جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 14

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج14، ص: 1

[تتمة القسم الأول في العبادات]

[تتمة كتاب الصلاة]

[تتمة الركن الرابع في التوابع]

[تتمة الفصل الثالث في الجماعة]
الطرف الثالث في أحكام الجماعة
اشاره

ج14، ص: 2

و فيه مسائل:

[الأولى إذا ثبت بعد الفراغ أن الإمام فاسق أو كافر أو محدث]
اشارة

الأولى: إذا علم أو ثبت بعد الفراغ من الصلاة أن الامام فاسق أو كافر أو على غير طهارة من الحدث الأصغر أو الأكبر لم تبطل صلاة المؤتم على المشهور بين الأصحاب قديما و حديثا نقلا و تحصيلا، بل في الرياض عليه عامة أصحابنا عدا السيد و الإسكافي، بل في الخلاف الإجماع على الوسط الملحق به الأول إجماعا في الرياض مع ظهور الأولوية فيه، كما أنه في التذكرة الإجماع على الأخير، و نسبة الصحة إلى علمائنا في الثاني، ثم حكى عن المرتضى خاصة الخلاف فيه لقاعدة الاجزاء و إن كانت هي بالنسبة إلى الأخير لا تخلو من إشكال لا يدفعه أنه لا طريق له في معرفة ذلك إلا الظاهر، ضرورة لزوم التكليف بما لا يطاق لو أريد الواقع، إذ قد يقال باجتزائه بالظاهر ما لم ينكشف الواقع، ضرورة تبين كونها حينئذ ليست بصلاة حتى يجزيه الائتمام بها في إسقاط القراءة و زيادة الأركان مثلا لو اتفق

ج 14، ص: 3

و نحو ذلك، و دعوى أنه يكفي في صحة صلاة المأموم ذلك الظاهر أول الكلام، إذ المتيقن من إطلاق الأدلة في الفراغ من متيقن الشغل غير محل الفرض، و استصحاب الاجزاء قبل التبين لما بعد التبين لا يرجع إلى محصل عند التأمل بحيث يقطع الأصل السابق و إن تمسك به المولى الأكبر في شرحه.

نعم هي واضحة الجريان بالنسبة للأولين، لأن واقعي

قوله (عليه السلام)(1): «صل خلف من تثق بدينه و أمانته»

نفس هذا الاطمئنان الذي بتبين كفره و فسقه لم ينكشف عدم اطمئنان به فيما مضى كي يتجه الفساد، بل هو في هذا الحال يصدق عليه أنه صلى خلف من وثق بدينه، فيتحقق الامتثال المقتضي للإجزاء، مضافا إلى

مرسل ابن أبي عمير(2)عن الصادق (عليه السلام) «في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال و كان يؤمهم رجل فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي، قال: لا يعيدون»

بل عن الفقيه روايته عن كتاب زياد بن مروان القندي و نوادر ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام) بتفاوت، و ظاهره عدم الإرسال، على أن من الواضح عدم قدح مثل هذا الإرسال من مثل هذا المرسل في مثل هذا المقام فيما نحن فيه، و إلى الصحاح المستفيضة جدا في الثالث، منها

صحيح ابن مسلم (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن الرجل يؤم القوم و هو على غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي صلاته، قال: يعيد و لا يعيد من خلفه و إن أعلمهم أنه على غير طهر»

و منها

صحيحه الآخر أيضا(4)عن الصادق (عليه السلام) «عن الرجل أم قوما و هو على غير طهر فأعلمهم بعد ما صلوا، فقال: يعيد هو و لا يعيدون».


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2 مع الاختلاف.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 14، ص: 4

و المناقشة فيهما بأن أقصاهما عدم قبول قوله في حق من خلفه، و هو لا يستلزم الحكم بالصحة حتى فيما لو علم المأمومون بذلك كما هو مفروض المسألة يدفعها- مع أن المتبادر منهما أن عدم وجوب الإعادة لعدم تأثير حدثية الإمام مع عدم علمهم بها في صحة صلاتهم، كما يومي إلى ذلك التعليل في

صحيح زرارة(1)قال: «سألته عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم أنه ليس على وضوء، قال: يتم القوم صلاتهم فإنه ليس على الامام ضمان»

إذ الظاهر إرادته من نفي الضمان بيان عدم مدخلية صلاة الإمام في صلاة المأموم، لا لعدم قبول قوله في حقهم و عدم حصول اليقين لهم بخبره، و مع إطلاق قوله: «أعلمهم» فيهما، إذ من الممكن إخباره إياهم على وجه يستفيدون القطع بذلك- عدم قبول باقي المعتبرة الدالة على الحكم المزبور لها، ك

صحيح زرارة(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن جماعة صلى بهم إمامهم و هو غير طاهر أ تجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال: لا إعادة عليهم تمت صلاتهم، و عليه هو الإعادة، و ليس عليه أن يعلمهم، هذا عنه موضوع»

بناء على إرادة ظهور حاله عندهم من

قوله: «و هو غير طاهر»

و لا ينافيه ما في ذيله من أنه «ليس عليه» إلى آخره، و

موثق ابن بكير(3)قال: «سأل حمزة بن حمران أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أمنا في السفر و هو جنب و قد علم و نحن لا نعلم، قال: لا بأس»

إذ الظاهر إرادته أنا لا نعلم بذلك حال الصلاة، و إلا فقضية سؤاله عنه علمه به بعد ذلك، بل و

صحيح الحلبي (4)أيضا عن الصادق (عليه السلام) «من صلى بقوم و هو جنب أو على غير وضوء فعليه الإعادة، و ليس عليهم أن يعيدوا، و ليس عليه أن يعلمهم، و لو كان ذلك عليه لهلك، قال:

قلت: كيف يصنع بمن قد خرج إلى خراسان؟ و كيف كان يصنع بمن لا يعرف؟ قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 8.
4- 4- الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1.

ج 14، ص: 5

هذا عنه موضوع»

ضرورة إرادته نفي الإعادة عليهم لو علموا، و إلا فمن الواضح عدم الإعادة عليهم حال عدم العلم، لقبح تكليف الغافل، و بذلك يظهر دلالة غيره أيضا.

لكن و مع ذلك كله فالمحكي عن الإسكافي و علم الهدى وجوب الإعادة في المسائل الثلاثة، لكن في الرياض أن الأول أطلقها في الأولين و قيدها في الوقت في الثالث، و كذا الثاني إلا أنه لم يقيد الثالث بذلك، و لم أعرف حكاية هذا التفصيل لمن تقدمه، بل في ظاهر الروضة أن القائل بالإعادة قائل بها في الوقت، بل قد يظهر من المختلف أن خلاف السيد في الأولين خاصة، بل في صريح المنتهى و ظاهر التذكرة أن السيد موافق في المسألة الثالثة.

و كيف كان فلا ريب في ضعفه في القلة(1)لما عرفت، كضعف ما استدل به له كذلك من أنها صلاة تبين فسادها لاختلال بعض شرائطها، فيجب

إعادتها، و بأنها صلاة منهي عنها فتكون فاسدة، إذ هو إما مصادرة محضة أو لا يفيد المطلوب، نعم قد يشهد له في الجملة

صحيح معاوية بن وهب (2)قال للصادق (عليه السلام):

«أ يضمن الإمام صلاة الفريضة؟ فإن هؤلاء يزعمون أنه يضمن، قال: لا يضمن، أي شي ء يضمن إلا أن يصلي بهم جنبا أو على غير طهر»

و خبر عبد الرحمن العزرمي (3)عن أبيه عن الصادق (عليه السلام) أيضا «صلى علي (عليه السلام) بالناس على غير طهر و كانت الظهر، ثم دخل فخرج مناديه أن أمير المؤمنين (عليه السلام) صلى على غير طهر فأعيدوا و ليبلغ الشاهد الغائب»

و المروي (4)عن البحار عن نوادر الراوندي بسنده فيه عن موسى بن إسماعيل عن أبيه عن جده موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام)


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب« في الثلاثة» أو« في الغاية».
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 9.
4- 4 المستدرك- الباب- 32- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 14، ص: 6

«من صلى بالناس و هو جنب أعاد هو و أعاد الناس»

و عن دعائم الإسلام (1)عن علي (عليه السلام) قال: «صلى عمر بالناس صلاة الفجر فلما قضى الصلاة أقبل عليهم فقال: يا أيها الناس إن

عمر صلى بكم الغداة و هو جنب، فقال له الناس: فما ذا ترى؟

فقال: علي الإعادة و لا إعادة عليكم، فقال له علي (عليه السلام): بل عليك الإعادة و عليهم، إن القوم بإمامهم يركعون و يسجدون، فإذا فسد صلاة الإمام فسد صلاة المأمومين».

إلا أن الجميع كما ترى قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه، بل الثاني منها مشتمل على ما ينافي العصمة الثابتة عقلا و نقلا كتابا و سنة، كما أن الأول منها مجمل الدلالة، إذ في الوسائل بعد أن رواه قال: «الحكم بضمان الامام هنا يدل على وجوب الإعادة عليه و عدم وجوب الإعادة على المأمومين» إلى آخره. مع احتمال إرادة علم المأمومين به قبل الائتمام، فتعين إرادة وجوب الإعادة عليهم من ضمان الامام صلاتهم حال الجنابة- كما هو مستفاد من الاستثناء، لأن المراد بالضمان صيرورة أفعاله الصلاة عنهم و إن تابعوه هم، لكن التأدية به دونهم كما يومي اليه في الجملة التعليل بعدم الضمان لعدم الإعادة في صحيح زرارة(2)السابق- محل منع، على أنه محتمل كغيره الحمل على التقية، لأنه حكي عن الشعبي و حماد و ابن سيرين و أصحاب الرأي، بل ربما كان مذهبا لعمر أيضا، و لا ينافي ذلك تعريضه فيه للعامة، إذ قد يكون حضر في المجلس منهم من لا يعرفه السائل أو غير ذلك، و الثالث منها محتمل لإرادة حال علم المأمومين به قبل الصلاة و لغيره، و بالجملة فالمسألة بوضوحها غنية عن التطويل خصوصا في بيان ضعف قول المخالف ممن عرفت.


1- 1 المستدرك- الباب- 32- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 14، ص: 7

و أضعف منه ما حكاه الصدوق عن جماعة من مشايخه من التفصيل بين الجهرية و الإخفاتية فيعيد المأمومون في الثانية دون الأولى، و لم أعرف له مستندا بالخصوص كما اعترف به غير واحد، لكن يحتمل أنه مراعاة لحال القراءة، و لأن نداء أمير المؤمنين (عليه السلام) كان في صلاة الظهر، و هو كما ترى قاصران عن إثبات الحكم في نفسه فضلا عن أن يعارضا تلك الأدلة التي بعضها كمرسل ابن أبي عمير صريح أو كالصريح في عدم الفرق بين السرية و الجهرية.

كما أن منه و من باقي أدلة المقام يستفاد الحكم في سائر شرائط الصحة من الاستقبال و غيره، بل و الأركان أيضا، ضرورة أولويتها أو مساواتها لفاقد الطهارة من الحدث و صلاة اليهودي و النصراني، فلو تبين حينئذ بعد الفراغ فساد صلاة الإمام لاستدباره القبلة أو لعدم إتيانه بالنية أو بركن أو زاد ركنا مثلا سهوا و علم به بعد الصلاة لم تبطل صلاة المأمومين لما عرفت، بل قيل: و ل

قول الصادق (عليه السلام)(1): «في رجل يصلي بالقوم ثم يعلم أنه قد صلى بهم إلى غير القبلة، قال: ليس عليهم إعادة شي ء»

و قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح الحلبي أو حسنه(2): «في الأعمى يؤم القوم و هو على غير القبلة، قال: يعيد و لا يعيدون فإنهم قد تحروا».

لكن قد يناقش في الأول بإمكان إرادة ما لا يوجب الإعادة من الانحراف عن القبلة لا ما نحن فيه من تبين كون الإمام خاصة على غير القبلة، ضرورة ظهوره في اتحاد قبلة الامام و المأمومين، فلو فرض الانحراف الموجب للإعادة لوجب أمر الجميع بذلك، لعدم اختصاص الخطأ حينئذ بالإمام، بل هو مشترك بين الجميع، فيكون كتبين حدث الامام و من ائتم به، و هو غير ما نحن فيه قطعا، و في الثاني بأنه ظاهر في علم المأمومين بذلك قبل الدخول، و من المعلوم وجوب الإعادة عليهم فيه إذا لم يكن


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 14، ص: 8

الاختلاف عن اختلاف في الاجتهاد، فلا بد حينئذ من تأويل الخبر المزبور، و احتمال أن إعادته دونهم للتقصير في الاجتهاد و عدمه و إن كان قد ظهر خطأ الجميع في استقبالهم بعيد، إذ فرض الأعمى الرجوع إليهم في القبلة، و على كل حال فليس هو بتلك الصراحة فيما نحن فيه من ظهور خطأ الإمام في القبلة دون المأمومين على وجه يوجب الإعادة عليه دونهم، فالعمدة حينئذ في الاستدلال عليه و على أمثاله فحوى الأخبار السابقة.

نعم قد يستفاد من

صحيح زرارة(1)حكم الإخلال بالنية مضافا إليها، قال:

«قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل دخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة و أحدث

إمامهم و أخذ بيد ذلك الرجل فصلى بهم أ يجزيهم صلاتهم بصلاته و هو لا ينويها صلاة؟ فقال: لا ينبغي للرجل أن يدخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة، بل ينبغي له أن ينويها، و إن كان قد صلى فان له صلاة أخرى، و إلا فلا يدخل معهم، و قد تجزي عن القوم صلاتهم و إن لم ينوها»

إذ من الواضح كون الذيل جواب السؤال دون ما قبله، لكن لا صراحة فيه بعلم المأمومين بذلك بعد الفراغ، إلا أنه قضية إطلاقه، بل لعله ظاهر لفظ الاجزاء فيه أيضا.

مع أنك في غنية عنه بما عرفت من فحوى الأدلة السابقة المعتضدة بعدم خلاف صريح معتد به أجده في الفرق بينها و بين ما سمعت من المسائل الثلاثة السابقة سوى ما يظهر من المحكي عن السرائر من القول بالإعادة على المأمومين أيضا عند تبين الخطأ في القبلة، قال فيها: «و من صلى بقوم إلى غير القبلة ثم أعلمهم بذلك كانت عليه الإعادة دونهم، و قال بعض أصحابنا: إن الإعادة تجب على الجميع ما لم يخرج الوقت، و هذا هو الصحيح، و به أقول و أفتي، و الأول مذهب السيد المرتضى، و الثاني مذهب شيخنا


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 14، ص: 9

أبي جعفر (رحمه الله)، و هو الذي تقتضيه أصول مذهبنا» لكن من المحتمل قويا بل الظاهر إن لم يكن مقطوعا به إرادته ما لو كان المأمومون تابعين له في ذلك الاستقبال و حينئذ يتجه وجوب الإعادة عليهم كما ذكره، لوقوعها على غير القبلة لا لخطأ الامام، و هو غير ما نحن فيه من المسألة، فتأمل. نعم قد يظهر من المحكي من عبارة المبسوط الخلاف فيما نحن فيه، و لا ريب في ضعفه.

هذا كله في تبين فساد صلاة الإمام لكفر أو حدث أو فقد نية أو خلل في قبلة، و قد عرفت أنه لا يقتضي فساد صلاة المأموم إذا علم بعد الفراغ، بل الظاهر أنه لا فرق بين تعمد الامام ذلك و عدمه، كما أنه لا بأس لو علم بعدم عدالته بعد ذلك لفحوى ما دل على الكفر و غيره مما سمعت.

أما لو بان بعد الفراغ من العمل فقدان باقي ما يعتبر في الإمام من العقل و طهارة المولد و البلوغ و الذكورة و الحرية بناء على اشتراطها، و عدم الإمامية و المأمومية و نحوها إلى غير ذلك فلم أجد في النصوص بل و لا في كلام الأصحاب تعرضا لشي ء منها عدا ما في المنتهى من أنه لو صلى خلف من يشك في كونه خنثى فالوجه الصحة، لأن الظاهر السلامة من كونه خنثى، خصوصا لمن يؤم الرجل، و لو تبين بعد الصلاة أنه كان خنثى مشكل لم يعد، لأنه بنى على الظاهر فكان كما لو تبين كفره، و ما في التذكرة في أثناء كلامه في تبين الجنابة من الحكم بصحة الصلاة لو تبين أن الامام امرأة، و نحوه الموجز و شرحه، لكن فيهما أيضا لو تبين كون الإمام مأموما أعاد.

و كيف كان فقد يقوى في النظر إطلاق البطلان، و لعله ظاهر اقتصار الأصحاب على الكفر من صفات الامام الملحق به الفسق خاصة، كظاهر ذكر هذه الأمور بعنوان الشرائط المعلوم انصرافها إلى الواقع، للشغل و عدم اليقين بصدق الامتثال كي يحصل الفراغ يقينا، و القطع و الظن طريقان عقلا، لا أن المكلف به الموضوع المتصف بهما،

ج 14، ص: 10

و تخيل الامتثال ليس امتثالا، نعم يحتمل الاجزاء في الموضوع المعلوم عدم بناء الشارع فيه على الواقع، كطهارة المولد التي يمكن دعوى أنه يستفاد من الأدلة الشرعية الاجتزاء بظاهر الفراش عن سائر الأحكام المرتبة عليه سما في المقام بعد خروج الوقت، لعدم صدق اسم الفوات أو الشك فيه، بل يمكن التفصيل بذلك في غيره من الأمور المذكورة أيضا، فيعيد لو تبين الخطأ في الوقت، و لا يعيد لو كان في خارجه، كما أنه يمكن الفرق فيها بين ما كان منها شرطا لصحة الصلاة كالعقل و بين ما هو شرط للإمامة كطهارة المولد و نحوه، فيلحق الأول بالكفر بخلاف الثاني، بل يمكن إلحاق الجميع بالكفر بعد حمله في النص و الفتوى على المثالية، للمساواة أو الأولوية، و لا شعار التعليل في صحيح زرارة السابق للإعادة(1)بعدم ضمان الامام بذلك، إذ المراد منه على الظاهر أن الامام غير ضامن لصلاة المأموم، و أنه لا مدخلية لصلاته في صلاته، بل هو مكلف بها تماما، و لم يفت منه شي ء منها بسبب المأمومية عدا القراءة التي تسقط للغفلة و النسيان و نحوهما، و فساد الائتمام قد لا يورث فسادا في الصلاة كما في الكفر و الفسق و الحدث و الموت و غيرها مما يحدث في

الأثناء أو ينكشف سبقه، لكن الأحوط الأول في العبادة التوقيفية التي اشتغلت الذمة فيها بيقين، بل لعله من ذلك و غيره مما عرفت كان هو الأقوى، فتأمل.

و لو كان المأموم عالما بفساد صلاة الإمام لفقد شرط واقعي مثلا أو بعدم إحرازه أحد شرائط الإمامة أعاد صلاته بلا خلاف و لا إشكال، سواء كان الامام عالما بما علم به المأموم أو لا، بل الظاهر أنه كذلك أيضا لو نسي و ائتم به حتى في المسائل السابقة المنصوصة، للأصل و ظهور النصوص في غيره، بل و كذا لو كان ذلك عن اشتباه بأن تخيل أنه العدل أو المؤمن أو المتطهر أو الرجل أو العاقل و نحو ذلك


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب« لعدم الإعادة».

ج 14، ص: 11

فظهر أنه الآخر الذي كان يعلم أنه متصف بالضد.

و لو علم المأموم بالكفر أو الفسق و نحوهما مما لا يقدح بعد الفراغ في أثناء الصلاة قيل و القائل على الظاهر من قال بالإعادة في السابق يستأنف لتبين فساد بعض صلاته، بل ربما احتمل أو قيل بذلك و إن لم نقل بوجوب الإعادة بعد الفراغ، لعدم جواز المفارقة في الأثناء، إذ الجماعة من مقومات الصلاة المنوية، و لأن الأصل الفساد، خرج ما بعد الفراغ بالنصوص السابقة، و لما في المنتهى و الذكرى و المحكي عن السرائر من أن في

رواية حماد عن الحلبي (1)«يستقبلون صلاتهم لو أخبرهم الإمام في الأثناء أنه لم يكن على طهارة»

و إن كنت لم أجدها فيما حضرني من كتب الأخبار كما اعترف به أيضا في الحدائق، قال: لم أقف على هذه الرواية فيما حضرني من كتب الأخبار، و لا سيما ما جمع الكتب الأربعة من الوسائل و البحار، فلاحظ و تأمل.

و قيل و القائل على الظاهر من قال بالصحة في السابق ينوي الانفراد و يتم صلاته و هو أشبه لظهور تلك الأدلة فيه بناء على مساواة حكم الجزء للكل أو أولويته، و لا طلاق بعضها و خصوص آخر كصحيح زرارة(2)السابق المشتمل على التعليل المتقدم.

مضافا إلى ضعف مستند السابق، إذ الأول منه مصادرة أو غير مفيد، و الثاني ضعيف كما تعرفه فيما يأتي، على أنه يمكن الفرق بين ما نحن فيه و بين ذلك بالاضطرار إلى الانفراد هنا، فلا مفارقة فيه اختيارا، و الثالث تعرف ما فيه كما أنك عرفت ما في الرابع، فلا ريب حينئذ في كونه أشبه، بل ينبغي القطع به في مسألة تبين الحدث من المسائل الثلاث بملاحظة الأخبار السابقة في الاستنابة التي يستفاد منها مع ذلك جواز


1- 1 البحار ج 18 ص 625 و 626 من طبعة الكمباني.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 14، ص: 12

استنابة المأمومين هنا أيضا، و عدم تعين نية الانفراد عليهم، لما عرفت من إرادة

المثال مما ذكر فيها، فيتعدى منه إلى غيره، خلافا للمحدث البحراني فالجمود على خصوص ما ذكر فيها كما سمعت سابقا، و لا ريب في ضعفه.

بل و يستفاد منها أيضا عدم بطلان الصلاة أيضا لو تجدد الكفر أو الفسق أو أحدث لا إذا تبين سبقه، على أنه أولى بالحكم المزبور من صورة التبين، بل الظاهر هنا عدم الفساد لو تجدد خلاف باقي ما يعتبر في الإمام من الجنون أو الخرس أو غيره، فلا تبطل صلاة المؤتم بل ينفرد أو ينوي الائتمام بالغير، ضرورة أنه كالموت أو الحدث في الأثناء.

ثم إنه لو تبين الكفر أو الفسق أو الحدث في الأثناء في محل يمكنه القراءة و نوى الانفراد مثلا فهل يجتزئ بالقراءة الواقعة من الامام أو يجب عليه استئنافها؟

وجهان ينشئان من ظهور الأدلة في جريان أحكام الجماعة عليه إلى حال العلم، و من بيان فساد تحمله عنه بتبين فساد صلاته أو إمامته في محل يمكنه القراءة، فيجب فعلها، لا أقل من الشك في سقوطها عنه في هذا الحال، و هو أحوط إن لم يكن أقوى، و أحوط منه فعلها بنية القربة المطلقة تخلصا من الزيادة عمدا في الصلاة، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[المسألة الثانية إذا خاف فوت الركوع إذا التحق بالصف]

المسألة الثانية إذا دخل طالب الجماعة مسجدا مثلا و رأى أن الامام راكع و خاف فوت الركوع إن مشى حتى يلحق بالصف نوى و كبر و ركع في مكانه بناء على ما قدمنا سابقا من إدراك الركعة بإدراك الركوع و يجوز له أن يمشي حينئذ في ركوعه حتى يلحق بالصف بلا خلاف صريح أجده في شي ء من ذلك كما اعترف به غير واحد، بل ربما استظهر من التذكرة الإجماع عليه، بل في الخلاف و المنتهى دعواه صريحا عليه، بل قد يستفاد من نسبته إلى رواية الأصحاب في

ج 14، ص: 13

الذكرى ذلك أيضا، ل

صحيح ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سئل «عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة، فقال: يركع قبل أن يبلغ القوم و يمشي و هو راكع حتى يبلغهم».

كما أني لا أجد خلافا في جواز سجوده مكانه ثم إذا قام إلى الثانية التحق بالصف بل ظاهر المنتهى الإجماع عليه، ل

صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2)قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا دخلت المسجد و الامام راكع فظننت أنك إن مشيت اليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبر و اركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك، فإذا قام فالحق بالصف، فإذا جلس فاجلس مكانك، فإذا قام فالحق بالصف»

و خبر إسحاق ابن عمار(3)قال لأبي عبد الله (عليه السلام): أدخل المسجد و قد ركع الامام فأركع بركوعه و أنا وحدي و أسجد إذا رفعت رأسي أي

شي ء أصنع؟ قال: قم فاذهب إليهم و إن كانوا جلوسا فاجلس معهم»

و صحيح معاوية بن وهب (4)«رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يوما دخل المسجد الحرام لصلاة العصر فلما كان دون الصفوف ركعوا فركع وحده ثم سجد سجدتين ثم قام فمضى حتى لحق الصف».

و المناقشة في الأخير بأنه غير ما نحن فيه، لمعلومية كون الائتمام منه (عليه السلام) بهم تقية، فهو في الحقيقة منفرد يدفعها أنه و إن كان تقية إلا أن الظاهر مراعاة أحكام الجماعة كي لا ينكر عليه، على أنه من المحتمل كونه ائتماما حقيقة تقية و إن كان ظاهر الأدلة السابقة في القراءة خلف من لا يقتدى به ينافيه، لكن على كل حال لا بأس في الاستدلال بما يقع منه في كيفية الجماعة و إن كان أصل إظهاره الائتمام تقية، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 46- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.

ج 14، ص: 14

بل قد يقال: إنا في غنية عن ذلك كله بما دل (1)على جواز الفصل في الصلاة إذا كان قليلا، و على خصوص المشي (2)فيها أيضا، فحينئذ لا حاجة في إثبات جواز كل من الأمرين السابقين إلى دليل خاص، لكن ينبغي تقييده حينئذ بما إذا لم يكن حال الذكر في الركوع، كما في الدروس و الروض و المسالك و عن الميسية، و حال القراءة في القيام، لمنافاته حينئذ الطمأنينة المعتبرة فيهما، و تقييده أيضا

بما إذا لم يستلزم الانحراف عن القبلة كما في الذخيرة و عن المجمع، بل في حواشي الشهيد أنه نقله الفخر عن والده، فيرجع القهقرى حينئذ لو احتاج إلى الاستدبار مثلا، و تقييده أيضا بما إذا لم يكن بعد و نحوه يمنع من الائتمام كما في التذكرة و الذكرى و البيان و الروض و المسالك و جامع المقاصد و تعليق النافع و عن التنقيح و الهلالية و فوائد الشرائع و الجعفرية و شرحيها و الميسية و غيرها، و إلا لم يجز له الائتمام، بل ظاهر بعض مشايخنا اتفاق الأصحاب عليه و أن مقصودهم هنا بذكر الحكم المزبور الاستثناء من كراهة انفراد الإنسان بالصف وحده لا الاستثناء من التباعد و نحوه مما يمنع من الائتمام، و بالغ في إنكار ذلك حتى شنع على من تخيله، و ربما يؤيده أيضا ما في الخلاف و عن البيان من أنه يمشي إذا لم يقف بجنبه مأموم آخر، و إلا لم يستحب له الانتقال، بل قيل: إنه ظاهر المبسوط و التحرير و التذكرة و نهاية الأحكام أيضا، و هو كالصريح في أن بناء المسألة عندهم على استثنائها من كراهة الانفراد بالصف، بل قد يومي اليه في الجملة الخبران الأخيران، فحينئذ بناء على ذلك كله نستغني عن دليل بالخصوص لإثبات الحكم المزبور، بل تكفي تلك الأدلة العامة إلا في رفع كراهة الانفراد بالصف.

و من هنا قال في المنتهى: لو فعل ذلك من غير ضرورة و لا عذر و لا خوف


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 14، ص: 15

فوات فالظاهر الجواز، خلافا لبعض العامة، لأن للمأموم أن يصلي منفردا و أن يتقدم بين يديه، قيل: و أن يتأخر كما نص عليه جماعة من الأصحاب و نطقت به جملة من الأخبار(1)و النهي عنه محمول على الكراهة عند عدم الحاجة إليه، لكن قد يناقش بأن إطلاق الأدلة المزبورة و بعض الفتاوى يقتضي جواز المشي حال الذكر و القراءة، و تقييده بدليل الطمأنينة ليس بأولى من العكس، بل لعله أولى، لضعف دليلها عن تناول مثل المقام بحيث يتكل عليه في تقييد إطلاق هذا الحكم هنا الذي أول ما ينساق منه جوازه و إن فقدها، و لاغتفار أعظم من ذلك للجماعة، كما أنه يقتضي أيضا جواز الائتمام و إن كان بعيدا يمتنع ايتمامه اختيارا أي إذا لم يخف فوت الركوع لعين ما عرفت بل لعل الإطلاق هنا أيضا أظهر في التناول، بل ظاهر الأدلة أن هذا حكم ساغ لإدراك الجماعة و خوف فواتها لا أنه تنبيه و إدلال للمكلف على أمر سائغ في نفسه و إن لم يخف الفوات.

نعم لا وثوق في الإطلاق المزبور بالنسبة للجواز مع الحائل أو السفل أو استدبار القبلة و نحو ذلك مما لا ينتقل اليه من الإطلاق المذكور، و لا غرابة في ذلك، ضرورة تفاوت الأفراد و الأحوال بالنسبة إلى الإطلاقات، و مثله أو أدنى منه البعد الكثير

جدا المستلزم للمشي الكثير كذلك، بلى قد يستفاد من صحيح عبد الرحمن المتقدم أنه لو كان كثيرا في الجملة وزعه على الركعات كي لا يحصل مسمى الفعل الكثير، فيلحق بالصف حينئذ في الجملة عند قيام الإمام للركعة الثانية مثلا، ثم عند قيامه للثالثة بل الظاهر إرادة المثال من ذلك، و إلا فله الالتحاق في الجملة عند الركوع، ثم عند الرفع منه، ثم عند الجلوس و هكذا، إذ المراد أنه لا يفعله جميعه دفعة واحدة.

و لعله من ذلك كله توقف في الحكم المشهور في الجملة في الرياض تبعا للحدائق،


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب مكان المصلى.

ج 14، ص: 16

بل جزم به في الأخير فجوز المشي حال ذكر الركوع و الائتمام مع البعد المانع من الاقتداء في غير هذه الصورة المنصوصة، و قد يؤيده أيضا مضافا إلى ما سمعت أنه لو كان البعد بما لا يجوز له اختيارا مانعا شرعيا هنا أيضا و أن المسألة مستثناة من كراهة الانفراد في الصف خاصة لما كان الحكم هنا اتفاقيا، بل كان اللازم اختصاصه بالمشهور دون من لا يجوز التباعد بما لا يتخطى، مع أنه لم ينقل خلاف عنه هنا، بل قد يؤيده أيضا ظهور الوجوب من الأمر بالالتحاق و إن كان هو مخيرا فيه بين فعله حال الركوع مثلا و حال القيام، اللهم إلا أن يقال: إنه هنا لا يراد منه الوجوب قطعا، ضرورة أنه على هذا التقدير أيضا لم يرد منه خصوص المانع مثلا، بل أقصاه الإطلاق الشامل له و لغير المانع و هو في الثاني ليس للوجوب قطعا، فلا بد من حمله حينئذ على القدر المشترك بينهما الذي لا ريب في أولوية الندب منه، و احتمال أنه مختص بالبعد المانع، و غيره يفهم بالأولوية و نحوها بعيد، لكن و مع ذلك كله فالأحوط ما هو المشهور على الظاهر خصوصا في مثل ما نحن فيه من العبادة التوقيفية.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى اختصاص الحكم في موضع يصدق معه الدخول كالمسجد و نحوه، بل مورد الأول الأول، إلا أن الذي يقوى في النظر شمول الحكم حتى للصحراء على معنى وصوله إلى موضع يمكنه فيه الائتمام بأن لا يكون بعيدا عادة بناء على المشهور، أو الأعم منه و من موضع يسعه الالتحاق في الصفوف في الصلاة يمشي لا يدخل تحت مسمى الكثير. و لو لتوزيعه على أحواله من الركوع و القيام و نحوهما بناء على غيره، بل ربما قيل بدخول مثله تحت مسمى الدخول، إذ هو الكون في مكان بعد أن لم يكن فيه، كقوله جل اسمه (1)«ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ» إلا أنه كما ترى


1- 1 سورة المائدة- الآية 24.

ج 14، ص: 17

لا يساعد العرف عليه عند الإطلاق، و كذا ظاهر النص و الفتوى عدم اعتبار كيفية خاصة في المشي المأمور به للالتحاق، فينصرف إلى المتعارف، لكن في الدروس و النفلية و الفوائد الملية و الروض و الذخيرة و عن غيرها صريحا في بعض و ظاهرا في آخر أنه

يستحب له أن يجر رجليه، و لا بأس به، كما عن الفقيه من أنه

روي (1)«أنه يمشي في الصلاة يجر رجليه و لا يتخطى»

و كأنه أراد ذلك في الذكرى حيث نسبه فيها إليها، أو ما في النفلية من أنه

روى عبد الرحمن بن المغيرة «أنه لا يتخطى و إنما يجر رجليه»

حكاية لفعل الصادق (عليه السلام)، أما الوجوب- كما هو ظاهر الموجز و جامع المقاصد و المسالك أو صريحها، بل في صريح تعليق النافع و عن الغرية و فوائد الشرائع ذلك- فضعفه واضح، إذ دعوى محو غير هذه الكيفية الصلاة ممنوعة، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة إذا اجتمع خنثى مشكل و امرأة]

المسألة الثالثة إذا اجتمع خنثى مشكل و امرأة و انحصر الائتمام فيهما سقطت الجماعة بناء على وجوب وقوف الرجل المتحد عن يمين الامام، لتعذر النظم المحصل للاحتياط حينئذ، و وقفت الخنثى خلف الامام لاحتمال أنها امرأة و المرأة وراءه أي الخنثى لاحتمال أنه ذكر وجوبا كما هو ظاهر المحكي من عبارة المبسوط بل عن الإيضاح أنه حكاه عن ابن حمزة، و هو متجه على القول بتحريم المحاذاة، و إلا كان على الندب كما عن علم الهدى فيما نقل عنه و ابن إدريس و الفاضل و الشهيدين و غيرهم، بناء على غيره من كون ذلك مستحبا، و إلا

فيجوز وقوف الذكر المتحد خلفا، كما أنه يجوز وقوف المتعدد عن اليمين، نعم تسقط الجماعة عليه أيضا إن أريد نظمها على وجه يجمع الفضيلة و الاحتياط لتعذره حينئذ، إذ لعل الخنثى ذكر فينبغي وقوفه عن اليمين، و لو كان معهما رجل سقطت الجماعة أيضا بناء على وجوب وقوف


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 14، ص: 18

المتعدد من الذكر خلفا، لتعذر الاحتياط أيضا، و وقف الرجل عن اليمين أو خلفا و الخنثى خلفه و المرأة خلف الخنثى بناء على غيره، نعم تسقط عليه أيضا لو أريد النظم الجامع للفضيلة و الاحتياط.

و لو كانوا رجالا و خناثى و نساء وقف الرجال خلف الامام و الخناثى خلفهم و النساء خلف الخناثى وجوبا أو ندبا على القول بحرمة المحاذاة و عدمها، و لو كان معهم صبيان ففي تقديمهم على الخناثى و تأخيرهم عنها قولان ينشئان من معلومية ذكورية الصبيان و من تكليف الخناثى دونهم، و لو كان معهم خصيان قدموا على من عدا الرجال من النساء و الصبيان و الخناثى، و أخروا عن الرجال كما في التحرير و عن السرائر و أبي علي و استقربه في المختلف و استحسنه في الذكرى، و لا بأس به إن كان المراد الندب و إن كان دليله محض اعتبار.

هذا كله بناء على مراعاة الواقع في الذكورة و الأنوثة جوازا و منعا و فضلا، و إلا فلو قيل بأن المدار على العلم جاز محاذاة الخنثى للرجل و للمرأة، و لعله لذا حكي عن ابن حمزة أنه منع من محاذاة المرأة للرجل و جوز محاذاة الخنثى لكل منهما، و قد تقدم عند البحث في موقف النساء و الرجال شطر صالح مما هنا، فلا نعيده، على أنه واضح بأدنى تأمل في الصور المتصورة في المقام، كوضوح الوجه في الجميع.

[المسألة الرابعة في الائتمام بإمام واقف في محراب داخل]

بل و تقدم أيضا عند ذكر المصنف عدم جواز الجماعة مع الحائل ما يستفاد منه تمام البحث في المسألة الرابعة التي ذكرها المصنف هنا، و هي أنه إذا وقف الإمام في محراب داخل فصلاة من يقابله و يشاهده ماضية لوجود المقتضي و عدم المانع دون صلاة من إلى جانبيه أي الإمام، لحيلولة جدران المحراب حينئذ، إذ الفرض دخوله، أو جانبي المأموم المقابل لذلك أيضا مع عدم الاكتفاء بمشاهد المشاهد على اختلاف التفسيرين كما سمعت إذا لم يشاهده، و يجوز صلاة الصفوف الذين وراء الصف

ج 14، ص: 19

الأول الذي فيه الإمام لأنهم يشاهدون من يشاهده و لو بوسائط و لو بأطراف العيون، أو المراد بالأول الصف الذي فيه مقابل الامام، فتختص حينئذ صحة جميع الصف بمن هو خلف الصف الأول، لكون ذلك المقابل فيه بمنزلة الإمام لهم، و لا حائل بينهم و بينه بخلاف من كان على جانبي ذلك المقابل، لوجود الحائل بينهم و بين الامام و لا دليل على إجزاء مثل هذه المشاهدة التي هي بأطراف العيون مثلا في صحة الجماعة، و قد تقدم تحقيق ذلك كله هناك، فلاحظ و تأمل و إن أطنب الفاضل المعاصر هنا في الرياض، و بالغ في نفي الخلاف بين الأصحاب في الاجتزاء بمثل هذه المشاهدة مستشعرا له من عبارات بعض المتأخرين و إرسالهم له إرسال المسلمات.

كما أنه بالغ في أن المراد من عبارات الأصحاب التي هي كعبارة المتن المعنى الأول حاملا للأول فيها على الأول، و قال: ليس في شي ء منها ما يأبى ذلك سوى عبارة القواعد مع أنها قابلة للتأويل أيضا، نعم توقف في إقامة الدليل من جهة النص خاصة على الاكتفاء بمثل هذه المشاهدة معللا ذلك بأنه ليس إلا الصحيحة(1)المتقدمة في بحث الشروط، و دلالتها على ذلك غير واضحة، قال: إلا أن تتمم بفهم الطائفة مع احتمال تتميمها من غير هذه الجهة، ثم قال: هذا و في

الصحيح (2)«لا أرى بين الأساطين بأسا»

و في آخر(3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أصلي في الطاق يعني المحراب، فقال: لا بأس إذا كنت تتوسع به»

ثم قال: و في هذا إشعار بل ظهور.

تام بصحة صلاة المأمومين من جانبي من يقابل الامام خلفه في المحراب، إذ معها تحصل

التوسعة الكاملة المتبادرة من الرواية، و إلا فلا يحصل من ولوجه في المحراب إلا التوسعة


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 59- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 61- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 14، ص: 20

بنفس واحدة، و هي خلاف المتبادر منها كما عرفته، فتأمل، قلت: لقد أجاد بأمره في التأمل بعد ذلك، إذ دعوى ظهور الخبر المزبور بما ذكره مع ندرة المحراب المفروض- خصوصا بعد التعبير فيه بالطاق و ظهور الخطاب في التوسعة للإمام خاصة- في غاية الغرابة كما هو واضح.

[المسألة الخامسة لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام]

المسألة الخامسة لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام في الأفعال المشتركة بينهما لغير عذر إذا لم ينو الانفراد، ضرورة وجوب المتابعة عليه التي يقدح فيها المفارقة إذ هي تتحقق بسبقه في الفعل أو تأخره عنه تأخرا معتدا به، و قد عرفت فيما مضى حرمتهما على المأموم إجماعا في الأول، و بلا خلاف معتد به في الثاني لما سمعته سابقا، بل ظاهر المدارك و الذخيرة و الحدائق هنا الإجماع عليه، بل هو كاد يكون صريح الرياض، قال في الأول: «أما أنه لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام بدون نية الانفراد لغير عذر فلا ريب فيه للتأسي، و عموم

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، و إذا سجد فاسجدوا»

و من العذر ائتمام المسبوق حيث يكون تشهده في غير موضع تشهد الإمام، فإنه يفارقه و يتشهد ثم يلحقه» ثم نقل خلاف الأصحاب في نية الانفراد، فنفيه الريب فيه أولا و جعله الخلاف فيما إذا نوى الانفراد ثانيا ظاهر في قطعية المسألة عنده و عدم خلاف فيها بين الأصحاب، كما أن قوله: «و من العذر» إلى آخره، ظاهر في إرادته ما يشمل التأخر في الجملة من المفارقة لا السبق خاصة و لا خصوص التأخر تمام الصلاة، و قال في الثاني: «الظاهر أنه لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام بدون نية الانفراد لغير عذر عند الأصحاب» و استدل عليه بالتأسي و بما

روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) «إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به»

قال: و في الوجهين نظر، نعم يمكن أن يقال: الصلاة عبادة تحتاج إلى توقيف الشرع


1- 1 كنز العمال ج 4 ص 250- الرقم 5224.

ج 14، ص: 21

و ليس هناك ما يدل على شرعيتها بهذا الوجه، ثم ذكر الخلاف بين الأصحاب في نية الانفراد، و مثله في الحدائق غير أنه زاد التصريح بأن من العذر جلوس المسبوق للتشهد حال قيام الامام فيتشهد ثم يلحق به، ثم قال: و كذا من تخلف عنه بركن أو أكثر لعذر من سهو أو ضيق

مكان كما تقدم، فإنه يأتي بما سبقه و يلحق به و لا يضر تأخره عنه لمكان العذر، و هو صريح فيما سمعت، و قال في الرابع عند رد ما استظهره من عبارة النافع من عدم جواز تسليم المأموم قبل الامام بدون نية الانفراد: «إني لم أعرف له وجها عدا الاتفاق على عدم جواز مفارقة المأموم الإمام في غير المقام من سائر أحوال الصلاة من غير نيتها، فكذا هنا، و هو كما ترى» إلى آخره، و الظاهر أن مراده بقوله:

«كما ترى» الفرق بين المقام و محل الإجماع بالفعلية التي تجب المتابعة فيها و القولية التي ليست كذلك، لا منع الإجماع كما يرشد إلى ذلك ملاحظة ما بعد ذلك من كلامه، إلى غير ذلك من عباراتهم.

بل قد يستفاد أيضا ضرورية الحكم به من شرح المولى الأكبر على المفاتيح كما لا يخفى على من لاحظ كلامه في المتابعة و في المقام، فلاحظ و تأمل، هذا، مع أن المتبع الدليل و قد سمعته سابقا عند البحث في المتابعة، إلا أنا ذكرنا ذلك هنا تأييدا له لما سمعناه من بعض مشايخنا المعاصرين من الحكم بجواز مفارقة الإمام بمعنى التأخر عنه في الأفعال اختيارا من دون نية و عذر في الركن و الركنين فصاعدا، و لا ريب أنه اشتباه و توهم من بعض العبارات التي قدمناها سابقا في تفسير المتابعة و آخر منها المشتمل على التصريح بالصحة لو تخلف بركن و نحوه، و قد عرفت الوجه في الجميع فيما مضى، خصوصا الثانية إذ المفارقة بمعنى التأخر و إن منعناها لكنه لا يزيد على منعها بمعنى السبق الذي قلنا إنه إثم خاصة لا بطلان و إن أوهمته بعض العبارات، منها عبارة الذخيرة السابقة حيث استوجه الاستدلال بما سمعت المقتضي بظاهره الفساد، و نحوها عبارة الحدائق، بل قد

ج 14، ص: 22

عرفت فيما مضى إنكاره على الذكرى الظاهر في ذلك، و منها عبارة الرياض و غيره حيث استوجه حمل عبارة الشيخ الآتية التي هي أطلق فيها بطلان الصلاة مع المفارقة لغير عذر على إرادة عدم النية، و ظاهره تسليمه البطلان حينئذ، بل ظاهره أنه من المسلمات عند غيره أيضا، و منها عبارة التذكرة و غيرها السابقة في بحث المتابعة، و الأقوى عدم البطلان كما عرفت فيما مضى و إن كان يأثم، فلاحظ و تأمل.

و أما جواز المفارقة للعذر ففي المدارك و الذخيرة و الحدائق أنه لا ريب فيه، و في المنتهى الإجماع عليه، بل قد يظهر من المتن و الفاضل جوازها من دون نية للانفراد، و هو متجه في العذر الذي لا يذهب القدوة، بل أقصاه التخلف في الجملة، كتشهد المسبوق و مزاحمة المأموم عن الركوع مع الإمام أو تركه غفلة أو نحوها مما ورد في النصوص (1)فعلها ثم اللحوق بالإمام، و لذا قال المولى الأكبر في شرح المفاتيح: إن المراد بالعذر هنا هو خصوص المواضع التي ورد من الشرع جواز مفارقته بالنحو الذي ورد، بل و كذلك هو

متجه أيضا في مثل الأعذار التي تفرد المأموم عن الامام قهرا كانتهاء صلاة الإمام قبل المأموم أو تبين عدم قابليته للإمامة بفسق أو كفر أو حدث أو نحوها، لمعلومية انتفاء المشروط بانتفاء شرطه من غير حاجة إلى نية، نعم قد يقدح بقاؤه على الائتمام بعد علمه بانتفاء الشرط مثلا من العدالة و نحوها للتشريع أو للنهي أو لغيرهما، و هو غير نية الانفراد.

و أما الأعذار التي تلجئه إلى إتمام صلاته قبل صلاة الإمام كحدوث وجع في بطنه مثلا أو مزاحمة بول أو غائط و نحوها فالظاهر أنه لا بد فيها من نية الانفراد و إن كان يكفي فيها قصد المكلف هذه المفارقة و قصد سبق إمامه في الصلاة جمعا بين ما دل على جواز المفارقة في مثل هذا الحال و بين ما دل على وجوب متابعة المأموم، فحينئذ له


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة و الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة.

ج 14، ص: 23

التخلص من الثاني بنية الانفراد، و لعل عدم الإشارة إليها في الأخبار الدالة على جواز المفارقة في مثل الفرض لضرورية حصولها لمريد المفارقة بإرادته ذلك، و معلومية ذهاب الائتمام بمثل تعمد هذا السبق و التأخر، و بعد احتمال تخيل المكلف بقاء ائتمامه و إن لم يتابع لمكان العذر أو غفلته عن قصد الانفراد مثلا و عدمه.

فلو ذهب عارضه في الأثناء و أراد الرجوع إلى إمامه بنى، بناء على جواز تجديد نية الائتمام للمنفرد، بل لعل ما نحن فيه أولى منه، لسبق ائتمامه ببعض هذه الصلاة، بل ينبغي القطع به إن جوزنا تلك المفارقة للمأموم من غير نية انفراد، بل لمكان العذر جاز له سبقه له مثلا، و إلا فهو باق على ائتمامه إلى أن تنتهي صلاته، إذ هو حينئذ مأموم، و لعل من جوز له المفارقة من غير نية كما يقتضيه بعض إطلاقات الفتاوى يريد هذا المعنى لا أنه يصير منفردا بغير نية كالعذر السابق، إلا أنه ينبغي تقييده بما إذا كانت مفارقته في غير محل القراءة.

و كيف كان فالظاهر إرادة خصوص العذر المزبور لمن قيد جواز المفارقة مع العذر بنية الانفراد كما عن بعضهم لا الأعذار السابقة خصوصا الأول، ضرورة بقاء الاقتداء فيه المنافي لنية الانفراد، فكان من أطلق جواز المفارقة مع العذر بدون نية أراد مثل ذلك العذر، و من قيد أراد ما سمعت، و الأمر سهل.

لكن ينبغي أن يعرف خصوص الأعذار التي تجوز المفارقة مع بقاء القدوة، إذ قد عرفت أن مدار أكثرها على النص، و تسمعه إن شاء الله في المسبوق، بل تسمع أنه هل التخلف لقراءة السورة أو إتمام الفاتحة مثلا منه أو لا؟ إلا أن هذا في خصوص المفارقة بالتأخر عنه، أما المفارقة بالتقدم على الامام بمعنى ركوعه مثلا قبل ركوعه مع بقاء الاقتداء فليس في شي ء من النصوص ذكر عذر لها عدا السهو و النسيان و ظن فعل الامام، و معها يسقط التكليف بالمتابعة، مع أنه بعد التنبه يجب عليه الرجوع إليها، نعم

ج 14، ص: 24

يمكن تصوره بما إذا حدث للمأموم مرض مثلا ألجأه إلى سبق الإمام في الركوع مثلا خاصة لا إلى إرادة المفارقة رأسا، و لعله الظاهر من إطلاق بعض الفتاوى أنه لا بأس به و أنه كالتأخر، فيبقى ائتمامه حينئذ و إن سبقه عمدا، لكنه لا يخلو من إشكال، لاحتمال وجوب نية الانفراد عليه ثم إتمام صلاته، و هكذا في كل عذر غير منصوص حتى للتأخر، و الله أعلم.

و أما الأعذار التي تصير المأموم منفردا قهرا فليست محتاجة إلى حصر و عد لوضوحها، إنما الكلام في الأعذار التي تلجئه إلى اختيار الانفراد، فهل المدار فيها على الضرر أو هو مع فوات النفع أو الأعم منها؟ ليس في شي ء من النصوص أيضا تعرض لها، و لا تعليق فيها على العذر كي يرجع فيها إلى العرف، نعم قد يستفاد من النصوص (1)الواردة في جواز التسليم قبل الامام لطوله في التشهد و نحوه تعميم العذر فيها للأعم مما يمكن تحمله و ما لا يمكن، و ما يكون فيه ضرر و ما لا يكون، فيكون الخارج حينئذ الانفراد لا لغرض من الأغراض المعتد بها، و ما عداه فهو من الانفراد لعذر، و ربما يؤيده إطلاق الأصحاب العذر، إذ الظاهر إرادتهم الغرض و الحاجة منه و لا بأس به.

على أنه لا ثمرة لنا في البحث عن ذلك ف ان المختار عندنا أنه إن نوى الانفراد في الجماعة المندوبة جاز مطلقا لعذر كان أولا، وفاقا للأكثر، بل المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في المدارك و الحدائق أنه المعروف من كلام الأصحاب، بل في الرياض نفي

ظهور الخلاف فيه إلا من المبسوط، بل في ظاهر المنتهى أو صريحه و التذكرة و عن صريح نهاية الأحكام و إرشاد الجعفرية الإجماع عليه، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 14، ص: 25

لعله كما قيل ظاهر الخلاف أو صريحه أيضا، و هو الحجة بعد اعتضاده بالأصل، و بإطلاق ما دل على جواز التسليم قبل الامام مما مضى و يأتي، و باستصحاب بقاء جواز الانفراد له و بظهور الأدلة في استحباب الجماعة ابتداء و استدامة، و خروجها عن مهية الصلاة و إلا كانت معتبرة في صحتها و هو واضح الفساد، فابطالها حينئذ بعدم استدامة نيتها لا يستلزم إبطال الصلاة و لا إثم فيه، ضرورة اختصاص النهي عن إبطال العمل لو سلم إرادة ما يشمل مثل ذلك منه، إذ من المحتمل في الآية(1)إرادة الابطال بنحو الارتداد و شبههه بالصلاة لا كل عمل، بل الظاهر إرادة الواجبة منها كما حرر في محله، و لقد أجاد الأردبيلي فيما حكي عنه من الاستدلال على جواز المفارقة قبل التسليم بالأصل و كون الجماعة مندوبة، و لا تجب المندوبة بالشروع عندهم إلا الحج بالإجماع.

و ما عساه يقال- من أن الجماعة وصف لماهية الصلاة كالظهرية و العصرية و نحوهما لا أنها من الأوصاف الخارجية كالمسجدية و نحوها، و لذا بطلت الصلاة في فقدان أحد الشرائط

السابقة من الحائل و العلو و نحوهما و لو كان لم يعلم بهما المكلف حتى فرغ، فلا يجوز العدول حينئذ إلا بدليل خاص مثل العدول بالانفراد إلى الائتمام و العدول بالظهر إلى العصر و نحوهما، لا مثل العدول من إمام إلى آخر، إذ لو سلم جوازه اختيارا أمكن الفرق بينه و بين المقام بأن خصوص الامام من مشخصات أفراد الصلاة كالمكان الخاص و الساتر الخاص و نحوهما بخلاف أصل الجماعة التي بسببها تنقسم الصلاة قسمين فرادى و جماعة- يدفعه أولا ما عرفت من وجود الدليل على ذلك، كالإجماعات المحكية المعتضدة بما عرفت من الشهرة و نحوها، و ثانيا منع كون الجماعة من الأوصاف المقومة المنوعة، بل ليست هي إلا كالمسجدية و الإمامة و نحوهما، و ثبوت بعض الأحكام لها لا يستلزم كونها كذلك، و من هنا لم تبطل الصلاة في جملة من المقامات التي انقطعت


1- 1 سورة محمد صلى الله عليه و آله- الآية 35.

ج 14، ص: 26

الجماعة فيها بموت الامام و حدثه و نحوهما، و لم يقتصروا على المنصوص بل تعدوا منها إلى غيرها كما يفهم من ذلك المقام، و بطلان الصلاة للأمور السابقة بعد التسليم ليس للتقويم بل لظهور الأدلة في أنها شرائط للصلاة حال كونها جماعة لا أنها شرائط للجماعة، فتأمل.

و بالجملة لا فرق بين الإمامة و المأمومية بالنظر إلى الصلاة، و تمام الكلام محتاج إلى إطناب تام كما لا يخفى بعد التأمل فيما عرفت، و اعتضاده أيضا بما يظهر للفقيه الممارس العارف بلسان الشارع و محاوراته من سبرة الأدلة الواردة في مفارقة المأموم عند عروض ضرورة لامامه، و الأدلة الواردة في المسبوق و في ائتمام المتم بالمقصر، و في جواز التسليم قبل الامام، و في صلاة ذات الرقاع و نحو ذلك من عدم توقف صحة الصلاة على بقاء الجماعة، و أنه لا مدخلية لها فيها، و احتمال الإثم خاصة يدفعه ما عرفت سابقا من أن العمدة في وجوب المتابعة الإجماع و نحوه مما هو معلوم عدم شموله لمثل المقام الذي ينوى فيه الانفراد، كاحتمال قصر تلك الأماكن على محالها، و عدم استفادة ما ذكرنا منها، إذ هو كما ترى مناف لمقتضى المفهوم منها لدى كل ممارس لكلماتهم (عليهم السلام) عارف باراداتهم (عليهم السلام)، بل الظاهر أن ذلك كله مورد فيها لا شرط، بل قد يدعى إطلاق بعضها.

و نحوه احتمال عدم تأثير هذه النية في صيرورته منفردا و إن لم نقل بإبطالها الصلاة بل هو أوضح منه فسادا، ضرورة أن الأعمال بالنيات، و لا عمل إلا بنية، و لكل امرئ ما نوى، كل ذا مضافا إلى الاعتضاد بالشهرة العظيمة، بل عدم الخلاف إلا من المبسوط، فقال: «من فارق الامام لغير عذر بطلت صلاته، و من فارقه لعذر و تمم صحت صلاته» و المحكي عن ناصريات السيد أنه «إن تعمد سبقه إلى التسليم بطلت صلاته» مع احتمالهما كما قيل حال عدم نية الانفراد و إن كان البطلان المذكور في كلامهما محل منع على هذا التقدير أيضا، لما عرفت من تعبدية وجوب المتابعة في الأفعال دون

ج 14، ص: 27

الأقوال لا شرطيته، فحكمهما حينئذ بالبطلان خصوصا الأخير كما تعرفه عند تعرض المصنف له محل منع و إن بالغ في نصرته المولى الأكبر في شرح المفاتيح تبعا لتردد جملة من متأخري المتأخرين فيه مما عرفت، و من أن العبادة توقيفية، و المتيقن في الصحة و إسقاط القراءة و اغتفار زيادة الركن مثلا حال استمرار القدوة دون غيره، و من عدم تصريح في الأخبار به، بل قد يومي أكثرها كالمأموم فيها بالاستخلاف (1)و بالرجوع إلى الامام لو سبقه (2)و غيرها إلى عدمه، و إلا لعولج به في بعض هذه المقامات، و لا احتيج إلى ذكر العذر من الحاجة و نحوها في جواز المفارقة، و من غير ذلك من الأمور التي لا تستأهل ردا لوضوح ضعف إشعارها جميعا، كوضوح ضعف استدلال بعضهم] بالصحيح السابق (3)في الاستخلاف الظاهر في وجوب الاستخلاف الذي قد عرفت وجوب حمله على الندب للإجماع، و للصحيح الآخر(4)و غيرهما، و بالجملة فالمسألة من الواضحات.

ثم إن الظاهر إذا نوى الانفراد جريان حكم المنفرد عليه من محل نيته، حتى لو كان في أثناء قراءة الحمد أو السورة وجب عليه إتمامهما خاصة لا استئنافهما من الأول و لا سقوطهما من رأس كما صرح به جماعة، بل لعله كذلك في أثناء الكلمة الواحدة فضلا عن

غيرها، إلا أن الانصاف أن للتأمل فيه بل و فيما هو بمنزلة الواحدة مجالا، لكن في التذكرة بل و تعليق الإرشاد و المسالك و عن نهاية الأحكام و الغرية أنه يعيد السورة التي فارق فيها، بل استوجه في الذكرى استئناف القراءة مطلقا، لأنه نوى الانفراد في محل القراءة فوجبت عليه، لأصالة عدم سقوطها، و الأول أقوى، تحكيما


1- 1 الوسائل- الباب- 72- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب صلاة الجماعة.
3- 3 الوسائل- الباب- 72- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 14، ص: 28

لإطلاق أدلة الضمان و إن كان الأحوط الاستئناف بنية القراءة المطلقة، هذا، و في المسالك «أنه بناء على القول بإعادة السورة التي فارق فيها لو كان الامام قد تجاوز نصف السورة لم يجز له العدول عنها، و كذا لو كانت مفارقته في الجحد و التوحيد مطلقا في غير الجمعتين، و على القول الآخر له قراءة أي سورة شاء» و فيه بحث.

و كيف كان فالظاهر جواز نية الانفراد في جميع أحوال الصلاة، و لا يشترط الدخول معه في ركن، فلو أدركه في أثناء القراءة و فارق قبل الركوع صح كما صرح به في المسالك و الروض، و احتمال توقف انعقاد الجماعة على إدراك ركوع الركعة الأولى بحيث إن لم يركع معه ينكشف أن لا ائتمام واضح الفساد، لمنافاته لإطلاق أدلة الدخول في الجماعة، و خصوص صحيح ابن الحجاج (1)عن أبي الحسن (عليه السلام) الوارد في الجمعة المشتمل على المفارقة في ركوع الأولى للزحام، و ما

ستسمعه من الإجماع المحكي على إدراك الجماعة و إدراك الركعة بإدراك الإمام قبل الركوع في المسألة التاسعة من مسائل هذا الكتاب، و لإطلاق الفتاوى في المتابعة و غيرها، و النصوص (2)الدالة على عدم الإدراك إذا لم يدرك الركوع يراد منها كما لا يخفى على من لاحظها ابتداء الائتمام لا من حصل منه ذلك و اتصف بوصف المأمومية و تحمل الإمام القراءة عنه، و

للخبر(3)الذي استدل به الفاضل في المنتهى على أصل جواز نية الانفراد راويا له عن ابن بابويه، قال: «كان معاذ يصلي في مسجد على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و يطيل القراءة و أنه مر به رجل فافتتح سورة طويلة فقرأ الرجل لنفسه و صلى ثم ركب راحلته، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه و آله) فبعث إلى معاذ فقال: يا معاذ إياك أن تكون


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب صلاة الجماعة.
3- 3 الوسائل- الباب- 69- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 14، ص: 29

فتانا، عليك بالشمس و ضحاها و ذواتها»

و إن كان هو لا صراحة فيه بالركعة الأولى كما أنه لا صراحة فيه على ما استدل به الفاضل عليه من جواز نية الانفراد، لعدم ثبوت حجية فعل ذلك الرجل، و عدم ثبوت تقرير النبي (صلى الله عليه و آله) له، اللهم إلا أن يكون هو الذي أبلغ النبي (صلى الله عليه و آله) كما

رواه الجمهور و مع ذا لم ينكر عليه و لم يأمره بالإعادة.

و على كل حال فلا إشكال في عدم اعتبار ركوع المأموم مع الإمام في الانعقاد بعد فرض اقتدائه به في أثناء القراءة أو ابتدائها، نعم يجزي عندنا إدراك الركوع في إدراكهما، على أن المراد بإدراكه سبق نية المأموم بحيث يكون لو أراد الإدراك لأدرك لا أنه تتوقف صحة جماعته على فعل الركوع معه، و ربما كان لهذا البحث ثمرة أخرى و هي أنه لو لم يتابعه فيه بأن سبقه أو تأخر عنه من غير نية الانفراد لم تبطل جماعته بناء على الأصح عندنا من تعبدية المتابعة لا شرطيتها من غير فرق بين الركوع الأول و غيره، فتأمل جيدا.

أما إذا كانت الجماعة واجبة كالجمعة مثلا فليس له نية الانفراد حينئذ اختيارا بلا إشكال و لا خلاف كما اعترف به بعضهم، لكن إذا كان الوجوب أصليا تتوقف صحة الصلاة عليه كجماعة الجمعة لا إذا كان عارضيا بنذر و نحوه، فإنه و إن كان لا يجوز بل يأثم و تجب عليه الكفارة إلا أن الظاهر صحة الصلاة، لعدم صيرورته شرطا بالنذر مع احتمال الفساد أيضا، و لو كانت مندوبة تتوقف صحة الصلاة عليها كالمعادة ندبا فالظاهر عدم جوازها أيضا، لتوقف صحة الصلاة على الجماعة، فلو نوى الانفراد حينئذ و فارق بطلت صلاته، بل و إن لم يفارق أيضا، لصيرورة موافقته بعد نيته الانفراد موافقة اتفاقية أو قصدية لكن مع عدم قصد الجماعة، و دعوى عدم البطلان بنيته الانفراد في كل ما لا يجوز فيه ذلك للغوية نيته و هذريتها بعد فرض وجوب الجماعة

ج 14، ص: 30

شرطا أو شطرا و شرعا عليه، فان لم يفارق حينئذ كان غير آثم مع صحة جماعته، و إلا كان آثما خاصة لا لنية الانفراد بل لتركه المتابعة و لو مع نيته الإمامة، و جماعته حينئذ صحيحة، يدفعها وضوح عدم التلازم بين الوجوب و بين عدم الفساد إذا لم تحصل استدامة النية، لما دل على شرطيتها في سائر الأعمال ابتداء و استدامة، فكون الشي ء واجبا لا يستغني عن النية فضلا عن أن لا يفسده عدمها، و إلا لجاز عدم استدامة النية في الصلاة و غيرها من الأعمال، و هو واضح البطلان.

ثم إنه قد يستفاد مما اخترناه- من جواز نية الانفراد اختيارا من حيث اقتضائه تلفيق الصلاة من الجماعة و الانفراد، و من حيث استدلال غير واحد من الأصحاب على ذلك المقام باستحباب الجماعة، و هو مشترك بينهما- جواز نية الائتمام للمنفرد طلبا لفضيلة الجماعة أيضا، لعدم الفرق في ذلك بين الأول و الأخير، بل في كشف الالتباس أن ظاهر الشهيد أن نقل الجماعة إلى المنفرد مبني على جواز نقل المنفرد إلى الجماعة و إن كنا لم نتحققه، بل في الدروس و البيان أن للمأموم الاقتداء في تتمة صلاته بآخر من المؤتمين، و في جوازه بإمام آخر أو منفرد وجهان مبنيان على جواز تجديد نية الائتمام للمنفرد، و هي شي ء آخر غير ما استظهره، لكنه في الجملة مؤيد لما قلناه من ارتباط هذه المسائل بعضها ببعض، لكون المدار فيها جميعا التبعيض، بل لعله من بعض أفراد ما نحن فيه، لصيرورته منفردا بانتهاء صلاة الإمام، هذا.

مع إمكان دعوى أن ذلك هو قضية أدلة استحباب الجماعة في الصلاة أيضا، لعدم الفرق بين الجملة و الأبعاض، و احتمال اختصار (اختصاص خ ل) الاستحباب المزبور في الأول خاصة يدفعه- مع عدم مساعدة الأدلة عليه- ما ذكرناه من جواز نية الانفراد في الأثناء، بل قد ينقدح من ذلك و نحوه جواز نية الائتمام به ببعض

ج 14، ص: 31

الصلاة من أول الأمر كما جاز له حينئذ ذلك في الائتمام بمن يعلم انتهاء صلاته قبله كالمسافر و نحوه.

و مع ذلك كله فلا ريب في أن سبر الأدلة قاض بتوسعة الأمر في الجماعة، و لذا جاز فيها نقل الائتمام من شخص إلى آخر في الاستخلاف، بل الظاهر استخلافه و إن لم يكن مأموما، خلافا لبعضهم، كما أن الظاهر من إطلاق بعض تلك الأدلة جواز صيرورة الامام مأموما بالخليفة إذا كان عزله لفسق و نحوه، و من المعلوم أنه منفرد بل ربما كان قضية إطلاق بعض أدلة الاستخلاف الجواز و إن تخلل بين الائتمامين نية الانفراد، بل لعل الاستخلاف في صورة الموت و نحوه إنما هو بعد صيرورة المأموم منفردا آنا ما، ضرورة أنه لا معنى لكونه مأموما بلا إمام، بل قد ذكرنا هناك قوة عدم اقتصار الاستخلاف على الصور المنصوصة، و قوة جواز الائتمام بآخر اختيارا و إن كان كثير من ذلك محل خلاف و نظر، بل ظاهر الأكثر أو صريحهم عدم جواز الانتقال من إمام إلى إمام آخر في غير صورة الاستخلاف، إلا أنه يقوى في النظر الجواز، للاستصحاب و ظهور الأدلة في الموردية و المثالية، و لغير ذلك وفاقا للتذكرة و ظاهر المحكي عن نهاية الأحكام، بل احتمله في الذكرى أيضا، لكن إذا كان المنتقل إليه أفضل كما عن إرشاد الجعفرية سواء كان المنتقل إليه إماما أو منفردا أو مأموما نوى الانفراد.

بل قد يقوى في النظر من ذلك كله جواز تجديد المنفرد نية الائتمام لما عرفت و لإجماع الفرقة و أخبارهم المحكيين في الخلاف عليه، و في ظاهر التذكرة أنه ليس بعيدا من الصواب، بل ظاهر الذكرى هنا كما عن نهاية الأحكام القول به أو الميل اليه و إن توقف فيه على الظاهر في الدروس و البيان، لكنه مال في الذكرى إلى الجواز هنا، بل و في بحث تقدم المأموم على الإمام في الموقف، فلاحظ.

ج 14، ص: 32

خلافا لجماعة منهم الفاضل و المحقق الثاني فمنعوا من ذلك، لتوقيفية العبادة مع حرمة القياس، و لأنه لو جاز تجديد الائتمام لم يؤمر المصلي بقطع صلاته أو نقلها إلى النفل ثم إدراك الجماعة، و لما قيل من أن ذلك كله كان في بدء الإسلام فكان يصلي المسبوق ما فاته و يأتم بالباقي ثم نسخ، و فيه أن ظن الفقيه من الأدلة السابقة كاف في إثبات التوقيفي و مخرج عن القياس، و احتمال أن الأمر بالقطع أو النقل لتحصيل كمال فضيلة الجماعة بإدراكها من أولها كما اعترف به في الذكرى، بل ربما يومي هذا إلى المطلوب في الجملة، ضرورة أولوية النقل إلى الائتمام منهما كما أشار إليه في الذكرى، و أن النسخ غير ثابت، لكن في الذكرى الجواب عنه تبعا للتذكرة بأنه غير محل النزاع و ظاهره تسليم ذلك، و الفرق بين نقل المنفرد لا لسبق الامام له و بينه للسبق، إلا أنه كما ترى، هذا كله، و الانصاف عدم ترك الاحتياط في مثل ذلك.

[المسألة السادسة الجماعة جائزة في السفينة الواحدة]

المسألة السادسة الجماعة جائزة في السفينة الواحدة و في سفن عدة سواء اتصلت بشد بعضها ببعض و نحوه أو انفصلت بلا خلاف و لا إشكال مع الجمع للشرائط المعتبرة في الجماعة، لإطلاق الأدلة، و خصوص

صحيحة يعقوب بن شعيب (1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «لا بأس بالصلاة جماعة في السفينة»

و صحيحة علي ابن جعفر(2)عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن قوم صلوا جماعة في سفينة أين يقوم الامام؟ و إن كان معهم نساء كيف يصنعون أ قياما يصلون أم جلوسا؟ قال:

يصلون قياما، فان لم يقدروا على القيام صلوا جلوسا، و هم يقوم الإمام أمامهم و النساء خلفهم، و إن ضاقت السفينة قعدن النساء و صلى الرجال، و لا بأس أن يكون النساء بحيالهم»

خلافا للمحكي عن بعض العامة من المنع للجماعة في السفن المتعددة مع الانفصال


1- 1 الوسائل- الباب- 73- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 73- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 14، ص: 33

و لا ريب في ضعفه، نعم في المدارك و غيرها أنه يعتبر الأمن من فوات بعض شرائط الجماعة، و لعله لعدم تحقق النية إن لم يثق بذلك، لكن لا يخفى أنه محل للنظر، بل له الائتمام حينئذ و إن لم يثق، ضرورة عدم اشتراط صحة الائتمام بإحراز ما يعتبر فيه في تمام الصلاة، إذ له حينئذ نية الانفراد أو الاستخلاف أو غير ذلك.

كما أنه يتعين البطلان لو استصحب نية الائتمام مع فوات بعض شرائطه كما صرح به في التذكرة و القواعد و الذكرى و المسالك و ظاهر البيان في تقدم سفينة المأموم على سفينة الامام خلافا للخلاف، فقال: لا تبطل لو تقدمت معللا له بعدم الدليل، بل ظاهره فيه عدم البطلان أيضا لو حصل البعد المفرط ما لم يمنع المشاهدة لذلك أيضا، كما سمعته سابقا في الشرائط، و فيه أنه يكفي ما دل على اعتبار مثل ذلك في الجماعة الشاملة للفرض من غير حاجة إلى دليل بالخصوص، كما هو واضح، و من هنا احتمل في الذكرى أن الشيخ يريد في صورة التقدم إذا انفرد أو استدرك التأخر لصحتها حينئذ كما صرح بها فيها، بل و في التذكرة و البيان و المسالك أيضا، لكن مع نية الانفراد خاصة، و فيه أنه يمكن دعوى البطلان بمجرد حصول التقدم و لو آنا ما، فلا تجديد نية الانفراد إلا إذا سبقت على التقدم، و قد تقدم لنا بعض البحث في ذلك مع الشهيد في الذكرى في بحث الموقف، حيث أنه قد صرح فيها بأنه لو تقدم المأموم في أثناء الصلاة متعمدا فالظاهر أنه يصير منفردا لا خلافه بالشرط، و يحتمل أن يراعى باستمراره أو عوده إلى موقفه، فان عاد أعاد نية الاقتداء، و لو تقدم غلطا أو سهوا ثم عاد إلى موقفه فالظاهر بقاء القدوة، و لو جدد نية الاقتداء كان حسنا، فلاحظه و تأمل.

ثم لا فرق على الظاهر بين كون الجميع في السفينة أو السفن أو البعض على الأرض و البقي فيها في الامام و المأموم لإطلاق الأدلة، كما هو واضح.

[المسألة السابعة إذا شرع المأموم في نافلة فأحرم الإمام]
اشارة

المسألة السابعة إذا شرع المأموم في نافلة فأحرم الإمام قطعها و استأنف كما

ج 14، ص: 34

في الخلاف و النافع و التذكرة و المنتهى و الدروس و البيان و اللمعة و غيرها، و لعله اليه يرجع ما في الإرشاد «إذا دخل الإمام في الصلاة» ضرورة كون الإحرام هو أول الدخول في الصلاة، بل و ما عن الحسين بن بابويه و القاضي و النهاية و السرائر «إذا أقيمت الصلاة» لتعارف إحرام الامام عندها بلا فصل معتد به.

نعم هل هو إن خشي الفوات، و إلا أتم ركعتين استحبابا كما قيده به غير واحد من الأصحاب، بل نسبه في الرياض إلى الأكثر، أو أنه يستحب مطلقا و إن لم يخش الفوات كما هو قضية إطلاق الشهيدين و غيرهما؟ الظاهر الأول، خصوصا إذا كان الباقي منها قليلا جدا، لما فيه من الجمع بين الوظيفتين، و عدم إبطال العمل، بل ينبغي القطع به بناء على حرمة قطع النافلة اقتصارا حينئذ على المتيقن نصا و فتوى، و لا تسامح مع معارضة الاستحباب الحرمة، بل قد يتوقف في التسامح هنا على التقدير الأول، لمعارضته باستحباب الائتمام الذي يتسامح فيه أيضا، على أنه لا دليل معتد به على أصل استحباب القطع سوى ما قيل من أهمية الجماعة في نظر الشارع من النافلة، و من الأمر بنقل نية الفريضة إلى النافلة و إتمامها ركعتين الذي هو بمعنى القطع لها، فيكون النافلة أولى بذلك،

و الرضوي (1)«و إن كنت في صلاة نافلة و أقيمت الصلاة فاقطعها و صل الفريضة مع الامام»

و صحيح عمر بن يزيد(2)المتقدم سابقا المشتمل على السؤال عن الرواية المتضمنة أنه لا ينبغي أن تتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال: «إذا أخذ المقيم في الإقامة»

بناء على إرادة الأعم من الابتداء و الاستدامة من التطوع.

لكن الجميع لو لا ظهور اتفاق الأصحاب عليه كما اعترف به في الرياض و مفتاح


1- 1 المستدرك- الباب- 44- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 14، ص: 35

الكرامة محل للمناقشة، خصوصا الأخير، لظهوره في إرادة الابتداء، و لذا خص الأصحاب الاستدلال به على كراهة الشروع في نافلة بعد الإقامة، و إن كان هو مع ذلك فيه إيماء في الجملة إلى رجحان مراعاة الجماعة على النافلة، بل و سابقه بناء على عدم حجيته عندنا، بل و سابق السابق، إذ الأولوية تجدي بعد اتحاد الكيفية، أما مع الاختلاف بأن كان قطع الفريضة بنقلها إلى النافلة ثم إتمامها و قطع النافلة برفع اليد منها رأسا فلا، بل قد يومي الأمر بإتمامها(1)مع النقل المزبور إلى عدم القطع في النافلة، و إلا لكان المتجه قطع الفريضة بعد النقل المذكور، و أما الأول فهو اعتبار محض، بل يمكن منعه بالفرق بين التلبس بالعمل و عدمه، و نقضه باقتضائه استحباب القطع لكل ما هو أفضل من قضاء حاجة أو دعاء أو قراءة قرآن أو غير ذلك، إلا أنه يجب رفع اليد عن ذلك كله بعد الاتفاق المزبور و استحبابية الحكم المذكور و عدم حرمة قطع النافلة اختيارا، كما لعله المشهور، لكن ينبغي الاقتصار على المتيقن، و هو ما سمعت.

نعم الظاهر المنساق من الفتاوى إرادة فوات آخر ما يجزي في انعقاد أول الجماعة بأن يخشى عدم إدراك ركوع الركعة الأولى لا أن المراد خوف فوات تمام الجماعة، و إلا فلو

علم إدراك الركعة الأخيرة منها مثلا لم يستحب له القطع و إن احتمله في المدارك تبعا للمسالك، بل قد يتوهم من عبارة الخلاف أيضا، بل مال اليه المقدس الأردبيلي في المحكي عن مجمعه، إذ ليس المدار على حصول ثواب الجماعة و لو في الجملة، و إلا لاكتفى بإدراك السجدة أو جزء من الصلاة بناء على تحصيل فضيلة الجماعة بذلك.

كما ستسمعه، مع أنه من المقطوع بعدمه، بل المدار على حصول معظم ثوابها، و هو يحصل بما ذكرناه، و لا أن المراد خوف فوات القراءة مثلا في الركعة الأولى حتى يكون


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 14، ص: 36

يستحب له القطع و إن علم إدراكها بعد القراءة أو بعضها كما عن بعضهم احتماله أيضا، بل لعله اليه أو إلى ما يقرب منه أومأ من ذكر استحباب القطع إذا أقيمت الصلاة كي يتأهب المأموم للواجب و ينتظر تكبير الامام معه ليكبر من غير فصل، و كأنه مال إليه في المسالك، بل جزم به في الفوائد الملية، بل عن فوائد الشرائع القطع به إذا دخل الامام موضع الصلاة كالمسجد مثلا، و لعله لموثق سماعة(1)الآتي في الفريضة، إذ قد عرفت أن العمدة في الحكم المزبور معقد أكثر الفتاوى، و المنساق منه ما سمعت، فلا يستحب القطع حينئذ إلا إذا خشي الفوات بالإتمام، فيقطع حينئذ و لو عند إقامة الصلاة بل و

قبلها، إذ احتمال تشاغله إلى وقت الضيق مما لا دليل عليه، و لعل هذا مراد القائل بالقطع عند الإقامة أو قبلها، فلا يكون مخالفا حينئذ، مع احتمال أنه لا يقطع إلا إذا أحرم الإمام، لاحتمال عدم انعقاد الجماعة أو تأخرها أو غير ذلك، و من هنا قيد الجماعة الحكم المزبور بإحرام الامام و خوف الفوات لما عرفت، و لما تسمعه من جواز العدول في الفريضة إلى النافلة إذا أخذ المؤذن بالأذان و الإقامة.

ثم إن الظاهر رجوع قيد الاستحباب في المتن إلى القطع أو اليه و إلى الإتمام ضرورة أنه لم يقل أحد بوجوب القطع، بل هو واضح، لكون الجماعة من المندوبات كما أنه لم يقل أحد بإباحة القطع الخالية عن الرجحان و إن أوهمه ما حكي عن النهاية و غيره من التعبير بالجواز، كما هو واضح.

و إن كانت التي شرع فيها المأموم فريضة نقل نيته إلى النفل على الأفضل و أتم ركعتين على المشهور بين الأصحاب، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، كالمدارك و الذخيرة أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، بل لا خلاف فيه صريحا كما اعترف به في الرياض، نعم ربما يوهمه المحكي من عبارة السرائر، فلم يجوز القطع إلا أنه في غير


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 14، ص: 37

محله بعد وضوح الدليل عليه من السنة المعتبرة المعتضدة بما سمعت، ك

صحيح سليمان بن خالد(1)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلي إذ أذن المؤذن و أقام الصلاة، قال: فليصل ركعتين ثم يستأنف الصلاة مع الامام، و لتكن الركعتان تطوعا»

و موثق سماعة(2)«سألته عن رجل كان يصلي فخرج الامام و قد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة فقال: إن كان إماما عدلا فليصل أخرى و لينصرف و يجعلها تطوعا، و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، و إن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو و يصلي ركعة أخرى معه، و يجلس قدر ما يقول:

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع، فإن التقية واسعة، و ليس شي ء من التقية إلا و صاحبها مأجور عليها إن شاء الله تعالى».

مضافا إلى ما عن

الفقه الرضوي (3)أيضا «و إن كنت في فريضتك و أقيمت الصلاة فلا تقطعها و اجعلها نافلة و سلم في الركعتين ثم صل مع الامام، و إن كان ممن لا يقتدى به فلا تقطع صلاتك و لا تجعلها نافلة و لكن اخط إلى الصف و صل معه، و إذا صليت أربع ركعات و قام الإمام إلى رابعته فقم معه و تشهد من قيام و سلم عن قيام»

و المناقشة في الأفضلية المذكورة في المتن و غيره هنا و في النافلة- بل الظاهر الاتفاق عليه كما اعترف به بعضهم بعدم الدليل،

لورود الأمر بذلك عقيب توهم الحظر- لا يصغى إليها، كما هو واضح.

نعم ظاهر الجميع بل هو كصريح البعض اختصاص الاذن في قطع الفريضة بالطريق المخصوص، فليس له حينئذ قطعها بغيره و إن خاف الفوت، لإطلاق دليل


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 المستدرك- الباب- 44- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 14، ص: 38

الحرمة أو استصحابا لها حتى لو قلنا إن مدركها الإجماع، بناء على المختار من استصحاب الحكم الثابت به أيضا، فما في البيان- من أن الفريضة كالنافلة، و في الدروس و الموجز من أنه إن يمكنه النقل إلى النفل نقل، و إن خاف الفوت قطعها، و قواه في الذكرى تبعا للمحكي عن القاضي و موضعين من المبسوط و استحسنه في المدارك و الذخيرة و الحدائق استدراكا لفضل الجماعة الذي هو أعظم من فضل الأذان، و لأن العدول إلى النفل قطع لها أيضا، و مستلزم لجوازه، بل اختاره في الروض و المسالك و الفوائد الملية إذا خاف فوات الائتمام بأول الصلاة فضلا عن غيره لكن بعد النقل إلى النفل معللا له بأن الظاهر أفضلية إدراك الائتمام من أول الصلاة من أفضلية إتمامها ركعتين، و لأن الفريضة تقطع لما هو أدون من ذلك، و لأنها بعد العدول صارت نافلة، و حكمها ذلك كما عرفت، فيحمل الخبران حينئذ على من لم يخف الفوات جمعا بينهما و بين ما دل على قطع النافلة- محل للنظر و التأمل لحرمة القياس، على أن القطع للأذان له محل مخصوص اللهم أن يتمم بعدم القول بالفصل، و هو كما ترى، بل لعله يقتضي عدم التقييد بخوف الفوت كما هو صريح الروض، و جواز القطع بالإتمام نافلة لا يستلزم الجواز مطلقا، ضرورة وضوح الفرق بينهما، بل لعل الأول لا يندرج في النهي عن الإبطال، لأنه ليس إبطالا، كما أن صيرورتها بعد العدول نافلة أيضا لا يستلزم جريان حكم النافلة ابتداء عليها، على أنه لا نص في تلك بالخصوص كما عرفت كي يشمل ما نحن فيه إطلاقه أو يحتاج إلى الجمع بينه و بين الخبرين المزبورين، و يبنى (و مبني خ ل) أيضا على كون العدول في الأثناء قبل الإتمام ركعتين كما هو ظاهر جماعة و صريح آخرين، لكنه محتمل لأن يكون بعد الانصراف و الإتمام نحو ما ورد(1)من جعل العصر الأولى بعد الفراغ، بل عن مجمع البرهان نفي البعد عنه، بل لعله المنساق من الخبرين، بل لعله متعين بناء


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب المواقيت- الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 14، ص: 39

على أن الواو للترتيب.

و تظهر الثمرة فيما لو أراد البقاء على الفريضة قبل الإتمام ركعتين، و في جواز القطع اختيارا بناء على جوازه في مثل هذه النافلة، و في غير ذلك، و لعله من ذلك كله توقف الشهيد في ظاهر اللمعة، بل ربما كان ظاهره الميل إلى المشهور، بل اختاره في ظاهر النفلية.

نعم الظاهر أن له القطع المزبور بالعدول المذكور و إن أمكنه إتمام الفريضة و إدراك الجماعة في الإعادة استحبابا، لإطلاق الخبرين المزبورين، فما في ظاهر المحكي عن مجمع البرهان من إتمام الفريضة ثم الإعادة استحبابا ضعيف، ضرورة كون المدار في المقام تحصيل فضيلة تلك الصلاة جماعة لا إدراك الجماعة كيف كان حتى أنه إذا تيسر له الجمع راعاه، و بذلك ظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين النافلة، و نحوه المحكي عن فوائد الشرائع من أنه إن دلت القرائن على اتساع الزمان بحيث يكملها عند تحريم الامام لم يقطعها و لم ينقلها إلى النفل، لما عرفت من الإطلاق، نعم لو علم أنه لا يدرك الجماعة و إن نقل نيته إلى النفل و أتم بركعتين لم يجز له القطع بناء على المختار كما عرفت، خلافا لمن سمعت، فيقطع بعد النقل إلى النفل أو مطلقا و يأتم.

و لو عدل إلى النفل بناء على أن محل العدول الأثناء لا التمام فبان له أنه لا يدرك الجماعة و قلنا بعدم جواز القطع كما عرفت أيضا فهل يتمها نافلة أو يرجع عن نيته إلى النية السابقة؟ وجهان أو قولان، إذ عن ظاهر الروض الأول، و المحكي عن مجمع البرهان الثاني ينشئان من عدم الدليل على العدول الثاني، و من عدم مصادفة النية محلها، و عدم منافاة نية النفل في الأثناء للفرض، بل هي في الحقيقة كالعزم على إرادة التسليم على الركعتين.

ثم إن ظاهر النص جواز النقل المزبور إذا أذن المؤذن و أقام، بل عند تبين

ج 14، ص: 40

انعقاد الجماعة خلف إمام عادل كما يومي اليه الموثق، لا أنه مخصوص بما إذا أحرم الإمام كما عساه يوهمه المتن و غيره، و كذا ظاهر النص أيضا أن محل العدول قبل تجاوز المأموم الركعتين، أما بعده فلا دلالة فيه عليه، و قضية الاحتياط و الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن عدم التعدي منه إلى غيره حتى لو كان في قيام الثالثة قبل أن يركع ضرورة أصالة عدم جواز العدول، فيستمر حينئذ على إتمام فرضه وفاقا للتذكرة و الرياض و عن النهاية و مجمع البرهان، و كأنه تردد فيه في الروضة و الروض، بل ربما مال إلى القطع في الأول، كما أنه احتمل فيهما العدول إلى النافلة مع هدم الزائد و التسليم، و هما ضعيفان لا دليل معتد به على شي ء منهما.

و كذا لا دليل معتد به أيضا على ما ذكره غير واحد من الأصحاب، بل في الروض أنه المشهور، بل في البيان نفي الخلاف فيه من أنه لو كان الإمام الذي يراد الائتمام به إمام الأصل (عليه السلام) قطع المأموم الفريضة على كل حال و استأنف الصلاة معه و إن كان قد يقال: إنه لمزيد المزية له في الائتمام به (عليه السلام)، بل هي أعظم من مزية أصل الجماعة التي قطعت النافلة و عدل لها بالفريضة إلى النافلة بمراتب قطعا، لكنه كما ترى لا يصلح حجة في نفسه فضلا عن أن يعارض الأدلة، و من هنا حكي عن المعتبر أنه تردد فيه، بل استقرب في المنتهى و المختلف مساواته لغير إمام الأصل (عليه السلام) في الإتمام ركعتين، إلا أن الأمر سهل، لقلة الجدوى في المسألة، فالتشاغل فيها في غير محله.

هذا كله لو كان الامام ممن يقتدى به، أما إذا كان ممن لا يقتدى به استمر المأموم على حاله في النافلة و الفريضة، للأصل و الموثق السابق المعتضد بالرضوي المتقدم إلا أني لم أجد من أفتى بتمام مضمون الرضوي عدا ما يحكى عن ابن بابويه، بل و عن

ج 14، ص: 41

الشيخ و جماعة أنه يتشهد جالسا و يسلم إيماء ثم يقوم مع الامام، و لعله لا بأس به بعد انحصار استطاعته بذلك كما سمعته في الموثق، و اختاره في المختلف و به يجمع حينئذ بينهما كما في الحدائق، و الله أعلم.

[المسألة الثامنة إذا فاته مع الإمام شي ء]

المسألة الثامنة إذا فاته مع الإمام شي ء من الركعات لم ينقطع استحباب الجماعة بإجماع المسلمين، بل صلى ما يدركه و جعله أول صلاته و إن كان آخر صلاة الامام و أتم ما بقي عليه بلا خلاف معتد به فيه بيننا، بل في الغنية و المنتهى و التذكرة و عن المعتبر و غيره الإجماع عليه، فما عن أبي علي- من الخلاف في ذلك، و لعله يوافق أبا حنيفة و بعض العامة من تبعية صلاة المأموم للإمام في ذلك، فيستقبل الأول حينئذ لو كان قد أدرك في الآخر- لا ينبغي أن يصغى إليه، إذ هو مع أن الإجماع بقسميه على خلافه قد استفاضت المعتبرة(1)أو تواترت في الأمر بما ذكرنا، و النهي عن ذلك بل في بعضها التعريض بهم و وصفهم بالحمقى، ففي

خبر طلحة بن زيد(2)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال: «يجعل الرجل ما أدرك مع الإمام أول صلاته، قال جعفر (عليه السلام): و ليس يقول كما يقول الحمقى»

و مرسل ابن النضر(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال لي: أي شي ء يقول هؤلاء في الرجل إذا فاته مع الامام ركعتان؟ قال: يقولون: يقرأ في الركعتين الحمد و سورة فقال: هذا يقلب صلاته فيجعل أولها آخرها، فقلت: فكيف يصنع؟ فقال: يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة»:

كما أنه قد استفاضت أيضا أو تواترت في الأمر بقراءة المأموم في الأولتين له و الأخيرتين للإمام معللا في

صحيح ابن الحجاج (4)عن الصادق (عليه السلام) بأنهما له الأولتان، قال فيه: «و سألته عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.

ج 14، ص: 42

الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ قال: اقرأ فيهما فإنهما لك الأولتان، و لا تجعل أول صلاتك آخرها»

و هو حقيقة في الوجوب، فمنه- مضافا إلى اعتضاده بالاحتياط في التوقيفيات، إذ الحرمة لم يصرح أحد بها في المقام، بل الظاهر الاتفاق بين من تعرض لذلك على الرجحان في الجملة و إن اختلفوا في وجوبه و ندبه، و بما دل على أصل القراءة في الصلاة المعلوم أو المظنون أو المحتمل عدم معارضته أدلة سقوط القراءة عن المأموم و ضمان الامام لها، ضرورة عدم شمولها لما نحن فيه، على أنه يجب الخروج عنها بأخبار المقام المعتضدة بعضها ببعض السالمة على كثرتها من اختلاف بينها بالنسبة إلى ذلك- ينقدح قوة القول بالوجوب، وفاقا للمحكي عن علم الهدى و الشيخ في التهذيبين و ظاهر النهاية و المبسوط و الغنية و أبي الصلاح، بل لعله ظاهر الكليني و الصدوق أيضا، و اختاره بعض الأساطين من متأخري المتأخرين كالمحدث البحراني و المولى الأكبر في شرح المفاتيح و السيد في الرياض و غيرهم، و كأنه مال إليه في الذخيرة كما عن الأردبيلي، و خلافا للمنتهى و التذكرة و المختلف و النفلية و الفوائد الملية و عن السرائر فالاستحباب، و ربما مال اليه أو اختاره بعض متأخري المتأخرين، للأصل الذي يكفي في قطعه بعض ما عرفت فضلا عن الجميع بعد تسليم جريانه في نحو المقام.

و الجمع بين دليل الضمان و نحوه و بين ما هنا يحمل هذا الأمر على الاستحباب- خصوصا بعد اشتمال صحيح ابن الحجاج الآمر بذلك منها على ما علم ندبيته كالآمر بالتجافي فيه و عدم التمكن من القعود حيث يتشهد الامام، و صحيح زرارة(1)الآمر فيه بذلك أيضا على نهي المأموم عن القراءة في أخيرتيه المعلوم إرادة

الكراهة منه، ضرورة بقاء التخيير له، و خصوصا بعد شيوع الأمر في الندب حتى قيل فيه ما قيل، سيما و هو في هذا الصحيح و غيره بالجملة الخبرية، كما أنه هو فيه أيضا بالقراءة في النفس


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 14، ص: 43

الظاهر في إرادة غير التلفظ بها أو غير الصريح في ذلك، مع أنه حذف التحميد في بيان ذكر الأخيرتين فيه أيضا، بل قال: «لا يقرأ فيهما إنما هو تسبيح و تكبير و تهليل و دعاء، ليس فيهما قراءة» و هو غير المشهور على ما قيل، بل قيل: إنه ترك فيه ذكر السورة على رواية الفقيه له، و هو خلاف المشهور، بل خلاف الإجماع المحكي من جماعة- في محله، بل قد يؤيد ذلك كله استمرار السيرة في الأعصار و الأمصار على الدخول في الجماعة من غير سؤال أن الإمام في الأولتين أو الأخيرتين كي يقرأ و لا يقرأ معتضدة بخلو الفتاوى و النصوص، و سيما أخبار الباب و أخبار(1)التقدم إلى الصف و التأخر عنه، و أخبار(2)الحث على الدخول في الجماعة و غيرها عن التعرض لوجوب هذا السؤال، بل في الصحيح (3)أنه إذا لم يدر المستناب المسبوق كم صلى الامام ذكره من خلفه، اللهم إلا أن يحمل على النسيان و نحوه مما لا ينافي ذلك، كاستمرار السيرة على الدخول في الجماعة من غير

اختبار حاله من تمكن قراءة الحمد و عدمه، مع أنه إذا لم يعلم أو علم العدم لا يجوز له الدخول، و معتضدة أيضا بخلو النصوص عن التعرض لذلك، كخلوها عن التعرض لحكمه إذا لم يمهله الامام عن إتمام قراءة الحمد، فهل يتابع و يقطع القراءة كما أنه يترك السورة لذلك أو أنه يقرأ و يتخلف عن الامام ثم يلحقه كما تخلف عنه للتشهد؟ بل قد يؤيده أيضا النصوص (4)الدالة على إدراك الجماعة بإدراك الإمام راكعا أو قبل الركوع بآن ما الظاهرة في عدم قراءة المأموم هناك بل هو كصريح الأمر فيها بالمشي حال الركوع لدخوله المسجد و رؤيته الإمام راكعا.


1- 1 الوسائل- الباب- 70- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجماعة.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 44 و 45- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 14، ص: 44

و احتمال خروج ذلك عن محل النزاع- لاتفاق الجميع حينئذ على سقوط القراءة من رأس، إنما البحث إن كان ففيما قبل ركوع الامام و تمكن المأموم من الشروع في قراءة الفاتحة كما يرشد إلى ذلك ما في الحدائق و الرياض، حيث قالا بعد أن حكما بوجوب القراءة إن الأحوط للمأموم الذي لا يعلم التمكن من القراءة أن لا يدخل مع الإمام إلا عند تكبيرة الركوع، فإنه لا قراءة حينئذ، كما أن الأحوط له إن دخل قبل ذلك قراءة ما يتمكن من الفاتحة ثم يتابع و يتم الصلاة ثم يستأنفها من رأس- يدفعه أنه لا دليل على هذا التفصيل

نصا و فتوى، بل إطلاقهما القراءة في الأولتين للمأموم الأخيرتين للإمام يقتضي خلافه، بل ظاهر بعضها و صريح آخر أنه لا فرق في ذلك بين الركعة الأولى التي يدركها مع الامام و غيرها، فيقرأ في كل منهما المأموم، بل يؤيده أيضا ما في المدارك و غيرها من أن أكثر الأصحاب لم يتعرضوا لحكم القراءة في المسبوق، و كأنه لأنهم أوكلوه إلى حكم المأموم غير المسبوق، و ما قيل أيضا من أن معظم من تعرض للمسألة على الاستحباب، فإن السرائر و ما تأخر عنها صرحوا به، و ما تقدم عليها بين من لم يتعرض و بين من عبر بمضمون الأخبار، فيحمل على إرادة الندب مثلها.

و من هنا قيل: إن من تأخر عن الشيخ فهم منه الندب، و لم ينسب في المختلف القول بالوجوب لأحد إلا علم الهدى، بل قال: إن أصحابنا و إن ذكروا القراءة لكنهم لم يذكروا الوجوب، على أن المحكي عن المرتضى لم يذكر فيه إلا وجوب الفاتحة مع أنه ممن قال بوجوب السورة حتى حكى عليه الإجماع في الانتصار كما قيل، و احتمال وجوبها عنده في غير المقام و أما فيه فالفاتحة خاصة يدفعه أنه لم نعرف أحدا قال هنا بهذا التفصيل و إن كان ظاهر المحكي عن السرائر نسبته إلى بعض أصحابنا، حيث أنه نسب فيها هنا إلى بعض أصحابنا إيجاب السورتين معا، ثم قال: و منهم من قال: قراءة الحمد

ج 14، ص: 45

وحدها، فلا يبعد إرادة الندب من الوجوب في عبارة السيد، إلى غير ذلك من المؤبدات الكثيرة.

لكن الجميع كما ترى قاصر عن معارضة تلك الأخبار الكثيرة جدا للتي فيها الصحيح و غيره و مروية في الكتب الأربعة و غيرها كما جمعها في الحدائق، و ربما سمع بعضها في أثناء البحث، و قد اشتمل بعضها على التأكيد و التعليل و النهي عن خلافه، بل قد ينضم إليها الأخبار(1)الآمرة بجعل ما يدركه أول صلاته لا آخرها على إرادة القراءة فيه كما يفعله لو كان منفردا بقرينة المرسل (2)السابق، خصوصا و كثير من هذه المؤيدات من اللغو الذي لا ينبغي أن يسطر، كما هو محرز في محله، إذ من الواضح عدم قدح اشتمال الخبر على الأمر المراد منه الندب و النهي المراد منه الكراهة بقرائن خارجية في دلالة الأمر الآخر فيه على الوجوب، خصوصا إذا كان في سؤال آخر مستقل، و إلا لزم رفع اليد عن أكثر الأخبار، على أنه- مع إمكان معارضته أيضا هنا باشتمال الخبر المزبور على ما علم وجوبه، كاللبث متأخرا عن الامام للتشهد- يمكن منع ندبية التجافي المذكور و إن كان هو ظاهر الأكثر، حيث أطلقوا الجلوس بل ظاهر هذا المعترض أنه مفروغ منه.

لكن قيل في الذكرى عن الصدوق وجوبه، و ربما كان ظاهر المحكي عن السرائر أيضا، بل و الغنية و التقي و ابن حمزة و إن عبر هؤلاء الثلاثة بأنه يجلس مستوفرا، بل قواه في

الرياض، و لعله كذلك لهذا الصحيح (3)المعتضد بالاحتياط، و

بالصحيح الآخر(4)عن الصادق (عليه السلام) في حديث «من أجلسه الإمام في موضع يجب


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 67- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 14، ص: 46

أن يقوم فيه تجافى و أقعى إقعاء و لم يجلس متمكنا»

و بالمروي عن

معاني الأخبار(1)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا جلس الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه تتجافى»

السالم عن معارض معتد به، إذ الأصل غير صالح لذلك، كخلو النصوص غير ما عرفت بل و التعبير بالقعود في بعضها مما هو لا يقاوم ذلك سندا و لا عددا بل و لا دلالة، إذ هو مطلق يجب حمله عليه، بل لعله متعين، ضرورة أنه أولى من إخراج الأمر بالقعود فيه عن حقيقته و إرادة الإباحة منه، إذ لم يقل أحد بوجوبه أو ندبه، و لا شيوع في الأمر بالندب بحيث استغنى عن القرينة أو زاحم الحقيقة كما هو محقق في محله.

على أنه ينبغي القطع بعدم إرادة الندب منه هنا، إذ الفرض كما اعترف به الخصم أنه ارتكب ذلك جمعا بين هذه الأوامر و بين ما دل على سقوط القراءة، و قد عرفت هناك إرادة

حرمة القراءة منها في أكثر الأحوال التي لا تجامعها الندب، و إرادة التخصيص ليس بأولى من إبقاء الأمر على حقيقته و ارتكابه، بل هو أولى قطعا، لما فيه من المجاز الواحد بخلافه، و قد تعارف التعبير عن الإخفات بالقراءة في النفس في الأخبار، منها أخبار الصلاة(2)خلف من لا يقتدى به، على أنه مشترك الإلزام على تقديري الوجوب و الندب، إذ الفرض ندبية القراءة الملفوظة عندهم، و حذف التحميد- مع أن المقام ليس مساقا لبيانه- غير قادح في المطلوب، كحذف السورة على رواية الفقيه بعد دلالة غيره من الأخبار عليها، بل المحكي عن الفقيه فيما حضرني من الوسائل إثبات السورة فيه، و استمرار السيرة بعد التسليم على عدم السؤال مع جهل الحال إن لم نقل إنه للاعتماد على أصالة عدم دخول الإمام في الثالثة مثلا لمعارضته بأصالة عدم سقوط القراءة لا دلالة فيه على نفي الوجوب إذا علم كون الإمام في الثالثة أو الرابعة


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السجود- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 14، ص: 47

الذي هو محل البحث و مورد الأخبار، كخلو النصوص عن التعرض لذلك مع أنها غير مساقة لبيان مثله، بل لا أجد بعدا في التزامه و إن خلت النصوص عن التعرض له، إذ لعله اتكالا على باب المقدمة المعلوم وجوبها بالعقل ككثير من الأمور المتروك بيانها فيها لها.

و أما استمرار السيرة على الدخول من دون اختبار حاله في التمكن و عدمه ففيه بعد

التسليم أنه لعله لاستصحاب بقاء الامام على الحال الذي أدركه إلى حين الفراغ، أو لأنه له ذلك و إن لم يعلم بل و إن علم العدم، لجعل الشارع له حينئذ تكليفا آخر من ترك القراءة و اللحوق أو إتمامها ثم اللحوق، بناء على عدم اشتراط صحة الجماعة بإدراك الركوع إذا أدرك الامام و هو قائم، خصوصا إذا كان التخلف لعذر و نحوه، و ليست النصوص خالية عن التعرض لذلك بالكلية، بل في بعضها الإيماء إلى ترجيح مراعاة المتابعة على إتمام الفاتحة و إن كانت هي بالنسبة إلى ترك السورة أصرح، ففي

صحيح معاوية بن وهب (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يدرك آخر صلاة الامام و هي أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته، قال:

نعم»

و عن

دعائم الإسلام (2)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «إذا سبق الإمام أحدكم بشي ء من الصلاة فليجعل ما يدركه مع الإمام أول صلاته و ليقرأ فيما بينه و بين نفسه إن أمهله الامام»

و عنه أيضا(3)عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال: «إذا أدركت الامام و قد صلى ركعتين فاجعل ما أدركت معه أول صلاتك فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب و سورة أن أمهلك

الإمام أو ما أدركت أن تقرأ فاجعلها أول صلاتك».


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
2- 2 المستدرك- الباب- 38- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 38- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 14، ص: 48

مضافا إلى الاستئناس بالنصوص (1)الواردة في الائتمام بمن لا يقتدى به الآمرة بالقراءة خلفه لكن بمقدار الممكن من الفاتحة و السورة، إذ الظاهر معاملته معاملة الجماعة الصحيحة و إن لم تكن كذلك، و مضافا إلى ما دل من النصوص (2)على الأمر بالجماعة حال ركوع الإمام أو نحوه من الأحوال التي يعلم عدم تمكن المأموم فيها من القراءة أصلا.

و من ذلك كله ينقدح لك قوة القول بمراعاة وجوب المتابعة و ترجيحها على وجوب القراءة و إن كانت الفاتحة، و إلا فالسورة لا إشكال في تقديم المتابعة عليها، إذ هي و إن أطلق الأمر بها في بعض النصوص لكن في آخر منها التصريح بسقوطها إذا لم يمهله الامام، ك

صحيح زرارة(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه جعل ما أدرك أول صلاته، إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين و فاتته ركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب و سورة، فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب، فإذا سلم الامام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما، لأن الصلاة إنما يقرأ فيها في الأولتين

في كل ركعة بأم الكتاب و سورة، و في الأخيرتين لا يقرأ فيهما إنما هو تسبيح و تكبير و تهليل و دعاء ليس فيهما قراءة، و إن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام، فإذا سلم الامام قام فقرأ بأم الكتاب و سورة ثم قعد و تشهد، ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة».


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب صلاة الجماعة.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 14، ص: 49

إنما البحث في الفاتحة مطلقا أو إذا تلبس المأموم في قراءتها و لم يمهله الامام لإتمامها، لظهور

قوله (عليه السلام) في الصحيح (1): «أجزأته أم الكتاب»

في أنها أقل المجزي و ل

قوله (صلى الله عليه و آله)(2): «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»

و عليه يمكن (3)حينئذ خلوها عنها إلا أنك قد عرفت أن الأقوى في النظر ترجيح مراعاة المتابعة في الركن على القراءة لما سمعت و لأنها الجزء الأعظم في الجماعة، و لذا اغتفر لها زيادة الركن و نحوه، و لا يرد التخلف للتشهد- الذي هو أهون من القراءة، بل لا كلام في جواز المفارقة للعذر، و لا ريب في أن تأدية الواجب منه كالتشهد- للفرق بينهما أولا بالنص، و ثانيا بأنه ليس في التخلف للتشهد فوات ركن، على أنه محتاج لزمان

قليل، بل لعله لا يعد من المفارقة في مثل هذا التأخر، كما أومأ إليه

الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن ابن أبي عبد الله (4)«إذا سبقك الإمام بركعة جلست في الثانية لك و الثالثة له حتى يعتدل الصفوف قياما»

ك

قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح ابن الحجاج (5)«فإذا كانت الثالثة للإمام و هي له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الامام بقدر ما يتشهد ثم يلحق بالإمام»

إلى آخره، و كونه عذرا في التأخر موقوف على ثبوت الوجوب في المقام، فتأمل و إن توقف فيه أولا في الرياض تبعا للحدائق.

و من هنا يعلم الجواب عن التأييد بأخبار الدخول في الجماعة حال ركوع الإمام ضرورة أنه لا قراءة عندنا في هذا الحال كما اعترف به في الرياض و الحدائق على ما سمعت سابقا، لكن من العجيب توقفهما هناك و جزمهما هنا على وجه لا إشكال فيه من أحد كما عرفت، إذ ليس في الأخبار تفصيل بين شروع المأموم في القراءة و عدمه، فحيث


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
3- 3 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح« لا يمكن».
4- 4 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 14، ص: 50

لا شروع لأن لا وقت له لا إشكال فيه بخلاف الأول، فيأتي احتمال وجوب الإتمام ثم اللحوق للإمام و لو في السجود، و احتمال وجوب المتابعة و

سقوط القراءة، و ظني أنه من متفرداتهما، و أنه و هم محض، نعم لا بأس بذكر ما دل على الدخول في الجماعة حال ركوع الإمام أو تكبيره له على وجه يعلم أن لا قراءة فيه للمأموم مؤيدا لسقوط القراءة و رجحان مراعاة المتابعة عليها، كما سمعته منا، على أنه إن لم يظهر ترجيح لأحدهما على الآخر لتصادم المرجحات أو لغير ذلك كان المتجه التخيير بين الأمرين حينئذ لا التوقف و التردد، فتأمل جيدا.

و عدم تعرض أكثر الأصحاب لو سلم محتمل لوجوه، منها معلومية وجوب القراءة عليه، و إطلاقهم السقوط هنا منزل على غير محل الفرض، و كون معظم المتعرضين على الندب يدفعه التتبع، بل لم نعرفه لأحد قبل ابن إدريس على ما حكي عنه، بل قبل العلامة كما يومي اليه عدم نسبته إلى أحد في المنتهى، بل ظاهره أنه من متفرداته بخلاف الوجوب، فإنه هو حكاه عن بعض أصحابنا، و ابن إدريس أيضا كذلك و إن حكى الخلاف بينهم بالنسبة إلى الفاتحة و السورة، فلا ريب في معلومية قدمه على الاستحباب نعم هو ليس صريح كلامهم، لكنه ظاهر كالصريح، و قد عرفت فيما تقدم القائل به و من نسب اليه ذلك، على أن العمدة الدليل، و قد علمته، كما أنك علمت أنه لا إجماع و لا شهرة على خلافه، بل لعل الشهرة بالعكس خصوصا مع ملاحظة المصنفين لا التصانيف.

و بالجملة لا محيص عن القول بالوجوب، كما أنه لا محيص عن القول بوجوب ما تيسر له من الفاتحة و السورة، و إلا فيترك و يتابع كما تبين ذلك مفصلا.

و منه يعلم أنه إن لم يتيسر له التسبيحات مثلا في الركعات الأخيرة أو الأذكار في الركوع و السجود تركها و تابع، و كذا تبين الكلام أيضا في التجافي و أن وجوبه لا يخلو من قوة من غير فرق فيه بين تشهد الإمام أو تسليمه، لعموم الصحيح السابق

ج 14، ص: 51

و يستحب له التشهد حينئذ تبعا للإمام وفاقا للمنتهى و الذكرى و إن عبر فيها بالجواز، و البيان و الرياض و غيرها، بل لعله ظاهر المنتهى أيضا

للمعتبرين، ففي أحدهما(1)«سئل عن رجل فاتته صلاة ركعة من المغرب مع الإمام فأدرك الثنتين هي الأولى له و الثانية للقوم يتشهد فيها، قال: نعم، قلت: و الثانية أيضا، قال: نعم، قلت: كلهن قال: نعم، و إنما هي بركة»

و في الآخر(2)قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «جعلت فداك يسبقني الإمام فتكون لي واحدة و له ثنتان فأتشهد كلما قعدت؟ قال: نعم، فإنما التشهد بركة».

خلافا للغنية و عن النهاية و أبي الصلاح و ابن حمزة، و لعله ظاهر التحرير أيضا حيث قال: «قعد و سبح من غير تشهد» بل و المحكي عن المبسوط أيضا حيث قال:

«لا يعتد به و يحمد الله و يسبحه» و إن كان المحكي عن نهايته أصرح في المنع، فإنه و إن أثبت التسبيح بدله أيضا لكنه قال: «لا يتشهد» بخلافه في المبسوط، و لم نعرف لهم شاهدا على ذلك و إن كان هو أحوط، إذ لم نعرف قائلا بالوجوب، للأصل و إشعار التعليل بالبركة و غير ذلك، إلا أن الأحوط منه الإتيان بالتشهد بقصد القربة المطلقة لا بقصد الأمر الموظف، تخلصا من احتمال الوجوب و إن لم نعرف قائلا صريحا به، و لا ينافيه اشتماله على الإقرار بعبودية النبي (صلى الله عليه و آله) و رسالته بتقريب أنهما ليسا من الذكر أو الدعاء بعد

قوله (عليه السلام): إنه بركة،

بل يمكن منع إنكار ذكريته أيضا، لرجوعه إلى الثناء على واجب الوجود أيضا.

و كيف كان ففي الذخيرة و عن الأردبيلي أنه قد تجتمع حينئذ خمس تشهدات في الرباعية، و أربعة في الثلاثية، و ثلاثة في الثنائية، و في الحدائق الظاهر أنه سهو من القلم أو القائل، بل أربعة في الرباعية، و ثلاثة في الثلاثية، و اثنان في الثنائية، و هو


1- 1 الوسائل- الباب- 66- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 66- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 14، ص: 52

كذلك إلا أن يلاحظ دخول المأموم مع الإمام إذا أدركه حال التشهد كما ستعرف، و استنابة المسبوق أيضا، بل قد يتصور أكثر من ذلك إذا لوحظ مع ذلك ترامي العدول و الائتمام بناء على جوازه، و لعله إلى ذلك أومأ الأردبيلي فيما حكي عنه من أنه يتصور أكثر من الخمس، و الأمر سهل.

و كذا ينبغي للمأموم متابعة الإمام أيضا في القنوت و إن لم يكن محل قنوته كما نص عليه جماعة

للموثق أو الصحيح (1)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يدخل في الركعة الأخيرة من الغداة مع الامام فقنت الإمام أيقنت معه؟ فقال: نعم»

الحديث. لكن لا يجزيه ذلك عن القنوت لنفسه في ثانيته للعموم (2)كما نص عليه في الرياض، نعم لو اقتضى فوات المتابعة يسقط قطعا، خصوصا بناء على ما تقدم من العلامة من تحريم جلسة الاستراحة على المأموم إذا لم يجلس الامام و إن كان هو واضح الفساد بالسيرة و غيرها، و ما في الصحيح المزبور محمول على الرخصة كما يشعر به لفظ الاجزاء على ما ذكرناه في بحث القنوت لا على فوات المتابعة، لأن مفروض سؤال الصحيح الغداة و لا متابعة بعد إدراك الثانية منها فقط.

و من جميع ما سمعت ظهر لك الحال في قول المصنف و لو أدركه أي الإمام في الرابعة دخل معه، فإذا سلم قام فصلى ما بقي عليه و يقرأ في الثانية له بالحمد و السورة قطعا، لأنه منفرد و لذا كان في الاثنتين الأخيرتين له أن يقرأ بالحمد، و إن شاء سبح بلا إشكال و لا خلاف كما اعترف به في المدارك، إنما الخلاف فيما إذا أدرك معه الركعتين الأخيرتين و سبح الامام فيهما، فالمشهور كما في الروض و الذخيرة على بقاء التخيير له أيضا و إن سبح الامام فيهما و لم يقرأ، بل في المنتهى نسبته إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب القنوت- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب القنوت.

ج 14، ص: 53

علمائنا، و هو الأقوى لإطلاق أدلته، و صحيح زرارة السابق (1)و غيره، خلافا لما أرسله غير واحد عن بعض من وجوب القراءة عليه معللين ذلك بأنه لئلا تخلو الصلاة عن فاتحة الكتاب التي لا صلاة بدونها، و هو مشعر باختصاص الخلاف فيما إذا لم يقرأ المأموم إما لعدم وجوبها عليه أو لعدم تيسرها له، و مال إليه في الحدائق، لصحيح معاوية بن وهب (2)و مرسل ابن النضر(3)المتقدمين سابقا، قال: و بهما يخص إطلاق أدلة التخيير كما خصصت بأخبار(4)ناسي القراءة في الأولتين كما قدمنا التحقيق فيه سابقا، و هو كما ترى ضعيف جدا، لقصورهما عن ذلك من وجوه لا تخفى.

ثم إنه قد يشعر ما في المتن بعدم جواز قيام المسبوق قبل التسليم كما هو ظاهر المحكي عن السرائر، و لعله لظاهر صحيح زرارة السابق و غيره مما تقدم و يأتي، و لا ريب في أنه أحوط و أولى و إن كان الجواز أقوى حتى قبل التشهد فضلا عن التسليم إذا نوى الانفراد بناء على جوازه اختيارا، إذ احتمال عدم مشروعيته في خصوص المقام لهذه الأخبار التي لم تسق لبيان ذلك كما ترى، بل قيل و إن لم ينو الانفراد بناء على عدم وجوب المتابعة في الأقوال، أو على ندبية التسليم و إن اختص الجواز حينئذ على الأخير بما بعد التشهد، لكن فيه أن عدم وجوب المتابعة أو الندبية لا

يخرجانه عن حكم الائتمام، و إلا لم يجز له الانتظار و إن طال، و هو معلوم الفساد، فالأقرب حينئذ وجوب نية الانفراد لو أراد مفارقته قبل التشهد أو بعده قبل التسليم كما صرح به في الروض سواء قلنا بوجوب المتابعة أولا، و استحباب التسليم أولا، نعم لا يجب لو انتظره حتى سلم، لانقطاع حكم المأمومية حينئذ به، فلو قام حينئذ غافلا عنها لم يكن به بأس بخلاف الأول، فإنه يرجع أو ينوي الانفراد حينئذ، و إلا أتم و إن كانت صلاته


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب القراءة في الصلاة.

ج 14، ص: 54

صحيحة، لعدم شرطية المتابعة كما عرفت، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[المسألة التاسعة فيما يدرك به فضيلة الجماعة]

المسألة التاسعة إذا أدرك المأموم الإمام بعد رفعه رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة أو غيرها فلا خلاف في فوات الركعة حينئذ كما اعترف به في المدارك، بل هو إجماعي، و النصوص (1)واضحة الدلالة عليه، إذ هي تدرك بإدراك الإمام قبل الركوع إجماعا محصلا و منقولا في التذكرة و المدارك و غيرهما أو بإدراكه راكعا بحيث يجتمع معه فيه على الأصح كما تقدم البحث فيه سابقا، نعم إذا أراد إدراك الدخول معه لتحصيل فضيلة الجماعة نوى و كبر و سجد معه السجدتين وفاقا للأكثر كما اعترف به في المدارك و الذخيرة، بل المشهور

كما في الكفاية، بل لا خلاف فيه إلا من الفاضل في المختلف فتوقف كما في الرياض و الحدائق، لإطلاق أدلة الجماعة و الحث عليها المقتضية بظاهرها جواز الائتمام حال تلبس الإمام بأي جزء من أجزاء الصلاة و إن لم تحتسب له ركعة إلا بإدراك الركوع كما صرح بهذا التعميم الشهيدان في البيان و الفوائد الملية و غيرهما، بل هو ظاهر غيرهما أو صريحه، و ل

خبر المعلى بن خنيس (2)عن الصادق (عليه السلام) «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته و قد رفع رأسه فاسجد معه و لا تعتد بها»

و صحيح معاوية بن شريح (3)المروي في الفقيه عنه (عليه السلام) أيضا «إذا جاء الرجل مبادرا و الامام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة و الركوع، و من أدرك الامام و هو ساجد كبر و سجد معه و لم يعتد بها، و من أدرك الامام و هو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة، و من أدركه و قد رفع رأسه من السجدة الأخيرة و هو في التشهد فقد أدرك الجماعة، و ليس عليه أذان و لا إقامة، و من أدركه و قد سلم فعليه الأذان و الإقامة»

بناء على أن قوله أولا: «و من


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.

ج 14، ص: 55

أدرك» إلى آخره، من كلام الصادق (عليه السلام) كما في الوسائل، بل لعله الأظهر كما اعترف به في الحدائق لا على ما عن الكاشاني في الوافي من احتمال كونه من كلام الصدوق.

و المروي عن

مجالس الحسن بن محمد الطوسي بسند متصل إلى أبي هريرة(1)قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إذا جئتم إلى الصلاة و نحن في سجود فاسجدوا و لا تعدوها شيئا، و من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة»

بل و

صحيح ابن مسلم (2)قال «قلت له: متى يكون يدرك الصلاة مع الامام؟ قال: إذا أدرك الامام و هو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك لفضل الصلاة مع الامام»

بناء على ظهوره في إرادة السؤال عن أقصى الأحوال التي تدرك بها الجماعة، و احتمال إرادة الحضور و الامام في هذا الحال من لفظ الإدراك فيه و في غيره لا أنه ينوي و يكبر و يدخل معه كما ترى في غاية الضعف، بل لا ينبغي الإصغاء اليه مع ملاحظة خبري المعلى بن خنيس و معاوية بن شريح و غيرهما المعتضدة بالفتاوي، كاحتمال إرادة المتابعة للإمام فيما يجده متلبسا به من السجود و نحوه منه و يكبر للهوي له حينئذ لا أنه ينوي الصلاة و يكبر للإحرام و يدخل في الصلاة ثم يتابعه في السجود، إذ هو و إن لم يكن بتلك المكانة من الضعف- بل قد يؤيده استبعاد نية الصلاة التي يعلم إبطالها بمتابعة الإمام في السجدتين، أو امتناعها بناء على المشهور من وجوب الاستئناف عليه إذا قام كما ستعرف، بل ربما كان هو ظاهر أحد موضعي تذكرة الفاضل و عن نهايته أيضا حيث قال:

لو أدركه بعد رفعه من الركوع استحب له أن يكبر للهوي إلى السجود و يسجد معه، فإذا قام الإمام إلى اللاحقة قام و نوى و كبر للافتتاح- إلا أنه مناف لمقتضى الإطلاق الذي أشرنا إليه سابقا، و للمنساق من النصوص المتقدمة، خصوصا المشتمل على لفظ


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 14، ص: 56

التكبير منها، و ظاهر لفظ الاستئناف في الفتاوى و الاستدلال فيها على البطلان بزيادة ركن و نحوه مما ستسمعه حتى في التذكرة و عن نهاية الأحكام، بل في موضع آخر من الأولى التصريح بتكبيرة الإحرام، و غير ذلك مما ستعرف من النصوص بناء على اتحاد هذه الصور بالنسبة إلى ذلك.

و لا استبعاد في نيته و إن علم بعد الأدلة الشرعية أولا، و بعد عدم وجوب هذه المتابعة عليه المقتضية بطلان صلاته ثانيا، إذ له الانتظار من غير سجود إلى أن يقوم الامام إن لم يكن في الركعة الأخيرة، و إلى أن يفرغ من الصلاة إن كان فيها كما صرح به و بأن الأفضل له المتابعة الشهيدان في البيان و الروض و المسالك و الروضة و الفوائد الملية، بل ربما كان ظاهر المحكي من عبارة المبسوط التي ستسمعها أيضا، و لعله للجمع بين الأخبار السابقة و بين

خبر عبد الرحمن (1)عن الصادق (عليه السلام) في حديث «إذا وجدت الامام ساجدا فاثبت مكانك

حتى يرفع رأسه، و إن كان قاعدا قعدت، و إن كان قائما قمت»

و الموثق (2)عنه (عليه السلام) أيضا «عن رجل أدرك الامام و هو جالس بعد الركعتين قال: يفتتح الصلاة و لا يقعد مع الامام حتى يقوم»

فيحمل هذان على الاذن و الجواز و رفع الإيجاب و ما قبلهما على الفضل و الاستحباب، و لا بأس به.

لكن في الرياض أني لم أجد عاملا بهما قبل الشهيد، فلا تكافئا تلك الأخبار الصحيحة المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع، و بغير ذلك، فهي أرجح منهما من وجوه، و تنزيلهما على ما سمعت مع ظهورهما في حرمة المتابعة فرع الحجية المتوقفة على المكافاة، و هي مفقودة، و فيه أنه مبني على فهم وجوب المتابعة في المقام بعد الدخول


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 14، ص: 57

مع الامام من عبارات الأصحاب على وجه يتحقق به شهرة معتد بها أو إجماع، و هو في محل المنع و إن أوهمه ظاهر بعض كلماتهم، كمنع شمول ما دل على وجوبها من معقد إجماع أو غيره لمثل ما نحن فيه، فلا يبعد حينئذ أن له التخيير المزبور، بل قد يقال إن له نية الانفراد أيضا و إتمام صلاته لإدراكه الجماعة بمجرد إدراك الإمام في جزء من أجزاء الصلاة و إن لم يدرك الركعة معه.

هذا كله لو أدركه واقفا، أما لو أدركه راكعا فنوى و هو يريد الاجتماع معه فلم يتيسر له ذلك فان كان بحيث يتحقق منه مسمى الركوع اتجه القول بالبطلان على رأي المشهور، لحصول زيادة ركن حينئذ منه، إذ لا اعتداد بهذا الركوع منه بعد أن لم يجتمع مع الامام فيه، فليس له حينئذ متابعة الإمام بالسجدتين إلا أن يستأنف نية، و إن كان قبل أن يتحقق منه مسمى الركوع رفع رأسه حينئذ مع الامام ثم تابعه بالسجدتين و أبطل صلاته بهما، و ليس له إبطال العمل في المقام أو في غيره من الصور بغير المتابعة كما نص عليه الشهيد الثاني في روضته، افتصارا على المتيقن خروجه من إطلاق النهي، هذا كله بناء على المشهور، و إلا فعلى ما سمعته من الشيخ يتجه الصحة في ذلك كله.

و كيف كان فما في المختلف- من التوقف في الحكم المزبور من أصله أي جواز الدخول في الجماعة حال رفع الإمام رأسه ثم متابعته، حيث قال بعد أن حكى عن الشيخ:

«إنه لو أدرك الامام و قد رفع رأسه من الركوع استفتح الصلاة و سجد معه السجدتين و لا يعتد بهما، و إن وقف حتى يقوم إلى الثانية كان له ذلك» و عندي في ذلك إشكال من حيث أنه قد زاد في الصلاة ركنا هو السجدتان، مع أنه (عليه السلام) نهى عن الدخول في الركعة عند فوات تكبيرها في رواية محمد بن مسلم (1)الصحيحة عن الباقر


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 14، ص: 58

(عليه السلام)، مع احتمال أن يكون إشكاله فيما يستفاد من الشيخ من عدم وجوب استئناف الصلاة، بل يكتفي بتلك النية و التكبير كما ستسمعه فيما يأتي لا في أصل الدخول إلا أن الذي فهمه منه غير واحد من الأصحاب التوقف و الاشكال في ذلك كما يومي اليه تعليله الثاني، بل في المدارك و الذخيرة أنه في محله، و لعله لعدم ثبوت التعبد بالكيفية المذكورة، و للنهي كما سمعته من المختلف في صحيح محمد بن مسلم (1)عن الصادق (عليه السلام) عن الدخول في الركعة التي لم يدرك تكبير ركوعها،

و آخر له أيضا(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال لي: إن لم تدرك القوم قبل أن يكبر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة»

و في ثالث (3)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا أدركت التكبير قبل أن يركع الامام فقد أدركت الصلاة»

- ضعيف جدا، ضرورة الاكتفاء في ثبوت التعبد هنا خصوصا لو قلنا بأنه من المستحب الذي يتسامح فيه بمثل ما سمعت من الأخبار التي فيها الصحيح و غيره المعتضدة بما عرفت من عدم خلاف أحد فيه قبله، و قد عرفت الحال في هذه الأخبار عند البحث في إدراك الصلاة

بإدراك الإمام راكعا، و أن الأصحاب عدا الشيخ في بعض كتبه و بعض أتباعه أعرضوا عن ظاهرها حتى حكى الإجماع هو فضلا عن غيره في بعض آخر من كتبه على خلافه، و بعد التسليم محتملة احتمالا قويا إرادة النهي عن الدخول و نحوه معتدا بتلك الركعة لا لإدراك فضل الجماعة كما يومي اليه إبدال النهي عن الدخول في

صحيح ابن مسلم (4)الآخر أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام) بالنهي عن الاعتداد بها، فقال: «لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الامام»

بل ينبغي القطع به بملاحظة أخبار المشهور هناك، و صحيح


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3.

ج 14، ص: 59

ابن مسلم (1)هنا الذي سمعته سابقا فضلا عن غيره من الأخبار الدال على ما نحن فيه بطريق أولى، كما هو واضح.

نعم لا يعتد المأموم بتلك النية و التكبيرة و ذلك السجود عند الأكثر كما في المدارك و الذخيرة، بل في الرياض لا خلاف فيه إلا من ظاهر الشيخ و الحلي فإذا سلم الإمام حينئذ لو كان المفروض أنه أدركه في الركعة الأخيرة قام و استأنف الصلاة ب نية جديدة و تكبير مستأنف و قيل و القائل الشيخ في ظاهر المحكي عن مبسوطة بل و نهايته و الحلي في

ظاهر المحكي من سرائره أنه يبني على نيته و التكبير الأول و يتم الصلاة، و ربما مال إليه الأردبيلي، و لم يرجح في الذكرى في المقام و الأول أشبه عند المصنف و الفاضل و الشهيدين و غيرهم، لبطلان الصلاة بزيادة الركن التي لا دليل على اغتفارها هنا من نص أو إجماع، أما الثاني فواضح، و أما الأول فقد عرفت أنه لا دلالة في النصوص على أزيد من جواز الدخول معه، بل لعل

قوله (عليه السلام): «و لا تعتد بها»

في خبر المعلى بن خنيس (2)و غيره دال على المطلوب بناء على إرادة الصلاة من الضمير لا الركعة(3)لكن قد يناقش باغتفار هذه الزيادة للمتابعة، للأمر بها هنا الذي لا إشكال في استفادة عدم ترتب الفساد بالامتثال عن ظاهره نحو اغتفارها فيمن سبق الامام سهوا، خصوصا إذا قلنا إن الذي يفعله المأموم مع الإمام في حال السهو إنما هو غير الركوع الصلاتي مثلا، بل هو واجب للمتابعة خاصة، و إلا فالركوع الواقع منه أولا هو الركوع الصلاتي، إذ عليه حينئذ ينحصر اغتفار هذه الزيادة بمراعاة المتابعة، و احتمال خروج ذلك بالدليل دون المقام كما ترى، إذ مع قطع النظر عن أدلة المقام يمكن دعوى وضوح عدم الفرق بين المقامين


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 في النسخة الأصلية« لا إلى الركعة» و لكن الصواب ما أثبتناه.

ج 14، ص: 60

سيما إذا لوحظ خبر حفص (1)الوارد في صلاة الجمعة المشتمل على زيادة السجدتين للمتابعة في غير السهو، و قد اعترف الشهيد في الذكرى هناك بأنه لا يبعد العمل به لشهرته بين الأصحاب، و عدم وجود ما ينافيه، و اغتفار الزيادة للمتابعة، و اعتراف الشيخ باعتماد أصله، فلاحظ.

مضافا إلى استصحاب الصحة في المقام معتضدا بترك الأمر بالاستيناف في مقام البيان في جميع الأخبار السابقة، خصوصا مع ظهورها في الصحة أو إيهامها، ضرورة أنه إذا قال له: انو الصلاة و كبر للافتتاح ثم اسجد مع الامام ينساق إلى ذهن كل أحد منها أن ذلك لا فساد فيه للصلاة، و احتمال الاتكال في ذلك على

قوله: «و لا تعتد بها»

يدفعه أولا أن إرجاع الضمير إلى الصلاة ليس بأولى من إرجاعه إلى الركعة أو إلى جنس السجدة، بل لعله هو الظاهر، و ثانيا أن الموجود فيما حضرني من نسخة الوسائل تثنية الضمير، فيتعين رجوعه حينئذ إلى السجدتين، و يؤيده أنه رواه في الذكرى كذلك، ثم قال: فهذا يحتمل عدم الاعتداد بهما من الصلاة و إن كانت النية صحيحة، و يحتمل عدم الاعتداد بهما و لا بالصلاة، و عبارة المبسوط كالرواية.

قلت: لا ريب في ظهور الاحتمال الأول من الخبر المزبور على التقدير المذكور دفعا لما يتوهم من إطلاقهم (عليهم السلام) الأمر بالدخول في الجماعة، و الأمر بجعل ما يدركه

المأموم مع الإمام أول صلاته، و يؤيد أن الأصحاب فهموا من عبارة المبسوط الخلاف في المقام، و نسبوا له القول بالصحة و عدم الاستئناف مع أن عبارته كما سمعته من الذكرى كالرواية، فالمتجه حينئذ دلالتها على الصحة أيضا و لو لا شعار النهي عن خصوص الاعتداد بهما فيها هنا بذلك أو لغيره.

بل قد يشهد للصحة أيضا استبعاد أو امتناع أمرهم (عليهم السلام) بنية العمل


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.

ج 14، ص: 61

قائما و التقرب به إلى الله تعالى ثم إيجابهم إفساده بهذه المتابعة أو ندبهم اليه على اختلاف القولين كما عرفت، خصوصا بعد نهي الله تعالى عن إبطال العمل، كاستبعاد حصول فضيلة الجماعة بذلك و بالصلاة المستأنفة جديدا، ضرورة خروجها عنه حينئذ، اللهم إلا أن يقال بحصول فضيلة الجماعة له بذلك لا بصلاته المستأنفة، و هو أبعد، و لعله لذا توقف في القواعد في حصول الفضيلة بذلك، و كأنه جعله مستحبا خارجيا، بل استقرب في التذكرة العدم في نحو المقام كما عن نهاية الأحكام و الإيضاح فيه، و إن كان هو ضعيفا منافيا لظاهر النصوص و الفتاوى، بل قد يؤيدها أيضا أن المتجه على هذا التقدير الفساد بأول مسمى السجود لتحقق الزيادة عمدا كما ستسمعه فيما يأتي، فلا معنى لمتابعته حينئذ بعد في السجدة الأخرى و غيرها، بل ربما يؤيدها أيضا ما ستعرف في بعض الصور الآتية.

و احتمال دفع ذلك كله بالشهرة يدفعه أنه لا شهرة محققة، إذ أقصاه أنه خيرة الفاضلين و الشهيدين و بعض أتباعهم، و إن كان ذلك منهم في كتبهم المتعددة فهي شهرة فتاوى لا مفتين، بل قد عرفت أن الشهيد في الذكرى لم يرجح في المقام، بل قد يمكن بالتتبع تحصيل القول بالصحة لغير الشيخ و الحلي كالصدوقين و الكليني و غيرهم، بل لعله ظاهر النافع أو محتمله كما ستعرف، و من هنا ظهر أن قول الشيخ لا يخلو من قوة، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه، و هو إنما يحصل إذا دخل في هذا الحال بإتمام الصلاة ثم الاستئناف من رأس، و الله أعلم، هذا.

و في المدارك أنه «إن قلنا باستحباب المتابعة و عدم وجوب استئناف النية كانت التكبيرة المأتي بها تكبيرة الإحرام و وجب إيقاع النية قبلها، و إن قلنا بوجوب استئناف النية كان التكبير المأتي به أولا مستحبا كما هو ظاهر» و ظاهره يعطي أن التكبير على التقدير الثاني ليس تكبير الإحرام، لكنه مخالف للمستفاد من الفتاوى و النصوص،

ج 14، ص: 62

كما هو واضح.

و لو أدرك المأموم الامام و قد سجد إحدى السجدتين في الركعة الأخيرة أو غيرها نوى و كبر و دخل معه في الأخرى لكثير من الأدلة السابقة حتى صحيح ابن مسلم (1)المتقدم، إذ الظاهر من إرادة إدراكه في السجدة الأخيرة

هو الدخول معه فيها كما اعترف به غير واحد من الأصحاب، فما في المدارك- من أنه لا دلالة فيه على حكم المتابعة في السجدة و الظاهر أن الاقتصار على الجلوس أولى- في غير محله، كما هو واضح، و في الاعتداد بهما أو الاستئناف القولان السابقان، بل الصحة هنا أولى، لعدم كون الزيادة ركنا، و لذا قال بالصحة من لم يقل بها هناك كالشهيد الثاني في روضته، إذ جعل الضابط في الاستئناف- بعد أن جوز للمأموم أن يدخل مع الإمام في سائر الأحوال- أنه إن زاد معه ركنا استأنف، و إلا فلا، لكن فيه أن الزيادة في الصلاة عمدا مبطلة للصلاة أيضا و إن لم تكن ركنا، و لا دليل على اغتفارها للمتابعة دون الركن و من هنا لم يفرق غيره بين المسألتين، إلا أنك قد عرفت هناك قوة الصحة سابقا، فهنا بطريق أولى.

بل قد يؤيد هنا بإطلاق ما دل (2)على النهي عن إعادة الصلاة من سجدة، و بأن المعلوم من إفساد الزيادة العمدية ما لا يشمل نحو المقام، بل قد يشك في اندراج ما نحن فيه فيه بعد فرض قصد المكلف أنها فعل خارج عن الصلاة فعلها متابعة للإمام، نعم هي فعل في أثناء الصلاة، و لا دليل على أن مطلقه و إن لم يكن كثيرا بحيث يشمل ما نحن فيه مفسد للصلاة، بل لعل الثابت عدمه، و لعل من ذلك أو نحوه فرق الشهيد بين المقامين.


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الركوع- الحديث 2 و 3.

ج 14، ص: 63

لكن قد يناقش في كون زيادة السجدتين بهذا العنوان من زيادة الركن المفسد للصلاة أيضا، بناء على أن المعتبر في ركنية الزيادة كونها بعنوان أنه من الصلاة و لو سهوا أو وقع منه ذلك مع الغفلة أصلا لا بعنوان أنه ليس من الصلاة، و قد سبق نظيرة في أحكام الخلل فيمن زعم إتمام صلاته ثم افتتح صلاة جديدة ثم تبين له نقصانها، إذ احتمل الفاضل هناك عدم فساد الصلاة بزيادة تكبيرة الإحرام معللا له بنحو ما سمعت فيأتي حينئذ بالركعة و يتم صلاته، فلاحظ و تأمل.

و لو أدركه أي المأموم الإمام بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة كبر و جلس معه لإطلاق أدلة الرخصة في الدخول و خبر معاوية بن شريح (1)بناء على أن التتمة من الصادق (عليه السلام) لا الصدوق، و خبر عبد الرحمن (2)المتقدم أيضا و

موثق عمار(3)عن الصادق (عليه السلام) سأله «عن الرجل يدرك الامام و هو قاعد يتشهد و ليس خلفه إلا رجل واحد عن يمينه، قال: لا يتقدم الامام و لا يتأخر الرجل و لكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام، فإذا سلم الامام قام الرجل فأتم صلاته».

فما في المدارك- من حصر أقصى إدراك الجماعة بإدراك الإمام في السجدة الأخيرة لظاهر صحيح ابن مسلم (4)السابق- ضعيف جدا مخالف للإجماع المحكي إن لم يكن المحصل، فيجب الخروج عن

إشعار هذا الصحيح أو مفهومه أو تنزيله على مالا ينافي المطلوب من تفاوت مراتب فضيلة الإدراك أو غيره، و كان الأولى له تعليله بانتهاء محل القدوة بناء على عدم وجوب المتابعة في الأقوال كما هو الأقوى، و إن كان هو أيضا ضعيفا لا يعارض ما عرفت من الأدلة السابقة، على أنه لو قلنا لا يجب المتابعة فيها بل و لا يندب لكن الجلوس فعل من الأفعال التي يتابع المأموم الإمام فيها، كما


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1.

ج 14، ص: 64

هو واضح، و كذا ما في الحدائق من التوقف في الحكم المزبور أيضا لمعارضة ما هنا بخبر عمار(1)الآخر المتقدم سابقا المشتمل على النهي عن القعود مع الإمام إذا أدركه جالسا بعد الركعتين بل ينتظره حتى يقوم، إذ قد عرفت أنه يجب طرحه في مقابلة غيره أو الجمع بينهما بالتخيير و أفضلية المتابعة، على أن موضوعه التشهد الأول في الصلاة ذات التشهدين، و يبقى حينئذ محل للجماعة إن لم يتابعه في ذلك الجلوس بخلاف ما هنا، فتأمل.

و كيف كان فإذا سلم الامام لو فرض أنه كان في الركعة الأخيرة قام فاستقبل تمام صلاته و لا يحتاج هنا إلى استئناف تكبير بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بين أساطين الأصحاب، بل في الذكرى و الروض القطع به، بل في مفتاح الكرامة و عن المهذب البارع الإجماع عليه، و هو الحجة بعد ظهور قوله (عليه السلام) في

موثق عمار(2)المتقدم آنفا «أتم صلاته»

في ذلك أيضا، بل هو ظاهر غيره أيضا من الأدلة، خصوصا بعد ما سمعته منا في ترجيح كلام الشيخ في المسألة الأولى، مضافا إلى اقتضاء القاعدة ذلك، ضرورة عدم مقتض للفساد، إذ الجلوس و التشهد الذي مر في المعتبرة(3)أنه بركة غير قادحين قطعا.

و من هنا لم يخالف أحد بالصحة في المقام و إن خالفوا فيما عرفت عدا ما عساه يظهر من المصنف في النافع من الاستئناف هنا أيضا، إلا أني لم أجد أحدا ممن تأخر عنه أو تقدمه وافقه عليه كما اعترف به شارحه في الرياض، و إن كان قد يستدل له بأنه زيادة أيضا في الصلاة لم يعلم اغتفارها في المقام، لقصور الأدلة عن إفادة عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 66- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 14، ص: 65

الاستئناف هنا أيضا كما في باقي الصور، و بما عن

الفقيه عن عبد الله بن المغيرة(1)قال:

«كان منصور بن حازم يقول: إذا أتيت الامام و هو جالس قد صلى ركعتين فكبر ثم اجلس، فإذا قمت فكبر»

إذ الظاهر إرادة تكبيرة الإحرام منه، لأنه لا تكبير للجلوس أو للقيام، و رده في الرياض بأنه إن تشهد فهو بركة كما مر في المعتبرة،

و ليس من الزيادة المبطلة، و إلا فليس إلا القعود خاصة، و هو غير مبطل بلا شبهة كما يفصح عنه أمر المسبوق به (2)حيث لم يكن له محل للتشهد، و بأن قطع الخبر المزبور يمنع جواز العمل به، مع أني لا أجد قائلا به و لا أعرفه، و معارض بموثق عمار المذكور الظاهر أو الصريح في عدم لزوم الإتيان بالتكبير، و هو جيد.

لكن ظاهره عدم قدح مثل ذلك في الصلاة لو وقع اختيارا من غير متابعة الامام، و أنه ليس من الزيادة المبطلة، لعدم وقوعه بنية أنه من الصلاة، و لبركة التشهد و قلة فعل الجلوس، و إلا لو كان مدار اغتفاره المتابعة عنده لاتجه عليه أنه لم لم يغتفر لها زيادة السجدتين أو السجدة الواحدة، ضرورة اتحاد مقتضاها في الجميع.

و قد يناقش بإمكان التخلص عن شبهة زيادة السجدة بنحو ذلك أيضا كما سمعت و باشتمال التشهد على ما يتوقف في كونه ذكرا كالإقرار بالعبودية و الرسالة، فيمكن دعوى عدم جوازه لو لا المتابعة، و بأنه إن لم يتشهد كان له السكوت كما صرح به الفاضلان على ما حكي عن أولهما، إذ لا يتعين عليه الذكر قطعا، و ربما كان طويلا مبطلا للصلاة خصوصا إذا أطال الإمام في التشهد و التسليم، فلو لا أنه مغتفر للمتابعة لاتجه البطلان.

و من ذلك كله يظهر لك زيادة تأييد للصحة في الصور السابقة و إن تابع فيما تابع من السجدة أو السجدتين، إلا أنه على كل حال لا ريب في ضعف ظاهر النافع من


1- 1 الفقيه ج 1 ص 260- الرقم 1184 من طبعة النجف.
2- 2 الوسائل- الباب- 47 و 66- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 14، ص: 66

البطلان، و يمكن إرادته مجرد استحباب الدخول من التشبيه، فلا مخالفة، أو الإتمام من الاستقبال لا الاستئناف فيكون حينئذ موافقا للشيخ في الصحة في الصور السابقة، و الله أعلم.

[المسألة العاشرة يجوز أن يسلم المأموم قبل الامام و ينصرف لضرورة]

المسألة العاشرة يجوز أن يسلم المأموم قبل الامام و ينصرف لضرورة كوجع أو أخذ بول أو خوف فوات شي ء أو نسيان و غيرها كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل في المدارك و الذخيرة أنه مقطوع به في كلام الأصحاب حتى في كلام القائلين بوجوب التسليم، كمعقد إجماع الحدائق على ذلك، للأصل و عدم وجوب المتابعة في الأقوال على الأصح، و

صحيح أبي المعزى (1)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يصلي خلف إمام فيسلم قبل الامام؟ قال: ليس بذلك بأس»

كصحيحه الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا إلا أنه زاد في سؤاله «فيسهو» قبل قوله: «فيسلم»

و صحيح الحلبي (3)عنه (عليه السلام) أيضا «في الرجل يكون خلف الامام فيطيل الامام التشهد، فقال: يسلم من خلفه و يمضي في حاجته إن أحب»

و صحيح علي بن جعفر(4)عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يكون خلف إمام فيطول في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شي ء أن يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال: يسلم و ينصرف و يدع الامام».

بل الظاهر الجواز و إن لم ينو الانفراد مع عدم العذر فضلا عنه، كما هو قضية الأدلة المزبورة و إطلاق المتن و غيره و محتمل المسالك و صريح الروض بناء على عدم وجوب المتابعة في الأقوال و الذخيرة و الرياض، بل لعله ظاهر غيرهم من الأصحاب أيضا كما اعترف به في الذخيرة تبعا للروض لافرادهم هذه المسألة عن مسألة المفارقة،


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 64- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 64- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.

ج 14، ص: 67

و لو اعتبروا فيها النية لم يكن لهذا الافراد فائدة معتد بها، بل ينبغي الجزم بذلك بناء على عدم وجوب المتابعة في الأقوال، إذ احتمال خروج خصوص هذا القول من بينها لاقتضائه الخروج عن الصلاة الذي هو كالفعل أو كالافتتاح بالتكبير الذي أوجبنا المتابعة فيه ضعيف، فما في ظاهر النافع و المنتهى من الافتقار إلى نية الانفراد حال عدم العذر لحرمة المفارقة في غير المقام بدونها محجوج بما عرفت، و أولى منه بذلك ما في الذكرى و البيان و عن غيرهما من الافتقار إليها مع العذر أيضا، و لعله للجمع بين دليلي حرمة المفارقة و جوازها مع العذر، و انصراف إطلاق نصوص المقام إلى النية، بل هي

في الحقيقة قصد السبق الواقع من المأموم، و فيه أنه لا شمول في دليل حرمة المفارقة لمثل المقام كي يعارض إطلاق الأدلة، و أنه من الواضح الفرق بين نية الانفراد و بين إرادة سبق المأموم الامام، و أقصى ما يمكن تسليمه انصراف الإطلاق إلى الثاني دون الأول على أن صحيح السهو لا يقبل ذلك و إن كانت دلالته على المطلوب إنما هي بعدم أمره بتلافي ما سها فيه، أو بإطلاق نفي البأس كما هو واضح.

ثم إنه لو قلنا بوجوب نية الانفراد فلو فارق بدونها عمدا أثم خاصة لا أنه فسدت صلاته كما صرح به هنا في الذكرى، و سمعته مكررا منا غير مرة في باقي أفراد ترك المتابعة، نعم ينبغي استثناء خصوص المتابعة في تكبيرة الإحرام من ذلك، لظهور الفساد هنا بتعمد تركها، لعدم تحقق الائتمام حينئذ بمصل، كما هو واضح.

[المسألة الحادية عشرة إذا وقف النساء في الصف الأخير فجاء رجال]

المسألة الحادية عشرة إذا وقف النساء في الصف الأخير فجاء رجال للصلاة جماعة وجب في صحة صلاتهم أن يتأخرن عنهم إذا لم يكن للرجال موقف أمامهن بناء على حرمة المحاذاة و التقدم في الصلاة فرادى، أو على اعتبار ذلك في خصوص الجماعة و إن قلنا بالكراهة هناك، كما لعله ظاهر المتن هنا كالمنتهى و إن قال بالكراهة فيما تقدم، و قد تقدم تمام البحث في ذلك في بيان الموقف من فصل الجماعة

ج 14، ص: 68

فلاحظ و تأمل، و كيف كان فلا ريب في إرادة الوجوب الشرطي مما في المتن لا التعبدي خصوصا إذا كانت الأرض مباحة أو ملكا للنساء، كما هو واضح.

[المسألة الثانية عشرة إذا استنيب المسبوق بركعة أو ركعتين]

المسألة الثانية عشرة إذا استنيب المسبوق بركعة أو ركعتين فإذا انتهت صلاة المأمومين أومأ إليهم ليسلموا ثم يقوم فيأتي بما بقي عليه من الصلاة

للصحيح (1)عن الصادق (عليه السلام) «في إمام قدم مسبوقا بركعة، قال: إذا أتم صلاة القوم فليوم إليهم يمينا و شمالا فلينصرفوا، ثم ليكمل هو ما فاته من صلاته»

و الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «عن الرجل يأتي المسجد و هم في الصلاة و قد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فيعتل الإمام فيأخذ بيده و يكون أدنى القوم اليه فيقدمه، قال: يتم صلاة القوم ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد أومأ إليهم بيده عن اليمين و الشمال، و كان الذي أومأ إليهم بيده التسليم و انقضاء صلاتهم، و أتم هو ما فاته أو بقي عليه»

لكن من المعلوم إرادة الندب من ذلك، للأصل و إطلاق باقي أدلة المقام و غيره مما هو نظيره كائتمام المسافر بالحاضر و نحوه، كما أن الظاهر ذلك أيضا بالنسبة إلى جلوسه إلى فراغهم من التشهد إذا لم يكن عليه تشهد و إن تضمنه الصحيح الثاني.

بل الظاهر أنه لا بأس بتقديم واحد منهم ليسلم بهم، ل

خبر طلحة بن زيد(3)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: «سألته عن رجل أم قوما فأصابه رعاف بعد ما صلى ركعة أو ركعتين فقدم رجلا ممن قد فاته ركعة أو ركعتان، قال: يتم بهم الصلاة ثم يقدم رجلا فيسلم بهم، و يقوم هو فيتم بقية صلاته»

بل عن الشيخ في التهذيب أنه أحوط، بل قد يستفاد مما قدمنا في ائتمام المسافر بالحاضر- من أن له الانتظار حتى يفرغ الامام فيسلم معه- جواز ذلك هنا أيضا، كما لم يستبعده في المنتهى معللا له بأنه قد ثبت جواز ذلك في صلاة الخوف، و تبعه في المدارك و إن أنكر عليه في الرياض


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.

ج 14، ص: 69

تبعا للحدائق بأنه قياس و ليس بحجة، لكنه كما ترى، و الأمر سهل.

و الظاهر أنه لا حاجة في تشهد المأمومين و سلامهم هنا إلى نية الانفراد و إن فارقهم بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة، لإطلاق الأدلة و كون التخلف للعذر، بل الظاهر بقاؤهم على المأمومية حتى يسلموا، فلا يجوز الاقتداء حينئذ ببعضهم لثبوت جميع أحكام المأمومين

لهم بناء على ذلك، فتأمل جيدا، و الله أعلم، و الحمد لله رب العالمين و الصلاة على محمد و آله الطيبين الطاهرين الذين ببركاتهم وفقنا الله تعالى لإتمام أحكام الجماعة، و نرجو منه جل شأنه بهم التوفيق لغيرها، و هو عند ظن عبده به الحسن.

خاتمة فيما يتعلق بالمساجد
اشاره

يناسب ذكرها في المقام لغلبة انعقاد الجماعات فيها و إن ذكرها بعضهم في المكان ملاحظة لكون المسجد أفضل أماكن المصلي، و الأمر سهل، و المراد بالمسجد شرعا المكان الموقوف على كافة المسلمين للصلاة، فلو خص بعضا منهم به لم يكن مسجدا، اقتصارا على المتيقن، بل هو ظاهر الأدلة أيضا، ضرورة منافاة الخصوصية للمسجدية إذ هو كالتحرير، فلا يجوز، بل لا يتصور فيه التخصيص، فيبطل الوقف حينئذ من أصله كما عن فخر المحققين و المحقق الثاني التصريح به، بل هو قضية غيرهما أيضا، إذ احتمال بطلان التخصيص و صحة الوقف قهرا على الواقف و إن لم يكن ذلك مقصودا له لا دليل عليه، بل هو مناف لأصول المذهب و قواعده، خلافا لظاهر العلامة في القواعد في أحكام المساجد، بل هو خيرته فيها في باب الوقف، فصحح الوقف و أبطل التخصيص

ج 14، ص: 70

و له عن التذكرة أيضا من قوة صحة الوقف و التخصيص معا، و تردد في الدروس في صحة التخصيص و عدمها ثم على البطلان ففي صحة الوقف و عدمها، و الأقوى ما سمعت.

و هل يعتبر في تحقق المسجدية صيغة الوقف و شبهها و لو بأن يقول: جعلته مسجدا لله، و يأذن في الصلاة فيه فيصلي فيه و لو واحدا، و يقبضه الحاكم الذي له الولاية العامة أو يكفي مجرد قصده ذلك و إن لم يتلفظ؟ وجهان بل قولان قد استقرب في الذكرى كما عن مجمع البرهان ثانيهما مستظهرا له من عبارة المبسوط، لكنه اعتبر فيه على الظاهر الصلاة فيه و لو من الواقف، لأنه قال فيها أي الذكرى قبيل ذلك: و لو بناه بنية المسجد لم يصر مسجدا، نعم لو أذن للناس بالصلاة فيه بنية المسجدية ثم صلوا أمكن صيرورته مسجدا، لأن معظم المساجد في الإسلام على هذه الصورة، و يقوى في النظر الأول، للأصل و ظهور إطباقهم في باب الوقف على الافتقار فيه إلى اللفظ، بل حكي عن المبسوط نفسه هناك التصريح بأنه لا بد من التلفظ بالوقف في خصوص ما نحن فيه من غير تردد و لا ذكر خلاف إلا من أبي حنيفة، و لم يعلم كون معظم المساجد في الإسلام بدون تلفظ و يكفينا في جواز الصلاة فيها اشتهارها في المسجدية، و لا حاجة إلى الفحص عن كيفية الوقف كما في غيره من العقود من النكاح و غيره، إلا أنه مع ذلك فالإنصاف أن النصوص غير خالية عن الإيماء إلى الاكتفاء بالبناء و نحوه مع نية المسجدية من غير حاجة إلى صيغة خاصة، خصوصا ما ورد(1)منها في تسوية المساجد بالأحجار في البراري و الطرق، و ربما يأتي لذلك تتمة إن شاء الله في باب الوقف.

كما أنه يأتي البحث في اعتبار القربة في صحة الوقف هناك أيضا، لكن يمكن دعوى اعتبارها في خصوص المسجدية كما عن جماعة

التصريح بها و إن لم نقل بها في مطلق الوقف، لظهور جهة العبادية فيها، بل هي عبادة محضة، إلا أنه بناء على ذلك يتجه فساد


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.

ج 14، ص: 71

الصلاة في نحو مساجد المخالفين، لعدم صحة عباداتهم، فتكون حينئذ ملكا لأربابها، بل لو قلنا بصحة ذلك منهم باعتبار أن الوقف و إن كان عبادة لكنه و إن كان مسجدا فيه جهة المعاملة، لاحتياجه إلى الصيغة و نحوها، فيصح منهم، و لا ينافيه اعتبار نية القربة لإمكانها منهم، لكن هو فاسد من جهة أخرى، و هي قصدهم المسجدية لصلاة أهل مذهبهم، و هو مع ما عرفت من منافاة التخصيص للمسجدية قاض بالفساد، لأن لا صلاة لأحد من أهل مذهبهم كي يصح الوقف لها مسجدا، و فيه أن مجرد زعمه ذلك و إن لم يكن صرح به بعد أن جعل الوقف للمصلين الذين هم حقيقة أهل الحق لا أهل مذهبه لا يقتضي الفساد، بل الوقف في نفس الأمر لهم لا لغيرهم، فيحرم صلاتهم فيه دونهم، ضرورة صحة وقفهم و فساد ظنهم، نعم لو صرح بالوقف مسجدا على أهل مذهبه اتجه الفساد، مع أنه ربما حكي عن العلامة الطباطبائي في حلقة درسه إمكان القول بصحة وقفهم أيضا و بطلان شرطهم المبتني على ظنهم الفاسد، و هو لا يخلو من وجه، لكن الأقوى خلافه، خصوصا بعد ما سمعت سابقا.

نعم قد يقال بجواز الصلاة في مساجدهم و إن كانت كذلك، لمكان الاعراض عن هذه البقعة، و لاستفاضة النصوص بأن الأرض كلها للإمام و أنه إذا ظهر الحق أخرجها من أيديهم (1)و لأمر الأئمة (عليهم السلام) بالتردد إليها و الصلاة معهم فيها(2)و فعلهم (عليهم السلام) ذلك (3)و تقريرهم (عليهم السلام) أصحابهم عليه (4)مع أنه قد يناقش فيه بأنه لم يعلم شي ء من ذلك فيما شرطوا فيه الاختصاص بأهل مذهبهم


1- 1 أصول الكافي- ج 1 ص 407 و 408 و 409 من الطبعة الحديثة« باب أن الأرض كلها للإمام عليه السلام».
2- 2 الوسائل- الباب- 75- من أبواب صلاة الجماعة.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 9 و 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 7.

ج 14، ص: 72

و لا إطلاق في الفعل و التقرير كي يستند اليه، و إطلاق الأمر بالتردد إليها غير منصرف إلى ذلك قطعا لندرته، سيما بعد كونه غير مساق لتناول مثله، و ملكية الأرض للإمام (عليه السلام) يراد منها أمر آخر، و لذا لم يجز الصلاة في دورهم و نحوها بغير إذنهم قطعا.

ثم لا يخفى عليك جريان كثير مما سمعته في البيع و الكنائس التي هي معابد اليهود و النصارى، ضرورة اشتراكها مع مساجد العامة في جميع ذلك حتى في ورود النصوص من أئمتنا (عليهم السلام) في الرخصة لنا في الصلاة بها المشعرة بصحة وقفهم لها أو غيرها مما تقدم و يأتي، هذا.

و قد يطلق المسجد على المكان المتخذ في الدار و نحوها لصلاة أهلها فيه من غير قصد وقفية أو عموم، و بالجملة المصلى، و الظاهر أنه لم يكن بهذا الاتخاذ مسجدا كما صرح به غير واحد، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه و إن كان قد يظهر من الأدلة- كخبر حريز(1)عن الصادق (عليه السلام) و عبيد بن زرارة(2)عنه (عليه السلام) أيضا المروي عن محاسن البرقي و عبد الله بن بكير(3)عنه (عليه السلام) أيضا المروي عن قرب الاسناد و غيرها- استحباب اتخاذ مثل هذا المكان في الدار، و ربما يزيد في ثواب الصلاة، بل ربما يظهر من المحكي عن مجمع البرهان حصول ثواب المسجدية، لكنه لا يخلو من نظر بل منع، لعدم الدليل، و لذا صرح في جامع المقاصد بأنه لا يتعلق به ثواب المسجد، أما باقي أحكام المساجد فلا أجد خلافا في عدم جريان شي ء منها عليه، فله حينئذ توسيعه و تضييقه و تحويله و تغييره و جعله كنيفا فضلا عن غيره، كما في

خبر علي بن جعفر(4)عن أخيه موسى (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد «سألته


1- 1 الوسائل- الباب- 69- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 69- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 69- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 6.

ج 14، ص: 73

عن رجل كان له مسجد في بعض بيوته أو داره هل يصلح أن يجعله كنيفا؟ قال:

لا بأس»

و نحوه المروي عن مستطرفات السرائر عن كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر(1)صاحب الرضا (عليه السلام)،

و خبر مسعدة بن صدقة(2)المروي عن قرب الاسناد أيضا، قال: «سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام) و سئل عن الدار و البيت قد يكون فيه مسجد فيبدو لأصحابه أن يتوسعوا بطائفة منه و يبنوا مكانه و يهدموا البنية، قال:

لا بأس بذلك»

و خبر عبد الله بن سنان (3)سأل الصادق (عليه السلام) «عن المسجد يكون في الدار و في البيت فيبدو لأهله أن يتوسعوا بطائفة منه أو يحولوه إلى غير مكانه فقال: لا بأس بهذا كله»

و نحوه خبر الحلبي (4)و أبي الجارود(5)عنه و عن الباقر (عليهما السلام).

[في استحباب اتخاذ المساجد]

و كيف كان فلا ريب في أنه يستحب اتخاذ المساجد إذ هو مجمع عليه بين المسلمين، بل ضروري من ضروريات الدين، و في

النبوي (6)المروي عن كتاب الأعمال «من بنى مسجدا في الدنيا أعطاه الله بكل شبر منه أو قال بكل ذراع منه مسيرة أربعين ألف عام

مدينة من ذهب و فضة و در و ياقوت و زمرد و زبرجد و لؤلؤ»

الحديث و يكفي في ذلك أقل ما يصدق عليه مسماه، و

قال أبو عبيدة الحذاء في الحسن كالصحيح(7): «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة، قال: فمر بي أبو عبد الله (عليه السلام) في طريق مكة و قد سويت بأحجار مسجدا فقلت له: جعلت فداك، نرجو أن يكون هذا من ذاك، فقال نعم»

و في

خبره الآخر(8)عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «من بنى مسجدا


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام المساجد الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام المساجد الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام المساجد الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام المساجد الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.

ج 14، ص: 74

كمفحص قطاة بنى الله تعالى له بيتا في الجنة، قال: و مر بي و أنا بين مكة و المدينة أضع الأحجار فقلت: هذا من ذاك فقال: نعم»

و عن محاسن البرقي مسندا إلى هاشم الحلال (1)قال: «دخلت أنا و أبو الصباح على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له أبو الصباح: ما تقول في هذه المساجد التي بنتها الحاج في طريق مكة؟ فقال: بخ بخ تيك أفضل المساجد، من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة»

إلى غير ذلك.

و الظاهر أن المراد من هذه الأخبار ببناء المسجد هنا إنشاء المسجدية لا عمارة المسجد السابقة مسجديته و إن كانت هي أيضا لا إشكال في استحبابها، بل لعلها هي مورد الآية(2)بل هي مقتضى ما يقال من ظهور المشتق في تحقق مبدئه قبل زمان النسبة إليه، كقوله: «اسقني ماء باردا» و نحوه، لكن المراد هنا ما عرفت بالقرائن كما أن الظاهر إرادة الكناية عن المبالغة في الصغر من التشبيه بمفحص إلى القطاة، إذ هو كمعقد الموضع الذي تكشفه القطاة في الأرض و تلينه بجؤجئها تتبيض فيه، فيكون المراد أنه يستحب و إن كان صغيرا نسبته إلى الصلاة كنسبة المفحص إلى القطاة، و ربما كان فيه حينئذ إيماء إلى عدم اعتبار اشتمال المكان على تمام المصلي في جميع أحوال صلاته في تحقق المسجدية، اللهم إلا أن يراد من التشبيه المزبور المبالغة في الصغر بحيث لا يسع إلا المصلي نفسه خاصة، و يحتمل أن يكون المراد من التشبيه عدم الاحتياج في حصول المسجدية إلى بناء الجدران بل يكفي رسمه كما يومي اليه فعل أبي عبيدة و نحوه المشار إليه في الأخبار السابقة، بل قد يظهر منها عدم اعتبار الملكية للأرض المباحة مثلا في جعلها مسجدا بل يكفي تحجيرها في ذلك، بل لا يشترط سبقه على المسجدية فيجزي قصده


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 6.
2- 2 سورة التوبة- الآية 18.

ج 14، ص: 75

بنية المسجدية و يحصلان معا.

[في استحباب كون المساجد مكشوفة غير مسقفة و لا مظللة]

يستحب أن تكون المساجد مكشوفة غير مسقفة و لا مظللة مع عدم الحاجة تأسيا بالمحكي عن فعل النبي (صلى الله عليه و آله) في

الحسن كالصحيح (1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) بنى مسجده بالسميط، ثم إن المسلمين كثروا فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه، فقال: نعم فزيد فيه و بناه بالسعيدة ثم إن المسلمين كثروا فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه، فقال: نعم، فأمر به فزيد فيه و بنى جداره بالأنثى و الذكر ثم اشتد عليهم الحر فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل، فقال: نعم فأمر به فأقيمت سواري من جذوع النخل ثم طرحت عليه العوارض و الخصف و الإذخر فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف عليهم فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا، عريش كعريش موسى (عليه السلام) فلم يزل كذلك حتى قبض (صلى الله عليه و آله)».

مؤيدا بما دل على أن من أسباب قبول الصلاة و إجابة الدعاء عدم الحائل بين المصلي و السماء، و بإمكان استفادة رجحان المكشوفية

هنا مما دل على كراهة التسقيف و التظليل مما تسمعه و إن لم نقل بأن ترك المكروه مستحب، لكن الذي نص عليه بعض الأصحاب كراهة التظليل لا استحباب الكشف، و لعله لعدم صلاحية ما تقدم لثبوته بعد البناء على أن ترك المكروه ليس بمستحب، إلا أن المحكي عن مجمع البرهان أنه لا كلام في استحباب كونها مكشوفة مع كراهة المسقوفة إلا أن تسقف بالحصر و البواري من غير طين، و لعل مستنده في الاستحباب المزبور ما عرفت، كما أن مستنده و مستند غيره من الأصحاب- حتى نسبه في مفتاح الكرامة إلى الشيخ و من تأخر عنه في كراهة التظليل و في الذخيرة


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.

ج 14، ص: 76

إلى الأصحاب-

حسن الحلبي أو صحيحه (1)الذي رواه المشايخ الثلاثة على اختلاف في متنه بل و سنده غير قادح في المطلوب «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن المساجد المظللة أ تكره الصلاة فيها؟ فقال: نعم، و لكن لا يضركم اليوم، و لو قد كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك»

إلا أنه قد يشكل بما في الحسن السابق من تظليل النبي (صلى الله عليه و آله) مسجده، و بأن الحاجة ماسة إليه لدفع الحر و البرد.

و من هنا قال في الذكرى: «لعل المراد كراهة تظليل جميع المسجد أو تظليل خاص أو في بعض البلدان» و حكاه بعضهم عنه ساكتا عليه، كما أنه قد اختار آخر أولها، و ثالث ثانيهما،

فقال: «المراد كراهة السقف لا التظليل بغيره» مؤيدا له بأنه به تندفع سورة الحر و البرد، و مع المطر لا يتأكد استحباب التردد إلى المساجد كما يدل عليه إطلاق النهي (2)عن التسقيف، و ما اشتهر من

قوله (صلى الله عليه و آله)(3): «إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال»

قال: و النعال وجه الأرض الصلبة قاله الهروي في الغريبين، و قال الجوهري: النعل الأرض الغليظة تبرق حصاؤها لا تنبت شيئا، انتهى، و هو جيد.

و لكن الأولى كراهة مطلق التظليل حتى العرش لغير الحاجة و لا بأس بما كان عرشا مع وجودها، و أما غير العرش فيكره و إن مست الحاجة إليه، كما يدل عليه الحسن السابق، و به يجمع بين الأخبار حتى

ما أرسله في الفقيه (4)عن أبي جعفر (عليه السلام) «أول ما يبدأ به قائمنا (عليه السلام) سقوف المساجد فيكسرها و يأمر بها فتجعل عريشا كعريش موسى (عليه السلام)»

و ما رواه في كشف اللثام عن كتاب


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.

ج 14، ص: 77

الغيبة للشيخ أسنده عن أبي بصير(1)قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) دخل الكوفة و

أمر بهدم المساجد الأربعة حتى يبلغ أساسها و يصيرها عريشا كعريش موسى (عليه السلام)»

إلى آخره، نعم ظاهر الحسن السابق عدم الكراهة في الصلاة الآن في المساجد التي ظللها أهل الخلاف، لعدم قيام العدل، و إفضائها إلى ترك المساجد رأسا و كأنه (عليه السلام) لمعروفية المساجد في ذلك الزمان لهم و أنه ليس للشيعة مسجد يعرفون به أطلق الحكم المزبور، أما في مثل زماننا هذا الذي قام فيه بحمد الله في الجملة دين الشيعة و كانت لهم مساجد لا يعارضهم بها أحد خصوصا بلاد الأعاجم فالظاهر كراهة تظليلها بغير العريش، و كراهة الصلاة فيها أيضا تحت الظل كما عن الأستاذ الأكبر التصريح به في الثاني، بل ربما احتمل كراهة الصلاة فيها و إن لم (2)يكن في موضع الظل، لظاهر خبر الحلبي (3)السابق، لكنه ضعيف، لانسياق ما تحت الظل منه، بل لو لا التسامح في الكراهة لأمكن المناقشة في كراهة الصلاة تحت الظل أيضا، لاقتصار الأصحاب على ذكر كراهة التظليل، بل قد يدعى ظهور الاختصاص بذلك من كلماتهم، و من الواضح عدم اقتضائه كراهة الصلاة كحرمة التصوير مثلا على القول بها، اللهم إلا أن يدعى أن كراهة التظليل هنا لمكان الحجب و الحيلولة بين المصلي و السماء الذي ربما دلت النصوص في صلاة العيد(4)و الصلوات المندوبة على أنه لا ينبغي و الله أعلم.

[في استحباب كون الميضاة خارجة عن المساجد]

و كذا يستحب أن تكون الميضاة خارجة عن المساجد على جهة


1- 1 المستدرك- الباب- 7- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
2- 2 في النسخة الأصلية« و إن يكن» و الصحيح ما أثبتناه.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة العيد.

ج 14، ص: 78

القرب من أبوابها بلا خلاف كما في الرياض، ل

خبر إبراهيم بن عبد الحميد(1)عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): جنبوا مساجدكم صبيانكم و مجانينكم و بيعكم و شرائكم، و اجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم»

مؤيدا بما فيه من المصلحة للمترددين، و التجنب عن أذية رائحتها المصلين، و عن احتمال السراية إلى المسجد، و عن منافاة احترام المسجد و نزاهته، و نحو ذلك.

و المراد بالميضاة المطهرة للحدث و الخبث كما في الرياض تبعا للروض و الذخيرة، و في

مجمع البحرين «و في الحديث (2)«فدعا بالميضاة»

بالقصر و كسر الميم و قد تمد مطهرة كبيرة يتوضأ منها، و وزنها مفعلة و مفعالة، و الميم زائدة، و المتوضأ بفتح الضاد الكنيف و المستراح و الحش و الخلاء» انتهى، و هو ظاهر بل صريح في غير المعنى المزبور كظهور العرف الآن في إرادة موضع الخلاء خاصة منها، و لعله هو المراد للأصحاب، و من المطهرة في

الخبر المزبور، إذ هو الذي يتعارف اتخاذ موضع له، و من هنا قال في المدارك: إنه لم يتعرض المصنف لحكم الوضوء في المسجد، ضرورة ابتنائه على إرادة المصنف موضع الخلاء خاصة من الميضاة، و يؤيده أيضا تعبير العلامة الطباطبائي في منظومته عما نحن فيه بما سمعت، فقال:

و أخرج المخرج عنه و اجعل فيما يلي المسجد قرب المدخل

إذ لا ريب في إرادة ذلك من المخرج، نعم يكره الوضوء من حدث الغائط و البول في المسجد كما صرح به بعضهم، بل في المدارك أنه قطع به العلامة و من تأخر عنه،

للصحيح عن رفاعة(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوضوء في المسجد


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب 27 من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2 و ذيله في الباب 25 منها- الحديث 3 لكن رواه عن عبد الحميد عن أبي إبراهيم عليه السلام.
2- 2 سنن البيهقي ج 1 ص 49 و فيه « فدعا بماء فأتى بالميضاة»
3- 3 الوسائل- الباب- 57- من أبواب الوضوء- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 14، ص: 79

فكرهه من الغائط و البول»

و هو غير ما نحن فيه من استحباب خروج الميضاة قطعا، مع أنه قال في المدارك: إنه يمكن حمل الوضوء فيها على الاستنجاء أو على ما يتناوله كما أومأ إليه في المعتبر، و عن نهاية الشيخ منع الوضوء من ذلك لا كراهته لكنه ضعيف و إن وافقه عليه العجلي كما قيل،

و نحوه المحكي عن المبسوط من منع الاستنجاء من البول و الغائط في المسجد و إن لم يتنجس المسجد، و كأنه فهم من الخبر المزبور الاستنجاء و من الكراهة فيه الحرمة، و لا ريب في ضعفه، للأصول و العمومات المعتضدة بغيرهما مع عدم الدليل المعتبر على المنع، هذا.

و قضية ذكر المصنف و غيره استحباب خروج الميضاة جواز كونها فيه، و هو كذلك مع سبقها على المسجدية، فيصير المسجد حينئذ ما عداها، و عن السرائر منع جعل الميضاة في وسط المسجد، و هو جيد إن سبقت مسجدية محلها أو يستلزم منه نجاسة غير محلها من المسجد أو نحو ذلك، كما هو واضح.

[في استحباب كون المنارة مع الحائط]

و كذا يستحب عند الأكثر في الذخيرة، و المشهور في الرياض أن تكون المنارة في المساجد مع الحائط لا في وسطها لما فيه من التوسعة و رفع الحجاب بين المصلين، بل عن النهاية أنه لا يجوز كونها في الوسط و استحسنه جماعة ممن تأخر عنه إن تقدمت المسجدية على بنائها، و لعله لمنافاته مقتضى المسجدية الذي هو استعداد كل مكان منه للصلاة فيه، لكن قد يناقش باقتضاء ذلك الحرمة أيضا و إن لم يكن في الوسط أولا، و ثانيا بمنع اقتضاء منافاة الاستعداد الحرمة، بل مدارها على الضرر بالمصلي فعلا، فلعل الأولى إناطة الحكم بذلك كما أناطه به في الروضة بالنسبة للمطهرة الحديثة المتأخرة عن المسجدية و نحوه حرمة غرس الشجر مثلا فيها الذي لم ينص الأصحاب عليه هنا، و لعله لذكرهم له في باب الوقف، و يأتي البحث فيه هناك إن شاء الله، هذا.

و قد يشعر قول المصنف كغيره من الأصحاب مع الحائط باستحباب مساواة المنارة

ج 14، ص: 80

للحائط في العلو، إذ هو مع علوها عنه لا يصدق تمام المصاحبة، و قد صرح غير واحد بكراهة ارتفاعها عليه، لإفضائه إلى تأذي الجيران بالإشراف عليهم، و ل

خبر السكوني (1)عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) «ان عليا (عليه السلام) مر على منارة طويلة فأمر بهدمها، ثم قال: لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد»

و كان الاستثناء المزبور فيه إيماء إلى الإشعار المذكور، و في كشف اللثام عن

كتاب الغيبة للشيخ عن سعد عن أبي هاشم الجعفري (2)عن أبي محمد (عليه السلام) قال: «إذا خرج القائم (عليه السلام) أمر بهدم المنابر و المقاصير»

و لعل المراد الطوال منها إن لم يكن هو الظاهر، و في المنتهى الاستدلال بخبر السكوني على ذلك و على الحكم الأول، و تبعه في كشف اللثام، و نظر فيه في الرياض، كما أنه نظر فيما سمعته من التعليل أولا له، و قضيته التوقف فيه، لكنك خبير بأن الحكم استحبابي يتسامح فيه.

[في استحباب أن يقدم الداخل إليها رجله اليمنى، و الخارج رجله اليسرى]

و كذا يستحب أن يقدم الداخل إليها رجله اليمنى، و الخارج رجله اليسرى عكس المكان الخسيس، و لشرفية اليمنى و استحباب الله البدأة بها فناسب الابتداء بها في الدخول إلى المكان الشريف، و بعكسه الخروج، و

للخبر عن يونس (3)عنهم (عليهم السلام) «الفضل في دخول المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت، و باليسرى إذا خرجت».

[في استحباب أن يتعاهد نعله و يستعلم حاله بأن يجدد به عهدا قبل الدخول إلى المسجد]

و يستحب أيضا أن يتعاهد نعله و يستعلم حاله بأن يجدد به عهدا قبل الدخول إلى المسجد استظهارا للطهارة، و المروي عن

مكارم الأخلاق للطبرسي (4)


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
2- 2 المستدرك- الباب- 33- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3.

ج 14، ص: 81

عن النبي (صلى الله عليه و آله) في قوله تعالى (1)«خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» قال: «تعاهدوا نعالكم عند أبواب المساجد»

و خبر القداح (2)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «إن عليا (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه و آله):

تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم»

و قد تبع المصنف الخبر في التعبير بالتعاهد، و إلا فالمحكي عن الصحاح أن التعهد أفصح، لأن التعاهد إنما يكون بين اثنين.

[في استحباب الدعاء عند دخول المسجد و الخروج عنه]

و أن يدعو لنفسه و للنبي و آله بالصلاة و السلام عند دخوله المسجد و عند خروجه منه لأنها مظنة الإجابة، و للتأسي بفعل النبي (صلى الله عليه و آله) المحكي في

خبر عبد الله بن الحسن (3)عن أمه فاطمة عن جدته فاطمة المروي عن مجالس الطوسي «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا دخل المسجد صلى على النبي (صلى الله عليه و آله) و قال: «اللهم اغفر لي ذنوبي و افتح لي أبواب رحمتك، و إذا خرج قال: كذلك»

و خبر عبد الله بن سنان (4)عن الصادق (عليه السلام) «إذا دخلت المسجد فصل على النبي (صلى الله عليه و آله)، و إذا خرجت فافعل ذلك»

و لموثق سماعة(5)«إذا دخلت المسجد فقل: بسم الله و السلام على رسول الله (صلى الله عليه و آله) إن الله و ملائكته يصلون على محمد و آل محمد و

السلام عليهم و رحمة الله و بركاته رب اغفر لي ذنوبي، و افتح لي أبواب فضلك، و إذا خرجت فقل مثل ذلك».

و منه يستفاد استحباب التسمية، كما أنه يستفاد التحميد لله و الثناء عليه مما رواه


1- 1 سورة الأعراف- الآية 29.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.

ج 14، ص: 82

أبو بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) «إذا دخلت المسجد فاحمد الله و أثن عليه و صل على النبي و آله (عليهم الصلاة و السلام)»

و مما رواه

زرارة(2)أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا دخلته فاستقبل القبلة ثم ادع و سله و سم حين تدخل و احمد الله و صل على النبي (صلى الله عليه و آله)».

بل منه يستفاد استحباب الاستقبال أيضا، بل فيه إيماء إلى كون الدعاء بعد الدخول، و هو المناسب للتعليل بكون المساجد مظنة الإجابة، بل لعل دعاء الخروج كذلك أيضا على معنى إرادة الدعاء عند الاشراف عليه، نعم

روى أبو حفص العطار(3)قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إذا صلى أحدكم المكتوبة و خرج من المسجد فليقف بباب المسجد ثم ليقل:

اللهم دعوتني فأجبت دعوتك و صليت مكتوبتك و انتشرت في أرضك كما أمرتني فأسألك من فضلك العمل بطاعتك و اجتناب سخطك و الكفاف من الرزق برحمتك»

و الأمر سهل.

[في جواز نقض ما استهدم و أشرف على الانهدام دون غيره]

و لا ريب في أنه يجوز نقض ما استهدم و أشرف على الانهدام دون غيره و إن لم يعزم الهادم أو غيره على الإعادة، إذ تلك سنة أخرى لا مدخلية لها في الجواز المزبور للمصلحة، بل في المدارك أنه قد يجب إذا خيف من انهدامه على أحد من المترددين، و قضيته الجواز أولا و إن لم يخش من وقوعه على أحد، و لا بأس به إذا كانت هناك مصلحة أخرى كإرادة تعميره و نحوها أو دفع مفسدة كذلك، أما بدون شي ء منهما ففيه نوع توقف كالتوقف في جواز إحداث باب في المسجد لمصلحة


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2 لكنه خبر علاء بن الفضيل عمن رواه عن أبى جعفر عليه السلام.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.

ج 14، ص: 83

خصوص بعض المصلين، و إلا فمتى كانت المصلحة عامة فلا ريب في الجواز و إن كان لم يبعد جوازه في الأول أيضا مع انتفاء الضرر وفاقا للمدارك و أحد وجهي الروض لما فيه من الإعانة على القربة و فعل الخير، و كذا الكلام في الروزنة و الشباك و نحوهما.

بل لا ريب في جواز النقض أيضا للتوسعة و إن كان ظاهر الشهيدين التوقف فيه، بل أطلق المصنف عدم الجواز إلا أنه في غير محله بعد ظهور أنه من الإحسان و المصلحة باحداث مسجد و انضمامه اليه، و ما قيل من استقرار قول الصحابة في توسعة مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله)(1)و منهم علي و الحسن (عليهما السلام) المتقدم في أول المساجد المشتمل على فعل النبي (صلى الله عليه و آله)، نعم قد يقال بأنه لا ينقض إلا مع الظن الغالب بالعمارة، بل في الذكرى و الروض أنه لو أخر إلى تمام المجدد كان أولى إلا أن يحتاج إلى آلاته، مع احتمال القول بالجواز مطلقا خصوصا مع ظن عمارة لا كالعمارة السابقة كما و كيفا، إلا أن الأحوط أو الأقوى الأول، و هل يلحق بالنقض للتوسعة النقض لتغيير الهيئة؟ وجهان أقواهما ذلك مع المصلحة أو حصول المفسدة في الهيئة، و لا مدخلية لرضا الواقف هنا، لأنه بوقفه خرج عنه و صار أمره إلى الله يتصرف به ولي الله على ما يراه.

[في استحباب إعادة المسجد بعد خرابه]

و كيف كان فلا ريب في أنه يستحب إعادته أي المستهدم لأنه بمعنى عمارتها المعلوم استحبابها بالضرورة من الدين و يجوز استعمال آلته و نحوها في غيره من المساجد مع استغنائه عنها أو تعذر استعمالها فيه، لاستيلاء الخراب عليه، للأصل و لأنه لله، و كل ما كان له فهو لوليه كما نطق به بعض الأخبار(2)الواردة في


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1 و 2- من أبواب قسمة الخمس و الباب 1 من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.

ج 14، ص: 84

باب الخمس، فله التصرف فيه حينئذ على حسب المصلحة كباقي ما كان له، و لأن المساجد جميعها لله فهي في الحقيقة كمسجد واحد كما يومي اليه في الجملة الأمر(1)برد الحصى المخرج من المسجد اليه أو إلى غيره، فلا بأس بإصلاح بعضها ببعض للمصلحة و نحوها، و لأن الغرض من المساجد و ما يجعل فيها إقامة شعار الدين و فعل العبادات فيها، و هو لا يختلف فيه المساجد، و لأنه من الإحسان، و مما يعلم برضى المالك فيه، خصوصا إذا خيف عليها التلف في بقائها، و خصوصا بعد فتوى غير واحد من الأصحاب به، بل لا أجد فيه خلافا بينهم.

بل في مفتاح الكرامة أن الكلمة متفقة في هذا الباب و باب الوقف على جواز صرف الفاضل إلى غيره، و في وقف جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب، بل ظاهر المصنف و المحكي عن النهاية و المبسوط الجواز مطلقا، كظاهر الفاضل في المنتهى، و عن النهاية قال: «و إذا استهدم مسجد جاز أخذ آلته لعمارة غيره من المساجد، لأن المالك واحد هو الله تعالى» و قال في موضع من الذكرى: «لا بأس باستعمال آلته في إعادته أو في بناء غيره من المساجد» نعم قيده في آخر كالكركي و الشهيد الثاني، فقال:

«و لا يجوز استعمال آلته في غيره إلا لمسجد آخر لمكان الوقف، و إنما يجوز في غيره من المساجد عند تعذر وضعها فيه أو لكون المسجد الآخر أحوج إليها منه لكثرة المصلين، أو

لاستيلاء الخراب عليه» و عن السرائر «أنه إذا استهدم مسجد ينبغي أن يعاد مع التمكن من ذلك، و إذا لم يتمكن من إعادته فلا بأس باستعماله في بناء غيره من المساجد» و عن المهذب «إذا استهدم المسجد و صار مما لا يرجى فيه الصلاة بخراب ما حوله و انقطاع الطريق اليه جاز استعمال آلته في مسجد آخر».

لكن و مع ذلك كله ففي الذخيرة التأمل في هذا الحكم من أصله، قال: «نعم


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.

ج 14، ص: 85

لو تعذر صرفه فيه أو حصل الاستغناء بالكلية في الحال و المآل لم يبعد جواز ذلك» و كأنه مال إليه في الرياض، و هو كما ترى مرجعه إلى عدم اعتبار أحوجية الغير التي اكتفى بها الشهيدان، و عدم اعتبار الاستغناء في الحال، بل لا بد منه و من المآل، لا إلى أصل الحكم كما يومي اليه ما سمعته من المهذب، لكن فيه من الاجمال ما لا يخفى، و لعلنا نوافقه في بعض الأفراد، كما أن تأمله في الأول أي أحوجية الغير في محله.

و كيف كان فأولى بالجواز كما اعترف به في الروض صرف غلة وقفه و نذره على غيره بالشروط السابقة، لشدة مدخلية الأولى في المسجد بخلاف الثانية، لكن في المدارك و الذخيرة التأمل فيه أيضا، بل قالا: «إن المتجه عدم جواز صرف مال المسجد إلى غيره مطلقا، لتعلق الوقف و النذر بذلك المحل المعين، فيجب الاقتصار عليه، نعم لو تعذر صرفه فيه أو علم استغناؤه عنه في الحال و المآل أمكن القول بجواز صرفه في غيره من المساجد و المشاهد، بل لا يبعد جواز صرفه في مطلق القرب، لأن ذلك أولى من بقائه إلى أن يعرض له التلف، فيكون صرفه في هذا الوجه إحسانا محضا، و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ»(1)و كأنه يرجع إلى التأمل في خصوص نحو ما سمعته من الذخيرة قبل ذلك، و استحسنه في الرياض، لكنه نظر فيما احتملاه من جواز صرفه في سائر القرب حيثما يتعذر استعماله في المسجد أو المشهد المعين معللا له بأن الاقتصار على المتيقن يقتضي صرفه في مثله، مع أنه أقرب إلى مقصود الواقف و نظره، و هو جيد أيضا كجودة التأمل فيما ذكره الشهيد في المسالك من الفرق بين المشاهد و المساجد في الحكم المزبور، قال: «و ليس كذلك المشهد، فلا يجوز صرف ماله إلى مشهد آخر و لا مسجد و لا صرف مال مسجد اليه مطلقا» ضرورة عدم الفرق في ذلك بينها و بين المشاهد، اللهم إلا أن يفرق بزيادة تعلق الأغراض و الرغبات في


1- 1 سورة التوبة- الآية 92.

ج 14، ص: 86

خصوص بعض المشاهد دون آخر بخلاف المساجد غالبا.

و المراد بالآلات كما هو صريح بعضهم و ظاهر آخر ما يشمل أجزاء بنائه من أحجار و أخشاب و جذوع و فرش و غيرها، بل كأن ذلك من المقطوع به عند التأمل في كلماتهم، خصوصا

بملاحظة ذكرهم ذلك بعد مسألة نقض المستهدم، لكن في حاشية الإرشاد للمحقق الثاني «أن المراد بها نحو الفرش و السرج لا آلات البناء، فإنه لا يجوز نقضها على حال و إن خرب ما حولها و يئس من عوده، و لو انهدمت لم يجز بناء مسجد آخر بها إلا مع اليأس من عود الأول» و هو مخالف لظاهر ما عرفت من كلمات الأصحاب.

نعم لا يجوز نقض غير المستهدم منها على حال كما ذكره الشهيد في الذكرى و غيره لقوله تعالى (1)«وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها» و استصحاب الحرمة و غيرهما، مع أن للتأمل في بعض الأفراد منه مجالا، كما أن للتأمل مجالا أيضا في صرف بعض الآلات من الفرش و نحوها في غيره إذا كانت مبذولة له من غير جريان صيغة وقف كي تخرج به عن ملك المالك و يكون أمرها لله و لوليه، إذ مقتضى الضوابط أنه إذا بطل الجهة المبذول لها ترجع إلى المالك، لعدم زوال ملكه عنها بالاعراض، إذ الفرض بذلها لأمر خاص لا الاعراض عنها رأسا، و كأنه إلى نحو ذلك أشار في كشف اللثام في بيع آلات المسجد حيث خصها بما جرى عليها الوقف منها، فلاحظ، اللهم إلا أن يقال: إنه من المعلوم عدم إرادة الخصوصية من هذا البذل و إن مقصوده الإخراج عن ملكه و الاعراض، لكن لما فات خصوص المبذول له انتقل إلى الأقرب إليه من أفراد صنفه ثم نوعه و هكذا، و ليس لأحد تملكه بعد بطلان الجهة المبذول لها باعتبار حصول الاعراض عنه و بطلان المبذول له، إذ المملك من


1- 1 سورة البقرة- الآية 108.

ج 14، ص: 87

الاعراض ما يبذله صاحبه لتملك كل أحد له لا مثل ما نحن فيه، أما إذا لم يعلم منه عدم إرادة الخصوصية و لا كان ظاهر فعله ذلك فيشكل جواز صرفه في غيره من المساجد فضلا عن غيره من التصرفات، إلا أن السيرة و الطريقة على معاملة هذه الآلات المبذولة من الفرش و السرج و نحوها معاملة غيرها من أجزاء بناء المساجد و نحوها، و لعله لظهور الفعل فيما ذكرنا لا في نحو الفرض، بل كان ذلك سبب الفرق بين المشاهد و المساجد، فتأمل جيدا، فإن المسألة بل و غيرها من مسائل المقام محتاجة إلى نظر تام و تطويل في الكلام، و ربما يوفقنا الله له فيما يأتي، فإنه المؤمل لنيل المرام، و هو العالم بحقائق الأحكام.

و هل التصرفات المزبورة مختصة بالحاكم ثم بعدول المؤمنين أو أنها جائزة بعد حصول الشرائط المزبورة لكل أحد؟ وجهان أحوطهما إن لم يكن أقواهما الأول، لكن مع عدم وجود الناظر الخاص، و إلا وجب استئذانه في بعض ما تقدم.

[في استحباب كنس المساجد]

و يستحب كنس المساجد قطعا بمعنى جمع كناستها بضم الكاف و إخراجها لما فيه من تعظيم الشعائر و ترغيب المترددين المفضي إلى عدم خرابه، و

خبر سلام بن عاصم (1)المروي عن أمالي الصدوق و محاسن البرقي عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: من قم مسجدا كتب الله له عتق رقبة، و من أخرج منه ما يقذي عينا كتب الله له عز و جل كفلين من رحمته»

و يتأكد في يوم الخميس و ليلة الجمعة، ل

خبر عبد الحميد(2)عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال:

«قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من كنس المسجد يوم الخميس و ليلة الجمعة فأخرج منه من التراب ما يذر في العين غفر الله له»

و الموجود فيما حضرني من نسخة


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1 لكن روى عن سلام بن غانم.

ج 14، ص: 88

الوسائل حذف الواو، فيكون المراد الكنس في أحد الوقتين، و رواه في الروض و المدارك بالواو، و يرجع إلى ما قلنا بجعلها بمعنى «أو» كما صرحا به فيهما، و يؤيده بعد انقسام ذلك المقدار عليهما لو أريد الجمع و كون المقصود الحث على أصل الفعل لا على تكريره، إلا أنه احتمل في الأول كونها للجمع، فيتوقف حصول الثواب المعين عليهما و إن كان مطلق الكنس له ثواب في الجملة، لكنه كما ترى، و التقدير بما يذر في العين مبالغة في المحافظة على كنسها و إن كانت نظيفة، أو

على فعل ما اتيسر من ذلك، و لعل الثاني أظهر، و ربما كان في الخبر الأول إيماء اليه.

[في استحباب الإسراج فى المساجد]

و كذا يستحب الإسراج فيها رفعا لحاجة المصلين و وحشة الظلمة، و لما رواه

الشيخ عن أنس (1)و غيره مرسلا، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

«من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل الملائكة و حملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج»

بل ظاهره عدم اشتراط تردد أحد من المصلين اليه و لا إمكانه في مشروعية الإسراج كما صرح به في الروض و غيره، و لا ينافيه النهي عن الإسراف بعد التسامح في المستحب، و عدم اشتراط إذن الناظر إذا كان ما يسرج به ليس من مال المسجد، نعم لو كان منه اعتبر ذلك، و لو لم يكن للمسجد ناظر معين و تعذر استئذان الحاكم لم يبعد جواز تعاطي ذلك لعدول المسلمين، و كذا لا يشترط كون المسرج به زيتا، للإطلاق، و محل الإسراج الليل أجمع كما عن الميسي التصريح به، لكن الظاهر عدم حصول الاستحباب بإسراج المسرج من المساجد إلا أن يكون محتاجا باعتبار سعته، و الله أعلم.

[في حرمة تزيين المساجد]

و يحرم زخرفتها وفاقا للفاضل و الشهيد و عن الشيخ و الحلي و غيرهما، بل هو


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.

ج 14، ص: 89

المشهور نقلا في كشف اللثام و الكفاية إن لم يكن تحصيلا إلا أني لم أجد له دليلا صالحا لإثبات ذلك في خصوص ما نحن فيه من المساجد، و إن كان قد يعلل بالإسراف، خصوصا على ما ستسمعه من أن الزخرف الذهب، و بأنه بدعة، لأنه لم يعهد في زمن النبي (صلى الله عليه و آله)، و بما

في وصية ابن مسعود المروية(1)عن المكارم للطبرسي في مقام الذم «يبنون الدور و يشيدون القصور و يزخرفون المساجد»

و ما روته العامة(2)«أن من أشراط الساعة أن تتباهى الناس في المساجد»

و عن ابن عباس (3)«لتزخرفنها كما زخرفت اليهود و النصارى»

و عن الخدري «إياك أن تحمر و تصفر فتفتن الناس»

و في

الغريبين للهروي إن في الحديث (4)«لم يدخل النبي (صلى الله عليه و آله) الكعبة حتى أمر بالزخرف فنحي» ثم قال: «قيل: الزخرف هاهنا نقوش و تصاوير زين بها الكعبة و كانت بالذهب فأمر بها حتى حتت»

و خبر عمر بن جمع (5)الذي ستسمعه في التصاوير بناء على استفادة المنع عنها فيه من حيث النقش لا التصوير، و ما عساه يستفاد من سبر أخبار المساجد، خصوصا مثل

قوله (صلى الله عليه و آله)(6): «لا، عريش كعريش موسى (عليه السلام)»

و النهي (7)عن الشرف لها و تعليتها و نحو ذلك من عدم ابتنائها على زخرف الدنيا و زبرجها،


1- 1 مكارم الأخلاق ص 526 الفصل الرابع من الباب الثاني عشر.
2- 2 سنن البيهقي ج 2 ص 439 و الجامع الصغير ج 2 ص 156.
3- 3 سنن البيهقي ج 2 ص 439.
4- 4 سنن البيهقي ج 5 ص 158.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1 لكن رواه عن عمرو بن جميع.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.

ج 14، ص: 90

ضرورة أنها محل العبادة و الزهادة لا أنها كقصور اللهو و الغرور و الطرب و الانس، بل قد يخدش ذلك نية المترددين إليها و قصدهم إياها.

لكن الجميع كما ترى، خصوصا الأول، إذ الإسراف مع أنه لا يخص المساجد يمكن منعه باعتبار حصول الغرض المعتد به من التحسين أو قصد تعظيم الشعائر كما يصنعونه في المشاهد المشرفة أو نحو ذلك مما يمتنع معه اندراجه في الإسراف المنهي عنه كما هو واضح، بل و الثاني، إذ لا ريب في عدم حرمة البدعة اللغوية التي هي بمعنى عدم الوقوع من النبي (صلى الله عليه و آله)، فكم و كم مما هو في زماننا مما نعلم بعدم وقوعه و أما ما بعد الثاني فهو مع الإغضاء عن دلالة بعضه أو جميعه من الواضح عدم صلاحيته لإثبات الحرمة،

كوضوح فساد دعوى الجبر سندا و دلالة بالشهرة، إذ لو سلم صلاحية جبر الشهرة، لمثل ذلك مما ورد من طرقهم يمكن منع حصول شهرة معتد بها هنا، كما لا يخفى على المتتبع.

و من هنا كان خيرة جماعة من المتأخرين منهم الشهيد في الدروس الكراهة، كما هو ظاهر أخرى، بل حكاه في الذكرى عن الجعفي أيضا، و في كشف اللثام عن المهذب و الجامع سواء فسر الزخرفة بالتزيين و النقش بالزخرف- و هو الذهب كما في جملة من كتب الأصحاب، بل قيل و اللغة كالصحاح و القاموس و المجمل و العين و المقاييس، و في المجمع الزخرف الذهب، ثم جعلوا كل مزين زخرفا، و في الغريبين و يقال للذهب زخرف، و منه قوله (1)«أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ» جاء في التفسير من ذهب- أو فسر بمطلق التزيين كما في الغريبين و عن الجمهرة و تهذيب اللغة و المحيط و عن الأزهري أنه حكاه عن أبي عبيدة و إن قال و يقال الزخرف الذهب، كما أن الهروي بعد أن ذكر أنه كمال حسن الشي ء، قال: و يقال للذهب زخرف، و نحوه


1- 1 سورة الإسراء- الآية 95.

ج 14، ص: 91

ما عن الراغب من أن الزخرف الزينة المروقية، و منه قيل للذهب زخرف، لعدم الدليل على كل منهما، خصوصا الثاني، إذ قضيته حرمة مطلق التزيين بالذهب و غيره كما هو خيرة المعتبر و عن غيره، بل لعله خيرة القواعد و غيرها أيضا مما عطف فيها النقش بالذهب على الزخرف في الحرمة، و إن كان هو

على هذا التقدير من عطف الخاص على العام، و لذا قيل: إن المراد بالزخرف التذهيب بلا نقش كي يصح عطف النقش به حينئذ عليه، لكن فيه أن النقش استخراج الشي ء و استيعابه حتى لا يترك منه شي ء كما عن ابن فارس، قال: و منه نقش الشعر بالمنقاش، و منه المناقشة و الاستقصاء بالحساب إلى أن قال: و من الباب نقش الشي ء تحسينه، فإنه ينقشه أي ينفي عنه معايبه و في كشف اللثام عن الأزهري عن المنذر عن أبي الهيثم أنه الأثر، فيكون معناه المصدري التأثير، و في المجمع و عن القاموس أنه تلوين الشي ء بلونين أو ألوان، و على كل حال فهو راجع إلى الزخرف، كما أن في حرمة مطلق النقش و إن لم يكن بالذهب منعا واضحا، بل

فيما رووه (1)عن عثمان «أن عثمان عمر المسجد فزاد فيه زيادة كثيرة و بنى جداره بحجارة منقوشة و جعل عمده حجارة منقوشة»

شهادة على العدم بملاحظة عدم الإنكار بذلك عليه، خصوصا من أمير المؤمنين (عليه السلام) و عدم عد مثله من بدعه، بل

خبر علي بن جعفر(2)المروي عن قرب الاسناد صريح أو كالصريح بذلك سأل أخاه (عليه السلام) «عن المسجد ينقش في قبلته بجص أو أصباغ فقال:

لا بأس به».

[في حرمة نقش المساجد بالصور]

و كذا الاشكال فيما ذكره المصنف و غيره أيضا، بل في كشف اللثام أنه المشهور من حرمة نقشها بالصور ذوات الأرواح و غيرها، إذ لا دليل عليه


1- 1 سنن البيهقي ج 2 ص 438.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3.

ج 14، ص: 92

بالخصوص عدا التعليل بالبدعة الذي عرفت ما فيه مما يمنع من الاستدلال به على الحرمة بل أقصاه الكراهة كما عللها بذلك في المنظومة، فقال:

لا تصطنع فيه المقاصير و دع تصويره فإنه شر البدع

و عدا

ضعيف عمر بن جمع (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في المساجد المصورة، فقال: أكره ذلك، و لكن لا يضركم اليوم، و لو قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك»

مؤيدا بما يستفاد من سبر نصوص التصوير في غير المساجد من شدة المرجوحية و المبغوضية، إذ هو مع ضعفه سندا و لا شهرة محققة تجبره غير صريح بل و لا ظاهر الدلالة على الحرمة، و لو بملاحظة التأييد السابق، و لذا اختار

جماعة منهم الشهيد في بعض كتبه و العلامة الطباطبائي الكراهة.

نعم لو قلنا بحرمة مطلق التصوير في غير المساجد أو ذوات الأرواح اتجه القول بها فيها، و لعله لذا خص الحرمة بعضهم بتصوير ذوات الأرواح بناء منه على حرمة ذلك في غير المساجد، أو على أنها المتبادر من التصوير، لكن و مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه بحال خصوصا في الأخير، لإمكان دعوى استفادة الحرمة من الخبر المزبور، و جبره بالشهرة.

فمن الغريب حكمه بالكراهة فيه في الذكرى مع حكمه بالحرمة في الزخرفة و النقش إذ لو أغضينا النظر عن دليله المختص به أمكن اندراجه في النقش و الزخرف، فلا جهة لحرمة ذلك دونه، بل ربما يقال: إن حكم من عرفت من الأصحاب بحرمة الزخرف و النقش مأخذه خبر التصوير باعتبار فهمهم منه حيثية النقش لا التصوير، كما يومي اليه استدلالهم به عليه مع التأييد بما سمعته سابقا مما ذكرنا مما يشهد للحرمة في الجملة أيضا،


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1 لكن رواه عن عمرو بن جميع.

ج 14، ص: 93

و من هنا كان الاحتياط لا ينبغي تركه في ذلك أيضا، خصوصا بعد أن عرفت أنه فتوى من تقدم، و فيهم من لا يعمل إلا بالقطعيات، و من علم من حاله عدم التسامح في مدارك الأحكام الشرعية مع شدة حسن اقتناصه لها كالفاضل و الشهيد و غيرهما، على أنه محكي عن نهاية الشيخ التي هي متون أخبار غالبا، إلى غير ذلك.

و ليست كتابة القرآن على جدرانها من النقش على الظاهر، و كأنه خيرة الحر في) الوسائل، و لعله لما يومي اليه

خبر أبي خديجة(1)المروي عن محاسن البرقي «رأيت مكتوبا في بيت أبي عبد الله (عليه السلام) آية الكرسي قد أدبرت بالبيت، و رأيت في قبلة مسجده مكتوبا آية الكرسي»

لكن يحتمل إرادة ما يسجد عليه من المسجد فيه، كما يؤيده عدم معروفية مسجد له (عليه السلام) في ذلك الزمان، و كذا يحتمل إرادة بيان الجواز من

خبر علي بن جعفر(2)المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه (عليه السلام) «عن المسجد يكتب في قبلته القرآن أو الشي ء من ذكر الله، قال: لا بأس» بقرينة ما فيه متصلا بذلك «و سألته عن المسجد ينقش في قبلته بجص أو أصباغ فقال:

لا بأس».

ثم إن الحرمة و الكراهة في الصلاة أيضا في المساجد الموصوفة بتلك الصفة أو أنهما مختصان بالفعل ظاهر عبارات الأصحاب هنا الثاني، بل حكي التصريح به عن مجمع البرهان، و عن العلامة الطباطبائي الكراهة في المصورة و لو إلى غير الصورة، و لعله لظاهر

الخبر السابق و إن قال فيه: «إنه لا يضركم اليوم»

لظهور إرادة ارتفاع ذلك من حيث التقية، فلا ينافي الحكم في نفس الأمر، و الله أعلم.

[في حرمة بيع آلات المساجد]

و كذا يحرم بيع آلتها كما في التحرير و القواعد و الإرشاد و عن


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أحكام المساكن- الحديث 4 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3.

ج 14، ص: 94

الإصباح و الجامع و المبسوط، و ظاهرهم عدم الجواز مطلقا، بل في الأول كما عن الأخير أنه لا يجوز بحال، و هو كالصريح في الإطلاق المزبور مع المصلحة و بدونها، فتكون حينئذ كالعرصة، لأصالة حرمة التصرف في الوقف، إذ الوقوف على حسب ما يقفها أهلها، لكن في كشف اللثام يعنون حرمة ما جرى عليه الوقف من الآلات إلا أن تقتضيه المصلحة كسائر الوقوف، و في المختلف و جامع المقاصد و الروض و المسالك و عن نهاية الأحكام و حاشية الميسي التصريح بالجواز في عمارتها أو عمارة غيرها من المساجد مع عدم الانتفاع بها، و استحسنه في الذكرى، بل صرح الثانيان في كتبهما الثلاثة بالجواز أيضا مع المصلحة، كما لو خيف عليها التلف أو صارت رثة لا ينتفع بها فيه أو نحو ذلك، بل صرح في الجامع منها بأنه لو كان بيعها أعود مع الحاجة إليها للتصرف في مرمة المسجد فالظاهر جوازه للمصلحة، و ربما يؤيده في الجملة ما يأتي إن شاء الله من جواز بيع الأرض الموقوفة لرفع الخلف بين أربابها مثلا، و في المدارك «أن التحريم إنما يثبت مع انتفاء المصلحة، و إلا جاز قطعا، بل قد يجب، و يتولاه الناظر» قلت: لا ريب في أصالة الحرمة و لا دليل على كفاية مطلق المصلحة.

نعم لا يبعد الجواز إذا تعذر استعمالها و الانتفاع بها فيما قصده الواقف أو قرب منه، ضرورة أولويته من التلف، أما مع إمكان أحدهما فلا، و ربما يشهد له في الجملة كلامهم السابق في صرف آلات المسجد في مسجد آخر، اللهم إلا أن يحمل ذلك منهم على الجواز، أو يحمل هذا على تعذر الصرف مطلقا أو نحو ذلك، فلاحظ و تأمل فإنه قد تقدم في ذلك المقام ماله دخل تام هنا في الدليل و الحكم و الموضوع أي الآلات، فإنه قد يظهر من جامع المقاصد هنا أيضا أن الآلات عبارة عن الفرش و السرج خاصة و فيه ما عرفت، و يأتي إن شاء الله في باب الوقف أو غيره تمام البحث في ذلك و غيره.

ثم إنه إذا بيعت مع المصلحة يجوز صرفها في عمارة مسجد آخر مع تعذر صرفها في

ج 14، ص: 95

الأول أو استيلاء الخراب عليه أو كون الثاني أحوج لكثرة المصلين على إشكال في الأخير، و قد تقدمت الإشارة إليه، كما أنه تقدم ما يستفاد منه البحث هنا، فلاحظ.

[في وجوب إعادة ما أخذ من المساجد]

و كذا يحرم أن يؤخذ منها في الطريق و الأملاك قطعا فضلا عن أن تؤخذ جميعها بمعنى جعل بعضها طريقا أو ملكا بحيث تنمحي عنه آثار المسجدية، أو يبطل استعماله فيما أعد له كما صرح به غير واحد من الأصحاب بل في الروض نسبته إليهم، بل هو كأنه من القطعيات إن لم يكن من الضروريات، إذ هو تخريب لها و تبديل لوضعها، و مناف لمقتضى تأييدها للعبادة المخصوصة، بل لا فرق بين الطريق و الملك و غيرهما و لو وقفا آخر إذا كان مستلزما لتغيير هيئة المسجد و إبطال آثاره.

و على كل حال فلا ريب في غصبية الاتخاذ المزبور و كون الآخذ غصبا غاصبا، فمن أخذ منها شيئا وجب عليه أن يعيده إليها أو إلى مسجد آخر مع تعذر الإعادة إلى الأول، أما بدونه فمشكل، خصوصا إذا حصل بسببه الضيق في المسجد و تغيير الهيئة و قلة الرغبات و نحو ذلك، و إن كان ربما يؤيده ما تسمعه نصا(1)و فتوى من التخيير بين إرجاع الحصى إلى مسجده و بين إرجاعه إلى غيره، إذ هو كما ستعرف بعض أجزاء المسجد أيضا.

و كيف كان فلا يختص الوجوب بالمغير بل يعمه و غيره كما صرح به في المدارك و لا بأس به إن كان المراد حسبة، لكن لا يبعد وجوب المئونة لو احتيج إليها من المتخذ، فيجبر عليها و تؤخذ من ماله قهرا كغيره من مؤن رد المغصوب، و في حرمة باقي التصرفات على المتخذ بعد الاتخاذ كاستطراقه و نحوه مما كان يجوز له فيه و هو بهيئة المسجد و عدمها وجهان، بل قد يحتمل التفصيل بين الصلاة و نحوها و غيرها، فيجوز ما كان المسجد معدا

له دون غيره، خصوصا الأفعال التي هي سبب التغيير، و صار


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.

ج 14، ص: 96

معدا لها بعده كالاستطراق في المتخذ طريقا و نحوه، ثم إنه بناء على حرمة سائر التصرفات فهل تختص بالمتخذ خاصة أو بكل مستعمل له في خلاف ما عد له من الاستطراق و نحوه لا الصلاة و نحوها مما هي من تصرفات المساجد أو الأعم؟ الظاهر الأول، للأصل و استصحاب بقاء الاذن في سائر هذه التصرفات قبل زوال هيئة المسجد نعم قد يحرم من جهة العارض كما إذا كان هذه التصرفات سببا أو جزء سبب لاضمحلال المسجدية و زوال آثارها، فيكون إعانة على الإثم و العدوان، و هو أمر آخر و لا عبرة بالمصلحة هنا بل و لا بالمفسدة، فلا يجوز بيع عرصة المسجد على حال من الأحوال، للأصل و ظهور الأدلة من الكتاب و السنة و الفتاوى و السيرة في أن المسجدية من الأمور الأبدية التي لا يجوز تغييرها إلى غيرها أو نقلها بأحد النواقل بحال من الأحوال، نعم غير المسجد من الأوقاف العامة يمكن دعوى جواز تغيير هيئاتها إذا قضت به المصلحة، بل يجوز بيعها في بعض الأحوال.

لكن الإنصاف أن كثيرا من هذه المسائل غير منقحة، لعدم وضوح أدلتها من الكتاب و السنة بل و الفتاوى، لما فيها من الإجمال الذي لا يجسر معه على الفتوى بشي ء منها، إذ بعضها يومي إلى أن المدار على المصلحة، و آخر على الأصلح، و ثالث على المفسدة، و رابع على تعذر الجهة الموقوف عليها أو الاستغناء عنها، و غير ذلك، فالاحتياط لا ينبغي تركه في بعض الأفراد.

و كما أنه لا يجوز اتخاذ المسجد طريقا أو ملكا بأن يغير إليهما لا يجوز جعل شي ء منهما مسجدا، إذ الأول ملك للمسلمين المستطرفين، و الثاني ملك آحادهم، نعم لو رجعت الطريق إلى الإباحة بأن بطل استطراق الناس أمكن حيازتها لها و إحياؤها يجعلها مسجدا، و كذا لو كانت الطريق زائدة على المقدار الشرعي أمكن أيضا جعل

ج 14، ص: 97

الزائد كذلك كما عن التحرير و غيره النص على الأخير، مع أنه لا يخلو من إشكال، لاحتمال تعلق حق الاستطراق به و إن كان زائدا على ما ستعرف في إحياء الموات إن شاء الله.

و مثل الطريق و الملك غيرهما من الأوقاف العامة و الخاصة، فلا يجوز تغييرها و جعلها مسجدا، لكن قد تدعو المصلحة إلى تغيير هيئة بعض الأفراد الأولى اليه، فيجوز حينئذ للحاكم الذي هو الولي مع عدم الناظر الخاص ذلك على تأمل و نظر، و الله أعلم، و نسأله التوفيق للوقوف على حقائق هذه المسائل.

[في عدم جواز إدخال النجاسة في المسجد و لا إزالتها فيه]

و كيف كان فمما سمعت ظهر لك أنه إذا زالت آثار المسجدية لم يحل لأحد تملكه أو فعل مناف المسجدية فيه، لعدم بطلان وقفه بذلك ضرورة، كما أنه مما قدمناه في كتاب الطهارة ظهر لك الحال في قول المصنف و لا يجوز إدخال النجاسة إليها و لا إبقاؤها فيها و إن لم يكن هو المدخل مثلا، و أن المدار على الملوثة منها أو الأعم، بل و قوله و لا إزالة النجاسة فيها إذ الظاهر كون مرجعها الأولى كما يومي اليه تعليله في المعتبر و المنتهى بأن ذلك يعود إليها بالتنجيس، أما إذا فرض كون النجاسة غير ملوثة و كان إزالتها على وجه لا ينجس المسجد إما لطهارة الغسالة أو لكون المزال به ماء كثيرا أو أزيلت في إناء جاز بناء على حرمة الملوث من النجاسة خاصة، و لم يجز بناء على الإطلاق، و احتمال حرمة الإزالة هنا تعبدا لما فيه من الامتهان لا دليل عليه، و إن مال اليه المحقق الثاني، و ربما أوهمه ظاهر المتن و غيره مما أطلق، فيه هذا الحكم بعد الحكم الأول، إلا أنه لا أعرف له دليلا معتدا به يختص به من حيث الإزالة، نعم في الذكرى- بعد ذكر الحكم المزبور و الذي قبله- قال: قاله الأصحاب ثم قال: و الظاهر أن المسألة إجماعية، فإن تم ذلك مع إرادته الإزالة من حيث هي لا من حيث التلويث كان هو الحجة، خصوصا مع إمكان تأيده بالكراهة في الوضوء من

ج 14، ص: 98

البول و الغائط، بل هي دليل آخر بناء على إرادة الاستنجاء منه و الحرمة من الكراهة ضرورة طهارة غسالته مع أنه أطلق فيه النهي، بل قد استدل بذلك في المعتبر على المطلوب، لكنك تعرف ما فيه مما تقدم، و إلا كان ممنوعا كما هو واضح، فتأمل هذا.

و لا فرق على الظاهر بين ظاهر المسجد و باطنه، و لا بين سبق النجاسة المسجدية و سبقها لها، و إن كان قد يشعر بخلاف ذلك إطلاق النصوص الواردة في جواز اتخاذ الكنيف مسجدا إذا طم بالتراب، منها

خبر الحلبي (1)قال لأبي عبد الله (عليه السلام):

«يصلح المكان الذي كان حشا زمانا طويلا أن ينظف و يتخذ مسجدا، فقال: نعم إذا ألقي عليه من التراب ما يواريه، فان ذلك ينظفه و يطهره»

و صحيح عبد الله بن سنان (2)سأل الصادق (عليه السلام) «عن المكان يكون حشا زمانا فينظف و يتخذ مسجدا، فقال: ألق عليه من التراب حتى يتوارى، فان ذلك يطهره إن شاء الله»

و خبر أبي الجارود(3)سأله أيضا «عن المكان يكون خبيثا ثم ينظف و يجعل مسجدا فقال: يطرح عليه من التراب حتى يواريه فهو أطهر»

و المرسل (4)عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) «عن بيت قد كان حشا زمانا هل يصلح أن يجعل مسجدا، فقال:

إذا نظف و أصلح فلا بأس»

و نحوه خبر علي بن جعفر(5)عن أخيه (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد،

و خبر مسعدة بن صدقة(6)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه سئل «أ يصلح مكان حش أن يتخذ مسجدا؟ فقال: إذا ألقي عليه من التراب ما يواري ذلك و يقطع ريحه فلا بأس، لأن التراب يطهره، و به مضت السنة»

بل

قال الصادق (عليه السلام) في خبر محمد بن مضارب (7): «لا بأس بأن يجعل على العذرة مسجدا».


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 6.

ج 14، ص: 99

بل و إطلاق بعض الفتاوى كالقواعد و الذكرى و غيرهما، بل في جامع المقاصد أن ما وقفت عليه من العبارات هنا مطلق، لكن قال فيه: إنه ينبغي أن يراد بانقطاع الرائحة في عبارة القواعد ذهاب النجاسة، لأنه مع بقاء عينها و صيرورة البقعة مسجدا يلزم كون المسجد ملطخا بالنجاسة، بل عن فوائد القواعد أن ظاهر صحيح عبد الله بن سنان تحقق استحالة عذرته ترابا، و حينئذ لا إشكال بلزوم نجاسة المسجد، فالأولى حمل الحكم على ذلك، أو على ما إذا كان الموقوف الظاهر خاصة، أو على ما يمكن تطهيره، و في المنتهى بعد أن ذكر أنه لا بأس بوضع المسجد على بئر غائط أو بالوعة إذا طم و انقطعت رائحته

معللا له بأن المؤذي يزول فتزول الكراهة، قال: «لا يقال:

روى الشيخ عن عبيد بن زرارة(1)عن الصادق (عليه السلام) «الأرض كلها مسجد إلا بئر غائط أو مقبرة»

لأنا نقول: نحن نقول بموجبه إنما يتخذ مسجدا مع الطم و انقطاع الرائحة» و أوضح منه في رفع المنافاة ما في كشف اللثام من التعليل بزوال الاسم و الصفات.

لكن و مع ذلك كله فالإنصاف أنه لا صراحة في النصوص السابقة، بل و لا ظهور في اعتبار تطهير ذلك الموضع في وقفه مسجدا و لو باستحالته ترابا، و إن اشتمل بعض أسئلتها على التنظيف و الإصلاح و أجوبتها على الطهارة، إلا أن المراد منها المعنى اللغوي قطعا، على أنه من المستبعد أو الممتنع طهارته بالمواراة المزبورة، ضرورة نجاسة الأجزاء الترابية منه التي لا يجدي مزجها بالتراب، إذ لا استحالة فيها، كما أنه لا ظهور فيها أيضا بوجوب التطهير بعد الوقف مسجدا أو كون المسجد الظاهر دون الباطن كما سمعته من الفوائد، بل ظاهرها جميعا أو صريحها عدم ذلك كله، و أنه يكفي هذه المواراة و انقطاع الرائحة بالطعم المزبور في جعلها مسجدا، و لا يجب التطهير بعد ذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 8.

ج 14، ص: 100

و لا بأس بالفتوى به بعد ما سمعته من النصوص المعتضدة بإطلاق بعض الفتاوى إن لم يكن

أكثرها، إلا أنه ينبغي الاقتصار على ذلك بالخصوص لا أنه يتعدى إلى غير ذلك، كما مال اليه المقدس الأردبيلي في المحكي من مجمعه، حيث قال: وردت أخبار كثيرة في اتخاذ الحش مسجدا صحيحة و غير صحيحة، و منها يعلم عدم اشتراط الطهارة في المسجد بحيث يكون التحت أيضا طاهرا و كذا الفوق، إذ هو كما ترى بعيد جدا، بل كأنه مخالف للإجماع، ضرورة عدم الفرق بين تحت المسجد أو فوقه قطعا، نعم ينبغي استثناء خصوص موارد تلك النصوص للعسر و الحرج في الإزالة على وجه التطهير، بل قد يتعدى إلى كل أرض تعسر إزالة النجاسة منها، أو تعذر و أريد وقفها مسجدا، فلا يجب انتظار طهارتها إن أمكنت في صيرورتها مسجدا، و إلا امتنع وقفها مسجدا، بل لا يبعد القول بعدم اعتبار سبق إزالة النجاسة الممكنة في المسجدية، فله وقفها حينئذ مسجدا، ثم يزيل بعد ذلك النجاسة، لأصالة عدم الاشتراط، إذ الإزالة من أحكام المساجد لا من شرائطها، كما هو واضح.

فما في البيان- من أنه لا تبنى المساجد على النجاسة إلا مع الإزالة، و لو طمت قبل الوقف ثم بنى جاز- محل للنظر إن أراد ما يخالف ما ذكرنا، و لعله يريد الإشارة إلى ما عساه يظهر من النصوص السابقة من اعتبار سبق الطم أو المواراة على المسجدية، و هو- مع إمكان منعه عليه و إن كان ربما يوهمه بعضها في بادئ النظر- لا ينافي ما ذكرناه من عدم اشتراط التطهير السابق في الصحة، اللهم إلا أن يقال: إن التطهير فيما يمكن تطهيره كالطم و المواراة فيما لا يمكن، فكما وجب سبق الثاني على المسجدية فكذا الأول، و فيه تأمل.

و لعله بالتدبر فيما ذكرنا يستفاد الوجه فيما صرح به في القواعد و المنتهى و التذكرة و الذكرى و الدروس و البيان و النفلية و الموجز الحاوي و جامع المقاصد و كشف الالتباس

ج 14، ص: 101

من حرمة الدفن فيها، بل هو ظاهر النهي عنه في التحرير و المحكي عن المبسوط، بل هو المنقول عن نهايتي الشيخ و الفاضل و السرائر و الجامع و الإصباح، إذ لعله من جهة عدم انفكاك الميت بعد دفنه عن تنجيس القبر، و قد عرفت مساواة الباطن للظاهر، لكن فيه أنه يمكن وضعه على شي ء يمنع عن تلويثه المسجد، بل يكفي الشك، و يدفع بأنه إنما يتم بناء على أن مدار الحرمة التلويث، و إلا فيكفي في المنع خروج النجاسة منه و لو على بدنه، إلا أن قضية ذلك دوران حرمة الدفن حينئذ على المذهبين، و لم أعرف من ناطها بشي ء منهما، بل ظاهر الجميع الاتفاق على المنع، و لعله لدليل خاص عندهم و إن لم نجده في كلمات من تعرض منهم للاستدلال، بل الموجود في الذكرى و جامع المقاصد و التذكرة تعليله بأن فيه شغلا للمسجد بما لم بوضع له، قال في الأول: و دفن فاطمة (عليها السلام) في الروضة إن صح فهو من خصوصياتها بما تقدم من نص النبي (صلى الله عليه و آله) و قد

روى البزنطي (1)قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قبر فاطمة (عليها السلام) فقال: دفنت في بيتها، فلما زادت بنوا أمية في المسجد صارت في المسجد»

انتهى، و في المحكي عن نهاية الأحكام بأن فيه تضييقا على المصلين، و في المنتهى بأنها جعلت للعبادة.

و كأن هذه التعليلات منهم تومئ إلى كون الحكم من المسلمات عندهم، و لولاه لأمكن مناقشتهم بأنه إنما تتم المنافاة و التضييق لو حرمت الصلاة على القبر أو عنده، بل و كان مع ذلك مزاحما للمصلين، و إلا كان كوضع المنارة فيه و حفر حفيرة لحاجة بعض الصنائع أو للوضوء و نحوه فيه و غير ذلك مما لا يمتنع إلا إذا نافى المصلين و زاحمهم و بأن دفن فاطمة (عليها السلام) لم يثبت كونه لخصوصية، و الأصل الاشتراك، و بما يظهر من سبر الأخبار المتفرقة من دفن كثير من الأنبياء السابقين في المساجد، منها


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب المزار- الحديث 3 من كتاب الحج.

ج 14، ص: 102

قول الباقر (عليه السلام)(1)بعد أن ذكر أنه صلى في مسجد الخيف سبعمائة نبي: «و إن ما بين الركن و المقام لمشحون من قبور الأنبياء، و أن آدم لفي حرم الله»

بل يمكن المناقشة في الإجماع أيضا لعدم بلوغ المتعرضين إلى ذلك قطعا، خصوصا مع ملاحظة المصنفين لا التصانيف، بل ظاهر العلامة في المنتهى الميل إلى الكراهة.

بل قد يظهر منه و من غيره ذلك أيضا في مسألة اتخاذ المسجد على القبر، و لا فرق على الظاهر بين سبق المسجدية على الدفن و بين سبقه عليها، بل لعله أولى بالمنع، ل

خبر سماعة بن مهران (2)سأله «عن زيارة القبور و بناء المساجد فيها، فقال: أما زيارة القبور فلا بأس، و لا يبنى عندها مساجد»

و إن كان يحتمل إرادة المقابر منه التي هي كالشوارع و المشارع و الطرق و نحوها من الأراضي التي تعلق بها الحقوق العامة المانعة عن اتخاذها مساجد، و ذلك غير ما نحن فيه، كبعض النصوص الأخر حتى

الخبر المشهور «إن الأرض كلها مسجد إلا بئر غائط و مقبرة»

المحتمل أيضا غير ما نحن فيه من المساجد لكن و مع ذلك كله فالأحوط في البراءة عن التكليف بالدفن إن لم يكن الأقوى المنع، وفاقا لمن عرفت، و فيهم من لا يعمل إلا بالقطعيات، على أنك قد عرفت حكايته عن النهاية التي هي متون أخبار، بل قد يظهر من حاشية على هامش ما حضرني من نسخة الوسائل كتب تحتها أنها منه الإجماع عليه حيث نسبه فيها إلى الفقهاء، بل لعله كذلك لو لوحظ عدم التردد فيه من كثير من المتعرضين له،

بل قد عرفت أن المستند فيه عدم الانفكاك عن النجاسة خصوصا بناء على عدم الفرق بين الملوثة و غيرها لا تلك التعليلات.

مع أنه يمكن تسديدها بالفرق بين الدفن و بين الأمور السابقة التي قيس عليها


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 65- من أبواب الدفن- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 14، ص: 103

باعتبار كون الدفن مقتضيا للتعطيل عن الاستعداد للانتفاع بالمسجد لو فرض حدوث حاجة في تغييره مثلا، لحرمة النبش، بخلاف الأمور السابقة مع ما فيه من تنفير المترددين و امتناع صلاتهم أو كراهتها التي هي نوع ضرر أيضا في مثل الأماكن المتخذة لمضاعفة ثواب العبادة، و دفن فاطمة (عليها السلام) لم يثبت أنه في المسجد، بل ظاهر خبر البزنطي عدمه كما سمعت، بل ربما يشم منه بسبب ذكر اعتذاره فيه عن كونها في المسجد بفعل بني أمية لعنهم الله معلومية امتناع الدفن في المسجد، و دفن الأنبياء السابقين لم يثبت تعبدنا به في شرعنا، بل و لم يثبت كونه سابقا على المسجدية المعتبرة بل لم يثبت صيرورة نفس قبورهم مسجدا، بل قد يظهر من جملة من النصوص الواردة في أن إبراهيم و إسماعيل (عليهما السلام) دفنا حذاء المسجد امتناع الدفن فيه حتى في ذلك الزمان، و إلا لم يدفنا حذاءه، على أنه يمكن اختصاص ذلك بالمعصومين المنزهين عن سائر الأدناس، و لا كراهة في الصلاة عندهم، بل لعل

قوله (عليه السلام)(1): «إنه ما من مسجد إلا و بني على قبر نبي أو وصي نبي»

إلى آخره، شاهد على ذلك و إن كان المراد منه على الظاهر بيان حكمة سماوية و علة ربانية لا أنه قبر معروف جعل مسجدا، و لعل نصوص دفن الأنبياء من هذا القبيل، كما أن الظاهر إرادة بعض الأصحاب من كراهة بناء المسجد على القبر اتخاذ المسجد و هو فيه، لا صيرورة نفس القبر مسجدا إن لم نقل بالفرق بين السبق و اللحوق، مع احتماله قويا جدا و إن ترك الاستفصال في خبر سماعة(2)، لكن لعله لظهوره فيما سمعت من المعتبرة، على أنه لا يكفي سندا للمنع لوجوه، منها قوة مقتضي الجواز من أدلة ندب اتخاذ المسجد مع حرمة النبش، فتأمل جيدا، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 65- من أبواب الدفن- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 14، ص: 104

[في عدم جواز إخراج الحصى من المسجد]

و كذا لا يجوز إخراج الحصى منها، و إن فعل أعاده إليها كما في النافع و الإرشاد و اللمعة و النفلية و حاشية الإرشاد و عن التلخيص و التبصرة، ل

خبر وهب ابن وهب (1)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها أو في مسجد آخر، فإنها تسبح»

إذ لو لم يحرم الإخراج لم يجب الرد كما هو مقتضى الأمر به، بل لا قائل به دونه كما اعترف به في الرياض، و به تظهر دلالة

خبر الشحام (2)أيضا على ما رواه عنه الشيخ، قال للصادق (عليه السلام):

«أخرج من المسجد حصاة، قال: فردها أو اطرحها في مسجد»

بل و على رواية الكليني له أيضا، إذ ليس فيها سوى «و في ثوبي حصاة» و قد عرفت أن محل الاستدلال فيه الأمر بالرد، مضافا إلى

خبر محمد بن مسلم (3)و معاوية بن عمار(4)أو صحيحهما عن الصادق (عليه السلام) سمعه في أولهما يقول: «لا ينبغي لأحد أن يأخذ من تربة ما حول الكعبة، و إن أخذ من ذلك شيئا رده» و قال له في ثانيهما: «أخذت سكا من سكك المقام و ترابا من تراب البيت و سبع حصيات، فقال: بئس ما صنعت، أما التراب و الحصى فرده».

لكن قد يشكل التحريم بضعف سند الأول و اشتماله على التعليل بالتسبيح المناسب لكراهة الإخراج المقتضي عدم تسبيحها مطلقا أو في المكان الشريف، بل قد يومي

قوله (عليه السلام) فيه: «إذا أخرج»

إلى آخره، إلى جوازه و إن كان مرجوحا، كما أنه يومي الأمر فيه و في غيره من النصوص و الفتوى، بل قد يظهر من مفتاح الكرامة

الاتفاق عليه بالرد إلى مسجد آخر إلى عدم دخولها في الوقف، و إلا لوجب الرد إليه،


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.

ج 14، ص: 105

و نحوه في الإيماء إلى عدم الحرمة التعبير بلا ينبغي في خبر ابن مسلم، و التعليل بجعل الحصى في المسجد للنخامة في

مرفوع ابن العسل (1)المروي عن محاسن البرقي، قال:

«إنما جعل الحصى في المسجد للنخامة».

و من ذلك كله و غيره مع الأصل قال في المعتبر و المنتهى و التذكرة و التحرير و القواعد و الذكرى و الدروس و البيان و الموجز و عن غيرها: بالكراهة أو استحباب ترك الإخراج، لكن في كشف اللثام «لعل المحرم إخراج ما هي من أجزاء أرض المسجد التي جرت عليها المسجدية، و المكروه إخراج ما خص به المسجد بعد المسجدية، فلا خلاف، و أما الحصى الخارجة عن القسمين فينبغي قمها و إخراجها مع القمامة» و كأنه أخذ ذلك من تقييد جماعة منهم الثانيان الحرمة بما إذا كانت جزء من المسجد، و فيه- مع أنه تقييد لإطلاق النصوص و الفتاوى المنصرف إلى غير المقيد من دون شاهد- أنه لا معنى للحكم بالكراهة في الثانية أيضا بعد فرض تخصيصها بالمسجد، إذ هي حينئذ كسائر فرشه و آلاته المعلوم حرمة إخراجها من المسجد.

و من هنا ألحق في الروضة بالحصى الذي هو جزء في الحرمة الحصى المتخذ فرشا بل في حاشية الإرشاد أنه ربما يخص التحريم به، نعم لا يندرج في التحريم و الكراهة ما كان منه قمامة بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، بل في حاشية الإرشاد للمحقق الثاني القطع به الذي هو منه بمنزلة الإجماع، لانصراف إطلاق النص و الفتوى إلى غيره، و لما عرفت من استحباب كنس المساجد، و لأن الحصى كالتراب كما يومي اليه صحيح معاوية السابق (2)و لا ريب في رجحان إخراج ما كان قمامة منه، فما في الرياض- بعد اختياره القول بالكراهة معللا له بضعف خبر وهب عن إثبات الحرمة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.

ج 14، ص: 106

«أن إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين ما كان جزء من المسجد أو آلاته أو قمامة، خلافا لجماعة فقيدوه بالأول، و لعله للجمع بين النص هنا و ما مر في استحباب الكنس، و فيه نظر، لاحتمال العكس بتقيد الثاني بغير الحصى، فتأمل جيدا»- محل منع، و لعله لذلك أمر بالتأمل، إذ لو أغضينا النظر عن بعض ما سمعت لكان الترجيح للأول قطعا من وجوه، كما أن في ترجيحه الكراهة على الحرمة ذلك أيضا، لما عرفت من عدم انحصار الدليل في خبر وهب بن وهب، بل لعلها هي مقتضى الأصل فيما كان جزء من المسجد، إذ لا مدخلية لانفصالها و قلتها و استغناء المسجد عنها في ذلك، و إلا لجاز إفساد

المسجد جميعه بأخذ القليل من أجزائه فالقليل، و هو معلوم البطلان، بل و كذا ما جعل فراشا فيها بعد المسجدية، لصيرورته حينئذ كسائر آلات المسجد، و لا إشعار في التعليل بالتسبيح بعدم الحرمة، بل فيه إيماء إلى صيرورتها مسجدا، كما أنه لا إيماء بالرد إلى مسجد آخر إلى ذلك أيضا، إذ لا يزيد هو على ما سمعته سابقا من التخيير بين إرجاع بعض المسجد المتخذ في طريق أو ملك إلى ذلك المسجد أو غيره بلا خلاف أجده فيه بينهم هناك، و إن تأملنا فيه فيما تقدم، و لا على آلات المسجد التي قد سمعت جواز استعمالها في مسجد آخر.

نعم ينبغي تقييده إن كان الحصى من الثاني بما سمعته سابقا من الاستغناء عنه كما صرح به في الروضة مع إمكان منعه هنا تمسكا بإطلاق النصوص، اللهم إلا أن ينزل على الاستغناء و نحوه، أو يدعى انصرافه إلى ذلك، ضرورة كون المورد فيه حصاة و نحوها، أو إلى التعذر و التعسر كالحصيات التي أخذت من الكعبة، على أنه لا استبعاد في التخيير المزبور مع قطع النظر عن ذلك كله بعد النصوص و التعليل في المرفوع السابق، مع أنه يمكن منع إشعاره بذلك، لظهور إرادة أن حكمته التغطية لا يصلح كونه مستندا للحكم المزبور بعد ما سمعت، فلا ريب في أن الأقوى الحرمة

ج 14، ص: 107

إلا فيما كان قمامة منه، و نحوه التراب و شبهه.

نعم قد يستثنى بعض الأجزاء الجزئية التي تتعلق بثوب المصلي أو هي من لوازم الكنس أو نحو ذلك مما جرت السيرة به و علم من طريقة الشرع عدم حرمته، كما أنه ينبغي الاقتصار في الحرمة على ما ثبت كونه جزء أو فرشا و لو بالظهور المعتد به شرعا أما المحتمل كونه كذلك و قمامة فلا حرمة بإخراجه، و لا يجب إرجاعه للأصل، نعم لا ينبغي ترك الاحتياط سيما مع قيام بعض الأمارات التي ليست بحجة شرعية، و الله أعلم.

[في كراهة تعلية المساجد]

و يكره تعليتها كما نص عليه غير واحد من الأصحاب، لأنه مخالف للسنة الفعلية، إذ حائط مسجد النبي (صلى الله عليه و آله) قامة: و المحكي من حال السلف في جامع المقاصد، و لما فيه من الاطلاع على عورات الناس لو رقي عليها أو على المنارة المساوية لها، و لما ورد(1)من النهي عن رفع البناء لأزيد من سبعة أذرع أو ثمانية، و أن الزائد مسكن الجن و الشياطين، بل تبنى وسطا مرجعه إلى العرف، كما في الروضة بل لا يبعد القول بأنها تبنى دونه كي لا تساوي المساكن التي تعليتها وسطا، فتأمل، و علو جدار مسجد الكوفة لم يعلم أنه من فعل من فعله حجة على العباد.

[في كراهة أن يعمل في المساجد شرفا]

و كذا يكره أن يعمل لها شرف كما نص عليه جماعة، ل

خبر طلحة ابن زيد(2)عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) «أنه رأى مسجدا بالكوفة و قد شرف، فقال: كأنه بيعة، و قال: إن المساجد لا تشرف بل تبنى جما»

و خبر أبي بصير(3)المروي عن إرشاد المفيد عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل، قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) لم يبق مسجدا على وجه الأرض له شرف إلا هدمها و يجعلها جما»

و المرسل عن المجازات النبوية للسيد الرضي (4)قال: قال (عليه السلام): «ابنوا المساجد و اجعلوها جما»

و عن النهاية التعبير بلا يجوز، و لا ريب في ضعفه


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام المساكن.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 5.

ج 14، ص: 108

إن أراد الحرمة، لقصور ما سمعت عن إثباتها، خصوصا بعد عمل غيره من الأصحاب بها على الكراهة.

و الشرف بضم الشين و فتح الراء جمع شرفة بسكونها ما يبنى في أعلى الجدران.

و لا ترتفع الكراهة بالحاجة إليها في عدم الاطلاع على دور الناس إذا كان بناؤها عاليا،

لما عرفت من النهي عن التعلية المقتضية لذلك، فلا ترتفع الكراهة له، نعم لو احتيج إليها مع عدم المخالفة في العلو أمكن القول بارتفاعها، مع احتمال العدم، و تكليف الغير يدفع ضرره بأن يستر عن نفسه، و الله أعلم.

[في كراهة اتخاذ المحاريب الداخلة في المساجد]

ثم إن المصنف ذكر أيضا كراهة اتخاذ المحاريب في المساجد عاطفا لها على ما قبلها بأو مريدا منها معنى الواو قطعا، فقال أو محاريب داخلة كما في النافع و الإرشاد و البيان و الدروس و النفلية، بل في الذكرى قاله الأصحاب، و لعل مرادهم في الحائط كما في المعتبر و عن المبسوط و النهاية و السرائر، بل في المدارك نسبته إلى الشيخ و جمع من الأصحاب، و كان المراد كثيرا كما في جامع المقاصد و فوائد الشرائع و حاشية الإرشاد و الروض و المسالك و عن غيرها، ل

خبر طلحة بن زيد(1)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «أنه كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد، و يقول كأنها مذابح اليهود»

لكن قد يشكل بظهوره كما اعترف به الثانيان في المحاريب المتخذة مستقلة في المساجد لا الداخلة في حائطه مثلا، ضرورة أنها هي القابلة للكسر لا تلك، بل لعل المراد بها المقاصير التي أحدثها الجبارون كما في المروي (2)آنفا عن كتاب الغيبة، و

صحيح زرارة(3)عن الباقر (عليه السلام) المتقدم في أحكام الجماعة، قال: «إذا


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 23- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 59- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 14، ص: 109

صلى قوم و بينهم و بين الإمام سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب، قال: و قال: هذه المقاصير إنما أحدثها الجبارون، و ليس لمن يصلي خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة»

و لعله لذا اقتصر عليها هنا العلامة الطباطبائي في منظومته، فقال:

لا تصطنع فيه المقاصير و دع تصويره فإنه شر البدع

بل لعل مراد من عبر من الأصحاب بكراهة اتخاذ المحاريب في المساجد كالمنتهى و عن غيره ذلك أيضا لا الداخلة في الحائط، نعم قد يقال مراد من عبر بالداخلة في الحائط الداخلة فيه كثيرا كما سمعته من الثانيين بحيث يحصل معها الحيلولة بين المأمومين في الجانبين و بين الامام، فتكون حينئذ كالمقاصير لا ما كان مجرد أثر في الحائط أو دخول قليل كما يؤيده في الجملة ملاحظة تعبيرهم بالمحراب الداخل في باب الجماعة، و حكمهم هناك ببطلان صلاة من كان على الجانبين، فيكون المكروه حينئذ

المقاصير و ما أشبهها من المحاريب الداخلة في الحائط كثيرا التي يحصل معها الحيلولة، و كونها غير قابلة للكسر فلا يشملها الخبر المزبور يدفعه أولا عدم انحصار دليل الكراهة فيه، لإمكان استنباطها من صحيح المقاصير، و ثانيا منع عدم قبولها للانكسار، إذ المتعارف في ذلك الزمان عدم كون الحائط عريضا بحيث يتخذ في وسطه محراب يستر جانباه المأمومين، بل قيل إنهم كانوا في بدء الإسلام و لا سيما أهل البوادي يبنون جدران المساجد من القصب و الخشب و الجذوع، فمتى فرض دخول المحراب في مثل ذلك لا بد أن يكون له هيئة بارزة عن جدار المسجد و لو من خلفه، فيتحقق الكسر حينئذ، و ثالثا احتمال أو ظهور إرادة مطلق التخريب من الكسر، فما في المدارك من التوقف في كراهة مثل هذه المحاريب في غير محله.

نعم قد يقال: إن حمل خبر طلحة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) على المقاصير يمنعه ما سمعته في صحيح المقاصير من أنها إنما أحدثها الجبارون، و لم تكن في الزمان

ج 14، ص: 110

السابق، و الظاهر أن سبب إحداثهم إياها هو قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) و غيره في المسجد في أثناء الصلاة، أو إظهار الكبرياء و الجبروت بالتستر عن الناس، فأحدثوا هذه المقاصير كي يدخلوا إليها وقت الصلاة و يحتجبوا بها، فمن هنا يقوى الظن بعدم إرادة المقاصير من المحاريب في خبر طلحة، و لكن لا بأس بالحكم بكراهتها أيضا.

فيكون المكروه أحد أمور ثلاثة: المقاصير و المحاريب الداخلة في الحائط كثيرا المشابهة للمقاصير و المحاريب المتخذة مستقلة في المسجد التي هي كمذابح اليهود، و إن كان المستفاد من خبر طلحة الأخير خاصة، أما المحاريب التي هي مجرد أثر في الجدار ضبطا للقبلة أو داخلة فيه قليلا فلا كراهة في شي ء منها كما يؤيده السيرة الآن على اتخاذها من غير نكير، بل لا مسجد غالبا إلا و فيه ذلك، هذا، و في كشف اللثام مازجا لعبارة القواعد «أنه يكره بناء المحاريب الداخلة في داخل حائط المسجد لا في نفس الحائط و هي كما أحدثتها العامة في المسجد الحرام، واحد للحنفية، و آخر للمالكية، و ثالث للحنابلة، للأخبار، و الأمر بكسرها، أو إحداثها بعد المسجدية محرم، لشغلها مواضع الصلاة» و الظاهر بقرينة تعليله الحرمة بما سمعت إرادته تفسير الدخول في المتن بالدخول في المسجد لا الدخول في نفس الحائط، لأنه القابل للكسر، فيكون المكروه عنده الأول و الثالث مما ذكرنا، لكن قد سمعت أن الذي فهمه غير واحد من الأصحاب إرادة الدخول في نفس الحائط كما هو المتبادر خصوصا من المتن و نحوه، نعم قيدوه بالدخول الكثير لا الدخول في الجملة، و وجهه ما تقدم، فإذن الأصح ما عرفت، و أما ما ذكره من حرمه الأحداث بالمعنى الذي ذكره فواضحة مع الإضرار بالمصلين كما سمعت نظيره في المنارة المحدثة بعد المسجدية، و الله أعلم.

[في كراهة أن يجعل المسجد طريقا]

و كذا يكره أن يجعل المسجد طريقا كما نص عليه الفاضلان و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم، بل حكي عن الشيخ و الحلي، لمنافاته احترامها المستفاد

ج 14، ص: 111

من النصوص فحوى و صريحا، إذ في

خبر يونس (1)«ملعون ملعون من لم يوقر المسجد»

و خبر أبي بصير(2)سأل الصادق (عليه السلام) «عن العلة في تعظيم المساجد فقال: إنما أمر بتعظيم المساجد لأنها بيوت الله في الأرض»

و ل

قول النبي (صلى الله عليه و آله) في خبر المناهي (3): «لا تجعلوا المساجد طرقا حتى تصلوا فيها ركعتين»

لكن ظاهره ارتفاع الكراهة بالصلاة ركعتين، و لم أجد من نص عليه، و لا ثبت اعتبار الخبر، فالحكم به حينئذ مشكل، و التسامح في الكراهة لا يقتضي التسامح في رافعها و ما في التحرير من تقييد الحكم بالكراهة بالاختيار لا مدخلية له في ذلك قطعا، بل لا وجه له في نفسه عند التأمل، نعم في كشف اللثام و عن السرائر أن المراد بجعلها طريقا المضي فيها إلى غيرها لقرب ممر و نحوه لا للتعبد فيها، فلعل مبنى الخبر المزبور ذلك، إذ دخولها مع الصلاة ركعتين فيها كأنه يرفع تمحض إرادة الاستطراق، و من ذلك كله ظهر لك أن المراد

بجعلها طريقا استطراقها مع بقاء هيئة المسجدية لا تغييرها طريقا، لما عرفت من حرمة ذلك، كما هو واضح.

[في استحباب أن يجتنب البيع و الشراء في المساجد و تجنيبها المجانين و الصبيان و إنفاذ الأحكام و تعرف الضوال و إقامة الحدود و إنشاد الشعر و رفع الصوت و عمل الصنائع]

و يستحب أن يجتنب البيع و الشراء فيها و تجنيبها المجانين و إنفاذ الأحكام و تعرف الضوال و إقامة الحدود و إنشاد الشعر و رفع الصوت و عمل الصنائع

للمرسل (4)عن الصادق (عليه السلام) «جنبوا مساجدكم البيع و الشراء و المجانين و الصبيان و الأحكام و الضالة و الحدود و رفع الصوت»

و خبر عبد الحميد(5)عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): جنبوا


1- 1 المستدرك- الباب- 53- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 70- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 67- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.

ج 14، ص: 112

مساجدكم صبيانكم و مجانينكم و شراءكم و بيعكم»

و عن المجالس بإسناده إلى أبي ذر(1)عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في وصيته له «يا أبا

ذر الكلمة الطيبة صدقة، و كل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة، يا أبا ذر من أجاب داعي الله و أحسن عمارة مساجد الله كان ثوابه من الله الجنة، فقلت: كيف يعمر مساجد الله؟ قال: لا ترفع فيها الأصوات، و لا يخاض فيها بالباطل، و لا يشترى فيها و لا يباع، و اترك اللغو ما دمت فيها، فان لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك»

و المرسل (2)في الفقيه «جنبوا مساجدكم صبيانكم و مجانينكم و رفع أصواتكم و شرائكم و بيعكم و الضالة و الحدود و الأحكام»

و المضمر المرفوع (3)عن العلل قال: «رفع الصوت في المساجد يكره»

و المرسل (4)في الفقيه و عن العلل أيضا «أنه سمع النبي (صلى الله عليه و آله) رجلا ينشد ضالة في المسجد، فقال: قولوا: لا رد الله عليك، فإنها لغير هذا بنيت»

و خبر الحسين بن يزيد(5)عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) في حديث المناهي «نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن ينشد الشعر أو ينشد الضالة في المسجد»

و الصحيح عن جعفر بن إبراهيم (6)عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا: فض الله فاك، إنما نصبت المساجد للقرآن».

و من التعليل هنا و الضالة و الأمر بتوقير المساجد يستفاد الحكم في غيرهما أيضا من الصنائع مثلا غير المضرة بالمصلين و المسجد التي نص عليها غير واحد من الأصحاب


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 28- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3 لكن روى عن الحسين بن زيد.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.

ج 14، ص: 113

بل في الذكرى نسبته إليهم، و لعله كذلك فيه و في سائر ما سمعته في المتن عدا ما ستعرف و إن كان لم يتفقوا على التعبير بما في المتن من استحباب الاجتناب، بل عير بعضهم أو أكثرهم بالكراهة، لكن لعلها مرادة للمصنف أيضا باعتبار لزومها لاستحباب التجنب و إن لم نقل بكراهة ترك المستحب في نفسه، فيكون تغيير النظم في المتن باعتبار تعلق كراهة الأمور السابقة في المسجد نفسه بخلاف هذه، فإنها فيما يتعلق في فعل المكلف فيه.

و احتمال منع لزومها لاستحباب التجنب- إذ هو كغيره من المستحبات التي لا نقول بكراهة تركها في الأصح، و تغيير النظم من المصنف لأن الوارد في النصوص الأمر بالتجنيب المحمول على الاستحباب لا النهي عن الفعل كي يحكم بالكراهة- يدفعه أولا أنه يمكن دعوى تبادر النهي عن الفعل من الأمر بالاجتناب، إذ هو حقيقة كالأمر بالترك الذي هو بمعنى النهي عن الفعل، و ثانيا أنك قد عرفت وجود النهي عن بعضها في بعض النصوص (1)و ظهور إرادة الكراهة في آخر.

فالأولى الحكم بكراهة الجميع للنصوص السابقة المشتملة على الأمر بتجنيب الصبيان زيادة على ما ذكره المصنف هنا، إلا أنه ذكره هو في المعتبر و غيره من الأصحاب مطلقين للحكم فيهم كالنصوص، و قيده بعضهم بمن يخاف منهم التلويث دون غيرهم ممن يوثق بهم، فإنه يستحب تمرينهم على إتيانها، و لا بأس به، إلا أنه ينبغي إضافة مخافة ما ينافي توقير المسجد من اللعب و نحوه، أو أذية المصلين و نحو ذلك إلى التلويث، و وجهه واضح، و المشتملة أيضا زيادة على ما ذكره المصنف على السؤال عن الضالة بناء على عدم اندراجه في تعريفها المذكور في المتن، و النهي عن الخوض في الباطل فيها، و الأمر بترك اللغو فيها أيضا.


1- 1 الوسائل- الباب- 14 و 27 و 28- من أبواب أحكام المساجد.

ج 14، ص: 114

و لعل منه ذكر الدنيا كما أشير إليه في

المرسل (1)عن علي (عليه السلام) المروي عن كتاب ورام بن أبي فارس «يأتي في آخر الزمان قوم يأتون المساجد فيقعدون حلقا ذكرهم الدنيا و حب الدنيا، لا تجالسوهم، فليس لله فيهم حاجة»

و إلا كان مكروها آخر أيضا يومي اليه مضافا إلى ذلك التعليل بأنها لغير ذلك بنيت، و الأمر بتوقير المسجد.

كما أن سل السيف و رطانة الأعاجم فيها مكروهان آخران نص عليهما الشهيد في البيان

دون المصنف، بل نسب أولهما في مفتاح الكرامة إلى نص كثير من الأصحاب ل

خبر مسمع أبي ستار(2)عن الصادق (عليه السلام) قال: «نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن رطانة الأعاجم في المساجد»

و خبر السكوني (3)عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: «نهى النبي (صلى الله عليه و آله) عن رطانة الأعاجم في المساجد»

و صحيح ابن مسلم (4)عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن سل السيف و عن بري النبل في المسجد، و قال: إنما بني لغير ذلك»

بل هو كما ترى مشتمل على بري النبل الذي ذكره غير الشهيد من الأصحاب أيضا، و دل عليه غير هذا الصحيح أيضا ك

مرفوع محمد بن أحمد(5)المروي عن العلل، قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) مر برجل يبري مشاقص له في المسجد فنهاه، و قال: إنها لغير هذا بنيت»

و خبر الحلبي (6)عن الصادق (عليه السلام) «إن جدي نهى رجلا يبري مشقصا في المسجد»

و مع ذلك تركه المصنف إلا أنه يحتمل الاكتفاء عنه بنصه على الصنائع الشاملة له، و الأمر سهل.


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.

ج 14، ص: 115

و قد يلحق بالبيع و الشراء سائر عقود المعاوضة، بل لعلها المرادة من البيع و الشراء في النصوص على إرادة مطلق النقل و الانتقال بعوض منهما، أما ما أشبه المعاوضة كالنكاح فوجهان كمطلق العقود و الإيقاعات إلا ما يندرج منها في القربات نحو النذر و الوقف و العتق، و لعل النكاح منها، و في شمول المجانين للادواريين منهم هنا وجه، فيجنبون عن المساجد و لو حال إفاقتهم مخافة أن يحدث فيه الجنون الذي قد تحصل معه النجاسة و غيره، لكنه بعيد جدا أو ممتنع للقطع باندراجهم في الأوامر الكثيرة بالسعي إلى المساجد و الصلاة فيها و حضور الجماعة و نحو ذلك.

و المراد بإنفاذ الأحكام الذي عبر به المصنف و الفاضل و الشهيد و غيرهم كما يومي اليه تعليل المعتبر نفس الحكم بمعنى التسجيل و نحوه الواقع من الحاكم لقطع الخصومات و نحوها، لا مطلق بيان الأحكام الشرعية للتعليم و نحوه، إذ لم يحتمله أحد من الأصحاب هنا، فيكون هو حينئذ عين التعبير بالأحكام المعبر به في المنتهى و الدروس و المنظومة و عن المبسوط تبعا للنص السابق الذي هو مستند المطلوب مؤيدا- مضافا إلى التعليل بأنه إنما نصبت المساجد للقرآن- بما في الحكم من التحاكم المفضي غالبا إلى التشاجر و رفع الأصوات و التكاذب و ارتكاب الباطل و نحو ذلك مما لا ينبغي وقوعه في المساجد.

لكن قد يشكل ذلك بأن الحكم من الطاعات و العبادات التي محلها المساجد، و بمعروفية الفضاء من أمير المؤمنين (عليه السلام) في جامع الكوفة حتى أن دكة القضاء معروفة إلى يومنا هذا، كما عن الشيخ و الحلي الاعتراف به، بل ظاهر الأول و صريح الثاني نفي الخلاف فيه، قال الشيخ في المحكي عنه: لا خلاف في أن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يقضي في المسجد الجامع، و لو كان مكروها ما فعله، و كذلك كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقضي بالكوفة في الجامع، و دكة القضاء معروفة إلى يومنا هذا، و هو

ج 14، ص: 116

إجماع الصحابة، و بأن تشاجر المتحاكمين و تكاذبهم و رفع أصواتهم و نحو ذلك مع نهيهم عنه و تكليفهم بتركه لا يقتضي مرجوحية إنفاذ الحاكم في نفسه الذي هو مستحب أو واجب، و فعله النبي و أمير المؤمنين (عليهما الصلاة و السلام)، بل كأنه في بالي أن الحكومة المعروفة من داود كانت في المسجد، و بما في كشف اللثام من أن

في بعض الكتب (1)«أنه بلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) أن شريحا يقضي في بيته، فقال: يا شريح اجلس في المسجد فإنه أعدل بين الناس و أنه و هن بالقاضي أن يجلس في بيته».

و لا مخلص عن ذلك بالقول بكراهة المداومة دون النادر كما اختاره المصنف على الظاهر في كتاب القضاء، و تبعه بعض من تأخر عنه، لظهور ما سمعت في التكرار و المداومة إذ لو سلم احتمال ندرة قضاء أمير المؤمنين (عليه السلام) و أن الإضافة في دكة القضاء لعلها لوقوع قضية غريبة من قضاياه نحو دكة المعراج فإنها لم تتشرف إلا مرة واحدة كما في كشف اللثام فلا يسلم ذلك بالنسبة إلى النبي (صلى الله عليه و آله) لمعروفية مواظبته (صلى الله عليه و آله) على إنفاذ الأحكام في المسجد.

و من هنا مال بعض متأخري المتأخرين إلى عدم الكراهة في ذلك تبعا للمحكي عن الشيخين و سلار و الحلي و غيرهم من المتقدمين، بل ربما كان ظاهرهم الاستحباب، بل لعل عدم الكراهة خيرة الأكثر حتى من عبر بالإنفاذ، لاحتمال إرادة الاجراء، و العمل على مقتضاها من الحبس و الحد و التعزير و نحوها، و لا ينافيه ذكر الحدود حينئذ


1- 1 البحار ج 40 ص 277 و 278 و 279 المطبوعة عام 1381 و ج 9 من طبعة الكمباني- الباب 97 و الباب 5 من أبواب كرائم خصال أمير المؤمنين عليه السلام و محاسن أخلاقه- الحديث 42.

ج 14، ص: 117

مستقلة تبعا للنص، و لأنها أفحش، و على ذلك يحمل النص المتقدم الذي لا يصلح لمعارضة ما عرفت مما يقضي بعدم الكراهة أو الاستحباب، أو يحمل كالفتوى بمضمونه على إرادة الحكومات الجدلية خاصة لا مطلق الحكم، لكن فيهما أنه لا دليل حينئذ على كراهة الأول أيضا، و مجرد احتمال النص له لا يجدي، اللهم إلا أن يكون من جهة التسامح، سيما مع تأيده بمساواته لإقامة الحدود، و اقتضاء الثاني الكراهة في بعض الأفراد، و ما سمعته قاض بعدمها مطلقا، و عدم تكليف المتحاكمين الجدل، فلعل الأقوى في النظر عدم الكراهة مطلقا، و النص إما مطرح أو محمول على إرادة الأحكام الصادرة من قضاة العامة، لأنها باطل محض، فيكون إطلاقهم (عليهم السلام) الأحكام وسيلة إلى التعريض بذلك، أو على ما لا نعلمه، و التسامح في المكروه لعله حيث لا معارض لكن و مع ذلك فالاحتياط باجتناب الحكم في المساجد فضلا عن إجرائها و العمل على مقتضاها تخلصا من الوقوع في المكروه لا ينبغي تركه، حتى على احتمال استحباب الحكم لا إباحته خاصة، خصوصا مع وضوح الفرق بين النبي (صلى الله عليه و آله) و أمير المؤمنين (عليه السلام) و نحوهما ممن هم مأمومون عن الخطأ في الواقع و عن احتمال كون الحكم منهم بغير ما أنزل الله لتقصير في مقدمات أو اتباع للشهوات و بيننا الذين لا نأمن من شي ء من ذلك، بل نحن إليه أقرب من غيره، و نسأل الله العصمة، فإنه المفزع و الملجإ في الأمور كلها.

و المتبادر من تعريف الضالة الذي عبر به الفاضل أيضا إنشادها لا نشدانها كما فهمه الشهيد الثاني و سبطه تبعا للمحقق الثاني في الجامع و الفوائد، فينحصر دليله حينئذ في التعليل في مرسل (1)الفقيه الثاني و في مرسله (2)الأول نفسه و خبر الحسين بن


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.

ج 14، ص: 118

يزيد(1)بناء على إرادة ذلك من الضالة في الأول، و «تنشد» في الثاني لظهور اشتقاقه من الإنشاد الذي هو بمعنى التعريف لا النشدان الذي هو معنى طلبها كما عن الصحاح التصريح بهما معا، و يكون تركهما النشدان كالمحكي عن الحلي، لعدم كراهته عندهما، أو لاستفادة حكمه بالمساواة أو الأولوية من التعريف، أو أنهما لم يذكرا حكمه، لكن الثلاثة كما ترى، إذ لا مجال لإنكار كراهته بعد صراحة المرسل الثاني به، و دلالة التعليل في خبر جعفر بن إبراهيم (2)و صحيح ابن مسلم (3)عليه، و المساواة أو الأولوية المزبورتين، و احتمال المرسل الأول و خبر الحسين له مستقلا أو مع الإنشاد، خصوصا المرسل باعتبار امتناع ترجيح إضمار الأول عليه، بل المرسل الثاني شاهد على إضماره، كشهادته على الاشتقاق من النشدان لا الإنشاد في خبر الحسين، و لعله لذا ربما ظهر من بعضهم اختصاصه بالكراهة دونه، خصوصا على ما ستسمعه من المناقشة في شمول التعليل له، و كذا لا وجه لاتكالهما على

المساواة أو الأولوية بعد ما عرفت من نص الخبر، كما أنه لا وجه لسكوتهما عن بيانه، فمن هنا فهم المحقق الثاني و الشهيد الثاني في بعض كتبهما إرادة الإنشاد و النشدان من التعريف، و الأمر سهل بعد ما عرفت من وضوح الدليل على كراهتهما معا.

و المناقشة في كراهة الأول منهما بأن الإنشاد من أعظم العبادات، و الأولى به الجامع، و أعظمها المساجد، فلا يشمله التعليل، و في كراهته أيضا أو الثاني أو فيهما ب

خبر علي بن جعفر(4)سأل أخاه (عليه السلام) «عن الضالة أ يصلح له أن تنشد في


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3 لكن روى عن الحسين بن زيد.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.

ج 14، ص: 119

المسجد؟ فقال: لا بأس»

يدفعها أن المساجد ليست لمطلق ما يحصل به الثواب، و إلا فكثير من الأمور السابقة المكروه فعلها فيها حتى البيع و الشراء إذا كانا لتحصيل المؤنة الواجبة أو المندوبة قد تقترن بما يقتضي استحبابها، و أنه يمكن الجمع بين الحقين بالإنشاد على أبوابها كما ذكره الأصحاب في باب اللقطة على ما حكاه في الروض عنهم، و أنه لا تنافي بين نفي البأس و الكراهة لا أقل من أن يكون كالعام و الخاص.

و إقامة الحدود لا إشكال في كراهتها، بل عن قضاء الخلاف دعوى الإجماع عليها منا و من

جميع الفقهاء إلا أبا حنيفة، للمرسلين، و مخافة خروج الحدث و الخبث و نحوهما في المسجد، و اشتمالها غالبا على رفع الصوت و الكلام الهذر و نحوهما، و ليست بمحرمة للأصل و إطلاق الأدلة و ضعف الخبرين مع قطع النظر عن وهنهما بإعراض الأصحاب، نعم ينبغي القول بها في مثل الحد المستلزم إخراج النجاسة كالقتل و القطع و نحوهما و إن لم تلوث بناء على عدم دوران الحرمة مداره، و إلا ففي الملوثة خاصة، لكن في الذكرى الاستدلال على عدم حرمة غير الملوثة بذكر الأصحاب جواز القصاص في المساجد للمصلحة مع فرش ما يمنع من التلويث، و قضيته أنهم صرحوا بذلك هناك كما حكاه عنهم أيضا في مفتاح الكرامة، و فيه أنه بعد ثبوت أنه إجماع منهم لعله استثناء من الحكم المزبور، فلا جهة للاستدلال به على ذلك، على أن المحكي في كشف اللثام عن الشيخ التصريح باستثناء القتل و نحوه في المسجد من الحكم بالجواز، و أنه قال: و لا يفيد فرش النطع، لحرمة تحصيل النجاسة في المسجد، و لا ينافيه إطلاقهم هنا إقامة الحدود التي منها القتل، ضرورة إرادتهم الحدود من حيث أنها حدود لا مع مانع خارجي، و إلا فأهل التلويث أيضا لم ينصوا على استثناء ما لوث منها، كالقائلين بالحرمة مطلقا و إن لم تلوث، فتأمل جيدا.

و إنشاد الشعر و إن أطلق في المتن كالنص و كثير من الكتب، بل نسبه الكركي

ج 14، ص: 120

إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، بل في الروض التصريح بالعموم، لكن لا يبعد في النظر عدم الكراهية فيما قل منه و يكثر نفعه، كبيت حكمة، أو شاهد على لغة مثلا في كتاب الله أو سنة نبيه (صلى الله عليه و آله) و مراثي الحسين (عليه السلام) و مدح الأئمة (عليهم السلام) و هجاء أعدائهم، بل سائر ما كان حقا منه و رشادا و بعد عبادة، كما مال إلى ذلك الشهيدان في بعض كتبهما و الكركي و سيد المدارك و الفاضل الأصبهاني و المحدث الكاشاني، و إن لم يصرح بعضهم بجميع ما ذكرنا، بل جزم به العلامة الطباطبائي، فقال:

و الحد و الاحكام و الإنشادللشعر إلا الحق و الرشاد

لا لاستبعاد الكراهة في ذلك، إذ قد ورد عنهم (عليهم السلام) النهي (1)عن قراءة الشعر في شهر رمضان و إن كان فيهم (عليهم السلام) بل ل

صحيح ابن يقطين (2)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن إنشاد الشعر في الطواف. فقال: ما كان من الشعر لا بأس به فلا بأس به»

إذ الظاهر إرادة نفي الكراهة فيما لا بأس به من الشعر لا الحرمة و لعله عليه يحمل نفي البأس أيضا في

خبر علي بن جعفر(3)سأل أخاه (عليه السلام) «أ يصلح أن ينشد الشعر في المسجد؟ فقال: لا بأس»

لا على نفي الحرمة سيما مع ملاحظة ظهور سؤال السائل في إرادة الصلاحية بمعنى عدم الكراهة، بل علو رتبته في العلم قد يأبى سؤاله عن الحرمة، بل قد يرجح ما ذكرنا بأن حمله على نفي الحرمة يقتضي التقييد في أفراد البأس بناء على أن الكراهة منه، و هي نكرة في سياق النفي كالنص في العموم


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب آداب الصائم- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب الطواف- الحديث 1 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.

ج 14، ص: 121

بخلاف ما قلناه فإنه تقييد للفظ الشعر الذي إرادة العموم منه معركة للآراء، و الحق أنه ليس له و إن أفاده هنا بتعليق النهي على الطبيعة.

و من هنا ينقدح لك المناقشة في دليل الكراهة من النص السابق المشتمل على لفظ الشعر الذي سمعت الكلام فيه، و عموم «من» في المرسل الأخير لا يقتضي العموم في لفظ الشعر الواقع في سياقه، بل هو على إطلاقه، نعم استفادة العموم فيه من التعليق على الطبيعة، و هذا يكفي في تقييده إمكان دعوى انصرافه إلى إرادة غير ما سمعته من الشعر كالغزل و نحوه، و الصحيح السابق و السيرة التي اعترف بها الكركي في غير واحد من كتبه، و ما في الذكرى من أنه من المعلوم أنه كان ينشد بين يدي النبي (صلى الله عليه و آله) البيت و الأبيات من الشعر في المسجد و لم ينكر ذلك، بل كأنه في بالي أنه ربما أمر (صلى الله عليه و آله) بذلك بل ربما طرق مسمعي جملة من الأخبار المشتملة على إنشاد الشعر

بين يدي النبي (صلى الله عليه و آله) في المسجد، بل ربما كان المنشد في بعضها

أمير المؤمنين (عليه السلام) و الظاهر أنه أنشده

«و أبيض يستسقى الغمام بوجهه»

إلى آخره (1)،

لما استسقاه الأعرابي، فلاحظ، كل ذلك مع شهادة الاعتبار ببعض ما ذكرنا إن لم يكن جميعه.

و المراد بالإنشاد القراءة لا رفع الصوت و إن فسره به في تهذيب اللغة و الغريبين و المقابيس و ظاهر الأساس على ما حكي عنها، للتبادر، و لأن رفع الصوت في نفسه مكروه و إن لم يكن بالشعر، كما هو قضية إطلاق المتن و غيره من كتب الأصحاب التي عبرت بما في النص الذي هو مستند الحكم مؤيدا بما في الرفع من الشغل عن العبادات و منافاة السكينة و الوقار و الخشوع المطلوب في المساجد، و أذية المصلين و نحو ذلك، بل مقتضى الإطلاق المزبور عدم الفرق بين القرآن و غيره، بل نص على التعميم المذكور الثانيان،


1- 1 البحار- ج 18 ص 955 من طبعة الكمباني.

ج 14، ص: 122

لكن مع التقييد بما إذا تجاوز المعتاد، كما أنه قيد أصل رفع الصوت به في المدارك و المفاتيح و الكفاية، و لا بأس به، لانصراف الإطلاق إليه.

كما أنه لا بأس بالتعميم المزبور للإطلاق أيضا، إلا أنه ينبغي استثناء ما ثبت وجوب الجهر فيه أو استحبابه على وجه يشمل ما فيه رفع الصوت من الجهر، كبعض القراءة و الأذكار للإمام مثلا المستحب له أن يسمع من خلفه كل ما يقول و الأذان و الإقامة و نحو ذلك، و لعل ذا هو مراد ابني الجنيد و إدريس في المحكي عنهما من استثناء ذكر الله من كراهة رفع الصوت، و إلا فالنص و الفتوى مطلقان، أقصى ما يمكن تنزيلهما على إرادة ما تجاوز المعتاد، و المراد الاعتياد في نفس الرفع للصوت من غير فرق بين القرآن و غيره، لكن في كشف اللثام احتمال إرادة الاعتياد لكل شي ء بحسبه، فيختلف باختلاف الأنواع في العادة، إذ هي في الأذان غيرها في القراء، و فيه أنه لا عادة مضبوطة في ذلك كي يرجع إليها، على أن أذان الإعلام كلما كان أرفع كان أولى، و ارتفاع صوت الامام يتبع كثرة المأمومين و قلتهم، و الأمر سهل، و رفع الصوت في التدريس في المساجد لم أعرف استثناءه من أحد، فيشمله النص و الفتوى.

[في كراهة النوم في المساجد و شدتها في المسجدين]

و أما النوم في المساجد فقد نص على كراهته و شدتها في المسجدين الشيخ و الحلي على ما حكي عنهما، و الفاضل و الشهيد و المحقق الثاني و العلامة الطباطبائي، بل في المدارك نسبة الكراهة إلى قطع أكثر الأصحاب، و عن حاشيتها إلى المشهور، و في الذكرى إلى الجماعة، لمنافاته التوقير، و مخافة خروج الخبث منه فضلا عن الريح من الحدث كالصبيان و المجانين، إذ هو حال النوم مثلهم أو أسوأ، و التعليل بأنها إنما بنيت للقرآن أو لغير هذا، و

خبر زيد الشحام (1)قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.

ج 14، ص: 123

«قول الله عز و جل لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى (1)قال: سكر النوم»

بناء على أن المراد مواضع الصلاة التي هي المساجد.

و الشدة في المسجدين لشدة احترامهما، و لاختصاصهما بالنهي، ففي

صحيح زرارة(2)«قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال: لا بأس إلا في المسجدين: مسجد النبي (صلى الله عليه و آله) و المسجد الحرام، قال: و كان يأخذ بيدي في بعض الليل فيتنحى ناحية ثم يجلس فيحدث في المسجد الحرام، فربما نام، فقلت له في ذلك، فقال: إنما يكره أن ينام في المسجد الحرام الذي كان على عهد رسول الله

(صلى الله عليه و آله)، فأما في هذا الموضع فليس به بأس»

و في

خبر محمد ابن حمران (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: «و روى أصحابنا أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: لا ينام في مسجدي أحد».

و ربما يتم منه أشدية الكراهة فيه من المسجد الحرام، كما هو ظاهر

خبر علي ابن جعفر(4)المروي عن قرب الاسناد «سألته عن النوم في المسجد الحرام، فقال:

لا بأس، و سألته عن النوم في مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: لا يصلح»

كما أن ظاهر صحيح زرارة(5)السابق عدم الكراهة فيما عدا المسجدين، بل كاد يكون صريح الاستثناء فيه فضلا عما في ذيله من الصراحة، و من هنا استجود في المدارك و تبعه الكاشاني قصرها عليهما مؤيدا له مع ذلك بضعف سند دليل إطلاقها و دلالته، و هو جيد لو لا أن الكراهة مما يتسامح فيها، و قد عرفت فتوى الجماعة بها و ما يشعر بها، فاتجه حمله حينئذ على إرادة الشدة.


1- 1 سورة النساء- الآية 46.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أحكام المساجد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أحكام المساجد الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أحكام المساجد الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أحكام المساجد الحديث 2.

ج 14، ص: 124

و أما احتمال حمله على إرادة بيان عدم جريان أحكام المساجد على مثل هذه الزيادة

التي حدثت بعد زمانه (صلى الله عليه و آله)- كما توهم المحدث البحراني في حدائقه، مع اعترافه بظهور غير واحد من النصوص (1)في أنها من المسجد القديم الذي خطه إبراهيم (عليه السلام) لكنه ارتكب تخصيص جريان الأحكام على ما كان مسجدا في الشريعة المحمدية لا الزمن السابق، قال: «و لهذا جاز نقض البيع و الكنائس لأهل الملل المتقدمة و تغييرها التي كان يراعى فيها ما يراعى للمساجد من التوقير و الاحترام، فتجعل مساجد إسلامية تحترم كما تحترم» بل بذلك تخلص عن الاشكال الناشئ من ورود بعض النصوص (2)في كون مسجد الكوفة أوسع من هذا الموجود و أن بعضه في طاق الرواسين، مع أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يأمر بإرجاعه، و لا نهى عن استعماله في غير المسجد، كما أن النبي (صلى الله عليه و آله) لم يأمر برد زيادة المسجد الحرام التي كانت في زمن إبراهيم (عليه السلام) على ما نطقت به تلك النصوص- فهو وهم في وهم، ضرورة عدم الفرق عند الأصحاب بين المساجد القديمة و الحادثة، و كلامهم في البيع و الكنائس شاهد بخلاف ما ادعاه كما لا يخفى على من لاحظه، و لذا لم يجوزوا نقضها و لا تغييرها لغير بنائها مساجد، بل اقتصروا على ما لا بد منه، كتغيير المحراب و نحوه مما هو تعمير لها لا تخريب، و إلا فقد أجروا عليها أحكام المساجد، و أما نصوص الزيادة

فبعد تسليمها و تسليم تمكن أمير المؤمنين (عليه السلام) من ذلك فمعرض عنها عندهم.

نعم لا يبعد عدم جريان بعض الأحكام المختصة بمسجد الحرام على الزيادة الحادثة لظهور كون موردها الموجود منه في زمانه (صلى الله عليه و آله)، و من العجب استظهاره من صحيح زرارة السابق ما عرفت، مع أن هذه الزيادة صارت مسجدا إسلاميا


1- 1 الوسائل- الباب- 55- من أبواب أحكام المساجد.
2- 2 المستدرك- الباب- 35- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.

ج 14، ص: 125

مندرجا في الموضوع الذي أثبته و اعترف به و إن كان الفاعلون لذلك الجبارين، كما هو واضح.

و كيف كان فلا إشكال في عدم الحرمة في النوم في شي ء من المساجد، للأصل المعتضد بفتوى الأصحاب، بل في كشف اللثام أنه مجمع عليه قولا و فعلا، و بالنصوص (1)الأخر الدالة على الجواز.

بل قد يستفاد من بعضها عدم الكراهة في مثل نوم المساكين و نحوهم ممن لا مأوى له في المسجدين فضلا عن غيرهما، ففي

خبر معاوية(2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النوم في المسجد الحرام و مسجد الرسول (صلى الله عليه و آله) قال: نعم فأين ينام الناس»

و في

خبر أبي البختري (3)عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) المروي عن قرب الاسناد «أن المساكين كانوا يبيتون في المسجد على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

و في

خبر إسماعيل بن عبد الخالق (4)المروي عنه أيضا «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النوم في المسجد الحرام، فقال: هل للناس بد أن يناموا في المسجد الحرام؟ لا بأس به، قلت: الريح تخرج من الإنسان، قال: لا بأس به»

و لعله لذا استثنى الشهيد النوم لضرورة من الكراهة.

[في كراهة الدخول من في فمه رائحة بصل أو ثوم في المسجد]

و كذا يكره دخول من في فمه رائحة بصل أو ثوم أو غيرهما من الروائح المؤذية للمجاور كالكراث و نحوه في المساجد على ما صرح به جماعة من الأصحاب، للنصوص (5)المشتمل بعضها على شدة المبالغة في الأول(6)

خبر الزيات (7)قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أحكام المساجد.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أحكام المساجد الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أحكام المساجد الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام المساجد.
6- 6 الصواب« في الثاني» بدل« في الأول».
7- 7 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3.

ج 14، ص: 126

«قصدت أبا جعفر (عليه السلام) إلى ينبع فقال: يا حسن أتيتني إلى هنا، قلت:

نعم، قال: إني أكلت من هذه البقلة يعني الثوم، فأردت أن أتنحى عن مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

و اقتصار المصنف كالفاضل في بعض كتبه على الأولين محمول على المثال قطعا، لظهور النصوص في كل ذي رائحة مؤذية، ففي

صحيح ابن مسلم (1)عن الباقر (عليه السلام) «سألته عن أكل الثوم فقال: إنما نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) لريحه، فقال: من أكل هذه البقلة الخبيثة- و عن العلل «المنتنة»- فلا يقرب مسجدنا، فأما من أكله و لم يأت المسجد فلا بأس»

و في

خبر أبي بصير(2)عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام) «من أكل شيئا من المؤذيات ريحها فلا يقربن المسجد»

بل في جملة منها النص على الكراث أيضا، ك

خبر ابن سنان (3)المروي عن المحاسن «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكراث، فقال: لا بأس بأكله مطبوخا و غير مطبوخ، و لكن إن أكل منه شيئا له أذى فلا يخرج إلى المسجد كراهية أذاه أن يجالس»

و غيره، نعم وصفه الشي ء بما له أذى كالتعليل في ذيله و صحيح ابن مسلم (4)السابق ظاهر في ارتفاع الكراهة بمعالجة ذهاب رائحته بطبخ و نحوه، كما يومي اليه مضافا إلى ما سمعت

المرسل (5)المروي عن المجازات النبوية للرضي قدس سره، قال: «قال (صلى الله عليه و آله): من أكل هاتين البقلتين فلا يقربن مسجدنا يعني الثوم و الكراث، فمن أراد أكلهما فليمثهما طبخا» و في رواية(6)«فليمثهما طبخا».

فما عساه يقال- من احتمال الكراهة بأكل ذوات هذه البقول و إن ذهبت الرائحة لإطلاق بعض الأدلة الذي عرفت تنزيله بشهادة صحيح ابن مسلم المتقدم و التبادر على ذي الرائحة، و لاحتمال أو ظهور

خبر أبي بصير(7)عن الصادق (عليه السلام) في


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 8.
7- 7 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.

ج 14، ص: 127

التعميم المزبور، قال: «سئل عن أكل الثوم و البصل و الكراث، فقال: لا بأس بأكله نيا و في القدور، و لا بأس بأن يتداوى بالثوم، و لكن إذا أكل أحد كم ذلك فلا يخرج إلى المسجد»

الواجب بعد ما سمعت تنزيل الإشارة فيه على غير المطبوخ أو عليه أيضا إذا لم يذهب الطبخ رائحته- لا يلتفت اليه.

نعم ظاهر بعض النصوص استحباب إعادة الصلاة مع أكل الثوم ذي الرائحة فضلا عن كراهة دخول المسجد، ك

خبر زرارة(1)قال: «حدثني من أصدق أصحابنا سألت أحدهما (عليهما السلام) عن الثوم، فقال: أعد كل صلاة صليتها ما دمت تأكله»

إذ من المعلوم عدم إرادة الوجوب للنصوص الأخر و الإجماع محصلا و محكيا عن الاستبصار على أن أكل هذه الأشياء لا يوجب إعادة الصلاة، كما هو واضح.

[في كراهة التنخم و البصاق في المساجد]

و يكره التنخم و البصاق فيها أيضا كما ذكره غير واحد من الأصحاب بل نسب إلى الشيخ و من تأخر عنه ممن تعرض لأحكام المساجد عبد العجلي، للأمر بتوقير المسجد الذي قد لعن تاركه، و بالتعظيم المعلل بأنها بيوت الله في أرضه، و لا ريب في حصولهما بتركهما، بل لا ريب في هتكهما حرمته، و للتعليل في وجه بأنها إنما نصبت للقرآن أو لغير هذا، و لما فيه من تنفير المترددين بل أذيتهم، و ل

خبر الحسين بن يزيد(2)عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) في حديث

المناهي، قال: «نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن التنخع في المساجد»

و هو التنخم، إذ النخاعة النخامة كما في المجمع، و

المرسل (3)عن النبي (صلى الله عليه و آله) المروي عن المجازات


1- 1 الوسائل- الباب- 128- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 8 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3 لكن روى عن الحسين بن زيد.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 5.

ج 14، ص: 128

النبوية للرضي «أن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة من النار إذا انقبضت و اجتمعت»

و المرسل (1)أيضا في مجمع البحرين «النخاعة في المسجد خطيئة»

و إشعار

خبر إسماعيل بن مسلم الشعيري (2)عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) «من وقر بنخامته المسجد لقي الله تعالى يوم القيامة ضاحكا قد أعطى كتابه بيمينه»

بل و

خبر عبد الله بن سنان (3)عن الصادق (عليه السلام) «من تنخع في المسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته».

و منه يستفاد أن المراد بالتنخع في حديث المناهي إخراج النخاعة إلى أرض المسجد لا مجرد خروجها إلى فمه و هو في المسجد، إذ لا كراهة في ذلك، بل لعله مستحب إذا كان بقصد التقدمة للابتلاع، و

خبر غياث بن إبراهيم (4)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «إن عليا (عليه السلام) قال: البزاق في المسجد خطيئة و كفارته دفنه»

و لاشعار

خبر طلحة بن زيد(5)المروي عن ثواب الأعمال عن جعفر عن أبيه عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) «من رد ريقه تعظيما لحق المسجد جعل الله ريقه صحة في بدنه و عوفي من بلوى في جسده»

و خبر السكوني (6)المروي عن محاسن البرقي عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «من رد ريقه تعظيما لحق المسجد جعل الله ذلك قوة في بدنه، و كتب له بها حسنة و حط عنه بها سيئة، و قال: لا تمر بداء في جوفه إلا أبرأته».

و ليسا بحرام قطعا، للأصل و ظاهر باقي النصوص الدالة على الجواز، و أرجحية


1- 1 كنز العمال ج 4 ص 141- الرقم 3113.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 7.

ج 14، ص: 129

البزاق على جهة اليسار على غيره إن كان في الصلاة، منها

خبر عبد الله بن سنان (1)«قلت للصادق (عليه السلام): الرجل يكون في المسجد في الصلاة فيريد أن يبزق، فقال: عن يساره، و إن كان في غير صلاة فلا يبزق حذاء القبلة و يبزق عن يمينه و يساره»

و منه يستفاد كراهة مطلق البزاق على جهة القبلة تعظيما لها، إذ النهي محمول عليها قطعا لا على الحرمة، كما أن الأمر بالبزاق على اليسار حال الصلاة على الندب لا الوجوب، ل

خبر عبيد بن زرارة(2)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كان أبو جعفر (عليه السلام) يصلي في المسجد فيبصق أمامه و عن يمينه و عن شماله و خلفه على الحصى و لا يغطيه»

و منه يستفاد الجواز في المسجد أيضا ك

خبر ابن مهزيار(3)«رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) يتفل في المسجد الحرام فيما بين الركن و الحجر الأسود و لم يدفنه»

و احتمال استفادة عدم الكراهة أصلا منهما لتنزهه (عليه السلام) عن فعل المرجوح يدفعه أنه لعله لبيان الجواز، فيكون بالنسبة إليه مندوبا و إن كان مكروها في حد ذاته و بالنسبة إلى غيره، كما هو واضح.

[في كراهة قتل القمل في المسجد]

و أما كراهة قتل القمل فيه فهي و إن نص عليها غير واحد من الأصحاب مع إبدال القتل بالقصع، بل في الذكرى أنه قاله الجماعة،

لكن قد اعترف بعضهم بعدم الوقوف على نص دال عليه، و لعله لذا تركها العلامة الطباطبائي في منظومته إلا أنه حيث كان الحكم مما يتسامح فيه أمكن القول بها لمكان فتوى الجماعة، و التعليل السابق أو التحرز عن أذية شي ء في المسجد، و ما فيه من التنفير و عدم التوقير، و ما يشعر به

صحيح ابن مسلم (4)«كان أبو جعفر (عليه السلام) إذا وجد قملة في المسجد دفنها في الحصى».


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.

ج 14، ص: 130

و منه يستفاد ما أشار إليه المصنف بقوله فان فعل ستره بالتراب بناء على كون الضمير في كلامه راجعا إلى كل واحد من هذه الثلاثة، إذ من المعلوم أن التغطية المزبورة فيه لدفع الاستقذار النفسي المشترك بين الثلاثة، مضافا إلى ما سمعته من خبر غياث (1)الدال على دفن البزاق، و إلى المضمر

المرفوع (2)المروي عن محاسن البرقي «إنما جعل الحصى في المسجد للنخامة»

بل قد يشم من خبري ابني مسلم و مهزيار المتقدمين معروفية الدفن في ذلك، و أن غرضهما من نقل فعله استفادة عدم كون ذلك على الوجوب، فتأمل، و يحتمل عود الضمير في المتن إلى الأولين، لأنهما المتعارف دفنهما دون القمل بعد قتله، بل قلما يبقى منه شي ء

بعد قتله كي يرى فيستقذر، نعم دفنه قبل قتله كما دل عليه الصحيح المتقدم في محله، و الأمر سهل.

[في كراهة كشف العورة في المسجد مع الأمن من المطلع]

و كذا يكره كشف العورة في المسجد مع الأمن من المطلع بلا خلاف أجده بين من تعرض له، للتعليل السابق، و لمنافاته التوقير، و إشعار

خبر السكوني (3)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) إن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «كشف السرة و الفخذ و الركبة في المسجد من العورة»

المستفاد منه زيادة على المطلوب استحباب ستر الثلاثة أو كراهة كشفها المصرح به جماعة من الأصحاب، بل في الروض يمكن أن يراد من العورة ما يتأكد استحباب ستره في الصلاة، لأنه أحد معانيها، فتدخل حينئذ الثلاثة في العورة في المتن و نحوه ممن اقتصر عليها.

و كيف كان فلا حرمة في كشف شي ء منها قطعا للأصل السالم عن معارض صالح لإثباتها، فما عن النهاية من التعبير بلا يجوز فيها جميعها ضعيف جدا إن أراد منه


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.

ج 14، ص: 131

الحرمة، كما هو واضح.

[في كراهة الرمي بالحصى في المسجد]

و الرمي بالحصى فيه كما صرح به الفاضل و الشهيد و غيرهما، لكن عبروا بالحذف تبعا ل

خبر السكوني (1)عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) «إن النبي (صلى الله عليه و آله) أبصر رجلا يحذف بحصاة في المسجد، فقال: ما زالت تلعنه حتى وقعت، ثم قال: الحذف في النادي من أخلاق قوم لوط، ثم تلا (عليه السلام) «وَ تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ»(2)

قال: هو الحذف و

خبر زياد بن المنذر(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «الحذف بالحصى و مضغ الكندر في المجالس و على ظهر الطريق من عمل قوم لوط»

و لا ريب أنه أخص منه، إذ هو بالحاء المهملة الرمي بأطراف الأصابع كما في المجمع، و بالمعجمة وضع الحصاة على بطن إبهام يد اليمنى و دفعها بظفر السبابة كما هو المشهور على ما في المجمع، أو الرمي بأطراف الأصابع كما عن الخلاف، فيكون رديفا حينئذ للأول، أو الرمي بين إصبعين كما أرسله في مفتاح الكرامة عن المجمل و المفصل قال: «أو

من بين السبابتين» كما عن العين و المقاييس و الغريبين و النهاية الأثيرية، و في الأخيرين «أو تتخذ محذفة من خشب ترمي بها بين إبهامك و السبابة» و في المقنعة و المبسوط و النهاية و المراسم و الكافي و الغنية و السرائر و التحرير و التذكرة و المنتهى «أن يضعها على باطن الإبهام و يرميها بظفر السبابة» و في الانتصار «أن يضعها على بطن الإبهام و يدفعها بظفر الوسطى» و عن القاضي «على ظفر إبهامه و يدفعها بالمسبحة» انتهى، و يأتي تحقيقه إن شاء الله في باب الحج.

و على كل حال فليس هو مطلق الرمي، فيشكل حينئذ إثبات كراهته على الإطلاق و إن كان هو ظاهر المحكي عن المبسوط أيضا، حيث قال: «لا يرمى الحصى و لا حذفا»


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
3- 3 سورة العنكبوت- الآية 28.

ج 14، ص: 132

اللهم إلا أن يقال: إنه أطلقه لاشتراك أنواعه في العبث و الأذى، و لأن الحذف يطلق على رميها بالأصابع كيف اتفق و إن لم يكن على الوجه المذكور في الجمار، قال في الصحاح على ما حكي عنه: «الحذف الرمي بالأصابع» نعم يستفاد من الخبرين المزبورين كراهة الحذف مطلقا و إن لم يكن في المسجد، بل ظاهر هما أنه كان من الملاهي، و لعله الذي هو الآن بيد أهل الرساتيق مما يسمى بلعب القلة، فكان على المصنف حينئذ تركه، لذكره ما يختص بالمساجد، و إلا كان عليه أن يذكر كراهة التنعل قائما في المسجد و غيره التي ذكرها هنا الفاضل و الشهيد و الأصبهاني محتجا عليه الأخير بالأخبار، نعم لعل محل الكراهة ما يحتاج إلى معونة اليد و نحوها كما استظهره في فوائد القواعد على ما حكي عنها، و الأمر سهل.

[مسائل ثلاث]
اشاره

مسائل ثلاث:

[المسألة الأولى إذا انهدمت الكنائس و البيع]

الأولى إذا انهدمت الكنائس و البيع فان كان لأهلها ذمة و لم يبيدوا لم يجز التعرض لها بحال أرضها و آلاتها وفاقا للإرشاد و الروض و المدارك و الذخيرة و إن لم يكن قد شرعوا في إعادتها، بل و إن لم يريدوه فعلا، بل و إن يئس من تجديدهم إياها في الحال و المآل في وجه، لإطلاق ما دل على احترام ما في أيديهم حال الذمة المتناول لذلك و غيره الذي لا دليل على تقييده بأموالهم و أنفسهم و نحوهما، لا ما خرج عن أيديهم بوقفهم له و صارت ولايته بيد الحاكم كغيره من مساجد المسلمين التي قد سمعت فيما تقدم جواز استعمال آلاتها بعد الانهدام في غيرها من المساجد بالشرائط السابقة، على أن خروجه من أيديهم كان على جهة المعبدية لهم، فيجب إقرارهم عليها قضاء لحق الذمة، و لذا لم يجز ردعهم عن تجديدها، و لا إخراجهم من العامر منها، و لا التعرض له بحال كما صرح به الفاضل و الشهيدان و غيرهم، بل عن مجمع البرهان لعل صحيح العيص (1)محمول على الشرط المذكور إجماعا مريدا بالشرط


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.

ج 14، ص: 133

اعتبار اندراس أهلها أو كونها في دار الحرب في جواز التعرض لها، و لا ينافي ذلك جواز صلاتنا معهم فيها للنصوص (1)أو لاشتراكنا معهم في الحق بمجرد وقفها معبدا قهرا عليهم.

و إن كانت في أرض الحرب أو في بلاد الإسلام و باد أهلها جاز استعمالها كما صرح به الفاضل و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم، للأصل و إطلاق ما دل على جواز التصرف في هذين النوعين، و

الصحيح (2)العيص سأل الصادق (عليه السلام) «عن البيع و الكنائس هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟ فقال: نعم»

و غير ذلك، لكن في المساجد خاصة لا غيرها كما في المسالك و فوائد الشرائع بناء على صحة وقفهم، لعدم اشتراط القربة فيه، أو مع الشرط و صحتها منهم، أو استثناء خصوص البيع و الكنائس من ذلك، لظهور النصوص حتى صحيح العيص بذلك، أو كانت لليهود قبل ظهور عيسى (عليه السلام) و للنصارى قبل ظهور محمد (صلى الله عليه و آله)، و بالجملة حيث يصح الوقف منهم.

فمن هنا كان المتجه حينئذ اعتبار الشرائط السابقة في استعمال آلات المسجد في مسجد آخر

في المقام أيضا كما أومأ إليه المحقق الثاني في حاشية الإرشاد، حيث قال:

«لا ريب في جواز استعمال فرشها في المساجد، و كذا آلات البناء إذا انهدمت و يئس من إعادتها مسجدا» و في نسخة «مجددا» و لعل الأولى أصح، إذ الفرض أنها في أرض الحرب التي افتتحت أو بائدة الأهل، و من المعلوم ظهوره في عدم جواز الاستعمال لو أريد إعادتها بنفسها مسجدا، لحاجتها حينئذ إليها، كما أنه من المعلوم ظهوره في أن جواز ذلك لو اتفق الانهدام لا أنه يجوز النقض لذلك نحو غيرها من المساجد المحترمة.


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب مكان المصلي.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.

ج 14، ص: 134

نعم يجوز نقض ما لا بد منه في إرادة تغييرها مسجدا كالمحراب و نحوه كما صرح بجميع ذلك بعضهم و ظاهر آخر، بل في جامع المقاصد ما يظهر منه أنه لا خلاف في ذلك بل لعله المراد من المتن و نحوه على معنى جاز استعمالها لنا مساجد لا أن المراد استعمال آلاتها في مساجد أخر، إذ هي بعد ما عرفت من صحة الوقف محترمة على حسب الجهة الموضوعة عليها أي العبادة، فيشملها ما دل على حرمة التخريب.

لكن قد يشكل بإطلاق صحيح العيص المؤيد بإطلاق بعض الفتاوى كالفاضل في المنتهى، اللهم إلا أن يحمل على إرادة نقض المستهدم منها أو على إرادة نقض ما لا بد منه في بنائها نفسها مساجد أو غير ذلك ترجيحا لتلك العمومات المعتضدة بتصريح كثير ممن تعرض لذلك هنا به كظاهر آخر عليه، بل و بتصريح الفاضل و الشهيدين و أبي العباس و المحقق الثاني و غيرهم بعدم جواز اتخاذها في طريق أو ملك، و ما ذاك إلا لاحترامها و كونها كالمساجد، و لا ينافيه جواز نقض ما لا بد منه في بنائها مساجد من المحراب و نحوه، لأنه في الحقيقة تعمير لها لا تخريب، و للصحيح المزبور.

كما أنه لا ينافي اتخاذها مسجدا لنا احتمال استعمالهم إياها برطوبة، لأصالة عدمه كما يومي اليه

صحيح العيص الآخر(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البيع و الكنائس يصلى فيها؟ قال: نعم، و سألته هل يصلح بعضها مسجدا؟ فقال: نعم»

بناء على إرادة ما يسجد عليه من المسجد فيه لا محل العبادة، و إن كان يشهد له في الجملة صحيحة السابق، بل لا ينافيه اليقين فضلا عن الاحتمال، لوجوب تطهيرها حينئذ مع الإمكان، لإطلاق أدلة الإزالة أو عمومها، بل الظاهر وجوبه و إن لم نتخذها مساجد لنا، لما عرفت من صحة وقفهم إياها و صيرورتها به محلا للعبادة كباقي محالها.

نعم لا يجب تطهيرها علينا حال استعمالهم إياها و تعبدهم فيها، لظهور الأدلة في


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.

ج 14، ص: 135

إقرارنا لهم حال الذمة على معتقدهم، أما بعد الاندراس مثلا كما هو الفرض أو كانت في أرض الحرب و قد فتحها المسلمون و بالجملة

آل أمرها إلينا فالظاهر جريان حكم المساجد عليها حينئذ، بل قد يقال بحرمة تنجيسنا لها حال استعمالهم إياها أيضا، و بوجوب إزالة النجاسة التي ليست من توابع استعمالاتهم علينا، لكن قد يقال: إن خلو الأدلة عن الأمر بتطهيرها بعد اتخاذها مسجدا- مؤيدا بالعسر و الحرج، و بابتنائها على عدم الاحترام مع حصول العلم العادي باستعمالهم إياها برطوبة بحيث يستبعد بعد جريان الأصل أو يمتنع، كاستبعاد احتمال طهارتها بالشمس أو إرادة اتخاذها مسجدا ثم تطهيرها أو بعده- ينافي بعض ما ذكرنا، و من هنا حكي عن الأردبيلي التأمل في الحكم المزبور أي اتخاذها مسجدا، و إن كان هو في غير محله، إذ قضية ما سمعته جواز اتخاذها مسجدا و عدم وجوب التطهير للعسر و الحرج و غيرهما، فيكون مستثنى من أدلة وجوب الإزالة نحو ما عرفته في اتخاذه على الكنيف، بل لعل فحوى تلك الأدلة شاهدة على ما نحن فيه لا أن قضيته التوقف في المسجدية، كما هو واضح، على أنه قد يقال خلو الأدلة عن الأمر بالتطهير إنما هو للتسامح في أمر الطهارة شرعا، و أنه يكفي في ثبوتها الاحتمال و لو وهميا، كما يرشد إليه إعارة الثوب للمجوسي و غيره، أو لأنه إن كان هناك علم باستعمالهم برطوبة مثلا فهو في موضع ما منها لا جميعها قطعا، و لعله من الشبهة الغير المحصورة باعتبار عسر الاجتناب، أو لأنه كما يعلم بالتنجيس في الجملة منهم يعلم بورود ما هو صالح للتطهير قطعا كالمطر و الجفاف بالشمس و نحوهما، و الأصل مع هذا الحال الطهارة، إذ ليس هو على اليقين بنجاسة موضع منها كي يجب علينا اجتنابها جميعا أو تطهيرها، أو لأن الأمر بالرش لها حال الصلاة فيها معهم الوارد في جملة من النصوص (1)لتطهيرها عن النجاسة.


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب مكان المصلى.

ج 14، ص: 136

لكن فيه أنه لم يعد أحد ذا من المطهرات العامة أو الخاصة بموضع خاص كالكنائس و البيع، و لا هو من أفراد خبر الذنوب (1)الذي قد عرفت حاله في كتاب الطهارة، و أنه قد ورد في مقامات عديدة غير هذا مما هو مظنة النجاسة كبيت المجوسي و نحوه إلا بالرش المعلوم أو الظاهر إرادة دفع الوسوسة و الشك الحاصل بسبب اتهام المكان أو الثوب بالنجاسة باستعماله رطبا منه كي ييأس الشيطان بعد من إدخاله الشك و التشكيك في نفسه، لما رآه من بنائه على الطهارة و عمله بمقتضاها بمباشرة الرطب و كأنه وجداني، و منه يعلم أن الرش في المقام لذلك أيضا، فهو مؤيد حينئذ للحكم بطهارتها شرعا، و ربما احتمل أن ذلك رفع للنجاسة المتوهمة، فيكون المحققة حينئذ طهارتها مثلا الغسل، و المتوهمة الرش، و عليه و إن كان ضعيفا يتم المطلوب أيضا، و الله أعلم و المراد ببواد الأهل و اندراسهم هلاكهم بحيث لم يبق منهم

أحد في بلاد الإسلام أو انقطاع ذمتهم من بلاده، فلا يكفي في إباحة تغييرنا لها هلاكهم في البلاد الخاصة من بلاد الإسلام، و لا هلاك خصوص أولئك المتخذين مع احتماله إذا بقيت معطلة كما يومي اليه عبارة الموجز، بل لا بأس به إذا فرض تعطيلها حتى من المترددين، لكنه لا يخلو من نظر.

نعم لا يكفي قطعا في بقاء احترامها وجود الصنف و لو في بلاد الحرب، بل لعله كذلك و إن تجددت لهم الذمة، ضرورة اقتضائها احترام المستقبل لا ما مضى.

و البيع بكسر الموحدة و فتح المثناة جمع بيعة كسدرة و سدر: معابد اليهود كما عن التبيان و المجمع، بل قيل: إنه حكي عن مجاهد و أبي العالية، و عليه خبر زرارة(2)


1- 1 المتقدم في ج 6 من الجواهر ص 326.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب لباس المصلى- الحديث 3.

ج 14، ص: 137

في سدل الرداء لكن لا يعلم المفسر، و في مجمع البحرين و الروض و جامع المقاصد و عن العين و مفردات الراغب و فقه اللغة و الصحاح معبد النصارى، بل عن الأخير أن الكنيسة لهم أيضا كما عن الديوان، لكن في جامع المقاصد و الروض و عن تهذيب الأزهري و فقه اللغة أنها لليهود، و قال المطرزي، فيما حكي عنه: و أما كنيسة اليهود و النصارى لتعبدهم فتعريب «كنشت» عن الأزهري، و هي تقع على بيعة النصارى، و في مجمع

البحرين «الكنيسة متعبد اليهود و النصارى و الكفار» و عن تهذيب النووي «الكنيسة المتعبد للكفار» و عن الفيومي في مصباحه «الكنيسة متعبد اليهود، و يطلق على متعبد النصارى» و الأمر سهل بعد ما عرفت من جريان الحكم السابق على معبد الفريقين و إن كان تحقيق ذلك لا يخلو من ثمرة ما تترتب عليه.

[الثانية فعل صلاة المكتوبة للرجال في المسجد أفضل]

الثانية فعل صلاة المكتوبة للرجال في المسجد أفضل من فعلها في المنزل و نحوه بلا خلاف بين المسلمين، بل هو مجمع عليه بينهم، بل لعله من ضروريات الدين، إذ هي بيوت الله في الأرض، فطوبى لعبد تطهر ثم زاره في بيته لينال حق إكرام المزور للزائر(1)و هي أحب البقاع إلى الله، و أحب أهلها أولهم دخولا فيها و آخرهم خروجا منها(2)و أن الجلسة في الجامع منها خير من الجلسة في الجنة، لأن في الأولى رضا الرب، و في الثانية رضا النفس (3)و أن المؤمن مجلسه مسجده و بيته صومعته (4)و أن من كان القرآن حديثه و المسجد بيته بنى الله له بيتا في الجنة(5)و أن الساعي إليها لم يضع رجله على رطب و لا يابس إلا سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة(6)و له


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 68- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.

ج 14، ص: 138

بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات، و محي عشر سيئات عنه، و رفع له عشر درجات (1)و لا يرجع بأقل من إحدى ثلاث خصال: إما دعاء يدعو به يدخله الله به الجنة، و إما دعاء يدعو به فيصرف الله به عنه بلاء الدنيا، و إما أخ يستفيده في الله (2)و أنه ما عبد الله بشي ء مثل الصمت و المشي إلى بيته (3)و أنه لا يخلو المختلف إليها من أن يصيب إحدى الثمان: أخا مستفادا في الله، أو علما مستطرفا، أو آية محكمة، أو كلمة تدل على هدى، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو ترك ذنب خشية أو حياء(4).

بل ظاهر ذكر غير واحد من الأصحاب هنا النصوص (5)المشتملة على توعد النبي و أمير المؤمنين (عليهما الصلاة و السلام) المتخلفين عن حضور الصلاة في المسجد بحرق بيوتهم عليهم أن ذلك للتخلف عن المسجد لا عن الجماعة، فيتجه حينئذ استفادة الكراهة من ذلك، و إن لم أعرف من أفتى بها هنا، نعم صرح بها الحر في وسائله في خصوص جيران المسجد لأنه

لا صلاة لجار مسجد إلا في مسجده (6)

«و أن المساجد شكت إلى الله الذين لا يشهدونها من جيرانها فأوحى الله عز و جل إليها و عزتي و جلالي لا قبلت لهم صلاة واحدة، و لا أظهرت لهم

في الناس عدالة، و لا نالتهم رحمتي، و لا جاوروني في جنتي»(7)

لا غيرهم ممن لم يكن جار المسجد، و لعل الأولى حمل تلك النصوص كما لا يخفى على من لاحظها سيما المشتمل منها على النهي عن مؤاكلتهم و مشاربتهم و مناكحتهم و مجاورتهم (8)و نحو ذلك على إرادة المتخلفين عن حضور جماعة المسلمين في


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام المساجد.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام المساجد الحديث 8.
8- 8 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام المساجد الحديث 9.

ج 14، ص: 139

جوامعهم رغبة عن ذلك، و نفاقا أضمروه في صدورهم، و محبة للاعتزال عن أمر المسلمين في جوامعهم كي لا يشاركوهم فيما يقع لهم و عليهم، إلى غير ذلك من المقاصد الدنيوية الشيطانية.

ثم إنه لا فرق في فضل الصلاة في المسجد بين المساجد جميعها جامعها و غيره و حديثها و قديمها، لإطلاق الأدلة و عمومها و إن كانت مختلفة في مراتب الفضل كما تسمعه إن شاء الله.

نعم قد يستثنى من ذلك بعض المساجد التي وردت النصوص (1)بالنهي عن الصلاة فيها و لعنها و بأن بعضها جدد لقتل الحسين (عليه السلام) كمسجد ثقيف و مسجد الأشعث و مسجد سماك بن مخرمة أو خرشة و مسجد شيث بن ربعي و مسجد حريز بن عبد الله البجلي و مسجد التيم أو الهيثم و مسجد بالحمراء بني على قبر فرعون من الفراعنة، و عن الكليني أن في

رواية أبي بصير(2)و مسجد بني السيد و مسجد بني عبد الله بن دارم، بل قد يقال بعدم جريان أحكام المساجد عليها أيضا، و اندراسها الآن، و الحمد لله الذي كفانا عن التعرض لأحكامها.

أما غيرها فلا ريب في فضل الصلاة فيها سيما ما وردت النصوص بمدحها و الثناء عليها و أنها مباركة كمسجد الكوفة الذي هو نعم المسجد، و أنه خصوصا وسطه لروضة من رياض الجنة(3)و صرة بابل، و مجمع الأنبياء(4)و أنه لو علم الناس ما فيه لأتوه حبوا(5)و صلى فيه ألف و سبعون نبيا(6)و ألف وصي (7)بل ما من عبد صالح و لا نبي إلا و قد صلى فيه، حتى

أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما أسري به


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب أحكام المساجد.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد الحديث 2.

ج 14، ص: 140

قال له جبرائيل (عليه السلام): أ تدري أين أنت يا رسول الله الساعة؟ أنت مقابل مسجد كوفان، قال: فاستأذن لي ربي حتى آتيه فأصلي فيه ركعتين، فاستأذن الله عز و جل فأذن له(1)

و ميمنته رحمة الله و رضوانه و يمنه، و فيه عصا موسى (عليه السلام) و خاتم سليمان (عليه السلام) و شجرة يقطين، و منه فار التنور و جرت السفينة و فيه نجرت (2)و في وسطه عين من

دهن، و عين من لبن، و عين من ماء شراب للمؤمنين و عين من ماء طاهر، و ما دعا فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلا أجابه الله و فرج عنه كربته (3)خصوصا إذا فعل المروي عن مصباح الزائر لابن طاوس عن الصادق (عليه السلام)(4)من الصلاة ركعتين قارئا في كل ركعة منها الحمد و المعوذتين و الإخلاص و الكافرون و النصر و القدر و سبح اسم ربك الأعلى، و مسبحا بعد التسليم تسبيح الزهراء، فإنه ما يسأل الله حينئذ حاجة إلا فضاها الرب، قيل: قال الراوي: «سألت الله بعد هذه سعة الرزق فاتسع رزقي و حسن حالي، و علمته رجلا مقترا فوسع الله عليه» و أنه هو و المسجد الحرام و مسجد الرسول (صلى الله عليه و آله) الذي تشهد اليه الرحال(5)و قد قصده علي بن الحسين (عليهما السلام) و صلى فيه ركعتين أو أزيد و رجع (6)و ورد في غير واحد من

النصوص (7)«أن يمينه يمن و ذكر، و ميسرته مكر».

و لعل المراد من يمينه الغربي الذي فيه قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) كما يومي


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 48- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 46- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 6 و 7.
7- 7 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1 و 2 و الباب 45 منها- الحديث 1 و المستدرك- الباب 36 منها- الحديث 1.

ج 14، ص: 141

اليه

ما في أحدهما(1)«أنه يحشر منه سبعون ألفا ليس عليهم حساب و لا عذاب»

المعلوم إرادة من جانبه كما وردت به النصوص (2)و أما أن يساره مكر فقد فسر بمنازل السلطان في الخبر(3)و الشيطان في آخر(4)لكن قيل: إن الظاهر أنه من كلام الصدوق، و لعلهما بمعنى لما قيل: إنه كان في جانبه الأيسر الأسواق و قصر الامارة الذين هما معا منازل الشياطين، لكن لا يلائمه ذكر ذلك في أثناء مدحه، و لعل المراد بالسلطان سلطان الحق عند ظهوره، و غيرها بعض النساخ بالشيطان، و بالمكر ما كان أيضا بحق كقوله (5)«وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ» أو غير ذلك.

و كيف كان ففي

الفقيه بسنده إلى الأصبغ بن نباتة(6)«أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: يا أهل الكوفة لقد حباكم الله بما لم يحب به أحدا، من فضل مصلاكم بيت آدم و بيت نوح، و بيت إدريس، و مصلى إبراهيم الخليل، و مصلى أخي الخضر، و مصلاي و إن مسجدكم هذا لأحد المساجد الأربعة التي اختارها الله عز و جل لأهلها، و كان قد أتي به يوم القيامة في ثوبين أبيضين شبيه المحرم، و يشفع لأهله و لمن يصلي فيه، فلا ترد شفاعته، و لا تذهب الأيام و الليالي حتى ينصب الحجر الأسود فيه، و ليأتين عليه زمان يكون مصلى المهدي من ولدي، و مصلى كل مؤمن، و لا يبقى على الأرض مؤمن إلا كان به أو حن قلبه اليه، فلا تهجروه، و تقربوا إلى الله عز و جل بالصلاة


1- 1 المستدرك- الباب- 36- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
2- 2 البحار ج 22 ص 35 و 36 و 37 من طبعة الكمباني- باب فضل النجف و ماء الفرات.
3- 3 فروع الكافي- ج 1 ص 492 المطبوعة عام 1377.
4- 4 الفقيه ج 1 ص 150- الرقم 694 من طبعة النجف.
5- 5 سورة آل عمران- الآية 47.
6- 6 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 18.

ج 14، ص: 142

فيه، و ارغبوا إليه في قضاء حوائجكم، فلو يعلم الناس ما فيه من البركة أتوه من أقطار الأرض و لو حبوا على الثلج».

و كمسجد سهيل المسمى عندهم بمسجد الثرى الذي ما من مكروب يأتيه فيصلي فيه ركعتين بين العشاءين و يدعو الله عز و جل إلا فرج الله كربه (1)و ما صلى فيه أحد ركعتين ثم استجار به و استعاذ إلا إجارة الله و أعاذه حول الاستجارة(2)بل في

خبر عبد الرحمن بن سعيد الخراز(3)عن الصادق (عليه السلام) «لو أن عمي زيدا أتاه و صلى فيه و استجار الله لأجاره عشرين سنة»

(4)و فيه بيت إبراهيم الذي كان يخرج منه إلى العمالقة، و منه سار داود إلى جالوت، و فيه بيت إدريس الذي كان يخيط فيه، و فيه صخرة خضراء عظيمة من زبرجد فيه صورة جميع النبيين، و تحت الصخرة الطينة التي خلق الله منها النبيين، و فيها المعراج، و هو الفارق موضع منه، و هو ممر الناس، و هو من كوفان، و فيه ينفخ في الصور، و اليه المحشر، و يحشر من جانبه سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، و هو مناخ الراكب أي الخضر (عليه السلام)،

و منزل الصاحب إذا قام بأهله، و لم يبعث الله نبيا إلا و قد صلى فيه(5).

و كمسجد الخيف أي مسجد منى سمي بذلك لأنه مرتفع عن الوادي، و ما ارتفع عن الوادي سمي خيفا فإنه صلى فيه سبعمائة أو ألف نبي و أن ما بين الركن و المقام منه


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1 و 3.
3- 3 و سيما إذا كان ذلك ليلة الأربعاء لما في بالي من بعض الروايات التي لم تحضرني الآن منه رحمه الله.
4- 4 الوسائل- الباب- 49- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 49- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1 و 3 و 4 و الباب 44 منها- الحديث 10.

ج 14، ص: 143

لمشحون من قبور الأنبياء(1)و صلاة مائة ركعة فيه تعدل عبادة سبعين عاما، و من سبح الله فيه مائة تسبيحة كتب الله له كأجر عتق رقبة، و من هلله فيه مائة تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة، و من حمد الله فيه مائة تحميدة عدلت خراج العراقين يتصدق به في سبيل الله عز و جل (2).

و كمسجد الحرام الذي فضله من ضروريات دين الإسلام، و أن من صلى فيه صلاة مكتوبة قبل الله منه كل صلاة صلاها منذ يوم وجبت عليه الصلاة و كل صلاة يصليها إلى أن يموت (3)بل الصلاة فيه تعدل ألف صلاة في مسجد النبي (صلى الله عليه و آله) الذي الصلاة فيه كألف صلاة في غيره (4)و في

خبر موسى بن سلام (5)عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) المروي عن العيون «أن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في غيره بستين سنة أو شهرا».

و كمسجد النبي (صلى الله عليه و آله) في المدينة الذي منبره فيه على ترعة من ترع الجنة، و ما بينه و بين بيته روضة من رياضها و هو أفضل المساجد عدا مسجد الحرام (6).

و كمسجد قبا الذي «أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ»(7)و

من صلى فيه ركعتين رجع بعمرة(8).

و كمسجد الغدير(9)الذي أظهر الله عز و جل فيه الحق و أكمل الدين بنصب


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب أحكام المساجد.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 51- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 51- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 57- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.
7- 7 سورة التوبة- الآية 109.
8- 8 الوسائل- الباب- 60- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3.
9- 9 الوسائل- الباب- 61- من أبواب أحكام المساجد.

ج 14، ص: 144

سيدنا و مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام).

و كمسجد براثا الذي صلى فيه عيسى و أمه و الخليل و علي بن أبي طالب (عليهم السلام)(1)يوم أظهر الله له فيه المعجزة الواضحة، و الحمد لله الذي وفقنا للصلاة فيه.

و كمسجد بيت المقدس الذي هو أحد المساجد الأربعة(2)التي هي قصور الجنة في الدنيا، إلى غير ذلك من الأماكن المشرفة و المساجد المعظمة زادها الله شرفا و عظمة، منها بيوت قبور الأئمة (عليهم السلام) التي أذن الله بأن ترفع و يذكر فيها اسمه، إذ هي خير البقاع و أفضلها، و لذلك اختيرت لهم (عليهم السلام)

ثم ازدادت فضلا و شرفا بهم (عليهم السلام)، بل قد يومي

مرسل ابن أبي عمير(3)إلى أفضليتها على المساجد، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني لأكره الصلاة في مساجدهم فقال: لا تكره، فما من مسجد بني إلا على قبر نبي أو وصي نبي قتل، فأصاب تلك البقعة رشة من دمه، فأحب الله أن يذكر فيها، فأد فيها الفريضة و النوافل، و اقض فيها ما فاتك»

ضرورة ظهوره في أن سر فضل المسجد ذلك، فقبور المعصومين (عليهم السلام) خصوصا النبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) منهم أولى و أولى، و منه و من غيره يستفاد جريان أحكام المساجد عليها أيضا، و لا بأس به فيما كان مبناه التعظيم منها ضرورة أولويتها بذلك من المساجد، و لتفصيل الكلام بالفرق بين قبورهم (عليهم السلام) و قبور غيرهم و نقل الأخبار الدالة على فضل الصلاة فيها خصوصا كربلاء و الغري منها و كيفية الصلاة فيها أمام القبر أو خلفه أو إلى جانبيه مقام آخر، و إن كان الظاهر الآن


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 14.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.

ج 14، ص: 145

أن الفضل في الصلاة خلف القبر على جهة الرأس مراعيا للقرب منه، و الله أعلم.

هذا كله في فضل صلاة المكتوبة في المساجد و أما النافلة فالمشهور بين الأصحاب نقلا في الكفاية و عن غيرها و تحصيلا أنها بالعكس من الفريضة، بمعنى أفضلية صلاتها في البيت مثلا

من المسجد، بل في المعتبر و المنتهى نسبته إلى فتوى علمائنا مشعرين بدعوى الإجماع عليه،

للنبوي (1)«أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»

و لأنها أبلغ في الإخلاص، و أبعد من الرياء و وساوس الشيطان، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر الفضيل (2): «إن البيوت التي يصلى فيها بالليل بتلاوة القرآن تضي ء لأهل السماء كما تضي ء نجوم السماء لأهل الأرض»

و ل

قول النبي (صلى الله عليه و آله) في وصيته (3)المروية عن المجالس بإسناده بعد ما ذكر فضل الصلاة في المسجد الحرام و مسجده (صلى الله عليه و آله): «و أفضل من هذا كله صلاة يصليها الرجل في بيته حيث لا يراه إلا الله عز و جل يطلب بها وجه الله- إلى أن قال-: يا أبا ذر إن الصلاة النافلة تفضل في السر على العلانية كفضل الفريضة على النافلة»

إذ لا ريب في أنها في البيت أخفى منها في المسجد الذي هو محل المترددين.

و منه حينئذ ينقدح الاستدلال بكل ما دل على استحباب التستر بها و التخفي الذي يشهد له في الجملة مضافا إلى الاعتبار آية السر في

الصدقة(4)و نصوصها(5)و للأمر باتخاذ المسجد في البيت و الحث عليه، بل في

خبر ابن بكير(6)عن الصادق


1- 1 كنز العمال ج 4 ص 165- الرقم 365.
2- 2 الوسائل- الباب- 69- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 69- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 7.
4- 4 سورة البقرة- الآية 273.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة.
6- 6 الوسائل- الباب- 69- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3.

ج 14، ص: 146

(عليه السلام) «كان علي (عليه السلام) قد اتخذ بيتا في داره ليس بالكبير و لا بالصغير فكان إذا أراد أن يصلي من آخر الليل أخذ معه صبيا لا يحتشم منه، ثم يذهب إلى ذلك البيت فيصلي»

و ل

خبر زيد بن ثابت (1)«انه جاء رجال يصلون بصلاة رسول الله (صلى الله عليه و آله) فخرج مغضبا و أمرهم أن يصلوا النوافل في بيوتهم»

و لأن الاجتماع للنوافل في المساجد من فعل العامة التي جعل الله الرشد في خلافها.

لكن قد يشكل ذلك كله بما دل (2)على فضل المساجد و بركتها، و أنها محل الإجابة و القبول، و بيوت الله في الأرض، و أحب البقاع اليه، بل و بإطلاق ما دل على فضل الصلاة فيها الشامل للفرض و النفل، بل في سياق بعضها ما

يؤكد إرادة ذلك و بخصوص مرسل ابن أبي عمير(3)السابق قريبا، و

صحيح معاوية بن وهب (4)عن الصادق (عليه السلام) «إن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يصلي صلاة الليل في المسجد»

الظاهر في أن ذلك عادته و ديدنه، و لا قائل بالفضل بين صلاة الليل و غيرها في المرجوحية، بل المحكي عن ابن إدريس أن صلاة الليل خاصة في البيت أفضل من المسجد و لا دليل واضح عليه، نعم الذي صرح به الفاضل و الشهيدان و المحقق الثاني و حكي عن غيرهم أن جهة الرجحان فيها آكد، و لعله لما سمعته من فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) و غيره، لكن هذا الصحيح شاهد بخلافهم باعتبار ظهوره في اعتياده (صلى الله عليه و آله) فعلها في المسجد، بل لعل الظاهر كون عادته صلاة نوافل الفرائض فيه أيضا، بل قد يقال باندراجها في المكتوبة في النبوي (5)السابق باعتبار كونها من مقدماتها و مسنوناتها


1- 1 سنن البيهقي ج 2 ص 93- الرقم 1447.
2- 2 المشار إليه في ص 137.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 53- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
5- 5 كنز العمال- ج 4 ص 165- الرقم 3652.

ج 14، ص: 147

و خبر هارون بن خارجة(1)عنه (عليه السلام) «ان النافلة في مسجد الكوفة لتعدل خمسمائة صلاة»

بل في

خبر عبد الله بن يحيى الكاهلي (2)عنه (عليه السلام) أيضا «أنها فيه تعدل عمرة مبرورة»

و نحوه غيره، بل في

خبر أبي حمزة الثمالي (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنها في المساجد الأربعة المسجد الحرام و مسجد الرسول (صلى الله عليه و آله) و مسجد بيت المقدس و مسجد الكوفة تعدل عمرة»

و لا قائل بالفصل.

بل قد يشعر

صحيح ابن عمار(4)بكون النافلة كالفريضة في التضاعف في المسجد الحرام، قال: «سألت الصادق (عليه السلام) كم أصلي؟ فقال: صل ثمان ركعات عند زوال الشمس، فان رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: الصلاة في مسجدي كألف في غيره إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي»

و من هنا مال في المدارك كما عن مجمع البرهان إلى مساواتها الفريضة في رجحان فعلها في المسجد بعد أن حكاه عن جده في بعض تحقيقاته، و تبعه بعض من تأخر عنه، و ربما يؤيده زيادة على ما سمعت قصور أدلة المشهور عن إفادة المطلوب، إذ هي بين غير معتبر السند- و كون الحكم استحبابيا يتسامح فيه لا يجدي فيما نحن فيه مما كان المقابل أيضا حكما استحبابيا، فإنه يكون حينئذ معارضا بمثله- و بين غير دال على المطلوب كالنصوص (5)الدالة على استحباب التستر بها،

إذ هي- مع أنها من المعلوم كون الحكمة فيها التخلص عن الرياء و نحوه من وساوس الشيطان- خارجة عن المطلب ضرورة كون البحث في رجحانها في المسجد و عدمه من حيث المسجدية و غيرها مع قطع


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 64- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 57- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 14، ص: 148

النظر عن الجهات الخارجية التي هي ليست بمستحيلة الانفكاك عقلا و عرفا.

و يمكن معارضتها أيضا بما في الطرف المقابل من رجاء اقتداء الناس به و رغبتهم في الفعل كما يومي اليه استحباب الجهر(1)بها في الليل، و الأمر(2)باخبار أخيك المؤمن و قول قد رزق الله ذلك إذا سألك هل قمت الليلة أو صمت، على أنه ربما تكون في المسجد أستر من غيره.

و بالجملة الجهات و الاعتبارات في البيوت و المساجد مختلفة أشد اختلاف بملاحظة اختلاف الأشخاص و المساجد و البيوت و النوافل و الأزمنة، و لعله لذا كان المستفاد من بعض الأخبار(3)استحبابها في المنزل، و من آخر(4)في المسجد، إذ لكل خصوصية أو مزية داخلية أي لاحقة له بالذات غير مستقلة، كرجحان كون البيت مما يصلى فيه في الليل، و خارجية أي ممكنة الاستقلال و إن اجتمعت معه في الوجود الخارجي ككونها سرا مثلا و أبعد من الرياء، و إن كان بمعونة فتوى الأصحاب و ظاهر

الإجماعين السابقين و ظهور بعض النصوص السابقة في شدة محبة الله إرادة الذكر في المنزل سرا و غير ذلك يمكن ترجيح مراعاة مزية الأول على الثاني إن لم تعاضده مزية أخرى خارجة عن المسجدية أو داخلية كمسجدية خاصة و نحوها، و إلا فمعها قد ترجح مراعاة جهة المسجدية على المنزل بمراتب، بل ربما كان نفس الإحاطة بجميع المندوبات فاضلها و مفضولها جهة مرجحة، ضرورة إرادة الله فعل الجميع، و لذا أمر بالفاضل و المفضول، و فعلوهما (عليهم السلام) معا و لم يصروا على فعل الأفضل منها خاصة،


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب القراءة في الصلاة.
2- 2 المستدرك- الباب- 14- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 69- من أبواب أحكام المساجد.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 3 و 14 و 15 و غيرها.

ج 14، ص: 149

و لعل الله قد جعل مصالح كامنة في الأشياء تختلف باختلاف العباد كما جعل في المآكل و المشارب و العقاقير و نحوها خواص كذلك تختلف باختلاف الأمزجة، و من كشف الله بصيرته و علم حسن سيرته و كان هو المؤيد و المسدد له و الهادي يوفقه لما يحبه و يرضاه له، قال الله تعالى (1)«وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا» إلا أنه على كل حال ليست النافلة في الاهتمام بالنسبة إلى المسجد كالفريضة في سائر الأحوال أو أكثرها قطعا، خصوصا مثل نافلة الليل و الصلوات الأخر التي تفعل فيه.

و هل المراد بالمسجد في الفتاوى ما يشمل مثل الحضرات المشرفة و نحوها مما هي أيضا كالمساجد في عدم السر و الخفاء أو خصوص المساجد المتعارفة، و بالمنزل خصوص المسكن

أو ما يشمل كل موضع فيه ستر و خفاء؟ ظاهر اللفظ الثاني في الأول و الأول في الثاني، لكن يحتمل التعميم، و الأولى مراعاة الميزان التي أشرنا إليها سابقا.

و كيف كان فأفضلية المكتوبة في المساجد إنما هي للرجال دون النساء و إن أطلق بعض الأصحاب، بل ربما كان هو مقتضى أصالة الاشتراك في الأحكام، لكن لا نعرف خلافا بينهم، بل ظاهرهم الاتفاق عليه في أفضلية صلاتها في المنزل من صلاتها فيها رعاية للستر المطلوب منهن، و حذرا عن الافتتان بهن، و الفتنة بسببهن لو خرجن إليها مجتمعة مع الرجال، و عن توصلهن إلى كثير من القبائح التي هن مظنتها باعتبار نقص عقولهن و غلبة شهواتهن، مضافا إلى

قول الصادق (عليه السلام) في خبر يونس ابن ظبيان (2)«خير مساجد نسائكم البيوت»

بل

عنه (عليه السلام)(3)أيضا «أن صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، و صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار»


1- 1 سورة العنكبوت- الآية 69.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.

ج 14، ص: 150

و في

خبر آخر كما عبر به في النفلية و المفاتيح «أن صلاتها في بيتها أفضل منها في صفتها، و

في صفتها أفضل منها في صحن دارها، و في صحن دارها أفضل منها في سطح بيتها».

بل قد يقال لا فضل و لا استحباب في إتيانها المساجد أصلا، لعدم الدليل بعد تنزيل إطلاقات المساجد على الرجال، و لعله الظاهر من عبارة لمعة الشهيد حيث قال:

و الأفضل المسجد، ثم قال: و مسجد المرأة بيتها، ضرورة ظهورها في كون المرأة عكس الرجل، فالبيت بالنسبة إليها كالمسجد مطلقا أو خصوص ما أرادت الخروج اليه من المساجد، و المسجد بالنسبة إليها بيت، بل لعله الظاهر أيضا من المحكي عن مجمع البرهان حيث قال خبر يونس بن ظبيان يدل على اختصاص فضيلة المسجد بالرجال كما هو المذكور في الكتب و المشهور بينهم، بل عن كشف الالتباس و نهاية الأحكام هذا الحكم أي إتيان المساجد مختص بالرجال دون النساء، و نحوه المحكي عن حاشية الميسي إنما يستحب الفريضة في المسجد في حق الرجال، أما النساء فبيوتهن مطلقا، اللهم إلا أن تحمل هذه العبارات منهم على إرادة الأفضلية، كما أن أخبار المساجد تبقى على إطلاقها في ثبوت الفضل و الاستحباب للرجال و النساء إلا أن الأفضل منها في النساء البيوت، و لا تنافي بينهما، نعم لو كان مدلولها أنها أفضل الأماكن بالنسبة للصلاة أمكن أن يتحقق التنافي بينها و بين ما دل على أفضلية البيت للمرأة، كما أنه يمكن أن يقال: لو فرض اختصاص مدلولها بالرجال لم يثبت الاستحباب هنا للنساء، إذ لا مقتضي له إلا الأصل المعلوم انقطاعه هنا، مع احتمال كون انقطاعه بالنظر إلى الأفضلية لا الفضل، بل لعل خبر يونس المتقدم شاهد على ثبوته باعتبار اقتضاء اسم التفضيل ذلك، و لعله من هنا قال في الدروس: «يستحب للنساء الاختلاف إليها كالرجال و إن كان البيت أفضل»

ج 14، ص: 151

و نحوه في الذكرى، و ربما يؤيده تتبع مباحث الجماعة و الحيض و الاستحاضة و الأوقات و معلومية صلاة النساء مع النبي (صلى الله عليه و آله) من غير إنكار منه عليهن، إلا أن يقال: إن ذلك منه لبيان أصل الجواز أو لتحصيل فضيلة الجماعة معه التي هي أفضل الفضائل، أو لغير ذلك، و كيف كان فلا ريب في أن الأولى لهن خصوصا ذوات الهيئات منهن الصلاة في البيوت سيما بعد حكم العلامة في التذكرة بكراهة إتيانهن المساجد.

[المسألة الثالثة في بيان مقدار الفضيلة للصلاة في الجامع و غيره]

المسألة الثالثة الصلاة في الجامع الأعظم الذي يكثر اختلاف عامة أهل البلد إليه بمائة صلاة و في مسجد القبيلة أي المعروف بقبيلة خاصة كما في جامع المقاصد أو أنه الذي لا يأتيه غالبا إلا طائفة من الناس كمساجد القرى و البدو عند قبيلة قبيلة و التي في بعض أطراف البلد بحيث لا يأتيه غالبا إلا من قرب منها كما عن كشف اللثام، و لعله أولى و إن كان الأول أنسب بظاهر اللفظ بخمس و عشرين صلاة و في مسجد السوق الذي لا يأتيه غالبا إلا أهل السوق باثنتي عشرة صلاة بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، ل

خبر السكوني (1)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) المروي مرسلا في الفقيه عنه و مسندا في ثواب الأعمال كما حكاه عنهما في الوسائل، بل فيها أن الشيخ في النهاية رواه عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) «صلاة في بيت المقدس ألف صلاة، و صلاة في المسجد الأعظم مائة صلاة، و صلاة في مسجد القبيلة خمس و عشرون صلاة، و صلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة صلاة، و صلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة»

و في الحدائق عن أكثر نسخ الفقيه و كتاب ثواب الأعمال «مائة ألف» فيكون المراد بالأعظم المسجد الحرام لا جامع البلد كما في الذخيرة، و عن بعض نسخ الفقيه التصريح به، و ظني أنه و هم من بعض النساخ أو الرواة.


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2.

ج 14، ص: 152

و كيف كان فمنه يستفاد مساواة بيت المقدس لمسجد الكوفة الذي ورد في

بعض النصوص «ان الصلاة فيه تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد»

كخبر المفضل بن عمر(1)عن الصادق (عليه السلام) بل و خبري القلانسي (2)عنه (عليه السلام) أيضا بناء على إرادة مسجد الكوفة من الكوفة في أحدهما بقرينة الآخر، لكن لم يذكر فيهما بيان الغير بالمساجد كالمرسل (3)عن

مصباح الزائر لابن طاوس، إلا أنها تحمل عليه، و لا ينافيها

خبرا أبي عبيدة(4)و ابن سنان (5)عن الباقر و الرضا (عليهما السلام) المقدر ذلك فيهما بسبعين، قال في الأول: «لا تدع يا أبا عبيدة الصلاة في مسجد الكوفة و لو أتيته حبوا، فإن الصلاة فيه تعدل سبعين صلاة في غيره من المساجد» و قال في الثاني: «الصلاة في مسجد الكوفة فردا أفضل من سبعين صلاة في غيره جماعة»

إذ العدد الناقص لا يقتضي عدم الزيادة إلا بالمفهوم الذي بعد تسليمه في المقام لا يعارض المنطوق، على أنه يمكن دعوى أن هذا الاختلاف باعتبار المكلفين من حسن التوجه و التأدية و نحوهما من العوارض التي تزد الصلاة بسببها فضلا، مثل ما قيل في اختلاف الثواب الوارد في زيارات الحسين (عليه السلام) و الحج و غيرهما، أو باعتبار اقتضاء المقامات لاختلافها، بل و اختلاف عقول السائلين و تهيؤهم للطف و إيداع الأسرار بناء على أن من عمل عملا بقصد ثواب خاص سمعه يؤتاه لا أزيد منه و إن كان هو كذلك واقعا، فتأمل، هذا.

و يمكن فرض هذا الناقص على وجه يساوي ذلك الزائد أو يقرب منه بيسير


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد الحديث 19.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 12 و 25.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد الحديث 27.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد الحديث 23.
5- 5 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد الحديث 24.

ج 14، ص: 153

يتسامح فيه، إذ المتيقن من الغير في نصوص الألف بعد إرادة المساجد منه أدناها كمسجد السوق الذي هو باثنتي عشرة صلاة، لعدم الدليل على إرادة الأعلى منه، فالألف من الصلاة فيه حينئذ باثني عشر ألف صلاة، و السبعون لو فرض وقوعها جميعا في الجامع تبلغ سبعة آلاف، و بملاحظة الجماعة كما أشير إليه في الخبر الثاني يحصل الخمسة الباقية، بل بملاحظة زيادة عددها يستغني عن فرض الصلاة في الجامع، و بهذا و إن كان بعيدا و بما تقدمه يجمع بين ما اختلف من النصوص الواردة في فضل المسجدين المدني و الحرام، إذ في

خبر مسعدة بن صدقة(1)عن الصادق عن آبائه عن رسول الله (عليهم الصلاة و السلام) «صلاة في مسجدي تعدل عند الله عشرة آلاف في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة»

و نحوه بالنسبة إلى المسجد الحرام، و خبر صامت (2)عن الصادق (عليه السلام) بل و خبر الحسين بن خالد(3)عن أبي الحسن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) لكن زاد فيه غيره من المساجد، و بالنسبة إلى المدني خبر القلانسي (4)بناء على إرادة المسجد من المدينة فيه، و في

المروي عن مجالس الشيخ بإسناده عن أبي ذر(5)«صلاة في مسجدي هذا تعدل مائة ألف صلاة في

غيره من المساجد إلا المسجد الحرام، و صلاة في مسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره»

و في

المرسل النبوي (6)«الصلاة في مسجدي كألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي»

و نحوه غيره في تقدير النبوي منه.

و الحاصل منها أن فضيلة الأول منهما مائة ألف ألف إذا أريد من الغير بقرينة


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب أحكام المساجد الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب أحكام المساجد الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب أحكام المساجد الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 12.
5- 5 الوسائل- الباب- 52- من أبواب أحكام المساجد الحديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 52- من أبواب أحكام المساجد الحديث 3.

ج 14، ص: 154

استثناء المسجد الحرام ما يشمل مسجد الكوفة و بيت المقدس، و فضيلة الثاني منهما مائة ألف مائة ألف ألف بناء على إرادة المدني من الغير في خبر أبي ذر، و إلا لساوى المدني الحرام في الفضل، و هو معلوم البطلان نصوصا بل و إجماعا، و

قول الرضا (عليه السلام)(1): «نعم و الصلاة فيما بينهما تعدل ألف صلاة» في سؤال الوشاء له (عليه السلام) «عن الصلاة في المسجد الحرام و الصلاة في مسجد الرسول (صلى الله عليه و آله) سواء في الفضل»

محمول على إرادة التسوية في أصل الفضل أو في مقداره و إن اختلف المحل، يعني أن ذلك يساوي ألف صلاة في مسجد الكوفة مثلا، و هو يساوي ألف صلاة فيه، كما أن

قوله (عليه السلام) فيه:

«و الصلاة فيما بينهما»

محتمل لإرادة الصلاة فيهما، و وقع الاشتباه من النساخ، فيكون حينئذ مؤيدا للسابق الذي به يندفع ما ورد من اقتضاء ظاهر بعض النصوص مساواة الكوفة للمدني في التقدير بالألف، و هو خلاف النصوص الأخر، و الإجماع المحكي في الروض، إذ قد عرفت أنه بعد الإغضاء عن باقي الأخبار يندفع بمراعاة المحل كما هو واضح، لكن أقصى ما أثبته العلامة الطباطبائي في منظومته للحرام ألف ألف، و للمدني عشرة آلاف، فقال:

و المسجد الحرام منها الأفضل فيه الصلاة ألف ألف تعدل

للمدني في الألوف عشرو عشرها للآخرين أجر

و لا ريب في إرادته الصلاة المجردة عن المضاعفة كما يشهد له التأمل في كلامه أولا و آخرا، على أنه لا دليل له لو أرادها، و أقصى ما أثبته الخراساني في الذخيرة تبعا للروض للحرام ألف ألف ألف، و للمدني ألف ألف، قال: و إذا اعتبرنا ما دل على أن الصلاة في مسجد النبي (صلى الله عليه و آله) بعشرة آلاف في غيره زاد عدد المضاعفة أضعافا مضاعفة، قلت: هي على كل حال لا تنتهي إلى ما سمعته منا، اللهم إلا أن


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.

ج 14، ص: 155

يحمل ذلك منهما على عدم نفي الزيادة كالنصوص المشتملة على نحو هذا التقدير، و الأمر في ذلك كله سهل، كسهولة رفع كثير مما ذكره في الروض و تبعه في الذخيرة من السؤالات السبعة على ظاهر هذه النصوص بعد الإحاطة بما سمعته منا، منها أن ظاهر أخبار المسجد الحرام ثبوت الفضل في سائر أجزائه حتى الكعبة مع أن الصلاة فيها مكروهة، كما أن قضية غيرها من أخبار المدني و الكوفي تساوي جميع الأجزاء في الفضل المذكورة مع ثبوت اختلافها، و يدفع الأول التخصيص بدليل الكراهة، و الثاني بأن المساواة في ذلك لا تقتضي عدم زيادة الأجزاء الأخر بثواب زائد على هذا القدر المشترك، و لو سلم فيمكن التفاوت فيه بفرض الاختلاف في المحل الذي يحصل بسببه التضاعف، كما أشرنا إليه فيما تقدم، و كذا غيرهما من الأسئلة، فلاحظ و تأمل.

[الفصل الرابع في صلاة الخوف و المطاردة]
اشاره
اشارة

الفصل الرابع في كيفية صلاة الخوف و المطاردة و أحكامهما، إذ هي بجميع كيفياتها غير مختصة بالنبي (صلى الله عليه و آله) و من كان معه حال الخوف، لظاهر الآية(1)و بعض النصوص (2)و المنقول من فعل أمير المؤمنين

(عليه السلام) لها ليلة الهرير(3)و حذيفة بن اليماني بطبرستان (4)و الإجماع محصلا و منقولا عنا و عن أكثر الجمهور عدا أبي يوسف فخصها به، و المزني


1- 1 سورة النساء- الآية 102 و 103.
2- 2 فروع الكافي ج 1 ص 456 الطبع الحديث« باب صلاة الخوف»- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 8.
4- 4 سنن أبي داود- ج 2 ص 23- الرقم 1246- المطبوعة عام 1469.

ج 14، ص: 156

فكذلك أيضا، لكن قال: إن الآية منسوخة بتأخيره (صلى الله عليه و آله) يوم الخندق أربع صلوات اشتغالا بالقتال و لم يصل صلاة الخوف، و أصالة الاشتراك التي لا يقطعها كونه (صلى الله عليه و آله) موردا لها في بعض النصوص (1)كما في غير المقام من موردها و نظائره، بل و لا يقطعها مفهوم قوله تعالى (2)«وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ» إذ هو و إن كان قد يتخيل زيادته على مطلق الموردية لكنه بعد التأمل و التروي راجع إليها، ضرورة عدم إرادة شرطية كونه بخصوصه فيهم كي يتجه حينئذ اختصاصها به، بل المراد بيان كيفية الصلاة جماعة معه حال الخوف، فيستفاد حكم الغير حينئذ من آية التأسي (3)و غيرها مما دل على الاشتراك، لا أن المراد اشتراط مشروعية الحكم المزبور بما إذا كان معهم كما لا يخفى.

بل قد يقال: إن المنساق من الآية و شبهها إرادة المثالية بذكره (صلى الله عليه و آله) بخصوصه، و إلا فالمراد بيان كيفيتها جماعة معه و مع غيره، فلا حاجة حينئذ إلى آية

التأسي، و يكون ذكره بخصوصه لعدم انفكاكه عنه غالبا في تلك الأوقات، أو لأنه حال حضوره (صلى الله عليه و آله) مع أنهم لا يصلون فرادى غالبا، على أنه لو أغضي عن ذلك كله فأقصاه اختصاص هذه الكيفية به (صلى الله عليه و آله) لا أن أصل صلاة الخوف و لو فرادى مختصة به، و تأخير النبي (صلى الله عليه و آله) صلاته يوم الخندق غير ثابت و لو سلم فلعله قبل نزول آية الخوف، فتكون ناسخة له لا هو ناسخ لها، بل ظاهر الفاضل و الشهيد أنه كذلك جزما، و لو سلم فلعله لعدم التمكن من التطهر و نحوه مما يسقط معه أداء الصلاة.


1- 1 فروع الكافي- ج 1 ص 456 الطبع الحديث« باب صلاة الخوف»- الحديث 2.
2- 2 سورة النساء- الآية 103.
3- 3 سورة الأحزاب- الآية 21.

ج 14، ص: 157

[في بيان كمية صلاة الخوف سفرا و حضرا]
اشاره

و كيف كان ف صلاة الخوف مقصورة في الكم سفرا جماعة أو فرادى قولا واحدا و كتابا و سنة و في الحضر إذا صليت جماعة بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل ظاهر المتن أنه إجماعي كالسفر و إن كان قد (هو خ ل) حكى كالشهيد الثاني في المعتبر عن بعض أصحابنا أنها لا تقصر أيضا إلا في السفر، و قضيته فعلها تماما في الحضر و لو جماعة، لكنه لعله لضعفه في الغاية لم يعتد به هنا حيث اقتصر على نقل الخلاف في غير الجماعة، و هو كذلك لما تسمعه من بعض تفاسير ذات الرقاع، و لإطلاق الأدلة الواردة في فعلها جماعة الشامل لحالتي الحضر و السفر، بل قد يشعر صحيح الحلبي (1)عن الصادق (عليه السلام) و خبر عبد الله بن

جعفر(2)عن أخيه موسى (عليهما السلام) المروي عن قرب الاسناد و غيرهما بأن المنساق من إطلاق صلاة الخوف فعلها جماعة حيث سئلا فيهما عنها فأجابا ببيان كيفيتها جماعة، بل ليس في أكثر النصوص تعرض إلا لبيان كيفيتها جماعة

[في بيان قراءة صلاة الخوف فرادى]

فان صليت فرادى قيل تقصر، و قيل لا، و الأول أشبه و أشهر، بل هو المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، لأولويته من السفر في التقصير، و لإطلاق

الصحيح (3)«قلت للباقر (عليه السلام): صلاة الخوف و السفر تقصران جميعا، قال: نعم، و صلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه»

و المناقشة فيه باحتمال إرادة قصر الكيفية من القصر فيه واهية جدا، و لا ريب في ظهوره بعدم اعتبار الجماعة بذلك، بل هو كالصريح فيه باعتبار اشتماله على الأحقية المزبورة، و

حسن محمد بن عذافر(4)عن الصادق (عليه السلام) «إذا جاءت الخيل تضطرب بالسيوف أجزأ


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 5 لكنه خبر على بن جعفر عن أخيه عليه السلام.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 7.

ج 14، ص: 158

تكبيرتان»

و من المعلوم بدلية التكبيرة عن الركعة مع بعد الجماعة في ذلك، بل يمكن القطع بعدمها فيه، و منه يظهر دلالة

خبر عبد الله بن المغيرة(1)عنه (عليه السلام) أيضا الذي رواه المشايخ الثلاثة «أقل ما يجزي في حد المسايفة من التكبير تكبيرتان لكل صلاة إلا المغرب، فان لها ثلاثا».

بل يمكن استفادة المطلوب أيضا من نصوص الجماعة باعتبار ظهورها في كون الجماعة المذكورة فيها كغيرها من الجماعات التي هي هيئة لاحقة استحبابا للفرض بحسب تأديته، لا أن لها دخلا في الكمية قطعا، كما أنه لا دخل للانفراد في ذلك قطعا، فمتى ثبت كمية الفرض في أحد الحالين على وجه لا ظهور في الدليل باشتراطه بذلك صح فعله بذلك الكم في الحال الآخر كما هو واضح، بل قيل: تدل الآية عليه أيضا، و لعله بناء على عدم إرادة السفر الشرعي من الضرب في الأرض فيها، و إلا لم يكن لاشتراط الخوف وجه مع التتميم بعدم القائل باعتبار غير الشرعي من السفر، أو على أنه أخرج مخرج الغالب باعتبار أن حصول الخوف غالبا إنما يكون مع السفر أو غير ذلك مما تخرج به الآية عن ظهور اعتبار السفر في القصر حال الخوف الذي يمكن دعوى منعه في نفسه أيضا باعتبار أن المنساق للاشتراط في الآية اشتراط جواز القصر في السفر بالخوف فيه المعلوم بالإجماع عدمه، لا العكس الذي هو المطلوب هنا، إذ التعليق على الضرب كالتعليق في الآية الثانية بكونه معهم في

صلاتها جماعة غير مراد منه الشرطية قطعا، كما هو واضح عند التأمل.

فالمناقشة حينئذ في الاستدلال بهذه الآية على المطلوب بما لا يخفى عليك مما قدمنا يمكن دفعها بما سمعت، و إن أطال في الذخيرة في تقريرها و تقرير المناقشة أيضا في الاستدلال على عدم الفرق بين السفر و الحضر و بين الفرادى و الجماعة بإطلاق الاقتصار


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 3.

ج 14، ص: 159

على الركعتين المستفاد من التدبر في الآية الثانية بأنها من متممات الآية الأولى، فيكون الضمير فيها راجعا إلى أولئك الضاربين في الأرض الخائفين، و بظهورها في الجماعة لا الفرادى، لكن الأمر في ذلك سهل بعد أن عرفت الاستغناء عن الآيتين في إثبات كل من المطلوبين بغيرهما مما سمعت، فما عن المبسوط و ظاهر جماعة من اشتراط قصرها في الحضر بوقوعها جماعة دون الفرادى اقتصارا على المتيقن ضعيف جدا، و إن نسب إلى الحلي، مع أن المحكي عن سرائره كالصريح في موافقة المشهور، و الله أعلم.

ثم إن إطلاق النص و الفتوى يقتضي جواز التقصير في صلاة الخوف و إن تمكن من الإتمام مع قصر الكيفية و بدونه، بل لعل ذلك كاد يكون صريحهما، بل هو مقطوع به من التدبر في الأدلة، خصوصا ما تسمعه منها في كيفية تأديتها جماعة، ضرورة التمكن من الإتمام، بعد أن حرس جمع من المسلمين العدو، لكن في الرياض عن الدروس تقييد جواز القصر بعدم التمكن من الإتمام نافيا عنه البأس، لانصراف إطلاق الأدلة إليه، لا أقل من الشك، فيبقى الأصل المقطوع به سليما، و هو كما ترى، بل لا صراحة في عبارة الدروس بذلك، قال: «الخوف مقتض لنقص كيفية الصلاة مع عدم التمكن من إتمامها إجماعا، و كذا نقص العدد على الأقوى سواء صليت جماعة أو فرادى» و من الجائز إن لم يكن الظاهر إرادته التشبيه في أصل اقتضاء الخوف النقصان لا مع التقييد بالتمكن، و إلا كان ضعيفا جدا.

كضعف القول بأن المراد من القصر هنا الموجود في الكتاب و السنة و الفتاوى غير القصر المتعارف الذي هو رد الأربعة خاصة إلى الركعتين، بل هو رد الاثنين إلى واحدة أيضا كما نقل عن ابن الجنيد، قال فيما حكي عنه: فان كانت الحالة الثانية و هي مصافة الحرب و الموافقة و التبعية و التهيؤ للمناوشة من غير أبدية صلى الإمام بالفرقة الأولى ركعة و سجد سجدتين، ثم انصرفوا و سلم القوم بعضهم على بعض في مصافهم،

ج 14، ص: 160

و قد

روي (1)عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) «أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) صلى كذلك بعسفان»

و روى ذلك (2)أيضا حذيفة بن اليمان و جابر و ابن عباس و غيرهم، و قال بعض الرواة: و

كانت لرسول الله (صلى الله عليه و آله) ركعتين، و لكل طائفة ركعة ركعة (3)

و عن ابن بابويه(4)«سمعت شيخنا محمد ابن الحسن يقول: رويت أنه سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز و جل (5):

«وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ» إلى آخره، فقال: هذا تقصير ثان، و هو أن يرد الرجل الركعتين إلى الركعة»

و لعله أشار بالرواية إلى

صحيح حريز(6)عن الصادق (عليه السلام) في الآية المزبورة، قال: «في الركعتين ينقص منهما واحدة».

إذ ستسمع النصوص (7)المستفيضة المشتملة على بيان الكيفية المأثورة عن النبي (صلى الله عليه و آله) الصريحة في أن قصر صلاة الخوف كقصر صلاة السفر، مضافا إلى ما سمعته سابقا عند البحث عن قصرها في الحضر فرادى مما يستفاد منه ذلك أيضا خصوصا مع الاعتضاد بالشهرة بين الأصحاب شهرة لا ينكر على دعوى الإجماع معها، ضرورة عدم قدح مثل الإسكافي فيه، على أنه لا صراحة في كلامه في الخلاف، بل


1- 1 لم نعثر عليه في كتب الأخبار.
2- 2 سنن أبى داود ج 2 ص 23- الرقم 1246 المطبوعة عام 1369.
3- 3 سنن أبى داود ج 2 ص 23- الرقم 1246 المطبوعة عام 1369.
4- 4 الفقيه ج 1 ص 295- الرقم 1343.
5- 5 سورة النساء- الآية 102.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 3 عن حريز عن زرارة عن أبى عبد الله عليه السلام.
7- 7 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 1 و المستدرك- الباب- 1- منها.

ج 14، ص: 161

لعل نسبة ما هو صريح في ذلك إلى بعض الرواة في ذيل كلامه مشعر بعدم اختياره له و قوله أولا: «ثم انصرفوا» إلى آخره يمكن تنزيله كالآية و بعض النصوص على إرادة الإتمام ركعة فرادى ثم الانصراف، و لو أغضينا عن ذلك كله فلا ظهور في كلامه قطعا بمضمون الصحيح السابق من رد الركعتين مطلقا إلى ركعة في النبي (صلى الله عليه و آله) و غيره، بل ظاهره أن النبي (صلى الله عليه و آله) ركع ركعتين، بل هو تكليف كل إمام جماعة على الظاهر، فيكون ظاهر الصحيح المزبور غير معمول به عند الجميع، مع ما فيه من الإجمال، إذ لا يعلم أن المراد الرد إلى الركعة في خصوص الفرائض التي دخلها القصر في نحو السفر أو الأعم منها و من غيرها كالصبح و نحوه، و على الأول فالمراد بقصرها ثانيا بعد وجود سبب القصر الأول كالسفر مثلا فاتفق الخوف في أثنائه أو الأعم من ذلك بمعنى أنها تصلى ركعة واحدة و إن كانت في الحضر، ثم على الثاني فهل تندرج صلاة المغرب في ذلك أو لا؟ و على الأول فلم يعلم كيفية قصرها، إلى غير ذلك، و إن كان يمكن بمعونة ما سمعته من ابن بابويه رفع هذا الاجمال باعتبار ظهوره في إرادة ما دخله القصر من الفرائض، كما يومي اليه لفظ ثان فيه، بل هو مع أنه تفسير للآية الشريفة يومي إلى إرادة تقصيرها بعد وجود ما يقصرها أي القصر الأول كالسفر، لا أنه يقصرها من أول الأمر كذلك.

و على كل حال فلا بد من طرح الصحيح المزبور، لما فيه من القصور عن المقاومة أي قصور، أو حمله التقية كما ذكره غير واحد على أنه لما كان كل من الطائفتين يصلي مع الإمام ركعة فكان صلاته ردت إليها، أو على ما في الحدائق من انتهاء الخوف إلى حال بحيث يمنع من إتمام الركعتين، فيقتصر حينئذ على الركعة، و فيه أن الخوف لا يقصر العدد من الركعتين، بل فرضه حينئذ الرجوع إلى البدل من التسبيحة و نحوها كما ستعرف إن شاء الله.

ج 14، ص: 162

و كيف كان فكيفية صلاة الخوف فرادى ظاهرة من حيث الكم، ضرورة كونها كالسفر حينئذ، و لا فرق فيها بين النساء و الرجال كما في الذكرى، لإطلاق الأدلة، خلافا للمحكي عن الإسكافي فخص القصر بمن يحمل السلاح من الرجال حرا كان أو عبدا دون النساء في الحرب، و لعله لعدم مخاطبتهن بالقتال، و الخوف إنما يندفع غالبا بالرجال و لا أثر فيه للنساء قصرن أم أتممن، و هو لا يخلو من وجه إن لم ينعقد الإجماع على خلافه، لإمكان دعوى ظهور الأدلة في الرجال أو انصرافها إليهم.

[في بيان قراءة صلاة الخوف جماعة و أقسامه]
اشاره

و أما إذا صليت جماعة فلها كيفيات ثلاثة: صلاة بطن النخل، و صلاة ذات الرقاع، و صلاة عسفان،

[الأولى في بيان صلاة بطن النخل]

أما الأولى فهي أول فردي التخيير الذي أشار إليه المصنف بقوله فالإمام بالخيار إن شاء صلى بطائفة ثم بأخرى و كانت الثانية له ندبا على القول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل و قد

روي (1)أن النبي (صلى الله عليه و آله) صلاها بأصحابه بالموضع المسمى بذلك

إلا أني لم أجد هذه الرواية مسندة من طرقنا كما اعترف به في المدارك، نعم عن المبسوط أنه روى الحسن (2)عن أبي بكر عن فعل النبي (صلى الله عليه و آله)، لكن يسهل الخطب أنه ليس فيها ما يختص بصلاة الخوف بل هي جائزة حال الاختيار بناء على جواز الإعادة لمن صلى جماعة كما تقدم البحث فيه سابقا، و من هنا جزم العلامة في القواعد بعدم اعتبار الخوف في هذه الصلاة، نعم قد يقال برجحان فعلها كذلك حال الخوف دون الأمن كما نص عليه في الدروس، لكن في الذكرى «أن شرطها كون العدو في قوة يخاف هجومه و إمكان افتراق المسلمين فرقتين لا أزيد، أو كونه أي العدو في خلاف جهة القبلة» و فيه ما لا يخفى إن أراد اشتراط الصحة بذلك، إذ قد عرفت جواز فعلها حال عدم حصول شي ء من هذه


1- 1 سنن البيهقي ج 3 ص 259.
2- 2 المستدرك- الباب- 6- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 1.

ج 14، ص: 163

الشرائط، و لعله لا يريد الاشتراط حقيقة، بل المراد أنها إنما تختار عند حصول هذه

الأمور، إلا أنه على كل حال لا يتم وجه الشرط الثاني الظاهر في عدم اختيارها لو أمكن افتراقهم زائدا على الفرقتين، اللهم إلا أن يريد أنه يكفي فيها إمكان افتراق المسلمين فرقتين، و لا يعتبر فيها الأزيد من ذلك.

و كيف كان فتسمى هذه الصلاة بصلاة بطن النخل بالخاء المعجمة، و يقال نخلة موضع بين الطائف و مكة كما في الصحاح، و في المصباح «هما نخلتان إحداهما نخلة اليمانية (اليمامة خ ل) بواد يؤخذ إلى قرن و الطائف، و بها كان ليلة الجن، و بها صلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) صلاة الخوف لما سار إلى الطائف، و بينها و بين مكة ليلة، و الثانية نخلة الشامية بواد يأخذ إلى ذات عرق، و يقال بينها و بين المدينة ليلتان».

[الثانية في بيان صلاة ذات الرقاع]
اشاره

و أما الثانية فهي الفرد الآخر من فردي التخيير الذي ذكره المصنف بقوله أيضا:

و إن شاء أن يصلي كما صلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) بذات الرقاع بالراء المهملة و القاف، سميت بذلك لأن النبي (صلى الله عليه و آله) صلاها بموضع على ثلاثة أميال من المدينة، و هو صفح جبل عند بئر أروما، فيه جدد حمر و صفر و سود كالرقاع، و قيل: موضع بنجد و هو أرض غطفان، و لعله مشترك، أو لما قيل من أن بعض الصحابة كان حفاة فلفوا على أرجلهم الجلود و الخرق لئلا تحترق، أو لأن بعضهم تنقبت أرجلهم فلفوا عليها الخرق، أو لما عن صاحب المعجم من أنها سميت بذلك لرقاع كانت في ألويتهم، و الأمر سهل، و هذه الصلاة ثابتة كتابا بناء على أنها هي المرادة من الآية كما يرشد إليه ملاحظة النصوص و الفتاوى، لا صلاة عسفان و بطن النخل، و سنة و إجماعا محصلا و منقولا، بل هي المعروفة في النصوص (1)من بين كيفيات صلاة الخوف كما يومي اليه الجواب بها عند السؤال عن صلاة الخوف، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة.

ج 14، ص: 164

لا تعرض في النصوص المعتبرة لغيرها، و منه ينقدح أولوية فعلها عند الخوف من غيرها لكن ظاهر المصنف هنا مساواتها لصلاة بطن النخل، بل في الذكرى أنها أرجح منها إذا كان في المسلمين قوة مانعة بحيث لا تبالي الفرقة الحارسة بطول لبث المصلية، قال:

و يختار ذات الرقاع إذا كان الأمر بالعكس، و فيه تأمل، لما عرفت من ظهور الأدلة في اختيار ذات الرقاع عند تحقق ما أشار إليه المصنف من شرائطها بقوله:

[ثم تحتاج هذه الصلاة إلى النظر في شروطها و كيفيتها و أحكامها]
اشاره

ثم تحتاج هذه الصلاة إلى النظر في شروطها و كيفيتها و أحكامها،

[أما الشروط]
اشاره

أما الشروط

[أحدها أن يكون الخصم من غير جهة القبلة]

ف أحدها على المشهور بين الأصحاب نقلا إن لم يكن تحصيلا، بل عن المدارك أنه المقطوع به في كلامهم، بل عن ظاهر المنتهى الإجماع عليه، كما أنه نسب الخلاف في الرياض إلى الشذوذ أن يكون الخصم في غير جهة القبلة إما في دبرها أو يمينها أو شمالها بحيث لا يمكنهم مقابلته و هم يصلون إلا بالانحراف عن القبلة، لأن النبي (صلى الله عليه و آله) إنما صلاها و العدو كذلك، و لأنه لو كان العدو في القبلة أمكنهم أن يصلوا بصلاة عسفان التي تسمعها، و هي مقدمة عليها، إذ هي ليس فيها تفريق و لا مخالفة شديدة لباقي الصلوات من انفراد المؤتم مع بقاء حكم ائتمامه، و من انتظار الامام، و ائتمام القائم بالقاعد فمن هنا وجب الاقتصار فيها على المتيقن الثابت من فعل النبي (صلى الله عليه و آله) و ظاهر الكتاب، لكن و مع ذلك فللتأمل فيه مجال، لإطلاق الأدلة الذي لا يصلح فعل النبي (صلى الله عليه و آله)- بعد احتمال اتفاقيته لا شرطيته- لتقييده، و لعله من هنا حكي عن الفاضل في التذكرة القول بالجواز، و جعله في الذكرى وجها، و احتمله أو مال إليه في المسالك، بل يمكن دعوى جواز الكيفية المزبورة حال الأمن بناء على ما عرفت سابقا في الجماعة من جواز نية الانفراد اختيارا، و جواز انتظار الإمام المأموم كالعكس مع اختلاف الصلاتين في القصر و الإتمام مثلا، و أنه لا بأس بطول لبثه بعد اشتغاله بالذكر و نحوه مما هو جائز في أثناء الصلاة، و لا ببقاء قدوة المأمومين به و إن

ج 14، ص: 165

كان قاعدا، لأن الممنوع منها ليس نحو الفرض.

على أن المحكي عن أول الشهيدين فيما عدا اللمعة من كتبه الحكم بانفراد المأمومين في المقام و إن انتظرهم الامام للسلام، خلافا لصريح بعض الأصحاب و ظاهر آخر من بقاء حكم الائتمام بهم، كما يومي اليه تسليمه بهم المصرح به في النصوص (1)و الفتاوى إلا أن الأحوط الاقتصار على فعلها حال تحقق الشرط المزبور، و يلحق به كما صرح به بعضهم ما لو كان العدو في جهة القبلة إلا أنه وجد حائل مثلا بينه و بينهم يمنع من رؤيتهم لو هجموا، ضرورة مساواته حينئذ لما كان العدو خلف جهتها.

[ثانيها أن يكون فيه قوة لا يؤمن أن يهجم على المسلمين]

و ثانيها أن يكون فيه قوة لا يؤمن أن يهجم على المسلمين في أثناء صلاتهم، و إلا انتفى الخوف المسوغ للكيفية المزبورة بناء على عدم جوازها اختيارا، نعم يمكن إلحاق خوف الفتك من البعض بالبعض غيلة بخوف الهجوم جهرة.

[ثالثها أن يكون في المسلمين كثرة يمكن أن يفترقوا طائفتين]

و ثالثها أن يكون في المسلمين كثرة يمكن أن يفترقوا طائفتين متساويتين في العدد أولا، لعدم اعتباره فيها، إذ الطائفة على ما قيل

تصدق على الواحد، فيجوز أن يكون واحدا مع حصول الغرض به الذي أشار إليه المصنف بقوله يكفل كل طائفة بمقاومة الخصم إذ من الواضح عدم تحققها مع قصور المسلمين عن ذلك، فيتعين حينئذ الصلاة فرادى أو صلاة بطن النخل، فلو صلوا بها و الحال ذلك بطلت على الظاهر.

[رابعها أن لا يحتاج الإمام إلى تفريقهم أكثر من فرقتين]

و رابعها أن لا يحتاج الإمام إلى تفريقهم أكثر من فرقتين لتعذر التوزيع المزبور حينئذ في الثنائية، بل و الثلاثية بناء على الاقتصار على خصوص المأثور منها من صلاة الإمام بالفرقة الأولى ركعتين، و بالثانية ركعة، أو بالعكس كما ستسمع فلا يجوز حينئذ التفريق ثلاثا لإدراك الركعات الثلاثة كما هو أحد القولين، و اختاره المقدس البغدادي، و فيه ما لا يخفى بناء على ما سبق من أن التحقيق جواز نية الانفراد


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 4 و 5.

ج 14، ص: 166

اختيارا، و من هنا اعترف في الرياض بجواز الثلاث على هذا التقدير، اللهم إلا أن يقال: إن مخالفتها غير منحصرة بالانفراد كي يتم ذلك على التقدير المذكور، بل هي مخالفة أيضا في انتظار الامام و غيره، فيقتصر منه على المتيقن، لكن قد يدعى القطع أو الظن المعتبر بعدم اعتبار تثنية التفريق في ذلك، و لذا جزم في الذكرى و المسالك و ظاهر الروضة بجواز التثليث، لحصول الغرض و إلغاء الخصوصية، فيتجه حينئذ ذلك حتى لو قلنا بعدم جواز الانفراد اختيارا، ضرورة خروج ما نحن فيه حينئذ بالدليل كحال التثنية، بل صرح في الأولين أيضا بجواز التربيع لو كانت الفريضة رباعية كما لو قيل باختصاص التقصير في صلاة الخوف بالسفر.

ثم إن الذي يقوى في النظر إرادة عدم التمكن من إتيان الجميع بصلاة الرقاع على كيفيتها المأثورة مع الحاجة إلى التفريق زائدا على الاثنين، لا أنه شرط في صحتها بحيث لو أوقعها فرقتان من الثلاث لعدم مشاحة الثالثة لها مثلا وقعت باطلة، لعدم الدليل على الفساد، بل مقتضى إطلاق الأدلة فضلا عن القواعد الصحة، بل هي متجهة أيضا بناء على جواز الانفراد اختيارا، و إلغاء خصوصية الانتظار و ائتمام القائم بالقاعد لو تعاقبت الثلاثة على فعلها بأن ينوي كل منهم الانفراد قبل إحراز الركعة له.

[و أما كيفيتها]

و أما كيفيتها فان كانت الصلاة ثنائية فلا خلاف معتد به فتوى و رواية في أنه صلى بالطائفة الأولى ركعة تامة و قام إلى الثانية فينوي من خلفه الانفراد واجبا في قول، لعدم جواز المفارقة بدون النية، و لأن الانفراد واجب، و كل واجب محتاج إليها، و لأنه كالمفارق لعذر الذي ذكرنا فيما سبق وجوب نية الانفراد عليه، و قيل: لا يجب، و اختاره في الذكرى، لأن قضية الائتمام إنما هو في الركعة و قد انقضت، فيكون كالمسبوق الذي ينفرد في الأخيرة قهرا، و الفرق بينهما بإمكان استمرار القدوة هنا و إن كان منهيا عنها بخلاف المسبوق الذي انتهت صلاة إمامه يدفعه أنهما سواء

ج 14، ص: 167

في التشريع المنهي عنه، ضرورة أنه بعد أن لم يشرع له الائتمام بالركعة الثانية كان كنية الائتمام بعد فراغ الامام من صلاته، و دعوى الإجماع على أنه ينوي في ابتداء صلاته الاقتداء على الإطلاق لا الاقتداء بالركعة الأولى خاصة و إن علم أنه يفارق بعدها مع إمكان منعها لا تجدي في عدم وجوب نية الانفراد عليه، إذ لا تزيد نيته على نية من لم يدرك من الامام إلا ركعة واحدة الذي من المعلوم عدم وجوب نية الانفراد عليه بعد انتهاء صلاة الامام، و كونه يعطى ثواب المقتدي بتمام الصلاة فضلا و كرما لو سلم لا يقضي ببقاء حكم الائتمام كي يحتاج إلى نية الانفراد، و عدم جواز المفارقة بدون النية إنما هو مع كونه مأموما لا إذا انتهت مأموميته كالفرض، و ليس هو كالمفارق لعذر جوز له فسخ الجماعة و صيرورته منفردا كما هو واضح.

و دعوى وجوب نية كل واجب على وجه يشمل ما نحن فيه واضحة المنع، و لعل النزاع في المقام لفظي، لإمكان إرادة القائل بالعدم صحة الصلاة مع المفارقة، و الالتزام بما على المنفرد و إن لم يكن قاصدا له بالخصوص لغفلة و نحوها، كما أنه يمكن إرادة القائل بوجوب نيته هنا عدم البقاء على قصد الاقتداء، و معاملة نفسه معاملة المأموم بترك القراءة مثلا و نحوها، إذ لا ريب في الفساد حينئذ حتى مع النسيان، لظهور النصوص و الفتاوى في الشرطية المستلزمة للانتفاء عند الانتفاء، و ليس الفساد مبنيا على اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن الضد كي تتجه الصحة مع الغفلة و النسيان.

نعم يمكن ابتناء الفساد و عدمه في غير ما نحن فيه مما كان فيه ترك الاحتراس كما لو صلى الجميع فرادى من غير توزيع على مسألة الضد، أما لو صلوا جميعهم جماعة فالمتجه الفساد، لظاهر الأدلة و إن لم نقل بمسألة الضد، و مثله لو قصرت الفرقة الحارسة في الاحتراس مثلا و علمت الفرقة المصلية بذلك في أثناء الصلاة، و لو علم الامام ضعف الطائفة الحارسة عن الحراسة في أثناء صلاته ففي الذكرى أمدهم ببعض من معه أو بجميعهم

ج 14، ص: 168

ثم يبنون على صلاتهم و إن استدبر القبلة للضرورة، فتأمل.

ثم إن ظاهر المتن أن محل المفارقة بعد القيام، و لا ريب في أنه أولى كما صرح به في الذكرى، لاشتراكهم فيه معه، و عدم الفائدة في الانفراد قبله، بل ظاهر الدروس تعيينه، و لعله لظاهر قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح (1)الآتي الذي هو العمدة في بيان الكيفية، لكن الأقوى الجواز بعد تمام السجود، لعدم تبادر الوجوب من مثل هذا الأمر في مثل هذا المقام، لظهور الأدلة في أن لهم

الائتمام بركعة عن صلاة الإمام، بل لا يبعد أن لهم جواز الانفراد مطلقا قبل السجود فضلا عما بعده و إن خرجت الهيئة حينئذ عن هيئة ذات الرقاع.

و كيف كان فإذا نوى الذين خلفه الانفراد يتمون صلاتهم فيأتون بالركعة الثانية ثم يسلم بعضهم على بعض ثم ينصرفون و يقومون مقام أصحابهم أي يستقبلون العدو و يأتي الفرقة الأخرى فيحرمون و يدخلون معه في الثانية له، و هي أولاهم، فإذا جلس الامام للتشهد أطال وجوبا و نهض من خلفه فأتموا الركعة الثانية لهم و جلسوا فتشهد بهم و سلم بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك فتوى و رواية سوى أن ظاهر ذيل المتن يقضي بانتظار الامام لهم في التشهد أيضا، و ظاهر

الصحيح (2)الانتظار بالتسليم خاصة، قال فيه: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة الخوف، قال: يقوم الامام و يجي ء طائفة من أصحابه فيقومون خلفه و طائفة بإزاء العدو فيصلي بهم الإمام ركعة، ثم يقوم و يقومون معه فيمثل قائما و يصلون هم الركعة الثانية، ثم يسلم بعضهم على بعض، ثم ينصرفون و يقومون في مقام أصحابهم، و يجي ء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلي الركعة الثانية، ثم يجلس فيقومون هم


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 4.

ج 14، ص: 169

فيصلون ركعة أخرى، ثم يسلم عليهم فينصرفون بتسليمه».

لكن قد يقوى في النظر جواز انتظارهم به، كما صرح به بعضهم مع السكوت فضلا عن الاشتغال بذكر و نحوه، للأصل و عدم صراحة الصحيح في التعجيل، لاحتمال إرادة التشهد مع التسليم من التسليم فيه، كما يومي الأمر فيه بذلك بعد إتمامهم الركعة الحاصل بالسجود خاصة، بل ينبغي الجزم به إذا اشتغل بذكر و نحوه، لعدم حصول السكوت الطويل المنافي للعبادة حينئذ.

و سوى ما في

الصحيح الآخر(1)المروي في الكافي عن الصادق (عليه السلام) أيضا الوارد في كيفية صلاة رسول الله (صلى الله عليه و آله) بأصحابه في غزوة ذات الرقاع إلى أن قال فيه: «فأقاموا بإزاء العدو و جاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله (صلى الله عليه و آله) فصلى بهم ركعة، ثم تشهد و سلم عليهم فقاموا و صلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلم بعضهم على بعض»

إلى آخره من حيث ظهوره في عدم الانتظار بتشهد أو تسليم، كالمحكي عن ابن الجنيد، و ظاهر ابن بابويه و إن قال الأول: «إنه إذا سبقهم بالتسليم لم يبرح من مكانه حتى يسلموا».

و على كل حال فالجمع بينه و بين الصحيح السابق و غيره مما دل على الانتظار كبعض الأخبار(2)الدالة على أن للأولين الافتتاح، و

للآخرين التسليم يقضي بالتخيير للإمام في ذلك، كما صرح به في الذكرى، و بأن الانتظار أشهر، و لعله مقتضى القواعد أيضا كما أشرنا إليه سابقا في ائتمام المتم بالمسافر، خلافا لظاهر الحلي حيث عين الانتظار.

كما أن المتجه التخيير أيضا للإمام في الانتظار حال القيام في ثانيته بين القراءة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 2 و 8.

ج 14، ص: 170

و عدمها جمعا أيضا بين النصوص، و إن كان الذي يستفاد منها الانتظار في غير الثنائية لكن عدم الانتظار أنسب بتخفيف الصلاة المطلوب حال الخوف فاما ما عدا ذلك فلا خلاف فيه نصا و فتوى، بل الإجماع محكي عليه إن لم يكن محصلا.

و تحصل المخالفة حينئذ بين هذه الصلاة و صلاة الأمن جماعة في ثلاثة أشياء: الأول انفراد المؤتم بناء على عدم جوازه اختيارا، أو على أن المراد وجوب الانفراد، فتأمل. و الثاني و الثالث توقع الإمام للمأموم حتى يتم، و إمامة القاعد بالقائم بناء على عدم جوازهما في مثل ائتمام المتم بالمسافر الذي قد ذكرنا الكلام فيه في باب الجماعة، بل الأخير منهما مبني أيضا على كون الفرقة الثانية باقية على حكم الائتمام حال قيامها لإتمام الصلاة، كما هو صريح بعضهم و ظاهر الباقين المعبرين بما في النصوص من التسليم بهم، و أن للأولين التكبير و الآخرين التسليم، بل عد ذلك من مخالفات هذه الصلاة من مثل المصنف و غيره كالصريح في ذلك، فلا تنوي هذه الفرقة الانفراد حينئذ خلافا لابن حمزة فحكم بأنها تنوي الانفراد، و اختاره الشهيد في دروسه و عن باقي كتبه عدا اللمعة، و لعله لعدم صراحة النصوص ببقاء الائتمام كي يخرج بسببها عما يقتضي عدمه، إذ التسليم بهم أعم من الائتمام به، على أنك قد عرفت التصريح بتسليمه قبلهم في بعض النصوص (1)و ليس هو إلا لانفرادهم، و جعل التسليم بهم كالتكبير للأولين لعله لحضورهم إياه لا لأنهم مأمومون، كما يومي اليه ورود مثل ذلك في الخبر(2)المتضمن لعدم انتظار الامام بالتسليم، و لا ريب في ضعفه، ضرورة الاكتفاء بظهور الأدلة في ثبوت المطلوب و إن لم تكن صريحة، و به يقيد حينئذ أو يخص ما يقتضي خلافه مما دل (3)على ائتمام القائم بالقاعد و غيره لو سلم شموله لنحو المقام،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 1 و 2 و 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 1 و 2 و 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 14، ص: 171

كما هو واضح.

و إن كانت الفريضة ثلاثية كالمغرب فقد اختلفت في كيفيتها الروايات ففي

صحيح الحلبي (1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «يقوم الامام و تجي ء طائفة فيقومون خلفه ثم يصلي بهم ركعة، ثم يقوم و يقومون فيمثل الإمام قائما فيصلون ركعتين و يتشهدون و يسلم بعضهم على بعض، ثم ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم، و يجي ء الآخرون و يقومون في موقف أصحابهم خلف الإمام فيصلي بهم ركعة

يقرأ فيها ثم يجلس، فيتشهد ثم يقوم و يقومون معه و يصلي بهم ركعة أخرى، ثم يجلس و يقومون هم فيتمون ركعة أخرى، ثم يسلم عليهم»

و نحوه في ذلك

صحيح زرارة(2)عنه (عليه السلام) أيضا «صلاة الخوف المغرب يصلي بالأولين ركعة و يقضون ركعتين، و يصلي بالآخرين ركعتين و يقضون ركعة»

و مثله غيره، بل في الذكرى عن ابن أبي عقيل أنه بذلك تواترت الأخبار، بل فيها و في غيرها أنه الذي فعله أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة الهرير، و في

صحيح زرارة و الفضيل و محمد بن مسلم (3)عن الباقر (عليه السلام) قال:

«إذا كان صلاة المغرب في الخوف فرقهم فرقتين، فيصلي بفرقة ركعتين، ثم جلس بهم، ثم أشار إليهم بيده فقام كل إنسان منهم فيصلي ركعة، ثم سلموا و قاموا مقام أصحابهم، و جاءت الطائفة الأخرى فكبروا و دخلوا في الصلاة و قام الامام فصلى بهم ركعة، ثم سلم، ثم قام كل رجل منهم فصلى ركعة فشفعها بالتي صلى مع الامام، ثم قام فصلى ركعة ليس فيها قراءة، فتمت للإمام ثلاث ركعات، و للأولين ركعتان في جماعة و للآخرين وحدانا، فصار للأولين التكبير و افتتاح الصلاة، و للآخرين التسليم».


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة الحديث 2.

ج 14، ص: 172

و الجمع بينهما يقضي أن يكون هو بالخيار إن شاء صلى بالأولى ركعة و بالثانية ركعتين، و إن شاء بالعكس وفاقا لتهذيب الشيخ و الغنية و القواعد و الذكرى و الدروس و الروضة و الكفاية و عن المبسوط و الخلاف و الجمل، بل هو المحكي عن أكثر المتأخرين و جماعة من القدماء، بل في المحكي عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، بل لعله بعض معقد إجماع الغنية، بل في المسالك «لا إشكال في التخيير، و إنما اختلفوا في الأفضل».

و خلافا لظاهر المقنعة و الوسيلة و غيرهما ممن اقتصر على الأول، و هم أكثر الأصحاب على ما في الذكرى و المسالك، و كأنه مال إليه في الرياض في أول كلامه، لكثرة رواياته حتى ادعى تواترها، و صحة بعضها و اعتضادها بفتوى أكثر القدماء، و لا ريب في أنه أحوط، إذ لم يذهب أحد إلى تعيين الثانية، و إن كان الأول أقوى لعدم التعارض بين النصوص كي يفزع إلى هذه المرجحات بعد تسليم فقد المقابل لها، ضرورة أنه لا دلالة في كل منهما على عدم جواز غيره، بل لعل مثل ذلك جاء في الفتاوى، فيرتفع الخلاف حينئذ من البين، كما يومي اليه حصر الخلاف في الأفضلية في المسالك، و نسبة التخيير إلى علمائنا في المنتهى كما سمعت، و تصريح الشيخ في أكثر كتبه بالتخيير مع اقتصاره في النهاية على الأول.

و الذي يقوى في النظر كما في الذكرى و الدروس و الروضة و غيرها بل هو المحكي عن الأكثر أن الأفضل الأول، خصوصا بعد مراعاة موافقته للاحتياط، و للمحكي من فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة الهرير، و مقتضى العدل بين الطائفتين في إدراك الأركان و القراءة المتعينة إذا لوحظ تكبيرة الإحرام و التقدم، و تكليف الثانية بالجلوس للتشهد الأول مع بنائها على التخفيف يندفع باستدعائه زمانا على التقديرين، فلا يحصل بإيثار الأولى تخفيف، و لتكليف الثانية بالجلوس للتشهد الأول على التقدير الآخر،

ج 14، ص: 173

فما في القواعد من ترجيح الفرد الثاني تبعا للمنقول عن بعض العامة ضعيف.

ثم لا يخفى عليك جريان كثير مما سبق آنفا من التخيير للإمام بين التسليم و عدمه و غيره هنا.

نعم ينبغي أن يعلم أن المستفاد من سكوت المصنف و أكثر الأصحاب من التعرض لعدم سقوط القراءة عن المأموم عند قيام الإمام للثالثة كون الحكم هنا كالحكم في المأموم حال الأمن، و قد عرفت أنه لا يسقط عنه ما تيسر من القراءة، للأدلة المذكورة السابقة من الإطلاقات و غيرها، و عن المرتضى التصريح به في المقام كبعض المتأخرين من الشهيد و غيره، خلافا للحلي فأسقط القراءة مدعيا الإجماع على ذلك، و التتبع إن لم يشهد عليه لم يشهد له، فالأقوى حينئذ الأول.

و الظاهر تخيير الفرقة الثانية مع صلاة الأولى ركعتين بين الدخول مع الامام و هو جالس و بينه و هو قائم كما ذكرناه في الأمن، لكن يظهر من بعض علمائنا المعاصرين تعيين الثاني تخلصا من ائتمام القائم بالقاعد، و أنت خبير بما فيه بعد الإحاطة بما سبق في باب الجماعة، على أن في صحيح زرارة(1)هنا ما يومي إلى الأول فلاحظ.

و من المعلوم أنه لا يعتبر التساوي بين الفرقة الحارسة و المصلية و لا التعدد بل يجوز أن يكونا مختلفين، و أن يكون كل فرقة شخصا واحدا إذا حصل به الاحتراس، لحصول الغرض، و كون الواقع من النبي (صلى الله عليه و آله) التعدد لا يقضي بالاشتراط، كما أن لفظ الطائفة و الفرقة و نحوهما الواقعة في النصوص لا تقضي بذلك بعد معلومية عدم اعتبار ما يفهم منها من التعدد، مع الإغضاء عن دعوى صدق الطائفة و الفرقة على الواحد فصاعدا كما عن ابن عباس التصريح به في الأولى منهما، و لعل الثانية كذلك، لأنها فسرت بها في الصحاح و المصباح.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 2.

ج 14، ص: 174

[و أما أحكامها فمسائل]
اشاره

و أما أحكامها فمسائل:

[المسألة الأولى كل سهو يلحق المصلين في حال متابعتهم لا حكم له]

الأولى كل سهو يلحق المصلين في حال متابعتهم لا حكم له بناء على أنه كذلك في الأمن و إلا فلا دليل يخص الخوف دونه و أما في حال الانفراد يكون الحكم ما قدمناه في باب السهو إذ الفرض أنهم منفردون، فهم حينئذ كالمسبوق الذي انفرد عن إمامه لإتمام صلاته، نعم ينبغي جريان حكم الائتمام هنا على الفرقة الثانية حال قيامها لإتمام صلاتها و بقاء الامام منتظرا لها بناء على المختار من بقائها على الائتمام حينئذ، لكن عن الشيخ في المبسوط أنه أوجب عليهم أنفسهم سجدتي السهو مع حصول سببهما في هذه الركعة بخلاف الركعة التي صلوها مع الامام، فلا حكم لسهوهم فيها، و لعل ذلك بناء منه على ما ذهب اليه الشهيد كما عرفت من انفراد الفرقة الثانية و عدم بقائهم على الائتمام و إن انتظرهم الامام للتسليم، و كأنه لذا نسب إلى المبسوط موافقة الشهيد في ذلك، و قد عرفت أن الأقوى خلافه، كما أنك عرفت في باب الجماعة عدم تحمل الامام عن المأموم السهو الموجب لسجدتين و نحوهما، و عدم وجوب متابعة المأموم للإمام إذا اختص السهو به، فليست هذه حينئذ ثمرة تترتب على مأمومية هذه الفرقة أو انفرادها، بل و لا لشك في الركعات، لأن الظاهر المنساق من تلك الأدلة اشتراط اشتراكهما في الركعات بالنسبة إلى رجوع أحدهما إلى حفظ الآخر فيها دون ما ينفرد أحدهما في تأديته، نعم بترتب على ذلك الثواب، و عدم جواز الائتمام به مثلا، و نحو ذلك مما لا يخفى.

[المسألة الثانية أخذ السلاح واجب على الفرقة الحارسة قطعا]

المسألة الثانية أخذ السلاح كالسيف و الخنجر و السكين و نحوها من آلات الدفع واجب على الفرقة الحارسة قطعا، لتوقف الحراسة الواجبة عليه، و لفحوى وجوبه على المصلية حال التشاغل في الصلاة المعلوم بين من عدا ابن الجنيد من الأصحاب كما اعترف به في الرياض، لتوقف الحراسة عليه أيضا، و لظاهر الأمر به في الآية، إذ احتمال صرفه للفرقة الحارسة خاصة مناف للظاهر و إن قيل: إنه روي

ج 14، ص: 175

في التفسير عن ابن عباس أن المأمورين بأخذ السلاح هم الذين بإزاء العدو، كاحتمال تنزيله على الاستحباب بقرينة سوقه مساق الإرشاد إلى حفظ النفس، إذ يدفعه- مع أنه لا يرفع ظهور الوجوب، ضرورة عدم منافاة الاحتمال لذلك- إمكان منعه في مثل الأمر الصادر من المالك الحقيقي للنفس، و الذي هو أولى بها من صاحبها الصوري، و لذا حرم عليه قتلها مثلا، و خصوصا في المقام باعتبار انضمام حفظ الشريعة و بيضة الإسلام أو حفظ الغير و حراسته إلى ذلك، بل ينبغي القطع بإرادة الوجوب منه هنا بملاحظة الآية الثانية(1)المتضمنة للإذن في عدم حمل السلاح للضرورة كالمرض و نحوه فما عن ابن الجنيد من القول بالندب تمسكا بما سمعت ضعيف حينئذ.

نعم يتجه سقوط وجوبه لو كان يمنع من إتيان بعض الواجبات على ما هي عليه بل المتجه حينئذ وجوب طرحه، و ما عن الشيخ و ابن البراج من التصريح بالكراهة في الفرض محمول على مانع الكمال لا أصل الفعل، و إلا كان ضعفه واضحا، ضرورة استلزام حمله الإخلال بالواجب، اللهم إلا أن يقال إنهما واجبان، فالمتجه الترجيح بينهما، فربما كان الخوف شديدا و العدو قريبا و الدافع قليلا و نحو ذلك من الأمور المقتضية لحمل السلاح فيحمل حينئذ و إن استلزم فوات تلك الواجبات للضرورة، و ربما لم يكن كذلك فيقدم حينئذ واجب الصلاة عليه، و هل الواجب حمل جميع ما عنده من السلاح أو يكفي البعض؟ صرح بعضهم بالثاني، لصدق الامتثال معه، و يقوى الأول لاقتضاء الإضافة هنا العموم و العهد، كما أنه يقوى وجوب حمل آلات الدفع من الدرع و الجوشن و نحوهما، لفحوى الأمر بأخذ السلاح و الكون على الحذر، و في المانع منها لبعض واجبات الصلاة كالركوع و السجود على الجبهة و نحوهما ما تقدم أيضا، و تصريح الشيخ و ابن البراج هنا بالكراهة على ما قيل حمله بعضهم على إرادة المنع من


1- 1 سورة النساء- الآية 103.

ج 14، ص: 176

كمالهما لا أصل الفعل، و مثله قيل في السلاح أيضا، و فيه أن المنع من الكمال لا يسقط الواجب له، إذ الفرض الوجوب، فلا يعارضه إلا الواجب الآخر كما اعترف به في الذكرى، لكن ينبغي أن يعلم أنه صرح غير واحد بتعبدية هذا الوجوب لا شرطيته في الصلاة، لكون النهي فيه عن أمر خارج، فلو صلى حينئذ غير حامل للسلاح صحت صلاته و إن فعل محرما بترك الحمل، و هو جيد لو لا ما ينساق من مثل هذا الأمر في مثل المقام من الشرطية و إن كان أمرا خارجا عن الصلاة، كما لا يخفى على المتأمل في نظائره مما ورد الأمر به في الصلاة، اللهم إلا أن يفرق بين ما وجب في الصلاة لا قبلها أو بعدها و بين ما وجب فيها و قبلها و بعدها، فيخص ظهور الشرطية أو تبادرها في الأول دون الثاني، و فيه بحث أيضا، لإمكان دعوى ظهورها أيضا من نحو «لا تنظر إلى الأجنبية في الصلاة» إلا أن يفرق بينهما بعدم ذكر الصلاة في الآية الشريفة، فلا احتمال حينئذ لمدخلية هذا الواجب في الصلاة، بل هو واجب لنفسه خصوصا مع التأييد بفتوى من تعرض لذلك.

و لو كان على السلاح نجاسة لم يجز أخذه على قول ضعيف لا دليل معتد به له و الجواز بمعنى بقاء الوجوب المزبور أشبه لإطلاق الأدلة السالمة عن المعارض إذ هو محمول أولا، و لا تتم الصلاة به منفردا، نعم لو كانت نجاسة متعدية للثياب و نحوها أو كان مما تتم الصلاة به منفردا كالدرع و نحوه مما ألحق بالسلاح اتجه حينئذ عدم الجواز إلا للضرورة، و مما سمعت ظهر لك الحال في قوله و لو كان ثقيلا يمنع شيئا من واجبات الصلاة لم يجز حمله إلا للضرورة التي يرجح مراعاتها على مراعاة واجب الصلاة، فيصلي حينئذ بحسب الإمكان و لو بالإيماء، و لو كان السلاح مما يتأذى به غيره كالرمح ففي المسالك لم يجز حمله إن لم يمكنه الانتقال إلى حاشية الصفوف إلا مع الضرورة، فتأمل.

ج 14، ص: 177

[المسألة الثالثة إذا سها الامام سهوا يوجب السجدتين]

المسألة الثالثة إذا سها الامام سهوا يوجب السجدتين ثم دخلت الثانية معه فإذا سلم و سجد لم يجب عليها اتباعه حتى على قول الشيخ، لسبق وقوع سببه على ائتمامهم به فلا يجب عليهم اتباعه، نعم يتجه وجوبه على الطائفة الأولى كما اعترف به في المسالك، قال: «و يشير إليهم ليسجدوا بعد فراغهم» و فيه أن وجوبه عليهم للمتابعة له لا لأنفسهم و منه ينقدح وجه وجوبه على الفرقة الثانية، اللهم إلا أن يقال: إن وجهه اشتراك الصلاة بين الامام و المأموم، فيؤثر حينئذ سهو الامام وجوب السجدتين و إن اختص به لا المتابعة، فيتجه حينئذ وجوبهما على الأولى دون الثانية، و حيث تعذر فصلهما منها معه بسبب انصرافها إلى موقف أصحابها وجب عليها السجود عند الفراغ، و الأمر سهل بعد أن كان المختار عندنا اختصاص كل من الامام و المأموم بسهوه، كما ذكرناه مفصلا فيما سبق، فلاحظ.

و أما الثالثة- و هي صلاة عسفان على وزن عثمان موضع بينه و بين مكة ثلاث مراحل كما في المصباح، أو مرحلتين كما عن القاموس، و في الأول أنه سمي في زماننا مدرج عثمان- فقد أثبتها الشيخ في مبسوطة، و أرسلها عن النبي (صلى الله عليه و آله) إرسال دراية لا رواية، و تبعه الشهيدان، نعم اشتراطها بشروط، فقال: «و متى كان العدو في جهة القبلة و يكونون في مستوي الأرض لا يسترهم شي ء و لا يمكنهم أمر يخاف منه و يكون في المسلمين كثرة لا يلزمهم صلاة الخوف، و لا صلاة شدة الخوف، و إن صلوا كما صلى النبي (صلى الله عليه و آله) بعسفان جاز، فإنه (صلى الله عليه و آله) قام مستقبل القبلة و المشركون أمامه فصف خلفه صفا و صف بعد ذلك الصف صفا آخر فركع رسول الله (صلى الله عليه و آله) و ركعوا جميعا و سجد و سجد الصف الذين يلونه و قام الآخرون يحرسونه، فلما سجد الأولون السجدتين و قاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذين يلونه إلى مقام الآخرين، و تقدم الصف الآخر

ج 14، ص: 178

إلى مقام الصف الأول، ثم ركع رسول الله (صلى الله عليه و آله) و ركعوا جميعا، ثم سجد و سجد الصف الذي يليه، و قام الآخرون يحرسونه، فلما جلس رسول الله (صلى الله عليه و آله) و الصف الذي يليه سجد الآخرون ثم جلسوا جميعا و سلم بهم جميعا و صلى بهم أيضا هذه الصلاة يوم بني سليم» و

عن المنتهى رواية ذلك (1)عن أبي عباس الزرقي، قال: «كنا مع النبي (صلى الله عليه و آله) بعسفان و على المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غرة لو حملنا عليهم في الصلاة فنزلت آية القصر بين الظهر و العصر فلما حضر العصر

قام رسول الله (صلى الله عليه و آله) مستقبل القبلة و المشركون أمامه»

و ساق الحديث كما روى الشيخ، لكنه مع ذلك قال بعد أن حكى عن الشيخ الفتوى به: «و نحن نتوقف في هذا، لعدم ثبوت النقل عندنا عن أهل البيت (عليهم السلام) بذلك» و مثله المصنف في المعتبر في التوقف المزبور بل لعله في المتن و النافع أيضا كذلك حيث لم يذكرها في كيفية صلاة الخوف فيهما، ككثير من الأصحاب على ما اعترف به في الدروس، و إن كان هو فيها و في الذكرى وافق الشيخ عليها معللا ذلك بأنها صلاة مشهورة في النقل، فهي كسائر المشهورات الثابتة و إن لم تنقل بأسانيد صحيحة، و قد ذكرها الشيخ مرسلا لها غير مسند و لا محيل على سند، فلو لم تصح عنده لم يتعرض لها حتى ينبه على ضعفها، فلا تقصر فتواه عن روايته، ثم ليس فيها مخالفة لأفعال الصلاة غير التقدم و التأخر و التخلف بركن، و كل ذلك غير قادح في صحة الصلاة اختيارا، فكيف عند الضرورة، و أنكر عليه المحدث البحراني في حدائقه من وجوه إنكارا أساء الأدب فيه، بل هو في غير محله بالنسبة إلى البعض.

نعم لا بأس بالتوقف في الحكم المزبور بعد فرض المخالفة لصلاة المختار، إذ


1- 1 تيسير الوصول ج 2 ص 289 عن أبى عياش الزرقي.

ج 14، ص: 179

إرسال الشيخ و فتواه بها لو سلم دلالته على وصولها اليه بطريق صحيح للعلم بورعه و طريقته لم يستلزم الصحة عندنا، و لا يسوغ لنا التعويل عليه من هذه الجهة، و ليس هو كحكاية الإجماع قطعا، و إلا لصح الاعتماد على ما كان مثل ذلك من المراسيل، و شهرتها في النقل بيننا بعد علمنا بأن مبدأه نقل الشيخ لا يجدي.

و الظاهر أنها مخالفة لصلاة المختار لا من جهة التقدم و التأخر- إذ هو إن لم يستلزم فعلا كثيرا غير مفسد، اللهم إلا أن يقال قضية الإطلاق فعلهما و إن استلزما ذلك، لكن و مع ذلك يهون الخطب إمكان دعوى عدم وجوبهما كما صرح به في الدروس، لكن قال: «إن التنفل أفضل» و هو المذكور في المبسوط، بل قال أيضا:

«و الأقرب جواز حراسة الصف الأول في الركعة الأولى و الثاني في الثانية، بل يجوز تولي الصف الواحد الحراسة في الركعتين» و فيه أنه مخالف للكيفية الثابتة عنه (صلى الله عليه و آله) بل مخالفتها من جهة التخلف عن الامام بركن، إذ هو و إن كان لا يفسد الاقتداء و لا الصلاة في المختار على الأصح إلا أنه لا ريب في الإثم معه المعلوم عدمه في المقام، و دعوى أن ارتفاعه للضرورة فهو كالمختار المتخلف لعذر من الزحام و غيره يدفعها الفرق بينهما بحدوث الضرورة في الأثناء في الثاني و العلم بها ابتداء في الأول، فلا يلزم من جواز التخلف لتلك جوازه هنا، مع إمكان فعل الصلاة خالية عن ذلك، كما لو صلاها بصلاة بطن النخل أو بغيرها.

و كيف كان فشروطها كما ذكره غير واحد كون العدو على جهة القبلة ليتمكن من الاحتراس في أثناء الصلاة، و إمكان الافتراق، و إلا لم يحصل الموضوع، و في جواز تعدد الصفوف فيترتبون في السجود و الحراسة وجهان، قرب أولهما في الدروس، و هو مخالف للكيفية الثابتة، و مقتض لخلو الزائد عن الصفتين عن متابعة الإمام في السجود في الركعتين، و أن يكونوا في مكان يتمكنون من الحراسة من المشركين في

ج 14، ص: 180

الصلاة، كما لو كانوا في قنة جبل أو في مستو من الأرض لا يمكن أن يكون فيها كمين و نحوه، و وجهه واضح، هذا.

و في الدروس أن لصلاة عسفان كيفية أخرى، و هي أن يصلي كل فريق ركعة و يسلموا عليها، فيكون له ركعتان، و لكل فريق ركعة واحدة، قال: رواها الصدوق (1)و ابن الجنيد، و رواها حريز أيضا في الصحيح (2)و قد عرفت البحث في ذلك فيما تقدم عند البحث عن القصر في صلاة الخوف، و أنه على حسب القصر في السفر لا أنه رد الركعتين إلى ركعة و إن ورد بذلك بعض النصوص، لكنك خبير أنه ليس في كيفية صلاة عسفان، بل هو في كيفية التقصير في صلاة الخوف فلاحظ و تأمل.

[الثالثة في بيان صلاة المطاردة]
اشاره

و أما صلاة المطاردة و تسمى صلاة شدة الخوف مثل أن ينتهي الحال إلى الموافقة و المنازلة و المعانقة و المسايفة و المراماة و نحو ذلك، فهي و إن كانت قسما أيضا من صلاة الخوف كالصلاة السابقة، و مشاركة لها في قصر

الكم، و سببها قسما أيضا من ذلك السبب، ضرورة كون شدة الخوف من بعض أفراد الخوف لكنها لما خالفتها في قصر الكيفية أيضا مع الكم- و لذا لم تشرع إلا بعد تعذر الكيفيات السابقة- أفردها في الذكر عنها، و جعلها كالقسيم لها.

و كيف كان ف المكلف في هذه الأحوال التي لا يسعه فيها الإتيان بالصلاة على حسب ما تقدم لا انفرادا و لا اجتماعا يصلي على حسب إمكانه واقفا أو ماشيا أو راكبا أو مضطجعا أو غير ذلك، ضرورة عدم السقوط عنه، لأنها لا تسقط في حال

و لا يسقط الميسور بالمعسور(3)

و ما لا يدرك كله لا يترك كله(4)

و قال الله تعالى(5):


1- 1 الفقيه ج 1 ص 295- الرقم 1343 من طبعة النجف.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 2.
3- 3 المروي في غوالي اللئالي.
4- 4 المروي في غوالي اللئالي.
5- 5 سورة البقرة- الآية 240.

ج 14، ص: 181

«فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً»(1)«و يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» مضافا إلى الإجماع محصلا و منقولا على ذلك، فينوي الصلاة و يستقبل القبلة بتكبيرة الإحرام ثم يستمر إن أمكنه الاستمرار و إلا استقبل ما أمكن، و صلى مع التعذر للاستقبال حتى بالتكبيرة إلى أي الجهات أمكن لما عرفت، و ل

صحيح الفضلاء(2)عن الباقر (عليه السلام) «في صلاة الخوف عند المطاردة و المناوشة يصلي كل إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه و إن كانت المسايفة و المعانقة و تلاحم القتال، فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة صفين و هي ليلة الهرير لم تكن صلاتهم الظهر و العصر و المغرب و العشاء عند وقت كل صلاة إلا التكبير و التهليل و التسبيح و التحميد و الدعاء، و كانت تلك صلاتهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة»

معتضدا بظاهر الاتفاق، و بالمستفاد من سبر باقي روايات المقام و إن لم يكن فيها تصريح بذلك، فاحتمال سقوط الصلاة إذا لم يتمكن من الاستقبال بالتكبيرة للأصل لا يلتفت اليه، كاحتمال وجوب الاستقبال في خصوص التكبيرة و إن خشي، لظاهر

صحيح زرارة(3)عن الباقر (عليه السلام) «قلت: أ رأيت إن لم يكن المواقف على وضوء كيف يصنع و لا يقدر على النزول؟

قال: يتيمم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته فان فيها غبارا، و يصلي و يجعل السجود أخفض من الركوع، و لا يدور إلى القبلة، و لكن أينما دارت دابته غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه»

لوجوب حمله على التمكن من الاستقبال في التكبيرة خاصة كما هو الغالب، و إلا فلا ريب في عدم الوجوب مطلقا مع التعذر، كما أنه لا ريب في وجوب ما يتمكن منه من الاستقبال، و نحوه الركوع و السجود، فلو فرض إمكان


1- 1 سورة البقرة- الآية 181.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 8.

ج 14، ص: 182

نزوله للركوع أو للسجود حال الركوب وجب، ضرورة تقدير الضرورة بقدرها، فما دل على وجوبهما على الوجه المخصوص لا معارض له، و كثرة الفعل مغتفرة هنا كما في باقي الأحوال، و به صرح في المسالك.

نعم إذا لم يتمكن من النزول صلى راكبا و سجد على قربوس فرسه كما هو من معقد إجماع المنتهى، بل و الغنية على الظاهر، فان تم كان هو الحجة، و إلا فللنظر فيه مجال، لخلو النصوص عن تعيين السجود على القرابيس، بل ربما كان قضية إطلاقها خصوصا الصحيح السابق خلافه، و احتمال الاستدلال بعدم سقوط الميسور بالمعسور و نحوه كما ترى، إلا أنه و مع ذلك كله فلا ريب في أنه أحوط في الفراغ عما اشتغلت به الذمة بيقين، و مقتضى إطلاق المتن و معقد الإجماعين عدم الفرق بين كون القربوس مما يصح السجود عليه أولا، لكن في المسالك «أنه إن كان لا يصح السجود عليه فان أمكن وضع شي ء منه عليه وجب، و إلا سقط» و هو جيد، و ألحق في الذكرى بالقربوس عرف الدابة، و فيه تأمل.

و إذا لم يتمكن من ذلك أيضا لالتحام القتال و اختلاف السيوف أومأ إيماء بلا خلاف أجده، بل هو من معقد إجماعي الغنية و المنتهى، للصحيحين السابقين و

الموثق (1)عن الصادق (عليه السلام) «إذ التقوا فاقتتلوا فإنما الصلاة حينئذ بالتكبير فإذا كانوا وقوفا فالصلاة إيماء»

و غيره من النصوص التي يمر عليك بعضها إن شاء الله و ينبغي أن يكون الإيماء بالرأس ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (2): «صلاة الزحف على الظهر إيماء برأسك و تكبير، و المسايفة تكبير بغير إيماء، و المطاردة يصلي كل رجل على حياله»

و غيره مما تسمعه إن شاء الله، بل هو المنساق من الإطلاق خصوصا و قد كان بدلا في المريض و نحوه، و من هنا قال في المسالك بل و الروضة:


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 2.

ج 14، ص: 183

«إنه إن تعذر فبالعينين كالمريض» فتأمل.

و كيف كان فإن خشي من الإيماء المزبور بأن بلغ الحال إلى حد لا يتمكن منه صلى بالتسبيح و يسقط الركوع و السجود حينئذ و أذكارهما و القراءة و بالجملة يقول بدل كل ركعة: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر لصحيح الفضلاء السابق المتضمن لفعل أمير المؤمنين (عليه السلام)

كالمرسل (1)«فات الناس مع علي (عليه السلام) يوم صفين صلاة الظهر و العصر و المغرب و

العشاء فأمرهم فكبروا و هللوا و سبحوا رجالا و ركبانا»

و خبر البصري (2)عن الصادق (عليه السلام) في صلاة الزحف، قال: تكبير و تهليل لقول الله عز و جل «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً»

و الموثق السابق(3)

و مرسل ابن المغيرة(4)عنه (عليه السلام) أيضا «أقل ما يجزي في حد المسايفة من التكبير تكبيرتان لكل صلاة إلا المغرب، فان لها ثلاثا»

إلى غير ذلك مما يفيد تصفحه المطلوب، و إن كان هو بعد جمع مضامينها، لعدم منافاة النقصان الزيادة، أو يحمل التكبير في بعضها على إرادة الكيفية المزبورة تماما تسمية للكل باسم الجزء.

نعم ليس في شي ء من النصوص ترتيب أجزاء التكبيرة بالكيفية المزبورة في المتن و غيره، بل ربما كان قضيتها كفايتها بأي ترتيب كان كما اعترف به بعضهم، إلا أنه لما كان الإجماع كما في الذكرى على إجزاء الكيفية المزبورة و كانت الذمة مشتغلة بيقين لم يكن بأس بالقول بتعينها، خصوصا و إطلاق النصوص مساق لبيان كفايتها لا كيفيتها و الفتاوى متظافرة كما قيل بتعينها، و ليس اختلاف النصوص هنا و إطلاقها بأعظم منها في الأخيرتين، مع أن الإجماع منعقد كما في الرياض على وجوب الكيفية فيهما، بل لعل ذا

مما يؤيده تعين الكيفية المخصوصة باعتبار أنها الواجبة في حال الاختيار، و أولى


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة الحديث 3.

ج 14، ص: 184

من غيرها في البدلية عن الركعة، و الأولى إضافة الدعاء إلى هذه تأسيا بالمحكي من فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة الهرير في الصحيح و إن كان في تعينه نظر، كما أنه ليس في شي ء من النصوص الترتيب المذكور في أصل كيفية صلاة المطاردة و المسايفة، إلا أنه يمكن استفادته بعد الإجماع كما في الرياض من الأصول و القواعد المقتضية وجوب مراعاة كل ما أمكن من الواجب دون المتعذر الذي علمنا عدم سقوط أصل الصلاة بسببه، و

من قوله (عليه السلام): «لا يسقط الميسور بالمعسور»

«و ما لا يدرك كله لا يترك كله»

و كان مقتضى ذلك وجوب مراعاة الممكن من قراءة الركعة و أذكار ركوعها و سجودها و نحو ذلك عند تعذر الإيماء أيضا، كما أنه لم يسقط شي ء مما يتمكن من القراءة و الذكر و نحوهما عند تمكنه من الإيماء، فلا يكتفي حينئذ بالتكبير المزبور عن الركعة بمجرد تعذر الإيماء و إن تمكن من القراءة مثلا كما هو ظاهر المتن و غيره، إلا أنه يجب الخروج عن ذلك بمعقد إجماع الغنية الذي يشهد له تتبع الفتاوى، و يعضده إطلاق بعض النصوص الصحيحة المتقدمة سابقا، فمتى تعذر الإيماء حينئذ انتقل إلى التكبير المزبور بدل كل ركعة، لكن قد يظهر من الروضة عدم سقوط القراءة في الفرض مع التمكن منها، و هو لا يخلو من وجه.

و لو لم يتمكن من التسبيحة التامة اقتصر على التكبير و ما يتمكن من باقي الأذكار و لم يتعرض له في النصوص لندرته.

و لا يدخل في الركعة تكبيرة الإحرام و التشهد و التسليم كما صرح به بعضهم كالشهيد في المسالك و الروضة و غيره، لعدم دخول شي ء منها في مسماها، فيجب حينئذ عدم ترك شي ء منها، لكن مقتضى إطلاق النصوص عدم وجوب شي ء غير التسبيح المزبور، و أنه هو الصلاة، و لعله هو الأقوى وفاقا لصريح رياض الفاضل و ظاهر

ج 14، ص: 185

غيره، و إن كان الأول أحوط.

و لو شك في عدد التسبيح بطل كمبدله، و به صرح في المسالك و إن كان هو لا يخلو من بحث، سيما و البدلية المزبورة لم تكن صريح شي ء من النصوص، و إنما استفيدت من حيث الاكتفاء بها عوض الركعة، فتأمل.

و الظاهر بقاء مشروعية الجماعة في الصلاة المزبورة حتى لو بلغت إلى التسبيح كما صرح به الشهيدان، و إن أوهم العدم ظاهر الإرشاد، لإطلاق أدلة استحبابها، و لا يقدح هنا اختلاف الامام و المأموم في القبلة و إن قلنا بعدم الجواز في المختلفين بالاجتهاد للفرق بينهما بأنه لا احتمال للخطإ هنا، إذ كل منهم قبلته الحال المتمكن منها، فهم كالمستديرين حول الكعبة، بخلافه في المجتهدين، نعم يعتبر عدم تقدم المأموم على الامام و عدم الحائل و نحوهما من الشرائط الأخر، لعدم الدليل على سقوطها، فقضية شرطيتها سقوط الجماعة عند عدم التمكن من أحدها كما هو واضح، و لا يتحمل الامام هنا التسبيح عن المأموم، إذ هي و إن كانت بدل القراءة التي يتحملها عنه لكنها بدل أمور أخر أيضا لا يتحملها عنه كالركوع و السجود و أذكارهما و نحو ذلك.

[فروع]
اشاره

فروع:

[الفرع الأول إذا صلى مؤميا أو مسبحا مثلا]

الأول إذا صلى مؤميا أو مسبحا مثلا فأمن أمانا ارتفع به العذر في الإيماء و إن بقي أصل الخوف أتم صلاته المقصورة عددا أو الثلاثية بالركوع و السجود فيما بقي منها إذ ما وقع منها كان صحيحا مجزيا لموافقته للأمر و لا يستأنف الصلاة، فلو سبح تسبيحة حينئذ بدل ركعة فأمن بقيت عليه ركعة إن كانت ثنائية، و ركعتان إن كانت ثلاثية، أما إذا ارتفع أصل الخوف أتم ما بقي غير مقصر في الكمية و الكيفية إذا لم يكن مسافرا.

و قيل و القائل الشيخ فيما حكي عنه: إنه يتم ما بقي من صلاته عند حدوث الأمن ما لم يكن استدبر القبلة في أثناء صلاته و إلا استأنفها، قال: «لو صلى

ج 14، ص: 186

ركعة مع شدة الخوف ثم أمن نزل و صلى بقية صلاته على الأرض، و إن صلى على الأرض إما ركعة فلحقته شدة الخوف ركب و صلى بقية صلاته إيماء ما لم يستدبر القبلة في الحالين، فان استدبرها بطلت صلاته» إلى آخره. و لا ريب أن الأقوى الصحة مع الحاجة إلى الاستدبار، لأنه موضع ضرورة و انقلاب تكليف، و الشرائط معتبرة مع الاختيار و كذلك الحكم لو صلى بعض صلاته ثم عرض له الخوف أتم صلاته خائفا كما و كيفا على حسب ذلك العارض له و لا يستأنف الصلاة لعدم المقتضي، بل قاعدة الإجزاء تقضي بما ذكرنا كما هو واضح.

[الفرع الثاني من رأى سوادا فظنه عدوا]

الفرع الثاني من رأى سوادا فظنه عدوا فقصر عددا أو عددا و كيفية بأن صلى مؤميا مثلا ثم انكشف بطلان خياله بأن ظهر إبلا لم يعد صلاته و إن بقي الوقت لقاعدة الاجزاء، ضرورة تحقق السبب، و هو الخوف الذي لا يتفاوت في حصول مسماه الاشتباه في أسبابه، بل هو مبني على ذلك، و من هنا كان لا وجه لاحتمال وجوب الإعادة في المقام باعتبار أنه من تخيل الأمر كالصلاة بظن الطهارة لا الأمر حقيقة، للفرق الواضح بين الخوف و غيره، إذ بانكشاف الخطأ في مسببه لم ينكشف عدم تحقق مسماه في الواقع بخلاف غيره.

و كذا الكلام لو أقبل العدو فصلى مؤميا لشدة خوفه ثم بان أن هناك حائلا يمنع العدو لم يعلم به، نعم لو قصر و فرط في عدم معرفة الحائل لسهولة الاطلاع عليه ففي الذكرى أنه لا تصح الصلاة، و مثله الأول أيضا إذا قصر و فرط في النظر اليه أو كان الخوف من مثل ذلك السواد في ذلك الوقت و المكان من الأوهام السوداوية و شدة الجبن، مع أن وجوب الإعادة أيضا فيهما معا خصوصا خارج الوقت لا يخلو من بحث.

[الفرع الثالث إذا خاف من سيل أو سبع]

الفرع الثالث إذا خاف من سيل أو سبع (11) أو حية أو حرق أو غير ذلك

ج 14، ص: 187

جاز أن يصلي صلاة شدة الخوف فيقصر حينئذ عددا و كيفية، لعدم الفرق في أسباب الخوف المسوغة لذلك بعد التعليق في بعض النصوص (1)على مسمى الخوف المشعر بالعلية، مضافا إلى أولوية البعض من خوف العدو، و إلى خصوص

الموثق (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تعالى «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً» كيف يصلى؟ و ما تقول إن خاف من سبع أو لص كيف يصلي؟ قال: يكبر و يومي إيماء»

لظهور سياقه في اتحاد الصلاتين، و

الصحيح (3)عن الباقر (عليه السلام) «الذي يخاف اللصوص و السبع يصلي صلاة المواقفة إيماء على دابته»

و المرسل (4)عن الصادق (عليه السلام) «في الذي يخاف السبع أو يخاف عدوا يثب عليه أو يخاف اللصوص يصلي على دابته إيماء الفريضة»

و في الفقيه «أنه رخص في صلاة الخوف من السبع إذا خشيه الرجل على نفسه أن يكبر و لا يومي رواه محمد(5)عن أحدهما (عليهما السلام)»

و غير ذلك، و الخصوصية فيها يدفعها عدم القول بالفصل فيما عدا خوف العدو من الأسباب كما اعترف به في الرياض.

و الضعف في سند البعض و في دلالة الجميع باعتبار انسياق التشبيه إلى إرادة قصر الكيفية المتفق عليه في جميع أسباب الخوف نقلا و تحصيلا تجبره الشهرة العظيمة المحكية في الرياض على التعميم المزبور إن لم تكن محصلة، بل في المعتبر نسبته إلى فتوى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، بل في مجمع البرهان الإجماع على عدم الاختصاص بالكفار، مع أنه تردد فيه بعد ذلك.

لكن الإنصاف أنه مع ذلك كله لا يخلو من نظر و تأمل، خصوصا فيما قيل:

إنه يندرج في إطلاقهم الأسير في يد المشركين، و المعسر العاجز عن البينة إذا هرب


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 12.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 5.

ج 14، ص: 188

خشية الحبس، و الخائف من الظالم إذا هرب، بل و إذا استتر في بيته مثلا أيضا منه و

خصوصا فيما ذكره في الذكرى من أنه لو كان المحرم يخاف فوت الوقوف بإتمام الصلاة عددا أو أفعالا و يرجو حصوله بقصرهما أو أحدهما فالأقرب جوازهما، لأن أمر الحج خطير، و قضاءه عسير، إذ أصالة التمام و إطلاق أدلته يجب عدم الخروج عنهما إلا بدليل معتد به، و ليس، و الآية(1)إن لم يكن ظاهر المفهومين فيها خلاف ذلك فلا دلالة فيها على شي ء منه.

فما وقع لبعضهم من الاستدلال بمنطوقها على خوف العدو و فحواها على باقي الأسباب كما ترى، و دعوى الأولوية القطعية أو المساواة في غاية المنع، لأن حكم الشرع و مصالحه في غاية الخفاء، و التعليق على الخوف مع أن المنساق منه خصوصا مع ملاحظة باقي النصوص العدو لا ظهور فيه في المطلق سيما مع عدم وضوح التعليق و عدم سوقه لبيان ذلك، و نصوص السبع و نحوه ظاهرة في قصر الكيفية، و الشهرة فضلا عن الإجماع لم نتحققها، إذ جملة من المحكي من عبارات القدماء محتملة لإرادة قصر الكيفية كالأخبار، و

موثق سماعة المضمر(2)«سألته عن الأسير يأسره المشركون فتحضره الصلاة فيمنعه الذي أسره منها، قال: يومي إيماء»

كموثقه الآخر(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأخذه المشركون فتحضره الصلاة فيخاف منهم أن يمنعوه فيومئ إيماء، قال: يومي إيماء»

إنما يدل على قصر الكيفية، و لذا نص الشهيد في الذكرى- مع أنه عمم أسباب الخوف ذلك التعميم المزبور- على عدم جواز تقصيره في العدد، و كأنه للفرق بين التقصير خشية استيلاء العدو مثلا لو أتم و بين الخوف من أدائها بمحضر منه، و الأول هو الذي يقصر العدد لأجله، و يسمى بصلاة الخوف


1- 1 سورة النساء- الآية 102.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 1.

ج 14، ص: 189

لا الثاني، و منه يظهر ضعف القول بتقصير المستتر المختفي في مكان، إذ لا يخشى من الهجوم عليه لو أتم، فإن الفرض بقاؤه في ذلك المكان بعد الصلاة.

و لعله مما سمعته كله تردد الفاضل كما قيل بل و غيره فيه، بل حكي عن السرائر و غيرها وجوب مراعاة العدد في جميع هذه الأسباب، و المراد أنه إن لم يتمكن من الركعات و لو بقصر الكيفية يسقط أداء الصلاة حينئذ لا أنه مكلف بذلك على كل حال كي يستغرب ذلك، على أنه من الفروض النادرة جدا بناء على جريان صلاة التسبيح في المقام كما يومي اليه معاقد إجماعاتهم، و خبر الفقيه المتقدم سابقا، بل و غيره من النصوص السابقة.

نعم قد يقال هنا بوجوب مراعاة الممكن من القراءة و أذكار الركوع و السجود و إن تعذر الإيماء، فلا ينتقل إلى التسبيحات بمجرد تعذر الإيماء كما قلناه في صلاة المسايفة، لاختصاص ذلك الدليل فيها، مع أن ظاهر الأصحاب عدم الفرق في المقامين في جميع ما تقدم من قصر الكيفية، و يؤيده فحاوي النصوص المعتضدة بالاتفاق ظاهرا.

و الاحتياط لا ينبغي تركه في ذلك كله حتى في الخوف من العدو إذا لم يكن مخالفا في الدين و إن كان باغيا بالخروج على غير إمام العصر، للشك في شمول الأدلة، أما لو كان عليه فلا ريب في تقصير العدد حينئذ، كما يدل عليه فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) في حرب صفين و الحسين (عليه السلام) في كربلاء.

كالشك في تناول الأدلة لمشروعية صلاة الخوف بالنسبة إلى الباغي نفسه و إن كان يمكن أن يقال إنه و إن عصى ببغيه إلا أن تكليفه حينئذ صلاة الخوف، إذ لا مانع من انقلاب تكليفه بعصيانه، كمن أراق الماء عمدا فصار فرضه التيمم، و من أتلف الساتر فانقلب تكليفه إلى الصلاة عاريا، فالمسافر حينئذ عاصيا يقصر إن اعتراه الخوف و إن كان فرضه التمام قبله، اللهم إلا أن يقال: إن الحكمة في مشروعية صلاة الخوف

ج 14، ص: 190

المراعاة لحرمة النفس و أهمية حفظها، و لا حرمة لنفس الباغي.

و كذا الشك في شمول الأدلة للخوف من العدو على غير النفس من تلف المال أو هلاك العيال أو الخوف على البضع، بل في مجمع البرهان زيادة التردد في الأول، قال: «لاستبعاد صيرورته سببا لذلك، مع أنه ما صرح به غير الفاضل مترددا في الأعظم منه كالخوف من السبع و شبهه، إلا أن يقيد بالمال الذي يخاف بهلاكه هلاك النفس» إلى آخره. لكن الإنصاف في خصوص ذلك تناول الأدلة له حتى الآية، لصدق خوف فتنة الذين كفروا عليه، و الله أعلم.

الفرع الرابع لا إشكال على الظاهر في صلاة الجمعة بصلاة عسفان

، لوجود المقتضي و ارتفاع المانع، كما أنه لا إشكال في العدم بصلاة بطن النخل، لأنها لا تشرع نفلا و لا في مكان واحد مرتين، أما بذات الرقاع إذا صليت خطرا فالظاهر الصحة، ففي الذكرى «فيخطب للأولى خاصة بشرط كونها كمال العدد فصاعدا، و لا يضر انفراد الامام حال مفارقة الأولى في أثناء الصلاة، لأنه في حكم الباقي على الإمامة من حيث انتظاره الثانية، و عدم فعل يعتد به حينئذ، و لا تعدد هنا في صلاة الجمعة، لأن الإمام لم يتم جمعته مع مفارقة الأولى، فالفرقتان تجريان مجرى المسبوقين في الجماعة الذين يتمون بعد تسليم الامام، و لذا لا يحتاجون إلى إعادة الخطبة، نعم لو خطب بالأولى و انصرفت قبل أن تصلي ثم جاءت الثانية احتاجت إلى إعادة الخطبة، لعدم صلاة الأولى كي تتصل بها فتستغني عن الخطبة» و لعله مراد الشيخ في المحكي عنه في الذكرى و غيرها، و إن كان ربما توهم في بادئ النظر اعتبار الخطبة للثانية و إن اتصلت صلاتها بصلاة الأولى التي خطب بها، حتى عد مخالفا في المقام، فلاحظ و تأمل.

الفرع الخامس الظاهر عدم اعتبار التأخير إلى آخر الوقت في صلاة الخوف

إذا كانت بإحدى الكيفيات الثلاثة السابقة، ضرورة أن عدم النقصان في نفس الصلاة، إنما

ج 14، ص: 191

هو إن كان ففي كيفية الجماعة في خصوص ذات الرقاع و صلاة عسفان، و إطلاق الأدلة يقتضي جوازه في أول الوقت مع علم التمكن بعد من غيره فضلا عن اليأس منه أو رجائه هذا إن قلنا باختصاص الكيفيتين في الاضطرار، و إلا فلا إشكال أصلا.

إنما البحث في اعتبار التأخير إلى وقت الضيق في صلاة شدة الخوف التي قد عرفت نقصانها عن صلاة المختار في الأجزاء و الشرائط و عدمه، فظاهر جماعة منهم الشيخ فيما حكي من مبسوطة و نهايته الثاني، بل في الرياض أنه المشهور، لإطلاق الأدلة كتابا و سنة، بل ظاهر مساواة الخوف للسفر المعلوم عدم اشتراط الضيق فيما يوجبه من القصر و ظاهر سلار و أبي الصلاح فيما حكي من كلامهما الأول، لعدم صدق الاضطرار مع سعة الوقت، و للاقتصار في سقوط الشرائط و الأجزاء على محل اليقين، و ظاهر

قوله (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن (1): «و من تعرض له سبع و خاف فوت الصلاة استقبل القبلة و صلى بالإيماء»

و صريح المحكي (2)من فقه الرضا (عليه السلام) في صلاة الخائف من اللص و السبع، و لا ريب في أنه أحوط و إن كان في تعينه نظر، خصوصا مع اليأس عن ارتفاع العذر، لتعليق الحكم في النصوص و الفتاوى على الخوف الذي لا يتوقف

صدقه على الضيق، لا على الاضطرار كي ينافي صدق التوسعة، على أن الغالب فيما نحن فيه تحقق الخوف الذي يخشى منه عدم التمكن من أصل الصلاة فيما بعد من الوقت، فيتحقق التضييق، و الله أعلم.

تتمة

الموتحل و الغريق و نحوهما كالحريق و غيره يصليان بحسب الإمكان من الكيفية بلا خلاف و لا إشكال، لعدم سقوط الصلاة بحال، و قبح التكليف بما لا يطاق، فيتركان القراءة إذا لم يتمكنا منها و يوميان لركوعهما و سجودهما على حسب


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 4.
2- 2 المستدرك- الباب- 3- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 2.

ج 14، ص: 192

ما تقدم سابقا، لأن الظاهر اتحاد جميع ذوي الأعذار في قصر الكيفية، نعم قد يتوقف في بدلية التسبيح هنا، مع أنه ربما يقوى ذلك أيضا، خصوصا بعد ما عرفته في مثل الخوف من اللص و السيل و السبع و نحوها، لكن في البدلية على الوجه المتقدم في صلاة الخوف من الاكتفاء فيها بمجرد تعذر الإيماء و إن تمكن من القراءة و الأذكار توقف و تأمل، و مراعاة الأصول تقضي بمراعاة الممكن من القراءة و الأذكار و إن تعذر الإيماء.

و كيف كان ف لا يقصر واحد منهما عدد صلاته إلا في سفر أو خوف موجبين له كما صرح به جماعة، بل في الرياض نفي الخلاف فيه، لأصالة التمام السالمة عن معارضة أدلة صلاة الخوف، حتى لو قلنا بالتعميم في أسبابه، و لذا صرح بالتمام هنا من قال بالتقصير في جميع أسباب الخوف كالمصنف و الشهيد و غيرهما، نعم في الذكرى «لو خاف من إتمام الصلاة استيلاء الغرق و رجا عند قصر العدد السلامة و ضاق الوقت اتجه القصر» و استحسنه في المسالك معللا له بأنه يجوز له الترك، فقصر العدد أولى قال: «لكن في سقوط القضاء بذلك نظر، لعدم النص على جواز القصر هنا، فوجوب القضاء أجود» انتهى.

و فيه أنه لا تلازم بين جواز الترك للعجز و جواز قصرها على هذا الوجه، إذ التمكن من الركعتين بعد انتفاء دليل القصر كالتمكن من الركعة الواحدة خاصة التي من المعلوم سقوطها مع عدم التمكن من غيرها، و أن المتجه بعد مشروعية القصر له و لو بإطلاق أدلة الخوف سقوط القضاء عنه، لاقتضاء الأمر الاجزاء، و لا حاجة إلى دليل خاص بعد حجية الإطلاقات عندنا، فاستحسانه القصر مع إيجابه القضاء مما لا يجتمعان، اللهم إلا أن يريد الاحتياط، فيتجه حينئذ وجوبهما، كما أنه يتجه القصر فيما فرضه

ج 14، ص: 193

في الذكرى بناء على التعميم في أسباب الخوف لمثل السيل و السبع و اللص و الحرق و نحوها إلا أنه أطلق هنا عدم القصر في العدد كجماعة من الأصحاب، بل في الرياض أنه لا خلاف فيه و إن كان يشهد بخلافه التتبع، إذ المحكي عن سلار ظاهر أو صريح في التقصير فيهما غير مقيد له بما سمعته من الذكرى، و إن كان لا ريب في ضعفه، و الله أعلم.

[الفصل الخامس في صلاة المسافر]
اشاره

الفصل الخامس في البحث عن صلاة المسافر و محل النظر منها في الشروط و التقصير و لواحقه،

[في شروط صلاة المسافر]
اشاره

أما الشروط فستة:

[الشرط الأول اعتبار المسافة]
اشاره

الأول اعتبار المسافة فيها بلا خلاف فيه بيننا بل و بين سائر المسلمين، بل هو إن لم يكن ضروريا عندهم فهو مجمع عليه بينهم، و كتابهم ناطق به، كما أن سنتهم متواترة فيه و داود الظاهري و إن لم يعتبر مقدارا مخصوصا في المسافة لكن اعتبر الضرب في الأرض قليلا كان أو كثيرا.

[المراد من المسافة]

و كيف كان ف هي تحصل عندنا و الأوزاعي من العامة حاكيا له عن جميع العلماء ب مسير يوم تام كيوم الصوم، ل

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة و محمد بن مسلم (1): «قد سافر رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى ذي خشب و هي مسيرة يوم من

المدينة يكون إليها بريدان أربع و عشرون ميلا»

و الصادق (عليه السلام) في خبر البجلي (2)«قلت له: كم أدنى ما يقصر فيه الصلاة؟ قال: جرت السنة ببياض


1- 1 الفقيه ج 1 ص 278- الرقم 1266.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 15.

ج 14، ص: 194

يوم، فقلت له: إن بياض يوم مختلف، فيسير الرجل خمسة عشر فرسخا في يوم، و يسير الآخر أربعة فراسخ و خمسة فراسخ في يوم، فقال: إنه ليس إلى ذلك ينظر، أما رأيت سير هذه الأثقال بين مكة و المدينة، ثم أومأ بيده أربعة و عشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ»

و الصحيح عن أبي بصير(1)قلت له (عليه السلام) أيضا: «في كم يقصر الرجل؟ قال: في بياض يوم أو بريدين»

و أبي الحسن (عليه السلام) في صحيح ابن يقطين (2)«سألته عن الرجل يخرج في سفره و هو مسيرة يوم، قال:

يجب عليه التقصير إذا كان مسير يوم و إن كان يدور في عمله»

و موثق سماعة(3)المضمر «سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال: في مسيرة يوم، و ذلك بريدان و هما ثمانية فراسخ»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة عليه الظاهرة في إرادة يوم الصائم منه للتعبير فيها ببياض يوم، و به صرح بعضهم، بل لم نعثر على خلاف فيه و لو لا ذلك لأمكن إرادة ما بين انتشار الضياء إلى انكسار سورته بانحدار الشمس إلى الغروب من اليوم مع استثناء القيلولة في القيض و غيرها مما لا يقدح في صدق السير يوما عرفا، لكن لا بأس بالأول بعد ما عرفت من دلالة النصوص المعتضدة بما عثرنا عليه من الفتوى عليه، و على أن مقداره في الشرع أيضا بريدان اللذان أجمع الأصحاب على وجوب التقصير فيها تحصيلا و نقلا كاد يبلغ التواتر، و كأنه لما كان سير اليوم مختلفا بحسب الأمكنة و الأزمنة و السائرين و دواب السير و الجد فيه و عدمه و غير ذلك- بل ربما حصل فيه اختلاف أيضا في تقديره لو وقع بالليل أو الملفق منه و من النهار، إذ لم يعلم أن المقدار يوم تلك الليلة أو يوم آخر- قدره الشارع بالبريدين دفعا لهذا الاختلاف بعد أن كانا متقاربين في الواقع، ضرورة أن المراد السير العام


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 16.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 8.

ج 14، ص: 195

للإبل، لخبر البجلي (1)السابق، و

قول الصادق (عليه السلام) في حسنة الكاهلي (2): «كان أبي يقول لم يوضع التقصير على البغلة السفواء و الدابة الناجية».

و أن المراد الاعتدال من الوقت و السير و المكان بمعنى اعتبار الوسط من الثلاثة كما

صرح به بعضهم، و إن ناقش في المدارك في ذلك بالنسبة للأخير، و لعله لإطلاق النص فيه مع عدم الداعي إلى تقييده في ذلك، بخلاف الأولين، لغلبة السير في الليل و عدم التواني و الجد في السفر، و هو كما ترى.

و على كل حال فهو حينئذ تحقيق في تقريب كنظائره، فالترديد بين بياض اليوم و البريدين في خبر أبي بصير(3)السابق ترديد فيما يسهل على المكلف اعتباره، و إلا فهما شي ء واحد في نظر الشارع لا أنهما أمران مختلفان كي يتجه البحث في أن مدار المسافة عليهما معا، بمعنى كون المعتبر فيها اجتماعهما كما عساه يوهمه بعض العبارات فلو فرض قصور مسير اليوم عن البريدين أو بالعكس بأن حصل في بعض اليوم لم يكن ذلك مسافة.

أو أن المدار على مسير اليوم و إن قصر عن البريدين، لأنه الأصل في المسافة و التقدير بالبريدين تقدير له، و لأن دلالة النص عليه أقوى، إذ ليس لاعتبارها بالأذرع على الوجه المذكور نص صريح، بل ربما اختلفت فيه النصوص و الفتاوى، و قد صنف السيد السعيد جمال الدين أحمد بن طاوس كتابا مفردا في تقدير الفراسخ و حاصله على ما قيل لا يوافق المشهور، و لأن الأصل الذي اعتمد عليه الفاضل و غيره على ما قيل في تقدير الفرسخ يرجع إلى اليوم، إذ قد استدل عليه فيما حكي عن تذكرته بأن المسافة تعتبر بمسير اليوم للإبل السير العام، و هو يناسب ذلك، قيل و كذا الوضع اللغوي، و هو مد البصر من الأرض.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 15.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 11.

ج 14، ص: 196

أو أن المدار على التقدير بالبريدين كما عساه يلوح من الذكرى، لأنه تحقيق، و الآخر تقريب، أو أن المدار على حصول أحدهما عملا بكل من الدليلين كما استظهره في المدارك، ضرورة أن ذلك كله مبني على أنهما تقديران مختلفان للمسافة، أما بناء على ما ذكرنا من أنهما شي ء واحد عند الشارع- فمسير اليوم عنده عبارة عن قطع بريدين و بالعكس، و متى تحقق أحدهما تحقق الآخر في نظره- فلا يتأتى شي ء من ذلك، إذ فرض مسير البريدين في بعض اليوم أو نقصان مسير اليوم عنهما حينئذ غير قادح في المراد شرعا، لأن الأول مسير يوم عنده بخلاف الثاني كما هو واضح.

بل كاد يكون صريح بعض الأدلة السابقة كموثق سماعة و خبر البجلي، و نحوهما

حسن الفضل بن شاذان (1)المروي عن الفقيه و العيون و العلل عن الرضا (عليه السلام) «إنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك و لا أكثر، لأن ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة و القوافل و الأثقال».

و خبره الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا في كتابه إلى المأمون «و التقصير في ثمانية فراسخ و ما زاد، و إذا قصرت أفطرت»

و خبر الأعمش (3)عن الصادق (عليه السلام) المروي عن الخصال «التقصير في ثمانية

فراسخ، و هو بريدان، و إذا قصرت أفطرت، و من لم يقصر في السفر لم تجز صلاته، لأنه زاد في فرض الله»

و خبر ابن مسلم (4)المروي عن كتاب الرجال للكشي، قال: قال النبي (صلى الله عليه و آله): «التقصير يجب في بريدين»

و خبر محمد(5)عن الباقر (عليه السلام) «سألته عن التقصير، قال: في بريد، قال: قلت:


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 17.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 9.

ج 14، ص: 197

بريد، قال: إنه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا اشتغل يومه»

و غيرها.

بل قد يومي اليه النصوص (1)الكثيرة الدالة على تحقق المسافة بقصد بريد معللة له بأنه يتم له شغل يومه بإرادته الرجوع، فيكون بريدا ذاهبا و بريدا جائيا حتى على ما فهمه الأصحاب منها من إرادة الرجوع ليومه، ضرورة عدم صدق شغل اليوم حقيقة بالسفر إذا تخلل بين الذهاب و الإياب الجلوس لقضاء الحاجة و نحوه، فلا بد حينئذ من إرادة مقدار ذلك، و هو البريدان، فتأمل.

على أن الإجماع بقسميه متحقق على التقصير في قطع البريدين و إن كان في بعض اليوم، و لعله اليه يرجع ما سمعته من الذكرى من تقديم التقدير على مسير اليوم، و إن كان الظاهر أن مدركه غير ما ذكرنا إلا أنه لا بأس به بعد الاتحاد بالعمل.

بل لعله هو مراد الأصحاب كالمصنف و غيره ممن عبر بعبارته عن المسافة من أنها هي مسير يوم بريدين ثمانية فراسخ حتى قيل: إن ذلك معقد إجماع غير واحد منهم كالشيخ و السيد و الشريف ابن زهرة و ابن إدريس و الفاضلين و غيرهم.

و مقدار البريدين من غير خلاف يعرف فيه أربعة و عشرون ميلا كل واحد منهما اثني عشر ميلا، و كان البريد في الأصل لدابة الرسول الذي يستعملونه الملوك في حوائجهم، ثم نقل إلى الرسول نفسه، ثم إلى المسافة المذكورة، و ربما ظهر من بعضهم أن الجميع معان له من غير نقل.

و على كل حال فالمراد منه هنا المسافة المزبورة، لموثق سماعة و صحيح زرارة و محمد بن مسلم السابقين، و

حسنة الكاهلي (2)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

التقصير في الصلاة بريد في بريد أربعة و عشرون ميلا»

و غير ذلك، فيتحد حينئذ


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 3.

ج 14، ص: 198

نصوص البريدين مع ما دل على تقدير المسافة بأربعة و عشرين ميلا، ك

موثق العيص (1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «في التقصير حده أربعة و عشرون ميلا»

و غيره، بل و مع ما دل على تقديرها بثمانية فراسخ، لأنها بريدان كما هو صريح موثقة سماعة السابقة، و لأن الفرسخ بإجماع العلماء كافة كما في المدارك ثلاثة أميال مضافا إلى تقديره بذلك أيضا لغة، بل قيل و نصا(2)فما في خبر المروزي (3)عن الفقيه (عليه السلام) من تقدير البريد بستة أميال، قال: و هو فرسخان شاذ أو محمول بقرينة السائل على إرادة الفرسخ الخراساني الذي هو كما قيل عبارة عن فرسخين على الضعف مما عندنا، و نحوه الميل، فتكون الستة عبارة عن اثني عشر ميلا عندنا، كما أن الفرسخين عبارة عن أربعة، و عليه تتضح دلالة الخبر المزبور على ما هو المعروف المشهور من كون المسافة ثمانية أو أربعة ذاهبا و أربعة جائيا، نعم لا دلالة فيه على الرجوع لليوم كغيره من النصوص، و ينبغي حمل الأمر فيه بإعادة الصلاة على الندب جمعا، فلاحظ و تأمل.

و أما الميل ف أربعة آلاف ذراع بذراع اليد من لدن المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى من مستوي الخلقة الذي طوله أربع و عشرون إصبعا تعويلا على المشهور بين العلماء من الناس بل

في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب، كما عن غيرها أنه لا خلاف فيه بينهم يعرف، و قد نص عليه المسعودي في كتاب مروج الذهب على ما حكاه عنه في السرائر كما ستسمع أو مد البصر من الأرض كما في المصباح و القاموس و الصحاح حاكيا له عن ابن السكيت، و لعلهما بناء على أن المراد ما يتميز به الفارس من الراجل للبصر المتوسط في الأرض المستوية أو المتوسطة من مد


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 1 و 2- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 4.

ج 14، ص: 199

البصر متقاربان، و لذا كان ظاهر المتن التخيير في الاعتبار بكل منهما، و ما في المدارك- من أن ظاهره التوقف في المعنى الأول حيث نسبه إلى الشهرة و ذكر الآخر جازما به- ليس في محله، بل ظاهره التخيير بقرينة لفظ التعويل، بل لعل تقديمه مشعر بترجيحه على الأخير كما اعترف به في التنقيح، لتقدم العرف على اللغة عند التعارض، و الشهرة هنا بناء على أن المراد منها غير الشهرة الفتوائية صالحة لإثبات ما نحن فيه، لكونه من الموضوعات، فنسبة ذلك إليها لبيان مدرك الحكم لا للتوقف فيه كما حكاه في الرياض عن بعض مشايخه.

مع أنه ربما يدل عليه- مضافا إلى الشهرة و غيرها مما عرفت، و مناسبته للتحديد اللغوي بمد البصر، و لتقدير المسافة بمسيرة اليوم أيضا- ما حكي عن القاموس «من أن الميل قدر مد البصر، أو منار يبنى للمسافر، أو مسافة من الأرض متراخية بلا حد أو مائة ألف إصبع إلا أربعة آلاف إصبع، أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع بحسب اختلافهم في الفرسخ هل هو تسعة آلاف بذراع القدماء أو اثني عشر ألفا بذراع المحدثين» إلى آخره. إذ من الواضح انطباقه على ما ذكره من المائة ألف إصبع إلا أربعة آلاف، و منه يظهر أنه لا وجه لذكره الأربعة آلاف ذراع يعني مقابلا للمائة ألف إصبع إلا أربعة آلاف، بل الظاهر رجوع التقدير بالثلاثة آلاف ذراع إليه أيضا كما نبه عليه الفيومي في مصباحه، قال هو على ما يقتضيه ما حضرني من نسخته أو حاكيا له عن الأزهري على ما عن أخرى: «و الميل عند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع، و عند المحدثين أربعة آلاف ذراع، و الخلاف لفظي فإنهم اتفقوا على أن مقداره ستة و تسعون ألف إصبع، و الإصبع ستة شعيرات بضم بطن كل واحدة للأخرى و لكن القدماء يقولون: الذراع اثنتان و ثلاثون إصبعا، و المحدثون أربع و عشرون إصبعا، فإذا قسم الميل على رأي القدماء كل ذراع اثنتين و ثلاثين كان المتحصل

ج 14، ص: 200

ثلاثة آلاف ذراع و إن قسم على رأي المحدثين أربعا و عشرين كان المتحصل أربعة آلاف ذراع، و الفرسخ عند الكل ثلاثة أميال، و إذا قدر الميل بالغلوات و كانت كل غلوة أربعمائة ذراع كان ثلاثين غلوة، و إن كان كل غلوة مائتي ذراع كان ستين غلوة» إلى آخره.

بل قد يقرب منه أيضا ما عن المهذب من أن الميل الهاشمي أربعة آلاف خطوة و اثني عشر ألف قدم، لأن (و إن خ ل) كل خطوة ثلاثة أقدام منسوب إلى هاشم جد النبي (صلى الله عليه و آله) بل يقرب منه أيضا

مرسل محمد بن يحيى الخزاز(1)عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) قال: «بينما نحن جلوس و أبي عند وال لبني أمية على المدينة إذ جاء أبي فجلس، فقال: كنت عند هذا قبيل، فسألهم عن التقصير فقال قائل منهم: في ثلاث، و قال قائل منهم: يوما و ليلة، و قال قائل منهم: روحة، فسألني فقلت لهم: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما نزل عليه جبرائيل بالتقصير قال له النبي (صلى الله عليه و آله): فيكم ذاك؟ فقال: في بريد، قال: و أي شي ء البريد قال: ما بين ظل عير إلى في ء وعير، قال: ثم عبرنا زمانا ثم رأي بنو أمية يعملون أعلاما على الطريق، و أنهم ذكروا ما تكلم به أبو جعفر (عليه السلام) فذرعوا ما بين ظل عير إلى في ء وعير ثم جزؤه على اثني عشر ميلا، فكانت ثلاثة آلاف و خمسمائة ذراع كل ميل، فوضعوا الأعلام، فلما ظهر بنو هاشم غيروا أمر بني أمية غيرة، لأن الحديث هاشمي، فوضعوا إلى جنب كل علم علما»

بناء على أن المراد بالذراع فيه ذراع الملك الكسروي القديمة التي مقدارها سبع قبضات عبارة عن ثمانية و عشرين إصبعا كما حكاه في المصباح المنير، إذ عليه حينئذ يزيد على المزبور تقريبا من ألفين إصبعا، أو على أن المراد بالذراع ذراع الحديد المسماة بالسوداء المقدرة بسبع و عشرين إصبعا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 13.

ج 14، ص: 201

على ما حكي عن بعض المتأخرين ممن ألف في ضبط المقادير، فإنه حينئذ ينقص عن المقدار المزبور ألف و خمسمائة إصبع، إذ مثل هذه النقيصة و الزيادة مما يتسامح فيها.

و لعل ذلك أولى مما عن المهذب من طرح الخبر المزبور، قال: «للميل تقديران مشهوران، شرعي و هو أربعة آلاف ذراع باليد، و في بعض الروايات ثلاثة آلاف و خمسمائة، و هي متروكة، و وضعي و هو قدر مد البصر في الأرض المستوية لمستوي البصر» و أولى مما حكاه في المصابيح عن جماعة من التحديد بذلك، قال: و صححه ابن عبد البر، و ذكر غيره أنه المطابق لتحديد ما بين مكة و منى و المزدلفة و عرفة، و ما بين مكة و التنعيم و المدينة و قبا، ضرورة مخالفة ذلك للمعروف بين العلماء كما عرفت.

و كيف كان فمما ذكرنا ظهر أن الأذرعة أربعة: ذراع القدماء و هي اثنان و ثلاثون إصبعا عبارة عن ثمان قبضات، و ذراع المحدثين و هي ست قبضات أربعة و عشرون إصبعا، و ذراع بعض الأكاسرة و هي سبع قبضات ثمانية و عشرون إصبعا، و الذراع الأسود الذي حدث في الدولة العباسية أو هي و الأموية سبع و عشرون إصبعا و منه يظهر وجه مناسبة حمل الخبر المزبور عليه، لكن في السرائر عن المسعودي في كتاب مروج الذهب أنه قال: «الميل أربعة آلاف ذراع بذراع الأسود، و هو الذي وضعه المأمون لذرع الثياب و مساحة البناء و قسمة المنازل، و الذراع أربعة و عشرون إصبعا» و عليه تكون الأذرعة ثلاثة، إلا أن الظاهر خلافه إن كان المراد بها ما في أيدي الناس الآن من الذراع الحديد، إذ هي تزيد على ذلك قطعا.

كما أنه ينبغي القطع بسهو ما في الفقيه من رواية الخبر المزبور «ألف و خمسمائة ذراع» بدل «ثلاثة آلاف و خمسمائة ذراع» لمخالفته لما عليه العلماء من الفقهاء و أهل اللغة، بل و لما يشاهد بالوجدان كما قيل بين الجبلين المسميين بعير و وعير.

و على كل حال فالمراد بالإصبع عرضه لا طوله، و قدر بسبع شعيرات من وسط

ج 14، ص: 202

الشعير متلاصقات بالسطح الأكبر أي يوضع بطن كل واحدة على ظهر الأخرى، و ربما قيل ست، و كأنه لاختلاف الشعير أو الوضع أو الأصابع، و قدر عرض كل شعيرة بسبع شعرات من أوسط شعر البرذون.

ثم لا فرق مع ثبوت المسافة بالمساحة بين قطعها في يوم أو أقل و إن كثر، للصدق، إلا أن يتمادى فيه بما يخرجه عن صدق اسم المسافر، كما إذا قطع في كل يوم مرمى سهم للتنزه و نحوه و إن كان القصد البلوغ إلى المقصد، فيتم كما في الذكرى، للشك في شمول الأدلة له، فيبقى استصحاب التمام سالما، نعم لو لم يخرجه ذلك عن اسم المسافر بأن كان ذلك لصعوبة المسير مثلا كما إذا كان السير في الماء على خلاف مجراه قصر.

و لو قارب المسافر بلده فتعمد ترك الدخول إليها للترخص و لبث في قرى متقاربة يخرج بها عن اسم المسافر ففي الذكرى أن ظاهر النظر يقتضي عدم الترخص، و لعله لعدم صدق المسافر عرفا أو الشك فيه، لكن على الثاني يتجه استصحاب القصر، بل قيل: و على الأول أيضا، لانحصار انقطاع السفر في القواطع الثلاثة، و فيه أنه كذلك مع بقاء صدق اسم المسافر عليه.

و من ذلك ينقدح الشك في صدق المسافر أيضا في القاطن بنفسه أو بعياله في مكان واحد لا ملك له فيه سنين متعددة لا بقصد الوطنية، و إن كان هو المأوى له و المقر حتى يحتاج في إتمام صلاته فيه إلى نية الإقامة فيه أو التردد ثلاثين يوما، و إلا قصر فيه إذا لم يحصل شي ء منهما و لو بلغ ذلك إلى خمسين سنة أو أزيد كما وقع من بعض علماء العصر من غير إنكار من الباقين عليه، و لعله لانحصار قواطع السفر في الثلاثة المعلومة، لكن لا ريب في أن الاحتياط خلافه بناء على ما سمعت من اعتبار صدق المسافر أيضا، فالأولى حينئذ الجمع بين القصر و الإتمام في أمثال ذلك.

و كذا لا فرق في المسافة بين البر و البحر، فإذا قصد الثمانية في أحدهما قصر

ج 14، ص: 203

و إن بلغ في الآخر فرسخا أو أقل بلا خلاف أجده فيه كما عن المنتهى الاعتراف به، لإطلاق النصوص و الفتاوى.

[في بيان مبدأ المسافة في البلاد المتسعة]

و مبدأ تقدير المسافة أول آنات صدق اسم المسافر عليه، و الظاهر حصوله عرفا بالخروج عن خطة البلد كحصنه إذا لم يكن خارق المعتاد في السعة و إن كان بين بساتينه و مزارعه لا قبله، خلافا للمحكي في الدروس عن علي بن بابويه من الاكتفاء بالخروج من المنزل، فيقصر حتى يعود اليه، و لا عبرة بالإعلام و الأسوار، لعدم صدق السفر بعد حتى تجري عليه أحكامه، إذ أول آنات صدقه ما ذكرناه، و احتمال أن العبرة بالخروج عن محل الترخص لانقطاع حكم السفر بالدخول فيه فيكون هو مبتدأة كما هو ظاهر الشهيد يدفعه حرمة القياس بعد اختصاص ذلك بالدليل الذي أخرج بسببه عما يقتضيه صدق اسم المسافر، و ضعف الاشعار المزبور، و دعوى كشف ذلك الدليل عن عدم صدق اسم المسافر عليه حينئذ لا أنه (1)أخرجه عن الحكم خاصة مع بقاء الصدق عليه فيكون إطلاق اسم المسافر حينئذ في مثل هذا العرف من اشتباهاته أو تسامحاته عارية عن البرهان مخالفة للوجدان، و لو سلمت فأقصاها الخروج عن الاسم في منتهى السفر لا في ابتدائه، كدعوى ملازمة وجوب التقصير عليه الذي لا يكون إلا بالخروج عن محل الترخص لتقدير المسافة، إذ هي كما ترى لا شاهد عليها أيضا، فإن الخطاب بالتقصير شي ء و تقدير المسافة شي ء آخر، فتوقف الأول على الخروج عن محل الترخص للدليل لا يستلزم الثاني، فتأمل جيدا.

و لو كان خارجا عن البلد أو محل الترخص منها ثم قصد السفر كفاه الضرب بالأرض، أما البلاد العظيمة المتسعة فقد صرح غير واحد بأن مبدأ التقدير فيها الخروج عن المحلة نفسها أو محل الترخص بالنسبة إليها على الوجهين السابقين في البلاد المعتادة، لأنه

به يتحقق اسم السفر و الضرب في الأرض و إن كان هو مسيرة بين الدور من غير


1- 1 و في النسخة الأصلية« لأنه» و الصحيح ما أثبتناه.

ج 14، ص: 204

حاجة إلى الخروج عن حصن البلاد، و لا يخلو من تأمل، سيما في مثل البلاد المتصلة محالا و دورا و لها حصن، لا ما كانت كأصبهان على ما قيل من تباعد المحال و الدور و عدم السور، فان التأمل فيه أضعف، و احتمال كون الجميع كالسفر من منازل الأعراب المتحقق بمجرد الخروج عن الحي و إن كان أول الأحياء يدفعه- بعد تسليمه في المقيس عليه، و صحة القياس- حصول الصدق فيه دونه، و هو المدار، لعدم النص بالخصوص كاحتمال توجيهه أنه لما لم يكن مثله متبادرا من الإطلاقات وجب الرجوع فيه إلى المتبادر المنساق منها، و هو غير المتسع، كالرجوع في وجه غير مستوي الخلقة إلى مستويها، إذ هو مع أنه كما ترى مقتضاه كون العبرة بالمحلة إذا وافقت آخر البلد المعتدل تقديرا لا مطلقا كما يوهمه إطلاقهم، اللهم إلا أن يدعى أنه الغالب الذي ينصرف الإطلاق اليه، و على كل حال فالاحتياط و لو بالجمع بين القصر و الإتمام الذي هو الأصل لا ينبغي تركه فيه و في مثل المنزل المرتفع أو المنخفض أيضا، و إن قال في الدروس: إنه يقدر فيه التساوي، لعدم مدرك تطمئن النفس له به، إذ ليس إلا إلحاقه بالغالب في البلاد.

ثم لا ريب في توقف القصر على العلم ببلوغ المقصد مسافة و لو بالشياع المفيد للنفس الاطمئنان الذي يجري مجرى اليقين الخالص عن الاحتمال قريبه و بعيده عند الناس، و لعله لذا عطفه غير واحد من الأصحاب على العلم، و إلا فاحتمال الاكتفاء به و إن لم يفد ذلك بل كان مفاده الظن لا دليل عليه، بل ظاهر حصر المواضع المعتبر فيها الشياع في غيرها خلافه، و ما في الروض من احتمال العمل هنا بمطلق الظن القوي لأنه مناط العمل في كثير من العبادات لا شاهد له، كاستظهاره أيضا أن الشياع المتاخم للعلم بمنزلة البينة، بل ربما كان أقوى، فيجوز التعويل عليه عند الجهل، إلا أن يريد ما ذكرناه، نعم تقوم البينة مقام العلم بلا خلاف معتد به أجده فيه، لعدم اشتراط قبولها بالتداعي بين يدي الحاكم كما لا يخفى على المتتبع لكلمات الأصحاب في المقام و غيره.

ج 14، ص: 205

فما عن الذخيرة من التوقف في ذلك في غير محله، بل في الذكرى و الروض احتمال الاكتفاء بالعدل الواحد، و مال اليه بعض علماء العصر، لإطلاق أدلته، و قبوله في الأعظم من ذلك، و عدم كون ما نحن فيه من باب الشهادة، و هو لا يخلو من قوة و إن كان ظاهر اعتبار الأصحاب البينة ينفيه.

و لو تعارض البينتان ففي الذكرى و عن المصنف تقديم بينة الإثبات، لأن شهادة النفي غير مسموعة، و فيه أن كلا منهما مثبت لو فرض استنادهما إلى الاعتبار مثلا، كما لو قال أحدهما اعتبرتها فوجدتها ثمانية، و الآخر سبعة، فلا يبعد مع فقد الترجيح التخيير أو الاحتياط أو الرجوع إلى أصل التمام، و لعله الأقوى، إذ هو حينئذ كالشاك الذي فرضه التمام بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الرياض لا التخيير و إن أوهمه كلام المقدس البغدادي للأصل.

فلو صلى حينئذ قصرا أعاد و إن ظهر بعد ذلك أنه مسافة، إلا إذا فرض التقرب منه مع مصادفة الواقع، نعم في وجوب الاعتبار عليه وجهان، من أصل البراءة، و من توقف الامتثال عليه، و لعل الأقوى وجوب ما لا عسر و لا حرج فيه و ضرر كالسؤال و غيره عليه.

و لو صلى تماما ثم ظهر أنه مسافة ففي المدارك و الرياض لم يعد لقاعدة الاجزاء، و فيه بحث، خصوصا إذا كان في الوقت، للفرق بين الأمر حقيقة و بين تخيل الأمر، و ما نحن فيه من الثاني لا الأول، اللهم إلا أن يدعى أن مقتضى أدلة الاستصحاب كونه من الأول، و لتحريره مقام آخر.

[في حكم ما لو بان في أثناء السير أن المقصد مسافة]

و لو ظهر في أثناء السير أن المقصد مسافة قصر و إن لم يكن الباقي مسافة، لتحقق المقتضي من قصد المسافة، و عدم اعتبار سبق العلم بها، فليس هو كالمتردد في السفر الذي لم يتحقق منه قصد أصلا، و إن احتمله في الروض، لكنه ضعيف جدا كما

ج 14، ص: 206

اعترف به هو، و هل مثله لو سافر الصبي إلى مسافة فبلغ في أثنائها أو المجنون الذي يتحقق منه قصد لثمان حينئذ؟ جزم في الروض به، و لا يخلو من إشكال، و مع الاختلاف في المسافة عمل كل منهم بمقتضى عمله، فيتم البعض و يقصر الآخر، بل لبعضهم الائتمام ببعض، لصحة الصلاة ظاهرا لكن قد يتجه العدم بناء على عدم جواز الاقتداء مع المخالفة بالفروع، إلا أن الشهيدين هنا صرحا بالجواز، مع أن المحكي عنهما المنع هناك، و الفرق بين المقامين مشكل كما اعترف به في المدارك، بل لعل ما نحن فيه أولى بالمنع

[في وجوب القصر على من سافر بريدا و رجع و في تحديد المسافة]

و لو كانت المسافة أربعة فراسخ أو خمسة فصاعدا إلى ما دون الثمانية و قصدها و أراد العود ليومه فقد كمل مسير يوم بذهابه ببريد و إيابه ببريد و وجب القصر حينئذ بلا خلاف معتد به أجد فيه، بل عن الأمالي أنه من دين الإمامية، بل نص عليه أكثر الأعيان من الأصحاب إن لم يكن جميعهم، بل هو ظاهر الجميع عدا الشيخ في كتابي الأخبار اللذين لم يعد الاستبصار منهما للفتوى فخير بينهما فيهما، و إلا فقد نص على تعيين القصر في غير موضع من مبسوطة و نهايته، و ما في الذكرى- من حكاية التخيير عن المبسوط و كتاب الصدوق الكبير، ثم قواه هو- لم نتحققه، بل المتحقق خلافه، كما أن ما في الروضة أيضا- من نسبة التخيير إلى جماعة، و في خصوص الصلاة إلى آخرين كذلك- لم نتحققه أيضا، و قصر أبي المكارم المسافة المسوغة للقصر في الثمانية لا غير كالمحكي عن أبي الصلاح محتمل، أو ظاهر في إرادة ما يشمل الملفقة من الذهاب و الإياب ليومه، و لذا لم يذكرهما أحد مخالفين هنا، فانحصر الخلاف حينئذ في كتابي الشيخين مع أنهما ليسا بتلك الصراحة أيضا، لاحتمال إرادة التخيير لمن لم يرد الرجوع ليومه كما هو المشهور بين قدماء الأصحاب على ما ستعرف.

و إن أبيت ذلك فهما محجوجان بالنصوص المعتبرة سندا و دلالة و لو بملاحظة

ج 14، ص: 207

إطباق الأصحاب على إرادة هذا الفرد منها، ك

صحيح زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) «التقصير في بريد، و البريد أربعة فراسخ»

و مرسل الخزاز(2)المتقدم آنفا، و

صحيح الشحام (3)سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «يقصر الرجل الصلاة في مسيرة اثني عشر ميلا»

و الصحيح عن الهاشمي (4)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن التقصير، فقال: في أربعة فراسخ»

و خبر أبي الجارود(5)«قلت لأبي جعفر (عليه السلام):

فيكم التقصير؟ فقال: في بريد»

و خبر ابن عمار(6)قال لأبي عبد الله (عليه السلام) أيضا: «فيكم أقصر الصلاة؟ قال: في بريد، أ لا ترى أن أهل مكة إذا خرجوا إلى عرفة كان عليهم التقصير؟»

و خبر إسحاق بن عمار(7)أيضا «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

فيكم التقصير؟ فقال: في بريد، ويحهم كأنهم لم يحجوا مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقصروا»

و الصحيح (8)أيضا «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أهل مكة يتمون الصلاة بعرفات، قال: ويلهم أو ويحهم و أي سفر أشد منه، لا تتم»

و الخبر(9)عنه (عليه السلام) أيضا «أهل مكة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم أتموا، و إذا لم يدخلوا منازلهم قصروا»

و في آخر(10)عنه (عليه السلام) أيضا «إن أهل مكة إذا خرجوا حجاجا قصروا، و إذا زاروا و رجعوا إلى منازلهم أتموا»

و صحيح زرارة(11)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التقصير، فقال: بريد


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر الحديث 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر الحديث 6.
8- 8 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر الحديث 1.
9- 9 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر الحديث- 7.
10- 10 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر الحديث 8.
11- 11 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 14 و في الوسائل عن أبى عبد الله عليه السلام و لكن الصحيح هو ما ذكره في الجواهر فان المذكور في الفقيه الذي هو مصدر الحديث كذلك.

ج 14، ص: 208

ذاهب و بريد جائي، و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا أتى ذبابا، قصر و ذباب على بريد، و إنما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ».

و خبر إسحاق بن عمار(1)المروي عن العلل و غيرها «سألت أبا الحسن موسى ابن جعفر (عليهما السلام) عن قوم خرجوا في سفر لهم فلما انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم فيه التقصير قصروا من الصلاة، فلما أن صاروا على رأس فرسخين أو ثلاثة فراسخ أو أربعة تخلف منهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم إلا به، فأقاموا ينتظرون مجيئه إليهم، و هم لا يستقيم لهم السفر إلا بمجيئه إليهم، و أقاموا على ذلك أياما لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون هل ينبغي لهم أن يتموا الصلاة أو يقيموا على تقصيرهم؟ أقاموا أم انصرفوا، و إن كانوا ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة ما أقاموا، فإذا مضوا فليقصروا، ثم قال (عليه السلام): هل تدري كيف صار هكذا؟ قلت: لا أدري، قال: لأن التقصير في بريدين، و لا يكون التقصير في أقل من ذلك، فلما كانوا قد ساروا بريدا و أرادوا أن ينصرفوا بريدا كانوا قد ساروا سفر التقصير، و إن كانوا قد ساروا أقل من ذلك لم يكن لهم إلا إتمام الصلاة».

و صحيح عمران بن محمد(2)«قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): جعلت فداك إن لي ضيعة

على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ، فربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام فأتم الصلاة أم أقصر؟ قال: قصر في الطريق و أتم في الضيعة»

بناء على حمل الأمر فيه بالإتمام في الضيعة على التقية، لعدم إيجابها


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 14.

ج 14، ص: 209

بنفسها القصر عندنا كما ستعرف، فيكون القصر فيه حينئذ للتلفيق.

11158

و صحيح ابن وهب (1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أدنى ما يقصر فيه الصلاة، فقال: بريد ذاهبا و بريد جائيا»

و موثق محمد بن مسلم (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن التقصير قال: في بريد، قال: قلت: بريد، قال: إنه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا شغل يومه»

إلى غير ذلك من النصوص المروية في الكتب الأربعة و غيرها الظاهرة فيما ذكرنا إن لم تكن صريحة، و حملها على التخيير لو سلمنا قبول بعضها له فلا ريب في عدم قبول الآخر له كأخبار مكة و نحوها.

و احتمال إرادة الويل و الويح فيها على التزامهم بالتمام و عدم مشروعية القصر تبعا لما سنه عثمان و تبعه معاوية- بعد أن التمس

على ذلك و باقي الأمراء كما رواه زرارة في الصحيح (3)عن الباقر (عليه السلام) مفصلا لا على أصل الجواز، و لذا لم يفت أحد بمضمونها من وجوب التقصير إذا لم يرد الرجوع ليومه، ضرورة كونهم حجاجا إلا النادر، بل أعرضوا عنها أو حملوها على ما ذكرنا- ممكن في خصوص هذه الأخبار مع عدم صراحة بعضها في كونهم حجاجا، و دعوى قابلية الجميع عداها للحمل على التخيير و لو بمخالفة الظاهر ممنوعة كل المنع.

على أنه لا داعي إلى ارتكاب هذه التعسفات، و لا شاهد على هذه التأويلات سوى معارضتها لأخبار الثمان و مسير يوم المتقدمة سابقا، و الجمع بينها بإرادة ما يشمل الملفقة من الثمان كما شهدت به النصوص التي سمعتها أولى من الحمل على التخيير من وجوه بعد اشتراكهما في منافاة الظاهر، ضرورة تبادر تعيين كون المسافة ثمانية ذهابية،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر الحديث 9.

ج 14، ص: 210

خصوصا

مرسل ابن بكير(1)منها عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يخرج من منزله يريد منزلا آخر أو ضيعة له أخرى قال: إن كان بينه و بين منزله أو ضيعته التي يؤم بريدان قصر، و إن كان دون ذلك أتم»

و لو لا إشارة ما سمعته من النصوص السابقة إلى الجمع بينهما بإرجاع المسافة الرباعية

للثمانية بإرادة التلفيقية لكان المتجه العمل بكل منها من دون إرجاع بعضها إلى بعض، فيكون إثبات كون المسافة ثمانية ذهابية من النصوص الأولة، و تلفيقية على الوجه المفروض من الثانية، و لعلنا نلتزمه فيما لا يقبل إرادة الملفقة من الثمانية، لظهوره أو صراحته في ذلك، كما أنه ينبغي التزام طرح ما يدل على عدم جواز القصر و الإفطار فيما دون الثمانية الذهابية، أو تأويله و لو بعد فيه.

و على كل حال هو أولى من التخيير العاري عن الشاهد، بل المخالف للشواهد كما هو واضح، فميل الشهيدين حينئذ إليه في الذكرى و الروض و سيد المدارك في غير محله، و إن ظن ثانيهم أن القول بالتخيير في مريد الرجوع ليومه و غيره من خواصه، متخيلا أن الشيخ يخص التخيير بالأول، و إلا فهو يعين التمام في الثاني، و ملاحظة كتابي الشيخ تشهد بفساد زعمه، و أن الشيخ قائل بالتخيير مطلقا، فيتجه حينئذ الرد على الجميع بما سمعت من عدم الشاهد و غيره، و رفع الجناح في الآية بعد ورود الصحيح (2)في إرادة الأمر منه لا يصلح شاهدا له، و إلا لاقتضى التخيير في الثمانية الذهابية المجمع على عدمه عندنا كما ستسمع إن شاء الله.

و المعارضة بأنه لا شاهد للجمع المزبور أيضا، ضرورة خلو نصوص الأربعة عن التقييد بالرجوع لليوم، بل فيها ما يخالفه كأخبار أهل مكة يدفعها ما ستسمعه إن شاء الله من المانع للأخذ بإطلاقها عند مدعيه، على أن الشاهد عنده على ذلك- بعد تطابق


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2.

ج 14، ص: 211

الفتاوى، و دعوى الإيماء إليه في خبري ابني وهب (1)و مسلم (2)المتقدمين-

الرضوي (3)بناء على حجيته، قال فيه: «فان كان سفرك بريدا واحدا و أردت أن ترجع من يومك قصرت، لأن ذهابك و مجيئك بريدان- إلى أن قال-: فان لم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار إن شئت تممت و إن شئت قصرت»

مع أنك ستسمع قوة القول بوجوب التقصير مطلقا من حيث النصوص.

و من ذلك كله يظهر لك فساد احتمال إرادة عدم مشروعية القصر فيما نحن فيه المتوهم من عبارة أبي المكارم و المحكي عن أبي الصلاح، إذ حمل كلامهما على مثل ذلك الذي هو ضروري الفساد بين الطائفة، و النصوص به متظافرة إن لم تكن متواترة يأباه جلالة قدرهما و عظم منزلتهما.

و قد أطلق اليوم في المتن و أكثر عبارات الأصحاب لكن ينبغي القطع بمساواة الليلة عندهم له أيضا، فمن قصد الأربعة فيها و أراد الرجوع فيها أيضا قصر، لإطلاق النصوص السابقة و تصريح جماعة من الأصحاب به منهم الشهيدان، بل صرحا أيضا كغيرهما، بل في ظاهر المصابيح أو صريحها الإجماع عليه بمساواة الملفق من اليوم و الليلة لذلك أيضا، إلا أنهما اعتبرا اتصال السفر لا ما إذا سافر في أول اليوم و

أراد الرجوع في آخر الليل، بل الظاهر أن مرادهم بالرجوع الوصول لا الشروع فيه حسب و إن بات في الأثناء، إذ هو حينئذ مساو للمبيت في المقصد.

و كأنهما عقلا من هذه النصوص خصوصا خبري ابني وهب و مسلم أن وجه إلحاق الثمانية الملفقة بالمسافة صدق اسم قطع مقدار بياض يوم، و هو لا يتحقق إلا باتصال


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 9.
3- 3 ذكر صدره في المستدرك في الباب 2 من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1 و ذيله في الباب 3 منها- الحديث 2.

ج 14، ص: 212

السعي و عدم انفصاله بالمبيت و نحوه من القواطع المقتضية عدم صدق شغل اليوم معها.

و فيه أنه لا ظهور في شي ء من النصوص بذلك حتى الخبرين المزبورين، إذ ليس في أولهما إلا الذهاب بريدا و المجي ء بريدا، و هو صادق و إن تأخر المجي ء عن ذلك اليوم، بل هو كصحيح زرارة(1)المشتمل على مثل هذا التعبير مع زيادة حكاية فعل النبي (صلى الله عليه و آله) إذا سافر إلى ذباب الذي هو كالصريح في عدم الرجوع ليومه، لظهور لفظ «كان» فيه في أن ذلك عادة للنبي (صلى الله عليه و آله)، و من المستبعد رجوع النبي (صلى الله عليه و آله) ليومه في جميع سفره إلى ذباب، و لعدم صحة التعليل المشتمل عليه الخبر المزبور لو لوحظ الرجوع ليومه، ضرورة عدم مدخلية ذلك في بلوغ الثمانية، و لذا حكي عن بعض شراح الفقيه دعوى صراحة الخبر المزبور في عدم الرجوع ليومه، إلا أن يكون

قوله فيه: «و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

إلى آخره، ليس منه (عليه السلام) بل من كلام الصدوق، و لا يخفى عليك بعد الاحتمال المزبور أو فساده.

و ليس في ثانيهما سوى بيان إرادة أنه لو فعل هذا الذي كان قصده من الذهاب و المجي ء لتحقق صدق شغل بياض يوم الذي هو مدار المسافة، خصوصا و قد عرفت سابقا أن المعتبر في المسافة قصدها لا قطعها في يوم واحد، فمن كان من قصده السير بريدين أو مقدار بياض يوم قصر و إن قطع ذلك في أيام، كما أنك عرفت الإشارة في هذه النصوص إلى إرادة إرجاع التلفيقية إلى الثمانية الذهابية بالطريق الذي سمعته فالمتجه الاكتفاء فيها بما يكتفى في الثانية من اعتبار مجرد القصد و إن كان القطع في أيام على أن أخبار أهل مكة كالصريحة في عدم إرادة الرجوع لليوم، لظهور بعضها و صراحة الآخر في إرادة الخروج إلى عرفة للحج الذي لا يجوز معه الرجوع ليومه.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 14.

ج 14، ص: 213

فمن الغريب تنزيل بعضهم إياها على الرجوع ليومه أيضا كغيرها من النصوص كما أنه من الغريب أيضا دعوى انصراف إطلاق جملة من هذه النصوص إلى إرادة الرجوع لليوم، لأنه الغالب في السفر المفروض في هذه الأخبار، إذ هو إنما يكون إلى الضياع و الزيارة و التقاضي و نحو ذلك، كما يسير الناس من أطراف الكوفة إلى الحيرة أو من بعض ضياعها إلى مسجدها الأعظم للزيارة و الصلاة ثم الرجوع، إذ هي واضحة المنع.

و من هنا ذهب ابن أبي عقيل في المحكي عنه إلى وجوب القصر بمطلق قصد الرجوع قبل عشرة أيام، قال: «كل سفر كان مسافته بريدين و هو ثمانية فراسخ أو بريد ذاهبا و بريد جائيا و هو أربعة فراسخ في يوم واحد أو ما دون عشرة أيام فعلى من سافره عند آل الرسول (صلى الله عليه و آله) أن يصلي صلاة المسافر ركعتين» بل ظاهره أو صريحه دعوى الإجماع على ذلك، و هو الحجة له بعد إطلاق النصوص التي كاد يكون بعضها صريحا في عدم اعتبار الرجوع ليومه في التقصير، و كأن مراده بما قبل العشرة أن لا يقطع سفره بقاطع شرعي من الإقامة عشرا، أو البقاء مترددا ثلاثين يوما، أو المرور بوطن له أو نحو ذلك، ضرورة عدم خصوصية العشرة من بين قواطع السفر و إن كان لا يساعده صحيح عمران بن محمد المتقدم (1)سابقا، اللهم إلا أن يحمل الأمر فيه بالإتمام بالضيعة على التقية، لعدم كونها بنفسها عندنا من القواطع من دون الاستيطان ستة أشهر، بل هو مذهب جماعة من العامة كما قيل.

و كيف كان فقد وافقه على ذلك بعض مشايخنا المعاصرين و الكاشاني حاكيا له في المفاتيح عن الشيخ أيضا و إن كنا لم نتحققه، بل المتحقق خلافه، و مدعيا أنه مما ألهمه الله، و أنه لم يصل أحد من الأصحاب إليه سواه، بل ربما صدر منه إساءة أدب


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 14.

ج 14، ص: 214

و زيادة إنكار و عجب من غفلة جميع الأصحاب عن ذلك الذي جميع الأخبار دالة عليه من غير غبار، و لا تناف بينها من وجه، إذا المستفاد منها كما عرفت أن حد المسير المعتبر في التقصير ليس إلا ما يعبر عنه تارة ببريدين، و أخرى بثمانية فراسخ، و أخرى ببياض يوم كما صرح به في جملة من الأخبار السابقة، مع تأكد بعضها بأنه لا أقل من ذلك و لا أكثر، و بأنه أدنى ما يقصر فيه، لكنه أعم من أن يكون قطع هذا المسير في حالة الذهاب خاصة أو مع الإياب، وقع الإياب في يومه أو في يوم آخر ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع الآتية، فيصير سفرين يكون كل منهما أقل من الثمانية، و حينئذ فكما يصح أن يقال إنه ثمانية فراسخ نظرا إلى الفردين معا يصح أن يقال: إنه أربعة فراسخ نظرا إلى أحد الفردين و هو حالة الذهاب خاصة، و لذا أطلق الأربعة في جملة من النصوص، فان من سافر أربعة فراسخ فإنما يسافر في الحقيقة ثمانية، لأنه إذا رجع صار سفره ثمانية، و قد بين ذلك بيانا شافيا في

خبري زرارة و محمد(1)حيث قيل:

«بريد ذاهب و بريد جائي»

و زيد بيانا في

خبر زرارة حيث قيل: «و إنما فعل (صلى الله عليه و آله) ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ»

و أما

خبر ابن مسلم حيث تعجب من قوله: «بريد» لما كان قد سمع أنه بياض يوم فأجابه (عليه السلام) «بأنه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا فقد شغل يومه»

فلا دلالة فيه على أنه لا بد له الرجوع من يومه حتى يتحتم التقصير، بل المراد به أن سفره حينئذ يصير بمقدار بياض يوم.

و إطلاق الأربعة في جملة من النصوص منزل على التقييد المستفاد من جملة أخرى كما عرفت، على أن الغالب في السفر المراجعة، فينصرف الإطلاق إليه، قيل: و لهذا اقتصر صاحب الكافي على أخبار الأربعة و لم يتعرض أصلا لشي ء من أخبار الثمانية


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 14 و 9.

ج 14، ص: 215

لا أن مراده كفاية الأربع في التقصير مطلقا حتى إذا لم يرد الرجوع أصلا لا ليومه و لا لغير يومه، فان الظاهر الاتفاق على وجوب التمام في مثل الفرض كما اعترف به المقدس البغدادي، و صرح به ابن حمزة في وسيلته، لظاهر النصوص، خصوصا ما اشتمل منها على أن أدنى المسافة بريد ذاهب و بريد جائي، و إطلاق القصر في الأربعة منزل على الغالب من إرادة الرجوع كما يومي اليه الموثق السابق الذي قد تضمن أن المسافة بريد، فتعجب الراوي من ذلك فرفع (عليه السلام) عجبه بأنه إذا رجع شغل يومه، إذ هو ظاهر في أن الأربعة حيث تطلق يراد بها ما يتعقبه الرجوع، و كذا إطلاق الأكثر التخيير إذا لم يرد الرجوع ليومه يراد منه بقرينة قاعدة توجه النفي إلى القيد الزائد خصوص عدم إرادة الرجوع لليوم مع إرادة أصل الرجوع، بل في الرياض أن الرضوي (1)الذي هو مستندهم في التخيير على الظاهر صريح في ذلك، فما عن الحدائق- من إدراج الفرض في عبارة القائلين بالتخيير بدعوى رجوع النفي إلى المقيد مع قيده و بدونه- ضعيف جدا، و إن كان ربما يوهمه عبارات بعض من مال إلى التخيير مطلقا، لكن التحقيق بعد التأمل ما ذكرنا، و عليه يحمل ما سمعته من الكافي فيكون هو من القائلين بوجوب القصر بقصد الأربعة و إرادة الرجوع و إن لم يكن ليومه، نعم ينبغي تقييده كتقييد إطلاق القائلين بالتخيير أيضا بما إذا لم ينقطع سفره بأحد القواطع، للإجماع المحكي إن لم يكن محصلا على وجوب التمام في رجوعه أيضا، و لصيرورتهما منفردين حينئذ، و لظهور الموثق المزبور في ذلك أيضا حيث أنه تعجب فيه من جعل المسافة بريدا و رفع (عليه السلام) عجبه بإرجاعه إلى الثمانية المعلوم كونها مسافة التقصير، و لا ريب في أنها تنقطع بحصول أحد القواطع في أثنائها، و كذا غيره من النصوص التي اعتبرت الإياب في التقصير.


1- 1 المستدرك- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2.

ج 14، ص: 216

بل في الرياض أن الرضوي صريح في ذلك، و به يقيد إطلاق بعض النصوص لو لم نقل بانصرافه إلى الغالب من الرجوع قبل القاطع، خصوصا في مثل الأسفار إلى نحو الضياع و القرى و نحوها، كما أنه يجب إرادة ابن أبي عقيل بما ذكره من دون العشرة سائر القواطع، لعدم خصوصية لها من بينها على ما سمعت سابقا.

نعم لو فرض عدم انقطاع سفره كما لو فرض بقاؤه متنقلا في قرى قريبة لمقصده قصر و إن بقي سنة فصاعدا، و أولى منه البقاء في المقصد مترددا إلى ما دون الثلاثين يوما، و دعوى استبعاد التزامه بمثل ذلك لا شاهد لها، بل لعل الشاهد من ظاهر بعض النصوص السابقة بخلافها قائم.

و لا ريب في قوة هذا القول و متانته كما اعترف به المولى في الرياض بعد أن حكى عن جملة من فضلاء متأخري المتأخرين الميل اليه، لما سمعته من النصوص السابقة المعتضدة بغيرها مما هو ظاهر أو صريح و إن قل المفتي به، حتى أنه لشذوذه ربما لم يحك عند نقل الخلاف، كما أنه لم يلتفت اليه عند ذكر الاحتياط، بل ربما ادعى الإجماع غير معتد به على ما ستعرف و إن كان ذلك ليس على ما ينبغي.

نعم المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا بل عن الأمالي أنه من دين الإمامية التخيير بين القصر و الإتمام إذا لم يرد الرجوع ليومه، غير أن الشيخ و ابن حمزة منهم نصا على وجوب الصوم و عدم جواز الإفطار، خلافا للمرتضى و الحلي فأوجبا التمام، و اختاره الفاضلان في بعض كتبهما، و لم يتعرضا في الآخر منها كغيرهما من متأخري الأصحاب إلا إلى أن المسافة الموجبة للتقصير ثمانية أو أربعة مع قصد الرجوع ليومه من غير نص على التخيير أو وجوب التمام.

و في الأول منهما- بعد الإغضاء عن شبهة التخيير فيه بين الأقل و الأكثر-

ج 14، ص: 217

أنه لا شاهد له من النصوص المعتبرة، إذ هي بين مطلق للتقصير في الأربعة و بين ملاحظ فيه الذهاب و الإياب من غير تصريح باليوم أو غيره و بين ما هو صريح في عدم الرجوع ليومه، مع التصريح فيه بالقصر و النهي عن الإتمام و الويل و الويح عليه، بل هو مستلزم لطرح بعضها، أو ارتكاب التعسف فيه بصرف النهي في أخبار عرفة إلى التمام بقصد الوجوب كما عليه الناس يومئذ، و كذا الويل و الويح، فحمل بعضها حينئذ على إرادة الرجوع ليومه فيجب التقصير، و الآخر على إرادة الرجوع لغير اليوم فيتخير في الصلاة دون الصوم، مع تلازمهما في ذلك كما هو ظاهر كل من لم يصرح بالانفكاك، و هو الأكثر كما اعترف به في الرياض و مال اليه، و طرح الثالث و التعسف في تأويله بما عرفت من غير شاهد كما ترى، و الرضوي بعد عدم حجيته عندنا لا يصلح لذلك و إن وافق الشهرة، كما أنها هي بنفسها كذلك عندنا، خصوصا في المقام المحتمل إن لم يكن المظنون خفاء بعض الأدلة و دلالة آخر كما لا يخفى على المتصفح لكلماتهم، و إشعار الإضافة في خبر ابن مسلم بعد تسليمه ضعيف جدا لا يصلح للحكم على تلك الأخبار قطعا، و النسبة إلى دين الإمامية لم يثبت إرادة الإجماع منها، إذ من المحتمل إن لم يكن الظاهر إرادة ثبوته من دينهم و إن كان بطريق ظني، و لو سلم فهي معارضة بنسبة ابن أبي عقيل وجوب التقصير إلى آل الرسول (صلى الله عليه و آله) التي هي أصرح في دعوى الإجماع.

و ما عن التحرير من دعوى الإجماع على جواز التمام و حصول البراءة بلا خلاف منزل على إرادة الإجماع من المخيرين و الملزمين بالتمام، كاستدلاله في المختلف على التمام بأنه أحوط الذي ربما يوهم الاتفاق عليه باعتبار توقف الاحتياط عليه، ضرورة إرادته بقرينة ذكره ذلك في ترجيح الإتمام على التخيير الاحتياط بالنسبة إلى هذين القولين، و لعل من ذلك أو نحوه ما يحكى عن بعض رسائل الشهيد الثاني حيث قال في جملة كلام له: «و لو كان عدم العود على الطريق الأول موجبا لاتحاد حكم الطريق لزم منه كون

ج 14، ص: 218

قاصد نصف مسافة مع نية العود إلى غير الطريق الأول يخرج مقصرا مع عدم العود ليومه، و هو باطل إجماعا».

و من ذلك كله يعرف ما في الثاني منهما أيضا، إذ هو و إن كان يؤيده الأصل لكنه إما مستلزم لحمل جميع تلك الأخبار على إرادة الرجوع لليوم، و فيها ما لا يقبله في نفسه فضلا عن احتياجه إلى الشاهد، و إما الطرح للنصوص المعمول بها بين الأصحاب و لو على التخيير، و كلاهما كما ترى، فالاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام و الصوم و قضائه مما لا ينبغي تركه في المقام، و مع عدم التمكن فلا ريب في أحوطية التمام من القصر، لاتفاق من عدا العماني و من تبعه على حصول البراءة به، و إن كان القصر أحوط نظرا إلى النصوص، إلا أن ملاحظة الفتاوى أولى، هذا.

و لكن قد يقال إنه يكفي في الشاهد لما عليه الأصحاب هنا من التخيير (التقصير خ ل) لمريد الرجوع في غير يومه أو تعيين الإتمام دلالة بعض النصوص و إن ضعفت حتى وصلت إلى حد الاشعار لانجبارها بالشهرة العظيمة قديما و حديثا التي كادت تكون إجماعا فكيف و في الروايات ما هو نص في ذلك، منها موثق ابن مسلم المتقدم سابقا، لأن قوله (عليه السلام) فيه: «شغل يومه» يقتضي تحقق شغل اليوم بالفعل، و لا يكون إلا بالرجوع ليومه، فيكون شرطا في وجوب القصر.

و دعوى أن الفرض رفع استبعاد السائل للقصر في البريد و إزالة تعجبه منه بأنه راجع إلى مسير اليوم المعلوم إيجابه للقصر بالنصوص السابقة من غير اعتبار الشغل بالفعل فيه، فيكون قوله (عليه السلام) هذا صغرى قياس كبراه مطوية لا يعتبر فيها الشغل بالفعل قطعا فتوى و نصا، فالصغرى كذلك أيضا، ضرورة وجوب اتحاد الوسط في المقدمتين، و يكون المقصود منه المقصود مما في

صحيح زرارة المتقدم «إنما فعل ذلك لأنه إذا رجع بريدا كان سفره بريدين ثمانية فراسخ»

من إرادة مجرد

ج 14، ص: 219

اشتراط الرجوع بريدا ليرجع بسببه إلى الحدود المعروفة المقررة للمسافة، فيجب القصر حينئذ في التشاغل في الفعل و غيره، و لا مدخلية للفعلية في العلية.

يدفعها أصالة تبعية المقدر للموجود، و المحذوف للملفوظ، و إذا كان ظاهرا في الشغل الفعلي وجب تقدير الكبرى كذلك، و لا ضير فيه، إذ أقصاه اعتبار الفعلية في المسافة التلفيقية، و هو المقصود، نعم هو غير معتبر في المسافة الابتدائية أي الذهابية لإطلاق أدلتها التي لا تشمل التلفيقية على الظاهر من موردها كما أشرنا إليه سابقا، و لا يلزم من عدم اعتباره هناك عدمه هنا، لجواز اختلافهما في الحكم، و بطلان استبعاد الفرق إذا اقتضته الأدلة، مع إمكان الفرق بظهور تحقق السفر في الامتدادية بنفسها، فلا يحتاج إلى اشتراط أمر زائد، بخلاف الملفقة فإن المسافة فيها حقيقة هي البريد، فاعتبر معه شغل اليوم بالفعل ليتصل المسير و يتبين السفر و تظهر فيه المشقة التي هي علة القصر، فاليوم في الموثق (1)غيره في تلك النصوص المقدرة للمسافة الامتدادية، كما يؤيده أيضا وقوع المقصد هنا في أثنائه و دخوله في المعنى المراد منه، فهو عبارة عن يوم يسع الذهاب إلى المقصد و العود منه إلى البلد و المكث فيه مقدارا يفي بالغرض الذي سافر لأجله، و هو قدر معتد به من الزمان

غالبا و إن اختلف طولا و قصرا بحسب اختلاف الأغراض و المطالب، و لا ريب في أن هذا اليوم غير المعتبر في المسافة الامتدادية المقصور على قطع المسافة و ما يتفق من الأمور العارضة كالأكل و الشرب و نحوهما من دون تخلل مقصد في البين، بل قد عرفت أنه قدرته النصوص بسير الجمال و الإبل و القطار، و منه استفاد الأصحاب اعتبار اعتدال السير فيه و اعتدال النهار لينطبق على التحديد بالبريدين و الفراسخ.

و لو كان اليوم في السفر الملفق موكولا إلى ذلك لانطبق على أصل المسير و ما يحصل


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 9.

ج 14، ص: 220

معه من الأمور المشتركة بين النوعين، و خرج عنه المكث في المقصد مع أنه داخل فيه قطعا، فاللازم أحد الأمرين: إرادة ما يتناول الليل من اليوم فيه، أو ترك الاعتدال المأخوذ هناك، و على التقديرين فالاختلاف حاصل بين الموضعين، فلا يكون أحدهما تابعا للآخر موكولا اليه، بل يكون كل منهما أصلا برأسه و مستقلا في محله، فلا إشارة في نصوص بياض اليوم و نحوه إلى ما نحن فيه كالعكس، بل تلك بالامتدادية و هذه بالتلفيقية، هذا.

و لكن الإنصاف أن المنساق إلى الذهن من الموثق إرادة رفع استبعاد السائل بالأمر الثابت المعلوم المعهود المتقرر بغير هذا الحديث، و ليس إلا أخبار مسير اليوم و بياض اليوم، فيكون شغل اليوم هنا أعم من شغله بالفعل بمقتضى الحوالة المقتضية للتوافق في المعنى، و لا ينافي ذلك اختصاص مورد تلك الأخبار بالسير الممتد، لأن الاستبعاد يرتفع بالمشاكلة و التنظير، و لا يتوقف على الفردية و الدخول و لا التوافق من كل وجه، بل المراد أنه لا استبعاد في التقصير بالبريد لأنه يشغل بالعود، فيكون كسير اليوم الواقع في الذهاب و إن لم يكن منه، كما أنه لا ينافيه أيضا تخلل المقصد في أثنائه، بخلافه يوم المسافة الامتدادية، لأن المراد تقدير السير الواقع منه لو رجع بسير اليوم يعني البريدين.

و دعوى أن رفع الاستبعاد المقصود في الحديث لا يجب أن يكون بالأمر المتقرر في غيره بل يكفي فيه حصول شغل اليوم المقتضي لتضعيف المسافة و ظهور المشقة التي هي علة التقصير في السفر، و هذا معلوم من دون إحالة على التحديد ببياض اليوم و نحوه مما ورد في تلك الأخبار كما ترى واضحة المكابرة، لما بري بالعيان من سبق ما ذكر إلى الأذهان، على أنه إن لم يجعل إشارة إلى ذلك اقتضى بناء على عموم المفهوم اعتبار الشغل بالفعل في القصر بالمسافة الامتدادية، إلا أن يرتكب تخصيصه أو تقييده بأدلة أخر.

ج 14، ص: 221

و أيضا فالرجوع المأخوذ شرطا في

قوله (عليه السلام): «و رجع بريدا»

مطلق غير مقيد باليوم، فيكون شغل اليوم المترتب عليه بالجزاء مطلق الشغل سواء كان بالفعل أو بالقوة، و المعنى أنه إذا ذهب بريدا و رجع ليومه أو بعده بريدا فقد شغل يومه، أي وجد منه ما يشغل اليوم و ما من شأنه ذلك و إن لم يتحقق الشغل بالفعل، فان شغل اليوم بالفعل مع تأخر الرجوع عنه مستحيل قطعا، و تأويل الشرط بما يطابق الجزاء ليس أولى من العكس، فان في كل منهما موافقة للظاهر من وجه و مخالفة له من وجه آخر، فلا يصلح التمسك به ما لم يعلم رجحان الأول، و هو ممنوع.

اللهم إلا أن يدفع بأن الرجوع الواقع في الشرط و إن كان مطلقا إلا أنه يجب تقييده بما كان ليومه بقرينة الجزاء الدال على شغله بالفعل، و حمله على وجود ما يشغل اليوم ليطابق إطلاق الشرط و إن كان ممكنا إلا أن الترجيح للأول، لقوة الدلالة في جانب الجزاء، فيكون تحكيمه على الشرط أولى من العكس، و لأن تقييد المطلق كثير شائع، فهو كالتخصيص خير من المجاز، بل هو في معناه المقدم عليه بالإجماع، بل لعله أولى منه لعدم وضع المطلق للعموم، فيكون تقييده أهون من تخصيص العام، خصوصا مثل هذا المطلق الذي قيل: إنه بنفسه ينصرف إلى الرجوع في اليوم لغلبته، و فيه أن ارتكاب هذا التقييد في المنطوق بل و المفهوم كما سمعت يتوقف على تبادر الفعلية من هذه الشرطية من دون تردد، حتى يتعين الحمل عليها لحجية المعنى المتبادر من اللفظ و إن استلزم التقييد في المنطوق و المفهوم من وجوه فضلا عن وجه، و هو في حيز المنع، بل لعل المتبادر لما عرفت خلافه، على أن أقصى ما يدل عليه بعد تقييد الرجوع باليوم هو وجوب التقصير في البريد لكونه مسافة إذا رجع فيها المسافر ليومه كان شاغلا له، و هذا لا يدل على تحقق الرجوع في اليوم، و لا على فعلية الشغل له، لأن صدق الشرطية لا يتوقف على وجود الشرط و الجزاء بل على وجود الجزاء على تقدير وجود الشرط،

ج 14، ص: 222

و مقتضى ذلك تحقق شغل اليوم على تقدير تحقق الرجوع، و أين هذا من القطع بتحققه في الواقع.

و دعوى أن الشرطية من حيث هي و إن كانت كذلك إلا أنها تختلف باختلاف أدوات الشرط و وجود القرائن و الأدلة المقتضية ليقين الوجود و العدم و انتفائها و من المعلوم المصرح به في علم المعاني و غيره أن «إذا» للجزم بالوقوع، كما أن «لو» للجزم بعدمه، و «ان» للشك، و المراد فرض الأمر الواقع و تقديره أو الأمر المجزوم بعدمه كي يتحقق فيهما معنى الشرط الموضوعين له الذي هو بمعنى الفرض و التقدير المنافيين للقطع و الجزم، فيكون الرجوع المشروط بإذا في الموثق المزبور متحققا على ما هو الأصل في «إذا» و من هنا عبر عنه بلفظ الماضي الذي هو أدل على التحقق من غيره، و عطف على الذهاب المعلوم تحققه ليكون تابعا له في ذلك، بل يؤيده أيضا أنه أولى في رفع الاستبعاد الواقع للسائل من القصر في بريد من فرض الرجوع بلا تحقق، بل قد يقال بعدم رفعه الاستبعاد، و منه يعلم وضوح فساد القول بدلالة هذا الموثق على الاكتفاء في القصر بالبريد و إن لم يرجع، و إن وقع من بعض الأعلام تمسكا بصدره و حملا للتعليل فيه على التقريب لأذهان دون التحقيق، إذ هو كما ترى من غرائب الكلام، لأنه- مع أن الأصل في العلل التحقيقية دون التقريبية- لا فرق بينهما في اعتبار صلاحية العلة في كل منهما في الجملة و إن افترقا بجواز تخلف الثانية كالمشقة في القصر و نحوها بخلاف الأولى، أما مع عدم صلاحيتها للتعليل بالمرة فلا تصلح تقريبية إذ هي كالتعليل بالأمور الباطلة التي لا مدخلية لها أصلا، و كتعليل القصر في الثمانية بأنها تكون ستة عشر و نحو ذلك، و لا ريب في كونه من الخرافات التي يجل عنها ألفاظ أرباب الكلمات حتى لو تعسف و قيل: إن المراد من التعليل لازم المذكور في اللفظ أي المشقة لا نفسه، فيكون التعليل تقريبيا حينئذ.

ج 14، ص: 223

يدفعها- بعد إمكان منع اعتبار ذلك في «إذا» أولا كما يشهد له استعمالها في العرف و غيره في الأعم من ذلك، و احتمال اختصاصها بعد التسليم في الكلام الملاحظ فيه النكت البديعية و المحسنات البيانية و سبق بقصد إظهار القدرة على البلاغة و الفصاحة لا الكلام المقصود به مجرد التفهيم، و جار على مقتضى كلام غالب الناس و سوادهم، بل من المحتمل أنه كلام الراوي ناقلا بالمعنى للفظ المعصوم- أن المنساق من هذا الخطاب اشتراط الرجوع مطلقا و إن لم يكن ليومه بتقييد إطلاق البريد في الصدر بالتعليل الظاهر في اشتراط الرجوع، و حمل شغل اليوم فيه على مطلق الشغل دون الشغل بالفعل، لا أن المفهوم منه الاكتفاء بالبريد من دون الرجوع أصلا، و إن توهم أخذا بإطلاقه في الصدر و حملا للتعليل على التقريب إلى الأفهام يجعل شغل اليوم كناية عن المشقة التي هي علة تقريبية للقصر، إذ هو كما ترى، و لا أن المفهوم اشتراط الرجوع لليوم بتقييد إطلاق البريد بظاهر التعليل، و تقييد إطلاق الرجوع فيه بما دل منه على شغل اليوم بالفعل، و تقييد إطلاق المفهوم بالسير الملفق، و استقامة الفهم و اعتداله مع كثرة ممارسته لأخبارهم و معاني كلماتهم (عليهم السلام) الشاهد على ما ذكرنا، فتأمل و تدبر.

و منها

موثق زرعة و سماعة(1)«سألته عن المسافر فيكم يقصر الصلاة؟ فقال له: في مسيرة يوم، و ذلك بريدان، و هما ثمانية فراسخ، و من سافر قصر الصلاة و أفطر إلا أن يكون مشيعا لسلطان جائر، أو خرج إلى صيد، أو إلى قرية له تكون مسيرة يوم ببيت إلى أهله لا يقصر و لا يفطر»

و عن بعض نسخ الاستبصار «متبعا» بدل قوله: «مشيعا» كما أنه عن كتابي الصلاة و الصوم من التهذيب «إلا أن تكون رجلا مشيعا» من دون ذكر السلطان، و في الصوم منه «من سافر فقصر الصلاة


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب 1 من أبواب صلاة المسافر- الحديث 8 و ذيله في الباب 8 منها- الحديث 4 لكن رواه عن زرعة عن سماعة.

ج 14، ص: 224

أفطر» فجعل الإفطار تابعا للقصر، و فيه مكان قوله: «يبيت» «لا يبيت» بزيادة «لا» و عن بعض النسخ «لا يلبث» باللام موضع «لا يبيت» إذ الظاهر إرادة المسافة التلفيقية من مسيرة اليوم على أن يكون الأهل الذي يبيت عندهم الذين خرج منهم لا في القرية، لعدم الإشعار في الرواية بأن له فيها أهلا، و لا هي مظنة ذلك و إن كانت ملكا له، بخلاف بلده الذي هو وطن، فان وجود الأهل له فيه كالمعلوم بالعادة، فيكون في قوة التصريح به في العبارة، و قد يطلق الأهل و يراد الوطن لاتخاذ الأهل به غالبا، و هو كثير في المحاورات، فلا يتوقف صدقه حينئذ على وجود الأهل بالفعل، بخلاف الملك و القرية، فإنه لا يطلق ذلك إلا مع العلم بوجود الأهل فيهما بالفعل، فالمراد ببيتوتته إلى أهله حينئذ في بلده، و هو قرينة واضحة على أن المسافة بينه و بين القرية دون سير اليوم، إذ لو كان مسيرة يوم لشغلها في الذهاب، فلم يتأت له الرجوع إلى البلد بحيث يبيت فيه إلى أهله مع قضاء وطره من القرية، خصوصا إذا أريد ببيتوتته إلى أهله كل الليل كما هو ظاهر اللفظ.

و أيضا لو كان المراد بلوغ المسافة بينهما مسير اليوم لزم اختصاص الحكم بنفي القصر و الإفطار بنفس القرية، فلا يتناول الطريق إليها، لبلوغه حد المسافة الموجبة للقصر و الفطر من دون قاطع في الأثناء، و لا ريب أن الظاهر تناول الحكم للطريق، كما يدل عليه استثناء هذا السفر من السفر الذي يجب فيه الأمران مطلقا، و يشهد له قصد الطريق فيما قرن به من التشييع و الخروج إلى الصيد، بل الظاهر أن قوله:

«لا يقصر و لا يفطر» متوجه إلى الجميع، فيكون الحكم في الكل على نهج واحد، و إلا لزم التفكيك الركيك، و بالجملة فالرواية مسلطة على فهم دخول الطريق في المستثنيات كلها، و لا يتأتى ذلك إلا إذا قصد التلفيق في الأخير، لانقطاع المسافة حينئذ بالوصول

ج 14، ص: 225

إلى القرية الواقعة في الأثناء، و يكون حاصل المراد بالرواية أن المسافر يقصر و يفطر إلا في ثلاثة مواضع: التابع للسلطان الجائر، لأنه سفر معصية، و قاصد للصيد للهو، و مريد السفر إلى قريته و إن كان سفره بالذهاب و الإياب ليومه يبلغ البريدين و مسيرة يوم، لانقطاع سفره بالوصول إلى القرية، و لولاه لكان فرضه التقصير، و فيه- مع أنه محتاج في انطباقه على الأحكام المعلومة بين الأصحاب إلى تقييدات كثيرة، و في صحته بالنسبة إلى ما نحن فيه إلى تجشمات عديدة طويناها مخافة التطويل من غير طائل- انه لا يكاد يظهر منه ظهورا معتبرا في استفادة الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية اعتبار الرجوع ليومه على وجه يكون شرطا لوجوب القصر، كما لا يخفى على من مارس النصوص و راعى الانصاف، و إن أطنب العلامة الطباطبائي في مصابيحه في بيان ذلك، و ادعى ظهوره في ذلك، لكنه كما ترى، فتأمل.

و منها ما عن البحار عن شرح السنة للحسين بن مسعود أنه ذهب قوم إلى إباحة القصر في السفر القصير،

روي عن علي (عليه السلام)(1)«انه خرج إلى النخيلة فصلى بهم الظهر ركعتين ثم رجع من يومه»

و لا يقدح فيه الإرسال بعد الانجبار، و لا أنه من طرق العامة، إذ هو- مع أن راويه ابن مسعود منهم المعتبر في النقل بيننا كما يومي اليه الاعتماد على كتبه في التواريخ و السير- منجبر أيضا بما عرفت، و لا بأس في الموافق لفتاوى الأصحاب و لو كان من طرقهم، خصوصا إذا كان مخالفا لما عندهم، على أنه ورد الأمر(2)بما يروونه عن علي (عليه السلام)، نعم قد يخدشه أنه لم يثبت كون النخيلة على بريد من الكوفة مثلا كي يكون من المسافة التلفيقية، بل قد يشهد ما قيل من أنها معسكر الكوفة، و أنه خرج (عليه السلام) يوما إليها راجلا لما غضب


1- 1 البحار ج 18 ص 686 من طبعة الكمباني.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صفات القاضي- الحديث 46 من كتاب القضاء.

ج 14، ص: 226

على أهل الكوفة لتقاعدهم عن حرب أهل الشام بأنها كانت قريبة من المصر، فتكون الرواية مهجورة، على أنه لو سلم كون النخيلة على بريد فصاعدا من الكوفة- كما يومي اليه بعض الأمارات التي ليس هنا محل ذكرها، إذ هي و إن كانت معسكرها لكنه لا بأس ببعدها عنها لعظم المصر، بل الظاهر من ملاحظة بعض الأخبار

و غيرها أن النخيلة هي المسماة الآن بذي الكفل أو مكان قريب منه، فتكون على بريد من المصر- لكن لا دلالة في الخبر على اشتراط ذلك في القصر، بل أقصاه أنه (عليه السلام) قصر في هذا الحال، و هو مجمع عليه، اللهم إلا أن يستفاد من ذكر الراوي أنه رجع ليومه اعتبار ذلك، و إلا لم تكن فائدة في ذكره، بل يكون كذكره بعض الأمور التي لا مدخلية لها من دخول البيت و نحوه، لكن ذلك مبني على حجية فهم الراوي خصوصا مثل هذا الراوي الذي لم نعلمه، إذ الخبر مرسل، و مثل هذا الفهم الذي هو بمنزلة الحكم منه إذا لم يرجع إلى تفسير لفظ أو تعين (تعيين خ ل) مراد أو نحوهما مما يكون فهمه حجة فيه بعد التسليم، فاستفادة هذا الحكم من أمثال ذلك كما ترى.

و منها ما عن كتاب الصوم من المقنع

المرسل (1)قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل أتى سوقا يتسوق بها و هي من منزله أربع فراسخ، فان هو أتاها على الدابة أتاها في بعض يوم، و إن ركب السفن لم يأتها في يوم، قال: يتم الراكب الذي يرجع من يومه صومه، و يقصر صاحب السفن»

بناء على عدم إمكان صحة ظاهره، إذ هو دال بمنطوقه على وجوب الصوم لقاصد الأربعة الراجع لليوم، و هو إنما يتمشى على القول بتخيير الراجع ليومه في الصلاة دون الصوم، أو القول بسقوط اعتبار الأربعة و لو مع

الرجوع لليوم مع إلغاء المفهوم على الأخير، و هما خلاف الأقوال المعتبرة في


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 13.

ج 14، ص: 227

المسألة، و القول بهما على تقدير ثبوته مرغوب عنه.

و أيضا مفهوم الخبر يقضي باختصاص الراجع لليوم بوجوب الصوم دون غير الراجع، و هو خلاف إجماع العلماء كافة، بل خلاف المعلوم بالضرورة من عدم اشتراط القصر فيهما بانتفاء الرجوع لليوم عكس المشهور من اشتراط الرجوع فيه، كما هو واضح.

و أيضا فالسائل قد سأل عن رجل خرج متسوقا، و ظاهر الحال فيه عدم الرجوع ليومه، فالجواب غير مطابق للسؤال، كما أنه لا يطابقه بالنسبة للصوم، إذ ظاهر سؤال السائل الصلاة، لأنها الغالب، أو الأعم منها و من الصوم، و لا مخلص من هذه الإشكالات إلا بتقدير النفي قبل «يرجع» إما لأنه سقط من النساخ، أو أنه كقوله تعالى (1)«تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ» و قول امرئ القيس:

«فقلت يمين الله أبرح قاعدا»

أو بدعوى أن المراد من «يرجع» التمكن من الرجوع و لما يرجع مجازا من غير حذف و إسقاط، و حينئذ تتجه دلالته على اعتبار الرجوع لليوم في الإفطار، و فيه أنه حينئذ

من المأول الذي ليس بحجة، بل من أخس أفراده، و دعوى أنه ظاهر في ذلك و لو بملاحظة قرائن تعذر الصحة و مخالفة الإجماع أو لمطابقته للسؤال و نحو ذلك كما ترى.

و منها عبارة الفقه الرضوي (2)المتقدمة سابقا التي يبنى الاستدلال بها على حجيته المفقودة عندنا.

لكن قد يقال: إن جميع هذه الاشعارات التي أشيرت (أشير ظ) إليها مع ملاحظة الشهرة العظيمة و إجماع الأمالي و غيره مما تقدم سابقا يكفي في حصول الظن باعتبار الرجوع ليومه، إلا أنه لا يخفى عليك أن المتبع الدليل لا هذه الخرافات، نعم


1- 1 سورة يوسف ع- الآية 85.
2- 2 المستدرك- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.

ج 14، ص: 228

لا ينبغي ترك ما أوصينا به من الاحتياط الذي جعله الله ساحل بحر الهلكة.

ثم إنه على تقدير اعتبار الرجوع ليومه فالظاهر أن المعتبر منه قصد ذلك حين الذهاب ليتحقق حينئذ قصد المسافة التلفيقية، و لخبر صفوان (1)عن الرضا (عليه السلام) المتضمن إرادة الرجل لحوق صاحبه حتى بلغ النهروان، و غيره من النصوص، فلو كان عازما على العدم أو مترددا لم يقصر و إن اتفق أنه رجع، بخلاف الأول فإن فرضه التقصير إلى أن يذهب عزمه على الرجوع، و لو لمانع يمنعه قهرا عليه فيتم حينئذ، و لا يعيد ما وقع منه لقاعدة الاجزاء، و فحوى بعض النصوص (2)نعم لو

كان قصده التلفيقية ثم تغير إلى الامتدادية بقي على التقصير كالعكس المعلوم حكمه من خبر إسحاق ابن عمار(3)المروي عن العلل المتقدم سابقا، و صحيح أبي ولاد(4)عن الصادق (عليه السلام) الآتي المشتمل على السؤال عن الخروج في سفينة إلى قصر ابن أبي هبيرة و غيرهما، و من صدق قصد المسافة و إن لم تكن شخصية، إذ احتمال اعتبار المشخصة في التقصير و إن توهمه بعضهم لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، و لعلك تسمع إن شاء الله زيادة تحقيق له.

و لو تردد يوما في أقل من أربعة ك ثلاثة فراسخ أو أقل أو أكثر ذاهبا و جائيا و عائدا لم يجز له القصر إجماعا و إن كان ذلك من نيته إذا و صل في تردده إلى حيث يسمع الأذان و يرى الجدران، لانقطاع المسافة حينئذ، بل و إن لم يصل بلا خلاف أجده فيه عدا ما في التحرير من التقصير على إشكال، و قد رجع عنه لأصالة التمام، و عدم صدق المسافر على كثير من أفراده، و ظهور الأدلة في


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.

ج 14، ص: 229

حصر المسافة بالبريدين، أو خصوص البريد ذاهبا و جائيا، و التعليل بشغل اليوم لم يرد منه التسرية بحيث يشمل التردد في نصف الميل أو ربعه قطعا، و إلا كان معارضا بغيره مما دل على أن أقل المسافة بريد من النصوص الكثيرة المعتضدة بالفتاوي.

و لو كان للبلد طريقان و الأبعد منهما مسافة فسلك الأبعد قصر إجماعا و نصوصا(1)إن كان لداع غير الترخص، بل الظاهر ذلك أيضا و إن كان سلوكه له ميلا إلى الرخصة بلا خلاف أجده من غير ابن البراج، لعدم حرمته، و لإطلاق الأدلة أو عمومها، و احتمال أنه كاللاهي بسفره للصيد- إذ قطع هذه الزيادة لا لداع كقطع تمام المسافة كذلك، و كلاهما لهو، بل قد يشك في صدق المسافر عليه، فان الهائم على وجهه قاصدا للبريد و الرجوع ليومه لا يعد مسافرا- يدفعه عدم اندراجه فيه عرفا، بل الفرق بينهما عنده من الواضحات، إذا الفرض وجود الداعي له في البلاد إلا أنه سلك الأبعد للترخص، على أنا نمنع عدم صدق السفر مع فرض عدم الداعي إلا الترخص، إذ هو مقصد صحيح عند العقلاء، و ربما تمس الحاجة إليه في بعض الأوقات، و كذا احتمال الشك في شمول الأدلة للفرض، فيبقى على أصل التمام، لمنع الشك، خصوصا مع ملاحظة اعتضاد الإطلاقات بإطلاق جملة من الفتاوى و صريح أخرى.

و لو سلك الأقرب و كان دون الأربعة أو كان و لم يقصد الرجوع ليومه بناء على اعتباره في القصر لم يقصر، لعدم المسافة بقسميها، فيبقى على أصل التمام، و كذا لو سلك الأقرب ثم رجع بالأبعد و لو ليومه إلا أنه لم يكن من قصده ذلك من أول خروجه و لم يكن في نفسه مسافة، نعم هو مع الأقرب يتلفق منه ذلك، كما لو فرض كون الأبعد سبعة و الأقرب فرسخا.

أما لو كان قصده ذلك من أول الأمر فلا يبعد عدم القصر أيضا، اقتصارا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة المسافر.

ج 14، ص: 230

في المعتبر من التلفيق على المتيقن منه، و هو البريد الذهابي دون غيره، فيبقى على أصل التمام، و إن كان يوهمه التعليل بشغل اليوم، إلا أنك عرفت عدم إرادة التعميم منه.

و لو كان الأبعد مسافة قصر حال سلوكه له، لحصول المقتضي و ارتفاع المانع، إذ احتمال تخصيص المسافة بالذهابية لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، و لو فرض أن قصده الرجوع به من أول الأمر احتمل ترخصه في حال سلوكه في الأقرب و في البلد و في حال الرجوع به و إن لم يكن ليومه، لتحقق قصد المسافة و زيادة من دون مراعاة التلفيق، لكن قد يشكل التقصير قبل سلوكه أيضا، بل جزم بالعدم في المسالك و المدارك، بل في الرياض أنه ظاهر الأكثر و حكى عليه الإجماع بعدم مدخلية الأقرب في المسافة، و عدم شروعه فيما يتحقق به، و مجرد قصده الرجوع به قبل الضرب فيه غير مجد في رفع أصالة التمام كما يومي اليه عدم التقصير في قاصد دون المسافة إلى أن قطعها فقصد دون المسافة مرة أخرى و هكذا حتى بلغ مسافات إلى أن يأخذ في الرجوع فيقصر، و لو أن ذلك مجد قبل الأخذ فيه وجب عليه التقصير عند قصده الثاني أو الثالث الذي تتحقق المسافة فيه لو رجع منها، فتأمل، و تسمع فيما يأتي مزيد تحقيق له إن شاء الله.

و على كل حال فلا ريب في أن الأحوط له الجمع حتى لو قصد الرجوع ليومه، لظهور عدم فائدته هنا بعد فرض قصور القريب عن البريد، و في المسالك بعد أن حكم بعدم الترخص في الفرض قال: و من هذا الباب ما لو سلك مسافة مستديرة، فإن الذهاب ينتهي فيها بالمقصد و إن لم يسامت قطر الدائرة بالنسبة إلى محل المسافة، و العود هو الباقي سواء زاد أم نقص، هذا مع اتحاد المقصد، و لو تعدد كان منتهى الذهاب آخر المقاصد إن لم يتحقق قبله صورة الرجوع إلى بلده عرفا، و إلا فالسابق عليه و هكذا و يحتمل كونه آخر المقاصد مطلقا.

ج 14، ص: 231

[الشرط الثاني قصد المسافة]

الشرط الثاني قصد المسافة و لو تبعا نصا(1)و إجماعا بقسميه، و لأنه المتيقن من الأدلة بل المتبادر منها، بل هو معنى اعتبار المسافة هنا بعد الإجماع محصلا و محكيا في المدارك على انتفاء إرادة قطعها أجمع(2)

و للمرسل (3)الذي لا يقدح إرساله في المقام عن صفوان «سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان، فقال: لا يقصر و لا يفطر لأنه خرج من منزله و ليس مريدا للسفر ثمانية فراسخ، و إنما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه، و لو أنه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا و جائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا و الإفطار، و إن هو أصبح و لم ينو السفر و بدا له من بعد أن أصبح في السفر قصر و لم يفطر يومه ذلك»

و الموثق (4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يخرج في حاجته و هو لا يريد السفر فيمضي في ذلك يتمادى به المضي حتى يمضي ثمانية فراسخ كيف يصنع في صلاته؟

قال: يقصر و لا يتم الصلاة حتى يرجع إلى منزله»

بل قد يظهر بملاحظته دلالة

الموثق الآخر(5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا، قال: «سألته عن الرجل يخرج في حاجته فيسير خمسة أو ستة فراسخ فيأتي قرية فينزل فيها ثم يخرج منها فيسير خمسة فراسخ أخرى أو ستة لا يجوز ذلك ثم ينزل في ذلك الموضع قال: لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ، فليتم الصلاة»

إذ الظاهر منه كما عن الشيخ في التهذيبين إرادة من خرج من بيته من غير نية السفر فتمادى به المسير إلى أن صار مسافرا من غير نية، و إنما الاعتبار بقصد المسافة لا بقطعها، و المراد إتمام الصلاة في الذهاب.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة المسافر.
2- 2 أي بعد الإجماع على عدم اعتبار قطعها أجمع.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 3.

ج 14، ص: 232

ف ظهر حينئذ من ذلك أنه لا يقصر الهائم على وجهه لا يدري أين يذهب و لا طالب الآبق، و كذا لو قصد ما دون المسافة ثم تجدد له رأي فقصد أخرى مثلها لم يقصر و إن زاد المجموع على مسافة التقصير فان المدار كما عرفت على القصد لا القطع نعم إن عاد و قد كمل المسافة

فما زاد قصر بلا خلاف أجده لتحقق القصد فيندرج حينئذ في إطلاق الأدلة أو عمومها، و لخصوص الموثق (1)السابق و غيرهما، و دعوى انصراف الذهابية من النصوص دون الرجوع مما لا يصغى إليها، كما أنه لا يصغى إلى ما سمعته سابقا من احتمال ضم ما بقي من الذهاب مما هو أقل من المسافة إلى الرجوع إن كان هو وحده بالغ المسافة، للأصل و لإطلاق النصوص و الفتاوى في عدم ترخصه حتى يرجع، بل في الرياض بعد أن نسبه إلى ظاهر الأكثر حكى الإجماع عليه، و أدلة التلفيق واضحة القصور عن تناوله حتى لو كان الرجوع وحده مسافة.

و كذا الحكم لو طلب دابة شردت أو غريما أو آبقا في الذهاب و الإياب، لاتحاد الجميع في المدارك.

نعم يكفي قصد المسافة النوعية و لا يعتبر الشخصية، فلو سار حينئذ قاصدا بلدا مخصوصا به تتحقق المسافة فبدا له في الأثناء و أراد المضي إلى بلد آخر يبلغ ما بقي من الوصول اليه مع ما سلف منه من السير المسافة قصر كما صرح به غير واحد، لتحقق القصد الذي بسببه يندرج في إطلاق الأدلة المعتضد بالأصل السالم عن معارضة ما دل من النص و الفتوى على التمام إذا لم يقصد المسافة، أو رجع عنها بعد اختصاصه بحكم التبادر و غيره في غير محل البحث، و هو ما إذا لم يقصد المسافة أصلا أو قصد الرجوع في أثنائها إلى منزله، فما في الروض من احتمال عدم الترخص اقتصارا على المتيقن


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2.

ج 14، ص: 233

من المسافة الشخصية ضعيف.

بل الظاهر الترخص و إن انتقل قصده إلى المسافة التلفيقية، كما لو قصد مسافة خاصة ثم بدا له في الأثناء و أراد الرجوع إلى محله و كان قد بلغ في مسيره بريدا قصر و إن لم يكن أراد الرجوع ليومه بناء على عدم اعتباره في ذلك، و إلا اشترط ذلك، لتحقق المقتضي و ارتفاع المانع، و عدم قصده الرجوع من أول الأمر غير قادح بعد ما سمعت من كفاية المسافة النوعية، على أن الرجوع مقصود له و لو بعد بلوغ مقصده الذي هو مسافة.

بل عن الشيخ في النهاية وجوب القصر على منتظر الرفقة إذا قطع أربعة فراسخ و إن لم يرد الرجوع ليومه، مع أن مذهبه فيها عدم وجوب القصر إذا قصد في مبدء السفر التلفيق ثمانية لغير يومه، بل التخيير، و لعله للفرق بين المقامين بعدم ثبوت ما يوجب القصر من قصد الثمانية و لو مع التلفيق لليوم في الثاني بخلاف الأول فإنه كان قاصد الثمانية الممتدة الموجبة للقصر و إن عدل عن الجزم بها و انتظر الرفقة على الأربعة التي تكون ثمانية بالإياب و لو بغير يومه، فيبقى حينئذ على ما وجب عليه من القصر فإنه يكفي فيه في الفرض الثمانية الملفقة و لو لغير اليوم، و مال إليه هنا في الرياض.

و لعله للنصوص، ك

صحيح أبي ولاد(1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن أبي هبيرة، و هو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخا في الماء، فسرت يومي ذلك أقصر الصلاة ثم بدا لي في الليل الرجوع إلى الكوفة فلم أدر أصلي في رجوعي بتقصير أم بتمام فكيف كان ينبغي أن أصنع؟

فقال: إن كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريدا فكان عليك حين رجعت أن تصلى بالتقصير، لأنك كنت مسافرا إلى أن تصير في منزلك، قال: و إن كنت


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.

ج 14، ص: 234

لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريدا فان عليك أن تقضي كل صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تريم من مكانك ذلك، لأنك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتى رجعت، فوجب عليك قضاء ما قصرت، و عليك إذا رجعت أن تتم الصلاة حتى تصير إلى منزلك».

و اشتماله على ما لا نقول به من وجوب قضاء ما صلاة قصرا لمخالفته لقاعدة الاجزاء، و صحيح زرارة(1)المعمول به بين الأصحاب لا يخرجه عن الحجية في غيره مع أنه يمكن حمله على ما لا ينافي ذلك، كما أنه يمكن حمل ما

فيه من الدلالة على فورية القضاء على أمر آخر ليس ذا محل ذكره.

و خبر إسحاق بن عمار(2)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوم خرجوا في سفر فلما انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم فيه التقصير قصروا من الصلاة، فلما صاروا على فرسخين أو على ثلاثة فراسخ أو أربعة تخلف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم إلا به فأقاموا ينتظرون مجيئه إليهم و هم لا يستقيم لهم السفر إلا بمجيئه إليهم و أقاموا على ذلك أياما لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون، هل ينبغي لهم أن يتموا الصلاة أو يقيموا على تقصيرهم؟ قال: إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا، و إن كانوا ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة أقاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصروا».

و خبر المروزي (3)قال: قال الفقيه (عليه السلام): «التقصير في الصلاة بريدان أو بريد ذاهبا و جائيا، و البريد ستة أميال، و هو فرسخان، فالتقصير في أربعة فراسخ


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 4.

ج 14، ص: 235

فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثنى عشر ميلا و ذلك أربعة فراسخ ثم بلغ فرسخين و نيته الرجوع أو فرسخين آخرين قصر، و إن رجع عما نوى عند ما بلغ فرسخين و أراد المقام فعليه

التمام، و إن كان قصر ثم رجع عن نيته أعاد الصلاة»

بعد حمل الفرسخ و الميل فيه على الخراسانيين بقرينة الراوي اللذين هما عبارة عن اثنين من الفراسخ و الأميال عندنا، و حمل المقام فيه على نية الإقامة، فإنه لم ينفعه حينئذ نية الرجوع بعدها، و ما في ذيله من إعادة الصلاة لا يخرجه عن الحجية كخبر أبي ولاد.

لكن لم يعبأ بذلك كله المقدس البغدادي، فلم يرخصه في التقصير إن بدا له في الرجوع ليومه فضلا عن غيره بعد ما قطع أربعة متمسكا بإطلاق الأصحاب عدم التقصير فيه و في المتردد و منتظر الرفقة، إلا إذا كان ذلك منهم و قد قطعوا مسافة تامة ثمانية فراسخ، لعدم اعتبار التلفيق من الإياب هنا إذا لم يكن مقصودا من قبل، بل إنما تعلق به القصد عند إرادة الرجوع بل هو في المتردد و المنتظر لم يتعلق به القصد أصلا، و قصد الإياب و لو بعد أيام أو سنين و أعوام غير مجد في تحقق المسافة عند الأصحاب كي يقال إنه كان قبل رجوعه أو تردده للمسافة سببان قصد الامتدادية و التلفيقية، فلما بطل السبب الأول بقي الثاني، و فيه أولا أنه غير تام بناء على ما ذهب إليه ابن أبي عقيل و غيره من الاكتفاء بقصد الإياب و لو بعد السنين ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع، و قد عرفت قوته سابقا، بل هذه النصوص ظاهرة فيه أو صريحة كما أشرنا إليه سابقا، و ثانيا أنه قد سمعت كفاية المسافة النوعية في القصر، و دعوى إنكار مثل هذا التلفيق بعد أن لم يكن مقصودا من أول الأمر مسافة حتى يثمر العدول إليه في بقاء التقصير يدفعها ما سمعته من النصوص السالمة عن المعارض هنا، حتى ما دل على عدم الترخص لغير قاصد المسافة أو المتردد في الأثناء قبل البلوغ بعد انسياق غير محل البحث منه، كالنصوص الدالة على حصر المسافة في الثمانية المراد منها قصدها

ج 14، ص: 236

لا القطع، و لذا مال إليه في الرياض أو قال به في الفرض مع أنه ممن لم يعين القصر و التلفيق لغير يوم الذهاب، لا أقل من الشك في شمول أدلة الطرفين له، فيبقى استصحاب تعين القصر عليه سالما عن المعارض، نعم لا ينبغي الشك في عدم الترخص له لو نوى الرجوع أو تردد أو انتظر اتفاق الرفقة قبل بلوغ المسافة و لو التلفيقية، كما لو حصل ذلك قبل الوصول إلى أربعة فراسخ، للنصوص السابقة و ظهور الاتفاق، بل عن بعضهم دعواه صريحا على اعتبار عدم نقض العزم على المسافة في بقاء الترخص له و لو بالتردد و نحوه، نعم لا يقدح الجنون و الإغماء و نحوهما مما لا يعد نقضا للعزم، و من ذلك كله ظهر لك الحال في قول المصنف و لو خرج ينتظر رفقة إن تيسروا سافر معهم فان كان ما أراد انتظارهم فيه على حد مسافة قصر في سفره و موضع توقفه لتحقق القصد إلى مسافة فيه و إن كان دونها أتم حتى يتيسر له الرفقة و يسافر لكن يجب إرادة الأعم من التلفيقية من المسافة في المتن لو أردنا تنزيله على المختار، كما أنه ظاهر أو صريح في أن الحكم المذكور إذا لم يكن جازما بمجي ء الرفقة أو عازما على السفر بدونهم، و إلا قصر بمجرد خروجه عن محل الترخص ما لم ينو إقامة عشرة أيام، أو يمضي له ثلاثون يوما مترددا، و في إلحاق الظن بمجيئهم بالجزم به وجهان، أقواهما عدم الترخص للأصل، كالظن في السفر بدونهم، خلافا للذكرى فجعل غلبة الظن بذلك كالجزم، و لو تيسر له الرفقة فعزم على السفر اعتبر في جواز الترخص له بلوغ ما بقي من الذي أراد قطعه مع الرفيق مسافة، لعدم اعتبار ما قطعه أولا حال خلوه عن الجزم بقصد المسافة، فلا يضم حينئذ إليه، بل هو كقطع طالب الآبق و نحوه، نعم لو قصد مسافة ثم تردد في أثنائها و لم يقطع بعد التردد شيئا ثم عاد الى الجزم رجع الى الترخص و إن صلى تماما أياما و اكتفى ببلوغ ما قطعه و ما بقي مسافة، لتناول

ج 14، ص: 237

الأدلة حينئذ له، بل الظاهر عدم احتياجه الى الضرب في الأرض، لأنه ليس سفرا جديدا، بل هو رجوع عين القصد الأول، أما لو قطع حال التردد جملة ثم رجع الى الجزم احتمل اعتبار بلوغ ما بقي مسافة في ترخصه، لذهاب حكم ما قطعه أولا بالتردد و لو في بعضه، و يحتمل و لعله الأقوى الاكتفاء ببلوغ ما قطعه حال الجزم و ما بقي مسافة، و إسقاط ما تخلل بينهما مما قطعه حال التردد، أو العزم على الرجوع، و أما احتمال الاكتفاء ببلوغ المجموع مسافة حتى ما قطعه حال التردد لرجوع القصد الأول الذي كان سببا في القصر فضعيف جدا كما هو واضح، ثم لا فرق في اعتبار قصد المسافة في الترخص بين التابع و غيره، سواء كانت التبعية لوجوب الطاعة كالزوجة و العبد و الولد أو لا، بل كانت اختيارية كالخادم و نحوه ممن لا ولاية شرعية للمتبوع عليه أو قهرية كالأسير و المكره و نحوهما ممن أخذ ظلما، لإطلاق الأدلة نصا و فتوى، و ما في الدروس و غيرها من أنه يكفي قصد المتبوع عن قصد التابع يراد منه كفاية ذلك بعد بناء التابع على التبعية و إناطة مقصده بمقصد متبوعة و معرفته به، فإنه حينئذ يتحقق قصده المسافة بذلك، لا أنه يكفي و إن لم يكن التابع قاصدا له كما لو عزم على مفارقة متبوعة، لعدم الدليل بالخصوص، بل ظاهر الأدلة خلافه، حتى لو كان التابع ممن يجب عليه إطاعة المتبوع كالعبد و الزوجة، فإنهما لو كان من نيتهما الإباق و النشوز قبل بلوغ المسافة لم يترخصا، و نص جماعة من الأصحاب على التابع ليس لأن له حكما مستقلا ثابتا بدليل مخصوص، بل المراد التنبيه على اندراج مثله فيما تقدم من القاصد مسافة و إن كان قصده لها انما هو لقصد متبوعة لا لغرض متعلق به، لا أن المراد أن له حكما بخصوصه كما لا يخفى على المتأمل لكلماتهم، فالمدار حينئذ على تحقق قصدهم المسافة بل عن نهاية العلامة «أنهما متى احتملا

ج 14، ص: 238

العتق و الطلاق قبل بلوغ المسافة و عزما على الرجوع بحصولهما أتما» و قربه الشهيد إن حصلت إمارة لذلك و تبعه في مجمع البرهان و الرياض، قال في الذكرى «و إلا فالظاهر البناء على بقاء الاستيلاء و عدم دفعه بالاحتمال البعيد» و إن كان ضعف الأول واضحا، ضرورة عدم منافاة مثل هذا الاحتمال لقصد المسافة فعلا، كما أنه لا ينافي الاستدامة على العمل في سائر ما تعتبر فيه من العبادات، فمن صام ناويا للصوم و عازما عليه لم يقدح في صحة صومه بناؤه من أول الأمر على القطع عند عروض المانع منه، و لا تردده في حصول المبطل قهرا له.

بل قد يقال بعدم قدحه لو تردد فيه و كان احتمال العروض و العدم على حد سواء، لصدق قصد المسافة قبل العروض، و للاستصحاب، بل و كذا لو كان احتمال العروض أقوى أيضا، فمن سافر قاصدا للمسافة و عازما عليها إلا أنه يظن عروض اللصوص في طريقه الذين بسببهم يتردد في سفره أو يقصد الرجوع قصر فيه، بل يمكن القول بذلك حتى لو علم العروض، إذ القاطع لقصد المسافة نقض القصد الأول فعلا لا العلم بحصول ما يقتضي النقض فيما يأتي من الزمان، و أوضح منه لو فرض عروض العلم بذلك له في الأثناء، اللهم إلا أن يقال إنه لا يتصور الاستمرار على القصد معه، كما أنه لا يتصور أصل القصد إلى المسافة لو كان ذلك معلوما له من أول الأمر، و هو أمر آخر غير ما نحن فيه، مع أنه يمكن منعه خصوصا في الأول، و إلا لنفاه التردد أو الظن.

و من ذلك كله ظهر لك ما في تقييد الشهيد، إذ حصول الامارة لا ينافي التبعية المقصودة فعلا المقتضية للعزم على مسافة المتبوع و القصد إليها، و لعله لذا أطلق الفاضل في المنتهى على ما حكي عنه قصر الزوجة و العبد و إن عزما على الرجوع بعد ارتفاع اليد عنهما، بل و ظهر ما في كلامه في الذكرى أيضا من أنه لو بلغه خبر عبده أو غائبة في بلد يبلغ مسافة فقصده جزما فلما كان في أثناء الطريق نوى الرجوع إن ظفر به قبل

ج 14، ص: 239

البلد، فهو حينئذ في حكم الراجع عن السفر، فان كان قد قطع المسافة لم يخرج عن السفر، و إلا خرج، مع أنه كان عليه تقييده بما إذا قامت إمارة لذلك لا مجرد الاحتمال أو الفرض كما هو واضح.

نعم يعتبر علم التابع بقصد المتبوع مسافة كما صرح به في الذكرى و الروض و مجمع البرهان و غيرها كي يتحقق قصده الى ذلك عند الانحلال، أما لو جهله و احتمل كون مقصد المتبوع غير مسافة لم يترخص، لعدم حصول الشرط، إذ إناطة قصده بقصد متبوعة مع فرض الجهل به و احتمال كونه غير مسافة لا تجدي في تحققه و في صدق كونه قاصد مسافة، و إلا لصدق على طالب الآبق و نحوه الذي في علم الله انه لا يصيبه حتى يقطع مسافات أنه قاصد مسافة مما هو معلوم البطلان، فحينئذ يتم و إن قطع مسافات، إذ قد عرفت أن تبين كون قصد المتبوع مسافة بعد ذلك لا يوجب القصر حال الجهل و لا حال العلم، لأن الشرط قصد المسافة ابتداء، و في وجوب تعرف قصد المتبوع بالسؤال عنه و نحوه و عدمه وجهان، مقتضى الأصول الثاني كما أن مقتضاها أيضا عدم وجوب الاخبار و التعريف على المتبوع حتى لو سئل و استخبر فتأمل جيدا فان المقام لا يخلو من مزلقة للإقدام و العلم عند الملك العلام.

[الشرط الثالث في اعتبار عدم قطع السفر بنية الإقامة]

الشرط الثالث لأصل وجوب القصر على حسب ما سمعته و تسمعه من الشرائط المذكورة في هذا المقام، لا أنه شرط للاستمرار على القصر من بينها، كما هو ظاهر اللمعة بقرينة ذكره مضي الثلثين يوما الذي لا يتصور فيه إلا شرطية الاستمرار، بخلاف المصنف الذي اقتصر على الإقامة و المرور بالمنزل الذين يتصور شرطيتهما في أصل القصر على معنى أن لا ينوي في ابتداء قصده المسافة أنه يقطع السفر بإقامته عشرة كاملة و لو بالتلفيق، أو مرور بمنزلة الذي يخاطب بالتمام فيه في أثنائه كما صرح به في الروضة و الروض و مجمع البرهان و غيرها، بل لا أجد

ج 14، ص: 240

فيه خلافا فلو عزم على مسافة و في طريقه ملك له قد استوطنه ستة أشهر أتم في طريقه لعدم قصده المسافة المتصلة التي علم من الأدلة إيجابها خاصة القصر، فيبقى حينئذ على أصالة التمام فيه و في نفس ملكه الذي ستعرف ما يعتبر في وجوب التمام فيه و ان كان التمام فيه في الجملة إجماعيا و النصوص به مستفيضة أو متواترة و كذا الحكم لو نوى الإقامة في بعض المسافة فإنه يتم في طريقه لأصالة التمام السالمة عن المعارض هنا بعد انسياق ما لا يشمل الفرض من أدلة القصر، و المعتضدة بعدم الخلاف في ذلك نقلا في الرياض و غيره و تحصيلا، بل فيه أن عليه و على سابقه الإجماع في عبائر جماعة حد الاستفاضة في الأول، و دونه في الثاني، و يتم أيضا في محل ما نوى الإقامة فيه إجماعا و نصوصا(1)مستفيضة أو متواترة، لكن من المعلوم أنه يعتبر في ذلك بقاؤه على عزم الإقامة، أما لو عدل عنها قبل الوصول الى محلها قصر إذا ضرب في الأرض و كان ما قصده من حين العدول يبلغ مسافة، إذ لا عبرة بما قطعه أولا حال العزم على الإقامة، فلا يتلفق منه المسافة، نعم يبقى على التمام إذا لم يضرب في الأرض بعد عدوله أو كان ما عدل اليه لا يبلغ مسافة، لانتفاء الموجب للقصر حينئذ، و كذا لو عدل عن القصد الى المرور بمنزلة الذي في الأثناء قبل الوصول اليه، فيكونان حينئذ كمن وصل الى محل الإقامة و أتمها فيه، و من وصل الى منزله ثم أراد أن يسافر، فإنهما لا يقصران حتى يجتمع الشرطان المزبوران.

نعم قد يفرق بين محل الإقامة و المنزل باعتبار الخروج عن محل الترخص في القصر في الثاني دون الأول كما عن العلامة التصريح به، مع احتماله كما في الذكرى، بل اختاره في المسالك و ظاهر الروض، لأنه صار كبلدة، كما في

صحيح (2)القادم قبل التروية بعشرة أيام، قال فيه «وجب عليه التمام، و هو بمنزلة أهل مكة».


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 11.

ج 14، ص: 241

لكن يقوى في النظر الأول، لانصراف ارادة خصوص التمام من المنزلة فيه لا ما يشمل ما نحن فيه، فيندرج في عموم ما دل على القصر بالسفر المتحقق في الضرب بالأرض، و أضعف من ذلك احتمال مساواة محل ما عزم على الإقامة فيه قبل الوصول اليه للمنزل في انقطاع السفر بمجرد الوصول الى محل الترخص قبل الدخول اليه، كما اعترف به في الروض، و إن جعله في الذكرى أيضا وجها مساويا لاحتمال عدم المساواة في ذلك بل اختاره في المسالك، إلا أنه كما ترى في غاية الضعف، لاقتضائه رفع اليد عن الأصل و إطلاق الأدلة بلا دليل معتبر حتى عموم المنزلة السابقة، ضرورة كون موردها تحقق الإقامة في البلد لا العزم عليها قبل الوصول إليها، و لذا لو رجع عن نية الإقامة بعد الوصول إليها قبل الصلاة فيها

تماما رجع الى القصر، و صارت كغيرها من البلدان، فضلا عما قبل الوصول.

اللهم إلا أن يقال إنه: بسبب عزمه المستمر على الإقامة في ذلك البلد الشامل لحدوده التي هي محل الترخص ينقطع سفره بمجرد الوصول لأنه حينئذ كمن بلغ نفس البلد و نوى الإقامة فيه، لكن ذلك مبني على صحة نية الإقامة في البلد بحيث يشمل حدوده، أما بناء على نية الإقامة انما هي في البلد نفسه و ان ساغ له التردد بعد ذلك في الحدود، فلا يتم، و فرق واضح بين الأمرين، إذ محل الإقامة على الثاني البلد نفسه، و على الأول هو و حدوده.

هذا كله إذا كان عازما على إقامة العشرة في الأثناء أو المرور بالمنزل المزبور، أما إذا كان مترددا في ذلك فلا يبعد عدم الترخص أيضا، لوضوح عدم القصد إلى المسافة في الثاني، بل و الأول أيضا لعدم الجزم بالمسافة المستمرة فيه، و أولى منه الظن، و لا ينافيه ما سمعته في التابع الذي يتردد في زوال التبعية، أما أولا فللاستصحاب هناك دونه هنا، إذ لا يتصور تقريره مع فرض تردده من أول الأمر بقطع المسافة و عدمه،

ج 14، ص: 242

بخلافه في الأول، فإن سبب التبعية مستصحب لا يزول بالاحتمال و الظن، و أما ثانيا فالفرق بين التردد في نفس القطع من أول الأمر و بين التردد في عروض ما يقتضي العزم على القطع معه، لمنافاة الأول قصد المسافة دون الثاني.

نعم لا يقدح احتمال عروض مقتضي الإقامة لحصول بعض الأمارات المقتضية له، بمعنى أنه لو جزم و عزم على المسافة من غير قاطع لكن يحتمل أنه يعرض له مقتض لنية الإقامة في الأثناء من مرض و نحوه أو المرور بالمنزل فان مثله لا ينافي صدق قصد المسافة عرفا و العزم عليها، بل قد يقال بعدم قدح التردد في عروض مقتضي نية الإقامة بل و لا ظنه كما في التابع.

و كيف كان فلا إشكال و لا خلاف في كون كل من الأمرين قاطع للسفر سواء نواهما في ابتداء سفره أو حصلا فيه في الأثناء غير أنه على الأول لا يقصر في الطريق إذا فرض وقوعهما في أثناء المسافة، و على الثاني يقصر في الطريق لتحقق قصد المسافة فيه التي لا ينافيها اتفاق وقوع الإقامة في الأثناء أو المرور بالمنزل فيتم حينئذ فيهما خاصة، و لا يعيد ما صلاة قصرا قبل و إن تبين أنه كان فيما دون المسافة لقاعدة الاجزاء، و خصوص صحيح زرارة(1)و غيره.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في احتياج التقصير بعد الخروج منهما الى اعتبار مسافة جديدة، و لا يكفي التلفيق بعد نحلل القاطع و إن كان لا صراحة في النصوص بذلك بالنسبة إلى محل الإقامة، إلا أنه يكفي فيه- بعد الإجماع المحكي بل الإجماعات إن لم يكن محصلا- استصحاب حكم التمام الثابت له في محل الإقامة السالم عن معارضة نصوص المسافة بعد انسياق غير الفرض منها، و تنزيل المقيم عشرا منزلة الأهل في الصحيح السابق.

و يلحق به بالنسبة الى ذلك التردد ثلاثين يوما في مكان واحد كما صرح به


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.

ج 14، ص: 243

في الروضة، بل ظاهر الرياض أو صريحه مساواته لمحل الإقامة في حكاية الإجماعات عليه في عبائر الجماعة، فينقطع حينئذ حكم السفر، و يحتاج في تجدد الترخص إلى مسافة مستقلة، للاستصحاب المزبور أيضا و التنزيل منزلة الأهل في

الصحيح (1)الآخر أيضا، قال فيه «سألت أبا الحسن عن أهل مكة إذا زاروا عليهم إتمام الصلاة قال نعم، و المقيم الى شهر بمنزلتهم»

و ذكره في النصوص مع الإقامة التي علم كونها من القواطع، و لا ينافي ذلك اقتصار المصنف و غيره هنا على المنزل و الإقامة دونه، لأن المراد هنا بيان شرائط أصل وجوب القصر، و هو يتم في الأولين بمعنى أنه يعتبر في وجوبه أن لا ينوي الإقامة أو المرور، و إلا أتم بخلافه، إذ لا يتصور فيه ذلك، نعم هو قاطع للسفر و المسافة إذا اتفق في الأثناء.

لكن و مع ذلك كله فظاهر المحقق البغدادي أو صريحه أنه ليس من القواطع للسفر، بل هو من الأحكام اللاحقة للمسافر كالإتمام في مواضع التخيير، فلا ينقطع قصد المسافة حينئذ به، و لا يحتاج في تجدد الترخص إلى مسافة جديدة الى غير ذلك محتجا بعدم ذكر الأصحاب له من القواطع للسفر، بل اقتصروا على الأمرين

المزبورين، و كان نظره الى نحو المقام و قد عرفت العذر فيه، مع أنه نص عليه هنا في الدروس و اللمعة و الروضة، بل صرح في الأخير كغيره باحتياج القصر بعده إلى مسافة جديدة، و لتمام البحث معه محل آخر.

و على كل حال فقد اتضح لك من جميع ما تقدم ما في المتن من أنه لو كان بينه و بين ملكه أو ما نوى على الإقامة فيه مسافة التقصير قصر في طريقه خاصة لحصول المقتضي و ارتفاع المانع، فان لم يكن بينهما مسافة لم يقصر، و

خبر عمران بن محمد(2)


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 14.

ج 14، ص: 244

المتقدم «قلت لأبي جعفر الثاني (ع) جعلت فداك: ان لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ ربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام فأتم الصلاة أم أقصر؟ فقال: قصر في الطريق و أتم في الضيعة»

مطرح أو مأول بحمل الفراسخ فيه على الفراسخ الخراسانية أو غيرها، و لا يمكن حمله على مراعاة الإياب هنا و إن لم نعتبر اليوم، لأنهما سفران، و لذا أمره بالتمام في الضيعة، فتأمل.

و كذا اتضح ما فيه أيضا من أنه لو كان له عدة مواطن اعتبر ما بينه و بين الأول فإن كان مسافة قصر في طريقه أيضا و ينقطع سفره بموطنه فيتم فيه، ثم يعتبر المسافة التي بين موطنيه، فان لم تك مسافة أتم في طريقه لانقطاع سفره الأول بالوصول الى وطنه الأول و فرض عدم مسافة له بالقصد الى الثاني و إن كان مسافة قصر في طريق الوطن الثاني حتى يصل الى وطنه فينقطع حينئذ سفره، فلو كان له مقصد آخر متجاوز عن وطنه الأخير اعتبر ما بينهما، فان كان مسافة قصر في الذهاب و المقصد و الإياب حتى يصل الى الوطن، و إلا أتم في الجميع. قال في المدارك: و لا يضم ما بين الموطن الأخير و نهاية المقصد إلى العود. بل لكل من الذهاب و الإياب حكم برأسه، فلا يضم أحدهما إلى الآخر، و فيه أن الفرض مع كونه بريدا محل الضم، نعم يأتي فيه البحث السابق من اعتبار الرجوع لليوم و عدمه كما هو واضح، و لعله: يريد ما قدمناه و إن قصرت عنه عبارته، و نص عليه في المسالك و الروض هنا من عدم ضم الذهاب من آخر أوطانه إلى مقصده مع قصوره عن المسافة إلى الإياب البالغ مسافة، كما لو أراد الرجوع الى وطنه الأول بغير ذلك الطريق الذي ينقطع سفره به، إذ هو حينئذ كطالب الآبق و نحوه الذي بلغ المسافة من غير قصد ثم قصد بعد ذلك زيادة دون المسافة قبل العود، فإنه لا يقصر فيها و إن كان برجوعه يقصر لعدم دليل على مثل هذا التلفيق، قال في المسالك بعد أن ذكر اعتبار المسافة بين آخر أوطانه و مقصده في

ج 14، ص: 245

التقصير: «و لا فرق في ذلك بين ان يعزم على العود الى وطنه الأول على تلك الطريق و غيرها مما لا وطن فيه، و لا ما في حكمه، و لا يقصر فيما بين آخر أوطانه و نهاية مقصده مع قصوره عن المسافة و إن كان يقصر راجعا، بل لكل من الذهاب و الإياب حكم برأسه لا يضم أحدهما إلى الآخر، و كذا القول فيما نوى فيه الإقامة سواء كانت النية في ابتداء السفر أو بعد الوصول الى موضع الإقامة، و مثل ما لو بلغ طالب الآبق و نحوه المسافة من غير قصد ثم قصد الزيادة الى ما دون المسافة قبل العود» و هو كما ترى صريح في غير مسألة الرجوع ليومه و غير يومه، و الأمر سهل،

[في بيان المراد بالوطن]

و المراد بالوطن الذي يتم فيه و إن عزم على السفر قبل تخلل العشرة هو كل موضع يتخذه الإنسان مقرا و محلا له على الدوام الى الموت، لا أنه قصد استيطانه مدة و إن طالت مستمرا على ذلك غير عادل عنه كما نص عليه الفاضل و الشهيد و غيرهما بل نسبه في المدارك إلى سائر من تأخر عن العلامة من غير فرق بين ما نشأ فيه و ما استجده ليتحقق حينئذ معنى الوطن الذي نص في الصحاح و المصباح على أنه المكان و المقر، و أمر في النص و الفتوى بالتمام فيه، و لا يعتبر في مفهومه عرفا الاتحاد و إقامة الستة أشهر فيه، و إن قال في الذكرى: «إنه الأقرب معللا له بأنه ليتحقق الاستيطان الشرعي مع العرفي» و لم يستبعده في المدارك قال لأن الاستيطان على هذا الوجه إذا كان معتبرا مع وجود الملك فمع عدمه أولى، و ذلك لظهور تحقق معنى الوطن و المسكن و المنزل لغة و عرفا بذلك قبل بلوغ الستة أشهر، نعم يعتبر فيه الإقامة فيه في الجملة عرفا و لا يكتفى بالنية، مع احتماله، بل اكتفى بها شيخنا في بغية الطالب و لا يخلو من قوة و إن كان الأحوط الإقامة في الجملة، و على كل حال فهو الذي أمر بالتمام فيه، و اعتبار الستة أشهر و الملك و نحوهما في النص و الفتوى انما هو في الوطن الذي لا يزول حكمه من الإتمام فيه و غيره بالاعراض عنه و العدول الى غيره، أو في المكان الذي له ملك

ج 14، ص: 246

فيه و لم يقصد الاستيطان فيه كما ستعرف، لا في مطلق الوطن بحيث يشمل محل الفرض، فدعوى أنه و إن كان وطنا عرفا إلا أنه ليس وطنا شرعا واضحة المنع.

و اقتصار كثير من الفتاوى على الملك المستوطن ستة أشهر ليس لانحصار الوطن فيه عندهم، بل لذكرهم له في معرض قواطع السفر في أثنائه، و هو الذي يتصور وقوعه في الأثناء لا الوطن الذي اتخذه مقرا، إذ الخروج منه يكون ابتداء للسفر لا أنه قاطع له بوقوعه في أثنائه، إذ هو فيه حاضر لغة و عرفا و شرعا، و احتمال تصويره بمن نوى السفر الى الشام مثلا و قصده من البصرة و كان وطنه الكوفة فمر بها مجتازا الى مقصوده الأصلي يدفعه أن ابتداء سفره أيضا في الحقيقة من الكوفة و إن كان قد قصده من البصرة، على أنه لو سلم فليس هو المنساق الى الذهن من قطع السفر في أثنائه بالوصول الى وطنه، انما المنساق ما نص عليه الأصحاب مما بقي فيه حكم الوطن و كان غيره المقر و المسكن للمسافر، كما هو واضح.

و كيف كان فلا ريب عندنا في وجوب الإتمام على المسافر بالوصول الى نفس منزله المزبور سواء قصد مجرد الاجتياز به أو إنشاء السفر منه، أو الى البلاد الذي (التي ظ) فيها منزله و إن لم يصل الى نفس منزله بل أو الى محل الترخص من محل بلاده، كل ذلك لانسلاخه عن صدق المسافر و اندراجه في الحاضر بديهة لوروده الى موضع رحله و مقر أهله و محل أنسه و مستراح بدنه و مأنس نفسه، و إن كان قد يشم من بعض النصوص عدم الإتمام في الأخير إذا كان قد أنشأ السفر من مكان غيره و أراد الاجتياز به، ك

موثق ابن بكير(1)«سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يكون بالبصرة و هو من أهل الكوفة يكون له فيها دار و منزل و انما هو مجتاز لا يريد المقام


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2.

ج 14، ص: 247

إلا بقدر ما يتجهز يوما أو يومين، قال: يقيم في جانب المصر و يقصر، قلت: فان دخل منزله قال: عليه التمام»

و الصحيح عن ابن رباب (1)المروي عن قرب الاسناد «أنه سمع بعض الواردين سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل يكون بالبصرة و هو من أهل الكوفة، و له بالكوفة دار و عيال، فيخرج فيمر بالكوفة ليتجهز منها، و ليس من رأيه أن يقوم أكثر من يوم أو يومين قال: يقيم في جانب الكوفة و يقصر حتى يفرغ من جهازه، و ان هو دخل منزله فليتم الصلاة»

و غيرها، و ربما مال اليه المقدس البغدادي لذلك مقيدا بها غيرها من الأخبار مما ينافيها، بل مال منها أيضا الى عدم اعتبار محل الترخص في القصر عند الخروج منه مريدا الرجوع الى أصحابه، لكن هي- مع قصورها عن معارضة غيرها من النصوص المعتضدة بفتوى الأصحاب، و بصدق الوصول عرفا الى وطنه و مسكنه و منزله بالوصول الى حدود بلده- غير صريحة في ذلك، لاحتمال ارادة ما يقرب من محل الترخص من الجانب فيه، نحو ما ورد أيضا في الواصل الى بلده غير المجتاز، على أنها ظاهرة في قصر التمام على الدخول للمنزل خاصة دون البلد، ك

صحيح ابن عمار(2)عنه (ع) قال: «إن أهل مكة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم أتموا و إذا لم يدخلوا منازلهم قصروا»

و صحيح الحلبي (3)قال: «إن أهل مكة إذا خرجوا حجاجا قصروا و إذا زاروا البيت و رجعوا الى منازلهم أتموا»

مما لا أعرف أحدا يقول به، و الأدلة صريحة بخلافه، كما هو واضح.

و على كل حال فالوطن ما عرفت أو كل موضع يكون له فيه ملك قد استوطنه فيما مضى من الزمان ستة أشهر فصاعدا كما هو المشهور نقلا و تحصيلا،


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 6 لكن رواه عن علي بن رئاب و هو الصحيح.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 8.

ج 14، ص: 248

بل لا خلاف فيه إلا من نادر، بل في الروض و عن التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة، مضافا الى استفادته أيضا من مجموع النصوص كالمستفيضة(1)الدالة على التمام إذا مر بقرية أو ضيعة بعد تقييدها بغيرها من النصوص (2)التي اعتبرت في الإتمام كون الضيعة و القرية وطنا له، و إلا قصر ما لم ينو مقام عشرة أيام المعتضدة بفتوى الأصحاب عدا ابن الجنيد فيما حكي عنه من العمل بإطلاق عدم اعتبار الستة و غيرها، بل حكي عنه أيضا الاكتفاء في الإتمام بكونه منزلا لزوجته أو ولده أو أبيه أو أخيه إن كان حكمه نافذا فيه و لا يزعجونه لو أراد الإقامة فيه، لبعض النصوص (3)القاصرة عن افادة تمام مدعاه، مع أنها معارضة بغيرها مما هو أرجح منها من وجوه، منها الاعتضاد بفتوى الأصحاب عداه، و على كل حال فلا ريب في شذوذه.

كما أنه لا ريب في تنزيل إطلاق تلك النصوص على التقييد المزبور المذكور في عدة من المعتبرة أيضا، ففي

صحيح ابن يقطين (4)«قلت لأبي الحسن الأول (ع) الرجل يتخذ المنزل فيمر به أ يتم أم يقصر؟ قال: كل منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل، و ليس لك أن تتم فيه»

و نحوه صحيحه الآخر(5)و في

صحيح الحلبي (6)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يسافر فيمر بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أم يقصر؟ قال: يقصر انما هو المنزل الذي توطنه»

و في

صحيح ابن أبي خلف (7)قال «سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأول (ع) عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمر بها قال: إن كان مما قد سكنه أتم فيه الصلاة، و إن كان مما لم يسكنه فليقصر»

الى غير ذلك، بل في


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب صلاة المسافر.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 8 لكن روى عن حماد بن عثمان.
7- 7 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 9.

ج 14، ص: 249

بعضها(1)إطلاق الأمر بالتقصير و إن وجب تنزيلها أيضا على ما في هذه الصحاح

كالمستفيضة(2)الأولى لاشتراكهما في عدم القائل أو ندرته، إذ قد عرفت أن الأولى لم يحك العمل بها إلا عن ابن الجنيد، و أما الثانية فعن ظاهر ابن البراج في المهذب خاصة، فلاحظ.

لكن المراد من الاستيطان في هذه الصحاح الإقامة ستة أشهر كما صرح به في

صحيح ابن بزيع (3)عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «سألته عن الرجل يقصر في ضيعته فقال:

لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه، فقلت: ما الاستيطان؟

فقال: ان يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر، فإذا كان كذلك يتم فيها متى يدخلها».

فمن مجموع هذه النصوص يستفاد الإتمام بحصول الشرطين المزبورين، أما الملك فمن اللام في الصحيح المزبور و غيره، و الإضافات في غيرها المنساق منهما الملكية إلى الذهن، و أما الاستيطان ستة أشهر فمن الصحيح أيضا كاستفادة أصل الاستيطان بدون التقييد من النصوص السابقة و غيرها، و صرح بعضهم كالعلامة و غيره بعدم اعتبار الاستيطان في الملك، بل و عدم اعتبار قابلية الملك للاستيطان، بل يكفي النخلة و نحوها لإطلاق بعض تلك الأدلة السابقة، و

للموثق (4)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية أو دار له فينزل

فيها قال: يتم الصلاة و لو لم يكن له إلا نخلة واحدة، و لا يقصر و ليصم إذا حضره الصوم و هو فيها»

فيراد حينئذ بضمير (استوطنه) في المتن و غيره الموضع الذي فيه المنزل لا المنزل،


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر الحديث 19.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر الحديث 5.

ج 14، ص: 250

و كذا صرح المصنف و غيره بكفاية الستة أشهر متوالية كانت أو متفرقة لإطلاق الستة بل و إطلاق السكنى و الاستيطان المقتصر على تقييدهما بالستة خاصة متوالية كانت أو متفرقة، و ربما أشكل ذلك كله بعدم اقتضاء اللام و الإضافة التمليك خصوصا الثانية التي يكفي فيها أدنى ملابسة، بل و الأولى لغلبة مجيئها للاختصاص، و بأن ظاهر الصحيح اعتبار فعلية الاستيطان و تجدده في كل سنة بقرينة المضارع الموضوع للتجدد و الحدوث، و من هنا جزم به الصدوق في المحكي عنه من فقيهه، و مال اليه بعض متأخري المتأخرين منهم سيد المدارك و الرياض، بل استظهره أو لهما من عبارتي النهاية و الكامل للشيخ و ابن البراج، فلم يكتفوا بما مضى من الستة أشهر، بل لا بد من دوام الاستيطان كالملك على وجه يعد وطنا و منزلا له، و يكون له وطنان فصاعدا، و بأن الموثق- مع احتماله التقية، لموافقته المحكي عن جماعة من العامة، و كونه كغيره من الصحاح (1)المتضمنة للأمر

بالإتمام بمجرد الوصول الى الملك من القرى و الضياع التي لم يقل أحد بمضمونها من جهة معارضتها بالصحاح (2)الأخر المستفيضة الدالة على التقصير بالقرية و الضيعة له ما لم ينو مقام عشرة أيام أو يكن قد استوطنهما، و معارض بصحيح ابن بزيع (3)السابق، إذ هو كالصريح في أن العبرة بالاستيطان في المنزل دون الملك، و إلا لعطفه على إقامة العشرة، و لم يخصه بالمنزل- لا دلالة فيه على اشتراط الملك سواء في على إطلاقه أو قيد بالستة أشهر كما هو مقتضى الجمع بينه و بين الصحيح، إذ أقصاه التمام مع الملك، و هو لا ينافي التمام مع المنزل غير الملك إذا استوطنه


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2 و 5 و 12 و 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 11.

ج 14، ص: 251

المدة المزبورة، و من هنا جزم في الرياض بعدم اعتبار الملك، و أنه يكفي الاستيطان في المنزل خاصة و إن لم يكن ملكا مستظهرا له من الصحاح السابقة و عبارة النافع و نحوها من عبائر الجماعة، قال و منهم الصدوق و الشيخ و جملة ممن تبعه و الشهيد في اللمعة، بل صرح أيضا بأنه لا وجه لما ذكروه من اعتبار الملك كما صرح به من متأخري المتأخرين جماعة، لكن قال بعد ذلك: «إنه يمكن الاعتذار لهم بأن اعتبارهم الملكية انما هو بناء على اكتفائهم في الوطن القاطع

بما حصل به الاستيطان ستة أشهر و لو مرة من دون اشتراط الفعلية، حتى لو هجر بحيث لم يصدق عليه الوطنية عرفا لزمه التمام بمجرد الوصول اليه، و لذا اشترطوا دوام الملك أيضا إبقاء لعلاقة الوطنية ليشبه الوطن الأصلي الذي لا خلاف فتوى و نصا في انقطاع السفر به مطلقا و لو لم يكن له فيه ملك و لا منزل مخصوص، و على هذا فلا ريب في اعتباره، لعدم دليل على كفاية مجرد الاستيطان ستة أشهر مع عدم فعليته و دوامه أصلا، إذ النصوص الدالة عليه ظاهرها اعتبار فعليته، فلم يبق إلا الإجماع المحكي و الفتاوي، و هما مختصان بصورة وجود الملك و دوامه، فعلى تقدير العمل بها ينبغي تخصيص الحكم بها، و يرشد الى ذلك أنهم ألحقوا بالملك اتخاذ البلد أو البلدين دار إقامة على الدوام معربين عن عدم اشتراط الملك فيه و ان اختلفوا في اعتبار الاستيطان ستة أشهر فيه كالملحق به كما عليه الشهيد في الذكرى و جملة من تأخر عنه، أو العدم كما عليه الفاضل، و الوطن المستوطن فيه المدة المزبورة على الدوام أحد أفراده فلا يعتبر فيه عندهم الملكية كما عرفته، و يتحصل مما ذكرنا أنه لا إشكال و لا خلاف في عدم اعتبار الملك في الوطن المستوطن فيه المدة المزبورة كل سنة، و لا في اعتباره في المستوطن فيه تلك المدة مرة، و انما الخلاف و الاشكال في كون مثل الوطن الأخير و لو مع الملك قاطعا، و الأقوى فيه العدم كما تقدم، و يؤول إلى إنكار الوطن الشرعي

ج 14، ص: 252

و انحصاره في العرفي، و هو قسمان أصلي نشأ فيه أو اتخذه، و طارئ يعتبر في قطعه السفر فعلية الاستيطان فيه ستة أشهر بمقتضى الصحيحة المتقدمة» انتهى.

و قد يدفع الأول بظهور اللام في الملكية، خصوصا في الموثق المزبور بل و غيره من الصحاح السابقة التي كادت تكون صريحة في ذلك، و خصوصا بعد الانجبار بالإجماع المحكي المعتضد بالفتاوى نصا و ظاهرا حتى بعض من نسب إليهم عدم اعتبار الملك كالنافع و غيره، لتعبيرهم أيضا باللام الظاهر منه الملكية، و لا تنافيه الإضافة إن لم نقل بظهورها أيضا في الملك إذ كفاية الملابسة في الجملة فيها لا تقتضي الانسياق الى الذهن منها عند الإطلاق.

و الثاني- بعد تسليم ظهوره في ذلك هنا، و إلا فربما ادعي ظهوره في إرادة اتفاق الإقامة فيه ستة أشهر، أو في إرادة رفع ما يظهر من لفظ الاستيطان في غيره من النصوص من الدوام بأن الذي يكفي في الإتمام استيطان الستة أو في غير ذلك- بأنه يجب الخروج عن ظاهره و إرادة إقامة ستة أشهر و لو مرة منه، أو الاعراض عنه بالنسبة الى ذلك أي الاستمرار للإجماعين المعتضدين بالفتاوى و بصدر صحيح ابن أبي خلف (1)المتقدم و لا ينافيه ذيله، لأن «لم» لنفي المضارع فيما مضى من الأزمنة، و ل

صحيح الحلبي (2)إذا قرء «توطنه»

فيه بصيغة الماضي، و لأنه لو أريد من الصحيح المزبور التجدد و الفعلية في كل سنة لم يكن جهة لاعتبار الملك، لما عرفت من أنه لا خلاف صريح في عدم اعتبار الملكية حينئذ الظاهرة من اللام فيه، بل و لا الاختصاصية، بل و لا جهة للتقييد بالستة أشهر في كل سنة، إذ مآله كما اعترف به في الرياض الى الوطن


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 9.
2- 2 المتقدم في ص 248.

ج 14، ص: 253

العرفي، و من الواضح عدم اعتبار ذلك فيه عرفا، بل لا دلالة في الصحيح المزبور عليه أيضا إذ أقصاه تكرير ذلك و تجدده و لو في السنتين أو في السنين، بل لا خلاف فيه من غير ظاهر المحكي عن الصدوق و الفاضل في الرياض، نعم اختلف في اعتبار إقامة الستة أشهر فيه في ابتداء السكنى، و أن الوطنية تتحقق بعدها، و عدم اعتبار ذلك، بل عرفت أن الأقوى الثاني.

و يدفع الثالث بأنه لا داعي إلى حمله على التقية بعد تقييده بصحيح الستة، و دعوى أن الصحيح المزبور كالصريح في عدم اعتبار الملك، و إلا لعطفه على الإقامة ممنوعة، بل عرفت أن اللام فيه كالصريحة في اعتبار الملك، نعم قد يدعى ظهوره في عدم كفاية هذا الملك في التمام، بل لا بد من أن يكون منزلا و قد استوطنه لا غيره، اللهم إلا أن يدعى إخراجه مخرج الغالب كغيره من النصوص، مع

احتمال الجمع بينهما بالعمل بهما معا تحكيما لمنطوق الموثق (1)على مفهوم الصحيح (2)خاصة، و إلا فلا دلالة في غيره بحيث ينافي الموثق المزبور، على أن هذا المفهوم- بعد تسليم حجيته أو في خصوص المقام لكونه مذكورا في مقام البيان فهو كالقيد- ضعيف جدا، و دعوى أنه لا دلالة في الموثق على اعتبار الملكية كي ينافي الصحيح بناء على عدم ظهوره في الملكية يدفعها أنه لا ريب في ظهور

قوله (عليه السلام) فيه: «و لو لم يكن له إلا نخلة واحدة»

في أن ذلك غاية ما يكتفى فيه في التمام مع الاستيطان ستة أشهر، كما هو قضية الجمع بين الموثق و الصحيح، فينافيه حينئذ عدم اعتبار الملكية أصلا، لكن الإنصاف أن الإتمام في القرية التي لا منزل مملوك له فيها و استوطنه ستة أشهر بل كان له نخلة أو نحوها و إن كان مالك الأرض المغروسة فيها لا عينها خاصة إلا أنها لم تكن له منزلا لا يخلو من إشكال، فالاحتياط لا ينبغي تركه في ذلك، و هو أمر آخر غير ما ذكره المعترض.


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة المسافر الحديث 11.

ج 14، ص: 254

و من ذلك كله ظهر لك ما في الرياض، و أنه محل للنظر من وجوه، خصوصا ما يفهم من التدبر في مجموع كلامه من جعله النزاع في اعتبار الملك و عدمه في الوطن المستوطن فعلا المدة المزبورة، حتى نسب الأول للفاضلين و

من تأخر عنهما، و الثاني الى الصدوق و الشيخ و جملة ممن تبعه و الشهيد في اللمعة و ظاهر عبارة النافع و نحوها من عبائر الجماعة، و هو واضح الفساد كما اعترف به في ذيل كلامه، كوضوح منع ما فهمه من نحو عبارة النافع من إرادة استيطان المدة فعلا، بل ظاهرها كغيرها من عبارات الأصحاب كفاية استيطان المدة مرة، و احتمال تنزيل هذه العبارات على إرادة الاستيطان مدة العمر لكن يشترط في صيرورته وطنا بذلك مضي السنة فيكون بحثا في المسألة السابقة مقطوع بفساده، نعم اعتبار الملك في المستوطن فعلا المدة المزبورة في كل سنة ظاهر الصدوق خاصة أو هو مع بعض الأصحاب، و لذا نسبه بعض علماء العصر الى الشذوذ، فالتحقيق حينئذ المستفاد من ملاحظة الجمع بين مجموع النصوص المعتضدة بالإجماعين و الفتاوى إثبات الوطن الشرعي مع العرفي، لكن الأحوط الاقتصار فيه على ملك المنزل الذي استوطن ستة أشهر و لو مرة، بل الأحوط الاقتصار فيه على الملك المزبور الذي قصد فيه الاستيطان مدة العمر و جلس فيه ستة أشهر بهذه النية إلا أنه عدل عنه الى غيره، لا الذي قصد من أول الأمر الجلوس فيه ستة أشهر و لو لغرض أو تجارة أو نحوهما، إذ ظاهر لفظ الاستيطان و السكنى و نحوهما في المعتبرة السابقة ذلك، لا المراد منهما المكث فيه ستة أشهر، و يدل عليه حينئذ- مضافا الى الأدلة السابقة- الاستصحاب و إن لم أجد أحدا صرح بذلك، بل ظاهر جعل الستة ظرفا لاستوطن في الصحيح و الفتاوى خلافه، إلا أن الجميع لا يأتي الحمل على ما ذكرنا، بل يظهر من الأستاد في بغية الطالب أن محل

ج 14، ص: 255

النزاع بين الأصحاب في ذلك، و حينئذ لا يكون هذا وطنا شرعيا بل هو عرفي إلا أن الشارع أجرى الأحكام عليه و إن أعرض عنه و استوطن غيره، إذ لعل القاطع عنده للسفر ما يشمل ما كان وطنا، بخلافه على الأول، فإنه يكون اصطلاحا من الشارع على الوطن أو ما يقرب من الاصطلاح، و هو لا يخلو من بعد في الجملة كما هو واضح.

بل من ذلك يظهر أيضا وجه اعتبار مضي الستة أشهر في وطنية ما اتخذ في غير الملك و لم يعدل عنه، لا مكان دعوى ظهور أن اعتبار الستة في إجراء حكم الوطنية على الملك المعدول عنه الى غيره ليس إلا لتحقق الوطنية التي يراد استصحاب حكمها و إن أعرض عنها، فيعتبر حينئذ مضيها في إجراء الأحكام على غير المعدول عنه، لتساويهما بالنسبة الى ذلك، و إن كان الأقوى في النظر منعها على مدعيها، لتحقق الوطنية عرفا بدون مضيها، فتكون حينئذ هي شرطا شرعيا في جريان الأحكام على الأول لا لتحقق معنى الوطنية، و كيف كان فصريح العبارة كغيرها عدم اعتبار التوالي في الستة، نعم يجب إقامتها و لو متفرقة على وجه الصلاة تماما بنية الإقامة كما صرح به في المسالك و الروضة لكن قد يشكل بانصراف التوالي من الإطلاق و ما ماثله من الفتاوى كما قيل في أمثاله من أقل الحيض و غيره خصوصا مع إمكان دعوى ظهور لفظ الاستيطان في ذلك، و بأن قضية الإطلاق بناء على عدم انسياق التوالي منه الاكتفاء بإقامتها مطلقا و إن كان بعضها على وجه القصر، و لو سلم فلا يعتبر الإتمام بنية الإقامة، بل يكفي فيه ما يحصل بالتردد ثلاثين يوما أو بسبب نية الإقامة التي عدل عنها بعد الصلاة تماما، كما صرح بهما بعضهم، بل قد يقال بكفايته إذا كان منشأه الرخصة في ذلك من جهة المكان، كحائر الحسين (عليه السلام) و غيره، أو العصيان أو كثرة السفر و إن كان بعيدا بل الأقوى خلافه، و لا ريب في أن الأحوط إن لم يكن الأقوى اعتبار التوالي و إن لم أجد

ج 14، ص: 256

أحدا صرح به، لكن قال المقدس البغدادي بعد أن اختار عدم اعتباره: «إنه لا يتجاوز في المتفرقة الى ما دون شهر، و بالجملة ينبغي أن يراعى الصدق عرفا، و لا ريب أنه إذا قصد إقامة الستة و كان يخرج في الأثناء إلى مسافة مؤلفة من الذهاب و الإياب في يوم واحد و هو على عزمه لم يعرض يصدق عليه انه أقام الستة عرفا» انتهى.

و للنظر فيه مجال، إذ من الواضح الفرق بين التسامح العرفي و الصدق، على أن قضية إطلاق القائل بكفاية المتفرقة عدم اعتبار ذلك، بل و لا اعتبار قصد التوطن هذه المدة، بل يكفي اتفاق وقوعه منه و لو تدريجا، اللهم إلا أن يدعى ظهور لفظ الاستيطان في ذلك، فتأمل، نعم لا يعتبر استيطانها قبل الملك أو بعد زواله، لظهور الأدلة في اعتبار دوام الملك كما صرح به غير واحد من الأصحاب و أن الاستيطان هذه المدة و هو مالك.

و لو زال ملكه الذي كان مقارنا للاستيطان لكن قبل زواله أو عنده دخل ملكه شي ء آخر غيره بناء على الاكتفاء به فالظاهر احتياج الإتمام إلى تجدد الاستيطان لعدم صدق استيطان الملك ستة أشهر، و عدم صدق دوام الملك الذي اشترطناه في تأثير الاستيطان تلك المدة القصر، لظهوره في شخص المملوك لا النوع أو الصنف، و من هنا قال في المسالك: «و لو تعددت المواطن كفى استيطان الأول منها ما دام على ملكه، فلو خرج اعتبر استيطان غيره» و مراده من التعدد التجدد بقرينة لفظ الأول في كلامه، لكن حكي عن الذكرى أنه يظهر منها الاكتفاء بالأول و إن خرج.

و في اندراج الاستيطان المدة تبعا كالزوجة المستوطنة في ملكها ذلك تبعا لزوجها وجهان، أقواهما ذلك، بل ينبغي القطع به فيمن لا ولاية عليه شرعية، كالخادم

ج 14، ص: 257

الحر للاندراج في إطلاق الأدلة التي لا يتفاوت فيه اختلاف دواعي الاستيطان.

[الشرط الرابع أن يكون السفر سائغا]

الشرط الرابع من شرائط القصر أن يكون السفر سائغا و لغير الصيد واجبا كان كحجة الإسلام، أو مندوبا كزيارة النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) أو مباحا كالأسفار للمتاجر أو مكروها كبعض الأسفار لها أيضا، فإنه لا ريب في القصر حينئذ نصا و فتوى و لو كان السفر معصية لم يقصر كاتباع الجائر و صيد اللهو بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل هو مجمع عليه تحصيلا و نقلا مستفيضا كالنصوص ففي

الصحيح عن حماد بن مروان (1)قال: «سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: من سافر قصر و أفطر إلا أن يكون سفره الى صيد أو في معصية الله أو رسولا لمن يعصي الله عز و جل أو في طلب شحناء، أو سعاية ضرر على قوم مسلمين»

و الموثق عن عبيد بن زرارة(2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يخرج الى الصيد أ يقصر أم يتم؟ قال: يتم لأنه ليس بمسير حق»

الى غير ذلك من النصوص التي سيمر عليك بعضها إنشاء الله، على أن مشروعية القصر للإرفاق بالمسافر و الإكرام له كما يومي اليه مرسل ابن أبي عمير(3)عن الصادق (عليه السلام) الآتي إنشاء الله و هما لا يستأهلهما العاصي بسفره قطعا.

و لا فرق في المستفاد من النصوص و معاقد الإجماعات التي يشهد لها ظاهر الفتاوى بين العصيان بنفس السفر كالفرار من الزحف و إباق العبد و هرب المديون مع القدرة


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 3 لكن رواه عن عمار بن مروان كما في الفقيه ج 2 ص 92- الرقم 49 و في الكافي ج 4 ص 129 المطبوع عام 1377 عن محمد بن مروان.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 5 و هو مرسل عمران بن محمد.

ج 14، ص: 258

على الأداء و الزوجة للنشوز، بناء على حرمة المذكورات بالخصوص عليهم لا من جهة وجوب ما ينافيها عليهم، و بين العصيان في السفر لغايته، ضم إليها طاعة أولا، اللهم إلا أن يكون المقصد الأصلي الذي ينسب السفر له الطاعة، مع احتمال الاكتفاء بمطلق ضم المعصية على أي وجه يكون على إشكال، و بالجملة فالمراد تحريم السفر لغايته كالسفر لقطع الطريق أو لنيل المظالم من السلطان و نحو ذلك مما هو مصرح به في النصوص، بل لا تعرض فيها على الظاهر لغيره، فالمناقشة حينئذ في ذلك بأن مقدمة المحرم غير محرمة فلا يعد السفر الذي غايته المعصية حينئذ محرما ضعيفة جدا، بل هي اجتهاد في مقابلة النص بل النصوص، إذ مع إمكان منع عدم الحرمة و تخرج هذه النصوص شاهدا عليه يدفعها أن الإتمام معلق على كون السفر للمعصية، سواء كان هو معصية أو لا كما هو واضح.

أما إذا كان المعصية في السفر لكونه ضدا للواجب المضيق بناء على اقتضاء الأمر به النهي عنه فقيل بمساواته للسابقين، لإطلاق معاقد الإجماعات و الصحيح و التعليل السابقين، و إشعار

المرسل (1)به «لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلا بسبيل حق»

و خبر ابن بكير(2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتصيد اليوم و اليومين و الثلاثة أ يقصر الصلاة؟ قال: لا إلا ان يشيع الرجل أخاه في الدين و أن التصيد مسير باطل لا يقصر الصلاة فيه».

و أولويته من الإتمام في سفر الصيد، و إمكان دعوى القطع بالمساواة بينه و بين الأولين.

و قيل كما مال إليه في الروض و تبعه المقدس البغدادي باقتضائه الترخص، بل قد يظهر من أولهما ذلك في القسم الأول من القسمين السابقين مدعيا ظهور الأدلة في الثاني منهما


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 7.

ج 14، ص: 259

خاصة حتى الصحيح السابق، إذ صدره و إن كان يمكن دعوى ظهوره في الأعم لكن ذيله كالصريح في إرادة الثاني خاصة، فيبقى الأول حينئذ منهما فضلا عما نحن فيه على مقتضى أدلة وجوب القصر على المسافر، ضرورة صدقه عليه و إن كان عاصيا، و لا ريب في ضعفه بالنسبة الى هذا القسم، للقطع بإرادته من الفتاوى و معاقد الإجماعات على وجه يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل هو مندرج في بعض النصوص أيضا، بل هو مستفاد منها جميعها و لو بالأولوية أو المساواة لما فيها المقطوع بهما.

نعم هو لا يخلو من وجه بالنسبة إلى القسم الأخير، لإمكان دعوى عدم صدق السفر في معصية الله عليه عرفا، أو انسياق غيره منه، و لا كونه ليس بحق، إذ المراد به ما قابل الباطل، لا المعصية كالسفر لصيد اللهو لا للقوت و نحوه، خصوصا على ما ستسمعه من عدم المعصية في سفر صيد اللهو و إن أوجبنا التمام فيه للدليل على أحد الوجهين، و لا ريب أن السفر للتجارة فضلا عن الحج و الزيارة ليس بباطل بهذا المعنى و إن كان محرما لاستلزامه ترك الواجب الفوري بناء على اقتضائه ذلك، و لاستلزامه وجوب الإتمام على سائر الناس إلا الأوحدي لاستلزام سفرهم غالبا لترك واجب من الواجبات، لا أقل من ترك تعلم العلم الواجب و نحوه، مع أن الأقوى خلافه، إذ هو إن لم يندرج في منطوق النصوص و لم يقطع بمساواته، لما اشتملت عليه من حيث انسياق كون المعصية سبب ذلك فهو مندرج في الفتاوى و معاقد الإجماعات التي هي كالصريحة في دوران الترخص و عدمه على إباحة السفر بالمعنى الأعم و عدمها، و من المعلوم أنه بناء على النهي عن الضد يثبت عدم اندراج مثل هذا السفر في السائغ المباح و اندراجه في غير السائغ لكن يسهل الخطب أن التحقيق عندنا أن النهي عن الأضداد تبعي كوجوب المقدمات على وجه لا يندرج في الأدلة هنا من النصوص و معاقد الإجماعات و غيرها، كما أفرغنا البحث فيه في محله.

ج 14، ص: 260

ثم من المعلوم أن المدار على كون السفر سفر معصية لا على مطلق حصول المعصية حال السفر، فشرب الخمر حينئذ و فعل الزنا و نحوهما حاله لا تقدح في الترخص، لإطلاق الأدلة من غير معارض، ضرورة عدم تأديته إلى حرمة السفر نفسه، أما لو فرض كونه كذلك كركوب دابة مغصوبة بل مطلق التصرف بمغصوب بنفس السفر حتى نعل الدابة أو رحلها و بالجملة ما يؤدي الى حرمة نفس قطع المسافة قدح فيه، لا ما إذا لم يؤد الى ذلك و إن كان هو محرما في نفسه، بل حتى لو كان معه شي ء مغصوب إلا أنه لم يتصرف فيه بنفس قطع المسافة، كما لو كان معه متاع مغصوب أو دابة مغصوبة جعلهما عند غيره من رفقائه في الطريق أو نحو ذلك، فتأمل جيدا فإنه قد يدق الفرق في بعض المقامات بين المقارن للقطع و بين ما يكون مقدمة للقطع أو القطع مقدمة له، و قد علمت أن المدار على اقتضائه حرمة شخص القطع.

ثم لا فرق في سفر المعصية بين الابتداء و الاستدامة، فلو كان ابتداء سفره طاعة فقصد به المعصية في الأثناء انقطع ترخصه قطعا و إن كان قد قطع مسافات، كما أنه يترخص لو عدل عن سفر المعصية في الأثناء إلى قصد الطاعة لكن يعتبر في هذا بقاء مسافة، إذ لا عبرة بما مضى قطعا و إن تجاوز المسافة لفقده الشرط، نعم صرح بعضهم هنا بالاكتفاء فيها بالتلفيق مما بقي من المقصد بعد العدول إلى الطاعة و من العود، بل نفى الخلاف عنه آخر، و كأنه مناف لما ذكروه في نظائره، كغير قاصد المسافة ابتداء و نحوه من عدم ضم ما بقي له من الذهاب الى الرجوع و إن كان هو في نفسه مسافة، بل جعلوا للرجوع حكما مستقلا عما بقي من الذهاب بلا فرق بين قصد الرجوع ليومه و غيره، و الفرق بين المقامين مشكل، و لعله لذا لم يعتبر الضم المزبور هنا في الروضة أيضا، اللهم إلا أن يقال إن مقتضى الضوابط الضم في المقامين كل على مختاره في اعتبار الرجوع ليومه و عدمه، خرج عنها في غير المقام بالدليل، و بقي هو على مقتضاها، و على

ج 14، ص: 261

كل حال فلا إشكال في الترخص بعوده الى محله عن سفر المعصية إلا أن يكون قصد به المعصية أيضا.

و لو عاد إلى الطاعة بعد قصده المعصية في الأثناء و ضربه في الأرض ففي ضم ما بقي إذا كان قاصرا عن المسافة الى ما مضى، مسافة كان بنفسه أو بتلفيقه مع الباقي و طرح المتخلل بينهما من المصاحب لقصد المعصية و عدمه قولان، ينشئان من أن المعصية مانع من الترخص و قد زالت، و أن أقصى ما دل عليه الدليل كون المعصية تقطع الترخص و تبطله لا المسافة، و ليس كلما يوجب الإتمام يقطع المسافة، و لإطلاق

قول أبي الحسن (عليه السلام) في مرسل السياري (1): «ان صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة، فإذا عدل عن الجادة أتم، فإذا رجع إليها قصر»

خصوصا إن أريد بالجادة فيه الكناية عن الطاعة و الخروج عنها المعصية لا الجادة الأرضية، لعدم الفائدة، إذ الصيد إن كان حلالا

استمر على التقصير و إن خرج عن الجادة، و إن كان حراما لم يقصر و إن كان عليها، و لاستصحاب حكم القصر، و من بطلان حكم ما قطعه من المسافة أو بعضها بالعصيان في الأثناء، لاشتراط الإباحة في السفر ابتداء و استدامة، فلا تصلح حينئذ لإثبات الترخص بعد الرجوع الى الطاعة لا منضمة و لا مستقلة لو فرض قصد المعصية بعد قطع تمام المسافة، و لا جابر لضعف الخبر سندا بل و دلالة، سواء فسر بما سمعت، أو بأن من لم يكن سفره للصيد و انما بدا له في الأثناء أن يصيد فعدل عن الطريق للصيد لهوا و أدركه وقت الصلاة أتم، فإذا عاد الى الطريق رجع الى القصر، إذ لا يلائمه

قوله (عليه السلام) في صدره: «صاحب الصيد»

و إن كان يشهد له المحكي من عبارة الصدوق


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 6.

ج 14، ص: 262

لا أقل من حصول الشك في اندراج مثل هذه المسافة في الأدلة لذلك كله، و الأصل في الصلاة التمام، و الأحوط الجمع، و إن كان قد يقوى في النظر الأول كما تقدم نظيره في الشرط الثاني.

بل ينبغي القطع بالترخص لو قصد المعصية في الأثناء و لما يضرب في الأرض ثم عاد إلى الطاعة، بل يمكن دعوى عدم تأثير ذلك القصد في بقاء الترخص الأول إذا لم يضرب في الأرض، فلا يتم حينئذ بمجرد قصد العصيان فيما بقي من سفره مع فرض مكثه في محل عروض هذا القصد، فتأمل.

ثم إن ظاهر المتن كصريح غيره كون التمام في السفر لصيد اللهو لأنه معصية، فهو حينئذ من السفر للمعصية، و لعله لأن الصيد من الملاهي كما هو صريح

خبر زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) «سألته عمن يخرج بأهله بالصقور و البزاة و الكلاب يتنزه الليلة و الليلتين و الثلاثة هل يقصر من صلوته أم لا يقصر؟ قال: إنما خرج في لهو لا يقصر قلت: الرجل يشيع أخاه اليوم و اليومين في شهر رمضان قال: يفطر و يقصر، فان ذلك حق عليه»

فيندرج فيما دل حينئذ على حرمتها، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن بكير(2): «ان التصيد مسير باطل لا يقصر الصلاة فيه»

و في

خبر عبيد بن زرارة(3)عنه (عليه السلام) أيضا «يتم لأنه ليس بمسير حق»

و مرسل ابن أبي عمير(4)عنه (عليه السلام) أيضا «قلت له: الرجل يخرج الى الصيد مسيرة يوم أو


1- 1 ذكر صدره في الوسائل- في الباب- 9- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1 و ذيله في الباب 10 منها الحديث 4.
2- 2 الوسائل- في الباب- 9- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- في الباب- 9- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 5 و هو مرسل عمران القمي كما في الكافي ج 3 ص 438 المطبوع عام 1377.

ج 14، ص: 263

يومين أو ثلاثة يقصر أو يتم فقال: إن خرج لقوته و قوت عياله فليفطر و ليقصر، و إن خرج لطلب الفضول فلا و لا كرامة»

و خبر حماد(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى (2)«فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ» قال: «الباغي باغي الصيد، و العادي السارق، و ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها، هي حرام عليهما ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، و ليس لهما أن يقصرا في الصلاة»

إلى غير ذلك مما يدل عليه من النصوص المعتضدة بالفتاوي التي لا أجد خلافا فيها في ذلك، إلا أنه لم يستوضحه المقدس البغدادي بعد أن حكاه عن الفاضلين و الشهيدين و غيرهم.

بل قال: «و ما شككنا فلا نشك في جواز الصيد للتنزه، و لا يترخص، بخلاف التنزه في الغياض و الرياض و الأودية العطرة و الأندية الخضرة، أ ترى أن التنزه هاهنا محظور، نعم اللعب منه ذاك هو اللعب المحظور، لا التنزه بالتفرج في الجنان و الخضر و البساتين، بل في الصحاح و القاموس و شمس العلوم و غيرها أن اللهو هو اللعب، و في المصباح المنير عن الطرطونس أن أصل اللهو الترويح عن النفس بما لا تقتضيه الحكمة، و معلوم أن التنزه بالمناظر البهجة و المراكب الحسنة و مجامع الأنس و نحو ذلك مما تقتضيه الحكمة، فلم يبق خارجا منه عن مقتضى الحكمة إلا اللعب، و نحن نمنع صدق اسم اللعب على مثل هذا التصيد، و

الحكمة هي الصفة التي تكون بها الأفعال على ما ينبغي أن تكون عليه، و هي المراد هنا، و إن كانت تطلق على غير ذلك أيضا- الى أن قال-:

و إذا كان اللهو في اللغة هو اللعب كما عرفت فنحن نمنع صدق اسم اللعب على التصيد و نقول: إن إطلاق اسم اللهو عليه كما وقع في الأخبار(3)و كلام الأصحاب انما


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2.
2- 2 سورة البقرة الآية 168.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 5 و الباب 9 منها الحديث 1 و المستدرك- الباب- 7 منها الحديث 1.

ج 14، ص: 264

جاء على ضرب من التسامح، سلمنا أنه لهو و لكن المحرم من اللهو انما هو اللعب، و ليس هذا بلعب، نعم يطلق اللهو على التلهي بامرأة أو ولد أو نحو ذلك، قال الأزهري في التهذيب: اللعب اللهو ما يشغلك من هوى و طرب يريد من عشق و خفة من فرح أو حزن، فان ذلك مما يشغل، قال الله تعالى (1)«لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ» و الظاهر أن هذا هو المراد باللهو هنا، فان التصيد بالبزاة و الكلاب ضرب من الهوى و العشق و الطرب الذي يحصل به و الخفة التي تعتريه و الابتهاج و الفرح مما لا يكاد يخفى».

قلت: و هو على طوله كأنه اجتهاد في مقابلة النص حكما و موضوعا، و استبعاد لغير البعيد، و لا تلازم بين حرمة ما نحن فيه و بين حرمة سائر أفراد التنزه بالخضر و

البساتين و الأودية و نحوها كي يجب الحكم بعدم الحرمة هنا المستفادة من النصوص (2)و الفتاوى لعدم الحرمة هناك للأصل و السيرة القطعية و غيرهما.

نعم هذا كله لو كان لهوا كما يستعمله الملوك و أما لو كان أي الصيد لقوته و قوت عياله قصر بلا خلاف أجده، بل هو مجمع عليه نقلا إن لم تكن تحصيلا لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض هنا بعد ظهور تلك النصوص حتى المطلق منها في غيره، و خصوص مرسل ابن أبي عمير(3)المتقدم الذي هو كالمسند، و غيره مما ستسمعه.

و أما لو كان للتجارة قيل و القائل بنو إدريس و حمزة و البراج و بابويه على ما حكي عن الأخيرين منهم كالشيخين يقصر الصوم دون الصلاة بل قيل


1- 1 سورة الأنبياء- الآية 17.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة المسافر.
3- 3 المتقدم في ص 257.

ج 14، ص: 265

إنه مذهب أكثر القدماء، بل لعله لا خلاف فيه بينهم، إذ المرتضى و إن حكي عنه دعوى الإجماع على قاعدة تلازم القصرين إلا أنه من المحتمل خروج هذه المسألة منها عنده كما صرح به ابن إدريس، فتخرج المسألة عن الخلاف فيها بينهم، بل في السرائر أن أصحابنا أجمعوا على ذلك فتوى و رواية كما انه نسبه في المبسوط إلى رواية أصحابنا أيضا، و هو الحجة، مضافا الى المحكي عن

فقه الرضا (ع)(1)في المقام من النص على هذا التفصيل المزبور، و إن حكي عنه في باب (2)الصوم أنه قال:

«و إن كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة و الصيام، و روي أن عليه الإفطار في الصوم»

لكن قيل يمكن حمله و إن بعد على إرادته من كان ذلك دأبه، فيندرج في كثير السفر حينئذ بقرينة أنه لم نعرف قائلا بوجوب التمام في الصوم هنا كما اعترف به بعضهم، بل عن البيان الإجماع عليه، و يكون قوله: «و روي» ابتداء كلام في سفر الصيد للتجارة الذي لم يكن دأبه، و هو ما نحن فيه، فهي حينئذ رواية مرسلة مؤيدة للتفصيل المزبور.

و ربما يشهد للحمل المزبور ما حكاه

المقدس البغدادي عن أصل زيد النرسي (3)قال: قد وجدت فيه أنه «سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله (عليه السلام) عن طلب الصيد و قال: إني رجل ألهو بطلب الصيد و ضرب الصولج و ألهو بلعب الشطرنج،


1- 1 المستدرك- الباب- 7- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2.
2- 2 المستدرك- الباب- 4- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 1 من كتاب الصوم.
3- 3 ذكر صدره في المستدرك- في الباب 7 من أبواب صلاة المسافر- الحديث- 1 و وسطه في الباب 81 من أبواب ما يكتسب به- الحديث- 2- و ذيله في الباب 79 منها- الحديث- 4 من كتاب التجارة.

ج 14، ص: 266

قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أما الصيد فإنه سعي باطل و انما أحل الله الصيد

لمن اضطر الى الصيد، فليس المضطر الى طلبه سعيه فيه باطل، و يجب عليه التقصير في الصلاة و الصوم إذا كان مضطرا إلى أكله، و إن كان ممن يطلبه للتجارة و ليس له حرفة إلا من طلب الصيد فان سعيه حق، و عليه التمام في الصلاة و الصيام، لأن ذلك تجارته فهو بمنزلة صاحب الدور الذي يدور في الأسواق في طلب التجارة، أو كالمكاري و الملاح، و من طلبه لاهيا و أشرا و بطرا فان سعيه ذلك سعي باطل و سفر باطل، و عليه التمام في الصلاة و الصيام، و أن المؤمن لفي شغل عن ذلك، شغله طلب الآخرة عن الملاهي، و أما الشطرنج فهو الذي قال الله عز و جل (1)«فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» الغناء، و ان المؤمن عن جميع ذلك لفي شغل، ما له و للملاهي، فإن الملاهي تورث قساوة القلب و تورث النفاق، و أما ضربك بالصولج فان الشيطان معك يركض، و الملائكة تنفر عنك، و إن أصابك شي ء لم تؤجر، و من عثر به دابته فمات دخل النار».

و كيف كان فمن ذلك كله و من أن مقتضى إطلاق الأدلة القصر في الصلاة أيضا- اقتصارا فيما دل على التمام فيها على سفر صيد اللهو كما هو الظاهر من تلك الأدلة، فيندرج حينئذ فيما دل على وجوب القصر في قاصد المسافة إذا كان سفره سائغا من غيرها، بل ظاهر ما سمعته من خبر زيد النرسي أن التمام من جهة كثرة السفر، و إلا قصر لأنه سفر حق، مضافا الى قاعدة تلازم وجوب القصر و الإفطار و بالعكس

التي هي مضمون صحيح معاوية(2)و غيره و محكي عليها الإجماع عن المرتضى المقتضية لقصر


1- 1 سورة الحج- الآية 31.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث- 1 من كتاب الصوم.

ج 14، ص: 267

الصلاة هنا أيضا، ضرورة ثبوته بالنسبة إلى الصوم إجماعا، فلا وجه حينئذ لاحتمال الإتمام فيهما- قال المصنف و فيه تردد بل قيل إن المعروف بين المتأخرين التقصير فيهما، بل في الرياض نسبته الى عامتهم و إن لم نتحققه.

لكن لا يخفى عليك قوة الأول، ضرورة عدم صلاحية معارضة المطلق للمقيد و هو الإجماع الذي سمعته في السرائر المعتضد بما تقدم من الرضوي و الرواية المرسلة في المبسوط و السرائر و فقه الرضا (عليه السلام) بل قد عرفت دعوى الإجماع على روايتها من الثاني كظاهر الأول، و احتمال وهن ذلك كله بالشهرة المتأخرة فلا يقوى على تخصيص القاعدة و الإطلاقات يدفعه منع تحقق شهرة تصل الى الحد المزبور كما لا يخفى على من لاحظ و تأمل، كما أنه يدفع ما أطنب به الفاضل في المختلف من بيان التلازم بين قصر الصوم و الصلاة أن أقصاه أنها قاعدة كلية يجب الخروج عنها بالدليل و لكن و مع ذلك فالاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام في خصوص الصلاة لا ينبغي تركه و لا فرق في جميع ذلك بين صيد البر و البحر، لإطلاق النصوص و الفتاوى، اللهم إلا أن يدعى انصرافه الى المعهود المتعارف بين الملوك و أولاد الدنيا من صيد الأول بالبزاة

و الكلاب، و منه يتجه الاحتياط في الثاني، بل و الأول أيضا إذا لم يكن بالطريق المزبور بل بالبندق و نحوه، فتأمل.

و كذا لا فرق في جميع أفراد الصيد السابقة بعد إحراز قصد المسافة بين كونه دائرا حول المدينة أو تباعد عنها، و لا بين استمرار دورانه ثلاثة أيام أو أقل لإطلاق الأدلة، فما عن ابن الجنيد- من أن المتصيد ماشيا إذا كان دائرا حول المدينة غير مجاوز حد التقصير لم يقصر يومين، فان تجاوز الحد و استمر به دورانه ثلاثة أيام قصر بعدها- ضعيف جدا، و

خبرا صفوان (1)و العيص (2)عن الصادق (عليه السلام) «عن


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة المسافر الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة المسافر الحديث 8.

ج 14، ص: 268

الرجل يتصيد فقال: إن كان يدور حوله فلا يقصر، فان كان تجاوز الوقت فليقصر»

محمولان على صيد القوت و تجاوز حد الرخصة من الوقت فيه، و على قصد السير المعتبر في التقصير، كما أنه يجب حمل

خبر أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) «ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيام، و إذا جاوز الثلاثة لزمه»

على التقية كما قيل، أو غيرها مما لا ينافي النصوص المعمول عليها التي لا يجوز الخروج عنها بمثل ذلك القاصر سندا و دلالة و اعتضادا كما هو واضح.

و المراد بتبعية الجائر في المتن و غيره تبعيته في جوره اختيارا أما من تبعه لغرض تعلق له به من دفع مظلمة و نحوها أو كان مكرها في أتباعه فلا يتم في سفره قطعا، لعدم معصيته بهذا السفر، فيندرج حينئذ في إطلاق تلك الأدلة.

نعم لو كان معدا نفسه لطاعته و امتثال أوامره في جور أو غيره كالجندي لم يبعد عدم ترخصه في سفره المعد نفسه فيه لذلك، حتى لو كان قصد الجائر في ذلك السفر طاعة من زيارة أو حج أو نحوهما، فيترخص حينئذ هو دون جنده، لأنه سفر طاعته بالنسبة إليه بخلافهم، ضرورة حرمة تبعيتهم، بل قد يقال بحرمة سفر التابع لو أرسله الجائر في أمر مباح من حيث أن قطعه هذه المسافة بأمر الجائر و باستعداد امتثال أوامره كائنة ما كانت التي هذا منها محرم عليه و إن كان هو في حد ذاته مباحا، و الله اعلم.

[الشرط الخامس ألا يكون سفره أكثر من حضره]

الشرط الخامس من شرائط تأثير المسافة القصر أن لا يكون قاطعها سفره أكثر من حضره كالبدوي الذي يطلب القطر و منبت الشجر و المكاري بضم الميم و تخفيف الياء و الملاح و التاجر الذي يطلب الأسواق و البريد المعد نفسه للرسالة و نحوهم، فإنهم يتمون في سفرهم بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الرياض


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 3 لكن رواه عن صفوان عن عبد الله.

ج 14، ص: 269

إلا ما يحكى عن ظاهر العماني حيث أطلق وجوب القصر على كل مسافر، و هو مع عدم صراحته في ذلك محجوج بالإجماع المحصل و المنقول مستفيضا على ما قيل كالنصوص ف

في (1)الصحيح عن الباقر (عليه السلام) «أربعة قد يجب عليهم التمام في السفر كانوا أو في الحضر: المكاري و الكري و الراعي و الاشتقان، لأنه عملهم»

و الكري كغني كثير المشي و الظاهر إرادة الساعي الذي يكري نفسه للمشي منه، و في المختلف و غيره أنه بمعنى المكاري، و يبعده جمعهما معا في الصحيح المزبور، كما أنه يبعد أيضا ما حكاه في السرائر عن أبي بكر الأنباري من أنه من أسماء الأضداد، فهو بمعنى المكاري و المكتري، ضرورة عدم إمكان إرادة الثاني منه في الصحيح، و قد عرفت انه لا وجه للجمع بينه و بين المكاري على الأول.

بل قد يقال إنه مما ذكرنا في تفسيره يعلم إرادة أمين البيادر، و هو الذي يبعثه السلطان يحفظها من الاشتقان كما عن أهل اللغة النص عليه لا البريد كما قيل، بل ربما توهم من ظاهر الصحيح لكن الظاهر أن تفسيره بذلك من الصدوق لا الرواية، إذ يبعده مع أنه خلاف المنصوص عليه من أهل اللغة- أنه يغني

عنه لفظ الكري، إذ هو البريد أو ما يقرب منه، لا يقال إن الإتمام في الاشتقان بناء على التفسير المزبور من حيث أنه من عملة السلطان لا مما نحن فيه من كثرة السفر لأنا نقول مع أنه لا بأس فيه بعد تسليمه- يمكن أن يقال بظهور الصحيح في أن إتمام الاشتقان لعملية السفر حتى لو فرض كونه على وجه محلل كما لو قهر على ذلك مثلا، بل يمكن دعوى نصوصية الصحيح المزبور في ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2.

ج 14، ص: 270

و كيف كان ف

في آخر(1)عن الصادق (عليه السلام) «المكاري و الجمال الذي يختلف و ليس له مقام يتم الصلاة و يصوم شهر رمضان»

و خبر علي بن جعفر(2)عن أخيه موسى (عليه السلام) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«أصحاب السفن يتمون الصلاة في سفنهم»

و محمد(3)عن أحدهما (عليهما السلام) «ليس على الملاحين في سفنهم تقصير و لا على المكاري و الجمال»

و مضمر إسحاق بن عمار(4)«سألته (عليه السلام) عن الملاحين و الأعراب هل عليهم تقصير؟ قال: لا، بيوتهم معهم»

و المرسل (5)عن الصادق (عليه السلام) «الأعراب لا يقصرون، و ذلك لأن منازلهم معهم»

و خبر السكوني (6)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «سبعة لا يقصرون الجابي الذي يدور في جبايته، و الأمير الذي يدور في إمارته، و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق الى سوق، و الراعي، و البدوي الذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر، و الرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، و المحارب الذي يقطع السبيل»

الى غير ذلك من النصوص الدالة على المطلوب، لكن ظاهر ما سمعته منها أن عدم تقصير الأعراب ليس لاندراجهم في هذا العنوان المعروف بين الأصحاب، بل لأن ذلك باعتبار كون بيوتهم معهم و عدم قعر معلوم لهم متخذ على الوطنية، و حينئذ صار هذا السفر منهم ليس سفرا حقيقة، بل هو وضعهم الذي عزموا عليه ما عاشوا في الدنيا.

و من هنا يعلم أنه لو قصد بعضهم قطع مسافة لزيارة أو نحوها مما لا يندرج في الحال الأول يترخص، لإطلاق الأدلة، نعم قد يتوقف في ترخص من يمضي منهم لاختيار المنزل لقومه من جهة النبت و نحوه، و فرض بلوغ المسافة بينه و بين ما أراد اختباره


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة المسافر- الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة المسافر- الحديث- 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة المسافر- الحديث- 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة المسافر- الحديث- 9.

ج 14، ص: 271

من خصوص ذلك المنزل، لاحتمال عدم عد مثل ذلك بالنسبة إليه سفرا إذا لم يكن خارجا عن

المعتاد، و اندراجه في البدوي الذي يطلب القطر، مع أن الأقوى فيه الترخص أيضا، لإطلاق الأدلة المقتصر في تقييدها على المتيقن، و هو الأول.

كما أن ظاهر التعليل للإتمام في المكاري و نحوه بأنه عملهم، و وصفه و الجمال بالاختلاف الترخص لو أنشأوا سفرا للحج و نحوه مما لا يدخل في المكاراة و نحوها من أعمالهم اقتصارا في تقييد الأدلة أيضا على المتيقن، لا انه يشترط في إتمامهم كراؤهم للغير، فلو حملوا أمتعتهم و عيالهم من بلاد الى بلاد كان اختلافهم فيما بينهما ترخصوا، بل المراد إنشاؤهم سفرا لا يعد أنه من عملهم الذي كانوا يختلفون فيه، كما لو قصد مكاري العراق حج البيت الحرام أو زيارة مشهد الرضا (عليه السلام)، و كان إيكاله إلى العرف أولى من التعرض لتنقيحه.

أما من كان مكاريا في مكان مخصوص ثم كارى في غيره مما لم يكن معتاد المكاراة له و لا لصنفه مثلا كمن عنده بعض الأتن يكريها في الأماكن القريبة إلى بلاده مما يبلغ مسافة فكراها الى الشام أو الى حلب أو الى الحج و نحوها مما لا ينبغي مكاراة مثله فيها فالظاهر أنه يتم أيضا للصدق، و أما

المرسل (1)في الكافي «المكاري إذا جد به السير فليقصر»

كالصحيح (2)عن أحدهما (عليهما السلام) «المكاري و الجمال إذا جد بهما السير فليقصرا»

و الآخر(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المكارين الذين يختلفون فقال إذا جدوا السير فليقصروا»

فلا يراد منها إنشاؤهم السفر غير المعتاد لهم و إن حكي عن الذكرى، ضرورة كونها عنه بمعزل، و لا كون التقصير لقيام (لمقام ظ) العشرة كما في المختلف، أو لعدم تحقق أصل الكثيرة كما في الروض، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2.

ج 14، ص: 272

المنساق منها إرادة شدة السير لهم و العنف فيه، أو بأن يجعلوا المنزلين منزلا كما نص عليه في الكافي بعد المرسل السابق.

فيجب حينئذ طرحها، لعدم ظهور عامل بها من الطائفة عدا ما يظهر من الشيخ في التهذيب و الاستبصار من العمل به على الثاني محتجا له بعد ما حكاه عن الكليني أيضا ب

مرفوع محمد بن عمران الأشعري (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «الجمال و المكاري إذا جد بهما السير فليقصرا فيما بين المنزلين، و يتما في المنزل»

و ربما مال اليه أو الى ما يقرب منه سيد المدارك و المقدس البغدادي، و لعله لأنه مقتضى الجمع بين الإطلاق و التقييد، و لما يلاقونه في الفرض من شدة الجهد و التعب

المناسبين لشرعية القصر، و لانصراف تلك الإطلاقات إلى السير المتعارف.

لكن لا يخفى عليك أنه لا شهادة في الخبر المزبور على ذلك، بل أقصاه مساواته للنصوص السابقة في المضمون، فاما أن تطرح جميعها لقصورها بسبب الاعراض عن تقييد تلك الإطلاقات الممنوع انصرافها الى غيره، أو تحمل على ما ذكرناه أولا من إنشائهم السفر الذي لا يدخل في عملهم و صنعتهم عرفا بتقريب إرادة اتصال السفر كسفر الحج و نحوه من الجد فيها كما عن الذكرى و إن كان بعيدا جدا، بل في الرياض التأمل، في المحمول عليه نفسه، قال: «لعدم دليل صالح عليه إلا بعض التلويحات و الاشعارات المستخرجة من جملة من المعتبرة المعللة وجوب التمام على كثير السفر بأنه عمله و أن بيته معه، و بعض الصحاح الذي لم أفهم دلالته، و في الاعتماد عليها بمجردها إشكال يصعب معه الخروج عن مقتضى الأدلة العامة، و الاحتياط مما لا ينبغي تركه في المسألة» و هو عجيب، إذ ليس دليل أعظم من قصور أدلة كثير السفر عن تناوله، فيبقى حينئذ


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 3 لكنه مرفوع عمران بن محمد الأشعري.

ج 14، ص: 273

على مقتضى ما دل على القصر في كل مسافر، مضافا الى ما سمعته منا و منه من التعليل و غيره، و الى تصريح غير واحد من الأصحاب به من غير إشكال و تردد، بل عن ابن جمهور الإجماع عليه في غوالي اللئالي، و كذا قضية التعليل بالعمل و الاختلاف المزبورين عدم وجوب التمام على مثل الذين يحملون الحجيج من العراق أو الشام المسمين بالحملدارية في عرفنا و إن اتخذوا ذلك حرفة و معاشا، لعدم صيرورته عملا بالنسبة إليهم و عدم دخولهم بسببه تحت شي ء مما سمعته في النصوص من المكاري و الجمال و نحوهما، بل أقصاه اتخاذهم ذلك عملا في أشهر الحج و ما يكنفها من الشهور، على أنهم مما يقيمون في بلادهم كلما رجعوا أشهرا، فلا مخرج لهم حينئذ عن إطلاق ما دل على إيجاب قصد المسافة القصر.

بل قد يشهد له أيضا خصوص

خبر ابن جزك (1)قال: «كتبت الى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أن لي جمالا و لي قواما عليها،، و لست أخرج فيها إلا في طريق مكة لرغبتي في الحج أو في الندرة الى بعض المواضع فما يجب علي إذا أنا خرجت معهم أن اعمل أ يجب علي التقصير في الصلاة و الصيام في السفر أو التمام؟ فوقع (عليه السلام) إذا كنت لا تلزمها و لا تخرج معها في كل سفر إلا إلى مكة فعليك تقصير و فطور»

نعم قيل في الذين يحتملون الأعاجم من بلادهم و يرجعون بهم إليها حتى يذهب في كل حجة

عامة الحول إلا قليلا أنه يجب عليهم التمام إذا لم يقيموا عند أهلهم عشرة أيام، و لعله لصدق العملية فيه، و ظهور اندراجه في نصوص المقام كما هو واضح، و كذا قضيتهما أيضا اعتبار كون السفر عملا لهم في الإتمام، فمن كان التردد فيها دون المسافة عملا له ترخص لو أنشأ سفرا، لإطلاق الأدلة أيضا، و لعله على هذا يحمل

خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة المسافر الحديث 4.

ج 14، ص: 274

إسحاق بن عمار(1)«سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الذين يكرون الدواب يختلفون كل الأيام أ عليهم التقصير إذا كانوا في سفر؟ قال: نعم»

كخبره الآخر(2)بتفاوت يسير، و ربما يومي اليه: قوله «إذا كانوا في سفر»

ضرورة إشعاره بأن ذلك الاختلاف منهم ليس في سفر، أو يحملان على ما ذكرناه أولا من إنشاء المكاري مثلا سفرا لا يدخل في عمله و صنعته عرفا، أو غير ذلك مما لا ينافي ما تطابقت عليه الفتاوى و باقي النصوص من إتمام من كان عمله السفر من غير فرق بين المكاري و الجمال و الكري و صاحب السفينة- كما في خبر علي بن جعفر(3)المتقدم ملاحا كان أو غيره كما نص عليه في المسالك، بل لعل المراد

بالملاح في النصوص السابقة ما يشمل كل عامل بالسفينة لا المشتغل بجرها خاصة كما في عرفنا، إذ كثير من السفن لا تحتاج الى جر كالمراكب البحرية و غيرها، مع أنه لا كلام في أن عمالها يتمون- و بين غيرهم ممن يكون عملهم السفر، كالتاجر الذي يدور في تجارته من سوق الى سوق بحيث صار ذلك عملا له و حرفة يستعملها في تمام سنته، و لعله الذي يسمى في عرفنا بالساساني.

أما إذا كان يستعمل ذلك في الصيف دون الشتاء أو بالعكس ففي إتمامه و قصره وجهان ينشئان من إطلاق الدليل، و صدق العملية له في هذا الحال مع اختلافه ذهابا و إيابا متكررا، و من أن المتيقن الأول، فيبقى غيره على أدلة القصر، و الأحوط له الجمع، لا يقال إنه كأمير البيادر و أمير الفلاليح و الشحناء و الجابي للخراج و نحوهم ممن لم يكن عملهم متصلا تمام السنة، بل هو في أوقات دون أوقات، لاحتمال الفرق بأن وضع هذه الاعمال على هذا الحال، إذ عملية كل شي ء، بحسب حال ذلك الشي ء، بخلاف التاجر و نحوه،


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة المسافر الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة المسافر الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة المسافر الحديث 7.

ج 14، ص: 275

و بالجملة المدار على صدق كون السفر عملا له كما هو ظاهر تلك النصوص السابقة، لا أنه اتفاقي له و إن كان قد تواصل سفره كثيرا لكنه لم يكن على وجه اتخاذه عملا له، و لا يصدق عليه أنه عمله السفر، هذا.

و لكن في الروض- بعد أن حكى عن الأصحاب عدهم في هذا للشرط مثل البدوي و التاجر و الراعي و الأمير- أشكلهم بأنه و إن تضمنت النصوص ذكرهم لكن لا دلالة فيها على أن إتمام هؤلاء لكونهم ممن عمله السفر، بل الظاهر أنه لعدم قصدهم المسافة غالبا، بل لا يصدق عليهم أصل السفر، و يرشد اليه أن نصوص المقام قد اشتملت على مثل المحارب و اللاهي بالصيد ممن هو معلوم كون الإتمام فيه لغير هذا الشرط، و هو كما ترى نزاع في موضوع، إذ لا مانع من فرض البحث فيهم إذا كان أعمالهم تلك في المسافة، و إلا فبناء على ما ذكر فلا خصوصية لهم بذلك.

و كيف كان فمما ذكرنا يظهر لك أن عنوان هذا الشرط بذلك أي اتخاذ السفر عملا كما هو المستفاد من مجموع النصوص و عبر به الأستاد في بغية الطالب أولى مما في المتن و غيره من أنه بأن لا يكون سفره أكثر من حضره، إذ هو- مع خلو النصوص عنه و إجمال المراد بالأكثرية، بل هي على بعض الوجوه غير معتبرة قطعا، بل قد يكون المكاري فضلا عن غيره حضره أكثر من سفره أو مساويا، كما لو كان من عادته السفر ثلاثة أيام و الحضور عند أهله دون العشرة- يقتضي وجوب التمام على من اتفق أكثرية سفره على حضره و إن لم يكن عملا له و لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه و إن كان قد توهمه بعض عبارات القدماء كالسرائر و غيرها، بل و بعض عبارات المتأخرين كالروضة و غيرها.

و لعله لذا عدل في المعتبر على ما قيل عن التعبير بذلك عن هذا الشرط بعد أن حكاه عن المفيد و غيره، و طعن عليه بأنه يقتضي الإتمام لمن أقام عشرة و سافر عشرين،

ج 14، ص: 276

و لم يقله أحد، ثم قال و لو قيد ذلك بأن لا يقيم في بلد عشرة لم يبق حينئذ لكثرة السفر اعتبار، و استحسن التعبير عنه بأن لا يكون ممن يلزمه الإتمام سفرا، لكنه كما ترى فيه من الاجمال و إدخال غير المراد ما لا يخفى، بل لعل ما عدل عنه من التعبير أولى منه، خصوصا إن قلنا بإرادة من عبر به منشيئة كثرة السفر إما لأنه عمله و حرفته كالمكاري و الملاح، أو ان تلك عادته، بل قيل إن كثير السفر حقيقة متشرعية فيمن كان عمله السفر كما جزم به في الروض، إلا أن الانصاف أن ما ذكرناه من التعبير أولى و أوفق بظاهر النصوص، لكن ينبغي إخراج البدوي عنه كما أشرنا سابقا في أن جهة إتمامهم كون بيوتهم معهم لا عملية السفر، مع إمكان إدراجهم فيه أيضا.

نعم اعتبر الفاضل في الرياض مع ذلك تكرر السفر و كثرته من غير فرق بين المكاري و الملاح و نحوهما ممن ورد في النصوص من التاجر و الأمير و بين غيرهم ممن يكون السفر عمله، قال: «فلو صدق وصف أحد هؤلاء و لم يتحقق الكثرة المزبورة لزم التقصير، خلافا للحلي فحكم بالتمام فيهم، لإطلاق الأدلة من النصوص و الفتاوى بوجوب التمام على هؤلاء، و لقيام اتخاذهم ذلك صنعة مقام التكرر من غيرهم ممن كان سفره أكثر من حضره» و هو- مع ضعفه بأن المستفاد من النصوص بعد ضم بعضها إلى بعض أن وجوب التمام على هؤلاء إنما هو لأن السفر عملهم لا لخصوصية فيهم، فلو فرض كثرة السفر بحيث يصدق كونه عملا لزم التمام و إن لم يصدق وصف أحد هؤلاء، و بالعكس على ما عرفت- مقدوح بلزوم حمل المطلقات على الغالب الشائع منها، و هو من تكرر السفر منه مرارا لا من يحصل منه في المرة الأولى.

و منه يظهر ضعف ما في المختلف من حكمه بالإتمام في السفرة الثانية مطلقا، و لجماعة فجعلوا المدار في الإتمام على صدق وصف أحدهم، أو صدق كون السفر عمله، و منهم الشهيد في الذكري إلا أنه قال: «و ذلك انما يحصل غالبا بالسفرة الثالثة التي لم يتخللها إقامة عشرة

ج 14، ص: 277

كما صرح به الحلي في متخذ السفر عملا» و فيه ما عرفته من أن المستفاد من النصوص أن وجوب التمام على هؤلاء انما هو من حيث كون السفر عملهم، فلا وجه لجعله مقابلا.

ثم إن دعوى حصول صدق أحد العنوانين بمجرد السفر في الثالثة ممنوعة، إذ قد يحصل السفر زائدا عليها و لا يصدق أحدهما، كما لو اتفق كثرة السفر مع عدم قصده الى اتخاذه عملا، و مثله يقصر قطعا كما صرح به بعض متأخري أصحابنا، فقال بعد نقل الأقوال: «و إذ قد عرفت أن الحكم في الأخبار ليس معلقا على الكثرة بل على مثل المكاري و الجمال و من اتخذ السفر عمله وجب أن يراعى صدق هذا الاسم عرفا، فلو فرض عدم صدق الاسم بالعشرة لم يتعلق حكم الإتمام، نعم يعتبر السفرات الثلاث مع صدق العنوان، فلا إتمام فيما دونها و لو صدق، لما مر من لزوم حمل المطلقات على المتبادر، و ليس إلا من تكرر منه السفر ثلاثا فصاعدا، و يمكن أن يكون مراد الشهيد في اعتباره التعدد ثلاثا هذا، و بالجملة المعتبر عدم اتخاذ السفر عملا مع تكرره مرة بعد أخرى، و معه كذلك يجب التمام كما يستفاد من النصوص على ما قدمناه» انتهى و فيه بعد الغض عن بعض ما ذكره أنه لا وجه لاعتبار تثليث السفر بعد صدق العملية كما هو ظاهر ذيل كلامه بل صريحه، ضرورة ظهور الأدلة إن لم يكن صراحتها في أن مدار الإتمام ذلك، كما أنها ظاهرة أو صريحة في أنه متى تحقق صدق اسم واحد من المكاري و الملاح و نحوهما عرفا صدق عليه أنه عمله السفر قطعا، بل يمكن منع اعتبار التثليث المزبور في تحقق أصل العملية أو المكارية عرفا، بل ينبغي القطع بعدم اعتبار الرجوع الى بلاده في ذلك، إذ لو بقي مدة طويلة يعمل في المكاراة ذهابا و إيابا الى غير بلاده صدق عليه الوصفان المزبوران قطعا، بل قد يقال بعدم اعتبار الرجوع في ذلك أيضا، كما لو كارى الى مقصد بعيد، بل استظهر المقدس البغدادي تحقق وصف المكاري و نحوه بأول سفرة إذا اتبع الدواب و سعى معها سعي المكارين، و هو

ج 14، ص: 278

لا يخلو من وجه.

و أوجه منه إيكاله إلى العرف كما حكاه عن ذلك المتأخر من بعض أصحابنا و لا فرق بين أن يتحقق في العرف صدق كون السفر عمله أو كونه مكاريا و نحوه بناء على ما سمعته من التلازم بين المفهومين بالنسبة الى الثاني، و مفهوم الأول أعم من الثاني إذ قد يتحقق فيمن لم يندرج في شي ء من هذه المفاهيم كما هو واضح، و لعل الشهيد أراد ذلك لا أن مقصوده المقابلة كي يتوجه عليه ما عرفت، كما يومئ اليه اتخاذ عبارته مع عبارة المتأخر من أصحابنا الذي نقله الفاضل المزبور في ذلك، و من المعلوم إرادته ما ذكرنا، و الأمر سهل بعد وضوح المطلوب.

و من ذلك كله يظهر لك ما في قول المصنف و ضابطه أن لا يقيم في بلدة عشرة أيام، فلو قام أحدهم عشرة ثم أنشأ سفرا قصر ضرورة عدم كون ذلك ضابطا لكثير السفر، إذ لا يخرج عرفا المكاري و غيره ممن عمله السفر عن صدق هذا العنوان بإقامة المدة المزبورة قطعا، اللهم إلا أن يريد الإشارة بذلك الى الاكتفاء في تحقق الكثرة بالسفرتين اللتين لم يتخلل بينهما إقامة العشرة كما فهمه الشهيد الثاني في الروض من عبارة الفاضل، قال: «فان من سافر مرة و لم يقم في بلده بعدها عشرة ثم سافر صدق عليه ذلك و أتم حينئذ في الثالثة التي لم يفصل بينها و بين الأولتين بعشرة أيام» لكن قد عرفت أن التحقيق عدم اعتبار شي ء من ذلك، انما المحكم العرف.

و منه يعلم سقوط ما أطنب فيه في الروض من بيان تحقق تعدد السفرات، قال و يتحقق تعدد السفرات بوصوله من كل سفرة الى بلده أو ما في حكمه، فإن ذلك انفصال بينهما حسي و شرعي، و هل يتحقق بالانفصال الشرعي خاصة كما لو تعددت مواطنه في السفرة المتصلة بحيث يكون بين كل موطنين منها و الآخر مسافة أو نوى الإقامة في أثناء المسافة عشرا و لما يتمها؟ وجهان، من تحقق الانفصال الشرعي و هو

ج 14، ص: 279

أقوى من الحسي في أمثال ذلك، و من ثم اشترطت المسافة، و من عدم صدق التعدد عرفا، هذا كله إذا كان في نيته ابتداء تجاوز الوطنين و موضع الإقامتين، أما لو عزم على الوطن الأول خاصة فلما وصل اليه عزم على الآخر فاحتسابهما سفرتين أقوى، و على التقديرين لا فرق بين كون السفرة الثانية صوب المقصد أولا، و رجح الشهيد في الذكرى تعدد السفرات في صورة الإقامة و إن لم تكن الإقامة في نيته ابتداء، و فصل في الوطن و أوجب التعدد مع متجدد قصد تجاوز الوطن بعد الوصول اليه و الاتحال مع قصد التجاوز ابتداء، و هو حسن، و الفرق بين موضع الإقامة و الوطن أن نية الإقامة تقطع السفر حسا و شرعا، و الخروج بعد ذلك سفرة جديدة، بخلاف الوطن فإنه فاصل شرعا لا حسا، و لو كان الخروج بعد أحد الأمرين إلى وطنه الأول بمعنى العود إليه ففي احتسابه سفرة ثانية الوجهان.

و هل يشترط في فصل نية الإقامة الصلاة تماما أم يكفي مجرد النية؟ يحتمل الأول لتوقف تمام الفصل عليه، و من ثم كان الرجوع عن نية الإقامة قبل الصلاة موجبا للعود الى القصر، و هو يدل على عدم تمامية السبب الموجب للقطع، و لما تقدم من أن الفارق بينه و بين الوطن هو قطع السفر الحسي، و لم يتحقق، و وجه الثاني انتقال حكم السفر، و من ثم وجب الإتمام ما دام كذلك، و للرجوع حكم آخر، و أنت خبير بعد الإحاطة بما قدمناه بضياع هذه المتعبة بعد الغض عما في بعضها في نفسه، فلاحظ و تأمل.

و منه يتجه اعتبار ما في المتن حينئذ من عدم إقامة كثير السفر في بلده عشرا شرطا في الاستمرار على التمام كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا، بل في المدارك و عن غيرها أنه مقطوع به في كلام الأصحاب تارة، و أن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه أخرى، بل عن المعتبر نفي الخلاف فيه بينهم، بل في شرح المقدس البغدادي أنه حكى الإجماع عليه غير واحد، و هو الحجة التي يجب بسببها الخروج

ج 14، ص: 280

عن إطلاق أدلة التمام، مضافا الى

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الله بن سنان (1)على ما في الفقيه «المكاري إن لم يستقر في منزله إلا خمسة أو أقل قصر في سفره بالنهار و أتم بالليل، و عليه صوم شهر رمضان، و إن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر و ينصرف إلى منزله و يكون له مقام عشرة أيام أو أكثر قصر في سفره و أفطر»

و خبر يونس (2)عن بعض رجاله عن الصادق (عليه السلام) قال: «سألته عن حد المكاري الذي يصوم و يتم قال: أيما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقل من عشرة أيام وجب عليه التمام و الصيام ابدا، و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير و الإفطار»

و الصحيح (3)المتقدم سابقا في صدر البحث الذي وصف فيه المكاري و الجمال بأنه الذي يختلف و ليس له مقام، إذ المراد بالمقام فيه الإقامة عشرا إجماعا كما في الرياض، قال: إذ لا قائل بوجوب القصر مطلقا كما فيه بإقامة دونها، على أنها هي المتبادر من مثل هذه اللفظة في النص و الفتوى بشهادة التتبع و الاستقراء، بل لو أريد منها مطلق المقام لم يتحقق موضوع لكثير السفر غالبا إن لم يكن أصلا، لعدم خلو أحد من أفراده من إقامة اليوم و اليومين و الساعة و الساعتين، هذا مع انجباره بتلك الشهرة العظيمة المعتضدة بالإجماع و نفي الخلاف السابقين كانجبار الخبرين الأولين بذلك سندا و دلالة، على أن اشتمال أولهما على ما لا يقول به من الاكتفاء بالخمسة في التقصير نهارا دون الليل و دون الصوم بل و على ما لا يقول به أحد من الاكتفاء في ذلك بالأقل من الخمسة و لو يوما أو ساعة لا يخرجه عن الحجية فيما نحن فيه، كما هو محرر في محله.


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.

ج 14، ص: 281

نعم قد يناقش فيه بظهوره باشتراط القصر و الإفطار بالإقامة في المكانين، و باضطرابه، لأنه رواه في التهذيب بسند غير معتبر بغير هذا المتن، فأسقط فيه قوله: «و ينصرف» الى قوله: «قصر في سفره و أفطر» فحينئذ لا يكون فيه دلالة على الإقامة في بلده.

لكن قد تدفع الثانية بأن مثله لا يعد اضطرابا، و يستفاد حكم البلد حينئذ بالأولوية الواضحة، و الأولى- خصوصا بملاحظة المرسل الآخر(1)و متنها في التهذيب، و معلومية عدم اعتبار ذلك بين الأصحاب، ضرورة عدم مدخلية الإقامة اللاحقة في التقصير السابق- بأن المراد اعتبار ذلك في التقصير و الإفطار ذهابا و إيابا و منه يعلم حينئذ أن إقامة العشرة تخرجه عن حكم كثير السفر في السفرة الأولى خاصة كما صرح به في السرائر و المدارك و الرياض و بغية الطالب إذا لم تنقطع بإقامة العشر، خلافا لبعضهم فاعتبر في رجوعه الى حكم كثير السفر حينئذ السفرات الثلاثة و لعله لزعمه إخراج الإقامة المزبورة إياه عن الموضوع، فلا يعود حينئذ إلا بما أثبته له ابتداء من الدفعات الثلاث التي لم يتخللها إقامة عشرة مثلا، و فيه- مضافا الى ما سمعته سابقا من عدم اعتبار ذلك في الابتداء أنه من الواضح عدم إخراج ذلك له عن الموضوع، فيبقى حينئذ فيما عدا السفرة الأولى مندرجا في إطلاق ما دل على التمام الذي يجب الاقتصار في تقييده على المتيقن، و هو السفرة الأولى، على أن استصحاب حكم التمام الثابت له في منزله أو ما في حكمه لا معارض له هنا، إذ معارضة ذلك

كله بإطلاق ما دل على التقصير بإقامة العشرة الذي من المعلوم عدم إرادة الإطلاق فيه- بل هو أشبه شي ء بالمقيد بالمجمل يقتصر في معارضته للإطلاق الأول على المتيقن- كما ترى، و نحوها معارضة استصحاب حكم الإطلاق الأول بحكم الإطلاق الثاني، لوجوب الاقتصار في الخروج عن حكم اليقين


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة المسافر الحديث- 1.

ج 14، ص: 282

الأول بيقين، و ليس هو إلا السفرة الأولى، فتأمل.

و لا فرق في إقامة العشرة بين البلد و غيره، للصحيح (1)و المرسل (2)السابقين المنجبرين هنا أيضا بالشهرة المحكية في الرياض إن لم تكن محصلة، لكن ظاهرهما كبعض العبارات الاكتفاء بإقامتها و لو بغير نية، و هو متجه في البلد، أما غيره ففي الروض و عن المجلسي الإجماع على اعتبارها فيه، و لعله لأنه بها يكون محل الإقامة كالمنزل، و بدونها كأثناء المسافة فيتجه حينئذ تقييد الخبرين بهما، بل الظاهر اعتبار عدم تخلل الأقل من المسافة في أثنائها بناء على إبطال ذلك حكم التمام إذا لم يعزم على إقامة عشرة مستأنفة، أما بناء على عدم تأثير ذلك في حكم الإقامة و إن لم يكن من نيته الإقامة المستأنفة فلا يقدح هذا التخلل حينئذ في أثنائها في الاجتزاء بالتلفيق و إن قل المفتي به هنا، بل في الروض لم أقف على مفت من الأصحاب عدا ما حكي عن المحقق الثاني، لكنه متجه، و جزم به في ظاهر الروضة أو صريحها، ضرورة كونها حينئذ

كالعشرة في المنزل التي لا تحتاج إلى نية، و لا يقدح تخلل ما دون المسافة بينها و لو بقي أياما، لإطلاق الخبرين، فيجزي الملفق حينئذ كالعشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثين يوما التي بها يكون غير المنزل منزلا، فلا يشترط حينئذ في العشرة الحاصلة بعده نية و نحوها كما صرح به بعض، و يومي اليه إطلاق آخر، خلافا للأستاذ في بغية الطالب فلم يعتبرها من دون نية، و هو ضعيف.

كضعف احتمال الاكتفاء بالتردد ثلاثين يوما من غير إقامة عشرة بعدها، بل في الروض أن المحقق الثاني قواه، بل فيه أيضا أنه صرح به ابن فهد في المهذب مدعيا أنه المشهور، و لعله لصيرورته بالتردد ثلاثين يوما فيه كالمنزل، و لذا وجب


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.

ج 14، ص: 283

عليه التمام فيه بعدها، لكن فيه أن ذلك لا يوجب انقطاع حكم كثرة السفر، إذ أقصى ما يقتضي أن يكون ذلك كمنزله الذي قد عرفت توقف انقطاع حكم الكثرة على إقامة العشرة فيه، و لا يكفي الأقل حتى الخمسة في قصر النهار خاصة فضلا عن غيرها كما ستعرف، و دعوى أن التردد ثلاثين يوما كإقامة العشرة ممنوعة، بل أقصاه كنية الإقامة لا كتمام الإقامة، و لا دلالة في الصلاة تماما بعده على الثاني، إذ هي أعم منه و من الأول الذي حكى الإجماع في الروض على عدم قطعه لحكم كثرة السفر حتى يتم ما نواه، و إلا فلا تكفي النية و إن صلى تماما أياما، فيقوى حينئذ اعتبار إقامة العشرة بعد التردد ثلاثين يوما وفاقا للدروس و الروض و الروضة و الرياض و عن الموجز.

و كيف كان فلا فرق في انقطاع حكم الكثرة و غيرها مما ذكرنا بين المكاري و غيره بلا خلاف محقق أجده فيه و إن اختص النص بالأول، لعموم معقد الإجماع و القطع بعدم الفرق بعد أن كان المناط عملية السفر المنقطع حكمها بإقامة العشرة، و لكن في المتن و قيل ذلك مختص بالمكاري بالمعنى الأعم فيدخل في جملته الملاح و الأجير و لا ريب أن الأول أظهر لما عرفت، بل اعترف غير واحد بعدم معرفة هذا القائل، و أنه لعل المصنف سمعه من معاصر له في غير كتاب مصنف، بل في الرياض ربما احتمل أنه المصنف و لو قام خمسة أيام قيل و القائل المشهور نقلا و تحصيلا، بل ربما استظهر من بعضهم الإجماع عليه يتم لإطلاق الأدلة، و مفهوم المرسل (1)السابق و الاستصحاب و غيرها و قيل و القائل الشيخ و ابنا حمزة و البراج على ما حكي عن ثانيهما يقصر صلاته نهارا دون صومه، و يتم ليلا لصحيح ابن سنان (2)المتقدم، لكن لم ينص في المبسوط و الوسيلة على الصوم و لا ريب أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، ضرورة قصور الصحيح المزبور عن تقييد الأدلة المزبورة


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 5.

ج 14، ص: 284

و أدلة تلازم الإفطار و التقصير بسبب الاعراض عنه و اشتماله على ما لا يقول به أحد من

الاكتفاء بالأقل من خمسة و لو يوما أو أقل، إذ ابن الجنيد و إن حكي عنه الاكتفاء بذلك لكنه جعله كالعشرة في القصر و الإفطار لا التفصيل المزبور، على أنه في غاية الضعف يمكن دعوى الإجماع على خلافه، فضلا عن مخالفته لظاهر النصوص بل و الاعتبار، إذ عليه لم يبق موضوع لكثير السفر غالبا، كل ذا مع أنا لا نعرف له دليلا بل و لا وجها، فلا ريب في فساده، بل لعله لا يرجح الاحتياط من جهته، نعم لا ينبغي تركه بالنسبة إلى الأول لصحة مستنده، و عمل جماعة به و ميل بعض المتأخرين كما قيل اليه، و اشتماله على المجمع على خلافه لا يخرجه عن الحجية في غيره كما لم يخرجه عن الحجية في المسألة السابقة، و الله أعلم

[الشرط السادس تواري الجدران و خفاء الأذان]
اشاره

الشرط السادس للقصر أنه لا يجوز للمسافر التقصير بمجرد خروجه من منزله على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا كما عن الذكرى، بل لا خلاف محقق معتد به و إن نسب الى والد الصدوق كما ستسمع حتى استثناه خاصة من معقد نفي الخلاف في الرياض بل هو إجماع نقلا عن الخلاف إن لم يكن تحصيلا، للأصل و اعتبار الضرب في الأرض في الآية(1)و عدم صدق المسافر فعلا، و النصوص (2)التي سيمر عليك بعضها، فما عن علي بن بابويه- من التقصير بمجرد الخروج عن المنزل الى أن يعود اليه- منزل على إرادة

محل الترخص من المنزل كما يومي اليه غلبة تعبيره بفقه الرضا (عليه السلام) و قد عبر فيه كما قيل تارة بما سمعت (3)و أخرى بما إذا غاب عنه أذان المصر(4)فهو كالكاشف حينئذ عن إرادته بالمنزل في العبارة الأولى ذلك، فلعل الصدوق كذلك،


1- 1 سورة النساء- الآية 102.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة المسافر.
3- 3 المستدرك الباب- 5- من أبواب صلاة المسافر- الحديث- 1.
4- 4 المستدرك- الباب- 4- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.

ج 14، ص: 285

و إلا كان شاذا ضعيفا كما عن معتبر المصنف الاعتراف به، كمستنده من

المرسل (1)عن الصادق (عليه السلام) «و إذا خرجت من منزلك فقصر الى أن تعود اليه»

و ما قيل من

الموثق (2)«أفطر إذا خرج من منزله»

لوجوب إرادة محل الترخص من المنزل فيهما، أو تقييدهما بغيرهما من النصوص المعمول عليها بين الأصحاب.

فلا ريب حينئذ إن لم يكن لا خلاف في أنه ليس له أن يقصر بذلك بل يبقى على التمام حتى يتوارى عنه جدران البلد الذي يخرج منه، أو يخفى عليه الأذان فأيهما حصل كفى في وجوب القصر كما هو مذهب أكثر الأصحاب على ما في المدارك و المشهور بين القدماء على ما في الرياض و عن غيره، بل عن شرح التهذيب للمجلسي حكاية الشهرة عليه من غير تقييد، و

اختاره جماعة من المتأخرين و متأخريهم، للجمع بين

صحيح ابن مسلم (3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل يريد السفر فيخرج متى يقصر قال: إذا توارى من البيوت»

و بين

صحيح ابن سنان (4)سأله «عن التقصير فقال: إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع الأذان فقصر و إذا قدمت من سفرك مثل ذلك»

و الآخر المروي عن

المحاسن بسند صحيح الى حماد بن عثمان (5)عن رجل عنه (عليه السلام)، و فيه «إذا سمع الأذان أتم المسافر»

و الموثق (6)الذي مر في المباحث السابقة، فإن فيه «أ ليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث- 10 من كتاب الصوم.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة المسافر الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة المسافر الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة المسافر الحديث 7 لكن روى عن حماد بن عثمان عن أبى عبد الله عليه السلام.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 11.

ج 14، ص: 286

أذان مصرهم»

و ما مر من المحكي عن فقه الرضا (ع)(1)بإرادة التخيير بين الأمرين.

و فيه أنه لا شاهد عليه من نص أو غيره، و لا ينتقل اليه من مجرد اللفظ، إذ ظاهرهم إرادة التخيير كخصال الكفارة لا كتخيير الحائض بالعمل بالروايات و الفقيه بإحدى الأمارتين، و هو لو سلم الانتقال اليه من الخبرين ففي التكليف بالضدين و نحوه كصل عند الزوال ركعتين و امض إلى السوق لشراء اللحم عنده و لو بملاحظة تعذر الجمع بينهما مع حكمة المكلف، لا في مثل المقام المساق لبيان ذكر علامة بلوغ الحد الموجب للتقصير الذي لا مانع فيه عقلا من كون العلامة فيه مجموع الأمرين، بل لعله الظاهر هنا جعلا لكل من الواقعين بعد أداة الشرط شرطا أصوليا، كما يؤيده استقراء أمثاله مما جاء في بيان الشرائط للعبادات أو المعاملات، و ظهور أداة الشرط في التسبيب بعد تسليمه انما هو إذا اتحدت لا مع التعدد كما في المقام، و دعوى كون المفهوم منها في الثاني أن السبب أحد الأمرين أو الأمور لا المجموع- إذ التعارض بينهما في خصوص اقتضاء العدم عند العدم، فيتقيد حينئذ سببية عدم كل منهما للعدم بوجود الآخر، أما تسبيب وجود كل منهما للوجود فيبقى على حاله لعدم التعارض فيه، كتسبيب عدم كل منهما للعدم في غير محل وجود الآخر، لعدم التعارض فيه أيضا- يدفعها أن ذلك حينئذ ليس من التخيير المحكي في الرياض و كتاب المقدس البغدادي عنهم، قال في الثاني عند بيان مدرك ما ذكروه من الجمع المزبور: «إن الشارع جعل للترخص سببين، فبأيهما أخذ امتثل» و لذا اعترض عليهم الأستاذ الأكبر على ما حكي عنه زيادة على ما عرفت بأن استقلال كل منهما بالسببية مستلزم للمحال، و هو التكليف بالشي ء و نقيضه حيث يسمع الأذان و لا يرى الجدران أو بالعكس، و ربما أجيب بأنه لا تناقض أصلا، لأن العمل على ما سبق منهما، ورده المقدس البغدادي- بل جعله


1- 1 المستدرك- الباب- 4 و 5- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.

ج 14، ص: 287

من الخطأ الفاحش- بأنه قد يقترنان كما إذا سمع الأذان حين خفي عليه الجدران، سلمنا لكن إذا سبق أحدهما كالخفاء و لم يصل أو لم يسلم علي الثنتين حتى سمع الأذان كيف يصنع، و قد تناقض عليه العلامتان، قال: «و الحق في الجواب أن التخيير بين الخبرين، و إذا أخذ بأحدهما لم يلتفت إلى ما جاء به الآخر حتى كأنه لم يجي ء- ثم قال- و إذا أخذ بواحد منهما فهل يتعين الأخذ به و لا يسوغ له العدول الى الآخر من حيث أن الشارع خيره فاختار نصيبه، أو لا زال على التخيير كما لو كان التخيير بين الفعلين كما في المواطن الأربع؟ وجهان» الى آخره.

لكن لا يخفى عليك أن ذلك كله من غرائب الكلام، ضرورة أنه لا دلالة في شي ء من كلمات الجماعة على أصل التخيير فضلا عن هذا التخيير المزبور، إذ لم يعبروا إلا بنحو المتن، و هو ظاهر إن لم يكن صريحا في إرادة ثبوت التقصير بأحدهما، فلا يقدح حينئذ تخلف الآخر، إذ أقصاه أنه علامة، فهي لا يجب اطرادها كما أوضحناه لك سابقا، فان مفهوم كل منهما مقيد بمنطوق الآخر، فلا تناقض حينئذ، و لا تخيير حقيقة، بل هو أشبه شي ء بتقديري الكر المساحة و الوزن اللذين لا يقدح في تحقق الكرية بأحدهما تخلف الآخر على ما عرفته في محله.

و منه يعلم فساد ما أطنب به الأستاذ الأكبر من بيان عدم جواز مثل هذا التخيير و أنه أوضح فسادا من القول بالتصويب، و ليت شعري كيف يحتمل إرادة التخيير بين العمل بكل من الروايتين هنا من عبارات الأصحاب، و لو أرادوه لم يجز التعبير بذلك، لاختلافه بحسب اختيار الفقيه لأي الروايتين على أن تكون تكليفه و تكليف مقلديه، و لا دليل على أن التخيير هنا كتخيير الحائض بالرجوع الى الروايات و بالجملة كان المقام من الواضحات التي لا تحتاج الى مزيد إطناب.

و منه حينئذ تعرف وجه اندفاع سائر ما تقدم مما أورد على هذا القول، ضرورة

ج 14، ص: 288

أنك عرفت كون مبناه تقييد كل من مفهوم الخبرين بمنطوق الآخر، و هو جار على مقتضى الضوابط و القواعد.

بل و منه تعرف أيضا ضعف ترجيح الجمع بكون الشرط في التقصير خفاؤهما معا عليه، كما ذهب إليه جماعة، بل قيل إنه المشهور بين المتأخرين، بل عن حاشية الألفية للكركي نسبته إليهم، كما عن آخر نسبته إلى الشهرة و الأكثر من غير تقييد، بل عن الخلاف الإجماع عليه، ضرورة كون مبناه تقييد كل من الخبرين بالآخر حتى يكون الشرط حينئذ اجتماعهما، و فيه أن التعارض فيهما بين المنطوق و المفهوم لا المنطوقين، فلا وجه لتقييد أحدهما بالآخر، بل هو في الحقيقة إبطال للدليل من غير معارض، و لعله لذا رجح في المدارك الجمع الأول عليه، بل قال إنه بعيد جدا، فما في الرياض حينئذ من ترجيح الجمع المزبور على الأول إما لرجحانه في نفسه عليه عند التعارض أو لأوفقيته باستصحاب التمام محل للنظر، مع أن الأول مصادرة محضة، و الثاني غير مجد بعد ما عرفت من مخالفة الجمع المزبور لمقتضى الضوابط، و معارض بموافقة الأول لإطلاقات السفر و للضرب في الأرض، بل و بما دل على التقصير بمجرد الخروج من المنزل كالمرسل السابق و غيره، و أما إجماع الخلاف فهو- مع ما قيل من أنه مساق للرد على من اكتفى في التقصير بمجرد الخروج من المنزل كما يومي اليه استدلاله بعده بالآية- موهون بمصيره نفسه الى غيره في غيره، فضلا عن مصير أكثر المتأخرين على ما قيل و بعض المتقدمين الى خلافه أيضا.

لا يقال ذلك كله مسلم لو أن ما ذكرته من الجمع كان هو الموافق لمقتضى الضوابط و فيه بحث بل منع، إذ تخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر ليس بأولى من العكس ضرورة كون التعارض بينهما بالعموم من وجه، فمن الجائز حينئذ أن يكون المراد خفاء

ج 14، ص: 289

الأذان موجب للقصر إلا إذا لم يخف الجدران، و كذا العكس، فالمتجه حينئذ إما إلغاؤهما و الرجوع الى مقتضى الأصل، و لا ريب في اقتضائه التمام حتى يخفيا معا، أو ترجيح الثاني على الأول بالأصل.

لأنا نقول أولا إنه و إن سلمنا كون التعارض بينهما بالعموم من وجه إلا أن المفهوم عرفا من مثله في المقام ما ذكرناه من الجمع كما يوضحه لديك ملاحظة النظائر، بل يزيده وضوحا ملاحظة تعدد الأسباب إذا ذكرت بلفظ السبب و نحوه، ضرورة كون «ان» مفيد ة للتسبيب لا الشرط الأصولي كما حررناه في الأصول، و ثانيا لا ريب في رجحان المنطوق على المفهوم، فهو أولى بأن يكون مخصصا من العكس، خصوصا إذا انضمت اليه مرجحات أخر، منها ما تقدم، و منها ما ستعرفها إنشاء الله، فتأمل جيدا.

نعم قد يقال إن الجمع بأي وجه يكون مشروط بحصول التكافؤ بين الدليلين و ليس، إذ لا ريب في رجحان الأخير على الأول باعتبار اعتضاده بصحيح المحاسن (1)و الموثق (2)و الرضوي (3)و غلبة عدم الجدران في تلك الأزمان، و لعله لذا اقتصر الحلبي و المفيد و سلار و أبو الصلاح عليه فيما حكي عما عدا الأول من غير تعرض لخفاء الجدران كالمحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) بل و ابن أبي عقيل، بل عن الثاني نسبته الى آل الرسول (عليهم الصلاة و السلام) و يحمل حينئذ صحيح البيوت (4)على إرادة بيان حكم ذلك في نفس الأمر، و بيان الوجه و الحكمة في تحديد الترخص بذلك، إذ ما دام


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 11.
3- 3 المستدرك- الباب- 4 و 5 من أبواب صلاة المسافر- الحديث- 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.

ج 14، ص: 290

لم يتوار لم يخرج عن حد الحضور و يدخل في حد الغيبة، بخلاف ما إذا توارى، لا أن المراد

به اعتبار ذلك لمعرفة ابتداء قصره، إذ لا يعرف أنه توارى من البيوت، بل إذا أراد ذلك اختبره بالأذان، فهو الامارة على التواري حينئذ، فتأمل.

أو الصحيح الأول باعتبار اعتضاده بالاستصحاب بناء على دوام خفاء الأذان قبل الجدران، و باتفاق المشايخ الثلاثة على روايته في الجوامع العظام، و بأولويتها بالسببية من الأذان، لتيسرها في كل وقت بخلاف الأذان، إذ كثيرا ما يتفق الخروج في غير وقته مع تشابه الأصوات إذا بعدت، و عسر التقدير على أكثر الناس أو أغلبهم، و لعله لذا اقتصر في المقنع فيما حكي عنه على خفائها دونه، بل ربما قيل بظهور عبارة المبسوط في أن المعتبر الرؤية، فإن حصل حائل فالأذان، و إن كان فيه نظر كما لا يخفى على من لاحظها.

لكنك على كل حال خبير بأنه حينئذ لا وجه لطرح كل منهما، ضرورة حصول المرجح في الطرفين، فيحصل التكافؤ الذي هو شرط الجمع، سيما بعد ما عرفت من العمل بهما من أكثر الأصحاب و إن اختلفت بالوجهين السابقين، على أن خبر المحاسن في إياب المسافر لاذهابه، فتأييده حينئذ موقوف على اتحادهما في ذلك، و فيه تأمل، و الموثق لا دلالة فيه على الشرطية كي ينافي ما اخترناه من الجمع الأول، و البحث في الفقه الرضوي مشهور، و كذا الكلام في المرجحات الثانية.

و كيف كان فلا ريب في أنه لا وجه لطرح أحدهما بعد الجمع لشرائط الحجية، إنما الكلام في ترجيح الجمعين السابقين، و قد عرفت أن الأول منهما هو الجاري على مقتضى الضوابط كما في سائر جمل الشرط المتعددة مع اتحاد الجزاء فيها، بل قد يؤيده أيضا زيادة على ذلك الاقتصار في كل من الروايتين و الموثق و غيره على أحدهما مع اختلاف الراويين أو الرواة، و ما ذاك إلا للاجتزاء بكل منهما، إذ احتمال كون الاقتصار

ج 14، ص: 291

لعلم كل من الراويين مثلا بالفرد الآخر يدفعه بعد أصالة العدم ظهور سؤالهما في عدم علمهما بذلك، كاحتمال تأخير البيان فيهما في ذلك الخطاب ثم علماه وقت الحاجة.

نعم قد يقال إن الاقتصار لعدم التفاوت المعتد به في العلامتين، إذ متى وصل الحد الذي يخفى فيه الأذان خفي عليه الجدران، و بالعكس بعد إرادة الوسط من كل منهما و كون الأذان على مرتفع أيضا و أنه في طرف البلاد من ناحية المسافر و إرادة صور الجدران لا شبحها، بل ينبغي الجزم بذلك بناء على كون المراد من رواية الجدران تواريه عنها بمعنى خفائه بحيث لا تتميز صورته دون شبحه، لا تواريها عنه كما فهمه سيد المدارك من الصحيح المزبور و تبعه عليه الكاشاني صريحا في الوافي و ظاهرا في المفاتيح، حيث عبر فيها بما في الصحيح كاللمعة و عن البيان و الحدائق، و لعله أوفق به و إن كان المعروف بين الأصحاب الثاني كما اعترف به في الرياض، و من هنا لم يكن مناص عن متابعتهم في ذلك، و لعله لأنه و إن كان في الصحيح تواريه عنها لا تواريها عنه لكن المراد بتواريه عنها استتاره بحيث لا تراه لو كانت مبصرة، و من المعلوم أنه متى توارى عنها كذلك توارت هي عنه أيضا، و إلا لم يتوار عنها، كما هو واضح، لأنه من باب المفاعلة(1).

و لعل اختيار الأصحاب هذا التعبير على ما في الصحيح لإرادة بيان كون المراد به ذلك، إذ المواراة عن البيوت لا سبيل إلى معرفة المسافر لها على التحقيق إلا باستتاره عنهما، و احتمال إرادة من في البيوت من البيوت في الصحيح يدفعه- مع أنه إضمار بلا قرينة، و عدم معلومية كون من في البيوت على السطوح أو الأرض، و مقدار الارتفاع و الانخفاض و نحو ذلك- أن المناسب حينئذ أن يقدره باستتار من في البيوت عليه لأنه هو الذي يستطيعه المسافر حتى يكون علامة، ضرورة عدم معرفته أنه استتر


1- 1 اي من باب التفاعل.

ج 14، ص: 292

عن أهل البيوت أو لا، إذ ذاك أمر لا يرجع اليه، اللهم إلا أن يجعل ذلك على سبيل التخمين، و فيه أنه لا وجه له مع تمكنه منه على طريق التحقيق بأن ينظر الى من في البيوت و لم ير أحدا منهم، فيعلم أنه توارى عنهم، لأن الغالب مساواة الأشخاص و الأنظار، فلو كان ذلك هو العلامة لاعتبر الشارع الطريق إليها، فعلم كون المعتبر خفاء نفس البيوت لا من فيها.

فالوجه حينئذ بناء ذلك على التسامح في مثل هذا التفاوت اليسير، و لعله لاختلاف

المسافرين باعتبار سهولة كل من العلامتين عليه، بل عدم تيسر الأخرى له إلا بمراعاة التقدير الذي يصعب الاطمئنان به في كثير من الأمكنة، بل جزم بعض فضلاء المعاصرين بأن السبب في ذكر العلامتين التسهيل و التخفيف على المكلفين بالاكتفاء في التقصير بأيهما حصل من غير التفات إلى صورة الاجتماع و حصول أحدهما و تخلف الآخر، و انما المراد كون خفاء الأذان سببا في الجملة و كذا الجدران، فيكفي في صدق ذلك إذا كان كل منهما منفردا بدون الآخر كما هو الغالب على ما في الرياض بل جعل المعاصر المزبور ذلك هو مراد الأصحاب حتى من ذكر الواو فضلا عن «أو» لكن فيه أنه مبني على أن اعتبار المعية في كلام بعضهم مخصوص بما إذا اجتمعا، أما إذ سافر عن مكان لا جدران فيه أولا أذان وجب الاكتفاء بأحدهما من غير ملاحظة الآخر كما جزم به الفاضل في الرياض و المقدس البغدادي و غيرهما، بل ظاهر الأخير منهما أنه من القطعيات التي لا شك فيها، و هو و إن كان على تقديره فيه نوع تأييد للمطلوب عند التأمل إلا أنه للنظر فيه مجال، لظهور مثل هذه العبارات في أمثال هذه المقامات نصا و فتوى في إرادة التقدير عند الفقدان.

فالمتجه حينئذ بناء على اعتبار المعية التي جعلت وجه جمع بين الخبرين اعتبار تقدير المفقود كما إذا فقدا معا، فإنه لا ريب في التقدير حينئذ و إن ذكره في الروض

ج 14، ص: 293

احتمالا، اللهم إلا أن يقال فرق بين المقامين، ضرورة انحصار الطريق في الثاني في التقدير، و لا مرجح لأحدهما على الآخر بخلاف ما إذا وجد أحدهما و فقد الآخر، فإنه لا مانع من الاكتفاء به عملا بما دل عليه، و لا حاجة الى تقدير الآخر، بل لا معنى له، إذ أقصى ما يسلم من ظهور الخبر في التقدير انما هو فرض وجوده في خصوص ذلك الوقت بعد أن يكون أصله موجودا، أما إذا كان لا وجود له أصلا فلا معنى لتقديره خصوصا إذا كان البناء على المعتاد في تلك البلاد في مقدار ارتفاعه و مكان الأذان، كما يومي اليه إضافة الأذان إلى المصر مثلا و نحو ذلك، فتأمل.

و كيف كان فالمتجه على المختار الاكتفاء بالموجود منهما، و لا حاجة الى مراعاة تقدير الآخر، و إذا فقد اكتفي بما يتحقق منهما على فرض وجوده، و هل يكفي الظن حال التقدير أو يعتبر القطع؟ وجهان، أحوطهما إن لم يكن أقواهما الثاني، هذا.

و قد يشكل التقدير زيادة على ما عرفت بأنه بناء عليه تكون العلامتان ممكنتين دائما لا تنفك إحداهما عن الأخرى، ضرورة جريان التقدير في كل مقام، فلا وجه حينئذ لجعل الشرط أحدهما لا على التعيين، بل كان يكفي خصوص الأذان أو الجدران، سيما مع اختلافهما و حصول خفاء الأذان قبل خفاء الجدران غالبا إن لم يكن دائما، بخلاف ما إذا لم نعتبر التقدير، إذ وجه التعدد حينئذ اختلاف الأمكنة في حصول كل منهما، فأريد التعميم بذكر العلامتين لكل من المكانين، و إذا اتفق اجتماعهما في مكان اعتبر خفاؤهما معا، لأنه المتيقن، فلا يقدح التفاوت المزبور حينئذ.

و قد يجاب بأن التعدد قد يكون للتسهيل و التخفيف في غالب الأمكنة، لعدم حصول كل الاطمئنان بالتقدير لكثير من الناس فيوكل الفرد النادر حينئذ اليه و هو من فقدهما معا لا واجدهما أو الواحد منهما و التفاوت المزبور غير قادح في التقريبات من الشارع و إن صارت تحقيقية بعد تقديره تقريبا، خصوصا إذا كان يسيرا و كان اتفاقي

ج 14، ص: 294

الحصول من كل منهما، لا أنه لازم لواحد دون الآخر، إذ المتجه عليه حينئذ حمل تلك الزيادة على الندب و نحوه، إذ هو أشبه شي ء بالتخيير بين الأقل و الأكثر مع احتمال أن يكون وجهها في المقام بناء على اختصاص خفاء الجدران بها هو عدم حصول الاطمئنان بخفاء الأذان عند فقده حسا إلا بخفائها، على أن الاشكال انما يحسن لو أن الشارع أفاد الشرطية بأن قال: المعتبر خفاء أحدهما، أما إذا كان ذلك حاصلا من جهة اتفاق الاجتماع و تعارض الدليلين و إلا فهو انما بين سببية كل منهما مستقلة فلا إشكال فيه أصلا، كما يوضح ذلك لك فرض وقوعه من مثل السادات لعبيدهم و غيرهم فيندفع حينئذ إشكال التفاوت المزبور سواء قلنا بكون الشرط أحدهما كما هو المختار أو مجموعهما، ضرورة اشتراكهما في وروده، فيشتركان في دفعه، و إن كان قد يتوهم مما سمعته في تقريره اختصاص المختار به، بل قد يتوهم أيضا أنه بسبب هذا الاشكال قيل بالتخيير بين العلامتين على معنى أن تكليفه ما يختاره منهما الذي قد عرفت فساده مما تقدم لعدم الدليل عليه، كما أنك عرفت هنا أنه لا إشكال يلجئ الى ارتكاب ذلك، فتأمل جيدا فإنه ربما دق.

و إن أبيت عن ذلك كله فقل إن العلامتين راجعتان في الواقع إلى شي ء واحد مشخص لا اختلاف فيه، كما اختاره الأستاذ الأكبر و إن أوجب أيضا اجتماعهما لتحصيل اليقين به، و ذلك لعدم معلومية المراد من التواري على التشخيص و التعيين بحيث لا يقبل الزيادة و النقيصة، و كذا الأذان حتى لو أريد المتوسط منه، لاختلافه أيضا باختلاف الأزمنة من الليل و النهار، و الأمكنة و الأصوات و السامعين و غير ذلك، و لا دليل على اعتبار التخمين.

لكنك خبير بما فيه بعد الإحاطة بما سمعت، إلا أن الانصاف بعد ذلك كله عدم ترك الاحتياط بتأخير الصلاة الى خفائهما معا أو الجمع بينه و بين الإتمام.

ج 14، ص: 295

و على كل حال فالمدار في السماع و الرؤية على المعتادين دون الخارقين، و فاقدهما أو أحدهما يقدرهما، كما أنه يقدر عدم الحائل لو كان بستانا أو غيرها، و لو كانت خطة البلاد خاصة في شاهق أو واد منخفض قدرها في المستوي تنزيلا للإطلاق على الغالب، فما في المدارك من احتمال الاكتفاء في المنخفضة بالخفاء المزبور للإطلاق ضعيف، كضعف ما يحكى عن الذخيرة و بعض نسخ المدارك أيضا من الاكتفاء بحصول الحائل بينه و بين البيوت و إن كان قليلا في تحقق التواري بحيث لا يضر رؤيتها بعد ذلك، ضرورة أن المعتبر التواري بسبب البعد كما هو واضح، مع أنه لا وجه للتفرقة بينها و بين المرتفعة التي لم أعرف فيها خلافا بين من تعرض لها من الأصحاب عدا ما يحكى عن الفخر من اعتبار الخفاء فيها حقيقة، و والده من الاشكال فيها، و لا ريب في أن الأحوط ذلك و لا عبرة بالإعلام و المنائر و القباب بلا خلاف معتد به، بل عن مجمع البرهان نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و كذا سور البلد بعد اعتبار تواري البيوت في النصوص، فما عن الموجز و كشفه من اعتبار خفاء السور ضعيف، بل قد يدعى ظهوره أيضا في إرادة صور البيوت و أشكال جدرانها لا الشبح، كما صرح به الشهيد الثاني و إن استشكله السيدان المعاصران بدعوى ظهور النص و الفتوى في التواري المطلق، لكن فيه أن ظهورهما في ذلك ممنوع، لعدم صدق البيت على الشبح أو عدم انصراف إطلاقه اليه، و لعله لذا حكي عن الأستاد الأكبر دعوى الإجماع على أن العبرة بالصورة لا الشبح، بل قد يقال باعتبار مثله في الأذان على معنى اعتبار خفاء تمييز فصوله دون نفس الصوت، لنحو ما سمعته أيضا من عدم صدقه على نفس الصوت أو عدم انصراف إطلاقه إليه.

لكن المقدس البغدادي و غيره اعتبر الصوت نفسه، و هو لا يخلو من وجه بل قوة، إذ الظاهر إرادة التمثيل من الأذان لكل صوت رفيع يشبهه، و انما خص به لأنه في العادة أرفع

ج 14، ص: 296

الأصوات حتى تعارف في العرف الكناية به عن رفع الأصوات و لأنه على هذا التقدير تقرب العلامتان من الاتحاد.

نعم قد يقال إن المعتبر سماع الصوت على أنه أذان و إن لم يميز بين فصوله، و لعله المراد مما حكي عن إرشاد الجعفرية و الميسية و المقاصد و الروض و غيرها من أن المعتبر سماع صوت الأذان و إن لم يميز بين فصوله مع احتمال كون العبرة بعد السماع مطلقا حتى في المتردد بين كونه أذانا أو غيره، لأصالة التمام، و لأن الظاهر إرادة البعد عن البلد بحيث لا يسمع لها صوت أصلا، و كني عن ذلك بالأذان لاقتضائه خفاء غيره بالأولى فتأمل.

و لو كانت بيوت البلد على خلاف الغالب من العلو أو الانخفاض ردت اليه مع ملاحظة صنف تلك البلدة أو القرية، كما أنه لو كان صوت المؤذن خارق المعتاد علوا أو انخفاضا رد إليه أيضا، لكن في ملاحظة حال القرية أو البلاد إشكال، إذ عليه ينبغي أنه لو اتفق مؤذن رفيع الصوت في قرية لم يعتد بمثل ذلك فيها أو في صنفها أن يرد الى معتادها و إن لم يكن هو خارقا، و كذا ينبغي لرد لو اتفق مؤذن في بلدة منخفض الصوت في الجملة و كان المعتاد فيها و في أمثالها عدم مثل هذا الانخفاض، و هو كما ترى، إذ الظاهر اعتبار عدم التجاوز في الارتفاع و الانخفاض في الصوت في نفسه لإطلاق الدليل، كما أن الظاهر اعتبار كون الأذان على مرتفع، لأنه المعتاد، و لا يعتبر فيه كونه غير منارة و شبهها، بل الظاهر اعتبارها في مثل البلاد المعتاد فيها أو في صنفها ذلك، فلا يجزي السطح و نحوه فيها، نعم يمكن دعوى اعتبار عدمها في مثل القرية التي لم يعتد مثل ذلك في صنفها مع احتماله لو كان معتادا فيها و إن لم يعتد في صنفها، و خارق المعتاد في الارتفاع يرد اليه كخارقه في الانخفاض.

و الظاهر اعتبار كون الأذان في آخر البلد كما صرح به بعضهم، بل و كونه في ناحية المسافر، إذ لو اكتفي به كيف كان لوجب القصر في بعض الأحوال قبل

ج 14، ص: 297

الخروج من البلد فضلا عن البعد عنها في الجملة، فلا بد من إرادة سببية خفاء الأذان أنه يبعد عن البلاد بعدا يخفى بسببه عنه أذانها، و لا يكون ذلك إلا بفرض كون الأذان في آخر البلد من ناحيته أو عدم اعتبار ما قطعه من نفس البلاد، فيؤخذ بمقداره من الأرض الخارجة عن البلد.

نعم يمكن الاكتفاء بأذان البلد و إن لم يكن في آخرها إذا كانت البلاد صغيرة أو متوسطة و لها مأذنة مرتفعة كالنجف و كربلاء، لأنه في الحقيقة كالأذان في الآخر، بل لعله على مثل ذلك تنزل النصوص السابقة من حيث ظهور الإضافة فيها في المعهود من أذان المصر و إن كان في الوسط، و يختص الأذان من بين الأمارتين حيث لا بيوت كالعكس بناء على اختلافهما و عدم تقدير المفقود بعد أن يختص أحدهما بالوجود، و في اعتبار خصوص الجدران في البيوت نظر، بل قد يقوى عدمه كما عن الأردبيلي التصريح به، فالبدوي و غيره ممن لا جدران لهم يعتبرون خفاء بيوتهم، لإطلاق النص مع غلبة ذلك في الزمن السابق و احتمال تقدير الجدار لهم كما يحكى عن ظاهر المقاصد بعيد، كاحتمال اختصاص إمارتهم بالأذان دون البيوت، لكن من ذلك كله يظهر لك كون الأمارتين متحدتين في الواقع أو أنه لا يقدح مثل هذا التفاوت، لابتناء الأمر هنا على التقريب و التسامح و التساهل، فالأمر حينئذ سهل.

و متسع البلاد يعتبر أذان محلته و بيوتها كما صرح به غير واحد، بل نسب الى الفاضل و أكثر من تأخر عنه إن لم يكن جميعهم. إلا أنه قد يشكل بعدم صدق السفر و الضرب في الأرض مع فرض اتحاد سورها و اتصال دورها و أزقتها على نحو اتصال غير المتسعة أو أشد و إن عظمت، ضرورة صدق كونها بلادا واحدة، فيشملها إطلاق الأدلة حينئذ أو عمومها، و إلا لاعتبر في نية الإقامة فيها ذلك أيضا، و لعله لذا بالغ المحدث البحراني في الإنكار على الأصحاب بالنسبة للحكم المزبور بعد اعترافه بأنه كالمسلم

ج 14، ص: 298

عندهم، و تبعه المقدس البغدادي، لكن قد ينزل إطلاق الأصحاب على إرادة المسماة باسم بلاد واحدة، إلا أنها هي كالقرى المتقاربة في انفصال محالها و دورها، و أزقتها كما يحكى عن أصبهان، و ربما يومي الى ذلك تمثيلهم لها بالكوفة التي قيل إن بيوتها في ذلك الزمان ممتدة إلى أربعة فراسخ، إذ الظاهر أن امتدادها كان كما ذكرنا، و صدق الوحدة حينئذ عليها محل نظر بل منع و ان كان ذلك عارضيا لها بسبب طرو الخراب لها كما في بلد الكاظم (عليه السلام) و بغداد، و منه يعلم حينئذ الحال في منازل أهل الحسكة و أهل البادية و نحوهم، فان الظاهر التعدد في الجميع إلا مع الاتصال و شبهه في الأخيرين، فيتحد و إن استطال على إشكال فيه أيضا، ضرورة أولويته بالتعدد من محال البلاد الواسعة المتصلة الدور التي قد عرفت اعتبار الأصحاب فيها المحلة، إذ تلك يشملها اسم البلاد الواحدة و إن عظمت بخلاف المنزلين المزبورين، و لا ريب في أن الأحوط الجمع بين القصر و الإتمام في الفرض إلا إذا انفصلت المنازل انفصالا معتدا به في الجملة.

هذا كله في المسافر من بلده و محله، أما غيره كالهائم و العاصي بسفره و نحوهما فلا محل ترخص لهما، بل يقصران بمجرد قصد المسافة و الضرب في الأرض، لإطلاق الأدلة من غير معارض بعد ظهور أدلة المقام في غير ذلك، بل المتبادر منها غير محل الإقامة أيضا كما هو أحد القولين على ما قيل، لكن عن السرائر و ظاهر التذكرة و غيرهما اعتبار ذلك فيه، بل قيل إنه يستفاد من كلام الأكثر في مواضع، بل هو صريح كلامهم في مسألة ناوي الإقامة في بلد حيث ذكروا هناك أنه لا يضره التردد في نواحيها ما لم يبلغ محل الترخص متسالمين عليه، و الأخبار(1)منطبقة الدلالة عليه، بل في المدارك «أنه المتجه، لأن

محمد بن مسلم (2)سأل الصادق (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة المسافر.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة المسافر الحديث 1.

ج 14، ص: 299

فقال له: «رجل يريد السفر فيخرج متى يقصر؟ فقال: إذا خرج من البيوت»

و هو يتناول من خرج من موضع الإقامة كما يتناول من خرج من بلده» الى آخره، و إن كان هو لا يخلو من نظر، مضافا الى ما دل (1)على أنه كالمنزل حينئذ المقتضي مساواته له في أحكامه التي منها ذلك.

و منه يظهر احتمال اعتبار محل الترخص في المسافر من المحل الذي بقي فيه بعد التردد ثلاثين يوما، لتشبيه بالمنزل أيضا، لكن قد يشك في شمول التشبيه لمثل ذلك بل قد يدعى أن المنساق منه غيره من الإتمام في البلد و نحوه، و قد تقدم سابقا بعض الكلام في ذلك، بل و في حكم (حكمه خ ل) الدخول الى محل عزم فيه على الإقامة، فهل ينقطع سفره بالوصول الى محل الترخص كما عن الأردبيلي لما عرفت من دخوله في محل الإقامة، و لذا جاز له التردد حالها فيه، و لا ينافي ذلك رجوعه الى القصر لو رجع عن نية الإقامة قبل الصلاة تماما، لأن المراد مساواته للبلد ما دام

متصفا بذلك الوصف أو يتوقف على الدخول الى البلد كما عن الشهيد الثاني و سبطه و الخراساني؟ فلاحظ و تأمل، و ربما يأتي له تتمة إنشاء الله.

و كيف كان فقد بان لك أنه لا ريب في اعتبار الخفاء في مشروعية القصر عندنا و أنه لا يجوز له الترخص قبل ذلك و إن نوى السفر ليلا ضرورة عدم المدخلية لتبييت النية عند الإمامية و إن كان قد يشعر به ما في المتن من «إن» الوصلية إلا أنه لعله للعامة فلا يقصر حينئذ حتى يبلغ المحل المزبور و كذا في عوده من سفره لا يتم، بل يقصر حتى يبلغ محل الترخص من سماع الأذان في مصره أو رؤية الجدران على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في الرياض شهرة عظيمة، بل عن الذكرى أنها كادت تكون إجماعا، لانقطاع صدق السفر عرفا عليه،


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر الحديث 10.

ج 14، ص: 300

و اندراجه في الحاضر عند أهله و في منزله و وطنه بالوصول الى الحد المزبور، و ل

قوله (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (1)السابق: «و إذا قدمت من سفرك مثل ذلك»

الظاهر في إرادة القصر قبل سماعه، و الإتمام بسماعه، و للقطع بكون المراد من التحديد بذلك عند الذهاب الكشف عن حال المسافر واقعا بأنه قبل الوصول اليه مندرج في الحاضر و خارج عن اسم السفر من البلد و

الضرب في الأرض عنها، فلا يتفاوت بين الذهاب و الإياب في ذلك.

لكن قد يقال إنه بناء على المختار ينبغي اعتبارهما معا حينئذ، ضرورة أنه إذا كان أحدهما كافيا في وجوب القصر عند الذهاب فلا يرتفع ذلك إلا يرفع الموجب، و لا يتحقق إلا برفعهما، نعم هو يحصل برفع أحدهما على القول الآخر، لارتفاع المركب بارتفاع أحد جزئية، إلا أنه لم أعرف أحدا من الأصحاب اعتبر ذلك، بل عن المعتبر و المنتهى نسبة الاكتفاء بأحدهما في الإتمام عند الإياب إلى الشيخ و من تابعه، و قد عرفت أن أكثر القدماء على اعتبار أحدهما في القصر، بل المصنف نفسه قد اعتبر هناك أحدهما و اكتفى به هنا، بل ظاهره خصوص الأذان كالمحكي عن ظاهر التحرير، بل هو صريح المدارك بعد أن قال إنه أظهر الأقوال و لعله لاختصاص الصحيح المزبور بالأذان، فلا دليل على الجدران، لكن فيه أن الدليل غير منحصر به كما سمعت مع احتمال إرادة المصنف المثال من ذكر الأذان كما يومي اليه قوله: «و كذا» و لعله لذا قال في الرياض ردا على المدارك إن الظاهر عدم القائل بالفرق كما قيل و إن كان ربما بتوهم من الفاضلين في الشرائع و التحرير، أو أنه متلازمان عنده، فمتى تحقق أحدهما تحقق الآخر كما سمعته منا سابقا بل لعل ذلك هو مقتضى كل من اكتفى بأحدهما في المقامين أو أن نظرهم الى غير مادة الاجتماع بل المراد المكان الذي لم يوجد فيه إلا أحدهما أو غير ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة المسافر الحديث 3.

ج 14، ص: 301

و كيف كان فلا ريب في عدم اعتبارهما معا هنا للإجماع ظاهرا عليه من أرباب القولين السابقين، اللهم إلا أن يدعى أن المصنف و الفاضل في التحرير قائلان بذلك بناء على اعتبارهما خصوص الأذان الذي يلزمه سبق رؤية الجدران عليه، إذ الظاهر أنه بناء على عدم اتحاد العلامتين يثبت حصول الانفكاك من جانب الأذان خاصة، لكن قد عرفت حقيقة الحال في ذلك، بل و في أنه لا يقصر عند الذهاب حتى يبلغ محل الترخص و ان ما قيل من أنه يقصر عند الخروج من منزله كما نسب الى علي بن بابويه مأول أو ضعيف، لما عرفت فيما تقدم و نحوه في ذلك قوله أيضا في أن المسافر لا يتم إلا عند دخوله منزله و إن وافقه هنا أبو علي و علم الهدى فيما حكي عنهما، بل مال اليه أو اختاره بعض متأخري المتأخرين، لاعتبار مستنده و تعدده من

صحيح العيص (1)عن الصادق (عليه السلام) «أنه لا يزال المسافر يقصر حتى يدخل بيته»

و آخر(2)«ان أهل مكة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم أتموا، و إن لم يدخلوا منازلهم قصروا»

و موثق إسحاق بن عمار(3)«سألته عن الرجل يكون مسافرا ثم يقدم فيدخل بيوت الكوفة أ يتم الصلاة أم يكون مقصرا حتى يدخل أهله قال: بل يكون مقصرا حتى يدخل أهله»

و غيرها من مرسل الفقيه (4)و نحوه مما تقدم سابقا، خصوصا و تعارضها مع بعض أدلة المشهور بالعموم و الخصوص، و البعض الآخر غير صريح الدلالة، لاحتمال إرادة بيان وجوب القصر عند خفاء الأذان خاصة من التشبيه لا عدمه عند العدم، كما يؤيده ما عن بعض النسخ من عدم ذكر التمام إذا لم يبلغ موضع خفاء الأذان في الذهاب كي يكون الإياب حينئذ مشبها به في ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة المسافر الحديث- 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة المسافر الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة المسافر الحديث- 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة المسافر الحديث- 5.

ج 14، ص: 302

لكنك خبير بأن ذلك كله في مقابلة الترجيح بالشهرة مخالف لأصول المذهب خصوصا مثل هذه الشهرة التي قيل إنها كادت تكون إجماعا، و خصوصا بعد اعتضادها بما سمعت، و خصوصا بعد إمكان المناقشة في دلالة الأخبار المزبورة بإرادة ما يشمل محل الترخص من البيت و المنزل فيها، إذ إرادة المنزل حقيقة حتى أنه لو دخل المصر لا يتم بعيدة جدا، مع أن الصحيح الأول (1)مساق لبيان أن العبرة في القصر و الإتمام حال أداء الصلاة لا دخول الوقت كما لا يخفى على من لاحظه، و الآخر(2)مجمل الدلالة عند التأمل، و الموثق (3)يمكن تنزيله على من وصل بعض القرى من بلد الكوفة أو محالها بناء على أن فرض مثله التقصير حتى يدخل محل الترخص من محلته، خصوصا و قد عرفت أنهم مثلوا بالكوفة للبلاد المتسعة

التي يكون فرض المسافر منها المحلة لا المصر بل يمكن تنزيل الجميع على التقية كما عن الوسائل و صرح به المقدس البغدادي، بل في الرياض المناقشة فيما عدا الموثق منها- زيادة على ما سمعت بورودها مورد الغالب- من أن المسافر إذا بلغ الى حد الترخص يسارع إلى أهله من غير مكث للصلاة كما هو المشاهد غالبا من العادة، فلا يطمئن بشمول إطلاق الحكم بالقصر الى دخول الأهل لمحل البحث انتهى، و إن كان فيه نوع تأمل.

فطرح أدلة المشهور حينئذ المعتضدة بما سمعت لمثل هذه الأخبار كما ترى، و لذا قال المصنف و الأول أظهر و مثله ما مال اليه بعض متأخري المتأخرين من التخبير لمن بلغ الى محل الترخص في إيابه بين القصر و الإتمام عملا بالدليلين، بل هو أضعف من الأول بوجوه، بل يمكن دعوى الإجماع المركب على خلافه، و كذا ما يقال من تنزيل هذه النصوص على من أراد المرور بمصره مستطرقا غير مستقر و كان قد أنشأ سفرا من مكان آخر، لخصوص بعض النصوص (4)الواردة في خصوص ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة المسافر الحديث- 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة المسافر الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة المسافر الحديث- 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 و 6.

ج 14، ص: 303

التي قد ذكرها في الشرط الثالث، و بينا أن المذهب و العمل على خلافها، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

[في حكم نية الإقامة]

و لو نوى المسافر الإقامة في مكان من قريته أو باديته أو بلد غير بلده عشرة أيام كاملة أتم صلاته إجماعا إن لم يكن ضرورة مذهب محصلا و منقولا، و نصوصا(1)معتبرة صريحة مستفيضة إن لم تكن متواترة، و المراد بالنية هنا مجرد عزمه على ذلك، و لذا اكتفي في النص و الفتوى بمجرد علمه و تيقنه بالبقاء في المدة المذكورة، لا أن المراد منها قصد خاص بحيث لا يكفي فيه العلم المزبور قطعا، ففي

الصحيح (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) بعد أن سأل عمن قدم بلدة الى متى ينبغي له أن يكون مقصرا؟ و متى ينبغي له، أن يتم؟ فقال: «إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة، و إن لم تدر ما مقامك بها تقول: غدا أخرج أو بعد غد فقصر ما بينك و بين أن يمضي شهر، فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة و إن أردت أن تخرج من ساعتك»

و هو كغيره ظاهر فيما ذكرنا، كما أنه ظاهر أو صريح في أنه لا فرق بين ناوي السفر بعدها أولا. بل و لا بين من نواها اقتراحا أو علق خروجه على قضاء حاجة يعلم عدم تيسرها بالأقل من عشرة، أو على شرط من رؤية زيد مثلا و قد تحقق.

و بالجملة المدار على العزم المزبور و العلم المذكور اللذين لا ينافيهما الاحتمالات البعيدة التي لا ينظر إليها في العرف و العادة، كما أنه لا ينافي العزم المزبور الفعلي انطواء ضمير الناوي على أنه إن حدث به حادث أو عرض له عارض يسافر و لا يبقى إذا لم يعلق نية الإقامة على ذلك، بل لو علقها

أيضا و كان مطمئنا بعدمهما، بل قد يقال بكفاية الأصل في ذلك و إن كان لا يخلو عن نظر أو منع فيما لو ظهر أمارات العارض


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 9.

ج 14، ص: 304

المزبور، و الأولى إناطة ذلك بالعرف و بصدق عزم الإقامة فيه و العلم بها، إذ هو واف في تحقق ذلك، و النصوص علقت الحكم عليه و لم تشترطه بشرط، فلو ظن حينئذ أنه يقيم عشرة لم ينقطع حكم سفره، و كذا لو عزم على الإقامة فيما إذا قدم مكة ليلة الثامن و العشرين من ذي القعدة مريدا للحج، فإنه لا بد له من الخروج يوم الثامن، و لا وثوق له بأن ذا القعدة كان تاما، فلم يعلم العشرة حينئذ، و الاستصحاب غير مجد هنا لا لأنه حجة في النفي الأصلي دون إثبات الحكم الشرعي، و لذا قالوا إنه حجة في الرفع لا في الإثبات، حتى أن حياة المفقود بالاستصحاب حجة في بقاء ملكه لا لإثبات الملك له في مال مورثه، بل لتعليق النصوص الإقامة على العزم و الجزم بإقامة العشرة التي لا يكفي في تحققها عرفا الاستصحاب، و مثله لو أراد الاعتكاف لثلاث بقين من شهر رمضان، و لذلك و شبهه كان الأولى إناطة الحكم المزبور بصدق العزم و الجزم على إقامة عشرة.

كما أن الأولى إناطته بذلك أيضا بالنسبة إلى محل الإقامة كما في المدارك و الكفاية و الرياض و عن الذخيرة و البحار و مجمع البرهان، فالمدار حينئذ في الإتمام على صدق الإقامة في البلد و نحوه.

و الظاهر أنه لا يتوقف على قصد عدم الخروج عن خطة سور البلد، و لا على عدم فعل الخروج للصدق العرفي بدونهما، فلو نوى الإقامة في البلد قاصدا للتردد في بعض الأحيان في بعض بساتينها و مزارعها و نحوها مما لا ينافي صدق الإقامة في البلد عرفا معها أتم و لا بأس، و كذا لو لم يقصد حال النية، من غير فرق بين الوصول الى محل الترخص أو الزائد عليه بعد الصدق المزبور، إذ لا تلازم بين التحديد به لخروج المسافر و بين ما نحن فيه، ضرورة عدم صيرورته حقيقة شرعية، بل و من غير فرق بين قطع مثل النيل و الفرات و عدمه مع صدق اتحاد البلد كبغداد و الحلة الفيحاء، بل الظاهر عدم

ج 14، ص: 305

المدخلية للجسر في الاتحاد المزبور و إن كان هو معه أوضح من عدمه، و كذا لا فرق أيضا بين كثرة التردد و قلته إذا لم يناف الصدق المذكور، فما عن الفاضل الفتوني من اعتبار خطة سور البلد بل عن الحدائق أنه اشتهر ذلك في هذه الأزمنة المتأخرة غلط قطعا، و لقد أجاد في نفيه الخلاف و الاشكال في التردد الى ما دون محل الترخص فيما حكي من الحدائق. لكنه ينبغي تقييده بما إذا لم يناف الصدق المذكور، و أما ما عن البيان و المقاصد العلية و نتائج الأفكار من اعتبار عدم تجاوز المقيم حد الترخص بل عن الحدائق أنه المشهور فلعله ليس خلافا لما ذكرنا، إذ مبناه الصدق العرفي أيضا و إن زعموا أنه ينتفي بتجاوز ذلك و يتحقق فيما دونه.

نعم الأولى عدم التعرض لتحديده بذلك، بل يوكل الى العرف المختلف باختلاف الأمكنة، كما أوكلته اليه النصوص، ضرورة أنه المرجع في كل ما ليس له حقيقة شرعية، و لو أن التحديد بالترخص شرط لوجب التعرض لبيانه، و إلا لزم الإغراء بالجهل، إذ إيكال ذلك الى اعتباره في خروج المسافر إيكال لما لا يستفاد منه، كما هو واضح، إذ ليس هو إلا تحديدا شرعيا محضا، أو كاشفا عن العرف لقاصد المسافة لا مطلقا، و دعوى أن العادة في ناوي العشرة عدم الخروج الى ذلك المحل فصارت بمنزلة الشرط و أغنت عن النص عليه كما ترى.

و لقد أفرط الفخر فيما يحكى عنه في بعض الحواشي المنسوبة إليه من عدم البأس في خروج المقيم الى ما دون المسافة سواء كان ذلك في نيته من ابتداء الإقامة أو عرض له في الأثناء، و سواء نوى إقامة عشرة أيام مستأنفة أولا، و وافقة عليه الكاشاني في الوافي و الأستاذ الأكبر في مصابيحه على ما حكي عنه، بل قال المقدس البغدادي- بعد أن حكاه عن الفخر في حواشيه على القواعد من نسخة معتبرة عنده- انه الفخر وحده (1)


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب« انه ليس القائل به الفخر وحده».

ج 14، ص: 306

بل قد سبقه الى ذلك والده في أجوبة المسائل السنانية المشهورة، و ذلك أن الشريف العلوي

سأله عمن نوى المقام في الحلة ثم زار الحسين (عليه السلام) في عرفة ثم عاد إلى الحلة يريد التوجه إلى زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) في يوم الثامن عشر من ذي الحجة هل يقصر في الحلة أم يتم؟ فأجاب بما نصه «جعل الشارع الإتمام على من نوى المقام في بلاد الغربة عشرة أيام فقد جعل حكم ذلك البلد حكم بلده، فالمقيم عشرة أيام في الحلة يجب عليه الإتمام، فإذا خرج الى مشهد الحسين (عليه السلام) فقد خرج الى ما دون المسافة، فلا يجوز له القصر؟ فإذا نوى العود اليه كان كما لو نوى العود الى بلده من دون مسافة القصر، فإذا عزم على السفر الى مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) وجب عليه القصر بالشروع فيه».

لكنك خبير في أنه لا صراحة في كلامه و لا في كلام السائل في كون ذلك كان في نية المقيم ابتداء الإقامة، بل و لا في أنه وقع منه ذلك في أثناء الإقامة، بل ظاهر الجواب أنه بعد تمام الإقامة، فتخرج حينئذ المسألة عما نحن فيه، و تندرج في المسألة الأخرى التي اضطرب فيها كلام العلماء، بل ربما صنف فيها رسائل، و هي أن المقيم إذا خرج الى ما دون المسافة و قد قصد العود دون الإقامة فهل يقصر ذهابا و إيابا و في المقصد و محل الإقامة أو يتم، و ستسمع تمام البحث فيها عند تعرض المصنف لها، و الظاهر أن موضوعها تجدد قصد الخروج بعد نية الإقامة لا أنه كان ذلك في أثنائها، كما يومي اليه تعليقهم الحكم فيها على المقيم و عزم الإقامة و نيتها و نحو ذلك، بل قد يشعر بعض كلماتهم بكون وقوع ذلك بعد تمام الإقامة.

و كيف كان فهو غير ما نحن فيه، إذ المراد بشرطية الأمر المذكور انما هو بالنسبة الى ابتداء نية الإقامة لا مطلقا حتى في الأثناء أو بعد الإتمام، و لذا ذهب غير واحد ممن اعتبر الشرط المزبور هنا و بالغ في الإنكار على من جوز التردد للمقيم فيما دون

ج 14، ص: 307

المسافة إلى الإتمام في المسألة الآتية إما مطلقا أو في الذهاب و المقصد دون الإياب و محل الإقامة، لظنه أن ابتداء سفره يكون من المقصد، و مروره بمحل الإقامة لا يصلح للقطع حال عدم نية الإقامة، فلا يشتبه عليك الحال في موضوع المسألتين كي يشكل عليك الجمع بين اتفاقهم ظاهرا هنا على ما ذكرناه من الشرط المزبور و لم يحك الخلاف فيه إلا عن الفخر في بعض الحواشي- بل صرح غير واحد بأنه لا ينبغي التعويل على هذه النسبة، لعدم ثبوتها- و بين المعركة العظمى في المسألة الآتية التي قد عرفت أن موضوعها من اتصف بوصف الإقامة و العزم عليها ثم بدا له الخروج الى ما دون المسافة، لا أنه كان ذلك من عزمه في ابتداء النية، فإنه لم يخالف أحد في عدم اعتبار مثل هذه الإقامة إلا ما سمعته من تلك النسبة إلى الفخر و الكاشاني و الأستاذ الأكبر فيما حكي عنهما، و لا ريب في ضعفه، لعدم صدق الإقامة في البلد على مثله عرفا قطعا، و عدم ثبوت مشروعية نية الإقامة في البلد و ما دون المسافة، و لذا صرح في المحكي عن المنتهى بأنه لو عزم على إقامة طويلة في رستاق منه من قرية إلى قرية و لم يعزم على الإقامة في واحدة منها لم يبطل حكم سفره، الى آخره، و دعوى تناول الإطلاقات لمثل ذلك واضحة المنع، ضرورة انسباق غير ذلك منها الى الذهن إن لم تكن صريحة فيه، و استصحاب القصر محكم.

نعم قد يقال بتناولها للبلاد الخارقة للمعتاد في الاتساع، و ان له نية الإقامة فيها جميعها، فله التردد حينئذ في جميع جوانبها، و لا يتعين عليه نيتها في محلة منها كما صرح به بعضهم، و تشهد له السيرة، بل قد يظهر من المحدث البحراني و غيره كونه من المسلمات حيث أورده على حكمهم بابتداء السفر فيها بالمحلة، و مراعاة محل الترخص بالنسبة إليها ذهابا و إيابا لا الى البلد لكن لا يخفى أنه لازم لهم، و لعلهم يلتزمون بتعين نية الإقامة أيضا في المحلة كما صرح به بعض مشايخنا و إن كان واضح البطلان، لإطلاق الأدلة، بل قد يقال بعدم تعين نية الإقامة في المحلة فيما فرضناه سابقا من البلاد المنفصلة المحاليل

ج 14، ص: 308

كأصبهان التي وافقناهم في اعتبار السفر فيها من المحلة فضلا عن غيرها، لتناول إطلاق أدلة الإقامة لها بخلاف السفر، إلا أن الانصاف أنه لا يخلو من إشكال لأصالة عدم المشروعية، و الشك في تناول الإطلاق لمثله، و صيرورتها بالانفصال كالقرى المتعددة و إن جمعها سور واحد، فالاحتياط لا ينبغي تركه.

كما أنه لا ينبغي تركه لو أراد نيتها في البادية القفر التي لا حدود لها، فيقتصر على المتيقن في صحة الإقامة فيه، و لا يتوسع في جعل الحدود، بل قد يرجح له الاحتياط في أصل الإقامة في مثل ذلك، و ان كان الظاهر عدم الفرق في محل الإقامة بين الأمكنة بعد علمه بالمكث في مكان واحد عشرة أيام كما يعطيه كلامهم في منتظر الرفقة، لكن يحتمل قصر أدلتها على غير البادية القفر أو نحوها، و الاقتصار في محلها على البلاد و القرية و نحوهما مما هو محل جمع من الخلق، كما عساه يفهم من اللمعة في التردد الى ثلاثين، بل يكفي الشك في تناول الإطلاقات و الأصل عدم المشروعية، إذ هي و ان كانت من أحكام الوضع إلا أنها أيضا شرعية متوقفة على دليل من الشارع، و يكفي في حسن الاحتياط تحقق مثل هذا الاحتمال.

و على كل حال فالاستناد فيما نحن فيه الى أنه ناوي الإقامة في البلد و ما دون المسافة منها فلا يضره التردد فيما نوى الإقامة فيه مما لا ينبغي الإصغاء إليه، كالاستناد إلى أنه بنية الإقامة في البلد و صلاته تماما فيها و لو فريضة صارت كوطنه و منزله كما صرح به في بعض النصوص (1)و لا يقدح تردده فيما دون المسافة بالنسبة إلى منزله فكذا هنا، مضافا الى الإجماع المعلوم و المنقول على أن نية الإقامة قاطعة لحكم السفر، و أنه لا يقطع حكمها إلا قصد سفر جديد، إذ هو كما ترى خروج عن محل النزاع الذي قد عرفت أنه عبارة عن

قصد ذلك حال النية لا أنه عزم على الإقامة و صلى تماما مثلا ثم بدا له الخروج الى ما دون


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 10.

ج 14، ص: 309

المسافة، فإنه حينئذ من المسألة التي وعدناك بها، و دليل القائل بالتمام في الذهاب و الإياب و المقصد و محل الإقامة ما سمعته من الدليل و غيره، كما أن دليل القائل بالقصر فيها مطلقا أو في الإياب و محل الإقامة خاصة إذا لم يكن من عزمه الإقامة فيه بعد أنه قصد حينئذ مسافة و إن تخلل في أثنائها المرور بمحل الإقامة، فلا ينافيه حينئذ اتفاقهم على عدم قطع حكم الإقامة إلا بقصد مسافة جديدة، و ستسمع تمام البحث فيها عند تعرض المصنف لها.

فقول المستدل هنا أن محل الإقامة كالمنزل و الوطن إن أراد به أنه كذلك و إن كان في ابتداء نيته التردد فيما دون المسافة كان مصادرة محضة، ضرورة أنه فرع صحة إقامته، و الكلام فيها، و إن أراد أنه إذا لم يكن ذلك من نيته ابتداء إلا أنه قد بدا له الخروج فهو خروج عن محل النزاع كما عرفت، بل الظاهر أنه كذلك حتى لو بدا له بعد النية قبل الصلاة تماما، لعدم ظهور أثر تلك النية الذي يظهر من النصوص اعتباره في حصول أحكامها، و لذا لو رجع الى قصد السفر في هذا الحال عاد الى التقصير، فكذا لو أدخل في نيته التردد فيما دون المسافة قبل الصلاة تماما عاد الى التقصير بناء على ما قلناه من عدم صحة ذلك لو كان في الابتداء.

نعم الأولى في الاستدلال للمذهب المزبور ب

خبر محمد بن إبراهيم الحصيني (1)قال: «استأمرت أبا جعفر (عليه السلام) في الإتمام و التقصير، قال: إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام و أتم الصلاة، فقلت له إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة قال: انو مقام عشرة أيام و أتم الصلاة»

ضرورة عدم تصور النية منه بعد لزوم الخروج عليه لعرفات للحج قبل مضي العشرة إلا على المذهب المزبور من عدم قدح ذلك في النية.


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 15 عن محمد بن إبراهيم الحضيني.

ج 14، ص: 310

لكنك خبير بقصور سند الخبر المذكور عن إثبات الحكم المسطور، خصوصا بعد ما عرفت أنه لم يذهب إليه أحد هنا سوى من سمعت، و ببناء الاستدلال به على منع كون عرفات على أربعة فراسخ من مكة أو على عدم لزوم التقصير في الخروج لعرفات لكون المسافة ثمانية أو أربعة مع الرجوع ليومه، فيتم حينئذ دلالته على ذلك، أما على ما سمعته سابقا من كون المسافة أربعة مع قصد الرجوع و لو لغير يومه فلا يتجه الاستدلال به، بل يجب حينئذ طرحه أو جعل ذلك من خواص مكة أو تأويله على التقادير الثلاثة المتقدمة، إذ من الواضح منافاته لنية الإقامة على كل حال، و كذا لو قلنا بالتخيير بين القصر و الإتمام مع عدم قصد الرجوع ليومه كما هو المشهور

بين المتقدمين، إذ القائل المزبور كلامه مختص بمجامعة نية الإقامة لقصد الخروج عما دون المسافة خاصة، أما المسافة فلا ريب في منافاته لنية الإقامة، اللهم إلا أن يفرق بين المسافة الموجبة للقصر و بين المخيرة، و يخص المنافاة بالأولى دون الثانية، فيجعلها كدون المسافة في ذلك، كما احتمله بعضهم بالنسبة إلى بطلان حكم الإقامة، بل عن الأستاذ الأكبر أنه بباله عن بعض مشايخه أنه حكى ذلك عن العلامة، فلا يرجع المقيم حينئذ إلى التقصير لو بدا له الخروج إلى المسافة التخييرية ثم عاد الى محل الإقامة.

و منه ينقدح احتماله حينئذ فيما نحن فيه أيضا من عدم منافاة ذلك لو أخذه في النية، ضرورة مساواته حينئذ لما دون المسافة، لكنه كما ترى كلام قشري و حديث سوفسطائي.

و أما

صحيح زرارة(1)عن الصادق (عليه السلام) «من قدم قبل التروية بعشرة وجب عليه إتمام الصلاة، و هو بمنزلة أهل مكة، فإذا خرج الى منى وجب


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 3 لكن عن أبي جعفر عليه السلام.

ج 14، ص: 311

عليه التقصير، فإذا زار البيت أتم الصلاة، و عليه إتمام الصلاة إذا رجع الى منى حتى ينفر»

و قريب منه آخر(1)على ما قيل، فلا دلالة فيه على ذلك، إذ الفرض ان نيته إقامة العشرة تامة لقدومه قبل التروية بعشر، و تقصيره في خروجه إلى منى لبطلان حكم إقامته بقصده المسافة لقضاء نسك عرفات، و فيه شهادة على كون المسافة أربعة و إن لم يرد الرجوع ليومه، و على كونها محتمة للقصر لا مخيرة، اللهم إلا أن يقرر الاستدلال به بأنه لا وجه لإتمامه في البيت عند رجوعه للزيارة بعد هدم إقامته الأولى إلا بأن يكون قد نوى الإقامة فيه بعد الحج كما هو المعتاد على ما قيل، و لذا ترك التقييد به في النص، و إتمامه حينئذ بمنى حتى ينفر لا يتم إلا إذا قلنا بعدم منافاة قصد مثل ذلك في ابتداء الإقامة لها، لكنه كما ترى شك في شك و تأويل في تأويل فالأولى طرحه بالنسبة الى ذلك، أو حمله على خصوص مكة، أو على غير ذلك مما لا ينافي المختار، و الله أعلم.

و كيف كان فالمراد بالعشرة التامة بلياليها عدا الليلة الأخيرة و الأولى، لتحقق الصدق بدونهما مع فرض حصول الإقامة بابتداء اليوم، سواء كان من طلوع الفجر الثاني كما هو الصحيح أو من طلوع الشمس، فلا يجزي الناقص حينئذ و لو يسيرا لعدم الصدق قطعا، فما يقال- من احتساب يوم الدخول و الخروج كيف كان حتى لو كان الأول قبل المغرب بساعة أو ساعتين، و الثاني بعد طلوع الفجر كذلك أو إذا كان الذاهب من الأول يسيرا و الباقي من

الثاني كذلك ضعيف جدا، و التسامح العرفي في الإطلاق لا تحمل عليه الخطابات الشرعية، ضرورة عدم صيرورته حقيقة عرفية، إذ بعض اليوم لا يسمى يوما قطعا، و لذا نفى الخلاف و الاشكال في الحدائق كما قيل عن ذلك، و إن كان قد حكى فيها عن بعض مشايخه أن المرجع في ذلك الى العرف كباقي الأمور الغير المحدودة في الشرع، و لا ريب في عدم اعتبار أهل العرف مثل الساعة و الساعتين


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 19.

ج 14، ص: 312

في صدق ذلك، نعم لو كان دخوله عند الزوال و خروجه بعده بقليل لم تصدق العشرة في العرف، بل عن الأستاذ الأكبر احتماله، بل قد يؤيده منع عد مثله من المسامحات بل هو حقيقة عرفية للتركيب و إن كان اليوم حقيقة من طلوع الفجر الحقيقي إلا أنه يصدق إقامة عشرة أيام (1)كعمل الأجير يوما من طلوع الشمس الى المغرب فإنه يصدق عليه حقيقة عمل يوم و إن كان لا يصدق عليه عمل في اليوم الحقيقي، و مثله مبيت ليلة و إن لم يستوعبها من غروب الشمس الى طلوع الفجر فتجزى به في مثل القسم و نحوه.

بل مثله ضربت زيدا و جرحته و رأيته و نحو ذلك من الأفعال التي لا تقع على تمام المسمى فإن الأصح عدم المجازية بإطلاق اسم الكل على البعض كما تخيل حتى ادعي بسببه أن أكثر اللغة مجازات، و فيه أن ذلك و إن سلم في مثل رأيت زيدا و ضربته و جرحته و نحوها

لصدق ضربه حقيقة و جرحه و رؤيته بوقوع الفعل على بعضه من غير تجوز في لفظ زيد بإرادة ذلك منه، بل المراد منه معناه، و هو تلك الذات المشخصة إلا أن ضربها و رؤيتها و جرحها يصدق عرفا بوقوع ذلك على بعضها لكنه ممنوع فيما نحن فيه، ضرورة عدم صدق إقامة اليوم عرفا عند إرادة المداقة إلا مع استيعابه تماما و إن أطلق على فائت الساعة و الدقيقة فهو من مسامحات العرف و تنزيل الفائت كالموجود باعتبار قيام الأغلب، كما يومي اليه اقتصارهم في هذا الإطلاق على ما إذا كان الفائت مما يتسامح فيه، و لذا لم يجتز به في مثل العدة و الاعتكاف و الرضاع و أيام الحيض و نحوها، مضافا الى أصالة القصر في المقام التي ينبغي الاقتصار في الخروج منها على المتيقن.

نعم الظاهر إجزاء الملفق للصدق العرفي، فلو نوى المقام عند الزوال كان منتهاه


1- 1 و في النسخة الأصلية« عشرة يوم» و الصحيح ما أثبتناه.

ج 14، ص: 313

زوال اليوم الحادي عشر كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا من غير المدارك، قال فيها: «و في الاجتزاء باليوم الملفق من يومي الدخول و الخروج وجهان، أظهرهما العدم، لأن نصف اليوم لا يسمى يوما، فلا يتحقق إقامة العشرة التامة و قد اعترف الأصحاب بعدم الاكتفاء بالتلفيق في أيام الاعتكاف و أيام العدة، و الحكم في الجميع واحد» و فيه أن ظاهر تعليله الأول يقضي بعدم التلفيق مما مضى بمعنى عدم احتساب الناقص من يومي الدخول و الخروج يومين كاملين، و لا كلام لنا فيه كما عرفت، انما الكلام في احتساب النصفين مثلا بيوم على معنى تلفيق الأول من الثاني و هكذا حتى ينتهي، فتكسر حينئذ الأيام العشرة، و عدم الاجتزاء بمثله في الاعتكاف و العدة لو كان فمن مانع خارجي من إجماع أو غيره.

لكن و مع ذا فالاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام إذا علم أن مقدار مكثه في البلد ذلك لا غير لا ينبغي تركه، خصوصا بعد ما يحكى من توقف صاحب الحدائق فيه أيضا لعدم النص، و من استشكال العلامة في احتساب يومي الدخول و الخروج أيضا قال: «لأنهما من نهاية السفر و بدايته، لاشتغاله في الأول بأسباب الإقامة و في الأخير بالسفر، و من صدق الإقامة و اليومين» ثم احتمل التلفيق، و إن كان لا يخفى عليك ما في التعليل الأول بل و الثاني، إذ المدار على صدق إقامة العشرة لا الإقامة فيها كي يكتفى بالإقامة في بعض يومي الدخول و الخروج لصدق الإقامة في اليومين.

كما لا يخفى عليك ما في كلام الخراساني في كفايته حيث قال: «و الظاهر، أن بعض اليوم لا يحسب بيوم كامل بل ملفق، فلو نوى المقام عند الزوال كان منتهاه زوال اليوم الحادي عشر، و هل يشترط عشر غير يومي الدخول و الخروج؟ فيه وجهان» ضرورة عدم انطباق استفهامه أخيرا مع ما حكم به أولا من الاجتزاء بالتلفيق، و لا تلفيق من الليل قطعا لعدم الصدق، و لذا صرح في المحكي عن نهاية الأحكام أنه لو دخل ليلا لم يحتسب بقية الليل، و هو واضح، نعم لو نوى الإقامة من أول الليل وجب إتمام صلاة

ج 14، ص: 314

تلك الليلة لصيرورتها زائدة على العشرة المنوية.

و بالجملة فمدار الإتمام العزم على إقامة العشرة لا دونها فإنه يقصر حينئذ حتى لو كان خمسة فصاعدا الى ما دون العشرة وفاقا للمشهور نقلا و تحصيلا، بل عن الخلاف الإجماع عليه، و عن المنتهى أن عليه عامة أصحابنا، بل في المدارك أن رواية الخمسة لا تعارض الإجماع و الأخبار الكثيرة، بل قيل إن الإجماع ظاهر عبائر كثيرة بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن أبي علي خاصة كما عن الذكرى الاعتراف به أيضا فيتم لو نوى مقام خمسة و لا ريب في ضعفه للأصل و الإجماع السابق المعتضد بتتبع كلمات الأصحاب و تعليقهم الحكم على العشرة الذي كاد يكون صريحا في عدم اعتبار الأقل، بل هو كذلك و النصوص الكثيرة التي هي كالصريحة أيضا في اعتبار العشرة لا الأقل.

و الخروج عن ذلك كله ب

حسن أبي أيوب (1)«سأل محمد بن مسلم أبا جعفر (عليه السلام) و أنا أسمع عن المسافر إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيام قال: فليتم الصلاة فان لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ثم ليتم، و إن أقام يوما أو صلاة واحدة فقال له محمد بن مسلم: بلغني عنك انك

قد قلت خمسا قال: قد قلت ذلك قال أبو أيوب: فقلت أنا: جعلت فداك يكون أقل من خمسة قال: لا»

مخالف لأصول المذهب و قوانين العلم، خصوصا بعد احتماله التقية عما يحكى عن ظاهر كلام الشافعي و لرجوع الإشارة إلى الكلام السابق، و هو الإتمام عشرة، و لما عن الشيخ من تنزيله على خصوص الحرمين، كما عن الأستاذ الأكبر موافقته في ذلك مستشهدا عليه بشواهد منها خبر ابن مسلم (2)الآخر الذي ستسمعه، و هو لا يخلو من وجه، أو الاستحباب


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 12- لكن عن ابى عبد الله عليه السلام.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 16.

ج 14، ص: 315

و إن كان قد يناقش في أولهما بعدم اشتراط التمام فيهما بالخمسة إلا أن يحمل النهي على إرادة بيان مرجوحية الإتمام قي الناقص عنها، و في ثانيهما بأنه لا وجه للاستحباب بعد كون القصر عزيمة لا رخصة كما ستعرف، و احتمال إرادته إثبات التخيير بالخبر المزبور و جعله أفضل فردي الواجب المخير يدفعه أنه قاصر عن إثبات ذلك أيضا، لقصوره عن إثبات إلحاق الخمسة بالعشرة في تعين التمام، و إن حكي عن الذخيرة أنه استوجهه تبعا للمحكي عن منتقى الجمان من أنه لو لا قصور الخبر من جهة السند عن مقاومة ما دل على اعتبار إقامة العشرة لما كان عن القول بالتخيير معدل، إلا أنك خبير بما في ذلك فالأولى طرحه أو حمله على بعض ما عرفت مما لا يستلزم

إثبات حكم جديد به، سيما و أوله كالصريح في المشهور، بل فيه شهادة على ظهور مفهوم العدد هنا في نفي ثبوت الحكم للناقص، فتأمل، و الله أعلم.

[في حكم التردد ثلاثين يوما]

و إن كان المسافر قد تردد عزمه و هو في البلاد مثلا فلم يعلم متى خروجه غدا أو بعد غد قصر ما بينه و بين شهر ثم يتم و لو صلاة واحدة بلا خلاف صريح أجده بين القدماء و المتأخرين كما اعترف به في الرياض، بل في المدارك و عن الخلاف و ظاهر المنتهى و الذخيرة الإجماع عليه، و هو الحجة في قطع الأصل، و إطلاق أدلة القصر في المسافر، مضافا الى المعتبرة المستفيضة إن لم تكن متواترة الصريحة في ذلك كصحيح زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) المتقدم في أول البحث، و حسن ابن مسلم (2)المتقدم آنفا و

حسنه الآخر(3)قال: «سألته عن المسافر يقدم الأرض فقال: إن حدثته نفسه أن يقيم عشرة فليتم، و إن قال: اليوم أخرج أو غدا أخرج و لا يدري فليقصر ما بينه و بين شهر، فان مضى شهر فليتم، و لا يتم في أقل من عشرة إلا بمكة و المدينة، و إن أقام بمكة و المدينة خمسا فليتم»

و خبر أبي بصير(4)قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر الحديث 16.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر الحديث 13.

ج 14، ص: 316

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا عزم الرجل أن يقيم عشرا فعليه إتمام الصلاة، و إن كان في شك لا يدري ما يقيم فيقول اليوم أو غدا فليقصر ما بينه و بين شهر، فإن أقام بذلك البلد أكثر من شهر فليتم الصلاة»

و صحيح ابن وهب (1)عنه (عليه السلام) أيضا قال: «إذا دخلت بلدا و أنت تريد مقام عشرة أيام فأتم الصلاة حين تقدم، و إن أردت المقام دون العشرة فقصر، و إن أقمت تقول: غدا أخرج و بعد غد و لم تجمع على عشرة فقصر ما بينك و بين شهر، فإذا تم الشهر فأتم الصلاة، قال: قلت:

دخلت بلدا أول يوم من رمضان و لست أدري أن أقيم عشرا قال: قصر و أفطر، قلت: فان مكثت كذلك أقول غدا أو بعد غد فأفطر الشهر كله و أقصر قال: نعم هما واحد إذا قصرت أفطرت و إذا أفطرت قصرت»

الى غير ذلك.

و هي كغيرها ظاهرة أو صريحة في أن مدار الإتمام في ذلك على تمام الشهر لا الأقل، فما في

خبر حنان (2)عن أبيه عن الباقر (عليه السلام) «إذا دخلت البلدة فقلت: اليوم أخرج أو غدا أخرج فاستتممت عشرا فأتم»

لا ينبغي الالتفات اليه.

نعم قيل إنه لا دلالة فيها على كون ذلك من القواطع للسفر بحيث يحتاج الى العود في التقصير مثلا إلى مسافة جديدة، و لذا لم يذكره الأصحاب هناك، بل ذكروه في الأحكام و اقتصروا فيها على الإقامة و الوصول الى البلد، و لا تلازم بين كونه فرضه التمام بعد التردد شهرا و بين كونه قاطعا، ضرورة أن القاطعية أمر آخر شرعي يتوقف على دليل خاص لا مدخلية للإتمام فيه، و إلا وجب عد المرور بأحد المواطن الأربعة قاطعا أيضا.

و فيه ما عرفته سابقا، و نزيد هنا أنه لا يخفى على من لاحظ أدلة المقام اشتراك


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 17.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 14.

ج 14، ص: 317

الإقامة و الشهر في النصوص المعتبرة بالنسبة إلى الحكم المزبور حتى في التنزيل منزلة أهل البلد، كما في موثق إسحاق بن عمار(1)عن أبي الحسن (عليه السلام) المصرح بأن المقيم الى شهر بمنزلة أهل مكة، فاستفادة قاطعية الإقامة منها دون الشهر كأنه تحكم، و دعوى اقتصار الأصحاب في القواطع على الأمرين و عد الشهر خاصة في الأحكام يدفعها التتبع، فلاحظ و تأمل.

ثم إن تعليق الحكم في المتن على الشهر هو الموجود في أكثر النصوص و بعض الفتاوى، بل قيل الأكثر كالمقنع و جمل العلم و المبسوط و الخلاف و المراسم و الوسيلة و السرائر و

المنتهى و البيان و غيرها، و عبر في النافع بالثلاثين يوما كغيره من العبارات بل حكي عن النهاية و أكثر كتب المتأخرين، بل صرح الفاضل بأن العبرة بها لا بما بين الهلالين و إن نقص عنها، و تبعه غيره، فلو كان ابتداء تردده حينئذ من أول يوم من الشهر الهلالي إلى هلال الآخر و اتفق نقصانه لم يتم في صلاته حتى يكمله من الشهر الآخر، لأن لفظ الشهر و إن عبر به في كثير من النصوص إلا أنه هو إما مشترك لفظي بين ما بين الهلالين و الثلاثين، أو معنوي أو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر، و على كل حال يجب إرادة الثلاثين منه هنا، بحسنة محمد بن مسلم (2)المتقدمة، فهي إما بيان له أو تقييد أو قرينة تجوز، بل قد يقال بوجوب تنزيله على ذلك مع قطع النظر عنها هنا، لندرة اتفاق وقوع التردد في أول الشهر الهلالي، فيحمل المطلق أو المشترك على الفرد الغالب من وقوع التردد في غير أول الشهر، و قد قيل لا خلاف حينئذ في اعتبار الثلاثين، و انه لا يلفق هلاليا، فيبقى حينئذ تلك الصورة خاصة، و هي ما إذا اتفق وقوع التردد في أول الشهر على مقتضى إطلاق أدلة القصر و استصحابه.


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 12.

ج 14، ص: 318

و قد يناقش فيه بأنه بناء على اشتراك لفظ الشهر بينهما اشتراكا معنويا لم تصلح الحسنة المزبورة لتقييده، ضرورة اقتضاء تعليق الحكم على الشهر الاجتزاء بكل من فرديه لا على التخيير، بل على الاكتفاء

بأيهما تحقق، و هما يمكن اجتماعهما و انفراد كل منهما عن الآخر، و لا ينافيه الأمر بعد الثلاثين في الحسنة بعد تسليم الخصم كون الغالب غير الصورة المذكورة المقتضي لخروج الأمر حينئذ مخرج الغالب، فلا ينافي ذلك الإطلاق كي يجب حمله عليه و إبطال دلالته على ما عداه، مع أن من شرط حمل المطلق على المقيد تحقق التعارض الموجب لذلك.

و دعوى أنه و إن لم نقل بتحكيم الحسنة المذكورة إلا أنه يجب صرف إطلاق الشهر الى الثلاثين لهذه الغلبة أيضا كما صرف إطلاق الأمر بالعد في الحسنة الى ذلك، و إلا لو أبقي على إطلاقه الشامل لما لو كان التردد من أول الشهر لم يكن إشكال في التقييد يدفعها وضوح الفرق بين المقامين، ضرورة كفاية غلبة الوقوع في صرف الثاني، لأن مرجعه الى وجود حكمة لتخصيص الأمر بأحد الفردين، و هي تكفي فيه، خصوصا مع اعتضادها بحكمة أخرى، و هي نفي احتمال التلفيق هلاليا لو كان التردد في غير الأول بخلاف المطلق الأول الذي لا يجوز العدول عن مقتضى إطلاقه إلا في الأفراد النادر إطلاقه عليها لا النادر وجودها، خصوصا إذا كان النادر اتفاق الفعل فيها لا هي، كما إذا كان المطلق من أسماء الأزمنة نحو ما نحن فيه، على أن هذه الندرة انما هي بملاحظة كثرة مصاديق الأخر المقابل لها، و إلا فأول الشهر كثانية، و ثالثه و رابعه بالنسبة إلى اتفاق التردد فيه.

نعم لما جعل الأول خاصة مقابلا لسائر تلك الأيام كان اتفاق وقوع التردد فيه نادرا بالنسبة إليها جميعها.

و كذا يناقش لو كان الشهر حقيقة فيما بين الهلالين، إذ دعوى صرفه عن

ج 14، ص: 319

حقيقته بالحسنة المزبورة ممنوعة، بل أقصاه استفادة كفاية الثلاثين منها، و هو لا ينافي كفاية المعنى الحقيقي أيضا.

فمن ذلك كله يظهر لك أن ما عن مجمع البرهان من الاكتفاء بما بين الهلالين و إن كان ناقصا لو اتفق وقوع التردد في أول الشهر و تعين الثلاثين لو كان التردد في غيره لا يخلو من قوة، بل ربما يؤيده في الجملة عند التأمل زيادة على ذلك ما في صحيح ابن وهب (1)السابق و إن كان الأحوط إن لم يكن الأقوى خلافه، و هو تعين الثلاثين مطلقا لأصالة القصر و إطلاق أدلته، و لفظ الشهر و إن كان حقيقة في القدر المشترك بينهما إلا أنه يجب صرف إطلاق الأمر بالتقصير فيما بينه و بينه الى الغالب من وقوع التردد في غير الأول، و لو نوقش في اقتضاء الغلبة المزبورة ذلك لكان مثله متوجها أيضا في صرف إطلاق الأمر في الحسنة الى ذلك، فان لم يصرفا كان إطلاقها محكما على إطلاق الشهر، و إن صرفا معا بقي ما بين الهلالين مع فرض نقصانه على أصالة القصر، فتأمل جيدا.

و لا فرق على الظاهر في محل التردد بين البلد و القرية و نحوهما و بين المفازة كما صرح به بعضهم، بل هو صريح الأكثر أو الجميع في منتظر الرفقة على رأس المسافة أو دونها

فوق محل الترخص مع جزمه بالسفر، فضلا عن إطلاق المتن و نحوه و عده فردا مساوقا للإقامة كالنصوص، فما في الدروس و اللمعة من التقييد بالمصر منزل على إرادة مطلق المكان المعين، كتنزيل ما عساه ينساق من النصوص من كون المحل غير المفازة بقرينة ذكر الخروج و الدخول و نحوهما على الغالب أو المثال لا الشرطية، بل لعل الثاني هو المتعين بقرينة فهم الأصحاب، فلا جهة حينئذ لما يقال من أنه بعد تنزيل ما في


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر الحديث 17.

ج 14، ص: 320

النصوص على الغالب تبقى صورة المفازة حينئذ على مقتضى أصالة القصر و إطلاق أدلته مع احتمال كون المراد من التنزيل على الغالب إلغاء خصوص المفازة و العمل على مقتضى ذلك الإطلاق المقيد به، فتأمل.

فالمسافر حينئذ الذي عرض له في أثناء سفره ما يقتضي تعطيله من عدو و غيره حتى مضى عليه الثلاثون متوقعا زواله كما يتفق في طريق الحج في مثل زماننا يتم و لا يقصر إلا أنه و مع ذلك فالاحتياط الذي ذكرناه في محل الإقامة آت هنا أيضا.

و كذا لا فرق بعد بلوغ المسافة بين أن يكون تردده في وقت مضيه في سفره أو في إبطاله و الرجوع الى محله، لإطلاق الأدلة، نعم قد يقال إن ظاهرها إن لم يكن صريحها كالفتاوى في اعتبار كون التردد المزبور و هو مقيم في مكان واحد، أما لو كان ذلك منه و هو يسير في سفره فلا إتمام، بل يبقى على التقصير و ان نظر فيه الشهيدان على ما قيل، إلا أن الأقوى ذلك، لأصالة القصر و إطلاق أدلته الذين يجب الاقتصار في الخروج عنهما على المتيقن.

نعم لو كان ذلك منه قبل بلوغ المسافة فقطعها على التردد أتم لا لمضي الثلاثين بل لعدم الاستمرار على قصد المسافة الذي هو شرط كما عرفت.

و هل يعتبر الوحدة في محل التردد بحيث يقدح فيه الخروج عنه الى ما كان دون المسافة عنه حتى لو كان من قصده الرجوع ليومه أو ليلته؟ إشكال أقواه ذلك، اقتصارا على المتيقن أيضا، إلا أنه لا يقدح فيه مطلق الخروج حتى لمحل الترخص و نحوه مما لا ينافي صدق اسم الوحدة عرفا، و مثله البلاد المتسعة على حسب ما سمعته في نية الإقامة.

و منه حينئذ يظهر ما في الروض، قال: «و هل من التردد ثلاثين يوما ما يتردده الى دون المسافة أو يسلكه من غير قصدها و إن بلغها نظر، من وجود حقيقة السفر

ج 14، ص: 321

فلا يضر التردد، و من اختلال القصد، و توقف في الذكرى» انتهى.

و المراد بالتردد في المتن و غيره عدم العزم على الإقامة، فيندرج فيه العازم على السفر غدا مثلا فحصل له مانع عن ذلك حتى مضى له الثلاثون، كما لا يخفى على من لاحظ النصوص في المقام بل و الفتاوى مع التأمل التام.

[في حكم العدول بعد الصلاة تماما]

و لو نوى الإقامة ثم بدا له فعدل عنها قبل أن يصلي فريضة تماما رجع الى التقصير لأصالته التي ينبغي الاقتصار في الخروج عنها على المتيقن الذي هو غير المفروض قطعا، خصوصا بعد ملاحظة نفي الخلاف فيه من الرياض و عن الذخيرة و الحدائق، بل الإجماع من المدارك و عن المصابيح عليه و على انه لو صلى صلاة واحدة بنية الإتمام لم يرجع كنفي الخلاف فيه أيضا، بل في الرياض أن عليه الإجماع في عبارة جماعة، بل لا يبعد تحصيل الإجماع عليه، لانه كما في مفتاح الكرامة لم يختلف فيه اثنان، مضافا الى

الصحيح (1)عن أبي ولاد الحناط قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): اني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيام فأتم الصلاة ثم بدا لي بعد أن لا أقيم بها فما ترى لي أتم أم أقصر؟ فقال إن كنت دخلت المدينة و صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج عنها، و إن كنت دخلتها على نيتك المقام فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا و أتم، و إن لم تنو المقام فقصر ما بينك و بين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة».

نعم قيل قد يظهر الخلاف في الأول من المبسوط حيث اكتفى في ظاهر بعض عباراته بالنية، إلا انه يجب تنزيله على الصلاة تماما بعدها بقرينة تصريحه بعد ذلك بعين ما في المتن، على انه على تقدير خلافه محجوج بما عرفت، فلا يلتفت اليه، كما أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة المسافر الحديث 1.

ج 14، ص: 322

لا يلتفت أيضا الى خبر الجعفري (1)المتضمن للأمر بالعود الى التقصير بعد الصلاة تماما لانه مخالف للصحيح المجمع على العمل به في ذلك الذي قد أمرنا بطرح المعارض له.

انما الكلام في إرادة الكناية بالصلاة تماما فيه عن مطلق الشروع في عمل مشروط صحته بالإقامة من صلاة نافلة أو الدخول في صوم و نحوهما، أو انه كناية عن ذلك لكن إذا أتم (تم خ ل) أو وصل فيه الى حد لا يجوز له إبطاله لو كان مقيما كالصوم بعد الزوال، أو ليس كناية عن شي ء من ذلك بل المدار على خصوص إكمال الفريضة تماما حتى أنه لا يجدي فيه لو وصل في الفريضة إلى ركوع الثالثة أو الرابعة أو قبل التسليم ثم عدل عن الإقامة وجوه بل أقوال أقواها وفاقا للمدارك و الرياض و غيرهما الأخير إن لم يثبت إجماع على خلافه، و الظاهر أنه كذلك و إن حكاه عليه العلامة الطباطبائي في ظاهر مصابيحه أو صريحها، لكنه محل للنظر بل للمنع، فيتعين القول به حينئذ، لإطلاق الصحيح المزبور الحاكم على إطلاق ما دل على كفاية نية الإقامة لو كان، و دعوى إرادة ما سمعت من الصلاة تماما فيه يدفعها أنه لا شاهد لها بعد حرمة القياس من إجماع أو فهم عرفي أو غيرهما.

و ما يقال في توجيه الثاني من أنه لو فرض أن هذا الصائم سافر بعد الزوال فلا يخلو إما أن يوجب عليه الإفطار أو إتمام الصوم لا سبيل إلى الأول للأخبار الصحيحة المتضمنة لوجوب المضي في الصوم الشاملة بإطلاقها أو عمومها لهذا الفرد فيتعين الثاني و حينئذ فلا

يخلو إما أن يحكم بانقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال و قبل الخروج أو لا؟ لا سبيل إلى الأول لاستلزامه وقوع الصوم الواجب سفرا بغير نية الإقامة، و هو غير جائز إجماعا إلا ما استثني من الصوم المنذور على وجه


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة المسافر الحديث 2.

ج 14، ص: 323

و ما ماثله، و ليس هذا منه، فيثبت الأخير، و هو عدم انقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال سواء سافر بالفعل حينئذ أم لم يسافر، إذ لا مدخل للسفر في صحة الصوم و تحقق الإقامة، بل حقه أن يتحقق عدمها، و قد عرفت عدم تأثيره فيها، اما إذا لم يسافر بقي على التمام الى أن يخرج إلى المسافة، و هو المطلوب.

يدفعه- مع أن مساقه الاكتفاء بمطلق الشروع في الصوم الذي لا يصح وقوعه سفرا و إن عدل قبل زوال الشمس، و لا ريب في ضعفه، لعدم الدليل إلا القياس المحرم، على أنه مع الفارق، و ان اختاره في القواعد و المقاصد العلية و ظاهر المسالك و المقدس البغدادي و عن التذكرة و التحرير و نهاية الأحكام و الموجز و غاية المرام و إرشاد الجعفرية بل اعترف به ذلك المستدل نفسه، قال و بطلانه بنفس السفر لا يستلزم بطلانه بالرجوع من نية الإقامة، مضافا الى النهي عن إبطال العمل» الى آخره، بل ربما حكي عن فخر الإسلام أيضا، لكن عن إيضاحه و الذكرى و البيان و كشف الالتباس و الجعفرية أن فيه وجهين كالتنقيح، بل و الدروس حيث قال: فيه نظر- أنه لا مانع من اختيار الأول بقصور النصوص المتضمنة وجوب المضي في الصوم بعد الزوال عن تناول مثل ذلك، ضرورة صراحة بعضها و ظهور الآخر في المسافر من موضع يلزمه فيه الإتمام الذي هو في المقام محل النزاع، و دعوى أن الظاهر كونه مجمعا عليه ممكنة المنع، بل و الثاني أيضا، و لا يستلزم عدم انقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها في هذا الحال، إذ يمكن دعوى عدم البأس في وقوع الصوم الواجب في السفر إذا حصل الى الزوال حال الإقامة لعدم الدليل على منعه، بل هو كالمسافر من منزله بعد الزوال الذي لم يبق له حكم المنزل في باقي الزمان مع وجوب الصوم، و تلازم الصوم و الإتمام المستفاد من تلازم القصر و الإفطار يمكن تخصيصه بإطلاق الصحيح المزبور الدال على رجوعه الى القصر

ج 14، ص: 324

ما لم يصل فريضة تماما، و ليس العكس أولى منه، بل هو أولى، هذا.

و أنت خبير أن من مقومات الدليل المزبور فرض السفر بعد الزوال، فلا وجه لدعوى اقتضاء الدليل المسطور التعميم لمطلق الشروع فيه، كما ذكره المستدل المذكور و ذكرناه نحن أولا جريا على مذاقه، و بالجملة إلحاق الصوم بالفريضة في ذلك لا يخلو من نظر أو منع، سواء كان العدول قبله أو بعده، و ان كان الثاني أقرب، و الاحتياط بالجمع لا ينبغي تركه فيه، بل و في كل مقام قد عمل فيه بعض الأعمال المتوقف جوازها على الإقامة كما سمعته من الوجه الأول، بل قد يتأكد الاحتياط فيما إذا لم يعمل أصلا إلا أن الإقامة قد ترتب أثرها في الفريضة، كما لو ترك الصلاة في تمام الوقت على وجه يثبت قضاؤها عليه تماما ثم عدل، فإنه قد صرح غير واحد من الأصحاب بوجوب التمام عليه حينئذ معللين له باستقرار إتمام الفائت في الذمة، فهو كمن صلى تماما من غير فرق بين التارك عمدا أو نسيانا.

و المناقشة فيه بمنع وجوب قضائها تماما مع فرض عدوله قبل قضائها- نعم هو متجه لو قضاها خارج الوقت تماما ثم عدل لظهور تناول النص حينئذ له- يدفعها معلومية وجوب قضاء الفائت كما فات، و قد فات تماما قطعا فيجب قضاؤها كذلك، و كذا المناقشة بأنه لو أريد من أثر النية ما يشمل ذلك لاتجه القول بوجوب الإتمام حتى لو رجع قبل خروج الوقت (1)، لأنه بمجرد النية صار حكمه الإتمام بحيث لو كان في ذلك الوقت فرض حاضر لصلاة تماما، و كفى في ذلك تأثيرا، إذ هو كتأثير القضاء، إذ لا يخفى عليك تفاوت المقامين، فان التأثير في هذا تقديري بخلافه في القضاء فإنه تحقيقي، بل هو غير التأثير لو فرض دخول الوقت عليه حال نية المقام بحيث خوطب


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الظاهر« قبل دخول الوقت».

ج 14، ص: 325

بالتمام ثم عدل قبل الصلاة فضلا عما قبل الوقت، و ذلك لعدم استقرار هذا الخطاب إلا

بمضي تمام الوقت، بخلافه في القضاء، فإنه قد استقر الخطاب فيه، فتأمل.

نعم قد يناقش في الدليل المزبور بظهور النص في فعلية التمام، و لذا كان ظاهر المدارك و عن الإيضاح و مجمع البرهان و الذخيرة و مصابيح الأنوار الرجوع الى التقصير هنا، و انه لا مدخلية لاستقرار القضاء تماما، و منهما معا توقف الفاضل و الشهيدان و غيرهما في الحكم المزبور فبين من اقتصر على ذكر الوجهين و آخر على الاشكال و النظر، كما انهم بين من ذكر ذلك في الناسي و بين من ذكره في العامد، لكن لا يخفى عليك قصور النص عن إفادة كل منهما، و لذا اعترف في جامع المقاصد على ما حكي عنه بأنه مخالف لظاهر الرواية، و ان قال هو أيضا إن الأصح الإتمام نظرا الى ما تقتضيه أصول المذهب، إلا أنك خبير بعدم اقتضاء الأصول لذلك اللهم إلا أن يريد إطلاق ما دل على الإتمام بمجرد نية المقام، أقصاه خروج الراجع قبل الصلاة في وقتها، و لعله لا يخلو من قوة، إذ الإنصاف أن النص هنا غير ظاهر في شمول ذلك و لا عدمه، ضرورة كون المفهوم منه بناء حكمي المسألة على ما هو الغالب من عدم فوت الصلاة من المؤمن الموحد، فيبقى حينئذ ما نحن فيه على مقتضى غيره من الأدلة، و قد عرفت اقتضاء إطلاقها التمام.

بل لا يبعد جريان ذلك في غير هذا الفرع مما ذكر هنا، كما لو نوى المقام ثم نسي إلا انه صلى تماما لشرف البقعة مثلا، و بعد الفراغ ذكر نية الإقامة ثم أراد الخروج و إن ذكر في الروض أن فيه وجهين كما عن غيره، كذكره نحو ذلك أيضا فيما لو نوى الإقامة ثم صلى بنية القصر ثم أتم أربعا ناسيا ثم تذكر بعد الصلاة و نوى الخروج، قال فيه: «فان كان في الوقت فكمن لم يصل، لوجوب إعادتها، و ان كان قد خرج الوقت احتمل الاجتزاء بها لأنها صلاة تمام مجزية، و عدمه لأنه لم يقصد التمام».

ج 14، ص: 326

لكن قد يناقش فيه بما عن مجمع البرهان من أن الظاهر صحة هذه الصلاة و عدم الإعادة مطلقا، و عدم ضرر تلك النية، لعدم وقوع الفعل كله على ذلك الوجه مع حصول قصد ما للإتمام، فليس بأنقص من صور العدول، و جعل العصر مكان الظهر و القياس على المقصر لو صلى تماما ليس بسديد.

و يدفع بأن الأصل الفساد في جميع الصور لعدم النية إلا ما دل عليه الدليل، الى غير ذلك من الفروع المذكورة، و قد عرفت وجه البحث فيها.

و احتمال ان الإقامة أمر شرعي فكل ما شك في اعتباره فيها فهو معتبر يدفعه أن المرجع فيها إلى إطلاق الأدلة السابقة إلا انه و مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه، خصوصا مع إشعار

قوله (عليه السلام) في الصحيح (1)السابق «و إن شئت فانو المقام عشرا و أتم»

بكون التمام لنية المقام لا لشرف البقعة مثلا كالفتاوى، بل ربما قيل بعدم اعتباره لو وقع التمام منه ذاهلا غير ملاحظ نية الإقامة و إن كان لا يخلو من نظر بناء على عدم وجوب إعادة مثل هذه الصلاة عليه، لأنه بنية الإقامة صار بمنزلة من وجب عليه الإتمام لنفسه، و لا يجب عليه ملاحظة السبب، و من ذلك ينقدح النظر أيضا في بعض الصور السابقة، اللهم إلا أن يقال إنه و إن لم تجب عليه لكن الكلام في تحقق شرط تأثير الإقامة بحيث لا يرجع الى التقصير لو رجع عنها، و كونه مجرد وقوع الصلاة تماما صحيحة و إن لم يلاحظ السبب أول البحث، لكنه كما ترى، فتأمل.

نعم لا ينبغي التأمل في الرجوع الى القصر لو لم يصل حتى خرج الوقت لعذر مسقط للقضاء كما في الإغماء و الجنون و الحيض المستوعبة للوقت (2)لعدم تأثير نية


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.
2- 2 في النسخة الأصلية« للقضاء» و لكن الصحيح ما أثبتناه.

ج 14، ص: 327

الإقامة حينئذ، و لذا نفى الاشكال عنه بعضهم، و نسبه الى الأصحاب آخر، بل في مفتاح الكرامة أنهم حكموا بالرجوع قولا واحدا، و منه يعلم حينئذ قصور إطلاق ما دل على تحقق الإقامة بالعزم و النية عن تناول مثل ذلك، فتأمل جيدا.

ثم إنه هل يعتبر بقاء مسافة أو قصدها في رجوعه الى التقصير عند رجوعه عن الإقامة قبل فعل الصلاة تماما أو أنه يكفي فيه السفر الأول الظاهر الثاني، لعدم تأثير نية الإقامة

في قطع السفر إذا رجع عنها قبل فعل الصلاة تماما، و لإطلاق النص و الفتوى و لقد أجاد الأردبيلي فيما حكي عنه من أني لا أجد وجها للتردد في ذلك بعد إطلاق خبر أبي ولاد(1).

لكن و مع ذلك فقد احتمل في الروض اشتراط بقاء مسافة تمسكا بإطلاق النص و الفتوى بأن نية الإقامة من القواطع للسفر فيبطل حكم ما سبق بمجرد النية و إن لم يصل تماما، كما لو وصل الى وطنه، و ربما أيد بأنه لا منافاة في إطلاق خبر أبي ولاد لذلك، لظهور أن السائل كوفي و يريد السفر إلى الكوفة، و لذا أطلق فيه القصر عند الرجوع، كإطلاقه ذلك بعد الخروج إذا صلى تماما، إذ لا بد حينئذ من المسافة باعتراف الخصم.

إلا أنه لا يخفى عليك ضعف الاحتمال من أصله بل غرابته، ضرورة إرادة كون الإقامة من القواطع إذا لم يرجع عنها قبل الصلاة تماما لا معه، كما هو واضح، نعم لا بد في القصر من بقاء مسافة لو أن عدوله كان بعد أن صلى فريضة تماما، لأنه حينئذ بمنزلة من أراد المسافرة بعد إتمام الإقامة لا في الفرض المزبور، على ان المتجه عليه توقف التقصير على الشروع في المسافة لا أنه يكتفى في التقصير في البلد عند الرجوع


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.

ج 14، ص: 328

عن الإقامة بمجرد كون الباقي مسافة كما هو ظاهر الخصم.

و لو نوى الإقامة في أثناء الصلاة و أتمها ثم رجع عن الإقامة بعد الفراغ ففي عوده الى التقصير و عدمه وجهان، ينشئان من ظهور النص في اعتبار افتتاح الصلاة على التمام، و من تحقق أثر الإقامة الذي هو الإتيان بالركعتين الأخيرتين، و إلا فالركعتان الأولتان مرادة منه على كل حال، أقواهما الثاني، نعم لا ينبغي التأمل في ظهور النص و الفتوى في اعتبار كون تمام الفريضة مما تؤثره الإقامة، فلا يجزي وقوع التامة منه على كل حال كالصبح و المغرب، فما عن بعضهم من احتمال الاكتفاء بذلك غلط قطعا.

و كذا ما يحكى عن الشيخ و أتباعه من الاكتفاء بمجرد شروعه في الصلاة على وجه التمام و إن عدل في الركعة الأولى أو الثانية، ضرورة مخالفته لظهور النص في اعتبار الفراغ من الفريضة المفتتحة على التمام، بل قد يدعى ظهوره في عدم الاجتزاء حتى لو ركع للثالثة أو الرابعة بل قبل السلام بناء على توقف التمام عليه، و إن كان الاكتفاء بمجرد ركوع الثالثة أو القيام له لا يخلو من وجه عرفته فيما تقدم من الاكتفاء بمجرد تحقق أثر الإقامة كما سبق البحث فيه مفصلا، و الانصاف المحافظة على الاحتياط في أكثر هذه الصور لما سمعت، و الله أعلم.

بقي شي ء و هو أن الظاهر كون ذلك كله في الرجوع قبل العشرة، أما إذا أتمها و لم يكن قد صلى تماما لعذر مسقط للتكليف بالقضاء كالحيض مثلا فقد يقال بوجوب التمام عليه و إن لم يكن من نيته إقامة عشرة أيام، بصدق إقامة العشر منوية الموجب للتمام، و اعتبار فعل الصلاة تماما انما هو في الرجوع قبلها، و إن كان قد يحتمل ذلك حتى لو أقام العشرة أيضا، فتأمل جيدا و الله العالم.

ج 14، ص: 329

هذا كله في الشرائط

[أما البحث في القصر نفسه]
اشاره

و أما البحث في القصر نفسه ف لا ريب في انه في محله من الرباعية مثلا عزيمة لا رخصة بلا خلاف، بل هو مجمع عليه نقلا و تحصيلا، بل لعله من الضروريات، و النصوص (1)ظاهرة و صريحة فيه، سيما صحيح زرارة و الحلبي (2)المشتمل على التصريح بإرادة الوجوب من رفع الجناح في الآية(3)مستدلا عليه بآية الحج (4)فلا جهة حينئذ للبحث في ذلك، و ان الأمر به في مقام توهم الحظر، و لدفع مشقة السفر، و أن ليس في الآية إلا رفع الجناح، نعم هو عزيمة إلا أن يكون المسافة دون الثمانية أربعا أو زائدا عليها و لم يرد الرجوع ليومه أو ليلته، فإنه حينئذ يتخير بين القصر و الإتمام على قول مشهور بين القدماء قد تقدم البحث فيه سابقا، و إلا أن يكون قد سافر بعد دخول الوقت و تجاوز محل الترخص فإنه حينئذ يتخير بينهما على قول محكي عن خلاف الشيخ، و الإتمام أفضل، و ستعرف الحال فيه أو يكون المسافر

[في التخيير بين القصر و الإتمام في أحد المواطن الأربعة]

في أحد المواطن الأربعة مكة و المدينة و مسجد الجامع بالكوفة و الحائر، فإنه مخير، و الإتمام أفضل (11) على المشهور بين الأصحاب نقلا في المختلف و المصابيح و غيرهما، و تحصيلا، بل في ظاهر الروض و عن التذكرة و الذكرى و في صريح السرائر و عن الخلاف الإجماع عليه، بل في الوسائل «لأنه مذهب جميع الإمامية أو أكثرهم، و خلاف الصدوق شاذ نادر» الى آخره، الى غير ذلك من عبارات الأصحاب الظاهرة أو الصريحة في معلومية الحكم بين الطائفة التي يشهد لها التتبع أيضا، فاني لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في الرياض إلا من ظاهر الصدوق أو صريحه، فمنع


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة المسافر.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2 و هو صحيح زرارة و محمد بن مسلم.
3- 3 سورة النساء، الآية 102.
4- 4 سورة البقرة، الآية 153.

ج 14، ص: 330

من الإتمام إلا مع نية المقام، و إن استحب له نيتها في هذه المواضع لشرفها، و من المرتضى و ابن الجنيد في ظاهر المحكي عنهما من نفي التقصير و وجوب الإتمام مع إمكان إرادتهما نفي تحتمه كما احتمله الشهيد، بل يؤيده حصر غير واحد الخلاف في الصدوق، بل في المختلف المشهور استحباب الإتمام، و اختاره الشيخ و المرتضى و ابن الجنيد و ابن إدريس و ابن حمزة، بل عن المصنف و المنتهى التصريح بنسبة التخيير المزبور إلى الثلاثة و أتباعهم، و ان خلافه انما هو في طرد الحكم في باقي قبور الأئمة (عليهم السلام) بل يمكن تأويل عبارة الصدوق بإرادة المنع من وجوب الإتمام، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلافيات، و تندرج في الوفاقيات، أو الاحتياط له من جهة ظهور بعض الأدلة في وجوب التقصير بأن ينوي المقام و يتم أو يقصر كما وقع في مهذب القاضي، فإنه بعد أن ذكر استحباب الإتمام قال: و التقصير هو الأصل، و العمل به في هذه المواضع و غيرها أحوط.

لكن و مع ذلك كله فاختار العلامة الطباطبائي وجوب التقصير تبعا للمحكي عن الفاضل البهبهاني، بل ادعى أنه المشهور بين متقدمي الأصحاب، و لعله أخذه مما يحكى عن الشيخ الجليل

ابن قولويه في كامل الزيارة حيث روى عن أبيه عن سعد بن عبد الله (1)قال: «سألت أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد مكة و المدينة و الكوفة و قبر الحسين (عليه السلام) و الذي روي فيها فقال أنا أقصر و كان صفوان يقصر، و ابن أبي عمير و جميع أصحابنا يقصرون»

الى آخره. و مما في

مكاتبة علي بن مهزيار(2)الى أبي جعفر (عليه السلام): «و لم أزل على الإتمام الى أن صدرنا من حجنا في عامنا هذا. فان فقهاء أصحابنا أشاروا علي بالتقصير إذا


1- 1 المستدرك- الباب 18 من أبواب صلاة المسافر- الحديث- 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث- 4.

ج 14، ص: 331

كنت لا أنوي مقام عشرة».

لكن فيه أنه لا صراحة في كل منهما بوجوب التقصير، بل و لا ظهور، إذ أقصاه الفعل من الأولين و الإشارة من الآخرين، بل قد يشعر استمرار ابن مهزيار في تلك المدة على التمام، مع جلالة قدره و غزارة فضله و لفظ الشهور فيه بمعروفية التخيير في ذلك الزمان.

و مع الإغضاء عن ذلك كله فلا ريب في عدم تعين القصر، لاستفاضة النصوص بخلافه حتى كادت تكون متواترة إذ هي خمس و عشرون رواية، و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما مما هو منجبر بما عرفت، و المروي في المجامع العظام و غيره مع اختلاف دلالتها على المطلوب ففي بعضها(1)ان من الأمر المذخور و من مخزون علم الله الإتمام في الأربع أو في الحرمين، و ان أبي كان يرى لهما ما لا يراه لغيرهما، و الظاهر إرادة كون سر الإتمام فيها و حكمته من الأمور المحجوبة التي لا يطلع عليها إلا الله و الراسخون في العلم أو أن الإتمام فيها من الأمور المذخور ثوابها و المخزون أجرها، و في

جملة أخرى (2)منها «تتم الصلاة في أربعة مواطن أو ثلاثة».

و في جملة ثالثة(3)منها «أتم الصلاة فيها»

بل في

صحيح ابن الحجاج (4)و موثق ابن عيسى (5)«أتم و إن لم تصل فيها إلا صلاة واحدة»

كخبر قائد الخياط(6)المروي عن كامل الزيارة «أتم بالحرمين و لو مررت بهما مارا»

و خبر أبي شبل (7)المروي في الكافي و التهذيب «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أزور قبر الحسين (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 14 و 22 و 23 و 25.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 12 و 13 و 21 و 30.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 17.
6- 6 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 31.
7- 7 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 12.

ج 14، ص: 332

قال: نعم زر الطيب و أتم الصلاة، فقلت: فان بعض أصحابنا يرون التقصير قال: إنما يفعل ذلك الضعفة»

و في

خبر زياد القندي (1)قال أبو الحسن (عليه السلام):

«يا زياد أحب لك ما أحب لنفسي، و اكره لك ما أكره لنفسي، أتم الصلاة في الحرمين و بالكوفة و عند قبر الحسين (عليه السلام)»

و نحوه خبر آخر(2)بل في

مكاتبة إبراهيم ابن شعيب الى أبي جعفر (عليه السلام)(3)يسأله عن إتمام الصلاة في الحرمين فكتب «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يحب إكثار الصلاة في الحرمين فأكثر فيهما و أتم»

و في

صحيح ابن مهزيار(4)«كتبت الى ابى جعفر الثاني (عليه السلام) أن الرواية قد اختلف عن آبائك في الإتمام و التقصير في الحرمين، فمنها بأن تتم الصلاة و لو صلاة واحدة، و منها أن يقصر ما لم ينو مقام عشرة أيام، و لم أزل على الإتمام فيهما الى أن صدرنا من حجنا في عامنا هذا، فان فقهاء أصحابنا قد أشاروا علي بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيام، فصرت الى التقصير، و قد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك، فكتب الي بخطه قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما، فأنا أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر و تكثر فيهما من الصلاة، فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة: اني كتبت إليك بكذا فأجبت بكذا فقال: نعم فقلت: أي شي ء تعني بالحرمين؟ فقال: مكة و المدينة».

و في جملة رابعة التصريح بالتخيير، ك

صحيح ابن يقطين (5)عن أبي الحسن (عليه السلام) في الصلاة بمكة، قال: «من شاء أتم و من شاء قصر»

و خبره الآخر(6)المروي في


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث- 13.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث- 21.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 18 لكن روى عن إبراهيم بن شيبة و هو الصحيح.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 19.

ج 14، ص: 333

الكافي و التهذيبين «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن التقصير بمكة فقال: أتم و ليس بواجب إلا أني أحب لك ما أحب لنفسي»

و خبر صالح بن عبد الله الخثعمي المروي (1)عن قرب الاسناد، قال: «كتبت الى أبي الحسن موسى (عليه السلام) أسأله عن الصلاة في المسجدين أقصر أم أتم فكتب إلى أي ذلك فعلت فلا بأس، قال: فسألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عنها مشافهة فأجانبي مثل ما أجابني أبوه (ع) إلا أنه قال في الصلاة قصر»

و خبر الحسين بن المختار(2)عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: «قلت: إنا إذا دخلنا مكة و المدينة نتم أو نقصر قال: إن قصرت فذلك، و إن أتممت فهو خير تزداد»

و خبر عمران بن حمران (3)«قلت لأبي الحسن (عليه السلام): أقصر في المسجد الحرام قال: إن قصرت فذلك، و إن أتممت خير، و زيادة الخير خير»

و صحيح ابن الحجاج (4)قلت: «لأبي الحسن (عليه السلام) إن هشاما روى عنك أنك أمرته بالتمام في الحرمين، و ذلك من أجل الناس، قال: لا كنت أنا و من مضى من آبائي إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة و استترنا من الناس».

و هذه النصوص مع اعتبار أسانيد جملة منها و استفاضتها أو تواترها منجبرة بما عرفت من الشهرة التي كادت تكون إجماعا، بل قد عرفت دعواه ممن سبق، و لا دلالة في الأمر بالتمام

في بعضها على تعيينه بعد أن عرفت عدم القائل إلا ما عساه توهم من المرتضى و ابن الجنيد، و بعد كونه في مقام توهم الحظر، لمعروفية وجوب القصر على المسافر، و بعد تصريح تلك الأخبار بالتخيير، و كونه أفضل الفردين.

كما أنه لا بأس بحمل الأمر بالقصر الواقع في جملة من النصوص الذي بسببه


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 28.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 16.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 6.

ج 14، ص: 334

اختار بعضهم القول بتعينه هنا على إرادة بيان أحد الفردين، أو لمصلحة تتعلق في خصوص السائل أو لغير ذلك، مع أنه في أكثرها في خصوص الحرمين كما ستعرف، فمنها

صحيح ابن بزيع (1)«سألت الرضا (عليه السلام) عن الصلاة بمكة و المدينة تقصير أو إتمام فقال: قصر ما لم تعزم على مقام عشرة أيام»

مع احتمال إرادة البلدين أو نواحيها كغيره من بعض ما سمعته بناء على قصر الرخصة على المسجدين أو مع البلدين

و صحيح معاوية بن عمار(2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قدم مكة فأقام على إحرامه قال: فليقصر الصلاة ما دام محرما»

و خبر محمد بن إبراهيم الحصيني (3)«استأمرت أبا جعفر (عليه السلام) في الإتمام و التقصير

قال: إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام و أتم الصلاة، قلت إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة قال: انو مقام عشرة و أتم الصلاة».

و خبر عمار بن موسى الساباطي (4)المروي عن كامل الزيارات «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الحائر قال: ليس الصلاة إلا الفرض بالتقصير فلا تصل النوافل».

و خبر علي بن حديد(5)«سألت الرضا (عليه السلام) فقلت: إن أصحابنا قد اختلفوا في الحرمين، فبعضهم يقصر، و بعضهم يتم و أنا ممن يتم على رواية أصحابنا في التمام، و ذكرت عبد الله بن جندب أنه كان يتم، فقال: رحم الله ابن جندب، ثم قال: لا يكون التمام إلا أن تجمع على إقامة عشرة أيام، و صل النوافل ما شئت، قال ابن حديد و كان محبتي أن يأمرني بالإتمام».


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر الحديث 32.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر الحديث 15 لكن روى عن محمد بن إبراهيم الحضيني.
4- 4 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر الحديث 33.

ج 14، ص: 335

بل يمكن حمل خبر الحصيني (1)على إرادة الإتمام في منى و عرفات بناء على عدم قدح ما دون المسافة في نية الإقامة، كما أن خبر الساباطي (2) - مع اشتماله على فعل جندب الذي ترحم عليه الامام (عليه السلام) و فعل الراوي و محبته و رواية التمام- محتمل لإرادة تعين التمام و وجوبه لا جوازه كالنهي في

صحيح معاوية بن وهب(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التقصير في الحرمين و التمام قال:

لا تتم حتى تجمع على مقام عشرة أيام، فقلت إن أصحابنا رووا عنك أنك أمرتهم بالتمام فقال: إن أصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلون و يأخذون نعالهم و يخرجون و الناس يستقبلونهم يدخلون المسجد فأمرتهم بالتمام»

بقرينة عدم صلاحية هذا التعليل للأمر بالتمام بعد فرض عدم مشروعيته في حقهم، ك

صحيحه الآخر(4)المروي عن العلل «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): مكة و المدينة كسائر البلدان قال: نعم، قلت:

روى عنك بعض أصحابنا أنك قلت لهم أتموا بالمدينة لخمس فقال: إن أصحابك هؤلاء كانوا يقدمون فيخرجون من المسجد عند الصلاة فكرهت ذلك لهم فلهذا قلته»

و صحيح أبى ولاد(5)المتقدم في المسألة السابقة.

و إلا فطرح تلك النصوص كلها المعتضدة بما عرفت و تأويلها حتى أخبار التخيير منها بإرادة الإتمام مع نية العشرة مع تصريح المشتمل على الإتمام للصلاة الواحدة و بمجرد المرور، بل و ما دل أيضا منها على كونه من الأمر المذخور، بل و ما دل على كون ذلك من خواص الأربعة، و ما دل على أنه انما يفعل ذلك الضعفة، بل و ما دل عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 15 لكن رواه عن محمد بن إبراهيم الحضيني.
2- 2 و هو خبر على بن حديد المدائني الأزدي الساباطي المتقدم آنفا.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 34.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 27.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.

ج 14، ص: 336

أيضا في قبر الحسين (عليه السلام) المعلوم عدم التمكن من نية المقام عنده في تلك الأيام بنفيه كما ترى.

و أضعف منه حملها على التقية كما يومي اليه الصحيحان (1)المزبوران اللذان هما مع ضم أحدهما إلى الآخر يدلان على الإتمام بخمسة أيام مطلقا، و لا ريب أنه للتقية، فإن الاكتفاء بها في أيام الإقامة محكي عن الشافعي إذ هي- مع ان بعضها يأبى ذلك، و إمكان التخلص عنها بالسلام خفية على الركعتين ثم تعقيبهما بصلاة ركعتين، و استبعاد خفاء ذلك على من عرفته من الأصحاب، و معروفية التمام بين الطائفة، و اشتمال بعضها على ذكر قبر الحسين (عليه السلام) الذي يجهد في التخفي بحضوره فضلا عن التمام فيه- لا توافق الأمر بالإتمام في كثير منها الظاهر في تعينه، إذ هو ليس مذهبا لأحد منهم كما قيل، لأنهم ما بين موجب للقصر و هم الأكثر، و منهم أبو حنيفة، و بين مخير بينه و بين الإتمام، و هو الشافعي و غيره.

و من هنا يظهر أن حمل نصوص القصر على التقية أولى من العكس كما عن جماعة من الأصحاب التصريح به، لاتفاقهم عليه، و اشتهار مذهب أبي حنيفة قديما و حديثا، بل لعله الى ذلك أشار (عليه السلام) في غير واحد من النصوص السابقة بقوله (عليه السلام) ان الإتمام في هذه المواطن من مخزون علم الله و مذخوره على معنى إرادة أنه مما اختص به آل

محمد (عليهم الصلاة و السلام) و شيعتهم و ادخره لهم و صانه عن غيرهم و لم يوفق له سواهم معرضا بذلك كله على أبي حنيفة و أصحابه.

بل من ذلك و نحوه حينئذ يظهر معنى صحيح ابن الحجاج (2)المتقدم سابقا في


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 27 و 34.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 6.

ج 14، ص: 337

نصوص المختار، و ان المراد استترنا بالإتمام خوفا من اطلاعهم على إتمامنا، لا أن المراد الاستتار به عن أن يطلعوا علينا أنا نقصر حتى يكون دالا على كون الإتمام تقية، كما أنه يظهر منه و من غيره أن المراد ب

قوله (عليه السلام) «إنما يفعل ذلك الضعفة»

سوادهم و عوامهم الذين يتخيرون من الأعمال ما خف، و لا يعرفون مواقع الفضل، لا أن المراد بهم ضعفة الأحوال الذين لا يستطيعون نية المقام لفقرهم و ضعف حالهم.

و بالجملة الناظر بعين الإنصاف الى هذه النصوص لا يكاد يستريب فيما ذكرناه من وجوه، بل لو لم يكن إلا كثره هذا التسائل عن ذلك في خصوص هذه المواضع- مع أن القصر للمسافر من ضروريات مذهب الشيعة، حتى أن ابن مهزيار مع جلالة قدره و عظم منزلته و كثرة ملاقاته لهم (عليهم السلام) وقع منه ما سمعت كغيره من الرواة- لكفى في إثبات المختار، لا أقل من حصول التعارض بين أمري الإتمام و التقصير الذي من المعلوم أن الحكم فيه التخيير،

خصوصا مع قيام الشاهد عليه من النصوص السابقة، لكن و مع ذلك كله فلا ريب أن الأحوط القصر، لضعف احتمال تعين التمام في جنبه بعد ظهور أدلته، بل صريح بعضها بعدم تعينه.

ثم لا فرق فيما وقفنا عليه من فتاوى الأصحاب في الحكم المزبور بين المواضع الأربعة، لكن في المدارك بعد أن ذكر التخيير في الحرمين قال: «و أما مسجد الكوفة و الحائر فقد ورد بالإتمام فيهما أخبار كثيرة لكنها ضعيفة السند، و أوضح ما وصل إلينا في ذلك مسندا

خبر حماد بن عيسى (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن: حرم الله و حرم رسوله (صلى الله عليه و آله) و حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) و حرم الحسين بن علي (عليهما السلام)»

الى أن قال- و هذه الرواية معتبرة الإسناد، بل حكم العلامة في المنتهى


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.

ج 14، ص: 338

و المختلف بصحتها، و هو غير بعيد، و في معناها أخبار كثيرة، فلا بأس بالعمل بها إن شاء الله» و فيه- مع أن من الواضح عدم قدح ضعف السند في المقام بعد كثرة النصوص، و تعاضد بعضها ببعض، و روايتها في الأصول المعتمدة و غيرها، و قرب وصولها من حد التواتر، بل ربما ادعي، و عمل الطائفة قديما و حديثا بها، و غير ذلك- أنه قد يناقش في دعوى صحة

سند الخبر المذكور، لأن في طريقه الحسن بن علي بن النعمان، و في توثيقه إشكال، لأن النجاشي و إن صرح في ترجمته بالتوثيق على ما حكي عنه إلا أنه لا يتعين عوده اليه، بل يحتمل رجوعه إلى أبيه علي بن النعمان، قال:

«الحسن بن علي بن النعمان مولى بني هاشم أبوه علي بن النعمان الأعلم ثقة، ثبت له كتاب نوادر، صحيح الحديث كثير الفوائد، روى عنه الصفار» بل قد يؤيد الثاني ما ذكره عند ترجمة أبيه، قال: «علي بن النعمان الأعلم و أخوه داود أعلى منه، و ابنه الحسن و ابنه أحمد رويا الحديث، و كان علي ثقة وجها ثبتا صحيحا له كتاب» الى آخره. و في طريقه محمد بن خالد البرقي، و عن النجاشي «أنه كان ضعيفا في الحديث» و عن ابن الغضائري «حديثه يعرف و ينكر يروي عن الضعفاء كثيرا و يعتمد المراسيل» الى آخره. و لا ينافي ذلك ما حكي من توثيق الشيخ و العلامة إياه لأن الطعن المذكور إنما هو في رواياته لا فيه نفسه، و الفرق بينهما واضح، فالأولى عدم التوقف في الحكم المذكور لما قلناه لا لذلك.

إنما الكلام في تعيين خصوص المواطن، لاختلاف النصوص في ذلك، إذ هي بين مشتمل (1)على لفظ الحرم في الأربعة مع الإضافة الى الله و رسوله و أمير المؤمنين و الحسين (عليهم السلام) و بين مشتمل (2)على لفظ المسجد في الثلاثة و حرم الحسين (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 14 و 23 و 25.

ج 14، ص: 339

و بين مبدل للحرم (1)فيه بالقبر، و آخر(2)بالحائر، و الحرمين بمكة و المدينة(3)و مسجد الكوفة بالكوفة(4)و لا ريب أن قضية الضوابط ثبوت الحكم في الأوسع مكانا من هذه الألفاظ، ضرورة عدم منافاة ثبوته في الأضيق له، بل هو كالمؤكد شبه التنصيص على بعض أفراد العام مع عدم المخالفة في الحكم إلا أنه لما كان القصر هو الأصل في المسافر- و كثير من هذه النصوص اعتبارها من جهة الانجبار بالشهرة، و قد قيل إن المشهور هنا الاقتصار في الحرمين على المسجدين منه، بل على الأصليين منهما دون الزيادة الحادثة، كما أن الظاهر كونه كذلك بالنسبة إلى مسجد الكوفة و قبر الحسين (عليه السلام) و ان ورد بلفظ الحرم في بعض النصوص، إلا أنه ينزل على خصوص ذلك كما عن المصنف الاعتراف به بالنسبة إلى حرم أمير المؤمنين (عليه السلام)- وجب الاقتصار في الخروج منه على المتيقن، و هو ذلك لا البلدان الثلاثة و الحائر كما عن كتابي الأخبار للشيخ، و لا الأربعة كما عن المصنف في كتاب له في السفر، لورود الحديث بحرم الحسين (عليه السلام) و قدر بخمسة فراسخ أو بأربعة، و لا خصوص مكة و المدينة كما هو ظاهر المتن، و اختاره في المدارك حاكيا له عن الشهيد و أكثر الأصحاب قال: لأنه المستفاد من الأخبار الكثيرة، بل و لا الحائر

بناء على تفسيره بالأوسع مما دار سور المشهد و المسجد عليه.

و لقد أجاد في السرائر حيث قال: «و يستحب الإتمام في أربعة مواطن في السفر في نفس مسجد الحرام، و في نفس مسجد المدينة، و في نفس مسجد الكوفة، و الحائر على متضمنة السلام، و المراد بالحائر ما دار سور المشهد و المسجد عليه دون ما دار سور


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 22.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 26.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 29.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 13.

ج 14، ص: 340

البلد عليه، لأن ذلك هو الحائر حقيقة، لأن الحائر في لسان العرب الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء، قد ذكر ذلك شيخنا المفيد في إرشاده في مقتل الحسين (عليه السلام) لما ذكر من قتل معه من أهله، فقال: و الحائر محيط بهم إلا العباس (عليه السلام) فإنه على المسناة» الى آخره، و عن الذكرى أنه في هذا الموضع حار الماء لما أمر المتوكل بإطلاقه على قبر الحسين (عليه السلام) ليعفيه، فكان لا يبلغه.

و كيف كان فما عن المرتضى و ابن الجنيد من طرد الحكم في سائر قبور الأئمة الهداة (عليهم السلام) لم نقف له على نص خاص، و لعلهما أخذاه من معلومية شرف قبورهم، و أنها مساوية للمسجدين أو تزيد مع فهم كون العلة في الحكم هنا شرف المكان، كما يومي اليه بعض النصوص (1)السابقة، مضافا الى

المحكي (2)عن فقه الرضا (عليه السلام) «إذا بلغت موضع قصدك من الحج و الزيارة و المشاهد و غير ذلك مما بتنبه لك فقد سقط عنك السفر و وجب عليك الإتمام».

لكن الخروج بذلك عن مقتضى العمومات المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع مشكل، سيما مع تضمنه الحكم بوجوب التمام الذي قد عرفت شذوذه و ضعفه، اللهم إلا أن يحمل الوجوب فيه على مطلق الثبوت، كما أن الخروج به عن مقتضى أصالة عدم جواز الإتمام في الصوم لاقتصار النصوص و الفتاوى على خصوص الصلاة فريضة أو نافلة كما صرح بالأخيرة في الكفاية- بل يمكن دعوى الإجماع عليه، بل ربما ادعي- مشكل أيضا، بل غير جائز قطعا، و دعوى التلازم بين القصر


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2 و 4.
2- 2 فقه الرضا عليه السلام ص 16.

ج 14، ص: 341

و الإفطار المشعر بالتلازم بين الإتمام و الصيام- بل في بعض

النصوص (1)«هما سواء في ذلك»

- يمكن منعها بحيث تشتمل ما نحن فيه، خصوصا بعد إضراب أبي الحسن (عليه السلام) عن الجواب عن الصيام، و اقتصاره على الصلاة في موثق عثمان بن عيسى (2)المتقدم سابقا المشعر بعدم ذلك في الصوم، فلاحظ.

و لا يجب التعرض للنية، بل لو عينها كان له العدول، فمن نوى الإتمام كان له الاقتصار على

الركعتين و بالعكس، كما عن المصنف في المعتبر التصريح به، و استحسنه في المدارك، و لعله لإطلاق الأدلة و عدم توقف صدق الامتثال عليها، ضرورة عدم كونهما كالظهر و العصر الذين يتوقف تشخيص الفعل لأحدهما على النية كما في سائر الأفعال المشتركة، و ليس ذلك من جهة أن التخيير بين القصر و الإتمام من التخيير بين الأقل و الأكثر الذي لا يعتبر فيه ذلك، بل هو كذلك و إن قلنا إنهما ماهيتان مختلفتان، لإطلاق الأدلة، إلا أن الانصاف عدم خلوه عن البحث و التأمل، خصوصا لو أراد العدول بعد الشروع في الثالثة قبل الركوع، فتأمل.

و مما ذكرنا يظهر أن له الإتمام في الأماكن المزبورة و إن كانت الذمة مشغولة بواجب، لعدم اندراجه في النهي عن التطوع لمن عليه فريضة قطعا، فما يحكى عن والد العلامة من المنع لا ريب في ضعفه.

[في حكم ما لو ضاق الوقت إلا عن أربع ركعات]

و لو ضاق الوقت إلا عن أربع ركعات فالأحوط و الأقوى تعين القصر عليه فيهما ليقع الصلاتان في الوقت، و يحتمل جواز الإتمام في خصوص العصر(3)لعموم

«من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله»

و فيه أن ذلك و إن تحقق به إدراك


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب من يصح منه الصوم من كتاب الصوم.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 17.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

ج 14، ص: 342

الصلاة إلا أنه لا يجوز تعمده اختيارا، لاقتضائه تأخير الصلاة عن وقتها المعين لها شرعا مع التمكن منه، و منه ينقدح أنه لا فرق فيما ذكرنا بين ضيق الوقت إلا عن أربع و بين الزائد إذا كان دون الثمان، كما أنه منه ينقدح أيضا ضعف احتمال الإتمام في العصر خاصة في الفرض السابق ثم قضاء الظهر.

ثم إنه لا يخفى عليك بعد ما سمعت استحباب صلاة نوافل المقصورة في هذه الأماكن كما نص عليه في الذكرى، قال: «و نقله نجيب الدين بن نما عن شيخه ابن إدريس، لأنه من إتمام الصلاة و الإكثار المأمور به في هذه الأماكن» بل في الذكرى «و لا فرق بين أن يتم الفريضة أولا، و لا بين أن يصلي الفريضة خارجا عنها و النافلة فيها أو يصليهما معا فيها» و لا بأس به، لكن الأول لا يخلو من بحث، و الله العالم.

[في إعادة الصلاة إذا تعين القصر على المسافر فأتم عالما عامدا]

و إذا تعين القصر على المسافر فأتم عالما عامدا أعاد على كل حال في الوقت و خارجه بلا خلاف أجده بل عن الغنية و الدروس و المدارك و عن الانتصار و التذكرة و شرح الأستاد الأكبر و ظاهر المنتهى و النجيبية و الذخيرة الإجماع عليه، لعدم صدق الامتثال، إذ القصر عزيمة كما عرفت و

للصحيح (1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): صليت الظهر أربع ركعات، و أنا في سفر قال: أعد»

و الآخر عن زرارة و محمد بن مسلم (2)عن الباقر (عليه السلام) قالا «قلنا: فمن صلى في السفر أربعا أ يعيد أم لا؟ قال: إن كان قرئت عليه آية التقصير و فسرت له فصلى أربعا أعاد، و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه»

و المروي (3)عن الخصال «و إن لم يقصر في السفر لم تجز صلاته، لأنه قد زاد في فرض الله تعالى».

و لا فرق على الظاهر في الحكم المزبور بين القول بوجوب التسليم أو استحبابه و لذا اتفق الجميع عليه، و لم يقل أحد منهم بصحة الصلاة هنا بناء على تحقق الخروج من


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 8.

ج 14، ص: 343

الصلاة بالفراغ من التشهد الذي هو آخر أجزائها الواجبة، و لعله لذا استدل بعضهم على وجوب التسليم بما في المقام، لكن قد يقال به هنا للدليل، أو أنه بناء على استحباب التسليم لا يتحقق الخروج من الصلاة بمجرد الفراغ، بل لا بد معه من نية الخروج أو فعل ما به يحصل كالتسليم، و إلا لصحت الصلاة لوقوع الزيادة خارج الصلاة، بل قد يقال إنه و إن لم نعتبر قصد الخروج في

الفراغ إلا أن المبطل قصد عدم الخروج من الصلاة، و في المدارك «الحق أن الصلاة المقصورة إنما تبطل بالإتمام إذا وقعت ابتداء على ذلك الوجه دون ما إذا وقعت على وجه القصر ثم حصل الإتمام بعد الفراغ من الأفعال الواجبة جمعا بين الروايات المتضمنة لهذا الحكم و الأدلة الدالة على استحباب التسليم» و لتمام البحث معه مقام آخر، انما المقصود اتفاق القولين على البطلان هنا.

[في حكم ما لو أتم المسافر جاهلا]

و لو كان قد أتم صلاته جاهلا ب أن حكم المسافر التقصير فلا إعادة و لو كان الوقت باقيا للصحيح (1)السابق وفاقا للأكثر كما في المدارك و غيرها، بل المشهور كما في الروض و غيره، بل في الرياض «أن عليه الإجماع في الجملة في ظاهر بعض العبارات» بل حكى المقدس البغدادي الإجماع عليه صريحا، و ربما يؤيده معروفية استثناء هذه المسألة و مسألة الجهر و الإخفات من عدم معذورية الجاهل، كما يومي اليه سؤال الرسي و الرضي السيد المرتضى عن وجه ذلك، قال الأول: أما الوجه فيما تفتي به الطائفة من سقوط فرض القضاء عمن صلى من المقصرين صلاة المتمم بعد خروج الوقت إذا كان جاهلا بالحكم في ذلك، مع علمنا بأن الجهل بأعداد الركعات لا يصح معه العلم بتفاصيل أحكامها و وجوهها إذ من البعيد أن يعلم بالتفصيل مع جهل الجملة التي هي الأصل، و الإجماع على أن من صلى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزية، و ما لا يجزي

من الصلاة يجب قضاؤه» و يقرب منه سؤال الثاني أيضا، و أجاب المرتضى


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 4.

ج 14، ص: 344

عنه- مقرا لهما على ما يستفاد من كلامهما من كون الحكم مفروغا عنه- تارة بأنه يجوز تغير الحكم الشرعي بسبب الجهل و إن كان الجاهل غير معذور، و أخرى بما يقرب منه أيضا من أن الجهل و إن لم يعذر صاحبه و هو مذموم يجوز أن يتغير معه الحكم الشرعي و يكون حكم العالم بخلاف حكم الجاهل، و كأنه يريد أن الجاهل هنا أيضا غير معذور بالنسبة للإثم و عدمه و إن كان فعله صحيحا للدليل، إذ لا بأس بترتيب الشارع حكما على فعل أو ترك للمكلف عاص به، كما في مسألة الضد التي مبناها أن الشارع أراد الصلاة من المكلف و طلبها منه بعد عصيانه بترك الأمر المضيق الذي هو إزالة النجاسة مثلا، فهنا أيضا يأثم هذا الجاهل بترك التعلم و التفقه المأمور بهما كتابا(1)و سنة(2)إلا أنه لو صلى بعد عصيانه في ذلك صحت صلاته للدليل، فتأمل.

و كيف كان فلا ينبغي التأمل في الحكم المزبور بعد ما عرفت، فما في الغنية و عن الإسكافي و أبي الصلاح- من الإعادة في الوقت دون خارجه، بل في الأول الإجماع عليه، لقاعدة عدم معذورية الجاهل التي يجب الخروج عنها بعد تسليم شمولها لما نحن فيه بما عرفت، و

لإطلاق الأمر بها في بعض المعتبرة(3)التي ستسمعها في الناسي، و في الصحيح (4)و مروي الخصال (5)السابقين الذي يجب الخروج عنه أيضا بما مر بناء على كون التعارض بينهما بالعموم و الخصوص المطلق، بل و على كونه من وجه، لوضوح رجحانه عليه بالشهرة العظيمة و غيرها التي منها و من غيرها يعلم ما في دعوى الإجماع السابق- في غاية الضعف، و إن كان ربما قيل إنه قد يظهر من الرسي بل و المرتضى


1- 1 سورة التوبة- الآية 123 و سورة النحل- الآية 45.
2- 2 أصول الكافي ج 1 ص 30 الباب 1 من كتاب العلم.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 8.

ج 14، ص: 345

حيث أقره على ظاهر سؤاله غير منكر عليه، مع أنه يمكن منعه على مدعيه، خصوصا بالنسبة للسيد، إذ مطمح نظره الجواب عن أصل الاشكال، و أضعف منه ما يحكى عن العماني من الإعادة في الوقت و خارجه لبعض ما مر مما عرفت الحال فيه، فلا نعيده.

و لا يبعد إلحاق الصوم بالصلاة كما نص عليه في الدروس، و يقتضيه استدلال الشريف البغدادي على حكم الجاهل بالنسبة إلى الصلاة ب

صحيح ليث (1)«إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر، و إن صام بجهالة لم يقضه»

الذي هو الحجة على ما نحن فيه، و يؤيده في الجملة تلازم القصر و الإفطار و الصيام و

التمام و أنهما سواء، و إن كان لا يخلو من تأمل ما، لقاعدة عدم معذورية الجاهل التي اقتصر في الاستثناء منها على المسألتين، اللهم إلا أن يريدوا بالقصر و الإتمام ما يشمل الإفطار و الصيام، و لعله يأتي في الصوم تمام البحث فيه إن شاء الله.

و الأحوط بل الأقوى الاقتصار فيما خالف تلك القاعدة المحكي عليها الإجماع في كلام الرضي و الرسي و الموافقة لظاهر الأدلة على المتيقن، و هو جهل القصر من أصله كما هو ظاهر الصحيح المزبور بل و الفتاوى على ما اعترف به في الروض، و عن الحدائق أنه المشهور، و في الكفاية أنه أنسب بالقواعد، و عن الذخيرة و شرح الأستاد التصريح باختياره، دون الجهل ببعض الخصوصيات كمن جهل انقطاع كثرة السفر بإقامة العشرة فأتم، أو انقطاع سفر المعصية بقصد الطاعة في أثنائه أو نحو ذلك، لكن توقف في المدارك كما عن نهاية الأحكام، بل عن مجمع البرهان التصريح بالتسوية بين الجميع في الحكم، و لعله للاشتراك في العذر المسوغ لذلك، و هو الجهل، و ل

قوله (عليه السلام) في الصحيح (2)المزبور: «و فسرت له»

إذ قد يقال باندراج ذلك كله


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 6 من كتاب الصوم.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 4.

ج 14، ص: 346

في غير المفسر الذي يعذر فيه بمقتضى المفهوم.

بل قد يندرج فيه أيضا الجاهل يكون المسافة الموجبة للقصر الثمانية أو الأربعة مع الرجوع ليومه و نحو ذلك، إلا أنه لا ريب في أن الأحوط إن لم يكن الأقوى الأول كما أنه كذلك أيضا لو انعكس الفرض بأن صلى من فرضه التمام لإقامة و نحوها قصرا جاهلا بالحكم فضلا عن أن يكون عالما لما عرفت، و في الروض و عن الحدائق أنه المشهور، بل ربما كان ظاهر جميع الأصحاب أيضا حيث اقتصروا في بيان المعذورية على الأولى التي لا يلزم منها المعذورية هنا قطعا، إذ لعل العذر هناك من جهة أصالة التمام و معروفيته بخلافه هنا، خلافا للمحكي عن جامع ابن سعيد فالصحة و عن مجمع البرهان نفي البعد عنها، و لعله لإطلاق استثنائهم الجهل بالقصر و الإتمام من القاعدة، و للاشتراك في العلية و ل

صحيح منصور(1)عن الصادق (عليه السلام) «إذا أتيت بلدة و أزمعت المقام بها عشرة فأتم الصلاة، و إن تركه رجل جاهلا فليس عليه الإعادة»

و خبر محمد بن إسحاق (2)عن أبي الحسن (عليه السلام) في الامرأة التي صلت المغرب ركعتين في سفرها قال:

«ليس عليها قضاء».

بل منه ينقدح حينئذ أنه لا فرق هنا في ذلك بين ما يصح قصره و ما لا يصح كما عن بعض مشايخ المحدث البحراني، مع أن في الدروس الإجماع على الإعادة في قصر الثانية، بل قد يقال بقصور هذا الخبر لشذوذه كما اعترف به

في الدروس، بل عن عن الشيخ (ره) الذي هو رواه ذلك أيضا، بل عن شرح الأستاد ذلك أيضا ناسبا له إلى الأصحاب عن تخصيص القاعدة و الأخبار المتواترة الدالة على تثليث المغرب و لفعل النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) و إجماع المسلمين أو ضرورتهم على ذلك، و على أنه لا قصر فيها، بل قد يقال بقصور الصحيح (3)الأول


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 3.

ج 14، ص: 347

أيضا عن تخصيص القاعدة أيضا، لقلة المفتي به، إذ لم يحك إلا عن ابن سعيد و بعض متأخري المتأخرين، بل ربما احتمل عود الضمير فيه الى القصر للمسافر و إن لم يكن مذكورا فيه كما في الروض، و إن كان هو كما ترى، لكنه قد يقال هو- على كل حال بعد ما عرفت- من الشواذ التي لا يعمل بها في نفس مضمونها فضلا عن أن يتعدى منه الى غيره، خصوصا ما يحكى عن يحيى أيضا من أنه ألحق به ناشئ الإقامة في عدم الإعادة، و إن كان قيل إنه لم يوافقه عليه أحد، هذا.

و في المسالك لو أتم لجهله بالمسافة فلا إعادة مطلقا، لاقتضاء الأمر الناشي من الأمر بالاستصحاب الاجزاء، مع احتمالها في الوقت كما عن الجعفرية و شرحها، لعدم الإتيان بالمأمور به واقعا، و هو أحوط، نعم لا قضاء عليه خارج الوقت و إن فرط في الفحص لعدم صدق اسم الفوات، كما أنه يجب عليه أن يقصر

على القولين بعد تجدد العلم و إن نقص الباقي عن المسافة، و الله أعلم.

[في حكم من أتم صلاته نسيانا]

و أما إن كان ناسيا أعاد في الوقت، و لا يقضي إن خرج الوقت كما هو المشهور، بل في الرياض أن عليه عامة من تأخر، بل عن كشف الرموز لا أعلم فيه مخالفا إلا ابن أبي عقيل، بل في السرائر و ظاهر الغنية و عن الخلاف و الانتصار و ظاهر المعتبر و التذكرة الإجماع عليه، بل في الأول أن الأخبار به متواترة، و عليه العمل و الفتوى من فقهاء آل الرسول (عليهم الصلاة و السلام) و هو الحجة بعد شهادة التتبع له في الجملة، مضافا الى القاعدة بالنسبة إلى الوقت، و عدم صدق اسم الفوات بالنسبة إلى خارجه، و

خبر أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) المنجبر بعد تسليم احتياجه بما عرفت بالنسبة إليهما معا «سألته عن الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات قال: إن ذكر في ذلك اليوم فليعد و إن لم يذكر حتى يمضي ذلك اليوم فلا»


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2.

ج 14، ص: 348

و الظاهر الكناية عن الوقت باليوم، كما يومي اليه مضافا الى الفتاوى

صحيح العيص (1)المنزل على الناسي قطعا، مع أنه يكفينا إطلاقه بحيث يشمل ما نحن فيه، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل

صلى و هو مسافر فأتم الصلاة قال: إن كان في وقت فليعد، و ان كان الوقت قد مضى فلا».

فما عن الصدوق و والده و العماني و الشيخ في المبسوط و قواه في الدروس على القول بوجوب التسليم بل عن ظاهر المنتهى التوقف من جهته- من القول بالإعادة مطلقا للأصل فيهما، و إطلاق الأمر بالإعادة في الصحيح السابق الذين يجب الخروج عن أولهما و تقييد الثاني منهما بما هنا- ضعيف جدا، على أن المحكي عن الصدوق في المقنع و الفقيه التعبير بما في خبر أبي بصير(2)الذي سمعت ما قلناه فيه، لا أقل من إرادة نفس البياض من اليوم في كلامه، فلا تعرض فيه للفائت ليلا كي يخالف الأصحاب، و لعله اتكل على عدم القول بالفصل كالمحكي عن العماني من ذكر العشاء خاصة فيما نحن فيه، بل لو أريد من اليوم ما يشمل الليل و النهار لم يكن مخالفا للأصحاب في صلاة الظهرين أيضا إن أريد الليلة الماضية، بل و إن أريد الليلة المستقبلة لم يكن مخالفا في العشاء بناء على استمرار وقتها للصبح، على انه قد يشهد للأول- مضافا الى تعبيره كالعماني بلفظ الإعادة التي من المعروف إرادة ما لا يشمل القضاء منها- غلبة فتواه كوالده بمضمون

الفقه الرضوي، و الموجود فيه (3)على ما قيل «و إن كنت صليت في السفر صلاة تامة فذكرتها و أنت في وقتها فعليك الإعادة، و إن ذكرتها بعد خروج الوقت فلا شي ء عليك»

كما أن الموجود في المبسوط «و من مشى في السفر فصلى صلاة مقيم لم تلزمه الإعادة إلا إذا


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2.
3- 3 المستدرك- الباب- 12- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2.

ج 14، ص: 349

كان الوقت باقيا فإنه يعيد» و هي نصة في موافقة الأصحاب، فتتفق الكلمة حينئذ، و ينعقد الإجماع فمن العجيب نسبة الخلاف اليه من المختلف و من تأخر عنه، و كأنه لما وقع له بعد هذه العبارة بيسير جدا، و هو «من سهى فصلى أربعا بطلت صلاته، لأن من قال من أصحابنا بأن كل سهو يلحق في صلاة السفر يوجب الإعادة فظاهر، و من لم يقل فقد زاد فيه فعليه الإعادة» لكنك خبير بإمكان تنزيله على الأول، خصوصا بعد معروفية لفظ الإعادة فيما لا يشمل خارج الوقت، و لا ينافيه ذكره البطلان أولا لاحتمال ارادته منه حينئذ مع الذكر في الوقت، بل يمكن إرادته البطلان على كل حال و إن سقط القضاء عنه عفوا للدليل لو علم خارج الوقت لا للحكم بصحة ما فعله الذي لم يوافق الأمر في الواقع، و بإمكان تنزيله على شي ء آخر ستسمعه، فتأمل جيدا.

و إن أبيت عن ذلك كله فهو محجوج بما عرفت، بل لعل مثله غير قادح في إمكان تحصيل الإجماع، فتقويته له في الدروس في غير محلها، كتوقف الفاضل في ظاهر المنتهى كما سمعتهما، نعم عن الذكرى «أنه يتخرج على القول بأن من زاد خامسة في الصلاة و كان قد قعد مقدار التشهد تسلم له صحة الصلاة لأن التشهد حائل بين ذلك و بين الزيادة» و استحسنه في الروض، بل قال: «إنه كان ينبغي لمثبت تلك المسألة القول بها هنا، و لا يمكن التخلص من ذلك إلا بأحد أمور إما بإلغاء ذلك كما ذهب إليه أكثر الأصحاب، أو القول باختصاصه بالزيادة على الرابعة كما هو مورد النص هناك، و لا يتعدى الى الثلاثية و الثنائية، فلا يتحقق المعارضة هنا، أو اختصاصه بزيادة ركعة لا غير كما ورد به النص هناك، و لا يتعدى الى الزائد كما عداه بعض الأصحاب، أو القول بأن ذلك في غير المسافر جمعا بين الأخبار، لكن يبقى سؤال الفرق مع اتحاد المحل» قلت: أو التزام اختلاف موضوع المسألتين إذا فرض ما نحن فيه فيمن نسي أنه مسافر فقصد التمام من أول الأمر بخلاف تلك التي ظن عدم حصول ما نواه

ج 14، ص: 350

منه فيها فزاد في صلاته سهوا أو سهى و لم يتنبه حتى فعل الخامسة، بل قد يفرق بينهما أيضا بناء على فرض المسألة أيضا فيمن قصد القصر إلا أنه سهى عنه في الأثناء فقام الى التمام بظهور الوحدة حينئذ هنا أي أنها صلاة واحدة بخلافه في تلك، نعم قد يحتاج الى التزام بعض الوجوه المزبورة لو فرض أنه قام سهوا غير متنبه، أو انه تخيل نقصان المقصورة التي قصدها ابتداء فبان الزيادة، و هما معا خلاف ظاهر فرض الأصحاب للمسألة كالمصنف و غيره مما هو ظاهر في قصده التمام لنسيان السفر، بل لعله ظاهر النص أيضا، بل قد تحمل عبارة المبسوط الثانية التي تخيل منها خلافه على هذا الفرض الذي ليس عند الأصحاب.

و من ذلك يعلم ما في المدارك حيث قال بعد أن حكى ما سمعته عن جده:

«و لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما قررناه في تلك المسألة ضعف هذه الطرق، و أنها غير مخلصة للإشكال، و الذي يقتضيه النظر أن النسيان و الزيادة إن حصلا بعد الفراغ من التشهد كانت هذه المسألة جزئية من جزئيات من زاد في صلاته ركعة فصاعدا بعد التشهد نسيانا، و قد بينا أن الأصح ان ذلك غير مبطل للصلاة مطلقا لاستحباب التسليم، و إن حصل النسيان قبل ذلك بحيث أوقعها كلها أو بعضها على وجه التمام اتجه القول بالإعادة في الوقت دون خارجه، كما اختاره الأكثر لما تقدم» انتهى، و فيه مواضع للنظر، خصوصا بعد الوقوف على ما تقدم لنا في تلك المسألة، و خصوصا بعد ما عرفته في هذه المسألة من أنها إجماعية منصوصة، فلا وجه لجعلها من جزئيات تلك المسألة، بل لو سلم له ذلك كان المتجه استثناؤها منها كما ذكره جده، و كيف كان فالخطب سهل عندنا بعد عدم القول في تلك المسألة بذلك، و الله أعلم.

و لو قصر المسافر اتفاقا لا بقصد التقصير إما لجهله بأن حكم المسافر التقصير أو لغير ذلك لم تصح صلاته بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، لأنه قد

ج 14، ص: 351

صلى صلاة يعتقد فسادها، و أنها غير المأمور بها، بل لم تكن مقصودة بحال و لا لاحظ فيها التقرب، و بالجملة ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد و أعاد حينئذ قصرا في الوقت لأصالة الشغل و عدم صدق الامتثال كما هو واضح، و لا ينافي ذلك القول بصحة عبادة الجاهل مع مطابقتها للواقع و حصول التقرب منه، و لذا لم يحلها أحد ممن تعرض لها على تلك المسألة عدا المقدس البغدادي، ضرورة كون موضوع تلك المسألة قصد الفعل للجاهل، لا أنه وقع منه اتفاقا من غير قصد، بل كان المقصود خلافه كما نحن فيه.

و لو علم خارج الوقت ففي القضاء إتماما أو قصرا وجهان ينشئان مما ستسمعه، و ربما احتمل أن المراد من نحو ما في المتن الجاهل ببلوغ مقصده مسافة فقصر ثم علم أنه مسافة، فإنه أيضا تجب عليه الإعادة في الوقت قصرا، لأن فرضه الإتمام قبل العلم، فلم يكن مأمورا بالقصر كي يصح ما فعله مما هو موقوف على موافقة الأمر، و كونه في الواقع مأمورا بالقصر مع أنه غير عالم به بل كان عالما خلافه غير مجد، و لذا لو أتم ثم علم المسافة لم يجب عليه الإعادة لقاعدة الاجزاء، و فيه أولا أن المتجه فيه الصحة إذا فرض في حال يمكن وقوع نية التقرب بالقصر منه، و ثانيا لفظ الاتفاق في العبارة ظاهر في خلافه، إذ جعله قيدا للمسافر على معنى اتفاق أنه مسافر لأن مقصده بالغ المسافة خلاف المراد من مثل العبارة المزبورة قطعا، اللهم إلا أن يقال بعدم توقف الوجه المزبور على ذلك، بل يمكن عليه أيضا رجوع القيد الى القصر على معنى اتفاق وقوع القصر منه من غير قصد له، بأن نسي إرادة التمام في صلاته فسلم على ركعتين مثلا ثم علم بلوغ مقصده المسافة، و فيه أنه حينئذ راجع الى الوجه الأول و إن كان مبناه الجهل بالحكم، و مبنى هذا الجهل بالموضوع، و لذا جمعهما في التذكرة و النهاية على ما حكي عنهما، فقال:

و لو قصر المسافر اتفاقا من غير أن يعلم وجوبه أو جهل المسافة فاتفق أن كان الفرض ذلك لم نجزه، فتأمل جيدا، هذا كله لو علم بان مقصده مسافة في الوقت، أما لو علم

ج 14، ص: 352

بذلك خارج الوقت ففي القضاء قصرا أو تماما وجهان ينشئان من حصول سبب القصر في الواقع و إن لم يكن عالما به، فهو الفائت في الحقيقة، و من أنه مكلف بالتمام، و من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته، قال في الذكرى: «و هذا مطرد فيما لو ترك الصلاة أو نسيها و لم يكن عالما بالمسافة ثم تبين المسافة بعد خروج الوقت، فان في قضائها قصرا أو تماما الوجهين» الى آخره.

و يقوى في النظر الأول، لأن المخاطب به في الواقع و في اللوح المحفوظ القصر، فهو الذي فاته، و إن كان هو لو صلى تماما في ذلك الوقت كان معذورا، خلافا للذكرى فقوى الثاني، بل اختاره المقدس البغدادي معللا له بأنه لم يخاطب إلا بالتمام، لأن جهله انما كان بالموضوع لا بالحكم الذي كان خطاب الجاهل به في الواقع القصر و ان عذر في اعتقاده، ضرورة الفرق بين الجهل بالحكم و الجهل بالموضوع، و هو كما ترى، خصوصا بعد ما عرفت سابقا من معذورية الجاهل بالقصر هنا بحيث لو صلى تماما ثم علم بعد ذلك لم يكن عليه الإعادة، فكان التكليف بالقصر في الحقيقة من مقومات موضوعه علم المكلف به، فهو أولى بالواقعية المزبورة من الجهل بالموضوع الذي يمكن منع الاجتزاء فيه بما يقع منه من التمام لو تبين له في الوقت كون المقصد مسافة مثلا كما سمعته سابقا في الشرائط، و قاعدة الإجزاء قد ذكرنا غير مرة أن موردها الأمر في الواقع لا تخيل الأمر كما في الفرض.

فالأقوى القضاء قصرا في المسألتين، لأنه الفائت في الحقيقة، و لأن القضاء ليس في الحقيقة إلا توسعة في وقت الفعل بدليل غير دليل الأداء، فهو في الحقيقة كمن علم في الوقت قبل أن يصلي، و قوله (عليه السلام): «كما فاتته» يراد منه كيفيات الفعل التي قررها الشارع له في الواقع لا بحسب زعم المكلف، فتأمل هذا.

و ربما فسرت العبارة و نحوها بمن نوى الصلاة تماما نسيانا ثم نسي و سلم على

ج 14، ص: 353

ركعتين ثم ذكر فإنه يعيد قصرا في الوقت و خارجه، لعدم نية ما هو فرضه ظاهرا و باطنا، بل نوى التمام الذي هو خلافه، و فيه أنه بناء عليه تندرج فيما ذكرناه من التفسير أيضا، إلا أنه قد يناقش في وجوب الإعادة عليه بأن نية الإتمام سهوا مع عدم وقوع غير القصر منه لا تؤثر بطلانا بل تكون لغوا، و لذا لو ذكر قبل التسليم مثلا فسلم صحت صلاته قصرا بلا كلام كما اعترف به المقدس البغدادي، و منه استوجه عدم الإعادة تبعا للذكرى حيث قواه، و يؤيده أن القصر و الإتمام ليسا من مقومات الفعل حتى يجب نيتهما، و لا تعدد لما في الذمة حتى يجب تشخيصه بذلك و نحوه، و هو لا يخلو من وجه، إلا أن الأحوط الإعادة.

هذا كله لو وقع القصر منه اتفاقا من غير قصد، أما لو قصده مع علمه بأن تكليفه الإتمام فلا ريب في البطلان و إن طابق الواقع، لعدم تصور نية التقرب منه بعد فرض قصده العصيان بفعل التقصير، و من الواضح أن ذلك غير مفروض المتن و نحوه، و لذا نص عليهما معا بعضهم كما قيل معللا للبطلان في الأولى باعتقاد فساد الصلاة، و للثانية باعتقاد المعصية، و هما متغايران ضرورة، لكن قيل إنه ربما اشتبه على بعض الناس المسألتان، و هو غريب بعد التصريح في الأولى باتفاقية القصر، و في الثانية بتعمده، و الله أعلم.

[حكم ما إذا دخل الوقت و هو حاضر ثم سافر و الوقت باق]

و إذا دخل الوقت و هو حاضر متمكن من فعل الصلاة و قد مضى من الوقت ما يسعها جامعة للشرائط ثم سافر أي تجاوز محل الترخص و الوقت باق قيل و القائل الصدوق في المقنع، و العماني على ما حكي عنهما و اختاره الفاضل في المختلف و الإرشاد و الشهيدان في الدروس و ظاهر الروض، بل في الأخير أنه المشهور بين المتأخرين يتم بناء على اعتبار وقت الوجوب، و قيل و القائل المفيد و المرتضى و الشيخ في موضع من المبسوط و التهذيب على ما حكي عنهم و عن كثير من المتأخرين،

ج 14، ص: 354

بل في الرياض أنه الأشهر، بل في ظاهر السرائر أو صريحها الإجماع عليه يقصر اعتبارا بحال الأداء، و قيل و القائل الشيخ في الخلاف على ما قيل يتخير بينهما جمعا بين الأدلة و قيل كما عن الشيخ في نهايته و الصدوق في فقيهه يتم مع السعة و يقصر مع الضيق و لا ريب أن القول ب التقصير أشبه الأقوال، للإجماع السابق المعتضد بالشهرة المحكية إن لم تكن محصلة، و باعتبار حال الأداء في المسألة الآتية عند المخالف هنا مثل الفاضل و الشهيد و غيرهما المقتضي لاعتباره هنا أيضا، فتأمل، و بقاعدة القصر على المسافر و الإتمام على الحاضر، و بإطلاق أدلة التقصير للمسافر كتابا و سنة المقطوع بشمولها للفرض، ضرورة كونه مسافرا حال الأداء، و احتمال إرادة المسافر حال الوجوب من ذلك الإطلاق- فلا يشمل حينئذ، بل يبقى على مقتضى إطلاق الإتمام على الحاضر المراد منه حال الوجوب أيضا- لا ينبغي أن يصغى إليه، للقطع بانصراف قولهم (عليهم السلام): الحاضر يتم و المسافر يقصر إلى إرادة الحضور و السفر حال أداء الصلاة لتحقق الموضوع الذي رتب الشارع الحكمين عليه، بل هو حقيقة في نحو ذلك، فلو أريد منه من كان حاضرا أو مسافرا في الزمن السابق على زمن صدور الفعل كان مجازا قطعا كما هو واضح.

و المعتضد أيضا بخصوص

صحيح إسماعيل بن جابر(1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يدخل علي وقت الظهر و أنا في السفر فلا أصلي حتى أدخل أهلي فقال:

صل و أتم الصلاة، قلت: فدخل علي وقت الصلاة و أنا في أهلي أريد السفر فلا أصلي حتى أخرج فقال: فصل و قصر، فان لم تفعل فقد خالفت الله و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم»

و صحيح محمد بن مسلم (2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة المسافر الحديث- 2 مع الاختلاف اليسير.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة المسافر الحديث- 1.

ج 14، ص: 355

الشمس قال: إذا خرجت فصل ركعتين»

و خبر الوشاء(1)المنجبر بما سمعت، قال:

«سمعت الرضا (ع) يقول: إذا زالت الشمس و أنت في المصر و أنت تريد السفر فأتم، و إذا خرجت بعد الزوال قصر العصر»

بناء على إرادة الإتمام منه في المصر،

و الرضوي (2)«فإن خرجت من منزلك و قد دخل عليك وقت الصلاة في الحضر و لم تصل حتى خرجت فعليك التقصير، و ان دخل عليك وقت الصلاة في السفر و لم تصل حتى تدخل أهلك فعليك التمام».

و المناقشة في الجميع باحتمال إرادة الخروج قبل مضي زمان يسع الصلاة و ما تحتاجه من الشرائط كي يتحقق الوجوب الذي هو شرط الإتمام في السفر عند الخصم، بل يمكن دعوى أن ذلك هو ظاهر بعضها يدفعها- مع عدم التصريح بالشرط المزبور في كلام بعضهم، بل ربما كان مقتضى ما تسمعه من بعض أدلتهم عدمه، نعم ذكره الشهيدان منهم، و ربما كان ظاهر غيرهما أيضا- أن مجرد الاحتمال لا يدفع الاستدلال بالظواهر من الإطلاقات و نحوها، خصوصا إذا انضم إليها ترك الاستفصال و نحوه، و خصوصا إذا كان الفرد الغالب من المطلق هو المطلوب كما في المقام، ضرورة غلبة سعة الوقت للصلاة مع فرض دخول الوقت عند أهله باعتبار عدم خطابه بالتقصير حتى يتجاوز محل الترخص، و قبله يصلي تماما، فهو الى أن يتجاوزه يسع الصلاة و أزيد قطعا.

و معارضة ذلك كله باستصحاب التمام أو إطلاق أدلة وجوبه على الحاضر الشامل لمثل الفرض- ضرورة عدم تقييد الوجوب بما إذا لم يسافر، و بأصالة التمام في الفريضة المستفاد من إطلاق الأدلة المقتصر في الخروج عنه على المتيقن من المسافر الذي لم يستقر وجوب

التمام عليه، و بأنه كالحائض و المغمى عليه و نحوهما من ذوي الأعذار الذين


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة المسافر الحديث 12.
2- 2 المستدرك الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1.

ج 14، ص: 356

يجب عليهم القضاء إذا طرأ العذر بعد مضي ما يسع الصلاة و لم يفعلوا، لاشتراك الجميع في طرو العذر و إن كان هو فيما نحن فيه يقتضي سقوط الركعتين، و في تلك يقتضي سقوط الصلاة من رأس، فكما هو لم يؤثر هناك بعد الاستقرار المزبور لم يؤثر هنا، و بأنه لو وجب القصر هنا في الأداء لوجب في القضاء عند القوات، و ليس فليس، و بأنه لو وجب القصر لوجب الإفطار، ضرورة تلازمهما، و ليس فليس، و بأنه لو فرض شروعه في الصلاة قبل تحقق اسم السفر عليه حتى صار كذلك و هو في أثنائها كما إذا كان في سفينة أو راحلة لم يكن إشكال في وجوب إكماله الصلاة تماما، لأنها على ما افتتحت، فكذا هنا، لعدم الفصل بين الصور، و ب

صحيح ابن مسلم (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يدخل من سفره و قد دخل وقت الصلاة و هو في الطريق فقال: يصلي ركعتين، و إن خرج الى سفره و قد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا»

و نحوه

خبره الآخر(2)و خبر بشير النبال (3)«خرجت مع أبي عبد الله (عليه السلام) حتى أتينا الشجرة فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا نبال قلت: لبيك، قال: إنه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلي أربعا غيري و غيرك، و ذلك، انه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج»

و الموثق (4)عن الصادق (عليه السلام) أيضا قال:

«سئل إذا زالت الشمس و هو في منزله ثم يخرج في سفره قال: يبدأ بالزوال فيصليها ثم يصلي الأولى بتقصير ركعتين، لأنه خرج من منزله قبل أن تحضره الأولى، و سئل فإن خرج بعد ما حضرت الأولى قال: يصلي أربع ركعات ثم يصلي بعد النوافل ثمان ركعات، لأنه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى، فإذا حضرت العصر صلى


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها- الحديث 1.

ج 14، ص: 357

العصر بتقصير، و هي ركعتان لانه خرج في السفر قبل أن يحضر العصر»

- ضعيفة جدا إذ الاستصحاب- مع إمكان منع جريانه في نحو المقام باعتبار أن الذي يجب في أول الوقت انما هو كلي الصلاة لا شخصها، و يتخير المكلف في الإيقاع في أي جزء شاء من الزمان الموسع على حسب ما يقتضيه تكليف ذلك الجزء بخصوصه و ضوء أو تيمما أو جلوسا أو اضطجاعا و نحو ذلك، نعم في بعضها لا يجوز للمكلف نقل حاله اليه اختيارا، و بعضها يجوز كما في المقام، إذ لا ريب أن التخيير في الشي ء تخيير في لوازمه، و لذا قيل إنه يستفاد بدلالة الإشارة من التوسعة في الوقت و مما دل على إباحة السفر مطلقا تخيير المكلف في الصلاة بين الإتمام بأن يصليها و هو حاضر و بين القصر بأن يسافر فيصليها كذلك، كدلالة الآيتين (1)على أقل الحمل- مقطوع بما سمعت من الأدلة السابقة، و كذا إطلاق أدلة التمام التي استفيد منها أصالته بعد الغض عن المناقشة فيه، و أما إطلاق أدلة وجوبه على الحاضر فقد عرفت وضوح عدم شمولها للمقام، و مع التسليم فهو معارض بمثله، و مقيد بما عرفت، و الفرق بين المقام و بين الحائض و المغمى عليه في غاية الوضوح، فقياسه حينئذ عليهما مع حرمته مع الفارق، كوضوح منع الإتمام في القضاء، إذ هو تابع للكلام في الأداء، و لو سلم لفرض دليل يدل على اعتبار القضاء بحال الوجوب دون الأداء فلا ينبغي قياس المقام عليه أيضا، كما أن عدم وجوب الإفطار للدليل و إن كان هو مسافرا لا يستلزم عدم القصر الواجب على المسافر، و لذا وجب القصر عليه باعتراف الخصم دون الإفطار إذا فرض سفره حين الزوال بحيث لم يمض منه مقدار أداء الصلاة، أو في وقت اختصاص الظهر دون العصر، و كذا لا تلازم بين الإتمام في الفريضة

التي تحقق السفر في أثنائها و بين المقام، إذ لعله لاشتراط القصر بسبق تحقق السفر على افتتاح الصلاة، مع أنه يمكن منع الأصل إذا فرض تحقق


1- 1 سورة البقرة، الآية 233، و سورة الأحقاف، الآية 14.

ج 14، ص: 358

السفر في الأثناء قبل أن يتجاوز محل القصر، لانتقال تكليفه حينئذ مثل من نوى الإقامة في أثناء الصلاة أو رجع عنها كذلك، فتأمل، كما أنه يمكن النقض بالعكس فيما افتتح الصلاة على القصر ثم صار حاضرا في أثنائها، فإن المتجه حينئذ على مذاق الخصم القصر، لأن الصلاة على ما افتتحت عليه، مع أنه لا يلتزم القول بالقصر إذا اتصف بالحضور قبل الشروع في الصلاة، فيعلم عدم التلازم بين المسألتين.

و صحيح ابن مسلم- مع قصوره عن معارضة ما تقدم من الأدلة من وجوه، منها الشهرة و الموافقة للإطلاقات، خصوصا مع اضطراب سنده و متنه في الجملة بالنسبة إلى رواية التهذيب له- محتمل لإرادة الصلاة أربعا في البلد عند إرادة الخروج الى السفر أو قبل تجاوز محل الترخص ثم يسافر، إذ يصدق عليه حينئذ أنه خرج الى سفره، كخبره الآخر، و أما خبر بشير النبال فهو ضعيف السند لا يصلح لمعارضة بعض ما عرفت فضلا عن جميعه، خصوصا مع احتماله الحمل على التقية كسابقه كما في الرياض، و الموثق- مع قصوره عن المقاومة أيضا- لا ينطبق على المختار عندنا من دخول وقت الظهر بمجرد الزوال و اشتراكها مع العصر بما بعد وقت الاختصاص، أو مطلقا على القولين.

و من ذلك كله تعرف ما في المحكي عن بعض أفاضل المتأخرين من التوقف و عدم الترجيح معللا له بتعارض الصحيحين و احتمال كل منهما الحمل على الآخر، إذ لا يخفى عليك رجحان حمل هذا الصحيح على الأول للشهرة و الإجماع المحكي و الموافقة للعمومات و الإطلاقات، و أقربية التصرف فيه من التصرف في الأول، إذ غايته صرف الأمر فيه بالتقصير إلى صورة الخروج من البلد بعد دخول الوقت من غير مضي مقدار الصلاة بالشرائط كما سمعته سابقا، و هو في غاية البعد، لأن الخروج الى محل الترخص بعد دخول الوقت في المنزل كما هو نص مورده يستلزم مضي وقت الصلاتين بل و أكثر، و لا أقل من أحدهما قطعا، مع أنه عليه السلام أمر بالقصر من غير استفصال عن مضي

ج 14، ص: 359

مقدارهما أو أحدهما، مع أن قوله فيه: «فلا أصلي حتى أخرج» كالصريح في تمكنه من الصلاة قبل الخروج، مع أن تأكيد الحكم بالقسم على تقديره يلغو عن الفائدة الظاهرة منه، و هي رفع ما يتوهم من وجوب التمام أو جوازه، إذ هو ليس محل توهم لأحد حينئذ بخلافه على الظاهر، و لعله لذا اعترف الفاضل المذكور فيما حكي عنه بأن هذا الصحيح أقبل للتأويل من ذلك على أن المراد (من ظ) خرج من سفره أشرف عليه لا الخروج حقيقة، و هو كما ذكره.

و كذا تعرف من ذلك كله ما في القول بالتخيير مع استحباب التمام الذي منشئه دعوى تعارض الأدلة و تكافئها الموجب للعمل بها جميعا على التخيير، خصوصا مع ورود

صحيح منصور(1)بذلك في المسألة الثانية، قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا كان في سفره فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتى يدخل أهله فإن شاء قصر و إن شاء أتم، و الإتمام أحب إلى»

لمنع التكافؤ أولا كما هو واضح، و صراحة بعض (2)تلك الأخبار السابقة في نفي التخيير مع استحباب التمام كالحلف بالله و نحوه ثانيا، و كون الخبر المزبور في المسألة الثانية لا فيما نحن فيه و لا تلازم بينهما، مع أن معارضة بالنسبة إليها أكثر مما هنا عددا و أقوى دلالة، و لذا راعى فيها حال الأداء من قال بمراعاة حال الوجوب هنا، لاستفاضة الروايات هناك بانقطاع حكم السفر بالوصول الى المنزل، و أنه يقصر حتى يدخل أهله، فطرحه حينئذ بالنسبة إليها متعين، خصوصا مع إمكان القدح بصحة سنده، و احتماله كما قيل الحمل على التقية لأنه مذهب بعض العامة.

و أما القول بالتفصيل المزبور جمعا بين الأدلة بشهادة

الموثق (3)«سمعت


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة المسافر الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة المسافر الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة المسافر الحديث 6.

ج 14، ص: 360

أبا الحسن (عليه السلام) يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال: إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتم، و إن كان يخاف خروج الوقت فليقصر»

و نحوه خبر الحكم بن مسكين (1)فهو- مع أن التأمل في تلك الأدلة يشرف الفقيه على القطع بعدمه، و ضعف سند الثاني منهما- مدفوع بأنه لا شهادة في شي ء منهما على ذلك لاحتمالهما أو ظهورهما في إرادة الضيق و السعة بالنسبة للدخول و عدمه على معنى أنه إن وسع الوقت للدخول فليدخل و يتم، و إلا فليصل قصرا قبل الدخول و هو مسافر، كما في

صحيح ابن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) «في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة فقال: إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل فليتم، و إن كان يخاف أن يخرج الوقت قيل أن يدخل فليصل و ليقصر»

فهما بالدلالة على خلاف المطلوب أولى، فلا جهة لتحكيمهما على تلك الأدلة كما هو واضح، لكن و مع ذلك فالاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام مما لا ينبغي تركه في مثل المقام المعلوم شغل الذمة به، و من الغريب ما في المختلف من الاستدلال على مختاره بأنه أوفق في الاحتياط من القصر، لأنه إذا جاء به برئت ذمته قطعا بخلافه لو قصر، و هو كما ترى، إذ من الواضح أن الاحتياط بالجمع بينهما لا بفعل التمام و حده، إذ ليس هو قصرا و زيادة. و الله أعلم.

و كذا الخلاف لو دخل الوقت و هو مسافر فحضر بعد مضي زمان يسع الصلاة و الوقت باق و لكن المشهور هنا بين الأصحاب نقلا و تحصيلا أن الإتمام هنا أشبه اعتبارا بحال الأداء، حتى أن مثل العلامة و الشهيدين ممن اعتبر حال الوجوب هناك قال هنا باعتبار حال الأداء، بل اكتفى في ثبوته بسعة الوقت لإدراك الركعة من الفريضة مع الشرائط، و هو كذلك، و ان كان ليس له فعل ذلك اختيارا،


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 8.

ج 14، ص: 361

بل اعترف غير واحد بعدم معروفية القائل بتعيين القصر و إن كان يفهم من المتن، بل صرح بعضهم بنسبته الى القيل، بل في السرائر «أنه لم يذهب الى ذلك أحد، و لم يقل به فقيه، و لا مصنف ذكره في كتابه لا منا و لا من مخالفينا» الى آخره: لكن يدل عليه بعض النصوص (1)السابقة إلا أنه يجب رفع اليد عنها أو تأويلها ببعض ما عرفت، لمعارضته بمثل ما مر حتى الإجماع المحكي مع زيادة عظم الشهرة هنا، و معروفية انقطاع السفر بالمرور بالمنزل نصا و فتوى، و

صحيح العيص بن القاسم (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثم يدخل بيته قبل أن يصليها قال: يصليها أربعا، و قال: لا يزال يقصر حتى يدخل بيته»

و أما القول بالتخيير أو التفصيل فهما و إن نسب أولهما إلى الشيخ و ثانيهما الى ابن الجنيد إلا أنه لم نتحققهما أيضا و لكن دليلهما مع الجواب عنه يظهر مما عرفت، بل هذا المقام أولى بجميع ما ذكرناه في ذلك المقام كما لا يخفى.

[في استحباب التسبيحات الأربع عقيب المقصورة ثلاثين مرة]

و يستحب أن يقول عقيب كل فريضة مقصورة ثلاثين مرة سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر جبرا للنقصان العارض للفريضة بلا خلاف أجده، ل

خبر سليمان المروزي (3)قال: «قال الفقيه العسكري (عليه السلام): يجب على المسافر أن يقول في دبر كل صلاة يقصر فيها: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ثلاثين مرة لتمام الصلاة»

إذ هو و إن كان مشتملا على لفظ الوجوب إلا أنه لما لم يقل به أحد كما اعترف به في الرياض و كان الخبر ضعيف السند اتجه حمله على إرادة مطلق الثبوت أو تأكد الاستحباب منه، على أنه يمكن منع كون لفظ الوجوب حقيقة في المعنى المصطلح بحيث يحمل عليه إذا ورد في الكتاب و السنة.


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.

ج 14، ص: 362

ثم إنه لا ريب في ظهور النص كالمتن في اختصاص المقصورة بذلك، لكن قيل إنه روي (1)

استحبابها عقيب كل فريضة، فيكون استحبابها هنا آكد و لا بأس به، و هل يتداخل الجبر و التعقيب أم يستحب التكرار وجهان أحوطهما الثاني، و الأمر سهل.

و لا يلزم المسافر متابعة الحاضر إذا ائتم به بل يقتصر على فرضه و يسلم منفردا كما تقدم تفصيل الحال فيه في فصل الجماعة.

[و أما اللواحق فمسائل]
اشاره

و أما اللواحق فمسائل:

[المسألة الأولى إذا خرج من منزله إلى مسافة فمنعه مانع]

الأولى إذا خرج من منزله إلى مسافة فمنعه مانع عن قطعها اعتبر، فان كان بحيث يخفى عليه الأذان أو الجدران بناء على الاكتفاء بأحدهما قصر إذا لم يرجع عن نية السفر بتردد أو عزم على العدم بلا خلاف و لا إشكال لأنه مسافر حينئذ، كما أنه فاقد للشرط مع فرض عدم استمرار قصده، نعم قيده بعضهم بما إذا لم يمضي عليه ثلاثون يوما أو ينوي الإقامة، و هو في محله بالنسبة الى الثاني، و أما الأول فقد يناقش بأن ظاهر الأدلة السابقة المقتضية للتمام بسببه اعتبار التردد من المسافر نفسه في السفر لا العازم الذي يكون منعه من غيره، و لعله لذا حكي عن المحقق الثاني هنا الحكم بالتقصير و إن مضى له ثلاثون يوما، إلا أنه قد يدفع بأن ظاهر تلك هو عدم علم المسافر بأنه يسير غدا أو بعد غد و لو للتعليق على أمر ليس من قبله كما ذكرناه سابقا، فلاحظ.

و إن كان بحيث يسمعه أي الأذان أو بدا له عن نية السفر و لو لتردده فيه و في عدمه أتم لأنه لم يخرج عن محل الترخص و لفقدان الشرط و هو استمرار القصد و يستوي في ذلك كله المسافر في البر و البحر للاشتراك في الأدلة.

[المسألة الثانية لو خرج الى مسافة فردته الريح]

المسألة الثانية لو خرج الى مسافة فردته الريح قبل أن يقطعها فان بلغ سماع الأذان (11) أو رؤية الجدران أتم (12) لأنه في البلد حينئذ و إلا قصر (13) إذا لم


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب التعقيب.

ج 14، ص: 363

يكن قد رجع عن نيته لأنه مسافر حينئذ، و نحوه لو رجع لقضاء حاجة، و في المدارك و عن الموجز و كشفه أنه لا يلحق في هذا الحكم موضع الإقامة، بل قال في الأول:

«يجب التقصير و إن عاد اليه ما لم يعدل عن نية السفر، أما مع العدول فيجب الإتمام في الموضعين» قلت كأن وجه الأول أنه بخروجه عنه بقصد السفر ساوى غيره، فلا مدخلية له في نفسه فضلا عن محل الترخص، لكن قضية ذلك أنه لا يرجع الى التمام و إن عدل عن السفر ما لم ينو إقامة جديدة، و لعله المراد، و إلا فالقول بالإتمام حينئذ لا يخلو من نظر، و ربما تسمع في المسألة الثالثة ما ينفعك هنا إن شاء الله، فارتقب و تأمل

[المسألة الثالثة إذا عزم على الإقامة ثم خرج إلى ما دون المسافة]

المسألة الثالثة التي اضطربت فيها الأفهام و ذلت فيها أقدام كثير من الأعلام، و هي إذا عزم المسافر على الإقامة في غير بلده عشرة أيام و قد صلى فيه فريضة تماما ثم أنه خرج عنه الى ما دون المسافة لأمر قد بدا له، فهل يبقى على حكم التمام أو يعود الى التقصير الثابت له قبل المقام، و أن جمعا من الفضلاء المتأخرين و جملة من مشايخنا المحققين قد عدلوا في المسألة عما عليه الأصحاب، و خالفوا ما هو المعروف عندهم في هذا الباب، فمنهم من أوجب التقصير في جميع صورها، و منهم من ذهب الى الإتمام في شقوق المسألة عن آخرها، و لم أقف على موافق لهذين القولين كما اعترف به العلامة الطباطبائي في مصابيحه فيما اطلعت عليه من الأقوال، و لا نقله ناقل من الفقهاء في كتب الخلاف و الاستدلال ف ان المستفاد من كلامهم الإجماع على أنه إن عزم على العود و الإقامة في ذلك المكان أتم ذاهبا و عائدا و في البلد كما حكاه عليه في الروض و المصابيح و عن المقاصد العلية، بل عن الغرية عليه عامة الأصحاب، بل عن كشف الالتباس أنه لا شك و لا خلاف فيه، و هو الحجة بعد ظهور النصوص (1)أو صراحتها في انقطاع سفره بنية الإقامة، و أنه لا يعود الى


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر.

ج 14، ص: 364

التقصير إلا إذا خرج قاصدا للمسافة، لا أقل من استصحاب حكم التمام حتى يثبت المزيل، بل على ذلك لا فرق بين أن ينوي العشرة في بلد الإقامة و غيرها مما هو دون المسافة كما عن مجمع البرهان التصريح به، لاشتراكهما معا في

المقتضي المزبور و إن كان ظاهر عبارات الأصحاب الأول كما في الذكرى الاعتراف به، إلا أنه لا يبعد عدم إرادتهم ذلك على وجه الشرطية، بل كأنه مقطوع به.

و كذا المستفاد من كلامهم الاتفاق على وجوب القصر على مريد العود دون الإقامة في الإياب و محل الإقامة كما اعترف به العلامة الطباطبائي و تلميذه شيخنا في مفتاح الكرامة، بل قيل هو ظاهر حصر الخلاف في المسألة بقولين في المسالك و الروض و جامع المقاصد و كشف الالتباس و فوائد الشرائع، بل عن الأخير و إرشاد الجعفرية نفي الخلاف فيه، بل قيل إنه صريح كلام ثاني الشهيدين في نتائج الأفكار حيث قال في أثناء كلام له: «إن أقوال أصحابنا منحصرة في هذا القسم في قولين: أحدهما القصر مطلقا، و الثاني القصر في العود، فالتفصيل بالتمام في بعض الأقسام إحداث قول ثالث رافع لما وقع عليه الإجماع المركب، كما أن أولهما نسبه الى المتأخرين في ذكراه».

قلت: و يؤيده تتبع ما وصل إلينا من كلمات الأصحاب بواسطة و بدونها من المبسوط و القاضي و السرائر و المختلف و المنتهى و التذكرة و النهاية و التحرير و القواعد و الدروس و البيان و الموجز و جامع المقاصد و فوائد الشرائع و حاشية الإرشاد و الجعفرية و الميسية و إرشاد الجعفرية و المدارك و الغرية و الدرة السنية و الذخيرة و الكفاية و غيرها و إن كان المفروض في عبارات الشيخ و القاضي و السرائر المقيم في مكة إذا أراد الخروج الى عرفات و منى لقضاء نسكه إلا أنه من المقطوع إرادتهم المثال من ذلك و أنه لا خصوصية له كما يومي اليه تعليلهم الحكم المزبور، بل هو كصريح كلماتهم، كما لا يخفى على من لاحظ عباراتهم، كما أنه من المقطوع به بملاحظتها أيضا أن بناء المسألة

ج 14، ص: 365

في الفرض على كون الخروج الى عرفات دون المسافة، لعدم ضم الذهاب إلى الإياب لغير يومه المعلوم انتفاؤه في المقام لمكان قضاء النسك، أما بناء على اعتبار الضم مطلقا كما سمعته سابقا فليس الفرض مما نحن فيه قطعا.

نعم يبقى إشكال على خصوص كلام الشيخ، لحكمه بالتخيير بين القصر و الإتمام لقاصد الأربع، فكيف يتجه له حينئذ القول بتعين الإتمام هنا مع إرادة العود و الإقامة، و عرفات على أربع فراسخ من مكة، اللهم إلا أن يريد الإتمام على أنه أحد فردي الواجب المخير أو أنه بنى الكلام هنا على القول الآخر، و هو تعين الإتمام في قاصد الأربعة الذي لم يضم الذهاب إلى الإياب في يوم واحد، أو أنه لم يثبت عنده كون عرفات على أربع فراسخ و إن صرح به في القاموس، و دلت عليه النصوص (1)كما قيل، أو غير ذلك، و لا يرد مثل هذا على حكمهم بالقصر إذا لم يرد العود و الإقامة، و ذلك لأن بناء الاشكال على كون التخيير للمسافة التلفيقية، و ليس كذلك في المقام، إذ الفرض أنه قاصد مسافة أما بخروجه الى المقصد أو بعوده منه على القولين، و بالجملة لم نقف على قائل بالإتمام في المقام، و لا من حكي عنه ذلك سوى ما يحكى عن حواشي الشهيد على

القواعد ناقلا له عن مصنفها فيمن خرج من الحلة إلى زيارة الحسين (عليه السلام) يوم النصف من رجب عازما على الرجوع الى الحلة لزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم السابع و العشرين منه أنه يقصر مطلقا و يتم احتياطا، و التمام أرجح، قيل و هذا هو المنقول عنه في أجوبة مسائل السيد السعيد المهنا ابن سنان المدني، و عن ولده فخر الإسلام في بعض الحواشي على الهوامش، و في بعض نسخ إيضاحه كما قدمنا نقله سابقا، مع أن الأول لا صراحة فيه بكون الحكم التمام، بل لعل ظاهره القصر، أو أن كلامه من المجملات، و الثاني لم يثبت النسبة اليه، مع انه شاذ، خصوصا


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة المسافر.

ج 14، ص: 366

و ظاهره الإتمام حتى لو كان في ابتداء نيته التردد فيما دون المسافة، و قد عرفت ما فيه سابقا، و كفى بذلك دليلا على الحكم المذكور، إذ هو إن لم يكن إجماعا كاشفا عن رأي المعصوم فلا ريب في حصول العلم من مثل هذا الاتفاق بوصول دليل معتبر دلهم على ذلك بحيث لو اطلعنا عليه لقلنا كمقالتهم، و كلما يفرض من الاحتمالات ينفيه القطع العادي بعدمه من المجموع.

مع أنه يمكن أن يستدل عليه مضافا الى الإجماع المحكي الذي يشهد له ما سمعت باندراجه فيما دل على القصر على المسافر المقتصر في الخروج عنه على المتيقن، و هو غير الفرض، إذ نية الإقامة لا تخرجه قطعا عن صدق المسافر، و بنحو صحيح أبي ولاد(1)السابق، ضرورة صدق الخروج بالنسبة إلى الفرض، إذ دعوى إرادة غير المشتمل على قصد العود عنه ممنوعة، و بصدق قصد المسافة عليه عند إرادة العود، أقصاه المرور بمحل الإقامة، و هو ليس من القواطع، و لا ينافيه كثرة إرادة(2)المكث فيه بعد قصوره عن قصد الإقامة الشرعية، إذ هو مار شرعا، و كذا لا ينافيه عدم كون محل الإقامة في جهة البلد التي يريد السفر إليها، ضرورة اختلاف الأغراض و المقاصد للمسافرين في محل مرورهم، فتارة يكون غرضه في مكان على الجهة، و أخرى على خلافها، بل قد يقال و كذا لا ينافيه إرادة تكرار العود الى محل الإقامة و ما دون المسافة بالنسبة إليها و عدمه، كما هو قضية إطلاق الأصحاب و تعليقهم القصر على مجرد عدم قصد الإقامة، إذ هو على كل حال قاصد قطع المسافة و ان اتفق له التردد في أثنائها لبعض الأغراض، سواء قصد ذلك ابتداء أو طرأ له في الأثناء، كما إذا لم ينو الإقامة أصلا أو لم يكن عازما على العود إلا أنه طرأ له، فان ذلك كله محسوب عليه من سفره و مسافته و إن لم يكن


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة المسافر الحديث 1.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح« ارادة كثرة المكث فيه».

ج 14، ص: 367

هو من المتعارف في الطريق الى البلد التي يريد الوصول إليها.

لكن الإنصاف أنه من المحتمل قويا تنزيل إطلاق الأصحاب على خصوص مريد العود دون الإقامة ثم الخروج بعد إلى مسافة من غير إرادة تكرار

الخروج الأول و يؤيده ما في كشف التباس الصيمري من «أن كثيرا من الناس جهلوا مراد المصنفين بقولهم: «فان عاد لا بنية الإقامة قصر» و ضلوا عن الطريق الواضح المستبين، فزعموا أن مرادهم أنه إذا خرج بعد الإقامة عشرا الى ما فوق الخفاء و دون المسافة بنية العود الى موضع الإقامة لا يجوز له الإتمام إلا مع نية إقامة عشرة أخرى مستأنفة، و لو عاد بغير نية إقامة عشرة مستأنفة و عزمه الخروج ثانيا الى ما فوق الخفاء و دون المسافة لا يجوز له الإتمام و يجب عليه التقصير، و هو جهل و ضلالة بمراد المصنفين، لأن مرادهم بذلك القول هو ما إذا كان قصده بعد الرجوع الخروج إلى مسافة، و لو كان قصده الخروج و لو كل يوم الى ما دون المسافة لم يجز له التقصير بإجماع المسلمين، لما عرفت من أن نية الإقامة عشرا مع الصلاة تماما و لو فريضة واحدة تقطع السفر و توجب الإتمام حتى يقصد مسافة أخرى، و قد صرح به الأصحاب في مصنفاتهم، قال الشهيد في دروسه: «لو خرج بعد عزم الإقامة و قد صلى تماما اشترطت مسافة أخرى» و قال في بيانه: «و لو خرج بعدها اعتبرت المسافة- الى أن قال- فعلى هذا لو خرج كل يوم الى ما فوق الخفاء و دون المسافة فهو باق على الإتمام حتى يخرج بقصد مسافة، فإنه يقصر عند الخفاء» و لو عاد بقصد الخروج قبل العشرة إلى مسافة قصر عند الشهيد و المصنف، و عند الخروج على مذهب العلامة و المحقق، فقد تحقق الصواب و زال الارتياب» و وافقه عليه المقدس البغدادي، إلا أن القطع بإجماع المسلمين على ذلك- مع إطلاق عبارات الأصحاب و ظهورها في أن المدار في التقصير على عدم قصد الإقامة المستأنفة، على أن الغالب حصول التكرار إذا بقي تسعة أيام مثلا، خصوصا

ج 14، ص: 368

في مثل المقيم في بغداد بالنسبة إلى بلد الكاظمين (عليهما السلام) و في مكة بالنسبة إلى منى و عرفة- محتاج إلى جرأة، و كأن الذي ألجأه الى ذلك استبعاد احتسابه مسافرا و قاصدا للمسافة من ابتداء عوده مع إرادته التكرار، كما أومأ إليه بقوله: «و قد صرح الأصحاب» الى آخره.

لكنك خبير بأنه يمكن أن يقال إنه و إن كان كذلك بادي الرأي إلا أنه مع التأمل و مراعاة قواعد الشرع في المسافر و المقيم التي هي لا تنطبق على ما في العرف في بعض الأحيان يرتفع ذلك الاستبعاد، و يعلم أن مراد الأصحاب بقصد المسافة ما يشمل مثل المقام، و انه لا يضره هذا التردد في الأثناء من غير فرق بين قصده ذلك ابتداء أو بدا له في الأثناء و إن كان ظاهر الكشف الاعتراف به في الثاني، و لا بين قلته و كثرته، و لا بين التردد الى مكان مخصوص أو غيره، فلا تناقض حينئذ بين كلماتهم كي يلتجأ منه الى ما ذكره، بل قد يقوى في النظر، ان المتجه على كلام الشيخ و من تبعه من القائلين بالقصر ذهابا و إيابا و مقصدا عدم الفرق بين التكرار و عدمه، لاقتضاء دليلهم ذلك.

نعم يتجه الفرق على مختار المتأخرين من التفصيل بين الذهاب و العود، فيقصر في الأخير خاصة، ضرورة أنه لا يعقل منهم الفرق بين الذهاب الأول الذي حكموا بالتمام فيه و بين الذهاب الثاني أو الثالث، إذ من المستبعد أن يحكموا بصدق السفر عليه مع هذا القصد ابتداء من حين الشروع في العود ثم الذهاب ثم الإياب و هكذا دون الذهاب الأول، و لعله الى ذلك لوح المقدس الأردبيلي فيما حكي عنه، حيث قال:

«و أما مع عدم نية الإقامة فيكون قاصدا للرجوع مع عدم الإقامة المستأنفة أو مترددا أو ذاهلا، فالظاهر وجوب الإتمام مطلقا إلا أن يكون في نفسه السفر الى بلد يكون مسافة بعد العود و قبل الإقامة، و يكون بالخروج عن بلد الإقامة قاصدا ذلك بحيث

ج 14، ص: 369

يقال إنه مسافر الى ذلك البلد إلا أن له شغلا في موضع منها فيقضي شغله ثم يرجع الى بلد الإقامة، فحينئذ يكون مقصرا بمجرد الخروج الى محل الترخص مع نية العود- ثم قال-: و بالجملة الحكم تابع لقصده، فان صدق عليه عرفا أنه مسافر و تحققت شرائط القصر قصر و إلا أتم- الى أن قال-: و ليس هذا بخارج عن القوانين و لا عن إجماعهم الذي نقل على وجوب القصر حين العود، لاحتمال كلامهم ذلك، فإنه مجمل غير مفصل- ثم قال بعد ذلك- إنهم قالوا: لا بد للقصر بعد الإقامة من قصد مسافة أخرى و من الخروج الى محل الترخص بقصد تلك المسافة بحيث يكون هذا الخروج جزء من ذلك السفر، و معلوم عدم تحقق ذلك فيما نحن فيه».

و إن كان في كلامه نظر أيضا من وجوه تعرف مما تقدم، و أعظمها دعواه الإجمال في كلمات الأصحاب، و تنزيله الإجماع المزبور على تلك الصورة المزبورة خاصة مع أنه لم يستقر عليها حتى قال ما سمعته أخيرا مما نسبه الى الأصحاب من اعتبارهم كون هذا الخروج جزء من ذلك السفر الذي هو واضح المنع إن أراد الجميع، خصوصا بعد مراعاة كلامهم في المقام كوضوح المنع فيما يحكي عن بعض من تقدم على الشهيد الثاني حيث زعم التناقض في كلمات المقام بين من أطلق القصر فيه و بين ما تقدم لهم من أن ناوي الإقامة لا يعود الى القصر بعد أن صلى تماما إلا إذا خرج قاصدا للمسافة، فأجاب بحمل كلامهم هنا على ما إذا خرج قبل الصلاة تماما، بل هو من الغرائب التي لا يعذر العالم في وقوع أمثالها منه، و كيف و المقطوع به من كلمات الأصحاب هنا إرادة خروج من كان فرضه التمام الى ما دون المسافة، و إن لم ينص عليه بعضهم ممن هو معتبر له، كما لم ينص على بعض الأمور الأخر اعتمادا على كون الناظر من أهل النظر، و إلا فما ذكره يرجع الى القصر من غير حاجة للخروج الى ما دون المسافة، بل و كذا ما ذكره الشهيد أيضا نفسه من التفصيل، و حاصله الفرق بين ما يكون العود مما هو دون المسافة

ج 14، ص: 370

فيه قرب الى بلده مثلا أو صورة رجوع اليه و بين ما لا يكون كذلك، فيقصر في الأول دون الثاني.

ثم قال: «لا يقال إن هذا خرق للإجماع المركب، إذ الناس بين قولين، فلا قائل حينئذ بالتفصيل المزبور، لأنا نقول إن القائل به أكثر الأصحاب، لأنهم قد أسلفوا قاعدة كلية، و هي أن كل من نوى إقامة عشرة و صلى تماما ثم بدا له في الإقامة فإنه يبقى على التمام الى أن يقصد مسافة جديدة، و ما ذكرناه هنا من أفراد هذه القاعدة و إن كان ظاهرهم أنها مسألة برأسها» و مراده أنه لا يتحقق صدق قصد المسافة عليه إلا بما سمعته من التفصيل، ضرورة أنه لو كان المقصد مثلا في بعض الطريق التي سلكها من بلده بحيث يكون الخروج اليه بعد نية الإقامة بصورة الرجوع الى البلد و رجوعه منه بصورة الذهاب لم يعقل كون الرجوع من محل هذا شأنه رجوعا الى بلد المسافر، و هو طرف النقيض للرجوع.

و فيه أن المدار على صدق قصد المسافة و السفر و التغيير عن محل الإقامة بعد في مكان من الأمكنة التي هي دون المسافة بالنسبة إلى محل إقامته، لا أن المدار على صدق الرجوع الى البلد و عدمه، و لا ريب في تحقق الأول بمجرد قصده نزع ثوب الإقامة و الاستقرار تلك المدة و الرجوع الى حاله قبل الإقامة، ثم ضرب في الأرض حتى خرج عن محل الترخص من محل إقامته، سواء كان قطعه لهذه المسافة مستديرا أو متعاكسا أو ملفقا أو غير ذلك، إذ المدار على أنه شرع فيما كان عليه قبل الإقامة من لباس ثوب السفر على مقتضى أغراضه و مقاصده التي تتعلق في بعض الأمكنة ذهابا و إيابا، و ليس المدار على صورة الرجوع أو قصده أو عليهما و عدمهما، على أنه قد يكون المسافر على حالة يظن كل من رآه عليها أنه ذاهب عن بلده، و هو في الواقع راجع إليها إلا أنه صدرت منه تلك الحالة لعارض من ماء أو خوف طريق أو غيرهما، و بالعكس،

ج 14، ص: 371

فان اشتباهات العرف خصوصا في المصاديق كثيرة بل من التأمل فيما ذكرنا يظهر قوة قول الشيخ و من تابعه كالقاضي و الحلي و الفاضل في كثير من كتبه و عن الغرية و الدرة السنية بالتقصير في الفرض في الذهاب و المقصد أيضا، بل ربما قيل إنه ظاهر المتن و من عبر نحوه أيضا، بل نسبه الشهيد إلى المتأخرين.

خلافا لجماعة من المتأخرين منهم الشهيد و المحقق الثاني و غيرهما فلا يقصر في الذهاب و يقصر في العود، بل عن الحدائق الظاهر أنه المشهور، بل نسبه العلامة الطباطبائي إلى أكثر المتأخرين و إن كان فيهما معا نظر لا يخفى على المتتبع.

نعم بين ما ذكره الشهيد منهم خاصة و بين غيره فرق من وجهين: أحدهما انهم صرحوا بوجوب الإتمام لغير ناوي الإقامة بعد العود في المقصد أيضا كما في الذهاب، و أن التقصير إنما هو في العود خاصة، بخلاف الشهيد فألحق المقصد بالعود في التقصير أيضا، حيث قال في الدروس: «و لو خرج ناوي الإقامة عشرا الى ما دون المسافة عازما على العود و المقام عشرا مستأنفه أتم ذاهبا و عائدا و مقيما، و إن عزم على المفارقة قصر، و إن نوى العود و لم ينو العشر فوجهان أقربهما القصر لا في الذهاب» و قال في البيان: «و إذا عزم على الإقامة في بلد عشرا ثم خرج الى ما دون المسافة عازما على العود و إقامة عشرة أخرى أتم في ذهابه و إيابه و إقامته، و إن عزم على مجرد العود قصر، و إن عزم على إقامة دون العشر فوجهان، أقربهما الإتمام في ذهابه خاصة» الى آخره.

و يمكن أن يقال إن المقصود من وجوب القصر في غير الذهاب وجوبه في العود و البلد، و من وجوب الإتمام فيه خاصة عدم وجوبه فيهما بقرينة حكمه بالإتمام في صورة العزم على الإقامة في الذهاب و العود و البلد، فان التخصيص في صورة عدم العزم ينبغي

ج 14، ص: 372

أن يكون في مقابلة التعميم في تلك الصورة، فلا دلالة حينئذ في العبارة على القصر في المقصد و إن كانت قاصرة عن إفادة الإتمام فيه أيضا إلا أن دليل التفصيل على تقدير تمامه يقتضي عدم الفرق بين الذهاب و المقصد، فتبعد التفرقة فيه بينهما، و يقرب أن يكون سكوته عن حكم المقصد صريحا تعويلا على إفادة الدليل له» و على هذا فلا مخالفة بين قولهم و بين قول الشهيد من هذه الجهة، كيف و قد صرحوا بموافقتهم فيما اختاروه مع تصريحهم بوجوب الإتمام في المقصد أيضا، و لو لا ما قلناه لم يكن ما ذكروه موافقا لحصول المخالفة بينهما في حكم المقصد، بل كان ذلك قولا ثالثا في المسألة.

و فيه مع ما ذكر أنه مخالف لتصريحهم بانحصار الأقوال فيما ذهب إليه الأكثرون من القصر مطلقا و ما ذكره الشهيد من التفصيل.

و ثانيهما أنهم أطلقوا التفصيل بوجوب القصر في العود و الإتمام فيما عداه بحيث يتناول العازم على إقامة ما دون العشر بعد العود و العازم على مجرد العود و المرور بمحل الإقامة، و خصه الشهيد في البيان بالقسم الأول، و أوجب القصر على قاصد العود من غير إقامة مطلقا، قيل: و كلامه في الذكرى يشعر بذلك أيضا حيث ذكر ما يقتضي تمريض قول الشيخ و من تابعه في حكمهم بالقصر في القسم الأول مؤذنا بأن إطلاق القصر في القسم الثاني مما لا ينبغي التأمل فيه، و كيف كان فهذا التفصيل من خواصه لم نعرفه لأحد قبله و لا بعده كما اعترف به بعض مشايخنا، بل قال إنه قد نص بعضهم كالشهيد الثاني على عدم الفرق، و هو الذي يقتضيه إطلاق غيره.

و كيف كان فحجة الشيخ و من تابعه- مضافا الى إطلاق أدلة القصر على المسافر التي يجب في الخروج عنها الاقتصار على المتيقن، و هو غير الفرض ممن نوى الإقامة، و الى إطلاق ما دل على إتمام المقيم حتى يخرج الشامل للفرض- أنه نقض المقام بالمفارقة، فيعود الى حكم السفر، لصدق قصد المسافة عليه، بل هو كذلك في

ج 14، ص: 373

بعض الأفراد قطعا، كما لو كان محل إقامته خانا أو شبهه مما هو من السبيل عرفا ثم قصد إتمام السفر على وجه الاعراض عن الإقامة الأولى و القصد الى ما كان عليه من إتمام السفر، نعم عزم على العود بهذا الطريق التي يتعارف المرور فيها بمحل الإقامة على أنها مقر و منزل من المنازل، خصوصا إذا كان من قصده قيلولة و نحوها، فإنه لا ريب في صدق المسافر عليه بأول خروجه و صدق قصد المسافة عليه كذلك، و لا قائل بالفصل في الأعصار السابقة، إذ قد عرفت حدوثه في مثل هذه الأزمنة، فيتم المطلوب في الجميع حينئذ.

و استصحاب التمام قد يمنع جريانه في المقام و غيره مما علق الشارع فيه استمرار الحكم إلى غاية علم بعض مصداقها و شك في غيره، كما أنه يمنع في المقام ما اشتهر عندهم في غيره- حتى قيل إنه حكى الإجماع عليه ثاني الشهيدين في نتائج الأفكار و صاحب الغرية- من عدم ضم الذهاب إلى الإياب و إن كان الإياب يبلغ وحده مسافة في غير مسألة الأربع ليومه أو مطلقا بعد تسليمه لهم ذلك هناك في ذي المنازل، و في الهائم الذي قطع مسافة في هيمانه و قصد الوصول بعد الى مكان خاص لا يبلغ المسافة ثم العود، و في من ذهب ثلاثة ثم آب في سبعة و غير ذلك، إلا أنا نمنعه في المقام، لان دليله بعد التسليم ما حكى من الإجماع، و هو لو سلم هناك فلا ريب في منعه هنا كما اعترف به في الرياض و غيره لذهاب الشيخ و الأكثر إلى خلافه، بل لعله كذلك عند الجميع، كما يومي اليه ظهور كلماتهم في أن محل البحث هنا إذا قصد العود الى محل الإقامة، أما إذا قصد الفراق فلا إشكال عندهم في وجوب القصر عليه بخروجه عن محل الإقامة أو الى أن يتجاوز محل الترخص منها على الوجهين السابقين، بل حكى الإجماع عليه غير واحد، و من أفراده ما لو قصد العود لكن لا الى محل الإقامة بل الى مكان آخر مثلا محاذيه في الجهة بينهما مقدار محل الترخص أو أزيد، فيعلم منه حينئذ عدم

ج 14، ص: 374

تناول تلك المسألة لمثل المقام، بل هو كالمسافر الذي قصد في أثناء سفره الميل الى مكان ثم الرجوع الى ذلك الطريق الذي كان سالكه، فإنه لا إشكال في وجوب القصر عليه في ذلك الميل ذهابا و إيابا و مقصدا، إذ قد عرفت سابقا أنا لم نعتبر في المسافة كونها امتدادية، بل يكفي المستديرة و المتعاكسة و غيرهما.

و بالجملة دعوى الإجماع على عدم ضم الذهاب إلى الإياب بحيث يشمل المقام على وجه يستكشف منه قول المعصوم (عليه السلام) واضحة المنع، و لعله لذا ضعفها في الرياض و عن الحدائق بمصير الشيخ و أتباعه إلى عدمها، و كأنهما لحظا مذهبهم في المقام ضرورة استلزامه القول بالضم المزبور، إذ احتمال بناء قوله بالقصر هنا في الذهاب و الإياب على عدم قطع الإقامة مع الصلاة تماما السفر، أو على انقطاع حكمها و لو بالخروج الى غير مسافة يدفعهما مخالفة الأول للإجماع و ظاهر النصوص، بل و لحكمه نفسه بإتمام ناوي العود و الإقامة، و لو لا أنها غير قاطعة للسفر لم يتجه ذلك، كما أنه لم يتجه هو أيضا بناء على انقطاع حكمها عنده بمطلق الخروج، بل كلامهم في ذي المنازل المحكوم بمساواة المقيم له صريح في خلافه، كصراحة استدلال الشيخ على ما نحن فيه بأن نقض مقامه بالسفر بينه و بين بلده يقصر في مثله بخلافه أيضا، بل كأنه مجمع على خلافه كما ادعي، بل قد يدعى كون عدم تقصير المقيم إلا بقصد المسافة من الواضحات، فلم يبق إلا بناؤه على اعتبار الضم المزبور هنا.

و من هنا قيل إن الجميع متفقون على كون القاطع لحكم الإقامة قصد المسافة و تحقق السفر، لكن البحث في صدق ذلك عليه بمجرد الخروج مطلقا، أو بالشروع في العود كذلك، أو بالخروج عن محل الإقامة بعد العود مما دون المسافة، أو التفصيل، فالشيخ و أتباعه على الأول، و الشهيد و من تأخر عنه على الثاني، و بعض أهل العصر على الثالث، و البعض الآخر و بعض من تقدم عليهم بيسير على الرابع على اختلافهم في

ج 14، ص: 375

وجوهه، لزعم اختلاف العرف في الحكم عليه بالسفر و عدمه، إلا أنك قد عرفت فيما مضى دعوى الإجماع المركب على خلافه، و أن الناس بين قائل بالتقصير بمجرد الخروج و قائل به بالعود، أو هو مع المقصد، و إن كان الأخير في غاية الضعف بل لم نعرفه لغير الشهيد، مع أنك سمعت إمكان تأويل عبارته، كما أنا لم نعرف ما يدل عليه، ضرورة اقتضاء دليلهم على تقدير تمامه الاختصاص بالعود و إلحاق المقصد بالذهاب، فانحصر الخلاف حينئذ بالقولين كما اعترف به من عرفت من الأساطين.

و لو لا ذلك لكان التفصيل في الجملة متجها، لوضوح عدم صدق السفر، و قصد المسافة و الخروج لها على من خرج بلا فاصل معتد به بعد نية الإقامة و الصلاة تماما الى ما فوق محل الترخص بيسير و رجع في الحال عازما على إتمام إقامته بأول خروجه، كوضوح صدق اسم السفر على من خرج بعد إتمام أكثر إقامته الى ما بقي له مما شد الرحال له مثلا بقصد نزع لباس ذلك الاستقرار و الرجوع الى لبس ما كان عليه من ثياب الأسفار إلا أنه قصد مع ذلك المرور بمحل اقامته آنا ما على حسب مرور المستطرق من القوافل و غيرها و لم يكن له غرض أصلا إلا الاجتياز، خصوصا إذا كان محل الإقامة محلا لذلك كالخان و نحوه، و تارة يختص صدق اسم السفر عليه بأول شروعه في العود دون الذهاب فينبغي حينئذ إيكال الأمر الى ذلك، و مع الشك يستصحب التمام الذي هو الأصل في الصلاة، و لعله نظر الى بعض ما ذكرنا فيما تقدم عن البيان من التفصيل بين نية إقامة ما دون العشر و بين من كان قصده المرور حسب، و إن كان لم يعرف ذلك لغيره، كما أنه لم يعرف ما ذكرناه من التفصيل لأحد قبلنا عدا ما سمعته من الأردبيلي و بعض من تأخر عنه، و إلا فالمعروف القولان السابقان.

لكن قد يناقش في بلوغ ذلك حد الإجماع الكاشف عن الحكم الواقعي كما لا يخفى على من تأمل و نظر الى ما ذكروه مستندا للحكم المزبور، كما أن المناقشة واضحة

ج 14، ص: 376

فيما ادعي من الإجماع دليلا للقول الثاني أي التقصير بالعود دون الذهاب و المقصد الذي عن فوائد الشرائع أنه المستفاد من الاخبار، و من قواعد الأصحاب في المدارك، و هو مركب من دعويين إحداهما الإتمام في الأخيرين و ثانيهما القصر في الأول، ففي الكفاية عن بعضهم الإجماع على الأولى، و في الذخيرة حكايته عن الشهيد الثاني، لكني لم أجده فيما حضرني من كتبه كما اعترف به في مفتاح الكرامة، مع أنه من المستبعد جدا دعواه عليه، و قد عرفت أن القصر مذهب من تقدم على الشهيد، بل نسبه الشهيد إلى المتأخرين أيضا، و لذا قيل كأنه توهمه مما في نتائج الأفكار من الاتفاق على عدم الضم المزبور الذي قد عرفت البحث فيه، فلا ريب في ضعف دعوى الإجماع المذكور.

نعم قد يدل عليها الاستصحاب، و تنزيل محل الإقامة منزلة البلد، و إطلاق أدلة وجوب التمام على قاصد الإقامة، و ظهور ما دل على اعتبار قصد المسافة المعلوم انتفاؤه في محل الفرض في انقطاع حكم الإقامة، و انسياق إرادة السفر من لفظ الخروج في خبر أبي ولاد(1)بل ظاهره إرادة المقابل للدخول منه، فلا بد أن يكون مستجمعا كالدخول لشرائط السفر، بل ينبغي القطع بعدم إرادة مطلق الخروج منه، خصوصا و السائل أبو ولاد الكوفي، و خروجه على الظاهر إنما يكون الى العراق، و لذا قال له:

«حتى تخرج» بالتاء المثناة مضافا إلى شهادة الاعتبار، و ذلك لان السفر لما انقطع حكمه بنية الإقامة مع الصلاة تماما كان الماضي

كأنه لم يكن، فلا بد في العود من اجتماع شرائطه التي من جملتها قصد المسافة، و الى غير ذلك.

كما انه يدل على الدعوى الثانية- مضافا الى نفي الخلاف عنه في المحكي من فوائد


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.

ج 14، ص: 377

الشرائع و إرشاد الجعفرية، و الى ما سمعته سابقا من دعوى عدم القول بالفصل التي يشهد لها ما عرفت- انه يصدق عليه قصد المسافة الذي لا ينافيه إرادة المرور بمحل الإقامة، و دعوى تحقق صدق هذا القصد بمجرد الخروج يدفعها بعد التسليم ما سمعته من أن كلا من الذهاب و الإياب له حكم برأسه، و لا يضم أحدهما إلى الآخر، هذا.

و الانصاف يقتضي عدم ترك الاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام و إن كان هو في حال العود و محل الإقامة أضعف منه في حال الذهاب و المقصد بمراتب، لكن لا ينبغي تركه بحال، لعدم إمكان الاطمئنان بحكم الله في خصوص المسألة، لعدم نص فيها لا صريح و لا ظاهر، و عدم وفاء ما سمعته من الأدلة بجميع تفاصيلها، و ناهيك بالشهيد في الذكرى فضلا عن غيره لم يرجح في المقام على متانته و قوته و عمله بكل ظن على الظاهر، و إن كان قيل إن الظاهر أن تردده بالنسبة إلى خصوص ما ذهب اليه الشيخ و موافقوه و ما ذهب اليه غيرهم، لا في مثل القصر في العود الذي اتفق عليه القولان، فتأمل جيدا.

هذا كله إذا قصد العود دون الإقامة، أما إذا كان مترددا أو ذاهلا ففي التقصير و الإتمام وجهان بل قولان.

و تفصيل سائر شقوق المسألة أن ناوي الإقامة بعد الصلاة تماما إذا قصد ما دون المسافة إما أن يقصد العود الى محل الإقامة مع إقامة عشرة مستأنفة، أو يقصد العود من دون الإقامة، أو لا يقصد العود في خروجه بل عزم على المفارقة عن محل الإقامة و المضي الى بلده مثلا، أو يقصد العود مترددا في الإقامة و عدمها، أو يخرج مترددا في العود و عدمه، أو يذهل عن جميع ذلك، فهذه ست صور، أما الأولى فقد عرفت أنه لا إشكال في الإتمام فيها ذهابا و إيابا و مقصدا و محل الإقامة، و أما الثانية فقد عرفت البحث فيها مفصلا، و أن الأساطين من المتقدمين و المتأخرين على القصر في العود فيها،

ج 14، ص: 378

انما البحث فيها في خصوص الذهاب أو هو المقصد، و أما الثالثة فالظاهر أنه لا خلاف في وجوب القصر فيها مطلقا، فان الباحثين عنها و المتعرضين لها اتفقوا على ذلك من دون نقل خلاف و لا إشكال، بل اعترف بعضهم بظهور الاتفاق عليها، و انما ذكروا الخلاف في مبدأ التقصير فيها و أنه مجرد الخروج عن محل الإقامة أو التجاوز عن محل الترخص كما تقدم البحث فيه سابقا، نعم ينبغي تقييد القصر بما إذا كان مسافة و لم يعزم على نية الإقامة فيما دونها.

و أما الصورة الرابعة فكلام القدماء و من تبعهم من المتأخرين بالنسبة إليها لا يخلو من احتمال و لا يصفو عن إجمال، فإن قولهم في الفرع السابق الذي أطلنا الكلام فيه لا يزيد مقام عشرة أيام يحتمل أن يكون المراد منه عدم البناء و العزم على العشرة مطلقا، و مرجعه الى عدم القطع بها المتحقق بإرادة النقيض أي الأقل من عشرة، أو العبور و المرور بمحل الإقامة، و بحصول التردد في الإقامة بل و الذهول عنها أيضا، فإن عدم إرادة الإقامة أعم من إرادة عدم الإقامة بمقتضى اللغة، و حينئذ يستفاد من كلامهم وجوب القصر في هذه الصورة كما في الصورة الثانية حتى بالنسبة إلى الخلاف المتقدم فيها، و من هنا حكي عن الغرية و إرشاد الجعفرية الحكم بالقصر في العود في خصوص هذه الصورة كما هو مختارهما في تلك الصورة، و عن فوائد الشرائع و حاشية الإرشاد أنه الأقوى، و يحتمل أن يكون المراد منه خصوص الأمر الأول أي العزم على عدم الإقامة و إرادته دون الأعم منه و من التردد و الذهول، لأن المتفاهم عرفا من عدم إرادة الإقامة البناء على عدمها خاصة، و إن كان بحسب اللغة أعم من ذلك.

و على هذا فلا يظهر من كلامهم حكم هذه الصورة إلا من تعرض لها بالخصوص كمن عرفت، و كجامع المقاصد و الجعفرية، فإنهما قالا فيما حكي عنهما: إن فيها وجهين، و كالمدارك و الذخيرة و عن المصابيح، فقالوا: إن الحكم فيها التمام، و لعله لا يخلو من

ج 14، ص: 379

قوة، لعدم تحقق قصد المسافة التي هي الشرط في انقطاع حكم الإقامة، بل لعله كذلك حتى على مذهب الشيخ، لعدم تحقق الضم المعتبر عنده في مثل الصورة السابقة.

و أما الخامسة فالمتجه على مختار الشيخ التقصير فيها مطلقا بمجرد الخروج، لتردده في الحقيقة بين موجبي القصر، اللهم إلا أن يكون مع تردده في العود مترددا في نية الإقامة الجديدة أيضا، فتكون حينئذ كالصورة الرابعة، و أما على غيره فيقصر في غير المقصد لتردده أيضا بين الموجبين، و لا يقصر في الذهاب لعدم تحقق قصد المسافة على وجه يوجب القصر بمجرد الخروج، بل لعله كذلك إذا كان مترددا في الإقامة و عدمها على تقدير العود لما عرفت أيضا.

و أما السادسة فكذلك أيضا، بل لم يفرق من تعرض لها بينها و بين الرابعة، فيجري فيها حينئذ ما سمعته بتمامه.

و لو خرج بنية المفارقة ثم عن له قبل قطع تمام المسافة أن يعود و يقيم عشرا مستأنفة قصر بخروجه، لوجود المقتضي و ارتفاع المانع، و أتم من (حين ظ) حصول النية، لكونه حينئذ بعد تنزيل محل الإقامة منزلة المنزل، كما إذا خرج المسافر من منزله إلى مسافة مقصورة ثم عن له المقام في أثنائها في موضع لم يصل اليه بعد و لكنه دون المسافة فإنه يتم في الطريق و موضع الإقامة، ثم يعتبر نهاية مقصده بعد ذلك، لعدم حصول الاستمرار الذي هو أحد شرائط التقصير، و ربما يحتمل انقطاع حكم الإقامة بمجرد قصد المسافة و الضرب في الأرض من دون حاجة الى اشتراط الاستمرار عليه، لعدم الدليل عليه، بل لعل الدليل على خلافه، و كونه كالمسافر من منزله قياس لا نقول به، و الأقوى الأول، لظاهر النص و الفتوى.

و لو فرض تجدد نية العود لا غير رجع الى التمام على مذهب الشهيد الى أن يأخذ في الرجوع فيقصر، و بقي على التقصير على مذهب الشيخ، و لو انعكس الفرض

ج 14، ص: 380

بأن رجع عن نية العود و الإقامة المستأنفة بعد الخروج الى مقصده رجع الى التقصير، لزوال المقتضي للإتمام، و كذا لو رجع عن نية العود عند الشهيد، أما لو رجع الى محل الإقامة من غير نية كمن ردته الريح و نحوها فقد سمعت ما ذكره في المدارك، بل في مفتاح الكرامة أنهم قد صرحوا بوجوب القصر عليه في محل الإقامة، كمن رد لقضاء حاجة و نحوها مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و هو جيد إن بقي مستمرا على قصده الأول للمسافة.

و يلحق بجميع ما ذكرناه الخارج بعد مضي ثلاثين يوما عليه مترددا كما صرح به بعض مشايخنا، لأنه من القواطع كما عرفت، فيجري فيه حينئذ ما يجري في الإقامة ضرورة عدم اختصاصها بدليل مستقل، بل جميع ما ذكرناه فيها انما هو لكونها من القواطع، و لتوقف زوال حكمها على قصد مسافة جديدة، و هما معا موجودان فيه، نعم لا يجري فيه ذلك بناء على كون التردد المزبور من الأحكام لا من القواطع، كما سمعته سابقا من المقدس البغدادي.

و قد ظهر لك الحال فيه مما تقدم كما أنه ظهر لك مما ذكرناه هنا أن القول بالإتمام مطلقا في المسألة ذهابا و إيابا و مقصدا و محل الإقامة لم نتحققه لأحد من أصحابنا و إن ذهب إليه كما قيل جملة من مشايخنا المعاصرين، و كيف و قد عرفت حدوث تلك التفاصيل المقتضية للإتمام في الجملة من زمن الشهيد الثاني في رسالته المعمولة في المسألة المسماة بنتائج الأفكار كما قيل فضلا عن الإتمام، نعم قد عرفت فيما مضى نسبته إلى العلامة في أجوبة المهنا ابن سنان، و هو مع مخالفته لما في كتبه المشهورة المتواترة ليس بتلك الصراحة بل لعل ظاهره خلاف هذه النسبة و نسبته الى ما قد يوجد في بعض الحواشي على الهامش المنسوبة إلى فخر المحققين، و قد تقدم البحث فيه مفصلا، و الله أعلم.

[المسألة الرابعة من دخل في صلاته بنية القصر ثم عن له المقام أتم]

المسألة الرابعة من دخل في صلاته بنية القصر ثم عن له المقام أتم بلا خلاف أجده

ج 14، ص: 381

فيه، بل عن ظاهر الذخيرة و صريح التذكرة و إرشاد الجعفرية الإجماع عليه، لإطلاق أدلة الإقامة، و خصوص

صحيح علي بن يقطين (1)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن الرجل يخرج الى السفر ثم يبدو له الإقامة و هو في الصلاة قال: يتم إذا بدت له الإقامة»

و إطلاقه كالفتاوى و معقد الإجماعين يقتضي ذلك حتى لو كان قبل التسليم أو في أثنائه إن لم يكن خارجا كما عن البيان التصريح به، و قد تقدم الكلام فيما لو رجع عن نية إقامته بعد هذه الصلاة، و أن في بقائه على التمام أو عوده على القصر وجهين، أقربهما ثانيهما كما في الذكرى و الروض و عن ظاهر البحار و الحدائق، خلافا لظاهر المدارك فإنه- بعد أن قال: إن المسألة محل تردد- كأنه مال الى أولهما.

و كذا تقدم الكلام في ما لو نوى الإقامة عشرا و دخل في الصلاة فعن له السفر و أنه ينبغي القطع برجوعه الى التقصير إذا كان عدوله قبل ظهور أثر الإقامة و إن أطلق المصنف هنا تبعا للشيخ فقال لم يرجع الى التقصير لأن الصلاة على ما افتتحت عليه، لكن قد عرفت ظهور النص (2)الذي هو العمدة في المسألة بخلافه، و لعله لذا قال و فيه تردد بل ظاهر النص يقتضي اعتبار وقوع تمام الفريضة على التمام، فلا يجزي و ان كان في ركوع الثالثة أو الرابعة بل قبل التسليم، بل يتعين عليه حينئذ الاستيناف مع تحقق الزيادة المبطلة، لفوات شرط الإتمام، و بطلان المقصورة بما اشتملت عليه من الزيادة، خلافا للمختلف و الدروس و عن التذكرة و التحرير و نهاية الأحكام و البيان و التنقيح و الموجز و كشف الالتباس و الجعفرية و جامع المقاصد و فوائد

الشرائع ففصلوا في المسألة بين كون العدول بعد تجاوز محل القصر فلا يرجع، و بين كونه قبله فيرجع، و قد ذكرنا أنه لا يخلو من وجه قد تقدم هناك، و هو أن المدار على


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة المسافر- الحديث- 1.

ج 14، ص: 382

ظهور أثر الإقامة.

و منه يظهر حينئذ الاكتفاء بمجرد القيام إلى الثالثة كما عن جامع المقاصد احتماله قويا، و مال إليه في الروض، بل قال: إنه موافق لظاهر كثير من العبارات، و لعله أراد قولهم: تجاوز محل القصر، لكن قيل إن أكثر من تعرض للمسألة على اعتبار الركوع، لأنه قبله له الهدم و الرجوع قصرا، بخلاف ما لو ركع فإنه ليس له ذلك، كما أنه ليس له إبطال العمل، فيتعين عليه التمام حينئذ، و يندرج في النص، و فيه إمكان منع أن له الهدم، لان القيام حينئذ زيادة عمدية في الصلاة لا تقاس على ما إذا كانت سهوا، و أن العمل بنفسه بطل بالعدول لا أنه أبطله، و احتمال نهيه عن العدول كما ترى فتأمل جيدا أما لو تجدد العزم بعد الفراغ لم يجز التقصير ما دام مقيما كما عرفت الكلام فيه مفصلا.

[المسألة الخامسة في أن الاعتبار في القضاء بحال فوات الصلاة]

المسألة الخامسة المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا خصوصا بين المتأخرين ان الاعتبار في القضاء بحال فوات الصلاة لا بحال وجوبها بناء على أن المدار فيها حال الأداء لا حال الخطاب كما تقدم البحث فيه مفصلا فان فاتته حينئذ قصرا قضيت كذلك و إن وجبت عليه تماما ثم سافر و لم يؤدها و قيل و القائل الإسكافي فيما حكي عنه و الحلي في السرائر حاكيا له عن ابن بابويه في رسالته، و المرتضى في مصباحه، و المفيد في بعض أقواله، و الشيخ في مبسوطة، بل قال إنه الموافق للأدلة و إجماع أصحابنا الاعتبار في القضاء بحال الوجوب و إن اعتبر جميعهم أو بعضهم في فعلها في الوقت حال الأداء لا حال الوجوب و الأول أشبه بأصول المذهب و عمومات القضاء، ك

قوله (عليه السلام)(1)«من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»

و غيره، إذ لا ريب في أن الفائت للمكلف ما وجب عليه في آخر الأحوال، لأنه هو


1- 1 المتقدم في ص 3 من ج 13.

ج 14، ص: 383

الذي استقر عليه الخطاب به لا ما وجب عليه في الحال الأول و قد سقط عنه و انتقل الى غيره، فما في السرائر- من أن الفائت له هو ما خوطب به في الحال الأول لأنه لو صلاها حينئذ لصلاها كذلك، فيجب أن يقضي كما فاته جوابا عما أورده على نفسه من أنه قد تواتر الأخبار و الإجماع على وجوب قضاء الصلاة كما فاتت- كما ترى، ضرورة عدم اقتضاء تأديتها كذلك لو فعل في أول وقت الوجوب ذلك بعد سقوطه عنه و الانتقال الى بدله، و أغرب من ذلك قياسه على المرأة التي وجبت عليها الصلاة و تمكنت من أدائها ثم حاضت، إذ لا

انتقال فيها الى بدل بخلاف ما نحن فيه، و من ذلك يعرف ما في دعواه الإجماع على ما ذكره، لأن الظاهر أنه نشأ من تخيله أن ذاك هو الذي فاته كما يومي اليه ما سمعته منه، على أنه قد يظهر منه أن تحصيله الإجماع هنا من جهة أنه قول الشيخين و المرتضى و الصدوق، لأنه قال بعد أن ذكر الجواب المزبور: «فليلحظ ذلك فإنه موافق للأدلة، و عليه إجماع أصحابنا على ما قدمناه من أقوالهم مثل شيخنا أبي جعفر في مبسوطة، و ابن بابويه في رسالته، و المرتضى في مصباحه، و المفيد في بعض أقواله» و لا يخفى عليك أن اتفاق هؤلاء لا يقضي بالإجماع، خصوصا مع كونه بعض أقوال المفيد، و الموجود في مبسوط الشيخ ما هو ظاهر أو صريح بقرينة تعليله في موافقة الأول.

نعم حكاه في الذكرى عن تهذيبه، و فيه بحث أيضا، إلا أنه مع ذلك كله و الاحتياط بجمعهما مما لا ينبغي تركه ل

خبر موسى بن بكير(1)عن الباقر (عليه السلام) قال: «سئل عن رجل دخل وقت الصلاة و هو في السفر فأخر الصلاة حتى قدم فهو يريد أن يصليها إذا قدم إلى أهله فنسي حين قدم إلى أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها


1- 1 الوسائل- الباب 21 من أبواب صلاة المسافر- الحديث 3 لكن رواه عن موسى بن بكر عن زرارة عن أبى جعفر عليه السلام.

ج 14، ص: 384

قال: يصليها ركعتين صلاة المسافر، لأن الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغي له أن يصلي عند ذلك»

فإنه و إن كان قاصر السند بل قيل و الدلالة لاحتمال دخوله مع ضيق الوقت عن أدائها أربعا إلا أنه مع عمل من عرفت بمضمونه و ما قيل من حسن سنده- لأن موسى بن بكير و إن كان واقفيا و غير موثق في كتب الرجال إلا أن له كتابا يرويه عنه جماعة من الفضلاء منهم من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم كابن أبي عمير و صفوان، و ضعف الاحتمال المزبور في دلالته بل فساده عند التأمل- لم يكن لرفع اليد منه رأسا وجه، بل لا ينبغي ترك الاحتياط من جهته، و قد تقدم بعض الكلام في المسألة في باب القضاء، كما أنه تقدم هناك أيضا الكلام فيمن فاتته الصلاة في أماكن التخيير، و أنه يتخير في القضاء كالأداء أو يتعين عليه القصر أو التمام، فلاحظ و تأمل

[المسألة السادسة و هي إذا نوى المسافة و خفي عليه الأذان أو الجدران]

و كذا تقدم الكلام في المسألة السادسة و هي إذا نوى المسافة و خفي عليه الأذان أو الجدران و قصر فبدا له لم يعد صلاته في الوقت فضلا عن خارجه، لقاعدة الاجزاء، و صحيح زرارة(1)خلافا للمحكي عن الشيخ في بعض أقواله، فتجب الإعادة لخبر سليمان بن حفص المروزي (2)و هو ضعيف.

[المسألة السابعة إذا دخل وقت نافلة الزوال]

المسألة السابعة إذا دخل وقت نافلة الزوال مثلا فلم يصل و سافر استحب له قضاؤها و لو في السفر لتحقق الخطاب بها، و إطلاقه يقتضي عدم الفرق بين أن يكون قد أوقع الصلاة تامة أولا، لكن في المدارك أن المراد بالقضاء هنا الفعل، فان كان الوقت باقيا صلاها أداء و إلا فقضاء، و هل يعتبر في استحباب قضاء النافلة وقوع الصلاة تماما أم يستحب مطلقا؟ وجهان أظهرهما الأول لما صح عن

الصادق (عليه السلام)(3)انه


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها- الحديث 2 و 3 و 7.

ج 14، ص: 385

قال: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء»

انتهى، و هو لا يخلو من نظر، كما أن تخصيص المصنف ذلك بنافلة الزوال و إطلاقه السفر عند الدخول بحيث يشمل مضي زمان يسع فعلها و عدمه كذلك أيضا، إلا أن الأمر سهل، و الله أعلم و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين، و قد وقع الفراغ في ليلة الخميس غرة جمادى الأولى بعد مضي ست ساعات تقريبا منها في دار السلام، و نسأل الله التوفيق للباقي، فإنه الكريم المنان الرؤوف الحنان ذو الفضل و الإحسان.

إلى هنا تم الجزء الرابع عشر من كتاب جواهر الكلام بحمد الله و له الشكر، و به تم كتاب الصلاة، و قد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه و

مقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة بقلم المصنف طاب ثراه، و قد خرج بعون الله و منه خاليا عن الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر و حسر عنه النظر، و يتلوه الجزء الخامس عشر و هو كتاب الزكاة ان شاء الله تعالى عباس القوچاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.