهر.

و على كل حال فظاهرهم بل صريح البعض عدم الفرق في ذلك كله بين أن يكون خمرا معينة أو كلية، لاشتراكهما في تعذر الدفع، لكن قد يقال مع التعيين و إمكان قبض الزوجة إياها بنفسها يتوجه عدم مطالبتها بمهر المثل أو القيمة، و إن كان قد قبضت بعضا و بقي بعض سقط عن الزوج بقدر المقبوض، و وجب بنسبة الباقي


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب المهور الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 30، ص: 79

الى المجموع عن مهر المثل أو القيمة، فإن كان المهر عشرة أزقاق خمرا و قد قبضت خمسة فان تساوت الأزقاق قيمة عند مستحليها برأ من النصف قطعا فان النصف عدد أو قيمة و إن اختلف قيمة احتمل اعتبار العدد، إذ لا قيمة لها، فيكون قد قبضت النصف أيضا تساوت الأزقاق صغرا و كبرا أم اختلفت، و احتمل اعتبار الكيل أو الوزن، فإنها ليست من المعدودات فإنما يتحقق قبض النصف إذا اتحد الزق أو تساوت الأزقاق في السعة و الامتلاء، أو عينا الكيل في العقد فقبضت نصف ما عين، كما هو واضح، و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا ارتد المسلم بعد الدخول حرم عليه وطء زوجته المسلمة قطعا]

المسألة الخامسة إذا ارتد المسلم بعد الدخول حرم عليه وطء زوجته المسلمة قطعا، بل و غير المسلمة على ما عرفته سابقا، من غير فرق بين كونه عن ملة و فطرة، بل و بين ما قبل الدخول و بعده، و لكن خصه بالثاني ليترتب عليه ما بعده، ثم إن كان عن فطرة بانت عنه مطلقا، فلو وطأها حينئذ بشبهة فعليه مهر آخر للشبهة إن كانت له ذمة و إن كان عن ملة وقف انفساخ نكاحها منه على انقضاء العدة فإن عاد إلى الإسلام فيها بان استمرار النكاح، و إلا بان انفساخه من أول الارتداد كما عرفته سابقا.

فلو وطأها حينئذ لشبهة و بقي على كفره الى انقضاء العدة قال الشيخ: كان عليه مهران: الأصلي بالعقد و آخر للوطء بالشبهة، و هو يشكل بأنها في حكم الزوجة إذا لم يكن عن فطرة فلا يترتب على وطئه شي ء، و لهذا لو رجع لم يفتقر الى عقد جديد، فليس الارتداد حينئذ إلا كالطلاق الرجعي الذي لا يوجب البينونة، و يدفع بأنه قد بان ببقائه على الكفر أنها قد بانت منه بأول ارتداده، و ليس في شي ء من الأدلة ما يقتضي كونها بحكم الزوجة حتى بالنسبة الى

ج 30، ص: 80

ذلك ما دامت العدة و لو تشبيها بها أو في حكم التشبيه كي تكون حينئذ كالمطلقة رجعيا، و إثبات بعض اللوازم كالإرث و نحوه لا يقتضي ثبوت الجميع، و ما في بعض النصوص (1)

من تشبيهها بالمطلقة لا يقتضي إرادة الرجعية، خصوصا بعد ما في آخر (2)

من أنها كالمطلقة ثلاثا فتأمل جيدا.

و على كل حال فالمراد بالشبهة في المتن أنه وطأها غير عالمة و غير عالم بحرمة ذلك عليهما، و قد يحتمل كون المراد شبهة شرعا فلا يقدح حينئذ علمها بالتحريم.

ثم لا يخفى عليك جريان المزبور في ارتداد الامرأة أيضا، إذ هما من واد واحد، بل لا فرق فيها بين كون ارتدادها عن فطرة أو ملة، لما عرفت من عدم بينونتها بالفطري، لقبول توبتها، و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا أسلم و عنده أربع وثنيات مدخولا بهن لم يكن له العقد على أخرى]

المسألة السادسة إذا أسلم و عنده أربع وثنيات غير مدخول بهن بن منه و إن كن مدخولا بهن لم يحكم بالبينونة منه حتى تنقضي العدة و هن على كفرهن و حينئذ لم يكن له العقد على أخرى خامسة و لا على أخت أحدا هن أي زوجاته التي أسلم عنهن على وجه يدخل بها و يعاملها معاملة الزوجة حتى تنقضي العدة مع بقائهن على الكفر لكونه منهيا عن الخامسة و عن أخت الزوجة، و لا يتم امتثال ذلك إلا باجتناب هذين، لاحتمال كونهما خامسة و أخت زوجة، و التمسك بأصالة عدم الإسلام في العدة لا يرفع باب المقدمة بعد أن كان الإسلام


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب موانع الإرث الحديث 4 من كتاب المواريث.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب موانع الإرث الحديث 4 من كتاب المواريث بطريق الشيخ قده.

ج 30، ص: 81

و عدمه كاشفا عن بقاء الزوجية و عدمها لا شرطا مؤثرا، إذ هو حين إسلامه إما أن يكون ذا أربع أولا في الواقع، و ناكحا للأخت أو لا فالمعقود عليها حينئذ قبل انكشاف ذلك من مشتبه الموضوع لا يجوز الاقدام عليها، كالامرأة المشتبهة حالها أنها أم أولا، و بذلك يعلم أن من عقد على امرأة فضولا لم يجز له أن ينكح أمها قبل الإجازة على وجه يتصرف بها، لاحتمال انكشاف أنها أم امرأة كما أوضحناه سابقا.

نعم له العقد على وجه يترتب عليه آثاره، فإذا بقين على الكفر انكشف تأثير العقد حينئذ، لانكشاف عدم المانع حينه، و دعوى مسلوبية هذه العبارة حينئذ و إن بان بعد ذلك مصادفتها للحكم بكونهن كالزوجات بالنسبة الى ذلك، نحو المطلقة رجعيا فإنه لا يجوز له العقد على أختها و إن استمر على عدم الرجوع بها حتى انقضت العدة ممنوعة بعد حرمة القياس، ضرورة عدم دليل يدل على أنهن بحكم الزوجات على وجه يشمل ذلك بخلاف المطلقة رجعيا، و مجرد انكشاف الزوجية و عدمها بالإسلام في العدة و عدمه لا يقتضي ذلك، لكونه أعم منه فتأمل فإنه ربما دق، و حينئذ لا بأس بحمل نحو عبارة المتن على ما ذكرناه و إن كان هو خلاف ظاهر ثاني الشهيدين و الفاضل، حيث إنهما جعلا ذلك احتمالا بعد أن ذكر الأول ظاهر العبارة، لكن لا يخفى ما فيه.

و لو أسلمت الوثنية فتزوج زوجها بأختها قبل إسلامه لجواز ذلك في دينه و انقضت العدة لأختها و هو على كفره صح عقد الثانية و استقر لظهور بينونة الأولى حينئذ منه بإسلامها، فيكون حينئذ عقد الثانية لا معارض له، و كونه لو أسلم تكون الأولى زوجة له غير قادح بعد جواز مثله في دينه، و ليس هو كالمتزوج أخت الزوجة في عدة الأخرى الرجعية.

نعم لو أسلما معا قبل انقضاء عدة الاولى تخير لأنه قد بان أن الاولى زوجة له، و الفرض أن الثانية قد تزوجها في حال كفره الذي يقر عليه، فيكون كما لو تزوجها و هي أي الاولى كافرة و أسلموا جميعا، و قد عرفت

ج 30، ص: 82

أن الحكم فيه التخيير، بل هو كذلك أيضا لو أسلم هو في عدة الاولى و أسلمت هي بعد انقضائها قبل انقضاء عدتها، للحكم بكونهما معا زوجتين له، لانكشاف كون الأولى زوجة من حين إسلامها بإسلامه في عدتها، و انكشاف كون الثانية زوجة له أيضا من أول إسلامه بإسلامها في عدتها، فيتجه التخيير، لا أنه يستقر عقد الاولى و تبين الثانية منه، كما عساه يوهمه ظاهر عبارة المتن، نعم لو أن إسلام الثانية قد كان بعد انقضاء عدتها اتجه ذلك، لا في الفرض الذي قد بان أنها زوجة له بإسلامها في عدتها، كما هو مقتضى إطلاق الأدلة و إن كان قد انقضت عدة الاولى و هو واضح، و مثل هذا البحث يأتي فيما لو أسلم زوجاته الأربع المدخول بهن فتزوج خامسة دخل بها، ثم أسلم و تأخر إسلامها حتى انقضت عدة الأربع ثم أسلمت في عدتها، و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا أسلم الوثني ثم ارتد و انقضت عدتها على الكفر فقد بانت منه]

المسألة السابعة إذا أسلم الوثني على وثنيته بعد الدخول ثم ارتد و انقضت عدتها و هي باقية على الكفر من حين إسلامه فقد بان أنها بانت منه من أول إسلامه المقتضي لانفساخ النكاح في مثل ذلك و هو واضح، نعم لو أسلمت هي في العدة بان عدم الانفساخ بالإسلام، و لكن انفسخ بالارتداد، و حينئذ فلا بد من ضرب عدة لها من حين الارتداد فان رجع الى الإسلام في العدة فهو أحق بها لانكشاف عدم فسخ النكاح بالارتداد، لأن المسلم منه المستمر الى ما بعد انقضاء العدة، لا ما إذا رجع فيها، و دعوى عدم انكشاف كونها زوجة بإسلامها و هو مرتد يدفعها إطلاق الأدلة القاضي بأنها زوجة له حال إسلامه، فحينئذ يكون الارتداد واردا على النكاح الصحيح، فينفسخ من حينه إن بقي مستمرا الى انقضاء العدة و (11) إلا تبين عدم الفسخ به، كما هو مقتضى إطلاق الأدلة السابقة، نعم

ج 30، ص: 83

إن خرجت العدة و هو كافر فلا سبيل له عليها و بان أنها بانت منه من حين ردته، و كذا لو انعكس الفرض بأن أسلمت هي أولا ثم ارتدت، و على كل حال فليس له العود إليها، بذلك العقد حال ردته، لأنها إن كانت مسلمة فلا يجوز نكاح المرتد لها، و إن كانت كافرة فلفساد النكاح بين المرتد و الكافر كفساده بينه و بين المسلم، لأن علقة الإسلام باقية عليه، و لذلك لا يقر عليه، بل يقتل إن كان فطريا و كان رجلا، و يستتاب إن كان مليا، فان لم يتب قتل إن كان رجلا، و إن كان امرأة حبست و ضربت و ضيق عليها في المأكل و المشرب، كما سمعت الكلام فيه سابقا، بل لو كانت هي مرتدة مثله أيضا انفسخ النكاح بينهما كما عرفته فيما مضى، هذا كله بالنسبة إلى الرجوع إليها.

أما غيرها كما لو فرض أنه تزوج و هو مرتد بامرأة ثم عاد إلى الإسلام في عدة الاولى لم يحكم بصحة نكاحه فإن أقصى الأدلة البقاء على النكاح الأول بالرجوع، لا أنه به ينكشف قابليته للنكاح المبتداء، و كذا لو أسلمت زوجة الكافر و فرض نكاحه لمسلمة بعدها ثم أسلم هو في العدة، فإنه لا يصح نكاحه المسلمة و إن انكشف بإسلامه بقاء نكاحه السابق، لكن ذلك بالنسبة إليه خاصة، لا أنه ينكشف بذلك أنه بحكم المسلم بالنسبة الى ذلك حتى بالنسبة إلى النكاح المبتدأ فإنه لا دليل عليه، بل ظاهر ما دل على عدم جواز نكاح الكافر المسلم خلافه كما هو واضح، و الله العالم.

[المسألة الثامنة لو ماتت إحداهن مثلا بعد إسلامهن قبل الاختيار لم يبطل اختياره لها]

المسألة الثامنة لو ماتت إحداهن مثلا بعد إسلامهن قبل الاختيار لم يبطل اختياره لها للأصل فان اختارها ورث نصيبه منها، و كذا لو متن كلهن كان له الاختيار، فإذا اختيار أربعا ورثهن لا يقال: إنهن حرمن عليه بإسلامه

ج 30، ص: 84

قبل إسلامهن، فإذا أسلمن احتاج العود الى الحل الى سبب يوجبه، و قد خرجن عن أهلية ذلك و مجرد إسلامهن ليس سببا تاما في الحل، بل لا بد فيه من الاختيار، فإذا متن قبل تمام السبب المبيح ينبغي البطلان، كما لو مات أحد المتعاقدين قبل تمام السبب المملك بالقبول أو القبض ل أنا نقول إن الاختيار ليس استئناف عقد حتى يبطل بالموت قبل تمامه و إنما هو تعيين لذات العقد الصحيح المتحقق في ضمن الجميع، فلا نقصان للسبب الموجب للإرث، فإنه الزوجية، و هي متحققة في جملتهن، و المانع كان هو الكفر و قد زال، غايته زيادتهن على العدد المعتبر، و الأمر فيه إليه لا إليهن، و ليس الموت فاسخا للزوجية، و لذا يجوز للزوج تغسيل زوجته و النظر إليها، كما أن الاختيار ليس مشروطا بالحياة و إن كان ظاهر

قوله صلى الله عليه و آله (1): «أمسك أربعا»

الحياة، لكنه ظهور مورد لا شرط و حينئذ فيتجه التمسك بالاستصحاب فيما يتحقق فيه من أفراد ذلك، و يتم بعدم القول بالفصل.

نعم لو مات و متن معه قبل الاختيار قيل: يبطل الخيار بل لا أجد فيه خلافا بين من تعرض له من أصحابنا، لأصالة عدم ثبوته لغيره، خصوصا مع ابتنائه على الشهوة المختصة به، فاحتمال قيام وارثه مقامه فيه قياسا على الخيار في المال مثلا و لا طلاق

قوله عليه السلام (2): «ما كان للميت فهو لوارثه»

مدفوع بذلك.

و لكن الوجه عند المصنف استعمال القرعة، لأن فيهن وارثات للربع أو الثمن إن مات قبلهن و موروثات إن متن قبله، و وارثات و موروثات إن مات بعضهن قبله و بعضهن بعده، فلم يعلم المستحق أو المستحق عليه مع انحصاره في جملتهن،


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 182.
2- 2 لم نعثر على هذا اللفظ بعد التتبع التام في مظانها و انما الموجود «من مات و ترك مالا فلورثته» أو «فللوارث» كما في الوسائل الباب- 3- من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة الحديث 4 و 14 و مسند أحمد ج 2 ص 290 و 453 و 456 و ج 3 ص 296 و 371 و ج 4 ص 131.

ج 30، ص: 85

فيستخرج بالقرعة التي هي لكل أمر مشكل، و ربما أشكل ذلك بأنها لتعيين ما هو معين عند الله مشتبه عندنا في الظاهر، و هو هنا ليس كذلك، لأن التعيين موكول الى الزوج لا إلى الله تعالى و إن كان هو الذي يلهمه الاختيار، و لا يقال: إن الله تعالى يعلم من يختارها منهن لو اختار و إن لم يوجد منه اختيار، لأنا نقول: إن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه فالمعين في نفسه يعلمه معينا و إن اشتبه علينا، و المبهم في نفسه يعلمه مبهما فلا يمكن تخصيص إحداهن بالميراث عندنا و لا عند الله.

و من هنا قيل: إن الوجه الإيقاف حتى يصطلح ورثتهن على التساوي أو التفاوت، لأن الحق منحصر فيهم، و فيهم من يستحق و من لا يستحق، و مال إليه في المسالك تبعا للكركي، و قيل: يقسم ذلك بالسوية فيأخذ وارث كل واحدة نصيبها، لأن البيان غير متوقع، مع اعتراف الجميع بالإشكال، و أنه لا مزية لإحداهن على الأخرى فاشتبه المال بين المدعيين مثلا.

و ربما أشكل بأنه إعطاء غير المستحق قطعا بخلاف المال بين المدعيين، فان التشريك بينهما محتمل بخلاف المقام المعلوم فيه عدم الاشتراك، و يدفع بمنع اعتبار احتمال التشريك فيما ثبت فيه، لإطلاق دليله المبني على إعمال كل من الدعويين و اليدين في غير محل التعارض و إبطالهما فيه، فليس إلا الاشتراك بينهما بالنصف إن كانا اثنين، نعم ما نحن فيه ليس من ذلك، لاعتراف الجميع بأن المستحق أربع، و عدم الدعوى منهن بأنهن الأربع لا غيرهن.

كما أنه قد يشكل سابقه بأن في الإيقاف حتى يصطلح الجميع تعطيلا للحق عن أهله المطالبين به و مثارا للنزاع الذي لم يعهد من الشارع إهماله، فيتعين القرعة حينئذ.

و يدفع ما سمعته من إشكالها (أولا) بمنع اعتبار الاشتباه في موضوعها، لا طلاق أدلتها من الآية (1) و الرواية (2)

و (ثانيا) بمنع عدم الاشتباه هنا، فإنه


1- 1 سورة آل عمران: 3- الآية 44 و سورة الصافات: 37- الآية 141.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء.

ج 30، ص: 86

بإسلامه و إسلامهن مثلا بن منه أربع و بقين أربع في علم الله و لو باختياره المستقبل، إذ لا معنى لقيام البينونة و الزوجية في موضوع مبهم في الواقع، بل هو غير متصور، نعم باختياره ينكشف أن هذه الأربع هي التي باقية على الزوجية من أول الأمر، لا أن الاختيار جزء سبب النكاح و لا سبب في الاقتران، و حينئذ تكون القرعة في محلها.

و يقوى في النظر التخيير للحاكم المعد لحسم مادة النزاع بين استعمال القرعة في حسمه و بين القسمة على السواء بينهم، و لا يتعين أحدهما، و ربما كان ذلك مراد المصنف بقرينة ما تسمعه منه فيما يأتي فيما لو مات دونهن، حيث قال: «و الوجه القرعة أو التشريك» فتأمل جيدا، و الله العالم.

و لو مات الزوج خاصة قبل اختيار أربع من هن كان عليهن أجمع الاعتداد منه، لأن منهن من تلزمه العدة بالوفاة و لما لم يحصل الامتياز ألزمن أجمع العدة احتياطا فان لم يكن قد دخل بهن و كن ذميات أو قارن إسلامه إسلامهن فليس إلا عدة الوفاة، و إن كان قد دخل بهن ألزمن العدة بأبعد الأجلين، إذ كل واحدة منهن تحتمل أن تكون هي الزوجة و أن لا تكون هي الزوجة فالحامل تعتد بعدة الوفاة و وضع الحمل و في بعض النسخ «تعتد بأبعد الأجلين من عدة الوفاة و وضع الحمل» و على كل حال فالمراد واضح و إن كان التعبير الأول فيه تجوز، لأن عدة الوفاة للحامل هي أبعد الأجلين، فإطلاقه عدتها على عدة الوفاة من إطلاق اسم المجموع على بعض أفراده، و الأمر سهل.

و أما الحائل (11) ف تعتد بأبعد الأجلين من عدة الطلاق (12) ثلاثة أقراء أو ثلاثة أشهر و (13) عدة الوفاة (14) أربعة أشهر و عشرا، و إنما اكتفي بالتداخل في العدتين لأن المعتبر عدة واحدة، و التكليف بالزائد للاشتباه و كيف كان فابتداء عدة الوفاة من حينها قطعا، أما الأقراء فعن التذكرة «يحتمل الاعتبار من وقت إسلامهما إن اقترنا، و من حين إسلام من سبق إسلامه إن تعاقبا فيه، لأن

ج 30، ص: 87

الأقراء إنما تجب لاحتمال مفارقة من انفسخ نكاحها، و الانفساخ يحصل من ذلك الوقت» و اعترضه في جامع المقاصد بأن «لقائل أن يقول: إن الانفساخ إنما يحصل من حين المفارقة بالاختيار و لم يتحقق ذلك، فينبغي أن يكون ابتداء عدته من حين الوفاة، لامتناع التأخر عنه و انتفاء ما يدل على التقدم عليه، لأن إسلامهما أو إسلام الأسبق منهما لا يقتضي المفارقة قطعا» و فيه أنه يمكن القول بأن الاختيار حيث يحصل يكشف عن الفرقة من حين الإسلام المقتضي لبينونة ما زاد على النصاب، فتأمل.

ثم لا يخفى عليك عدم الخلاف ظاهرا منهم في وجوب العدة على الجميع بنحو ما عرفت، لكن فيه أنه لا يتم على تقدير استخراج الوارثات منهن بالقرعة القاضية بكون الزوجات التي خرجن بها، فيتجه حينئذ عدة الوفاة عليهن و الفراق على غيرهن، اللهم إلا أن يقال: إنها بالنسبة إلى خصوص الإرث، و منه يعلم قوة ما ذكرناه سابقا من أنها هنا طريق للحاكم في حسم النزاع كالتشريك، لا أنها معينة للموضوع الذي تجري عليه جميع الأحكام، و الله العالم.

[المسألة التاسعة إذا أسلم و أسلمن لزمه نفقة الجميع حتى يختار أربعا]

المسألة التاسعة لا خلاف أجده بين من تعرض لذلك في أنه إذا أسلم و أسلمن معه و كن كتابيات لزمه نفقة الجميع حتى يختار أربعا، فتسقط نفقة البواقي من حين الاختيار لا قبله لأنهن فيه في حكم الزوجات و إن زدن على النصاب كالمطلقة رجعيا و كذا لو أسلمن أو بعضهن و هو على كفره، و حينئذ ف لو لم يدفع النفقة كان لهن المطالبة بها عن الحاضر و الماضي لأنها من الديون سواء أسلم أو بقي على الكفر و لا يقدح في ذلك عدم تمكينه من الاستمتاع بعد أن كان المنع شرعيا بالكفر أو عدم الاختيار الحابس لهن، نعم قد يشكل ذلك بأنه بالإسلام

ج 30، ص: 88

قد بانت منه زوجية الزائد، فالواجب عليه نفقة أربع توقف حتى يصطلحن عليها أو يقر عن عليها أو تقسم بالسوية بينهن، بل قد يتجه اختصاصها بمن يتعقبهن الاختيار الكاشف عن كونهن زوجات من حين الإسلام و عن عدم زوجية غيرهن حينه أيضا، بل قد يشكل وجوب النفقة عليه لغير الزائد مع فرض استمرار الكفر الكاشف عن البينونة من حين الإسلام، و دعوى كونهن بحكم الزوجات قبل الانكشاف كالمطلقة رجعيا يدفعها عدم الدليل على ذلك، و مجرد المشاركة للرجعية في بعض الأحكام لا يقتضي المساواة في الجميع الذي منه ما نحن فيه، خصوصا بعد معلومية المخالفة لها في الإرث و غيره، كما أومأنا إليه سابقا، و دفع الأول بوجوب الإنفاق على الجميع و إن زدن على النصاب للمقدمة يدفعه معلومية كون المراد الإنفاق من حيث الزوجية الذي يكون مع عدم القدرة عليه دينا في الذمة، و من المعلوم عدم اقتضاء خطاب المقدمة ذلك، كما هو واضح.

اللهم إلا أن يقال:

قال الصادق عليه السلام في خبر الحضرمي (1)

«إذا ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة، و إن قتل أو مات قبل انقضاء العدة فهي ترثه في العدة، و لا يرثها إن ماتت و هو مرتد عن الإسلام»

و فيه دلالة على أنها بحكم المطلقة رجعيا، و لذا ورثت، و فيه أنه لا تلازم بين هذا الحكم و غيره، و لذا صرح

في خبره الآخر (2) بأنها «تبين منه كما تبين المطلقة ثلاثا و أنها ترثه لو مات في العدة»

على أن الكلام هنا في الزائد على الأربع فتأمل جيدا، و الله العالم.

و كيف كان ف لا تلزمه النفقة لو أسلم دونهن و كن و ثنيات لتحقق منع الاستمتاع منهن بعدم الإسلام الواجب عليهن، فهن حينئذ كالنواشز فتسقط النفقة حينئذ عنه و إن أسلمن بعد ذلك و بان به أنهن زوجات من حين إسلامه، بلا خلاف أجده فيه أيضا بين من تعرض له، لكن قد يخدش بأن


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب موانع الإرث الحديث 4 من كتاب المواريث.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب موانع الإرث الحديث 4 من كتاب المواريث بطريق الشيخ قده.

ج 30، ص: 89

المقتضي للإنفاق تحقق الزوجية، و الفرض أنها كذلك عندهم، و إنما المعلوم من إسقاطه عصيان الزوجة فيما يجب عليها من الخطاب من حيث الزوجية، لا عصيانها بمخالفة الخطاب الأخر و إن استلزم ذلك عدم جواز وطئه إياها، فهو منع شرعي لا منع منها، و إلا فهي ممكنة له من الوطء على هذا الحال، إلا أن الشارع لم يجوز له وطء الكافرة. اللهم إلا أن يقال: إن الأصل براءة الذمة من النفقة، إنما المعلوم من وجوبها مع التمكن من وطئها على وجه يشمل المقام، بل يكفي في السقوط الشك في تحقق شرط الوجوب.

و لعل من ذلك يعلم الحكم فيما لو اختلف الزوجان في السابق إلى الإسلام بعد اتفاقهما على عدم الاقتران و ان المصنف و غيره بل نسبه ثاني الشهيدين إلى الأصحاب، ذكروا أن القول قول الزوج، استصحابا للبراءة الأصلية إذ لا ريب في ابتناء ذلك على الشك في تحقق شرط وجوب الإنفاق، بخلاف ما لو قلنا إن الزوجية سببه، فالنفقة حينئذ ثابتة، و النزاع في المسقط، و الأصل عدمه، فيكون القول قولها، كما عن قول الشافعية و استوجهه في المسالك، لكن في كشف اللثام يدفعه أن النفقة ليست أمرا واحدا مستمرا من حين النكاح، و إنما تثبت يوما فيوما، و الأصل في كل يوم عدمها إلى أن يثبت موجبها، و هو التمكين، و فيه أن بناء الوجوب كما عرفت على أن الزوجية سبب الإنفاق، و هو مستمر في كل يوم حتى يعلم تحقق المسقط، و هو كون المنع منها.

و لو ادعى السبق بالإسلام قبل الوطء الموجب للبينونة بمجرد الاختلاف ففي القواعد «إن القول قولها، لأن الأصل بقاء استحقاق المهر الذي قد وجب بالنكاح و إنما يسقط بالمسقط، و الأصل عدمه» و فيه إن الأصل عدم الوطء.

و لو قالت: أسلمنا معا فالنكاح باق، و قال: بل أسلمت قبلي أو أسلمت قبلك و لم تكن مدخولا بها ففي تقديم قوله أو قولها إشكال من تعارض الأصل و الظاهر، و لو قال للوثنية: أسلمت بعد إسلامي بشهرين فلا نفقة لك علي إلا فيما بعدهما، فقالت: بل بشهر أو قال: أسلمت بعد العدة فلا نفقة و لا نكاح، فقالت: بل فيها

ج 30، ص: 90

قدم قوله، لأصالة تأخر الحادث، و البراءة من النفقة، و لا يعارضهما أصالة صحة النكاح، فان الاختلاف في الدين معلوم، و هو مما يرفع النكاح رفعا مراعى، فالأصل بطلان النكاح إلى أن يسلم في العدة، و الله العالم.

و لو مات الزوج قبل الاختيار دونهن ورثه أربع منهن و لكن لما لم يتعين قيل وجب إيقاف الصحة عليهن حتى يصطلحن بالتساوي أو التفاوت و الوجه عند المصنف هنا أيضا القرعة أو التشريك و في المسالك «إن مراده الإشارة إلى وجهين في المسألة لا إلى التخيير» قلت: قد عرفت فيما مضى أن هذه المسألة و ما تقدم من واد واحد، ضرورة جريان هذه الوجوه في وارثهن، إذ لا فرق بينهن و بينه بعد أن كان الاختيار لغيرهن و فرض عدمه، و منه يعلم أن مراد المصنف هناك بذكر القرعة على أنها أحد الفردين و حمل ما هنا منه على الإشارة إلى الوجهين ليس بأولى من حمله على إرادة التخيير للحاكم بعد عدم الصلح منهن في حسم النزاع بين الأمرين الرافعين للترجيح بلا مرجح، كما عساه يومئ الى ذلك ما عرفته سابقا من عدم جريان حكم القرعة في الاعتداد، و لو أنها لتشخيص الموضوع اتجه حينئذ إجراء أحكامه عليه، و احتمال أنها لتشخيصه بالنسبة إلى الإرث خاصة دون الاعتداد خلاف المعهود فيما يستخرج بالقرعة.

و كيف كان فلو كان فيهن وارثات و غير وارثات فلا إيقاف لهن، بل لا يورثن إذا كن غير الوارثات أربعا فما فوقهن، كما لو كان معه أربع و ثنيات و أربع كتابيات فأسلم الوثنيات خاصة ثم مات قبل التعيين وفاقا للقواعد و المحكي عن المبسوط، لعدم العلم بأن له زوجة وارثة، لاحتمال أن يكون الزوجات منحصرة في غير الوارثات، خلافا للمحكي عن التذكرة، فاستقرب الإيقاف، لعدم العلم باستحقاق الورثة جميع التركة، لاحتمال زوجية الوارثات منهن، كما يوقف الميراث إذا كان حمل، و الشكل في أصل الاستحقاق لا يمنع الوقف، كما في الحمل أيضا، فإن الاستحقاق أيضا مشكوك فيه، و ربما أشكل بأن الشك في الحمل يرجى زواله بخلاف ذلك، و لو أسلم الكتابية بعد الموت قبل القسمة فالأقرب إيقاف الحصة،

ج 30، ص: 91

لعدم الفرق على الأصح في إرث الكافر إذا أسلم قبل القسمة بين الزوجة و غيرها، كما تسمعه في الميراث، و منه يعلم ما في قول المصنف و لو مات قبل إسلامهن لم يوقف شي ء، لأن الكافر لا يرث المسلم مطلقا أو إذا كان زوجا، و إن الأصح قوله و يمكن أن يقال: ترث من أسلمت قبل القسمة.

[المسألة العاشرة إباق العبد طلاق امرأته]

المسألة العاشرة روى الشيخ و الصدوق عن ابن محبوب عن الحكم الأعمى و هشام بن سالم عن عمار الساباطي (1) عن أبى عبد الله عليه السلام (4)

- قال: «سألته عن رجل أذن لعبده في تزويج امرأة حرة فتزوجها، ثم إن العبد أبق فجائت امرأة العبد تطلب نفقتها من مولى العبد، فقال: ليس لها على مولاه نفقة، و قد بانت عصمتها، فإن إباق العبد طلاق امرأته هو بمنزلة المرتد عن الإسلام، قلت: فان هو رجع الى مواليه ترجع إليه امرأته قال: إن كان قد انقضت عدتها منه ثم تزوجت بغيره فلا سبيل له عليها و إن كانت لم تتزوج-

و في التهذيب و لم تنقض العدة-

فهي امرأته على النكاح الأول»

و قد نقل المصنف مضمونها فقال إن إباق العبد طلاق امرأته و إنه بمنزلة الارتداد، فان رجع و هي في العدة فهي المرأة بالنكاح الأول، و إن رجع بعد العدة و قد تزوجت فلا سبيل له عليها و عمل بها الصدوق على ما حكي عنه، و الشيخ في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة، قال الأول: «إذا أذن الرجل لعبده في التزويج فتزوج ثم أبق لم يكن لها على مولاه نفقة، و قد بانت من الزوج، و عليها العدة منه، فان رجع قبل خروجها من العدة كان أملك برجعتها، و إن عاد بعد انقضاء عدتها لم يكن له عليها سبيل» و قال ابن حمزة: «و إذا تزوج عبد بأمة غير سيده و رضي سيداهما ثم أبق العبد بعد الدخول بانت منه و لزمتها العدة، فإن رجع قبل انقضائها كان أملك بها، و إن رجع بعد انقضاء العدة لم يكن له عليها سبيل، و لا يلزم سيده


1- 1 الوسائل الباب- 73- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و الباب- 35- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 من كتاب الطلاق.

ج 30، ص: 92

النفقة».

و لكن مع ذلك في العمل بها تردد ليس مستنده ضعف السند إذ هو من الصحيح أو الموثق، و كل منهما عندنا حجة، بل لقصوره عن معارضة ما دل على بقاء النكاح من الأصل و عموم حصر ناسخه في غيره، و شذوذ الخبر المزبور، ضرورة قصر الحكم في عبارة ابن حمزة على أمة غير السيد، مع أن مورد الرواية الحرة، و اعتبار عدم التزويج في رواية الفقيه في البقاء على النكاح، و في التهذيب ذلك مع عدم انقضاء العدة، و اعتبار التزويج في البينونة عنه في كل منهما، و لم يعتبر بشي ء من ذلك الشيخ و ابن حمزة، على أنه ظاهر في سقوط النفقة في الارتداد، و هو مخالف لما سمعته سابقا، و مختص بالحرة، و لم يستقص فيه تمام أحكام ذلك من رجوع العبد بنفسه، و إرجاعه، و إباق الأمة التي تزوجها الحر، و إباق العبد و الأمة، و غير ذلك من الأحكام الكثيرة، و اتحاد الخبر المزبور في الحكم المذكور، و بذلك كله يضعف الظن به، بل يختص الظن بغيره، و منه يعلم أن الأقوى العدم، و الله العالم.

[مسائل من لواحق العقد]
[المسألة الأولى الكفاءة شرط في النكاح]

مسائل من لواحق العقد و هي سبع:

[المسألة الأولى الكفاءة شرط في النكاح]

الأولى لا خلاف في أن الكفاءة شرط في النكاح بل الإجماع بقسميه عليه، و لكن هي بمعنى التساوي في الإسلام فلا يجوز للمسلمة نكاح غير المسلم، و هل يشترط التساوي في الايمان بالمعنى الأخص فلا يجوز نكاح المؤمنة غير المؤمن على نحو ما سمعته في الإسلام؟ فيه روايتان أظهرهما الاكتفاء بالإسلام و إن تأكد استحباب الايمان، و هو في طرف الزوجة أتم، لأن المرأة تأخذ من دين بعلها أما العكس فلا خلاف في جوازه كما اعترف به في كشف اللثام و غيره، نعم ربما حكي عن سلار

ج 30، ص: 93

عدم جواز ذلك، و لم نتحققه إذ المحكي عنه أنه إنما منع من المعاندة، و هي المناصبة التي ستعرف كفرها، بل لم يحك أحد هنا الخلاف في ذلك عمن علم أن مذهبه كفر المخالفين و نجاستهم، كالمرتضى و ابن إدريس و غيرهما، نعم حكى غير واحد هنا الشهرة على عدم جواز نكاح المؤمنة المخالف، بل في الرياض عن الخلاف و المبسوط و السرائر و سلار و الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة للمانع بعد النصوص المستفيضة.

ك

قوله صلى الله عليه و آله (1) حين أمر بتزويج الأبكار من الأكفاء: «المؤمنون بعضهم أكفاء بعض»

و غيره.

(و منها) المشرطة- الأمر بنكاحه المراد منه الإباحة- برضا دينه و أمانته (2)

و في بعضها خلقه و دينه (3)

قيل: و ليس في إدراج الخلق مع الدين في بعضها قرينة على التدين بالنسبة إلى الدين بناء على اتحاد سياق العبارة مع الإجماع على عدم اعتباره، لتوقفه على كون المراد منه السجية و الطبيعة، و ليس بمتعين، لاستعماله في الملة كما عن أهل اللغة، فيحتمل إرادتها منه هنا، فلا قرينة بالمرة.

(و منها)

الصحيح (4)

«تزوجوا في الشكاك و لا تزوجوهم، لأن المرأة تأخذ من أدب زوجها، و يقهرها على دينه».

(و منها) المرسل كالموثق، بل الموثق لا رسالة عن غير واحد الملحق مثله عند جماعة بالمسند

عن أبان عن الفضيل بن يسار (5) قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن نكاح الناصب، فقال: لا و الله ما يحل، قال فضيل: ثم سألته مرة أخرى، فقلت: جعلت فداك ما تقول في نكاحهم؟ قال: و المرأة عارفة، قلت: عارفة فقال:


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 28- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 5.

ج 30، ص: 94

إن العارفة لا توضع إلا عند العارف».

(و منها) المعتبر بوجود المجمع على تصحيح ما يصح عنه في سنده

(1)

«إن لامرأتي أختا عارفة على رأينا و ليس على رأيها بالبصرة إلا قليل فأزوجها ممن لا يرى رأيها، قال: لا و لا نعمة و لا كرامة، إن الله تعالى يقول (2) فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ، وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ»»

بل ربما استفيد من ذيله الاستدلال بالروايات المستفيضة بل المتواترة (3)

المتضمنة كفرهم الذي إن أريد منه الحقيقة كانت دلالته واضحة، و إلا كان المراد بالمشاركة في الأحكام التي منها ما نحن فيه.

بل ربما استدل أيضا بالنصوص المتواترة (4)

أيضا الدالة على عدم جواز نكاح الناصب، بناء على أن المراد منه المخالف، ل

قول الصادق عليه السلام في خبر المعلى ابن خنيس المروي عن العلل (5)

«ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت، لأنك لا تجد أحدا يقول: أنا أبغض محمدا و آل محمد، و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم أنكم تتولونا و أنكم من شيعتنا»

و في المرسل المروي عن الشيخ و الكليني (6) عنه


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4.
2- 2 سورة الممتحنة: 60- الآية 10.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب حد المرتد الحديث 13 و 14 و 18 و 19 و 21 و 23 و 24 و 25 و 27 و 28 و 29 و 38 و 43 و 44 و 48 و 49 من كتاب الحدود و الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 15.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 0.
5- 5 الوسائل الباب- 68- من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 من كتاب القصاص، و هو يروى عن معاني الاخبار مع اختلاف في اللفظ، و هذا اللفظ بعينه مروي عن العلل في خبر عبد الله بن سنان الذي رواه في الوسائل بعد رواية معلى بن خنيس و أشار إليه في الوسائل أيضا في الباب 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3 من كتاب الخمس.
6- 6 الوسائل الباب- 21- من أبواب الصدقة الحديث 2 من كتاب الزكاة.

ج 30، ص: 95

أيضا إنه قال: «الزيدية هم النصاب»

و عن الكليني في الروضة (1) في جارين ناصب و زيدي فقال عليه السلام: «هما سيان هذا نصب لك، و هذا الزيدي نصب لنا»

و عن مستطرفات السرائر من مكاتبات محمد بن علي بن عيسى لمولانا الهادي عليه السلام (2)

«سأله عن ناصب هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديم الجبت و الطاغوت و اعتقاد إمامتهما؟ فرجع الجواب: من كان على هذا فهو ناصب».

و لكن الجميع محل نظر أما الإجماع المحكي فلم نتحققه إذ ليس في المحكي عن المبسوط و الخلاف إلا قوله الكفاءة معتبرة في النكاح، و هي عندنا شيئان: الايمان و إمكان القيام بالنفقة، و اليسار المراعى ما يمكنه القيام بمئونة المرأة و كفايتها لا أكثر من ذلك ثم إنه استدل في الثاني منهما على ذلك بإجماع الفرقة الى أن قال في الرد على من اعتبر فيها أكثر من ذلك: «و ما ذكرناه مجمع عليه» و في الغنية «الكفاءة تثبت عندنا بأمرين الأول الايمان و إمكان القيام بالنفقة بدليل الإجماع المشار إليه، و لأن ما ذكرناه مجمع على اعتباره، و ليس على اعتبار ما عداه دليل، و لكن البناء عندنا أن الكفاءة المعتبرة في النكاح أمران الايمان و اليسار بقدر ما يقوم بأمرها، و الإنفاق عليها، و لا يراعي ما عدا ذلك من الأنساب و الصنائع، و الأولى أن نقول: إن اليسار ليس بشرط في صحة العقد، و إنما للمرأة الخيار إذا لم يكن موسرا بنفقتها، و لا يكون العقد باطلا، بل الخيار إليها، و ليس كذلك خلاف الإيمان الذي هو الكف إذا بان كافرا فان العقد باطل، و لا يكون للمرأة الخيار كما كان لها في اليسار» الى آخره، و قال المرتضى في مسائل الناصرية: «الذي يذهب إليه أصحابنا أن الكفاءة في الدين معتبرة، لأنه لا خلاف في أنه لا يجوز أن تتزوج»


1- 1 روضة الكافي ص 235- الرقم 314 ط طهران.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 14 من كتاب الخمس عن موسى بن محمد بن على بن عيسى قال: «كتبت اليه.» و لكن روى في الباب- 68- من أبواب القصاص في النفس الحديث 4 من كتاب القصاص: «ان محمد بن على بن عيسى كتب اليه.».

ج 30، ص: 96

المرأة المسلمة المؤمنة بالكفار» إلى آخره.

و الجميع كما ترى إنما يراد من الايمان فيها المرادف للإسلام، لا المعنى الأخص بقرينة استدلالهم على نفي الزيادة عن ذلك في مقابل الشافعي و غيره من العامة ممن اعتبر في الكفاءة أزيد من ذلك بكون المجمع عليه ذلك، و الأصل عدم الزيادة، و لا ريب في أن الايمان المعتبر عند الجميع الإسلام، ضرورة عدم معنى أخص للايمان عندهم، بل يؤيده أيضا تفريع بعضهم على ذلك عدم جواز تزويج المسلمة غير المسلم، و غير ذلك من القرائن التي لا يخفى على من لا حظ كلماتهم الدالة على إرادة الإسلام من الايمان.

و منه يعلم عدم قائل صريح معتد به من القدماء بعدم جواز نكاح المؤمنة غير المؤمن، و لو من فرق الإمامية، كالواقفى و نحوه ممن جرى عليه حكم الإسلام في هذا الحال، على أن عباراتهم لا يخلو من تشويش بالنسبة إلى اعتبارهم في الكفاءة الايمان و التمكن من النفقة، مع معلومية عدم اعتبار الثاني في صحة العقد، حتى لو رضيت الامرأة بذلك كما ستعرف.

و كذا النصوص، ضرورة كون الايمان في السابق مرادفا للإسلام، فإنه بالمعنى الأخص اصطلاح جديد، نعم ربما أطلق الإيمان فيها (1) مقابل الإسلام باعتبار ارادة التصديق القلبي و التسالم الظاهري مع النفاق باطنا، و لكن المعروف مراد فته و كذا لفظ الدين الذي هو عند الله الإسلام (2) بل

قوله صلى الله عليه و آله (3): «إذا جاءكم»

الى آخره خطاب مشافهة، و من المعلوم أن من لا يرضى دينه في زمنه صلى الله عليه و آله من لم يكن مسلما، فلا يستفاد حينئذ منها بقاعدة الاشتراك أزيد من ذلك، على أن ذكر الخلق معه مع معلومية عدم اعتباره في الكفاءة قرينة على


1- 1 الكافي ج 2 ص 25 الى 28.
2- 2 سورة آل عمران: 3- الآية 19.
3- 3 الوسائل الباب- 28- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و 2.

ج 30، ص: 97

عدم إرادة بيان الكفاءة المعتبر في الصحة، و دعوى إرادة الدين منه أيضا مخالفة للظاهر، على أنها لا تتم فيما اعتبر الامانة مع الدين منها.

و أما الصحيح فلم يعلم المراد من الشكاك فيه، و يمكن إرادة المستضعفين منهم، و حينئذ فالتعليل فيه يناسب الأمر فيه باعتبار صيرورته حينئذ سببا لنجاة الامرأة لا النهي، فان المستضعف لا يخشى منه القهر على ما عنده، لعدم معرفته، و على كل حال فهو معارض بما تسمعه من النصوص، خصوصا ما ورد في المستضعف (1)

فلا بأس بحمل النهي فيه على الكراهة.

كالنهي في المرسل الذي بعده، بل و الآخر أيضا مع عدم معلومية من لم ير رأيها البصيرة، و لعلهم الخوارج و المبغضين لأمير المؤمنين و الأئمة الطاهرين عليهم السلام، لكثرتهم في ذلك المكان و الزمان، بل هو مقتضى استدلال الامام عليه السلام بالاية الكريمة، ضرورة معلومية عدم كفر المخالفين على وجه تجرى عليهم أحكامهم الدنيوية، للسيرة القطعية و الأدلة السمعية و العسر و الحرج و غير ذلك مما هو مسطور في محله.

و منه يعلم بطلان الاستدلال بما دل على كفرهم المعلوم إرادة حكم الكفار منه في الآخرة كما دلت عليه النصوص المتواترة.

و كذا أخبار النصاب فان المراد كونهم أجمع بحكمهم فيها أيضا، لمعلومية كفر الناصب و حلية ماله و دمه، و معلومية عدم كون المخالف من حيث كونه مخالفا كذلك، فوجب حينئذ حمل هذه النصوص على ذلك، نحو ما دل (2) على أنهم كفار و أنهم شر من اليهود و النصارى أي في الآخرة، بخلاف الدنيا فإنهم مساوون للمؤمنين في الأحكام، و بذلك صرحت النصوص و تواترت في الفرق بين الإسلام و الايمان.


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 3 و 5 و 10.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 15 و الباب- 11- من أبواب الماء المضاف الحديث 5 من كتاب الطهارة.

ج 30، ص: 98

قال

سماعة (1): «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن الإسلام و الايمان أ هما مختلفان؟ فقال: إن الايمان يشارك الإسلام، و الإسلام لا يشارك الايمان، فقلت: فصفهما لي، فقال: الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله و التصديق برسول الله صلى الله عليه و آله، و به حقنت الدماء، و عليه جرت المناكح، و على ظاهره جماعة الناس، و الايمان الهدى، و ما يثبت في القلوب من صفة الإسلام، و ما ظهر من العمل به، و الايمان أرفع من الإسلام بدرجة، إن الايمان يشارك الإسلام في الظاهر و الإسلام لا يشارك الايمان في الباطن و إن اجتمعا في القول و الصفة».

و قال حمران بن أعين (2): «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الايمان ما استقر في القلب و أفضى به إلى الله، و صدقه العمل بالطاعة لله، و التسليم لأمر الله، و الإسلام ما ظهر من قول أو فعل، و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق جميعها، و به حقنت الدماء، و عليه جرت المواريث و جاز النكاح و اجتمعوا على الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج، فخرجوا بذلك من الكفر و أضيفوا الى الإيمان- الى أن قلت-: فهل للمؤمن فضل على المسلم في شي ء من الفضائل و الأحكام و الحدود و غير ذلك؟ فقال: لا هما يجريان في ذلك مجرى واحدا و لكن للمؤمن فضل على المسلم في إعمالهما و ما يتقربان به الى الله تعالى»

الحديث.

و

قال الفضيل بن يسار (3): «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الايمان يشارك الإسلام، و لا يشار كه الإسلام، إن الايمان ما وقر في القلوب، و الإسلام ما عليه المناكح و المواريث و حقن الدماء، و الايمان يشارك الإسلام و الإسلام لا يشارك الايمان».

و قال القاسم الصيرفي شريك المفضل (4): «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

الإسلام يحقن به الدم و يؤدى به الامانة و يستحل به الفروج، و الثواب على الإيمان».


1- 1 الكافي ج 2 ص 25.
2- 2 الكافي ج 2 ص 26.
3- 3 الكافي ج 2 ص 26.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4.

ج 30، ص: 99

و

صحيح عبد الله بن سنان (1) قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام بم يكون الرجل مسلما يحل منا كحته و موارثته و بم يحرم دمه؟ فقال: يحرم دمه بالإسلام إذا ظهر و يحل مناكحته و موارثته»

الى غير ذلك من النصوص المتواترة الدالة على اشتراك المسلم و المؤمن بالمعنى الأخص في هذه الأحكام، خصوصا في زمان التقية و الهدنة، و هو الزمان الذي لم تقم فيه يد الشرع، كما أومأ إليه

خبر العلاء بن رزين (2) لما سأل أبا جعفر عليه السلام عن جمهور الناس فقال: «هم اليوم أهل هدنة، ترد ضالتهم، و تؤدى أمانتهم، و تحقن دماؤهم، و تجوز مناكحتهم و موارثتهم في هذا الحال».

كل ذلك مضافا إلى

خبر الفضيل بن يسار (3)

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرأة العارفة هل أزوجها الناصب؟ قال: لا، إن الناصب كافر، قال: فأزوجها الرجل الغير الناصب و لا العارف، فقال: غيره أحب الى منه»

و ما يشعر به

خبر زرارة (4) في المستضعف قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أتزوج مرجئة أم حرورية؟ قال: عليك بالبله من النساء، قال زرارة: قلت: و الله ما هي إلا مؤمنة أو كافرة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: فأين أهل ثنوي الله؟ قول الله عز و جل أصدق من قولك إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (5)»

و خبر حمران بن أعين (6)

«كان بعض أهله يريد التزويج فلم يجد امرأة برضاها، فذكر ذلك لأبي عبد الله عليه السلام، فقال: أين أنت من البلهاء و اللواتي لا يعرفن شيئا؟ قلت: إنا نقول: إن الناس على وجهين: كافر و مؤمن، فقال:

فأين الذين خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا؟ و أين المرجون لأمر الله؟ أي عفو الله»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على حكم المستضعفين منهم.

و منه يعلم إرادة الكراهة من النهي (7)

عن تزويج المستضعف المؤمنة


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 17.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 11.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
5- 5 سورة النساء: 4- الآية 98.
6- 6 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 8.
7- 7 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 6.

ج 30، ص: 100

كالكراهة في تزويج العارفة غير العارف (1) و حينئذ تتفاوت الكراهة في النكاح منهم ترتبها في إنكاحهم، فكما أنه يكره النكاح منهم و خصوصا غير البله و المستضعفات من نسائهم كذلك يكره إنكاحهم خصوصا غير البله و المستضعفين منهم، و على ذلك تجتمع جميع النصوص التي لا ينكر انسياق الكراهة منها كما لا يخفى على من رزقه الله معرفة لسانهم و رموزهم و الجمع بين كلماتهم.

و من الغريب مناقشة بعضهم في النصوص السابقة بأنها مع قصور أسانيدها لا صراحة فيها بجواز تزويج المؤمنة بالمخالف، و غايتها العموم القابل للتخصيص بالعكس، أي تزويج المؤمن المخالفة، لتصريح الأخبار الأولة بالمنع من تزويج المؤمنة بالمخالف، فتتعارض الأخبار تعارض العموم و الخصوص، و اللازم حمل الأول على الثاني، إذ لا يخفى عليك عدم قبول صحيح ابن سنان منها و غيره لذلك، و استبعاد إرادة خصوص هذا الفرد من خصوص لفظ التناكح و الفروج منها دون الدماء و المواريث، و قد

قال الباقر عليه السلام في خبر هشام بن الحكم (2) منكرا: «يتكافؤ دماؤكم و لا يتكافؤ فروجكم»

على أن ذلك قد ذكر في بيان اتحاد حكم المؤمن و المسلم في ذلك و اختلافهما في الكفر باطنا و عدمه.

و منه يعلم عدم احتمال إرادة الإيمان من الإسلام فيه، لعدم احتمال إرادة جواز منا كحتهم بعضهم مع بعض، و أنهما واضحا الفساد، بل لا يليق ذكرهما ممن له نصيب في هذا العلم، و مثلهما احتمال جواز ذلك للضرورة من تقية و غيرها، و ليت شعري ما أدرى ما الداعي الى هذه الخرافات، و كيف تكون الضرورة المزبورة ملحقة للأولاد و مثبتة للمواريث و غير ذلك من الأحكام المعلوم ثبوتها بالضرورة من الدين، نعم هي التقية الزمانية التي سنشير إليها الجاري عليها أحكام الصحة، و قد تكرر من علي بن الحسين عليهما السلام (3)

لما أنكر عليه النكاح من بعض الناس و إنكاحهم


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 27- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و 2 و 4 و 9 و 11.

ج 30، ص: 101

«إن الله قد رفع بالإسلام كل خسيسة، و أتم به الناقصة و أذهب به اللؤم، فلا لؤم على مسلم، إنما اللؤم لؤم الجاهلية»

و نحوه عن رسول الله صلى الله عليه و آله في قصة جويبر (1)

المعروفة.

كل ذلك مضافا إلى ما وقع من تزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنته من عمر (2)

و تزوج عبد الله بن عمر بن عثمان فاطمة بنت الحسين عليه السلام (3)

و تزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة (4)

و غير ذلك، بل الظاهر أن التقية الزمانية تسوغ أزيد من ذلك، نعم لو انقلب الزمان و ظهرت كلمة الحق لم يتكافؤ الدماء و لا الفروج و لا غير ذلك، فلا يقتل المؤمن بالألف منهم، نسأل الله تعجيل الفرج و قيام العدل، و من لا حظ شدة ما جاء في أمر التقية التي بها حفظت الدماء و تزوج المذهب علم أن ذلك كله سهل في مقابلة المصالح المرتبة عليها، و لولاها لم يكن للشيعة اسم و لا وقف منهم على رسم، فجزى الله محمدا و آله صلى الله عليه و آله عنا خير الجزاء، لم يألوا جهدا في حفظ هذه الفرقة دينا و آخرة.

و كان المسألة من الواضحات و إن اشتهر خلاف ذلك بين المتأخرين و متأخريهم، و لوضوحها تركنا الإطناب فيها و الإكثار من ذكر النصوص و المؤيدات لذلك. و ما يتفرع على القول المقابل من الانفساخ لو تجددت المعرفة بعد النكاح ما لم يؤمن الزوج في العدة على حسب ما سمعته في الكافر و عدمه، و من جريان المسألة في فرق الشيعة غير الاثني عشرية، فلا تتزوج المؤمنة بهذا المعنى غير المؤمن به، و من جريانها في فرق الشيعة غير الإمامية بالنسبة إلى بعضهم بعض إذا كانوا مختلفين في الإقرار بالأئمة عليهم السلام، فلا يجوز للمقرة بالسبعة منهم مثلا


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 2 و 3 و المستدرك الباب 10 منها.
3- 3 غاية الاختصار ص 42 ط النجف.
4- 4 وفيات الأعيان ج 2 ص 131 ط مصر و الأغاني ج 14 ص 165 و 168.

ج 30، ص: 102

نكاح المقر بالخمسة مثلا، و لا نكاح من أشرك غيرهم معهم في الإمامة كالزيدية و غيرهم، فضلا عن عدم جواز نكاحها للمخالف مع احتمال الجواز، لاشتراكهم في عدم الايمان بالمعنى الأخص، فهم حينئذ بالنسبة الى ذلك ملة واحدة، و إغفال النصوص و الفتاوى التعرض لذلك و غيرها مما يؤيد كون المدار على الإسلام في النكاح، و أن جميع فرقه التي لم يثبت لها الكفر بنصب أو غلو أو نحو ذلك ملة واحدة يشتركون في التناكح بينهم و التوارث و غيرهما من الأحكام و الحدود، و الله العالم.

نعم لا يصح نكاح الناصب المعلن بعداوة أهل البيت عليهم السلام و لا نكاح الناصبية كذلك لارتكابه ما ما يعلم بطلانه من دين الإسلام مع فرض تدينهما بذلك، فهو حينئذ إنكار لضروري من ضروريات الدين، و دخول في سبيل الكافرين، كغيره ممن كان كذلك بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (1)

كادت تكون متواترة فيه، بل هي كذلك، بل الظاهر تحقق النصب المقتضي للكفر بالبغض و العداوة لواحد من أهل البيت و إن لم يتخذ ذلك دينا، ضرورة صدق اسم الناصب عليه، فإنه العدو المبغض، بل الظاهر تحققه بالبغض و العداوة و إن لم يكن معلنا، ف

في خبر زرارة (2) عن أبى جعفر عليه السلام قال:

«دخل رجل على علي بن الحسين عليهما السلام، فقال: إن امرأتك الشيبانية خارجية تشتم عليا عليه السلام فان سرك أن أسمعك ذلك منها أسمعتك، فقال: نعم، فقال: إذا كان غدا حين تريد أن تخرج كما كنت تخرج فعدوا كمن في جانب الدار، قال فلما كان من الغد كمن في جانب الدار، و جاء الرجل فكلمها، فتبين ذلك منها، فخلى سبيلها و كانت تعجبه»

نعم الظاهر ندرة ذلك في هذا الزمان أو عدمه، كما اعترف به في المسالك و أومأ اليه عليه السلام

في خبر ابن سنان (3) بقوله: «إنك لا تجد أحدا


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالكفر.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث- 7.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3 و الباب- 68- من أبواب القصاص في النفس الحديث 3 من كتاب القصاص.

ج 30، ص: 103

يقول: إنى أبغض آل محمد»

فلا يلتفت الى دعوى كون الناصب مطلق المخالف كما سمعته سابقا، و قد أشبعنا الكلام في تفسير الناصب في كتاب الطهارة (1).

و كيف كان ف هل يشترط في الكفو مع ذلك تمكنه من النفقة؟

قيل: نعم و القائل الشيخان في المقنعة و المبسوط و الخلاف و بنو زهرة و إدريس و سعيد و العلامة في التذكرة و المختلف على ما حكي عن البعض، لقول الله تعالى (2) «وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» إلى آخرها، و

قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم (3) لفاطمة بنت قيس لما أخبرته أن معاوية يخطبها:

«إن معاوية صعلوك لا مال له»

و قول الصادق عليه السلام (4): «الكفو أن يكون عفيفا و عنده يسار»

و لما في ذلك من الإضرار بالمرأة، و لعده في النقص عرفا، لتفاضل الناس في اليسار تفاضلهم في النسب، و لأن بالنفقة قوام النكاح و دوام الأزواج.

و قيل و القائل الأكثر لا يشترط ذلك للعمومات (5) و لقوله تعالى (6) «إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» و قوله تعالى (7) «إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً» و

قوله صلى الله عليه و آله في تفسير الكفو (8): «أن يرضى دينه و خلقه»

و خبر جويبر (9)

و غيره ف هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده، و الآية


1- 1 الجزء السادس ص 63 الى ص 67.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 25.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 135.
4- 4 الوسائل الباب- 28- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح.
6- 6 سورة النور: 24- الآية 32.
7- 7 سورة الشرح: 94- الآية 6.
8- 8 الوسائل الباب- 28- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 الا انه ليس في تفسير الكفو.
9- 9 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

ج 30، ص: 104

من الإرشاد أو في المهر، كقول النبي صلى الله عليه و آله لفاطمة (1)

لما استشارته و أرادت النصيحة منه، و المراد من الكفوء في الثاني العرفي، ضرورة عدم اعتبار العفة فيه شرعا و لا إضرار بعد الإخبار، و لا نقص في عدم المال خصوصا بعد كون أولياء الله غالبا كذلك، بل كان المسألة من الواضحات.

و من هنا نص ابنا إدريس و سعيد فيما حكي عنهما على أن المراد أن لها الخيار إذا تبين لها العدم لا الفساد، بل في المختلف الإجماع على عدم اشتراطه في صحة العقد مع علمها، و في كشف اللثام بعد أن حكى ذلك عنه قال: و الأمر كذلك، و لعلهم مجمعون على الصحة مع الجهل أيضا كما ذكره الشهيد، و لكن في الإيضاح أن الأقوال ثلاثة: الاشتراط و عدمه و الخيار، قلت: كأنه لحظ ظاهر اعتبار الشيخين و ابن زهرة الايمان و التمكن من النفقة في الكفاءة في مقابلة من اعتبر أزيد من ذلك فيها من العامة.

و على كل حال هو على تقديره في غاية الضعف، و يمكن حمل كلامهم على إرادة وجوب اعتبار ذلك من الولي و الوكيل باعتبار المفسدة على الامرأة بذلك، إلا أن ذلك يقتضي كون العقد فضولا حينئذ فاسدا أو يحمل على إرادة عدم وجوب الإجابة على القول به فيما لو خطب القادر على النفقة دفعا للحرج و جمعا بين الأدلة، بل عن الشهيد لا أظن أحدا خالف فيه.

و من ذلك يعلم الحال في اعتبارهم الايمان مع التمكن من النفقة في الكفاءة، فإنه يحتمل إرادتهم التسلط على الخيار، أو أن للمرأة الفسخ مع فرض نكاح الولي أو الوكيل، أو أن المراد عدم وجوب الإجابة بناء على إرادة المعنى الأخص من نحو ما سمعته في التمكن من النفقة، لاتحاد المساق فيهما و إلا كان الفساد متجها إليهما معا أيضا.

بل الظاهر فساد دعوى الخيار أيضا، لأصالة اللزوم و خصوصا في النكاح الذي لم يقبل اشتراط الخيار، خلافا لجماعة منهم الفاضل في المختلف و إن كان هو قد


1- 1 البحار ج 43 ص 99.

ج 30، ص: 105

اضطراب رأيه في المسألة، ففي الكتاب المزبور لم يعتبر اليسار في الكفاءة، و اكتفى بالايمان، و لكن خيرها مع الجهل لو تزوجت بفقير، و في المحكي عن تذكرته أنه اعتبر فيها اليسار، و جوز للولي أن يزوجها بالفقير، و لو كان الذي يزوجها السلطان لم يكن له أن يزوجها إلا بكفو، و في القواعد لم يجعله شرطا و لا سببا للخيار، و هو الأصح لما عرفت، و نفي الضرار لا يقتضي التسلط على الخيار مع عدم الانجبار، خصوصا مع عدم إحراز الراغب فيها من المؤسرين، و خصوصا بعد قوله تعالى (1) «إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» و «إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً» (2) الذي استدل به أمير المؤمنين عليه السلام في الخبر (3) الآتي الذي قد يستفاد منه أيضا ما نحن فيه، و خصوصا بعد أن شرع الله ما يرتفع به الضرار المزبور، ضرورة وجوب الإنفاق عليهما من بيت المال أو من المسلمين كفاية مع فرض الإعسار.

و من ذلك يعلم الحال فيما لو تجدد عجز الزوج عن النفقة و أنه هل تتسلط بذلك على الفسخ؟ و إن قال المصنف فيه روايتان لكن أشهرهما عملا أنه ليس لها ذلك لا بنفسها و لا بالحاكم، بل في المسالك أنه المشهور، و هي ما

روي (4) عن أمير المؤمنين عليه السلام «إن امرأة استعدت إليه على زوجها للإعسار، فأبى أن يحبسه، و قال: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً»

مضافا إلى ما عرفت من العمومات و غيرها و زيادة الاستصحاب هنا، خلافا للمحكي عن أبي علي، فسلطها على الفسخ، و في كشف اللثام و قيل يفسخه الحاكم، و هو قوي، فان لم يكن الحاكم فسخت، لقوله تعالى (5) «فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ» و الإمساك بلا نفقة ليس بمعروف، و للضرر و الحرج، و

صحيح أبى بصير (6)


1- 1 سورة النور: 24- الآية 32.
2- 2 سورة الشرح: 94- الآية 6.
3- 3 المستدرك الباب- 1- من أبواب النفقات الحديث 5.
4- 4 المستدرك الباب- 1- من أبواب النفقات الحديث 5.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 229.
6- 6 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات الحديث 2.

ج 30، ص: 106

عن الباقر عليه السلام «من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الامام أن يفرق بينهما»

و صحيح ربعي و الفضيل (1) عن الصادق عليه السلام «إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة و إلا فرق بينهما».

و فيه منع كون الإمساك بلا نفقة من غير المعروف مع الإعسار و كونها دينا عليه، على أنه قد تقدم في تفسير الآية من النصوص (2)

ما ينافي ذلك، و إلزام الحاكم- مع المرافعة و المنازعة و قيام عصاة الشرع و نظره الى المصلحة للقادر الممتنع بالطلاق الذي يحمل عليه ما في الخبرين إن لم يكن ظاهرهما و لو للجمع بينهما و بين ما سمعته من أمير المؤمنين عليه السلام- أمر خارج عما نحن فيه من تسلطها على الفسخ أو تسلط الحاكم عليه، كما هو واضح.

هذا و عن فخر المحققين بناء ما هنا من الخلاف على أن اليسار بالنفقة ليس شرطا في لزوم العقد، إذ لو جعلناه شرطا لسلطت على الفسخ بتجدد العجز بغير إشكال، و فيه أنه يمكن عليه اختصاص ذلك بالابتداء دون الاستدامة كما في العيوب المجوزة للفسخ، و ربما يؤيده إطلاق الأصحاب هنا، نعم لا إشكال في عدم الفسخ بناء على عدم تسلطها عليه به لو بان قبل العقد، ضرورة أولوية ما هنا منه بذلك، كما هو واضح.

و كيف كان فلا إشكال و لا خلاف معتد به في أنه يجوز عندنا إنكاح الحرة العبد و العربية العجمي و الهاشمية غير الهاشمي و بالعكس، و كذا أرباب الصنائع الدنية كالكناس و الحجام و غيرهما بذوات الدين من العلم و الصلاح و البيوتات و غيرهم، لعموم الأدلة و خصوص ما جاء من تزويج جويبر الدلفاء (3)

و منجح بن رباح مولى علي بن الحسين عليهما السلام بنت ابن أبي رافع (4)

و نكاح


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7 و 10 و 12 و 13 من كتاب الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

ج 30، ص: 107

علي بن الحسين عليهما السلام مولاته (1)

و نكاح رسول الله صلى الله عليه و آله عائشة و حفصة (2)

و نكاح العوام صفية (3)

و المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب (4)

و عثمان (5)

و أبي العاص (6)

و عمر (7)

و عبد الله بن عمر بن عثمان (8)

و مصعب بن الزبير (9)

بنات رسول الله صلى الله عليه و آله و علي و الحسين عليهما السلام، و قد

قال رسول الله صلى الله عليه و آله لما زوج المقداد ابنة الزبير بن عبد المطلب (10): «إنما أردت أن تتضع المناكح»

كقوله صلى الله عليه و آله (11): «المسلم كفو المسلمة، و المؤمن كفو المؤمنة»

و «المؤمنون بعضهم أكفاء بعض» (12)

و «إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوجوه، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسادٌ كَبِيرٌ» (13).

فما عن ابن الجنيد- من أنه اعتبر فيمن تحرم عليهم الصدقة أن لا يتزوج


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 14.
3- 3 أنساب الاشراف ج 1 ص 90 ط مصر.
4- 4 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 14.
6- 6 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 14 و الباب- 13- منها- الحديث 2.
7- 7 الوسائل الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 2 و 3 و المستدرك الباب- 10- منها.
8- 8 غاية الاختصار ص 42 ط النجف.
9- 9 وفيات الأعيان ج 2 ص 131 ط مصر و الأغاني ج 14 ص 165 و 168.
10- 10 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
11- 11 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
12- 12 الوسائل الباب- 23- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
13- 13 الوسائل الباب- 28- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

ج 30، ص: 108

فيهم إلا منهم لئلا يستحل بذلك الصدقة من حرمت عليه إذا كان الولد منسوبا الى من تحل له الصدقة- مسبوق بالإجماع و ملحوق به و إن كان ربما يشهد له في الجملة

خبر (1) بلال قال: «لقي هشام بن الحكم بعض الخوارج فقال: يا هشام ما تقول في العجم يجوز أن يتزوجوا الى العرب؟ قال: نعم، قال: فالعرب تتزوج من قريش، قال: نعم، قال: فقريش تتزوج في بني هاشم، قال: نعم، قال: عمن أخذت هذا؟ قال: عن جعفر بن محمد عليهما السلام سمعته يقول: يتكافؤ دماؤكم و لا تتكافؤ فروجكم؟ قال: فخرج الخارجي حتى أتى أبا عبد الله عليه السلام، فقال: إنى لقيت هشاما فسألته عن كذا فأخبرني بكذا، و ذكر أنه سمعه منك، قال: نعم قد قلت ذلك، فقال الخارجي:

فها أنا ذا قد جئتك خاطبا، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إنك لكوفي دينك و حسبك في قومك، و لكن الله تعالى صاننا عن الصدقة، و هي أوساخ أيدي الناس، فنكره أن نشرك فيما فضلنا الله به من لم يجعل الله له مثل ما جعل لنا، فقام الخارجي و هو يقول: تا لله ما رأيت رجلا قط مثله، ردني و الله أقبح رد و ما خرج عن قول صاحبه»

والمرسل في الفقيه (2)

«إنه نظر النبي صلى الله عليه و آله إلى أولاد علي عليه السلام و جعفر فقال بناتنا لبنينا و بنونا لبناتنا»

لكن من المعلوم خصوصا الأخير عدم إرادة حرمة ذلك.

نعم في المسالك «إنه اعتبر بعض في الكفاءة زيادة على ما ذكر الحرية و النسب و الحرفة، و فرع على النسب أن العجمي ليس كفوا للعربية، و غير القريشي ليس كفوا له، و لا مطلق القريشي كفوا للهاشمية، و على الحرفة أن أصحاب الحرف الدنية ليسوا أكفاء للشراف و لا لسائر المحترفة.

و الكل ضعيف و الأخبار النبوية و الأفعال تنفيه».

قلت: ما حضرني من كتبهم قد اعتبر فيه في الكفاءة ذلك و أزيد منه من بعض الأمور المنافية للكفاءة عرفا أو لكمالها لا شرعا، لكنهم صرحوا بكون المراد


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 26- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 و تمامه في الكافي ج 5 ص 345 و فيهما عن على بن بلال.
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 7.

ج 30، ص: 109

من ذلك تسلط المرأة على الفسخ إن شاءت مع فرض تزويج وليها إياها و هي غير عالمة، لا أن المراد فساد النكاح حتى مع العلم و الرضا، و لعل للأصحاب فيما تقدم سابقا من نكاح الولي الصغيرة كلاما يشبه ذلك، و نحو قولهم لو زوجها الولي من غير الكفو كان لها الخيار، ضرورة إرادة الكفو عرفا لا شرعا و إلا كان النكاح باطلا، لأن لها الخيار، و مبناه على اعتبار المصلحة في تصرف الولي بالنسبة إلى ذلك أو عدم المفسدة، و نحو ما سمعته من اعتبار التمكن من النفقة في الكفاءة، نعم ربما كان بعض كلام في أفراد فاقد المصلحة و واجد المفسدة، كالكلام في أن المراد بالخيار اجازة العقد و عدمه أو فسخه بعد الصحة و أن الولي تبقى ولايته على البكر البالغة الرشيدة أو لا، كما عرفت البحث في ذلك كله، و الأمر سهل، و الله العالم.

و كيف كان فقد ذكر المصنف و غيره أنه لو خطب المؤمن القادر على النفقة وجب إجابته و إن كان أخفض نسبا، و لو امتنع الولي كان عاصيا و لكن لا ريب في منافاته لما وقع منه و من غيره أيضا من كراهة تزويج الفاسق، و خصوصا شارب الخمر و الزاني و المخالف، و لما في النصوص (1)

من كراهة تزوج المهاجرة بالأعرابي، و غير ذلك مما لا يجتمع مع وجوب الإجابة إلّا بنوع من التأويل، فلا بد من تقييد ذلك بما إذا لم يكن ممن يكره منا كحته، بل في كشف اللثام زيادة: و لم يعلم فيه شي ء من المسلطات على الفسخ، و لم تأب المولى عليها، مضافا إلى ما في المسالك من تقييده بعدم قصد العدول إلى الأعلى مع وجوده بالفعل أو القوة، ثم قال: «و إنما يكون عاصيا مع الامتناع إذا لم يكن هناك طالب آخر مكافئ و إن كان أدون منه، و إلا جاز العدول إليه، و كان وجوب الإجابة تخييريا، فلا يكون الولي عاصيا بذلك».

على أن أصل الحكم لا يخلو من إشكال، إذ هو في الولي الشرعي لصغر و نحوه مع عدم مصلحة خارجية تقتضي الوجوب يشكل دعواه، للأصل و انتفاء الحاجة، و في المخطوبة التي هي أولى بنفسها لا يجب عليها أصل النكاح فضلا عن خصوصياته،


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب ما يحرم بالكفر.

ج 30، ص: 110

و دعوى وجوب الإجابة عليها للخاص بعد فرض عزمها على أصل النكاح لا دليل عليها، بل السيرة المستمرة على خلافها، و ربما كان في تعليق الأمر على رضاها إشارة إلى عدم وجوب الإجابة عليها، و الأمر في النصوص (1)

السابقة بتزويج من يرضى دينه و خلقه إنما هو للأولياء العرفيين بمعنى عدم مشروعية الامتناع من حيث الحسب و النسب و الشرف و الغناء و العظمة و نحو ذلك مما كان مستعملا للعرب في الجاهلية، و كذا قوله تعالى (2) «وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى» إلى آخرها، أو أن المراد به عدم جواز الامتناع منهم بعد فرض رضا المخطوبة و لو بقرائن الأحوال مع تأدية امتناعه إلى عدم وقوع النكاح، و لو للعادة بعدم استقلال البنت في أمرها رغبا و رهبا في وليها و منه أو نحو ذلك مما لا يقتضي الوجوب على من بيده عقدة النكاح من الولي، أو المخطوبة من حيث خطبة المؤمن القادر على النفقة.

و كأنه لذلك

قال ابن إدريس فيما حكي عنه (3)

«روي أنه إذا خطب المؤمن إلى غيره بنته و كان عنده يسار بقدر نفقتها و كان ممن يرضى أفعاله و أمانته و لا يكون مرتكبا لشي ء ما يدخل به في جملة الفساق و إن كان حقيرا في نسبه قليل المال فلم يزوجه إياها كان عاصيا لله تعالى مخالفا لسنة نبيه،»

و وجه الحديث في ذلك انه إنما يكون عاصيا إذا رده و لم يزوجه لما هو عليه من الفقر و الأنفة منه لذلك، و اعتقاده أن ذلك ليس بكفو في الشرع، فأما إن رده و لم يزوجه لا لذلك بل لأمر آخر و غرض غير ذلك من مصالح دنياه فلا حرج عليه، و لا يكون عاصيا، فهذا فقه الحديث، و مرجعه إلى ما ذكرنا من معصيته إذا ازدرى بالخاطب أو ضار المخطوبة.

و من ذلك يعلم ما في المسالك، فإنه- بعد أن ذكر أنه هل يعتبر في وجوب الإجابة بلوغ المرأة أم يجب على الولي الإجابة لمن ذكر و إن كانت صغيرة؟ وجهان من إطلاق الأمر و انتفاء الحاجة، و الأصل في تخصيص الأولياء بالحكم أنه المجيب


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب مقدمات النكاح.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 32.
3- 3 السرائر ص 295 ط إيران.

ج 30، ص: 111

و المانع غالبا و إن لم يكن له الولاية شرعا، و الأمر في الأخبار متعلق به لذلك- قال: «و في

صحيحة علي بن مهزيار (1) قال: «كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر عليه السلام في أمر بناته و أنه لا يجد أحدا مثله، فكتب إليه أبو جعفر عليه السلام: فهمت ما ذكرت من أمر بناتك و أنك لا تجد أحدا مثلك، فلا تنظر في ذلك رحمك الله، فان رسول الله صلى الله عليه و آله قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض و فساد كبير»

دلالة على جميع ما ذكره المصنف من الأحكام لاقتضاء الأمر الوجوب، و استلزام مخالفته المعصية و تناوله الأخفض نسبا» قلت:

لكن قد عرفت أن المراد من هذا الأمر (2).

و كذا ما في كشف اللثام فإنه بعد أن ذكر النبوي (3) قال: «و لأن على الولي أن يفعل ما هو أصلح للمولى عليه، ثم إن كانت البالغة مولى عليها فلا إشكال، و إلا فإن كانت المخطوبة بالغة و لكن يعلم من حالها أنها لا تستقل بالنكاح حرم على الولي رد الخاطب إذا اتصف بما ذكر، فإنه ليس إلا منعا لهما عن حاجتهما المرغوبة شرعا و إن كانت صغيرة فالظاهر أنه كذلك إن كان فيه مصلحتها، و يؤيده

قوله عليه السلام (4)

«لا تؤخروا أربعا- و عدّ منها- تزويج بكر إذا وجد كفوا»

قلت:

ليس محل البحث وجود المصلحة بالنسبة إلى المولى عليه، ضرورة خروجه عما نحن فيه، إنما الكلام في الوجوب شرعا من الولي الحقيقي من حيث خطبة المؤمن القادر على النفقة، كما أنه ليس منه فرض رغبة الخاطب و المخطوبة، فإنه ليس للولي العرفي المنع قطعا.


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة، و الصحيح «لكن قد عرفت المراد من هذا الأمر» كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.
3- 3 الوسائل الباب- 28- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و 2.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 133 و فيه «ثلاثة لا تؤخرها. و الأيم إذا وجدت كفوا».

ج 30، ص: 112

و لعله لما ذكرنا أطلق في محكي التذكرة استحباب تأخير تزويج الصغيرين إلى البلوغ، قال: «لأن النكاح يلزمهما حقوقا، و ليكونا من أهل الاذن فليستأذنا أو يليا العقد بأنفسهما عندنا، لأن قضاء الشهوة إنما يتعلق بالزوجين، فنظرهما لأنفسهما فيه أولى من غيرهما، خصوصا فيمن يلزمهما عقده، كالأب و الجد» كما أن منه عرفت الحال في أصل الحكم، و الله العالم.

و لو انتسب الزوج إلى قبيلة فبان من غيرها كان للزوجة الفسخ عند الشيخ في النهاية و ابني حمزة و سعيد على ما حكي عن الأخير منهم، للتدليس، و

مضمر الحلبي الصحيح (1)

«في رجل تزوج امرأة فيقول: أنا من بني فلان فلا يكون كذلك، قال: يفسخ النكاح، أو قال: يرد»

و رده في كشف اللثام و غيره بالإضمار قال: «و لا يجدى أن الحلبي أعظم من أن يروي نحو ذلك عن غير الامام، لاحتمال رجوع الضمير إلى الحلبي، و يكون الراوي عنه سأله» و على كل حال فقد وافقهم في المختلف إذا ظهر أنه أدنى ممن انتسب إليه بحيث لا يلائم شرف المرأة، لما فيه من الغضاضة و الضرر، و الخبر، بدعوى أن المتبادر منه ذلك، و ابن إدريس فيما حكي عنه «إن شرط ذلك في العقد سواء كان من قبيلة أدنى ممن انتسب إليها أو أعلى، للتدليس في العقد، فإنهما إنما تراضيا بالعقد على ذلك، فإذا ظهر الخلاف أعرض للفساد» بل ظاهر المسالك المفروغية من ذلك، للعموم.

و قيل و القائل الشيخ فيما حكي عن مبسوطة و الأكثر على ما في المسالك:

ليس لها الفسخ و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده المستفادة من قوله تعالى (2) «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و حصر رد النكاح في غير ذلك في صحيح الحلبي (3)

و من معلومية بناء النكاح على اللزوم و لذا لم يجز فيه اشتراط الخيار، بل ظاهر المصنف و الفاضل في القواعد كما اعترف به في كشف اللثام عدم الفرق بين أن تكون


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 10.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6.

ج 30، ص: 113

قبيلته دون من انتسب إليها أم لا، و سواء كانت دون قبيلتها أم لا، و من غير فرق بين الشرط و عدمه، بل في كشف اللثام عن المبسوط «إنه بعد أن ذكر أن من دلس بالحرية فان لم يشترطها في العقد كان النكاح صحيحا قولا واحدا، و إن شرطها فيه كان فيه قولان» قال: «و هكذا القولان إذا انتسب إليها نسبا فوجد بخلافه، سواء كان أعلى مما ذكر أو دونه» و هو يعطي أن الخلاف إنما هو عند الاشتراط في العقد، ثم قال: «و إن كان الغرور بالنسب فان وجد دون ما شرط و دون نسبها فلها الخيار، لأنه ليس كفوا، و إن كان دون ما شرط لكنه مثل نسبها و أعلى منه، مثل أن كانت عربية فشرط هاشميا فبان قرشيا أو عربيا، فهل لها الخيار أم لا؟ فالأقوى أنه لا خيار لها، و في الناس من قال: لها الخيار، و قد روى (1)

ذلك في أخبارنا» انتهى، و مراده بالكفو العرفي لا الشرعي، و لها الخيار حينئذ دفعا للضرورة و الغضاضة، و أما من كان مثل نسبها أو أعلى فليس من ذلك، و في كشف اللثام «و فيه الاشتراك في التدليس».

قلت: لكن الكلام فيما يدل على الخيار به في النكاح مطلقا سواء حصل منه ضرر أو لا، بل و فيما يدل عليه فيه بتخلف الوصف في الزوجة أو الزوج، بل و بتخلف نحو ذلك لو كان على جهة الشرطية دون الوصف، بل و بتخلف الشرائط التي ليست بشرائط أوصاف، بل شرائط إلزامات، كشرطية تمليك دار أو عبد مثلا، و قياس النكاح على البيع في ذلك كله كما ترى، خصوصا مع الفرق بينهما بملاحظة الوصف في البيع في الثمن و المثمن بخلافه في الزوج و الزوجة، على أن المهر في النكاح فضلا عن الشرائط التي هي قسط منه قد عرفت أن فساده لا يبطل النكاح، و يصح فيه اشتراط الخيار دونه، و ليس ركنا من أركان النكاح، بخلاف الثمن في البيع،

«و المؤمنون عند شروطهم» (2)

لا يقتضي أزيد من الإلزام بالشرط القابل لأن يلزم بتأديته، لا مثل شرط أوصاف العين الخارجية، و الاستناد


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب العيوب و التدليس.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.

ج 30، ص: 114

إلى المضمر المزبور يقتضي العمل بإطلاقه الذي لم يفرق فيه بين الاشتراط و عدمه، و التعدية عن مضمونه تقتضي عدم الفرق بين الانتساب إلى قوم و غيره من الأوصاف و بين انتسابها و انتسابه و أوصافها و أوصافه، كما أن قاعدة الشرطية تقتضي ذلك أيضا.

و لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله من الاشكال، و لعله لذلك صرح الشيخ بعدم الخيار مع الاشتراط، و لا ينافيه إثباته الخيار في الأول الذي علله بعدم الكفاءة لا من جهة الشرطية، و يمكن حمل المضمر المزبور على تزويج الولي أو الوكيل أو غير هما ممن يعتبر في لزوم نكاحه المصلحة أو عدم المفسدة، و المفروض تخلف ذلك، فتسلط على الخيار أو على رد العقد.

هذا و لكن ستعرف في باب التدليس ما يدل على ثبوت الخيار به مع اشتراط ذلك في متنه، بل ظاهرهم هناك الإجماع على ذلك، بل يقوى في النظر ثبوت الخيار إذا تزوجها على الوصف الذي دلست به فبان الخلاف و إن لم يشترط ذلك في متن العقد، فلا حظ و تأمل، و الله العالم.

و يكره أن يزوج الفاسق كما في القواعد و غيرها، بل في المسالك لا شبهة في كراهة تزويجه، حتى منع منه بعض العلماء لقوله تعالى (1) «أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ» و مفهوم

قوله صلى الله عليه و آله (2): «إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوجوه»

الدال على أن من لا يرضى دينه لا يزوج، و الفاسق كذلك و في كشف اللثام تعليله بأنه لفسقه حري بالاعراض و الإهانة، و التزويج إكرام و مودة، و لأنه لا يؤمن من الإضرار بها و قهرها على الفسق، و لا أقل من ميلها إليه أو سقوط محله من الحرمة عندها.

و لكن الجميع كما ترى لا يفيد الكراهة لمطلق الفسق حتى الإصرار على بعض الصغائر الذي قل ما يخلو منه أحد، و الآية إنما يراد من الفسق فيها الكفر


1- 1 سورة السجدة: 32- الآية 18.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

ج 30، ص: 115

بقرينة مقابلة الايمان، على أن نفي الاستواء لا يقتضي بكراهة التزويج، و ليس مندرجا فيمن لا يرضى دينه قطعا، بل و الخلق بناء على أن المراد منه حسن السجايا التي لا ينافيها بعض أنواع الفسق، كما عساه يومئ إليه النهي عن تزويج سيئ الخلق،

قال الحسين بن بشار الواسطي (1): «كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أن لي قرابة قد خطب إلى ابنتي و في خلقه سوء، فقال: لا تزوجه إن كان سيئ الخلق»

و ليس كل فسق حريا بالاعراض و الإهانة على وجه ينافيه التزويج و لا يؤمن معه من الإضرار بها و من قهرها عليه، خصوصا مع فرض فسقها، و لا كل فسق يسقط حرمة الإيمان التي قد علمت من الشريعة، و لم نعرف من نسب إليه من العلماء المنع منا، بل في كشف اللثام لا يحرم اتفاقا منا، و لعله من العامة، إلا أنه يمكن أن يكون من إنكار الضروريات.

نعم لا ريب في الكراهة بالنسبة إلى بعض أنواع الفسق، كشرب الخمر الذي قال المصنف فيه و تتأكد أي الكراهة في شارب الخمر و

قال الصادق عليه السلام (2): «من زوج كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها»

و كالزنا و غيرهما من أنواع الفسق التي فيها من الغضاضة و عدم الائتمان ما لا يخفى، خصوصا بالنسبة إلى بعض الناس و بعض النساء.

كما لا ريب في كراهة أن تزوج المؤمنة بالمخالف لما عرفته و لا بأس بالمستضعف، و هو الذي لا يعرف بعناد بمعنى عدم تلك الكراهة الحاصلة في غيره و إن كان هو أيضا مكروها، للنهى عنه (3) كالنهي عن النكاح منهم (4)

و خصوصا على المؤمن، و إن خفت الكراهة في البله من نسائهم و المستضعفات منهن،


1- 1 الوسائل الباب- 30- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالكفر.

ج 30، ص: 116

و

في خبر سدير (1) قال: «قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا سدير بلغني عن نساء أهل الكوفة جمال و حسن تبعل فابتغ لي امرأة ذات جمال في موضع، فقلت: قد أصبتها جعلت فداك، فلانة بنت فلان بن محمد بن الأشعث بن قيس، فقال لي: يا سدير إن رسول الله صلى الله عليه و آله لعن قوما فجرت اللعنة في أعقابهم، و إن عليا عليه السلام لعن قوما فجرت اللعنة في أعقابهم إلى يوم القيامة، و أنا أكره أن يصيب جسدي جسد أحد من أهل النار».

و كذا يكره نكاح الزنج

قال أمير المؤمنين عليه السلام (2): «إياكم و نكاحهم، فإنه خلق مشوه»

وقال الصادق عليه السلام (3)

«لا تناكحوا الزنج و الخزر، فان لهم أرحاما تدل على غير الوفاء، قال: و السند و الهند و القند ليس فيهم نجيب، يعنى القندهار»

وقال عليه السلام أيضا (4)

«لا تنكحوا في (من خ ل) الأكراد فإنهم حي من الجن كشف الله عنهم الغطاء»

و قال أمير المؤمنين عليه السلام (5)

«إياكم و تزويج الحمقاء، فان صحبتها بلاء، و ولدها ضياع»

و قال الصادق عليه السلام (6)

«زوجوا الأحمق و لا تزوجوا الحمقاء، فإن الأحمق قد ينجب و الحمقاء لا تنجب»

وعن الباقر عليه السلام (7) و قد «سئل عن الرجل المسلم تعجبه المرأة الحسناء أ يصلح له أن يتزوجها و هي مجنونة؟

قال: لا، و لكن إن كانت عنده أمة مجنونة فلا بأس بأن يطئها، و لا يطلب ولدها»

إلى غير ذلك مما ورد في النصوص النهي عن نكاحه و إنكاحه المحمول على الكراهة و شدتها، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 143- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و ليس فيه «ان عليا عليه السلام لعن قوما فجرت اللعنة في أعقابهم».
2- 2 الوسائل الباب- 31- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 31- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 32- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 33- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 33- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
7- 7 الوسائل الباب- 34- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

ج 30، ص: 117

[المسألة الثانية إذا تزوج بامرأة ثم علم أنها كانت زنت لم يكن له فسخ العقد]

المسألة الثانية إذا تزوج بامرأة و لو بزعم أنها عفيفة ثم علم أي بأن أنها كانت زنت لم يكن له فسخ العقد وفاقا للمحكي عن النهاية و الخلاف و السرائر و الجامع و موضع من المهذب و غيرها، بل هو المشهور، للأصل و حصر موجب الفسخ في غيره

في صحيح الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام «إنما يرد النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العفل»

و خبر رفاعة (2) عنه عليه السلام سأله «عن المحدود و المحدودة هل يرد من النكاح؟ قال: لا»

خلافا للمحكي عن الصدوق و أبى علي، فخيراه، للعار الذي يندفع بالطلاق، و ل

قول أمير المؤمنين عليه السلام (3)

«في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها، قال: يفرق بينهما، و لا صداق لها، لأن الحدث كان من قبلها»

و هو مع الضعف و ظهوره في الانفساخ لا يفيد المطلوب، فان ظاهره أن الزنا بعد العقد، مع احتمال التفريق بالطلاق، بل قيل: أنه أولى، و المحكي عن المفيد و سلار و التقى و القاضي و موضع آخر من المهذب، فخيروه إذا ظهر أنها حدث في الزنا، من غير تعرض لغير المحدودة من الزنا، و لعله لكون العار فيها أشد، و هم محجوجون بما عرفت.

و على كل حال فلا فسخ له و لا الرجوع على الولي بالمهر بعد فرض استحقاقها له بالدخول، سواء أمسكها أو فارقها، للأصل و استيفائه المعوض، و إلا كان جامعا بين العوض و المعوض عنه، بل الظاهر أن عدم الفسخ لا يجامع تضمين المهر، خلافا للشيخ في النهاية، فقال: له الرجوع، و كذا ابن إدريس إن كان


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.

ج 30، ص: 118

الولي عالما بأمرها، للتدليس و

صحيح معاوية بن وهب (1) سأل الصادق عليه السلام عن ذلك فقال: «إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها، و لها الصداق بما استحل من فرجها، و إن شاء تركها»

و نحوه خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2) عنه عليه السلام

و لحسن الحلبي (3) سأله «عن المرأة تلد من الزنا و لا يعلم بذلك أحد إلا وليها أ يصلح له أن يزوجها و يسكت على ذلك إذا كان قد رأى منها توبة أو معروفا؟

فقال: إن لم يذكر ذلك لزوجها ثم علم بعد ذلك فشاء أن يأخذ صداقها من وليها بما دلس عليه كان له ذلك على وليها، و كان الصداق الذي أخذت لها، لا سبيل عليها فيه بما استحل من فرجها، و إن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس».

و إلى ذلك أشار المصنف بقوله و روى أن له الرجوع، و لها الصداق بما استحل من فرجها، و هو شاذ و في كشف اللثام «يمكن حملها على ما إذا شرط على الولي أن لا تكون زانية، و قوله عليه السلام في الخبر الأول: «إن شاء تركها» يحتمل أن يكون بمعنى الإمساك كما في هذا الخبر، و أن يكون بمعنى الفراق بطلاق أو فسخ على القول به، قلت: على الأول يكون المراد بالإمساك من غير رجوع بالمهر كي يصح مقابلا لقوله عليه السلام أولا: «إن شاء أخذ» بل يتعين إرادة الكناية بالأول عن الفسخ ثم الرجوع بما اغترمه للمرأة، و حينئذ يتجه الاستدلال بهذه النصوص للصدوق و الإسكافي على الخيار، بل قد يؤيد ذلك إمكان دعوى منافاة عدم الفسخ للرجوع بالمهر الذي قد تضمنته على الولي، ضرورة اقتضائه رضاه بالبضع الذي هو بدل عوضه، نعم لو فسخ العقد و الفرض أن الامرأة قد غرمته بما استحل من فرجها الصداق كان له الرجوع به على من غره لا أنه يرجع به عليه مع عدم الفسخ، فيكون حينئذ قد جمع بين العوض و المعوض عنه، و مقيما على الانتفاع بالبضع بلا عوض.


1- 1 أشار إليه في الوسائل الباب- 6- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4 و ذكره في الكافي ج 5 ص 355.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.

ج 30، ص: 119

و من ذلك يعلم ضعف القول بالرجوع بالمهر على الولي مع عدم الفسخ، خصوصا مع اقتضاء التعليل المقتضي لذلك أنه يرجع عليها لو فرض مباشرتها للنكاح بنفسها من غير ولي، و يلزم منه استدامة استحلال الانتفاع ببعضها من غير عوض، و هو خلاف المعلوم نصا و فتوى في غير المقام، كما أن منه يعلم شذوذ مفاد الأخبار المزبورة، ضرورة عدم ثبوت القول بالرجوع بالمهر على الولي مع الفسخ من الصدوق و أبي علي، بل ظاهر الخبر المذكور سندا لهما عدم الصداق لها، و اقتصار الشيخ و غيره على الرجوع بالمهر من غير فسخ، و قد عرفت أنه خلاف ظاهرها، فتكون حينئذ شاذة لم يفت أحد بمضمونها، و بذلك يعلم قصورها عن معارضة قاعدة اللزوم و استصحابه، خصوصا في النكاح الراجح فيه جهة اللزوم بدليل عدم صحة اشتراطها الخيار فيه، على أنه ربما لا يكون غرور من الولي بذلك، و لا نقص في المعارضة التي وقعت منه، ضرورة عدم مدخلية الزنا السابق في نقص الانتفاع بالبضع الذي هو المقابل بالمهر، فيقوى حينئذ عدم الفسخ و عدم الرجوع بالمهر أصلا، و لو قيل بأن له الفسخ في خصوص المهر و الرجوع إلى مهر المثل مع فرض نقصانه عن المسمى كان وجها، و الله سبحانه هو العالم.

[المسألة الثالثة لا يجوز التعريض بالخطبة لذات العدة الرجعية]

المسألة الثالثة لا يجوز التعريض بالخطبة بالكسر و لو معلقة على فراق الزوج لذات البعل، بل و لا لذات العدة الرجعية من غير الزوج لأنها زوجة حكما فضلا عن التصريح إجماعا محكيا من غير واحد إن لم يكن محصلا، و هو الحجة مضافا إلى ما في ذلك من منافاة احترام العرض المحترم كالمال و الدم، و من إفساد الامرأة على زوجها الذي ربما أدى إلى سعيها بالتخلص منه و لو بقتله بسم و نحوه كما وقع لجعيدة بنت الأشعث زوجة الحسن عليه السلام لما خطبها معاوية بن أبي سفيان

ج 30، ص: 120

لجروه يزيد (1)

نعم لا بأس بها تعريضا و تصريحا للخلية من الزوج و العدة، بل هي حينئذ مستحبة للتأسي (2)

و لما فيها من تأليف قلبها و قلوب أوليائها، و ليست شرطا و لا واجبة اتفاقا.

و يجوز التعريض للمطلقة ثلاثا في العدة من الزوج و غيره و لا يجوز فيها التصريح لها منه و لا من غيره قيل: للآية (3) منطوقا و مفهوما، و دعوى اختصاصها بعدة الوفاة ممنوعة و إن كانت بائنا لكن ذلك لا يقتضي التخصيص، و يجوز تصريحا بعد العدة من غيره لا منه قبل المحلل، لحرمتها عليه دون غيره.

أما المطلقة تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان و نحوها مما تحرم على الرجل ابدأ كالملاعنة و المرضعة فلا يجوز التعريض لها من الزوج في غير العدة فضلا عنها، و يجوز من غيره للآية (4) و لا يجوز التصريح في العدة منه و لا من غيره.

و أما المعتدة البائنة سواء كانت عن خلع أو فسخ فيجوز التعريض من الزوج و غيره للآية (5) و عن الشيخ التردد في الغير من ذلك و من أنها في عدة الغير مع جواز رجوعها إليه بنكاح و يجوز التصريح من الزوج في العدة المضروبة احتراما له، و لذا جاز له نكاحها فيها، فيجوز له حينئذ التصريح فيها دون غيره (11) الذي لا يجوز له ذلك، و العمدة في هذه الأحكام ما حكوه من الإجماع الذي به يتم ارادة خصوص التعريض المرادف للتلويح المقابل للتصريح


1- 1 البحار ج 44 ص 148 و 149 و 154 و 155. و الجرو بتثليث الجيم: ولد الكلب.
2- 2 الوسائل الباب- 42- من أبواب مقدمات النكاح و المستدرك الباب- 33- منها.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 235.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 235.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 235.

ج 30، ص: 121

من الآية (1) و هو إيهام المقصود بما لا يوضع له حقيقة و لا مجازا و لا لازما بخلاف الكناية المفهمة للمراد بذكر اللوازم.

و صورة التعريض أن يقول: رب راغب فيك أو حريص عليك و إن الله لسائق إليك خيرا و إنك لجميلة و ما أشبهه من الأقوال و التصريح أن يخاطبها بما لا يحتمل إلا النكاح، مثل أن يقول إذا انقضت عدتك تزوجتك و نحو ذلك، لكن لا يخفى عليك احتياج دلالة الآية (2) على هذه التفاصيل إلى شي ء آخر من إجماع و نحوه، خصوصا بعد خلو النصوص الواردة فيها عن ذلك، ف

في الحسن أو الصحيح (3) عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن قول الله عز و جل (4) وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً، قال: هو الرجل يقول للمرأة قبل أن ينقضي عدتها أواعدك بيت آل فلان، ليعرض لها بالخطبة، و يعني بقوله إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً، التعريض بالخطبة، و لا يعزم عقدة النكاح حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ»

وخبر عبد الله بن سنان (5)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل (6):

لا تُواعِدُوهُنَّ- إلى آخرها- فقال: السر أن يقول الرجل، موعدك بيت آل فلان ثم يطلب إليها أن لا تسبقه بنفسها إذا انقضت عدتها، فقلت: فقوله إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً، قال: هو طلب الحلال في غير أن يعزم عقدة النكاح قبل أن يبلغ الكتاب أجله»

وخبر أبي حمزة (7)

«سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول الله عز و جل (8) لا تُواعِدُوهُنَّ- إلى آخرها- قال: يقول الرجل: أواعدك بيت آل فلان، يعرض لها بالرفث و يرفث يقول الله عز و جل إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً، و القول المعروف


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 235.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 235.
3- 3 الوسائل الباب- 37- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 235.
5- 5 الوسائل الباب- 37- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
6- 6 سورة البقرة: 2- الآية 235.
7- 7 الوسائل الباب- 37- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 عن على بن أبي حمزة.
8- 8 سورة البقرة: 2- الآية 235.

ج 30، ص: 122

التعريض بالخطبة على وجهها و حلها، وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ»»

وخبر البصري (1) عن أبي عبد الله عليه السلام «في قول الله عز و جل إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً، قال: تلقاها فتقول: إنى فيك لراغب، و إني للنساء لمكرم فلا تسبقيني بنفسك، و السر لا يخلو معها حيث وعدها».

ضرورة كون المراد من هذه النصوص تفسير المواعدة المنهي عنها و المتضمنة للقول المعروف المرخص فيها، و آخر الأخيرة تفسير للسر المنهي عن مواعدته، أعني الخلوة بها، و إنما قال: «لا يخلو» لأن النهي راجع للخلوة إلا للتعريض للخطبة على وجهها و حلها، و كانوا يعرضون للخطبة في السر بما يستهجن، فنهوا عن ذلك، كما يستفاد من رواية أبي حمزة، و

في رواية العياشي عن الصادق عليه السلام (2)

في هذه الآية «المرأة في عدتها تقول لها قولا جميلا ترغبها في نفسك، و لا تقول:

أصنع كذا و أصنع كذا، القبيح من الأمر في البضع و كل أمر قبيح».

و هي جميعا كما ترى لا دلالة فيها على ما سمعته من الأصحاب، بل قد يقال:

استعمال التعريض في المعنى المخصوص الذي ذكروه شي ء حادث، لا أن ذلك معناه لغة، فان لم يكن إجماع أمكن أن يقال: إن المراد و لو بمعونة الأخبار المزبورة نفي الجناح عن التعريض بالخطبة بما لم يستهجن و يعد من الفحش و مناف للحياء و نحو ذلك، و إن كان تصريح اللفظ مثل ما سمعته عن الصادق عليه السلام في تفسير القول المعروف، و مثل

قوله صلى الله عليه و آله لفاطمة بنت قيس (3)

«إذا حللت فآذنيني و لا تفوتينا نفسك»

بخلاف الألفاظ المستهجنة التي كانوا يستعملونها في الخطبة، من ذكر الجماع و كثرته و نحو ذلك، على أن يكون المراد بالمواعدة سرا نحو ذلك، و عبر عنه بالسر لأنه مما يسر به، قال امرئ القيس:

ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبير و أن لا يشهد السر أمثالي


1- 1 الوسائل الباب- 37- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 37- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 178.

ج 30، ص: 123

و قال الفرزدق:

موانع للإسرار إلا من أهلها و يخلفن ما ظن الغيور التقشف

يعني أنهن عفائف يمنعن الجماع إلا من أزواجهن، و حينئذ يكون السر مفعولا به، و هو المنهي عنه، بخلاف القول المعروف، فالتصريح المنهي عنه في مقابل التعريض هذا، لا التصريح بالنكاح على سنة الله و سنة رسول صلى الله عليه و آله.

أو يقال: إن المراد بالمواعدة سرا الخلوة بها إلا للقول المعروف، لا للمفاكهة و التلذذ بها، و إرادة القبيح بهن كما حكاه

الرازي في تفسيره، قال: «روى الحسن (1) أنه كان الرجل يدخل على المرأة و هو يعرض بالنكاح، فيقول لها دعينى أجامعك فإذا تممت عدتك أظهرت نكاحك».

و حاصل الآية حينئذ أنه لا جناح عليكم في خطبة النساء أي طلبهن للنكاح و ذكرهن لذلك و فيما أكننتم في أنفسكم من ذلك، لأن الله قد علم أنكم لا بد و إن تذكروهن في أنفسكم و في ألسنتكم، فرؤوف بكم و نفي الجناح عنكم في ذلك كله، و إذن لكم في ذكرهن للنكاح و خطبتهن، و لو كن في عدة وفاة أو غيرها من عدة البائن فاذكروهن و اخطبوهن، و لكن لا تخطبوهن بأن تواعدوهن سرا أي جماعا و نحوه من الأشياء المستهجنة أو تواعدوهن خلوة إلا للقول بالمعروف لا لغيره، و بذلك ظهر لك وجه الاستثناء متصلا و منقطعا، بل وجه الاستدراك، و أما ما سمعته من الأصحاب من الفرق بين التعريض و التصريح فيصعب استفادته تماما منها إلا بمعونة إجماعهم، و الله العالم.

و كيف كان ف لو صرح بالخطبة في موضع المنع منه ثم انقضت العدة فنكحها لم تحرم قطعا و إجماعا بقسميه، للأصل و العمومات بعد معلومية عدم اقتضاء الإثم في ذلك حرمة النكاح، كما هو واضح. و لعله نبه عليه لخلاف بعض العامة.


1- 1 تفسير الرازي ج 6 ص 142- الطبعة الاولي.

ج 30، ص: 124

[المسألة الرابعة إذا خطب فأجابت قيل حرم على غيره خطبتها]

المسألة الرابعة إذا خطب منها فأجابت و لو بالسكوت الدال على ذلك أو من وليها الشرعي فأجاب قيل و القائل الشيخ في بعض كتبه حرم على غيره خطبتها ل

قوله صلى الله عليه و آله و سلم (1)

«لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه»

و حرمة الدخول في سوم المؤمن الذي منه ذلك، بقرينة

قوله عليه السلام(2)

«انه مستام يأخذ بأغلى ثمن»

و لوجوب الإجابة عليها، و لما فيه من إيذاء المؤمن و اثارة الشحناء، و فيه منع صحة الخبر المزبور و كونه مستاما حقيقة و حرمة الدخول في السوم و لزوم إجابة كفو المنع من اجابة آخر خصوصا إذا رجح على الأول و لو بزيادة ركونها إليه مع كون الأمر بيدها، فأصالة الجواز حينئذ سالمة عن المعارض و على تقدير الحرمة لو أثم و خطب و تزوج ذلك الغير كان العقد صحيحا قطعا، للأصل و العمومات، و عدم اقتضاء الإثم في ذلك الفساد في العقد الذي لم يتعلق به نهى، و هو واضح، كما أنه على ذلك التقدير أيضا لا يحرم خطبة المسلم على الذمي، ضرورة عدم الأخوة بينهما، كما هو واضح، و الأمر سهل.

[المسألة الخامسة إذا تزوجت المطلقة ثلاثا فلو شرطت في العقد أنه إذا حللها فلا نكاح بينهما بطل العقد]

المسألة الخامسة إذا تزوجت المطلقة ثلاثا، فلو شرطت في العقد على المحلل أنه إذا حللها فلا نكاح بينهما بمعنى ارتفاعه بنفسه بعد حصول ما يتحقق به التحليل بطل العقد لأنه ليس من حقيقة النكاح في شي ء، لا من الدائم و لا من المنقطع، فإنه نكاح منقطع بالإصابة، و ليس ذلك بنكاح شرعي، و عن المبسوط الإجماع عليه، بل

عنه صلى الله عليه و آله و سلم (3)


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 179.
2- 2 الوسائل الباب- 36- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8 و 1.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 208.

ج 30، ص: 125

«لعن المحلل و المحلل له»

و تسميته التيس المستعار، و إن كان الظاهر إرادة كراهة الفرد الصحيح منه، لا ما نحن فيه الذي قد عرفت فساد العقد فيه.

هذا و لكن ربما قيل بصحة العقد في الفرض، و يلغو الشرط بل نسب إلى الشيخ و لم نتحققه، نعم في المسالك «هو بابن إدريس أنسب، لأنه صرح في غير موضع من النكاح و غيره أن فساد الشرط لا يفسد العقد، محتجا عليه بعموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) و لأنهما شيئان كل منهما منفك عن الأخر، فلم يلزم من بطلان أحدهما بطلان الأخر- و رده- بأن المراد من الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه من صحة و بطلان، سلمنا أن المراد به العمل بمضمونه لكنه مشروط بوقوعه صحيحا بالتراضي، و لم يحصل هنا، و انفكاك العقد عن الشرط في نفسه مسلم لكنه في العقد المخصوص مرتبط به، لأن التراضي انما وقع كذلك».

قلت: قد عرفت في كتاب البيع تمام البحث في ذلك، إلا أن الظاهر عدم التزامه بما هو نحو المقام مما كان الشرط فيه راجعا إلى نقض العقد و إلى عدم قصد معنى النكاح المعتبر شرعا، اللهم إلا أن يقال بعد مشروعية الانقطاع في النكاح لم يفسد بقصده فيه، على أن المقصود هنا النكاح الدائم و اشتراط ارتفاعه بما يؤكد كون المراد ذلك، و لكن أراد ارتفاعه بالشرط، فيبتني حينئذ على مسألة اقتضاء فساد الشرط فساد العقد و عدمه، إذ لا كلام في فساد الشرط هنا، لمخالفته ما دل من الكتاب و السنة على عدم ارتفاع النكاح إلا بالطلاق، و دعوى شرعيته (2) شرط كل نتيجة مشروعة بسببها- فيقوم هو حينئذ مقام كل سبب يقتضي ذلك من غير فرق بين النكاح و الطلاق و العتق و بين غيرها- واضحة الفساد بعدم دليل يقتضي ذلك كما أوضحناه في محله.

و على كل حال ف لو شرطت الطلاق على المحلل مثلا قيل و القائل الشيخ في محكي الخلاف و المبسوط يصح النكاح و يبطل الشرط بل


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية.

ج 30، ص: 126

لعله لازم لابن إدريس و غيره ممن لا يرى بطلان العقد ببطلان الشرط، و المراد ببطلانه عدم لزوم الوفاء به، و ظاهرهم المفروغية من بطلان الشرط، بل في المسالك انه متفق عليه، و لو لا ذلك لأمكن المناقشة فيه بأن مقتضى عموم

«المؤمنون» (1)

و غيره الصحة نحو البيع المشترط فبه الإقالة، و ليس اشتراط ذلك منافيا لقصد النكاح، بل و لا لدوامه كما أنه ليس اشتراط ما يحصل به الفسخ اشتراطا للفسخ حتى يكون نحو الأول، اللهم إلا أن يقال: إن اشتراط الطلاق يرشد إلى عدم قصد النكاح الدائم، بل المنقطع لا على الوجه المعتبر فيفسد، لكنه كما ترى. و يمكن أن يكون نسبة ذلك إلى القيل هنا و القواعد إشارة إلى ما ذكرناه من احتمال الصحة، فيهما، و يمكن أن يكون ذلك لاختيارهما اقتضاء بطلان الشرط بطلان العقد، و فيه أنه مناف لجزمهما بالبطلان في الأول دونه.

و في كشف اللثام أن الداخل في حيز القيل المؤمأ إلى تمريضه قول القائل بعد ذلك و إن دخل فلها مهر المثل باعتبار بطلان الشرط الذي له قسط من المهر، لأنها إنما رضيت به لأجل الشرط، فإذا سقط زيد على المسمى مقدار ما نقص لأجله، و هو مجهول، فتطرق حينئذ الجهل إليه، و يبطل بذلك، فترجع إلى مهر المثل، و إلا فالوجه أن العقد صحيح قولا واحدا، فان الخلاف إنما هو فيما إذا اقترن بشرط فاسد، و قد عرفت أنه غير لازم لا فاسد كالأول.

قلت: قد صرح ببطلان العقد في جامع المقاصد و المسالك، و أنه من مسألة اقتضاء بطلان الشرط بطلان العقد، و هو كذلك كما لا يخفى على من لا حظ تلك المسألة و أدلتها التي لم يفرق فيما بين الشرائط حتى مثل هذا الشرط الذي ثبت بطلانه بالإجماع المحكي و إن كان مقتضى العمومات صحته، فظهر حينئذ من ذلك أنه لا وجه لصرف القيل إلى ما ذكره، على أنه لا وجه للنظر في الرجوع إلى مهر المثل، اللهم إلا أن يقال: إن بطلان الشرط لا يقتضي ذلك، فإنه ليس جزءا


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.

ج 30، ص: 127

للمسمى، و لو سلم مدخليته فلا أقل من أن يسلط على الخيار في المسمى، لا أنه يبطله و يحقق مهر المثل، و كيف كان فعلي القول ببطلان العقد ببطلان الشرط يجب بالدخول مهر المثل مع جهلها بالتحريم، و إلا فلا مهر لبغي، هذا كله فيما إذا صرح بالشرط في العقد سواء كان الطلاق أو ارتفاع النكاح.

أما لو لم يصرح بالشرط في العقد و كان ذلك إلى الطلاق أو ارتفاع النكاح في نيته أو نية الزوجة أو الولي لم يفسد شي ء من العقد و لا من المهر بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام لعله موضع وفاق، بل في المسالك هو كذلك، و هو الحجة مضافا إلى العمومات، لكنه مكروه كما عن المبسوط و الخلاف، نعم في كشف اللثام لا بد من أن يكونا استعملا النكاح في حقيقته لكنهما يظنان أنه يرتفع بالتحلل أو ينويان إيقاعه بعده، فلو أدخلاهما أو أحدهما في معنى النكاح لم يصح الأول، لما عرفت من خروجه عن حقيقة النكاح، و ربما احتمل الثاني الفساد على قياس ما مر في اشتراط الطلاق، قلت: و كذا لو كان من نيتهما الاشتراط على وجه أوقعا العقد عليه و إن لم يذكراه في متنه، فإنه يأتي فيه البحث في أن الشرط المضمر كالمذكور أولا، و لعل الأول لا يخلو من قوة، و من ذلك يعلم أن اسم الإشارة و نحوه في المتن و غيره راجع إلى الارتفاع أو الطلاق لا على جهة الاشتراط و إن كان اللفظ قد يوهم ذلك، بل ربما أو همه عبارة المسالك، لكن التحقيق ما عرفت.

و على كل حال فاعلم أن كل موضع قيل فيه يصح العقد فمع الدخول الذي يحصل به التحليل تحل الامرأة للمطلق الأول مع الفرقة و انقضاء العدة بلا خلاف و لا إشكال، لحصول الشرط و كل موضع قيل فيه يفسد العقد لا تحل (11) و إن دخل بها شبهة لأنه لا يكفى الوطء (12) في التحليل ما لم يكن عن عقد صحيح (13) بلا خلاف و لا إشكال أيضا، و بذلك تظهر الثمرة فيما سمعته سابقا من القول بفساد الشرط و العقد و القول بفساد الشرط خاصة، ضرورة عدم حصول التحليل بالأول و إن حصل الوطء شبهة، بخلافه على الثاني،

ج 30، ص: 128

فإنه يحصل التحليل، لكون المفروض صحة العقد، و هو مع الدخول كاف و إن فسد المسمى، كما هو واضح، و الله العالم.

[المسألة السادسة نكاح الشغار باطل]
اشارة

المسألة السادسة نكاح الشغار بكسر الشين و فتحها و الغين المعجمتين محرم و باطل عندنا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعل المحكي منهما متواتر، مضافا إلى

النبوي (1)

«لا شغار في الإسلام»

و في

خبر آخر «أنه صلى الله عليه و آله و سلم نهى عنه (2)

فما عن أبي حنيفة و جماعة من صحته و بطلان المهر خاصة اجتهاد في مقابلة النص و الإجماع، و الظاهر أن الإضافة فيه بيانية من باب اضافة العام إلى الخاص، قال في الصحاح:

«الشغار بكسر الشين نكاح كان في الجاهلية، و هو أن يقول الرجل لاخر: زوجني ابنتك أو أختك على أن أزوجك أختي أو ابنتي على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى كأنهما رفعا المهر و أخليا البضع عنه» و إن كان تفسيره بما سمعت كما عن المجمع جريا على طريقة أهل الأدب في تعريف الأشياء ببعض لوازمها، بل ربما وقع ذلك في بعض الأخبار أيضا ك

مرفوع ابن جمهور عن أبى عبد الله عليه السلام (3) قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن نكاح الشغار و هي الممانحة، و هو أن يقول الرجل للرجل:

زوجني ابنتك حتى أزوجك ابنتي على أن لا مهر بيننا».

و لكن من المعلوم أن الشغار ليس هذا القول، بل هو أن يتزوج امرأتان برجلين على أن يكون مهر كل واحدة نكاح الأخرى بمعنى العقد


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب عقد النكاح الحديث 2 و سنن البيهقي ج 7 ص 200.
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب عقد النكاح الحديث 3 و سنن البيهقي ج 7 ص 200.
3- 3 الوسائل الباب- 27- من أبواب عقد النكاح الحديث 3.

ج 30، ص: 129

المشتمل على ذلك،

قال الصادق عليه السلام في خبر غياث بن إبراهيم (1) قال رسول الله صلى الله عليه و آله: «لا جلب و لا جنب و لا شغار في الإسلام، و الشغار أن يزوج الرجل ابنته أو أخته و يتزوج هو ابنة المزوج أو أخته و لا يكون بينهما مهر غير تزويج هذا من هذا و هذا من هذا»

بل هو المراد من

قول أبى جعفر عليه السلام في مرسلة ابن بكير (2) عن أبى عبد الله عليه السلام أو أبي جعفر عليه السلام «نهى عن نكاح المرأتين ليس لواحدة منهما صداق إلا بضع صاحبتها و قال عليه السلام: لا يحل أن ينكح واحدة منهما إلا بصداق أو نكاح المسلمين»

و في محكي القاموس «الشغار بالكسر أن تزوج الرجل امرأة على أن يزوجك أخرى بغير مهر، صداق كل واحدة بضع الأخرى أو يخص به القرائب» بل المحكي عن الفقهاء أجمع أنهم يأخذون في تعريفه العقد، و في القواعد «هو جعل نكاح امرأة مهر اخرى، فيبطل نكاح الممهورة، و لو دار بطلا» و في كشف اللثام في تفسيرها «هو جعل نكاح امرأة أي بعضها، و هو الاستمتاع بها، فالنكاح بمعنى الوطء، مهر اخرى، فيبطل نكاح الممهورة، للزوم تشريك البضع بين كونه للزوج و كونه مهرا للزوجة، مع أن البضع لا يصلح أن يكون مهرا، و قيل بلزوم تعليق النكاح، و لو دار الأمر بأن يجعل بضع كل مهرا للأخرى بطلا، و في أكثر الأخبار الاقتصار في تفسيره على الأخر المشتمل على الدور».

و فيه أنه لا داعي إلى اعتبار النكاح بمعنى الوطء مهرا فيه، بل قد سمعت ما يقتضي كون الشغار جعل العقد فيه على امرأة مهرا في العقد على اخرى، نعم وقع في جملة من العبارات في أثناء البحث ذكر البضع مهرا، لكن من المعلوم عدم كون المراد اعتبار ذكر نفس البضع فيه مهرا على وجه يقول: «زوجتك بنتي ببضع بنتك» و الأخر كذلك، ضرورة منافاته لما سمعته من النص و الفتوى و معاقد الإجماعات، بل تعليل الفساد بأنه اشتراط عقد في عقد و غير ذلك، بل المراد أن البضع هو المهر في الواقع باعتبار كونه هو نتيجة العقد و ثمرته.

و من ذلك يعلم ما في ضابطه الذي جعله في آخر المبحث قال: «و الضابط أن


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب عقد النكاح الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.

ج 30، ص: 130

كل نكاح جعل البضع فيه مهرا أو جزءه أو شرطه فهو باطل، و إن جعل النكاح مهرا أو جزءه أو شرطه في نكاح بطل المسمى دون النكاح، و إن جعل شرطا في النكاح فان علق به بطل قطعا و إلا فالظاهر فساد الشرط، و يحتمل فساد المشروط أيضا» اللهم إلا أن يريد في الثاني النكاح بمهر أو تفويض مثبت لمهر المثل، لا أن المراد عدم تحقق الشغار بقصد كون النكاح مهرا في النكاح، و أنه لا مهر بينهما إلا هذا، و إلا كان مخالفا لصريح ما سمعته من النص و غيره.

و أما قوله: «مهرا أو جزء مهر أو شرطه» فقد تبع فيه الفاضل في القواعد قال فيها: «لا فرق أي في تحقق الشغار بين أن يكون البضع مهرا أو جزءه، فلو قال:

زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك و يكون بضع كل واحدة مع عشرة دراهم صداقا للأخرى بطل، أي إذا زوج المخاطب بنته كذلك، و هو مع أنه لم يذكر الشرط فيها يمكن منع تحقق الشغار بذلك، لما سمعته من اعتبار عدم مهر غير نكاح كل منهما في النصوص الثلاثة (1)

و الصحاح و القاموس، بل لم أعرف من صرح بذلك قبله سوى ما في الإسعاد شرح الإرشاد، لبعض العامة، فإنه قال: «و يدخل تحت قوله في المتن: و اصداق كل بضع الأخرى ما إذا ضم إلى البضع مال في الجانبين أو في أحدهما كان يزوج ابنته من آخر بشرط أن يزوجه الأخر ابنته و مهر كل منهما ألف و بضع الأخرى أو و بضع كل منهما مهر الأخرى مع اشتراط ألف لأحدهما، و أظهر القولين فيه البطلان».

و ظاهره الخلاف في ذلك، و لعل عدم كونه شغارا لا يخلو من قوة لما عرفت، بل لولا ما يظهر من الأصحاب من عدم اعتبار الدورية فيه لأمكن اعتبارها فيه، فلا شغار حينئذ مع عدم الدور، لكونه اسما لنكاح الامرأتين على الوجه المزبور، لا أنه للنكاح الذي يكون المهر فيه نكاح المرأة الأخرى و لو بمهر غير نكاح الأولى كي يتحقق حينئذ في واحدة دون الثانية، بل قد يقال انه متى جعل النكاح مهرا لزمه العكس، ضرورة كون المهر في النكاح كالعوض في غيره، و لا ريب في


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب عقد النكاح الحديث 1 و 2 و 3.

ج 30، ص: 131

أن معنى المعاوضة لا يتحقق في طرف دون الأخر، فالمراد بالشغار حينئذ النكاح الذي يكون عوضه نكاح، فيكون الدور لازما له لكن ظاهر ما تسمعه من المصنف و غيره المفروغية من ذلك، و لعل مثله كاف في إثبات موضوع اللفظ إن كان ذلك منهم على وجه النقل و إلا كان للنظر فيه مجال، خصوصا مع ملاحظة قاعدة الاقتصار على المتيقن فيما خالف القواعد، و ما ورد في تفسيره في النصوص (1)

السابقة و الصحاح و القاموس و غيرها، نعم قد يشعر ذيل مرسلة ابن بكير (2)

بتحققه في طرف واحد فتأمل جيدا، و على كل حال فالمحرم منه و الفاسد ما عرفت.

أما لو زوج الوليان مثلا كل منهما صاحبه و شرط لكل واحدة مهرا معلوما فإنه يصح قطعا بلا خلاف و لا إشكال فيه، لعدم كونه من الشغار، و إن كان الداعي لكل منهما تزويجه الأخر بل لو لم يذكرا مهرا صح النكاح أيضا، و كانتا مفوضتين بعد فرض عدم قصد إمهار كل منهما نكاح الأخرى في متن العقد و لا في التواطؤ بناء على أنه كالمذكور فيه، لا طلاق ما سمعته في تفسيره.

و لو زوج أحدهما أو كل منهما الأخر تفويضا أو بمهر معلوم و شرط أن يزوجه الأخرى بمهر معلوم صح العقدان للعمومات و بطل المهر المسمى لأنه شرط مع المهر تزويجا و هو أي التزويج غير لازم خصوصا و قد اشترط على غير الزوجة، فلا يلزمها الوفاء، و يلزم من عدم لزومه عدم لزوم المشروط و النكاح لا يدخله الخيار فلا يجوز أن يجعل شرطا له، و إلا لزم الخيار فيه إذا لم يتحقق الشرط، فلا بد من أن يكون شرطا للمسمى و يلزم منه أن يكون جزء منه، كما أن الأجل جزء من الثمن أو المثمن و هو أمر مجهول فيوجب جهل المسمى ف يبطل، و يكون لها مهر المثل (11) كما هو الضابط في كل مهر فاسد.

و فيه تردد (12) من أنه شرط فاسد اشتمل عليه العقد، فينبغي أن يفسد، و لا يجدي الضم إلى المهر، فإنه لا يخرجه عن الاشتراط في العقد، أو أنه لا يلزم من


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب عقد النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب عقد النكاح الحديث- 1.

ج 30، ص: 132

عدم قبول النكاح للشرط أن لا يشترطه العاقد، فينبغي التفصيل بأنه إن شرط به النكاح بطل، و إن شرط به المهر بطل المهر دونه، أو من أنه شرط سائغ يمكن الوفاء به إذا كان الزوج كفوا و كان للولي قهر المولى عليها على النكاح أو رضيت المولى عليها، و جواز الشرط لا يوجب جواز المشروط، بل لزوم المشروط يوجب لزوم الشرط، أو منع أن فساد الشرط يوجب فساد المشروط، فلا يفسد المهر إن شرط فيه، و لا النكاح إن شرط، أو منع صحة العقد لتحقق الشغارية فيه باشتراط التزويج الذي هو جزء من المهر بناء على ما عرفت من عدم الفرق فيه بين كون التزويج مهرا أو جزء مهر أو كالجزء و كذلك الكلام فيما لو زوجه و شرط أن ينكحه الزوج فلانة و لم يذكر مهرا ضرورة عدم الفرق فيما سمعت بين اشتراط التزويج مع ذكر المهر و عدمه، كما هو واضح.

[تفريع لو قال زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يكون نكاح بنتي مهرا لبنتك صح نكاح بنته و بطل نكاح بنت المخاطب]

تفريع:

لو قال: «زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يكون نكاح بنتي مهرا لبنتك» صح نكاح بنته التي لم يجعل نكاح بنت المخاطب مهرا لها، فلا شغار بالنسبة إليها و بطل نكاح بنت المخاطب إذا زوجها كذلك، لتحقق الشغار بالنسبة إليها و لو قال: «على أن يكون نكاح بنتك مهرا لبنتي» بطل نكاح بنته لتحقق الشغار بالنسبة إليها و صح نكاح بنت المخاطب التي لم يجعل مهرها نكاح بنت القائل، فلا شغار كما هو واضح بناء على عدم اعتبار الدورية في الشغار الذي قد عرفت المناقشة فيه، خصوصا بعد عدم العثور عليه من قدماء الأصحاب و غيرهم من العامة، و انما ذكره في الإسعاد أيضا، قال: «لو قال:

زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك و بضع بنتك صداق لبنتي و قبل ثم زوجه صح النكاح الأول و بطل الثاني، و إن قال: و بضع بنتي صداق لبنتك صح و بطل الأول بناء على التشريك، فيبطل نكاح من جعل بضعها صداقا، للتشريك فيه

ج 30، ص: 133

خاصة» و هو و إن كان صريحا في تحقق الشغار من جانب، لكنه كأنه مخالف لما ذكروه من جعل الباطل من كان مهرها بضعا، بل مناف لما ذكروه من أن الأقوى كون مبطل الشغار التشريك في البضع.

بل في المسالك جعل الضابط في مسألتنا ذلك، فإنه بعد أن ذكر نحو ما سمعته من المتن قال: «و الضابط أن البضع المشترك يبطل نكاحه، و البضع المنفرد يصح عملا بقاعدة الشغار» مع أن الذي يتحقق التشريك فيه من جعل بعضها صداقا، ضرورة كونه حينئذ مستحقا للزوج بالعقد و للامرأة بالمهر لا العكس، فإنه لا تشريك، و لعله لذا خصه في الإسعاد بما عرفت، اللهم إلا أن يقال: إن التشريك في كل منهما غير متحقق إلا بنكاح الثانية على حسب ما وقع في عقد الاولى، و حينئذ يتحقق التشريك في القسمين.

نعم يبقى السؤال عن تخصيص الأصحاب بعد القول بعدم اعتبار الدور فيه هذا الفرد بالشغار دون من جعل بضعها صداقا و تخصيص الإسعاد العكس، مع أن الذي ورد في تفسيره ما سمعته من النص (1)

و غيره قد اشتمل على جعل المهر بضعا و البضع مهرا، فمع فرض عدم اعتبار الدور فيه يتجه تحققه بكل منهما، اللهم إلا أن يقال: إن الأصحاب قد فهموا اختصاص الفرد الذي ذكروه من ظاهر النصوص المتقدمة التي محط النظر فيها كون المهر بضعا و إن لزم الدوري منه العكس أيضا، إلا أنه لا ينكر ظهورها في الأول، و خصوصا مع ملاحظة الذيل في مرسل ابن بكير (2)

فتأمل جيدا فإنه ربما دق.

و على كل حال فلا شغار فيما لو قال: «زوجتك جاريتي على أن تزوجني بنتك و تكون رقبة جاريتي صداقا لبنتك» و صح النكاحان، أما نكاح الجارية فلأنه لم يشتمل على شغار، و إنما اشترط فيه شرط لا يجب الوفاء به، بناء على ما عرفت، فيفسد نفس الشرط، و أما نكاح البنت فلقبول الرقبة للنقل، و هي التي جعلت مهرا، و ليس نكاحها تشريكا للمرأة و الزوج فيما تناوله عقد النكاح- و هو البضع- ليكون


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب عقد النكاح الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.

ج 30، ص: 134

شغارا، فان الرقبة غير البضع و إن تبعها، و بطل المهر لكل منهما إن زوجه الأخر بنته على تزويج الجارية و كون الرقبة مهرا لأنه شرط نكاح إحداهما في الأخرى، و قد عرفت أنه ليس شرطا للنكاح، فجعل جزء المهر نكاح البنت و مهرا لنكاح الجارية و هو مجهول، فيجهل المهر المسمى فيبطل، و يجب مهر المثل لكل منهما، و إن كان في ذلك كله ما عرفت. و لو زوج عبده من امرأة و جعل رقبته صداقا لها بطل المهر، لأن صحته يؤدى إلى فساده، إذ هي تقتضي ملكه، و هو يمنع العقد، فيبطل المهر حينئذ و يثبت مهر المثل، و يصح العقد على الأقوى.

و كيف كان فالأقوى أن بطلان الشغار للنهي عنه المقتضي للفساد في المعاملة على ما حققناه في الأصول، لا لأنه تعليق بمعنى أنه علق فيه التزويج على التزويج، ضرورة عدم اعتبار التعليق فيه في متن العقد، بل هو غير مقصود للمتعاقدين به، و إنما قصدهما إلزام كل منهما الأخر بالتزويج بلا مهر غير البضع، و هو المسمى في عرفنا الان بالمباضعة، و لا لأنه اشتراط عقد في عقد، ضرورة عدم اقتضاء ذلك الفساد، و قد سمعت تصريحهم بالصحة في اشتراط النكاح في النكاح بمهر معلوم، و لا لاشتراك البضع بين الامرأة المجعول في مهرها و بين الرجل الذي وقع له عقد النكاح، فأشبه نكاح الامرأة من رجلين، مضافا إلى عدم قابلية البضع مهرا، ضرورة اقتضاء ذلك كله فساد المهر لا العقد و لا ملازمة بينهما في النكاح.

و من هنا ذهب أبو حنيفة إلى صحة نكاح الشغار و الرجوع الى مهر المثل لكن يرده ما سمعت من اقتضاء النهي عنه الفساد، و دعوى رجوع النهي إلى المهر لا إلى أصل النكاح يدفعه أنه واقع عن الشغار، و هو اسم للنكاح المخصوص، بل لا ينكر ظهور النصوص (1)

المزبورة في إرادة النهي عنه من حيث كونه شغارا نحو النهي (2)

عن بيع الحصاة و الملامسة، و حلية أصل النكاح لا ينافي ذلك، و لعل هذا


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب عقد النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 13 من كتاب التجارة.

ج 30، ص: 135

أولى من تعليل الفساد بما سمعت و إن كان الذي وقفت عليه ممن تعرض ذلك من أصحابنا تعليله بما عرفت، و في المسالك و كشف اللثام اختيار التعليل فيها بالاشتراك بالبضع الذي يمكن منع حصوله في شغار المملوكتين اللتين لا يملكان المهر، بل قد يمنع فيما أثبتوه من الشغار في جانب كما في المثال الذي سمعته، فإنه ليس فيه بضع مشترك بين الامرأة و بين الرجل، و كأنهم تبعوا بعض العامة في تعليل الفساد، لكن الذي حكاه في شرح الإسعاد عن الامام منهم أنه أبطل تعليل الفساد بالاشتراك و بالتعليق، و جعل منشأ الفساد النهي كما قلناه.

ثم لا فرق في حرمة الشغار و فساده بين الدائم و المنقطع، بل يمكن جريانه في التحليل بناء على أنه عقد، لكن ينافيه ما سمعته في تفسيره مما لا يشمل التحليل، و لا ريب في أن الأحوط اجتنابه، و الله العالم.

[المسألة السابعة يكره العقد على القابلة إذا ربته و بنتها]

المسألة السابعة يكره العقد على القابلة إذا ربته و بنتها للنهي عنه

في خبر إبراهيم بن عبد الحميد (1)

«سألت أبا الحسن عليه السلام عن القابلة تقبل الرجل أ له أن يتزوجها؟

فقال: إن كان قد قبلته المرة و المرتين و الثلاثة فلا بأس، و إن كانت قد قبلته و كفلته فإني أنهى نفسي عنها و ولدي»

و في خبر آخر (2)

«و صديقي»

وخبر عمرو بن شمر (3) عن أبى عبد الله عليه السلام «قلت له: الرجل يتزوج قابلته، قال: لا و لا ابنتها»

و خبر أبى بصير (4) عنه عليه السلام أيضا «لا يتزوج المرأة التي قبلت و لا ابنتها»

و خبر جابر بن يزيد (5) عن أبى جعفر عليه السلام «سألته عن القابلة أ يحل للمولود أن ينكحها؟


1- 1 الوسائل الباب- 39- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 39- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 39- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 عن أبى جعفر عليه السلام.
4- 4 الوسائل الباب- 39- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 8.
5- 5 الوسائل الباب- 39- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

ج 30، ص: 136

قال: لا و لا ابنتها هي كبعض أمهاته»

و خبر إبراهيم (1)

«إذا استقبل الصبي القابلة بوجهه حرمت عليه و ولدها»

المحمول على الكراهة، للإجماع ظاهرا على الحل الذي هو مقتضى الأصل، و خصوص

صحيح البزنطي (2)

«قلت للرضا عليه السلام يتزوج الرجل المرأة التي قبلته، فقال: سبحان الله ما حرم الله عليه من ذلك»

المؤيد بإشعار الخبر الأول بها، فما في محكي المقنع من التعبير بعدم الحلية واضح الضعف، أو يراد منه الكراهة أيضا.

لكن ظاهر المتن و صريح المسالك اختصاص الكراهة بالمربية، و لعله للخبر الأول، و ل

قول الصادق عليه السلام في خبر ابن عمار (3) المسؤول عن حل القابلة للمولود:

«إن قبلت و مرت فألقوا بل أكثر من ذلك، و إن قبلت و ربت حرمت عليه»

إلا أن الأولى الجمع بين النصوص بشدة الكراهة و خفتها، و في شمول الكراهة للبنت و إن نزلت و لبنت الابن كذلك وجه، كالوجه في كراهة نكاح ولدها البنت التي قبلتها، بل قد يحتمل كراهة أمهات القابلة و أختها لا طلاق المنزلة، نعم الظاهر تحقق الكراهة بالنسبة إليها أيضا، فيكره لها أن تتزوجه، كما يكره له أن يتزوجها، لأن ذلك مقتضى حرمتها عليه، و إلا فلا ملازمة بين الكراهتى، و النهي في أكثر النصوص متوجه إليه كما هو واضح.

و يكره أيضا أن يزوج ابنه بنت زوجته من غيره إذا ولدتها بعد مفارقته ل

خبر إسماعيل بن همام (4) قال: «قال أبو الحسن عليه السلام: قال محمد بن علي في الرجل يتزوج المرأة و يزوج ابنتها ابنه ففارقها و يتزوجها آخر فتلد منه بنتا فكره أن يتزوجها من ولده، لأنها كانت امرأته فطلقها، فصار بمنزلة الأب كان قبل ذلك أبا لها»

و هو القرينة على إرادتها من البأس في مفهوم

خبر الهلالي (5)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة و يزوج ابنه ابنتها، قال: إن كانت الابنة لها قبل أن يتزوج بها فلا بأس»

و النهي

في خبره الآخر (6)

«سألت


1- 1 الوسائل الباب- 39- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 39- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 39- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 23- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 23- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
6- 6 الوسائل الباب- 23- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 بطريق الصدوق قده.

ج 30، ص: 137

أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة و لها ابنة من غيره أ يزوج ابنه ابنتها؟

قال: إن كانت من زوج قبل أن يتزوجها فلا بأس، و إن كانت من زوج بعد ما تزوجها فلا».

و احتمال إرادة الحرمة بقرينة هذا النهي يدفعه العمومات و الإجماع على الظاهر، و خصوص

صحيح العيص بن القاسم (1) عن أبى عبد الله عليه السلام «سألته عن الرجل يطلق امرأته ثم خلف عليها رجل بعد فولدت للآخر فهل يحل ولدها من الأخر لولد الأول من غيرها؟ قال: نعم، و سألته عن رجل أعتق سرية له ثم خلف عليها رجل بعده ثم ولدت للآخر يحل ولدها لولد الذي أعتقها؟ قال: نعم».

بل في كشف اللثام لا كراهة لابن السرية من غيره على ابنه، للأصل من غير معارض و الصحيح المزبور، قلت: و

خبر العقرقوفي (2)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له الجارية يقع عليها يطلب ولدها فلم يرزق منها ولدا فوهبها لأخيه أو باعها فولدت له أولادا أ يزوج ولده من غيرها ولد أخيه منها؟ قال: أعد علي فأعدت عليه، قال: لا بأس»

وخبر علي بن إدريس (3)

«سألت الرضا عليه السلام عن جارية كانت في ملكي فوطأتها ثم خرجت من ملكي فولدت جارية يحل لا بنى أن يتزوجها؟ قال: نعم لا بأس به، قبل الوطء و بعد الوطء واحد».

و لعله لذلك اقتصر المصنف و غيره على ذكر الكراهة في غيرها لكن قد يشعر بها

خبر الحسين بن خالد الصيرفي (4)

«سألت أبا الحسن عليه السلام عن هذه المسألة، فقال: كررها علي، قلت له: إنه كانت لي جارية فلم ترزق مني ولدا فبعتها، فولدت من غيري ولي ولد من غيرها، فأزوج ولدي من غيرها ولدها، قال: تزوج ما كان لها من ولد قبلك يقول قبل أن تكون لك»

بل منه يستفاد عدم اختصاص الكراهة في نكاح الولد بنت الزوجة، بل يكره نكاح ابنها لبنت الزوج لتناول لفظ الولد للجميع، مضافا إلى إشعار التنزيل منزلة الأب في خبر إسماعيل بن همام


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 23- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب- 23- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.

ج 30، ص: 138

المتقدم في عموم المنزلة، فيكره له أن يتزوج بنت بنتها مثلا، لصيرورته بمنزلة الخال لها، و بنت أمها، لصيرورته بمنزلة العم لها.

و ربما أومأ إليه

خبر محمد بن عيسى (1) قال: «كتبت اليه خشف أم ولد عيسى بن علي بن يقطين في سنة ثلاثين و مأتين تسأل عن تزويج ابنتها من الحسين بن عبيد، أخبرك يا سيدي و مولاي أن ابنة مولاك عيسى بن علي بن يقطين أملكتها من ابن عبيد بن يقطين، فبعد ما أملكتها ذكروا أن جدتها أم عيسى بن علي بن يقطين كانت لعبيد بن يقطين ثم صارت إلى علي بن يقطين فأولدها عيسى بن علي، فذكروا أن ابن عبيد قد صار عمها من قبل جدتها أم أبيها أنها كانت لعبيد بن يقطين، فرأيك يا سيدي و مولاي أن تمن على مولاتك بتفسير منك، و تخبرني هل تحل له؟ فان مولاتك يا سيدي في غم الله به عليم، فوقع في هذا الموضع بين السطرين إذا صار عما لا تحل له، و العلم والد و عم»

بناء على أن المراد في السؤال كونه بمنزلة العم باعتبار أن أم عيسى كانت موطوءة لأبي الحسين بن عبيد الذي ملك البنت، كي يكون الجواب محمولا على ضرب من الكراهة، لا أن المراد أنها كانت أما للحسين، ضرورة أن ذلك لا ينبغي أن يسأل عنه، فإنه عم لها حقيقة، لأنه أخو أبيها من أمه، و الله العالم.

و كيف كان ف لا بأس و لا كراهة ب نكاح ابنه ل من ولدتها قبل نكاح الأب للأصل و خبري ابن الجهم المتقدمين، و التنزيل بمنزلة الأب إنما هو فيمن تلده بعد نكاحه لا قبله و إن كانت هي ربيبة له أيضا، مع احتماله لأولوية تنزيله منزلة الأب لها من المتأخرة، و يكون التفصيل في خبري ابن الجهم لبيان شدة الكراهة، فتأمل و الله العالم.

و يكره أيضا أن يتزوج بمن كانت ضرة لامه قبل أبيه بل و بعده ل

خبر زرارة (2)

«سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما أحب للرجل المسلم أن يتزوج امرأة كانت ضرة لامه مع غير أبيه»

و لعل المصنف فهم من المضي هنا التقدم على نكاح الأب، فلذا خص الكراهة به، و لكنه غير متعين، بل الظاهر


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 42- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

ج 30، ص: 139

التقدم على التزويج.

و كذا يكره أيضا التزويج بالزانية قبل أن تتوب وفاقا للمشهور، لا شعار لفظ «لا ينبغي» بها 26035

في صحيح أبي الصباح و غيره (1) عن أبى عبد الله عليه السلام قال: «من أقيم عليه حد زنا أو شهر به لا ينبغي لأحد أن يناكحه حتى يعرف منه التوبة»

خلافا لأبي الصلاح، فحرمه للآية (2) التي قد عرفت تمام الكلام فيها و في غيرها مما يدل على ذلك فيما تقدم، فلا حظ و الله العالم.

[القسم الثاني في النكاح المنقطع]

اشارة

القسم الثاني في النكاح المنقطع و هو سائغ في صدر دين الإسلام باتفاق المسلمين، و إنما اختلفوا في بقائه و نسخه لتحقق شرعيته في زمن النبي صلى الله عليه و آله و عدم ما يدل على رفعه و إن المسلمين كانوا يفعلونه من غير نكير، و كذا في خلافة أبي بكر و مدة من خلافة عمر، نعم هو حرمه في المدة الأخرى من تلقاء نفسه بعد أن روى شرعيته عن صاحب الشرع، فإنه فيما

اشتهر عنه بين الفريقين (3) صعد المنبر و قال:

«أيها الناس متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنا أنهى عنهما و أحرمهن


1- 1 أشار إليه في الوسائل الباب- 13- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 و ذكره في الكافي ج 5 ص 354.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 3.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 206 و الوسائل الباب- 1- من أبواب المتعة الحديث 4 راجع الغدير للامينى ره ج 6 ص 211.

ج 30، ص: 140

و أعاقب عليهن: متعة الحج و متعة النساء» و في لفظ (1) آخر «ثلاث كن على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله أنا أنهى عنهن و احرمهن و أعاقب عليهن و هي: متعة النساء، و متعة الحج، و حي على خير العمل»

و هو صريح في تحريمه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم شرعيته، و جعل تحريمه أولى بالاتباع و القبول، حيث توعد من خالفه بالعقوبة و الزجر، بل في متعة النساء بالحد و الرجم،

فعن صحيح مسلم عن قتادة عن أبي نضرة (2) قال: «كان ابن عباس يأمر بالمتعة و كان ابن الزبير ينهى عنها، فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله، فقال تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما شاء بما شاء، و إن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج و العمرة لله كما أمركم الله عز و جل و أبتوا نكاح هذه النساء فلن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة».

و هذا من جملة ما طعن به أهل التشيع، و قد اختلف أتباعه في الجواب عنه، فمنهم من بنى رفعه على كون النبي صلى الله عليه و آله مجتهدا في الأحكام الشرعية و يجوز لمجتهد آخر مخالفته، و هو من السخافة كما ترى، أما على أصول الإمامية فظاهر، لقولهم بعصمة النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أن ما يحكم به عن وحي إلهى لا يتطرق اليه السهو و الخطأ، كما قال عز من قائل (3) «وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى»- «قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ» (4) «قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ» (5) و حينئذ فلا يسوغ لأحد مخالفته و لا اجتهاد في مقابلة قضائه و حكمه أصلا، و أما على رأى الجمهور النافين عصمة الأنبياء فلأنهم إنما نفوا عصمتهم


1- 1 راجع الغدير للامينى ره ج 6 ص 213.
2- 2 راجع الغدير للامينى ره ج 6 ص 210.
3- 3 سورة النجم: 53- الآية 3 و 4.
4- 4 سورة يونس: 10- الآية 15.
5- 5 سورة الأحقاف: 46- الآية 9.

ج 30، ص: 141

فيما ليس له تعلق بتبليغ الأحكام الشرعية كتدبير الحرب و استصلاح الجيش و نصب العمال و عزلهم و ما أشبه ذلك، و أما ما يتعلق بالأحكام الشرعية و تبليغها فقد أوجبوا العصمة فيها، لأن الخطأ فيها مناف لما يقتضيه المعجزة من وجوب تصديق النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيما يبلغه عن الله تعالى، و القول بجواز صدور الخطأ فيها عنه سهوا كما يعزى إلى شذوذ مباهتة بينة لا يلتفت إليها، لاقتضائه إفحام النبي صلى الله عليه و آله و سلم و عجزه عن تسجيل الأحكام لاحتمال السهو و الاشتباه و عدم اندفاعه إلا بالعصمة.

بل قيل: إن المستفاد من كلام الآمدي في الأحكام و غيره إجماع القائلين بجواز الخطأ على النبي صلى الله عليه و آله و سلم على أنه لا يقرر عليه، بل ينبه على خطائه، فتحليله المتعة لو كان خطأ لوجب أن ينبه عليه و أن يعدل عنه.

و أيضا فالكتاب العزيز دال على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه و آله و سلم «وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ» (1) «وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً» (2) «فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» (3) «وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً» (4) «وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (5) الى غير ذلك فان كان وجوب هذه الطاعة لعصمة ربانية تمنعه عن الخطأ و الخطيئة كما هو مذهب الإمامية فالأمر واضح، و إن كان لأمر آخر غير العصمة يجتمع مع انتفائها وجب القول بتحريم مخالفته في أحكامه و إن كانت صادرة عن اجتهاد.

كل ذلك مضافا إلى ما يعلم من تتبع السير و تصفح آثار السلف اتفاق الصحابة و التابعين على نفي الاجتهاد و الرأي مع ورود النص عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و ظهور حكمه


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 64.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 65.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 61.
4- 4 سورة الأحزاب: 33- الآية 36.
5- 5 سورة الحشر: 59- الآية 7.

ج 30، ص: 142

في شي ء من الوقائع و الأحكام، فإنهم كثيرا ما كانوا يختلفون في المسائل و يتناظرون فيها، و متى أورد أحدهم نصا يدل على مقالته التزم به خصمه، و لم يقل أن النبي صلى الله عليه و آله مجتهد فيجوز لمجتهد آخر مخالفته، أو أنه يجوز دفع النص الوارد عنه بالاجتهاد و مراعاة المصالح.

بل وقع من المخالف المحرم للمتعة و الشيخ المتقدم على ما يقتضي الاعتراف بالمنع من مخالفة النص و عدم جواز التعلل في ذلك بالمصالح،

كقول أبى بكر (1)

حين استأذنه أسامة برسالة عمر بن الخطاب في الرجوع معللا بأن معه وجوه الناس، و لا يأمن على خليفة رسول الله صلى الله عليه و آله و حرمه و حرم المسلمين أن يتخطفهم المشركون حول المدينة: «لو تخطفني الكلاب و الذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم»

و قوله حين سألته الأنصار برسالة عمر أيضا أن يولي أمرهم أقدم سنا من أسامة فوثب من مكانه و أخذ بلحية عمر (2): «ثكلتك أمك يا ابن الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه و آله و تأمرني أن أنزعه».

و قول عمر مخاطبا للأنصار يوم السقيفة (3): «أيكم يرضى أن يتقدم قدمين قدمهما رسول الله صلى الله عليه و آله رضيك لأمر ديننا أ فلا نرضاك لأمر دنيانا حين احتجوا على أولويتهم بالأمر بكونهم الأنصار آووا و نصروا إلى آخر ما احتجوا به في ذلك اليوم»

و ليس احتجاجه عليهم بما سمعت إلا تقديما للنص على الاجتهاد، و لو جاز الاجتهاد مع النص لم يصح له ذلك، و

قوله (4) حين قال قائل: أ تؤمر علينا هذا الشاب الحدث و نحن جلة قريش: «دعني يا رسول الله صلى الله عليه و آله أضرب عنقه فقد


1- 1 السيرة الحلبية ج 3 ص 236 ط عام 1353 و تاريخ الطبري ج 3 ص 224 ط مصر عام 1962 و كامل ابن الأثير ج 2 ص 334 و 335 ط بيروت عام 1385.
2- 2 السيرة الحلبية ج 3 ص 236 ط عام 1353 و تاريخ الطبري ج 3 ص 224 ط مصر عام 1962 و كامل ابن الأثير ج 2 ص 334 و 335 ط بيروت عام 1385.
3- 3 تاريخ الطبري ج 3 ص 202 ط مصر عام 1962 و كامل ابن الأثير ج 2 ص 325 ط بيروت عام 1385 مع اختلاف يسير.
4- 4 الشافي للسيد المرتضى قده ص 246 باختلاف يسير.

ج 30، ص: 143

نافق»

و قوله يوم بدر (1) حين أوصى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أن لا يقتل أحد من بني هاشم لأنهم أكرهوا على الخروج فقال أبو حذيفة: «أ نقتل أبناءنا و إخواننا و نترك بني هاشم، فلو أنى لقيت عم النبي صلى الله عليه و آله و سلم لأضربن خياشيمه بالسيف»: «دعني يا رسول الله صلى الله عليه و آله أضرب عنق هذا المنافق، و لم ينكر النبي صلى الله عليه و آله و سلم قوله، بل لما رأى إصراره على ذلك اعتذر عنه بأنه يحب الله و رسوله»

وقوله لعثمان (2) إذ سأله أن يراد الحكم بن العاص الذي نفاه النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن المدينة بعد أن زبره و أغلظ له في القول: «يخرجه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و تأمرني أن أدخله، و الله لو أدخلته لم آمن أن يقول قائل غير عهد رسول الله صلى الله عليه و آله، و الله لأن أشق باثنتين كما تشق الايله أحب إلى من أن أخالف رسول الله، و إياك يا ابن عفان أن تعاودني فيه بعد اليوم».

و من ذلك أيضا (3)

«إن عمر كان يرى أن الدية للأقارب و أن المرأة لا ترث من دية زوجها شيئا و كان يفتي بذلك حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي بأن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ورث الزوجة منها، فترك اجتهاده فيها»

و عول على النص المنقول بخبر الواحد و

قال «أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا و أضلوا كثيرا»

و بذلك (4) ظهر أنه لو كانت مخالفة النبي صلى الله عليه و آله بالاجتهاد جائزة له لم يصح منه ما صح عنه من احتجاجه على الأنصار و حكمه على المخالف بالنفاق و استئماره إياه صلى الله عليه و آله و سلم في قتله و امتناعه من رد الحكم و غير ذلك مما يطول استقصاؤه، بل هو صريح في أن مخالفته تقتضي الضلال و الإضلال و الكفر و النفاق كما هو الحق الذي أجرى علي لسانه إلزاما له بتحريمه المتعة التي هو روى إباحة


1- 1 مستدرك الحاكم ج 3 ص 323 و سيرة أبي هشام ج 1 ص 629 ط 1375 مع الاختلاف اليسير.
2- 2 الشافي للسيد المرتضى قده ص 273 و نقله في البحار أيضا ج 8 ص 323 طبعة الكمپاني.
3- 3 راجع الغدير للامينى ره ج 6 ص 168. أخرجه عن عدة من صحاحهم و كتبهم.
4- 4 نقله في الغدير ج 7 ص 119 باختلاف يسير.

ج 30، ص: 144

النبي صلى الله عليه و آله و سلم لها.

و من هنا عدل جماعة أخرى عن الجواب بذلك إلى دعوى النسخ في زمن النبي صلى الله عليه و آله و إن نهي عمر كان عن نهيه لا من نفسه، فالمراد من قوله:

«أنا أنهى» إني أبين أن الأمر تقرر على النهي، و من قوله: «كانتا» الكون في بعض أوقاته، محتجين على ذلك بالأخبار التي رووها (1)

و بأن عمر قد ذكر التحريم على المنبر بملإ من الصحابة و الناس، و لو لا معلومية النسخ لأنكرت عليه الصحابة، سيما أمير المؤمنين عليه السلام الذي لا زال ينكر على اجتهاده.

و فيه أولا: أنه خلاف ظاهر الخبر المزبور، و ثانيا أنهم رووا في صحاحهم المشهورة ما يدل على عدم نسخها،

فعن صحيحي البخاري و مسلم و تفسير الثعلبي عن عمران بن حصين (2) قال: «نزلت آية المتعة في كتاب الله عز و جل و لم تنزل آية بعدها تنسخها، فأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه و آله و لم ينهانا عنها، فقال رجل برأيه ما شاء»

قال البخاري: «يقال إنه- أي الرجل المذكور- هو عمر» بل قال مسلم: «يعنى عمر» و لم يقل «يقال» و ما

عن الصحيحين أيضا عن ابن مسعود (3) قال: كنا نغزوا مع النبي صلى الله عليه و آله ليس معنا نساء، فقلنا أ لا نستحصن فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن نستمتع فكان أحدنا ينكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ» (4)

فإن قراءة الآية بعد إخباره عن حل المتعة صريحة في دوام الحل و بطلان النسخ، بل فيها تعريض بمن حرمها، و ما

عن تفسيري الثعلبي و محمد بن جرير الطبري و ابن الأثير في نهايته عن علي بن أبى طالب عليه السلام (5) قال: «لو لا أن نهى عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي»

و في المحكي


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 201 الى ص 207.
2- 2 راجع الغدير للامينى ره ج 6 ص 198.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 200 و فيه «ألا نختصى» راجع الغدير ج 6 ص 220.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 87.
5- 5 راجع الغدير للامينى قده ج 6 ص 206.

ج 30، ص: 145

عن صحيح مسلم عن عطاء (1) قال: «قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئنا في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أبى بكر و عمر»

وعن ابن الزبير (أبي الزبير خ ل) (2) قال: «سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر و الدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أبى بكر و عمر حتى نهى عمر عنه في شأن عمرو بن حريث»

و عن أبي نضرة (3) قال: «كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت، فقال: إن ابن عباس و ابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلنا هما مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ثم نهانا عمر عنهما فلم نعد»

و روى ابن الأثير في المحكي من نهايته عن ابن عباس (4) قال: «ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه و آله و سلم لو لا نهيه عنها ما احتاج الى الزنا إلا شفا» (5)

و عن شعبة (6)

«إني سألت الحكم بن عيينة عن هذه الآية (7) فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ، منسوخة هي؟ قال: لا، ثم قال: قال علي بن أبى طالب عليه السلام لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي»

وعن صحيح الترمذي (8)

«أنه سأل رجل من أهل الشام ابن عمر عن متعة النساء، قال: جلال فقال: إن أباك قد نهى عنها، فقال: أ رأيت إن كان أبي قد نهى عنها و سنها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم نترك السنة و نتبع أبي»

الى غير ذلك من الأخبار الدالة على عدم النسخ التي هي أولى من الدالة عليه بالموافقة للأصل، و بأنها متفق عليها عند المخالف و المؤلف، بخلاف أخبار النسخ التي تفرد بها الأول.

و قد تضمنت الأخبار المزبورة الإنكار على المحرم من علي عليه السلام و ابن عباس و ابن مسعود و جابر و غيرهم، و لا فرق في ذلك بين وقوعه في عصره أو فيما بعده، فان


1- 1 راجع الغدير للامينى قد ج 6 ص 207.
2- 2 راجع الغدير للامينى قد ج 6 ص 205.
3- 3 راجع الغدير للامينى قد ج 6 ص 209.
4- 4 راجع الغدير للامينى ره ج 6 ص 206.
5- 5 ذكر في هامش النسخة الأصلية هنا تفسيرا لشفا «أى قليل من الناس».
6- 6 راجع الغدير للامينى ره ج 6 ص 206.
7- 7 سورة النساء: 4- الآية 24.
8- 8 راجع الغدير للامينى ره ج 6 ص 201 و 202.

ج 30، ص: 146

الإنكار المتأخر كاشف عن كون السكوت السابق لمصلحة لا رضا، و إلا لما تعقبه الإنكار، و

عن ابن أبى الحديد إنه روي عن محمد بن جرير الطبري قال: روى عبد الرحمن بن أبى زيد عن عمران بن سوادة الليثي (1)

«إنه قال لعمر: عابت رعيتك عليك أربعا، قال: فوضع عود الدرة ثم ذقن عليها، و قال: هات- إلى أن قال- ذكروا أنك حرمت متعة النساء و قد كانت رخصة من الله يستمتع بقبضة و يفارق من ثلاث، قال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أحلها في زمان ضرورة و رجع الناس إلى السعة، ثم لم أجد أحدا من المسلمين عاد إليها و لا عمل بها، لأن من شاء نكح بقبضة فارق عن طلاق بثلاث»

الحديث. و هو صريح في وقوع التنكير عليه من الصحابة في عصره و في الاعتراف بمخالفة النبي صلى الله عليه و آله و سلم، فالاعتذار عنه بالنسخ تحكم من غير تراضي الخصمين. على أن الإمساك عن النكير إنما يدل على الرضا مع فقد الأسباب المقتضية له غير الرضا، و هو هنا ممنوع، لاحتمال مخافة الفتك بهم، كما هو المعلوم من حاله و فضاضته و غلظته لما له من الشأن في تحريمها.

كل ذلك مضافا الى ما عرفته من صراحة عبارته في دوام الحكم و عدم النسخ، و أن التحريم إنما كان من قبله لا عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و لم يذكر هو في ذلك المقام و لا غيره النسخ، بل حكي عنه الاعتذار بما سمعت، و لو أن النسخ ثابت كما ادعاه المجيب لأشار إليه، ليكون أدخل في الكف عنها و أقطع لألسن الطاعنين عليه و المتتبعين لعثراته، حتى استمر الطعن عليه بذلك مدى الأعصار مثبتا في الصحف و محفوظا في الصدور تتناقله الرواة و النقلة خلفا عن سلف.

و أيضا فإنه قد قرن تحريم المتعتين بلفظ واحد، و لم يدع أحد منهم النسخ في متعة الحج، بل صرحوا فيها بدوام الحكم، بل عن بعضهم دعوى الإجماع على الجواز، و حينئذ فحمل الكلام على ظاهره من إسناد التحريم الى نفسه فيهما متعين، و إلا فحمله على النسخ في خصوص متعة النساء بعيد جدا، بل مقطوع بفساده.


1- 1 راجع الغدير للامينى ره ج 6 ص 212.

ج 30، ص: 147

على أن الأخبار التي رووها في النسخ متناقضة على وجه يعلم منه أنها موضوعة، فإنهم رووا أنها أبيحت عام الفتح و أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم لم يخرج من مكة حتى حرمها (1) و أنها أبيحت عام أوطاس ثلاثة أيام (2)

أو يوما أو ليلة و أنها أبيحت في حجة الوداع، ثم نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عنها (3)

و أنها أبيحت أول الإسلام حتى نزلت «إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ»* (4) الآية (5) و أنها نسخت يوم خبير و يوم تبوك (6) و أين حجة الوداع و الفتح و خيبر و تبوك عن أول الإسلام، كما أنه أين هو و أين عام أوطاس.

على أن هذه الآية تكررت في سورتين سورة المعارج و المؤمنون و هما مكيان كما ذكره المفسرون فكيف ينسخ بها ما حكمه مدني؟ و قد التجأوا في رفع هذا الاختلاف الى القول بتكرر التحريم و الإباحة، و ليس هو كذلك.

و لكن لما لم يكن لدعوى النسخ أصل و إنما أرادوا بافترائه رفع الطعن، و قد توارد خاطر جماعة منهم على ذلك، فوضع كل منهم من غير أن يعلم بالاخر، فحصل ما حصل مما يعلم به الزور في الأخبار و الشهادة عند تفريق الشهود، كما هو المعروف في قصة دانيال (7).

كل ذلك مضافا الى دلالة الآية على مشروعيتها، فإنها كما عن أكثر المفسرين من العامة فضلا عن الخاصة نزلت فيه، بل قد يؤيد ذلك لفظ الاستمتاع، بناء على أنه حقيقة في المنقطع و إن كان في اللغة موضوعا للانتفاع و الالتذاذ، بل لو لم


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 202.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 204.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 203.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 205 و 206.
5- 5 سورة المؤمنون: 23- الآية 6.
6- 6 سنن البيهقي ج 7 ص 201 الى 207.
7- 7 الحديث طويل ذكر قسما منه مما يشير إليه في الوسائل في الباب- 19- من أبواب كيفية الحكم الحديث 1 من كتاب القضاء و تمامه في الكافي ج 7 ص 425 و 426 و التهذيب ج 6 ص 308 الرقم 852.

ج 30، ص: 148

نقل بثبوت الحقيقة الشرعية فيه أمكن القول بتعيين الحمل عليه، لتعذر إرادة اللغوية منه باعتبار تعليق الأجر عليه، و من المعلوم عدم دورانه مداره.

كما أنه يؤيده أيضا ما

روى عن أمير المؤمنين عليه السلام و عبد الله بن عباس و عبد الله بن مسعود و أبي بن كعب و مجاهد و عطاء و جماعة كثيرة من الصحابة و التابعين من أنهم كانوا يقرءون «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمى».

بل قد يؤيده أيضا بظهور لفظ الأجر في العوض للمؤجل، فإنه يسمى في النكاح الدائم صداقا و نحلا و فرضا، و إطلاقه عليه في مطلق النكاح في قوله تعالى (1):

«لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» و قوله تعالى (2):

«فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» لا ينافي الظهور الكافي في المطلوب.

و قد يؤيد أيضا بقوله تعالى فيها (3) «وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ» فإن المعنى على ما ذكره الأصحاب أن تزيدها في الأجر و تزيدك في الأجل، و قد يناقش باحتمال إرادة رفع الجناح عما تراضيا عليه من الإبراء كلا أو بعضا و الاعتياض عليه و نحو ذلك، و يدفع بأن الحمل على الأول يقتضي دلالة الآية على ما لا يستفاد من غيرها بخلاف الثاني، فإنه معلوم بالضرورة من العقل و النقل غير الآية، و التأسيس خير من التأكيد، لكنه كما ترى.

و إلى الأخبار المتواترة من طرقنا (4)

بل لعلها كذلك من طرقهم (5)

و قد سمعت كلام ابن المحرم، بل المحرم نفسه قد روى ذلك، و من طريف ذلك ما حكى الراغب في محاضراته (6) «أن يحيى بن أكثم القاضي قال لشيخ بالبصرة كان يتمتع: عمن أخذت المتعة؟ فقال: عن عمر، فقال له: كيف و هو أشد الناس نهيا عنها؟


1- 1 سورة الممتحنة: 60- الآية 10.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 25.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 24.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب المتعة.
5- 5 راجع الغدير للامينى ره ج 6 ص 198 الى 213.
6- 6 ذكره للامينى ره في الغدير ج 6 ص 212 عن المحاضرات ج 2 ص 92.

ج 30، ص: 149

فقال: إن الخبر الصحيح جاء عنه أنه صعد المنبر، و قال: إن الله و رسوله أحل لكم متعتين و أنا أحرمهما و أعاقب عليهما فقبلنا شهادته و روايته عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لم نقبل تحريمه لها من قبل نفسه».

و إلى الإجماع، أما من الطائفة المحقة فهو واضح، بل هو من ضروريات مذهبهم، و أما من غيرهم فلاتفاق الصحابة و من كان في صدر الإسلام على إباحتها و شرعيتها من غير نكير، كما يظهر من أخبار جابر و غيرها، حتى ما روى عن المحرم نفسه، فإنه يدل على أن الحكم بالحل كان شائعا معروفا في زمان النبي صلى الله عليه و آله و سلم و مدة خلافة أبي بكر و برهة من خلافته، فالقول بالتحريم بعد ذلك مخالف لإجماع الأمة التي لا تجتمع على ضلالة.

احتجوا بقوله تعالى (1) «إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ»* الآية، و المتعة ليس ملك يمين و لا زوجة، لأنها لا ترث و لا تورث، و لأنها تبين بغير طلاق و لا لعان و لا ظهار و لا إيلاء، و لا نفقة و لا قسم، و انتفاء لوازم الزوجية عنها تقتضي انتفاء الملزوم، فإذا لم تكن زوجة و لا ملك يمين كانت من العدوان المحرم بمقتضى الآية (2).

و فيه (أولا) أن دلالة الآية بطريق العموم الذي لا ينافي التخصيص بدليل، و (ثانيا) منع لزوم الأمور المزبورة للزوجة، لانتفاء الإرث في الذمية و القاتلة و الأمة، و حصول الإبانة بغير الطلاق في الملاعنة و المرتدة و الأمة المبيعة، و سقوط النفقة بالنشوز، و عدم اللعان و الظهار و الإيلاء فلاشتراطها بالدوام لا الزوجية، و لو فرض ما يدل على وقوعها بالزوجة وجب تخصيصه بالدائمة جمعا بينه و بين ما دل على عدم لحوقها بالمتعة.

و احتجوا أيضا بالأخبار (3)

الدالة على تحريمها و نسخها، و فيه أنها معارضة بالأخبار الكثيرة الدالة على حليتها و استمرار الحكم بها في عهد الرسالة و ما بعد


1- 1 سورة المؤمنون: 23- الآية 6.
2- 2 سورة المؤمنون: 23- الآية 7.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 201 الى 207.

ج 30، ص: 150

ذلك إلى أن حرمها عمر، و الترجيح لهذه الأخبار لكثرتها و اتفاق الفريقين عليها بخلاف روايات التحريم، فان المخالفين انفردوا بها و لم يرد من طريق الإمامية ما يقتضي التحريم، مع اشتهار الحكم به بين أهل الخلاف و كثرة اختلاف الروايات من جهتهم، و اعتضادها بظاهر الكتاب و إجماع المسلمين في الجملة، و الأصل دوام الحكم و انتفاء النسخ حتى يعلم خلافه، مضافا الى ما عرفته من ظهور الوضع على روايات التحريم الذي منه أيضا أنهم رووا ذلك (1) عن على عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، مع أن مذهب علي عليه السلام في ذلك معلوم، و قد نقله

جماعة من رواتهم، و أنه عليه السلام كان يقول (2): «لو لا نهى عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي».

و احتجوا أيضا بالإجماع على تحريمها، فإن الصحابة قد اتفقوا عليه بعد نهي عمر عنه، و لم يخالف فيه إلا ابن عباس، و قد نقل عنه الرجوع إليه في آخر عمره، و فيه منع الإجماع، و كفى بذلك اتفاق أهل البيت الذين هم أساطين الإسلام على خلافه، و اتفاق شيعتهم على ذلك، حتى صار من ضروريات مذهبهم يعرفه كل أحد منهم، فدعوى الإجماع مجازفة بينة لا تصدر إلا عن معاند متصلف، و أيضا فالقول عليها منقول عن أعاظم الصحابة و التابعين، كابن عباس و ابن مسعود و أبي بن كعب و جابر و أبي سعيد الخدري و سلمة بن الأكوع و المغيرة بن شعبة و مجاهد و عطاء بن أبى رياح و طاوس و أبي الزهري مطرف و محمد بن سدى، و عن مسلم في صحيحه و أبي الحسن بن علي بن زيد في كتاب الألفة أنهما زادا في الصحابة معاوية بن أبى سفيان و عبد الله بن عمر بن الخطاب و عمر بن جويدة و ربيعة بن أمية و سلمة بن أمية و صفوان بن أمية و معلى بن أمية و البراء بن عازب و ربيع بن ميسرة و سهل بن سعد الساعدي، كما عن أبى الحسن علي بن الحسين الحافظ في كتاب سير العباد الزيادة في التابعين الحسن البصري و إبراهيم النخعي و سعيد بن حبيب و ابن جريح و عمر بن دينار، و نقل عن مالك و ابن شبرمة من الفقهاء الميل إليها، و ما ذكر من رجوع ابن عباس عن ذلك


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 201.
2- 2 راجع الغدير للامينى ره ج 6 ص 206.

ج 30، ص: 151

غير ثابت، و لو صح لم يلزم منه الإجماع على التحريم إلا مع العلم بانتفاء الخلاف، و قد عرفت بطلانه.

و قد ظهر لك من ذلك كله أنه لا إشكال في إباحتها، بل لا يبعد استحبابها مؤكدا بمعنى رجحانها من حيث خصوصيتها، لكونها من شعار الايمان و علامات المؤمن، و لما فيها من الرد على من نهى عنها و حرمها فان المباح يصير مندوبا بتحريم أصحاب البدع، كما يصير بايجابهم إياه مكروها قمعا لآثار البدعة، ف

في خبر بشير بن حمزة (1) عن رجل من قريش قال: «بعثت الي ابنة عم لي كان لها مال كثير: قد عرفت كثرة من يخطبني من الرجال فلم أزوجهم نفسي، و ما بعثت إليك رغبة في الرجال غير أنه بلغني أن المتعة أحلها الله عز و جل في كتابه و بينها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في سنته فحرمها زفر، فأحببت أن أطيع الله عز و جل فوق عرشه و أطيع رسوله و أعصي زفر، فتزوجني متعة، فقلت: حتى أدخل على أبى جعفر عليه السلام فأستشيره، قال: فدخلت عليه فخبرته، فقال: افعل صلى الله عليكما من زوج»

وعنه عليه السلام أيضا (2) إنه قال لرجل سأله هل في المتعة ثواب؟ فقال: «إن كان يريد بذلك وجه الله و خلافا على من أنكرها لم يكلمها كلمة إلا كتب الله له بها حسنة، فإذا دنى منها غفر الله له بذلك، فإذا اغتسل غفر الله له بقدر ما مر من الماء على شعره، قلت: بعدد الشعر قال: نعم بعدد الشعر»

و في المرسل عنه عليه السلام أيضا (3)

«إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم لما أسري به الى السماء قال: لحقني جبرئيل فقال: يا محمد إن الله تعالى يقول: إنى قد غفرت للمتمتعين من أمتك من النساء»

و في آخر (4)

«ما من رجل تمتع ثم اغتسل إلا خلق الله من كل قطرة تقطر منه سبعين ملكا يستغفرون له إلى يوم القيامة، و يلعنون مجتنبها إلى أن تقوم الساعة»

و قال أبو الحسن عليه السلام (5) لرجل ذكر له أنه عاهد الله أن لا يتمتع: «عاهدت الله لا تطيعه، و الله لئن لم تطعه لتعصينه»

إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على رجحانها.


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب المتعة الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب المتعة الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب المتعة الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب المتعة الحديث 15.
5- 5 الوسائل الباب- 3- من أبواب المتعة الحديث 1.

ج 30، ص: 152

بل

في بعضها (1)

«ما أحب للرجل منكم أن يخرج من الدنيا حتى يتزوج المتعة و لو مرة في بعض عمره»

«إنى لأكره للرجل المسلم أن يخرج من الدنيا و قد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لم يصنعها، فقلت: فهل تمتع رسول الله صلى الله عليه و آله؟ فقال: نعم و قرأ هذه الآية (2) وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ الآية» (3).

و لا ينافي ذلك

حسن علي بن يقطين (4)

«سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن المتعة فقال: و ما أنت و ذلك، و قد أغناك الله عنها»

الحديث و

خبر الفتح بن يزيد (5)

«سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتعة، فقال: هي حلال مباح مطلق لمن لم يغنه الله بالتزويج، فليستعفف بالمتعة، فإن استغنى عنها بالتزويج فهي مباح له إذا غاب عنها»

و خبر محمد بن الحسن بن الميمون (6)

«كتب أبو الحسن عليه السلام إلى بعض مواليه: لا تلحوا على المتعة فإنما عليكم إقامة السنة، فلا تشتغلوا بها عن فرشكم و حرائركم، فيكفرن و يبرأن و يدعون على الأمر بذلك و يلعنون»

و خبر المفضل بن عمر (7)

«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في المتعة: دعوها أما يستحيي أحدكم أن يرى في موضع العورة فيحمل ذلك على صالحي إخوانه و أصحابه»

بعد تسليم المكافئة، لاحتمال الحمل على ما إذا اقتضى التمتع فساد النساء المعقود عليهن دائما كما أومأ إليه الخبر المزبور، أو اقتضى الشين أو لحوق العار باتهامه بفعل المحرم، كما ينبه عليه خبر المفضل، و هذا لا يقدح في أصل الاستحباب المراد منه مع قطع النظر عن العوارض أو التقية خصوصا من أبي الحسن عليه السلام المروي عنه أكثر هذه الأخبار، و ربما يومئ


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب المتعة الحديث 10.
2- 2 سورة التحريم: 66- الآية 3.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب المتعة الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 5- من أبواب المتعة الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 5- من أبواب المتعة الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب- 5- من أبواب المتعة الحديث 4 عن محمد بن الحسن بن شمون.
7- 7 الوسائل الباب- 5- من أبواب المتعة الحديث 3.

ج 30، ص: 153

إلى ذلك

خبر حماد (1) قال: «قال لي أبو عبد الله عليه السلام و لسلمان بن خالد: قد حرمت عليكما المتعة من قبلي ما دمتما بالمدينة، لأنكما تكثران الدخول علي و أخاف أن تؤخذا فيقال: هؤلاء أصحاب جعفر».

و كيف كان ف النظر فيه يستدعي بيان أركانه التي تدخل في مفهومه في عرف المتشرعة و أحكامه، و

[أركانه أربعة]
[أما الصيغة]

أركانه أربعة بجعل المتعاقدين واحدا، لكونهما معا فاعلا واحدا للعقد، ضرورة شمول العاقد لهما شمول الكل لأجزائه، و هي الصيغة و المحل و الأجل و المهر،

[أما الصيغة]

أما الصيغة فهي اللفظ الذي وضعه الشرع و عينه وصلة إلى انعقاده كغيره من العقود اللازمة و هو أي اللفظ المزبور إيجاب و قبول فلا يحصل بدون ذلك قطعا، بل إجماعا بقسميه، و نصوصا (2).

نعم ربما ظهر من الكاشاني و بعض الظاهرية من أصحابنا الاكتفاء بحصول الرضا من الطرفين و وقوع اللفظ الدال على النكاح و الإنكاح، ل

خبر نوح بن شعيب عن على عن عمه (3) عن أبى عبد الله عليه السلام قال: «جاءت امرأة إلى عمر، فقالت: إنى زنيت فطهرني، فأمر بها أن ترجم، فأخبر بذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: كيف زنيت؟ قالت: مررت في البادية فأصابني عطش شديد، فاستقيت أعرابيا، فأبى أن يسقيني إلا أن أمكنه من نفي، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: تزويج و رب الكعبة»

قال في الوافي: «إنما كان تزويجا لحصول الرضا من الطرفين، و وقوع اللفظ الدال على النكاح و الإنكاح فيه، و ذكر المهر و تعيينه، و المرة المستفاد من الإطلاق القائمة مقام ذكر الأجل» و هو كما ترى، ضرورة اعتبار اللفظ المقصود به إنشاء ذلك، و الفرض خلو هذا المذكور منه، فلا بد حينئذ من حمله على إرادة كونه بحكم


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب المتعة الحديث 5 عن عمار قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام لي و لسليمان بن خالد».
2- 2 الوسائل الباب- 18- من أبواب المتعة.
3- 3 الوسائل الباب- 21- من أبواب المتعة الحديث 8.

ج 30، ص: 154

التزويج باعتبار اضطرارها، كما يومئ إليه رواية

الخبر المزبور بطريق آخر (1):

قال فيه «إنه لما بلغ مني أي العطش آتيته فسقاني و وقع علي فقال علي عليه السلام:

هذه التي قال الله (2) فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ، و هذه غير باغية و لا عادية، فخلى عمر سبيلها، و قال: لو لا على لهلك عمر».

إنما الكلام في الاجتزاء بكل لفظ دال على ذلك صريحا بنفسه أو بالقرينة على حسب المتعارف في الخطابات أو اعتبار لفظ مخصوص صريح بنفسه، ظاهر قول المصنف و غيره و ألفاظ الإيجاب ثلاثة: زوجتك و متعتك و أنكحتك أيها حصل وقع الإيجاب به، و لا ينعقد بغيرها، كلفظ التمليك و الهبة و الإجارة الثاني، بل حكى غير واحد الشهرة عليه، كما أنه حكاها على عدم انعقاد العقد اللازم بالمجاز، من غير فرق بين القريب منه و البعيد اقتصارا فيما خالف أصل عدم الانتقال و نحوه على المتيقن، و لكن قد عرفت المناقشة فيه في كتاب البيع و في عقد النكاح، فإنه قد أشبعنا الكلام في ذلك في المقامين، فلاحظ و تأمل. و لعله لذا قال السيد في المحكي من طبرياته: «أما نكاح المتعة فينعقد بما ينعقد به المؤبد من الألفاظ و قوله امتعيني نفسك و آجريني أيضا» بل عنه «أن تحليل الأمة عقد متعة» فينعقد عنده بالإباحة أيضا.

و كذا الكلام في القبول الذي هو اللفظ الدال على إنشاء الرضا بذلك الإيجاب، كقوله: قبلت النكاح أو المتعة أو التزويج، بل و لو قال: «قبلت» و اقتصر أو «رضيت» جاز كما تقدم ذلك كله في عقد النكاح.

و كذا تقدم فيه و في عقد البيع أنه لو بدأ بالقبول، فقال: «تزوجت» فقالت هي: «زوجتك» صح و عن الحلبي و القاضي جواز أن يقول لها: «متعيني نفسك بكذا مدة كذا» فتقول «قبلت» فيقول الرجل: «قبلت».

بل و تقدم أيضا البحث في أنه هل يشترط فيهما الإتيان بلفظ


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب حد الزنا الحديث 7 من كتاب الحدود.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 173.

ج 30، ص: 155

الماضي و أنه قيل بذلك للاقتصار على المتيقن، و حينئذ فلو قالت: «أتزوجك» أو «تزوجني» أو قال: «أقبل» أو «أرضى» و كان ذلك مع قصد الإنشاء لم يصح، و قيل: لا يشترط كما هو مذهب جماعة، بل لعله لا يخلو من قوة، لإطلاق الأدلة و حينئذ ف لو قال: «أتزوجك مدة كذا بمهر كذا» و قصد الإنشاء فقالت: «زوجتك» صح مضافا إلى خبري أبان (1) و ابن أبى نصر (2)

الدالين على ذلك، بل و على تقدم القبول على الإيجاب و كذا لو قالت: «نعم» كما في خبر أبان (3)

و خبر هشام بن سالم (4)

و قد أشبعنا الكلام في ذلك كله و في غيره من اعتبار العربية و عدم اعتبار التعدد و نحو ذلك من المتعلقة بنحو المقام، ضرورة عدم الفرق بين عقد المتعة و غيره من العقود اللازمة فضلا عن عقد الدوام، فلاحظ و تأمل.

[أما المحل]
اشارة

و أما المحل فيشترط إذا كان الزوج مسلما أن تكون الزوجة مسلمة أو كتابية، كاليهودية و النصرانية و المجوسية على أشهر الروايتين (5)

و في الأخرى (6)

النهي عن التمتع بالمجوسية، و هو محمول على الكراهة التي قد يستفاد من بعض الأخبار (7)

تحققها في اليهودية أيضا، إلا أن المجوسية أشد.

و على كل حال فإذا تمتع بالكتابية كان له أن يمنعها من شرب الخمر (11) و أكل لحم الخنزير و (12) غير ذلك من ارتكاب المحرمات (13) المنافية للاستمتاع للنفرة، بخلاف ما لا ينافيه، فإنه لا سلطان له على منعها بعد اعتصامها بالذمة، و قد سمعت سابقا النص (8)

على ذلك بل سمعت احتمال اعتبار الرخصة في نكاحها


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب المتعة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من أبواب المتعة الحديث 2 عن ابن أبى نصر عن ثعلبة.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من أبواب المتعة الحديث 1.
4- 4 في المقام روايتان لهشام بن سالم رواها في الوسائل في الباب- 18- من أبواب المتعة الحديث 3 و 6.
5- 5 الوسائل الباب- 13- من أبواب المتعة الحديث 5.
6- 6 الوسائل الباب- 13- من أبواب المتعة الحديث 1.
7- 7 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 2 و 3.
8- 8 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.

ج 30، ص: 156

ذلك بأن يستحقه عليها بشرط في العقد و نحوه، إلا أنه كما ترى، مثل احتمال وجوب المنع عليه أو استحبابه من باب الأمر بالمعروف أو استحقاق ذلك له بالزوجية و إن لم يكن منافيا، و الأقوى حمل الأمر في النص على ما عرفت، لكونه في مقام توهم الحظر بسبب اعتصامها بالذمة.

أما المسلمة مؤمنة كانت أو غير مؤمنة فلا تتمتع إلا بالمسلم خاصة مؤمنا كان أو غير مؤمن بناء على عدم اعتبار الايمان في الكفاءة، و إلا فلا يجوز لغير المؤمن التمتع بالمؤمنة كما عرفت الكلام فيه مفصلا و في حرمة غير الكتابيين على المسلم و حرمة المسلمة على الكفار أجمع، نعم

في الفقيه مرسلا (1) عن الرضا عليه السلام «المتعة لا تحل إلا لمن عرفها و هي حرام على من جهلها»

و مقتضاه عدم جواز تمتع المؤمن بالمخالفة و المخالف بالمؤمنة، لأن الحرمة من طرف تستلزمها من طرف آخر، لكونها تابعة لصحة العقد و فساده الذي قد عرفت سابقا عدم تبعضه بالنسبة إلى المتعاقدين، إلا أنه لما كان غير جامع لشرائط الحجية حتى يصلح لتخصيص العمومات وجب حمله على إرادة الإثم على جاهلها، باعتبار إقدامه على المحرم عنده، فلا ينافي حينئذ صحة العقد في نفسه، كما هو واضح.

و على كل حال فقد ظهر لك من ذلك أن المراد بالشرط المذكور في المتن بالنسبة إلى المسلم خاصة، ضرورة عدم اشتراط ذلك بالنسبة إلى الكفار حتى الوثني بالنسبة إلى الوثنية، فان المتعة بينهما صحيحة.

و كيف كان ف لا يجوز للمسلم التمتع بالوثنية و لا بالناصبية المعلنة بالعداوة لأهل البيت عليهم السلام أو أحدهم كالخوارج و لا بغيرهم من أصناف الكفار غير من عرفت، كما تقدم الكلام فيه سابقا، و في أنه لا عبرة بالإعلان في حرمة الناصبية، و في تحقيق المراد بالناصب، و ربما ظهر من كشف اللثام هنا اعتباره قال: «و إلا فالعامة ناصبة، لكن لا يسمون بها لعدم الإعلان» و فيه ما عرفت سابقا أنهم بحكم الناصبة في الآخرة لا الدنيا إلا المبغض لأحد من أهل البيت عليهم السلام


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب المتعة الحديث 11.

ج 30، ص: 157

متدينا به أولا، فذلك الناصب و قد عرفت الحال فيه في محله. كما عرفت فيما مضى أنه لا يستمتع أمة و عنده حرة إلا بإذنها، و لو فعل كان العقد باطلا أو موقوفا على الاذن.

و كذا لا يدخل عليها بنت أخيها و لا بنت أختها إلا مع إذنها، و لو فعل كان العقد باطلا أو موقوفا على الاذن و غير ذلك من المحرمات عينا و جمعا، ضرورة كونه أحد فردي النكاح الذي هو عنوان الحرمة، بل منه يعلم أن الأصل اشتراك الدائم و المنقطع في الأحكام التي موضوعها النكاح و التزويج و نحوهما مما يشمل المنقطع إلا ما خرج بالدليل من عدم الإرث و النفقة و القسم و الزيادة على الأربع و نحو ذلك، كما هو واضح. فلا حظ حينئذ جميع ما تقدم سابقا التي منها ما أشار إليه المصنف هنا إذا فرض كون موضوعها المنقطع، و الله العالم.

و على كل حال ف يستحب أن تكون المتمتع بها مؤمنة ل

قول الرضا عليه السلام (1): «المؤمنة أحب إلى»

وقول الصادق عليه السلام عليه السلام لما سأله محمد بن الفضيل (2) عن المتعة فقال: «نعم إذا كانت عارفة قلنا فان لم تكن عارفة، قال:

فأعرض عليها و قل لها فان قبلت فتزوجها و إن أبت فدعها»

و لا ينافي ذلك

قول الصادق عليه السلام في المرسل (3): «لا تستمتع بالمؤمنة فتذلها»

المحمول على الامرأة التي هي من ذوي الشرف.

و أن تكون عفيفة ل

خبر ابن سنان (4)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عنها- أي المتعة- فقال لي: حلال، و لا تتزوج إلا عفيفة، إن الله عز و جل يقول (5):


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب المتعة الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب المتعة الحديث 1 عن محمد بن العيص، و في الكافي ج 5 ص 454 و التهذيب ج 7 ص 252 الرقم 1088، و الفقيه ج 3 ص 292 الرقم 1387 عن محمد بن فيض.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب المتعة الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب المتعة الحديث 2 عن أبي سارة.
5- 5 سورة المؤمنون: 23- الآية 5.

ج 30، ص: 158

الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ*، فلا تضع فرجك حيث لا تأمن على دراهمك».

و يستحب له أيضا أن يسألها عن حالها مع التهمة ل

خبر أبي مريم (1) عن الباقر عليه السلام «أنه سئل عن المتعة فقال: إن المتعة اليوم ليست كما كانت قبل اليوم، كن يومئذ يؤمن، و اليوم لا يؤمن فاسألوا عنهن»

لكن في المسالك «إن هذا يقتضي الأمر بالسؤال عن حالها و لو لغيرها و هو أجود من تعبير المصنف بسؤالها» قلت: بل يقتضي سؤال غيرها خاصة، لعدم الجدوى في سؤالها مع التهمة، بل قد يظهر منه الأمر بالسؤال مطلقا إلا أن يعلم كونها مأمونة.

و على كل حال ف ليس السؤال المزبور شرطا في الصحة للأصل و حمل فعل المسلم على الصحيح، قيل: و

خبر محمد بن عبد الله الأشعري (2) قلت للرضا عليه السلام:

«الرجل يتزوج المرأة فيقع في قلبه أن لها زوجا قال: ما عليه، أ رأيت لو سألها البينة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج؟»

و فيه أنه يمكن أن يكون ذلك غير ما نحن فيه من السؤال عن المتهمة أو مطلقا قبل العقد عليها، لظهور النصوص في مرجوحية السؤال بعد التزويج،

قال محمد بن راشد (3) قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

«إني تزوجت المرأة متعة فوقع في نفسي أن لها زوجا ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجا، قال: و لم فتشت؟»

و في مرسل مهران (4) عنه عليه السلام أيضا «قيل له:

إن فلانا تزوج امرأة متعة، فقيل له: إن لها زوجا فسألها، فقال أبو عبد الله عليه السلام:

و لم سألها»

فالأولى الاستدلال عليه ب

خبر أبان بن تغلب (5) قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

«إنى أكون في بعض الطرقات فأرى المرأة الحسناء و لا آمن أن تكون ذات بعل


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب المتعة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب المتعة الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب المتعة الحديث 3 عن فضل مولى محمد بن راشد، كما في التهذيب ج 7 ص 253 الرقم 1092.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من أبواب المتعة الحديث 4.
5- 5 أشار إليه في الوسائل الباب- 10- من أبواب المتعة الحديث 1 و ذكره في الكافي ج 5 ص 462.

ج 30، ص: 159

أو من العواهر، قال: ليس هذا عليك إنما عليك أن تصدقها في نفسها».

و يكره أن تكون زانية، فإن فعل فليمنعها من الفجور، و ليس شرطا في أصل الجواز الذي قد عرفت فيما تقدم ما يدل عليه و على الكراهة مؤيدا بما سمعته آنفا من النهي (1)

عن غير العفيفة، و

قول الصادق عليه السلام في خبر محمد (2)

«إياكم و الكواشف و الدواعي و البغايا و ذوات الأزواج، قلت: و ما الكواشف؟ قال: اللواتي يكاشفن و بيوتهن معلومة و يؤتين، قلت: فالدواعي، قال: اللواتي يدعين إلى أنفسهن و قد عرفن بالفساد، قلت: فالبغايا، قال: المعروفات بالزنا، قلت: فذوات الأزواج: قال: المطلقات على غير السنة»

و خبر محمد بن الفضيل (3)

«سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة الحسناء الفاجرة هل يجوز للرجل أن يتمتع منها يوما أو أكثر؟ فقال: إذا كانت مشهورة بالزنا فلا يتمتع منها و لا ينكحها».

نعم يستحب منعها من الفجور ل

خبر زرارة (4)عن أبى جعفر عليه السلام «سئل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها فإذا الثناء عليها يثني في الفجور، فقال: لا بأس بأن يتزوجها و يحصنها»

و ربما تأكد ذلك في الدائم، ل

خبره الآخر (5) قال: «سأل عمار أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج الفاجرة متعة، قال: لا بأس و إن كان التزويج الأخر فليحصن بابه»

و المراد من حيث التزويج، و إلا فلا ريب في وجوبه من باب الأمر بالمعروف مع الشرائط.

كما لا ريب في أصل الجواز لما تقدم سابقا الدالة صريحا عليه و أنه ليس عليه من إثمها شي ء (6)

و اختلاط الماء بعد أن قال الشارع:

«الولد للفراش و للعاهر


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب المتعة الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب المتعة الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب المتعة الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 مضمر.
6- 6 الوسائل الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

ج 30، ص: 160

الحجر» (1)

غير قادح كما أوضحناه سابقا، فما عن الصدوق- من منع التمتع بها مطلقا و ابن البراج إذا لم يمنعها من الفجور لذلك و للنهي عنه في الآية (2) و الرواية (3)

- واضح الضعف بعد الإحاطة بما قدمناه هناك و هنا، و الله العالم.

و كذا يكره أن يتمتع ببكر لها أب أو ليس لها أب ل

قول الصادق عليه السلام في خبر البختري (4)

«في الرجل يتزوج البكر متعة: يكره للعيب على أهلها»

وقول أبي الحسن عليه السلام في خبر المهلب الدلال (5): «لا يكون تزويج متعة ببكر»

المحمول على الكراهة جمعا بينه و بين المعتبرة المستفيضة (6)

الدالة على الجواز بل

في المرسل (7) عن أبى عبد الله عليه السلام «سألته عن التمتع بالأبكار فقال:

هل جعل ذلك إلا لهن؟ فليستترن به و ليستعففن».

و على كل حال فان فعل فلا يقتضها للنهي عنه،

قال الصادق عليه السلام في خبر ابن أبي الهلال (8): «لا بأس أن يتمتع بالبكر ما لم يفض إليها كراهية العيب على أهلها»

و في مرسل ابن أبي حمزة (9) عنه عليه السلام أيضا «في البكر يتزوجها الرجل متعة، قال: لا بأس ما لم يقتضها»

و مرسل أبي سعيد القماط (10) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سرا من أبويها فأفعل ذلك، قال: نعم، و اتق موضع الفرج، قال: قلت: و إن رضيت بذلك، قال: و إن رضيت، فإنه عار على الأبكار»

الى غير ذلك من النصوص الدالة عليه. و لكن


1- 1 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 3.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب المتعة و الباب- 13- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 10 عن حفص بن البختري.
5- 5 الوسائل الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 11.
6- 6 الوسائل الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 0.
7- 7 الوسائل الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 4.
8- 8 الوسائل الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 1 عن زياد بن أبى الحلال.
9- 9 الوسائل الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 2.
10- 10 الوسائل الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 7.

ج 30، ص: 161

ليس بمحرم للأصل و ظهور النصوص المزبورة بالكراهة، خصوصا بعد اشتمال بعضها على التعليل المعلوم أنها لها بقرينة وروده في أصل التمتع بالبكر، و الله العالم.

[فروع ثلاثة]
[الأول إذا أسلم المشرك و عنده كتابية بالعقد المنقطع كان عقدها ثابتا]

فروع ثلاثة قد تقدم تفصيل الكلام فيها.

الأول: إذا أسلم المشرك و عنده كتابية بالعقد المنقطع كان عقدها ثابتا للأصل و ما عرفته من جواز ابتدائه للمسلم فضلا عن استدامته. و كذا لو كن أكثر من واحدة، بل و أكثر من أربع، لما تقدم من جواز ذلك في المنقطع. و لو سبقت هي في الإسلام وقف على انقضاء العدة إن كان قد دخل بها و إلا انفسخ عقدها، لعدم العدة حينئذ لها فان انقضت العدة من ذات العدة المدخول بها و لم يسلم بطل العقد بل قد عرفت سابقا أنه ينكشف بطلانه من أول و إن لحق بها قبل انقضاء العدة فهو أحق بها ما دام أجله باقيا، و لو انقضى الأجل قبل إسلامه لم يكن له عليها سبيل (11) و إن كانت في العدة، كما هو واضح.

[الثاني لو كانت غير كتابية فأسلم أحدهما بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة]

الثاني: لو كانت غير كتابية فأسلم أحدهما بعد الدخول وقف الفسخ (12) أيضا على انقضاء العدة و تبين منه بانقضاء الأجل أو خروج العدة، فأيهما حصل قبل إسلامه انفسخ به النكاح (13) على نحو ما سمعته في الكتابية لما سمعته سابقا من أنه و إن كان لا يجوز للمسلم التزويج بغير الكتابية لكن إذا أسلم عنها جرى عليها حكم الكتابية، للفرق بين الابتداء و الاستدامة، كما تقدم الكلام فيه.

ج 30، ص: 162

[الثالث لو أسلم و عنده حرة و أمة ثبت عقد الحرة و وقف عقد الأمة على رضاء الحرة]

الثالث: لو أسلم و عنده حرة و أمة ثبت عقد الحرة و وقف عقد الأمة على رضاء الحرة و إن كان عقد الحرة المتأخر، لكن فيه البحث السابق، فلاحظ و تأمل كي يظهر لك جريان غير ذلك مما تقدم هناك في المقام، و الله العالم.

[أما المهر]

و أما المهر فهو شرط في عقد المتعة خاصة و يبطل بفواته العقد بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة بعد

قول الصادق عليه السلام في صحيح زرارة (1):

«لا تكون متعة إلا بأمرين: بأجل مسمى و أجر مسمى»

بل يومئ اليه

قوله عليه السلام أيضا في خبر آخر (2): «إنهن مستأجرات»

ك

قول الباقر عليه السلام (3): «إنما هي مستأجرة»

بل منه يعلم الوجه في الفرق بين الدائم الذي يراد منه النسل و نحوه و بين المتعة المراد منها الانتفاع و الاستمتاع و نحو ذلك مما هو شبه الإجارة، و لذا كان المهر فيها كالعوض في الإجارة شرطا في الصحة.

و يشترط فيه حيث يكون عينا أن يكون مملوكا للمتمتع، فلو كان غير مملوك كالخمر و الخنزير أو لغير العاقد لم يصح، لامتناع أن يملك البضع بمال غيره و إن رضي المالك بعد ذلك، بخلاف البيع و نحوه من عقود المعاوضات، فإن الإجازة تؤثر في نقله الى ملك المالك، و هنا لا يتصور ذلك، لمعلومية اعتبار تعيين الزوج و الزوجة في النكاح، بخلاف البيع و الإجارة و غيرهما مما لا يعتبر فيه، بل لو اتفق قصد المؤجر خصوص المستأجر كان لاغيا، فيقع للموكل مثلا و إن لم يقصده المؤجر، و من هنا كان البائع و المشتري مثلا تابعا لملك المال بخلاف النكاح، بل لا يبعد البطلان أيضا فيما لو أباح له جميع التصرفات في المال فتمتع به المباح له، لعدم دخوله في ملكه بهذه الإباحة، اللهم إلا أن يكون قصد به التملك قبل صيرورته مهرا، و قلنا بتأثير هذا القصد في التملك، و ليس جعله مهرا في المتعة قصد لتملكه و احتمال أن يكون مثل «أعتق عبدك عني»


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب المتعة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب المتعة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب المتعة الحديث 4.

ج 30، ص: 163

يدفعه عدم الدليل على الصحة هنا حتى يلزم تقدير الملك جمعا بينه و بين القواعد، بل مقتضى معاملة المهر هنا معاملة العوض في الإجارة عدم جواز كونه في ذمة شخص و لو برضاه، لعدم جواز مثله في البيع و الإجارة على وجه يكون المعوض ملكا لغير من في ذمته العوض، كما لا يجوز كونه عينا مملوكة لشخص آخر و لو بعد سبق رضاه، كل ذلك بناء على كون المتعة بالنسبة الى ذلك كغيرها من المعاوضات.

نعم قد يناقش في أصل اعتبار الملكية للعوض فيها على هذا الوجه، لعدم الدليل، بل مقتضى إطلاق أدلة المقام خلافه، إنما المعتبر كونه من الأعيان المملوكة بمعنى عدم كونه مما لا يملك، كالخمر و الخنزير و نحو هما.

و على كل حال فقد عرفت أن المراد من هذا الشرط حيث يكون المهر من الأعيان لا مطلقا ضرورة صحة كونه منفعة و عملا بل حقا من الحقوق المالية، كحق التحجير و نحوه لا طلاق الأدلة.

و كذا يشترط فيه أن يكون معلوما بما يتحقق به صدق ذلك عليه إما بالكيل للمكيل أو الوزن للموزون أو العد للمعدود أو المشاهدة أو الوصف الذي يتحقق به ما عرفت أو نحو ذلك مما يتحقق به ما عرفت بلمس أو ذوق أو غيرهما لإطلاق الأدلة و التصريح بالاكتفاء بنحو الكف من البر أو السويق أو نحو ذلك مما يعلم منه عدم اعتبار المعلومية المعتبرة في البيع مثلا الذي قد نهي فيه عن الغرر (1)

بخلاف المقام الذي لم نعثر فيه على دليل كذلك، و اعتبار التسمية في المهر و العلم أعم من ذلك، فمن هنا قلنا: يكفي فيه تحقق صدق كونه معلوما بمشاهدة و نحوها.

و يتقدر بالمراضاة قل أو كثر، و لو كان كفا من بر و نحوه مما هو صالح لأن يكون عوضا، لإطلاق الأدلة، بل صراحتها في ذلك، و إن كان المذكور فيها بعد «إن» الوصلية «الكف من بر» و نحوه لكن لا على أن المراد منه عدم إجزاء الأقل، بل المراد ذلك و نحوه مما يقع التراضي عليه مما هو صالح للعوضية،


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 338.

ج 30، ص: 164

فما عن الصدوق من تحديد القلة بدرهم ل

قول الباقر عليه السلام في خبر أبى بصير (1):

«يجزئ الدرهم فما فوقه»

الذي هو مع الضعف في سنده و المعارضة بغيره لا يدل على التحديد بعد ما عرفت من إرادة ما سمعت من نحو هذا اللفظ هنا المعلوم بقرائن المقام إرادة الاجتزاء بكل ما يقع عليه التراضي مما هو صالح للتعاوض و إن ذكر القدر المزبور بناء على تعارف عدم الأقل منه، نحو

قول الصادق عليه السلام للأحول (2) و قد سأله عن أدنى ما يتزوج به الرجل متعة: «كف من بر»

ولأبي بصير (3) و قد سأله عليه السلام عنه أيضا: «كف من طعام دقيق أو سويق أو تمر»

مع أنه أقرب الى إيهام التحديد من خبر الصدوق، إلا أن المتجه بعد ملاحظة النصوص التي قدرته بما يقع عليه التراضي إرادة ما ذكرناه من ذلك، كما هو واضح، و الله العالم.

و كيف كان ف يلزم دفعه أي المهر بالعقد المقتضي لملكيته و لكونه كالمهر المستحق دفعه عقيبه و إن كان استقراره هنا مراعى بالدخول و الوفاء بالتمكين في المدة و لظاهر قوله تعالى (4) «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» الذي قد استفاضت النصوص (5)

في ورودها في المتعة و أنه في قراءة أبي و غيره، «إلى أجل» و ل

خبر عمر بن حنظلة (6) قال للصادق عليه السلام: «أتزوج المرأة شهرا فتريد مني المهر كملا فأتخوف أن تخلفني، فقال: لا يجوز أن تحبس ما قدرت عليه، فان هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما تخلفك»

على ما عن أكثر النسخ، و عن بعضها «يجوز أن تحبس» لكن لا يوافق ظاهر قوله عليه السلام «فخذ منها» بل قد يشعر به أيضا

مكاتبة الريان (7) إلى أبى الحسن عليه السلام قال: «كتبت إليه: الرجل


1- 1 الوسائل الباب- 21- من أبواب المتعة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 21- من أبواب المتعة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 21- من أبواب المتعة الحديث 5.
4- 4 سورة النساء: 4- الآية 24.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب المتعة.
6- 6 الوسائل الباب- 27- من أبواب المتعة الحديث 1.
7- 7 الوسائل الباب- 28- من أبواب المتعة الحديث 2.

ج 30، ص: 165

يتزوج المرأة متعة بمهر إلى أجل معلوم و أعطاها بعض مهرها و أخرته بالباقي ثم دخل بها، و علم بعد دخوله بها قبل أن يوفيها باقي مهرها أنها زوجته نفسها و لها زوج مقيم معها، أ يجوز له حبس باقي مهرها أم لا يجوز؟ فكتب: لا يعطيها شيئا، لأنها عصت الله»

فان ظاهر نسبة التأخير إليها مشعر باستحقاقها الأخذ منه قبل المدة، بل قد يشعر به غيره (1) أيضا من الأخبار، و لعله لذا كان المحكي عن المفيد و المرتضى و القاضي التصريح بذلك، بل لعله الظاهر من المصنف و الفاضل و غيرهما على معنى إرادة المصاحبة من الباء أو السببية التامة في الدفع، لا أن المراد كون العقد سببا في الوجوب في الجملة على وجه لا ينافي اشتراطه بأمر آخر، و ذلك لأن المهر أحد العوضين الذي لا يجب تسليمه على أحدهما قبل أن يتسلم العوض الأخر، فمع التعاسر يتقابضان معا، بل قد سمعت في كتاب الإجارة عدم وجوب تسليم العوض قبل تسلم العمل، و خبر عمر بن حنظلة معارض بما سمعته من بعض نسخه، و من هنا جزم جماعة بعدم وجوب دفع تمام المهر.

لكن فيه (أولا) أن المتجه على تقدير إلحاق ما هنا بالإجارة التفصيل بين الأمة و الحرة، فيجب دفع المهر بتسليم الاولى بخلاف الثانية على قياس استئجار العين المملوكة و استئجار الحر اللهم إلا أن يفرق بين الدابة و الأمة باعتبار استقلال المستأجر في الاولى في الاستيفاء بخلاف الثانية التي يمكن أن تتمتع عليه في الاستيفاء، (و ثانيا) أنه ينبغي توزيع المهر على تمام المدة، و لا أظنه يلتزمونه، (و ثالثا) أنه يمكن منع كون المقام من ذلك، بل هو أشبه شي ء بالمهر الذي يستقر بالدخول، لما سمعته من الآية (2) و الرواية(3)

(بل في جامع المقاصد الإجماع عليه خ ل) نعم هو باعتبار ضرب المدة فيه لا يستقر ملكها له حتى تمضي المدة ممكنة كما سيأتي، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 27 و 28- من أبواب المتعة.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 24.
3- 3 الوسائل الباب- 27- من أبواب المتعة الحديث 1.

ج 30، ص: 166

و كيف كان ف لو وهبها المدة أو تصدق بها عليها و جعلها في حل منها كما عبر بذلك عنه في النصوص المعلوم إرادة ما يشبه الإبراء من ذلك فإنه في الحقيقة إسقاط ما يستحقه عليها، فلا يحتاج إلى قبول و لا إلى قابلية المتمتع بها لذلك، فيصح له الهبة المزبورة للصغيرة و المجنونة و الأمة و غيرها، و الشك في ذلك من بعضهم بأنه يتجدد شيئا فشيئا فلا يتعلق به الإبراء قبل حصوله اجتهاد في مقابلة النصوص، على أنه في الحقيقة إسقاط للاستحقاق المتحقق فعلا و إن تأخر المستحق، فهو كإبراء الأجير مما يستحق عليه في الزمان المتأخر.

و على كل حال فإذا جعلها في حل من ذلك قبل الدخول لزمه النصف من المهر وفاقا للمشهور، بل في جامع المقاصد إجماع الأصحاب عليه، و في كشف اللثام هو مقطوع به في كلام الأصحاب، و حكى عليه الإجماع في السرائر، و به مقطوع

زرعة عن سماعة (1)

«سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته في حل من صداقها يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا، قال: نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه، فان خلاها قبل أن يدخل بها رد المرأة على الزوج نصف الصداق»

و لمكان ضعف الخبر المزبور و إمكان إرادة خصوص الطلاق من التخلية فيه شكك بعض الناس في الحكم، باعتبار أن العقد قد أوجب الجميع و حرمة القياس على الطلاق، إلا أن يقال: إنه بمنزلة الأجرة، و لا أجرة إذا وهبت المنفعة للمؤجر، كما في كشف اللثام، و فيه إمكان منع كون الحكم كذلك أيضا في المشبه به نعم أصل الشك في الحكم المزبور في غير محله بعد ما عرفت من الإجماع المعاضد للخبر المزبور الذي لا يقدح قطعه في الحجية عندنا بعد ما ذكرناه غير مرة من الظن القوى بكون المراد أن مرجع الضمير الامام عليه السلام.

ثم الخبر و كلام الأصحاب يشمل هبة جميع المدة و بعضها كما صرح به غير واحد، بل الظاهر هبة البعض، لأنه لا يمكن هبة الجميع في المدة المتصلة، نعم في كشف اللثام «إن أقر بعضها كأن يهبها عقيب العقد على شهرين شهرا دون آخر


1- 1 الوسائل الباب- 30- من أبواب المتعة الحديث 1.

ج 30، ص: 167

اتجه العدم، لخروجه عن النص من الخبر و كلام الأصحاب» و فيه أنه- بعد أن علم من الأدلة قابلية هذا الحق للإسقاط و الإبراء، و أنه مقتضى الحكمة بعد أن لم يقع بها طلاق، و ربما أراد الفراق فلو لم يصح ذلك لم يقع الفراق- لم يكن فرق بين هبة الكل و البعض، و لو على الوجه الذي ذكره، خصوصا إذا كان الموهوب المتأخر من الزمان، و عدم تعرض النصوص لهذا بالخصوص لا يقتضي العدم بعد أن عبرت عن ذلك بالهبة و الصدقة و الإحلال و غيرها مما لا يتفاوت فيه بين الجميع.

و من هنا يتم ما فرعه في المسالك قال: «و اعلم أن الظاهر من هبة المدة قبل الدخول هبة جميع ما بقي منها عند الهبة، و ذلك هو المقتضي لسقوط نصف المهر إذا وقع قبل الدخول، و هل المقتضى له هو مجموع الأمرين أو حصول الفرقة قبل الدخول؟ وجهان، من ظهور اعتبار الدخول و عدمه في ذلك كالطلاق، و من الوقوف على موضع اليقين فيما خالف الأصل، و تظهر الفائدة فيما لو وهبها بعض المدة كنصفها مثلا و قد بقي منها أكثر من النصف، و لم يتفق فيها دخول حتى انقضى ما بقي منها بغير هبة، فعلى الأول يثبت لها المجموع، و على الثاني النصف، و إطلاق الرواية يدل على الثاني لو كانت معتبرة في الدلالة» قلت: قد عرفت اعتبارها فالمتجه حينئذ أن الموجب للتنصيف كونه فرقة قبل الدخول، و إلا فهبة المدة بمنزلة استيفائها له في الحقيقة نحو هبتها المهر إياه، و لا ينافي ذلك كونها ممكنة له، و لا تقصير منها، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص و الإجماع الذي سمعته الشامل معقده لهبة ما بقي من المدة و لو اليسير، و إن كانت هي في السابق ممكنة له لم يكن منها تقصير و لا إخلال، و من ذلك يعلم أن لها النصف بطريق أولى فيما إذا كان المانع من الدخول بها حيض أو شبهه حتى مضت المدة.

و كيف كان ف لو دخل استقر المهر بشرط الوفاء بالمدة أي تمكينها من نفسها في تمام مدته إلا أن يهبها هو، فإنه يجب عليه دفع الجميع الذي قد استحق بالعقد و استقر بالدخول مع عدم حصول إخلال منها بما بقي له من مدته، لكن في جامع المقاصد «لو دخل ثم وهبها الجميع أو البعض ففي سقوط شي ء من المهر باعتبار ما ظهر من المدة نظر و لم أقف للأصحاب على كلام في ذلك» و فيه أنه

ج 30، ص: 168

لا ريب في ثبوت الجميع بذلك لما عرفت.

نعم لو أخلت هي ببعضها كان له أن يضع من المهر بنسبتها إن نصفا فنصف و إن ثلثا فثلث بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال، لكونها كالمستأجرة و للمعتبرة المستفيضة التي منها خبر ابن حنظلة (1)

السابق و

خبره الآخر (2) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «أتزوج المرأة شهرا بشي ء مسمى فتأتي بعض الشهر و لا تفي ببعض، قال: يحبس عنها من صداقها بقدر ما احتبست عنك إلا أيام حيضها، فإنها لها»

و نحوه خبره الثالث (3) عنه عليه السلام أيضا، و

خبر إسحاق بن عمار (4) قلت لأبي الحسن عليه السلام: «الرجل يتزوج المرأة متعة بشرط أن تأتيه كل يوم حتى توفيه شرطه أو يشترط أياما معلومة تأتيه فيها فتغدر به فلا تأتيه على ما شرط عليها، قال: نعم ينظر ما قطعت من الشرط، فيحبس عنها من مهرها بمقدار ما لم نف له ما خلا أيام الطمث، فإنها لها، فلا يكون عليها إلا ما حل له فرجها»

و ظاهر الأخير بل و غيره عدم التوزيع على ما يفوت عليه من الاستمتاع غير الوطء، و لعله كذلك.

فما عن التحرير من الاشكال فيه من ذلك و من نقصان الاستمتاع في غير محله، كما أنه قد يومئ استثناء أيام الحيض فيه و في غيره إلى استثناء غيره من الاعذار كالمرض و نحوه مما لا يعد حبسا منها و إخلالا، لكن في المسالك «فيه وجهان، من المشاركة في المعنى و كون ذلك على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على مورده» و في القواعد «لو منع العذر عن الجميع كل المدة كالمرض المدنف فكذلك أى لا ينقص من مهرها شي ء على إشكال، و لعله من انتفاء الاستيفاء رأسا و هو أحد العوضين، فانتفى الأخر كسائر المعاوضات، و الفرق بينه و بين الحيض بأنه عادي، فأيامه في حكم المستثناة في العقد بخلاف غيره، و من أنها مسلمة لنفسها، و إنما عرض المانع من خارج و قد ثبت المهر بالعقد، و لا يعلم سقوطه بمثل ذلك مع جواز التمتع بمن لا يمكنه الاستمتاع بها ابتداء- ثم قال-: و كذا الاشكال لو منع هو أو هي بظالم كل المدة» و بالجملة لو منع العذر من بعض الاستمتاع كل المدة أو بعضها أو من


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب المتعة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب المتعة الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 27- من أبواب المتعة الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 27- من أبواب المتعة الحديث 3.

ج 30، ص: 169

الجميع في كلها أو بعضها فإشكال عنده من احتمال توزيع المهر على المدة و وجوه الاستمتاع جميعا أو بالتفريق و العدم، و في كشف اللثام «و يقوى السقوط بالنسبة مع امتناعها اختيارا عن الاستمتاع رأسا، لضرورة ملجأه لها لحفظ مال أو عرض أو نفس، لصدق أنها لم تف له بالمدة، و عدم السقوط إن استوعب الحيض المدة، و أما نحو الأكل و الشرب الضروريين و التنظف و التهيؤ للزوج فالظاهر استثناؤها أيضا، لقضاء العادة بها، فيدخل استثناؤها في مفهوم العقد» و كأنه تبع بذلك أحد احتمالي المحقق الثاني في جامعه.

و لكن التحقيق ما عرفته من أن العوض هنا مهر يجرى عليه حكمه، و هو وجوبه بالعقد، إذ هو نكاح بالنسبة الى ذلك و إن كان زمانه منقطعا، نعم قد عوامل معاملة الأجرة فيما إذا أخلفت في بعض المدة، للأدلة الخاصة، فيبقى غيره على مقتضى وجوبه، بل الظاهر ملاحظة الإخلال بحصول التمكين من الوطء في التوزيع دون غيره من الاستمتاعات، كما عساه يومئ اليه

قوله عليه السلام: «فلا يكون عليها إلا ما حل من فرجها»

كايماء قوله عليه السلام: «تحبس» و «قطعت» و نحو ذلك إلى الإخلال لا لعذر شرعي يوجب عليها عدم المجي ء و لو حفظ نفس أو عرض، و بالجملة فالأصل يقتضي وجوب المهر بالعقد خرج الإخلال منها بالمدة لا لعذر، فيبقى غيره.

و بذلك يتجه وجوب المهر عليه أجمع بموتها كما جزم ثاني الشهيدين نعم في القواعد «الأقرب أن الموت هنا كالدائم، أي كالموت فيه يثبت المهر و إن مات أو ماتت لثبوته بالعقد، و الموت لا يصلح لا سقاطه إلا بدليل و ليس، و الفرق بينه و بين ما إذا منعت من الاستمتاع بين» و لعل قوله، «الأقرب» لاحتمال السقوط بالنسبة بناء علي أنه في مقابلة الاستمتاع موزع عليه و على المدة، فيسقط كلا أو بعضا بامتناعه كلا أو بعضا كما لو استأجر دابة فماتت، و إن كان هو واضح الضعف كما اعترف به في جامع المقاصد، لما عرفته من الأصل السابق، بل الظاهر أنه بموته أو موتها المخرج لهما عن قابلية الانتفاع تكون كانتهاء المدة.

ج 30، ص: 170

و منه يعلم قوة انفساخ عقد المتعة بينهما بذلك، لا أنه باق إلى أجله، و لا أنه ينقلب دائما و لعله هو الوجه في استفاضة النصوص (1)

بعدم التوارث بينهما بالموت، لأن به ينفسخ هذا العقد بينهما، فلا زوجية، خصوصا المتضمنة (2)

منها أنها لا تطلق و ليست إحدى الأربع و لا ترث إنما هن مستأجرات، فإنه كالصريح في ذلك، كما ستسمع إنشاء الله مزيد تحقيق له في محله.

و كيف كان ف لو تبين فساد العقد إما بأن ظهر لها زوج أو كانت أخت زوجته أو أمها و لو من الرضاعة أو ماشا كل ذلك من موجبات الفسخ للعقد و لم يكن دخل بها و إن استمتع بها بتقبيل و نحوه فلا مهر لها قطعا لا المسمى و لا غيره، بل لو كان قد قبضته كان له استعادته ضرورة بقائه على ملكه، بل الظاهر أن له المطالبة بمثله أو قيمته مع تلفه.

و أما لو تبين ذلك بعد الدخول بها ففي محكي المقنعة و النهاية و التهذيب و المهذب كان لها ما أخذت، و ليس عليه تسليم ما بقي (11) من غير فرق بين العالمة و الجاهلة، و لعله ل

حسن حفص (3) عن أبى عبد الله عليه السلام «إذا بقي عليه شي ء من المهر و علم أن لها زوجا فما أخذته فلها بما استحل من فرجها، و يحبس عنها ما بقي عنده»

بل قد يقال إن مرادهم لها ما أخذت و لو جميع المهر، و له حبس ما عنده و لو الجميع حينئذ، لكنه هو كما ترى قول غريب مناف لما دل (4) من عدم المهر للبغي، و لعدم


1- 1 الوسائل الباب- 35- من أبواب مقدمات النكاح و الباب- 4- من أبواب المتعة الحديث 4 و 5 و الباب- 18- و الباب- 23- منها الحديث 5 و الباب- 32- منها الحديث 3 و 6 و 7 و 8 و 10 و الباب- 17- من أبواب ميراث الأزواج من كتاب المواريث.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب المتعة الحديث 1 و 2 و 4 و 5.
3- 3 الوسائل الباب- 28- من أبواب المتعة الحديث 1.
4- 4 سنن البيهقي ج 6 ص 6 و ألفاظ الحديث مختلفة: «نهى النبي صلى الله عليه و آله عن. مهر البغي» و «لا يحل. و لا مهر البغي» و نحو ذلك مثل «سحت» و «خبيث».

ج 30، ص: 171

خلو البضع عن المهر مع عدم الزنا، بل و لقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» بل و ل

مكاتبة ابن ريان (1) إلى أبى الحسن عليه السلام «الرجل يتزوج المرأة متعة بمهر إلى أجل معلوم و أعطاها بعض مهرها و أخرته بالباقي، ثم دخل بها، و علم بعد دخوله بها قبل أن يوفيها باقي مهرها أنها زوجته نفسها و لها زوج مقيم، أ يجوز له حبس باقي مهرها أم لا يجوز؟ فكتب: لا يعطيها شيئا، لأنها عصمت الله»

بناء على ظهوره و لو للتعليل في عدم دفع شي ء لها مع فرض علمها و في استرجاع ما أخذته منه منها إلا أن السائل لما سأل عن حبس ما بقي مشعرا بالاعراض عما دفعه إليها كان الجواب بما سمعت، لا أن المراد عدم جواز استرجاع شي ء مما دفعه إليها مع فرض كونها زانية، فإنه مناف لما سمعت، خصوصا مع بقاء العين التي لم يحصل سبب شرعي لخروجها عن ملك مالكها، ضرورة تبين بطلان السبب المخصوص، فلا أثر له و إن حصل بزعم التأثير كما هو واضح، إذ هو كغيره من المقامات، فيجب حمل الخبر المزبور بعد تسليم حجيته على صورة الجهل، و كون المدفوع إليها مساويا لمهر المثل أو رضاها به أو نحو ذلك، بل ربما حمل كلام الشيخين على ذلك أيضا.

و من هنا كان ظاهر المصنف الاعراض عنه حيث قال و لو قيل: لها المهر إن كانت جاهلة و يستعاد ما أخذت إن كانت عالمة كان حسنا لكون الوطء شبهة في الأول، فتستحق المهر بها و زنا في الثاني و لا مهر لبغي، بل الظاهر أن له ذلك حتى لو أتلفته، ضرورة ضمانه عليها، و عدم المطالبة به في البيع الفاسد إن قلنا به، فلدليل خاص، و التسليط منه إنما كان بزعم الصحة، بل لا يبعد ذلك حتى مع علمه بالفساد باعتبار أن دفعه له بعنوان كونه المسمى في العقد، فكأنه اشترط في إباحته صحة العقد على وجه لا ينافي علمه بالفساد الذي أقصاه حينئذ علمه بعدم حصول شرط الإباحة.


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب المتعة الحديث 2 و هي مكاتبة ريان بن شبيب كما في الكافي ج 5 ص 462.

ج 30، ص: 172

نعم يبقى الكلام في المهر الذي يجب دفعه في الصورة الأولى، فربما قيل: إنه المسمى، بل ربما قيل: يلاحظ فيه التوزيع على المدة، و لكن فيه أنه بعد ظهور الفساد لا مقتضي لوجوبه كي يدفعه كلا أو موزعا حتى لو فرض أقليته من مهر المثل، ضرورة أن رضاها به إنما كان لزعم الصحة الذي قد بان خطاؤه، و من ذلك يظهر لك ما في احتمال وجوب أقل الأمرين من مهر المثل و المسمى، نعم يتجه وجوب مهر المثل لها كما في غيره من أفراد وطء الشبهة.

إنما الكلام في أنه مهر أمثالها بحسب حالها لتلك المدة التي سلمت نفسها فيها متعة، أو مهر المثل للنكاح الدائم، لأن ذلك هو قيمة البضع عند وطء الشبهة من غير اعتبار لعقد الدوام و الانقطاع؟ وجهان قويان من حيث إقدامها على ما هو شبه الإجارة، فمع فرض فساده لها أجرة المثل بالنسبة إلى تلك المدة التي أقدمت عليها، و من تبين الفساد و الشارع قد جعل مهر المثل للبضع باستيفاء منفعته و لو مرة، و لعل ثانيهما أقواهما، و الله العالم.

[أما الأجل]

و أما الأجل فهو شرط في عقد المتعة إجماعا بقسميه و نصوصا (1)

و لذا لو لم يذكره فيه لفظا و لا قصدا لم يكن عقد متعة و انعقد دائما في المشهور نقلا و تحصيلا، بل لعله مجمع عليه مما عرفته سابقا من صلاحية اللفظ حتى لفظ المتعة لهما، و إنما يتمحض المتعة بذكر الأجل، فإذا أهمل في اللفظ و النفس تعين للدوام، و لأصالة الصحة في العقد، و ل

قول الصادق عليه السلام في موثق ابن بكير (2): «إن سمى الأجل فهو متعة، و إن لم يسم الأجل فهو نكاح ثابت»

و لأن

أبان بن تغلب (3) قال له عليه السلام لما علمه كيفية عقد المتعة: «إني أستحيي أن أذكر شرط الأيام فقال: هو أضر عليك، قلت: و كيف؟ قال: إنك إن لم تشترط كان تزويج مقام، و لزمتك النفقة و العدة، و كانت وارثا و لم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق


1- 1 الوسائل الباب- 17 و 18 و 20 و 25- من أبواب المتعة.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب المتعة الحديث 1، «فهو نكاح بات».
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب المتعة الحديث 2.

ج 30، ص: 173

السنة».

بل في ظاهر المسالك و كشف اللثام و غيرهما أن المشهور انعقاده دائما بمجرد عدم ذكر الأجل في اللفظ و إن كان مقصودا له لما عرفت، لكنهما أشكلاه بضعف الخبرين و عدم صراحتهما في ذلك، بل في الأول منهما عدم دلالة الأول منهما، إنما دل على أن الدوام لا يذكر فيه الأجل، و هو كذلك لا على أن من قصد المتعة و لم يذكر الأجل يكون دائما، و صلاحية اللفظ لا تجدي إذا خالفه القصد، ضرورة كون المعتبر اتفاقهما على معنى واحد، و هو غير حاصل هنا، لأن المقصود هو المتعة و المطابق للفظ هو الدائم، و ذلك يقتضي البطلان لفوات شرط المقصود و عدم قصد الملفوظ. و من هنا قال في المسالك: القول بالبطلان مطلقا أقوى، و ربما يؤيده

مضمر سماعة (1)

«سألته عن رجل أدخل جارية يتمتع بها، ثم إنه نسي أن يشترط حتى واقعها يجب عليه حد الزاني، قال: لا و لكن يتمتع بها بعد النكاح، و يستغفر الله مما أتى»

بناء على إرادة نسيان الأجل من الاشتراط فيه.

و فيه منع الضعف في السند أولا لكون الأول من قسم الموثق و الانجبار بالشهرة ثانيا، و عدم الصراحة لا ينافي الظهور الكافي في الاستدلال، خصوصا بعد الاعتضاد ب

خبر هشام بن سالم (2) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «أتزوج المرأة متعة مرة مبهمة، قال فقال: ذاك أشد عليك ترثها و ترثك، و لا يجوز لك أن تطلقها إلا على طهر و شاهدين، قلت: أصلحك الله فكيف أتزوجها؟ قال، أياما معدودة بشي ء مسمى»

الى آخره فإنه كالصريح في كون المراد المتعة، و بأن اعتبار الأجل في المتعة على جهة الشرطية الخارجة عن معنى النكاح، فمع فرض عدم الذكر لا يؤثر بناء على أن المقدر لا يجرى عليه حكم المذكور، بل هو حينئذ كعدم وجوده، فلا يؤثر بطلانا للعقد لو كان باطلا مثلا، فقصد النكاحية حينئذ بحاله، نعم لو قلنا: المعتبر في الدائم قصد الدوام اتجه حينئذ الفساد، ضرورة عدم قصد ذلك


1- 1 الوسائل الباب- 39- من أبواب المتعة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب المتعة الحديث 3.

ج 30، ص: 174

في الفرض، لكنه واضح المنع، و مضمر سماعة بعد الغض عما في سنده و قطعه يمكن إرادة أصل العقد من الاشتراط فيه أو المتعة من لفظ الإيجاب على الوجه الذي ستعرفه.

و من ذلك يعلم ما في المسالك حيث إنه بعد نقل القولين المزبورين و التفصيل عن ابن إدريس بأنه إن كان الإيجاب بلفظ التزويج و النكاح انقلب دائما و إن كان بلفظ التمتع بطل العقد، لأن اللفظين الأولين صالحان لهما بخلاف الثالث فإنه مختص بالمتعة، فإذا فات شرطها بطل قال: «و فيه أن بطلان عقد المتعة كما حصل بفوات شرطه و هو الأجل فكذلك الدوام بطل بفوات شرطه، و هو القصد إليه، فإنه الركن الأعظم في صحة العقود» إذ هو كما ترى صريح في اعتبار قصد الدوام في صحة الدائم، لكن قد عرفت ما فيه من أن الدوام إن حصل فيما قصد به النكاحية فمن حيث ثبوت النكاح بذلك و احتياج رفعه إلى رافع شرعي، نحو حصول الدوام فيما قصد به الملك من غير ملاحظة ذلك فيه، لا أنه حاصل من حيث ملاحظة الدوام قيدا فيه على حسب ملاحظة الأجل في المنقطع.

فتلخص من ذلك أن الانقطاع الحاصل في المؤجل الذي شرعه الشارع من حيث اشتراط الأجل فيه، فمع فرض عدم ذكره يكون كالعقد الفاقد للشرط، لا أن لفظ «أنكحت» مستعمل في المنقطع على وجه يكون ذكر الأجل كاشفا عن المراد بها، بل هي ليست إلا مستعملة في معنى النكاحية، و الانقطاع إذا أريد استعمل فيه ما يدل عليه من ذكر الأجل، فهو معه حينئذ دالان و مدلولان، و مع عدمه يبقى الأول على معناه، و يحصل الدوام فيه من مجرد ثبوت النكاحية فيه و حينئذ فكلام المشهور و الروايات مبنية على ذلك، و لا ينافيها شي ء مما ذكروه من تبعية العقود للقصود و لا غيره، فتأمل جيدا، فإنه دقيق رشيق، و كأن ما ذكره ابن إدريس مبنى على دعوى دخول الانقطاع في مفهوم لفظ «متعتك» و قد تقدم سابقا ما يبطله فلا فرق حينئذ بين الصيغ الثلاثة كما هو مقتضى النصوص التي في بعضها (1)


1- 1 المستدرك الباب- 14- من أبواب المتعة الحديث 2 و البحار ج 103 ص 304 ط الحديث.

ج 30، ص: 175

خصوص هذا اللفظ.

بل من ذلك يعلم فساد القول الرابع في المسألة، و هو الفرق بين تعمد ترك الأجل و بين الجهل به و نسيانه، فان كان الأول انعقد دائما و إلا بطل بدعوى ظهور تعمد الترك في إرادة الدوام، بخلاف الأخيرين، ضرورة أن ذلك بعد الإغضاء عما فيه من وجوه خارج عما نحن فيه فيما (مما خ ل) علم فيه إرادة المتعة، و لكن لم يذكر الأجل و لو نسيانا أو حياء أو نحو ذلك.

كما أنه من الإحاطة مما ذكرناه يعلم ما في كلام جماعة من الأساطين الذين شددوا النكير على الأصحاب في صيرورة العقد دائما بعدم ذكر الأجل الذي قد عرفت وجهه.

نعم لا يبعد البطلان مع فرض قصد العاقد الانقطاع من نفس الصيغة و أن الأجل إنما يذكره كاشفا لما أراده من اللفظ، ضرورة عدم قصد المطلق من النكاح حينئذ فلا مقتضى لصيرورته دائما، كما لا وجه لصيرورته منقطعا، لعدم ذكر الأجل فيه، و قد عرفت أنه شرط في صحته، و يمكن حمل مضمر سماعة السابق على ذلك، و الله العالم.

و كيف كان ف تقدير الأجل إليهما طال أو قصر كالسنة و الشهر و اليوم لإطلاق الأدلة الخالية عن تحديده قلة و كثرة، بل صريح غير واحد منها التعليق على ما شاء من الأجل و تراضيا عليه مؤيدا ذلك بإطلاق الفتاوى على وجه يمكن دعوى الإجماع عليه، و ما عن ظاهر الوسيلة من تقدير الأقل بما بين طلوع الشمس و الزوال محمول على المثال، و إلا كان محجوجا بما عرفت.

نعم قد يناقش بما في المسالك (1)و كشف اللثام و غيرهما من جواز جعله الى وقت طويل يعلم عدم بقائهما إليه، للإطلاق المزبور، و عدم مانعية الموت إن لم يكن إجماعا بأن المنساق من النصوص الواردة في المشروعية و في اعتبار الأجل فيها غير ذلك، خصوصا بعد عدم جواز مثله في الإجارة المشبه بها المتعة، ضرورة عدم القابلية


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و الصحيح «ما في المسالك.».

ج 30، ص: 176

حينئذ للاستمتاع، فلا وجه لإنشاء تملكه و تمليكه بالعوض، بل هو حينئذ شبه المعاملة السفهية، بل لا ريب في عدم مراعاة مثله في التوزيع، لعدم تحقق حبس المنفعة فيه المقتضي للتوزيع الذي قد عرفته.

و كذا ما فيهما أيضا من جواز قتله إلى حد اللحظة المضبوطة و نحوها مما لا تسع للجماع و نحوه، للإطلاق المزبور، و عدم انحصار فائدة النكاح في الجماع و إن كان هو معظم المقصود منه، بل من فوائده تحريم المصاهرة و نحوها.

و منه يعلم جواز العقد متعة على الصغيرة التي لا يجوز وطؤها، و للصغير الذي لا قابلية له للوطء بنحو ما سمعت من الشك في تناول الأدلة لمثل ذلك مما لا يسع تحقق ماهية الاستمتاع، و العقد للصغير و على الصغيرة بعد فرض الأجل القابل لتحقق الاستمتاع كاف في الصحة و إن لم يكونا قابلين لوقوع ذلك، ضرورة عدم اعتبارها بصغر أو مرض أو غيرهما فضلا عن عدم وقوعها، إنما المراد اعتبار زمان يسع لتحقق ماهية الاستمتاع، و لا ريب في أن الأحوط عدم الاكتفاء في جريان أحكام المصاهرة و نحوها بمثل هذا العقد، كما هو واضح، و الله العالم.

و على كل حال ف لا بد أن يكون معينا محروسا من الزيادة و النقصان فلا يجوز أن يكون كليا، كشهر من الشهور و يوم من الأيام و سنة من السنين، و لا غير محروس من الزيادة و النقصان، كقدوم الحاج و إدراك الثمرة و نحوهما مما يمكن فيه طول الزمان و قصره المؤدي إلى الجهالة عند المتعاقدين بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى التصريح في النصوص (1)

المعتبرة باعتبار المعلومية و التسمية، بل قد يدعى اعتبار معلومية الأجل في كل مقام يذكر فيه فضلا عن أن يكون شرطا و إن كان في العقود التي لا تقدح فيها الجهالة كالصلح و نحوه، كما لا يخفى على من تتبع كلماتهم في سائر المقامات، و إلى

خبر بكار بن


1- 1 الوسائل الباب- 17- و 18- و 20- و 25- من أبواب المتعة.

ج 30، ص: 177

كردم (1) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «الرجل يلقى المرأة فيقول لها: زوجيني نفسك شهرا و لا يسمي الشهر بعينه، ثم يمضي فيلقاها بعد سنين، قال: فقال: له شهره إن كان سماه، و إن لم يكن سماه فلا سبيل له عليها»

بل في مضمر زرارة (2)

أيضا عدم جوازه بالساعة و الساعتين لأنه لا يوقف علي حدهما أي العرفية، لا النجومية المعلوم انضباطها بسبب حركة الفلك و إن كان لا يعلم بالالة المعدة لذلك، لعدم انضباطها و احتمال جريان عارض اختلالها إلا مع التعدد و نحوه مما يفيد الطمأنينة في كثير من الأحيان، لكن عدم تيسر ذلك في غالب الأوقات لا يقدح في جواز التأجيل بها متمسكا بالاستصحاب حتى يعلم تحققها أو بالاحتياط فيما إذا لم يعلم بانقضائها، هذا.

و قد عرفت مما ذكرنا أنه لو اقتصر على بعض يوم جاز بشرط أن يقرنه بغاية معلومة كالزوال و الغروب أو بمقدار معين كالنصف و الثلث و نحوهما، فيعملان حينئذ بما يعلمانه من ذلك مع اتفاقه، و إلا رجعا فيه إلى أهل الخبرة به، و الظاهر اشتراط عدالة المخبر، نعم في اشتراط العدد وجهان، و إن اشتبه الحال لم يخف طريق الاحتياط و إن كان في تعيينه نظر من أصالة عدم انقضاء المدة إلا أن يعلم نحو ما سمعته في الساعة النجومية، و لا يشترط ذكر وقت الابتداء في نحو ذلك مما هو محمول على الاتصال بالعقد، فهو حينئذ أوله كيفما اتفق، و يغتفر الجهل بمقدار ما بقي من النهار أو الزوال أو الثلث أو النصف مثلا، كما يغتفر اعتبار زيادة الشهر و نقصانه حيث يجعلانه شهرا مثلا بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك.

و إنما الكلام في أنه يجوز أن يعين شهرا مثلا متصلا بالعقد أو متأخرا عنه بمدة طويلة أو قصيرة أو لا يجوز إلا المتصل؟ صريح الفاضل و جماعة ممن تأخر عنه الجواز، بل نسبه غير واحد إلى ظاهر الأكثر لا طلاق الأدلة و عمومها،


1- 1 الوسائل الباب- 35- من أبواب المتعة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 25- من أبواب المتعة الحديث 2.

ج 30، ص: 178

و خصوص خبر بكار (1)

المنجبر بما سمعت، و التشبيه بالإجارة التي يجب الخروج بها عن أصالة بقاء البضع على الحرمة، و قاعدة الاحتياط في الفروج التي لا يجب مراعاتها أولا و عدم تماميتها في القول بالبطلان ثانيا، و قاعدة توقيفية الوظائف الشرعية، و قاعدة ترتب آثار العقد بمجرد وقوعه الممنوعة هنا، ضرورة أن أثر العقد أن يجري أحكام المتعة في المدة المسماة متصلة أو منفصلة، كمنع دعوى منافاة ذلك للتنجيز، ضرورة عدم اشتراط العقد بذلك، و إنما الاستمتاع مشروط بإتيان الوقت المضروب، كما يستأجر الرجل للحج من قابل، بل و منع لزوم جواز التمتع بها لغيره في البين، لصدق كونها ذات بعل، و إلا فلا دليل على بطلان اللازم، فلا بأس حينئذ بالتزامه، كما استظهره الكركي و غيره.

و لكن الانصاف مع ذلك و في النفس من أصل جواز ذلك شي ء، للشك في تناول ما عثرنا عليه من نصوص المقام، بل لعل ما تسمعه فيما يأتي من عدم جواز عقد الزوج عليها فضلا عن غيره قبل انقضاء أجله بأجل آخر أو مهر كذلك في النص (2)

و الفتوى مؤيدا لذلك (3) ضرورة أولويته بجواز المنفصل، اللهم إلا أن يقال: إن المانع هناك الجمع بين الأجلين كما يومئ اليه تعليل الفساد في بعض نصوصه (4)

أنهما شرطان في شرط، فلا حظ و تأمل، لكن ستعرف هناك ما يدفع هذا الاحتمال.

و منه يعلم وجه تأييده لما قلناه من ظهور الاتصال من الأدلة له، بل لعل


1- 1 الوسائل الباب- 35- من أبواب المتعة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 23- من أبواب المتعة الحديث 6 و 7 و 8 و الباب- 24- منها.
3- 3 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة و الصحيح «مؤيد لذلك» كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه فإنه خبر «لعل» في قوله : «بل لعل ما تسمعه».
4- 4 الوسائل الباب- 24- من أبواب المتعة الحديث 1.

ج 30، ص: 179

ما ورد منها بلفظة «إلى أجل» نحو «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل» (1) و شبهه ظاهر في اعتبار اتصال الأجل و أنه المراد من النكاح المنقطع في مقابلة الدائم، بمعنى أن غيره يبقى على دوامه و المتعة يقطع فيها الدوام، و مع فرض ظهور الأدلة في ذلك لا وجه للتمسك بالإطلاقات و العمومات، و الخبر المزبور فاقد شرط الحجية، و لعله لذا قيل بالبطلان للوجوه المزبورة.

بل يمكن دعوى عدم ظهور عبارات الأكثر في الجواز بناء على انصراف ما ذكروه من اعتبار الأجل فيها إلى ما هو المنساق منه، أي المتصل به، بل لعل إغفال النصوص و الفتاوى عدم تعيين المبدأ مبني على اعتبار الاتصال و إلا لذكروه، كما ذكروا تعيين الغاية، بل لعل الانسياق المزبور أشد من انسياق الاتصال فيما لو ذكر الأجل المطلق في متن العقد الذي ستعرف كونه من المسلمات عندهم.

نعم قد يقال بالصحة بناء على تحقق الزوجية بالعقد على وجه يحصل بها حرمة المصاهرة و غيره من استحقاق المهر بالموت و غيره، و يكون الأجل المتأخر حينئذ إنما هو لتأخير نفس الاستمتاع بناء على صحة مثل هذا الشرط لعموم

«المؤمنون» (2)

بل يمكن حمل خبر بكار (3)

عليه و لعل من منع من جواز تزويجها في البين ناظر إلى ذلك، فيكون موافقا، بل يمكن تنزيل كلام الجميع على ذلك إلا من صرح بجواز تزويجها في البين، فإنه حينئذ يكون صريحا في تأخر وصف الزوجية بتأخر الأجل.

و فيه ما عرفت، بل لم نتحقق القائل به، قال في القواعد: «لو عقد على امرأة على مدة متأخرة لم يكن لها النكاح فيما بينهما و لا له أن ينكح أختها و إن وقت


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 24 و لم يذكر في الآية الكريمة «إلى أجل» و انما ذكر في بعض الروايات أنه من الآية الكريمة و في بعضها أنه من قراءة ابن عباس كما في الوسائل الباب- 1- من أبواب المتعة الحديث 13 و 3 و 19.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 35- من أبواب المتعة الحديث 1.

ج 30، ص: 180

المدة بالأجل و العدة» و نحوه المحكي عن ابن إدريس و المصنف في النكت، و قال فيها أيضا: «لو مات أي الزوج فيما بينهما احتمل بطلان العقد رأسا، فلا مهر لها و لا عدة و لا ميراث إن أوجبناه مطلقا أو مع الشرط، و عدمه فيثبت النقيض».

و فيه أن المتجه بناء على ما عرفت البطلان من حينه فيترتب عليه الأثر حينئذ حتى المهر و إن قال في كشف اللثام: «إن في ترتبه نظرا ظاهرا» لكنه في غير محله، ضرورة كونها حينئذ زوجة و لكن مات زوجها قبل حصول شرط الاستمتاع، فالاستمرار انقطع بالموت، لا أنه انكشف من أول الأمر أنها ليست زوجة، لما عرفت من بطلان ذلك، و ربما تسمع لذلك مزيد تحقيق إنشاء الله. و على كل حال فلا ريب في أن الاحتياط عدم إيقاع مثل هذا العقد و إجراء الأحكام عليه، كما هو واضح، و الله العالم.

و كيف كان ف لو أطلق بأن قالت: «زوجتك نفسي إلى شهر» مثلا اقتضى الإطلاق الاتصال بالعقد لدلالة العرف و أصالة الصحة، كما في الإجارة و غيرها، و ظهور خبر بكار (1)

في ذلك، لأن الفرض وقوع المطالبة بشهرة بعد مضي الشهر، إذ لولا الحكم بالاتصال لبقي الشهر في ذمتها، اللهم إلا أن يجعل نفي السبيل فيه كناية عن بطلان العقد، لاستلزامه نفي السبيل أيضا، لكنه كما ترى، فما عن ابن إدريس من البطلان للجهل بالأجل باعتبار احتماله الاتصال و الانفصال واضح الضعف بعد ما عرفت من دلالة العرف على الاتصال، نحو التأجيل بالخميس و ربيع و نحوهما مما يحمل على الأقرب فيه أيضا على الأقرب إليه منهما.

و حينئذ ف لو تركها حتى انقضى قدر الأجل المسمى الذي حكمنا باتصاله حال إطلاقه خرجت من عقده و استقر لها الأجر كغيرها مما صرح فيها بالأجل المخصوص و تركها فيه، نعم استقرار تمام الأجر مبني على ما ستعرفه من اعتبار هبة المدة قبل الدخول في التنصيف، لا مطلق الفرقة قبله و لو بانقضاء الأجل مع تقصيره في الاستيفاء، و على كل حال فليس له مطالبتها بعد انقضائه


1- 1 الوسائل الباب- 35- من أبواب المتعة الحديث 1.

ج 30، ص: 181

بغيره، لما عرفت من قضاء العرف بتشخصه، بل قد عرفت في السابق بطلان العقد بالأجل الكلي أي الشهر من الشهور، و الله العالم.

و لو ترك التعيين بالأجل بل قال: أواقعك مرة أو مرتين مثلا و لم يجعل ذلك مقيدا بزمان على وجه يكون أجلا لعقد المتعة و يكون ذكر المرة و المرتين شرطا فيه بمعنى عدم استحقاقه الزائد مطلقا أو مع عدم إذنها لم يصح متعة لما عرفت من اعتبار الأجل فيها، و المشروط عدم عند عدم شرطه و صار دائما بناء على ما ذكرنا من التحقيق في فاقد الأجل، و تعيين المرة و المرتين هنا لا يقتضي ارادته المنقطع من لفظ الصيغة على وجه يكون الأجل كاشفا كي يتجه البطلان هنا و إن قلنا بالصحة هناك، خصوصا بعد جواز اشتراط المرة و المرتين في الدائم أيضا كالمتعة فلا محيص حينئذ عن القول بالدوام هنا من القول به هناك، و يؤيده مضافا إلى ما سمعت خبر هشام بن سالم (1)

المتقدم سابقا الوارد في خصوص الفرض.

و لكن في مقابل ما عرفته رواية دالة على الجواز، و أنه لا ينظر إليها بعد إيقاع ما شرطه، و هي

خبر القاسم بن محمد (2) عن رجل سماه قال:

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة على عرد واحد فقال: لا بأس و لكن إذا فرغ فليحول وجهه و لا ينظر إليها»

وخبر خلف بن حماد (3) قال: «أرسلت إلى أبى الحسن عليه السلام كم أدنى أجل المتعة؟ هل يجوز أن يتمتع الرجل بشرط مرة واحدة؟ قال: نعم»

و خبر زرارة (4) قلت له: «هل يجوز أن يتمتع الرجل من المرأة ساعة أو ساعتين؟ فقال: الساعة و الساعتان لا يوقف على حدهما، و لكن العرد و العردين، و اليوم و اليومين، و الليلة و أشباه ذلك»

إلا أنها مطرحة لضعفها و عدم معرفة القائل بها سوى ما يحكى عن الشيخ في التهذيبين من حمل هذه الأخبار


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المتعة الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 25- من أبواب المتعة الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 25- من أبواب المتعة الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 25- من أبواب المتعة الحديث 2.

ج 30، ص: 182

على الرخصة و أن الأحوط و الأولى اضافة المرة و نحوها إلى أجل معين.

قلت: بل يمكن حمل خبر خلف فيها عليه و غيره و إن بعد سيما خبر القاسم إلا أنه لا بأس به بعد قوة المعارض من النص و الإجماع بقسميه على اعتبار الأجل، نعم أبطله جماعة هنا دائما و متعة على حسب ما عرفته سابقا في ترك الأجل، بل ظاهر بعضهم و صريح آخر أولوية ما هنا من البطلان هناك.

و فيه ما سمعت مما علم منه أنه لو عقد على هذا الوجه انعقد دائما، و أنه لو قرن ذلك بمدة صح متعة بلا إشكال و لا خلاف، نعم لو اشترط ذلك في وقت معين بحيث يكون ظرفا له كاليوم مثلا بمعنى أنه لا يقع خارجه شي ء و أنه متى انتهى العدد المشروط فيه بانت منه كما أنها تبين بانقضائه و إن لم يفعل اتجه البطلان حينئذ، لجهالة الأجل على وجه يحتمل الزيادة و النقصان، لكون الفرض تقييده بانقضاء العدد، خلافا للمحكي عن الشيخ في النهاية من الصحة، مع أنا لم نتحققه، لأن الموجود فيها ما لفظه بعد أن ذكر اعتبار الأجل فيها قال:

«و أما الأجل فما تراضيا عليه من شهر أو سنة أو يوم، و قد روى (1)

أنه يجوز أن يذكر المرة و المرتين، و الأحوط ما قدمناه من أنه يذكر يوما معلوما أو شهرا معينا، فان ذكر المرة و المرتين جاز ذلك إذا أسنده إلى يوم معلوم، فان ذكر المرة مبهمة و لم يقرنها بالوقت كان العقد دائما» الى آخره، و لا ريب في إرادته من الإسناد إلى يوم معلوم بقرينة اعتبار الأجل ضرب الأجل للمتعة أو اشتراطها فيه، لأن المراد الأعم من ذلك، و من جعلهما أجلا و اليوم ظرفا كما فهمه منه الفاضل في المختلف، حيث أنه بعد أن حكى عنه ما سمعت قال: «و الحق البطلان في الجميع معللا له بالجهالة- ثم قال-: و يجي ء على قول الشيخ بانعقاد المشروط فيه المرة المبهمة دائما صحته هنا كذلك، لأن الأجل المجهول باطل، فيساوي غير المذكور» و فيه أن الفرق بينهما واضح، ضرورة بطلان العقد بذكر الأجل المجهول فيه الذي هو الشرط الباطل بخلاف ما إذا لم يذكر الأجل فيه أصلا،


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب المتعة.

ج 30، ص: 183

فإنه لا بطلان للعقد فيه بذلك، فيتم حينئذ قصد النكاحية للعاقد التي هي مقتضى الدوام كما عرفته مفصلا و الله العالم.

[أما أحكامه]
[الأول إذا ذكر المهر و الأجل صح العقد]

و أما أحكامه فثمانية

الأول:

إذا ذكر المهر و الأجل صح العقد من هذه الحيثية بلا خلاف و لا اشكال، كما أنه لا خلاف و لا إشكال في أنه لو أخل بالمهر مع ذكر الأجل بطل العقد لما عرفته من كون ذكر المهر شرطا في صحة هذا العقد، و المشروط عدم عند عدم شرطه و لو أخل بالأجل حسب فلم يذكره بطل متعة أيضا لذلك و لكن هل انعقد دائما أولا؟ و فيه البحث السابق.

[الثاني كل شرط يشترط فيه فلا بد أن يقترن بالإيجاب و القبول]

الثاني كل شرط يشترط فيه مما هو سائغ سواء كان شرطا للموجب أو القابل فلا بد في لزوم الوفاء به من أن يقترن بالإيجاب و القبول كغيره من العقود ليكون من جملة العقد المأمور بالوفاء به و لا حكم لما يذكر قبل العقد (11) خاصة إجماعا في الرياض ما لم يستعد فيه (12) أي العقد على وجه يكون من جملته،

للموثق (1) عن الصادق عليه السلام «ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح، و ما كان بعد النكاح فهو جائز»

و نحوه الآخر

عن محمد بن مسلم(2) عن أبى جعفر عليه السلام «في الرجل يتزوج المرأة متعة إنهما يتوارثان ما لم يشترطا، و إنما الشرط بعد النكاح»

و موثق ابن بكير (3) قال أبو عبد الله عليه السلام: «إذا اشترطت على المرأة بشروط المتعة فرضيت به و أوجبت التزويج، فاردد عليها شرطك الأول بعد النكاح، فان أجازته فقد جاز، و إن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من الشروط قبل النكاح»


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب المتعة الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب المتعة الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب المتعة الحديث 1.

ج 30، ص: 184

الى غير ذلك من النصوص الدالة على عدم اعتبار ما كان قبل النكاح من الشرط، بل ربما ظهر من بعضهم ذلك و إن كان مضمرا لهما، فيكون هذا الحكم حينئذ خاصا في المقام بناء على اعتبار الشروط المضمرة في غيره، كما عن المحكي عن آخر مساواة المقام لغيره في اعتبار المضمر بناء على القول به، فتحمل النصوص المزبورة حينئذ على ما كان من الشروط سابقا و لم يكن مضمرا حال العقد على وجه يكون مبنيا عليه، و لعل هذا أولى لاستبعاد اختصاص المقام عن غيره بذلك، و عدم وفاء النصوص به، ضرورة عدم صدق كون الشرط قبل النكاح خاصة بعد فرض قصده في أثنائه مدلولا عليه بالقرائن الحالية.

و على كل حال فلا عبرة بالشرط السابق من حيث سبقه، لعدم المقتضى للزومه، ضرورة كون المراد من

قوله صلى الله عليه و آله (1): «المؤمنون عند شروطهم»

ما يشترطونه في العقد اللازم مثلا الذي قد أمرنا بالوفاء به (2) إذ الشرطية لا يتحقق معناها مع الاستقلال، لظهور إرادة الفرعية منها، و مع تسليم اقتضاء ذلك اللزوم فلا بد من تخصيصه بالنصوص المزبورة.

نعم قد يقال إنها منافية لما ذكره المصنف و غيره، بل المشهور على أنه لا حكم أيضا لما يذكر بعده أي العقد من الشروط خاصة، بل في الرياض لم يقل أحد بذلك حتى الشيخ في النهاية، لاعتباره فيها ذكر الشروط في العقد البتة، و إنما أوجب ذكرها بعد العقد ثانية، و لم يكتف بذكرها فيه خاصة، نعم حكى عنه في التهذيب الاكتفاء بذلك، إلا أنه كما ترى قول شاذ، و يمكن إرادته المتصلة بالعقد على وجه يكون من متعلقات القبول، فإنه لا إشكال حينئذ في لزومه، بل يمكن حمل النصوص المزبورة عليه أيضا أو على ما ذكره غير واحد من الأصحاب من إرادة الإيجاب و القبول من النكاح فيها، كما أومأ إليه موثق ابن بكير (3)


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المتعة الحديث 4.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 1.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب المتعة الحديث 1.

ج 30، ص: 185

السابق، و أوضح منه ما

عن فقه الرضا عليه السلام من أنه (1) بعد أن ذكر سؤالها و خلوها عن الزوج و العدة قال: «و إذا كانت خالية من ذلك قال لها تمتعيني نفسك على كتاب الله- الى أن قال-: فإذا أنعمت، قلت لها: متعيني نفسك و يعتد جميع الشروط عليها، لأن العقد الأول خطبة و كل شرط قبل النكاح فاسد، و إنما ينعقد الأمر بالقول الثاني، فإذا قالت في الثاني: نعم دفع إليها المهر أو ما حضر منه، و كان ما بقي دينا عليك، و قد حل لك وطؤها»

قيل و نحوه المروي في البحار من خبر المفضل (2)

أو على إرادة خصوص زيادة الأجل بزيادة المهر بعد العقد كما عساه يومئ اليه

خبر محمد (3)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى (4) وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ، قال: ما كان بعد النكاح فهو جائز، و ما كان قبل النكاح فلا يجوز إلا برضاها و بشي ء يعطيها فترضى به»

أي بعد النكاح، و كذا

قوله عليه السلام: «إلا برضاها»

أي بعد النكاح.

و على كل حال ف لا يشترط في وجوب الوفاء به مع ذكره في العقد إعادته بعده وفاقا للمشهور لعموم

«المؤمنون» (5)

و غيره و لكن من الأصحاب و هو الشيخ في النهاية على ما قيل من شرط ذلك ب اعادته بعد العقد للنصوص المزبورة و هو بعيد لما عرفته من عدم دلالتها على ذلك، أي اعتبار التكرار المزبور، كما هو واضح. نعم قد يقال: إن عبارة النهاية ليست كما حكي عنها، قال فيها: «كل شرط يشترطه الرجل على امرأة إنما يكون له تأثير بعد ذكر العقد، فان ذكر عند الشروط و ذكر بعدها العقد كانت التي قدم ذكرها باطلة لا تأثير لها، فان كررها بعد العقد ثبتت على ما شرط» ضرورة


1- 1 المستدرك الباب- 14- من أبواب المتعة الحديث 2.
2- 2 البحار ج 103 ص 304 ط الحديث.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب المتعة الحديث 3.
4- 4 سورة النساء: 4- الآية 24.
5- 5 الوسائل الباب- 20- من أبواب المتعة الحديث 4.

ج 30، ص: 186

عدم تعرضه للمذكور في أثناء العقد، بل هو إما مكتف بذكر الشروط بعد العقد كما هو ظاهر النصوص المزبورة و حكي عن التهذيب أو معتبر للتكرير بذكر الشرط قبل العقد و بعده، و كيف كان فهو مناف لقواعد المذهب و فتاوى الأصحاب.

[الثالث للبالغة الرشيدة أن تمتع نفسها]

الثالث للبالغة الرشيدة أن تمتع نفسها، و ليس لوليها اعتراض بكرا كانت أو ثيبا على الأشهر الأظهر الذي قد عرفت تمام البحث فيه سابقا.

[الرابع يجوز أن يشترط عليها الإتيان ليلا أو نهارا و أن يشترط المرة و المرات في الزمان المعين]

الرابع يجوز لها و له أن يشترط عليها و عليه الإتيان ليلا أو نهارا و أن يشترط المرة و المرات في الزمان المعين و غير ذلك من الشرائط السائغة التي هي غير منافية لمقتضى العقد، نعم هي منافية لمقتضى إطلاقه كما في كل شرط سائغ، و قد

سأل عمار بن مروان (1) الصادق عليه السلام «عن امرأة تزوجت نفسها من رجل على أن يلتمس منها ما شاء إلا الدخول فقال: لا بأس ليس له إلا ما اشترط»

و هو كغيره صريح فيما ذكرناه من عدم منافاة ذلك و نحوه مقتضى العقد.

نعم لو أسقط حقه من له الشرط فالظاهر السقوط كما أومأ إليه

خبر إسحاق بن عمار (2) قال للصادق عليه السلام: «رجل تزوج بجارية على أن لا يفتضها ثم أذنت له بعد ذلك فقال: إذا أذنت له فلا بأس»

فما عن بعضهم- من عدم الجواز، للزوم الشرط، و لأن العقد إنما سوغ ما عداه- لا يخفى ما فيه بل الظاهر لحوق الولد به مع عدم الوفاء بالشرط و إن اثم و قلنا بترتب مهر عليه للوطء المشروط عليه عدمه، لكن ذلك لا يخرج الزوجة عن كونها زوجة له.

و لو لم يشترط هو و لا اشترطت هي عليه فله ما شاء في الأجل، و ليس لها


1- 1 الوسائل الباب- 36- من أبواب المتعة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 3.

ج 30، ص: 187

الامتناع عنه في أي وقت شاء إذا لم يكن لها مانع شرعي، نعم الظاهر أنه لا سلطنة له عليها مدة عدم استمتاعه بنهي عن الخروج عن دار أو بلد أو نحو ذلك كما في الدائم، و الله العالم.

[الخامس يجوز العزل للمتمتع]

الخامس يجوز العزل للمتمتع إجماعا بقسميه على ذلك و على أنه لا يقف على إذنها نعم الأولى له الاشتراط عليها، لتضمن الأخبار (1)

له و لكن يلحق الولد به لو حملت و إن عزل بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه لاحتمال سبق المني من غير تنبه

و «الولد للفراش» (2)

و للنصوص (3)

و كذا في كل وطء صحيح أو شبهة.

و لكن لو نفاه عن نفسه و إن لم يعزل فضلا عما إذا عزل انتفى ظاهرا إلا فيما بينه و بين ربه المطلع على ما في قلبه و لم يفتقر إلى اللعان بلا خلاف بل الإجماع أيضا بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (4)

نعم لا يجوز له النفي إلا مع العلم بالانتفاء و إن عزل أو اتهمها أو ظن الانتفاء بالقرائن، فما في الحدائق من احتمال اللحوق حتى مع النفي لإطلاق النصوص (5)

في غير محله قطعا، ضرورة معلومية كونها أنقص فراشا من الدائمة التي ينتفي الولد عنه بنفيه مع اللعان، فهي بطريق أولى، لأنه لما أطلق في النص (6)

الاتي عدم لعانها علم حينئذ


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب المتعة الحديث 5 و 6 و الباب 33 منها- الحديث 2 و 3 و الباب- 45- منها الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
3- 3 الوسائل الباب- 33- من أبواب المتعة.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من كتاب اللعان.
5- 5 الوسائل الباب- 33- من أبواب المتعة.
6- 6 الوسائل الباب- 10- من كتاب اللعان.

ج 30، ص: 188

انتفاء الولد بدونه كما هو واضح، نعم الظاهر أن نفيه يقتضي الانتفاء إذا لم يعلم إثمه فيه بصدوره منه مع الاحتمال، و إلا كان نفيه لغوا، لا أنه يأثم و ينتفي الولد عنه، كما قد يتوهم، لإطلاق ما دل (1) على لحوقه به المقتصر في تقييده على المتيقن، و هو النفي الذي لم يعلم حاله، و الله العالم.

[السادس لا يقع بها طلاق و تبين بانقضاء المدة]

السادس لا خلاف نصا (2)

و فتوى في أنه لا يقع بها طلاق و أنها تبين بانقضاء المدة أو هبتها على وجه ليس له الرجوع في العدة، و ليس ذلك طلاقا قطعا و إن أطلق عليه في بعض النصوص (3)

المعلوم إرادة حكم الطلاق في خصوص البينونة، و من الغريب توقف بعض المتفقهة من الأعاجم في أن له حكم الطلاق أيضا بالنظر إلى عدم جواز وقوع الهبة من ولي الطفل، و هو كما ترى.

و على كل حال ف لا يقع بها إيلاء على المشهور، لمخالفة أحكامه للأصل، فيقتصر فيها على موضع اليقين، و ليس هو إلا الدائمة، فإن الآية (4) بقرينة قوله تعالى فيها وَ «إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ» ظاهرة في تخصيص المولى عليها بالقابلة للطلاق، فلا تدخل المتمتع بها نحو ما ورد (5)

في اعتبار الدوام في التحليل بأن قوله تعالى (6) فيها «فَإِنْ طَلَّقَها» إلى آخرها ظاهر في القابلة للطلاق و هي


1- 1 الوسائل الباب- 33- من أبواب المتعة.
2- 2 الوسائل الباب- 43- من أبواب المتعة.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من أبواب المتعة الحديث 3 و الباب- 20- منها الحديث 3.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 226.
5- 5 الوسائل الباب- 9- من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.
6- 6 سورة البقرة: 2- الآية 230.

ج 30، ص: 189

الدائمة، و لأن من لوازم الإيلاء المطالبة بالوطء، و هو هنا منتف، لعدم استحقاقها إياه و لو زاد على الأربعة أشهر، نعم لا إشكال في جريان أحكام اليمين على ذلك لإطلاق أدلته، إنما المراد نفي أحكام الإيلاء. فما عن المرتضى- من وقوعه بها مع أنا لم نتحققه، بل المحكي من كلامه في الانتصار صريح في خلافه للآية (1) بعد معلومية كونها من النساء و عدم اقتضاء قوله تعالى «وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ» التخصيص- واضح الضعف، لما عرفت.

و لا يقع بها لعان على الأظهر الأشهر، بل المشهور، بل حكى غير واحد الاتفاق عليه لنفى الولد، و ان كان فيه أنه مناف للمحكي عن صريح الجامع من وقوعه، نعم يرده

صحيح ابن أبي يعفور (2) عن الصادق عليه السلام «لا يلاعن الرجل امرأته التي يتمتع بها»

و صحيح ابن سنان (3) عنه (عليه السلام) أيضا «لا يلاعن الحر الأمة و لا الذمية و لا التي يتمتع بها»

كما أنهما يرد ان المفيد و السيد فيما حكى عنهما من وقوعه للقذف، ضرورة إطلاقهما، و مع فرض كون التعارض بينهما و بين ما دل عليه من وجه فلا ريب في أن الترجيح لهما بالشهرة العظيمة و مخالفة أحكام اللعان للأصل.

و في الظهار تردد من صدق الزوجية، فتندرج في إطلاق الأدلة و عمومها، و من كون أحكامه على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع اليقين، و لأن من لوازمه الإلزام بالفيئة أو الطلاق و ليس هنا إذ لا حق لها في الوطء، مع أنه لا يقع بها طلاق و قيام هبة المدة مقامه لا دليل عليه أظهره عند المصنف أنه يقع بها وفاقا للمحكي عن الأكثر، و منهم ابن إدريس في بعض فتاواه، و خلافا له أيضا و ابن أبي عقيل و الجنيد، لانقطاع الأصل بإطلاق الأدلة و عمومها، و الإلزام بأحد الأمرين لا يوجب التخصيص، إذ من الجائز اختصاصه بمن يمكن معه أحد الأمرين، و هو الدائمة و كذا المرافعة دون غيرها، فيبقى أثره فيها باقيا و هو اعتزالها، لكن


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 226.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من كتاب اللعان الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من كتاب اللعان الحديث 2.

ج 30، ص: 190

فيه أنه مناف ل

مرسل ابن فضال (1) عن الصادق عليه السلام «لا يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق»

و احتمال أنها من المثل كما ترى، بل عدم وقوع اللعان و الإيلاء عليها مما يومئ أيضا إلى عدم وقوعه فيها، كايماء ما ذكر من أحكامه إلى ذلك كما لا يخفى على من تأمل.

[السابع لا يثبت بهذا العقد ميراث بين الزوجين شرطا سقوطه أو أطلقا]

السابع لا يثبت بهذا العقد ميراث بين الزوجين شرطا سقوطه أو أطلقا وفاقا للأكثر، بل المشهور بل عن الغنية نفي الخلاف عنه و لعله كذلك إلا من القاضي، فجعله كالدوام، لصدق الزوجة التي لا يصح اشتراط سقوط إرثها كغيرها من الورثة، و من ابن أبي عقيل و المرتضى، و كذلك ما لم يشترط السقوط، جمعا بين ذلك و بين ما دل على لزوم الشرط من

قوله صلى الله عليه و آله (2)

«المؤمنون»

و غيره، و خصوص

موثق ابن مسلم (3)

في الرجل يتزوج المرأة متعة إنهما يتوارثان إذا لم يشترطا، و انما الشرط بعد النكاح»

لكنهما معا كما ترى، ضرورة إرادة غير المستمتع بها من الزوجة بالنصوص (4)

المعتبرة التي يمكن دعوى تواترها.

(منها) خبر

أبان بن تغلب (5) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «كيف أقول لها


1- 1 الوسائل الباب- 20- من كتاب الظهار الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب المتعة الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 35- من أبواب مقدمات النكاح و الباب- 4- من أبواب المتعة الحديث 4 و 5 و الباب- 18- و 23 منها الحديث 5 و الباب- 32- منها الحديث 3 و 6 و 7 و 8 و 10 و الباب- 17- من أبواب ميراث الأزواج من كتاب المواريث.
5- 5 الوسائل الباب- 18- من أبواب المتعة الحديث 1 و ذكر ذيله في الباب- 20- منها الحديث 2.

ج 30، ص: 191

إذا خلوت بها؟ قال: تقول: أتزوجك متعة على كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و آله لا وارثة و لا موروثة كذا و كذا يوما، و إن شئت كذا و كذا سنة، بكذا و كذا درهما، و تسمى من الأجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا فإذا قالت: نعم فقد رضيت، فهي امرأتك و أنت أولى الناس بها، قلت، فإني أستحيي أن أذكر شرط الأيام، قال: هو أشر عليك، قلت: و كيف ذاك؟ قال: إنك إن لم تشترط كان تزويج مقام، و لزمتك النفقة، و كانت وارثة، لم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق السنة»

ضرورة كون المراد من ذلك بيان أن المتعة حكمها ذلك كي لا تكون الامرأة مخدوعة، خصوصا بعد أن صرح فيه بالفرق بين من ترك الأجل فيها و من ذكر، بصيرورة الاولى دائمة وارثة بخلاف الثانية، فإنه كالصريح في أن ذلك حد المتعة و منه يعلم وجه الدلالة في هذا القسم من النصوص، كخبر أبي بصير (1)

و خبر ثعلبة (2)

و خبر مؤمن الطاق (3)

و خبر هشام بن سالم (4).

و (منها)

خبر عبد الله بن عمر (5)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن المتعة، فقال: حلال لك من الله و رسوله، قلت: فما حدها؟ قال: من حدودها أن لا ترثها و لا ترثك»

إلى آخره.

و (منها)

صحيح سعيد بن يسار (6) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يتزوج المرأة متعة و لم يشترط الميراث، قال: ليس بينهما ميراث، اشترطا أو لم يشترطا»

و نحوه المرسل في الكافي (7).

و (منها)

مرسل ابن أبي عمير (8) عن أبي عبد الله عليه السلام «لا بأس بالرجل يتمتع بالمرأة على حكمه، و لكن لا بدله من أن يعطيها شيئا، لأنه إن حدث به حدث لم يكن لها ميراث».


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب المتعة الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من أبواب المتعة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من أبواب المتعة الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 18- من أبواب المتعة الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 32- من أبواب المتعة الحديث 8.
6- 6 الوسائل الباب- 32- من أبواب المتعة الحديث 7.
7- 7 الوسائل الباب- 32- من أبواب المتعة الحديث 4.
8- 8 الوسائل الباب- 40- من أبواب المتعة الحديث 1.

ج 30، ص: 192

و (منها)

صحيح عمر بن حنظلة (1)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شروط المتعة، فقال: يشارطها على ما شاء من العطية و يشترط الولد إن أراد، و ليس بينهما ميراث».

و (منها)

خبر زرارة (2)عن أبي جعفر عليه السلام في حديث «و لا ميراث بينهما إذا مات واحد منهما في ذلك الأجل».

و (منها) ما دل على (3)

«أن المتمتع بها ليست كالحرة، هي مستأجرة كالأمة، خصوصا

خبر محمد (4) منها عن أبي جعفر عليه السلام «في المتعة، قال: ليست من الأربع، لأنها لا تطلق و لا ترث و لا تورث و إنما هي مستأجرة»

الظاهر أو الصريح في اختصاص الإرث بالأربع من الزوجات بخلاف المتعة التي هي مستأجرة و بمنزلة الأمة، بل لا يخفى على من تأمل ما ورد في المتعة و خصوصا نصوص النهي عنها لمن يتمكن من التعفف بالتزويج (5)

أنها ليست زوجة توارث، و إنما هي استمتاع و انتفاع، كما عساه يومئ إليه مقابلة ذلك بالتزويج، بل يعرف ذلك منا العامة فضلا عن الخاصة، فإن

أبا حنيفة قال لمؤمن الطاق في مباحثته له: «آية الميراث تنطق بنسخ المتعة، فقال له مؤمن الطاق: قد ثبت النكاح بغير ميراث، فقال أبو حنيفة من أين قلت ذاك؟ فقال: لو أن رجلا من المسلمين تزوج بامرأة من أهل الكتاب ثم توفي عنها ما تقول فيه؟ قال: لا ترث منه، فقال: قد ثبت النكاح بغير ميراث».


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 33- من أبواب المتعة الحديث 3 و ذيله في الباب- 32- منها الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 32- من أبواب المتعة الحديث 10.
3- 3 الوسائل الباب- 26- من أبواب المتعة الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب المتعة الحديث 4 و ليس فيه «و لا تورث» و هي مذكورة في الاستبصار ج 3 ص 147 الرقم 539.
5- 5 الوسائل الباب- 5- من أبواب المتعة.

ج 30، ص: 193

و من ذلك كله يعلم ما في كلام القاضي بل و ما في كلام المرتضى، ضرورة اقتضاء العموم المزبور جواز اشتراط عدم التوارث في الدائم أيضا، و هو معلوم البطلان و الموثق المزبور بعد الغض عما فيه من حصر الشرط فيما بعد النكاح الذي قد عرفت البحث محمول على إرادة اشتراط الأجل، أي يتوارثان ما لم يشترطا الأجل، فيكون متعة لا توارث بينهما، أو مطرح لقصوره عن معارضة ما سمعت من وجوه، هذا كله فيما إذا لم يشترطا أو اشترطا السقوط الذي قد بان عندك أنه مؤكد عندنا لا مؤسس.

و أما لو شرطا التوارث أو شرط أحدهما قيل و القائل به جماعة من الأصحاب يلزم عملا بالشرط، و قيل و القائل جماعة أيضا، بل هو المحكي عن أكثر المتأخرين، بل عن الفاضل أنه المشهور لا يلزم لأنه أي الإرث لا يثبت إلا شرعا، فيكون اشتراطا لغير وارث، كما لو شرط لأجنبي و من المعلوم بطلانه، ضرورة كون الشرط ملزما لما هو مشروع لا أنه شارع و لكن مع ذلك الأول أشهر بل في الرياض كاد يكون مشهورا، ل

صحيح محمد بن مسلم (1) عن الصادق عليه السلام في حديث «و إن اشترط الميراث فهما على شرطهما»

وصحيح البزنطي (2) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «تزويج المتعة نكاح بميراث و نكاح بغير ميراث، إن اشترطت الميراث كان، و إن لم تشترط لم يكن»

قيل و نحوه الصحيح الآخر المروي عن قرب الاسناد للحميري (3)

و الظاهر أنه وهم، فان الحميري إنما رواه عن البزنطي أيضا بهذا اللفظ على ما حكى عنه.

و على كل حال فهذان الخبران لمكان اعتبار سنديهما قد اغتر بهما جماعة من المتأخرين منهم الشهيدان، حتى قال ثانيهما: «إنه بهما يجاب عن أدلة الفريقين، لدلالتهما على كون اشتراط الميراث سائغا لازما، فيثبت به، و على أن أصل


1- 1 الوسائل الباب- 32- من أبواب المتعة الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 32- من أبواب المتعة الحديث 1.
3- 3 أشار إليه في الوسائل الباب- 32- من أبواب المتعة الحديث 1 و ذكره في البحار ج 103 ص 313 ط الحديث.

ج 30، ص: 194

الزوجية لا يقتضيه، فتكون الآية (1) مخصوصة بهما، كما خصصت في الزوجة الذمية ب

رواية (2)

«إن الكافر لا يرث المسلم»

و يظهر أن سببية الإرث مع اشتراطها تصير ثابتة بوضع الشارع و إن كانت متوقفة على أمر من قبل الوارث كما لو أسلم الكافر، و كذا يظهر جواب ما قيل: إنه لا مقتضي للتوارث هنا إلا الزوجية، و لا يقتضي ميراث الزوجة إلا الآية، فان اندرجت هذه في الزوجة في الآية ورثت و إن لم يشترط ثبوته، و بطل شرط نفيه، و إن لم يندرج في الزوجة في الآية لم يثبت الشرط، لأنه شرط توريث من ليس بوارث، و هو باطل، و وجه الجواب عنه بعد تسليم اندراجها في الآية أنها بدون الشرط مخصوصة بالروايتين المعتبرى الاسناد، و بالشرط داخلة في العموم، لعدم المقتضي للتخصيص».

و فيه أن ذلك غريب في النظائر، بل في كشف اللثام عديم النظير، بل يبعد رجحانهما على صحيح ابن يسار (3)

المؤيد بالمرسل في الكافي (4)

و بظاهر ما سمعته من النصوص المزبورة (5)

الظاهرة و المصرحة بعدم اقتضاء عقد المتعة الإرث و إنما هو كالإجارة بالنسبة إلى ذلك، بل ربما ظهر من خبر هشام بن سالم (6)

منها اقتضاؤه عدم الإرث و أن ذلك من حدودها نحو حد الاعتداد بما تسمعه، فشرط إرثها حينئذ مع كونه من شرط إرث غير الوارث المعلوم بطلانه سبب (7) مخالفته للكتاب و السنة مناف لما اقتضاه عقد المتعة أيضا، و دعوى كون الإرث بالزوجية حال الشرط لا به كما ترى، خصوصا بعد القطع من الأدلة السابقة أن زوجيتها الحاصلة منها ليست سبب إرث، بل سبب منع منه.

و حمل خبر ابن يسار على اشتراط سقوط الإرث ليس بأولى من حمل الخبرين


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 12.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب موانع الإرث الحديث 3 من كتاب المواريث.
3- 3 الوسائل الباب- 32- من أبواب المتعة الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب- 32- من أبواب المتعة الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 32- من أبواب المتعة.
6- 6 الوسائل الباب- 20- من أبواب المتعة الحديث 3.
7- 7 هكذا في النسختين الأصليتين المبيضة و المسودة و الصحيح «بسبب».

ج 30، ص: 195

على إرادة الوصية من الإرث فيهما، بل هذا أولى لما عرفت، و لأنه مقتضى إفادة الشرط الإرث أن يكون ذلك على حسب ما يقع منه، و لذا لو اختص الشرط بأحدهما كان الإرث له خاصة، هي بمكان الشرط مع غلبة التوارث من الجانبين، و حينئذ فيتجه صحة اشتراط إرثهما لا على حسب إرث الزوجة و الزوج، و هو من المستغربات.

و أغرب منه التزام صحة شرطية إرث الزوجة و الزوج على حسب حالهما من وجود الولد و عدمه بالنسبة إلى النصف و الثمن و الربع، و إرث العقار و عدمه، من غير فرق بين مقارنة مقتضيات ذلك و تجدده، بمعنى أن الشرط يصيرها كذلك و لا ينبغي لمن رزقه الله معرفة مذاق الشرع أن يحتمل ذلك، فضلا عن أن يكون فتوى، و خصوصا بعد معلومية (1) عقد المتعة بالموت، و أنه بمنزلة الهبة، بخلاف عقد الدوام، فلا زوجية حينئذ بينهما كي يقتضي التوارث، بل يكون بالموت كمن و هبت المدة، بل لعل ذلك هو السبب في عدم اقتضاء المتعة الإرث، ضرورة كونها حينئذ كموت العين المستأجرة الذي من المعلوم بطلان الإجارة بها، و يتفرع عليه عدم جواز تغسيلها و النظر إليها و عدم أولويته بها، فمن الغريب بعد ذلك جرأة من عرفت على الفتوى بذلك، فالتحقيق عدم إرثها مطلقا بل لو اشترطا ذلك في العقد على غير جهة الوصية بطل العقد بناء على اقتضاء بطلان الشرط بطلانه، و الله هو العالم.


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية.

ج 30، ص: 196

[الثامن إذا انقضى أجلها بعد الدخول فعدتها حيضتان]

الثامن إذا انقضى أجلها بعد الدخول أو وهبت الأجل حرة كانت أو أمة بلا خلاف في التسوية بينهما فعدتها حيضتان وفاقا للشيخ و من بعده، كما في كشف اللثام. و روى (1) حيضة و عمل به ابن أبي عقيل على ما قيل، بل عن ابن أذينة أنه مذهب زرارة أيضا و هو متروك بين الأصحاب، فلا يعارض الأول الذي يدل عليه

الصحيح أو الحسن عن إسماعيل بن الفضل (2)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتعة، فقال: ألق عبد الملك بن جريح فاسأله عنها، فان عنده منها علما، فأتيته فأملى علي شيئا كثيرا في استحلالها، و كان فيما روى ابن جريح قال: ليس فيها وقت و لا عدد- إلى أن قال:- و عدتها حيضتان، فان كانت لا تحيض فخمسة و أربعون يوما، فأتيت بالكتاب أبا عبد الله عليه السلام، فعرضته عليه فقال: صدق و أقربه»

و خبر أبي بصير (3) المروي عن تفسير العياشي و عن كتاب الحسين بن سعيد على ما عن البحار عن أبي جعفر عليه السلام «في المتعة- إلى أن قال-: و لا تحل لغيرك حتى تنقضي عدتها، و عدتها حيضتان»

و ما في المسالك و الروضة من

خبر محمد بن الفضل (4)عن أبي الحسن الماضي عليه السلام «طلاق الأمة تطليقتان، و عدتها حيضتان»

منضما إلى ما رواه

زرارة (5) في الصحيح عن الباقر عليه السلام «إن على المتمتعة ما على الأمة»

فإن المجتمع من الروايتين أن عدة المتعة حيضتان، و إن كان قد يناقش فيه- بعد الغض عن


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب المتعة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب المتعة الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من أبواب المتعة الحديث 6 و البحار ج 103 ص 315 ط الحديث.
4- 4 الوسائل الباب- 40- من أبواب العدد الحديث 5 عن محمد بن الفضيل.
5- 5 الوسائل الباب- 52- من أبواب العدد الحديث 2 من كتاب الطلاق.

ج 30، ص: 197

اختلاف روايات الأمة كما ستعرفه في محله- بأن صحيح زرارة لا دلالة فيه على ذلك بقرينة صدره، قال فيه: «و عدة المطلقة ثلاثة أشهر، و الأمة المطلقة عليها نصف ما على الحرة، و كذلك المتمتع عليها مثل ما على الأمة» إذ هو ظاهر في إرادة المماثلة بالأشهر، نعم قد ورد تشبيه المتمتع بها بالأمة في غير المقام، فيمكن بإطلاق التشبيه تتميم الاستدلال، و إن كان هو كما ترى أيضا.

و على كل حال فالعمدة حينئذ ما سمعت مما لا يعارضه- بعد ما عرفت-

صحيح زرارة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام «عدة المتمتعة إن كانت تحيض فحيضة، و إن كانت لا تحيض فشهر و نصف»

و الموجود في الكافي كما اعترف به غير واحد إسقاط «عدة المتمتعة» منه، نعم هو في التهذيب كذلك، و يؤيده روايته في الكافي في عدة المتمتع بها، مضافا إلى ما عرفته من مذهب زرارة المظنون كون سنده ذلك، و لا

خبر عبد الله بن عمر (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث إلى أن قال: «فكم عدتها؟

قال: خمسة و أربعون يوما أو حيضة مستقيمة»

و لا

خبر محمد بن أبي نصر (3) عن الرضا عليه السلام المروي عن قرب الاسناد «قال أبو جعفر عليه السلام: عدة المتمتعة حيضة، و قال: خمسة و أربعون يوما»

لاحتمال إرادة الحيضة و طهرها التأمين بدخول الحيضة الثانية، فيكون حيضتين بناء على الاجتزاء بالدخول في الحيضة هنا، ل

خبر عبد الله ابن جعفر الحميري (4) عن صاحب الزمان المروي عن كتاب الاحتجاج «إنه كتب إليه في رجل تزوج امرأة بشي ء معلوم و بقي له عليها وقت فجعلها في حل مما بقي له عليها، و إن كانت طمثت قبل أن يجعلها في حل من أيامها ثلاثة أيام أ يجوز أن يتزوجها رجل آخر بشي ء معلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة أو يستقبل بها حيضة أخرى؟ فأجاب عليه السلام يستقبل بها حيضة غير تلك الحيضة، لأن أقل العدة حيضة و طهرة تامة» و عن بعض النسخ «و طهارة»

بناء على أن المراد


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب المتعة الحديث 1 و ليس فيه «عدة المتمتعة» و الموجود في التهذيب ج 8 ص 165 الرقم 573 «عدة المتعة ان كانت تحيض».
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب المتعة الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 22- من أبواب المتعة الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب- 22- من أبواب المتعة الحديث 7.

ج 30، ص: 198

منه ما ذكرناه، لا أن المراد الطهارة التامة من الحيضة، بمعنى اعتبار نقائها تماما من الحيض، بل بناء على ما ذكرناه يمكن تنزيل

صحيح ابن الحجاج (1) عليه «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها العدة؟

قال: تعتد أربعة أشهر و عشرا و إذا انقضت أيامها و هو حي فحيضة و نصف مثل ما يجب على الأمة»

الحديث الذي قد حكي العمل به عن الصدوق في المقنع، و إلا كان متروكا كسابقه.

نعم ما يحكى عن المفيد من أن عدتها طهران قول معروف بين الأصحاب محكي عن ابني زهرة و إدريس و العلامة في المختلف، بل هو ظاهر ثاني الشهيدين بل عن ابن زهرة الإجماع عليه، لكن لم أعرف له دليلا بالخصوص سوى ما ذكره في محكي المختلف له من أخبار الحيضة، فإنه إذا كملت لها حيضة فقد مضى عليها طهران: أحدهما قبلها و الأخر بعدها، إذ يكفي منهما لحظة، و فيه أنه أعم من ذلك، ضرورة عدم تحقق الطهرين بها فيما لو فرض مقارنتها لانتهاء الأجل، و سوى ما في المسالك من الاستدلال له ب

حسن زرارة (2) عن الباقر عليه السلام «إن كان حر تحته أمة فطلاقه تطليقتان و عدته قرءان»

لكون المراد من القرءين في العدد الطهرين نصا (3)

و فتوى كما تسمعه في محله إنشاء الله منضما إلى ما سمعته سابقا من النص (4)

على أن على المتمتعة ما على الأمة.

و فيه منع كون المراد بالقرءين هنا الطهرين و ثبوته في ذلك المقام لا يستلزم القول به هنا، خصوصا بعد النصوص المعتبرة (5)

الدالة على أن عدة الأمة حيضتان، بل يقوى تفسير هذا المجمل بها، فإنه و إن تعارض الروايات في الأمة المشبه بها المتعة إلا أنك ستسمع إن شاء الله في محله ما يدل من المعتبرة على كون العدة فيها الحيضتين، على أنه يمكن أن يقال بعد إرادة الكامل من الطهر- كما سمعته في خبر صاحب الزمان


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب المتعة الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 52- من أبواب العدد- الحديث 2 من كتاب الطلاق.
5- 5 الوسائل الباب- 40- من أبواب العدد من كتاب الطلاق.

ج 30، ص: 199

روحي له الفداء- نتحقق الحيضتان أيضا.

و بذلك كله يظهر لك اجتماع النصوص جميعها على الحيضتين بناء على الاجتزاء بالدخول في الحيضة الثانية، بل منه يعلم عدم أحوطية الحيضتين من الطهرين، لإمكان تحققهما بدون الطهرين، كما في المثال المفروض فيه مقارنة الحيضة لانقضاء الأجل، إلا أني لم أجد تحريرا في كلامهم هنا لكيفية الاعتداد بالحيضتين، و أنه هل لا بد من حيضتين تامتين، فلا يجزى، حينئذ انقضاء أجلها في أثناء حيضها و الدخول في حيضة أخرى، أو أنه يكفى فيهما بعض الحيضة الاولى و لو لحظة و الحيضة الثانية و لو لحظة، أو أنه لا بد من تمام الحيضة الثانية خاصة، كما يومئ إليه خبر صاحب الزمان عليه السلام أو بالعكس، أو لا بد من حيضة كاملة و لحظة من حيضة أخرى من غير فرق بين السابقة و اللاحقة، إلا أن الذي ينساق إلى الذهن الأول الذي هو مقتضى الأصل و على كل حال فلا ريب في أن الأقوى اعتبار الحيضتين بما عرفت مما لا يصلح غيره لمعارضته و لو للشذوذ و الندرة، هذا كله في التي تحيض.

و أما إن كانت لا تحيض و لم تيئس لكونها في سن من تحيض فخمسة و أربعون يوما إجماعا بقسميه، و نصوصا (1)

بل

في خبر البزنطي (2) عن الرضا عليه السلام قال: «قال أبو جعفر عليه السلام: عدة المتمتعة خمسة و أربعون يوما و الاحتياط خمس و أربعون ليلة»

بمعنى أن الاحتياط خمسة و أربعون يوما بلياليها، بل الأولى عدم اعتبار التلفيق.

و أما غير مستقيمة الحيض أو المسترابة فيه لرضاع و نحوه فقد يقوى أن العدة أسبقهما، على معنى إن مضى لها خمسة و أربعون قبل الحيضتين تمت عدتها، و إن اتفق الحيضتان قبل ذلك تمت العدة على حسب ما سمعته في الطلاق، و ربما يشهد له في الجملة خبر قرب الاسناد (3)

و احتمال أن المدار على الحيضتين و إن طال الزمان بعيد، بل يمكن القطع بعدمه بملاحظة ما سمعته في كتاب الطلاق، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب المتعة.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب المتعة الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 22- من أبواب المتعة الحديث- 6.

ج 30، ص: 200

و تعتد المتمتع بها الحرة من الوفاة و لو لم يدخل بها إجماعا بأربعة أشهر و عشرة أيام إن كانت حائلا وفاقا للمشهور للآية (1) في وجه و الأصل و

صحيح ابن الحجاج (2) عن الصادق عليه السلام «سألته عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها عدة؟ قال: تعتد بأربعة أشهر و عشرا»

و صحيح زرارة (3)

«سألت أبا جعفر عليه السلام ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي يتمتع بها؟ قال:

أربعة أشهر و عشرا، قال: ثم قال: يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلي المرأة حرة كانت أو أمة و على أي وجه كان النكاح منه، متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر و عشرا»

الحديث. خلافا للمفيد و المرتضى و العماني و سلار، قعدتها شهران و خمسة أيام لأنها كالأمة في الحياة فكذلك في الموت، و

مرسل الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدتها؟ قال: خمسة و ستون يوما».

و فيه عدم خروج الأول عن القياس، إلا أن يراد التمسك بعموم المنزلة الذي يجب الخروج عنه بما سمعت، و المرسل الذي لا جابر له ساقط عن الحجية على أن في سنده الطاطري الواقفي الذي قيل فيه إنه شديد العناد في مذهبه، صعب العصبية على من خالفه من الإمامية، فيجب حينئذ طرحه في مقابلة الصحيحين أو حمله على إرادة خصوص الأمة من الامرأة فيه كحمل

خبر ابن يقطين (5)عن أبي الحسن عليه السلام.

«عدة المرأة إذا تمتع بها فمات عنها خمسة و أربعون يوما»

على الموت متصلا بانقضاء الأجل و إلا كان من الشواذ.

و تعتد بأبعد الأجلين منها أي المدة على المختار أو على قول المفيد و من وضع الحمل إن كانت حاملا بلا خلاف و لا إشكال عملا بالعامين، فقول المصنف حينئذ على الأصح راجع للأول، و هو العدة في الحائل، هذا


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 234.
2- 2 الوسائل الباب- 52- من أبواب العدد الحديث 1 من كتاب الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 52- من أبواب العدد الحديث 2 من كتاب الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 52- من أبواب العدد الحديث 4 من كتاب الطلاق.
5- 5 الوسائل الباب- 52- من أبواب العدد الحديث 3 من كتاب الطلاق.

ج 30، ص: 201

كله في الحرة.

و أما لو كانت أمة ف كانت عدتها حائلا بشهرين و خمسة أيام وفاقا للمشهور أيضا

للمعتبرة المستفيضة (1)

«أن عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها شهران و خمسة أيام»

مؤيدة بما دل (2)

على أنها على النصف من الحرة على وجه كان ذلك كالأصل، خلافا للحلي و الفاضل و غيرهما فكالحرة، ل صحيح زرارة (3)

السابق مؤيدا بما دل (4)

على اعتدادها من الوفاة بذلك الشامل بإطلاقه للدائمة و المتمتع بها، ك

صحيح سليمان بن خالد (5)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأمة إذا طلقت ما عدتها؟- إلى أن قال- قلت: فإن توفي عنها زوجها، فقال: إن عليا عليه السلام قال في أمهات الأولاد: لا يتزوجن حتى يعتددن أربعة أشهر و عشرا و هن إماء»

و موثقه عنه عليه السلام (6) أيضا «عدة المملوكة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر و عشرا»

و صحيح و هب بن عبد ربه (7)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام «عن رجل كانت له أم ولد فزوجها من رجل آخر فأولدها غلاما، ثم إن الرجل مات فرجعت إلى سيدها إله أن يطأها؟ قال: تعتد من الزوج الميت أربعة أشهر و عشرة أيام ثم يطؤها بالملك بغير نكاح»

و الصحيح (8)

«إن الأمة و الحرة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة إلا أن الحرة تحد و الأمة لا تحد»

و عن الشيخ الجمع بينها بحمل هذه على أمهات الأولاد، و هو غير نام في الأخيرين الظاهرين أو الصريحين في غيرها، نعم لا يبعد الجمع بالحمل على الاستحباب في غير ذات الولد، و أما فيها فكالحرة، للصحيح السالم عن المعارض.


1- 1 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 6 و 7 و 8 و 9 و 10.
2- 2 الوسائل الباب- 40- من أبواب العدد الحديث 3 و الباب 42 منها الحديث 10 و الباب 47 منها الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 52- من أبواب العدد الحديث 2 من كتاب الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
5- 5 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 1 من كتاب الطلاق.
6- 6 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 5 من كتاب الطلاق.
7- 7 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 3 من كتاب الطلاق.
8- 8 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 2 من كتاب الطلاق.

ج 30، ص: 202

و أما الحامل فعدتها أبعد الأجلين من المدة و الوضع، و تركه المصنف لوضوحه، و اتكالا على ما ذكره سابقا.

[التاسع لا يصح له تجديد العقد عليها دائما و منقطعا قبل انقضاء الأجل]

التاسع: لا يصح له تجديد العقد عليها دائما و منقطعا قبل انقضاء الأجل وفاقا للمشهور لعدم قابلية تأخر أثر عقد النكاح، و استحالة تحصيل الحاصل، و مفهوم

الصحيح (1)

«لا بأس بأن تزيدك و تزيدها إذا انقطع الأجل فيما بينكما، تقول لها: استحللتك بأجل آخر برضا منها، و لا يحل ذلك لغيرك حتى تنقضي عدتها»

و خبر أبان بن تغلب (2) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة فيتزوجها على شهر، ثم إنها تقع في قلبه فيحب أن يكون شرطه أكثر من شهر، فهل يجوز أن يزيدها في أجرها و يزداد في الأيام قبل أن تنقضي أيامه التي شرط عليها؟ فقال:

لا يجوز شرطان في شرط، قلت: فكيف يصنع؟ قال: يتصدق عليها بما بقي من الأيام، ثم يستأنف شرطا جديدا»

فان المراد من الشرطين المدتان المتخالفتان و الأجران المتباينان في شرط، أي في عقد واحد، و مقتضاه حينئذ عدم صحة ذلك حتى لو فعله في أول العقد، بل لعل المراد أنه كما لا يجوز أجلان في عقد واحد فكذا لا يجوز عقد جديد قبل انفساخ عقد الأول، فيكون أصرح في الدلالة على ذلك و على كل حال فهو واضح الدلالة على المطلوب.

خلافا للمحكي عن ابن حمزة و الفاضل في المختلف مستظهرا له أيضا من العماني- و إن كان فيه ما فيه- لإطلاق الأدلة الذي لا ينافيه اشتغالها بأجله، كما لا ينافي عقده عليها في أثناء عدته و إن لم يجز ذلك لغيره، كما تطابقت عليه


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب المتعة الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب المتعة الحديث 1.

ج 30، ص: 203

النصوص (1)

و الفتاوى، خصوصا بعد تصريح الأدلة (2)

بأنهن مستأجرات، و لا ريب في جواز ذلك في الإجارة.

و فيه أنه يجب الخروج عن ذلك كله بما عرفت، كما أنه يجب تقييد ما ادعى وروده (3)

من نفى البأس عن زيادة الأجل بزيادة الأجر في تفسير قوله تعالى (4) «وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ» إن كان بما عرفت كما هو واضح، و الله العالم. (5)


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب المتعة الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب المتعة الحديث 2 و 4 و 5 و الباب- 26- منها الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من أبواب المتعة الحديث 8.
4- 4 سورة النساء: 4- الآية 24.
5- 5 بما أن كتاب النكاح قسم الى جزءين في النسخة الأصلية المبيضة لذلك ذكر هنا ما يأتي «تم المجلد الأول من كتاب النكاح الذي هو المجلد السابع من قسم العقود زاد الله توفيق الشارح، انه رؤوف ودود، و يتلوه المجلد الثامن و هو جلد آخر النكاح في نكاح الإماء بعون الله خالق الأرض و السماء» و من هنا افتتح الجزء الثاني منه بالبسملة، و حيث ان شيئا من ذلك لم يكن في النسخة الأصلية المسودة لذلك أسقطناه من الكتاب.

ج 30، ص: 204

[القسم الثالث في نكاح الإماء]

[أما العقد]
[يلحق هنا مسائل]
[المسألة الأولى لا يجوز للعبد و لا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحا إلا بإذن المالك]

القسم الثالث في نكاح الإماء أي وطئهن و هو إما بالملك أو بالعقد لعدم خروج أصل النكاح عن ذلك لقوله تعالى (1) «إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ»* و غيره، و التحليل عقد أو ملك منفعة كما ستعرفه إن شاء الله.

[أما العقد]

و قد عرفت أن العقد ضربان دائم و منقطع، و قد مضى كثير من أحكامهما المشتركة بين الإماء و غيرهن

[يلحق هنا مسائل]

و لكن يلحق هنا مسائل.

[المسألة الأولى لا يجوز للعبد و لا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحا إلا بإذن المالك]

الأولى لا يجوز للعبد و لا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحا إلا بإذن المالك بل و لا يجوز على الأصح أن يعقدا لغير هما أيضا ذلك و لا غيره من المعقود، و إن كان لو وقع منهما ترتب الأثر و إن إثما من غير حاجة إلى إذن السيد، نعم قد يقال بوجوب الأجرة على من له العقد على إشكال فيما إذا لم يكن ذلك بأمره من وصول منفعة مال الغير إليه و من عدم حصول سبب الضمان منه، فالأصل البراءة.

و كيف كان فان عقد أحدهما من غير إذن وقف على إجازة المالك بناء على المختار من صحة الفضولي خصوصا في النكاح و سيما في العبد الذي عن الخلاف الإجماع عليه، مضافا إلى المعتبرة (2) المستفيضة فيه، فان أجاز انكشف صحة العقد على


1- 1 سورة المؤمنون: 23- الآية 6.
2- 2 الوسائل الباب- 24 و 25 و 26 و 29 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 205

الأصح و إلا انكشف بطلانه.

و لكن مع ذلك قيل و القائل النهاية و التهذيب و المهذب فيما حكى عنها بل تكون اجازة المالك كالعقد المستأنف قال فيها: «إن من عقد على أمة الغير بغير إذنه فنكاحه باطل، فإن رضي المولى كان رضاه كالعقد المستأنف» و يمكن بل في كشف اللثام أنه الظاهر إرادة التزلزل من البطلان فيه كما عن النكت و المختلف، أو البطلان ان لم يرض المولى، فيكون موافقا للمشهور حينئذ و إلا كان واضح الفساد ضرورة عدم التحليل بما لم يقصد منه ذلك، إذ الفرض رضاه بالعقد السابق.

و قيل و القائل من أبطل الفضولي يبطل العقد فيهما أي في العبد و الأمة، و حينئذ فتلغى الإجازة إذ لا تصير الفاسد في نفسه صحيحا إلا أنك قد عرفت ما فيه.

و فيه أيضا قول رابع قد اختاره ابن حمزة فيما حكى عنه مضمونه اختصاص تأثير الإجازة بعقد العبد (11) للنصوص (1)

الكثيرة دون الأمة (12) التي نهى عن العقد عليها بدون الاذن (2)

و هو يقتضي الفساد، بل في بعض الأخبار (3)

26859 النص على البطلان، و في آخر أنه زنا (4) و مال إليه في الحدائق بل لعله ظاهر محكي الخلاف و السرائر.

و (13) لا ريب في أن الأول أظهر (14) بل الرابع منها واضح الضعف، ضرورة إرادة النكاح تاما من دون مراعاة الاذن و لو لا حقا من النهي المزبور، و كذا البطلان و الزنا كما عرفته في نظائر ذلك، و خلو النصوص بالخصوص عن التعرض للأمة اتكالا على ما ذكر في العبد الذي يمكن إرادة المملوك الشامل لهما منه، بل قد سمعت سابقا


1- 1 الوسائل الباب- 24 و 25 و 26- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 29- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2 و 3.

ج 30، ص: 206

أنه ورد (1)

جواز نكاح أمة المرأة من غير إذنها و إن كنا لم نعمل به.

على أن بعض النصوص هنا قد اشتملت علي التعليل الذي هو كالصريح في عدم الفرق بين العبد و الأمة، ك

حسن زرارة (2) أو موثقه عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال: ذاك إلى سيده إن شاء أجازه و إن شاء فرق بينهما، قلت:

أصلحك الله إن الحكم بن عيينة و إبراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: إن أصل النكاح فاسد، و لا يحلله إجازة السيد له، فقال أبو جعفر عليه السلام: إنه لم يعص الله و إنما عصي سيده، فإذا أجازه فهو جائز له»

وخبره الآخر (3) عنه عليه السلام أيضا «سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها ثم اطلع على ذلك مولاه، فقال: ذلك إلى مولاه إن شاء فرق بينهما و إن شاء أجاز نكاحهما، و للمرأة ما أصدقها إلا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا، فإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأول، فقلت لأبي جعفر عليه السلام: فإنه في أصل النكاح كان عاصيا، فقال أبو جعفر عليه السلام: إنما أتى شيئا حلالا، و ليس بعاص الله، و إنما عصى سيده و لم يعص الله، إن ذلك ليس كإتيانه ما حرمه الله عليه من نكاح في عدة و أشباهه»

إذ هي صريحه في أن عصيان الله تعالى في النكاح الذي هو من قبيل المعاملة يقتضي فساده، و أن نكاح العبد الغير المأذون إنما لم يفسد، لأنه لم يعص الله و إنما عصى سيده، و هذا لا فرق فيه بين العبد و الأمة.

و تحقيق ذلك على وجه يجدي في غير المقام أيضا أن المعصية المنفية في

قوله عليه السلام: «لم يعص الله»

ليست مطلق المعصية، بل المراد منها معصية مخصوصة تقتضي فساد النكاح، و المعنى أنه لم يعص الله سبحانه عصيانا يوجب الفساد كما في نكاح المحرمات و النكاح في العدة و غيرهما مما يحرم لعينه أو وصفه اللازم كما يدل عليه

قوله عليه السلام: «إنما أتى شيئا حلالا»

و قوله عليه السلام: «إن ذلك ليس كإتيانه»

إلى آخره و إلا فعصيان السيد يستلزم عصيان الله، لأن الله أوجب على العبد طاعة سيده، فإذا عصى سيده فقد عصى الله، فلا يصح نفى المعصية عنه مطلقا، و إنما يصح نفى المعصية


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب المتعة.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 24- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.

ج 30، ص: 207

الناشئة من أصل النكاح، فإن معصية الله في نكاح العبد بدون إذن سيده إنما نشأ من عصيان سيده، و هو أمر خارج عن النكاح مفارق إياه.

و حاصل الوجه المذكور أن المعصية الموجبة لفساد النكاح هي مخالفة أمر الله تعالى في نفس النكاح، و عصيان المملوك في نكاحه بدون إذن سيده ليس كذلك فإنه قد حصل منه في نكاحه ذلك معصيتان: معصية لسيده في أصل النكاح و معصية لله تعالى باعتبار مخالفته لسيده، و من المعلوم أن شيئا منهما ليس عصيانا لله في أصل النكاح فلا يكون عصيانه موجبا لفساد النكاح، فمعنى

قوله عليه السلام: «إنه لم يعص الله و لكن عصى سيده»

انه لم يعص الله عصيانا راجعا إلى أصل النكاح حتى يفسد نكاحه، و إنما عصى سيده معصية موجبة لعصيان الله فيما هو خارج عن النكاح، و ذلك لا يوجب فساده، و هو صريح فيما اخترناه من التفصيل في الأصول، و حجة على كل من إطلاقي القول بالفساد و عدمه.

لا يقال: إن ذلك يقتضي الصحة و إن لم تحصل الإجازة، و هو معلوم البطلان لأنا نقول: عدم الصحة مع فقد الإجازة ليس للتحريم، بل لاشتراط رضا المولى في صحة النكاح و إن كان متأخرا عن العقد، فمع حصوله لم يبق إلا عصيانه في فعله ذلك، و قد عرفت أنه لا يقتضي الفساد، فيصح العقد حينئذ لوجود المقتضي و ارتفاع المانع، فقوله عليه السلام: «لم يعص» إلى آخره، إشارة إلى الثاني، و

قوله عليه السلام: «فإذا أجازه»

إلى آخره، إشارة إلى الأول.

كما أن ما يقال: إنه لا دليل على خصوص المعصية المنفية التي تكون مدار الفساد يدفعه ما عرفت من ظهور الخبرين في عدم اقتضاء المعصية بأمر خارج الفساد، و اقتضائها ذلك فيما كان راجعا إلى أصل النكاح أو وصفه اللازم، كما يشهد له

قوله عليه السلام: «إنما أتى شيئا حلالا»

إلى آخره، على أنه لا إشكال في دلالة الخبرين المزبورين على بطلان إطلاقي القول بالفساد و عدمه، و ذلك يستلزم التفصيل، إذ ليس في المسألة تفصيل آخر يمكن الحمل عليه.

كما يدفع ما عساه يقال- من أن العصيان مخالفة الأمر، و السؤال في الرواية

ج 30، ص: 208

لم يقع إلا عن التزويج بغير إذن الذي هو العنوان في كلام الفقهاء، فالمراد من العصيان حينئذ هو الوقوع بغير إذن، و لا شك أن العمومات تقتضي صحته، بل المفروض فيما إذا كان هناك دليل شرعي يقتضي الصحة، و حينئذ يكون معنى

قوله عليه السلام: «لم يعص الله»

أن فعل العبد موافق لقول الله الذي يقتضي الصحة، غاية ما في الباب أنه وقع بغير إذن السيد، فلو كان السيد هو المعقود له بغير إذنه تكون الإجازة له فكذا العقد على عبده، لاتحاد دليل الصحة و مقتضاها، فالخبر حينئذ دال على عدم الاقتضاء كما عليه المعظم، و لو أريد من العصيان ظاهره لم يصح الحكم بأنه «لم يعص الله» إلى آخره، بل كان الأمر بالعكس، إذ المفروض أنه لم يقع منه نهي، و انما عصى الله في عقده بدون إذن سيده، لنهيه عن ذلك بدون إذن مولاه- بأن العصيان انما يستعمل في مخالفة الحكم الشرعي، و إطلاقه على مخالفة الحكم الوضعي كمخالفة الصحة غير معهود، و إنما المعهود فيه إطلاق الفساد و البطلان مع أن الحمل عليه لا يستقيم في

قوله عليه السلام: «و إنما عصى سيده»

إذ ليس للسيد قول يقتضي الصحة حتى يكون فعل العبد مخالفا له.

و حمل العصيان هنا على حقيقته مع إرادة المعني المذكور في قوله عليه السلام:

«لم يعص» تفكيك ركيك لا يلائمه الحصر، فإنه انما هو بالقياس إلى ما نفى في

قوله عليه السلام: «لم يعص الله»

فيكون إثباتا للمعنى المنفي هناك، فلا يصح التفكيك على الحقيقة، على أن الحقيقة في

قوله عليه السلام: «عصى سيده»

متعذرة بناء على ما ذكر من أن العصيان مخالفة الأمر إلى آخره، فينبغي حمله على ما يوجب العقوبة في الجملة و إن لم يكن لمخالفة الأمر، فيلزم الخروج عن ظاهر اللفظ في الموضعين، مع التفكيك بحمله فيهما على معنيين مختلفين، مع أن امتناع الحقيقة في قوله عليه السلام «عصى سيده» انما اقتضي الصرف عن الظاهر في قوله عليه السلام: «لم يعص الله» للزوم التفكيك بدونه على ما يفهم من كلامه، و إلا فالحمل على الظاهر فيه ممكن بإرادة نفي العصيان على بعض الوجوه، فالعدول عنه ليس إلا للفرار عن لزوم التفكيك،

ج 30، ص: 209

و الحمل على المعنى المذكور كر فيما أريد الفرار منه.

فالصواب أن يقال: إن العصيان في قوله عليه السلام: «لم يعص الله» جار علي أصله أعنى مخالفة الأمر، و المعنى أنه لم يخالف أمر الله في النكاح، فإنه لم يمنعه من النكاح و لم يحرم عليه، و في قوله عليه السلام: «عصى سيده» مبني على تنزيل العادة منزلة النهي، فإنها قاضية بمنع استقلال العبد بالنكاح و أشباهه مما يجب أن يصدر عن أمر المولى و رأيه أو محمول على فعل ما يجب العقوبة و إن لم يكن لمخالفة الأمر مجازا، و لا يلزم التفكيك القبيح حينئذ للمناسبة الظاهرة بين المعنيين و صحة الحصر بالقياس إلى المعنى المنفي، بخلاف الحمل على مخالفة مقتضى الصحة على ما عرفت.

و يمكن حمله في الموضعين على ما يوجب العقوبة مطلقا، أما في عصيان السيد فلتعذر الحقيقة الموجب للحمل على المجاز، و أما في عصيانه فلئلا يختلف، و حينئذ فلا يلزم التفكيك، غاية الأمر حصول المعنى في أحدهما بمخالفة الأمر، و في الأخر بأمر آخر غير ذلك، و هذا لا يوجب التفكيك في المعنى المراد من لفظ العصيان، كما هو واضح.

و على كل حال ف لو كان قد أذن المولى ابتداء صح بلا خلاف و لا إشكال و عليه مهر مملوكه و نفقة زوجته كما تقدم الكلام فيه مفصلا و له مهر أمته و إن تأخرت الإذن بلا خلاف و لا إشكال، كما أن الظاهر وجوب النفقة عليه بالإذن المتأخرة للعبد، لأنها يجب يوما فيوما، فهو بالنسبة إلى المتجدد كالإذن المبتدأة من غير فرق، و لأنها تلزم كل يوم، فإنها لا تعيش بلا نفقة، و لا ملك للعبد، فلو لم نوجبها على المولى بقيت بلا نفقة.

أما بالنسبة إلى المهر ففيه إشكال، و لعله من أن الإجازة مصححة أو كاشفة و أن الاذن في الشي ء إذن في لوازمه التي منها هنا المهر المعلوم لزومه للعقد الصحيح، و العبد لا يملك شيئا، و من أن العقد لما وقع تبعه المهر و لم يلزم المولى حينئذ، و إنها رضيت بكونه في ذمة العبد، و فيهما منع ظاهر، فالأقوى وجوبه بها بناء على وجوبه بها في السابقة، لعدم ظهور الفرق بينهما عند التحقيق.

ج 30، ص: 210

نعم في القواعد احتمال ثبوت المهر و النفقة في كسب العبد المتجدد، و منه ربح تجارته، فيصرف حينئذ ما يكسبه كل يوم في نفقتها، فما فضل يعطي من المهر حتى إذا وفى أعطى الفاضل لمولاه، و لا يدخر لنفقة اليوم الاتي شيئا، فإن نفقة كل يوم إنما تتعلق بكسبه، و على هذا لا يضمن السيد شيئا من النفقة و المهر إن أعوز الكسب، لأنهما لم يتعلقا بذمته، بل بمال معين له، كما أن أرش الجناية يتعلق برقبته لا بذمة المولى، و انما يجب عليه أن يمكنه من الاكتساب بما يفي بهما، فإن منعه من الاكتساب بأن استخدمه يوما أو أياما فأجرة المثل، لأنه كالأجنبي و يحتمل وجوب أقل الأمرين من الأجرة و الكسب، و تحتمل أقل الأمرين من الكسب و النفقة إن و في المهر، هذا كله في ذي الكسب.

أما إذا لم يكن ذا كسب أو قصر كسبه عن النفقة احتمل ثبوتها في رقبته و في ذمة المولى، بل عن الشيخ في المبسوط ثبوت النفقة في رقبته حتى في ذي الكسب، فيباع حينئذ كل يوم جزء منه فيها ان أمكن و إلا فجملة، و لم يذكر المهر، و لعله أولى بتعلقه بها من النفقة، لكونه عوض البضع، فتنزيله منزلة أرش الجناية أظهر اللهم إلا أن يقال: إنها لما مكنته من نفسها فقد رضيت بالتأجيل فيتبع به بعد العتق و قد يحتمل أيضا عدم وجوب الكسب على العبد في النفقة مع عدم التزام المولى بها، فتخير الامرأة حينئذ بين الصبر إلى أن يتمكن العبد من الإنفاق عليها و بين الفسخ بنفسها أو بالحاكم بناء على جواز ذلك في زوجة المعسر عن الإنفاق، و لكن قد عرفت التحقيق في ذلك كله هناك، فلا حظ و تأمل.

و كيف كان فلو اشترته زوجته أو اتهبته انفسخ النكاح، فان كان قبل الدخول سقط نصف المهر الذي في ذمة السيد، لكونه انفساخا قبل الدخول باختيارها، مع من عليه المهر، فتكون كالخالعة قبل الدخول، و يحتمل سقوط جميعه، لانه فسخ من قبلها من دون اختيار للزوج، و هو مسقط للمهر، و إن ضمنه غيره فان اشترته من مولاه بالمهر الذي لها في ذمته بطل الشراء على الثاني، لخلو البيع حينئذ عن العوض، فصحته حينئذ تقتضي بطلانه، و بطل النصف خاصة على الأول، نعم لها

ج 30، ص: 211

شراؤه بما يساوى المهر في الذمة، ثم تقاصه، كما أنه يصح شراؤها له بالمهر المضمون بعد الدخول، ضرورة استقراره، نعم في القواعد «لو جوزنا إذن المولى في نكاح العبد على وجه يكون المهر في ذمة العبد- لأن له ذمة و لذا يضمن المتلفات- فاشترته به بطل البيع» أي قبل الدخول و بعده، لأن تملكها له يستلزم براءة ذمته من المهر فيخلو البيع عن العوض، فتأمل.

و لا فرق في جميع ما ذكرنا بين اتحاد المالك و تعدده كما أشار إليه المصنف بقوله و كذا لو كان كل واحد منهما أي العبد و الأمة لمالك أو أكثر و حينئذ ف ان اذن بعضهم لم يمض إلا برضا الباقين أو إجازتهم بعد العقد على الأشبه بأصول المذهب و قواعده المقتضية صحة الفضولي الذي من جملته محل الفرض، كما تقدم الكلام فيه مفصلا.

[المسألة الثانية إذا كان الأبوان رقا كان الولد كذلك]

المسألة الثانية إذا كان الأبوان رقا كان الولد كذلك بلا خلاف و لا إشكال، لأن نماء المال ملك لمالكه فان كانا أي العبد و الأمة لمالك واحد فالولد له و إن كانا لاثنين كان الولد بينهما نصفين وفاقا للمشهور بين الأصحاب، بل كافتهم عدا أبي الصلاح، فجعله لمولى الأمة كسائر الحيوانات، و فيه أن السبب هنا في التنصيف اقتضاء العقد لحوق الأولاد بهما، و الفرض عدم مزية لأحدهما على الأخر كي يختص اللحوق به. كما يومئ إليه ما تسمعه من نصوص (1)

تزوج العبد حرة و بالعكس الظاهرة في كونه اللحوق هناك للحر منهما، باعتبار أشرفيته التي منها يعلم التساوي في اللحوق بهما مع عدم المزية، أما إذا لم يكن ثم لحوق لعدم العقد كما في زنا العبد بأمة فإنه يلحق بالأم كما صرح به الفاضل في القواعد و غيره، بل لم يحك فيه خلاف، لكونه نماء لها كباقي الحيوانات، و لعل الوجه فيه أن الانعقاد


1- 1 الوسائل الباب- 30- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 212

من نطفة الأم و أن نطفة الفحل من المعدات كما عساه يشهد له ما قيل من اتفاق الانعقاد من رائحة مني الفحل، فهي حينئذ كالماء في نبات الأرض، أو أن الوجه فيه عد ذلك من نماء الام و توابعها عرفا، نحو البيض في الطير مثلا و الثمر في الشجر أو غير ذلك.

أما لو زنى العبد بحرة فلا لحوق شرعا، و الأصل الحرية، لكن في كشف اللثام أنه قطع الأصحاب برقية الولد من الحرة التي تزوجت عبدا غير مأذون عالمة بذلك و كأنه مناف لذلك، اللهم إلا أن يحمل العقد بالنسبة إليه شبهة أو في حكمها لنقصان عقله، فيتجه حينئذ الرقية باعتبار تحقق سبب اللحوق به بالنسبة إليه دونها، كما لو تزوجت أمة حرا بغير إذن مولاها عالما بذلك، فان ولدها منه رق، لعدم اللحوق به، لكونه زانيا، و هي كالمشتبهة، لنقصان عقلها، فيبقى ولدها رقا مضافا إلى أنه نماء الملك، نحو ما لو زنى الحر بأمة، فإن الولد رق، لعدم اللحوق، فإنه لا سبب له شرعا، و لكن يبقى مقتضى تبعية نماء الملك.

أما لو تزوج عبد غير مأذون بأمة غير مأذونة فالظاهر التنصيف أيضا إجراء لحكم العقد منهما مجرى الشبهة الملحقة بالنكاح الصحيح المقتضي للحوق الولد بهما كما عرفت.

و على كل حال فالتنصيف في المتن و غيره كما عرفت لكونه نماء ملكهما كما علله به غير واحد، حتى أشكله في المسالك و كشف اللثام و الحدائق بعدم ظهور الفرق بين الإنسان و غيره من الحيوانات التي لا إشكال في تبعية النماء للام فيها، إذ قد عرفت أن الإنسان كغيره أيضا في ذلك حيث لم يكن عقد أو ما هو بمنزلة العقد من الشبهة للطرفين أو أحدهما، بل لعله لذا وجب على من اشترى أمة و أولدها ثم بان أنها للغير دفع قيمة الولد، كمن تزوجها على أنها حرة فبان أنها أمة، و غير ذلك مما ذكرناه و ما لم نذكره مما هو مبنى أيضا على كون الإنسان كالحيوان في التبعية للأم، فتأمل جيدا.

و لو اشترطه أي الولد أحدهما أو شرط زيادة عن نصيبه لزم الشرط

ج 30، ص: 213

بلا خلاف أجده فيه لعموم

«المؤمنون عند شروطهم» (1)

بل لا يبعد صحة هذا الشرط في الحيوانات غير الإنسان أيضا، بل في كل مال مشترك شركة تقتضي الشركة في الفرع على حسب الأصل لولا الشرط، و ليس ذلك من الشرائط المخالفة للسنة، فإن تبعية الملك للنماء لا تنافي تمليك من هو له بالشرط لغيره كما يملك ماله المعين به، و احتمال الفرق بكونه في الثاني كالهبة بخلافه في الأول يدفعه ظهور النص (2)

و الفتوى في صحة التملك بالشرط لكل ما يقبل التمليك مجانا أو بالعوض و إن لم نقل بقيام الشرط مقام الأسباب في غير ذلك، و لعله لعدم انحصار نحو هذا التمليك بسبب خاص و لفظ كذلك، فيكفي فيه حينئذ الرضا بالشرط ممن اشترط عليه، و يكون ذلك بمنزلة الإيجاب و القبول في ضمن عقد لازم، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع، أو يقال: إنه من اشتراط إسقاط حقه من النماء و اختصاص الحق بالاخر أو غير ذلك.

و كيف كان ف لو كان أحد الزوجين حرا لحق الولد به سواء كان الحر هو الأب أو الأم وفاقا للمشهور لأصالة الحرية و غلبتها، و المعتبرة المستفيضة، ك

مرسل مؤمن الطاق (3) عن أبي عبد الله عليه السلام «إنه سئل عن المملوك يتزوج الحرة ما حال الولد؟ فقال: حر، فقلت: و الحر يتزوج المملوكة، قال:

يلحق الولد بالحرية حيث كانت، إن كانت الأم حرة أعتق بامه، و إن كان الأب حرا أعتق بأبيه»

وخبر جميل و ابن بكير (4) في الولد بين الحر و المملوكة قال:

«يذهب إلى الحر منهما»

وخبر جميل (5) أيضا «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا تزوج العبد الحرة فولده أحرار، و إذا تزوج الحر الأمة فولده أحرار»

وخبره (6)


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 32- من أبواب أحكام العقود من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل الباب- 30- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب- 30- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 30- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 6.
6- 6 الوسائل الباب- 30- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 8.

ج 30، ص: 214

أيضا «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحر يتزوج الأمة أو عبد تزوج حرة، قال: فقال لي:

ليس يسترق الولد إذا كان أحد أبويه حرا إنه يلحق بالحر منهما أيهما كان: أبا أو اما»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك، مؤيدا بأصالة الحرية و بنائها على التغليب، و قد عرفت أن مقتضى العقد التشريك في الولد، فيكون جزء منه حرا و يسري إلى الجزء الأخر تغليبا، مضافا إلى أصالة عدم لحوق أحكام العبيد من التحجير و غيره مما هو مناف لإطلاق «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) و نحوه.

خلافا للإسكافي فقال- كما في المختلف-: «إذا زوج الأمة سيدها و مولاتها فولدت فهو بمنزلتها رق إلا أن يشرط الزوج عتقهم، و لو تزوجت بعده فولدت كان المولى بالخيار في الولد، إن شاء أعتق، و إن شاء رق ما لم يشترط الثاني كما اشترط الأول» نعم حكى عنه في المختلف أنه حكم بأن العبد إذا تزوج الحرة كان ولده أحرارا كقولنا، فدليله فيما ذكر

حسن الحلبي و صحيحه (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل تزوج أمة من رجل و شرط له أن ما ولدت فهو حر، فطلقها زوجها أو مات عنها فزوجها من رجل آخر، ما منزلة ولدها؟ قال: منزلتها ما جعل ذلك إلا للأول، و هو في الأخر بالخيار إن شاء أعتق و إن شاء أمسك»

و صحيح البصري (3) عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا «في رجل زوج جاريته رجلا و اشترط عليه أن كل ولد تلده فهو حر فطلقها زوجها ثم تزوجها آخر فولدت منه، قال: إن شاء لم يعتق»

و خبر أبي بصير (4) عنه عليه السلام أيضا «أن رجلا دبر جارية ثم زوجها من رجل فوطأها كانت جاريته و ولدها منه مدبرين، كما لو أن رجلا أتى قوما فتزوج إليهم مملوكتهم كان ما ولد لهم مماليك»

و صحيح أبان (5)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل دبر مملوكة ثم زوجها من رجل آخر فولدت منه أولادا ثم مات زوجها و ترك أولادا منها فقال: أولاده منها كهيئتها، فإذا مات الذي دبر فهم أحرار،


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 13.
3- 3 الوسائل الباب- 30- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 11.
4- 4 الوسائل الباب- 30- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 10.
5- 5 الوسائل الباب- 7- من أبواب التدبير الحديث 1.

ج 30، ص: 215

قلت: أ يجوز للذي دبرا مهم أن يرد في تدبيره إذا احتاج؟ قال: نعم، قلت: أ رأيت إن ماتت أمهم بعد ما مات الزوج و بقي أولادها من الزوج الحر أ يجوز لسيدها أن يبيع أولادها أو يرجع عليهم في التدبير؟ قال: إنما كان له أن يرجع في تدبيرا مهم إذا احتاج و رضيت»

وخبر عبد الله بن سلمان (1) في حديث «سألته عن رجل زوج وليدته رجلا، قال: أول ولد تلد منه فهو حر، قلت: فتوفي الرجل و تزوجها آخر فولدت له أولادا، فقال: أما من الأول فهو حر، و أما من الأخر فإن شاء استرقهم»

وخبر الحسن بن زياد (2) قلت له: «أمة كان مولاها يقع عليها ثم بدا له فزوجها ما منزلة ولدها؟ قال: منزلتها إلا أن يشترط زوجها»

مؤيدا ذلك كله بأنه نماء ملكه، و معلومية تقدم حق العبد على حق الله، إلا أنها- و إن كان فيها الصحيح و غيره- قاصرة عن معارضة السابقة المفتي بمضمونها، الموافق لما عرفت، المخالف للعامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم، و من هنا حكي عن بعضهم حمل هذه الأخبار على التقية، كما أنه يمكن حملها على كون الرجل عبدا أو حرا قد اشترط عليه ذلك، بناء على صحة الشرط أو غير ذلك مما لا بأس به بعد وضوح قصورها و لو بالاعراض من الطائفة المحقة.

فلا مناص حينئذ عن القول بالحرية مع حرية أحدهما إلا أن يشترط المولى للأمة أو العبد رق الولد ف إنه إن شرط لزم الشرط على قول مشهور بين الأصحاب، بل لم أجد فيه ترددا فضلا عن الخلاف قبل المصنف، بل ظاهر حمل الشيخ و الفاضل خبر أبي بصير السابق (3)

على الشرط المفروغية عنه، و لعله

لعموم «المؤمنون» (4)

و إطلاق النصوص المزبورة الشامل لحالي الشرط و عدمه، كشمول إطلاق الأدلة إلا أنها رجحت على هذه في صورة عدم الشرط بالعمل بين الأصحاب


1- 1 الوسائل الباب- 30- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 14 عن عبد الله بن سليمان.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 12.
3- 3 الوسائل الباب- 30- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 10.
4- 4 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.

ج 30، ص: 216

عدا ابن الجنيد، فلترجح هذه على تلك أيضا بالعمل بين الأصحاب في صورة الشرط على أن شرط الرقية في الفرض نحو شرط الحرية التي صرح بصحته فيها و إن كان لا يفيد إلا على مذهب ابن الجنيد، ضرورة اشتراكهما في كونهما شرطي نتيجة شرعية لأسباب خاصة، فمع فرض صلاحية الشرط للأول منهما يتجه صلاحيته للثاني منهما، بل هو لازم له عند التأمل، و استبعاد صلاحية الشرط لذلك اجتهاد في مقابلة النص.

و دعوى عدم صلاحية الشرط لرقية الحر- و إلا لصح اشتراطها في المتولد من الحرين- يدفعها أن المسلم امتناعه تأثير الشرط في رقية المتصف بالحرية فعلا بل و المستعد لها مع عدم مقتضى لها غيره، كالمتولد من الحرين، فان رفع اليد من كل من الأبوين عن مقتضى تأثير إطلاق العقد الشركة يقتضي عدم لحوق المتولد منهما بكل منهما في الصفة، و ذلك لا يقتضي الرقية، بل أقصاه نفي حريته من حيث التبعية، أما حريته للأصل فهي باقية لم ترتفع بشي ء بخلاف ما نحن فيه، فان رفع يد الحر عن مقتضي ما أثبته العقد له من الشركة في الولد يقتضي اختصاص الأخر بالنماء فيتبعه في الملك حينئذ، ففي الحقيقة صيرورته رقا بالتبعية لا بالشرط، و إنما أفاد رفع مقتضي الحرية الذي كان حاصلا بسبب إطلاق العقد، بل عند التأمل الجيد لا يزيد ما نحن فيه على اشتراط مالك العبد على مالك الجارية كون النماء له و بالعكس الذي قد ذكرنا أنه لا خلاف في صحته.

و دعوى منع صلاحية الشرط لذلك أيضا ممنوعة، فإنه لا عقل و لا نقل يقتضي حرية المتولد بين الحر و المملوك على وجه ينافي الشرط المزبور، بل لعلهما شاهدان على خلافه كما عرفت، نعم أقصى ما دلت عليه الأدلة أنه مع الإطلاق يقتضي الشركة في الولد، فيكون جزؤه حرا، و قد عرفت غير مرة أن الحرية تسرى لبنائها على التغليب، فمن هذه الجهة حكم بالحرية في النصوص المزبورة مع الإطلاق، و هو المراد من

قوله عليه السلام فيها: «ليس يسترق الولد»

إلى آخره، لا أن المراد أنه لا يصح الاشتراط على الحر من مولى المملوك كون النماء له الذي قد عرفت ظهور الأدلة في خلافه.

ج 30، ص: 217

بل منه يعلم ما في كلام هؤلاء المتأخرين الذين أقدموا على مخالفة الحكم المسلم فيما بينهم بمثل هذه التشكيكات، ضرورة أنه إن كان المانع أن الشرط غير صالح لإثبات النتائج من دون أسبابها فلا معنى لإثبات الرقية به، ففيه بعد التسليم أنه كاشتراط كون النماء له في المملوكين و غيره مما جاء بالأدلة، و إن كان المانع أنه شرط غير مقدور باعتبار أن رقية الولد ليست للأب كي يصح اشتراط ذلك عليه، ففيه منع كون ما نحن فيه من هذا القبيل، بل هو من اشتراط مولى المملوك أن النماء له، فيتبعه في الملك، و ليس في العقل و لا في النقل ما يدل على عدم صحة اشتراط ذلك، بل هما شاهدان لنا على الصحة، و لا ينافيه استعداد النطفة للحرية لو لا الشرط للتقريب الذي ذكرناه، فهو في الحقيقة اشتراط إسقاط ما اقتضاه إطلاق العقد من الشركة في النماء كغيره من الشرائط، لا من اشتراط رقية الحر كي يكون من المستبشعات.

بل منه يعلم النظر في حصرهم الدليل في خبر أبي بصير (1)

الذي ناقشوا فيه بالضعف تارة، و بكونه مقطوعا في رواية التهذيب اخرى و بنحو ذلك، و لم يلتفتوا إلى إطلاق الروايات المعتبرة المعتضدة بفتوى الأصحاب في صورة الشرط، بل لا ينكر صراحتها في قابلية الشرط لحرية الرق لولاه التي يعلم منها كون ذلك و عكسه مما يصلح لإثباته بالشرط بالتقريب الذي قد سمعته فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع، مضافا إلى ما تسمعه من النصوص في ولد المحللة (2)

ما لم يشترط حريته فضلا عن اشتراط رقيته.

و على كل حال فعلى القول ببطلان الشرط و أنه يقتضي بطلان العقد تثبت حرية الولد مع الوطء شبهة، لعدم العلم بالفساد، أما مع علمه فالظاهر الرقية


1- 1 الوسائل الباب- 30- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 10.
2- 2 الوسائل الباب- 37- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 218

حينئذ لكونه من الزنا المقتضي لعدم لحوق الولد، فتبقى قاعدة تبعية النماء للملك سالمة حينئذ، أما على القول بعدم اقتضاء بطلان الشرط بطلان العقد فلا ريب في ثبوت الحرية، ضرورة كون العقد حينئذ كالمطلق، و إن كان قد يقال: إن إقدام المالك على ذلك يقتضي إثبات القيمة له على الحر، لكنه كما ترى.

أما على القول بصحة الشرط فلا إشكال في ترتب مقتضاه حينئذ، بل في القواعد و المسالك و غيرهما أنه لا يسقط بالإسقاط و إنما يعود الولد إلى الحرية بسبب جديد كملك الأب له، و فيه منع عدم صلاحية الشرط المزبور للإسقاط، لتناول ما دل على صحة إسقاط مثله له، فيعود حينئذ بعد الإسقاط إلى اقتضاء العقد الحرية بالتقريب الذي عرفته، و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا تزوج الحر أمة من غير إذن المالك ثم وطأها قبل الرضا عالما بالتحريم كان زانيا]

المسألة الثالثة:

إذا تزوج الحر أمة من غير إذن المالك سابقا و لاحقا ثم وطأها قبل الرضا عالما بالتحريم و لم يلحقه ثم رضا كان زانيا قطعا و عليه الحد بلا خلاف و لا إشكال، لا أن المراد قبل تبين الرضا مع احتمال حصوله، إذ ذاك ليس بزنا قطعا و إن أثم هو أيضا به، لكن من المحتمل مصادفته للزوجية واقعا، لاحتمال حصول الإجازة، و الحدود تدرأ بالشبهات، نعم يترتب عليه تعزير بإقدامه المحرم عليه، بل و الحد أيضا، بناء على أن الإجازة ناقلة، لكن التحقيق أنها كاشفة كما عرفت في محله.

و علي كل حال لا مهر لها عند المصنف و بعض إذا كانت عالمة مطاوعة لأنها حينئذ، بغي، و لا مهر لبغي و ليس منفعة البضع على حسب غيرها من الأموال التي تضمن بالاستيفاء على كل حال، بل و كذا باقي الاستمتاعات، و من هنا لم يترتب عوض على من استمتع بأمة الغير بغير الوطء و إن ضمن الأجرة لو استخدمها، و إنما يضمن البضع خاصة في الأمة بالعقد أو الشبهة أو الإكراه.

ج 30، ص: 219

لكن فيه- مضافا إلى ما تسمعه من الصحيحين- (1)

أن الخبر (2)

ظاهر في الحرة بقرينة ذكر المهر المتعارف إطلاقه على صداقها، بخلاف عوض بضع الأمة المسمى بالعقر و نحوه، و من هنا سميت الحرة مهيرة دونها، على أن

قوله صلى الله عليه و آله (3)

«لبغي»

يقتضي الملك أو الاستحقاق المنفيين عن الأمة التي مهرها لسيدها، فهو حينئذ قرينة ثابتة على إرادة الحرة من الخبر، و لو سلم إمكان إرادة الاختصاص نحو السرج للدابة فهو مجاز لا قرينة عليه، مؤيدا ذلك كله بعدم صلاحية بغيها لإسقاط حق الغير، فان ذلك ليس عقوبة لها، و بمنع عدم مالية بضع الأمة الذي لا وجه لقياسه على غيره من الاستمتاع لو سلم الحكم في المقيس عليه باعتبار عدم عده ما لا في العرف و الشرع بخلاف الوطء المقابل به عرفا و شرعا.

هذا و في وجوب المسمى عليه أو مهر المثل أو العشر إن كانت بكرا و نصفه إن كانت ثيبا وجوه بل أقوال لا يخلو الأخير منها من قوة، وفاقا للمحكي عن ابن حمزة و اختاره سيدا المدارك و الرياض على ما حكى عن أولهما، ل

صحيح الوليد بن صبيح (4)عن الصادق عليه السلام في «رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة دلست نفسها له، قال:

إن كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد، قال: قلت: كيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال: إن وجد ما أعطاها فليأخذه، و إن لم يجد شيئا فلا شي ء له عليها، و إن كان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه، و لمواليها عشر قيمة ثمنها إن كانت بكرا و إن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها، قال: و تعتد منه عدة الأمة، قلت: فان جاءت منه بولد، قال:


1- 1 الوسائل الباب- 35 و 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 منهما.
2- 2 سنن البيهقي ج 6 ص 6.
3- 3 لم نعثر على ما اشتهر «لا مهر لبغي» و انما الموجود في سنن البيهقي ج 6 ص 6 «نهى النبي ص عن. مهر البغي» و «لا يحل. و لا مهر البغي» و أنه «سحت» أو «خبيث».
4- 4 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 220

أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن الموالي»

الظاهر في أن ذلك بسبب ما استوفاه من منفعة البضع التي لا فرق في كيفية استيفائها بزنا أو شبهة، عقد أو شراء أو غير ذلك، كما يؤيده فتوى المشهور بين الأصحاب في باب البيع أن من اشترى أمة فخرجت مستحقة للغير أغرم له ذلك، حتى أن المصنف نفسه أفتى به هناك، بل ظاهرهم ما صرح به بعضهم هناك من عدم الفرق بين كون الأمة عالمة و غير عالمة إلا من الشهيد في الدروس.

و احتمال اختصاص ذلك بصورة الوطء شبهة لا ما يشمل الزنا الذي هو محل البحث بقرينة

قوله عليه السلام: «بما استحل»

يدفعه أولا ظهور إرادة المقابلة من قوله عليه السلام: «بما استحل» لا خصوص الوطء بعنوان كونه حلالا له، نحو

قول أبي جعفر عليه السلام في خبر زرارة (1) الذي سئل عمن اشترى جارية ثم ظهر كونها مستحقة بالبينة «ترد إليه جاريته و يعوضه مما انتفع»

بناء على إرادة ذلك منه، على أن

صحيح الفضيل بن يسار (2) صريح في عدم مدخلية الاستحلال «سأل الصادق عليه السلام عما إذا أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها، قال: لا ينبغي له ذلك قال:

فان فعل أ يكون زانيا؟ قال: لا و لكن يكون خائنا و يغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكرا و إن لم تكن بكرا فنصف العشر»

بل من إطلاق الصحيحين يعلم الحكم في أصل المسألة، و أنه لا مدخلية لبغيتها في سقوط حق المولى خصوصا إذا كانت بكرا، فإنه ينبغي القطع بثبوت ذلك له.

و احتمال القول بخروجه عن محل البحث باعتبار كونه جناية على المملوك موجبة لنقصه فضمانه من هذه الحيثية لا من حيث كونه مهرا يدفعه معلومية كون العشر الذي أثبته الشارع نصفه أرشا للبكارة و نصفه من حيث الانتفاع بالوطء، بقرينة

قوله عليه السلام: «و إن لم تكن بكرا فنصف العشر»

كما هو واضح بأدنى تأمل.

و منه يعلم الحكم فيما لو كان المتزوج بالأمة من غير إذن سيدها عبدا و كانت


1- 1 الوسائل الباب- 88- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 35- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 221

بكرا، فإن الذي يتعلق برقبته نصف العشر و بذمته النصف الأخر، لكن في القواعد «إن قلنا: إنه أرش جناية تعلق برقبته فلا بد أن يباع فيه، و إن قلنا: إنه مهر تبع به بعد العتق» و في كشف اللثام «الأقوى الأول خصوصا بالنسبة إلى المولى، و عدم ضمان الأرش بوطء الحرائر لأنه تابع للوطء، فهو جناية مباحة كالاختتان و الخفض» و فيه ما عرفت من أن الظاهر تحقق الجناية فيه و الوطء، و لكل موجب كما عرفته.

بل منه يظهر أن ذلك تقدير شرعي لبضع الأمة في جميع أحوال استيفائه بغير العقد الصحيح من غير فرق بين الزنا و غيره، و العلم و الجهل من الواطئ أو الأمة، للتعليل، و القطع بعدم الفرق في مورد الصحيحين و غيره كما اعترف به في الرياض، فالصور الأربعة المذكورة في المسالك و غيرها متحدة بالنسبة إلى هذا الحكم كغيرها من صور وطء الأمة بغير العقد الصحيح، و الله العالم.

و على كل حال فلا إشكال في انها لو أتت بولد كان الولد رقا لمولاها لكونه نماء ملكه، و الفرض عدم العقد المقتضى لثبوت النسب، فهو كولدها منه زناء من غير عقد، كما أنه لا إشكال في ضمانه أرش عيبها بالولادة إن تعيبت بها، كما عن ابن حمزة التصريح به، هذا كله فيمن وطأ بلا إذن عالما بالتحريم.

و أما إن كان أي الزوج جاهلا بحرمة ذلك عليه أو كان هناك شبهة وطأها بها بعد العقد كأن وجدها على فراشه فلا حد قطعا لعدم تحقق موجبه، و هو الزنا و وجب المهر الذي هو العشر إن كانت بكرا، و نصفه إن كانت ثيبا عندنا و إن كانت هي غير مشتبهة و كان الولد حرا إجراء للشبهة- و إن لم تكن عن عقد- مجرى العقد الصحيح في حصول النسب المقتضي للحرية على الوجه الذي ذكرناه. لكن يلزمه قيمته لمولى الأمة (11) لكونه كالمتلف مال غيره بغير إذنه، ضرورة كونه نماء للجارية و تابعا لها، كما أوضحناه سابقا، و وقت تقويمه يوم سقط حيا (12) إذ مع السقوط ميتا ليس بمال كما أنه

ج 30، ص: 222

كذلك قبله أيضا، فأول أزمان تموله الذي قد حال بينه و بينه يوم سقوطه، فيفرد حينئذ بالتقويم في ذلك الوقت، و يضمن له قيمته، كما أوضحناه في باب البيع.

و كذا لو عقد عليها لدعواها الحرية بالأصل أو بالعارض مع قيام بينة لها بذلك أو قرائن أفادت القطع به أو الظن مع القطع بكفايته في الاقدام على تزويجها جهلا على وجه يعذر فيه أو نحو ذلك مما يكون به العقد و الوطء شبهة بعد أن بان فساد دعواها، فإنه لأحد حينئذ قطعا، لعدم موجبه بعد فرض الشبهة، و لزمه المهر المسمى في قول ضعيف، ضرورة تبين فساد العقد المقتضى له من أصله لا من حينه، كما عساه يتوهم من بعض العبارات، و لا دليل يعتد به على لحوق عقد الشبهة بالصحيح بالنسبة إلى ذلك، كما تقدم البحث في نظائره التي قلنا بوجوب مهر المثل فيها الذي هو المتجه هنا لولا الصحيح المزبور المعتضد بالصحيح الأخر.

و من هنا كان الأقوى ما قيل من عشر قيمتها إن كانت بكرا، و نصف العشر إن كانت ثيبا بل ظاهر قول المنصف و هو المروي (1) الميل اليه هنا و إن كان الظاهر عدم الفرق بين جميع أحوال وطء الأمة بغير العقد الصحيح المذكور فيه المسمى كما عرفت الكلام فيه مفصلا، بل ظاهر الأصحاب الاتفاق هنا على عدم الفرق بين كونها بغيا و غير بغي، بل في المسالك عن بعضهم دعوى إجماع المسلمين عليه، و هو مما يؤيد ما قلناه سابقا من وجوب المهر لها و إن كانت بغيا، ضرورة عدم الفرق المجدي بين الموضعين، كما هو واضح.

و على كل حال ف لو كان دفع إليها مهرا استعاد ما وجد منه، لكونه باقيا على ملكه، و تبعها بالتالف منه بعد العتق، و يغرم للمولى ما يستحقه عليه، كل على مختاره فيه، حتى أنه لو قلنا بكون اللازم له المسمى و فرض دفعها إليها و كان تالفا وجب دفع مثله أو قيمته اليه، لكونه مضمونا عليه حتى يوصله إليه، و قد بان أن الوصول إليها وصول إلى غير المستحق، كما هو واضح.


1- 1 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 223

و لو أولدت منه كان ولدها منه رقا عند الشيخ و أتباعه، بل في الحدائق أنه هو المشهور، بل لعله خيرة المصنف بناء على أن ذلك منه، لا أنه مقول قيل، فيكون منافيا لما اختاره سابقا في شبهة الزوج بغير دعوى الحرية، و لعله لخصوص النصوص (1)

هنا.

لكن الأقوى عدم الفرق بين أفراد الشبهة في حرية الولد، وفاقا للمحكي عن المبسوط و السرائر و نكت النهاية، للأصل و لظهور الأدلة في كونه كالعقد الصحيح في لحوق النسب المقتضي لحرية الولد على الوجه الذي قد عرفته سابقا، مضافا إلى أصالة الحرية، و أصالة عدم لحوق أحكام العبيد، و إلى خصوص ما في ذيل صحيح الوليد بن صبيح (2)

الذي هو دليل المسألة، و لا داعي إلى حمل ذلك فيه على الإنكار دون الاخبار بقرينة الشرط فيه المحمول على إرادة تقرير موضوع الحكم بالحرية لا التعليقية، أو على كون الأب قد رد ثمنهم الذي هو كما ترى، المعتضد ب

صحيح محمد بن قيس (3) عن أبي جعفر عليه السلام «في رجل تزوج جارية رجل على أنها حرة ثم جاء رجل آخر فأقام البينة على أنها جاريته، قال: يأخذها و يأخذ قيمة ولدها»

الظاهر في حرية الولد، و إلا كان الجائز له أخذها و أخذ ولدها، بل و بالنصوص (4)

في الأمة المشتراة ثم بان أنها مستحقة للغير المتقدمة في كتاب البيع، بناء على عدم الفرق بين أفراد الشبهة، بل و ب

موثق سماعة (5)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام


1- 1 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 8 عن محمد بن على بن الحسين، عن أبى جعفر عليه السلام، الا أن الموجود في الفقيه ج 3 ص 262- الرقم 1246 «روى محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه السلام.».
4- 4 الوسائل الباب- 88- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
5- 5 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.

ج 30، ص: 224

عن مملوكة أتت قوما و زعموا أنها حرة فتزوجها رجل منهم و أولدها ولدا ثم إن مولاها أتاهم فأقام عندهم البينة أنها مملوكة أو أقرت الجارية بذلك، فقال: تدفع إلى مولاها هي و ولدها، و على مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير اليه، قلت: فان لم يكن لأبيه ما يأخذ به ابنه، قال: يسعى أبوه في ثمنه حتى يؤديه، و يأخذ ولده، قلت: فان أبى الأب أن يسعى في ثمن ابنه، قال: فعلى الامام أن يفديه، و لا يملك ولد حر»

فإنه صريح في كون الولد حرا بناء على ما في جامع المقاصد من أنه ضبطه المحققون بالوصف لا الإضافة، فيكون المراد حينئذ أنه ولد حر و الولد الحر لا يكون مملوكا، فيجب على الأب أو الإمام فداؤه.

و منه يعلم حينئذ أن دفع القيمة و دفع الولد لمولى الجارية لا لكونه مملوكا، بل لاستحقاقه القيمة على الأب، فمن الغريب استدلال بعضهم به على الرقية، كالاستدلال عليها أيضا ب

حسن زرارة (1)

«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أمة أبقت من مواليها فأتت قبيلة غير قبيلتها فادعت أنها حرة، فوثب عليها رجل فتزوجها، فظفر بها مولاها بعد ذلك و قد ولدت أولادا، فقال: إن أقام الزوج البينة على أنه تزوجها على أنها حرة أعتق ولدها و ذهب القوم بأمتهم، و إن لم يقم البينة أوجع ظهره و استرق ولده»

و موثق سماعة (2) الآخر «سأله عن مملوكة أتت قبيلة غير قبيلتها فأخبرتهم أنها حرة، فتزوجها رجل منهم، فولدت له، قال: ولده مماليك إلا إن يقيم البينة أنه شهد لها شاهدان أنها حرة فلا يملك ولده، و يكونون أحرارا»

و موثق محمد بن قيس (3) الآخر عن أبى جعفر عليه السلام «قضى علي عليه السلام في امرأة أتت قوما فأخبرتهم أنها حرة، فتزوجها أحدهم و أصدقها صداق الحرة، ثم جاء سيدها، فقال: ترد عليه، و ولدها عبيد»

و ذلك لأن حسن زرارة ظاهر أو صريح في إرادة بيان أن الأصل تبعية النماء للجارية في المملوكية للسيد حتى يقيم البينة أنه تزوجها حرة مشتبها و إلا كان الولد رقا، بل هو المراد من موثق سماعة المزبور و إن كان قد اقتصر


1- 1 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.

ج 30، ص: 225

فيه على ذكر بعض أفراد الشبهة، و هو إقامتها البينة، بل منه يعلم المراد في موثق محمد بن قيس، فليس شي ء من هذه النصوص دالا على رقية الولد في هذا الفرد من الشبهة، بل حاله كحال غيره من أفرادها.

و من ذلك يعلم ما في الجمع الذي ذكره في الحدائق و أطنب فيه، و حاصله «إنه إن كانت الشبهة الحاصلة بشهادة الشاهدين لها على الحرية فأولادها أحرار من دون دفع قيمة، لأنه أخذ بظاهر الشرع، و إن كانت بدعواها العتق مثلا مع ظهور قرائن تورث الظن بصدقها و توهم الحل بذلك فأولادها أرقاء، و لكن يفكهم أبوهم بالقيمة، لكونه ليس حلالا صرفا كشهادة الشاهدين حتى يكون الولد حرا، و لا زنا صرفا حتى يكون رقا، بل كان شبهة فيه شائبة زنا، فكان حكمه الرقية التي يكون للأب سلطنة على الفك جمعا بين الشبهة و شائبة الزنا».

لكنه كما ترى لا شاهد له و لا مقتضى، و العذر الشرعي و لو بينة لا ينافي الضمان كما نطقت به النصوص (1)

فيمن اشترى أمة فظهر أنها مستحقة للغير، نعم هل يستحق الرجوع به على الشاهدين أو لا؟ فيه بحث ستسمعه إن شاء الله و كأنه أخذ هذا الجمع مما عن النهاية قال: «إن عقد عليها على ظاهر الأمر بشهادة الشاهدين لها بالحرية و رزق منها أولادا كان أولادها أحرارا، و إن عقد عليها على ظاهر الحال و لم تقم عنده بينة بحريتها ثم تبين أنها كانت رقا كان أولادها رقا لمولاها، و يجب عليه أن يعطيهم أباهم بالقيمة، و على الأب أن يعطي القيمة، فان لم يكن له مال استسعى في قيمتهم، فان أبى كان على الامام أن يعطى مولى الجارية قيمتهم من سهم الرقاب و لا يسترق ولد حر».

بل قد يرجع إلى ذلك كلامه في كتابي الأخبار، بل في كشف اللثام حكايته عن المهذب أيضا، بل فيه و كذا في الغنية، لكنه أوجب للسيد القيمة على الأول أيضا، و في الجامع، إلا أنه لم ينص على الرقية في الثاني، و في الوسيلة، لكن جعل في حكم شهادة الشاهدين بالحرية تدليس مدلس عليه، إلا أنه لا يخفى عليك ما في


1- 1 الوسائل الباب- 88- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 226

الجمع بعد الإحاطة بما ذكرنا من أنه لا معارضة في شي ء من هذه النصوص لما دل على الحرية كغيرها من أفراد الشبهة.

و لكن صرح غير واحد بأنه يجب على الزوج الذي هو الأب أن يفكهم بالقيمة و يلزم المولى دفعهم إليه بمعنى أنه يضمن قيمة الولد للمولى، لأنه كالمتلف لماله الذي هو نماء ملكه و إن كان مشتبها، لأن الاشتباه لا يرفع الضمان الذي قد دلت عليه نصوص (1)

الأمة المشتراة ثم ظهر أنها مستحقة، و بعض نصوص المقام (2).

نعم الظاهر أنه لا سلطنة للمولى على الأولاد بناء على الحرية، فليس له حبسهم حتى تدفع إليه القيمة، و موثق سماعة (3)

المزبور لم أجد به عاملا على هذا التقدير، ضرورة نفى السلطنة على الحر، و شغل ذمة الأب بالقيمة لا يقتضي ذلك و من هنا قال في المسالك بعد نقل قولي الحرية و الرقية: «و تظهر فائدة القولين مع اتفاقهم على وجوب القيمة و الحرية بدفعها فيما لو لم يدفعها لفقر أو غيره، فعلى القول بالحرية تبقى دينا في ذمته، و الولد حر، و على القول الأخر يتوقف على دفعها».

فالواجب حمل قوله عليه السلام فيها: «تدفع هي و ولدها» على إرادة دفع قيمة ولدها كما أومأ إليه صحيح محمد بن قيس (4)

المذكور، و إلا كان مخالفا للمسلمين فضلا عن المؤمنين، ضرورة عدم حبس الحر بدين غيره.

كما أن ما فيها من سعى الأب في الثمن مخالف للمختار من عدم وجوب سعى المديون في وفاء دينه الذي وجوبه مشروط بالمطالبة التي أسقطها الشارع بالإعسار و أوجب الإنظار إلى الميسرة (5)

فهو في الحقيقة واجب مشروط، و إخراج هذا


1- 1 الوسائل الباب- 88- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
3- 3 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 5.
4- 4 راجع التعليقة الثالثة من ص 223.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 280 و الوسائل الباب- 25- من أبواب الدين و القرض من كتاب التجارة.

ج 30، ص: 227

الدين من بين الديون التي فيها أعظم منه كالغصب و السرقة و نحوهما كما ترى، فيحب حمله على الندب، كما احتمله في المسالك، و ربما يومئ إليه عدم الأمر بالقهر عليه عند الامتناع عنه في ذيل الخبر المزبور، و إلا كان من الشواذ على هذا التقدير، فانا لم نجد عاملا به.

كما لم نجد عاملا به عليه أيضا في تعيين القيمة و أنها يوم يصير إليه، بل المعروف أنه قيمته يوم سقوطه حيا، لأن ذلك أول وقت الحيلولة و كذا ما فيها من فداء الامام له، مع أن الخطاب بالقيمة قد تعلق بذمة الأب.

و أغرب من ذلك ما عن النهاية من فداء الإمام له من سهم الرقاب، و لذا اعترضه ابن إدريس فيما حكي عنه «بأن ذلك مخصوص بالعبيد و المكاتبين، و هؤلاء غير عبيد و لا مكاتبين، بل أحرار في الأصل انعتقوا لذلك ما مسهم رق أبدا،

لأنه عليه السلام قال: «و لا يسترق ولد حر»

وصفه بأنه حر، فكيف يشترى الحر من سهم الرقاب؟ و إنما أثمانهم في ذمة أبيهم، لأن من حقهم أن يكونوا رقا لمولى أمهم لكن لما حال الأب بينهم و بينه بالحرية وجب عليه قيمتهم يوم وضعهم أحياء أحرارا، و هو وقت الحيلولة» و إن كان قد يدفع بأن الشيخ قد بنى ذلك على رقية الولد لا حريته، و حينئذ يكون فداؤهم من سهم الرقاب في محله، لعدم كون القيمة حينئذ في ذمة الأب و إن وجب عليه دفعها ثمنا لهم.

و في الحدائق «و العجب منه أنه وافق الشيخ في هذه الصورة على رقية الولد، و أوجب السعي على أبيه في قيمته، فكيف يوافقه على ذلك و يمنع فكهم من سهم الرقاب؟ لكونهم أحرارا ما مسهم رق أبدا ل

قوله عليه السلام في الخبر المزبور (1):

«و لا يملك ولد حر».

قلت: يمكن أن يكون ذلك منه شاهدا على إرادة التجوز من الرقية، و يكون هذا وجه جمع بين القولين، كما احتمله في كشف اللثام مستظهرا له منها و من نكت النهاية، و هو غير بعيد.

و على كل حال فالخبر المزبور بعد البناء على الحرية لا بد من طرح هذه


1- 1 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.

ج 30، ص: 228

الاحكام فيه، أو تأويلها بما يرجع إلى القواعد الشرعية، و إلا فإنه من الشواذ، كما هو واضح، و من ذلك ظهر لك الحال فيما في المتن و نحوه.

بل و ما فيه من أنه لو لم يكن له أي الأب مال سعى في قيمتهم، و إن أبي السعي فهل يجب أن يفديهم الامام؟ قيل و القائل الشيخ و من تبعه:

نعم تعويلا على رواية (4)- سماعة (1)

و فيها ضعف بناء على أن الموثق من الضعيف. و لذا قيل: لا يجب لأن القيمة لازمة للأب لأنه سبب الحيلولة بين المالك و الأولاد، و فيه أنه بناء على الرقية لا منافاة بين ذلك و بين فكهم من سهم الرقاب.

و لو قيل بوجوب الفدية على الامام فمن أي شي ء يفديهم؟ قيل: من سهم الرقاب كما سمعته من النهاية و منهم من أطلق و لعله أولى، للإطلاق و لأن بيت المال معد لمصالح المسلمين التي هذه منها، لكن لا يخفى عليك أن ذلك كله غير متجه على ما اخترناه من الحرية.

و من الغريب ما عن الوسيلة من أنه «إن انقطع تصرف الإمام أدى الأب عنه من جهات الزكاة، فإن فقد جميع ذلك بقي الولد رقا حتى يبلغ و يسعى في فكاك رقبته» فإنه لم نجد ما يشهد له على ذلك، و التحقيق ما عرفت.

نعم قد صرح في محكي السرائر برجوع الأب بالقيمة على شاهديها بالحرية اللذين قد تزوجها بشهادتهما، قال: «لأن شهود الزور يضمنون بشهادتهم بغير خلاف بيننا، و الإجماع منعقد على ذلك» و عن أبي الصلاح إذا تزوج الحر بأمة على أنها حرة فخرجت أمة فولدها لاحقون به» و يرجع بقيمة الولد و الصداق على من تولى أمرها، و إن كانت هي التي عقدت على نفسها لم يرجع على أحد بشي ء».

قلت: لا ريب في اقتضاء قاعدة الغرور الرجوع على الغار بما أنفقه المغرور كما تسمعه إنشاء الله في بحث التدليس، و ربما كان في خبري إسماعيل بن جابر إيماء


1- 1 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.

ج 30، ص: 229

إلى القاعدة المزبورة

قال في أحدهما (1): «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته فسأل عنها، فقيل: هي ابنة فلان، فأتى أباها، فقال: زوجني ابنتك، فزوجه غيرها، فولدت منه، فعلم أنها غير ابنته و أنها أمة، قال: ترد الوليدة على مواليها، و الولد للرجل، و على الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه لموالي الوليدة، كما غر الرجل و خدعه»

و قال في الآخر (2) لأبي عبد الله عليه السلام أيضا:

«رجل كان يرى امرأة تدخل على قوم و تخرج فسأل عنها، فقيل: إنها أمتهم و اسمها فلانة، فقال لهم: زوجوني فلانة، فلما زوجوها عرفوه أنها أمة غيرهم، قال: هي و ولدها لمولاها، قلت: فجاء إليهم فخطب إليهم أن يزوجوه من أنفسهم، فزوجوه و هو يرى أنها من أنفسهم فعرفوه بعد ما أولدها أنها أمة، قال: الولد لهم، و هم ضامنون قيمة الولد لمولى الجارية، و لا بأس به»

بل ربما يقال: بضمان الجارية ذلك لو كانت هي الغارة، فتتبع به بعد العتق، و كان المراد بالضمان قراره، لما عرفت في محله أن المغرور لا يستحق الرجوع إلا بعد الدفع، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا زوج عبده أمته هل يجب أن يعطيها المولى شيئا من ماله قيل نعم]

المسألة الرابعة إذا زوج عبده أمته هل يجب أن يعطيها المولى شيئا من ماله؟ قيل و القائل الشيخان و ابنا حمزة و البراج و أبو الصلاح نعم يجب ل

صحيح ابن مسلم (3) عن الباقر عليه السلام «سألته عن الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال: يجزؤه أن يقول: قد أنكحتك فلانة و يعطيها ما شاء من قبله أو من مولاه، و لو مدا من طعام أو درهما»

وحسن الحلبي (4) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «الرجل كيف ينكح عبده


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 43- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 مع اختلاف يسير.
4- 4 الوسائل الباب- 43- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.

ج 30، ص: 230

أمته؟ قال: يقول: أنكحتك فلانة و يعطيها ما شاء من قبله أو من قبل مولاه و لو مدا من طعام أو درهما أو نحو ذلك».

و لكن مع ذلك ف الاستحباب أشبه بأصول المذهب و قواعده و أشهر بل المشهور سيما بين المتأخرين و متأخريهم للأصل و عدم تصور استحقاقه لنفسه على نفسه، ضرورة أن مهر الأمة لسيدها، كعدم تصوره استحقاق ماله عليه مالا، بل التسامح في الخبرين المزبورين في تقدير ذلك أوضح قرينة على الاستحباب، بل صراحتها بعدم ذكره مهرا في النكاح شاهد آخر عليه أيضا، و منه يعلم شذوذهما لو أريد الوجوب، ضرورة كون القائل بالوجوب يجعله مهرا كما هو صريح النهاية و المحكي عن غيرها، فظاهر الخبرين لم يقل به، كما أن ظاهر القائلين لم يوافقه خبر.

و لا فرق في المختار بين القول بأن نكاح العبد تحليل أو عقد، فما عساه يظهر من بعضهم من بناء هذه المسألة على ذلك لا وجه له، و التحقيق فيها أنه عقد، لإطلاق النص (1)

و الفتوى خلافا لابن إدريس، فتحليل لعدم الحاجة فيه إلى قبول، و للاكتفاء بأمر المولى بالاعتزال في فسخه، و لو كان عقدا لاحتاج إلى طلاق من العبد الأخذ بالساق، و دعوى كون هذا الأمر طلاقا يدفعها عدم اعتبار ما يعتبر في الطلاق فيه، و فيه منع عدم الحاجة فيه إلى قبول، و الخبران إنما كان السؤال فيهما عن كيفية إنكاح المولى العبد أى ما يتعلق بالمولى من الإيجاب، لا أن المراد كفاية ذلك من دون قبول لا من العبد و لا من السيد الذي هو وليه، بل لعل دلالته على القبول أوضح، كما في كشف اللثام، للفظ الإنكاح، و اجتزئ به عن ذكر القبول، لظهوره فحينئذ يبقى ما دل على اعتبار العقد به في النكاح بحاله.

و من ذلك يعلم ما في القواعد من الإشكال في ذلك، قال فيها: «و لو زوج عبده أمته ففي اشتراط قبول المولى أو العبد إشكال ينشأ من أنه عقد أو إباحة» إذ قد عرفت أن الأول هو الموافق للأصل و الاحتياط في الفروج، و الظاهر من الأصحاب


1- 1 الوسائل الباب- 43- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.

ج 30، ص: 231

و الأخبار، بل هو صريح بعض الأصحاب أيضا كما اعترف بذلك كله في كشف اللثام، بل ربما ظن من

صحيح علي بن يقطين (1) عدم جواز التحليل للعبد، «سأل الكاظم عليه السلام عن المملوك يحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه، قال: لا يحل له»

و إن كان الأقوى خلافه كما تعرفه من النصوص (2)

الدالة على جواز التحليل له، و احتمال كون المراد من الخبر أن مطلق الاذن له في ذلك لا يكون نكاحا، بل لا بدله من إنشاء عقد أو تحليل، بل لعله الظاهر منه.

و على كل حال فلا ريب في كون الأقوى ما عرفت، و لا يلزمه عدم الفراق إلا بالطلاق، فان نكاح المتعة عقد، و يحصل فراقه بغير الطلاق.

بل مما ذكرنا يعلم ما في المحكي عن المختلف من التزامه بعدم الحاجة إلى القبول، معللا له بكونه ممن لا يملكه، لجواز إجباره عليه، إذ فيه أن ذلك لا يقتضي عدم القبول اللفظي المحقق للعقد و لو من السيد كباقي أفراد المولى عليهم، فالتحقيق اعتباره في صحة العقد، بل تحققه من العبد باذن السيد أو من السيد، و كذا الإيجاب من الأمة بإذنه أو منه، فان كلا منهما إذا حصل كفى.

و كيف كان ف لو مات السيد كان الخيار للورثة في إمضاء النكاح و فسخه لانتقال ما كان للسيد إليهم، و لا خيار للأمة الباقية على الرقية و إن تغير المالك، كما هو واضح.


1- 1 الوسائل الباب- 33- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 33- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و الباب- 45- منها الحديث 1 و الباب- 22- منها الحديث 1 و 2 و 8.

ج 30، ص: 232

[المسألة الخامسة إذا تزوج العبد بحرة مع العلم بعدم الإذن لم يكن لها مهر و لا نفقة مع علمها بالتحريم]

المسألة الخامسة إذا تزوج العبد بحرة مع العلم لها بعدم الاذن له من السيد في ذلك لم يكن لها مهر و لا نفقة مع علمها بالتحريم قطعا لكونها بغيا حينئذ و ل

خبر السكوني (1) عن الصادق عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله: أيما امرأة حرة زوجت نفسها عبدا بغير إذن مواليه فقد أباحت فرجها و لا صداق لها».

نعم قيل كما في كشف اللثام و غيره لأحد عليها، و ربما كان ظاهر اقتصار المصنف و غيره على ما عداه، و لعل وجهه أنه شبهة بالنسبة إليها باعتبار نقصان عقلها و عدم مخالطتها لأهل الشرع، فيكفي العقد شبهة لها، و بذلك يفرق بينها و بين الحر إذا تزوج أمة غير مأذونة عالما بحرمة ذلك عليه، كما أنه قد يفرق بينها و بين ما إذا تزوجت حرا بعقد فعلم فساده بأن هذا العقد فضولي تجوز فيه إجازة المولى، و يؤيده

ما في الأخبار (2) من أنه «لم يعص الله و إنما عصى سيده»

و حسن منصور بن حازم (3) عن الصادق عليه السلام «في مملوك تزوج بغير إذن مولاه أ عاص لله؟

قال: عاص لمولاه، قلت: حرام هو، قال: ما زعم إنه حرام، و قل له: أن لا يفعل إلا بإذن مولاه».

إلا أن الجميع كما ترى، بل لعل اقتصار المصنف و غيره اتكالا على معلومية ذلك، ضرورة صدق كونها زانية، و الشبهة العرفية منتفية بالفرض، و الشرعية لا دليل عليها، و نقصان عقلها و عدم مخالطتها لأهل الشرع لا يقضي بذلك بعد فرض علمها بالتحريم، كما أن توقع الإجازة لا يقضى به أيضا، و إلا سقط الحد عنها بتزوجها حرا مولى عليه فضولا مع تمكينها من وطئه إياها و لم تحصل الإجازة بعد ذلك،


1- 1 الوسائل الباب- 24- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.

ج 30، ص: 233

بل كان المتجه سقوطه عن الحر الذي يتزوج أمة من غير اذن مولاها فضولا و وطأها ثم لم تحصل الإجازة، فإنه لا اشكال عندهم في ثبوت الحد عليه فيما تقدم، نعم الظاهر عدم تعجيل الحد عليه قبل تعرف عدم الإجازة، لاحتمال حصولها، و هكذا في كل فضولي، فإنه لا شبهة في الواقع في كونه وطء أجنبية مثلا أو زوجة إلا أنا لا نعلم إلا بعد حين، فحاله حينئذ كمن وطأ امرأة في ظلمة مثلا لا يعلم أنها زوجته أو غير زوجته عالما بحرمة ذلك عليه، ثم بان أنها غير زوجته، فان الظاهر ثبوت الحد عليه، لا قدامه على وطئها أجنبية و كانت كذلك في الواقع، و ليس هذا معنى الشبهة الدارئة للحد، كما هو واضح، و

خبر «لم يعص الله»

إلى آخره و نحوه يراد منه أن عقده مستعد للصحة بالإجازة لذلك، كما عرفته في محله، و إلا فقد ورد في النصوص (1)

في الأمة إذا تزوجت بغير إذن مولاها فهي زانية، كما أومأ إليه الإمام عليه السلام هنا بنفي الصداق لها، إذ هو ليس إلا لكونها بغيا حينئذ، فتأمل جيدا.

و من ذلك يعلم أنه متى فعلت ذلك كان أولادها منه رقا لمولى العبد بلا خلاف، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه كغيره، ضرورة انتفاءهم عنها بالزنا الذي لا يثبت معه نسب، فيبقى أصل تبعية نماء المال للمال المقتضي لكون الولد رقا للمولى على حاله، نعم ربما أشكل ذلك بأنه مناف لما عندهم من أن العبد إذا زنى بحرة كان الولد حرا، ضرورة إطلاق كلامهم في المقام رقية الولد عدم الفرق بين علم العبد بحرمة ذلك عليه و عدمه، و ليس هو في الأول إلا زنا، و احتمال تخصيص كلامهم بالثاني معلوم عدمه، و قد يدفع بأن ذلك كذلك أيضا لو لا

خبر العلاء بن رزين (2) عن الصادق عليه السلام «في رجل دبر غلاما فأبق الغلام فمضى إلى قوم، فتزوج منهم و لم يعلمهم أنه عبد، فولد له أولاد و كسب مالا و مات مولاه الذي دبر فجاءه ورثة الميت الذي دبر العبد فطلبوا العبد، فما ترى؟ قال: العبد و ولده لورثة الميت، قلت: أ ليس قد دبر العبد؟ قال: إنه لما أبق


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 234

هدم تدبيره و رجع رقا»

الشامل لصورتي علم العبد بحرمة ذلك عليه و عدمه، و من هنا فرق بينه و بين الزنا الذي لا عقد فيه الذي لا مقتضى لجهة الشركة فيه إلا قاعدة النمائية التي هي في الأم متحققة عرفا، كسائر الحيوانات، هذا كله في الحرة العالمة.

و أما لو كانت جاهلة بكونه عبدا أو بحرمة ذلك عليها فلا حد عليها قطعا للشبهة و كانوا أي أولادها منه أحرارا وفاقا للمشهور شهرة عظيمة اجراء للشبهة مجرى الصحيح الذي قد عرفت تبعية الولد فيه للحر الذي هو أشرف الأبوين، سواء كان العبد مشتبها أولا، نحو الأمة التي دلست نفسها فتزوجها الحر مشتبها، فإن أولادها منه أحرار نصا (1)

و فتوى كما عرفته فيما تقدم، و خلافا للمحكي عن المفيد، من الحكم بكونهم رقا، و لعله لإطلاق الخبر المزبور (2)

و تبعه في الحدائق لذلك، لكن لا يخفى على من أحاط خبرا بما ذكرنا في نصوص الأمة (3)

- من كون المراد الحكم بالملكية التي هي مقتضى قاعدة نماء المملوك المتزوج بغير إذن حتى تقوم البينة للحر بكونه مشتبها كي يلحق به الولد، فان احتمال الشبهة غير كاف في ذلك و إن كفت في درء الحد- أن المراد من الخبر المزبور هنا أيضا ذلك قطعا، لا أن المراد كون الولد رقا حتى لو علم كون الحرة مشتبهة المخالف لقاعدة إجراء الشبهة مجرى الصحيح في لحوق الأولاد في كل مقام و كون المفروض في الخبر عدم إعلام العبد بالإباق لا يحقق الشبهة، كما هو واضح و حينئذ فلا ريب في كون أولادها أحرارا للشبهة.

بل الظاهر أنه لا يجب عليها هنا قيمتهم بلا خلاف أجده فيه، للأصل بعد اختصاص الدليل بالحر المتزوج أمة شبهة، و حرمة القياس خصوصا مع إمكان إبداء الفرق بين المقامين، اللهم إلا أن يقال: إن غرم القيمة هناك ليس إلا للحيلولة بين المالك و نماء ملكه المشترك بين المقامين، و فيه أن ذلك تعليل بعد


1- 1 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 235

النص، على أن قاعدة النماء قد عرفت كونها في الأم دون الأب كما في سائر الحيوانات، و لذا غرم الحر في إتلاف نماء الام بخلاف الحرة، فتأمل.

و على كل حال ففي الفرض كان مهرها المسمى أو مهر المثل لازما لذمة العبد إن دخل بها ضرورة كون الوطء محترما، و متى كان كذلك لم يخل من مهر، و لكن حيث كان العبد غير قادر على شي ء فهو معسر حينئذ و من هنا كان المتجه أنها تتبع به إذا تحرر هذا إذا لم يجز المولى، و إلا كان اللازم المسمى تطالب به السيد، لما عرفت من أن مهر العبد المأذون على مولاه كنفقة زوجته و ذلك كله واضح بعد الإحاطة بما قدمنا في المباحث السابقة.

[المسألة السادسة إذا تزوج عبد بأمة لغير مولاه فان أذن الموليان فالولد لهما]

المسألة السادسة إذا تزوج عبد بأمة لغير مولاه فان أذن الموليان سابقا أو لا حقا فالولد لهما بلا خلاف و لا إشكال، لما عرفته سابقا من كون ذلك مقتضى العقد، من غير فرق في ذلك بين حصول الولد منهما قبل الاذن أو بعده، و بين علمهما بالتحريم و عدمه و كذا لو لم يأذنا بلا خلاف أيضا و لا إشكال بعد ما عرفت سابقا من الحكم برقية ولد الأمة المزوجة بغير إذن في النصوص (1)

السابقة التي لا يضر فرض كون المتزوج بها حرا في بعضها، و برقية ولد العبد المتزوج بغير إذن سيده في خبر رزين (2)

السابق المعتضد بالفتوى.

بل ظاهر إطلاق المصنف و غيره عدم الفرق في ذلك بين علمهما بالتحريم و عدمه، و إن كان ربما توهم الاشكال فيه بأنه متجه في صورة الجهل، للشبهة الجارية


1- 1 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3 و 4 و 6 و 7.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و هو خبر علاء بن رزين.

ج 30، ص: 236

مجرى العقد الصحيح المقتضي للشركة، دون صورة العلم التي هي من الزنا الذي ستعرف فتوى الأصحاب بكون الولد لمولى الأمة، و من هنا قيد بعض الناس موضوع المسألة في غير المأذونين بالجاهلين، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه، لما عرفت سابقا من الفرق بين الزنا و العقد و إن كان معلوم الفساد لهما، لخبر رزين (1)

السابق المفروض فيه علم العبد بعدم إذن المولى له عالما بالحكم مع ذلك أولا فالمتجه حينئذ إبقاء إطلاق الأصحاب على حاله، و دليله ما دل من النصوص (2)

على أن نكاح الأمة من غير إذن مولاها مقتض لرقية الولد، و نكاح العبد من غير إذن مولاه مقتض لرقية الولد، من غير فرق بين علمهما و بين اشتباههما، فمع فرض عدم الاذن لكل منهما اتجه حينئذ الاشتراك إعمالا للسببين معا بعد معلومية امتناع تعدد المالك للمال الواحد، نعم لو حصل اشتباه من حر أو حرة اقتضى ذلك حرية الولد إلحاقا له بأشرف الأبوين، و تغليبا لجانب الحرية كما سمعته في نصوص (3)

الأمة التي دلست نفسها فتزوجها حر مشتبها و سمعته أيضا في العبد الذي تتزوجه الحرة مشتبهة.

و من ذلك يعلم الحكم فيما لو أذن أحدهما خاصة دون الأخر، و أنه متى تحقق ذلك كان الولد لمن لم بأذن منهما، لا لأن الاذن قد أسقط حقه لإذنه، لاحتمال تزوج المملوك حرا، لإمكان المناقشة فيه بعدم اقتضاء الاذن ذلك، و لذا لو كانا معا مأذونين اشترك الولد بينهما، و بإمكان فرض اختصاص تزوج المملوك، بل لما عرفته من اقتضاء عدم الاذن في نكاح العبد و الأمة رقية الولد


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و هو خبر العلاء بن رزين.
2- 2 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3 و 4 و 6 و 7.
3- 3 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و 2 و 5 و 8.

ج 30، ص: 237

بالنصوص (1)

التي سمعتها إلا إذا عارض ذلك شبهة حر، لغلبة جهة الحرية حينئذ جهة الملكية، أما الاذن فلا يقتضي ملكيته إلا إذا صادفت إذنا من آخر أو شبهة، فيختص الملك حينئذ في الفرض بغير الاذن، لانحصار مقتضى الملكية أعني عدم الاذن به دون الأخر الذي لا دليل على اقتضائه الملكية في الفرض، بل ظاهر الأدلة خلافه، خصوصا خبر رزين (2)

الشامل بإطلاقه تزوج الآبق حرة أو أمة مأذونه، و خصوصا نصوص الأمة الآبقة (3)

التي دلست نفسها فتزوجت حرا التي قد عرفت اختصاص مولاها بالولد إلا إذا كان الحر مشتبها، فإن الشبهة حينئذ تعارض مقتضى الملكية و ترجح عليها، لاقتضائها الحرية المبنية على التغليب.

و من ذلك ينقدح شي ء لم يتعرض له الأصحاب، و هو أن ذلك كله من حيث الاذن و عدمه، و أما إذا كان في العبد المأذون جهة تقتضي الملكية غير عدم الإذن كالشبهة مثلا فأن المتجه حينئذ الاشتراك في الولد، عملا بمقتضى عدم الاذن و مقتضى الشبهة، و لا ينافي ذلك إطلاق الأصحاب الولد لمن لم يأذن المعلوم كون المراد به من حيث الاذن و عدمها لا إذا كانت جهة أخرى تقتضي الملكية، نعم الظاهر أنه لا مدخلية لتعدد جهات الملك في أحدهما و اتحادها في آخر، كما لو فرض الشبهة أيضا في غير المأذون و في المأذون الشبهة خاصة، فإن الأول قد تعدد فيه مقتضى الملكية، و هو عدم الاذن و الشبهة، بخلاف الثاني، فإن الشبهة خاصة، إلا أن الظاهر التشريك بينهما بالنصف، لعدم الفرق بين اتحاد الجهة و تعددها في ذلك.

و لو اشترك أحدهما بين اثنين فأذن مولى المختص و أحدهما دون الأخر ففي القواعد الاشكال فيه، و لعله من إطلاق الفتوى بأن الولد لمن لم يأذن و اشتراك العلة، و من أن الأصل تبعية النماء للملك، خرج منه موضع اليقين، و هو ما إذا اتحد


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و الباب- 67- منها الحديث 4 و 6 و 7.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و هو خبر العلاء بن رزين.
3- 3 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 238

المالك فالباقي على أصله، لكن قد عرفت ما يقتضي صحة الوجه الأول، فيختص حينئذ بالنماء و إن ضعف جزؤه.

و لو فرض كون العبد و الأمة مشتركين فأذن أحد الشريكين في كل منهما دون الأخر في كل منهما أيضا كان الولد مشتركا بين من لم يأذن من الشركاء و إن ضعف جزؤهما، هذا كله في النكاح.

و أما لو زنى بأمة غير مولاه كان الولد لمولى الأمة من غير خلاف و لا إشكال، لعدم العقد المقتضى للتشريك، فلم يكن إلا قاعدة النمائية، و هي متحققة عرفا في الإمام دون الأب نحو الحيوانات.

كما أنه لو زنى بحرة كان الولد حرا بلا خلاف أيضا و لا إشكال، لعدم العقد المقتضي للتشريك و النمائية في الإمام المفروض كونها حرة، فيتبعها في ذلك، مضافا إلى أصالة الحرية.

أما العكس بأن زنى الحر بأمة كان الولد رقا، لعدم العقد أيضا، و قاعدة النماء في الأم، و لا يشكل ما ذكرناه بالحرة التي تزوجت عبدا غير مأذون عالمة بالتحريم، لما عرفته من الدليل المخصوص في النكاح دون الزنا كما أوضحناه سابقا.

و لو اشتبه العبد و الأمة بلا نكاح فحصل ولد بينهما فالظاهر التشريك إجراء للشبهة مجرى الصحيح.

و لو كانت الأمة مشتبهة و العبد زانيا فالولد لمولى الأمة قطعا، لقاعدة النمائية و للشبهة.

أما العكس فيحتمل التنصيف إعمالا للشبهة المقتضية الملك للمشتبه، و للنمائية المقتضية الملك لمولى الأمة، فيثبت التنصيف جمعا بين السببين، و يحتمل اختصاص الولد بمولى العبد المشتبه الذي هو أشرف لجهة الاشتباه، و لرجحان جهة الاشتباه على قاعدة النمائية، و لذا ثبت التشريك في حال اشتراكهما في الاشتباه المقتضى للتشريك بينهما، فمع فرض اختصاص الاشتباه بأحدهما يختص بحكم العقد دون

ج 30، ص: 239

غيره، نحو اشتباه الحرة أو الحر من طرف دون آخر، و قد يحتمل اختصاص مولى الأمة، لقاعدة النمائية، و لكنه كما ترى.

و لو اشتبه العبد فوطأ حرة مشتبهة أيضا كان الولد حرا قطعا، أما لو كانت زانية فالولد لمولى العبد إجراء لحكم الشبهة مجرى الصحيح في حق العبد خاصة، و قد ظهر بذلك كله الحال في جميع شقوق المسألة على وجه لم نسبق اليه بحمد الله تعالى.

[المسألة السابعة لو تزوج أمة بين شريكين ثم اشترى الزوج حصة أحدهما بطل العقد و حرم عليه وطؤها]

المسألة السابعة لو تزوج أمة بين شريكين ثم اشترى الزوج حصة أحدهما بطل العقد و حرم عليه وطؤها مع عدم رضا الشريك الأخر بلا خلاف و لا إشكال، لعدم التبعيض في أسباب النكاح ابتداء و استدامة للأصل و لظهور الآية (1) في ذلك و

موثق سماعة (2)

«سألته عن رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل ثم إن الرجل اشترى بعض السهمين، قال: حرمت عليه باشترائه إياها، و ذلك أن بيعها طلاقها إلا أن يشتريها من جميعهم»

و من ذلك يعلم أنه لو أمضى الشريك الأخر العقد بعد الابتياع لم يصح ضرورة عدم تأثير الإمضاء في العقد بعد بطلانه، و لو فرض بقاؤه على الصحة للأصل لم يحتج إلى إمضائه، ضرورة صحته بالأصل باذنه.

و لكن مع ذلك قيل و القائل الشيخ و القاضي في النهاية و محكي المهذب يجوز له وطؤها بذلك الإمضاء، قال في النهاية: «و إذا تزوج الرجل أمة بين شريكين ثم اشترى نصيب أحدهما حرمت عليه، إلا أن يشترى النصف الأخر أو يرضى مالك نصفها بالعقد، فيكون ذلك عقدا مستأنفا» و هو كما ترى


1- 1 سورة المؤمنون: 23- الآية 6.
2- 2 الوسائل الباب- 46- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.

ج 30، ص: 240

ضعيف جدا، إذ لا حاجة لا جازته ثانيا عقد النكاح المتقدم بعد أن كان المفروض وقوعه أولا بإذنه إن صح العقد على أمة مشتركة بين الزوج و غيره، و إلا لم يفد، و إن كان يريد الرضا بالعقد جديدا ففيه أنه إن صح العقد على مثلها لم يكن لبطلان المتقدم وجه، و من هنا حمله المصنف في محكي نكتة على النهاية على الرضا بعقد البيع للنصف الأخر، و ذكر أن «أو» من سهو الناسخ أو بمعنى الواو، و هو و إن كان بعيدا إلا أنه أقرب من حمله على ظاهره الذي لا ينبغي نسبته الى من له أدنى معرفة بالفقه فضلا عن شيخ الطائفة.

نعم يمكن أن يكون أولى من ذلك حمله على إرادة الرضا بالإباحة الذي ذكره المصنف بقوله و لو حللها له أي الشريك قيل: تحل، و هو مروي صحيحا في الكافي و التهذيب في باب السراري و ملك الأيمان عن محمد بن قيس (1)، عن أبي جعفر عليه السلام،

و في الفقيه عن محمد بن مسلم (2) عنه عليه السلام أيضا قد عمل به ابن إدريس و جماعة، منهم الشهيد في اللمعة و فاضلا الكشف و الرياض، قال: «سألته عن جارية بين رجلين دبراها جميعا ثم أحل أحدهما فرجها لشريكه، قال: هي له حلال، و أيهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حرا من قبل الذي قد مات و نصفها مدبرا قلت: إن أراد الثاني منهما أن تمسها إله ذلك؟ قال: لا، إلا أن يثبت عتقها و يتزوجها برضا منها متى ما أراد، قلت له: أ ليس قد صار نصفها حرا و قد ملكت نصف رقبتها، و النصف الأخر للباقي منهما؟ قال: بلى، قلت: فإن هي جعلت مولاها في حل من فرجها له ذلك، قال: لا يجوز ذلك، قلت: و لم لا يجوز له ذلك و قد أجزت للذي كان له نصفها حين أحل فرجها لشريكه منها؟ قال: إن الحرة لا تهب فرجها، و لا تعيره، و لا تحلله، و لكن لها من نفسها يوم و للذي دبرها يوم، فإن أحب أن يتزوجها متعة في اليوم الذي تملك فيه نفسها فيتمتع منها بشي ء قل أو كثر»

و هو صريح في المدعى أولا و آخرا.


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 41- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 241

بل ربما أيد بأنها قبل التحليل محرمة و إنما حلت به، فالسبب واحد، و فيه أنه حينئذ يكون تمام السبب لا السبب التام في الإباحة، ضرورة اختصاص التحليل بحصة الشريك لا بالجميع، و تحقق المسبب عند تمام السبب لا يوجب كون الجزء الأخير سببا تاما، اللهم إلا أن يريد باتحاد السبب بناء على التحليل من ملك اليمين كون الوطء حينئذ بالمتحد و إن اختلفت جهة ذلك بملك الرقبة في النصف و المنفعة في النصف الأخر.

لكن مع ذلك رده في النافع و المسالك و غيرهما بالضعف الذي قد يشعر به هنا نسبته إلى الرواية، و لعلهم لحظوا رواية الشيخ له في أول كتاب النكاح عن محمد ابن مسلم (1)

بطريق فيه علي بن الحسن بن الفضال، و هو- مع أنه ليس ضعيفا، لكونه من الموثق الذي قد ثبتت حجيته في الأصول- قد عرفت روايته صحيحا.

و من هنا يظهر لك النظر فيما قيل من أنه لا يجوز، بل لعله المشهور لأن سبب الاستباحة لا يتبعض فإنه- بعد تسليم كون ما نحن فيه من ذلك- كالاجتهاد في مقابلة النص الصحيح الصريح الذي لا يقصر عن تقييد ما يقتضي عدم الجواز من الأصل و قاعدة التبعيض، فلا ريب في أن المتجه العمل به، بل عن ابن حمزة أنه إذا هايأها مولياها فتمتع بها أحدهما في يوم الشريك باذنه جاز، لفحوى الصحيح السابق التي لا ينافيها بعد فرضها أن المهاياة إنما تتعلق بالخدمة دون العين و البضع، فتأمل.

و كذا لو ملك، نصفها و كان الباقي حرا لم يجز له وطؤها بالملك و لا بالعقد الدائم اتفاقا لتبعض السبب، و لا بالمنقطع في غير محل النص كذلك و لا بالتحليل المختص جوازه بالمولى دون المرأة نفسها كما سمعت التصريح به في الصحيح، ف لا ريب في عدم جوازه، نعم إن هايأها على الزمان قيل كما عن الشيخ و جماعة يجوز أن يعقد عليها متعة في الزمان المختص بها لكونها


1- 1 أشار الى هذا السند في الوسائل الباب- 41- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و ذكره في التهذيب ج 7 ص 245 الرقم 1067.

ج 30، ص: 242

كالإجارة في كون موردها المنفعة المفروض اختصاصها به في هذا الزمان و مع ذلك ف هو مروي في الصحيح (1)

الذي سمعته. و لكن فيه تردد عند المصنف لذلك و لما ذكرناه من العلة و هو لزومه تبعيض السبب، فإنها لم تخرج بالمهاياة عن ملك المولى، على أن منافع البعض لا تعلق لها بالمهاياة و إلا لحل لها المتعة بغيره في أيامها، و هو باطل اتفاقا على ما في المسالك و محكي نهاية المرام، إلا أنا لم نتحققه، و على تسليمه ينبغي اختصاص المنع به، لا الأعم منه و من المولى الذي جوازه صريح النص الصحيح القابل لتقييد دليل عدم الجواز، و من هنا كان العمل به متجها خصوصا بعد ظهور توهم الضعف ممن رده إلا أن الانصاف عدم ترك الاحتياط، و الله العالم.

[و من اللواحق في نكاح الإماء الكلام في الطواري]
[أما العتق]

و من اللواحق في نكاح الإماء الكلام في الطواري على عقد الأمة الموجبة حكما لم يكن قبلها من التسلط على الفسخ و التحريم في بعض الموارد و من هنا كان تسميتها بالطواري أولى من المبطلات، ضرورة عدم إبطالها في جميع الأحوال، نعم هي كثيرة لكن خص المصنف منها ثلاثة: العتق و البيع و الطلاق لكثرة مباحثها و تشعب أحكامها مع ذكر الغير في ضمنها أوفى محل آخر يناسبه و الأمر سهل.


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 243

[أما العتق]

أما العتق فإذا أعتقت المملوكة كان لها فسخ نكاحها لا أن النكاح بينهما باطل، و إن كان قد يوهمه

قول الصادق عليه السلام في صحيح عبد الله بن سنان (1)

«إذا أعتقت مملوكيك فليس بينهما نكاح، و قال: إن أحببت أن يكون زوجها كان ذلك بصداق»

لكن يجب إرادة الخيار منه بقرينة التصريح به في غيره من النصوص (2)

المعتضدة بالفتاوي، بل و فيه بعد ذلك،

قال: و «سألته عن الرجل ينكح عبده أمته ثم أعتقها قال: نعم تخير فيه إذا أعتقت»

سواء كانت تحت عبد أو حر على المشهور بين الأصحاب، بل هو في العبد مجمع عليه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين، مضافا إلى إمكان دعوى تواتر النصوص فيه (3).

بل خص الخيار بعضهم به، و إليه أشار المصنف بقوله و من الأصحاب من فرق بين الحر و العبد مشيرا بذلك إلى الشيخ في محكي المبسوط و الخلاف، بل اختاره هنا، فقال و هو أشبه بأصالة اللزوم في العقد و قاعدة الاقتصار على المتيقن، و لأن الأصل في هذا الحكم عتق عائشة لبريرة فخيرها رسول الله صلى الله عليه و آله (4)

و لم تثبت حريته،

قال أبو عبد الله عليه السلام في خبر العيص (5): «و بريدة كان لها زوجا فلما أعتقت خيرت»

و قال عليه السلام أيضا في مرسل أبان (6): «قال أمير المؤمنين عليه السلام في بريرة ثلاث من السنن حين أعتقت في التخيير و في الصدقة و في الولاء»

بل

في خبر سماعة (7) قال: «ذكر أن بريرة مولاة عائشة كان لها زوج عبد، فلما أعتقت قال لها رسول


1- 1 الوسائل الباب- 53- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و ذكر ذيله في الباب- 52- منها الحديث 1 و في الذيل «ثم أعتقها تخير فيه أم لا؟ قال: نعم».
2- 2 الوسائل الباب- 52- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
3- 3 الوسائل الباب- 52- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
4- 4 الوسائل الباب- 52- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 52- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب- 52- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.
7- 7 الوسائل الباب- 52- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 6.

ج 30، ص: 244

الله صلى الله عليه و آله: اختاري إن شئت أقمت مع زوجك، و إن شئت فلا»

و في خبر العجلي (1) عن أبى عبد الله عليه السلام قال: «كان زوج بريرة عبدا»

و في خبر ابن سنان (2) عنه عليه السلام أيضا «إنه كان لبريرة زوج عبد، فلما أعتقت قال لها النبي صلى الله عليه و آله اختاري»

بل ربما كان في الأخير رائحة اعتبار العبدية في التخيير، مؤيدا ذلك بمعلومية كون المنشأ في هذا الخيار نفي الضرر و الضرار، و هو يتحقق في العبد باعتبار كونه ملكا للغير لا يورث، و لا ولاية له على أولاده، و لا ينفق عليهم، إلى غير ذلك مما هو معلوم، بخلاف الحر.

لكن الجميع كما ترى بعد إطلاق

قول الصادق عليه السلام في صحيح الكناني (3)

«أيما امرأة أعتقت فأمرها، بيدها إن شاءت أقامت معه، و إن شاءت فارقته»

و قوله عليه السلام في مرسل ابن بكير (4): «في رجل حر نكح أمة مملوكة ثم أعتقت قبل أن يطلقها، قال: هي أملك ببضعها»

و قوله عليه السلام أيضا في خبر الشحام (5)

و

قول الرضا عليه السلام في خبر محمد بن آدم (6): إذا أعتقت الأمة و لها زوج خيرت، إن كانت تحت حر أو عبد»

و من هنا كان خيرة الأكثر عدم الفرق، و الضعف في السند منجبر بالشهرة و التعاضد، بل ربما يومئ إليه

قوله صلى الله عليه و آله لبريرة على ما في بعض الأخبار «ملكت بضعك فاختاري»

لا لإيمائه ك

قوله عليه السلام: «هي أملك ببضعها»

إلى كون المنشأ في التخيير صيرورتها حرة مالكة بضعها، من غير فرق بين حرية الزوج و مملوكيته.

و منه يعلم ما في دعوى كون منشئه الضرر، كما أنه يعلم من ذلك كله ما في الأدلة السابقة التي لا تصلح معارضا لما عرفت، بل

روى (7)

«أن زوج بريرة كان حرا»

فلا ريب حينئذ أن الأشبه التعميم لا التفصيل، كما أنه لا فرق في ثبوت الخيار المزبور بين ما قبل الدخول و بعده، لإطلاق الأدلة، نعم في القواعد و غيرها


1- 1 الوسائل الباب- 52- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 52- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 9.
3- 3 الوسائل الباب- 52- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 8.
4- 4 الوسائل الباب- 52- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 11.
5- 5 الوسائل الباب- 52- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 13.
6- 6 الوسائل الباب- 52- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 12.
7- 7 سنن البيهقي ج 7 ص 223.

ج 30، ص: 245

«إلا إذا زوج ذو المائة مثلا أمة بمأة و قيمتها مائة ثم أعتقها في مرض موته أو أوصى بعتقها لم يكن لها الفسخ قبل الدخول، و إلا لسقط المهر بناء على سقوطه بذلك منها قبل الدخول، فلم تخرج من الثلث، لأنها حينئذ نصف ماله، فيبطل عتق بعضها، و هو ثلثها، فيبطل خيارها المعتبر فيه عتقها أجمع على ما ستعرف، فيدور الفسخ إلى الفساد، و يكون مما يستلزم وجوده عدمه».

و قد يناقش فيه بأن نفوذ العتق يكفى فيه سعة الثلث له حاله، و النقصان بعد ذلك بسبب آخر من غير المريض لا ينافيه، لكن يدفعها ظهور النص (1)

و الفتوى في ذلك المقام إن كل نقص يدخل التركة مرتب على فعل الموصى لا ينفذ إلا من الثلث، نعم يمكن المناقشة بعدم اقتضاء الدور اختصاص الأمة بعدم الفسخ، إذ يمكن رفعه بعد إرجاع مثل هذا النقص إلى الثلث لاستلزامه الدور أو بغير ذلك، بل لعله أولى من تخصيص دليل عدم الفسخ لها لضعف دليل ما يقتضي الإرجاع إلى الثلث حتى في نحو المقام خصوصا بعد ملاحظة قاعدة التسلط و غيرها مما يقتضي بالنفوذ في الأصل و إن قلنا بخروج غير المقام، فتأمل جيدا.

و على كل حال فإذا اختارت الفراق في موضع ثبوته قبل الدخول سقط المهر من غير خلاف يعرف فيه، لكون الفسخ منها قبل الدخول، و لأنه كتلف المبيع قبل قبضه، و لكون النكاح كالمعاوضة المبنية على التسليم بالتسليم، لكن قد يناقش بثبوت المهر بالعقد، و كون الفسخ من قبلها على تقدير اقتضائه سقوط المهر انما يؤثر لو كان المهر لها لا إذا كان لغيرها، و القياس على تلف المبيع قبل قبضه باطل عندنا و بناء هذه المعاوضة على احتمال جريان أمثال هذه العوارض فيها.

و إن اختارت الفراق في موضع ثبوته بعد الدخول كان المهر ثابتا لمولاها بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال إذا كان العتق بعد الدخول، أما إذا كان قبله و لم تعلم به حتى دخل بها ثم علمت ففسخت ففي محكي التحرير و المبسوط يثبت لها مهر المثل، لاستناد الفسخ إلى العتق، و لم يستقر المسمى قبله، فالوطء خال


1- 1 الوسائل الباب- 11- من كتاب الوصايا.

ج 30، ص: 246

عن النكاح، بل لا بد أن يكون مهر المثل لها لا للمولى، و فيه أن الفسخ هو الموجب للانفساخ لا العتق، فالمتجه كونه للسيد مطلقا، نعم إن قلنا: إن المهر يجب بالدخول لا بالعقد اتجه حينئذ وجوب المسمى لا مهر المثل لها، لأن الفرض كون الدخول بعد العتق.

و من ذلك يعلم الحكم فيما لو اختارت المقام و كان العتق قبل الدخول، فان المهر حينئذ للسيد إن أوجبناه بالعقد كما هو التحقيق، و لها إن أوجبناه بالدخول، و ان اختارت المقام بعد الدخول بها أمة ثم أعتقت كان المهر للمولى قطعا.

و لو لم يسم المولى شيئا بل زوجها مفوضة البضع فان دخل قبل العتق فالمهر المفروض أو مهر المثل للسيد، لوجوبه لها و هي في ملكه، و إن دخل بعده أي العتق أو فرض المهر بعده و إن لم يدخل فان قلنا صداق المفوضة يجب بالعقد و إن لم يفرض لها، و إنما الفرض كاشف عن قدر الواجب فهو للسيد، و إن قلنا إنما يجب بالدخول أو بالفرض إن كان قبل الدخول فهو لها، لوجوبه حال الحرية، هذا كله في مفوضة البضع، أما مفوضة المهر فهي هنا كمن سمي لها.

ثم إن ظاهر النص (1)

و الفتوى عدم الفرق في خيارها بين كون النكاح دائما أو منقطعا، و هو كذلك إذ احتمال عدم الخيار لها في المنقطع لكونه كالإجارة التي لا تنفسخ بالعتق واضح الضعف، نعم قد يناقش في استقرار المهر أجمع لو كان الفسخ بعد الدخول بعدم وفائها بالمدة، فيتجه التوزيع، و قد يدفع بمنافاة التوزيع للقواعد، و أقصى ما ثبت فيمن لم تف بما هو حق عليها لا في مثل الفرض الذي كان لها الخيار بالشرع، و الله العالم.

و لو أعتقت في العدة الرجعية فالظاهر أن لها الفسخ في الحال، ضرورة أولويته من فسخ النكاح المستقر، و فائدته حينئذ سقوط الرجعة و عدم الافتقار الى عدة أخرى، لأنها اعتدت بالطلاق، و الفسخ لم يبطل العدة، و لكن لا تكفيها عدة الأمة بل تتم عدة الحرة، لصيرورتها كذلك، و لو اختارت المقام لم يصح، لحصول الطلاق


1- 1 الوسائل الباب- 52- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 247

من الزوج، فان لم يراجعها حينئذ في العدة بانت، و إن راجعها فيها ففي القواعد كان لها خيار الفسخ، و لعله لفساد الاختيار في العدة و انتفاء ما ينافي الفورية، فإن الطلاق قاطع للنكاح، فتعتد عدة أخرى حينئذ عدة حرة لانقطاع الاولى بالرجوع المفروض، و إن سكتت قبل الرجعة لم يسقط خيارها بطريق أولى، فإن السكوت لا يدل على الرضا، و لو دل فلا يزيد على اختيار النكاح.

هذا و لكن قد يقال بمنع عدم تأثير اختيارها البقاء باعتبار وجود علقة النكاح التي هي صارت سببا لصحة الفسخ منها، بل لعل ذلك لازم لصحة اختيارها البقاء و إن كان هو لا يمضى على الزوج المفروض حصول سبب آخر منه لفسخ النكاح، نعم ثمرته عدم جواز الفسخ لها لو رجع بها، لكون الفرض اختيارها بقاء علقة العقد الأول.

و من ذلك يعلم حال السكوت بناء على دلالته على الرضا بالبقاء، أو على منافاته الفورية بعد ما عرفت من صحة اختيارها الفسخ و البقاء حال الطلاق و ترتب ما عرفت عليهما.

و لو كان الطلاق بائنا فأعتقت لم يكن محلا للفسخ و لا للبقاء، فلا خيار لها حينئذ، و كذا لو أعتقت و لم تفسخ لعدم علمه و نحوه مما لا ينافي الفورية، لكن في القواعد احتمل إيقافه أي الطلاق، فان اختارت الفسخ بطل و إلا وقع، و احتمل وقوعه، و كان منشأ الاحتمال الأول التنافي بين الطلاق و الفسخ، فان نفذ الطلاق بطل حقها من الفسخ، و لا يمكن القول ببطلانه، لوقوعه مستجمعا لشرائطه، فيقع موقوفا كما لو طلق في الردة، فإنه يوقف فان عاد إلى الإسلام تبين صحته و إلا تبين فساده.

و فيه ما لا يخفى من أنه لا وجه لوقوع الطلاق موقوفا بعد فرض استجماعه لشرائط الصحة من كامل صحيح العبارة مع بقاء الزوجية، و عدم صلاحية الاختيار للمنع، لاتحاد مقتضاهما، و هو انفساخ النكاح، و الفرق بين العتق و الردة بظهور البينونة حال الارتداد إن لم يعد بخلاف ما إذا أعتقت، فإنها لا تبين إلا بالفسخ.

ج 30، ص: 248

و أضعف من ذلك ما عن المبسوط من احتمال بطلان الطلاق من رأس، فإنها غير معلومة الزوجية، و عدم وقوع الطلاق موقوفا و قال: إنه اللائق بمذهبنا، إذ هو كما ترى، و إنما اللائق ما عرفت من نفوذ الطلاق و عدم مصادفة العتق محلا للاختيار كما هو واضح.

و لا يفتقر فسخ الأمة إلى الحاكم لإطلاق الأدلة، فما عن الشافعية من احتمال الافتقار في غاية الضعف، كما أن ما عن بعضهم من ثبوت الخيار لها لو أعتق بعضها كذلك، ضرورة عدم الخيار لها حينئذ عندنا، للأصل و فهم عتق الكل من النص (1)

و الفتوى خصوصا من نحو

قوله عليه السلام (2)

«هي أملك ببضعها»

نعم إن كملت بعتق كلها اختارت حينئذ، ضرورة كونها حينئذ كالأمة المعتقة كلا من أول الأمر.

و لو لم تختر حتى ينعتق العبد على وجه لا ينافي الفورية كان لها الخيار على المختار من عدم الفرق بين الحر و العبد في خيارها بلا إشكال، بل يقوى على غيره أيضا كما عن المبسوط، لأنه ثبت سابقا حين كان عبدا فلا يسقط بالحرية كغيره من الحقوق على العبد أو غيره، فكما لا يسقط بعد الثبوت إلا بما يعلم إسقاطه لها فكذا الاختيار، و يحتمل السقوط لزوال الضرر، كالعيب إذا علم المشتري به بعد زواله، و لأن زوجها حين الاختيار حر لا ينفذ فيه الاختيار، و لأن الرقية شرطه ابتداء فكذا استدامة، و فيه منع كون العبرة بحين الاختيار، بل حين ثبوته، و منع الشرط استدامة.

و لو عتقت تحت من نصفه حر كان لها الخيار على المختار بلا إشكال، بل في القواعد لها ذلك أيضا على غيره، لعله لتحقق النقص برقية البعض، و فيه أن الخيار على خلاف الأصل، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن، و هو غير المفروض.

و كيف كان ف الخيار على الفور اتفاقا على الظاهر كما في كشف اللثام، بل في الرياض حكاية الاتفاق عن طائفة، و هو إن تم الحجة، لا ما قيل من


1- 1 الوسائل الباب- 52- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 52- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 11.

ج 30، ص: 249

الاقتصار على المتيقن المنافي لإطلاق الأدلة، بل لعل فورية الخيار على خلاف الأصل لمنع كونه من التخصيص بالأزمان، فأصالة بقاء الزوجية و لزوم المناكحة منقطعة حينئذ بالعتق المقتضي للخيار المستصحب بقاؤه، فيعكس الأصل حينئذ، و من تعليق الخيار على العتق بالفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة في بعض الروايات العامية (1)

التي هي غير حجة عندنا بعد فرض تسليم الدلالة على أنها معارضة بما

في بعضها (2) مما هو مقتض للتراخي من «دوران معتب خلف بريرة في سلك المدينة باكيا يترضاها و جعل رسول الله صلى الله عليه و آله شفيعا في ذلك، حتى قال لها رسول الله صلى الله عليه و آله، فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أ تأمرني؟ فقال لها: لا بل إنما أنا شافع، فقالت: لا حاجة لي فيه»

و احتمال أن ذلك كله قد كان للعقد عليها جديدا مناف لظاهر ما

في بعضها من أنه (3)

«يدور خلفها يترضاها لتختاره»

و قد ظهر من ذلك أن العمدة في الفورية الإجماع المزبور إن تم.

و من هنا اتجه بقاء خيارها لو أخرت الفسخ للجهل بالعتق أو الخيار كما عن الأصحاب القطع به، بل لعله كذلك لو جهلت الفورية، و إن ناقش فيه بعضهم، بل و في صورة الجهل بالخيار بعد العلم بالعتق، و كذا لو نست أحدهما، ضرورة عدم الإجماع في هذا الحال، بل لعله محقق على العكس، و منافاة السقوط لحكمة مشروعية الخيار و هي الإرفاق، مضافا إلى بقاء إطلاق الأدلة في هذه الأحوال، بل في المسالك و الرياض قبول دعواها في الجهل و النسيان بيمينها مع الإمكان في حقها، لأن ذلك لا يعرف إلا من قبلها، و أصالة الجهل مستصحبة، و هو جيد في الجهل، أما في النسيان فقد يناقش بأصالة عدمه، فهي مدعية محضة، و عدم العلم بالنسيان إلا من قبلها لا يصيرها بحكم المنكر بعد أن لم يكن عنوانا للحكم، و إلا لاقتضى ذلك تقديم مدعي النسيان في كثير من الموارد المعلوم كون الحكم بخلافها، فتأمل.

و لو أعتقته الصغيرة أو المجنونة تخيرتا فورا عند البلوغ و الرشد بناء على عدم


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 221.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 222.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 222.

ج 30، ص: 250

قيام الولي مقامهما في هذا الاختيار المبتني على الشهوة و إن كان لا يخلو من مناقشة إن لم يكن إجماعا، خصوصا بعد مضي التزويج على المولوي عليها لو زوجها الولي بمملوك، و على كل حال فللزوج الوطء قبل الكمال أو بعده قبل الفسخ، و إن كان لها الفسخ، لبقاء الزوجية من غير مانع، كما هو واضح، و ليس الفسخ طلاقا خصوصا إذا كان منها، فإذا فسخت ثم تزوجها بعقد جديد كانت عنده على ثلاث طلقات إن لم يطلقها قبله، و هو واضح، كوضوح عدم جواز المراجعة لها بعد أن تفسخ إلا بعقد جديد، ضرورة انفساخ عقدها الأول بفسخها المفروض، فما عن ابن الجنيد- من أنها لو اختارت رجعته بعد أن اختارت مفارقته كان ذلك لها ما لم تنكح زوجا غيره- واضح الفساد بعد معلومية كون المراد من نحو الدليل في المقام الخيار ابتداء كغيره من أفراده.

و لو أعتق العبد لم يكن له خيار و إن كان قد زوجه مولاه مكرها، للأصل بعد اختصاص الدليل بالأمة، و حرمة القياس خصوصا مع الفرق بينها و بينه بأن الطلاق المستغنى به عن الخيار بيده دونها، خلافا للإسكافي فأثبت له الخيار إذا أعتق و بقيت الزوجة أمة، و لابن حمزة حيث قال فيما حكي عنه: «إذا كانا لمالكين و أعتق أحدهما كان له الخيار دون سيد الأخر، و إن أعتقا معا كان للمرأة الخيار- ثم قال بعد ذلك- إن أعتق العبد سيده و لم يكرهه على النكاح لم يكن له الخيار، و إن أكرهه كان له ذلك» و لكن الجميع كما ترى و إن كان الأخير خيرة الفاضل في المختلف، معللا له بأنه كالحرة المكرهة، و هو واضح الفساد، ضرورة الفرق بينهما بمشروعية الإكراه فيه دونها، فلا ريب في أن المتجه عدم الخيار له مطلقا بل و لا لمولاه و إن كان تحته أمته، لخروجه بالحرية عن ولاية السيد عليه.

و اولى من ذلك انه لا خيار لزوجته حرة كانت أو أمة لأنها رضيته عبدا فأحق أن ترضى به حرا، كما أومأ إليه

الصادق عليه السلام في خبر علي بن

ج 30، ص: 251

حنظلة (1)

«في رجل زوج أم ولد له من عبد فأعتق العبد بعد ما دخل بها يكون لها الخيار؟ قال: لا قد تزوجته عبدا و رضيت به، فهو حين صار حرا أحق أن ترضى به»

و في خبر أبي بصير (2) عنه عليه السلام أيضا «في العبد يتزوج الحرة ثم يعتق فيصيب فقال:

لا يرجم حتى يواقع الحرة بعد ما ينعتق، قلت: للحرة عليه الخيار إذا أعتق، قال: لا قد رضيت به و هو مملوك، فهو على نكاحه الأول».

و لو زوج عبده أمته ثم أعتق الأمة أو أعتقهما كان لها الخيار للإطلاق الذي لا فرق فيه بين اتحاد المولى و تعدده، نعم قد يشكل الخيار فيما لو أعتقا معا على مختار المصنف بعدم كون الزوج عبدا حين عتقها، لكون الفرض حريتهما دفعة، نعم هو متجه على المختار.

و كذا لو كانا لمالكين فأعتقا دفعة اللهم الا يكون الخيار عنده مطلقا إلا إذا كان الزوج حرا و هي أمة، فإنه يتجه حينئذ جزمه بالخيار هنا و إن اختار هناك التفصيل، فينحصر سقوط خيارها عنده بما إذا كان الزوج حرا و هي أمة ثم أعتقت و لو بان سبق عتقه عتقها، لكن لا يخفى عليك صعوبة مساعدة الأدلة على ذلك و الأمر سهل بعد ما عرفت من عدم الاشكال فيه و في غيره على المختار، و الله العالم.

و لا خلاف في أنه يجوز أن يجعل عتق الأمة صداقها، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى استفاضة النصوص (3)

أو تواترها به و إن كان

الأصل فيه «أن النبي صلى الله عليه و آله (4) اصطفى صفية بنت حي بن أخطب من ولد هارون عليه السلام في فتح خيبر ثم أعتقها و تزوجها و جعل عتقها مهرها بعد أن حاضت حيضة

حتى زعم مخالفونا أن ذلك من خواصه، لكن اتفقت النصوص (5)

و الفتاوى على خلافهم، و كفى بذلك دليلا على الحكم، فلا وجه للإشكال فيه بعدم جواز نكاح المالك


1- 1 الوسائل الباب- 54- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 54- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 11 و 12 و 14 و 15- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
4- 4 البحار ج 22 ص 204 ط الحديث.
5- 5 الوسائل الباب- 11- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 252

أمته، و بعدم جواز جعل العتق مهرا، و لأنه لا بد من تحقق المهر قبل النكاح، و بلزوم الدور لتوقف النكاح على العتق و بالعكس، إذ هو من الاجتهاد في مقابلة النص على أنه يمكن دفع الجميع بأن العتق لما اقترن بالنكاح لم يتزوج أمته، ضرورة كون المسلم منعه عدم اجتماع التزويج و الملك، لا ما كان نحو المقام الذي يقتضي عموم الأدلة و إطلاقها جوازه، و بمنع لزوم تحقق المهر قبل النكاح، بل يكفى فيه المقارنة أيضا، كما أن النكاح يتوقف على اقتران العتق به لا على سبقه له كي يلزم الدور، إلا أن الانصاف مع ذلك مخالفة المسألة للقواعد في الجملة.

و إنما الكلام في أنه يثبت عقده عليها بشرط تقديم لفظ العقد على العتق بأن يقول: تزوجتك و أعتقتك و جعلت عتقك مهرك كما هو المشهور على ما حكاه غير واحد لأنه لو سبق بالعتق لكان لها الخيار في القبول و الامتناع كما تضمنه

خبر علي بن جعفر (1) عن أخيه موسى عليه السلام «سألته عن رجل قال لأمته:

أعتقتك و جعلت عتقك مهرك، قال: عتقت و هي بالخيار إن شاءت تزوجت و إن شاءت فلا، فإن تزوجته فليعطها شيئا، فإن قال: قد تزوجتك و جعلت مهرك عتقك فان النكاح واقع لا يعطيها شيئا»

و خبر محمد بن آدم (2) عن الرضا عليه السلام «في الرجل يقول لجاريته: قد أعتقتك و جعلت صداقك عتقك، قال: جاز العتق و الأمر إليها إن شاءت زوجته نفسها و إن شاءت لم تفعل، فان زوجته نفسها فأحب له أن يعطيها شيئا».

و ربما أجيب عنهما باحتمال ابتناء ما فيهما من عدم حصول النكاح بذلك على عدم ذكر صيغة التزويج، لا من حيث تقديم صيغة العتق عليها لو جاء بهما معا كما هو مفروض البحث، بل قد يشكل ما فيهما من نفوذ العتق بأنه مخالف لقصد المعتق المفروض إرادته النكاح بعتقه، فالمتجه حينئذ بطلانه أيضا كالتزويج، مضافا إلى مخالفتهما لإطلاق

صحيح الحلبي (3) عن الصادق عليه السلام «سألته عن الرجل يعتق


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.

ج 30، ص: 253

الأمة و يقول: مهرك عتقك، قال: حسن»

و صحيح ابن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام «أيما رجل شاء أن يعتق جاريته و يجعل صداقها عتقها فعل»

و غيرهما، و خصوص

خبر عبيد بن زرارة (2)

«سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا قال الرجل لامرأته:

أعتقك و أتزوجك و أجعل مهرك عتقك فهو جائز»

و المصرح بالجواز (3)

فيه بمعنى المضي و اللزوم في المتقدم فيه العتق على التزويج، على أن تقدم العتق لفظا لا يقتضي ترتب أثره كي يلزم من تقدمه ثبوت الخيار لها حينئذ، ضرورة كونه بعض الكلام الذي هو كالجملة الواحدة الممنوع ترتب أثره قبل تمامه.

و من هنا قيل: و القائل الشهيدان و جماعة بل لعله المشهور بين من تأخر عنهما لا يشترط في الصحة تقدم صيغة التزويج و لا صيغة العتق، بل يجوز كل منهما، لأن الكلام المتصل كالجملة الواحدة، و هو حسن، و منه يعلم ضعف ما قيل من أنه يشترط في الصحة تقديم العتق كما هو المحكي عن الشيخين و أبي الصلاح و غيرهم لأن بضع الأمة مباح لمالكها، فلا يستباح بالعقد مع تحقق الملك إذ قد عرفت أن الكلام المتصل كالجملة الواحدة التي يترتب أثرها دفعة واحدة عند التمام، و حينئذ يتحقق العتق و النكاح في آن واحد من غير فرق فيه بين تقدم كل منهما و تأخر الأخر.

و الأول و إن كان أشهر إلا أن الثاني أقوى لما عرفت، لأن التحقيق في كون المراد من إطلاق النص و الفتوى عتق الأمة صداقها أن العتق يكون بالإصداق على معنى أن الشارع قد شرع جعل الأمة نفسها صداقا في تزويجها، فتكون حينئذ مالكة نفسها، و ليست هي إلا الحرة، فيكون طريقا مخصوصا للعتق غير العتق بإيجاد الصيغة الخاصة، ضرورة أن ذلك بعد حصوله بسببه المعد له يقتضي كون الخيار بيدها إن شاءت تزوجت و إن شاءت لا تتزوج، كما صرح به في الصحيح


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 6.

ج 30، ص: 254

الأول (1) و خبر محمد بن آدم (2)، و عزمه على جعل ذلك بعد حصوله صداقا لا يقتضي مشروعيته، بل هو حينئذ كمن أبرأ ذمة امرأة بصيغة الإبراء ثم أراد أن يجعل ذلك صداقا لها، فإنه غير جائز قطعا، بخلاف ما لو جعل ما في ذمتها صداقا لها، فإنه يكون حينئذ الإبراء بالصداق نفسه، فكذا هنا، و استبعاد جعل الإنسان نفسه صداقا له في غير محله بعد النص و الفتوى، و ما عساه يتوهم من ظاهر بعض النصوص (3)

من جعل العتق نفسه صداقا إنما هو قبل إعطاء التأمل حقه، و إلا فالمراد الإعتاق بالإصداق و إن تقدم في بعضها (4)

ذكر العتق بلفظ يشبه الصيغة، لكن المعنى ما ذكرناه على نحو قوله للمرأة: «بمائة مثلا أتزوجك» فيكون الحاصل من النصوص «أعتقك بأن أجعل العتق صداقك» و بذلك تجتمع جميع الأخبار، و يكون الخيار في الصحيح (5)

السابق و

الخبر الآخر (6) لمكان إرادة العتق بالصيغة الموجبة له، لا من حيث تقدم العتق، و لذا قال فيه «فان قال: قد تزوجتك و جعلت مهرك عتقك فان النكاح واقع، فلا يعطيها شيئا»

مع عدم ذكر صيغة للعتق.

و من الغريب روايته في المسالك «فان النكاح باطل» إلى آخره، و جعله دليلا على ما سمعته سابقا من التأويل، مع أنا لم نجده كذلك في شي ء من كتب الأصول و الفروع، نعم في كشف اللثام أنه

روى الحميري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي، عن جده عن علي بن جعفر (7) أول الخبرين كما سمعت، إلا أنه قال:

«فان قال: قد تزوجتك و جعلت عتقك مهرك كان النكاح واجبا إلى أن يعطيها شيئا»

قال: و المعنى أنه لما لم يأت بصيغة التحرير وقف النكاح إلى أن يأتي بها، فيقول بعد ذلك: «فأنت حرة» و العبارة المتقدمة مروية في التهذيب و الفقيه مبنية على إتيان


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 6.
5- 5 الوسائل الباب- 12- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 12- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
7- 7 الوسائل الباب- 12- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1، راجع التعليقة في الوسائل على هذه الرواية.

ج 30، ص: 255

المولى بصيغة التحرير» و هو مع أنه غير الرواية بلفظ «باطل»، لا يخفى ما في التفسير المزبور من إرادة الواقف منه من الواجب و من إعطاء الشي ء التلفظ بصيغة التحرير، و لعله حمله على خطاء الراوي و أن الصحيح ما في التهذيب و الفقيه خصوصا بعد قوله في السابق «يعطيها شيئا» لكونها حينئذ حرة قبل التزويج، بخلاف الثانية التي قد صار صداقها عتقها، فإنها لا تستحق حينئذ شيئا لحصول المهر لها كما هو واضح.

و بذلك ظهر لك قوة القول الثاني، ضرورة أنه على ذلك لا فرق بين تقدم العتق الاصداق و تأخره، لكونه حينئذ من توابع العقد، لا أنه إيقاع في ضمن عقد أو بالعكس فان كلا منهما في غاية المخالفة للقواعد بخلاف ما قلناه، فإنه ليس فيه إلا شرعية الإعتاق بالطريق المزبور.

إلا أنه ربما اشتهر جعل العتق صداقا، و توهم منه إيقاع العتق بصيغته ثم جعله بعد ذلك صداقا نصوا عليه في صحيح على (1)

السابق و خبر ابن آدم (2)

على عدم إرادة ذلك و أنه تكون الامرأة معه حرة أمرها بيدها، بل لو صرح فيه باشتراط التزويج لعدم كون الإيقاع كالعقد في لزوم الشرط، بل إما أن يكون الشرط فيه خاصة فاسدا أو هو و الإيقاع إلا ما دل عليه الدليل كاشتراط خدمة سنة، و

مضمر سماعة (3)

«سألته عن رجل له زوجة و سرية يبدو له أن يعتق سريته و يتزوجها، قال: إن شاء اشترط عليها أن عتقها صداقها، فان ذلك حلال، أو يشترط عليها إن شاء قسم لها و إن شاء لم يقسم، و إن شاء فضل عليها الحرة، فإن رضيت بذلك فلا بأس»

يمكن حمله على إرادة الإعتاق الاصداقي من الاشتراط فيه، لا أن المراد عتقها بالصيغة و اشتراط أن يكون ذلك صداقا لها و لو في عقد التزويج الذي يوقعه بعد ذلك، و على كل حال فالتحقيق ما عرفت و إن كان لا يوافقه بعض الفروع المذكورة في بعض كتب الأصحاب كما ستعرف.

ثم إنه قد يقوي في النظر عدم الحاجة في هذا العقد إلى القبول اكتفاء بوقوع


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 256

ذلك من السيد الذي كان ينبغي وقوعه من الجارية عن القبول، فيكون في الحقيقة موجبا قابلا، و ربما يؤيد ذلك خلو نصوص المقام عنه، بل ظاهرها خصوصا الصحيح السابق الوقوع بدونه، و التعليق على الرضا في مضمر سماعة لم يعلم رجوعه إلى ذلك بل ربما كان ظاهره الرجوع إلى الأخير، و إن كان هو أيضا مشكل (1) لكنه يكون خارجا عما نحن فيه، على أن الظاهر إرادة من اعتبر القبول تأليف صورة العقد لا أن المراد كون الأمر بيدها إن شاءت قبلت و إن شاءت لم تقبل، كما عساه يوهمه المضمر، بل ربما أو همه أيضا بعض عبارات الأصحاب إذ ذلك مناف لكونها أمة قبولها إلى مولاها، و إنما تكون حرة بعد تمام العقد كما هو واضح، فلا ريب في عدم اعتبار القبول بالمعنى المزبور.

نعم هو محتمل بالمعنى الذي ذكرناه مراعاة الصورة عقد التزويج، فتقبل حينئذ هي تنزيلا لما وقع من سيدها منزلة الإيجاب منها أو يقبل سيدها عنها، و ربما كان خلو النصوص اتكالا على الظهور و المفروغية من اعتبار القبول في عقد التزويج و إن وقع ممن له القبول كولي الصغيرين، و لا ريب في أنه أحوط و إن كان الأول أقوى، كقوة عدم اعتبار صيغة العتق ضمنا فيه، بل تكون حرة بالعبارة المذكورة خصوصا على ما سمعته منا من التحقيق.

لكن في القواعد الاشكال فيه من ذلك، و من أن العتق لا يقع إلا بلفظه الصريح في الإعتاق، و لأصالة بقاء الملك و الاحتياط، و في كشف اللثام هو الوجه، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، بل يمكن ظهور النصوص في خلافه، بل كاد يكون صريح بعضها.

و منه يعلم قوة ما سمعته من التحقيق المتقدم الذي منه أيضا يظهر لك النظر فيما في القواعد من أنه لو جعل ذلك أي التزويج بجعل العتق صداقا في أمة الغير فإن أنفذنا عتق المرتهن مع الإجازة فالأقرب هنا الصحة و إلا فلا، ضرورة أنه على ما


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة و المسودة.

ج 30، ص: 257

ذكرناه يتجه الجواز حينئذ بناء على صحة الفضولي في النكاح و في جعل مال الغير مهرا، فان المفروض حينئذ يكون من ذلك، و لا إشكال فيه بعدم صحة الفضولي في العتق إلا إذا قلنا بصحته من المرتهن بإجازة الراهن مع إمكان الفرق بينهما بأن للمرتهن حقا في المال و سلطنته عليه في الجملة بخلافه هنا، على أنه هنا فيه أمر زائد على ذلك، و هو جعل مال الغير مهرا، و قد عرفت فساده فيما تقدم، هذا كله من حيث العتق.

و أما من حيث النكاح فلا ريب في ابتنائه صحة و فسادا على صحة الفضولي و فساده، إذ فساد المهر لا يقتضي بفساده، كما هو واضح، و ربما كان في المحكي في جامع المقاصد عن الشارح الفاضل للقواعد إشارة في الجملة إلى ما ذكرناه، فإنه بنى الحكم في المهر هنا و هو العتق على مقدمتين: إحداهما عتق المرتهن و الأخرى أن المجعول عتقها مهرا هل المهر هو العتق ابتداء أو هو تمليكها لرقبتها و يتبعه العتق؟

كما لو تزوج جارية غيره و جعل أبا سيدها المملوك مهرا لها، فإنه إذا أجاز السيد النكاح دخل أبوه في ملكه فانعتق عليه، فان المقدمة الثانية صريحة فيما قلناه.

لكن في جامع المقاصد بعد أن حكى ذلك عنه قال: «و الذي يقتضيه صحيح النظر و صادق التأمل أن هذا ليس من مسألتنا في شي ء، لأن العتق في هذا الفرض واقع بلفظ صريح و عبارة تخصه، و ليس من الأمور الحاصلة بالتبعية في شي ء، و مع ذلك فصريح اللفظ أن المهر حقيقة هو العتق، و التعبير بتمليك الجارية رقبتها من الأمور المجازية كما حققناه، و قد أبطله الشيخ في كلامه قبل، فكيف يجعل هذا مقدمة للحكم في هذه المسألة؟ و لا يقال: إنه إنما بنى عليه على زعمهم و إن كان غير صحيح في نفسه، لأنا نقول: قد بينا أنهم لا يريدون بذلك إلا المجازية، فلا يعتد بهذا البناء».

و فيه أنه لا داعي إلى حمل ذلك منهم على المجازية، لما عرفت من أولويته من جعل العتق بصيغته مهرا بل ما سمعته من النصوص (1)

الحاكمة بعود النصف رقا أو يسعى بقيمته لو طلقها قبل الدخول شاهدة على ذلك، مضافا إلى ما سمعته و غيره مما يظهر بالتأمل


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 258

من الشواهد، نعم قد يشكل الفرض بجعل ملك الغير مهرا كما عرفته فيما تقدم، هذا كله في الفضولية بهذا الوجه.

أما قوله: «زوجت أمتي من زيد و جعلت عتقها صداقها» و قبل عنه الفضولي ثم أجاز زيد احتمل قويا الصحة و إن كان فيه أيضا إشكال جعل مال الغير مهرا، و لو قال: «زوجت زيدا أمتي و جعلت عتقها صداقها» فأجاز زيد فلا ريب في الصحة بناء على ما ذكرناه و على صحة الفضولي.

بل و ما في قوله في القواعد أيضا: «الأقرب جواز جعل عتق بعض مملوكته مهرا، و يسرى العتق خاصة» ضرورة كون المراد أنه كما جاز جعل الكل مهرا يجوز جعل البعض مهرا و إن جرى العتق حينئذ في الجميع، لكن يسرى فيه من حيث كونه عتقا لا من حيث كونه مهرا، و تظهر الفائدة فيما لو طلقها قبل الدخول، فان ربعها يرجع رقا أو تسعى فيه لو كان المجعول مهر النصف، و وجه السراية إطلاق

قوله (1) صلى الله عليه و آله: «من أعتق شقصا من عبد سرى إليه العتق»

كما أن وجه عدم الجواز في أصل المسألة الاقتصار على المتيقن.

هذا و لكن عن الشارح الفاضل أنه قال: «على قول من يقول: إن المهر هو تمليك الجارية رقبتها تملك نصف رقبتها، و تنعتق عليها و لا سراية هنا، بل تسعى في قيمة نصفها» و فيه أنه قد يشكل حينئذ صحة التزويج بعدم جواز تزويج السيد أمته، و المفروض بقاء نصفها رقا حقيقة، و عتقه موقوف على السعي، و إنما يكون ذلك مع نفوذ العتق في النصف، و إنما ينفذ مع صحة التزويج، و عليه يلزم صحة نكاح السيد أمته، و هو معلوم البطلان و إنما صححناه في صورة كون عتق الجميع مهرا، لأن العتق و التزويج يقعان معا كما تقدم، نعم قد يقال بعموم دليل السراية لنحو الفرض فيتجه حينئذ الصحة.

كما تتجه أيضا في المبعضة التي بعضها حر، فيتزوجها بجعل عتق ماله صداقا بناء على عدم الفرق بين الكل و البعض، نعم لا ريب في اشتراط رضاها هنا، لحرية البعض.


1- 1 سنن البيهقي ج 10 ص 276 مع اختلاف يسير.

ج 30، ص: 259

و لو كانت مشتركة بينه و بين غيره فتزوجها و جعل عتق نصيبه مهرا لها ففي القواعد «الأقرب الصحة، و يسرى العتق، و لا اعتبار برضا الشريك، و كذا لا اعتبار برضاه لو جعل الجميع مهرا أو جعل نصيب الشريك خاصة» و كأنه بنى ذلك على السراية قهرا و إن لم يؤد قيمة نصيب الشريك، أو على أن الأداء كاشف، فإنه حينئذ يكون صحيحا لانتقال نصيب الشريك إليه حينئذ بالسراية، و صيرورتها بذلك كمملوكته التي جعل عتق بعضها مهرا، و لا يشكل ذلك بأن السراية إنما تتحقق بعد تحقق العتق لنصيبه الموقوف على تمام العقد، لإمكان دفعه بأن الجميع يتحقق بآن واحد، و الترتب ذاتي لا زماني، و بذلك بان عدم اعتبار رضا الشريك، بل و عدم اعتبار رضا المملوكة بناء على عدم اعتباره في مملوكته على ما سمعته، ضرورة كون ذلك منها، نعم يتجه توقف الصحة على اعتبار رضا الشريك بناء على عدم السراية حتى يؤدى القيمة، لكون الجزء باقيا على ملك الغير، فلا ينفذ النكاح بدون إذنه أو إجازته، و احتمال إبقائه موقوفا على الأداء كما ترى، بناء على تأثير الأداء في الحرية، لا على كونه كاشفا، ضرورة تحقق الحرية بعد حصول عقد النكاح، كما هو واضح.

و مما عرفت ظهر لك عدم الفرق بين جعل عتق نصيبه مهرا أو جعل عتق الجميع مهرا أو عتق حصة الشريك خاصة، في اشتراك الجميع بعدم اعتبار رضا الشريك الذي قد عرفت زوال شركته بالسراية الحاصلة بعتق نصيبه المقتضى ذلك لانتقال حصة الشريك إليه.

لكن الانصاف مع ذلك عدم خلو المسألة عن إشكال من حيث عدم اندراجها في النص، خصوصا بناء على ما ذكرناه من كون الإعتاق بالإصداق، فإنه لا يتم معه صورة جعل الصداق حصة الشريك خاصة، فتأمل جيدا.

كما أنه لا يتم على ذلك أيضا ما لو أعتق جميع جاريته و جعل عتق بعضها مهرا أو بالعكس بأن جعل عتق الجميع بعض المهر، كأن أمهرها معه ثوبا مثلا، فإنه لا وجه مع فرض كون الإعتاق بالإصداق لعتق الكل و جعل البعض مهرا، نعم لا بأس بصورة العكس بأن يجعل الصداق عتقها و شيئا آخر، كما أنه لا بأس بإصداقها بعض

ج 30، ص: 260

رقبتها بناء على السراية بمثل ذلك، و الله العالم.

و كيف كان ف أم الولد لا تنعتق إلا بعد وفاة مولاها ضرورة عدم كون الاستيلاد عتقا و إن منع من بيعها، بل مطلق نقلها ما دام الولد حيا، نعم لو مات مولاها و الولد حي عتقت من نصيب ولدها اتفاقا إن وفى، لانتقالها كلا أو بعضا إليه بالإرث، فينعتق عليه كلها أو بعضها، و يسرى العتق في الباقي، فتقوم عليه من نصيبه.

و لو عجز النصيب عن الكل سعت هي في المختلف عند الأكثر و لا يلزم ولدها السعي فيه أو الفك من ماله غير الإرث، و قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية يلزم الولد السعي إن كان قيمتها دينا على المولى و لم يخلف سواها إلا أن يموت قبل البلوغ، فتباع و يقضى بثمنها الدين، و في محكي الوسيلة كذلك إن كان عليه دين في غير ثمنها، و لا ريب في أن الأول أشبه (11) بأصول المذهب و قواعده، كما عرفته في الجملة في كتاب البيع، و تعرفه فيما يأتي إن شاء الله.

و لو مات ولدها و أبوه حي جاز بيعها و (12) غيره لأنها حينئذ عادت إلى محض الرق (13) الخالي من تشبث الحرية و (14) صارت كحالها قبل الولادة، بل يجوز بيعها مع وجود ولدها في ثمن رقبتها إذا لم يكن لمولاها غيرها (15) كما عرفته مفصلا في كتاب البيع و (16) يأتي إنشاء الله له تتمة.

بل قيل (17) و القائل ابن حمزة يجوز بيعها بعد وفاته في ديونه و إن لم يكن ثمنا لها إذا كانت الديون محيطة بتركته، بحيث لا يفضل عن الدين شي ء أصلا (18) لأنه لا نصيب للولد حينئذ، و هو مبني على عدم انتقال التركة إلى الورثة مع الدين، و هو ممنوع كما حققناه في محله، و ل

قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (1):


1- 1 أشار إليه في الوسائل في الباب- 6- من أبواب الاستيلاد الحديث 4 من كتاب التدبير و المكاتبة و الاستيلاد. و ذكره في التهذيب ج 8 ص 240 الرقم 865.

ج 30، ص: 261

«و إن مات و عليه دين قومت على ابنها، فان كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر ثم يجبر على قيمتها»

و هو مع ضعفه سندا و دلالة معارض بغيره مما عرفته و تعرفه ضرورة كون المقام غير مقامه، و إنما ذكر المصنف ذلك كله مقدمة لقوله و لو كان ثمنها دينا فتزوجها المالك و جعل عتقها مهرها ثم أولدها و أفلس بثمنها و مات بيعت في الدين.

و هل يعود ولدها رقا؟ قيل و القائل الشيخ و ابنا الجنيد و البراج:

نعم هو رق للمولى الأول بل و امه كذلك أيضا لرواية هشام بن سالم (1) له صحيحا عن الصادق عليه السلام في موضع من التهذيب،

و في آخر عن أبي بصير (2) عن الصادق عليه السلام قال: «سئل و أنا حاضر عن رجل باع من رجل جارية بكرا إلى سنة فلما قبضها المشتري أعتقها من الغد و تزوجها، و جعل مهرها عتقها، ثم مات بعد ذلك بشهر، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن كان الذي اشتراها له مال أو عقدة تحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها فان عتقه و نكاحه جائز، و إن لم يملك مالا أو عقدة تحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها كان عتقه و نكاحه باطلا لأنه عتق مالا يملك، و أرى أنها رق لمولاها الأول، قيل له: و إن كانت علقت من الذي أعتقها و تزوجها ما حال ما في بطنها؟ فقال: الذي في بطنها مع أمه كهيئتها».

و لكن مع ذلك الأشبه بأصول المذهب و قواعده أنه لا يبطل العتق و لا النكاح، و لا يرجع الولد رقا وفاقا لابن إدريس و أكثر المتأخرين لتحقق الحرية فيهما و الحر لا يعود رقا، و الخبر مطرح أو محمول على ما في القواعد من حمل عود الرق فيه على وقوع العتق في مرض الموت و الفرض عدم الثلث له، لاستغراق الدين، و إن كان فيه أن ذلك يفسد عتقها لا حرية الولد، إلا أن يحمل قوله عليه السلام: «كهيئتها» على المساواة في الحرية، لكنه بعيد جدا من اللفظ و من انكشاف عدم الحرية.


1- 1 الوسائل الباب- 25- من كتاب العتق الحديث 1.
2- 2 التهذيب ج 8 ص 213 الرقم 762.

ج 30، ص: 262

أو على ما عن بعضهم من وقوع العتق مضارا، فلا ينفذ لخلوه عن القربة حينئذ و إن كان فيه أيضا أن ذلك لا يتم في الولد.

أو على ما عن آخر من كون البيع فاسدا و علم المشتري بذلك على وجه يكون زانيا، فإنه حينئذ يفسد العتق و النكاح، و يكون الولد رقا، و إن أورد عليه في كشف اللثام بأنه لا جهة لفساده إلا أن يقال: إنه حينئذ سفيه لا ينفذ عتقه و لا عقده، و في غيره بأنه لا وجه للتقسيم حينئذ في الخبر، قلت: يمكن أن يكون وجه الفساد اعتبار وجود المقابل في صحة الاستدانة و لو بطريق الشراء نسيئة كما ذهب إليه بعض الأفاضل من مشايخنا، أو اعتبار العزم على الأداء كما سمعته في كتاب القرض و غيره و لم يكن عازما بقرينة مبادرته للإعتاق مع علمه بعدم شي ء عنده، و لعل هذا و سابقه أولى من جميع ما ذكر في تأويله، بل يمكن إرادة القائل بالفساد ذلك. و منه يعلم ما في كشف اللثام من ان الأجود طرحه، لأن الخبر لضعفه و مخالفته الأصول لا يصلح للعمل، و كأنه تبع بذلك ثاني الشهيدين في المسالك، فإنه طعن في صحتها باشتراك أبي بصير بين الثقة و غيره و باضطرابها، لأن الشيخ- ره- تارة رواها عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام من غير واسطة، و اخرى عن أبي بصير، فهي مضطربة الإسناد، فلا تكون حجة كما قرر في علم دراية الحديث، ثم قال: فإذا كانت الرواية هكذا حالها لم يصعب اطراحها في مقابلة الأمور القطعية التي تشهد لها الأصول الشرعية، و قد يناقش بمنع اشتراك أبي بصير بين الثقة و غيره، بل كل منهما ثقة كما حر في محله، و لو سلم فالخبر صحيح أو موثق، و كل منهما حجة، فالأولى تأويلها بما سمعت.

ثم لا يخفى أن اللائق بالعمل بالخبر المزبور الجمود على ما فيه من القيود المحتمل مدخليتها في الحكم المزبور، و لعل إطلاق الشيخ الثمن مع كونه في الرواية نسيئة للقطع عنده بعدم احتمال المدخلية، فضلا عن احتمال مدخلية خصوص النسيئة، كالقطع بعدم اعتبار البكارة، بل لم يعتبر الشيخ الحمل، فلم يفرق بين موته و هي حامل أو بعد وضعها، مع احتمال الفرق بتبعية الحمل للحامل في كثير من الأحكام أو مطلقا عند قوم، اللهم إلا أن يقطع في خصوص المقام بذلك، ضرورة عدم الفرق

ج 30، ص: 263

في حريته بين كونه حملا أو مولودا، نعم يتجه الفرق بين الأمة و العبد، فلو اشتراه نسيئة أو مطلقا و أعتقه لم يعد رقا، هذا كله مع العمل بالخبر المزبور، لا على ما ذكرناه من الوجه في تأويله، أما عليه فلا فرق بين جميع ذلك كله، كما أنه لا إشكال في شي ء منه على من أطرح الخبر المزبور، كما هو واضح، و الله العالم. كل ذلك في العتق من الطواري

[أما البيع]
اشارة

و أما البيع فإذا باع المالك الأمة المزوجة بعبد مملوك للبائع أو غيره أو لهما أو حر كلا أو بعضا من واحد أو متعدد كان ذلك كالطلاق بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى

خبر الحسن بن زياد (1)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى جارية يطأها فبلغه أن لها زوجا، قال: يطؤها، فإن بيعها طلاقها، و ذلك أنهما لا يقدران على شي ء من أمرهما إذا بيعا»

و صحيح عبد الرحمن (2)

«سأله عليه السلام عن الأمة تباع و لها زوج، فقال: صفقتها طلاقها»

و صحيح محمد بن مسلم (3) عن أحدهما عليهما السلام «طلاق الأمة بيعها أو ربيع زوجها، و قال في الرجل يزوج أمته رجلا حرا ثم يبيعها، قال: هو فراق ما بينهما إلا أن يشاء المشتري أن يدعهما»

و حسنة بريد و بكير عن الباقر و الصادق عليهما السلام (4)

«من اشتري مملوكة لها زوج فان بيعها طلاقها، فان شاء المشتري فرق بينهما، و إن شاء على نكاحهما».

و منه يعلم إرادة أن المشتري بالخيار بين إمضاء العقد و فسخه من حمل الطلاق على البيع فيه و في غيره، مضافا إلى

خبر الكناني (5) عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا بيعت الأمة و لها زوج فالذي اشتراها بالخيار، إن شاء فرق بينهما، و إن شاء تركها معه، فان هو تركها معه فليس له أن يفرق بينهما بعد ما أمضي، قال: و إن بيع العبد فان شاء مولاه الذي اشتراه أن يصنع مثل ما صنع صاحب


1- 1 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4 «و إن شاء تركهما على نكاحهما».
5- 5 الوسائل الباب- 48- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 264

الجارية فذلك له، و إن هو سلم فليس له أن يفرق بينهما بعد ما سلم»

لا أنه طلاق حقيقة، بل و لا أنه في حكم الطلاق من حرمة المواقعة و غيرها قبل أن يفسخ المشتري إلا أن يشاء المشتري إبقاء العقد و إن كان هو أقرب إلى الحمل و التشبيه، بل هو ظاهر خبر ابن زياد و صحيح ابن مسلم، فيكون شبه الفضولي قبل الإجازة بمعنى احتياج الصحة فيه إلى إنشاء الرضا دون الفساد، فإنه يكفي فيه عدم إنشاء الرضا أو شبه الطلاق الرجعي المتوقف تحقق الرجعة فيه على إنشائها، دون مضي الطلاق الذي يكفي فيه عدم إنشاء ما يقتضي الرجوع، بل لعله لا ينافي ذلك الخبران بعد أن كان التفريق يكفي فيه عدم إرادة إبقاء العقد، فتجتمع حينئذ جميع النصوص على معنى واحد، خصوصا بعد تعذر العمل على ظاهري خبري التخيير المقتضي توقف إمضاء العقد على إرادة إمضائه المخالف لمقتضى الخيار، ضرورة كون المحتاج فيه إلى الإنشاء الفسخ خاصة دون الإمضاء الذي يكفي فيه العقد الأول، كما في سائر أفراد الخيار لكن الإجماع ظاهرا على كون المراد بذلك الخيار منع منه، فان تم كان هو الحجة و حينئذ فالنكاح باق إلا أن يفسخ كغيره من أفراد النكاح ذي الخيار و إلا كان الأقوى ما عرفت.

و على كل حال فما

في الخبر البصري (1) عن أبي عبد الله عليه السلام «في الرجل يبتاع الجارية و لها زوج حر، قال: لا يحل لأحد يمسها حتى يطلقها زوجها الحر»

قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه، فيجب حمله على صورة إقرار المشتري الزوج على عقده أو تخصيصه باختيار المشتري الفسخ أو غير ذلك، لقوة تلك الأدلة المؤيدة بتضرر المالك بالتزامه ببقاء النكاح الذي من المحتمل اعتبار استدامة الملك في مضيه.

و من ذلك و ما هو كالتعليل في خبر زياد (2)

يعلم عدم الفرق في الحكم المزبور بين البيع و غيره من الناقل الاختياري، بل و القهري كالإرث، ضرورة كون المنشأ في ذلك تجدد المالك، بل لأنه يحتمل ثبوته للبائع لو عاد إليه و لو بفسخ أو إقالة.


1- 1 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2 خبر ابن زياد.

ج 30، ص: 265

و لو أوقف العبد المتزوج مثلا على الفقراء أو على جهة عامة و قلنا بانتقال العين الموقوفة كذلك لله أو للفقراء احتمل أن الخيار بيد الحاكم، و كذا لو دفعه إلى الحاكم خمسا للسادة أو زكاة للفقراء، و يحتمل العدم اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، و لعل الأول لا يخلو من قوة، و لو دفعه الحاكم إلى خصوص فقير احتمل أيضا كون الخيار له، لتجدد ملك للشخص غير ملك الجنس، فيثبت الخيار حينئذ له و إن كان قد أمضاه الحاكم من قبل، فتأمل جيدا.

ثم لا فرق في ذلك بين أفراد النكاح، لأن ثبوته في الأقوى يقتضي ثبوته في الأضعف بالطريق الأولى، و التشبيه بالطلاق لا يقتضي اختصاصه فيما يقبله، بل الظاهر عدم ثبوت الخيار في التحليل منه، لانقطاع الاذن بانتقال الملك، فيحتاج حينئذ إلى عقد جديد، نعم لو كان منقطعا ففسخ المشتري قبل مضى المدة احتمل رجوع الزوج على البائع بما قابل المدة من المهر، و فيه إشكال يعرف مما قد مناه سابقا، بل و في الفسخ قبل الدخول فضلا عن ذلك.

و كيف كان ف خياره على الفور و حينئذ فإذا علم و لم يفسخ لزم العقد بلا خلاف في الظاهر كما اعترف به في الرياض، بل فيه أن ظاهرهم الإجماع عليه، لخبر الكناني (1)

مؤيدا بما دل من النصوص (2)

على أن سكوت الموالي بعد بلوغهم تزويج عبيدهم إجازة، و بقاعدة الاقتصار على المتيقن، و اندفاع الضرر معها، و دلالة التأخير على الرضا، لكن الجميع كما ترى غير صالح لقطع الاستصحاب و تقييد الإطلاق، و المراد بتركها معه في خبر الكناني إن شاء الإبقاء الذي يؤول إلى إسقاط حق الفسخ و هو غير ما نحن فيه، نعم إن تم الإجماع كان هو الحجة و إلا كان للنظر فيه مجال، و من هنا اتجه بقاء الخيار مع الجهل به، كما صرح به عن غير واحد، بل في الرياض نفي الخلاف عنه، بل لا يبعد إلحاق الجهل


1- 1 الوسائل الباب- 48- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 26- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 266

بالفورية به أيضا وفاقا لبعضهم، للأصل و الإطلاق السالمين عن معارضة الإجماع هنا قطعا.

و كذا حكم العبد إذا كان تحته أمة و بيع فان مشتريه بالخيار أيضا على حسب ما سمعته في الأمة بلا خلاف أجده، لصحيح ابن مسلم (1)

و خبر الكناني (2)

المتقدمين، و التعليل في خبر ابن زياد (3)

المؤيدة بما سمعته.

و أما لو كان تحته حرة فبيع فالمشهور أيضا أنه كان للمشترى الخيار في نكاحه، لخبر الكناني (4)

و التعليل (5)

المؤيدين بقاعدة تسلط المالك على ملكه في ابتداء النكاح، فكذا استدامته، خلافا لابن إدريس و جماعة كما قيل، بل في محكي السرائر أن الشيخ أورد ذلك في النهاية إيرادا لا اعتقادا، و قد رجع عنه في مبسوطه فقال: «و إن كان للعبد زوجة فباعه مولاه فالنكاح باق بالإجماع، للأصل و اختصاص المثبت للحكم بغيره مع حرمة القياس» بل ظاهر قول المصنف هنا على رواية فيها ضعف سندا و دلالة الميل إليه مشيرا بذلك إلى

خبر محمد بن علي (6) عن أبي الحسن عليه السلام «إذا تزوج المملوك حرة فللمولى أن يفرق بينهما، فإن زوجه المولى حرة فله أن يفرق بينهما»

إذ ليس له التفريق إلا بالبيع المعرض له، و إن كان لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قلناه من أنا في غنية عن هذا الخبر بما سمعت، على أن ضعف السند ينجبر بالشهرة، بل و الدلالة التي لا يقدح فيها عدم جواز التفريق له بغير البيع، ضرورة أن أقصى ذلك خروج مثل هذا الفرد من الإطلاق و معقد إجماع المبسوط بقاء النكاح الذي لا ينافي ثبوت الخيار، و لكن مع ذلك كله


1- 1 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 48- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 48- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب- 64- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.

ج 30، ص: 267

فالاحتياط لا ينبغي تركه.

و لو كانا أى العبد و الأمة لمالك متحد فباعهما لاثنين دفعة أو ترتيبا على جهة الشركة بينهما أو اختصاص كل واحد بواحد كان الخيار لكل واحد من المبتاعين و كذا لو اشتراهما واحد بلا خلاف و لا إشكال لإطلاق الأدلة و كذا لو باع أحدهما كان الخيار للمشترى أيضا لذلك و للبائع عند المصنف و جماعة استصحابا لحاله السابق قبل البيع، و لإطلاق النصوص (1)

كون البيع طلاقا، و لاشتراكه مع المشتري في المعنى المقتضى لجواز الفسخ، و هو التضرر بمضي تزويج مملوكه لغير مملوكه و حينئذ لا يثبت عقدهما إلا برضا المتبايعين ضرورة عدم الاكتفاء بأحدهما بعد أن كان الخيار لكل منهما، لتقدم الفاسخ على غيره كما في كل خيار مشترك و لو أمضيا و حصل بينهما أولاد كانوا لموالي الأبوين كالمتناكحين ابتداء باذن من مولييهما الذي قد عرفته فيما تقدم، و عرفت ضعف الخلاف فيه و هو الإلحاق بالأم.

إنما الكلام في ثبوت الخيار للبائع، و تفصيل البحث فيه أنه لا إشكال في عدم ثبوت الخيار له إذا لم يكن مالكا إلا من باعه، ضرورة انقطاع سلطنته حينئذ، و ما عساه يظهر من ثاني الشهيدين في الروضة و في أول البحث من المسالك أن ثبوت الخيار له حينئذ اشتباه قطعا، أما إذا كان مالكا للآخر فقد عرفت تصريح المصنف و غيره بثبوت الخيار له لما عرفت، لكن ظاهرهم اختصاصه بذلك، فلا يثبت الخيار لمالك العبد مثلا غير البائع ببيع الأمة منه خلافا للشيخ و ابن حمزة و الفاضل و غيرهم فإنه يثبت الخيار له عندهم، و لعل وجهه جريان الاستصحاب فيه دون غيره، و دعوى ظهور انسياق البائع من

قوله عليه السلام (2): «طلاق الأمة بيعها»

في نحو الفرض دون المالك الأخر الذي يقتضي الأصل لزوم العقد بالنسبة إليه.

فيتحصل حينئذ في المسألة أقوال ثلاثة: (أحدها) عدم الخيار لغير المشتري مطلقا كما


1- 1 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.

ج 30، ص: 268

هو خيرة ابن إدريس للأصل و ظهور النصوص (1)

في إرادته عن نحو

قوله عليه السلام (2):

«طلاق الأمة بيعها»

بقرينة تفريع ذلك عليه في بعضها، و ظهور الفرق في بطلان القياس عليه بأنه لم يحصل منه رضا بالنكاح أصلا بخلاف المالك الأول.

(ثانيها) ثبوته لمالك الأخر الذي لم يبع سواء كان هو البائع أو غيره، لاختلاف الأغراض في نكاح المماليك بالنسبة إلى المالكين، و لإطلاق نحو

قوله عليه السلام (3):

«بيع الأمة طلاقها».

(ثالثها) التفصيل بين البائع و غيره، فيثبت الخيار له دون غيره، للفرق بينهما بالاستصحاب فيه و عدمه في غيره، لكنه كما ترى هو أضعفها، ضرورة أن التخيير الذي كان له إنما هو من حيث كونه مولى لهما، و الفرض زواله بالبيع، فلا وجه لاستصحابه، على أن محل البحث في التخيير الحاصل بسبب البيع، و غير الاستصحاب مما ذكرناه دليلا لذلك لا يخص البائع.

و بذلك ظهر لك أن المتجه أحد القولين دون التفصيل، و الأقوى اختصاص الخيار بالمشتري، للأصل السالم عن معارضة النصوص، أما على ما قلنا- من كون المراد من «بيع الأمة طلاقها» حصول حكم الطلاق بمجرد البيع من غير فرق بين كون الزوج مثلا ملكا للبائع أو لغيره إلا أن شاء المشتري إبقاء نكاحهما، لصيرورته استدامة النكاح بالنسبة إليه كالنكاح الفضولي ابتداء، أو صيرورة البيع بالنسيئة كالطلاق الرجعي و أن أمر الرجعة إليه- فواضح، إذ ليس في شي ء من النصوص اعتبار رضا مولى الأخر سواء كان هو البائع أو غيره، و أما على إرادة الخيار منه فلا ريب في كونه غير الظاهر منه، لكن للقرينة- و هي

قوله عليه السلام (4): «فان شاء المشتري»

إلى آخره و

قوله عليه السلام (5): «إلا أن يشاء المشتري»

إلى آخره- حمل على ذلك، و لا ريب


1- 1 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2- 4- 9.
4- 4 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 269

في اقتضائها خصوص المشتري دون غيره، و دعوى أن التفريع لا يقتضي التخصيص يدفعها عدم المقتضى للتعميم، ضرورة كونه خلاف الظاهر على أنه غير تام في

قوله عليه السلام «هو فراق ما بينهما إلا أن يشاء المشتري»

كدعوى كون المراد و لو بالقرينة تزلزل العقد بالنسبة إلى كل من له تعلق به، فيعم المشتري و مولى الأخر، بل و البائع و إن لم يكن مولى كما سمعته من ظاهر عبارة الروضة، ضرورة عدم الشاهد عليها.

و القرينة لا تصلح لغير ما عرفت، فتبقى حينئذ أصالة اللزوم سالمة عن المعارض، و يختص الخيار بالمشتري، و دعوى الاشتراك في العلة من القياس الممنوع، و الله العالم.

[مسائل ثلاث]
[المسألة الأولى إذا زوج أمته ملك المهر لثبوته في ملكه]

مسائل ثلاث:

الأولى:

إذا زوج أمته ملك المهر بلا خلاف و لا إشكال لثبوته في ملكه باعتبار كونه عوضا للبضع المملوك له فان باعها قبل الدخول و قلنا إن البيع نفسه بحكم الفسخ أو فسخ المشتري بخياره سقط المهر، لانفساخ العقد الذي ثبت المهر باعتباره من غير قبل الزوج، لا نصفه إن قبضه كما عن المبسوط، ضرورة عدم كونه طلاقا و لا فسخا من قبل الزوج ملحقا به لو قلنا بحجية القياس، و إطلاق النصوص (1)

كون البيع طلاقا يراد منه ما عرفت، لا أن المراد لحوق حكم الطلاق على وجه يشمل ذلك قطعا.

نعم قد يتخيل ثبوته أجمع لسيد الأول، لملكه له بالعقد، فالاستصحاب يقتضي ثبوته له بعد فرض عدم الدليل على ثبوت حكم البيع من المعاوضات هنا باعتبار عدم التقابض، خصوصا بعد أن كان الصحيح ثبوت المهر بالموت، لكن فيه أن الإجماع


1- 1 الوسائل الباب- 47- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.

ج 30، ص: 270

ظاهرا على أن الفسخ منها أو مما في حكمها قبل الدخول مسقط للمهر، و في النصوص ما يدل (1)

عليه، بل ربما كان في قوله تعالى (2) «وَ قَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ» إلى آخره، نوع إشعار به في الجملة، بل قد عرفت فيما مضى أن مقتضى انفساخ العقد رد كل عوض إلى صاحبه، و الموت لا انفساخ فيه، و الفرض هنا أنه فسخ بالخيار الذي جعله الشارع له، و لا يرد على ذلك الفسخ بعد الدخول، ضرورة حصول العوض لمن له فيه باستيفائه و لو مرة، نعم لو فرض هنا كون العقد منقطعا و قد مضت مدة و كان عدم الدخول منه لا منها توجه استقرار ملك السيد لما قابل المدة من المهر، هذا كله فيما إذا فسخ المشتري.

فان أجاز أي المشتري كان المهر له عند ابن إدريس- ره- و من تأخر عنه لأن إجازته كالعقد المستأنف المقتضي ملك المهر لمالك البضع، و فيه أنه لا يتم على ما ذكروه من الخيار الذي معناه أن له فسخ العقد، فمع فرض عدمه يكون العقد السابق تاما في الاقتضاء على حسب ما وقع، و الفرض أنه كان مقتضيا لملك السيد الأول المهر، و دعوى أنه بعدم فسخه ينتقل ملك المهر من السيد الأول إلى السيد الثاني من الغرائب التي لا توافق شيئا من الأدلة، بل الأدلة أجمع على خلافها، و من هنا لو أعتقت الأمة المزوجة قبل الدخول و لم تفسخ كان المهر للسيد بلا إشكال و لا خلاف.

و دعوى الفرق بين المقامين- بعدم اقتضاء العتق نقل المنافع، لكونه فك ملك، فيكون التزويج فيه حينئذ كاستثناء المنفعة له التي يتبعها بقاء عوضها له أيضا، بخلاف البيع الذي يقتضي نقل المنفعة للمشتري المقتضى انتقال عوضها إليه دون البائع- كما ترى لا محصل لها، ضرورة أنه إن كان التزويج السابق شبيها باستثناء المنفعة فليكن ذلك فيهما و إلا فلا، فإن المنفعة تابعة للعين، من غير فرق بين الحرية و الملكية و إن كانت في الأول تكون للمحرر و في الثاني تكون للمالك،


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 21.

ج 30، ص: 271

فلا ريب في أن المتجه في مفروض البحث كون المهر ملكا للسيد الأول كما اقتضاه العقد أولا، بل لا يبعد ذلك في العقد الموجب لمهر المثل أيضا بخلاف ما يوجبه الدخول فيه لفساد العقد، فإنه للثاني، لكون الموجب له قد وقع في ملكه دون الأول.

و بالجملة كل ما كان من مقتضي العقد فهو للأول مع فرض عدم الفسخ، و كل ما يوجبه الدخول فهو للثاني لما سمعت، على أنه لا إجازة هنا حقيقة بناء على ما ذكروه من الخيار، بل أقصاه عدم فسخ، و العقد تام في الاقتضاء، نعم لو قلنا:

إن البيع بحكم الفسخ و إن استدامة العقد كالعقد فضولا على المالك الجديد فأجازه اتجه حينئذ ملكه للمهر دون السيد الأول لكون العقد حينئذ على ملكه بعد انفساخ العقد بالنسبة إلى الأول و سقوط استحقاقه للمهر لكونه قبل الدخول و من قبله لا من قبل الزوج بناء على اقتضائه ذلك، فتكون الاستدامة حينئذ كالعقد الجديد (1) و بذلك يظهر لك الحال في المنقطع أيضا، فإنه كالدائم بالنسبة إلى ذلك، كما هو واضح.

و لو باعها بعد الدخول الموجب لاستقرار المهر كان المهر للأول، سواء أجاز الثاني أو فسخ، لاستقراره و هي في ملك الأول و دعوى- أن بيعه لها متلف للبضع على الزوج أو معرض للتلف فيضمن له مهر المثل- واضحة الفساد بعد أن عرفت فيما تقدم أن البضع ليس من الأموال التي تضمن بأمثال ذلك مما هو جائز شرعا إيقاعه، نعم ربما أشكل بعض الناس ذلك في المنقطع بأن الفسخ فيه و إن كان بعد الدخول يقتضي توزيع المهر على المدة، فلا يتوجه استحقاق السيد المهر أجمع فيه، و قد يدفع باحتمال إرادة الأصحاب خصوص الدائم هنا، و بإمكان منع اقتضاء ذلك في المنقطع أيضا، بل المهر فيه كالمهر في الدائم، و انما شابه الإجارة في خصوص تخلف المرأة في المدة مع استحقاقها عليها، و المقام ليس من ذلك قطعا (منه رحمه الله)


1- 1 فهو حينئذ شبه اجارة الموقوف مدة قد انتقل الموقوف في أثنائها إلى البطن الأخر فأجاز الإجارة، فإن الأجرة حينئذ فيما قابل المدة الباقية تكون لهم لا للمؤجر الأول.

ج 30، ص: 272

كما تكرر ذلك منا غير مرة، فتأمل، و الله العالم.

و كيف كان فالتحقيق في أصل المسألة ما سمعته و إن كان فيها أقوال مختلفة، و لكن المحصل للمحصل ما ذكرناه.

(منها) ما في النهاية «إذا زوج الرجل أمته من غيره و سمى لها مهرا معينا و قدم الرجل من جملة المهر شيئا معينا ثم باع الرجل الجارية لم يكن له المطالبة بباقي المهر، و لا لمن يشتريها إلا أن يرضى بالعقد» و نحوه عن ابن البراج، و هو مع عدم صراحته في المخالفة لا يوافق شيئا من الأدلة حتى

خبر أبي بصير (1) الفاقد شرائط الحجية عن أحدهما عليه السلام «في رجل زوج مملوكته من رجل على أربعمائة درهم، فعجل لها مأتي درهم ثم أخر عنه مأتي درهم، فدخل بها زوجها، ثم إن سيدها باعها بعد من رجل، لمن يكون المائتان المؤخرة عنه؟

فقال: إن لم يكن أوفاها بقية المهر حتى باعها فلا شي ء عليه له و لا لغيره»

الذي حمله في المختلف على إرادة الخلوة من الدخول لا الإيلاج، و

قوله عليه السلام «إن لم يكن»

إلى آخره، معناه إن لم يكن فعل الدخول الذي باعتباره يجب أن يوفيها المهر ثم باعها لم يكن له شي ء في الفسخ بالبيع من قبله قبل الدخول و لا لغيره إذا لم يجز العقد.

(و منها) ما في محكي المبسوط المضطرب، فإنه تارة حكم بأن البائع إن قبض المهر لم يكن للمشتري شي ء، لأنه لا يكون مهران في عقد، و إن لم يقبض استحقه كملا إن دخل بعد الشراء أو نصفا إن لم يدخل، و اخرى بأنه إن دخل بعد الشراء كان نصف المهر له بالدخول و النصف الأخر للبائع بالعقد، من غير فرق بين أن يكون البائع قبضه أولا، و اخرى بأن البائع إن قبض بعض المهر لم يكن له المطالبة بالباقي فإن أجاز المشتري طالب به، و اخرى بأن البائع إن قبض المهر


1- 1 الوسائل الباب- 87- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 مع الاختلاف و النص موافق للفقيه ج 3 ص 288 الرقم 1370.

ج 30، ص: 273

استرده الزوج من غير تفصيل، و كأنه لحظ في بعض ما ذكره الخبر المزبور (1)

الذي قد عرفت فقده شرائط الحجية، فلا محيص حينئذ عما ذكرناه، و الله هو العالم.

[المسألة الثانية لو زوج عبده بحرة ثم باعه قبل الدخول قيل كان للمشترى الفسخ]

المسألة الثانية:

لو زوج عبده بحرة ثم باعه بعد الدخول استقر المهر على السيد، لما سمعته سابقا من كون مهر العبد على مولاه و إن فسخه المشتري.

و إن باعه قبل الدخول قيل: كان للمشترى الفسخ أيضا، و هو الأقوى كما عرفته فيما سبق، خلافا لابن إدريس، فلم يثبت الخيار لمشتري العبد إذا كانت زوجته حرة، و قد عرفت ضعفه فيما سبق. و حينئذ فإذا فسخ المشتري كان على المولى نصف المهر عند المشهور إلحاقا لمثل هذا الفسخ قبل الدخول بالطلاق، و ل

خبر علي بن حمزة (2) المنجبر ضعفه بالشهرة عن الكاظم عليه السلام «في رجل زوج مملوكا له امرأة حرة على مائة درهم ثم إنه باعه قبل أن يدخل عليها، فقال: يعطيها سيده من ثمن نصف ما فرض لها، إنما هو بمنزلة دين استدانه بأمر سيده»

و منه يعلم وجوب المهر كملا عليه إذا لم يفسخ المشتري إلا إذا قلنا:

إن البيع نفسه فسخ بالنسبة إليه، فيجب حينئذ النصف الأخر على السيد الثاني مع الإجازة، كما كان المهر كله له في الأمة عندهم.

و من الأصحاب و هو ابن إدريس من أنكر الأمرين أي الخيار للمشتري في نكاح العبد الحرة كما تقدم، و تنصيف المهر بالفسخ على تقديره أيضا لاختصاص الدليل بالطلاق و حرمة القياس، فالمهر كملا واجب على السيد.

قيل: و هو متجه على أصله من عدم العمل بمثل الخبر المزبور، و فيه أن المتجه


1- 1 الوسائل الباب- 87- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 87- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 عن على بن أبي حمزة.

ج 30، ص: 274

حينئذ مع قطع النظر عن الخبر سقوط المهر أصلا، لما عرفته سابقا من مقتضي الفسخ في الخيار المشروع له رد كل عوض إلى صاحبه اللهم إلا أن يكون النكاح على غير قياس المعاوضات، و الله العالم.

[المسألة الثالثة لو باع أمته و ادعى بعد ذلك أن حملها منه و أنكر المشتري لم يقبل قوله في إفساد البيع]

المسألة الثالثة:

لو باع أمته و ادعى بعد ذلك أن حملها منه على وجه يحتمل الصحة و أنكر المشتري لم يقبل قوله في إفساد البيع المخالف للأصل، و لا يجديه إقرارها، لأنه في حق الغير، نعم إن ادعى علمه كان له إحلافه. و يقبل في التحاق الولد عندنا كما عن الخلاف و السرائر، سواء كان داخلا في ملك المشتري بالتبعية أو الشرط أو غير داخل لأنه على كل حال إقرار لا يتضرر به الغير فيكون ولدا في حقه مملوكا للمشترى، و لا منع في قبول أحد جزئي الدعوى دون الأخر، فيحكم بكون الولد ولده في حقه، و هو و امه مملوكان للمشترى، و دعوى إمكان الضرر على المشتري بشرائه قهرا لو مات أبوه عن غير وارث يدفعها منع إجباره على ذلك، لعدم ثبوت كونه ولدا في حق المشتري، نعم إن باعه اختيارا جاز شراؤه من التركة و إعتاقه و إن انتقل إليه انعتق عليه أخذا بإقراره، هذا.

و حينئذ فقول المصنف فيه تردد واضح الضعف، ضرورة عدم وجه يعتد به للتردد بعدم حصول التضرر على الوجه المذكور و عدم البأس في قبول أحد جزئي الدعوى دون الأخر، لعدم التنافي في الأحكام الظاهرية، و نظائره في الفقه كثيرة، كما هو واضح، و الله العالم.

ج 30، ص: 275

[أما الطلاق]

و أما الطلاق فإذا تزوج العبد باذن مولاه ابتداء أو استدامة حرة أو أمة لغيره لم يكن له إجباره على الطلاق و لا منعه على المشهور بين الأصحاب

للنبوي (1)

«الطلاق بيد من أخذ بالساق»

وخبر ليث المرادي (2)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العبد هل يجوز طلاقه؟ فقال إن كان أمتك فلا، إن الله عز و جل يقول (3) عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ، و إن كان من قوم آخرين أو حرة جاز طلاقه»

و الكناني (4) عنه عليه السلام أيضا «إذا كان العبد و امرأته لرجل واحد فالمولى يأخذها إذا شاء، و إذا شاء ردها، و قال: لا يجوز طلاق العبد إذا كان هو و امرأته لرجل واحد إلا أن يكون العبد لرجل و المرأة لرجل و تزوجها باذن مولاه و إذن مولاها، فان طلق و هو بهذه المنزلة فإن طلاقه جائز»

و خبر عبد الله بن سنان (5) عنه عليه السلام أيضا «سألته عن رجل تزوج غلامه جارية حرة فقال: الطلاق بيده، فان تزوجها بغير إذن مولاه فالطلاق بيد المولى»

و خبر أبي بصير (6)

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يأذن لعبده أن يتزوج الحرة أو أمة قوم الطلاق إلى السيد أو إلى العبد؟ قال: الطلاق إلى العبد»

وخبر علي بن يقطين (7) عن العبد الصالح عليه السلام «سألته عن رجل يتزوج


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 360.
2- 2 الوسائل الباب- 43- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 من كتاب الطلاق.
3- 3 سورة النحل: 16- الآية 75.
4- 4 الوسائل الباب- 43- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 من كتاب الطلاق.
5- 5 الوسائل الباب- 43- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 من كتاب الطلاق.
6- 6 الوسائل الباب- 43- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 من كتاب الطلاق عن أبى عبد الله عليه السلام الا أن الموجود في الكافي ج 6 ص 168 قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام».
7- 7 الكافي ج 6 ص 168.

ج 30، ص: 276

غلامه جارية حرة، فقال: الطلاق بيد الغلام»

و خبر محمد بن الفضيل (1) عن أبي الحسن عليه السلام «طلاق العبد إذا تزوج امرأة حرة أو تزوج وليدة قوم آخرين إلى العبد، و إن تزوج وليدة مولاه كان هو الذي يفرق بينهما إن شاء، و إن شاء انتزعها منه بغير طلاق»

وحسن علي بن جعفر (2) عن أخيه عن آبائه عن علي عليهم السلام «إنه أتاه رجل بعبده فقال: إن عبدي تزوج بغير إذني، فقال علي عليه السلام لسيده: فرق بينهما، فقال السيد لعبده: يا عبد الله طلق، فقال علي عليه السلام: كيف قلت له؟ فقال: قلت له: طلق، فقال علي عليه السلام للعبد: الان فإن شئت فأمسك و إن شئت فطلق، فقال السيد: يا أمير المؤمنين أمر كان بيدي جعلته بيد غيري، قال: ذلك لأنك حيث قلت له: طلق أقررت له بالنكاح»

و غير ذلك، و هي مع تعاضدها و استفاضتها و فتوى المشهور بها فيها الصحيح و الموثق و غيرهما، فما في المسالك من عدم خبر صحيح للمشهور لا يخفى ما فيه.

نعم يعارضها

صحيح العجلي (3) عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام «في العبد المملوك ليس له طلاق إلا بإذن مولاه»

وصحيح زرارة (4)عنهما عليهما السلام أيضا «المملوك لا يجوز طلاقه و لا نكاحه إلا بإذن سيده، قلت: فان كان السيد زوجه بيد من الطلاق؟ قال: بيد السيد، ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ (5)


1- 1 ذكر ذيله في الوسائل الباب- 45- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5 عن عبد صالح عليه السلام كما في التهذيب ج 7 ص 338 و الاستبصار ج 3 ص 205، و ذكر تمامه في الفقيه ج 3 ص 350 الرقم 1672 عن أبى الحسن عليه السلام.
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 45- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب- 45- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1- من كتاب الطلاق.
5- 5 سورة النحل: 16- الآية 75.

ج 30، ص: 277

الشي ء الطلاق»

و صحيح البجلي (1) عن أبي إبراهيم عليه السلام «سألته عن الرجل يزوج عبده أمة ثم يبدو له فينتزها منه بطيبة نفسه أ يكون ذلك طلاقا من العبد؟ قال: نعم، لأن طلاق المولى هو طلاقها، و لا طلاق للعبد إلا بإذن مولاه»

وصحيح العقرقوفي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سئل و أنا عنده أسمع عن طلاق العبد، قال: ليس له طلاق و لا نكاح، أ ما تسمع الله يقول (3) عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ، قال:

لا يقدر على نكاح و لا طلاق إلا بإذن مولاه».

بل عن العماني و ابن الجنيد أن الطلاق مطلقا إلى السيد إن شاء فرق بينهما، بل ظاهر ثاني الشهيدين الميل إلى ذلك، لصحة هذه النصوص التي تقصير تلك النصوص- لضعف سندها- عن تخصيصها و موافقتها للكتاب، لكن فيه أن تلك خاصة و هذه عامة، بل قد يشعر خبر العجلي منها بإرادة خصوص نكاح أمة السيد، كما أن ظاهر بعض النصوص السابقة إرادة ذلك خاصة من الأمة، فلا تكون مخالفة للكتاب حينئذ.

و احتمال الجميع بين النصوص بحمل أخبار المشهور على طلاق العبد باذن المولى يدفعه- مع أنه خرق للإجماع- تصريح بعضها بالاستقلال و عدم التوقف على الاذن، فليست هي حينئذ بالنسبة إلى ذلك إلا متنافية يفزع فيها إلى الترجيح، و لا ريب في تحققه، للشهرة و التعاضد و الأخصية و غير ذلك.

و احتمال العكس- بموافقة التقية التي تظهر من

خبر العياشي بسنده (4)عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: «كان علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ و يقول: العبد لا طلاق له و لا نكاح، ذلك إلى سيده، و الناس يرون خلاف ذلك، و إذا أذن سيد لعبده لا يرون له أن يفرق بينهما»

- يدفعه- مع أنه مخالف للمحكي عن أمير المؤمنين عليه السلام فيما سمعته من


1- 1 الوسائل الباب- 66- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 66- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
3- 3 سورة النحل: 16- الآية 75.
4- 4 المستدرك الباب- 43- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 278

خبر علي ابن جعفر (1)- أن الموجود فيما حضرني من كتب العامة إطلاق كون الطلاق بيد العبد، فيمكن أن يكون إنكار أمير المؤمنين عليه السلام في عموم ذلك على وجه يشمل نكاح أمة السيد، فليس هذا الخبر إلا كغيره من الأخبار العامة التي يجب تخصيصها بأخبار المشهور، بل قد يقال: إن هذه النصوص مطرحة حتى من الخصم، فان الطلاق عنده إلى السيد، لا أنه من العبد و لكن باذن السيد كما هو ظاهر هذه النصوص.

و من ذلك كله يعلم ضعف المحكي عن الحلبي من أن للسيد إجباره على الطلاق محتجا بما دل من وجوب الطاعة عليه، ضرورة إمكان منع وجوبها عليه في ذلك و إن وجبت عليه الطاعة في غيره كالولد، على أن ذلك ليس خلافا عند التأمل في المسألة، لظهوره في كون الطلاق للعبد و بيده، و لكن للسيد إجباره عليه لوجوب امتثال العبد سيده فيما يأمره به، و هو أمر خارج عما نحن فيه، كما هو واضح.

بل إن أراد من الإجبار أن للمولى الطلاق قهرا عليه نحو قولهم: «له إجبار على النكاح» كما عساه يومئ إليه ما ذكره له دليلا في المختلف كان راجعا إلى القول الثاني.

و ربما انقدح من ذلك وجه قوة للأول فإنه لا فائدة في السلطنة على نكاحه قهرا مع كون الطلاق بيده، على أنه ربما تعلق غرض للمولى في بقاء نكاحه لاستمناء و نحوه، كل ذلك مضافا إلى خبر محمد بن علي (2)

المتقدم سابقا بأن للمولى أن يفرق بينهما لو زوجة حرة، و هو غير قابل للتخصيص بهذه الأخبار، نعم هو ضعيف محتمل لما عرفت، و على كل حال ففي لحوق هبة المدة في المنقطع بالطلاق وجهان، هذا في نكاح العبد الحرة أو أمة الغير.

و أما لو زوجه أمته كان عقدا صحيحا عند المشهور بين الأصحاب،


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 64- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.

ج 30، ص: 279

بل هو الظاهر بينهم و من النصوص (1)

خصوصا التي ذكر فيها الطلاق، بل لعله صريح

صحيح ابن يقطين (2) سأل الكاظم عليه السلام «عن المملوك يحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه، قال: لا يحل له»

لا إباحة كما عن ابن إدريس، لجواز تفريق المولى بينهما كما ستعرف بالأمر بالاعتزال و نحوه، و لو كان عقد نكاح لم ينفسخ إلا بالطلاق و نحوه من فواسخ النكاح، و فيه منع واضح بعد ثبوت ذلك بالأدلة كغيره من الفواسخ، و ل

قول الباقر عليه السلام في صحيح ابن مسلم (3) و قد سأله عن الرجل كيف ينكح عبده أمته: «يجزؤه أن يقول: قد أنكحتك فلانة و يعطيها ما شاء من قبله أو من قبل مولاه و لو مدا من طعام أو درهما أو نحو ذلك»

و ربما كان دلالته على الأول أوضح للفظ الإنكاح و الاجزاء به عن ذكر القبول لظهوره، أو يقال: لا حاجة هنا إلى القبول، لأن العبد ممن لا يملكه، لجواز إجباره من المولى فهو يتولى طرفي العقد، و «أنكحتك فلانة» يتضمنهما، و في المسالك عد ذلك بعد أن حكاه عن المختلف قولا ثالثا و استوجهه لما عرفت إلا أنه كما ترى ليس قولا في المسألة، ضرورة كونه عقد نكاح عند القائل به، إلا أنه اكتفى بالقبول الضمني، و هو غير ما نحن فيه، على أنه قد يناقش بعدم التلازم بين تولية طرفي العقد و بين الاكتفاء في الإيجاب عن القبول، فإن باقي الأولياء و إن جاز لهم تولى طرفي العقد لكن لا بد من ذكر صورة العقد، اللهم إلا أن يفرق بكونه هنا مالكا لا أنه قائم مقام المولى عليه، و فيه أنه مع ذلك لا بد من ذكر صورة العقد، لمعلومية كون النكاح من العقود، كمعلومية عدم الاكتفاء بنحو ذلك عن القبول فيه و في غيره من العقود اللازمة، و أوفق بالاحتياط في الخروج عن أصل عدم الانتقال، و خصوصا في الفروج، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 43 و 45- من أبواب نكاح العبيد و الإماء و الباب- 43- من أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 33- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 43- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 280

و كيف كان ف الطلاق بيد المولى إجماعا بقسميه و نصوصا (1)

مستفيضة بل متواترة، فما

في مكاتبة علي بن سلمي (2)

«كتبت إليه جعلت فداك رجل له غلام و جارية فزوج غلامه جاريته ثم وقع عليها سيدها هل يجب في ذلك شي ء؟

قال: لا ينبغي له أن يمسها حتى يطلقها الغلام»

من الشواذ المتحملة لا سقاط «من» من النساخ و غير ذلك، كما أن ما في القواعد- من أنه «لو استقل العبد بالطلاق وقع على إشكال»- من الغرائب، ضرورة اتفاق النصوص و الفتاوى كما سمعت على انحصاره في السيد، بل قد يشكل صحته من العبد باذن السيد، إذا لم يكن بطريق الإقالة، بل له أن يفرق بينهما بغير لفظ الطلاق، مثل أن يقول: فسخت عقد كما أو فرقت بينكما أو يأمر هما أو أحدهما بالاعتزال عن صاحبه أو نحو ذلك بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى استفاضة النصوص (3)

أو تواترها به، ك

صحيح ابن مسلم (4)

«سأل الباقر عليه السلام عن قول الله عز و جل (5) وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ، قال: هو أن يأمر الرجل عبده و تحته أمته فيقول له: اعتزل امرأتك و لا تقربها، ثم يحبسها حتى تحيض، ثم يمسها»

و غيره فما في كشف اللثام- من أنه يشكل على القول بكونه نكاحا إن لم يكن عليه إجماع، للاحتياط و عدم نصوصية الأخبار- واضح الضعف لتحقق الإجماع الذي به تخرج الأدلة عن الظهور إلى الصراحة، فلا احتياط حينئذ، على أن ظاهر الدليل كصريحه حجة شرعية لا يجوز الاجتهاد في مقابلته، و لا استبعاد في انفساخ النكاح- و إن كان عقدا- بذلك بعد الدليل، نحو الفسخ بالعيب و غيره، بل ربما ظهر من بعضهم احتمال تحقق فسخ هذا العقد بأمر العبد بالطلاق، لأولويته من الأمر


1- 1 الوسائل الباب- 43 و 45- من أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 44- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3 عن على بن سليمان كما في التهذيب ج 7 ص 457 الرقم 1827.
3- 3 الوسائل الباب- 45- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
4- 4 الوسائل الباب- 45- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.
5- 5 سورة النساء: 4- الآية 24.

ج 30، ص: 281

بالاعتزال في الدلالة على ذلك و إن كان الأقوى خلافه، ضرورة ظهور الأدلة على اعتبار إنشاء الفسخ منه بلفظ دال عليه و ظاهر الأمر لا يقتضي بذلك، اللهم إلا أن يكون قرينة على إرادة إنشاء الفسخ به، فإنه حينئذ يكون فسخا لا بدونها، ضرورة كونه حينئذ أمرا بإيجاد الفسخ، فلا يكون هو فسخا، و لأنه يستدعي بقاء النكاح إلى أن يوقع الطلاق و هو ينافي الانفساخ، بل مدلوله الذي هو طلب امتثال الأمر بإيقاع الطلاق ينافيه، بل لو دل على الفسخ لامتناع إنشاؤه فامتنع الخطاب به، نعم لو قلنا إن العقد إباحة أو فرض نكاح العبد بها أمكن حينئذ الاكتفاء به في انقطاع الاذن باعتبار دلالته على عدم الرضا المنافي للإباحة، فيكفي حينئذ.

مع إمكان أن يقال على هذا التقدير أيضا بأنه و إن كان إباحة إلا أنه مفاد عقد لا ينفسخ إلا بإنشاء فسخه، فتنقطع حينئذ، و لا يكفي في دفعها مجرد عدم الرضا من دون إنشاء فسخ يقتضيها، اللهم إلا أن يدعى كونها إباحة صرفة كإباحة الطعام و دخول الدار و غير ذلك مما يكفى فيه جميع ما يدل على انقطاع الإذن، فتأمل جيدا كي تعرف ما في جملة من كلمات بعض الناس.

و كذلك الأقوى أيضا عدم تحققه بالطلاق الفاسد بسبب فقد شرط من شرائطه خلافا لبعضهم، فجعله فسخا لا طلاقا، و هو و إن كان لا يخلو من وجه، إلا أن الأحوط و الأقوى خلافه، لأن المقصود الفسخ الطلاقي دون غيره و لم تحصل و الحصة من الجنس تذهب مع الفصل، فلو وقع فسخ غيره كان ما وقع غير مقصود و ما قصد غير واقع.

و كيف كان ف هل يكون هذا اللفظ و هو «فسخت» و ما شابهه في فسخ عقد النكاح طلاقا؟ قيل و القائل الشيخ في المحكي من تهذيبه و استبصاره:

نعم، فيثبت فيه حينئذ ما يعتبر فيه من الشرائط و يلحقه أحكامه حتى لو كرره مرتين و بينهما رجعة حرمت حتى تنكح زوجا غيره لظهور أن المراد من نصوص (1)

المقام توسعة ما يحصل به الطلاق هنا و إن كان لا يقع بالكناية في غيره


1- 1 الوسائل الباب- 45- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 282

لمعلومية أنه الأصل في زوال النكاح، و لإفادته فائدته كالخلع، و لإشعار التخيير بين لفظ الطلاق و غيره لقيام الفسخ مقامه في ذلك، و به يفرق بين المقام و بين غيره من محال الفسخ التي لا يتخير فيها بين الطلاق و غيره، و ل

خبر ابن زياد (1)

«سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يزوج عبده أمته ثم يبدو للرجل في ذلك فيعزلها عن عبده ثم يستبرئها و يواقعها، ثم يردها على عبده، ثم يبدو له بعد فيعزلها عن عبده، أ يكون عزل السيد الجارية عن زوجها مرتين طلاقا لا تحل حتى تنكح زوجا غيره أم لا؟ فكتب لا تحل له إلا بنكاح».

و قيل: يكون فسخا لا طلاقا و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها أصالة عدم لحوق أحكام الطلاق له، و معلومية اعتبار اللفظ المخصوص في الطلاق و أنه لا يقع بالكناية مطلقا، و مشاركته له في بعض الأحكام لا يقتضي كونه طلاقا كالتخيير المزبور، و دعوى ظهور النصوص (2)

في التوسعة المزبورة على الوجه المذكور ممنوعة على مدعيها و إنما هي ظاهرة في التوسعة فيما يحصل به الفسخ و عدم انحصاره في الطلاق، و الخبر (3)

مع عدم جمعه لشرائط الحجية مبنى على عدم اعتبار تحلل الوطء بين المرتين في الحرمة حتى تنكح، و فيه ما عرفته سابقا و تعرفه في محله، على أنه لا يقتضي عموم لحوق أحكام الطلاق.

فالتحقيق حينئذ جريان أحكام الطلاق على ما كان منه بلفظه واردا على عقد النكاح الدائم جامعا لشرائطه المعتبرة فيه، و حكم الفسخ على غيره و إن كان مورده العقد، و حينئذ فليس شي ء من اللفظين الأخيرين و ما شابههما طلاقا، لعدم كونهما من ألفاظه، و لا يعد الفسخ بهما من الطلقتين المحرمتين لها إلى أن تنكح زوجا غيره، بل على القول بالإباحة ليس لفظ الطلاق طلاقا فضلا عنهما، بل هو حينئذ كما لو وقع على التحليل و المنقطع، و من الغريب ما عساه يظهر من المحكي


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 من كتاب الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 45- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 من كتاب الطلاق.

ج 30، ص: 283

عن بعضهم من كون جميع أفراد الفسخ طلاقا حتى لو كان النكاح إباحة أو منقطعا إذ هو كما ترى. و لو طلقها الزوج ثم باعها المالك أتمت العدة بلا إشكال و لا خلاف و لكن هل يجب أن يستبرئها المشتري ب الحيضة مثلا زيادة عن العدة؟

قيل كما عن الشيخ و جماعة نعم، لأنهما حكمان، و تداخلهما على خلاف الأصل، و قيل: ليس عليه استبراء لأنها مستبرأة، و هو أصح لأن الاستبراء انما هو لتحصيل العلم ببراءة الرحم، و لذا يسقط إن كانت حائضا و هو يحصل بانقضاء العدة، هذا كله في نكاح الأمة بالعقد.

[أما الملك]
[النوع الأول ملك الرقبة]
اشارة

و أما نكاحها بالملك ف هو نوعان:

[النوع الأول ملك الرقبة]

(الأول) ملك الرقبة لا خلاف و لا إشكال في أنه يجوز أن يطأ الإنسان بملك الرقبة ما زاد على أربع من غير حصر بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (1)

متواترة فيه، بل العموم في الكتاب (2) السالم عن المعارض كاف فيه.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في جواز أن يجمع في الملك بين المرأة و أمها (11) بل الإجماع بقسميه عليه أيضا مضافا إلى النصوص (3)

ضرورة عدم كون الملك نكاحا، و لذا جاز له ملك من حرم عليه وطؤها بالنسب لكن متى وطأ واحدة (12) بأي وجه كان حرمت الأخرى (13) عليه عينا.

و (14) كذا له أن يجمع بينها و بين أختها بالملك و (15) لكن لو وطأ واحدة (16) به حرمت الأخرى (17) عليه و لكن جمعا (18) أي ما دامت الاولى مملوكة له و إن اعتزلها أو حرمها على نفسه بنكاح و نحوه فلو أخرج الأولى (19) مثلا عن ملكه حلت له الثانية (20) كما مر الكلام في ذلك كله مفصلا و (21) من أنه يجوز (22) أيضا بلا خلاف و لا إشكال أن يملك (23) الابن موطوءة الأب كما (24) أنه يجوز للوالد ملك موطوءة ابنه و (25) إن كان يحرم على كل واحد منهما وطء


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب المتعة الحديث 6 و 8 و 11 و 12 و 13.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 24.
3- 3 الوسائل الباب- 21- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

ج 30، ص: 284

من وطأها الأخر عينا لدخولهما حينئذ فيما نكح الأب و حلائل الأبناء بل الإجماع عليه.

و يحرم على المالك وطء مملوكته إذا زوجها بغيره و لو عبده حتى تحصل الفرقة و تنقضي عدتها إن كانت ذات عدة بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى النصوص (1)

المعتبرة ل

خبر مسمع (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: عشر لا يجوز نكاحهن و لا غشيانهن- إلى أن عد منها- أمتك و لها زوج»

و نحوه

الآخر (3) بزيادة «و هي تحته»

و خبر مسعدة بن زياد (4) عن أبي عبد الله عليه السلام: «يحرم من الإماء عشر- إلى أن قال- و لا أمتك و لها زوج، و لا أمتك و هي في عدة»

و غيرها.

و ليس للمولى فسخ العقد إذا لم يكن الزوج عبده إلا أن يبيعها مثلا فيكون المشتري بالخيار على ما عرفته مفصلا.

و كذا لا يجوز له النظر منها إلى ما لا يجوز لغير المالك إذ هي حينئذ كالأجنبية بالنسبة إليه، و ملكه لها بعد إن كان الاستمتاع بها مملوكا لغيره غير مجد، لإطلاق الحرمة في خبر مسعدة، و إطلاق الأمر (5) بغض البصر و ما دل (6)

على حرمة المحصنة و ذات البعل و غير ذلك مما يقتصر فيه على المتيقن، و هو المملوكة نكاحا دون غيرها مما لك نكاحها و إن بقيت على الملكية من حيث الرقبة، و ل

صحيح الحلبي (7)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل زوج مملوكته عبده فتقوم


1- 1 الوسائل الباب- 44- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4 و فيه «ثمانية لا تحل مناكحتهم. أمتك و لها زوج».
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 19- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
5- 5 سورة النور: 24- الآية 30.
6- 6 سورة النساء: 4- الآية 24 و الوسائل الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
7- 7 الوسائل الباب- 44- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 عن عبد الرحمن ابن الحجاج كما في التهذيب ج 8 ص 199 الرقم 698.

ج 30، ص: 285

عليه كما كانت عليه فتراه متكشفا أو يراها على تلك الحال، فكره ذلك، و قال:

قد منعني أن أزوج بعض خدمي غلامي لذلك»

المراد الحرمة من الكراهة به، و

صحيح عبيد (1) عنه عليه السلام أيضا «عن الرجل يزوج جاريته هل ينبغي له أن ترى عورته؟ قال: لا و أنا أتقى ذلك من مملوكتي إذا زوجتها».

بل في كشف اللثام نسبة ما في القواعد من الحرمة عليه من كل جهة حتى النظر بشهوة أو إلى ما يحرم على غير المالك إلى النص و الإجماع، لكن مع ذلك كله توقف في الرياض في حرمة النظر إلى غير العورة بغير شهوة، بل ظاهره الميل إلى الحل، لأصلي الإباحة و بقاء حل النظر، و إشعار

الخبر (2) في قرب الاسناد «إذا زوج الرجل أمته فلا ينظر إلى عورتها، و العورة ما بين الركبة و السرة»

بالجواز في غيرها، قال: «و الإجماع موهون قطعا بمصير جماعة إلى العدم».

و فيه أن الأصلين لا يصلحان لمعارضة ما عرفته من الإجماع المحكي و غيره، و لا إشعار في الخبر المزبور إلا بمفهوم اللقب الذي هو غير حجة، و الإجماع لا يوهنه مخالفة بعض متأخري المتأخرين المختلي الطريقة، بل لعل ذلك منهم مما يؤكده كما لا يخفى على من تتبع مظان ما وقع منهم من الخلاف، فلا إشكال حينئذ في صيرورتها بحكم الأجنبية إلى انقضاء عدتها و لو بائنا احتراما للزوجية.

بل الظاهر أن الموطوءة بالتحليل كذلك كما صرح به في جامع المقاصد و غيره، نعم قد يتوقف في حرمة الاستمتاع بالمحلل منها دون الوطء مع أن الأحوط إن لم يكن الأقوى اجتنابها، لأنه لا اشتراك في النكاح و توابعه، كما أن الأحوط اجتناب المحللة و إن لم توطأ أجراء لعقد التحليل مجرى عقد النكاح.

و الأحوط أيضا اجتناب الاستمتاع حتى بالنظر في المعتدة عن وطء الشبهة مدة عدتها و إن كان قد يقوى حل ما عدا الوطء منه، للأصل و فحوى ما ورد في الأمة المستبرأة أيام استبرائها من جواز الاستمتاع بها في غير الوطء.


1- 1 الوسائل الباب- 44- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 44- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 7.

ج 30، ص: 286

و كيف كان فقد عرفت فيما تقدم أنه لا يجوز له وطء أمة مشتركة بينه و بين غيره بالملك لأن لها فرجا واحدا لا فرجين، و لا بالعقد أيضا، لما عرفت من عدم التبعيض في أسباب النكاح، نعم في التحليل من الشريك البحث السابق، و كذا لا يجوز أيضا غير الوطء من باقي الاستمتاعات.

و كذا لا يجوز للمشترى مثلا وطء الأمة المشتراة التي يجب عليه استبراؤها إلا بعد استبرائها أما غير الوطء فالظاهر جوازه فتوى و نصا (1).

و لو كان لها أي الأمة المشتراة زوج فأجاز المشتري نكاحه لم يكن له بعد ذلك فسخ نكاحه ضرورة صيرورته حينئذ كالنكاح المبتدأ باذنه و كذا لو علم فلم يعترض (11) لما عرفت من فورية الخيار، فيحرم حينئذ مطلق الاستمتاع بها عليه إلا أن تفارق الزوج و تعتد منه إن كانت من ذوات العدد (12) لأنه أمة ذات زوج و (13) قد عرفت الكلام فيها، نعم لو لم يجز نكاحه (14) بل فسخه لم يكن عليها عدة و كفاه الاستبراء (15) بحيضة أو خمسة و أربعين يوما في جواز الوطء (16) عند الفاضل و غيره، لإطلاق ما دل (2)

على حلية الأمة المشتراة به، و لأن المطلوب العلم ببراءة الرحم، و هو حاصل بذلك، و ل

خبر الحسن بن صالح (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «نادى منادي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بيوم أوطاس أن استبرؤوا سباياكم»

و لا شك أن فيهن من كانت مزوجة.

لكن الأقوى وجوب العدة وفاقا للكركي و ثاني الشهيدين و الفاضل الهندي و غيرهم. بل هو المحكي عن الفاضل في القواعد في العدد، لأصالة الحرمة قبلها، و لأنها هي الأصل في فسخ النكاح بطلاق أو غيره، و أخبار الاستبراء للمشتري إنما هي من حيث احتمال وطء السيد، و لهذا يسقط لو كان البائع امرأة، و الخبر


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 3 و 10 و 16 و 17 و 18- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 287

المزبور مع إمكان منع معلومية ذوات الأزواج فيهن غير جامع لشرائط الحجية، نعم يقوى أن الاكتفاء بحيضة أو خمسة و أربعين يوما في عزل السيد أمته عن عبده بغير الطلاق للنصوص (1)

المصرحة بذلك التي قد مرت بعضها، و لولاها لكان المتجه فيه الاعتداد أيضا، و الله العالم.

و يجوز ابتياع ذوات الأزواج من أهل الحرب من أزواجهن و غيرهم و كذا بناتهم و غيرهن إجماعا، لأنهم في ء للمسلمين يجوز استنقاذه بكل وجه فالملك المترتب على ذلك بالاستيلاء حقيقة لا به، ضرورة كونه بيعا فاسدا.

و كذا يجوز إجماعا ابتياع ما يسبيه أهل الضلال منهم، و للأخبار (2)

فيترتب عليه حينئذ آثار الابتياع الصحيح من حل الوطء بالملك و غيره، و أن الجميع للإمام أو فيه حق الخمس، للرخصة منهم عليهم السلام لشيعتهم كي تطيب مواليدهم (3)

كما أوضحنا ذلك في كتاب الخمس (4).

[تتمة تشتمل على مسألتين]
[المسألة الأولى كل من ملك أمة بوجه من وجوه التملك حرم عليه وطؤها حتى يستبرءها بحيضة]

تتمة تشتمل على مسألتين قد تقدم الكلام في

[المسألة الأولى كل من ملك أمة بوجه من وجوه التملك حرم عليه وطؤها حتى يستبرءها بحيضة]

الأولى منهما في كتاب البيع، و هي كل من ملك أمة بوجه من وجوه التملك و لو إرثا حرم عليه وطؤها قبلا بل و دبرا على إشكال حتى يستبرءها بحيضة مع احتمال وطء السيد لها، بل و علمه للنص (5)

على الاجتزاء بذلك للسيد لو أراد بيعها مع وطئها،


1- 1 الوسائل الباب- 45- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 50- من أبواب جهاد العدو من كتاب الجهاد.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.
4- 4 الجزء 16 ص 156- 158.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 288

و لأن اجتزاء المشتري بذلك للاحتياط الذي يراعي فيه الاكتفاء بذلك على تقدير الوقوع، و بالجملة تستبرأ بتلك مطلقا و إن كان الموجود في النصوص (1)

الشراء و الاسترقاق لكنها دالة بالفحوى أو بمعونة فتوى الأصحاب المؤيدة بالاحتياط و التحرز من اختلاط الأنساب على الجميع، فما عن بعضهم- من الاقتصار على مورد النص لعموم «ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» (2) و أصالة عدم الاشتراط، و انحصار الأخبار فيما ذكر بل عن ابن حمزة التصريح باستحباب استبراء من لا تحيض و هي في سن من تحيض- في غير محله خصوصا الأخير.

و كيف كان فإن تأخرت الحيضة، و كان في سنها من تحيض اعتدت بخمسة و أربعين يوما بياضا، و في الاجتزاء بالملفق وجه، الأحوط خلافه، سيما إذا كان التلفيق من الليل، كما أن الأحوط اعتبار الليالي أيضا لاعتبار خمسة و أربعين ليلة في خبري منصور (3)

و عبد الرحمن (4)

بل عن المفيد استبراؤها بثلاثة أشهر، و لكنه متروك.

و على كل حال ف يسقط ذلك أي الاستبراء إذا ملكها حائضا إلا مدة حيضها المحرم وطؤها فيه، فيكفي حينئذ في جوازه الطهارة من تلك الحيضة و لو لحظة، وفاقا للمحكي عن الشيخ و الأكثر، للعلم بالبراءة مع الأصل بل الظاهر صدق استبرائها بحيضة، فلا يحتاج إلى استثناء، و ل

صحيح الحلبي (5) سأل الصادق عليه السلام «عن رجل اشترى جارية و هي حائض، قال: إذا طهرت فليمسها إن شاء»

وخبر زرعة عن سماعة (6)

«سألته عن رجل اشترى جارية و هي طامث


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة و الباب- 17- من نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 سورة المؤمنون: 23- الآية 6.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 6.
5- 5 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 10- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.

ج 30، ص: 289

أ يستبرئ رحمها بحيضة أخرى أو تكفيه هذه الحيضة؟ قال: لا، بل تكفيه هذه الحيضة».

نعم قيل: لا بد من أن يكون حيضا ظاهرا لا من استحيضت و هي مبتدأة أو مضطربة، و خصص حيضها بتلك الأيام بالتخيير الوارد في النصوص (1)

و لعله للاحتياط و عدم اليقين، فتستصحب الحرمة، فتستبرأ حينئذ بخمسة و أربعين يوما، أو بيقين الحيض متى حصل، أو بشهر لكونه بدل الحيضة في غير مستقيمة الحيض، و لخبر ابن سنان (2)

الآتي أوجه، بل ربما احتمل ذلك أيضا في ذات التميز و إن كان هو واضح الضعف، ضرورة صراحة الروايات (3)

بحيضة، بل لا يبعد الاكتفاء بالتحيض بكل ما ورد به الشرع.

و على كل حال فما عن ابن إدريس- من اعتبار القرائين في المشتراة حائضا بمعنى اعتبار حيضة أخرى للأمر بالاستبراء بها، و الأولى حيضة قد مضى بعضها قبل الشروع في الاستبراء، و ل

خبر سعد الأشعري (4) عن الرضا عليه السلام من «الاستبراء قبل البيع بحيضتين»

المحمول على ذلك- كما ترى بعد ما عرفت، و جواز حمل الخبر على الاستحباب أو على من وطئت حائضا و لو لشبهة، فان احتمال اعتبار حيضة مستأنفة فيه لا يخلو من قوة و إن لم أجد تصريحا به.

و كذا يسقط إن كانت لعدل و أخبر باستبرائها للعلم الشرعي حينئذ بالبراءة و الأصل و العموم و الأخبار (5)

و هي كثيرة ذكرناها في كتاب البيع، لكنها


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب الحيض من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب بيع الحيوان الحديث 6 و الباب- 11- منها الحديث 4 و 5 من كتاب التجارة.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من أبواب نكاح العبيد و الإماء و الباب- 11- من أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة.

ج 30، ص: 290

مقيدة بالثقة أو الأمن إلا أن المصنف و الفاضل و غيرهما خصاهما بالعدل، للاحتياط و لأنه الثقة المأمون شرعا، و يمكن الاكتفاء بحصول العلم العادي باخباره و إن لم يكن ثقة، بل عن ابن إدريس وجوبه و إن كان المخبر عدلا، كما عن الشيخ الاحتياط به، فيجب حينئذ الاستبراء مع عدمه حتى لو كان المخبر عدلا، و لعله لعموم الأمر به المخصص بما عرفت، و خصوص

خبر عبد الله بن سنان (1) سأل الصادق عليه السلام «أشترى الجارية من الرجل المأمون فيخبرني أنه لم يمسها منذ طمثت عنده و طهرت، قال: ليس بجائز أن تأتيها حتى تستبرئها بحيضة، و لكن يجوز ذلك ما دون الفرج، إن الذين يشترون الإماء ثم يأتوهن قبل أن يستبرءوهن فأولئك الزناة بأموالهم»

و غيره التي يمكن حملها على الكراهة.

و كذا يسقط إن كانت لامرأة وفاقا للمحكي عن الأكثر، للأصل و عموم «ما مَلَكَتْ» (2) و خصوص

خبر ابن أبي عمير عن حفص (3) عن أبي عبد الله عليه السلام «في الأمة تكون للمرأة فتبيعها، قال: لا بأس بأن تطأها من غير أن تستبرئها»

و نحوه حسن رفاعة أو صحيحه (4) عن أبي الحسن عليه السلام و غيره، خلافا للمحكي عن الحلي فأوجبه أيضا، للعموم المخصوص بما عرفت، نعم لا ريب في أنه أحوط.

أو يائسة لمعلومية براءة رحمها،

قال منصور بن حازم (5)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عليه السلام عن الجارية التي لا يخاف عليها الحمل، قال: ليس عليها عدة»

و نحوه خبر عبد الرحمن (6)

بل لا موضوع للاستبراء فيها، و من هنا كان المتجه عدم


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب بيع الحيوان الحديث 5 من كتاب التجارة.
2- 2 سورة المؤمنون: 23- الآية 6.
3- 3 أشار إليه في الوسائل الباب- 7- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و ذكره في التهذيب ج 8 ص 174 الرقم 608.
4- 4 الوسائل الباب- 7- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.

ج 30، ص: 291

استثنائها، و

خبر ابن سنان (1) الذي سأل فيه الصادق عليه السلام «عن الرجل يشتري الجارية لم تحض، قال: يعتز لها شهرا إن كانت قد يئست»

محمول على الاستحباب بل

عن الكافي و الاستبصار «إن كانت قد مست»

فيكون الأمر بالشهر حينئذ بناء على أغلبية حصول الحيضة به، و كذا يحمل على الندب في

خبر عبد الرحمن (2) عن أبي عبد الله عليه السلام «في الرجل يشتري الجارية و لم تحض أو قعدت عن المحيض كم عدتها؟ قال: خمسة و أربعون ليلة».

و في معناها الصغيرة التي هي دون تسع سنين، و لم يذكرها معها هنا، و ذكرها في كتاب البيع (3) و لعله لحرمة وطئها، و أما

صحيح الحلبي (4)- عن الصادق عليه السلام «في رجل ابتاع جارية و لم تطمث، قال: إن كانت صغيرة لا يتخوف عليها الحبل فليس عليها عدة، و ليطأها إن شاءت، و إن كانت قد بلغت و لم تطمث فان عليها العدة»

ففي كشف اللثام «الظاهر أن المراد بالصغر القصور عن السن المعتاد للحيض في أمثالها لا عدم البلوغ تسعا، و كذا المراد بالبلوغ بلوغها السن المعتاد» قلت:

و حينئذ يستفاد منه سقوط الاستبراء عمن بلغت التسع لكن لم تبلغ أو ان الحمل كما هو المعتاد في بنت العشر و ما قاربها، و ربما يشهد له

صحيح ابن أبى يعفور (5)عن الصادق عليه السلام «في الجارية التي لم تطمث و لم تبلغ الحمل إذا اشتراها الرجل، قال: ليس عليها عدة، يقع عليها»

بل مال إليها في المسالك، لكنه لا يخلو من إشكال من إطلاق الأصحاب الاستبراء مع بلوغها سن الحيض و إن لم تحض، و من المعلوم إرادة التسع منه، فإنه زمان إمكان الحيض- فيمكن حمل هذه النصوص على إرادة سقوط الاستبراء عن الصغيرة و أن له الوقوع عليها بدونه إذا بلغت، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 6.
3- 3 الجزء 24 ص 207 و 208 ط قم.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.

ج 30، ص: 292

أو كانت حاملا فإنه لا استبراء هنا قطعا، ضرورة معلومية كونها حاملا، إنما الكلام في جواز وطئها مطلقا و عدمه مطلقا و التفصيل بالأربعة أشهر و عشرة أيام، فيحرم قبل مضيها للحمل و يحل بعده على كراهية أقوال: أقواها الأخير كما عرفته مفصلا في كتاب البيع (1) بل هو خيرة المصنف هناك أيضا و إن اختار هنا الجواز مطلقا على كراهية.

و على كل حال فليس هذا من الاستبراء في شي ء، و في جامع المقاصد أنه إن كان الحمل من وطء محترم فلا يجوز وطؤها إلا بعد الوضع، و إن كان من زنا فلا يجوز قبل الأربعة أشهر و عشرة و يجوز بعدها، بل عن غيره الجمع بين النصوص بحمل ما دل (2)

على الحرمة إلى الوضع على الحمل من وطء محترم، و ما دل (3)

على الجواز مطلقا على الحمل من زنا، و قد تقدم في كتاب البيع تفصيل ذلك كله، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

و يسقط الاستبراء أيضا بإعتاقها بعد ابتياعها، و هي.

[المسألة الثانية إذا ملك أمة فأعتقها كان له العقد عليها و وطؤها من غير استبراء]

المسألة الثانية التي أشار إليها المصنف بقوله إذا ملك أمة فأعتقها كان له العقد عليها و وطؤها من غير استبراء بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعض الفضلاء، بل في المسالك دعوى الوفاق عليه، للأصل و خروجها عن الأمة التي حكمها الاستبراء، و للأخبار ك

صحيح محمد بن مسلم (4)عن الباقر عليه السلام «في الرجل يشتري الجارية


1- 1 الجزء 24 ص 211- 217 ط قم.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2- 3.
4- 4 الوسائل الباب- 16- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 293

ثم يعتقها و يتزوجها هل يقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها؟ قال: يستبرئ بحيضة، قال: قلت: فان وقع عليها، قال: لا بأس»

و نحوه خبر عبيد (1)

و أبى العباس (2) عن الصادق عليه السلام و كفى بذلك كله مخرجا عن عموم العلة المقتضي لعدم سقوط الاستبراء لو سلم دلالة النصوص عليها على وجه تخرج به عن كونها مستنبطة.

و لكن كما دل الصحيح على سقوطه دل على أن الاستبراء أفضل بل لعله كذلك في كل مقام أسقطناه مع احتمال الوطء المحترم و لو من غير السيد تحفظا من اختلاط الأنساب، نعم لا يبعد تقييد السقوط هنا بما إذا جهل الوطء المحترم كما في القواعد و كشف اللثام و غيرهما لا ما إذا علمه و إن أطلق الأكثر كالنصوص (3)

لعموم ما دل (4)

على الاستبراء و الاعتداد منه، فيستبرئ بحيضة من وطء السيد، و تعتد إن كانت ذات زوج فسخ نكاحه على الأصح، و ما في جامع المقاصد- أنها تستبرئ بحيضة منه أيضا- واضح الضعف، بل مناف لما اختاره سابقا.

و على كل حال لا بد من تقييد النص و الفتوى بذلك، بخلاف ما لو جهل، فإن الأصل يقتضي عدم الوطء الموجب للاستبراء السالم عن معارضة نصوصه (5)

المختصة بالأمة دون المعتقة، و دعوى الاشتراك في العلة يدفعها أنها مستنبطة لا منصوصة، مع أن الاحتياط لا ينبغي تركه فيه أيضا، للاستصحاب، و لقوة احتمال استفادة الشركة في العلة من النصوص، خصوصا بعد أن لم يقتصروا على ما فيها من الشراء.

هذا كله لو تزوجها، أما غيره فلا بد له من التربص ثلاثة أشهر، ل

صحيح زرارة (6)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أعتق سرية إله أن يتزوجها بغير عدة؟


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
5- 5 الوسائل الباب- 10- من أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة.
6- 6 أشار إليه في الوسائل الباب- 13- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و ذكره في التهذيب ج 8 ص 175 الرقم 611.

ج 30، ص: 294

قال: نعم، قلت: فغيره قال: لا حتى تعتد ثلاثة أشهر»

و نحوه الصحيح الآخر (1)

عنه عليه السلام أيضا.

لكن ظاهر المصنف تقييد ذلك بما إذا علم وطء المعتق، حيث قال و لو كان وطأها و أعتقها لم يكن لغيره العقد عليها إلا بعد العدة، و هي ثلاثة أشهر إن لم تسبق الأطهار و إلا كانت هي العدة، ضرورة كون العدة هنا عدة الطلاق، و نحوه غيره، و هو حسن لعدم المقتضي للعدة مع العلم بعدم الوطء، بل و مع الجهل، بل و للاستبراء أيضا، فيجب تنزيل إطلاق الصحيحين على ذلك، بل الظاهر عدم انصرافه إلى غيره، فما وقع من بعض الأفاضل- من الحكم بالعدة مع الجهل تارة و الاستبراء أخرى- في غير محله قطعا.

نعم قد يشكل الحكم هنا بالعدة للغير ثلاثة أشهر مع الاكتفاء بنكاح السيد لها بعد العتق بالاستبراء بحيضة في صورة العلم بوطء السيد البائع لها، قال في جامع المقاصد: «و اعلم أنه لو علم أن الأمة المبتاعة موطوءة وطئا محترما من نحو زوج فسخ نكاحه أو من المولى فأعتقها لم يجز له أن يتزوجها إلا بعد الاستبراء، و تكفي الحيضة، لأن في رواية محمد بن مسلم (2)

استحباب الاستبراء بحيضة مع جهل الوطء، فلو لا أن الحيضة تكفي مع العلم به لم يكن لاستحبابها معنى، فان الغرض منها يقين براءة الرحم، لاحتمال الوطء، و كان ذلك كافيا قبل العتق فكذا بعده».

و فيه (أولا) أنه مناف لما اختاره سابقا من العدة لذات الزوج التي فسخ نكاحها و هي أمة فضلا عن المعتقة لا الاستبراء. (و ثانيا) أنه لا فرق حينئذ بينه و بين تزوج الغير في مفروض المتن هنا، ضرورة أنه إن كان المدار على حال حريتها الموجب اعتدادا لا استبراء ففي المقامين، و إن كان المدار على وطئها فهي في المقامين مملوكة حال، فدعوى الاكتفاء بالحيضة للمشترى المعتق الذي علم وطء سيدها لها دون المقام فعدة الطلاق للحرة لا دليل عليها.


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 295

اللهم إلا أن يقال: إن الموضوع في الصحيحين المزبورين المعتق سريته و حاصلهما أنه لا عدة عليه إذا أراد تزويجها، لأن الماء ماؤه، فهو كمن عقد على حرة في عدتها منه، بخلاف الأجنبي فإن عليه العدة، لكونه وطئا محترما، و الفرض أنها حرة، فلا استبراء بالنسبة إليه، فإن المقام ليس مقامه، بخلاف الموضوع في المسألة الاولى، و هي الأمة المبتاعة الموطوءة لسيدها، فإنه كان عليه استبراؤها قبل أن يعتقها إذا أراد وطءها، فبعد العتق لم يسقط ذلك الاستبراء، لكون الوطء فيه معلوما، فيبقى الخطاب به بحاله، بل لا يبعد ذلك لو أراد الغير تزوجها، فإنه لا فرق بينه و بين المبتاع الذي حصل العتق منه بعد أن علم من الشارع يقين براءة رحمها بالحيضة الذي لا فرق فيه بين نكاح المعتق و نكاح غيره بالنسبة الى ذلك.

لكن المتجه على هذا التقدير جعل موضوع المسألة في الثانية الأمة الموطوءة للسيد فأعتقها، فإنه إذا أراد هو نكاحها لا عدة عليه، بخلاف الغير، كما هو مضمون الصحيحين، و موضوع الأولى الأمة المشتراة التي علم وطء سيدها لها فأعتقها ثم أراد هو أو غيره نكاحها فيجزؤهما الاستبراء بحيضة لما عرفت، و لكن مع ذلك فالمسألة بعد لا تخلو من إشكال، و طريق الاحتياط فيها غير خفي.

كما أن ما في المسالك (1) عن بعضهم بعد أن ذكر سقوط الاستبراء بالإعتاق لو أراد المعتق نكاحها مع احتمال الوطء و إلحاق بعضهم تزويج المولى للأمة المبتاعة بالعتق في سقوط الاستبراء لأنه لا يجب على الزوج استبراؤها ما لم يعلم سبق وطء محترم في ذلك الطهر، و ذلك لأن الاستبراء تابع الانتقال الملك، و هو منتف هنا قال تبعا لما احتمله في جامع المقاصد: «و على هذا فيمكن أن يجعل ذلك وسيلة إلى سقوط الاستبراء عن المولى أيضا بأن يزوجها من غيره ثم يطلقها الزوج قبل الدخول، فيسقط الاستبراء بالتزويج و العدة بالطلاق قبل المسيس و إن وجد ما يظن كونه علة الاستبراء، و هو اعتبار براءة الرحم من ماء السابق، فإن العلة مستنبطة


1- 1 في العبارة تشويش إذ لم يذكر خبر «أن» فان قوله: «ما في المسالك.» اسمه و خبره اما محذوف أو قوله فيما يأتي: «و فيه إمكان الفرق» فيكون الواو هناك زائدا.

ج 30، ص: 296

لا منصوصة، و مثله الحيلة على إسقاطه ببيعها من امرأة و نحو ذلك».

و فيه إمكان الفرق بين الحيلتين بسقوط موجب الاستبراء في الثاني، لأن الشراء قد انقطع بالبيع من الامرأة مثلا بخلاف التزويج، فإنه لم يسقط مقتضى الاشتراء بالنسبة إليه، ضرورة كونها أمة مشتراة له محتملة الوطء، أقصى ما هناك سقوط الاستبراء بالنسبة للزوج، لعدم كونه مشتريا، لا أنه بتزويجه يسقط عن المشتري الذي أراد وطيها بذلك الشراء بعد الطلاق قبل الدخول، و انتفاء العدة لغير المدخول بها من حيث عقد الزوج، و هو غير احتمال وطء السيد الذي لم يحصل للمشترى ما يسقط خطاب الاستبراء بالنسبة إليه لو أراد الوطء بذلك الشراء، فلا ريب حينئذ في وضوح الفرق بينهما، على أن الحكم في البيع من الامرأة و نحوها لا يخلو من إشكال، باعتبار إمكان دعوى ظهور النصوص أو بعضها في العلة المخرج لها عن كونها مستنبطة، و باعتبار إمكان دعوى كون التعارض في الأدلة حينئذ من وجه و الترجيح للاستبراء بالاستصحاب و ظهور العلة و الاحتياط في الفروج و غير ذلك.

[النوع الثاني ملك المنفعة]
اشارة

النوع الثاني من نوعي الملك ملك المنفعة أي الانتفاع، فيمكن أن يجامع كونه عقدا أو أنه مبنى على كون التحليل ملك يمين للمنفعة، كما ستعرف تحقيق الحال فيه.

و كيف كان ف النظر في الصيغة و الحكم بعد القطع بجوازه عندنا للإجماع بقسميه عليه و تواتر النصوص (1)

به فما في محكي الخلاف و السرائر من إرسال قول عن بعض أصحابنا بالمنع منه بل في كشف اللثام أنه معطي كلام الانتصار مسبوق بالإجماع و ملحوق به، ضرورة معلومية جوازه في مذهبنا عند المخالف فضلا عن المؤالف كالمنقطع.


1- 1 الوسائل الباب- 31- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 297

و

مضمر ابن يقطين (1)

«سألته عن الرجل يحل فرج جاريته، قال: لا أحب ذلك»

وخبر عمار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام «في المرأة تقول لزوجها جاريتي لك، قال: لا يحل له فرجها إلا أن تبيعه أو تهب له»

وخبر أبي هلال (3) عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن الرجل هل يحل له جارية امرأته؟ قال: لا حتى تهبها له، إن عليا عليه السلام قد قضى في هذا، أن امرأة أتت تستعدي على زوجها، قالت: إنه قد وقع على جاريتي فأحبلها، فقال الرجل: إنها وهبتها لي، فقال علي عليه السلام:

ائتني ببينة و إلا رجمتك، فلما رأت المرأة أنه رجم ليس دونه شي ء أقرت أنها وهبتها له، فجلدها حدا، و أمضى ذلك له»

من الشاذ الذي قد أمرنا بالإعراض عنه، مع أنه لا ظهور في الأول بالمنع، بل من المعلوم كون الوجه في ذلك أنه لا يراه مخالفونا، بل مما يشنعون به علينا، فالتنزه عنه أولى، بل عن الشيخ أن ذلك ما لم يشترط حرية الولد و إلا زالت الكراهة كما عساه يومئ اليه

خبر إسحاق(4)

«سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن المرأة تحل فرج جاريتها لزوجها، فقال: إنى أكره هذا، كيف يصنع إن هي حملت؟ قلت: تقول: إن هي حملت منك فهي لك، قال: لا بأس بذلك، قلت: فالرجل يصنع هذا بأخيه، قال: لا بأس بذلك»

بل و الثالث المسؤول فيه عن جارية المرأة من حيث كونها جارية امرأة، و الحصر في الهبة مع معلومية الجواز في العقد و التمليك بغير الهبة ليس على حقيقته، بل يمكن إرادة ما يشمل التحليل من الهبة أو خصوصه، بل لعل الخبر الثاني ظاهر في ذلك.

منه ينقدح حينئذ قوة كون التحليل ملك يمين بهذا المعنى، بل و قوة جواز كون صيغته بلفظ الهبة.

و منه يعلم ضعف الاستدلال بمفهوم قوله تعالى (5):


1- 1 الوسائل الباب- 31- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 32- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 32- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب- 31- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 8.
5- 5 سورة المؤمنون: 23- الآية 6- 7.

ج 30، ص: 298

إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ»* لتقريب عدم كونه تزويجا دائما و لا منقطعا، لعدم اعتبار المهر فيه و لا المدة و لا النفقة، و لا يقع به طلاق و لا غير ذلك من لوازم الدائم و المنقطع، و عدم كونه ملك اليمين، لأن الفرض ملك الرقبة لغيره، مضافا إلى أن أقصاه العموم المخصص بالإجماع بقسميه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص (1)

و إلى إمكان دعوى كونه تزويجا بعد فرض ثبوت مشروعيته، و أنه فرد ثالث، و انتفاء لوازم الدوام و الانقطاع لا يقضى بانتفاء كونه تزويجا، و إلا لاقتضى انتفاء لوازم الدوام عدم كون المنقطع تزويجا و بالعكس، فإنه لا دليل على انحصار النكاح فيهما، و إلى إمكان كونه ملك يمين بمعنى كون المراد بالاية عدم جواز وطء غير الزوجة و المملوكة و لو للغير بالتحليل، فالضمير حينئذ في «أَيْمانُهُمْ» للجنس، لا أن المراد اعتبار الملك للشخص في جواز وطء المملوكة، و على كل حال فلا إشكال من هذه الجهة، إنما الكلام في الصيغة و غير ذلك من الحكم.

[أما الصيغة]

أما الصيغة ف لا خلاف في اعتبارها فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، فلا يكفي التراضي مطلقا، و

خبر هشام بن سالم (2) قال: «أخبرني محمد بن مضارب، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا محمد خذ هذه الجارية إليك تخدمك و تصيب منها، فإذا خرجت فردها إلينا»

ليس نصا بل و لا ظاهرا في الاكتفاء بهذا اللفظ، و إلا كان واجب الطرح.

نعم لا خلاف في حصولها ب أن يقول: أحللت لك وطءها أو جعلتك في حل من وطئها بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى معلومية دلالة النص (3)

و الفتوى عليه، و لكن في اعتبار الماضوية- فلا يجزئ المضارع و الأمر المراد بها إنشاء ذلك و لا «أنت في حل من وطئها»- البحث السابق الذي قد عرفت قوة القول


1- 1 الوسائل الباب- 31- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 31- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 6.
3- 3 الوسائل الباب- 31- من أبواب نكاح العبيد و الإماء و الباب- 37- منها الحديث 5 و 6.

ج 30، ص: 299

بالجواز فيه، بل قد عرفت هناك قوة اعتبار عدم اللفظ المخصوص، بل يكفي كل ما دل على إنشاء ذلك على حسب القانون العربي، من غير فرق بين المجاز و غيره مما لم يقم إجماع و نحوه على خلافه، بل لعل المقام أوسع دائرة من ذلك، باعتبار كونه من الإباحات و من العقود الجائزة التي صرحوا في الاكتفاء بأي لفظ كان، و ستسمع ما في خبر فضيل مولى راشد (1)

من التحليل بالجملة الاسمية التي صرح بعضهم بالمنع منها هنا، و كذا خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن الكاظم عليه السلام (2)

و غيره الاتى في المسألة الثالثة من مسائل الحكم، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه، خصوصا في الفروج.

و لعله لذا و نحوه لا يستباح بلفظ العارية عند المشهور، بل هو مجمع عليه نقلا مستفيضا، مضافا إلى

خبر البقباق (3)

«سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام و نحن عنده عن عارية الفرج فقال: حرام، ثم مكث قليلا ثم قال: لا بأس بأن يحل الرجل الجارية لأخيه»

المنجبر سنده إن كان محتاجا بالشهرة، و لا ينافيه

خبر الحسن العطار (4)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن عارية الفرج، قال: لا بأس به»

المراد منه التحليل المسمى عند العامة في التشنيع علينا بالعارية التي أومأ عليه السلام في الخبر السابق الى عدم كون التحليل من العارية، بل هو قسم مستقل برأسه، و لذلك استدرك عليه السلام جوازه بعد الحكم بحرمة عارية الفرج كما سمعت.

إلا أن الانصاف مع ذلك كله دعوى دلالة الخبر المزبور على عدم جواز عقد التحليل بلفظ العارية المراد منه معنى التحليل لا العارية المخصوصة لا يخلو من إشكال، و لعله لذا حكي عن ابن إدريس جوازه، و حينئذ فوجه الجمع بين الخبرين عدم كون التحليل من أفراد العارية و إن جاز عقده بلفظها المراد منه التحليل الذي هو عارية بالمعنى الأعم، بل يمكن إرادة ذلك أيضا من معاقد


1- 1 الوسائل الباب- 33- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 37- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 34- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 34- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.

ج 30، ص: 300

الإجماعات، كما أنه يمكن تأييده بإشعار تعليل الفرق بين الحرة و الأمة في الصحيح (1)

المتقدم في الأمة المشتركة بأن الحرة لا تهب و لا تعير و لا تحلل إلا أنك قد عرفت شدة رجحان الاحتياط في الفروج، و خصوصا في المقام الذي قد عرفت حكاية الإجماع عليه، و قوة إرادة جواز إطلاق لفظ العارية عليه في خبر العطار (2)

و إن لم يجز عقده بها نحو إطلاق المستأجرات على المتمتع بهن و إن لم يجز لفظ «آجرت» في المتعة و لو للتجنب عن توهم دخول النكاح الذي هو عقد مستقل برأسه في عقد آخر، و الله العالم.

و كيف كان ف هل يستباح فرج الجارية بلفظ الإباحة المرادف للتحليل فيه خلاف بين الأصحاب، أشهره عدم الجواز و أظهره الجواز وفاقا للفاضل و جماعة ممن تأخر عنه، و محكي المبسوط و السرائر، لعموم الأخبار (3)

فإنها تضمنت التحليل، و هو أعم من أن يكون بلفظه أو مرادفه، بل و غيرهما مما يفيده على حسب القانون اللغوي «نحو أذنت» و «سوغت» كما نص عليهما في القواعد، لكن قد عرفت أن الاحتياط في الفروج مما لا ينبغي تركه، خصوصا بعد ما قيل هنا من أن الجواز بلفظ التحليل لا يستلزم الجواز بلفظ الإباحة بعد تسليم ترادفهما، و المتيقن من النصوص العقد بلفظ التحليل و إن كان هو كما ترى.

و لو قال: «وهبتك وطءها» أو «سوغتك» أو «ملكتك» متجوزا بها بإرادة معنى التحليل منها باعتبار مشابهة مفاده لمفادها، لعدم العوض فيه مع استحقاق الانتفاع به فمن أجاز العقد بلفظ الإباحة باعتبار استفادة


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 34- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 31- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 301

معنى التحليل منه الذي هو من العقود الجائزة التي لم يعتبر فيها لفظ مخصوص، بل هو شبه الإباحات المتعلقة بالأموال يلزمه الجواز هنا لاتحاد المدرك بعد فرض جريان استعمال هذه الألفاظ في المعنى المزبور مجرى القانون اللغوي، و لو على جهة المجازية التي لا بأس بها في العقد الجائز، و خصوصا مثل هذا العقد الذي هو شبه الإباحات و من اقتصر على التحليل و لم يجوز العقد بلفظ الإباحة المرادفة له اقتصارا على المتيقن في الفرج المطلوب فيه الاحتياط منع هنا سيما الهبة و التمليك ضرورة أولويتهما بذلك من لفظها، لكون الأعيان مورد الهبة و التمليك و إن وقع عليها و على المنفعة لكن لا عين هنا و لا منفعة و إنما هو اباحة انتفاع، بل كان مفاد الهبة و التمليك مقابلا للتحليل الظاهر في رفع المنع من المالك بالاذن على حسب التحليل في أكل المال و نحوه، و قد عرفت قوة القول بالجواز، خصوصا بعد إمكان إرادة التحليل في الخبرين (1) السابقين، بل ربما أشعر به تعليل الفرق بين الحرة و الأمة أيضا في الصحيح (2)

المتقدم في الأمة المشتركة بأن الحرة لا تهب و لا تعير و لا تحلل، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

و كيف كان ف هل هو عقد نكاح أو عقد تمليك منفعة؟ فيه خلاف بين الأصحاب منشؤه عصمة الفرج عن الاستمتاع بغير العقد أو الملك للآية (3) و دعوى الاتفاق على ذلك، فبعد معلومية جوازه في الشرع لا يخلو من أحدهما و لعل الأقرب عند المصنف هو الأخير وفاقا للمحكي عن الأكثر، بل لم يعرف حكاية الخلاف فيه إلا عن المرتضى في الانتصار مع أن كلامه المحكي عنه في المختلف- كما اعترف به في كشف اللثام- إنما يعطى اشتراط العقد و عدم الاجتزاء بلفظ الإباحة كما لا يجتزأ بلفظ العارية، فهو حينئذ خارج


1- 1 الوسائل الباب- 34- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل الباب- 41- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
3- 3 سورة المؤمنون: 23- الآية 6.

ج 30، ص: 302

عما نحن فيه، و لذا حكي خلافه في أصل مشروعية التحليل.

و على كل حال فالوجه للمشهور- بعد الاتفاق على كونه أحدهما أو ملك يمين كما في كشف اللثام- انتفاء لوازم عقد النكاح من الطلاق و المهر و المدة و غير ذلك، فتعين الثاني، مضافا الى

صحيح السراد (1)

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله تعالى (2) وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ، قال: هو أن يأمر الرجل عبده و تحته أمته، فيقول: اعتزل امرأتك و لا تقربها، ثم يحبسها عنه حتى تحيض، ثم يمسكها فإذا حاضت بعد مسه إياها ردها عليه بغير نكاح»

فان الظاهر إرادة التحليل و قد نفى عنه النكاح، فليس هو حينئذ إلا ملك يمين، بل ربما أشعر به أيضا خبر أبى بصير (3) و الحضرمي (4)

قال في أولهما: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة أحلت لابنها فرج جاريتها، قال: هو له حلال، قلت: أ فيحل له ثمنها؟ قال: لا، إنما يحل له ما أحلت له»

وقال في ثانيهما: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن امرأتي أحلت لي جاريتها، فقال انكحها إن أردت، قلت: أبيعها، قال: لا، أحل لك منها ما أحلت»

باعتبار أن ذلك منهما مقتض لصيرورتها ملك يمين بذلك، و لم ينكر عليهما الامام عليه السلام ذلك، و إنما منعهما من البيع مؤمنا إلى أن ذلك ملك يمين على حسب ما أحل، و صحيح الأمة بين الشريكين (5)

المصرح فيه بجواز التحليل من أحدهما للآخر، المبنى على اتحاد السبب حينئذ بصيرورة الجميع ملك يمين و إن كان النصف ملك رقبة و الأخر ملك منفعة، و لو لا ذلك لكان من التبعيض في سبب النكاح، و لذا لم يجز له نكاحها بالعقد، هذا أقصى ما يمكن أن يقال


1- 1 الوسائل الباب- 45- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و هو صحيح السراد عن محمد بن مسلم كما في التهذيب ج 7 ص 346 الرقم 1417.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 24.
3- 3 الوسائل الباب- 32- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 36- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 41- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 303

للمشهور.

لكن الجميع كما ترى، ضرورة صراحة عقد التحليل بلفظه أو الإباحة في عدم الملك، و لم يقصد المملك إلا رفع المنع، أو التصريح بإنشاء الاذن في ذلك، و دعوى صيرورته ملكا شرعا و إن لم يقصداه واضحة الفساد، على أنه لا منفعة هنا صار العقد سببا لتملكها على نحو الإجارة، و إنما هو انتفاع لا منفعة، و فرق واضح بينهما، و جواز الانتفاع بعقد التحليل بعيد عن صدق ملك اليمين و إلا لكان جميع الإباحات كذلك، و الحصر في الآية (1) المتفق عليه مع انتفاء لوازم العقد لا يقتضي شمول الكلي لغير فرده، بل هو فرد لكلي آخر مباين له، و كذا نفي النكاحية عنه في صحيح السراد، و ليس في كلام الامام عليه السلام في خبري أبي بصير و الحضرمي ما يتوهم منه كونه ملك يمين، بل و لا صحيح الأمة المشتركة، و جوازه فيها دون النكاح أعم من ذلك قطعا كما هو واضح، بل التأمل الصادق يقتضي تنزيه كلام الأساطين عن كونه ملك يمين على وجه يندرج فيه موضوعا، ضرورة صراحة النصوص في عدمه، فان من أفراده تحليل القبلة و نحوها.

نعم قد يقال: إنه بعد ثبوت مشروعيته بالمتواتر من السنة (2)

و الإجماع مع الاتفاق على حصر حكم النكاح في السببين فهل الثابت لهذا القسم من النكاح حكم العقد أو حكم ملك اليمين؟ و لا ريب أن الأقوى الثاني، لا لدخوله في اسمه، بل لأن أحكامه الثابتة له من جواز وطء الأزيد من الأربع و غيره على وفق الأصول المقتضية نحو ذلك في التحليل، بخلاف الأحكام التي موضوعها النكاح و التزويج و نحوهما مما لا يدخل فيه التحليل موضوعا، و لا حكمه على وفق الأصل، فالمراد حينئذ ثبوت أحكام ملك اليمين له دون عقد النكاح المعلوم، و إن كان هو قسما مستقلا برأسه لا يدخل في موضوع أحدهما، بل لو فرض حكم من أحكام ملك اليمين المخالفة لمقتضى الأصل و ليس في أدلته ما يفهم منها شمول التحليل و لو بمعونة


1- 1 سورة المؤمنون: 23- الآية 6.
2- 2 الوسائل الباب- 31- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 304

الإجماع أشكل ثبوته لوطء التحليل، لعدم اندراجه في موضوعه.

و لعل من ذلك تحريم المملوكة على الأب بالاستمتاع بها بنظر و تقبيل و لمس و نحو ذلك مما عرفته سابقا بالنصوص (1)

الدالة عليه، فان ثبوته للمحلل لا يخلو من إشكال، اللهم إلا أن يفهم من تلك أن ذلك و نحوه نزله الشارع منزلة الوطء في تسبيب التحريم، كما هو المفهوم من تلك النصوص التي قدمنا الكلام، و الغرض أن الضابط ما عرفت.

و ربما كان هذا الاستقراء تاما في سائر الأفراد، فلاحظ و تأمل كي تعرف الحال في تحليل المسلمة للكافر، فإنه غير جائز للمنع منه في سائر أقسامه، و كذا تحليل المؤمنة للمخالف، فان فيه البحث السابق، و أما العكس و هو تحليل الكافرة للمسلم و المخالفة للمؤمن فإنه جائز على الوجه الذي قدمناه في محله الذي منه يعرف الحال في الوثنية و الناصبية المعلنة بعداوة أهل البيت عليهم السلام و غير ذلك من أقسام الكفار الممنوع وطؤهن بالملك و غيره.

و على كل حال فمما يتفرع على ما ذكرنا عدم حرمة المحللة للأب قبل الوطء على الابن، لعدم اندراجها فيما نكح الأب لا وطأ و لا عقدا، لما عرفت من عدم دخول التحليل في النكاح بمعنى العقد، و لا محللة الابن من دون وطء على الأب، لعدم اندراجها في الحليلة المراد منها الزوجة هنا و لو للانصراف، لا مطلق ما يحل وطؤها و إلا لحرمت عليه بالملك، فهو حينئذ في هذا الحكم كملك اليمين، و كذا غيره من الأحكام، و الحرمة بالوطء لظهور الأدلة بل صراحتها في تسبيبه التحريم بأي سبب كان، لا لكون التحليل ملك يمين، و هكذا الكلام في غير ذلك من الأحكام المتعلقة بالمصاهرة و غيرها، كالتحليل على ذات العدة و غيرها.

بل منه يعلم الوجه فيما ذكره المصنف بقوله و في تحليل أمته لمملوكه روايتان إحداهما المنع، و هي

صحيح ابن يقطين (2)

«إنه سأل الكاظم عليه السلام


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
2- 2 الوسائل الباب- 33- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.

ج 30، ص: 305

عن المملوك يحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه، قال:

لا تحل له»

و يؤيدها أنه نوع تمليك و العبد بعيد عن التملك، و الأخرى الجواز إذا عين له الموطوءة و هي

خبر فضيل مولى راشد (1) قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

«لمولاي في يدي مال فسألته أن يحل لي ما أشترى من الجواري، فقال: إن كان يحل لك إن أحل لك فهو حلال، فسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال: إن أحل لك جارية بعينها فهي لك حلال، و إن قال: اشتر منهن ما شئت فلا تطأ منهن شيئا إلا ما يأمرك إلا جارية يراها، فيقول: هي لك حلال، و إن كان لك أنت مال فاشتر من مالك ما بدا لك»

المؤيد بما في صحيح السراد (2)

المتقدم آنفا القائل فيه ردها بغير نكاح، و بالنصوص المستفيضة (3)

الدالة على جواز تسرى العبد ما شاء من الإماء بإذن مولاه، المعلوم إرادة التوكيل في تحليل ذلك له عن مولاه، بناء على عدم ملكية العبد و عدم جواز التحليل مع عدم التعيين.

و يؤيدها أيضا أنه أي التحليل نوع من الإباحة و للمملوك أهلية الإباحة و قد تقدم لك ما علمت منه أن الأخير أشبه بأصول المذهب و قواعده و أصح، ضرورة عدم كون التحليل من الملك الممنوع منه العبد، و أدلته شاملة للعبد و غيره، بل استحقاق الانتفاع بالبضع بالعقد أتم في مجازية الملك من هنا، و دعوى الفرق- بأن الانتفاع هناك من لوازم العقد و هنا مورده، فهو كما لو قال: «وهبتك بضع الجارية» أو «ملكتك إياه» و العبد غير قابل لذلك، و من هنا بنى بعضهم المسألة على كون التحليل عقدا أو ملك يمين، و أن العبد مما يملك ما يملكه مولاه أولا- واضحة الفساد، للقطع بالجواز على كل تقدير، فإن القائل بكونه ملكا هنا لا يريد منه الملك الممنوع منه العبد، بل المراد منه الاستحقاق،


1- 1 الوسائل الباب- 33- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 45- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و هو صحيح السراد عن محمد بن مسلم كما في التهذيب ج 7 ص 346 الرقم 1417.
3- 3 الوسائل الباب- 22- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 306

أو أن له أحكام ملك اليمين على الوجه الذي قدمناه، ضرورة أنه لا عين و لا منفعة، فالخبر المزبور محمول على التقية أو على إرادة عدم النكاح له بمجرد الاذن من مولاه، بل لا بد من إيجاد العقد على من يريد نكاحها من أمة الغير مثلا أو على غير ذلك.

و كيف كان فعلي القولين لا بد له من قبول، لكونه عقدا عليهما، و من أركان العقد القبول و عدم ذكر المعظم له اتكالا على الظهور، و لأنه لا يختلف ألفاظه بالنسبة إلى سائر العقود، و إنما المختلف ألفاظ الإيجاب، و لذا اقتصروا هنا على التعرض له، مع أن قولهم: «هل هو عقد أو تمليك؟» كاف في ذلك، ضرورة معلومية كون التمليك من العقود، و أنه ليس من قسم الإيقاعات، فالمراد حينئذ ما صرح به غير واحد من الأصحاب كالمحقق الثاني و الشهيد الثاني و الفاضل الهندي و غيرهم أنه عقد نكاح أو عقد تمليك.

فما عن الصيمري- من عدم الحاجة إلى القبول حاكيا له عن إطلاق الأكثر بل ربما كان ذلك سببا لغرور بعض الأفاضل فحكم بذلك محتجا بظهور النصوص أنه من قسم الإباحات التي لا تحتاج إلى التعاقد- واضح الفساد، فان النصوص في سائر العقود خالية عن التعرض لألفاظ العقد للمعلومية، و من هنا لم يكن إشكال عند الفقهاء في العقدية في سائر المقامات، و كأن المسألة من الواضحات، فلا يكفي حينئذ مجرد إنشاء التحليل و الإباحة عن مراعاة التعاقد، بل ظاهر الأصحاب هنا معاملة هذا العقد- و إن كان من العقود الجائزة- معاملة العقود اللازمة في التعرض لضبط ألفاظه و عدم الاكتفاء بأي لفظ اتفق و مراعاة كيفية العقد في فورية القبول و غيرها، و لعله لكونه متعلقا بالفرج المطلوب فيه الاحتياط، و أنه ليس كغيره من الأموال.

و لقد فتح هذا المتوهم بابا لتشنيع المخالفين أعظم مما افتروه علينا: من جواز عارية الفروج حتى للأحرار، إذ الإباحة ليست من العقود أصلا فضلا عن أن تكون

ج 30، ص: 307

عقد عارية، و جميع ذلك اشتباه و توهم، فان الفروج لا تحل عند الشيعة بنحو ذلك كما صرح به المرتضى و ابن إدريس و المحقق الثاني و غيرهم، بل هو صريح جميع الأصحاب، كما لا يخفى على من لاحظ تعرضهم لضبط ألفاظه، و جواز عقده ببعضها و عدمه، و لاعتبار الهيئة و غيرها مما هو جار على حسب ما تعرضوا لغيره من العقود اللازمة، و الله العالم.

و كيف كان فلا إشكال في أنه يجوز تحليل المدبرة و أم الولد لعدم خروجهما بذلك عن الملك المقتضي لاندراجهما في النصوص، نعم ليس له ذلك في المكاتبة و خصوصا لو ملك بعضها بأن أدت بعض ما عليها على وجه يكون به بعضها حرا ف انه حينئذ إذا أحلته نفسها لم تحل بذلك، و كذا الحال في كل مبعضة، لما عرفته سابقا من عدم جواز تحليل الحرة نفسها، و عدم التبعيض في أسباب النكاح، و لا يرد أنها لو كانت مشتركة بين اثنين مثلا فأحلها الشريك لشريكه، فإنه على ما قيل تحل بذلك، بل قد عرفت فيما مضى أنه الأصح، لعدم التبعيض فيه، بناء على أن التحليل ملك يمين و إن كان للمنفعة، فإن سبب الوطء حينئذ متحد النوع.

و (11) حينئذ ف الفرق أنه ليس للمرأة الحرة أن تحل نفسها (12) لما علمت أن التحليل مختص بالإماء بخلاف الأمة، فإن لسيدها تحليلها، أو للصحيح (1)

المتقدم سابقا المصرح فيه بالحكمين كما عرفته سابقا، بل هو العمدة في الجواز كما أنه لا يرد جواز العقد من الشريكين على الأمة المشتركة للأجنبي مع عدم تأثير العقد من كل منهما إلا في البعض المملوك فيه، ضرورة عدم كون ذلك تبعيضا في سبب النكاح بعد فرض كونه عقدا منهما بوكالة ثالث أو أحدهما الأخر أو إجازته بعد أن كان مورد العقد الجميع، نعم لو قال كل منهما: «زوجتك حصتي» أو «أحللتها لك» ففي القواعد إشكال، و لعله من أن تحليل كل منهما إنما يتعلق حقيقة بحصته، فالإطلاق إنما يعتبر لانصرافه إليه، فالتصريح به أولى بالصحة، و من


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 308

ظهور الأدلة في كون مورد العقد الكل دون البعض، بل لا يؤثر فيه صحة حتى يقارنه التأثير بالبعض الأخر بلفظ واحد، و من أن الوطء لا يتبعض، و الإحلال مثلا إنما يتعلق به حقيقة، و إن أريد بالحصة الحصة من الرقبة حصل الشك في الحل من كونه مجازا في إحلال الوطء و إن كان في الأخيرين ما لا يخفى، و لا ريب أن الأحوط عدم العقد بهذه الكيفية إن لم يكن الأقوى، خصوصا مع التعاقب في القبول، و الله العالم، هذا كله في الصيغة و ما يتبعها.

[أما الحكم ففيه مسائل]
[المسألة الأولى يجب الاقتصار على ما تناوله اللفظ]

و أما الحكم ف فيه مسائل:

[المسألة الأولى يجب الاقتصار على ما تناوله اللفظ]

الأولى يجب الاقتصار على ما تناوله اللفظ الكاشف عن إرادة اللافظ حقيقة أو مجازا بالقرائن المقالية و الحالية التي منها ما شهد الحال بدخوله تحته في الإرادة على حسب غيره من العقود، بل الظاهر أنه مثلها أيضا في دخول التوابع في الحكم و إن لم يستحضرها العاقد حال إنشائه، بل و لا هي من لوازم معنى اللفظ الذي هو متعلق العقد، نحو ثياب العبد و رحل الدابة و بعض مرافق الدار و نحو ذلك مما هي قطعا ليست من مدلولات اللفظ، و لكن بيع الدار مثلا يتبعه بيع ذلك عرفا على وجه لو نبهته عليه لأدخله فكذلك هنا ما كان من هذا القبيل أيضا.

و على كل حال فلو أحل له التقبيل اقتصر عليه و على اللمس المتوقف تحقق التقبيل عليه و كذا لو أحل له اللمس أو النظر اقتصر عليهما فلا يستبيح الوطء الذي هو غير داخل في شي ء منها لا حقيقة و لا مجازا و لا تبعا و الأصل حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه، نعم لو أحل له الوطء حل له ما دونه من ضروب الاستمتاع للفهم العرفي المؤيد ب

قول الصادق عليه السلام في خبر ابن عطية (1): «إذا أحل الرجل للرجل من جاريته قبلة لم يحل له غيرها، و إن أحل له الفرج حل له جميعها»

مع أن الظاهر حلية ذلك ما لم يصرح بالمنع فيما زاد على ما يتوقف عليه تحقق الوطء، و إلا كان التحليل مقتصرا عليه أيضا، لإطلاق


1- 1 الوسائل الباب- 36- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 309

النصوص أنه ليس له إلا ما أحل له،

قال فضيل بن يسار (1): «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك إن بعض أصحابنا قد روى عنك أنك قلت: إذا أحل الرجل لأخيه جاريته فهي له حلال، فقال: نعم يا فضيل، قلت: فما تقول في رجل عنده جارية له نفيسة و هي بكر أحل لأخيه ما دون فرجها إله أن يفتضها؟ قال: لا ليس له إلا ما أحل له منها، و لو أحل له قبلة منها لم يحل له ما سوى ذلك، قلت:

أ رأيت إن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها؟ قال: لا ينبغي له ذلك، قلت: فان فعل أ يكون زانيا؟ قال: لا، و لكن يكون خائنا، و يغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكرا، و إن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها»

و في خبر هشام ابن سالم و حفص بن البختري (2) عن أبي عبد الله عليه السلام «في الرجل يقول لامرأته أحلي لي جاريتك فإني أكره أن تراني متكشفا، فتحلها له، قال: لا يحل منها إلا ذاك، و ليس له أن يمسها و لا أن يطأها» بل زاد فيه هشام «أ له أن يأتيها؟ قال:

لا يحل له إلا الذي قالت»

إلى غير ذلك من النصوص (3)

التي مضى بعضها أيضا المتفقة في الدلالة على ذلك.

و حينئذ ف لو أحل له الخدمة المتوقفة على عقد التحليل للاحتياج إلى لمس و نظر و نحوهما لم يجز له أن يطأ، و كذا لو أحل له الوطء لم يستخدم من غير إشكال في شي ء من ذلك نصا (4)

و لا فتوى، بل هو مقتضى أصول المذهب و قواعده ف لو وطأ مثلا مع عدم الاذن كان عاصيا قطعا مع العلم بالتحريم و لزمه عوض البضع لمولاها عشر القيمة أو نصفه، كما تقدم الكلام فيه سابقا و في أرش البكارة و تقييده بجهلها أو إكراهها. و كان الولد رقا لمولاها بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك، لكونه نماء ملكه، و الفرض عدم العقد المقتضي لتبعية الولد، و لا الشبهة، بل هو زان لا حق له في مائه، و لا


1- 1 الوسائل الباب- 35- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 35- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 35- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
4- 4 الوسائل الباب- 35 و 36- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 310

ينافي ذلك نفي الزنا عنه في خبر فضيل (1)

المحمول على غير الفرض، و لو توهم الاذن أو الجهل بحرمة ذلك عليه أو على التجوز في نفي الزنا عنه باعتبار كونها محللة له في الجملة أو نحو ذلك.

هذا و قد يتوهم من نصوص الباب جواز التحليل لغير الوطء لمتعددين في زمان واحد، و خصوصا مع اختلاف المحلل صنفا أو عضوا، كما لو أحل النظر مطلقا لشخص و اللمس لاخر، أو أحل نظر الوجه لشخص و البطن لاخر، أو أحل النظر مثلا لجماعة، إلا أن المعلوم من مذاق الشرع خلافه، بل يمكن دعوى معلومية ذلك من الشريعة، كمعلومية عدم البعلين للامرأة الواحدة، و أنه لا فرق في عدم جواز الاشتراك بين الوطء و بين غيره من باقي الاستمتاعات.

و ربما كان في تصريح بعضهم بصيرورة المحللة و لو نظرا أجنبية بالنسبة إلى السيد شهادة على ما ذكرنا، ضرورة أولوية الأجنبي بالمنع منه، لعدم الاستصحاب فيه، بل هو مقتض للحرمة فيه، بخلاف المالك الذي قد توقف في حرمة ذلك عليه بتحليل الوطء فضلا عن غيره بعض متأخري المتأخرين، بل المتجه عليه عدم جواز تحليل النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه للأجنبي و إن لم يكن بشهوة إذا كانت محللة للغير و لو لمسا.

و كان إغفال الأصحاب لذلك، و نحوه اتكالا على ما ذكروه في عقد النكاح، و أنه مشترك معه في ذلك، و في تعيين المحللة و المحلل له، و الكمال في المتعاقدين، و جواز التصرف في المحللة و غير ذلك مما هو معلوم اعتباره في النكاح و توابعه، قال في جامع المقاصد عند البحث عن حرمة الأمة المزوجة على سيدها: «أما إذا أحل المملوكة لغيره فلم يتعرض المصنف لحكمها، و ينبغي أن يكون في جميع الاستمتاعات كالمزوجة، لأن الاحتياط في الفروج أشد من تجويز شي ء من الاستمتاع لغير واحد» و قال في المسالك: «الوجه في ذلك- أي حرمة الأمة المزوجة على سيدها- أن وجوه الاستمتاع صارت مملوكة للزوج، فيحرم على غيره، لامتناع


1- 1 الوسائل الباب- 35- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 311

حل الاستمتاع بالمرأة لأزيد من واحد شرعا، و في معناها المحللة للغير بالنسبة إلى المالك مع كون التحليل متناولا للوطء» و هو و ان أوهم تقييده أخيرا بجواز الاستمتاع له إذا كان التحليل غير متناول للوطء، لكن ظاهر تعليله الأول العموم، على أن ذلك منه للمالك، و هو غير التحليل لمتعددين و إن كان الذي يقوى في النظر عدم الفرق بين المالك و غيره.

[المسألة الثانية ولد المحللة حر]

المسألة الثانية:

ولد المحللة للحر حر شرطها أو أطلق، تغليبا لها و لعموم الأخبار (1)

بتبعية الولد للحر من الأبوين، و خصوص

صحيح زرارة (2) قال الباقر عليه السلام: «الرجل يحل لأخيه جاريته قال: لا بأس به، قال: قلت: فإنها جاءت بولد، قال: يضم إليه ولده، و يرد الجارية إلى صاحبها، قلت: إنه لم يأذن له في ذلك، قال: إنه قد أذن له و هو لا يأمن أن يكون ذلك»

و نحوه الصحيح الآخر (3)

بل

في الحسن أو الصحيح (4)أيضا «الرجل يحل جاريته لأخيه و حرة أحلت جاريتها لأخيها، قال: يحل له من ذلك ما أحل له، قلت: فجاءت بولد، قال: يلحق بالحر من أبويه»

و الخبر (5)

«عن الرجل يقول لأخيه: جاريتي لك حلال، قال: قد حلت له، قلت: فإنها ولدت، قال: الولد له و الام للمولى، و إني أحب للرجل إذا فعل ذا بأخيه أن يمن عليه فيهبها له»

يعني إذا جاءت بولد.


1- 1 الوسائل الباب- 37- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 أشار إليه في الوسائل الباب- 37- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4 و ذكره في التهذيب ج 7 ص 247 و الاستبصار ج 3 ص 139 و الكافي ج 5 ص 469 و الفقيه ج 3 ص 290.
3- 3 الوسائل الباب- 37- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 37- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 7.
5- 5 الوسائل الباب- 37- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 6.

ج 30، ص: 312

ثم إن شرط الحرية مع لفظ الإباحة فالولد حر و لا سبيل على الأب بلا خلاف و إن لم يشترط قيل و القائل الشيخ في غير خلافه يجب على أبيه فكه بالقيمة، بل هو المحكي عن الصدوق أيضا. و قيل و القائل المشهور شهرة عظيمة، و فيهم من لا يعمل إلا بالقطعيات لا يجب و هو مع كونه كذلك أصح الروايتين و إن كانت الأخرى أيضا صحيحة، ك

صحيح ضريس بن عبد الملك (1)

«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يحل لأخيه فرج جاريته و هي تخرج في حوائجه، قال: هو له حلال، قلت: فان جاءت بولد منه ما يصنع به؟

فقال: هو لمولى الجارية إلا أن يكون قد اشترط على مولى الجارية حين أحلها له إن جاءت بولد فهو حر، قلت: فيملك ولده، قال: إن كان له مال اشتراه بالقيمة»

وصحيح الحسن بن زياد العطار (2)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن عارية الفرج، فقال:

لا بأس، قلت: فان كانت أتت منه بولد، فقال: لصاحب الجارية إلا أن يشترط عليه»

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد (3) عن أبي الحسن عليه السلام «في امرأة قالت لرجل: فرج جاريتي لك حلال، فوطأ فولدت ولدا، قال: يقوم الولد عليه بقيمته»

نعم ناقش في المسالك في سندها، لكن يدفعها صحة الأولى بطريق الصدوق و أحد طريقي الشيخ و النص على توثيق الحسن بن زياد العطار.

بل يمكن الجمع بينها و بين الاولى بحمل تلك على صورة الاشتراط أو على الفك بالقيمة، مؤيدا بإمكان الفرق بين عقد النكاح و التحليل بكون ذلك عقد نكاح يقتضي التشريك في النماء بخلاف التحليل الذي هو بمنزلة الإباحة و رفع المنع الذي لا يرفع مقتضى قاعدة تبعية نماء الملك لمالكه، إلا أنه لما كان الجمع مشروطا بالمعادلة المفقودة هنا- للشهرة العظيمة بين الأصحاب المؤيدة بما سمعته سابقا من تبعية الولد لأشرف الأبوين نصا (4)

و فتوى التي لا فرق فيها بين عقد النكاح و غيره بعد


1- 1 الوسائل الباب- 37- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 37- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 37- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 30- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 313

فرض كون الوطء صحيحا و لو شبهة، بل في نصوص المسألة الإشارة إلى أن المقام فرد من أفرادها، مضافا، إلى بناء الحرية على التغليب و السراية و إلى ما في هذه النصوص من الاختلاف في الجملة باعتبار دلالة بعضها على كونه رقا و آخر على الحرية مع غرامة الأب قيمته، بل كلام الخصم أيضا غير محرر بالنسبة إلى ذلك- عمل المشهور على تلك الأخبار، و أطرحوا هذه النصوص، أو حملوها على استحباب دفع القيمة من الأب أو غير ذلك، و لعله الأقوى و الله العالم.

[المسألة الثالثة لا بأس أن يطأ الأمة و في البيت غيره]

المسألة الثالثة:

لا بأس أن يطأ الأمة و في البيت غيره يراه أو يسمعه و إن كره ذلك في الحرة، للأصل و انحطاط رتبتها عنها، و

صحيح ابن أبي يعفور (1) عن الصادق عليه السلام: «في الرجل ينكح الجارية من جواريه و معه في البيت من يرى ذلك و يسمعه، قال: لا بأس»

بعد القطع بعدم الفرق بين المملوكة و غيرها، و ظهور إرادة عدم الكراهة من نفي البأس هنا و لو بقرينة معرفة السائل و نقصانه (2) و أنه لا يسأل عن أصل الجواز المعلوم في الحرة فضلا عن الأمة، و إنما سؤاله عن الكراهة الثابتة في الحرة و لكن مع ذلك للتسامح في الكراهة و مطلوبية الحياء للشارع و التستر في هذا الأمر قال في كشف اللثام: «لا يبعد القول بالكراهة، لعموم النهي (3)

عن الوطء و في البيت صبي يراهما و يسمع نفسيهما» و هو محتمل لإمكان حمل الصحيح على نفي الشدة خصوصا بعد

الخبر (4)

«لا يجامع الرجل امرأته و لا جاريته و في البيت صبي»

و الأمر سهل.


1- 1 الوسائل الباب- 75- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة، و في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه «و فقاهته» و هو الصحيح.
3- 3 الوسائل الباب- 67- من أبواب مقدمات النكاح.
4- 4 الوسائل الباب- 67- من أبواب مقدمات النكاح الحديث- 1.

ج 30، ص: 314

و كذا لا بأس أن ينام بين أمتين ل

مرسل ابن أبي نجران (1)

«إن أبا الحسن عليه السلام كان ينام بين جاريتين»

و إن كان يكره ذلك في الحرة عند المشهور بين الأصحاب احتراما لهن بالتجنب عن إيذائهن، لكن

في الخبر (2)

«لا بأس أن ينام الرجل بين أمتين و الحرتين، إنما نساؤكم بمنزلة اللعب»

و من أجله وسوس بعض متأخري المتأخرين فيها، لكن التسامح في أدلتها سهل الخطب فيه.

و يكره أيضا وطء الأمة الفاجرة بالملك و العقد، للعار، و حذرا من اختلاط الماءين، و مخالفة ظاهر الآية (3) و

في خبر محمد بن مسلم (4)

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحبشية يتزوجها الرجل، قال: لا و إن كان له أمة وطأها، و لا يتخذها أم ولد».

بل و يكره له وطء من ولدت من الزنا و إن كانت هي عفيفة، للعيب، و لأنها لا تفلح، و

خبر الحلبي (5) عن الصادق عليه السلام «سئل عن الرجل يكون له الخادم ولد زنا عليه جناح أن يطأها، قال: لا و إن تنزه عن ذلك فهو أحب إلى»

و حسن ابن مسلم (6) عن أحدهما عليهما السلام «في رجل يشتري الجارية و يتزوجها بغير رشدة و يتخذها لنفسه، قال: إن لم يخف العيب على نفسه فلا بأس»

بل عن ابن إدريس تحريم وطئها لكفرها، و فيه منع تقدم في محله.

و بالجملة فلا ريب في دلالة فحوى هذه النصوص على مرجوحية وطء الزانية


1- 1 الوسائل الباب- 84- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 84- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 3.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 و الباب- 60- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و في الموضعين: «الخبيثة يتزوجها الرجل. كما في الكافي ج 5 ص 353.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5.
6- 6 الوسائل الباب- 14- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 «إن لم يخف العيب على ولده».

ج 30، ص: 315

مضافا إلى

خبر الحسين بن أبي العلاء (1) المروي عن خرائج الراوندي قال: «دخل على أبي عبد الله عليه السلام رجل من أهل خراسان فقال: إن فلان بن فلان بعث معي بجارية و أمرني أن أدفعها إليك، قال: لا حاجة لي فيها، إنا أهل بيت لا يدخل الدنس بيوتنا، قال: لقد أخبرني أنها ربيبة حجره، قال: لا خير فيها، فإنها قد أفسدت، قال: لا علم لي بهذا، قال: أعلم أنه كذا»

بل

في خبر آخر عنه (2)

«أنه لما دخل عليه الرجل من خراسان قال له: ما فعل فلان؟ قال: لا علم لي به، قال: أنا أخبرك به، بعث معك بجارية لا حاجة لي فيها، قال: و لم؟ قال: لأنك لم ترقب الله فيها حيث عملت ما عملت ليلة نهر بلخ، فسكت الرجل، و علم أنه علم بأمر عرفه».

[المسألة الرابعة لا يشترط في التحليل تعيين المدة]

المسألة الرابعة لا يشترط في التحليل تعيين المدة، للأصل و إطلاق النصوص (3)

خلافا للمحكي عن المبسوط، و لا وجه له، و لا ذكر مهر، كما أنه لا نفقة لها، بل لا سلطان له عليها لا ليلا و لا نهارا إلا بإذن السيد، بخلاف الأمة المزوجة، ففي القواعد إن عليه تسليمها للزوج ليلا و له استخدامها نهارا، و كأنه لأنه إنما ملكه الانتفاع ببضعها فيبقى له الاستخدام، و الغالب في زمانه النهار، كما أن الغالب في زمان الأول الليل، و لذا بنى عليه القسم، فلو أراد أحدهما عكس ماله لم يلزم الأخر إجابته و كذا لو آجرها للاستخدام، فان عليه تسليمها نهارا، و له الاستمتاع بها ليلا، فلو أراد أحدهما الاستبدال لم يلزم الإجابة، و قد وافقه على ذلك شارحاه: المحقق الثاني و الفاضل الهندي.

بل فيها أيضا «أنها لو كانت محترفة و أمكنها ذلك في يد الزوج ففي وجوب تسليمها إليه نهارا لو أراده إشكال» بل في الشرحين أقربه و أصحه عدمه، لأن


1- 1 الوسائل الباب- 63- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 63- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 31- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 30، ص: 316

التزويج لم يقتض إلا التسليم ليلا و ربما بدا للسيد استخدامها نهارا، بل في الثلاثة أيضا أن للسيد أن يسافر بها و لعله لسبق حقه، و لأنه مالك للرقبة و إحدى المنفعتين، فكان جانبه أقوى، نعم لو أراد الزوج السفر معها ليصحبها ليلا لم يكن له منعه، لأن ذلك حق ثابت له، لكن لا نفقة لها و إن تمكن منها نهارا ما لم يكن السفر برضاه، فإنه يكون بمنزلة سفره بها، كما في الثلاثة أيضا أن الأقرب تسلط الزوج على إخراجها من دار السيد ليلا لو أراده، حتى أنه لو بذل لهما بيتا في داره لم تجب على الزوج إجابته.

و فيها أيضا أن النفقة إنما تجب على الزوج في الحضر لو تسلمها ليلا و نهارا، أما لو تسلمها ليلا فقط فالأقرب كما عن المبسوط عدم وجوب شي ء منها لعدم التمكين التام، و يحتمل وجوب الكل، ككون التخلف بحق كالحيض و المرض، و نصف النفقة أو نفقة الليل خاصة.

و في القواعد أيضا «أنه لو قتلها السيد قبل الوطء ففي سقوط المهر نظر أقربه العدم، كما لو قتلها أجنبي أو قتلت الحرة نفسها» و في جامع المقاصد احتمال السقوط حتى في الأخيرين أيضا بل عن المبسوط إسقاطه في الأخير، كما أن سقوطه بقتل الأجنبي الأمة قول، لكونها حينئذ كتلف المبيع قبل قبضه.

لكن لا يخفى عليك ما في الجميع، و عدم انطباقه على ما عند الإمامية من حرمة القياس و الاستحسان و المصالح المرسلة و نحو ذلك من القول بالرأي، و من هنا خلت عن هذه الأحكام معظم كتب الأصحاب، و انما وجدتها في كتب العامة كالاسعاد و نحوه، بل أكثروا فيها من الخرافات، و خصوصا في تحرير الوقت من الليل الذي يجب تسليمها فيه.

و لعل العمدة فيما ذكره الفاضل ما رواه

الراوندي في المحكي في نوادره بإسناده (1)


1- 1 المستدرك الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 عن الجعفريات.

ج 30، ص: 317

عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام «إن عليا عليه السلام قال: إذا تزوج الحر أمة فإنها تخدم أهلها نهارا و تأتي زوجها ليلا، و عليه النفقة إذا فعلوا ذلك»

بناء على كونه جامعا لشرائط الحجية، و لم يكن خارجا مخرج التقية، و إلا كان ذلك كله مشكلا، فان المتجه على أصول الإمامية جريان حكم الزوجة عليها، فيجب تسليمها حينئذ ليلا و نهارا، نعم يجوز للسيد الانتفاع بها في كل منهما ما لم يعارض حق الاستمتاع بها، و ملك السيد لها لا يزيد على ملك الحرة نفسها الذي قد انقطع بعقد التزويج الوارد على ذلك و المقتضى تسلط الزوج على زوجته في جميع الأزمنة و الأمكنة، فإن الرجال قوامون على النساء، و هن حرث لهم، فليأتوا حرثهم أنى شاؤوا.

بل الظاهر عدم جواز سفر السيد بها بدون إذن الزوج بخلاف العكس، و ملك الرقبة لا ينافي ذلك، فإنها أمانة في يد الزوج كالعين المستأجرة، فإن لم يأمنه تولى هو حفظها و لو بالسفر معها على وجه لا يمنع استمتاع الزوج.

و بذلك يظهر وجوب تمام نفقتها عليه، كما هو مقتضى إطلاق الأدلة المقتضي وجوب تسليمها إليه، لمعلومية كون النفقة عوضا عن الاستمتاع، اللهم إلا أن يدعى أن بناء نكاح الأمة على ذلك، أي على الاستحقاق ليلا على وجه يكون كالشرط، و إلا لم ينطبق شي ء من ذلك على أصولهم.

كما أنه لا ينطبق عليها سقوط المهر بالقتل الذي هو ليس من أسباب الفسخ للعقد المقتضى لوجوب المهر، و النكاح ليس من المعاوضات المحضة فضلا عن أن يكون كالبيع حتى يشاركه في حكم التلف قبل القبض، نعم بناء على سقوط المهر بالموت قبل الدخول للنصوص (1)

التي تسمعها و تسمع الكلام فيها في محله يتجه هنا ذلك، لا للقتل من حيث كونه قتلا فتأمل جيدا كي تعرف الحال فيما ذكره العامة أيضا من حكم تزويج العبد باذن سيده، فإنهم أيضا قد ذكروا فيه أيضا ما يقرب مما سمعته، لكن المتجه على أصولنا عدم تسلط السيد عليه، حيث يجب عليه الوطء و القسم و نحوهما، أما مع عدم شي ء منهما فللسيد منعه و استخدامه ليلا و نهارا، فإن الإذن


1- 1 الوسائل الباب- 54 و 58 من أبواب المهور.

ج 30، ص: 318

بتزويجه لا تقتضي رفع اليد عنه ليلا على وجه تستحقه الزوجة مطلقا، اللهم إلا أن يستفاد من فحوى ما سمعته في الأمة بناء على ثبوت الحكم فيها، و الله العالم.

[و يلحق بالنكاح النظر في أمور خمسة]

[النظر الأول ما يردّ به النكاح]
[المقصد الأول في العيوب]

و يلحق بالنكاح النظر في أمور خمسة:

الأول ما يردّ به النكاح و هو يستدعي بيان ثلاثة مقاصد

[المقصد الأول في العيوب]

الأول في العيوب و هي إما في الرجل و إما في المرأة، فعيوب الرجل المتفق على الفسخ بها ثلاثة بل أربعة الجنون و الخصاء و العنن و الجب فالجنون الذي هو مرض في العقل يقتضي فساده و تعطيله عن أفعاله و أحكامه و لو في بعض الأوقات، من الجنان أو الجن بالكسر أو الجن بالفتح، فالمجنون من أصيب جنانه أي قلبه، أو أصابته الجن، أو حيل بينه و بين عقله فستر عقله، نعم لا عبرة بالسهو الكثير السريع الزوال، و لا الإغماء الذي يكون عن هيجان المرة أو غلبة المرض أو نحو ذلك مما لا يصدق معه اسم الجنون، و إلا فلو فرض كونه على وجه يصدق عليه ذلك ترتب عليه حكمه، بل لعله داخل في مفهومه لغة و إن خص في العرف باسم آخر، حتى قيد الجنون بأن لا يكون في عامة الأطراف فتور، و إليه يرجع ما عن الشيخ و ابن البراج من أن الجنون ضربان: أحدهما خنق و الثاني غلبته على العقل من غير حادث مرض، و هذا أكثر، و أيهما كان فالخيار لصاحبه، و إن غلب عقله المرض فلا خيار، فإن بري ء من مرضه فلا كلام، و إن زال المرض و بقي الإغماء فهو كالجنون لصاحبه الخيار، و كيف كان فالجنون فنون.

و على كل حال هو سبب لتسلط الزوجة الجاهلة على الفسخ دائما

ج 30، ص: 319

كان الجنون أو أدوارا للصدق إذا كان سابقا على العقد أو مقارنا له بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل الإجماع إن لم يكن محصلا، فهو محكي عليه، لنفي الضرر و الضرار و الغرور و التدليس و لفحوى خبر علي بن أبي حمزة (1) الآتي في المتجدد بعد التزويج بناء على أولوية غيره منه في ذلك، قيل: و ل

صحيح الحلبي (2)

«إنما يرد النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العفل»

و الذي عثرنا عليه في الأصول عنه

عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: «في رجل يتزوج إلى قوم، فإذا امرأته عوراء و لم يبينوا له، قال: لا يرد، إنما يرد النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العفل، قلت:

أ رأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال: لها المهر بما استحل من فرجها، و يغرم وليها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها»

و رواه

في الكافي (3)

«سألته عن رجل يتزوج إلى قوم، فإذا امرأته عوراء و لم يبينوا له، قال: يرد النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العفل»

و كان بناء الاستدلال على عدم تخصيص الوارد بالمورد، و لكن فيه أنه كذلك بعد معلومية استقلال الجواب، و من المحتمل قراءة الفعل هنا بالمعلوم، فيكون الضمير فيه راجعا إلى الرجل، فلا يكون مستقلا، و لعله لذا لم يحكم الأكثر- كما ستعرف- بالخيار لها في الجذام و البرص، نعم رواه

الشيخ في موضع من التهذيب (4)

«إنما يرد النكاح- إلى قوله-: و العفل»

من دون تقدم شي ء آخر و تأخره، لكن من المعلوم أن ذلك من تقطيع الشيخ، لا أنه خبر مستقل للحلبي كما يومئ إليه اتحاد السند. و على كل حال فالاستدلال به لا يخلو من إشكال.


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6 و ذيله في الباب- 2- منها الحديث 5.
3- 3 أشار إليه في الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6 و ذكره في الكافي ج 5 ص 406.
4- 4 التهذيب ج 7 ص 424- الرقم 1693.

ج 30، ص: 320

و منه يعلم أيضا ما في الاستدلال عليه بأولوية ثبوته للمرأة في الرجل من العكس الثابت نصا (1)

و فتوى كما ستعرف، لكون الرجل له طريق تخلص بالطلاق دونها فإنه يمكن منع القطع بها، خصوصا بعد

قول الصادق عليه السلام في خبر عباد الضبي (2) الآتى: «و الرجل لا يرد من عيب»

كما أن الواضح منع كونها من قبيل فهم حرمة مطلق الإيذاء من النهي عن التأفيف (3).

و لعله لذا توقف في الحكم بعض متأخري المتأخرين، و خصه في المتجدد دون السابق، قال: «و الظاهر أن الوجه فيه عدم صحة النكاح لو فرض قبل العقد، إلا أن يكون الجنون أدوارا و عقد في حال الصحة، أو قلنا بجواز تزويج الولي فيه» لكن قد عرفت ما فيه مع فرض الصحة التي هي محل البحث و لو بالعقد من الولي حال كونه صغيرا مجنونا: من أنه يكفى أولويته من الجنون بعده في الحكم المزبور و الإجماع المحكي و غير ذلك.

بل الظاهر عدم الفرق فيه بعد صدق اسمه بين عقله أوقات الصلاة و عدمه، خلافا لظاهر المحكي عن ابن حمزة من تقييد الخيار بذلك مطلقا بل ربما حكي أيضا ذلك عن المبسوط و المهذب مشعرين بالإجماع عليه، كما عن الصدوق نسبته إلى الرواية (4)

و لعله لدعوى توقف الصدق على ذلك، و فيها منع، و ما عن

الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام (5)

«إذا تزوج رجل فأصابه بعد ذلك جنون فبلغ منه مبلغا حتى لا يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما، و إن عرفت أوقات الصلاة فلتصبر


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2 عن عباد الضبي كما يأتي.
3- 3 سورة الإسراء: 17- الآية 23.
4- 4 الوسائل الباب- 12- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.
5- 5 المستدرك الباب- 11- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.

ج 30، ص: 321

المرأة، فقد ابتليت»

الذي هو بعد تسليم حجيته في الجنون المتجدد، كالمرسل عن الفقيه، فإنه بعد أن روى خبر ابن أبي حمزة (1)

الآتي في المتجدد قال:

«و روى في خبر آخر (2) أنه إن بلغ به الجنون مبلغا لا يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما، فان عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه، فقد ابتليت»

و ستعرف تحقيق المسألة و على كل حال فلا ريب في أن لها الخيار بالجنون السابق مطلقا.

بل و كذا المتجدد بعد العقد و قبل الوطء أو بعد العقد و الوطء بلا خلاف أجده فيه مع عدم عقل أوقات الصلاة، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، كما هو ظاهر غير واحد، بل مطلقا وفاقا لجماعة، لنفي الضرر و الضرار (3)، و لإطلاق الصحيحين (4)

بناء على دلالتهما، و ل

خبر علي بن أبي حمزة (5)

«سئل أبو إبراهيم عليه السلام عن امرأة يكون له زوج قد أصيب في عقله بعد ما تزوجها أو عرض له جنون، قال: لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت».

و خلافا للمحكي عن ابن بابويه و المفيد و الشيخ و بني زهرة و البراج و إدريس فقيدوه بما إذا كان لا يعقل معه أوقات الصلاة و إلا فلا خيار، بل في الرياض نسبته إلى الأكثر، للأصل و المرسل (6)

و الرضوي (7)

و إليه أشار المصنف بقوله:

و قد يشترط في المتجدد أن لا يعقل أوقات الصلاة و هو في موضع التردد من إطلاق الخبر المزبور (8)

المؤيد باستبعاد الفرق بين ما قبل العقد و بعده، خصوصا


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من كتاب احياء الموات.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6 و التهذيب ج 7 ص 424- الرقم 1693 و ص 426- الرقم 1701.
5- 5 الوسائل الباب- 12- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 12- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.
7- 7 المستدرك الباب- 11- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
8- 8 الوسائل الباب- 12- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.

ج 30، ص: 322

إذا كان المستند في الأول إطلاق النصوص (1)

الذي لا فرق فيه بين السابق و المتجدد، و من المرسل (2)

المؤيد بالرضوي (3)

و أصالة اللزوم فيمن يعقل، و عدم الجابر لخبر ابن أبي حمزة بالنسبة إلى ذلك، بل الموهن محقق، بل لا بأس بتقييده بالمرسل المزبور المنجبر بفتوى الأكثر، و من هنا كان مختار بعض الأفاضل ذلك، لكن الذي يقوى في النظر أنه لا خلاف في المسألة أصلا، و إن كان أول من يوهم كلامه ذلك ابن إدريس فيما حكي عنه، كما أن أول من ظنه المصنف و تبعه الفاضل و من تأخر عنهما، إلا أن مراد الأصحاب بعدم عقله أوقات الصلاة، تحقق الجنون الذي يسقط معه التكليف، لا أنه تقسيم للجنون المسقط للتكليف إلى قسمين أحدهما ما يعقل و الأخر ما لا يعقل، و المسلط للخيار الثاني في الثاني بخلاف السابق فإنه بقسميه مسلط للخيار، إذ هو كما ترى لا ينبغي صدوره من أصاغر الطلبة فضلا عن أساطين المذهب و قوامه.

و من ذلك يعرف عدم الفرق بين السابق و المتجدد كما سمعته عن ابن حمزة، بل و المبسوط و المهذب المشعرين بالإجماع عليه، و كأن من اقتصر على ذكر ذلك في المتجدد اعتمد على ثبوته في السابق بطريق أولى، لا لاختصاص الخيار به، و حينئذ يظهر لك من ذلك ما في كثير من كتب الأصحاب المحررة لهذه المسألة.

ثم إن ظاهر الفتاوى بل كاد يكون صريح جامع المقاصد عدم الفرق في هذا الحكم بين الدائم و المنقطع، و لا بأس به، بل قد يدعى شمول النص له، و الله العالم.

و أما الخصاء بالكسر و المد فهو سل الأنثيين أي إخراجهما و في معناه بل قيل منه الوجاء بالكسر و المد، و هو رضهما، فالمشهور بين الأصحاب أنه عيب تتسلط به الامرأة الجاهلة على الفسخ، لحديث الضرار (4)


1- 1 الوسائل الباب- 1 و 12- من أبواب العيوب و التدليس.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.
3- 3 المستدرك الباب- 11- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 12- من كتاب احياء الموات.

ج 30، ص: 323

و خصوص المعتبرة المستفيضة ك

صحيح ابن مسكان (1)

«بعثت بمسألة مع ابن أعين، قلت: سله عن خصي دلس نفسه لامرأته فدخل بها فوجدته خصيا، قال: يفرق بينهما، و يوجع ظهره، و يكون لها المهر بدخوله عليها»

و في رواية الكشي (2)

«أنه كتب بذلك إلى الصادق عليه السلام مع إبراهيم بن ميمون»

والموثق (3) عن أحدهما عليهما السلام «في خصي دلس نفسه لامرأة مسلمة فتزوجها فقال: يفرق بينهما إن شاءت المرأة، و يوجع رأسه، و إن رضيت به و أقامت معه لم يكن لها بعد رضاها به أن تأباه»

و الآخر (4) عنه عليه السلام «إن خصيا دلس نفسه لامرأة، قال: يفرق بينهما، و تأخذ المرأة منه صداقها، و يوجع ظهره كما دلس نفسه»

و صحيح علي بن جعفر (5) عن أخيه عليه السلام المروي عن قرب الاسناد «سألته عن خصي دلس نفسه لامرأة ما عليه؟

قال: يوجع ظهره، و يفرق بينهما، و عليه المهر إن دخل بها، و إن لم يدخل فعليه نصف المهر»

و ما

عن الفقه (6) المنسوب إلى الرضا عليه السلام «و إن تزوجها خصي فدلس نفسه لها و هي لا تعلم فرق بينهما، و يوجع ظهره كما دلس نفسه، و عليه نصف الصداق، و لا عدة عليها منه، فان رضيت بذلك لم يفرق بينهما، و ليس لها الخيار بعد ذلك»

لكن مع ذلك كله فعن المبسوط و الخلاف أنه ليس بعيب، لأنه يولج، بل ربما كان أبلغ من الفحل، لعدم فتوره إلا أنه لم ينزل، و هو ليس بعيب، إنما العيب عدم الوطء، و في كشف اللثام «و لعله يحمل الأخبار على من لا يتمكن من الإيلاج، و ليس ببعيد» و فيه أنه مناف لما في أكثرها (7)

من أخذ صداقها أجمع منه المشروط بالدخول المصرح به في بعضها (8)

نعم قد يقال: إن النصوص جميعها قد اشتملت على التدليس، و لعل خيارها من جهته، لا من حيث


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 13- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 5.
6- 6 المستدرك الباب- 12- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
7- 7 الوسائل الباب- 13- من أبواب العيوب و التدليس.
8- 8 الوسائل الباب- 13- من أبواب العيوب و التدليس الحديث- 3.

ج 30، ص: 324

كونه عيبا، كما عساه يومئ إليه ما

في بعضها (1)

«كما دلس نفسه»

الذي هو بمنزلة التعليل مؤيدا ذلك بأصالة اللزوم، و ما في النص (2)

الآتي من عدم رد الرجل بعيب، اللهم إلا أن يقال: يكفي في التدليس عدم أخباره بنفسه، بل لو لم يكن الخصاء عيبا لم يتحقق الخيار بتدليسه أيضا فتأمل.

و لا إشكال في الوجاء مع فرض كونه فردا منه و إن كان مشكلا إلا أن يفهم التعليل من

قوله عليه السلام (3): «كما دلس نفسه»

مع أنه بمعناه.

و منه يستفاد ثبوت الخيار حينئذ في فاقد الأنثيين خلقة و نحوه مما هو كالخصي.

و الموجوء إن يكن داخلا فيهما.

نعم إنما يفسخ به أي الخصاء و ما في معناه مع سبقه على العقد دون المقارن فضلا عن المتجدد بعده و خصوصا بعد الوطء، للأصل و اختصاص النصوص به. و لكن مع ذلك ففي المتن و غيره قيل تفسخ به و إن تجدد بعد العقد قبل الوطء بل قيل و بعد الوطء و مع أنه ليس بمعتمد لم نعرف دليلا معتدا به له، و الله العالم.

و الثالث العنن و هو مرض تضعف معه القوة عن نشر العضو بحيث يعجز عن الإيلاج (11) بل لا يبعد اندراج ما كان عن سحر موضوعا أو حكما كما في كشف اللثام و غيره، و لعله المراد من بعض النصوص (4)

الاتية المشتملة على أخذه الزوج بالضم التي هي على ما قيل رقية كالسحر، و ربما ظهر من بعضهم اعتبار عدم شهوة النساء فيه، و فيه منع واضح.

و (12) لا إشكال في أنه يفسخ به (13) العقد، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص ك

خبر عباد الضبي أو غياث (5) عن أبي عبد الله عليه السلام «في العنين إذا علم أنه لا يأتي النساء فرق بينهما، فإذا وقع عليها دفعة واحدة لم يفرق بينهما،


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.

ج 30، ص: 325

و الرجل لا يرد من عيب»

وصحيح أبى بصير (1)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة ابتلى زوجها فلم يقدر على الجماع أ تفارقه؟ قال: نعم إن شاءت»

و عن ابن مسكان (2) أنه قال: و عن حديث آخر «ينتظر سنة فان أتاها و إلا فارقته، و إن أحبت أن تقيم معه فلتقم معه»

والموثق (3) عنه عليه السلام أيضا «أنه سئل عن رجل أخذ عن امرأته فلا يقدر على إتيانها، قال: إن كان لا يقدر على إتيان غيرها من النساء فلا يمسكها إلا برضاها بذلك، و إن كان يقدر على غيرها فلا بأس بإمساكها»

و نحوه خبر السكوني (4)

و

صحيح الكناني (5)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة ابتلى زوجها فلم يقدر على الجماع أبدا أ تفارقه؟ قال: نعم: إن شاءت»

و خبر السكوني (6) عن أبى عبد الله عليه السلام «قال أمير المؤمنين عليه السلام: من أتى امرأة مرة واحدة ثم أخذ عنها فلا خيار لها»

و في محكي الفقيه و

في خبر آخر (7)

«أنه متى أقامت المرأة مع زوجها بعد أن علمت أنه عنين و رضيت لم يكن لها خيار بعد الرضا»

وصحيح ابن مسلم (8) عن أبى جعفر عليه السلام «العنين يتربص به سنة، ثم إن شاءت امرأته تزوجت، و إن شاءت أقامت»

و خبر غياث بن إبراهيم (9) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «إن عليا عليه السلام لم يكن


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.
4- 4 ليس في المقام لسكونى رواية إلا ما يذكرها بعد صحيح الكناني الاتى، و قد ذكر في الوافي ج 12 ص 84 الباب- 88- من أبواب النكاح بعد نقله موثق عمار ان السكوني روى عن أبى عبد الله عليه السلام مثله في الفقيه، و الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف أو من النساخ إذ لم نعثر في الفقيه عليها كما لم نجدها في الكافي و التهذيب و الاستبصار.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6.
6- 6 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4.
7- 7 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 10.
8- 8 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 5.
9- 9 الوسائل الباب- 12- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2 و فيه «و يرد من العسر» كما في التهذيب ج 7 ص 433- الرقم 1725 الا ان الموجود في الوافي ج 12 ص 84 الباب- 88- من أبواب النكاح نقلا عن التهذيب «من العنن»

ج 30، ص: 326

يرد من الحمق، و يرد من العنن»

و خبر أبي البختري (1)عن أبى جعفر، عن أبيه عليهما السلام «إن عليا عليه السلام كان يقول: يؤخر العنن سنة من يوم مرافعة امرأته، فإن خلص إليها، و إلا فرق بينهما، فان رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الخيار بعد ذلك فقد سقط الخيار و لا خيار لها»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة عليه منطوقا و مفهوما الظاهرة في أن لها الفسخ به و إن تجدد بعد العقد كما هو المعروف بين الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا منا، بل الإجماع بقسميه عليه، لإطلاق الأدلة، بل لعله الفرد الظاهر المتجدد و لو بالاستصحاب.

فما في جامع المقاصد- من أنه يلوح من عبارة المبسوط عدم ثبوت الخيار به، قال: «العيب الحادث بالزوج بعد العقد، فكل العيوب تحدث فيه إلا العنن، فإنه لا يكون فحلا ثم يصير عنينا عن نكاح واحد، و عندنا لا يرد الرجل من عيب يحدث به إلا الجنون»- في غير محله، فان مراده بحسب الظاهر ما حكي عنه في مقام آخر «إذا تزوج امرأة و دخل بها ثم عجز عن جماعها لم يحكم بأنه عنين، و لا تضرب له مدة بلا خلاف من أنه لا عنن شرعي بعد الدخول و لو مرة».

و على كل حال فلا إشكال في ثبوت الخيار بالمتجدد لكن بشرط أن لا يطأ زوجته و لا غيرها، فلو وطأها و لو مرة ثم عن أو أمكنه وطء غيرها مع عننه عنها لم يثبت لها الخيار على الأظهر الأشهر، بل عن المبسوط و الخلاف نفى الخلاف فيه، للأخبار التي سمعتها المنجبرة بما عرفت و لرجاء زواله حينئذ، خلافا للمحكي عن ابن زهرة و ظاهر المفيد من تخييرها مطلقا مدعيا عليه أو لهما الإجماع الموهون بما سمعت، و للضرر و خبر الكناني (2)

و ما شابهه التي يمكن حملها على غيرها من الأخبار المقيدة، فما في المختلف من التوقف في غير محله، كما أن فيما حضرني من نسخة الرياض من نقل الشهرة و غيرها كذلك، لظهور كونه خلافا في النقل.


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6.

ج 30، ص: 327

نعم الظاهر الاكتفاء بتحقق العنن بالنسبة إليها حتى يعلم أنه يطأ غيرها، لا أنه لا بد من عرض على الغير حتى يعلم أنه عاجز عن وطء غيرها، و إن كان ربما يوهمه بعض النصوص السابقة نحو

قوله عليه السلام (1)

«إذا علم أنه لا يأتي»

و قوله عليه السلام (2):

«إن كان لا يقدر»

إلى آخره لكن المراد العلم و لو بهذا الطريق، ضرورة ظهور نصوص التأجيل في فسخها عند انتهاء الأجل لمجرد عجزه عنها في الأجل مع عدم العلم بحاله في غيرها، و حينئذ لا يقدح فيما ذكرنا دعوى دخول العجز عن وطء أحد في مفهوم العنن.

كما أن الظاهر اعتبار عدم وطئها و لو مرة، فلا يسقط خيارها بوطء غيرها بعد عقدها ثم اعتراه العنن بعد الخلوة بها أو قبله، فان النصوص السابقة إنما أسقطت خيارها بوطئها و لو مرة، لا مطلق الوطء و إن كان القول به لا يخلو من وجه بل قوة.

و على كل حال فما عن ظاهر المفيد من ثبوت الخيار بالعجز عن وطئها و إن تمكن من وطء غيرها مناف لأصالة اللزوم، و للإجماع المحكي إن لم يكن المحصل، و لما سمعته من بعض النصوص التي لا ينافيها إطلاق بعضها المحمول عليها أو المبنى على ما أومأنا إليه سابقا من تحقيق العنن بالعجز عنها و عدم العلم بإمكان وطء غيرها، و لعل هذا هو مراد المفيد، و إلا كان محجوجا بما عرفت.

بل و كذا يسقط خيارها لو وطأها بعد العقد دبرا و عن قبلا لارتفاع العنن حينئذ و لاندراجه في النصوص (3)

السابقة حينئذ بناء على ما سمعته من جواز الوطء في الدبر

«فإنه أحد المأتيين» (4)

أما بناء على عدم جوازه فيشكل اندراجه فيها فتبقى الإطلاقات المقتضية للخيار حينئذ سالمة عن المعارض،


1- 1 المتقدم في ص 324 الرقم 5 و ص 325 الرقم 3.
2- 2 المتقدم في ص 324 الرقم 5 و ص 325 الرقم 3.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس.
4- 4 الوسائل الباب- 73- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 7.

ج 30، ص: 328

و لعله لذا قيد السقوط بذلك في الروضة و المسالك، بل قد يحتمل ذلك على القول بالجواز أيضا بدعوى انسياق غيره من نصوص التقييد، فيبقى الإطلاق سالما كما أنه قد يحتمل السقوط على الحرمة أيضا بدعوى صدق الوقوع و الإتيان و نحوهما مما يدخل به تحت الحكم الوضعي في نصوص التقييد مؤيدا ذلك بظهور عدم العنن حينئذ، و الله العالم.

و هل تفسخ المرأة بالجب السابق على العقد؟ فيه تردد، منشؤه التمسك بمقتضى العقد المقتصر في خلافه على المنصوص عليه بخصوص الذي هو المتيقن، و عدم رد الرجل بعيب، و من صدق التدليس، و كونه بمعنى الخصي أو العنن، بل أعظم منهما، لقدرة الأول على الإيلاج، و احتمال الثاني البرء، و الضرر، و شمول صحيح الكناني (1)

و أبى بصير (2)

له.

و الأشبه تسلطها به بل لا أجد فيه خلافا، بل عن المبسوط و الخلاف نفيه عنه لتحقق العجز عن الوطء الذي بسببه يندرج في الصحيحين السابقين المؤيدين بفحوى الخصي و العنن و قاعدة الضرار و غيرها، لكن بشرط أن لا يبقى له ما يمكن معه الوطء و لو قدر الحشفة و إلا فلا خيار لها قولا واحدا، لجريان جميع أحكام الوطء حينئذ عليه، و لا تجرى فيه أدلة الخيار.

و أما لو حدث الجب بعد العقد قبل الوطء أو بعد الوطء لم يفسخ به وفاقا لما عن جماعة، منهم ابن إدريس و الفاضل في الإرشاد و موضع من التحرير و الخلاف و موضع من المبسوط، بل في الأخير عندنا أنه لا خيار فيه، لأصالة اللزوم، و لكونه كالخصاء الذي قد عرفت اشتراط سبقه.

و فيه قول آخر محكي عن القاضي و الفاضل في التلخيص و موضع من التحرير أنها تتسلط به حتى لو حدث بعد الوطء فضلا عما قبله، بل في محكي المبسوط نفي الخلاف فيه بيننا و بين غيرنا، و لعله لقاعدة الضرار و شمول الصحيحين (3)


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1- 6.

ج 30، ص: 329

و لا ينافي ذلك عدم ثبوت الحكم في العنن و الخصاء، ضرورة عدم ملازمة اشتراكه معهما في الفسخ في حال لا لاشتراكه معهما في عدمه في الحال الأخر، لا مكان استقلاله بدليل يقتضي اختصاصه بذلك، لنفي الخلاف فيما سمعته من المبسوط و غيره.

و ربما قيل بالتفصيل بين ما قبل الوطء و بعده، للأصل و التصرف المسقط للخيار، و لما سمعته من النصوص (1)

المقيدة لإطلاق ما دل (2)

على الخيار بما إذا لم يطأ و لو مرة، و إلا كانت المرأة مبتلاة فلتصبر، و من هنا يقوى لحوق حكم العنن له، و أما الزيادة فلم تثبت، و نفي الخلاف المزبور من الشيخ موهون بما سمعته منه، فضلا عن تبينه بالنسبة إلى كلمات الأصحاب.

و على كل حال فلو قلنا بثبوته بتجدده بعد العقد قبل الوطء أو بعده ففي القواعد «إن الأقرب عدم فسخا لو كان قد صدر منها ذلك عمدا» و لعله لأنها حينئذ هي التي فوتت على نفسها الانتفاع، كما لا خيار للمشترى لو أتلف المبيع أو عيبه، فتبقى حينئذ أصالة اللزوم سالمة عن قاعدة الضرر و غيرها، و ربما احتمل الثبوت أيضا، بل هو خيرة بعض العامة، لأنه كهدم المستأجر الدار المستأجرة له، و للعموم، و عدم استلزام رضاها بالعيب رضاها بالنكاح معه، و فيه منع عموم يشمل الفرض، و الخيار على خلاف الأصل، و القياس باطل عندنا بعد تسليم الحكم في المقيس عليه، و الله العالم.

و لو بان الزوج أو الزوجة خنثى واضحا و لو بأحد الأمارات المعتبرة لم يكن له و لا لها الفسخ لأصالة اللزوم، و قوله

في الخبر السابق (3):

«و ليس يرد الرجل من عيب»

و لأنه حينئذ كزيادة إصبع أو ثقبة.

و قيل و القائل الشيخ في موضع من المبسوط لها ذلك للنفرة


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2 و 4 و 8.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1 و 5 و 9.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2 و فيه «و الرجل لا يرد من عيب».

ج 30، ص: 330

و هو تحكم واضح مع فرض إمكان الوطء الذي هو المقصود في النكاح، و من هنا حكي عن الشيخ في مواضع أخر التصريح بعدم كونه عيبا، و كون الأمارات ظنية لا تقتضي بذلك بعد أن كانت معتبرة عند الشارع على وجه تشخص الموضوع و تجرى عليه أحكامه.

أما لو فرض كونه مشكلا فالنكاح باطل من أصله، لعدم العلم بحصول شرطه، فالأصل بقاء البضع بحاله، و ما وقع من الشيخ في المواريث- من أن للزوج إذا كان كذلك نصف النصيبين- سهو من القلم، و الله العالم.

و حينئذ ف لا يرد الرجل بعيب غير ذلك الذي قدمناه وفاقا للمشهور، للأصل و حرمة القياس عندنا، و

قوله عليه السلام في المعتبر (1) بوجود من أجمع على تصحيح ما يصح عنه في سنده أو لانجباره بالشهرة بالنسبة الى ذلك:

«و ليس يرد الرجل من عيب»

خلافا لما عن القاضي في المهذب، فرده بالجذام و البرص و العمى، و أبي على بها و بالعرج و الزنا، و لم أعرف أحدا وافقهما على ذلك عدا جماعة من المتأخرين في خصوص الجذام و البرص، لصحيح الحلبي (2)

و الأولوية و قاعدة الضرر بالعدوى و نحوها، مع ما في المسالك من المناقشة في الخبر المزبور سندا و دلالة، لمعلومية ثبوت عيب في الرجل يرد به، لكن قد عرفت الحال في ذلك كله سابقا، على أن العدوي- مع اقتضائها التعدية إلى كل مرض معد مما لا يقول به الخصم- يمكن رفعها بإيجاب التجنب، فالأقوى عدم الخيار بهما حينئذ مع سبقهما على العقد، فضلا عما لو تجددا بعده، و خصوصا بعد الوطء، و فضلا عن غيرهن مما لم نعرف للقائل به دليلا عدا دعوى الأولوية من الامرأة الممنوعة على مدعيها، و عدا بعض النصوص (3)

في الزاني زوجها بعد العقد قبل الدخول المعارضة بأقوى (4)


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2 و فيه «و الرجل لا يرد من عيب».
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2 و 3.
4- 4 الوسائل الباب- 17- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1- 4.

ج 30، ص: 331

منها في ذلك أيضا بوجوه: منها الشهرة العظيمة إن لم يكن إجماعا على عدم تسلطها على الفسخ بذلك، كما قد تقدم الكلام فيها سابقا، و الله العالم. هذا كله في الرجل.

و أما عيوب المرأة فهي سبعة: الجنون و الجذام و البرص و القرن و الإفضاء و العمى و العرج، أما الجنون الذي لا خلاف نصا (1)

و فتوى في كونه عيبا فيها بل الإجماع بقسميه عليه ف قد عرفت أنه هو فساد العقل و إن كان فنونا من الجنان أو الجن أو الجن، فالمجنون من أصيب جنانه أي قلبه، أو أصابته الجن، أو حيل بينه و بين عقله فستر عقله كما في كشف اللثام، و الظاهر أنه من الأخير، بل لعل الأولين منه أيضا لما فيهما من الستر.

و أنه لا يثبت الخيار مع السهو السريع زواله و إن كثر، لعدم كونه من الجنون و لا مع الإغماء العارض مع غلبة المرة و نحوها مما لا يصدق معه اسم الجنون و إنما يثبت الخيار فيه أي الإغماء و نحوه مع استقراره لكونه حينئذ منه و إن سمى باسم آخر عرفا كما سمعته فيما تقدم، و احتمال عود الضمير الى المجنون يدفعه أنه لا فرق فيه بعد صدق اسمه نصا و فتوى بين المستقرة و غيره و المطبق و الأدواري، و لعل الأولى من ذلك كله إيكال الأمر إلى العرف الصحيح القاضي بكونه بفنونه عيبا.

و أما الجذام فهو (11) المرض السوداوي الذي يظهر معه يبس الأعضاء و تناثر اللحم و (12) لا بد أن يكون بينا ف لا يجزئ قوة الاحتراق و لا تعجر الوجه (13) أى غلظ و ضخم و صار ذا عجر أي عقد و لا استدارة العين (14) إذا لم يعلم كونه منه، و إلا فسخ بها، لعدم اعتبار الاستحكام فيه عندنا بعد تحققه، لإطلاق النص (2)

و الفتوى نعم عن بعض العامة اعتباره ضابطا له في الجذام بالتقطع، و في البرص بالوصول الى العظم، بحيث إذا فرك فركا شديدا لا يحمر، و احتمال


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس.

ج 30، ص: 332

حمل عبارة المتن و ما شابهها على اعتبار ذلك- و إن عدم اجزاء الاحتراق و تعجر الوجه و استدارة العين لكون ذلك ابتداؤه قبل استحكامه- يدفعه وضوح بطلانه، لتعليق الحكم نصا و فتوى على الاسم، و على كل حال لو اختلفا فالقول قولها إلا أن يشهد به عدلان.

و أما البرص فهو لغة و عرفا البياض الذي يظهر على صفحة البدن لغلبة البلغم و عند الأطباء أو السواد كذلك لغلبة السوداء، لكن قد يمنع تسلط الفسخ به، للأصل و عدم الصدق عرفان و إن سلم اشتراكه معه في العلامات، فاذن ذلك أعم، و ستسمع التعبير بالبياض في خبر البصري (1).

و كيف كان فلا اعتبار بالبهق الذي فرق بينه و بين البرص مع كونهما أبيضين بأن البرص غائر في اللحم إلى العظم دونه، و من علاماته أنه إذا غزر في الموضع إبرة لم يخرج دم، بل ماء أبيض، و إن ذلك لم يحمر إذا، و يكون جلده أنزل و شعره أبيض، و إذا كانا أسودين بأن البرص يوجب تفليس الجلد كما يكون للسمك.

و كيف كان ف لا يقضى بالتسلط على الفسخ مع الاشتباه للأصل و غيره.

و أما القرن بالسكون أو الفتح فقد قيل: إنه لحم ينبت في فم الرحم يمنع من الوطء و هو المسمى ب العفل بل في كشف اللثام «هو المعروف عند أهل اللغة» و في محكي المبسوط «قال أهل الخبرة: العظم لا يكون في الفرج، لكن يلحقها عند الولادة حال ينبت اللحم في فرجها، و هو الذي يسمى العفل» و

في صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2) عن الصادق عليه السلام «المرأة ترد من أربعة أشياء:

من البرص و الجذام و الجنون و القرن، و هو العفل ما لم يقع عليها، فإذا وقع عليها فلا»

ومضمر البصري (3)

«في الرجل إذا تزوج المرأة فوجد بها قرنا و هو العفل


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.

ج 30، ص: 333

أو بياضا أو جذاما إنه يردها ما لم يدخل بها»

و من ذلك كله يعرف ضعف ما قيل من أنه عظم كالسن ينبت في الرحم يمنع من الوطء كما عن النهاية و الصحاح و الجمهرة.

و يعرف أيضا أن الأول أشبه نعم، يمكن دعوى عمومه لهما، كما عساه يشهد له ما عن المغرب: «القرن في الفرج مانع يمنع من سلوك الذكر فيه، إما غدة غليظة أو لحمة مرتفعة أو عظم» و في الصحاح: «و القرن: العفلة الصغيرة، و العفل و العفلة بالتحريك فيهما شي ء يخرج من قبل النساء و حياء الناقة شبيه بالادرة التي للرجال، و المرأة عفلاء» و في النهاية بعد تفسيره بالعظم: «و يقال له: العفل» كما أنه يمكن دعوى مشاركة نبات العظم له في الحكم المعلوم و إن لم يكن قرناء و لا عفلاء بدعوى كون العلة فيه المنع من الوطء، خصوصا بعد

خبر أبى الصباح الكناني (1)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة فوجدها قرناء قال: هذه لا تحبل، و لا يقدر زوجها على مجامعتها يردها على أهلها صاغرة، و لا مهر لها»

المشعر بذلك، و كان هذا الخلاف قليل الجدوى بعد تصريح النصوص (2)

بكون القرن عيبا و العفل كذلك، فالحكم ثابت على تقديري الاتحاد و التعدد و إن زاد عدد العيوب على الثاني دون الأول، و هي ليست ثمرة معتدا بها.

و كيف كان فان منع من الوطء فسخ به إجماعا بقسميه و نصوصا (3)

و إن لم يمنع الوطء قيل و القائل الشيخ و القاضي بل في المسالك نسبته إلى الأكثر لا يفسخ به ل لأصل و الاحتياط و انتفاء الضرر ب إمكان الاستمتاع و صحيح عبد الرحمن (4)

السابق المراد منه على الظاهر أنه إذا وقع


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.

ج 30، ص: 334

عليها أمكنه الوطء و لا خيار، و إشعار

خبر أبى الصباح (1) المتقدم، قيل: و لا ينافيه ما في ذيله: «قلت: فان كان دخل، قال: إن كان علم بذلك قبل أن ينكحها- يعني المجامعة- ثم جامعها فقد رضي بها، و إن لم يعلم إلا بعد ما جامعها فان شاء بعد أمسك و إن شاء طلق»

لإمكان إرادة المجامعة في غير القبل، هذا.

و لكن مع ذلك لو قيل بالفسخ به مطلقا تمسكا بظاهر النقل أمكن بل هو الأقوى لإطلاق الأدلة، حتى

خبر عبد الرحمن (2) الظاهر في «أن له الفسخ ما لم يطأ و إن كانت قابلة له،»

بل

في صحيح أبي عبيدة (3) عن أبى جعفر عليه السلام «في رجل تزوج امرأة من وليها فوجد بها عيبا بعد ما دخل بها، فقال:

إذا دلست العفلاء نفسها و البرصاء و المجنونة و المفضاة و من كان بها من زمانة ظاهرة فإنها ترد على أهلها من غير طلاق»

بل خبر أبي الصباح (4)

الذي لا يخفى ما في حمله سابقا من البعد، و لعل الأولى حمله على عدم التمكن من كمال المجامعة، و كذا خبر الحسن بن صالح (5)

الذي تسمعه.

لكن في المسالك «هذا القول قوى إن لم يكن الإجماع على خلافه، إذ لا يظهر به قائل صريحا» كما يظهر من قوله: «و لو قيل» إلى آخره قلت: و لعله الموافق لإطلاق الأكثر كما اعترف به في كشف اللثام، فلا محيص حينئذ عنه بعد ما عرفت، نعم يمكن اعتبار عدم التمكن فيه من كمال المجامعة فيه الذي قد سمعت ظهور خبر أبى الصباح (6)

السابق فيه، و نحوه و

خبر الحسن بن صالح (7)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة فوجد بها قرنا قال: هذه لا تحبل، و ينقبض زوجها عن مجامعتها، ترد على أهلها، قلت: فان كان دخل بها، قال: إن علم بها قبل أن يجامعها ثم جامعها فقد


1- 1 ذكر صدره في الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4 و ذيله في الباب- 3- منها الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4 و ذيله في الباب- 3- منها الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 3- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.
6- 6 ذكر صدره في الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4 و ذيله في الباب- 3- منها الحديث 1.
7- 7 الوسائل الباب- 3- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.

ج 30، ص: 335

رضي بها، و إن لم يعلم بها إلا بعد ما جامعها فان شاء بعد أمسك، و إن شاء سرحها إلى أهلها، و لها ما أخذت منه بما استحل من فرجها».

بل ربما احتمل تنزيل كلام الكل عليه، فلا خلاف حينئذ في المسألة، فيراد حينئذ مما في النص و الفتوى- عدم القدرة على الجماع في العفل و الانقباض- أنه لا يتمكن من كماله، لكونه ثابتا في قعر الرحم، فيمنع من ولوج الذكر و وصوله إلى محله، و لذا لم تحبل العفلاء غالبا، و كان فيه كمال الضرر باعتبار نقصان الاستمتاع و التلذذ فضلا عن غيرهما، فناسب إطلاق تسلط الزوج على الفسخ، و إلا كان محجوجا بما عرفت.

و أما الإفضاء فهو تصيير المسلكين واحدا كما تقدم الكلام فيه مفصلا، و لا خلاف في كونه عيبا، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الصحيح (1)

السابق.

و أما العرج ففيه تردد منشؤه من أصالة اللزوم و حصر العيب في غيره في الصحيح (2)

و غيره، بل هو ظاهر مفهوم العدد في غيره أيضا، و من صدق الزمانة التي سمعت حكمها في صحيح أبى عبيدة (3)

السابق و

صحيح داود بن سرحان (4) عن أبى عبد الله عليه السلام «في الرجل يتزوج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء، قال:

ترد على وليها، و يكون لها المهر على وليها، و إن كان بها زمانة لا يراها الرجال أجيز شهادة النساء عليها»

و صحيح محمد بن مسلم (5) عن أبى جعفر عليه السلام قال: «ترد البرصاء و العمياء و العرجاء و الجذماء»

بل و خلاف بين الأصحاب.

أظهره عند المصنف و الفاضل في القواعد و الإرشاد دخوله في أسباب الفسخ إذا بلغ الإقعاد خلافا لما عساه يظهر من الخلاف و المبسوط و المهذب من


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6 و ذيله في الباب- 4- منها الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 7.

ج 30، ص: 336

عدم كونه عيبا مطلقا، و لما عن الإسكافي و الشيخين في المقنعة و النهاية و سلار و أبي الصلاح و ابن البراج في الكامل و ابن حمزة من إطلاق كونه عيبا، بل لعله ظاهر الفقيه أيضا، بل و موضع من المقنع، و قيل: بل إليه يرجع ما في المختلف و محكي السرائر و التحرير و إن قيدوه بالبين الذي يمكن إرادته للأصحاب أيضا و لذا قال ابن إدريس: «و ألحق أصحابنا عيبا ثامنا، و هو العرج البين، ذهب إليه شيخنا في نهايته» مع خلو عبارة النهاية بل و غيرها من التقييد بالبين، و لعل الوجه فيه- مضافا إلى الاستبعاد كون مطلق العرج عيبا- وصف الزمانة بالظاهرة في صحيح أبي عبيدة (1).

بل في جامع المقاصد «الظاهر أن المراد بالإقعاد في المتن و القواعد و العرج البين واحد، و هو أن يكون فاحشا لا يستطيع معه التردد في العادة إلا بالمشقة الكثيرة، فلا ترد بالعرج اليسير، و هو الذي لا يكون كذلك» بل قال: «و هذا هو المختار، لأن

في صحيحة داود بن سرحان «و إن كان بها زمانة»

و ظاهرها أن الرد منوط بالزمانة، و مفهوم الشرط معتبر عند جمع من المحققين، و كذا رواية أبي عبيدة مع أن المطلق يجب حمله على المقيد، و الاقتصار في المخالف للأصل على موضع اليقين أقرب».

و إن كان فيه ما لا يخفى بل ما كنا لنؤثر أن يقع مثل ذلك من مثله، و كذا ما وقع من الفاضل الأصبهاني فإنه بعد أن ذكر صحيح أبي عبيدة دليلا لاعتبار الإقعاد، قال: «فان المعهود من الزمانة ما تؤدي إلى الإقعاد، و الوصف بالظهور يدل على العدم مع الخفاء فضلا عن العرج الذي لا يبلغ الإقعاد، بل الظاهر من الزمانة الغير الظاهرة ذلك، هذا مع كون الخيار على خلاف الأصل و الاحتياط، و وقوع الخلاف في مطلق العرج فلنقتصر منه على هذا النوع منه و كونه نوعا منه، لأن العرج في الأصل هو الميل، و انما سمى به الآفة المعهودة لميل الرجل أو عضو


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.

ج 30، ص: 337

منها عن مكانه أو عن الاستقامة في المشي و نحوه، و الميل يتحقق في الإقعاد».

و لكن الجميع كما ترى، فان الاستبعاد بعد مجي ء الدليل المعتبر في غير محله، كالاستناد إلى الأصل و العموم الذي يجب الخروج عنهما به، و الزمانة أمر آخر غير العرج، و منها ما تكون خفية لا يطلع عليها إلا النساء، و لذا حكي عن الصدوق أنه جعل الزمانة غير العرج، فأثبت الخيار بها دونه، فليس النصوص حينئذ من باب الإطلاق و التقييد، على أن وصفها بالظهور في الصحيح (1)

لإرادة الرد بها من غير حاجة إلى شهادة النساء، بخلاف الخفية فإنها تجوز فيها شهادة النساء، كما أوضحه الصحيح الآخر (2)

و جواب الشرط «أجيز شهادة النساء» و مفهومها عدم جواز شهادتهن في الظاهرة التي يمكن اطلاع الرجال عليها، و في محكي المصباح «أن الزمانة مرض يدوم زمانا طويلا» و في الصحاح «الزمانة آفة تكون في الحيوانات، و رجل زمن أي مبتلى بين الزمانة» و ليس في شي ء مما عثرنا تفسيرها بخصوص الإقعاد، بل لعل تقييدها بالظهور في صحيح أبي عبيدة و بأنه لا يراها الرجال في صحيح داود يقضى بخلاف ذلك، فالأقوى كون العرج مطلقا عيبا إلا أن لا يكون بينا على وجه لا يعد عيبا عرفا، و لعل هذا هو مراد من قيده بالبين، لا وصوله إلى حد الإقعاد، نعم قد يستفاد من فحواه و من الزمانة كون الإقعاد أيضا عيبا آخر أيضا، و الله العالم.

و قيل بل في كشف اللثام أنه المشهور، بل لم نعرف أحدا تردد فيه قبل المصنف و لا بعده على ما اعترف به بعض الفضلاء الرتق أحد العيوب المسلطة على الفسخ، و ربما كان ذلك صوابا إن منع الوطء أصلا لفوات الاستمتاع حينئذ إذا لم يمكن إزالته أو أمكن و امتنعت من علاجه و الفرض عدم وجوبه عليها للأصل و العسر و الحرج، و لما في خبر أبي الصباح (3)

و الحسن بن صالح (4)

مما


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.

ج 30، ص: 338

هو كالتعليل للرد بالفعل و القرن بعدم القدرة على الجماع، بل الظاهر دخوله في الفعل، لأنه هو كون الفرج ملتحما على وجه ليس للذكر مدخل فيه، و من هنا حكم في التحرير على ما قيل بمرادفته له، بل لعل الخبرين المزبورين قاضيان بالخيار فيه إذا لم يمكن الزوج الوطء، و إن أمكن لغيره ممن هو صغير الإله، فما في المسالك- من نفي الخيار مع عدم بلوغ الارتتاق حد المنع من الوطء و لو لصغير الإله- في غير محله، لما عرفت من دخوله في العفل موضوعا أو حكما، و كأنه تبع بذلك ما في جامع المقاصد من أنه «لا شبهة في أن الخيار إنما يثبت بالرتق إذا كان مانعا من الوطء، صرح بذلك المحققون، و وجهه بقاء مقصود النكاح، فلو ارتتق المحل و بقي منه ما يمكن معه الوطء فلا خيار و إن كان لصغر آلته، بخلاف العدم» و هو- مع كونه مفروضا في الزوج المتمكن لصغير آلته فيه أيضا- أنه مناف لدخوله تحت العفل موضوعا أو حكما، و قد عرفت أن الخيار به متى منع من الوطء أو كما له، فمثله يأتي هنا حينئذ، بل عن الغزالي من العامة إلحاق ضيق المنفذ زائدا على المعتاد بحيث لا يمكن وطؤها إلا بإفضائها به، و لا بأس به، و عن بعضهم التفصيل بين احتمالها وطء نحيف الإله و عدمه، فلا فسخ في الأول دون الثاني و مرجعه إلى ما سمعته من المسالك، و فيه ما عرفت، و أوضح منه فسادا ما عن آخر منهم أيضا من التفصيل في الرجل أيضا بنحو ذلك، أي بين من لا تسع حشفته امرأة أصلا و من تسع له بعض النساء، إذ هو كما ترى.

ثم إن ظاهر قول المصنف «و امتنعت» إلى آخره عدم الخيار مع رضاها، كما صرح به في المسالك، و فيه منع خصوصا على تقدير اندراجه في العفل.

و على كل حال ففي القواعد و غيرها أنه ليس للزوج إجبارها على علاجه، و لعله للحرج و انتفاء الضرر عنه بالخيار، بل في المسالك لأن ذلك ليس حقا له، كما أنها لو أرادته لم يكن له منعها، لأنه تداو لا تعلق له به، فتأمل، و الله العالم.

و كيف كان ف لا ترد المرأة بعيب غير هذه السبعة التي منها العمى، فإنه موجب للخيار أيضا بلا خلاف صريح أجده فيه، بل عن المرتضى و ابن

ج 30، ص: 339

زهرة الإجماع عليه، و هو الحجة مضافا إلى صحيح داود (1)

السابق الذي بهما يخص الأصل و مفهوم حصر العيب في غيره (2) كمفهوم العدد، فما عساه يظهر من نسبة الخيار فيه إلى بعض الأصحاب في محكي المبسوط من المنع في غير محله، لما سمعت، بل هو كذلك و إن كانتا مفتوحتين بلا انضمام و لا نقط بياض و نحوه للإطلاق و إن كان قد يقال: إن أصل العمى يدل على الستر و التغطية.

نعم لا اعتبار بالعور لخروجه عن المتفاهم من العمى، مع الأصل و الاحتياط و

صحيح الحلبي (3) عن الصادق عليه السلام «في الرجل يتزوج الأمة إلى قوم فإذا امرأة عوراء و لم يبينوا له، قال: لا ترد».

ثم لا يخفى عليك أن تعدادها سبعة مبني على جعل القرن و الرتق و العفل واحدا و الإقعاد و العرج كذلك، و الأمر سهل بعد وضوح الحكم.

إنما الكلام في الرد بغيرها كزنا المرأة، قبل دخول الزوج بها الذي أثبت الخيار به الصدوق، ل

قول علي عليه السلام (4)

«في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها يفرق بينهما و لا صداق لها، لأن الحدث كان من قبلها»

بل مطلق الزنا من الرجل و المرأة قبل العقد و بعده الذي أثبت به الخيار الإسكافي، للخبر السابق، و ل

لمرسل عنه عليه السلام (5) أيضا «أنه فرق بين رجل و امرأة زنا قبل دخوله بها»

و ل

خبر عبد الرحمن ابن أبي عبد الله (6) عن الصادق عليه السلام «سألته عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما تزوجها أنها كانت زنت، قال: إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها، و لها الصداق مما استحل من فرجها»

و نحوه صحيح معاوية بن وهب (7)

و حسن


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.
6- 6 المقنع ص 109 ط طهران 1377.
7- 7 أشار إليه في الوسائل الباب- 6- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4 و ذكره في الكافي ج 5 ص 355.

ج 30، ص: 340

الحلبي (1).

و كالحد بالزنا الذي أثبت الخيار فيه للزوج أكثر القدماء على ما في المسالك، للجرح بالنفرة و العار، و للخبر السابق (2).

و كوجدان الزوجة مستأجرة إجارة عين الذي أثبت الخيار به الماد روى من العامة، بل قال: لا يسقط برضا المستأجر بالتمتع بها نهارا، لأنه تبرع قد يرجع به.

إلا أن الجميع كما ترى بعد أن علمت منه عدم دوران الخيار على الضرر و نحوه مما يمكن جبره بالطلاق، و إنما هو تعبد بالأدلة الخاصة، و ليس شي ء مما سمعته كذلك، لأنه بين غير صالح للحجة لضعف في السند و إعراض من المعظم، و معارضة بما هو أقوى منه مما تقدم سابقا حتى في الحد، ك

خبر رفاعة (3) سأل الصادق عليه السلام «عن المحدود و المحدودة هل يرد منه النكاح؟ قال: لا»

و بين غير صريح في الدلالة على المطلوب.

و لذا حكي عن ابن إدريس القول بالرجوع على الولي العالم بحالها بالمهر مع عدم الفسخ، لأن الأخبار إنما تدل على ذلك، بل عن الشيخ في النهاية ذلك أيضا، إلا أنه أطلق الرجوع به عليه، و إن كان قد يناقش بما في المختلف من أن الضمان إنما هو باعتبار تدليس العيب على الزوج، فان كان عيبا أوجب الفسخ و إلا لم يجب المهر، بل لا يبعد إرادة الكناية عن الفسخ بالحكم بالرجوع بالمهر نحو غيرهما من عقود المعاوضة.

و على كل حال فالتحقيق عدم الرد بغير ما عرفت، للأصل و لما عرفت من مفهومي الحصر و العدد، بل

في خبر البصري (4)

«ترد المرأة من العفل و البرص و الجذام


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 13.

ج 30، ص: 341

و الجنون، و أما ما سوى ذلك فلا»

و خصوص النصوص (1)

في الزاني و الزانية و المحدود و المحدودة التي قد تقدمت سابقا، و الله العالم.

[المقصد الثاني في أحكام العيوب]
[المسألة الأولى العيوب الحادثة بالمرأة قبل العقد مبيحة للفسخ]

المقصد الثاني في أحكام العيوب و فيه مسائل:

[المسألة الأولى العيوب الحادثة بالمرأة قبل العقد مبيحة للفسخ]

الأولى لا خلاف نصا و فتوى في أن العيوب الحادثة بالمرأة قبل العقد مبيحة للفسخ بل الإجماع بقسميه عليه، بل هو مورد النصوص (2)

التي هي مستفيضة أو متواترة و أما ما يتجدد بعد العقد و الوطء فالمشهور نقلا و تحصيلا أنه لا يفسخ به بل لا أجد فيه خلافا بين العامة و الخاصة إلا من ظاهر موضع من المبسوط و صريح آخره، فخيره مطلقا، و من أبي علي في خصوص الجنون، و لا ريب في ضعفهما، للأصل بل الأصول السالمة عن معارضة النصوص بعد ظهورها في غير الفرض كما ستسمع إنشاء الله تعالى، بل ظاهر صحيح عبد الرحمن (3)

فيها التصريح باشتراط الخيار بعدم الوقوع عليها، بناء علي ما ذكرناه فيها سابقا، و اقتصاره على الأول غير قادح بعد الإجماع بقسميه على عدم الفرق، كما أن ظاهر الشرط التدليس في صحيح أبي عبيدة (4)

السابق يقتضي اعتبار السابق أيضا و بذلك مضافا إلى الإجماع على الظاهر من عبارة المصنف يقيد إطلاق بعض النصوص (5)

إن كان.


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة و الباب 9 من أبواب المتعة.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث- 1.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2 و 7 و 11 و 13.

ج 30، ص: 342

نعم في المتجدد بعد العقد و قبل الدخول تردد من إطلاق بعض (1) النصوص الرد بها، و من أصالة اللزوم و اشتراط التدليس في صحيح أبي عبيدة (2)

و لذا قال المصنف أظهره أنه لا يبيح الفسخ تمسكا بمقتضى العقد السليم عن معارض بل هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك في الأعصار المتأخرة على المخالف على وجه كان قوله من الشواذ المقطوع ببطلانها، خصوصا بعد ظهور أكثر النصوص في السابق، ك

قوله في خبر عبد الرحمن (3): «تزوج امرأة فوجد بها قرنا»

إلى آخره، و

في خبر الحذاء (4)

«تزوج امرأة فوجد بها عيبا»

و في خبري الحسن بن صالح (5)

و

الكناني (6)

«تزويج امرأة فوجد بها قرنا»

و في خبر غياث (7)

«تزوج امرأة فوجدها برصاء»

بل هو صريح

صحيح ابن مسلم (8)

«من تزوج امرأة فيها عيب دلسته و لم تبين»

وخبر رفاعة (9)

«زوجها وليها و هي برصاء»

بل قد يقال فيما لم يكن في لفظه دلالة على السبق ك

قوله عليه السلام (10): «يرد النكاح من البرص»

إلى آخره: إن الغالب في أمثال هذه العاهات طول المدة و تقادم العهد، على أن في بعضها اشتراط التدليس، ك

قوله في صحيح الحذاء: «إذا دلست العفلاء»

إلى آخره و قد سمعت صحيح ابن مسلم، فيقيد حينئذ الإطلاق به، و مع قطع النظر عن النصوص أجمع فلا ريب في استصحاب اللزوم الذي هو مقتضى الأصل في العقود، و الضرر منجبر بإمكان الطلاق منه، فما عن الخلاف و المبسوط و ظاهر أبي علي من ثبوت الخيار بذلك واضح الضعف بعد الإحاطة بما ذكرنا، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2 و 7 و 11 و 13.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4.
7- 7 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 14.
8- 8 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 7.
9- 9 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
10- 10 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 5.

ج 30، ص: 343

[المسألة الثانية خيار الفسخ على الفور]

المسألة الثانية خيار الفسخ على الفور بلا خلاف أجده فيه، بل حكى غير واحد الاتفاق عليه، و اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، و تحرزا من الضرر اللازم بالتأخير و العمدة الإجماع، و لولاه لأمكنت المناقشة بما سمعته غير مرة.

و حينئذ فلو علم الرجل أو المرأة بالعيب فلم يبادر بالفسخ لزم العقد و إن لم يكن ذلك منهما عن رضي باللزوم، و كذا الخيار مع التدليس بالعيب أو غيره مما ستعرف، ضرورة كون الفورية فيه قيدية، فيسقط الخيار بفواتها، لا أنها أمر آخر على حسب التكاليف الفورية التي من الواضح الفرق بينهما، نعم قد عرفت فيما تقدم أن الجهل بالخيار بل و الفورية عذر، لإطلاق ما دل على الخيار المقتصر في تقييده على محل الإجماع الذي غير المفروض، بل قد يقوى ثبوته أيضا لو أكره على عدم الخيار بالقبض على فيه أو بالتهديد لذلك، كما صرح به في جامع المقاصد، بل في المسالك «أن العيب إن كان ظاهرا لا نزاع فيه بينهما، فالفورية معتبرة في الفسخ، و إن توقف ثبوته على المرافعة إلى الحاكم فالفورية في المرافعة إلى الحاكم، فإذا ثبت اختار الفسخ فورا» و في التحرير: «أطلق أن الفوري هو المرافعة إلى الحاكم و إن كانا متفقين على العيب، و كذلك عن الشيخ، و هو حسن حيث يتوقف الأمر على الحاكم».

قلت: ستعرف عدم التوقف على الحاكم في جميع أفراد الفسخ، و إنما يتوقف عليه ضرب الأجل في خصوص العنين، فإذا مضى لم تحتج الامرأة في الفسخ إليه، و مع فرض النزاع بينهما في ثبوت العيب المسلط على الخيار و عدمه قد يقال: إن الفورية في الفسخ أيضا و إن كان لا يترتب عليه أثره ظاهرا إلا بعد إثبات مقتضى الفسخ، بل قد يقال: إن تأخيره إلى المرافعة مناف لفوريته التي قد عرفت كونها قيدا، ضرورة تعليق الخيار على وجود العيب لا على إثباته عند الحاكم، فمع معلومية

ج 30، ص: 344

حصوله عنده كان خياره فوريا، لكن لا يمضى ذلك على الخصم مع إنكاره إلا بعد إثبات مقتضى الخيار، لا أن انفسخ نفسه موقوف على حكم الحاكم، و كذا لو فرض النزاع في أصل كون ذلك عيبا ما لم يرجع إلى الجهل بالخيار به و لو للجهل بموجبه، على أن الفورية في المرافعة لا دليل عليها، خصوصا مع كون المراد أنه مع عدم الفور فيها يسقط الخيار، فالأقوى حينئذ بقاء معقد الإجماع، و هو فورية الفسخ على حاله في جميع ذلك، و منه يعلم ما في كشف اللثام أيضا «إن توقف الفسخ على حكم الحاكم فالفورية بمعنى فورية المرافعة إليه، ثم طلبه منه بعد الثبوت» إن كان مراده ما سمعته من المسالك، و إلا فليس في أفراد الفسخ ما يتوقف على حكم الحاكم على وجه يراد منه حتى يطالب به، و كذا الكلام فيما تسمعه إن شاء الله من المبسوط، فتأمل جيدا.

[المسألة الثالثة الفسخ بالعيب ليس بطلاق]

المسألة الثالثة الفسخ بالعيب ليس بطلاق قطعا لعدم اعتبار لفظ الطلاق فيه و حينئذ فلا يطرد معه تنصيف المهر، و لا يعد في الثلاث و لا غير ذلك من أحكام الطلاق كما لا يشترط فيه شي ء من شرائطه بلا خلاف و لا إشكال، و ثبوت النصف في العنين للدليل، و لذا قال المصنف: لا يطرد.

[المسألة الرابعة يجوز للرجل الفسخ من دون إذن الحاكم]

المسألة الرابعة يجوز للرجل الفسخ من دون إذن الحاكم، و كذا للمرأة لإطلاق الأدلة نعم مع ثبوت العنن يفتقر إلى الحاكم لضرب الأجل كما ستعرف و لها التفرد بالفسخ عند انقضائه و تعذر الوطء كما هو مقتضي الأدلة المثبتة للخيار لذي الخيار السالمة عن معارضة ما يدل على اعتبار حضور الحاكم أو إذنه فضلا عن مباشرته نفسه

ج 30، ص: 345

الفسخ، و من هنا أفتى الأصحاب في الحكم المزبور من غير إشكال فيه و لا تردد، نعم عن ابن الجنيد منهم إذا أريدت الفرقة لم يكن إلا عند من يجوز حكمه من والي المسلمين أو خليفته أو بمحضر من المسلمين إن كانا في بلاد هدنة أو سلطان متغلب، و كأنه مذاق العامة كما حكاه في جامع المقاصد عن بعض العامة و ابن الجنيد منا.

بل يومئ إليه ما عن موضع من المبسوط «لسنا نريد بالفور أن له الفسخ بنفسه، و إنما نريد أن المطالبة بالفسخ على الفور، يأتي إلى الحاكم على الفور، و يطلب الفسخ، فان كان العيب متفقا عليه فسخ الحاكم، و إن اختلفا فيه فالبينة على المدعي و اليمين على المدعى عليه، فأما الفسخ فالى الحاكم، لأنه فسخ مختلف فيه- ثم قال-: و لو قلنا على مذهبنا أن له الفسخ بنفسه كان قويا، و الأول أحوط، لقطع الخصومة» و ظاهره أن الأول جار على مقتضي أصول العامة أو إذا كان المراد قطع الخصومة بتسجيل الحاكم فيما هو مختلف فيه، و كذا ما عنه في موضع آخر «لا يجوز أن يفسخ بغير حاكم، لأنه فسخ مختلف فيه» خصوصا مع ملاحظة تعليله، و لذا حكى عنه في موضع ثالث الجزم بأن للامرأة الاستقلال بالفسخ محتجا بإطلاق الأخبار، و على كل حال فالوجه ما عرفت، فان كان هو المراد لهم فمرحبا بالوفاق، و إلا كان منافيا لإطلاق الأدلة كما سمعت، و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا اختلفا في العيب فالقول قول منكره مع عدم البينة]

المسألة الخامسة إذا اختلفا في العيب فان كان جليا كالعمى و الجنون و نحوهما مما لم يحتج إلى إقامة بينة و إلى يمين نظر الحاكم فيه، و حكم بمقتضى ما ظهر له، و إن كان خفيا فالقول قول منكره مع عدم البينة كغيره من الدعاوي التي لا يخفى عليك جريان حكمها من رد اليمين و النكول و نحوهما في المقام الذي هو أحد أفرادها، و الله العالم.

ج 30، ص: 346

[المسألة السادسة إذا فسخ الزوج بأحد العيوب فإن كان قبل الدخول فلا مهر]

المسألة السادسة إذا فسخ الزوج أو الزوجة بأحد العيوب السابقة ف لا يخلو إما أن يكون قبل الدخول أو بعده، حيث يجوز للجهل بالحال، و على التقديرين إما أن يكون العيب متقدما على العقد أو متأخرا عنه، قبل الدخول أو بعده بناء على تحقق الخيار بذلك، و الفاسخ إما الزوج أو الزوجة، و على كل تقدير إما أن يكون هناك مدلس أم لا، فالصور أربعة و عشرون صورة.

و خلاصة الحكم فيها في فسخ الزوج أنه إن كان قبل الدخول فلا مهر بلا خلاف، بل لعل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى

قول الباقر عليه السلام في صحيح أبى عبيدة (1): «و إن لم يكن دخل بها فلا عدة لها، و لا مهر لها»

والصادق عليه السلام في خبر أبي الصباح (2)

«يردها على أهلها صاغرة، و لا مهر لها»

وقول علي عليه السلام في خبر غياث (3) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «في رجل تزوج امرأة فوجدها برصاء أو جذماء: إن كان لم يدخل بها و لم يبين له فان شاء طلقها، و إن شاء أمسك، و لا صداق لها، و إذا دخل بها فهي امرأته»

المراد من الطلاق فيه الفراق قطعا، ضرورة عدم اشتراط الطلاق المخصوص بالشرط المزبور، إلى غير ذلك من النصوص الدالة عليه منطوقا و مفهوما، و لأنه و إن كان الفسخ منه لكنه لعيب فيها، فهو سبب منها، بل الأصل في الفسخ اقتضاؤه رد كل عوض إلى مالكه.

و إن كان بعده فلها المسمى بما استحل من فرجها و ل ظهور النص (4)

و الفتوى في أنه يثبت بالوطء ثبوتا مستقرا، فلا يسقط بالفسخ الذي قلنا: إن مقتضاه لو لا ذلك رد كل عوض إلى مالكه، على أن أحد العوضين هنا وطء البضع و لو مرة، و الفرض أنه قد استوفاه، و لا يمكن إرجاعه، فالفسخ حينئذ


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 14.
4- 4 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور.

ج 30، ص: 347

ليس إلا لإزالة قيد النكاح هنا حال الفسخ، و ليس هو إبطالا له من أصله، و دعوى إمكان رد الوطء بغرم مهر المثل الذي هو قيمة له تحتاج إلى دليل، و ليس بل الدليل على خلافها متحقق، كما عرفت. مضافا إلى خبر الحسن بن صالح (1)

و غيره المصرح فيه بذلك و بها يخرج عن ذلك لو سلم اقتضاء الفسخ الرجوع إلى مهر المثل، نعم صرح في النصوص (2)

المزبورة بأن له الرجوع به على المدلس متحدا كان أو متعددا، وليا شرعيا كان أو غيره، كما ستعرف تحقيق الحال فيه في فصل التدليس، و قد أفتى به الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه بينهم، لذلك و لقاعدة الغرور، فما عساه يقال أو قيل- من إشكاله بأنه إن كان حقا ثابتا لها بالدخول فلا رجوع على المدلس- مدفوع بما عرفت.

نعم على الزوج البينة لو أنكر الولي مثلا علمه بالعيب و أمكن في حقه، فان فقدها فله عليه اليمين، فإذا حلف رجع الزوج إلى المرأة، لأنها الغارة حيث لم يعلم الولي بذلك، فإذا ادعت اعلامه حلف أيضا إن لم يكن لها بينة، و لا تكفى اليمين الأولى، لأنها لمدع آخر، فان نكل أو رد اليمين حلفت، و ثبت الرجوع لها بحسب هذه الدعوى، و يحتمل أن لا تحلف، لاستلزامه إبطال الحكم بعدم الرجوع بالحكم بالرجوع، و أن يبنى على اليمين المردودة كالإقرار، فتحلف لسماع إقرار المنكر بعد الإنكار و الحلف أو كالبينة، فلا تحلف لعدم سماع البينة بعد حلف المنكر. و لعل الأولى من ذلك القول بأن لها الرجوع لا له كي يتأتى الخلاف.

و على كل حال فان لم يكن مدلسا حتى هي بأن لم تعلم المرأة ما بها من العيب لخفائه أو لجهلها بكونه عيبا فلا رجوع له بشي ء حينئذ، بلا خلاف أجده فيه، بل هو ظاهر النصوص (3)

المعللة باستحقاقها المهر باستحلاله فرجها، بل هو مقتضى


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2 و 5 و الباب- 3- منها الحديث 3.

ج 30، ص: 348

ما دل على استقرار المهر بالوطء، فيدفع حينئذ لها تمام المسمى لما عرفت.

نعم لو كانت هي المدلسة رجع عليها التدليس، و

في خبر رفاعة (1) عن أمير المؤمنين عليه السلام «لو أن رجلا تزوج امرأة أو زوجها رجل لا يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شي ء، و كان المهر يأخذه منها»

و في صحيح الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل ولته امرأة أمرها أو ذات قرابة أو جارة له لا يعرف دخيلة أمرها، فوجدها قد دلست عيبا هو بها، قال: يؤخذ المهر منها، و لا يكون على الذي زوجها شي ء»

بل ذلك مقتضى غيرهما أيضا.

كما أن مقتضى الجميع عدم استثناء شي ء من المهر لها إذا رجع عليها، لكن في القواعد: «رجع عليها إلا بما يمكن أن يكون مهرا» و هو أقل ما يتمول لئلا يخلو البضع عن العوض، و عن أبى على إلا بمهر مثلها، فإنه العوض للبضع إذا وطأ لا عن زنا، و يمكن القول برجوعه أجمع من حيث التدليس، لإطلاق الأدلة، و عدم خلو البضع عن العوض حتى في مثل الفرض التي كانت هي السبب في ذلك ممنوع و بذلك ظهر لك أنه لا وجه لما عن التحرير من الرجوع على الولي المحرم مع التغرير و بدونه، للتفريط بترك الاستعلام.

كما ظهر لك أنه لا فرق في ثبوت الأحكام المزبورة بين كون العيب الذي فسخ به حادثا قبل العقد و بعده، بناء على الخيار به، لكن في محكي المبسوط «إن كان الفسخ بالمتجدد بعد الدخول فالواجب المسمى، لأن الفسخ انما يستند إلى العيب الطاري بعد استقراره، و إن كان بعيب موجود قبل العقد أو بعده قبل الدخول وجب مهر المثل، لأن الفسخ و إن كان في الحال إلا أنه مستند إلى حال حدوث العيب، فيصير كأنه وقع مفسوخا حين حدوث العيب، بل فيصير كأنه وقع فاسدا، فيلحقه أحكام الفاسد إن كان قبل الدخول، فلا مهر و لا نفقة، و إن كان بعده فلا نفقة


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4 «أو جار لها.».

ج 30، ص: 349

للعدة، و يجب مهر المثل».

و لا يخفى عليك ضعفه، إذ فيه- مع منافاته لما سمعته- أن النكاح وقع صحيحا، و الفسخ و إن كان بسبب العيب السابق لا يبطله من أصله بل من حين الفسخ، و لا يزيل الأحكام التي سبقت عليه، خصوصا إذا كان العيب حادثا بعد العقد، فان دليله لا يجي ء عليه، و لم أجد أحدا وافقه عليه من أصحابنا، نعم في شرح الإرشاد لبعض العامة ذلك على وجه يظهر كونه مفروغا منه عندهم، و ربما توافقه قاعدة الفسخ في الجملة التي أشرنا إليها سابقا، لكن هي هنا من الاجتهاد في مقابلة النصوص التي سمعتها، و الله العالم.

و كذا الحكم لو فسخت الزوجة قبل الدخول بل هي أولى من الزوج بذلك باعتبار كون الفسخ من قبلها فلا مهر لها حينئذ بلا خلاف و لا إشكال نصا (1)

و فتوى إلا في العنن للدليل عليه بخصوصه، كما تعرفه.

و لو كان بعده كان لها المسمى الذي استقر بالوطء و بما استحل من فرجها بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل حكي بعضهم الإجماع عليه، فالفسخ لو سلم اقتضاؤه الرجوع إلى مهر المثل نحو الإقالة و الخيار في البيع مع تلف أحد العوضين يجب الخروج عنه بذلك كما عرفته في الزوج، و لعل تفصيل الشيخ في العيب بين المتجدد بعد الوطء و السابق يأتي هنا بناء على فسخها بالمتجدد، فيكون له المسمى به، و مهر المثل بالسابق، بل لعل إطلاق كلام الشيخ كذلك و إن حكي بعضهم الإجماع هنا غير مشير إلى خلافه.

و كذا لو كان الفسخ بالخصاء بعد الدخول ف انه لها أيضا المهر كملا إن حصل الوطء إذ هو مع اندراجه في الأدلة المزبورة دلت عليه المعتبرة المتقدمة (2)

خلافا للمحكي عن الصدوقين فالنصف، و لعله لما

عن الفقه


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب العيوب و التدليس.

ج 30، ص: 350

المنسوب إلى الرضا عليه السلام (1)

«و إن تزوجها خصي و قد دلس نفسه لها و هي لا تعلم فرق بينهما، و يوجع ظهره كما دلس نفسه، و عليه نصف الصداق، و لا عدة عليها منه»

و ربما جمع بينه و بين غيره بحمل ما عداه على صورة الدخول و حمله على ما قبل الدخول ل

لصحيح المروي عن قرب الاسناد(2)عن «خصي دلس نفسه لامرأة ما عليه؟ قال: يوجع ظهره، و يفرق بينهما، و عليه المهر كملا إن دخل بها، و إن لم يدخل بها فعليه نصف المهر».

و فيه- مع عدم ثبوت نسبة الكتاب المزبور إليه عليه السلام عندنا- أنه مخالف للقولين معا، إذ هما بين مثبت للنصف مطلقا و الجمع بالدخول، و من هنا كان المتجه مساواة الخصاء لغيره في الحكم الذي ذكرناه، و هو لا مهر مع عدم الدخول و الكل معه.

نعم ظاهر بعض و صريح آخر إلحاق الخلوة بالدخول في وجوب الكل، و هو بحث آخر يأتي في محله، اللهم إلا أن يقال: إنا و إن لم نقل بكون الخلوة كالدخول في ذلك مطلقا لكنها كذلك في المقام لظهور النص و الفتوى، و فيه منع، ضرورة ظهور لفظ «الدخول» في المتن و غيره في الوطء، بل كاد يكون صريح قرب الاسناد (3)

و به يقيد خبر سماعة (4)

كما أنه يعلم المراد من الدخول عليها في صحيح ابن مسكان (5)

المتقدمين آنفا، و احتمال العكس يدفعه رجحان الأول بانسياقه و غيره عليه، و الله العالم. و على كل حال فقد ظهر لك الكلام في جميع صور المسألة.

كما أنه ظهر لك أيضا عدم سقوط الخيار في الزوج و الزوجة بالدخول قبل العلم بالعيب السابق الذي لم أجد فيه خلافا، بل يمكن تحصيل الإجماع، للأصل


1- 1 المستدرك الباب- 12- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 13- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.

ج 30، ص: 351

و صحيح أبي عبيدة (1)

و خبري الحسن بن صالح (2)

و الكناني (3)

المتقدمة سابقا و غيرها، نعم

في الأخيرين منها «إن علم بها قبل أن يجامعها ثم جامعها فقد رضي بها»

و عليه حينئذ ينزل إطلاق ما دل (4)

على سقوط الخيار بالدخول، كما أن منه يعلم الحال في الزوجة بالنسبة إلى سقوط خيارها بعد العلم و الرضا بمواقعته، إذ الظاهر عدم الفرق بينهما في ذلك.

و كذا منها يستفاد عدم الخيار فيهما أيضا مع العلم بالعيب قبل العقد الذي لم أجد فيه خلافا بيننا أيضا، لذلك و للأصل، و اشتراطه بالتدليس في صحيح أبي عبيدة (5)

و صحيح ابن مسلم (6)

بل مورد أكثر النصوص الجاهل فما عن الشافعي- من ثبوته للعالم لإطلاق بعض النصوص المراد منه حال الجهل قطعا و لو بقرينة ما عرفت- واضح الفساد.

إنما الكلام في المراد من

قوله عليه السلام: «فقد رضي»

هل هو السقوط بذلك تعبدا بمعنى أن هذا الفعل يكون منه بحكم الرضا بالنسبة إلى اللزوم مطلقا أو ما لم يعلم منه عدم كون ذلك منه عن رضا بالفعل سقط الخيار أيضا أو أن السقوط به من حيث دلالته على الرضا، فلا يسقط الخيار مع فرض عدمها بقرينة و نحوها، بل له حينئذ التصريح ببقاء خيار العيب على مقتضاه مع العقد أو الوطء ما لم يناف الفورية لجهل بها و غيره، و ليس هو من اشتراط الخيار في النكاح، و على التقديرين الأولين فهل يقتصر في ذلك على الوطء أو يلحق به كل فعل يقع منه على مقتضي الزوجية، كاللمس و التقبيل و التفخيذ و نحو ذلك، وجهان: أقواهما الثاني، كما أنه الأقوى في الثلاثة السابقة فتأمل جيدا، فاني لم أجد ذلك محررا في كلامهم، و قد تقدم


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 14 و الباب- 3- منها الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 7.

ج 30، ص: 352

لنا في البيع عند البحث عن سقوط الخيار بالتصرف ما يشبه هذا الكلام، فلاحظ و تأمل.

و لو رضى ببرص مثلا ثم اتسع بعده في ذلك العضو ففي الخيار و عدمه وجهان أقواهما العدم، كما عن التحرير و الجامع، لأن الرضا بالشي ء رضا بما يتولد منه، و لأنه عيب واحد و قد حصل الرضا به، خلافا للفاضل في القواعد فله الخيار، لأنها عيب لم يحصل الرضا به، نعم لو حصل البرص في غير ذلك العضو اتجه ثبوت الخيار فيه، لظهور المغايرة حينئذ مع أن المحكي عن المبسوط التوقف منه، لأن اتفاق الجنس يوجب الرضا بفرد منه الرضا بغيره، أما مع اختلاف الجنس فلا إشكال في ثبوت الخيار، و الله العالم.

[المسألة السابعة العيب جلي أو خفي]

المسألة السابعة العيب جلي أو خفي، فالجلي قطع المنازعة فيه سهل، و أما الخفي فلا شك في وجوب البينة على مدعيه، كما أن على نافيه اليمين، بل يعتبر في الشاهدين مع العدالة العلم بذلك العيب، ككونهما طبيبين عارفين يقطعان بوجوده إن كان مما يمكن علم الغير به كالبرص و الجذام الخفيين، و إن كان لا يعلمه غالبا إلا صاحبه كالعنن لم تسمع البينة.

و لذا ذكر غير واحد من الأصحاب بل لم أجد فيه خلافا منهم أنه لا يثبت العنن إلا بإقرار الزوج أو البينة بإقراره أو اليمين المردودة أو نكوله بناء على القضاء به و إن لم يرد اليمين.

و حينئذ ف لو لم يكن ذلك و ادعت عننه فأنكر فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل السلامة أو لأنه يترك لو ترك، و لما تسمعه من الصحيح (1)


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.

ج 30، ص: 353

الاتي، و لا تسمع منها البينة على العنن نفسه، لكونه لا يعلم إلا من قبله، ضرورة كونه أعم من العجز عن وطء امرأة بخصوصها، بل أشكل في المسالك ثبوته باليمين المردودة بناء على أنها كالبينة بكونها حينئذ كالبينة منها، و الفرض عدم سماعها منه فكذا ما قام قيامها، و إنما تسمع البينة بإقراره و هي لم تدع إقراره بذلك كي ينزل يمينها المردودة منزلته، و انما ادعت العيب فينزل يمينها منزلة البينة عليه، و إن كان قد يدفع بأن المراد كونها بحكم البينة المسموعة في إثبات الحق، لا أن المراد بحكم البينة حينئذ في السماع و عدمه، نعم قد يشكل أصل الحكم بأن قبول يمينها يقتضي إمكان اطلاع الغير عليه لا من جهة الإقرار، فيتجه سماع البينة عليه.

اللهم إلا أن يفرق بين الزوجة و غيرها بإمكان اطلاعها عليه بدور الأيام و تكرر الأحوال و تعاضد القرائن بخلاف غيرها، و هو كما ترى، ضرورة إمكان تعاضد القرائن للغير أيضا خصوصا مع الاختبار مع ذلك بالعلامات المذكورة عند الأطباء، و وردت بها بعض النصوص (1)

.

بل قيل و القائل ابنا بابويه و ابن حمزة: إنه يقام في الماء البارد فان تقلص أي تشنج حكم بقوله، و إن بقي مسترخيا حكم لها بل عن الفقيه روايته (2) عن الصادق عليه السلام و فقه الرضا عليه السلام (3)

و ظاهرهم الحكم بها و إن لم تفد القطع بذلك و إن كان هذا القول ليس بشي ء عند المتأخرين، لعدم الوثوق بالانضباط، و عدم الوقوف على مستند صالح لإرسال الخبر، نعم هو قول الأطباء، و كلامهم يثمر الظن الغالب بالصحة إلا أنه ليس طريقا شرعيا، لكن الغرض أن هذه الأمارة المعروفة عند الأطباء و وردت بها الرواية إذا انضمت أيضا إلى ما

في المرسل (4) من «أنه يطعم السمك الطري ثلاثة أيام ثم يقال له: بل على


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4.
3- 3 المستدرك الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 15- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 5.

ج 30، ص: 354

الرماد، فان ثقب بوله الرماد فليس بعنين، و إن لم يثقب بوله الرماد فهو عنين»

بل ظاهر الفقيه العمل به أيضا لروايته له فيه، و إلى غير ذلك من القرائن، و الأمارات قد تفيد القطع كما استفادته الزوجة حتى قبل منها اليمين، مع أن العجز عنها لا يقتضي العنن، فدعوى إمكانه منها دون غيرها- على وجه ترد البينة العادلة لو شهدت به لعدم إمكان العلم لها فهي حينئذ مشتبهة في الظن بالقطع- كما ترى.

و لعله لذا قبل بعض العامة البينة عليه، و هو قوي جدا، بل هو الوجه فيما سمعته من الخبرين السابقين على معنى إمكان حصول القطع بما فيهما بعد فرض غيرهما من الأمارات، بل لعل ذلك مراد بني بابويه و حمزة، لا أن المراد الحكم بذلك و إن لم يحصل القطع منهما، فلا خلاف حينئذ في المسألة، و الله العالم.

و كيف كان ف لو ثبت العنن بإقراره و غيره و رفعت أمرها إلى الحاكم و أجله سنة على ما ستعرف ثم ادعى الوطء فالقول قوله أيضا مع يمينه على الأشهر، كدعوى عدم العنن أصلا، لأنه لا يعلم أيضا إلا من قبله، و يتعذر أو يتعسر إقامة البينة عليه فيقبل قوله، كدعوى الامرأة انقضاء العدة بالأقراء، و لعدم ثبوت العنن قبل مضى سنة التأجيل، و إنما الثابت قبلها العجز الذي يمكن معه العنة و عدمها، و لذا أجل سنة لتنظر أ يقدر على الوطء أم لا؟ فان قدر فلا عنة و إلا ثبت، فيرجع حينئذ دعواه إلى إنكارها، كالأول الذي قد عرفت عدم الخلاف و الاشكال في ثبوت قوله فيه، و استصحاب العجز الثابت سابقا لا يصلح لإثبات العنن بناء على اعتبار العجز سنة فيه، ضرورة عدم كون ذلك مما يثبت بالاستصحاب، بل هو بالنسبة إليه من الأصول المثبتة التي ليست بحجة، و لأنه- بموافقته لأصالة اللزوم، و يترك لو ترك- يكون منكرا، فيقبل قوله حينئذ بيمينه، و لإطلاق

صحيح أبي حمزة (1)

«سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إذا تزوج الرجل المرأة الثيب التي قد تزوجت غيره فزعمت أنه لم يقربها منذ دخل بها، فان القول في ذلك قول الرجل،


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.

ج 30، ص: 355

و عليه أن يحلف بأنه لقد جامعها، لأنها المدعية، قال: فان تزوجها و هي بكر فزعمت أنه لم يصل إليها، فإن مثل هذا يعرفه النساء، فلينظر إليها من يوثق به منهن، فإذا ذكرت أنها عذراء فعلي الامام أن يؤجله سنة، فان وصل إليها و إلا فرق بينهما، و أعطيت نصف المهر، و لا عدة عليها»

و في المحكي

عن فقه الرضا عليه السلام (1)

«و إذا ادعت أنه لا يجامعها عنينا أو غير عنين، فيقول الرجل:

إني قد جامعتها فعليه اليمين و عليها البينة، لأنها المدعية».

أما ما في المسالك- من إشكال الاستدلال بالصحيح بأن محل البحث ما إذا ثبت عننه و مورد الرواية دعواها عليه ذلك مع عدم ثبوت ذلك، و قبول قوله هنا واضح، كما مر في المسألة الأولى، لأنها المدعية و هو المنكر، لموافقة قوله أصل السلامة بخلاف موضع النزاع، لتحقق العيب، فهو فيه المدعى، لزوال ما كان قد ثبت- يدفعه ظهور الصحيح في أن مورد الخلاف بينهما في الوطء و عدمه الشامل بإطلاقه محل النزاع، و قد جعلها المدعية فيه مع موافقة قولها لأصالة عدم وطئها و مخالفة قوله لذلك، و ما هو إلا لأنها تريد بذلك إثبات التسلط على الفسخ الشامل للصورتين.

و لعله لذلك و غيره مما سمعته لم أجد أحدا قال بتقديم قولها عليه بيمينها. نعم قيل و القائل الصدوق في المقنع و الشيخ في الخلاف و جماعة:

إن ادعى الوطء قبلا و كانت بكرا نظر إليها النساء، و إن كانت ثيبا حشى قبلها خلوقا فان ظهر على العضو صدق بل عن الخلاف دعوى إجماع الفرقة و أخبارها عليه، و لعلها للصحيح (2)

المزبور في البكر و ل

خبر عبد الله بن الفضل (3) عن بعض مشيخته قالت امرأة لأبي عبد الله عليه السلام أو سأله رجل «عن رجل تدعى عليه امرأته أنه عنين و ينكر الرجل، قال: تحشوها القابلة بالخلوق و لم يعلم الرجل،


1- 1 المستدرك الباب- 14- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.

ج 30، ص: 356

و يدخل عليها الرجل، فان خرج و على ذكره الخلوق صدق و كذبت، و إلا صدقت و كذب»

وخبر غياث بن إبراهيم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ادعت امرأة على زوجها على عهد أمير المؤمنين عليه السلام أنه لا يجامعها، و ادعى أنه يجامعها، فأمرها أمير المؤمنين عليه السلام أن تستذفر بالزعفران ثم يغسل ذكره، فان خرج الماء أصفر صدقه، و إلا أمره بطلاقها»

لكنه كما ترى ليست في العنن بعد ثبوته، بل العبارة المحكية عن الخلاف كذلك أيضا، فينبغي أن يجعل قولا في المسألة السابقة، مضافا إلى القول بوضعه في الماء، اللهم إلا أن يقال بعد فرض اعتبار ذلك شرعا: لا فرق فيه بين الحالين، نعم ينبغي الاطمئنان بعدم احتيال الزوج في وضع الخلوق، كأن يكون غير عالم أو يشد يداه كما أومأ إليه في الخبر (2).

و ينبغي أن يكون محل ذلك النزاع في الوطء فعلا و عدمه، إلا أن المصنف و غيره أطلق تقديم قوله بيمينه في الصورتين على كل حال، من غير فرق بين البكر و الثيب، بل قال بعد حكايته القول المذكور و هو شاذ و لعله لما عرفت من أنه منكر بالتقرير الذي سمعته، و لفقد شرائط الحجية في الخبرين، و لأن عدم الوطء في القبل على تقدير ثبوت البكارة لا يستلزم العنن، لإمكان وطئه غيرها، و كذا الكلام في ذات الخلوق، و ثبوت كذبه فيما ادعاه لا يثبت العنن، و من هنا لم يأمرها عليه السلام بالفسخ عنه، بل أمره بطلاقها.

لكن قد يناقش بصحة الخبر المشتمل على الكبر، و دعوى الشيخ الإجماع على مضمون الخبرين السابقين، فلا يبعد القول بهما بعد ثبوت العنن و لو بإقراره و دعواه ارتفاعه بالسبب الخاص الذي يمكن تبين صدقه من كذبه فيه بالطريق المزبور فيختبر حينئذ و يحكم به.

بل قد يقال: بصحة الاختبار المزبور قبل ثبوت العنن أيضا في إثباته، ثم يحكم بالأجل له بناء على الاكتفاء فيه بالعجز عن خصوص المدعية، مع عدم العلم بإمكانه وطء غيرها، فمع فرض تبين كذبه في دعواه وطءها يضرب له الأجل


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.

ج 30، ص: 357

و يختبر فيها حينئذ بالطريق المزبور مع فرض دعواه عدم العنن بوطئها فعلا.

نعم لو ادعى أنه وطأ غيرها أو وطأها دبرا كان القول حينئذ قوله مع يمينه و يحكم له، كما أنه يحكم عليه إن نكل، و قيل: بل يرد اليمين عليها، و هو أي الحكم المردود في المسألة مبني على القضاء بالنكول أو باليمين من المدعي، و سيأتي إنشاء الله تحريره في كتاب القضاء، نعم قيل: إنه على تقدير توقف القضاء على اليمين برده أو مع نكوله إنما يتم لو كان النزاع في وطئها دبرا مثلا، لا مكان حلفها حينئذ، أما لو كانت وطأ غيرها لم يمكنها الحلف على عدمه مطلقا لأنه حلف على نفي فعل الغير على وجه لا ينحصر، و فيه أنه يمكن فرضها العلم بكذبه بحصر دعواه الوطء في وقت مخصوص مثلا و كان في ذلك الوقت حاضرا معها، أو بغير ذلك.

هذا و قد يقال أيضا بالاختبار بالطريق المزبور أيضا مع فرض إمكانه و كون الدعوى على وجه يتميز صدقها و كذبها به، و عدم ذكره نصا و فتوى لتعسر إمكانه غالبا في غير المدعية.

و بالجملة يكون المحصل من النصوص أجمع أنه إن أمكن معرفة صحة الدعوى و فسادها بطريق من الطرق على وجه يحصل العلم بذلك فعل، و إلا كان المرجع إلى قاعدة المدعى و المنكر، و أنها هي المدعية و هو المنكر كما عرفت، و الله العالم.

ج 30، ص: 358

[المسألة الثامنة إذا ثبت العنن فإن صبرت فلا كلام]
اشارة

المسألة الثامنة:

إذا ثبت العنن بأحد الوجوه السابقة فإن صبرت عالمة بالموضوع و الحكم راضية فلا كلام كما لا خلاف في عدم الخيار لها بعد ذلك إذا أرادته، بل لعل الإجماع بقسميه عليه، و لأنه حق متحد يسقط بالإسقاط، و ل

لمرسل في الفقيه (1)

«متى أقامت المرأة مع زوجها بعد ما علمت أنه عنين و رضيت به لم يكن لها خيار بعد الرضا»

و بذلك افترقت عن المطالبة في الإيلاء التي لا تسقط بالإسقاط، لتجدد الحق في كل وقت، بل الظاهر سقوط هذا الخيار بالإسقاط و لو في أثناء السنة لعدم الفرق بين ما قبلها و بعدها و أثنائها، بل لو لم تعلم بعننه فأسقطت خيارها على تقدير عننه فالظاهر السقوط على نحو إسقاط خيار العيب في البيع قبل العلم بثبوته بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، نعم عن العامة وجه بعدم اللزوم في الاختيار في الأثناء بناء على أن لا خيار لها إلا بعد الأجل، فلا عبرة باختيارها المقام كما لا عبرة بفسخها، و ضعفه ظاهر.

إنما الكلام في اقتضاء نفس الصبر عن المرافعة ذلك، كما هو الظاهر من الشيخ و جماعة، بل صرح بعضهم بفورية المرافعة كفورية الفسخ، إلا أنه مع وجوب تقييده بعدم العذر لها في ذلك لجهل و نحوه قد يناقش بأعمية الصبر من ذلك، خصوصا مع التصريح منها بعدم كون ذلك عن رضا به، و بعدم الدليل على وجوب الفور في المرافعة على وجه يقتضي سقوط خيارها بعد ذلك، حتى لو صرحت بعدم كون ذلك عن رضا منها، خصوصا مع وضوح الفرق بينها و بين الخيار بأن مشروعيته على الفور على وجه لو تواطئها على التراخي لم يكن لهما بخلاف المرافعة، اللهم إلا أن تدفع بمنافاة التراخي في المرافعة لفورية الخيار و للأمر بالتربص سنة الذي


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 10.

ج 30، ص: 359

قد يجمع بينه و بين الخبر الآخر (1)

المصرح فيه بكون المبدء يوم المرافعة بأن المراد سنة من حين العنن بأمر الحاكم، و ذلك لا يكون إلا مع الفور برفع الحال إليه و إلا تأخر الخيار عن زمانه.

و كيف كان ف ان لم تصبر بل رفعت أمرها إلى الحاكم أجلها سنة من حين المرافعة، فإن واقعها أو واقع غيرها فلا خيار لعدم العنن حينئذ بناء على ما عرفته سابقا في بيان موضوعه، خلافا للمفيد فاكتفى بالعجز عنها، و قد عرفت ضعفه فيما تقدم، و إلا كان لها الفسخ من غير فرق بين العنن السابق على العقد و الحادث بعده، بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن جماعة الإجماع عليه، و هو الحجة مضافا إلى صحيح أبي حمزة (2)

السابق، و

صحيح محمد بن مسلم (3)عن أبى جعفر عليه السلام «العنين يتربص به سنة ثم إن شاءت امرأته تزوجت و إن شاءت أقامت»

وخبر البختري (4) عنه أيضا عن أبيه عليهما السلام: «إن عليا عليه السلام كان يقول:

يؤخر العنين سنة من يوم مرافعة امرأته، فإن خلص إليها و إلا فرق بينهما، فإن رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الخيار بعد ذلك فقد سقط الخيار و لا خيار لها»

و خبر الكناني (5) قال: «إذا تزوج الرجل المرأة و هو لا يقدر على النساء أجل سنة حتى يعالج نفسه»

إلى غير ذلك من النصوص المؤيدة بالاعتبار، لأن العجز قد يكون لحر فيتربص به إلى الشتاء، أو برد فيتربص به إلى الضيف، أو رطوبة فيتربص به إلى الخريف، أو يبوسة فيتربص به إلى الربيع، فما عن أبى على من قصر التأجيل على الحادث بعد العقد دون السابق، فيجوز لها الفسخ فيه في الحال، ل

قول الصادق عليه السلام في خبر غياث (6)

«إذا علم أنه عنين لا يأتي النساء فرق بينهما»

و خبر أبى الصباح (7)

«سألته عن امرأة ابتلى زوجها فلا يقدر على الجماع أبدا أ تفارقه؟


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 9- 12.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 9.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 7.
6- 6 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
7- 7 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6.

ج 30، ص: 360

قال: إن شاءت»

و هما مع الضعف مطلقان لا بد من حملهما على التفصيل في الأخبار الأول، بل في المختلف «إن العلم بعننه إنما يحصل بالتأجيل سنة».

هذا و من المعلوم سقوط حكم العنة بتغيب الحشفة في الفرج بحيث يشتمل عليها شفراها اتفاقا، فإنه أقل وطء معتبر شرعا مستوجب لسائر أحكامه، نعم لو لم يشتمل عليها الشفران بأن انقلبا ففي الاعتبار وجهان للشافعية: أظهر هما الاعتبار لحصول التقاء الختانين، فان المشهور في معناه التحاذي، و لتحقق الإيلاج الذي لا يقدر عليه العنين، و كون الشفرين بمنزلة ما يلف على الذكر من خرقة و نحوها.

و لو كان مقطوع الحشفة فالظاهر اعتبار قدرها، و ربما احتمل اعتبار دخول المجموع لأنه مع وجود الحشفة يكون للوطء المعتبر حد يرجع إليه، و لا كذلك مع القطع، فلا يقطع بحصول المعتبر منه إلا بتغيب الجميع، و عن التحرير التردد.

و على كل حال فلها أيضا بعد الفسخ نصف المهر بلا خلاف معتد به أيضا، بل لصحيح أبي حمزة (1)

السابق المعتضد بالعمل و بما عن فقه الرضا عليه السلام (2)

الذي يجب به الخروج عن مقتضى قاعدة الفسخ، خلافا لأبي على أيضا، فالجميع إذا خلا بها و إن لم يدخل، بناء منه على إلحاق الخلوة بالدخول بالنسبة إلى قرار المهر، و ستسمع الكلام فيه في محله إنشاء الله بل لو سلم كان المتجه هنا القول بالنصف، للصحيح المزبور المعتضد بما عرفت الذي لا يعارضه

المروي عن قرب الاسناد (3)

«عن عنين دلس نفسه لامرأة ما حاله؟ قال: عليه المهر، و يفرق بينهما إذا علم أنه لا يأتي النساء»

بعد قصور سنده و الاعراض عنه، مع أنه خال عن التقييد بالخلوة.


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
2- 2 المستدرك الباب- 13- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 13.

ج 30، ص: 361

[تتمة يثبت غير العنن من العيوب بإقرار صاحبه]

تتمة:

يثبت غير العنن من العيوب بإقرار صاحبه، و اليمين المردودة، و النكول على قول، و شهادة عدلين، و في العيوب الباطنة للنساء بشهادة أربع من النساء عادلات، لصحيح داود بن سرحان (1)

السابق و غيره.

و لو كان لكل من الرجال و الامرأة عيب موجب للخيار يثبت لكل منهما، لإطلاق الأدلة، حتى في الرتق الممتنع إزالته مع الجب، و إن كان لا يخلو من إشكال باعتبار ظهور النص في أن العلة في ذلك تضرر أحدهما بعدم التمكن من الوطء، و هنا لا ضرر لاشتراكهما.

و لو طلق قبل الدخول ثم علم بالعيب لم يسقط عنه ما وجب بالطلاق: و لا فسخ له هنا لعدم الزوجية، بل و كذا بعده حتى في الرجعية، لذلك أيضا مع احتماله فيها، لبقاء العلقة، فيفيد حينئذ تعجيل البينونة، و حل الخامسة، و الأخت، و انقطاع الإرث، و نفقة العدة، و ليس له الرجعة ثم الفسخ بالعيب، لكونها بعد العلم به رضا به، نعم لو لم يعلم إلا بعد الرجعة كان له الفسخ بلا إشكال.

و هل يثبت للأولياء الخيار إذا ظهر لهم العيب؟ الوجه ذلك، كما في القواعد مع مصلحة المولى عليه، زوجا كان أو زوجة، للعموم المقتصر على خروج الطلاق منه نصا و إجماعا، و حينئذ فإذا اختار الإمضاء لم يكن للمولى عليه بعد كما له فسخ، لكن في القواعد لم يسقط خياره، و كأنه مناف لإثباته للولي، نعم قد يحتمل عدم الخيار للولي كما سمعته سابقا في نظائر المقام، لأنه منوط بالشهرة، فهو كالطلاق، بل لعله المشهور في غير المقام، لكن سمعت المناقشة فيه هنا، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.

ج 30، ص: 362

[المقصد الثالث في التدليس]
اشارة

المقصد الثالث في التدليس: و هو تفعيل من المدالسة بمعنى المخادعة، و الدلس محركا الظلمة، فكأن المدلس لما دلس و خدع أظلم الأمر على المخدوع، ذكروه في كتاب البيع، و أثبتوا به الخيار إن فعل ما يظهر به ضد الواقع، كتحمير وجه الجارية و وصل الشعر، و التصرية للشاة و نحو ذلك، و لعل ذلك هو المنساق منه، إلا أن الذي يظهر من نصوص (1)

المقام بل هو صريح جماعة من الأصحاب تحققه هنا بالسكوت عن العيب مع العلم به، فضلا عن الإخبار بضده: من السلامة و بوصف الحرية و نحوها و اشتراط البكارة على حسب ما ستعرفه، و كأنه المنشأ في ذلك أدلة المقام.

و منه يعلم ما فيه من الاشكال به في القواعد، قال فيها: «و يتحقق بإخبار الزوجة أو وليها أو ولي الزوج أو السفير بينهما على إشكال بالصحة أو الكمالية عقيب الاستعلام أو بدونه، و هل يتحقق لو زوجت نفسها أو زوجها الولي مطلقا؟ إشكال، و لا يتحقق بالاخبار لا للتزويج أو له لغير الزوج» بل في كشف اللثام بعد أن ذكر وجه الاشكال من عدم الاخبار، و من انصراف الإطلاق إلى السالم الكامل، و إطلاق

قوله عليه السلام في خبر رفاعة (2)

«و إن المهر على الذي زوجها، و انما صار عليه المهر لأنه دلسها»

قال: «و هو عندي ضعيف مخالف للأصول، خصوصا في الكمال، و لا سيما بالنسب و نحوه، و لو فرق بين ما يعلم عادة عدم الرغبة في النكاح معه من عيب أو نقص مطلقا أو بالنظر إلى حال الزوج و خلافه كان حسنا، و مثله الكلام لو زوج نفسه أو زوجه الولي مطلقا».


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6 و 14 و الباب- 2- منها الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.

ج 30، ص: 363

قلت: لا إشكال في عدم التدليس بالسكوت عن صفة الكمال، كما لا إشكال في تحقق حكمه بالسكوت عن العيب من العالم به، هي أو وليها، و ليس الدليل منحصرا في خبر رفاعة الذي وصفه بالضعف و المخالفة للأصول.

بل يشعر به

صحيح الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام «في الرجل الذي يتزوج إلى قوم فإذا امرأته عوراء و لم يبينوا له، قال: لا ترد إنما يرد النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العفل، قلت: أ رأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟

قال: لها المهر بما استحل من فرجها، و يغرم وليها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها»

ضرورة ظهورهما في تحقق التدليس الذي يرجع به على الولي بعدم بيان مثل هذه العيوب، و نحوه صحيح محمد بن مسلم (2) عن الباقر عليه السلام.

و إطلاق

مرسل ابن بكير (3)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة بها الجنون و البرص و شبه ذلك، قال: هو ضامن للمهر».

و ما يشعر به

صحيح الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل ولته امرأة أمرها أو ذات قرابة أو جارة له لا يعرف دخيلة أمرها فوجدها قد دلست عيبا هو بها، قال: يؤخذ المهر منها، و لا يكون على الذي زوجها شي ء».

و خبر محمد بن مسلم (5) عن أبي جعفر عليه السلام إنه قال: «في كتاب علي عليه السلام من زوج امرأة فيها عيب دلسه و لم يبين ذلك لزوجها فإنه يكون لها الصداق بما استحل من فرجها، و يكون الذي ساق الرجل إليها على الذي زوجها و لم يبين»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك، ك صحيح الحذاء (6)

و صحيح داود بن سرحان (7)


1- 1 ذكر صدره في الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6 و ذيله في الباب- 2- منها الحديث 5.
2- 2 أشار إليه في الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6 و في الباب- 2- منها الحديث 5 و ذكره في الفقيه ج 3 ص 273 الرقم 1297.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 4 «. أو جار لها.»
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 7.
6- 6 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
7- 7 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 6.

ج 30، ص: 364

و خبر غياث بن إبراهيم (1)

و غيرها.

بل هو أيضا ظاهر المحكي عن مبسوط الشيخ و ابن الجنيد، و صريح المحكي عن التحرير، بل صرح به أيضا ثاني الشهيدين و المحققين، بل في موضع من جامع المقاصد أنه المفهوم من كلام الفقهاء و النصوص عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين، فلا إشكال حينئذ في تحققه في ذلك هنا.

كما لا إشكال في اعتبار الاشتراط أو الوصف بالنسبة إلى صفات الكمال، كما تسمع ما ورد فيها من النصوص (2)

.

و أما إشكاله في السفير ففي جامع المقاصد «إن أراد به المتولي للعقد بين الزوجين لم يكن للإشكال فيه وجه، لأن النص و كلام الأصحاب صريحان في أن العاقد على ذات العيب يغرم مهرها إلا إذا لم يكن عالما بحالها، فالغرم عليها، و إن أراد به الرسول بينهما و المتولي للعقد غيره فالغرم على العاقد لا عليه، نعم يجي ء الإشكال فيما إذا كان العاقد بعيدا عن العلم بأحوال الزوجة و الواسطة عالما بحالها، لأنه حينئذ غار يتغرم و ظاهر النص ينفي الغرم عنه لتعليقه بالمنكح، و مثله ما لو أخبر السفير الولي بأنه أعلم الزوج بالعيب مثلا و كان كاذبا، فإن الإشكال في تغريمه من حيث إنه غار، و من حيث إن الولي مفرط في الركون إلى خبره، هذا حكم العيب، و أما حكم النقص فان الغرم على وصف المرأة بالحرية فظهرت أمة، و على من شرط البكارة فظهر ضدها، و لا تفاوت بين كونه وليا و أجنبيا».

و لا يخفى عليك ما في كلامه من التشويش الذي لم يرجع إلى محصل، و الذي يظهر من نصوص (3)

المقام أن المدلس الذي يرجع عليه بالمهر هو المتولي شرعا لأمر الامرأة، أو عرفا و لو بتوليتها هي أمرها إذا كان عالما بعيبها عارفا بدخيلة أمرها، و لا مدخلية للأجنبي المباشر للفظ العقد، و الإنكاح الموجود في


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 14.
2- 2 الوسائل الباب- 8 و 10- من أبواب العيوب و التدليس.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس.

ج 30، ص: 365

النص (1) لا يراد منه مباشرة العقد، بل المراد منه من يسند اليه التزويج على وجه إسناده إلى الأولياء العرفيين الذي يكون العقد عليها حد ما وقع بأمرهم من مقدمات النكاح، و هو الذي يراد منه الاعلام بالأمر و إظهار الحال للزوج، كما أنه هو الذي يسند اليه التفريط بترك الاخبار، بل الظاهر اختصاصه بالغرامة و إن كان قد شاركته الامرأة بعد إعلام الزوج إلا أنه حيث كان المتولي الذي يراد منه الاخبار بنحو ذلك اختص بالغرامة دونها، بل ربما كان القول قولها بيمينها لو أنكر العلم بالعيب الظاهر فيها الذي يبعد خفاؤه على مثله، كما صرح به في جامع المقاصد في مقام آخر بعد أن ذكر ما لا يخلو من تشويش أيضا فيما يصير الشخص مدلسا، قال:

«و يناسب الحال أن يراد بالولي هنا المتولي لأمرها و إن كان وكيلا بحيث يكون تزويجها مستندا اليه، سواء باشر العقد أم لا، و الأخبار لا تدل على أمر غير ذلك، و الدليل لا ينهض إلا عليه، لأن التدليس منوط بالباعثية» و كأنه أراد ما ذكرنا، إلا أنه ينبغي أن يعلم أن ذلك من خواص المقام، ضرورة عدم جريان مثله في التدليس بالبيع.

كما أنه ينبغي أن يعلم أنه قد ظهر لك مما ذكرنا مجامعة العيب للتدليس و انفراد كل منهما عن الأخر، فقد يكون عيبا من غير تدليس كما لو كان خفيا على الزوجة و وليها، و ما في جامع المقاصد من التوقف في ذلك في غير محله، و تدليس من غير عيب، كمسائل هذا الفصل المشتملة على فقد صفات الكمال، و تدليس و عيب، كما لو دلس بالعيب، و هو الذي تقدم في الفصل السابق، إلا أنه لا حكم له زائدا على خيار العيب إلا في الرجوع بالمهر الذي قد عرفت الكلام فيه، و أما احتمال إثبات الخيار من جهته فهو واضح الفساد، ضرورة ظهور النص و الفتوى في اتحاد جهة الخيار بالتدليس بالعيب الذي قد عرفت أنه يتحقق بمجرد السكوت عن الإخبار بالعيب مع العلم به الذي لا يصح فيه إسقاط الخيار من جهة العيب


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 5.

ج 30، ص: 366

و بقاؤه من جهة الكتمان، بل النصوص صريحة في فساده، كما هو واضح.

[مسائل]
[المسألة الأولى إذا تزوج امرأة على أنها حرة فبانت أمة كان له الفسخ]

و كيف كان ف فيه أى هذا المقصد مسائل:

[المسألة الأولى إذا تزوج امرأة على أنها حرة فبانت أمة كان له الفسخ]

الأولى إذا تزوج الحر أو العبد امرأة معينة على شرط أنها حرة فبانت أمة كلا أو بعضا صح العقد مع إذن السيد أو إجازته و كون العاقد ممن يجوز له نكاح الأمة، لا طلاق الأدلة، و الإجماع المحكي عن السرائر، نعم كان له الفسخ و لو دخل قيل: لأن فائدة الشرط قلب العقد اللازم جائزا، بل لا يسقط الخيار الحاصل منه بالتصرف كما عرفته في محله.

و فيه أن الأولى الاستدلال بظاهر النص (1)

و الفتوى بتحقق الخيار بالتدليس بنحو ذلك، لا للشرط المزبور، و إلا لكان مقتضاه ثبوت الخيار بتعذر كل شرط في عقد النكاح، أو بالامتناع من الوفاء به على نحو ما سمعته في البيع، و احتمال الالتزام بذلك ينافيه اقتصارهم في خيار النكاح على العيوب المخصوصة، و التدليس بالأمور المذكورة، بل تصريحهم بعدم قبول النكاح لاشتراط الخيار.

و على كل حال فما قيل و القائل الشيخ في المحكي من مبسوطة و خلافه العقد باطل لقاعدة لزوم الوفاء بالشرط المتعذر هنا، بل هو مشخص للمعقود عليها، فمع انتفائه يكون الواقع غير مقصود و المقصود غير واقع- كما ترى، إذ فيه أن لزوم الوفاء به لا يقتضي بطلان العقد بتعذره، خصوصا مع كونه حقا للمشروط له، فله إسقاطه و رفع اليد عنه، و تشخيصه للعقد لا يزيد على تشخيص الوصف الذي قد عرفت في محله تسلط الخيار لانتفائه، لا فساد العقد.

و (11) حينئذ فلا ريب في أن الأول أظهر (12) منه، بل هو واضح الضعف، بل لو لم يكن ذلك باذن المولى كان صحيحا أيضا موقوفا على الإجازة، لما عرفته


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب العيوب و التدليس.

ج 30، ص: 367

في محله، نعم لو لم يكن العاقد ممن يجوز له نكاح الأمة كان فاسدا، اللهم إلا أن يريد الشيخ ذلك أو الأول مع التجوز في البطلان أو أن مذهبه ذلك في نكاح الأمة من دون إذن سيدها، لما تقدم في محله، و خصوص

خبر الوليد بن صبيح (1) عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها، قال:

إن كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد، قلت: كيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال: إن وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه، و إن لم يجد شيئا فلا شي ء له عليها، و إن كان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه، و لمواليها عليه عشر قيمتها إن كانت بكرا، و إن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها، قال: و تعتد منه عدة الأمة، قلت: فان جاءت منه بولد، قال: أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن الموالي»

لكن الظاهر إرادته الفساد مع عدم إجازة الموالي، و لا ريب في الفساد حينئذ، و هو واضح كوضوح الحال في لزوم العقد على الصحة مع رضا السيد و الزوج بعد العلم بالحال.

و أنه لا مهر لها مع الفسخ قبل الدخول لهما تقدم من أن مقتضاه رد كل عوض إلى صاحبه، بل و لا في أن لها المهر تماما بعده لما تقدم من قراره بالدخول، و قد فرض كون العقد صحيحا، و مقتضى صحته لزوم ما تضمنه من المسمى، و لا يعارضه أن مقتضى الفسخ رجوع المسمى إلى مالكه و غرامة مهر المثل عوض ما استوفاه من منفعة البضع، لما عرفت من أن الفسخ و إن اقتضى ذلك لكن في خصوص المقام و نظائره لا يقتضي سوى فسخ العقد و رد البضع إلى أهله، للأدلة الدالة على قرار المهر بالدخول و إن فسخ بعده، كما عرفته فيما سبق و تعرفه فيما يأتي، فما عن ابن الجنيد هنا أيضا من وجوب مهر المثل واضح الضعف، كما عرفته فيما تقدم.

و كذا ما قيل عن المقنع و النهاية و غيرهما لمولاها العشر إن كانت بكرا أو نصف العشر إن كانت ثيبا و يبطل المسمى لصحيح الوليد (2)

الذي هو


1- 1 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 368

و إن كان معتبر السند، و قابلا لتخصيص ما دل (1)

على خلافه، و موافقا لقاعدة الفسخ في الجملة و لما دل (2)

على عدم خلو البضع عن مهر إلا أنه- لإعراض المعظم و احتمال وجوب العشر و نصفه في صورة الفساد و إن رجع هو به على المدلس إن كان، بل لعله الظاهر منه عند التأمل فهو حينئذ خارج عما نحن فيه، و غير ذلك- كان قاصرا عن معارضة ما دل (3)

على وجوب المسمى مع صحة العقد من وجوه و من هنا كان الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، كما عرفت تفصيل الكلام فيه، بل و في أن لها المسمى أو مهر المثل أو العشر و نصف العشر في النكاح الفاسد، بل و في أن وطء الشبهة أيضا يوجب مهر المثل أو المقدر، و في أنه يغرم أرش البكارة مع ذلك أيضا أولا و في استحقاقها العوض مع علمها بالتحريم، و غير ذلك مما تقدم في المباحث السابقة، فلا حظ و تأمل، و الله العالم.

و على كل حال يرجع بما اغترمه من مهر بل و قيمة ولد و نفقة على المدلس إن كان النكاح فاسدا قطعا، بلا خلاف معتد به أجده فيه، لقاعدة الغرور، و النصوص (4)

السابقة في التدليس بالعيب، و صحيح الوليد (5)


1- 1 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور.
2- 2 لم نعثر على ما يكون صريحا في عدم خلو البضع عن المهر، و الظاهر أنه استفيد من الروايات التي دلت على أنه يجب على الرجل كذا بما استحل من فرجها و هي كثيرة منها ما رواه في الوسائل في الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6 و الباب- 67- من نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و الباب- 3- من العيوب و التدليس الحديث 3 و الباب- 6- منها الحديث 1 و الباب- 2- منها الحديث 2. نعم ورد «لا يصلح نكاح الا بمهر» في روايات عديدة ذكرها في الوسائل في الباب- 2- من أبواب عقد النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس.
5- 5 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 369

المتقدم آنفا و

خبر إسماعيل بن جابر (1)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته، فسأل عنها، فقيل: هي ابنة فلان فأتى أباها، فقال: زوجني ابنتك، فزوجه غيرها، فولدت منه، فعلم بعد أنها غير ابنته، و أنها أمة، قال:

ترد الوليدة على مواليها، و الولد للرجل، و على الذي زوجه قيمة الولد، يعطيه موالي الوليدة كما غر الرجل و خدعه»

و في خبره الآخر (2) عنه عليه السلام أيضا قلت:

«جاء رجل إلى قوم فخطب إليهم أن يزوجوه من أنفسهم فزوجوه و هو يرى أنها من أنفسهم فعرف بعد ما أولدها أنها أمة، قال: الولد له، و هم ضامنون لقيمة الولد لمولى الجارية»

إلى غير ذلك مما هو معتضد بعدم الخلاف فيه و عدم الاشكال.

نعم لو كان مولاها دلسها قيل و القائل الشيخ و الجماعة كما في المسالك:

يصح العقد و لا خيار فيه، لأنها تكون حرة بظاهر إقراره أو إنشائه لو كان قد قال: «هي حرة» أو «هذه حرة» أو نحو ذلك مما يقتضي الحكم بحريتها إقرارا أو إنشاء قبل حصول العقد عليها، فمع فرض رضاها بالنكاح سابقا أو لاحقا يصح العقد على جهة اللزوم و يكون المهر لها.

نعم لو لم يكن تلفظ بما يقتضي العتق لا إقرارا و لا إنشاء لم تعتق بل هي باقية على الرق، خلافا لما عن ظاهر المبسوط و لم يكن لها مهر لأن الفرض تدليس المولى إياها، و المهر راجع إليه، بل لو كان قد دفع إليها شيئا من المهر باذنه و أتلفته يرجع به عليه، للغرور أيضا، بل في القواعد احتمال الرجوع عليه و إن لم يأذن، و الرجوع به في كسبها و التبعية به بعد العتق، و هو و إن كان جيدا، بل وافقه عليه جماعة من المتأخرين و متأخريهم، لكنه خروج عن موضوع المسألة الذي هو تدليسها حرة ثم ظهر بعد ذلك أنها أمة و لو للعلم بكذب إقراره، و لعله لذا نسبه المصنف إلى القيل مشعرا بتمريضه، نعم قيل:

ينبغي استثناء أقل ما يتمول أو مقدار مهر المثل في صورة الرجوع بالمهر لئلا


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 7.

ج 30، ص: 370

يخلو البضع عن المهر، و فيه ما عرفته سابقا من منافاته لدليل الرجوع الظاهر أو الصريح في المسمى جميعه الموافق لفتوى المعظم، اللهم إلا أن يقال في خصوص المقام باستثناء العشر أو نصفه منه، لصحيح الوليد (1)

السابق، و يمكن تنزيل ما سمعته من المقنع و النهاية على هذه الصورة خاصة، و إن كان فيه ما عرفته أيضا.

و لو تحررت بعد النكاح فعلم الزوج في حال حريتها أنها كانت أمة مدلسة قبل النكاح فالظاهر ثبوت الخيار، خلافا لمحتمل القواعد في نظير المسألة من عدم الخيار، لارتفاع الضرر، و أصالة اللزوم، و نحو ذلك مما لا يعارض إطلاق دليل الخيار، و الله العالم.

و لو دلست هي نفسها كان عوض البضع لمولاها و هو المسمى في العقد مع إجازته على الأصح و مهر المثل أو العشر و نصفه إن لم يجز و لكن رجع الزوج به عليها إذا أعتقت لقاعدة الغرور و لو كان دفع إليها المهر استعاد ما وجد منه و دفعه بعينه إلى المولى إذا كان العقد واقعا عليه و إلا إن شاء دفعه أو غيره من الأفراد و أما ما تلف منه ف يتبعها به عند حريتها للقاعدة السابقة.

و لا فرق في هذه الأحكام بين الحر و العبد، لإطلاق الدليل، نعم حكم الرجوع و نحوه لسيده، بل و الخيار بناء على اختصاص الطلاق في كونه بيد العبد دون غيره كما تقدم الكلام فيه سابقا، نعم لو أعتق. قبل الفسخ فالأقرب أن الرجوع به للعبد، لأنه حينئذ من كسبه و هو حر، و ربما احتمل كونه للمولى، لأنه عوض ما دفعه عن عبده الذي لم يدخل في ملكه، بل خروجه عن ملك المولى كان متزلزلا، و فيه منع.

ثم إن كان الغار هو الوكيل لها أوله رجع بالجميع و إن كانت هي فكذلك و لكن يتبعها به بعد العتق، و لا يرجع على سيدها الذي قد استحق غير المهر


1- 1 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 30، ص: 371

بالوطء، و لو حصل الغرور بينهما رجع بنصفه على الوكيل حالا و نصفه عليها بعد العتق.

و لو أولدها ففي القواعد «كان الولد رقا لمولاه إن كان المدلس سيدها و أذن لها في التزويج مطلقا أو في التزويج به بخصوصه أو بأي عبد كان» و فيه نظر مع فرض المسألة على وجه يثبت الخيار المتوقف على حصول الاذن منهما المستلزم شركة الولد بينهما، لكونه نماء ملكيهما، و تدليس السيد بالحرية لا ينافي ذلك، و فرض المسألة إذن مولى الجارية دون العبد حتى يكون الولد لمولى العبد ينافي الحكم بالخيار، و هذا كله مع الشرط في متن العقد.

أما إذا تزوجها على أنها حرة بالاخبار بذلك قبل العقد من الولي أو الجارية أو أجنبي من دون اشتراط لفظا ففي المسالك و غيرها و عن المبسوط عدم الخيار، للأصل المستفاد من عموم «أَوْفُوا» (1)و غيره، بل صريح بعضهم ذلك حتى مع اشتراط ذلك قبل العقد، تمسكا بما دل على عدم العبرة بالشرائط السابقة قبل العقد من النصوص السابقة، لكن قد عرفت ما فيه في محله، مضافا إلى ظهور الأدلة هنا التي منها صحيح الوليد (2)

و خبر إسماعيل بن جابر (3)

المتقدمة في تحقق التدليس بالأعم من ذلك و من الاخبار بالحرية قبل العقد على وجه يكون الباعث له على تزويجها ذلك، بل هو قائم في نفسه قيام الداعي و إن لم يشترطه في العقد و لا قبله، بل لعل العرف أيضا كذلك.

نعم قد يتوقف في تحققه بالسكوت منها أو ممن يتولى نكاحها مع العلم، كما عرفته فيما تقدم، مع إمكان القول بكونه تدليسا أيضا إذا فرض علم الساكت بقدوم الزوج على الحرية و إن استفادها من الأصل و نحوه، و من هنا أطلق المصنف و غيره، بل لعله المشهور في موضوع المسألة من غير اعتبار للاشتراط.

ثم إنه قد ظهر لك مما ذكرنا أنه لا فرق في ثبوت هذه الأحكام بين ظهورها


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.
2- 2 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.

ج 30، ص: 372

أجمع أمة أو بعضها، فيثبت الخيار حينئذ بالتدليس برقية بعضها للتنقيح، و لأن السبب في الخيار التدليس بهذا الوصف و نحوه من غير فرق بين الجميع و البعض، كما هو ظاهر النصوص، لكن في القواعد «إنما يرجع على المدلس بنصيب الرقية، لأن التدليس إنما وقع بالنسبة إلى ذلك البعض، بخلاف الأخر الذي صدق بالإخبار بحريته».

قلت: قد يحتمل قويا الرجوع بالكل إلا ما استثنى من أقل المهر أو مهر المثل إن رجع عليها، لأنه لم يسلم له ما يريده من النكاح، و على الأول فإن كانت هي المدلسة و كان نصفها مثلا رقا أغرم للمولى نصف المهر، و رجع عليها بنصف ما غرمه معجلا، و تبعها بالباقي بعد العتق، و لو كان المولى المدلس لم يكن له شي ء من المهر، بل لو دفعه إليها بإذنه فتلف كان الرجوع عليه بنصفه، بل قد سمعت احتمال الرجوع عليه بذلك و إن لم يأذن، لكونه غارا، فهو سبب في الإتلاف أقوى من المباشر، و لو كان أجنبيا رجع عليه بما غرمه للمولى من نصف المهر، بل يرجع عليه بذلك و بما دفعه لها باذنه فأتلفته، بل و إن لم يأذن بناء على احتمال الرجوع به على السيد كذلك.

[المسألة الثانية إذا تزوجت المرأة برجل على أنه حر فبان مملوكا كان لها الفسخ قبل الدخول و بعده]

المسألة الثانية عكس المسألة السابقة، و هي ما إذا تزوجت المرأة برجل على أنه حر فبان مملوكا مأذونا كان لها الفسخ قبل الدخول و بعده، و لا مهر لها مع الفسخ قبل الدخول لأنه من قبلها، و لاقتضاء الفسخ ذلك كما عرفته سابقا، نعم لها المهر المسمى بعده لما عرفته أيضا فيما تقدم، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل و لا إشكال، لما تقدم و ل

صحيح محمد بن مسلم (1)

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة حرة تزوجت مملوكا على أنه حر، فعلمت بعد أنه مملوك، قال: هي أملك بنفسها إن شاءت أقامت معه و إن شاءت فلا، فان كان دخل بها فلها


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.

ج 30، ص: 373

الصداق، و إن لم يكن دخل بها فليس لها شي ء»

و ظاهر قوله عليه السلام: «الصداق» أنه المسمى كما حققناه سابقا، لا مهر المثل، كما أن ظاهره كون العبد مأذونا و إلا لم يكن الخيار بيدها مع عدم إجازة السيد، و لكن لها المهر على العبد تتبعه به بعد العتق، بخلاف ما إذا كان مأذونا، فإن المهر يرجع به على السيد، لما تقدم سابقا من أن مهر العبد المأذون على السيد، و كذا ظاهر الصحيح المزبور عدم الفرق بين شرطية الحرية في متن العقد و عدمها بعد صدق التدليس و الغرور و الخديعة، كما سمعته في السابق، بل لا يخفى عليك إجراء جميع ما ذكرناه من الأحكام في المسألة السابقة حتى حكم ظهوره مبعضا و حكم ما لو كانت الامرأة أمة و إن كان الخيار حينئذ بيد المولى قطعا، نعم في القواعد هنا «لو ظهر الزوج معتقا فلا خيار» و فيه ما عرفت بناء على كون المراد عدم الخيار لو ظهر كون حريته بعتقه بعد كونه زوجا، أما لو كان المراد أنه حين النكاح معتقا لا حرا بالأصل فوجه عدم الخيار حينئذ ظاهر، ضرورة صدق الحرية، و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا عقد على بنت رجل على أنها بنت مهيرة فكانت بنت أمة كان له الفسخ]

المسألة الثالثة قيل في محكي المقنعة و النهاية و المهذب و السرائر و الوسيلة بل نسب إلى أكثر المتقدمين إذا عقد على بنت رجل على أنها بنت مهيرة أي حرة فكانت بنت أمة كان له الفسخ للتدليس في الصفة المستفاد تسبيبه الخيار من فحاوي النصوص السابقة و التعليل في بعضها، و لعله لا يخلو من قوة، خصوصا مع احتمال إرادته من الخبرين (1)

الآتيين في المسألة الاتية، بل لعله الظاهر من أحدهما. و لكن مع ذلك الوجه عند المصنف، و غيره من المتأخرين ثبوت الخيار مع الشرط في متن العقد تحقيقا أو تقديرا على القول به لا مع إطلاق العقد و وقوع ذلك على نحو الداعي أو الشرط قبله، لأصالة اللزوم، بخلافه


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1 و 2.

ج 30، ص: 374

مع الشرط فيه الذي لا خلاف في ثبوت الخيار معه حينئذ، بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه صريحا، لعموم

«المؤمنون عند شروطهم» (1)

المنحصر فائدته في نحو المقام في التسلط على الخيار.

و على كل حال فان فسخ قبل الدخول فلا مهر لها على الزوج إجماعا، و لا على أبيها الذي زوجها على المشهور، للأصل مع انتفاء المقتضي، خلافا للشيخ في محكي النهاية، فأثبت عليه المهر، و علله غير واحد بالرواية، و لم نقف إلا على خبري محمد بن مسلم (2)

الآتيين في المسألة الاتية، و لا دلالة فيهما على ذلك، فالأصل حينئذ بحاله بعد قصور الرواية المرسلة لو فرض إرادة غيرهما منها عن قطعه كما هو واضح.

نعم لو فسخ بعده كان لها المهر المسمى الذي استقر بالدخول على الزوج، كما عرفته فيما تقدم من نظائر المسألة و لكن يرجع به على المدلس أبا كان أو غيره لقاعدة الغرور و فحاوي النصوص السابقة في أمثال المسألة و صحيح محمد بن مسلم (3)

الاتي حتى لو كانت هي المدلسة رجع عليها إن كان قد دفع إليها، و إلا لم يكن لها شي ء حتى أقل ما يتمول فضلا عن مهر المثل، كما عرفت تحقيق المسألة فيما تقدم، هذا و في القواعد «و لو خرجت بنت معتقة فإشكال» و لعله من دخولها في المهيرة عرفا، لأنها الحرة كما عن الجوهري و غيره، مضافا إلى الأصل و الاحتياط، و من دعوى تبادر الحرة بالأصل و فيها منع، و الأولى أن يحمل على ظهور أنها كانت أمها أمه حين ولدت ثم أعتقت، فإن الإشكال فيها أظهر من صدق أنها الان مهيرة، و من أنها حين ولدت منها لم تكن بنت مهيرة، و الظاهر أن العبرة بذلك حين الولادة، و الأمر سهل بعد وضوح الحال في أصل المسألة، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1 و 2.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.

ج 30، ص: 375

[المسألة الرابعة لو زوجه بنته من مهيرة و أدخل عليه بنته من الأمة فعليه ردها و لها مهر المثل إن دخل بها]

المسألة الرابعة لو زوجه بنته من مهيرة و أدخل عليه بنته من الأمة فعليه اجتنابها مع العلم بالحال و ردها، و لها مهر المثل إن دخل بها و هي غير عالمة و إن كان هو عالما. و يرجع به من جهله على من ساقها إليه لقاعدة الغرور. و ترد عليه التي تزوجها لأن الفرض كونها امرأته و كذا كل من أدخل عليه غير زوجته فظنها زوجته سواء كانت أرفع أو أخفض أو مساوية فوطأها، فإنه يغرم لها مهر المثل إن لم تكن عالمة، و يرجع به إن لم يكن عالما على المدلس، للقواعد المقررة، و إنما ذكر الأصحاب هذه بخصوصها لتعرض النصوص لها، ف

في صحيح محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن رجل خطب إلى رجل ابنته له من مهيرة فلما كانت ليلة دخولها على زوجها أدخل عليه ابنة له اخرى من أمة، قال: ترد على أبيها، و ترد إليه امرأته، و يكون مهرها على أبيها»

و في صحيحه الآخر (2)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخطب إلى الرجل ابنته من مهيرة فأتاه بغيرها، قال:

ترد التي سميت له بمهر آخر من عند أبيها، و المهر الأول للتي دخل بها»

بناء على كون المراد منهما إدخال الأخرى بعد العقد على الاولى، مع احتمال إرادة لخطبة بنت المهيرة و لكن العقد وقع على بنت الأمة بعنوان أنها بنت المهيرة تدليسا من الأب، فيكون الخبران حينئذ دليلي المسألة السابقة، بل لعل الثاني منهما ظاهر في ذلك، بل و الأول بناء على أن المراد من «امرأته» فيها المسماة له بالخطبة و نحوها.

و على كل حال فالمراد من الأول بقرينة الثاني كون مهر المردودة إلى زوجها على أبيها، و وجهه أن الزوج يرجع بالمهر الذي غرمه للأولى على الأب المدلس، فيأخذه منه، و يدفعه إلى المعقودة عليه بعد فرض تساوى مهر المثل الذي


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.

ج 30، ص: 376

غرمه للمهر الذي عقد عليه، و حينئذ فيوافق الخبران القواعد المعلومة.

و منه يعلم ما في فتوى الشيخ السابقة المبنية على رجوع الضمير في الخبر الأول للبنت من الأمة، و كون الرد قبل الدخول، مع احتماله مضافا إلى ما عرفت العلم بعد الدخول و حينئذ فالمراد من كون المهر على أبيها باعتبار رجوع الزوج به عليه، فقراره حينئذ عليه.

و قال في هذه المسألة في النهاية: «و إن كان للرجل بنتان إحداهما بنت مهيرة و الأخرى بنت أمة فعقد لرجل على بنته من المهيرة ثم أدخل عليه بنته من أمة كان له ردها، و إن كان قد دخل بها و أعطاها المهر كان المهر لها بما استحل من فرجها، و إن لم يكن دخل بها فليس لها عليه مهر، و على الأب أن يسوق إليه ابنته من المهيرة، و كان عليه المهر من ماله إذا كان المهر الأول قد وصل إلى ابنته الاولى، و إن لم يكن وصل إليها و لا يكون قد دخل بها كان المهر في ذمة الزوج لرواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام» و ذكر الخبر الأول، و في المسالك بعد حكاية ذلك عنه قال: «و لا يخفى أن في دعوى الشيخ زيادات عن مدلول الرواية لا توافق الأصول، مع أن في طريق الرواية ضعفا» قلت: الخبر حسن كالصحيح و ليس في كلام الشيخ زيادات عليه بعد فرض كون مراده ما ذكرنا، فتأمل جيدا، و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا تزوج امرأة و شرط كونها بكرا فوجدها ثيبا لم يكن له الفسخ لإمكان تجدده بسبب خفي]

المسألة الخامسة إذا تزوج امرأة و شرط كونها بكرا فوجدها ثيبا و ثبت بالإقرار أو البينة سبق ذلك على العقد كان له الفسخ، لانتفاء الشرط الذي قد عرفت أن فائدته ذلك، و لعله لا خلاف فيه كما لا إشكال، لكن في كشف اللثام أن ظاهر الأكثر و صريح بعض عدم الخيار، للأصل و الاحتياط، و أن الثيبوبة ليست من العيوب، و فيه أنا لم نتحقق ما حكاه، بل لا وجه له مع الفتوى من غير خلاف منهم في تحقق

ج 30، ص: 377

الخيار مع شرط الصفات، ككونها بنت مهيرة و نحوها، لدليل الشرطية القاطع للأصل، و غير متوقف على العيب حينئذ، نعم أطلق كثير من الأصحاب فيمن تزوج جارية على أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن له الفسخ إلا أن ذلك منهم لإمكان تجدده بسبب خفي كما أومأ إليه المصنف، فلا ينافي اشتراطه، بل هو المراد من

خبر القاسم بن الفضيل (1) عن أبي الحسن عليه السلام «في الرجل يتزوج المرأة على أنها بكر فيجدها ثيبا أ يجوز أن يقيم عليها؟ قال: قد تفتق البكر من المركب و من النزوة»

أو المراد أنه لا دلالة في انتفاء بكارتها على فجورها، أو أن لها بعلا أو نحو ذلك مما لا ينبغي معه القيام معها، لأن البكارة قد تذهب بالنزوة و نحوها.

و على كل حال فهو غير مفروض المسألة الذي هو اشتراط البكارة المعلوم سبق انتفائها، بل لا يبعد ثبوت الخيار معه و إن لم يذكر ذلك شرطا في متن العقد، و إنما كان بتدليس منها أو من وليها، لما سمعته في المسائل السابقة، نعم لو تزوجها من دون اشتراط بكارة و لا تدليس و إنما قدم عليها على احتمالها الأمرين لم يكن له خيار، بل و لا رجوع بمهر و إن ظهر سبقها، للأصل السالم عما يقتضي شيئا منهما.

و كيف كان فإذا فسخ حيث يكون له الفسخ فان كان قبل الدخول فلا مهر، و إن كان بعده استقر المهر و رجع به على المدلس، و إن كانت هي، بل الأصح عدم استثناء قدر ما يتمول أو مهر المثل له إذا رجع عليها، لما عرفته في المسائل السابقة.

و أما إذا اختار البقاء أو لم يكن له الفسخ لاحتمال التجدد كان له أن ينقص من مهرها على المشهور بين الأصحاب، ل

صحيح محمد بن جزك (2)

«كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام سألته عن رجل تزوج جارية بكرا فوجدها ثيبا هل يجب لها الصداق وافيا أو ينقص؟ قال: ينتقص»

خلافا للحلبي و ابن البراج فلم ينقصا منه شيئا، للأصل المقطوع بالدليل، فلا ريب في ضعفه، إنما الكلام في


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1 عن محمد بن القاسم بن الفضيل كما في الكافي ج 5 ص 413.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.

ج 30، ص: 378

مقدار النقصان، ففي محكي النهاية شي ء، لإطلاق لفظ النقصان في الصحيح المزبور.

و في القواعد و محكي السرائر و التحرير و الإرشاد و التلخيص هو ما بين مهر البكر و الثيب، و يرجع فيه إلى العادة فينقص من المسمى مقدار التفاوت بينهما نصف أو ثلث أو غيرهما، لأنه الذي فوته المدلس باعتبار أنه بذل المسمى في مقابلة الوصف بالبكارة و لم تكن كذلك، فيلزم التفاوت كأرش ما بين كون المبيع صحيحا و معيبا، و ضعفه في المسالك بأن ذلك إنما يتم حيث يكون فواته قبل العقد أما مع إمكان تجده أو العلم بتجدده بناء على كونه كذلك فلا، لعدم مقتضي السقوط حينئذ أو عدم العلم به.

و قيل و القائل قطب الدين الراوندي ينقص السدس لأنه المراد من الشي ء في الوصايا و هو غلط لخلو الخبر عن لفظ «الشي ء» و لو سلم فالحمل على الوصية ممنوع، و عن المصنف في النكت إحالته على رأي الحاكم كما هو الشأن في كل مالا تقدير له شرعا، و قد يرجع إليه القول الأول، ضرورة أنه لا وجه لا يكال أمر الشي ء إلى الزوج أو الزوجة المؤدي إلى النزاع في تعيين أفراد الشي ء، و لا نظير له في الشرع.

قلت: و قد يقال: إن الأولى تقديره بالنصف عملا بالنصوص (1)

المعتبرة المستفيضة الواردة في تقديره بالأمة بعشر قيمتها و نصف عشر قيمتها الظاهرة في كون التفاوت بين البكارة و الثيوبة التي لا فرق فيهما بين الأمة و غيرها بالنصف و إن اختلفا في كون ذلك نصف عشر القيمة و نصف المسمى الذي قد وقع العقد و التراضي عليه، بل هو الأقوى في النظر إن لم يكن إجماع على خلافه، كما أنه يقوى ثبوت النقصان مع العلم بتجدد الثيبوبة، لترك الاستفصال في الصحيح المزبور الذي يمكن تأييده بكونه كالمبيع قبل قبضه في ضمانه على البائع حتى يقبض، اللهم إلا أن


1- 1 الوسائل الباب- 35- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 و 2 و الباب 67 منها الحديث 1.

ج 30، ص: 379

يدعى ظهور النص في سبق الثيوبة أو مجهول الحال، فيكون ترك الاستفصال فيه لذلك، و يمكن منعه، و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا استمتع المرأة فبانت كتابية لم يكن له الفسخ من دون هبة المدة و لا له إسقاط شي ء من المهر]

المسألة السادسة إذا استمتع المرأة فبانت كتابية مثلا لم يكن له الفسخ من دون هبة المدة للأصل السالم عما يقتضي خياره و لا له إسقاط شي ء من المهر لعدم نقص الاستمتاع عليه بشي ء، نعم له فسخ عقدها بهبة المدة كغيرها من النساء التي استمتع بها. و كذا لو تزوجها دائما بناء على أحد القولين و لكن له أن يطلقها كغيرها من النساء نعم لو شرط إسلامها مثلا كان له الفسخ إذا وجدها على خلافه لما عرفت من اقتضاء الشرط ذلك، بل قد عرفت قوة ثبوت الخيار بالتدليس بنحو ذلك على وجه تزوجها على أنها مسلمة مثلا فبان الخلاف. و على كل حال فحكمها في الفسخ قبل الدخول و بعده و في الرجوع بالمهر على المدلس و غير ذلك حكم نظائرها السابقة، و لو شرط كونها كتابية فبانت مسلمة ففي تسلطه على الخيار وجهان: أقواهما الأول، لعموم المقتضي، و لعل له غرضا في ذلك، و كذا كل شرط صفة نقص فبان الكمال، و في إلحاق التدليس به هنا إشكال من صدقه، و من ظهور تلك الأدلة في تدليس الناقص بالكامل لا العكس، و لعله الأقوى.

ج 30، ص: 380

[المسألة السابعة إذا تزوج رجلان بامرأتين فأدخلت امرأة كل واحد منهما على الأخر فوطأها فلكل واحدة منهما على واطئها مهر المثل]

المسألة السابعة إذا تزوج رجلان مثلا بامرأتين فأدخلت امرأة كل واحد منهما على الأخر فوطأها فلكل واحدة منهما على واطئها مع جهلها مهر المثل و يرجع به على الغار إن كان و ترد كل واحدة على زوجها، و عليه مهرها المسمى بالعقد عليها و ليس له وطؤها حتى تنقضي عدتها من وطء الأول إلا إذا كان الوطء زنا منهما، فإنه لا عدة حينئذ و لو ماتتا في العدة أو مات الزوجان ورث كل واحد منهما زوجة نفسه و ورثته لحصول السبب و إن امتنع الوطء لعارض كالحيض و نحوه بلا إشكال في شي ء من ذلك و لا خلاف، و إنما ذكره الأصحاب بخصوصه للنص فيه، ففي

الصحيح (1)

«في رجلين نكحا امرأتين، فأتى هذا بامرأة هذا، و هذا بامرأة هذا، تعتد هذه من هذا و هذه من هذا، ثم ترجع كل واحدة إلى زوجها»

و في مرسلة جميل بن صالح (2) عن الصادق عليه السلام «في أختين أهديتا إلى أخوين في ليلة، فأدخلت امرأة هذا على هذا و أدخلت امرأة هذا على هذا، قال: لكل واحدة منهما الصداق بالغشيان، و إن كان وليهما تعمد ذلك أغرم الصداق، و لا يقرب واحد منهما امرأته حتى تنقضي العدة، فإن انقضت العدة صارت كل واحدة منهما إلى زوجها بالنكاح الأول، قيل له: فان ماتتا قبل انقضاء العدة، فقال:

يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما، و يرثهما الرجلان، قيل: فان مات الرجلان و هما في العدة، قال ترثانهما، و لهما نصف المهر المسمى لهما، و عليهما العدة بعد ما تفرغان من العدة الأولى، تعتدان عدة المتوفى عنها زوجها»

نعم هي تتضمن تنصيف المهر بالموت قبل الدخول من أيهما كان و لم يقل به أحد كما في كشف اللثام، قال: «و لذا عمل بها الشيخ في محكي النهاية إلا في تنصيف المهر لهما إذا مات الزوجان فأثبت لهما تمام المسمى» و ستسمع إنشاء الله تحقيق الحال في ذلك.


1- 1 الوسائل الباب- 49- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 49- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

ج 30، ص: 381

و حملها في المختلف على أن المرأتين ليس لهما ولد، فيرجع الزوجان بالنصف مما دفعا مهرا على سبيل الميراث، و في المسالك «هذا الحمل مع بعده إنما يتم في جانب الزوج دون الزوجة، لحكمه لها أيضا بالنصف، مع أن أول الرواية تضمن حصول الغشيان و آخرها اقتضى ثبوت النصف بالموت، و حملها على ما لو وقع ذلك قبل الدخول خلاف ظاهرها، و على كل تقدير فاطراح الرواية للضعف أولى من تكلف حملها على ما لا تدل عليه».

قلت: المحتاج إلى التأويل فيها التنصيف بموت الزوجة دون العكس الذي ستسمع دلالة كثير من النصوص (1)

عليه، و الغشيان في أول الرواية غشيان الشبهة لا غشيان الزوج، فلا ريب حينئذ في كون المفروض الموت قبل الدخول، و الأمر سهل بعد وضوح الأمر في ذلك و في أن للزوجين الرجوع بما غرما من مهر المثل على نحو ما سمعته في المسائل السابقة، إلا أن الزوجة هنا إذا كانت هي الغارة لم يكن لها مهر أصلا لكونها بغيا حينئذ.

هذا و لكن في جامع المقاصد «يرجع كل من الزوجين بما غرمه من مهر المثل على الولي، و في الرواية التقييد بتعمده، و كذا في عبارة الشيخ على ما سبق ذكره، و ينبغي أن يقال: إن تعمد الولي و الزوجة أو كانا معا جاهلين فالغرم عليها دون الولي، لأن سببيتها أقوى، نعم يستثنى لها أقل ما يصلح مهرا، و ان تعمد أحدهما خاصة فالغرم مختص به، فان تعمدت هي فلا بد من استثناء الأقل، و لو علم الزوج و جهلت المرأة غرم مهر المثل، و لا يرجع به على أحد و ينبغي تأمل هذا التفصيل، لأني لم أجد به قائلا».

قلت: مع أن فيه منافاة لقاعدة عدم المهر لبغي مع فرض كونها المتعمدة فلا وجه لاستثناء أقل ما يصلح، بل يقال: بأن له الرجوع على كل منهما مع فرض كون الغرور من كل منهما إذا كانا جاهلين أو توزع الغرامة عليها، اللهم إلا أن يكون غرور الولي منهما، فغر الزوج، فان القرار حينئذ عليها، فتأمل جيدا،


1- 1 الوسائل الباب- 58- من أبواب المهور.

ج 30، ص: 382

هذا كله مع علم الحال.

أما إذا اشتبه على كل منهما زوجته و لم يكن ثم طريق إلى معرفتهما منع كل واحد من الرجلين عن الامرأتين حتى يقرع، فإن القرعة لكل أمر مشكل، لكن في القواعد «ألزم كل منهما الطلاق» و في غيرها احتمال طلاق الحاكم أو فسخه أو تسلط المرأتين على الفسخ و انتفاء الجميع، و لعل الأقوى ما ذكرنا.

و لو طلقها فلا تحسب هذه طلقة لو تزوج أحدهما بإحداهما بعد ذلك و طلقها أخريين لم تحرم، لعدم معلومية الزوجة في الثلاث، و الأصل الحل، نعم لو زوجهما معا و طلقهما مرتين معا و لو في الطلقة الآخرة حر ما عليه، لأن زوجته إحداهما و وقوع ثلاث طلقات بها مقطوع به لا على التعيين، فيجب الاجتناب، لاختلاط الحلال بالحرام، و كذا إذا طلقهما مرتين متعاقبتين حرمتا بعد كما الطلقتين لهما لذلك.

و على كل حال يلزم كل من الرجلين بنصف مع الطلاق قبل الدخول، فان اتفق النصفان جنسا و قدرا و صفة أخذت كل منهما أحد النصفين و إن اختلفا قسم بينهما أحد النصفين بالتسوية أن تتداعياه و تصادم دعواهما بأن حلفتا أو نكلتا، و يبقى النصف الأخر مجهول المالك، إلا أن يرجع إحداهما إلى ادعائه، فلا يبعد سماعه منها و إعطاؤها إياه، و ارتجاع ما أخذته من النصف الأول و تسليمه للأخرى، و لعل الأولى من ذلك القرعة بناء على ما عرفت، فكل نصف خرج على إحداهما أعطيت إياه، و يعطي الأخرى النصف الأخر لتعينه، و ربما احتمل أيضا إيقاف كل من النصفين حتى يصطلحا.

و إن سكتا و لم يتداعيا شيئا منهما فالأولى بناء على ما ذكرنا القرعة أيضا، و ربما احتمل الإيقاف أيضا و إن كان الاختلاف بين النصفين في القدر خاصة أعطيت كل منهما ما تساويا فيه.

بقي الكلام في الزائد، و الأولى عندنا فيه القرعة، و يحكم الحاكم حينئذ بمقتضاها، و ربما احتمل عدم ثبوت نصف المهر مع فرض وقوع الطلاق بالإجبار،

ج 30، ص: 383

و أولى به من فسخ الحاكم أو المرأتان، لكنه كما ترى. و قد مر للمسألة نظير في تزويج الوليين، و حكم الميراث حكم المهر.

و مع عدم البناء على القرعة لا ريب في أنه يحرم علي كل منهما أم كل واحدة منهما، للاشتباه، و كذا يحرم كل منهما على أب الزوج و ابنه، أما على ما ذكرناه من القرعة فلا إشكال و لا اشتباه، و الله العالم.

[المسألة الثامنة كل موضع حكمنا فيه ببطلان العقد فللزوجة مع الوطء مهر المثل]

المسألة الثامنة كل موضع حكمنا فيه ببطلان العقد فللزوجة الحرة مع الوطء و الجهل مهر المثل كوطء الشبهة بلا عقد لا المسمى الذي قد وقع في العقد الفاسد، خلافا لبعضهم كما عرفت الكلام فيه و في غيره سابقا و كل موضع حكمنا فيه بصحة العقد فلها مع الوطء و عدم التدليس منها المسمى الذي تستقر بالدخول و إن لحقه الفسخ. و قيل و القائل الشيخ إن كان الفسخ بعيب سابق على الوطء لزمه مهر المثل سواء كان حدوثه قبل العقد أو بعده و لا ريب أن الأول أشبه بأصول المذهب و أخباره كما تقدم البحث فيه.

[المسألة التاسعة لو شرط الاستيلاد فخرجت عقيما ففي القواعد لا فسخ]

المسألة التاسعة:

لو شرط الاستيلاد فخرجت عقيما ففي القواعد لا فسخ، لإمكان تجدد شرطه و لو في الشيخوخة و عدم العلم بالعقم من دونه، و جواز استناده اليه.

و فيه (أولا) أن فرض خروجها عقيما ينافي هذه الاحتمالات التي منها جواز ولادتها في الشيخوخة التي لو وقع ذلك فيها عد من المعجزات، و المراد من العقم المشترط عدم حملها، فجواز كونه لمانع لا للعقم غير مجد، و جواز استناده اليه ينفيه ولادته من غيرها، و أن المراد من اشتراط الاستيلاد ما يرجع إلى صفاتها

ج 30، ص: 384

لا إلى ما يرجع إلى فعل الله الذي لا اختيار لأحدهما فيه، فان ذلك لا يجوز اشتراطه، و دعوى- أنه و إن أريد بالشرط ما يرجع إلى صفاتها إلا أنه لا يعلم بوجه فلا يفيد اشتراطه انتفاءه، فان انتفاء الولادة لا يدل على العقم- يدفعها إمكان معرفة ذلك بالقرائن العادية التي تقيد الطمأنينة بذلك، و كذا حكم اشتراطها عليه الاستيلاد.

[المسألة العاشرة لو غرته المكاتبة بالحرية فإن اختار الإمساك فلها لا لسيدها المهر]

المسألة العاشرة:

لو غرته المكاتبة بالحرية فإن اختار الإمساك فلها لا لسيدها المهر، و إن اختار الفسخ فلا مهر قبل الدخول، و يرجع به جميعه على المختار بعده إن كان قد دفعه، و إلا فلا شي ء، و لو غره الوكيل- سيدها كان أو غيره- رجع إليه بالجميع.

و لو أتت بولد فهو حر إن كان الزوج حرا لأنه دخل على ذلك، نعم مع فرض عدم إذن المولى يغرم قيمته يوم سقط حيا.

و يتبع القيمة في الاستحقاق أرش الجناية، لأنه قيمة لبعض المجني عليه فان كان المستحق لها المولى استحق الأرش أيضا، و لو فرض أنه الغار لم يستحق شيئا، و إن كانت الأم هي المستحقة للقيمة كانت مستحقة للأرش أيضا، فإذا فرض أنها الغارة لم تستحق شيئا و إن كان الغار غير المستحق غارم له القيمة، و يرجع بها على الغار.

و لو ضربها أجنبي فألقته لزمه دية جنين حر لأبيه لأن امه أمة لا ترث، فان كان هو الضارب فللأقرب إلى الولد من ورثته دون الأب القاتل، فان لم يكن له قريب فللإمام، و على الأب للسيد عشر قيمة أمة إن قلنا: إن الأرش له، و إن قلنا: إنه للام فلها، و وجه وجوبه أن الولد مضمون و لذا يجب على الجاني دية للأب، فكما يضمن للأب يضمن للسيد، و عن المبسوط و التحرير لا ضمان لوجوب قيمته يوم

ج 30، ص: 385

سقط حيا و لا قيمة للميت، و على الضمان فان زادت الدية على عشر القيمة أو ساوته فلا إشكال، و إن نقصت عنه ففي وجوب العشر كاملا أو أقل الأمرين منها وجهان.

[المسألة الحادية عشر لا يرجع المغرور بالغرامة على الغار إلا بعد أن يغرم]

المسألة الحادية عشر:

لا يرجع المغرور بالغرامة على الغار إلا بعد أن يغرم، لأنه إنما يرجع بما غرمه، و كذا الضامن، نعم في القواعد للمغرور مطالبة الغار ليخلص من مطالبة المرأة أو السيد، كما أن للضامن أن يطالب المضمون عنه بالتخليص، و لعله لكونه ليس رجوعا، لكن لا يخلو من نظر، لعدم دليل على استحقاق هذه المطالبة قبل الدفع.

[المسألة الثانية عشر لو انتسب إلى قبيلة فبان من غيرها من غير شرط فالأقرب أنه لا فسخ]

المسألة الثانية عشر: قال في القواعد: «لو انتسب إلى قبيلة فبان من غيرها أعلى أو أدون من غير شرط فالأقرب أنه لا فسخ، و كذا المرأة، نعم لو شرط أحدهما على الأخر نسبا فظهر من غيره كان له الفسخ، لمخالفة الشرط، و كذا لو شرط بياضا أو سوادا أو جمالا» قلت: قد تكرر منا غير مرة قوة ثبوت الخيار بالتدليس بصفة من صفات الكمال على وجه يتزوجها على أنها كذلك فبان الخلاف، أي صفة كانت، لظهور نصوص (1)

التدليس فيه، خصوصا المشتمل منها على التعليل الذي يكشف عن الوجه فيما ورد الخيار به من التدليس بالحرية و نحوها، مضافا إلى فحوى خبر الحلبي (2)


1- 1 الوسائل الباب- 2 و 7- من أبواب العيوب و التدليس.
2- 2 المراد من خبر الحلبي هو خبره الذي ورد فيمن تزويج و قال: أنا من بنى فلان، و قد تعرض قده له بعد قليل في هذا الفرع نفسه، و الظاهر أن استدلاله بفحواه هنا ليس لإثبات الخيار في صورة الانتساب إلى قبيلة و ظهور الخلاف، فإنه نص في ذلك كما ذكره قده بل لإثبات الخيار بالتدليس بصفة من صفات الكمال، كاشتراط البياض أو السواد أو الجمال و نحوها، كما أنه استدل الفاضل قده لهذه الصورة بفحواه في كشف اللثام و بنصه في تلك المسألة.

ج 30، ص: 386

و

خبر حماد بن عيسى (1)عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «إنه خطب رجل إلى قوم، فقالوا: ما تجارتك؟ فقال: أبيع الدواب، فزوجوه فإذا هو يبيع السنانير فمضوا إلى علي عليه السلام فأجاز نكاحه، و قال: إن السنانير دواب»

و خصوص

نص الحلبي (2)

«في رجل تزوج امرأة فيقول: أنا من بني فلان، فلا يكون كذلك، قال: يفسخ النكاح، أو قال: يرد»

و لعله لذا كان المحكي عن ظاهر أبي علي و النهاية و الخلاف و الوسيلة الخيار و إن لم يشترط ذلك في العقد.

و منه يعلم الحكم في صورة الشرط المعلوم أولويتها من ذلك، و لذا اقتصر عليها ابن إدريس فيما حكى عنه نحو الذي سمعته من الفاضل، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع منهم هنا، على أن شرطية الصفات توجب الخيار إذا بان الخلاف، بل قد عرفت فيما تقدم قوة ذلك حتى مع اشتراط الناقص من الصفات فبان الكامل لاختلاف الأغراض و لانحصار فائدة الشرط بذلك هنا، نعم لو كان الشرط من الأفعال أمكن القول بعدم الخيار بتعذره أو امتناعه، للفرق بين النكاح و البيع بذلك، بل يلزم المشترط عليه بأدائه، كما أنه تقدم لك منا أنه و إن قلنا بإلحاق صورة التدليس بصورة الشرط في إثبات الخيار، لكن ذلك إنما هو فيما إذا دلس صفة كمال فبان صفة نقص لا العكس و إن قلنا بالخيار في صورة شرطه، و من ذلك كله يظهر لك ما في كلام المصنف ره في مسألة الانتساب في بحث الكفاءة، و قد أو كلنا الأمر هناك إلى هذا المقام، فلا حظ و تأمل، و الله العالم.

و بهذا أنهينا و الحمد لله تعالى قنا على الجزء الثلاثين من كتاب جواهر الكلام بجواز مولانا أمير المؤمنين سيد الأوصياء عليه آلاف التحية و الثناء في أيام حرجة كانت تمر على الحوزة العلمية التي لا تزال محروسة برعاية صاحبها خاتم الأوصياء المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف النجف الأشرف 28 رمضان المبارك 1395 أقل خدمة الحوزة محمود القوچاني


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.