جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 9

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج9، ص: 1

[تتمة القسم الأول في العبادات]

[تتمة كتاب الصلاة]

[تتمة الركن الأول في المقدمات]

[المقدمة السابعة في الأذان و الإقامة]
اشاره

ج9، ص: 2

المقدمة السابعة في الأذان و الإقامة الأذان لغة الاعلام و إن فسر بالنداء المستلزم له في قوله تعالى (1)«وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ» من «أذن يؤذن» و قد يمد للتعدية كقراءة المد في قوله تعالى(2):

«فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ» أي من ورائكم، أو من «آذن» بالمد فيكون أصله الإئذان كالأمان بمعنى الايمان و العطاء بمعنى الإعطاء، أو من «أذن يؤذن» بالتضعيف بمعنى التأذين كسلام بمعنى التسليم و كلام بمعنى التكليم، و الإقامة مصدر أقام بالمكان، و التاء عوض من عين الفعل، لأن أصله إقوام مصدر أقام الشي ء بمعنى أدامه، و منه «يُقِيمُونَ الصَّلاةَ»*(3)و شرعا الأقوال المخصوصة التي هي وحي من الله تعالى بالضرورة من مذهبنا، و

قال ابن أبي عقيل: إن الشيعة أجمعت على أن الصادق (عليه السلام) لعن قوما زعموا أن النبي (صلى الله عليه و آله) أخذ الأذان من عبد الله بن زيد، فقال (4): «ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون أنه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد»

معرضا


1- 1 سورة الحج- الآية 28.
2- 2 سورة البقرة- الآية 279.
3- 3 سورة المائدة- الآية 60.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.

ج 9، ص: 3

بذلك لما أطبق عليه العامة العمياء من أن النبي (صلى الله عليه و آله) أخذه من رؤيا عبد الله بن زيد في منامه.

و على كل حال فهما من السنن الأكيدة للصلاة حتى ورد في

موثق عمار(1)«لا صلاة إلا بأذان و إقامة»

كما أن الأذان منهما يشرع أيضا للاعلام بدخول الوقت بل عن ظاهر جماعة و صريح آخرين أن أصل شرعيته ذلك، و ان شرعيته في القضاء للنص (2)و إن كان قد يناقش فيه بأن النصوص (3)مستفيضة أو متواترة في الدلالة على أن شرعيته للصلاة أيضا مع قطع النظر عن الاعلام، كما أنها ظاهرة في ندبه للاعلام مع قطع النظر عن الصلاة، كما تسمع جملة من النصوص في تضاعيف الباب دالة على ذلك، فالأولى حينئذ جعل الأصل في مشروعيته الصلاة و الاعلام كما صرح به العلامة الطباطبائي بقوله:

و ما له الأذان بالأصل رسم شيئان: إعلام و فرض قد علم

و ان استحب هو أو مع الإقامة في مواضع أخر تعرفها فيما يأتي إن شاء الله، فما عساه يظهر من حواشي الشهيد- من أنه انما هو مشروع للصلاة خاصة، و الاعلام تابع و ليس بلازم- لا يخلو من نظر، قال: «هو عند العامة من سنن الصلاة و الاعلام بدخول الوقت، و عندنا هو من سنن الصلاة و مقدماتها المستحبة، و الاعلام تابع و ليس بلازم، و تظهر الفائدة في القضاء و في أذان المرأة، فعلى قولهم: لا يؤذن القاضي و لا المرأة، لأنه للإعلام، و على قولنا: يؤذنان و تسر المرأة به» و هو كما ترى، نعم لا ارتباط لأحدهما بالآخر، فلا تتوقف الفائدة المزبورة على تابعية الاعلام، و لعل


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأذان و الإقامة.

ج 9، ص: 4

مراده الرد على ما حكاه عن العامة بعد أن فهم منهم اعتبار الاجتماع فيهما، و إلا فمن المستبعد إنكاره مشروعية الأذان للإعلام مستقلا عن الصلاة مع جريان السيرة القطعية به و استفادته من المستفيض من النصوص، ك

صحيح معاوية بن وهب (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من أذن في مصر من أمصار المسلمين وجبت له الجنة»

و غيره من الأخبار(2)الواردة في مدح المؤذنين المحرمة لحومهم على النار السابقين إلى الجنة، بل هم فيها على المسك الأذفر، و ان من أذن منهم سبع سنين احتسابا جاء يوم القيامة و لا ذنب له، و ان للمؤذن فيما بين الأذان و الإقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل الله، بل المؤذن المحتسب كالشاهر سيفه في سبيل الله المقاتل بين الصفين، إلى غير ذلك مما جاء في الثواب المعد لهم مما يبهر العقول، و حمل ذلك كله على مؤذني الصلاة في الجماعات في المساجد و نحوها لا داعي إليه بل مقطوع بعدمه، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي في ذكره أحكام كل من الإعلامي و الصلاتي باستقلاله، فلا يعتبر في الأول الاتصال بالصلاة، بل و لا نية القربة الصرفة، بل و لا ترك الأجرة على إشكال، و لا اللحن و التغيير في احتمال، و انه لا يجوز أن يؤخر عن أول الوقت بخلاف الثاني إلى أن قال:

فافترق الأمر ان في الأحكام فرقا خلا عن وصمة الإبهام

و قد تسمع فيما يأتي مزيد تحقيق لذلك إن شاء الله، و الله الموفق.

[النظر و البحث في الأذان و الإقامة يقع في أربعة أشياء]
اشاره

و كيف كان ف النظر و البحث في الأذان و الإقامة يقع في أربعة أشياء

[الأول فيما يؤذن له و يقام]
اشاره

الأول فيما يؤذن له و يقام

[استحباب الأذان و الإقامة و وجوبهما]

و هما أي الأذان و الإقامة مشروعان للفرائض الخمس بإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1 و في الوسائل« من أذن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة».
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأذان و الإقامة.

ج 9، ص: 5

المسلمين، بل لعله من ضروريات الدين و المشهور بين المتأخرين، بل لعل عليه عامتهم انهما مستحبان في الصلوات الخمس المفروضة أداء و قضاء للمنفرد و الجامع للرجل و المرأة لكن يشترط أن تسر المرأة، و قيل و القائل السيد في الجمل، و المفيد في المقنعة و كتاب أحكام النساء، و الشيخ في النهاية و المبسوط، بل في كشف اللثام سائر كتبه عدا الخلاف، و ابن حمزة في الوسيلة، و القاضي في المهذب و شرح الجمل، و ابن زهرة في الغنية، و أبو الصلاح في الكافي، و الكيدري في الإصباح هما شرطان في الجماعة إلا أنه فيما عدا الأخيرين قيدوه بالرجال، بل لعله المراد من إطلاقهما أيضا، بل و إطلاق المصباح أن بهما تنعقد الجماعة خصوصا مع عدم تعارف انعقاد جماعة خاصة للنساء، بل ربما قيل بعدم مشروعيتها لهن كما تسمعه مفصلا في بحث الجماعة، فيتفق الجميع حينئذ، و لذا نسبه القاضي إلى أكثر الأصحاب، بل قد يظهر من الغنية الإجماع عليه.

و لكن مع ذلك الأول أظهر للأصل و استصحاب حال عدم اعتبارهما الثابت قبل نزول جبرئيل بهما كما تسمعه من بعض النصوص (1)و إطلاق دليلي الجماعة و الصلاة، و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر الحسن بن زياد(2): «إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة»

و

صحيح علي بن رئاب (3)المروي عن قرب الاسناد للحميري انه سأله فقال: «تحضر الصلاة و نحن مجتمعون في مكان واحد تجزينا إقامة بغير أذان قال: نعم»

متمما بما عن المختلف من الإجماع المركب على استحبابهما أو وجوبهما، و أن القول بوجوب الإقامة خاصة خرق للإجماع المركب و معتضدا بما ستعرفه من إطلاق دليل استحباب الأذان بل و الإقامة الظاهر في تناول الجماعة التي كانت من المتعارف في ذلك الزمان، بل لعل الانفراد كان من النادر متمما


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 10.

ج 9، ص: 6

ما يحتاج منه إلى ذلك بالإجماع المزبور.

بل إن أراد المشترط المذكور الاشتراط حتى مع سماع أذان الجار، و سماع الإمام أذان غيره، و للمؤتم في فرضين بفرض واحد للإمام، و للجامع بين الفرضين و في الظلمة و الريح و المطر كانت النصوص الدالة على سقوط الأذان و الإقامة في هذه الأحوال حجة عليه، ففي

خبر أبي مريم الأنصاري (1)ان الباقر (عليه السلام) أم قوما بلا أذان و لا إقامة فسئل عن ذلك فقال: «إني مررت بجعفر و هو يؤذن و يقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك»

و خبر

عمر بن خالد(2)عن الباقر (عليه السلام) «انه سمع إقامة جاره فقال: قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان و لا إقامة، فقال: يجزيكم أذان جاركم».

و قد دلت النصوص (3)المقبولة عند الأصحاب على جواز ايتمام المسافر في ظهره و عصره بظهر الامام، و مغربه و عشائه بعشاء الامام، و في

صحيح أبي عبيدة(4)عن الباقر (عليه السلام) «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا كانت ليلة مظلمة و ريح و مطر صلى المغرب ثم مكث قدر ما يتنفل الناس ثم أقام مؤذنه ثم صلى العشاء ثم انصرفوا»

و في

صحيح رهط منهم الفضيل و زرارة(5)عن الباقر (عليه السلام) أيضا «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين»

إلى غير ذلك من النصوص التي إن لم


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3 و روى في الوسائل عن عمرو بن خالد.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1 و 6 و الباب 53- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب المواقيت- الحديث 3 من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب المواقيت- الحديث 11 من كتاب الصلاة.

ج 9، ص: 7

يلتزم تقييد دعواه بها كانت حجة عليه، بل لا يبعد انقداح الاستحباب من هذا التسامح فيها، بل قد يظهر من خصوص الأولين أن الحاضرين لم يكن معلوما عندهم الوجوب، و لذا ما بادروا جميعهم إلى السؤال و الاستفسار، بل قد يشم أيضا من نصوص (1)الصف و الصفين ندب الأذان أيضا باعتبار ظهورها في أن من صلى بإقامة بلا أذان صلى معه صف من الملائكة، و لولا أن صلاته قابلة للايتمام لم يؤتم به الملائكة.

بل إن أراد هذا المشترط بطلان صلاة من أراد الائتمام بالمتلبس في صلاته منفردا حتى يؤذن و يقيم، أو لا يجزيه أيضا ذلك باعتبار عدمهما ممن أراد الائتمام به إذا فرض أن صلاته كانت بدونهما، أو باعتبار أن ما وقع منه سابقا لا بعنوان الجماعة لا يجتزى به كانت السيرة القطعية و النصوص حجة عليه أيضا، خصوصا إذا ضم مع ذلك بطلان صلاة الإمام بمجرد عروض الائتمام به في أثناء صلاته، بل من المستبعد جدا التزام ذلك حتى قبل التلبس، إذ لا تنقص حينئذ صلاة الإمام عن صلاة المنفرد، و نية الإمامة غير لازمة، و إن وقعت باطلة غير قادحة في صحة الصلاة، إلى غير ذلك مما لا يخفى بأدنى تأمل وضوح فساد التزامه أو استبعاده، بل كفى بإجمال موضوع هذا الدعوى في بطلانها، بل لعل فيها إجمالا من جهة أخرى، و هي أنه لم يعلم إرادة الوجوب التعبدي أو الشرطي.

بل يمكن إرادة المشترط أن ذلك شرط في فضيلة الجماعة لا صحتها المستلزمة لبطلان الصلاة، قال في الدروس: «من أوجب الأذان في الجماعة لم يرد أنه شرط في الصحة بل في ثواب الجماعة، و كان مراده ما يشمل الإقامة من الأذان» فيوافق حينئذ ما عن المهذب البارع و كشف الالتباس و حاشية الميسي من أن من أوجبهما في الجماعة أراد أنهما شرط في ثوابها لا في صحتها، بل عن المبسوط الذي هو أحد ما نسب


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأذان و الإقامة.

ج 9، ص: 8

اليه الوجوب، بل لعله العمدة أنه بعد نصه على وجوبهما في الجماعة قال ما نصه:

«و متى صليت جماعة بغير أذان و لا إقامة لم تحصل فضيلة الجماعة، و الصلاة ماضية» بل لعله المراد أيضا مما عن النهاية من أن من تركهما فلا جماعة له، و المصباح «بهما تنعقد الجماعة» و مثله نقل عن الكافي.

بل لعل المراد عدم فضيلة الجماعة المشتملة عليهما، و إلا ففيها فضل أيضا، لإطلاق دليل استحباب الجماعة الذي لم يصلح ما هنا لتقييده، إذ هو ليس إلا

خبر أبي بصير(1)سأل أحدهما (ع) «أ يجزي أذان واحد؟ قال: إن صليت جماعة لم يجز إلا أذان و إقامة و إن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك تجزيك إقامة إلا الفجر و المغرب، فإنه ينبغي أن تؤذن فيهما و تقيم من أجل أنه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر الصلوات»

المعلوم ضعف سنده، و لا جابر يعتد به محقق، خصوصا و قد سمعت غير مرة احتمال عدم تحكيم المقيد على المطلق في المندوبات، بل يحمل على إرادة المستحب في المستحب.

و أضعف من ذلك الاستدلال به على الوجوب التعبدي أو الشرطي، ضرورة ظهوره في إرادة الاجزاء في الفضل و الندب بقرينة ما ستعرف من ثبوت استحبابهما للمنفرد، مع أنه عبر فيه بالأجزاء أيضا، بل لعل قوله (عليه السلام) فيه: «فإنه ينبغي» إلى آخره. مشعر بإرادة ذلك منه كالتعليل، و احتمال إرادة أقل الواجب منه بالنسبة إلى الجماعة دون غيرها يدفعه أنه قد وقع منه (عليه السلام) جوابا لسؤال واحد عبر فيه بلفظ الاجزاء، فمن المستبعد بل الممنوع بعد مراعاة مطابقة الجواب للسؤال إرادة ذلك منه، خصوصا و ظهور لفظ الاجزاء في الواجب انما هو من جهة


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب 7 من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1 و ذيله في الباب 6 منها- الحديث 7.

ج 9، ص: 9

- غلبة الاستعمال و نحوها، فبأدنى قرينة يرتفع الوثوق بإرادة ذلك فضلا عما سمعته مما ذكرناه من أدلة الندب التي يمكن دعوى القطع بملاحظتها أن المراد منه ذلك، بل و عن

موثق عمار(1)«سئل عن الرجل يؤذن و يقيم ليصلي وحده فيجي ء رجل آخر فيقول له: نصلي جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان و الإقامة؟ فقال: لا و لكن يؤذن و يقيم»

خصوصا بعد تضمن خبر أبي مريم (2)و عمر بن خالد(3)السابقين الاجتزاء بسماع الإمام أذان الغير من الجار و غيره، فأذانه أولى، و نية الفرادى و الجماعة لا مدخلية لها، و لا استفصال في الخبر أن الامام هو الذي أذن سابقا أو لا، مضافا إلى ما سمعته من أدلة الندب السابقة.

فلا ريب حينئذ في إرادة ذلك من نفي الجواز، و مفهوم

صحيح الحلبي (4)عنه (عليه السلام) «ان أباه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة واحدة و لم يؤذن»

لا يقتضي سوى فعل الأذان منه الذي هو أعم من الوجوب، فلا يعارض أدلة الندب حينئذ، كما أنه مما ذكرنا يعلم المراد من مفهوم

صحيح ابن سنان (5)«يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان»

و أنه نفي الاجزاء في الفضل و الندب، و دعوى أن الجماعة هيئة متلقاة من الشرع فيقتصر فيها على المتيقن يدفعها منع انحصار المتيقن فيه أولا، و منع وجوب مراعاته بعد ظهور الأدلة و لو الإطلاق منها في الأعم.

فظهر حينئذ أنه لا مناص عن القول بعدم الوجوب تعبدا أو شرطا في صلاة الامام و المأموم أو المأموم خاصة كباقي شرائط الجماعة.

و أولى من ذلك بذلك جماعة النساء بناء على انعقاد جماعة لهن، للشك في جريان


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.

ج 9، ص: 10

قاعدة الاشتراك هنا، خصوصا بعد أن

سأل عبد الله بن سنان (1)الصادق (عليه السلام) «عن المرأة تؤذن للصلاة فقال (عليه السلام)- في جوابه و لم يستفصل-: حسن إن فعلت، و إن لم تفعل أجزأها أن تكبر و أن تشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

و

زرارة(2)في الصحيح أيضا الباقر (عليه السلام) «النساء عليهن أذان فقال: إذا شهدت الشهادتين فحسبها»

و

جميل بن دراج (3)الصادق (عليه السلام) في الصحيح أيضا «عن المرأة عليها أذان و إقامة فقال: لا»

و نحوه في

وصية النبي (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام) المروي عن العلل (4)بل قال أبو مريم الأنصاري(5) : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إقامة المرأة أن تكبر و تشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا (ص) عبده و رسوله»

و

أرسل في الفقيه (6)عنه (عليه السلام) أيضا «ليس على النساء أذان و لا إقامة و لا جمعة و لا جماعة»

و من هنا قيد من عرفت بجماعة الرجال، و المتجه على المختار الفرق بينهما بالتأكد و عدمه في الجماعة و غيرها، كما أن المتجه تفاوت الأذان و الإقامة في التأكد و عدمه من حيث الجماعة، لظاهر النصوص السابقة التي منها ما يظهر منه أن الأذان لأجل اجتماع المأمومين، و إلا فلو كانوا حاضرين مجتمعين لم يشرع، بل ستعرف تفاوتهما في ذلك في الفرادى أيضا. و لو كان الامام رجلا و المأمومون نساء ففي إلحاق ذلك بجماعة الرجال أو النساء وجهان، أقواهما الثاني على تقدير الوجوب، للأصل مع خروج الفرض عن مقتضى الدليلين، بل و على المختار أيضا بالنسبة إلى تأكد الجماعة و عدمه، فتأمل هذا.

و من الغريب اقتصار المصنف هنا على نقل القول بالوجوب للجماعة خاصة من


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7 و روى في الوسائل عن الفقيه.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 6.

ج 9، ص: 11

بين الأقوال مع أن القول بوجوب الإقامة في جميع الصلوات أقوى منه قطعا، و قد ذهب اليه المرتضى و الحسن بن عيسى و الكاتب كما قيل، بل صرح الحسن منهم ببطلان صلاة من تركها عمدا، كما أن المرتضى و الكاتب على ما قيل صرحا بتقييد ذلك بالرجال نظرا إلى النصوص المزبورة، و لعله مراد الحسن أيضا استبعادا لارتكابه طرح النصوص السابقة بقاعدة الاشتراك و نحوها.

و على كل حال فقد مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين كالمجلسي و الأستاذ الأكبر و المحدث البحراني، بل جزم به الأخير، بل في منظومة الطباطبائي:

و القول بالوجوب فيهما و في جماعة و للرجال ضعف

و لا كذا الوجوب في الإقامةعليهم للنص ذي السلامة

لذاك أفتى بالوجوب السيدو أنه لو لا الشذوذ جيد

كل ذلك لاستفاضة النصوص في الدلالة على وجوبها في الفرائض، بل قد يدعى تواترها على اختلاف كيفية الدلالة فيها، منها ما تقدم من التعبير باجزاء الإقامة المشعر بكونه أقل المجزي من الواجب، و منها ما تسمعه إن شاء الله عن قريب، و منها ما يأتي إن شاء الله في من دخل (1)في الصلاة مع نسيان الإقامة، و منها ما دل (2)على أن الإقامة من الصلاة و أنه يحرم بعدها الكلام.

و لا معارض لذلك فيها سوى

صحيح زرارة أو خبره (3)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل نسي الأذان و الإقامة حتى دخل في الصلاة قال: فليمض في صلاته، فإنما الأذان سنة»

بناء على إرادة الندب من السنة فيه، و ما يشمل الإقامة


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 12

من الأذان فيه ليطابق السؤال، و لإطلاق لفظ الأذان عليهما في جملة من النصوص (1)أو على ما تسمعه من المختلف من الإجماع المركب، إلا أنه قد يمنع الأول و يراد الواجب بالسنة، فيكون التعليل موافقا لما ورد في غيره من النصوص (2)المتضمنة لعدم إعادة الصلاة بنسيان القراءة و التشهد و غيرهما معللا ذلك فيها بأنها انما وجبت في السنة بخلاف نسيان الركوع و السجود و نحوهما مما دل على وجوبهما الكتاب.

اللهم إلا أن يقال: إنه مسلم فيما دخل في الصلاة من الأجزاء لا ما كان خارجا عنها مما هو كالشرائط، فإنه لا فرق في إعادة الصلاة بنسيانه بين ما وجب بالسنة و الكتاب، فلا يتم التعليل حينئذ إلا مع إرادة الندب منه، أو يقال: إن إرادة الوجوب بالسنة إن كان محتملا فهو في الإقامة دون الأذان المجمع على استحبابه في غير الفجر و المغرب و الجماعة، فلا محيص عن إرادة الندب حينئذ، و احتمال كون المراد هنا من كونه سنة الثبوت بالسنة وجوبا أو ندبا- و كلاهما مشتركان في عدم إعادة الصلاة بنسيانهما و إن كان لا خصوصية في ذلك للندب السني- خلاف المتعارف من إطلاق لفظ السنة بلا قرينة.

و قد يناقش في الأول بمنع خروجهما أولا خصوصا الإقامة التي ورد فيها أنها من الصلاة، و ثانيا منع حصر الفرق بذلك في الأجزاء، و فيهما معا خصوصا الأولى ما لا يخفى، نعم قد يقال: إنه يكفي في رفع الدلالة اشتراك هذا اللفظ في المعنيين و تردده بين الأمرين، و تعيين إرادة الندب منه بالشهرة ليس بأولى من تعيين المعنى الثاني جمعا بينه وئ بين باقي النصوص الدالة على الوجوب، و فيه أيضا نظر واضح.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7 و 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التشهد- من كتاب الصلاة.

ج 9، ص: 13

و سوى ما في المدارك من خلو صحيح حماد(1)المتضمن تعليم الصلاة عنهما، و لو كانت واجبة أو هي مع الأذان لذكر فيه ذلك، و فيه أنه كما لا يخفى على من لاحظه انما هو في ذكر المندوبات و تعليمها، و انها هي المراد من الحدود فيه و اشتماله على الركوع و السجود و نحوهما انما هو لذكر المندوبات فيهما، فلعل عدم ذكرهما فيه حينئذ مما يشعر بوجوبهما، و إن كان الإنصاف أنه لا إشعار فيه بالوجوب و لا بالندب، لأنه بصدد بيان المندوبات الخفية في نفس الأمر، و هما على كل حال مع خروجهما عنها معروفان لا خفاء فيهما على الأقل من حماد فضلا عنه.

و سوى

خبر أبي بصير(2)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل نسي أن يقيم الصلاة حتى انصرف يعيد صلاته قال: لا يعيدها و لا يعود لمثلها»

بتقريب أن النهي عن العود يقضي بإرادة ما يشمل تعمد الترك من النسيان، و فيه أنه يمكن إرادة النهي بذلك عن التفريط و التساهل المؤديين للنسيان غالبا.

و سوى تظافر النصوص في الدلالة على استحباب الأذان،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الرحمن (3): «يجزي في السفر إقامة بغير أذان»

و

سأله الحلبي (4)في الصحيح «عن الرجل هل يجزيه في السفر و الحضر إقامة ليس معها أذان؟

قال: نعم لا بأس به»

إلى غير ذلك مما مر و يمر بك بعضه متمما ذلك بالإجماع المركب المحكي في المختلف الذي أذعن له جماعة ممن تأخر عنه، بل ربما كان هو العمدة عند بعضهم في ثبوت المطلوب، قال فيه: «إن علماءنا على قولين: أحدهما أن الأذان و الإقامة سنتان في جميع المواطن، و الثاني أنهما واجبان في بعض الصلوات» فالقول باستحباب


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.

ج 9، ص: 14

الأذان مطلقا و وجوب الإقامة في بعضها خرق للإجماع، بل عن المعتبر و المنتهى و التذكرة «أن الأذان من وكيد السنن إجماعا» و نهاية الأحكام «ليس الأذان من فروض الأعيان إجماعا و لا من فروض الكفاية عند أكثر علمائنا» و الخلاف «من فاتته صلوات يستحب له أن يؤذن و يقيم لكل صلاة إجماعا» متمما بعدم القول بالفصل بين الفوائت و الحواضر، و التذكرة «يستحب الأذان و الإقامة للفوائت من الخمس كما يستحب للحاضرة عند علمائنا».

و فيه أولا منع حصول الظن من مثل هذا الإجماع في مثل هذا المقام كما لا يخفى على من له أدنى درية، خصوصا على التحقيق في أن طريقه في هذا الزمان ليس إلا الاتفاق الكاشف عن الرأي، و إلا فلا قطع بدخول شخص إمام الزمان (عليه السلام) أو غيره، بل القطع بعدم دخوله حاصل، و كذا لا ظن بالإجماعات المزبورة المحتملة لإرادة أصل المشروعية، أو في الجملة أو عند القائلين بالندب أو غير ذلك مما سيقت لبيانه، لا ما نحن فيه من وجوبه لخصوص الفجر و المغرب المعلوم تحقق الخلاف فيهما كالجماعة، فلا حظ و تأمل، و ثانيا منع ثبوت استحباب الأذان مطلقا كي يلزم منه ذلك، لوجوب الخروج عن الإطلاقات المزبورة ب ما دل من النصوص (1)على وجوبه في الفجر و المغرب الذي حكي عن المرتضى و الكاتب و الحسن الجزم به مصرحا الأخير منهم بالبطلان مع الترك، و ربما كان مراد الأولين أيضا استبعادا للوجوب التعبدي بعد ظهور الدليل في الشرطي، قيل و زاد الأول الجمعة، و لعله لازم الأخيرين بعد إيجابهما له في الجماعة كما عرفت الواجبة فيها، كما حكي عنه التقييد بالرجال، و ربما كان مراد الأخيرين أيضا، لما سمعته من نصوص (2)النساء التي لا ريب في رجحانها على قاعدة


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأذان و الإقامة.

ج 9، ص: 15

الاشتراك، فتخص حينئذ بها، بل و على نصوص الوجوب فيهما، و إن كان التعارض في بعضها من وجه، بل ربما نقل التصريح بالتقييد عن الكاتب منهما، لكن حكى بعض الناس عن المرتضى التصريح بالتعميم للرجال و النساء و لم نتحققه، بل المتحقق خلافه.

و على كل حال فمما يدل على الوجوب فيهما

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(1): «أدنى ما يجزي من الأذان أن تفتتح الليل بأذان و إقامة، و تفتتح النهار بأذان و إقامة، و يجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان»

و

الصادق (عليه السلام) في صحيح صفوان (2)المروي عن العلل: «الأذان مثنى مثنى، و الإقامة مثنى مثنى، و لا بد في الفجر و المغرب من أذان و إقامة في الحضر و السفر، لأنه لا يقصر فيهما في حضر و لا سفر، و يجزئك إقامة بغير أذان في الظهر و العصر و العشاء الآخرة، و الأذان و الإقامة في جميع الصلوات أفضل»

و

قوله (عليه السلام) أيضا للصباح بن سيابة(3): «لا تدع الأذان في الصلوات كلها، فان تركته فلا تتركه في الفجر و المغرب، فإنه ليس فيهما تقصير»

و

قوله (عليه السلام) في موثق سماعة(4): «لا تصل الغداة و المغرب إلا بأذان و إقامة، و رخص في سائر الصلوات بالإقامة، و الأذان أفضل»

و

قوله (عليه السلام) أيضا في الصحيح عن ابن سنان(5): «يجزيك في الصلاة إقامة واحدة إلا الغداة و المغرب»

إلى غير ذلك، فيقيد بها حينئذ إطلاق تلك الأدلة، فلا يتم حينئذ استحباب الأذان مطلقا كي يتجه الإجماع المركب.

لكن قد يدفع ذلك بالمنع من صلاحية هذه النصوص لتقييد تلك الأدلة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا باعتبار ندرة الخلاف و انقراضه، بل لعلها إجماع بملاحظة السيرة القطعية و كون الحكم مما تعم به البلية، و من المستبعد


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 4.

ج 9، ص: 16

بل الممتنع خفاء الحكم فيه، و رفع اليد عن ذلك بما سمعته من النصوص كما ترى، خصوصا مع ضعف سند بعض نصوص التقييد و لا جابر، و التعبير بلفظ «ينبغي» في خبر أبي بصير السابق (1)و

خبر عمر بن يزيد(2)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإقامة بغير أذان في المغرب فقال: ليس به بأس، و ما أحب أن يعتاد»

و إمكان دعوى ظهور خبر الصباح منها في إرادة الكراهة من النهي الثاني، أو بيان شدة التأكد بقرينة النهي الأول الذي هو بعض منه، بل لا ينكر ظهور مثل هذا التعبير في ذلك عرفا، بل لعل قول الباقر (عليه السلام): «أدنى ما يجزي» إلى آخره ظاهر أيضا في إرادة الاجزاء في الفضل و الندب، ضرورة تقابله بالأكثر المراد منه ذلك قطعا، بل هو المراد من اللابدية في صحيح صفوان كما يومي اليه التعليل بعدم التقصير الذي لا مدخلية له في تقصير الأذان بمعنى الاقتصار منه على الإقامة، كما

قال الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن (3): «يقصر الأذان في السفر كما تقصر الصلاة، يجزي إقامة واحدة»

بل يومي اليه أيضا الأفضلية في ذيله المشعرة بأن غيره ذو فضل، و ليس هو حينئذ إلا الندب، و لذا جعله بعضهم من أدلة الندب، و مثله موثق سماعة.

و بالجملة الخروج عن الإطلاقات المزبورة بمثل هذه النصوص كما ترى، فلا ريب حينئذ في استحبابه فيهما كغيرهما من الفرائض التي لا نجد خلافا في عدم وجوبه فيها، بل الإجماع بقسميه عليه، كما أن النصوص عموما و خصوصا مستفيضة فيه، إلا أنه فيهما مؤكد للنصوص المذكورة، فحينئذ يتم الإجماع المزبور من هذه الجهة، بل قد عرفت إمكان دعوى البسيط منه، إذ المخالف في الإقامة فيهما هو المخالف في الإقامة للجميع،


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 9.

ج 9، ص: 17

و هو نادر منقرض أيضا قد استقر المذهب فتوى و عملا على خلافه، و به حينئذ تقوى دلالة ما عرفت من النصوص عليه، مضافا إلى الأصل حتى على القول بإجمال العبادة المقتضي لاعتبار المشكوك فيها، ضرورة ظهور النصوص في حدوث الأذان و الإقامة، و أن الصلاة كانت بدونهما،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح منصور بن حازم (1): «لما هبط جبرائيل (عليه السلام) بالأذان على رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان رأسه في حجر علي (عليه السلام) فأذن جبرائيل (عليه السلام) و أقام، فلما انتبه رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: يا علي، سمعت قال: نعم، قال: حفظت قال:

نعم، قال: ادع بلالا فعلمه».

فيتجه حينئذ بناء عليه التمسك باستصحاب عدم اعتبار ذلك في صحتها، على أنه لا يخفى ظهور هذا الصحيح في الندب أيضا باعتبار الاقتصار فيه على الأمر بتعليم بلال، و عدم المبادرة منه و من علي (عليه السلام) إلى بيان الوجوب للناس، خصوصا و قد عرف بينهم خلو الصلاة عن ذلك، كما أنه لا يخفى ظهور النصوص-(2)المستفيضة أو المتواترة المروية من طرق الخاصة و العامة المتضمنة لبيان أن من صلى بأذان و إقامة صلى معه صفان من الملائكة، و من صلى بإقامة صلى معه صف، و

في بعضها(3)«ان حد الصف ما بين المشرق و المغرب»

و

في آخر(4)«ان أقله ما بين المشرق و المغرب، و أكثره ما بين السماء و الأرض»

- فيه أيضا، لكن في

خبر ابن أبي ليلى (5)عن علي (عليه السلام) المروي عن ثواب الأعمال «ان من صلى بإقامة صلى خلفه ملك»

و لعل المراد منه الجنس، فلا ينافي الصف منهم، كما يشهد له

قول الصادق (عليه السلام) في


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأذان و الإقامة.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 5.

ج 9، ص: 18

خبر المفضل بن عمر(1)المروي عن ثواب الأعمال أيضا انه: «من صلى بإقامة صلى خلفه ملك صفا واحدا»

نعم قد ينافيه

قول الرضا (عليه السلام) في خبر العباس بن هلال (2): «من أذن و أقام صلى خلفه صفان من الملائكة، و إن أقام بغير أذان صلى عن يمينه واحد و عن شماله واحد، ثم قال: اغتنم الصفين»

و

خبر أبي ذر(3)المروي عن المجالس مسندا اليه عن النبي (صلى الله عليه و آله) انه قال: «يا أبا ذر إذا كان العبد في أرض قي يعني قفراء فتوضأ أو تيمم ثم أذن و أقام و صلى أمر الله الملائكة فصفوا خلفه صفا لا يرى طرفاه، يركعون لركوعه، و يسجدون لسجوده، و يؤمنون على دعائه، يا أبا ذر من أقام و لم يؤذن لم يصل معه إلا ملكاه اللذان معه»

و الأمر سهل.

و على كل حال فلا ريب في ظهورها في المطلوب أولا باعتبار اشتمالها على الترغيب الذي تعارف استعماله في المندوبات بخلاف الواجبات التي يضم فيها معه الترهيب أيضا، بل من هذا ينقدح قوة أخرى للقول بالندب، لخلو النصوص كافة عن ذلك. و ثانيا أنها صريحة أو كالصريحة في استحباب الأذان، ضرورة ظهور قوله (عليه السلام):

«من صلى بإقامة» بعد قوله (عليه السلام): «من صلى بأذان» في الاذن بتركه، خصوصا مع الأمر باغتنام الصفين، و منه يظهر إرادة الندب أيضا في الخطاب الثاني، إذ هما كالعبارة الواحدة، بل من المستبعد أو الممتنع التعبير بنحو ذلك مع الاختلاف في الوجوب و الندب. و ثالثا أنه لا ينكر ظهورها في أن عدم الإقامة انما يؤثر عدم ايتمام الملائكة، و لا دليل على اشتراط صحة الصلاة بذلك، بل إطلاق الأدلة يقتضي خلافه، فيكون المراد من مفهوم الشرط حينئذ أن من صلى بدونهما صلى وحده كما رواه


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2 و في النسخة الأصلية مفضل بن عمرو و الصحيح ما أثبتناه.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 9.

ج 9، ص: 19

العامة في نصوصهم، بل قيل: إنهم رووا أيضا نصوصا أخر صريحة في ندبهما، مضافا إلى ما عن فقه الرضا (عليه السلام)(1)انهما من السنن اللازمة و ليستا بفريضة.

كل ذلك مع أن أكثر نصوص (2)وجوب الإقامة انما هو للتعبير فيها بلفظ الاجزاء و الرخصة و نحوهما مما هو ظاهر في الوجوب، و فيه أولا منع ذلك في زمانهم (عليهم السلام)، بل المراد منه فيه الاكتفاء الشامل للندب و الوجوب كما لا يخفى على المتتبع نصوصهم (عليهم السلام). و ثانيا في خصوص المقام المعبر فيه تارة بهما و أخرى بلفظ الاكتفاء، بل لا يخفى على المتأمل في النصوص هنا كثرة التعبير بلفظ الاجزاء في معلوم الندبية، و ما ذاك إلا لشدة تأكد الندب المقتضية لنحو هذا التعبير، و إلا فمقتضاه أنه هو أقل المجزي و أكثره الفرد الآخر، و ليس هنا إلا الأذان معها، و الفرض أنه مندوب، فيتعين إرادة أنه الأكثر إجزاء في الفضل، فيكون الأقل أيضا كذلك، كما أن لفظ الرخصة يقتضي كون الأصل الأذان معها أيضا، و من المعلوم أن أصالته إنما هي في تمام الفضل لا في الوجوب، فتتبعه الرخصة حينئذ، لا أقل من أن يتعين إرادة ذلك هنا بما سمعته من شواهد الندب من الشهرة العظيمة أو الإجماع و غيرها.

و منه يظهر ضعف القول بالوجوب جدا، ضرورة كون معظم أدلته ذلك، و إلا فالأمر بالإقامة على وجه يظهر منه الوجوب قليل في النصوص، ففي

خبر علي بن جعفر(3)المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه (ع) «عن المؤذن يحدث في أذانه و في إقامته فقال: إن كان الحدث في الأذان فلا بأس، و إن كان في الإقامة فليتوضأ و ليقم إقامة»

و هو كما ترى في بيان شرطية الطهارة لا بيان وجوبها، كالأمر بها عند نسيانها في جملة


1- 1 المستدرك- الباب- 23- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأذان و الإقامة.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7.

ج 9، ص: 20

من النصوص (1)المختلفة في تقييد ذلك بما قبل الركوع أو القراءة أو غيرهما، ضرورة كون المراد منه الرخصة، لأنه في مقام توهم الحظر، و لذا أمر في جملة(2)منها بالأذان معها عند فرض السؤال عن نسيانهما، فلاحظ و تأمل، بل قيل: إن شدة اختلاف هذه النصوص في الإعادة و عدمها و في تقييدها بما قبل الركوع و عدمه و غير ذلك مما يومي إلى الندب، كايماء ما دل (3)على إجزاء طاق طاق في الإقامة أو مع الأذان في السفر أو مطلقا، إذ القائل بالوجوب ظاهره الإطلاق.

بل قد يومي اليه أيضا ما سمعته من نصوص (4)نفي كونهما على النساء المشعر بكونهما على الرجال، و من المعلوم إرادة تأكد الندب من علاوة الأذان عليهم، فالإقامة كذلك، لأنهما بلفظ واحد، بل ذكر جملة من المندوبات معهما فيه إيماء آخر، إلى غير ذلك مما تومئ اليه النصوص منجبرا بالشهرة العظيمة، و

قول الصادق (عليه السلام) لأبي هارون المكفوف(5): «يا أبا هارون الإقامة من الصلاة، فإذا أقمت فلا تتكلم و لا تؤم بيدك»

- مع أنه معارض بنفي البأس عن الكلام بعدها في غيره من النصوص(6)- يراد منه شدة التأكيد في عدم فعل شي ء من منافيات الصلاة بعدها، لا أنه بعض منها حقيقة، ضرورة معلومية أن افتتاح الصلاة التكبير و اختتامها التسليم، و لذا كانت النية عنده لا عندها كما هو واضح لا يحتاج إلى مزيد إطناب، على أن بعضية الصلاة أعم من الوجوب، فان كثيرا من المندوبات كالقنوت و نحوه بعضها: أي بعض


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الأذان و الإقامة.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3 و 6 و 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 12.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 9 و 10 و 13.

ج 9، ص: 21

الفرد الكامل منها، فقد ظهر بحمد الله أنه لا محيص عن القول بندب الأذان و الإقامة مطلقا، نعم هما مختلفان في التأكد و عدمه، كاختلاف الأذان في ذلك في الفجر و المغرب و الجماعة، و لعل الإقامة فيها مؤكدة زائدا على تأكدها في غيرها.

كما أنه ظهر لك من نصوص النساء السابقة اختلافهن مع الرجال في التأكد و عدمه الذي هو المشهور بين الأصحاب، بل لا يعرف فيه خلاف بينهم، إذ لا ريب في مشروعيتهما لهن، بل الإجماع صريحا و ظاهرا محكي عليها، بل الظاهر انه كذلك كما في كشف اللثام، مضافا إلى بعض النصوص السابقة و غيرها، لكن ليس في شي ء منها الأمر بالاسرار و الإخفات، و مقتضاه الاجتزاء به و إن أجهرت بحيث سمعها الأجانب، بل في المحكي عن المبسوط «و إن أذنت المرأة للرجال جاز لهم أن يعتدوا به و يقيموا، لأنه لا مانع منه» و لعل ذلك مؤيد لما ذكرناه سابقا من عدم ثبوت جريان حكم العورة على أصواتهن، بل مقتضى السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار و ما وصل إلينا من النصوص المتضمنة كلامهم (عليهم السلام) معهن زائدا على الواجب خلاف ذلك، فيتجه حينئذ اجتزائهن به و إن سمعهن الأجانب، نعم قد يشكل ما في المبسوط بأن ذلك على تقدير تسليمه لا يقتضي اجتزاء الرجال به، اقتصارا على المتيقن في سقوطه عنهم، و دعوى شمول إطلاق الأدلة أو قاعدة الاشتراك لذلك في غاية الصعوبة.

كما أنه قد يشكل اجتزائهن به مع سماع الأجانب بالشهرة العظيمة على اشتراط الاسرار بمعنى عدم سماع الأجانب، بل عن المنتهى و التذكرة نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و لذا ضعفوا ما سمعته عن الشيخ بأنها إن أجهرت عصت، و النهي يدل على الفساد، و إن أسرت لم يجتزأ به بل عن المختلف زيادة أنه لا يستحب لهن، فلا يسقط به المستحب، و كأن بناء الجميع على عورية صوتها، و لذا ذكر غير واحد اعتداد المحارم به كالنساء، لجواز سماعهم أصواتهن، فيتجه حينئذ عدم الاعتداد به

ج 9، ص: 22

لحرمته، و ظاهرهم المفروغية من ذلك، نعم في الذكرى «إلا أن يقال ما كان من قبيل الأذكار و تلاوة القرآن مستثنى كما استثني الاستفتاء و نحوه- ثم قال-: و لعل الشيخ يجعل سماع الرجل صوت المرأة في الأذان كسماعها صوته فيه، فان صوت كل منهما بالنسبة إلى الآخر عورة» لكن الجميع كما ترى، خصوصا ما سمعته من المختلف الذي يمكن دعوى الإجماع على خلافه، كما أن الإجماع المزبور الذي مبناه على الظاهر كون صوت المرأة عورة يمكن منعه أيضا بما عرفت، و إلا فإن تم اتجه عدم الاستثناء لعدم الدليل، و احتمال الاجتزاء به لرجوع النهي لأمر خارج غلط واضح، إذ اللفظ إنما هو صوت خاص، فمع فرض حرمته لا يتصور التقرب به، و مثله احتمال الاجتزاء به مع إسرارهن لعدم توقفه على السماع، و إلا لم يسقط عمن جاء قبل تفرق الجماعة، ضرورة أن القول بذلك للدليل الخاص لا يقتضي الاعتداد به في نحو الفرض، أقصاه أنه يمكن دعواه مثلا فيمن جاء قبل تفرق جماعتهن، لعدم المحذور فيه، إلا أنه يشكل بما عرفت من المناقشة في شمول أدلة الاعتداد بمثله على تقدير عدم كون صوتها عورة.

و على كل حال ففي الذكرى «ان الخنثى المشكل في حكم المرأة تؤذن للمحارم من الرجال و النساء و لأجانب النساء دون أجانب الرجال» و في جامع المقاصد «الخنثى كالمرأة في ذلك، و كالرجل في عدم جواز تأذين المرأة لها» و كأنهما بنيا ذلك على مراعاة الاحتياط فيها الذي قد ادعي وجوبه في مثل العبادة، و إلا فقد يتجه التمسك بأصالة البراءة عن حرمة سماع صوتها، فتشملها حينئذ إطلاق الاعتداد بأذان الغير الذي لم يقيد بالرجال، بل أقصاه خروج النساء عنه، فيقتصر على المعلوم منهن، أما عدم اعتدادها بأذان المرأة فقد يتجه كما ذكره في الجامع، إذ الثابت اعتداد النساء به، و المفروض عدم ثبوت كون الخنثى منهن، و احتمال كونها منها معارض باحتمال كونها

ج 9، ص: 23

من الرجال، فلا يجدي هذا، و قد عرفت أنه في غير واحد من النصوص (1)السابقة اجتزاء النساء بالتكبير و الشهادتين، و في بعضها(2)بالشهادتين، كما انها اختلفت في كيفية الشهادتين، و ظاهر بعضها أن ذلك إقامتها، و لا بأس بالعمل بما فيها على إرادة الرخصة، و إن كان الأفضل غيره، و في المحكي من عبارة ابن الجنيد أن على النساء التكبير و الشهادتين، و لا ريب في ضعفه على تقدير إرادة الوجوب، و الله أعلم.

و كيف كان فقد ذكر المصنف و غيره من الأصحاب بل لم يعرف فيه خلاف أصلا أن الأذان و الإقامة يتأكدان فيما يجهر فيه من الفرائض، بل عن الغنية الإجماع عليه، و هو مع اعتضاده بالفتاوى و التسامح في أدلة السنن الحجة، و إلا فلم نقف في النصوص على ما يشهد له، بل قد يظهر من عد العشاء فيها مع الظهر و العصر و الاقتصار على استثناء المغرب و الغداة خلافه، و تعليله بأن الجهر دليل اعتناء الشارع بالتنبيه و الاعلام و شرعهما لذلك كما ترى، اللهم إلا أن يرجع إلى ما عن علل الفضل (3)عن الرضا (عليه السلام) من أن الأمر بالجهر في فرائضه لوقوعها في أوقات مظلمة ليعلم المار أن هناك جماعة تصلي، فإن أراد أن يصلي صلى معهم، المشعر بأنها أحوج إلى التنبيه على جماعتها.

و أما أن أشدها و غيرها من الصلاة تأكدا استحبابهما في الغداة و المغرب فقد عرفت ما يدل عليه من النصوص (4)حتى قيل بالوجوب كما سمعت، هذا كله في الصلوات الخمس. و أما استحبابه في غيرها فستعرف إن شاء الله المواضع


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1 و 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأذان و الإقامة.

ج 9، ص: 24

التي ندب فيها الأذان خاصة، أو هو و الإقامة في آخر المبحث، و الله الموفق.

و على كل حال ف لا يؤذن و لا يقام لشي ء من النوافل و إن وجبت بالعارض و لا لشي ء من الفرائض عدا الخمس إجماعا محصلا و منقولا عن المعتبر و المنتهى و التذكرة و الذكرى و جامع المقاصد و الغرية، بل عن أولها أنه مذهب علماء الإسلام، و منه يعلم حينئذ أن المراد بإطلاق بعض النصوص (1)أو عمومها خصوص الفرائض الخمسة، فيبقى غيرها على أصالة عدم المشروعية، مضافا إلى ما تسمعه في خبر إسماعيل بن جابر الجعفي (2)من نفي الصادق (عليه السلام) الأذان و الإقامة في العيدين متمما بعدم القول بالفصل، بل لو كان مشروعا في غير الخمس لكانا أولى من غيرهما بذلك، كما هو واضح.

بل يقول المؤذن للصلاة في العيدين عوض الأذان المعهود الصلاة ثلاثا بلا خلاف أجده فيه ل

خبر إسماعيل الجعفي (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قلت له: أ رأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان و إقامة؟ قال: ليس فيهما أذان و لا إقامة، و لكنه ينادى الصلاة ثلاث مرات»

بل ألحق الفاضلان و غيرهما بهما سائر الفرائض غير اليومية، بل ظاهر المتن و غيره إلحاق سائر ما يراد فيه الاجتماع من الصلوات و لو نافلة، فيدخل صلاة الاستسقاء، كما هو صريح المحكي عن التذكرة و نهاية الأحكام، نعم فيه الإشكال في صلاة الجنازة، من العموم، و من الاستغناء بحضور المشيعين، لكن فيه أنه قد لا يغني الحضور للغفلة و نحوها، و لم نجد غير الخبر المزبور، و لذا توقف بعض المتأخرين في تعميم الاستحباب لغيرهما، إلا أنه- بعد التسامح،


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.

ج 9، ص: 25

و فتوى جماعة، و احتمال إلغاء الخصوصية في العيدين، و معلومية ندب النداء للاجتماع، و أفضلية المأثور، و إرسال الفاضل العموم المزبور و إن لم نعثر عليه- لا يبعد التعميم لكل صلاة أريد فيها الاجتماع من فريضة أو نافلة، و إطلاق الأصحاب استحباب اللفظ المزبور من غير نص على كيفية خاصة من الوقف أو النصب أو الرفع أو التفريق يستفاد منه عدم تقييد الاستحباب بشي ء من ذلك، إما لعدم مدخلية الاعراب أصلا في كل ما أمر بقوله أو في خصوص المقام، فحينئذ يجوز نصب الصلاة في الثلاث و رفعها كما نص عليه غير واحد، و التفريق كما نص عليه الشهيد الثاني، هذا. و عن الحسن أنه يقال في العيدين:

«الصلاة جامعة» و الخبر المزبور خال عنه، إلا أنه في بالي أن في بعض الأخبار(1)هذا اللفظ في غير العيدين من بعض الصلوات التي أريد بها الاجتماع كصلاة الغدير أو نحوها، و ربما كان ذلك مؤيدا للتعميم المزبور، فلاحظ. و في كشف اللثام أن الصدوق لم يذكر إلا

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة(2): «أذانهما أي العيدين طلوع الشمس»

قلت: لعل مراده لفظ الصلاة أو مطلق الاعلام لا الأذان المعهود، بل ينبغي القطع بذلك، كما أن ما عن الكشي، من أنه روي في ترجمة يونس ابن يعقوب انه صلى على معاوية بن عمار بأذان و إقامة من الشواذ الغريبة، و الله أعلم.

[في استحباب الأذان و الإقامة في القضاء]

و كيف كان فقد عرفت سابقا أن مقتضى إطلاق الأدلة- بل عموم بعضها خصوصا

قول الصادق (عليه السلام) منها في موثق عمار(3): «لا صلاة إلا بأذان و إقامة»

و غيره- عدم الفرق في استحبابهما بين القضاء و الأداء، و حينئذ ف قاضي الصلوات الخمس


1- 1 صحيح البخاري ج 2 ص 35 و انما ورد في صلاة الكسوف.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة العيد- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.

ج 9، ص: 26

يؤذن لكل واحدة و يقيم مضافا إلى عموم

قوله (عليه السلام)(1): «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»

بناء على إرادة الجنس من الفريضة فيه، و على شموله للكيفية و إن كانت خارجة عن أجزاء الصلاة كالطهارة و الستر و الاستقبال و الأذان و الإقامة، فتأمل. و خصوص

خبر عمار(2)«ان الصادق (عليه السلام) سئل عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان و الإقامة؟ قال: نعم»

و الإجماع المحكي عن الخلاف و ظاهر المسالك و الروض و حاشية الإرشاد، بل لعله مقتضى ما عن التذكرة من الإجماع على أفضليته في الأداء من القضاء، نعم

روى زرارة(3)في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر (عليه السلام) رخصة في ترك الأذان لما عدا الأولى قال: «إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن و أذن لها و أقم ثم صلها و صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة»

و

محمد بن مسلم في الصحيح (4)أيضا «في الرجل يغمى عليه ثم يفيق يقضي ما فاته يؤذن في الأولى و يقيم في البقية»

و

في المرسل (5)«ان النبي (صلى الله عليه و آله) شغل يوم الخندق عن الظهرين و العشاءين حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالا فأذن للأولى و أقام للبواقي من غير أذان».

و إليها أشار المصنف و غيره- بل لا أجد فيه خلافا معتدا به بينهم- بقوله و لو أذن للأولى من ورده ثم أقام للبواقي كان دونه في الفضل بل قد يظهر من

مكاتبة موسى ابن عيسى (6)الرخصة في ترك الأذان للجميع، قال: «كتبت اليه رجل يجب عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 1 و نصه « يقضي ما فاته كما فاته».
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 63- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 2.
5- 5 تيسير الوصول ج 2 ص 190.
6- 6 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.

ج 9، ص: 27

إعادة الصلاة أ يعيدها بأذان و إقامة فكتب يعيدها بإقامة»

بناء على إرادة ما يشمل القضاء من الإعادة فيه. و في المحكي عن الخلاف الإجماع على ذلك، بل هو ظاهر ما في المحكي عن النهاية و السرائر و من فاتته صلاة قضاها بأذان و إقامة أو إقامة، بل عن المعتبر و المنتهى و التذكرة و نهاية الأحكام التصريح بذلك، بل عن البحار نسبته إلى الأصحاب، و ليس في نصوص الرخصتين تقييد بالعجز أو المشقة، فما عن جامع ابن سعيد أنه إن عجز أذن للأولى و أقام للثانية إقامة إقامة، و النفلية من أن من أحكامه الاجتزاء بالإقامة عند مشقة التكرار في القضاء لا يخلو من نظر، كما أن ما عن البحار من الميل إلى عدم ثبوت الرخصة الثانية كذلك أيضا.

و المراد بالرخصة في ترك المستحب المعلوم جواز تركه خصوص ما نص الشارع على تركه على وجه يظهر منه أن ذلك ليس من حيث كونه مستحبا يجوز تركه، بل لعدم كون الاستحباب في محلها كما في غير محلها، و من هنا ينقدح إشكال في الاستدلال على أفضلية الأذان هنا في الجميع بالاستصحاب أو ببعض العمومات، مثل

قول الصادق (عليه السلام) في موثق عمار(1): «لا صلاة إلا بأذان و إقامة»

و نحوه من عمومات التأكد، ضرورة كون هذا الحال غير الحال الأول، فلا يستصحب الحال السابق، كضرورة أنه مما لا يندرج في عموم التأكد للفرائض بعد فرض أنه قد رخص فيه رخصة تشعر بعدم ثبوت ذلك التأكد فيه، نعم لا بأس بالإطلاقات أو العمومات الخالية عن ذلك، بل انما كانت دالة على ثبوت أفضلية الفعل على الترك التي هي قدر مشترك بين سائر المراتب، اللهم إلا أن يفرض كون عمومات التأكد كذلك، فتأمل. بل ربما استشكل بعضهم في الاستدلال بسائر الإطلاقات و العمومات باعتبار ظهور الأمر في الصحيحين و الموثق بأفضلية ذلك من الأذان، إذ أقل مراتبه الندب، بل ربما أيد بفعل النبي


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.

ج 9، ص: 28

(صلى الله عليه و آله) المعلوم مواظبته على الراجح، و ليس الخبر منافيا للعصمة كي يطرح، إذ يمكن أن يكون ذلك منه (صلى الله عليه و آله) قبل النسخ، ل

ما روي «ان الصلاة كانت تسقط مع الخوف ثم تقضي»

حتى نسخ ذلك بقوله تعالى (1)«وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ» أو يكون لعدم تمكنه من استيفاء الأفعال و لم يكن قصر الكيفية مشروعا، و لعله إلى ذلك نظر القائل بأفضلية الأذان لأول الورد خاصة ثم الإقامة الإقامة على فعل الأذان في الجميع كما حكاه غير واحد عن بعضهم و إن كنا لم نعرفه بالخصوص.

نعم قد يستظهر من الفاضل في الإرشاد من حيث عطفه سقوط الأذان عن القاضي على عصر يومي الجمعة و عرفة اللذين ستعرف حرمة الأذان فيهما أو كراهته، بل ربما ظهر من منظومة العلامة الطباطبائي، و استحسنه في المدارك و المحكي عن البحار، بل عن الكفاية اختياره، بل في المدارك و المحكي عن البحار لو قيل بعدم شرعية الأذان لغير الأولى لكان قويا، لعدم ثبوت التعبد به على هذا الوجه، بل في المفاتيح حكايته قولا لبعضهم و إن كنا لم نعرفه، اللهم إلا أن يرجع اليه القول بأفضلية الترك، ضرورة عدم تناول أدلة الاستحباب حينئذ له، فتحتاج شرعيته حينئذ إلى دليل، بل لا تتصور إذ الفرض أنه عبادة، و هي لا يرجح تركها على فعلها، و أقلية الثواب على وجه خاص التي هي معنى الكراهة في العبادات غير متصورة هنا، ضرورة تصورها في الأفراد المتفاوتة لا في فردي الترك و الفعل، و تكلف رجوع ذلك إلى الصلاة ذات الإقامة وحدها و الصلاة ذات الأذان و الإقامة لا محصل له، خصوصا و الأذان عبادة مستقلة عن الصلاة انما يلاحظ فعله و تركه لنفسه، فلا بد حينئذ إما القول بأن الترك رخصة، و إلا فالفضل


1- 1 سورة النساء- الآية 103.

ج 9، ص: 29

في الفعل، و إما القول بأنه عزيمة يحرم معها الفعل و لو لعدم الدليل على الشرعية، لكنك خبير بضعف الثاني و ندرة القائل به، بل قد سمعت دعوى الإجماع صريحا و ظاهرا على خلافه، بل يمكن تحصيله مضافا إلى الأدلة المزبورة التي لا يعارضها ظاهر الأمر الذي هو شبه الأمر في مقام توهم الحظر المنصرف إلى إرادة الرخصة، و لا المرسل المتضمن لفعل النبي (صلى الله عليه و آله) الذي لم يثبت، و عدم منافاته العصمة لا يقتضي ثبوته، على أنه يمكن أن يكون أيضا لبيانها كما يقع منهم فعل المكروه لبيان الجواز فضلا عن الرخصة.

فظهر حينئذ أن الأقوى ما عليه المشهور، لكن في الدروس «أن استحباب الأذان للقاضي لكل صلاة ينافي سقوطه عمن جمع في الأداء، إلا أن نقول السقوط فيه تخفيف، أو أن الساقط أذان الإعلام لحصول العلم بأذان الأولى لا الأذان الذكري، و يكون الثابت في القضاء الأذان الذكري، و هذا متجه» و فيه أنه يمكن كون الفارق الدليل، ضرورة ظهوره في بعض أفراد الجمع كما ستعرف في رجحان الترك، إما للمواظبة منهم (عليهم السلام) على ذلك، أو لدلالة القول عليه بخلافه هنا، فإنه لم تفتهم صلاة إلا ما سمعته من الخبر المزبور الذي استظهر المجلسي على ما قيل عاميته، و ليس فيه شي ء من المواظبة كي يصلح لمعارضته ما عرفت، كالقول في الصحيحين المزبورين و الموثق بعد ما سمعت، و من الغريب احتماله سقوط أذان الإعلام خاصة، بل استوجهه، و النصوص و الفتاوى هنا و في الجمع في الأداء صريحة أو كالصريحة في خلافه، مضافا إلى ما رده به في المدارك من أن الأذان عبادة مخصوصة مشتملة على الأذكار و غيرها، و لا ينحصر مشروعيته في الإعلام بالوقت، إذ قد ورد في كثير من الروايات أن من فوائده دعاء الملائكة إلى الصلاة، و إن كان قد يناقش فيه بأنه ظاهر في عدم ثبوت تعدد الأذان عنده للاعلام و الصلاة، بل هو أذان واحد له فوائد متعددة قد تجتمع

ج 9، ص: 30

و قد يتخلف بعضها، و فيه أنه خلاف الظاهر من النصوص كما عرفت في أول المبحث و تعرف إن شاء الله.

[موارد سقوط الأذان]
[في سقوط الأذان عن صلاة العصر يوم الجمعة]

و يصلي يوم الجمعة الظهر بأذان و إقامة، و العصر بإقامة بلا خلاف معتد به أجده فيه إذا كانت صلاته الظهر جمعة و جاء بالموظف بأن جمع بينها و بين العصر، و ما عن بعض نسخ المقنعة من التعبير بالأذان مراد منه الإقامة بقرينة ما عن نسخة أخرى، و عدم إردافه بالإقامة في النسخة المزبورة، كل ذلك للتأسي و إدراكها مع من احتضر صلاة الجمعة و إدراكهم لها جماعة، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب، بل عن الغنية و السرائر و المنتهى الإجماع عليه، بل قد يقوى في النظر الحرمة وفاقا للبيان و الروضة و كشف اللثام و المحكي عن النهاية و ظاهر التلخيص، بل لعله المراد من التعبير عنه بالبدعة في بعض كتب الفاضل و ثاني الشهيدين، إذ دعوى أنها تنقسم إلى الأحكام الخمسة كما ترى، خصوصا بعد

ما ورد(1)في نوافل شهر رمضان «ان كل بدعة ضلالة»

و على كل حال فالمتجه التحريم لأصالة عدم المشروعية، فهو كالأذان في غير الفرائض، قيل و ل

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر حفص بن غياث (2): «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة»

إذ الثالث في يومها لا يكون إلا للعصر، لأن الأول للصبح و الثاني للجمعة، و إن لم يلاحظ الصبح بل لوحظ الإعلامي لوقت الظهر و الأذان لصلاتها فالثالث حينئذ ليس إلا للعصر، لكن قد يقوى إرادة الثاني للظهر منه باعتبار كونه زيادة ثالثة على الأذان و الإقامة المشروعين للظهر، و يؤيده ما قيل من أن عثمان أحدث للجمعة أذانا لبعد بيته عن المسجد، فكانوا يؤذنون أولا في بيته و ثانيا في المسجد، و قيل: إن المبتدع معاوية، كما أنه قيل: الأذان الأول كان بدعة، و قيل: الثاني، و قيل: إنه كان


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 4 من كتاب الصلاة.

ج 9، ص: 31

بعد نزول الامام من المنبر، و قيل: قبل الوقت، إلى غير ذلك مما ليس هذا محل ذكره.

و الحاصل لا يخفى انصراف الذهن إلى إرادة التعريض بما في يد الناس من الابتداع

كما ورد(1)«الاجتماع في شهر رمضان بدعة»

لا أن المراد أنه لو فعل ذلك كان بدعة: أي تشريعا محرما، فان هذا لا يخص الأذان، بل لعل لفظ البدعة ظاهر في خلافه كما هو واضح، خلافا للمحكي عن المبسوط و الفاضل في جملة من كتبه و الشهيد في الذكرى و المحقق الثاني في جامعه و تعليقه على النافع و الإرشاد فمكروه، و للدروس فمباح لا محرم و لا مكروه، بل جعل فيها الأول منهما مبالغة، قال: «و يسقط استحباب الأذان في عصر عرفة و عشاء المزدلفة و عصر الجمعة» و ربما قيل بكراهته في الثلاثة و خصوصا الأخير، و بالغ من قال بتحريم الأخير، و قد عرفت أن المبالغة هي التي يقتضيها النظر، ضرورة عدم جريان أصالة الجواز في إثبات أصل العبادة، كما أن كونه ذكرا لله و حثا على عبادته و الكل حسن على كل حال لا يشرع الخصوصية، و إلا لاقتضى ذلك استحبابه لغير اليومية، و الاستصحاب بعد القطع بانقطاعه ضرورة كون هذا الحال غير الأول لا حجة فيه، و إلا رجع إلى استصحاب الجنس، و هو غير حجة عندنا، و كذا لا جهة للتمسك بإطلاق أوامر الأذان أو عموماته، ضرورة الاتفاق على عدم شمولها للمفروض، و إلا لاقتضيا بقاء ندبه، و التزام الدروس بذلك بناء على إرادته سقوط تأكد الاستحباب لا أصله الذي لا تتم العبادة بدونه- بل مقتضى ما سمعته منه في المسألة السابقة من أن الساقط أذان الإعلام دون أذان الذكر البقاء على الندب الأول بعد الإجماعات السابقة، بل يمكن دعوى المحصل، و بعد مواظبة النبي (صلى الله عليه و آله) و التابعين و تابعي التابعين على وجه يقطع بأنه الراجح، لا أن الترك رخصة، و إلا فالأفضل غيره- غريب.


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 9، ص: 32

نعم قد يقوى عدم التحريم بل و لا الكراهة، بل الظاهر بقاء الندب الأول إذا لم يجمع بينهما، إذ مرجوحية التفريق لا تنافي استحباب الأذان الثابت بالاستصحاب و بإطلاق الأدلة و عمومها و لا معارض، إذ خبر حفص قد عرفت المراد منه، فما عن ظاهر النهاية و البيان- من الحرمة هنا أيضا حيث جوز التنفل بست بين الفرضين و أطلقا تحريم أذان العصر- فيه ما لا يخفى، و إن قال في كشف اللثام: إنه يقويه النظر إلى أن الأذان للإعلام و الناس مجتمعون مع ضيق الوقت لئلا تنفض الجماعة، و يمكن إرادتهما الصورة الأولى، كما أنه يمكن بقرينة ملاحظة الكتب الاستدلالية و ما ذكروه فيها دليلا للسقوط إرادة ما لا يشمل المفروض من إطلاق المتن و غيره سقوط أذان العصر يوم الجمعة، بل قد يدعى أن المنساق إرادة ما لو فعل الجمع الموظف فيها لا التفريق الذي هو إما محرم أو مكروه أو رخصة كما هو واضح.

و أما إذا صلى الظهر أربعا جامعا بينها و بين العصر فعن صريح التهذيب و الكافي و المنتهى و المختلف و ظاهر المبسوط و النهاية السقوط أيضا، بل ربما استظهر أيضا من عبارة المتن و كتب الفاضل و غيرها مما أطلق فيه سقوطه في يوم الجمعة، و لعله لذا نسب إلى المشهور، بل ربما استظهر أيضا مما عن المعتبر من أنه يجمع يوم الجمعة بين الظهرين بأذان و إقامتين، قاله الثلاثة و أتباعهم، لأن الجمعة يجمع فيها بين الصلاتين، بل عن المنتهى «أنه قاله علماؤنا» بل عن موضع من مجمع البرهان «لا خلاف في سقوط أذان العصر يوم الجمعة إذا جمع بينها و بين الظهر» بل هو مقتضى تعليل غير واحد من الأصحاب السقوط في المسألة الأولى بالجمع الذي هو المفروض في المقام.

و منه ينقدح أن السقوط هناك ليس لخصوصية الجمعة، نعم لما كانت يختص يومها باستحباب الجمع ذكر فيه ذلك، فما وقع من بعض متأخري المتأخرين من المناقشة

ج 9، ص: 33

في بعض أدلة تلك المسألة بأنه لا يخص الجمعة في غير محله، ضرورة أنه لم يظهر منهم إرادة اختصاصها من دون ملاحظة الجمع، فحينئذ يتجه السقوط أيضا هنا، لأن الظاهر من النصوص و الفتاوى استحباب الجمع مطلقا صلى الظهر أربعا أو جمعة، على أن الحكم غير مقيد باستحباب الجمع، بل وقوعه كاف في السقوط و إن لم يكن مستحبا كما يفهم من تعليل كثير من الأصحاب، و لعله لذا نسبه غير واحد إلى الشهرة كما قيل، بل ربما نسب إلى الأصحاب، بل عن الخلاف «ينبغي لمن جمع بين الصلاتين أن يؤذن للأولى و يقيم للثانية» و في كشف اللثام و كذا يسقط بين كل صلاتين جمع بينهما: أي لم يتنفل بينهما كما قطع به الشيخ و الجماعة، لأنه المأثور(1)عنهم (عليهم السلام) ثم حكي عن الذكرى أن الساقط فيه أذان الإعلام لا أذان الذكر و الإعظام، و قال: و لما لم يعهد عنهم إلا تركه أشكل الحكم باستحبابه و إن عمت أخباره و لم يكن إلا ذكرا و أمرا بالمعروف.

قلت: و كأن ذلك كله لأنه مع الجمع كالصلاة الواحدة، و لأن المعهود منهم (عليهم السلام) قولا و فعلا في حال استحباب الجمع و غيره ذلك، ففي

صحيح عبد الله ابن سنان (2)عن الصادق (عليه السلام) «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء في الحضر من غير علة بأذان و إقامتين»

و في

صحيح عمر بن أذينة(3)عن رهط منهم الفضيل و زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين»

و في

خبر صفوان الجمال (4)«صلى بنا أبو عبد الله (عليه السلام) الظهر و العصر عند ما زالت


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب المواقيت- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب المواقيت- الحديث 11 من كتاب الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب المواقيت- الحديث 2.

ج 9، ص: 34

الشمس بأذان و إقامتين، و قال: إني على حاجة فتنفلوا»

مضافا إلى ما ورد في المسلوس (1)و المستحاضة من سقوط الأذان للفرض الثاني، و ما ذاك إلا للجمع المشروع له، و ما تسمعه في ظهري عرفة و عشائي المزدلفة، و ما سمعته في الجمعة و العصر و في الورد الواحد من القضاء و غير ذلك، و من الجميع بمعونة فهم الأصحاب يحصل الظن أن العلة في السقوط في الجميع الجمع، بل منه حينئذ يظهر أن الأقوى التحريم وفاقا للمحكي عن صريح بعض و ظاهر آخرين لما سمعته مفصلا، لكن قد يناقش في ذلك كله بأنه ليس في شي ء من النصوص إشارة إلى العلة المزبورة كي يصح الاستناد إليها، و لا شهرة محققة عليها، و إنما وقعت في كلام بعضهم المحتمل للتقريب و نحوه مما يذكر بعد النص على الحكم كما هي عادتهم، و لم يكن المنقول عنهم (عليهم السلام) استمرار الجمع في غير محل استحبابه على وجه يعلم منه أفضلية الترك، و أقصى الأخبار المزبورة أنه فعل، و لعل ترك الأذان فيه كالجمع لبيان الرخصة و التوسعة، كما صرح بهذا التعليل في بعض نصوص الجمع لما سئل عنه من جهة تعارف التفريق، خصوصا من عادته (ص) و كذا الترك في نصوص المسلوس و المستحاضة فلعله كالجمع للمحافظة، و القضاء قد عرفت أن الأفضل فيه الإتيان بالأذان، و عن مجمع البرهان الإجماع على عدم التحريم في الجمع في غير موضع الندب، و عن الروض أنه لا قائل به.

و من ذلك يعلم أن ليس العلة في السقوط الجمع، و إلا ما اختلف معلولها رخصة و حرمة أو كراهة كما عرفت الحال فيه و في الجمع بين الجمعة و العصر، فالاطلاقات و العمومات حينئذ بحالها كافية في شرعية العبادة التوقيفية، و عدم معهودية أذان منهم (عليهم السلام) فيما جمعوا فيه لا ينافي استفادة الشرعية من الإطلاقات و العمومات بعد أن لم يعلم استمرارهم على الجمع المتروك فيه الأذان، نعم هو متجه فيما علم ذلك فيه كالجمعة


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب نواقض الوضوء- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 9، ص: 35

و العصر و ظهري عرفة و عشائي المزدلفة لا مطلقا خصوصا إذا لم يكن الجمع مستحبا، فإنه لا لفظ يدل على السقوط بحيث لا يندرج في العمومات السابقة، و لا مداومة بل ان اتفق منهم ذلك أحيانا فلعله لبيان الرخصة كأصل الجمع، و استفادته من السقوط حال استحباب الجمع بناء عليه من القياس المحرم عندنا، بل يمكن الفرق باحتمال إشعار استحباب الجمع باتصال الصلاتين و عدم التفريق بينهما و لو بالأذان، و مع هذا الاحتمال فيه و في الفعل السابق يبقى العمومات سالمة عن المعارض، و خبر حفص (1)مع أنه في خصوص الجمعة قد عرفت البحث في دلالته المؤيد زيادة على ما سمعت بعدم استناد أكثر الأصحاب إليه في الحكم هنا، بل عللوه بالجمع و نحوه، و لعله لهذا حكي عن نص المقنعة و الأركان و الكامل و المهذب و السرائر عدم السقوط فيما لو صلى الظهر أربعا في يوم الجمعة فضلا عن الجمع بين الظهرين في غيرها، بل ربما استظهر أيضا من جامع الشرائع حيث نسب القول بالسقوط إلى القيل، بل عن ابن إدريس أنه مراد الشيخ أيضا، و كأنه مال إليه في كشف اللثام، و قد عرفت أنه لا يخلو من قوة، خصوصا مع ملاحظة قاعدة التسامح التي لا يعارضها احتمال التحريم بعد أن كان منشأه التشريع، و أولى منه بعدم السقوط الجمع في غير محل الاستحباب، نعم هو رخصة لا تنافي الندب.

و على كل حال فقد عرفت أن المتجه التحريم على تقدير السقوط وفاقا للمحكي عن النهاية و غيرها، بل ربما ظهر من بعضهم أن القائل بها هناك قائل بها هنا لا الكراهة و إن نص عليها كما قيل في مفروض موضوع أصل المسألة في المنتهى و المختلف و غيرهما، لكن قد عرفت ما فيها هناك، اللهم إلا أن يكون الأذان عنده ليس عبادة، بل القربة شرط في ثوابه لا صحته، و هو مقدمة للصلاة، و ربما يشعر بذلك تقييد بعض مراتب


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 9، ص: 36

ثواب التأذين في بعض (1)نصوصه بالاحتساب، بل قد يشعر به ظهور النصوص (2)في أن الحكمة فيه نداء المكلفين أو الملائكة أو نحو ذلك، لكن لا ريب في أن الأقوى خلاف ذلك و ان أذان الصلاة من العبادات للأصل في الأوامر، نعم هو متجه في أذان الاعلام كما تقدمت الإشارة اليه، و يمكن أن تكون الكراهة فيه نحوها في الصلاة في الأوقات الخمس و الصوم في السفر و نحوهما مما لا بدل له.

و قد قيل: إن الكراهة في ذلك بمعنى أنه أقل ثوابا بالنسبة إلى نفس الطبيعة لا أنه أقل ثوابا من فرد آخر، و فيه أن ذلك لا يقتضي مرجوحية الفعل بالنسبة إلى الترك المستفادة من المداومة و المواظبة عليه، اللهم إلا أن يكون منشأ تلك القلة مفسدة في ذلك الفرد يرجح مراعاتها على مراعاة الثواب الحاصل بسبب الفعل، و لا ينافي ذلك العبادة عند التأمل لكثير من أوامر السادة و العبيد، و لتمام كشف المسألة محل آخر.

هذا كله لو جمع يوم الجمعة بين أربع الظهر و العصر، أما لو فرق بينهما بنافلة أو نحوها فلا سقوط للأذان، للاستصحاب، و الإطلاقات و العمومات السالمة عن المعارض، و خصوص

خبر زريق (3)عن الصادق (عليه السلام) المروي عن أمالي الشيخ أنه «ربما كان يصلى يوم الجمعة ركعتين إذا ارتفع النهار، و بعد ذلك ست ركعات أخر، و كان إذا ركدت الشمس في السماء قبل الزوال أذن و صلى ركعتين، فما يفرغ إلا مع الزوال، ثم يقيم لصلاة الظهر، و يصلي بعد الظهر أربع ركعات ثم يؤذن و يصلي ركعتين ثم يقيم فيصلي العصر»

بناء على حصول التفريق بذلك كما ستسمع تمام الكلام فيه، و خبر حفص قد عرفت الحال فيه، و إطلاق بعض الأصحاب سقوط أذان العصر


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 14 و 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4 مع الاختلاف.

ج 9، ص: 37

يوم الجمعة بقرينة التعليل في الكتب الاستدلالية منهم منزل على غير هذه الصورة.

فصار حاصل البحث أن الصور أربعة بل خمسة: الجمع بين الجمعة و العصر، و التفريق بينهما، و الجمع بين الظهر و العصر في يومها، و التفريق بينهما، و الجمع بين الفرضين في غير محل استحبابه، و الظاهر عدم السقوط في صورتي التفريق، بل و لا في الصورة الأخيرة على إشكال و ان اختصت بالرخصة، و أما صورتا الجمع في يومها فالثانية منهما فيها البحث المزبور، و أما الأولى فلا إشكال في السقوط فيها، و الأقوى كونه عزيمة.

[في سقوط الأذان لصلاة الظهر و العصر بعرفة]

و كذا في الظهر و العصر بعرفة: أي عرفات، فإنه لا خلاف أجده في سقوطه فيها، بل عن حج التذكرة و صلاة المنتهى نسبته إلى علمائنا، بل عن حج الخلاف و الغنية و المنتهى الإجماع على أنه إذا صلى منفردا يجمع بينهما بأذان و إقامتين، كما أن في المحكي عنها و عن حج الدروس و التذكرة و غيرها الإجماع أيضا على سقوطه في عشائي مزدلفة، و

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الله بن سنان(1): «السنة في الأذان يوم عرفة أن تؤذن و تقيم الظهر ثم تصلي ثم تقيم للعصر بغير أذان، و كذلك المغرب و العشاء بمزدلفة»

و قال أيضا في

صحيح منصور بن حازم (2): «صلاة المغرب و العشاء يجمع بأذان واحد و إقامتين»

و

أرسل في الفقيه (3)«ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) جمع بين الظهر و العصر بعرفة بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين»

إلى غير ذلك من النصوص.

بل الظاهر كون السقوط عزيمة أيضا وفاقا لصريح البعض، و ظاهر التعبير بالبدعة من آخر لعين ما سمعته سابقا في الجمعة، خلافا لأول الشهيدين في بعض كتبه و ثاني المحققين فمكروه، و قد سمعت ما في الدروس، و البحث، فلا نعيده.


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.

ج 9، ص: 38

بل لعل الأمر كذلك هنا فيما لو فرق بينهما بالنافلة مثلا و خالف المستحب و إن أطلق النص و المتن و غيره من الفتاوى، إلا أنه يمكن دعوى انسياق حال الجمع من ذلك، فإنه الموظف، بل علل السقوط غير واحد به، و إن كان المحكي عن السرائر تعليله بخصوصية المكان، كما أنه يمكن انسياق إرادة المكان المخصوص مما أطلق فيه عرفة كالمتن و القواعد، و إن كان محتملا لإرادة يوم عرفة مطلقا كما في الصحيح السابق (1)و غيره من النصوص المحتمل لإرادة يوم المضي إلى عرفة، بل لعله المنساق، اقتصارا على المتيقن من الإطلاقات و العمومات و الاستصحاب، و الله أعلم بحقيقة الحال، هذا.

[في بيان ما يحصل به التفريق]

و قد عرفت في بحث المواقيت المراد بالتفريق و أنه لا يحصل الموظف منه بمجرد إيقاع النافلة بين الفرضين، لكن عن السرائر في بحث الجمعة و الحج «ان الجمع أن لا يصلى بينهما نافلة، و أما التسبيح و الأدعية فمستحب ذلك، و ليس بمانع للجمع» و نحوه عن الروض هنا، بل قيل: إنه المستفاد من كل من علل السقوط هنا بعدم الإتيان بالنوافل، و هم جماعة، و قد سمعت جواب المصنف لتلميذه في بحث المواقيت، كما أنك سمعت تفسيره به في كشف اللثام، لكن قال: نعم الظاهر عدم السقوط بمجرد عدم التنفل و إن طال ما بينهما من الزمان حتى أوقع الأولى في أول وقتها و الثانية في آخر وقتها مثلا، و كأنه إليه يرجع ما في المحكي عن الكفاية من أنه يعتبر مع عدم التنفل صدق الجمع عرفا، و لعل ذلك كله لأصالة عدم السقوط مع عدم حذف النافلة، و ل

قول أبي الحسن (عليه السلام) في موثق محمد بن حكيم المروي (2)في الكافي: «إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوع بينهما»

بل في

موثقه الآخر(3)عنه (عليه السلام) أيضا «الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع، فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع»

المراد


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب المواقيت- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب المواقيت- الحديث 3 من كتاب الصلاة.

ج 9، ص: 39

من التطوع فيهما النافلة، لندرة القائل بحصول التفريق بالتعقيب و نحوه، بل هو غير معلوم، نعم نقل عن بعض احتماله، و كونه موافقا لحقيقة الجمع لا يعارض المفهوم من النصوص و لو بواسطة الفتاوى، فحينئذ تتم دلالة الخبرين خصوصا على رواية الأخير منهما على المطلوب، مضافا إلى خبر زريق السابق (1)بل قد يشعر به في الجملة أيضا خبر صفوان الجمال (2)السابق آنفا بل و

خبر الحسين بن علوان (3)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: «رأيت أبي و جدي القاسم بن محمد يجمعان مع الأئمة المغرب و العشاء في الليلة المطيرة، و لا يصليان بينهما شيئا»

و إن كان قد يقال: إنه لا دلالة في اتفاق عدم التنفل حال الجمع على اعتبار ذلك فيه، بل ربما ظهر من

خبر أبان بن تغلب (4)خلاف ذلك، قال: «صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) المغرب بالمزدلفة فلما انصرف أقام الصلاة فصلى العشاء الآخرة لم يركع بينهما، ثم صليت معه بعد ذلك بسنة فصلى المغرب ثم قام فتنفل بأربع ركعات ثم أقام فصلى العشاء الآخرة»

بل و

صحيح أبي عبيدة(5)قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا كانت ليلة مظلمة و ريح و مطر صلى المغرب ثم يمكث قدر ما يتنفل الناس ثم أقام مؤذنه ثم صلى العشاء»

و في

خبر ابن سنان (6)«شهدت صلاة المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) فحين كان قريبا من الشفق نادوا(7)و أقاموا الصلاة فصلوا المغرب ثم أمهلوا الناس حتى صلوا ركعتين، ثم قام المنادي في مكانه في المسجد فأقام الصلاة فصلوا العشاء ثم انصرف الناس إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب المواقيت- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب المواقيت- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب المواقيت- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 31- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
7- 7 و في النسخة الأصلية« ثاروا» بدل« نادوا» و الصحيح ما أثبتناه.

ج 9، ص: 40

منازلهم، فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فقال: نعم قد كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) عمل بهذا».

مضافا إلى إمكان تأييده باستبعاد تركه (صلى الله عليه و آله) النافلة في بعض أفراد الجمع المروية عنه، و أنه فعل ذلك بغير عذر و لا علة، و ليس في صحيح الرهط(1)و غيره من نصوص الجمع ترك النافلة معه، فلعله تنفل مع الجمع، بل المنساق إلى الذهن من نصوص الجمع إرادة أنه لم يفرق بين الصلوات التفريق المعهود، و لعله لذا كان الظاهر من تعليل جماعة السقوط بأن الأذان للوقت و لا وقت للعصر حيث تكون واقعة في فضيلة الظهر أن مدار الجمع فعل الفرضين معا في وقت واحدة منهما، بل ما عن الفاضلين و الشهيدين و العليين و غيرهم- ان الجمع إن كان في وقت الأولى كان الأذان مختصا بها، لأنها صاحبة الوقت و لا وقت للثانية، و إن كان في وقت الثانية أذن أولا لصاحبة الوقت و أقام لكل منهما- لا يخلو من إيماء إلى ذلك و إن كان لا شاهد في شي ء من النصوص على هذا التفصيل، بل ظاهرها خلافه، ضرورة عدم مدخلية الوقت في أذان الصلاة، و إرادة أذان الاعلام بل هو صريح المحكي عن بعضهم واضحة الفساد، على أن الجمع بينهما قد يكون بإيقاع الأولى في آخر وقتها و الثانية في أول وقتها كما في المستحاضة و نحوها، و حينئذ فالمتجه بناء على مراعاة الوقت الأذان لهما و إن جمع بينهما، كما أن المتجه بناء على ذلك عدم أذان للثانية لو وقعت في آخر وقت الأولى التي يفرض وقوعها في أول وقتها، بل منه ينقدح أنه لا جهة لتحديد الجمع بذلك، فان مثل المفروض لا يعد جمعا لغة و لا عرفا و لا شرعا، و المتجه فيه عدم سقوط الأذان، خصوصا مع الاشتغال بما لا ربط له في الصلاة في مدة التخلل، و لعل المتجه مع ملاحظة ما سلف لنا في المواقيت أن المدار في التفريق على الزمان، لكن لا يعتبر فيه في مثل الظهرين التأخير للمثل، نعم هو فرد منه، بل لعله الكامل كما أوضحنا ذلك في المواقيت


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب المواقيت- الحديث 11.

ج 9، ص: 41

و في جميع أفراده لا يسقط الأذان.

أما مع عدم حصول شي ء منها و لكن فصل في النافلة فالجمع بين النصوص السابقة يقتضي السقوط أيضا لكن ليس كالسقوط حال عدم التنفل، ضرورة كونه الفرد الكامل من الجمع، بل يمكن بناء على حرمة الأذان حال الجمع اختصاصها بحال عدم التنفل دون التنفل، و على الكراهة فلا ريب في أنها فيه آكد، فاختلفت حينئذ أفراد الجمع كاختلاف أفراد التفريق، و الله أعلم.

[في حكم الجماعة الثانية قبل تفرق الأولى]

و لو صلى الإمام جماعة و جاء آخرون لم يؤذنوا و لم يقيموا على كراهية ما دامت الأولى لم تتفرق، فان تفرقت صفوفهم أذن الآخرون و أقاموا بلا خلاف أجده في ذلك في الجملة، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، للنصوص المستفيضة، ففي

خبر(1)زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام) «دخل رجلان المسجد و قد صلى علي (عليه السلام) بالناس فقال لهما: إن شئتما فليؤم أحدكما صاحبه و لا يؤذن و لا يقيم»

و

السكوني (2)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «انه كان يقول: إذا دخل الرجل المسجد و قد صلى أهله فلا يؤذنن و لا يقيمن و لا يتطوع حتى يبدأ بصلاة الفريضة، و لا يخرج منه إلى غيره حتى يصلي فيه»

و

أبي علي (3)قال: «كنا جلوسا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتاه رجل فقال: جعلت فداك صلينا في المسجد الفجر فانصرف بعضنا و جلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فأذن فمنعناه و دفعناه عن ذلك فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أحسنت، ادفعه عن ذلك و امنعه أشد المنع، فقلت:

فان دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة قال: يقومون في ناحية المسجد و لا يبدو بهم


1- 1 الوسائل- الباب- 65- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب المواقيت- الحديث 2.

ج 9، ص: 42

إمام»

و

أبي بصير(1)«سألته عن الرجل ينتهي إلى الامام حين يسلم فقال: ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم، فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان»

و

خبره الآخر(2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يدخل المسجد و قد صلى القوم أ يؤذن و يقيم؟ قال: إن كان دخل معهم و لم يتفرق الصف صلى بأذانهم و إقامتهم، و إن كان تفرق الصف أذن و أقام»

و في المحكي عن

كتاب زيد النرسي عن عبيد بن زرارة(3)عن الصادق (عليه السلام) «إذا أدركت الجماعة و قد انصرف القوم و وجدت الامام مكانه و أهل المسجد قبل أن يتفرقوا أجزأك أذانهم و إقامتهم فاستفتح الصلاة لنفسك، و إذا وافيتهم و قد انصرفوا عن صلاتهم و هم جلوس أجزأ إقامة بغير أذان، و إن وجدتهم تفرقوا و خرج بعضهم من المسجد فأذن و أقم لنفسك».

فما في المدارك- من التوقف في هذا الحكم من أصله بعد أن اقتصر على إيراد أحد خبري أبي بصير و خبر أبي علي مستندا له قال: لضعف مستنده باشتراك راوي الأول و جهالة راوي الثاني- في غير محله قطعا بعد الانجبار بما عرفت و الاعتضاد بما سمعت، على أنه لا اشتراك قادح في أبي بصير كما حقق في محله، و أبو علي الحراني (4)يحتمل أنه سلام بن عمر الثقة، فيكون الخبر صحيحا في طريقيه إن لم يكتف في صحة الخبر بصحة سنده إلى من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و إلا فلا تقدح جهالته، لأن في أحد طريقيه ابن أبي عمير، و الآخر الحسين بن سعيد عنه، و هما معا ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهما.

و أما ما قيل من أنه يلوح من الإرشاد و الموجز و موضع من المبسوط قصر الحكم


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
3- 3 المستدرك- الباب- 22- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
4- 4 و في النسخة الأصلية« الحراني» و الصحيح ما أثبتناه.

ج 9، ص: 43

على الأذان فقد يراد منه ما يشمل الإقامة، و إلا فلا ريب في ضعفه، لتطابق النصوص و الفتاوى على سقوطهما معا، و ما في المحكي عن كتاب زيد مع ظهور السقط فيه انما هو في خصوص المنصرفين عن الصلاة و هم جلوس لم يخرج بعضهم عن المسجد و لم يتفرقوا، و هو خارج عن موضوع المسألة كما ستعرف، أو أخص منه، على أنه قاصر عن معارضة ما عرفت من النصوص المعتضدة بالفتاوي، كقصور

موثق عمار-(1)سئل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل أدرك الإمام حين سلم قال: عليه أن يؤذن و يقيم و يفتتح الصلاة»

و

خبر معاوية بن شريح (2)في حديث قال: «و من أدركه و قد رفع رأسه من السجدة الأخيرة و هو في التشهد فقد أدرك الجماعة، فليس عليه أذان و لا إقامة، و من أدركه و قد سلم فعليه الأذان و الإقامة»

- عن معارضة النصوص السابقة، و لذا حملا على إرادة بيان الجواز في مقابل الرخصة أو الكراهة، أو على إرادة صورة التفرق و إن كان لا يخفى ما فيهما، و أولى منهما طرحهما أو حملهما خصوصا الثاني منهما على إرادة بيان انتهاء الدخول في الجماعة بحيث تحصل له فضيلة الجماعة، فكني حينئذ بالأذان و الإقامة عن عدم مشروعية الدخول فيها و الاستغناء عن الأذان و الإقامة من حيث إدراك الصلاة جماعة من غير تعرض لباقي الحيثيات التي منها عدم تفرق الجماعة حتى ينافي ما سمعت، بل يمكن دعوى سياقهما لبيان ذلك خصوصا الثاني منهما.

و منه يعلم ضعف ما عن الصدوق من الفتوى بمضمون موثق عمار و إن حكي عن الأستاذ الأكبر تأييده بأنه أوفق بالعمومات و التأكيدات الواردة في الأذان و الإقامة، مضافا إلى ما في أخبار السقوط من الاختلاف حتى أن رواية السكوني في غاية التأكيد في المنع مطلقا من دون قيد التفرق، فهي أوفق بمذاهب العامة و أليق بالحمل على الاتقاء


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 65- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 9، ص: 44

من حيث ندور وجود الامام الراتب في مسجد من الشيعة في زمانهم، إذ هو كما ترى من غرائب الكلام، فان رفع اليد عن النصوص المعمول بها بين الأصحاب المعتبر سند بعضها في نفسه التي ليس اختلافها إلا بالإطلاق و التقييد كما ستعرف بموثق عمار الذي قد عرفت الحال فيه و موافق لمذهب أبي حنيفة مخالف لأصول المذهب، لكنه هو أدرى بما قال، فتأمل.

و كيف كان فقد يقوى كون هذا السقوط على الحرمة و إن قل القائل به صريحا إذ لم يحك إلا عن المقنعة و التهذيب في خصوص الصلاة جماعة، بل في كشف اللثام الاقتصار على نسبته للثاني منهما، و أما ما عن موضع من الفقيه و المبسوط و بعض نسخ السرائر من المنع عن الصلاة جماعة في المسجد الذي صلي فيه، تلك الصلاة جماعة، و منه يستفاد تحريم الأذان بالأولى فهو خارج عما نحن فيه، نعم حكي التحريم في المفاتيح عن بعض الأصحاب، و لعله فهمه من التعبير بالسقوط و النفي و نحوهما في جملة من كتب الأصحاب، لكن على كل حال لا يخفى قوته، لأصالة عدم المشروعية، و النهي في خبري زيد و السكوني المراد منه بقرينة خبر أبي علي الحراني الحرمة لا رفع الندب السابق قياسا على الأمر عند توهم الحظر، و الاستصحاب بعد القطع بتغير الحال غير جار كالعمومات التي لا ريب في تخصيصها، و خبرا عمار و معاوية بن شريح- مع ظهورهما في المنفرد و موافقتهما للمحكي عن أبي حنيفة- قد عرفت الحال فيهما، و الاجزاء في المروي عن كتاب زيد غير مراد منه أقل المجزي قطعا، و إلا لكان الفضل في الفعل، و هو واضح البطلان، و من ذلك يظهر ما في القول بالكراهة فضلا عن القول بالرخصة الذي ينافيه خبر أبي علي الحراني.

و كيف كان فالظاهر عدم اختصاص الحكم بالمؤذن و المقيم بل هو عام لمن أذن لهم و أقام ممن كان مريد الاجتماع في الصلاة، كما أن الظاهر من النصوص عدم اختصاصه

ج 9، ص: 45

أيضا بالجماعة بل يعمه و المنفرد، فيسقط عنه الأذان و الإقامة لصلاته أيضا وفاقا لجماعة، لا للأولوية لعدم وضوحها على وجه تكون به حجة، بل لظاهر النصوص السابقة، بل صريح بعضها، و خبر زيد لا دلالة فيه على نفي ذلك كي يكون معارضا، فما عساه يظهر من ترتيب الحكم على الجماعة في عبارة جماعة من أصحابنا من نفيه في المنفرد لا ريب في ضعفه، و لعل عبارة المتن و ما ضاهاها غير مراد منها خصوص الجماعة في الصلاة و إن عبر بمجي ء الجماعة، كما أنه يمكن عدم إرادة المقتصر عليها نفيه في المنفرد، فدعوى الشهرة و المعظم على الاختصاص لا تخلو من نظر، على أن المتبع الدليل، و قد عرفت مقتضاه، بل ليس فيما سمعته من النصوص تعرض لاعتبار الجماعة أصلا سوى ما في خبر زيد، و ظهوره و لو بالمفهوم في اشتراط السقوط بالجماعة على وجه يعارض ظاهر باقي النصوص محل منع، بل يمكن دعوى كون المراد منه إنكما إن شئتما أن يؤم أحدكما صاحبه و لا يؤذن و لا يقيم فافعلا، فان ذلك لكما في هذا الحال، فتأمل جيدا.

و لا فرق في أذان المنفرد الممنوع منه و لو على جهة الكراهة بين السر و العلانية، للإطلاق المزبور، فما عن المبسوط من جواز الأذان سرا أو استحبابه لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه كما هو واضح.

و كذا ظاهر المتن و غيره مما لم يتعرض فيه لذكر المسجد عدم اعتباره في هذا الحكم وفاقا لصريح جماعة، لإطلاق أحد خبري أبي بصير، و ظهور الجواب في غيره في أن المدار على تفرق الجماعة و عدمه، و دخوله في الشرط في خبر أبي علي خارج مخرج الغالب.

نعم يعتبر اتحاد المكان عرفا، كما أنه على تقدير اعتبار المسجد نعتبر ذلك أيضا، فمتى تعدد لم يسقط، اقتصارا في الخروج من العمومات على المتيقن المنساق إلى الذهن من النصوص الموافق لمقتضى الحكمة التي هي بحسب الظاهر إجراء حكم الجماعة

ج 9، ص: 46

بالنسبة إلى ذلك على مدركها قبل التفرق، و لذا لم يختص الحكم بالمسجد، خلافا لظاهر جماعة و صريح آخرين بل قيل المعظم، اقتصارا على المتيقن، و فيه ما عرفت، كما أن ما في كشف اللثام- من احتمال الاكتفاء في السقوط ببلوغ صوت المؤذن و إن لم يتحد المكان- فيه ما لا يخفى أيضا، قال: و هل يشترط اتحاد المكان و لو عرفا أو يكفي بلوغ صوت المؤذن؟ وجهان.

و لا يعتبر اتحاد الصلاة أيضا، لإطلاق الأدلة، خلافا لبعضهم بل ربما قيل المعظم و إن كنا لم نتحققه، اقتصارا على المتيقن، بل في كشف اللثام أنه المتبادر من الأخبار و العبارات، و فيه أن ظاهر الدليل حجة كاليقين أيضا، و دعوى التبادر بحيث لا تصلح لتناول الغير ممنوعة.

نعم يمكن القول بعدم سقوط أذان الأداء بإدراك جماعة القضاء عن النفس و الغير و بالعكس على إشكال، خصوصا في الأخير الذي قد تردد فيه في الحدائق.

أما جماعة غير اليومية فلا يسقط بها أذان اليومية قطعا، كما أنه لا يسقط أيضا بجماعة اليومية المعلوم انعقادها بلا أذان و لا إقامة، لظهور النصوص، خصوصا أحد خبري أبي بصير في دخول الجائي و استغنائه بأذان الأولى، نعم لا يشترط العلم بأذانها لظهور الحال، و في استغناء الجائي ثالثا مثلا مع الصلاة جماعة أو فرادى بإدراك الجماعة الثانية المستغنية عن الأذان بإدراك الأولى وجهان، من الأصل و العمومات التي لا تعارضها نصوص المسألة بعد ظهورها في غير ذلك، و من تنزيل الشارع لها بإدراكها الأولى غير متفرقة منزلتها، بل و كذا الوجهان في الثاني إذا كان الجماعة الأولى غير مؤذنة و لا مقيمة لاستغنائها عنهما بسماعهما بناء عليه، و إن أمكن إبداء فرق ما بين الموضوعين.

و كيف كان فقد اعتبر المصنف كجماعة من الأصحاب في السقوط عدم تفرق

ج 9، ص: 47

الأولى للنصوص السابقة المحمول إطلاق ما في خبري زيد(1)و السكوني (2)منها على المقيد الذي هو خبر أبي بصير(3)و المحكي في كتاب زيد(4)فاحتمال السقوط مطلقا عن الجماعة الثانية لتلك الصلاة- بل هو صريح المحكي عن المبسوط أو ظاهره عملا بإطلاق خبر السكوني الظاهر في المنفرد و خبر زيد، و طرحا لخبري أبي بصير و غيرهما- في غير محله قطعا، كالذي سمعته سابقا عن الصدوق من العمل بموثق عمار مع طرح باقي الأخبار.

انما البحث في أن المدار على تفرق الجميع بحيث يبقى السقوط مع بقاء الواحد، أو على بقاء الجميع بحيث إذا مضى واحد يسقط السقوط، أو على الأكثر تفرقا و بقاء بمعنى تحقق السقوط مع بقائهم و عدمه مع تفرقهم، أو على العرف في صدق التفرق و عدمه من غير ملاحظة شي ء من ذلك أقوال، صرح جماعة بالأول، بل ربما استظهر أيضا ممن عبر بلفظ تفرقوا و نحوه لترك الاستفصال في خبر أبي علي، و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير: «فان وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان»

إلى آخره.

ك

قوله (عليه السلام) في خبره الآخر: «و إن كان تفرق الصف أذن و أقام»

إذ المراد بالصف المصطفين (5)كناية عن الجماعة، فاعتبار تفرقهم يقضي بالاستغراق كضمير الجمع، بمعنى أنه لا بد من افتراق كل واحد عن الآخر، و مع بقاء الواحد مثلا معقبا لا يتحقق ذلك، لكن فيه أنه خلاف المنساق عرفا من صدق التفرق، ضرورة تحققه


1- 1 الوسائل- الباب- 65- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1 و 2.
4- 4 المستدرك- الباب- 22- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
5- 5 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح« المصطفون» بقرينة ما يأتي من قوله قدس سره:« إن المراد من الصف المصطف».

ج 9، ص: 48

بانصراف الأكثر مثلا، بل بمجرد سيلان الجماعة في الأزقة من غير ملاحظة الأقل و الأكثر كما يومي اليه المحكي من كتاب زيد، و ترك الاستفصال في خبر أبي علي لعله لحمل الامام فعله على الصحة، لأن منعه و دفعه للمؤذن عن الأذان يقضي بكون البعض الخارج لا يتحقق معه صدق التفرق، على أن خبر أبي علي ضعيف لا يصلح لتخصيص العمومات و تقييد المطلقات من دون جابر، و لا شهرة محققة على الاكتفاء في السقوط ببقاء الواحد تجبره، مضافا إلى ما في ذيله من النهي عن أن يبدر بهم إمام مما لا عامل به فيما أجد إلا الصدوق و الشيخ في موضع من الفقيه و المبسوط و بعض نسخ السرائر إن كان المراد منه الكناية عن عقد جماعة ثانية لتلك الصلاة في ذلك المسجد، و حمله على إرادة عدم ظهور إمام لهم مراعاة لراتب المسجد أولى قطعا، بل ينبغي القطع بفساد الأول إذا كان المراد ما يشمل حال تفرق الجماعة بحيث لم يبق إمامها و لا مأمومها كما يقتضيه ظاهر المحكي عنهم، فتأمل.

و تعليق الأذان و الإقامة على تفرق الصف المدعى عدم تحققه مع بقاء الواحد معارض بتعليق السقوط قبل ذلك على عدم تفرق الصف الذي لا يتحقق إلا مع بقاء جميع المصلين فيه كما اعترف به في المدارك، و لعله مضافا إلى العمومات دليل القول الثاني، لكنه- مع ندرة القائل به صريحا و معارضة ذلك بالتعليق الثاني في الخبر المزبور المعتضد بما في خبر أبي بصير الآخر و خبر أبي علي و المحكي عن كتاب زيد، و ما سمعته من دعوى عدم صدق التفرق عرفا بخروج البعض النادر بالنسبة إلى الباقي في الجماعة الكثيرة- يشارك السابق في الضعف.

و أما الثالث فكان مرجعه إلى الرابع و إن وقع التحديد فيه بالأكثر، إلا أن نظره بحسب الظاهر إلى الصدق العرفي المختلف بكثرة الجماعة و قلتها و نحوهما، نعم لا ريب

ج 9، ص: 49

في انسياق الخروج من المسجد من التفرق في النصوص بل هو صريح المحكي عن كتاب زيد، و لذا عبر به بعضهم، لكن لا يبعد إرادة الاعراض عن الصلاة و تعقيبها من ذلك، و خص بالذكر جريا على الغالب كما صرح به الشهيد في المحكي عن النفلية، و ربما كان ظاهر المحكي عن موضع من المهذب حيث عبر بانصرافهم عن الصلاة، بل لعله المراد من باقي العبارات و إن كان بعيدا، و قد وقع في كشف اللثام هنا ما هو محتاج للنظر و التأمل، خصوصا ما فيه من الفرق بين التعبير بتفرقوا و تفرق الصف، مع أن مرجع الثاني إلى الأول كما عرفت، إذ المراد من الصف المصطف، و الله أعلم.

[في حكم المنفرد إذا أذن ثم أراد الجماعة]

و إذا أذن المنفرد ليصلي وحده ثم أراد الجماعة التي لم يكن قد أذن لها أعاد الأذان و الإقامة للأصل و إطلاق ما دل على استحبابهما لها، و خصوص

موثق عمار(1)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يؤذن و يقيم ليصلي وحده فيجي ء رجل آخر فيقول له: نصلي جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان و الإقامة؟ قال:

لا و لكن يؤذن و يقيم»

و هو- مع أنه من الموثق الذي هو حجة عندنا، و معتضد بالأصل و العمومات، و منجبر بفتوى المشهور نقلا و تحصيلا، بل نسبه في الذكرى إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه- واضح الدلالة على المطلوب الذي هو من السنن التي يتسامح فيها.

فمن الغريب ما في المعتبر من أن في هذه الرواية ضعفا، فان في سندها فطحية، لكن مضمونها استحباب تكرار الأذان و الإقامة، و هو ذكر الله، و ذكر الله حسن على كل حال، و الأقرب عندي الاجتزاء بالأذان و الإقامة و إن نوى الانفراد، و يؤيد ذلك ما رواه

صالح بن عقبة عن أبي مريم الأنصاري (2)قال: «صلى بنا أبو جعفر


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 التهذيب ج 2 ص 280- الرقم 1113 من طبعة النجف.

ج 9، ص: 50

(عليه السلام) في قميص بغير إزار و لا رداء و لا أذان و لا إقامة، فلما انصرف قلت له:

صليت بنا في قميص بغير إزار و لا رداء و لا أذان و لا إقامة، فقال: قميصي كثيف، فهو يجزي أن لا يكون علي إزار و لا رداء، و إني مررت بجعفر و هو يؤذن و يقيم فأجزأني ذلك»

و إذا اجتزى بأذان غيره مع الانفراد فبأذانه أولى.

و أغرب منه اتباع غيره عليه كالفاضل في بعض كتبه و غيره، مع أن خبر أبي مريم في غاية الضعف، لمعروفية صالح بن عقبة بالكذب، و يمكن منع الأولوية أولا، و احتمال الفرق بقصده (عليه السلام) الجماعة التي هو إمامها، و عدم معلومية انفراد جعفر (عليه السلام) ثانيا، و قد يقال في الجمع بين الخبرين باعتبار لفظ الاجزاء في الثاني إرادة نفي الكمال منه بحمل ما في كلام السائل من الجواز عليه، و ربما كان هو مراد المصنف و من تبعه، و لو أذن بقصد الجماعة ثم أريد الانفراد فالظاهر الاجتزاء بالأذان الأول، و الله أعلم.

الثاني في المؤذن
[في اعتبار العقل و الإسلام في المؤذن]

و يعتبر فيه إذا كان للجماعة و الاعلام العقل و الإسلام بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسميه عليه، بل المنقول منه مستفيض أو متواتر، بل يمكن القطع بكونه المراد من النصوص (1)الواردة في مدح المؤذنين و ما أعد لهم من الثواب و الدعاء بالمغفرة لهم و أنهم الأمناء و نحو ذلك، مضافا إلى

موثق عمار(2)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف؟ قال: لا يستقيم الأذان و لا يجوز أن يؤذن به إلا رجل مسلم عارف، فان علم الأذان فأذن به و لم


1- 1 الوسائل- الباب- 2 و 3- من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 51

يكن عارفا لم يجز أذانه و لا إقامته و لا يقتدى به»

و إلى ما قيل من أن الأذان عبادة، و لا تصح من الكافر و المجنون، و المؤذنين أمناء، و هما معا ليسا محلا للأمانة، و من أنه لا يتصور وقوعه من الكافر، لأن التلفظ بالشهادتين إسلام، و إن كان في بعض ذلك نوع تأمل، لما عرفت من أن أذان الإعلام ليس عبادة، و أن المراد مما ورد من أمانة المؤذنين الحث على مواظبتهم على المواقيت و التحفظ، على أنه يمكن معرفة ذلك بالاختبار، و لذا أمروا (عليهم السلام) بالصلاة بأذان المخالفين معللا بشدة مواظبتهم على الوقت، و التلفظ بالشهادتين يمكن أن لا يكون إسلاما إذا كان استهزاء أو حكاية أو غفلة أو تأولا عدم عموم النبوة، أو مع عدم المعرفة بمعناهما أو نحو ذلك، على أن الفرض وقوعهما ممن يعلم عدم اعتقاده بهما، و مثله لا يحكم بإسلامه بمجرد التلفظ المزبور قطعا، اللهم إلا أن يراد منع كون ذلك مع أحد الأحوال المزبورة أذانا حينئذ بدعوى أنه قولهما مع ظهور الاعتقاد بمضمونهما إجمالا أو تفصيلا، لا اللغو و الاستهزاء و نحو ذلك، كما يومي اليه ما ورد في علل الأذان في خبر الفضل بن شاذان (1)و

ما جاء في مدح المؤذنين (2)«و ان الله قد وكل بأصواتهم ريحا ترفعها إلى السماء، فإذا سمعت الملائكة الأذان قالوا: هذه أصوات أمة محمد (صلى الله عليه و آله) بتوحيد الله عز و جل و يستغفرون لأمة محمد (صلى الله عليه و آله) حتى يفرغوا من الصلاة»(3)

و غير ذلك، لكن قد يخدش بأن من الكفار من يتلفظ بالشهادتين معتقدا بهما كالخوارج و الغلاة و النواصب و نحوهم ممن انتحل الإسلام.

و كيف كان فالعمدة في الاستدلال ما عرفته أولا، و أما الإيمان فقد يظهر من


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأذان و الإقامة.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7.

ج 9، ص: 52

اقتصار المصنف و غيره على اشتراط الإسلام عدمه، و يشهد له أيضا معروفية الاجتزاء بالأذان في الأزمنة السابقة التي لم يكن للشيعة مؤذن معلوم فيها، و كذا يشهد له العبارة المنسوبة للشيخ و أكثر من تأخر عنه، و هي «يستحب قول ما يتركه المؤذن» ضرورة شمولها إن لم تكن ظاهرة فيه للمخالف المنقص نحو «حي على خير العمل» بل عن الكركي منهم التصريح بإرادة هذه الفقرة منها، و حينئذ فمقتضاه الاجتزاء بالأذان المزبور مع الإتمام، كما هو ظاهر مستندها الذي هو

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن سنان(1): «إذا نقص المؤذن الأذان و أنت تريد أن تصلي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه».

لكن قد يناقش في ذلك كله بأنه لا يتم فيما كان عبادة منه كأذان الجماعة، لعدم صحتها منهم، و بمخالفته الموثق المزبور المشترط فيه المعرفة الظاهرة في إرادة الايمان كما لا يخفى على العارف بلسان النصوص و كثرة تعبيرها بذلك عن ذلك، إذ الذي لم يعرف إمام زمانه لم يعرف شيئا و قد مات ميتة جاهلية، و لما وقع للشيخ و أكثر من تأخر عنه كما قيل أيضا من أن المصلي خلف من لا يقتدى به يؤذن لنفسه و يقيم الظاهر في إرادة المخالف، ضرورة الاعتداد بأذان الفاسق كما ستعرف، بل أظهر منه في ذلك مستنده الذي هو

خبر معاذ بن كثير(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا دخل الرجل المسجد و هو لا يأتم بصاحبه و قد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن و أقام أن يركع فليقل: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله»

و

خبر محمد بن عذافر(3)عنه (عليه السلام) أيضا «أذن خلف من قرأت خلفه»

مضافا إلى موثق عمار المزبور، و لعله لذا صرح الشهيد و غيره باشتراطه، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.

ج 9، ص: 53

عن كشف الالتباس نسبته إلى الأصحاب عدا صاحب الموجز، و لعله أخذه من العبارة المزبورة لهم التي يمكن عدم منافاتها للأولى المحمولة على إرادة بيان استحباب الإتمام في نفسه إقامة للشعار الذي يجامع إعادة الأذان، و لا ينافي عدم الاعتداد، و إن كان قد يناقش فيه بأنه مناف لخبر ابن سنان السابق، أو على إرادة أذان المؤذن الذي نقص نسيانا أو تقية أو نحو ذلك، بل يمكن إرادة الكركي ذلك أيضا و إن ذكر «حي على خير العمل» إذ لا يختص تركها بالمخالف، أو على أنه يستحب له الإتمام حيث يتعذر عليه الإعادة تقية، و لعل هذا و سابقه أولى من الجمع بأن المخالف لا يعتد بأذانه إذا لم يتمم و أما إذا جي ء بما نقصه اعتد به، إذ هو مخالف لما عرفت من أن مقتضى الأدلة عدم الاعتداد به لنفسه لا لنقيصته بل و لذكرهم استحباب الإتمام، ضرورة كونه على هذا التقدير شرطا، بل و لإطلاقهم عدم الاعتداد بأذانه، هذا. و قد تسمع إن شاء الله زيادة تفصيل لذلك عند تعرض المصنف، و يمكن أن يقال بعدم اشتراط الايمان في أذان الإعلام بخلاف أذان الصلاة، لعدم كون الأول عبادة، و حصول حكمة المشروعية و معروفية الاجتزاء به في أزمنة التقية، و به يجمع بين النصوص و الفتاوى، و الله أعلم.

[في اعتبار الذكورة في المؤذن]

و كذا يعتبر في المؤذن الذكورة لأصالة عدم السقوط بأذانها للاعلام و لجماعة الرجال، ضرورة كون المنساق إلى الذهن من النصوص التي عبر في كثير منها بصيغة الذكور الرجال، خصوصا مع تعارف ذلك فيهم، و تعارف الستر و الحياء في النساء، بل علل غير واحد من الأساطين الحكم هنا بأنه إن أسرت المرأة بالأذان بحيث لم يسمعوا لا اعتداد به، و إن جهرت كان أذانا منهيا عنه، لأن صوتها عورة، فيفسد للنهي، و إن أمكنت المناقشة فيه أولا بعدم ثبوت عورية صوت المرأة للسيرة كصوت الرجل بالنسبة إليها، و ثانيا بعدم كون أذان الإعلام عبادة، و ثالثا بعدم اشتراط السماع في الاعتداد، و إلا لم يكره للجماعة الثانية ما لم يتفرق الأولى و لا اللاحق

ج 9، ص: 54

للأولى إذا سبقه الأذان، و رابعا بأن النهي عن كيفية الأذان، و هو لا يقتضي فساده، و لو سلم فلا يتم فيما إذا جهرت و هي لا تعلم سماع الأجانب فاتفق أن سمعوه، على أنه لا يتم فيما إذا كان الأذان لجماعة المحارم الذي صرح جماعة باعتدادهم به، كجماعة النساء المجمع على مشروعية أذان المرأة لها، و خامسا باحتمال استثناء ما كان من قبيل الأذكار و تلاوة القرآن كالاستفتاء و نحوه من الرجال.

و بغير ذلك كالاستدلال في المحكي عن المختلف لأصل الحكم بأنه لا يستحب الأذان لها، فلا يسقط به المستحب، إذ هو واضح المنع، كإطلاق المصنف اشتراط الذكورة الذي لا يلائم ما سمعت من الإجماع على مشروعيته لهن و اعتدادهن به، لكن قد يعتذر عنه بأنه أطلق ذلك اعتمادا على ما سيصرح به من أنه لو أذنت المرأة للنساء جاز، أما غيرهن من جماعة المحارم أو الأجانب مطلقا أو على بعض الوجوه فإطلاقه فيه في محله، فإن الأقوى عدم الاعتداد به إن لم يكن إجماع على خلافه، كما عساه يفهم مما تسمعه من معقد إجماع الكركي في الصبية بالنسبة للمحارم، لما عرفت من الأصل السالم عن المعارض المعتد به مؤيدا ببعض ما سمعت، و ربما(1)ورد من أنه ليس عليهن أذان و لا إقامة، و بغير ذلك، و إن أمكن المناقشة في جميع ما عداه حتى النصوص التي قد عرفت في أول الأذان إرادة نفي التأكد منها لا المشروعية، فتأمل جيدا، فالعمدة حينئذ الأصل المزبور، فما عن الشيخ في المبسوط- من أنه إن أذنت المرأة للرجال جاز لهم أن يعتدوا به و يقيموا، لأنه لا مانع منه- لا يخلو من نظر، كالمحكي عن جماعة من الاعتداد به للمحارم كما عرفت.

و كيف كان ف لا يشترط البلوغ في الأذان إجماعا محصلا و منقولا


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 6 و 7.

ج 9، ص: 55

مستفيضا كالنصوص (1)بل متواترا ف يكفي كونه مميزا حينئذ كما هو معقد بعض الإجماعات المزبورة، و مندرج قطعا في النصوص (2)إذ احتمال إرادة خصوص المراهق منها مع ذلك غلط، خصوصا بعد ملاحظة الفتاوى، فما عن بعض عبارات النهاية- من أنه لا يؤذن و لا يقيم إلا من يوثق بدينه- يريد به إخراج المخالف، خصوصا مع ملاحظة تصريحه قبل ذلك بالصبي، بل لعل الموثق (3)المزبور كذلك، فلا يقدح حصر الأذان فيه في الرجل، و إلا وجب تخصيص مفهومه بذلك لما عرفت.

أما غير المميز فلا عبرة بأذانه كما صرح به جماعة، بل عن التذكرة الإجماع عليه لمسلوبية عبارته، و لذا ساوى المجنون في أكثر الأحكام، و ظهور النصوص في غيره، بل لعله غير مراد من إطلاق الصبي في بعض العبارات، فلا يكون فيه حينئذ خلاف، و المرجع في التمييز إلى العرف الذي هو أولى مما عن الروض من أنه الذي يعرف الأضر من الضار و الأنفع من النافع إذا لم يحصل بينهما التباس بحيث يخفى على غالب الناس، إذ هو مع أنه رد إلى الجهالة غير واضح المأخذ، كالمحكي عن جماعة من التصريح بعدم الفرق في الحكم المزبور بين الذكر و الأنثى، ضرورة اختصاص النصوص و معاقد الإجماعات و أكثر الفتاوى بما لا يشملها من التعبير بالصبي و الغلام و نحوهما، لكن قد يظهر من جامع المقاصد الإجماع على الاجتزاء بأذان الصبية للنساء و المحارم، و للنظر فيه مجال، و الله أعلم.

[في استحباب أن يكون المؤذن عدلا]

و أما ما يستحب فيه لا على جهة الشرطية فهو أن يكون عدلا بلا خلاف كما عن المنتهى، بل ظاهر نسبته إلى علمائنا في المحكي عنه و في المعتبر أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأذان و الإقامة.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 56

الإجماع عليه، كالمحكي عن صريح التذكرة و نهاية الأحكام، فيجب إرادته حينئذ من

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «يؤذن لكم خياركم»

خصوصا مع قصوره من وجوه عن إفادة الوجوب الشرطي، فحينئذ يعتد بأذان مستور الحال إجماعا في المحكي عن التذكرة، بل و بأذان الفاسق و إن لم يكن مستور الحال، خلافا للمحكي عن الكاتب فلم يعتد بغير أذان العدل، و في كشف اللثام يحتمل أن يريد عدم الاعتداد به في دخول الوقت، قلت: و كذا العدل لغير ذوي الأعذار كما مر البحث فيه في المواقيت و إن كان هو مقتضى ما ورد من ايتمانهم القاضي بتصديقهم، فالأولى حينئذ إرادته عدم حصول الموظف من نفي الاعتداد، و قد استوجهه الشهيدان في المستأجر أو المرتزق من بيت المال للإمام أو المجتهد، لما فيه من كمال المصلحة، و فيه أنه لا دليل على وجوب مراعاة الكمال عليهما، و لو سلم فليس شرطا في وظيفة الأذان بحيث لا يعتد به لو كان من فاسق، بل هو تكليف آخر يأثم المجتهد بعدم مراعاته كما هو واضح.

و الظاهر أن مرجع هذا الندب إلى المكلفين لا المؤذن، أي يستحب لهم في تأدية هذه الوظيفة الكفائية اختيار الثقة العدل، و ربما قيل: إن مرجعه الامام و الحاكم، و لا بأس به إذا أريد ذلك حيث يكون لهما الاختيار و أنهما أحد المخاطبين بالوظيفة المزبورة، فتأمل جيدا.

[في استحباب أن يكون المؤذن صيتا]

و كذا يستحب أن يكون صيتا بلا خلاف نقلا في المحكي عن المنتهى إن لم يكن تحصيلا: أي شديد الصوت كما في الصحاح و المجمل و المحكي عن المحيط و المقاييس و تهذيب الأزهري و مفردات الراغب، بل قيل: و نحوه ما ذكر في كتب الفقه من أنه رفيع الصوت لما فيه من زيادة المبالغة في رفع شأن هذا الشعار، و

للنبوي (2)«ألقه


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.
2- 2 تيسير الوصول ج 1 ص 210 و سنن أبي داود ج 1 ص 195- الرقم 499.

ج 9، ص: 57

على بلال فإنه أندى منك صوتا»

قال ابن فارس في المجمل: ندي الصوت بعد مذهبه و هو أندى صوتا: أي أبعد، و زاد بعض استحباب كونه مع ذلك حسن الصوت معللا له بإقبال القلوب على سماعه، و لا بأس به بعد التسامح، و أما احتمال انه المراد من الأندى فيدفعه- مع انه خلاف المصرح به كما سمعت- أنه مناف لجعله دليلا للارتفاع، و الأمر سهل بعد قاعدة التسامح.

[في استحباب ان يكون المؤذن مبصرا]

و أن يكون مبصرا للإجماع المحكي عن التذكرة، و ليتمكن من معرفة الأوقات، و ليس ذلك شرطا قطعا، للأصل و الإطلاقات، فلو أذن الأعمى جاز بلا خلاف كما في كشف اللثام، و لقد كان ابن أم مكتوم مؤذنا لرسول الله (صلى الله عليه و آله) و هو أعمى إلا أنه كان لا ينادي إلا أن يقال له أصبحت أصبحت، و من هنا حكي عن المنتهى و غيره أنه يستحب أن يكون معه من يسدده، بل عن الدروس الكراهة بدون مسدد، قلت: هو لا يتمكن غالبا من معرفة الوقت بدونه، و لعله لذا كان ظاهر المدارك و كشف اللثام و المحكي عن جامع الشرائع اشتراط الجواز بالمسدد، و لعل مراد الجميع واحد، و الأمر سهل، و فاقد إحدى العينين من المبصر كغير صحيح العينين حتى الأرمد و إن كان لا يناسبه التعليل المتقدم الذي هو أمر اعتباري يذكر بعد السماع، و ربما يقال بالنقصان فيهم، و الله أعلم.

و أن يكون بصيرا ب معرفة الأوقات بلا خلاف في كشف اللثام، و عليه فتوى العلماء في المعتبر، لأشدية عمى البصيرة من عمى البصر، و احتمال كونه المراد من العارف المتقدم في أول البحث، و لعل مثل ذلك و نحوه كاف في إثبات الندب التسامح فيه، إذ ليس ذلك شرطا قطعا، لجواز الاعتداد بأذان الجاهل بلا خلاف في كشف اللثام، بل إجماعا في المدارك، لكن في معقد الأول اشتراط المسدد، و الكلام فيه كالأعمى.

ج 9، ص: 58

و كذا يستحب أن يكون متطهرا إجماعا في الخلاف و التذكرة و الذكرى و المحكي عن إرشاد الجعفرية، بل في المعتبر و المحكي عن المنتهى و جامع المقاصد من العلماء إلا من شذ من العامة، بل في المعتبر عمل المسلمين في الآفاق على خلاف ما ذكره إسحاق ابن راهويه من اشتراط الطهارة، كما أن في جامع المقاصد ليست الطهارة شرطا عند علمائنا، بل في كشف اللثام الإجماع على عدم اشتراطها، بل هو قضية الإجماعات السابقة على الاستحباب المزبور، ضرورة انحلال ذلك إلى حكمين: أحدهما رجحان ذلك فيه، و لعل مستنده- بعد الإجماع و كونه من مقدمات الصلاة-

المرسل في كتب الفروع «لا تؤذن إلا و أنت متطهر»

و

آخر(1)«حق و سنة أن لا يؤذن أحد إلا و هو طاهر»

بل مقتضى الأول منهما الكراهة مع عدمه، و ثانيهما عدم اشتراطه به، للأصل و إطلاق الأدلة و الإجماع المزبور، و

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(2): «تؤذن و أنت على غير وضوء- إلى أن قال-: و لكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة»

و الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (3)و

ابن سنان (4)و اللفظ للأول «لا بأس أن يؤذن الرجل من غير وضوء، و لا يقيم إلا و هو على وضوء»

و

موثق أبي بصير(5)«لا بأس أن تؤذن على غير وضوء»

و

خبر إسحاق بن عمار(6)«إن عليا (عليه السلام) كان يقول: لا بأس أن يؤذن المؤذن و هو جنب، و لا يقيم حتى يغتسل»

و

سأل علي بن جعفر أخاه (عليه السلام) في المروي عن قرب الاسناد(7)«عن المؤذن يحدث في أذانه و في إقامته فقال: إن كان الحدث في الأذان فلا بأس، و إن كان في الإقامة فليتوضأ و ليقم إقامة»

و

سأله أيضا في المروي عن كتابه(8)


1- 1 كنز العمال ج 4 ص 267 الرقم 5496.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7.
8- 8 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 8.

ج 9، ص: 59

«عن الرجل يؤذن أو يقيم و هو على غير وضوء يجزيه ذلك قال: أما الأذان فلا بأس، و أما الإقامة فلا يقيم إلا على وضوء، قلت: فإن أقام و هو على غير وضوء أ يصلي بإقامته؟ قال: لا»

إلى غير ذلك من النصوص.

بل الظاهر إجزاؤه لو أذن جنبا في المسجد كما صرح به الشيخ في الخلاف، بل ربما استظهر منه الإجماع عليه، لعدم جزئية الكون منه، فالمعصية في اللبث لا تنافيه، كالأذان في الدار المغصوبة بناء على أن التلفظ ليس تصرفا فيها، خلافا للفاضل و ثاني الشهيدين فلم يعتدا بأذانه في الأول فضلا عن الثاني، للنهي المفسد، و لا ريب في ضعفه كما عرفت.

و كيف كان فقد بان لك أنه لا ريب في عدم اشتراطه بالطهارة، أما الإقامة فظاهر النصوص السابقة ذلك، و لا معارض لها إلا الأصل المقطوع بها، و الإطلاق المقيد بها كذلك، و لذا حكي عن صريح الكاتب و المصباح للسيد و جمل العلم و العمل و المنتهى و ظاهر المقنعة و النهاية و السرائر و المهذب الاشتراط المزبور، و في كشف اللثام و هو الأقرب للأخبار بلا معارض، و مال إليه في المدارك و غيرها، لكن المشهور نقلا عن البحار و مجمع البرهان إن لم يكن تحصيلا العدم، بل في الروضة ليست شرطا عندنا، و كأنهم حملوا الأخبار المزبورة على التأكد، كما أنه ينبغي حمل الأمر بالإعادة في خبر علي بن جعفر(1)على الاستحباب أيضا بناء منهم على أن المطلق لا يحمل على المقيد في المندوبات، لعدم التعارض عند التأمل، و فيه أنه لو سلم فليس في مثل المقام المشتمل على النهي و نحوه، فالقول بالاشتراط أولى و أحوط، خصوصا بعد ما تسمعه من النصوص الدالة على أنها من الصلاة، و الله أعلم.

[في استحباب أن يكون المؤذن قائما على مرتفع]

و كذا يستحب أن يكون قائما على المشهور، بل في التذكرة و المحكي عن


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7.

ج 9، ص: 60

المنتهى و نهاية الأحكام الإجماع عليه، بل في الأول نسبته إلى أهل العلم كافة، كما في الثاني الإجماع على جوازه جالسا للأصل و الإطلاقات، إلا أنه لا يخلو من كراهة لغير الراكب و المريض جمعا بين

خبر حمران (1)قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الأذان جالسا فقال: لا يؤذن جالسا إلا راكب أو مريض»

و

قول أبي جعفر (عليه السلام) أيضا في صحيح زرارة(2)«تؤذن و أنت على غير وضوء و في ثوب واحد قائما أو قاعدا و أينما توجهت، و لكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة»

و

أبي الحسن (عليه السلام)(3)«يؤذن الرجل و هو جالس، و لا يقيم إلا و هو قائم- و قال (عليه السلام) أيضا- تؤذن و أنت راكب، و لا تقيم إلا و أنت على الأرض»

و

الرضا (عليه السلام) في خبر ابن أبي نصر(4)المروي عن قرب الاسناد «تؤذن و أنت جالس، و لا تقيم إلا و أنت على الأرض و أنت قائم».

و كيف كان فلا إشكال في عدم اعتبار القيام في الأذان لما عرفت، مضافا إلى

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي بصير(5): «لا بأس بأن تؤذن راكبا أو ماشيا أو على غير وضوء، و لا تقيم و أنت راكب أو جالس إلا من علة أو تكون في أرض ملصقة»

و

قال له (ع) محمد بن مسلم (6): «يؤذن الرجل و هو قاعد قال: نعم، و لا يقيم إلا و هو قائم»

و

قال له (ع) يونس الشيباني أيضا(7): «أؤذن و أنا راكب قال:

نعم، قلت: فأقيم و أنا راكب قال: لا، قلت: فأقيم و رجلي في الركاب قال: لا، قلت: فأقيم و أنا قاعد قال: لا، قلت: فأقيم و أنا ماش، قال: نعم ماش إلى الصلاة، قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 14.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 8 و روى في الوسائل عن أبي بصير و هو الصحيح.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 9.

ج 9، ص: 61

ثم قال: إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا فإنك في الصلاة، قال: قلت: قد سألتك أقيم و أنا ماش قلت لي نعم، فيجوز أن أمشي في الصلاة فقال: نعم إذا دخلت من باب المسجد فكبرت و أنت مع إمام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك، فإذا الإمام كبر للركوع كنت معه في الركعة، لأنه إن أدركته و هو راكع لم تدرك التكبير لم تكن معه في الركوع»

و

سأل علي أخاه (عليه السلام)(1)«عن المسافر يؤذن على راحلته و إذا أراد أن يقيم أقام على الأرض قال: نعم لا بأس»

و

سأله أيضا تارة أخرى (2)«عن الأذان و الإقامة أ يصلح على الدابة؟ قال: أما الأذان فلا بأس، و أما الإقامة فلا حتى ينزل على الأرض»

و كأن ما عن المقنعة لم يرد منه الشرطية حقيقة، قال:

«لا بأس أن يؤذن الإنسان جالسا إذا كان ضعيفا في جمته و كان طول القيام يتعبه و يضره، أو كان راكبا جادا في مسيره، و لمثل ذلك من الأسباب، و لا يجوز له الإقامة إلا و هو قائم متوجه إلى القبلة مع الاختيار» و إلا كان محجوجا بما سمعت، كالمحكي عن المقنع «إن كنت إماما فلا تؤذن إلا من قيام» و تبعه في المحكي عن المهذب فأوجب القيام و الاستقبال فيه و في الإقامة على من صلى جماعة إلا لضرورة، نعم هو جيد بالنسبة إلى الإقامة، لما سمعت من الأمر بالقيام فيها و النهي عن غيره في النصوص السابقة التي لا معارض لها إلا الإطلاقات المنزلة على ذلك، اللهم إلا أن يقال إنه بملاحظة الشهرة بين الأصحاب، و ما عن المنتهى من الإجماع على تأكد القيام فيها و غير ذلك يمكن إرادة شدة التأكد، بل الكراهة في الترك، بل لعل ذلك كذلك بالنسبة إلى باقي ما يعتبر في الصلاة من الاستقرار و الاستقبال و غيرهما، كما أومأ إليه بعض النصوص السابقة، خصوصا ما دل (3)منها على أن حال الإقامة من أحوال الصلاة،


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 13.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 12.

ج 9، ص: 62

قال الصادق (عليه السلام) في خبر سليمان بن صالح(1): «لا يقيم أحدكم الصلاة و هو ماش و لا راكب و لا مضطجع إلا أن يكون مريضا، و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة، فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة»

مضافا إلى بعض النصوص الآتية في الطهارة و في كراهة الكلام بعد الإقامة، و بظاهر بعضها عمل المرتضى (رحمه الله) في المحكي عن جمله، فلم يجوز الإقامة من دون استقبال، لكن في المحكي عن ناصرياته في بحث النية أن الاستقبال فيها غير واجب بل مسنون جمعا بين الإطلاقات و بينها يتأكد ذلك فيها، و هو الأقوى في النظر.

و على كل حال ينبغي أن يكون قائما على مرتفع حال الأذان كما صرح به غير واحد، بل في التذكرة و عن النهاية الإجماع عليه، و لأمر النبي (صلى الله عليه و آله) بلالا أن يعلو على الجدار حال الأذان (2)و لأنه أبلغ في الأذان، و المناسب لاعتبار المنارة في المسجد و كراهة علوها على حائط المسجد مثلا لا ينافي استحباب الأذان فيها، نعم الظاهر عدم الخصوصية فيها على باقي أفراد المرتفع كما صرح به في المعتبر، و اليه

أومأ أبو الحسن (عليه السلام)(3)بقوله حين سئل عن الأذان في المنارة أ سنة هو: «انما كان يؤذن للنبي (صلى الله عليه و آله) في الأرض و لم يكن يومئذ منارة»

و في المحكي عن الدروس «يستحب الارتفاع و لو على منارة و إن كره علوها» فما عن المختلف من أن الوجه استحبابه في المنارة لا يخلو من نظر إن أراد الخصوصية، كما أن ما عن المبسوط و الوسيلة من أنه يكره التأذين في الصومعة كذلك إن أراد بها المنارة كما استظهره في المحكي عن البيان، و عن القاموس «الصومعة كجوهرة بيت للنصارى ينقطع» و يقال:

هي نحو المنارة ينقطع فيها رهبان النصارى و عن الصحاح و مجمع البحرين «صومعة النصارى


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 6.

ج 9، ص: 63

دقيقة الرأس» لكن عن البحار لعل مراد الشيخ و الطوسي السطوح العالية من الصومعة، قلت: و لا دليل أيضا على كراهة الأذان عليها، مع أن الشيخ في المبسوط قد حكي عنه أيضا استحباب كون الأذان على مرتفع، و له عبارة أخرى أيضا، و هي «لا فرق بين أن يكون الأذان على المنارة أو الأرض، و لا يجوز أن تعلى على حائط المسجد» و ظاهر العبارات الثلاثة التنافي، اللهم إلا أن يريد بالمرتفع غير المنارة العالية على سطح المسجد و غير الصومعة، لكن إقامة دليل الكراهة لا تخلو من صعوبة و إن كان مما يتسامح فيها، فتأمل جيدا.

ثم لا يخفى أن الظاهر اختصاص هذا المستحب و أكثر ما تقدم في مؤذن الإعلام أو الجماعة، ضرورة عدم اعتبار شي ء من العدالة و البصر و البصيرة و الصوت و الارتفاع في المكان في أذان الصلاة، لما عرفت سابقا من استحبابه لكل مصل، نعم الظاهر ثبوت ندب القيام و الطهارة في الجميع، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي في تخصيص هذه المندوبات بالمؤذن المنصوب، قال:

و سن في المنصوب أن يكوناعدلا بصيرا مبصرا مأمونا

مرتفع الصوت و قائما على مرتفع يبلغ صوته الملإ

و إن كان هو مراد الجميع أيضا كما هو واضح، هذا.

و قد ترك المصنف استحباب وضع المؤذن إصبعيه حال الأذان في أذنيه مع أنه أولى بالذكر، لأنه من السنة، ك ما رواه الحسن بن السري (1)عن الصادق (عليه السلام) و مده لصوته، بل في البيان جهده، لكن في

خبر زرارة(2)عن الباقر (عليه السلام) «و كلما اشتد صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر، و كان أجرك في


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.

ج 9، ص: 64

ذلك أعظم»

و لعل المصنف اكتفى عن ذلك بذكر كونه صيتا قائما على مرتفع، أو بما سيذكره بعد فيما يأتي، و الأمر في ذلك كله سهل.

[في جواز قطع الصلاة لتدارك الأذان و الإقامة]

و لو أذنت المرأة للنساء جاز، و لو صلى منفردا و لم يؤذن و لم يقم ساهيا و كان الوقت واسعا رجع إلى الأذان و الإقامة مستقبلا صلاته ما لم يركع وفاقا للمشهور شهرة عظيمة نقلا و تحصيلا، بل عن المختلف الإجماع على عدم الرجوع بعد الركوع، فهو حينئذ- مع اعتضاده بالشهرة، و ما دل (1)على حرمة إبطال العمل، مع أن الأذان و الإقامة مستحبان، بل لو قلنا بوجوبهما لم يجز القطع لو تعمد تركهما فضلا عن النسيان الذي هو فرض البحث، لعدم مدخليتهما في صحة الصلاة على تقديره- الحجة على عدم الرجوع بعد الركوع، مضافا إلى

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي(2): «إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذن و تقيم ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف و أذن و أقم و استفتح الصلاة، و إن كنت قد ركعت فأتم على صلاتك»

و

سأل زرارة(3)أبا جعفر (عليه السلام) «عن رجل نسي الأذان و الإقامة حتى دخل في الصلاة فقال: فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة»

و

الصادق (عليه السلام)(4)«عن رجل ينسى الأذان و الإقامة حتى يكبر فقال: يمضي على صلاته و لا يعيد»

و تقييدهما بما في الصحيح الأول من الانصراف قبل الركوع لا ينافي الدلالة على عدمه بعده، ك

صحيحي ابن مسلم (5)و الشحام (6)عن الصادق (عليه السلام) انه قال: «في الرجل ينسى الأذان و الإقامة حتى يدخل في الصلاة: إن كان ذكر قبل أن يقرأ


1- 1 سورة« محمد» صلى الله عليه و آله- الآية 35.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 9.

ج 9، ص: 65

فليصل على النبي (صلى الله عليه و آله) و ليقم، و إن كان قد قرأ فليتم صلاته»

بناء على إرادة الأذان و الإقامة بقرينة السؤال، إلا أنه خصها بالذكر لزيادة التأكد فيها، و منافاته لصحيح الحلبي في شرط الأمر بالإتمام لا تقدح في دلالته على وجوب الإتمام فيما بعد الركوع، و هو المطلوب.

نعم قد يناقش في دلالة خبري زرارة باحتمال إرادة الإباحة من الأمر بالمضي فيهما بقرينة التعليل في أولهما، و لأنه في مقام توهم الحظر، لكن في غيرهما مما عرفت غنى عنهما، فالقول باستحباب الانصراف أو جوازه مطلقا- ل

صحيح ابن يقطين (1)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن الرجل ينسى أن يقيم الصلاة و قد افتتح الصلاة قال: إن كان قد فرغ من صلاته فقد تمت صلاته، و إن لم يكن فرغ من صلاته فليعد»

لأولوية نسيانها مع الأذان من نسيانها وحدها، أو لأنه أعم من نسيان الإقامة ضرورة عدم تقييده بنسيانها خاصة- في غاية الضعف، بل لم أعرفه لأحد من الأصحاب عدا الشيخ في كتابي الأخبار الموضوعين لمجرد الجمع بين الآثار و لو بذكر الاحتمالات التي لا يفتي بها، و عن المعتبر «أن ما ذكره الشيخ محتمل لكن فيه تهجم على إبطال الفريضة بالخبر النادر» قلت: بل هو لا يقاوم غيره سندا و عددا و عملا، فما عن المفاتيح من العمل به تبعا للشيخ كما ترى، بل طرحه أو حمله على ما قبل الركوع و إن بعد متجه، أما الرجوع قبل الركوع فقد عرفت دلالة صحيح الحلبي عليه، و لا يعارضه إطلاق الصحيحين المزبورين بعد رجحانه عليهما بالشهرة العظيمة، بل قيل: إن المحقق الثاني في جامعه و الشهيد في مسالكه حكيا الوفاق عليه، ذكرا ذلك عند نسيان الإقامة وحدها أو الأذان و إن كان لا يخلو ذلك من تأمل كما لا يخفى على من لاحظ كلامهما مع التدبر، لكن على كل حال لا ريب في رجحانه عليهما خصوصا مع مهجورية


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.

ج 9، ص: 66

الصحيحين، و عدم العمل بهما من أحد من المعتبرين، و احتمال إرادة حال ما بعد القراءة الذي هو غالبا الركوع، فلا تنافي حينئذ أصلا، كما أنه لو أريد من الركوع في النص و الفتوى زمن الخطاب به حتى أنه لو نسيه فهوى للسجود ثم ذكر لا يرجع أيضا لتداركهما لم يكن بينهما تناف، و كذا لو لوحظ التعارض بينه و بينهما في شرط المضي في الصلاة لاعتبارهما القراءة و اعتباره الركوع كان صحيح الحلبي حينئذ مقيدا لهما، لمعلومية عدم التعدد في المقام باعتبار لزوم الثاني للأول إلا في حالة النسيان و نحوه التي هي نادرة و غير ملاحظة، أما لو لوحظ التعارض بين شرط الانصراف في صحيح الحلبي و شرط الإتمام فيهما كان التعارض بينهما بالعموم و الخصوص، و الخصوصية في جانبهما، لكن قد عرفت أن مثلهما لا يقاوم مثله، خصوصا بعد ما سبق من تقرير وجه المعارضة بما سمعت، كما أنه لا يعارضه أيضا خبرا زرارة السابقان المقيدان بما بعد الركوع، أو المحمولان على إرادة بيان الجواز، لعدم وجوب الرجوع المزبور إجماعا في المحكي عن التذكرة، و لأن ما غايته غيره في غير التبليغ يتبع الغاية في حكمها، و غاية الرجوع الأذان و الإقامة، و هما مستحبان، نعم التبليغ واجب و إن كان ما يبلغه مندوبا، على أن الأمر بالانصراف هنا في مقام توهم الحظر، فلا يفيد إلا الإباحة بالمعنى الأخص، و لو لا الانجبار بفتوى الأصحاب و التسامح في السنن و كونه مقدمة للمندوب أمكن المناقشة في إفادته الاستحباب فضلا عن الوجوب، هذا.

و لعل المصنف أشار بقوله و فيه رواية أخرى إليهما، أو إلى صحيحي ابن مسلم و الشحام بعد حمل الأمر بالإقامة في الجواب فيهما على التأكد فيها، و إلا فالمراد الأذان و الإقامة بقرينة السؤال، و ما في المدارك من احتمال الإشارة بذلك إلى صحيح ابن أبي العلاء(1)يدفعه أنه متضمن للإقامة سؤالا و جوابا كما ستعرف، و على كل


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 5.

ج 9، ص: 67

حال فلا ينافي ما ذكرنا

خبر نعمان الرازي (1)قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) و سأله أبو عبيدة الحذاء عن حديث رجل نسي أن يؤذن و يقيم حتى كبر و دخل في الصلاة قال: إن كان دخل المسجد و من نيته أن يؤذن و يقيم فليمض في صلاته و لا ينصرف»

إذ هو مع قصوره عن معارضة غيره من وجوه مطلق أيضا يمكن تقييده أيضا بما إذا ركع، كما أن إطلاق مفهومه مقيد بما إذا لم يركع، فما عن الشيخ في النهاية و الحلي في السرائر بل و ابن سعيد في الجامع بناء على إرادته الأذان و الإقامة من الأذان من عدم إعادة الناسي مطلقا بخلاف العامد فيعيد قبل الركوع لا بعده في غاية الضعف.

و الخبر المزبور إن كان في إطلاق منطوقه شهادة عليه ففي مفهومه شهادة بخلافه، و حمل النسيان على العمد في صحيح الحلبي كما ترى، و إطلاق بعض النصوص السابقة قد عرفت تقييده بغيره، و أضعف من ذلك دعوى الجواز في صورة العمد التي ليس في شي ء من النصوص ما يشهد لها فضلا عن أن يعارض ما دل على حرمة الابطال، و دعوى اندراجها في مفهوم الخبر المزبور محل منع، ضرورة ظهوره في التفصيل في الناسي و لعل إطلاق المبسوط الرجوع قبل الركوع لا يريد منه ما يشمل صورة العمد، هذا.

و ما في الصحيحين السابقين من الأمر بالصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) لم أعثر على عامل به على سبيل الوجوب كالسلام عليه الذي تسمعه في صحيح ابن أبي العلاء(2)نعم في الدروس «يرجع ناسيهما ما لم يركع فيسلم على النبي (صلى الله عليه و آله) و يقطع الصلاة» و في الذكرى أشار بالصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) قاطعا لها، و يكون المراد بالصلاة هناك السلام، و أن يراد الجمع بين الصلاة و السلام،


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 5.

ج 9، ص: 68

فيجعل القطع بهذا من خصوصيات هذا الموضع، لأنه

قد روي (1)«أن التسليم على النبي (صلى الله عليه و آله) ليس بانصراف،»

و يمكن أن يراد القطع بما ينافي الصلاة و يكون التسليم على النبي (صلى الله عليه و آله) مبيحا لذلك، قلت: لكن الجميع كما ترى، و أولى منه إرادة الندب هنا المؤيد ب ما ورد(2)من الصلاة عليه (صلى الله عليه و آله) عند عروض النسيان أو إرادة التذكر، فحينئذ يفعله إما لتذكر حاله أو لاذهاب الشيطان الذي هو سبب النسيان، فحينئذ ينبغي إرادة الصلاة من السلام لا العكس، أو لا بأس لأن المراد ذكر النبي (صلى الله عليه و آله).

و على كل حال فالمراد قطع الصلاة بأحد قواطعها و استئناف الأذان و الإقامة، أو العدول عن الفريضة إلى غيرها حيث يكون له ذلك، بل ربما كان متعينا، تجنبا عن قطع الصلاة و إن كان الأقوى العدم عملا بإطلاق النص و الفتوى، كما أن الأقوى عدم مشروعيته للنفل للنسيان، لعدم الدليل الصالح لقطع الأصل، فما عن التذكرة و نهاية الأحكام و الموجز و كشفه و إرشاد الجعفرية من جواز ذلك له لا يخلو من نظر، و لعل دليلهم عليه الأولوية الممنوعة، فتأمل جيدا، هذا. و من الغريب ما في الحدائق بعد أن اعترف بأن ما في الذكرى في غاية البعد قال: «ما حاصله أن من المحتمل قريبا كون المراد ذكر الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) أو السلام عليه و يقول: «قد قامت الصلاة» مرتين من الأمر بالإقامة، و يبقى مستمرا على صلاته كما هو ظاهر خبر زكريا بن آدم (3)و فقه الرضا (عليه السلام)(4)- إلى أن قال-: و لا استبعاد


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذكر- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 6.
4- 4 المستدرك- الباب- 24- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 69

في عدم قطع ذلك الصلاة و إن كان كلاما للدليل» إذ هو كما ترى مخالف للمقطوع به من النصوص و لو بواسطة الفتاوى، و فقه الرضا (عليه السلام) لم تثبت حجيته عندنا، و ستعرف الحال في خبر زكريا بن آدم.

ثم انه لا يخفى عليك ظهور النصوص في الرجوع إلى الأذان و الإقامة، أما الأذان وحده فعدم جواز القطع له هو الموافق لما دل على حرمة الابطال، و لذا صرح جماعة بذلك كما هو ظاهر آخرين، بل عن الإيضاح و غاية المرام و شرح الشيخ نجيب الدين الإجماع عليه، فما في المتن من الاقتصار على نسيان الأذان لا يخلو من نظر و إن وافقه عليه الشهيد في المسالك و شيخه في المحكي عن حاشيته، بل قد يظهر من الأول أنه المشهور لكنه كما ترى بل يمكن إرادة المصنف الأذان و الإقامة من الأذان بقرينة معروفية موضوع المسألة بين الأصحاب بذلك، فينحصر الخلاف فيهما و في المحكي عن الحسن و ابن سعيد، قال الأول: «إن من نسي الأذان في الصبح أو المغرب قطع الصلاة و أذن و أقام ما لم يركع، و كذا إن نسي الإقامة من الصلوات كلها رجع إلى الإقامة ما لم يركع- قال-:

فان كان قد ركع مضى في صلاته و لا إعادة عليه إلا أن يكون تركه متعمدا استخفافا فعليه الإعادة» و قال الثاني: «و من تعمد ترك الأذان و صلى جاز له أن يرجع فيؤذن ما لم يركع، فان ركع لم يرجع، فان نسيه لم يرجع بكل حال» مع احتمال إرادتهما ما يعمهما منه، و الثاني انما هو في صورة العمد.

و على كل حال فلا دليل على ذلك، نعم قد سمعت ما في صحيح ابن يقطين (1)من الإعادة للإقامة قبل الفراغ، إلا أني لم أجد عاملا به على إطلاقه غير الشيخ في كتابي الأخبار و الكاشاني كما سمعت سابقا، و مثله

صحيح ابن أبي العلاء(2)سأل أبا عبد الله


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 5.

ج 9، ص: 70

(عليه السلام) «عن الرجل يستفتح صلاته المكتوبة ثم يذكر أنه لم يقم فقال: إن ذكر أنه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلم على النبي (صلى الله عليه و آله) ثم يقيم و يصلي، و إن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتم على صلاته»

و المحكي عن ابن الجنيد أنه يرجع إليها ما لم يقرأ عامة السورة، فرفع اليد حينئذ عما دل على حرمة الإبطال لهذين الخبرين المتروك ظاهرهما مخالف لأصول المذهب، خصوصا بعد ما في المسالك من أن عدم الرجوع لها هو المشهور، بل عن الشيخ نجيب الدين الإجماع عليه و إن أمكن المناقشة فيهما بأن المحكي عن المنتهى و الدروس و النفلية و الموجز الحاوي و كشفه و الروضة و شرح النفلية الرجوع إليها كما يرجع إليهما معا بل قيل قد يظهر من النفلية أنه المشهور بل لعله لا يخلو من قوة للأمر بها خاصة في جواب السؤال عن نسيانهما في صحيحي ابن مسلم (1)و الشحام (2)و لا ريب في ظهوره بكمال المزية لها، و متى ثبت جواز الرجوع قبل القراءة ثبت جوازه إلى ما قبل الركوع، لعدم القول بالفصل بينهما إلا ما عساه يظهر من المحكي عن الفقيه من العمل بخبر الشحام حيث اقتصر عليه، لكنه كما ترى ليس قولا محققا، كما أن

خبر زكريا بن آدم قال: «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): جعلت فداك كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية و أنا في القراءة أني لم أقم فكيف أصنع؟ قال:

اسكت موضع قراءتك و قل: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، ثم امض في قراءتك و صلاتك و قد تمت صلاتك»

شاذ مجهول الرواة لم يعمل به أحد إلا ما يحكى عن الشيخ في كتابي الأخبار مخالف لما دل على منافاة الكلام للصلاة، و حمله على إرادة القول في النفس مناف للفظ القول و لسوق الكلام، كما هو واضح، هذا.

و تخصيص المصنف الحكم بالمنفرد تبعا للمحكي عن المبسوط مخالف لإطلاق النص و الفتوى و معقد الإجماع و لمقتضى تأكدهما في غيره، و لذا حكي عن الإيضاح و حاشية


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 9.

ج 9، ص: 71

الميسي أن المراد بذلك التنبيه بالأدنى على الأعلى، قلت: أو يكون لندرة تحققه في الجماعة.

ثم ان المتيقن من النص و الفتوى الرخصة في الرجوع عند الذكر، أما إذا عزم على تركه و إن لم يقع منه فعل لم يجز له الرجوع، اقتصارا في حرمة الإبطال على المتيقن، بل الأحوط له ذلك إذا مضى له زمان في التردد في الرجوع و عدمه بعد الذكر، كما أن المتيقن الرجوع للنسيان كملا، بل هو ظاهر الأدلة المزبورة، أما نسيان بعض الفصول أو الشروط فلا، لحرمة الابطال اللهم إلا أن يقال مع فرض النسيان الذي يكون بسببه الفساد يتجه التدارك، لما علم من الشارع من تنزيل الفاسد منزلة العدم في كل ما كان من هذا القبيل، و هو لا يخلو من قوة، خلافا للعلامة الطباطبائي في منظومته، قال:

و لا رجوع للفصول منهماو لا لشرط فيهما قد عدما

و الله أعلم.

[في جواز إعطاء الأجرة على الأذان من بيت المال]

و يعطي الأجرة على الأذان من بيت المال إذا لم يوجد من يتطوع به كما عن المنتهى و المبسوط و إن عبر في الأخير بالشي ء، لكن ظاهر تحرير الفاضل إرادة الأجرة من الشي ء و إن أريد من المتن و غيره حصر جواز أخذ الأجرة عليه في بيت المال كان نفس المحكي عن صريح القاضي من عدم جواز أخذ الأجرة عليه إلا من بيت المال، إلا أنه لا وجه له ظاهر، فإنه إن جاز أخذ الأجرة عليه منه فأولى أن يجوز من غيره، و إن لم يجز من غيره فأولى أن لا يجوز منه، و لذا حكي عن جماعة التصريح بعدم الفرق بين أخذ الأجرة منه و من غيره، بل ستسمع نفي الخلاف عنه، و من هنا احتمل إرادة القاضي الارتزاق منه، قلت: و أولى بذلك المبسوط، لتعبيره «و يعطى شيئا من بيت المال» و نصه في المحكي عن الخلاف على الإجماع على حرمة أخذ الأجرة، بل و المتن، لتصريحه في التجارة بتحريم أخذ الأجرة عليه و جواز الارتزاق من بيت المال، فلا قائل معتد به بالقول المزبور، بل و لا جواز أخذ الأجرة عليه مطلقا عدا

ج 9، ص: 72

المرتضى (رحمه الله) فكرهه و تبعه الكاشاني، و في الذكرى و المحكي عن البحار و تجارة مجمع البرهان أنه متجه، و في المدارك «لا بأس به» و كأنه ظاهر المعتبر، و في المحكي عن التحرير و المنتهى ان في الأجرة نظرا، لكن خيرة الأكثر بل المشهور نقلا و تحصيلا الحرمة، بل عن المختلف «هذا مذهب أصحابنا إلا من شذ» بل في حاشية الإرشاد للكركي «لا خلاف في تحريم أخذ الأجرة عليه سواء كان من السلطان أو من طائفة من الناس كأهل محلة أو قرية» بل في جامع المقاصد و عن الخلاف الإجماع عليه، بل لعله مراد المرتضى من الكراهة لما فيه من الجمع بين العوض و المعوض عنه، ضرورة كون المؤذن أحد المخاطبين به، و ل

قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(1): «آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال: يا على، إن صليت فصل صلاة أضعف من خلفك، و لا تتخذن مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا»

و

مرسل الصدوق (2)«أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، و الله أني لأحبك، فقال له: و لكني أبغضك قال: و لم؟ قال: لأنك تبتغي في الأذان كسبا، و تأخذ على تعليم القرآن أجرا»

لكن الإنصاف أن لسانهما بعد الإغضاء عن سندهما لسان كراهة، بل في الثاني منهما أمارة أخرى على الكراهة، و يمكن إرادة الارتزاق منه، بل في الذكرى حمل الأول عليه أيضا، فإن تم الإجماع المزبور و التعليل المذكور كانا هما الحجة، مؤيدة بالخبرين السابقين، و بالمروي عن

دعائم الإسلام (3)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «من السحت أجر المؤذن يعني إذا استأجره القوم، و قال: لا بأس أن يجري عليه من بيت المال»

و بغير ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
3- 3 المستدرك- الباب- 30- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.

ج 9، ص: 73

و أما جواز ارتزاقه من بيت المال فلا خلاف أجده فيه، كما عن مجمع البرهان الاعتراف به، بل عن غير واحد نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، بل في التذكرة و المحكي عن المختلف و المنتهى دعواه صريحا عليه، نعم قيده جماعة من الأصحاب بعدم وجود المتطوع، بل لا خلاف أجده في ذلك، بل عن التذكرة الإجماع عليه، ضرورة عدم المصلحة للمسلمين في ارتزاقه معه، كضرورة عدم جواز صرفه في غير مصالحهم، فمع وجود المتبرع حينئذ الجامع لشرائط الكمال لا يجوز ارتزاق غيره قطعا، أما إذا كان المتبرع فاقد بعض صفات الكمال التي في وجودها مصلحة للمسلمين كالعدالة و نحوها اتجه حينئذ الجواز.

كما أن المتجه أيضا مراعاة التعدد مع فرض الاحتياج اليه، و في المحكي عن نهاية الأحكام لو تعددت المساجد و لم يمكن جمع الناس في واحد رزق عدد من المؤذنين يحصل بهم الكفاية و يتأدى الشعار، و لو أمكن احتمل الاقتصار على رزق واحد نظرا لبيت المال، و رزق الكل لئلا يتعطل المساجد، قلت: الذي يظهر بعد التأمل أن محل البحث الأذان الإعلامي لا الصلاتي الذي ظاهر الأدلة كون الخطاب به كخطاب الصلاة و قنوتها و تعقيبها يراد منه المباشرة من المكلفين، و الاجتزاء بأذان الغير لصلاته في بعض الأحوال بشرط السماع مثلا لا يلزم منه جواز النيابة التي تقتضي على فرض الصحة الاكتفاء بما يفعله الغير و إن لم يكن لصلاة و لم يسمعه المصلي كما في غيره مما تصح النيابة فيه، و يكون بها فعل النائب فعل المنوب عنه، و شرع ذلك هنا بعيد عن الأدلة من غير فرق بين أذان الجماعة و المنفرد، و إن قلنا إن المخاطب بأذان الأولى إمامها، لأن المأمومين يصلون بصلاته، و فعل الغير حينئذ يسقط عنه إذا كان جامعا للشرائط من السماع و نحوه، ضرورة عدم التلازم بين جواز ذلك و النيابة كما عرفت، و قاعدة جواز الإجارة في كل ما جاز التبرع فيه مقطوعة هنا بظهور الأدلة في المباشرة أو السماع على

ج 9، ص: 74

الوجه المخصوص دون النيابة الأجنبية عن ذلك عند التأمل، بل لعل التبرع المستلزم لجواز الإجارة غير جائز هنا أيضا، إذ الجائز هنا فعل الغير على وجه مخصوص بأن يكون مسموعا للإمام و أن يكون لصلاة و نحو ذلك، فتأمل.

و مثله البحث في الإقامة، بل أولى منه بعدم الجواز مطلقا لا لأنه لا كلفة فيها بمراعاة الوقت بخلاف الأذان كما وقع من الفاضل في المحكي عن نهايته كي يرد عليه أنه لا يعتبر في العمل المستأجر عليه وجود الكلفة فيه، بل لما عرفت من ظهور الأدلة في إرادة المباشرة و أنها كخطاب الصلاة.

أما أذان الإعلام الذي هو مستحب كفائي فلا ريب في عدم ظهور الأدلة في اعتبار المباشرة فيه على وجه ينافي الإجارة، بل هي إن لم تكن ظاهرة في عدم ذلك فلا أقل من أن تكون خالية عن التعرض له، فيبقى عموم الإجارة بحاله، إذ هو من الأفعال السائغة المترتب عليها نفع و ليس بواجب على المكلف فعله، و ندب الناس إلى فعله لا ينافي جواز إعطاء العوض عليه بعد فرض عدم انحصار نفعه في الثواب للفاعل كي يجمع بين العوض و المعوض عنه.

و الحاصل أن المندوب إما أن يشترط في صحته القربة أو لا، بل هي شرط في ثوابه، فان كان الثاني و لم يلاحظ المكلف فيه القربة و كان فيه نفع تصلح المعاوضة عليه جازت الإجارة عليه بلا إشكال، بل لا بأس بملاحظة القربة مع ذلك، لعدم منافاة الإجارة لها، بل هي مؤكدة لها إذا راعى التقرب إلى الله تعالى من حيث الوفاء بالإجارة مع امتثال أمر الندب، بل و كذا الكلام في الأول، أما إذا كان لا نفع فيه إلا الثواب فان ظهر من الأدلة عدم حصوله إلا بالمباشرة لم تجز الإجارة عليه و لا النيابة فيه تبرعا و مع الاذن، و إلا جاز الجميع عملا بعموم أدلة كل منها، و لا يعارضه ظهور الأمر في المخاطب بعد أن كان ظهور مورد لا قيد، فهو كخطاب بع و صالح و نحوهما

ج 9، ص: 75

الذي جازت الوكالة فيه و الاستئجار عليه، و به ينقطع أصالة عدم مشروعية الفعل و عدم ترتب الثواب و انتقاله لغير الفاعل، فأذان الاعلام حينئذ بعد أن عرفت حصول نفع فيه غير الثواب و عدم اعتبار النية فيه لم يكن إشكال في جواز الإجارة عليه بل و النيابة فيه مع قصد الثواب فيه، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع، لكن خرج عن ذلك كله بالأدلة السابقة، فتحرم الإجارة عليه، و لا حرمة فيه مع إيقاعه لا بعنوان كونه عوض الإجارة، بل هو كذلك في العبادة المشترط فيها النية التي لا يصح الاستئجار عليها فضلا عنه، إذ الحرمة في قبض المال عوضا عنها لا تقتضي فسادا بعد أن كان فعلها لا بعنوانه و لا بملاحظته.

أما إذا فعله بعنوانه فيمكن الحرمة وفاقا للمحكي عن القاضي باعتبار النهي عن إجراء المعاملة الفاسدة مجرى الصحيحة المراد منه بحسب الظاهر نفس الصورة، ضرورة تعذر الحقيقة مع العلم بالفساد، و لا فرق في ذلك بين القول باشتراط النية فيه و عدمه، نعم يقع فاسدا على التقدير الأول، أما على الثاني فيمكن القول بحرمته مع عدم الفساد فيه، فتترتب حينئذ أحكامه عليه من الاجتزاء به و استحباب حكايته و نحو ذلك، إذ دعوى ظهور الأدلة في ترتبها على المحلل دون المحرم يمكن منعها على مدعيها، و من ذلك يظهر لك المناقشة في استنباط الجواز ممن ذكر استحباب حكاية الأذان الذي قد أخذ عليه أجرة حتى نسب إباحة الأذان و حرمة الأجرة خاصة في مقابلة المحكي عن القاضي إلى من ذكر استحباب حكايته، كما أنه يظهر لك ضعف القول بالإباحة، فتأمل.

و لا يلحق بالأذان في حرمة الأجرة قول: الصلاة ثلاثا في نحو صلاة العيدين، لعدم ثبوت البدلية المنصرفة لمثل ذلك.

كما أنه لا يلحق بالأجرة الأذان لتناول ما وقف على المؤذنين مثلا.

و كذا لا يدخل أذان صلاة النيابة في الأذان المحرم أخذ الأجرة عليه، ضرورة

ج 9، ص: 76

وقوع الأجرة في الفرع موقعها في الأصل كما صرح به شيخنا في شرح تجارة القواعد، و إن كان فرضه بحيث يكون مما نحن فيه حتى يحتاج إلى الاستثناء لا يخلو من تأمل و نظر، كما أن ما فيه أيضا من أنه لا بأس بأخذ الأجرة على ما يستحب فيه كالشهادة لعلي (ع) بالولاية و نحوها بناء على أنها من مستحباته كذلك، هذا.

و قد عرفت سابقا أنه لا فرق في الأجرة بين كونها من أوقاف المسجد، أو بيت المال المعد للمصالح، أو من زكاة و نحوها، أو من متبرع للإطلاق، أما لو أخذ شيئا منها لا بقصد المعاوضة فليس فيه بأس، سواء توقف أذانه على الأخذ، لمنافاته الكسب و لا مدخل له سواه، أو لم يتوقف و لكن أخذه لأنه أحد المصارف، فيدخل على التقديرين في الارتزاق، و لا بأس به، و الفرق بين الإجارة و الارتزاق احتياج الأولى إلى ضبط المقدار و المدة و نحوهما مما يعتبر في الإجارة بخلاف الارتزاق المنوط بنظر الحاكم، و لا يقدح فيه قصد المؤذن الرجوع بعوض أذانه عليه إلا أن عوضه الارتزاق المزبور كالقاضي و المترجم و كاتب الديوان و نحوهم من القائمين بمصالح المسلمين، و لا يعتبر فيه الفقر و الحاجة، و هل يجوز نحو ذلك في غير بيت المال؟ إشكال ينشأ من عدم الخصوصية، و من أنه حينئذ من الإجارة الفاسدة، إذ لا يدخل تحت عقد من عقود المعاوضة المعروفة، و مشروعية غيرها في غير بيت المال مشكلة، اللهم إلا أن يدخل نحوه في الإباحات بالعوض، أو في العمل بأجرة المثل، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[الثالث في كيفية الأذان]
اشاره

الثالث من محال النظر.

في كيفية الأذان و بعض ما يعتبر فيه وجوبا أو ندبا و إن أمكن إدراج الجميع في الكيفية، و منه وجوب النية في العبادي منه كأذان الصلاة و إقامتها، لمعلومية اشتراطها في سائر العبادات و احتمال أنه مطلقا ليس منها يدفعه أصالة العبادة في كل ما أمر به، مع عدم ظهور

ج 9، ص: 77

الحكمة في غير الإعلامي منه، أما هو فلظهور كون المراد منه الاعلام يقوى عدم اعتبار النية فيه كما صرح به العلامة الطباطبائي في منظومته، بخلاف ما كان منه للصلاة، و لا بد مع ذلك من استدامتها إلى تمام العمل كما في كل عبادة مركبة، كما أنه لا بد من نية التعيين مع فرض الاشتراك بين الصلوات، بل لا بد أيضا من تعيين الفصول للأذان و الإقامة، كل ذلك لأصول المذهب و قواعده، و كان ترك الأكثر للتعرض لذلك اعتمادا عليها، و الله أعلم

[في عدم جواز الأذان في غير الصبح قبل الوقت]

و على كل حال ف لا يجوز أن يؤذن في غير الصبح إلا بعد دخول الوقت إجماعا من المسلمين فضلا عن المؤمنين، و سنة(1)معلومة من النبي (صلى الله عليه و آله) و ذريته الطاهرين (عليهم السلام) فهو الموافق حينئذ لدليل التأسي برسول رب العالمين و الأئمة المرضيين فضلا عن الصحابة و التابعين و تابعي التابعين، و لحكمة وضعه التي هي الاعلام بوقت الصلاة، و لغير ذلك مما لا يخفى و قد رخص في تقديمه على وقت الصبح عند المعظم من أصحابنا، بل في المعتبر «عندنا» بل عن المنتهى «عند علمائنا» كما عن الحسن بن عيسى «أنه تواترت الأخبار به» قلت: لكن لم يصل إلينا إلا

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن وهب (2)في حديث: «لا تنتظر بأذانك و إقامتك إلا دخول وقت الصلاة، و احدر إقامتك حدرا»

قال(3): «و كان لرسول الله (صلى الله عليه و آله) مؤذنان، أحدهما بلال و الآخر ابن أم مكتوم، و كان ابن أم مكتوم أعمى، و كان يؤذن قبل الصبح، و كان بلال يؤذن بعد الصبح، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فإذا سمعتم أذانه فكلوا و اشربوا حتى تسمعوا أذان بلال، فغيرت العامة هذا الحديث عن جهته و قالوا: إنه (صلى الله عليه و آله) قال: إن بلالا يؤذن بليل، فإذا سمعتم أذانه فكلوا و اشربوا


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.

ج 9، ص: 78

حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم»(1)

و

قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح الحلبي(2): «كان بلال يؤذن للنبي (صلى الله عليه و آله)، و ابن أم مكتوم و كان أعمى يؤذن بليل، و يؤذن بلال حين يطلع الفجر»

و

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر زرارة(3): «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: هذا ابن أم مكتوم و هو يؤذن بليل، فإذا أذن بلال فعند ذلك فأمسك»

و

قال ابن سنان (4) له (عليه السلام) أيضا: «إن لنا مؤذنا يؤذن بليل، فقال: أما أن ذلك ينفع الجيران، لقيامهم إلى الصلاة، و أما السنة فإنه ينادى مع طلوع الفجر، و لا يكون بين الأذان و الإقامة إلا الركعتان»

و في

خبره الآخر(5)«سألته عن الندا قبل طلوع الفجر فقال: لا بأس، و أما السنة مع الفجر، و ان ذلك لينفع الجيران».

إلا أن هذه النصوص- مع احتمال كون أذان ابن أم مكتوم قبل الفجر لأنه أعمى يخطئ لا لتوظيف من النبي (صلى الله عليه و آله) كما يومي اليه ما في الصحيح الأول من تفريع قول النبي (صلى الله عليه و آله) على فعله و تقديمه أولا: «إنك لا تنتظر إلا الوقت» على وجه لا يظهر منه إرادة التخصيص بما ذكره، بل قوله (عليه السلام) فيه: «فغيرته العامة» إلى آخره كالصريح في ذلك، ضرورة إرادة أن أذانه قبل الفجر كان لعدم بصره و ليس توظيفا، و لما رووه بالعكس فهموا منه ذلك و شرعوه قبل الفجر لعدم كون بلال مظنة الخطإ، بل ظاهر

قوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «أعمى يؤذن بليل»

ذلك أيضا، بل لا يخفى ظهور ذكر العمى مقترنا بما يحكى أن فعله قبل الفجر في إرادة كون ذلك خطأ منه، و لا ينافي ذلك لفظ «كان» في بعضها، إذ لعله كان يتكرر منه ذلك، بل قوله (عليه السلام) في خبري ابن سنان الأخيرين:


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 8.

ج 9، ص: 79

«و أما السنة» إلى آخره كالصريح في عدم سنية الأول، و عدم كونه من توظيف النبي (صلى الله عليه و آله)، و إلا كان من أعظم السنن.

كل ذلك مع قوة ما دل على اعتبار الوقت من النصوص الكثيرة(1)التي منها أمانة المؤذنين على الأوقات و صلاة الفجر بأذانهم، و على حكمة الأذان (2)و مشروعيته منها و غيرها، و الأصل، و

المرسل (3)عن النبي (صلى الله عليه و آله) «ان بلالا أذن قبل الوقت فأمره (صلى الله عليه و آله) بالإعادة، و انه قال له: إذا تبين لك الفجر فأذن»

و مع خصوص بعض النصوص الناهية عن ذلك،

كالمروي عن كتاب زيد النرسي (4)عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) «انه سمع الأذان قبل طلوع الفجر فقال: شيطان، ثم سمعه عند طلوع الفجر فقال: الأذان حقا»

و

فيه (5)عن أبي الحسن (عليه السلام) أيضا «سألته عن الأذان قبل طلوع الفجر فقال: لا، إنما الأذان عند طلوع الفجر أول ما يطلع، قلت: فان كان يريد أن يؤذن الناس بالصلاة و ينبههم قال: فلا يؤذن و لكن ليقل و ينادي بالصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، يقولها مرارا»

و لا يتوهم من ذكر هذه الفقرة أن الخبر موافق للتقية التي ينافيها ما فيه من النهي عنه قبل طلوع الفجر، لمعلومية مشروعية ذلك عند كثير منهم، لأنها من فصول الأذان عندهم، لا أنها تذكر مستقلة عنه لإرادة التنبيه بها، ففي

المروي (6)عن الكتاب المزبور عن أبي الحسن (عليه السلام) أيضا «الصلاة خير من النوم بدعة بني أمية، و ليس ذلك من أصل الأذان، فلا بأس إذا أراد أن ينبه الناس للصلاة


1- 1 الوسائل- الباب- 8 و 3- من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 14.
3- 3 المستدرك- الباب- 7- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4 و 5.
4- 4 المستدرك- الباب- 7- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
5- 5 المستدرك- الباب- 7- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.
6- 6 المستدرك- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.

ج 9، ص: 80

أن ينادي بذلك، و لا يجعله من أصل الأذان، فإنا لا نراه أذانا»

و ربما كان في

قوله (عليه السلام) في خبري ابن سنان السابقين: «ان ذلك ينفع الجيران»

إلى آخره جمع بين مراعاة التقية و بين بيان الواقع بذكر الفائدة له قبل طلوع الفجر، و بأنه خلاف السنة، على أنه لا ظهور في شي ء من النصوص المزبورة أنه أذان صلاة أو وقت قدم كما هو الظاهر من أكثر الأصحاب حيث عبروا بالتقديم مستثنين للصبح مما ذكروه من وجوب كونه في الوقت، فلعله أذان مشروع في نفسه لتنبيه الناس على التهيؤ للصلاة و الصوم في مثل شهر رمضان، كالأذان في أذن المولود و نحوه، و ربما كان ذلك ظاهر موضع من الذكرى حيث عده في ضمن ما يشرع له الأذان غير الصلاة، بل هو ظاهر غيره ممن ذكر حجة القائل بالعدم من أمر بلال بالإعادة، و ردها بأنا نقول بموجبها، لأن الوقت سبب للأذان، و الأصل عدم السقوط بما قبل الوقت، كالعلامة في المختلف و غيره.

و ربما انقدح من ذلك لفظية النزاع بحمل كلام المانع كالجعفي و الكاتب و التقي و الحلي و المرتضى- بل ربما استظهر من الأخير الإجماع عليه- على إرادة أذان الصلاة و كلام المجوز على إرادة المشروعية في نفسه. لكن قد ينافي ذلك ما ذكره المصنف و غيره من أنه يستحب إعادته بعد طلوعه: أي الفجر مستندين فيه إلى أمر بلال بالإعادة، و إلى أصالة عدم السقوط بما قبل الوقت و نحو ذلك، ضرورة ظهوره في أنه لو ترك هذا المستحب أجزأه الأول عن أذان الصلاة، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي بقوله:

و رخص الأذان قبل الفجرلخبر عارض نص الحضر

فان يكن غاية الأذان هاهنامجرد التنبيه كان حسنا

ج 9، ص: 81

قلت: بل يمكن دعوى ظهور ما ذكرناه من بعض النصوص (1)في أنه ينبغي التنبيه بغيره مخافة صيرورته سببا لذوي الأعذار أو لسواد الناس في الصلاة قبل الوقت و ربما كان

في الصحيح (2)إيماء إليه أيضا، مضافا إلى ما عرفت، قال فيه: «إن عمران بن علي سأل الصادق (عليه السلام) عن الأذان قبل الفجر فقال: إذا كان في جماعة فلا، و إذا كان وحده فلا بأس».

ثم ان الظاهر عدم تقدير زمان للتقدم بناء عليه بسدس الليل و نحوه، بل ربما

روي (3)«أن الفصل بين أذاني ابن أم مكتوم و بلال نزول هذا و صعود ذاك»

كما أنه لا يعتبر فيه الاتحاد، بل مقتضى التأسي بناء على أنهما منصوبان للنبي (صلى الله عليه و آله) التعدد، فتأمل جيدا.

[في فصول الأذان و الإقامة]

و كيف كان ف الأذان على الأشهر عندنا فتوى إن لم يكن رواية شهرة عظيمة يمكن دعوى الإجماع معها، بل في المدارك «أنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا» و في التذكرة و المحكي عن نهاية الأحكام نسبته إلى علمائنا، و في الذكرى نسبته إلى عمل الأصحاب، و في المسالك الطائفة و الأصحاب لا يختلفون فيه في المحكي عن المهذب بل ظاهر الغنية أنه من معقد إجماعها ثمانية عشر فصلا لا أزيد و لا أنقص:

التكبير أربعا، و الشهادة بالتوحيد، ثم بالرسالة، ثم يقول: حي على الصلاة، ثم حي على الفلاح، ثم حي على خير العمل، و التكبير بعده، ثم التهليل، كل فصل مرتان بل في المعتبر و التذكرة و المحكي عن الناصريات و البحار و المنتهى الإجماع على تثنية التهليل في آخره، بل عن الأخير الإجماع على التربيع في الأول.


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7 و 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 6.
3- 3 سنن البيهقي ج 1 ص 382.

ج 9، ص: 82

و أما الإقامة ف فصولها على المشهور بين الأصحاب أيضا شهرة عظيمة بل في التذكرة عندنا، و عن المنتهى و النهاية نسبته إلى علمائنا، و لا يختلف فيه الأصحاب في المحكي عن المهذب، و عليه عمل الأصحاب في الذكرى، و الطائفة في المسالك مثنى مثنى، و يزاد فيها بين حي على خير العمل و التكبير قد قامت الصلاة مرتين، و يسقط من التهليل في آخرها مرة واحدة فتكون سبعة عشر فصلا، إذ لم تنقص عن الأذان إلا بالتهليل في الآخر مرة، لقيام قول: «قد قامت» مقام التكبيرتين في الأول، فيكون مجموع فصول الأذان و الإقامة خمسة و ثلاثين فصلا، كما سمعه

الجعفي (1)من الباقر (عليه السلام) قال: «الأذان و الإقامة خمسة و ثلاثون حرفا، فعدد ذلك بيده الأذان ثمانية عشر، و الإقامة سبعة عشر حرفا»

و هذا لا ينطبق إلا على ما عرفت و لو بمعونة الإجماع و باقي النصوص، فلا يقدح حينئذ إجماله من هذه الجهة، ف

في خبر الحضرمي و الأسدي (2)«أن الصادق (عليه السلام) حكى لهما الأذان فقال: الله أكبر الله أكبر»

إلى آخر ما ذكرنا، لكن

قال (عليه السلام) في آخره: «و الإقامة كذلك»

و الظاهر إرادته أنه حكى الإقامة مفصلة أيضا لا أن المراد تكرار ذلك للإقامة فيكون محذوفا قول: «قد قامت الصلاة» فيه، و هو مما لم يقل به أحد و لا تضمنه خبر، و يكون مجموع الأذان و الإقامة حينئذ ستة و ثلاثين، و هو غريب، فلا بد من حمل الخبر المزبور على ما ذكرنا، و احتمال إرادة كون الإقامة كالأذان فصولا مع زيادة «قد قامت الصلاة» فيكون المجموع ثمانية و ثلاثين حرفا ينافيه الإجماع في المحكي عن الناصرية إن لم يكن تحصيلا على سقوط التهليل مرة من آخر الإقامة، بل و

الصحيح (3)عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا دخل المسجد


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 83

و هو لا يأتم بصاحبه و قد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن و أقام أن يركع فليقل: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله و ليدخل في الصلاة»

ضرورة ظهوره في الاجتزاء عن الإقامة بالإتيان بآخرها الذي هو ما سمعت كالمروي

عن دعائم الإسلام (1)عن الصادق (عليه السلام) «الأذان و الإقامة مثنى مثنى، و تفرد الشهادة في آخر الإقامة بقول: لا إله إلا الله مرة واحدة»

بل و المروي

عن المعتبر في الصحيح (2)عن كتاب البزنطي «ان الصادق (عليه السلام) قال:

الأذان الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مرتين»

و

قال في آخره: «لا إله إلا الله مرة»

بناء على إرادة الإقامة من الأذان فيه للإجماع بقسميه كما عرفت على تثنية التهليل في آخر الأذان.

و على كل حال فلا محيص عن حمل الخبر المزبور على ما ذكرناه، و هو واضح الدلالة على فصول الأذان، كوضوح

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(3): «يا زرارة تفتتح الأذان بأربع تكبيرات و تختمه بتكبيرتين و تهليلتين»

و

خبر المعلى بن خنيس (4) «سمعت الصادق (عليه السلام) يؤذن فقال: الله أكبر أربعا أشهد أن لا إله إلا الله مرتين»

إلى آخر ما وصفنا، و منه يعلم أن مراده (عليه السلام)

لما سأله ابن سنان (5)عن الأذان فقال: «تقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله»

إلى آخر ما قلنا تعليم كيفية التكبير لا الاقتصار فيه على المرتين المخالف للمعلوم من تربيع التكبير في أول الأذان و إن كان يوافقه على ذلك

صحيح زرارة و الفضيل (6)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لما أسري برسول الله


1- 1 المستدرك- الباب- 18- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 19.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 8.

ج 9، ص: 84

(صلى الله عليه و آله) فبلغ البيت المعمور و حضرت الصلاة فأذن جبرائيل و أقام فتقدم رسول الله (صلى الله عليه و آله) وصف الملائكة و النبيون خلف رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال: فقلنا: كيف أذن؟ فقال: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله- إلى آخر ما سمعت ثم قال-: و الإقامة مثلها إلا أن فيها قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة بين حي على خير العمل و بين الله أكبر، فأمر بها رسول الله (صلى الله عليه و آله) بلالا فلم يزل يؤذن بها حتى قبض الله رسوله (صلى الله عليه و آله)»

بل و

خبر أبي همام (1)عن أبي الحسن (عليه السلام) انه قال: «الأذان و الإقامة مثنى مثنى»

و غيرهما من النصوص الدالة على ذلك، حتى أن جماعة من متأخري المتأخرين عملوا بها إلا أنها بين مطرح أو مأول بإرادة التثنية في أكثر الفصول أو التشبيه به لذلك فلا ينافي حينئذ وحدة التهليل في آخر الإقامة، كما أنه لا ينافي نصوص التربيع أول تكبيرة الأذان، خصوصا مع احتمال إرادة نفي الوحدة من

قوله (عليه السلام) «الأذان و الإقامة مثنى مثنى»

تعريضا بما ذهب اليه جميع العامة من الوحدة في تهليل الأذان، و أكثرهم في الدعاء للصلاة و الفلاح في الإقامة، بل عن الشافعي منهم في القديم و مالك و داود الوحدة في جميع فصولها، فيراد من التثنية حينئذ في النصوص نفي الوحدة المزبورة فلا ينافي التربيع بل و لا وحدة التهليل في آخر الإقامة، و ستسمع مرسل الهداية(2)الذي عبر بالمثنى مع انتهائه إلى اثنين و أربعين.

كل ذلك مضافا إلى احتمال إرادة أن الأصل في الأذان التثنية إلا أنه وضع الأربع في الأول للإعلام،

قال الرضا (عليه السلام) في خبر علل الفضل (3): «و جعل


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 18- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 14.

ج 9، ص: 85

التكبير في أول الأذان أربعا لأن أول الأذان إنما يبدأ غفلة و ليس قبله كلام ينبه المستمع له فجعل الأوليان تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان»

و إلى غير ذلك من الاحتمالات المذكورة و إن كان بعضها في غاية الضعف بل مقطوعا بفساده، بل الإنصاف أنه لو لا تسالم الأصحاب و عمل الشيعة في الأعصار و الأمصار في الليل و النهار في الجامع و الجوامع و رؤوس المآذن على العدد المزبور لكان القول بجواز الجميع مع تفاوت مراتب الفضل متجها للتسامح في أدلة السنن.

بل قد يتجه ارتقاؤهما إلى اثنين و أربعين حرفا لما عن الهداية من

قول الصادق (عليه السلام): الأذان و الإقامة مثنى مثنى، و هما اثنان و أربعون حرفا، الأذان عشرون حرفا، و الإقامة اثنان و عشرون حرفا»

قلت: و كأنه لتربيع التكبير فيهما في الأول و تربيعه قبل التهليلتين في الآخر مع زيادة «قد قامت الصلاة» مرتين في الإقامة، و لعله هذا هو الأقصى و دونه ثمانية و ثلاثون بأن يقتصر على المرتين في التكبير أولا و آخرا، و دونه سبعة و ثلاثون بحذف التهليلة في آخر الإقامة أيضا، ثم خمسة و ثلاثون كما هو المشهور بحذف التكبيرتين من الأربعة في آخر الأذان و الإقامة مع حذف التهليلة مرة في آخر الإقامة، و إثبات التربيع في أول الأذان، و دونه أربعة و ثلاثون بجعل فصول الأذان ستة عشر مثنى مثنى، و فصول الإقامة ثمانية عشر بزيادة «قد قامت الصلاة» مرتين.

قال الشيخ في النهاية بعد ذكر المشهور في فصولهما: «هذا هو المختار المعول عليه، و قد روي سبعة و ثلاثون فصلا في بعض الروايات، و في بعضها ثمانية و ثلاثون فصلا، فأما من روى سبعة و ثلاثين فصلا فإنه يقول في أول الإقامة أربع مرات: «الله أكبر» و يقول الباقي كما قدمناه: أي المشهور، و من روى ثمانية و ثلاثين فصلا فإنه يضيف إلى ذلك قول: «لا إله إلا الله» مرة أخرى في آخر الإقامة، و من روى اثنين

ج 9، ص: 86

و أربعين فصلا فإنه يجعل في آخر الأذان التكبير أربع مرات و في أول الإقامة أربع مرات و في آخرها أيضا مثل ذلك أربع مرات، و يقول: «لا إله إلا الله» مرتين في آخر الإقامة، فإن عمل عامل على إحدى هذه لم يكن مأثوما» و هو كما ترى ظاهر فيما ذكرنا لكن لا ريب في أن الاحتياط الاقتصار على المشهور.

ثم قال: «فأما ما روي من شواذ الأخبار من قول: إن عليا ولي الله و آل محمد خير البرية فمما لا يعمل عليه في الأذان و الإقامة، فمن عمل به كان مخطئا» و قال في الفقيه بعد ذكر

حديث الحضرمي و كليب (1): «هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه و لا ينقص منه، و المفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخبارا زادوا بها في الأذان «محمد و آل محمد خير البرية»

مرتين، و في بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن عليا ولي الله مرتين، و منهم من روى بدل ذلك أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا مرتين، و لا شك في أن عليا ولي الله و أمير المؤمنين حقا، و أن محمدا و آله صلى الله عليهم خير البرية، و لكن ليس ذلك في أصل الأذان- قال-: و انما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض المدلسون أنفسهم في جملتنا» قلت: و تبعهما غيرهما على ذلك، و يشهد له خلو النصوص عن الإشارة إلى شي ء من ذلك، و لعل المراد بالشواذ في كلام الشيخ و غيره ما رواه المفوضة، لكن و مع ذلك كله فعن المجلسي أنه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للأذان استنادا إلى هذه المراسيل التي رميت بالشذوذ، و أنه مما لا يجوز العمل بها، و إلى ما في

خبر القاسم بن معاوية المروي (2)عن احتجاج الطبرسي عن الصادق (عليه السلام) «إذا قال أحدكم:

لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله) فليقل: علي أمير المؤمنين»

و هو


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 9.
2- 2 البحار- ج 18 ص 162 من كتاب الصلاة من طبعة الكمباني.

ج 9، ص: 87

كما ترى، إلا أنه لا بأس بذكر ذلك لا على سبيل الجزئية عملا بالخبر المزبور، و لا يقدح مثله في الموالاة و الترتيب، بل هي كالصلاة على محمد (صلى الله عليه و آله) عند سماع اسمه، و إلى ذلك أشار العلامة الطباطبائي في منظومته عند ذكر سنن الأذان و آدابه، فقال:

صل إذا ما اسم محمد بداعليه و الآل فصل لتحمدا

و أكمل الشهادتين بالتي قد أكمل الدين بها في الملة

و أنها مثل الصلاة خارجةعن الخصوص بالعموم والجة

بل لو لا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية بناء على صلاحية العموم لمشروعية الخصوصية، و الأمر سهل.

و من ذلك كله ظهر لك الحال في سائر الأقوال في المقام التي أغربها ما يحكى عن ابن الجنيد من أن التهليل في آخر الإقامة مرة واحدة إذا كان المقيم قد أتى بها بعد الأذان فإن كان قد أتى بها بغير أذان ثنى «لا إله إلا الله» في آخرها، هذا.

و قد رخص في السفر الاقتصار فيهما معا على كل فصل مرة،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر نعمان الرازي(1): «يجزيك من الإقامة طاق طاق في السفر»

و

قال الباقر (عليه السلام) في خبر العجلي (2): «الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة، الأذان واحدا واحدا و الإقامة واحدة»

و إطلاقه وحدة الإقامة منزل على حال الرخصة قطعا، ك

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن وهب (3): «الأذان مثنى مثنى، و الإقامة واحدة»

و في

خبر ابن سنان (4)«الإقامة مرة مرة إلا قول: الله أكبر فإنه مرتان».


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 3.

ج 9، ص: 88

و كذا يقصر الأذان حال الاستعجال، ف

في خبر الحذاء(1)«رأيت أبا جعفر (عليه السلام) يكبر واحدة واحدة في الأذان فقلت له: لم تكبر واحدة واحدة؟

فقال: لا بأس به إذا كنت مستعجلا»

لكن قد يظهر من

مرسل يزيد مولى الحكم (2)أفضلية الإقامة مثنى مثنى على الأذان و الإقامة واحدا، قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لأن أقيم مثنى مثنى أحب إلى من أن أؤذن و أقيم واحدا واحدا»

أما الأذان تاما وحده فلا يقوم مقامهما مقصرين، لشدة تأكد الإقامة، و لعله إليه أشار الطباطبائي بقوله:

و جاز تقصيرهما حال السفرو عند الاستعجال حتى في الحضر

و ذاك خير من تمام الأول دون الأخير فله فضل جلي

و الظاهر عدم اشتراط الرخصة في تقصير أحدهما بتقصير الآخر للإطلاق، بل الظاهر ثبوت الرخصة في الاجتزاء بالإقامة المقصرة عن الأذان كالتامة، و

قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر أبي همام (3): «الأذان و الإقامة مثنى مثنى، إذا أقام مثنى مثنى و لم يؤذن أجزأه في الصلاة المكتوبة، و من أقام الصلاة واحدة واحدة و لم يؤذن لم يجزه إلا بأذان»

محمول على التأكد في الحال المخصوص، و على كل حال فمثل ذلك لا يقدح فيما ذكرنا من عدد فصول الأذان ضرورة كون ذلك رخصا في أحوال خاصة، كرخصة المرأة في الاجتزاء عن الأذان بالتكبير و الشهادتين، بل بالشهادتين خاصة، سيما إذا سمعت أذان القبيلة، و عن الإقامة بالتكبير و شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله، كما يستفاد ذلك من صحيح ابن سنان (4)و صحيحي


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 89

زرارة(1)المروي أحدهما عن العلل، و خبر أبي مريم الأنصاري (2)المتقدمة سابقا، و كرخصة المصلي خلف من لا يقتدى به بالاجتزاء بخمسة فصول من آخر الإقامة إن كان قد خشي فوات الائتمام الذي لا يسعه تركه للتقية إن حافظ على الإتيان بالفصول تامة كما سمعته سابقا في خبر معاذ(3)و تسمعه لاحقا أيضا عند تعرض المصنف له.

و كذا لا يقدح ما ورد من الأمر بتكرار بعض الفصول زيادة على العدد المزبور لأجل اجتماع الجماعة،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(4): «لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة أو في حي على الصلاة أو حي على الفلاح المرتين و الثلاث و أكثر من ذلك إذا كان انما يريد به جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس»

فإنه ليس من أصل الأذان كما هو واضح.

و قد ظهر لك من جميع النصوص و الفتاوى أن آخر الأذان التهليل، فما في

المروي (5)عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم «ان آخر الأذان محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله) بعد التهليل إلا أنه ألقاه معاوية، و قال: أما يرضى محمد (صلى الله عليه و آله) أن يذكر في أول الأذان حتى يذكر في آخره»

من الغرائب، و يبعده زيادة على ما عرفت أنه لو كان الأمر هكذا لكان ذلك محفوظا، كما حفظ إسقاط عمر «حي على خير العمل» بل هو أولى منه بذلك، خصوصا بعد فرض استمراره كذلك إلى زمان معاوية الذي كان معروفا في زمانه بالفسق و الفجور، و الله أعلم.

[في اعتبار الترتيب في الأذان و الإقامة]

و كيف كان ف الترتيب بين الفصول شرط في صحة الأذان و الإقامة


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2 و 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
5- 5 البحار- ج 18 ص 178 من كتاب الصلاة من طبعة الكمباني.

ج 9، ص: 90

إجماعا بقسميه، مضافا إلى أصالة عدم مشروعية غيره و النصوص، و في

مرسل الفقيه (1)عن الباقر (عليه السلام) «تابع بين الوضوء- إلى أن قال-: و كذلك في الأذان و الإقامة، فبدأ بالأول فالأول، فإن قلت: حي على الصلاة قبل الشهادتين تشهدت ثم قلت: حي على الصلاة»

و في

صحيح زرارة(2)«من سهى في الأذان فقدم أو أخر أعاد على الأول الذي أخره حتى يمضي على آخره»

و كما أن التقديم و التأخير ينافي الترتيب كذلك النقصان، ضرورة كونه مع النقصان لم يضع الفصل في محله الذي هو بعد المنسي، و لذا

سأل الساباطي (3)أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل نسي من الأذان حرفا فذكره حين فرغ من الأذان و الإقامة فقال له: يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله و ليقل من ذلك الحرف إلى آخره، و لا يعيد الأذان كله و لا الإقامة»

و به- مضافا إلى ما سمعت- يخرج عن ظاهر

موثقه الآخر(4)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أو سمعته يقول: إن نسي الرجل حرفا من الأذان حتى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة فليس عليه شي ء، فان نسي حرفا من الإقامة عاد إلى الحرف الذي نسيه، ثم يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة»

و لعله محمول على الاجتزاء بالإقامة عن الأذان لا أن المراد حصول وظيفتهما معا في الفرض المزبور و إن كان قد يشهد له

خبر علي بن جعفر(5)عن أخيه (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد «سألته عن الرجل يخطئ في أذانه و إقامته فذكر قبل أن يقوم في الصلاة ما حاله؟ قال: إن كان أخطأ في أذانه مضى على صلاته، و إن كان في إقامته انصرف فأعادها وحدها، و إن ذكر بعد الفراغ من ركعة أو ركعتين مضى على صلاته و أجزأ ذلك»

لكن يمكن حمله أيضا على ما عرفت، فظهر من ذلك كله اعتبار الترتيب و أن تداركه يكون بإعادة ما فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 5.

ج 9، ص: 91

الخلل و ما بعده على نحو تدارك ترتيب الوضوء، لكن ينبغي أن يكون الخلل المفروض قد وقع على وجه لا تشريع فيه بحيث يفسد العمل من أصله، و إلا اتجه الاستيناف من رأس كما هو واضح.

و كذا يشترط الترتيب بين الأذان و الإقامة نفسهما، فمع نسيان حرف من الأذان يعيد من ذلك الحرف إلى الآخر، للإجماع بقسميه أيضا، و الأصل و التأسي، إذ هو الثابت من الأدلة، بل يمكن دعوى القطع باستفادته من تصفح النصوص، فما في خبر الساباطي الأول من الاقتصار على إعادة الأذان وحده دون الإقامة لا بد من طرحه، أو يحمل على إرادة و لا يعيد الأذان كله لو نسي منه حرفا، و كذا لا يعيد الإقامة كلها لو نسي منها حرفا إلا إذا كان المنسي الحرف الأول فيهما.

و على كل حال فالظاهر عدم اعتبار التدارك لو عكس الترتيب بين الأذان و الإقامة عمدا فضلا عن السهو، ضرورة أن له الاقتصار على كل من الأذان و الإقامة، فمع فرض عدم إرادة الإتيان بالوظيفتين لا يلزم بالتدارك و يسلم له أحدهما، نعم لو أرادهما معا اتجه لزوم التدارك عليه، لكن ينبغي اشتراط العمد في العكس بعدم وقوعه على وجه التشريع بحيث يقتضي فساده، و مثل العكس في ذلك الترك عمدا أو سهوا، فمن أقام عازما على الاقتصار عليها ثم بدا له بعد فراغها الإتيان بالأذان وجب عليه إعادة الإقامة أيضا إن كان قد أراد حوز الفضيلتين، و إلا اقتصر على الأذان و كان كالمصلي به ابتداء بلا إقامة كما هو واضح.

ثم ان ظاهر النصوص المزبورة عدم مراعاة الموالاة، ضرورة اقتضاء صحته تدارك الحرف الثاني من الأذان مثلا و إن كان قد ذكره بعد الفراغ منه و من الإقامة، و لعله لا بأس به عملا بإطلاق النصوص المزبورة، خلافا للعلامة الطباطبائي، فقال:

و من سهى فخالف الترتيب في بعض الفصول فليعد حتى يفي

ج 9، ص: 92

إلا إذا فات بذلك الولاإذ طال فصل فليعد مستقبلا

اللهم إلا أن لا يريد ما تشمله النصوص المزبورة كما لو فصل بأمر آخر من صلاة أو ذكر أو سكوت أو نحوها، أما الخلل عمدا فقد يقوى فيه مراعاة الموالاة العرفية التي ينافيها الفصل المزبور في صورة السهو قطعا، لسلامة ما دل هنا على اعتبار الموالاة من الأصل، و أنه الثابت من فعلهم (عليهم السلام) و المستفاد من الأدلة عن المعارض.

و لو فات الترتيب فيهما معا فلم يذكره حتى دخل الفريضة ففيه البحث السابق في نسيان الأذان و الإقامة، و أنه هل يلحق به مثل ذلك كما عرفت الحال فيه سابقا، هذا.

و الحكم في الشك كالحكم في النسيان بمعنى أنه لو شك في فصل من فصول الأذان قبل تجاوز محله تلافاه و ما بعده، أما بعده فلا يلتفت كالشك في أصل الأذان، و الظاهر كون الإقامة محلا آخر، فلا يلتفت حينئذ مع الدخول فيها إلى شي ء من الشك في الأصل أو في الفصل، فاحتمال أنهما معا محل واحد كاحتمال كون كل كلمة منهما محلا آخر لا يخلو من ضعف، و تسمع في أحكام الخلل ما ينفع هنا، إذ الظاهر اتحاد البحث من هذه الجهة بينهما و بين الصلاة، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

[في استحباب سبعة أشياء في الأذان و الإقامة]
اشاره

و يستحب فيهما سبعة أشياء

[أولها أن يكون مستقبل القبلة]

أولها أن يكون مستقبل القبلة حالهما وفاقا للمشهور نقلا و تحصيلا، بل في الخلاف و التذكرة و عن إرشاد الجعفرية الإجماع عليه في الأذان، بل في المدارك و الذكرى و ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه فيهما، لكن لعل مراد الثاني منها الفضل، لنقله القول بوجوبه في الإقامة مع احتمال عدم الاعتداد به في حصول القطع له، و كيف كان فهو بعد شهادة التتبع له الحجة على الرجحان و نفي الوجوب الشرطي، بل في الغنية و التذكرة الإجماع عليه في الأذان، مضافا إلى الأصل، و خصوصا في صفات المستحبات، و إطلاق النصوص، و التأسي بمؤذني

ج 9، ص: 93

رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و إطلاق

قوله (عليه السلام)(1): «خير المجالس ما استقبل فيه القبلة»

و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر سلمان بن صالح (2): «إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة»

و في

خبر هارون المكفوف (3)«الإقامة من الصلاة»

و

خبر علي بن جعفر(4)المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه (عليه السلام) «عن رجل يفتح الأذان و الإقامة و هو على غير القبلة ثم استقبل القبلة فقال: لا بأس»

و

سأل ابن مسلم أحدهما (ع) في الصحيح (5)«عن الرجل يؤذن و هو يمشي أو على ظهر دابته أو على غير طهور فقال: نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس»

و

سأل الحلبي الصادق (عليه السلام) في الحسن (6)«يؤذن الرجل و هو على غير القبلة فقال: إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس»

إذ لا يخفى على من له أدنى درية بصناعة الفقه أن الجمع بين جميع ما سمعت بعد ملاحظة قصور تحكيم المقيد منها على المطلق هنا انما يقتضي ما قلنا من الاستحباب، نعم يمكن دعوى ثبوت الكراهة بترك الاستقبال في الشهادتين، لأنها أقل المراد من البأس في مفهوم الصحيح و الحسن السابقين، فما عن المقنعة و جمل العلم و مصباح السيد و المراسم و الوسيلة و ظاهر المحكي عن الكاتب و المقنع و النهاية من الوجوب في الإقامة لا يخلو من نظر و إن وافقهم عليه في الحدائق، كما أن ظاهر المحكي عن المقنعة


1- 1 الوسائل- الباب- 76- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 12 رواه في الوسائل عن سليمان بن صالح.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 12 لكن رواه عن أبي هارون المكفوف و هو الصحيح كما تقدم في الصحيفة 20 التعليقة 5 و يأتي آنفا.
4- 4 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 94

و النهاية و المصباح- من وجوب الاستقبال في الشهادتين من الأذان، و الكاتب مع زيادة التكبير- كذلك أيضا، و أضعف من الجميع ما عن القاضي من وجوب الاستقبال في الأذان و الإقامة في خصوص الجماعة، إذ لم نعرف له مستندا في ذلك.

[و ثانيها أن يقف على أواخر الفصول]

و ثانيها أن يقف على أواخر الفصول بأن يترك الاعراب عليها عند علمائنا في المعتبر قطعا في الأذان و ظاهرا أو محتملا في الإقامة أيضا، و المحكي عن المنتهى و الروض، بل إجماعا في الخلاف في الأذان، بل التذكرة فيهما معا، و ل

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة(1): «الأذان جزم بإفصاح الألف و الهاء، و الإقامة حدر»

و

الصادق (عليه السلام) في خبر خالد بن نجيح (2)«التكبير جزم في الأذان مع الإفصاح بالهاء و الألف»

و

في الفقيه عن خالد بن نجيح أيضا عنه (عليه السلام) انه قال: «و الأذان و الإقامة مجزومان»

قال: و في حديث آخر موقوفان، لكن قد يظهر من مقابلة الجزم بالحدر الذي هو الإسراع في صحيح زرارة عدم استحباب الجزم في الإقامة، ضرورة اقتضاء الجزم الذي هو ترك الاعراب الوقف، و إلا كان لحنا، لوجوب ظهور الاعراب في الدرج كوجوب تركه في الوقف فيكون الأمر بالحدر حينئذ كناية عن إظهار الإعراب، كما أن الأمر بالجزم الذي هو السكون كما تسمعه عن النهاية كناية عن الوقف، لما عرفته من التلازم، و عليه حينئذ يتم الأمر بالحدر في الإقامة في غيره كصحيح ابن وهب (3)و غيره من غير حاجة إلى تكلف إرادة ما لا ينافي الوقف من الحدر، أو التزام جواز ذلك في خصوص المقام، أو منع كون مثله لحنا كالوقف على المتحرك، أو أن المراد من الوقف ترك الحركة، أو نحو ذلك مما يمكن منعه و إن التزم بعضه في المحكي عن الروض، قال: «و لو فرض ترك


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 95

الوقف أصلا سكن أواخر الفصول أيضا و إن كان ذلك في أثناء الكلام، ترجيحا لفضيلة ترك الاعراب على المشهور من حال الدرج» لكن قد يناقش فيه بأنه لا وجه له مع فرض كونه لحنا، إذ الظاهر اعتبار العربية فيها، بل و الأذان لأنه هو الثابت، فالاجتزاء بغيره مشكل، بل جزم بعدمه في منظومة الطباطبائي، نعم احتمل عدم قدحه بل و التغيير في مثل أذان الإعلام، مع أنه لا يخلو من نظر أيضا.

كما أن ما في المحكي عن الروض- من أن في بطلان الأذان و الإقامة باللحن وجهين، و أنه قد اختلف فيه كلام الفاضل، فحرمه في بعض كتبه و أبطلهما به، و المشهور العدم، نعم لو أخل بالمعنى كما لو نصب لفظ رسول الله (صلى الله عليه و آله) و مد لفظ «أكبر» بحيث صار أكبار جمع كبر و هو الطبل له وجه واحد اتجه البطلان- كذلك لا يخلو من نظر بل منع، خصوصا دعوى شهرة العدم و ترك التعرض لشرطية ذلك من المصنف و نحوه اتكالا على ظهور الحال.

فظهر حينئذ أن المتجه- بناء على مراعاة حكم الدرج و الوقف و إلا كان لحنا- إرادة الكناية عن إظهار الاعراب بالأمر بالحدر فيها، و ليس في شي ء من النصوص ما ينافي ذلك سوى خبر ابن نجيح على ما أرسله في الفقيه، مع أنك قد عرفت الذي رواه عنه غيره بل ظاهر المعتبر أن روايته مثل صحيح زرارة، نعم ينافي ما ذكرنا تصريح غير واحد من الأصحاب باستحباب الجزم فيهما، بل هو معقد إجماع التذكرة كالمحكي عن المنتهى فلا بد حينئذ من إرادة ما لا ينافي الوقف من الحدر المزبور بناء على مراعاة حكمي الدرج و الوقف المذكورين في علم العربية، أي لا تقطع قطع الأذان، إذ المراد بالجزم في صحيح زرارة القطع بقرينة مقابلته بالحدر لا السكون و ترك المد و الاعراب في الأواخر و إن حكي عن النهاية تفسيره بذلك، إذ الجميع ثابتة في الإقامة أيضا، فلا

ج 9، ص: 96

يقابل بالحدر، بل لا بد من إرادة التأني و الترسل من الجزم (1)لا مطلق القطع، لما عرفت من حصوله في الجملة في الإقامة بناء على مراعاة حكم الوقف و الدرج، فيكون حينئذ مقابلته بالحدر في الإقامة متجهة، خصوصا مع ملاحظة

قول الصادق (عليه السلام) في خبر الحسن بن السري (2): «الأذان ترسيل، و الإقامة حدر»

و عن بعض النسخ «ترتيل» و المراد واحد، و عن أكثر المتأخرين أن المراد بالحدر قصر الوقوف لا تركها أصلا، و بالتأني إطالتها.

[الثالث و الرابع و هما أن يتأنى في الأذان و يحدر في الإقامة]

و كيف كان فمن ذلك كله ظهر لك الوجه في المستحب الثالث و الرابع و هما أن يتأنى في الأذان و يحدر في الإقامة الذي قد اعترف في التذكرة و المحكي عن المنتهى بعدم معرفة الخلاف فيه، و المراد بالألف و الهاء المأمور بالافصاح بهما في الصحيح المتقدم و غيره ما كانا في آخر بعض الفصول كالواقعين في لفظ الجلالة في آخر التهليل و في لفظ الصلاة كما استظهره في الذكرى، بل ظاهر المحكي عن المنتهى الجزم به، و لعله للمرسل العامي على الظاهر المروي في المنتهى عن النبي (صلى الله عليه و آله) «لا يؤذن لكم من يدغم الهاء في لفظي الله و الصلاة» لكن عن ابن إدريس أن المراد بها هاء «إله» لا هاء «أشهد» و لا هاء «الله» لأنهما مبينتان، و الثانية موقوف عليها يفصح فيها من دون لبس، و فيه أن كونها مبينة لا يستلزم عدم اللحن بها، بل كثير من المؤذنين لا يظهر الهاءات المزبورة، بل الحاء من الفلاح لا يظهرها بخلاف هاء «إله» المتحركة، بل قيل: إن كثيرا منهم لا يظهر هاء «أشهد» و يقول: «أشد» و كأنه


1- 1 في النسخة الأصلية المسودة و المبيضة« في الجزم» و لكن الصحيح ما أثبتناه لأن« من الجزم» متعلق بلفظة« إرادة» و هي تتعدى ب« من» و لا تتعدى ب« في».
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.

ج 9، ص: 97

فهم من الخبر المزبور أن المراد الجزم في أواخر الفصول لا بحيث يشمل الهاء من «إله» بل هي يفصح بها: أي تحرك و لا تجزم، فقوله (عليه السلام): «و أفصح» رفع لما عساه يتوهم من قول: «الأذان جزم» و لعل ما ذكرناه من إرادته الأمر بإظهار الهاءات المزبورة مخافة أن الوقف المأمور به يذهبها، فتأمل جيدا، و كيف كان فقضية ما سمعته من الأصحاب من التعبير عن الحكمين بالاستحباب جواز غيرهما و عدم البطلان بخلافه، حملا لهذا الأمر على الاستحباب في الاستحباب، فما عن القاضي- من اشتراط الوقف في فصولهما، و ربما حكي عن بعض أفاضل عصرنا- لا يخلو من نظر خصوصا بعد ما عرفته من إجماع الأصحاب، و الله أعلم.

[و الخامس أن لا يتكلم في خلالهما]

و الخامس أن لا يتكلم في خلالهما بمعنى كراهته فيه وفاقا للمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل في المحكي عن المنتهى «نفي الخلاف عنه بين أهل العلم في الإقامة» كما أن في الغنية «الإجماع على جواز التكلم في الأذان و أن تركه أفضل» و فيها أيضا «السنة في الإقامة حدر كلمها، و فعلها على طهارة و استقبال القبلة، و لا يتكلم فيها بما لا يجوز فعله في الصلاة بالإجماع» و على كل حال فقد استدل عليه في الأذان بأن فيه فوات الإقبال المطلوب في العبادة و فوات الموالاة، و هو كما ترى، و الأولى الاستدلال عليه بما يفهم من

موثق سماعة(1)و لو بمعونة فهم الأصحاب و التسامح، قال: «سألته عن المؤذن أ يتكلم و هو يؤذن؟ فقال: لا بأس حين يفرغ من أذانه»

من ثبوت البأس الذي أقله الكراهة قبل الفراغ، و لعلها المراد من أفضلية الترك في معقد إجماع الغنية السابق، لكن لا دلالة في شي ء من ذلك على التعدية لغير المؤذن، بل ليس في نصوص الإقامة التي تسمعها ما يدل على الكراهة لغير المقيم قبل قول:

«قد قامت الصلاة».


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 6.

ج 9، ص: 98

و كيف كان فما عن القاضي- من عدم الكراهة حيث حصرها في الإقامة للأصل و ظهور

خبر عمرو بن أبي نصر(1)فيه، قال لأبي عبد الله (عليه السلام): «أ يتكلم الرجل في الأذان؟ قال: لا بأس، قلت: في الإقامة قال: لا»

لإرادة الكراهة من النهي في الإقامة كما ستعرف، فتكون هي المنفية في الأذان بقرينة المقابلة- ففيه (2)ان الأصل مقطوع بما عرفت، و المنفي كراهة الإقامة لا مطلق الكراهة و إن ضعفت عنها، فتأمل.

و أما الكراهة في خلل الإقامة و بعدها فلأنها مقتضى الجمع بين ما دل على الجواز- ك

خبر الحلبي (3)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل يتكلم في أذانه أو في إقامته فقال: «لا بأس»

و

خبر الحسن بن شهاب (4)سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «لا بأس بأن يتكلم الرجل و هو يقيم الصلاة، و بعد ما يقيم إن شاء»

و

صحيح عبيد بن زرارة(5)المروي عن المستطرفات «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أ يتكلم الرجل بعد ما يقام الصلاة؟ قال: لا بأس»

و

صحيح حماد بن عثمان (6)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة قال: نعم»

- و بين ما دل على النهي ك خبر ابن أبي نصر المتقدم (7)و خبر أبي هارون (8)و غيره، إذ هو أولى من الجمع بحمل ما دل على الجواز على ما قبل قول: «قد قامت» و عدمه على ما بعده بشهادة

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(9): «إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الامام و أهل المسجد إلا في تقديم إمام»

و

الصادق (عليه السلام) في موثق سماعة(10)«إذا أقام المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام إلا أن يكون القوم


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
2- 2 في النسخة الأصلية« و فيه» و الصحيح ما أثبتناه.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 13.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 9.
7- 7 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 12.
9- 9 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
10- 10 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 5.

ج 9، ص: 99

ليس يعرف لهم إمام»

و

سأله (عليه السلام) أيضا ابن أبي عمير(1)«عن الرجل يتكلم في الإقامة قال: نعم، فإذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتى و ليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض: تقدم يا فلان»

لصراحة بعض نصوص الجواز كما عرفت فيما بعد قيام الصلاة، اللهم إلا أن يحمل الكلام فيها على الكلام المزبور في هذه النصوص، أو غيره مما يتعدى منه اليه بدعوى أنه مثال لمطلق المتعلق بالصلاة كتسوية الصفوف و نحوها، قال في المحكي عن المنتهى: «لا خلاف في تسويغ الكلام بعد «قد قامت» إذا كان مما يتعلق بالصلاة كتقديم إمام و تسوية صف».

و كيف كان فيكون المراد من سؤال نصوص الجواز إباحة طبيعة الكلام في الجملة لكنه كما ترى، خصوصا و المقنعة و جمل السيد و النهاية و التهذيب التي هي الأصل في الخلاف قد أطلقوا عدم جواز الكلام في خلال الإقامة، فلم يعملوا بالنصوص المزبورة على الوجه المذكور، نعم عن المبسوط و النهاية و الوسيلة التنصيص على تحريمه بعد قوله:

قد قامت الصلاة بغير ما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام أو تسوية الصف، مع أنا لم نتحققه عن غير الأخير، فيضعف حينئذ من هذه الجهة احتمال تحكيمها على غيرها المعتضد بالشهرة و بالأصل و غيره، خصوصا مع عطف المعلوم كراهته في خبر أبي هارون عليه، و أنه إذا أعطيت حكم الصلاة كما هو مضمون خبر أبي هارون و غيره ينبغي عدم الكلام فيها مطلقا، بل لا يخفى على من له أدنى معرفة بلسان النصوص إرادة الكراهة من ذلك و شدتها بعد قيام الصلاة لا الحرمة حقيقة التي هي وظيفة تكبيرة الإحرام، و إلا فمن المعلوم أن له الاعراض عن الصلاة بعد الإقامة، و حينئذ لا يحرم الكلام عليه قطعا، فلا بد من حمله على ما إذا بقي عازما على الصلاة متهيئا لها بالإقامة المذكورة، فلو فرض


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7.

ج 9، ص: 100

أنه فصل بينها و بين الصلاة بما لا يخل في الاتصال المعتبر يجب عليه السكوت، أو الاشتغال بغير الكلام من ذكر و نحوه، و هو أمر غريب يمكن دعوى معلومية خلافه من الشريعة، كمعلومية أن له رفع اليد عن الإقامة و الصلاة بدونها، فأقصى ما في الكلام حينئذ ذلك لا الحرمة التعبدية، و من ذلك ظهر لك أنه لا ريب في قوة ما ذكرناه من الجمع- خصوصا مع ملاحظة ما سمعته و الشهرة و الأصل و الإطلاقات و غيرها- و ضعف الجمع المزبور.

و أضعف منه احتمال حمل نصوص الجواز على إرادة ذلك لكن مع بطلان الإقامة بشهادة

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم(1): «لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة»

ضرورة قصوره عن صرف ظاهر النصوص المزبورة من جواز الكلام و عدم بطلان الإقامة به، إذ هو المسؤول عنه، فالأولى حينئذ حمل الخبر المزبور على استحباب الإعادة الذي صرح به غير واحد من الأصحاب، بل أضعف منهما معا الجمع بحمل نصوص التحريم على ما بعد قول: «قد قامت» في الجماعة بغير ما يتعلق بالصلاة، و الجواز على الانفراد بدعوى ظهور كل منهما في ذلك، فلا جهة للجمع بينهما بالكراهة، إذ هو يمكن كونه خرقا للإجماع المركب، اللهم إلا أن يدعى تنزيل كلام المحرمين على ذلك، و على كل حال فقد عرفت أن ما ذكرناه أولى منه من وجوه.

و أضعف من ذلك احتمال الجمع أيضا بحمل نصوص الجواز على الاضطرار و العدم على الاختيار، مع أن في بعض النصوص المزبورة ما هو كالصريح في الاختيار، نحو قوله (عليه السلام): «إن شاء» و ما شابهه.

ثم ان الظاهر كراهة الكلام أيضا فيما بين الأذان و الإقامة في صلاة الغداة كما


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.

ج 9، ص: 101

عن جامع الشرائع و النفلية

للمروي (1)عن المجالس و الخصال «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) كره الكلام بين الأذان و الإقامة في صلاة الغداة حتى تقضى»

بل قيل:

إنه رواه في الفقيه في وصية النبي (صلى الله عليه و آله) لعلي أمير المؤمنين (عليه السلام)(2)و الله أعلم.

[و السادس مما يستحب فيهما أن يفصل بينهما]

و السادس مما يستحب فيهما أن يفصل بينهما بركعتين أو سجدة إلا في المغرب، فان الأولى أن يفصل بينهما بخطوة أو سكتة إذ هو ليس بواجب قطعا للأصل و الإطلاقات و ظهور نصوص المقام التي ستسمعها إن شاء الله فيه، و

خبر ابن مسكان (3)«رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) أذن و أقام من غير أن يفصل بينهما بجلوس»

و إن كان يحتمل الفصل بغيره، فما في

موثق عمار(4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينسى أن يفصل بين الأذان و الإقامة بشي ء حتى أخذ في الصلاة أو أقام للصلاة فقال: ليس عليه شي ء، و ليس له أن يدع ذلك عمدا»

محمول على التأكد أو كراهة الترك و إن لم يكن ذكرها الأكثر، كل ذلك مع ظهور اتفاق الأصحاب على ذلك بحيث يمكن تحصيل الإجماع عليه، قال في المعتبر: «و يستحب الفصل بينهما بركعتين أو جلسة أو سجدة أو خطوة خلا المغرب، فإنه لا يفصل بين أذانيها إلا بخطوة أو سكتة أو تسبيحة، و عليه علماؤنا» و مثله عن المنتهى، و قال في التذكرة: «يستحب الفصل بين الأذان و الإقامة بجلسة أو سجدة أو سكتة أو خطوة أو صلاة ركعتين في الظهرين إلا المغرب، فإنه لا يفصل بينهما إلا بخطوة أو سكتة أو تسبيحة عند علمائنا» و على كل حال فاستحباب الفصل بركعتين في غير المغرب- مع


1- 1 المستدرك- الباب- 9- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 5.

ج 9، ص: 102

أنه معقد ما سمعته من المعتبر بل و التذكرة في خصوص الظهرين- قد يدل عليه

مضمر ابن أبي نصر(1): «العقود بين الأذان و الإقامة في الصلوات كلها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة تصليها»

و

في خبره (2)«سألت الرضا (عليه السلام) عن القعدة بين الأذان و الإقامة فقال: القعدة بينهما إذا لم يكن بينهما نافلة»

و في

صحيح ابن سنان المتقدم (3)في الأذان قبل الفجر «و أما السنة فإنه ينادى به مع طلوع الفجر، و لا يكون بين الأذان و الإقامة إلا الركعتان»

و في

خبر أبي علي صاحب الأنماط(4)عن أبي عبد الله أو أبي الحسن (عليهما السلام) قال: «يؤذن للظهر على ست ركعات، و يؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر»

و في

المروي عن دعائم الإسلام (5)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «و لا بد من فصله بين الأذان و الإقامة بصلاة أو بغير ذلك، و أقل ما يجزي في صلاة المغرب التي لا صلاة قبلها أن يجلس بعد الأذان جلسة يمس فيها الأرض بيده»

و في

صحيح سليمان بن جعفر الجعفري (6)«سمعته يقول:

أ فرق بين الأذان و الإقامة بجلوس أو ركعتين»

و المراد الركعتان من نافلة الفريضة كما يومي اليه خبر الدعائم، و التعريف في صحيح ابن سنان و خبر البزنطي كالصريحين في ذلك، و لما لم يكن نافلة قبل المغرب اختص الحكم بغيرها، بل في

خبر زريق (7)المروي عن المجالس عن الصادق (عليه السلام) التصريح بنفيهما فيها، قال: «من السنة الجلسة بين الأذان و الإقامة في صلاة الغداة و المغرب و صلاة العشاء، ليس بين الأذان و الإقامة سبحة، و من السنة أن يتنفل بركعتين بين الأذان و الإقامة في صلاة الظهر


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 5.
5- 5 المستدرك- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 13.

ج 9، ص: 103

و العصر»

و اشتماله على نفيهما أيضا في صلاة الغداة و العشاء الذي يمكن حمله على نفي التأكد غير قادح، بل لعل طرحه في مقابلة ما سمعته من النصوص الدالة على رجحانهما على الجلوس متجه، ك

خبر عمران الحلبي (1)المفصل بين الامام و المنفرد، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأذان في الفجر قبل الركعتين أو بعدهما فقال: إذا كنت إماما تنتظر جماعة فالأذان قبلهما، و إن كنت وحدك فلا يضرك أ قبلهما أذنت أو بعدهما؟»

مع أنه يمكن حمله على إرادة شدة التأكد حينئذ.

فظهر لك أن ما يظهر مما سمعته من التذكرة- من اختصاص الركعتين بالظهرين خاصة، و لعله لخبر زريق السابق- لا يخلو من نظر و إن حكي عن المفيد و الشهيد موافقته على ذلك، قال الأول في المقنعة: «إن الفصل بالركعتين في الظهرين خاصة، و أما العشاء و الغداة فلا، و انما يجلس فيهما إلا أن يكون عليه قضاء نافلة فليجعل ركعتين منها بين الأذان و الإقامة، فإنه أفضل من الجلوس بغير صلاة» و قال الثاني في الذكرى: «يستحب الفصل بينهما بركعتين في الظهرين محسوبتين من نافلتهما» مع أنه يمكن إرادتهما أن الفصل بنافلة الفريضة مختص بهما لا مطلق الركعتين كما يومي اليه ما في بيان الثاني منهما، قال: «و الفصل بينهما بركعتين، فان كان في الظهرين جعلهما من نوافلهما» و كأنه لضعف دلالة نصوص غير الظهرين على الفصل بخصوص النافلة، بل في كشف اللثام و المحكي عن الروض أن الركعتين من نوافل الفرض أو غيرها كما في الأخبار، بل لعله ظاهر إطلاق العلامة الطباطبائي.

لكن على كل حال قد عرفت دلالة تلك النصوص على المشهور، بل منها يعلم ما في المحكي عن المقنعة و المراسم و السرائر من أن الفصل بالركعتين للمؤذن في جماعة إماما كان أو مأموما، ضرورة اقتضاء إطلاقها أو أكثرها خلاف ذلك كما عرفت،


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 104

بل و ما في المحكي عن البحار من أنه ينبغي تقييد الفصل بالركعتين بما إذا لم يدخل وقت فضيلة الفريضة، و لذا خص الشهيد في الذكرى ذلك بالظهرين، و أما صلاة الغداة فالغالب إيقاع نافلتها قبل الفجر، و لذا لم يذكر في الأخبار، قلت: بعد تتميم كلامه بأن نافلة المغرب ضيقة الوقت قد عرفت دلالة الأخبار على صلاة الغداة بالخصوص و على غيرها عدا المغرب بالعموم.

و أما الفصل بالسجدة فقد اعترف غير واحد بعدم الظفر له بمستند حتى عللوه بأنها جلسة و زيادة راجحة، و الأولى الاستدلال عليه بما

عن فلاح السائل لرضي الدين ابن طاوس، فإنه روى عن التلعكبري بإسناده عن الأزدي (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لأصحابه من سجد بين الأذان و الإقامة فقال في سجوده: رب لك سجدت خاضعا خاشعا ذليلا يقول الله تعالى ملائكتي و عزتي و جلالي لأجعلن محبته في قلوب عبادي المؤمنين، و هيبته في قلوب المنافقين»

و

بإسناده عن ابن أبي عمير عن أبيه (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «رأيته أذن ثم أهوى ثم سجد سجدتين بين الأذان و الإقامة، فلما رفع رأسه قال: يا أبا عمير من فعل مثل فعلي غفر الله له ذنوبه كلها، و قال: من أذن ثم سجد فقال: لا إله إلا أنت سجدت لك خاضعا خاشعا غفر الله له ذنوبه»

إلا أنهما كما ترى يشملان المغرب أيضا، و لذا لم يفرق بينها و بين باقي الصلوات بالفصل بها في منظومة الطباطبائي خلافا لأكثر الأصحاب، و لعل مستندهم ضيق وقت المغرب حتى جعل الفصل فيها بالنفس دون الجلوس فضلا عن السجود في

خبر ابن فرقد(3)عن


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 15 في الوسائل« ثم سجد سجدة».
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7.

ج 9، ص: 105

أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «بين كل أذانين قعدة إلا المغرب، فان بينهما نفسا»

و قد سمعت ما في خبر الدعائم (1)من الجلسة التي تمس الأرض فيها بيده المشعر بكونها خفيفة جدا تقارب النفس في الزمان، إذ الظاهر إرادة التقدير الزماني من خبر ابن فرقد السابق الذي هو الحجة لما ذكره المصنف و غيره، بل قد سمعت نسبته إلى علمائنا من الفصل في أذان المغرب و إقامتها بالسكتة بناء على أن المراد منها النفس كما عن الشهيد في النفلية تفسيرها به، بل و لما ذكره أيضا هو و غيره، بل سمعت نسبته إلى علمائنا من الخطوة التي اعترف غير واحد من الأصحاب بعدم الظفر لها بمستند بناء على ما سمعته من إرادة التقدير الزماني المساوي للخطوة أو قريب منه، مضافا إلى

المحكي (2)عن فقه الرضا (عليه السلام) بناء على حجيته أو في خصوص المقام للتسامح، و معلومية كون المستند في مثله النص، قال: «و إن أحببت أن تجلس بين الأذان و الإقامة فافعل فان فيه فضلا كثيرا، و انما ذلك على الامام، و أما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى، ثم يقول: بالله أستفتح و بحمده أستنجح و أتوجه، اللهم صل على محمد و آل محمد، و اجعلني بهم وجيها في الدنيا و الآخرة و من المقربين، و إن لم تفعل أيضا أجزأك»

لكنه كما ترى خاص بالمنفرد، و المعروف بين الأصحاب عدم الفرق بينه و بين غيره في ذلك، بل و عدم الفرق بين المغرب و غيره، و قد سمعت ما في المعتبر و غيره سابقا، و استثناء المصنف له يقضي بعدم الفصل فيه بالركعتين و السجدة لا أنه يختص بالخطوة و السكتة، نعم يحكى عن المفيد و السيد و الديلمي و العجلي تخصيص الخطوة بالمنفرد و تبعهم العلامة الطباطبائي، و لعله للخبر المزبور الذي يمكن و لو بمعونة فهم الأصحاب حمله على إرادة عدم تأكد الجلوس فيه للمنفرد كالإمام.


1- 1 المستدرك- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2 و في فقه الرضا عليه السلام و المستدرك« بمحمد صلى اللّه عليه و آله أستنجح و أتوجه».

ج 9، ص: 106

أما السكتة فقد يشكل تعدية الفصل بها لغير المغرب، ضرورة خلو النصوص عدا خبر ابن فرقد المختص بالمغرب عنها، إلا أنك قد سمعت معقد ظاهر إجماع التذكرة بناء على رجوعه للجميع، و قد يتكلف له بأن المراد من خبر ابن فرقد ذكر أقل ما يحصل به الفصل و إن كان يستحب فعله في المغرب لضيق وقتها، لا أنه يختص استحبابه بالمغرب، مضافا إلى ما في خبر الدعائم من إطلاق الفصل بغير الصلاة، و

قول الصادق (عليه السلام) في موثق عمار(1): «إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذن و أقم و افصل بين الأذان و الإقامة بقعود أو بكلام أو بتسبيح»

ضرورة مساواة أقلها للسكتة، و قد

سأله (عليه السلام) هو أيضا في خبره الآخر(2)«كم الذي يجزى بين الأذان و الإقامة من القول؟ قال: الحمد لله»

و في

خبره الثالث (3)سأل «ما الذي يجزي من التسبيح بين الأذان و الإقامة؟ قال: يقول: الحمد لله».

و من ذلك كله يعلم استحباب الفصل بالقعود و الذكر و الكلام، إلا أنه ينبغي تقييد الأخير بغير صلاة الفجر، لما سمعته سابقا من كراهة الكلام بين أذانها و إقامتها كما أن بعض الأصحاب قيد الأول بغير صلاة المغرب، و لعله ل خبر ابن فرقد(4)المتقدم لكن فيه أنه معارض بإطلاق نصوص الجلوس (5)التي بعضها كالصريح في المغرب، و خصوص خبر زريق المتقدم (6)و

خبر إسحاق الجريري (7)عن الصادق (عليه السلام) «من جلس فيما بين أذان المغرب و الإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله»

و عن

كتاب فلاح السائل عن التلعكبري عن محمد بن همام عن حميد بن زياد عن ابن سماعة


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1 و 2 و 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 13.
7- 7 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 10.

ج 9، ص: 107

عن الحسن بن معاوية بن وهب عن أبيه (1)قال: «دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وقت المغرب فإذا هو قد أذن و جلس فسمعته يدعو بدعاء ما سمعت بمثله، فسكت حتى فرغ من صلاته، ثم قلت: يا سيدي لقد سمعت منك دعاء ما سمعت بمثله قط، قال: هذا دعاء أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة بات على فراش رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و هو يا من ليس معه رب يدعى، يا من ليس فوقه خالق يخشى، يا من ليس دونه إله يتقى، يا من ليس له وزير يغشى، يا من له بواب ينادى، يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلا كرما وجودا، يا من لا يزداد على عظم الجرم إلا رحمة و عفوا صلى على محمد و آل محمد، و افعل بي ما أنت أهله، فإنك أهل التقوى و أهل المغفرة، و أنت أهل الجود و الخير و الكرم»

لكن قال ابن طاوس بعد أن روى ذلك: و قد رويت روايات أن الأفضل أن لا يجلس بين أذان المغرب و إقامتها، و هو الظاهر من عمل جماعة من أهل التوفيق، و لعل الجلوس بينهما في وقت دون وقت، أو لفريق دون فريق، و يقرب منه ما عن الشيخ من الجمع بين خبري الجريري و ابن فرقد بضيق الوقت و عدمه، قلت: و قد يجمع بينهما بإرادة الجلسة الخفيفة من خبر الجريري كما أومأ إليه خبر الدعائم (2)بل عن المقنعة و النهاية و السرائر تقييدها بذلك في المغرب.

و بالجملة فالقول باستحباب الفصل فيه أيضا بالجلسة قوي، و اختاره العلامة الطباطبائي، إلا أنه يظهر مما سمعته من المعتبر و التذكرة الإجماع على خلافه، بل استظهره بعض المعاصرين من مشايخنا أيضا بعد أن رجح خبر ابن فرقد باعتضاده بمراسيل ابن طاوس، و الاعتبار لضيق وقت المغرب، مضافا إلى قطع خبر الدعائم، و ضعف خبر


1- 1 المستدرك- الباب- 11- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 108

الفلاح بالحسن بن معاوية، و الجريري بسعدان بن مسلم المجهول، و العبيدي الذي فيه ما فيه، إلا أنه لا يخفى عليك ما في ذلك كله، خصوصا في نحو المقام المتسامح فيه، و على كل حال فيستحب الدعاء حال الجلوس ب

ما رفعه ابن يقظنان (1)إليهم (عليهم السلام) «اللهم اجعل قلبي بارا و رزقي دارا، و اجعل لي عند قبر نبيك (صلى الله عليه و آله) قرارا و مستقرا»

و بما سمعته سابقا، و الله أعلم.

[السابع أن يرفع الصوت به]

و المستحب السابع أن يرفع الصوت به إذا كان ذكرا لا امرأة بلا خلاف أجده فيه، لما فيه من إبلاغ الغائبين، و إقامة شعار المسلمين، و لأمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) بلالا به (2)و

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(3): «لا يجزيك من الأذان إلا ما أسمعت نفسك أو فهمته- إلى أن قال-: و كلما اشتد صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر، و كان أجرك في ذلك أعظم»

و

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الرحمن(4): «إذا أذنت فلا تخفين صوتك، فان الله يأجرك مد صوتك»

و

سأله أيضا معاوية بن وهب (5)عن الأذان فقال: «اجهر به و ارفع به صوتك، و إذا أقمت فدون ذلك»

إلى غير ذلك، بل يتأكد لرفع السقم و عدم الولد، فان

هشام بن إبراهيم (6)«شكا إلى الرضا (عليه السلام) سقمه، و أنه لا يولد له فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله، قال: ففعلت فأذهب الله عني سقمي و كثر ولدي»

قال محمد بن راشد: «و كنت دائم العلة ما أنفك عنها


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن في الكافي« يقظان» و في الوسائل و التهذيب« يقطين».
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 109

في نفسي و جماعة خدمي، فلما سمعت ذلك من هشام عملت به فأذهب الله عني و عن عيالي العلل».

[في بيان ما يتأكد في الإقامة من المستحبات]

و كيف كان ف كل ذلك مما هو مشترك بين الأذان و الإقامة من الأمور السبعة، أو منها و مما تقدم سابقا يتأكد في الإقامة بلا إشكال في مثل الاستقبال و الكلام و القيام و الطهارة، بل قد عرفت اشتراطها بالأخير، لظهور ما سمعته من الأدلة فيه، أما الوقف و رفع الصوت فليس في النصوص ما يدل عليه، و كذا العدالة و البصر و البصيرة و نحوها، بل في المدارك عدم مسنونية الثاني فيها، نعم في كشف اللثام «و كذا رفع الصوت فيها آكد كما يعطيه الكتاب و التحرير و الشرائع و الجامع، لاتصالها بالصلاة، و لأنها أفضل، فما يستحب فيها أقوى، فكون المقيم صيتا آكد من كون المؤذن صيتا، و لا ينافيه استحباب كون الأذان أرفع للخبر(1)و لأنه لإعلام الغائبين» و هو كما ترى، إذ لا تلازم بين الاتصال بالصلاة و أفضليتها و بين التأكد فيها و لو تم هذا لكان حجة لكثير مما عرفت مما استفيد من النصوص أصل استحبابه لا تأكده، إلا أنه محل للنظر، و لكن رفع الصوت بها في الجملة مسنون، لما سمعته من صحيح ابن وهب، و إن كان ينبغي أن يكون دون الأذان ارتفاعا، و لا منافاة كما ذكره الفاضل المزبور لو كان هناك دليل يقتضي تأكد ذلك فيها و البحث فيه، و من ذلك ظهر لك ما في المدارك، ضرورة ظهور الخبر المزبور في استحباب الرفع المذكور فيها إلا أنه دون الأذان، و كأنه تبع فيما ذكره المحقق الثاني في جامعه، فإنه قال أيضا في شرح نحو عبارة المتن: و يستثنى من ذلك رفع الصوت، فإن الإقامة أدون كما سبق في رواية معاوية بن وهب، و لأنها للحاضرين، و الأذان للإعلام مطلقا، لكن قد يريد به رفع الصوت كالرفع في الأذان، فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 110

ثم إنه ينبغي كون المؤذن غير المقيم، تأسيا بالمحكي

عن علي و الصادق (عليهما السلام) ففي مرسل الفقيه (1)«كان علي (عليه السلام) يؤذن و يقيم غيره، و كان يقيم و قد أذن غيره»

و في

خبر إسماعيل بن جابر(2)«إن أبا عبد الله (عليه السلام) كان يؤذن و يقيم غيره، و قال: كان يقيم و قد أذن غيره».

[في كراهة الترجيع في الأذان]

و كيف كان ف يكره الترجيع في الأذان إلا أن يريد الاشعار كما في القواعد و غيرها، بل في التذكرة و المحكي عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، و المراد به تكرير الشهادتين مرتين أخريين كما عن جماعة، أو مع التكبير كما عن أخرى، أو مطلق الفصل زيادة عن الموظف كما عن ثالثة، و في البيان تكرير الشهادتين برفع الصوت بعد فعلهما مرتين بخفض الصوت، أو برفعين أو بخفضين، و عن جماعة من أهل اللغة انه تكرير الشهادتين جهرا بعد إخفائهما، و عن بعض العامة أنه الجهر في كلمات الأذان مرة و الإخفات أخرى من دون زيادة، إلى غير ذلك، لكن يسهل الخطب أنه لا شي ء فيما وصل إلينا من النصوص فيه لفظ الترجيع كي يحتاج إلى البحث عن معناه أو المراد منه، نعم في المحكي عن

فقه الرضا (عليه السلام)(3)«ليس في فصول الأذان ترجيع و لا ترديد»

و هو- مع أنه ليس حجة عندنا- محتمل كما عن البحار لإرادة ترجيع الغناء، و لعل نفيه بالخصوص فيه باعتبار حصول المد في الأذان بسبب مطلوبية الارتفاع فيه، فناسب حينئذ التعرض لنفيه فيه بالخصوص، حذارا من التغني فيه كما يقع من كثير من المؤذنين، و تعرض الأصحاب لنفي الترجيع المزبور بالخصوص هنا يمكن أن يكون تعريضا بالشافعي و من تابعه ممن جعله مسنونا فيه، تمسكا بما رووه عن أبي محذورة


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 111

عن النبي (صلى الله عليه و آله) «أنه أمره بالشهادتين سرا ثم بالترجيع جهرا» مع أنه يمكن أن يكون ذلك منه لخصوص أبي محذورة، لما حكي عنه أنه كان مستهزئا بالنبي (صلى الله عليه و آله) غير مقر بالشهادتين، لا لمشروعيته في نفسه التي ينفيها خلو ما نزل بالوحي من الأذان عندنا، و ما روي في المنام عندهم عنه، و من ذلك يظهر أن القول بإرادة ما عند الشافعي من الترجيع في عبارات الأصحاب أولى، إذ النظر اليه على الظاهر بذلك بعد ما عرفت من خلو النصوص.

و على كل حال فلا ريب في حرمته مع قصد المشروعية كغيره مما هو زائد على ما عرفت من فصوله عندنا، بل الظاهر بطلان الأذان إذا أدخله في النية حيث تكون معتبرة فيه كما في غير أذان الإعلام، أما مع عدم القصد فيشكل تحريمه فضلا عن البطلان بالأصل و غيره، اللهم إلا أن يكون مستنده الإجماع المحكي عن السرائر على حرمة التثويب الذي أحد تفاسيره فيها تكرار الشهادتين، لكنه- مع احتمال إرادته إذا انضم اليه قصد المشروعية، و عدم اقتضائه الحرمة بالنسبة إلى غير ذلك مما مر في تفسيره- قاصر عن قطع الأصل المعتضد بغيره، إذ لم نعرف أحدا صرح بها قبله بل و لا بعده عدا الفاضل في المحكي عن مختلفه، بل ربما ظهر منه أنه المشهور، و تبعه سيد المدارك و الخراساني، مع أن صريح الأول منهما كون الحرمة من حيث التشريع كما صرح بها ثاني المحققين و الشهيدين و غيرهما، بل لا إشكال فيها على الفرض المزبور، فيمكن حينئذ دعوى عدم الموافق له ان أراد بها التعبدية لا التشريعية.

و من ذلك يعلم ما في حكاية الشهرة المزبورة، سيما و قد سمعت نسبة الكراهة في التذكرة و المنتهى إلى علمائنا، و ليس في الخلاف سوى «لا يستحب الترجيع إجماعا» و المحكي عن المبسوط و جامع الشرائع و المهذب سوى «أنه غير مسنون» بل لو لا التسامح في الكراهة، و ظهور الإجماعين عليها في الكتابين، و أنه شبه الصورة العامية، و البأس

ج 9، ص: 112

في مفهوم خبر أبي بصير(1)الآتي و نحو ذلك لأشكل القول بها من حيث كونه ترجيعا فضلا عن الحرمة، و ما في كشف اللثام «و إذا لم يسن كان مكروها من وجوه منها قلة الثواب عليه بالنسبة إلى أجزاء الأذان، و منها إخلاله بنظامه و فصله بين أجزائه بأجنبي، و منها أنه شبه ابتداع» كما ترى، بل الإنصاف أنها لا تخلو من الإشكال أيضا إذا أريد بها الكراهة في الأذان المشتمل على الترجيع، كما هو الظاهر من كل مكروه في الشي ء نحو العبث في الصلاة و غيره لا نفس الفصول المكررة، إذ العمدة في ثبوتها مفهوم الخبر الآتي، و دلالته على ذلك لا تخلو من إشكال، اللهم إلا أن تجبر بظاهر الإجماعين و نحوهما، و لكن على كل حال فالأمر سهل فيها، أما إذا أريد الاشعار فلا إشكال في الجواز وفاقا للشيخ و أكثر من تأخر عنه كما في المدارك، بل في المحكي عن جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب، بل في المحكي عن المختلف الإجماع عليه، مضافا إلى

قول الصادق (عليه السلام)(2): «لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة أو في حي على الصلاة أو حي على الفلاح المرتين و الثلاث و أكثر من ذلك إذا كان انما يريد به جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس»

و رواه في المدارك «إذا كان إماما يريد» إلى آخره لكن ظاهر الأصحاب عدم اختصاص ذلك بالإمام، بل ظاهرهم عدم اعتبار جمع الجماعة للصلاة جماعة، و لعلهم حملوا ما في الخبر على المثال، و الله أعلم.

[في حكم التثويب في الأذان]

و كذا يكره كما عن المبسوط و النافع و الدروس و المفاتيح التثويب الذي هو عند الأكثر بل المشهور بين أهل اللغة و الفقه قول: الصلاة خير من النوم و قال المرتضى كما عن الحلي قول ذلك بعد الدعاء إلى الفلاح، و في الخلاف عن محمد بن الحسن صاحب الجامع الصغير من العامة أنه هو التثويب الأول الذي كان عليه الناس، و أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 113

بين الأذان و الإقامة، و قيل: هو حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين بين الأذان و الإقامة، و فيه أيضا عن الجامع المزبور أنه هو التثويب الثاني الذي أحدثه الناس بالكوفة، و قيل هو تكرير الشهادتين، و عن السرائر أنه الأظهر، لأن التثويب مشتق من ثاب الشي ء إذا رجع، و محله عند العامة العشاء و الصبح، بل عن المبسوط نفي الخلاف عندهم في ذلك، بل عن قديم الشافعي ثبوته في الصبح خاصة، كما أن في الخلاف أن أحدا من العامة لم يقل باستحباب التثويب في العشاء إلا ابن حي، لكن حكى غيره عن النخعي استحبابه في جميع الصلوات بعد أن حكى اتفاقهم على استحبابه في الغداة.

و على كل حال فأصحابنا مجمعون عدا النادر منهم على عدم مشروعيته بالمعنى الأول في شي ء من الأذان و الإقامة، بل و بالمعنى الثاني، بل و بالمعنى الثالث إلا للإشعار أيضا كما عرفته سابقا، بل في المحكي عن السرائر الإجماع على حرمته بالمعنى الأول و الثالث، و الناصريات و الانتصار عليها بالأول و الثاني، و التهذيبين إجماع الطائفة على ترك العمل بأخبار التثويب، و الحبل المتين الإجماع على ترك التثويب، و جامع المقاصد أعرض الأصحاب عن أخبار التثويب، و في كشف اللثام عن الخلاف الإجماع عليها بالمعنى الأول، و على الكراهة بالمعنى الثاني، و الذي وجدناه فيه الإجماع على الكراهة بالمعنى الثاني، و نفي الاستحباب أو الكراهة أيضا بالمعنى الأول، نعم قال بعد أن ذكر إن ذلك التثويب في أذان العشاء الآخرة بدعة: دليلنا ما قلناه في المسألة الأولى، و قد ذكر فيها الإجماع و غيره، و عن التذكرة و نهاية الأحكام و إرشاد الجعفرية أنه بالمعنى الأول بدعة عندنا.

و كيف كان فلا إشكال في الحرمة مع قصد المشروعية في الثلاثة نحو ما سمعته في الترجيع، لكونه تشريعا محرما، و

في الصحيح عن معاوية(1)انه سأل الصادق


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 114

(عليه السلام) «عن التثويب الذي يكون بين الأذان و الإقامة فقال: ما نعرفه»

بل ما سمعته سابقا من النصوص (1)المتضمنة لحكاية فصوله كالصريحة في إرادة نفيه و أمثاله، و

قول الباقر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (2): «كان أبي ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم»

مع احتماله التقية منهما لا دلالة فيه على أنه يفعل ذلك بأحد المعاني السابقة، و حكايات الأفعال لا عموم فيها، و في

المروي عن كتاب زيد النرسي (3)عن الكاظم (عليه السلام) «الصلاة خير من النوم بدعة بني أمية، و ليس ذلك من أصل الأذان، و لا بأس إذا أراد الرجل أن ينبه الناس للصلاة أن ينادي بذلك و لا يجعله من أصل الأذان، فإنا لا نراه أذانا»(4)

و فيه «إنه سئل عن الأذان قبل طلوع الفجر فقال: لا، إنما الأذان عند طلوع الفجر أول ما يطلع، قيل: فان كان يريد أن يؤذن الناس بالصلاة و ينبههم قال: فلا يؤذن و لكن ليقل و يناد بالصلاة خير من النوم، يقولها مرارا، و إذا طلع الفجر أذن»

و في المحكي

عن فقه الرضا (عليه السلام)(5)«ليس في الأذان الصلاة خير من النوم»

و أما

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(6): «النداء و التثويب في الإقامة من السنة»

فمع ما في كشف اللثام من أنا لا نعلم معنى النداء و التثويب، و حمل الشيخ إياه و صحيح ابن مسلم (7)الآتي على التقية، للإجماع على ترك العمل بهما محتمل لإرادة سنة أهل البدع، بل ينافيه

ما في المعتبر عن كتاب البزنطي عن عبد الله بن سنان (8)عن الصادق (عليه السلام) «إذا كنت في أذان الفجر فقل: «الصلاة خير من النوم بعد حي على خير العمل، و قل بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 4.
3- 3 المستدرك- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
4- 4 المستدرك- الباب- 7- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
5- 5 المستدرك- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 5.

ج 9، ص: 115

الله أكبر الله أكبر: لا إله إلا الله، و لا تقل في الإقامة الصلاة خير من النوم، انما هذا في الأذان»

فطرحه أو إرادة معنى آخر من التثويب فيه متعين، كما أنه يمكن حمل خبر المعتبر على التقية بقرينة اقتصاره على وحدة التهليلة و إن استبعده المصنف، قال:

لاشتماله على «حي على خير العمل» و هو انفراد للأصحاب، فالوجه أن يقال: في التثويب روايتان أشهرهما تركه، لكن فيه أنه لا شهرة عمل في رواية ثبوته و لا رواية بل هي من الشواذ أو الأخبار التي دسها أهل الباطل، أو من الجاري مجرى التقية، و اشتماله على «حي على خير العمل» لا يبعده، لجواز الاسرار به.

و أما

قول الباقر (عليه السلام) لزرارة(1)في الصحيح: «إن شئت زدت على التثويب حي على الفلاح مكان الصلاة خير من النوم»

فلعله للمطلوب أقرب من غيره، إذ الظاهر إرادة أنك إن أردت التثويب فكرر «حي على الفلاح» زائدا على المرتين، و لا تقل له «الصلاة خير من النوم» و بعبارة أخرى أن لفظ «على» فيه بمعنى اللام، و على كل حال يراد منه ما سمعته سابقا في خبر أبي بصير من مشروعية تكرير ذلك للإشعار، فظهر لك أن ما عن الجعفي- من أنك تقول في أذان صلاة الصبح بعد قولك: «حي على خير العمل»: «الصلاة خير من النوم» مرتين، و ليستا من أصل الأذان، و أبي علي من أنه لا بأس به في أذان الفجر خاصة- في غاية الضعف.

أما مع عدم قصد المشروعية فيحتمل الحرمة بالمعنى الأول، لإطلاق معاقد الإجماعات و ما يظهر من صحيح ابن وهب و خبر زيد النرسي، و لا استبعاد في حرمة الصورة العامية، و يحتمل العدم، للأصل الذي لم يعلم وجود المعارض له بعد قيام احتمال تقييده بقصد المشروعية، خصوصا مع ملاحظة ما يذكر مستندا للحرمة، بل قد يدعى ظهور خبر زيد النرسي في الجواز، بناء على إرادة عدم قصده من الأذان من

قوله


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.

ج 9، ص: 116

(عليه السلام): «و لا يجعله أذانا»

و لا ريب في أن الأول أحوط إن لم يكن أقوى خصوصا بعد أن أطلق القول بحرمته في المحكي عن النهاية و الوسيلة و السرائر و البيان و الموجز و جامع المقاصد و تعليق النافع و حاشية الميسي و المسالك و مجمع البرهان، بل اليه يرجع ما عن التذكرة و نهاية الأحكام و التحرير و المنتهى و الإرشاد و الروض و فوائد القواعد و الذخيرة و الوافي من التعبير بأنه بدعة، اللهم إلا أن يريدوا هؤلاء و من عبر بالحرمة خصوصا من تعرض للاستدلال منهم مع قصد المشروعية، أو يريدوا هم بالبدعة غير المشروع و إن لم يكن محرما.

و أما المعنى الثاني فقد سمعت إجماع الشيخ على الكراهة فيه المعارض بإجماع غيره على الحرمة، اللهم إلا أن يجمع بينهما بقصد المشروعية و عدمها، إلا أنه و مع ذلك فالأحوط تركه لغير الاشعار، كالثالث الذي قد سمعت إجماع السرائر على الحرمة فيه.

ثم ان الظاهر عدم الفرق في كراهة التثويب أو حرمته بالمعنى الأول بين فعله بعد «حي على الفلاح» كما يصنعه العامة، لعدم حيعلة عندهم بعدها و بين فعله بعد «حي على خير العمل» إذ فصل مثله لا يقدح عندهم، على أنه قد يحتمل إرادة كونه بعد الحيعلات، فتأمل. و من هنا حملت نصوص التثويب على التقية و نحوها، مع كونه في بعضها بعد «حي على خير العمل» نعم يمكن القول بالجواز فيه إذا كان بين التكبير في الأذان مثلا مع عدم قصد التشريع، لعدم وجود صورة البدعة التي احتملنا الحرمة التعبدية فيها، و الله أعلم.

ج 9، ص: 117

[الرابع في أحكام الأذان]
اشاره

الرابع من محال البحث في أحكام الأذان فيه مسائل

[المسألة الأولى من نام في خلال الأذان أو الإقامة]

الأولى من نام في خلال الأذان أو الإقامة ثم استيقظ استحب له الاستيناف كما في القواعد و التحرير و التذكرة و البيان و المحكي عن المهذب و المبسوط و ظاهرهم أو صريحهم أنه يجوز له البناء بل عن المبسوط و جامع الشرائع التصريح به، و لعله بناء على عدم اشتراط الطهارة فيهما لإطلاق الأدلة و الاستصحاب، و عدم ثبوت الابطال بذلك، لكنه لا يتم مع فوات الموالاة التي لا ريب في اعتبارها فيهما لما في

المرسل في الفقيه (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «تابع بين الوضوء- إلى أن قال-: و كذلك في الأذان و الإقامة، فابدأ بالأول فالأول، فإن قلت: حي على الصلاة قبل الشهادتين تشهدت ثم قلت: حي على الصلاة»

و ذكر الترتيب فيه لا يقضي بكونه المراد من المتابعة فيه خاصة، سيما بعد إفادة الفاء له و للتعقيب أيضا، مضافا إلى مادة المتابعة، على أنه لو قطع النظر عن الخبر المزبور كان المتجه البطلان في فاقدها، للشك في تناول الأدلة له إن لم يكن ظاهر بعضها عدمه، فيبقى تحت الأصل، إذ العبادة توقيفية متلقاة من الشارع، بل غير العبادة منه كأذان الإعلام توقيفي أيضا، فمع فرض الشك في شمول الأدلة للفاقد لا يحكم باستحبابه و لا يترتب أحكامه عليه، بل ربما قيل لهذا الأصل المزبور بعدم الاجزاء و إن لم تفت الموالاة، ضرورة اقتضائه مانعية ما شك فيه اللهم إلا أن يمنع الشك، للقطع باندراج الفرض في عبارة من تعرض للفرع المزبور، فلا شك حينئذ في شمول الإطلاقات له، على أن التحقيق عندنا صحة التمسك بالإطلاق


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.

ج 9، ص: 118

في نفي الشرط و المانع المشكوك فيهما.

نعم لا شك في اقتضاء الأدلة بطلان فاقد الموالاة، و لعله لا يريده من أطلق منهم كالمصنف و غيره، ضرورة كون البحث من حيث تخلل النوم، بل في التحرير و نهاية الأحكام و المنتهى و البيان و جامع المقاصد و حاشية الإرشاد و المسالك و غيرها على ما حكي عن البعض التصريح بتقييد جواز البناء بما إذا لم تفت الموالاة، فيتجه حينئذ البناء في واجدها و العدم في فاقدها، و لا يشكل الأول بفوات استدامة النية المعتبرة في أثناء العمل، لعدم كون المراد منها إلا عدم وقوع جزء من أجزاء العمل بدونها، لا عدم خلو المكلف عنها إلى تمام العمل، اللهم إلا أن يدعى ذلك في خصوص الإقامة منهما باعتبار ما ورد(1)فيها من أنها من الصلاة، لكن مقتضى ذلك حينئذ البطلان بالنوم نفسه و الإغماء كالصلاة من غير حاجة إلى تكلف البطلان من جهة فوات الاستدامة، على أن الظاهر من تلك النصوص و لو بمعونة فهم الأصحاب خصوص بعض ما عرفت لا مطلقا، و قد عرفت أن فرض البحث على تقدير عدم اشتراط الطهارة فيهما و الظاهر أن المدار في الموالاة بناء على التحقيق عندنا على المعلوم قدحه من الفصل في عرف المتشرعة، ضرورة معلومية إرادة الهيئة من أمثال هذه المركبات، أما المشكوك فيه فلا مانع من التمسك بالإطلاق في شموله، اللهم إلا أن يفرض الشك في تناوله لأمور أخر كما أوضحناه في محله.

و مما ذكرنا يظهر لك ما في كشف اللثام من تقديرها بأن لا يطول الفصل بحيث لا يذكر أن الثاني مبني على الأول، اللهم إلا أن يريد ما ذكرنا كالذي أوكلها على العادة، و في جامع المقاصد تعليل عدم إجزاء الفاقد بعدم تسميته أذانا مع فواتها، و ظاهره كون المدار فيها على بقاء الاسم و عدمه، و فيه نوع تأمل، خصوصا إذا قلنا


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 12.

ج 9، ص: 119

باعتبارها للمرسل المزبور، و على كل حال فقد يناقش فيما ذكروه من الاستحباب، ضرورة عدم صلاحية خروج المكلف بذلك عن التكليف لثبوته، و ليس سواه في المقام نعم قد يقال ذلك في خصوص الإقامة الوارد فيها أنها من الصلاة التي من المعلوم إعادتها بتخلل النوم.

و لا يخفى عليك أنه كذلك البحث إن أغمي عليه في خلالهما أو جن أو أسكر أو غير ذلك، و ما عن نهاية الأحكام- من احتمال الاستيناف في الإغماء و نحوه و إن قصر لخروجه عن التكليف به- كما ترى لا يجدي في الفرق، إذ أقصاه عدم توجه الخطاب إليه بالإتمام في ذلك الحال، إلا أنه لم يثبت اشتراط صحة الأذان ببقاء الخطاب، بل مقتضى إطلاق صدق الأذان عليه عدمه، فهو كالعبد المأمور بفعل سرير و قد جن في أثنائه ثم أفاق الذي لا ريب في بقاء التكليف عليه، و صدق الامتثال بالإتمام، و ليس المقام من الأمر بالمشروط مع علم الآمر بانتفاء شرطه كما قد يتوهم، ضرورة عدم ثبوت الاشتراط، بل مع علم الآمر بإفاقته قبل فوات الموالاة هو أمر له بالمشروط المعلوم تمكنه من شرطه كما هو واضح، على أن مثله يأتي في النوم، فلا جهة للفرق بذلك إلا بتكلف، هذا.

و في المدارك «أنه نص الشيخ و أتباعه على أنه يجوز لغير ذلك المؤذن البناء على ذلك الأذان، لأنه يجوز صلاة واحدة بإمامين ففي الأذان أولى- قال-: و فيه إشكال منشأه توقف ذلك على النقل، و منع الأولوية» قلت: لعله صدق الأذان عليه و ظهور الاتحاد في الأوامر ظهور مورد لا شرط، فلا يمنع صدق نحو

قولهم (ع): «لا صلاة إلا بأذان و إقامة»

و دعوى صحة السلب معه ممنوعة، و ربما كان ما في صحيح ابن سنان (1)من الأمر بإتمام ما نقصه المؤذن من الفصول إذا أراد الصلاة بذلك الأذان


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 120

فيه إيماء إليه في الجملة، نعم ذكر الفاضل في القواعد كراهة التراسل الذي ما نحن فيه منه أو نحوه على الظاهر، و أقره عليه المحقق الثاني و غيره من شراحه، و لم نعرف له دليلا سوى احتمال عدم الاندراج في الأدلة مع التسامح، و الأمر سهل.

[المسألة الثانية إذا أذن ثم ارتد]

المسألة الثانية إذا أذن ثم ارتد عن الإسلام مثلا جاز أن يعتد به من أراد الصلاة و يقيم غيره بلا خلاف أجده فيه، للأصل، و اندراجه في الإطلاقات و كونه بالنسبة إلى ذلك كالأسباب التي لا تبطل بالردة من وضوء أو غسل أو غسل نجاسة و نحوها، لكن قد يشكل ذلك بناء على اشتراط صحة العبادة باستمرار الايمان فمتى ارتد انكشف بطلان العبادة لعدم حصول الشرط، و دعوى أن الاعتداد به حتى للمؤذن نفسه من الآثار كالطهارة من الحدث و الخبث يمكن منعها بظهور الفرق بينهما و لو بالأدلة، و تقييد القول المزبور بما إذا مات المرتد على ردته لا يرفع الاشكال المذكور فيما لو فرض موته بعد ارتداده، ضرورة عدم الفرق فيما ذكروه من الاعتداد بين موته و حياته، بل صرح بعضهم بعدم الفرق بينه لو عاد إلى الإسلام و بين غيره، و هو كذلك بناء على الصحة، نعم قد يفرق بين الأذان الإعلامي و غيره على القول المزبور لعدم كونه عبادة، و مع فرض كونه قصد به التقرب بطلانه من حيث الثواب لا يمنع الاعتداد به الذي لم يقيد به، و كيف كان فيمكن أن يكون مراعاة للقول المزبور، و لأن ردته تورث شبهة في حاله للقول بأن المؤمن لا يرتد، و للتسامح، و خصوص ما سمعته في الإقامة قال الفاضل في المحكي عن نهايته: «إنه يستحب أن لا يعتد بأذانه و إقامته، بل يعيد غيره الأذان و الإقامة» و الله أعلم.

و لو ارتد في أثناء الأذان ثم رجع استأنف على قول للشيخ و أبي العباس و القاضي فيما حكي عنهم، و عن التذكرة و نهاية الأحكام أنه قوي، بل عن كشف

ج 9، ص: 121

الالتباس أنه الأشهر و إن كان لا يخلو من نظر، لانحصار القائل بمن عرفت، و إلا فالفاضل في المنتهى و التحرير و الشهيدان في الذكرى و البيان و المسالك و العليان في جامع المقاصد و حاشيتي الشرائع و غيرهم على ما حكي عن البعض على جواز البناء له على الأول ما لم تفت الموالاة، بل هو مقتضى اعتراض المصنف في المعتبر على المبسوط بأن دليل الاعتداد إذا ارتد بعده جار فيه، و هو كذلك، إذ الردة كما أنها لا تبطله بعده كذلك في الأثناء، ضرورة أن الأذان و إن كان عبادة واحدة مركبة ذات أجزاء لكن ليس كالصلاة التي ليس فيها زمان فترة، اللهم إلا أن يفرق بأنه بعد التمام من قبيل الأسباب التي لا تبطلها الردة، بخلاف الأثناء، و هو كما ترى تحكم يبطله صحة الغسل لو ارتد في أثنائه ثم رجع الذي هو أظهر في السببية، فالمتجه حينئذ جواز البناء له مع عدم فوات الموالاة، أما بناء غيره فمبني على التراسل الذي قد سمعت الكلام فيه، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة يستحب لمن سمع الأذان أن يحكيه]

المسألة الثالثة يستحب لمن سمع الأذان أن يحكيه إجماعا بقسميه، بل المنقول منهما متواتر أو مستفيض جدا كالنصوص (1)أما الإقامة ففي النهاية و المبسوط و المهذب و ظاهر النفلية على ما حكي عن بعضها ذلك أيضا، و لعله لظهور بعض نصوص المقام (2)في أن حكاية الأذان لكونه ذكرا، خصوصا

صحيح زرارة(3)منها المروي عن العلل، قلت لأبي جعفر (عليه السلام): «ما أقول إذا سمعت الأذان قال: اذكر الله مع كل ذاكر»

و لخصوص

قول الصادق (عليه السلام) في المروي عن دعائم الإسلام (4): «إذا قال المؤذن: الله أكبر فقل: الله أكبر، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله فقل:

أشهد أن لا إله إلا الله- إلى أن قال-: فإذا قال: قد قامت الصلاة فقل: اللهم أقمها و أدمها و اجعلنا من خير صالحي أهلها»

بل قد يستفاد من إطلاق المؤذن فيه على المقيم


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 5.
4- 4 المستدرك- الباب- 34- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 6.

ج 9، ص: 122

أن المراد بالأذان في نصوص المقام خصوصا في مثل

المرسل (1)«ان من سمع الأذان فقال: كما يقول المؤذن زيد في رزقه»

ما يشمل الإقامة، كل ذلك مع التسامح في السنن.

فما عن جماعة- من الجزم بعدم استحباب حكايتها لعدم الدليل- لا يخلو من نظر، إذ قد عرفت أن الظاهر استحباب حكايتها، لكن ينبغي إبدال فصلي الإقامة بالدعاء المزبور في خبر الدعائم، و اليه أومأ العلامة الطباطبائي بقوله:

و أبدل المختص بالإقامةمن الفصول بدعا الإدامة

و كأنه لأنه ليس ذكرا، و ظاهر النصوص استحباب الحكاية للذكر كما سمعته في

صحيح زرارة، و قال الباقر (عليه السلام) أيضا لمحمد بن مسلم (2): «لا تدعن عن ذكر الله عز و جل على كل حال، و لو سمعت المنادي ينادي بالأذان و أنت على الخلاء فاذكر الله عز و جل، و قل كما يقول المؤذن».

و من هنا كان المتجه إبدال الحيعلات في الأذان و الإقامة بالحولقة، كما عن الشيخ في المبسوط روايته عن النبي (صلى الله عليه و آله) لكن في الحدائق تبعا للمحكي عن المجلسي أن الظاهر كون الرواية عامية، لموافقتها للمروي في صحيح مسلم (3)و غيره من صحاحهم (4)قلت: يكفي مثلها بعد رواية الشيخ لها في إثبات المندوب، خصوصا بعد اعتضادها بالظهور الذي سمعته من النصوص التي يمكن أن يراد منها حكاية الذكر من الأذان، و بخبري الآداب و المكارم (5)و الدعائم (6)المصرح فيهما


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
3- 3 في النسخة الأصلية« ابن مسلم» و الصحيح ما أثبتناه.
4- 4 صحيح مسلم ج 4 ص 85 و سنن النسائي ج 2 ص 25.
5- 5 المستدرك- الباب- 34- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 9.
6- 6 المستدرك- الباب- 34- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 5.

ج 9، ص: 123

بإبدالها بالحولقة،

قال في المحكي عن الثاني منهما: «روينا عن علي بن الحسين (عليهما السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان إذا سمع المؤذن قال: كما يقول، فإذا قال: حي على الصلاة حي على الفلاح حي على خير العمل قال: لا حول و لا قوة إلا بالله»

و إليهما أومأ العلامة الطباطبائي بقوله:

و أحك الأذان الكل إلا الحيعلةفإنها مبدلة بالحوقلة

في خبر الآداب و المكارم و في حديث صاحب الدعائم

و لا يعارض بأن في ذلك خروجا عن ظاهر النصوص المعتبرة القاضي باستحباب حكاية الأذان كله، بل ظاهرها أن جميع فصوله من الذكر، لما عرفت من ظهور بعض تلك النصوص في إرادة حكاية الذكر منه، بل حملها على هذا أولى من التزام أنها ذكر الذي يمكن إنكاره على مدعيه أشد إنكار، و أولى من ترجيح مثل هذا العام على مثل هذا الخاص بدعوى عاميته أو ضعف سنده، بل يمكن أن يقال: إن الذي يقتضيه النظر في الأدلة بناء على ظهور دليل الحوقلة في البدلية و على ظهور غيره في حكاية الحيعلة أيضا التخيير بينهما، أو مع شدة التأكد في الحوقلة، ضرورة عدم ظهور في نصوص الحوقلة بنفي حكاية الحيعلة فيبقى حينئذ ما دل عليها من

قوله (عليه السلام): «قل مثل ما يقول المؤذن»

و غيره سالما عن المعارض كما هو واضح، و تمام الاحتياط في المندوب الجمع بينهما.

كما أن الاحتياط يقضي بتعين الحوقلة لو أراد حكايته و هو في الصلاة، لأن الظاهر استحباب حكايته في جمع الأحوال التي منها الصلاة و إن نفاه فيها في المبسوط و الخلاف و التذكرة و البيان و جامع المقاصد و غيرها على ما حكي عن بعضها، بل صرح بعضهم أنه لا فرق في ذلك بين الفريضة و النافلة لعدم العموم، و لأن الإقبال على الصلاة

ج 9، ص: 124

أهم، لكن فيه أن صحيح زرارة(1)و محمد بن مسلم (2)و المرسل السابق (3)و غيرها يمكن شمولها لحال الصلاة، و أهمية الإقبال بعد تسليمها على وجه تنافي الحكاية لا تنافي الاستحباب، فالأقوى حينئذ استحبابها فيها أيضا لكن مع الإتيان بالحولقة دون الحيعلة، إذ احتمال استحباب حكايتها أخذا بالإطلاق مناف لما دل على حرمة إبطال الصلاة، و كذا احتمال فعلها مع التزام عدم الإبطال، إذ هو مناف أيضا ل ما دل (4)على بطلانها بكلام الآدميين، و التعارض بين أدلة الطرفين من وجه، و لا ريب في أن الترجيح لها على أدلة الحكاية الظاهرة في إرادة بيان الحكاية من حيث أنها حكاية، و أضعف من ذلك كله احتمال أن هذه الفصول من الأذكار التي لا تبطل الصلاة بها الذي يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، بل

الضرورة إذا أريد من الذكر حقيقة لا حكما، فلا محيص حينئذ عما ذكرنا من تعين فرد الحوقلة الذي لا ينافي الصلاة، نعم بناء على انحصار الحكاية بالمشتمل على الحيعلة يشكل حينئذ دعوى شمول استحباب الحكاية لحال الصلاة الذي هو مستلزم لبعض ما عرفت، و من هنا نفى من عرفت الاستحباب، لعدم ثبوت ذي الحوقلة فردا للحكاية عندهم، و لذا صرح كثير منهم بعد نفي الاستحباب بجواز الحكاية لكن مع الإبدال بالحولقة، و الظاهر الجواز من حيث أنه ذكر مع كل ذاكر لا خصوص استحباب الحكاية.

نعم يمكن القول بناء على عدم اشتراط استحباب الحكاية بحكاية الجميع كما هو الأقوى بأن له حينئذ حكاية ما عدا الحيعلات من الأذان بنية الاستحباب الخصوصي، أما إن لم نقل فلا، فان خالف و حكى حينئذ ففي البطلان و عدمه من جهة التشريع وجهان


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الأذان و الإقامة الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب قواطع الصلاة.

ج 9، ص: 125

مبنيان على خروج الذكر بالحرمة التشريعية عن كونه ذكرا، أو عن كونه ذكرا سائغا في الصلاة و عدمه، لا يخلو الثاني منهما من قوة، و تسمع في مباحث القراءة و نحوها زيادة تحقيق له إن شاء الله.

ثم إن الظاهر أولوية اختيار ذي الحوقلة في الحكاية على الخلاء تجنبا من كراهة الكلام فيها و إن أمكن القول باستثنائه بالخصوص، لظهور الخبر المزبور في حكاية الجميع على الخلاء، و من هنا بان لك الفرق بين تعارض دليلي الكراهة و الحكاية هنا و بين دليلي الحكاية و الإبطال في الصلاة، فتأمل جيدا، كما أنه بان لك أيضا أن الأهمية في بعض المندوبات لا تخرج الآخر في هذا الحال عن صفة الندب، فحينئذ إن عارض الحكاية بعض المندوبات و أمكن الجمع جاء بالجميع، و مع التعارض كان الأولى له الإتيان بالأهم كما هو واضح، فما عن المبسوط و غيره من كتب الأصحاب «ان من كان خارج الصلاة قطع كلامه و حكى قول المؤذن، و كذا لو كان يقرأ القرآن قطع و قال:

كقوله، لأن الخبر على عمومه» إن أراد ما ذكرنا فمرحبا بالوفاق، و إلا كان للنظر فيه مجال، ضرورة عدم اقتضاء استحباب الحكاية رفع استحباب غيرها حالها، و كذا ما عن جماعة من الأصحاب أيضا من أنه إذا دخل المسجد و المؤذن يؤذن ترك صلاة التحية إلى فراغ المؤذن ليجمع بين المندوبين، لكنه لا يخفى أنه مبني على مشروعية صلاة التحية مع هذا الفصل، و إلا كان المتجه الترجيح، أو الصلاة مع الحكاية في أثنائها بناء على ما حررناه سابقا.

و المراد بالحكاية في عبارات الأصحاب قول: مثل ما قاله المؤذن عند السماع، و هو الموجود في النصوص دون لفظ الحكاية، و كان الأصحاب عبروا بها لما فهموه منها، بل لا يخفى على من لاحظ النصوص و ما في بعضها من الحكاية على الخلاء، و في آخر «اذكر مع كل ذاكر» و غيره أنه يمكن القطع بعدم امتثال ذلك مع الفصل المعتد به

ج 9، ص: 126

بين السماع و القول، و لذا حكي عن ظاهر الشهيد و صريح جماعة سقوطها إذا أخرها حتى فرغ من الصلاة، بل اليه يرجع ما عن المبسوط «لو فرغ من الصلاة و لم يحك الأذان كان مخيرا بين قوله و عدمه، لا مزية لأحدهما على الآخر إلا من حيث أنه تسبيح و تكبير لا من حيث أنه أذان» و نحوه ما عن الخلاف أيضا «يؤتى به لا من حيث كونه أذانا بل من حيث كونه ذكرا» بل و ما عن التذكرة من التخيير بين الحكاية و عدمها، و ربما ظن خلافهم في المقام، و أنهم يجوزون الحكاية مع الفصل، و هو كما ترى، نعم ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يكن زمان الفراغ و زمان السماع متقاربا بحيث لا يخل بالحكاية عرفا، و إلا لم يفت محلها.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في استحباب الحكاية بين أذان الاعلام و الجماعة و المنفرد لإطلاق الأدلة، نعم ينبغي اعتبار كونه مشروعا، لأنه المنساق من الأدلة، فلا يحكى غيره كالأذان لعصري عرفة و الجمعة مثلا بناء على حرمته، و احتمال أن التشريع فيه لا يخرجه عن اسم الذكرية و قد أمرنا أن نذكر مع كل ذاكر في غاية الضعف أما على تقدير الكراهة فالظاهر استحباب حكايته، لكن ظاهر الذكرى العدم أيضا بل قال: «الأقرب عدم استحباب حكاية كل أذان مكروه و أذان المرأة» و هو كما ترى، بل لا بأس بحكاية أذان المرأة للمرأة، و لمن لا يحرم عليه صوتها، فالتحقيق حينئذ بناء على استحباب الحكاية و عدمه على المشروعية و عدمها و لو على جهة الكراهة.

نعم قد سمعت سابقا احتمال استحباب الحكاية و غيرها في خصوص أذان الإعلام المستأجر عليه و إن قلنا بحرمته و حرمة الأجرة عليه، لا هي خاصة، بناء على أنه ليس عبادة يفسد بذلك، أما إذا قلنا بحرمة الأجرة خاصة فلا إشكال في تناول استحباب الحكاية له، كتناولها لأذان الجنب في المسجد و إن قارنه حرمة المكث، بل قيل: و للأذان المقدم على الفجر بناء على مشروعيته، قلت: ينبغي تقييده مع

ج 9، ص: 127

ذلك للصلاة، و إلا أشكل استحباب حكايته بظهور النصوص في استحباب حكاية أذانها، و إلا جاز حكاية الأذان في أذان المولود مثلا و نحوه، لكن لعل التسامح في السنن يؤيد ذلك، و الأمر سهل، هذا.

و قد ذكر بعض مشايخنا أنه يستحب للحاكي أن يقول عند قول المؤذن: ما في

الصحيح عن الحسن بن المغيرة النضري (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «من سمع المؤذن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، و أشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال محتسبا: و أنا أشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله) اكتفى بها عمن أبى و جحد، و أعين بها من أقر و شهد، كان له من الأجر عدد من أنكر و جحد، و عدد من أقر و شهد»

و فيه أنه لا ظهور في الخبر المزبور في استحباب خصوص ذلك للحاكي، فلا يبعد كونه مستحبا برأسه، بل ظاهر الخبر المزبور بعد إتمام الشهادة بالرسالة و الحكاية ينبغي أن تكون بعد كل فصل فصل، نعم يمكن أن يقال:

لو قال بعد كل فصل: «و أنا» إلى آخر ما سمعت لم يقدح في صدق الحكاية، إذ ليس المراد منها المماثلة بترك الزيادة و النقيصة، بل يمكن أن يقال بحصول ثواب القول المزبور أيضا، إذ الظاهر إرادة استحباب هذا القول عند الفصلين من غير اعتبار التأخر عنهما جميعا بحيث لو عقب كل فصل بينهما لم يكن مجزيا.

ثم لا يخفى أن الصحيح المزبور شاهد على صحة عطف كلام الإنسان نفسه على كلام الآخر، بل لعل ذلك جائز في المفردات فضلا عن الجمل، كما يشهد له

«لعن الله ناقة حملتني إليك فقال له: إن و صاحبها»

و الأمر سهل.

و أما ما ذكره المصنف تبعا للمحكي عن المبسوط و الوسيلة و غيرهما من استحباب


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3 لكن رواه عن الحارث بن المغيرة و هو الصحيح كما في الكافي و الفقيه و غيرهما.

ج 9، ص: 128

كون الحكاية مع نفسه الظاهر في إرادة الاسرار بها فلم أقف على ما يشهد له، و لعله لذا قال الكركي فيما حكي عن فوائده على الكتاب: «المراد أن لا يرفع صوته كالمؤذن- قال-: و سمعت من بعض من عاصرناه من الطلبة استحباب الإسرار بالحكاية، و لا يظهر لي وجهه الآن» قلت: كما أنه لم يظهر لنا ما يدل على استحباب خصوص ما ذكره أيضا، اللهم إلا أن يكون هو المتعارف في الحكاية، و غيره محل شك، لكن لو فعل لم يفت استحباب الحكاية، و عن الميسي أن معنى العبارة عدم استحباب الجهر بالحكاية لكن لو جهر لم يخل بالسنة، و هو حسن، و كذا ما ذكره الفاضل الأصبهاني في شرح عبارة القواعد- من أنه «يستحب للحاكي قول ما يتركه المؤذن من الفصول سهوا أو عمدا للتقية إقامة لشعار الايمان»- لم أقف له على ما يشهد له أيضا، إذ ما في

صحيح ابن سنان (1)المتقدم «إذا نقص المؤذن و أنت تريد أن تصلي بأذانه فأتم ما نقص من أذانه»

لا مدخلية له في الحكاية، و كأن الذي دعاه إلى ذلك ذكر الفاضل في القواعد ذلك في سياق الحكاية، كالمحكي عن غيره حتى المصنف في غير الكتاب، و الأولى ذكرها مسألة مستقلة كما فعله المصنف، و تسمع تمام الكلام فيها.

و كذا لا يختص بالحاكي ما ورد من الأدعية المأثورة عند سماع مطلق الأذان و خصوص أذان الصبح، و بين الأذان و الإقامة بالمأثور و غيره و نحو ذلك من الأذكار المذكورة في مظانها، بل في منظومة الطباطبائي.

و صدق الداعي إذا تشهداو الق برحب من إلى العدل اهتدى

قل مرحبا بالقائلين عدلاو بالصلاة مرحبا و أهلا


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 129

و كأنه أشار بذلك إلى ما في

خبر أبي بصير(1)عن أحدهما (عليهما السلام) أنه قال: «كان ابن النباح يقول في أذانه: حي على خير العمل حي على خير العمل، فإذا رآه علي (عليه السلام) قال: مرحبا بالقائلين عدلا و بالصلاة مرحبا و أهلا»

و الله أعلم.

[المسألة الرابعة إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة كره الكلام]

المسألة الرابعة إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة كره الكلام كراهة مغلظة استأهلت إطلاق اسم الحرمة عليها، بل بها أفتى بعض الأساطين إلا ما يتعلق بتدبير المصلين من تسوية الصفوف أو تقديم إمام أو نحو ذلك كما تقدم الكلام فيه مفصلا.

[المسألة الخامسة يكره للمؤذن أن يلتفت يمينا و شمالا]

المسألة الخامسة يكره للمؤذن أن يلتفت يمينا و شمالا في شي ء من فصول الأذان، خلافا للشافعي فيستحب أن يلتفت يمينا إذا قال: حي على الصلاة، و يسارا إذا قال: حي على الفلاح، و لأبي حنيفة فيدور بالأذان في المأذنة، و يلوي عنقه إذا كان في الأرض، و في الخلاف ليس بمسنون أن يدور في الأذان و في المأذنة و لا في موضعه، و في التذكرة «يكره الالتفات يمينا و شمالا بالأذان في المأذنة و على الأرض في شي ء من فصوله عند علمائنا» و لعل ذلك و نحوه كاف في الكراهة، و إلا فليس في شي ء من النصوص ما يستفاد منه ذلك، نعم ذكرنا سابقا أنه قد يستفاد منها كراهة ترك الاستقبال في خصوص الشهادتين منه، كما أنه تقدم لك سابقا استحباب الاستقبال فيه، و اليه أشار المصنف بقوله و لكن يلزم سمت القبلة في أذانه و ليس ترك المستحب مكروها عندنا، فما في كشف اللثام- من أنه يكره الالتفات في الأذان بالبدن أو بالوجه خاصة، و الأول آكد لاستحباب الاستقبال، و في الإقامة آكد- لا يخلو من نظر، و الأمر سهل، خصوصا بعد التسامح، و لعل عدم ذكر الأكثر للإقامة لأن الغرض الرد على أبي حنيفة و الشافعي، و قد سمعت كلامهما في الأذان، أو لأن الحكم


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 12 و لكن نقله عن الفقيه مرسلا.

ج 9، ص: 130

بالأذان يفهم منه الحكم في الإقامة بالأولوية، أو لأن الأذان هو مظنة الالتفات لإرادة الإعلام به لسائر الناس بخلاف الإقامة، و الله أعلم.

[المسألة السادسة إذا تشاح الناس في الأذان]

المسألة السادسة إذا تشاح الناس في الأذان قدم الأعلم، و مع التساوي يقرع بينهم كما في القواعد و الإرشاد، و مقتضى ذلك عدم اعتبار غير العلم من الصفات المرجحة في الأذان و غيرها، بل مقتضى ما عن المبسوط و جامع الشرائع عدم اعتبار العلم أيضا، لاطلاقهما القرعة مع التشاح، و فيه أنه مناف لقاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح، و للمروي (1)عن النبي (صلى الله عليه و آله) من أمره لعبد الله بن يزيد بإلقاء الأذان على بلال لأنه أعلى منك صوتا، و لنحو

قوله (صلى الله عليه و آله)(2)«يؤذن لكم خياركم»

و نحوه، بل و مناف لجميع ما دل من عقل أو نقل على مراعاة مصلحة المسلمين في التصرف في بيت مالهم، إذ التشاح كما هو ظاهر الذكرى و كشف اللثام و المدارك بل هو صريح المسالك انما يتصور في الارتزاق من بيت المال، لعدم اعتبار الوحدة فيه إعلاميا كان أو غير، على الأظهر كما ستعرف حتى يتصور في غير الفرض، و لو سلم تصوره فلا ريب في أن ذلك أحد أفراده، و المتجه فيه حينئذ مراعاة ما فيه مصلحة المسلمين، بل يمكن القول بلزوم مراعاة كمال المصلحة مع فرض حصولها من غير تطلب، و هي لا تنضبط بضابط، لاختلافها أشد اختلاف، ضرورة عدم انحصارها في الصفات المرجحة في الأذان، بل ينبغي مراعاة قلة الارتزاق و كثرته، بل قد تحصل مصلحة في خصوص إقامة بعض الأفراد لهذا الشعار ترجح على سائر غيرها من الصفات، و لعله إلى ذلك أو بعضه أومأ في الدروس بقوله: «و مع التشاح يقدم من فيه صفة كمال، فالقرعة، إذ احتمال إرادته بصفة الكمال خصوص ما ذكروه


1- 1 تيسير الوصول ج 1 ص 210 و سنن أبى داود ج 1 ص 195- الرقم 499.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.

ج 9، ص: 131

مما يستحب في المؤذن بعيد، و في المحكي عن مجمع البرهان «لا فرق في الصفات المرجحة بين العقلية و النقلية» فتأمل جيدا.

و مع فرض عدم حصول المرجح لتعارض المرجحات أو تساويها يقرع بينهم، إذ التخيير و إن كان ممكنا لكن لا ريب في أولوية القرعة منه، سيما في الأول باعتبار كونه من تزاحم الحقوق، و لأنه أطيب لنفوس المتشاحين، و أعذر عندهم، و لما عساه يومي اليه

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «ثلاثة لو علمت أمتي ما فيها لضربت عليها بالسهام: الأذان و الغدو إلى الجمعة و الصف الأول»

و

قوله (صلى الله عليه و آله)(2): «لو يعلم الناس ما في الأذان و الصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يسهموا عليه لفعلوا»

من مشروعية القرعة فيه، مضافا إلى ما ورد(3)من كونها لكل أمر مشكل، و قد أشكل الحال بطلب كل ذلك.

و مما ذكرنا يظهر لك ما في كلام جماعة من أصحابنا حيث اقتصروا على الصفات المرجحة في الأذان، اللهم إلا أن يكون ذلك لندرة الترجيح بغيرها، أو أن مرادهم بالمرجحة أعم من العقلية و النقلية أو غير ذلك مما لا ينافي ما ذكرنا، بل من المحتمل إرادتهم ذكر المرجحات في الجملة، و لذا أناطوا القرعة بالتساوي و إن كان الظاهر إرادتهم التساوي في المرجحات المزبورة، لكن قد يبعده أنه كما يرجع إليها في ذلك يرجع إليها عند تعارض المرجحات، و إلا كان محلا للنظر لما عرفت، ففي المحكي عن المنتهى و التحرير و الموجز «قدم من اجتمع فيه الصفات المرجحة، و مع التساوي القرعة» لكن عن الموجز منها أنه «يقدم جامع الصفات، فالراتب» و في التذكرة و المحكي عن نهاية الأحكام و كشف الالتباس «قدم من كان أعلى صوتا، و أبلغ في معرفة الوقت،


1- 1 المستدرك- الباب- 8- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 8- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 8.
3- 3 الاستبصار ج 3 ص 83 من طبعة النجف.

ج 9، ص: 132

و أشد محافظة عليه، و من يرتضيه الجيران، و أعف عن النظر، فان تساووا فالقرعة» و في الذكرى بل و المسالك «قدم العدل على غيره، و مع التساوي الأعلم لأمن الغلط معه، و لتقليد أرباب الأعذار له، ثم المبصر، ثم الأشد محافظة على الأذان في الوقت، ثم الأندى صوتا، ثم من ترتضيه الجماعة و الجيران، و مع التساوي فالقرعة» و في البيان «قدم الأعلم و من اجتمعت فيه أكثر الصفات، و مع التساوي فالقرعة» و في المحكي عن حاشية الميسي «يقدم الأعلم مع مساواته لغيره عدالة و فسقا، فلو كان غيره هو العدل قدم مطلقا» و في جامع المقاصد و المدارك «يقدم من فيه الصفات المرجحة في الأذان على غيره، فان اشتركوا قدم جامع الكل على فاقد البعض، و جامع الأكثر على جامع الأقل» بل في الأول منهما كالمحكي عن الروض «ينبغي تقديم العدل على الفاسق مطلقا و مع التساوي يقدم الأعلم بأحكام الأذان أو الأوقات» كما في الذكرى «و المبصر على الأعمى، فإن استووا فالأشد محافظة على الأذان في الوقت على من ليس كذلك، لحصول غرض الأذان به، ثم الأندى صوتا، ثم الأعف عن النظر، ثم من يرتضيه الجيران، ثم القرعة» ثم قال: «لم يتعرض الأصحاب لترجيح المعرب على اللاحن، و لا الراتب في المسجد على غيره، مع أنهم قالوا: لا ينبغي أن يسبق الراتب غيره بالأذان، و أن ذلك يقتضي الترجيح مع التشاح بطريق أولى» إلى غير ذلك من عبارات الأصحاب، و قد عرفت التحقيق، بل منه يعرف ما قيل هنا: إن المراد بالأعلم في المتن و غيره الأعلم بأحكام الأذان لا خصوص الأوقات المندرجة تحت الأول، و إن كان هو ظاهر الذكرى و كشف اللثام، لعدم مدخلية العلم بغيرها في الترجيح، ضرورة أنه على ما عرفت يمكن الترجيح بالعلم في غير ذلك من أحكام الفقه فضلا عن الأذان كما هو واضح، نعم لا ترجيح عندنا بكون المؤذن من نسل مؤذني رسول الله (صلى الله عليه و آله) كأبي محذورة و سعد القرظ و غيرهما، لعدم ما يشهد له من عقل

ج 9، ص: 133

أو نقل معتبر، و الله أعلم.

[المسألة السابعة إذا كان جماعة جاز أن يؤذنوا جميعا]

المسألة السابعة إذا كان جماعة جاز أن يؤذنوا جميعا، و الأفضل إذا كان الوقت واسعا أن يؤذن واحد بعد واحد كما في القواعد و غيرها، لكن عباراتهم في المقام لا تخلو من إجمال، و تفصيل البحث أنه لا بأس بتعدد المؤذنين للإعلام بالوقت مجتمعين في محل واحد أو محال متعددة أو مترتبين مع بقاء الوقت الذي هو سبب لمشروعية الأذان، لإطلاق الأدلة و السيرة المستقيمة، و لما فيه من زيادة إقامة الشعار و تكرير ذكر الله و تنبيه الغافلين، و إيقاظ النائمين و نحو ذلك من فوائده المذكورة له في النصوص، و احتمال عدم المشروعية في خصوص المترتب منه إذا فرض عدم فائدة له زائدة على الأول لحصول الامتثال يدفعه أن ظاهر الأدلة كونه مستحبا عينيا كما هو الأصل لا كفائيا، نعم قد يشكل تكراره من الشخص الواحد في المكان الواحد.

و أما أذان الصلاة فلا ريب في عدم جواز تكراره للمنفرد إذا لم يحصل مقتض له من فصل معتد به بينه و بين الصلاة و نحوه، لعدم معقولية الامتثال عقيب الامتثال.

و أما الجماعة فلا يخفى عليك أن مقتضى إطلاق الأدلة خصوصا مثل

قوله (عليه السلام)(1): «لا صلاة إلا بأذان و إقامة»

و نحوه استحباب الأذان لكل واحد منهم من غير فرق بين الامام و المأموم، و لا معارض له مما يقتضي وحدة الأذان للجماعة من حيث أنها جماعة و إن كان هو ممكنا باعتبار تنزيل الشارع صلاة الجميع بمنزلة صلاة واحدة لتساوي زمان ركوعهم و سجودهم و باقي أفعالهم، فيجزي الجميع حينئذ أذان واحد، بل ربما كان في بعض النصوص (2)إيماء إليه، خصوصا موثق عمار(3)


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 65- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 134

في المؤذن بنيته الانفراد ثم قيل له في الجماعة، لكنه كما ترى لا يصلح أن يكون مثله مدركا لمثله، لعدم ثبوت التنزيل المذكور بالنسبة إلى ذلك، فالإطلاق حينئذ بحاله، و جريان السيرة بأذان واحد للجماعة لا يقضي بمشروعية الأذان لها على الوجه المزبور، إذ لعله لاجتزاء خصوص المؤذن عن نفسه بأذانه، و غيره بسماعه الذي ستعرف إجزاءه و من لم يسمع بدخوله في الجماعة مثلا، لما عرفت سابقا أنه من أدرك جماعة قبل أن تتفرق دخل بأذانهم من غير فرق بين إدراكها بعد الفراغ و قبله، بل السابق أولى من اللاحق بذلك قطعا، و حينئذ فلو فرض أذان الجماعة لم يسمعوه لم يكن مجزيا، بل إذا لم يكن قد سمعه الإمام خاصة لم يجتز هو به، لعدم الدليل الصالح لمعارضة ما عرفت، بل يجوز لمن لم يسمع من الجماعة المجتمعة للصلاة و لم يكن الامام حاضرا الأذان لصلاته، بل و من سمع منهم قبل مجي ء الامام، لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض، فحينئذ لا بأس بما ذكره المصنف و غيره من جواز تعدد المؤذنين دفعة و مترتبين، و لا داعي إلى حمله على خصوص الاعلام، و ما يحكى عن الشيخ أبي علي نجل الشيخ الطوسي في شرح نهاية والده- من الإجماع على أن الزائد على اثنين بدعة- يقوى في الظن إرادته ما ذكره والده في الخلاف من إجماع الفرقة على ما رووه (1)من أن الأذان الثالث بدعة، قال:

فدل ذلك على جواز اثنين، و المنع عما زاد، و فيه أن مثل ما نحن فيه لا يعد ثالثا كما اعترف به في جامع المقاصد، ضرورة كون تكراره باعتبار تعدد المكلفين، فكل منهم يؤذن لصلاته لا أنه أذان متعدد لصلاة واحدة، فإن الثاني حينئذ بدعة فضلا عن الثالث، على أن الخبر المزبور مشار به إلى بدعة مخصوصة من تعدد الأذان لصلاة الجمعة، و قد تقدم تمام البحث فيه عند الكلام في الجمع بين الفرضين، و يأتي إن شاء الله زيادة عليه في الجمعة، و على كل حال فهو غير ما نحن فيه، و لو سلم أن المراد بإجماع أبي على


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.

ج 9، ص: 135

ما نحن فيه ففيه أن التتبع يشهد بخلافه، إذ لم نجد له موافقا عليه سوى ما سمعته من الخلاف، مع أنه في المحكي عن المبسوط قال: «إنه لا بأس أن يؤذن جماعة كل واحد منهم في زاوية المسجد، لأنه لا مانع منه» لكن قال أيضا: «يجوز أن يكون المؤذنون اثنين اثنين إذا أذنوا في موضع واحد، فإنه أذان واحد» و ربما قيل: إن مجموعهما يعطي اشتراط تعدد المحل في الزائد على اثنين بخلافهما، إلا أنه على كل حال خلاف ما سمعته منه في الخلاف و من المحكي عن ولده الذين لم نعرف مخالفا سواهما، فدعوى الإجماع حينئذ في غاية الغرابة.

فلا ريب حينئذ في الجواز، لكن في المدارك «ان المعتمد كراهة الاجتماع في الأذان مطلقا، لعدم الورود من الشرع، و كذا إذا أذن الواحد بعد الواحد في المحل الواحد، أما مع اختلاف المحل و سعة الوقت بمعنى عدم اجتماع الأمر المطلوب في الجماعة من الامام و من يعتاد حضوره من المأمومين فلا مانع منه، بل الظاهر استحبابه لعموم الأدلة» و لا يخفى عليك ما فيه، فان عدم الورود لا يصلح دليلا للكراهة، كما أنه لم نعثر على ما يدل على ما ذكر المصنف و الفاضل و غيرهما من أفضلية الترتيب مع سعة الوقت، نعم علل بأنه تكرير للإعلام أو إعلام لمن لم يسمع السابق و بنحو ذلك مما هو كما ترى، بل عن المبسوط «فأما أذان واحد بعد الآخر فليس بمسنون» و احتمال إرادته من ذلك التراسل فيكون غير ما نحن فيه في غاية البعد، سيما مع قوله في الخلاف:

«إن الاجتماع أفضل» بل قيل: إنه حكى الإجماع عليه فيه و إن كنت لم أتحققه فيما حضرني من نسخته، و في كشف اللثام «و لعله لكون الوحدة أظهر، و ليجتمع شهادة عدلين بالوقت، و لأن الترتيب ربما يشوش على السامعين».

و على كل حال فالمراد باتساع الوقت كما في جامع المقاصد و غيره عدم اجتماع تمام المطلوب في الجماعة كانتظار الامام و المأمومين الذين يعتاد حضورهم لا المعنى المتعارف،

ج 9، ص: 136

فإن تأخير الصلاة عن أول وقتها لأمر غير موظف مستبعد، قيل: و نحو ذلك تحصيل ساتر أو طهارة حدثية أو خبثية و ما أشبهها، قلت: لكن ينبغي تقييد ذلك كله كما في المسالك بما إذا لم يفت وقت الفضيلة، ضرورة أهمية وقوع الصلاة فيه من غيره، و الله أعلم.

[المسألة الثامنة إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز أن يجتزي به في الجماعة]

المسألة الثامنة إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز أن يجتزي به في الجماعة و إن كان ذلك المؤذن منفردا بصلاته لا أذانه بلا خلاف أجده، بل في المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، قلت: هو لا إشكال فيه إذا كان المؤذن لجماعة ذلك الإمام، للسيرة المعلوم كونها يدا عن يد إلى التابعين و الصحابة و الأئمة و النبي (عليهم الصلاة و السلام) مضافا إلى صحيح ابن سنان الآتي (1)الدال على الاجتزاء بأذان من نقص مع الإتمام، و إلى موثق عمار(2)المتقدم سابقا في الذي أذن بنية الانفراد ثم أراد الجماعة الظاهر في الاجتزاء بإعادة الأذان مرة واحدة، فيكتفي الثاني بسماعه، و إلى

خبر أبي مريم الأنصاري (3)قال: «صلى بنا أبو جعفر (عليه السلام) في قميص بلا إزار و لا رداء و لا أذان و لا إقامة، فلما انصرف قلت له: عافاك الله صليت بنا في قميص بلا إزار و لا رداء و لا أذان و لا إقامة فقال: إن قميصي كثيف، فهو يجزي أن لا يكون على رداء، و إني مررت بجعفر و هو يؤذن و يقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك»

و إلى

خبر عمرو بن خالد(4)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كنا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة فقال: قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان و لا إقامة، و قال: يجزيكم أذان جاركم».


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
3- 3 التهذيب ج 2 ص 280 الرقم 1113 من طبعة النجف.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.

ج 9، ص: 137

إلا أن الجميع كما ترى لا دلالة فيه على الاجتزاء بسماع أذان الإعلام، مع أن ظاهرهم بل هو صريح جماعة منهم عدم الفرق بينه و بين غيره، بل لم أعثر على من توقف فيه، و لعله لإطلاق

قوله (عليه السلام) «يجزيكم أذان جاركم»

إذ كون مورد الإقامة التي هي مختصة بالصلاة لا يقتضي اختصاص المراد بها، لا أقل من جبر ذلك بما عرفت من ظهور اتفاقهم عليه، بل يكفي هو مع فرض تمامه في تنقيح المناط بينه و بين غيره، و من الغريب عدم توقفهم في ذلك و توقف جماعة منهم الشهيد في الاجتزاء بسماع أذان المنفرد، بل جزم ثاني الشهيدين و الميسي فيما حكى عنه باختصاص الحكم بمؤذن المسجد و المصر دون المنفرد بصلاته، بل في المسالك «المراد بالمنفرد في المتن المنفرد بصلاته لا بأذانه- قال-: بمعنى أنه مؤذن للجماعة أو للبلد، فلو أذن لنفسه لا غير لم يعتد به» مع أن الخبرين الأخيرين إن لم يكن ظاهرهما المنفرد فلا ريب في شمول الثاني له، بل و الأول على معنى أنه (عليه السلام) ما ذكر ذلك إلا لإرادة بيان إجزاء مثله، و لو كان أذان جعفر (عليه السلام) لجماعة لذكره، على أن ظاهر كونه هو المؤذن و المقيم انفراده، لاستحباب تغايرهما في الجماعة، بل الغالب فيها كون المؤذن و المقيم غير الامام، خصوصا إذا كان مثل جعفر (عليه السلام) و معارضة ذلك كله بأنه لو أجزأ سماعه لاجتزى بأذان المنفرد الذي هو أولى من السماع إذا أراد الجماعة يدفعها ما عرفته سابقا من أنه على تقدير تسليم الأولوية أو المساواة يمكن الفرق بين سماع الإمام الذي هو قاصد الجماعة و غيره، فإن الذي يساويه حينئذ أذان الامام بقصد الجماعة، و إن لم يسمعه المأمومون، و ليس في الخبر دلالة على كون ذلك المؤذن إماما، مع أنه لم يكن أذانه بقصد الجماعة.

فالوجه حينئذ الاجتزاء بسماع أذان المنفرد أيضا كما أطلقه الأصحاب، لكن مع سماع الإمام إياه سواء سمعه المأمومون أو لا، و لا يجزي سماعهم دونه في الصلاة، لعدم الدليل، و التنقيح يمنعه إمكان الفرق بينه و بينهم بأن صلاتهم تابعة لصلاته،

ج 9، ص: 138

فالمعتبرة هي حينئذ، و منه ينقدح الاجتزاء بأذانه بقصد الجماعة و إن لم يسمعه المأمومون بخلاف أذانهم الذي لم يسمعه هو، و دعوى أنه لا ظهور في الخبرين المزبورين (1)باجتزائهم بسماعه خاصة- سيما أولهما(2)و الظاهر في أن الجميع سمعوا إقامة الجار، و أقصى الثاني إجزاؤه له لا لهم- يدفعها ترتب الاجزاء لهم في الخبر الأول على سماعه (عليه السلام)، و كون المراد من الثاني بيان الاجزاء له المستلزم للاجزاء عنهم باعتبار تبعية صلاتهم صلاته، فالمدار بالنسبة إلى ذلك و نحوه عليها، و لذا لم يعرف خلاف بين الأصحاب في الاجتزاء بسماعه خاصة، و بالأولى يستفاد منه حكم أذانه، و المناقشة في الأولوية المزبورة باعتبار تعدد الحكم السماوية يدفعها عدم اعتبار مثل هذه الاحتمالات في قطع الفقيه

الممارس لأقوالهم (عليهم السلام)، و منه القطع هنا بمساواة المنفرد للإمام في الاجتزاء بالسماع و لو للمنفرد أو أولويته بذلك، و إن كان المفروض في عبارة الأكثر الإمام، إلا أن الظاهر كون ذلك منهم تبعا للنص لا لإرادة عدم اجتزاء غيره، و لقد أجاد أول الشهيدين و ثاني المحققين بدعوى أن ذلك من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى على أنه قد يحتج له أيضا بإطلاق صحيح ابن سنان (3)و بظهور

قوله (عليه السلام)(4): «يجزيكم أذان جاركم»

بناء على إرادته ذلك من حيث سماعهم، إذ لا فرق حينئذ بين المأموم و المنفرد، بل يمكن دعوى ظهور خبر أبي مريم فيه أيضا بأن يقال لا خصوصية للإمامية في اجتزائه بالسماع قطعا، ضرورة أنها إن كان لها خصوصية فهي بالنسبة إلى الجماعة لا صلاة الإمام نفسه، بل لا ريب في ظهوره باجزاء ذلك السماع و إن عدل عن


1- 1 المتقدمين في الصحيفة 136 في التعليقة 3 و 4.
2- 2 الصحيح تبديل« أولهما» بلفظ« ثانيهما» و تبديل« الثاني» بلفظ« الأول» و كذلك الأول و الثاني الواقعان في الدفع.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.

ج 9، ص: 139

الإمامة كما هو واضح بأدنى تأمل.

و لا يشترط في إجزاء السماع حكاية السامع قطعا، لإطلاق النص و الفتوى، فما يحكى عن الشهيد في النفلية من اشتراطه- و كأنه لاستبعاد إجزاء السماع نفسه- في غير محله، إذ هو شبه الاجتهاد في مقابلة النص، نعم يعتبر فيه إتمام ما ينقصه المؤذن لصحيح عبد الله بن سنان السابق، فيتلفق حينئذ الأذان من السماع و القول، بل يحتمل التعدي منه إلى غيره مما أخفت فيه المؤذن، بل و إلى فعل ذلك اختيارا بدعوى كون ما فيه من النقصان من باب المثال، و إلا فالمراد مشروعية التلفيق، فتأمل جيدا.

و على كل حال ففيه إيماء إلى أن المجزي سماع الأذان كله كما هو ظاهر الأصحاب و مقتضى أصالة عدم السقوط لا بعض الفصول منه، إذ ليس السماع أعظم من القول قطعا، فما يحكى عن ظاهر النفلية من إجزاء سماع البعض لا يخلو من نظر و إن كان ربما يشهد له خبر أبي مريم باعتبار غلبة سماع البعض في حال المرور، و يكون المراد حينئذ و هو آخذ في الأذان و الإقامة، بل يمكن تنزيل عبارات الأصحاب على ذلك بدعوى صدق سماع الأذان بسماع بعضه، بل قد يدعى أن الغالب في السامعين ذلك حتى أئمة الجماعة خصوصا المشتغلين منهم في حال الأذان بالنافلة و نحوها، لكن الجميع كما ترى لا يصلح الخروج به عن أصالة عدم السقوط، و ما دل على الأمر به المؤيد ذلك كله بمعلومية ضعف السماع عن القول في الاجزاء المزبور، و هو لا يجدي فضلا عنه.

ثم إن الظاهر إجزاء سماع الإقامة عنها أيضا و ان اقتصر الأكثر على الأذان، إلا أنه يمكن إرادتهم منه ما يشملها، و إلا كان محلا للنظر، لظهور الخبرين المزبورين في ذلك، فالأقوى حينئذ إجزاء سماعها أيضا وفاقا لأول الشهيدين و غيره، لكن ينبغي أن يعلم أن سماع كل منهما يجزي عنه نفسه لا غيره، فلا يجزي سماع الأذان عن الإقامة و لا العكس، لما عرفت من ضعف السماع عن القول، و هو لا يجدي فضلا عنه،

ج 9، ص: 140

و خبر عمرو بن خالد لا دلالة فيه على الاجتزاء عن غير الإقامة، إذ تركه الأذان يمكن أن يكون لأنه جامع بين الفرضين أو في يوم الجمعة أو للاقتصار عليها أو لغير ذلك.

كما أنه ينبغي أن يعلم عدم اشتراط عدم حصول الكلام بعدها في إجزاء السماع و إن كان قد يظهر من خبر أبي مريم، إلا أن قوله (عليه السلام): «قوموا» بعد السماع في خبر عمرو بن خالد و ما سمعته سابقا من عدم بطلان الإقامة القولية بالكلام بعدها- و الظاهر بدلية السماع عنه، فحكمه حكم مبدله، مضافا إلى استصحاب السقوط- يشهد بخلافه.

نعم يستحب الإعادة حينئذ كما في القولية التي هي أقوى من السماعية، و عليه يحمل حينئذ الظهور المزبور في خبر أبي مريم، بل لا يبعد استحباب إعادتها و الأذان مطلقا، لظهور قوله (عليه السلام): «و أنت تريد» في صحيح ابن سنان، و لفظ الاجزاء في الخبرين المزبورين في مشروعية غيره، بل ظاهر لفظ الاجزاء رجحانه عليه و احتمال إرادة الاكتفاء منه لا أقل المجزي- فيحرم حينئذ الإعادة- ممكن، بل يؤيده ما تقدم لنا سابقا في المباحث السابقة، خصوصا فيمن أدرك الجماعة قبل أن تتفرق، إلا أنه لم أجد أحدا قال به هنا، بل ظاهر تعبير الأصحاب هنا بالجواز و الاجتزاء و نحوهما الأول، نعم عن النفلية خاصة التعبير بالسقوط، و عن شرحها لثاني الشهيدين المراد سقوط الشرعية رأسا، و لكن لم يرتضه، و في الذكرى جعل الاستحباب احتمالا قال: «و هل يستحب تكرار الأذان و الإقامة للإمام السامع أو لمؤذنه أو للمنفرد؟

يحتمل ذلك و خصوصا مع اتساع الوقت».

لكن على كل حال ينبغي استثناء سماع الامام و المأمومين مؤذن جماعتهم من الاستحباب المزبور، لإطباق السلف على خلافه على وجه يعلم منه عدم الاستحباب كما قطع به في الذكرى و كشف اللثام و غيرهما، و لا ينافي ذلك ما تقدم في تعدد المؤذنين

ج 9، ص: 141

بناء على عدم اختصاص ذلك في أذان الإعلام، لعدم انحصار فرضها في ذلك قطعا، إذ من صورها تعددهم و لم يسمع كل منهم الآخر كما لو جاءوا مترتبين، و من صورها حال عدم وجود الامام، فما عن الروض- من الميل إلى استحبابه، و المفاتيح من التأمل فيه حيث نسبه إلى القيل، بل قيل: إنه يمكن أن يقال: إنه لا يقصر عن تعدد المؤذنين مجتمعين أو مترتبين و قد أجمعوا على جوازه، و اقتصار السلف على الأذان الواحد لتأدي السنة به، إذ الركن الأعظم فيه الاعلام و قد حصل، فاشتغلوا بما هو أهم منه و إن بقي الاستحباب- لا يخفى ما فيه.

و كذا ينبغي استثناء الداخل على الجماعة الحاضر إمامها بعد سماع أذانها و إن لم يرد الصلاة معهم، بناء على عدم استحباب الأذان لمن أدرك الجماعة قبل أن تتفرق، ضرورة كون الفرض أولى منه بذلك، لزيادته عليه بالسماع كما هو واضح، و الله أعلم.

[المسألة التاسعة من أحدث في أثناء الأذان أو الإقامة تطهر]

المسألة التاسعة من أحدث في أثناء الأذان أو الإقامة تطهر وجوبا أو ندبا و بنى إذا لم تفت الموالاة، لعدم ثبوت الفساد بتخلل الحدث في الأثناء حتى على القول باشتراط الطهارة فيهما، إذ لا يراد منه إلا إيقاع فصولهما مقارنا للطهارة لا إرادة اعتبار حصولها في الفواصل بين الفصول، و دعوى كونها عبادة مركبة ذات أجزاء لا تقتضي ذلك قطعا كما أوضحناه سابقا و أما أن الأفضل له أن يعيد الإقامة فقد ذكره المصنف و غيره، و علل بتأكد استحباب الطهارة فيها، و هو كما ترى، و في المدارك «أنه يمكن الاستدلال ب خبر هارون المكفوف (1)و غيره مما تضمن كونها من الصلاة، و من أحكام الصلاة الإعادة بالحدث فيها، فالإقامة كذلك» قلت: و أولى منه الاستدلال ب

قول الكاظم (عليه السلام) في خبر قرب الاسناد للحميري (2)لما سأله


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7.

ج 9، ص: 142

أخوه عن المؤذن يحدث في أذانه و في إقامته: «إن كان الحدث في الأذان فلا بأس، و إن كان في الإقامة فليتوضأ و ليقم إقامته»

فان الظاهر إرادة استيناف الإقامة، و إلا لأمره بالإتمام لا بالإقامة كما في ما حضرني من نسخة قرب الاسناد و غيره ممن حكاه عنه و الله أعلم.

[المسألة العاشرة من أحدث في أثناء الصلاة]

المسألة العاشرة من أحدث في أثناء الصلاة تطهر و أعادها كما تسمع البحث فيه في محله و لا يستحب له أن يعيد الإقامة إلا أن يتكلم أو يحصل فصل معتد به أو نحو ذلك فيعيدها حينئذ، بل يعيد الأذان أيضا مع الفصل و نحوه لحصول المقتضي، ففي

صحيح ابن مسلم (1)«لا تتكلم إذا أقمت الصلاة، فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة»

أما بدونه فلا، للأصل و حصول الامتثال، لكن في المدارك «انه مناف لما ذكره في المسألة السابقة، إلا أن يفرق بين الحدث في أثناء الإقامة و أثناء الصلاة، و هو بعيد، بل عن ظاهر ثانيي المحققين و الشهيدين الحكم بعدم الفرق» و فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت من الدليل على الحدث في الأثناء الذي يمكن تأييده بالفرق بين حالي الفراغ من العمل و التشاغل فيه كالصلاة التي قد أعطيت الإقامة حكمها، فهي حينئذ مركبة مستقلة يراعى فيها الأمران، و إعادتها بالكلام للدليل، و لذا قال في كشف اللثام:

إن الفرق بينهما ظاهر، نعم قد يشكل الحكم المزبور ب

خبر عمار(2)قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان و الإقامة؟

قال: نعم»

و

الصحيح (3)إلى موسى بن عيسى عم أحمد بن عيسى الذي أشهده الرضا (عليه السلام) على طلاق و أمره أن يحج عنه، قال: «كتبت اليه رجل تجب


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.

ج 9، ص: 143

عليه إعادة الصلاة أ يعيدها بأذان و إقامة؟ فكتب يعيدها بإقامة»

لكن عدم تعرض الأصحاب لهما مع اشتمال أولهما على إعادة الأذان يهون الاشكال المزبور، بل يوجب حملهما على صورة القضاء، أو على تبين فساد الصلاة بعد الفراغ منها كما هو ظاهر لفظ الإعادة، و حينئذ يحصل الفصل المعتد به، إذ احتمال عدم القدح بفصل الصلاة و إن تبين بعد ذلك بطلانها في غاية الضعف، ضرورة كون ما وقع من الأذان و الإقامة مقدمة للصلاة المستأنفة لا الباطلة كما هو واضح، فتأمل.

[المسألة الحادية عشر من صلى خلف إمام لا يقتدى به]

المسألة الحادية عشر من صلى خلف إمام لا يقتدى به و كان مؤذن جماعته مخالفا أو مؤمنا و لم يسمع أذانه أذن لنفسه و أقام لعدم حصول المسقط لهما بناء على اشتراط الايمان في الأذان، فإطلاق الأدلة حينئذ بحاله، و سقوطهما بإدراك الجماعة انما هو في الجماعة الصحيحة، مضافا إلى الأمر في المرسل (1)و خبر محمد بن عذافر(2)بالأذان خلف من قرأت خلفه، و إلى ما تقدم سابقا مما يدل على اشتراط إيمان المؤذن و إن كان مما ذكرنا يظهر أن المسألة لا ينحصر فرضها في البناء على اشتراط الايمان في الأذان، بل و إن لم نقل به فان عليه الأذان و الإقامة إذا جاء إلى الجماعة المزبورة و لم يكن قد سمع أذانها، لعدم تحمل الإمام حينئذ الأذان عنه باعتبار عدم جامعيته لشرائط الإمامة، فلا يكفي حينئذ سماعه، بل منه ينقدح احتمال عدم الاجتزاء بإدراك جماعة لم يثق بامامها و إن كان غير مخالف، و لعل عبارة المصنف و غيرها تشمله و إن كان الظاهر منها بقرينة ما بعده إرادة المخالف.

و على كل حال فإن خشي بفعل الأذان و الإقامة فوات الصلاة التي لو لم يظهر الائتمام بها خالف التقية اقتصر على تكبيرتين و على قول: قد قامت الصلاة


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.

ج 9، ص: 144

مرتين مقدما لهما على التكبيرتين مضيفا إليهما التهليلة، ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر معاذ بن كثير(1)الذي هو المستند في المقام على الظاهر «إذا دخل الرجل المسجد و هو لا يأتم بصاحبه و قد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن و أقام أن يركع الامام فليقل: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، و ليدخل في الصلاة»

بل ظاهره ذلك إذا خاف فوت الركعة فضلا عن الصلاة، و لعله المراد من خوف فوات الصلاة في المتن و غيره و الفوات في الإرشاد، كما أن المراد على الظاهر من الفوات رفع رأس الإمام من الركوع المفوت لصورة الاقتداء بالركعة، و ما في المدارك- من المناقشة بضعف السند التي يدفعها الانجبار، و بأن مقتضاه تقديم الذكر المستحب على القراءة الواجبة التي كالاجتهاد في مقابلة النص- في غير محله، على أن القراءة انما تجب عليه بعد الدخول لا قبله، فله حينئذ إظهار صورة الائتمام معه في الحال التي لا يسعه القراءة فيها، فتسقط حينئذ عنه كالائتمام الصحيح الذي نزل هذا الائتمام للتقية منزلته، و في

خبر أحمد بن عائذ(2)قلت لأبي الحسن (عليه السلام): «إني أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلوني إلى ما أن أؤذن و أقيم فلا أقرأ شيئا حتى إذا ركعوا فأركع معهم أ فيجزي مني ذلك؟ فقال: نعم»

فلا حاجة حينئذ الى ما عن الشهيد الثاني و غيره من أن المراد بفوات الصلاة فوات ما يعتبر في الركعة من القراءة و غيرها.

نعم قد يشكل ما في المتن و غيره الذي هو عين ما عن المبسوط بأنه غير موافق للخبر المزبور الذي هو مستند المقام على الظاهر لا في الفصول و لا في الترتيب، و يمكن


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 التهذيب ج 3 ص 37 الرقم 131 من طبعة النجف.

ج 9، ص: 145

الاعتذار عن الثاني بعدم إرادة الترتيب من الواو في العبارات لا الخبر الذي ظاهره إرادة الاجتزاء بهذا المقدار من الإقامة المعلوم اعتبار الترتيب فيها من الأدلة السابقة، و عن الأول بإرادة التهليل أيضا من التكبيرتين تغليبا، أو للتنبيه بذلك على إرادة إلى آخر الإقامة، لكن الإنصاف أن العبارة المزبورة بعيدة عن ذلك، بل مقطوع بعدم إرادة ذلك منها، و لعل لهم دليلا آخر لم نقف عليه، و ربما قيل: إنهم نبهوا بذلك على أهمية التكبير من غيره، و أنه مع الضيق يقتصر عليه، و فيه أولا منع ثبوت أهميته هنا، و استنباطها من زيادة تكراره في الأذان و الإقامة كما ترى، و ثانيا أنها لا تقتضي تقديمه على «قد قامت الصلاة» مع الجمع بينهما. و ثالثا أن ثبوت مثل هذه الأحكام بمثل هذه التهجسات بل الخرافات لا يجترئ عليه ذو دين، ضرورة كون مقتضى الخبر المزبور استحباب هذه الصورة من الإقامة و السقوط مع التعذر لا الاقتصار على ما يتمكن منها، و من هنا ذكر المصنف و الشهيد و غيرهما أنه ينبغي المحافظة على صورة ما في الخبر المزبور، نعم يمكن القول بإضافة: «حي على خير العمل» اليه مقدما له على «قد قامت» لمعلومية ترك المؤذن له إذا كان مخالفا، فيشمله حينئذ صحيح ابن سنان الآمر بإتمام ما نقص، و لما عن المبسوط و جامع الشرائع من أنه قد

روي (1)أنه يقول: «حي على خير العمل»

دفعتين، لأن المؤذن لم يقل ذلك، و الأولى قولها حينئذ كما ذكرنا مراعيا فيها الترتيب بين الفصول و إن كان مقتضى هذا المرسل الإطلاق.

و كيف كان فقد ذكر المصنف و غيره أنه إن أخل المؤذن بشي ء من فصول الأذان استحب للمأموم التلفظ به و ظاهر السياق كونه من تتمة المسألة السابقة و أشكله في المدارك أما أولا فبأنه خلاف مدلول النص، و هو

صحيح ابن سنان(2)


1- 1 المستدرك- الباب- 27- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.

ج 9، ص: 146

«إذا أذن مؤذن فنقص الأذان و أنت تريد أن تصلي بأذانه فأتم ما نقض هو من أذانه»

و أما ثانيا فلما صرح به الأصحاب و دلت عليه الأخبار(1)من عدم الاعتداد بأذان المخالف، فلا فائدة في إتيان المأموم بما تركه الامام من الفصول، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك مستحب برأسه و إن كان الأذان غير معتد به، و هو حسن لو ثبت دليله، و احتمل الشارح قدس سره جعل هذه المسألة منفصلة عن الكلام السابق، و أنها محمولة على غير المخالف كناسي بعض فصول الأذان أو تاركه أو تارك الجهر به تقية، و هو جيد من حيث المعنى، لكنه بعيد من حيث اللفظ، قلت: قد تقدم لنا بعض الكلام في ذلك عند البحث عن اشتراط الايمان في الأذان، و نقول هنا: إن الاشكال المتصور في المقام إما في الجمع بين النصوص أو في عبارات الأصحاب، و الأول يدفعه أنه لا منافاة بين صحيح ابن سنان المزبور و بين ما دل على اشتراط الايمان في الأذان بعد حمله على إرادة بيان اجتزاء السامع للأذان إذا أتم ما نقصه المؤذن كي يتلفق مجموع الأذان من السماع و القول، فيكون حينئذ مساقة لبيان ذلك، و هذا متصور في المؤذن المؤمن إذا نقص عمدا لتقية أو سهوا، بل فيه و في المخالف في خصوص أذان الإعلام منه بناء على عدم اشتراط الايمان فيه، فلا ينافي تلك الأدلة، و حمله على إرادة ما يشمل المخالف مطلقا، و يكون عدم الاعتداد بأذانه لأنه ناقص، فإذا تمم ارتفع المانع قد عرفت ما فيه سابقا، و أنه مخالف لظاهر أدلة الاشتراط، و أما بالنسبة إلى عبارات الأصحاب فاعلم انهم في ذكر هذا الحكم على أقسام ثلاثة، فمنهم من ذكره في سياق استحباب الحكاية، و قد ذكرنا هناك أنه لا دليل على اختصاص استحباب ذلك للحاكي لكن عليه لا منافاة بينه و بين ما ذكروه من اشتراط الايمان، و منهم من ذكره في سياق


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأذان و الإقامة و الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2 و 8.

ج 9، ص: 147

هذه المسألة، و لا بد من حمله على إرادة كونه مستحبا برأسه، لتصريحهم فيها بعدم الاعتداد بأذان المخالف، و لعل دليل الاستحباب المزبور ما سمعته من مرسل الشيخ، و منهم من ذكرها مستقلة لا في سياق إحدى المسألتين، و الأولى إرادتهم ذلك أيضا، و على كل حال فالأمر سهل بعد تنقيح الأدلة و عدم الاشكال فيها، هذا.

و قد ترك المصنف التعرض لاستحباب الأذان وحده أو مع الإقامة في غير الصلاة مع أن

الصدوق (رحمه الله) أرسل (1)عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إذا تولعت بكم الغول فأذنوا»

و في

خبر جابر الجعفي المروي (2)عن محاسن البرقي عن محمد بن علي (عليهما السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إذا تغولت بكم الغيلان فأذنوا بأذان الصلاة»

و عن دعائم الإسلام روايته عن علي (عليه السلام)(3)و رواه في الذكرى عن الجعفريات عن النبي (صلى الله عليه و آله)(4)قال: و رواه العامة(5)و فسره الهروي بأن العرب تقول بأن الغيلان في الفلوات تراءى للناس تتغول تغولا أي تلون تلونا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم، و روي في الحديث «لا غول» و فيه إبطال لكلام العرب، فيمكن أن يكون الأذان لدفع الخيال الذي يحصل في الفلوات و إن لم يكن له حقيقة، قلت: لكن في الحدائق عن النهاية الأثيرية أن الغول لا تستطيع أن تضل أحدا، و يشهد له

الحديث «لا غول و لكن السعالى سحرة الجن»

أي و لكن في الجن سحرة لهم تلبيس و تخييل، و منه الحديث «إذا» إلى آخره أي ادفعوا شرها بذكر الله تعالى، و على كل حال فلا إشكال في استحباب الأذان في الحال


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
3- 3 المستدرك- الباب- 35- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
4- 4 المستدرك- الباب- 35- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
5- 5 نهاية ابن الأثير مادة« غول».

ج 9، ص: 148

المزبور، و اليه أشار العلامة الطباطبائي بقوله:

و سن في تغول الغيلان بالموحشات الجهر بالأذان

و يستحب الأذان في أذن المولود اليمنى، و الإقامة في اليسرى ك

ما أرسله الصدوق (1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «المولود إذا ولد يؤذن في أذنه اليمنى و يقام في اليسرى»

و أشار إليه في المنظومة بقوله:

و استفتح المولود بالأذان يعصم من طوارق الشيطان

أذن بيمناه و باليسرى أقم كي يقرع الأذنين طيب الكلم

و كذا يستحب في أذن من ساء خلقه ل

ما أرسله الصدوق أيضا(2)عن الصادق (عليه السلام) «من لم يأكل اللحم أربعين يوما فقد ساء خلقه، و من ساء خلقه فأذنوا في أذنه»

قيل و مثله رواه في الكافي عن هشام بن سالم (3)في الصحيح أو الحسن، و ينبغي أن يكون اليمنى، ل

خبر أبان الواسطي (4)عن الصادق (عليه السلام) «ان لكل شي ء قوتا و قوت الرجال اللحم، و من تركه أربعين يوما فقد ساء خلقه، و من ساء خلقه فأذنوا في أذنه اليمنى»

و ظاهر هذه الأخبار أن المدار على سوء الخلق مطلقا بل في

خبر حفص (5)عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: «كلوا اللحم فان اللحم من اللحم، و من لم يأكل اللحم أربعين يوما ساء خلقه، و متى ساء


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 7 رواه في الوسائل عن أبان عن الواسطي و فيه « لكل شي ء قرما و ان قرم» إلخ.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 8 رواه في الوسائل عن أبى حفص الابار.

ج 9، ص: 149

خلق أحد من إنسان أو دابة فأذنوا في أذنه الأذان»

و لقد أجاد العلامة الطباطبائي في الإشارة إلى ذلك بقوله:

و قرما لأربعين يوماأيقظ به فقد أطال نوما

قد ساء خلقا حين خف إربه و من يسوء خلقا فهذا أدبه

قيل و كذا يستحب في البيت ل

خبر سليمان بن جعفر الحميري (1)قال: «سمعته يقول: أذن في بيتك فإنه يطرد الشيطان، و يستحب من أجل الصبيان»

قلت: لكن قد عرفت سابقا أنه يمكن إرادة الأذان الموظف لا أنه أذان مخصوص لذلك، لأصالة عدم التعدد، اللهم إلا أن يكون منشأه قاعدة التسامح، و قاعدة عدم حمل المطلق على المقيد، و الأمر سهل، و في الذكرى أن منها الأذان المقدم على الصبح، قلت: قد عرفت تحقيق البحث فيه بما لا مزيد عليه، هذا. و قد شاع في زماننا الأذان و الإقامة خلف المسافر حتى استعمله علماء العصر فعلا و تقريرا، إلا أني لم أجد به خبرا، و لا من ذكره من الأصحاب، و الله أعلم.

[الركن الثاني في أفعال الصلاة]

اشاره

الركن الثاني في أفعال مجموعها يسمى ب الصلاة، و هي واجبة لا يجوز تركها و مسنونة يجوز ترك الفرد الذي قد اشتمل عليها إلى الفاقد، بناء على عدم تصور الندب في أجزاء الواجب كما تسمع تحقيقه في المباحث الآتية إن شاء الله

[في واجبات الصلاة]
اشاره

فالواجبات ثمانية أو عشرة بإضافة الترتيب و الموالاة إلى الأفعال و الأقوال.


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2 رواه في الوسائل عن سليمان الجعفري و لعله الصحيح.

ج 9، ص: 150

[الأول النية]
اشاره

الأول النية بناء على أنها جزء كما في الذكرى و عن الموجز، بل هو ظاهر المتن، و إن أمكن إرادته من الركن خصوص المبطل عمدا و سهوا كما وقع ذلك ممن قال بشرطيتها، كما أن المراد بالفعل الأعم من الجزء، و خصت من بين الشرائط بأمثال هذه التجوزات لمقارنتها للجزء و شدة اتصالها بالفعل حتى صارت كالجزء منه، إلا أنه لا ريب في كونه خلاف الظاهر، و إن كان هو الموافق لصدق اسم الصلاة بدونها حتى على القول بالحقيقة الشرعية و إن اسم العبادة لخصوص الصحيح منها، لأن الظاهر جريان الشارع في كيفية الوضع على حسب باقي الأوضاع، و لم يعهد في شي ء منها أخذ القصد في صدق أسماء الأفعال، و لأن عنوان الحقيقة الشرعية المتشرعية و الذي في أيديهم معاملة نية الصلاة كمعاملة القصد في غيرها، فيقال: نويت الصلاة و ما نواها و هي منوية أو غير منوية و نحو ذلك مما هو كالصريح في خروجها عنها، و أنها نحو نية الضرب و الأكل و غيرهما، بل قيل: إن

قولهم (عليهم السلام)(1): «لا عمل إلا بنية»

ظاهر في أن العمل غير نيته، خصوصا بعد عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ العمل، و بعد تعارف هذا التركيب في إرادة نفي الصحة مثلا منه لا الحقيقة، و إن كان قد يناقش بأن المغايرة حاصلة بين الجزء و الكل، و بأن صدق اسم العمل على الفاقد لا يقتضي صدق اسم الصلاة و نحوها، و هو محل البحث، فلا دلالة في صدقه على الفاقد على الخروج عن الصلاة.

كما أنه لا ينبغي الاستدلال عليه بالأصل، لعدم جريانه في أجزاء الموضوع أو المراد، و ب

قوله (عليه السلام): «أولها التكبير»

إذ هو بعد تسليم كون الخبر بلفظ الأول لا التحريم لا ينافي دخولها أيضا باعتبار مقارنتها للتكبير تقارن معية لا سبق


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 1 و 2 و 3.

ج 9، ص: 151

و لحوق، على انه يمكن كون المراد أول الأفعال الظاهرة لا ما يشمل القلبي، و بأنها لو كانت جزءا لافتقرت إلى نية أخرى و يتسلسل، ليمنع الملازمة أولا و التسلسل ثانيا، و بأنها تتعلق بالصلاة، فلو كانت جزءا لتعلق الشي ء بنفسه، إذ تعلقها بباقي أفعال الصلاة لا ينافي كونها جزء منها، إذ لا يقتضي التعلق إلا مغايرة المتعلق بالكسر للمتعلق بالفتح، و هي حاصلة، و دعوى أن الثاني هو مسمى الصلاة رجوع إلى ما استدللنا به أولا أو مصادرة، كالاستدلال بأن الشرط ما يقف عليه تأثير المؤثر أو صحة الفعل، و كلاهما صادق على النية.

و من الغريب اعتماده في الذكرى في دعوى الجزئية على أنها مقارنة للتكبير الذي هو جزء و ركن، فتكون جزءا خصوصا عند من أوجب بسطها عليه أو خطورها من أوله إلى آخره، و على أن قوله تعالى (1)«وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» مشعر باعتبار العبادة حال الإخلاص، و هو المراد بالنية، و لا نعني بالجزء إلا ما كان منتظما مع الشي ء بحيث يشمل الكل حقيقة واحدة، و فيه أن اعتبار المقارنة على سائر التقادير لا يقتضي ذلك قطعا، إذ المراد بالجزء ما توقف صدق اسم الكل عليه بخلاف الشرط، و نفي الصحيحي اسم الصلاة عن فاقدة الطهارة و الستر لفقد الاشتراط الداخل في الموضوع له و إن خرج فعل الوضوء الذي هو مقدمته و شرطه، بل خرج الأثر الحاصل منه المقدم على الصلاة و المقارن لها، نعم المقارنة داخلة في ماهيتها لا المقارن بالفتح الذي هو الطهارة التي هي أثر فعل الوضوء، و بعبارة أخرى الاتصاف داخل و الوصف خارج، و على كل حال فالمقارنة المزبورة لا تقتضي الجزئية المذكورة قطعا، ضرورة أنه لا مانع من كون اسم الصلاة لهذه الأفعال دون ما قارنها.

و دعوى أن الشرط ما تقدم على الماهية كالطهارة و الستر، و الجزء ما تلتئم منه


1- 1 سورة البينة- الآية 4.

ج 9، ص: 152

كالركوع و السجود أو ما اشتمل عليه الماهية من الأمور الوجودية المتلاحقة، فلا ينتقض بترك الكلام و نحوه مما هو أمر عدمي لا تلاحق فيه، أو أن الشرط ما يساوق جميع أفعال الصلاة كالطهارة و الاستقبال، بخلاف الجزء كالركوع و نحوه، و النية ليست متقدمة و لا مساوقة لجميع أفعال الصلاة، بل هي مما تلتئم منه الماهية و من الأمور الوجودية المتلاحقة واضحة المصادرة أو المنع أو مما لا يفيد المطلوب، لأنه اصطلاح و لا مشاحة فيه، كوضوح عدم دلالة إشعار الآية باعتبار العبادة حال الإخلاص على دخول الإخلاص في العبادة على وجه الجزئية، بل ربما أشعر بخروج الحال عنها.

و قد ظهر لك من ذلك كله أن القول بكونها شرطا أقوى وفاقا للمعتبر و المدارك و المنظومة و المحكي عن كشف الرموز و المنتهى و الروض و غيرها، بل و الجعفرية و المقاصد العلية و إن قال في الأولى: «إن شبهها بالشرط أكثر» و الثانية «أنها بالشرط أشبه» و استشكل فيهما في التذكرة كظاهر المحكي عن جماعة من ذكر القولين بلا ترجيح، و في جامع المقاصد «ان الذي يختلج في خاطري أن خاصة الشرط و الجزء معا قد اجتمعا في النية، فإن تقدمها على جميع الأفعال حتى التكبير الذي هو أول الصلاة يلحقها بالشروط و لا يقدح في ذلك مقارنتها له أو لشي ء منه، لأنها تتقدمه و تقارنه، و هكذا يكون الشرط، و اعتبار ما يعتبر في الصلاة فيها بخلاف باقي الشروط إن تحقق ذلك يلحقها بالأجزاء، و حينئذ فلا تكون على نهج الشروط و الأجزاء بل تكون مترددة بين الأمرين و إن كان شبهها بالشروط أكثر» و يقرب منه ما في المسالك.

و فيه أنه لا يعقل التردد بين الجزء و الشرط، نعم قد يكون الشي ء جزءا لشي ء و هو شرط كالقيام في الصلاة حال القراءة، لا أن الشي ء الواحد متردد بين الجزئية و الشرطية، اللهم إلا أن يكون مراده التردد باعتبار تعارض الامارات و الخواص عليه

ج 9، ص: 153

و فيه حينئذ أنه لا تعارض موجب لذلك كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما ذكرنا، خصوصا ما ذكره أخيرا مما يقتضي الجزئية من اعتبار ما يعتبر في الصلاة فيها، إذ هو واضح المنع على تقدير عدم الجزئية، ضرورة ظهور ما دل على اعتبارها في الصلاة، فمع فرض خروجها عنها تحتاج إلى دليل بالخصوص، و ليس قطعا، بل لم أعرف أحدا اعتبرها فيها و إن كانت شرطا.

نعم في الذكرى- بعد أن ذكر أن هذه المسألة لا جدوى لها إلا فيما ندر، كالنذر لمن يصلي في وقت كذا أو ابتداء الصلاة في وقت كذا، فان جعلناها جزءا استحق و بر، و إلا فلا ثمرة لها في الغالب، للاتفاق على بطلان الصلاة بفواتها و لو نسيانا سواء جعلناها شرطا أو جزء- قال: «و أما ما يتخيل من أن القول بالشرطية يستلزم جواز إيقاعها قاعدا و غير مستقبل، بل و غير متطهر و لا مستور العورة فليس بسديد، إذ المقارنة المعتبرة للجزء تنفي هذه الاحتمالات و لو جعلناها شرطا» و هو كالصريح في أن اعتبار ذلك على تقدير الشرطية لما يقارنها لا لها و إن كان قد يناقش فيه بأنه مع فرض سبقها على التكبير و أنها عبارة عن تصور ما ستعرفه مما يحتاج إلى امتداد زمان يتصور حينئذ الثمرة المزبورة، نعم بناء على كون المعتبر مقارنة المعية يتجه ما ذكره، لكن قد سمعت التصريح منه و من غيره بأن مقارنتها على وجهين سبق و معية، و في جامع المقاصد عن بعض المتأخرين أن فائدة القولين تظهر فيمن سها عن فعل النية بعد التكبير ففعلها ثم تذكر فعلها سابقه بطلت على الثاني خاصة لزيادة الركن، قال: «و ظني أن هذا ليس بشي ء، لأن استحضار النية في مجموع الصلاة هو المعتبر لولا المشقة، و لأن الاكتفاء بالاستدامة إرفاقا بالمكلف، فلا يكون استحضارها في أثناء الصلاة عمدا و سهوا منافيا بوجه من الوجوه، فان قيل: إن القصد إلى استينافها يقتضي بطلان الأولى قلنا هذا لا يختص بكونها ركنا» قلت: قد يفرق بينهما في الفرض، بل قد يفرق بينهما في صورة

ج 9، ص: 154

العمد أيضا لا بقصد الاستيناف، فتأمل جيدا.

و على كل حال ف هي ركن في الصلاة إجماعا منا محصلا و منقولا مستفيضا أو متواترا، بل من العلماء كافة في المحكي عن المنتهى و التذكرة، بل عن التنقيح «لم يقل أحد بأنها ليست بركن» و لكن بمعنى أنه «لو أخل بها عامدا أو ناسيا لم تنعقد صلاته» فلا ينافي الخلاف حينئذ في الجزئية و الشرطية، كما أنه لا تعرض فيه لزيادتها إما لعدم تصورها أو عدم ثبوت قدحها، لأن الثابت من الإجماع ما عرفت، كما أنه هو مقتضى

قولهم (عليهم السلام): «لا عمل إلا بنية»

و نحوه.

و أما حقيقتها فعند المصنف استحضار صفة الصلاة في الذهن و القصد بها إلى أمور أربعة: الوجوب أو الندب و القربة و التعيين و كونها أداء أو قضاء و فيه من القصور و الاجمال و الفساد ما لا يخفى، إذ قد عرفت في بحث الوضوء من كتاب الطهارة أنه لا حقيقة شرعية للنية، للأصل، و لأن عنوانها الحقيقة المتشرعية، و هو مفقود، ضرورة كون المراد بالمتشرعة المتدينين بدين محمد (صلى الله عليه و آله) و من المعلوم عدم كون النية عندهم كلفظ الصلاة و الزكاة و الحج، و شيوع التعبير في لسان العلماء منهم بأن النية معتبرة في العبادة دون المعاملة لا يقضي بالحقيقة المتشرعية فضلا عن الشرعية، لأعمية الاستعمال منها، و وضوح القرينة على إرادة نية القربة و الإخلاص فمن الغريب دعوى بعض فحول متأخري المتأخرين ذلك فيها مستشهدا له بما سمعت، و بما وقع من المصنف و بعض من تأخر عنه في تعريفها و كيفيتها، مع أن القدماء من الأصحاب تركوا التعرض لها و اكتفوا بذكر اعتبار الإخلاص في العبادة عنها، و كذلك النصوص البيانية للصلاة(1)و الوضوء(2)و غيرهما من العبادات، و ما هو


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء من كتاب الطهارة.

ج 9، ص: 155

إلا لأن النية فيها كالنية في غيرها من أفعال العقلاء، و

قولهم (عليهم السلام)(1): «إنما الأعمال بالنيات و لكل امرئ ما نوى»

إن لم يكن فيه دلالة على ما قلناه من صدق النية على القصد الخالي عن الإخلاص فلا دلالة فيه على خلافه كما هو واضح.

نعم يعتبر الإخلاص في العبادة الذي هو عبارة عن وقوع الفعل بقصد الامتثال للسيد المنعم باعتبار ما قام في النفس و دعاها إلى الفعل من الألطاف و رجاء الثواب و دفع العقاب، و هو أمر آخر خارج عن النية التي هي بمعنى القصد للفعل الذي لو كلف الله بالفعل بدونه لكان كالتكليف بما لا يطاق، ضرورة خروج صدور الفعل مع الغفلة عن القدرة، و لذا قبح تكليف الغافل و نحوه، أما هو ففي غاية الصعوبة في بعض العبادات، لاحتياجه إلى الرياضة التامة القالعة للقوى النفسانية و آثارها من حيث الشهرة و الرئاسة و غيرهما من الآفات المهلكة و الأمراض القاتلة، نسأل الله العافية منها، و إلا فوجوب القصد المزبور الذي يخرج به الفعل عن كونه فعل غافل ضروري في المعاملة، فضلا عن العبادة التي من مقوماتها تعلق الأمر بها، و الاجتزاء ببعض الأفعال من الغافلين- كحفر القبر و نقل الميت و نحوهما للدليل الخاص الظاهر في أن المراد وجودها في الخارج كيفما كان و إن لم يعد مثله امتثالا و طاعة- غير قادح في قاعدة اعتبار القصد في كل فعل تعلق به حكم شرعي بناء على ثبوتها و إن كان إقعادها في سائر الأفعال التي منها حيازة المباحات و تفرق المجلس في الصرف لا يخلو من نظر، أما العبادات فلا إشكال في اعتبار القصد فيها، لعدم صدق الامتثال و الطاعة بدونه، و اعتبارهما في كل أمر صدر من الشارع معلوم بالعقل و النقل كتابا و سنة بل ضرورة من الدين، بل لا يصدقان إلا بالإتيان بالفعل بقصد امتثال الأمر فضلا عن مطلق القصد، ضرورة عدم تشخص الأفعال بالنسبة إلى ذلك عرفا إلا بالنية، فالخالي منها عن قصد الامتثال و الطاعة


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 10.

ج 9، ص: 156

لا ينصرف إلى ما تعلق به الأمر، إذ الأمر و العبثية فضلا عن غيرها على حد سواء بالنسبة اليه، و من هنا إذا كان الأمر متعددا توقف صدق الامتثال على قصد التعيين، لعدم انصراف الفعل بدونه إلى أحدهما، و احتمال الاجتزاء بالإتيان بالفعل بقصد امتثال كلي الأمر فيكون كالأمر المتحد بمأمور به متعدد يدفعه أن العقل و النقل قد تطابقا على وجوب امتثال كل أمر أمر للشارع بخصوصه، و لا ريب في عدم صدق امتثال خصوص كل منهما في الفرض، لما عرفت من عدم انصراف الفعل بدون النية، و لذا لم يحكم به لأحدهما بالخصوص فيما لو أوقع الفعل مرة واحدة لا ظاهرا و لا واقعا، نعم لو فهم من الأدلة عدم إرادة الخصوصية من التعدد، و أنه كالأمر المتحد بتكرار الفعل لم يحتج في الامتثال حينئذ إلى أزيد من قصد الفعل بعنوان الامتثال.

فاتضح من ذلك كله أن المدار على صدق الامتثال من غير فرق بين تعدد الأمر و اتحاده سوى أنه يتوقف في الأول على تعيين الأمر بخلاف الثاني الذي اتحاده مع قصد امتثاله يكفي في تعيينه، نعم قيل: الظاهر عدم كفاية الاتحاد واقعا فيه مع التعدد بزعم المكلف جهلا أو نسيانا أو عصيانا، لعدم صدق الامتثال عرفا لو أوقعه مرددا أو بعنوان ما زعمه من الأمر، و تسمعه تحقيق الحال فيه إن شاء الله عن قريب.

و على كل حال فلا إشكال في اعتبار قصد الامتثال و التعيين على الوجه الذي ذكرناه، و الظاهر أن الأول هو مراد الأصحاب بنية القربة التي لا خلاف معتد به في وجوبها، و لذا حكي الإجماع عليها في صريح المدارك و المحكي عن الإيضاح و ظاهر التذكرة و المنتهى، بل اعتمادا على ضروريته ترك ذكرها في الخلاف و المبسوط كما قيل، فما عن ابن الجنيد من الاستحباب- مع أنه غير ثابت- غير معتد به، لكثرة موافقته للعامة كما أن ما في انتصار المرتضى- من صحة الصلاة المقصود بها الرياء و إن لم يكن عليها ثواب- يمكن أن لا يكون خلافا في ذلك، و إن مراده عدم قدح ضم الرياء إليها في

ج 9، ص: 157

الصحة الموجبة للإعادة ضما لا ينافي نية التقرب معه و إن كان ما تسمعه مما ذكر دليلا له ينافي ذلك، بل مطلق الإخلاص واجب في نفسه شرط لحصول الثواب لا للصحة، إذ الشرطية حكم آخر محتاج إلى دليل غير اعتبار الإخلاص في نفسه، على أنه إن أراد غير ما ذكرنا من صحة الصلاة بقصد الرياء مع الخلو عن قصد الامتثال كان خلافه غير معتد به أيضا، لما عرفت من توقف الصدق عليه، و توقف الصحة على الصدق المزبور و المقدمتان معلومتان، فالنتيجة كذلك.

أما القربة بمعنى القرب الروحاني الذي هو شبيه بالقرب المكاني فهو من غايات قصد الامتثال المزبور و دواعيه، و لا يجب نية ذلك و قصده قطعا، للأصل و إطلاق الأدلة، و دعوى الإجماع عليه ممنوعة، سيما بعد تفسير جملة منهم القربة بما ذكرنا، فما يظهر من بعض العبارات من وجوبه بالخصوص كعبارة الغنية و غيرها واضح الفساد، بل إن نواه مع عدم قصد الامتثال يقوى البطلان كما ذكرنا ذلك مفصلا، و لعل ذلك هو المراد بالداعي في قولهم: إن النية هو الداعي مقابل القول بالإخطار، لا أن المراد به ما هو المنساق إلى الذهن من العلة الغائية، و إن كان قد يجزي خطور الداعي بهذا المعنى عن النية لا لأنه من الأمور المترتبة عليه، فيكون قصده قصده، ضرورة عدم استلزام نية المترتب على شي ء نية ذلك الشي ء، و إلا لاكتفي بقصد رفع الحدث في الوضوء مثلا عن نية قصد الامتثال، بل غير ذلك من الأمور التي رتبها الشارع على صحة عبادة، بل كان يجتزى في المعاملات بقصد آثارها المترتبة عليها عن قصدها، و هو معلوم البطلان و لا لأنه من اللوازم، ضرورة لزوم قصد الامتثال حصوله لا قصده لقصد الامتثال، فان الجاهل مثلا قد يتخيل ترتب الآثار على الأفعال من دون قصد الامتثال، و أنها من قبيل الأسباب و المسببات التي ليست بعبادة، بل لأن الغالب ممن كان الداعي في نفسه الذي هو العلة الغائية و كان عالما عاقلا غير غافل و لا عاص أن يكون قاصدا

ج 9، ص: 158

لذي الغاية، إلا أن ذلك لما كان ليس من الأمور المنضبطة لعامة المكلفين- و قد عرفت عدم اللزوم العقلي فيه، و شدة الاحتياط في العبادة، مضافا إلى أن الغالب حصول الداعي في أنفس المكلفين لكلي العبادة، فلا يكفي عن خصوص العبادة- لم يطلق الأصحاب الاجتزاء به، بل أناطوا الحكم بحصول قصد الامتثال بالعبادة المخصوصة حال إرادة فعلها، سواء حصل بملاحظته أو بغيره بأن استحضر ذلك حالها.

فمن الغريب تبجح بعض متأخري المتأخرين في المقام بذلك حتى أنه أساء الأدب، و ظن أنه قد جاء بما فيه العجب، و أنه قد تنبه لما قد غفلوا عنه، و كل ذلك ناش من بعض الملكات الردية المفسدة للعمل بفساد النية، نسأل الله العافية عنها، نعم ستسمع ما في القول بالإخطار و عدم الاجتزاء بالداعي بالمعنى الذي ذكرناه، و أنهم مطالبون بدليله.

و أما الثاني أي التعيين فقد عرفت ما يدل عليه، مضافا إلى عدم معروفية الخلاف فيه، بل نفاه عنه في المحكي عن المنتهى، بل في التذكرة و المدارك الإجماع عليه، لكن عن الكفاية أنه المشهور و أنه قريب، و فيه إشعار بوجود المخالف بل بالتأمل فيه، إلا أنه لم نتحققه، كما أنا لم نجد وجها للتأمل فيه بعد ما عرفت، بل لعل لذلك أوجب الأصحاب من غير خلاف معتد به يعرف بينهم التعرض للأسباب في ذواتها من النوافل، ضرورة اشتراكها بينها و بين غيرها مما ليست بذات سبب، مضافا إلى اشتراكها بينها و نحوها الموقتة لا بد من تعيينها بالإضافة إلى الوقت و نحوه، ضرورة عدم اقتضاء التوقيت نفي مشروعية غيرها كي يكتفي بقصد وقوع الصلاة فيه عن ذلك، بل أقصاه عدم صحتها في غيره، و هو لا ينفي الاشتراك المحتاج إلى التعيين، فما عن التذكرة- من أن غير المقيدة يعني بسبب و إن تقيدت بوقت كصلاة الليل و سائر النوافل يكفي نية الفعل عن القيد، و نحوه ما تسمعه في كشف اللثام- في غير محله، بل و كذا

ج 9، ص: 159

استشكاله في المحكي من نهايته إن أراد به ما يشمل ذلك، قال: «أما النوافل فأما مطلقة يعني من السبب و الوقت، و يكفي فيها نية فعل الصلاة لأنها أدنى درجات الصلاة فإذا قصد الصلاة وجب أن تحصل له، و لا بد من التعرض للنفلية على إشكال ينشأ من الأصالة و الشركة، و لا يشترط التعرض لخاصتها، و هي الإطلاق و الانفكاك عن الأسباب و الأوقات، و إما معلقة بوقت أو سبب، و الأقرب اشتراط نية الصلاة و التعيين و النفل فينوي صلاة الاستسقاء و العيد المندوب و صلاة الليل و راتبة الظهر على إشكال» و قد يكون إشكاله راجعا إلى نية النفل الذي مرجعه إلى نية الوجه، فيكون في محله، بل ستعرف أن الأقوى عدم وجوبها، و لعله لذا قد استوجه العدم كاشف اللثام في إشكاله الأول، ضرورة كون الحال كما استوجهه من حيث نية الوجه لا من حيث نية التعيين مع فرض الاحتياج اليه له، كما لو كان عليه غير النفل، فان دعوى الاجتزاء حينئذ بنية الصلاة أيضا لأصالة النفل كما ترى.

نعم يمكن الاعتماد على نحو هذا الأصل في عدم وجوب التعرض للإطلاق في المطلقة، إذ الظاهر عدم كون الإطلاق قيدا لها كي يتعرض له كباقي الأسباب، و إلا فلا تشرع، بل يكفي في مشروعيتها و تحقق كونها مطلقة عدم التعرض للسبب، نعم قال في كشف اللثام: لكن إذا أراد فعل ما له كيفية مخصوصة كصلاة الحبوة و صلوات الأئمة (عليهم السلام) عينها، مع أنه يمكن أن لا يكون ذلك مما نحن فيه من التعيين لتمييز المشترك، بل هو من تصور العمل في نفسه حتى يكون منويا له مقصودا، بل لو قلنا بأن هذه الهيئات المخصوصة من كيفيات النافلة المطلقة أمكن حينئذ عدم وجوب التعرض لنيتها، و كان يجزي فعلها في أثناء ما قصد به مطلق النافلة، ضرورة كون الكيفية المخصوصة أحد أفراد المخير، فلا يحتاج إلى نية، بل يجزي عنه نية الكلي، فتأمل جيدا، فلا يتم حينئذ استثناؤه المزبور، كما أن قوله- بعد ذلك: «الأقرب

ج 9، ص: 160

عندي اشتراط التعيين بالسبب في بعض ذوات الأسباب كصلاة الطواف و الزيارة و الشكر، دون بعض كالحاجة و الاستخارة، و دون ذوات الأوقات إلا أن يكون لها هيئات مخصوصة كصلاة العيد و الغدير و المبعث، فيضيفها إليها لتتعين، و لا يشترط التعرض للنفل إلا إذا أضافها إلى الوقت و للوقت فرض و نفل فلا بد إما من التعرض له أو العدد ليتميز، فينوي الحاضر في الظهر مثلا أصلي ركعتين قربة إلى الله تعالى، و في الفجر أصلي نافلة الفجر»- غير تام أيضا، ضرورة عدم الفرق في الأسباب كما عرفت، و دعوى الاكتفاء في صلاة الحاجة و الاستخارة بطلبهما في أثناء النافلة المطلقة يدفعها أن ذلك إخراج لهما عن السببية في الحقيقة، و هو خلاف ظاهر الأدلة، إذ من الواضح استفادة التنويع منها، و ان صلاة الحاجة و الاستخارة نوع مستقل عن النفل المطلق كما هو واضح بأدنى تأمل، كوضوح احتياج التعيين لذوات الأوقات من غير فرق بين أن يكون لها هيئات مخصوصة أو لا، و بين إضافتها للوقت و كان له فرض و نفل أو لا، لما عرفته سابقا، و بالجملة لا إشكال في وجوب نية التعيين.

نعم قد يشتبه بعض أفراده كنية الوجه الذي هو الوجوب أو الندب عند كثير من أساطين الأصحاب على ما حكي عن البعض، كالشيخ و بني زهرة و إدريس و فهد و سعيد و الفاضل و الشهيدين و العليين و غيرهم ممن تقدم ذكره في الوضوء، إذ القول به هنا أولى منه، و لذا قال به من لم يقل به هناك، بل قيل: إنه المشهور، بل قد يظهر من التذكرة الإجماع عليه، بل عن الكتب الكلامية أن مذهب العدلية اشتراط استحقاق الثواب على واجب أن يوقعه لوجوبه أو وجه وجوبه، و ظاهرهم الإجماع أو صريحهم، و قد عرفت في الوضوء المراد بوجه الوجوب، بل ربما استظهر منهم وجوب نية الوجه وصفا و غاية، كما عن الروض أنه المشهور و إن كنا لم نتحققه، و قد صرح بعضهم باعتبار

ج 9، ص: 161

أحدهما خاصة، و آخر بإغناء الوصف عن الغائي، و ثالث العكس.

و كيف كان فقد استدلوا على اعتبار الوجه بوجوه ذكرناها في الوضوء، و بينا فسادها، لكن العمدة منها دعوى توقف التعيين على ذلك، قالوا: لأن جنس الفعل لا يستلزم وجوهه إلا بالنية، فكلما أمكن أن يقع على أكثر من وجه واحد افتقر اختصاصه بأحد الوجوه إلى النية، فينوي الظهر مثلا ليتميز عن بقية الصلوات، و الفرض ليتميز عن إيقاعها ندبا، كمن صلى منفردا ثم أدرك الجماعة، و به فرق بعضهم بينها و بين الوضوء باعتبار أنه لا يقع إلا على وجه واحد الوجوب مع اشتغال الذمة بواجب، و الندب مع عدمه، بخلافها، و فيه مع ما قد عرفت من أن نية التعيين تجب عند التعدد، لتوقف صدق الامتثال عليها، و صلاة الظهر مثلا لا يمكن وقوعها من المكلف في وقت واحد على وجهي الوجوب و الندب، ليعتبر تمييز أحدهما عن الآخر، لأن من صلى الفريضة ابتداء لا تكون صلاته إلا واجبة، و من أعادها ثانيا لا تقع إلا مندوبة، على أن مثل ذلك يجري في الوضوء باعتبار ملاحظة التجديدي أيضا، و لا ريب في عدم توقف صدق الامتثال على شي ء من هذه المشخصات، ضرورة الاكتفاء باتحاد الخطاب مع قصد امتثاله عن ذلك كله، إذ هو متشخص بالوحدة مستغن بها عنها، و إلا لوجب التعرض لغيرها من المشخصات الزمانية و المكانية و سائر المقارنات، إذ الكل على حد سواء بالنسبة إلى ذلك، بل ليست صفة الوجوب إلا كتأكد الندب في المندوب المعلوم عدم وجوب نيته زيادة على أصل الندب.

و دعوى أن الوحدة الواقعية لا تكفي- إذ قد يعدد المكلف الخطاب جهلا منه أو سهوا أو عمدا، و حينئذ مع عدم التعيين لا يعد أيضا ممتثلا عرفا، فمراد الأصحاب إيجاب نية ذلك عليه لتحصل له الصلاة الصحيحة- يدفعها- مع أن نحوها تجري في الوضوء، فلا ينبغي الفرق بينه و بين الصلاة ممن فرق بينهما- أنه لو كان المراد ذلك

ج 9، ص: 162

ما احتاجوا في مثال الخطاب بها ندبا إلى صلاة الصبي كما في التذكرة، و الإعادة للجماعة كما فيها و في غيرها، على أن صفة الوجوب لا تجدي في التعيين حينئذ في الفرض، إذ قد يعدد الخطاب بها وجوبا أيضا جهلا أو نسيانا أو عصيانا، فلا ريب في عدم إرادة وجوب نيتها دفعا لهذا التعدد، و لو سلم فهو خروج عن محل النزاع، إذ هو قول بوجوبها حال التعدد خاصة و إن كان بزعم المكلف، مع أن ما ذكره من الفرض انما يتصور في خصوص الجاهل الذي يرجع إليه الناسي، أما العاصي فيكفي في بطلان صلاته حينئذ عدم قصده امتثال الأمر المعلوم لديه، و الجاهل إن كان إشكال في صلاته ففيما إذا نواها مرددة، أو بقصد الأمر الثاني الذي زعمه، لعدم قصده امتثال الأمر المكلف به، لكن قد يقال بالصحة في الصورة الأولى إذا كان قد قصد امتثال الأمر الذي تخيل تعدده، لمكان قصده الصفة المشخصة له في الواقع، إذ الفرض عدم أمر آخر غيره، و تخيله أنها غير مشخصة لا يرفع تشخيصها الواقعي، و استوضح ذلك بأمر السيد لعبده بالإتيان بلحم مع تخيله تعدد الأمر و جاء بلحم بقصد امتثال الأمر، بل قد يتجشم للصحة في الصورة الثانية أيضا، إذ هو و إن كان قد جاء بالفعل بقصد امتثال الأمر الذي تخيله إلا أن ما شخصه به من صفة الندبية مثلا وقعت في غير محلها، فلا تفيده تشخيصا، و الفرض تحقق الطلب في الواقع، فينصرف الفعل اليه، و بالجملة هو أشبه شي ء بنية الندب في مقام الوجوب و بالعكس، و قد ذهب جمع من محققي مشايخنا إلى الصحة معها تبعا للمحكي عن المصنف في بعض تحقيقاته، فتأمل جيدا.

و على كل حال فمما ذكرنا يظهر لك ما في كلام الأستاذ الأكبر في حاشية المدارك و إن أطنب و تبعه عليه صهره في الرياض، فلاحظ و تأمل، كما أنه ظهر لك ضعف القول بوجوب نية الوجه في المتحد خطابا، للتعيين، و أنه ليس من موارده، أما غيره من الأدلة فقد أوضحنا فسادها في باب الوضوء حتى ما ذكره الأستاذ الأكبر من الاستدلال

ج 9، ص: 163

عليه بقاعدة الشغل، ضرورة حصول الشك من الشهرة أو الإجماع كما عرفت على اعتبار الوجه في الصحة، إما لدخوله في معنى النية أو المراد منها، و إما لاعتباره شرطا في الصلاة، و على كل حال فهو شك في جزء الشرط أو الجزء على الخلاف في النية، أو شرط الصلاة، فيجب الإتيان به تحصيلا لليقين بالفراغ، إذ هو- مع أنه غير تام على المختار عندنا من عدم إجمال المراد بالنية، و عدم شرطية ما شك فيه- يدفعه أنه لا شك في المقام بعد استنادهم إلى نحو ما عرفته هنا و في الوضوء مما هو ظاهر في عدم دليل لهم غير ذلك، و أنه اشتباه في محل وجوب نية التعيين، أو أن نية الوجه من جملة وجه المأمور به الذي إن لم يأت المكلف به على وجهه لم يمتثل، أو نحو ذلك، خصوصا بعد ملاحظة ما سمعته من أدلة العدم التي ذكرناها في الوضوء.

و ما في كتب أهل الكلام يمكن حمله على إرادة نية القربة لا خصوصية الوجوب أو إرادة نية الخلاف، بل ربما حمل كلام من اعتبرها من الأصحاب على ذلك، و إن كان الأقوى أيضا عدم الفساد بها إذا كان قد قصد الامتثال بالأمر من حيث كونه أمرا و إن اعتقد مع ذلك خلاف وصفه من الوجوب و الندب، بل لو شخصه بذلك أيضا لم يبعد الامتثال، لأنه بعد ان كان متشخصا بوحدته لم يقدح فيه الغلط بتخيل مشخص آخر خارجي له، ضرورة كونه كمن شخصه بزمان أو مكان و نحوهما من الأمور الخارجية التي لا مدخلية لها في الامتثال، و لقد أجاد المصنف فيما حكي عنه من بعض تحقيقاته في نية الوضوء، حيث أنه بعد أن استظهر عدم اشتراط نية الوجه في صحته قال في جملة كلام له: «و ما يقوله المتكلمون- من ان الإرادة تؤثر في حسن الفعل و قبحه، فإذا نوى الوجوب و الوضوء مندوب فقد قصد إيقاع الفعل على غير وجهه- كلام شعري، و لو كان له حقيقة لكان الناوي مخطئا في نيته، و لم يكن النية مخرجة للوضوء عن التقرب» إلا أنه ينبغي تقييده بما إذا لم يكن قد زعم التعدد و جعل النية مشخصة له بناء على

ج 9، ص: 164

البطلان في مثله، فتأمل، أو على إرادة وجوب ذلك مع التعدد في الذمة.

كما يشهد له أن المنسوب إليهم أو أكثرهم في المقام عدم الفرق بين نية الوجه و الأداء أو القضاء، حتى أن المحررين للمسألة جعلوا ذلك كله مسألة واحدة، و حكوا الشهرة و ظاهر الإجماع عليها، بل في تذكرة الفاضل «و أما الأداء و القضاء فهو شرط عندنا» بعد قوله: «و أما الندبية و الفرضية فلا بد من التعرض لهما عندنا» و في الخلاف «يجب أن ينوي كونها ظهرا فريضة مؤداة على طريق الابتداء دون القضاء» بل لم أجد أحدا صرح بوجوب نية الوجه دونهما، و لعله لاتحاد الدليل، لكن ظاهر الشيخ و الفاضل أو صريحهما أن وجوب نية القضاء، أو الأداء عند اشتغال الذمة بهما معا، قال الأول: «و اعتبرنا كونها حاضرة، لأنه يجوز أن يكون عليه ظهر فائتة فلا تتميز إلا بالنية» و قال في التذكرة بعد ما سمعت من عبارته: «و هو أحد وجهي الشافعية، لأن الفعل مشترك فلا يتخصص لأحدهما إلا بالنية، إذ القصد بها تمييز بعض الأفعال عن بعض، و الوجه الآخر أي لهم لا يشترط، لأنه لو صلى في يوم غيم بعد الوقت أجزأه و إن لم ينو الفائتة، و كذا لو اعتقد فوات الوقت فنوى القضاء ثم بان الخلاف، ثم قال ردا عليهم: و الفرق ظاهر، فإنه ينوي صلاة وقت معينة و هو ظهر هذا اليوم فكيف وقعت أجزأه سواء وقعت أداء أو قضاء، لأنه عين وقت وجوبها، و جرى مجرى من نوى صلاة أمس، فإنه يجزيه عن القضاء، و انما يتصور الخلاف فيمن عليه فائتة الظهر إذا صلى وقت الظهر ينوي صلاة الظهر الفريضة، فإن هذه الصلاة لا تقع بحكم فائتة الظهر إذا صلى وقت الظهر ينوي صلاة الظهر الفريضة، فإن هذه الصلاة لا تقع بحكم الوقت عندنا و تقع عند المجوزين، و إذا كان نسي أنه صلى فصلى ثانيا ينوي صلاة الفريضة فإنه لا يجزيه عن القضاء عندنا و يجزي عندهم» إلى آخره. و هو كالصريح في وجوب نية ذلك مع التعدد، فلعلهم يريدون مثله في الوجوب و الندب أيضا، و إلا أشكل عليهم الفرق بين المقامين.

ج 9، ص: 165

كما أنه يشكل عليهم ذلك بالنسبة إلى نية القصر و التمام التي لا أجد خلافا في عدم اعتبارها مع عدم التعدد في الذمة و التخيير، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب كما عن شرح النفلية الاتفاق عليه، بل في المحكي عن كشف الالتباس أن المشهور عدم اعتبار ذلك في مواضع التخيير أيضا، كما أن في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب أيضا بل في الرياض لا أجد فيه خلافا إلا من المحقق الثاني فأوجبه، و احتمله الشهيد في الذكرى قلت: قد حكي الجزم به عنه في الدروس و موضع من البيان و الموجز و جامع المقاصد و تعليق النافع و الجعفرية و شرحيها، كمن كان عليه قضاء قصرا و تماما.

لكن على كل حال لا ريب في أن الأكثر على عدم الاشتراط، و الفرق بينهما في غاية الإشكال حتى على القول بأن مراعاة التمييز للتعدد بزعم المكلف، إذ مثله جار في المقام، نعم بناء على المختار عدم اشتراط ذلك حال عدم التخير و التعدد واضح، إذ الاتحاد كاف، فإذا قصد الامتثال بصلاة الظهر مثلا أجزأه ذلك قطعا، بل قد يقال به لو نوى الخلاف جهلا مثلا، لأنه قد قصد الامتثال بإيقاع صلاة الظهر و هي في الواقع التمام، فغلطه بوصفها بالقصر غير قادح، و ليس هذا خلوا عن نية الركعتين الأخيرتين مثلا، أو زيادة في المكلف به في العكس بعد أن كان قصده صلاة الظهر التي هي في الواقع أحدهما، و القصرية و التمامية من الأحكام اللاحقة لها، بل هما عند التأمل الجيد كالقنوتية مثلا في الصلاة و عدمها، و ربما يومي اليه تمثيلهم بهما للتخيير بين الأقل و الأكثر و غير ذلك.

نعم ربما يتخيل هنا بعض الصور التي لا تخلو من إشكال، بل الفرض لا يخلو عنه أيضا بناء على أن القصر و التمام ماهيتان مختلفتان، ضرورة كون المنوي حينئذ غير المكلف به، فلا يجزي و إن اشترك الماهيتان بالركعتين مثلا، فتأمل جيدا حتى يظهر لك الحال في الحكم في مقام التخيير، إذ على الأول يتجه أيضا عدم وجوب التعرض

ج 9، ص: 166

في النية لهما، إذ هما حينئذ كباقي أحكام الفريضة الذي من المعلوم عدم وجوب التعرض في النية له، بل يجزيه نية فريضة الظهر، و هو بالخيار في الإتيان بأحد فرديها، حتى لو عزم على أحدهما من أول الأمر لم يلتزم به، و كان له اختيار الفرد الآخر، للأصل السالم عن معارضة ما يدل على التزامه بما عزم عليه من أحدهما.

و من هنا صرح غير واحد من الأصحاب ببقاء التخيير له في الأثناء كالابتداء بل بذلك استدل بعضهم على عدم وجوب التعرض في النية، و إن كان قد يناقش فيه بأن جواز العدول له عما نواه أعم من عدم وجوب التعرض في النية لذلك، إذ أقصاه أنه كالعدول من الحاضرة إلى الفائتة، اللهم إلا أن يريد بقاء التخيير الأول، و أن تعيينه أحدهما كعدمه لا يلتزم به و لا تتشخص الصلاة به لذلك، فليس هو عدولا، بل الحكم الأول باق، و من ذلك يعلم قاعدة، هي أن كل ما لا يتعين في العمل لا يتعين في النية، و على كل حال فالمتجه بناء على ذلك عدم وجوب التعرض في النية و عدم الالتزام به لو تعرض، بل ليس التعرض المزبور سوى أنه عزم منه على اختيار أحد الفردين لا يلتزم به و لا يشخص ما وقع من أفعاله لما نواه.

أما بناء على انهما ماهيتان مختلفتان فيمكن القول بوجوب التعيين، و أنه يتعين عليه ما نواه، بل لا يخلو القول بالعدول لاستصحاب التخيير أو إطلاق دليله من إشكال، و حينئذ فلو شك في العدد على وجه يمكن علاجه على تقدير اختيار الأربع جاز له حينئذ البناء على التمام و العمل بما يقتضيه الشك، إذ احتمال البطلان- لأنه الأصل في الشك، فليس له حينئذ اختيار التمام بعد حصول الشك كما هو الفرض- في غاية الضعف، للأصل و غيره، نعم يمكن القول بتعين اختيار التمام عليه تجنبا عن إبطال العمل، و لأنه كتعذر أحد فردي المخير عليه، فيتعين عليه الفرد الآخر، بل قد يقال ذلك فيما لو كان من نيته القصر و شك، لما عرفت من عدم التعين بنيته عليه بحيث يكون عدولا منه

ج 9، ص: 167

لو اختار التمام بعد ذلك، بل أقصاه أنه عزم منه على فعل أحد الفردين الذي هو القصر، فمع فرض تعذره عليه بالشك المزبور تعين عليه الفرد الثاني، فتأمل جيدا فإنه دقيق، و منه يعلم بطلان الاستدلال على وجوب التعيين باختلاف الأحكام في الشك و غيره، مضافا إلى أن مثله لا يقضي بالتعيين، إذ أقصاه البطلان في الفرض المزبور.

و من ذلك كله ظهر لك ما في عبارة المصنف و ما ضاهاها، بل قوله فيها: «إن حقيقة النية استحضار» إلى آخره كما ترى، و كأنه به عرض الشهيد في الذكرى بقوله: «إن من الأصحاب من جعل إحضار ذات الصلاة و صفاتها هي المقصودة، و الأمور الأربعة مشخصات للمقصود، أي يقصد الذات و الصفات مع التعيين و الأداء و الوجوب و القربة، و كانت نيته هكذا أصلي فرض الظهر بأن أوجد النية و تكبيرة الإحرام مقارنة لها ثم أقرأ و يعدد أفعال الصلاة إلى آخرها، ثم يعيد أصلي فرض الظهر على هذه الصفات أداء لوجوبه أو ندبه قربة إلى الله تعالى» و لقد أجاد في رده بأنه و إن كان هذا مجزيا إلا أن الاعراض عنه من وجوه ثلاثة: أحدها أنه لم يعهد من السلف، و ثانيها أنه زيادة تكليف، و الأصل عدمه، و ثالثها أنه عند فراغه من التعداد و شروعه في النية لا تبقى تلك الاعداد في التخيل مفصلة، فإن كان الغرض التفصيل فقد فات، و إن اكتفي بالتصور الإجمالي فهو حاصل بصلاة الظهر، إذ مسماها تلك الأفعال، على أن جميع ما عدده انما يفيده التصور الإجمالي، إذ واجب كل واحد من تلك الأفعال لم يتعرض له، مع أنها أجزاء، منها مادية أو صورية، و احتمال إرادة المصنف من صفة الصلاة كونها ظهرا واجبة مؤداة يدفعه قوله: «و القصد إلى أمور أربعة» فتعين حمله على إرادة ما سمعت الذي فيه مضافا إلى ما عرفت أنه ليس هو حقيقة النية، و انما هو تشخيص المنوي. إذ النية أمر واحد بسيط، و هو القصد إلى فعل الصلاة المخصوصة، و الأمور المعتبرة فيها التي يجمعها اسم المميز انما هي مميزات

ج 9، ص: 168

المقصود، و هو المنوي لا أجزاء لنيته، بل القربة المفسرة عندهم بغاية الفعل المتعبد به خارجة عنها أيضا.

نعم لما كانت النية عزما و إرادة متعلقة بمقصود معين اعتبر في تحققها إحضار المقصود بالبال أولا بجميع مشخصاته كالصلاة مثلا، و كونها ظهرا واجبة مؤداة مثلا، ثم يقصد إيقاع هذا المعلوم على وجه التقرب إلى الله تعالى، فلفظة أصلي مثلا هي النية، إذ هي و إن كانت مقدمة لفظا فهي متأخرة معنى، لأن الاستحضار القلبي الفعلي يصير المتقدم من اللفظ و المتأخر في مرتبة واحدة، قال في المسالك: «و قد أفصح عن هذا المعنى أجود إفصاح الشهيد في دروسه و ذكراه» قلت: قال في الأول: «لما كان القصد مشروطا بعلم المقصود وجب إحضار ذات الصلاة و صفاتها الواجبة من التعيين و الأداء و القضاء و الوجوب، ثم القصد إلى هذا المعلوم لوجوبه قربة إلى الله تعالى مقارنا لأول التكبير» إلى آخره، و قال في الثاني: «النية قصد، و متعلقة المقصود، فلا بد من كونه معلوما، فيجب إحضار ذات الصلاة و صفاتها الواجبة من التعيين و الأداء و القضاء و الوجوب للتقرب إلى الله تعالى، ثم يقصد إلى هذا المعلوم، و تحقيقه أنه إذا أريد نية الظهر مثلا فالطريق إليها إحصار المنوي بمميزاته عن غيره في الذهن، فإذا حضر قصد المكلف إلى إيقاعه تقربا إلى الله تعالى و ليس فيه ترتيب بحسب التصور و إن وقع ترتيب فإنما هو بحسب التعبير عنه بالألفاظ، إذ من ضرورياتها ذلك، فلو أن مكلفا أحضر في ذهنه الظهر الواجبة المؤداة ثم استحضر قصد فعلها تقربا إلى الله و كبر كان ناويا، و لو جعل القربة مميزا كأن يستحضر الظهر الواجبة المؤداة المتقرب بها و يكبر مع إرادة التقرب منه صحت منه النية، و لكنه يكفي إرادة التقرب منه عن استحضاره أولا و عن جعله مشخصا رابعا، و لا يكفي تشخيصه عن جعله غاية،

ج 9، ص: 169

قلت: فإذن الأولى الاقتصار على ذكره غاية مقترنا بلام التعليل كما سمعته من النظم أولا لا مشخصا مع ذلك، إذ هو حينئذ كالعبث، ثم قال: «فان قلت: بين لي انطباق هذه العبارة على النية المعهودة، و هي أصلي فرض الظهر، إلى آخره، فان مفهوم هذه العبارة يقتضي أن قوله: «أصلي» بعد ذلك الإحضار، فيلزم تكرار النية أو نية النية، و هما محالان، قلت: إذا عبر المكلف بهذه الألفاظ فقوله: «فرض الظهر» إشارة إلى القرب و التعيين «و أداء» إلى الأداء، و «لوجوبه» إلى ما يقوله المتكلمون من أنه ينبغي فعل الواجب لوجوبه أو وجه وجوبه، و قوله: «قربة إلى الله» هي غاية الفعل المتعبد به، و في هذا إحضار الذات و الصفات كما ذكر، فقوله: «أصلي» هو عبارة عن القصد المتعلق بها، و هو و إن كان متقدما لفظا فإنه متأخر معنى، و في قولنا:

«للتقرب إلى الله» إشارة إلى فائدة، هي أن الغاية ليست متعددة بل هي متحدة، أعني التقرب إلى الله الذي هو غاية كل عبادة، و على ترتيب النية المعهودة بتلك الألفاظ المخصوصة و انتصابها على المفعول له أو الإتيان فيها بلام التعليل يشكل إعرابه من حيث عدم جواز تعدد المفعول لأجله إذا كان المغيا واحدا إلا بالواو، و اعتذر عنه بعض النحاة من الأصحاب بأن الوجوب مثلا في هذه النية غاية لما قبله، و التقرب غاية للوجوب، فيتعدد الغاية بسبب تعدد المغيا، فاستغنى عن الواو، و إذا صورت النية على الوجه الذي ذكرناه لم يكن إلا غاية واحدة، و يزول ذلك الإيراد من أصله، مع أنه ليس له تعلق بالنية الشرعية، بل متعلق بالألفاظ التي لا مدخل لها في المقصود، فإن أريد التعيين بنية تطابق ما ذكرناه ملفوظة فليقل: أصلي فرض الظهر الواجب المؤدي أو المقضي قربة إلى الله، و هذه العبارة كافية في هذا المقام و نحوها من العبارات، و الغرض بها إيصال المعاني إلى فهم المكلفين كما قيل لا التلفظ بها» و نقلناه بطوله لما فيه من كمال الإفصاح بما عند المشهور من النية، و قد أنكر عليهم متأخرو المتأخرين ذلك،

ج 9، ص: 170

بل عدوه من جملة الخرافات قائلين: إن النية هي الداعي لا هذا الاخطار الذي هو حديث فكري و مثارة للوسواس في قلوب أكثر الناس، خصوصا بعد ما تسمعه من الأقوال في اعتبار مقارنة النية للتكبير بخلافه على القول بالداعي، و لذا قال راجزهم:

و يلزم اقترانها بالداعي و الخطب سهل فيه ذو اتساع

و لا كذاك الأمر في الاخطارفهو مع الضيق على إخطار

لكن ربما كان نوع غموض في المراد من الداعي في كلامهم، و ربما انساق إلى الذهن منه العلة الغائية، و كون النية عبارة عنها كما ترى، و الظاهر أن مرادهم به الإرادة المسماة بالباعث في لسان الحكماء المؤثرة في وجود الفعل من الفاعل المختار المنبعثة عن تصور الغاية و الإذعان بها، و كشف الحال أن القلب له معنيان: أحدهما اللحم الصنوبري الذي في تجويفه دم أسود، و الثاني لطيفة ربانية روحانية لها تعلق بالقلب الجسماني، و هو المدرك من الإنسان و المكلف المخاطب، إذ به يمتاز الإنسان عن سائر الحيوانات، بل هو حقيقة الإنسان بخلاف الأول المشترك بينه و بين غيره، و يطلق عليه بهذا المعنى العقل، بل ربما أطلق عليه اسم الروح و النفس، كما أنه قد يطلقان على غيره، بل العقل أيضا قد يطلق على غير المعنى المزبور، ثم إن للقلب جنودا، و ذلك لأنه لما كان اكتساب الكمالات الإنسانية موقوفا على البدن فلا بد من حفظه بجلب ما يوافقه و دفع ما ينافيه، فأنعم الله تعالى على القلب بجندين: باطن و هو الشهوة، و ظاهر و هو آلتها، و لما توقف الشهوة للشي ء و النفرة عنه على معرفة ذلك أنعم الله عليه في المعرفة بجندين باطنيين أحدهما الإدراكات الخمس، و منازلها الحواس الخمس الظاهرة، و ثانيهما القوى الخمس، و منازلها تجويف الدماغ، فإذا علم الموافق اشتهاه و انبعث على جلبه، و إذا علم المنافر نفر عنه و انبعث على دفعه، و الباعث يسمى إرادة، و هي المعبر عنها عند الأصحاب بالداعي، لأنها هي التي تدعو لوقوع الفعل و وجوده في الخارج، بل ربما كانت العلة التامة فيه باعتبار

ج 9، ص: 171

أنها جزء أخير، و المحرك للأعضاء قدرة، فجميع جنود القلب ثلاثة: الإرادة و القدرة و القوى الدراكة الظاهرة و الباطنة، و لما اصطحبت في الإنسان هذه الجنود اجتمعت فيه أربعة أوصاف: سبعية تحمله على العداوة، و بهيمية تحمله على الشره و الحرص، و ربانية تحمله على الاستبداد و الانسلال من القيود السفلانية و الإطلاق عن ربقة العبودية، و شيطانية تحمله على المكر و الخديعة، فمن تسخرت نفسه للصفة الربانية فحبل الله قصده، و الآخرة مستقره، و الدنيا منزله، و البدن مركبة، و اللسان ترجمانه، و الأعضاء خدمه و الحواس جواسيسه، تؤدي ما تطلع عليه من المحسوسات إلى الخازن، و هو القوة الخيالية، ثم يعرض الخازن ذلك على الملك أعني حقيقة الإنسان، فتقتبس منه ما يحتاج إليه في تدبير منزله و نيل السعادة في آخرته، و لتمام تحقيق هذه المطالب محل آخر.

انما المراد بيان ان الداعي عبارة عن تلك الإرادة المؤثرة في وجود الفعل المنبعثة عن تصور غاية الفعل، و بها يكون الفعل منويا، إلا أنه إذا كان عبادة اعتبر فيها كونها منبعثة عن إرادة قصد الامتثال و ما تصور له من الغايات و أذعن بها، و لا يتوقف ذلك على خطور الغاية في الذهن عند الفعل، بل يكفي وجودها في الخزانة، بل لا يتوقف على تصور الفعل حين الفعل، بل تصوره السابق مجز، بل تعيينه السابق حيث يكون متعددا أيضا كاف نعم قد يحتاج إلى خصوص التعيين إذا فرض عدم انبعاث الإرادة المؤثرة في وقوعه عن تصور غاية الفعل المعين، و لعل الحكم في النصوص يكون ما في يده من الأفعال لما قام لها من الفريضة يومي إلى بعض ما ذكرناه على أحد الوجهين، إذ يمكن أن يكون ذلك لانبعاث تلك الإرادة عن التعيين الذي حصل في الذهن و وقع القيام له فظهر من ذلك أنه لا يتوقف في كون الفعل منويا مقصودا به الامتثال على أزيد من مقارنته أول الفعل لتلك الإرادة المنبعثة عن ما عرفت، و لا يحتاج إلى خطور غيرها فضلا عن الاستحضار الذي هو في الحقيقة علم بالخطور و التفات آخر للقلب إلى ما حصل

ج 9، ص: 172

فيه من تلك الإرادة، كباقي المعاني التي تحصل للإنسان من الفرح و الهم و الغم و الجوع و الشبع و نحوها، فان حصولها شي ء، و العلم بحصولها شي ء آخر، و من الواضح عدم توقف حصولها على تصوره و الالتفات اليه و العلم به، فحينئذ حصول القصد إلى الفعل غير محتاج إلى الاستحضار المزبور و الإخطار، إذ لا يكاد يخفى على ذي مسكة وقوع الأفعال من الفاعلين على وجه يعدون به من المختارين غير الغافلين و الساهين من دون تصور القصد المتعلق بها و بلا التفات للنفس إلى ذلك، و العلم بوجود المكلف به واقعا أو شرعا أمر آخر لا مدخلية له فيما نحن فيه، إذ يكفي فيه حصوله و لو بعد الفراغ من الفعل فضلا عن حال النية، على أن ما ذكروه من الاخطار لو كان منشأه ذلك لوجب في سائر أفعال الصلاة، ضرورة توقف الجميع على حصول العلم بالمكلف به، على أن حصول القصد المقارن للفعل ضروري للنفس غير محتاج إلى التفاتها اليه، فهو كالوجع غير محتاج العلم به إلى الاخطار المزبور.

و الذي أظنه أن الأصحاب أجل من أن يخفى عليهم ذلك، و قد صرحوا بأن النية أمر بسيط هو القصد إلى الفعل المعين، إلا أنهم لما أرادوا تصوير ذلك باللفظ لإفهام المكلفين و لم يكن ثم لفظ موضوع للدلالة مطابقة على نفس القصد المزبور احتاجوا في بيانه إلى لفظ «أصلي» و نحوه مما معناه «أقصد» الذي هو زائد على نفس حصول القصد، إذ هو كقولك: «أطلب الضرب» الذي يدل بالالتزام على النسبة الناقصة التي هي حصول الطلب في النفس، و لعلهم يريدون من لفظ «أقصد» المعنى الإنشائي الذي عين تعلق القصد بالمقصود، فلا يكون زائدا على ما ذكرناه من الداعي، و قولهم:

«إخطار» و «استحضار» و نحوهما يراد به حيث يكون المكلف خاليا من التصور السابق التي تكون الإرادة منبعثة عنه و كان الخطور موقوفا عليهما، أو نفس خطور القصد المزبور بحيث لا يكون غافلا و لا ساهيا و لا موجدا للفعل بإرادة أخرى منبعثة

ج 9، ص: 173

عن غرض آخر، لا أن مرادهم تصور خطور القصد الذي لا مدخلية له في وجوده كما هو واضح.

و من ذلك و نحوه ظن متأخرو المتأخرين من هذه الألفاظ في كلامهم اعتبارهم هذا التصور في تحقق النية مع وضوح عدم توقف شي ء من الأفعال على ذلك، على أنه ربما كان الداعي إلى كثرة ما سمعته من الكلام و زيادة الإيضاح شدة الاحتياط في العبادة و شدة اعتبار النية فيها، و أنها في الأعمال بمنزلة الروح في البدن، مضافا إلى ما في بعض النصوص (1)من بيان حكمة رفع اليدين بالتكبير بأن فيه إحضار النية و إقبال القلب على ما قصد مما يشعر برجحان الاخطار المزبور، و الله أعلم.

و كيف كان فمما ذكرنا ظهر لك أنه لا عبرة باللفظ في النية عندنا كما في التذكرة، لما عرفت من أنها أمر قلبي لا مدخلية للألفاظ فيها، بل في المحكي عن الخلاف و غيره عدم استحبابه أيضا، و في التذكرة ما يشعر بدعوى الإجماع عليه للأصل بل في البيان أن الأقرب كراهته، لأنه إحداث شرع و كلام بعد الإقامة، و ربما نوقش فيه بأنه يمكن استثناؤه، لأنه مما له تعلق بالصلاة خصوصا مع الإعانة على خلوص القصد و إن كان في استفادة ذلك من الأدلة على وجه لا يفرق بين الجماعة و الفرادى و بين نفس الصلاة و مقدماتها كالاتيان بالساتر و نحوه منع ظاهر، نعم قد يستفاد من تعليل رجحان رفع اليدين بأن فيه إحضار النية و القلب على ما قصد استحباب كل ما له مدخلية في ذلك من لفظ و غيره، و لعله إليه أومأ بعضهم بقوله: إنه ينبغي الجمع، فان اللفظ أعون على خلوص القصد، لكن في الذكرى أن فيه منعا ظاهرا، و الانصاف أنه لا رجحان له بنفسه، و يختلف باختلاف الناوين و أحوالهم، فقد يعين على القصد فيترجح و قد يخل فالخلاف، و بذلك يمكن ارتفاع الخلاف، و ما يقال- من أنه تشريع محرم،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 11.

ج 9، ص: 174

و من أن الإتيان به مع الدرج يستلزم إما مخالفة اللغة إن أثبت همزة لفظ الجلالة في تكبيرة الإحرام، و في الاجتزاء بها حينئذ منع، لكونها ملحونة، أو الشرع إن حذفها، لأن الثابت من الإحرام بها مقطوعة الهمزة- يدفعه أنه لا تشريع فيه فيما سمعت، و اختصاص الثاني بحال الدرج، مع أن مثله جار فيما ورد من الأدعية بين التكبيرات التي منها الدعاء المتصل بتكبيرة الإحرام، أما إذا وقف فلا إشكال، إذ احتمال فوات المقارنة بذلك كما ترى، ضرورة أن مثل زمان الوقف لا يفوتها، على أن المعتبر المقارنة القلبية، و الوقف على اللفظ لا ينافي حصولها، فظهر لك أن التحقيق ما ذكرنا، و كأن الذي حمل الأصحاب على التعرض لذلك ارادة الرد على المحكي عن أكثر أصحاب الشافعي من استحباب اللفظ بالنية بأنه لم يثبت رجحان له بالخصوص عندنا، و الله أعلم.

و كيف كان ف وقتها عند أول جزء من التكبير لأن به تتحقق المقارنة التي لا ريب في اعتبارها، بل الإجماع بقسميه عليها، مضافا الى ظهورها من مثل

قوله (عليه السلام)(1): «لا عمل إلا بنية»

بل و قوله تعالى (2)«وَ ما أُمِرُوا» الى آخره، بل صدق الامتثال و المنوي من الأفعال موقوف عليها، فما عن بعض العامة- من جواز التقدم يسيرا قياسا على الصوم الذي تتعذر أو تتعسر المقارنة فيه بناء على الإخطار- في غاية الضعف، نعم الظاهر تحقق المقارنة فيما نحن فيه لو اتصلت به بحيث كان آخر جزء منها عند أول جزء منه، بل في الرياض أنه يظهر من التذكرة دعوى الإجماع على صحة العبادة بالمقارنة بهذا المعنى، و منه يعلم ضعف المحكي عن بعض الأصحاب- و إن كنا لم نتحققه- من أن وقتها بين الألف و الراء، مضافا الى ما فيه من العسر و خلو أول التكبير من النية، بل لو أريد من قوله: «بين» الى آخره الاجتزاء بها


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب النية- الحديث 1 و 4.
2- 2 سورة البينة- الآية 4.

ج 9، ص: 175

في هذا الوقت و إن كانت بين الباء و الراء منه لزم خلو الأكثر من ذلك عن النية، بل إن أريد البسط منه فكذلك أيضا، ضرورة إمكان حصول تصور المنوي منه بمميزاته ثم يقصده بين الباء و الراء، و يحتمل أن يريد حصول تمام النية عند همزة لفظ الجلالة إلا أنها تبقى مستمرة إلى الراء، فيكون المراد حضورها بين الألف و الراء، و هو كما ترى أيضا، و كفى بإجمال المراد منه موهنا له.

و نحوه القول بأنها عند أول جزء من التكبير مستمرة إلى انتهائه كما عن العلامة في التذكرة و الشهيد في الذكرى، لأن الدخول في الصلاة انما يتحقق بتمام التكبير بدليل أن المتيمم لو وجد الماء قبل إتمامه وجب عليه استعماله، بخلاف ما لو وجده بعد الإكمال و المقارنة معتبرة، فلا تتحقق من دونها، و فيه أنه لا يتأتى بناء على أن آخر التكبير كاشف عن الدخول في الصلاة في أوله، بل لو لم نقل بذلك فلا ريب في تحقق الدخول بالشروع في التكبير الذي هو جزء من الصلاة بإجماعنا، فإذا قارنت النية أوله فقد قارنت أول الصلاة، لأن جزء الجزء جزء، و لا ينافي ذلك توقف التحريم على انتهائه و وجوب استعمال الماء قبله، لأن ذلك حكم آخر لا ينافي صدق المقارنة للأول.

و أما القول باعتبار حصولها مقارنة للأول الذي هو رابع الأقوال بمعنى اتحادهما في الزمان بحيث لا يجزي الاتصال الذي ذكرناه فهو- مع ما فيه من العسر بناء على إرادة إخطار القصد و المقصود بمميزاته- لا دليل على تعيينه، هذا كله بناء على أن النية هي الاخطار، أما على القول بالداعي على التفسير الذي سمعته سابقا فلا يحتاج إلى شي ء من هذه التكلفات، ضرورة حصوله و عدم انفكاك فعل المختار غير الغافل عنه، كما هو واضح بعد الإحاطة بما ذكرناه هنا و في باب الوضوء، بل ذكرنا هناك ما يعلم منه قول المصنف هنا:

و يجب استمرار حكمها إلى آخر الصلاة، و هو أن لا ينقض النية الأولى

ج 9، ص: 176

بما لا مزيد عليه، و قلنا أيضا إن الظاهر اختلاف الاستدامة باختلاف المعتبر في النية حتى أن من قال باعتبار نية الوجه و الأداء و القضاء ينبغي أن يقول بالاستدامة فيه أيضا اللهم إلا أن يكون المدار عنده على أول الصلاة أخذا ب ما دلت عليه النصوص (1)من أن الصلاة على ما افتتحت عليه، فحينئذ لو نوى الندب في الأثناء بعد أن نوى الفريضة صح فعله إذا كان ذلك خطأ منه بمعنى تخيل كون ما نواه ندبا كما صرح به في الذكرى قال: «لو نوى الفريضة ثم غربت النية لم يضر، و لو نوى النفل حينئذ ببعض الأفعال أو بجميع الصلاة خطأ فالأقرب الإجزاء، لاستتباع نية الفريضة باقي الأفعال، فلا يضر خطأه في النية» قلت: و أولى منه بالصحة إذا كان ذلك منه مجرد اعتقاد أن ما نواه أولا نفل، بل قد يتخيل أن ذلك مورد النصوص لا ما يشمل الصورة الأولى و إن كان فيه منع واضح، ففي

حسن ابن المغيرة أو صحيحه في كتاب حريز(2)انه قال: «إني نسيت أني في صلاة فريضة حتى ركعت و أنا أنويها تطوعا قال: فقال: هي التي قمت فيها، إذا كنت قمت و أنت تنوي فريضة ثم دخلك الشك فأنت في الفريضة، و إن كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة فأنت في النافلة، و إن كنت دخلت في فريضة ثم ذكرت نافلة كانت عليك فامض في الفريضة»

و في

خبر يونس (3)ان معاوية سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فنسيها فظن أنها نافلة أو قام في النافلة فظن أنها مكتوبة فقال: هي على ما افتتح الصلاة عليه»

و في

خبر عبد الله بن أبي يعفور(4)أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل قام في صلاة فريضة فصلى ركعة و هو ينوي أنها نافلة فقال: هي التي قمت فيها و لها، و قال:

إذا قمت و أنت تنوي الفريضة فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة على الذي قمت له


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النية.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النية- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النية- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النية- الحديث 3.

ج 9، ص: 177

و إن كنت دخلت فيها و أنت تنوي نافلة ثم أنك تنويها بعد فريضة فأنت في النافلة، و انما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته»

و ظهور السؤال في بعضها في ذلك لا يقضي باختصاص إطلاق الجواب به أيضا، بل يمكن دعوى شمول بعض هذه النصوص لصورة العمد فيما لو نوى ببعض الأجزاء غير ما نوى عليه الجملة من الوجه أو الأداء و القضاء تخيلا منه صحة ذلك أو عبثا أو جهلا منه بوجوب ذلك الجزء أو ندبه مثلا، لإطلاق النصوص السابقة المؤيدة بأن الأجزاء ليست لها نية مستقلة، بل نيتها تتبع نية الجملة الصالحة للتأثير فيها، نعم لو نوى بالجزء أنه قضاء عن فعل آخر مثلا تخيلا منه صحة ذلك بعد رفع اليد عن كونه جزءا للكل الذي نواه أولا اتجه البطلان، لأنه في الحقيقة كنية غير الصلاة ببعض الأفعال، أما لو جمع بأن نوى به القضاء مثلا مع كونه جزءا مما في يده من الصلاة الأدائية تخيلا منه جواز ذلك أو كان لغوا فقد يقوى الصحة، للأصل، و تبعية نية الجزء لنية الكل، فلا تؤثر فيه مثل هذه النية، و

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر زرارة(1)المروي عن المستطرفات: «لا قران بين صومين، و لا قران بين صلاتين، و لا قران بين فريضة و نافلة»

لو سلم إرادة الجمع بالنية بين الفرضين من القران فيه محمول على ابتداء الفعل لا ما إذا وقع ذلك في بعض الأجزاء، فتأمل جيدا.

و كيف كان فلا إشكال في وجوب الاستدامة لكن بمعنى عدم خلو جزء من الصلاة عنها، ف لو نوى الخروج حينئذ من الصلاة بعد أن حصلت النية الصحيحة منه ثم رفض ذلك قبل أن يقع منه شي ء من أفعال الصلاة و عاد إلى النية الأولى لم تبطل الصلاة على الأظهر وفاقا للمحكي عن الخلاف و غيره، و اختاره شيخنا في


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النية- الحديث 2.

ج 9، ص: 178

كشفه، للأصل و الإطلاقات، خصوصا مثل

قوله (عليه السلام)(1): «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة»

إلى آخره، و لعدم تصور مانع هنا عدا فقد النية، و الفرض وقوع جميع الصلاة بها، و لظهور

قوله (عليه السلام)(2): «تحريمها التكبير»

إلى آخره.

في حصول الحبس بتكبيرة الإحرام، و أنه لا يفكه منه إلا ما جعله الشارع سببا للفك، و دعوى كون ذلك من إبطال العمل كالحدث و نحوه فيرتفع الحبس الذي مداره العمل الصحيح محتاجة إلى الدليل على كون ذلك مبطلا، بل قد يومي حصر التحليل بالتسليم باعتبار كونه منافيا للصلاة إلى عدم الخروج بنية الخروج به التي قيل بوجوبها مقارنة له، فتأمل.

و خلافا لجماعة فتبطل، بل المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا، إذ هو خيرة المبسوط و الخلاف في آخر كلامه و التحرير و الإرشاد و نهاية الأحكام و المختلف و الإيضاح و الذكرى و الدروس و الألفية و الموجز و كشف الالتباس و جامع المقاصد و فوائد الشرائع و الجعفرية و الغرية و إرشاد الجعفرية و الميسية و المسالك و الروضة و الروض على ما حكي عن بعضها، بل عن المنتهى قربه، و المقاصد العلية تقويته لقاعدة الشغل الممنوعة عندنا، و لأن نية الخروج تقتضي وقوع ما بعدها من الأفعال بغير نية، فلا يكون مجزيا، و هو كما ترى مخالف لمفروض المسألة، بل قد ينقدح من استدلالهم بذلك لفظية النزاع، و أن مراد القائل بالبطلان ما لو أوقع باقي أفعال الصلاة في هذا الحال، و مراد الآخر عدم البطلان من حيث نية الخروج فقط لا مع خلو باقي الأفعال عن النية و حكمها و دعوى عدم انفكاك نية الخروج عن ذلك، لعدم فترة في الصلاة، فلا بد من وقوع استمرار القيام مثلا أو غيره بلا نية يدفعها أنه لا دليل على البطلان بخلو مثل هذا


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 10.

ج 9، ص: 179

الاستمرار من القيام عن النية، و لا تبطل الصلاة بتخلله، إذ هو- مع أنه ليس من الأفعال عرفا بل و لا عقلا، بناء على عدم احتياج الباقي في بقائه إلى المؤثر- يمكن فرض المسألة حينئذ فيما إذا لم يطل بحيث يخرج عن كونه مصليا، و عدم الفترة في الصلاة بحيث يشمل الفرض ممنوع، كمنع اعتبار الاستدامة في الصلاة على وجه يكون العزم على الفعل متصلا، بل المسلم منه عدم خلو شي ء من أفعال الصلاة عن النية.

فالاستدلال حينئذ على البطلان بأن الاستمرار على حكم النية السابقة واجب إجماعا كما تقدم، و مع نية الخروج يرتفع الاستمرار غير متجه، بل رده في المدارك بأن وجوب الاستدامة أمر خارج عن حقيقة الصلاة، فلا يكون فوته مقتضيا لبطلانها، إذ المعتبر وقوع الصلاة بأسرها مع النية كيف حصلت، و قد اعترف الأصحاب بعدم بطلان ما مضى من الوضوء بنية القطع إذا جدد النية لما يقع منه من الأفعال قبل فوات الموالاة، و الحكم في المسألتين واحد، و الفرق بينهما بأن الصلاة عبادة واحدة، و لا يصح تفريق النية على أجزائها بخلاف الوضوء ضعيف جدا، فإنه دعوى مجردة عن الدليل، و المتجه تساويهما في الصحة مع تجديد النية لما بقي من الأفعال، لكن يعتبر في الصلاة عدم الإتيان بشي ء من أفعالها الواجبة قبل تجديد النية، لعدم الاعتداد به، و استلزام إعادته الزيادة في الصلاة، و إن كان فيه نظر من وجوه: أحدها منع خروج وجوب الاستدامة عن حقيقة الصلاة، ضرورة كونه عوضا عن النية التي من المعلوم توقف الصحة عليها، نعم المتجه منع وجوب الاستدامة بمعنى الاتصال، بل المسلم منه عدم خلو شي ء من الأفعال عن النية، و ثانيها وضوح الفرق بين الصلاة و الوضوء بمراعاة الهيئة فيها دونه، و لذا لا يجوز ارتفاع شي ء من الشرائط كالاستقبال و الاستتار و الطهارة و نحوها في شي ء منها، بل التعبير عن ذلك فيها بالانقطاع بخلاف غيرها فبالبطلان أوضح شي ء في اعتبار الاتصال فيها، كما أوضحنا ذلك في محله، ثالثها كون المتجه على ما ذكره عدم

ج 9، ص: 180

الفرق بينها و بين الوضوء مطلقا حتى لو فعل بعض أفعالها، إذ دعوى استلزام الزيادة في الإعادة يدفعها عدم وقوع الأول من الصلاة، إذ الفرض أنه جاء به حال نية الخروج فلا زيادة بالإعادة، فالمتجه حينئذ تساويهما من هذه الجهة أيضا.

و منه يعلم فساد ما في كشف اللثام من احتمال البطلان لكونه كتوزيع النية على الأجزاء، ضرورة جريان مثله في الوضوء المعلوم عدم البطلان فيه بذلك، فينحصر التوزيع المبطل فيما لا يشمل مثل ذلك، نعم يمكن الفرق بينهما بما أشرنا إليه من اعتبار الاتصال في الصلاة و عدمه في الوضوء، و لعل هذا هو مدار المسألة في المقام، كما يومي اليه إطلاق البطلان بنية الخروج ممن قال به و عدمه بها من غير تقييد من كل منهما بإتيان بعض الأفعال و عدمه، و ما ذاك إلا لأن القائل بالأول يدعي بطلان الصلاة بمجرد فوات اتصال العزم الأول الذي هو معنى الاستدامة عنده، فهو كفوات الاستقبال و الطهارة مثلا و غيرهما من الشرائط، فإنه لا يكفي في الصحة تلافيها لما بقي من الأجزاء فالاستدامة مثلها، و القائل بالثاني لم يثبت شرطية ذلك عنده في خصوص الاستدامة، و المسلم منه عنده عدم خلو شي ء من أجزاء الصلاة من النية الإجمالية أو التفصيلية، كما أنه لم يثبت عنده البطلان بخلو الاستمرار القيامي مثلا المقارن لنية الخروج عن النية، و لعله يفرق بين اتصال النية و باقي الشرائط بأنه قد ثبت البطلان بفقدها في أثناء الصلاة كباقي الموانع و إن لم يقارن جزءا من أجزاء الصلاة، فلو كشف عورته أو استدبر القبلة مثل حال تشاغله ببعض الأفعال التي لا تقدح في الصلاة كقتل عقرب أو حية أو تناول حاجة بطلت صلاته و إن لم يقارن ذلك جزءا من أجزاء الصلاة حتى القيام، لفرض عدم كونه قائما حاله، لصدق الاستدبار و الكشف مثلا و هو في الصلاة، أي لم يتم الصلاة، بخلاف اتصال النية، فإنه ليس في الأدلة ما يقضي باعتباره كذلك، إذ ليس فيها إلا

قوله (عليه السلام): «لا عمل إلا بنية»

و هو صادق مع فرض تجديد النية

ج 9، ص: 181

و رفض النية الأولى، بل قد يقال بصدقه و إن لم يجدد نية، كما هو مقتضى إطلاق المصنف و غيره الصحة مع نية الخروج، و لعله لعدم استلزام نيته الخروج نية غير الصلاة بباقي الأفعال، خصوصا لو ذهل عنها، فيبقى مقتضى النية الأولى حينئذ بلا معارض، إذ هو ليس إلا قصد غير الصلاة بباقي الأفعال، و لا تلازم بين نية الخروج و بين ذلك فتأمل جيدا فإنه لا يخلو من دقة و إن كان للبحث فيه مجال، بل الأحوط خلافه، كما أن الأحوط استيناف الصلاة بمجرد نية الخروج لكن بعد إتمامها.

و من ذلك كله يظهر لك البحث في التردد في القطع و عدمه، إذ هو كنية الخروج أيضا في جميع ما عرفت، و لذا حكي التصريح بالبطلان به عن الخلاف و نهاية الأحكام و التحرير و الذكرى و الدروس و الموجز و كشف الالتباس و جامع المقاصد و الجعفرية و الغرية و إرشاد الجعفرية، إلا أنك ستعرف أنه أولى بالصحة من نية الخروج، و على كل حال فليس منه التردد في البطلان لعروض شي ء في الصلاة و عدمه كما هو واضح.

أما لو نوى في الركعة الأولى مثلا الخروج في الثانية مثلا ففي القواعد أن الوجه عدم البطلان إن رفض هذا القصد قبل البلوغ إلى الثانية، و لعله لأن قصد نقض النية غير نقضها، فلا مقتضي للفساد حينئذ، إذ لم يقصد الخروج في الحالة الأولى، و لامتناع الابطال قبل بلوغها، و انتفاء القصد عنده، لأن الفرض أنه رفضه قبل البلوغ لكن في كشف اللثام «ان الوجه عندي أنه نقض للنية، فإن أوقع بعض الأفعال مع هذا القصد كان كإيقاعه مع نيته الخروج في الحال، و إن رفضه قبل إيقاع فعل كان كالتوزيع» و هو عين تفصيله السابق في نية الخروج الذي قد عرفت إمكان المناقشة في تنزيل الإطلاقات عليه، و ربما يؤيده هنا ما في جامع المقاصد حيث قال بعد ما سمعته من القواعد: إن فيه نظرا، لأن الصلاة عبادة واحدة متصل بعضها ببعض يجب لها نية واحدة من أولها إلى آخرها، فإذا نوى المنافي في بعضها انقطع تلك الموالاة و انفصلت

ج 9، ص: 182

تلك النية، فيخرج عن الوحدة، فلا يتحقق الإتيان بالمأمور به على وجهه، فلا يكون مجزيا.

و منه يظهر دليل الوجه الثاني أعني البطلان مطلقا، و هو الأصح، ضرورة ظهوره في عدم الفرق بين إيقاع بعض الأفعال و عدمه، و أن منشأ البطلان عدم اتصال النية و اتحادها، لكن قد عرفت أنه يمكن منع الدليل على اعتبار ذلك في الصلاة، فتتجه الصحة و عدم الذهول عنه حصول نية الخروج حينئذ عند بلوغ الغاية، و قد عرفت عدم اقتضائها البطلان، بل قد عرفت احتمال ذلك و إن أوقع بعض الأفعال حالها إذا لم تستلزم نية غير الصلاة بباقي الأفعال، هذا. و في القواعد بعد العبارة السابقة «و كذا لو علق الخروج بأمر ممكن كدخول شخص، فان دخل فالأقرب البطلان» و المراد إنه إن رفض القصد قبل الدخول فالوجه عدم البطلان، و كذا إن لم يقع حتى أتم الصلاة، و إن دخل و لم يرفض القصد الأول بأن كان متذكرا للتعليق مصرا عليه أو ذاهلا فالأقرب البطلان أيضا، أما الأول فواضح، و أما الثاني فلأن التعليق المذكور مع وقوع المعلق عليه ينقض استدامة حكم النية، و يحتمل الصحة احتمالا واضحا لكون الذهول كرفض القصد، و لعل التعبير بالأقرب لهذه الصورة لا للأولى، إذ الخروج فيها مع فرض التذكر و الإصرار قطعي بناء على الخروج بنية الخروج، اللهم إلا أن يدعى عدم التلازم بينهما، و هو كما ترى، أو أن الأقربية للشك في الخروج بنية الخروج كما عرفت و على كل حال فالأمر سهل.

و من ذلك يعلم ما في كشف اللثام من شرح العبارة المزبورة، نعم قد يتجه عليه كون مجرد التعليق كالتردد في الإتمام، فيتجه البطلان معه مطلقا، أو إذا أتى ببعض الأفعال معه، و إلى ما ذكرنا أشار في جامع المقاصد حيث قال: إن فقه المسألة إذا علق المصلي الخروج بأمر ممكن الوقوع أي غير متحقق وقوعه بحسب العادة كدخول زيد

ج 9، ص: 183

مثلا إلى موضع الصلاة، بخلاف التعليق على الحالة الثانية بالنسبة إلى الحالة التي هو فيها، فإنها محققة الوقوع عادة، فإن قلنا في المسألة الأولى لا تبطل الصلاة بذلك التعليق مطلقا فهنا أولى، لإمكان أن لا يوجد المعلق عليه بخلافه في المسألة السابقة، و إن قلنا بالبطلان ثمة فوجهان: أحدهما العدم، لما قلناه من عدم الجزم بوقوع المعلق عليه، فلا يكون البطلان محقق الوقوع، و الأصل عدمه، و إذا لم تبطل حال التعليق لم تبطل بعده و إن وجد المعلق عليه، إذ لو أثر التعليق المقتضي للتردد لأثر وقت وجوده، فإذا لم يؤثر كان وجوده بمثابة عدمه، و هذا إذا ذهل عن التعليق الأول عند حصول المعلق عليه، فان كان ذاكرا له بطلت الصلاة لتحقق نية الخروج، و قد سبق أنها مبطلة. ثانيهما البطلان، كما لو قال: إن دخل تركت الإسلام فإنه يكفر في الحال، و كما لو شرع في الصلاة على هذه النية فإنها لا تنعقد صلاته، فلا تصح أبعاضها معها، و لما سبق من أن تعليق القطع ينافي الجزم بالنية، فيفوت به الاستدامة، و تخرج النية الواحدة المتصلة عن كونها كذلك، و هو الأصح و إن قلنا بالتفصيل في المسألة السابقة، فإن رفض القصد قبل وقوع المعلق عليه لم يبطل بطريق أولى، و إلا فوجهان، أقربهما البطلان عند المصنف، و التقريب يستفاد مما سبق، هذا. و عن ولد الفاضل أن والده في مباحثته له قال: يمكن أن يكون وجود المعلق عليه كاشفا عن مخالفة التعليق مقتضى النية المعتبرة في الصلاة في نفس الأمر، لأن وقوعه كان متحققا في علم الله تعالى، لأن الثابت على تقدير منتف منتف، قال: و تظهر الفائدة في المأموم و فيما إذا نوى إبطال هذه النية قبل وجود الصفة، أي فيكون البطلان حينئذ من حين التعليق، كما أنه بعدم وجوده ينكشف بقاء الحكم بالصحة، فلو رفض القصد قبل وقوع المعلق عليه لم ينفعه ذلك، و كان وقوعه كاشفا عن البطلان من حين التعليق، كما أنه يكشف عن بطلان صلاة المأموم إذا علم بالتعليق و لم ينفرد من حينه، إلا أنه يلزمه القول بالبطلان في المسألة

ج 9، ص: 184

السابقة مطلقا، و هو خلاف ما أفتى به فيها.

و كيف كان فلا يخفى عليك وجه الصحة في أصل المسألة بناء على ما ذكرنا سواء رفض القصد أو لم يرفضه، لأنه لا يزيد مع عدم رفضه على نية الخروج، و قد عرفت وجه الصحة فيها مع الإتيان بالأفعال فضلا عن عدمه، و كونه بالتعليق كالتردد في الإتمام و عدمه يدفعه أنه لا دليل على البطلان به بعد النية الصحيحة منه، خصوصا بعد أصالة عدم الدخول و الكفر في الحال في المثال المذكور، لكون الشك في الإسلام كالجزم بالخروج عنه في تحقق الكفر، بخلاف ما نحن فيه، و الفرق بين الابتداء و الأثناء واضح لعدم حصول القصد إلى الفعل في الأول بخلاف الثاني الذي لم يعارض مقتضي النية الأولى فيه معارض، لعدم صلاحية الشك لمعارضتها، على أن فرض البحث تعليق الخروج على الدخول، فلا خروج فعلا بل هو عازم على فعل الجميع، و أنه إن دخل ينشئ حينئذ الخروج، و التردد انما هو في حصول هذا الإنشاء منه و عدمه باعتبار التردد في حصول المعلق عليه و عدمه، و مثله لا ينافي صدق العزم على فعل الجميع، بل هو كالتردد في حصول المبطل قهرا الذي من المعلوم عدم منافاته، بل في كشف الأستاذ عدم منافاة القطع بعروض المبطل، و من ذلك يظهر حينئذ أنه لا فرق في هذا التردد بين الابتداء و الأثناء، بل قد يقوى أنه لا يقدح نية الخروج في الابتداء بمعنى العزم على الخروج عن الصلاة من أول الأمر، إذ هو كنية المنافي من أوله التي ستعرف عدم اقتضائها البطلان، فتأمل. و الكشف المنقول عن الفاضل في بحثه مبناه الإنشاء فعلا على تقدير دخول زيد الذي هو معلوم عند الله وجودا أو عدما، و أن التعليق الصوري باعتبار جهلنا به، لكنه كما ترى، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[في حكم ما إذا نوى أن يفعل ما ينافي الصلاة]

و قد ظهر لك من جميع ذلك أنه كذلك المتجه الصحة فيما لو نوى

ج 9، ص: 185

أن يفعل ما ينافيها و لم يفعله، إذ لا يزيد ذلك على نية الخروج التي قد عرفت عدم البطلان بها، على أنه يمكن منع استلزام ذلك نيته، و لذا كان خيرة الفاضل الذي اختار البطلان هناك الصحة هنا لكن على إشكال، بل في المدارك أنه مذهب الأكثر و في غيرها حكايته عن علم الهدى و الشيخ و ابني سعيد و الفاضل و الكاشاني، لكن المحكي عن فخر المحققين و الشهيدين و العليين و ابن فهد و الصيمري و غيرهم البطلان، بل في كشف اللثام إذا قصد فعل المنافي للصلاة فإن كان متذكرا للمنافاة لم ينفك عن قصد الخروج، و إن لم يكن متذكرا لها لم تبطل إلا معه على الأقوى كما في المبسوط و الشرائع و التحرير و المنتهى، و ظاهره حمل ما في المتن و غيره مما وافقه على ما إذا لم يكن متذكرا للمنافاة، و فيه أنه لا إشكال في الصحة حينئذ، لوجود المقتضي بلا معارض فلا يناسبه التعبير بالأقوى و نحوه، و كأن الذي ألجأه إلى ذلك دعوى وضوح ما ذكره من أنه إن كان متذكرا لم ينفك عن قصد الخروج الذي قال الفاضل و غيره فيه بالبطلان و اليه يرجع ما في جامع المقاصد معترضا به على من فرق بين المسألتين من أن الفرق بين المسألتين غير ظاهر، لأن الخروج من الصلاة من جملة المنافيات، و نيته كنية غيره من المنافيات، ثم قال: فان قلت: المنافي سبب في الخروج من الصلاة لا عينه، فافترقا، قلت: هذا الفرق غير مؤثر، فإن البطلان منوط بوجود المنافي، و عدم بقاء الصلاة مع واحد منهما قدر مشترك بينهما، فان كانت نية أحدهما منافية فنية الآخر كذلك، بل اليه يرجع المعروف في الاستدلال عليه بتنافي إرادتي الضدين، حتى أن بعضهم جعل منشأ إشكال الفاضل في الصحة الإشكال في تنافي الإرادتين، و على كل حال فقد ضعفه في المدارك بأن تنافي الإرادتين بعد تسليمه انما يلزم منه بطلان الأولى بعروض الثانية لا بطلان الصلاة مع تجدد النية الذي هو موضع النزاع، و هو جيد إلا أنه كما ترى قاض باختصاص محل النزاع في ذلك الذي مقتضى الإطلاق خلافه.

ج 9، ص: 186

نعم في جامع المقاصد «ينبغي أن يكون موضع الاشكال ما إذا اجتمعت هذه النية مع نية الصلاة، فلو حصلت بعد غروب نية الصلاة فالمناسب القطع بالبطلان، لانتفاء نية أخرى لتكون مكافئة، و استدامة النية ضعيفة، لأنها أمر حكمي عدمي، و الأصح البطلان، لعدم بقاء الجزم بالنية مع ذلك التقييد، و من ثم لو شرع في الصلاة بهذا القصد لم تصح، و الجزم بالنية معتبر إلى آخر الصلاة، و إلحاق الصلاة بالحج في عدم البطلان بنية المنافي قياس من غير جامع» قلت: التحقيق عدم تنافي إرادتي الضدين، و امتناع اجتماعهما في الخارج لا يستلزم تنافيهما قطعا، لعدم الاستحالة في إرادة المحال، على أن تنافيهما إن سلم فليس لذاته بل للصارف، و يمكن أن لا يكون موجودا لكل منهما، كما أن التحقيق أيضا عدم لزوم ذلك لقصد الخروج الذي هو إنشاء قطع الصلاة و رفع اليد عنها، فمن الغريب ما سمعته من جامع المقاصد من أن الخروج كباقي المنافيات فنيته كنيتها، ضرورة وضوح الفرق بين نية الخروج بالمنافي من حيث منافاته و بين إنشاء الخروج و القطع الذي هو المراد من نية الخروج، لا أنه نوى الخروج كنية فعل المنافي، كما هو واضح بأدنى تأمل، كل هذا مع التنزل، و إلا فقد عرفت عدم البطلان بنية الخروج فضلا عما يستلزمها، كما أنك عرفت مما سبق عدم الفرق في نية المنافي بين ابتداء الصلاة و بين الأثناء في ذلك، و لعله عند التأمل كاحتمال المنافي في الأثناء الذي لا يمنع النية عند التأمل، و عدم بطلان الحج بنية المنافي ليس لدليل يقضي بصحته بلا نية بل لأنه غير مناف لها، فلا فرق حينئذ بينه و بين الصلاة، و الجزم بالنية شي ء، و السلامة من العوارض شي ء آخر، و من ذلك كله ظهر لك أن ما في جامع المقاصد «ينبغي» إلى آخره لا يخلو من نظر، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

هذا كله إذا نوى المنافي و لم يفعله فان فعله بطلت بلا إشكال و لا خلاف، و تعرف فيما يأتي إن شاء الله إعداد المنافيات و منافاتها عمدا و سهوا أو عمدا لا سهوا.

ج 9، ص: 187

[في بطلان العبادة بالرياء في الصلاة أو غيرها]

و كذا تبطل لو نوى بشي ء من أفعال الصلاة الرياء أو غير الصلاة بلا خلاف أجده، بل قيل: إنه قطع به المتأخرون في الأول لكنهم أطلقوا، قلت:

و مقتضاه حينئذ عدم الفرق في البعض بين الأقوال و الأفعال و بين الواجبة و المندوبة و القليلة و الكثيرة مع نية القربة و عدمها إن قلنا بتصور اجتماعهما، قال في كشف اللثام:

«تبطل لو نوى الرياء مع القربة أو لا معها، للنهي المقتضي للفساد» لكن في المحكي عن نهاية الأحكام «تبطل بالرياء سواء كان ذلك البعض فعلا واجبا أو ذكرا مندوبا أو فعلا مندوبا بشرط الكثرة» و عن فوائد الشرائع «تبطل إذا كان ذلك البعض واجبا أو مندوبا قوليا غير دعاء و ذكر، و لو كان مندوبا فعليا لم تبطل إلا مع الكثرة» إلا أنه لم نتحققه، و عن البيان «لو نوى بالندب الرياء فالإبطال قوي مع كونه كلاما أو فعلا كثيرا» و في الذكرى «لو نوى ببعضها الرياء و لو كان بالذكر المندوب بطلت- إلى أن قال-: و لو نوى بالزيادة على الواجب من الأفعال الوجوب أو الرياء أو غير الصلاة فإنه يلتحق بالفعل الخارج عن الصلاة فيبطل إن كثر، و إلا فلا» و نحوه في التذكرة، و ظاهر هؤلاء جميعا عدم بطلان الصلاة بالرياء في بعض الأحوال إلا إذا قارنه مبطل آخر من تخلل الفعل الكثير و نحوه.

و قد يقال: إن المتجه مقتضى الإطلاق الذي عرفت، لما فيه من التشريع بقصد جزئية ما قصد فيه الرياء، بناء على البطلان بمثل ذلك قل أو كثر قولا كان أو فعلا واجبا كان أو مندوبا، ل

قوله (عليه السلام)(1): «من زاد في صلاته»

و نحوه، و لأن الصلاة عمل واحد قد اعتبر فيه الإخلاص، و الرياء و لو ببعضه مناف للإخلاص به،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر ابن مسكان (2)في قول الله (3)«حَنِيفاً مُسْلِماً»


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 7.
3- 3 سورة آل عمران- الآية 60.

ج 9، ص: 188

: «خالصا مخلصا لا يشوبه شي ء»

و

قال (ع) أيضا في خبر علي بن سالم (1): «قال الله عز و جل: أنا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله إلا ما كان خالصا لي»

و

قال (ع) أيضا في خبر عمر بن يزيد(2)في حديث: «كل عمل تعمله لله فليكن نقيا من الدنس»

و

قال (ع) أيضا في خبر جراح المدائني (3)في قول الله عز و جل (4)«فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ» إلى آخره:

«الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله انما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه أحدا

. و

قال الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة و حمران (5): «لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله و الدار الآخرة و أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا، و قال: من عمل للناس كان ثوابه على الناس، يا زرارة كل رياء شرك»

إلى غير ذلك مما دل على اعتبار الإخلاص في العبادة، خصوصا من الرياء الذي هو شرك، و لعل الرياء ببعض العمل ينافي الإخلاص بالعمل الذي هو عبارة عن مجموع الأفعال، نحو قولك ضربت زيدا مع وقوع الضرب على بعضه، كما أنه يمكن تحقق الإشراك بذلك، إذ هو أعم من إيقاع الفعل لله و لغيره و من إيقاع بعضه لله و الآخر لغيره، و إن كان الذي ينساق إلى الذهن الأول، و لكن مرتبة الربوبية لا تقبل الاشتراكين.

و من تأمل النصوص الواردة في الرياء و التجنب عنه يمكن أن يقطع بعدم قبول العبادة التي دخل فيها و لو بأوصافها كالجماعية و المسجدية و نحوهما فضلا عن أجزائها و لو


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 6.
4- 4 سورة الكهف- الآية 110.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 11.

ج 9، ص: 189

كان الدخول على وجه التبعية دون الاستقلال، فالمتجه حينئذ البطلان مطلقا كما أطلقه المصنف و غيره من غير حاجة إلى التقييد بما سمعت من الكثرة و نحوها المبني على أن بطلان الصلاة ليس من جهة الرياء بل هو مبطل لخصوص ذلك البعض الذي وقع فيه، و منه يسري إلى غيره، فان كان واجبا و لم يتداركه بطل، كما أنه كذلك إذا كان فعلا كثيرا، أو صار بذلك ككلام الآدميين حتى في مثل الذكر و القرآن و لو بناء على أن المستثنى منهما في الصلاة السائغ، و إلا كانا مفسدين، فان تداركه و لم يكن فعلا كثيرا و لا كان من كلام الآدميين صحت الصلاة بناء على عدم فسادها بمثل هذا التشريع بالزيادة، و إلا بطلت مطلقا سواء تدارك أو لم يتدارك، لكن قد عرفت أن مقتضى النصوص البطلان بدخول الرياء و لو في البعض المندوب، بل الظاهر ذلك حتى لو دخل فيما زاد على الواجب من القيام و الركوع و السجود و نحوها سواء قلنا باستغناء الباقي عن المؤثر أو عدمه، إذ لا ريب في أن مجموع القيام البارز إلى الخارج مثلا من الصلاة، فمتى ضم مع ذلك الرياء أشرك في العمل و لم يكن مخلصا نقيا ما شابه شي ء كما سمعته في النصوص السابقة، فتأمل جيدا.

و على كل حال فما يظهر من المرتضى (رحمه الله) في انتصاره من عدم بطلان العبادة بالرياء بل هي مجزية مسقطة للقضاء لكن لا ثواب عليها في غاية الضعف، خصوصا لو كان يريد ما يشمل استقلال الرياء بلا ضم قربة معه، ضرورة رجوعه حينئذ إلى عدم اشتراط القربة في العبادة المعلوم فساده عقلا و نقلا، بل لعله ضروري، و من هنا يجب تنزيل كلامه على صورة ضم الرياء إلى القربة كما ينبئ عنه الاستدلال له بعدم شرطية الإخلاص و إن كان واجبا، و اليه يرجع ما قيل: إن المنهي عنه الرياء في العمل لا العمل بنية الرياء، و الكل واضح الفساد كتابا و سنة.

و ما أبعد ما بينه و بين القول ببطلان العبادة بالرياء المتأخر عن العمل كالعجب

ج 9، ص: 190

به، و لعله لظهور بعض النصوص (1)في ذلك، خصوصا

مرسل ابن أسباط(2)عن الباقر (عليه السلام) «الإبقاء على العمل أشد من العمل، قال: و ما الإبقاء على العمل؟ قال: يصل الرجل بصلة و ينفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سرا، ثم يذكرها فتمحى و تكتب له علانية، ثم يذكرها فتمحى و يكتب له رياء»

لكن الاعتماد على ذلك و أمثاله في إثبات هذا الحكم المخالف لمقتضى الأدلة و الاعتبار كما ترى، إذ احتمال اشتراط عدمه و لو في غابر الأزمنة في غاية البعد، نعم هو ممكن في العجب الذي محله غالبا بعد تمام العمل.

و كذا لا بطلان بالرياء بترك الأضداد في العبادة، للأصل و إطلاق الأدلة السالمين عن المعارض، ضرورة عدم منافاة ذلك الإخلاص بالعمل، و عدم صدق الإشراك بذلك، بل عن الإيضاح «أنه لو نوى بترك الضد الرياء أو غيره لم يضر إجماعا».

و أما بطلان الصلاة بالثاني فلا خلاف أجده فيه، بل في القواعد «و إن كان ذكرا مندوبا» بل في المحكي عن الإيضاح «أجمع الكل على أنه إذا قصد ببعض أفعال الصلاة غير الصلاة بطلت، و تظهر الفائدة في المأموم، و عدم اعتبار الكثرة لأن إجماع المتكلمين على أن المتعلقين بالكسر إذا اتحد متعلقهما بالفتح و تعلق أحدهما على عكس الآخر تضادا، فلذلك أجمع الفقهاء على أنه إذا نوى ببعض أفعال الصلاة غيرها بطلت» و المراد كما في جامع المقاصد «أن جزئية الصلاة و تعظيم زيد قد تعلقا بصورة الركوع المأتي به، و هو شي ء واحد، أحدهما تعلق من جهة القربة، و الآخر من جهة تخالفها، و مع تحقق التضاد و التنافي لا يبقى ذلك البعض من الصلاة معتبرا» لكن قال فيه:

«إن ذلك غير كاف في استلزام البطلان ما لم يلحظ فيه ما ذكرنا» مشيرا به إلى ما


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب مقدمة العبادات.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 2.

ج 9، ص: 191

قدمه سابقا من أنه لو نوى ببعض الصلاة غير الصلاة كما لو نوى بالركوع المقصود به الصلاة تعظيم زيد أو قتل حية بحيث قصد به الأمرين معا بطلت، لعدم تمحضه للقربة، فلا يقع مجزيا، و عدم جواز الإتيان بفعل آخر غيره لاستلزام الزيادة في أفعال الصلاة عمدا، إذ الفرض أن الأول مقصود به الصلاة أيضا، قلت: و منه يظهر ما في كشف اللثام من تعليل البطلان في الفرض بأنه نية الخروج حتى أنه مزج عبارة القواعد السابقة بقوله: و لذا تبطل و إن كان البعض ذكرا مندوبا، ثم قال: «و عليه منع ظاهر، فإنه إن قصد بنحو «سبحان ربي العظيم و بحمده» في المرة الثانية التعجب لم يكن نوى الخروج، و لحوقه حينئذ بكلام الآدميين أظهر بطلانا» و كأنه أخذه من تعليل الذكرى البطلان بعدم الاستمرار الواجب، و على كل حال ففيه أنه كذلك أيضا لو نوى بالأولى مع فرض عدم قصده الصلاة معه، و بطلان الصلاة مع الاقتصار عليها، لترك الجزء أي الذكر الصلاتي، لا لأنه نوى ببعض أفعال الصلاة غيرها، على أنه لا يتم في مثل المتن القائل بعدم البطلان بنية الخروج، كما أن من الواضح عدم تحققها بنية غير الصلاة في الشي ء الذي لو نواه من الصلاة كان جزء، خصوصا مع عزمه على الإتيان به مرة أخرى للصلاة.

و كذا يظهر لك ما في المدارك حيث أنه- بعد أن ذكر عن المصنف تعليل البطلان في الفرض بانتفاء التقرب بذلك الجزء، و يلزم من فواته فوات الصلاة لعدم جواز استدراكه- قال: و هو انما يتم إذا اقتضى استدراك ذلك الجزء الزيادة المبطلة لا مطلقا، و من هنا يظهر أنه لو قصد الإفهام خاصة بما يعد قرآنا بنظمه و أسلوبه لم يبطل صلاته، لأن ذلك لا يخرجه عن كونه قرآنا و إن لم يعتد به في الصلاة لعدم التقرب به، و كذا الكلام في الذكر، و يدل على جواز الافهام بالذكر- مضافا إلى الأصل و عدم

ج 9، ص: 192

خروجه بذلك عن كونه ذكرا- روايات، منها

صحيحة الحلبي (1)أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل يريد الحاجة و هو يصلي فقال: يومي برأسه و يشير بيده و يسبح»

إذ قد عرفت أن مبنى المسألة الجمع بين نية الصلاة و غيرها، و حينئذ لا فرق بين الأجزاء جميعها، نعم هو مبني على البطلان بالزيادة التشريعية لإطلاق

قوله (عليه السلام): «من زاد»

و نحوه و إن كان فيه بحث تسمعه فيما يأتي إن شاء الله من بحث القراءة و غيره.

بل المتجه عدم الفرق بين المندوب و الواجب بناء على البطلان بالزيادة به مطلقا إذ العمدة صدق الزيادة في الصلاة بما ليس منها ليدخل تحت إطلاق ما دل على استقبال الصلاة بها من غير فرق بين الواجب و غيره، كما أنه لا فرق بين ما يستلزم استدراكه بطلان الصلاة كالركوع و غيره، و لا بين كونه كثيرا أو لا، كما عن الميسية التصريح به قال: «لا يشترط في البطلان به بلوغ حد الكثرة مطلقا على الأقوى، بل تبطل بمسماه للنهي» و قد سمعت معقد إجماع الإيضاح، فعدم البطلان حينئذ بالقرآن أو الذكر المقصود به الإفهام خاصة- لعدم خروجه بذلك عن كونه قرآنا و ذكرا، إذ الفرض قصدهما- مسلم، و لكنه خارج عن موضوع المسألة الذي قد عرفته، و من الغريب أن المحقق الثاني قد ذكر أن منشأ البطلان في الفرض ما سمعته من الزيادة، و مع ذلك اعترض على الفاضل- حيث أبطل الصلاة بذلك حتى لو كان ذكرا مندوبا كما عرفت- بأن من نوى بالذكر المندوب الصلاة و غير الصلاة معا كأن قصد إفهام الغير بتكبير الركوع أو زجره لا تبطل فيه الصلاة، إذ لا يخرج بذلك عن كونه ذكرا لله و يصير من كلام الآدميين، و عدم الاعتبار به في الصلاة حينئذ إن تحقق لم يقدح في الصحة، لعدم


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.

ج 9، ص: 193

توقف صحة الصلاة عليه، أما لو قصد به الافهام مجردا عن كونه ذكرا لله فإنه يبطل، إلى أن قال: «و هذا بخلاف ما لو قصد الرياء به، لكونه منهيا عنه بقوله تعالى (1):

«وَ لا يُشْرِكْ» إلى آخره، فيخرج عن كونه ذكرا قطعا، فتبطل به الصلاة» و فيه ما عرفت من أن منشأ البطلان الزيادة لا الخروج عن القرآنية و الذكرية، فهو كالقرآن و الذكر الأجنبيين عن الصلاة المنوي بهما أنهما منها، إذ الفرض خروج الفعل الصلاتي عنها بنية غيرها، فنية الصلاة به حينئذ مع ذلك زيادة فيها، و دعوى أنه بتوارد النيتين خارج عنهما معا، فهو كالأجنبي المتخلل في أثناء الصلاة يدفعها أولا أن مثله آت في الواجب الذي سلم صدق الزيادة عليه، و ثانيا أن أقصى ذلك خروجه عن الصلاة شرعا لا الصلاة بجعل المصلي و عزمه الذي هو أمر وجداني و مفروض المسألة.

نعم يتجه الفرق في البطلان هنا بين الواجب و المندوب بمعنى عدم البطلان بالثاني دون الأول بدعوى أن من زاد يختص بقرينة قوله: «أو نقص في الواجب» فلم يبق إلا حرمة التشريع التي لا تقتضي بطلانا، لكنه لا يتم على مذاقهم كما لا يخفى، و كيف كان فقد عرفت التحقيق مضافا إلى الإجماع المحكي و غيره.

كما أنه ينبغي أن تعرف أن هذه المسألة غير مسألة الضميمة، و لذا لم يشر أحد من معتمدي الأصحاب إلى اتحاد البحث فيهما، بل من حكم هناك بالصحة مع الضم التبعي أو كان كل منهما علة مستقلة أطلق البطلان في المقام، كما أنهم لم يفرقوا هنا بين الضميمة الراجحة و غيرها، و الظاهر أن وجهه الفرق بين المسألتين بالفرق بين موضوعيهما فان موضوع الضميمة الفعل الواحد الذي له غايات متعددة، و أراد المكلف ضمها بنية واحدة، فالتحقيق فيها البطلان مع منافاة الإخلاص، و الصحة مع العدم، لتبعية الضم، أو لرجحان الضميمة، أو غير ذلك، و موضوع ما نحن فيه قصد المكلف كون الفعل


1- 1 سورة الكهف- الآية 110.

ج 9، ص: 194

الواحد المشخص مصداقا لكليين متغايرين لا يمكن اجتماعهما في مصداق واحد عقلا أو شرعا، فلو نواه حينئذ لكل منهما لم يقع لشي ء منهما شرعا، كما في كل فعل كذلك لأصالة عدم التداخل في الأفعال عقلا و شرعا، فلو نوى بالركعتين الفرض و النفل لم يقع لأحدهما، و من ذلك يظهر لك ما في بعض الأمثلة الواقعة في المقام من بعض الأعلام التي هي بالضمائم أشبه، و لعل منه ما في بعض النصوص من التكبير للصلاة و غيرها، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع في المقام و غيره جدا، هذا.

و مما ذكرنا يظهر لك ما في قواعد الفاضل حيث أنه بعد أن حكم بالبطلان و لو بالذكر المندوب كما سمعت قال: «أما إذا كان زيادة على الواجب من الهيئات كزيادة الطمأنينة فالوجه البطلان مع الكثرة» و تبعه على ذلك غيره، و مراده على الظاهر عدم البطلان بنية غير الصلاة بذلك، بل يدور البطلان حينئذ به على المبطل الخارجي كالكثرة و نحوها، و في جامع المقاصد «أن قوله: «فالوجه» يفهم منه احتمال عدم البطلان معها و هو غير مراد قطعا، لما سيأتي من أن الفعل الكثير مبطل مطلقا، و انما المراد وقوع التردد في حصول الكثير بمثل هذه الزيادة، فعلى تقدير العدم لا إبطال جزما، كما أنه لا شبهة في الإبطال معه» قلت: يمكن أن يكون ذلك لاحتمال البطلان مع القلة، لما عرفته من صدق الزيادة التشريعية، بل هو الوجه بناء على ذلك، كما يقتضيه إطلاق المصنف و غيره، و لو قيل بكونه ليس من أفعال الصلاة فهو أولى بالبطلان بنية أنه منها فلعل قول الفاضل: «الوجه» إشارة إلى ذلك، على أنه في المحكي عن الإيضاح يلزم القول بالصحة لمن ذهب إلى أن الأكوان باقية، و أن الباقي مستغن عن المؤثر، و أنه لا يعدم إلا بطريان الضد، و قد ذهب إلى ذلك جماعة من الإمامية، و حاصله أن المكلف لما أوجد القيام من الركوع مثلا فالذي صدر من الفاعل حدوث القيام، ثم فيما بعد

ج 9، ص: 195

صار باقيا فاستغنى عن المؤثر، و القدرة تتعلق أيضا بإيجاد ضده فإذا لم يوجد لم يكن الفاعل قد صدر منه حال البقاء شي ء أصلا، و إذا نوى بالزائد عن الواجب من ذلك القيام غير الصلاة فقد نوى بما لم يصدر منه و ما لم يفعله، فلا يؤثر في بطلان الصلاة، و قد عرفت أن نية الرياء فضلا عن غيره بترك الضد لا تضر إجماعا، فحينئذ تتجه الصحة مع الكثرة جزما، و لعله من هنا حكي عن فخر المحققين أنه قال: إن التحقيق بناء هذه المسألة على أن الباقي هل يحتاج إلى المؤثر أم لا، فان قلنا يحتاج بطلت مع الكثرة لأنه فعل فعلا كثيرا، و إن قلنا: الباقي مستغن عن المؤثر لم يفعل شيئا فلا يبطل، و الأقوى عندي البطلان، لكن قد يخدشه أنه يمكن الصحة على الأول أيضا بدعوى أن المدار على صدق الفعل الكثير عرفا لا حكمة، كما أنه يمكن البطلان أيضا على الثاني مع طول البقاء، بل من المحتمل أنه المراد من الكثير هنا لا تكرار ذلك منه بفوات الموالاة بين أفعال الصلاة التي ستعرف وجوبها في محله لا بالفعل الكثير.

و من ذلك كله يظهر لك ما في كشف اللثام حيث قال: «هذا- مشيرا به إلى البطلان في عبارة الفاضل- مبني على أمرين: أحدهما بطلان الصلاة بالفعل الكثير الخارج عن الصلاة المتفرق، و الثاني أن الاستمرار على هيئة فعل، لافتقار البقاء إلى المؤثر كالحدوث، و احتمال الصحة على هذا مبني على أحد أمرين، إما لأنه لا يعد الاستمرار فعلا عرفا، أو لعدم افتقار البقاء إلى مؤثر، و إما لأن الكثير المتفرق لا يبطل، و يجوز أن يريد بالكثرة الطول المفضي إلى الخروج عن حد المصلي، و يكون المراد الوجه عدم البطلان إلا مع الكثرة، و يحتمل البطلان مطلقا، لكونه نوى الخروج بذلك، و ضعفه ظاهر» قلت: قد عرفت كون الوجه الزيادة التشريعية، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[في جواز نقل النية في الموارد المخصوصة]

و لا يجوز نقل النية من عمل إلى عمل آخر مشابه له بالصورة إلا في

ج 9، ص: 196

موارد مخصوصة كنقل الظهر يوم الجمعة إلى النافلة لمن نسي قراءة الجمعة و قرأ غيرها وفاقا للأكثر كما في جامع المقاصد و المحكي عن المختلف، بل لعله المشهور، بل عن الصدوق وجوبه، بل لا أجد فيه خلافا سوى إطلاق عدم جواز النقل من الفرض إلى النفل في المحكي من المبسوط هنا و الخلاف الذي يجب تقييده بالمحكي عن الأول منهما في بحث الجمعة من التصريح بذلك، و سوى ما عن ابن إدريس، مع أن المحكي عن عبارته ظاهر فيه في الجملة، قال: «إن كان ابتداء المنفرد يوم الجمعة بسورة الإخلاص و الجحد اللتين لا يرجع عنهما إذا أخذ فيهما ما لم يبلغ نصف السورة، فإن بلغ النصف تمم السورة و جعلها ركعتين نافلة و ابتدأ الصلاة بالسورتين، و ذلك على جهة الأفضل في هذه الفريضة خاصة، لأنه لا يجوز نقل النية من الفرض إلى النفل إلا في هذه المسألة، و فيما إذا دخل الامام المسجد و هو يصلي فريضة، فإنه يستحب له أن يجعل ما صلاة نافلة، فأما نقل النية من النفل إلى الفرض فلا يجوز في موضع من المواضع على وجه من الوجوه فليلحظ ذلك على ما روي في بعض الأخبار و أورده الشيخ في نهايته، و الأولى عندي ترك العمل بهذه الرواية، و ترك النقل إلا في موضع أجمعنا عليه» و هو كما ترى موافق في الجملة، بل هو مضمون

الصحيح (1)الذي هو مستند الحكم هنا عن الصادق (عليه السلام) «في رجل أراد الجمعة فقرأ قل هو الله أحد قال: يتمها ركعتين ثم يستأنف»

و لعل التعدية إلى غير التوحيد للأولوية أو المساواة، لكن على كل حال ينبغي أن يكون ذلك حيث لا يجوز استيناف الجمعة ببلوغ النصف أو غيره، و ربما يأتي لذلك تتمة في القراءة و الجمعة إن شاء الله.

و احتمل في جامع المقاصد أن يكون المراد من عبارة القواعد و ما شابهها أن من نسي صلاة الجمعة يوم الجمعة و صلى الظهر ثم ذكر في الأثناء يعدل إلى النافلة، لأن


1- 1 الوسائل- الباب- 72- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.

ج 9، ص: 197

فرضه الجمعة لا الظهر، ثم قال: «و هذا الحكم ليس ببعيد، لأنه أولى من قطع العبادة بالكلية، و لا أعرفه مذكورا في كلام الفقهاء» قلت: و ليس في شي ء من الأدلة تعرض له، فيبقى على أصل المنع كما ستعرف، على أن المتجه في الفرض بطلان الصلاة لعدم الخطاب، فلا وجه للعدول منها إلى غيرها كما هو واضح، و الأولوية المزبورة ممنوعة، و لذا قلنا في بحث الأذان أن المتجه لمن نسيه و ذكره قبل الركوع القطع لا العدول إلى النفل و إن أفتى به جماعة هنا و هناك للأولوية المزبورة، لكنه محل منع لما ستعرف من أصالة المنع إلا في الموارد المخصوصة كالصورة السابقة.

و كنقل الفريضة الحاضرة إلى حاضرة سابقه عليها مع سعة الوقت أو فائتة كذلك حتى على القول بالمواسعة، و الفائتة اللاحقة إلى الفائتة السابقة كما أشبعنا الكلام فيه في محله، أما العدول منها إلى الحاضرة فليس في شي ء من النصوص إشارة اليه، فيبقى على أصالة المنع، فما عن بعضهم- من الجواز إذا شرع في فائتة ثم ذكر في أثنائها ضيق الوقت عن الحاضرة، بل عن الشهيد في البيان القطع به، بل في كشف اللثام ما يظهر منه أنه مفروغ منه، و أنه مدلول النصوص كالعكس أي النقل من الحاضرة إلى الفائتة- في غير محله، بل يتعين عليه القطع و الاستيناف لها و لو ركعة، ترجيحا لصاحبة الوقت على حرمة قطع الصلاة، و لتمام البحث فيه محل آخر، و كنقل الفريضة إلى النافلة لخائف فوت الركعة مع الامام كما أشبعنا الكلام فيه في محله في الجماعة أيضا.

و أما النقل من النفل إلى الفرض فليس في شي ء من الأدلة الإشارة اليه، و لذا صرح بعدمه بعض الأصحاب معللا له بأن القوي لا يبنى على الضعيف، لكن في المحكي عن المفاتيح أن الأظهر جوازه لمطلق طلب الفضيلة، لاشتراك العلة الواردة، و في الذكرى «و للشيخ قول بجوازه في الصبي يبلغ في أثناء الصلاة» و تبعه في كشف اللثام، قلت: قد عرفت التحقيق فيه مفصلا، و يمكن أن لا يكون من العدول و إن

ج 9، ص: 198

كان يجب عليه أن يجدد نية الفرض في الباقي على قول، إذ معناه جعل الجميع ما مضى منه و ما بقي على ذلك الوجه.

و أما النقل من النفل إلى النفل ففي المدارك أنه صرح الأصحاب بجوازه إذا شرع في لاحقه ثم ذكر السابقة، قال: «و يمكن القول بجوازه أيضا في ناسي الموقتة إلى أن يتضيق وقتها، و للتوقف في غير المنصوص مجال» قلت: و هو كذلك، إذ لا ريب في مخالفة النقل للأصل، إذ الأفعال إنما تشخص بالنية، و الفرض أن ما مضى من الفعل قد وقع بنية مشخصة للمنوي، فقلبه محتاج إلى دليل، بل دليل عدمه في غاية القوة، لأن تأثير النية فيما وقع و مضى مخالف لطريقة الأفعال، كما أن تأثيرها فيما بقي منه الذي هو تابع للسابق كذلك، فمن هنا كان احتمال إطلاق الجواز في سائر الخصوصيات- بدعوى ظهور أدلة الجواز في الموارد المخصوصة في أن العمدة عدم إبطال نية أصل العمل لا خصوصياته، فإنها باقية على اختيار المكلف إلى تمام العمل، بل في بعض أخبار العدول (1)ذلك بعد الفراغ من العصر معللا له بأنها أربع مكان أربع، و استحسنه في المفاتيح- واضح المنع، بل لعل مثله التعدية إلى مساوي المنصوص نحو النفل اللاحق إلى النفل السابق كالفرض إلى الفرض، لعدم المنقح من إجماع أو عقل، بل لعل

موثق عمار(2)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يريد أن يصلي ثمان ركعات فيصلي عشر ركعات أ يحتسب بالركعتين من صلاة عليه؟ قال: لا إلا أن يصليها متعمدا، فان لم يبق ذلك فلا»

دال على عدمه.

فقد بان من ذلك كله الجواز في بعض الموارد المخصوصة للأدلة الخاصة من الصور الستة عشر المتصورة في بادئ النظر، لأن كلا من الفريضة المنقول منها و إليها


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النية- الحديث 1.

ج 9، ص: 199

إما أن تكون واجبة أو مندوبة مؤداة أو مقضية، و إلا فقد تترقى إلى أزيد من ذلك بمراتب، و على كل حال فالكل باق على أصل المنع، نعم قد يقال بجواز ترامي العدول بل تعينه كما لو عدل إلى فائتة فذكر سابقه عليها و هكذا.

ثم لا يخفى أن الظاهر الاكتفاء بمجرد نية النقل إلى خصوص المنقول اليه من غير احتياج إلى القيود السابقة في ابتداء النية، ضرورة صيرورتها بالنية المزبورة بدلا عن الأولى في كل ما تعرض له فيها مما يشتركان فيه، و كيف كان فلو نقل نيته في غير الموارد المخصوصة كأن نقل نيته بالظهر إلى العصر لم ينتقل، و لا يجزي ذلك عن العصر لما عرفت، كما عن الخلاف التصريح به، بل عن نهاية الأحكام لو فعل ذلك بطلتا معا و إن كان قد دخل في الظهر بظن أنه لم يصلها ثم ظهر له في الأثناء أنه فعلها، لكن قال:

على إشكال ينشأ من أنه دخل دخولا مشروعا فجاز العدول به إلى ما هو فرض عليه، و فيه أنه قد بان له الفساد، و العدول يعتبر فيه أنه لو بقي على غفلته إلى تمام العمل صح، و ليس كذلك في الفرض.

انما الإشكال فيما لو عدل بزعم تحقق موضوع العدول ثم بان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء كما لو عدل بالعصر إلى الظهر ثم بان له أنه صلاها، و لعل القول بالصحة لا يخلو من قوة، لأن الصلاة على ما افتتحت عليه، و ربما كان فيما تقدم سابقا في أول بحث الاستدامة من نية الساهي في أثناء الفريضة الندب نوع تأييد له، إذ لا يزيد عليه إلا بنية كون الماضي من الفعل للمنوي جديدا، و هو حيث لم يصادف محله لغو لا يصلح مبطلا للعمل الواقع صحيحا، كما أن نيته بالباقي له بتخيل تحقق موضوع العدول لا ينافي الاستدامة التي يمكن أن يقال يكفي فيها و لو بالنظر إلى تلك الأدلة بقاء المكلف عازما على أصل العمل، و لذا لم يقدح فقدها لو نوى الندب أو الفرض في الأثناء بتخيل ابتداء العمل على ذلك.

ج 9، ص: 200

بل قد ينقدح من ذلك الصحة في النقل عمدا استصحابا لها، و لإطلاق ما دل (1)على أن الصلاة على ما افتتحت عليه، و لأن النقل المزبور مركب من نية كون الماضي للمنوي جديدا، و هي لغو غير صالحة للتأثير، و إلا لأثرت لو اقتصر عليها فحسب، و من نية كون الباقي له أيضا بعد فرض افتتاح الصلاة بغيره الذي قد حكم الشارع بتبعية غيره له في غير الموارد المخصوصة، فهي حينئذ أيضا لغو كالأولى لا تؤثر بطلانا، بل هي أشبه شي ء بنية غير الممكن شرعا و ما لا يدخل في قدرة المكلف، بل حكمه راجع إلى الشرع، و لو أن مثل هذه النية صالحة للتأثير لأثرت حتى في صورة الغفلة و النسيان التي قد عرفت الصحة فيها، خصوصا مع الاقتصار عليها من غير تعرض للماضي، كما لو نوى الندب أو الفرض في باقي عمله على ما سمعته سابقا مفصلا.

و أولى بالصحة ما لو نوى النقل ثم رجع عنه قبل أن يفعل فعلا، بل و إن فعل و أمكن تداركه، و لا ينافي ذلك إطلاق الأصحاب عدم جواز النقل الذي يمكن أن يكون المراد منه عدم تأثير النية نقلا في غير المواضع المستثناة التي عرفت تأثير النية فيها لا أن المراد بطلان العمل بمجرد نية النقل كيفما كان، فيكون كالحدث من المبطلات القهرية، إذ هو واضح الفساد، ضرورة عدم زيادته على نية الخروج التي قد عرفت البحث فيها، و أن الأظهر عدم البطلان بها، فما عن نهاية الأحكام و كشف الالتباس في النقل من النفل إلى الفرض من إطلاق بطلانهما معا بذلك لا يخلو من نظر، كالمحكي عن البيان من أنه لو فعله فكنية الواجب لا يسلم له الفرض، و في بقاء النفل وجه ضعيف فعليك بالتأمل في المقام فإنه غير منقح في كلام الأعلام، و الله هو العالم بحقائق الأحكام في مسائل الحلال و الحرام.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النية- الحديث 2.

ج 9، ص: 201

[الثاني تكبيرة الإحرام]
[في بيان الواجبات من التكبيرة]
اشاره

الثاني من أفعال الصلاة تكبيرة الإحرام و الافتتاح و الدخول في العبادة التي بها يتحقق حرمة ما كان محللا قبلها من الأكل و الشرب و الضحك و نحوها من منافيات الصلاة، كالتلبية بالإحرام بالحج، و هي جزء من الصلاة قطعا، ضرورة كون أول الشي ء منه، لا أنها لافتتاحها مع خروجها كالتكبير للركوع و السجود مثلا كما حكي عن شاذ من العامة، بل هي ركن تقدح زيادتها كما ستعرف و لا تصح الصلاة من دونها و لو كان قد أخل بها نسيانا إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا كالنصوص (1)التي لا يصلح لمعارضتها ما في بعض النصوص الأخر(2)من عدم البطلان بنسيانها من وجوه، خصوصا بعد موافقتها في الجملة لبعض العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم، بل

قول الرضا (عليه السلام): «أجزأه» في صحيح ابن أبي نصر(3)

منها في الذي نسي أن يكبر تكبيرة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 9 و 10 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 2 من كتاب الصلاة.

ج 9، ص: 202

الافتتاح حتى كبر للركوع صريح في المحكي عن جماعة منهم من اجتزاء الناسي لتكبيرة الإحرام بتكبير الركوع، كصراحة

قوله (عليه السلام) أيضا(1): «فليمض في صلاته»

فيمن نسي أن يكبر حتى دخل في الصلاة و كان من نيته أن يكبر، في المحكي عن أخرى منهم أيضا من الاجتزاء بنية التكبير حال النسيان، على أن الشيخ قد حملهما على الشك في الترك لا اليقين، و إن كان بعيدا في البعض، بل لا يلائمه لفظ الاجزاء و نحوه فيه، اللهم إلا أن يكون (عليه السلام) قد استبعد وقوع النسيان، و أن ذلك نوع من الوسوسة، كما يومي اليه قوله (عليه السلام) أيضا في

المرسل(2): «الإنسان لا ينسى تكبيرة الافتتاح»

و

قول أحدهما (عليهما السلام) في خبر ابن مسلم(3): «إذا استيقن أنه لم يكبر فليعد، و لكن كيف يستيقن»

بل في خبر النية المزبورة(4)إشعار بذلك أيضا، فلاحظ، أو أنه غالبا يعبر عن الشك بالنسيان في العبارة العامية المبتذلة، و في كشف اللثام صحيح ابن أبي نصر يحتمل احتمالا ظاهرا أنه إذا كان متذكرا لفعل الصلاة عنده أجزأه فليقرأ بعده إن تذكر و لما يركع و لم يكن مأموما ثم ليكبر مرة أخرى للركوع، إذ ليس عليه أن ينوي بالتكبير أنه تكبير افتتاح كما في التذكرة و الذكرى و نهاية الأحكام للأصل إن لم يكن مأموما، و فيه- بعد الإغضاء عن جريان الأصل و عن وجه التقييد بغير المأموم- انه لا تلازم بين عدم وجوب نيته أنه تكبير افتتاح و بين الاجتزاء بالتكبير المقصود انه للركوع و إن كان لا خطاب به حينئذ، لكن التعدد بزعم المكلف كالتعدد واقعا، فمتى شخصه المكلف لخيال تحقق الخطاب لم يصلح بعد لغيره، كغيره من الأفعال المشتركة التي تقع على وجوه متعددة و انما تتشخص بالنية، بل و لا بينه و بين الاجتزاء بتكبير لم يقصد فيه إلا أنه للصلاة في


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث 10 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث 11 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث 2 من كتاب الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث 9 من كتاب الصلاة.

ج 9، ص: 203

الجملة، ثم اختار جعله بعد ذلك افتتاحيا.

و ما يقال- ليس في الأدلة إلا اعتبار افتتاح الصلاة بالتكبير و أنه أول الصلاة و لا ريب في صدقه على الثاني، بل و الأول، إذ قصد أنه للركوع بعد إن لم يكن هناك خطاب به لم يخرجه عن صدق كونه تكبيرا، فإذا ألحقه بعد ذلك بالقراءة مثلا و غيرها من أفعال الصلاة صدق عليه أنه افتتح الصلاة بالتكبير، و كان أول صلاته التكبير، إذ هو حينئذ كجزء قصد به لصورة خارجية تشخصه فعدل عنها و جعل لصورة أخرى بعد فرض صلاحيته لهما، ضرورة اتحاد الصورة الذهنية و الخارجية في ذلك- واضح البطلان، ضرورة الفرق بين ما نحن فيه و بين الصورة الخارجية، إذ هو من الأفعال التي من مقومات تشخصها النية بخلاف تلك، على أنه لا ينبغي إنكار ظهور الأدلة في المقام فيما لا يشمل مثل هذا الفرد، و في انسياق إلزام المكلف بتكبير في أول الصلاة بحيث لو تنبه و تفطن لاستحضر انه أول الصلاة إلى الذهن، بل قد يقال باقتضاء مقارنة النية له و إن كانت الداعي وجوب استحضار ما يلزم ذلك، و مرادنا بعدم وجوب قصد الافتتاحية أنه لا يجب عليه استحضار ذلك حال التكبير.

و كذا ما عساه يقال من أن التكبير كباقي أجزاء الصلاة، فكما أن النية الأولى تؤثر في الأجزاء اللاحقة بحيث لا يقدح عدم نية المكلف لها حالها، بل و لا نية خلافها كالقصد بالتكبير للسجود مثلا و هو في حال الركوع، و كالتكبير بقصد السجدة الثانية و كان في الأولى، فكذا تكبيرة الإحرام يكفي في وقوعها له النية للصلاة و إن تخيل أنها للركوع، إذ نيته أنها للركوع في الحقيقة تفصيل لتلك النية الأولى و تأكيد لها، فإذا فرض عدم المصادفة بقي تأثير الأصل فيه و ذهب التأكيد، و ربما يشير إليه في الجملة النصوص (1)المتضمنة لعدم البأس بالغفلة عن الفريضة في الأثناء حتى أتمها على أنها


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النية من كتاب الصلاة.

ج 9، ص: 204

نافلة، فإن فيه أيضا الغفلة عن الفرق بين أول العمل و بين غيره، إذ الثاني ربما يقال بالاكتفاء فيه بتلك النية المقارنة لأول العمل، لصدق النية لجميع أجزاء العمل بذلك، و بتلبسه به و دخوله فيه لم يحتج بعد إلى نية أجزائه، بل و لا يقدح نية الخلاف فيه أيضا بخلاف الأول، إذ لم يصدق التلبس بالعمل و الدخول فيه عليه حينئذ كي تتبع باقي الأجزاء إذ التحقيق خروج النية، و أنها شرط، بل لو قلنا بجزئيتها أيضا فكذلك، لأنه انما يتحقق بالتكبير الدخول في العمل و انعقاده و صيرورة المكلف في حبس الصلاة بحيث يحرم عليه الابطال، كما هو واضح، و إلا لو فرض اتحاد تكبيرة الإحرام و باقي الأجزاء في الحكم المزبور لوجب الحكم باحرامية تكبيرة الركوع مطلقا و إن لم يذكر إلا بعده، و صحيحة ابن أبي يعفور و البقباق (1)صريحة في خلافه، كما أن غيرها ظاهر فيه، فلاحظ.

على أن ذلك كله إن لم يفد الجزم بما قلنا فلا ريب في أنه يفيد الشك في الاجتزاء بمثل هذا الفرد من الصلاة، للشك في إرادة ما يشمل مثله من الأمر بالصلاة و إن قلنا بأنها للأعم، إذ هو لا ينافي الشك في إرادته منه كباقي المطلقات التي يتفق وقوع الشك في إرادة بعض أفرادها، بل قد يقال بالإجمال مع القول بالأعمية، لكنه إجمال في المراد بدعوى ظهور إرادة فرد خاص من نحو «أَقِيمُوا الصَّلاةَ»* و لم نعلمه، لا أن المراد المسمى و خرج معلوم الفساد الذي هو أضعاف الداخل و بقي الباقي، و كيف و قد ادعى بعضهم مثل ذلك في البيع و نحوه حتى أنه نزل قوله تعالى (2)«أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ» على بيع مخصوص معهود، و الصلاة أولى منه بذلك قطعا، فتأمل جيدا.

فظهر من ذلك كله أنه لا يتجه حمل الخبر المزبور على ذلك، كما أنه لا يتجه أيضا حمله على المأموم الذي يكتفي بتكبيرة واحدة للإحرام و الركوع عند الضيق،


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة- الآية 276.

ج 9، ص: 205

للصحيح (1)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا جاء الرجل مبادرا و الامام راكع أجزأه تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة و الركوع»

و نحوه الموثق (2)و هو المحكي عن الإسكافي و الشيخ في خلافه مدعيا عليه إجماع الفرقة، و كأنه مال اليه الشهيد في الذكرى، كما أنه جزم به في الحدائق، إذ هو كما ترى يأباه ظاهر الخبر المزبور و إن كان التداخل في حد ذاته هنا قويا للدليل المذكور الحاكم على أصالة عدم تداخل الأسباب و غيرها مما يقرر هنا، نحو ما سمعته في الأغسال الواجبة و المندوبة، فلاحظ، و أما

صحيح زرارة(3)قال لأبي جعفر (عليه السلام): «الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح فقال: إن ذكرها قبل الركوع كبر ثم قرأ ثم ركع، و إن ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراءة و بعد القراءة، قلت: فان ذكرها بعد الصلاة قال:

فليقضها و لا شي ء عليه»

فمع قصوره بما سمعت و يجري فيه بعض ما عرفت يحتمل إرادة نسيان إحدى تكبيرات الافتتاح المندوبة منه، و لا ينافيه تداركها قبل الركوع، إذ لعلها كالجزء الواجب يتدارك ما لم يدخل في الركن الآخر، فتأمل.

[في بيان المراد من التكبيرة]

و كيف كان ف صورتها أن يقول: الله أكبر عند علمائنا كما عن المعتبر و المنتهى للأصل في وجه، و لأنه المتعارف من التكبير و المعهود من صاحب الشرع و أتباعه، ف

في المرسل (4)«كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) أتم الناس صلاة و أوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال: الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم»

فيجب التأسي به هنا، ل

قوله (صلى الله عليه و آله)(5)«صلوا كما رأيتموني أصلي»

فلا


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 11.
5- 5 صحيح البخاري ج 1 ص 124 و 125.

ج 9، ص: 206

يرد عدم معرفة الوجه بناء على اعتبارها في التأسي، بل و لا أن مثل هذا الفعل لا يصلح مقيدا للمطلق، مضافا إلى

المروي (1)عن المجالس بإسناده في حديث «جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله)- إلى أن قال-: و أما قوله: و الله أكبر لا تفتتح الصلاة إلا بها»

لا أقل من أن يكون ذلك كله سببا للشك في الامتثال بغير هذه الصورة و في إرادته من المطلقات بناء على عدم الاجمال.

و حينئذ لا تنعقد الصلاة بمعناها سواء أدي بلغة عربية غيرها و إن رادفتها أو فارسية أو غيرهما و كذا لو أخل بحرف منها لم تنعقد صلاته قطعا إذا كان لحنا، أما نحو همزة الوصل في لفظ الجلالة عند الوصل بلفظ النية مثلا أو بالأدعية الموظفة أو بالتكبيرات المندوبة أو نحو ذلك فقد صرح جماعة بعدم الحذف فيها و إن جعلوا المثال الأول، و عللوه بأنه من خواص الدرج و لا كلام قبل تكبيرة الافتتاح، فلو تكلفه بأن تلفظ بالنية التي هي أمر قلبي فقد تكلف ما لا يحتاج اليه، و ما وجوده كعدمه فلا يخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعا، و هو كما ترى، و مقتضاه القطع حتى مع الدرج المزبور، لكن في المدارك أنه منه يظهر حرمة التلفظ بالنية مع الوصل، لاستلزامه مخالفة اللغة أو الشرع، قلت: الشأن في إثبات وجوب القطع في الشرع، إذ دعوى أن النبي (صلى الله عليه و آله) لم يأت بها إلا مقطوعة عن الكلام السابق لا شاهد لها لو سلمنا دلالة مثله و لم نقل أنه لا ينافي ما دل على عدم اعتبار غير الجريان على القانون العربي فيها و في غيرها من الأذكار الصلاتية، اللهم إلا أن يقال: إن المتيقن من فعل النبي و الصحابة و التابعين ذلك، فالاقتصار عليه هو المناسب للاحتياط، خصوصا مع عدم معروفية المخالف بخصوصه، بل نفاه في المفاتيح، لكن غيره نسبه إلى البعض، و مع ما في

صحيح ابن سنان (2)عن الصادق (عليه السلام) «الامام تجزيه


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 3.

ج 9، ص: 207

تكبيرة واحدة و يجرئك ثلاث مترسلا إذا كنت وحدك»

و الترسل كما في بعض كتب اللغة و صرح به في الوافي التأني و التثبت، و هو انما يناسب القطع، و لا ينافيه ثبوت الندب في الاثنتين، و لعله لذا قال في المنظومة:

و نقص جزء مبطل كالكل و لو كهمز الوصل حال الوصل

و لو عرف «الأكبر» خالف الصورة الثابتة بما سمعت، فتبطل صلاته عند أكثر أهل العلم كما عن المنتهى لما عرفت، بل حكي الاتفاق عليه إلا من الإسكافي فكرهه كالمحكي عن الشافعي، و لا ريب في ضعفه، و لو أتمه ب ما ورد في النصوص (1)من أنه المقصود منه، كقول من كل شي ء أو من أن يوصف بقيام أو قعود أو يلمس بالأخماس أو يدرك بالحواس أو غير ذلك مما هو داخل في الكبرياء و العظمة فقد صرح في القواعد و غيرها بالبطلان أيضا، و إن كان إقامة الدليل المعتد به عند القائلين بحجية الظن المخصوص عليه مع القول بالأعمية في لفظ الصلاة و نحوها، بل و القائلين بالوضع الصحيح لدخوله تحت إطلاق الأمر بالتكبير لا يخلو من إشكال، و ليس إلا الوقوف على المتيقن من فعله (صلى الله عليه و آله)، أو دعوى تناول

قوله (ص)(2): «و لا تفتتح الصلاة إلا بها»

لذلك بملاحظتها مجردة عن الوصل بشي ء من ذلك، و هو الذي قربه العلامة الطباطبائي في منظومته، فقال:

و إن يزد شيئا عليها بالطرف فالأقرب البطلان مثل ما سلف

من ذاك أن يضيف تفضيلا و من ذلك أن يقرنه بلفظ من


1- 1 المستدرك- الباب- 36- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 7 و الوسائل الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 12.

ج 9، ص: 208

و أما ترك الأعراب في آخرها ففي المفاتيح أنه يستحب ل

حديث (1)«التكبير جزم»

و مقتضاه جواز الاعراب و عدم الوقف، و هو كذلك للأصل، و إطلاق الأدلة مع قصور الخبر المزبور عن إفادة الوجوب، بل لعل الأحوط الاعراب عند عدم الوقف، و إلا كان غير جار على القانون العربي، و الاقدام على جوازه للخبر السابق المحتمل تخصيصه بالأذان و الإقامة لا سائر أفراد التكبير مع ما في الحدائق من أنه عامي لا يخلو من نظر.

و على كل حال فان لم يتمكن من التلفظ بها كالأعجم لزمه التعلم مع رجائه بلا خلاف للمقدمة كما يجب تعلم الفاتحة، خلافا لأبي حنيفة فلم يوجب العربية مطلقا، و لا يعتبر إحرازه القدرة على ذلك، بل العجز مسقط، فيجب حينئذ السعي حتى يعلم العجز، بل هو كذلك و إن استلزم سفرا أو غيره كنظائره من المقدمات، نعم يسقط في كل مكان تسقط فيه المقدمة كما لو استلزمت ضررا أو قبحا يعلم من الشرع عدم التكليف معه، و سقوط طلب الماء بالأقل من ذلك للدليل لا يقتضيه هنا، خصوصا و قد فرق بينهما بالاعتبار، فان التعلم ينتفع به طول عمره بخلاف الماء، فان استصحابه للمستقبل غير ممكن، و العمدة ما قلناه.

و حينئذ لا يتشاغل بالصلاة مع سعة الوقت و رجاء التعلم لما عرفته، و ليس ذا من ذوي الأعذار الذين احتمل فيهم، بل قيل بعدم وجوب الانتظار و إلا سقط وجوب التعلم، ضرورة عدمه قبل الوقت و بعد الصلاة في أوله، و احتمال الصحة و إن أثم بترك التعلم كما في آخر الوقت يدفعه أنه لا جهة للإثم، لأن وجوب التعلم انما يتعلق به في وقت الصلاة كتحصيل الماء و الساتر، فكما لا تصح الصلاة عاريا في أول


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.

ج 9، ص: 209

الوقت إذا قدر على تحصيل الساتر، و تصح في آخره و إن كان فرط في التحصيل فكذا ما نحن فيه، بل قد يحتمل في مثل المقام- الذي لم يرد فيه دليل على البدلية بل جاءت من حكم العقل- أنه يأثم بترك التعلم، و لا تصح صلاته في آخر الوقت، لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، و لأنه لو قيس حاله بحال السادة و العبيد لجزم أهل العرف بذلك، ف ما دل حينئذ(1)على سقوط العربية و الاجتزاء ببدلها غير شامل لمثل ذلك، و لعله لذا نص في المحكي عن نهاية الأحكام و كشف الالتباس على عدم الصحة فيمن فرط بترك التعلم حتى ضاق الوقت، و انه تجب عليه الإعادة بعد التعلم، و هو لا يخلو من وجه، و إن كان ظاهر الأصحاب عدم الفرق بين التقصير و غيره، و ستعرف وجهه في القراءة إن شاء الله، كما أنه يحتمل وجوب التعلم في مثل الفرض في سائر الوقت من غير فرق بين ما بعد الوقت و قبله لا لوجوب ذي المقدمة، بل لأن أهل العرف يفهمون الوجوب في مثله، كما يتضح بفرضه في السيد و العبد مع فرض عدم السبيل إلا قبل الوقت، فتأمل جيدا.

فان ضاق الوقت عن التعلم أو لم يطاوعه لسانه بحيث تحقق العجز عنده، قيل: أو لم يجد من يعلمه و لا سبيل إلى المهاجرة أحرم بترجمتها من باقي اللغات وجوبا، لأنه هو المستطاع من المأمور به، و لأنه هو الذي ينتقل اليه الذهن من مثل هذه الأوامر هنا، خصوصا بعد استقراء ما ورد(2)في الأخرس و سائر المضطرين في الأقوال و الأفعال في الصلاة، و فحوى ما ستسمعه في الأخرس، و لعل ذا أو ما يقرب منه مراد من علله بأنه ركن عجز عنه فلا بد له من بدل، و الترجمة أولى ما يجعل بدلا منها، و بأن المعنى معتبر مع اللفظ، فإذا تعذر اللفظ وجب اعتبار المعنى، يعني أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب القراءة في الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 59- من أبواب القراءة في الصلاة.

ج 9، ص: 210

يجب لفظ العبارة المعهودة في تأدية المعنى و إن كان لا يجب إخطاره بالبال، فإذا لم يتيسر ذلك اللفظ لم يسقط المعنى، بل يؤدي بعبارة أخرى، مضافا إلى شهرته بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا، بل ظاهر نسبة السقوط إلى بعض العامة أنه كذلك و إن احتمله بعض أهل الجمود منا، نعم عبر غير واحد بلفظ الجواز، و المراد منه الوجوب إذ الظاهر كما في كشف اللثام أنه متى جاز هنا وجب، و لعله لكونه ركنا للواجب الذي لا يتصور فيه و لا في أجزائه الجواز بالمعنى الأخص، و يفسده كلام الآدميين.

و لا يخير بينها و بين سائر الأذكار فضلا عن أن يقدم عليها و إن فرض عربيتها كما عن نهاية الأحكام التصريح به، لأنها هي البدل عن التكبير لغة و عرفا، ضرورة مرادفتها للعربية في إفادة المعنى دون غيرها، أما ما أدى معناها من الأذكار العربية نحو الله أجل و أعظم ففي كشف اللثام يقدم عليها، و لا يخلو من تأمل مع فرض عدم الترادف.

ثم إن ظاهر المتن عدم تقدم لغة على أخرى في البدلية، و هو كذلك كما عن نهاية الأحكام التصريح به أيضا و إن احتمل أولوية السريانية و العبرانية، لأنه تعالى أنزل بهما كتبا، و الفارسية على التركية و الهندية، لنزول كتاب المجوس بها، و ما قيل:

إنها لغة حملة العرش، بل عن جماعة التصريح بالأفضلية، بل ربما حكي عن بعض الوجوب، و هو كما ترى، كاحتمال وجوب تقديم لغته على غيرها، و إن أشعرت به عبارة القواعد، و المعروف في الترجمة بالفارسية «خداي بزركتر» بفتح الراء الأخيرة أو كسرها، و هو لغة بعض الفارسيين، و في لغة أخرى «بزرك تر است» لا «بزرك» لعدم التفضيل فيه، لكن في كشف اللثام أن لفظ «خداي» ليس مرادفا لله، و إنما هو مرادف للمالك، و الرب بمعناه، و انما المرادف له «ايزد» و «يزدان» قلت: و عليه ينبغي الالتزام به بناء على اعتبار الترادف في الترجمة و إن كان لا يخلو من إشكال،

ج 9، ص: 211

كما أنه لا يخلو منه أيضا التركيب من اللغتين فيما لو استطاع عربية أحد اللفظين، لخروج الصيغة حينئذ عنهما، و الله أعلم.

[في كيفية تكبير الأخرس]

و الأخرس الذي لا يستطيع أن ينطق بها صحيحة أتى بها على قدر الإمكان لأن كلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر(1)و لأنه ما من شي ء حرم الله إلا و قد أحله لمن اضطر اليه (2)و لأنه هو المستطاع من المأمور به (3)و فحوى ما ورد في الألثغ و الألتغ و الفاء فاء و التمتام، و ما ورد في مثل بلال و من ماثله و في الأخرس (4)الذي لا يستطيع الكلام أبدا الذي أشار إليه المصنف بقوله:

فان عجز عن النطق أصلا عقد قلبه بمعناها مع الإشارة و زيد في القواعد و غيرها تحريك اللسان، بل اقتصر بعضهم عليه و الإشارة، كآخر مع التقييد بالإصبع، بل عن المبسوط و التحرير الاقتصار على الأخير فقط، و في الإرشاد عليه و الأول، و أضاف في كشف اللثام إلى اللسان الشفة و اللهوات، و عن نهاية الأحكام اشتراط العجز عن تحريك اللسان في ذلك، كما هو ظاهر المحكي عن الموجز و شرحه.

و كيف كان فمستند الحكم

خبر السكوني (5)عن الصادق (عليه السلام) «تلبية الأخرس و تشهده و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه»

للقطع بإرادة بدلية ذلك عن كل ذكر يكلف فيه الأخرس من دون خصوصية للمذكورات، خصوصا بعد ملاحظة فتوى الأصحاب، لكنه كما ترى خال عن ذكر عقد القلب


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 6.
3- 3 تفسير الصافي سورة المائدة- الآية 101.
4- 4 الوسائل- الباب- 59- من أبواب القراءة في الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 59- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 212

بالمعنى، مضافا إلى عدم وجوب ذلك على الناطق فضلا عنه، و من هنا قال في كشف اللثام: المراد عقد القلب بإرادته الصيغة و قصدها لا المعنى الذي لها، إذ لا يجب إخطاره بالبال، و فيه مع أنه خلاف الظاهر أنه انما يتم في الأخرس الذي سمع التكبيرة و أتقن ألفاظها و لا يقدر على التلفظ بها أصلا، ضرورة عدم إمكان ذلك في الخرس الذي يكون منشأه الصمم خلقة أو عارضا كالخلقة، كما أنه كذلك بالنسبة إلى عقد القلب بالمعنى إذا لوحظ إضافته إلى الصيغة، و لعلهم لا يريدونه، بل المراد المعنى الذي يمكن تفهيمه إياه بالإشارة، و كأن اعتبارهم له بناء على أن الذي هو بدل عن اللفظ في التفهيم ليس إلا هذه الإشارة المستلزمة لتصور المعنى، بل يمكن دعوى إشعار الإشارة بالإصبع في الخبر المزبور به، إذ من المستبعد إرادة التعبد منها محضا، كما أنه من الممتنع إرادة الإشارة بذلك إلى نفس اللفظ الذي هو الدال في بعض أفراد الخرس، و عدم إيجاب إخطار المعنى على الناطق بل و لا معرفته أصلا، اعتمادا على اللفظ الدال في حد ذاته عليه، بخلاف الإشارة التي لا تكون كاللفظ في تفهيم المعنى، إلا أن يعرف المشير المعنى و يذكر ما يدل عليه من الحركات و الكيفيات الفعلية، و من هنا استحسن في كشف اللثام نفسه ترك التقييد بالإصبع في نحو عبارة الكتاب، قال: لأن التكبير لا يشار اليه غالبا بها، و انما يشار بها إلى التوحيد، فحمل ما في الخبر المزبور على التشهد خاصة.

قلت: يحتمل إرادة اليد من الإصبع في الخبر جريا على غلبة الإشارة من الأخرس بها، بل قل ما يتفق إشارته بغيرها مستقلا عنها، و لعل معنى التكبيرة يبرزه بها أيضا، فلا يكون حينئذ ما في الخبر راجعا إلى التوحيد خاصة، كما أنه بذلك يظهر وجه تقييد الأكثر بها تبعا للنص، و قال في المدارك كغيره: إن الإشارة لما كانت تقع للتكبير و غيره احتاجت في التشخيص له إلى عقد القلب بالمعنى، و ليس المراد المعنى المطابقي، بل يقصد التكبير و الذكر و الثناء في الجملة، و لا بأس به، ضرورة العسر

ج 9، ص: 213

و الحرج في التكليف بعقد القلب بتمام المعنى، بل لعله بالنسبة إلى بعض أفراد الخرس تكليف ما لا يطاق، و أما تحريك اللسان فإنه و إن وجد في النص إلا أن المصنف لعله تركه إدخالا له تحت الإشارة، خصوصا مع عدم تقييدها بالإصبع، و كان ذكر اللسان في النص و الفتوى جريا على الغالب، فيحرك الشفة و اللهاة معه، نعم ما سمعته من الترتيب بينهما لا دليل عليه، كما أنه لا دليل على ترتيب هذا التحريك على حسب ترتيب الحروف، و ستسمع في القراءة إن شاء الله زيادة التحقيق لذلك.

و بذلك كله اتضح لك عدم السقوط عن الأخرس كما عن بعض العامة، و احتمله بعض أهل الجمود منا، و كأنه في الحقيقة خرق للإجماع، و ظني أن الذي دعاهم إلى ذلك استناد بعض الأصحاب في الحكم هنا إلى قاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور و نحوها من الأمور التي من الواضح عدم جريانها في مثل هذه المقدمات، و انما تذكر اعتمادا على وضوح الحكم، أو في مقابلة العامة الذين يرتكبون غالبا مثل هذه التجشمات، لا أنها هي المدرك حقيقة للحكم عندهم، كما هو واضح، و الله أعلم.

[في بيان وجوب الترتيب و الموالاة بين أجزاء تكبيرة الإحرام]

و الترتيب فيها واجب و كذا الموالاة، ف لو عكس بأن قدم «أكبر» على لفظ الجلالة أو فصل بينهما بلفظ أو زمان يغير الصورة لم تنعقد الصلاة بلا خلاف لما عرفت مما دل على اعتبار الصورة المذكورة.

[في وجوب تعيين تكبيرة الإحرام من بين التكبيرات]

و كيف كان ف المصلي بالخيار في التكبيرات السبع أيها شاء جعلها تكبيرة الافتتاح على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل ظاهر نسبته إلى أصحابنا من بعضهم الإجماع عليه، كنفي الخلاف فيه من آخر صريحا، لإطلاق الأدلة إطلاقا كاد يكون صريحا فيه، بل هو ظاهر خبر الحلبي (1)و غيره المشتمل على دعاء التوجه المشعر بكون الأخيرة تكبيرة الإحرام، و من هنا نص على أن دعاء التوجه بعدها و انه أبعد


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.

ج 9، ص: 214

من عروض المبطل، و أقرب إلى لحوق لاحق بالإمام، و أنه هو الموافق لما

ورد(1)في النصوص عن النبي (صلى الله عليه و آله) «انه كان يجهر بواحدة و يسر ستا»

ضرورة أن التي يجهر بها هي تكبيرة الإحرام لإعلام المأمومين الدخول في الصلاة، و لذا اتفق الأصحاب على اختصاص الجهر بها كما ستسمعه في المسنونات، و الظاهر أنها الأخيرة كما يشهد له

ما حكي (2)عنه (صلى الله عليه و آله) أيضا «انه كان (صلى الله عليه و آله) إذا دخل في صلاته يقول: الله أكبر بسم الله»

و لذا ربما ظن أنه (صلى الله عليه و آله) لم يكن يكبر إلا تكبيرة واحدة لسره الست، كما أومأ إليه بعض النصوص (3)الآتية في المسنونات، مضافا إلى أنه لو كان يقدم تكبيرة الإحرام لم يكن وجه لسره الباقي، إذ هو مناف ل ما دل (4)على استحباب إسماع الإمام المأمومين كما يقوله في الصلاة و تخصيصها بذلك ليس أولى من إبقائها على عمومها مع القول بتقدمها على تكبيرة الافتتاح، إذ لا يستحب حينئذ إسماعها المأمومين، إما لخروجها عن الصلاة حينئذ، أو لظهور ما دل على استحباب الاسماع فيما بعد تكبيرة الإحرام، لأنه حينئذ بها تتحقق الإمامية و المأمومية كما هو واضح.

و من ذلك يظهر وجه دلالة سائر النصوص المتضمنة لسر الامام ستة و الجهر بواحدة على الأخيرة، و لعله لذا مع الخروج عن شبهة الخلاف صرح جماعة من الأساطين باستحباب جعلها الأخيرة و إن أنكر عليهم بعض متأخري المتأخرين- منهم الأصبهاني في كشفه- وجود الدليل على ذلك، و هو عجيب، إذ هو صريح

الفقه الرضوي (5)الذي هو حجة عنده، قال: «و اعلم أن السابعة هي الفريضة، و هي تكبيرة


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 52- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
5- 5 فقه الرضا عليه السلام ص 7.

ج 9، ص: 215

الافتتاح، و بها تحريم الصلاة»

و ما أبعد ما بينه و بين القائلين بوجوب جعلها كذلك كظاهر أبي المكارم و أبي الصلاح و سلار فيما حكي عنهم، بل ظاهر الأول الإجماع عليه و إن كان هو ضعيفا، إذ الإجماع في غاية الوهن، بل غيره أولى بالدعوى منه كما لا يخفى على الممارس العارف، و غيره قاصر عن إفادة الوجوب، خصوصا بعد معارضته بظاهر جملة من النصوص الظاهرة في أنها الأولى ك خبري صفوان (1)و زرارة(2)المشتملين على تعليل السبع بأن النبي (صلى الله عليه و آله) كبر للصلاة و الحسين (عليه السلام) إلى جانبه يعالج التكبير و لا يحيره، فلم يزل يكبر و يعالج الحسين (عليه السلام) حتى أكمل سبعا فأحار الحسين (عليه السلام) في السابعة، بل قيل: و ك

صحيح زرارة أيضا(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «الذي يخاف اللصوص و السبع يصلي صلاة المواقفة- إلى أن قال-: و لا يدور إلى القبلة و لكن أينما دارت دابته، و لكن يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه»

و

الحلبي (4)عن الصادق (عليه السلام) «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات»

بناء على إرادة تكبيرة الإحرام من الافتتاح، لأنه بها يحصل حقيقة، و إطلاقه على غيرها مجاز للمجاورة و

صحيح زرارة(5)أيضا المتقدم آنفا عن أبي جعفر (عليه السلام) أيضا «في الرجل ينسى أول تكبيرة الافتتاح»

إلى آخره، إذ الظاهر إرادة الإحرامية، و اشتماله على ما لا نقول به لا يخرجه عن الحجية هنا.


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1 لكن رواه عن حفص.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 8.

ج 9، ص: 216

و لعله لذلك كله أو بعضه جزم جماعة من متأخري المتأخرين بتعيين الأولى و إن كان هو أيضا ضعيفا، ضرورة قصورها عن معارضة غيرها، خصوصا إجماعات التخيير الذي هو مقتضى إطلاق الأدلة، و مقتضى الجمع بين إمارتي الأخيرة و الأولى على أن العمدة في هذه النصوص أخبار إحارة الحسين (عليه السلام)، و هي- مع عدم صراحتها، و تضمنها الفعل الذي لا يصلح لتقييد المطلق، و اضطرابها في الجملة في حكاية القصة عن الحسن و الحسين (عليهما السلام)، و معارضتها بالنصوص (1)المعللة للسبع باختراق الحجب و غيره- لا تقتضي إلا وقوع ذلك منه (صلى الله عليه و آله) في أول المشروعية لا أنه كان كذلك دائما، و دعوى ظهور

قوله (عليه السلام): «و جرت السنة بذلك»

في السبع و أن الأولى الإحرامية ممنوعة، بل المراد الأول خاصة، و أما صحيح زرارة الوارد في الموافقة فلا تعرض فيه للسبع، بل المراد منه الاستقبال بأول الصلاة، و هو التكبير دون غيره من أجزاء الصلاة كالقراءة و الركوع و نحوهما، و صحيح الحلبي ظاهر بل صريح عند التأمل فيه و في غيره من النصوص في إرادة بيان الافتتاح بما بعد «ثم» فيه، و صحيح زرارة الآخر قد عرفت البحث فيه سابقا، مع أنه لا دلالة فيه على وجوب تعيين الأولى، بل و لا في صحيح الحلبي، و لقد أجاد في الرياض في نفيه الدلالة في جميعها على ما عدا الجواز من الرجحان وجوبا أو استحبابا، قال: و إن توهم حتى لأجله قيل بعكس ما في الرضوي مع أنه لا قائل به من معتبري الطائفة.

و كيف كان فالظاهر بطلان الصلاة بناء على تعيين الأخيرة لو عكس فجعلها أولى مثلا، لثبوت التشريع حينئذ بالست في أثناء العمل، مع احتمال العدم، أما على تقدير


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 5 و 7 و الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10.

ج 9، ص: 217

تعيين الأولى فالظاهر الصحة و إن جعلها أخيرة، للبطلان فيما تقدمها حينئذ لا فيها، ضرورة صلاحيتها بعد لأن تكون أولى بتعقيبها بالست الباقية، و احتمال البطلان لثبوت التشريع في وصف الأخيرية اللاحق لها في فعل المكلف ضعيف جدا.

هذا كله بناء على اتحاد تكبيرة الإحرام كما هو المجمع عليه نقلا إن لم يكن تحصيلا و إن تخير المكلف في وضعها أو تعين عليه، و يشهد له أمر الإمام بالجهر بواحدة و أسرار الباقي لإعلام المأمومين، و التعبير بتكبيرة الافتتاح في جملة من النصوص و ما سمعته من أخبار إحارة الحسين (عليه السلام) المقتضية بظاهرها أن ذلك هو الذي مضى عليه الناس في صدر الإسلام، و انما زيد بعد ذلك للعلل المزبورة، إلى غير ذلك.

أما إذا قلنا بتخيير المصلي بين الافتتاح بواحدة و ثلاث و خمس و سبع، و مع اختيار كل منها يكون فردا للواجب المخير نحو ما يقال في تسبيحات الركوع و السجود- كما حكاه المجلسي عن والده مؤيدا له بأنه الأظهر من أكثر الأخبار، بل بعضها كالصريح في ذلك، و هو كذلك، و من الغريب إنكار ظهور النصوص في ذلك في الحدائق، و كيف و في

خبر أبي بصير(1)منها عن الصادق (عليه السلام) «إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة و إن شئت ثلاثا و إن شئت خمسا و إن شئت سبعا، و كل ذلك مجز عنك»

و نحوه غيره، و شبهة التخيير بين الأقل و الأكثر يدفعها جعل المدار في الامتثال النية، لخروجه عن الأقل و الأكثر لتغايرهما حينئذ، و عدم اندراج الأقل حينئذ في الأكثر، بل يكون مقابلا له، أو يقال: إن الواحد المقتصر عليه غير الداخل في جملة غيره، و المراد التخيير بين الواحد و غيره مع ملاحظة قيد الوحدة التي ينافيها إضافة غيرها معها مثلا، أو يقال: إن الأكثر فرد للامتثال بالأمر بالطبيعة كالأقل و انه بالتكرير للفعل لا تتعدد الطبيعة المأمور بإتيانها، فحينئذ إن اقتصر على الفرد الواحد


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 3.

ج 9، ص: 218

امتثل به، و إن جاء بغيره معه امتثل به أيضا- فلا إشكال حينئذ في عدم وجوب التعيين بالمعنى المتقدم، إلا أن ذلك كله يجب الخروج عنه بعد أن عرفت إجماع الأصحاب هنا على اتحاد التكبيرة.

نعم قد يتأمل في وجوب تعيينها من بين السبع لإطلاق الأدلة، بل لعل المزج الموجود فيها من غير أمر بالتعيين كالصريح في ذلك، و إلا كان إغراء بالجهل، اللهم إلا أن يقال: إنهم (عليهم السلام) اتكلوا في تعيينها على الأمر بمقارنة النية للعمل، فأي تكبيرة حينئذ قارنتها النية كانت هي تكبيرة الإحرام، و فيه- مع احتمال جواز تقديم النية هنا كتقديمها عند غسل اليدين للوضوء- انه لا يتم بناء على أنها الداعي، لغلبة حضوره مع السبعة، قال المجلسي فيما حكي من بحاره: «و ما ذكروه من أن كلا منها قارنتها النية فهي تكبيرة الإحرام إن أرادوا نية الصلاة فهي مستمرة من أول التكبيرات إلى آخرها، مع أنهم جوزوا تقديم النية في الوضوء عند غسل اليدين لكونه من مستحبات الوضوء، فأي مانع من تقديم نية الصلاة عند أول التكبيرات المستحبة فيها، و إن أرادوا نية تكبيرة الإحرام فلم يرد ذلك في خبر، و عمدة الفائدة التي تتخيل في ذلك جواز إيقاع منافيات الصلاة في أثناء التكبيرات، و هذه أيضا غير معلومة، إذ يمكن أن يقال بجواز إيقاع المنافيات قبل السابعة و إن قارنت نية الصلاة الأولى، لأن الست من الأجزاء المستحبة، أو لأنه لم يتم الافتتاح بناء على ما اختاره الوالد (رحمه الله)» و الظاهر أن مراده جواز إيقاع المنافيات لعدم العلم حينئذ بحصول الإحرام إذ هو مع عدم تعيينه يحصل في ضمن السبعة مثلا و إن كان بواحدة منها، فقبل حصول تمامها يجوز له فعل المنافيات، و بعد يحرم بالأخيرة أي عندها، و إن كانت الأخيرة في فعل المكلف غير متعينة، فتارة تكون السابعة، و تارة تكون غيرها، لا أنه له ذلك و إن قصد الإحرام بالأولى لأن ما عداها أجزاء مستحبة كما فهمه منه في الحدائق،

ج 9، ص: 219

ضرورة عدم الجواز بعد تحقق الإحرام و إن كان المصلي متشاغلا بالمستحب، و إلا لجاز فعل المنافي في حال القنوت، فإنكار المحدث المزبور عليه حتى أنه ربما أساء الأدب مبني على إرادته ذلك، و مرتبته أجل من أن ينسب اليه ما لا يخفى على أصاغر الطلبة.

هذا كله إن لم نقل بتعيين الأولى أو الأخيرة للإحرام، و إن كان القول بعدم تعيين المكلف لها بالنية متجها لتعينها في نفسها حينئذ، فإذا نوى الصلاة فكبر سبع تكبيرات مثلا مستصحبا للداعي أجزأه ذلك، لأنه إنما نوى الصلاة على ما هي عليه في الواقع، و الفرض أن إحرامها الأولى أو الأخيرة، كما أنه قد يتجه ذلك أيضا لو لم نقل به بل قلنا: إن المكلف به طبيعة التكبير الذي يتحقق بالواحدة، و هي التي يتحقق بها الإحرام، فهو إذا نوى الصلاة و كبر حصلت الطبيعة الواجبة، و المستحبة حينئذ إضافة ست إليها كي تكون سبعة على حسب الأمر بطبيعة التسبيح في الركوع و السجود الذي لا ريب في وقوع الامتثال فيه بأول تسبيحة و إن لم يكن قد عينها بنيته له، لا يقال: إن ذلك ينافي التخيير في وضعها أولا و أخيرا المفتي به بين الأصحاب، بل كاد يكون إجماعا، لأنا نقول: ليس المراد أن المستحب مأخوذ فيه وقوعه بعد الواجب فلا بد أن يكون الواجب أولا، بل المراد أنه لما كلف واجبا بطبيعة التكبير و فرض ثبوت الندب في عدد مخصوص لم يعتبر فيه تقدم و لا تأخر استفيد منه و إن كان هو بأمر واحد أن له تعيين المندوب أولا أو آخرا، و انه إن لم يعين كان ما يقع منه أولا للواجب، و بالجملة هذا الأمر المزبور له جهتا اتحاد و تعدد، فعند عدم التعيين ينصرف الواقع إلى مقتضى اتحاد الأمر من وقوع الواجب بأول ما يقع منه، لصدق حصول الطبيعة منه، و المستحب بعده، و عند التعيين يتعين الثاني، لأنه حينئذ كالأوامر المتعددة التي شخص الامتثال لكل واحد منها، و استفادة هذا التعدد من مثل قوله: «كبر ثلاث تكبيرات» أو «سبح ثلاث تسبيحات» ليس بعجيب، فحينئذ التخيير الذي في

ج 9، ص: 220

كلام الأصحاب لا ينافي الحكم بالصحة مع تعين الأولى للإحرام لو فرض عدم تعيين المكلف لها بل اقتصر على نية الصلاة خاصة، و به يتم المزج الموجود في النصوص و عدم الأمر بالتعيين، و هو مع التأمل في غاية الجودة إن لم يحصل إجماع على خلافه، و على أن تكبيرة الإحرام باعتبار ما يلحقها من الأحكام صارت نوعا آخر مغايرا لباقي التكبيرات، فوجب حينئذ تعيينها و لو بما يقتضي تعينها من اللوازم كغيرها من الأفعال المشتركة التي لا تتشخص إلا بالنية، و أنه لا امتثال عقلا و لا عرفا في مثل العبادات إلا بتعيينها، فتأمل جيدا، و الله أعلم بحقيقة الحال.

[في بطلان الصلاة لو كبر و نوى الافتتاح ثانيا]

و لو كبر و نوى الافتتاح ثم كبر و نوى الافتتاح بطلت صلاته بلا خلاف أجده فيه بين القدماء و المتأخرين كما اعترف به بعضهم صريحا و آخر ظاهرا، للأصل و الأمر باستقبال الصلاة لمن زاد في صلاته (1)و لعله إليه أشار بعضهم بتعليله البطلان بأن الثانية غير مطابقة للصلاة، ضرورة إرادته أنه زاد فيها جزء على ما شرع، فلا تكون مشروعة، كالتعليل في التذكرة بأنه فعل منهي عنه فيكون باطلا و مبطلا، و نحو ذلك مما هو راجع اليه، أو مبني على قاعدة الشغل و إجمال العبادة، إلا أن الجميع كما ترى لا خصوصية فيه للتكبير كي يستفاد منه الركنية بالخصوص كغيره من الأركان، و لعله لذا مع الاعراض عن مثل هذه التعليلات تأمل بعض متأخري المتأخرين في ركنيته بالمعنى المصطلح، و اقتصر في البطلان على خصوص الترك و لو نسيانا للأدلة التي عرفتها دون الزيادة، و هو لا يخلو من وجه تعرفه في أول بحث القيام بناء على الأعمية لو لا اتفاق الأصحاب هنا ظاهرا على البطلان.

نعم قد يتأمل في البطلان به حال السهو كما في كشف اللثام لقصور تلك النصوص (2)عن إفادته، فليس إلا قاعدة الركنية المبنية على إجمال العبادة، و أنها


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

ج 9، ص: 221

اسم للصحيح، و قد حققنا في الأصول خلافها، اللهم إلا أن يدعى تناول النص المزبور(1)له، و أنه لا ينافيه خروج ما خرج و إن كان أضعاف الداخل، لأنه ليس من العموم اللغوي الذي يقبح فيه ذلك، و فيه بحث، أو يدعى عدم تناول المراد من إطلاق الأدلة لمثله بمعونة اتفاق الأصحاب ظاهرا عليه، أو يدعى إرادة الفعل و الترك من نحو

قوله (صلى الله عليه و آله)(2): «صلوا كما رأيتموني أصلي»

خصوصا مع إمكان إشعار تشبيه التكبير في الصلاة بالأنف في الوجه في بعض النصوص (3)باعتبار اتحاده فيها كالأنف في الوجه، فتأمل، و لا ريب أنه الأحوط.

و كيف كان فظاهر المتن كصريح غيره أنه لا يعتبر في البطلان نية الصلاة معه، لأنه بقصده الافتتاح يصير ركنا، و لا يقدح فيه عدم مقارنة النية التي هي شرط في صحة الصلاة لا لكونه للافتتاح، فان المتصور في زيادة أي ركن كان هو الإتيان بصورته قاصدا بها الركن كما لو أتى بركوع ثان لامتناع ركوعين صحيحين في ركعة واحدة، بل قد يقال بعدم اعتبار نية الافتتاح في الإبطال به بناء على أن منشأها ما عرفته من الزيادة للأصل أو للنص أو لغيرهما، و كان اعتبارهم لذلك بناء منهم على ركنيته، و أن البطلان من حيث زيادة الركن لا من مطلق الزيادة و إن كان فيه ما فيه.

ثم لا يخفى أن بطلان التكبيرتين في الفرض مبني على عدم الخروج عن الصلاة بنيته، أو على عدم لزوم نية الافتتاح لذلك مع فرض الاقتصار عليها، أو على أنه انما نوى الصلاة ثانيا بناء على جواز تجديد النية في الأثناء أي وقت أراد، لا على الخروج منها و قرن النية بالتكبير سهوا، أو لزعم لزوم التكبير أو جوازه كلما جدد النية جاعلا له


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع الصلاة.
2- 2 صحيح البخاري ج ص 124 و 125.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 6 و 13.

ج 9، ص: 222

جزء من الصلاة، و إلا فبناء على أنه نوى الخروج مع ذلك أو اقتصر على نية الافتتاح و قلنا بلزومه لنية الخروج كما هو الظاهر و ببطلان الصلاة بذلك صحت الصلاة بالتكبير الثاني و لا حاجة حينئذ إلى قوله: ف ان كبر ثالثة و نوى الافتتاح انعقدت الصلاة أخيرا لكن الظاهر أنه بناء على ما ذهب هو اليه من عدم الخروج عن الصلاة بنية الخروج، فحينئذ ينحصر الإبطال في التكبير الثاني، و يحتاج في الصحة إلى الثالث، إذ الثاني مع إبطاله الأول ليس بقابل للعقد و الإحرام و الافتتاح، و كأنه مفروغ منه عندهم حيث لم يتوقف فيه أحد منهم، بل ربما كان صريح الفاضل و المحقق الثاني، و هو كذلك حيث يكون منهيا عنه، أما مع عدم النهي كما في حال السهو أو النافلة بناء على عدم حرمة إبطالها و أنه لا تشريع فقد يشكل بأنه لا مانع من حصول الأمرين به الابطال و الصحة، و يدفع بأن بطلان التكبير الثاني لوقوعه في حال غير قابل للتأثير و العقد، ضرورة عدم إمكان التأثير في حال صحة الصلاة، و هي انما تنتفي بآخر جزء منه أي الثاني، فكيف يتصور حينئذ صلاحيته للعقد و الإحرام كما هو واضح.

و منه يعلم حينئذ أنه لا وجه للقول بصحة صلاة من زعم تمام صلاته التي كان متلبسا بها فأحرم لصلاة جديدة نافلة مثلا أو غيرها، نعم يمكن القول بعدم إبطال هذا التكبير للمتلبس بها باعتبار أنه لم يأت به لها كي يحصل زيادة ركن فيها، مع أن فيه أيضا بحثا واضحا.

و على كل حال فلا فرق في الصحة بالثالث بين أن يكون قد نوى الخروج أولا بأن جدد النية ثالثا و قرنها بالتكبير، بل قيل: و لا بين أن يكون علم البطلان بالثاني أو لا، لأنه لم يزد شيئا في الصلاة و إن زعم أنه زاد، و هو كذلك إلا إذا فرض بحيث تذهب النية معه، و لعل ذلك هو المدار، و الله أعلم بحقيقة الحال.

[في اعتبار القيام حال تكبيرة الاحرام]

و يجب أن يكبر للإحرام قائما، فلو كبر قاعدا مع القدرة أو و هو

ج 9، ص: 223

آخذ في القيام لم تنعقد صلاته للأصل في وجه و الصلوات البيانية(1)و إطلاق ما دل على اعتبار القيام في الصلاة التي لا إشكال في جزئية تكبيرة الإحرام لها ك

قوله (عليه السلام) في الصحيحين (2): «من لم يقم صلبه فلا صلاة له»

و

قوله (عليه السلام)(3): «الصحيح يصلي قائما»

و نحو ذلك، ضرورة عدم صدق قيام الصلب في جميع الصلاة على من تركه حال التكبيرة، اللهم إلا أن يدعى إرادة اعتبار قيام الصلب في الجملة من مثل هذه العبارة لإخراج صلاة القاعد مثلا، و هو لا يخلو من نظر، على أنه لو سلم ذلك في مثل هذا التركيب فلا يسلم في مثل التركيب الثاني و نحوه، و خصوص

الصحيح (4)«إذا أدرك الامام و هو راكع و كبر الرجل و هو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة»

و

الموثق (5)عن الصادق (عليه السلام) قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل سها خلف الامام فلم يفتتح الصلاة قال: يعيد الصلاة، و لا صلاة بغير افتتاح، و عن رجل آخر عليه صلاة من قعود فنسي حتى قام و افتتح الصلاة و هو قائم ثم ذكر قال: يقعد و يفتتح الصلاة و هو قاعد، و كذلك إن وجب عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة و هو قاعد فعليه أن يقطع صلاته و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم، و لا يعتد بافتتاحه و هو قاعد»

بل قد يظهر منه كغيره أيضا اعتبار سبق القيام على التكبير كما هو مقتضى المقدمة أيضا، فلا يكفي مقارنة التكبير لأول مصداق القيام حينئذ.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القيام- الحديث 1 و 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
5- 5 التهذيب ج 2- ص 353- الرقم 1466 من طبعة النجف.

ج 9، ص: 224

كما أنه منه و من الموثق الآخر(1)يستفاد أن القعود كالقيام مع فرض وجوبه و هو كذلك، بل قد يلحق بذلك باقي الأحوال، ضرورة اشتراك الجميع في كون كل منها بدلا واقعيا كالتيمم بدل الوضوء، فلا يجزي و لو مع النسيان لعدم الخطاب به بل لعل التأمل الجيد في هذه النصوص يقتضي اعتبار ما يعتبر في القيام من الإقلال و نحوه في التكبيرة كما أومأ إليه الطباطبائي فيما تسمعه، فيكون ذلك كالشرط في التكبير و لا مانع من كون الشي ء جزءا من جهة و شرطا من جهة أخرى، و لا ينافي ذلك عدم بطلان القراءة بنحو ذلك نسيانا، لأن أقصاه فوات القراءة نسيانا بفواته، و فواتها غير قادح لعدم كونها ركنا، بخلاف التكبيرة و القيام المتصل بالركوع مثلا، على أنه يمكن أن يقال: إن القيام و الطمأنينة فيه مثلا واجبان حال القراءة مثلا لا شرطان لها، و يتفرع على ذلك حينئذ عدم وجوب إعادة القراءة لو تركهما فيها ناسيا لفوات المحل باعتبار أن إعادتهما يقتضي إعادة القراءة جديدا، و قد امتثل الأمر بها، و لا أمر جديد بها، نعم لو قلنا بشرطية ذلك فيها على وجه ينعدم المشروط بانعدامهما و لو نسيانا اتجه حينئذ التدارك، لعدم إجزاء ما وقع منه أولا، و ذلك محتاج إلى التأمل التام في الأدلة لاستنباط الأمر المزبور الذي مقتضى الأصل عدمه بناء على الأعمية، فتأمل جيدا.

و كيف كان فمن إطلاق النصوص السابقة و أكثر الفتاوى و صريح البعض يستفاد أنه لا فرق في ذلك بين العمد و النسيان، و لا بين المنفرد و المأموم، بل لا خلاف أجده فيه كأصل الحكم الذي نقل الإجماع عليه في المحكي من إرشاد الجعفرية و غيره إلا ما يحكى عن الشيخ في المبسوط و الخلاف من أنه إن كبر المأموم تكبيرة واحدة للافتتاح و الركوع و أتى ببعض التكبير منحنيا صحت صلاته، و لا ريب في ضعفه،


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 225

و أضعف منه استدلاله عليه بأن الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير و انعقاد الصلاة به، و لم يفصلوا بين أن يكبر قائما أو يأتي به منحنيا، فمن ادعى البطلان احتاج إلى الدليل، إذ هو مع أنه لا يتم على القول بالإجمال مدفوع بأنك قد عرفت الدليل، بل مقتضى المقدمة التربص للمأموم في الجملة حتى يعلم وقوع التكبير تاما معه، و لو أنه تمسك بما ورد(1)في خصوص المأموم و الرخصة في المشي له لإدراك الامام و نحوه مما جاز لتحصيل فضيلة الجماعة لكان له وجه في الجملة و إن كان ضعيفا أيضا، لعدم ظهور شي ء من الأدلة في سقوط خصوص القيام لذلك، بل أقصاه عدم الاستقرار، و الفرض انتفاء مسمى القيام، اللهم إلا أن يراد بالقيام الوقوف السكوني الذي ينافيه المشي و الاضطراب و القعود و غيرها كما تسمعه إن شاء الله في مبحثه، و لعله عليه بنى العلامة الطباطبائي في منظومته البطلان فيما لو سها و كبر غير مستقر أو ركع عن قيام لا استقرار فيه، بناء على دوران ركنية القيام على ما يقارنه أو يتصل به من الأركان فقال:

و تارك القرار سهوا لم يعدإلا إذا بتركه ركن فقد

كالمشي في تكبيرة الإحرام و في محل الركن من قيام

و فيه أنه بعد التسليم لا يتم بناء على حرمة القياس، ضرورة كون مورد الدليل المأموم مع عدم ظهوره في جواز التكبير غير مستقر أو غير مطمئن، بل ربما كان فيه إيماء إلى خلافه، و مرسل الجر(2)لا دلالة فيه على فعل ذلك حال التكبير و نحوه مما يعتبر فيه الطمأنينة، و من هنا قال في الذكرى: لم نعرف مأخذه، نعم قال في الفرض: هل ينعقد نافلة؟ الأقرب المنع، لعدم نيتها، و وجه الصحة حصول التقرب و القصد إلى الصلاة و التحريم بتكبيرة لا قيام فيها، و هي من خصائص النافلة، و لا يخفى عليك ما في الوجه الثاني، كما لا يخفى عليك أنه لا حاجة إلى البحث في اعتبار القيام حال النية و عدمه


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 9، ص: 226

بعد أن اعتبرنا مقارنة النية للتكبير الذي أثبتنا اعتبار القيام فيه، فكل مقام يتصور البطلان فيه لفقد القيام في النية يحصل فيه فقده حال التكبير، اللهم إلا أن يقال: إنه بناء على أنها عبارة عن الحديث الذكري قد يتصور انفكاكها عنه بحصولها حال عدم الاعتدال مثلا إلى آخر جزء من التصور فاعتدل و كبر، نعم لو قيل ببساطتها بناء على ذلك أيضا لم يتصور ثمرة للبحث حينئذ، و هو لا يخلو من وجه، لكن لما كانت عندنا عبارة عن الداعي الذي لا يتصور فيه ذلك سهل الخطب، مع أنه لا ينبغي التأمل في اعتبار القيام فيها بناء على أنها جزء من الصلاة، لبعض ما سمعته في التكبير، و الله أعلم.

هذا كله في الواجب في التكبيرة،

[في بيان المسنون من تكبيرة الإحرام]
اشاره

و أما المسنون فيها فأمور و إن اقتصر المصنف منها على أربع:

[أحدها أن يأتي بلفظ الجلالة من غير مد بين حروفها]

أحدها أن يأتي بلفظ الجلالة من غير مد بين حروفها جمعا بين الرجحان المستفاد من تعارف التلفظ بهذه الصورة المأخوذة يدا عن يد و بين جواز الجريان على القانون العربي لجواز الإشباع في الهمزة و نحوها من الحروف المتحركة في لغة العرب بحيث ينتهي إلى الحروف كما اعترف به في المنتهى، و إن كان هو غالبا في الضرورات و نحوها من المسجعات و ما يراعى فيه المناسبات، إلا أنه ظاهر في أنه لا يكون لحنا و إن كان في السعة، بل في الحدائق أنه شائع في كلام العرب، فتدبر، و لجواز المد في الألف كما عن جامع المقاصد التصريح به، بل عن المقاصد العلية و إن طال، و لعله هو المراد في استحباب تركه كما عن جماعة التصريح به، لا المد الطبيعي الذي لا بد منه في التلفظ بالألف، بل عن الفوائد الملية أنه لا يجوز تركه، كما عن بعض القراء استحسانه بقدر ألفين، هذا.

و لكن قد يناقش بأن الموافق لما ذكروه سابقا- مما يقتضي المحافظة على الصورة المتلقاة، و أنه لا يجوز تغييرها بوجه من الوجوه و إن وافق القانون العربي حتى لم يجوزوا الفصل بلفظ «تعالى» و لا إضافة من كل شي ء و نحو ذلك- الوجوب لا الندب

ج 9، ص: 227

بناء على أن المستند فيه ما عرفت، على أن دعوى جريان الإشباع في الحركات بحيث ينتهي إلى الحروف في السعة محل منع، و لذا صرح الفاضل في بعض كتبه و الشهيدان و العليان و غيرهم بالبطلان مع مد الهمزة في لفظ الجلالة بحيث ينتهي إلى ألف و تشتبه بالاستفهام و إن لم يكن مقصودا، كما صرح به بعض هؤلاء حتى الفاضل منهم، خلافا للمنتهى و التحرير فقصراه في المحكي عنهما على ما إذا قصد الاستفهام، ضرورة بنائهم ذلك على عدم جريانه على القانون العربي كما لا يخفى على من لاحظ و تدبر، و ربما يؤيده كيفية الكلام الآن في العرف و إنكاره نحو تلك الكيفية، و الظاهر اتحاده مع اللغة في ذلك و أنه ما تغير، على أنه إن كان مبناه المحافظة على الصورة يتم المطلوب الذي هو المناقشة في جواز المد، و كأنه لذلك نزل الشراح نحو العبارة على المد بالنسبة للألف أو على ما يشمل الهمزة، لكن لا بحيث يبلغ الحرف، و لا ريب أن الأحوط بل الأولى عدم ذلك كله، بل و عدم المد أيضا في ألف لفظ الجلالة، خروجا عن خلاف صريح الرياض و ظاهر المحكي عن المبسوط، و جمودا على المتيقن من الصورة في الفراغ من الشغل، و إن كان الذي يقوى في النظر جواز المد هنا، وفاقا للمشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا، إلا أن يخرق المعتاد في مثل هذه التكبيرة، و لعل وجه الاستحباب حينئذ حسن الاحتياط، لاحتمال اعتبار الشارع هذه الصورة التي ترك فيها المد و إن كان هو جاريا على القانون العربي، و مثل هذا الاحتمال- بعد ان لم يعلم من الشارع ملازمته لترك المد، و فرض موافقته للقانون الذي يجري في باقي أذكار الصلاة- يصلح وجها للاستحباب لا الحتم، و الإلزام، و منه بعد التأمل يعلم حينئذ اندفاع ما ذكر في أول المناقشة و إن كانت هي في خصوص الهمزة متجهة باعتبار إمكان منع جريانها على القانون مع المد فيها، فتأمل جيدا.

[ثانيها في استحباب أن يؤتى بلفظ الجلالة من غير مد]

كما أن من ذلك كله يعلم الوجه في الثاني من الأربع و هو الإتيان بلفظ

ج 9، ص: 228

أكبر على وزن أفعل من غير إشباع مد لهمزتها و بأيها إما بحيث لا يصل إلى حد الحرف أو مع وصوله على الوجهين أو القولين، و التحقيق ما ذكرناه من عدم جواز ذلك بحيث يؤدي إلى الحرف، وفاقا للمشهور إما للمنع من موافقة القانون كما يشهد له العرف، و كيف و «أكبار» جمع كبر بالفتح، و هو الطبل، أو للمحافظة على الصورة المعهودة المتعارفة المتلقاة يدا عن يد، و مقتضاهما معا أنه لا فرق بين قصد الجمع في «أكبار» و عدمه كما هو ظاهر جماعة و صريح آخرين، فما عن المعتبر و المنتهى و التحرير من الفرق في «أكبار» بين قاصد الجمع و عدمه نحو ما سمعته في همزة لفظ الجلالة فيه ما لا يخفى، نعم لا يبعد الجواز إذا لم يصل إلى حد الحرف، و لعله هو المراد لمن عبر بالاستحباب، و وجهه حينئذ ما عرفت، و الله أعلم.

[ثالثها أن يسمع الامام من خلفه تلفظه بها]

و الثالث أن يسمع الامام من خلفه تلفظه بها على المشهور بين الأصحاب بل لم يعرف في المنتهى خلافا فيه، لما ورد مما هو مذكور في باب الجماعة من أنه ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل شي ء يقوله، و المناقشة بأنه لا يتصف بالإمامة حالها يدفعها ظهور العبارة فيما تتناول مثله ممن هو مشرف عليها، كما يومي اليه إطلاق ذلك عليه في كثير من النصوص، منها

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1)الذي استدل به على خصوص المقام «و إن كنت إماما فإنه يجزيك أن تكبر واحدة تجهر فيها و تسر ستا»

و إن كان قد يناقش فيه بأن ظاهر لفظ «يجزيك» فيه أنه أقل المجزي مع أنه لا فرد أكمل من ذلك للإمام، اللهم إلا أن يقال: إن المراد منه هنا بقرينة غيره أن هذا هو المجزي لا غيره، و مقتضاه الوجوب لو لا الإجماع ظاهرا، و لفظ «ينبغي» فيما سمعته، و قد يناقش أيضا بأن الجهر أعم من إسماع المأمومين، و يدفعه أنه هو المراد منه على الظاهر خصوصا مع تأيده بالاعتبار، ضرورة أن الغرض من جهرة


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.

ج 9، ص: 229

بالواحدة و أسرار الباقي الاقتداء به، لعدم الاعتداد باحرامهم قبل إحرامه.

و منه يعلم حينئذ استحباب الإخفات في غيرها، كما يشهد له أيضا

خبر الحسن ابن راشد(1)سأل الرضا (عليه السلام) «عن تكبيرة الافتتاح فقال: سبع، قلت:

روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه كان يكبر واحدة يجهر فيها فقال: إن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يكبر واحدة يجهر بها و يسر ستا»

بل قد يستفاد كراهة الجهر بغيرها من

خبر أبي بصير(2)عن الصادق (عليه السلام) أيضا «إذا كنت إماما لم تجهر إلا بتكبيرة»

بناء على إرادة النهي من النفي فيه، و مفهومه يقتضي الرخصة في الجهر بأزيد من التكبيرة لغير الإمام، إلا أنه خرج عنه بالنسبة للمأموم للأدلة الدالة على النهي عن إسماعه الإمام شيئا مما يقوله، فيبقى المنفرد حينئذ، و يثبت جواز الجهر له بالجميع و الاسرار به و التلفيق، و هو الذي صرح به غير واحد لإطلاق الأدلة، فما يحكى عن الجعفي من استحباب رفع الصوت بها مطلقا مستنده غير واضح عدا ما سمعته من المحكي عن النبي (صلى الله عليه و آله)، و هو بيان للفعل الذي لا عموم فيه فيحتمل وقوعه كما هو الغالب جماعة، و لا دلالة في شي ء من المفهوم المزبور، كمفهوم صحيح الحلبي، فتأمل جيدا.

[رابعها أن يرفع المصلي بها يديه]

و المستحب الرابع أن يرفع المصلي بها يديه على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل نفي الخلاف فيه بين العلماء عن المعتبر، و بين أهل العلم عن المنتهى، و بين علماء أهل الإسلام عن جامع المقاصد، بل عن الأمالي أن من دين الإمامية الإقرار به، خلافا للمرتضى فأوجبه فيما حكي عن انتصاره فيها و في كل تكبيرات الصلاة مدعيا عليه إجماع الطائفة، و لعله أراد به شدة الاستحباب بقرينة نقله الإجماع عليه، و هذا مظنته لا الوجوب بالمعنى المصطلح، إذ لم نعرف أحدا وافقه من قدماء


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 4.

ج 9، ص: 230

الأصحاب و متأخريهم سوى ما يحكى عن الكاتب في خصوص تكبيرة الإحرام، نعم ربما مال اليه بعض متأخري المتأخرين كالاصبهاني في كشفه، و الكاشاني في مفاتيحه، و البحراني في حدائقه، لظاهر الأوامر كتابا(1)و سنة(2)التي لا معارض لها إلا الأصل الذي يجب الخروج بها عنه.

و فيه أنه لا يخفى على الخبير الممارس لأخبارهم (عليهم السلام) المتنبه لكيفية محاوراتهم و لما يومون إليه في تعبيراتهم ظهور هذه الأوامر في الندب، خصوصا مع ملاحظة فهم الأصحاب و شيوع الأمر في الاستحباب، مضافا إلى إشعار جملة من نصوص المقام به،

كالخبر(3)المروي عن مجمع البيان الوارد في تفسير قوله تعالى (4): «وَ انْحَرْ» «لما قال النبي (صلى الله عليه و آله) لجبرئيل: ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي فإنه قال له: ليست نحيرة، و لكنه يأمرك إذا تحرمت الصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت و إذا ركعت و إذا رفعت رأسك من الركوع، و إذا سجدت، فإنه صلاتنا و صلاة الملائكة في السماوات السبع، و إن لكل شي ء زينة و إن زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة»

و ك

قول الصادق (عليه السلام) لزرارة(5): «رفع يديك في الصلاة زينتها»

و كقوله (عليه السلام)(6) أيضا

و علي (عليه السلام)(7): «إن رفع اليدين هو العبودية»

و ك

قول الرضا (عليه السلام) للفضل(8): «انما رفع اليدان بالتكبير لأن رفع اليدين ضرب من الابتهال و التبتل و التضرع، فأحب الله عز و جل أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتلا متضرعا مبتهلا، و لأن في رفع اليدين إحضار النية و إقبال القلب على ما قصد»

و زاد في المحكي عن العلل «و لأن الغرض من الذكر


1- 1 سورة الكوثر- الآية 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 14.
4- 4 سورة الكوثر- الآية 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الركوع- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الركوع- الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الركوع- الحديث 8.
8- 8 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 11.

ج 9، ص: 231

انما هو الاستفتاح، و كل سنة فإنما تؤدى على جهة الفرض، فلما أن كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحب أن يؤدي السنة على جهة ما يؤدى الفرض» و ك

صحيح علي بن جعفر(1)عن أخيه (عليه السلام) «على الامام أن يرفع يده في الصلاة، ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة»

ضرورة وجوب حمله على تأكد الاستحباب و إلا كان مطرحا، و ك

خبر معاوية بن عمار(2)عن الصادق (عليه السلام) أيضا في وصية النبي (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام) «و عليك برفع يديك في صلاتك و تقلبهما»

بناء على إرادة الرفع للتكبير منه لا القنوت، لغلبة وصيته (صلى الله عليه و آله) له (عليه السلام) بالمندوبات، بل من المستبعد وصيته بالواجبات لعلو مرتبته عن تركها، كما يومي اليه زيادة على ذلك استقراء وصاياه له بها، و مضافا إلى إشعار سلكه في غيره مما علم ندبيته، على أن إرادة الندب من هذه الأوامر أولى من التجوز فيها بإرادة الواجب الشرعي منها بالنسبة إلى تكبيرة الإحرام و الشرطي في غيرها، لشيوع المجاز الأول شيوعا لا يعارضه غيره، حتى قيل: إنه مساو للحقيقة، و احتمال إرادة وجوب الرفع في نفسه أو وجوب جميع تكبير الصلاة في غاية الضعف، و بالجملة لا يكاد يخفى على السارد للأخبار هنا- بعد فرض كونه من أهل اللسان و المعرفة بأخبارهم (عليهم السلام) و المهتدين في ظلمة الضلال بأنوارهم- أن المراد من هذه الأوامر الاستحباب، و الله أعلم.

و كيف كان فليكن الرفع ليديه إلى حذاء أذنيه أي شحمتيهما، لأنهما أول الغاية كما هو معقد المحكي من إجماع الخلاف و عبارة كثير من الأصحاب، بل هو نص المحكي من عبارة فقه الرضا (عليه السلام)(3)و المنسوب إلى رواية في


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 8.
3- 3 فقه الرضا عليه السلام ص 7.

ج 9، ص: 232

المحكي عن المعتبر و غيره، بل لعله المستفاد من النهي في النصوص (1)المعتبرة عن مجاوزة الأذنين المحمول عند بعض الأصحاب على الكراهة، مع أن مقتضى أصالة الحقيقة و اعتبار الرواية الحرمة، لعدم المعارض إلا الأصل الذي لا يعارض الدليل، و لعله هو ظاهر المحكي عن المقنعة و جمل السيد و المراسم، و هل المكروه أو المحرم حينئذ المجاوزة، لتحقق المأمور به و صدق الامتثال قبلها، أو مجموع الرفع، لاختلاف الهيئة و كونه رفعا واحدا عرفا؟ وجهان، أقواهما الأول، و لعل بناء الكراهة على الثاني كي يكون حينئذ من مكروه العبادة، و هو كما ترى، فتأمل.

أو يكون الرفع أسفل من الوجه قليلا ك ما فعله الصادق (عليه السلام) على ما رواه معاوية بن عمار(2)و روى صفوان بن مهران (3)انه رآه يرفعهما حتى يكاد يبلغ أذنيه، و لعله اليه يرجع ما في كثير من الروايات من الرفع حذاء الوجه (4)أو حياله (5)أو قباله (6)أو حيال الخدين (7)و إلا كان فردا آخرا، كما أن الأمر به إلى النحر المروي في المرسل (8)عن علي (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى «وَ انْحَرْ» كذلك إن لم يكن الأسفل من الوجه راجعا اليه، و إلا اتحد معه، لكن في أكثر النصوص بل لم يعثر في الحدائق على خبر فيه الرفع إلى النحر تفسيره بحذاء الوجه، و لعله لأنهما حالة رفعهما إلى حذاء الوجه يحيطان بالنحر الذي هو موضع القلادة و أعلى الصدر.

و بالجملة إن لم يرجع جميع ما في هذه النصوص إلى شي ء واحد كان المتجه التخيير مع تفاوت مراتب الاستحباب أو بدونه، عملا بالجميع لعدم المنافاة، و عدم ثبوت


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب تكبيرة الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 10- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 2.
8- 8 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث 15.

ج 9، ص: 233

التكليف بكيفية واحدة الرفع، فأعلاها الرفع إلى الأذنين، و أسفلها النحر، و ظاهر الأستاذ في كشف الغطاء التخيير من دون تفاوت في الفضيلة، قال: «و يستحب فيها كغيرها من التكبيرات رفع اليدين إلى شحمتي الأذنين أو المنكبين أو الخدين أو الأذنين أو الوجه أو النحر» لكن لا يخفى عليك دخول البعض في البعض، و أنه لا دليل على المنكبين و إن حكي عن الحسن بن عيسى أنه جعله أحد الفردين و الثاني الخدين، اللهم إلا أن يكون الدليل ما يحكى عن الشيخ من نسبته إلى رواية عن أهل البيت بعد أن حكاه عن الشافعي، للتسامح في المستحب، و الأمر سهل بناء على أن ذلك كله مستحب في مستحب عملا بإطلاق الأمر بالرفع الذي لا ينبغي حمله على المقيد فيها، لعدم التعارض و التنافي المقتضي لذلك، بخلافه في الواجبات، اللهم إلا أن يدعى أنه- بناء على التحقيق من عدم التجوز في حمل المطلق على المقيد، و ان المراد من المطلق مطلق الطبيعة التي لا تنافي المقيد لا الطبيعة المطلقة- يفهم أهل العرف اتحاد الطلب المتعلق بهما، و أن التقييد إعادة ذلك الطلب الذي تعلق في الطبيعة مع ذكر القيد لا أنه مرتبة أخرى من الطلب حتى يكون ذلك أمرين لا تعارض بينهما بسبب تفاوت مراتب الطلب، بخلاف الوجوب، و لعل هذا هو الأقوى في أصل القاعدة التي لا ينبغي الخروج عنها إلا بظاهر الأدلة، و ربما كان المقام منها بدعوى ظهورها في عدم اعتبار ذلك في أصل استحباب الرفع كما يومي اليه في الجملة أيضا الأمر به (1)من دون تكبير لرفع الرأس من الركوع، بل لعل ظاهر الأدلة أيضا عدم اعتبار أصل الرفع في استحباب التكبير.

بل قد يقال بعدم اعتبار معية اليدين فيه أيضا، إما لأن المثنى بالنسبة إلى فرديه كالعام، أو لإطلاق بعض الأدلة أو غير ذلك و إن كان لا يخلو من إشكال


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الركوع- الحديث 2 و 3.

ج 9، ص: 234

لاحتمال اعتبار الهيئة، فتأمل، بل قد يدعى استفادة رجحان الرفع أيضا في نفسه في حال الخطاب بالتكبيرة من غير اعتباره أي التكبير فيه شرطا خصوصا من نحو التعليل الوارد عن الرضا (عليه السلام) المتقدم سابقا، فلاحظ و تأمل، و لعله على ذلك بنى بعض الأصحاب كراهة مجاوزة الأذنين و الرأس في الرفع، لكونه فردا من المستحب الذي يجب حمل النهي فيه على الكراهية بمعنى أقلية الثواب لا غيره و إن كان فيه نظر كالنظر فيما دل على النهي عن تجاوز الرأس بالخصوص، إذ ليس هو إلا

المرسل (1)المروي في بعض كتب الفروع لأصحابنا «انه مر علي (عليه السلام) برجل يصلي و قد رفع يديه فوق رأسه فقال: مالي أرى قوما يرفعون أيديهم فوق رؤوسهم كأنها آذان خيل شمس»

و الظاهر أنه عامي، و عن بعضهم إبدال «آذان» بأذناب، و إرادة القنوت منه الذي ورد النهي عنه في

خبر أبي بصير(2)عن الصادق (عليه السلام) أظهر، قال: «إذا افتتحت الصلاة فكبرت فلا تجاوز أذنيك، و لا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما رأسك»

لكن العامة لما لم يشرع القنوت عندهم في الصلاة لم يكن لهم بد من حمل المرسل المزبور عندهم على الرفع في التكبير مثلا، لكن و مع ذلك كله فينبغي تركه في التكبير و في القنوت في الفريضة، بل و في مطلق الدعاء فيها.

ثم إنه قد يدعى ظهور المتن و غيره ممن عبر كعبارته فيما هو المشهور بين الأصحاب بل عن المعتبر و المنتهى نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه من أنه يبتدى في التكبير بابتداء رفع يديه و ينتهي بانتهائه و يرسلهما بعد ذلك، لأنه هو معنى الرفع بالتكبير كما اعترف به في الحدائق إلا أنه أنكر وجود نص بهذه العبارة، و فيه ان


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 4 و فيه« عن على عليه السلام ان النبي صلى الله عليه و آله مر برجل».
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 5.

ج 9، ص: 235

النص موجود، و لكن دعوى أن هذا هو المعنى لا يخلو من نظر، اللهم إلا أن يراد تمام الرفع المطلوب ملاصقا للتكبير أو مصاحبا له فيكون نحو قولك: «سر بزيد إلى البصرة» فتأمل. نعم لا ريب في أنه قد يستفاد منه المقارنة العرفية في الابتداء، بل لعله يستفاد من لفظ حين و إذا و عند و نحوها في غيره من النصوص (1)كما أنه ينبغي القطع بعدم اعتبار المطابقة ابتداء و وسطا و انتهاء، لإطلاق الأدلة و السيرة القطعية و عدم تيسرها في غالب الأوقات، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي في قوله:

و الاقتران فيه يكفي مطلقافالانطباق قل أن يتفقا

و إن كان الظاهر إرادة الابتداء و الانتهاء من الاقتران فيه بدليل قوله قبل ذلك بلا فصل:

يبدأ بالتكبير حين ما رفع و ينتهي بالانتهاء ثم يضع

و كيف كان فالأمر سهل بناء على أن ذلك مستحب في مستحب، ضرورة ظهور الأدلة في أن الأمر أوسع من ذلك كما لا يخفى على من لاحظ مضامينها على حسب نظائرها من مضامين خطابات أهل العرف التي لا تبتنى على نحو هذه التدقيقات، فتأمل جيدا.

و أما ما قيل من أن الوظيفة فيه أن يبتدئ بالتكبير حال إرسال اليدين فلم أعرف له نصا صريحا أو ظاهرا ظهورا معتبرا فيه، اللهم إلا أن يدعى ظهوره من

صحيح الحلبي أو حسنته (2)المتقدمة «إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات»

بناء على أن المراد إذا أردت أن تفتتح الصلاة، و أن المراد بالبسط الإرسال، و ان الافتتاح بهذه التكبيرات الثلاثة لا بتكبيرة سابقه عليها،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1 و 2 و 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.

ج 9، ص: 236

و إلا كانت التكبيرات ثمانية، لذكره أربعة أخر في الخبر المزبور بعد ذلك، فلاحظ، لكنه كما ترى.

و من هنا جعله في الحدائق ظاهرا في القول الثالث، و هو أن يكبر بعد تمام الرفع، ثم يرسل يديه مدعيا أن المعنى إذا أردت أن تفتتح الصلاة فارفع يديك و كبر ثم ابسطهما بسطا أي أرسلهما ثم كبر ثلاث تكبيرات، نحو قوله تعالى (1)«إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ» أي وصلوا، و إن أريد من البسط فتح باطن الكف مقابل ضمه قدر الأمر بالافتتاح حينئذ بعده، لأنه هو حينئذ مع رفع اليدين جواب الشرط، و كأنه بناه على ما فهم من خصوص هذا الصحيح في المسألة السابقة من أن تكبيرة الافتتاح فيه سابقه على هذه الثلاثة، و فيه ما عرفت من صيرورة التكبيرات حينئذ ثمانية، و الأولى حمل الخبر المزبور على عدم إرادة الترتيب من «ثم» فيه، و أن المراد من البسط فتح الكف فيه، و أن التكبيرات الثلاثة هي الافتتاح المذكور أولا، فيكون كغيره حينئذ من النصوص إذا افتتحت الصلاة بأن كبرت فارفع يديك، و يكون الشرط حينئذ ظرفا للجواب من غير حاجة إلى تقدير الإرادة، لعدم المقتضي، بخلافه في الآية الشريفة، و من ذلك يظهر لك ما في كلامه أيضا من أنه كالصحيح المزبور في هذا الظهور

صحيح صفوان (2)«إذا كبر في الصلاة رفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه»

ضرورة ظهور هذا الصحيح في إرادة الرفع وقت التكبير لا إرادته كي يكون سابقا عليه في الزمان، فتأمل. و لو سلم دلالته أو سابقه على ذلك كان المتجه التخيير بين الكيفيتين جمعا بين النصوص.

ثم إن الظاهر استحباب ضم ما عدا الإبهام من الأصابع، بل قيل: إن ظاهرهم


1- 1 سورة المائدة- الآية 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.

ج 9، ص: 237

الاتفاق عليه، و الخلاف في الإبهام ضما و تفريقا، و لعله لظاهر خبر حماد(1)المشتمل على تعليم الصلاة، فإنه و إن لم يذكر الرفع فيه إلا أنه قد اشتمل على أنه (عليه السلام) قام مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه، و الظاهر بقرينة أنه (عليه السلام) أراد وصف الصلاة التامة الحدود أن ذلك مقدمة للرفع، إذ من المستبعد عدمه فيها، و ليس هو مستحبا قبله و قبل الدخول في الصلاة، مضافا إلى ما عساه يفهم من المحكي عن الذكرى من أنه منصوص، إذ ليس ما يحكيه إلا كما يرويه، قال:

و لتكن الأصابع مضمومة، و في الإبهام قولان، و فرقه أولى، و اختاره ابن إدريس تبعا للمفيد و ابن البراج، و كل ذلك منصوص، و إلى

المروي عن أصل زيد النرسي (2)«أنه رأى أبا الحسن الأول (عليه السلام) إذا كبر في الصلاة ألزق أصابع يديه الإبهام و السبابة و الوسطى و التي تليها، و فرج بينها و بين الخنصر»

و إن كان ذيله شاذا كما اعترف به العلامة الطباطبائي في منظومته، إذ هو لا ينافي العمل بغيره حتى في ضم الإبهام، لعدم المعارض المقاوم له بالنسبة اليه و إن كان لا يخلو من إشكال أيضا، و لذا قال العلامة الطباطبائي:

و ليس يخلو الحكم في الإبهام في الضم و القبلة من إبهام

و مراده من القبلة الاستقبال، لأنه ورد في النص (3)الأمر باستقبال القبلة بباطن الكف حال الرفع، و في شموله للإبهام حينئذ تأمل.

ثم لا يخفى عليك جريان هذه الأحكام بل و غيرها من قيام الترجمة و نحوها في الواجب و المندوب من التكبير، كما لا يخفى عليك جريان الأحكام السابقة لتكبيرة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 6.

ج 9، ص: 238

الإحرام على إبدالها من الترجمة و إشارة الأخرس و غيرها و إن لم يرد في النصوص التصريح بلفظ البدلية، لكنه متفق عليه بحسب الظاهر، و الله أعلم.

[الثالث القيام]
اشاره

الواجب الثالث من أفعال الصلاة كتابا(1)و سنة متواترة و إجماعا بقسميه.

القيام و احتمال شرطية القيام لسائر أجزاء الصلاة كالاستقبال و الطهارة فلا وجوب له إلا غيري مخالف لظاهر بعض النصوص (2)و سائر الفتاوى و الإجماعات المحكية و إن كان ربما يشهد له بعض الشواهد

[في بيان المراد من الركن]

و كيف كان ف هو ركن في كل ركعة من ركعات الصلاة مع القدرة، فمن أخل به فيها فجاء بها بدونه عمدا أو سهوا بطلت صلاته إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا أو متواترا، و هو الحجة في الخروج عن إطلاق ما دل على اغتفار السهو في الصلاة من

قوله (صلى الله عليه و آله)(3): «رفع عن أمتي الخطأ و النسيان»

المحمول على أقرب المجازات لحقيقة الرفع، و هو الإثم و الفساد، و قاعدة أولوية الله بالعذر في كلما يغلب عليه التي ورد(4)فيها أنه ينفتح منها ألف باب، و

قوله (عليه السلام)(5): «تسجد سجدتي السهو لكل زيادة و نقيصة»

الظاهر في الصحة مع كل منهما، و

قوله (عليه السلام)(6): «لا تعاد الصلاة إلا من


1- 1 سورة آل عمران- الآية 188.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القيام.
3- 3 الوسائل- الباب- 56- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.

ج 9، ص: 239

خمسة»

إن لم نقل باعتبار الانحناء من القيام في مسمى الركوع مطلقا أو في الفريضة، و إلا فلا حاجة حينئذ إلى تقييدها بما عرفت، بل لعله كذلك على كل حال، ضرورة ندرة نسيان القيام دون الركوع ندرة لا يحمل عليها النص المزبور، فلعله ترك ذكر القيام فيه لذلك، كالمحكي عن الحسن بن عيسى و نهاية الشيخ و ابن زهرة و سلار، على أن التعارض بين ما دل على اعتبار القيام في الصلاة مثل

قوله (ع)(1): «من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له»

و غيره و بين الإطلاقات السابقة تعارض العموم من وجه، إذ دعوى ظهور هذه الأدلة في العمد محل منع، و لا ريب في ترجيح المقام، لأقلية أفراده و الإجماعات و قاعدة انتفاء المركب بانتفاء بعض أجزائه و غير ذلك.

و المعروف في الركن هو ما يبطل زيادته و نقصه الصلاة عمدا و سهوا، بل عن المهذب البارع نسبته إلى الفقهاء، لكن ظاهر المتن و غيره ممن عبر كعبارته في المقام و غيره الاكتفاء في إطلاق الركن بالثاني، بل عن جامع المقاصد و الروض نسبته إلى أصحابنا، بل لعل ذلك خاصة هو مقتضى القاعدة السابقة دون الزيادة التي جاء بها المكلف في أثناء العمل لا أول النية، إذ دعوى كون الأصل فيها البطلان، لأن العبادة من المركبات كمعاجين الأطباء التي يقدح كل منهما فيها مبنية على أنها اسم للصحيح الذي هو مجمل، و لم تف الأدلة في بيانه، و أنه يجب على المكلف الإتيان بما يعلم وجود الصحيح فيه، و هو كما ترى فساد في فساد.

نعم قد يستند في بطلان الزيادة إلى إطلاق

الصحيح (2)«من زاد في صلاته فعليه الإعادة»

و نحوه، و هو مع ظهوره في العمد يحتمل إرادة الركوع أو الركعة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القيام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 9، ص: 240

بقرينة غيره من النصوص (1)الواردة بهذا اللفظ مع التقييد بالركعة، بل قد يظهر من مفهوم بعضها(2)عدم البطلان بغيرها من السجدة و نحوها، و كونه تشريعا في أثناء العمل- مع أنه أيضا انما يتم في العمد خاصة- لا يقتضي إلا الإثم دون الفساد، خصوصا في التشريع بالخصوصية بعد فرض مشروعية الكلي كالذكر و الدعاء و نحوهما، فدعوى أن الأصل في الزيادة مطلق الابطال عمدا أو سهوا محل منع بناء على المختار من أن الصلاة اسم للأعم، كدعوى ظهور الأدلة الواردة في بيان الصلاة في أنها عبارة عن هذه الأجزاء التي لا تزيد و لا تنقص، ضرورة عدم دلالتها على أزيد من أن الصلاة عبارة عن الأجزاء المعلومة التي يصدق الإتيان بها مع الزيادة عليها أيضا، و تشبيهها بالمعجون الذي هو من المركبات الحسية و هم في وهم، و إلا لاقتضى بطلانها بمطلق ما يصدر في أثنائها من غيرها، و هو معلوم البطلان، هذا.

و لكن قد يشهد للبطلان بذلك ما اشتهر في

جملة من النصوص (3)«انه لا عمل في الصلاة»

بناء على إرادة التشريع منه، كما يشهد له موارد العبارات المزبورة، و يأتي في التكفير إن شاء الله بعضها، لكن الجزم بذلك موقوف على ملاحظة تلك النصوص و اعتبارها سندا و دلالة، فيتجه البطلان في مطلق التشريع لا الزيادة مطلقا، كما أنه يتجه البطلان لو زاد فيها ما يخرجها عن هيئة الصلاة و يمحو صورتها، و البطلان حقيقة فيه لذلك لا للزيادة من حيث أنها زيادة، بل لو حصل المحو المزبور بما ثبت جواز فعله في أثناء الصلاة اتجه البطلان أيضا، فلعل من اقتصر في إطلاق الركن على الإخلال بالنقيصة خاصة عمدا و سهوا كالمصنف و غيره لحظ ذلك، مضافا إلى أن علاقة


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الركوع.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الركوع.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.

ج 9، ص: 241

المجاز فيه أو مناسبة النقل أوضح من الزيادة، ضرورة حصول الفساد في ذي الأركان الحسية بالنقيصة دون الزيادة، فلا جهة حينئذ لما يورد هنا على إطلاق الركنية في القيام بأن زيادته و نقيصته غير قادحة، إذ لا تبطل صلاة من قام في محل القعود سهوا مثلا، و لا من نسي القراءة فركع، أو قرأ و هو جالس، لما عرفت من أن الزيادة غير معتبرة في مفهوم الركن في كلام كثير منهم و إن اشتهر على لسان جماعة من المتأخرين، قال في المعتبر في بحث التسليم: «إنما نعني بالركن ما يبطل الصلاة بالإخلال به عمدا و سهوا» و قال في الروضة: «و لم يذكر المصنف حكم زيادة الركن مع كون المشهور أن زيادته على حد نقيصته تنبيهها على فساد الكلية في طرف الزيادة، لتخلفه في مواضع كثيرة لا تبطل بزيادته سهوا» إلى آخره. و هو مما يشهد لما ذكرنا في الجملة، لا يقال: إن التخلف للدليل غير قادح، لأنا نقول: إنك قد عرفت عدم وجود لفظ الركن في النصوص، و انما هو اصطلاح صدر منهم بعد مراعاة الأدلة، فأطلقوه على ما ثبت فيها أن له تلك الخاصة، و يجب في مثل هذه القواعد المستنبطة العموم، و ليس هو إلا في طرف النقيصة، فتأمل جيدا، هذا.

و يمكن أن يقال هنا: إن المراد بزيادة الركن المبطلة أن يزاد تمام الركن كالركوع و السجدتين بناء على أن المراد مجموع القيام ركن، إذ لا يحصل حينئذ إلا بزيادة تمام القيام حتى المتصل منه بالركوع وحده أو مع التكبير المستلزم لزيادتهما، و إلا ففي الفرض زيادة قيام لا القيام المحكوم بركنيته، و أما النقيصة فقد سمعت أن المراد بقولنا: القيام ركن نحو قولهم: السجود ركن و الركوع ركن أي إذا فقدت الركعة القيام أصلا أو الركوع أصلا أو السجود أصلا بطلت الصلاة، و هو كذلك هنا إجماعا محصلا و منقولا إذ من سها و ركع من جلوس بلا قيام أصلا بطلت صلاته عمدا أو سهوا و إن كان في حال الركوع قام منحنيا، و المناقشة بأن ذلك ليس بركوع- لاعتبار الانحناء من

ج 9، ص: 242

قيام فيه مطلقا، أو في المعتبر منه في الصلاة المحكوم بركنيته، و بأن زيادته مبطلة كما لا يخفى على من لاحظ ما دل على ذلك من النصوص، لا أقل من أن يكون المجرد عن قيام أصلا فرد نادر لا تشمله الإطلاقات، فيتدارك حينئذ القيام و الركوع و صحت صلاته ما لم يكن قد دخل في السجود، فيبطل حينئذ لفقد الركوع و القيام في الفرض لا القيام خاصة- يدفعها أن حاصلها عدم تصور نقصان القيام أصلا من دون الركوع و أنهما متلازمان كالزيادة كما صرح به بعضهم، و حكاه في الرياض مناقشا فيه تبعا للأردبيلي بالفرض المزبور المبني على عدم اعتبار القيام في الركوع و لا في ركنيته، و أنه يسمى ركوعا حقيقة كما في الحدائق مستظهرا له من صاحب القاموس، و لئن سلم له ذلك لغة فلا نسلم له أنه هو الذي جعله الشارع ركنا، و أبطل الصلاة بزيادته و نقصه كما لا يخفى على من لاحظ النصوص، و على كل حال فحاصل المناقشة المزبورة غير قادح في المطلوب الذي هو إثبات ركنية القيام بمعنى أنه متى نقص القيام كنقيصة غيره من الأركان أي لم يأت به أصلا في الركعة بطلت الصلاة، و لو فرض استلزامه لترك الركوع كما هو مقتضى المناقشة لم يقدح استناد البطلان إليهما، إذ علل الشرع معرفات.

و من ذلك كله ظهر لك أنه لا وجه للاعتراض على المتن و نحوه مما أطلق ركنيته فيه بأن عدم قدح زيادته و نقيصته ينافي الركنية، و لا حاجة إلى الجواب عنه بأن الخروج للدليل لا ينافي ذلك، بل و لا إلى المحكي عن بعض فوائد الشهيد من أن القيام يتبع ما وقع فيه في الركنية و الوجوب خاصة و الندبية، و أنه لا واجب أصلي منه إلا المتصل بالركوع خاصة منه، و ذلك هو الركن و إن كان لا يتصور زيادته إلا بزيادة الركوع، بل و لا النقيصة بناء على ما عرفت، إلا أن علل الشرع معرفات، و إن كان هو عند التأمل و التفكيك بعينه مراد الفقهاء كما اعترف به الأستاذ الأكبر في حاشيته على المدارك.

ج 9، ص: 243

بل لعل ذلك الإطلاق الذي قد عرفت أن المراد منه البطلان مع الترك أصلا على حسب قولهم: السجود ركن أولى من ذلك، لسلامته عن المناقشة بأن القيام و إن طال فرد واحد للطبيعة، و الآتي بأعلى الأفراد منه ليس ممتثلا إلا امتثالا واحدا، فكيف يجوز اختلافه في الوجوبية و الندبية، و الوجوبية و الركنية من دون مقتض، نعم ليس هو واحدا بسيطا لا يجوز للشارع إيجابه و ندبه، بل هو مركب ذو أجزاء يجوز للشارع أن يفرق بين أجزائه في ذلك، لكن ليس في القيام إلا أمر بطبيعة و أمر بالقراءة مثلا حاله و ندب للقنوت، و هذا لا يقتضي ندبية القيام، ضرورة أنه لا منافاة بين وجوب القيام و ندب نفس الفعل كما في الدعاء حال الوقوف بعرفة مثلا، و جواز ترك القيام المقارن للقنوت بترك القنوت معه لا يقتضي الندب أيضا بعد أن كان الترك إلى بدل، و هو الفرد الآخر من القيام الذي هو أقصر من هذا الفرد مثلا، كما هو شأن سائر الواجبات التخييرية، بل يمكن أن يقال: إنه لا جزء مندوب في الصلاة أصلا، و مرجع الجميع إلى أفضل أفراد الواجب التخييري، و إلا فلا يتصور انتزاع كليات هذه الأجزاء و تسميتها باسم الصلاة و جعلها متعلقة الأمر الوجوبي مع ندبية بعض الأجزاء، مع أن الأمر إذا تعلق بكل جرى إلى أجزائه قطعا، و لذا لا يجوز مخالفة حكم الأجزاء للجملة كما هو واضح، فمعنى ندبية القنوت حينئذ أن له تركه و العدول إلى فرد آخر من أفراد الصلاة، إذ الصلاة اسم جنس تحته أنواع مختلفة، و كلها مورد للامتثال، إلا أن الأفضل اختيار النوع المشتمل على مثل القنوت و نحوه و دعوى أن القنوت و نحوه من الأجزاء المندوبة أجزاء للفرد لا أجزاء لمسمى الاسم، و إن أطلق فهو من التسامحات يدفعها فرض البحث في كون ذلك و أمثاله من أجزاء مسمى الاسم حقيقة، لا الفرد الذي لا يطلق عليه الاسم إلا باعتبار حلول الطبيعة فيه، فتأمل جيدا.

ج 9، ص: 244

و لسلامته أيضا من ظهور لفظ الاتصال في انحصار المبطل زيادة و نقصا في خصوص ذلك الجزء المقارن دون غيره، و لم نعرف له دليلا، و مقتضاه بطلان صلاة من سها و جلس بعد إكمال القراءة أو في أثنائها أو قبلها، و بالجملة أحرز طبيعة القيام في الركعة و قبل أن يدخل في السجود ذكر أنه لم يركع و قام منحنيا إلى حد الركوع ناسيا ثم سجد، بناء على أن مثله يعد ركوعا، ضرورة أنه لم يأت بالمقارن للركوع من القيام الذي ظاهر العبارة ركنيته، و فيه أن أقصى ما يستفاد من الأدلة بطلان الصلاة بفقد أصل القيام في الركعة لا جزء منه، و أنه يكفي حال السهو تعقب الركوع للقيام، فكان الشارع يلغي هذه الواسطة المتخللة، و يوصل هذا الركوع بذلك القيام، و إيجاب الانتصاب حال التذكر لخصوص النص (1)عليه، أو للمحافظة على الهوي للركوع و السجود كما عللوه به في أحكام الخلل لا لتحصيل القيام المتصل بالركوع، و يومي إلى ذلك في الجملة تصريح البعض فيما لو كان نسيانه بعد الهوي قبل الوصول إلى حد الركوع بأنه يجب عليه أن يقول منحنيا إلى ذلك الحد الذي نسي عنده، مع أن مقتضى ركنية ذلك الجزء المقارن أن يقوم منتصبا ثم يركع، ضرورة عدم قابلية ما لحق التلفيق بما سبق بحيث يحصل القيام المتصل بالركوع، فتأمل.

بل قد يدعى ظهور العبارة في بطلان صلاة من نسي القراءة أو بعضها و ركع، لعدم حصول القيام المتصل بالركوع، ضرورة وقوعه في حال قيام القراءة، اللهم إلا أن يدعى أنه مع نسيان القراءة ذهب القيام الذي كان لها، فكأن المكلف وصل إلى القيام المتصل بالركوع و نسي القراءة و مقدماتها، و الأمر في ذلك سهل، بل في الرياض أنه لم يظهر لي ثمرة لهذا البحث من أصله بعد الاتفاق على عدم ضرر في نقصانه بنسيان القراءة و أبعاضها، و بزيادته في غير المحل سهوا، و بطلان الصلاة بالإخلال بما كان منه


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب القيام- الحديث 1.

ج 9، ص: 245

في تكبيرة الإحرام و قبل الركوع مطلقا، نعم اتفاقهم على البطلان في المقامين كاشف عن ركنيته فيهما، و ثمرتها فساد الصلاة لو أتي بهما من غير قيام، قال: «و من ذلك ينقدح وجه النظر فيما قيل من أنه لولا الإجماع على الركنية لأمكن القدح فيها، لأن زيادته و نقصه لا يبطلان إلا مع اقترانه بالركوع، و معه يستغنى عن القيام، لأن الركوع كاف في البطلان، لمنع الحصر في قوله: «إلا مع اقترانه بالركوع» أولا، لما عرفت من البطلان بالإخلال به في التكبير أيضا و توجه النظر إلى قوله: «و الركوع كاف في البطلان» ثانيا، لمنع التلازم بين ترك القيام قبل الركوع و بين تركه، لتخلف ترك القيام عن تركه فيما لو أتى به عن جلوس، لأنه ركوع حقيقة عرفا، و لا وجه لفساد الصلاة حينئذ إلا ترك القيام جدا» انتهى مشتملا على الجيد و غيره كما يعرف مما مر، مع زيادة إمكان أن يقال: إن مطلوب المعترض أصل القيام المعتبر في سائر الصلاة لنفسه لا التبعي للتكبير أو غيره، مع احتمال أن الفساد هناك من جهة ظهور الأدلة في اشتراط صحة التكبير بالقيام لا أنه جزء من الصلاة حاله، فالبطلان حينئذ لاختلال الشرط كالطهارة و الاستقبال لا لفقد جزء من حيث أنه جزء كما هو المتعارف في الركن، و لعله عليه بنى البطلان العلامة الطباطبائي في صورة نسيان الاستقرار حال التكبير أو حال الركوع بناء على ركنية المتصل منه، فضلا عن نسيان القيام نفسه كما سمعته سابقا في بحث التكبير و إن كان هو لا يخلو من نظر في نحو الواقف المضطرب سهوا مما لا يخرج عن هيئة الصلاة عرفا، فان شمول ما دل على الشرطية لصورة السهو فيه منع، خصوصا مع عدم ركنية الطمأنينة عندنا في شي ء من الركوع و السجود و نحوهما كما ستعرف إن شاء الله.

[في أن المرجع في القيام إلى العرف]

و المرجع في القيام إلى العرف كما في سائر الألفاظ التي لم يعلم فيها للشرع إرادة خاصة، ضرورة أن ليس في النصوص هنا إلا الأمر بالقيام، و أن من لم يقم صلبه

ج 9، ص: 246

فلا صلاة له، نعم في

مرسل حريز(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) قلت له «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ» قال: «النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه و نحره.

و الصلب كما في المجمل و مختصر النهاية الظهر، و عظم من الكاهل إلى أصل الذنب كما في الحدائق، و على كل حال فما حده به غير واحد من الأصحاب من نصب فقرات الظهر أي خرزة لا يراد منه أمر زائد على العرف، و لذا تسامحوا في ذلك، إذ ليس هو تمام معنى القيام، فان الجالس فضلا عن غيره فقرات ظهره منصوبة، و كأنهم قصدوا بذلك إخراج بعض الاستعمالات الواقعة من سواد أهل العرف الذين غالبا يخفى عليهم العرف الصحيح، كإطلاق القائم هنا على بعض أفراد المنحني، و لا ريب في خطأه، إذ ليس القيام إلا الاعتدال، و لعل منه الاستقامة التي هي ضد الاعوجاج، و المرسل السابق يراد من الاعتدال فيه إقامة النحر التي هي ليست مأخوذة في مفهوم القيام قطعا كما ستعرف، لا غيره كي يقال: إنه ظاهر في تحقق مصداق القيام من دون اعتدال، و أنه أمر زائد معتبر فيه.

نعم لا ريب في عدم اعتبار الإقلال في مفهومه و إن حكي عن ظاهر المحقق الثاني و فخر المحققين، و أوهمته عبارة والده في القواعد، ضرورة صدق القيام حقيقة على الحاصل باستناد من خشبة و غيرها بحيث لولاها لسقط، و دعوى أنه في صورة للقيام لا قائم حقيقة كبعض الراكبين بل هو اشتباه في العرف أو مجاز ممنوعة أشد المنع و إن كان ربما تسلم في بعض أفراد السناد، كما إذا صار هو مستقلا في ذلك و ليس للقائم مشاركة فيه أبدا و أصلا نحو المشدود بحبل و نحوه، فتأمل. و عدم جوازه في الصلاة اختيارا عند المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك، إذ لا نعرف فيه خلافا إلا من المحكي عن أبي الصلاح لا لاعتباره في مفهوم القيام، بل لدعوى


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القيام- الحديث 3.

ج 9، ص: 247

انسياقه إلى الذهن من إطلاق لفظ القائم و نحوه من المشتمل على النسبة و إن كان فيها ما فيها، و لأنه المعهود الواقع من النبي و الأئمة (صلوات الله عليهم) الذين قد أمرنا بالتأسي بهم، خصوصا في

الصلاة الوارد(1)فيها «صلوا كما رأيتموني أصلي»

و ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (2)«لا تستند بخمرك و أنت تصلي، و لا تستند إلى جدار إلا أن تكون مريضا»

و

الخبر المروي (3)عن قرب الاسناد «عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصا أو حائط فقال: لا»

و للإجماع المحكي عن مختلف الفاضل المؤيد بما عرفت، و بما قيل من إشعار عبارة الصيمري به أيضا حيث نسب رواية المخالف إلى الشذوذ، لكن

سأل ابن بكير الصادق (عليه السلام) في الموثق (4)«عن الرجل يصلي يتوكأ على عصا أو على حائط فقال: لا بأس بالتوكأ على عصا و الاتكاء على حائط»

و

علي بن جعفر أخاه موسى (عليه السلام) في الصحيح (5)«عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد و هو يصلي أو يضع يده على الحائط و هو قائم من غير مرض و لا علة فقال: لا بأس، و عن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأولتين هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض ليستعين به على القيام من غير ضعف و لا علة؟ قال: لا بأس»

و

سعيد بن يسار(6)الصادق (عليه السلام) أيضا «عن الاتكاء في الصلاة على الحائط يمينا و شمالا فقال:

لا بأس»

خصوصا و قد حكي عن بعض أهل اللغة اعتبار الاعتماد في مفهوم الاتكاء، بل لعله في العرف كذلك، فلا جهة للجمع حينئذ بحمل هذه النصوص على فاقد الاعتماد


1- 1 صحيح البخاري- ج 1 ص 124 و 125.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القيام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 20.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القيام- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القيام- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القيام- الحديث 3.

ج 9، ص: 248

و الأول على المصاحب له، سيما و لفظ الاستناد و الاتكاء موجود فيهما معا، و سيما بعد قوله في الصحيح: «من غير مرض و لا علة» فالتفريق من غير فارق لا يصغى اليه.

و لذلك كله جوزه بعض متأخري المتأخرين تبعا للمحكي عن أبي الصلاح اختيارا على كراهية، و فيه أن هذه النصوص- المعرض عنها بين الأصحاب القاصر سند أكثرها التي نسبت إلى الشذوذ تارة، و إلى مخالفة الإجماع أخرى و ربما كانت محتملة لإرادة الاستناد و الاتكاء الذي فيه اعتماد في الجملة إلا أنه ليس بحيث لولاه لسقط بناء على ظهور كلمات الأصحاب في جوازه، لاعتبارهم في السناد القيد المزبور، إذ هو حينئذ إما علة تامة في الوقوف أو جزء العلة، و المناقشة كما يومي اليه في الجملة ذيل الصحيح الأول، و لغير ذلك من الاحتمالات، و للتقية كما يومي اليه ما حكي عن فخر المحققين من حملها عليها مؤذنا بأنه مذهب العامة- قاصرة عن معارضة ما سمعت من وجوه لا تخفى، فلا إشكال حينئذ بحمد الله في المسألة خصوصا لو قلنا بقاعدة الشغل.

[في حكم الاستناد حال النهوض]

هذا كله في السناد حال القيام، أما عند النهوض فعن ظاهر الذكرى و صريح جامع المقاصد إلحاقه بالقيام، و لعله ل

قوله (عليه السلام) في الصحيح السابق (1): «و أنت تصلي»

و للأصل في وجه و بعض ما مر، لكنه لا يخلو من نظر، لما سمعته في صحيح علي بن جعفر، و لأنه من المقدمات، و كذا النظر فيما يحكى عن صريح جماعة من تخصيص البطلان بالاستناد في حال العمد و إن كنا قد فتحنا قاعدة اغتفار السهو فيما سبق، لكن في الأجزاء كما هو مقتضى

قوله (عليه السلام)(2): «تسجد سجدتي السهو لكل زيادة و نقيصة»

و نحوه، دون الشرائط و إن كانت لها و الموانع،


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القيام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 9، ص: 249

و ما نحن فيه منها، ضرورة كون عدمه شرطا في القيام المطلوب لا جزء من الصلاة، و ما اجتمع فيه الجهتان كالقيام المتصل بالركوع فالبطلان بالسهو عنه حينئذ من جهة الشرطية لا الجزئية، و لعله من ذلك ينقدح التأمل في عده ركنا أيضا زيادة على ما سبق.

و بالجملة فعدم البطلان بالسهو هنا مع أنه من شرائط الأجزاء التي من المعلوم انتفاء المشروط بانتفائها لا يخلو من تأمل، اللهم إلا أن يقال بعموم تلك القاعدة للجميع كما هو مقتضى بعض ما ذكرناه دليلا لها من نحو

قوله (عليه السلام)(1): «لا تعاد الصلاة»

و

قوله (صلى الله عليه و آله)(2): «رفع»

و

قوله (عليه السلام)(3): «كلما غلب الله عليه»

و غيره، بل لعل شمولها لها أولى، لضعف مدخليتها بالنسبة إلى الأجزاء بل شرائط الأجزاء منها من التوابع لها، و ثبوت الحكم في المتبوع يقتضي ثبوته في التابع بطريق أولى، إذ هو فرعه، و ذلك أصله، فثبوت العفو في الأصل يقتضي أولويته في الفرع، على أنه يمكن دعوى اختصاص الشرطية في العمد، و خصوصا في مثل المقام الذي استفيد فيه المانعية من النهي الذي مورده العمد دون النسيان بعد منع استفادة حكم وضعي من أمثاله غير مقيد بالعمد، و لعل عدم البطلان هنا لذلك لا لعموم القاعدة المزبورة، و فيه بعد الإغضاء عما في المنع المزبور عدم اختصاص الدليل بذلك النهي، بل قد سمعت أدلة أخر له أيضا، فتأمل جيدا فإن المسألة من المهمات التي تنفع في كثير من المقامات، و ربما كان بناؤها على الترجيح بينها و بين قاعدة انتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه، و انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و إن كان تقديمها عليهما متجها، لورودها عليهما، و أخصيتها منهما، نعم قد يتوقف في ترجيحها على خصوص ما يظهر


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الركوع- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 3.

ج 9، ص: 250

من بعض أدلة بعضهما من البطلان مطلقا، بل لعل الأقوى تقديم مثل ذلك عليها إذا كان الظهور معتدا به ناشئا من ذلك الدليل الخاص لا من قاعدة الشرط و الجزء، لخصوصيته حينئذ بالنسبة إليها.

و بذلك كله ظهر لك وجه البحث في إطلاق الصحة مع السهو و إن كانت هي الأقوى، خصوصا إذا كان الاعتماد في البعض، إذ ليس هو أعظم من القعود المغتفر سهوا.

نعم لا تأمل لأحد من الأصحاب في اعتبار الاختيار في شرطية الإقلال، أما لو اضطر اليه جاز بل وجب، و قدم على القعود بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل عن ظاهر المنتهى الإجماع عليه من غير فرق بين الآدمي و غيره، و لا بين خشبة الأعرج و غيرها، لصدق القيام و الصلاة، و عدم سقوط الميسور بالمعسور(1)و ما لا يدرك كله لا يترك كله (2)و لأنه المستطاع من المأمور به (3)و لأن الله قد أحل كل شي ء قد اضطر اليه مما قد حرمه عليه (4)و هو أولى بالعذر في كلما غلب عليه (5)و لظهور الصحيح (6)السابق فيه كايماء الآخر، و للمقدمة التي لا ينافيها عدم جوازه مع الاختيار و لأولويته من التفحج الفاحش و نحوه مما يخرج عن حقيقة القيام الذي لا أعرف أيضا خلافا بين الأصحاب في وجوبه و تقديمه على القعود لكثير من الأدلة السابقة، و ل

قول أبي الحسن (عليه السلام) في صحيح ابن يقطين(7): «يقوم و إن حتى ظهره»

في


1- 1 غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
2- 2 غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
3- 3 تفسير الصافي سورة المائدة- الآية 101.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 6 و 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القيام- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 14- من أبواب القيام- الحديث 5.

ج 9، ص: 251

صاحب السفينة الذي لم يقدر أن يقوم فيها أ يصلي و هو جالس يومي أو يسجد.

و منه يظهر حينئذ أن المراد بالقيام الذي علق القعود على عدم استطاعته في نصوص المقام ما يشمل ذلك كله لا الانتصاب خاصة، بل مقتضى الصحيح المزبور أنه لو لم يتمكن من القيام إلا كهيئة الراكع وجب أيضا كما صرح به غير واحد، بل ظاهر نسبته الخلاف في ذلك إلى الشافعي كالمسألة السابقة أنه لا خلاف فيه بيننا كما هو كذلك و ستسمعه في باب الركوع.

و إلى كثير مما ذكرنا أشار المصنف بقوله و إن أمكنه القيام مستقلا وجب و إلا وجب أن يعتمد على ما يتمكن معه من القيام، و روي جواز الاعتماد على الحائط مع القدرة.

[في اعتبار الاعتماد على الرجلين معا و عدمه]

و في اعتبار الاعتماد على الرجلين معا في القيام قولان، أشهرهما الأول للأصل و التأسي، و لأنه المتبادر المعهود، و لعدم الاستقرار، و أقواهما الثاني إلا أن يريدوا بالاعتماد عليهما الوقوف عليهما أي لا على واحدة، فإن الظاهر وجوبه لما عرفت، أما وجوب مساواتهما في طرح الثقل عليهما فلا، و الأصل ممنوع كالتأسي في نحو المقام الذي هو من الأفعال العادية غالبا، و لم ينقل عنه (صلى الله عليه و آله) أنه لم يفعل إلا ذلك، بل و كذا المنع في دعوى أنه المتبادر المعهود تبادرا و عهدا يفيد الوجوب، و أوضح من ذلك منعا دعوى عدم الاستقرار مع عدم الاعتماد، بل قد يشهد للصحة بعد الإطلاقات ما في

الصحيح (1)عن محمد بن أبي حمزة عن أبيه «رأيت علي بن الحسين (عليهما السلام) في فناء الكعبة في الليل و هو يصلي فأطال القيام حتى جعل مرة يتوكأ على رجله اليمنى و مرة على رجله اليسرى»

و إن كان من المحتمل أو الظاهر أنه في النافلة، لكن قد يقال بأصالة الاشتراك في الأحكام، مع أن الظاهر بعد اختيار ذات القيام من النافلة أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب القيام- الحديث 1.

ج 9، ص: 252

يعتبر في قيامها ما يعتبر في قيام الفريضة، خصوصا إذا أريد الفرد الأكمل، فتأمل جيدا.

و أما ما في

خبر عبد الله بن بكير(1)عن الصادق (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) بعد ما عظم أو ثقل كان يصلي و هو قائم و يرفع إحدى رجليه حتى أنزل الله سبحانه (2)«طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى» فوضعها»

فيمكن القول به، بل في الحدائق نفي الخلاف فيه تارة، و دعوى الاتفاق عليه أخرى لكثير من الأدلة السابقة، مضافا إلى الخبر المزبور، و دعوى ظهوره في نفي الإلزام به لا أصل الجواز ممنوعة على مدعيها، بل هو ظاهر في نسخ الكيفية المذكورة، ضرورة أنه (صلى الله عليه و آله) لم يكن يرى وجوبه بل كان يختاره من بين الأفراد لأنه أحمز و أشق، و لعل مراد الأصحاب بالاعتماد على الرجلين معا عدم رفع إحدى الرجلين لا ما يشمل الاتكاء على واحدة، كما يومي اليه ما عن بعض من صرح هنا بالوجوب أنه ذكر بعد ذلك كراهة الاتكاء على إحدى الرجلين، و هو إن لم يرد ما ذكرنا مناف لذلك، كمنافاة القول بالوجوب أيضا جواز الاستناد اختيارا إلى الحائط و نحوه كما يحكى عن بعضهم أيضا، بخلاف ما لو حمل على ما ذكرنا، فإنه لا منافاة بين الجميع حينئذ.

نعم قد يلحق بالرفع الاعتماد على إحداهما خاصة بحيث تكون الأخرى موضوعة مجرد وضع بلا مشاركة أصلا في حمل الثقل، فيكون المراد حينئذ بالاعتماد الذي نفينا وجوبه عدم الاتكاء على واحدة بحيث تكون أكثر الثقل عليها، لا التي لم تشاركها الأخرى أصلا بل كانت مماسة للأرض خاصة، فتأمل جيدا، هذا.

و في كشف الأستاذ «أصل الوقوف على القدمين معا واجب غير ركن، و ترك


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب القيام- الحديث 4.
2- 2 سورة طه- الآية 1.

ج 9، ص: 253

الجميع مخل كالسجدتين، و الاعتماد على القدمين سنة، و على الواحدة مكروه، و المحافظة عليه فيهما من كمال الاحتياط» و كأنه أراد ما ذكرنا، و وجه الفساد بترك الجميع عدم صدق القيام حينئذ، فالظاهر حينئذ إرادة ركن في القيام لا في الصلاة، ضرورة عدم البطلان بالسهو مع التذكر و العود، إذ ليس هو أعظم من القعود سهوا، و أما احتمال أنه يريد بالوقوف على القدمين عدم الوقوف على أصابعهما مثلا أو على العقبين فإنه و إن كان واجبا أيضا، بل

خبر أبي بصير(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) المروي في الوسائل عن الكافي و تفسير علي بن إبراهيم «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقوم على أصابع رجليه حتى نزل طه»

دال عليه أيضا بالتقريب المتقدم، لكن دعوى أنه ركن بحيث يبطل الصلاة الوقوف كذلك في تمام الركعة سهوا محل نظر، لصدق القيام حقيقة، و عموم قاعدة السهو السابقة.

و أما إطراق الرأس و انحراف العنق يمينا أو شمالا كما يفعله بعض الأتقياء فلا أرى فيه إبطالا للصلاة، لصدق القيام، خلافا للمحكي عن ظاهر الصدوق فأبطلها بالاطراق، و هو ضعيف، و ما أبعد ما بينه و بين المحكي عن التقي من استحباب إرسال الذقن على الصدر الذي لا يتم إلا بالاطراق و إن كان هو ضعيفا أيضا، لظهور الأمر في مرسل حريز(2)السابق بنصب النحر، و لو لا إرساله و الاعراض عن ظاهر الأمر به لاتجه وجوبه، أما الاستحباب فلا محيص عنه، و الله أعلم بحقيقة الحال.

[في وجوب القيام بقدر الإمكان]

و لو قدر على القيام في بعض الصلاة وجب أن يقوم بقدر مكنته بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، لعدم سقوط الميسور بالمعسور، و ما لا يدرك كله لا يترك كله، و إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم، و لأن طبيعة القيام من


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب القيام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القيام- الحديث 3.

ج 9، ص: 254

الواجبات الأصلية في الصلاة أيضا لا أنه تابع محض للأجزاء كي يقال إن مقتضى اعتباره في المجموع المسمى بالصلاة سقوطه بتعذر البعض، لصيرورته حينئذ كالأمر بالكل الذي يستفاد منه الأمر بالجزء تبعا للكل، و يتعذر بتعذره، على أنه قد يمنع ذلك في مثل المقام، لظهور الفرق بينه و بين الأمر بالكل، بل كان لحوقه لكل جزء جزء من غير اشتراط اجتماعه مع آخر، خصوصا و المراد هنا من الصلاة الأجزاء الخاصة منها لا مسماها، مضافا إلى ظهور

قوله (ع)(1): «إن لم يستطع القيام فليقعد»

في إرادة اعتبار عدم استطاعة طبيعة القيام في الانتقال إلى القعود، و

قوله (عليه السلام) في صحيح جميل (2): «إذا قوي فليقم»

في وجوب القيام عليه وقت قوته عليه، و هو عين ما في المتن.

و منه يظهر حينئذ أنه لو قدر على القيام زمانا لا يسع القراءة و الركوع قدم القراءة و جلس للركوع، لأنها هي وقت قوته، فليس بعاجز عما يجب عليه حالها، فإذا انتهى إلى الركوع صار عاجزا كما صرح به بعضهم و حكي عن آخرين، خلافا للمحكي عن المبسوط و النهاية و السرائر و المهذب و الوسيلة و الجامع فقدموا الركوع على القراءة في ذلك، بل نسبه في الأول إلى رواية أصحابنا، و فيه أنه مخالف لمقتضى الترتيب و الرواية لم تصل إلينا، و التعليل بأنه أهم لأنه ركن- مع أنه اعتباري- لا يصلح لأن يكون مدركا لحكم شرعي، كالاستدلال عليه أيضا ب ما ورد(3)في النصوص من أن الجالس إذا قام في آخر السورة فركع عن قيام يحسب له صلاة القائم، ضرورة ظهورها في الجالس اختيارا في النوافل، و لعل ما في المهذب و ما بعده منزل على تجدد القدرة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 18 مع اختلاف في اللفظ.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب القيام- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القيام.

ج 9، ص: 255

عند الركوع، بل ما حكي لنا من بعضها كالصريح في ذلك، فلاحظ، هذا.

و في كشف اللثام بعد الاستدلال على أصل المسألة بعدم سقوط الميسور بالمعسور قال: «فيقوم عند النية و التكبيرة و يستمر قائما إلى أن يعجز فيجلس، و أما

خبرا عمار(1)و أحمد بن الحسن (2)عن الصادق (عليه السلام) «فيمن وجب عليه صلاة من قعود فنسي حتى قام و افتتح الصلاة قائما ثم ذكر فقال: يقعد و يفتتح الصلاة و هو قاعد، و لا يعتد بافتتاحه الصلاة و هو قائم»

فهما فيمن يجب عليه القعود لا للعجز بل للعدو و افتتحها قائما عمدا، و النسيان إما بمعنى الترك أو نسيان القعود حتى قام ثم تعمد الافتتاح قائما، أو للعري و افتتحها قائما عمدا أو نسيانا» و فيه أنه لا داعي إلى هذه التكلفات التي من الواضح فساد بعضها، إذ لا مانع من حمله على القعود من العجز أو خوف طول المرض، أو غير ذلك، ضرورة أن القيام حينئذ له كالقعود للصحيح، لانقلاب تكليفه، و ليس هو من الرخص بل العزائم، فتأمل جيدا.

و لو عجز عن الركوع و السجود و لو جالسا دون القيام قام و أومأ إليهما بلا خلاف أجده، بل قد يظهر من المنتهى الإجماع عليه، بل يمكن دعواه عليه، كما أنه يمكن استفادته على وجه القطع من قواعد المذهب، خصوصا بعد التأمل في الثابت من الأحوال في الصلاة، و أنه لا يسقط جزء منها بتعذر آخر، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة فأسقط القيام هنا بتعذر الركوع و السجود، و هو كما ترى، نعم قد يظهر من معقد إجماع المنتهى وجوب الجلوس لايماء السجود، و فيه بحث، لابتنائه على أصالة وجوبه و أنه ليس مقدمة تسقط بسقوط ذيها، و بدلية الإيماء عنه لا تقتضي وجوبها بعد ان لم يكن متوقفا عليها، و كذا البحث في وجوب الانحناء له و للركوع إذا لم يتحقق به مسماهما، ضرورة عدم جريان قاعدة الميسور فيه، بل هو فيهما ليس إلا مقدمة محضة لتحقيق مسماهما.


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب القيام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب القيام- الحديث 1.

ج 9، ص: 256

و لو دار أمره بين الركوع و السجود جالسا و بين القيام خاصة لتعذر الجلوس عليه بعده للسجود أو للركوع و الانحناء قائما قام و أومأ بهما كما صرح به بعضهم، بل يظهر من آخر أنه المشهور بل المتفق عليه، بل في الرياض عن جماعة دعوى الاتفاق عليه، لاشتراط الجلوس بتعذر القيام في النصوص (1)و لأن الخطاب بأجزاء الصلاة مرتب، فيراعى كل جزء حال الخطاب به بالنسبة اليه و بدله، ثم الجزء الثاني و هكذا إلى تمام الصلاة، و لما كان القيام أول أفعالها وجب الإتيان به مع القدرة عليه، فإذا جاء وقت الركوع و السجود خوطب بهما، فان استطاع و إلا فبدلهما، و يحتمل كما مال إليه في كشف اللثام تقديم الجلوس و الإتيان بالركوع و السجود، بل قال: و كذا إذا تعارض القيام و السجود وحده، و لعله لأنهما أهم من القيام، خصوصا بعد أن ورد أن الصلاة ثلث طهور، و ثلث ركوع، و ثلث سجود(2)و أن أول الصلاة الركوع (3)و نحو ذلك، و لأن أجزاء الصلاة و إن كانت مرتبة في الوقوع إلا أن الخطاب بالجميع واحد حاصل من الأمر بالصلاة، فمع فرض تعذر الإتيان بها كما هي اختيارا وجب الانتقال إلى بدلها الاضطراري، و لما كان متعددا ضرورة كونه إما القيام وحده أو الجلوس مع استيفاء باقي الأفعال وجب الترجيح بمرجح شرعي، و لعل الأهمية و نحوها منه، و أنها أولى بالمراعاة من السبق لما عرفت، و مع فرض عدم المرجح أو عدم ظهور ما يدل على الاعتداد به يتجه التخيير كما احتمله في كشف اللثام هنا تبعا للمحكي عن المحقق الثاني، قال في جامعه: «و لو كان بحيث لو قام لم يقدر على الركوع و السجود و إن صلى قاعدا أمكنه ذلك ففي تقديم أيهما تردد، من فوات بعض الأفعال على كل


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القيام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القيام- الحديث 6.

ج 9، ص: 257

تقدير فيمكن تخييره، و يمكن ترجيح الجلوس باستيفاء معظم الأركان معه» و ظاهره عدم الترجيح، و المسألة لا تخلو من إشكال و إن كان احتمال تقديم الجلوس قويا، و من العجيب دعوى الإجماعات في المقام مع قلة المتعرض و خفاء المدرك، و أعجب من ذلك دعوى اتفاق الأصحاب على تقديم القيام و الإيماء و إن تمكن من الركوع جالسا، و أن ذلك هو ظاهر معقد إجماع المنتهى، و ظني أنه لم يقل به أحد من الأصحاب، و أن عبارة المنتهى بعد التأمل في الفرض الأول الذي ذكرنا لا المتمكن من الركوع جالسا، ضرورة وجوبه عليه مع فرض تمكنه، ل تواتر النصوص (1)في بدلية الركوع من جلوس عنه قائما و في تقديمه على الإيماء، مضافا إلى ظهور ما في مجمل ابن فارس و المحكي عن القاموس في أنه ركوع لغة، ثم لا يخفى عليك بعد ما ذكرنا الوجه في باقي صور الدوران على كثرتها، لابتنائها جميعا على ما عرفت، فتأمل جيدا.

[في لزوم الصلاة قاعدا مع العجز عن القيام]

و كيف كان ف ان لا يتمكن من القيام في الصلاة أصلا مستقلا أو متعمدا منتصبا أو منحنيا مضطربا أو مستقرا في أحد القولين صلى قاعدا إجماعا بقسميه و نصوصا(2)كادت تكون متواترة، و المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك، في بعض المعاقد أن المدار في معرفة التمكن و عدمه نفسه، لأنه عليها بصيرة كما في غير المقام من التكاليف كالغسل و الوضوء و الصوم و نحوها، و قد صرح هنا في جملة من النصوص (3)المعتبرة بأن الإنسان على نفسه بصيرة، و أنه هو أعلم بنفسه و بما يطيقه، فإذا قوي فليقم، نعم لا يعتبر التعذر، بل يجزي المشقة الشديدة التي لا تتحمل عادة، كما أنه يجزي الخوف من زيادة المرض أو طول البرء


1- 1 الوسائل- الباب- 1 و 14- من أبواب القيام.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب القيام.

ج 9، ص: 258

بالقيام أو الركوع أو السجود و لو من إخبار الطبيب، بل يجزي رجاء البرء و لو باخباره أيضا، ففي

صحيح ابن مسلم (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل و المرأة يذهب بصره فتأتيه الأطباء فيقولون: نداويك شهرا أو أربعين ليلة مستلقيا كذلك يصلي فرخص في ذلك، و قال: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ (2)»

و

موثق سماعة(3)«عن الرجل يكون في عينه الماء فينزع الماء منها فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوما أقل أو أكثر فيمتنع من الصلاة الأيام و هو على حاله فقال:

لا بأس بذلك، و ليس شي ء مما حرم الله إلا و قد أحله لمن اضطر اليه»

و

خبر بزيع المؤذن (4)المروي عن طب الأئمة قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «إني أريد أن أقدح عيني فقال: استخر الله و افعل، قلت: هم يزعمون أنه ينبغي للرجل أن ينام على ظهره كذا و كذا لا يصلي قاعدا قال. افعل»

و لا فرق في ذلك بين الرمد و غيره من أمراض العين، و لا بينها و بين غيرها من الأمراض، و لا بين الاستلقاء و الاضطجاع و غيرهما من أنواع الضرورة، و لا بين تعذر القيام و الركوع و السجود، ضرورة ظهور النصوص المزبورة خصوصا ما اشتمل منها على الاستدلال بالآية(5)في الأعم من ذلك، فما عساه يتوهم من بعض العبارات من اختصاص الحكم ببعض ما ذكرنا في غير محله، بل لعله غير مراد لهم أيضا.

و قيل كما عن المفيد و محتمل النهاية حد ذلك العجز المسوغ للقعود، و علامته أن لا يتمكن من المشي بقدر زمان صلاته قائما، فحينئذ يسوغ له القعود و إن كان متمكنا من الوقوف في جميع الصلاة أو بعضها، ل

خبر سليمان بن حفص


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب القيام- الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة- الآية 168.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب القيام- الحديث 3.
5- 5 سورة البقرة- الآية 168.

ج 9، ص: 259

المروزي (1)قال: «قال الفقيه (عليه السلام): المريض انما يصلي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها على أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما»

و لا ريب أن الأول أظهر لوجوه، منها قصور الخبر المزبور سندا و دلالة عن معارضة ما عرفت، ضرورة احتمال إرادة بيان أنه بدون هذه القدرة تحصل له مشقة في القيام لا تتحمل، فيكون الحاصل حينئذ أنه إذا عجز عن المشي مقدار صلاته قائما فله أن يقعد فيها و إن كان متمكنا من الصلاة قائما بمشقة، فلم يتلازم العجزان و لا القدرتان، لا أن المراد منه الرخصة في القعود بسبب العجز عن المشي و إن كان متمكنا من الوقوف بسهولة كي ينافي النصوص المتقدمة، و يحتاج في رفعه إلى دعوى غلبة تلازم القدرتين، أو إلى أنه كناية عن العجز عن القيام بقرينة أن المصلي قد يمكن أن يقوم مقدار الصلاة و لا يتمكن من المشي كذلك و بالعكس، و إن كان بعد التأمل ربما يرجع إلى ما ذكرنا.

و ربما قيل: إن المراد منه بيان ترجيح صلاة الماشي على القاعد لا تحديد العجز كما حكي عن جماعة اختياره منهم المفيد و الفاضل و الشهيد الثاني مؤيدين له بأنه انما فقد الاستقرار، و هو كفقد الاستقلال المقدم على القعود الرافع لأصل القيام، و فيه- مع أن المشي إن كان فيه انتصاب ليس في القعود ففي القعود استقرار ليس في المشي- ان مجرد هذا الاحتمال في الخبر المزبور لا يجسر به على إثبات هذه الكيفية من العبادة المسلوب عنها اسم الصلاة في عرف المتشرعة، إذ لم يرد بها غيره قول و لا فعل كما اعترف به في كشف اللثام، و دعوى اندراجها فيما دل على اشتراط الانتقال الى القعود بعدم استطاعة القيام، لأنه في الفرض مستطيع للقيام مقطوع بعدمها، ضرورة انسياق ما لا يشمل المشي من القيام فيها، إما لعهدية اللام، أو لأن المراد من القيام هنا في النصوص و الفتاوى الوقوف، و لذا لم يذكر الأكثر اشتراط الاستقرار في القيام، و لا عقدوا له


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب القيام- الحديث 4.

ج 9، ص: 260

فصلا و إن كان الإجماع متحققا على اعتباره فيه كغيره من أفعال الصلاة و لو الحال المندوب منها، قال العلامة الطباطبائي:

لا تصلح الصلاة في اختيارإلا من الثابت ذي القرار

و ذاك في القيام و القعودفرض و في الركوع و السجود

يعم حال فرض تلك الأربعةو الندب بالإجماع في فرض السعة

و هي بمعنى الشرط في المندوب فلا ينافي عدم الوجوب

لكن عدم ذكره هنا بالخصوص مع ذكره في الركوع و السجود و غيرهما ليس إلا لارادتهم منه الوقوف الذي ينافيه الحركة فضلا عن المشي، ضرورة كونه بمعنى السكون يقال واقف: أي غير متحرك، و ربما كان وصف القيام بالطول و تقدير مسافة ما بين القدمين بالشبر مثلا في بعض النصوص (1)و ما يحكى من حال سيد الساجدين (عليه السلام) من أنه لا يتحرك منه إلا ما حركته الريح (2)و نحوها مشعرا به، فيدل على المطلوب في جميع النصوص (3)الدالة على الانتقال إلى الجلوس بتعذر القيام كما تنبه له العلامة الطباطبائي، فإنه بعد ما حكى عن المفيد ترجيح المشي قال:

و رجح القول به في التذكرةو هو خلاف ظاهر المعتبرة

بل لعله إلى هذا أومأ الشهيد في دعوى ركنية القرار في القيام، ضرورة عدم مدخليته في أصل القيام، لصدقه على المضطرب، بل على الماشي قطعا، و انما هو معتبر في الوقوف، فلا ريب حينئذ في رجحان القعود عليه، بل و كذا غير القعود من الأبدال كما نص عليه العلامة الطباطبائي، فقال:


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب القيام- الحديث 1 و الباب 17 منها- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- و غيره من أبواب القيام.

ج 9، ص: 261

و هكذا غير الجلوس من بدل مشيا على أصل القرار في العمل

لكن و مع هذا قد يتوقف في رجحانه على الواقف المضطرب و إن حكي عن الشهيد أيضا ترجيح القعود عليه، و وافقه عليه في المنظومة حيث أطلق تقديم الجلوس و غيره من الأبدال على ما يفوت به القرار من القيام، فقال:

و من قرارا في القيام عدمافللجلوس بالقرار قدما

و لعله لما عرفت، إلا أنه للنظر فيه مجال كما اعترف به في كشف اللثام أيضا، لإمكان منع إرادة السكون من القيام المعلق عليه الحكم في النصوص، أقصى ما يمكن تسليمه إرادة ما لا يشمل المشي منه، و الاستقرار و الطمأنينة واجب آخر غير مراد من لفظ القيام هنا، فالتوقف حينئذ في محله، بل المتجه تقديمه على القعود، خصوصا بعد ما ورد في بعض النصوص (1)في السفينة من تقديم القيام فيها مع انحناء الظهر و لو بما يخرجه عن صدق القيام على القعود، بل لم يعرف خلاف بين الأصحاب في تقديم كل ما يقرب إلى القيام من التفحج الفاحش و نحوه على القعود كما سمعته فيما تقدم، فلقد بالغ (رحمه الله) في الجزم بترجيح القعود على مثل ذلك، كما أنه بالغ الفاضل فيما حكي عنه من تقديم المشي على الوقوف مستندا الذي قد عرفت وجود القائل بجوازه مع الاختيار، و لا ريب في ضعفهما.

و لو لم يكن له حالة استقرار أصلا فلا ينبغي التأمل في سقوطه، و أن تكليفه حينئذ كل ما يقرب إلى المأمور به، فالوقوف مضطربا مقدم على المشي قطعا، ثم المشي ثم الركوب، و ربما احتمل التساوي بين الأخيرين و العكس إن كان الركوب أقر، و لعل الأول أولى، و إلى ذلك كله أشار في المنظومة فقال:

و في اضطرار يسقط القرارو القرب إذ ذاك هو المدار


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب القيام- الحديث 5.

ج 9، ص: 262

فإن تأتي أن يقوم قائمامضطربا فذاك كان لازما

ثم ليصل بعد ذاك ماشيافراكبا و احتمل التساويا

و العكس إن كان ركوبه أقرو الأول الأولى و الأقوى في النظر

و لعله للخبر السابق و نحوه، و على كل حال فقد ظهر لك أن القول بتحديد العجز بما عرفت في غاية الضعف، و أضعف منه ما في

المروي (1)في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) سئل عن صلاة العليل فقال: يصلي قائما، فان لم يستطع صلى جالسا، قيل يا رسول الله فمتى يصلي جالسا قال: إذا لم يستطع أن يقرأ بفاتحة الكتاب و ثلاث آيات قائما، فان لم يستطع أن يسجد يومي إيماء برأسه، يجعل سجوده أخفض من ركوعه، و إن لم يستطع أن يصلي جالسا صلى مضطجعا لجنبه الأيمن و وجهه إلى القبلة، فان لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيا و رجلاه مما يلي القبلة و يومي إيماء»

إذ لم نجد من أفتى به بل و لا من ذكره، و قد يرجع إلى المشهور بنوع من التأويل.

[في كيفية الركوع عن جلوس]

و من هذا كله بان لك أن القول الأول أظهر، و القاعد الذي فرضه القعود إذا تجددت له القدرة و تمكن من القيام للركوع وجب قطعا لما ستعرفه عند قول المصنف: «و من عجز» إلى آخره، ضرورة كونه من جزئيات تلك المسألة حتى لو أراد من القيام للركوع القيام إلى حد الراكع لا الانتصاب و إلا يتمكن من القيام و لا ما يقرب منه ركع جالسا بلا إشكال و لا خلاف، و لكيفيته كما ذكره غير واحد من الأصحاب تبعا لبعض العامة وجهان: أحدهما أن ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع قائما بالنسبة إلى الانتصاب، فيتعرف تلك


1- 1 ذكر صدره في المستدرك في الباب 4 من أبواب القيام- الحديث 1 و ذيله في الباب 1 منها- الحديث 5.

ج 9، ص: 263

النسبة و يراعيها هنا، ثانيهما أن ينحني بحيث يكون نسبة ركوعه إلى سجوده كنسبة ركوع القائم إلى سجوده باعتبار أكمل الركوع و أدناه، فإن أكمل ركوع القائم انحناؤه إلى أن يستوي ظهره مع مد عنقه، فتحاذي جبهته موضع سجوده، و أدناه انحناؤه إلى أن تصل كفاه إلى ركبتيه، فيحاذي وجهه أو بعضه ما قدام ركبتيه من الأرض، و لا يبلغ محاذاة موضع السجود، فإذا روعيت هذه النسبة في حال السجود كان أكمل ركوع القاعد أن ينحني بحيث يحاذي جبهته مسجده و أدناه محاذاة وجهه ما قدام ركبتيه، و الوجهان متقاربان، و الأصل في ذلك أن الانحناء في الركوع لا بد منه، و لما لم يمكن تقديره ببلوغ الكفين الركبتين لبلوغهما من دون الانحناء تعين الرجوع إلى أمر آخر به تتحقق المشابهة للركوع من قيام، و فيه أنه متجه لو لم يمكن له هيئة عرفية ينصرف إليها الذهن عند إطلاق الأمر به من جلوس، فالأولى حينئذ إناطته بذلك كما عن الأردبيلي، اللهم إلا أن يراد تحديد العرف بذلك، و الأمر حينئذ سهل.

نعم ما في جامع المقاصد و عن غيره- من وجوب رفع الفخذين فيه لتتحقق المشابهة المزبورة و لأن ذلك كان واجبا في حال القيام و الأصل بقاؤه إذ لا دليل على اختصاص وجوبه به- لا يخلو من نظر و تأمل، ضرورة تحقق صدق الركوع عرفا بدونه، و لأن ذلك في حال القيام غير مقصود، و انما حصل تبعا للهيئة الواجبة في تلك الحالة، و هي منتفية هنا، و لانتقاضه بإلصاق بطنه بفخذيه حال الركوع جالسا زيادة على ما يحصل منه في حالته قائما، و لم يقل بوجوب مراعاة ذلك هنا بحيث يجافي بطنه على تلك النسبة، نعم لو قدر على الارتفاع زيادة عن حالة الجلوس و دون الحالة التي يحصل بها مسمى الركوع و أوجبناه تحصيلا للواجب بحسب الإمكان اتجه وجوب رفع الفخذين في صورة النزاع، إلا أنه لا ينحصر الوجوب فيما يحصل به مجافاتهما عن الساقين و الأرض، بل بحسب ما أمكن من الرفع، لكن في وجوب ذلك أيضا نظر كما اعترف به في المحكي عن الروض،

ج 9، ص: 264

بل عن مجمع البرهان الجزم هنا باستحباب رفع الفخذين، فتأمل جيدا.

[في الصلاة مضطجعا إذا عجز عن القعود]

و إذا عجز عن القعود مستقلا و معتمدا مستقرا و مضطربا منحنيا و منتصبا إذ الظاهر جريان جميع ما سمعته في القيام فيه كما يومي اليه في الجملة المرسل الآتي (1)و لأنه بدله و بعض قيام و إن كان لا يخلو من بحث، لاختصاصه بالدليل دونه صلى مضطجعا بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به بعضهم، بل الإجماع عليه إن لم يكن محصلا فهو محكي في كشف اللثام و غيره، كما أن الآية و النصوص بعد حمل مطلقها على مقيدها واضحة الدلالة عليه أيضا، فإن ظاهر بعض النصوص (2)من الانتقال من القعود إلى الاستلقاء محمول على التقية، أو يطرح إن لم يمكن تنزيله على ما ذكرنا على الأيمن، وفاقا للمعظم، بل قد يظهر من الغنية و المنتهى كما عن المعتبر بل عن صريح الخلاف الإجماع عليه، للاحتياط، و

ل مرسل الفقيه (3)و خبر الدعائم (4)و موثق عمار(5)المعبر عنه في الذكرى و عن غيرها بحماد سهوا من القلم على الظاهر و إن حكى متنه فيها مجردا عما يشوش الدلالة من الألفاظ التي لم يسلم منها جملة من أخبار عمار حتى ظن منه تعددهما «فيوجه حينئذ كما يوجه الرجل في لحده» كما نطق به موثق عمار و صرح بمعناه في القواعد، خلافا لظاهر المبسوط في المقام و المتن و النافع و الإرشاد و اللمعة و المحكي عن المقنعة و جمل السيد و الوسيلة و الألفية و صريح التذكرة و نهاية الأحكام فالتخيير بينه و بين الأيسر كما استظهره في المدارك ترجيحا للمطلق من الكتاب و النصوص على المقيد، فيطرح حينئذ أو يحمل على الأفضلية كما صرح به


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 15.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 13 و 18.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 15.
4- 4 المستدرك- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 10.

ج 9، ص: 265

الأخير، و هو مخالف لقواعد المذهب.

نعم إن تعذر الأيمن اضطجع على الأيسر كما هو المشهور أيضا على ما عن البحار، للقرب من الأيمن في الصورة، و مرسل الفقيه، قيل و إشعار الأمر باستقبال القبلة بالوجه في موثق عمار به، و فيه تأمل، كالاستدلال عليه أيضا بظهور بعض النصوص في جواز الاضطجاع على الأيسر(1)متمما بعدم القول بالتخيير بينه و بين الاستلقاء، فمتى جاز بعد تعذر الأيمن وجب ضرورة إمكان قلبه عليه، و المطلقات التي خرج عنها لمكان المعارض في الأيمن كما في الرياض لا أقل من أن ترجح حينئذ بذلك على إطلاق ما دل على الاستلقاء أو التخيير له كيف شاء مع تعذر الأيمن، فما يظهر حينئذ- من الانتقال إلى الاستلقاء بعد تعذر الأيمن من الغنية و المنتهى و القواعد و المبسوط في مبحث الركوع و صلاة المضطر، و عن المعتبر و التحرير و الخلاف، بل قيل: قد يظهر منه و الأولين و الخامس الإجماع عليه و إن كان لا يخلو من نظر، خصوصا بالنسبة إلى الأولين، لأنهما إنما نسبا الأيمن إلى علمائنا، بل علقا الاستلقاء على عدم التمكن من الاضطجاع، و لعلهما يريدان مطلقه و إن نصا سابقا على الأيمن فلاحظ و تأمل، و لم يحضرني الخلاف، و إجماع الغنية ليس بذلك الظهور من التناول لما نحن فيه- محل للتأمل و النظر.

[في الصلاة مستلقيا إن عجز عن الاضطجاع]

فان عجز عن الاضطجاع مطلقا أو عن الأيمن خاصة على القولين نحو العجز عن القعود صلى مستلقيا بلا خلاف أجده فيه، بل عليه الإجماع محكيا في كشف اللثام إن لم يكن محصلا، كما أن النصوص (2)واضحة الدلالة عليه، بل قد عرفت تقديمه على الاضطجاع في بعضها و إن كان هو مقيدا بغيره أو محمولا على التقية كما عرفت


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 15.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 15 و المستدرك الباب 1 منها- الحديث 3 و 5 و 6.

ج 9، ص: 266

و ليس بعد الاستلقاء مرتبة موظفة، بل كيف ما قدر صلى، و ليتحر أقرب الأحوال إلى كيفية المختار و إلا فالمضطر، لكن في منظومة العلامة الطباطبائي بعد ذكر الاستلقاء.

و ما لها من بعد حد يضبطلكنها ثابتة لا تسقط

فليتحر أقرب الأطوارمن اختيار لا من اضطرار

و لعله يريد مع التمكن.

[في كيفية الإيماء للركوع و السجود]

و على كل حال ف الأخيران أي المضطجع و المستلقي يوميان لركوعهما و سجودهما كما هو فرض كل من تعذرا عليه، إلا أنه خصهما لأنهما مظنته و ذكر النصوص (نصوص خ ل) ذلك فيهما، ففي

موثق عمار(1)منها عن الصادق (ع) «المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعدا كيف قدر صلى، إما أن يوجه فيومئ إيماء، و قال: يوجه كما يوجه الرجل في لحده و ينام على جانبه الأيمن ثم يومي بالصلاة إيماء، فان لم يقدر أن ينام على جانبه الأيمن فكيف ما قدر، فإنه له جائز، و يستقبل بوجهه القبلة ثم يومي بالصلاة إيماء»

و في

خبر إبراهيم بن زياد الكرخي (2)قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء و لا يمكنه الركوع و السجود فقال: يومي برأسه إيماء، و إن كان له من يرفع الخمرة فليسجد، فان لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماء.

و في

خبر عبد السلام بن صالح الهروي (3)المروي عن العيون عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائما فليصل جالسا، فان لم يستطع جالسا فليصل مستلقيا ناصبا رجليه بحيال القبلة يومي إيماء»

و في

مرسل


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 11 و هو عن إبراهيم بن أبى زياد الكرخي.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 18.

ج 9، ص: 267

الفقيه (1)قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «المريض يصلي قائما، فان لم يستطع صلى جالسا، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيمن، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيسر، فان لم يستطع استلقى و أومأ إيماء، و جعل وجهه نحو القبلة، و جعل سجوده أخفض من ركوعه»

و

قال أمير المؤمنين (عليه السلام)(2): «دخل رسول الله (صلى الله عليه و آله) على رجل من الأنصار و قد شبكته الريح فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) كيف أصلي؟ فقال: إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه، و إلا فوجهوه إلى القبلة و مروه فليوم برأسه، و يجعل السجود أخفض من الركوع.

و في

خبر بزيع المؤذن (3)عن الصادق (عليه السلام) إلى أن قال: «صلى مستلقيا يكبر ثم يقرأ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم سبح، فإذا سبح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثم يسبح، فإذا سبح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود، ثم يتشهد و ينصرف»

إلى غير ذلك من النصوص التي أطلق فيها لفظ الإيماء أو قيد بالرأس كما هو الظاهر منه عند الإطلاق، و هو مراد الماتن.

نعم لا يدخل في ظاهر إطلاقه ما في الخبر الأخير من التغميض و الفتح و إن كانا هما من الرأس، بل لقوة ظهور المطلق في غير ذلك- بل كاد يكون نصا فيه بقرينة الأمر بأخفضيته للسجود منه للركوع المنتفي في التغميض قطعا- لم يقيد ذلك الإطلاق به و لم يجعل أحد الإيماء بالرأس المأمور به عند العجز عبارة عن التغميض و الفتح، بل الذي صرح به الفاضلان و الشهيدان و الكركي و سائر من تأخر عنهم إلا النادر الترتيب بينهما، فيومي بالرأس مع الإمكان، و إن تعذر غمض عينيه من غير فرق في ذلك بين


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 15.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 16.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 13 و هو مرسل الصدوق قدس سره و لم يسنده الى بزيع.

ج 9، ص: 268

الاضطجاع و الاستلقاء، لكن في الحدائق أن الموجود في النصوص الإيماء بالرأس في المضطجع، و التغميض للمستلقي، فالأولى اتباع الأخبار، و ربما يوافقه في الثاني ظاهر المبسوط و الغنية و القواعد و المحكي عن النهاية و السرائر و جامع الشرائع و الموجز الحاوي حيث اقتصروا فيه على التغميض، بل ربما كان معقد إجماع الثاني منها، كما أنه ربما كان ظاهر الأول أن المراد بالإيماء حيث يطلق ذلك، و عن الكفاية أن الترتيب المزبور بين الإيماء بالرأس و التغميض خال عنه كلام القدماء، و فيه أن النصوص كما اشتملت على الإيماء بالرأس في المضطجع كذلك أمرت به في المستلقي، نعم هو قد اختص موردا بالتغميض دونه، و حمل الإيماء بالرأس فيه عليه خاصة قد عرفت ضعفه، خصوصا و قد اكتفي به في المرتبة العليا كالقيام و الجلوس و الاضطجاع و نحوها مما هو أولى من هذه المرتبة قطعا، كاحتمال التخيير بينهما فيه، ضرورة قصوره عن ذلك، مع أقربية الإيماء بالرأس إلى السجود، بل لعله بعض منه، و لذا وجب في الجالس و القائم و غيرهما من أفراد المضطر، كما عرفت، فلم يبق حينئذ إلا الترتيب بينهما فيه، و مقتضاه أنه كذلك أيضا في المضطجع، ضرورة القطع بالمساواة في جميع الأحوال، إذ احتمال اختصاصه في البدلية عنهما في حال الاستلقاء دون غيره مناف لطعم الفقاهة، خصوصا مع موافقته للاحتياط المطلوب في العبادة، و لعل ذكره خاصة في خصوص المستلقي نصا و فتوى لغلبة عدم التمكن من غيره حاله، لا لتقييده به، بخلاف المضطجع و غيره مما ذكر فيه الإيماء بالرأس خاصة، لندرة تعذر الإيماء به عليه، فبان لك أن ما في الحدائق- من اختصاص الإيماء بالرأس في غير المستلقي، و أنه إن تعذر عليه لم ينتقل إلى بدل حينئذ، كما أن المستلقي يختص بالتغميض، و أنه لا يجتزي بالإيماء بالرأس مع القدرة عليه، فإذا تعذر عليه التغميض لم ينتقل إلى بدل- في غاية الضعف و مخالف لمقتضى ذوق الفقاهة كما يعرف ذلك بأدنى تأمل.

ج 9، ص: 269

و كيف كان فليجعل سجوده أخفض من ركوعه حيث يكون تكليفه الإيماء لهما، و محلهما متحد إلا إذا اختلف بالقيام و الجلوس مثلا، للنصوص السابقة المعتضدة بفتوى بعض الأصحاب و بالاعتبار كإرادة الشارع الفرق بينهما و نحوه، و المناقشة بأن إيجاب الإيماء لهما انما هو لعدم سقوط الميسور بالمعسور، فيجب عليه فعل تمام ما يتمكن منه من الإيماء لكل منهما، و يجتزي في الفرق بينهما بالنية يدفعها- مضافا إلى وضوح عدم جريان القاعدة المزبورة فيه- انه اجتهاد في مقابلة النص، نعم لم يفرق في القواعد كما عن غيرها بينهما في التغميض، لإطلاق النص، و عدم صدق الخفض على زيادة الغمض، خلافا للكركي و الشهيد الثاني و المحكي عن ابن حمزة و سلار و يحيى بن سعيد و غيرهم، فجعلوه للسجود أكثر منه للركوع، و لعله للفرق بينهما، و إيماء الأمر به في الإيماء اليه، و احتمال إرادة التغميض من المرتضوي السابق (1)الآمر فيه بالأخفضية و لا ريب في أنه أحوط و إن كان في تعيينه نظر، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي في قوله:

و اختلفت صورة الإيماء البدل في كل ما لم يختلف فيه المحل

فكان إيماء السجود أخفضامما مضى عن الركوع عوضا

ما كان في الرأس و في العين نظرإذ صح سلب الخفض عن غمض البصر

و لا يجب استحضار معنى البدلية، للإطلاق و الاكتفاء بالنية الإجمالية كالمبدل منه، خلافا لما عساه يظهر من القواعد حيث اعتبر فيهما مع ذلك جريان الأفعال على القلب، و فيه منع إن أراد به ذلك، بل الظاهر عدم وجوبها أيضا لو فرض انتقال تكليفه في الأثناء، اكتفاء بنية الصلاة الأولى، و إن كان قد قارنه سابقا اعتقاد فعل المبدل منه باعتبار ظن بقاء التمكن، بل لو لحظه بالخصوص ثم بان العدم لم يقدح في صحة الصلاة و لا يجب تجديد النية، نعم قد يقال باعتبار النية بالنسبة إلى البطلان بزيادته


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 16.

ج 9، ص: 270

و لو سهوا، ضرورة مساواته للمبدل منه في البطلان به بالزيادة و النقيصة عمدا و سهوا، لكن لا يصدق زيادته إلا مع نية بدليته عن الركوع و إن لم نعتبرها في زيادة الركوع كما جزم به في الروضة مع احتمال الاكتفاء في الفساد بمجرد فعله بعنوان أنه من الصلاة و إن لم يستحضر الركوع، لصيرورة الركن بالنسبة إليه هذا الإيماء و التغميض، و على كل حال لا يعتبر فيه زيادته في محل الركوع و السجود و إن أوهمه المحكي عن الروض، بل الظاهر حصول البطلان بزيادته مع النية أو بدونها على الاحتمال الأخير و إن لم يكن في المحل كالمبدل منه، اكتفاء بالصورة كما هو واضح.

و لو تعذرا معا عليه فلا بدل غيرهما ينتقل اليه إلا على احتمال تعرفه فيما يأتي، لكن في كشف الأستاذ إيجاب الإيماء بباقي الأعضاء، و هو لا يخلو من وجه و إن كان ظاهر الأصحاب خلافه، و أنه يكتفي بجريان الأفعال على قلبه و الأذكار على لسانه إن تمكن، و إلا أخطر هما جميعا بالبال و اكتفى به كما صرح به بعضهم و تقتضيه أصول المذهب.

نعم ربما ظهر من بعضهم أن منه الأعمى حملا للتغميض و الفتح على العين الصحيحة، و فيه منع، هذا.

و قد يحتمل في أصل البحث التخيير بين الإيماء و التغميض في الصورتين المزبورتين للسجود و بين وضع شي ء على الجبهة، جمعا بين الأمر بهما في النصوص السابقة و بين ما في

المرسل (1)عن الصادق (عليه السلام) انه «سئل عن المريض لا يستطيع الجلوس يصلي و هو مضطجع و يضع على جبهته شيئا قال: نعم»

و في

موثق سماعة(2)«سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس قال: فليصل و هو مضطجع، و ليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزي عنه، و لن يكلف الله ما لا طاقة له به»

و

خبر أبي بصير(3)«سألته عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا يسجد عليه قال: لا إلا أن يكون مضطرا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 7.

ج 9، ص: 271

ليس عنده غيرها، و ليس شي ء مما حرم الله إلا و قد أحله لمن اضطر إليه»

بشهادة

الصحيح أو الحسن (1)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام و لا السجود قال: يومي برأسه إيماء، و أن يضع جبهته على الأرض أحب إلى»

و

صحيح زرارة(2)سأل الباقر (عليه السلام) «عن المريض قال: يسجد على الأرض أو على مروحة أو على سواك يرفعه، و هو أفضل من الإيماء»

بل ظاهر خبر إبراهيم ابن زياد الكرخي (3)المتقدم سابقا في صدر المسألة وجوب تقديم ذلك على الإيماء، اللهم إلا أن يحمل على الأفضلية، فيتحد حينئذ مع الخبرين الأخيرين، و من هنا قال في المنظومة في نحو ما نحن فيه:

و القول بالتخيير و الترجيح للرفع فيه ظاهر الصحيح

مشيرا بذلك إلى صحيح زرارة المرجح لرفع ما يسجد عليه على الإيماء، لكن قد يقال: إن ما عدا الخبر الأول و المرسل لا ظهور فيه فيما نحن فيه من المصلي مضطجعا أو مستلقيا، بل لعل ظاهرها لقوله فيها: «يسجد» و «يضع جبهته» و نحو ذلك غيرهما من المتمكن من صورة السجود بانحناء في الجملة أو باعتماد و نحوهما، فإنه حينئذ يرفع ما يسجد عليه، و يسجد لهذه النصوص و غيرها خصوصا الأخير، و لأنه هو الذي تمكن منه من السجود، فالله أولى بالعذر، و ما من شي ء حرمة الله إلا و قد أحله لمن اضطر اليه، و عدم سقوط الميسور بالمعسور، و لغير ذلك، و الأفضلية و الأحبية في الصحيحين يراد بهما ما في الحدائق من أن الواجب أفضل من غيره، نحو قولهم:


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما يسجد عليه- الحديث 1 مع اختلاف يسير.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 11 و هو عن إبراهيم ابن أبى زياد الكرخي.

ج 9، ص: 272

السيف أمضى من العصا و شبهه مما لا يراد منه معنى التفضيلية، و لعله هو الذي سيشير اليه المصنف هنا و في باب السجود، بناء على إرادة نوع من الاعتماد من قوله:

ما يسجد عليه فيهما، بل لا أجد فيه خلافا بين الأصحاب في صورة الانحناء، بل مطلق في ظاهر الحدائق، بل في المنتهى في باب السجود لو تعذر الانحناء لعارض رفع ما يسجد عليه، ذهب إليه علماؤنا أجمع، بخلاف ما إذا لم يتمكن من الاعتماد و نحوه كما هو الغالب في المضطجع و المستلقي بل من المماسة خاصة، فلا يجتزي بها عن الإيماء، و الموثق الأول كالمرسل و إن كانا في المضطجع إلا أنه لا ريب في قصورهما عن أخبار الإيماء من وجوه، فيمكن حملهما على الاستحباب، أو على ما إذا لم يتمكن من الإيماء بشهادة

خبر علي بن جعفر(1)عن أخيه المروي عن قرب الاسناد «سألته عن المريض الذي لا يستطيع القعود و لا الإيماء كيف يصلي و هو مضطجع؟ قال: يرفع مروحة إلى وجهه و يضع على جبينه و يكبر هو»

بناء على إرادة الاجتزاء بذلك عن السجود، أو على إرادة وجوب ذلك مع التمكن من الاعتماد عليه و يكون بصورة الساجد، إذ الظاهر وجوبه حينئذ عليه كما صرح به في الذكرى و غيرها، بل ظاهر الحدائق نفي الخلاف فيه ضرورة كونه حينئذ كالصورة السابقة، قال في الأول بعد الحكم بالإيماء للمضطجع:

«و لو أمكن تقريب مسجد اليه ليضع عليه جبهته و يكون بصورة الساجد وجب» ثم ذكر الموثق و قال: «يمكن أن يراد به مع اعتماده على ذلك الشي ء، و هذا لا ريب في وجوبه» لكن قال فيها أيضا بعد ذلك: «و يمكن أن يراد به على الإطلاق، أما مع الاعتماد فظاهر، و أما مع عدمه فلأن السجود عبارة عن الانحناء و ملاقاة الجبهة ما يصح السجود عليه باعتماد، فإذا تعذر ذلك و ملاقاة الجبهة ممكنة وجب تحصيله، لأن


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 21.

ج 9، ص: 273

الميسور لا يسقط بالمعسور، فان قلنا به أمكن انسحابه في المستلقي، أما المؤمي قائما فيجب اعتماد جبهته على ما يصح السجود عليه مع إمكانه قطعا» و قال في الروضة بعد ذكر الإيماء بالرأس للمستلقي و المضطجع: «و يجب تقريب الجبهة إلى ما يصح السجود عليه أو تقريبه إليها و الاعتماد بها عليه، و وضع باقي المساجد معتمدا، و بدونه لو تعذر الاعتماد» و ظاهرهما وجوب المماسة المزبورة إلا أنه ليس على جهة التخيير بينها و بين الإيماء، بل الظاهر إرادة وجوب ذلك معه كما صرح به بعضهم، و حكاه في كشف اللثام عن نهاية الأحكام، و هو ممكن جمعا بين الدليلين كما أشار إليه العلامة الطباطبائي بقوله قبل البيت السابق:

فلو تأتى الرفع دون الانحناءفالجزم للإيماء مع الرفع هنا

من غير فرق في ذلك بين الاضطجاع و الاستلقاء و بين القيام و الجلوس مع اتحاد الجميع في مفروض المسألة و في كشف اللثام عن المقنع إذا لم يستطع السجود فليؤمي برأسه إيماء، و إن رفع إليه شي ء يسجد عليه خمرة أو مروحة أو عود فلا بأس، و ذلك أفضل من الإيماء، قال: و هو إفتاء بصحيح زرارة، و يحتملان أن من تعذر عليه الانحناء للسجود رأسا يتخير بين الإيماء و رفع ما يسجد عليه، و هو أفضل، و أنه يتخير بين الاقتصار على الإيماء و الجمع بينهما، و هو أفضل، و يحتملان عموم الإيماء للانحناء لا بحد السجود، و تحتم الرفع حينئذ، و في الاحتمالين الأولين ما لا يخفى مع فرض التمكن من الاعتماد و نحوه، لما عرفت من وجوبه بل و مع عدمه، لكن الإنصاف أنه مع ذلك لا يخلو القول بالوجوب مع عدم الانحناء أصلا من إشكال و إن تمكن من الاعتماد فضلا عن غيره إن لم ينعقد إجماع عليه كما سمعته من المنتهى، للأصل و إطلاق أدلة الاجتزاء بالإيماء، و التصريح بالأفضلية في الصحيحين المزبورين (1)بل جزم به في المدارك في


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 2 و الباب 15 من أبواب ما يسجد عليه- الحديث 1.

ج 9، ص: 274

الصورة الثانية مستدلا بصحيح زرارة عليها، لكنك خبير أن فيه السجود على الأرض مما هو ظاهر في الصورة الأولى، و لعله لا يقول به، ضرورة ظهوره في التمكن من الاعتماد في الجملة، اللهم إلا أن يلتزمه مع فرض عدم الانحناء، فالمسألة لا تخلو من نظر، و لا ينبغي ترك الاحتياط فيها، كما أنه لا ينبغي ترك وضع باقي المساجد في محالها مع إمكانها بسبب تعذر الانحناء التام، لعدم سقوط الميسور بالمعسور، فيضعها حينئذ معتمدا عليها و إن رفع ما يسجد عليه و انحنى في الجملة كما صرح به بعضهم، نعم يمكن عدم اعتبار ذلك في بعض صور الإيماء للمضطجع و المستلقي و نحوهما لإطلاق الأدلة، فتأمل جيدا، و ربما يأتي للمسألة تتمة إن شاء الله في باب السجود، و الله أعلم.

[في حكم العاجز عن حالة في أثناء الصلاة]

و من عجز في أثناء الصلاة عن حالة انتقل إلى ما دونها مستمرا على ما كان متلبسا فيه من القراءة و نحوها، أو يراد بالاستمرار الكناية عن الاجتزاء بذلك و عدم استئناف الصلاة كالقائم يعجز فيقعد، أو القاعد يعجز فيضطجع، أو المضطجع يعجز فيستلقي، و كذا بالعكس فينتقل من وجد خفة في الأثناء إلى الحالة العليا المستطاعة كما أومأ إليه

قوله (عليه السلام)(1)فيما مضى: «إذا قوي فليقم»

مضافا إلى القطع بعدم الفرق في الأحوال المزبورة بين مجموع الصلاة و بعضها و إن كان أول ما يتبادر إلى الذهن منها الأول، لكن تبادره لأنه أظهر الأفراد، فاحتمال عدم الاجتزاء بالملفقة من الأحوال كما عن بعض العامة- بل يستأنف إذا اتفق عروض ذلك و يأتي بالصلاة على حالة واحدة إلا إذا فرض التعذر أو التعسر فحينئذ يجوز لهما التلفيق، و إلا فينكشف بعدم استمرار العجز مثلا أن المراد الفرد الآخر، فلا يجزي حينئذ الفرد الذي تلبس به بظن استمرار سببه- ضعيف جدا، بل لم أعثر على من ذكره احتمالا فضلا عمن مال اليه أو جزم به منا إلا ما ستسمعه عن نهاية الأحكام، و لعله لما عرفت،


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب القيام- الحديث 3.

ج 9، ص: 275

و لإمكان دعوى اندراجه في أدلة كل من الأحوال أو بعضها المؤيد بالنهي عن إبطال العمل، و باستصحاب صحة الصلاة القاضي بعد إحراز الصحة بتعين الأحوال المزبورة بعد فرض انتفاء احتمال غيرها بالإجماع و نحوه، فيتحقق حينئذ من مجموع ذلك الامتثال المقتضي للإجزاء، نعم عن نهاية الأحكام لو انتفت المشقة فالأولى عندي استحباب الاستئناف، يعني لو كان القعود مثلا للمشقة في القيام لا للعجز عنه فانتفت في الأثناء استحب له الاستئناف، و لا بأس به إن أراد بعد الإكمال للتسامح، و إلا كان محل نظر و منع، لحرمة إبطال العمل التي لا يجوز الخروج عنها إلا بالدليل المعتبر، هذا. و قد مر سابقا عند قول المصنف: «و إذا تمكن من القيام للركوع وجب» ما ينفعك في المقام، ضرورة كونه من بعضه في وجه، فلاحظ و تأمل.

و قد بان لك من ذلك كله الوجه في الثاني من المراد بالاستمرار في المتن، أما الأول أي يبقى مستمرا على القراءة في أثناء الهوي إلى القعود مثلا فلأنه أقرب إلى الحالة العليا التي هي محل القراءة اختيارا، فيجب المحافظة عليه حينئذ وفاقا للمحكي عن الأكثر بل المشهور كما قيل، بل في الذكرى كما عن الروض نسبته إلى الأصحاب، و إن كان الظاهر عدم إرادة الأول الإجماع من النسبة المزبورة، لإشكاله إياه بعد النسبة، بل ربما نوقش في أصلها كما يومي اليه نسبته إلى القيل في المحكي عن دروسه بخلو كتب القدماء كالمقنعة و النهاية و المبسوط و الخلاف و الجمل و الوسيلة و السرائر و غيرها عن ذلك في مباحث القيام و الركوع و القراءة، بل قد يظهر من المبسوط خلافه، اللهم إلا أن يكون ذكروا ذلك في غير مظانه أو فيها و قد زاغ عنه البصر، أو يكون أراد مشايخه كالفخر و العميد و الفاضل و ابني سعيد و الآبي و غيرهم ممن شاهدهم، أو نقل له ذلك عنهم، فيتجه حينئذ بعد فقد الإجماع إشكاله بأن الاستقرار شرط في القراءة،

ج 9، ص: 276

ل

خبر السكوني (1)عن الصادق (عليه السلام) في المصلي يريد التقدم قال: «يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم ثم يقرأ»

و غيره، بل لعله إجماع كما سمعته سابقا، و يشعر به ما في الذكرى، فيجب مراعاته فيها، و احتمال تسليم اشتراطه في غير محل البحث لعدم الدليل عليه فيه من إجماع أو نص كما ترى، كدعوى اشتراطه فيها في حال الاختيار المفقودة في المقام، ضرورة اضطراره إلى القعود، إذ يدفعها أن الاضطرار انما هو في نفس الانتقال لا في القراءة غير مستقر.

فلعل الأولى حينئذ تأخير القراءة إلى حال الجلوس تحصيلا لشرطها وفاقا للمحقق الثاني و غيره، خصوصا بعد ظهور اعتبار القراءة في القيام أو بدله، و ليس هو إلا القعود في الفرض، إذ الهوي من مقدماته لا من أبدال القيام حتى ينتهي إلى القعود، و إلا لزم كثرة المراتب، و هو كما ترى، و الاحتياط هنا انما هو بتكرير الصلاة أو بإعادة ما قرأ في الهوي بنية القربة المطلقة، بناء على الاجتزاء بمثلها لو فرض كونه جزء في الصلاة لا بالقراءة في حال الجلوس بعد ظهور بعض العبارات في وجوب القراءة في حال الهوي لقربه من حال الاختيار، فليس له السكوت حينئذ و إن جاز له في أثناء الحالة الواحدة، كما هو واضح، اللهم إلا أن يقال: إن صلاته صحيحة و إن عصى بترك القراءة في حال الهوي حتى انتقل تكليفه، فهو كمن سكت في حال القيام حتى عرض له ما نقل تكليفه، لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد فرض علم المكلف بالانتقال، فتأمل جيدا، هذا.

و قد يشكل جريان أصل البحث في مثل الانتقال من الاضطجاع على الجانب الأيمن إلى الأيسر و نحوه بأن حالة الانتقال فيه ربما اقتضت قلبه على ظهره، و هي أدون من الجانب الأيسر، أو على وجهه فهو مرجوح في جميع المراتب، فينبغي تقييد الحكم


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب مكان المصلى- الحديث 3.

ج 9، ص: 277

بما لو كان من حالات هي أعلى من المنتقل اليه، كما يدل عليه التعليل، اللهم إلا أن يقال بأن الانقلاب على الظهر مثلا أقرب من الأيسر إلى الأيمن في مثل الفرض، و عدم الاستمرار عليه للدليل أو لملاحظة الاشتراك في الاضطجاعية و نحوها.

ثم إنه قد يتوهم من قول المصنف و كذا العكس اتحادهما فيما ذكره من الانتقال و القراءة في أثنائه و نحوهما، و ليس كذلك قطعا، ضرورة وجوب الانتقال عليه من أقصى الدنيا إلى العليا من أول مرة مع الاستطاعة، لا أنه ينتقل مترتبا إلا إذا كانت الاستطاعة كذلك، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي في قوله:

فان بدا العجز عن الأعلى انتقل لأوسط ثم إلى ما قد سفل

و لا كذا إذا استبان القدرةفلينتقل إلى العلو مرة

و أما القراءة فلا ينبغي التأمل في وجوب تركها حتى ينتقل إلى العليا مطمئنا، لعدم الاستقرار، و عدم بدلية غيرها عنها مع التمكن منها، فما توهمه عبارة النافع كالمتن من القراءة في الأثناء في الفرض ليس في محله قطعا، و كيف و قد استحب له في الذكرى كما عن نهاية الأحكام استئناف ما قرأه سابقا لتقع جميع القراءة مستأنفة، و عن المبسوط يجوز له و إن كان قد يشكل باستلزامه زيادة الواجب مع حصول الامتثال و سقوط الفرض، إلا أن يتخلص عنه بما سمعته سابقا من القراءة بغير نية الجزئية.

و لو خف بعد القراءة وجب القيام للركوع قطعا، لوجوبه فيه و قد تمكن منه، و في وجوب الطمأنينة فيه للركوع و عدمه قولان، أشهرهما الثاني و أحوطهما الأول، و استدل عليه في الذكرى بأن الحركتين المتضادتين في الصعود و الهبوط لا بد أن يكون بينهما سكون، فينبغي مراعاته ليتحقق الفصل بينهما، و بأن ركوع القائم يجب أن يكون عن طمأنينة، و هذا منه، و بأن معه يتيقن الخروج عن العهدة، و فيه أن الكلام في الطمأنينة عرفا، و هي أمر زائد على ذلك، ضرورة كون ذلك السكون من اللوازم

ج 9، ص: 278

التي لم تدخل في قسم الممكن حتى يصح التكليف بها، فحينئذ لا عبرة بالسكون المزبور كما لا عبرة به في حال الرفع من الركوع و إرادة الهوي إلى السجود بالإجماع المحكي عن الروض، و أما الثاني فهو عين المتنازع فيه، فان موضع الوفاق في اشتراط الركوع عن طمأنينة هي ما يحصل في قيامها قراءة و نحوها، فتكون الطمأنينة واجبة لذلك لا لذاتها، و هي قد حصلت حال القعود الذي هو بدل القيام، و أما الثالث فليس إلا الاحتياط الذي ذكرناه، و البحث في وجوبه معروف، خصوصا في المقام الذي يدعى اندراجه في إطلاق الأدلة. و كيف كان فلا تستحب إعادة القراءة هنا كما عن التذكرة و الذكرى و جامع المقاصد و غيرها للأصل.

و لو خف في الركوع جالسا قبل الطمأنينة كفاه أن يرتفع منحنيا إلى حد الراكع و لم يجز له الانتصاب، لاستلزامه الزيادة المفسدة، و لو كان الخفة بعدها قبل الذكر فحكمه كسابقه على ما صرح به بعضهم، خلافا لما عساه يوهمه ظاهر المحكي عن التذكرة و الذكرى من أنه كما لو كان بعد الذكر الذي لا يجب عليه فيه إلا القيام للاعتدال بلا خلاف أجده، و فيه أن الذكر يجب إيقاعه في تلك الحالة من الركوع، و هي ممكنة له من غير استلزام زيادة، بخلاف ما لو كان خفة بعد تمام الذكر، لحصول الامتثال المقتضي للإجزاء فليس عليه حينئذ إلا القيام للاعتدال، و لو كانت خفته في أثناء الذكر فبناء على الاجتزاء بالتسبيحة الواحدة في الذكرى لا يجوز البناء على بعضها، لعدم سبق كلام تام و لزوم اعتبار الموالاة، و يحتمل البناء بناء على عدم قدح مثل هذا الفصل اليسير فيها، و لعل الأولى جعل المدار على الإخلال بها و عدمه، و لو فرض إتمامها ثم خف كان له الارتفاع للإتيان بالمستحب على الظاهر و لا زيادة ركن فيه، و لو أوجبنا تعدد التسبيح و كان قد شرع فيه فان كان في أثناء تسبيحة فالبحث فيها كالسابق و ارتفع الإتمام الباقي قطعا، كما أنه كذلك لو فرض بعد إتمام التسبيحة الواحدة، فإنه يرتفع حينئذ أيضا

ج 9، ص: 279

لإتمام الباقي، لكن في كشف اللثام «لو كان قد شرع فيه و لم يكمل كلمة «سبحان» أو «ربي» أو «العظيم» أو ما بعده فالأولى إتمام الكلمة و عدم قطعها، بل عدم الوقف على «سبحان» ثم الاستئناف عند تمام الارتفاع» و هو جيد لولا استلزامه الزيادة، اللهم إلا أن يكون إتمامه بعنوان الذكر المطلق، و الأمر سهل.

و لو خف بعد الاعتدال و الطمأنينة قام ليسجد عن قيام كما صرح به في الذكرى و غيرها، بل لا أجد فيه خلافا، إلا أنه لا يخلو من إشكال كما في التذكرة، و لعله لعدم اعتبار القيام في السجود، و انما كان الهدم عنه له لأنه من ضروريات الامتثال به و لوازمه، على أنه قد قام عنه الاعتدال و الطمأنينة الجلوسيان، و أيضا لو كان هذا القيام واجبا لوجب حتى لو حصل الخف بعد الهوي إلى السجود قبل الوصول إلى حده، مع أنه لا يجب معه قولا واحدا كما قيل، نعم قد يحتمل القيام للقنوت الثاني بعد الركوع في الجمعة على إشكال أيضا كما في المحكي عن نهاية الأحكام من مخالفة الهيئة المطلوبة للشرع مع القدرة عليها، و من استحباب القنوت فجاز فعله جالسا للعذر، و لعل الأولى ترك قوله للعذر، كما أن الأول أولى، و كيف كان فعلى القول به، أي القيام للسجود فالظاهر عدم اعتبار الطمأنينة فيه للأصل وفاقا للمحكي عمن تعرض له من الأصحاب، نعم في الذكرى احتماله على بعد، قال: إلا إذا عللنا بتحصيل الفصل الظاهر بين الحركتين فيجب الطمأنينة، كما أنه يتجه اعتبارها و وجوب القيام لها لو فرض حصول الخف بعد الاعتدال قبل الطمأنينة.

و لو قدر على القيام للاعتدال من الركوع دون الطمأنينة فيه قام، و الأولى الجلوس لها كما في كشف اللثام، بل عن بعضهم القطع به، و يحتمل تقديم الجلوس لهما كما في الذكرى، و الأقوى سقوطها و الاجتزاء بالقيام كما قلناه في أصل قيام الركعة، و مثله لو ركع القائم فعجز عن الطمأنينة فالأقرب كما في الذكرى الاجتزاء به و يأتي

ج 9، ص: 280

بالذكر فيه و بعده، و ليس له الجلوس ليركع ركوع الجالس مطمئنا.

و لو ثقل في أثناء الركوع فان كان بعد الذكر جلس للاعتدال مستقرا، و لو كان قبله قيل ففي الركوع أو الاجتزاء بما حصل من الركوع وجهان مبنيان على أن الركوع هل يتحقق بمجرد الانحناء المذكور أم لا بد في تحققه من الذكر و الطمأنينة و الرفع، و الأولى أنه إن أمكن هويه متقوسا بحيث لا يلزم زيادة ركوع هوى و ذكر، و إلا سقط و اكتفى بالجلوس للاعتدال من غير ركوع، و الله أعلم.

[من لا يقدر على السجود يرفع ما يسجد عليه]

و من لا يقدر على السجود يرفع ما يسجد عليه، فان لم يقدر أومأ إليه كما تقدم البحث فيه سابقا، و ربما يأتي له تتمة لاحقا إن شاء الله، و هل يجب عليه الجلوس للإيماء لو فرض قيامه مع تعذر السجود عليه بغير فقد الساتر؟ كما أنه هل يجب عليه القيام للإيماء للركوع لو فرض تعذر الركوع عليه و كان جالسا؟ وجهان، العدم لإطلاق الأدلة، و لأنهما من المقدمات التي تسقط بسقوط ذيها، و الوجوب لعدم سقوط الميسور بالمعسور، و لظهور النصوص و الفتاوى في المقام بوجوب كل ما يقرب إلى المأمور به، و لأن الإيماء هو البدل، فيعتبر فيه حينئذ ما يعتبر في المبدل منه، فيقوم ثم يومي للركوع، كما أنه يجلس فيومي للسجود، و لعله هو الذي أشار إليه العلامة الطباطبائي مستثنيا فاقد الساتر الذي يومي قائما إذا صلى كذلك لأمن المطلع، كما أنه يومي للركوع جالسا مع الصلاة كذلك عند خوف المطلع، فقال:

و كل إيماء عن السجود من غير قيام ما خلا العاري الأمن

فقائما يومي كما قد ركعابالعكس مما لزم المروعا

لا يجلس القائم كالجالس لايقوم للإيماء في قول جلا

و قد يفرق بين الركوع و السجود باعتبار القيام في الأول فكذا بدله، بخلاف

ج 9، ص: 281

السجود فان الجلوس فيه من مقدماته لا لأن السجود يعتبر فيه أن يكون عن جلوس.

[فيما يستحب للقائم حال قراءته]

و المسنون في هذا الفصل للقائم عدة أمور مستفادة من صحيح حماد(1)و زرارة(2)و المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام)(3)

قال في الأول: «قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) يوما: أ تحسن أن تصلي يا حماد؟ قال: قلت: يا سيدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة، قال: فقال (عليه السلام): لا عليك قم صل، قال: فقمت بين يديه متوجها إلى القبلة، فاستفتحت الصلاة و ركعت و سجدت، فقال: يا حماد، لا تحسن أن تصلي، ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة، بحدودها تامة، قال حماد: فأصابني في نفسي الذل، فقلت: جعلت فداك فعلمني الصلاة، فقام أبو عبد الله (عليه السلام) مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه و قرب بين قدميه حتى كان بينهما ثلاث أصابع مفرجات، و استقبل بأصابع رجليه جميعا القبلة لم يحرفهما عن القبلة بخشوع و استكانة، فقال: الله أكبر، ثم قرأ الحمد بترتيل و قل هو الله أحد، ثم صبر هنيئة بقدر ما تنفس و هو قائم، ثم قال: الله أكبر و هو قائم، ثم ركع و ملأ كفيه.

و

قال أبو جعفر (عليه السلام) في الثاني: «إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى دع بينهما فصلا، إصبعا أقل ذلك، إلى شبر أكثره، و أسدل منكبيك و أرسل يديك و لا تشبك أصابعك، و ليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك، و ليكن نظرك إلى موضع سجودك»

و في المحكي

عن فقه الرضا (عليه السلام) «إذا أردت أن تقوم إلى الصلاة فلا تقم إليها متكاسلا- إلى أن قال-: فقف بين يديه كالعبد الآبق المذنب بين يدي مولاه، فصف قدميك و أنصف نفسك و لا تلتفت يمينا و لا شمالا،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 3.
3- 3 المستدرك- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 7.

ج 9، ص: 282

و تحسب كأنك تراه، فان لم تكن تراه فإنه يراك، و لا تعبث بلحيتك- إلى أن قال أيضا-: و يكون بصرك في موضع سجودك ما دمت قائما- ثم قال-: و لا تتك مرة على رجلك و مرة على الأخرى»

إلى آخره و انما لم نذكر تمام الأخبار الثلاثة لاشتمالها على ذكر المستحبات في الصلاة لا خصوص القيام الذي هو المطلوب في المقام.

و المستفاد من هذه و غيرها إسدال المنكبين و إرسال اليدين و وضعهما على الفخذين اليمنى على الأيمن و اليسرى على الأيسر مضمومتي الأصابع حتى الإبهام محاذي الركبتين و النظر إلى موضع السجود و استواء النحر و فقار الظهر، كما يدل عليه أيضا المرسل (1)الوارد في تفسير قوله تعالى (2)«فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ» الذي قد تقدم سابقا، و استواء الرجلين في الاستقرار، بل يظهر من الأخير كراهة الاتكاء على واحدة، و صف القدمين بحيث لا ينحرف أحدهما عن الآخر و لا يزيد، و أن يوجه بالجميع القبلة و أن يفرق بينهما و لو بإصبع، و الشبر أقصى الفصل، إلى غير ذلك مما لا يخفى على من لاحظ النصوص.

و ربما يظهر من

صحيح زرارة الآخر(3)عدم استحباب بعضها بالنسبة إلى المرأة، قال فيه: «إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها و لا تفرج بينهما، و تضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها.»

و لم أعرف خلافا بين الأصحاب في عدم وجوب شي ء من جميع ما ذكرنا عدا ما سمعته سابقا من المحكي عن ظاهر الصدوق من وجوب نصب النحر، و عدا ما يظهر من بعض العبارات المحكية في تحديد ما بين القدمين بالشبر أو الأقل، و لا ريب في ضعفهما، و أن المدار في الثاني على عدم حصول التباعد


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القيام- الحديث 3.
2- 2 سورة الكوثر- الآية 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 4.

ج 9، ص: 283

المخل بهيئة القيام، و الله أعلم.

[فيما يستحب للقاعد حال قراءته]

و أما المستحب للقاعد ف شيئان: أحدهما أن يتربع المصلي قاعدا في حال قراءته بلا خلاف أجده، بل عن صريح الخلاف و ظاهر غيره الإجماع عليه،

للحسن (1)«كان أبي (عليه السلام) إذا صلى جالسا تربع، فإذا ركع ثنى رجليه»

كما أني لا أعرف خلافا في عدم وجوبه، بل عن المنتهى أنه إجماعي لإطلاق النصوص (2)و التصريح و التعميم في بعضها(3)بل لا أعرف خلافا أيضا في أن ذلك كيفية لمطلق الصلاة جالسا سواء كان فريضة أو نافلة، و كذا لا أعرف خلافا أيضا في أن المراد بالتربع هنا نصب الفخذين و الساقين و إن كان لم يساعده شي ء مما وقفنا عليه من كلام أهل اللغة بالخصوص، بل الموجود فيه خلاف ذلك، و أنه عبارة عن الكيفية المتعارفة الآن، إلا أن الأصحاب لعلهم أخذوه من أنه هو جلوس القرفصاء المنقول (4)عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه أحد جلساته الثلاثة، و أنه هو الأقرب للقيام، بل ربما احتمل وجوبه، و احتمال أنه هو جلوس العبد المتهيّئ للامتثال الذي قد أمر به في بعض الأخبار، و ربما كان في الحسن السابق أيضا إشارة اليه، لأن ثني الرجلين في حال الركوع يدل على عدمه قبله، و التربيع المتعارف فيه ثنى الرجلين، فتأمل، و المراد بثني الرجلين فرشهما واضعا للفخذ على الساق.

و لا خلاف في أنه يستحب له أيضا أن يثني رجليه في حال ركوعه للحسن السابق المحكي على ظاهره الإجماع عن بعضهم، و أما بين السجدتين فالظاهر استحباب التورك لا التربع لما ستسمع، و إن كان يمكن دعوى دلالة الحسن على الثاني، و كذا التشهد، لكن المصنف نسبه إلى القيل مشعرا بتمريضه، فقال و قيل


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القيام- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القيام.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القيام- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 74- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 1 من كتاب الحج.

ج 9، ص: 284

و يتورك في حال تشهده بل عن جامع ابن عمه التصريح باستحباب التربع فيه، و لم أعرف لهما موافقا و لا شاهدا عدا دعوى إطلاق الحسن السابق الذي لا يقاوم ما سيأتي م ما دل (1)على استحباب التورك فيه الذي حكي التصريح به هنا عن جماعة من الأصحاب، و الأمر سهل، و لقد ذكرنا جملة نافعة عند ذكر المصنف الجلوس في النافلة، من أرادها فليلاحظها، لكن ذكر الأستاذ في كشفه هنا «أن الأفضل للجالس العاجز جلوس القرفصاء إن لم نوجبه، لأنه أقرب إلى هيئة القيام، و بعدها التربع، و هو جمع القدمين و وضع إحداهما على الأخرى، و قد يقال بأفضلية الحال الأولى في مقام القراءة و مقام الركوع، و الثانية في مقام الجلوس، و يستحب توركه حال التشهد» و هو كما ترى فيه ما هو خال عنه كلام الأصحاب، بل لعله يخالفه و إن كان يمكن ذكر ما يصلح مستندا لبعض ما ذكره، و الله أعلم.

[الرابع من أفعال الصلاة القراءة]
اشاره

الفعل الرابع من أفعال الصلاة القراءة

[واجبات القراءة]
اشاره

و هي واجبة في الجملة في الصلاة إجماعا بل و ضرورة من المذهب كما في كشف الأستاذ، لعدم العبرة في ذلك بمن لم يسمع الآن بجملة من الضروريات من بهائم الخلق و نصوصا مستفيضة(2)بل متواترة، بل قيل و كتابا كقوله تعالى(3):


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القراءة في الصلاة.
3- 3 سورة المزمل- الآية 20.

ج 9، ص: 285

«فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ» بعد العلم بأن لا وجوب في غير الصلاة، و فيه أن النصوص (1)ظاهرة أو صريحة في أن وجوبها من السنة لا من الكتاب كالركوع و السجود، و ذلك أقوى قرينة على عدم إرادة الصلاة من الآية المستلزمة لتكلف إخراج ما عدا الصلاة و ما عدا الفاتحة خاصة، أو هي و السورة مما تيسر، و إرادة الوجوب الشرطي و الشرعي من الأمر على فرض العموم للفرض و النفل، و غير ذلك، بل لا ظن بإرادة قراءة الصلاة، و فرق واضح بين قابلية الإرادة و بين الظن بالإرادة الفعلية كما هو الديدن في قرائن المجاز، و يؤيد ذلك كله أنها ليست ركنا تبطل الصلاة بتركها عمدا و سهوا فضلا عن زيادتها قطعا، بل عن الخلاف الإجماع عليه، بل يمكن دعوى تحصيله، لعدم معلومية المخالف و إن نسب إلى ابن حمزة، لكن قيل: إنه لم يكن له في الوسيلة ذكر، نعم عن المبسوط حكايته عن بعض أصحابنا، و مثله لا يقدح في تحصيل القطع الناشئ من اتفاق من وصل إلينا فتاويهم من الأصحاب و النصوص (2)الكثيرة الظاهرة و الصريحة في نفي البطلان مع النسيان الذي هو لازم الركنية، فاصالتها حينئذ على تقدير التسليم و إطلاق نفي الصلاة من دون الفاتحة مثلا يجب الخروج عنهما ببعض ذلك فضلا عن جميعه، و لو كانت واجبة بالكتاب لكانت ركنا كما أومأت إليه النصوص (3).

[فيما يجب فيه الحمد من الركعات]

و تتعين بالحمد في كل ثنائية و في الأولتين من كل رباعية و ثلاثية بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن دعوى تواتر الإجماع عليه للنصوص البيانية(4)و غيرها مما يمر


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1 و الباب 29 منها- الحديث 5 و المستدرك- الباب 22 منها- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 27 و 28 و 29- من أبواب القراءة في الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1 و الباب 29 منها- الحديث 5 و المستدرك- الباب 24 منها- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة.

ج 9، ص: 286

عليك في تضاعيف المباحث، بل قد يشعر المشتمل منها(1)على ذكر السبب في اختصاص الأولتين بالقراءة دون الأخيرتين بكونه مفروغا منه، بل يمكن دعوى استفادته أيضا من نفي الصلاة بدون فاتحة الكتاب، بناء على إرادة كل ركعة من الصلاة و إن خرج ما خرج بالدليل، أو على الإتمام بالإجماع، و منه يعلم حينئذ وجوبها شرطا أو و شرعا في النافلة، بل هي مدلول له قطعا إذا كانت ركعة واحدة، على أنك قد سمعت أصالة اشتراك النافلة و الفريضة في كل هيئة كان موضوعها لفظ الصلاة التي هي اسم للطبيعة المشتركة بينهما، فما عن تذكرة الفاضل و تحريره و ابن أبي عقيل من عدم اشتراطها بذلك للأصل ضعيف كأصله لما عرفت، مضافا إلى توقيفية العبادة، و إلى ما ورد في بيان كثير من النوافل الخاصة من الأمر بقراءتها فيها مما هو ظاهر و لو بمعونة فتاوى الأصحاب في عدم إرادة اختصاص تلك النوافل بالفاتحة و إن اختصت بأمور أخر من سور خاصة و نحوها، بل عدم العثور على نافلة مخصوصة ذكر فيها الاكتفاء بغير الحمد أو ببعضه أقوى شاهد على اعتباره فيها جميعها، و إلى فعل السلف و الخلف، نعم قد يشهد للفاضل توسعة الأمر في النوافل، و خصوص

خبر علي بن أبي حمزة(2)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل المستعجل ما الذي يجزيه في النافلة؟

قال: ثلاث تسبيحات في القراءة و تسبيحة في الركوع و السجود»

بناء على عدم التخصيص بالمستعجل لعدم القائل بالفصل، أو لصدق الاستعجال على ما لا ينافي الاختيار، لكنه مع ضعفه قاصر عن معارضة ما عرفت، فتأمل جيدا.

[في عدم جواز الإخلال بشي ء من القراءة حتى التشديد]

و على كل حال ف تجب قراءتها أجمع، و حينئذ لا تصح الصلاة مع الإخلال و لو بحرف واحد منها عمدا إجماعا في كشف اللثام و عن المعتبر و المنتهى


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.

ج 9، ص: 287

نقيصة أو إبدالا ممنوعا أو غيرهما، لعدم الامتثال، ضرورة كونها اسما للمجموع الذي ينتفي بانتفاء بعضه، و التسامحات العرفية كالاشتباهات لا تبنى عليها الأحكام الشرعية و الظاهر ذلك حتى لو تدارك بناء على تحقق البطلان بمطلق الزيادة في الصلاة، إذ من الواضح حينئذ تحققها فيما لو تدارك بسبب ما وقع قبله منه، بل لو أخل بحرف من كلمة فقد نقص و زاد معا و إن لم يتدارك إن نوى بما أتى به من الكلمة الجزئية، و إلا نقص و تكلم في البين بأجنبي.

فظهر حينئذ عدم جواز الإخلال بشي ء منها حتى التشديد كما عن الأكثر التصريح به، بل في فوائد الشرائع لا نعرف فيه خلافا، قال فيه: «لا ريب أن رعاية المنقول في صفات القراءة و التسبيح و التشهد- من حركات و سكنات للاعراب و البناء و غير ذلك مما يقتضيه النهج العربي كالادغام الصغير على ما صرح به شيخنا الشهيد في البيان و المد المتصل- واجبة، و مع الإخلال بشي ء من ذلك تبطل الصلاة، و لا نعرف في ذلك كله خلافا، و يحصل ترك التشديد إما بحذف الحرف المدغم مثلا، أو بتحريكه، أو بفك الإدغام» لكن الأول مندرج في الإخلال بحرف، و لعله خصه بالذكر حينئذ لخفائه، و الثاني إخلال بكيفية الحرف، لأنه حركة بعد أن كان ساكنا، و الثالث بطلانه لفوات الموالاة، قال في كشف اللثام: «و فك الإدغام من ترك الموالاة إن تشابه الحرفان، و إلا فهو إبدال حرف بغيره، و على التقديرين من ترك التشديد، نعم لا بأس به بين كلمتين إذا وقف على الأولى نحو «لَمْ يَكُنْ لَهُ» لما ستعرفه من جواز الوقف على كل كلمة» و ظاهره عدم جواز فكه في نحو الكلمتين المزبورتين إذا لم يقف و ستعرف التفصيل، و على كل حال فالظاهر إرادة التشديد من الإدغام الصغير في معقد نفي الخلاف في كلام الكركي، إذ هو إدراج الساكن الأصلي في المتحرك في كلمة واحدة

ج 9، ص: 288

أو كلمتين متماثلين «ك هَلْ لَكَ» أو متقاربين (1)«ك مِنْ رَبِّكَ*» خلاف الإدغام الكبير الذي هو إدراج المتحرك بعد الإسكان في المتحرك متماثلين في كلمة «ك مَناسِكَكُمْ» و «ما سَلَكَكُمْ» أو في كلمتين «ك يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ» «فِيهِ هُدىً»- «وَ طُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ» أو متقاربين في كلمة كالقاف في الكاف بشرط تحرك ما قبلها «ك يَرْزُقُكُمْ*» و «خَلَقَكُمْ»* لا «ك مِيثاقَكُمْ*» و أن يكون بعده ميم الجماعة في قول، و في كلمتين «ك فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ» قيل: و قد حصروه في ستة عشر حرفا: الحاء و القاف و الكاف و الجيم و الشين و الضاد و السين و الدال و الذال و التاء و الثاء و الراء و اللام و النون و الميم و الباء، و التفصيل يطلب من مظانه، لأن لا غرض لنا يتعلق به و لا بغيره من أقسام الإدغام الكبير، إذ لم أعرف أحدا قال بوجوب شي ء منه من الأصحاب كما اعترف به بعض مشايخنا، بل لو لا الإجماع المدعى على القراءة بالسبع أو العشر لأمكن التوقف في القراءة ببعض أفراده، خصوصا مع استلزامه تغيير كيفية الحرف بالإسكان أو الإبدال، إذ لذلك سمي كبيرا.

بل يمكن المناقشة في إطلاق الوجوب في الإدغام الصغير و إن نسب إلى الفقهاء و لم يعرف الكركي فيه خلافا، ضرورة عدم الدليل على وجوبه في مطلق المتقاربين في النحو و لا في الصرف، بل و لا في علم القراءة، إذ حروف الحلق و هي «اهع حغخ» متقاربة المخرج، و كذا حروف أصل اللسان كالقاف و الكاف، و حروف وسطه كالياء المثناة التحتانية و الشين و الجيم، و حروف طرفه كالصاد و السين و الراء، و حروف الشفة


1- 1 الصحيح ما أثبتناه و ان كانت النسخة الأصلية مع تاء التأنيث الموهمة أن قوله:« متماثلتين» و« أو متقاربتين» صفتان لكلمتين و ذلك لأنهما حالان لقوله: « الساكن الأصلي و« المتحرك» كما هو واضح.

ج 9، ص: 289

العليا كاللام و النون و الثاء و الذال و الظاء، و حروف الشفة السفلى و هي التاء و الدال و الطاء، و حروف الشفتين كالفاء و الباء و الواو و الميم و إن تفاوتت بالجهر و الهمس و الشدة و الرخاوة و غيرها من الأوصاف، و قد اختلفوا في إدغام كثير منها مع تقارب المخرج كالذال في الجيم و الزاء و السين و الصاد و التاء و الدال، نحو إِذْ جَعَلْنَا*، و إِذْ زَيَّنَ، و إِذْ سَمِعْتُمُوهُ*، و إِذْ صَرَفْنا، و إِذْ تَبَرَّأَ، و إِذْ دَخَلُوا، فعن أبي عمر و هشام الإدغام، و عن عاصم و الحرميين الإظهار، و الدال في الجيم و السين و الشين و الصاد و الذال و الراء و الضاد و الظاء، نحو لَقَدْ جاءَكُمْ*، لَقَدْ سَمِعَ، قَدْ شَغَفَها، لَقَدْ صَرَّفْنا*، لَقَدْ ذَرَأْنا، فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ، فَقَدْ ضَلَّ*، فَقَدْ ظَلَمَ*، فعن الأكثر الإدغام، و عن عاصم و ابن كثير و قالون الإظهار، و تاء التأنيث في ستة: الجيم و السين و الصاد و الزاء و الثاء و الظاء، نحو نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ، و كَذَّبَتْ ثَمُودُ، و أُنْزِلَتْ سُورَةٌ، و حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ، و خَبَتْ زِدْناهُمْ، و كانَتْ ظالِمَةً، فعن الأكثر الإظهار، و عن بعض الإدغام، و لام هل و بل في التاء و الثاء و السين و الزاء و الطاء و الضاد و النون، نحو هَلْ تَعْلَمُ، هَلْ ثُوِّبَ، بَلْ سَوَّلَتْ*، بَلْ زُيِّنَ، بَلْ طَبَعَ، بَلْ ضَلُّوا، بل ظلموا، بَلْ ظَنَنْتُمْ، بَلْ نَظُنُّكُمْ، هَلْ نَدُلُّكُمْ، فعن الكسائي الإدغام، و عن الأكثر الإظهار، إلى غير ذلك مما اختلفوا فيه كالباء في الفاء و بالعكس، نحو أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ، و مَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ، و نَخْسِفْ بِهِمُ، و الراء في اللام، نحو وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ.

نعم لا خلاف بينهم كما عن الشاطبية و سراج القارئ في إدغام الذال في الظاء نحو إِذْ ظَلَمُوا، و الدال في التاء نحو قَدْ تَبَيَّنَ، قَدْ نَعْلَمُ، وَعَدْتَنا، و في إدغام تاء التأنيث في الدال و الطاء أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما، و فَآمَنَتْ طائِفَةٌ، و اللام في الراء قُلْ رَبِّي، بَلْ رَبُّكُمْ، بَلْ رانَ، بل قيل الظاهر أيضا أنهم يوجبون إدغام الطاء في التاء أَحَطْتُ، بَسَطْتَ، و القاف في الكاف مع سكونها و اتصال ميم الجمع، بل قيل و بدونه، لم يخلقكم،

ج 9، ص: 290

لم يرزقكم، يخلقك.

و وجوب ذلك كله مبني على وجوب ما عند القراء، إذ ليس في النحو و الصرف ما يقتضيه، ضرورة عدم معروفية الإدغام عندهم إلا في المتماثلين في كلمة واحدة، أو كلمتين الساكن أولهما أصالة، و كأن الإدغام حينئذ من ضروريات النطق بالكلمة أو الكلمتين معا، و لعل مراد الأصحاب بالإدغام الصغير الذي نقلوا الإجماع على وجوبه هذا لا مطلق ما عرفت، مع أنه قد يستثنى منه أيضا حرف المد نحو آمَنُوا، وَ عَمِلُوا*، و الَّذِي يُوَسْوِسُ، فإنه واجب الإظهار، بل يمكن دعوى منافاة المد للادغام، أما لو أريد بالإدغام الصغير ما يشمل جميع ما سمعت مما ادعي وجوبه عند سائر القراء ففيه بحث أو منع.

كالبحث أو المنع في وجوب إدغام التنوين و النون الساكنة إذا كانت طرفا في اللام و الراء بغنة الذي نقل إجماع القراء السبعة عليه عن التيسير و سراج القاري و الشاطبية نحو هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، مِنْ رَبِّكَ، و لكِنْ لا يَعْلَمُونَ، بل نقلوه أيضا على إدغامهما في حروف «ينمو» الأربعة مصاحبا للغنة إلا من خلف فلا غنة في الياء و الواو نحو من يقو، و بَرْقٌ يَجْعَلُونَ، مِنْ نُورٍ، يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ، مِمَّنْ مَنَعَ، مَثَلًا ما بَعُوضَةً، مِنْ والٍ، غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ.

أما إذا كانت النون وسطا فعن الشاطبي و جماعة الإجماع على وجوب إظهارها نحو الدُّنْيا* و بُنْيانٌ و قِنْوانٌ و صِنْوانٌ لئلا تشتبه بالمضاعف نحو حيان و بوان، بل قيل أيضا إنه حكي الإجماع مستفيضا على إظهارهما معا قبل حروف الحلق، و أنهم أجمعوا على قلبهما ميما عند الباء نحو مِنْ بَعْدِ*- صُمٌّ بُكْمٌ*، بل عن ابن مالك التصريح به أيضا.

و أما حالهما عند غير الذي عرفت من باقي الحروف فعن الشاطبية و سراج القاري الإجماع أيضا على إخفائهما مع بقاء غنتهما، و الإخفاء حال بين الإدغام و الإظهار عار

ج 9، ص: 291

من التشديد، و أما الميم فان لاقت الباء غنت، و إن لاقت غيرها من سائر الحروف ظهرت، و وجه الإشكال في الجميع ما عرفت، خصوصا إذا قلنا: إن المراد بالوجوب في لسان القراء تأكد الفعل كما عن الشهيد الثاني احتماله، أو أنه معتبر في التجويد لا كالنحويين و الصرفيين الذي يراد به فيهما خروج اللفظ عن قانون اللغة، و لذا كان الأقوى وجوب كل ما هو واجب عندهم دون القراء.

لا يقال: إنه بعد أن كلف بقراءة القرآن مثلا في الصلاة فلا يجزيه إلا قراءة ما هو معلوم أنه قرآن أو كالمعلوم، و هو لا يحصل إلا بالقراءات السبع، للإجماع في جامع المقاصد و عن الغرية و الروض على تواترها، كما عن مجمع البرهان نفي الخلاف فيه المؤيد بالتتبع، ضرورة مشهورية وصفها به في الكتب الأصولية و الفقهية، بل في المدارك عن جده أنه أفرد بعض محققي القراء كتابا في أسماء الرجال الذين نقلوا هذه القراءات في كل طبقة، و هم يزيدون عما يعتبر في التواتر، مضافا إلى قضاء العادة بالتواتر في مثله لجميع كيفياته، لتوفر الدواعي على نقله من المقر و المنكر، و إلى معروفية تشاغلهم به في السلف الأول حتى أنهم كما قيل ضبطوه حرفا حرفا، بل لعل هذه السبعة هي المرادة من

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «نزل القرآن على سبعة أحرف»

كما يومي اليه المروي (2)عن خصال الصدوق، و لأن الهيئة جزء اللفظ المركب منها و من المادة، فعدم تواترها يقضي بعدم تواتر بعض القرآن، أو العشر(3)لدعوى الشهيد في الذكرى تواترها أيضا؟ و هو لا يقصر عن نقل الإجماع بخبر الواحد كما اعترف به


1- 1 الخصال ج 2 ص 10 الطبع القديم.
2- 2 الوسائل- الباب- 74- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6.
3- 3 قوله:« أو العشر» معطوف على كلمة« السبع» في قوله:« و هو لا يحصل إلا بالقراءات السبع».

ج 9، ص: 292

في جامع المقاصد و إن ناقشه بعضهم بأن شهادته غير كافية، لاشتراط التواتر في القرآن الذي يجب ثبوته بالعلم، و لا يكفي الظن، فلا يقاس على الإجماع، نعم يجوز ذلك له، لأن كان التواتر ثابتا عنده، و لو سلم عدم تواتر الجميع فقد أجمع قدماء العامة و من تكلم في المقام من الشيعة كما عن الفاضل التوني في وافية الأصول على عدم جواز القراءة بغيرها و إن لم يخرج عن قانون اللغة و العربية، و في مفتاح الكرامة أن أصحابنا متفقون على عدم جواز العمل بغير السبع أو العشر إلا شاذ منهم، و الأكثر على عدم العمل بغير السبع، و لعل ذلك

للمرسل (1)عن أبي الحسن (عليه السلام) «جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها، و لا نحسن أن نقرأها، كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال: لا، فاقرأوا كما علمتم فسيجي ء من يعلمكم»

و

خبر سالم بن سلمة(2)قال: «قرأ رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) حروفا ليس على ما تقرأها الناس فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كف عن هذه القراءة، إقرأوا كما يقرأ الناس حتى يقوم العلم»

و المرسل المشهور نقلا في كتب الفروع لأصحابنا و عملا «القراءة سنة متبعة» بل في حاشية المدارك أن المراد بالتواتر هذا المعنى، قال فيها: «المراد بالمتواتر ما تواتر صحة قراءته في زمان الأئمة (عليهم السلام) بحيث يظهر أنهم كانوا يرضون به و يصححون و يجوزون ارتكابه في الصلاة، لأنهم صلوات الله عليهم كانوا راضين بقراءة القرآن، على ما هو عند الناس، و ربما كانوا يمنعون من قراءة الحق، و يقولون: هي مخصوصة بزمان ظهور القائم (عليه السلام)» انتهى. فالمعتبر حينئذ القراءات السبع أو العشر، و ظاهر الأصحاب بل هو صريح البعض التخيير بين


1- 1 الوسائل- الباب- 74- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 74- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1 رواه في الوسائل عن سالم بن أبي سلمة مع تفاوت في اللفظ.

ج 9، ص: 293

جميع القراءات، نعم يظهر من بعض الأخبار(1)ترجيح قراءة أبيّ.

لأنا نقول أولا: يمكن منع دعوى وجوب قراءة المعلوم أنه قرآن، بل يكفي خبر الواحد و نحوه مما هو حجة شرعية.

و ثانيا أن الأوامر تنصرف إلى المعهود المتعارف، و هو الموجود في أيدي الناس، و لا يجب تطلب أزيد من ذلك كما أوضحه الخصم في الوجه الثاني من اعتراضه.

و ثالثا نمنع اعتبار الهيئة الخاصة من أفراد الهيئة الصحيحة في القرآنية، فلا يتوقف العلم بكونه قرآنا عليها، إذ هي من صفات الألفاظ الخارجة عنها، كما يستأنس له بصدق قراءة قصيدة امرئ القيس مثلا، و دعاء الصحيفة على المقر و صحيحا و إن لم يعلم الهيئة الخاصة الواقعة من قائلهما، بل يصدق في العرف قراءة القرآن على الموافق للعربية و اللغة و إن لم يعلم خصوصية الهيئة الواقع عليها، بل قد ادعى المرتضى فيما حكي عن بعض رسائله كبعض العامة صدق القرآن على الملحون لحنا لا يغير المعنى، و لذا جوزه عمدا و إن كان هو ضعيفا.

و إلى بطلانه أشار المصنف بقوله و كذا إعرابها أي و كذا تبطل الصلاة مع الإخلال عمدا بشي ء من إعرابها كما هو المعروف، بل في فوائد الشرائع لا نعرف فيه خلافا، بل عن المنتهى لا خلاف فيه، بل عن المعتبر الإجماع عليه، إما لدخول الهيئة الصحيحة إعرابا و بنية و بناء لغة في مسمى القرآن كما صرح به في جامع المقاصد لأنه عربي، أو لأنه المنساق من إطلاق الأوامر، أو للإجماع، أو لغير ذلك، و أولى منه الإخلال بحركات البنية بل و البناء، و لعله كغيره أراد بالاعراب ما يشمل ذلك كله توسعا، كما أنه أراد منه قطعا الحركات و السكون و غيرهما من علامات الاعراب، و دعوى أن القرآن اسم لتلك الألفاظ الخاصة و غيرها مما يقع في ألسنة الناس حكاية


1- 1 الوسائل- الباب- 74- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.

ج 9، ص: 294

صورة القرآن- بل حتى ما يقع من لسان النبي (صلى الله عليه و آله) بناء على أن طريق وحيه إليه بواسطة حلوله في شجرة أو غيرها من الأجسام التي يمكن إخراج الصوت منه مقطعا بالقدرة الربانية- يدفعها أن المدار أيضا حينئذ في صدق حكاية القرآن ما ذكرنا.

و رابعا منع التواتر أو فائدته، إذ لو أريد به إلى النبي (صلى الله عليه و آله) كان فيه أن ثبوت ذلك بالنسبة إلينا على طريق العلم مفقود قطعا، بل لعل المعلوم عندنا خلافه، ضرورة معروفية مذهبنا بأن القرآن نزل بحرف واحد على نبي واحد، و الاختلاف فيه من الرواة كما اعترف به غير واحد من الأساطين، قال الشيخ فيما حكي من تبيانه: «إن المعروف من مذهب الإمامية و التطلع في أخبارهم و رواياتهم أن القرآن نزل بحرف واحد على نبي واحد غير أنهم أجمعوا على جواز القراءة فإن الإنسان مخير بأي قراءة شاء، و كرهوا تجريد قراءة بعينها» و قال الطبرسي فيما حكي عن مجمعه:

«الظاهر من مذهب الإمامية أنهم أجمعوا على القراءة المتداولة، و كرهوا تجريد قراءة مفردة، و الشائع في أخبارهم أن القرآن نزل بحرف واحد» و قال الأستاذ الأكبر في حاشية المدارك: «لا يخفى أن القراءة عندنا نزلت بحرف واحد، و الاختلاف جاء من قبل الرواية، فالمتواتر» إلى آخر ما نقلناه عنه سابقا، و

قال الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة(1): «إن القرآن واحد نزل من عند الواحد، و لكن الاختلاف يجي ء من قبل الرواة»

و

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح الفضيل (2)لما قال له: إن الناس يقولون: إن القرآن على سبعة أحرف: «كذب أعداء الله، و لكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد»

و مثله خبر زرارة و قال أيضا في

صحيح المعلى بن


1- 1 أصول الكافي- ج 2 ص 630« باب النوادر» من كتاب فضل القرآن الحديث 12.
2- 2 أصول الكافي- ج 2 ص 630« باب النوادر» من كتاب فضل القرآن الحديث 13.

ج 9، ص: 295

خنيس (1)لربيعة الرأي: «إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال، فقال ربيعة الرأي: ضال فقال: نعم، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): أما نحن فنقرأ على قراءة أبي»

و إن كان الظاهر أن ذلك منه (عليه السلام) إصلاح لما عساه مناف للتقية من الكلام الأول، خصوصا و ابن مسعود عندهم بمرتبة عظيمة، و إلا فهم المتبعون لا التابعون، كما أنهم ربما صدر منهم (عليهم السلام)(2)ما يوافق خبر السبعة الأحرف المشهور عندهم تقية، أو يحمل على إرادة البطون كما يومي اليه

قوله (عليه السلام)(3)بعده بلا فاصل: «فأولى ما للإمام أن يفتي على سبعة وجوه»

و لا ينافي ذلك ما ورد من السبعين بطنا و نحوه، لأن البطون لها بطون، كما

ورد في الخبر أيضا «إن لكل بطن بطنا حتى عد إلى سبعين»

و عن السيد نعمة الله أن ابن طاوس أنكر التواتر في مواضع من كتابه المسمى بسعد السعود و اختاره، قال:

«و الزمخشري و الرضي وافقانا في ذلك» قلت: بل الزمخشري صرح بما في أخبارنا من أن قراءة النبي (صلى الله عليه و آله) واحدة، و أن الاختلاف انما جاء من الرواية، و لذلك أوجب على المصلي كل ما جاء من الاختلاف للمقدمة، و استحسنه بعض من تأخر من أصحابنا لولا مجي ء الدليل بالاجتزاء بأي قراءة.

و بالجملة من أنكر التواتر منا و من القوم خلق كثير، بل ربما نسب إلى أكثر قدمائهم تجويز العمل بها و بغيرها، لعدم تواترها، و يؤيده أن من لاحظ ما في كتب القراءة المشتملة على ذكر القراء السبعة و من تلمذ عليهم و من تلمذوا عليه يعلم أنه عن التواتر بمعزل، إذ أقصى ما يذكر لكل واحد منهما واحد أو اثنان، على أن تواتر الجميع يمنع من استقلال كل من هؤلاء بقراءة بحيث يمنع الناس عن القراءة بغيرها،


1- 1 أصول الكافي- ج 2 ص 634« باب النوادر» من كتاب فضل القرآن- الحديث 27.
2- 2 الخصال- ج 2 ص 10 الطبع القديم.
3- 3 الخصال- ج 2 ص 10 الطبع القديم.

ج 9، ص: 296

و يمنع من أن يغلط بعضهم بعضا في قراءته، بل ربما يؤدي ذلك إلى الكفر كما اعترف به الرازي في المحكي من تفسيره الكبير، و دعوى أن كل واحد من هؤلاء ألف قراءته من متواترات رجحها على غيرها، لخلوها عن الروم و الإشمام و نحوهما، و به اختصت نسبتها اليه كما ترى تهجس بلا درية، فإن من مارس كلماتهم علم أن ليس قراءتهم إلا باجتهادهم و ما يستحسنوه بأنظارهم كما يومي اليه ما في كتب القراءة من عدهم قراءة النبي (صلى الله عليه و آله) و علي و أهل البيت (عليهم السلام) في مقابلة قراءاتهم، و من هنا سموهم المتبحرين، و ما ذاك إلا لأن أحدهم كان إذا برع و تمهر شرع للناس طريقا في القراءة لا يعرف إلا من قبله، و لم يرد على طريقة مسلوكة و مذهب متواتر محدود، و إلا لم يختص به، بل كان من الواجب بمقتضى العادة أن يعلم المعاصر له بما تواتر اليه، لاتحاد الفن و عدم البعد عن المأخذ، و من المستبعد جدا أنا نطلع على التواتر و بعضهم لا يطلع على ما تواتر إلى الآخر.

كما أنه من المستبعد أيضا تواتر الحركات و السكنات مثلا في الفاتحة و غيرها من سور القرآن و لم يتواتر إليهم أن البسملة آية منها و من كل سورة عدا براءة، و أنه تجب قراءتها معها سيما و الفاتحة باعتبار وجوب قراءتها في الصلاة تتوفر الدواعي إلى معرفة ذلك فيها، فقول القراء حينئذ بخروج البسامل من القرآن كقولهم بخروج المعوذتين منه أقوى شاهد على أن قراءتهم مذاهب لهم، لا أنه قد تواتر إليهم ذلك، و كيف و المشهور بين أصحابنا بل لا خلاف فيه بينهم كما عن المعتبر كونها آية من الفاتحة، بل عن المنتهى أنه مذهب أهل البيت، بل النصوص (1)مستفيضة فيه إن لم تكن متواترة كالإجماعات على ذلك، بل و على جزئيتها من كل سورة،


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القراءة في الصلاة.

ج 9، ص: 297

و النصوص (1)دالة عليه أيضا و إن لم يكن بتلك الكثرة و الدلالة في الفاتحة، نعم شذ ابن الجنيد فذهب إلى أنها افتتاح في غير الفاتحة لبعض النصوص المحمول على التقية، أو على إرادة عدم قراءة السورة مع الفاتحة، أو غير ذلك.

و من الغريب دعوى جريان العادة بتواتر هذه الهيئات و عدم جريانها في تواتر كثير من الأمور المهمة من أصول الدين و فروعها، فدعوى جريانها بعدم مثل ذلك أولى بالقبول و أحق، و أغرب منها القول بأن عدم تواترها يقضي بعدم تواتر بعض القرآن، إذ هو مع أنه مبني على كونها من القرآن ليس شيئا واضح البطلان، ضرورة كون الثابت عندنا تواتره من القرآن مواد الكلمات و جواهرها التي تختلف الخطوط و معاني المفردات بها لا غيرها من حركات «حيث» مثلا و نحوها مما هو جائز بحسب اللغة و جرت العادة بإيكال الأمر فيه إلى القياسات اللغوية، من غير ضبط لخصوص ما يقع من اتفاق التلفظ به من الحركات الخاصة، و كيف و أصل الرسوم للحركات و السكنات في الكتابات حادث، و من المستبعد حفظهم لجميع ذلك على ظهر القلب.

و من ذلك كله و غيره مما يفهم مما ذكر بان لك ما في دعوى الإجماع على التواتر على أنه لو أغضي عن جميع ذلك فلا يفيد نحو هذه الإجماعات بالنسبة إلينا إلا الظن بالتواتر، و هو غير مجد، إذ دعوى حصول القطع به من أمثال ذلك مكابرة واضحة كدعوى كفاية الظن في حرمة التعدي عنه إلى غيره مما هو جائز و موافق للنهج العربي و أنه متى خالف بطلت صلاته، إذ لا دليل على ذلك، بل لعل إطلاق الأدلة يشهد بخلافه و احتمال الاستدلال عليه بالتأسي أو بقاعدة الشغل كما ترى، و أما الإجماع المدعى على وجوب العمل بالقراءات السبع أو العشر كقراءة ابن عامر «قتل أولادهم شركاؤهم» و قراءة حمزة «تساءلون به و الأرحام» بالجر، و أنه لا يجوز التعدي منها إلى غيرها


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القراءة في الصلاة.

ج 9، ص: 298

و إن وافق النهج العربي ففيه أن أقصى ما يمكن تسليمه منه جواز العمل بها، و ربما يقال: و إن خالفت الأفشى و الأقيس في العربية، أما تعيين ذلك و حرمة التعدي عنه فمحل منع، بل ربما كان إطلاق الفتاوى و خلو كلام الأساطين منهم عن إيجاب مثل ذلك في القراءة أقوى شاهد على عدمه، خصوصا مع نصهم على بعض ما يعتبر في القراءة من التشديد و نحوه، و دعوى إرادة القراءات السبعة في حركات المباني من الاعراب في عبارات الأصحاب لا دليل عليها، نعم وقع ذلك التعيين في كلام بعض متأخري المتأخرين من أصحابنا، و ظني أنه وهم محض كالمحكي عن الكفاية عن بعضهم من القول بوجوب مراعاة جميع الصفات المعتبرة عند القراء، و لعله لذلك اقتصر العلامة الطباطبائي في منظومته على غيره، فقال:

و راع في تأدية الحروف مايخصها من مخرج لها انتمى

و اجتنب اللحن و أعرب الكلم و القطع و الوصل لهمز التزم

و الدرج في الساكن كالوقف على خلافه على خلاف حظلا

و كلما في الصرف و النحو وجب فواجب و يستحب المستحب

فحينئذ لو أجمع القراء مثلا على كسر «حيث» مثلا لم يمتنع على المصلي أن يقرأها بالضم أو الفتح، و هكذا في سائر حركات البناء و البنية و الاعراب و الإدغام و المد و غيرها، و من العجيب دعوى بعض الناس لزوم ذلك حتى لو كان وقوع ذلك من مثل القراء لمجرد اتفاق لا لأنهم يرون وجوبه، فإن العبرة بما يسمع منهم لا بمذاهبهم إذ هي دعوى لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها، بل و خلاف ما صرحوا بوجوبه مما لم يكن في العربية أو الصرف واجبا، بل لو أن مثل تلك الأمور مع عدم اقتضاء اللسان لها من اللوازم لنادى بها الخطباء، و كرر ذكرها العلماء، و تكرر في الصلاة الأمر بالقضاء، و لأكثروا السؤال في ذلك للأئمة الأمناء، و لتواتر النقل لتوفر دواعيه،

ج 9، ص: 299

و الاستدلال على الدعوى المزبورة بتلك الأخبار يدفعه ظهور تلك النصوص في إرادة عدم قراءة القرآن بخلاف ما هم عليها من الأشياء التي ورد في النصوص حذفهم لها أو تحريفها، لا مثل الهيئات الموافقة للنهج العربي.

و لقد تجاوز أستاذنا الأكبر في كشفه، فقال: «و لو وقف على المتحرك، أو وصل الساكن، أو فك المدغم من كلمتين، أو قصر المد قبل الهمزة أو المدغم، أو ترك الإمالة و الترقيق و الإشباع و التفخيم و التسهيل و نحوها من المحسنات فلا بأس» و إن كان هو جيدا في البعض، بل لعله عين المختار و إن كان قد ظن أن الوقف على الساكن و الوصل في المتحرك و القصر في المد غير واجب بمقتضى اللغة و عند الصرفيين، و التحقيق خلافه، فهو في الحقيقة نزاع في موضوع، لكن قال بعد ذلك: «ثم لا يجب العمل على قراءة السبعة أو العشرة إلا فيما يتعلق بالمباني من حروف و حركات و سكنات بنية أو بناء، و التوقيف على العشرة انما هو فيها، و مقتضاه وجوب اتباع السبعة في مثل ذلك، و عدم التعدي و إن وافق النهج العربي و فيه ما عرفت، و يلزمه حينئذ وجوب اتباعهم في كل ما فعلوه، و أجمعوا عليه من إدغام أو مد أو وقف أو إشباع أو صفات حروف حتى لو كان ذلك عندهم من المحسنات، إلا أنه ما اتفق وقوع غيره منهم، لأن العبرة بما يقرءونه لا بما يذهبون اليه، و إلا لجاز مخالفتهم في الحركات و السكنات ضرورة عدم لزوم قراءتهم بالحركة الخاصة منع غيرها و إن وافق النهج العربي، و لو منعوا لكانوا غالطين في ذلك كما هو المفروض، على أن كثيرا من هذه المحسنات صرحوا بوجوبه كما عرفت جملة من الإدغام، اللهم إلا أن يحمل ذلك على شدة الاستحباب و التأكيد لا اللزوم، فيجري فيه حينئذ البحث السابق، و ربما تسمع لهذا مزيد تحقيق إن شاء الله فيما يأتي و الله الموفق و المسدد.

[في عدم كفاية ترجمة الفاتحة عنها]

و لا يجزي للمصلي عن الفاتحة مثلا ترجمتها بالفارسية و نحوها اختيارا

ج 9، ص: 300

قطعا، و إجماعا لعدم الامتثال و يجب عليه ترتيب كلماتها و آيها على الوجه المنقول إجماعا محكيا إن لم يكن محصلا، لتوقف صدق السورة أو القرآنية عليه، أو لأنه المنساق إلى الذهن من إطلاق الأدلة، و المتعارف المعهود في الوقوع فلو خالف عمدا أعاد الصلاة إذا فرض خروجه بذلك عن القرآنية و دخوله في كلام الآدميين، أو قلنا بأن زيادة الجزء في الصلاة مبطلة بناء على أنه فعل ذلك بقصد الجزئية و إن كان قد خالف ذلك ناسيا استأنف القراءة ما لم يركع، فان ركع مضى في صلاته و لو ذكر إجماعا و نصوصا(1)إذ ليس هو أعظم من نسيان القراءة أو الكلام سهوا، نعم يتجه هنا وجوب السجدتين إذا أخل به بحيث دخل في كلام الآدميين، و يظهر من المحقق الثاني أن مطلق مخالفة الترتيب توجب ذلك، و قد يتأمل فيه بالنسبة إلى بعض الأفراد، و على كل حال فالمراد باستئناف القراءة تمامها إذا فرض فوات الموالاة، و إلا تلافى ما أخل به مما قدمه فقط، فلو قدم مثلا «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» على قوله «الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» أجزأه حينئذ إعادة «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» دون «الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» كما هو واضح.

[في وجوب تعليم القراءة لمن لا يحسنها]

و من لا يحسنها أي الفاتحة أصلا يجب عليه التعلم بعد دخول الوقت قطعا، و قبله في وجه لا يخلو من قوة إذا علم عدم سعة الوقت له، و كذا السورة بناء على وجوبها و سائر الأذكار الواجبة، و ظاهر المتن و غيره إيجابه عليه عينا لا تخييرا بينه و بين الائتمام، و به صرح الأستاذ في كشفه، فلو تركه في السعة و ائتم أثم و صحت صلاته، و لعله لأن الائتمام ليس من أفعاله كي يخير بينه و بين التعلم، ضرورة توقفه على ما لا يدخل تحت قدرته، مع عدم اطمئنانه بإتمام صلاته جماعة بحيث لا يحتاج فيها إلى القراءة، فتركه للتعلم في مثل الزمان المزبور ترك للواجب من غير علم بما يسقطه عنه و لعله لذا أطلق الأصحاب هنا وجوب التعلم إطلاقا ظاهرا في التعيين، بل لعله مقتضى


1- 1 الوسائل- الباب- 28 و 29- من أبواب القراءة في الصلاة.

ج 9، ص: 301

إطلاق ما حكي من إجماعي المعتبر و الذكرى، و يؤيده خلو النصوص عن الأمر به في سائر المراتب، و دعوى أن إهمال الأصحاب ذلك لمعلوميته، و إلا فهو مخير من أول الأمر بين الائتمام و التعلم كما في كل واجب مخير، خصوصا و الجماعة أفضل الفردين يمكن منعها على مدعيها، و إن أمكن دعوى شهادة كلامهم في الجملة لها في باب الجماعة، إلا أن الأقوى الأول، و التخيير انما هو بين الصلاة فرادى و جماعة لا بين التعلم و الجماعة، و فرق واضح بينهما.

و من ذلك كله يظهر لك ما في مصابيح الطباطبائي، قال: و ظاهر الأصحاب وجوب التعلم و إن أمكنه الاقتداء و القراءة في المكتوب، بل صرح بعضهم بترتبها على العجز عنه، قال: و فيه أن وجوب التعلم ليس إلا لتوقف العبادة عليه، و متى أمكن الإتيان بها بدونه لم يجب، فان ثبت الإجماع كما في المعتبر و الذكرى، و إلا اتجه القول بنفي الوجوب لانتفاء ما يدل عليه، و إن كان فيه اعتراف و شهادة على بعض ما ذكرنا، و الله أعلم.

[في وجوب قراءة ما تيسر من الفاتحة إن ضاق الوقت عن التعليم]

و كيف كان فان ضاق الوقت عن التعليم مع التقصير فيه و عدمه قرأ ما تيسر منها على إشكال في صورة التقصير، لاحتمال عدم قبول ذلك منه، لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار و إن لم نقل إن أوامر الشرع إرشادية بحيث يصح توجهها اليه حال الامتناع، لكن يعامل معاملة المختار في العقاب و عدم الانتقال إلى البدل و غيرهما خصوصا إذا كان منشأ الانتقال إلى البدل قبح التكليف بما لا يطاق منضما إلى عدم سقوط الصلاة بحال و نحوه مما يمكن دعوى عدم تحققه في المقام، نعم لو أن الشارع رتب البدل على موضوع يصدق و إن كان باختيار المكلف اتجه حينئذ الانتقال كقوله: فاقد الماء مثلا يتيمم، إذ لا ريب في صدقه على من أراق الماء، و لعل مدار المسألة فيما نحن فيه على ذلك، فان ثبت موضوع يندرج فيه، و إلا كان الحكم بالانتقال

ج 9، ص: 302

مشكلا، خصوصا إذا قلنا بتحقق الطلب المستلزم للتكليف في حال الامتناع، إذ أقصى ما يقبحه العقل توجه الخطاب اللفظي إليه لا أصل طلب الشي ء و محبوبية فعله و مبغوضية تركه، فإنه حينئذ لا ينافيه عدم سقوط الصلاة بحال و نحوه مما دل على ذلك، إذ لم نقل بسقوط الصلاة عنه في هذا الحال، و إلا لم يتجه عقابه إذا فرض تصيير الفعل ممتنعا عليه من أول الوقت، و لعله إلى ذلك أومأ في المحكي عن الموجز و شرحه بإيجاب القضاء عليه خارج الوقت كما سمعته في التكبير أيضا، اللهم إلا أن يقال: إن المراد بعدم سقوط الصلاة بحال إرادة وقوع فعلها في جميع الأحوال، و أنها لا تترك بحال من أحوال المكلف أصلا سواء كان باختياره أو بآفة سماوية، فحينئذ لا ينافي ذلك بقاء التكليف الأول بناء على الإرشاد أو غيره، فتأمل فإنه قد يدق، و لتحقيق المسألة مقام آخر.

أما مع عدم التقصير فلا ريب في عدم سقوط الصلاة عنه، بل هو من ضروريات المذهب إن لم يكن الدين، إلا أنه هل يجب عليه الائتمام حينئذ مع تيسره له؟ قيل:

نعم، و لعله لأنه أحد الفردين الذي لا يسقط بتعذر الآخر، و لأنه بسبب تمكنه من التعلم فيما يأتي من الزمان لم يستقر له بدلية ما جعله الشارع بدلا، ضرورة ظهورها في العاجز أصلا، و لا ينافيه الانتقال إليها مع تعذر الائتمام، لقبح التكليف بما لا يطاق، و عدم سقوط الصلاة بحال، و لو سلم ثبوت بدليتها للعاجز غير المقيد باستمرار العجز فقد يمنع صدقه في المقام باعتبار التمكن من الائتمام كما أشار إليه الأستاذ في كشفه أيضا، و يحتمل عدم الوجوب، لإطلاق النص و الفتاوى و معاقد الإجماعات، و البدلية معلقة على من لا يحسن القراءة الصادق في المقام، ضرورة عدم إرادة تمام العمر منه، و إلا لم تتحقق البدلية أصلا، لعدم علمه بمستقبل الأزمنة، بل المراد من لم يحسنها عند الحاجة إليها الصادق على المقام، و لعله الأقوى في النظر إن لم ينعقد إجماع على خلافه، و هو على الظاهر كذلك و لو بملاحظة كلامهم في باب الجماعة، إذ هو مع أنه لا يبلغ حد

ج 9، ص: 303

الإجماع معارض بظاهر كلامهم في المقام، اللهم إلا أن يقال بأنه غير مساق لبيانه، بل هو لإرادة ما يبدل عن القراءة و لو عند تعذر الجماعة، فتأمل جيدا.

ثم إن ظاهر المتن عدم الفرق فيما تيسر بين كونه آية أو بعضها و إن لم يدخل في القرآنية إلا بالقصد كالبسملة و الحمد لله و نحوهما، و لعله لإطلاق ما دل على عدم سقوط الميسور بالمعسور و نحوه، بل ربما كان مقتضاه الكلمة الواحدة و بعضها، لكن في جامع المقاصد و عن الفاضل و الشهيد اعتبار كونه قرآنا في وجوب قراءة البعض، بل ظاهر الأول اعتبار ذلك فيه بنفسه بحيث لا يحتاج إلى قصد، و ربما يومي اليه الخبر العامي الذي استدل به في المقام بعض الأصحاب و هو

خبر عبد الله بن أبي أوفى (1)قال: «إن رجلا سأل النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: إني لا أستطيع أن أحفظ شيئا من القرآن فما ذا أصنع؟ فقال له: قل: سبحان الله و الحمد لله»

ضرورة أنه لو وجب البعض المستطاع و إن كانت قرآنيته محتاجة إلى النية لأمره بقراءة «الحمد لله» التي هي إحدى الكلمتين اللتين علمهما النبي (صلى الله عليه و آله) إياه، بل يومي اليه أيضا عدم الأمر بقراءة البسملة المستبعد عادة عدم معرفتها أيضا، و كذا يومي اليه ظاهر ما يأتي من فرض الأصحاب من أنه لو لم يعلم شيئا من الفاتحة و علم سورة أخرى وجب تعويضها عن الحمد أو لا يجب على بحث تسمعه إن شاء الله، إذ لو كان يجب البعض المستطاع و إن كانت قرآنيته محتاجة إلى النية لوجب أمرهم بقراءة البسملة من الحمد، بل تكرارها بناء على تعويض التكرير عن الفائت، و احتمال إرادة المجردة عن البسملة كبراءة من السورة في كلامهم يأباه ملاحظة كلامهم في الفرض المزبور.

و على كل حال فظاهر المتن و غيره بل حكي عن صريح بعضهم الاكتفاء بقراءة


1- 1 سنن أبى داود ج 1 ص 305- الرقم 832 الطبعة الثانية عام 1369 مع اختلاف يسير.

ج 9، ص: 304

هذا المتيسر، و لعله للأصل، و ظهور بعض ما دل على وجوب هذا الميسور في الأجزاء ك

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «إذا أمرتكم بشي ء فأتوا به ما استطعتم»

لكن فيه أن ما دل على البدلية عند تعذر الجميع مشعر باعتبارها عن كل جزء من الفائت، فالتمكن حينئذ من البعض لا يسقطها بالنسبة إلى البعض الآخر، خصوصا إذا قلنا باستفادة بدلية غير الفاتحة مثلا عنها من نحو

قوله (عليه السلام) أيضا(2): «لا يسقط الميسور بالمعسور»

و نحوه و إن كان بعيدا كما ستعرف، و من هنا حكم المحقق الثاني و غيره بضعف القول بالاجتزاء بالقدر المزبور، و أنه لا بد من التعويض عن القدر الفائت، و يؤيده في الجملة عموم ما في الآية(3)و إطلاق بعض النصوص التي ستسمعها و الاحتياط و الاقتصار فيما دل على اعتبار الفاتحة في الصلاة على المتيقن، و هو ما إذا جاء بالبدل، و غير ذلك.

انما البحث في تعيين عوضه، فهل هو تكرير الميسور حتى يبلغ مقدار الفائت منها آيات أو حروفا لأقربيته إلى الفائت من غيره، و هو الذي اختاره العلامة الطباطبائي في منظومته، أو قراءة من غيرها بالقدر المزبور لو فرض معرفته بذلك كما هو المشهور بل لم أجد من جزم بالأول و إن حكي عن التذكرة لكنه لم يثبت، نعم حكي عن إرشاد الجعفرية الميل اليه، و عن نهاية الأحكام احتماله، لسقوط فرض ما علمه بقراءته و لأن الشي ء الواحد لا يكون أصلا و بدلا، و تيسر المغايرة المطلوبة في الأصل فلا تسقط، و لعموم ما تيسر، و إطلاق

قوله (صلى الله عليه و آله)(4): «إن كان


1- 1 تفسير الصافي سورة المائدة- الآية 101.
2- 2 غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
3- 3 سورة المزمل- الآية 20.
4- 4 سنن البيهقي ج 2 ص 380.

ج 9، ص: 305

معك قرآن فاقرأ به»

في بعض الأخبار العامية التي استدل بها هنا بعض الأصحاب، و إشعار اعتبار عدم إحسان القرآن في الانتقال إلى الذكر بقراءة ما يحسنه، و لغير ذلك من الاعتبارات التي هي جميعا كما ترى، خصوصا البعض.

فان لم يعلم غير ذلك البعض من القرآن ففي إبدال التكرار أو الذكر قولان، حكي عن جماعة الأول، لأنه أقرب من الذكر، و مال المحقق الثاني إلى الثاني لأنه الصالح (1)للبدلية عن الجميع فللبعض أولى، و عدم الدليل على بدلية التكرير، و لأن الفاتحة سبع آيات مختلفة فالتكرير لا يفيد المماثلة بين البدل و المبدل عنه، و عليه لا يكون التكرير حينئذ عوضا أصلا، اللهم إلا أن يفرض عدم معرفة الذكر فالتكرير حينئذ أولى من السكوت أو الترجمة، فتأمل.

ثم لا يخفى أن مقتضى البدلية ثبوت أحكام المبدل عنه للبدل، فيجب حينئذ في الأخير إن كان المتيسر الأول و بالعكس و كذا الوسط، و في وجوب مراعاة عدد الآيات في الابدال أو الكلمات أو الحروف احتمالات، بل ما عدا الوسط قولان تسمعهما فيما يأتي إن شاء الله.

[في حكم تعذر التعلم لشي ء من الفاتحة أو السورة]

و أما إن تعذر فلم يتيسر له تعلم شي ء من الفاتحة أصلا قرأ ما تيسر من غيرها أو سبح الله و هلله و كبره بقدر القراءة، ثم يجب عليه التعلم كما عن ظاهر المبسوط جمعا بين ما دل على القراءة من قوله تعالى (2)«فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ» و

النبوي (صلى الله عليه و آله)(3)«فان كان معك قرآن فاقرأ به»

و قربه للفاتحة، بل يمكن تجشم دعوى دلالة

«لا يسقط الميسور بالمعسور»

و نحوه عليه، بأن يقدر أن الواجب


1- 1 و في النسخة الأصلية« لأن الصالح للبدلية».
2- 2 سورة المزمل- الآية 20.
3- 3 سنن البيهقي ج 2 ص 380.

ج 9، ص: 306

عليه قراءة و أن تكون الفاتحة، و بين ما دل على الذكر من

صحيح ابن سنان (1)«ان الله فرض من الصلاة الركوع و السجود، ألا ترى لو أن رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبر و يسبح و يصلي»

و خبر ابن أبي أوفي المتقدم إلا أنهما معا خاليان عن التهليل المذكور في المتن، و المحكي عن جملة من كتب الأصحاب منها المبسوط بل في الحدائق أنه المشهور، و لعله جعل مجموعهما إشارة إلى ذكر الأخيرتين الذي هو قائم عن الفاتحة فيهما، و لذا قال في الذكرى: إنه لو قيل بتعين ما يجزي في الأخيرتين من التسبيح على ما يأتي إن شاء الله كان وجها، لأنه قد ثبت بدليته عن الحمد في الأخيرتين فلا يقصر عن بدلية الحمد في الأولتين، بل هو خيرة الدروس و فوائد الشرائع و المسالك، و عن البيان و الموجز و كشف الالتباس و الجعفرية و الغرية و إرشاد الجعفرية و الميسية، و قواه في جامع المقاصد، و في الروضة أنه أولى، و يؤيده مع أنه أحوط

ما روته العامة(2)«انه (صلى الله عليه و آله) قال لرجل: قل:

سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم».

و عليه فالمتجه حينئذ عدم اعتبار مساواة الذكر للقراءة في الحروف، بل المعتبر مقدار ذكر الأخيرتين، و ستعرف البحث فيه، نعم قد يتوقف في التخيير المزبور من جهة قلة القائل، بل لم يحك عن غير المصنف إلا عن موضع من المبسوط، انما المشهور تعين الأول، بل في كشف اللثام لعله لا خلاف فيه، و كأنه للاحتياط، و ظهور أدلة الذكر فيمن لم يحسن شيئا من القرآن، و أولوية بدلية القرآن بعضه عن بعض من غيره خلافا لما عساه يظهر من المنظومة من الانتقال إلى الذكر، و حينئذ ففي اعتبار الآيات


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 سنن أبى داود ج 1 ص 305- الرقم 832 الطبعة الثانية عام 1369.

ج 9، ص: 307

في البدلية لظهور قوله تعالى (1)«آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي» في الاعتناء بالعدد المزبور، و لأنه ميسور فلا يسقط، و عدمه للأصل، و الاكتفاء بعدد الحروف و حصول امتثال الآية و الخبر بدونها قولان، أشهرهما الأول، كما أن المشهور بل لا أجد فيه خلافا اعتبار مساواة الحروف الحروف أو الزيادة، بل ظاهر العلامة الطباطبائي و غيره الاقتصار على اعتبار مساواتها، لأنه مقتضى البدلية، و لعدم سقوط الميسور و نحوه، نعم عن نهاية الأحكام احتمال العدم تشبيها له بمن فاته يوم طويل فقضاه في يوم قصير من غير اعتبار الساعات، فالآيات حينئذ كافية، و فيه أنه يجوز الفرق بالإجماع، و اختلاف المعوض عنه بالصوم، فتأمل جيدا، و أما تجويز الزيادة فلعدم المانع، و لأن المنع منها قد يؤدي إلى النقص المفسد للكلام، و المراد حينئذ باعتبار الحروف مع الآيات مراعاة أكثر الأمرين، فإن تمت الآيات قبل الحروف قرأ حتى تتم و بالعكس، و يحتمل إرادة اعتبار كون المقر و سبع آيات لا غير بعدد حروف الفاتحة أو أزيد، و إن فرض العذر أو العسر اكتفي بمراعاة الحروف، بل هذا هو الظاهر من جامع المقاصد أو صريحه و إن كان الأول لا يخلو من وجه أيضا، و مثله يأتي على تقدير اعتبار الكلمات، فتأمل.

لكن على كل حال لا يجب أن يعدل حروف كل آية بآية من الفاتحة، بل يجوز أن يجعل آيتين مكان آية، خلافا للمحكي عن أحد وجهي الشافعي من وجوب التعادل، و لا يخلو من وجه إذا أمكن من غير عسر، و المدار في اعتبار مساواة الحروف على الملفوظ منها دون المرسوم بلا لفظ كألف الجماعة و نحوه، و به صرح العلامة الطباطبائي في منظومته و وجهه واضح، و فيما يلفظ تارة و يحذف أخرى كهمزة الوصل وجهان، أقواهما الاعتبار، و أما اعتبار التوالي في الآيات فلا خلاف أجده فيه، بل عن إرشاد الجعفرية الإجماع عليه، لاعتباره في الأصل، و ما في التفريق من عدم الارتباط الذي


1- 1 سورة الحجر- الآية 87.

ج 9، ص: 308

قد يتخيل منافاته لوضع الصلاة أو كمالها، بل في جامع المقاصد و عن غيره أنه لو كان التفريق مخلا بتسمية المأتي به قرآنا فكما لو لم يعلم شيئا، لكن المحكي عن غيره كالفاضل و الشهيدين إطلاق الأمر بقراءة المفرق مع تعذر التوالي، بل عن الأول ان الأقرب قراءة ما تفرق و إن كانت الآيات لا تفيد معنى منظوما إذا قرأت وحدها كقوله تعالى (1):

«ثُمَّ نَظَرَ» لأنه يحسن الآيات.

و لو أحسن ما دون السبع ففي التعويض عن الباقي بالتكرير أو بالذكر وجهان، خيرة المحكي عن التذكرة الثاني و مال إليه في كشف اللثام، لأن الفاتحة سبع مختلفة فالتكرير لا يفيد المماثلة، و من ذلك كله ظهر لك ما في المحكي عن المبسوط «من لا يحسن الحمد و أحسن غيرها قرأ ما يحسنه إذا خاف خروج الوقت، سواء كان بعدد آياتها أو دونها أو أكثر» إلا أن يحمل قوله: «أو ما دون» على من لا يحسن غيره، أو خاف خروج الوقت أو نحو ذلك، فتأمل هذا.

و ظاهر المتن و غيره عدم الفرق في هذه الأحكام بين كون ما يعرف قراءته من غير الفاتحة سورة كاملة أو غيرها، بل حكي التصريح به عن غير واحد، فعليه حينئذ بناء على وجوب السورة قراءتها و تعويض سورة أخرى أو بعضها عن الفاتحة، لاتحاد الدليل في الحالين، لكن عن المنتهى الاجتزاء بقراءة السورة للأصل، و امتثال «فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ» و النهي عن القران، و هو كما ترى، لوجوب الخروج عن الأصل بما خرج عنه في حال عدم السورة الكاملة، و عدم صدق الامتثال إلا إذا أريد الطبيعة و هو مناف لكثير مما تقدم، و النهي عن القرآن لا يشمل مثل ما نحن فيه الذي قصد من السورة الثانية أو بعضها فيه عوض الحمد، مضافا إلى أنه لم يكن يجوز له الاقتصار على السورة لو كان علم الحمد فيستصحب، كما يستصحب أنه كان عليه التعويض عن الحمد


1- 1 سورة المدثر- الآية 21.

ج 9، ص: 309

لو لم يعلم السورة، على أنه مما يبعد سقوط وجوب التعويض عن الفاتحة التي هي الأصل في القراءة و لا صلاة بدونها بامتثال الأمر بقراءة السورة، كما هو واضح.

أما إذا لم يعلم شيئا من القرآن عوض بالذكر للأدلة السابقة، بل لا أجد فيه خلافا إلا من بعض الناس، فاحتمل تقديم الترجمة عليه، و هو اجتهاد في مقابلة النص، بل كأنه خرق للإجماع، قال في موضع من المحكي عن الخلاف: «إن لم يحسن شيئا من القرآن أصلا وجب أن يحمد الله مكان القراءة إجماعا» على أنك ستعرف قوة عدم إجزاء الترجمة مطلقا هذا.

و ظاهر المتن أيضا عدم الفرق في اعتبار قدر القراءة بين بدليها من الذكر أو القراءة، و هو الأشهر كما في الرياض، و عن نهاية الأحكام أن المراد الذكر قدر زمان القراءة، قال: لوجوب الوقوف ذلك الحد و القراءة، فإذا لم يتمكن من القراءة عدل إلى بدلها في مدتها، و لعله عند التأمل يرجع إلى اعتبار مساواة الحروف المصرح بها في الرياض على هذا التقدير، ضرورة عدم الفرق بين الذكر و القراءة في ذلك، نعم يمكن الفرق بينهما بإمكان دعوى عدم اعتبار القدر المزبور في الذكر، للأصل و إطلاق الدليل، و لأنه بدل من غير الجنس فيجوز أن يكون دون أصله كالتيمم، و لأن النبي (صلى الله عليه و آله) اقتصر في التعليم على ما ذكر، و لعله لذا استشكل في المحكي عن التذكرة في الاعتبار المزبور، بل حكي عن المعتبر الجزم بالعدم، لكن قال: «إني لا أمنع الاستحباب لتحصل المشابهة» و نحوه عن المنتهى إلا أنه قال: «لو قيل بالاستحباب كان وجها» و قد عرفت أن المتجه عدم اعتبار ذلك أيضا بناء على إرادة ذكر الأخيرتين الذي يقوم مقام الفاتحة، فتأمل جيدا، و لا ريب أن الأول أحوط و إن كان الثاني لا يخلو من قوة.

هذا كله بالنسبة إلى الفاتحة كما هو ظاهر المتن، أما السورة بناء على وجوبها

ج 9، ص: 310

فقد يظهر من بعض العبارات مشاركتها للفاتحة في جميع الأحكام المزبورة، بل عن بعض متأخري المتأخرين التصريح به، و لا بأس به فيما كان مدركه عدم سقوط الميسور بالمعسور و نحوه مما لا يتفاوت فيه بين السورة و الفاتحة، فيجب حينئذ قراءة المتيسر منها كما صرح به في القواعد، أما تعويض الذكر و نحوه فقد يتوقف فيه للأصل و اعتبار قراءتها بالتمكن، بل صرح بعدمه في جملة من كتب الأساطين، بل عن المنتهى و البحار أنه لا خلاف في جواز الاقتصار على الحمد حينئذ، كما أنه يشعر به ما في الحدائق، و ما سيأتي من المصنف أيضا من اختصاص الخلاف في وجوب السورة و عدمه بصورة التمكن من التعلم، بل في الرياض أن في صريح المدارك و الذخيرة و ظاهر التنقيح نفي الخلاف أيضا، قالوا: اقتصارا في التعويض المخالف للأصل على موضع الوفاق، بل لعله هو من الضرورة التي ادعى غير واحد الإجماع على سقوطها حالها، بل هو مقتضى فحوى سقوطها للذي أعجلته حاجة(1)و نحوها، فلا تعويض حينئذ عنها، فما عن حاشية الأستاذ الأكبر تبعا للمحكي عن صريح التذكرة من جريان الأحكام المزبورة في الفاتحة من التعويض بالذكر مثلا لا يخلو من تأمل، و إن كان ربما يوهمه أيضا إطلاق القراءة في بعض النصوص و الفتاوى، بل و إطلاق بعض معاقد الإجماع و غيرها، و على كل حال فلا يجب الائتمام عليه إذا ضاق الوقت و إن كان مرجو التعلم فيما يأتي من الأوقات على إشكال يعرف مما مر، و ربما تسمع له تتمة إن شاء الله.

و المراد بمن لا يحسنها في المتن و غيره من عبارات الأصحاب من لا يستطيع أصل القراءة، لا ما يشمل من يأتي بها ملحونة أو مبدلا فيها بعض الحروف و نحو ذلك مما لا يخرجه عن أصل القراءة عرفا، ضرورة عدم جريان الأحكام المزبورة في ذلك، بل يقرأ بحسب ما تمكن كما صرح به في جامع المقاصد و كشف الأستاذ، لاتفاقهم


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.

ج 9، ص: 311

ظاهرا في باب الجماعة على صحة صلاة الفأفاء و التمتام و الألثع و الأليغ، لأنه هو المستطاع (1)و الميسور(2)و ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر(3)و كل شي ء قد اضطر اليه مما حرم عليه فهو حلال (4)و ل

خبر مسعدة بن صدقة(5)المروي عن قرب الاسناد، قال: «سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: انك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح»

إذ المراد بالمحرم فيه من لا يستطيع القراءة على وجهها و لا يفصح بها لعدم تعود لسانه، و

للنبوي (6)المشهور «ان سين بلال عند الله شين»

و

الآخر(7)«إن الرجل الأعجمي ليقرأ القرآن بعجميته فترفعه الملائكة على عربيته»

إلى غير ذلك.

و كان الظاهر من المصنف و غيره ممن عبر بعبارته عدم اشتراط الحفظ عن ظهر القلب في القراءة، بل يجزي اتباع القاري و القراءة بالمصحف و نحوهما، ضرورة إرادة من لا يعرف أصل القراءة ممن لا يحسنها لا ما يشمل ذلك و إن تجشم المحقق الثاني في حاشية الكتاب، إلا أن الأحكام المذكورة فيه تنافيه إلا على تكلف، و التحقيق فيه الجواز وفاقا لصريح المحكي عن التذكرة و نهاية الأحكام و غيرهما من متأخري المتأخرين


1- 1 تفسير الصافي سورة المائدة- الآية 101.
2- 2 غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 13.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 59- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 23- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 30- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 4 من كتاب الصلاة.

ج 9، ص: 312

و ظاهر غيرهما ممن لم يذكره شرطا، للأصل و إطلاق الأدلة، و

الصحيح عن الصيقل (1)سأل الصادق (عليه السلام) «ما تقول في الرجل يصلي و هو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريبا منه قال: لا بأس بذلك»

و خلافا لصريح المحقق الثاني و العلامة الطباطبائي و المحكي عن الشهيدين و فخر المحققين و ظاهر الشيخ، لأنه المتبادر و المعهود في الصلاة، و لم يأمر النبي (صلى الله عليه و آله) الأعرابي (2)الذي سأله عن عدم حفظ القرآن بالقراءة من المصحف، و لأن القراءة من المصحف مكروهة إجماعا كما عن الإيضاح، و لا شي ء من المكروه بواجب إجماعا، و لأن القراءة به أو الائتمام أو اتباع القاري معرضة للبطلان بذهاب المصحف، أو عروض ما لا يعلمه، أو يشك في صحته، أو ما يبطل الائتمام، أو ما يمنع من الاقتداء به، أو اتباعه في القراءة، فيفتقر المأموم حينئذ إلى إبطال الصلاة، و ل

خبر علي بن جعفر(3)المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه موسى (عليه السلام) «عن الرجل و المرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه و يقرأ و يصلي قال: لا يعتد بتلك الصلاة»

و للاحتياط الذي ينبغي مراعاته في الصلاة أو يجب، إذ الجميع كما ترى بين ممنوع و ما هو على العكس أدل، و قاصر عن المقاومة و مشترك الإلزام، فلا جهة للتفصيل حينئذ بين الفريضة و النافلة جمعا بين الخبرين، لعدم الشاهد و المقاومة.

و على الوجوب فلا ريب في وجوب بذل الجهد في التعلم و لو بأجرة، و في جواز الائتمام و عدمه حينئذ مع سعة الوقت و إمكان التعلم ما عرفت سابقا و إن صحت صلاته قطعا لو ائتم، أما مع الضيق أو التعذر فلا يجب عليه الائتمام، لجواز القراءة له بالمصحف


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 سنن أبى داود ج 1 ص 305- الرقم 832 الطبعة الثانية عام 1369.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.

ج 9، ص: 313

حينئذ عند أكثر أهل العلم كما عن المنتهى، و إجماعا كما عن الخلاف، و جواز اتباع القاري أيضا كما صرح به بعضهم، بل عن البيان و المسالك أن المصحف مقدم على الائتمام و إن قال في كشف اللثام: إني لا أعرف وجها لهذا التقديم، قلت: لعله أقرب إلى الاستظهار من الائتمام، نعم في المحكي من الذكرى احتمال ترجيح اتباع القاري عليه لاستظهاره في الحال، قال: «و لو كان يستظهر في المصحف استويا، و في وجوبه عند إمكانه احتمال، لأنه أقرب إلى الاستظهار الدائم، و منه يعلم الوجه لما في البيان، فتأمل.

كما أنه يعلم حينئذ إمكان المناقشة في التخيير بين الأمور الثلاثة في كشف اللثام و جامع المقاصد و عدم الترتيب بينها، و في وجوب الائتمام عليه إذا تعذر الأمران و آيس من الحفظ إشكال يعرف مما مر، و الأقوى العدم، لإطلاق ما دل على الانتقال إلى البدل، نعم يمكن احتمال الوجوب إذا أمكن التعلم إلا أنه ضاق الوقت كما عرفته في التعلم، ضرورة اتحاد المدرك فيهما بناء على الوجوب، بل قد عرفت انه يظهر من بعضهم أن المراد ممن لا يحسنها ما يشمل الأمرين، فأكثر الأحكام حينئذ فيهما سواء، فتأمل جيدا.

و كيف كان فلو ارتفع العذر فان كان قبل الشروع في البدل فلا بحث في وجوب الأصل، كما أنه لا بحث في سقوطه لو كان ارتفاعه بعد فوات المحل، أما لو ارتفع في الأثناء أو بعد الفراغ من البدل قبل الانتقال إلى الركوع مثلا فقاعدة الاجزاء تقتضي السقوط في الثاني، و الاقتصار على النسبة في الأول، لكن في جامع المقاصد وجوب الأصل فيهما معا ناقلا له عن الفاضل و الشهيد، و لعله لظهور أدلة البدلية في الاستمرار، فيقتصر حينئذ عليه في الخروج عن الأصل، إذ لا أمر حينئذ حتى يقتضي الإجزاء، بل هو تخيل الأمر لتخيل الاستمرار، إلا أنه مع ذلك للنظر فيه مجال، و إن كان هو الأحوط إذا لم يقصد الجزئية بالأصل، فتأمل.

ثم إن ظاهر المتن و غيره ممن عبر كعبارته عدم إجزاء الترجمة أصلا هنا كما

ج 9، ص: 314

صرح به بعضهم، بل حكي عن صريح جماعة و ظاهر آخرين، فلعله حينئذ مذهب الأكثر، بل لعله ظاهر المحكي من إجماع الخلاف و غيره، بل لم يحك الخلاف إلا عن نهاية الأحكام و التذكرة و الروض مع العجز عن القرآن و بدله، و لا ريب في ضعفه، للأصل و إطلاق الأدلة، و خلوها عن الأمر بالانتقال إليها في مرتبة من المراتب، و اندراجها في كلام الآدميين كما في جامع المقاصد و غيره مع حرمة القياس على التكبير، خصوصا مع إمكان الفرق بأن المقصود من القراءة النظم المعجز، و في

مرسل الحجال (1)سأل أحدهما (عليهما السلام) «عن قوله تعالى (2)«بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ» فقال:

يبين الألسن و لا تبينه الألسن»

فما في الرياض حينئذ من القول بالاجزاء لما دل عليه في التكبير في غير محله، و عليه فهل تقدم ترجمة القراءة بالعربي أو غيره من اللغات على الذكر لقربها إلى القرآن احتمال كما عن الذكرى، و الأقوى خلافه وفاقا لجامع المقاصد و المحكي عن غيره، لإطلاق الأمر به، بل قيل: لو عجز عنه قدم ترجمته على ترجمتها، لأن الذكر لا يخرج عن كونه ذكرا بالترجمة بخلاف القرآن، و لعموم خبر ابن سنان (3)المتقدم كما في كشف اللثام، و إن كان قد يناقش بأن ترجمة الفاتحة لا تخرج عن الذكر أيضا، لأنها تحميد و دعاء كما في الخبر(4).

بل قد يستدل بذلك على أصل الجواز، و بفحوى حكم الأخرس، و خبر مسعدة ابن صدقة(5)المتقدم سابقا، خصوصا مع ملاحظة تتمته التي لم نذكرها، و النبوي 7782(6)


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 سورة الشعراء- الآية 195.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 59- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 30- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 4.

ج 9، ص: 315

المتقدم سابقا أيضا، و لأنه هو الميسور له، و المستطاع له، و أولويته من السكوت، إذ بناء على عدم إجزاء ترجمة القراءة و الذكر و فرض العجز لا يجب عليه إلا القيام قدر القراءة كما عن نهاية الأحكام التصريح به، قال: «و لو لم يعلم شيئا من القرآن و لا من الأذكار و ضاق الوقت عن التعلم وجب أن يقوم بقدر الفاتحة ثم يركع» لكن قد يناقش فيه بأنه لا يوافق ما سمعته عنه من الاجتزاء بالترجمة، فينبغي عدم اعتبار القدرة عليها أيضا، أو يريد بعدم العلم الذي ذكره عدم معرفة وجوب ذلك عند الشرع و قد ضاق الوقت، و لذا اعترض عليه في جامع المقاصد بأن في وجود هذا الفرض و نحوه في كلام الفقهاء بعدا، إذ لا بد من العلم بباقي الأفعال التي تعد أركانها على وجهها، و جميع الشروط من أصول الدين و فروعه و أخذ الأحكام على وجه يجزي الأخذ به كما سبق التنبيه عليه، و العلم بأن من لا يحسن القراءة مطلقا أو على الوجه المعتبر ما الذي يجب عليه، و إلا لم يعتد بصلاته أصلا، و مع العلم بهذه الأمور كلها لا يكاد يتحقق فرض عدم علمه بالقراءة، أو بها و بالذكر معا، و هو جيد، بل الأول بعيد أيضا إلا إذا فرض عدم استطاعته النطق أصلا.

[في كيفية قراءة الأخرس]

و حينئذ فيندرج في الأخرس الذي حكمه أن يحرك لسانه بالقراءة و يعقد بها قلبه بلا خلاف أجده في الأول ل

خبر السكوني (1)عن الصادق (عليه السلام) «تلبية الأخرس و تشهده و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه»

و لعدم سقوط الميسور بالمعسور و نحوه الذي يمكن رفع المناقشة فيه هنا بأن الحركة انما وجبت تبعا للقراءة المعلوم سقوطها في المقام بأن يدعى جزئية الحركة من القراءة أو كالجزء الذي هو مدلول الخبر المزبور، لا أنه مقدمة خارجية لا مدخلية لها في مسمى القراءة، و ظني أن المراد من الخبر المزبور ما هو المتعارف في حاله من إبراز


1- 1 الوسائل- الباب- 59- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 316

مقاصده بتحريك لسانه و إشارته بإصبعه، فلا بد حينئذ له من معرفة المعنى هنا و لو في الجملة حتى يتحقق منه الإشارة، و يكون بها مع التحريك كاللفظ من الصحيح الذي لا يحتاج معه إلى معرفة المعنى، لأنه قد جاء بما يفيده في نفس الأمر، و لعله إلى هذا أومأ الشهيد في المحكي عن بيانه و دروسه و ذكراه، فاعتبر عقد القلب بمعنى القراءة، بل قال في الأخير: و لو تعذر إفهامه جميع معانيها أفهم البعض و حرك لسانه به و أمر بتحريك اللسان بقدر الباقي و إن لم يفهم معناه مفصلا، و هذه لم أر فيها نصا، بل لعل ذلك هو مراد غيره من المتن و نحوه ممن اعتبر عقد القلب بالقراءة، لكن استشكله في جامع المقاصد بأنه لا دليل على وجوب ذلك على الأخرس و لا غيره، و لو وجب ذلك لعمت البلوى أكثر الخلائق، و الذي يظهر لي أن مراد القائلين بوجوب عقد قلب الأخرس بمعنى القراءة وجوب القصد بحركة اللسان إلى كونها حركة للقراءة إذ الحركة صالحة لحركة القراءة و غيرها، فلا يتخصص إلا بالنية كما نبهنا عليه في جميع الأبدال السابقة، و قد صرح المصنف بذلك في المنتهى، فقال: «و يعقد قلبه لأن القراءة معتبرة، و قد تعذرت فيأتي ببدلها، و هو حركة اللسان».

و فيه أنه لا تلازم بين وجوبه على الأخرس و بين الوجوب على غيره حتى تعم البلوى أكثر الخلائق، على أن الفرق بينهما بصدور اللفظ المستقل في إفادة المعنى و إن لم يعرفه المتلفظ به من الثاني دون الأول في غاية الوضوح، كما أن الدليل عليه بعد أن عرفت المراد من خبر السكوني و أنه جار على ما هو المشاهد من إبراز مقاصده كذلك بل قد يدعى أن الأصل هو المعنى، و انما سقط اعتباره عن الناطق بلفظه رخصة، فإذا فقد اللفظ وجب العقد بالمعنى، على أن المعروف من الأخرس الأبكم الأصم الذي لم يعقل الألفاظ و لا سمعها، و لا يعرف تلفظ الناس بل يظن أن الخلق جميعا مثله في إبراز المقاصد، و هذا لا يتصور فيه عقد القلب بالقراءة و ألفاظها، و لذا قال في كشف اللثام:

ج 9، ص: 317

إن عليه ما يراه من المصلين من تحريك الشفة و اللسان، و لم يعتبر فيه عقد القلب بالقراءة لعدم إمكانه كما صرح به أيضا، و عليه يكون حينئذ مثله خارجا عن عبارات الأصحاب، و انها انما تتم في الأخرس الذي يسمع و يعقل و يعرف القرآن و الذكر، أو يعرف أشكال معاني الحروف إذا نظر إليها، إلا أنه لا يستطيع التلفظ بها لعارض عرض له في لسانه مثلا، و هو- مع اقتضائه التخصيص من غير مخصص، بل يقتضي إخراج المعروف من أفراد الخرس- يمكن دعوى عدم وجوب حركة اللسان في مثله و لا الإشارة بالإصبع، بل يكتفى توهم القراءة حينئذ توهما، ضرورة كونه كمن منعه من القراءة خوف و نحوه الذي وردت النصوص فيه بما ذكرنا، ك

خبر علي بن جعفر(1)المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه موسى (عليه السلام) «عن الرجل يصلح له أن يقرأ في صلاته و يحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه قال: لا بأس أن لا يحرك لسانه يتوهم توهما»

و

خبره الآخر(2)المروي في قرب الاسناد سأله أيضا «عن الرجل يقرأ في صلاته هل يجزيه أن لا يحرك لسانه و أن يتوهم توهما؟ قال:

لا بأس»

و

مرسل محمد بن أبي حمزة(3)عن الصادق (عليه السلام) «يجزيك من القراءة معهم مثل حديث النفس»

و غيرها مما ورد به الأمر من القراءة في النفس و نحوها، فما في كشف اللثام من إيجاب حركة اللسان على الأخرس المزبور، بل ظاهره انه هو المراد من عبارات الأصحاب المحكوم فيها بالأحكام السابقة لا يخلو من نظر، كما أنه لا يخلو ما فيه من أن ما في كتب الشهيد من عقد القلب بالمعنى مسامحة يراد به العقد بالألفاظ، على أنه انما ذكر معنى القراءة، و قد يقال: معناها الألفاظ و إن أراد معانيها فقد يكون اعتبارها لأنها لا تنفك عن ذهن من يعقد قلبه بالألفاظ إذا عرف معانيها من النظر المزبور، و كأن الذي أوقعه في ذلك تفسير الأخرس بما عرفت.


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.

ج 9، ص: 318

و الحاصل أن المتصور من الخرس ثلاثة: أحدها الأبكم الأصم خلقة الذي لا يعرف أن في الوجود لفظا أو صوتا. ثانيها الأبكم الذي يعرف أن في الوجود ألفاظا و أن المصلي يصلي بألفاظ أو قرآن. ثالثها الأخرس الذي يعرف القرآن أو الذكر و يسمع إذا أسمع و يعرف معاني إشكال الحروف إذا نظر إليها، و قد جعل موضوع حكم الأصحاب بالتحريك و عقد القلب الثالث، أو هو و الثاني بالنسبة إلى عقد القلب دون التحريك، لأنه هو الذي يتصور فيه ذلك بعد إرادة الألفاظ من عقد القلب، و فيه أن ظهور الخرس في غيرهما و فيما هو أعم منهما مما يعين إرادة المعنى من عقد القلب كما سمعته من الشهيد، و أن المراد إبراز الأخرس هذه المعاني كما يبرز سائر مقاصده بتحريك لسانه و الإشارة بيده، و لعل في لفظ الإشارة في خبر السكوني و عبارات أكثر الأصحاب إن لم يكن جميعهم إشارة إلى ذلك، إذ من المستبعد إرادة مجرد التعبد منها أو خصوص ما يفيد التوحيد من القرآن و الذكر، لأنها انما تفعل لافهامه، بل قد يتوقف في وجوب التحريك على الثالث لما عرفت، فيكون موضوع كلام الأصحاب الخرس بالمعنيين الأوليين، إذ دعوى عدم وجوب التحريك على الثاني كما في كشف اللثام للأصل و خبر قرب الاسناد السابق غير مسموعة بعد إطلاق خبر السكوني المعتضد بإمكان جريان قاعدة اليسر فيه أيضا، فيجب حينئذ كما عن الذكرى، و اكتفاء الفاضل في المحكي عن تذكرته و نهايته لجاهل القرآن و الذكر إذا ضاق الوقت أو فقد المرشد بالقيام قدر الفاتحة لا يستلزم الحكم فيما نحن فيه، لعدم صدق الخرس، و لا أن المعروف في إبراز مقاصده التحريك و الإشارة، فيكون حينئذ هذا التحريك و الإشارة فيه من المهملات و الأفعال العبثية بخلاف محل الفرض.

و ما في كشف اللثام أيضا من أن الواجب انما هو التلفظ بالحروف، و التحريك تابع له في الوجوب لما لم يمكن التلفظ بها بدونه يدفعه أنه اجتهاد في مقابلة النص أولا،

ج 9، ص: 319

و أن الممكن منه من القراءة هذا المقدار ثانيا، و قد عرفت إمكان الفرق بين التحريك بالنسبة إلى الألفاظ و بين المقدمات الخارجية، على أن مثله يرد عليه فيما أوجب فيه التحريك من القسم الثاني من الخرس، و دعوى أن الشارع قد اعتبر القراءة كحديث النفس بتحريك اللسان في اللهوات من غير صوت في خصوصه و فيمن يصلي خلف إمام يتقيه و لا يأتم به خالية عن الشاهد، بل لعل الشاهد بخلافها كما عرفت، كدعوى دفع إطلاق خبر السكوني بأنه لا قراءة لهذا الأخرس، بل هي أوضح من الأولى بطلانا عند التأمل، و من ذلك كله يعرف ما في كلام جملة من الأصحاب في المقام خصوصا كشف اللثام، فلاحظ و تأمل.

ثم لا يخفى أن المراد باللسان في المتن و غيره ما يشمل الشفة مثلا مما يبرز بها الألفاظ، أو أنه اقتصر عليه لأن غالب الإبراز به، كما أن التقييد بالإصبع في خبر السكوني يراد منه مطلق الإشارة به أو باليد، و لعل عدم ذكر عقد القلب فيه كعبارة المبسوط فيما قيل لأن إبراز المقصد بالتحريك و الإشارة لا ينفك عن عقد القلب بالمعنى، كما أن ترك الإشارة في مثل المتن لنحو ذلك، بل و كذا ما يحكى عن النهاية و المهذب من ترك التحريك بل اقتصرا على الإيماء مع اعتقاد القلب، و كل ذلك شاهد على إرادة الأصحاب إبراز الأخرس كباقي إبراز مقاصده، و أنهم اتكلوا على التعارف و المشاهدة من أحواله فلم يذكروا تمام المشخصات، فتأمل جيدا.

نعم لو فرض تعسر تعليمه و إفهامه أصلا سقط عنه قطعا، و هل عليه تحريك اللسان؟ وجهان، ظاهر ما سمعته من الشهيد الأول، و قد تقدم في التكبير ما له نفع في المقام في الجملة، و الله أعلم بحقيقة الحال.

[في التخيير بين القراءة و التسبيح في الأخيرتين]

و المصلي في كل ثالثة و رابعة بالخيار بين القراءة و التسبيح ف ان شاء قرأ الحمد، و إن شاء سبح إجماعا محصلا و منقولا صريحا و ظاهرا مستفيضا بل متواترا

ج 9، ص: 320

و نصوصا كذلك صريحة و ظاهرة و لو للجمع بين الأمر بكل منهما بالتخيير، كما أنه يجب حمل الأمر بالثاني 7509(1)منهما من غير تعرض للقراءة في المحكي عن الصدوقين في الرسالة و المقنع و الهداية عليه، أو على أفضل فرديه كما حكي عنهما ذلك في المسألة الآتية بل لعل المحكي عن الحسن بن أبي عقيل كذلك أيضا و إن كان في عبارته ما يوهم التعيين حتى أنه ربما نسب اليه بل و إلى الصدوقين أيضا ذلك، لكنه في غير محله، فما عن كشف الأسرار- من حكاية القول به عن بعض معاصريه حملا لأخبار القراءة(2)على بعض ما تعرفه، و أخذا ب ما تضمن الأمر به (3)و النهي (4)عنها من النصوص التي سيمر عليك بعضها إن شاء الله- مصادمة للإجماع و القطعي من النصوص (5)كما أن ما عن بعض معاصريه أيضا من تعين القراءة للتوقيع (6)الآتي الذي يجب طرحه أو تأويله كذلك أيضا، و إن قيل: إنه ربما ظهر من عبارة الوسيلة، مع أن المحكي منها ليس بذلك المكان من الظهور، بل لا يخلو من إجمال، نعم حكي عن جملة من الأصحاب تخصيص مورد الإجماع هنا بغير المأموم الذي فيه أقوال شتى، و فيه أنها ليست في التخيير و التعيين، بل هي بالنسبة إلى الرجحان و عدمه، و إلى وجوب شي ء عليه و عدمه لا أنه بالنسبة إلى تعيين أحد الفردين، و إن كان قد وقع من بعض من لا يعتد بخلافهم من متأخري المتأخرين، فمنهم من أوجب القراءة عليه، و منهم من أوجب التسبيح،


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4 و الباب 51 منها- الحديث 11 و 12 و 14.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6 و الباب 51 الحديث 6 و 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة.
6- 6 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 14.

ج 9، ص: 321

و هم محجوجون بهذه الإجماعات و النصوص، كالقائل بعدم وجوب شي ء عليه منهما أو حرمته، كما أفرغنا البحث في جميع ذلك في باب الجماعة، بل و كذا القائل بتعين القراءة في الأخيرتين على الناسي لها في الأولتين، مع أنا لم نتحققه، لأنه انما حكي عن خلاف الشيخ، و المنقول عنه التعبير بلفظ الاحتياط المشعر بالاستحباب الذي حكي التصريح به عنه في المبسوط، على أن التحقيق خلافهما معا، أما الثاني فلما ستعرف من أفضلية التسبيح مطلقا، و أما الأول فهو- مع مخالفته لما عرفت من إطلاق المتواتر من الإجماع و النصوص- لا دليل عليه سوى

إطلاق (1)«لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»

الذي لا ينطبق على تمام الدعوى، و مختص بحكم التبادر في الأولتين، و بملاحظة المستفيض من النصوص في صورة العمد، و سوى

الصحيح (2)قلت له: «رجل نسي القراءة في الأولتين و ذكرها في الأخيرتين فقال: يقضي القراءة و التكبير و التسبيح الذي فاته في الأوليين في الأخيرتين، و لا شي ء عليه»

و هو- مع موافقته للمحكي عن أبي حنيفة و ظهوره في قضاء الفاتحة و السورة و غيرهما المخالف للإجماع كما في الرياض، و في فعل ذلك مستقلا عن قراءة الأخيرتين و هو غير المدعى، و معارضته لذلك الإطلاق الدال على التخيير الذي هو أرجح منه بوجوه، منها الشهرة العظيمة، بل لعلها إجماع، و لخصوص صحيح معاوية بن عمار(3)الآتي في المسألة الثانية الصريح في الرد على أبي حنيفة، و لخصوص المعتبرة المستفيضة(4)الدالة على الاجتزاء بالركوع و تكبيرة عن القراءة المنسية- لا يليق بالفقيه الركون اليه، و سوى

الخبر(5)قلت له: «أسهو


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القراءة في الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 30- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.

ج 9، ص: 322

عن القراءة في الركعة الأولى قال: إقرأ في الثانية، قلت له: أسهو عن الثانية قال:

إقرأ في الثالثة، قلت: أسهو في صلاتي كلها قال: إذا حفظت الركوع و السجود فقد تمت صلاتك»

و هو- مع جريان بعض ما سمعته فيه أيضا أو جميعه- ضعيف سندا لا يعول عليه في نفسه فضلا عن مقاومة غيره، و الله أعلم.

[في بيان حكم الإمام و غيره في الأخيرتين]

و الأفضل للإمام اختيار القراءة كما في القواعد و جامع المقاصد و المحكي عن الاستبصار و التحرير و النفلية و البيان و تعليق النافع و مجمع البرهان و غيرها، بل عن الفوائد الملية أنه المشهور، لأن

معاوية بن عمار(1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين فقال: الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب، و من خلفه يسبح، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما، و إن شئت فسبح»

و

صحيح ابن دراج (2)«عما يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة فقال: بفاتحة الكتاب، و لا يقرأ الذين خلفه، و يقرأ الرجل فيهما إذا صلى وحده بفاتحة الكتاب»

و

قال الصادق (عليه السلام) أيضا في صحيح منصور(3): «إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين فاتحة الكتاب، و إن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل»

و لإطلاق

خبر الحميري (4)المروي عن الاحتجاج، بل عن البحار أن سنده قوي، و يظهر من الشيخ أنه منقول بأسانيد معتبرة «إنه كتب إلى القائم (عليه السلام) يسأله عن الركعتين الأخيرتين قد كثرت فيهما الروايات، فبعض يروي أن قراءة الحمد وحدها أفضل، و بعض يروي أن التسبيح فيهما أفضل، فالفضل لأيهما نستعمله، فأجاب (عليه السلام) قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، و الذي نسخ التسبيح قول العالم (عليه السلام): كل صلاة لا يقرأ فيها فهي خداج إلا العليل، و من يكثر عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 14.

ج 9، ص: 323

السهو، فيتخوف بطلان الصلاة».

و

محمد بن حكيم (1)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «أيما أفضل: القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال: القراءة أفضل»

و يؤيده مع ذلك الآية، و ما ورد في فضل قراءة القرآن (2)و خصوص الفاتحة(3)و عدم الخلاف في كيفيتها و عددها، و الخروج عن شبهة وجوبها، و ما دل (4)على ضمان الإمام القراءة عن المأمومين في الصلاة الذي لا يتم إلا مع قراءته في سائر صلاته، و غير ذلك.

و ظاهر المتن و من عبر كعبارته اختصاص ذلك بالإمام، و أن غيره يبقى على الخيار من غير ترجيح، خلافا للمحكي عن التقي، و اختاره في اللمعة من أفضلية القراءة مطلقا، و اليه مال في المدارك، كما أنه يلوح من المحكي عن شيخه، و لعله لما تقدم من النصوص و لو في بعض الدعوى، إلا أنه ظاهر في استحباب التسبيح لغيره خاصة منفردا و مأموما، بل لم نجد به قائلا، بل في جامع المقاصد لم نجد قائلا باستحباب القراءة للإمام و التسبيح للمنفرد، و تبعه عليه غيره، مع أن المحكي عن الدروس التصريح بذلك، كما أن المحكي عن موضع من المنتهى ذلك أيضا، مع أنه أبدل المنفرد بالمأموم، و استحسنه فيما نقل عنه في التذكرة، و عن البحار أنه لا يخلو من قوة.

أما القول باستحباب التسبيح مطلقا فقد قيل: إنه ظاهر الصدوقين و الحسن و ابن إدريس، و اختاره في الوسائل و المنظومة و الحدائق حاكيا له عن بعض علماء البحرين، بل عن البحار أنه ذهب إليه جماعة من محققي المتأخرين، كما أن التخيير


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قراءة القرآن.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب قراءة القرآن.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 2 و الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 8.

ج 9، ص: 324

مطلقا ظاهر جملة من كتب أصحابنا المتقدمين منهم و المتأخرين، بل هو كصريح المحكي عن موضع آخر من المنتهى، لإطلاق ما دل (1)على التخيير، و

خصوص خبر علي بن حنظلة(2)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال: إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن شئت فاذكر الله فهو سواء، قال:

قلت: فأي ذلك أفضل؟ فقال: هما و الله سواء، إن شئت سبحت و إن شئت قرأت»

و عن أبي علي أن الامام إن أمن من لحوق مسبوق بركعة استحب له التسبيح، و إلا القراءة، و المنفرد على تخييره، و المأموم يقرأ فيهما، و استحسنه في كشف اللثام بالنسبة إلى الامام، بل عن المنتهى و الحبل المتين اختياره أيضا، و في جامع المقاصد «و لو كان المصلي يتخير القراءة لعدم سكون نفسه إلى التسبيح فالتسبيح أفضل» و لعله إليه أشار في المحكي عن الروض، و ربما قيل: إن من لم تسكن نفسه إلى التسبيح فالتسبيح أفضل مطلقا، فتحمل عليه رواية أفضلية التسبيح (3)و قد تقدم ما عن الشيخ من التفصيل بين ناسي القراءة و غيره، بناء على إرادته الفضل.

فتحصل من مجموع ما ذكرنا أقوال متعددة تنتهي إلى سبعة أو أزيد، و قد يقوى في النظر منها استحباب التسبيح مطلقا للنصوص الكثيرة(4)بل في مصابيح الطباطبائي دعوى تواترها بأفضلية التسبيح، قال: «بل تضمن كثير منها الأمر به و النهي عن القراءة أو النفي لها» إلى آخره. منها

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة(5): «لا تقرأن في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام، قال: قلت: فما أقول فيهما؟ قال: إذا كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله ثلاث مرات، ثم


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 325

تكمله تسع تسبيحات، ثم تكبر و تركع»

و عن الحلي أنه رواه في المستطرفات نقلا من كتاب حريز بن عبد الله عن زرارة، إلا أنه أسقط «تكمله» إلى آخره، و في أول السرائر نقلا من كتاب حريز أيضا إلا أنه أضاف التكبير إليها، ثم قال: ثلاث مرات ثم تكبر و تركع، و منه ينشأ احتمال أن زرارة سمعه مرتين، و أن حريزا أثبته في كتابه كذلك، فيكونان حينئذ خبرين، و احتمال السهو في زيادة التكبير من القلم أو النساخ لا ينبغي فتحه في النصوص، و لا داعي له بعد ظهور النقل في التعدد، فتأمل جيدا.

و منها

قوله (عليه السلام) أيضا في صحيحه (1)أو حسنه: «عشر ركعات- إلى أن قال-: فزاد في الصلاة سبع ركعات، هي سنة ليس فيهن قراءة، انما هو تسبيح و تهليل و تكبير و دعاء، فالوهم انما هو فيهن»

و بمعناه

صحيح (2)آخر له أيضا في أعداد الصلوات، كما عن ابن إدريس أنه رواه نقلا من كتاب حريز عن زرارة، و زاد «و انما فرض الله كل صلاة ركعتين و زاد رسول الله (صلى الله عليه و آله) سبعا، و فيهن الوهم، و ليس فيهن قراءة»

و منها

قوله (عليه السلام) أيضا في صحيحه (3)أيضا المروي عن كتابي الشيخ فيمن أدرك الإمام في الأخيرتين قال: «فإذا سلم الامام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما، لأن الصلاة انما يقرأ فيها في الأولين بأم الكتاب و سورة و في الأخيرتين لا يقرأ فيهما، انما هو تسبيح و تكبير و تهليل و دعاء ليس فيهما قراءة»

و منه يمكن الاستدلال أيضا ب

صحيح الحلبي (4)«إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل: الحمد لله و سبحان الله»

على إرادة الجملة الخبرية، و أنها واقعة صفة للمعرف


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القيام- الحديث 7 و في الوسائل و التهذيب و الاستبصار« الحمد لله و سبحان الله و الله أكبر».

ج 9، ص: 326

بلام الجنس القريب من النكرة، كقوله: و لقد أمركم على اللئيم يسبني، أو الطلبية على تصحيف الواو بالفاء كما عن المنتهى لكن كان عليه ذكر حذف الفاء عن لفظ «لا» مع التصحيف المزبور.

و منها

ما رواه الصدوق (1)عن محمد بن عمران، و في المصابيح أو محمد بن حمران، و في العلل محمد بن حمزة أو محمد بن أبي حمزة على اختلاف النسخ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في حديث سألته لأي علة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال: لأن النبي (صلى الله عليه و آله) لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله عز و جل فدهش، فقال: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة»

بل في تتمة الخبر المزبور إشعار بأنه (صلى الله عليه و آله) كان إماما للملائكة، و لا يخفى عليك بعد ما سمعته عن العلل أنهما خبران يمكن تصحيح السند بناء على بعض النسخ فيهما.

و منها

المرسل (2)عن الفقيه و العلل عن الرضا (عليه السلام) «انما جعل القراءة في الركعتين الأولتين و التسبيح في الأخيرتين للفرق بين ما فرضه الله من عنده و بين ما فرضه الله من عند رسوله (صلى الله عليه و آله)»

و منها

خبر موثق محمد بن قيس (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا صلى يقرأ في الأولتين من صلاته الظهر سرا، و يسبح في الأخيرتين من صلاته الظهر على نحو من صلاته العشاء، و كان يقرأ في الأولتين من صلاته العصر سرا، و يسبح في الأخيرتين على نحو من صلاته العشاء»

قيل: و في

الصحيح (4)عن الباقر (عليه السلام) «كان أمير المؤمنين (عليه السلام)- إلى أن قال-: يسبح في الأخيرتين»

و منهما


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 9.

ج 9، ص: 327

يستفاد المراد من

المرسل (1)المروي عن المعتبر عن علي (عليه السلام) إنه قال: «إقرأ في الأولتين و سبح في الأخيرتين».

و منها

خبر رجاء بن الضحاك (2)«انه صحب الرضا (عليه السلام) من المدينة إلى مرو فكان يسبح في الأخراوين».

و منها

خبر عبيد بن زرارة(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر قال: تسبح و تحمد الله و تستغفر لذنبك، و إن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد و دعاء»

و منها

صحيح أبي خديجة(4)عن الصادق (عليه السلام) «إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين، و على الذين من خلفك أن يقولوا: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و هم قيام، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا فاتحة الكتاب، و على الامام التسبيح مثل ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين»

بل قد يستفاد من لفظ «مثل» في ذيله استحباب التسبيح مطلقا، كما أنه يستفاد منه أن قراءة المأمومين لأنهم مسبوقون، بل لعله الظاهر من لفظ «كان» فتأمل جيدا.

و منها

صحيح زرارة(5)عن الصادق (عليه السلام) «إذا كنت خلف إمام- إلى أن قال- لا تقرأن شيئا في الأخيرتين- ثم قال-: و الأخيرتان تبع للأولتين»

و منها صحيح معاوية بن عمار(6)و خبر جميل بن دراج (7)في الجملة المتقدمان سابقا


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 8 لكن نقل في الوسائل عن رجاء بن أبي الضحاك و هو الصحيح.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 13 و هو صحيح سالم بن أبي خديجة.
5- 5 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.

ج 9، ص: 328

في دليل المفصل، قيل: و منها

صحيح معاوية بن عمار(1)أيضا عن الصادق (عليه السلام) قلت: «الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين و يذكر في الركعتين الأخيرتين أنه لم يقرأ قال: أتم الركوع و السجود؟ قلت: «نعم، قال: إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أولها»

و نحوه ما في

صحيح ابن الحجاج (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال:

إقرأ فيهما فإنهما لك الأولتان، و لا تجعل أول صلاتك آخرها»

لكن قد يناقش فيهما بأن المراد منهما الرد على أبي حنيفة القائل بأن المأموم في الفرض يجعل ما أدركه آخر صلاته كالإمام ثم يستقبل بعد ذلك الأول فيجزيه حينئذ ذلك في رفع قراءة الفاتحة في الجميع، كما أومأ إليه

مرسل النضر(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال لي:

أي شي ء يقول هؤلاء في الرجل إذا فاته مع الامام ركعتان؟ قال: يقولون: يقرأ في الركعتين بالحمد و سورة، فقال: هذا يقلب صلاته يجعل أولها آخرها، فقلت: كيف يصنع؟ فقال: يقرأ بفاتحة الكتاب بكل ركعتين»

فتأمل جيدا.

إلا أنك خبير بأنا في غنية بتلك النصوص المتعددة التي فيها المشتمل على ضروب الدلالة و تأكيدها، و الذي شهد القرائن بصحته، كوجوده في الأصول المعتبرة من كتاب حريز المشهورة في زمن الصادق (عليه السلام) و غيره، و الذي هو في أعلى درجات الصحة، بل لو قلنا باستفادة مذاهب الرواة من رواياتهم لعلم أنه مذهب الأساطين من المعاصرين للأئمة (عليهم السلام) و غيرهم، إلى غير ذلك من الأمور


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 7 لكن روى في الوسائل عن أحمد بن النضر مرسلا.

ج 9، ص: 329

التي لا تخفى على الخبير الممارس، كمخالفتها للعامة العمياء الذين جعل الله الرشد في خلافهم و نحوها مما يعلم به قصور غيرها سندا و عددا و دلالة و قرائن عن تقييد المطلق منها فضلا عن المعارضة، مع أن صحيح معاوية بن عمار منها في سنده محمد بن أبي حمزة، و هو مشترك بين الثمالي و الثمبلي (1)و الثاني منهما لم ينص على توثيقه في كتب الرجال على ما قيل إلا رجال ابن داود، فقال: إنه ثقة فاضل، مع أنه نقله عن رجال الشيخ الخالي عن ذلك، و كأنه اشتبه بالثمالي الذي حكي عن حمدويه أنه قال: فيه ذلك، فلعله اشتبه فيه، و ربما احتمل اتحادهما و تصحيف الثمالي بالثميلي، و لم يبين فيه المراد من السؤال عن القراءة، و لم يعمل أحد بمجموع ما فيه سوى ما سمعته من موضع من المنتهى، بل هو غير موافق له أيضا بناء على ظهوره في أفضلية القراءة للمنفرد، و صدر الجواب فيه غير مطابق للسؤال، بل قد يستشعر من هذه المخالفة فيه أن المراد بيان أمر آخر، و هو استحباب المخالفة بين الامام و المأموم كما لعله يستفاد من خبر أبي خديجة و غيره، بل و من خصوص الصحيح المزبور بناء على إرادة الاجتماع من الأمرين بالقراءة و التسبيح فيكون قراءة الإمام فيه تحصيلا لفضيلة المخالفة لا الأفضلية من حيث الصلاة، و لا ينافيه الأمر بالقراءة مع أن المخالفة تحصل بكل منهما، لاحتمال أن الأمر بها من جهة نهي المأموم عن القراءة خلف الامام كما في صحيح جميل و غيره من النصوص المذكورة في باب الجماعة، و توظيف التسبيح له، فأمر الإمام بها بناء على محافظة المأموم على وظيفته، و لذا لو اتفق احتياج المأموم للقراءة أمر الإمام بالتسبيح كما يومي اليه خبر أبي خديجة الآتي (2)فتأمل جيدا.


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الموجود في كتب التراجم التيملي.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية و الصحيح« خبر ابن أبي خديجة السابق» بدل« خبر أبى خديجة الآتي» لأنه تقدم ذكره سابقا و لا يأتي ذكره لاحقا و راجع التعليقة« 4» على صحيفة 327 في ضبط الراوي أيضا.

ج 9، ص: 330

بل قد يقال: بأن مقتضى الجمع بينه و بين الصحيح المزبور التخيير للإمام، فيكون حينئذ من قبيل النصوص الآمرة بالقراءة منفردا أو بالتسبيح منفردا التي لا دلالة في كل منهما على أفضلية أحدهما، ضرورة إلغاء ما يشعر به كل منهما من التعيين بالآخر و هذا بخلاف النصوص التي يستفاد منها التعيين من غير جهة ظاهر الأمر، بل إما بالتصريح أو غيره، فإنه بعد قيام الإجماع مثلا على التخيير لا بد من تنزيل التعيين المزبور على الأفضلية، فتأمل جيدا فإنه ربما دق، و عليه بنينا الاستدلال على أفضلية التسبيح مطلقا بجملة من النصوص المزبورة.

هذا كله مع احتمال الصحيح التقية، إما لعدم اعتبار وجود قائل بالخصوص فيها بل يكفي مجرد إيقاع الخلاف بين الشيعة كي لا يعرفوا فيؤخذوا، و إما لأن المراد بها تعليم التقية في العمل، بمعنى أنكم إذا كنتم أئمة فاقرأوا، لأنه غالبا يحصل في الجماعة منهم، و لأن الإمام منكم مما يتجسس عن أحواله و أفعاله، و لعل ما في

صحيح جميل (1)من قوله (عليه السلام): «فيسعك»

إيماء اليه، على أن المنقول عن أبي حنيفة منهم التخيير بين القراءة و التسبيح و السكوت، و أن القراءة أفضل، خلافا للمحكي عن الشافعي فالقراءة، فأوجبها في الأخيرتين، و لمالك في ثلاث ركعات من الرباعية، فلعل الأمر بالقراءة لإيهام الوجوب.

و بذلك كله بان لك ما في النصوص الباقية خصوصا خبر محمد بن حكيم الذي هو مع ذلك ضعيف السند، و قل من أفتى بمضمونه من إطلاق الفضل المستلزم لطرح تلك النصوص رأسا، و مثله التوقيع (2)الذي ظاهره وقوع النسخ بعد النبي (صلى الله


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 11 و هو صحيح منصور لأن لفظ« فيسعك» مذكور فيه و لم يذكر في صحيح جميل.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 14.

ج 9، ص: 331

عليه و آله)، و وجوب القراءة أو أفضليتها مطلقا بقرينة السؤال، و لفظ الخداج الذي هو بمعنى النقصان كما قيل، و قد عرفت قلة المفتي بهما، و ظاهره أيضا أن المراد من قول العالم كل ركعة من كل صلاة، و هو كما ترى، و أما التأييد بما سمعت فمنه ما هو غير مجد، و منه ما هو غير مسلم، كدعوى أنه الأوفق بالاحتياط، إذ فيه أن شبهة القول بوجوب التسبيح أقوى نصا و فتوى مع الإشكال في الجهر بالبسملة من الفاتحة و عدمه، فلا محيص حينئذ بعد ذلك كله عن القول بأفضلية التسبيح مطلقا من حيث الصلاة، إذ لم يبق معارض لتلك النصوص إلا خبر علي بن حنظلة(1)الذي مع ضعف سنده يجب طرحه في مقابلتها، أو تأويله بإرادة التسوية في الأجزاء ردا على من عين القراءة منهم، أو غير ذلك، و الله أعلم بحقيقة الحال.

[في وجوب سورة كاملة بعد الحمد]

و قراءة سورة كاملة بعد الحمد في الثنائية و الأولتين من غيرها واجب في الفرائض مع سعة الوقت و إمكان التعليم للمختار وفاقا للمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل بما ظهر من بعضهم كالمحكي من عبارة التهذيب في قراءة «و الضحى» و غيره أنها كذلك، بل في صريح الغنية و عن الانتصار و الوسيلة و شرح القاضي لجمل العلم و العمل الإجماع عليه، كما عن الأمالي نسبته إلى دين الإمامية و في ظاهر مصابيح الطباطبائي أو صريحه الإجماع عليه أيضا.

و قيل و القائل كما قيل: الكاتب و الحسن و الشيخ في النهاية و الديلمي في المراسم و المصنف في المعتبر و الفاضل في المنتهى لا يجب و مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين و لا ريب أن الأول مع كونه أحوط أقوى، لما سمعته من الإجماعات المعتضدة بعمل الفرقة في سائر الأعصار و الأمصار، و بتلك الشهرة العظيمة بل لعل المخالف في غاية الندرة، إذ المحكي عن الكاتب ظاهر في وجوب البعض، و هو


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.

ج 9، ص: 332

غير ما نحن فيه، كما أن المحكي عن الحسن أنه قال في المتمسك: «أقل ما يجزي في الصلاة عند آل الرسول (صلوات الله عليه و عليهم) من القراءة فاتحة الكتاب» و ربما يريد بيان المجزي و لو في بعض الأحوال كالضيق و نحوه، و أما النهاية فمع أنها ليست معدة للفتوى، و في الرياض قد رجع عنها في جملة من كتبه المتأخرة كالخلاف و المبسوط مدعيا فيها أن الوجوب هو الظاهر من روايات الأصحاب و مذاهبهم قد حكي عنها أيضا ما هو ظاهر أو صريح في الوجوب، كقوله: و من ترك بسم الله الرحمن الرحيم متعمدا قبل الحمد أو بعدها قبل السورة فلا صلاة له، و وجب عليه إعادتها، فهي مشوشة لا ينبغي التعويل عليها، بل يقطع من نظر فيها أن المراد التعبير عن مضمون كل خبر بصورة الفتوى و إن كانت متعارضة، فانحصر الخلاف في الديلمي قبل المصنف، مع أن المحكي عن الآبي أن المذهب المشهور يلوح من كلام المفيد و سلار، و أما المصنف فقد صرح في النافع باختيار المشهور، بل لعله ظاهره هنا أيضا، و المحكي عن المنتهى صريح في الوجوب و عدم جواز التبعيض، نعم قال بعد ذلك: «لو قيل فيه: أي التبعيض روايتان: إحداهما جواز الاقتصار على البعض، و الأخرى المنع كان وجها، و يحمل المنع على كمال الفضيلة» و هو كما ترى قد ذكره وجها لا ينافي الفتوى الأولى، بل في الرياض «أن وجوب السورة و إجزاء البعض مسألتان مختلفتان، لا ينافي القول بالاجزاء في الثانية منهما الوجوب في الأولى، كما يظهر من المحكي عن المبسوط، حيث قال:

«قراءة سورة بعد الحمد واجب غير أن من قرأ بعض السورة لا يحكم ببطلان صلاته»- قال-: و قريب منه الفاضل في المنتهى حيث أنه بعد حكمه بوجوب السورة بكمالها وفاقا لأكثر علمائنا حكي المخالفة فيه عن النهاية خاصة» ثم نقل عن الإسكافي و المبسوط عبارتيهما المتقدمتين، و مال إلى قولهما بعده معربا عن تغاير المسألتين: أي مسألة وجوب السورة بكمالها و عدم بطلان الصلاة بتبعيضها، و حينئذ فلم يظهر من الإسكافي المخالفة في

ج 9، ص: 333

المسألة الأولى، و فيه أن المعروف بين القائلين بالوجوب عدم الفرق في البطلان بين الكل و البعض، بل ربما ادعي إجماعهم عليه حتى تمموا به دلالة النصوص المتضمنة لوجوب البعض على المطلوب، بل هو مقتضى أدلة الوجوب أيضا، إذ احتمال إرادة التعبدي من وجوب كمال السورة و الشرطي من البعض سمج لا يرتكبه فقيه.

فلا بد حينئذ من حمل تلك العبارات الموهمة لذلك على إرادة وجوب البعض كما هو ظاهر المحكي عن الإسكافي، أو على إرادة الاستحباب المؤكد من لفظ الوجوب في نحو عبارة المبسوط كما وقع له في التهذيب و غيره في بحث المواقيت، لكن ينافي ذلك كله ما يحكى عن المبسوط من التصريح بحرمة التبعيض كالقرآن مع قوله بعدم البطلان، فلا بد حينئذ من إرادة الوجوب التعبدي خلاف ظاهر المنتهى من التخيير بين البعض و الكل و إن كانا هما معا كما ترى، بل لم أجد هذا الذي حكي أخيرا عن المبسوط فيما حضرني من نسخته، فيقوى حينئذ إرادة ما سمعته منه، فلاحظ.

و كيف كان فقد ظهر لك ندرة المخالف فيما نحن فيه أو عدمه، فالإجماعات المحكية حينئذ بعد اعتضادها بالتتبع لا ينبغي التأمل في حجيتها في المقام، مضافا إلى تأييده مع ذلك بأنه المتعارف المعهود من صلاتهم (عليهم السلام) التي أمرنا بالتأسي بها كما دلت عليه جملة من النصوص (1)المتضمنة لفعل أمير المؤمنين (عليه السلام) و فعل الرضا (عليه السلام) و غيرهما، بل في المنتهى أنه قد تواتر النقل (2)عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه صلى بالسورة بعد الحمد و داوم عليها، و هو بنفسه مشعر بالوجوب فضلا


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4 و الباب 10 منها- الحديث 10 و الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض- الحديث 24.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2 و الباب 24 منها- الحديث 3 و 6.

ج 9، ص: 334

عن

قوله (ص)(1): «صلوا كما رأيتموني أصلي»

و ب

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح منصور بن حازم (2): «لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر»

و

أحدهما (عليهما السلام) في صحيح العلاء(3)«في الرجل يقرأ السورتين في الركعة فقال: لا، لكل ركعة سورة»

و

مكاتبة يحيى بن عمران (4)لأبي جعفر (عليه السلام) «جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أم الكتاب فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها؟ فقال العياشي (العباسي خ ل): ليس بذلك بأس، فكتب بخطه يعيدها مرتين على رغم أنفه يعني العياشي (العباسي خ ل)»

و

خبر معاوية بن عمار(5)قلت لأبي عبد الله (ع): «إذا قمت للصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن قال: نعم، قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة قال: نعم»

و مفهوم

صحيح الحلبي (6)عن الصادق (عليه السلام) قال: «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا»

إذ البأس إما بمعنى العقاب كما عن القاموس، أو المراد منه هنا ذلك للشهرة، أو لعدم ظهور القول بالكراهة من القائل بعدم الوجوب، و التقرير على الاشتراط في

خبر الصيقل (7)«أ يجزي عني أن أقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها إذا كنت مستعجلا أو أعجلني شي ء فقال: لا بأس»

و المفهوم من وجهين في

خبر ابن سنان (8)«يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل و النهار»

و ما عساه يظهر من

سؤال


1- 1 صحيح البخاري- ج 1 ص 124 و 125.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.

ج 9، ص: 335

علي بن جعفر(1)أخاه (عليه السلام) كبعض الأخبار السابقة و غيرها من معلومية عدم الاجزاء بالاختيار، و أنه مفروغ منه عند الرواة، قال: «سألته عن الرجل يكون مستعجلا يجزيه أن يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها فقال: لا بأس»

و إشعار لفظ البدأة في

الموثق (2)«سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب- إلى أن قال-: فليقرأها ما دام لم يركع، فإنه لا قراءة حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات»

و نحوه في التعبير بالبدأة المروي عن العلل (3)إلى غير ذلك من الرضوي (4)و النصوص الصريحة أو الظاهرة أو المشعرة المذكورة في تضاعيف ما تسمعه من المسائل كعدم القراءة بالسور الطوال و بالعزائم و الكف عن القراءة في حال المشي كما نص على ذلك في المصابيح، و في باب الجماعة و الأذان و في قراءة الجمعة و المنافقين و التوحيد في صورة الغلط بغيرها و عدمه، و نحوها من سور القرآن، خصوصا الدالة على الجمع بين «الضحى» و «أ لم نشرح»(5)و «الفيل» و «لإيلاف»(6)و لو مع الإتمام بعدم القول المعتد به بالفصل و نحوه، بل قيل و النصوص (7)و الإجماعات الدالة على وجوبها في صلاة العيد بناء على ظهور تلك الأدلة في مساواتها للفريضة في الكيفية عدا زيادة التكبير، أو على عدم القول بالفصل، فتأمل، بل قيل و أخبار القرآن (8)و ما دل على تقديم مراعاة السورة على الصلاة، و غير ذلك مما هو محل للنظر أو معلوم البطلان.

فما عساه يظهر من بعض متأخري المتأخرين من الميل إلى الاستحباب خصوصا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
4- 4 المستدرك- الباب- 23- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القراءة في الصلاة.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القراءة في الصلاة.
7- 7 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد.
8- 8 الوسائل- الباب- 11- من أبواب قراءة القرآن.

ج 9، ص: 336

بالنسبة إلى البعض لصحة النصوص و كثرتها و صراحتها بذلك لا ينبغي الالتفات اليه بعد ما عرفت، على أنها جميعها لا تأبى الحمل على النافلة أو الضرورة أو التقية أو نحو ذلك، بل ربما كان صراحتها خصوصا نصوص البعض أكبر شاهد على بعض ما ذكرنا ضرورة معروفية كونه شعار العامة، كما أن الإكمال من شعار الخاصة، و ربما كان في

خبر إسماعيل بن الفضل (1)إشارة اليه، قال: «صلى بنا أبو عبد الله (عليه السلام) أو أبو جعفر (عليه السلام) فقرأ بفاتحة الكتاب و آخر سورة المائدة، فلما سلم التفت إلينا فقال: أما إني إنما أردت أن أعلمكم»

و كذا

خبر سليمان بن أبي عبد الله (2)قال: «صليت خلف أبي جعفر (عليه السلام) فقرأ بفاتحة الكتاب و آي من البقرة فجاء أبي فسئل فقال: يا بني إنما صنع ذا ليفقهكم و ليعلمكم»

بل اعتذاره (عليه السلام) مع سؤاله في الخبر الثاني كالصريح في ذلك.

انما الكلام فيما عساه يظهر من القيود في المتن من عدم وجوبها في النوافل و ضيق الوقت و حال عدم إمكان التعلم و عدم الاختيار، أما الأول فلا أجد فيه خلافا نصا(3)و فتوى، نعم قد يقال باشتراطها في خصوص بعض النوافل التي ورد الأمر بها فيها بالخصوص، كصلاة جعفر (عليه السلام)(4)و نحوها على إشكال فيه أيضا ينشأ من وجوب حمل المطلق على المقيد و عدمه في المستحبات، و لو عرض وصف الفرض للنافلة و بالعكس ففي سقوط السورة و وجوبها و عدمهما بحث أشبعنا الكلام فيه في أحكام الخلل.

و أما الضيق فقد يدل عليه الإجماع المحكي على سقوط حال الضرورة في الرياض


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 55- من أبواب القراءة في الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة جعفر عليه السلام.

ج 9، ص: 337

و عن المعتبر و التذكرة مع زيادة الاستعجال، و المفاتيح معتضدا بنفي الخلاف فيه في التنقيح، و بين أهل العلم في المنتهى، بل في المحكي عن البحار من الإجماع على الضرورة التمثيل به و بالخوف و المرض لها كالمدارك في معقد نفي خلافه، و في التنقيح لا كلام مع الضيق، و يدل عليه أيضا فحوى ما سمعته و تسمعه من عدم وجوبها على المستعجل و نحوه ضرورة أولوية مراعاة الوقت من ذلك و نحوه، بل قد يستدل له أيضا بإطلاق ما دل على إجزاء الفاتحة وحدها في بعض الصحاح (1)و إن قيد في بعض آخر(2)بالاستعجال و نحوه، كما أنه قد يومي اليه ما ورد(3)في باب الجماعة من أمر المسبوق بقراءة الفاتحة دون السورة إذا خاف عدم اللحوق، و لا أقل من أن يكون ذلك كله سببا للشك في شمول ما دل على وجوبها لمثل الحال، لكن مع هذا كله جزم الكركي بعدم سقوطها لذلك، قال: «لأنه لا يعد ضيق الوقت ضرورة، خصوصا بالنسبة إلى الحائض إذا طهرت و قد بقي من الوقت ركعة بدون السورة» و فيه منع انحصار المسقط في الضرورة أولا لما سمعته من نصوص المستعجل و نحوه، و منع كون الضيق ليس بضرورة ثانيا، و قد تقدم سابقا منا كلام في ذلك عند البحث عن وجوب الصلاة على الحائض و نحوها بإدراك الركعة، نعم قد يتأمل في سقوطها للضيق لغير إدراك الركعة بل لباقي أجزاء الصلاة، خصوصا التسليم و نحوه بمعنى أن قراءتها مفوت لوقوع مثل هذه الأبعاض في الوقت، فان في عدم وجوبها لذلك نظرا بل منعا.

[في سقوط السورة حال الضرورة]

و أما السقوط لعدم إمكان التعلم فقد أشبعنا الكلام فيه آنفا.

و أما الاختيار فقد عرفت دعوى الإجماع من غير واحد على عدم وجوبها حال الضرورة، كما أنك قد سمعت النصوص التي تشهد لذلك في الجملة كالمرض و الاستعجال


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 9، ص: 338

و نحوهما، بل في كشف اللثام الإجماع على عدم وجوبها في خصوص هذين الحالين، بل قد يقال بكفاية مطلق الحاجة التي تعجله، أضر به فوتها دنيا أو آخرة أو لا، بل و بكفاية مطلق المرض، شق عليه قراءتها أولا، اللهم إلا أن يدعى أن المنساق إلى الذهن من المرض أو الاستعجال ما شق عليه القراءة معهما، و لعله لذا قيد الكركي المرض المسقط لها بذلك.

ثم لا يخفى أن السقوط في أكثر هذه المقامات رخصة لا عزيمة حتى يقال لو جاء بها بنية الجزئية تفسد الصلاة بناء على فسادها بنحو ذلك، ضرورة أنه يتم في موضع كان سقوطها فيه عزيمة كما في الضيق و الخوف مثلا و نحوهما، كما أنه يتم البطلان أيضا في محل الفرض لو نوى بها الوجوب إن قلنا: إن فعل الأجزاء المندوبة بعنوان الوجوب مبطل، إذ المقام منه بعد الرخصة في الترك قطعا، فتأمل جيدا.

و كيف كان فهي انما تجب بعد الحمد بلا خلاف أجده، بل لعله هو في معقد بعض ما حكي من الإجماع على وجوبها، بل هو صريح المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام)(1)كما هو ظاهر أخبار البدأة(2)بل لعله المنساق إلى الذهن من سائر النصوص خصوصا البعض، و المعهود في الوقوع منهم و من أتباعهم، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه.

[في وجوب إعادة السورة بعد الحمد لو قدمها عليه]

و حينئذ ف لو قدمها أي السورة على الحمد عمدا أعادها أو غيرها بعد الحمد إن لم نقل ببطلان صلاته الذي صرح به الفاضل و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم، بل لم أعرف أحدا صرح بالصحة قبل الأردبيلي فيما حكي من مجمعه و بعض


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2 و 3 و المستدرك- الباب 24 منها- الحديث 2.

ج 9، ص: 339

أتباعه، نعم ربما استظهر من إطلاق عبارة المتن و المبسوط الذي يمكن تنزيله على غير صورة العمد بنية الجزئية، أما فيها فالمتجه البطلان للزيادة، و للقرآن، و للنهي المستفاد من الأمر(1)بالترتيب و البدأة و نحوهما مما دل على الترتيب، ضرورة اقتضائه الفساد إذا تعلق بجزء العبادة، لرجوعه إلى النهي عن الصلاة المقدم فيها السورة مثلا، لكن قد يناقش بدعوى رجوعه إلى خصوص الجزء، و اقتضائه فساده خاصة لا الصلاة، فإن اقتصر عليه بطلت، لاستلزام بطلان الجزء بطلان الكل لا ما إذا تداركه، إذ ليس فيه إلا الزيادة و التشريع، و نمنع إبطالهما للصلاة مطلقا بناء على الأعمية كما سمعته سابقا، تنزيلا لما دل على الأمر باستقبال الصلاة بالزيادة من النصوص (2)على الركعات أو الركوعات و نحوها، أو

على غير القران، لإطلاق ما دل (3)على نفي البأس عنه في الصلاة، و لذا كان الأقوى مكروهية القران عند المصنف، مع أن أظهر أفراده الإتيان بالسورتين مثلا للصلاة، و التشريع محرم خارجي عن الصلاة، بل النهي فيه حقيقة عن الاعتقاد، و دعوى كونه حينئذ من كلام الآدميين لأن الفرض حرمة القراءة يدفعها منع حرمة القراءة أولا، بل الاعتقاد خاصة، و مع التسليم نمنع كونه من كلام الآدميين بل هو قران قطعا، نعم يمكن منع شمول ما دل على نفي البأس عن القران في أثناء الصلاة له، لظهوره في غيره، و هو مع التسليم ينحصر وجه البطلان فيه بالزيادة التي عرفت الكلام فيها، و أن مقتضى القول بالأعمية عدم أصالة إبطالها، و فرض المقام في السورة الطويلة كي تكون حينئذ من الفعل الكثير خروج عن محل البحث، ضرورة كونه من حيث تقديم السورة، فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 9.

ج 9، ص: 340

و من ذلك كله يظهر لك ما في تعليل البطلان بالزيادة أو القران أو نحوهما، بل قد يمنع حصول الثاني للفصل المنافي لحقيقة القران، اللهم إلا أن يراد به قراءة الأكثر من سورة و إن فصل بينهما، لكنه قد يتخلص منه بإعادتها نفسها، إذ دعوى صدق القراءة بالأكثر من سورة حينئذ ممنوعة، ضرورة ظهوره في التغاير بين السورتين، كما أنه ظهر لك أيضا أولوية عدم البطلان إذا لم يقصد الجزئية، إذ ليس فيه حينئذ إلا احتمال القران الذي عرفت الحال فيه، هذا. و في الذكرى بعد أن حكم بالبطلان في صورة العمد قال: «لو لم تجب السورة لم يضر التقديم على الأقرب، لأنه أتى بالواجب و ما سبق قرآن لا يبطل الصلاة، نعم لا يحصل له ثواب قراءة السورة بعد الحمد، و لا يكون مؤديا للمستحب» و فيه أنه بناء على البطلان للزيادة بنية الجزئية لا فرق بين القول باستحبابها و وجوبها، كما أن الظاهر تحققه بمجرد الشروع في السورة المقدمة لتحقق المقتضي للبطلان حينئذ به، بل الظاهر أنه كذلك حتى لو كان مستلزما له و لو فيما يأتي كما لو قلنا: إن المانع القرآن مثلا الذي لا يتحقق إلا بعد أن يقرأ السورة في محلها مثلا، لأنه بعد أن جاء بما هو مستلزم للمبطل لم يتصور أمره بعد ذلك بباقي أجزاء الصلاة، و احتمال السهو لا يجدي بعد عدم معقولية التكليف حال التذكر الذي هو الأصل و حكم السهو فرعه كما هو واضح.

و لو كان التقديم للسورة سهوا فلا بطلان قطعا مطلقا، لإطلاق ما دل (1)على اغتفاره و عدم بطلان الصلاة به، بل في كشف اللثام و إن كانت المقدمة طويلة بحيث اندرجت في الفعل الكثير، و لعله للأصل من غير معارض مع تجويز العدول من سورة إلى أخرى، و صحيح علي بن يقطين (2)النافي للبأس عن القرآن بين السورتين


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 9.

ج 9، ص: 341

و نطق الأخبار(1)بأنها لا تعاد إلا من الوقت و الطهور و القبلة و الركوع و السجود، و

خبر الحميري (2)المروي عن قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر أنه سأل أخاه (عليه السلام) «عن الرجل يصلي له أن يقرأ في الفريضة فيمر بالآية فيها التخويف فيبكي و يردد الآية قال: يردد القرآن ما شاء»

و في

مسائل علي ابن جعفر(3)أنه سأل أخاه (عليه السلام) «عن الرجل يفتح سورة فيقرأ بعضها ثم يخطئ فيأخذ في غيرها حتى يختمها ثم يعلم أنه قد أخطأ هل له أن يرجع في الذي افتتح و إن كان قد ركع و سجد فقال (عليه السلام): إن كان لم يركع فليرجع إن أحب، و إن ركع فليمض»

و

خبر أبي بصير(4)«عن رجل نسي أم القرآن قال: إن كان لم يركع فليعد أم القرآن»

و

مضمر سماعة(5)«سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب قال: فليقل: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم ثم ليقرأها ما دام لم يركع»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على جواز قراءة القرآن في أثناء الصلاة المتناولة بحسب ظاهرها أو صريحها للسورة الطويلة و القصيرة، و لعله لأن الكثير منها غير مناف للصلاة و لا ماح لصورتها.

فما عساه يقال- من بطلان الصلاة بمطلق الكثير سواء كان قرانا أو غيره، لإطلاق ما دل (6)عليه الذي لا ينافيه ما دل (7)على نفي البأس في القران بعد اعتبار الحيثيتين في كل منهما كما هو المنساق من دليليهما، خصوصا و التعارض بينهما بالعموم من وجه- فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت و إن كان الاحتياط لا ينبغي تركه،


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 68- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 28- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 9.

ج 9، ص: 342

خصوصا فيما لو فرض محو صورة الصلاة به، بل لعله متعين بناء على تحقق الفرض المزبور، فتأمل جيدا.

و كيف كان فان ذكر بعد أن أتم قراءة الحمد أعاد تلك السورة أو غيرها، لأصالة بقاء التخيير، و إطلاق أدلته السالمة عن المعارض في مثل الفرض، و لا يعيد الحمد لوقوعها في محلها، و حصول الترتيب بإعادة السورة خاصة كما في كل ما اعتبر فيه الترتيب من الوضوء و غيره، اللهم إلا أن يقال باعتبار الهيئة في مجموع قراءة الصلاة، و إن تقديم السورة كما قدح في عدم الاجتزاء بها كذلك يقدح في الفاتحة، لعدم تحقق البدأة بها عرفا، فلا امتثال حينئذ إلا أن يأتي بمجموع القراءة مبتدئا بالفاتحة، و فيه من الضعف ما لا يخفى و إن نسب إلى جماعة كما عن المسالك، و ربما كان ظاهر القواعد و غيرها مما عبر كعبارته باستئناف القراءة كما حكي عن المنتهى و التذكرة و التحرير و نهاية الأحكام و الألفية، بل ينبغي القطع ببطلانه بعد التأمل، ضرورة كونه كما لو ذكر بعد الفراغ من قراءة السورة، لأن نية الابتداء و عدمها لا تأثير لها، و لا يزيد الترتيب بين الفاتحة و السورة على الترتيب في آيات الفاتحة مثلا التي يكتفى بإعادة المقدم منها مع فرض عدم فوات الموالاة، اللهم إلا أن يلتزموا عدم الاكتفاء بذلك فيه أيضا، لكنه على كل حال ضعيف.

كضعف احتمال عدم وجوب إعادة السورة أصلا، لأن الفرض كون الفائت سهوا صفة الترتيب، و تلا فيها مستلزم للزيادة الممنوع منها في الصلاة، فهي كالجهر و الإخفات المنسيين، ضرورة الفرق بين الصفتين بإطلاق ما دل (1)على اغتفار النسيان في الثانية من غير أمر بالإعادة و عدمه هنا، على أن وجوب قراءة السورة في الفرض ليس لتدارك المنسي كي يلزم ما عرفت، بل هو لأصل الأمر بها الذي لم يصلح الفعل


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب القراءة في الصلاة.

ج 9، ص: 343

الأول امتثالا له، فليس هو إلا زيادة وقعت لا تصلح لإسقاط ذلك الأمر حتى لو كان قد نوى المكلف سهوا بما قدمه امتثال الأمر بالسورة، إذ نيته لا تصير ما ليس فردا للمأمور به فردا له، و دعوى تحليل التكليف إلى أمرين لا شاهد لها، بل الشاهد على خلافها، و أما

خبر علي بن جعفر(1)المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه «عن رجل افتتح الصلاة فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب ثم ذكر بعد ما فرغ من السورة قال: يمضي في صلاته، و يقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل»

فظاهره قراءة الفاتحة فيما يستقبل من الركعات، و هو مخالف للإجماع على الظاهر، فلا بد من طرحه أو حمله على ما إذا ذكر بعد الركوع أو غير ذلك، و احتمال حمله على إرادة قراءة الفاتحة خاصة إذا ذكر مجتزيا بما قدمه من السورة لا شاهد له كي يكون من المؤل الذي هو حجة كما هو واضح، و الله أعلم.

[في عدم جواز قراءة شي ء من العزائم في الفرائض]

و لا يجوز أن يقرأ في الفرائض شيئا من سور العزائم كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا، بل هو كذلك في الغنية و التذكرة و عن الانتصار و الخلاف و نهاية الأحكام و كشف الالتباس و إرشاد الجعفرية، بل لا أجد فيه خلافا إلا من المحكي عن الإسكافي الذي لا يعتد بخلافه بين الأصحاب كبعض متأخري المتأخرين، مع أن المحكي من عبارته لا صراحة فيه، فلا يقدح في المحصل من الإجماع فضلا عن منقوله الذي هو الحجة في المقام، مضافا إلى

حسن زرارة(2)عن أحدهما (عليهما السلام) «لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم، فإن السجود زيادة في المكتوبة»

و

موثق سماعة(3)«من قرأ إقرأ باسم ربك فإذا ختمها فليسجد،


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب 37 من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2 و ذيله في الباب 40 منها- الحديث 2.

ج 9، ص: 344

فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب و يركع- قال-: فان ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك الإيماء و الركوع- إلى أن قال-: و لا تقرأ في الفريضة، إقرأ في التطوع»

و

خبر علي بن جعفر(1)عن أخيه (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد و التهذيب بل و كتاب علي بن جعفر نفسه «سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة و النجم أ يركع بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال: يسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب و يركع، و ذلك زيادة في الفريضة و لا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة»

ضرورة كون المراد من النهي هنا التحريم قطعا، سيما مع عدم المعارض له في خصوص المكتوبة.

إنما البحث في البطلان الذي قد اعترف في كشف اللثام بعدم المصرح به قبل الفاضل غير ابن إدريس، و أقصى ما يحتج له بظاهر النهي المقتضي للفساد إما في الصلاة و إما في الجزء، فلا يكتفى به في سقوط وجوب السورة، ضرورة كونه مقيدا بغير هذه السورة، فتبطل الصلاة حينئذ بترك الجزء أو بالزيادة التي دلت النصوص على استقبال الصلاة معها، خصوصا إذا كانت محرمة، و بتحقق القران حينئذ مع الفرض المزبور، و بأن قراءة العزيمة توجب السجود حتى في أثناء الصلاة كما يومي اليه مضافا إلى إطلاق أدلة الفورية في نفسها جميع أخبار المسألة خصوصا الخبر الأول المشتمل على التعليل.

و منه يعلم ترجيحه حينئذ على ما دل على حرمة الابطال و وجوب الإتمام، و ضعف ما احتمله في الذكرى من سقوط الفورية هنا للتلبس في الصلاة، و متى وجب السجود بطلت الصلاة بعد أن دلت هذه النصوص و غيرها على أنه زيادة مبطلة للصلاة إذا وقعت فيها عمدا، بل في التنقيح الإجماع على بطلان الصلاة بالسجود عمدا، فالبطلان حينئذ لازم للخطاب به لا لفعله، ضرورة عدم تصور أمر الشارع بالإتمام مع


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.

ج 9، ص: 345

خطابه بالمبطل، إذ هو حينئذ كأمر من وجبت عليه الجنابة للأربعة أشهر أو القي لأكل المغصوب بالصوم، و ليس من مسألة الضد، و لعله هو المراد بترتب التعليل في الخبر المزبور على قراءة العزيمة على معنى لا تقرأ فتخاطب بالسجود الذي هو زيادة في المكتوبة، و لا يجامعه الأمر بالإتمام الذي تتوقف عليه الصحة، بل لعله هو الذي أراده في المحكي عن السرائر من تعليل البطلان بأنه مع فعل السجود تبطل الصلاة به، و مع عدمه تبطل بالنهي عن الضد و إن كان لا يتم بناء على عدم اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن الضد، و ليس من مسألة الضد المعروفة التي يكون فيها أحد الواجبين مضيقا و الآخر موسعا، إلا أنه أولى من التعليل في الذكرى، بل نسبه في الرياض إلى الأصحاب بأنه إن ترك السجود أخل بالواجب، و إن فعل بطلت الصلاة، ضرورة عدم اقتضائه البطلان على كل حال، و أولى منهما ما ذكرنا الذي يتم و إن لم نقل باقتضاء النهي عن الضد، خصوصا بملاحظة ما ذكرناه في التعليل بالخبر الأول.

و من ذلك يظهر أنه لا فرق في الحكم بين قراءة جميع السورة و بين قراءة نفس آية السجدة منها، بل و لا بين القراءة و بين الاستماع كما صرح به بعضهم، إذ احتمال قصر ترجيح فورية السجود على حرمة الإبطال على خصوص القراءة دون الاستماع مثلا بل هو يبقى على مقتضى قاعدة تعارض المضيقين و ترجيح الصلاة حينئذ كما ترى، إذ لا أقل من إخراج الصورة الأولى مرجحة لمراعاة فورية السجود على وجوب الإتمام بل يمكن بذلك ترجيحه في صورة السماع أيضا بناء على الوجوب معه، بل يمكن دعوى عدم المعارضة له أصلا، بناء على ما قررنا من تحقق البطلان بنفس الخطاب بالسجود لا بالفعل، ضرورة عدم اقتضاء النهي عن الابطال عدم اتفاق صدور المبطل كي يعارض ما دل على وجوب السجود و فوريته، لكن في التذكرة «لو سمع في الفريضة فإن أوجبناه بالسماع أو استمع أومأ و قضى» و فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت.

ج 9، ص: 346

نعم قد يناقش في الدليل الأول بما سمعته سابقا في الزيادة، و أن إبطالها على كل حال محل نظر، اللهم إلا أن تخرج السجدة من بينها بالدليل من الإجماع المحكي و غيره، و في الثاني بأنه لا يتم على المختار من كراهة القران، و بأنه لا ينطبق على تمام الدعوى بناء على أنه في السورتين الكاملتين خاصة، و أن الدعوى حرمة قراءة العزيمة كلا أو بعضا، و في الثالث بأنه لا دلالة في الخبر المعلل على أزيد من النهي عن القراءة الموجبة للسجود الذي هو زيادة في الصلاة من غير تعرض للإبطال و عدمه، بل مقتضى التدبر في النصوص خصوصا خبر علي بن جعفر و قوله (عليه السلام) فيه: «و دلك زيادة في الفريضة» كما رواه في الوسائل و الحدائق من نفس كتاب علي بن جعفر حرمتها لا إبطالها، و به تجتمع جميع النصوص من غير تجشم، لحمل بعضها على النافلة، و آخر على السهو، خصوصا خبر علي بن جعفر، إذ هو- مع أنه خلاف ظاهر قوله (عليه السلام):

«يقرأ» بل و خلاف

قوله (عليه السلام): «و لا يعود»

إذ لا معنى للنهي عن الإعادة مع فرض وقوع ذلك سهوا منه- لا يوافق ما تسمعه من الأصحاب من عدم جواز السجود في الأثناء إن كانت القراءة منه سهوا، و دعوى طرح الخبر المزبور بالنسبة إلى ذلك- مع أنه معتبر قد رواه الحميري و الشيخ، بل رواه في الوسائل و الحدائق عن كتاب علي بن جعفر نفسه- لا مقتضي لها و لا شاهد.

فالمتجه حينئذ في جميع النصوص الحرمة لا الإبطال إن لم يحصل إجماع على خلافه كما سمعته من التنقيح بناء على إرادة ما يشمل المقام منه و إن كان هو محلا للنظر، لعدم المصرح به قبل الحلي الذي بناه على مسألة الضد الممنوعة عندنا كما عرفته سابقا، فاحتمال الحرمة حينئذ خاصة قوي، بل كأنه يلوح من كشف اللثام، و يؤيده خلو سائر النصوص عن التصريح به، بل اتفق جميعها على فعله في الأثناء و صحة الصلاة، و فيها ما هو صريح

ج 9، ص: 347

أو كالصريح في الفريضة،

كالصحيح (1)بناء على بعض الوجوه في متنه «عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال: يقدم غيره فيتشهد و يسجد و ينصرف هو و قد تمت صلاتهم»

إلى آخره، و غيره، و كذا يؤيده أنه ليس السجدة للعزيمة من الزيادة بعنوان الجزء من الصلاة.

و دعوى إطلاق نصوص الزيادة(2)بحيث يشمل ذلك يدفعها- مضافا إلى ما سمعته سابقا من دعوى ظهور تلك النصوص في إرادة زيادة الركعات أو الركوعات لا مطلقا، خصوصا بعد أن دلت نصوص أخر(3)على أن الصلاة لا تعاد من سجدة و انما تعاد من ركعة، و خصوصا بعد أن كان ظاهرها عدم الفرق بين العمد و النسيان، بل كاد يكون ذلك صريح

قوله (عليه السلام)(4): «إذا استيقن»

في بعضها و هو لا يتم إلا في الركعات أو الركوعات- أن المراد منها بعد التسليم الزيادة عمدا على أنها من الصلاة لا مطلق وقوع فعل في أثناء الصلاة و إن لم يكن بعنوان أنه منها، و إلا لزم خروج أكثر الأفراد، بل قد يدعى أن ما ذكرنا هو الظاهر من لفظ الزيادة، ضرورة انسياق الإتيان بالصلاة زائدة على أجزائها الشرعية إلى الذهن من ذلك، و التزام خروج ذلك كله بالدليل و إلا كان مقتضى هذه النصوص مطلق الزيادة و إن لم يكن بعنوان الصلاة كلام قشري، بل ظاهر في أن متكلمه لا درية له في الفقه.

نعم لا يجتزى بهذه السورة للنهي بل لا بد له من سورة أخرى، و لا بأس به بعد البناء على كراهة القران، و أما احتمال الاجتزاء بهذه السورة بجعل النهي عنها لأمر خارج عنها هو السجود لا لنفسها ففيه ما لا يخفى، و أوضح من ذلك مناقشة ما ذكره


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5 مع الاختلاف.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الركوع.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 348

ثاني الشهيدين من أنه على تقدير التحريم تبطل بمجرد الشروع في السورة، إذ قد عرفت ظهور الخبر المعلل (1)و دليلهم السابق في تمام السورة أو خصوص آية السجدة منها، نعم هو لازم لمن أوجب تمام السورة و حرم القران حتى بين السورة و بعض سورة أخرى، اللهم إلا أن يدعى ظهور النهي عن قراءة العزيمة في غير الخبر المعلل في تحريم الأبعاض كما في كثير من الأحكام المعلقة على أسماء الجمل، نحو الكلب نجس أو حرام، و لا ينافيه التعليل في غيره من الأخبار، و فيه ما لا يخفى، أو يقال: إن الفرض قراءة البعض على نية الجزئية، و هو محرم للتشريع، و فيه ما سمعته سابقا في نظائره.

و كيف كان فالبطلان في المسألة بعد القول بكراهة القران مبني على وجوب السجود في الأثناء، و أنه مبطل للصلاة، و الأولى و إن أمكن إثباتها عندنا بالأدلة السابقة المعتضدة بعدم الخلاف إلا من الإسكافي فنقله إلى الإيماء ثم السجود بعد الصلاة و كأنه يفوح من الذكرى لكن الثانية محل للنظر إن لم يثبت الإجماع الذي قد سمعت دعواه من التنقيح، خصوصا على ما نذهب اليه من الأعمية، فتأمل جيدا.

هذا كله إذا قرأ أو استمع عمدا، أما إذا كان سهوا فلم أجد خلافا في صحة صلاته و عدم بطلانها، و أنه يسجد بعد الفراغ من الصلاة، و كأنه لرجحان ما دل على إتمام الصلاة، و حرمة إبطالها على ما دل على فورية السجود، و فيه أن العكس أولى بقرينة تقديم الشارع له في صورة العمد، ضرورة إشعاره بأهميته، بل قد سمعت عدم صلاحية النهي عن الإبطال لمعارضة دليل الفورية، إذ هو بطلان لا إبطال، لما عرفت من أن البطلان يحصل بمجرد الخطاب بناء على أن السجود في الأثناء مبطل، على أن الوجوب عليه بعد الصلاة مبني على أحد الوجوه في الواجبات الفورية، و فيه بحث، و لم لا يكون المتجه في الفرض الانتقال إلى الإيماء لتعذر السجود عليه بعد ترجيح إتمام


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 349

الصلاة، لأنه هو البدل عنه في كل مقام يتعذر، و ربما يستأنس له بما في

مضمر سماعة(1)«و إن ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك الإيماء و الركوع»

و ي

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(2): «إن صليت مع قوم فقرأ الامام إقرأ باسم ربك الذي خلق أو شيئا من العزائم و فرغ من قراءته و لم يسجد فأوم إيماء»

و

المروي عن كتاب المسائل لعلي بن جعفر(3)عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرأ إنسان السجدة كيف يصنع؟ قال: يومي برأسه قال: و سألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخر السجدة قال: يسجد إذا سمع شيئا من العزائم إلا أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماء».

و لعله لذلك و لما دل على وجوب السجود جمع بعضهم بينهما، فأمر بالإيماء ثم السجود بعد الفراغ، لكنه لا يخلو من نظر، كالقول بأن الانتقال إلى الإيماء يوجب أيضا زيادة في الصلاة، ضرورة عدم الفرق بين البدل و المبدل منه كما صرح به العلامة الطباطبائي، قال:

و يسجد الداخل في نفل و في فريضة يومي له و يكتفي

للنص و القول به قد يشكل إذ كان في حكم السجود البدل

حتى من جهته اختار التأخر، فقال:

و الأصل بالتأخير فيه يقضي إذ منع البدار حق الفرض

لكن قد يجاب عنه بعد إمكان كونه اجتهادا في مقابلة النص بالفرق بين ما يكون فرضه الإيماء سابقا لمرض و نحوه و بين ما كان سببه الفرار عن السجود في الصلاة الذي


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 3 و 4.

ج 9، ص: 350

قد سمعت الدليل على أنه زيادة في المكتوبة، أو يكون المتجه فعلها في أثناء الصلاة، و لا بطلان و لا حرمة كما هو ظاهر نصوص المقام، و اختاره الأستاذ في كشفه، و لا يخفى عليك قوته بعد الإحاطة بما ذكرنا سابقا، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فان ذكر قبل أن يتجاوز النصف و محل السجود عدل إلى سورة أخرى قطعا حتى لو قلنا بحرمة القران بين السورة و البعض، ضرورة كون المقام من السهو و إن كان حال السورة الثانية عامدا، فاحتمال البطلان حينئذ- لأنه لا يخلو من السهو و إن كان حال السورة الثانية عامدا، فاحتمال البطلان حينئذ- لأنه لا يخلو من أحد المحذورين إما ترك السورة أو القران- ضعيف أو باطل، فما في التذكرة من الإشكال في العدول في الفرض المزبور في غير محله، كما أن ما في الذكرى أيضا من الوجهين فيه الناشئين، من أن الدوام كالابتداء أو لا كذلك أيضا و إن استقرب هو ما ذكرنا، و لقد أجاد المحقق في قوله: «ينبغي الجزم بالعدول وجوبا، لثبوت النهي و انتفاء المقتضي للاستمرار» إلى آخره.

و لو تجاوز النصف و لم يتجاوز محل السجود عدل أيضا على الأقوى، لوجوب السورة عليه و النهي عن العزيمة، فهو في عهدة التكليف، و المنع عن العدول مع تجاوز النصف انما هو حيث يكون المعدول عنه مجزيا كما هو الظاهر من تلك الأدلة، لكن في التذكرة إشكال، قال: فان منعناه قرأها كملا ثم أومأ أو يقضيها بعد الفراغ، ل

قول الصادق (عليه السلام)(1)و قد سأله عمار «عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم فقال: إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها، و إن أحب أن يرجع فيقرأ سورة غيرها و يدع التي فيها السجدة رجع إلى غيرها»

و فيه أنه لا يوافق القول بوجوب السورة، و لا يقوى على تخصيصها، فلا بد حينئذ من طرحه أو تأويله، أو الالتزام بما في ذيله مع رفع اليد عن ظهور

قوله (عليه السلام): «و إن أحب»

فما في


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.

ج 9، ص: 351

الذكرى- من أن في الرجوع في الفرض وجهين من تعارض عمومين: أحدهما المنع من الرجوع هنا مطلقا، و الثاني المنع من زيادة سجدة- في غير محله و إن قال فيها:

إن الثاني أقرب.

أما لو قرأ السجدة و قد تجاوز النصف فيحتمل تعين الإتمام عليه، لأنه قد وقع فيما يخشى منه، و الأقوى العدول أيضا، لظهور النهي عن العزيمة في عدم كونها مما يتحقق به الخطاب بالسورة، ضرورة كونه من المطلق و المقيد.

و من هنا يقوى العدول حينئذ مع التذكر قبل الركوع و إن كان قد أتمها كما اعترف به أول الشهيدين و ثاني المحققين، بل عن البيان الجزم به، اللهم إلا أن يخص عدم إجزائها عن كلي السورة في صورة العمد التي هي محل النهي، و فيه بحث أو منع، و مثله بحثا و منعا جعل المدار في العدول و عدمه على تجاوز السجدة و عدمه، لما عرفت، هذا. و في الروضة «و لو صلى مع مخالف تقية فقرأ آيها تابعه في السجود و لم يعتد بها على الأقوى» و فيه أن الأمر في التقية أوسع من ذلك، ثم قال: «و القائل بجوازها منا لا يقول بالسجود لها في الصلاة، فلا منع من الاقتداء به من هذه الجهة بل من حيث فعله ما يعتقد المأموم الإبطال به» و هو لا يخلو من بحث أيضا و إن كان الوجه فيه ظاهرا بسبب عدم تحمل الإمام القراءة عنه و غيره، فتأمل جيدا.

و أما لو سمعها اتفاقا ففي البطلان أو الانتقال إلى الإيماء أو القضاء بعد الصلاة أو السجود فيها وجوه تعرف مما تقدم.

[في عدم جواز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته]

و كذا لا يجوز أن يقرأ ما يفوت الوقت بقراءته بلا خلاف معتد به أجده فيه و إن اختلف التعبير عنه بما في المتن أو بالنهي أو بالحرمة، ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بكر الحضرمي (1): «لا تقرأ في الفجر شيئا من الحم»


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.

ج 9، ص: 352

منضما إلى

خبر عامر(1)عنه (عليه السلام) أيضا «من قرأ شيئا من الحم في صلاة الفجر فاته الوقت»

و في الرياض من «الم» قال: «و لاستلزام ذلك تعمد الإخلال بفعل الصلاة في وقتها المأمور به إجماعا فتوى و نصا و كتابا(2)و سنة(3)فيكون منهيا عنه و لو ضمنا» و فيه أنه مبني على أن مستلزم المحرم محرم و إن لم يكن علة، و فيه بحث بل منع، خصوصا بناء على ما ذكره تبعا للمحكي عن الروض من عدم الفرق في التعليل المزبور بين ما اقتضى قراءته فوات الفريضة الثانية كالظهرين و بعض الفريضة، كما لو قرأ سورة طويلة يقصر الوقت عنها و عن باقي الصلاة مع علمه بذلك، إذ ليس هو بالنسبة إلى الفريضة الثانية بل و الأولى إلا من مسألة الضد التي يقوى فيها عدم النهي عن الأضداد، نعم يقوى البطلان في المقام لو فرض تشاغله بسورة طويلة في الفريضة حتى خرج الوقت و لم يحصل له ركعة، لأنها افتتحها أداء و لم تحصل، و انقلابها قضاء في الأثناء لا تساعد عليه أدلة القضاء، ضرورة ظهورها في المفتتحة عليه، أو التي كانت في الواقع كذلك و إن لم يعلم المكلف، كما لو صلى بزعم سعة الوقت ركعة مثلا ثم بان قصوره قبل إحرازها، فإن الصحة حينئذ بناء على عدم وجوب التعرض للأداء و القضاء في النية متجهة، بخلاف المقام الذي فرض فيه سعة الوقت في نفس الأمر لكنه فات بعد تلبس المصلي بتقصير من المكلف، أما لو كان قد أدرك ركعة و كان تشاغله بالسورة مفوتا لما عداها فقد يقوى الصحة و إن فعل محرما بتفويت الوقت الاختياري.

كما أنه يمكن الصحة لو فرض تشاغله بها حتى ضاق الوقت عن قراءة سورة فركع


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 سورة الإسراء- الآية 80.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

ج 9، ص: 353

بدونها، لما سمعته من سقوطها في الضيق الذي لا يتفاوت فيه بين ما يكون بسوء اختيار المكلف و غيره، لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يقصد الجزئية بما قرأه من تلك السورة، و إلا بطلت بناء على ما عندهم من البطلان بمثل هذا التشريع، ضرورة خطابه بسورة غير السورة الطويلة لمكان ضيق الوقت الذي لا مانع من أن يرفع بعض أفراد التخيير، فيكون مأمورا بصلاة يقرأ فيها سورة قصيرة دون الصلاة ذات السورة الطويلة، إذ الشارع لا يأمر بفعل في وقت يقصر عنه، بل في كشف اللثام احتمال الصحة إذا لم يقصد الجزئية و إن لم يدرك ركعة، قال في تعليل الحكم: «للنهي المبطل، إلا أن لا يجب إتمام السورة فيقطعها متى شاء، فان لم يقطعها حتى فات الوقت و قصد الجزئية أو ضاق الوقت عن أزيد من الحمد فقرأ معها سورة قاصدا بها الجزئية بطلت الصلاة، لأنه زاد فيها ما لم يأذن به الله، نعم إن أدرك ركعة في الوقت احتملت الصحة، و إن لم يقصد الجزئية احتملت الصحة» و فيه نظر بعد ما عرفت، كما أن بناء بعضهم البطلان في أصل المسألة على القول بوجوب السورة و عدم جواز البعض لا يخلو أيضا من نظر، قال:

«أما على الاستحباب فلأنه يجوز له قطعها، و أما مع تجويز الزيادة فلأنه يعدل إلى سورة قصيرة، و ما أتى به من القراءة غير مضر» و فيه أن البحث هنا من حيث قراءة ما يفوت الوقت من غير فرق بين الوجوب و الاستحباب، و لا بين جواز الزيادة و عدمها إذ الفرض أنه اشتغل به حتى فات الوقت عن الكل أو البعض، و ليس الفرض الشروع فيما يفوت الوقت على تقدير تمامه حتى يقال: إنه قبل بلوغ المفوت يقطع و يركع بناء على الاستحباب، أو قبل ما يضيق الوقت عن سورة قصيرة يعدل إليها بناء على عدم حرمة الزيادة، ضرورة ظهور كلام الأصحاب في هذه المسألة و غيرها من المسائل السابقة في أن المانع حيثيتها لا الحيثية الأخرى كالقران و نحوه.

و من ذلك كله ظهر لك أنه لا وجه للحكم بالبطلان بمجرد الشروع في السورة

ج 9، ص: 354

الطويلة المفوتة، اللهم إلا أن يجعل دليل المسألة النهي المستفاد من الخبرين السابقين (1)لا قاعدة الضد و نحوها، فتأمل جيدا.

و لو ظن السعة فشرع في سورة طويلة ثم تبين الضيق ففي جامع المقاصد «وجب العدول إلى غيرها و إن تجاوز النصف محافظة على فعل الصلاة في وقتها، كما أن فيه أيضا العدول إذا ذكر لو قرأها ناسيا» و لا أظن بعد الإحاطة بما ذكرناه في هذه المسألة و المسألة السابقة يخفى عليك الوجه في ذلك و لا غيره فيه و في باقي الفروع المتصورة في المقام، بل و لا يخفى عليك التشقيق أيضا في هذين الفرعين فضلا عن غيرهما، فتأمل، و الله العالم.

[في حكم القران بين السورتين]

و كذا لا يجوز أن يقرن بين سورتين في قراءة ركعة واحدة عند كثير من القدماء، بل مشهورهم و بعض المتأخرين و متأخريهم، بل عن الصدوق أنه من دين الإمامية، كما عن المرتضى في انتصاره أنه مما انفردت به عن مخالفيهم، بل عن بعضهم التصريح بالبطلان معه و قيل و القائل أكثر المتأخرين يجوز للأصل أو الأصول، و عموم قراءة القرآن، و إطلاق أوامر الصلاة، و أنها لا تعاد إلا من أمور مخصوصة، و

صحيح علي بن يقطين (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القران بين السورتين في المكتوبة و النافلة قال: لا بأس».

نعم يكره

للموثق (3)الذي رواه في الوسائل عن الكليني و الشيخ و مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن أبي جعفر (عليه السلام) «انما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة، فأما النافلة فلا بأس»

و

خبر علي بن جعفر(4)المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه «عن رجل قرأ سورتين في ركعة


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 13.

ج 9، ص: 355

قال: إن كانت نافلة فلا بأس، و أما الفريضة فلا يصلح»

و خبر زرارة(1)المروي عن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز، بل هو صحيح بناء على وصول الكتاب المزبور اليه بالتواتر مثلا، أو بطريق كذلك، بل ظاهر نسبته اليه الأول

عن أبي جعفر (عليه السلام) «لا تقرنن بين السورتين في الفريضة فإنه أفضل»

و منه يعلم أن المراد بالكراهة المزبورة أقلية الثواب، بل منه يعلم أن المراد بالنواهي في غيره المجردة عن التعليل المزبور ذلك أيضا، لتعبيره بالنهي مؤكدا مع التصريح بالأفضلية.

فالاستدلال على الحرمة حينئذ بالنهي عنه- في

صحيح محمد بن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة فقال: لا، لكل سورة ركعة»

و

خبر المفضل بن صالح (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) المروي عن تفسير العياشي «لا تجمع بين سورتين في ركعة إلا الضحى و أ لم نشرح و الفيل و لإيلاف»

كالخبر

المروي (4)في المعتبر و مجمع البرهان نقلا من جامع البزنطي على ما قيل- فيه منع واضح، بل قد يشعر قوله (عليه السلام) في الخبر الأول: «لكل سورة ركعة»

بذلك، ضرورة إرادة الوظيفة و شبه الاستحقاق،

كالخبر(5)المروي عن الخصال بسنده عن علي (عليه السلام) «أعطوا كل سورة حقها من الركوع و السجود إذا كنتم في الصلاة»

و

خبر عمر بن يزيد(6)قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

«أقرأ سورتين في ركعة قال: نعم، قلت: أ ليس يقال: أعط كل سورة حقها من الركوع و السجود؟ فقال: ذلك في الفريضة، فأما النافلة فليس به بأس»

بل

خبر زرارة كالظاهر في ذلك، خصوصا مع روايته (7)نفسه الكراهة، قال: «سألت أبا عبد الله


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 3.

ج 9، ص: 356

(عليه السلام) عن الرجل يقرن بالسورتين في الركعة فقال: إن لكل سورة حقا فأعطها حقها من الركوع و السجود، قلت: فيقطع السورة فقال: لا بأس»

إذ الظاهر إرادة الرخصة في قطع السورة التي حصل بها القران، و نفي البأس عن ذلك كالصريح في عدم وجوبه، و خبر المفضل- مع ابتنائه على اتحاد السورتين كما هو أحد القولين، و إلا كان دالا على المطلوب في الجملة، لأصالة الاتصال في الاستثناء، و لأنها كذلك في المصاحف التي قد سمعت دعوى التواتر فيها بحيث لا يعارضها أخبار الآحاد- هو ضعيف السند، و ليس فيه إلا النهي الذي لا يمتنع حمله على الكراهة بالقرينة.

و أضعف من ذلك كله الاستدلال ببعض الاشعارات من مفهوم الوصف و نحوه في مثل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور(1): «لا بأس بأن تجمع في النافلة من السور ما شئت»

و في

خبر عبيد بن زرارة (2)«عن ذكر السورة من الكتاب يدعو بها في الصلاة مثل قل هو الله أحد فقال: إذا كنت تدعو بها فلا بأس»

مع أن ثبوت البأس فيهما يمكن منع ظهوره في المطلوب، و احتمال إرادة اعتبار الدعاء فيها لتحصيل وظيفة القنوت الموضوع لذلك لا لقراءة القرآن دون مخافة القران، و المراد من الدعاء إما الدعاء المعروف الذي دعا به إبراهيم (عليه السلام) يوم ألقي في النار، و هو على ما في بالي «يا الله يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفؤا أحد» إلى آخره. بل كان في بالي إطلاق الدعاء بقل هو الله عليه في بعض النصوص أو يراد به جعل السورة مقسوما بها، و على كل حال لا يدل على المطلوب، بل الخبر الثاني منهما انما هو في القنوت، و القران بناء على حرمته أو كراهته انما هو في محل القراءة دون باقي أفعال الصلاة كما نص عليه شيخنا في كشفه، إذ هو المنساق


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 357

من النصوص خصوصا المفصلة بين الفريضة و النافلة، ضرورة إرادة قراءة السورتين للركعة مقابلا للسورة الواحدة، اللهم إلا أن يدعى بقاء محل قراءة الركعة إلى أن يركع، و فيه ما لا يخفى.

كما أن المراد منه بحسب ظاهر النصوص الجمع بين سورتين لا الأكثر من سورة مطلقا حتى تكرير السورة أو بعض الكلمات منها أو الفاتحة و إن اختاره المحقق الثاني و بعض من تأخر عنه، بل ربما حكي عن الخلاف و الاقتصاد و الكافي و رسالة عمل يوم و ليلة و الإرشاد إدراج تبعيض السورة في القران، و لعله لاحتمال تعميم القران بين السورتين لما يشمل ذلك كما في كشف اللثام، خصوصا مع وصل الآخر بالأول، و فيه بحث أو منع إذا أريد صدق القران بين السورتين لا أصل القران، و ل

خبر منصور بن حازم (1)«لا تقرأ بأقل من سورة و لا بأكثر»

و هو- مع إمكان منع دلالته على التكرير الذي هو بعض الدعوى، و معارضته باخبار الرجوع (2)عن سورة إلى غيرها ما لم يتجاوز النصف، و أخبار(3)جواز ما يشاء من قراءة القرآن و ترديده كذلك التي قد تقدم بعضها سابقا- يمكن إرادة السورة من الأكثر فيه، و المناقشة في أخبار العدول بأن المراد بالقران الجمع بنية واحدة، و منه قرن الحج بالعمرة فلا تدخل فيه يدفعها أن الظاهر من الفتاوى بل و بعض النصوص السابقة الأعم من ذلك و من تجدد النية و لو بعد تمام السورة، و إلا فمن البعيد أو الممتنع عند من منع القران تخصيصه بما إذا لاحظهما من أول الأمر بالنية.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2 و في الوسائل« لا تقرأ في المكتوبة» إلخ.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القراءة في الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب قراءة القرآن.

ج 9، ص: 358

نعم الظاهر كما اعترف به في المدارك و الحدائق و كشف الأستاذ و عن البحار و غيرها أن محل البحث في القران ما إذا جي ء بالسورة الثانية على حسب السورة الأولى من كونها قراءة للركعة كما يومي اليه التأمل في النصوص، بل

قوله (عليه السلام)(1): «لكل سورة ركعة»

فيها، و التفصيل بين الفريضة و النافلة و غيرهما كالصريح في ذلك فمن جاء بالثانية حينئذ بعنوان قراءة قرآن و نحوه لم يكن إشكال في جوازه له، لإطلاق ما دل (2)عليه في الصلاة، خلافا لما يظهر من المحقق و بعض من تأخر عنه فجعلوا النزاع في الأخير خاصة دون الأول، بل ادعي القطع بالبطلان معه، و أنه لا يدخل في كلامهم، و كأن الذي أوهمهم تحقق الزيادة بنية الجزئية التي قد نقل الاتفاق على البطلان معها، و دلت النصوص (3)عليه كما سمعته سابقا، ضرورة حصول الامتثال بالسورة الأولى، فالثانية مثلا مع فرض نية الجزئية زيادة محضة، و فيه أن القائل بجواز القران لا زيادة عنده لتخييره المصلي في الاجتزاء بقراءة سورة واحدة أو أزيد، فالزائد حينئذ عنده من الصلاة، و ليس هو من التخيير بين الأقل و الأكثر، إما لأن الأمر بالطبيعة يوجب امتثال المكلف عرفا بالواحد فما زاد و إن كانت تدريجا مع فرض قصد المكلف الامتثال، أو لأن أدلة الجواز السابقة ظاهرة في جزئية السورة و الزيادة عليها، فالسورة حينئذ التي يعلم الله أن المكلف لا يقتصر عليها ليست هي تمام الجزء، بخلاف التي يعلم الله الاقتصار عليها، و التخيير بين الأقل و الأكثر انما يمنع إذا فرض الاجتزاء بالأقل حال كونه في ضمن الأكثر، فلا يكون حينئذ عند التحقيق من التخيير بين الأقل و الأكثر مع فرض اعتبار صفة الوحدة مقابلا لها مع الزيادة، ضرورة عدم حصولها في الزائد حينئذ كما هو واضح، و ليس هذا من التفريق بين الفردين بالنية كي


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب قراءة القرآن.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة.

ج 9، ص: 359

يخرج عن الأقل و الأكثر و إن التزمه بعضهم في كل خطاب ظاهره التخيير بين الأقل و الأكثر، إلا أنه قد بينا ضعفه في محله، و أنه مجرد دعوى بلا شاهد، مع أن التزامه في المقام يقضي بخروج ما إذا استقلت السورة الثانية بالنية عن القران، نعم هو متجه بناء على اعتبار النية في القران كما ذكرناه سابقا و يوهمه مختصر نهاية ابن الأثير، و الأقوى خلافه، و أنه لا فرق بين أن يجمعهما بنية واحدة أولا، و أنه متى جاء بهما على نية الجزئية احتسبت كذلك، و ربما يومي اليه في الجملة أخبار العدول عن السورة ما لم يتجاوز النصف، ضرورة حصول معنى الجزئية بأول شروعه، لأن جزء الجزء جزء، و عدوله لا يبطل وصف ما وقع من الجزئية، بل الشارع سوغ له مع ذلك الإتيان بسورة أخرى، فيكون الجزء حينئذ سورة و نصفا، و دعوى إبطال الشارع جزئية ما وقع من السورة الأولى بسبب عدم حصول مسمى السورة يمكن البحث فيها، كدعوى اعتبار قصد المكلف بطلان ما وقع منه من بعض السورة في جواز العدول إلى سورة أخرى، ضرورة إطلاق النصوص، و أنه انما يرفع يده عن باقي السورة لا ما وقع منه، على أنه يمكن منع حصول البطلان لما وقع منه صحيحا بمجرد قصده و إرادته بطلانه، إذ هو من الأحكام الشرعية التوقيفية، هذا.

مع إمكان التخلص بما ذكره غير واحد من الأصحاب في بعض الخطابات الظاهرة في التخيير بين الأقل و الأكثر من جعل الواجب الأقل، و الزائد مستحب صرف، و لا ينافي جزئيته حينئذ من الصلاة، لصيرورته كالقنوت، بل يمكن جعله جزء من القراءة أيضا بنوع من التأمل، نعم قد ينافيه ما سمعته سابقا من أن المراد بالأجزاء المندوبة في نحو الصلاة الواجبة أكملية الفرد المشتمل عليها، و إلا فهو من أفراد الصلاة أيضا، فيرجع حينئذ إلى أفضل أفراد الواجب التخييري، و المفروض في المقام الكراهة و إن قلنا: إنه بمعنى أقلية الثواب، فلا يتصور فرض استحبابه كالقنوت، مع أن

ج 9، ص: 360

المجرد منه أفضل منه و أكثر ثوابا، اللهم إلا أن يقال: إنه لا مانع منه هنا بعد فرض ملاحظته الفرد المشتمل عليه دونه نفسه، و لا يتوهم ورود نحو ذلك على التقرير الذي ذكرناه أولا في المقام، ضرورة انحلاله إلى أن الشارع أمر في الركعة بقراءة سورة معتبر فيها الاتحاد، أو السورتين مثلا المعتبر فيهما المقابلة للأولى لا الداخلة فيهما، و جعل الفرد الأول أفضل كما هو نص خبر زرارة المتقدم (1)مع أنه يمكن دعوى إرادة المعنى المصطلح من الكراهة في المقام، كما هو صريح المحكي عن مجمع البرهان بأن يقال بكراهة إتيان المكلف للسورة الثانية بعنوان أنها للركعة و إن كان لا يأثم و لا تبطل صلاته، و لا تكون هي بهذه النية جزء من الصلاة، فتأمل جيدا.

و كيف كان فقد ظهر لك من التأمل فيما ذكرناه أولا أن القول بالكراهة الذي قال المصنف: إنه هو الأشبه أقوى، إذ أقوى معارض له فيما تقدم لفظ النهي في بعض النصوص التي لم يصح بعض أسانيدها، و هو- مع شيوعه في الكراهة حتى قيل بمساواته للحقيقة- يجب حمله عليها في المقام بقرينة تلك الأخبار التي لا ينبغي إنكار صراحة بعضها أو مجموعها، إذ هو الموافق لما دل على العمل بأخبارهم الجامعة للشرائط، و لما دل على أن كلامهم (عليهم السلام) بمنزلة كلام متكلم واحد يشهد بعضه لبعض، و أن الكلمة منهم (عليهم السلام) لتقع على سبعين وجها(2)و أنكم أفقه الناس إن عرفتم معاني كلماتنا(3)التي فيها العام و الخاص و المطلق و المقيد و غيرهما فما وقع من بعض الأعلام في المقام- من المبالغة في إنكار الحمل المزبور، و أنه لا دليل


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 11.
2- 2 البحار ج 2 ص 184 و 198 و 199 المطبوعة بطهران عام 1376.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صفات القاضي- الحديث 30 من كتاب القضاء.

ج 9، ص: 361

عليه، بل مخالف للأدلة الآمرة(1)بأخذ ما خالف العامة و نحوه- في غير محله، ضرورة الاكتفاء في الاستدلال عليه بوجوب العمل بأخبارهم (عليهم السلام)، و أن كلامهم بمنزلة كلام متكلم واحد، إذ لا ريب في استلزام هاتين المقدمتين الحمل المزبور و نحوه مما ينتقل اليه من نفس اللفظ بعد تأليفه و جعله كالكلام الواحد مثلا.

و نحوه ما وقع من بعض آخر أيضا «من أن الجمع المزبور شرطه المكافاة المفقودة في المقام باعتبار موافقة أخبار الجواز للعامة التي جعل الله الرشد في خلافها، خصوصا و عمدتها صحيح علي بن يقطين (2)عن أبي الحسن (عليه السلام) الذي يظن به التقية باعتبار شدتها في زمانه، و كون «علي» وزير الخليفة، مع أن ظاهره نفي الكراهة، و هو مما أجمع العلماء على خلافه، فمثله يجب طرحه، و حمله على إرادة نفي الحرمة خاصة خلاف ظاهر النكرة في سياق النفي، فيكون مؤلا، و هو أيضا ليس بحجة، و دعوى الإجماعين على القول الأول، و كثرة النصوص المشتملة على النهي و غيره مما يدل على المطلوب، و الاعتضاد بعمل النبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) و التابعين و تابعي التابعين و جميع العلماء في الأعصار و الأمصار، و الاحتياط في العبادة التوقيفية، بل منه و من النهي المزبور و نحوهما يتوجه الحكم بإبطاله الذي صرح به بعض القائلين بالحرمة كالشيخ و ابن البراج فيما حكي عنهما، و العلامة في قواعده، و الطباطبائي في منظومته و غيرهم، لأصالة عدم الإتيان بالمأمور به، و لظهور النواهي في الفساد، و أن المعتبر في السورة المجزية الاتحاد، و من هنا علل بعضهم البطلان بأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه لأنه قد اعتبر فيه عدم القران، فما في المدارك حينئذ- من أنه على تقدير الحرمة لا وجه


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صفات القاضي- الحديث 1 و 21 و 23 و 33 و 34 و غيرها.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 9.

ج 9، ص: 362

للبطلان لكون النهي عن أمر خارج- في غير محله قطعا كما لا يخفى على من لاحظ ما استفاده الأصحاب من الشرائط و الأجزاء و الموانع من أمثال هذه الأوامر و النواهي في سائر المقامات».

و فيه أولا أنه لا يخفى على من أحاط خبرا بما ذكرنا وجود المقاومة و زيادة، و ثانيا منع اعتبارها بمعنى ملاحظة المرجحات الموجودة في النصوص (1)في مثل هذا الجمع الذي ينتقل اليه من مجرد تأليف الكلامين كالعام و الخاص و المطلق و المقيد و نحوهما بل يكفي فيه جمع شرائط الحجية، و إلا لزم طرح الدليل المعتبر من غير مقتض، بل هو في الحقيقة مناف لكل ما دل على الحجية، و من هنا حكمنا الخاص و لو بالآحاد على عام الكتاب و نحوه من المتواتر سندا، و أن التحقيق أنه ليس من المخالفة للكتاب التي أمرنا(2)بطرح الخبر معها كما هو واضح من طريقة الأصحاب في سائر الأبواب، و من العجيب قوله في المقام بطرح نصوص الجواز مع عمل مشهور المتأخرين بها بمجرد احتمال أنها للتقية التي لم تكن لتخفى على خواص الأصحاب و البطانة، بل كانوا يعرفون ذلك بمجرد سماعهم من بعض الرواة، و يقولون قد أعطاه من جراب النورة، كما أن الظاهر تصفية هذه الأصول من مثل هذه الأخبار و غيرها، و أنهم بذلوا الجهد مع قرب عهدهم و شدة معرفتهم في تعرف ذلك و طرح ما كان من هذا القبيل، نعم ربما أبقوا فيها ما هو واضح انه انما ورد مورد التقية، و أن فيها نفسها ما يدل على ذلك، و لذا كان الحمل على التقية في مثل هذه النصوص المجردة عما يشعر بورودها موردها لا يرتكب إلا عند الضرورة، و يذكر احتمالا بعد أن يرجح الخبر المقابل له بالتباين بحيث يدور الأمر بين طرحه أصلا و بين ذكر وجه له كالتقية و نحوها، على أن احتمال مراعاة التقية


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صفات القاضي- الحديث 1 و 1.

ج 9، ص: 363

في المقام في غاية الضعف، لأنه انما نقل عن الشافعي منهم محتجا بفعل ابن عمر، و الذي يتقى منه غالبا في مثل تلك الأزمنة أبو حنيفة باعتبار كون مذهبه مذهب السلطان و الأتباع، على أن بعض النصوص السابقة من الباقر (عليه السلام) الذي كانت التقية في زمانه في غاية الضعف باعتبار كثرة مراجعة جابر الأنصاري حتى قال قائل منهم حسدا أنه هو كان يعلمه مع أن جابرا و غيره لا يستطيع الكلام بحضرته، و انما كانت مراجعته له لأمر النبي (صلى الله عليه و آله) له بذلك، و إبلاغ السلام اليه و أنه يبقر العلم بقرا، و كان العامة يعرفون ذلك من جابر، و لذا ضعفت التقية في زمانه، مع أن بني أمية و بني العباس كان بعضهم مشغولا ببعض، و يومي إلى ذلك كله

قول الصادق (عليه السلام)(1)«كان أصحاب أبي يأتونه و يفتيهم بمر الحق، و يأتوني شكاكا فأفتيهم بالتقية»

على أن نصوص المقام قد تضمنت الكراهة و التفصيل بين النافلة و الفريضة و نحو ذلك مما لا ينقل عن الشافعي، بل كان يمكن الامام (عليه السلام) ذكر الحق و التخلص عن فتوى الشافعي بفعل النبي (صلى الله عليه و آله) و الخلفاء و التابعين و تابعي التابعين.

و بالجملة من نظر بعين الإنصاف إلى تلك النصوص المعمول بها بين كثير من المتأخرين، و أنه لا معارض لها إلا مجرد نهي فيها يستعمل غالبا في الكراهة، و بعض الاشعارات التي لا ينبغي الالتفات إليها يجزم بعدم صدورها مصدر التقية، و كيف يحل لامرئ مسلم رفع اليد عنها و طرحها مع اعتبار أسانيدها و لو بالعمل بها بين المتأخرين بمجرد موافقتها للمحكي عن الشافعي، و ليس ذلك في الحقيقة إلا ردا للخبر بلا معارض لأنه موافق للعامة، و التسري في ذلك يؤدي إلى هدم قواعد المذهب، نسأل الله تشييدها و تسديدها، و انما ذكرنا هنا بعض الكلام و إلا فتمام البحث فيه و في أمثاله


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب المواقيت- الحديث 2 من كتاب الصلاة.

ج 9، ص: 364

محتاج إلى رسالة نسأل الله توفيقنا لها.

و أما ترجيح تلك النواهي على النصوص المزبورة بشهرة القدماء و إجماعي الصدوق و المرتضى ففيه أولا أن المحكي عن ابن إدريس أنه قال: لم يتعرض أصحابنا لذكره، و لم يعدوه من المبطلات للصلاة، فإن كان الأمر كما ذكر دل على المختار، و ثانيا أن الموجود في عبارات القدماء لفظ النهي كالنصوص، و عدم الجواز و نحوه مما لا صراحة فيه بل و لا ظهور في البطلان، خصوصا و قد صرح الشيخ في المبسوط بعدم البطلان معه بل يمكن إرادة الكراهة منه كالنصوص لغلبة تعبيرهم بنفس متن الخبر، على أن القدماء وقع ما وقع منهم، في كثير من المقامات من المذاهب الفاسدة لعدم اجتماع تمام الأصول عند كل واحد منهم، و عدم تأليف ما يتعلق بكل باب منها على حده، فربما خفي على كل واحد منهم كثير من النصوص، فيفتي بما عنده من غير علم بالباقي كما لا يخفى على الخبير الممارس المتصفح لما تضمن تلك الآثار، على أنه يمكن إرادة الصدوق و المرتضى من النسبة إلى دين الإمامية و منفرداتهم أن في الإمامية من صرح بالمنع بخلاف العامة، فإن الشافعي الذي قد تعرض له ذكر الجواز، و ليس المراد إجماع الإمامية عليه، و ربما يشهد لذلك خصوصا بالنسبة إلى الأول منهم وقوع هذه اللفظة المزبورة فيما لا يقول به من الإمامية إلا قليل، و لقد طال بنا الكلام حتى خرجنا عما يقتضيه المقام و إن كنا لم نستوف أيضا تمام النقض و الإبرام، إلا أنه قصدنا بذلك تهييج الذهن إلى بعض هذه الأمور لينتقل منها إلى غيرها، فإن الأشياء تحضر بنظائرها، و لو أنصف المتأمل فيما ذكرنا لاهتدى به إلى أمور كثيرة و قواعد خطيرة لا تخص المقام، و الله أعلم بحقائق الأحكام.

[في بيان موارد الإجهار و الإخفات]

و يجب الجهر بالحمد و السورة في الصبح و في أولتي المغرب و العشاء، و الإخفات بهما في الظهرين من غير يوم الجمعة و بالحمد خاصة في ثالثة المغرب و الأخيرتين

ج 9، ص: 365

من العشاء على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك في صريح الغنية و عن الخلاف و عن ظاهر غيرهما، بل يمكن تحصيل الإجماع، إذ لم نجد فيه خلافا و لا حكي إلا من الإسكافي و المرتضى (رحمه الله) في المصباح، و هما- مع معلومية نسبهما، بل لم يعتد بخلاف الأول منهما في كثير من المقامات، كما أن الأستاذ الأكبر أنكر ظهور المحكي عن الثاني فيما نسب اليه، كما يومي اليه نقل الشيخ و أبي المكارم الإجماع مع عظمة السيد عندهما، و اعتناؤهما خصوصا الثاني منهما بأقواله، و يؤيد ذلك أيضا ما عن السرائر من نفي الخلاف بيننا في عدم جواز الجهر بالقراءة و الإخفات و غير ذلك، لكن الإنصاف أن إنكار ظهور كلامه في ذلك تعسف، قال: «إنه من وكيد السنن حتى روي أن من تركه عامدا أعاد»- لا يقدحان في تحصيل الإجماع بناء على كثير من طرقه، على أنه قد تحقق انعقاده في كثير من الأزمنة المتأخرة عن زمنهما حتى استقر المذهب و اتفقت الكلمة إلى هذه الأزمنة المتأخرة، فصدر من بعض أصحابنا ما يقتضي الميل اليه أو التعويل عليه، لكنه قد سمعت غير مرة أن خلاف أمثالهم غير قادح بعد معلومية أن صدور ذلك لخلل في الطريقة.

و كيف كان فالحجة عليه مضافا إلى ما سمعت

صحيح زرارة(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه فقال: أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي ء عليه و قد تمت صلاته»

ضرورة ظهور النقض بالضاد المعجمة كما هو الموجود في كتب الأصول و الفروع في البطلان الذي هو لازم الوجوب كالأمر بالإعادة، بل هو كذلك و إن قرئ بالصاد أيضا كما احتمله بعض متأخري المتأخرين، لأنه هو مقتضى النقصان حقيقة، خصوصا بعد تعقيبه بما عرفت،


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 366

و لا ينافيه لفظ «ينبغي» في السؤال بعد ظهوره هنا في إرادة القدر المشترك بين الوجوب و الاستحباب، و إلا لم يحسن من مثل زرارة السؤال، فلا ينبغي التأمل حينئذ في دلالة الصحيح المزبور، على أن الأستاذ الأكبر في حاشية المدارك قال: «لا ينحصر وجه الدلالة فيه بذلك، لأن الموجود في الخبر المزبور بعد قوله: «الإخفاء فيه» «أو ترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه، أو قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه» و قد أجاب (عليه السلام) عن الجميع بما سمعت، و من ضروريات المذهب بل الدين أن ترك القراءة عمدا مبطل للصلاة، و أما فعلها في موضع لا ينبغي فمثل قراءة السورة في الركعة الثالثة و الرابعة أو خلف الإمام أو نحو ذلك، أو المراد بقصد أنه وظيفة شرعية في أي موضع كان، فيكون حينئذ دلالة الصحيح المزبور على المطلوب منطوقا و مفهوما من خمسة وجوه» و هو جيد جدا إلا أن الذي عثرنا عليه من صحيح زرارة مجرد عن تلك الزيادة، نعم له

صحيح آخر(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) أيضا في المتن المزبور لكن الجواب فيه «أي ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شي ء عليه»

و لعله (رحمه الله) من جهة اتحاد الراوي و المروي عنه و كثير من المروي ركب الجميع و جعله جزءا واحدا، و الأمر سهل، إذ هو إما كذلك أو الصحيحة الثانية دليل آخر على المطلوب، مضافا إلى ما ورد(2)من الإخفات في صلاة النهار و أنها عجماء، و الجهر في صلاة الليل حتى شاع ذلك و ذاع في ذلك الزمان، و لأجله

سأل يحيى بن أكثم القاضي (3)أبا الحسن (عليه السلام) «عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة و هي من صلوات النهار و انما يجهر في صلاة


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب 22 و 25 من أبواب القراءة في الصلاة و المستدرك- الباب 18 من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.

ج 9، ص: 367

الليل فقال: لأن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يغلس بها فقربها من الليل»

و في

خبر رجاء بن الضحاك (1)عن الرضا (عليه السلام) المروي عن العيون مسندا «انه كان (عليه السلام) يجهر بالقراءة في المغرب و العشاء الآخرة- إلى أن قال-: و يخفي القراءة في الظهر و العصر»

و هو ظاهر في استمرار فعله (عليه السلام) ذلك في الصلاة التي أمرنا بالتأسي بما يفعلونه فيها، بل في التذكرة في أول كلامه أن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يفعل ذلك مشيرا إلى نحو ما في المتن، و قد

قال (صلى الله عليه و آله)(2): «صلوا كما رأيتموني أصلي»

بل قال في آخره فيما حضرني من نسخة التذكرة: «و قال المرتضى و باقي الجمهور كافة بالاستحباب عملا بالأصل، و هو غلط للإجماع و مداومة النبي (صلى الله عليه و آله) و جميع الصحابة و الأئمة (عليهم السلام) عليه، فلو كان مسنونا لأخلوا به في بعض الأحيان» و هي صريحة في نقل الإجماع و العمل الذي يجب اتباعه، لكن المحكي عنها الإجماع على مداومة النبي (صلى الله عليه و آله) إلى آخره، فيكون نقلا للعمل خاصة، و على كل حال فهو شاهد تام على ما قلنا، بل يصلح أن يكون دليلا مستقلا.

و في

خبر الفضل بن شاذان (3)عن الرضا (عليه السلام) الذي رواه الصدوق في الفقيه و العيون و العلل كما في الوسائل في حديث و أنه ذكر العلة التي من أجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض «ان الصلوات التي يجهر فيها انما هي في أوقات مظلمة، فوجب أن يجهر فيها ليعلم المار أن هناك جماعة، فان أراد أن يصلي صلى، لأنه إن لم ير جماعة علم ذلك من جهة السماع، و الصلاتان اللتان لا يجهر فيهما انما هما بالنهار في أوقات مضيئة، فهي من جهة الرؤية لا تحتاج إلى السماع»

و في

خبر محمد بن حمران (4)


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5 روى عن رجاء بن أبي الضحاك.
2- 2 صحيح البخاري- ج 1 ص 124 و 125.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.

ج 9، ص: 368

الذي رواه هو «سأل أبا عبد الله (عليه السلام) لأي علة يجهر في صلاة الجمعة و صلاة المغرب و صلاة العشاء الآخرة و صلاة الغداة، و سائر الصلوات مثل الظهر و العصر لا يجهر فيهما- إلى أن قال-: فقال: لأن النبي (صلى الله عليه و آله) لما أسري به إلى السماء كان أول صلاة فرض الله عليه الظهر يوم الجمعة، فأضاف الله عز و جل إليه الملائكة تصلي خلفه، فأمر نبيه (صلى الله عليه و آله) أن يجهر بالقراءة ليبين لهم فضله، ثم فرض عليه العصر و لم يضف إليه أحدا من الملائكة، و أمره أن يخفى القراءة، لأنه لم يكن وراءه أحد، ثم فرض عليه المغرب و أضاف إليه الملائكة، فأمره بالإجهار، و كذلك العشاء الآخرة، فلما كان قرب الفجر نزل ففرض الله عليه الفجر فأمره بالإجهار ليبين للناس فضله كما بينه للملائكة، فلهذه العلة يجهر فيها (صلى الله عليه و آله)»

و المراد بالظهر فيه يوم الجمعة صلاة الجمعة بقرينة السؤال، و في الوسائل أنه رواه في العلل عن حمزة بن محمد بن العلوي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن علي بن معيد عن الحسن ابن خالد عن محمد بن حمزة عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله، إلا أنه ذكر صلاة الفجر موضع صلاة الجمعة و ترك ذكر صلاة الغداة، و كيف كان فلا يخفى وجه دلالته على المطلوب، إلى غير ذلك من النصوص المشعرة أو الظاهرة المذكورة في باب الجماعة و غيرها، بل المستفاد من مجموعها معروفية الجهرية و الإخفاتية في ذلك الوقت كما لا يخفى على من لاحظها مجموعها متأملا في وصفها بالجهرية و الإخفاتية في بعضها و مما(1)يجهر أو يخفت فيها في آخر.

فمن العجيب بعد ذلك كله وسوسة بعض متأخري المتأخرين في هذا الحكم


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح« و بما» باعتبار العطف المستلزم لتعلقه بوصفها.

ج 9، ص: 369

للأصل الذي يكفي في قطعه بعد القول بجريانه في مثل هذه العبادة بعض ما ذكرنا، و ل

صحيح علي بن جعفر(1)عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن الرجل يصلي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة هل عليه أن لا يجهر؟ قال: إن شاء جهر، و إن شاء لم يفعل»

الذي لا يصلح لمعارضة ما ذكرنا من وجوه، خصوصا مع شذوذه و موافقته للتقية، و عدم وضوح المراد منه إلا بأن يجعل «عليه» فيه بمعنى «له» كما روي كذلك أيضا في بعض كتب الفروع، أو يقرأ «إن» بالكسر أو نحو ذلك بل قد يحتمل إرادة الجهر و الإخفات في غير القراءة كما في

خبر الآخر(2)المروي عن قرب الاسناد عن أخيه أيضا، سأله «عن الرجل هل يصلح له أن يجهر بالتشهد و القول في الركوع و السجود و القنوت؟ قال: إن شاء جهر، و إن شاء لم يجهر»

أو الفرد العالي من الجهر أو صلاة الجمعة بناء على استحباب الجهر فيها لا وجوبه، كما استدل به هناك في المدارك عليه أو غير ذلك، و المناقشة في حمله على التقية بأنه قد عمل به السيد و الإسكافي كما وقع من المصنف فيما حكي من معتبره حتى نسب الشيخ إلى التحكم في الحمل المزبور لذلك يدفعها أن مثل عملهما خاصة لا يمنع من الحمل على التقية، بل لا يخرجه عن الشذوذ أيضا، و أظرف شي ء ترجيح الصحيح المزبور على ما ذكرنا بموافقته للكتاب العزيز، و فيه- بعد الإغضاء عن مقاومة المرجح المذكور لبعض ما ذكرنا فضلا عن جميعه- أن المراد من الآية(3)بعد ملاحظة بعض النصوص (4)الواردة في تفسيرها الوسط في الجهر فيما يجهر به و الإخفات فيما يخفت به، بل يقوى في نفسي أن المراد من


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الركوع- الحديث 1.
3- 3 سورة الإسراء- الآية 110.
4- 4 الوسائل- الباب- 52- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 9، ص: 370

الآية بقرينة بعض ما ورد(1)في تفسيرها أيضا عدم التجاهر بالصلاة مخافة أذية المشركين، و عدم التخفي فيها مخافة التساهل فيها أو ظن نسخها أو غير ذلك، و له شواهد كثيرة و مؤيدات عديدة ليس المقام مقام ذكرها، كما أنه ليس المقام مقام ذكر جميع ما قيل في الآية مما يخرج به عما نحن فيه، و من أرادها فليلاحظ مجمع البيان و كنز العرفان و غيرهما، ضرورة كون ما نحن فيه من الواضحات التي لا يعتبر بها شي ء من هذه التشكيكات.

و أما يوم الجمعة فقد يتوهم أنه لا فرق بين الظهر فيه و غيره من مقتضى إطلاق الفتاوى هنا و معاقد الإجماعات و سائر الأدلة المزبورة، لكنه ليس كذلك، للأصل، و للبدلية، و للنصوص الدالة على الجهر بالقراءة فيها، ك

صحيح الحلبي (2)سئل أبو عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل يصلي الجمعة أربع ركعات أ يجهر فيها بالقراءة؟ قال: نعم و القنوت في الثانية»

و

صحيحه الآخر أو حسنه (3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعا أجهر بالقراءة فقال: نعم».

و

خبر محمد بن مسلم (4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لنا: «صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة، و اجهروا بالقراءة، فقلت: إنه ينكر علينا الجهر بها في السفر فقال: اجهروا»

بناء على إرادة الظهر قصرا من الجمعة فيه، ك

خبر محمد بن مروان (5)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة الظهر يوم الجمعة كيف نصليها في السفر؟

فقال: تصليها في السفر ركعتين، و القراءة فيها جهر».

نعم لمعارضتها بما سمعت، و ب

خبر جميل (6)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 73- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 73- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 73- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 73- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 73- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 8.

ج 9، ص: 371

عن الجماعة يوم الجمعة في السفر فقال: يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر، و لا يجهر الامام فيها بالقراءة إنما يجهر إذا كانت خطبة»

و

خبر محمد بن مسلم (1)«سألته عن صلاة الجمعة في السفر فقال: يصنعون كما يصنعون في الظهر، و لا يجهر الإمام بالقراءة و انما يجهر إذا كانت خطبة»

حملت على الندب، لكن في الوسائل أن الشيخ حمل هذين الخبرين على التقية و الخوف، و فيه أن المتجه حينئذ الوجوب، ثم قال هو: و يحتمل نفي تأكد الاستحباب في الظهر و إثباته في الجمعة، و هو جيد.

و على كل حال فالقول بالمنع مطلقا كما حكاه في المنتهى عن ابن إدريس في غاية الضعف حتى على أصله، ضرورة تعدد النصوص في المقام و صحتها و العمل بها من الطائفة، كما يومي اليه ما في الرياض عن الخلاف من الإجماع على الحكم المزبور، مع أن المحكي عن الحلي في الرياض ما حكاه في المنتهى عن المرتضى من التفصيل بين الامام و غيره، فيجهر الأول دون الثاني،

للصحيح المروي (2)عن قرب الاسناد «عمن صلى العيدين وحده و الجمعة هل يجهر فيهما؟ قال: لا يجهر إلا الامام»

و من هنا قال فيه:

إن القائل بالمنع مطلقا بعد لم يظهر، نعم حكاه في المعتبر قائلا أنه الأشبه بالمذهب، و استقر به بعض من تأخر، و كيف كان فقد عرفت ما فيه، كما أنه لا يخفى عليك ما في التفصيل المزبور، لما سمعته من التصريح بالمنفرد في بعض تلك الصحاح التي يقصر هذا الصحيح عن معارضتها، بل يجب الجمع بينهما بنفي التأكد أو عدم الوجوب أو نحوهما، خصوصا و قد عرفت عدم وجوب شي ء من الجهر و الإخفات عند المرتضى في غير محل البحث فضلا عنه، فمراده من التفصيل المزبور بالنسبة إلى الاستحباب و عدمه لا أصل الجواز، بل لم يحك عنه في المنتهى إلا نسبة الجهر مطلقا و التفصيل إلى الرواية، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه و إن كان الأقوى الاستحباب مطلقا، وفاقا للشيخ و الفاضلين


1- 1 الوسائل- الباب- 73- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 73- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 10.

ج 9، ص: 372

و غيرهما، و يأتي تمام البحث فيه إن شاء الله عند تعرض المصنف له في باب الجمعة.

و هل المراد بالقراءة فيها جميع ركعاتها أو يختص الحكم بالركعتين الأخيرتين (1)لم يحضرني للأصحاب نص عليه بالخصوص، و لكل منهما وجه.

و أما التسبيح في أخيرتيها فالظاهر أنها كغيرها من الفرائض لا تختص عنها بالحكم و تمام القول فيه أن الأصحاب قد اختلفوا في وجوب إخفاته و عدمه، ففي الذكرى و جامع المقاصد و حاشية الأستاذ الأكبر و المنظومة و الرياض و ظاهر التنقيح و عن الدروس و الألفية و الجعفرية و التكليفية و الطالبية و عيون المسائل و الاثنى عشرية و المقاصد العلية و التعليقات الكركية على الألفية و الروض الوجوب، بل حكي عن غير واحد دعوى الشهرة عليه، بل في الحدائق ادعى بعضهم الإجماع عليه، بل قد يظهر من الرياض اتحاد حكمه مع القراءة، بل فيه الظاهر الاتفاق عليه كما عساه يظهر من الأستاذ الأكبر أيضا، بل عن الشيخ نجيب الدين الاستدلال عليه أيضا بالإجماع على الإخفات فيما عدا الصبح و أولتي العشائين، كما عن الأنوار القمرية «ما وجدت لوجوب الإخفات في التسبيح دليلا إلا ما دل على الإخفات في مواضعه من الإجماع» و لعلهما أرادا إجماعي الخلاف و الغنية، لكن المحكي عن أولهما دعواه على خصوص القراءة، كما أن الموجود في الثانية ظاهر فيها، قال فيها: «و يجب الجهر بجميع القرآن في أولتي المغرب و العشاء الآخرة و صلاة الغداة بدليل الإجماع المشار اليه، و ببسم الله الرحمن الرحيم فقط في أولتي الظهرين من الحمد و السورة التي تليها عند بعض أصحابنا، و عند بعضهم هو مسنون، و الأول أحوط، و يجب الإخفات فيما عدا ما ذكرنا بدليل الإجماع المشار إليه» إذ الظاهر حذف متعلق الإخفات اعتمادا على الأول، و المراد الركعات من قوله فيما عدا ما ذكرنا لا المخفت به.


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و الصواب« الأولتين».

ج 9، ص: 373

و من هنا يظهر أنه لا ظهور في المتن و نحوه كالمبسوط و غيره من عبارات الأصحاب التي ذكرت القراءة متعلقا للجهر في القول المزبور، بل يمكن دعوى ظهوره في المقابل بناء على اعتبار مفهوم اللقب في عبارات الأصحاب، نعم قد يقال بظهور عبارة النافع و نحوها مما ترك فيها ذكر المتعلق فيهما إن لم نقل إن المنساق من لفظ الجهر و الإخفات في عبارات الأصحاب تعلقهما بالقراءة، خصوصا مع ذكرهم ذلك في أحكامها و لعله لذلك كله لم يذكر الطباطبائي مع سعة باعه و جودة ذهنه نحو هذه العبارات أو معاقد الإجماعات من أهل هذا القول صريحا أو ظاهرا.

و كيف كان فيشهد له- مضافا إلى احتمال اندراجه فيما سمعته من الإجماع المحكي- ظهور التسوية بينه و بين القراءة في ذلك من مثل العبارات الواردة فيه في النصوص (1)ك

قوله (ع): «إن شئت سبحت و إن شئت قرأت،»

و هما سواء و القراءة أو التسبيح أفضل و نحو ذلك، خصوصا مع عدم إشارة في شي ء منها على كثرتها إلى المخالفة بينهما فيه بل قد يؤيد ذلك ما في خصوص صحيحة(2)عبيد بن زرارة منها المعللة للقراءة بأنها تحميد و دعاء، ضرورة ظهورها في أن جواز القراءة لأنها تحميد و دعاء لا من حيث أنها قراءة، فهي أوضح شي ء حينئذ في اتحادهما، و أنهما معا من جنس واحد، و ينتقل منه حينئذ إلى اتحادهما في ذلك، على أن أخبار التسبيح (3)ليس فيها عموم، بل أقصاه الإطلاق الذي يرجع إلى العموم إذا لم يسبق إلى الذهن أحد الأفراد، و هو في المقام ممنوع، مضافا إلى ما ورد(4)في خصوص الإخفاتية، مما هو ظاهر في الإخفات فيها جميعها، و يتم حينئذ بعدم القول بالفصل، و لعله إليه أومأ في الذكرى رادا على السرائر


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 22 و 25- من أبواب القراءة في الصلاة.

ج 9، ص: 374

حيث أنكر النص على الإخفات بقوله: عموم الإخفات في الفريضة بمنزلة النص، فتدبر. و إلى ما عساه يشعر به ما في

صحيح علي بن يقطين (1)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أ يقرأ فيهما بالحمد و هو إمام يقتدى به؟

فقال: إن قرأ فلا بأس، و إن صمت فلا بأس»

بناء على أن المراد الركعتان الأخيرتان كما اعترف به في الحدائق لا أولتا الظهر مثلا، و حينئذ وصفهما بذلك ظاهر في بنائهما على الإخفات، فيندرج حينئذ في صحيح زرارة السابق (2)أجهر أو أخفت فيما لا ينبغي الجهر أو الإخفات فيه.

نعم يحتمل حمله على التقية لموافقته للمحكي عن أبي حنيفة بناء على أن المراد بالصمت فيه السكوت، و إلى ما سمعته سابقا في القراءة من دعوى معلومية إسرار النبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) و الصحابة في غير الصبح و أولتي العشاء، و قد عرفت فيما تقدم أفضلية التسبيح مطلقا عندنا، و هو (صلى الله عليه و آله) أولى من غيره في المواظبة على الأفضل، فيعلم حينئذ أن ديدنه (صلى الله عليه و آله) كان الاسرار بالتسبيح فيجب التأسي به، ل

قوله (صلى الله عليه و آله)(3): «صلوا كما رأيتموني أصلي»

و غيره، و إلى السيرة المستمرة و الطريقة المستقيمة في سائر الأعصار و الأمصار، و لعله إلى ذلك أشار العلامة الطباطبائي بقوله:

و يلزم الإخفات في الذكر البدل بالأصل و النقل و ظاهر العمل

مضافا إلى موافقته للاحتياط أيضا، ضرورة أنه لم يقل أحد من معتبري الأصحاب بوجوب الجهر و إن ظن من عبارة الصدوق، لكنه وهم واضح، نعم أفتى


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 13.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 صحيح البخاري ج 1 ص 124 و 125.

ج 9، ص: 375

به بعض الحشوية المخلطة في عصرنا و ما قاربه، كما أن بعضهم أيضا واظب على الجهر بالقراءة في الأخيرتين للإمام المعلوم عند الإمامية بطلانه كما عرفته سابقا، و كأن الذي أوهمه ما ورد(1)أنه ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل شي ء يقوله، و نحوه مما هو ظاهر عند من له أدنى درية في استماع ما يجوز الجهر فيه، و أنه مساق لبيان خصوص الاسماع للمأمومين لا لأصل جواز الجهر و عدمه، لكن هذا- مضافا إلى ما في النفس من السوء الذي يدعو إلى محبة الخلاف، و أنه جاء بما غفل عنه الأصحاب منضمين إلى الجهل المحض و عدم المعرفة بالفقه- دعاه إلى هذه البدعة و غيرها من البدع القبيحة أجار الله المذهب منها و من أهلها.

نعم الإنصاف أنه لا يخلو جميع ما ذكرناه بالنسبة إلى التسبيح من المناقشة، خصوصا بناء على المختار من عدم حجية كل ظن حصل للمجتهد، و من أن اسم العبادة للأعم القاضي بأن ما شك في اعتباره فيها يحكم بعدمه، و لعله لذا أو لغيره لم يرجح بين القولين في المحكي عن المهذب و غاية المرام و كشف الالتباس، بل اختار التخيير في التذكرة و الحدائق، بل حكاه في مصابيح العلامة الطباطبائي عن صريح السرائر أيضا و ظاهر نهاية الأحكام و التحرير و المحرر و الموجز و غاية الإيجاز و مصباح المبتدي و بحار الأنوار و الكفاية و الذخيرة، بل هو ظاهر المدارك و المحكي عن الحديقة و المسالك الجامعية و إن قيل فيهما: إن الإخفات أحوط، بل لعله أيضا ظاهر التنقيح و إن قال فيه: الأولى الإخفات فيه، لأنه أشد يقينا للبراءة، بل لعله ظاهر كل من اقتصر على ذكر القراءة في الجهر و الإخفات كما سمعته سابقا، بل في المحكي عن البحار- بعد الحكم بأن التخيير أقوى- و تدل بعض الأخبار ظاهرا على رجحان الجهر و لم أر به قائلا، و في مفتاح الكرامة وجدت في هامش رسالة تلميذ ابن فهد أن بعض الأصحاب ذهب


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 9، ص: 376

إلى استحباب الجهر، قلت: لعل المجلسي (رحمه الله) أراد ما في

خبر رجاء بن الضحاك (1)من أنه «صحب الرضا (عليه السلام) من المدينة إلى مرو فكان يسبح في الأخراوين يقول: سبحان الله»

ضرورة ظهوره في أنه حكاية ما كان يسمعه منه حال الصلاة، و لا يتم إلا مع الجهر الذي ستعرف أن أدناه عند الأصحاب إسماع الغير و أن الإخفات ليس إلا إسماع النفس خاصة حتى نقلوا الإجماع على ذلك، و أوضح منه ما في

خبر أحمد بن علي المروي عن العيون من أنه «صحب الرضا (عليه السلام) فكان يسمع ما يقوله في الأواخر من التسبيحات»

و هما مع الأصل و إطلاق بعض أخبار الجهرية و ما فيه من التعليل و ما عساه يشعر به التقييد فيما

روي (2)من «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقرأ في أولتي الظهر سرا»،

و غير ذلك يستفاد منه أصل الجواز أيضا، بل الأخير مشعر برجحان الجهر المدعى سابقا، فتأمل جيدا، فليس من العدل حينئذ شدة الإنكار على القول بجواز الجهر فيه، بل و لا ما في الرياض هنا من نظمه التسبيح تارة في البحث عن القراءة مشعرا باتحاد البحث فيهما، و قوله عند البحث على أقل الجهر الظاهر الاتفاق عليه أخرى، و كأنه لم يظفر بما ذكرناه في المسألة، و الله أعلم.

[في تحديد الجهر و الإخفات]

و أقل الجهر أن يسمع القريب الصحيح إذا استمع بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى، بل بإجماعهم كما في ظاهر التذكرة أو صريحها و عن المعتبر و حد الإخفات أن يسمع نفسه إن كان يسمع إجماعا كما في التذكرة و المنتهى أيضا و عن المعتبر، و قال الشيخ فيما حكي عن تبيانه حد أصحابنا الجهر فيما يجب الجهر فيه بأن يسمع


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 8 لكن رواه عن رجاء بن أبي الضحاك.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 9.

ج 9، ص: 377

غيره، و المخافتة بأن يسمع نفسه، و ظاهر الجميع حتى المتن و غيره ممن عبر كعبارته إذا لم يعطف لفظ الإخفات فيه على المضاف اليه كما صرح به في التذكرة حيث قال: و حد الإخفات إلى آخره أنه لا يدخل إسماع الغير في الإخفات أصلا كما عن ابن إدريس التصريح به، قال: «و حد الإخفات أعلاه أن تسمع أذناك القراءة، و ليس له حد أدنى بل إن لم تسمع أذناه القراءة فلا صلاة له، و إن سمع من عن يمينه و شماله صار جهرا، فإذا فعله عامدا بطلت صلاته» نحو المحكي عن الراوندي في تفسير القرآن «أقل الجهر أن تسمع من يليك، و أكثر المخافتة أن تسمع نفسك».

نعم لا عبرة بالغير الذي يفرض أقربيته إلى سماع اللفظ من الإنسان نفسه، كما لو وضع أذنه قريبا من فم المتكلم مثلا، بل يمكن دعوى ظهور لفظ القريب المأخوذ في تعريف الجهر في غير المجتمع معه، بل يكون بينهما مسافة في الجملة و إن قلت تحقيقا لمعنى القرب المتغاير للمعية، ضرورة إمكان أقربية سماع مثل المفروض من النفس، إما لأن إذن السامع في جهة هواء الحرف بخلاف أذن الإنسان نفسه فإنها منحرفة عنه، أو لغير ذلك، و ربما ينبه عليه في الجملة

قول الباقر (عليه السلام) في المرسل (1)في تفسير علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى (2)«وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ» الآية:

«الإجهار أن ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك، و الإخفات أن لا تسمع من معك إلا يسيرا»

ضرورة إرادته بيان المنهي عنه من الجهر، فلا بد من حمل «من معك» فيه على المساوي للنفس أو دونه كي لا ينافي ما دل على أن الإخفات المنهي عنه ما دون سماع الإنسان نفسه كما في

موثق سماعة(3)و كذا يجب إرادة البعد المفرط من قوله (عليه السلام) فيه: «من بعد عنك»

كي يوافقه أيضا.


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 7.
2- 2 سورة الإسراء- الآية 110.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.

ج 9، ص: 378

و المدار في الظاهر على سماع تمام اللفظ و جواهر الحروف لا خصوص بعض الحروف لما فيها من الصفير و نحوه، فلا يقدح حينئذ في صدق الإخفات سماع القريب مثل ذلك، كما أنه لا يكفي في تحقيق معنى الجهر مثله، أما إذا لم يسمع الإنسان نفسه ما يقوله من جوهر الحروف لضعف الصوت لا لعارض الماء أو الهواء فالظاهر عدم الاجزاء كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل هو ظاهر معقد الإجماعات السابقة بل صريحها خصوصا بعضها، و هو الحجة، مضافا إلى

صحيح زرارة أو حسنه (1)«لا يكتب من القراءة و الدعاء إلا ما أسمع نفسه»

و ما ورد في موثق سماعة(2)و غيره من تفسير الإخفات المنهي عنه في الآية بما دون السمع، مضافا إلى ما في التذكرة و غيرها من عدم صدق القراءة مثلا عليه حينئذ، و لعله لاعتبار هذا المقدار من الصوت في أصل ماهية اللفظ، و فيه بحث، نعم يمكن أن يجعل ذلك مقدمة لليقين بحصول اللفظ المأمور به فبدونه لم يحصل اليقين بذلك، و هو لا يخلو من بحث أيضا، و في الأول غنية، فما في الرياض- من احتمال الاجتزاء بالهمهمة ل

صحيح الحلبي (3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) هل يقرأ في صلاته و ثوبه على فيه؟ قال: لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة»

- ضعيف جدا خصوصا بناء على الوجهين الأخيرين، ضرورة قصوره عن إفادة مثل ذلك حينئذ، على أن الهمهمة الصوت الخفي كما عن القاموس، فلا ينافي فهم جوهر الحروف قبل، و إن كان كلام ابن الأثير يقتضيه، و الموجود فيما حضرني من نسخة نهايته أنها كلام خفي لا يفهم، و لعله يريد لا يفهمه الغير، فلا يكون منافيا أيضا.

و على كل حال فلا ريب في قصوره عن الحكم على غيره من وجوه، خصوصا مع احتماله إرادة القراءة مع القدرة بمن لا يقتدى به تقية، كما يومي اليه ما فيه من


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.

ج 9، ص: 379

جعل الثوب على فيه، ك

صحيح علي بن جعفر(1)عن أخيه (عليه السلام) «سألته عن الرجل يصلح له أن يقرأ في صلاته و يحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال: لا بأس أن لا يحرك لسانه يتوهم توهما»

بشهادة

الخبر الآخر(2)«يجزيك من القراءة معهم مثل حديث النفس»

و

الصحيح (3)أيضا معهم «إقرأ لنفسك، و إن لم تسمع فلا بأس»

هذا.

و ربما ظن من المتن و نحوه بتخيل عطف الإخفات على المضاف اليه اتحاد الجهر و الإخفات في بعض المصاديق، فيكون بينهما العموم من وجه، بل ما يحكى عن التحرير و بعض نسخ التلخيص كالصريح في ذلك، حيث عبر فيهما بأقل الإخفات المشعر بأن له فردا أعلى، و هو ليس إلا إسماع الغير الذي هو أقل الجهر، بل هو صريح المحكي عن الموجز من أن أعلى الإخفات أدنى الجهر، فاعترض بظهور التفصيل و التقسيم إلى الجهرية و الإخفاتية في النصوص و الفتاوى في عدم الاشتراك، و انهما ضدان لا يجتمعان في فرد و فيه أنك قد عرفت ظهور كثير من عباراتهم في أن ذلك تحديد للاخفات نفسه لا لأقله كما سمعته من صريح السرائر بل و غيرها، و يومي اليه ذكر الأقل في تعريف الجهر و لفظ الحد في تعريف الإخفات، و العطف في عبارة المتن و نحوها على الجملة، فانحصر الإيهام المزبور في النزر من العبارات، و الضدية حينئذ متحققة لاعتبار إسماع الغير القريب عرفا في أقل الجهر و عدمه في الإخفات، و المراد بالنفس حينئذ المعتبر في تعريفه نفي ذلك الغير المعتبر في تحقيق أقل الجهر، فليس مطلق إسماع الغير منافيا خصوصا بعض الحروف و نحوها، فلا دلالة حينئذ في المحكي عن نهاية الأحكام من أنهما حقيقتان متضادتان على ما يقوله المتأخرون، إذ قد عرفت حصوله على التقدير المزبور، كما أنه لا دلالة في بعض


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 380

العبارات الظاهرة في أن للاخفات فردا أعلى من إسماع النفس عليه أيضا، إذ هي إما منافية و ابتنائها على أن بينهما العموم من وجه، أو يكون المراد منها ما ذكرناه من بعض صور إسماع الغير التي لا يتحقق بها الجهر، فأقله حينئذ إسماع النفس، و أعلاه إسماع الغير الذي يكون أبعد عن النفس في الجملة، على أنه يمكن القول على الإيهام المذكور بعدم إجزاء فرد الاجتماع في شي ء منهما، و أن التقابل انما هو في فردي الافتراق، ضرورة استلزام اجتماع الأمر و النهي فيه، و ظهور اقتضاء التقابل خلافه، لا أنه يجتزي به في كل منهما كي يتأتى الاعتراض السابق، و لكن الفتوى على الأول.

و ظني أنه ينطبق على ما ذكره المحقق الثاني و تبعه عليه من تأخر عنه كما اعترف به هو، إذ حاصله أن المرجع فيهما إلى العرف كما هو الضابط في كل ما لم يرد به تحديد شرعي، و الجهر يتحقق فيه بإسماع القريب عرفا مع فرض عدم المانع من هواء أو ماء بسبب إظهار جوهر الصوت و الجرسي منه الذين بهما يتحقق الجهر عرفا، و الإخفات بإسماع النفس أو مع الغير لكن باخفات الصوت و همسه و عدم ظهور الجرسي منه، فهما حينئذ ضدان، و أنه لا يعتبر في الجهر إسماع الغير و إن أمكن دعوى لزومه له، كما أنه لا يعتبر في الإخفات عدم إسماع الغير، ضرورة حصول مسماه عرفا بالتقدير المزبور و إن أسمع الغير، بل في كشف اللثام عسى أن لا يكون إسماع النفس بحيث لا يسمع من يليه مما يطاق، و كأنه يريد بيان شدة العسر و الحرج لو اعتبر في الإخفات عدم إسماع الغير، بل في الرياض أنه يعضد العرف ما في الصحاح «جهر بالقول رفع الصوت به» قيل: و يظهر من القاموس ذلك أيضا، قلت: و في المجمل «الجهر الإعلان بالشي ء، و الخفت إسرار النطق» و يقرب منه ما في مختصر النهاية الأثيرية، و يدل عليه أيضا مع ذلك ما عن العيون «من أن أحمد بن علي صحب الرضا (عليه السلام) فكان ما يسمع ما يقوله في الأخراوين من التسبيحات» و ما تقدم من خبر رجاء بن

ج 9، ص: 381

الضحاك (1)بناء على الإخفات في التسبيح.

و من ذلك كله استوجه غير واحد جعل المدار على العرف الذي قد سمعته، و لكن قيل الأحوط مع ذلك ما ذكروه لشبهة الإجماع الذي ادعوه و إن أمكن الذب عنه بأن عبارة التبيان غير صريحة فيه بل و لا ظاهرة، و أما الفاضلان فهما و إن صرحا به إلا أنه يحتمل احتمالا قريبا يشهد له سياق عبارتهما كون متعلقة خصوص لزوم اعتبار إسماع النفس في الإخفات، و من السياق الشاهد على ذلك عطفهما على الإجماع قولهما:

و لأن ما لا يسمع لا يعد كلاما و لا قراءة، و منه أيضا قولهما في بعض كتبهما في حد الإخفات: و أقله أن يسمع نفسه، و هو كالصريح في أن للاخفات فردا آخرا أعلى من إسماع النفس، و لا يكون إلا بإسماع الغير من دون صوت، و إلا لتصادق الجهر و الإخفات في بعض الأفراد، و هو معلوم البطلان، لاختصاص الجهر ببعض الصلاة و الإخفات ببعض الصلاة وجوبا أو استحبابا، إلا أنك خبير بأن ذلك احتمال لا ينافي الظهور الحاصل من متون تلك الإجماعات المحتملة لأن يكون المعتبر شرعا في الجهر و الإخفات ذلك، و أنه ليس المدار على مسماهما عرفا، إذ لا بعد في أن يراد منهما خصوص بعض الأفراد كما نهي عن الفرد العالي من الجهر و ما لا يسمع النفس من الإخفات بناء على تحقق اللفظ و القراءة به، فصدق الإخفات عرفا حينئذ على بعض ما أسمع الغير لا يستلزم الاجتزاء به شرعا، و دعوى العسر و الحرج بذلك ممنوعة أشد المنع، و لعل منشأ دعواها جريان العادة في الإخفات بإخراج الصوت بقوة و عزم بصورة المبحوح، فصار يصعب عليه غيره، و إلا فالوجدان شاهد بإمكان القراءة من دون إسماع الغير تمام ما يقوله بحيث يفهم إذا فرض عدم أقربيته له من سمعه اليه من غير عسر كما هو واضح


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 8 رواه عن رجاء بن أبى الضحاك كما ذكرنا سابقا.

ج 9، ص: 382

و المروي عن العيون مع ابتنائه على الإخفات في التسبيح الذي قد سمعت البحث فيه لم يتضح سنده، بل قد ينكر كون اللغة بل و العرف كما ذكروه، ضرورة كون الجهر فيهما الإظهار الذي يتحقق بمطلق حصول طبيعته، و لا ريب في حصولها بما قاله الأصحاب من إسماع القريب حتى على ما في كشف اللثام من أن المراد بالقريب الذي لا أقرب منه، و الإخفات الاسرار الذي هو من قبيل الإخفاء، بل هو منه عند التأمل، و لا ريب في منافاته لإسماع القريب المعتبر في الجهر، إذ لا نريد باعتبار عدم إسماع الغير فيه ما يتناول الغير الذي هو مساو للنفس أو كالمساوي قطعا، فإن أراد المتأخرون أمرا زائدا على ذلك كان للبحث فيه مجال، و إلا فمرحبا بالوفاق.

و منه حينئذ يعلم أن ما يستعمله كثير من المتفقهة من الإخفات بصورة الصوت المبحوح و يسمعه منه من كان أبعد من أذنيه بمراتب و ربما كان إماما و يسمعه أهل الصف الثاني لا يخلو من إشكال، بل هو كذلك حتى على كلام المتأخرين، ضرورة حصول مسمى الرفع به بل و الجرسية، إذ لا ينافيها مثل هذا الإخفاء، فإنها مراتب عديدة، بل لو أعطي التأمل حقه أمكن دعوى تسمية أهل العرف مثله جهرا، كما أنه يسلبون عنه اسم الإخفات، لا أقل من أن يكون ذلك مشكوكا فيه، أو واسطة لا يندرج في اسم كل منهما، فلا يجتزى به، و لا ينافيه ضديتهما لعدم المانع من ارتفاعهما حينئذ، و ربما يشهد لثبوتها قوله تعالى (1)«وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ» بناء على إرادة ما فوق السر و دون الجهر، فتأمل. فالاحتياط بترك هذا الفرد في امتثال كل من الإخفات و الجهر لازم، كما أنه يجب ترك الفرد المفرط من الجهر الذي صرح به بعض الأصحاب كالعلامة الطباطبائي و غيره، بل نسبه الفاضل الجواد في آيات أحكامه إلى الفقهاء مشعرا بدعوى الإجماع عليه، للنهي عنه في الآية المفسرة بذلك في موثق


1- 1 سورة الأعراف- الآية 204.

ج 9، ص: 383

سماعة(1)و غيره، مضافا إلى خروج الصلاة عن الكيفية المتعارفة فيظن عدم إجزائها أو يعلم مع محوها لصورة الصلاة، لا أقل من الشك في حصول الامتثال بها بسبب الشك في شمول الإطلاقات لمثلها، أو الظن بخلافه من جهة انصرافها إلى المتعارفة، و عليه حينئذ يتجه البطلان و لا يجديه التلافي و لو اكتفينا به في غيره من صور المخالفة كما سمعت البحث فيه سابقا، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[في وجوب الجهر على النساء]

و كيف كان ف ليس على النساء جهر للإجماع بقسميه، و ل

خبر علي بن جعفر(2)المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه (عليه السلام) «عن النساء هل عليهن جهر بالقراءة في الفريضة؟ قال: لا، إلا أن تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها»

و لفظ الجهر فيه مع الاستثناء دليل أن ما عن التهذيب من

خبري علي بن جعفر(3)و علي بن يقطين (4)عنه (عليه السلام) «في المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة و التكبير؟ فقال (عليه السلام): بقدر ما تسمع»

بضم التاء من الاسماع و مقتضاه الوجوب حال الإمامة، و لم أظفر بفتوى توافقه كما اعترف به في كشف اللثام فلا بأس حينئذ في حمله على الندب حيث لا أجنبي لا معه، لأن صوتها عورة يجب إخفاؤه عنه باتفاق الأصحاب كما في كشف اللثام و عن غيره، و من هنا استدل به بعضهم على المطلوب زيادة على ما ذكرنا، و قضيته فساد الصلاة معه حينئذ كما صرح به هو أيضا و فيه إمكان منع حرمة الاسماع و السماع مع عدم الفتنة و التلذذ، للأصل و السيرة المستمرة و ظاهر الكتاب و السنة، و معروفية قصة فاطمة (عليها السلام) و غيرها و نحو ذلك مما يطول ذكره، و دعوى أن جميع ذلك للحاجة يدفعها- مع معلومية خلافها أيضا، و وجوب تقييد الحاجة بما يسوغ لها رفع مثل هذه الحرمة- ان المقام منها، ضرورة


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 384

وجوب الجهر في الصلاة مثلا، على أنه أخص من الدعوى، إلا أن يراد كونه عورة كالبدن يجب ستره في الصلاة و إن لم يكن أجنبي، و فيه منع واضح، خصوصا و المستدل به يذهب إلى تخييرها بينه و بين الإخفات إذا لم يكن أجنبي، مضافا إلى أن معارضته لما دل على وجوب الجهر من وجه، فيحتاج تحكيمه عليه حينئذ إلى الترجيح، و إلى إمكان اختصاص الحرمة بالسامع دونها، و إلى ما في الحدائق و حاشية الأستاذ الأكبر من أنه على تقدير الحرمة لا وجه للفساد، ضرورة كون النهي عن أمر خارج، و فيه أنه ليس الجهر إلا الحروف المقروة، ضرورة كونها أصواتا مقطعة غالبا كان الصوت أو خفيا، فليس هو حينئذ أمرا زائدا على ما حصل به طبيعة الحرف مفارقا له كي يتوجه عدم البطلان كما هو واضح، و نحوه الغناء في القراءة، و لعل ذا هو مراد الأصوليين بجعل الجهر و الإخفات من الصفات اللازمة، لكن على كل حال لا تتم دلالة الدليل المزبور على تمام المطلوب.

كما أنه لا يتم الاستدلال عليه أيضا بما في الرياض من اختصاص النصوص الموجبة له و للاخفات بحكم التبادر من سياق أكثرها و فتوى الفقهاء بالرجل دونها، فتبقى على الأصل حينئذ، قال: و منه يظهر عدم وجوب الإخفات في مواضعه أيضا كما صرح به جمع، و لكن ينافيه ظاهر العبارة ككثير حيث خصوا الجهر بالنفي، و وجهه غير واضح، إذ فيه أولا منع اختصاص النصوص بالرجل، بل فيها الفعل المبني للمجهول و نحوه مما يشملهما مما، و ثانيا بعد التسليم فليس هو إلا موردا لا يعارض قاعدة الاشتراك الثابتة بالإجماع و غيره، بل الواجب التمسك بها إلا أن يعارضها ما هو أقوى منها، بل لا يقدح وقوع الخلاف في التمسك بها في محله فضلا عن غيره و إن كان الإجماع عمدة أدلتها، ضرورة انعقاده على القاعدة التي قامت حجة بنفسها من غير حاجة اليه.

ج 9، ص: 385

و من هنا بان لك أن المتجه ما حكاه عن ظاهر كثير من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا بين من يعتد بخلافه من الأصحاب من وجوب الإخفات عليها في مواضعه لا التخيير، لعدم المعارض لها فيه بخلاف الجهر الذي قد عرفت الإجماع على عدم وجوبه عليهن في مواضعه، نعم الظاهر تخييرها بينه و بين الإخفات إذا لم تكن ثم أجنبي بناء على ما عرفت، كما هو ظاهر تعبير الأصحاب بأن ليس عليهن جهر، فالأصل حينئذ لا معارض له، بل ظاهر الفتاوى و معاقد الإجماعات معاضد له، و به صرح غير واحد، بل لم أجد فيه خلافا صريحا، كما لم أجد بخلافه دليلا كذلك، و الخنثى المشكل بناء على إلزامها بالاحتياط تخفت في محل الإخفات، و يجهر في محل الجهر إذا لم يكن أجنبي، و إلا قيل: أخفتت، و المتجه التكرير مع انحصار الطريق فيه، تحصيلا للاحتياط، و الله أعلم.

[مستحبات القراءة]
اشاره

و المسنون في هذا القسم

[في استحباب الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات]

الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات في أول الحمد و أول السورة على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه كالمحكي عن المعتبر، بل في كنز العرفان و عن الخلاف الإجماع عليه صريحا، بل في الذكرى و غيرها أن من شعائر الشيعة الجهر بالبسملة لكونها بسملة، و زاد في المدارك «حتى قال ابن أبي عقيل تواترت الأخبار أن لا تقية في الجهر بالبسملة» و ذلك كله مع الاعتضاد بالتتبع الشاهد لصدق هذا الإجماع حجة على ما تفرد به العجلي (الحلي خ ل) كما في الذكرى و غيرها من تخصيص الاستحباب بالأولتين للاحتياط الذي يمكن منعه في المقام، لما ستعرفه من القول بوجوب الجهر، و لا يجب مراعاته حتى في الصلاة بناء على الأعمية، على أن الدليل المسوغ متحقق، فلا معنى للوجوب له معه، و لأن القراءة انما تتعين في الأولتين و فيه منع دوران الجهر بها على تعيين القراءة، لما سمعته من إطلاق معاقد الإجماعات

ج 9، ص: 386

و الفتاوى، و لذا قال في الذكرى بعد نقله القول المزبور: و هو قول مرغوب عنه، لأنه لم يسبق اليه، و هو بإزاء إطلاق الروايات و الأصحاب، قلت: و هو كذلك و إن حكي أنه حمل عليه عبارة الشيخ في الجمل «و الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فيما لا يجهر بالقراءة في الموضعين» لكن لعله يريد بالموضعين أول الحمد حيث كانت، و السورة كما احتمله الفاضل و الشهيد، فصح حينئذ تفرده بذلك و أن الإجماع قد سبقه بل و لحقه نعم قد يظهر من عبارة الغنية موافقته، بل و أنه إجماع، لكن التتبع يشهد بخلافه، أو يحمل على أن لا يريد هذا الظاهر كما يومي اليه عدم ذكر أحد من الأصحاب له مخالفا.

و أما النصوص فمنها الأخبار(1)المستفيضة الدالة على أن الجهر بها أحد علامات المؤمن الخمس، و منها الظاهرة كمال الظهور كما لا يخفى على من لاحظها في أن المراد الجهر بها لأنها بسملة كما يومي اليه في الجملة

قول الصادق (عليه السلام) في خبر هارون (2)«كتموا بسم الله الرحمن الرحيم فنعم و الله الأسماء كتموها، كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا دخل إلى منزله و اجتمعت عليه قريش يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم و يرفع بها صوته فتولى قريش فرارا، فأنزل الله عز و جل في ذلك «وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً»(3)

بل ملاحظتها أي تلك النصوص مع التأمل و التدبر تشرف على القطع بفساد المناقشة فيها بأنها لا تعم، فان من العامة من يتركها، و منهم من يخفت بها في الجهرية، فالجهر بها فيها علامة للايمان، ضرورة ظهورها فيما ذكرناه من أن المراد الجهر بها لأنها بسملة، بل لعل المراد بالمؤمن فيها


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من كتاب المزار- الحديث 1 و المستدرك- الباب 17 من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 11 و 13 و الباب 30 من أبواب أحكام الملابس الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 سورة الإسراء- الآية 49.

ج 9، ص: 387

كما يومي اليه ذكر باقي العلامات كامل الايمان لا المقابل للمخالف، فالمقصود الحث و زيادة التأكيد على هذا المندوب نحو ما ورد في غيرها من صفات المؤمن و حقوق المؤمن على المؤمن، و نحو ذلك، و منها

خبر الأعمش (1)المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) في حديث شرائع الدين قال: «و الإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم واجب»

ضرورة إرادة الاستحباب المؤكد منه كما ستعرف، و منها

كتابة الرضا (عليه السلام) إلى المأمون في خبر الفضل بن شاذان (2)المروي عن العيون «و الإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنة»

ك

خبر رجاء بن الضحاك (3)المروي عنها أيضا «أن الرضا (عليه السلام) كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع صلواته في الليل و النهار»

إلى غير ذلك من النصوص.

و من الغريب بعد ذلك كله ميل المحدث البحراني إلى القول المزبور، قال:

«لأن انقسام الصلاة إلى الجهرية و الإخفاتية انما هو باعتبار الأولتين لا الأخيرتين، لتعارف التسبيح فيهما، فما في النصوص حينئذ من قوله صلاة يجهر فيها و لا يجهر فيها انما هو بالنسبة إليهما» و فيه أنه بعد تسليم ذلك له قد عرفت ظهور نصوص المقام في أن الجهر بها من حيث كونها بسملة كما هو واضح، مضافا إلى أن العمدة في إخفات قراءة الأخيرتين الإجماع، خصوصا بعد أن نزل النصوص على ما عرفت، و هو هنا غير معلوم، بل لعل المعلوم خلافه، و دعوى التمسك بإطلاق معقد الإجماع يدفعها أنه إن أريد المنقول منه على الإخفات في المسألة السابقة فالحلي مع أنه لا يقول بحجية أخبار


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5 و في الوسائل « و الإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة واجب».
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 7 روى عن رجاء بن أبى الضحاك.

ج 9، ص: 388

الآحاد فضلا عن الإجماع المنقول قد عرفت أن ناقله هناك نقل الإجماع هنا على المطلوب فلا أقل من أن يكون من قبيل المطلق و المقيد و إن أراد المحصل منه ففيه أن تحصيل الإجماع المصطلح على وجه يتمسك بإطلاقه حتى يأتي المقيد ممنوع أو في غاية الصعوبة، على أنه قد عرفت المقيد، و احتمال كون التعارض بالعموم من وجه مع فرض ملاحظة دليل الإخفات في قراءة الأخيرتين مستقلا عن دليل الإخفات في غيرهما بعد التسليم يدفعه وجود المرجح من جهات عديدة، فظهر حينئذ ضعف القول المزبور، كضعف المحكي عن ابن الجنيد من تخصيص الاستحباب و لو في الأخيرتين بالإمام دون غيره من المنفرد و نحوه، إذ جميع ما سمعت حجة عليه، بل و غيره من ظاهر إجماع الغنية و المحكي عن السرائر و غيرهما، مع أنه لا شاهد له في النصوص على كثرتها، ضرورة عدم النفي عن الغير في

خبر صفوان (1)«صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) أياما فكان.

فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم الله الرحمن الرحيم و أخفى ما سوى ذلك» و عن الكليني زيادة «و كان يجهر بالسورتين جميعا»

و

خبر أبي حفص الصائغ (2)المروي عن المجالس «صليت خلف جعفر بن محمد (عليهما السلام) فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم»

و

خبر أبي حمزة(3)قال: «قال لي علي بن الحسين (عليهما السلام): يا ثمالي إن الصلاة إذا أقيمت جاء الشيطان إلى قرين الامام فيقول: هل ذكر ربه؟ فان قال:

نعم ذهب، و إن قال: لا ركب على كتفيه، و كان إمام القوم حتى ينصرفوا، قال:

فقلت: جعلت فداك أ ليس يقرءون القرآن؟ قال: بلى ليس حيث تذهب يا ثمالي انما هو الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم».

بل ربما استدل بالخبرين الأولين على التعميم إما لعدم اعتبار مثل هذه المحتملات


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.

ج 9، ص: 389

في أصل دليل التأسي، لصدق دليله عليه بدونه، أو في خصوص التأسي بالصلاة الحاصل من نحو

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «صلوا كما رأيتموني أصلي»

ضرورة صدق الصلاة كصلاته و إن لم يكن المصلي إماما، فتأمل فإنه دقيق نافع، و على كل حال فقد ظهر ضعفه أيضا كسابقه.

بل و نحوهما ما يحكى عن القاضي من القول بالوجوب و أطلق، كما عن الأمالي أنه من دين الإمامية الإقرار بأنه يجب الجهر بالبسملة عند افتتاح الفاتحة و عند افتتاح السورة بعدها، بل قد يستظهر ذلك من الأمر به في المحكي عن الفقيه و بعض عبارات الشيخ، و ما عن المجلسي من القول به في خصوص أولتي الظهرين، و كأنه ظاهر الغنية و إن قال بعد ذلك: إنه أحوط، إذ لا ريب في ضعفهما، لقضاء الأصل، و خصوص

خبر الحلبيين (2)كما في كشف اللثام سألا الصادق (عليه السلام): «عمن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم يريد يقرأ فاتحة الكتاب قال: نعم إن شاء سرا و إن شاء جهرا»

و جميع الأدلة السابقة صريحا في البعض و ظاهرا و لو من السياق و التعداد في جملة المندوبات و نحو ذلك في آخر بخلافهما عدا الخبر(3)السابق المشتمل على لفظ الوجوب، و هو مع ضعف سنده يجب حمله على إرادة غير المعنى المصطلح، أو على الوجوب التخييري، بل لعل عبارات هؤلاء تحمل على ذلك كما لا يخفى على من مارس عبارات القدماء، و غلبة تعبيرهم بما في النصوص من بعض الألفاظ الباقية على العرف الأول، و من هنا احتمل في الذكرى حمل عبارة الموجب على التخييري كما سمعته في الخبر، بل ينبغي الجزم به أو بتأكد الاستحباب بالنسبة إلى عبارة الأمالي، لأن الذي حكاه الشهيد


1- 1 صحيح البخاري ج 1 ص 124 و 125.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.

ج 9، ص: 390

و غيره عن تصريح الصدوق الاستحباب، فهو قرينة أخرى على إرادته به ذلك أيضا، بل معلومية الاستحباب بين الإمامية قرينة ثالثة، إذ يبعد عدم معرفة مثل الصدوق بمذهب الإمامية حتى ينسب إليهم الوجوب، و لئن أغضينا عن ذلك كله كان موهونا بجميع ما عرفت، مع أنه يمكن المناقشة في إفادة العبارة المزبورة الإجماع، لأن الظاهر إرادة عند الإمامية في الجملة منها في مقابلة إطباق العامة لا إجماع الإمامية، بل لعل العبارة لا تفيده لغة، لظهور الطبيعة منها، لعدم كونها من الجمع المحلى، بل هي من الملحق بالمفرد في وجه، فتأمل.

و احتمال ترجيح الوجوب بأن المستفاد من الأدلة انما هو مطلق رجحان الجهر بالبسملة- فتندرج حينئذ في صحيح زرارة السابق الذي عبر فيه عن الإخفات بما لا ينبغي الإخفات فيه، ضرورة عدم إرادة الوجوب من لفظ «ينبغي» في سؤال الصحيح، لعدم حسن السؤال معه- يدفعه ما عرفت من أن المستفاد من الأدلة خصوص الاستحباب لا مطلق الرجحان، بل قد عرفت صراحة جملة منها فيه كما هو واضح.

ثم ليعلم أن المراد بالاستحباب في المقام أفضل الفردين للزوم القراءة لأحد الوصفين، و قد تقرر في الأصول أن الاستحباب الخصوصي لا ينافي الوجوب التخييري عقلا و لا عرفا، فلا حاجة حينئذ إلى ما عن قواعد الشهيد من رجوع الاستحباب إلى اختيار ذلك الفرد بعينه، فيكون فعله واجبا و اختياره مستحبا، اللهم إلا أن يريد ما ذكرنا، على أن استحباب اختياره فرع استحباب المختار و أفضليته عند التأمل، لكن في الذكرى أن التخيير انما يتم إن قلنا بتباين الصفتين، و إن قلنا بأن الإخفات جزء الجهر فلا، و فيه مع ضعف الاحتمال نفسه أنه يمكن القول بتمامه أيضا، ضرورة تعقله بين الجزء و الكل مع فرض عدم حصول أجزاء الكل تدريجا كما في المقام، إذ الصوت الجهري و إن حصل به إسماع النفس مع الغير لكنه يحصل دفعة، فحينئذ يخير بين

ج 9، ص: 391

إسماع النفس وحدها و بين إسماعها مع الغير، و الدقائق الحكمية لا تبنى عليها الأحكام الشرعية.

و كذا ينبغي أن يعلم أيضا أن الظاهر بقاء حكم التقية في المقام كغيرها من الأحكام، و دعوى التواتر- بعد عدم ثبوتها عندنا، فهي بالنسبة إلينا آحاد- لا تصلح لمعارضة أدلة التقية المعتضدة بالعقل و غيره، مع أن المجلسي قد اعترف على ما حكي عنه بعدم وصول خبر يدل على ذلك إلا

خبر الدعائم (1)«روينا عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) و عن علي و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد (عليهم السلام) أنهم كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم فيما يجهر فيه بالقراءة من الصلوات في أول فاتحة الكتاب و أول السورة في كل ركعة، و يخافتون بها فيما يخافت فيه من السورتين جميعا، قال الحسن بن علي اجتمعنا ولد فاطمة على ذلك، و قال جعفر ابن محمد (عليهما السلام) التقية ديني و دين آبائي، و لا تقية في ثلاث: شرب المسكر و المسح على الخفين و الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم»

و أنت خبير بقصوره عن الحكومة على أدلة التقية من وجوه، فيجب حمله على ما لا ينافيها أو طرحه كما هو واضح، مع أنه كما ترى مشتمل على ما هو معلوم خلافه عنهم من الإخفات بها في محل الإخفات، و كفى به مسقطا للخبر المزبور عن الحجية، فتأمل، و الله أعلم.

[في استحباب ترتيل القراءة]

و منه ترتيل القراءة إجماعا محكيا في المدارك و الحدائق إن لم يكن محصلا، للأمر به في الكتاب (2)المحمول على الندب بقرينة الإجماع المتقدم و غيره مما ستعرفه، و

المرسل (3)كالصحيح عن الصادق (عليه السلام) «ينبغي للعبد إذا


1- 1 المستدرك- الباب- 17- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 14.
2- 2 سورة المزمل- الآية 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 392

صلى أن يرتل في قراءته، فإذا مر بآية فيها ذكر الجنة و ذكر النار سأل الله الجنة و تعوذ من النار، و إذا قرأ يا أيها الناس و يا أيها الذين آمنوا يقول: لبيك ربنا»

و فيه إيماء إلى مناسبة الترتيل للخشوع و التفكر في القراءة الذي هو أمارة أخرى على استحبابه، بل في كشف اللثام و لذا استحب في الأذكار، كما أن فيه أيضا شهادة على إرادة الندب من غيره من الأخبار، و لذا استدل عليه بها في الكشف أيضا بعد الآية، و المراد بالترتيل الترسل و التأني بالقراءة بسبب المحافظة على كمال بيان الحروف و الحركات، فيحسن تأليفه حينئذ و تنضيده، و يكون كالثغر المرتل الذي حسن نضده بسبب ما فيه من الفلج حتى شبه بنور الأقحوان بخلاف غير المرتل من الكلام الذي يشبه في تتابعه الثغر الألص أو الشعر الذي يهذ و يسرع في تأديته، أو الرمل المنثور الذي بعضه على بعض، كالدقل من التمر المتراكم قبل سقوطه أو بعده إذا تساقط متتابعا، و اليه أومأ

خبر عبد الله بن سليمان (1)انه «سأل الصادق (عليه السلام) عن قوله عز و جل(2):

«وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا» فقال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): بينه تبيانا و لا تهذه هذ الشعر، و لا تنثره نثر الرمل، و لكن اقرعوا به قلوبكم القاسية، و لا يكن هم أحدكم آخر السورة»

و عن

دعائم الإسلام (3)عنه (عليه السلام) «و لا تنثره نثر الدقل، و لا تهذه هذ الشعر قفوا عند عجائبه، و حركوا به القلوب، و لا يكن هم أحدكم آخر السورة»

و عن ابن الأثير «هذا كهذ الشعر و نثرا كنثر الدقل أراد لا تسرع فيه كما تسرع في قراءة الشعر، و الهذ سرعة القطع، و الدقل ردي التمر أي كما يتساقط الرطب


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.
2- 2 سورة المزمل- الآية 4.
3- 3 المستدرك- الباب- 14- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 393

اليابس من العذق إذا هز» و هو ظاهر في أن المراد بالفقرتين معا الإسراع كما ذكرنا، و يحتمل حمل نثر الدقل في خبر الدعائم على كثرة التأني، و الفصل بين الحروف كثيرا، فيكون كالدقل المنثور واحد هنا، و آخر في موضع آخر، بل و نثر الرمل في خبر(1)غيره على إرادة مده مسترسلا متفاحشا كالرمل المنثور، فيكون المراد حينئذ من كل من الفقرتين غير الأخرى، و لعله إليه أومأ العلامة الطباطبائي بقوله:

و رتل القرآن ترتيلا و لاتهذه تمده مسترسلا

و كأن قراءة الشعر في الزمن السالف كانت بغير الطرق المتعارفة في هذا الزمان و إلا كان إرادة كثرة التأني و المد في هذه الفقرة أولى من الفقرة الثانية، و احتمال التزامه مناف لتفسير الهذ بسرعة القطع، اللهم إلا أن يراد منه هنا مطلق التلفظ، فتأمل. و على كل حال فالمراد بالترتيل ما ذكرنا، و ظني أنه المراد لأكثر اللغويين و الفقهاء و إن اختلفت عباراتهم كما هو دأبهم في تفسير الألفاظ المحصل معناها من المحاورات في المقامات، ضرورة كونها ليست تعاريف حقيقية مستفادة من العقل كي ينضبط حدها بالجنس و الفصل، فما بين من فسره بالترسل و التبيين لغير بغي أي زيادة و طغيان، مع أن التبيين لا يتم بالتعجيل كما عن الزجاج، و الترسل يتضمن التأني في الأداء كما عن التبيان و غيره، و آخر بالترسل و التوأدة بتبيين الحروف و إشباع الحركات و ثالث بالتأني و التمهل و تبيين الحروف و الحركات، قال: تشبيها بالثغر المرتل، و هو المشبه بنور الأقحوان، و رابع بأن لا يعجل في إرسال الحروف، بل يتثبت فيها و يبينها تبيينا و يوفيها حقها من الإشباع من غير إسراع من قولهم: ثغر مرتل، و مرتل مفلج مستوي النسبة و حسن التنضيد، و خامس بتنسق الشي ء، ثغر رتل حسن المنضد، و مرتل مفلج، و رتلت الكلام ترتيلا إذا تمهلت فيه و أحسنت تأليفه، و هو يترتل


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.

ج 9، ص: 394

في كلامه و يترسل إذا فصل بعضه من بعض، و سادس بحسن التأليف، و الجميع كما ترى متقارب جدا، فما عن مجمع البيان- رتله: أي بينه بيانا أو اقرأ على هنيئتك، و قيل معناه ترسل فيه ترسلا، و قيل: معناه تثبت فيه تثبيتا، و

روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)«بينه بيانا»

إلى آخر الخبر السابق، و

روى أبو بصير(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «هو أن تتمكث فيه و تحسن به صوتك»

- فيه ما لا يخفى، اللهم إلا أن يريد ذكر خصوص الألفاظ التي ذكرت في تفسيره لا أنه مستظهر منها الخلاف في معناه، ضرورة اتحاد المراد منها جميعها بل و عبارات الفقهاء، و إن فسره في المنتهى و المحكي عن المعتبر ناقلا له عن الشيخ بتبيين الحروف من غير مبالغة، و في المحكي عن نهاية الأحكام و التذكرة ببيان الحروف و إظهارها، و بأن لا يمده بحيث يشبه الغناء، و كأنهما أرادا بذلك الإشارة إلى البغي في كلام الجوهري، و في المحكي عن إرشاد الجعفرية بتبيين الحروف و إظهارها، و الجميع كما ترى متحد مع اللغة حتى في ألفاظ التفسير.

و لقد أجاد في المدارك في تفسيره له بالترسل و التبيين و حسن التأليف مشيرا بالجمع المزبور إلى اتحاد المراد من هذه الألفاظ، بل الظاهر ذلك حتى مما ذكره في الذكرى و فوائد الشرائع، و عن تعليق النافع من تفسيره بحفظ الوقوف و أداء الحروف، ضرورة إرادة البيان من الأداء كما عبر به في المحكي عن المفاتيح تبعا للمروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أو في إحدى الروايتين عنه، كما أن التعبير بالأداء تبعا للمروي عن ابن عباس، و في فوائد الشرائع أي كمال الأداء، و في جامع المقاصد المراد بالتبيين المأخوذ في تعريف الترتيل ما زاد على القدر الواجب من التبيين.

فعلم من ذلك كله اتحاد المراد من البيان و الأداء، و قد يراد ما يشمل الوقوف


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب قراءة القرآن.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب قراءة القرآن.

ج 9، ص: 395

من الترسل و التوأدة و التشبيه بالثغر المفلج، قال في كشف اللثام: «كأنه عنى بحفظ الوقوف أن لا يهذ هذ الشعر و لا ينثر نثر الرمل» قلت: و يؤيده روايتهما معا في تفسيره بذلك عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، فالمناسب للجمع بينهما إرادة معنى كل منهما من الآخر، فما في الروضة- من أن معناه لغة الترسل و التبيين بغير بغي، و شرعا ما في الذكرى، بل في المحكي عن الروض أنه اختلفت العبارة عنه شرعا، و ذكر ما في المعتبر و النهاية و الذكرى، بل عنه في المسالك التصريح بأن له ثلاثة معاني، و ذكر ما في الكتب الثلاثة- فيه ما لا يخفى.

كما أن ما في النفلية- من تفسيره تبعا لعلماء التجويد بتبيين الحروف بصفاتها المعتبرة من الهمس و الجهر و الاستعلاء و الإطباق و الغنة و غيرها و الوقف التام و الحسن و عند فراغ النفس مطلقا- لا يخلو من نظر أيضا، ضرورة عدم دليل على استحباب الوقوف المصطلحة عند القراء فضلا عن أن تكون داخلة في مفهوم الترتيل و إن ذكر المصنف و غيره أنه يستحب الوقوف على مواضعه المقروة المعروفة عندهم بالحسن و التام، و قد قالوا: إن في جميع القرآن خمسة آلاف و ثمانية و عشرين وقفا، و الظاهر إرادتهم التام، عشرة منها مخصوصة مضبوطة تسمى وقف غفران، لما

روي عنه (ص) «إن من ضمن لي أن يقف على عشرة مواضع ضمنت له الجنة»

و الوقوف الواجبة ثلاثة و ثمانين وقفا، منها الوقف على لفظ الجلالة في قوله تعالى (1)«ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ» مما هو معلوم البطلان، بل رووا عن الإمام أبي منصور أنه جعل الوقف الحرام ثمانية و خمسين وقفا، و إن من وقف على واحد منها متعمدا كفر، و جعل منها الوقف على «صِراطَ الَّذِينَ» و على «مُلْكِ سُلَيْمانَ» إلى غير ذلك مما زخرفوه و اختلقوه و منه تقسيمهم الوقف إلى التام و الحسن و الكافي و القبيح، و ان المراد بالتام ما لا تعلق له


1- 1 سورة آل عمران- الآية 5.

ج 9، ص: 396

بما بعده لا لفظا و لا معنى، و أكثر ما يوجد في الفواصل و رؤوس الآي و ربما وجد قبلها نحو «أَذِلَّةً» الذي هو آخر آية بلقيس، و بعدها نحو «مُصْبِحِينَ وَ بِاللَّيْلِ» الذي هو معطوف على المعنى أي بالصبح و بالليل، و بالحسن ما له تعلق من حيث اللفظ فحسب كالحمد لله، و بالكافي ما له تعلق من حيث المعنى فحسب كقوله تعالى «لا رَيْبَ فِيهِ «و مِمَّا رَزَقْناهُمْ» و ربما اشترط فيه أن يكون ما بعد الموقوف عليه متعلقا به تعلقا إعرابيا، و القبيح الذي لا يفيد معنى مستقلا كالوقف على الشرط و المضاف، فالوقف التام في الفاتحة حينئذ أربعة، على البسملة و الدين و نستعين و آخرها، و الحسن عشرة، بسم الله و الرحمن و لله و العالمين و الرحمن و الرحيم و نعبد و المستقيم، و على أنعمت عليهم و على غير المغضوب عليهم، أو أحد عشر بإدخال الصراط، و تعليل ذلك بأنهما معا يفيدان تحسين الكلام فيستحبان كما ترى، كالاستدلال عليه بكراهة قراءة السورة بنفس واحد، ضرورة أعمية ذلك من هذا الاصطلاح الحادث الناشئ مما تخيلوه في المراد بالآيات التي لا يعلم تفسيرها إلا الله، فربما وقفوا في مكان لا ينبغي الوقف فيه، لتخيلهم التمام و كان الواقع خلافه، كوقفهم على لفظ الجلالة في آية الراسخين، و دعوى أن المراد المحافظة على معنى الوقف التام و الحسن فلا يقدح اشتباههم في بعض مواضعه لتخيلهم وجود المعنى يدفعه أنه لا دليل على ذلك أيضا، ضرورة حدوث هذا الاصطلاح فلا يتجه إرادتهما من هذا اللفظ الواقع في المروي (1)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في تفسير الترتيل أنه حفظ الوقوف و أداء الحروف بناء على صحة الرواية، و إلا فقد قال في الحدائق: إني لم أقف عليها في كتب الأخبار، و يحتمل أن تكون من طرق العامة و إن استسلفها أصحابنا في هذا المقام.

على أن ذكر المصنف و غيره استحباب ذلك بعد الترتيل يومي إلى عدم دخوله فيه


1- 1 تفسير الصافي- المقدمة الحادية عشر.

ج 9، ص: 397

و لقد أجاد والد المجلسي فيما حكي عنه و إن كان لا يخلو من النظر في بعض ما حكي يعرف مما ذكرناه، قال: لم يثبت عندي استحباب رعاية ما اصطلح عليه أهل التجويد من الوقف اللازم و التام و الحسن و الكافي و الجائز و المجوز و المرخص و القبيح، لأنها من مصطلحات المتأخرين و لم يكن في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلا يمكن حمل كلامه عليه إلا أن يقال غرضه (عليه السلام) رعاية الوقف على ما يحسن بحسب المعنى أو على ما يفهمه القاري، و لا ينافي حدوث تلك الاصطلاحات، ثم قال: و يرد عليه أيضا أن هذه الوقوف انما وضعوها على حسب ما فهموه من تفاسير الآيات، و قد وردت الأخبار(1)الكثيرة في أن معاني القرآن لا يفهمها إلا أهل بيت نزل عليهم القرآن، و يشهد له إنا نرى كثيرا

من الآيات كتبوا فيها نوعا من الوقف بناء على ما فهموه، و وردت الأخبار المستفيضة بخلاف ذلك المعنى، كما أنهم كتبوا الوقف اللازم في قوله سبحانه «وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ» على آخر الجلالة، لزعمهم أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويل المتشابهات، و قد وردت الأخبار(2)المستفيضة في أن الراسخين في العلم هم الأئمة (عليهم السلام) و هم يعلمون تأويلها، مع أن المتأخرين من مفسري العامة و الخاصة رجحوا في كثير من الآيات تفاسير لا توافق ما اصطلحوا عليه في الوقوف.

و أنت خبير أن ذلك كله يمكن دفعه بأن المراد المحافظة على معنى الوقف التام و الحسن لا خصوص ما تخيلوه، و ما ورد(3)من اختصاص علم القرآن بهم (عليهم السلام) لا ينافي اتباع الظاهر لنا مما لم يرد فيه نص منهم (عليهم السلام)، و لعل التحقيق قصر الندب في الوقوف على ما يندرج منه في الترتيل الثابت في القرآن و غيره، بل ربما


1- 1 أصول الكافي ج 1- ص 228« باب انه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام، و انهم يعلمون علمه كله».
2- 2 أصول الكافي- ج 1 ص 213.
3- 3 أصول الكافي ج 1- ص 228« باب انه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام، و انهم يعلمون علمه كله».

ج 9، ص: 398

كان ذلك هو المراد بالموضع و المحل و نحوهما المعبر بهما في المتن و القواعد و غيرهما لا وقوف القراء كما صرح به جماعة، و هو الذي أومأ إليه في كشف اللثام، حيث فسر المحل بما يحسن الوقف فيه لتحسينه الكلام و دخوله تحت الترتيل، و الأمر سهل بعد اتفاق الأصحاب و دلالة النصوص كما في مجمع البرهان على عدم وجوب وقف، قيل و ما ذكره القراء واجبا أو قبيحا لا يعنون به معناه الشرعي كما صرح به محققوهم، فمتى شاء حينئذ وصل، و متى شاء وقف، لكن في كشف اللثام يجوز الوقف على كل كلمة إذا قصر النفس و إذا لم يقصر على غير المضاف ما لم يكثر فيخل بالنظم و يلحق بذلك بالأسماء (الأسماء خ ل) المعدودة، و لا يخلو استثناؤه من تأمل مع فرض عدم المانع المزبور، كالمحكي عن الشهيد (رحمه الله) من منع السكوت على كلمة، و لعل مراده المخل بالنظم منه و المفوت للموالاة مطلقا.

و أما مراعاة صفات الحروف التي استفادوها من قوله (عليه السلام) في تفسير الترتيل بتبيين الحروف في إحدى الروايتين فما له مدخلية في أصل طبيعة الحرف فلا ريب في وجوبه، و أما الزائد فقد يشكل استحبابه لو لا التسامح فضلا عن وجوبه، و قد ذكروا أن الصفات الجهر و الهمس و الشدة و التوسط بين الشدة و الرخاوة و الاستعلاء و الاستفال و الإطباق و الانفتاح و الانذلاق و الاصمات، أما حروف الهمس فعشرة، يجمعها «فحثه شخص سكت» و الجهر فيما عداها، و حروف الشدة ثمانية، يجمعها «أجدت طبقك» و المتوسطة خمس، يجمعها «لن عمر» و الرخاوة ما عداهما، و حروف الاستعلاء سبعة «قا ص خ ض ط ع ظ» سميت بذلك لاستعلاء اللسان عند النطق بها إلى الحنك، و حروف الاستفال ما عداها، سميت بذلك لانخفاض اللسان عند النطق بها إلى قاع الفم، و الإطباق «ص ض ط ظ» سميت بذلك لانطباق اللسان على ما حاذاه عند خروجها، و الانفتاح ما عداها، لانفتاح ما بين اللسان و الحنك و خروج الريح من بينهما عند النطق بها، و الانذلاق «ل ر ن ب م ف» و الاصمات ما عداها، فالضاد

ج 9، ص: 399

حينئذ ليست حرفا شديدا، و انما هو رخو كالظاء، بل عن البهائي أن أبا عمر و ابن العلاء و هو إمام في اللغة ذهبا إلى اتحادهما، و أقاما على ذلك أدلة و شواهد، و هو و إن كان خلاف التحقيق، ضرورة كونهما متقاربي المخرج لا متحدين، لكنه أوضح شاهد على بطلان ما يحكى عن عوام الخاصة و علماء العامة من المصريين و الشاميين من النطق بها ممزوجة بالدال المفخمة و الطاء المهملة معرضين عن الضاد الصحيحة الخالصة التي نطق بها أهل البيت (عليهم السلام)، و أخذ عنهم العراقيون و الحجازيون، و هذا الاختلاف على قديم الدهر و سالف العصر بين علماء الخاصة و العامة و إن حكي عن جماعة منهم موافقة الخاصة في ذلك كالشيخ علي المقدسي الذي قد صنف في ذلك رسالة رجح بها ضاد العراقيين و الحجازيين، و رد عليه الشيخ علي المنصوري في رسالة ألفها أيضا، و كان مما رد فيها عليه أن النطق بالضاد قريبة من الظاء ليس من طريق أهل السنة المتبعة، و انما هو من طريق الطائفة المبتدعة، و هي شهادة منه على طريقتنا المأخوذة يدا بيد إلى النبي (صلى الله عليه و آله) القائل: إني أفصح من نطق بالضاد، و فيه إشعار أيضا بالمطلوب، ضرورة تيسر ضادهم لكل أحد حتى النساء و الصبيان، فلا يناسب ذكر اختصاصه (عليه السلام) بالأفصحية بخلاف الضاد الذي ذكرناه، فإنه مما يعسر فعله بحيث يتميز عن الظاء كما اعترف به بعضهم، قال راجزهم:

و الضاد و الظاء لقرب المخرج قد يؤذنان بالتباس المنهج

و قال آخر:

و يكثر التباسها بالضادإلا على الجهابذ النقاد

و يقرب من ذلك المحكي عن السخاوي و الجرزي و ابن أم القاسم، بل قال الأخير منهم: «إن التفرقة بينهما محتاجة إلى الرياضة التامة» إلى غير ذلك مما ليس هذا محل ذكره، نعم ينبغي أن يعلم أن المدار في صدق امتثال الأمر بالكلمة المشتملة على الضاد

ج 9، ص: 400

صدق ذلك عليه في عرف القارين كغيره من الحروف، فوسوسة كثير من الناس في الضاد و ابتلاؤهم بإخراجه و معرفة مخرجه في غير محلها، و انما نشأ ذلك من بعض جهال من يدعي المعرفة بعلم التجويد من بني فارس المعلوم صعوبة اللغة العربية عليهم، و إلا فمتى كان اللسان عربيا مستقيما خرج الحرف من مخرجه من غير تكلفه ضرورة، و إلا لم يصدق عليه اسم ذلك الحرف عرفا كما هو واضح، و على ذلك بنوا وصف مخارج الحروف و تقسيمهم لها إلى شفوية مثلا و غيرها لبعض الأغراض المتعلقة لهم بذلك، و ليس المقصود منه تميز النطق بالحروف قطعا، فان ذلك يكفي فيه صدق الاسم و عدمه و لا يحتاج إلى هذا التدقيق الذي لا يعلمه إلا الأوحدي من الناس، بل لا يمكن معرفته على وجه الحقيقة إلا لخالق الخلق الذي أودعهم قوة النطق، و الله أعلم.

[في استحباب قراءة سورة بعد الحمد في النوافل]

و من المسنون أيضا قراءة سورة بعد الحمد في النوافل بل في الذكرى و عن المعتبر الإجماع عليه، للنصوص (1)المستفيضة حد الاستفاضة إن لم تكن متواترة في قراءة السورتين أو ما شاء من السور فضلا عن السورة الواحدة، و لا معارض لها إلا ما لا يأبى حمله على ما لا ينافي المطلوب من اختلاف مراتب الاستحباب و جهاته كما لا يخفى على من لاحظ النصوص.

[في استحباب أن يقرأ في الصلاة بسور المفصل]

و كذا من المسنون أن يقرأ في الصلاة بسور المفصل، و هو كما نسبه إلى أكثر أهل العلم في المحكي عن التبيان من سورة محمد (صلى الله عليه و آله) إلى آخر القرآن، لكن في الظهرين و المغرب بسور القصار منه كالقدر و الجحد و ما شابههما من الضحى إلى الناس و في العشاء متوسطاته كالأعلى و الطارق و ما شاكلهما من عم إلى الضحى و في الصبح بمطولاته كالمدثر و المزمل و ما ماثلهما


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب القراءة في الصلاة.

ج 9، ص: 401

من سورة محمد (ص) إلى عم كما هو المشهور بين الأصحاب حكما و تفصيلا لكن أنكر بعض متأخري المتأخرين عليهم ذلك، و أنه ليس في نصوصنا هذا الاسم فضلا عن التفصيل المزبور، بل في الحدائق أن الظاهر أنهم تبعوا العامة فيه، مع أن كلامهم أيضا مشوش فيه، قلت:

روى الكليني بسنده إلى سعد الإسكاف (1)أنه قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أعطيت السور الطوال مكان التوراة، و المئين مكان الإنجيل، و المثاني مكان المزبور، و فضلت بالمفصل ثمان و ستين سورة، و هو مهيمن على سائر الكتب»

و لعله هو الذي أشار إليه في المحكي عن مجمع البحرين ان في الخبر المفصل ثمان و ستون سورة، خصوصا بعد قوله أيضا: و في الحديث و فضلت بالمفصل، قيل و العدد المزبور منطبق على ما ذكرناه من البداية و النهاية، و منه يظهر ضعف القول بأنه من ق أو من الضحى أو من الحجرات أو من الجاثية أو من الصافات أو من الصف أو من تبارك أو من الفتح أو من الرحمن أو من الإنسان أو من سبح، و لا خلاف أجده في آخره، و في المحكي عن

دعائم الإسلام (2)«لا بأس أن يقرأ في الفجر بطوال المفصل و في الظهر و العشاء الآخرة بأواسطه، و في العصر و المغرب بقصاره»

و هو مخالف للمشهور في الظهر خاصة، كما أن

صحيح ابن مسلم (3)عن الصادق (عليه السلام) كذلك أيضا قال: «أما الظهر و العشاء الآخرة يقرأ فيهما سواء، و العصر و المغرب سواء، و أما الغداة فأطول، و أما الظهر و العشاء الآخرة فسبح اسم ربك الأعلى و الشمس و ضحاها و نحوها، و أما العصر و المغرب فإذا جاء نصر الله و إلهكم التكاثر و نحوها، و أما الغداة فعم يتساءلون و هل أتاك حديث الغاشية و لا أقسم بيوم القيامة و هل أتى على الإنسان


1- 1 أصول الكافي- ج 2 ص 601- كتاب فضل القرآن- الحديث 10.
2- 2 المستدرك- الباب- 36- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 48- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.

ج 9، ص: 402

حين من الدهر»

فيراد بنحوها حينئذ فيه الإشارة إلى الصنف المزبور ك

خبر عيسى بن عبد الله القمي (1)عنه (عليه السلام) أيضا «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يصلي الغداة بعم يتساءلون و هل أتاك حديث الغاشية و شبههما، و كان يصلي المغرب بقل هو الله و إذا جاء، و كان يصلى العشاء بنحو ما يصلي في الظهر، و العصر بنحو من المغرب»

و لترجيح ذلك على المشهور بصحة السند و غيره اختاره العلامة الطباطبائي في منظومته، فقال:

و اختر طوال سور المفصل للصبح و القصار للعصر اجعل

و نحوها المغرب و اختر الوسطللظهر و اسلك للعشاء ذا النمط

هذا، و لكن قد ورد في بعض النصوص أن أفضل ما يقرأ في سائر الفرائض بالقدر و التوحيد، ك

خبر أبي علي بن راشد(2)قلت لأبي الحسن (عليه السلام): «جعلت فداك أنك كتبت إلى محمد بن الفرج تعلمه أن أفضل ما يقرأ في الفرائض إنا أنزلناه و قل هو الله أحد، و أن صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر، فقال (عليه السلام):

لا يضيق صدرك بهما فان الفضل و الله فيهما»

بل

في المروي (3)عن كتاب الغيبة للطوسي و الاحتجاج من التوقيع «انه كتب محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى صاحب الزمان (عليه السلام) فيما كتبه و سأله عما روي في ثواب القرآن في الفرائض و غيرها أن العالم (عليه السلام) قال: عجبا لمن لم يقرأ في صلاته «إنا أنزلناه في ليلة القدر» كيف تقبل صلاته، و روي ما زكت صلاة لم يقرأ فيها ب «قل هو الله أحد»، و روي من قرأ في فرائضه «الهمزة» أعطي من الثواب قدر الدنيا، فهل يجوز أن يقرأ «الهمزة» و يدع


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1 مع نقصان في الجواهر.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6.

ج 9، ص: 403

هذه السور التي ذكرناها مع ما قد روي أنه لا تقبل صلاة و لا تزكوا إلا بهما؟ التوقيع الثواب في السورة على ما قد روي، و إذا ترك سورة مما فيها الثواب و قرأ قل هو الله و إنا أنزلناه لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ و ثواب السورة التي ترك، و يجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين، و يكون صلاته تامة، و لكنه يكون قد ترك الأفضل»

إلى غير ذلك، مضافا إلى ما ورد(1)في وصف الثواب بقراءتهما من غير تعرض للأفضلية، و لعله لذلك قال الصدوق فيما حكي عنه: أفضل ما يقرأ في الصلوات في اليوم و الليلة في الركعة الأولى الحمد و إنا أنزلناه، و في الثانية الحمد و قل هو الله أحد إلا في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة- إلى أن قال-: و انما يستحب ذلك لأن القدر سورة النبي (صلى الله عليه و آله) و أهل بيته (عليهم السلام) فيجعلهم المصلي وسيلة إلى الله، لأنه بهم وصل إلى معرفته، و أما التوحيد فالدعاء على أثرها مستجاب، و هو قنوت، و كان الأولى الاستدلال بما عرفت، لعدم اقتضاء التعليل المزبور الأفضلية، و الأمر في ذلك كله سهل، إذ الظاهر اختلاف ذلك ببعض الضمائم التي يضمها المكلف و الاعتبارات التي تعرض له.

[في استحباب قراءة هل أتى في غداة الخميس و الإثنين]

لكن ينبغي المحافظة على ما ورد في خصوص الأيام من الجمعة و غيرها مما ذكره المصنف بقوله و في غداة الخميس و الاثنين بهل أتى وفاقا للشيخ و أتباعه كما في المدارك، و المشهور كما في الحدائق إلا أنا لم نتحققه، بل ظاهر اقتصار المنتهى على نسبته إلى الشيخ خلافها، كما أنا لم نتحقق ما يدل على استحباب السورة المزبورة في الركعتين معا على وجه يكون به أفضل من غيرها، و

قول أبي جعفر (عليه السلام) في المروي (2)عن ثواب الأعمال مسندا: «من قرأ هل أتى على الإنسان في كل غداة


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب القراءة في الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2 و في الوسائل« و حورا» بدل« و جواره».

ج 9، ص: 404

خميس زوجه الله من الحور العين ثمانمائة عذراء، و أربعة آلاف ثيب، و جواره من الحور العين، و كان مع محمد (صلى الله عليه و آله)»

لا دلالة فيه على ذلك، ضرورة أعمية ذلك من الأفضلية، اللهم إلا أن يدعى ظهور تعرضه (عليه السلام) لبيان خصوص ذلك فيها، أو المراد الأفضلية من حيث معرفة مقدار ثوابه دون غيره، و لا ريب في رجحان اختياره على غير المعلوم، لكن لا دلالة فيه على اعتبار قراءتها في الركعتين معا في حصول ذلك، بل يكفي قراءتها في الركعة الأولى مع قراءة الغاشية في الركعة الثانية كما دل عليه غيره (1)و أفتى به في الفقيه و البيان و الدروس و اللمعة و النفلية و الموجز الحاوي و إرشاد الجعفرية و الروضة و الفوائد الملية و المنظومة الطباطبائية و كشف اللثام على ما حكي عن البعض، بل في الأخير تفسير نحو المتن به على إرادة قراءتها في الركعة الأولى منها، ففي

خبر رجاء بن الضحاك (2)«ان الرضا (عليه السلام) كان يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين و الخميس في الأولى الحمد و هل أتى، و في الثانية الحمد و «هل أتاك حديث الغاشية»»

و قال في المحكي عن الفقيه: فان من قرأهما فيها كفاه شر اليومين و قد حكى من صحب الرضا (عليه السلام) إلى خراسان لما أشخص إليها أنه كان يقرأ في صلاته بالسور التي ذكرناها مشيرا بذلك إلى الخبر المزبور المتضمن لقراءة السورتين في الغداتين و لغيرهما من السور في غيرهما، كما أنه لعله أشار بما ذكره من التعليل أولا إلى

المروي عن مجالس أبي علي ولد الشيخ الطوسي مسندا بل قيل صحيحا إلى علي بن عمر العطار(3)قال: «دخلت على أبي الحسن العسكري (عليه السلام) يوم الثلاثاء فقال: لم أرك أمس قال: كرهت الحركة يوم الاثنين، قال:

يا علي، من أحب أن يقيه الله شر يوم الاثنين فليقرأ أول ركعة من صلاة الغداة «هل


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 38- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.

ج 9، ص: 405

أتى،» ثم قرأ أبو الحسن (عليه السلام) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً»

و الله أعلم.

[في استحباب قراءة الجمعة و الأعلى ليلة الجمعة]

و في المغرب و العشاء ليلة الجمعة بالجمعة و الأعلى وفاقا للمرتضى و الصدوق و الشيخ و أكثر الأصحاب كما في المدارك، و الأشهر الأظهر و عليه الفتوى كما في الذكرى و المشهور كما في الحدائق، بل عن انتصار الأول أنه مما انفردت به الإمامية، و عليه إجماعها، و هو الحجة بعد

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(1): «اقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة و سبح اسم ربك الأعلى»

و

الرضا (عليه السلام) في خبر البزنطي (2)المروي عن قرب الاسناد «تقرأ في ليلة الجمعة الجمعة و سبح اسم ربك الأعلى»

و

خبر منصور بن حازم (3)المروي عن ثواب الأعمال عن الصادق (عليه السلام) «الواجب على كل مؤمن إذا كان لنا شيعة أن يقرأ الليلة الجمعة بالجمعة و سبح اسم ربك الأعلى- إلى أن قال-: فإذا فعل ذلك فإنما يعمل بعمل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و كان جزاؤه و ثوابه على الله الجنة»

و المناقشة فيها بعدم تنصيصها على قراءة الأولى في الأولى و الثانية في الثانية، و لا على ذلك بالنسبة إلى كل منهما تندفع بانسياق التشريك و الترتب إلى الذهن منها و إن لم نقل إن الواو له، خصوصا مع ملاحظة عبارات الأصحاب المفهوم منها ذلك، و لذا جعله من معقد الشهرة في الحدائق، و مع المحكي من فعل الرضا (عليه السلام) في خصوص العشاء الآخرة، كما أنه لا وجه لعدم الالتفات إليها، خصوصا بعد اعتضادها بما عرفت، فما عن مصباح المرتضى و الشيخ و الاقتصاد و كتاب عمل يوم و ليلة- من قراءة التوحيد في ثانية المغرب ل

خبر أبي الصباح الكناني (4)عن الصادق (عليه السلام) «إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة «الجمعة» و «قل هو


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 70- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.

ج 9، ص: 406

الله أحد»»

المعتضد ب ما دل (1)على زيادة فضل قراءتها في الصلاة، و خصوصا المغرب (2)لأنها من قصار المفصل، بل

قال الكاظم (عليه السلام) لعلي بن جعفر(3)فيما رواه الحميري عن قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن «رأيت أبي يصلي ليلة الجمعة بسورة الجمعة و قل هو الله أحد»

و غير ذلك- لا ريب في ضعفه، إلا أن يراد به كخبره أنه مستحب أيضا، و يرجح على غير الفرد المزبور، و أما بالنسبة إليه فلا ريب في رجحان اختياره عليه بما سمعته، و كذا ما يحكي عن ابن أبي عقيل من قراءة المنافقين في ثانية العشاء الآخرة ل

مرفوع حريز و ربعي (4)إلى أبي جعفر (عليه السلام) «إن كان ليلة الجمعة يستحب أن تقرأ في العتمة سورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون»

المعتضد بغيره أيضا، خصوصا ظاهر مداومة

علي بن جعفر (عليه السلام)(5)عليه، قال له أخوه في المروي عن قرب الاسناد: «يا علي بما تصلي ليلة الجمعة؟ قلت: بسورة الجمعة و المنافقين، فقال: رأيت أبي يصلي»

إلى آخر الخبر الذي نقلناه آنفا، و نحو ذلك، إذ هو أيضا ضعيف إلا أن يحمل على ما عرفت، ضرورة اشتراكهما فيما سمعت، و لعله لذلك كله قال في المدارك و تبعه عليه غيره: و هذا المقام مقام استحباب، و لا مشاحة في اختلاف الروايات فيه، كالعلامة الطباطبائي بعد أن ذكر ما نحن فيه و غيره مما اختلفت فيه الرواية قال: و الكل حسن.

[فيما يستحب أن يقرأ في الجمعة من السور]

و في صبيحتها بها و بقل هو الله أحد وفاقا للشيخين و أتباعهما كما في المدارك بل الأكثر كما في جامع المقاصد و غيره، بل المشهور كما في الحدائق، و عن الروض بل عن الخلاف الإجماع عليه، بل لعله محصل في السورة الأولى، أما الثانية فعن الصدوق


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 9.

ج 9، ص: 407

و المرتضى إبدالها بالمنافقين مدعيا ثانيهما الإجماع عليه و أنه مما انفردت به الإمامية، و التتبع يشهد بخلافه، ك خبر أبي الصباح (1)و أبي بصير(2)و ابن أبي حمزة(3)و إن كان مقتضى الجمع بينها و بين مرفوعة ربعي و حريز(4)و صحيح زرارة(5)المروي عن العلل و الرضوي (6)و المحكي من فعل الرضا (عليه السلام) في طريقه إلى خراسان (7)التخيير بينها و بين المنافقين كما عن الحسن، بل و الأعلى للمروي عن قرب الاسناد(8)من فعل الصادق (عليه السلام) على التسوية، أو التفاوت إن لم نشترط المقاومة في نحو المقام، و إن لم أجد من ذكر الأخير فردا للتخيير فضلا عن التعيين، و إلا كان الأول متعينا، ثم لا يخفى أن المراد قراءة الأولى في الركعة الأولى، و الثانية في الثانية كما نص عليه في بعض نصوص المقام.

و في الجمعة و الظهرين منها بها و بالمنافقين على المشهور بين الأصحاب بل عن الانتصار الإجماع عليه، كما عن الغنية على خصوص الجمعة، و بهما- مع اعتضادهما بالشهرة و الأصل و الإطلاقات و نفي التوقيت للقراءة في بعض النصوص (9)المحمول على إرادة نفي التعيين، و خصوص نفي البأس عن قراءة غير الجمعة في صلاة الجمعة متعمدا في صحيح علي بن يقطين 7611(10)و خبر سهل (11)و الحكم باجزاء الأعلى و التوحيد فيها أيضا في خبر يحيى الأزرق (12)كالأمر بالمضي في الصلاة مع تجاوز النصف من غير سورة الجمعة في المحكي من فقه الرضا (عليه السلام)(13)و إشعار

قوله (عليه السلام):


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
6- 6 المستدرك- الباب- 37- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
8- 8 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 9.
9- 9 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
10- 10 الوسائل- الباب- 71- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1.
11- 11 الوسائل- الباب- 71- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 4.
12- 12 الوسائل- الباب- 71- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 5.
13- 13 المستدرك- الباب- 53- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 408

«لا ينبغي أن يقرأ بغير الجمعة و المنافقين في صلاة الظهر في يوم الجمعة» في صحيح زرارة(1)المروي عن العلل،

و الأمر بقراءة التوحيد في الجمعة في السفر في خبر ابن يقطين (2)و ظهور «سنها و لا ينبغي» في صحيح ابن مسلم (3)أو حسنه، و ما عساه يفوح من

قول الصادق (عليه السلام)(4)في صلاة الجمعة: «لا بأس بأن يقرأ فيها بغير الجمعة و المنافقين إذا كنت مستعجلا»

و غير ذلك- يخرج عما يظهر منه الوجوب، كالأمر بالإعادة في صحيح عمر بن يزيد(5)أو حسنه لمن صلى الجمعة بغير الجمعة و المنافقين في سفر أو حضر، و المراد الظهر في السفر، و نفي الصلاة لمن تركهما متعمدا في صحيح زرارة(6)المروي عن العلل، كنفي الجمعة لمن لم يقرأهما فيها في خبر عبد الملك (7)و الأمر بقراءتهما في يوم الجمعة في صحيح الحلبي (8)أو حسنه بعد أن سأله عن الجهر بالقراءة في الجمعة مع صلاتها منفردا أربعا، و الأمر بالإتمام ركعتين لمن قرأ التوحيد في صلاة الجمعة ثم الاستئناف في خبر صباح بن صبيح (9)و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح منصور بن حازم (10): «لا شي ء موقت في القراءة في الصلاة إلا الجمعة يقرأ بالجمعة و المنافقين»

و

قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح سليمان بن خالد(11)جواب السؤال عن الجمعة: «القراءة في الركعة الأولى بالجمعة، و في الثانية بالمنافقين»

إلى غير ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 71- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 70- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 71- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 72- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 70- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3 خبر محمد بن مسلم.
7- 7 الوسائل- الباب- 70- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 7.
8- 8 الوسائل- الباب- 73- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
9- 9 الوسائل- الباب- 72- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
10- 10 الوسائل- الباب- 70- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
11- 11 الوسائل- الباب- 70- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6.

ج 9، ص: 409

و يحمل على تأكد الاستحباب كما ورد نظيره في ناسي الأذان و الإقامة(1)و صلاة جار المسجد(2)و نحوهما، خصوصا مع شهادة بعضها على بعض، بل في الخبر الواحد منها ذلك كما يظهر بأدنى تأمل، فما عن الصدوق و التقي بل عن الفوائد الملية نسبته إلى جماعة و إن كنا لم نتحققه- من إيجاب السورتين للمختار في ظهر الجمعة جمعا بين الأخبار، و يلزمهما الجمعة بالأولى كما قيل، أو يريدان به ما يشملها لتضمن كثير من الأدلة إياها، بل عن المرتضى في مصباحه إيجابهما فيها من غير تعرض للظهر- ضعيف و إن كان الأحوط عدم تركهما إلا للعذر كالسفر و المرض و خوف فوات الحاجة بل أحوط منه الاقتصار على الأعذار الصالحة لإسقاط الواجب.

و الظاهر انه إلى هذا القول أشار المصنف بقوله: و منهم من يرى وجوب السورتين في الظهرين و ليس بمعتمد لكن فيه أنا لم نعرف من قال بوجوبهما في العصر إذ المحكي عن الصدوق الظهر دونه، بل هو صريح في عدم وجوبهما فيه، و لذا أنكر بعض من تأخر عنه ما يحكى عن معتبره من نسبة ذلك إلى الصدوق، و فيه أن المحكي عن بعض نسخه المعتبرة عدم هذه النسبة، و لعله أراد بما في المتن غيره، فلا يتم الإنكار حينئذ عليه، أو يريد بالظهرين فيه الجمعة و الظهر و إن كان بعيدا، و الأمر سهل.

[في استحباب القراءة في نوافل النهار بالسور القصار]

و من المسنون أيضا القراءة في نوافل النهار بالسور القصار كما في المبسوط و التحرير و الذكرى و عن الدروس و ظاهر جامع الشرائع، و من المفصل كما في القواعد و النفلية، و لعله لأن القصار فيه لا غير، كما أنه لعل المستند في أصل الحكم- بعد فتوى من عرفت به و أنه مما يتسامح فيه- مزاحمة وقت نوافل النهار لوقت الفريضة


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.

ج 9، ص: 410

المأمور بالمحافظة عليه، حتى ورد(1)في نافلة الزوال- التي هي أفضل النوافل و صلاة الأوابين (2)و قد

كرر النبي (صلى الله عليه و آله)(3)الوصية لعلي (عليه السلام) بها ثلاثا- «انك خففها ما استطعت»

كما أنه ورد(4)فيها القراءة بالتوحيد، و في المبسوط أنه أفضل، و

في مصباح الشيخ (5)«روي أنه يستحب أن يقرأ في كل ركعة- يعني من نوافل الزوال- الحمد و إنا أنزلناه و قل هو الله أحد و آية الكرسي»

و في خبر الميثمي (6)الطويل تفصيل ما يقرأ في كل ركعة من نوافل الزوال، و ليس فيه ذكر للسورة الطويلة، بل ليس إلا القصار و بعض الآيات، فلاحظ، هذا كله مضافا إلى العمل في سائر الأعصار و الأمصار بالنسبة إلى نوافل الظهرين من نوافل النهار، و لعل غيرهما أولى بذلك منهما إن كان المراد من نحو المتن مطلق ما يصلى في النهار من النوافل، و قد يستظهر خلافه و أن المنساق من نحو العبارة خصوصهما.

و كيف كان فيستحب أن يسر بها بلا خلاف أجده فيه، بل في المنتهى و الذكرى و عن جامع المقاصد و المعتبر و غيرها الإجماع عليه، مضافا إلى النصوص(7).

[في استحباب القراءة في نوافل الليل بالسور الطوال]

و المسنون في نوافل الليل القراءة بالطوال كما في التحرير و غيره و عن المراسم و نهاية الأحكام و الدروس و غيرها، و من المفصل كما في القواعد و النفلية، و في خصوص الست أو الثمان من صلاة الليل صرح غير واحد من الأصحاب بل في الذكرى و مصابيح الطباطبائي نسبته إليهم مشعرين بالإجماع عليه، بل في الثاني نسبته مع ذلك إلى فعل السلف، و لعله الحجة مؤيدا بالاستعانة بذلك على حفظ القرآن


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب المواقيت- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب أعداد الفرائض- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب أعداد الفرائض- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب القراءة في الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 22- من أبواب القراءة في الصلاة.

ج 9، ص: 411

و التدبر في معانيه، و قوله تعالى (1)«أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا» و قوله سبحانه (2)«فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ» و قوله عز و جل (3)«يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ» و ما ورد(4)في تمثيل القرآن يوم القيامة، و

قوله للقارئ (5): «أنا الذي أسهرت ليلك و أنصبت عينك»

و

خبر إسحاق بن عمار(6)عن الصادق (عليه السلام) «من قرأ مائة آية يصلي بها في ليلة كتب الله له بها قنوت ليلة، و من قرأ مائتي آية في غير صلاة لم يحاجه القرآن يوم القيامة، و من قرأ خمسمائة آية في يوم و ليلة في صلاة الليل و النهار كتب الله له في اللوح المحفوظ قنطارا من حسنات، و القنطار ألف و مائتا أوقية، و الأوقية أعظم من جبل أحد»

و

خبر جابر ابن إسماعيل (7)المروي في الفقيه و غيره المشتمل على جواب السؤال عن قيام الليل بالقرآن، و تفصيل فضل الصلاة في الليل، و ما روي في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه محمد بن الحنفية «و عليك بتلاوة القرآن و التهجد به»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على فضل الإكثار من قراءة القرآن في الصلاة، و زيادة فضلها على القراءة في غير الصلاة مما يطول ذكره، و كفى بذلك كله دليلا على مثل المقام الذي يتسامح فيه، لكن في المدارك و غيرها و أما استحباب قراءة السور القصار في نوافل النهار و الطوال في نوافل الليل فلم أقف على رواية تدل بمنطوقها عليه، و ربما أمكن الاستدلال عليه بفحوى

صحيح محمد بن القاسم (8)«سألت عبدا صالحا هل يجوز أن يقرأ في صلاة


1- 1 سورة المزمل- الآية 4.
2- 2 سورة المزمل- الآية 20.
3- 3 سورة آل عمران- الآية 109.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قراءة القرآن.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1 فيه« عيشك» بدل« عينك».
6- 6 الوسائل- الباب- 62- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 62- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
8- 8 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.

ج 9، ص: 412

الليل بالسورتين و الثلاث فقال: ما كان من صلاة الليل فاقرأ بالسورتين و الثلاث، و ما كان من صلاة النهار فلا تقرأ إلا بسورة سورة»

و هو كما ترى، ضرورة أولوية فحوى غيره من كثير من النصوص منه بالنسبة إلى ذلك كما لا يخفى على من لاحظها، خصوصا بالنسبة إلى بعض السور، كالحواميم (1)و يس (2)و الرحمن (3)و الواقعة(4)و نحوها مما ورد الترغيب على قراءتها في الصلاة، بل عن مصباح الشيخ أنه روي استحباب قراءة مثل الانعام (5)و الكهف (6)و الأنبياء(7)في الست من صلاة الليل.

و على كل حال فينبغي أن يجهر بها عكس صلاة النهار(8)نصا و إجماعا محكيا فيما سمعته من الكتب السابقة في الاسرار.

و مع ضيق الوقت عن التطويل يخفف بالتبعيض أو قراءة القصار للنص عليه أيضا.

[فيما يستحب فيه قراءة الجحد و التوحيد]

و من المسنون أيضا أن يقرأ بقل يا أيها الكافرون و التوحيد في المواضع السبعة بلا خلاف أجده فيه

للحسن كالصحيح عن معاذ بن مسلم (9)عن الصادق (عليه السلام) «لا تدع أن تقرأ قل هو الله أحد و قل يا أيها الكافرون في سبع مواطن في الركعتين قبل الفجر، و ركعتي الزوال، و ركعتين بعد المغرب، و ركعتين في أول صلاة الليل، و ركعتي الإحرام و الفجر إذا أصبحت بها، و ركعتي الطواف»

و المراد بالإصباح بالغداة انتشار الصبح و ذهاب الغسق. و ظاهر قول المصنف و لو


1- 1 الوسائل- الباب- 65- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 63- من أبواب القراءة في الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 65- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب القراءة في الصلاة.
5- 5 مصباح المتهجد للشيخ قده ص 97.
6- 6 مصباح المتهجد للشيخ قده ص 97.
7- 7 مصباح المتهجد للشيخ قده ص 97.
8- 8 الوسائل- الباب- 22- من أبواب القراءة في الصلاة.
9- 9 الوسائل- الباب- 15- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 413

بدأ فيها بسورة التوحيد جاز أن المستحب البدأة بالجحد، و هو أحد القولين في المسألة اختاره الشيخ في موضع من مبسوطة و عن نهايته، و الفاضل في ظاهر القواعد و غيرها، و الثاني العكس، و هو المحكي عن الموضع الآخر من الكتابين و الصدوقين و ابن سعيد، بل في مصابيح العلامة الطباطبائي نسبته إلى الأكثر، و لعله الأظهر، لقول الشيخين، و

في رواية(1)«انه يبدأ في هذا كله بقل هو الله أحد، و في الركعة الثانية بقل يا أيها إلا في ركعتي الفجر، فإنه يبدأ فيهما بالجحد»

و هي صريحة في المطلوب و لا ينافيها الرواية الأولى، بل ربما كان فيها باعتبار الترتيب الذكري إشعار بتقديم التوحيد، و يشهد لذلك ما عن

فقه الرضا (عليه السلام)(2)فإنه قال في الركعتين الأوليين من صلاة الليل: «و اقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب و قل هو الله أحد، و في الثانية بقل يا أيها الكافرون، و كذلك في ركعتي الزوال»

و ما

عن المصباح (3)عن الصادق (عليه السلام) «إذا أردت صلاة الليل ليلة الجمعة فاقرأ في الركعة الأولى قل هو الله أحد و في الثانية قل يا أيها الكافرون»

و

حسن معاوية بن عمار(4)عن الصادق (عليه السلام) «إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم (عليه السلام) فصل ركعتين، و اقرأ في الأولى سورة التوحيد، و في الثانية قل يا أيها الكافرون»

نعم قد يعارض ذلك بما في حديث رجاء بن الضحاك (5)المتضمن لما كان يعمله الرضا (عليه السلام) في طريق خراسان انه كان يقرأ في الأولين من نافلة الزوال و المغرب بالجحد، و التوحيد


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 فقه الرضا عليه السلام ص 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 63- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 71- من أبواب الطواف- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أعداد الفرائض- الحديث 24 عن رجاء ابن أبي الضحاك.

ج 9، ص: 414

في الثانية، و لا ريب أن الأول أرجح لو فرضت المعارضة، فتأمل.

و كذا يستحب أن يقرأ في أولتي صلاة الليل قل هو الله أحد ثلاثين مرة وفاقا للمشهور ل

خبر زيد الشحام (1)المروي عن المجالس عن الصادق (عليه السلام) بل قيل: إنه رواه في الهداية و الفقيه و التهذيب لكن مرسلا، قال: «من قرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الليل ستين مرة قل هو الله أحد في كل ركعة ثلاثين مرة انفتل و ليس بينه و بين الله عز و جل ذنب»

و المحكي من فعل الرضا (عليه السلام) في طريق خراسان في خبر رجاء بن الضحاك و أما القراءة في البواقي من الثمان من صلاة الليل بسور الطوال كما صرح به غير واحد فلما عرفته سابقا في سائر نوافل الليل، انما الكلام في الجمع بين ما سمعته في الأوليين و ما تقدم آنفا من قراءة الجحد في سبعة مواطن، بل و ما تقدم أيضا من استحباب قراءة الطوال في مطلق نوافل الليل التي هاتان الركعتان منها، لكن قد يدفع الثاني أن الذي يظهر من ملاحظة كلام الأكثر إرادة استثناء هاتين الركعتين من ذلك العموم، خلافا للذكرى فأسند قراءة الطوال في الثمان إلى الأصحاب، و إلا فاحتمال العمل بهما جميعا أو التخيير بين الكيفيتين بعيد، بل لم أجد من احتمله، نعم قد احتملا معا في الأول، بل و إرادة ركعتي الورد من خبر الثلاثين كما عن الشهيد في النفلية، قيل: و حكاه في بعض فوائده عن شيخه عميد الدين، و لا ريب في بعده، و أقرب منه إرادتهما حينئذ من خبر الجحد لموافقته الموظف في تلك الصلاة من أنهما ركعتان خفيفتان تقرأ في الأولى منهما بالتوحيد و في الثانية بالجحد، و إن كان هو بعيدا أيضا، و أما احتمال التخيير لتعارض جهات الترجيح لشهرة الروايتين نقلا و عملا- و إن رجحت رواية الثلاثين بعظم الثواب، و ما ورد في فضل سورة التوحيد، و أنها تعدل ثلث القرآن، و كونها أحمز و أشق، مع سلامتها


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.

ج 9، ص: 415

من الاختلاف الواقع في تلك الرواية رجحت رواية الجحد من حيث السند، لتردده بين أن يكون صحيحا أو حسنا كالصحيح بخلاف الرواية الأخرى، فإنها مترددة بين الإرسال و الضعف بالحسن بن أحمد المالكي و هو مجهول، و منصور بن عباس و هو ضعيف كما قيل، و العدد فان الروايات المطابقة لها أكثر من الأولى، و المحل بوجودها في الكافي و الفقيه و التهذيب، و القرائن لثبوت الاستحباب في بقية السبع من غير معارض، و في الدلالة فإن النهي عن الترك أدل على التأكيد من الأمر بالفعل- فلا يخلو من وجه.

نعم قد يقال: إن الترجيح انما هو بعد المعارضة، و ليست بعد معلومية عدم مانعية القران في النافلة، و عدم ظهور شي ء من الروايات في أن كلا منهما كيفية مستقلة، فلعل الأقوى حينئذ وفاقا لكشف اللثام و غيره بل لعله محتمل المتن الجمع بينهما بتقديم قراءة التوحيد في الأولى إحدى و ثلاثين مرة بناء على المختار سابقا من البدأة بها، و قراءة الجحد و ثلاثين مرة قل هو الله أحد في الثانية، و أما ما قيل- من أنه بناء على ما روي (1)من الجحد في الثانية لا إشكال، فإن قراءة التوحيد في الأولى ثلاثين مرة محصل لقراءة التوحيد فيها في الجملة- ففيه أن المروي قراءة التوحيد ثلاثين مرة في كل من الركعتين، فالإشكال بحاله، على أن الظاهر من تعدد الأوامر تعدد المأمور به، فينبغي قراءة الإحدى و ثلاثين لا الاجتزاء بالثلاثين، إذ احتمال جعل الأمر الأول لمطلق الطبيعة التي تحصل بوظيفة الثلاثين بعيد، لمعلومية أصالة عدم التداخل.

فظهر لك حينئذ من ذلك كله ما في المحكي عن ابن إدريس من وجهين أو وجوه قال: و قد روي في الثانية من الركعتين الأولتين بدل الثلاثين مرة قل هو الله أحد قل يا أيها الكافرون، و هو مذهب الشيخ المفيد، و الأولى أظهر في الرواية، و هو مذهب شيخنا أبي جعفر، فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب القراءة في الصلاة.

ج 9، ص: 416

كما أنه قد ظهر لك من مجموع ما ذكرنا إمكان كيفيات ثلاثة لصلاة الليل: الأولى ما سمعته من قراءة المجموع في الأولتين، و الباقي بطوال السور، الثانية الاقتصار على الستين في الأولتين، و الباقي بطوال المفصل كما هو ظاهر القواعد، أو مطلقا كالأنعام و الكهف و الأنبياء كما عن المبسوط و النهاية في موضع منهما، و الوسيلة و السرائر و التذكرة و التحرير و الدروس، و لعله ظاهر المتن أو محتمله، الثالثة قراءة التوحيد و الجحد في الأولين، و السور الطوال في الست بعدها كما عن جماعة من الأصحاب، قيل:

و وافقهم آخرون على السورتين في الأولين، و سكتوا عن الباقية و خيروا فيها بين التطويل و التقصير، و اختلفوا في كيفية قراءة السورتين، فعن المفيد و ابن البراج و ابن زهرة قراءة التوحيد في الأولى ثلاثين مرة، و الجحد في الثانية كذلك، و لم نقف له على مستند، و أطلق الباقون، و ظاهرهم الاكتفاء بالمرة فيهما، و اختلفوا في الترتيب، فمنهم من قدم التوحيد على الجحد، و منهم من عكس كما عرفته سابقا مفصلا.

و ربما ذكرت كيفيات أخر لها، منها ما عن المصباح من قراءة التوحيد في الأولين ستين كالسابق، و قراءة المزمل و النبإ في الثالثة و الرابعة، و قراءة مثل يس و الدخان و الواقعة و المدثر في الخامسة و السادسة، و قراءة تبارك و هل أتى في السابعة و الثامنة، و لم نعثر له في النصوص على ما يشهد له، كالمحكي عن المقنعة من قراءة التوحيد ثلاثين في كل من الثمانية، فيبلغ المجتمع منها مائتين و أربعين، قال: فان لم يتمكن قرأها عشرا عشرا، و يجزيه أن يقرأها مرة واحدة إلا أن تكرارها حسبما ذكرناه أفضل و أعظم أجرا، بل و كذا ما ذكره الشهيد أيضا من قراءة السور في الجميع، و من العجيب نسبته ذلك إلى قول الأصحاب، و لم نعرف أحدا صرح بذلك إلا ما حكي عن سلار اللهم إلا أن يكون أخذه من قولهم: يقرأ السور الطوال في نوافل الليل مع نصهم على ذلك في الست، فتأمل جيدا.

ج 9، ص: 417

و منها قراءة خمس عشرة آية في كل ركعة مع إطالة الركوع و السجود بقدر ذلك

للصحيح عن محمد بن أبي حمزة(1)عن الصادق (عليه السلام) «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقرأ في كل ركعة خمس عشرة آية، و يكون ركوعه مثل قيامه و سجوده مثل ركوعه، و رفع رأسه من الركوع و السجود سواء»

إذ الظاهر أن ذلك كان من صلاة الليل، كما يشهد له

الصحيح (2)«إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يقوم بالليل، فيركع أربع ركعات، على قدر قراءته ركوعه، و سجوده على قدر ركوعه، يركع حتى يقال متى يرفع رأسه و يسجد حتى يقال متى يرفع رأسه»

و

أورد العلامة في المنتهى الحديث هكذا «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقرأ في كل ركعة من صلاة الليل خمس عشرة آية»

و هو نص في المطلوب، و مقتضى الحديث أن قراءته في الثمانية مائة و عشرون آية، و مقدار الشبه في القراءة و الركوع و السجود نحو من أربعمائة و ثمانين آية، و قد يقال: بأن هذه ليست كيفية مستقلة، بل تضم هذه الآيات إلى السور بقرينة أن المستحب قراءة سورة كاملة بعد الحمد في النافلة، فلا يحسن من النبي (صلى الله عليه و آله) استمراره على خلافه، خصوصا و قد

روي (3)عنه (صلى الله عليه و آله) «انه كان يقرأ في آخر صلاة الليل سورة الدهر»

بل و كذا ما ذكر لها من الكيفية أيضا من قراءة عشر آيات في كل ركعة على ما يقتضيه ظاهر

الموثق (4)«من قرأ خمسمائة آية في يوم و ليلة في صلاة النهار و الليل كتب الله له في


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الركوع- الحديث 1 لكن رواه عن محمد ابن أبي حمزة عن أبي حمزة.
2- 2 الوسائل- الباب- 53- من أبواب المواقيت- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 53- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 62- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 418

اللوح المحفوظ قنطارا من حسنات، و القنطار ألف و مائتا أوقية، و الأوقية أعظم من جبل أحد»

بل و كذا الكيفية الأخرى أيضا، و هي قراءة التوحيد و القدر و آية الكرسي في كل ركعة، للمروي

عن ثواب الأعمال بإسناده عن أبي الحسن العبدي (1)عن الصادق (عليه السلام) «من قرأ قل هو الله أحد و إنا أنزلناه و آية الكرسي في كل ركعة من تطوعه فقد فتح الله بأفضل أعمال الآدميين إلا من أشبهه أو زاد عليه»

خصوصا و الذي فيه «من قرأ» بل و خصوصا مع قوله (عليه السلام): «أو زاد عليه» و نحوه ما قيل أيضا من قراءة سورة المزمل في الجميع، ل

خبر منصور بن حازم (2)عن الصادق (عليه السلام) «من قرأ سورة المزمل في العشاء الآخرة أو في آخر الليل كان الليل و النهار شاهدين له مع سورة المزمل، و أحياه الله حياة طيبة، و أماته ميتة طيبة»

و أما الكيفية الأخرى- و هي قراءة التوحيد في الجميع، ل

ما رواه صفوان الجمال (3)قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: صلاة الأوابين الخمسون كلها بقل هو الله أحد»

فقد يحمل دليلها على إرادة الأجزاء، ل

خبر صفوان (4)أيضا عنه (عليه السلام) «قل هو الله أحد تجزي في خمسين صلاة»

كما أن الكيفية الأخرى لها أيضا لم نعرف لها دليلا بالخصوص، و هي قراءة إحدى السور المنصوص عليها في النوافل كالزلزلة و الرحمن و الحواميم، أو في مطلق الصلاة كالدخان و الممتحنة و الصف و ن و الحاقة و نوح و الانفطار و الانشقاق و الأعلى و الغاشية و الفجر و التين و التكاثر و أ رأيت و الكوثر و النصر، و لنوع من الاعتبار جعل العلامة الطباطبائي جميع ما سميت كيفيات متعددة


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 419

حتى أنهاها إلى ثلاثة عشر بضميمة ما في

خبر رجاء بن الضحاك (1)معها و هو «انه كان (عليه السلام) إذا صار الثلث الأخير من الليل قام من فراشه و عمل بالتسبيح و التحميد و التكبير و التهليل و الاستغفار، فاستاك ثم توضأ ثم قام إلى صلاة الليل، فصلى ثمان ركعات، يسلم في كل ركعتين، يقرأ في الأولين منها في كل ركعة الحمد مرة و قل هو الله أحد ثلاثين مرة، ثم يصلي صلاة جعفر بن أبي طالب أربع ركعات- إلى أن قال-: ثم يقوم فيصلي الركعتين الباقيتين، يقرأ في الأولى الحمد و سورة الملك، و في الثانية الحمد و هل أتى».

و الأمر في ذلك سهل حيث كان الأمر مندوبا يتسامح فيه، و الله أعلم.

[في استحباب أن يسمع الامام من خلفه القراءة الجهرية]

و ينبغي أن يسمع الامام من خلفه القراءة الجهرية كباقي الأذكار ما لم يبلغ العلو المفرط و كذا الشهادتين استحبابا إجماعا محكيا إن لم يكن محصلا و نصا(2)قد تقدم سابقا و يأتي في الجماعة أيضا، و التقييد بما لم يبلغ العلو أي المفرط للخروج عن الهيئة، و ل خبر عبد الله بن سنان (3)كما سمعته فيما سبق و تسمعه فيما يأتي إن شاء الله.

[في استحباب السؤال و التعوذ عند المرور بآيات الرحمة و النقمة]

و من المسنون أيضا إجماعا محكيا عن الخلاف إن لم يكن محصلا و نصا أنه إذا مر المصلي بآية رحمة سألها و بآية نقمة تعوذ منها

قال (ع) في موثق سماعة(4): «ينبغي لمن يقرأ القرآن إذا مر بآية من القرآن فيها مسألة أو تخويف أن يسأل عند ذلك خير ما يرجو، و يسأله العافية من النار و من العذاب»

و في

مرسل البرقي (5)«فإذا مر بآية


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أعداد الفرائض- الحديث 24.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التشهد.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 420

فيها ذكر الجنة و ذكر النار سأل الله الجنة و تعوذ بالله من النار»

نعم لا يطيل الدعاء بحيث يخرج عن هيئة الصلاة أو نظم القراءة المعتادة، و إلا بطلت صلاته كما عن المعتبر التصريح به، و استحسنه في المدارك، و الظاهر جريان الاستحباب المزبور للمأموم أيضا،

لحسن الحلبي (1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يكون مع الامام فيمر بالمسألة أو بآية فيها ذكر جنة أو نار قال: لا بأس بأن يسأل عند ذلك، و يتعوذ من النار و يسأل الله الجنة».

و يستحب أيضا أن يتعوذ أمام القراءة إجماعا في المنتهى و الذكرى و كشف اللثام و المحكي عن الخلاف و الفوائد الملية و البحار، بل عن مجمع البيان نفي الخلاف فيه، و هو مع بعض النصوص (2)الحجة في حمل الأمر في الآية(3)و البعض الآخر من النص (4)على الاستحباب، فما عن أبي علي ولد الشيخ من القول بالوجوب شاذ و غريب، و الأولى الاقتصار عليه في الركعة الأولى و إن كان تعديته لكل ركعة يقرأ فيها بل و للقراءة في غير الصلاة لا تخلو من قوة إن لم ينعقد الإجماع على خلافه، كما هو ظاهر بعضهم، كما أن الأولى الإسرار به في الصلاة للإجماع المحكي عن الخلاف، و لما عن التذكرة و إرشاد الجعفرية من أنه على ذلك عمل الأئمة (عليهم السلام)، و لعل الخبر الفعلي (5)بالإجهار محمول على تعليم التعوذ، فما عن بعض متأخري المتأخرين من التوقف في ذلك و الميل إلى الإجهار لا يخلو من نظر.

و صورته عند المشهور كما قيل: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» و في

المحكي(6)


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب القراءة في الصلاة.
3- 3 سورة النحل- الآية 100.
4- 4 الوسائل- الباب- 57- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 57- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
6- 6 المستدرك- الباب- 43- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 9، ص: 421

عن فقه الرضا (عليه السلام) و بعض كتب الأصحاب «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم»

و لا يبعد التخيير بينهما كما عن المبسوط و جامع الشرائع و غيرهما، و ربما رجحت الصورة الأخيرة بما فيها من الوصف، و بقوة دليلها، لأنها رواها البزنطي (1)و الحميري (2)في قرب الاسناد عن صاحب الزمان (عليه السلام) و هي التي قالها الإمام العسكري (عليه السلام)(3)في تفسيره، و المروي (4)في دعائم الإسلام عن الصادق (عليه السلام)، بخلاف الصورة الأولى، فليس فيها إلا رواية الخدري (5)و الظاهر أنها عامية و إن رواها الشهيد في الذكرى، و الأمر في ذلك كله سهل، كسهولة الإتيان أيضا بما عن القاضي من زيادة «إن الله هو السميع العليم» في الصورة الثانية، قيل: و لعل مستنده موثقة سماعة(6)إلا أن فيها «أستعيذ» كما

عن بعض خطب أمير المؤمنين (عليه السلام)، و عن نافع و ابن عامر و الكسائي «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم»

و عن حمزة «نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم».

[في استحباب الفصل بين الحمد و السورة بسكتة خفيفة]

و كذا يستحب أيضا الفصل بين الحمد و السورة بسكتة خفيفة أطول من الوقف على الفواصل- و في رواية حماد(7)الواردة في تعليم الصادق (عليه السلام) الصلاة تقديرها بنفس بين الحمد و السورة- و بين السورة و التكبيرة ل

خبر إسحاق بن عمار(8)عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) «إن رجلين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) اختلفا في صلاة رسول الله (صلى الله عليه و آله) فكتب إلى أبي بن كعب


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.
4- 4 المستدرك- الباب- 43- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 57- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 57- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 46- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.

ج 9، ص: 422

كم كانت لرسول الله (صلى الله عليه و آله) من سكتة؟ قال: كانت له سكتتان، إذا فرغ من قراءة أم القرآن، و إذا فرغ من السورة»

لكن عن ابن الجنيد أنه

روى سمرة و أبي بن كعب (1)عن النبي (صلى الله عليه و آله) «إن السكتة الأولى بعد تكبيرة الافتتاح، و الثانية بعد الحمد»

و في

المروي (2)عن الخصال عن الخليل عن الحسين بن حمدان عن إسماعيل بن مسعود عن يزيد بن ذريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن «إن سمرة بن جندب و عمران بن حصين تذاكرا فحدث سمرة أنه حفظ عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) سكتتين: سكتة إذا كبر، و سكتة إذا فرغ من قراءته عند ركوعه، ثم إن قتادة ذكر السكتة الأخيرة إذا فرغ من قراءته غير المغضوب عليهم و لا الضالين، أي حفظ ذلك سمرة، و أنكر عليه عمران بن حصين، قالا: فكتبنا في ذلك إلى أبي بن كعب، و كان في كتابه إليهما أو في رده عليهما أن سمرة قد حفظ»

و هو يخالف ما حكاه ابن الجنيد عنهما، و كيف كان فالعمل على ما ذكرناه أولا، نعم قد يتوقف في استحبابهما إذا عمل المكلف ب ما ورد(3)من استحباب الحمد بعد الفراغ من أم الكتاب، و استحباب بعض ما يقال أثر بعض السور، كقول:

«كذلك الله ربي» بعد التوحيد و نحوه، لمكان حصول الفصل بذلك، فلا يحتاج إلى السكوت، أو لفوات محله حينئذ، و على تقدير عدم السقوط فهل محل السكتتين حينئذ قبل القولين أو بعدهما؟ وجهان، إلى غير ذلك من مسنونات القراءة المذكورة في الذكرى و النفلية و غيرهما من كتب الأصحاب، و الله أعلم بحقيقة الحال.

إلى هنا تم الجزء التاسع من كتاب جواهر الكلام و قد بذلنا جهدنا في تصحيحه و مقابلته للنسخة الأصلية المصححة بقلم المصنف طاب ثراه و يأتي الجزء العاشر إن شاء الله آنفا.

عباس القوچاني


1- 1 المستدرك- الباب- 34- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 المستدرك- الباب- 34- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4 و 6.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.