جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد6

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج6، ص: 1

[تتمة القسم الأول في العبادات]

[تتمة كتاب الطهارة]

[تتمة الركن الرابع في النجاسات و أحكامها]

[تتمة القول الأول في النجاسات]
[الثامن المسكرات]
اشاره

ج6، ص: 2

الثامن المسكرات المائعة أصالة كالخمر و غيره و في تنجيسها خلاف بين الأصحاب و لكن الأظهر و المشهور نقلا و تحصيلا قديما و حديثا بيننا و بين غيرنا شهرة كادت تكون إجماعا بل هي كذلك النجاسة بل لم يعتد به في المبسوط، و عن الخلاف و أطعمة الإيضاح بالنسبة للخمر فنفياه عن نجاسته من غير استثناء، بل ظاهر الأولين أو صريحهما بين المسلمين كصريح الناصريات و ظاهر الغنية مع زيادة «إلا من لا يعتد بقوله» و نحوه فيهما و في السرائر بعد أن نفى الخلاف عن نجاسة الخمر حكى عن بعض أصحابنا ما يقتضي الطهارة، ثم قال: «و هو مخالف لإجماع المسلمين فضلا عن الطائفة في أن الخمر نجس» كالمحكي عن نزهة يحيى بن سعيد من أن القول بطهارة الخمر خلاف الإجماع، و في الذكرى ان القائل بالطهارة تمسك بأحاديث لا تعارض القطعي، إلى غير ذلك من الإجماع المستفيض في كلام الأصحاب المعتضد بما تسمعه منه أيضا في الفقاع و في كل مسكر، بل هو خارج عن قسم الآحاد و داخل في القطع أو المتواتر منه.

و لقد أجاد البهائي في الحبل المتين بقوله: أطبق علماء الخاصة و العامة على نجاسة الخمر إلا شرذمة منا و منهم لم يعتد الفريقان بمخالفتهم.

ج 6، ص: 3

فمن العجيب بعد ذلك كله و غيره تشكيك الأردبيلي و تلميذه و الخوانساري في النجاسة تبعا للصدوق و المحكي عن والده في الرسالة و الحسن و الجعفي من القول بالطهارة مع عدم ثبوت ذلك عن الثاني، بل أنكره بعض الأساطين، و عدم صراحة الأول فيه أيضا، سيما بملاحظة ما نقل عنه من إيجابه نزح البئر منه، كعدم معروفية حكاية ذلك عن الجعفي في كثير من كتب الأصحاب كالعلامة و غيره، نعم حكاه في الذكرى و تبعه بعض من تأخر عنه.

و كيف كان فقد انقرض الخلاف و استقر المذهب على النجاسة فيه و في كل مائع مسكر، ففي الغنية كل شراب مسكر نجس، و الفقاع نجس بالإجماع، كما عن الخلاف و شرح الرسالة للشهيد الثاني الإجماع أيضا، لكن مع استثناء من شذ في الثاني، و في المصابيح حكم سائر المسكرات حكم الخمر عندنا، كما عن المعتبر ان الأنبذة المسكرة عندنا في التنجيس كالخمر، و في التحرير على ذلك عمل الأصحاب، و في المعالم لا نعرف فيه خلافا، كما في المدارك انه قطع به الأصحاب، بل لم يعتد المرتضى (رحمه الله) فيما حكي عنه بالخلاف في المقام، فقال: «الشراب الذي يسكر كثيره كل من قال انه محرم الشرب ذهب إلى أنه نجس كالخمر، و انما يذهب إلى طهارته من ذهب إلى إباحة شربه، و قد دلت الأدلة الواضحة على تحريم كل شراب مسكر كثيره، فيجب أن يكون نجسا، لأنه لا خلاف في أن نجاسته تابعة لتحريم شربه» انتهى.

إذ من المعلوم ان حرمة شرب سائر المسكرات في مذهبنا من المسلمات بل الضروريات، من غير فرق بين القليل و الكثير و المطبوخ و الني ء و المتخذ من العنب و غيره، كالنقيع من الزبيب، و النبيذ من التمر، و المسكر من الرطب، و الفضيخ من البسر، و التبع من العسل، و الجعة من الشعير، و المرز من الذرة، و غيرها من الأشربة المسكرة و لو بكثيرها، بل عن الشافعي و أحمد و مالك و الثوري و الليث بن سعد و جمهور

ج 6، ص: 4

العامة موافقتنا في ذلك، نعم حكي عن أبي حنيفة و صاحبيه خلاف ذلك، فأباح الأول المسكر من كل شي ء عدا عصير العنب و نقيع التمر و الزبيب، و أحل من العصير ما طبخ على الثلث، و من النقيعين المطبوخ مطلقا، لكنه استثنى من المطبوخ القدر الذي يتعقبه الإسكار، فلو شرب عشرة و سكر بالعاشر اختص التحريم به، و نحوه في ذلك كله صاحباه، إلا أن الشيباني منهما قد اشترط في حل الثلاثة طبخها على الثلث، و قد خالفوا في ذلك الكتاب و السنة، بل و ما هم عليه من القياس، مع كونه جليا تشهيا و طلبا للرخصة.

و لعله لذا قيل: إنه قد شنع عليهم فيه علماء العامة فضلا عن الخاصة، و التشاغل في تحقيق ذلك غير مهم بعد ما عرفت، فكان المرتضى (رحمه الله) لم يعتد بخلاف الصدوق و من تقدمه، و إلا فهم ممن يقول بالحرمة دون النجاسة، و احتمال تخصيص كلامهم في الخمر دون غيره باطل قطعا.

نعم يتجه دعوى الإجماع المركب بمعنى أن كل من قال بنجاسة الخمر قال بنجاسة سائر الأشربة المسكرة، و من قال بطهارته قال بطهارتها، فيتجه حينئذ الاستدلال عليها بكل ما دل على نجاسة الخمر من الإجماعات السابقة و غيرها كالآية(1)بناء على كون الرجس فيها بمعنى النجس، إما لغة كما في التذكرة و المنتهى، بل حكي في الثاني عن الصحاح و الجمل أن الرجس بالكسر القذر، أو في خصوص المقام لنفي الشيخ في التهذيب عنه الخلاف، بل في المصابيح أنه نص عليه الفقهاء و ادعى الشيخ عليه الإجماع، و لعله لا ينافيه وقوعه مع ذلك خبرا عن الأنصاب و الأزلام، لإمكان أن يراد به بالنسبة إليهما المستقذر عقلا من باب عموم المجاز، على انه يمكن بل هو الظاهر دعوى كونه خبرا عن الخمر خاصة، فيقدر حينئذ لهما خبرا، و لا يجب مطابقة المحذوف و الموجود و إن كان دالا عليه، كما في عطف المندوب على الواجب بصيغة واحدة، فيتعين حينئذ كون الرجس بمعنى النجس.


1- 1 سورة المائدة- الآية 92.

ج 6، ص: 5

و يؤيده- مضافا إلى إطلاق الأمر بالاجتناب عنه في الآية بناء على جعل الضمير فيه للرجس أو الخمر، و إلى استعماله في السنة(1)بذلك في الكلب و نحوه- خصوص

خبر خيران الخادم (2)المروي في الكافي و التهذيب و الاستبصار بطرق ليس فيها من يتوقف في شأنه إلا سهل بن زياد، قال: «كتبت إلى الرجل (عليه السلام) أسأله عن الثوب يصيب الخمر و لحم الخنزير أ يصلى فيه أم لا؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا، فقال بعضهم: صل فيه فان الله انما حرم شربها، و قال بعضهم: لا تصل فيه، فكتب (عليه السلام) لا تصل فيه فإنه رجس»

و هو مع شهادته لقوة دلالة الآية دال على المقصود بنفسه، كغيره من المعتبرة المستفيضة(3)الظاهرة بل الصريحة في نجاسته المتمم دلالتها على غيره من المسكرات بعدم القول بالفصل كما عرفت إن لم نقل بكون الخمر اسم لما يخمر العقل الشامل لكل مسكر كما هو ظاهر المصنف في المعتبر و غيره.

بل في الغريبين للهروي في تفسير الآية الخمر ما خامر العقل أي خالطه، و خمر العقل ستره، و هو المسكر من الشراب، كما عن القاموس الخمر ما أسكر من عصير العنب أو عام كالخمرة و قد يذكر، و العموم أصح، لأنها حرمت و ما بالمدينة خمر عنب، و ما كان مشروبهم إلا البسر و التمر، ثم ذكر وجه التسمية بالخمر.

و عن المصباح المنير الخمرة يقال: هي اسم لكل ما خامر العقل و غطاه، و عن مجمع البحرين الخمر معروف، و عن ابن الأعرابي انما سمي خمرا لأنها تركت و اختمرت، و اختمارها تغيير رائحتها، إلى أن قال: «و الخمر فيما اشتهر بينهم كل شراب مسكر، و لا يختص بعصير العنب» إلى آخره.


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات.

ج 6، ص: 6

بل يشهد له جملة من الأخبار ك

صحيح ابن الحجاج (1)عن الصادق (عليه السلام) «الخمر من خمسة أشياء: العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و التبع من العسل، و المرز من الشعير، و النبيذ من التمر»

و نحوه خبر علي بن إسحاق الهاشمي (2).

و يقرب منهما خبر النعمان بن بشير(3)كمرسل الحضرمي (4)و خبر ابن السمط(5)المروي أولها عن الأمالي، و ثانيها عن الكافي، و ثالثها عن تفسير العياشي، بل في

خبر عطاء بن سيارة(6)عن الباقر (عليه السلام) «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): كل مسكر خمر»

ك

قوله (عليه السلام) في خبر أبي الجارود(7)المروي عن تفسير علي بن إبراهيم، و هو طويل: «أما الخمر فكل مسكر من الشراب فهو خمر- بل فيه انه- لما نزل تحريمها انما كان الخمر بالمدينة فضيخ البسر و التمر، فخرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) و دعا بالأواني فكفأها، و قال: هذه كلها خمر، و لا أعلم أنه كفأ يومئذ من خمر العنب شيئا إلا إناء واحدا كان فيه زبيب و تمر جميعا، فأما عصيره فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شي ء»

إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على عموم الخمر لكل مسكر.

و لا ريب في وضوحها في المدعى حتى لو قلنا بكون المستفاد منها أن الخمر حقيقة شرعية في كل مسكر كما ذهب إليه البحراني في حدائقه، بل و إن لم نقل بذلك بل كان من المراد الشرعي، بل قد يتمسك بها حتى لو أريد التشبيه منها و المنزلة، اللهم إلا أن يدعى انصرافها إلى التحريم، و فيه منع، على أن بعض الأخبار (8)قد دلت على شمول لفظ الخمر في الآية لكل مسكر، و قد ظهر لك سابقا دلالة الآية على التنجيس.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 5 لكن رواه عن عطاء بن يسار.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 5.
8- 8 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 5.

ج 6، ص: 7

كل ذلك بعد الإغضاء عما يستفاد منه نجاسة مطلق المسكر و النبيذ من المعتبرة المستفيضة(1)البالغة هي مع ما ورد في نجاسة الخمر حد الاستفاضة ان لم تكن متواترة، إذ هي تقرب من عشرين خبرا، و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما الدالة بأنواع الدلالة، كالأمر بالغسل و إعادة الصلاة و غيرهما، بل في بعضها الأمر بالغسل سبعا، و في آخر ثلاثة، بل فيها الصريح بالنجاسة، ك

خبر أبي الجارود- و هو طويل- عن النبيذ، و سؤال أم خالد(2)العبدية عن التداوي به، فقال: «ما يبل الميل منه ينجس حبا من ماء، يقولها ثلاثا»

كما أن فيها المشتمل على القسم بالله على ذلك، ك

خبر عمر بن حنظلة(3)قلت للصادق (عليه السلام): «ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى يذهب عاديته و سكره؟ فقال: لا و الله و لا قطرة يقطر منه في حب إلا أهريق ذلك الماء»

كسؤال

الحلبي (4)له (عليه السلام) أيضا عن دواء يعجن بالخمر، فقال: «و الله ما أحب أن أنظر اليه، فكيف أتداوى به، انه بمنزلة شحم الخنزير»

و في

خبر هارون ابن حمزة(5)عنه (عليه السلام) أيضا «انه بمنزلة الميتة»

إلى غير ذلك، مضافا إلى ما تقدم من الأخبار المعتبرة(6)في نزح البئر منه.

و هي و ان كان في مقابلها أخبار تدل على الطهارة في الخمر و النبيذ، بل مطلق المسكر، ك

صحيح الحسن بن أبي سارة(7)عن الصادق (عليه السلام) «إن أصاب


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق.
7- 7 الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات- الحديث 10 و في الوسائل« عن الحسين بن أبي سارة» و هو وهم كما يظهر من ترجمته.

ج 6، ص: 8

ثوبي شي ء من الخمر أصلي فيه قبل أن أغسله، قال: لا بأس، إن الثوب لا يسكر»

و

صحيح علي بن رئاب (1)عنه (عليه السلام) أيضا «عن الخمر و النبيذ المسكر يصيب ثوبي أغسله أو أصلي فيه، قال: صلِّ فيه إلا أن تقذره، فتغسل منه موضع الأثر، إن الله تعالى انما حرم شربها»

و

موثق ابن بكير(2)عنه (عليه السلام) أيضا «سأله رجل و أنا عنده عن المسكر و النبيذ يصيب الثوب فقال: لا بأس»

و

خبر الحسين بن موسى الخياط(3)عنه (عليه السلام) أيضا «عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجه من فيه فيصيب ثوبي فقال: لا بأس»

إلى غير ذلك.

لكنها أقل منها عددا و أقصر منها سندا، و مخالفة للكتاب و المجمع عليه بين الأصحاب، فلا بد من تأويلها أو طرحها و الاعراض عنها، سيما بعد أمر الرجل في خبر خيران الخادم الذي هو كناية على ما قيل عن أبي جعفر الثاني أو أبي الحسن الثالث (عليهما السلام) بذلك، ك

صحيح علي بن مهزيار(4)المروي في الكافي و كتابي الأخبار بطرق متعددة، قال: «قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) في الخمر يصيب ثوب الرجل إنهما قالا: لا بأس بأن يصلي فيه، انما حرم شربها، و روى غير زرارة عن الصادق (عليه السلام) انه قال: إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله كله، و ان صليت فيه فأعد صلاتك، فأعلمني ما آخذ به، فوقع (عليه السلام) و قرأته خذ بقول أبي عبد الله (عليه السلام)»

إذ من الواضح إرادة قوله المنفرد عن قول


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات- الحديث 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 9

أبيه، و إلا فكلا القولين قوله، و الأخذ بهما جميعا ممتنع، و التخيير غير مقصود، على أنه لو كان المراد قوله مع أبيه لكان ينبغي إسناده إليهما معا أو إلى أبي جعفر (عليه السلام) كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام، و هي- مع اشتمالها على الاعراض عن تلك الأخبار- دالة على النجاسة أكمل دلالة و أبلغها، مع علو سندها و تعدد طريقها، و مروية عن الامام اللاحق حاكمة على الأخبار المروية عمن قبله، و ليس في تلك الأخبار ما يعادلها نفسها، سيما بعد اعتضادها بما عرفت.

و لقد أجاد المحقق الشيخ حسن في المنتقى على ما نقل عنه حيث اقتصر عليها في أدلة النجاسة، و فيها تصديق لما رواه الشيخان في

الصحيح عن يونس بن عبد الرحمن(1) - الذي هو ممن أجمعت الصحابة على تصحيح ما يصح عنه، و أقروا له بالفقه و العلم- عن بعض من رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله ان عرفت موضعه، و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله، فان صليت فيه فأعد صلاتك».

إذ الظاهر أن الرواية المأمور بأخذها هي هذه، لمطابقة متنها له، و اتحاد المروي عنه فيهما، و لقد قصر الكلام بعد ما عرفت عن إبداء العجب من هؤلاء المتأخرين في تشكيكهم بهذا الحكم المجمع عليه بين الأساطين، بل بين علماء المسلمين، بل كاد ان يكون ضروري مذهب أو دين، و ان كان أول من جرأهم عليه المصنف في المعتبر، و كيف لا يزداد العجب و لا معارض إلا ما سمعته من تلك الأخبار الواجبة للطرح أو التأويل أو الحمل على التقية من بعض المخالفين سيما من ربيعة الرأي، إذ هو على ما قيل من فقهاء المدينة و شيوخ مالك و كان في عصر الصادق (عليه السلام)، فلا غرو أن يتقى منه، خصوصا مع ملائمته لطباع السلاطين و ذي الشوكة من أمراء بني أمية و بني العباس


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات- الحديث 3.

ج 6، ص: 10

المولعين بشربها المتهالكين عليه، حتى انهم ربما حاولوا دفع التحريم عنه كما يشير اليه حديث المهدي العباسي (1)مع الكاظم (عليه السلام) و التظاهر بنجاستها تقذير عليهم و تنجيس لهم بشربها و مزاولتها، بل ربما نقل عن بعضهم انه كان يؤم الناس و هو سكران فضلا عن تلوثه و ثيابه بها، على ان الرمي بالنجاسة من أشد ما يكره على الطبع و أعظم ما يرد على النفس، و لا كذلك التحريم، خصوصا بالقياس إلى السلاطين الذين لا يتحاشون عن المحرمات، و اشتهار الفتوى بالنجاسة بين علمائهم لا ينافي ذلك، إذ لم يكن عليهم فيه تقية، بل كانوا يتظاهرون بخلاف ما هم عليه، و يجاهدونهم بالرد و الكفاح و لا يراقبونهم في ذلك، بل كان ذو الشوكة منهم يتحمله و لا يبالي به، لعلمه بأن ذلك لا يحدث فتقا في سلطانه، و لا يهدم ركنا في بنيانه، إذ لم يكن فيهم من يرشح نفسه للإمامة و الخلافة الكبرى و الرئاسة العظمى انما كانت التقية على أئمة الحق (ع) المحسودين للخلق، و هم الذين لا يدانيهم في الفضل أحد، و الذين ورد عليهم من حسد أئمة الجور ما قد ورد.

فما توهمه بعض الفضلاء- من أن تقية السلاطين لو اقتضت الحكم بالطهارة لكان أولى الناس بها فقهاء العامة، لشدة مخالطتهم إياهم و عكوفهم لديهم، مع أن معظمهم على النجاسة- في غير محله كما عرفت.

ثم انه قد يتوهم من إطلاق المتن كالقواعد و الإرشاد و الدروس و عن المبسوط و غيره نجاسة الجامد أصالة من المسكر، لكن صريح جماعة و ظاهر آخرين الطهارة، بل في المدارك القطع بها، و موضع من شرح الدروس عدم ظهور خلاف بين الأصحاب في ذلك، بل في آخر و الحدائق الظاهر اتفاقهم عليها، كنسبة الذخيرة تخصيص النجاسة بالمائع أصالة إلى الأصحاب، بل عن الدلائل دعوى الإجماع صريحا على طهارة الجامد.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 13.

ج 6، ص: 11

و لعله للأصل و العموم السالمين عن المعارض، لظهور تلك الأدلة في المائع من المسكر، و انسياقه إلى الذهن منها و لو من سياقها، حتى

موثق عمار(1)«لا تصل في ثوب أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل»

كما يومي اليه عدم تقييد الإصابة فيه بالرطوبة.

إلا أنه قد يشكل- مضافا إلى ما يظهر من بعض الأخبار(2)من كون علة الحكم حرمة و نجاسة الإسكار، و أن كلما عاقبته الخمر فهو خمر- بإطلاق المنزلة المستفاد من نحو

قول الباقر (عليه السلام) في خبر عطاء(3)«كل مسكر خمر»

بل و بما تقدم سابقا من معروفية إطلاق الخمر في ذلك الزمان على المسكر، و لعله لذا قال في شرح الدروس: «انه لولا ظهور اتفاق الأصحاب و عدم ظهور الخلاف لكان مظنة للاحتياط» قلت: و هو كذلك خصوصا مع ضعف سند ما تضمن تلك الكلية، بل و دلالته بدعوى الانصراف إلى الحرمة و غيرها، و لا جابر بل الموهن متحقق.

[حكم المائع الأصلي لو جمد عارضا]

نعم قد يشكل الحكم بطهارة ما ماع منه بالعارض فصار شرابا، لشمول النصوص (4)حينئذ له بل و الفتوى، و أولويته من شراب مسكر يختلق في مثل هذا الزمان، و بهما ينقطع الاستصحاب، لكن صرح الشهيدان كما عن الفاضل في التذكرة بها، بل قد يظهر من الذخيرة و الحدائق الإجماع عليها، و لعله للأصل و الاستصحاب، و انسياق المائع أصالة من الأدلة، و هو لا يخلو من قوة خصوصا فيما كان لا مدخلية لميعانه في إسكاره، و لا كان موضوعا كذلك له.

أما المائع الأصلي لو جمد عارضا ففي الذكرى و عن التذكرة و المنتهى البقاء على النجاسة، و هو كذلك، خلافا لما عساه يظهر من التقييد بالمائع و نحوه في بعض


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأشربة المحرمة.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات.

ج 6، ص: 12

العبارات، للأصل مع عدم ظهور الأدلة في اشتراط استدامة نجاسته بميعانه و ان اشترط في الابتداء، و عدم معروفية الجمود من المطهرات، بل و ان ذهب مع جموده أو بدونه إسكاره أيضا لنفسه أي لا بممازجة مائع آخر و نحوه، لنحو ما سمعت.

لكن قد يشكل بالفرق بينه و بين ما تقدم من حيث تعليق الحكم هنا نصا و فتوى على المسكر المنتفي صدقه حقيقة عليه حينئذ دون الأول، بل قد يقتضي مفهومه حينئذ خلافه، بناء على حجيته حتى فيمن زال عنه الوصف بعد التلبس كمن لم يكن متلبسا، و احتمال الحكم بالنجاسة فيه لا لصدق الوصف بل للاستصحاب يدفعه- مع أنه لا وجه له بعد فرض ما قلناه من المفهوم- أنه لا يجري بعد تغير الموضوع.

و لعله لذلك كله كان ظاهر المحكي عن المنتهى أو صريحه الطهارة فيه، و هو قوي فيما انحصر دليل نجاسته في المعلق على الوصف المذكور، أما لو كان دليل آخر يستفاد منه نجاسته لم يعلقها على ذلك بل كانت معلقة على اسم لا يفرض انتفاؤه بانتفاء تلك الصفة كالخمر و النبيذ و نحوهما فقد يقوى حينئذ النجاسة، وفاقا لظاهر الأستاذ في كشف الغطاء، اللهم إلا أن يدعى انصرافه أيضا للمعهود المتعارف، و هو الواجد، فيبقى الأصل حينئذ لا معارض له، فتأمل جيدا.

و المدار في حصول الإسكار على المزاج المعتدل لا على سريع الانفعال أو بطيئه كما في أمثاله، مع احتمال ثبوت الحكم بحصول الأول، لتحقق ماهية الإسكار، كما أنه يكفي في نجاسة القليل تحقق الإسكار في الكثير منه للصدق في الصنف دون الشخص، فالمتكون في بعض حبات العنب و الممزوج بغيره كالترياق الفاروق كالكثير.

و في المسكر في بلاد دون أخرى أو إقليم دون آخر وجهان عموم النجاسة و خصوصها فيما تحقق فيه الوصف، ينشئان من تحقق الصدق و من دوران الحكم مدار الوصف، لكن يبعد الثاني عدم النظير شرعا في النجاسات.

ج 6، ص: 13

و المرجع في معنى السكر و في الفرق بينه و بين الإغماء و نحوه العرف، و اليه يرجع ما قيل: إنه حالة تبعث على نقص العقل بالاستقلال بخلاف الإغماء، فإنه يقضى به بالتبع لضعف القلب و البدن، أو انه حالة تبعث على قوة النفس و ضعف العقل، و الإغماء على ضعفهما، و إن كان إيكالهما اليه كغيرهما من الألفاظ أولى.

[في حكم العصير العنبي إذا غلى]

و يستوي مع المسكرات في حكمها نجاسة و حرمة العصير العنبي كما في الوسيلة و القواعد و التحرير و المختلف و المنتهى و الإرشاد و الألفية و ظاهر الروض و المحكي من عبارة والد الصدوق، بل في المسالك و المدارك و المفاتيح و غيرها أنه المشهور بين المتأخرين، بل في الروض و الرياض و منظومة الطباطبائي و شرح الأستاذ

للمفاتيح و عن غيرها حكاية الشهرة عليه من غير تقييد بذلك، كظاهر نسبته إلى أكثر علمائنا في المختلف، بل المخالف فيه ان كان هو المخالف في الخمر.

قال فيه: «الخمر و كل مسكر و الفقاع و العصير إذا على قبل ذهاب ثلثيه بالنار أو من نفسه نجس ذهب إليه أكثر علمائنا كالمفيد و الشيخ أبي جعفر و المرتضى و أبي الصلاح و سلار و ابن إدريس» ثم حكى خلاف ابن أبي عقيل في الخمر و العصير، بل عن الشهيد الثاني في شرح الرسالة أن تحقيق القولين في المسألة مشكوك فيه، بمعنى أنه لا قائل إلا بالنجاسة.

لكن في الذكرى بعد ذكره النجاسة عن ابن حمزة و المعتبر و التوقف عن نهاية الفاضل قال: و لم نقف لغيرهم على قول بالنجاسة، بل فيها و في البيان و لا نص على نجاسة غير المسكر، و هو منتف هنا إلا أن ذلك منه مع اختياره النجاسة في الرسالة غريب، و هو أول من مال إلى الطهارة بعد ابن أبي عقيل و المصنف في ظاهر النافع، بل كل من لم يذكره عند تعداد النجاسات كالجامع و غيره، سيما مع تعبيره بما يقتضي الحصر في غيره، اللهم إلا أن يكون مندرجا عندهم في الخمر أو المسكر و لو بالكثير منه،

ج 6، ص: 14

و تبعه عليه جماعة ممن تأخر عنه منهم الشهيد الثاني و ولداه و شيخهما و الفاضل الهندي و سيد الرياض و غيرهم، للأصل و العموم السالمين عن معارضة ما يصلح لقطعهما.

قلت: قد يقطعهما ما في مجمع البحرين من انه نقل الإجماع من الإمامية على حرمته و نجاسته بعد غليانه و اشتداده معتضدا و منجبرا إرساله بما سمعت من الشهرة و بالمحكي عن أطعمة التنقيح من الاتفاق أيضا على أن عصير العنب إذا غلى حكمه حكم الخمر، و بالمحكي من الرضوي (1)الذي هو عين عبارة والد الصدوق التي ستسمعها.

و ب

قول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن الهيثم (2)بعد أن سئل عن العصير يطبخ في النار حتى يغلي من ساعته فيشربه صاحبه: «إذا تغير عن حاله و غلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه»

ك

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر أبي بصير(3)و قد سئل عن الطلاء: «إن طبخ حتى يذهب منه اثنان و يبقى واحدة فهو حلال، و ما كان دون ذلك فليس فيه خير».

و

بالموثق المروي في التهذيب (4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج و يقول: قد طبخ على الثلث و أنا أعلم انه يشربه على النصف، فقال: خمر لا تشربه»

إلى آخره. و المناقشة فيه بعدم لفظ الخمر فيه في الكافي ضعيفة، لأولوية احتمال السقوط من الزيادة و ان كان الكليني أضبط، كالمناقشة فيه باحتمال إرادة الحرمة من التشبيه لا النجاسة، سيما بملاحظة سياق الخبر، و تفريع حرمة الشرب خاصة عليه، إذ هي- مع عدم الشاهد على التقييد المزبور، بل هو مناف لما استفيد من كثير من الأحكام من نظائره، بل منه نفسه كما تسمعه في الفقاع و سمعته


1- 1 فقه الرضا عليه السلام ص 38.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 4.

ج 6، ص: 15

في غيره- مبنية على مجازية الخمر في العصير و استعارته له، و فيه بحث، بل المحكي عن ظاهر الكليني و الصدوق (1)منا و البخاري من غيرنا دعوى الحقيقة فيه، بل قيل عن المهذب البارع إن اسم الخمر حقيقة في عصير العنب إجماعا.

و لعله ظاهر كنز العرفان أيضا، قال فيه: «الخمر في الأصل مصدر خمره إذا ستره، سمي به عصير العنب و التمر إذا غلى و اشتد، لأنه يخمر العقل أي يستره، كما سمي سكرا لأنه يسكره أي يحجره» إلى آخره، كالمحكي في الفقيه من رسالة والده «اعلم يا بني إن أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار أو غلى من غير أن يمسه فيصير أعلاه أسفله فهو خمر» إلى آخره.

و ربما يومي اليه أيضا

قول الصادق (عليه السلام)(2)في الصحيح و غيره:

«الخمر من خمسة: العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب»

الحديث. ك

قوله (عليه السلام)(3)و قد سئل عن ثمن العصير قبل أن يغلي فقال: «لا بأس به، و ان غلى فلا يحل»

و

في آخر(4)«إذا بعته قبل أن يكون خمرا و هو حلال فلا بأس»

و ما قيل من أن حده حد شارب الخمر.

كما أنه يؤيده مع ذلك كله ملاحظة ما ورد(5)من الأخبار في أصل تحريم الخمر و بدوّه و في غيره، فان السارد لها مع الانصاف يحصل له الظن القوي ان لم يكن القطع بدخول عصير العنب مع الغليان في مسمى الخمر حقيقة أو بمساواته له في حكمه من الحرمة و النجاسة.


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و في هاشمة« الصدوقين» بدل« الصدوق».
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 6 من كتاب التجارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 58- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2 من كتاب التجارة.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة.

ج 6، ص: 16

و استبعاد الأول باعتبار الإسكار في مفهوم الخمر، و هو مفقود هنا بل هو مفروض محل النزاع، إذ لا إشكال في نجاسته معه لعموم الأدلة يدفعه إمكان منع الاعتبار أولا و ان كان هو وجه تسميته، بل قد تشعر بعض الأخبار(1)بأن وجهها تحقق الاختمار في ثمرتي الكرم و التمر بسبب جريان بول عدو الله إبليس في عروقهما.

و ثانيا منع عدم تحقق الإسكار فيه حتى بالكثير منه، نعم هو لم يكن معروفا بذلك، و لعله هو منشأ حرمته في علم الله ان لم يكن الظاهر.

بل ربما يومي اليه

ما ذكره العامة(2)في بدو أمر الطلاء، و هو المطبوخ من عصير العنب «ان عمر حين قدم إلى الشام شكى إليه أهلها وباء الأرض، و قالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب، فقال: اشربوا العسل، فقالوا: ما يصلحنا العسل، فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر؟ فقال: نعم، فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان فأتوا به عمر، فأدخل فيه إصبعه ثم رفع يده فتبعها مططا، فقال: هذا الطلاء مثل طلاء الإبل، فأمرهم أن يشربوه، ثم كتب إلى الناس أن اطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان»

إلى آخره.

و كذا

خبر عمر بن يزيد(3)قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

الرجل يهدى اليه البختج من غير أصحابنا، فقال: إن كان ممن يستحل المسكر فلا تشربه و إن كان ممن لا يستحل شربه فاقبله أو قال: فاشربه»

الحديث. و البختج العصير المطبوخ.

و قال العلامة الطباطبائي في مصابيحه بعد أن فرغ من بيان حرمة المطبوخ من


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الغدير للأميني ج 6 ص 260 من طبعة طهران عن الموطإ للمالك ج 2 ص 180 في جامع تحريم الخمر.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.

ج 6، ص: 17

عصير العنب: «و هل الحكم بتحريم العصير قبل ذهاب ثلثيه تعبد محض، أو معلل بالاسكار الخفي المسبب عن الغليان، أو بعروض التغير له إذا بقي و طال مكثه؟ احتمالات أوسطها الأوسط، و قد بان لك وجهه مما مضى، و يأتي تحقيق ذلك إن شاء الله» انتهى.

قلت: و يزيده تأييدا و تأكيدا أنه قد استفاضت الروايات (1)بل كادت تكون متواترة بتعليق الحرمة في النبيذ و غيره على الإسكار، و عدمها على عدمه، مع استفاضة الروايات (2)بحرمة عصير العنب إذا غلى قبل ذهاب الثلثين، و حملها على التخصيص ليس بأولى من حملها على تحقق الإسكار فيه، بل هو أولى لأصالة عدم التجوز، بل لعله متعين لعدم القرينة، بل قد يقطع به لعدم ظهور شي ء من روايات الحرمة في خروج ذلك عن تلك الكلية بل و لا إشارة.

و دعوى شهادة الوجدان بعدم الإسكار فيجب التخصيص ممنوعة أشد المنع، إذ من جرب ذلك فوجد خلافه و لو بالكثير منه خصوصا مع الاكتفاء به و لو بالنسبة إلى بعض الأمزجة في بعض الأمكنة و الأزمنة و الأهوية حتى الخفي منه، كلا أن دعوى ذلك فرية بينة.

و من ذلك كله يظهر لك إمكان منع دعوى فرض النزاع في معلوم عدم الإسكار، نعم هو ليس فيما علم تحقق الإسكار فيه، انما النزاع في العصير العنبي من غير تقييد، إذ لعل وصف الإسكار لازم له و لو بالكثير منه، فلو فرض البحث في فاقده كان نزاعا في موضوع و همي لا يليق بالفقيه، فالإنصاف انه لا علم للقائلين بالطهارة بعدم إسكاره حتى الكثير منه، كما انه لا علم للقائلين بالنجاسة بإسكاره و لو بالكثير منه، لعدم تعارف شرب مثله للسكر، اللهم إلا أن يستفيدوا من نجاسته ذلك بدعوى التلازم، أو ظهور الدخول في الخمر، أو غير ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأشربة المحرمة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة.

ج 6، ص: 18

و كيف كان فنجاسته على القول بها انما هي إذا غلى و اشتد كما في القواعد و الإرشاد و المنتهى، أو إذا غلى فقط كما في التحرير و المختلف و عن النزهة و التلخيص و أطعمة القواعد، أو إذا غلى بنفسه لا بالنار كما في الوسيلة، و يرجع الأول للثاني كالعكس بناء على إرادة الغليان من الاشتداد كما صرح به بعضهم، بل في ظاهر شرح الإرشاد للفخر الإجماع عليه، حيث قال فيه: «المراد بالاشتداد عند الجمهور الشدة المطربة، و عندنا أن يصير أعلاه أسفله بالغليان، أو يقذف بالزبد» كما في حاشية المدارك للأستاذ «أن تفسير الاشتداد بحصول الثخانة غير ظاهر من الأصحاب و غير ظاهر المأخذ» إلى آخره. أو إرادة الثخانة من الاشتداد كما في المسالك و غيرها، مع دعوى التلازم بينها و بين الغليان كما في الذكرى، نعم هما غيران بناء على إرادة القوام و الثخانة من الاشتداد المنفكين عن الغليان كما في الروض، بل عنه في حواشيه على القواعد القطع به، فينفك حينئذ التحريم عن النجاسة، لحصول الأول بمجرد الغليان، كما في الحدائق نفي الخلاف فيه نصا و فتوى، و توقف الثانية على الاشتداد بالمعنى المذكور، و لعل ذلك هو ظاهر المعتبر، حيث قال فيه: و في نجاسة العصير بغليانه تردد، أما التحريم فعليه إجماع فقهائنا، ثم منهم من أتبع التحريم بالنجاسة، و الوجه الحكم بالتحريم مع الغليان حتى يذهب ثلثاه، و لا ينجس إلا مع الاشتداد، لكن في الذكرى كأنه يرى الشدة المطربة، إذا الثخانة حاصلة بمجرد الغليان، قلت: فحينئذ لا يكون من القائلين بالنجاسة، لكن قد عرفت نسبة الفخر تفسير الشدة بذلك إلى الجمهور.

و كيف كان فلم نعرف مأخذا لاعتبار الشدة بمعنى الثخانة و القوام المنفكين عن الغليان في النجاسة دون التحريم، بل قضية ما سمعته من أدلة النجاسة السابقة عدا إجماع مجمع البحرين اتحادها مع الحرمة في السبب، على أنه لا تفسير فيه للشدة بذلك، بل ظاهر كل من قال بالنجاسة عدم هذا التفصيل،

و قول الصادق (عليه السلام) في المرسل السابق: «إذا تغير عن حاله و غلى فلا خير فيه»

لا دلالة فيه على ذلك،

ج 6، ص: 19

كما أنه ليس في خصوص النجاسة.

فالأقوى في النظر عدم الفرق في الحرمة و النجاسة بذلك، خلافا لما يظهر من جماعة، نعم لو لا بعض العبارات لأمكن أن يراد بالشدة الحالة الملازمة للعصير إذا نش من قبل نفسه، و هو الذي أشار إليه الفخر بقذف الزبد، و مثله لا يسمى غليانا عرفا أو لا ينساق إلى الذهن منه، خصوصا بعد تفسيره في كلام جماعة بصيرورة الأعلى أسفل و بالعكس، ك

خبر حماد بن عثمان (1)عن الصادق (عليه السلام) «سأله عن الغليان، فقال: «القلب»

فلعل ما في المتن و نحوه من ذكر الغليان و الاشتداد يراد به حينئذ التعميم للفردين: أي ما على بأن صار أعلاه أسفل و بالعكس، و ما اشتد حتى قذف الزبد بأن نش لا انه يراد اجتماعهما في عصير واحد، نعم كان عليه الإتيان بأو بدل الواو، ك

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ذريح (2): «إذا نش العصير أو غلى حرم»

إلى آخره، و هو هين.

ثم ان ظاهر المصنف و غيره بل و ما سمعته سابقا من أدلة النجاسة عدم الفرق بين الغليان بنفسه أو بالنار، لكن قد عرفت قصر النجاسة في الوسيلة على الأول، و الحرمة خاصة على الثاني، و لعل وجهه صيرورته خمرا بذلك لحصول الاختمار فيه دون الثاني.

و ربما يومي اليه بعض الأخبار ك

خبر الساباطي (3)قال: «وصف لي أبو عبد الله (عليه السلام) المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا، فقال: تأخذ ربعا من زبيب و تنقيه و تصب عليه اثنى عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة، فإذا كان أيام الصيف و خشيت أن ينش جعلته في تنور مسجور قليلا حتى لا ينش، ثم تنزع الماء منه كله»

الحديث.

فان قوله (عليه السلام): «فإذا كان» إلى آخره ظاهر في صيرورته خمرا بنشيشه في


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.

ج 6، ص: 20

نفسه، و هو الذي يخشاه، بخلاف الغليان في النار، فإنه يحرم حينئذ و لا ينجس، و نحوه في هذا الإيماء غيره، لكن قد يقال بخروجه عن محل النزاع، إذ البحث في العصير و ما تضمنه الخبر من النبيذ، اللهم إلا أن يدعى مساواته له في ذلك أو أولويته، فتأمل.

[في حكم غير عصير العنب من التمر و الزبيب و الحصرم و غيرها]

و كذا ظاهر المتن و غيره عدم النجاسة في غير عصير العنب من التمر و الزبيب و الحصرم و غيرها، بل صرح به في جامع المقاصد و الروض و غيرهما، بل عن حواشي القواعد و المقاصد العلية دعوى الإجماع على ذلك في غير الزبيب، بل في الحدائق الظاهر انه لا خلاف في طهارة الزبيب أيضا، كما عن الذخيرة أني لا أعلم بنجاسته قائلا.

قلت: لكن قد يفهم من جامع المقاصد و الروض تحقق الخلاف في الزبيبي، بل في كشف اللثام انه لعل من العنبي الزبيبي، بل في منظومة الطباطبائي حكاية القول بنجاسته و التمري صريحا، و لعله أخذه من إطلاق العصير من بعض القائلين بالنجاسة كابن حمزة و العلامة و غيرهما، بناء على كونه للأعم من العنبي و الزبيبي و التمري، أو أراد به ما يظهر من المحكي عن الأستاذ الأكبر، بل كاد يكون صريحه كالشيخ في التهذيب، حيث انه قال بعد أن روى خبر عثيمة(1)المتضمن لاهراق النضوح في البالوعة: فأما ما رواه

سفيان بن مسلم عن علي الواسطي (2)قال: «دخلت جويرية على أبي عبد الله (عليه السلام) و كانت صالحة فقالت: إني أتطيب لزوجي فيجعل في المشطة التي أمتشط بها الخمر، فأجعله في رأسي قال: لا بأس»

فلا ينافي الخبر الأول، لأنه محمول على ما رواه

الساباطي (3)عن الصادق (عليه السلام) «عن النضوح قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2 و في الوسائل عن سعدان بن مسلم عن علي الواسطي.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.

ج 6، ص: 21

يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه ثم يتمشط»

إذ هو ظاهر في حرمته و نجاسته عنده قبل ذهاب الثلثين، كما اعترف به الفاضل المذكور في مصابيحه، أو انه عثر على ما لم نعثر عليه كما هو مظنة ذلك.

و على كل حال فلا ريب في ضعفه في التمري بعد الأصل و العمومات، و ما سمعته من الإجماعين و غير ذلك، بل ينبغي القطع بفساده بناء على حليته و عدم حرمته و ان لم يذهب ثلثاه بالغليان كما هو الأظهر الأشهر بل المشهور، بل في الحدائق «انه كاد يكون إجماعا، بل هو إجماع في الحقيقة، فإنا لم نقف على قائل بالحرمة ممن تقدمنا من الأصحاب رضوان الله عليهم، و انما حدث القول بذلك في هذه الأعصار المتأخرة» انتهى. كما عن رسالة مولانا أبي الحسن و رياض المسائل حكاية نفي الخلاف عن بعض الأصحاب، بل في الأول حكاية الإجماع عن بعض الفضلاء، بل ربما استظهر نفيه أي الخلاف من اللمعتين و أطعمة المسالك أيضا.

و لا ينافيه تردد الفاضلين بذلك في حدود الشرائع و القواعد، و لا قولهما:

«الأشبه و الأقرب» إذ لعله لتعارض الامارات لا لوجود القائل، بل هو الظاهر منهما سيما الأول، كما يومي اليه عدم حكاية ذلك في وجه التردد عن أحد من شراح كلامهما للأصول العقلية و الشرعية السالمين عن المعارض المعتضدين بالسيرة و العمل من سائر المسلمين في عصرنا هذا الكاشف عما قبله، و لتعليق الحل و الحرمة على الإسكار و لو بالكثير و عدمه في الأخبار(1)المستفيضة جدا ان لم تكن متواترة، و فيها الصحيح و الحسن و غيرهما المتضمنة أسئلتها عن نبيذ التمر و غيره، حتى انه في

خبر ابن وهب (2)عن الصادق (عليه السلام) «قلت له: إن رجلا من بني عمي من صلحاء مواليك أمرني أن أسألك عن النبيذ فأصفه لك، فقال (عليه السلام): أنا أصفه لك، قال رسول الله


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأشربة المحرمة.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.

ج 6، ص: 22

(صلى الله عليه و آله): كل مسكر حرام، فما أسكر كثيره فقليله حرام»

الحديث.

و دعوى عدم منافاتها لتحقق الإسكار فيه و لو خفيا بغليانه قبل ذهاب ثلثيه و لو باعتبار بعض الأمزجة أو الأمكنة أو الأزمنة أو الأهوية، و من جرب ذلك بالكثير منه فوجد خلافه مع الغض عما فيها من الاكتفاء بذلك البعض، و إجمال الكثرة و غيرهما ممنوعة أشد المنع، لعدم الشاهد لها من عقل أو شرع أو عرف، بل لعل الأخيرين شاهدا عدل على خلافها، إذ الوجدان و العيان على عدم تحقق الإسكار بأكثر ما يستطيع شربه الإنسان، و ترك الشارع بيانه في وقت الحاجة و السؤال مع شدة خفائه إن فرض إسكاره أكبر شاهد على عدمه، بل كاد يكون خبر محمد بن جعفر(1)عن أبيه (ع) في القوم الذين قدموا من اليمن فأرسلوا وفدا لهم يسأل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن عصير التمر ثم لم يكتفوا بذلك حتى سألوه بأنفسهم صريحا في ذلك سؤالا و جوابا (2)مع


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 6.
2- 2 قال: «قدم على رسول الله صلى الله عليه و آله من اليمن قوم، فسألوه عن معالم دينهم فأجابهم فخرج القوم بأجمعهم، فلما ساروا مرحلة قال بعضهم لبعض: نسينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه و آله عما هو أهم إلينا. ثم نزل القوم ثم بعثوا وفدا لهم فأتى الوفد رسول الله صلى الله عليه و آله فقالوا: يا رسول الله ص إن القوم بعثوا بنا إليك يسألونك عن النبيذ، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: و ما النبيذ؟ صفوه لي، فقالوا: يؤخذ من التمر فينبذ في إناء ثم يصب عليه الماء حتى يمتلئ و يوقد تحته حتى ينطبخ، فإذا انطبخ أخذوه فألقوه في إناء آخر ثم صبوا عليه ماءا ثم يمرس ثم صفوه بثوب ثم يلقى في إناء ثم يصب عليه من عكر ما كان قبله ثم يهدر و يغلى ثم يسكن على عكره، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: يا هذا قد أكثرت أ فيسكر؟ قال: نعم، فقال: فكل مسكر حرام، قال: فخرج الوفد حتى انتهوا إلى أصحابهم فأخبروهم بما قال رسول الله صلى الله عليه و آله فقال القوم: ارجعوا بنا إلى رسول الله ص حتى نسأله عنها شفاها و لا يكون بيننا و بينه سفير، فرجع القوم جميعا، فقالوا: يا رسول الله ص إن أرضنا الأرض دوية و نحن قوم نعمل الزرع و لا نقوى على العمل إلا بالنبيذ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و آله: صفوه لي فوصفوه كما وصفه أصحابهم، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: أ فيسكر؟ فقالوا: نعم، قال: كل مسكر حرام، منه رحمه الله.

ج 6، ص: 23

وضوح دلالته على أصل المطلوب من وجوه أخر، فلاحظ.

لا يقال: إنه لعل الشارع قد استغنى عن بيان إسكاره ببيان الحرمة المستفادة من

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان(1): «كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه»

و في

خبر ذريح (2)«إذا نش العصير أو غلى حرم»

و نحوهما في إفادة ذلك غيرهما(3)و من

قوله (عليه السلام) أيضا في موثقة عمار(4)بعد أن سأله «عن النضوح المعتق كيف يصنع به حتى يحل؟ قال: خذ ماء التمر فأغله حتى يذهب ثلثا ماء التمر»

ك

خبره الآخر(5)«سألته عن النضوح، قال: يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، ثم يتمشطن»

و من الأخبار(6)الدالة على حرمة النبيذ الذي يوضع فيه العكر و القعوة، فيغلي و يهدر ثم يسكن، و من غير ذلك كاشعار خبر(7)طلب إبليس من حواء في آخر عمر آدم (عليه السلام) بعد أن طرده آدم أن تطعمه من ثمرة الكرم و النخل، فأطعمته، إلى آخره، و غيره.

أو يقال: إن هذه الأدلة و إن لم تفد إسكاره لكن تفيد حرمته، فيخرج بها عن تلك الأصول و العمومات، على أن العمدة منها ظواهر ما دل على إباحة غير المسكر،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الأشربة المحرمة.
7- 7 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3.

ج 6، ص: 24

و لعلها لا تنافيها لا للعلم لكونه مسكرا بل لأن احتمال ذلك فيه كاف في عدم المنافاة، و دعوى العلم- بعدم الإسكار حتى بالكثير منه و لو لبعض الأمزجة، بناء على الاكتفاء به فينا فيها حينئذ- فرية بينة، إذ من اختبر ذلك فوجد خلافه.

لأنا نقول: لا دلالة في الحرمة على الإسكار، لكونها أعم منه كما هو واضح، كوضوح قصور هذه الأخبار عن إفادة أصل الحرمة أيضا بحيث يخرج بها عن تلك الأصول و العمومات و غيرها المعتضدة بما عرفت، سيما بعد ابتناء دلالة الصحيح و غيره على تناول لفظ العصير لغة أو شرعا للمستخرج من نحو التمر و الزبيب، و هو محل بحث.

بل بالغ المحدث البحراني في حدائقه بإنكاره، فقال: إن اللغة و الشرع و العرف على خلافه إنما يسمى التمر و الزبيب نبيذا و نقيعا مستظهرا ذلك من المصباح المنير و نهاية ابن الأثير و القاموس و مجمع البحرين في مادة عصر و نقع و نبذ، و من نحو

قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح (1)قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «الخمر من خمسة:

العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و التبع من العسل، و المرز من الشعير، و النبيذ من التمر»

إلى آخره. و الأخبار(2)الواردة في علة الحرمة بعد الغليان قبل ذهاب الثلثين الواردة في خصوص العنب، و من شهادة العرف بعدم صدق العصير إلا على الأجسام التي فيها مائية لاستخراج مائها كالعنب و الرمان و نحوهما، بخلاف الأجسام الصلبة التي فيها حلاوة و حموضة و أريد استخراجهما منها بنبذها في الماء و نقعها كما هو المعروف في الصدر الأول أو بغليانها في النار.

و هو و إن أمكن مناقشته في جميع ذلك لكن الإنصاف أنه إن لم يكن حقيقة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة.

ج 6، ص: 25

فيه إلا أنه المنساق الى الذهن من إطلاق الأدلة، بل هو المتعارف المعهود المعبر عنه فيها تارة بالعصير، و أخرى بالطلاء، و ثالثة بالبختج، و الذي طفحت الأخبار(1)في حرمته قبل ذهاب الثلثين و في بيان علة ذلك، كما هو واضح لمن لاحظها جميعها بتأمل و تدبر، خصوصا ما ورد(2)منها في السؤال عن بيعه قبل أن يصير خمرا.

و يؤيده ما قيل من عدم استدلال أحد من الأصحاب كالمصنف و العلامة و غيرهما بهذه الأخبار مع كثرتها و استفاضتها، و كونها بمرأى منهم و مسمع، بل لا يبعد كونه كذلك في كلمات الأصحاب، كما عن القطيفي في الهادي القطع به، و إن أنكره العلامة الطباطبائي في مصابيحه، بل قد يظهر منه ذلك حتى بالنسبة للأخبار أيضا، كصريح المحكي عن مولانا أبي الحسن و الأستاذ الأكبر.

لكن التحقيق ما قلناه و لا ينافيه خصوص الصحيح (3)المسور ب «كل» الظاهر في تعدد الأفراد بل تكثرها، و إن علم خروج غير المعتصر من ثمرتي الكرم و النخل بالإجماع و غيره بل الضرورة، إن لم نقل بتنزيل عموم الصحيح على المتعارف من أفراد العصير، بل لعل غيرهما لا يسمى عصيرا، لما فيه على التقدير الأول من كون الخارج أضعاف الداخل، بل انتهاء التخصيص الى المستنكر المستقبح عرفا، مع عدم دليل من الأخبار على الإخراج في كثير من أفراده حينئذ، و على الثاني من منافاته للعموم اللغوي أولا، و عدم تسليم التعارف في الثلاثة ثانيا، فضلا عن الوضع للقدر المشترك بينها.

و مع ذا فهو ليس بأولى من حمله على إرادة العموم بالنظر الى أفراد العنب و أقسامه و الى ما ظهر إسكاره أو اتخذ له و عدمه، و الى ما أخذ من كافر أو مسلم مستحل لما دون الثلثين و عدمه، و الى الممزوج بغيره مع عدم الاستهلاك و عدمه، الى غير ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة.
2- 2 الوسائل- الباب- 58- من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.

ج 6، ص: 26

و ربما يؤيده تعرض النصوص لحكم العصير في بعض الأحوال المذكورة أو أكثرها، بل لعل تنزيل الصحيح على ذلك متعين بناء على ما سمعته من معروفية إطلاق العصير على خصوص العنبي، و أما خبر النضوح (1)فلعل الوجه فيهما إرادة التعليم لدفع الخمرية الحاصلة من إنباذ التمر و إنقاعه، و ذلك لأن النضوح ضرب من الطيب يتخذ من ماء التمر و غيره، و قد حكي عن بعض الأفاضل في كيفيته أنه ينقعون التمر و السكر و القرنفل و التفاح و الزعفران و أشباه ذلك في قارورة فيها قدر مخصوص من ماء و يشد رأسها و يصبرون أياما حتى ينش و يتخمر، و هو شائع بين نساء الحرمين، و كيفية تطيب المرأة به أن تحط الأزهار بين شعر رأسها ثم ترشرش به الأزهار لتشتد رائحتها.

قلت: و لذا أمر الصادق (عليه السلام) بإهراقه في البالوعة في

خبر عثيمة(2)قال: «دخلت عليه و عنده نساؤه، فشم رائحة النضوح، فقال: ما هذا؟ قالوا: نضوح يجعل فيه الضياح، فأمر به فأهريق في البالوعة»

الحديث. فأراد الإمام (عليه السلام) بذهاب الثلثين زوال الأجزاء المائية التي هي منشأ الاختمار كما في العنب.

و يومي إلى ذلك كله ما عرفته من أن النضوح انما يستعمل في غير المأكول، و من اعتبر ذهاب الثلثين انما يعتبرها للأكل، فيعلم حينئذ إرادة التخلص بذلك عن الخمرية المورثة نجاسة في الشعر و غيره من محال الطيب، و هو الذي سأل الراوي عن حله، اللهم إلا أن يكون القائل باعتبار الثلثين اعتبر ذلك بالنسبة للحرمة و النجاسة، كما لعله الظاهر من المحكي عن بعضهم، إلا أنك قد عرفت سابقا حكاية الإجماع على الطهارة.

و كيف كان فحمل الخبرين على ما ذكرنا متجه، لا أقل من الاحتمال المبطل للاستدلال، نعم هما مشعران بحرمة بل و نجاسة نبيذ التمر إذا طرح فيه بعض الأجسام


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2 و الباب 37 الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.

ج 6، ص: 27

التي تفعل فيه الغليان و النشيش و خروج الزبد، بل هو النبيذ المسكر المتخذ منه أو الزبيب أو منهما، بل لعل الثاني يندرج في الفقاع، بناء على اتخاذه من غير الشعير الذي كان معروفا في ذلك الزمان الذي استفاضت الأخبار(1)أو تواترت بالنهي عنه، و بما يفيد نجاسته.

بل الظاهر ان منه ما حصل فيه ذلك الغليان فيه بطول المكث أيضا مع كثرة التمر الملقى و قلة الماء مثلا، كما يشعر به الخبران أيضا، و يومي اليه جملة من الأخبار، كخبر الساباطي (2)المتقدم سابقا في الاستدلال لابن حمزة على نجاسة العصير إذا غلى لنفسه.

و

خبر أيوب بن راشد(3)قال: «سمعت أبا البلاد يسأل أبا عبد الله (عليه السلام): عن النبيذ، فقال: لا بأس به، فقال: إنه يوضع فيه العكر، فقال (عليه السلام): بئس الشراب، و لكن انبذوه غدوة و اشربوه بالعشي، قال: فقلت:

جعلت فداك هذا يفسد بطوننا، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أفسد لبطنك أن تشرب ما لا يحل لك».

و

خبر الكلبي النسابة(4)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النبيذ، فقال: حلال، قلت: إنا ننبذه فنطرح فيه العكر و ما سوى ذلك، فقال: شه شه تلك الخمرة المنتنة، قلت: جعلت فداك فأي نبيذ تعني؟ فقال: إن أهل المدينة شكوا إلى النبي (صلى الله عليه و آله) تغير الماء و فساد طبائعهم، فأمرهم أن ينبذوا، و كان الرجل منهم يأمر خادمه أن ينبذ له، فيعمد إلى كف من تمر فيلقيه في الشن، فمنه شربه


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأشربة المحرمة.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الماء المضاف- الحديث 2 مع اختلاف في الألفاظ.

ج 6، ص: 28

و منه طهوره، فقلت: و كم كان عدد التمرات التي كانت تلقى؟ قال: ما يحمل الكف، قلت: واحدة و اثنتين، فقال: ربما كانت واحدة، و ربما كانت اثنتين، فقلت: و كم يسع الشن ماء؟ فقال: ما بين الأربعين إلى الثلاثين إلى ما فوق ذلك، فقلت:

بالأرطال فقال: أرطال بمكيال العراق».

ك

خبر صفوان الجمال (1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك أصف لك النبيذ، فقال لي: بل أنا أصفه لك، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

كل مسكر حرام، و ما أسكر كثيره فقليله حرام، فقلت له: هذا نبيذ السقاية بفناء الكعبة؟ فقال لي: ليس هكذا كانت السقاية، انما كانت السقاية زمزم، أ فتدري من أول من غيرها؟ قال: لا، قال: العباس بن عبد المطلب كانت له حبلة، أ فتدري ما الحبلة؟ قال: الكرم، كان ينقع الزبيب غدوة و يشربونه بالعشي، و ينقعه بالعشي و يشربونه من الغد، يريد أن يكسر غلظ الماء عن الناس، و ان هؤلاء قد تعدوا، فلا تشربه و لا تقربه».

و

خبر حنان بن سدير(2)عن الصادق (عليه السلام) إلى أن قال فيه: «ما هذا النبيذ الذي أذنت لأبي مريم في شربه أي شي ء هو؟ فقال: أما أبي (عليه السلام) فإنه كان يأمر الخادم»

فيجي ء بقدح، و يجعل فيه زبيبا و يغسله غسلا نقيا ثم يجعله في إناء ثم يصب عليه ثلاثة مثله أو أربعة ماء، ثم يجعله بالليل و يشربه بالنهار، و يجعله بالغداة و يشربه بالعشي، و كان يأمر الخادم بغسل الإناء في كل ثلاثة أيام لئلا يغتلم، فان كنتم تريدون النبيذ فهذا هو النبيذ» إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الظاهرة في حرمته بمجرد غليانه بنفسه و نشيشه و خروج زبدة، و لعلك تسمع بعضها إن شاء الله أيضا.


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3 مع اختلاف يسير.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 5.

ج 6، ص: 29

و من هنا يظهر لك انه لا وجه للاستدلال بها على ما نحن فيه من عصير التمر المغلي بالنار و نحوها، لوضوح عدم اندراجه في شي ء منها، نعم هي كغيرها ظاهرة في حرمة ما قلناه من النبيذ إذا نش و غلى بنفسه و خرج زبدة و لو بطول المكث، و لا ينافيه ما دل على إباحة غير المسكر، إذ لعل كثيره كذلك إذا بلغ هذا الحد، كما هو الظاهر من الأخبار أيضا.

و كان عبارات جملة من الأصحاب ظاهرة فيه ان لم تكن صريحة، منها عبارة الشيخ في النهاية «لا بأس بشرب النبيذ غير المسكر، و هو أن ينقع التمر أو الزبيب ثم يشربه، و هو حلو قبل أن يتغير- و قال-: و يجوز أن يعمل الإنسان لغيره الأشربة من التمر و الزبيب و العسل و غير ذلك، و يأخذ عليه الأجرة و يسلمها اليه قبل تغيرها» إذ قد اكتفى في تحقق البأس بمجرد التغير، و منه ما ذكرنا قطعا.

و منها ما في الوسيلة «ان النبيذ هو أن يطرح شي ء من التمر أو الزبيب في الماء، فان تغير كان في حكم الخمر، و ان لم يتغير جاز شربه و التوضؤ منه ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء» كالذي في المهذب «يجوز شرب النبيذ الذي لا يسكر، مثل أن يلقى التمر أو الزبيب في الماء المر أو المالح، و ينقع فيه إلى أن يحلو، فان تغير لم يجز شربه».

و في السرائر «فأما عصير العنب فلا بأس بشربه ما لم يلحقه نشيش بنفسه، فان لحقه طبخ قبل نشيشه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه حل شرب الثلث الباقي، فان لم يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه كان حراما، و كذلك فيما ينبذ من الثمار في الماء أو اعتصر من الأجسام من الأعصار في جواز شربه ما لم يتغير، فان تغير بالنشيش لم يشرب».

و في الدروس «و لا يحرم المعتصر من الزبيب ما لم يحصل فيه نشيش، فيحل طبيخ الزبيب على الأصح، لذهاب ثلثيه بالشمس غالبا، أو خروجه عن مسمى العنب، و حرمه بعض مشايخنا المعاصرين» إلى آخره، بل في آخر كلامه ما هو كالصريح

ج 6، ص: 30

في صيرورته بذلك فقاعا.

نعم يظهر منه في اللمعة كحدود الكتاب و القواعد و التحرير و الإرشاد و غيرها انفكاك الإسكار عن الغليان بنفسه و نحوه، و لذا جعلوا مدار الحرمة على الأول دون الثاني، إلا أنك قد عرفت ظهور الأخبار في حرمته بالثاني، و لعله لتحقق الإسكار الخفي فيه و لو بالكثير، بل يقوى في النظر كما لعله الظاهر من عبارة السرائر و غيرها عدم حله بعد ذلك بذهاب الثلثين.

نعم يحل بصيرورته خلا كالخمر، كما يومي اليه خبر الساباطي (1)المتقدم سابقا في الاستدلال لابن حمزة كخبر الهاشمي (2)بل يظهر من السرائر و المحكي من عبارة والد الصدوق أيضا ذلك بالنسبة إلى عصير العنب إذا نش بنفسه، كما هو صريح الوسيلة، فأحله بذهاب الثلثين، لكن إطلاق الأصحاب كالنصوص (3)الحل بذهابهما ينافيه، اللهم إلا أن ينزل ذلك على خصوص المغلي بالنار مثلا لا بنفسه، لدخوله تحت الخمر حينئذ، فلا يطهر به إلا أن صريح جماعة أو كالصريح عدم الفرق في الحل بذلك بين الغليان بالنار و نفسه.

و كيف كان فقد ظهر لك ضعف التمسك بأخبار النبيذ على ما نحن فيه، كالتمسك بخبر سؤال إبليس من حواء إطعام التمر و الكرم (4)، بل لعل تأمله يشهد للمطلوب، فلاحظ و تأمل، و كذا قد ظهر مما قدمناه سابقا ما في الدعوى الأخيرة من احتمال تحقق الإسكار في المغلي من عصير التمر قبل ذهاب الثلثين، و ان الوجدان و غيره شاهدا عدل على نفيه، اللهم إلا أن يريد بالكثير ما يشرف الإنسان على الموت، و هو كما ترى، فبان بحمد الله حينئذ حل عصير التمر المغلي بالنار و ان لم يذهب ثلثاه، من غير


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3.

ج 6، ص: 31

فرق بين الرطب منه و التمر، و ان حكي عن غاية المرام الفرق، فجعل الأول خاصة كالعنب، لكن لم نعرف له مأخذا سوى ما سمعته من التعليل لحل عصير الزبيب بأنه قد ذهب ثلثاه بالشمس، و هو كما ترى.

خلافا لظاهر الشيخ في التهذيب و محتمل السرائر أو ظاهرها و عن صريح الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني و السيد نعمة الله و مولانا أبي الحسن و الأستاذ الأكبر و غيرهم، فاعتبروا في حل التمري ذهاب الثلثين كالعنب، مستظهرا له الأخير من الصدوق و الكليني أيضا، بل و من غيرهم، بل قد تعطي بعض كلماته دعوى الاتفاق عليه قبل زمن الفاضلين، لكنه ليس كذلك على الظاهر، و لعله أخذه من نصهم على حرمة النبيذ، و قد عرفت أنه ليس مما نحن فيه، أو إطلاق بعضهم حرمة العصير، و قد عرفت أن الظاهر منه العنبي، و نسأل الله تعالى أن يوفقنا لإتمام الكلام، و إنهاء المرام في غير المقام، و ان كان قد وفق هنا لذلك المهم من النقض و الإبرام على غير أهبه له و استعداد عدا التوكل على رب العباد.

[في حكم العصير الزبيبي إذا غلى]

و منه ظهر ضعف القول بنجاسته حينئذ، كضعفه بالنسبة للزبيبي أيضا، للأصل و العمومات و ترك الإشارة في شي ء من الأدلة إليه، سيما مع عموم البلوى به و كثرة استعماله، بل قد يومي التأمل في ترك ذلك في بعضها، كالمشتمل منها على كيفية عمله إلى عدمه.

و دفع ذلك كله- بكونه عنبا جففته الشمس فينجس عصيره حينئذ بناء عليه، و باستصحاب حكمه حال عنبيته و ان تغير الاسم بعد بقاء الحقيقة، إذ لا تقييد فيما دل على حجيته بعدم تغيره، بل يشهد لعدمه حكم الحنطة و القطن و الطين بعد صيرورتها دقيقا و عجينا و خبزا و غزلا و ثوبا و لبنا بل و خزفا و آجرا، و لا ينافيه معروفية تبعية الأحكام للأسماء، إذ المراد انتفاء الحكم من جهة الاسم بانتفاء الاسم في مقابلة بطلان القول بالقياس، أي التعدي عن المسمى الجامع، أو القول بثبوت حكم حالة سابقه من

ج 6، ص: 32

أحوال الماهية بثبوته في حالة أخرى لاحقة، كتحريم الحصرمي بتحريم العنبي، أو القول بثبوته مع تبدل الحقيقة و الماهية كالكلب يصير ملحا، و إلا فليس المراد انتفاء الحكم بانتفاء التسمية مطلقا و لو بدليل آخر شرعي، كآية أو إجماع أو استصحاب، فان التخصيص بالذكر لا يقتضي التخصيص بالحكم إلا بمفهوم اللقب الذي ليس بحجة عندنا، فالاسم حينئذ كشف عن تعلق الحكم بالماهية و الحقيقة التي لم تنتف بانتفائه هنا بشهادة عدم طهر العنب لو تنجس بالزبيبية- واضح الفساد، إذ الأول قياس، بل من الباطل منه أو راجع إلى الثاني الذي (1)يدفعه أولا منع عدم كون ما نحن فيه من تبدل الحقيقة، و عدم طهارة العنب المتنجس بالزبيبية لعله لا لعدم انتفاء الحقيقة، بل لعدم كون مدار نجاسته الاسم حتى يطهر بانتفائه انما هو لكونه جسما لاقى نجاسة فينجس بها، و الجسمية لم تذهب بالزبيبية قطعا، و كذا البحث في طهارة كل متنجس بالاستحالة، و ثانيا ظهور تعليق الحكم على الاسم في دورانه على مسمى ذلك الاسم، لا حقيقته المعتورة عليها بسبب أحوالها أسماء مختلفة، فإن تلك لم يوضع لها اللفظ، فلا يستفاد حكمها منه، و الأمثلة السابقة مما علم تعلق الحكم فيها على الحقيقة التي لم تنتف بانتفاء الاسم، و لذا ثبت الحكم فيها مع انتفائه، بخلاف ما هنا، فلم يثبت، و ليس من حجية مفهوم اللقب في شي ء، إذ لا دلالة فيه على نفي الحكم عن غير المسمى، بل هو بحسب الأدلة من الأصول و غيرها، و من هنا اشتهر عندهم تبعية الحكم للاسم، و انه لا استصحاب مع تغير الموضوع، بل كان جريان الاستصحاب في نحو ما نحن فيه و دعوى شمول أدلته من منكرات أهل هذا الفن، بل قد يندرج في قسم القياس المحرم.

و احتمال القول ان الاستصحاب انما هو لنفي احتمال مدخلية بقاء مسمى الاسم


1- 1 ليس في النسخة الأصلية لفظة« الذي» و الصحيح ما أثبتناه.

ج 6، ص: 33

و أمثاله في الحكم، بل لا استصحاب إلا و هو لنفي الشك في اعتبار الحال الأول في العلة التامة للحكم المستصحب يدفعه وضوح الفرق بين الحال المستفاد من تعليق الحكم على الاسم و نحوه و بين غيره، لظهور دخوله في موضوع الحكم بخلافه.

و من ذلك كله يظهر لك أنه لا وجه للاستدلال بهذا الاستصحاب على حرمة عصيره في مقابلة المعروف من القول بالحل بين الفاضلين و من تأخر عنهما، و ان اعتمده العلامة الطباطبائي في مصابيحه في اختياره لها بعد أن تجشم ثبوت شهرة القول بها بين الأصحاب أو بين القدماء كشهرة الحل بين المتأخرين، حتى انه أنكر على من نسب الحل إلى المشهور على الإطلاق، و هو و إن كان قد دقق النظر و أجاد، و جاء بفوق ما هو المراد، بل بما لم يسبقه إليه أحد من الأطواد.

لكن في جملة مما استنبطه من قول العلماء في تحقيق هذه الشهرة نظر و تأمل، كما عرفته من النظر في استدلاله عليها بالاستصحاب، بل و استدلال غيره أيضا عليها بأخبار العصير و النبيذ و نحوهما مما تقدم في التمري، لما مر فيه، و كذا استدلال القائلين بالحلية ب

صحيحة أبي بصير(1)«كان الصادق (عليه السلام) يعجبه الزبيبية»

و بذهاب ثلثيه و زيادة بالشمس، لما في الأولى من إجمال الكيفية المنافي للاستدلال على ما نحن فيه من العصيرية، و لعدم الاعتداد بالثاني بعد تسليمه إذا لم يتعقب نشيشا و غليانا، و دعوى حصولهما و صدق مسماهما عرفا و لو في وسط العنب كما ترى، و قضيته حرمة العنب لو وضع أياما في الشمس قبل أن يصير زبيبا.

نعم يتجه الاستدلال على الثانية بالأصول و العمومات و نحوهما على حسب ما مر في التمري.

كما انه يتجه على الأولى ب

موثقة الساباطي (2)«وصف لي الصادق (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1 و فيه« الزبيبة».
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.

ج 6، ص: 34

المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا، فقال: تأخذ ربعا من زبيب و تنقيه و تصب عليه اثني عشر رطلا من ماء، ثم تنقعه ليلة، فإذا كان أيام الصيف و خشيت أن ينش جعلته في تنور مسجور قليلا حتى لا ينش، ثم تنزع الماء منه كله حتى إذا أصبحت صببت عليه من الماء بقدر ما يغمره- إلى أن قال-: ثم تغليه بالنار، و لا تزال تغليه حتى يذهب الثلثان و يبقى الثلث»

الحديث.

ك

موثقته الأخرى (1)«سئل عن الزبيب كيف طبخه حتى يشرب حلالا، فقال: تأخذ ربعا من زبيب تطرح عليه اثني عشر رطلا من ماء، ثم تنقعه ليلة، فإذا كان من الغد نزعت سلافته، ثم تصب عليه الماء قدر ما يغمره، ثم تغليه بالنار غلية، ثم تنزع ماءه، فتصبه على الماء الأول، ثم تطرحه في إناء واحد جميعا، ثم توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث و تحته النار، ثم تأخذ رطلا»

الحديث.

بل قد يومي اليه مرسلا الهاشمي (2)و إسحاق بن عمار(3)عن الصادق (عليه السلام) و نزاع إبليس في الكرم (4)إلى أن جعل له الثلثان الشامل للعنب و الزبيب، ك

خبر علي بن جعفر(5)عن أخيه (عليه السلام) «سألته عن الزبيب هل يصلح أن يطبخ حتى يخرج طعمه، ثم يؤخذ ذلك الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث، ثم يرفع و يشرب منه السنة، قال: لا بأس به».

بل هو صريح

خبر زيد النرسي (6)و زيد الزراد(7)عن الصادق (عليه السلام) «في الزبيب يدق و يلقى في القدر و يصب عليه الماء، قال: حرام إلا أن يذهب ثلثاه،


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.
6- 6 المستدرك- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
7- 7 المستدرك- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.

ج 6، ص: 35

قلت: الزبيب كما هو يلقى في القدر، قال: هو كذلك سواء، إذا أدت الحلاوة إلى الماء فقد فسد، كلما غلى بنفسه أو بالنار فقد حرم إلا أن يذهب ثلثاه».

لكن و مع ذلك كله فقطع الأصول و العمومات خصوصا مع ظهور أكثر الأخبار المعتبرة في دوران الحكم على الإسكار و عدمه بمثل هذه لا يخلو من نظر و تأمل، سيما مع ما في سند الأولى من الترديد بين الإرسال و عدمه، و فيه و في سند الثانية من معروفية البحث في «محمد» الواقع في أوائل سند الكافي، و ما قيل في «عمار» من أنه منفرد برواية الغرائب، و متنهما من احتمال ما سمعته في النضوح من إرادة تعليم الشرب الذي لا يتغير

بالاسكار لو خلط به غيره، بل ربما يومي اليه ملاحظتهما، بل كاد يكون ظاهر الثالثة مع ضعف الإيماء فيها إلى ما نحن فيه جدا كالمرسلين و خبر منازعة إبليس بل و خبر علي بن جعفر، سيما مع قوله: «و يشرب منه السنة» و خبر النرسي و الزراد، مع انه ليس في الكتب الأربعة، بل عن الشيخ في الفهرست أن لهما أصلين لم يروهما محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، و قال في فهرسته: «لم يروهما محمد بن الحسن بن الوليد، و كان يقول: هما موضوعان، و كذلك خالد بن عبد الله بن سدير، و كان يقول وضع هذه الأصول محمد بن موسى الهمداني» انتهى.

و هو و إن أمكن معارضته برواية ابن أبي عمير لهما، مع أن في «جش» للنرسي كتاب يرويه جماعة، و بما عن ابن الغضائري انه غلط أبو جعفر في هذا القول، فإني رأيت كتبهما مسموعة من محمد بن أبي عمير، لكن في الخلاصة أنه «و إن كان ما عن الصدوق ليس طعنا في الرجلين إلا أني لما لم أجد لأصحابنا تعديلا لهما و لا طعنا فيهما توقفت عن قبول روايتهما» انتهى.

كل ذا مع عدم تحقق الشهرة الجابرة لشي ء من ذلك، بل لعل الموهنة محققة، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه بحال.

ج 6، ص: 36

ثم انه لا فرق على الظاهر في العصير بين مزجه بغيره و عدمه، للصدق و الاستصحاب، بل نسبه في الحدائق إلى إطلاق الأخبار و كلام الأصحاب، و هو كذلك خصوصا لو مزج بعد الغليان قبل ذهاب الثلثين، من غير فرق بين عصيري التمر و الزبيب و العنبي، بل في خبر النضوح و ذيل الموثقين و غيرهما إيماء إليهما أو ظهور فيه.

نعم قد يقوى في النظر كما عن الأردبيلي الميل اليه عدم البأس في المستهلك منهما، بل و من العنبي، بناء على عدم نجاسته كما فيما يحرم من غيرها، و إلا لوجب اجتناب شرب الكثير من الماء بوقوع قطرة خمر و نحوه.

لكن قد ينافي ذلك

المروي (1)في مستطرفات السرائر من كتاب مسائل الرجال عن أبي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) «ان محمد بن عيسى كتب اليه عندنا طبيخ يجعل فيه الحصرم، و ربما يجعل فيه العصير من العنب، و انما هو لحم يطبخ به، و قد روي عنهم (عليهم السلام) في العصير انه إذا جعل على النار لم يشرب حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، فإن الذي يجعل في القدر من العصير بتلك المنزلة، و قد اجتنبوا أكله إلى أن يستأذن مولانا في ذلك، فكتب بخطه لا بأس بذلك».

و ربما يؤيده عدم ظهور الأدلة في الممتزج الخارج بالامتزاج إلى اسم آخر بعض أجزائه العصير، لكن في الحدائق «أن الخبر ظاهر في أن حكم العصير مطبوخا مع غيره حكمه منفردا، و كان السائل توهم اختصاص الحكم المذكور بالعصير منفردا و شك في جريان ذلك فيه إن طبخ مع غيره، لأن ظاهر قوله: «يجعل في القدر من العصير بتلك المنزلة»- يعني يذهب ثلثاه كما روي، فأجابه بنفي البأس مع ذهاب الثلثين- إشارة


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1 و في الوسائل« محمد ابن علي بن عيسى» و هو الصحيح.

ج 6، ص: 37

إلى أن هذا الحكم ثابت له مطلقا منفردا أو مع غيره» انتهى. و هو لا يخلو من نظر.

هذا كله في الامتزاج بعد تحقق العصيرية في العنب و التمر و الزبيب، أما لو ألقي عنب أو زبيب أو تمر في الماء الملقى فيه غيرها، فان كان قبل تحقق الإضافة في الماء فالظاهر اتحاد حكمه مع السابق، بل لعله بعض صور الامتزاج سيما بالنسبة للعنب، و ان كان بعدها ففي اللحوق بالنسبة للأخيرين إشكال، لظهور الأدلة فيما إذا خرج سلافتهما بالماء المطلق و غلى.

و منه حينئذ يظهر الإشكال في باقي المائعات، بل هي أقوى إشكالا منه، خصوصا في مثل الدهن، لما

ورد(1)«ان الصادق (عليه السلام) أكل دجاجة مملوة خبيصا»

و هو كما عن القاموس المعمول من التمر و السمن، و ان كان في ظهوره بما نحن فيه تأمل.

و ربما يظهر مما عن العلامة في أجوبة المهنا بن سنان عدم الالتفات إلى التفصيل، قال بعد أن سئل عن طبخ حب الرمان بالعصير من الزبيب أو العنب ما هذا لفظه:

«أما ما سمي عصيرا فالوجه في غليانه اعتبار ذهاب ثلثيه، و أما الزبيب فالأقرب إباحته مع انضمامه إلى غيره، لأن الناس في جميع الأزمان و الأصقاع يستعملونه من غير إنكار أحد منهم» انتهى. و تمام البحث في تنقيح هذه المسائل في كتاب الأطعمة و الأشربة، نسأل الله التوفيق.

[في حكم عصير الفواكه و الثمار]

و لا إشكال في طهارة و حل ما اعتصر من المياه من غير ثمرتي الكرم و النخل من الفواكه و الثمار و البقول لو نشت و غلت، و كذا الربوبات و الأطعمة المتخذة من غيرها، بل في مصابيح العلامة الطباطبائي، إجماع العلماء على ذلك، للأصل و عمومات الكتاب و السنة، و عدم السكر بالكثير منهما، و ما ورد من المعتبرة في كثير منها كخبري


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.

ج 6، ص: 38

ابن أحمد المكفوف (1)و غيرهما(2)المذكورة في الكتاب المزبور(3).

بل و كذا لا إشكال في المعتصر من ثمرة الأول إذا لم يكن زبيبا أو عنبا و لا مسكرا كالحصرم، للأصول و العمومات، و ان حكي التوقف فيه عن بعض المحدثين من البحرانيين لصدق العصير، و لما يومي اليه نزاع إبليس مع آدم (عليه السلام) في شجرة الكرم إلى أن جعل له الثلثين الشامل للحصرم، لكنه في غاية الضعف، كاحتمال التوقف في عصير المطبوخ من ثمرة النخل إذا لم يكن بسرا أو تمرا، و الله أعلم.

[التاسع الفقاع]

التاسع الفقاع إجماعا محصلا و منقولا صريحا في الانتصار و المنتهى و التنقيح و جامع المقاصد و عن الخلاف و الغنية و المهذب البارع و كشف الالتباس و إرشاد الجعفرية، و ظاهرا في التذكرة و عن المبسوط و غيرهما، مؤيدا بالحكم بخمريته في المعتبرة المستفيضة(4)التي كادت تبلغ التواتر و لو كان على وجه المجاز، بل في بعضها(5)هو الخمر بعينها، مضافا الى

خبر أبي جميلة البصري (6)قال: «كنت مع يونس ببغداد، و أنا أمشي في السوق، ففتح صاحب الفقاع فقاعه، فقفز فأصاب يونس فرأيته قد اغتم لذلك حتى زالت الشمس، فقلت: يا أبا محمد إلا تصلي؟ فقال: ليس أريد أن أصلي حتى أرجع إلى البيت فأغسل هذا الخمر من ثوبي، فقلت له: هذا رأي رأيته أو شي ء ترويه، فقال:

أخبرني هشام بن الحكم أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن الفقاع، فقال: لا تشربه فإنه خمر مجهول، فإذا أصاب ثوبك فاغسله».


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأشربة المحرمة.
3- 3 أي كتاب الأطعمة منه رحمه الله.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأشربة المحرمة.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 8.
6- 6 التهذيب- ج 1 ص 282 من طبعة النجف.

ج 6، ص: 39

و ضعف سنده بعد انجباره بما عرفت غير قادح، فما في المدرك من التأمل و التوقف فيه لذلك في غير محله، كالمحكي عن الجعفي بحل بعض الفقاع المستلزم لطهارته حينئذ، لكن يمكن تنزيله على غير ما نحن فيه، كما يومي اليه ما في الذكرى «انه نادر لا عبرة به، مع منع تسمية ما وصفه فقاعا» انتهى.

و المرجع فيه كأمثاله العرف و العادة التي لم يعلم حدوثهما و لو بسبب العلم بحدوث خصوصية هذا الشراب، لكنه في مجمع البحرين «انه شي ء يشرب يتخذ من ماء الشعير فقط، و ليس بمسكر» كما عن المدنيات «انه شراب معمول من الشعير» و في الانتصار «انه كان يعمل منه و من القمح» و عن مقداديات الشهيد «كان قديما يتخذ من الشعير غالبا، و يصنع حتى يحصل فيه النشيش و القفزان، و كأنه الآن يتخذ من الزبيب و يحصل فيه هاتان الخاصتان».

قلت: ربما يشكل حينئذ جريان حكم الفقاع عليه من حيث الفقاعية بعدم تناول الإطلاق له و عدم انصرافه اليه بعد فرض اعتياد غيره سابقا، نعم قد يحكم بنجاسته بناء على ما قدمناه سابقا في العصير، و التسمية بعد العلم بالحدوث لا تجدي.

و دعوى انها كاشفة عن وضع اللفظ للقدر المشترك قديما، فلا يقدح عدم وجود هذا الفرد في ذلك الزمان لا شاهد عليها، بل قد يجري هذا الإشكال أيضا في المشكوك في وجوده في ذلك الزمان، للشك في تناول الإطلاق له حينئذ، بل أصالة تأخر الحادث تقضي بعدم وجوده فيه، و التمسك في وجوده سابقا بوجوده لاحقا راجع الى الاستصحاب المعكوس، كالتمسك بصحة الإطلاق لا حقا فيه و في معلوم الحدوث أيضا عليه سابقا، و أصالة الحقيقة منضمة إلى أصالة عدم الاشتراك و النقل لا صلاحية لها في إثبات ما نحن فيه، فتأمل جيدا فان المقام من المشكلات مع انه كثير الثمرات.

و كذا قد يشكل ما في جامع المقاصد و كذا الروض من أن المراد بالفقاع المتخذ

ج 6، ص: 40

من ماء الشعير كما ذكره المرتضى، لكن ما يوجد في أسواق أهل السنة يحكم بنجاسته إذا لم يعلم أصله، عملا بإطلاق التسمية، انتهى. بأن إطلاق التسمية بعد فرض تحقق الفردين الطاهر و النجس لا يجدي في تنجيس مستصحب الطهارة بل و لا خصوص الفقاع، إذ هو من مشتبه الموضوع حينئذ، و أصالة الحقيقة بعد تسليم جريانها هنا لا مدخلية لها فيما نحن فيه.

و كذا قد يشكل إطلاقهم نجاسة الفقاع و حرمته ب

صحيحة ابن أبي عمير(1)عن مرازم قال: «كان يعمل لأبي الحسن (عليه السلام) الفقاع في منزله»

قال محمد ابن أحمد: قال أبو أحمد يعني ابن أبي عمير: «و لم يعمل فقاع يغلي» و

خبر عثمان (2)قال: «كتب عبد الله بن محمد الرازي إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) إن رأيت أن تفسر لي الفقاع فإنه قد اشتبه علينا، أ مكروه هو بعد غليانه أم قبله؟ فكتب اليه لا تقرب الفقاع إلا ما لم تضري آنيته و كان جديدا، فأعاد الكتاب اليه اني كتبت أسأل عن الفقاع ما لم يغل، فأتاني أن أشربه ما كان في إناء جديد و غير ضار، و لم أعرف حد الضراوة و الجديد، و سأل أن يفسر ذلك له، و هل يجوز شرب ما يعمل في الغظارة و الزجاج و الخشب و نحوه من الأواني؟ فكتب يفعل الفقاع في الزجاج و في الفخار الجديد إلى قدر ثلاث عملات، ثم لا تعد منه بعد ثلاث عملات إلا في إناء جديد، و الخشب مثل ذلك»

الحديث. حيث أنبأ عن حلية بعض أفراد الفقاع.

قلت: لكن قد يدفع بمنع تسمية نحو ذلك فقاعا حقيقة، لاعتبار النشيش و القفزان بنفسه في مفهومه، كما انه قد يمنع صدقه على ما يستعمله الأطباء في زماننا هذا من ماء الشعير، لعدم وجود خاصيتيه فيه على الظاهر.


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.

ج 6، ص: 41

ثم انه لا يخفى عدم دوران الحكم نجاسة و حرمة على الإسكار كما صرح به بعضهم، و يعطيه ظاهر آخرين، لا طلاق الأدلة و ترك الاستفصال فيها سيما بعد الاستفصال عنه بالنسبة للنبيذ، نعم لا يبعد كون ذلك منشأهما عند الشارع و لو بالكثير منه في بعض الأحوال، و الله أعلم.

[العاشر الكافر]
[العاشر الكافر]

العاشر الكافر إجماعا في التهذيب و الانتصار و الغنية و السرائر و المنتهى و غيرها و ظاهر التذكرة بل في الأول من المسلمين، لكن لعله يريد النجاسة في الجملة، لنص الآية الشريفة (1) و ان كانت العامة يؤلونها بالحكمية لا العينية، نعم هي كذلك عندنا من غير فرق بين اليهود و النصارى و غيرهم، كما هو صريح معقد إجماع المرتضى و ظاهر غيره بل صريحه، و لا بين المشرك و غيره، و لا بين الأصلي و المرتد، و لعل ما عن غرية المفيد من الكراهة في خصوص اليهود و النصارى يريد بها الحرمة، كما يؤيده اختياره لها في أكثر كتبه على ما قيل، و عدم معروفية حكاية خلافه كنقل الإجماع من تلامذته، مع انه المؤسس للمذهب.

و ما عن موضع من نهاية الشيخ- «و يكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفار إلى طعامه فيأكل معه، فان دعاه فليأمر بغسل يديه ثم يأكل معه إن شاء»- محمول كما عن نكت المصنف على المؤاكلة باليابس أو الضرورة، و غسل اليد لزوال الاستقذار النفساني الذي يعرض من ملاقاة النجاسة، أو على ما ذكره ابن إدريس في السرائر من أنه أورد الرواية الشاذة إيرادا لا اعتقادا، و يؤيدهما- مضافا إلى نفي الخلاف بيننا في نجاسة غير اليهود و النصارى من المصنف في المعتبر و غيره- تصريحه قبل ذلك فيها، بل قيل في غير موضع منها بنجاسة الكفار على اختلاف مللهم.


1- 1 سورة التوبة الآية- 28.

ج 6، ص: 42

و أما ما عن مختصر ابن الجنيد- من أنه لو تجنب من أكل ما صنعه أهل الكتاب من ذبائحهم و في آنيتهم، و كذلك ما وضع في أواني مستحل الميتة و مؤاكلتهم ما لم يتيقن طهارة أوانيهم و أيديهم كان أحوط- فهو- مع عدم صراحته أيضا بل و لا ظهوره عند التأمل- غير قادح فيما ذكرنا بعد مرفوضية أقواله عندنا، لما قيل من عمله بالقياس، كالمحكي عن ابن أبي عقيل من عدم نجاسة سؤر اليهود و النصارى، مع أنه لعله لعدم نجاسة القليل عنده بالملاقاة، إذ السؤر عند الفقهاء على ما قيل الماء القليل الذي لاقاه فم حيوان أو جسمه، بل قد يشعر تخصيصه عدم النجاسة بالسؤر بموافقته فيها في غيره، فلا خلاف حينئذ يعتد به بيننا في الحكم المزبور، بل لعله من ضروريات مذهبنا.

و لقد أجاد الأستاذ الأكبر بقوله: «إن ذلك شعار الشيعة، يعرفه منهم علماء العامة و عوامهم و نساؤهم و صبيانهم، بل و أهل الكتاب فضلا عن الخاصة».

و يدل عليه مضافا إلى ذلك قوله تعالى (1)«إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ» المتمم دلالتها- حيث تضمنت لفظ النجس الذي لم يعلم إرادة المعنى الاصطلاحي منه، أو اختصت بالمشرك- بظهور إرادة الاصطلاحي هنا و لو بالقرائن الكثيرة التي منها تفريع عدم قربهم المساجد الذي لا يتجه إلا عليه، على أن النجاسة اللغوية مع منع تحققها في المترفين منهم ليست من الوظائف الربانية، و احتمال إرادة الخبث الباطني من النجاسة- كما اختاره بعض الناس ممن لا نصيب له في مذاق الفقه تبعا للعامة العمياء- ضروري الفساد، مع أنها ليست من المعاني المعهودة المعروفة للفظ النجاسة.

[نجاسة أهل الكتاب]

و بعدم القول بالفصل بين المشرك و غيره منهم، كالمحكي في الغنية و الرياض إن لم نقل بتعارف مطلق الكافر من المشرك، أو لما يشمل اليهود و النصارى، لقوله تعالى(2): «وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ- إلى قوله تعالى:- عَمَّا يُشْرِكُونَ» و لما يشعر به


1- 1 سورة التوبة- الآية 28.
2- 2 سورة التوبة- الآية 30.

ج 6، ص: 43

قوله تعالى لعيسى (ع)(1)«أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ؟» من شركهم أيضا و لقولهم (2)أيضا: «إنه ثالِثُ ثَلاثَةٍ» المشعر بكونه عند اليهود ثاني اثنين، و غير ذلك.

و كذلك المجوس، لما قيل إنهم يقولون بإلهية يزدان و النور و الظلمة، كتتمة ما دل على نجاسة المجوس به أيضا من صحيح علي بن جعفر(3)و محمد بن مسلم (4)و موثق سعيد الأعرج (5)و غيرها(6)و ما دل على نجاسة خصوص اليهود و النصارى أيضا من المعتبرة(7)و هي و إن كان في مقابلها أخبار(8)دالة على الطهارة، و فيها الصحيح و غيره، بل هي أوضح من تلك دلالة، بل لولا معلومية الحكم بين الإمامية و ظهور بعضها في التقية لاتجه العمل بها، لكن لا ينبغي أن يصغى إليها في مقابلة ما تقدم، و إن أطنب بعض الأصحاب في البحث عنها و تجشم محامل لها يرجح الطرح عليها فضلا عن التقية.

كما انه لا ينبغي الإصغاء للاستدلال على الطهارة أيضا بقوله تعالى (9)«وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ، وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ» بعد ورود الأخبار المعتبرة(10)و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما، بإرادة العدس و الحبوب و البقول من الطعام، سيما مع تأييدها بما عن المصباح المنير أنه «إذا أطلق أهل الحجاز الطعام عنوا به البر خاصة» و ما عن


1- 1 سورة المائدة- الآية 116.
2- 2 سورة المائدة- الآية 77.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات- الحديث 8 و ليس فيه سؤال عن المجوسي.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات.
7- 7 الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات.
8- 8 الوسائل- الباب- 53- من أبواب الأطعمة المحرمة.
9- 9 سورة المائدة- الآية 7.
10- 10 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الذبائح- الحديث 1 و 6 و الباب 27 الحديث 46 من كتاب الصيد و الذبائح.

ج 6، ص: 44

المغرب «أن الطعام اسم لما يؤكل، و قد غلب على البر» بل عن ابن الأثير عن الخليل «ان الغالب في كلام العرب أنه البر خاصة» إلى غير ذلك مما حكي عنهم مما يقتضي اختصاصه بالبر.

و قد يشهد له

حديث أبي سعيد(1)«كنا نخرج الصدقة الفطرة على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) صاعا من طعام أو صاعا من شعير»

لكن قد ينافي ذلك إضافة الطعام إلى الذين أوتوا الكتاب، فمن هنا كان حمل الطعام في الآية الكريمة على مضمون الأخبار السابقة متجها، بل لا يبعد إرادة طعامهم المنزل عليهم، كالمن و السلوى، و الذي دعا الله لهم موسى بأن تنبته الأرض لهم من العدس و الفوم و نحوهما، و كيف كان فتطويل البحث في المقام تضييع للأيام في غير ما أعدها له الملك العلام.

[حكم أولاد الكفار]

و يلحق بالكافر ما تولد منه، كما في ظاهر الموجز و صريح التذكرة و الذكرى و كشف الالتباس و شرح المفاتيح للأستاذ و منظومة الطباطبائي و عن المبسوط و الإيضاح و نهاية الأحكام، بل لا أجد فيه خلافا، بل في شرح الأستاذ نسبته للأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه حتى لو بلغ مجنونا، و هو الحجة إن تم في قطع الأصول و العمومات، و لعله كذلك، كما يومي اليه تسالمهم على نحوه من أحكام التبعية فيه و في ولد المسلم، كالأسر و الاسترقاق و نحوهما، كذكر الحكم به هنا ممن تعرض له على جهة الجزم و القطع من غير تردد و إشكال، كباقي المسائل المسلمة عدا العلامة في النهاية، فقال: «الأقرب التبعية» مما يشعر بعدم قطعية الحكم عنده، و لعله لذا و سوس فيه بعض متأخري المتأخرين، إلا أنه في غير محله، لعدم قدح ذلك في القطع بالتبعية المذكورة المستفاد مما عرفت.

بل في النصوص إشارة اليه، ك

صحيح عبد الله بن سنان (2)«سأل الصادق


1- 1 تيسير الوصول- ج 2- ص 130 و فيه «كنا نخرج زكاة الفطرة.».
2- 2 البحار- ج 5 ص 295 المطبوعة بطهران عام 1276.

ج 6، ص: 45

(عليه السلام) عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث، قال: كفار، و الله أعلم بما كانوا عاملين، يدخلون مداخل آبائهم»

و

خبر وهب بن وهب (1)عن جعفر ابن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «أولاد المشركين مع آبائهم في النار، و أولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة»

كالمرسل عن الكافي (2)«فأما أطفال المؤمنين فإنهم يلحقون آباءهم، و أولاد المشركين يلحقون آباءهم، و هو قول الله عز و جل (3)بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» الآية.

و لا ينافي ذلك ما ورد في غير واحد من الأخبار(4)من تأجيج النار للأطفال في يوم القيامة فيؤمرون بالدخول إليها ليعرف المطيع منهم و العاصي، لا مكان حملها كما في الحدائق- بعد تسليم العمل بها، لمنافاتها للطف، و لما قد يدعى القطع به من انقطاع التكليف في تلك الدار- على كون الداخلين أطفال المؤمنين، و الممتنعين أطفال الكافرين، و على تنزيل هذا الاختبار و الامتحان لغير أولاد المشركين و المؤمنين، بل هو لأطفال المسلمين الذين يحاسبون آباؤهم، و أما أولئك فينساقون إلى الجنة و النار تبعا لآبائهم من غير حساب، كما مال إليه في الحدائق، و عن الوافي الجمع بينها بحمل الأولى على الإلحاق في عالم البرزخ، و الثانية على عالم القيامة، و على كل حال فلا ينافي ذلك الاستدلال بها على ما تقدم. نعم قد يناقش في دلالتها على المطلوب من جهة أخرى.

و الانصاف ان العمدة الإجماع السابق في إثبات الحكم المذكور، و إلا فالاستدلال عليه بذلك، أو بنجاسة أصلية، و باستصحاب نجاسته حال كونه نطفة، و بقوله تعالى (5):


1- 1 البحار- ج 5 ص 294 المطبوعة بطهران عام 1376.
2- 2 فروع الكافي- باب الأطفال- من كتاب الجنائز- الحديث 3.
3- 3 سورة الطور- الآية 21.
4- 4 البحار- الباب- 13 من أبواب العدل- الحديث 2 و 3 و 7 من كتاب العدل و المعاد.
5- 5 سورة نوح عليه السلام- الآية 28.

ج 6، ص: 46

«لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً» و نحوها كما ترى، سيما بعد

قوله (صلى الله عليه و آله)(1):

«كل مولود يولد على الفطرة».

نعم قد يمنع الإجماع المزبور في المتولد منهما بغير النكاح الصحيح في حقه، اقتصارا على المتيقن منه في قطع الأصول و العمومات، و ان كان لا يخلو من إشكال، كما يمنع فيما لو كان أحد أبويه مسلما، لتبعيته للأشرف حينئذ، بل في شرح الأستاذ «انه الظاهر منهم، للأصل و غيره من الإجماع و الأخبار» انتهى.

و لو جن بعد بلوغه عاقلا في فسحة النظر ففي طهارته وجهان، أقواهما نعم، للأصل و العموم السالمين عن معارضة التبعية بعد معلومية انقطاعها بالبلوغ عاقلا، فلا استصحاب لحكمها، بل لعل استصحاب الطهارة حينئذ متجه، بناء على حصولها له في فسحة النظر كما هو الأقوى، للأصل و عدم صدق الكافر،

[نجاسة منكر الضروري]

إذ ضابطه من خرج عن الإسلام بأن وصف غيره و لو بالارتداد أو من انتحله و لكن جحد ما يعلم من الدين ضرورة كالخوارج و الغلاة كما في الإرشاد و الدروس و الذكرى و البيان و الروض و الروضة، بل لا أجد فيه خلافا، بل تحقق الكفر بالأول إجماعي أو ضروري بل و بالثاني أيضا، بناء على أن سببية الكفر لاستلزامه إنكار الدين، و إلا فلا دليل على تحقق الكفر به لنفسه، و من هنا لم يحكم بالكفر بإنكار جديد الإسلام و بعيد الدار و نحوهما، بل و كل من علم أن إنكاره لشبهة، بل قيل و كل من احتمل وقوع الشبهة في حقه، لعدم ثبوت الاستلزام المذكور في شي ء منها الذي هو المدار في حصوله، و لذا لو تحقق و لو بإنكار غير الضروري كالمقطوع به بالنظر حكم بكفر منكره أيضا مع فرض قطعه به، و لعل مرادهم بالضروري ما يشمل ذلك على إرادة اليقيني و لو بالبرهان، أو أن تخصيصهم الحكم بالضروري باعتبار الحكم الظاهري بكفره إذا كان ناشيا في بلاد


1- 1 أصول الكافي- ج 2 ص 13 من طبعة طهران.

ج 6، ص: 47

الإسلام مما لا يحتمل الشبهة في حقه، فبمجرد ظهور الإنكار منه يحكم بكفره، بخلاف النظري فلا يحكم بكفره بمجرد ذلك حتى يعلم انه أنكر حال كونه قاطعا به.

و عليه ينزل إطلاق ما عن صلاة الروض من الحكم بكفر منكر المجمع عليه كالضروري، و الى بعض ما ذكرنا يومي تقييد كشف اللثام كفر منكر الضروري بما إذا علم انه من ضرورياته، كما أن أكثره صريح ما في مجمع البرهان

«المراد بالضروري الذي يكفر منكره الذي ثبت عنده يقينا انه من الدين و لو بالبرهان و ان لم يكن مجمعا عليه، إذ الظاهر من دليل كفره هو إنكار الشريعة و إنكار صدق النبي (صلى الله عليه و آله) مثلا في ذلك الأمر مع ثبوته يقينا، و ليس كل من أنكر مجمعا عليه يكفر، بل المدار على حصول العلم و الإنكار و عدمه، إلا أنه لما كان حصوله في الضروري غالبا جعل ذلك المدار، و حكموا به» انتهى.

قلت: لكن قد يقال: إن ذلك كله مناف لما عساه يظهر من الأصحاب كالمصنف و غيره خصوصا من عبر بالإنكار منهم، و ان كان الظاهر إرادته منه الجحود هنا من تسبيب إنكار الضروري الكفر لنفسه، حيث أناطوه به، حتى نقل عن غير واحد منهم ظهور الإجماع عليه من غير إشارة منهم إلى الاستلزام المذكور، بل ظاهر عطفهم إياه على السبب الأول للكفر عدمه، بل اقتصر بعضهم في ضابط أصل الكافر عليه، لاندراج الأول فيه عند التأمل، إلى غير ذلك مما يشهد لكون مرادهم تسبيبه الكفر نفسه.

كما أنه قد يشهد له أيضا

مكاتبة عبد الرحيم القصير(1)للصادق (عليه السلام) المروية في باب الايمان و الكفر من الكافي قال فيها: «لا يخرجه أي المسلم الى الكفر إلا الجحود و الاستحلال، ان يقول للحلال هذا حرام، و للحرام هذا حلال، و دان


1- 1 أصول الكافي- ج 2 ص 27 من طبعة طهران.

ج 6، ص: 48

بذلك، فعندها يكون خارجا عن الإسلام و الايمان داخلا في الكفر، و كان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة و أحدث في الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة و عن الحرم، فضربت عنقه»

الحديث.

مضافا الى إطلاق كثير من النصوص (1)المتفرقة في الأبواب و ترك الاستفصال في جملة منها مع الحكم بكفر منكر الضروري بمجرد إنكاره من غير تربص في حاله أنه لشبهة أم لا، و مع ذلك كله فلعل و جهة أن إنكار الضروري ممن لا ينبغي خفاء الضرورة عليه- كالمتولد في بلاد الإسلام حتى شاب- إنكار للشريعة و الدين، و احتمال الشبهة في حقه بل و تحققها بحيث علمنا انه لم يكن ذلك منه لإنكار النبي (صلى الله عليه و آله) أو الصانع غير مجد، إذ هو في الحقيقة كمن أظهر إنكار النبي بلسانه عنادا و كان معتقدا نبوته بجنانه، لأن إنكاره ذلك الضروري بمنزلة قوله: إن هذا الدين ليس بحق، فلا يجدي اعتقاده حقيته.

و يؤيد ذلك حكمهم بكفر الخوارج و نحوهم ممن هو مندرج في هذا القسم، و استحقاقهم القتل و غيره من أحكام الكفار مع العلم اليقيني بأن منهم إن لم يكن جميعهم من لم يدخله شك في ربه أو نبيه فضلا عن إنكاره لهما بقلبه.

فدعوى ان إنكار الضروري يثبت الكفر إن استلزم إنكار النبي مثلا، فمتى علم أن ذلك كان لشبهة و إلا فاعتقاده بالنبي (صلى الله عليه و آله) مثلا ثابت لم يحكم بكفره لا شاهد عليها، بل هي مخالفة لظاهر الأصحاب، و كان منشأها عدم وضوح دليل الكفر بدونها على مدعيها، و قد عرفت ان ذلك الإنكار المستلزم في نفسه لإنكار ذلك الدين و ان لم يكن كذلك عند المنكر بدليل تسالم الأصحاب على ثبوت الكفر به.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 6، ص: 49

نعم لو كان المنكر بعيدا عن بلاد الإسلام بحيث يمكن في حقه خفاء الضرورة لم يحكم بكفره بمجرد ذلك، و لعله ينزل عليه التقييد السابق في كشف اللثام، فلا ينافي ما ذكرنا، كما انه يحتمل تنزيل ما تقدم من مجمع البرهان على إرادة لزوم إنكار الضروري لإنكار الشريعة في نفسه و حد ذاته و ان لم يكن عند المنكر، فلا ينافيه أيضا و ان كان احتمال ذلك في كلامه بعيدا بل ممتنعا، أما لو أصر بعد الظهور و الاطلاع و ان كان لشبهة ألجأته إليه حكم بكفره، لعدم معذوريته، و ظهور تقصيره في دفع تلك الشبهة، كمن أنكر النبي (صلى الله عليه و آله) مثلا لشبهة.

فالحاصل انه متى كان الحكم المنكر في حد ذاته ضروريا من ضروريات الدين ثبت الكفر بإنكاره ممن اطلع على ضروريته عند أهل الدين، سواء كان ذلك الإنكار لسانا خاصة عنادا أو لسانا و جنانا.

و منه يظهر الفرق حينئذ بين الضروري و غيره من القطعي كالمجمع عليه و نحوه، فإنه لا يثبت الكفر بالثاني إلا مع حصول العلم ثم الإنكار، بخلافه في الضروري فيثبت و ان لم يكن إنكاره كذلك.

و قد يؤيد ذلك كله ما حكاه شيخنا في مفتاح الكرامة، قال: و هنا كلام في أن جحود الضروري كفر في نفسه أو لأنه يكشف عن إنكاره النبوة مثلا، ظاهر هم الأول، و احتمل الأستاذ الثاني، قال: «فعليه لو احتمل وقوع الشبهة عليه لم يحكم بكفره، إلا أن الخروج عن مذاق الأصحاب مما لا ينبغي» انتهى.

قلت: و هذا من أستاذه اعتراف بما ذكرناه من مراد الأصحاب، حتى أنه ذكر ما ينافيه بصورة الاحتمال، ثم كر عنه، و يؤيده قرائن كثيرة تشهد على إرادتهم ذلك لا يسع المقام تعدادها، خصوصا مع ملاحظة باب الحدود، ففي القواعد هناك أنه يحصل الارتداد إما بالفعل، و إما بالقول كاللفظ الدال بصريحه على جحد ما علم

ج 6، ص: 50

ثبوته من دين الإسلام ضرورة، و على اعتقاد ما يحرم اعتقاده بالضرورة من دين محمد (صلى الله عليه و آله) سواء كان القول عنادا أو اعتقادا أو استهزاء، إلا أنا قد بلينا في عصرنا هذا في بلدنا هذه بمن يدعى القطع و اليقين بأن مراد الأصحاب ذلك الاحتمال بحيث لا يسمع كلاما من أحد و لا رشدا ممن أرشد، و لو أن ذلك كان منه بعد التأمل و النظر لكان حقيقا بأن يعذر، و الله أعلم.

و كيف كان فلا كلام في نجاسة ما في المتن من الفرقتين كما في جامع المقاصد و عن الدلائل، بل عن الأخير و الروض الإجماع عليهما، و هو كذلك.

أما الخوارج- فكفرهم بانكارهم جملة من الضروريات كاستحلالهم قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) و من معه من المسلمين، و حكمهم بتكفيرهم بمجرد التحكيم- فيدل عليها جميع ما دل على نجاسة الكافرين من الإجماع و غيره، و مع ذا ف

في المرسل (1)عن النبي (صلى الله عليه و آله) في وصفهم «انهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرامي»

كما

عن الفضل «دخل على أبي جعفر (عليه السلام) رجل محصور عظيم البطن، فجلس معه على سريره، فحياه و رحب به، فلما قام قال: هذا من الخوارج كما هو، قال: قلت: مشرك، فقال: مشرك و الله مشرك».

و أما الغلاة- و هم الذين تجاوزوا الحد في الأئمة (ع) حتى ادعوا فيهم الربوبية، قيل: و قد يطلق الغلو على من قال بإلهية أحد من الناس- فظاهر المصنف بل صريحه كغيره من الأصحاب أن كفرهم بإنكار الضروري أيضا، و لعله لعدم نفيهم أصل الإلهية و الصانع، و انما ادعوا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) مثلا هو الصانع فأنكروا ما علم بطلانه بالضرورة من الدين، و بالأدلة العقلية و البراهين مما يجب عنه تنزيه رب العالمين


1- 1 سفينة البحار- ج 1 ص 383.

ج 6، ص: 51

مما اتصف به سيدنا و مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، لكن في كشف الغطاء للأستاذ المعتبر أنهم من الكافرين بالذات لا لإنكارهم بعض الضروريات، كأتباع مسيلمة الكذاب، إذ هم لخصوص الصانع و النبي (ص) من النفاة، و ان أثبتوا في الجملة الربوبية و النبوة للغير، و هو جيد في الثاني لا يخلو من تأمل في الأول يعرف مما تقدم.

إلا أنه على كل حال لا كلام في نجاستهم و كفرهم كما في جامع المقاصد و عن الدلائل، بل عن الأخير و الروض الإجماع عليه، قلت: و هو كذلك، بل يدل عليه جميع ما دل على نجاسة الكافر، مضافا إلى ما عن

الكشي (1)في ترجمة فارس بن حاتم الغالي عن أبي الحسن (عليه السلام) انه قال: «توقوا مساورته».

[نجاسة المجسمة و المشبهة]

و يلحق بهم عبدة الأوثان و الكواكب و الدهرية و نحوهم ممن زعم ان مثل ذلك الصانع، لمساواتهم لهم من تلك الجهة، نعم لو أثبتوا مع ذلك صانعا معها كانوا من المشركين لا من قبيل الغلاة، كما أنهم لو أثبتوا مع عبادتهم إياها صانعا لها كانوا ممن كفر بإنكار بعض الضروريات.

و أطلق في المنتهى و الدروس و ظاهر القواعد و عن المبسوط و التحرير نجاسة المجسمة، و قضيته عدم الفرق بين المجسمة حقيقة و هم القائلون بكونه جسما كالأجسام و بين المجسمة بالتسمية أي القائلين بأنه جسم لا كالأجسام، بل به صرح في جامع المقاصد، كما أنه كاد يكون صريح الروض أيضا، بل في آخر عبارة الأول انه لا كلام في نجاسة المجسمة، و في الثاني لا ريب في نجاسة القسم الأول منهم، لكن قيده في البيان و المسالك بالحقيقة، و قضيته طهارة المجسمة بالتسمية، و هو الأقوى. للأصل و العمومات و استصحاب طهارة الملاقي، و ما دل على طهارة المسلمين المتحقق إسلامهم بابراز الشهادتين


1- 1 رواه المامقاني في تنقيح المقال في ترجمة فارس بن حاتم عن الكشي و فيه« مشاورته» بدل« مساورته».

ج 6، ص: 52

السالمة عن معارضة ما يقتضي الكفر المنجس، و دعوى أنهم ممن أنكر ضروريات لاعتقادهم الجسمية، و كل جسم محدث واضحة المنع هنا، لعدم استلزام خصوص هذه الدعوى من الجسمية ذلك عند المدعي، بل و في الواقع، بل قيل إنهم موافقون لأهل الحق في العقيدة، و انما تجوزوا في التسمية كإطلاق اليد.

و يؤيده ما اشتهر من نسبة ذلك إلى هشام بن الحكم، و هو من أجلاء أصحابنا و متكلميهم، و عن المرتضى في الشافي «فأما ما رمي به هشام بن الحكم من القول بالتجسيم فالظاهر من الحكاية عنه القول بجسم لا كالأجسام، و لا خلاف في أن هذا القول ليس بتشبيه و لا ناقض لأصل و لا معترض على فرع، و انه غلط في عبارة يرجع في إثباتها و نفيها إلى اللغة، و أكثر أصحابنا يقولون: إنه أورد ذلك على سبيل المعارضة للمعتزلة، فقال لهم، إذا قلتم إن القديم تعالى شأنه شي ء لا كالأشياء فقولوا: إنه جسم لا كالأجسام» انتهى.

قلت: بل قد يمنع كفرهم حتى لو سلم استلزام تلك الدعوى الحدوث في نفس الأمر، إلا أنهم لم يعترفوا به بزعمهم، إذ المدار في إنكار الضروري التصريح به لا اللزوم الذي لم يعترف به الخصم.

و منه يعرف وجه طهارة المجسمة و لو بالحقيقة أيضا إذا لم يعترفوا بذلك اللزوم، لاتحادهما حينئذ في المقتضي و عدم المانع، و لذا كان ظاهر المعتبر و التذكرة بل كاد يكون صريح الثاني كنهاية الأحكام و الذكرى بل هو صريح الأخير طهارة المجسمة من غير تقييد له بالتسمية، بل لعل ما تقدم من البيان و المسالك من التقييد بالحقيقة راجع اليه على أن يراد به نجاسة خصوص المجسمة القائلين بأنه كسائر الأجسام في الحقيقة و لوازمها من الحدوث و الافتقار لا من يلزمهم ذلك و هم له منكرون، و أولئك لا كلام في كفرهم عند الجميع لا من حيث القول بالتجسيم، بل من حيث الحدوث و الافتقار و نحوهما مما علم

ج 6، ص: 53

بطلانه من الدين ضرورة، و عليه حينئذ يحمل ما ورد بكفر المشبهة، ك

قول الرضا (عليه السلام)(1): «من قال بالتشبيه و الجبر فهو كافر»

بناء على أن المجسمة من المشبهة، إذ هم على ما في قواعد العقائد و شرحها الذين قالوا: إن الله تعالى في جهة الفوق، و يمكن أن يرى كما ترى الأجسام، و قد نص على نجاستهم في البيان و عن المبسوط و التحرير و المنتهى لكن مع التقييد في البيان بالحقيقة كالمجسمة، فيبقى من قال بالتجسيم أو التشبيه مجردا عن دعوى الحدوث و نحوه على مقتضى أصل الطهارة و عموماتها و ما دل على طهارة المسلم، اللهم إلا أن يدعى أن القول بهما في نفسه و حد ذاته من دون نظر إلى لازمه قد علم بطلانه بالضرورة من الدين، و فيه منع، سيما بعد توهمه من ظواهر الكتاب و السنة، كقوله تعالى (2)«الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» و نحوه، أو يدعى ضرورية استلزام تلك الدعوى الحدوث و نحوه بحيث لا يسمع إنكاره، و فيه منع أيضا، و ان كان ربما يؤيده ما سمعته من إطلاق كفر المشبهة مع عدم معروفية اعترافهم بما أورد عليهم من اقتضاء ذلك الحدوث و نحوه، بل المعلوم منهم إنكاره.

نعم جوزوا إمكان الرؤية و نحوها مما لم يكن ضروري البطلان، إلا انه قد يحمل ذلك على إرادة الكفر في الآخرة لا الدنيا، تحكيما لما دل على حصول الإسلام بالشهادتين عليه، لموافقته لظاهر الأصحاب هنا من انحصار سبب كفر المسلم بإنكار الضروري المفروض الانتفاء هنا، فيكون المدار حينئذ في كفر هذه الفرق من المسلمين انهم إن صرحوا بالتزام ما يرد على مذاهبهم مما علم بطلانه بالضرورة من الدين أو كانت نفس دعواهم كذلك حكم بكفرهم، و إلا فلا، من غير فرق بين المجسمة و غيرهم، و الظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد- الحديث 5 من كتاب الحدود و التعزيرات.
2- 2 سورة طه- الآية 4.

ج 6، ص: 54

ان التجسيم و التشبيه من حيث هما ليسا مما علم بطلانهما كذلك.

و أما المجبرة فعن المبسوط نجاستهم، و ربما مال إليه في كشف اللثام، و هو لا يخلو من وجه، لقول الرضا (عليه السلام) السابق، ك

قوله (عليه السلام)(1): «القائل بالجبر كافر، و القائل بالتفويض مشرك»

و

قول الصادق (عليه السلام)(2): «ان الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل يزعم أن الله تعالى أجبر الناس على المعاصي فهذا قد أظلم الله في حكمه، فهو كافر، و رجل يزعم أن الأمر مفوض إليهم، فهذا قد أوهن الله في سلطانه، فهو كافر»

الخبر.

و لاستتباعه لإبطال النبوات و التكاليف رأسا، و إبطال كثير مما علم من الدين ضرورة، فكفرهم أوضح من غيرهم إلا أن يكونوا من الحمق بحيث لا يتفطنون لذلك، فهم ليسوا من الناس في شي ء.

و لقوله تعالى (3)«سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَ لا آباؤُنا، وَ لا حَرَّمْنا مِنْ شَيْ ءٍ، كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا» إذ ذلك مذهبهم بعينه.

لكن قد يناقش في ضرورية بطلان نفس ما ذهبوا اليه بموافقته لكثير من ظواهر الكتاب و السنة، بل قيل: ورد(4)في بعض الأخبار و الأدعية أنه خالق الخير و الشر، و بتعارض أدلة العقل في ثبوت الاختيار للعبد و عدمه مع صعوبة إدراك ما ورد(5)عن العترة (عليهم السلام) من الأمر بين أمرين، بل قيل: إن ما ذكر


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد- الحديث 4- 10 من كتاب الحدود و التعزيرات.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد- الحديث 4- 10 من كتاب الحدود و التعزيرات.
3- 3 سورة الأنعام- الآية 149.
4- 4 أصول الكافي- ج 1 ص 154 من طبعة طهران.
5- 5 أصول الكافي- ج 1 ص 155 من طبعة طهران.

ج 6، ص: 55

في بيانه يرجع إلى التجبير أو التفويض.

كما أنه قد يناقش في تكفيرهم لاستلزام مذهبهم إنكار الضروري و إن لم يكن هو كذلك من تنزيهه تعالى عن القبيح و النقص و غيره بما قد عرفت من أن المدار على الإنكار صريحا لا لازما لم يعترف به ذلك المدعي لأمور تخيل صحتها، إلا أن يعلم منه معرفته بطلانها، و انه يذكرها عنادا، و إلا فهو معترف بتلك اللوازم باطنا.

و من هنا ضعف القول بالنجاسة في المنتهى و الذكرى و جامع المقاصد و عن اللمعة، و استقرب الطهارة في ظاهر التذكرة و النهاية و القواعد أو صريحها، بل هو ظاهر المصنف في المعتبر، بل لم أجد موافقا صريحا للشيخ على ذلك.

و يؤيده بعد الأصل و العمومات و ما دل على طهارة المسلمين استمرار السيرة المظنون أو المعلوم أنها في زمن المعصوم على عدم اجتناب سؤر المخالفين، و أكثرهم المجبرة، بل لعل غيرهم قد انقرض في بعض الطبقات، فينزل حينئذ ما ورد بكفرهم على الأخروي، و إلا فهم على الطهارة في الدنيا، و هو الأقوى، ما لم يعترفوا ببعض ما يلزمونه مما هو مخالف لضرورة الدين.

و من ذلك كله يعلم الحال في المفوضة، لكن عن الأستاذ «أن ظاهر الفقهاء طهارتهم، و ان كان في الأخبار(1)تصريح بشركهم و كفرهم» انتهى.

و لعلك بعد الاطلاع على ما عرفت تستغني عن إطالة الكلام في أحوال الفرق المخالفة من المسلمين، إذ الضابط في كفرهم إنكار ضروري الدين أو ما نص على كفرهم منها.

[حكم الساب للنبي و الأئمة (ص)]

نعم هو لا يندرج فيه الساب منهم للنبي (صلى الله عليه و آله) أو الإمام (عليه السلام) أو الزهراء (عليها السلام) أو الهاتك لحرمة الإسلام بقول أو فعل، لكن لم أعرف من نص على نجاستهم هنا عدا شيخنا في كشف الغطاء، و هو جيد في الثاني


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد- الحديث 4 و 10 و 31.

ج 6، ص: 56

لما يأتي إن شاء الله من تحقق الارتداد به، كما نص عليه هناك في القواعد، و لا يخلو من تأمل في بادئ النظر في الأول إذا فرض عدم دخوله في الناصب، خصوصا في سب غير النبي (صلى الله عليه و آله) لعدم الدليل الصالح لقطع الأصول و العمومات و ما دل على طهارة المسلمين، و استحقاقه القتل كما نص عليه المصنف و غيره في الحدود أعم من الحكم بكفره المستلزم لنجاسته، إذ لعله لكونه حدا من الحدود، كما يقتل مرتكب الكبائر في الثالثة و غيره، بل قد يظهر من القواعد بل و الكتاب هناك ان قتله له لا للارتداد، لذكرهما له ملحقا بحد القذف مع عدم ذكر أولهما له في أسباب الارتداد، لكن قد يكون مندرجا عندهم في الهاتك لحرمة الإسلام، كما هو الظاهر، بل ينبغي القطع به عند التأمل، و في الانتصار ان سب النبي (صلى الله عليه و آله) و عيبه و الوقيعة فيه ردة من المسلم بلا شك، و حينئذ يكون كالسابق أو في الناصب، بناء على تحقق مسمى العداوة عرفا بذلك.

و ربما يلحق بهم سب بقية المعصومين من الأنبياء السابقين و الملائكة المقربين (ع) و أولى منه الضرب و الإهانة و القتل و نحو ذلك، و كذا لا يندرج في الضابط المذكور معتقد خلاف الحق من فرق المسلمين، كجاحد النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو في محله، لأن الأقوى طهارتهم في مثل هذه الأعصار و ان كان عند ظهور صاحب الأمر (ع) بأبي و أمي يعاملهم معاملة الكفار، كما أن الله تعالى شأنه يعاملهم كذلك بعد مفارقة أرواحهم أبدانهم، وفاقا للمشهور بين الأصحاب، سيما المتأخرين نقلا و تحصيلا، بل يمكن تحصيل الإجماع كما عن الأستاذ انه معلوم، بل لعله ضروري المذهب للسيرة القاطعة من سائر الفرقة المحقة في سائر الأعصار و الأمصار، و للقطع بمخالطة الأئمة المرضيين (عليهم السلام) و أصحابهم لهم حتى لرؤسائهم و مؤسسي مذهبهم على وجه

ج 6، ص: 57

يقطع بعدم كونه للتقية، مع أن الأصل عدمها فيه، و إلا لعلم كما علم ما هو أعظم منه من السب و البراءة و نحوهما.

و لذا حكى الإجماع في كشف اللثام و الرياض على عدم احتراز الأئمة (عليهم السلام) و أصحابهم عنهم في شي ء من الأزمنة و هو الحجة بعد الأصل بل الأصول فيهم و فيما يلاقيهم و العمومات و شدة العسر و الحرج على تقدير النجاسة المنفيين بالعقل و الآية(1)و الرواية(2)و للنصوص (3)المستفيضة بل المتواترة في حل ما يوجد في أسواق المسلمين و الطهارة مع القطع بندرة الإمامية في جميع الأزمنة سيما أزمنة صدور تلك النصوص فضلا عن أن يكون لهم سوق يكون موردا لتلك الأحكام المزبورة، فهو من أقوى الأدلة على طهارة هؤلاء الكفرة، و إن كانوا في المعنى أنجس من الكلاب الممطورة.

[حكم المخالف]

و لانحصار مقتضى النجاسة في كفرهم بذلك، و قد ثبت ضده، و هو صفة الإسلام بشهادة ما دل على حصوله بابراز الشهادتين من الأخبار، ك

خبر سفيان بن السمط(4)المروي هو و ما يأتي بعده أيضا في باب الكفر و الايمان من الكافي، قال: «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإسلام و الايمان ما الفرق بينهما؟ فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، ثم التقيا في الطريق و قد أزف من الرجل الرحيل، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام):

كأنه قد أزف منك الرحيل، فقال: نعم، فقال: فالقني في البيت، فلقيه فسأله عن الإسلام و الايمان ما الفرق بينهما؟ فقال: الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله) و إقام الصلاة، و إيتاء


1- 1 سورة البقرة- الآية 181- و سورة المائدة- الآية 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات.
4- 4 أصول الكافي- ج 2 ص 24 من طبعة طهران.

ج 6، ص: 58

الزكاة، و حج البيت، و صيام شهر رمضان، و قال: الايمان معرفة هذا الأمر مع هذا، فإن أقر بها و لم يعرف هذا الأمر كان مسلما و كان ضالا».

و

خبر سماعة(1)قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن الإسلام و الايمان أ هما مختلفان؟ فقال: الايمان يشارك الإسلام، و الإسلام لا يشارك الايمان، فقلت: فصفهما لي، فقال: الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، و التصديق برسول الله (صلى الله عليه و آله) و به حقنت الدماء، و عليه جرت المناكح و المواريث، و على ظاهره جماعة الناس، و الايمان الهدى، و ما ثبت في القلوب من صفة الإسلام، و ما ظهر من العمل»

إلى آخره.

و

خبر حمران بن أعين أو صحيحه (2)عن الباقر (عليه السلام) قال: «سمعته يقول: الايمان ما استقر في القلب، و أفضى به إلى الله تعالى عز و جل، و صدق العمل بالطاعة، و التسليم لأمره، و الإسلام ما ظهر من قول أو فعل، و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها، و به حقنت الدماء، و عليه جرت المواريث و جاز النكاح، و اجتمعوا على الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج، فخرجوا بذلك من الكفر، و أضيفوا إلى الإيمان- إلى أن قال فيه-: قلت: فهل للمؤمن على المسلم فضل في شي ء من الفضائل و الأحكام و الحدود و غير ذلك؟ فقال: لا، هما يجريان في ذلك مجرى واحد، و لكن للمؤمن فضل على المسلم في أعمالهما، و ما يتقربان به إلى الله عز و جل».

و الحديث طويل، فيدخلون حينئذ تحت ما دل على طهارة المسلمين، مضافا إلى ما في هذه كغيرها من الأخبار أيضا من ظهور إناطة سائر الأحكام الدنيوية التي منها الطهارة على الإسلام المزبور، و كذا يندرجون حينئذ فيما دل على عدم خروج المسلم عن الإسلام إلى الكفر إلا بالجحود و إنكار الضروري مثلا، ك

قول الصادق (عليه السلام)


1- 1 أصول الكافي- ج 2 ص 25- 26 من طبعة طهران.
2- 2 أصول الكافي- ج 2 ص 25- 26 من طبعة طهران.

ج 6، ص: 59

في مكاتبة عبد الرحيم القصير(1)المروية في الباب المذكور أيضا من الكافي «لا يخرجه إلى الكفر إلا الجحود و الاستحلال، أن يقول للحلال هذا حرام، و للحرام هذا حلال، و دان بذلك فعندها يكون خارجا عن الإسلام و الايمان، داخلا في الكفر، و كان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة و أحدث في الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة و عن الحرم فضربت عنقه، و صار إلى النار»

الحديث.

بل قد يندرجون أيضا تحت ما دل على طهارة المؤمنين بالمعنى المعروف سابقا للايمان، و هو التصديق الباطني بمضمون الشهادتين، كما يستفاد من التأمل و النظر في الأخبار، خصوصا ما ورد في تفسير قوله تعالى (2)«قالَتِ الْأَعْرابُ: آمَنَّا، قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا» و ان خرجوا عن الايمان بالمعنى الحادث أي الإقرار بالولاية، فيكون الإسلام حينئذ عبارة عن إظهار الشهادتين و التلبس بشعار المسلمين و إن كان باطنه و اعتقاده فاسدا، و هو المسمى بالمنافق، بل في شرح المفاتيح للأستاذ أن الأخبار بذلك متواترة، و الكفر عبارة عن عدم ذلك.

عليه يبني الاستدلال من غير واحد من الأصحاب على المرتضى و من تبعه ممن نجّس معتقد خلاف الحق بالمعلوم من سيرة النبي (صلى الله عليه و آله) و أمير المؤمنين (عليه السلام) و غيرهم و مخالطتهم و مساورتهم لفلان و فلانة و فلان و فلان و فلان من شياطين المنافقين حتى ورد أن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يغتسل مع فلانة بإناء واحد.

فتحصل حينئذ انه قد يطلق الإسلام على ما يرادف الايمان، و على المصدق بغير الولاية، و على مجرد إظهار الشهادتين، و يقابله الكفر في الثلاثة، كما انه يطلق المؤمن على الأول و على المصدق بالولاية.


1- 1 أصول الكافي- ج 2 ص 27 من طبعة طهران.
2- 2 سورة الحجرات- الآية 14.

ج 6، ص: 60

فلعل ما ورد في الأخبار الكثيرة- من تكفير منكر علي (ع)، لأنه العلم الذي نصبه الله بينه و بين عباده (1)و انه باب من أبواب الجنة من دخله كان مؤمنا و من خرج منه كان كافرا(2)و تكفير منكر مطلق الامام (3)و

ان «من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»(4)

- محمول على إرادة الكافر في مقابل المؤمن بالمعنى الثاني، و نجاسته بهذا المعنى محل البحث، إذ العمدة في دليلها عموم معاقد الإجماعات السابقة، و من المعلوم إرادة غيره منها، و كيف لا و المشهور هنا شهرة كادت تكون إجماعا بل هي كذلك كما عرفت على الطهارة، على أن ما فيها من العموم اللغوي انما يراد به عموم أفراد معنى من معاني الكفر لا عموم معانيه.

نعم هو بالمعنى المزبور أخبث باطنا منه بغيره، بل أشد عقابا، كما يشير اليه

قول الصادق (عليه السلام)(5): «أهل الشام شر من أهل الروم، و أهل المدينة شر من أهل مكة، و أهل مكة يكفرون بالله جهرة»

ك

قول أحدهما (عليهما السلام)(6):

«إن أهل مكة يكفرون بالله تعالى جهرة، و أهل المدينة أخبث منهم سبعين ضعفا».

بل هو المعلوم من مذهب الشيعة، كما علم منه ثبوت كفرين عندهم دنيوي و أخروي، و خلاف نادر منهم لو تحقق غير قادح أو محمول على إرادة تنزيله منزلة الكافر فيما يتعلق بالأمور الأخروية من شدة العذاب و الخلود فيه، كما هو ظاهر المنساق إلى الذهن من ملاحظتها، بل من أعطى النظر و التأمل فيها يقطع بإرادتهم (عليهم السلام) بيان دفع و هم احتمال حصول ثواب لهم، أو مرتبة أخروية، أو امتياز عن الكفار


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد- الحديث 48.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد- الحديث 49.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد- الحديث 18.
4- 4 الغدير للأمينى- ج 10 ص 360 المطبوع بطهران عن شرح المقاصد للتفتازاني ج 2 ص 275.
5- 5 أصول الكافي- ج 2 ص 409- 410 من طبعة طهران.
6- 6 أصول الكافي- ج 2 ص 409- 410 من طبعة طهران.

ج 6، ص: 61

بسبب ما وصفوه و أظهروه من الشهادتين مع إنكارهم الولاية، و بسبب ما يجري عليهم من أحكام الإسلام في الدنيا، فهي بالدلالة على المطلوب أحرى.

فما عن المرتضى من نجاسة غير المؤمن بالمعنى الأول لهذه الأخبار ضعيف جدا، و ان استدل له أيضا بقوله تعالى (1)«إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ» و قوله تعالى (2):

«وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» فغير المؤمن غير مسلم، فهو كافر، و بقوله تعالى (3)«كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ».

و فيه ما عرفت من معلومية مغايرة الإسلام للايمان بالمعنيين الأخيرين كتابا و سنة كادت تكون متواترة، و أنه أخص منه، و بمنزلة فرد من أفراده، كمعلومية مرادفته له بالمعنى الأول، و لعله المراد في الآيات الثلاثة، كما يؤيده حدوث الايمان بالمعنى الثاني و تأخره عن وقت النزول، على أن الظاهر إرادة المباين للإسلام من غير الإسلام، كما أن الظاهر بل المقطوع به إرادة العذاب من الرجس هنا لا النجاسة كما هو واضح للعارف بأساليب الكلام، و لم أعرف موافقا صريحا للمرتضى في ذلك من معتبري الأصحاب، بل و لا من حكي عنه ذلك إلا ابن إدريس،

مع انه استثنى المستضعف الذي لا يعرف اختلاف الآراء و لا يبغض أهل الحق من غير المؤمن، و فسر المؤمن بالمصدق بالله و برسله و بكل ما جاؤوا به، و فيه إجمال أو إيهام.

لكن و مع ذلك ففي الحدائق أن الحكم بكفر المخالفين و نصبهم و نجاستهم هو المشهور في كلام أصحابنا المتقدمين مستشهدا بما حكاه عن الشيخ ابن نوبخت، و هو من متقدمي أصحابنا في كتابه فص الياقوت، دافعوا النص كفرة عند جمهور أصحابنا، و من أصحابنا من يفسقهم، إلى آخره، و لا يخفى ما فيه.


1- 1 سورة آل عمران الآية 17.
2- 2 سورة آل عمران الآية 79.
3- 3 سورة الأنعام- الآية 125.

ج 6، ص: 62

و لعل مراد الشيخ الكفر بالمعنى الذي ذكرناه، أو خصوص الطبقة الأولى من دافعي النص، لإنكارهم ما علم لهم من الدين، كالمحكي عن العلامة في شرحه من تعليل ذلك بأن النص معلوم بالتواتر من دين محمد (صلى الله عليه و آله) فيكون ضروريا أي معلوما من دينه، فجاحده كافر، كوجوب الصلاة، و نحوه ما عنه أيضا في المنتهى في بيان اشتراط وصف المستحق بالايمان للزكاة، إذ هو- مع انه لا صراحة فيهما معا باختياره، بل و لا ظهور كما يؤيده انه استدلال اقناعي لا حقيقي كما هو واضح، و إلا فكيف يدعى دخول دافع النص من غير الطبقة الأولى و نحوهم تحت منكر الضرورة، على أنهم أنكروا قول النبي (صلى الله عليه و آله) به، فيلزمه عدم الإمامة، لا أنهم أنكروا الإمامة المعلوم ثبوتها ضرورة- محتمل لما ذكرناه أيضا.

كما ان ما في مقنعه المفيد و عن ابن البراج من عدم جواز تغسيل أهل الإيمان مخالفا للحق و الصلاة محتمل لا لحاقهم لهم في هذا الحال بعالم الآخرة المحكوم بكفرهم فيه لا مطلقا، و لذا لم يوجب تغسيلهم بعض من ذهب إلى إسلامهم، و إن قال الشيخ في شرحها: الوجه فيه أن مخالف أهل الحق كافر، فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار إلا ما خرج بالدليل، إذ هو مع أنه لا إشعار فيه باختياره له محتمل لأن يكون ما نحن فيه من الطهارة مما خرج بالدليل عنده.

و كذا ما في السرائر بعد اختياره ما في المقنعة، و يعضده القرآن، و هو قوله تعالى (1)«وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ» إلى آخره. يعني الكفار، و المخالف لأهل الحق كافر بلا خلاف بيننا، و مذهب المرتضى في ذلك مشهور في كتب الأصحاب محتمل لإرادة نفي الخلاف عنه في الجملة لا بحيث يشمل المقام، كالمحكي عن الفاضل محمد صالح في شرح أصول الكافي، بل و الشريف القاضي نور الله في إحقاق الحق من الحكم


1- 1 سورة التوبة- الآية 58.

ج 6، ص: 63

بكفر منكري الولاية، لأنها أصل من أصول الدين، إذ لعلهما يريدان الكفر الأخروي، لكن الإنصاف انه بعيد في كلامهما.

و أبعد منه احتماله في المنقول عن جدي العلامة ملا أبي الحسن الشريف في شرحه على الكفاية، فإنه بالغ غاية المبالغة في دعوى وضوح كفرهم حتى نسبه إلى الأخبار التي بلغت حد التواتر، و اقتفى أثره صاحب الحدائق، و أطنب في المقال لكنه لم يأت بشي ء يورث شكا في شي ء مما ذكرناه أو إشكالا، إذ أقصى ما عنده التمسك بالأخبار التي قد عرفت حالها و ما يعارضها.

[المراد من الناصب]

و بدعوى دخولهم تحت النواصب المجمع على نجاستهم بين الإمامية كما عن كتاب الأنوار للسيد نعمة الله الجزائري، و لا كلام فيها كما في جامع المقاصد و عن الدلائل، و الظاهر أنها غير خلافية كما في شرح الأستاذ الأكبر للمفاتيح، و المدلول عليها بالأخبار المستفيضة، ك

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور(1): «لا يغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام، فان فيها غسالة ولد الزنا، و هو لا يطهر إلى سبعة آباء، و فيها غسالة الناصب، و هو شرهما، ان الله لم يخلق خلقا شرا من الكلب، و الناصب لنا أهون على الله من الكلب».

ك

خبره الآخر(2)المروي عن العلل في الموثق على ما قيل عن الصادق (عليه السلام) أيضا إلى أن قال: «إن الله تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب، و ان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه»

و

قوله (عليه السلام)(3)في خبر القلانسي في جواب سؤاله عن لقاء الذمي فيصافحه، فقال: «امسحها بالتراب، قلت: و الناصب، قال: اغسلها»

إلى غير ذلك، لتحقق النصب بمعنى العداوة بأحد أمرين: تقديم


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المضاف- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المضاف- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات- الحديث 4.

ج 6، ص: 64

الجبت و الطاغوت، أو العداوة و البغض لشيعة آل محمد (صلوات الله عليهم).

أما الأول فللمروي (1)في

مستطرفات السرائر من كتاب مسائل الرجال لمولانا أبي الحسن علي بن محمد الهادي في جملة مسائل محمد بن علي بن عيسى، قال:

«كتبت إليه أسأله عن الناصب هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت و الطاغوت، و اعتقاده بإمامتهما، فرجع الجواب من كان على هذا فهو ناصب»

إلى آخره.

و لأنه لا عداوة أعظم ممن قدم المنحط عن مراتب الكمال، و فضل المنخرط في سلك الأغبياء الجهال على من تسنم أوج الجلال حتى شك أنه الله المتعال.

و أما الثاني فل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن سنان (2)المروي عن ابن بابويه: «ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت (عليهم السلام)، لأنك لا تجد أحدا يقول أنا أبغض محمدا و آل محمد (صلوات الله عليهم)، و لكن الناصب من نصب لكم، و هو يعلم انكم تتولونا و انكم من شيعتنا»

و نحوه خبر المعلى بن خنيس (3)عنه أيضا المروي عن الصدوق أيضا في معاني الأخبار، بل في الحدائق انه رواه بسند معتبر.

قلت: و يدفعها أنها لا تجديه نفعا إلا على المعنى الأول للناصب، و إلا فعلى الثاني خروج عن محل النزاع، إذ البحث في نجاستهم من حيث إنكار الولاية الذي قد يكون منشأه التقصير و التفتيش عن ذلك، لا من حيث بغضهم للشيعة، و احتمال التلازم مجازفة، و هو- مع معلومية بطلانه بالسيرة القاطعة و العمل المستمر، و لذا نسبه في نكاح الفقيه إلى الجهلاء، فقال: «و الجهلاء يتوهمون أن كل مخالف ناصب، و ليس


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 13.

ج 6، ص: 65

كذلك» إلى آخره. و مع أنا لم نعرف له شاهدا أصلا عدا الخبر المتقدم المغضي عن سنده، و المحتمل لإرادة تنزيله منزلته بالنسبة للعذاب و غيره من أحكام الكفار نحو ما تقدم فيما ورد بكفره- مخالف للمستفاد من أهل اللغة و كلام الأصحاب، و أخبار الباب، إذ النصب كما عن الصحاح و غيره العداوة، و تحققها عرفا بمجرد تقديم فلان و فلان و لو لشبهة قصر في دفعها محل منع.

بل عن القاموس «النواصب و أهل النصب المستدينون ببغض علي (عليه السلام) لأنهم نصبوا له أي عادوه» انتهى. و يؤيده ما في المعتبر و المنتهى انهم الخوارج الذين يقدحون في علي (عليه السلام) بل لعله ظاهر اقتصار الكتاب و النافع و عن غيره على الخوارج و الغلاة، و ربما كان ذلك أيضا ظاهر الصدوق في نكاح الفقيه.

كما أنه قد يشهد له أيضا انطباق الحكم بكفره حينئذ المستفاد من النص و الفتوى على الضابط المذكور للكافر عند الأصحاب، و على ما دل على عدم الخروج عن الإسلام إلا بالجحود أو إنكار الضروري من مكاتبة عبد الرحيم القصير المتقدمة سابقا أيضا و غيرها، ضرورة تحقق الثاني في الناصب بالمعنى المفروض بخلافه على المعنى المذكور، بل و على غيره من المعاني له أيضا حتى المعنى المعروف الذي قد يشهد له خبرا ابن أبي يعفور السابقان، و هو من نصب العداوة لأهل البيت (عليهم السلام)، كما عن السيد الجزائري نسبته إلى أكثر الأصحاب مع زيادة «و تظاهر ببغضهم (ع)» في تفسيره، و اليه يرجع ما عن نهاية العلامة و تذكرته و حاشية الشرائع انه الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت و حتى ما في خبري الخصم (1)و السرائر أيضا من انه من ينصب العداوة لأهل الإيمان، لوضوح عدم انطباق الحكم بكفره حينئذ على الضابط المذكور، فلا بد من تسبيبه ذلك الكفر بنفسه، و هو محل تأمل، لعدم دليل صالح لقطع الأصول و العمومات.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3.

ج 6، ص: 66

بل لعل الذي يظهر من السير و التواريخ أن كثيرا من الصحابة في زمن النبي (صلى الله عليه و آله) و بعده و أصحاب الجمل و صفين بل و كافة أهل الشام و أكثر أهل المدينة و مكة كانوا في أشد العداوة لأمير المؤمنين و ذريته (عليهم السلام)، مع أن مخالطتهم و مساورتهم لم تكن منكرة عند الشيعة أصلا و لو سرا، و كذلك الحال في بني أمية و أتباعهم و بني العباس و أتباعهم، و لعل ذلك لعدم دخولهم تحت النواصب لعدم تدينهم و ان تظاهروا به، و به افترقوا عن الخوارج.

و من هنا كان الاقتصار في تفسير الناصب على ما سمعته من القاموس متجها، لكن قد يقوى في النفس تعميم الناصب للعدو لأهل البيت (عليهم السلام) و ان لم يكن متدينا به، لتحقق المعنى فيه، و لظهوره من الأخبار السابقة، بل في جامع المقاصد و ظاهر مجمع البحرين تعميمه لناصب العداوة لشيعتهم، لأنهم يدينون بحبهم، بل قد سمعت من السرائر انه الناصب، و لعله للخبرين السابقين، و صدق اسم العدو لأهل البيت (عليهم السلام) بذلك، لكنه لا يخلو من تأمل، و ان كان يمكن الاكتفاء بهما في إثباته، و ان لم يصلح سندهما لاندراجه في الظن

بالموضوع، إلا أن السيرة القاطعة في سائر الأعصار و الأمصار على مساورتهم و مخالطتهم مع غلبة تحقق ذلك في أغلبهم تنافيه، كغيرها من الأدلة السابقة على طهارتهم، و الاحتياط في اجتناب الجميع.

و عن شرح المقداد «أن الناصب يطلق على خمسة أوجه: الخارجي القادح في علي (عليه السلام)، الثاني ما ينسب إلى أحدهم (عليهم السلام) ما يسقط العدالة، الثالث من ينكر فضيلتهم لو سمعها، الرابع من اعتقد فضيلة غير علي (عليه السلام)، الخامس من أنكر النص على علي (عليه السلام) بعد سماعه أو وصوله اليه بوجه يصدقه، أما من أنكر لا جماع أو مصلحة فليس بناصب» انتهى.

قلت: و لا ريب في نجاسة الخامس و الأول، و أما الثلاثة فيظهر البحث فيها مما مر

ج 6، ص: 67

لكن ليعلم أن الظاهر عدم تعدد معنى الناصب ليكون مشتركا، بل هو على تقدير تسليم التعدد فيه حقيقة تعدد مصداق كالمتواطئ على أن يكون المراد به مثلا العدو لأهل البيت (عليهم السلام) و لو بعداوة شيعتهم، فتأمل جيدا.

[في حكم الزيدية و الواقفية و غيرهم]

و من جميع ما ذكرنا يظهر لك الحال في الفرق المخالفة من الشيعة من الزيدية و الواقفية و غيرهم، إذ الطهارة فيهم أولى من المخالفين قطعا، لكن عن

الكشي انه روى في كتاب الرجال بسنده إلى عمر بن يزيد(1)قال: «دخلت على الصادق (عليه السلام) فحدثني مليا في فضائل الشيعة، ثم قال: إن من الشيعة بعدنا من هم شر من الناصب، فقلت: جعلت فداك أ ليس هم ينتحلون مودتكم و يتبرأون من عدوكم؟ قال: نعم، قلت: جعلت فداك بين لنا لنعرفهم، قال: إنما هم قوم يفتنون بزيد و يفتنون بموسى».

و انه

روى أيضا(2)قال: «ان الزيدية و الواقفة و النصاب بمنزلة واحدة»

و عن كتاب

الخرائج للقطب الراوندي عن أحمد بن محمد بن مطهر(3)قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي محمد (عليه السلام) من أهل الجبل يسأله عمن وقف على أبي الحسن موسى (عليه السلام) أتولاهم أم أتبرأ منهم؟ فكتب أ ترحم على عمك لا يرحم الله بعمك، و تبرأ منه، أنا إلى الله بري ء منهم، فلا تتولاهم، و لا تعد مرضاهم، و لا تشهد جنائزهم، وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً، سواء من جحد إماما من الله تعالى أو زاد إماما ليست إمامته من الله تعالى، أو قال: ثالث ثلاثة، إن الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا، و الزائد فينا كالناقص الجاحد أمرنا»

إلى غير ذلك من الأخبار المشعرة بنجاستهم.


1- 1 رجال الكشي ص 149.
2- 2 رجال الكشي ص 149.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد- الحديث 40 من كتاب الحدود و في الوسائل« كان كمن قال: إن الله ثالث ثلاثة» بدل« أو قال: ثالث ثلاثة».

ج 6، ص: 68

و لعله لازم ما سمعته من المرتضى و غيره، إلا أنه لا يخفى قصورها في جنب ما سمعته من الأدلة السابقة التي يمكن جريانها بل و غيرها هنا، و الله أعلم.

و أما المستضعف من كل فرقة فلتمام البحث فيه موضوعا و حكما مقام آخر، و إن كان الذي يقوى في النفس الآن و يعضده السيرة و العمل إجراء حكم فرقته عليه.

[في حكم ولد الزنا]

و ليس من الكافر ولد الزنا قطعا، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل لعله إجماعي، لندرة المخالف و معروفية نسبه كما ستعرف، بل هو لازم ما في الخلاف من الإجماع على تغسيله و الصلاة عليه، خصوصا بعد ملاحظة ذيل كلامه، بل حكي عنه دعوى الإجماع على الطهارة، و هو الحجة بعد اعتضاده بالسيرة القاطعة سيما في زماننا هذا، فإن أكثر أولاد جواري من يقربنا من الرساتيق من الزنا، مع عدم تجنب العلماء عنهم فضلا عن العوام، و إجراء جميع أحكام المسلمين و المؤمنين عليهم بعد بلوغهم و وصفهم ذلك، بل لا يخفى على من تتبع السيرة و التواريخ كثرة أولاد الزنا في بدء الإسلام، و لم يعهد تجنب سؤرهم أو غيره من النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) و أصحابهم، بل المعهود خلافه، بل قيل: قد ورد انه قد صار بعض أولاد الزنا مقبولا عند الأئمة (عليهم السلام)، و منهم من وفق للشهادة، و اعتضاده قبل البلوغ بأصالة الطهارة و عموماتها فيه و في الملاقي أيضا، و بهما مع عموم أدلة الإسلام و الايمان و المسلمين و المؤمنين بعد البلوغ.

فما في السرائر- ان ولد الزنا قد ثبت كفره بالأدلة بلا خلاف بيننا، بل قد يظهر منه انه من المسلمات، كما عن المرتضى الحكم بكفره أيضا، بل لعله الظاهر من قول الصدوق: «و لا يجوز الوضوء بسؤر اليهودي و النصراني و ولد الزنا و المشرك» بل ربما قيل: إنه ظاهر الكليني أيضا، حيث روى (1)ما يدل عليه- ضروري البطلان عقلا


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأسئار- الحديث 2.

ج 6، ص: 69

و نقلا إن أريد كفره في الدنيا و الآخرة و ان فرض تحقق الايمان منه في نفس الأمر، و في غاية الضعف إن كان المراد أنه لا يوفق للايمان، فلا يقبل منه لو أظهره، أو المراد إجراء حكم الكفار عليه في الدنيا خاصة مع فرض إيمانه، و ان كان ربما يومي اليه ما ورد انه شر الثلاثة(1)و

انه «لا يبغض عليا (عليه السلام) إلا ولد الزنا»(2)

و

ان «حب علي (عليه السلام) علامة طيب المولد»(3)

و

«بغضه علامة الزنا»(4).

و

قول الباقر (عليه السلام) في الموثق المروي (5)عن ثواب الأعمال: «لا خير في ولد الزنا، و لا في بشره و لا في شعره و لا في لحمه و لا في دمه و لا في شي ء منه».

و

الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(6)المروي عن عقاب الأعمال و محاسن البرقي «ان نوحا (عليه السلام) حمل في السفينة الكلب و الخنزير و لم يحمل فيها ولد الزنا، و الناصب شر من ولد الزنا».

و في

خبر ابن أبي يعفور(7)المروي عن الكافي «لا يغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام، فان فيها غسالة ولد الزنا و هو لا يطهر إلى سبعة آباء»

كقول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر أبي حمزة بن أحمد(8)بتفاوت يسير.

و نحوهما

خبر علي بن الحكم (9)«لا تغتسل، فإنه يغتسل فيه من الزنا،


1- 1 البحار- ج 5 ص 285 المطبوعة بطهران عام 1376.
2- 2 البحار- ج 9 ص 414 من طبعة الكمپاني.
3- 3 الغدير للأمينى- ج 4 ص 323 المطبوع بطهران و أخرجه عن النضرة للحافظ محب الدين الطبري- ج 2 ص 189.
4- 4 الغدير للأمينى- ج 4 ص 322 المطبوع بطهران.
5- 5 البحار- ج 5 ص 285- 287 المطبوع بطهران عام 1376.
6- 6 البحار- ج 5 ص 285- 287 المطبوع بطهران عام 1376.
7- 7 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المضاف- الحديث 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المضاف- الحديث 1 و في الوسائل عن حمزة بن أحمد كما في التهذيب- ج 1 ص 373 من طبعة النجف.
9- 9 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المضاف- الحديث 3.

ج 6، ص: 70

و يغتسل فيه ولد الزناء».

و

مرسل الوشاء(1)عن الصادق (عليه السلام) «انه كره سؤر ولد الزناء و اليهودي و النصراني و المشرك»

إلى آخره. بناء على إرادة الحرمة من الكراهة بقرينة المعطوف، و إلا لزم استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه، أو المشترك في معنييه.

و الأخبار(2)الدالة على مساواة ديته لدية اليهودي ثمانمائة درهم، بل في

خبر عبد الله بن سنان (3)عن الصادق (عليه السلام) «كم دية ولد الزنا؟ قال: يعطى الذي اتفق»

كالأخبار(4)الدالة على أن الجنة طاهرة لا يدخلها إلا من طابت ولادته.

بل في

مرفوع الديلمي (5)إلى الصادق (عليه السلام) المروي عن العلل قال:

«يقول ولد الزناء يا رب فما ذنبي؟ فما كان لي في أمري صنع، قال: فيناديه مناد يقول: أنت شر الثلاثة، أذنب و الداك فتبت عليهما، و أنت رجس، و لن يدخل الجنة إلا طاهر»

إلى غير ذلك.

لكنها جميعا كما ترى قاصرة عن إثبات خلاف ما هو مقتضى أصول المذهب و قواعده المعول عليها هنا عند سائر أصحابنا عدا من عرفت كما حكاه في المختلف قابلة للحمل على إرادة الخبث الباطني المانع من توفيقه لإظهار الايمان غالبا، و على كراهة مباشرة سؤره، و أخبار الدية لم ينقل العمل بها من أحد ممن لم يقل بكفره، كما أن عدم دخول الجنة لو قلنا به لا دلالة فيه على المطلوب، إذ لعل الله أعد له ثوابا آخر.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأسئار- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ديات النفس من كتاب الديات.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ميراث الملاعنة- الحديث 3 من كتاب الإرث.
4- 4 البحار- ج 5 ص 285 و 287 المطبوع بطهران عام 1376.
5- 5 البحار- ج 5 ص 285 المطبوع بطهران عام 1376.

ج 6، ص: 71

كما لعله يومي اليه

خبر أبي بكر(1)المروي عن المحاسن، قال: «كنا عنده و مضى عبد الله بن عجلان، فقال عبد الله بن عجلان: معنا رجل يعرف ما نعرف، و يقال: إنه ولد زنا، فقال: ما تقول؟ فقلت: إن ذلك ليقال، فقال: إن كان كذلك بني له بيت في النار من صدر يرد عنه و هج جهنم، و يؤتي برزقه».

و في

خبر ابن أبي يعفور(2)المروي عن الكافي قال: «قال الصادق (عليه السلام):

ولد الزناء يستعمل، إن عمل خيرا جزي به، و إن عمل شرا جزي به»

الحديث.

و الله أعلم و أرأف بنا و به ذلك اليوم.

[في حكم عرق الجنب من الحرم]

و في نجاسة عرق الجنب من الحرام و لو مع عدم الانزال حين الفعل أو بعده و عرق الإبل الجلالة و المسوخ كالقرد و الدب خلاف بين الطائفة، أما الأول فالصدوقان في الرسالة و الفقيه و عن الأمالي و الشيخان في المقنعة و الخلاف و النهاية و ظاهر التهذيب و الاستبصار و ابن الجنيد و القاضي على ما حكي عنهما و المحدث البحراني في الحدائق و شيخنا في كشف الغطاء و المعاصر في الرياض و النراقي في اللوامع على النجاسة، و إن لم ينص جماعة منهم عليها، لكنهم نصوا على ما يقتضيها هنا من عدم جواز الصلاة و نحوه، و هو ظاهر الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح أو صريحه، بل نسبه فيه إلى الشهرة العظيمة، كما انه في الرياض نسبه إلى الأشهر بين المتقدمين تارة، و إلى الشهرة العظيمة بينهم أخرى، و في اللوامع إلى كثير من الطبقة الثانية و من قدمنا ذكرهم من القدماء، بل في الغنية و المراسم نسبته إلى أصحابنا، بل في الخلاف الإجماع عليه، بل عن الأمالي ان من دين الإمامية الإقرار به، و هو كسابقه إجماع أو أعلى منه.

فهما الحجة حينئذ بعد اعتضادهما بالشهرة المحكية، بل و بظاهره من الديلمي و ابن زهرة، و ان كان فتوى الأول منهما بالطهارة يؤذن بعدم إرادته الإجماع المصطلح


1- 1 البحار- ج 5 ص 287 المطبوعة بطهران عام 1376.
2- 2 البحار- ج 5 ص 287 المطبوعة بطهران عام 1376.

ج 6، ص: 72

منه، فيحمل على الشهرة العظيمة، و بوجوده في نحو رسالة علي بن بابويه و النهاية التي هي غالبا متون أخبار.

و بما في

الفقه الرضوي (1)«إن عرقت في ثوبك و أنت جنب و كانت الجنابة من حلال فتجوز الصلاة فيه، و ان كانت حراما فلا تجوز الصلاة فيه حتى يغسل».

و بما قد يشعر به

قول أبي الحسن (عليه السلام) في مرسل علي بن الحكم (2):

«لا تغتسل من غسالة الحمام، فإنه يغتسل فيه من الزنا»

ك

قوله (عليه السلام)(3)و قد قيل: إن أهل المدينة يقولون: إن فيه شفاء من العين: «كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرهما ثم يكون فيه شفاء من العين».

و بما في

الذكرى روى محمد بن همام (4)بإسناده إلى إدريس بن زياد الكفرتوثي «أنه كان يقول بالوقف فدخل سر من رأى في عهد أبي الحسن (عليه السلام) و أراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب، أ يصلي فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره (عليه السلام) حرّكه أبو الحسن (عليه السلام) بمقرعة و قال مبتدء: إن كان من حلال فصل فيه، و إن كان من حرام فلا تصل فيه»

الحديث.

و بما في البحار(5)نقلا من كتاب

المناقب لابن شهراشوب من كتاب المعتمد في الأصول، قال: «قال علي بن مهزيار: وردت العسكر و أنا شاك في الإمامة فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلا أنه صائف، و الناس عليهم ثياب


1- 1 فقه الرضا عليه السلام ص 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المضاف- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المضاف- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب النجاسات- الحديث 12 و في ضبط إدريس ابن زياد الكفرتوثي اختلاف فراجع تنقيح المقال للمامقانى.
5- 5 المستدرك- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 6، ص: 73

الصيف، و على أبي الحسن (عليه السلام) لبابيد، و على فرسه تخفاف لبود، و قد عقد ذنب فرسه، و الناس يتعجبون منه و يقولون: أ لا ترون إلى هذا المدني و ما قد فعل بنفسه؟ فقلت: لو كان إماما ما فعل هذا، فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا إذا ارتفعت سحابة عظيمة هطلت، فلم يبق أحد إلا ابتل ثم غرق بالمطر، و عاد (عليه السلام) و هو سالم من جميعه، فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الامام، ثم قلت: أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب، فقلت: إن كشف وجهه فهو الامام، فلما قرب مني كشف وجهه، ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، و إن كانت جنابته من حلال فلا بأس به، فلم يبق في نفسي بعد ذلك شك»

الحديث.

و بما في

البحار أيضا(1)أني وجدت في كتاب عتيق من مؤلفات قدماء أصحابنا، بل فيما حضرني من نسخة البحار أظنه مجموع الدعوات لمحمد بن هارون بن موسى التلعكبري رواه عن أبي الفتح غازي بن محمد الطريفي عن علي بن عبد الله الميموني عن محمد بن علي بن معمر عن علي بن مهزيار بن موسى الأهوازي عنه (عليه السلام) مثله، و قال: «إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال، و إن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام»

إلى آخره.

و بما عن موضع من المبسوط من نسبته إلى رواية بعض أصحابنا، و عن آخر منه أيضا انه

«إن عرق فيه و كانت الجنابة من حرام روى أصحابنا أنه لا يجوز الصلاة، فإن كانت من حلال لم يكن به بأس».

قلت: لكن عدم حجية الرضوي عندنا و ضعف الاشعار السابق و قصور دلالة الباقي- لأعمية حرمة الصلاة من النجاسة، و عدم وضوح سند خبر الذكرى و المناقب،


1- 1 المستدرك- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 6، ص: 74

و ظهور ضعف سند الموجود في الكتاب العتيق بعلي بن عبد الله الميموني، فإنه فاسد الاعتقاد و الرواية كما عن النجاشي، و غاليا ضعيفا كما عن ابن الغضائري، و خلو الكتب المعتمدة عنها، و عدم ورود خبر يعضدها من النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة الماضين (عليهم السلام) مع كثرة الرواة و اللواط و الزناة و إقامة الحدود عليهم في تلك الأوقات، و فتوى المتأخرين بخلافها و ان كان لاحتمال بل ظهور عدم عثورهم عليها و غير ذلك- يمنع من تحكيمها على ما دل على الطهارة من الأصل بل الأصول و العمومات، خصوصا الوارد منها في الأسئار.

و ترك الاستفصال في

خبر عمرو بن خالد(1)عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي (عليهم السلام) قال: «سألت رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن الجنب و الحائض يعرقان في الثوب حتى يلصق عليهما، فقال: إن الحيض و الجنابة حيث جعلهما الله عز و جل ليس في العرق، فلا يغسلان ثوبهما».

و

خبر أبي بصير(2)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القميص يعرق فيه الرجل و هو جنب حتى يبتل القميص، فقال: لا بأس، و إن أحب أن يرشه بالماء فليفعل».

و إطلاق

قول الصادق (عليه السلام) في خبر حمزة بن حمران(3): «لا يجنب الثوب الرجل، و لا يجنب الرجل الثوب».

و أما ما في الرياض و غيره- من انجبار قصور أسانيدها بالشهرة العظيمة بين القدماء و الإجماعات المحكية، و دلالتها بعدم القول بالفصل هنا، إذ ليس أحد ممن قال بالطهارة منع من الصلاة فيه، فالقول حينئذ بحرمة الصلاة خاصة دون باقي أحكام النجاسة إحداث قول في المسألة- فقد يناقش فيه أولا بمنع تحقق عظمة الشهرة، لأن جملة من


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب النجاسات- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب النجاسات- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 6، ص: 75

القدماء لم تنقل فتاواهم لنا في ذلك، كالمرتضى و غيره، و ظاهر ابن حمزة التردد، حيث نسب النجاسة إلى أحد القولين، كما أن الحلبي في إشارة السبق قال: فيه خلاف، بل لعله ظاهر ابن زهرة أيضا، حيث نسبه إلى إلحاق الأصحاب، و صريح المراسم الطهارة بعد أن نسب النجاسة إليهم أيضا، و هو مؤذن بعدم إرادته الإجماع منه، و مقنعة المفيد- مع أنه لا صراحة فيها بالنجاسة، بل لعل ظاهر ذيلها ذكر الاحتياط في الطهارة كالتهذيب- قد حكى عنه في السرائر و غيرها رجوعه عن ذلك في رسالته إلى ولده، و ظاهر المحكي عن المبسوط التردد، بل في صريح الذكرى و ظاهر السرائر و عن الدلائل حكاية قوة الكراهة عن المبسوط بعد أن نسب عدم جواز الصلاة إلى رواية أصحابنا، و يؤيده عدم ذكره له في تعداد النجاسات في الجمل، و لذا قال في السرائر: «إن من قال بالنجاسة قد رجع عنه في كتاب آخر له، فصار ما اخترناه إجماعا» انتهى.

فانحصر الخلاف حينئذ في الصدوقين و المحكي عن ابني الجنيد و البراج، و تحقق عظمة الشهرة بهؤلاء كما ترى، خصوصا مع عدم ثبوته عن الأخيرين إلا بالنقل الذي هو محل الخطاء.

و من هنا نسب القول بالطهارة في المختلف و الذكرى و عن الكفاية إلى المشهور، بل في المحكي عن ابن الجنيد ما يشعر بإرادة الاحتياط، حيث قال بعد أن ذكر وجوب غسل عرق الجنب من حرام: «و كذلك عندي الاحتياط، إن كان جنبا من احتلام ثم عرق في ثوبه» انتهى، لظهور تشبيهه بما ذكرنا.

و يؤيد ذلك كله نسبة القول بالطهارة في المختلف و الذكرى و عن الكفاية إلى المشهور من غير تقييد له بالمتأخرين، بل عن شرح الموجز ان القول بالنجاسة للشيخ، و هو متروك، كما انه بذلك كله و إعراض عامة المتأخرين كما حكاه غير واحد يوهن إجماع الخلاف و الأمالي أيضا.

ج 6، ص: 76

و أما ثانيا فبمنع دعوى عدم القول بالفصل إن أراد القطعي منه، بل و الظني أيضا مع عدم حجيته في نفسه عندنا، لأنه و إن كان لم يصرح أحد ممن قال بالطهارة بعدم جواز الصلاة لكن جماعة ممن نسب إليهم النجاسة لم يصرحوا بها، بل اقتصروا على ذكر حرمة الصلاة إذا كانت الجنابة من حرام، كالصدوقين و الشيخ في الخلاف، بل

هو معقد إجماع الأخير كالنسبة إلى دين الإمامية في الأمالي، و ذلك منهم إن لم يكن ظاهرا في إرادة حرمة الصلاة خاصة، كفضلات ما لا يؤكل لحمه فلا ريب في كونه محتملا، سيما مع كون ما تخيل مستندا لهم من الرضوي و خبري الذكرى و البحار لا تعرض فيها لحرمة غير الصلاة، بل قد يدعى ظهورها فيه، لاستبعاد التعبير بالحرمة في جميعها عن النجاسة.

بل قد تشعر عبارة الصدوق في الفقيه بذلك، قال فيه: «و متى عرق في ثوبه و هو جنب فليتنشف فيه إذا اغتسل، و ان كانت الجنابة من حلال فحلال الصلاة فيه، و ان كانت من حرام فحرام الصلاة فيه» لظهور أن موضوع الحكمين الأخيرين في كلامه الثوب الذي أمر بالتنشف فيه.

فبان لك حينئذ قوة القول بالطهارة وفاقا للمراسم و السرائر و من تأخر عنهما، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه في سائر ما اشترط بالطهارة، خصوصا الصلاة، سيما بعد ما عرفت من قيام احتمال التعبد فيها خاصة و ان كان طاهرا، بل لعله لا يخلو من وجه، للإجماعين و الأخبار المتقدمة، فتأمل جيدا.

و لا يلحق بالجنب من حرام المحتلم قطعا و إجماعا، فما عن ابن الجنيد من الاحتياط في عرقه ضعيف جدا لا نعرف له مأخذا يعتد به، و لقد أجاد بعض المحققين بقوله:

«لا نعرف له وجها و لا موافقا».

ج 6، ص: 77

و لا الحائض و النفساء و غيرهما لطهارة عرقهما كالمجنب من حلال إجماعا و نصوصا(1).

نعم لا فرق في المجنب من حرام بين الرجل و المرأة، و لا بين القبل و الدبر، و لا بين الحي و الميت، و لا بين الزناء و اللواط و وطء البهائم و لا بين الانزال و الإدخال إلى غير ذلك مما يدخل تحت المحرم ذاتا.

أما المحرم عرضا كوطء الحائض و النفساء و نحوهما فوجهان، أقواهما العدم حتى المظاهر، و ان استشكل فيه في المنتهى اقتصارا على المتيقن، و خصوصا فيما كان عروض التحريم لمرض أو صوم معين أو نذر و نحوهما.

و لو وطأ الصبي أجنبية ففي نجاسة عرقه إشكال كما في المنتهى، ينشأ من عدم الحرمة في حقه، و من إرادة الحرمة في حد ذاته.

و منه يظهر الحال في المكره و المكرهة إلى غير ذلك من الفروع الظاهرة المأخذ، فتأمل جيدا.

[في حكم عرق الإبل الجلالة]

و أما الثاني و هو عرق الإبل الجلالة فنجاسته خيرة المقنعة و النهاية و المنتهى و كشف اللثام و الحدائق و اللوامع و ظاهر المدارك و الذخيرة و عن المبسوط و القاضي، بل ربما نسب إلى ظاهر الكليني لروايته (2)ما يدل عليها، بل حكاه في اللوامع عن الصدوقين أيضا، بل في الرياض أنه الأشهر بين القدماء، و في الغنية و المراسم نسبته إلى أصحابنا و ان اختار ثانيهما الندب، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح هشام بن سالم (3): «لا تأكلوا لحوم الجلالة، و إن أصابك من عرقها فاغسله»

و في

حسن حفص ابن البختري كالصحيح (4)«لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة، و إن أصابك من


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب النجاسات.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب النجاسات- الحديث 0.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 78

عرقها فاغسله»

و

المرسل(1)في الفقيه «نهى عن ركوب الجلالات و شرب ألبانها، و قال: إن أصابك من عرقها فاغسله».

و طهارته صريح المراسم و النافع و كشف الرموز و المختلف و الذكرى و البيان و الدروس و الموجز و عن نهاية الأحكام و التحرير و المهذب و التنقيح و غيرهم من المتأخرين، و هو الأقوى، و كأنه ظاهر السرائر بل في المختلف و الذكرى و البحار و عن غيرها نسبته إلى الشهرة من غير تقييد، بل في المدارك إلى الديلمي و

الحلي و سائر المتأخرين، كالذخيرة إلى جمهورهم، بل عن كشف الالتباس أن القول بالنجاسة للشيخ، و هو متروك للأصل بل الأصول حتى في العرق نفسه، لطهارته قبل خروجه إلى مسمى العرق، فيستصحب حينئذ، و العمومات خصوصا ما دل منها على طهارة سؤرها المتقدم في باب الأسئار، و انه تابع لطهارة الحيوان، إذ هي طاهرة العين في حال الجلل اتفاقا في جامع المقاصد و عن الدلائل، فيكون عرقها طاهرا، إما لاقتضاء ما دل على طهارتها من الإجماع المحكي و غيره طهارته، لملازمته غالبا للحيوان جافا أو رطبا، بل هو من جملة توابع الحيوان المحكوم بطهارته المستفاد منها طهارته جميعه حتى رطوباته، فيكون قبل بروزه إلى مسمى العرق و بعده طاهرا قطعا، و إما لاقتضاء ما دل على طهارة سؤره طهارته، لما عرفته من ملازمته للحيوان غالبا.

بل في حاشية هامش ما حضرني من نسخة الوسائل و كتب بعدها أنه منه «استدل علماؤنا على كراهة سؤر الجلال بحديث هشام بن سالم (2)المتقدم سابقا، و أحاديث ما لا يؤكل لحمه (3)و دلالة الثاني واضحة، و دلالة الأول مبنية على أنهم أجمعوا على تساوي


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأسئار.

ج 6، ص: 79

حكم العرق و السؤر هنا، بل في جميع الأفراد، و الفرق إحداث قول ثالث، و أيضا فإن بدن الحيوان لا يخلو أبدا من العرق إما جافا و إما رطبا، فيتصل بالسؤر، فحكمه حكمه، و على كل حال فضعف الدلالة منجبر بأحاديث ما لا يؤكل لحمه» انتهى. و فيه شواهد على المقام خصوصا ما سمعته من الإجماع.

هذا كله مع إمكان التأييد باستبعاد الفرق بينها حينئذ و بين ما حرم أكله أصالة من الحيوانات و بين باقي جلال الحيوان، لعدم خلاف في طهارته من غير الإبل إلا ما حكي عن النزهة، بل و بين باقي فضلاته نفسه مما لا يدخل تحت اسم نجس كالبول.

و بفحوى ما دل على حل أكله بعد استبرائه المدة من غير أمر بتطهير جسده لو كان قد عرق، و دعوى حصول الطهارة له تبعا ممنوعة، إذ أقصى ما يستفاد عود الحل بتلك المدة لا طهارة بدنه من النجاسة العارضية، و ليس ذا من زوال العين المطهر للحيوان، لكون المفروض وجوده جافا.

و بفحوى عدم حرمة استعمالها بالركوب، و حمل الأثقال و نحوها مما هو مستلزم للعرق غالبا مع المباشرة من غير أمر بالتجنب أو التحفظ عن العرق، إلى غير ذلك من المؤيدات الكثيرة، على أن الصحيح الأول و مرسل الفقيه لا اختصاص فيهما بالإبل، و حمله على الأعم قد عرفت انه لا قائل به مما عدا النزهة.

و احتمال التخصيص الذي لا يمنع حجية العام في الباقي يدفعه عدم جوازه إلى الواحد عندنا، خصوصا في المخصص المنفصل، و كذا احتمال إرادة العهد من الجمع أو عود الضمير إلى صنف من الجمع، و هو الإبل، فلا يكون حينئذ عدم وجوب الغسل في غير عرق الإبل تخصيصا حتى يلزم المحذور السابق، إذ هو تكلف و تشهي و تعسف، فلا بد حينئذ من حمل الأمر فيه على غير الوجوب، و إلا كان الخبر من الشواذ، و مجاز الندب أولى من مجاز القدر المشترك على عموم المجاز قطعا، لشيوعه حتى قيل: إنه مساو

ج 6، ص: 80

للحقيقة، فيكون قرينة على إرادة الندب منه أيضا بالنسبة للإبل في الحسن، و احتمال حمله على الوجوب، و جعله قرينة على إرادة القدر المشترك من الأول ليس بأولى مما ذكرنا، بل هو أولى، لما عرفت من الأمور السابقة و غيرها نحو إعراض المشهور عن الوجوب فيها أيضا، بل حملهم الأمر في الصحيح السابق على الندب بالنسبة إلى غير جلال الإبل مع عدم ظهور معارض يختص به عن الإبل يشرف الفقيه على القطع باتحاد الحال فيهما.

و من ذلك كله ظهر لك ما في كلام المعاصر في الرياض، حيث قال بعد ذكره الصحيحين مستند النجاسة: «و بهما يخص أدلة الطهارة التي تمسك بها الجماعة المتأخرة البالغة حد الشهرة، لكنها بالإضافة إلى شهرة القدماء مرجوحة على فرض التساوي، فترجيحها عليها يحتاج إلى دلالة واضحة، و هي منتفية، و الأصل و العمومات بالصحيحين المرجحين بشهرة القدماء مخصصة، و هما أدلة خاصة، و تلك أدلة عامة، و الخاص مقدم بالضرورة، فالمرجح مع الشهرة القديمة البتة» انتهى.

مع ما فيه أيضا من عدم تحقق ما ادعاه من الشهرة، إذ ليس هو إلا فتوى الشيخين و القاضي منهم، و إلا فغيرهم إن لم يظهر منهم الطهارة، لعدم ذكرهم له في تعداد النجاسات أو لغيره لم يظهر منهم النجاسة، بل لعل ظاهر الوسيلة و الغنية عدمها، و قد سمعت ما في كشف الالتباس، و رواية الكليني للصحيح لا دلالة فيها على اختياره النجاسة و إلا لذكره عنوانا كما هي عادتهم فيما يختارونه، مع أنه لعله أراد الندب منها، كما أن رواية الصدوق للمرسل السابق كذلك، و ان كان قد ذكر في أول كتابه أنه لا يذكر فيه إلا ما يعمل به، لكنه مع ما قيل من رجوعه عن ذلك محتمل لأن يكون عمله فيها على جهة الندب، و لذا لم تعرف الحكاية عنه و عن والده و الكليني هنا، حتى في المختلف المعد لمثل ذلك، بل ظاهره فيه عدم قولهم بالنجاسة، و الله أعلم.

ج 6، ص: 81

[في حكم المسوخ]

و أما الثالث و هو المسوخ فالمشهور نقلا و تحصيلا طهارة ما عدا الكلب و الخنزير منها عينا و سؤرا و لعابا شهرة كادت تكون إجماعا، بل لعله الظاهر من المحكي عن الناصريات، حيث قال: «عندنا ان سؤر جميع البهائم من ذوات الأربع و الطيور طاهر سوى الكلب و الخنزير» بل هو صريح الغنية فيما عداهما و عدا الثعلب و الأرنب من الحيوان ذي الأربع و في الطير و الحشرات، بل لعله ضروري في بعضها كالزنبور و نحوه مما علم من طريقة المسلمين و سيرتهم طهارته، مع ما في نجاسته من العسر و الحرج، و كالضروري في آخر مما لا نفس له سائلة منها، لما تقدم من الإجماعات و غيرها على طهارة ميتته المستلزمة طهارته حيا بالأولى.

و يدل عليها- مضافا إلى ما تقدم في الثعلب و الأرنب و الفأرة و الوزغة و العقرب منها سابقا هنا و في باب الأسئار- الأصل و العمومات، و ما دل على طهارة سؤرها من صحيح البقباق (1)و غيره (2)و على طهارة العاج (3)و عظام الفيل (4)و نحو ذلك، فما في المراسم و الوسيلة و عن الإصباح من نجاسة لعابها ضعيف لا نعرف له مأخذا يعتد به، كالمحكي عن صريح أطعمة الخلاف من نجاسة المسوخ كلها، و ظاهر بيعه، حيث علل عدم جواز بيع القرد بالإجماع على انه مسخ نجس، و انه لا يجوز بيع ما كان كذلك، كالمحكي عن بيع مبسوطة، حيث قال: «لا يجوز بيع الأعيان النجسة كالكلب و الخنزير و جميع المسوخ» مع احتمال العطف فيه على المشبه لا المشبه به، و احتمال قراءة ما في الخلاف «النحاسة» بالحاء المهملة أو بالجيم على إرادة معناها من الخباثة و نحوها لا المعنى المتعارف، كما يؤيده حكمه في الخلاف أيضا بجواز التمشط بالعاج، و استعمال المداهن منه مدعيا عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأسئار- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 72- من أبواب آداب الحمام.
4- 4 الوسائل- الباب- 72- من أبواب آداب الحمام.

ج 6، ص: 82

الإجماع، و ما حكي عنه في الاقتصاد «ان غير الطير على ضربين: نجس العين و نجس الحكم، فنجس العين هو الكلب و الخنزير، فإنه نجس العين نجس السؤر نجس اللعاب، و ما عداه على ضربين: مأكول و غير مأكول، فما ليس بمأكول كالسباع و غيرها من المسوخات مباح السؤر، و هو نجس الحكم» انتهى. فيخرج عن الخلاف حينئذ، و إلا لم نعرف له دليلا يعتد به على النجاسة بالمعنى المعروف، بل ظاهر الأدلة خلافه كما عرفت، و عدم جواز البيع بعد تسليمه أعم من النجاسة، كما هو واضح.

فبان لك من ذلك حينئذ أن قول المصنف و الأظهر الطهارة في محله بالنسبة للجميع، أي عرق الجنب من الحرام و الإبل الجلالة و المسوخ و ان اختلفت مراتب الظهور في المسائل الثلاثة كما عرفت.

و المراد بالمسوخ حيوانات على صورة المسوخ الأصلية، و إلا فهي لم تبق أكثر من ثلاثة أيام ك ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا(1)و عددها- المحصل من حسن الحلبي (2)عن الصادق (عليه السلام) و صحيح محمد بن الحسن الأشعري (3)عن الرضا (عليه السلام) و خبر الحسين بن خالد(4)و خبر سليمان الجعفري (5)عن أبي الحسن (عليه السلام) و خبري علي بن جعفر(6)و على بن مغيرة(7)عن الصادق و الكاظم (عليهما السلام) المرويين عن العلل بعد الجمع بينها- نيف و عشرون: الضب و الفأرة و القرد و الخنازير و الفيل و الذئب و الأرنب و الوطواط و الجريث و العقرب و الدب و الوزغ و الزنبور و الطاوس و الخفاش و الزمير و المارماهي و الوبر و الورس (8)و الدعموص


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 14.
7- 7 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 12.
8- 8 الزمير و المارماهي و الوبر و الورس ليست في الروايات السابقة و انما ذكرت في رواية الكلبي النسابة المروية في الوسائل- في الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 8 و فيها« الورك» بدل« الورس» و هما و هم و الصحيح« الورل».

ج 6، ص: 83

و العنكبوت و القنفذ و سهيل و الزهرة، و هما دابتان من دواب البحر، و زاد في كشف الغطاء الكلب و الحية و العظاءة و البعوض و القملة و العيفيقا و الخنفساء، و لعله لأخبار أخر(1)كما ان ما في الفقيه أيضا من النعامة و الثعلب و اليربوع و الوطواط كذلك، أو لتعدد أسماء بعضها، إلا أنه قيل: لا موافق للصدوق على النعامة من الأخبار أو كلام الأصحاب، بل ربما يظهر منهم في كتاب الحج في بحث الصيد و من كتاب الأطعمة في عد المحرمات الاتفاق على إباحتها، و عن بعض نسخه «بعامة» بالباء الموحدة، و لتمام البحث في تعدادها و سبب مسخها و باقي أحكامها مقام آخر.

[في طهارة لبن الجارية]

و أما ما عدا ذلك من جميع ما ذكرناه و ذكر المصنف فليس بنجس عينا و انما تعرض له النجاسة بلا خلاف يعتد به إلا ما عن ابني الجنيد و حمزة و ظاهر الصدوق من نجاسة لبن الصبية، ل

خبر السكوني (2)«لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم، لأنه يخرج من مثانة أمها»

و هو- مع عدم ثبوته عن الأخير و إن أورد الرواية في كتابه أيضا- ضعيف، لضعف دليله في مقابلة الأصول و العمومات و السيرة و العمل و الإجماع المدعى، فيحمل على الندب أو التقية، فالأصح حينئذ تبعية اللبن لذاته، فالطاهرة طاهرة اللبن، و النجسة نجسته، لكن في كشف اللثام «سواء النجسة ذاتا أو عرضا بالجلل أو الوطء أو الموت».

قلت: قد سمعت الكلام في لبن الميتة، و لم نعرف حيوانا ينجس بالجلل أو الوطء يتبعه اللبن، بل و لا قائلا بذلك، و كأنه اشتباه في الحرمة، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4 و 15 و المستدرك الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4 و 8 و في كشف الغطاء« العنقاء» بدل« العيفيقا» كما في الوسائل، و الصحيح هو الأول لأن العيفيقا ليس في الأخبار و لا في اللغة و لم نجد في الأخبار مسخ« العظاءة».
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 4.

ج 6، ص: 84

و الدود و الصراصر و نحوها المتولدة من الميتة أو العذرة طاهرة، للأصل و العمومات، و ما دل (1)على طهارة ميتة ما لا نفس له،

سأل علي بن جعفر(2)أخاه (عليهما السلام) «عن الدود يقع من الكنيف على الثوب يصلى فيه، قال: لا بأس إلا أن ترى فيه أثرا فتغسله»

فتردد المصنف في طهارته في غير محله، كتمسكه للنجاسة بالاستصحاب الواضح عدم جريانه في المقام.

و أما الحديد فطاهر إجماعا محصلا و منقولا بل و نصوصا(3)بل كاد يكون ضروريا، فما في بعض الأخبار(4)مما يشعر بنجاسته مطرح أو محمول على إرادة غير المعنى المتعارف منها، كما يومي اليه ما في بعضها(5)انه نجس ممسوخ، مع احتمال قراءته بالحاء المهملة.

و القيح مع تجرده عن الدم لا ريب في طهارته للأصل و العمومات و السيرة و غيرها.

بل و كذا الصديد و ان تردد فيه الفاضلان، لما قيل في تفسيره إنه ماء الجرح بالدم قبل أن تغلظ المدة إذ هو في الحقيقة نزاع في لفظ، لتسليمهما طهارته، مع عدم الدم، كما انا نسلم نجاسته معه، و عليه ينزل ما عن الشيخ من إطلاق طهارته، و إلا كان شاذا.

كالقول بنجاسة القي ء، إذ لا نعرف مدركا يعتد به لكل منهما، نعم في الوسيلة قيد طهارة الأخير بما إذا لم يأكل شيئا نجسا، و هو متجه في بعض الصور الخارجة عن محل البحث، لأن الكلام في نجاسته من حيث انه قي ء لا لنجاسة سابقه أو عارضة فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب النجاسات.
2- 2 الوسائل- الباب- 80- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 83- من أبواب النجاسات.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب نواقض الوضوء- الحديث 4 و 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب لباس المصلي- الحديث 6 من كتاب الصلاة.

ج 6، ص: 85

[في حكم البول و الروث مما يؤكل لحمه]

و لا شي ء من بول و روث ما يؤكل لحمه معتادا أولا بنجس عندنا، نعم يكره بول البغال و الحمير و الدواب و ما عن ابن الجنيد من نجاستهما من الخيل و البغال و الحمير ضعيف، بل كاد يكون شاذا و إن حكي عن الشيخ موافقته في النهاية، إلا أنها ليست كتابا معدا للفتوى و العمل، بل كثير منها مضامين أخبار بصورة الفتوى كما لا يخفى على الخبير الممارس، على انه قد رجع عنه في المبسوط كما قيل، للأصل بل الأصول و العمومات و العسر و الحرج و السيرة المستقيمة، و قاعدة دوران النجاسة و الطهارة على حرمة اللحم و حليته المستفادة من النصوص (1)المستفيضة المعتبرة منطوقا و مفهوما، و الفتاوى، بل ظاهر هما انها من المسلمات الواضحات حتى عند السابقين من الرواة، كما أشرنا إلى ذلك في أول بحث النجاسات، بل في الغنية الإجماع عليها، كما في آبار السرائر، و باب تطهير الثياب منها ذلك أيضا بالنسبة إلى الطهارة، قال في الموضع الأول:

«أجمع الصحابة و تواتر الأخبار على أن مأكول اللحم من سائر الحيوان ذرقه و بوله و روثه طاهر، فلا يلتفت إلى خلاف ذلك من رواية شاذة أو قول مصنف غير معروف، أو فتوى غير محصل» إلى آخره. بل حكى فيه أيضا عن المبسوط ما يظهر منه الإجماع على ذلك أيضا، بل في معتبر المصنف «و أما رجيع ما يؤكل لحمه و بوله فطاهر باتفاق علمائنا» لكنه ذكر الخلاف بعد ذلك في أبوال الدواب الثلاثة، و لعله لا منافاة لاحتمال ابتناء القول بنجاستها على عدم أكل لحمها.

كما أشار إليه في المنتهى، حيث نسب طهارة بول ما يؤكل لحمه إلى علمائنا أولا ثم ذكر الخلاف بعد ذلك في أبوال الثلاثة، و قال: «إن الخلاف فيها مبني على أنها هل هي مأكولة اللحم أولا؟» و ذكر أيضا بعد ذلك أن مذهب علمائنا طهارة روث ما يؤكل لحمه، و لم ينقل خلافا فيه بيننا، بل نص بعده على أرواث البغال و الحمير و الدواب،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات- الحديث 4 و 8 و 13 و 18.

ج 6، ص: 86

و أحال البحث فيها على ما سبق، و في التذكرة «بول ما يؤكل لحمه و رجيعه طاهر عند علمائنا أجمع» إلى غير ذلك، بل قد عرفت انه يستفاد من استدلالهم بهذه الكلية عند البحث على بعض أفرادها أنها من المسلمات التي لم يعترها شي ء من الشبهات.

هذا كله مضافا إلى ما دل (1)على الاستنجاء بالروث، و إلى خصوص ما في المقام من الأخبار المروي بعضها عن غير الكتب الأربع التي هي بمكانة من الاعتبار و لو بملاحظة الانجبار باشتهار الحكم بين الطائفة أي اشتهار، بل عن شرح الأستاذ أن عليه إجماع الفقهاء إلا ابن الجنيد كما في المعتبر، لكن مع زيادة استثناء الشيخ أيضا، و قد عرفت فيما مضى أنه في النهاية، و إلا فهو في غيرها على الطهارة، بل عنه في المبسوط ذلك أيضا، و هو متأخر عنها، فيكون قد رجع، (منها)

خبر الأعز النخاس (2)قال للصادق (عليه السلام): «إني أعالج الدواب فربما خرجت بالليل و قد بالت و راثت فتضرب إحداها بيدها فينضح على ثوبي، فقال: لا بأس به»

(و منها)

خبر المعلى بن خنيس و ابن أبي يعفور(3)قالا: «كنا في جنازة و قدامنا حمار فبال فجاءت الريح ببوله حتى صكت وجوهنا و ثيابنا، فدخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرناه، فقال: ليس عليكم بأس»

و نحوها غيرها(4).

و اقتصار بعضها على البول كاقتصار آخر على الروث غير قادح بعد الإجماع المحكي في المصابيح، و ظاهر كشف اللثام أو صريحه كما عن غيره إن لم يكن محصلا على عدم القول بالفصل.

و هي و ان كان في مقابلها أخبار(5)فيها الصحيح و الموثق و غيرهما تضمنت الأمر


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب أحكام الخلوة.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات- الحديث 15.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات- الحديث 6 و 9 و 10 و 11.

ج 6، ص: 87

بغسل الثوب من أبوال الثلاثة، بل و مطلق الدابة، بل و أرواثها، بل ربما يستفاد شدة نجاسته من أبوالها على أحد الوجهين في بعضها، لكنها لمكان القطع بعدم غفلة الأصحاب عنها- إذ هي بمرأى منهم و مسمع، و قد خرجت من بين أيديهم مع فقد الدلالة في بعضها و الجابر لآخر بل و جميعها بناء على عدم استلزام الأمر بالغسل النجاسة، و موافقتها لمذهب الشافعي و أبي حنيفة و أبي يوسف، و اشتمال بعضها على مطلق الدواب مع البغال و الحمير مما علم عدم إرادة وجوب الغسل عنه، و آخر على النضح من بول البعير و الشاة المقطوع بإرادة الندب منه، ك

خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1)«سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يصيبه بعض أبوال البهائم أ يغسل أم لا؟ قال: يغسل بول الفرس و البغل و الحمار، و ينضح بول البعير و الشاة، و كل شي ء يؤكل لحمه فلا بأس ببوله»

مضافا إلى عدم ظهور السؤال فيه كغيره عن الوجوب أو الاستحباب حتى يكون الأمر في الجواب مطابقا له، و إلى ما فيه من الاجمال باعتبار الكلية في ذيله الشاملة لما ذكر الأمر بالغسل و النضح عنه، و حمله على إرادة إعطاء الضابط لغير ما تقدم، أو إرادة معتاد الأكل، مع أنهما لا يتمان في المأمور بالنضح عنه ليس بأولى من حمله على إرادة الضابط الشامل للجميع، لكن على إرادة نفي النجاسة منه التي لا ينافيها الأمر الاستحبابي بالغسل أو النضح عنه، و لما في بعضها من الفرق بين البول و الروث، فيغسل من الأول دون الثاني، و قد عرفت الإجماع المركب على خلافه، كما انه في آخر بعد الأمر بالغسل من البول

قال: «و أما الأرواث فهي أكبر من ذلك»(2)

و هو محتمل لما ينافي الأول بإرادة شدة النجاسة، و لعدمه بإرادة أكبر من أن يغسل بعسر التحرز عنه، إلى غير ذلك من الامارات الكثيرة القاضية بعدم إرادة الوجوب من تلك الأوامر-


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات- الحديث 9.

ج 6، ص: 88

أعرض الأصحاب عنها، و رجحوا غيرها عليها، فحملوا الأمر فيها على إرادة التخلص عن الكراهة.

و يشهد له

خبر زرارة(1)عن أحدهما (عليهما السلام) «في أبوال الدواب تصيب الثوب فكرهه، فقلت: أ ليس لحومها حلالا؟ قال: بلى و لكن ليس مما جعله الله للأكل»

و فيه إشعار بإرادة مطلق مباح اللحم و ان لم يكن متعارفا من قولهم ما يؤكل لحمه، و احتمال حمل الكراهة فيه على الحرمة، و إرادة بيان عدم اندراجه في تلك الكلية بكون المراد منها المعد للأكل كما ترى، سيما بعد استفاضة تلك الكلية المذكورة بين الرواة مع فهمهم منها ما ذكرنا، كما يرشد اليه استفهام زرارة الذي هو أحسن الرواة فهما لكلامهم (عليهم السلام).

و لا ينافي الحمل على الكراهة

موثقة سماعة(2)«سألته عن بول السنور و الكلب و الحمار و الفرس، قال: كأبوال الإنسان»

لاحتمالها شدة الكراهة، أو إرادة التشبيه بالنسبة للثلاثة الأول، لوجود جهة الشبه، و هي عدم إباحة اللحم أو التقية ممن عرفت.

فاتضح لك حينئذ من ذلك كله الكراهة المذكورة في كلام المصنف و غيره، لكن كان عليه ذكر الأرواث أيضا.

كما انه اتضح لك سقوط ما في الحدائق و ان بالغ في اختيار النجاسة في أبوال الثلاثة ناقلا لها عن الأردبيلي و الشيخ جواد الكاظمي في شرحه على الدروس و الشيخ سليمان البحراني، و ربما مال إليها في المدارك و عن الدلائل و المفاتيح، بل عن بعضهم التصريح بنجاسة الأرواث أيضا ان ثبت الإجماع على عدم الفصل، و إلا فالأبوال


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب النجاسات- الحديث 7.

ج 6، ص: 89

خاصة، و لقد أطنب المحدث المذكور و شنع على كبراء الأصحاب الذين هم أعلم منا و منه في السنة و الكتاب، و ليت ذلك التشنيع كان لأمر دقيق أو لنفيس من التحقيق، بل انما هو لجمعه جملة من الأخبار الموجودة في التهذيب و الاستبصار الظاهرة ظهور الشمس في رابعة النهار التي لا يحتمل خفاؤها على أقصرهم باعا و أقلهم اطلاعا، و الله ولي الحق، و العالم بحقائق الخلق.

[القول الثاني في أحكام النجاسات]
اشاره

القول الثاني في أحكام النجاسات تجب شرعا و شرطا أو شرطا لا شرعا إزالة عين النجاسات و ما يتنجس بها كالماء و نحوه بالمزيل الشرعي من غسل و نحوه، أو العقلي كالقرض و الإحراق و نحو هما عن ما تنجس بها من الثياب المعتاد لبسها أولا كالتستر بلحاف و نحوه، عدا ما استثني من القلنسوة و نحوها مما سيأتي و ظاهر البدن حتى الظفر و الشعر منه للصلاة الواجبة أو المندوبة، لاشتراط صحتها بذلك بالإجماع محصله و منقولة في السرائر و الخلاف و المعتبر و غيرها بل و النصوص (1)الدالة على إعادة الصلاة من البول و المني و الخمر و النبيذ و الدم و عذرة الإنسان و السنور و الكلب و نحوها المتممة بعدم القول بالفصل.

بل ربما لاح من الأخبار(2)ثبوت الإعادة من مطلق النجاسة، و حكمها كعينها إجماعا، و قليلها ككثيرها عدا الدم على ما سيأتي، لإطلاق الأدلة المعتضدة بإطلاق الفتاوى و معاقد الإجماعات بل و بصريحها من غير الإسكافي كما حكاه في التذكرة و غيرها، فقال على ما في المختلف: «كل نجاسة وقعت على ثوب و كانت عينها مجتمعة أو متفرقة دون


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات- الحديث 3 و 5 و 9 و الباب- 38- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات.

ج 6، ص: 90

سعة الدرهم الذي يكون سعته كعقد الإبهام الأعلى لم ينجس الثوب بذلك إلا أن يكون النجاسة دم حيض أو منيا، فان قليلهما و كثيرهما واحد» انتهى.

و هو ضعيف جدا مخالف لما عرفت و تعرف، مع أنه لا مستند له إلا القياس على الدم، بناء على حجيته عنده المعلوم بطلانها بضرورة مذهب الشيعة.

و من هنا أمكن تحصيل الإجماع على المطلوب مع خلافه، لعدم قدحه فيه، خصوصا و ظاهر عبارته عدم حصول النجاسة بالمقدار المذكور لا العفو، كما أنه لا يقدح فيه ما في السرائر عن بعض الأصحاب من أنه لا بأس بما ترشش على الثوب أو البدن عند الاستنجاء مثل رؤوس الابر من النجاسات، و لذا حكاه أي الإجماع عليه فيها كالخلاف، و لعله أراد به ما عن ميافارقيات السيد من العفو عن البول إذا ترشش عند الاستنجاء كرؤوس الابر، و إن أطلق النجاسات الأول، و خصها بالبول الثاني.

و لا ريب في ضعفه كسابقه، لا طلاق الأدلة من غير معارض، بل و خصوص معاقد الإجماعات.

و نحو

صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (1)«سأل الكاظم (عليه السلام) عن رجل يبول في الليل فيحسب أن البول أصابه و لا يستيقن، فهل يجزؤه أن يصب على ذكره إذا بال و لا يتنشف؟ قال (عليه السلام): يغسل ما استبان انه قد أصابه، و ينضح ما شك فيه من جسده و ثيابه و يتنشف قبل أن يتوضأ».

و نحو

خبر الحسن بن زياد(2)«إن الصادق (عليه السلام) سئل عن الرجل يبول فيصيب بعض فخذه قدر نكتة من بوله، ثم يذكر بعد أنه لم يغسله، قال: يغسله و يعيد صلاته».


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب النجاسات- الحديث 6.

ج 6، ص: 91

ك

خبر ابن مسكان (1)قال: «بعثت بمسألة إلى أبي عبد الله (عليه السلام) مع إبراهيم بن ميمون، قلت: سله عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلي و يذكر بعد ذلك أنه لم يغسلها، قال: يغسلها و يعيد صلاته»

إلى غير ذلك من الأخبار(2)الواردة في مساواة قليل دم الحيض لكثيره، و في إعادة الصلاة من نقط الدم إذا بلغ مقدار الدرهم مجتمعا.

ثم لا فرق بين جميع أجزاء الصلاة في الشرط المذكور كغيره من شرائطها و شرائط كل مركب، لظهور انتفاء امتثال الشرط بانتفاء حصوله لبعض أجزاء الجملة، بل و لا بين أجزائها المتصلة و المنفصلة كالتشهد و السجدة المنسيين، لبقاء حكم الجزئية فيهما و ان انفصلا، و كذا الركعات الاحتياطية المشروعة لتدارك النقصان لو كان، فيعتبر فيها حينئذ ما اعتبر في المتدارك.

نعم لا عبرة بما خرج عنها سواء تقدمها كالأذان و الإقامة و القيام للتكبير بل و النية في وجه، أو تأخرها كالتعقيبات و نحوها، بل و السلام الثالث في وجه مع الخروج بسابقه و ان قلنا بوجوبه، و أما سجود السهو فقد نص شيخنا في كشف الغطاء على اشتراطه بذلك أيضا، و فيه بحث إن لم يكن منع كما سيأتي.

و المراد بالثياب المعتبر طهارتها

مطلق ما سمي لباسا عرفا، لا فراشا و لا وطاء و لا ظلالا و لا غطاء، للأصل السالم عن المعارض على إشكال في الأخير فيما لو كان المصلي تحته بإيماء و نحوه و كان هو الساتر له، بل و إن لم يكن، لاحتمال إرادة المثال من الثوب و نحوه الموجود في الأخبار.

نعم لا عبرة بالزائد على القامة من اللباس زيادة خارجة عن المعتاد يخرج بها عن


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب النجاسات- الحديث 1 و الباب- 20- منها.

ج 6، ص: 92

اسم الملبوس أو المحمول، وفاقا للمحكي عن صريح جماعة و مستحسن المعالم و ظاهر الخلاف بل صريحه، إذ لا دليل على اعتبار طهارة ذلك الزائد، ضرورة انصراف الأدلة إلى غيره، بل قد يظهر من التذكرة الإجماع عليه، قال فيها: «لو كان على رأسه عمامة و طرفها على نجاسة صحت صلاته عندنا خلافا للشافعي» إلى آخره.

لكن لعل مراده نفس مباشرة النجاسة و ان لم يحصل التنجيس، فيخرج عما نحن فيه حينئذ، إذ لا ريب في عدم اقتضاء ذلك فسادا، لعدم اندراجه في الملبوس أو المحمول، كقوله فيها أيضا بصحة صلاة من صلى مماسا ثوبه لشي ء نجس عندنا خلافا للشافعي، و في المنتهى بصحة صلاة من شد وسطه بطرف حبل، و الآخر شد به نجاسة من غير خلاف بين علمائنا، بل ربما ظهر من كشف غطاء الأستاذ «دوران بطلان الصلاة على تنجيس الثياب بملاقاة النجاسات لرطوبة في المصيب أو المصاب أو فيهما، دون النجاسة المتصلة باللباس مع الجفاف، فتصح الصلاة فيها حينئذ إذ لم تكن من غير مأكول اللحم، بل و إن كانت منه إذا كانت موضوعة على الانفصال عنه على إشكال» إلى آخره. و ان كان الظاهر اندراج الفرض المذكور في حمل النجاسة، و في صحة الصلاة به و بطلانها قولان يأتي البحث فيهما إن شاء الله.

[إزالة النجاسة للطواف]

و كذا يأتي البحث في وجوب إزالة النجاسات على نحو ما تقدم للطواف واجبة و مندوبة في كتاب الحج، و إن كان لم أجد فيه خلافا هنا، بل عن حج الخلاف و الغنية الإجماع عليه، بل في المدارك أنه حكاه جمع من الأصحاب، كما انه عن المنتهى نسبته إلى أكثر أهل العلم، مضافا إلى

ما ورد(1)من ان «الطواف في البيت صلاة»


1- 1 مستدرك الحاكم ج 1 ص 459 و سنن البيهقي- ج 5 ص 87 و الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 56 و كنز العمال ج 3 ص 10 الرقم 206 عن الطبراني و حلية الأولياء و سنن البيهقي و المستدرك عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه و آله: «الطواف باليت صلاة و لكن الله أحل فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير» و الحديث عن سفيان الثوري عن عطاء بن السائب و انه كان يختلط اختلاطا شديدا و قال ابن معين: «عطاء بن السائب اختلط» و قال شعبة: «حدثنا عطاء بن السائب و كان نسيا و كتب عن عبيدة ثلاثين حديثا و لم يسمع من عبيدة فلا يحتج بحديثه» تهذيب التهذيب لابن حجر ج 7 ص 204.

ج 6، ص: 93

الدال على مساواته لها في سائر الأحكام، سيما المعروفة كالطهارة من الحدث و الخبث و نحوهما.

[إزالة النجاسة عن المساجد]

و تجب أيضا الإزالة المذكورة لدخول المساجد كما في القواعد و الإرشاد و المنتهى و غيرها، بل في ظاهر الأخير أو صريحه أنه مذهب أكثر أهل العلم، بل في الخلاف و جنائز السرائر لا خلاف في أنه يجب أن يجنب المساجد من النجاسات، مع زيادة «بين الأمة كافة» في الأخير، كما أنه في المفاتيح أيضا نفي الخلاف عن إزالة نجاسة المساجد، و في كشف الحق في توجيه الاستدلال بالآية(1)على المشرك «لا خلاف في وجوب تجنب المساجد كلها النجاسات بأجمعها» بل في الذخيرة عن الشهيد الظاهر أنه إجماعي، بل في لوامع النراقي حكاية صريح الإجماع عن العاملي مريدا به الشهيد على الظاهر.

و هو مع نفي الخلاف السابق الصريح هنا في إرادة الإجماع منه الحجة في انقطاع الأصل سيما بعد اعتضاده بظاهر قوله تعالى (2)«أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ» و قوله تعالى (3):

«إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ، فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ» المتمم بعدم القول بالفصل محكيا ان لم يكن محصلا بين المسجد الحرام و غيره.

كما ان احتمال قصر الحكم على خصوص المشركين لغلظ نجاستهم أو غيره يدفعه ظهور التفريع في علية وصف النجاسة للحكم المتحقق في غير المشركين، كاندفاع ما قيل من عدم معروفية النجس بالمعنى المصطلح سابقا بمنعه أولا، و بظهور إرادته منه هنا


1- 1 سورة التوبة- الآية 28.
2- 2 سورة البقرة- الآية 119.
3- 3 سورة التوبة- الآية 28.

ج 6، ص: 94

و لو مجازا للقرائن الكثيرة، و اعتضاده أيضا

بالخبر المشهور(1)عملا و رواية «جنبوا مساجدكم النجاسة»

المؤيد بما يفهم من

خبر القداح (2)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: «قال النبي (صلى الله عليه و آله): تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم»

من زيادة الاحتياط و التحفظ مع نهاية التوسعة في أمر الطهارة و النجاسة، و ب

مرسل العلاء بن الفضيل (3)المروي في المنتهى عن الشيخ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا دخلت المسجد و أنت تريد أن تجلس فلا تدخله إلا طاهرا»

الحديث. و ان كان محتملا لإرادة الطهارة من الحدث، و بمناسبته للتعظيم، و لما ورد من جعل المطاهر على أبواب المساجد، و بانعقاد الإجماع على منع الكفار، و لا باعث له سوى النجاسة.

كما انه قد يؤيده أيضا ما ورد(4)في منع المجانين و الصبيان عنها، و منع الجنب و الحائض عن المكث فيها(5)بل يمكن دعوى أولوية رفع الخبث من رفع الحدث، إلى غير ذلك.

فما عساه يظهر من بعض متأخري المتأخرين- من التأمل و التردد في أصل الحكم المذكور لدعوى ضعف دليله سندا أو دلالة، و للنصوص (6)الكثيرة الواردة في جواز اتخاذ الكنيف مسجدا بعد الطم و المواراة كما ستسمعها إن شاء الله في أحكام المساجد- في غير محله، لما عرفت من الأدلة السابقة المعتضدة بسيرة المسلمين و طريقتهم، و بملاحظتها مع فتاوى الأصحاب يمكن دعوى تحصيل الإجماع، و نصوص اتخاذ المسجد على الكنيف


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الجنابة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام المساجد- من كتاب الصلاة.

ج 6، ص: 95

يأتي البحث فيها إن شاء الله في أحكام المساجد.

انما البحث في الفرق بين المتعدية و غيرها، فظاهر عطف المصنف و غيره كظاهره في جنائز المعتبر أو صريحه عدم الفرق بينهما، كما هو صريح التذكرة و عن أكثر كتبه، بل في لوامع النراقي أنه مذهب الحليين و الأكثر، و عن الكفاية أنه المشهور، لإطلاق الأدلة السابقة من الآية و الرواية، و دعوى صدق المجانبة بعدم التلويث كما ترى، و لظهور اتفاقهم حتى ممن اعتبر التلويث على منع المشرك و إن لم يلوث، و احتمال الفرق بغلظ النجاسة و عدمها ممنوع بعد تسليم أغلظيته من نحو دم الحيض و غيره، و لظهور معقد إجماع السرائر في ذلك أيضا أو صريحه، بل لعل إجماع الخلاف و الكشف أيضا كذلك، فلاحظ، سيما بعد ما حكاه في كشف اللثام عن الشيخ في الخلاف من القول بعدم جواز حصول غير الملوث من النجاسة في المسجد، و لأنه أبعد عن التلويث المعلوم حرمته، و

للسيرة المستمرة على إزالة أعيان النجاسات من المساجد و ان لم تكن ملوثة كالعذرة اليابسة و نحوها، و احتمال الفرق بين أرض المسجد و فضائه لا أثر له في كلام الأصحاب، كاحتمال الفرق بين عين النجاسة و المتنجس بها، إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة، كمعلومية انهتاك حرمة المسجد بوضع النجاسات فيه و ان لم تلوث، و معلومية حرمة إمساس ما ألحق بالمساجد من الضرائح المقدسة و القرآن العظيم بأعيان النجاسات و لو مع الجفاف.

خلافا للشهيدين في الذكرى و الدروس و المسالك و أبي العباس في موجزه، و الكركي في جامعه، و غيرهم من متأخري المتأخرين، فخصوا المنع بالملوثة، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، و لجواز اجتياز الحائض و الجنب و أخذهما ما فيه مع ملازمة النجاسة غالبا، و لمعلومية حضور ذوي الجراحات الدامية و القروح السائلة و المسلوس بعد وضع الخريطة و نحوهم الجماعات و الجمعة في المسجد، بل يمكن دعوى العسر و الحرج

ج 6، ص: 96

في مطلق منع دخول النجاسة، و لظهور أدلة المستحاضة في دخولها المساجد بعد أفعالها، و تجويز الأصحاب كما قيل الحد الذي منه القتل و القصاص في المسجد مع فرش النطع حفظا عن التلويث.

و فيه منع انحصار الدليل في المتيقن، بل يكفي الظهور المذكور كما في غيره من الأحكام، و منع دخولهما مستصحبين للنجاسة أولا، و إطلاق دليل جواز الاجتياز مثلا يراد به كما هو الظاهر منه من حيث الحدث الحيضي مثلا، و تسليمه ثانيا مع دعوى استثنائه بخصوصه كالحدث، و كذا البحث فيما بعده، لظهور عدم التلازم بين إباحة ذلك بخصوصه للعسر و الحرج و نحوهما و بين إباحة غيره، و لذا لم يقدح في الصلاة و نحوها المعلوم اشتراطها بإزالة النجاسات، و لا نسلم تصريحهم هناك بجواز الحد و القصاص على وجه يتحقق به إجماع، و كيف مع أن المحكي في كشف اللثام عن الشيخ في الخلاف التصريح بعدم جواز القصاص، و أنه لا فائدة في فرش النطع، و لو سلمنا فهو استثناء لحكم خاص، و تمام البحث في ذلك عند ذكر المصنف كراهة إقامة الحدود من أحكام المساجد.

فلا ريب أن الأول أحوط إن لم يكن أقوى، خصوصا فيما ظهر فيه انهتاك الحرمة و منافاة التعظيم، كوضع العذرات الكثيرة فيها و نحوها، بل لو قيل بدوران الحرمة على التعدية و على هتك الحرمة عرفا لكان متجها إن لم يكن خرقا للإجماع، و لعله ليس كذلك، بل لعله مذهب الطباطبائي في منظومته.

و كيف كان فقد ظهر لك انه بناء على الأول لا فرق حينئذ بين الملوثة و عدمها، بل و لا بين أرض المسجد و فراشه و فضائه كالنجاسة على بدن الداخل أو ثوبه مثلا، لظاهر الأدلة السابقة، و لا بين عين النجاسة و المتنجس بها، كما هو ظاهر أو صريح معقد إجماع جنائز السرائر الظاهر من المصنف إقراره عليه و تسليمه له، بل لعل

ج 6، ص: 97

المراد من النجاسة في النص و الفتوى ما يشمل المتنجس، كما هو ظاهر المتن أو صريحه كغيره ممن عبر كعبارته أي يساوى بين الصلاة و المساجد، بل لا أجد أثرا لاحتمال الفرق في سائر كلمات الأصحاب، و لعله لظهور انتقال حكم النجس إلى ما تنجس به.

و من ذلك كله يعلم وجوب إزالة النجاسة عن المسجد لو كانت مما علم حرمة إدخالها من غير فرق بناء على ما ذكرنا بين أرض المسجد و فرشه و فضائه و غيرها كما سمعته في حرمة الإدخال.

نعم قد يتجه الفرق بين أرض المسجد مثلا و بين فرشه و نحوهما مما لا تدخل في اسمه، بناء على اعتبار التلويث للمسجد، لعدم صدقه بتلويث الفرش مثلا، بل هي حينئذ كغير فرشه مما لم تتعد نجاسته اليه من ثوب الإنسان و بدنه، مع أنه قد صرح في المسالك و غيرها بعدم الفرق بينهما في حرمة التلويث، بل قد تشعر عبارة مجمع البرهان بالإجماع عليه، كما قيل ذلك أيضا في عبارة المدارك، و لعله لتبعيتها للمسجد بإضافتها اليه، و تحقق تحقيره بتحقيرها كتعظيمه ما دامت فيه، و لإمكان صدق تلويث المسجد بتلويثها، كإمكان دعوى شمول

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «جنبوا مساجدكم النجاسة»

لها، و ان نزلنا النجاسة على الملوثة، فتأمل جيدا.

ثم ان وجوب الإزالة على الفور بلا خلاف، بل لعله إجماعي كما حكاه بعضهم صريحا، و في المدارك «انه قطع به و بالكفائية الأصحاب، و فيه توقف» إلى آخره.

قلت: لا ينبغي التأمل في الفورية، لما عرفت، و لكون منشأ الوجوب هنا التعظيم الذي ينافيه التراخي، و لأن المراد بوجوب الإزالة هنا انما هي حرمة الإبقاء المستفادة من الأدلة السابقة الشاملة لسائر الأوقات، و لو تركه و صلى مع السعة ففي صحة صلاته و فسادها البحث المعروف في الأصول.

و على الكفاية بلا خلاف أيضا، بل لعله إجماعي كما حكاه بعضهم، لتوجه


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2 من كتاب الصلاة.

ج 6، ص: 98

الخطاب إلى الجميع مع القطع بعدم إرادة الوجوب العيني، و تعين بعض لا دليل عليه، و بعض غير معين غير جائز، فليس إلا الكفائي، فلا يتعين حينئذ وجوب الإخراج على المدخل مثلا، كما نص عليه في الروض و غيره، و ان كان قد يقال بتأكده في حقه.

فما في الذكرى من تعينه عليه و احتمله في المدارك لا يخلو من نظر، و إلا لسقط بموته أو فقده أو امتناعه، إذ دعوى تجدد الوجوب حينئذ لا دليل عليها.

و ألحق الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم بالمساجد الضرائح المقدسة و المصحف المعظم، فيجب إزالة النجاسة عنه، كما يحرم تلويثه أو مطلق المباشرة، و هو جيد فيهما و في كل ما علم من الشريعة وجوب تعظيمه و حرمة إهانته و تحقيره، كالتربة الحسينية و السبحة و ما أخذ من طين القبر للاستشفاء و التبرك به ككتابة الكفن به و نحوها، و إناطة الحكم بذلك أولى من البحث في خصوصيات الأفراد، إذ مستحق التعظيم و محرم التحقير من جميع ما له تعلق في قبور الأئمة (عليهم السلام) من الأثاث كالصندوق و غيره فضلا عنها أنفسها، و في المصحف بل المصاحف من ورقها و غلافها إذا كان متصلا بها مما لا خفاء فيه في المذهب، كما لا خفاء في تحقق الإهانة و هتك الحرمة بتلويثه بالنجاسة، بل بمطلق مباشرته لها، و لعل ذلك مختلف باختلاف الناس و المقاصد و النيات.

و ليس منه على الظاهر ما يؤخذ من كربلاء و باقي المشاهد من الآجر و الخزف و الأباريق و المشارب و نحوها مما لم يكن متخذا للتعظيم، لعدم تحقق الإهانة و التحقير في مباشرة شي ء من ذلك للنجاسة و نحوها، و دعوى وجوبه شرعا- و ان لم يكن فيه إهانة عرفا، إذ كثير من أفراد التعظيم التي أوجبها الشارع ليس للعرف فيها نصيب، كحرمة مكث المحدث بالأكبر في المسجد و مس المحدث بالأصغر كتابة القرآن- يدفعها أنه لا دليل عليها هنا، بل لعل السيرة و الطريقة شاهدة بخلافها.

فما عن الأستاذ الأكبر من النهي عن إخراج أواني كربلاء إلى غيرها محل منع

ج 6، ص: 99

إن أراد الحرمة منه، نعم قد يتأمل في بعض ما اتخذ على سبيل التعظيم للتبرك و التيمن مما لم يكن فيه نص بالخصوص، كنحو التراب الخارج عن حرم كربلاء إذا علق على الشباك المكرم تحصيلا لتشرفه و تيمنه و بركته و لما يصل إلى حد التبعية عرفا و غير ذلك مما يكون منشأه الترجيح العقلي و اعتباره و استحسانه و لو بمزج التعارف معه، فان جريان حكم ما علم تعظيمه كالتربة الحسينية المعلوم بالتواتر- كما عن التنقيح «كون الشفاء فيها، و كثرة الثواب بالتسبيح بها و السجود عليها، و وجوب تعظيمها، و كونها رافعة للعذاب عن الميت، و أمنا من المخاوف، و انه يحرم الاستنجاء بها» انتهى- على مثل ذلك لا يخلو من إشكال و نظر.

و من ذلك كله يظهر لك ما في المحكي عن المهذب و الروضة من إثبات الاحترام لثلاثة أشياء لا غير مما يؤخذ من التربة الحسينية: أحدها ما أخذ من الضريح المقدس، و ثانيها ما وضع عليه مطلقا كما عن ظاهر المهذب، أو من الحرم كما عن ظاهر الروضة أو صريحها، و ثالثها ما أخذ من باقي الحرم بالدعاء و الختم عليه كما عن المهذب، و بدون ذكر الختم عن الروضة، فتأمل جيدا، فان فروع المقام و بيان حكم بعض الأفراد محتاج هنا إلى مزيد إطناب.

[في وجوب إزالة النجاسة عن الأواني و محل السجود]

و كذا يجب إزالة النجاسة عن الأواني مقدمة لاستعمالها فيما علم اشتراطه بالطهارة من المأكول و المشروب و ماء الغسل و الوضوء، و نحوها بالأدلة المقررة في محالها من الإجماع المحكي و الأخبار(1)مع فرض التنجس بها.

و يجب إزالتها أيضا عن محل السجود و ان لم تكن متعدية، لاشتراط طهارته من غير خلاف أجده فيه، بل نسبه بعضهم إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، كما أن في مجمع البرهان لعل دليله الإجماع و النص، و في الذكرى و عن الذخيرة نسبته


1- 1 الوسائل- الباب 51 و 52 و 53 من أبواب النجاسات.

ج 6، ص: 100

للنص أيضا، لكن في الحدائق أني لم أقف على هذا النص، و لا نقله ناقل فيما أعلم، بل ربما ظهر من النصوص خلافه» إلى آخره.

قلت: لعل المراد به

موثقة عمار(1)عن الصادق (عليه السلام) «عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس و لكن قد يبس الموضع القذر، قال:

لا يصلى عليه، و أعلم الموضع حتى تغسله»

و يأتي تمام البحث فيه إن شاء الله و فيما حكي عن المرتضى من وجوب إزالة النجاسة عن سائر مكان المصلي، و أبي الصلاح عن المساجد السبعة خاصة.

و لا يجب شي ء مما ذكرنا من إزالة النجاسة لنفسه عدا إزالتها عن المسجد و إن أطلق في النصوص (2)الأمر بغسل الثوب مثلا، إلا انه من المقطوع به عدم إرادته منه، و في كشف اللثام انه لعله إجماع، و كأن الإطلاق موكول إلى ذلك، بل لم أقف على ما يدل صريحا على استحباب الإزالة لنفسه، و إن أفتى به بعض مشايخنا، و لعله

استفاده من الاعتبار أو من النظر في مجموع ما ورد من الأخبار، أو أنه نزل تلك الأوامر المطلقة عليه، أو من نحو قوله تعالى (3)«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» و الأمر سهل.

[في العفو عن دم القروح و الجروح]

و عفي بالنسبة للصلاة قطعا و الطواف بل و المساجد في وجه بناء على منع دخول النجاسة إليه مطلقا لكن بشرط عدم التعدي كما أشرنا إليه سابقا في الثوب و البدن عما يشق التحرز منه و يعسر من دم القروح و الجروح التي لا ترقى أي لا ينقطع دمها و يسكن، بل يكون سائلا و ان كثر بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب النجاسات.
3- 3 سورة البقرة- الآية 222.

ج 6، ص: 101

محصلا و منقولا، لنفي الحرج و إرادة الله اليسر، و انه لا يكلف نفسا إلا وسعها، و للنصوص المستفيضة.

ك

صحيح ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلي؟ فقال: يصلي و ان كان الدماء تسيل»

و مثله خبر ابن عجلان (2)المروي في مستطرفات السرائر من كتاب البزنطي بتفاوت يسير جدا.

و

صحيح المرادي و حسنه (3)«قلت للصادق (عليه السلام): الرجل يكون به الدماميل، و القروح بجلده، و ثيابه مملوة دما و قيحا، و ثيابه بمنزلة جلده، قال: يصلي في ثيابه و لا شي ء عليه، و لا يغسلها».

ك

قوله (عليه السلام) لعبد الرحمن بن أبي عبد الله في الصحيح (4): «دعه فلا يضرك أن لا تغسله»

جواب سؤاله عن الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه، فيسيل منه الدم و القيح فيصيب ثوبي.

و

قوله (عليه السلام) أيضا في مرسل ابن أبي عمير عن سماعة بن مهران(5):

«إذا كان بالرجل جرح سائل و أصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ و ينقطع الدم».

و

قوله (عليه السلام) في موثق الساباطي (6)بعد أن سأله عن الدماميل تكون بالرجل فتنفجر و هو في الصلاة: «يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض و لا يقطع الصلاة».

و

خبر أبي بصير أو صحيحه (7)«دخلت على الباقر (عليه السلام) و هو يصلي، فقال لي قائدي: إن في ثوبه دما، فلما انصرف قلت له: إن قائدي أخبرني أن بثوبك دما، فقال لي: إن بي دماميل و لست أغسل ثوبي حتى تبرأ».


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات- الحديث 8.
7- 7 الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 102

بل ظاهر هذا الأخير كخبر سماعة و ما بعده و سابقه، بل قيل حتى الأول أيضا عدم اعتبار شي ء مما اعتبره المصنف من المشقة و عدم رقي الدم في العفو عنه، بل هو معفو عنه إلى مسمى البرء عرفا، بل قيل إنه ظاهر في الاندمال، و ربما احتمل حمله على الأمن من خروج الدم، و الأمر سهل، إذ خروجه بعد الأمن كقبلة لعموم الأدلة، و مع عدم الخروج لا أثر للنزاع إلا في المختلف.

و كيف كان فاستمرار العفو اليه مطلقا هو الأقوى، وفاقا للثانيين و مجمع البرهان و المدارك و الذخيرة و الحدائق و منظومة الطباطبائي و لوامع النراقي و ظاهر الصدوق، و خلافا لصريح بعض، بل المحكي عن ظاهر الأكثر من اعتبارهما و ان اختلفت عباراتهم في تأدية ذلك في الجملة، فبين مصرح بمعنى ما في المتن كما في المراسم بالنسبة للقروح، و السرائر و عن التحرير فيها و في الجروح، و بين مصرح باعتبار دوام السيلان خاصة من غير تعرض للمشقة كالمقنعة، لكنها لازمة له كما ترى، لبعد بل منع فرض عدمها، و بين مصرح باعتبار المشقة، لكنه أبدل عدم رقي الدم بوصف القروح باللازمة و الجروح بالدامية كالقواعد، إلا أنه عنه في التذكرة التصريح بإرادة لزوم الدم من اللازمة، فيرجع حينئذ إلى عدم الرقي، و بين من اقتصر على الوصفين من دون تعرض للمشقة كالوسيلة، لكنها لازمة له بناء على ما تقدم، كمن جمع القروح و الجروح بوصف اللزوم كالغنية، و بين مصرح باعتبار السيلان أو الانقطاع الذي لا يسع الصلاة مع المشقة كالمعتبر و غيره، و لعله مراد من تقدم من دوام السيلان، و بين مصرح باعتبار المشقة خاصة من غير فرق بين دوام السيلان و عدمه، و اختاره في ظاهر الرياض أو صريحه إلى غير ذلك من العبارات المتحدة في المعنى عند التأمل، سيما مع ملاحظة أدلتهم عليه من العسر و الحرج و نحوهما.

نعم لو أريد بالدامية ذات الدم في الجملة و باللازمة الجروح اللازمة و ان لم يستمر

ج 6، ص: 103

سيلان دمها كما عن المحقق الثاني تفسيرها بما يقرب من ذلك أمكن حينئذ انطباق جملة من عبارات أصحابنا كالخلاف و الغنية و غيرهما على المختار، بل هو معقد إجماع الكتابين.

كما أنه يمكن إرادة من اعتبر الحرج في العفو كما عن الشيخ في أكثر كتبه، و الفاضل في الإرشاد تحديد الرخصة بالبرء لا دوام السيلان، أو الحرج النوعي دون الشخصي، أو الاحتراز به عن الجروح الصغار التي يعد انقطاع دمها برؤها عرفا أو بمنزلته. فيوافق المختار أيضا، بل يمكن إرجاع أكثر العبارات إليه أيضا و ان كان لا يخلو من تجشم في بعضها.

و كيف كان فالأقوى ما عرفت، للحرج النوعي، و إطلاق بعض النصوص السابقة، و ترك الاستفصال في آخر، و التحديد بالبرء المعلوم عادة انقطاع السيلان قبله في ثالث، و لا ينافيه وصف الجرح بالسائل في منطوق الشرط في خبر سماعة، مع احتمال إرادته حينا فحينا.

فلا وجه حينئذ للمناقشة في دلالته و دلالة خبر أبي بصير أيضا باحتمال إرادة الانقطاع و لو لفترة من البرء لذلك، و لعطف الانقطاع عليه فيه، إذ هو مع سماجته مجاز بلا قرينة، و تصرف في الأدلة المخصصة لما دل (1)على مانعية مطلق الدم للصلاة من غير معارض، و قول ابني مسلم و عجلان في خبريهما: «فلا تزال تدمي» مع أنه ليس من كلام الامام (عليه السلام) و لا صراحة فيه بإرادة دوام ظهور الدم، لاحتمال إرادة الخروج حينا فحينا أيضا، كقولهم: لا يزال فلان يتكلم أو يتردد إلى موضع كذا لا دلالة فيه على اختصاص العفو به دون غيره لو نزل الجواب على خصوص السؤال، بل أقصاه حينئذ عدم الدلالة على المدعى لا الدلالة على عدمه.

مع أن الانصاف قاض بظهور سؤاله و جوابه في أولوية حكم غير السائل و ان لم


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات.

ج 6، ص: 104

يكن دائم الإدماء من السائل، بل صرح غير واحد من الأصحاب بأن مفهوم «إن» الوصلية فيه ظاهر في المختار، و إن أمكن خدشه بأنه بعد تنزيل الجواب على السؤال كما هو قضية استتار الضمير فيه يكون مفهومها حينئذ إباحة الصلاة في غير السائل من دم القروح التي لا زالت تدمي، و هو لا ينافي إلا من اعتبر السيلان دون غيره كالمصنف و نحوه، اللهم إلا أن يقال بلزوم السيلان لعدم الانقطاع و الرقي، بل قد عرفت اتحاد مراد الجميع بنحو ذلك.

نعم هو على كل حال مناف لاعتبار مشقة التحرز مع ذلك، إلا أن يدعى بل هو الظاهر لزومها لدوام الإدماء، بل تعذر التحرز معه بالنسبة للبدن واضح، و إن ظهر من المعاصر في الرياض إمكان انفكاك المشقة عن عدم الانقطاع، و لذا لم يستبعده قوة وجوب الإزالة مع عدم الانقطاع إذا لم تكن مشقة و هو- مع ما فيه مما عرفت إلا أن يريد به بالنسبة للثوب- مناف لا طلاق النصوص السابقة.

و دعوى ظهورها في العفو في صورة حصول المشقة خاصة لا شاهد لها إلا

موثق سماعة(1)«سألته عن الرجل به القروح و الجروح فلا يستطيع أن يربطه و لا يغسل دمه، قال: يصلي و لا يغسل ثوبه إلا كل يوم مرة، فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة»

و

المروي (2)في مستطرفات السرائر من نوادر البزنطي قال: «قال: إن صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها و لا حبس دمها يصلي و لا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة»

و هما- مع إضمارهما بل في كشف اللثام إسناد الثاني إلى قول البزنطي في نوادره- قاصران عن معارضة ما تقدم من وجوه، سيما مع انحصار دلالتهما


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
2- 2 البحار ج 18 ص 20.

ج 6، ص: 105

بمفهوم التعليل و الوصف، و البحث في الثاني معلوم، و الأول محتمل لإرادة تعليل اتحاد الغسل المنزل على الندب كما عن جماعة التصريح به، بل لا أجد فيه خلافا و ان احتمل الوجوب في الحدائق أو مال اليه، لكنه شاذ.

فظهر حينئذ انه لا شاهد لاعتبار المشقة الشخصية في العفو عن هذا الدم يعارض الأدلة السابقة حتى في المنقطع منه انقطاع فترة لا انقطاع برء، من غير فرق بين سعتها للصلاة و عدمها، كما أنه لا شاهد لاعتبار دوام السيلان، أو هو مع الانقطاع فترات لا تسع الصلاة، أو هما مع مشقة الإزالة في العفو عن هذا الدم.

و دعوى الاقتصار على المتيقن من العفو بعد إطلاق الأدلة الثابت حجيته بالعقل و النقل لا ترجع إلى محصل معتبر، كالقياس على المستحاضة أو المسلوس لو سلم ذلك في المقيس عليه.

و من هنا كان القول بإيجاب التعصيب أو التخفيف أو الإبدال للثوب مع عدم المشقة كما هو ظاهر بعض و عن محتمل آخر في البعض لنحو ذلك ضعيفا منافيا لظاهر الأدلة ان لم يكن صريحها، و لظهور خصوصية هذا الدم من بين الدماء، بل من بين النجاسات، و لما عن الشيخ من الإجماع على عدم وجوب عصب الجرح و تقليل الدم، بل يصلي كيف كان و إن سال و تفاحش إلى أن يبرأ، و انه بخلاف المستحاضة و السلس و نحوهما ممن يجب عليهم الاحتياط في منع النجاسة و تقليلها.

نعم يمكن القول باختصاص العفو عنه بغير ما تعدى منه عن محل الضرورة من الثوب و البدن، كما قربه في المنتهى، و استحسنه في المعالم، و احتمله في المدارك، و ان تأمل فيه في الذخيرة، لا طلاق الأدلة، و لخصوص موثقة عمار السابقة، إلا أنه لا يخفى انصراف الإطلاق إلى ما ذكرنا، و احتمال خبر عمار الانفجار بالقيح و الصديد دون الدم، بل احتمل فيه أيضا إرادة المسح باليد إذا علم سيلانه إن لم يمسحه إلى أعضائه

ج 6، ص: 106

و ثيابه، فيمسحه حينئذ إزالة له و تخفيفا للنجاسة عن نفسه، و ان كان لا يخلو من نظر.

لكن الإنصاف أن القول بالعفو مع التعدي أيضا إلى ما يتعارف من تعدي غير المتحفظ عن تعديه و إن لم يكن من محال الضرورة لا يخلو من قوة، لإطلاق الأدلة و خلوها عن الأمر بالتحفظ عنه، بل ظاهرها التوسعة في أمره.

نعم لا يعفى عنه إذا لم يكن كذلك، كما إذا تعمد وضعه من الرأس في القدم مثلا، بل لعل ذلك هو مراد المنتهى و ان بعد، كاحتمال رجوع تفصيل الحدائق اليه، أو ما يقرب منه بالعفو عنه إذا تعدى الدم بنفسه إلى سائر أجزاء البدن أو الثوب الطاهر و عدمه إذا عداه المكلف بنفسه، و ان وضع يده على دم الجرح أو طرف ثوبه الطاهر عليه، لكنه أشكل الثاني بظهور موثقة عمار في العفو عنه أيضا، ثم احتمل حملها على ما ذكرنا، و قال: فالتفصيل حينئذ لا يخلو من قوة، انتهى.

و كذا لا يبعد القول بالعفو عما تنجس به من الأمور التي يندر انفكاكها غالبا كالعرق و نحوه و ان كانت نجسة كالدم، لخلو الأدلة عن التحرز عنها، بل ظهورها في العفو عن القيح المتنجس به، بل في الذخيرة أنه يمكن استفادته مطلقا من الروايات، و لما في الاجتناب عنها من الشقة و الحرج المنافي لحكمة العفو عن هذا الدم، و لعدم زيادة الفرع على الأصل، إذ لا ريب في ان معنى نجاسة المتنجس بملاقاة النجس هو سريان حكم النجس المباشر اليه، و الفرض أنه معفو عنه.

و من هنا أطلق في الذكرى قوة العفو عن مائع تنجس به، و في المدارك أنه أظهر، و لم يفرقا بين نادر الانفكاك و غيره، و ربما يؤيده اتفاق مجاورة الجروح و القروح للأمكنة التي لا تستغني عن مباشرة الماء و نحوه، فما في المنتهى من الاقتصار في العفو على خصوص الدم لأنه المتيقن لا يخلو من نظر بل منع في نادر الانفكاك.

نعم لو باشر هذا الدم نجاسة أخرى و لو دما بل و لو دم قرح لكن من شخص

ج 6، ص: 107

آخر أو متنجسا بذلك اتجه القول بعدم العفو حينئذ، لا طلاق أدلة الاجتناب من غير معارض حتى في الأخير، إذ ثبوت العفو بالنسبة إلى شخص لا يسري إلى آخر قطعا، و يرجع في مسمى القروح و الجروح إلى العرف، و بعد تحققه لا فرق بين ما كان منها في الظاهر أو الباطن بعد جريان دمهما إلى الظاهر على إشكال في الأخير.

كالإشكال في إلحاق دم البواسير به بناء عليه، للشك في كونها من القروح، و لعله لذا أو لعدم إلحاق البواطن بالظاهر حكم الأستاذ في كشفه بعدمه، فقال: «و ما كان في خروجه من البواطن كدم البواسير و الرعاف و الاستحاضة و نحوها يغسل مع الانقطاع و أمن الضرر و ان بقي الجرح، و يحافظ علي الحفيظة مع الاستدامة كما في المسلوس و المبطون مع عدم التعذر و التعسر» انتهى. و ان كان الظاهر خلافه بعد ثبوت مسمى الجرح و القرح، فتأمل جيدا.

[في العفو عما دون الدرهم من الدم]

و كذا عفي عما دون الدرهم و قيده بعضهم بالوافي و آخر ب البغلي و لعلهما بمعنى كما سيأتي سعة لا وزنا من الدم المسفوح الذي ليس أحد الدماء الثلاثة في الثوب إجماعا محصلا و منقولا في الانتصار و الخلاف و الغنية و المعتبر و المختلف و المنتهى و غيرها، بل و البدن أيضا، و إن أطلق في معقد إجماع الثلاثة الأخيرة، و اقتصر على الثوب في الغنية كالفقيه و جمل المرتضى و المقنعة و المراسم و عن الهداية و المبسوط و كثير، بل و الخلاف و إن كان الموجود فيما حضرني من نسخته ذكر البدن معه أيضا في معقد إجماعه كالانتصار، بل و معقد النسبة إلى مذهب الإمامية في كشف الحق، لكن التدبر و التأمل في كلمات الأصحاب و أدلتهم يعطي عدم الفرق عندهم هنا بين الثوب و البدن، كما اعترف به في المنتهى و عن الدلائل ناسين له إلى ذكر الأصحاب و تصريحهم مشعرين بدعوى الإجماع عليه، بل في الحدائق أن ظاهر الأصحاب الاتفاق، و يقرب منه ما في الرياض و اللوامع، مع ما عرفت من كونهما معقد صريح إجماع

ج 6، ص: 108

الانتصار و الخلاف، و ظاهر إجماع كشف الحق.

فلا يقدح بعد ذلك اختصاص ما ورد(1)من الأخبار هنا في الثوب، سيما مع كون ذلك في أسئلتها، بل قد يظهر من التأمل في أجوبتها إرادة بيان قاعدة لا تختص به، و انه من باب المثال، خصوصا حسن ابن مسلم (2)بل لعله من العام الذي لا يخصه مورده من السؤال، مضافا الى

خبر المثنى بن عبد السلام (3)قال: «قلت للصادق (عليه السلام): إني حككت جلدي فخرج منه دم، فقال: إن اجتمع قدر حمصة فاغسله، و إلا فلا»

لوجوب تنزيله على وزن حمصة يساوي سعة الدرهم، و إلا كان من الشواذ المتروكة حتى لو حمل الأمر فيه على الندب، إذ لم نعثر على مصرح باختصاصه فيه، على أنه لو حمل عليه كان دالا في الجملة على المطلوب، خصوصا مع ضميمة عدم القول بالفصل، بل به يتم الاستدلال أيضا على تقدير إرادة سعة الحمصة، و إن وجب حينئذ طرح منطوق الشرط الأول فيه، و الأوضح ما ذكرناه أولا، و قصور سنده منجبر بما عرفت، بل و دلالته لو سلم المناقشة فيهما بزيادة وزنها عن سعته لو أشيع في البدن أو الثوب بكثير، بل في الرياض احتمال قراءتها بالخاء المعجمة، و هو سعة ما انخفض من راحة الكف، كما عن بعض الأجلة تقدير الدرهم به سعة، لكن قال: إنه يتوقف على القرينة لهذه النسخة، و هي مفقودة.

قلت: بل لم نعرف من حكى هذه النسخة غيره، بل لعلها لا توافق اللغة، فالعمدة حينئذ في الحكم المذكور ما عرفت، فما عساه يظهر من الرياض تبعا للحدائق بل و كشف اللثام من الغمز عليه و الدغدغة فيه في غير محله قطعا، كالتردد في أصل العفو عن المقدار المخصوص حتى في الثوب، أو الميل الى العدم من المحكي عن الحسن، حيث قال: «إذا أصاب ثوبه دم فلم يره حتى صلى فيه ثم رآه بعد الصلاة و كان الدم على قدر


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 6، ص: 109

الدينار غسل ثوبه و لم يعد الصلاة، و إن كان أكثر من ذلك أعاد الصلاة، و لو رآه قبل صلاته أو علم أن في ثوبه دما و لم يغسله حتى صلى غسل ثوبه، قليلا كان الدم أو كثيرا، و قد روي أن لا إعادة عليه إلا أن يكون أكثر من مقدار الدينار» انتهى.

إذ هو مخالف للإجماع بقسميه، و للنصوص المستفيضة التي فيها الصحيح الصريح و غيره، ك

خبر ابن أبي يعفور(1)في حديث، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم به فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلى أ يعيد صلاته؟ قال: يغسله و لا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة».

و

الجعفي (2)عن الباقر (عليه السلام) قال: «في الدم يكون في الثوب إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، و إن كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته، و إن لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد الصلاة».

ك

مرسل ابن دراج (3)عنه أيضا و أبي عبد الله (عليهما السلام) قال: «لا بأس بأن يصلي الرجل في الثوب و فيه الدم متفرقا شبه النضح، و إن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم».

و

حسن ابن مسلم أو صحيحه (4)مضمرا في رواية الكليني، و مسندا للباقر (عليه السلام) في رواية الصدوق، قال: «قلت له: الدم يكون في الثوب علي و أنا في الصلاة، قال: إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل في غيره، و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، و ما كان أقل من ذلك فليس بشي ء رأيته أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 6.

ج 6، ص: 110

الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه».

[في وجوب إزالة الدرهم من الدم]

و هي كما ترى صريحة في المدعى، كما انه صريحة في أن ما زاد عن ذلك أي الدرهم تجب إزالته ان كان مجتمعا و هو كذلك لها، و للإجماع بقسميه عليه، و لإطلاق ما دل (1)على نجاسة الدم و وجوب التطهير منه و من غيره من النجاسات للصلاة.

بل ظاهر المتن ذلك في مقدار الدرهم أيضا، وفاقا لصريح جماعة و ظاهر الفقيه و الهداية و المقنعة و أول ما في الانتصار و الخلاف و الجامع و الوسيلة و الغنية و إشارة السبق و غيرها ممن اقتصر في تقدير العفو عنه على ما دون الدرهم، بل عن المسالك و كشف الالتباس نسبته إلى الشهرة، كما في اللوامع إلى الأكثر، بل في ظاهر السرائر أو صريحها و عن الخلاف الإجماع عليه، كما عن كشف الحق نسبته إلى الإمامية، و ان كان سنذكر ما وجدناه فيهما، لقاعدة الشغل في وجه، و إطلاق أوامر التطهير و إزالة النجاسات و خصوص الدم، و لصحيح ابن أبي يعفور السابق، و مرسل جميل، و أول مفهومي خبر الجعفي مع الاعتضاد و الانجبار بما سمعت.

و

الرضوي (2)«إن أصاب ثوبك دم فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن مقدار درهم واف»

الى آخره.

و

المروي (3)من كتاب علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام) قال: «و إن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله، و لا تصل فيه حتى تغسله»

الى آخره.

و الدينار كما في الوسائل بسعة الدرهم تقريبا.

خلافا لسلار، بل و حكي عن الانتصار، و ستعرف ما فيه، فيعفى عنه كالأقل،


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات.
2- 2 المستدرك- الباب- 15- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 8.

ج 6، ص: 111

للأصل و مضمر ابن مسلم، خصوصا على ما رواه الشيخ من زيادة الواو فيه قبل قوله:

«ما زاد» مع حذف «و ما كان أقل من ذلك» و ثاني مفهومي خبر الجعفي، و الأول بعد تسليمه لا يعارض الدليل فضلا عن الأدلة، كما أن الأخيرين يجب الخروج عن عموم المفهوم فيهما بما تقدم مما دل على الدرهم، خصوصا بعد أوضحية غيرهما منهما سندا و عملا، و لعل معارضة مفهوم خبر الجعفي بمفهوم الأول، بل و خبر ابن مسلم بناء على رواية الكليني و الصدوق اللذين هما أضبط من غيرهما، و على رجوع الإشارة إلى الدرهم كما هو الظاهر لا الزيادة.

و احتمال ترجيح مفهوم الخصم بموافقة الأصل يدفعه بعد تسليم جريانه أنه لا يعارض تلك المرجحات الكثيرة، بل قد يناقش في مفهوم خبر الجعفي بأنه تصريح ببعض المفهوم الأول لا انه شرط يراد منه مفهومه كما لا يخفى على من له خبرة بمعرفة معاني الخطابات و أساليب الكلام، و باحتماله كخبر ابن مسلم أيضا إرادة الدرهم فما زاد، نحو قوله تعالى (1)«فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ» أي اثنتين فما فوق.

و معارضة ذلك باحتمال العكس في المفهوم الآخر يدفعها ما قيل من شيوع التعبير عن الأول في الأخبار، منها

مرسل يونس (2)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن حد المكاري الذي يصوم و يتم، قال: أيما مكار أقام في منزله أو البلد الذي يدخله أقل من عشرة أيام وجب عليه الصيام و التمام، و ان كان له مقام في منزله أو البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير و الإفطار»

لظهور أن المراد عشرة فأكثر، و بأنه لم يرد منه شمول المساوي للدرهم، لوضوح ندرة اتفاقه و معرفته بحيث لا زيادة فيه و لا نقيصة، و لعله لذا اقتصر على إناطة الحكم بالزائد و الناقص دونه.


1- 1 سورة النساء- الآية 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1 مع اختلاف يسير.

ج 6، ص: 112

و هذا و إن خدش ما تقدم من الاستدلال أيضا بالمفهوم الدال على عدم العفو عنه، لكن قد عرفت أنا في غنية عنه بالتصريح به في المرسل و الصحيح السابقين، و الإطلاقات و غيرها.

و احتمال إرادة استحباب الغسل و الإعادة من مقدار الدرهم في الصحيح و المرسل جمعا بين الأدلة ضعيف، لعدم المقتضي و الشاهد، بل هما على خلافه متحققان، مع ما فيه من اقتضاء عدم استحباب الغسل في الأدون، بل استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه، للقطع بقصد إرادة الدرهم مما زاد فيهما، و دعوى عموم المجاز لا شاهد لها، نعم قد يقال ان المراد بالدرهم فيهما ما زاد منه تسامحا، لغلبة عدم معرفة مقدار الدرهم إلا بالزيادة عليه، و إلا فليس المراد المساوي له حقيقة، فيبقى حينئذ ما دل على العفو عنه من غير معارض حتى الإطلاقات، لانقطاعها به.

و لا ينافيه الاقتصار في النص على العفو عما دون الدرهم، لما عرفت من ندرة معرفة مقدار الدرهم بل و لا الفتاوى لذلك أيضا، فلا ظهور فيها حينئذ بعدم العفو عنه حتى ينسب إلى الشهرة من جهته تارة، و الى الإجماع أخرى، و الى تفرد سلار خاصة أو مع المرتضى ثالثة.

و قد يؤيده ملاحظة كلماتهم، فإنهم و ان اقتصروا في أولها على ما دون الدرهم، لكن في أثنائها يذكرون الدرهم، قال في الخلاف أولا: «فإن بلغ مقدار الدرهم وجب إزالة قليله و كثيره، و ان كان أقل من ذلك لم يجب- ثم حكى عن بعض العامة القول بعدم العفو مطلقا، و عن آخر العفو عن المقدار المخصوص مطلقا من أي نجاسة و غير ذلك، الى أن قال-: دليلنا إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط، و لا يلزمنا مثل ذلك في مقدار الدرهم في الدم، لأنا أخرجنا ذلك بدليل، و أيضا فقد علمنا حصول

ج 6، ص: 113

النجاسة و وجوب إزالتها، و من ادعى مقدارا فعليه الدلالة، و نحن إذا ادعينا مقدار الدرهم فلإجماع الفرقة» إلى آخره.

و كذا علق المرتضى (رحمه الله) العفو في أول كلامه في الانتصار على ما دون الدرهم، لكنه ذكر في الأثناء ستة مرات تقريبا ما يقتضي العفو عن الدرهم صريحا أو كالصريح، و منها ما هو كمعقد إجماع الخلاف، تركنا التعرض لها تفصيلا خوف الإطالة.

و في كشف الحق بعد أن علق العفو على ما دون الدرهم ناسبا له إلى الإمامية قال:

«و قال أبو حنيفة: كل النجاسات سواء في اعتبار الدرهم، و قد خالف» إلى آخره.

و ظاهره أن خلافه في تعديه إلى غير الدم خاصة دون المقدار.

و في الجامع و قد عفي عن دم دون سعة الدرهم الكبير في ثوب أو بدن، فان كان متفرقا لو اجتمع لكان بسعة الدرهم فلا بأس به، و هي بأجمعها ظاهرة فيما قلنا، و يزيده تأييدا عدم معروفية عنوان الخلاف في ذلك سابقا، بل أول من ذكره المصنف في المعتبر، و تبعه من تأخر عنه.

و من هنا ظهر لك قوة القول بالعفو عنه، كما أنه ظهر لك ما وقع من بعضهم من الخلل في النقل، فتأمل جيدا.

[في تحديد الدرهم]

و كيف كان ففي الفقيه و الهداية و المقنعة و الانتصار و الخلاف و الغنية و غيرها تقييد الدرهم بالوافي الذي هو درهم و ثلث، بل في كشف اللثام نسبته إلى الأكثر، و قد يشهد له التتبع، بل هو بعض معقد إجماع الثلاثة الأخيرة، و نص الرضوي (1)و لعله مراد بعضهم من البغلي كما يومي اليه جمعهما من آخر، و نسبته إلى مذهب الإمامية في كشف الحق، لما عرفت أن أكثرهم على التعبير الأول، بل في المعتبر و غيره بل عن أكثر كتب المتأخرين التصريح بأنه الوافي، و يسمى البغلي، فما توهمه عبارة السرائر


1- 1 المستدرك- الباب- 15- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 114

في بادئ النظر من كونه خلافه خطأ قطعا، مع أن التأمل فيها يدفعه، فلاحظ.

يؤكد ذلك ما في الذكرى «البغلي بإسكان الغين منسوب إلى رأس البغل ضربه للثاني في ولايته بسكة كسروية، و زنته ثمانية دوانيق، و البغلية تسمى قبل الإسلام الكسروية، فحدث لها هذا الاسم في الإسلام، و الوزن بحاله، و جرت في المعاملة مع الطبرية، و هي أربعة دوانيق، فلما كان زمن عبد الملك جمع بينهما و اتخذ درهما منهما، و استقر أمر الإسلام على ستة دوانيق، فلما كان زمن عبد الملك جمع بينهما و اتخذ درهما منهما، و استقر أمر الإسلام على ستة دوانيق، و هذه التسمية ذكرها ابن دريد» انتهى.

و ما في مجمع البحرين عن بعضهم «انه كانت الدراهم في الجاهلية مختلفة، فكان بعضها خفافا، و هي الطبرية، و بعضها ثقالا كل درهم ثمانية دوانيق، و كانت تسمى العبدية، و قيل البغلية نسبت إلى ملك يقال له رأس البغل، فجمع الخفيف و الثقيل و جعلا درهمين متساويين، فجاء كل درهم ستة دوانيق، و يقال: ان عمر هو الذي

فعل ذلك، لأنه لما أراد جباية الخراج طلب الوزن الثقيل، فصعب على الرعية فجمع بين الوزنين، و استخرجوا هذا الوزن» انتهى.

و هما كما ترى واضحا الانطباق على ما ذكره الأصحاب من أنه درهم و ثلث، إذ الدرهم الذي استقر عليه أمر الإسلام ستة، و هو مع ثلثه ثمانية، فظهر إمكان دعوى تحصيل الإجماع فضلا عن منقوله المعتضد بالرضوي و خبر الدينار المتقدم سابقا على إرادة الوافي المسمى بالبغلي لا غيره.

فما في المدارك- من أن الواجب حمل الدرهم في النص على ما كان متعارفا في زمانهم (عليهم السلام)، لخلو الأخبار عن التقييد، إلى أن قال بعد أن حكى ما تقدم من الذكرى: و مقتضاه أن الدرهم كان يطلق على البغلي و غيره، و ان البغلي ترك في زمن عبد الملك، و هو مقدم على زمن الصادق (عليه السلام) قطعا، فيشكل حمل النصوص عليه، و المسألة قوية الإشكال- واضح المنع بعد ما سمعت.

ج 6، ص: 115

على أن صيرورة درهم المعاملة ستة دوانيق في زمن عبد الملك على أحد النقلين لا يقضي بذهاب تمام أفراد البغلية عن الوجود في نحو زمن الصادق (عليه السلام) فضلا عن إطلاق الاسم عليها، خصوصا مع قرب الزمانين، إذ وفاة عبد الملك كما عن المسعودي و غيره من المؤرخين سنة ست و ثمانين، و مولد الصادق (عليه السلام) ثلاث و ثمانين، مضافا إلى ورود بعض الأدلة عن الباقر (عليه السلام)، بل حكي عن العامة روايته عن النبي (صلى الله عليه و آله)، بل في اللوامع كما عن البهائي إيجاب حمل كلامهم على المتعارف في زمن النبي (صلى الله عليه و آله) و ان لم يكن كذلك في زمانهم، لأن أحكامهم متلقاة منه، و قد استفاضت الروايات المعتبرة(1)بأنها مثبتة عندهم في صحيفة بإملاء رسول الله (صلى الله عليه و آله) و خط علي (عليه السلام).

و إن كان يمكن خدش هذا الأخير بأنه لا تلازم بين ذلك و بين حمل ما به البيان على متعارف زمن النبي (صلى الله عليه و آله) دون الامام المبين الحاكي بالمعنى، كما في كل ناقل، و من هنا لم يتوقف أحد في سائر أبواب الفقه في حمل ألفاظ الصادقين (عليهم السلام) على عرف زمانهم و ان لم يكن عرف النبي (صلى الله عليه و آله) كذلك، كما لا يمنع حدوث اسم لمعنى قديم حمل اللفظ على ذلك المعنى القديم.

فما في السرائر مما يوهم خلاف ذلك ليس في محله، قال فيها: البغلي نسبته إلى مدينة قديمة يقال لها بغل، قريبة من بابل، بينهما قريب من فرسخ، متصلة ببلد الجامعين، تجد فيها الحفرة و النباشون دراهم واسعة، شاهدت درهما من تلك الدراهم، و هذا الدرهم أوسع من الدينار و المضروب بمدينة السلام المعتاد، يقرب سعته من سعة أخمص الراحة، و قال بعض من عاصرته ممن له علم بأخبار الناس و الأنساب: إن المدينة و الدرهم منسوبة إلى ابن أبي البغل، رجل من كبار أهل الكوفة اتخذ هذا الموضع قديما


1- 1 أصول الكافي- ج 1 ص 239 الى 242 المطبوعة بطهران عام 1374.

ج 6، ص: 116

و ضرب هذا الدرهم الواسع، فنسب اليه الدرهم البغلي، و هذا غير صحيح، لأن الدراهم البغلية كانت في زمن الرسول (صلى الله عليه و آله) و قبل الكوفة» انتهى.

و في آخر كلامه ما عرفت، إلا أن يريد قدم التسمية أيضا كما سمعته فيما سبق، لكنه قد ينافيه ما ذكره أولا، بل و غيره في وجه التسمية من النسبة إلى قرية بالجامعين أو متصلة به الذي قد يؤيده ضبط غير واحد له بفتح الغين و تشديد اللام، بل في المدارك نسبة ذلك إلى المتأخرين، كما عن المهذب أنه الذي سمع من الشيوخ مع الرد فيه على ما في الذكرى بأن اتباع المشهور بين الفقهاء أولى من اتباع ابن دريد، اللهم إلا أن يقال كما في الحدائق: إن هذه القرية يمكن أن تكون في زمن النبي (صلى الله عليه و آله) و قبله، لأن بابل و ما قرب منها من البلدان القديمة، و بقاء تلك الدراهم إلى زمن ابن إدريس لا يدل على المعاملة بها، نعم تبقى المنافاة في سبب النسبة و التسمية بين ما ذكره و بين ما تقدم من الذكرى، و هو سهل لا يترتب عليه حكم شرعي.

هذا كله لكن قد يقال: إنه و إن ثبت من جميع ما ذكرت إرادة البغلي من الدرهم في النص و الفتوى أي الوافي الذي وزنه درهم إسلامي و ثلث، إلا أنه لا يرفع الإجمال المقتضي للاقتصار على المتيقن معه، إذ المفيد لرفع ذلك بيان سعته لا وزنه، لكون المدار عليها لا عليه، كما صرح به في كشف اللثام و غيره، بل هو ظاهر كثير من الأصحاب حتى معاقد الإجماعات، كإجماع المرتضى و المصنف في المعتبر و العلامة في المختلف و غيرهم، بل في اللوامع نفي الخلاف عنه بالخصوص، و بذلك تتم دلالة الأخبار و ان أطلق فيها العفو عن قدر الدرهم، و ان كان لولاه لأمكن دعوى ظهورها في إرادة الوزن أو هو مع السعة، بل قد يؤيده تعرض كثير من الأصحاب لضبط الوزن هنا دون المساحة.

لكن قد عرفت ظهور اتفاق الأصحاب على إرادة السعة خاصة، و الفرض أنها

ج 6، ص: 117

غير معلومة، إذ لا دلالة في الوزن عليها مع اختلاف الأصحاب بالنسبة إلى ذلك، ففي السرائر ما سمعته من مشاهدته، و عن الحسن بن أبي عقيل ما تقدم من اعتبار سعة الدينار، بل لا تعارض في كلامه للدرهم، كما أن ما حكي عن أبي علي من التقدير بعقد إبهام الأعلى لا تعرض فيه أيضا للبغلي و ان ذكر الدرهم مقدرا سعته بما سمعت.

و من هنا جعلهما في المعتبر مقابلين للقول بالدرهم البغلي، لكنه قال: و الكل متقارب، و التفسير الأول أشهر مريدا به البغلي، و ان كان قد يرد عليه بأنه ليس في كلامهما ما ينافي إرادة تقدير سعة البغلي.

و قال في الروض بعد أن حكى تفسيري البغلي و ما شاهده ابن إدريس قال:

«و شهادته في قدره مسموعة، و قدر أيضا بعقد الإبهام العليا، و هو قريب من أخمص الكف، و قدر بعقدة الوسطى، و الظاهر أنه لا تناقض بين هذه التقديرات، لجواز اختلاف أفراد الدرهم من الضارب الواحد كما هو الواقع، و إخبار كل واحد عن فرد رآه» انتهى.

لكنه مع الإغضاء عما فيه لا يرفع الاجمال باعتبار اختلاف أفراد المتواطئ إلا أن يراد العفو عن أوسعها مثلا، و لا قرينة عليه، و احتمال عدم الاحتياج إليها بإطلاق الدرهم الشامل لا يخلو من وجه، لكنه قد يمنع أصل الدعوى بظهور الإحالة على إطلاق قدر الدرهم في عدم الاختلاف، مضافا إلى ما عن ولده من الاعتراض عليه أيضا بأنه «انما يتم لو لم يكن في التفسير اختلاف، و إلا فمن الجائز استناد الاختلاف في التقدير إلى الاختلاف في التفسير- إلى أن قال:- و العجب من جماعة من الأصحاب انهم بعد اعترافهم بوقوع الاختلاف هنا قالوا: إن شهادة ابن إدريس في قدره مسموعة مريدين بذلك الاعتماد على التقدير الذي ذكره، و كيف يستقيم ذلك و فرض كون كلامه شهادة مقتض لتوقف الحكم بمضمونها على التعدد، كما هو شأن الشهادة، و مع التنزل فهو مبني على تفسيره».

ج 6، ص: 118

قلت: قد عرفت فيما سبق احتمال اتحاد تفسيري البغلي و ان الاختلاف في وجه النسبة و التسمية خاصة، لكنه من المحتمل إنكار ابن دريد و من تبعه كون ما شاهده ابن إدريس من دراهم تلك القرية من البغلي المفسر بما ذكر، إلا أن أصالة عدم التعدد بعد إمكان الجمع بين التفسيرين ينفيه، فمن هنا كان الركون إلى تقدير ابن إدريس لا يخلو من قوة.

بل يمكن دعوى شهادة القرائن له، كما أنه يمكن إرادة الأصحاب بضبط الوزن بالدرهم و الثلث بيان زيادة مساحته على الدرهم المعروف بقدر زيادة وزنه، فيوافق ما ذكره الحلي حينئذ، و ليس ذلك منه من الشهادة المعتبر فيها التعدد، بل هو من باب الاخبار، كما أنه لا يعارضه التقادير الأخر إما لما ذكره في الروض أو في المعتبر من التقارب، أو لأنه أقوى من غيره باعتبار العلم باستناده إلى المشاهدة دونها.

على أن ما ذكره ابن أبي عقيل ليس تقديرا للدرهم حتى يعارضه، انما ذكره تقديرا للمعفو عنه من الدم مستندا لخبر علي بن جعفر(1)المتقدم القاصر عن إثباته ان لم ينزل على الدرهم، بل و كذا ابن الجنيد لم يذكر ذلك التقدير للبغلي، و أما التقدير بعقدة الوسطى فهو مع عدم معرفة المقدر و لا إرادته تقدير سعة البغلي أو الدم ضعيف جدا، بل في الرياض تشهد القرائن بفساده قطعا، و الله أعلم.

لكن و مع ذلك كله فالاحتياط بعدم الزيادة على المتيقن لا ينبغي تركه، خصوصا فيما نحن فيه من الصلاة اللازم فيها ذلك، تحصيلا للبراءة اليقينية، و اقتصارا فيما خالف الأصل المستفاد من وجوب إزالة النجاسة أو الدم على المقطوع به، و من هنا مال في الرياض تبعا لبعض من تقدمه اليه، و إن كان يمكن المناقشة بمنع مبنى أولهما من مانعية ما شك في مانعيته، لاستصحاب بقاء الثوب على صحة الصلاة به، و لأنه كسائر شبه


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 8.

ج 6، ص: 119

الموضوع التي لا يجب إزالتها، كما لو وجد على ساتره رطوبة لا يعلم كونها من مأكول اللحم أولا، بل هو كاشتباه الدم بين المعفو عنه من دم ذي النفس و غيره كالدماء الثلاثة المصرح في الدروس و اللوامع كما عن الموجز و شرحه و غيرهما بالعفو عنه، و إطلاق أدلة الإزالة بعد العلم بتقييدها الممنوع لها لا وجه للتمسك بها فيما لم يعلم أنه من موضوعها، إذ الأمر آل بعد تخصيص الأدلة و الجمع بينها إلى وجوب إزالة الثلاثة مطلقا بخلاف غيرها، و إلى إزالة قدر الدرهم فما زاد دون الأقل، فمتى لم يعلم كونه من الثلاثة و لا زائدا على الدرهم لم يعلم دخوله في أحد الإطلاقين، فمرجعه حينئذ الضوابط الأخر.

و دعوى أن فائدة العموم و ان خص دخول المشتبه حتى يعلم أنه من الخاص- فيفرق حينئذ بين المشتبه من الدرهم و بين المشتبه بأحد الثلاثة، فيحكم بالعفو في الثاني حتى يعلم أنه من الثلاثة، لا طلاق أدلة العفو، دون الأول حتى يعلم أنه درهم، لا طلاق أدلة الإزالة- خالية عن الشاهد، بل لعل التأمل في أمثالها من الخطابات يشهد بخلافها.

نعم هو مسلم عند اشتباه أصل التخصيص لا بعد العلم به و الشك في أفراد المخصص بالكسر، إذ لا ريب في ظهور التخصيص بثبوت نقيض وصف الخاص للعام، فهو خاص حينئذ و لا مدخلية للعلم في مفاهيم الألفاظ، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[في عدم العفو عن الدماء الثلاثة]

نعم لو علم انه دم حيض لم يعف عن قليله و كثيره بلا خلاف كما في السرائر، بل إجماعا صريحا و ظاهرا في غيرها، و لعله كذلك كما يشهد له التتبع، لا طلاق الأمر بالتطهير من النجاسات و الدم، بل و خصوص أمر النبي (صلى الله عليه و آله) و الصادق (عليه السلام) الحائض بغسل ثوبها منه، ففي

النبوي (1)المروي في كتب فروع الأصحاب دون أصولهم، بل في الحدائق الظاهر أنه من طريق العامة، إلى آخره.

و إن كان لا يقدح فيه مثل ذلك في المقام بعد الانجبار، قال (ص) لأسماء: «حتيه ثم اقرصيه


1- 1 كنز العمال- ج 5 ص 128- الرقم 2643.

ج 6، ص: 120

ثم اغسليه بالماء»

و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر سورة بن كليب في الحائض(1):

«تغسل ما أصاب ثوبها من الدم»

بل يستفاد من جملة أخرى شدة نجاسته و غلظها.

فهذا مع ما قيل- من قصور أدلة العفو عن شموله لندرته، خصوصا مع اختصاص الخطاب فيها بالذكور، و احتمال إصابة ثيابهم من دم الحائض نادر بالضرورة- دليل ثان عليه.

مضافا الى

قول الصادقين (عليهما السلام) في خبر أبي بصير(2)المروي في الكافي بل و موضع من التهذيب كذلك لكن بزيادة «لم» بعد «دم»: «لا تعاد الصلاة من دم تبصره غير دم الحيض، فإن قليله و كثيره في الثوب إن رآه أو لم يره سواء»

المؤيد

بالرضوي (3)«و إن كان الدم حمصة فلا بأس بأن لا تغسله إلا أن يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه»

و قاعدة الشغل في وجه، و المنجبر ضعفه بما عرفت، مع عدم المعارض سوى إطلاق أدلة العفو الممنوع شمولها لمثله، و لو سلم ففيها الخاص المقدم عليها حتى خبر أبي بصير، بناء على إرادة ما دون الدرهم من القليل فيه المعفو عنه من غيره، بل و إن لم يرد منه ذلك يكون التعارض بينها و بينه من وجه، و لا ريب في رجحانه عليها من وجوه.

و يلحق به دم الاستحاضة و النفاس بلا خلاف فيه عندنا كما في السرائر، بل في الخلاف و الغنية الإجماع عليه، كظاهر نسبته إلى الأصحاب من غيرهما، بل قد يشعر به أيضا نسبة الخلاف إلى أحمد في التذكرة، مضافا الى ما دل على كون دم النفاس


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 16- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 121

حيضا احتبس، و إلى غلظ النجاسة فيه و في الاستحاضة باعتبار حدثيتهما.

فما تفرد به المحدث البحراني في حدائقه من إلحاقهما بالمعفو عنه لا طلاق أدلة العفو ضعيف جدا، إذ لا أقل من الشك في الشمول لما سمعت، فيبقى ما دل على الإزالة لا معارض له، كما هو واضح.

[في حكم ما دون الدرهم من دم غير المأكول]

بل قد يشك في شمولها لدم الكلب و الخنزير فيلحقان حينئذ بدم الحيض كما هو خيرة الطوسي في وسيلته و عن القطب الراوندي، بل مطلق نجس العين الشامل لهما و للكافر و الميتة كما في صريح قواعد الفاضل و إرشاده، بل و مختلفه و منتهاه و الدروس و البيان و المعالم و الرياض و ظاهر الروض و التنقيح و جامع المقاصد، فيبقى الأصل المستفاد من تلك الإطلاقات بلا معارض، مضافا إلى ظهور ملاحظة الحيثية و اعتبارها المستلزم لعدم العفو عن ذلك باعتبار زيادة نجاسة الدم بملاقاته جسد نجس العين، فيكون كتنجسه بنجاسة خارجية، فالعفو عن الدم من حيث أنه دم لا يقتضيه، و إلى

موثق ابن بكير(1)المجمع على تصحيح ما يصح عنه «ان الصلاة في كل شي ء حرام أكله فالصلاة في و بره و شعره و بوله و كل شي ء منه فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما أحل الله تعالى أكله».

بل منه و من سائر ما دل (2)على المنع من فضلات ما لا يؤكل لحمه يستفاد عدم العفو عن مطلق دم غير المأكول من حيث أنه من فضلاته و ان عفي عنه من حيث أنه دم، كما هو خيرة الأستاذ في كشفه.

و ربما يؤيده في الجملة- مضافا إلى استبعاد العفو عن قليل دمه مع نجاسته و عدمه


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب لباس المصلي- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب النجاسات.

ج 6، ص: 122

في القليل من فضلاته مع طهارته-

قول الصادق (عليه السلام) في مرفوعة البرقي(1):

«دمك أنظف من دم غيرك، إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس، و إن كان دم غيرك قليلا كان أو كثيرا فاغسله»

و ما عن

الفقه الرضوي (2)«و أروي أن دمك ليس مثل دم غيرك»

و ان كان لفظ الغير أعم من المأكول.

بل في الحدائق اختيار العمل بمضمونها، فألحق بدم الحيض مطلق دم الغير، و حكاه عن الأمين الأسترابادي، و هو أغرب من مختار الأستاذ، و لا ريب في ضعفه بل بطلانه، لإمكان تحصيل الإجماع على خلافه حتى منه فيما تقدم من صريح كلامه أو ظاهره، و لقصور دليله بالضعف و الإرسال و الهجر عن مقاومة ما تقدم، خصوصا لو قلنا بكون معارضته لها بالعموم من وجه باعتبار عموم القليل فيه للدرهم و غيره.

بل قد يناقش في مختار الأستاذ أيضا، فإنه و إن كان بين أدلة العفو عن الدم و بين أدلة المنع عن فضلات ما لا يؤكل لحمه تعارض العموم من وجه، إلا أن التأمل في كلام الأصحاب و معاقد إجماعاتهم- خصوصا اقتصارهم على استثناء الثلاثة أو مع نجس العين، مع معروفية البحث منهم في الأخير حتى ادعى الإجماع ابن إدريس على مساواته لغيره، مع قوة دلالة أخبار العفو بالنسبة إلى ذلك و إن كان بترك الاستفصال في بعضها، و ضعف أدلة الفضلة بالنسبة اليه و إن كان بالعموم اللغوي- يشهد للأولى و يرجحها، و بعد فرض شمولها له يلزمها اضمحلال حيثية منع الفضلة، إذ تكون حينئذ كالنص على العفو عن دم غيره المأكول اللازم له اضمحلال تلك الحيثية قطعا، و إن كان يمكن الفرق بين النص على العفو عن الدم المفروض و بين إطلاق العفو الشامل لملزوم تلك الحيثية و غيره بظهور اضمحلال الحيثية مع الأول، و إلا لكان عبثا أو كالعبث،


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
2- 2 البحار ج 18 ص 21.

ج 6، ص: 123

بخلاف الثاني، لكن ملاحظة نصوص المقام و كلمات الأصحاب تشرف الفقيه على القطع بعدم اعتبار حيثية الفضلة هنا و تبعيتها في العفو الدم، فلا ينبغي الإطناب في تكثير السؤال و الجواب.

نعم قد يتجه اعتبار الحيثية في نحو دم نجس العين لحصول نجاسة معه غير نجاسة الدم، و من المعلوم أن العفو انما هو عن الدم من حيث أنه دم، مع أن المشهور كما في المنتهى عدم اعتبارها أيضا، بل لعله ظاهر جميع الأصحاب عدا من علم خلافه، بل كاد يكون صريح اقتصارهم على استثناء الثلاثة، بل في السرائر بعد أن حكى عن الراوندي ما سمعت «و هذا خطأ و زلل عظيم فاحش، لأن هذا هدم و خرق لإجماع أصحابنا».

قلت: بل لعله الأقوى في النظر، لا طلاق الأدلة بل عمومها المستلزم عرفا لاضمحلال مثل هذه الحيثية التي هي من لوازم هذا الدم، و ان قلنا بملاحظتها في العارضة له، كملاقاة محل الدم من الثوب مثلا لبول و نحوه.

و دعوى انصرافها إلى غيره لندرة إصابته ممنوعة، لعدم مدخلية ندرة الإصابة في صدق اسم الدم و شموله، و المعتبر هو لا هي، بل قد يدعى اضمحلال الحيثية أيضا فيما لو لاقى الدم قبل أصابته نجاسة استهلكها ثم أصاب، لعدم صدق النجاسة بغير الدم، فلا يجري على المتنجس به غير أحكامه، كعدم قابلية الدم للنجاسة بها استصحابا لحاله السابق السالم عن المعارض، ضرورة عدم تناول ما دل على نجاسة الملاقي للنجاسة لمثله.

فما في المختلف مشنعا على الحلي بأنه شنع على القطب بغير الحق في غير محله، نعم قد يتوجه عليه أنه مناف لما ذكره في باب نزح الآبار من ملاحظة نحو هذا الاعتبار حيث فرق بين موت الإنسان في البئر بين المسلم و الكافر لهذه الحيثية، و قد أنكرنا و أنكروا عليه هناك ذلك، فالعجب من إقراره هنا و إنكاره هناك، كالعجب من إقرار غيره هناك و إنكاره هنا، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

ج 6، ص: 124

فظهر لك من ذلك كله بحمد الله صحة اقتصار المصنف و غيره على استثناء الثلاثة خاصة، لكن قد يوهم تقييده بالمسفوح عدم العفو في قليل غيره أو عدم نجاسته، و قد عرفت عند البحث على نجاسة الدم ما يرفع الثاني، كما أنه قد عرفت هنا ما يرفع الأول، و كذا كلام ابن زهرة يوهم اختصاص العفو عن المقدار المذكور بدم القروح و الجروح مع سهولة الإزالة، لكن يجوز إرادته ما عدا الثلاثة منهما.

و لا يلحق بالدم غيره من النجاسات و ما تنجس بها، للأصل السالم عن المعارض، فيجب إزالة قليلها و كثيرها، أما ما تنجس به من المائع ففي المنتهى و البيان و الحدائق وجوب إزالته و ان قل، للأصل أيضا مع عدم لزوم ثبوت ما في الأصل في الفرع، و لأن الاعتبار بالمشقة المستندة إلى كثرة الوقوع المنتفية فيما نحن فيه، و ربما مال إليه في الذخيرة بعد التأمل في المسألة و التردد.

لكن قد يقوى إلحاقه به كما عن النهاية احتماله، بل عن المعالم اختياره، فيعفى عما دون الدرهم منه، للأولوية المستفادة من عدم زيادة الفرع على الأصل، و لأن معنى نجاسة المتنجس بالملاقاة انتقال أحكام النجس اليه لا غيرها، و لمناسبة التخفيف المقتضي لمشروعية الأصل، و للشك في تناول أدلة الإزالة لمثله، مع عدم مانعية ما شك في مانعيته.

و لا فرق في ذلك بين المتنجس بالدم قبل إصابة الثوب مثلا و بعده، و لا بين المتنجس بمقدار المعفو عنه من الدم و الزائد، و ان نص في جامع المقاصد و الروض و المدارك و اللوامع على العفو عما تنجس بالمعفو عنه من الدم خاصة، لكن مرادهم المثال قطعا، كما يومي اليه تعليلهم، و لا بين تعدي ما أصاب من الرطوبة عن محل الدم و عدمه، و إن خص في الموجز بالثاني.

نعم لو زاد المتنجس به و لو عرفا عن الدرهم أو هو مع المتصل به من الدم اتجه المنع حينئذ، للأصل من غير معارض، و إن أطلق قوة العفو في الذكرى، فقال:

ج 6، ص: 125

«و إن أصابه مائع طاهر فالعفو قوي، لأن المتنجس بشي ء لا يزيد عليه، و لمس الحاجة» انتهى.

و في ثبوت العفو عن المقدار المخصوص في المحمول من الثوب و نحوه بناء على منع حمل النجاسة في الصلاة إشكال كما في المنتهى بل و النهاية، من عموم الرخصة، و انتفاء المشقة، لكن يقوى الأول للأولوية أو المساواة، أما بناء على جواز حمل النجاسة في الصلاة فلا ريب في الجواز بل و لو كان كثيرا، و إن خبط بعض متأخري المتأخرين، فاستدل بأدلة جواز الحمل على مفروض المسألة السابق.

و مما ذكرنا يعرف الحال في حمل ما أصابه دم القروح لذي القروح و ان كان لا يخلو من إشكال.

و لو تفشي الدم من أحد جانبي الثوب إلى الآخر فدم واحد عرفا، وفاقا للثانيين من غير فرق بين الصفيق و غيره، بل و المنتهى أيضا و إن فرضه في الأول، و خلافا للذكرى و البيان، فاثنان في الثاني، و العرف شاهدنا عليهما، نعم لو كان لا بالتفشي اتجه ذلك حتى في الصفيق كما صرح به في المنتهى، و الحكم باتحادهما من غير العالم بالحال لا يجدي، و يعتبر التقدير مع اتحاد الدم بأوسع الجهتين على تأمل.

[في حكم المتفرق الزائد عن مقدار الدرهم]

هذا كله في حكم الزائد عن الدرهم و الناقص حال كون الدم مجتمعا، و أما إن كان متفرقا فلا إشكال بل و لا خلاف في مساواته للمجتمع في العفو عنه مع عدم الزيادة، للأولوية و إطلاق الأدلة و خصوص صحيح النقط(1)فما يوهمه ظاهر عبارة الروضة من وقوع الخلاف فيه ليس في محله.

نعم هو في المتفرق الزائد عن الدرهم ف قيل و اختاره في المبسوط و السرائر و النافع و المدارك و الحدائق و الذخيرة و عن التلخيص و الكفاية و الأردبيلي و ابن سعيد،


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 126

بل في الذكرى أنه المشهور، لكن لم أتحققه، كما أني لم أجده في جامع الأخير، بل لعل الموجود فيه خلافه هو عفو و إن احتاط بالإزالة في الأولين.

و قيل: تجب إزالته كالمجتمع، و اختاره في المراسم و الوسيلة و المنتهى و المختلف و القواعد و كشف الأستاذ و البيان و الذكرى و التنقيح و جامع المقاصد و الروض و الروضة و اللوامع و عن التحرير و نهاية الأحكام و التذكرة و حاشية الشرائع و كشف الالتباس ناسبا له إلى الشهرة في الأخير، كالروض و غيره إلى أكثر المتأخرين.

و قيل: لا يجب إزالته إلا أن يتفاحش و اختاره الشيخ في ظاهر النهاية أو صريحها كالمصنف في المعتبر.

و الثاني لا الأول أظهر لأصالة وجوب إزالة النجاسة بل و الشغل في وجه، و إطلاق دليل المنع الشامل للمجتمع و المتفرق من الأخبار و معاقد الإجماعات بعد منع انصرافه للأول، كمنع تقييدها بمفهوم

قول الصادقين (عليهما السلام) في مرسل جميل(1): «لا بأس بأن يصلي الرجل في الثوب فيه الدم متفرقا شبه النضح، و ان كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم»

و

الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن أبي يعفور(2)بعد أن سأله «عن الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلى، أ يعيد صلاته؟ قال: يغسله و لا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا، فيغسله و يعيد صلاته»

لإرسال الأولى، بل في سندها علي بن حديد مع عدم تحقق الجابر و إن حكيت الشهرة، بل لعل الموهن محقق، و ابتناء دلالة الصحيحة على أن يكون «مجتمعا» خبرا و لو بعد خبر بإرادة المركب منهما نحو الرمان حلو حامض، و فيه منع، لاحتماله الحالية المحققة لا المقدرة التي هي كقولهم: «مررت برجل معه صقر صائدا به غدا أي مقدرا فيه الصيد، لما قيل من


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 127

الاتفاق باشتراطها باختلاف زمانها مع زمان العامل المفقود هنا ضرورة اتحاد زمان كون الدم مقدار درهم و الاجتماع، بخلاف ما ذكرنا، إذ المعنى عليه إلا أن يكون هذا الدم مقدار درهم في حال اجتماعه أي لو اجتمع، و هذا لا يقتضي كونها مقدرة بعد اتحاد الزمان كما عرفت.

و المناقشة فيه باختصاص دلالتها حينئذ على المتفرق المقدر فيه الاجتماع دون المجتمع فعلا مدفوعة بالتزامه أولا لمناسبة السؤال و الاستدلال على الآخر بغيرها، و بمنعه ثانيا، لدلالتها عليه بمفهوم الموافقة، كالمناقشة بأن إرادة المحققة تقتضي اشتراط الاجتماع المطلوب للخصم، لما سمعت من إرادة التقدير منها بالمعنى السابق بملاحظة السؤال، و كأنه لحظ هذا المعنى أو ما يقرب منه من وصفها بالمقدرة لا السابقة، أو أنه يمنع الشرط المتقدم فيها، فيراد بها حينئذ ما يشمل ما نحن فيه، على أن جعله خبرا مستلزم لانقطاع المستثنى، إذ مفروض السؤال عن النقط المتفرقة الظاهرة في الأقل من الدرهم.

و مما عرفت تظهر المناقشة في دلالة المرسل أيضا، لاحتماله الحالية من الضمير المستتر الراجع إلى الدم المتفرق.

فبان حينئذ قصورهما عن معارضة ما عرفت المؤيد باستبعاد الفرق في القدر المخصوص بين الاجتماع و عدمه، كاستبعاد التزام القول بصحة الصلاة بناء على القول الأول و ان استغرق الدم الثوب، إذا فرض نقصان كل مجتمع عن الدرهم و فصله عن مثله بقدر جزء غير منقسم مع القول ببطلانها من إصابة درهم واحد مجتمع، و الاحتراز عن ذلك بقيد التفاحش كما هو قول المصنف لم نعرف له مستندا، كما اعترف به غير واحد، سوى المرسل المحكي في البحار عن

دعائم الإسلام (1)عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) «إنهما قالا في الدم يصيب الثوب: يغسل كما تغسل النجاسات،


1- 1 المستدرك- الباب- 15- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 128

و رخصا في النضح اليسير منه و من سائر النجاسات مثل دم البراغيث و أشباهه، قال:

فإذا تفاحش غسل».

و هو مع ضعفه و انحصار العامل به في النهاية و المعتبر، بل في كشف اللثام انه يمكن تنزيل عبارة النهاية على معنى غير ذلك مشتمل على ما لا نقول به من سائر النجاسات، مضافا إلى إجمال المراد بالتفاحش، ففي المعتبر انه اختلف فيه قول الفقهاء يعني من العامة، فبعض قدره بالشبر، و بعض بما يفحش في القلب، و قدره أبو حنيفة بربع الثوب، و الوجه المرجع فيه إلى العادة، و ان كان ما استوجهه وجيها لو كان معلقا عليه الحكم في خبر معتبر.

ثم انه لا فرق على المختار من اعتبار التقدير في المتفرق بين الثوب الواحد و الثياب المتعددة، فيعتبر بلوغ مجموع ما فيها قدر الدرهم كما صرح به الثانيان في الجامع و المسالك و غيرهما، لظهور الأدلة في التعميم، بل قد يراد بالثوب في السؤال الجنس الشامل للمتعدد، فاحتمال اعتبار كل واحد منها منفردا ضعيف، كضعف احتمال ذلك بالنسبة للبدن، فيعتبر حينئذ ضم ما في البدن إلى الثوب كالثياب المتعددة، لا أنه يعتبر كل منها بانفراده، و ان احتمله في الروض، لكنه صرح في المسالك بما ذكرنا لما عرفت.

[في حكم ما لا تتم الصلاة فيه منفردا]

و يجوز الصلاة في كل ملبوس مما لا تتم الصلاة فيه من الرجل منفردا لعدم تحقق الستر به و ان كان فيه نجاسة لم يعف عنها في غيره مما يتم الصلاة به منفردا بلا خلاف محقق أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل عليه الإجماع تحصيلا و نقلا في الانتصار و الخلاف و السرائر صريحا، و التذكرة و غيرها ظاهرا، و هو الحجة بعد النصوص المستفيضة المنجبر ضعف بعضها بما تقدم.

ك

قول أحدهما (عليهما السلام) في موثق زرارة(1): «كل ما كان لا تجوز


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 129

الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يكون عليه الشي ء، مثل القلنسوة و التكة و الجورب».

و

الصادق (عليه السلام) في مرسل عبد الله بن سنان (1)«كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا يجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلي فيه و ان كان فيه قذر، مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل و الخفين و ما أشبه ذلك».

و في

مرسل حماد بن عثمان (2)الذي هو كالصحيح في وجه «في الرجل يصلي في الخف الذي قد أصابه قذر إذا كان مما لا تتم الصلاة فيه فلا بأس».

و في

مرسل ابن أبي البلاد(3)«لا بأس بالصلاة في الشي ء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيبه القذر، مثل القلنسوة و التكة و الجورب».

و

خبر زرارة(4)بعد أن قال له: «إن قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها و وضعتها على رأسي ثم صليت، فقال: لا بأس»

المتمم دلالته على غير القلنسوة مما لا تتم الصلاة فيه بما عرفت، و بعدم القول بالفصل بينها و بينه الذي لا يقدح فيه ما عن القطب الراوندي و أبي الصلاح و سلار من الاقتصار عليها و التكة و الجورب و الخف و النعل مع عدم صراحته في الخلاف، بل و لا ظهوره عند التأمل، و إلا كانوا محجوجين بلفظ «كل» و مثل «و ما أشبه» في النصوص و معاقد الإجماعات و غيرها.

نعم لا يلحق بها العمامة قطعا و إن عدها منها في الفقيه تبعا للفقه الرضوي (5)لكونها مما تتم بها الصلاة، فتبقى على أصالة الإزالة، اللهم إلا أن تحمل على عمامة لا تتم بها الصلاة، كما يومي اليه تعليل الجواز فيهما بذلك، فيكون النزاع لفظيا، و إلا فاحتمال القول بالعفو عن نجاستها و ان تمت بها الصلاة لأصالة البراءة مع عدم دليل على وجوب


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب النجاسات- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
5- 5 المستدرك- الباب- 24- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 130

الإزالة عن غير الثياب و ليست منها في غاية الضعف، لكونها من الثياب قطعا، و لظهور المفهوم في الأخبار السابقة بالمنع عما تمت به الصلاة المؤيد بإشعار ترك استثنائها منه مع ظهورها و كثرة الاحتياج إليها، بل هي أولى في التنبيه مما لا تتم به الصلاة، و بالإجماع ظاهرا على عدم الفرق في اشتراط طهارة الملبوس بين الثوب و غيره إذا كان مما تتم به الصلاة، كاحتمال القول ان العمامة مما لا تتم الصلاة بها باقية على هيئتها، إذ لا عبرة بإمكان الستر بغير تلك الهيئة، و إلا لكانت القلنسوة و نحوها مما تتم بها الصلاة في بعض الأحوال، لأنه كما ترى مستلزم لجواز الصلاة في كل ثوب مطوي مع نجاسته، و هو سفسطة كما اعترف به المجلسي على ما حكي عنه في حاشية الفقيه، إذ من الواضح الفرق بين الامكانين: أي إمكان التستر بالقلنسوة، و إمكانه بالعمامة، على أن ترك التمثيل بها لما لا يتم و التمثيل بالقلنسوة و نحوها له مع ظهورها و كثرة الاحتياج إليها و أولويتها بالتنبيه عليها كالصريح في كونها ليست منه.

ثم لا فرق في النجاسة بين القليلة و الكثيرة، و لا بين دم الحيض و غيره، و لا بين كون النجاسة من نجس العين و غيره، لظاهر النصوص و الفتاوى، لكن قد يتأتى البحث السابق في الدم، فلا يعفى عن مثل الأخير، بل كل نجاسة من غير المأكول لا للنجاسة بل لحصول مانع آخر، و هو فضلة غير المأكول، و لا دليل على العفو عنها، لعدم التلازم بعد اختلاف الحيثيتين، بل في التنقيح عن بعض الأصحاب المنع هنا أيضا مع غلظ النجاسة كدم الحيض و أخويه.

قلت: إلا أن ظاهر الأصحاب و النصوص هنا عدم اعتبار الحيثية و الغلظ المذكورين، بل هو صريح بعضهم، و هو يؤيد ما تقدم لنا سابقا.

كما انه منه بمفهوم الموافقة يستفاد حينئذ العفو عن فضلة غير المأكول غير النجسة على القلنسوة و نحوها مما لا تتم الصلاة به.

ج 6، ص: 131

و كذا لا فرق فيما لا تتم فيه الصلاة بين كونه من جنس الساتر كالقلنسوة و نحوها و عدمه كالحلي من الخاتم و الخلخال و السوار و الدملج و المنطقة و السيف و السكين و نحوها بعد صدق اسم الملبوس، لعموم الأدلة و خصوص إجماع السرائر، فليس العفو عن نجاستها حينئذ مبنيا على جواز حمل النجس في الصلاة.

و من هنا صرح في السرائر و المنتهى بالعفو فيها، بل ادعى الأول عليه الإجماع، و ان منع فيهما حمل النجس مع عدم صدق اسم اللبس عليه و ان كان مما لا تتم فيه الصلاة، لكن يمكن المناقشة فيه بدعوى مجازية إطلاق اسم الملبوس على أكثرها ان لم يكن جميعها، خصوصا في السيف و السكين و نحوهما، فمع فرض تنزيل أدلة العفو على إرادة الملبوس دون المحمول لا تشملها حينئذ، و لا ينافيه العموم اللغوي فيها، إذ أقصاه شمول الأفراد الحقيقية و ان كانت نادرة لا المجازية، اللهم إلا أن يمنع عدم صدق اللبس عليها حقيقة، أو يراد بالملبوس هنا ما يشملها بقرينة ذكر الخف و النعل و التكة و الكمرة، و هي على ما قيل كيس للذكر خوف الاحتلام مما لا

تتم الصلاة فيه، أو يدعى دوران الحكم على صدق الصلاة فيه أو و هو عليه، كما في مرسل ابن سنان المتقدم (1)و ان كانت لا تتم به، و هما أعم من صدق اللبس، و غير مستلزم لجواز حمل المتنجس، لعدم صدق الظرفية معه.

هذا كله إن لم نقل بجواز حمل المتنجس في الصلاة غير الثوب و نحوه مما تتم به الصلاة، و إلا فلا إشكال في العفو عنها، إذ هي ان لم تكن كما ذكرنا فبحكم المحمول قطعا، و لعل الأقوى فيه ذلك وفاقا للمعتبر و المدارك و المعالم و الذخيرة و الحدائق و اللوامع و غيرها و منظومة الطباطبائي و كشف الأستاذ، للأصل السالم عن معارضة دليل معتبر، بناء على المختار من جريانه في العبادة في نحو ذلك، و فحوى صحيح الثالول في وجه،


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 6، ص: 132

بل ينبغي القطع به فيما لا تتم به الصلاة من الملبوس، لأولويته من اللبس، و مرسل ابن سنان السابق، و إمكان اندراجه في بعض أدلة العفو أيضا، لمنع ظهورها في حال اللبس فضلا عن كونه في محالها و ان توهمه بعض.

بل قد يستفاد من صحيح الثالول (1)بناء على ذلك الوجه العفو عن حمل النجاسة نفسها أيضا التي هي جزء ميتة كما هو صريح كشف الأستاذ، بل و ظاهر غيره.

لكن قد يشكل أولا بدعوى مانعية الميتة للصلاة لنفسها لا من حيث النجاسة، كما تعطيه بعض الأدلة و العبارات، إلا أنها قد تمنع، أو تسلم و يدعى العفو عنها في المحمول أيضا.

و ثانيا بمفهوم

مكاتبة عبد الله بن جعفر(2)الى أبي محمد (عليه السلام) «يجوز أن يصلي و معه فأرة مسك، فكتب لا بأس به إذا كان ذكيا».

و

صحيح علي بن جعفر (عليه السلام)(3)«سأل أخاه عن الرجل يصلي و معه دبة من جلد حمار أو بغل، قال: لا يصلح أن يصلي و هي معه»

و

خبر علي بن أبي حمزة(4)«إن رجلا سأل أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا عنده عن الرجل يتقلد السيف و يصلي فيه، قال: نعم، فقال الرجل: إن فيه الكيمخت، قال: و ما الكيمخت؟ قال: جلود دواب، منه ما كان ذكيا و منه ما كان ميتة، فقال: ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه».

إلا أنها لمكان اختصاصها جميعا بالميتة- و عدم الجابر للمحتاج اليه منها كعدم صراحة الأولين في المنع و الثاني في الميتة، فكما يمكن حمله عليها يمكن حمله على الكراهة،


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب لباس المصلي- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 60- من أبواب لباس المصلي- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 55- من أبواب لباس المصلي- الحديث 2.

ج 6، ص: 133

و ابتناء الأول على نجاسة الفأرة من غير المذكى، و فيه بحث قد مر، و احتمال الثالث الاندراج في الملبوس دون المحمول- أعرض عنها بعض الأصحاب، فأجاز حمل كل نجاسة ميتة أو غيرها.

لكنه لا يخلو من إشكال، بل لا يبعد التفصيل بين الميتة و غيرها، فيقتصر في المنع على الأولى، لما سمعت من الأخبار و غيرها الدالة على المنع منها حتى في شسع النعل السالمة عن المعارض، لتنزيل صحيح الثالول على الطهارة لا النجاسة و العفو كما عرفته فيما مر، و ان استند اليه هنا في الذكرى و كشف الغطاء، دون الثانية للأصل.

و منه حينئذ ينقدح أولوية المنع فيما اتخذ ملبوسا منها و ان كان لا تتم به الصلاة، بل لعل الخبر الأخير صريح فيه، أما إذا كان متخذا من غيرها كشعر نجس العين ففي كشف الأستاذ المنع معللا له بظهور أدلة العفو من حيث النجاسة، فلا يشمل المنع من جهة أخرى كعدم المأكولية، و يلزمه عدم العفو عما تنجس بدم غير المأكول و نحوه مما لا تتم به الصلاة، و فيه منع واضح يعرف مما تقدم، فالأولى التعليل بظهور أدلة العفو في المتنجس مما لا تتم به الصلاة لا النجس، فيبقى على أصل اشتراط الطهارة في ملبوس المصلي، اللهم إلا أن يدعى المساواة أو عدم القول بالفصل، و هما كما ترى.

و أما حمل ما تمت به الصلاة كالثوب و نحوه فظاهر القائل بالعفو العفو فيه أيضا، بل هو صريح بعضهم للأصل.

لكن قد يشكل بمفهوم بعض أدلة العفو، و دفعه- بإرادة اللبس في المنطوق، فيكون المفهوم عدمه عن لبس غير ما لا تتم الصلاة به لا حمله- لا يتم في مرسل ابن سنان المتضمن للحمل، بل و غيره بناء على ظهوره في العفو عما لا تتم الصلاة به محمولا و ملبوسا.

نعم قد يمنع حجية المفهوم في مثلها أو دلالته على المنع، لأعمية البأس منه، فيبقى

ج 6، ص: 134

الأصل حينئذ سالما، و هو لا يخلو من قوة، فتأمل جيدا، فان كلام الأصحاب لا يخلو من نظر بل و اضطراب.

لكن مما ذكرنا يعرف أن ما في السرائر- من عدم العفو عن نجاسة غير الملبوس مما لا تتم الصلاة به معللا له بأنه يكون حينئذ حاملا للنجاسة كما في المنتهى و المختلف و الموجز و البيان و كشف اللثام، بل في الأخير أنه ظاهر الأكثر مع زيادة التمثيل في الأول بالدراهم النجسة و غيرها، بل فيه التصريح أيضا بعدم العفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة به إذا كانت في غير محلها كالتكة على الرأس، و الخف في اليد، كظاهر القواعد أو صريحها و البيان و الموجز و عن التذكرة و التحرير، بل في السرائر أيضا و القواعد و عن المبسوط و الجواهر و الإصباح و الجامع التصريح بفساد الصلاة مع حمل القارورة المشتملة على النجاسة المشدود رأسها بشمع و نحوه- لا يخلو من نظر بل منع.

على أن الشيخ في الخلاف قال في القارورة: «إنه ليس لأصحابنا فيها نص، و الذي يقتضيه المذهب عدم النقض- لكن قال بعد ذلك-: و لو قلنا إنه يبطل الصلاة لدليل الاحتياط كان قويا، و لأن على المسألة إجماعا، فإن خلاف ابن أبي هريرة لا يعتد به» انتهى. و مراده الإجماع من العامة قطعا كما لا يخفى على من لا حظ عبارته.

و في المنتهى في القارورة أيضا بعد أن حكى عن المبسوط و ابن إدريس و أكثر الجمهور البطلان قال: «و لو قيل بالصحة من حيث أن الصلاة لا تتم به منفردا كان وجها، هذا إن قلنا بتعميم جواز الدخول مع نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه منفردا، و إلا فالأقوى ما ذكره الشيخ في المبسوط، و ان كان لم يقم عندي عليه دليل، و قول الجمهور انه حامل نجاسة فتبطل صلاته كما لو كانت على ثوبه ضعيف، إذ الثوب شرط الدخول به في الصلاة الطهارة» انتهى. و هو كما ترى.

و في كشف اللثام بعد أن خص العفو في الملابس مال إلى جواز حمل النجاسة

ج 6، ص: 135

كالقارورة و نحوها إلى غير ذلك من عباراتهم.

و كيف كان فالتحقيق ما عرفت من العفو عما لا تتم به الصلاة ملبوسا أو محمولا أو غيرهما، بل و ما تتم به الصلاة إذا كان محمولا كما سمعت، للأصل في بعض، و ظاهر الأدلة في آخر، و كان بحث الأصحاب في خصوص القارورة تبعا للعامة، حيث أنهم لما منعوا من نجاسة ما لا تتم به الصلاة و أجازوا نحو حمل الحيوان الطاهر مأكولا أو غير مأكول، لأن

«النبي (صلى الله عليه و آله) حمل امامة بنت أبي العاص»(1)

و

«ركّب الحسن و الحسين (عليهما السلام) على ظهره صلوات الله عليه و هو ساجد»(2)

و لأن النجاسة في المحمول كالحامل قال بعضهم بالجواز أيضا في نحو القارورة قياسا على ذلك، و لذا فرض شد رأسها بالرصاص و نحوه ليتم القياس.

و فيه انه قياس مع الفارق، لصدق حمل النجاسة في الثاني و لو بواسطة أو وسائط دون الأول، و لذا كان المتجه فيه الصحة و ان قلنا بعدم جواز حمل النجاسة في الصلاة، كما صرح بها في المعتبر و المنتهى و القواعد و الذكرى و كشف اللثام، بل في الأخير أنه لا خلاف فيه، لما سمعته من حمل النبي (صلى الله عليه و آله) الحسنين (عليهما السلام) و أمامة، و ترك الاستفصال في

صحيح علي بن جعفر(3)«سأل أخاه عن رجل صلى و في كمه طير، قال: إن خاف عليه الذهاب فلا بأس».

نعم لو ذبح الحيوان غير المأكول ففي الذكرى و جامع المقاصد كان كالقارورة، لصيرورة الظاهر و الباطن المشتمل على النجاسة سواء بعد الموت، و زاد في الثاني و لأن حمل جلد غير المأكول و لحمه ممنوع منه في الصلاة، و ان كان ذلك منهما لا يخلو من بحث


1- 1 كنز العمال- ج 4 ص 233- الرقم 4924.
2- 2 المستدرك- الباب- 29- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1 و 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 60- من أبواب لباس المصلي- الحديث 1.

ج 6، ص: 136

و نظر، خصوصا الأخير، لمنع شمول أدلة عدم الجواز في غير المأكول للمحمول، فتأمل.

و كذا لا يندرج في المحمول بل و لا فيما وجبت إزالته للصلاة الدم النجس إذا أدخله تحت جلده فنبت عليه اللحم، و الخيط النجس إذا خاط به جلده، و الخمر الذي شربه، و الميتة التي أكلها و نحو ذلك، للأصل و ظهور أدلة الإزالة في غيره، و التحاقه بالباطن و صيرورته من التوابع كنجاساته.

فما في التذكرة من وجوب إزالة ذلك الدم للصلاة، كظاهر المنتهى و محتمل الدروس و غيرها محل منع، و أشد منه منعا ما عن ظاهر البيان من جريان ذلك حتى في دم الإنسان نفسه، نعم قد يتجه القول بوجوب القي ء في نحو الأخيرين مع الإمكان كما في المنتهى و عن غيره، لحرمة الاستدامة كالابتداء، و ل

خبر عبد الحميد بن سعيد(1)قال: «بعث أبو الحسن (عليه السلام) غلاما يشتري له بيضا فأخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بهما، فلما أتى به أكله، فقال له مولى له: إن فيه من القمار، قال:

فدعا بطشت فتقيأه فقاءه».

فلو لم يفعل و صلى مع السعة و إمكان القي ء بني الصحة و البطلان على البحث في الضد.

لكن قد يشكل المختار: أي العفو عن نحو ما تقدم بظهور مساواة المذكورات للعظم النجس، كعظم الكلب و نحوه إذا جبر به، خصوصا إذا اكتسى اللحم و خفي، مع انه لم يعرف خلاف بين الأصحاب في وجوب إزالته مع الإمكان، كما عن المبسوط نفيه عنه صريحا، بل في الذكرى و الدروس الإجماع عليه كذلك كظاهر غيره، بل قد يظهر من بعضهم الاتفاق عليه بين المسلمين إلا من أبي حنيفة، فلم يوجبه مع اكتساء اللحم، بل عن بعض الشافعية القول بوجوبه و ان خشي التلف فضلا عن المشقة، و ان


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2.

ج 6، ص: 137

كان واضح البطلان، و من المعلوم أن وجوب الإزالة للصلاة لا لنفسه، كما هو صريح بعض و ظاهر آخر، و لذا لو مات سقط وجوب الإزالة كما صرح به أيضا في الذكرى و كشف اللثام، و لا فرق بينه و بين ما تقدم، إذ البطلان هنا إما لصدق حمل النجاسة كما عن الشيخ التعليل به، و تبعه في جامع المقاصد، أو لعدم العفو عن مثله و ان كان باطنا، اقتصارا على المتيقن من العفو عن نجاسة البواطن نفسها لا الخارج عنها، و هما معا جاريان فيما سبق، بل في الذكرى و جامع المقاصد التصريح بأن مثل العظم لو خاط جرحه بخيط نجس، كما أن في الثاني التصريح بعدم الفرق بين العظم النجس و المتنجس، و هو كذلك.

نعم لو كان طاهرا كعظم غير نجس العين من كل حيوان و لو ميتة بناء على عدم نجاسته بالموت و طهر من النجاسة العرضية لو كانت لا إشكال في جواز التجبير به، و عدم وجوب إزالته عدا عظم ميت الآدمي منه، و ان كان هو لا ينجس بالموت أيضا إلا أنه يجب قلعه، لمكان وجوب دفنه، مع احتمال عدم الوجوب فيه أيضا، لا صالة البراءة عن دفن مثله، و

خبر الحسن بن زرارة(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل يسقط سنه فيأخذ من ميت مكانه، قال: لا بأس»

بناء على مساواة سن الميت لغيره من أجزائه في وجوب الدفن و ان لم نقل به بالنسبة للحي، و لذا جاز للإنسان أن يرجع سنه إلى مكانه بعد أن قلع، و إن حكي عن التذكرة الإشكال فيه أيضا، و مثله وضع سن غيره الحي موضع سنة.

لكن قد يدفع هذا الاشكال بتسليم الإجماع و قصره على مورده أولا، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، أو يراد به مع نجاسة الظاهر و نحوه مما يشترط طهارته في


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 11 مع اختلاف في السند و اللفظ.

ج 6، ص: 138

الصلاة، و بمنع حصول الظن منه ثانيا لاحتمال أن منشأ دعواه تلك التعليلات العليلة، و بمنع إرادة حاكيه ما هو حجة منه ثالثا بقرينة احتماله نفسه في الذكرى عدم وجوب الإزالة بعد اكتساء اللحم، و استوجهه في المدارك و الذخيرة، و هو في محله، لالتحاقه بالبواطن، و لصيرورته كنجاسته المتصلة به من الدم و نحوه بل كجزئه، و لقصور ما دل على وجوب إزالة النجاسة عن تناول مثله، خصوصا بعد انصرافها إلى المتعارف.

نعم قد يقال بالفساد قبل الاكتساء لا للحمل و نحوه بل لصيرورته بالتجبير كالجزء من البدن، و الفرض أنه ليس باطنا، فتأمل، و الله أعلم بحقيقة الحال.

[في اعتبار العصر في غسل الثياب]

و تعصر الثياب و نحوها مما يرسب فيها الماء من النجاسات كلها إذا غسلت بالقليل، للشك في زوال النجاسة المستصحبة بدونه الناشئ من فتوى المشهور نقلا و تحصيلا به، و ان اقتصر بعضهم على ذكره في البول، بل في شرح المفاتيح للأستاذ أنه كذلك بين المتقدمين و المتأخرين، بل في الحدائق نفي خلاف يعرف فيه، كما عن المعتبر نسبته إلى علمائنا، خصوصا مع عدم شوب الفتوى به بشك أو تردد من أحد منهم، بل في جامع المقاصد و غيره أنه مما لا ريب فيه، و فيهم إن لم يكن جميعهم من لا يقنع بمتحد الدليل عن متعددة، بل فيهم من لا يعمل إلا بالقطعيات كابن إدريس و غيره، بل فيهم من لا يفتي إلا بمضامين الأخبار كالصدوق في الفقيه و الهداية، بل حكي عن والده أيضا ذلك الذي قيل إنهم كانوا إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إلى فتاواه.

و من احتمال اعتبار العصر في مسمى غسل الثياب و نحوها بالقليل، و أنه بدونه صب لا غسل، كما في المعتبر و المنتهى و غيرهما التصريح به، بل في البحار نسبته إلى فهم الأكثر.

و ربما يومي اليه مقابلته بالصب في نحو

حسن الحلبي (1)قال: «سألت أبا عبد الله


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 139

(عليه السلام) عن بول الصبي، قال: تصب عليه الماء، فان كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا»

الحديث. لعدم صلاحية مائز بينهما إلا العصر، بل إن لم نقل بدخوله في مسماه فهو من لوازمه العرفية التي يفهم إرادته من الأمر بالغسل عرفا، لكونه المتعارف المعهود، خصوصا مع ملاحظة كون المراد بالغسل إزالة القذر و أثره بامتزاجه معه و انفصالهما عن الثوب على حسب الأمر بغسل الثوب من الوسخ و نحوه، بل قد يدعى توقف إزالة النجاسة باعتبار رسوبها في الثوب عليه، لينفصل مع الماء الذي وضع احتيالا لا خراجها، بل ينبغي القطع بلزوم العصر بناء على نجاسة الغسالة و ان لم تنفصل، لعدم ثبوت العفو عن المتخلف إلا بعد العصر، فقبله على أصل النجاسة.

نعم لا يعتبر أعلى أفراد العصر قطعا، كما لا يكتفى بأدناه المخرج شيئا ما.

و من

الرضوي (1)«و إن أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة، و من ماء راكد مرتين، ثم أعصره، و إن كان بول الغلام الرضيع فتصب عليه الماء صبا، و إن كان قد أكل الطعام فاغسله»

إلى آخره.

و المروي في البحار عن

دعائم الإسلام (2)عن علي (عليه السلام) قال: «في المني يصيب الثوب يغسل مكانه، فان لم يعرف مكانه و علم يقينا أنه أصاب الثوب غسله كله ثلاث مرات، يفرك في كل مرة و يغسل و يعصر»

إلى آخره.

بل لعل

حسنة الحسين بن أبي العلاء(3)المروية في الكافي و التهذيب دالة عليه أيضا، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البول يصيب الجسد، قال: صب


1- 1 المستدرك- الباب- 1 و 2- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
3- 3 ذكر صدرها في الوسائل- في الباب- 1- من أبواب النجاسات- الحديث 4 و ذيلها في الباب 3- الحديث 1.

ج 6، ص: 140

عليه الماء مرتين، فإنما هو ماء، و سألته عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله مرتين، و سألته عن الصبي يبول على الثوب، قال: يصب عليه الماء قليلا ثم يعصره»

إلى آخره.

إن حمل الصبي فيه على الآكل، للقطع بعدم وجوب العصر في غيره، إلا أنه قد يشعر تقييده بالقليل و عدم ذكره التعدد فيه بإرادة الرضيع منه، و من هنا استوجه غير واحد حمله على الندب أو غيره، لعدم وجوبه فيه.

كما انه قد يشعر تعليله الاجتزاء بالصب بأنه ماء كالمروي (1)في

مستطرفات السرائر من جامع البزنطي قال: «سألته عن البول يصب الجسد، قال: صب عليه الماء مرتين، فإنما هو ماء، و سألته عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله مرتين»

بكون مدار الفرق بين الغسل و الصب احتياج الأول إلى أمر زائد على مسمى الغسل من مباشرة للمتنجس و غمزه و تهيئته لخروج عين النجاسة منه بإراقة الماء عليه، فيكون كذلك الجسد و نحوه لا زالة نجاسة محتاجة إليه.

كما يشهد له ما في

الكافي (2)بعد روايته الحسنة السابقة «و روي أنه ليس بوسخ فيحتاج أن يدلك»

و ما رواه

الصدوق بإسناده عن السكوني (3)كالشيخ بإسناده عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) «كن نساء النبي (صلى الله عليه و آله) إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على أجسادهن، و ذلك أن النبي (صلى الله عليه و آله) أمرهن أن يصببن الماء صبا على أجسادهن».

لا أن الفرق بينهما ما سمعته سابقا في وجوه الشك، من دخول العصر في مسمى الغسل دون الصب، بحيث لو نذر الغسل فلم يعصره حنث لمخالفته للعرف و اللغة من غير مقتض و شاهد، كما اعترف به جماعة من متأخري المتأخرين، و مقابلته بالصب أعم


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب النجاسات- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب النجاسات- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الجنابة- الحديث 2.

ج 6، ص: 141

من ذلك، كما يومي اليه إطلاق الصب على ما علم إرادة الغسل منه، كما في غسل البدن و نحوه و بالعكس، فدعوى دخول العصر في مفهوم الغسل مطلقا للمقابلة المذكورة في غاية الفساد.

على انه قد يفرق بينه و بين الغسل بالانفصال و عدمه، قال في الخلاف: «يكفي الصب في غسل بول الصبي قبل أكله بمقدار ما يغمره، و لا يجب غسله، و من عداه يجب غسل أبوالهم، و حده أن يصب عليه الماء حتى ينزل عنه» إلى آخره. كنحو ما في حواشي الشهيد على القواعد و تنقيح المقداد، و هو ظاهر أو صريح في عدم اعتبار العصر في مفهومه، و يؤيده ما تعرفه من عدم اعتباره فيه لو غسل بماء كثير.

و احتمال إمكان الفرق بين مسمى الغسل به و الماء القليل لاختلاف كيفيته بوضعه في الماء و وضع الماء عليه بالنسبة إليهما يدفعه فرض اتحاد الكيفية، كالموضوع تحت ميزاب و نحوه.

فظهر حينئذ أنه لا وجه لانقداح الشك من ذلك، كما أنه لا وجه له مما بعده، إذ ليس المفهوم عرفا من أوامر التطهير و الغسل إلا إرادة إزالة عين النجاسة أو أثرها التي هي كما انها تحصل به تحصل بغيره كالمباشرة باليد أولا و تهيئتها للزوال، ثم إكثار الماء عليها حتى تنفصل معه بانفصاله من غير حاجة إلى عصر، كما عن الذكرى و البيان الاعتراف به، حيث قال فيها: «إن انفصال الماء قد يكفي في الإزالة من غير افتقار إلى عصر» إلى آخره.

على انه قد تكون النجاسة حكمية غير محتاجة إلى شي ء من ذلك، نعم قد يتوقف إخراج العينية عليه، و معه لا كلام في وجوبه لذلك لا لتوقف صدق الغسل عليه.

و أما دعوى الاحتياج إليه مقدمة لإزالة ماء الغسالة فهو- مع ابتنائه على نجاستها، بل نجاسة المتصل بالمغسول منها، و قد عرفت ان الأقوى طهارة المنفصل منها، فضلا عن

ج 6، ص: 142

المتصل، بل ربما ظهر منهم هناك أن المتصل ليس من موضع محل البحث في الغسالة- يدفعها إمكان القول بالعفو عن المتخلف قبل العصر، لإطلاق ما دل على الاكتفاء بالغسل في طهارة المغسول المستلزم طهارته كالمتخلف بعد العصر الممكن خروجه و لو بعصر أقوى في الثوب و على آلة العصر.

و أما الرضوي فليس بحجة عندنا، مع احتماله الحمل على صورة التوقف كخبر الدعائم، بل لعله الظاهر منه بقرينة ذكر الدلك، بل يمكن إرادة قدماء الأصحاب ذلك، لا أنه شرط تعبدي و ان حصلت الإزالة بدونه.

و لعله لذا حكي عن المبسوط و النهاية و الجمل و ظاهر الانتصار و الناصريات إطلاق الغسل من غير تعرض للعصر، و ان جعل مقابلا للصب في الأول كالخلاف، و هو الذي يقوى في نفس الحقير وفاقا لصريح جماعة من متأخري المتأخرين، بل في اللوامع نسبته إلى الكركي و جل الطبقة الثالثة، لا طلاق أدلة الغسل المؤيد بسهولة الملة و سماحتها، و بما تسمعه مما ورد(1)في تطهير البساط و الفراش ذي الحشو.

و بذلك ينقطع استصحاب النجاسة و ان أيد بتلك الاعتبارات السابقة فلا يجب حينئذ بعد الإزالة و تحقق مسمى الغسل شي ء من العصر تغميزا أوليا أو كبسا حتى لو قلنا بنجاسة الغسالة، و الله أعلم.

و لعل الأقوى وجوب تعدده بناء عليه في متعدد الغسل وفاقا للسرائر و المعتبر و الروضة و غيرها، فيعصر بعد كل غسلة، لتوقف يقين الطهارة عليه، و خبر الدعائم (2)بل ينبغي القطع به على القول بدخوله في مسمى الغسل و انه الفارق بينه و بين الصب.

لكن قضية إطلاق الأكثر و صريح ما عن المدنيات الاكتفاء بالمرة، كصريح


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب النجاسات.
2- 2 المستدرك- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 143

الرضوي (1)و الفقيه و الهداية، إلا أن ظاهر الثلاثة كمحتمل سابقا كونه بعد الغسلتين، و لعله لكون المقصود منه إخراج ماء الغسالة، مضافا إلى الرضوي، لكن في اللمعة التصريح بأنه بينهما، و كأنه لأن المراد به إخراج نفس النجاسة أولا ثم تعقيبه بغسلة التطهير.

و ربما يومي اليه تعليل الغسلتين بأن أحدهما للإزالة، و أخرى للتطهير، و لا ينافيه القول بنجاسة الغسالة، لإمكان منعه في خصوص غسلة التطهير أولا، و إمكان القول بالعفو عن خصوص المتخلف ثانيا، لا طلاق أدلة حصول الطهارة بمسمى الغسل، و على كل حال فالأقوى ما عرفت.

كما انه قد يقوى في بادئ النظر وجوبه أيضا حتى لو غسل بالكثير جاريا أو غيره، كما هو قضية إطلاق المتن و غيره، للاستصحاب مع احتمال تعبدية العصر كاحتمال دخوله في مسمى الغسل، و إطلاق الرضوي، و إيجابه في الراكد الذي هو أعم من الكر.

لكن صرح جماعة من المتأخرين بل في الذخيرة نسبته إلى أكثر المتأخرين كما في غيرها نسبته إلى التذكرة و نهاية الأحكام و ما تأخر عنها بسقوطه حينئذ، بل لم نعثر على مصرح بخلافه، لإطلاق الأدلة، و منع احتمال دخوله في مسماه في المفروض، إلا مع اتحاد كيفية الغسل فيهما، كمنع احتمال التعبد، و ظهور الرضوي في سقوطه مع غسله في الجاري، بل لعل المراد به مطلق ما لا ينفعل، و بالراكد القليل المنفعل، و فحوى طهارة ما لا يعصر و ترسب فيه النجاسة.

هذا مع عدم فائدته أي العصر هنا بناء على تعليله بخروج ماء الغسالة، لكون المفروض أن المغسول به مما لا ينفعل، و القول بتحقق نجاساتها في انفصال المغسول عن الماء لإرادة غسله مرة ثانية إذا كان مما يغسل مرتين يدفعه بعد تسليم وجوب التعدد


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 144

في الكثير أنه لا حاجة إلى العصر أيضا، لحصول طهارتها باشتمال كثير الماء عليه في المرة الثانية، و هو الأقوى.

و ينبغي أن يلحق بالعصر عند من اعتبره بل لعل مراده به ما يشمله الدق و التغميز و التثقيل و التقليب و نحوها مما يكون سببا للإخراج فيما يرسب فيه الماء و يعصر عصره لثخنه و ما فيه من الحشو، بل قيل: إن ذلك معناه لغة، لاقتضاء الضرورة و اتحاد فائدتها من إخراج الغسالة و النجاسة معه، و به صرح الفاضل و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم، لكن علله غير واحد بالرواية أيضا، و لم نعثر فيما وصل إلينا منها على شي ء من ذلك، بل قد يومي بعضها إلى خلافه ك

خبر علي بن جعفر(1)المروي عن كتاب المسائل له و قرب الاسناد «سأل أخاه عن الفراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول، كيف يغسل؟ قال: يغسل الظاهر ثم يصب عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتى يخرج من جانب الفراش الآخر»

بل هو ظاهر في التوسعة في تطهر المتنجسات، كظهوره في طهارة الغسالة، و أما

الصحيح أو الموثق (2)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول فينفذ إلى الجانب الآخر، و عن الفرو و ما فيه من الحشو، قال:

اغسل ما أصاب منه و مس الجانب الآخر، فان أصبت مس شي ء منه فاغسله، و إلا فانضحه بالماء»

فعدم دلالته على ذلك واضح، و كان مراد السائل انه نفذ متوجها إلى الجانب الآخر و ان لم يبلغه، كما أن مراده اغسل ما علم إصابة البول له و نفوذه اليه، و أما الجانب الآخر فمسه، فان وجدت عليه رطوبة البول فاغسله، أي اغسل الثوب بحيث ينفذ الماء من أحد جانبيه إلى الآخر، و ان لم تجد عليه شيئا من رطوبته فانضحه بالماء.

و كذا

صحيح إبراهيم بن أبي محمود(3)«سأل الرضا (عليه السلام) عن


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 145

الطنفسة و الفراش يصيبهما البول، كيف يصنع بهما و هو نحن كثير الحشو؟ قال: يغسل ما ظهر منه في وجهه»

فإنه مبني على إرادة غسل ما علم وصول البول اليه من وجهه، أو على عدم نفوذه، أو الاجتزاء بغسل الظاهر، لأنه مورد الاستعمال و المباشرة، و على كل حال فلا دلالة فيه على شي ء من ذلك.

فالأولى حينئذ الاستناد إلى ما تقدم سابقا من ظهور مساواة تلك الأمور للعصر، بل قد عرفت احتمال إرادة ما يشملها منه، كما صرح به بعضهم، بل نسبه آخر إلى الظاهر من كتب اللغة، نعم لا يندرج فيه الجفاف قطعا و لا يلحق به، خصوصا إن قلنا به لدخوله في مفهوم الغسل أو للرضوي، فيبقى الثوب حينئذ مع عدمه على النجاسة كما صرح به الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم، لكن في التذكرة الإشكال فيه من زوال النجاسة بالجفاف، و من مظنة انفصال أجزاء النجاسة في صحبة الماء بالعصر لا بالجفاف، و لا يخفى وضوح مصادرة أولى جهتي الإشكال، كما انه في المعالم القطع بالاجتزاء بالجفاف، بناء على تعليل اعتبار العصر بإخراج ماء الغسالة، قال: و ما ذكره العلامة و الشهيد من الظن ليس بشي ء، كيف و هذا الظن في أكثر الصور لا يأتي، و التخيل في الأحكام الشرعية لا يجدي، قلت: لا ريب في كفايته هنا لاستصحاب النجاسة، فاحتمال التفاوت بين العصر و الجفاف كاف فضلا عن الظن، كما هو واضح.

[في اعتبار الدلك فيما لا يرسب فيه الماء و عدمه]

أما ما لا يعصر عادة فإن كان مما لا يرسب فيه الماء مثلا من الأجسام الصلبة كالجسد و الإناء و غيرهما فاعتبر العلامة في التحرير و عن النهاية الدلك فيها عوض العصر، كما عن ابن حمزة ذلك أيضا، لكن في غير مس الحيوان النجس استظهارا، و ل

موثق عمار بن موسى (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر، قال: تغسله ثلاث مرات، سئل يجزؤه أن يصب فيه الماء، قال: لا يجزؤه حتى يدلكه


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 146

بيده، و يغسله ثلاث مرات»

بل في المنتهى انه قد يظهر من إطلاقه الغسل أولا دخوله في مسماه، و إلا لكان تأخيرا للبيان عن وقت الحاجة.

قلت: لا ريب في اعتبار الدلك مع توقف إزالة النجاسة أو الاطمئنان بذلك عليه، لا لدخوله في مسمى الغسل بل لعدم تحقق الإزالة المأمور بها بدونه، و عليه ينزل الموثق، خصوصا بالنسبة إلى مثل هذه النجاسة في النفوذ في مثل هذا المحل و شدة الاهتمام بالاحتياط عنها، و إلا فهذا الراوي بعينه

روى (1)عن الصادق (عليه السلام) انه «سئل عن الكوز و الإناء يكون قذرا كيف يغسل؟ و كم مرة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مرات، يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ذلك، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه و قد طهر».

و هو كالصريح في عدم اعتبار الدلك كالأخبار(2)الآمرة بالصب على الجسد من البول و محل الاستنجاء منه، خصوصا المشتملة على التعليل بأنه ماء، فلا ريب في عدم وجوبه مع عدم التوقف عليه، كما صرح به جماعة، بل لا أعرف فيه خلافا ممن عدا من عرفت، بل يمكن تنزيل كلامه على ذلك.

نعم يمكن القول باستحبابه للاستظهار، كما في المعتبر و المنتهى و مجمع البرهان و المدارك و عن المدنيات و التذكرة.

لكن قد يشكل بناء على نجاسة الغسالة و وقوع الدلك مقارنا للغسل الحكم بطهارة ما على آلة الدلك من ماء الغسالة.

و ربما يدفعه- بعد إمكان معلومية تبعية الطهارة في مثل الفرض- ظهور أن المراد


1- 1 الوسائل- الباب- 53- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب النجاسات- الحديث 4 و 7 و الباب 31 من أبواب أحكام الخلوة.

ج 6، ص: 147

باعتبار الدلك هو مباشرة المتنجس لتهيئة إخراج نجاسته بإراقة الماء عليه، فلا بد حينئذ من سبقه على غسلة التطهير، فلا بأس بالتزام نجاسة ما على الآلة حينئذ، لكن يحتمل الاكتفاء به لو وقع بعد الصب على البدن لازالة أجزاء النجاسة لو كانت بانفصال ما بقي من الماء، كما هو قضية بدليته عن العصر، و كذا الاكتفاء به مع المقارنة، فتأمل جيدا.

و ان كان مما يرسب فيه الماء مثلا فان تنجس بنجاسة نفذت في أعماقه بحيث لا يمكن وصول الماء باقيا على إطلاقه إليها مع بقاء المتنجس على حاله أو العلم به كذلك لرطوبة أو فيه دسومة أو لغيرهما لم يطهر قطعا لا بالقليل و لا بالكثير، بل هو حينئذ كالمائعات غير الماء من الدهن و غيره، و إن اتفق لها جمود بعد ذلك كالذهب و نحوه يحصل بسببه طهارة سطحها الظاهري، فلا يطهر شي ء منها إلا بالعلم بتخلل الماء جميع أجزائه، و هو لا يحصل غالبا في مثلها إلا بالخروج عن الحقيقة التي هي عليه و انقلابها ماء.

لكن في المنتهى و عن التذكرة و النهاية انه يطهر الدهن النجس بصبه في كر ماء و مازجت أجزاء الماء أجزاءه، و استظهر على ذلك بالتطويل بحيث يعلم وصول الماء إلى جميع أجزائه، و هو جيد على فرض تحققه، لكنه بعيد بل ممتنع، ضرورة عدم حصول العلم بذلك مع بقاء الدهن على مسماه بحيث يمكن الانتفاع به للأكل و نحوه

بعد ذلك، و إن أمكن من جهة الرقة التي حصلت له أن يتخلل الماء تلك الأجزاء، فيكون كالدسومة التي على البدن أو اللحم و نحوهما، فإنها لا تمنع نفوذ الماء فيها و وصوله إلى البدن، و لذا تطهر بالقليل تبعا لهما فضلا عن الكثير، كما صرح به في جامع المقاصد و ان لم تنقلب ماء بل باقية على حالها، بل هو مقطوع به من السيرة و العمل في سائر الأعصار و الأمصار.

و ربما يومي اليه في الجملة ما ورد من كراهية الادهان قبل الغسل، و الأمر سهل بعد أول النزاع معه (رحمه الله) إلى لفظ.

[في تطهير الثوب المصبوغ]

و طهر الثوب المصبوغ بنجس أو متنجس و نحوه من ليقة الحبر النجس و غيرها

ج 6، ص: 148

كطهر غيره من المتنجس به غير المصبوغ يحصل بزوال ما عليه من عين النجس أو المتنجس مع تحقق مسمى الغسل بالماء و العصر إن قلنا به بالماء القليل أو الكثير، من غير فرق بين جفافه و رطوبته لا طلاق الأدلة.

نعم يعتبر عدم خروج ما طهر به من الماء عن الطلاق قبل تحقق الغسل به، لعدم صدق الغسل بالماء معه، و احتمال الاكتفاء بإطلاقه في أول صبه و إن خرج بتخلله في أجزاء المتنجس عنه لصدق الغسل بماء و صب الماء و نحوهما الذي لا يقدح فيه إلا الخروج عن الإطلاق قبل الصب بغير المغسول به بعيد، لمنع الصدق، لا أقل من الشك، و الاستصحاب محكم.

نعم قد يقال بعدم اشتراط العلم بوصوله للمغسول كذلك و إن أوهمته بعض العبارات، بل يكفي استصحاب إطلاقه ما لم يعلم خروجه متغيرا بعصر و نحوه، كأن غسل في ظلمة و نحوها، و معارضته باستصحاب بقاء الثوب على النجاسة يدفعها تحكيم مثل الاستصحاب الأول على الثاني في سائر نظائره المقطوع بها بين الأصحاب.

أما لو علم خروجه متغيرا بعصر و نحوه فلا ريب في بقاء الجزء المقارن صدق غسله لانفصاله متغيرا على النجاسة، و أما ما عداه من الأجزاء التي لم يعلم سبق غسلها على التغير الحاصل بتخلل الماء أجزاء المغسول بعد صبه أو التغير على غسلها فإشكال، ينشأ من احتمال تحكيم ذلك الاستصحاب أيضا كالصورة الأولى، و من احتمال منعه لمعارضته هنا بأصالة تأخر الغسل عن التغيير، فيبقى استصحاب النجاسة سالما حتى من معارضة استصحاب الإطلاق، لكونه هو المعارض باستصحاب تأخر الغسل عن التغيير عند التأمل لا استصحاب آخر غيره حتى يكون سالما كاستصحاب النجس، فيحكم عليه، فتأمل جيدا.

لا يقال إن غسل الثوب المصبوغ بمتنجس حال رطوبته لا يحصل إلا بالكثير،

ج 6، ص: 149

ضرورة عدم حصول طهارة تلك الأجزاء الصبغية الرطبة إلا به دون القليل، لأنها من الماء المضاف المتوقف طهره على ذلك، نعم لو جف و كان يابسا أمكن تطهيره بهما لذهاب تلك الأجزاء و بقاء عين الثوب المتنجس القابل للطهارة بهما.

لأنا نقول: إنه لا فرق بين القليل و الكثير في ذلك، لاشتراط حصول طهارة كل عين متنجسة بنجاسة بإزالة عين تلك النجاسة، سواء طهر بالقليل أو الكثير، فتلك الأجزاء الصبغية إن بقيت على الثوب فهو باق على النجاسة، و إلا فلا.

و دعوى حصول طهارتها بالكثير دون القليل يدفعها توقف طهر المضاف على انقلابه ماء بممازجة الكثير كما تقدم البحث فيه مشبعا، فمع فرض بقائها على الإضافة كما هو محل البحث لا وجه لطهارتها.

اللهم إلا أن يفرق بين تطهير المضاف المتميز بنفسه المستقل و بين التابع لغيره من الأجسام المتخلل في أجزائها، فلا يطهر الأول إلا بانقلابه إلى الماء بخلاف الثاني، فإنه يكفي تحقق مسمى الغسل لذلك الجسم مع ملاقاة الماء تلك الأجزاء من غير حاجة إلى انقلابه ماء، و إلا لم يطهر شي ء من الخضراوات الظاهرة المائية كالرقي و البطيخ و الخيار و نحوها و لو بالكثير، و بطلانه واضح.

و فيه أولا منع تسليم هذا الفرق، و الخضراوات لا تطهر إلا بزوال تلك الأجزاء المائية منها الملاقية للنجاسة، أو انقلابها إلى الماء، و لا تسري نجاستها إلى الأجزاء الأخر المتخللة في الجسم، إذ ليس ذا من المائع قطعا، فلا ينجس أسفل الخيارة مثلا بنجاسة أعلاها، كما هو واضح.

و ثانيا تسليمه و قصره على الأجزاء المائية الخلقية ذاتا، لا في محل البحث من المضاف العرضي كالأجزاء الصبغية، بل لا بد من زوالها في حصول الطهارة و استهلاكها بالماء المغسول به، من غير فرق بين القليل و الكثير، كما في كل عين متنجسة بنجاسة

ج 6، ص: 150

رطبة و أريد تطهيرها، بل لعله في غالب الأوقات يقطع بعدم انفصالها تماما من المغسول، إذ قد ينفصل منه ما هو أقل من تلك الرطوبة بمراتب، فلا يقدح تخلفها بعد إفاضة الماء عليها و استهلاكها به و لو كان الماء قليلا، بل هو كذلك في عين النجاسة كالبول و نحوه فضلا عن المتنجس، فإنه لو فرض جسم قد تنجس ببول و أريد تطهيره حال رطوبته فأفيض الماء عليه حتى استهلكت الأجزاء البولية فيه لم يكن تأمل في حصول طهارته بذلك.

و ثالثا لو سلم الفرق المذكور لا وجه للفرق أيضا بين القليل و الكثير، إذ كما تحصل طهارة تلك الأجزاء الصبغية بملاقاة الكثير من غير استحالة تبعا للجسم تحصل أيضا بالغسل بالقليل، و دعوى الفرق تحكم، إذ أقصى ما يسلم اعتبار الكثير في طهارة المضاف فيما أريد تطهيره مستقلا بانقلابه ماء، لا ما إذا كان من التوابع متخللا في أجزاء الجسم.

[في تطهير ما يرسب فيه الرطوبة و لا يعصر]

و لعلك بالتأمل في جميع ما ذكرنا تنتفع في البحث عن تطهير جملة مما ذكره الأصحاب من الصابون و الحبوبات و الفواكه المطبوخة و الخبز و الجبن و اللحم و القرطاس و نحوها مما يرسب فيه الرطوبة و لا يعصر، و حاصل البحث فيها أنها إما أن تكون قد تنجست بنجاسة لم تنفذ في أعماقها و لم تتجاوز ظاهرها، و إما أن تكون قد تنقعت بالنجاسة حتى نفذت في أعماقها، و لا ريب في حصول طهارة الأولى بغسلها في الكثير و وضعها فيه، و كأنه وفاقي، بل حكاه في اللوامع عليه، كما انه في الذخيرة استظهر نفي الخلاف عنه، لعموم مطهرية الماء و غيره السالم عن معارضة شي ء يعتد به، فاحتمال تعبدية العصر أو ما يقوم مقامه حتى يكون ما لا يمكن عصره غير قابل للتطهير أصلا لا يصغى عليه.

و أما غسلها بالقليل فصريح جماعة من المتأخرين كظاهر آخرين عدم حصول الطهارة به، بل في اللوامع نسبته لأكثر معتبري العصر، كما في المعالم إلى المعروف بين متأخري الأصحاب، لنجاسة الغسالة، و توقف صدق مسمى الغسل بالقليل على العصر

ج 6، ص: 151

و ما يقوم مقامه أو على الانفصال الممتاز به عن الصب.

و فيه- بعد منع الأول عندنا، بل و الثاني أيضا كما عرفت، بل و الثالث إن أراد انفصال تمام ما غسل به من الماء، و إن أراد في الجملة فهو مسلم في غسل النجاسة لا في مطلق الغسل، لكنه متحقق في مفروض البحث، لحصول انفصال بعض ما مر على الظاهر قطعا- انه يمكن القول بالعفو عن المتخلف في خصوص المقام لنحو العفو عنه في الطنفسة و الفراش ذي الحشو و غيرهما من الخزف و الآجر الجافين، بل لعل المتخلف هنا أقل من ذلك بمراتب، و لمنع تسليم وجوب العصر فيما لا يعصر و ان قلنا به فيما يقبله، كما يومي اليه القطع بسقوطه فيه لو غسل بالماء الكثير و إن قلنا باعتباره فيه أيضا فيما يعصر، و للزوم الضرر و العسر و الحرج المنافية لسهولة الملة و سماحتها في توقف التطهير على الكثير، و للظن القوي إن لم يكن علما بعدم اعتبار ذلك في الأزمان السالفة، لقلة وجود الكثير من الماء فيها، خصوصا في أرض الحجاز، و خصوصا بالنسبة إلى أولئك الأعراب و أهل البادية الذين كانوا يكتفون بنقل قربة من الماء أياما و ليالي، و لعموم مطهرية الماء التي قد امتن الله بها على عباده في كتابه المحكم و على لسان نبيه المعظم (صلى الله عليه و آله) و لوضوح اكتفاء الشارع في تطهير النجاسات بتحقق مسمى الغسل الذي هو في كل شي ء بحسبه الحاصل من استقراء موارد الأدلة و تتبع جزئياتها، كما في غيره من القواعد المستفادة من الشرع، و لذا لم يحتج في تطهير كل عين بالكثير أو القليل من كل نجاسة إلى دليل خاص بعينه.

فلا حاجة حينئذ إلى دعوى ورود خصوص عموم أو إطلاق حتى يرد عليه أنا لم نعثر عليه، مع انه قد يجده المتتبع، و ل

مرسل الفقيه (1)المتقدم في باب الاستنجاء «ان أبا جعفر (عليه السلام) دخل الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر، فأخذها و غسلها


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 1.

ج 6، ص: 152

و دفعها إلى مملوك له، و قال: تكون معك لآكلها إذا خرجت»

بل عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام)(1)و صحيفة الرضا (عليه السلام)(2)روايته مسندا عن الرضا (عليه السلام) ان الحسين بن علي (عليه السلام) فعل ذلك، و لفحوى ما تسمعه من خبري اللحم المطبوخ (3)و الذنوب(4).

و لعله من ذلك كله مال الأردبيلي و تلميذه و الكاشاني و النراقي إلى قبولها للتطهير بالقليل، و هو قوي و إن كان الأول أحوط.

و عليه أي الأول فهل المراد عدم قبول القليل لطهارتها حتى السطح الظاهري الذي جرى عليه الماء أو المراد طهارة ذلك السطح و ان تنجس الباطن بالغسالة؟ وجهان، ينشئان من احتمال اشتراط الطهارة بالانفصال المتعذر هنا باعتبار كمونه في الباطن و عدمه، و لعل الأقوى الثاني، فتأمل.

[في حكم ما رسبت فيه النجاسة و نفذت في أعماقه]

و أما ما رسبت فيه النجاسة و نفذت في أعماقه فلا ريب في عدم حصول طهارة ما لم يمكن وصول الماء المطلق المزيل للنجاسة إلى باطنه منه للزوجة أو رطوبة أو غيرهما بالقليل و الكثير، ضرورة عدم الاكتفاء بغسل الظاهر عن الباطن، كضرورة عدم العفو عن نجاسة باطنه.

لكن في كشف الأستاذ «أن المنجمد بعد الانفعال مما يرسب فيه رطوبة الماء من غير استحالة كالمشوي من المنجمد من مائع الطين و يابس العجين فالظاهر فيها طهارة البطون، كالحبوب و اللحوم مطبوخة أو باقية على حالها، جافة أو رطبة من غير حاجة


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
4- 4 عمدة القاري شرح البخاري للعيني- ج 1 ص 884.

ج 6، ص: 153

إلى تجفيف أو تنظيف بماء معصوم لأن الظاهر ان اتصال الرطوبة بمثلها مغن في التطهير، و ما كان منها ما يرسب فيه الغسالة كالمتخذ من الطين الخالي عن طبخ النار فلا يطهره سوى الماء المعصوم» انتهى.

و قد يوهم تعليله الاكتفاء بالاتصال من غير حاجة إلى نفوذ المطهر من الماء، بل قد يظهر من الذخيرة الميل اليه و انه المشهور، و من الحدائق نفي الخلاف فيه بينهم، و ربما يؤيده إطلاق

خبر السكوني (1)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «ان عليا (عليه السلام) سئل عن قدر طبخت و إذا في القدر فأرة قال: يهراق مرقها، و يغسل اللحم و يؤكل»

ك

خبر زكريا بن آدم (2)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير، قال: يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلب، و اللحم اغسله و كله»

حيث أطلق فيهما الأمر بالغسل من غير إشارة إلى نفوذ الماء في أعماق اللحم، مع ظهور نفوذ المرق النجس فيها، لانتفاعه به، ك

خبر علي بن جعفر(3)المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه (ع) «عن أكسية المرعزي و الخفاف تنقع في البول يصلى عليها، قال: إذا غسلت بالماء فلا بأس».

لكن قصور أسانيدها- و عدم وضوح انصراف الإطلاق فيها إلى ذلك، كعدم الجابر لها على هذا التقدير، لعدم ثبوت موافق له في ذلك، و ما سمعته من ظاهر الكتابين السابقين لم نتحققه، بل قد يظهر اتفاق من عداه من الأصحاب على خلافه من اعتبار نفوذ الماء إلى ما نفذت فيه النجاسة- يمنع من الركون إليها في قطع القواعد الشرعية من عدم طهارة المتنجس إلا بالغسل بالماء و نحوه.


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 71- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 154

نعم لو كانت في حال ينفذ فيها الماء المطهر و لو بتجفيف و نحوه طهرت بوضعها في الكثير قطعا حتى ينفذ في أعماقها، و يزيل عين النجاسة أو يهلكها إن وجدت في بواطنها، و إلا اكتفي بإصابة الماء للمتنجس، لصدق مسمى غسل الباطن و ما أشبهه بذلك كبعض ما تحت الأظفار و بعض باطن السرة و العينين و الأذنين و ما تحت الحاجب من جبائر أو عصائب أو لطوخ و نحوها، من غير حاجة إلى انفصال و جريان من محل إلى آخر، بل و بغسلها في القليل أيضا في وجه قوي جدا مع نفوذه كالكثير إلى المحل المتنجس، فما عساه يظهر من بعض و يحكى عن آخر من عدم قبولها الطهارة أصلا لا ينبغي أن يصغى اليه إن كان ذلك منه نزاعا في حكم، و إلا كان نزاعا في موضوع، إذ فرض البحث نفوذ المطلق المزيل أو المهلك إلى محل النجاسة، فلا ينبغي التوقف معه حينئذ في زوال النجاسة بغسلها به، لا طلاق الروايات المتقدمة و أكثر الأدلة السابقة، و ما يشعر به

خبر الحسن بن محبوب (1)عن أبي الحسن (عليه السلام) «في الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى، ان الماء و النار قد طهراه»

كما عن الأستاذ الأكبر الاعتراف به.

و دعوى الفرق بينهما بصدق مسمى الغسل بتلك الإصابة في الكثير دون القليل تحكم، كدعوى الفرق بقبول تطهير النافذ من الماء الكثير، لما نفذ فيه باعتبار اعتصامه باتصاله بالكثير، دون القليل فإنه ينجس بالملاقاة، إذ هي- مع إمكان منع الاتصال باعتبار حيلولة تلك الأجزاء من الجسم بين الماء النافذ و مادته- يدفعها منع نجاسة الغسالة عندنا أولا، و وضوح جريان أحكام الطاهر على الماء الذي يغسل به حال تخلله في أجزاء المغسول و قبل انفصاله من التطهير به و نحوه عند من قال بنجاسة الغسالة أيضا ثانيا.

و كذا الفرق بدعوى إمكان إزالة عين النجاسة أو إهلاكها بالكثير دون القليل، إذ هو مع أنه لا يتم في النجاسة الحكمية ممنوع، على أن البحث مع فرضه، كالفرق أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 81- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 155

بوجوب انفصال ماء الغسالة لو كان بالقليل، خصوصا ماء غسلة الإزالة لا التطهير و ان لم نقل بوجوب العصر، للفرق بينه و بين الصب، و بنجاسة غسالته الراسبة فيه دون الكثير، إذ هو إن سلم ففي غير غسل البواطن، على أن مثله يأتي في الغسل بماء الكثير أيضا عند التأمل، و الاكتفاء بالإهلاك فيه دون القليل تحكم، و قد تقدم ما يعلم منه ما في الأخير بما لا مزيد عليه.

نعم لو توقف نفوذ الماء القليل إلى الأعماق على وضع المتنجس فيه دون صبه عليه اتجه حينئذ اختصاص تطهيره بالكثير، بناء على اعتبار ورود المطهر من القليل على المتنجس لا ما إذا لم يتوقف، و القول بتحكيم استصحاب بقاء النجاسة- في غير المتيقن من الوضع بالماء الكثير دون القليل الذي ظاهر أكثر الأصحاب إن لم يكن مجمعا عليه عدم حصول الطهارة بالغسل به هنا، إذ هو أولى من القسم الأول الذي قد عرفت نسبة منع حصول طهارته به إلى المعروف بين المتأخرين منهم، خصوصا مع قصور أسانيد تلك الأخبار- يدفعه وضوح عدم تحقق شهرة معتد بها لدى المتصفح لكلماتهم فضلا عن الإجماع، بل ربما كان معروفية إطلاق حصول الطهارة بالغسل من غير تعرض لأفراد الغسل شاملا لما نحن فيه، بل قد يظهر من الذخيرة كونه المعروف بين الأصحاب حيث نسب روايتي اللحم إلى عملهم بهما و شهرتهما بينهم.

و أوضح منه ما في الحدائق حيث قال بعد ذكرهما: «و ظاهر الأصحاب من غير خلاف القول بمضمونهما» و ان استشكل هو بعد ذلك في إطلاق ذلك، لكن الإنصاف أن الظاهر إرادتهما من ذلك قبول التطهير في الجملة، لا خصوص حصول الغسل بالقليل.

نعم عن نهاية الفاضل إطلاق طهارتهما بالغسل، كما انه في المنتهى حكى عن أبي يوسف أن الحنطة و السمسم و الخشبة إذا تنجست بالماء النجس و اللحم إذا كان مرقه نجسا تطهر بأن يغسل ثلاثا و يترك حتى يجف كل مرة، فيكون كالعصر، ثم قال بعده:

ج 6، ص: 156

«و هو الأقوى عندي، لأنه قد ثبت ذلك في اللحم مع سريان أجزاء الماء النجسة، فكذا ما ذكرناه» انتهى.

و لعله يريد ما في الذخيرة من احتمال إرادته من ذلك ما في النهاية من مجرد القبول للتطهير، لعدم معهودية التثليث و تنزيل التجفيف منزلة العصر من مذهبه.

و كيف كان فلا إجماع قطعا بل و لا شهرة معتدا بها في الاعراض عما سمعته هنا و في القسم الأول، بل لعل ظاهر من حكيناه عنهم الخلاف في القسم الأول القول به هنا، بل هو كاد يكون صريح الأردبيلي منهم أو صريحه، فإذا الأقوى الطهارة بالقليل و الكثير مع اجتماع تلك الشرائط من النفوذ و غيره، خصوصا مع قولنا بطهارة الغسالة، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[في اعتبار ورود الماء في التطهير بالقليل]

ثم إن الأقوى في النظر اشتراط الطهارة في المغسول بالقليل بعدم وروده على الماء، وفاقا للمعظم نقلا و تحصيلا، إذ هو المستفاد من ناصريات السيد و سرائر الحلي و منتهى الفاضل و قواعده، بل عن سائر كتبه و دروس الشهيد و بيانه، لكن مع التقييد في أولهما بالإمكان، و استثناء الإناء في ثانيهما، و جامع الكركي و المعالم و منظومة الطباطبائي و غيرها، بل و خلاف الشيخ و معتبر المصنف حيث حكم فيهما بنجاسة الماء القليل إذا وقع فيه إناء الولوغ قبل تطهيره، و بعدم احتساب ذلك من غسلاته، و احتمال كون ذلك منهما لفقد التعفير لا لاعتبار الورود يدفعه بعد إطلاقهما ملاحظة كلامهما، فتأمل.

بل قد يظهر من السرائر الإجماع عليه، بل لم أعرف من جزم بخلافه مطلقا، إذ أول من ناقش فيه الشهيد في الذكرى، مع أنه استظهر اعتباره فيها أولا فقال:

«الظاهر اشتراط ورود الماء على النجاسة لقوته بالعمل، إذ الوارد عامل، و للنهي عن إدخال اليد في الإناء قبل الغسل، فلو عكس نجس الماء و لم يطهره، و هذا ممكن في غير

ج 6، ص: 157

الأواني و شبهها مما لا يمكن فيه الورود، إلا أن يكتفى بأول وروده، مع أن عدم اعتباره مطلقا متوجه، لأن امتزاج الماء بالنجاسة حاصل على كل تقدير، و الورود لا يخرجه عن كونه ملاقيا للنجاسة، و في خبر ابن محبوب عن أبي الحسن (عليه السلام) في الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى، ان الماء و النار قد طهراه» انتهى.

فمن العجيب ما في شرح المفاتيح للأستاذ الأكبر تبعا لما عن شرح الإرشاد من حكاية الشهرة على عدم اشتراط الورود.

نعم ربما يظهر من كشف اللثام نوع ميل اليه، حيث انه قال بعد أن حكى ما في الذكرى: و أوضح منه أي خبر ابن محبوب

صحيح ابن مسلم (1)«سأل الصادق (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول، فقال: اغسله في المركن مرتين»

انتهى.

و كأنه لأن المركن هو الإجانة التي تغسل فيها الثياب، و الغسل فيها لا يكاد يتحقق معه الورود، كما انه في المدارك قال: و المسألة محل تردد و إن كان اعتبار الورود أولى و أحوط، مع أنه حكي عنه أنه استوجه اعتباره في موضع منها أيضا، و نفى عنه البأس في آخر، كما عن الخراساني استحسانه في الذخيرة، و تقريبه في الكفاية، و عن الدلائل تحقيقه.

و كيف كان فلا ريب أن المشهور و الأقوى الأول، للاستصحاب و أوامر الصب (2)و لظهور بعض أدلة القليل بل صراحتها بنجاسته مع ورود المتنجس عليه كاليد و نحوها، و هو لا يتم على المختار من طهارة الغسالة، و عدم معقولية إفادة النجس طهارة غيره شرعا، و من هنا كان القول باعتبار الورود لازما لكل من قال بطهارة الغسالة حينئذ، أو خصوص الغسلة المطهرة، لعدم نجاسته معه عنده، لعدم الدليل أو الدليل


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب النجاسات- الحديث 3 و 4 و 7.

ج 6، ص: 158

العدم، بل في كشف اللثام تعليله بالحرج و الإجماع، بل لعله لازم أيضا للعلامة و تابعيه القائلين بطهارتها قبل الانفصال، اللهم إلا أن يلتزم طهارة الإناء مثلا حال وضع اليد فيه، و أنه لا ينجس إلا بعد انفصالها، و هو كما ترى مخالف لظاهر الأدلة أو صريحها.

نعم قد لا ينافي ذلك من قال بنجاستها مطلقا حال الاتصال و بعده، و انه لا مانع من حصول الطهارة بها و ان نجست بنفس الغسل، انما الممنوع النجاسة السابقة عليه، و كان هذا هو الذي ألجأ الشهيد و غيره إلى عدم الفرق بين الورودين، كما أشار إليه في الذكرى، لنجاستها حينئذ على كل حال، و صدق مسمى الغسل الوارد في الأدلة.

مضافا إلى إشعار خبر ابن محبوب و ظهور صحيح ابن مسلم المتقدمين، كظهور ما دل على تطهير الإناء بوضع الماء فيه و تحريكه ثم إفراغه الذي لا يتم فيه اعتبار الورود المذكور.

لكن يدفعه على تقديره- بعد ما عرفت في مبحث الغسالة من قلة ملتزم ذلك من الأصحاب و ضعف القول به، بل المعروف طهارتها حال الاتصال و ان وقع النزاع فيها بعده- انا و ان قلنا به أي نجاسة الغسالة في الحالين، لكن لما كان حصول التطهير به مع ذلك منافيا للقواعد الشرعية إلا أنه ارتكب جمعا بين ما دل على نجاسة القليل و الإجماع بل الضرورة على حصول الطهارة بالغسل به، مضافا إلى العسر و الحرج اتجه حينئذ الاقتصار فيه على المتيقن الذي تندفع به الضرورة، و هو الوارد، لكونه مجمعا عليه في حصول الطهارة به دون غيره، فيبقى الثوب مثلا مع عدمه على استصحاب النجاسة، و على قاعدة عدم حصول الطهارة بالمتنجس، و احتمال انقطاعهما بإطلاق الغسل يدفعه- بعد قصوره عن معارضتهما باعراض المشهور عنه بالنسبة إلى ذلك، و احتمال أو ظهور انصرافه إلى المتعارف المعهود المتداول في أيدي عامة الناس من الغسل بورود الماء، بل يمكن دعوى السيرة المستمرة المأخوذة يدا عن يد على كيفية غسل النجاسات

ج 6، ص: 159

بذلك، كما قد يومي اليه التأمل في عبارة الناصريات- انه معارض بأوامر الصب في الأخبار الكثيرة الواردة في نجاسة الجسد و الثوب و الفراش ذي الحشو و غيرها من بول الصبي و غيره، و هو ظاهر ان لم يكن صريحا في ورود المطهر، فيكون مع إتمامه بعدم القول بالفصل بين موارده و غيرها مقيدا للإطلاق.

و أما خبر ابن محبوب فهو مع إجماله سؤالا و جوابا من وجوه لا صراحة فيه، بل و لا ظهور في طهارة الجص بوضعه في الماء، و كيف مع أن الشهيد نفسه (رحمه الله) لا يرى طهارة ما يرسب فيه الماء و لا يعصر بالقليل.

و أما صحيح ابن مسلم (1)فهو مع احتماله لإرادة معنى الباء من «في» بل لعله متعين عندهم، إذ لا يستقيم ظاهره على القول بنجاسة الغسالة، إذ لا بد من إراقة ماء الغسلة الأولى و عصر الثوب، بناء على اعتباره بعد كل غسلة، فينجس حينئذ الثوب بغسله ثانيا فيه بنجاسة الماء الجديد و إنائه.

اللهم إلا أن يلتزم تطهير الإناء بعد الغسلة الأولى ثم يجعل فيه ماء و يوضع الثوب فيه، أو يلتزم تنزيل الثوب منزلة الجزء من الإناء فيصب عليه الماء بعد إراقة ماء الغسلة الأولى، فينجس الماء الثاني بعد فصل الثوب عن الإناء، أو يطهر هو و الإناء بإراقة الماء ثانيا، ثم يفصل الثوب عنه فيعصر.

و هما كما ترى، مع عدم منافاته على التقدير الأخير لمعتبر الورود في الغسلة الأخيرة خاصة، لأنها هي المطهرة، و عدم أولويته من القول بكون الغسلتين بالصب عليه و هو في الإناء، جمعا بينه و بين الأدلة السابقة من أوامر الصب و غيرها، بل لعله المتعارف من كيفية الغسل فيه.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 160

و أما ما دل (1)على تطهير الأواني المدعى ظهوره في عدم إمكان الورود حتى احتيج إلى استثنائها من اشتراط الورود أو استفيد منه عدم الاعتبار مطلقا فقد يجاب عنه بما في جامع المقاصد من أن الحق أنه لا يراد بالورود أكثر من وروده ابتداء، و إلا لم يتحقق الورود في شي ء مما يحتاج فصل الغسالة عنه إلى معونة شي ء آخر، أو بما في المعالم بأن من أمعن النظر في دليل انفعال القليل بالملاقاة رأى أنه مختص بما إذا وردت النجاسة على الماء، فيجب حينئذ أن يكون المعتبر هنا هو عدم ورود النجاسة على الماء لا ورود الماء على النجاسة، و الفرق واضح، قال: «فلم يحتج حينئذ إلى استثناء نحو الأواني و لا لتكلف حمل الورود على ما يقع أولا» انتهى.

قلت: و كان مراده عدم صدق ورود المتنجس على الماء في أثناء غسل الأواني و نحوها و ان كان لا يصدق أيضا ورود الماء عليه أيضا، لكن الثابت من الأدلة نجاسة الأول خاصة دون غيرها، فتبقى حينئذ على العفو عنها في حال التطهير كحالة الورود، و لهذه الدقيقة صدرنا عنوان المسألة بما عرفت، فتأمل.

[في حكم بول الصبي]

و على كل حال فقد عرفت وجوب العصر في الثياب و نحوها مما يعصر من سائر النجاسات عند المصنف و غيره ممن تقدم، لكنه استثنى من ذلك تبعا للمشهور بين الأصحاب المتنجس منها ببول الصبي، فقال إلا من بول الرضيع، فإنه يكفي صب الماء عليه من غير حاجة إلى عصر، بل لا أجد فيه مخالفا كما اعترف به في المدارك و المعالم و الذخيرة و الحدائق و المفاتيح، بل في الأخير نفي الخلاف نفسه لا وجدانه، كما أن في الأول نسبته إلى مذهب الأصحاب، بل في الثاني إلى اتفاق كلمة الأصحاب الذين وصل كلامهم إلينا، بل في الخلاف و عن الناصريات الإجماع عليه، و هو الحجة


1- 1 الوسائل- الباب- 51 و 53 و 70- من أبواب النجاسات.

ج 6، ص: 161

بعد شهادة التتبع منا و ممن عرفت له، بل قد يشعر أيضا نسبة الخلاف فيه في المعتبر و المنتهى إلى أبي حنيفة و غيره من أهل الخلاف بالإجماع عليه بيننا.

مضافا إلى

حسن الحلبي أو صحيحه (1)«سأل الصادق (عليه السلام) عن بول الصبي، فقال: تصب عليه الماء، فان كان قد أكل فاغسله غسلا، و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء»

كالرضوي (2)بل و المروي عن كشف الغمة و غيره (3)بل

عن العامة روايته أيضا معتمدين عليه بحسب الظاهر عن زينب بنت جحش (4)قالت:

«كان النبي (صلى الله عليه و آله) نائما فجاء الحسين (عليه السلام) فجعلت أعلله لئلا يوقظه ثم غفلت عنه، فدخل- إلى أن قالت-: فاستيقظ النبي (صلى الله عليه و آله) و هو يبول على صدره، فقال (صلى الله عليه و آله): دعي ابني حتى يفرغ من بوله، و قال:

لا تزرموا بول ابني، ثم دعا بماء فصب عليه، ثم قال: يجزئ الصب على بول الغلام، و يغسل بول الجارية»

الحديث.

كالمروي عن

معاني الأخبار(5)مسندا «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) أتي بالحسن بن علي (عليهما السلام) فوضع في حجره فبال، فأخذه فقال: لا تزرموا ابني، ثم دعا بماء فصب عليه».

بل لعل

خبر السكوني (6)المروي في الفقيه و التهذيب و عن المقنع و العلل «ان عليا (عليه السلام) قال: لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم، لأن


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
2- 2 المستدرك- الباب- 2- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 4- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
4- 4 كنز العمال- ج 5 ص 128- الرقم 2644.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 4.

ج 6، ص: 162

لبنها يخرج من مثانة أمها، و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل أن يطعم، لأن لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين».

كالمروي عن

لبانة بنت الحارث (1)قالت: «كان الحسن بن علي (عليهما السلام) في حجر رسول الله (صلى الله عليه و آله) فبال عليه، فقلت: أعطني إزارك لأغسله، فقال: إنما يغسل من بول الأنثى»

دال على المطلوب، بل أدل من غيره، للقطع بإرادة الزائد على الصب من نفي الغسل فيهما، إذ قد علمت سابقا الإجماع على نجاسته إلا ممن لا يعتد بخلافه فيه.

و بذلك كله يقيد و يخص إطلاق و عموم ما دل على وجوب الغسل الزائد على الصب من البول، لا أنه لا عموم أو إطلاق في الأخبار ليتناول ما نحن فيه، فيبقى على أصل البراءة و نحوها كما في المدارك، ضرورة وجدان كل منهما فيها خصوصا الثاني، إذ التحقيق كون المفرد المعرف للطبيعة، كما أنه به أيضا يجب طرح مضمر سماعة(2)الدال على غسل الثوب من بول الصبي أو حمل الغسل فيه على الصب أو الصبي على المتغذي، أو غير ذلك من التقية و الندب أو غيرهما مما ستسمع، ك

حسنة ابن أبي العلاء(3)عن الصادق (عليه السلام) «في بول الصبي يصب عليه الماء ثم يعصر».

بل قد تحتمل إرادة العصر للتجفيف لا التطهير، أو ما في المدارك من احتمال كونه لإخراج عين النجاسة من الثوب، فان ذلك واجب عند من قال بنجاسة هذا البول، و إن كان لا يخلو من نظر، لإمكان منع وجوب الإخراج، بل يكفي الاستهلاك بالصب، لإطلاق النصوص و الفتاوى.

نعم يعتبر في الصب استيعاب الماء لمحل البول و ما رسب فيه، فلا يكفي مجرد


1- 1 تيسير الوصول- ج 3 ص 57 عن لبابة.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 163

الإصابة كالرش من غير استيعاب، بل في المدارك انه مما قطع به الأصحاب، بل لعله أيضا معقد إجماع الخلاف، و لا ينافيه ما في التذكرة من حكاية قول لنا بالاكتفاء بالرش، لأنه قال بعده: فيجب فيه التعميم، فلا يكفي إصابة الرش بعض مورد النجاسة.

فيعلم منه حينئذ عدم إرادة الرش بالمعنى المنافي لذلك، بل لعله بالمعنى المذكور كالصب حينئذ، اللهم إلا أن يقال بعدم اعتبار نفوذ الماء إلى المحال التي رسب فيها البول في مفهوم الرش و ان عم ظواهر المحل، فينافي ما تقدم حينئذ و ان كان هو ضعيفا في نفسه لا دليل يعتد به عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، ضرورة عدم زوال حكم النجاسة من دون مباشرة المطهر، بل قد يشكل الاكتفاء بالرش و ان ساوى الصب في الاستيعاب للظاهر و غيره باستصحاب حكم النجاسة مع الأمر بالصب في النص و الفتوى، و عدم ظهور الحكمة في أمر التطهير، على أن في الصب من اتصال الأجزاء و الغلبة و القاهرية ما لا يوجد في الرش، لكن تبادر إرادة عدم وجوب العلاج و الاحتيال بالدلك و الغمز و التقلب و غيرها من الأمر بالصب مقابل الغسل يدفع احتمال توقف التطهير على خصوصيته، فلا يبعد حينئذ الاكتفاء بالرش المساوي للصب في الاستيعاب للظاهر و الباطن و الغلبة و القاهرية و نحوها مما له مدخلية في التطهير.

اللهم إلا أن يمنع تسمية مثله غسلا، فانا و إن اكتفينا بالصب في بول الصبي لكن لا بد من تحقق مسمى الغسل، فلا يكتفى بمجرد استيعاب المطهر للمطهر من دون جريان و نحوه المعتبر عرفا في مفهوم الغسل في الوضوء و الأغسال و نحوهما، لاستصحاب حكم النجاسة مع الأمر بغسل النجاسات في الروايات، بل في خصوص بول الصبي نفسه، كما في موثقة سماعة(1)و غيرها(2) مما ورد في ثوب المربية و غيره، فالجمع بينهما يقتضي


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب النجاسات- الحديث 1 و الباب 3 منها.

ج 6، ص: 164

وجوب الغسل لكن بمجرد الصب لا الغسل المعتبر في باقي إزالة النجاسات المحتاج إلى العلاج و الاحتيال في إزالة أعيانها، بل هو كغسل الوضوءات و الأغسال و نحوها مما لا يراد منه إزالة شي ء، بل قد يدعى لزوم ذلك للصب غالبا.

و دعوى منافاة ذلك لا طلاق النصوص و الفتاوى الاكتفاء بالصب مقابل الغسل الصادق بدون ذلك و بدون انفصال الماء و عدمه، بل و بدون الاستيعاب يدفعها ما سمعته سابقا من ظهور كون المراد بذلك عدم العلاج و الاحتيال المعتبرين في إزالة غيره من النجاسات، لا أن المراد مجرد تحقق الصب، و إلا فقد ورد الاكتفاء بالصب أيضا في غسل الجسد من البول معللا ذلك بأنه ماء لا يحتاج إلى دلك و نحوه، مع انه من الواضح اعتبار مسمى الغسل فيه.

فما في جامع المقاصد و تبعه عليه غيره من عدم اعتبار الجريان على محل البول في محل المنع، نعم لا يعتبر الانفصال فيه كما في جامع المقاصد و غيره، بل في المدارك أنه مما قطع به الأصحاب، كما أنه لعله بعض معقد إجماع الخلاف أيضا، لا طلاق الصب، و لأن مقابلته بالغسل بناء على أن حده الانفصال كما عن الخلاف و نهاية الأحكام صريحة في نفي اعتباره.

لكن قد يقال بعد انصراف المقابلة المذكورة كالأمر بالصب إلى ما سمعت:

باعتبار الانفصال، بناء على اعتباره في باقي النجاسات لا لتوقف مسمى الغسل عليه بل لإمكان فهم اعتباره في خصوص غسل النجاسات من جهة احتمال إرادة انفصال النجاسة أو حكمها بانفصال الماء، بل لعل المراد من غسل النجاسات انما هو إزالة النجاسة بهذه الكيفية كالأوساخ، بل في الرياض تعليله أيضا بنجاسة الغسالة و عدم وجوب العصر أعم من عدم لزوم الانفصال، إذ قد يراد بغير العصر من وجوه الانفصال.

قلت: لكن ظهور الأدلة- من النصوص و غيرها كما لا يخفى على من لاحظها

ج 6، ص: 165

في خفة هذه النجاسة و التساهل في أمرها، و أنه لذلك خالفت غيرها من النجاسات، مضافا إلى ظاهر الإجماع السابق و غيره- يمنع اعتبار أصل الانفصال في الجملة، فضلا عنه على الوجه الذي ذكره في الرياض، بل ينبغي القطع بعدمه، ضرورة مساواتها حينئذ لغيرها من النجاسات في وجوب إخراج غسالتها، و إن كانت بغير العصر و هي بالعصر، إلا أن ذلك من الواضح عدم صلاحيته فارقا، على أن خصوصية العصر غير مرادة في باقي النجاسات قطعا، انما المراد إخراج غسالتها به أو بغيره.

فالأقوى حينئذ عدم اعتبار الانفصال مطلقا، و به يمتاز حينئذ عن بول البالغ بناء على عدم وجوب العصر فيه، لطهارة الغسالة أو غيرها، أو يقال: إنه يمتاز بعدم اعتبار العلاج فيه و الاحتياج لإخراج نفس العين مع وجودها، بل يكفي في طهرها امتزاجها بالماء بخلافه في البالغ، و هو جيد و إن كان لا يخلو من نوع تأمل.

لكن على كل حال ما في كشف الأستاذ أنه لا فرق بين بول الصبي و غيره فيما لا يرسب فيه الغسالة باعتبار وجوب الغسل مرتين في كل منهما لا يخلو من نظر، لإمكان الفرق باعتبار الفصل في الثاني دون الأول، إذ قد عرفت أن الأقوى عدم اعتباره فيه، و انه بذلك امتاز عن البالغ.

نعم استثنى من ذلك في المدارك و الذخيرة ما إذا توقف إزالة عين النجاسة عليه مع احتمال عدمه أيضا فيهما، لا طلاق النص، و ان اعترضهما في شرح المفاتيح بأن الإطلاق لا يثمر مع العلم بالنجاسة، و وجود عين النجس، و بقائه في الثوب، و عدم استهلاكه بمجرد الملاقاة للماء، فان نجس العين بمجرد إصابة الماء كيف يصير منقلبا، و مع عدم الانقلاب كيف يصير طاهرا.

لكنك خبير بما في الجميع مما عرفت سابقا من ظهور الأدلة بطهر مثل هذا البول باستيعاب الماء محل البول، و غلبته عليه و استهلاكه به و ان لم ينفصل، و لا استبعاد في

ج 6، ص: 166

ذلك شرعا بوجه من الوجوه، فلا فرق حينئذ بين الاكتفاء(1)بالصب على المتنجس به بين ما يعصر و ما لا يعصر، و بين ما يرسب فيه الغسالة و ما لا يرسب، أرضا كان أو غيرها.

نعم قد يقال بنجاسة المنفصل من ماء غسالته و لو بعصر و إن لم نقل باشتراطه، بناء على نجاسة الغسالة، لا طلاق دليلها عندهم الشامل للمقام كما اختاره الأستاذ في كشفه، لكن الأقوى طهارتها عليه أيضا، و استثنائها من ذلك كالمختلف بعد العصر، كما هو ظاهر النصوص و الفتاوى، و فحوى عدم اشتراط الانفصال كظهور خفة حكم هذه النجاسة، و استبعاد اختلاف حكم الماء الواحد بالنسبة إلى طهارته و نجاسته، بمعنى إن خرج كان نجسا و إلا كان طاهرا، و غير ذلك.

نعم لا يبعد جريان حكم بول الصبي على ما تنجس به من المائعات و غيرها كالماء و نحوه، فيجزئ الصب على المتنجس بالمتنجس به بعد إخراج العين أو استهلاكها بناء على الاكتفاء، لعدم زيادة الفرع عن أصله، و ظهور انتقال حكم النجاسة إلى المتنجس لا أزيد.

نعم لو أصابه نجاسة أخرى غير بول الصبي أو اختلط ببول الصبي نجاسة غيره لم يجر عليه الحكم المذكور على إشكال فيما لو اختلط معه ما لا يخرج المتنجس به عن صدق نجاسته ببول الصبي، كالقليل جدا من بول البالغ مثلا، و خصوصا لو كان المباشر لبول الصبي نجسا حكما، لمنع تأثير النجس في النجس حكما مع عدم بقاء اسم المؤثر، و كذا الإشكال في جريان حكم بول الصبي على بوله إذا كان ولد كافر و إن كان الأقوى فيه ذلك أيضا كما في نظائره.

نعم قد يشكل فيه و ولد المسلم فيما لو كان يتغذى بلبن كافرة بفحوى تعليل خبر


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و الصحيح« في الاكتفاء».

ج 6، ص: 167

السكوني (1)و عدم انصراف الإطلاق، كالمتغذي بلبن الخنزيرة مثلا، فلعل الأقوى فيه عدم الإلحاق اقتصارا على المتيقن.

و كيف كان فيختص الحكم المذكور بالصبي خاصة دون الصبية، وفاقا للمشهور، بل لعله لا خلاف فيه، لاحتمال حمل عبارة الصدوقين التي ظن ذلك منها حيث كانتا كحسنة الحلبي و الرضوي المتقدمين على إرادة مساواة الجارية مطلقا للصبي بعد الأكل، خصوصا إن قلنا بجريان مثل هذا التركيب مجرى القيد المتعقب بجمل متعددة يقتصر فيه على المتيقن: أي الأخيرة فقط، لا أقل من أن تكون الشهرة العظيمة على الاختصاص بل في مفتاح الكرامة عن المختلف الإجماع عليه و ان لم أجده فيما حضرني من نسخته، و خبر السكوني و زينب بنت جحش و لبانة بنت الحارث المتقدمة آنفا قرينة على رجوع ذلك في الحسنة إلى الأخيرة خاصة، و على بقاء بول الصبية مندرجا تحت إطلاق أدلة البول و استصحاب بقاء نجاسته.

فما في الحدائق من الميل إلى المساواة متعجبا من إعراض الأصحاب عن ذلك مع أنه مضمون الحسنة التي هي مستند أصل الحكم في الصبي في غير محله.

و الخنثى المشكل بل و الممسوح كالأنثى، للاستصحاب.

و المراد بالصبي من لم يأكل الطعام أكلا مستندا إلى شهوته و إرادته أي متغذيا به، كما هو المستفاد من حسنة الحلبي و خبر السكوني المتقدمين، فلا عبرة بالأكل نادرا أو دواء و نحوهما، و إلا لم يتحقق موضوع المسألة، لاستحباب تحنيك الولد بالتمر كما في المنتهى و غيره.

نعم لا فرق فيما ذكرنا بين الحولين و ما زاد عليهما، فمتى أكل الأكل المذكور قبلهما خرج عن الحكم المزبور، كما انه إذا لم يأكل كذلك بعدهما بقي على الحكم الأول


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 4.

ج 6، ص: 168

لا طلاق الخبرين، بل تعليل خبر السكوني.

فما في السرائر من تحديد الصبي الرضيع بمن لم يبلغ سنتين لا يخلو من تأمل، بل في المعتبر أنه مجازف، و يمكن أن يريد الرضيع الذي لم يبلغهما و ان كان ينافيه كلامه في باب البئر، فلا مخالفة حينئذ إلا فيمن لم يتغذ بالطعام بعدهما، و لعل وجهه من موافقته للاحتياط تحديد مدة الرضاع بالحولين شرعا مع ندرة بقائه أزيد منهما عرفا، بل منع تسميته رضيعا، فلا عبرة بمن لم يأكل بعد الحولين، بل لعل التحديد في الخبرين منزل على ذلك.

كما انه يرجع اليه ما في جامع المقاصد و الروض و عن المسالك من أن المراد بالرضيع الذي لم يغتذ بغير اللبن بحيث يزيد على اللبن أو يساويه، و لم يتجاوز سن الرضاعة أي الحولين كما في صريح الثاني، و هو لا يخلو من وجه كما عرفت، لكن تقييدهما التغذي بالمساواة أو الزيادة لا يخلو من نظر بل منع، لصدق الأكل و التغذي و ان نقص عنه.

نعم قد يقال بعدم العبرة بأكله أصلا قبل الحولين كما هو صريح السرائر في باب البئر و محتمله هنا، إلا أنك قد عرفت منافاته لإطلاق الخبرين، و ان كان ربما يوجه بنحو ما سمعت من كون المراد فيهما مدة الرضاع، بل قد يشعر به خبر زينب بنت جحش المتقدم من حيث نسبة الدخول و نحوه إلى الحسين (عليه السلام) المشعر بتجاوز عمر الحسين (عليه السلام) الستة أشهر و زيادة، مع ظهور ما يحكى في أمر ولادته و زمان فطامه في تغذيه بغير اللبن بعدها، فتأمل جيدا.

[في عدم حجية الظن المتعلق بالنجاسة]

و إذا علم النجاسة و موضع النجاسة من الثوب و البدن و نحوهما غسل وجوبا لما تجب الإزالة له مما تقدم، أما لو ظن النجاسة أي تنجس الثوب و البدن فظاهر النهاية و عن صريح الحلبي وجوب الغسل لابتناء أكثر الأحكام على الظنون،

ج 6، ص: 169

و امتناع ترجيح المرجوح، و الاحتياط في بعض الصور.

و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (1)بعد أن سأله أبوه سنان «عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل لحم الخنزير و يشرب الخمر فيرده، أ يصلي فيه قبل أن يغسله؟ قال: لا يصلي فيه حتى يغسله».

كالمروي (2)عن مستطرفات السرائر من كتاب البزنطي «سألته عن رجل يشتري ثوبا من السوق لا يدري لمن كان يصلح له الصلاة فيه، قال: إن اشتراه من مسلم فليصل فيه، و ان كان اشتراه من نصراني فلا يلبسه و لا يصلي فيه حتى يغسله».

كخبر علي بن جعفر(3)عن أخيه موسى المتضمن نحو ذلك أيضا، بل و غيرهما مما دل (4)على اجتناب الفراء المأخوذة من أهل العراق، لأنهم يستحلون الميتة، و يزعمون أن دباغها ذكاتها.

و هو ضعيف جدا مع عدم الاستناد إلى سبب شرعي، بل واضح الفساد كأدلته، لمخالفته لقاعدة اليقين و الأصل و الأخبار الحاكمة بالطهارة إلى حصول العلم بالنجاسة.

ك

قول الصادق (عليه السلام) في خبر حماد(5): «الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس»

و في

موثقة عمار(6)«كل شي ء نظيف حتى تعلم أنه قذر».

و

قول علي (عليه السلام) في خبر حفص بن غياث (7)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): «ما أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم أعلم».


1- 1 الوسائل- الباب- 74- من أبواب النجاسات- الحديث 2 و في الوسائل« الحبري» بدل« الخنزير».
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 61- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء المطلق- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 37- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 37- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 6، ص: 170

بل

صحيح ابن سنان (1)كالصريح في ذلك «سأل أبوه الصادق (عليه السلام) و هو حاضر اني أعير الذمي ثوبي و أنا أعلم أنه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرده علي فأغسله قبل أن أصلي فيه، قال: صل فيه و لا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إياه و هو طاهر، و لم تتيقن أنه نجسه»

الحديث.

ك

مضمر زرارة في الصحيح (2)بل عن العلل إسناده إلى أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره- إلى أن قال-: قلت: فان ظنت أنه قد أصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فيه فرأيت فيه، قال: تغسله و لا تعيد الصلاة، قلت: و لم ذاك؟ قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبدا»

إلى غير ذلك من الأخبار البالغة أعلى مراتب الاستفاضة إن لم تكن متواترة معنى، لاختلاف أنواع دلالتها على عدم حصول النجاسة بمثل الظن المزبور، بل في بعضها المدح على عدم الاعتناء به، كالتوبيخ في آخر(3)على الاعتداد به معللا ذلك بأن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إن الدين أوسع من ذلك.

لكن مع ذا لا بأس بالاحتياط خروجا عن شبهة الخلاف إن لم يكن مقطوعا بفساده، بل يمكن الحكم باستحبابه، للأخبار السابقة التي يشهد على تنزيلها على ذلك رواية

علي بن بزاز(4)عن أبيه قال: «سألت جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن الثوب يعمله أهل الكتاب أصلي فيه قبل أن أغسله، قال: لا بأس، و ان يغسل أحب


1- 1 الوسائل- الباب- 74- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 73- من أبواب النجاسات- الحديث 5 لكن رواه في الوسائل عن أبي علي البزاز عن أبيه.

ج 6، ص: 171

إلى»

و غيره مما يستفاد منه رجحان الاستظهار في الطهارة في الجملة مما دل (1)على استحباب اجتناب سؤر الحائض المتهمة بالنجاسة، بل كل من كان متهما بذلك، فاحتمال عدم مشروعية هذا الاستظهار لظهور الأدلة في توسعة أمر الطهارة كما ترى، بل ينبغي القطع بفساده إن أريد منه الحرمة إن لم يقصد به المستظهر قربة، بل أراد إراقة الماء على يده مثلا لزوال نجاستها ان كان واقعا فيها نجاسة، للأصل السالم عن المعارض، و السيرة القاطعة و غيرهما.

نعم قد يكون ذلك مرجوحا بالنسبة إلى عدمه إذا احتمل ترتب الوسواس عليه، كما أنه يحرم لو كان مقدمة له أو هو منشأه.

أما لو كان منشأ الظن سببا شرعيا كخبر العدل ففي المعتبر و المنتهى و موضع من التذكرة و ظاهر القواعد أو صريحها و جامع المقاصد و عن المبسوط و الخلاف و الموجز و شرحه و الإيضاح و غيرها عدم القبول، كما عن ظاهر المختلف أيضا، سواء ذكر ما تنجس به الشي ء أولا، كما صرح به بعضهم، و هو ظاهر آخر، لا طلاقه كاطلاقهم ذلك

أيضا فيما قبل الاستعمال و بعده، للأصل و قاعدة اليقين و اعتبار العلم في الأخبار السابقة، و مفهوم ما تسمعه من خبري البينة(2).

[في حجية خبر العدل]

لكن قد يشكل بعموم بعض ما دل على حجية خبر العدل، بل قد يستفاد من الأخبار تنزيله منزلة العلم، مثل ما دل (3)على ثبوت عزل الوكالة به مع اشتراط الأصحاب حصوله بالعلم، و ما دل (4)على جواز وطء الأمة إذا كان البائع عدلا قد


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأسئار.
2- 2 الوسائل- الباب- 61- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2 و الباب 4 من أبواب ما يكتسب به- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الوكالة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.

ج 6، ص: 172

أخبر بالاستبراء، و ما دل (1)على دخول الوقت المشروط بالعلم بأذان العدل العارف، و غير ذلك، بل ثبوت الأحكام الشرعية به أكبر شاهد على ذلك.

بل يمكن بالتأمل في الأخبار كخبر اللمعة(2)المتقدم في غسل الجنابة، و خبر النهي (3)عن إعلام المصلي بكون الدم في ثوبه المتقدم في النجاسات و غيرها استفادة تنزيل خبر العدل منزلة اليقين، و الاكتفاء به على وجه الضابط و القاعدة في كل موضوع لم يثبت كونه من الشهادة المعتبر فيها التعدد، بل لعل ثبوت أصل النجاسة به دون التنجس مع انه ليس من الشهادة في شي ء متنافيان، إذ هو أيضا فيه قاطع لقاعدة اليقين و لاعتبار العلم و غيرهما، و منه يعلم حينئذ تنزيله منزلتهما في المقامين.

و دعوى تسليمه في أصل النجاسة دون التنجيس تحكم من غير حاكم، فلا جهة حينئذ للقول بكون التعارض بين ما دل على اعتبار العلم في النجاسة و بين ما دل على حجية قبول خبر العدل من وجه، و لا مرجح، فيبقى على أصل الطهارة، إذ قد عرفت تحكيمه في أصل النجاسة القاضي بتنزيله منزلة العلم و اليقين في التنجس أيضا، لاتحاد مدركهما، و لعله لذلك كله كان خيرة ظاهر موضع من التذكرة القبول، كما انه عنه في النهاية احتماله، و مال إليه في الحدائق، إلا أن الانصاف بقاء المسألة في حيز الإشكال، لإمكان التأمل و النظر في سائر ما تقدم من المقال بمنع بعضه و عدم ثبوت المطلوب بالآخر.

[في حجية البينة]

نعم ينبغي القطع بقبول البينة في ذلك كما صرح به في بعض الكتب السابقة، و حكي عن آخر، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن القاضي و عن ظاهر عبارة الكاتب و الشيخ، و لا ريب في ضعفه، لظهور تنزيلها منزلته في الشرع، إذ هي من باب الأسباب لا مدخلية للظن في اعتبارها، كظهور استحقاق الرد أو الفسخ و المطالبة


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأذان و الإقامة من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 173

بالأرش لو ثبت بالبينة نجاسة الدهن المبيع و نحوه، و احتمال عدم التلازم بين استحقاق الرد و ثبوت النجاسة و جريان أحكامها لا يصغى اليه.

نعم قد يقال هنا بعدم الاكتفاء بالشاهد الواحد، لمعارضة حق الغير و استحقاق الرد و نحوه من الدعاوي التي لا تثبت به و ان قلنا بالاكتفاء به حيث لا يكون كذلك، بل يمكن دعوى ثبوت النجاسة هنا بخبره دون استحقاق الرد، لكنه لا يخلو من تأمل، و

للمروي (1)عن التهذيب و الكافي بسنديهما عن الصادق (عليه السلام) في الجبن، قال: «كل شي ء حلال لك حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك أن فيه ميتة»

كالآخر(2)

عنهما أيضا عن الصادق (عليه السلام) «كل شي ء لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه، فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة- إلى أن قال-: و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة»

و مفهومهما قاض بعدم ثبوت النجاسة بالشاهد الواحد كما أشرنا إليه سابقا.

لكن قد يجاب بمنع عموم المفهوم فيه كالمنطوق، أو يلتزم ذلك في موردهما مما كان عليه ظاهر قول أو فعل مسلم مستلزم للطهارة من بيعه أو أكله، فلا يكتفى بالواحد، لأنه فيه يكون من قبيل الشهادة بخلاف ما لا يعارضه ذلك، فيفصل حينئذ في قبول شهادة الواحد، و هو ليس بذلك البعيد، و إن أطلق كل من المثبت و النافي، كما

انهم أطلقوا قبول شهادة العدلين من غير تقييد لها بذكر سبب التنجيس، لاحتمال استنادها إلى سبب لا ينجس عند الشهود عنده، كاطلاقهم قبولها فيما قبل الاستعمال و بعده، لكن في التذكرة تقييد القبول بذكر السبب.

و فيه نظر لجريان مثله في أغلب البينات ان لم يكن جميعها مع تعارف الأخذ بها


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 4 من كتاب التجارة.

ج 6، ص: 174

في سائر الموارد، و ما ذاك إلا لتنزيل إطلاقها على الواقع حتى يظهر الخلاف، إما لأن عدالة الشاهد تمنع من الإطلاق مع إرادة السبب المختلف فيه أو لغير ذلك.

نعم لا فرق في ثبوت النجاسة بالبينة بين حصول الظن فيها و عدمه، كما في كل مقام تقبل فيه، لكونها من الأمور التعبدية قطعا.

نعم قد يتجه ذلك في خبر العدل بناء على دوران حجيته على الظن.

و منه ينقدح إمكان إلحاق خبر غير العدل المتبين خبره به و لو بتبين حال الراوي من كونه محترزا عن الكذب و نحوه مما اعتبرت حجيته في الأحكام الشرعية، لكنه لا يخلو من بحث.

فظهر لك من ذلك كله تمام البحث في أطراف المسألة و إن أطنب المحدث البحراني في حدائقه فيها زاعما ابتنائها على تحقيق لم يسبقه اليه غيره عدا السيد نعمة الله الجزائري في رسالة التحفة، و هو أن مدار الطهارة و النجاسة و الحل و الحرمة على علم المكلف بأسبابها و عدمه حقيقة أو شرعا لا الواقع، فلا معنى للمتنجس مثلا سوى ذلك لا ملاقاة أعيان النجاسة واقعا و ان لم يعلم المكلف، فليس هناك نجس واقعا و نجس ظاهرا، بل انما هو أمر واحد، و هو ما علم المكلف بملاقاته للنجاسة أو جعله الشارع كالعالم.

و فيه- مع مخالفته للنصوص و الفتاوى بل المجمع عليه بين الأصحاب ان لم يكن ضروريا من عدم مدخلية العلم في تحقق معنى النجاسة، لا طلاق الأدلة في حصول النجاسة بملاقاة أسبابها، و أن الشي ء قد يكون نجسا واقعا طاهرا ظاهرا و بالعكس، و لذا قد ترتب عليه بعض أحكام كل منهما من الإعادة و غيرها بعد انكشاف الواقع و ظهوره- انه لا مدخلية لذلك في شي ء من أحكام المسألة حتى لو قلنا بثبوت النجاسة بالظن، إذ يمكن انطباقه على التحقيق المذكور بدعوى كونه أيضا من الأسباب التعبدية كالشهادة و إخبار ذي اليد و نحوهما.

ج 6، ص: 175

[في تعارض البينتين]

و كيف كان فلو تعارض الخبران أو البينتان على وجه يكون نافيهما كالمثبت في طهارة شي ء و نجاسة ثوب أو إناء أو غيرهما ففي ترجيح الأولى بالأصل أو الثانية بالنقل، و بإطلاق دليل قبولها من الخبرين السابقين و غيرهما و عدمه، فيتساقطان، و يستوي في الحكم مع الأول أو يحكمان و يكون كالمشتبه، فيستوي في الحكم من التطهر به و نحوه مع الثاني أوجه بل أقوال، لا يخلو ثالثها من قوة.

و أما احتمال الترجيح لأحد الخبرين بالأوثقية و نحوها من مرجحات الرواية فلم أعرف أحدا احتمله، و لعله لعدم الدليل على اعتبارها هنا أو لفرض التساوي، أما لو تعارضا في شيئين كالانائين و نحوهما فالمتجه جريان الأقوال الأربعة السابقة، إلا أني لم أعرف من جزم بالنجاسة هنا و ان كان وجهه الأخذ بإثبات كل منهما نجاسة كل منهما دون النفي.

بل قد يظهر من جامع المقاصد وجود قائل بذلك، لكن ضعفه باتفاقهما على طهارة واحد، كما انه ضعف القول بطهارتهما- المحكي عن الخلاف و المبسوط و المختلف، لتساقطهما بالمعارضة في كل من الإنائين، فيرجع إلى الأصل السابق، أو لترجيح بنية الطهارة بالأصل- بأنه انما تعارضا في تعيين النجس لا في حصول النجاسة المتفق عليها عندهما.

و فيه ان العلم يحصل لو لم يختلفا بالمشهود به، و إلا فبعد الاختلاف كان كل واحد من الإنائين كالإناء المتحد الذي تعارض فيه البينتان، و قد عرفت أن الأقوى فيه الطهارة، فالقول بها هنا حينئذ قوي كما في كشف اللثام، كما أن إلحاقهما بالمشتبه كما في القواعد و التذكرة و جامع المقاصد و عن السرائر و المعتبر و التحرير لا يخلو من وجه، لارتفاع أصل الطهارة بالشهادة على النجاسة مع تعارض البينتين في مفاديهما، فان كلا منهما يفيد نجاسة إناء و طهارة الآخر، و هو يعطي الاشتباه، و لأنهما جميعا يثبتان نجاسة ما فيهما، فيجب اجتنابهما، و ذلك حكم المشتبه، و لا يدفع إحداهما قبول الأخرى،

ج 6، ص: 176

لتقدم الإثبات على النفي، إذ فيه أنه انما يتقدم عليه إذا ترجح بأنها قد تشاهد ما لم تشاهده الأخرى، بخلاف النفي هنا، فإنه لا يضعف عن الإثبات، على أن شهادة كل منهما مركبة من الإثبات و النفي، فلا معنى لتصديقهما في جزء و تكذيبهما في آخر.

هذا كله مع عدم إمكان الجمع، أما مع إمكانه فلا ريب في العمل به، إذ لا معنى لإسقاط ما هو حجة شرعية من دون معارض، فما عن الشيخ من القول بالطهارة حتى مع إمكان الجمع في غير محله، إلا أن يكون بناه على عدم قبول البينة في ثبوت النجاسة، فيخرج حينئذ عما نحن فيه، إذ البحث هنا على تقدير القبول.

[في قبول إخبار ذي اليد بالنجاسة]

و كالبينة في القبول عندنا إخبار صاحب اليد المالك بنجاسة ما في يده و ان كان فاسقا كما في المنتهى و القواعد و الموجز و كشف الالتباس و ظاهر كشف اللثام، بل عن الذخيرة أنه المشهور بين المتأخرين، كما في الحدائق أن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه، بل عن الأستاذ أنه «لا ينبغي الشك في قبول خبره بذلك و بالتطهير كالإباحة و الحظر و نحوهما من الأحكام المشترط فيها العلم» إلى آخره. لأصالة صدق المسلم، خصوصا فيما كان في يده، و فيما لا يعلم إلا من قبله، و فيما لا معارض له فيه، و للسيرة المستمرة القاطعة، و لاستقراء موارد قبول إخبار ذي اليد بما هو أعظم من ذلك من الحل و الحرمة و غيرهما، و لفحوى قبول قوله في التطهير، بل فعله بل و قوله في التنجيس بالنسبة إلى بدنه، فان الظاهر معروفية تسليم القبول فيه، كما يومي اليه الاستدلال به في كشف اللثام على ما نحن فيه، فاحتمال انه من أفراد إخبار ذي اليد بما في يده من الإناء و نحوه، فيجري فيه ما يجري فيه ضعيف.

قيل و لما يشعر به

قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر إسماعيل بن عيسى (1)


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب النجاسات- الحديث 7.

ج 6، ص: 177

جواب سؤاله عن جلود الفراء يشتريها الرجل من أسواق المسلمين يسأل عن ذكاته إذا كان البائع غير عارف: «عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه»

الحديث. من قبول قول المسؤول لو سئل، بل قد يدعى دلالتها على قبوله حتى لو كان مشركا بناء على كون المراد من الخبر سؤال المشرك، بمعنى أنه يسأل فيقبل إن أجاب أنها من ذبائح المسلمين، و لا يقبل إن لم يكن كذلك كما فهمه الخوانساري و غيره.

نه قد يناقش فيه حينئذ بمنع قبول قول المشرك في تذكية المسلم بحيث يقطع به أصالة عدمها، و بأن قبول قوله في عدمها إن أجاب به للأصل لا لكونه صاحب يد، بل قد تتجه المناقشة بالأخير حتى لو قلنا ان المسؤول في الخبر المسلم كما فهمه في الحدائق على معنى عليكم سؤال البائع المسلم إذا كان في السوق مشرك يبيعها حينئذ، لاحتمال شراء المسلم لها منه حينئذ، أما إذا رأيتموه يصلي فيها فلا تسألوه بعد الإغضاء عن سماجة ما ذكره، إذ يتجه أن يقال حينئذ إن قبول قوله لو سئل انما هو لأصالة عدم التذكية التي قطعها ظاهر يد المسلم الذي صرفنا عن التمسك به قوله، فلا يقاس عليه ما نحن فيه من إخبار صاحب اليد بالنجاسة المنافية لأصالة الطهارة و عموماتها.

و من هنا تتضح لك المناقشة في جميع ما استدل به لهذا الحكم من الأخبار(1)المتضمنة للنهي عن السؤال عند شراء الفراء و الجلود و ان اشتمل بعضها على التعليل بأن الدين أوسع من ذلك، و أن الخوارج ضيقوا على أنفسهم.

و لعله لذا قال في الذخيرة و شرح الدروس: إني لم أقف له على دليل، كما عن نهاية الأحكام الإشكال فيه، بل هو في المنتهى و التذكرة و إن أفتى بالقبول لكنه عبر عن ذلك فيهما بالأقرب مما يشعر بعدم قطعية الحكم عنده، بل في الأخير قيد قبوله


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات- الحديث 3 و 6.

ج 6، ص: 178

بما إذا أخبر بنجاسة الإناء مثلا قبل الطهارة لا بعدها، فإنه لا يقبل حينئذ.

و لعل وجهه لأنه قد خرج من يده بالاستعمال، فلا يقبل إخباره بنجاسته و إن كان خبره عنه بذلك في حال كونه بيده، فكان بالحقيقة إخبار بنجاسة الغير، فلا يلتفت اليه كما لا يلتفت إلى قول البائع باستحقاق المبيع للغير، و ل

صحيحة العيص بن القاسم (1)«سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل صلى في ثوب رجل أياما، ثم إن صاحب الثوب أخبره أنه لا يصلى فيه، فقال: لا يعيد شيئا من صلاته».

و المناقشة فيه باحتمال كون المانع غير النجاسة من الغصب و نحوه مدفوعة بترك الاستفصال ان لم يكن ظاهرا في كون المانع النجاسة».

نعم قد يناقش فيه بأن عدم الإعادة لعله للجهل بالنجاسة بناء على معذورية الجاهل حتى في الوقت، بل و بالدليل السابق بعدم التفاوت بعد اعتبار قوله و حجيته شرعا بين تأخره عن الاستعمال و تقدمه كالبينة، و بأن قضيته عدم القبول حتى قبل الاستعمال بعد شرائه منه و نحوه مما يكون سببا لخروجه عن يده.

إلا أنه قد يدفع ذلك كله بأن العمدة في الاستدلال له أصالة الطهارة و عموماتها المعلقة للخروج عنها بالعلم أو ما يقوم مقامه، خصوصا خبرا البينة المتقدمان، مع عدم ثبوت قيام إخبار صاحب اليد بعد الاستعمال مقامه، كما أن ذلك وجه عدم قبوله مطلقا حتى لو كان في يده.

لكن قد عرفت ضعف الأخير للأدلة السابقة من أصالة القبول و غيرها، بل قد يشعر به أيضا مضافا إلى ذلك النهي عن الاعلام في

خبر عبد الله بن بكير(2)«سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلى فيه و هو لا يصلي فيه، قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب النجاسات- الحديث 3.

ج 6، ص: 179

لا يعلمه ذلك، قلت: فإن أعلمه قال: يعيد»

بل أمره بالإعادة في ذيله كالصريح في ذلك، بل في خلاف ما قاله العلامة في التذكرة أيضا، لكنه مبني على وجوب إعادة الجاهل و قضائه، و من هنا كان الاستدلال به عليه لا يخلو من نظر.

نعم قد يتجه الاستدلال بإشعار النهي فيه عن الاعلام بالقبول لو أعلم على قبول إخبار ذي اليد قبل الاستعمال، كما أنه قد يتجه الاستدلال بما في الحدائق من أنه ورد النهي عن السؤال في بعض الأخبار(1)الواردة في الجبن، حيث أنه أعطى الخادم درهما و أمره أن يبتاع به من مسلم جنبا، و نهاه عن السؤال، إذ لو لا قبول إخبار ذي اليد المسؤول لم يكن وجه للنهي عنه.

فالأقوى حينئذ القبول حال بقاء العين في يده، لا إذا خرجت من يده، اقتصارا فيما خالف الأصل على محل اليقين، كما أنه ينبغي الاقتصار على المتيقن من ذي اليد و ان اختلفت عبارات من تعرض له، فمنها علقت الحكم على المالك، و منها على ذي اليد، و منها ما جمعت بينهما لكن بعطف ذي اليد على المالك، فقالت: يقبل خبر المالك و ذي اليد، و ان كان يقوى في النظر عموم القبول لكل مستول على عين شرعا لملك أو وكالة أو إجارة أو أمانة أو ولاية و نحوها، بل قد يدور في الذهن قبول الغاصب الذي هو كالمتملك عرفا، لمكان تسلطه و تصرفه على ما في يده نحو ثياب الظلمة و عمالهم و أوانيهم و دورهم و فرشهم و نحوها، و إن كان أصل استيلائهم عليها بغصب منهم أو آبائهم لها أو لأثمانها، ضرورة عدم مدخلية الملك أو التسلط الشرعي في قبول القول بالتنجيس، خصوصا إن قلنا إن منشأه أصالة صدق المسلم و صحة قوله.

بل قد يؤيده جريان السيرة و الطريقة في قبول قولهم بالتطهير لو تنجست الأمور المذكورة عندهم، مع انه لا مدرك له إلا كونهم أصحاب يد.


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.

ج 6، ص: 180

بل قد يقوى في النفس عموم اليد في النجاسة لنحو أمهات الأولاد و مربياتهم، فيقبل إخبار هن في نجاسة ثيابهم و أبدانهم و نحوهما.

و الحاصل ان تنقيح المراد باليد في المقام في غاية الاشكال، و العجب من الأصحاب كيف أغفلوا تحرير ذلك مع كثرة أفراده و تشتتها، و عدم وضوح مدرك لشي ء منها، و شدة الابتلاء بجملة منها، خصوصا في مثل ذوي الأيدي الشركاء بالأشياء المائعة من الدهن و الدبس و نحوهما إذا أخبر أحدهم شركاءه بنجاستها، كما أنهم أغفلوا تحرير الحكم أي القبول، و لم يتعبوا أقلامهم في بيان مدركه، و لعله لوضوح الأمر لديهم و إن خفي علينا.

و هل يختص قبول قول ذي اليد بالمسلم و ان كان فاسقا عبدا أو امرأة أو يعمه و الكافر؟ وجهان.

و حكم ثبوت التطهير حكم التنجيس من العدل الواحد و البينة و غيرهما، لاتحاد المدرك، فما في كشف الأستاذ من قبول العدل في التطهير دون التنجيس لا يخلو من نظر.

نعم قد يحتمل الفرق بذلك في خصوص صاحب اليد لوضوح الأدلة فيه دون التنجيس، كما يومي إلى ذلك قطع الفاضل في التذكرة و عن النهاية بقبوله في الطهارة، و جعله الأقرب ذلك في التنجيس في الأولى و إشكاله فيه في الثانية، كما أنه في المنتهى جعل الوجه القبول في الطهارة و القرب في النجاسة.

لكن على كل حال ينبغي القطع بقبول إخبار صاحب اليد بتطهيره ما في يده من النجاسة العارضة، كما هو ظاهر الكتب المتقدمة، بل هو صريح بعضها لأكثر الأدلة السابقة مع زيادة العسر و الحرج، و تظافر الأخبار(1)بطهارة ما يوجد في أسواق المسلمين من الجلود و اللحم و نحوهما، بل هي ظاهرة في الاكتفاء في ذلك بظاهر أفعالهم


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات.

ج 6، ص: 181

المنزلة على أصالة الصحة حتى يعلم الخلاف، فضلا عن أن تقرن بأقوالهم، بل هو أولى من الحكم بطهارة بدن المسلم و ثيابه بغيبته و إن لم يقل أو يفعل ما يستلزم الاخبار بذلك، فالحاصل قبول قوله في التطهير مما لا ينبغي الإشكال فيه.

نعم قد يتجه الإشكال في موضوعه بنحو ما تقدم من الاشكال السابق، و لعله لذا حكي عن الأمين الأسترابادي و السيد نعمة الله الجزائري أنهما حكيا عن جملة من علماء عصريهما أنهم كانوا إذا أرادوا إعطاء ثيابهم للقصارين لتطهيرها يهبونها إياهم أو يبيعونها ثم يستردونها منهم بنحو ذلك تخلصا من شبهة استصحاب النجاسة، لتوقف انقطاعه على العلم أو ما يقوم مقامه من البينة أو خبر العدل على إشكال فيه أو إزالة المالك نفسه مع عدم ثبوت قيام خبر مطلق الوكيل و ان لم يكن عدلا مقامه، لعدم ثبوت كونه من ذوي اليد المقبولة إخباراتهم، إذ المعلوم منها المالك.

و فيه- مع مخالفته للسيرة المستقيمة القطعية في سائر الأعصار و الأمصار المأخوذة يدا عن يد في تطهير الجواري و النساء و نحوهم ثياب ساداتهن و رجالهن، بل لعل ذلك من الضروريات التي هي بمعزل عن نحو هذه التشكيكات- ان تتبع الأخبار بعين الانصاف و الاعتبار يورث القطع بالاكتفاء بنحو ذلك، و بأن كل ذي عمل مؤتمن على عمله، كالأخبار الواردة في القصارين (1)و الجزارين (2)و الجارية(3)المأمورة بتطهير ثوب سيدها، و ان الحجام مؤتمن في تطهير موضع الحجامة(4)و نحو ذلك، فضلا عن عموم أدلة الوكالة و تصديق الوكيل فيما و كل فيه. فحينئذ لا حاجة للحكم بالتطهير في


1- 1 الوافي- باب التطهير من مس الحيوانات- من أبواب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الذبائح- الحديث 1 من كتاب الصيد و الذبائح.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 56- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 182

الحكم المذكور إلى دعوى الدخول في ذي اليد.

و كيف كان فلا حاجة للإطناب و الإسهاب و تكثير السؤال و الجواب، و إن أطنب فيه بعض متأخري المتأخرين، و لعله لظهور الخلاف في ذلك من المعالم، حيث كان ظاهره حصر القائم مقام العلم في عود المتنجس للطهارة بالبينة و العدل الواحد في احتمال.

نعم قد يتوقف في قبول تطهير الغير بالنسبة إلى ما هو متعارف في زماننا من غسل النساء و الجواري و نحوهم الثياب و الأواني من غير إذن، و لعل الفحوى أو كالفحوى في المقام كافية للسيرة المستقيمة و أصالة الصحة في القول و الفعل، بل قد يدخل نحوهم في ذوي الأيدي بعد تفسيره بالمستولى باذن شرعية و لو بفحوى من المالك و نحوها، بل قد عرفت احتمال الدخول في نحو الغاصب المتقدم حاله، فتأمل جيدا، فان المقام و إن كان مجمله من الواضحات، لكن جملة من أفراده لا يخلو من بعض الإشكالات، كما أشرنا إلى بعض ذلك، و إنا و إن طال بنا الكلام في هذه المسائل مع عدم تمام ارتباطها بما في المتن من وجوب الغسل مع العلم بموضع النجاسة إلا أنها لا تخلو من تعلق ما، لاحتمال الاكتفاء في معلومية موضع النجاسة بما يثبت به أصل النجاسة من إخبار العدل بناء على قبوله أو البينة أو صاحب اليد و نحوها مما عرفت.

[في وجوب غسل كل موضع حصل فيه الاشتباه]

و أما إن جهل محل النجاسة فلم يعلمه بأحد الأمور المفيدة له شرعا غسل كل موضع يحصل فيه الاشتباه ليكون على يقين من طهارته، كما في

صحيحة زرارة الطويلة(1)قلت: «فاني قد علمت أنه أصابه و لم أدر أين هو فأغسله، قال:

تغسل ثوبك من الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك».

و إضمار المسؤول- مع عدم قدحه عندنا كما عرفته غير مرة، خصوصا من مثل زرارة المعلوم عدم أخذه أحكامه من غير الامام (عليه السلام)، و خصوصا في مثل هذا


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 183

الخبر المشتمل على سؤالات متعددة المقترن بقرائن كثيرة تشهد بكونه من الامام (عليه السلام)- يدفعه ما عن الصدوق (رحمه الله) انه رواه في كتاب علل الشرائع بطريق حسن مسندا إلى الباقر (عليه السلام).

كالمناقشة فيه بظهوره في اعتبار التحري من حيث تعليق الحكم فيه بالرؤية التي هي أعم من العلم، لاندفاعها بإرادة العلم منها بشهادة التعليل إن لم تكن ظاهرة في ذلك بنفسها.

بل ينبغي القطع بذلك بملاحظة اعتضاده بصحيحتي محمد بن مسلم (1)

و ابن أبي يعفور(2)عن أحدهما (عليهما السلام) و الصادق (عليه السلام) «في المني يصيب الثوب فان عرفت مكانه فاغسله، و ان خفي عليك فاغسله كله».

ك

حسن الحلبي أو صحيحه (3)عن الصادق (عليه السلام) «إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه، و إن ظن أنه أصابه مني و لم يستيقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء، و ان استيقن أنه قد أصابه و لم ير مكانه فليغسل الثوب كله فإنه أحسن»

و إشعار تعليله- بعدم الوجوب بعد إعراض الأصحاب عنه للإجماع المحكي صريحا في المنتهى و التذكرة و الرياض و عن غيرها و ظاهرا في المعتبر إن لم يكن محصلا على الوجوب المعتضد بنفي الخلاف عنه فيه في المعالم و الذخيرة- لا يصلح للحكم به على غيره.

فلا حاجة حينئذ للاستدلال على المطلوب بعد ذلك باستصحاب بقاء يقين المنع إلى حصول اليقين بالزوال المتوقف على غسل الجميع، حتى يناقش فيه بأن يقين النجاسة يرتفع بغسل جزء مما وقع فيه الاشتباه يساوي قدر النجاسة و ان لم يحصل القطع بغسل ذلك المحل بعينه، و بأنه عند التأمل بعد فرض غسل الجزء من استصحاب الجنس المعلوم عدم حجيته، و إن أمكن اندفاعها بأن المعتبر بعد يقين الشغل يقين البراءة لا عدم يقين


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب النجاسات- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب النجاسات- الحديث 4.

ج 6، ص: 184

الشغل، كما أشارت إلى ذلك صحيحة زرارة السابقة(1)بل هو واضح في سائر ما كان من قبيل هذه المقدمات و موارد مثله من الاستصحابات أيضا، كوضوح عدم كونه من استصحاب الجنس بحيث لا يحتاج إلى بيان.

لكن قد تقدم لنا في البحث عن الإنائين المشتبهين ما يصلح التأييد به للمناقشة السابقة، بل تقدم ماله مزيد نفع في غير ذلك أيضا من الأبحاث التي تعرض لها بعضهم هنا حتى الملاقي للمشتبه، فانا قد ذكرنا هناك أن الأقوى فيه بقاؤه على استصحاب الطهارة و عدم إلحاقه بالمشتبه، كما هو ظاهر الأدلة، فلا يجب اجتنابه و إن احتملنا فيه ذلك أيضا، لما تقدم في محله، فيكون كالمشتبه في وجوب اجتنابه و غسله مع الإمكان، لكن قد يظهر هنا من الأستاذ الأكبر في شرحه على المفاتيح الميل إلى حرمة مباشرة المشتبه و ان لم يجب عليه غسل الملاقي بعد عصيانه، و وجهه غير واضح.

هذا إن لاقى المشتبه ثوب واحد مثلا، أما لو لاقاه ثوبان أو أثواب بحيث علم ملاقاة أحدها للنجس منه فلا ريب في جريان حكم المشتبه الأصلي عليه، بل هو من أفراده، نعم لو لاقاه بدنا مكلفين لم يجب على أحدهما غسل يده مثلا و ان علما نجاسة أحدهما على الاجمال، لوضوح عدم جريان المقدمة هنا، بل يكونان كواجدي المني في الثوب المشترك، بل و كذا لو لاقاه ثوبا هما كما جزم به كسابقه الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح، لاستصحاب كل منهما طهارة ثوبه و بدنه، و عدم تعلق الخطاب بمعين منهما بالاجتناب عن ثوبه أو بدنه النجس المعين أو المردد.

قلت: لكن قد يشكل الأخير بأن الخطاب بالاجتناب لا يتوقف على كون الثوب مملوكا للمكلف، بل يكفي فيه تقدير تمكنه من ذلك بإعارة و إجارة و نحوهما،


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 185

بل الظاهر تحققه مع تعذرهما أيضا، لظهور كون النجاسة من قبيل الخطاب بالوضع الذي لا يتوقف على تحقق ذلك، و إلا فبناء على ما ذكره يتجه صحة صلاة كل منهما و وضوئه بكل من ثوبيهما و إناءيهما مع قطعهما بوقوع النجاسة على أحدهما، و كأنه واضح البطلان، خصوصا بعد إطلاق الأدلة بالإراقة و نحوها من دون تقييد باتحاد المالك، بل قد يتجه عليه صحة ذلك مع اتحاد المالك إذا أخرج أحدهما عن ملكه ببيع و نحوه، اللهم إلا أن يفرق بتحقق تكليف المعين فيه دون الأول، فلا يجدي في انقطاع الاستصحاب الانتقال العرضي، كما لا يجدي إراقة أحدهما في الأرض أو في ماء كثير في استصحاب التكليف باجتناب الباقي و ان لم يكن يقين نجس، و هو لا يخلو من وجه، كما أنه لا يخلو من كلام يعرف مما ذكرناه في بحث الإناءين، فلاحظ.

[في غسل الثوب و البدن مرتين]

في غسل الثوب و البدن من البول مرتين بالماء القليل عدا محل الاستنجاء مرتين وفاقا للمشهور بين المتأخرين، بل في المدارك و الحدائق و غيرهما نسبته للشهرة من غير تقييد، بل في المعتبر نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و لعله لازم إيجابهما في الفقيه و الهداية في محل البول، كما أنه لازم ما في السرائر من إيجاب العصر مرتين، للأصل الواضح ضعف المناقشة فيه هنا بعدم جريانه في الحكم الثابت إلى غاية مجهولة للمكلف بما ذكرناه في محله من عدم الفرق بين الأمرين في مدرك حجيته عندنا.

و

قول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح ابن مسلم (1)و الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن أبي يعفور(2)عن البول يصيب الثوب: «اغسله مرتين»

ك

صحيح ابن مسلم الآخر(3)أيضا عن الصادق (عليه السلام) «اغسله في المركن مرتين، فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة».


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 186

و

حسن الحسين بن أبي العلاء(1)بل صحيحه على الأصح فيه «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البول يصيب الجسد، قال: صب عليه الماء مرتين، فإنما هو ماء، و سألته عن الثوب يصيبه البول، قال: اغسله مرتين»

كالمروي (2)في مستطرفات السرائر من جامع البزنطي.

و

خبر أبي إسحاق النحوي (3)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن البول يصيب الجسد، قال: صب عليه الماء مرتين».

و

الرضوي (4)«إن أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة، و من ماء راكد مرتين، ثم أعصره»

فما في البيان- من الاجتزاء بالمرة، كظاهر المبسوط و القواعد بل صريح الأخيرين في البول غير المرئي كالجاف و نحوه ذلك أيضا، بل ربما يوهمه أيضا إطلاق المقنعة و النهاية كما عن غيرهما- ضعيف جدا، إذ هو مع مخالفته لما عرفت لا دليل عليه سوى دعوى التمسك بأصالة البراءة التي هي على تقدير تسليمها منقطعة بما سمعت، و إطلاق طهورية الماء كإطلاق الأمر بالغسل في بعض الأخبار الواجب تقييدهما لو سلم إمكان الاستدلال بأولهما على ما نحن فيه من الكيفية، بل و بثانيهما أيضا، لظهور كونه مساقا لغير بيانها بما سمعته من الأدلة المعتبرة.

كما أن ترك الاستفصال فيها بين الجاف و غيره شاهد على عدم اعتباره فيه.

فدعواه لظهور كون أول الغسلتين للإزالة و الثانية للإنقاء، بل ذلك عين متن خبر الحسين بن أبي العلاء في المعتبر و الذكرى، فمع فرض زوال العين بالجفاف و نحوه سقطت غسلته و بقيت غسلة الإنقاء لا يلتفت اليه، لمخالفته لإطلاق النصوص و الفتاوى من غير شاهد، إذ العقل لا نصيب له في إدراك هذه المقامات، و لم نعثر على تلك الزيادة في الخبر


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب النجاسات- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
4- 4 المستدرك- الباب- 1- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 187

المذكور في الأصول كما اعترف به في المعالم و الذخيرة و الحدائق، بل قال الأول: أني أحسبها من كلام المعتبر، فتوهمها بعضهم أنها من الخبر، و قد يؤيده عدمها في الخبر المذكور في المنتهى مع شدة حاجته إليها.

و مع ذلك كله فليست صالحة للحكم على معارضها من إطلاق الأدلة المعتضد بإطلاق الفتاوى، بل حملها على الحكمة و نحوها متجه، فالتفصيل بذلك لنحو ذلك في غاية الضعف.

كالتفصيل بين الثوب و البدن، فيجب العدد في الأول دون الثاني، للإطلاق السالم عن معارضة دليل معتبر فيه، لقصور أخبار العدد فيه سندا بأجمعها بل و دلالة، لاحتمال إرادة القول مرتين لا الصب، إذ المناقشة الثانية في غاية الضعف، بل و الأولى أيضا، لمنع القصور أولا كما لا يخفى على المتأمل في ملاحظة الأسانيد، خصوصا بعضها، و للانجبار بالشهرة العظيمة، و ظاهر إجماع المعتبر ثانيا.

فلا ينبغي التوقف في الفتوى حينئذ بمضمونها، و معارضتها ببعض المعتبرة(1)الظاهرة في نفي التعدد بالنسبة للاستنجاء، بل لعل المشهور ذلك فيه يدفعها ما تقدم لنا في ذلك المبحث من الفرق الواضح بين المقامين، لاختصاص كل منهما بأدلة لا تتعدى إلى الآخر، ضرورة ظهور أخبار المقام المشتملة على السؤال عن إصابة البول الجسد في غير محل الاستنجاء، كالعكس.

و ما في

الكافي «روي (2)أنه يجزئ أن يغسل البول بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة و غيره»

- بعد الإغضاء عن دلالته، لظهور إرادته بذلك إحدى (3)روايتي نشيط بن صالح- لا يجسر على طرح هذه الأدلة المعتبرة سندا و دلالة و عملا، أو تأويلها بمثله، كما هو واضح.


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب أحكام الخلوة.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 7.

ج 6، ص: 188

و من هنا ذهب بعض من اجتزى بالمرة هناك إلى التعدد هنا، بل في ظاهر المعتبر هنا نقل الإجماع مع حكايته الخلاف في التعدد هناك، نعم قد يلزم القول بالتعدد فيه القول به في المقام، لأوضحية أدلته منه، فتأمل.

و لا فرق في الحكم المذكور بين سائر الأبوال، للأصل و إطلاق النصوص و الفتاوى، و احتمال المناقشة- بعدم ظهور تناول إطلاق البول لها أو ظهور العدم، فلا يتقيد إطلاق الأمر بالغسل، ك

قوله (عليه السلام) (1): «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»

و نحوه بها- ضعيفة جدا.

[في إزالة بول الصبي]

نعم هي في محلها بالنسبة إلى بول الصبي غير المتغذي بالطعام الذي قد تقدم الاكتفاء فيه بالصب، فلا يعتبر التعدد فيه كما صرح به في المعتبر و الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح، و النراقي في لوامعه، و الشهيد في روضته، و الفاضل المعاصر في رسالته المنسوبة إليه، بل لعله ظاهر جميع الأصحاب كالمصنف و غيره، حيث أفردوا حكمه بالاكتفاء فيه بالصب، دون غيره فالغسل، ثم اعتبروا التعدد في الغسل مع معروفية عدم التعبير عنه بذلك في لسانهم، بل يذكرون حكم الصب مقابل الغسل، بل ظاهر المعتبر و الكتابين بعده السابقين تساوي الاجتزاء بالمرة للحكم بالصب في الوضوح.

قال في الأول: «بول الصبي لا يجب غسله، و يكفي صب الماء عليه مرة في الثوب و غيره، و به قال الشافعي و أحمد، و قال أبو حنيفة: يغسل كغيره».

و قال في الثاني: «أما إجزاء الصب في بول الصبي قبل الأكل من دون حاجة إلى التعدد و لا إلى العصر فيدل عليه- مضافا إلى أصالة البراءة و الإجماع المنقول عن الشيخ في الخلاف- ما رواه الشيعة في كتب الإمامية» إلى آخره.

و قال في الثالث: «التعدد كالغسل غير معتبر في بول الرضيع، لكفاية الصب


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 189

فيه بالأصل و الإجماع المحقق و المحكي عن جماعة، و قول الصادق (عليه السلام)(1)إلى آخره.

و لعله الأقوى، لا طلاق الأمر بالصب، سيما مع ظهور كون ذلك لخفة نجاسته، كما يومي اليه عدم اعتبار الانفصال فيه و غيره، بل لعل فحواه دليل آخر، ضرورة عدم الفائدة في التعدد حينئذ، خصوصا بناء على تعليله بكونه للإزالة و الثانية للإنقاء، كما أن ظهور بعض الأدلة السابقة على الاكتفاء بالصب من فعل النبي (صلى الله عليه و آله) و غيره في عدم التعدد دليل ثالث أيضا، بل لعل

خبر ابن أبي العلاء(2)ظاهر فيه أيضا «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البول يصيب الجسد، قال: صب عليه الماء مرتين، فإنما هو ماء، و سألته عن الثوب يصيبه البول، قال: اغسله مرتين، و سألته عن الصبي يبول على الثوب، قال: تصب عليه الماء قليلا ثم تعصره»

حيث اقتصر فيه على بيان العدد في الأولين، بل منه يظهر عدم اندراج بول الصبي في إطلاق السؤال عن إصابة البول الجسد و الثوب، و لذا أجابه (عليه السلام) بما لا يشمله من ذكر الغسل و العدد و نحوهما.

بل لعل التأمل في الأخبار(3)المشتملة على بيان ذلك من ذكر غسل الثوب خصوصا قوله (عليه السلام) في الإجانة كذا، و في الجاري كذا، و نحو ذلك فيها يشرف الفقيه على القطع بكون المراد منها بول غير الصبي المعبر عن حكمه بالصب عليه، ككلام الأصحاب أيضا، فما في كشف الأستاذ- من اعتبار العدد فيه لا طلاق ما دل على اعتباره، و دعوى ظهور الأدلة في اختصاص امتيازه عن بول غيره بالصب خاصة- ضعيف


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل- الباب- 1- من أبواب النجاسات- الحديث 4 و ذيله في الباب- 3- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1 و 2- من أبواب النجاسات.

ج 6، ص: 190

جدا كمستنده، مع أني لم أعثر على موافق له صريحا، و الله أعلم.

و المدار في صدق المرتين العرف كما في غيره من الألفاظ، و الظاهر اعتبار الفصل في مسماهما، بل ينبغي القطع به كما هو واضح، فما في الذكرى و ظاهر جامع المقاصد أو صريحه في باب الاستنجاء- بل حكي عن جماعة من الاجتزاء باتصال الماء الذي يغسل به و تدافعه المقدر فيه الغسلتان- ضعيف جدا إن كان المراد الدخول في المسمى، و لا يخلو من وجه إن كان المراد إلحاقه به في الحكم، لفحوى الاكتفاء بالحسي، بل ربما ادعي القطع به مع اتصاله مقدار زمان الغسلتين و زمان القطع، لأولوية الاتصال من الانفصال.

لكن قد يمنع ذلك كله، لظهور قصور العقل عن إدراك مثل ذلك، و انه لا مدخلية للانفصال فيه على وجه القطع و اليقين، إذ هو المثمر دون الظن و التخمين، فالاقتصار حينئذ على مضمون النصوص طريق اليقين بالبراءة عن شغل الذمة بإزالة النجاسة.

نعم قد يدعى القطع من إجماع أو غيره بعدم الفرق بين الثوب و البدن و غيرهما مما تنجس بالبول و أمكن تطهيره بالقليل في الحكم المذكور، و ان اقتصر في المتن و غيره من عبارات الأصحاب كالنصوص عليهما، إلا أن الظاهر إرادة التمثيل، كما صرح به في الروضة و الحدائق، بل هو كصريح غيرهما أيضا مما علق فيه الحكم على المنفعل بالبول، فاحتمال القول- بالاتحاد في غيرهما و ان قلنا بالتعدد فيهما كما في المعالم و الذخيرة، بل اختاره في اللوامع، لا طلاق أوامر التطهير و الغسل، بل خصوص إطلاق ما ورد بتطهير الفراش ذي الحشو و نحوه من البول- في غاية الضعف كما لا يخفى على المتأمل في أخبار الباب و كلام الأصحاب من التعدي إلى نحو ذلك، خصوصا في النجاسات، كتعديهم في أصل ثبوت النجاسة و ان كان ما ورد بها خاصا بالثوب و نحوه، لا أقل من الشك، و الاستصحاب محكم.

ثم انه لا يعتبر في المرتين كونهما معا للتطهير، بل الظاهر الاجتزاء بهما لو حصلت

ج 6، ص: 191

الإزالة بأحدهما كما عن المعتبر و الذكرى و جامع المقاصد و شرح الموجز التصريح به، لا طلاق الأدلة، بل هو قاض بذلك أيضا فيما لو حصلت الإزالة بهما أيضا، و ذيل خبر ابن أبي العلاء قد عرفت عدم ثبوته، و لا ينافي ذلك اعتبار المرتين في المتنجس بالبول حكما، لكون مدار المقام على إطلاق الأدلة و تحقق امتثالها.

فما عساه يقال أو قيل بل قد يوهمه كثير من العبارات في غير البول- من انه لا معنى لاحتساب تلك الغسلة الأولى التي حصلت بها الإزالة من الاثنتين، المزوم الإزالة و لو تضاعف الغسل، و لغير ذلك- ضعيف لا شاهد عليه.

نعم لا بد من اجتماع شرائط التطهير في الغسلتين معا من الورود و الانفصال و نحوهما، و إن كنا لا نشترط في المراد به إزالة نفس العين ذلك، فلو فرض إزالتها بماء وردت عليه مثلا ثم تعقب ذلك غسلتا التطهير لم يكن بذلك بأس، فلا يتوهم من الاجتزاء بالإزالة في الغسلة الأولى التي احتسبناها من الغسلتين سقوط شرائط التطهير فيها، إذ قد عرفت عدم ثبوت كون المراد منها الإزالة، بل ظاهر الأدلة توقف التطهير على مسمى الغسلتين، إلا أنه لما تحقق امتثال المكلف بفعلهما لاندراجه في إطلاق الأدلة قلنا بالاجتزاء بذلك، و إن قارنهما أو أحدهما حصول الإزالة أيضا، كما هو واضح.

[في إزالة غير البول من النجاسات]

و ظاهر المتن و غيره ممن اقتصر على ذكر العدد في البول خصوصا مع إطلاقه الغسل في غيره الاجتزاء بالمرة، كما هو صريح المعتبر و القواعد و الموجز و البيان و الروضة و المدارك و الذخيرة و الحدائق و الرياض و غيرها، و ان اشترط جماعة منهم الاكتفاء بها بعد إزالة العين، لظهور عدم مدخلية ذلك في اعتبار العدد، بل أقصاه عدم الاجتزاء بالمرة التي يقارنها الإزالة بها، مع انه قد يقطع بعدم إرادتهم منه ذلك، بل المراد عدم اعتبار أزيد من الإزالة بالغسل، إذ العدد على تقدير اعتباره لا يتفاوت فيه وجود العين و عدمها، و يعتبر فيه اجتماع شرائط التطهير من الورود و الانفصال و نحوهما من

ج 6، ص: 192

غير فرق بين الغسلة الأولى و الثانية، بخلاف ما يراد منه الإزالة كما عرفته مفصلا.

و لعله بهذا الاعتبار يرجع ما في المنتهى و التحرير إلى المختار حيث قال فيهما بعد ذكر العدد في البول: «ان ما كان له ثخن و قوام من النجاسات كالمني أولى بالتعدد» لظهور كون مراده ذلك لازالة العين، لا أن التطهير يتوقف عليه تعبدا، و لذا اكتفى بالمرة حال عدم وجود العين من سائر النجاسات، و هو أمر خارج عما نحن فيه، إذ فرض البحث بعد إزالة العين و لو بماء مضاف و نحوه.

نعم صريح اللمعة و جامع المقاصد التعدد في سائر النجاسات، للاستصحاب و لمساواتها للبول أو أولى، بل في

صحيح ابن مسلم (1)عن الصادق (عليه السلام) «انه ذكر المني فشدده و جعله أشد من البول»

الحديث. و لتعليل غسلتي البول بكون أولهما للإزالة و الثانية للإنقاء الجاري في غيره أيضا.

و هو كما ترى، إذ الاستصحاب مقطوع بإطلاق أدلة الغسل في جملة منها، بل الشديد منها كالحيض و نحوه ان لم يكن جميعها المتمم بعدم القول بالفصل، و منع وصول العقل إلى المساواة بالنسبة للحكم المذكور على وجه القطع و اليقين فضلا عن الأولوية، بل قد يومي عدم العفو عن قليله في الصلاة إلى أشديته من الدم، كمنع ظهور صحيح ابن مسلم في المطلوب، إذ لعل المراد أشدية وجوب إزالته و أنه آكد من البول في ذلك ردا لما عن بعض العامة من القول بطهارته لا بالنسبة إلى كيفية الغسل، أو المراد أشديته منه لاحتياجه إلى فرك و نحوه، و أما التعليل المذكور فقد عرفت أنا لم نعثر عليه في الأخبار السابقة، على أنه عليل في نفسه، بل لعله إقناعي أو كالاقناعي.

فالأقوى حينئذ عدم اعتبار العدد في غير البول من النجاسات في سائر المتنجسات


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 193

إلا الولوغ و خصوص الأواني على ما ستعرف حكمهما إن شاء الله من غير فرق في ذلك بين ما ثبت نجاسته من أوامر الغسل و نحوها التي يتمسك بإطلاقها في الاجتزاء بالمرة و بين ما ثبت نجاسته بالإجماع و نحوه، و إن تردد فيه بعض متأخري المتأخرين، للاستصحاب السالم عن معارضة إطلاق الأمر بالغسل و نحوه كما هو المفروض، إذ قد عرفت أنه مع تسليم وجود الفرض المذكور و أنه لا تكفي عمومات مطهرية الماء انما يتم بالإجماع المركب المحكي ظاهرا في الذخيرة الذي يشهد له التتبع، بل يمكن تحصيله على عدم الفرق بين النجاسات بذلك، و به ينقطع الاستصحاب حينئذ.

مع إمكان منعه في نفسه، إما بناء على عدم حجيته في نحوه مما كان معلقا على غاية غير معلومة للمكلف، فيتمسك حينئذ بأصالة براءة الذمة عن استعماله بعد الغسلة الواحدة، و عن وجوب غسلة ثانية بعدها، للشك في أصل الشغل بها، كمن تنجست يده مثلا بنجاسة لا يعلمها أنها بول فيجب فيه مرتان، أو غيره فيجب مرة، فإنه لا يجب عليه أزيد من مرة، و كالشك في كون الصادر منه موجبا للقضاء و الكفارة، أو للقضاء وحده.

و احتمال الفرق بين مشتبه الحكم و الموضوع ممنوع، كاحتمال الفرق بين أسباب النجاسة و غيرها من أفراد قاعدة الشك بين الأقل و الأكثر التي منها ما لو شك في شغل ذمته لزيد بعشرة دراهم أو أزيد المعلوم جريان أصل البراءة في مثله، كمعلومية منع دعوى بطلان ذلك باستصحاب الشغل إجمالا قياسا على من علم شغل ذمته بقدر خاص ثم شك في أدائه تماما أو بعضه، لوضوح الفرق بين المقامين.

و إما بناء على عدم استصحاب حكم الإجماع، لارتفاعه بعد تحققها.

و إن كانا معا لا يخلوان من نظر، أما الأول فلأن صفة الطهارة و ما يحصل به الطهارة أمر شرعي لا يمكن حصوله إلا بتوقيف من الشارع، و أصالة البراءة لا تستقل

ج 6، ص: 194

بإثباته قطعا، فلا يمكن الحكم بحصول وصف الطهارة شرعا لمتنجس قد اشتبه موضوع ما تنجس به أو حكمه بمجرد غسلة واحدة لأصالة براءة الذمة عن الزائد.

و ما عساه يقال: إنه يثبت طهارته بعموم الأدلة على طهارة كل ما لم يعلم نجاسته، فإنه بالغسلة الواحدة لم يعلم كونه طاهرا شرعا أو نجسا يدفعه إمكان منع عموم أدلة على ذلك، إذ أقصى ما يستفاد منه الحكم بطهارة الذي لم يعلم عروض التنجيس له، أو الشي ء لم يعلم لحوق وصف النجاسة له ابتداء كالموضوعات المجهولة الحكم، أما ما ثبت نجاسته و لو في الجملة كما في الفرض فنمنع وجود عموم يدل على طهارته بمجرد عدم العلم ببقاء وصف النجاسة له.

نعم قد يقال: إنه بناء على ما ذكرت لا يكون محكوما بطهارته و لا نجاسته كالإناء المشتبه بالنجس، فلا ينجس به الطاهر، و لا يكتفى به في امتثال ما علم اشتراطه بالطهارة، دون ما كانت النجاسة مانعة منه، و لعلنا نلتزمه، أو نرتكب تخلصا آخر عن أصل البحث بأن ندعي الفرق بين ما كان من قبيل الصفات كالنجاسة و الطهارة و نحوهما و إن كانت تترتب عليها تكاليف، و بين ما كان من قبيل التكليف المحض كمثال القضاء و الكفارة، فيتمسك باستصحاب بقاء الوصف في الأول و ان جهل حكم سببه أو موضوع سببه، بخلاف الثاني فنفيه بالأصل، لأنه تكليف محض.

و أما الثاني أي عدم استصحاب حكم الإجماع فبما بيناه في الأصول، على أنه يمكن فرض المقام فيما لا يكون مدركه الإجماع، بل إطلاق دليل بالنجاسة و نحوه، فتأمل جيدا، فان المقام من مزال الأقدام و كثير الفوائد، و تمام البحث فيه في الأصول.

ثم انه لا ريب في الاجتزاء بالمرة في غسل ما تنجس بالمتنجس بها بناء على الاجتزاء بها في الأصل، لعدم زيادة الفرع عليه، أما بناء على التعدد فيحتمل ذلك أيضا للإطلاق، و عدم صدق اسم الأصل، و التعدد للاستصحاب، و ظهور انتقال

ج 6، ص: 195

حكم الأصل إلى ما تنجس به، و منه يعرف الكلام في المتنجس بالبول، كما أنه مما قدمناه في بحث الغسالة يعرف البحث في ذلك كله، إذ هي من أفراد المسألة على تقدير النجاسة، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فظاهر المتن و غيره ممن أطلق اعتبار المرتين في غسل البول عدم الفرق بين القليل و الكثير الراكد و الجاري، لكن لم أعرف أحدا صرح بذلك هنا، بل ظاهر الأصحاب الاتفاق على الاجتزاء بالمرة في الأخير، و لذا نفى الريب عنه في الذكرى، و ما تصيده بعضهم- من الخلاف من إطلاق الشيخ عدم احتساب وقوع إناء الولوغ في الماء الجاري لو تعاقب عليه الجريات غسلات ثلاثا- فيه- مع احتمال كون ذلك منه لاشتراط تقدم تعفيره بالتراب- انه فرق بينه و بين ما نحن فيه، كما أومأ إليه الشهيد في الذكرى، لاختصاص المقام بصحيح ابن مسلم (1)المتقدم سابقا المصرح بالاجتزاء بغسل الثوب من البول في الجاري مرة واحدة، مؤيدا بالرضوي (2)و بضعف تناول ما دل على اعتبار المرتين لمثله، بل هي ظاهرة في الغسل بالقليل، كما يومي اليه لفظ الصب و المركن فيها و نحوهما، بل لعله المتعارف في ذلك الزمان و تلك البلدان لقلة الجاري و نحوه فيها.

[في كيفية تطهير البدن من البول]

نعم قد يظهر من حدائق المحدث البحراني نوع تردد في الاجتزاء بذلك بالنسبة للبدن، لاختصاص الصحيح (3)بالثوب، و هو ضعيف جدا، للقطع بالمساواة و الأولوية القطعية، و لما عرفت من ضعف تناول إطلاق المرتين لمثله، خصوصا الوارد منها في البدن، لاشتمالها أو أكثرها على لفظ الصب، فيبقى حينئذ إطلاق الأمر بالغسل الظاهر في


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 196

الاجتزاء بالمرة من غير معارض، و مع ذلك فلا قائل بالفصل إلا ما يظهر مما حضرني من نسخة جامع ابن سعيد من الفرق بين الثوب و البدن، فيكتفي بالمرة الواحدة في غسل الأول بالجاري دون الثاني، و ظني أنها غلط، لأن المنقول عنه التفصيل بين الجاري و الراكد في اعتبار المرة و المرتين من غير فرق بين الثوب و البدن، و على كل حال فهو في غاية الضعف، بل لا يقدح في دعوى تحصيل الإجماع على عدم الفصل.

[في كفاية المرة في التطهير بالكر]

و لا يعتبر في الغسل بالجاري المكث حتى يتعاقب الجريتان ليكون كالغسلتين، لا طلاق الصحيح السابق، و لعدم صدق اسم الغسلتين عرفا بذلك، فما عساه يوهمه معتبر المصنف و منتهى الفاضل من اعتبار ذلك في إناء الولوغ فيعتبر مثله هنا ضعيف، على أنك قد عرفت الفرق بين المقامين.

و أما الغسل بالثاني أي الراكد الكثير فالأقوى فيه أيضا عدم اعتبار العدد، وفاقا للفاضل في التذكرة و عن غيرها و الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل نفى الريب عنه في الذكرى، و خلافا لظاهر المتن و غيره، بل كصريح الصدوق و الجامع، بل صريح الرياض، بل لعله لازم قول المصنف بعدم سقوط التعدد في غسل إناء الولوغ به، كالمحكي عن بعض نسخ المنتهى، لكن ما حضرني منها صريح في السقوط، فيلزمه المختار هنا حينئذ، لا طلاق الأمر بالغسل، و إمكان دعوى القطع بمساواته للجاري بعد ما عرفت من عدم اعتبار الجريات، بل و مع اعتبارها، إذا فرض اختلاف سطوح الراكد عليه بتحريك و نحوه، بل لعل الكثير من الراكد إذا فرض جريانه في ساقية و نحوها داخل في إطلاق الجاري، إذ تخصيصه بالنابع عرف للفقهاء أو بعضهم على الظاهر، فيشمل الصحيح حينئذ هذا القسم منه، و يتم في الباقي بعدم القول بالفصل.

كما انه يمكن القطع بمساواة بعض أفراد الجاري للراكد على العرف الشرعي أيضا

ج 6، ص: 197

كالنابع غير السائل من العيون و نحوها، خصوصا في المنقطع فعلية نبعها بسبب ما خرج منها من الماء و ان كانت مستعدة له، بل يمكن إرادة غير المنفعل من الجاري في الصحيح بقرينة مقابلته بالمركن.

و معارضته باحتمال إرادة مطلق الراكد من المركن و إن كان كرا بقرينة مقابلته بالجاري يدفعها وضوح رجحان الأول عليه، لمعلومية مساواة الكر الجاري في سائر أحكامه أو أكثرها، و لذا

ورد(1)«أن ماء الحمام كالجاري»

بخلاف المركن، بل لعل التجوز بمثله عن الكثير الراكد يعد مستهجنا.

بل قد يظهر من التأمل في هذا الأخير دليل آخر على المطلوب بدعوى استفادة تنزيل الكر منزلة الجاري فيما يتعلق بالطهارة و النجاسة و التطهير و غيره من الاستقراء و التتبع، بل ورد التصريح به في الحمام، سيما بناء على ما اختاره بعضهم من عدم خصوصية له في ذلك.

فهذا- مع ما عرفت من ظهور أدلة المرتين بالقليل من حيث اشتمالها على الصب و نحوه، بل الغسل فيها من حيث ظهوره بسبب مقابلته بالصب في العصر و نحوه الذي قد عرفت سقوطه بالكثير، مع معروفية التطهير بالقليل في ذلك الزمان و المكان لقلة الكثير فيهما، فضلا عن التطهير به.

و ما يمكن أن يؤيد به أيضا من الاعتبار من حيث أن الماء الكثير إذا استولى على عين النجاسة و ان كانت مغلظة استيلاء شاعت أجزاؤها فيه و استهلكت سقط حكمها شرعا، فالمتنجس إذا استولى الماء على آثار النجاسة أولى بالسقوط و بصيرورة وجودها كعدمها، و إلا لكان الأثر أقوى من العين- يشرف الفقيه على القطع بالاجتزاء بالمرة المزيلة للعين.


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق- الحديث 1.

ج 6، ص: 198

و لعله لذا قطع به في الذكرى، فقال: «لا ريب في عدم اعتبار العدد في الجاري و الكثير في غير الولوغ، و قول ابن بابويه باعتبار المرتين في الراكد دون الجاري كحسنة محمد بن مسلم (1)عن الصادق (عليه السلام) محمول على الناقص عن الكر أو على الندب، لتغاير المياه في الجاري، فكأنه غسل أكثر من مرة بخلاف الراكد» انتهى. و هو جيد مشتمل على فوائد كثيرة تعرف مما سبق، فالقول بوجوب العدد للاستصحاب و الإطلاق و مفهوم الصحيح، بل و منطوق الرضوي السابقين في أول البحث ضعيف جدا، لما عرفت، و الرضوي مع أنه ليس بحجة عندنا يمكن حمله على ما ذكره الشهيد في عبارة الصدوق التي هي عين عبارته، بل لعل ذكر العصر فيها يومي اليه، لسقوطه بالكثير الراكد عندنا، فتأمل جيدا.

[في كفاية إزالة العين]

ثم المعتبر في غسل النجاسات و المتنجسات بها زوال أعيانها بحيث لم يبق منها أجزاء على المحل و لو كانت دقاقا، نعم لا عبرة بعد ذلك بالألوان و الروائح و نحوهما من الأعراض التي لا تستتبع أعيانا من مؤثراتها عرفا بل و لا عقلا، لمنع اقتضاء العرض محلا من مؤثرة، يقوم به، بل يكفي في عدم تحقق قيامه بنفسه قيامه بالثوب و نحوه مما باشر المؤثر، على أنه لو سلم استلزامه أجزاء جوهرية من المؤثر أمكن منع وجوب إزالتها، لصدق غسل النجاسة بل الإزالة المأمور بها شرعا بدون ذلك، و الأصل براءة الذمة عن التكليف بغيرهما مؤيدا بالعسر و الحرج و السيرة و الطريقة المستمرة، سيما في مثل الأصباغ المتنجسة و لو بالعرض من مباشرة الكفار و غيرهم، حيث يكتفي سائر المسلمين بغسلها إذا أريد تطهيرها من ذلك.

فاحتمال التمسك باستصحاب النجاسة أو حكمها إلى زوالها في غاية الضعف، خصوصا بعد ما في المعتبر من إجماع العلماء على عدم وجوب إزالة اللون و الرائحة الذي يشهد له التتبع.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 199

و بعد

قول أبي الحسن (عليه السلام) في الحسن (1)بعد أن سئل هل للاستنجاء حد؟: «لا حتى ينقى ما ثمة، فقيل له: يبقى الريح، قال: الريح لا ينظر إليها».

و

خبر علي بن أبي حمزة(2)عن العبد الصالح (ع) «سألته أم ولد جعلت فداك اني أريد أن أسألك عن شي ء و أنا أستحيي منه، قال: سلي و لا تستحيي، قالت: أصاب ثوبي دم الحيض فغسلته فلم يذهب أثره، قال: اصبغيه بمشق حتى يختلط و يذهب أثره».

ك

خبر عيسى بن أبي منصور(3)قال للصادق (عليه السلام): «امرأة أصاب ثوبها من دم الحيض فغسلته فبقي أثر الدم في ثوبها، قال: قل لها تصبغه بمشق»

و نحوهما غيرهما، إذ المشق بالكسر المغرة كما عن الصحاح و القاموس، و لو كان زوال اللون شرطا في زوال النجاسة لم يكن للأمر بالصبغ وجه، إذ لا فائدة له إلا إخفاء لون النجاسة عن الحس.

و

مرسل الفقيه (4)«سئل الرضا (عليه السلام) عن الرجل يطأ في الحمام و في رجله الشقاق، فيطأ البول و النورة فيدخل الشقاق أثر أسود مما و طأ من القذر و قد غسله، كيف يصنع به و برجله التي وطأ بها؟ أ يجزيه الغسل أم يخلل أظفاره بأظفاره؟

و يستنجي فيجد الريح من أظفاره و لا يرى شيئا، فقال: لا شي ء عليه من الريح و الشقاق بعد غسله»

إذ هو صريح في الريح و كالصريح في اللون بناء على إرادته من الأثر الأسود، و المناقشة بالقصور سندا أو دلالة يدفعها الانجبار بما عرفت.

فما في منتهى الفاضل من وجوب إزالة الأثر إلا إذا تعذر مفسرا له باللون دون الرائحة فلم يوجب إزالتها ضعيف جدا، إلا أن يريد بعض الألوان التي هي في الحقيقة أعيان تزول بالفرك و الدلك و نحوهما، لا أنها ألوان محضة، لكن فرقه بين الرائحة


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
2- 2 الكافي- ج 1 من الفروع- ص 109 من طبعة طهران عام 1377.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب النجاسات- الحديث 6.

ج 6، ص: 200

و اللون قد ينافيه، اللهم إلا أن يدعى بعد الفرض المذكور فيها بخلافه فيه، فإنه كثيرا ما يشتبه اللون بالعين، و لعله لذا أيضا قال في القواعد: «و يكفي أي في التطهير إزالة العين و الأثر و ان بقيت الرائحة و اللون، لعسر الإزالة كدم الحيض» حيث قيد اللون بالعسر دونها إلا أن يريد تقدير ذلك فيها أيضا، فيفهم منه حينئذ وجوب إزالتها مع عدم العسر كاللون، لكنه على كل حال قاطع فيها و في المنتهى بعدم وجوب إزالتهما مع العسر من غير فرق بينهما، إلا أنه في المحكي من نهايته الفرق بينهما، حيث قطع بعدم وجوب الإزالة فيه إذا كان عسر الزوال دونها، فقال: الأقرب ذلك، و هو مشكل، و ربما علل بوجود النص فيه بخلافها، و فيه ما عرفت من وجوده فيه أيضا.

بل الأولى الاعتذار عنه بأنه في هذا الكتاب لم يسلك مسلك غيره من التحقيق و التدقيق حتى يستحق التوجه إلى مراعاة هذه الدقائق فيه، بل كان قصده فيه تكثير الوجوه و الاحتمالات و الإشكالات كما لا يخفى على الممارس له، و من ذلك قوله بعد ما حكيناه عنه: «و لو بقي اللون و الرائحة و عسر إزالتهما ففي الطهارة إشكال ينشأ من

قوة دلالة بقاء العين، و من المشقة المؤثرة مع أحدهما، فيعتبر معهما» إذ هو كما ترى لا ينبغي الإشكال فيه بعد أن اختار عدم وجوب إزالة اللون و الرائحة مع عسر الإزالة، و احتمال مدخلية الاجتماع لا ينبغي أن يصغى اليه.

و كيف كان فلم نعرف له حجة على دعواه في كتبه الثلاثة إذا لم ينزل على المختار إلا الأصل الذي قد عرفت حاله مما تقدم، كدعوى دلالة اللون أو هو و الريح على العين، و ما عساه يظهر من أخبار صبغ أثر دم الحيض بالمشق من وجوب الإزالة مع الإمكان، و ان لم يتمكن من ذلك احتال بالصبغ، بل قد يدعى ظهورها في شدة الاهتمام

ج 6، ص: 201

بذلك، كظهور أسئلتها في معروفية إزالة آثار النجاسات، و

خبر أبي يزيد(1)القمي المروي في الكافي و التهذيب، بل و عن العلل مع اختلاف في بعض رجال السند عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «سألته عن جلود الدراش التي يتخذ منها الخفاف، قال: لا تصل فيها فإنها تدبغ بخرء الكلاب».

و فيه منع ذلك الاستظهار على مدعيه فضلا عن أن يعارض ما عرفت من الإجماع و غيره، كمنع جواز الركون إلى الخبر المذكور في معارضته ذلك أيضا بعد ضعف سنده في الكتب الثلاثة بأحمد بن محمد السياري، إذ هو كما في جش و عن الفهرست ضعيف الحديث فاسد المذهب، ذكر ذلك الحسين بن عبد الله مجوف الرواية كثير المراسيل، و دلالته بعدم موافقته لمختار الخصم من العفو عن متعذر الإزالة أو عسرها فلا بأس حينئذ بحمله على الكراهة، أو إرادة قبل الغسل أو غيرهما.

نعم لو كان المتغير باللون أو الرائحة الماء الذي يغسل به النجاسة المباشر للمغسول المتخلف بعضه فيه نجس الثوب حينئذ به.

ثم المدار في معرفة ما أشرنا إليه سابقا من اشتباه بعض الأعيان بالألوان العرف لا عسر الإزالة و عدمها، إذ قد تكون بعض الألوان المجردة عن ممازجة شي ء من الأعيان سهلة الإزالة جدا، فإنها لا تجب إزالتها أيضا، لما سمعته من الأدلة السابقة، فسقط نفع ما في جامع المقاصد حيث قال بعد أن ذكر العفو عن اللون العسر الإزالة تبعا للفاضل:

«و المراد العسر عادة، فلو كان بحيث يزول بمبالغة كثيرة لم يجب، و هل يتعين له نحو الأشنان و الصابون أم يتحقق بمجرد الغسل بالماء إذا لم يزل به؟ كل محتمل، و الأصل يقتضي الثاني، و الاحتياط الأول» انتهى. بناء على ما عرفته من مختارنا، فتأمل جيدا، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 71- من أبواب النجاسات- الحديث 1 رواه في الوسائل عن أبي يزيد القسمي و هو الصحيح.

ج 6، ص: 202

[في حكم الثوب إذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر]

و إذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوب الإنسان و كان رطبا رطوبة تنتقل بالملاقاة أو كان أحدها كذلك غسل موضع الملاقاة من الثوب واجبا كباقي النجاسات، لانتقال حكم النجاسة الثابتة في هذه الثلاثة بالأدلة السابقة بذلك إجماعا محصلا و منقولا و نصوصا(1)مستفيضة بل ضرورة من المذهب أو الدين، كما أن الإجماع بقسميه أيضا، و النصوص (2)و الاستصحاب و غيرها على توقف زوال حكم النجاسة هنا على الغسل، فلا يكفي النضح أو الرش و نحوهما مما لا يصدق عليه مسمى الغسل من غير فرق بين سائر أفراد الكلب، فما في الفقيه من الاكتفاء بالرش للثوب من خصوص ملاقاة كلب الصيد ضعيف جدا، إذ لا نعرف له موافقا و لا دليلا، بل الأدلة من إطلاق الخبر و غيرها على خلافه، كما أن ما في الجامع من انه روي ان كلب الصيد لا يرش من ملاقاته رطبا زيادة على ما ذكره الصدوق لا ينبغي الالتفات إليه، ضرورة أنها من الشواذ إن ثبت بعد ما عرفت.

و أما إن كان الثوب يابسا كالملاقي له منها رشه بالماء استحبابا كما هو المشهور بين الأصحاب، بل لا خلاف يعتد به في رجحان الرش في الجملة في الأنواع الثلاثة و أفرادها، و ان كان ظاهر الفقيه نفيه بملاقاة كلب الصيد، لكن الإجماع إن لم يكن محصلا و إلا فهو محكي نصا في المعتبر، و ظاهرا في غيره على ما يقتضي خلافه، كالأخبار التي سيمر عليك بعضها، مع أنا لم نعثر له على مستمسك.

كما أنه لا خلاف يعتد به أيضا في كون ذلك على جهة الندب، و ان كان صريح الوسيلة و ظاهر الجامع و عن المراسم الوجوب في الثلاثة كصريح النهاية و ظاهر المقنعة في الأولين، و الفقيه في الأول غير كلب الصيد منه، بل عن الثالث زيادة الفأرة و الوزغة، كما في الأول و الرابع زيادتهما مع الثعلب و الأرنب، لكن في ظاهر المعتبر بل صريحه


1- 1 الوسائل- الباب- 12 و 13 و 14- من أبواب النجاسات.
2- 2 الوسائل- الباب- 12 و 13 و 14- من أبواب النجاسات.

ج 6، ص: 203

الإجماع على استحبابه في محل البحث، و لعله كذلك للإجماع المحكي في المختلف و كشف اللثام و عن الذخيرة و الدلائل.

بل قد يدعى تحصيله على عدم تعدي النجاسة مع اليبوسة،

كالموثقة(1)الدالة على ان «كل يابس ذكي»

المعتضدة بالاستصحاب و غيره، و إمكان إرادتهم التعبد الذي لا ينافي ذلك كله لا التنجيس يأباه ملاحظة كلماتهم و ذكرهم له في مقام بيان التطهير و أحكام النجاسة، و استغراب التعبدية في مثله بحيث لا مدخلية له في سائر ما يشترط بالطهارة، و إن احتمله في المعالم بل أصر عليه في الحدائق، تمسكا بظاهر مستند هذا الحكم من الأوامر.

ك

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح البقباق (2): «إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، و إن مسه جافا فأصب عليه الماء».

و

قوله (عليه السلام) في مرسل حريز(3): «إذا مس ثوبك كلب فان كان يابسا فانضحه، و إن كان رطبا فاغسله»

و بمعناه خبر علي (4)عنه (عليه السلام) أيضا، ك

مضمره (5)«سألته عن خنزير أصاب ثوبا و هو جاف، هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال: نعم ينضحه بالماء ثم يصلي فيه»

بل عن قرب الاسناد روايته مسندا إلى موسى بن جعفر (عليهما السلام).

و

صحيح أخيه (6)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر و هو في صلاته كيف يصنع به؟ قال: إن كان دخل في صلاته فليمض، و إن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه، إلا أن يكون فيه أثر فيغسله».


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 26- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 26- من أبواب النجاسات- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 204

و

صحيح الحلبي (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في ثوب المجوسي، فقال: يرش بالماء»

الحديث.

إلا أنه لا يخفى عليك وجوب حملها على إرادة الندب بقرينة ما سمعت من إجماع المعتبر المعتضد بغيره، سيما حمل الأمر بالرش على الندب في غير ذلك من المواضع الوارد فيها حتى من الخصم على الظاهر، حيث لم ينقل عنه الوجوب، بل في المعالم أن ظاهر الأصحاب الإطباق على استحبابها، على أن خبري الخنزير الأولين ينافيان إرادة التعبد، كما أنه ينافيه مقابلة النضح و نحوه فيها بالغسل المعلوم عدم إرادته منه.

و دعوى ظهوره من خبر الخنزير الثالث للأمر بالمضي فيه مع الدخول ممنوعة، إذ لعله لكونه مستحبا لا يقطع له الصلاة، بل قد يؤيده الأمر به على تقدير عدم الدخول، إذ لا مدخلية له على فرض التعبد، و لعل الاستثناء فيه يراد منه وجوب الغسل على تقدير الدخول، و عدمه بمعنى أنه يقطع الصلاة و يبطلها على الأول كما هو الغالب من عدم تيسر الغسل فيها، فلا ينافي حينئذ ما دل على بطلان صلاة ناسي النجاسة الذاكر في الأثناء حتى يحتاج إلى تأويل الخبر و صرفه عن ظاهره بإرادة الجاهل بوجود الأثر و ان علم الملاقاة، لكونها أعم منه، فلا تمنعه من التمسك بأصالة الطهارة حتى دخل ثم علم.

و ما يقال- من أن التعبد لا بد من ارتكابه هنا في هذه الأوامر حتى على تقدير الندب أيضا لعدم تصوره بالنسبة للطهارة و النجاسة، فابقاؤها على ظاهرها من الوجوب أولى حينئذ- يدفعه منع عدم تصوره على إرادة رفع الأثر الحاصل من ملاقاتها يابسة، و ان كان لم يعتبر الشارع هذا الأثر في صحة المشروط بالطهارة، بل جعل رفعه مستحبا فيها، فهو كأثر النجاسة في الجملة و من قبيله، لكنه لم يصل إلى حد وجوب الإزالة، فتأمل جيدا فإنه دقيق.


1- 1 الوسائل- الباب- 73- من أبواب النجاسات- الحديث 3.

ج 6، ص: 205

فاتضح لك من ذلك كله حمل الأمر في الأخبار السابقة على الندب، كوجه فتوى المشهور بذلك، لكن قد يشكل بأنها قد اشتملت على النضح و الصب، و هما خصوصا الثاني غير الرش المأمور به في الفتوى، و بأنها لا تدل على استحباب ذلك في مطلق الكافر، إذ ليس إلا الخبر الأخير الخاص بالمجوسي.

و يدفع الأول بدعوى إرادة الرش من النضح، بل ترادفه معه، كما يشهد له ما عن الصحاح و القاموس النضح الرش، و استدل الأصحاب بأخباره عليه، بل قد يراد بالصب ذلك أيضا كما يومي اليه التعبير بالنضح في بعض أخبار بول الصبي المعلوم ان حكمه الصب، و ما عن بعض الأصحاب التعبير فيه أي بول الصبي أيضا بالرش، بل هو قريب جدا بناء على ما في حواشي القواعد من تفسير الرش بأن يستوعب جميع أجزاء المحل بالماء و لا يخرج، و انه به افترق عن الغسل، لما قد عرفت من تفسير الصب بذلك، مع احتمال الاجتزاء هنا في تحصيل الوظيفة بكل منهما، بل قد يدعى أولويته باعتبار أبلغيته في المراد، إلا أنه يبعده اتفاق عبارات الأصحاب حتى معقد الإجماع السابق على عدم التعبير به في المقام، و انه كالمطلق بالنسبة للنضح و الرش، و استحسانه من جهة الأبلغية لا مدخلية له في الأحكام الشرعية التي يقصر العقل عن إدراك بعض حكمها و مصالحها.

و الثاني بإلغاء الخصوصية بين المجوسي و غيره، خصوصا مع ملاحظة الإجماع السابق و كون الحكم مما يتسامح فيه.

و المراد باليابس في المتن و غيره ما يشمل الندى الذي لا تنتقل منه رطوبة بملاقاته، لعدم حصول وصف التنجس به، كما صرح به العلامة الطباطبائي في منظومته للأصل، و صدق الجاف عليه، و مفهوم صحيح البقباق السابق، بل قد يظهر من التأمل فيه إرادة منتقل الرطوبة من الرطب في غيره من الأخبار و غير منتقلها من اليابس، فلا وجه

ج 6، ص: 206

لاحتمال القول بحصول النجاسة في الفرض تمسكا بإطلاق بعض الأدلة المرتبة ذلك على الملاقاة بعد الاقتصار على خروج المتيقن، و بمفهوم تعليق النضح و نحوه المحمول على الاستحباب المستفاد منه عدم التنجيس على اليابس الممنوع صدقه على المفروض، إذ هما كما ترى.

هذا كله في الثوب الملاقي للثلاثة المذكورة و أما البحث في البدن إذا كان ملاقيا لها في غسل من ملاقاتها إن كانت رطبة أو كان هو رطبا قطعا، لعين ما مر في الثوب و قيل يجب أن يمسح بالتراب إن كان يابسا و لم يثبت ما يدل على استحبابه فضلا عن وجوبه كما اعترف به جماعة و ان كان هو صريح الوسيلة و ظاهر النهاية و المقنعة، بل في الأولين زيادة الثعلب و الأرنب و الفأرة و الوزغة، كما في الثالث زيادة الأخيرين، بل عن المبسوط استحباب ذلك من كل نجاسة يابسة، لكن قد تنزل عباراتهم على الاستحباب، و يكتفى في ثبوته بفتوى مثلهم به للتسامح فيه.

بل قد يستدل على خصوص الكافر ب

خبر القلانسي (1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ألقى الذمي فيصافحني، قال: امسحها بالتراب و بالحائط، قلت: فالناصب قال: اغسلها»

بعد إلغاء خصوصية الذمي كخصوصية المصافحة، و ان اقتصر عليهما مع زيادة الناصب في النهاية، و عليها في المقنعة، بل لا بأس بالتعدي منه إلى أخويه الكلب و الخنزير ان لم يكن إلى سائر النجاسات، و لا ينافي الأمر بالغسل من مصافحة اليهودي و النصراني في خبر آخر(2)استحباب المسح المذكور خصوصا لو حمل على الرطوبة، نعم قد يظهر من الخبر السابق استحباب خصوص الغسل في خصوص الناصب دون المسح، و الأمر سهل.

لكن كان على المصنف ذكر استحباب نضح الثوب و البدن من البول المظنون


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 6، ص: 207

إصابته لهما أو المشكوك، و المني و الدم كذلك بالنسبة للثوب، للنصوص (1)الواردة في ذلك، بل قد يتعدى منها إلى كل نجاسة كذلك في الثوب أو البدن.

و احتمال إشكاله- بأنه لا يلائم ضوابط الاحتياط، إذ لا بد فيه من الإتيان بعمل النجاسة المتحققة من الغسل و العصر و نحوهما حتى انه يفيد التخلص منها لو كانت في الواقع مصيبة- يدفعه إمكان القول بالتزام ارتفاعها بالنضح إذا كانت موهومة، و لا استبعاد في التزام حكمين للنجاسة تابعين للوهم و العلم، أو القول باستحبابه تعبدا لا لإزالتها مع فرضها حتى يكون من الاحتياط، أو القول بكون المراد و المطلوب بالرش و النضح دفع زوال النفرة الحاصلة من ذلك الوهم الذي قد يترتب على مراعاته الوسواس المأمور بالتجنب عنه، لكن على كل حال كان على المصنف أن يذكره.

كما انه كان عليه ذكر استحبابه بالنسبة للثوب أيضا من الفأرة الرطبة التي لم ير أثرها عليه، و إلا فيستحب غسله لا نضحه، و من المذي و من أبوال الدواب و البغال و الحمير مع شك الإصابة، و إلا فيستحب غسله، و من بول البعير و الشاة و من العرق مع الجنابة، و مما يجده ذو الجرح في المقعدة بعد الاستنجاء من الصفرة من المقعدة، و غير ذلك من الأمور المذكورة في النصوص و بعض كلمات الأصحاب المعلوم عدم وجوبها و ان كانت بلفظ الأوامر، كما هو واضح لا يحتاج إلى بيان.

[في إعادة الصلاة لو أخل المصلي بإزالة النجاسات]

و إذا أخل المصلي المختار بإزالة النجاسات الغير المعفو عنها عن ثوبه أو بدنه و نحوهما مما تشترط طهارته في صحة الصلاة، فإن كان عالما بها و بحكمها أعاد في الوقت و خارجه لما عرفته سابقا من اشتراط صحة الصلاة بذلك إجماعا محصلا


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب النجاسات- الحديث 6- و الباب 16 الحديث 4 و الباب 37 الحديث 1.

ج 6، ص: 208

و منقولا، و نصوصا(1)مستفيضة إن لم تكن متواترة، بل هي كذلك معنى كما لا يخفى على السارد لها بعد جمع شتاتها، بل و كذا مع الجهل بالحكم و لو لنسيانه كما صرح به بعضهم هنا، لا طلاق النصوص و الفتاوى، بل لعلهما أوضح شمولا لها من صورة العلم، خصوصا النصوص، ضرورة وضوح بطلان الصلاة منه لو قلنا بتصور وقوعها من مثله، فحملها عليه حينئذ بيان للبديهيات.

و لا ينافي ذلك معذورية بعض أفراده بالنسبة للمؤاخذة و العقاب كالجاهل الذي لم يتنبه لاحتمال مدخلية ذلك في الصلاة، إذ لا ملازمة بينها و بين ما نحن فيه من القضاء و الإعادة المترتبين على عدم الإتيان بالصلاة المطلوبة و فواتها المتحقق كل منهما مع الجهل المذكور.

و دعوى منع كون المطلوبة حال الجهل فاقدة النجاسة- لقبح تكليف الغافل و ما لا يطاق، كدعوى منع عدم مطلوبيتها مع النجاسة حاله بدليل عقابه لو تركها، فيقتضي الأمر بها حينئذ الاجزاء- كما ترى واضحتا الفساد، ضرورة أن غفلة العبد و لو كان معذورا فيها لا تقتضي تغيير محبوبية المكلف به و مطلوبيته في نفسه و حد ذاته للسيد، كما أن عقابه و مؤاخذته للعبد على ترك غير المطلوب و المحبوب للسيد من حيث إقدامه على ترك ما تخيله مطلوبا و محبوبا لا يقتضي صيرورته مطلوبا و مرادا للسيد في نفسه و حد ذاته حتى يجزئ عن ذلك الذي اقتضت الحكمة و المصلحة طلبه و إرادته.

فما اختلج المقدس الأردبيلي- من الشبهة في المقام، خصوصا بالنسبة إلى التكليف بالقضاء خارج الوقت، بل سرت منه إلى جماعة من الأعلام بل منهم من أصر على عدم الإعادة أيضا في خصوص الجاهل غير المتنبه، كما أن منهم من أصر على عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات.

ج 6، ص: 209

القضاء عليه، بل في المدارك و غيرها الإصرار على عدم مؤاخذة المتنبه على ترك ذلك المجهول لديه، و ان كان يعاقب على تركه النظر و البحث و السؤال- ليس في محله.

بل التحقيق ما عرفت من وجوب القضاء و الإعادة عليه مطلقا، و المؤاخذة و العقاب على نفس المكلف به مع التنبه و التفطن و تركه السؤال و البحث، لمنع قبح تكليف مثله به، و إلا لم يكن الكفار مكلفين بالفروع، نعم هو قبيح قطعا مع الجهل الساذج، لكنه لا ينفي القضاء و الإعادة كما سمعت من غير فرق في ذلك كله بين الجهل بحكم النجاسة من الاشتراط المذكور أو الجهل بأصل النجاسة: أي بكون الدم مثلا نجسا، كما هو واضح، فتأمل.

[في عدم وجوب الإعادة لو علم بالنجاسة بعد الصلاة]

فان لم يعلم بأصل عروض النجاسة حين الفعل و قبله ثم علم بعد الصلاة بسبقها عليها لم يجب عليه القضاء لو كان ذلك بعد خروج الوقت بلا خلاف كما في السرائر و التنقيح و كشف الرموز، بل في المدارك و الذخيرة و الحدائق ان ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه، بل في الغنية و المفاتيح و اللوامع و عن المهذب الإجماع عليه.

فما عساه توهمه عبارة المنتهى و غيره من وجود خلاف فيه كظاهر الخلاف بل صريحه لم نتحققه، و إن احتمله في كشف اللثام من عبارة المقنعة في بعض الأحوال، كما أنا لم نتحقق لاحتمال وجوبه وجها فضلا عن القول به بعد الإجماع المحكي على لسان من عرفت ان لم يكن محصلا المعتضد بنفي الخلاف و أصالة البراءة، و فحوى ما دل (1)على عدم الإعادة في الوقت، بل منه ما هو شامل لما نحن فيه، بل لعل أكثرها كذلك بناء على شمول نفي الإعادة للقضاء في الأخبار(2)، و باقتضاء الأمر بالصلاة اعتمادا على استصحاب الطهارة الإجزاء هنا، لعدم ظهور تناول أدلة اشتراط إزالة النجاسة لمثل


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 210

المقام، بل ظاهرها انها شرط علمي.

بل منها ما هو كالصريح في ذلك كصحيح زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) المعلل عدم إعادة الصلاة على من نظر ثوبه قبل الصلاة فلم ير فيه شيئا، ثم رآه بعدها بأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا، إلى آخره.

و منه كغيره يستفاد أن عدم وجوب القضاء لصحة الصلاة السابقة، كما هو معقد إجماع المفاتيح لا انه ساقط عنه و ان لم يحكم بصحة تلك الصلاة، و استبعاده بناء على وجوب الإعادة لو علم في الوقت باستلزامه توقف الصحة على المراعاة شبه الفضولي في المعاملات المستبعد وقوع مثله في العبادات استبعاد لغير البعيد بعد قضاء الدليل، خصوصا مع عدم توقف نفس الصحة واقعا هنا على ذلك، و إن توقف الحكم بها، ضرورة علم خالق السماوات بعلم المكلف في الوقت و عدمه، فهي أول صدورها إما مقبولة أو مردودة في الواقع من غير توقف على شي ء، إذ علمه في الوقت بناء على تسبيبه الإعادة لا يورث بطلانها من حينه، بل بسببه انكشف له عدم صحتها سابقا، هذا.

مع ان الأقوى عدم وجوب الإعادة عليه في الوقت أيضا لو علم بعد الفراغ، فيرتفع الإشكال حينئذ من أصله، وفاقا للمشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، لصدق الامتثال المستلزم للاجزاء، و المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة.

منها

صحيح عبد الرحمن (2)«سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يصلي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب أ يعيد صلاته؟ فقال: إن كان لم يعلم فلا يعيد».

و

خبر أبي بصير(3)سأله أيضا «عن رجل يصلي و في ثوبه جنابة أو دم حتى


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 211

فرغ من صلاته ثم علم، قال: مضت صلاته و لا شي ء عليه».

و

حسن ابن سنان أو صحيحه (1)سأله أيضا «عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم، قال: إن كان علم أنه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلي ثم صلى فيه و لم يغسله فعليه أن يعيد ما صلى، و إن كان لم يعلم به فليس عليه إعادة»

الحديث.

و

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح الجعفي (2)في الدم يكون في الثوب:

«إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، و إن كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته، و إن لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد صلاته»

ك

قولهما (عليهما السلام) في صحيح ابن مسلم(3): «إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك الإعادة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك، و كذلك البول»

إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة، و فيها الصحيح الصريح أو كالصريح و غيره.

و قيل يعيد في الوقت كما هو خيرة النهاية في باب المياه منها، و الغنية و النافع و القواعد و ظاهر جامع المقاصد و الروض و المسالك و عن المبسوط و المهذب و نهاية الأحكام و المختلف، بل في ظاهر الغنية الإجماع عليه لأصالة الشغل و انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

و للجمع بين الأخبار السابقة و بين

صحيح وهب بن عبد ربه (4)عن الصادق (عليه السلام) «في الجنابة تصيب الثوب و لا يعلم بها صاحبه فيصلي فيه ثم يعلم بعد، قال: يعيد إذا لم يكن علم».

و

خبر أبي بصير(5)عنه (عليه السلام) أيضا «سأله عن رجل صلى و في ثوبه


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات- الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات- الحديث 9.

ج 6، ص: 212

بول أو جنابة، فقال: علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم»

بحملهما على الوقت، و الأولى على خارجه.

و لا ريب ان الأول أظهر منه، لانقطاع الأصل بما عرفت، و منع الشرطية حال الجهل، و توقف الجمع المذكور بعد إمكان منع قبول بعض الأخبار السابقة له إن لم يكن جميعها بدعوى الظهور في الوقت على التكافؤ أولا- المعلوم عدمه هنا سندا و عددا و عملا بل و دلالة، لاحتمالها الإنكار و الاستحباب و النسيان حين الصلاة و ان كانت معلومة قبلها، و الأول غير ما نحن فيه من الجنابة في الثوب المختص التي توجب غسلا، و سقوط حرف النهي من الراوي كما يؤيده عدم وضوح معنى الشرطية بدونه، و ان كانت تحتمل إرادة التصريح بالشرط تنصيصا على الحكم عنده، دفعا لتوهم الخلاف، و يعلم الحكم في خلافه بالأولى أو إرادة إذا لم يكن علم حتى أتم الصلاة، فإنه إن علم فيها قطعها و استأنف و لا إعادة، بل ربما احتمل كون الشرط من الراوي أكد به سؤاله فيما إذا لم يكن علم، كعدم وضوح معنى الشرطية في الثاني أيضا إلا على إرادة عليه الإعادة إذا علم كان علم به أو لم يعلم، أو على أن يكون قوله (عليه السلام): «علم أو لم يعلم» تقسيما ثم ابتدأ فقال: عليه الإعادة إذا كان علم- و على الشاهد ثانيا.

و دعوى أنه الإجماع على عدم الإعادة خارجا يدفعها عدم صلاحيته لصرف الدال بظاهره على نفيها في الوقت حتى يكون صالحا للشهادة، و إن صلح لصرف الدال بظاهره عليها مطلقا.

بل و أظهر مما احتمله الشهيد في الذكرى و ان لم نقل انه إحداث قول ثالث من التفصيل بين من اجتهد قبل الصلاة في البحث عن طهارة ثوبه و غيره، فلا يعيد الأول و يعيد الثاني، بل ربما مال إليه في الدروس، كما انه قواه في الحدائق بل ادعى فيها ظهور عبارة المقنعة في ذلك، كظاهر إقرار الشيخ و استدلاله لها في التهذيب، قال فيها بعد

ج 6، ص: 213

أن ذكر وجوب الإعادة على من ظن أنه على طهارة ثم انكشف فساد ظنه ما نصه:

و كذلك من صلى في الثوب و ظن أنه طاهر ثم عرف بعد ذلك أنه كان نجسا ففرط في صلاته من غير تأمل له أعاد الصلاة، بل في

الفقيه روي (1)في المني انه «إن كان الرجل جنبا قام و نظر و طلب و لم يجد شيئا فلا شي ء عليه، و إن كان لم ينظر فعليه أن يغسله و يعيد صلاته».

لكن و مع ذا فقد استظهر في اللوامع انه خرق للإجماع، لعدم فرق الأصحاب في جاهل النجاسة بين من نظر و تأمل و غيره، كالأدلة السابقة، فاحتمال التصرف فيها حينئذ- بحمل الدال منها على عدم الإعادة على الثاني و على الإعادة على الأول (2)بشهادة مرسل الصدوق.

و مفهوم

صحيح ابن مسلم (3)عن الصادق (عليه السلام) «انه ذكر المني فشدده و جعله أشد من البول- ثم قال-: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل الصلاة فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك، و كذلك البول»

كخبري ميمون الصيقل (4)و ميسر(5)عنه (عليه السلام) أيضا.

قال في الأول: «قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل فلما أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة، فقال: الحمد لله الذي لم يدع شيئا إلا و له حد، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه، و إن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة».


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح «على عدم الإعادة على الأول و على الإعادة على الثاني»
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 41- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 214

و

قال في الثاني: «آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله فأصلي فيه فإذا هو يابس، قال: أعد صلاتك، أما انك لو كنت غسلته أنت لم يكن عليك شي ء»

- يدفعه قصور الشاهد سندا في البعض، و دلالة في الآخر عن قابلية ذلك، خصوصا بعد ما عرفت من دعوى ظهور الإجماع على عدم الفرق، و بعد إمكان دعوى ظهور أخبار عدم الإعادة في غير المتفحص عن طهارة ثوبه و بدنه، لأنه المتعارف من أحوال الناس، كإمكان دعوى قصور دلالة الصحيح الأول بخروج الشرط فيه مخرج الغالب القاضي

بعدم اعتبار مفهومه، بل الجميع عن تمام الدعوى من تعميم الحكم لسائر النجاسات، كتعميمه لما قام معه شاهد يورث الظن أو الشك بحصول النجاسة و ما لم يقم، مع أنه لا دلالة فيها على غير المني أو هو مع البول، إلا أن يتمم بظهور عدم الفرق، كما انها لا دلالة فيها على إعادة من لم يقم له شاهد بالنجاسة ففرط في النظر.

لكن الانصاف كون الأحوط مع ذلك كله الإعادة، خصوصا مع قيام الشاهد ففرط في النظر و البحث، بل لعل القول به فيه لا يخلو من قوة، و لا ينافيه ظهور الأدلة في جواز تعويله على أصالة الطهارة و استصحابها.

بل هو صريح

صحيح زرارة(1)«فهل علي إن شككت في أنه أصابه شي ء أن أنظر فيه؟ قال: لا، و لكنك انما تريد أن تذهب عنك الشك الذي في نفسك»

الحديث.

ضرورة عدم ملازمة جواز التعويل لعدم وجوب الإعادة لو تبين الخلاف بعد ذلك.

و إن كان ربما يومي اليه التعليل في

صحيح زرارة(2)«قلت: فان ظننت أنه أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت، قال: تغسله و لا تعيد، قلت: لم ذاك؟ قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا»

الحديث. إلا أنه يمكن


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 215

تنزيله على خصوص مورده الذي قد حصل فيه النظر و الاجتهاد، فتأمل جيدا.

ثم انه بناء على التفصيل المذكور هل يختص الحكم بالإعادة أو يشملها مع القضاء؟

ظاهر الشهيد الأول، و محتمل أو ظاهر عبارة المفيد الثاني، و هو أحوط، بل يشهد له خبر ميمون السابق (1)كما انه قد يقال أيضا بناء على المختار من عدم إعادة الجاهل مطلقا: إن المراد العفو من حيث الجهل بمانعية النجاسة دون غيرها من الموانع المتصفة بها، ككونها فضلة ما لا يؤكل لحمه، و نحوه كدم غير المأكول و منيه و بوله و خرئه فتعاد الصلاة حينئذ من هذه الحيثية لا للنجاسة إن قلنا بمساواة الجاهل بها للعامد.

لكنه لا يخلو من نظر بل منع يعرف مما تقدم لنا في نظائره، و ان كان ظاهر الأستاذ في كشفه هنا ذلك، بل صحيح عبد الرحمن (2)المتقدم سابقا كالصريح في خلافه، إذ احتمال تنزيله على إرادة نفي الإعادة من حيث النجاسة و ان وجبت من حيث كونه فضلة كلب كما ترى، كما أن ما ذكره في الكشف أيضا- من الإشكال في إلحاق الجهل بموضوع العفو لزعم القلة فيما يعفى عن قليله، أو زعم أنه مما يعفى عن قليله أو عن أصله أو عن محله أو عن أهله كالمربية، أو لزعم اضطراره، أو أنه من بول الطفل مع الإتيان بالصب عليه، أو أنه من غير المحصور فظهر منه، أو أنه من المشتبه الخارج بعد أحد الاستبراءين، أو أن النجاسة ليست بولا فغسلها مرة واحدة فظهرت بولا بالجهل بأصل موضوع النجاسة، بل صرح بقوة الفساد في جميع ذلك- لا يخلو بعضه من نظر و تأمل.

[في وجوب الإعادة على الناسي]

نعم لا يلحق بالجاهل ناسي النجاسة فلم يذكرها إلا بعد الصلاة، فإن الأقوى فيه الإعادة وقتا و خارجا كما عساه الظاهر من المتن، وفاقا للمشهور بين الأصحاب قديما


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 6، ص: 216

و حديثا نقلا و تحصيلا، بل في السرائر نفي الخلاف عنه في موضعين مستثنيا في أحدهما ما في استبصار الشيخ خاصة من بين كتبه المعد لذكر أوجه الجمع بين الأخبار، و ان لم تكن على طريق الفتوى و الاختيار من القول بالإعادة في الوقت دون خارجه، بل في الغنية و عن شرح الجمل للقاضي الإجماع عليه، و هو بعد اعتضاده بنفي الخلاف السابق و شهادة التتبع له الحجة، مضافا إلى أصالة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و إطلاق ما دل من الأخبار(1)الكثيرة جدا التي تقدم بعضها آنفا، و آخر في قدر الدرهم من الدم على الإعادة مع العلم بالنجاسة الشامل لصورة النسيان، بل لعلها أظهر في الاندراج من صورة العمد، و خصوص المعتبرة (2)- المستفيضة جدا ان لم تكن متواترة المذكور جملة منها في نسيان الاستنجاء.

و منها

صحيح ابن أبي يعفور(3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلى أ يعيد صلاته؟ قال: يغسله و لا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة».

ك

مضمر زرارة في الصحيح (4)بل عن العلل إسناده إلى أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من مني فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء و حضرت الصلاة و نسيت أن بثوبي شيئا و صليت، ثم اني ذكرت بعد ذلك، قال: تعيد الصلاة و تغسله»

الحديث.


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الخلوة.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 42- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 217

و

موثق سماعة(1)عن الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلي، قال: يعيد صلاته كي يهتم بالشي ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه».

ك

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر أبي بصير(2)«إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه و هو لا يعلم فلا إعادة عليه، و إن هو علم قبل أن يصلي فنسي و صلى فيه فعليه الإعادة»

كالأمر بها في غيره من خبري ابن زياد(3)و ميمون (4)الواردين في الناسي قدر النكتة من البول حتى صلى، و مرسلة ابن بكير(5)و موثقة سماعة(6)و صحيحة ابن أبي نصر(7)و زرارة(8)و غيرها من الأخبار الكثيرة الواردة في نسيان غسل مخرج البول أو الاستنجاء حتى صلى، فأمر فيها بالغسل و الإعادة.

فما عن الشيخ في بعض أقواله من القول بعدم الإعادة مطلقا ضعيف جدا، مع أنه غير ثابت عنه، بل الثابت خلافه، و ان استحسنه في المعتبر، بل جزم به في المدارك لأصالة الأجزاء التي يجب الخروج عنها ببعض ما تقدم لو سلم صحة التمسك بها هنا، و رفع الخطأ و النسيان عن الأمة المخصص بما عرفت، أو المحمول على رفع الإثم و المؤاخذة.

و

صحيح العلاء(9)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء فينجسه فينسى أن يغسله و صلى فيه ثم ذكر أنه لم يكن غسله أ يعيد الصلاة؟ قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب النجاسات- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب النجاسات- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 42- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء الحديث 3.
8- 8 الوسائل- الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء الحديث 7.
9- 9 الوسائل- الباب- 42- من أبواب النجاسات- الحديث 3 رواه في الوسائل عن العلاء عن ابى العلاء.

ج 6، ص: 218

لا يعيد قد مضت صلاته و كتبت له»

القاصر عن المقاومة من وجوه، بل في التهذيب انه شاذ لا يعارض الأخبار التي ذكرناها، فلا وجه لحمل تلك الأخبار الكثيرة المنجبرة بالعمل من الطائفة على الاستحباب من جهته.

و إن أمكن تأييده باعتضاده ب

ضعيفة ابن سالم (1)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يتوضأ و ينسى أن يغسل ذكره و قد بال، فقال: يغسل ذكره و لا يعيد الصلاة».

و

خبر ابن أبي نصر(2)قال له أيضا: «إني صليت فذكرت أني لم أغسل ذكري بعد ما صليت أ فأعيد؟ قال: لا».

و

موثقة عمار(3)سمعه أيضا يقول (عليه السلام): «لو أن رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلي لم يعد الصلاة».

و

خبر علي بن جعفر(4)عن أخيه موسى (عليهما السلام) «سألته عن رجل ذكر و هو في صلاته أنه لم يستنج من الخلاء قال: ينصرف و يستنجي من الخلاء و يعيد الصلاة، و إن ذكر و قد فرغ من صلاته أجزأه ذلك، و لا إعادة عليه»

إلا أنه- مع عدم صراحة بعضها، لاحتمال إرادة الاستنجاء من خصوص الغائط بخصوص الماء، و معارضتها بمثلها المتقدم في ذلك- يجب الخروج عنها بعد إعراض الأصحاب الذين هم أعرف بمعنى الخطاب الوارد في السنة و الكتاب، و لذا أمرنا بالأخذ بما اشتهر بينهم عند اشتباه الآثار و تصادم الأخبار.

و كذا القول بوجوب الإعادة في الوقت و عدمها في خارجه كما عن الشيخ في الاستبصار خاصة، و تبعه الفاضل في بعض كتبه، جمعا بين الأخبار بشهادة

خبر علي


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 4.

ج 6، ص: 219

ابن مهزيار(1)قال: «كتب اليه سليمان بن رشيد انه بال في ظلمة الليل و أنه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه أصابه و لم يره، و أنه مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله و تمسح بدهن، فمسح به كفيه و وجهه و رأسه، ثم توضأ وضوء الصلاة فصلى، فأجابه بجواب قرأته بخطه أما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشي ء إلا ما تحقق، فان تحققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات التي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها، و ما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل أن الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت، و إذا كان جنبا أو على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته، لأن الثوب خلاف الجسد، و اعمل على ذلك إن شاء الله»

مؤيدا بدعوى ظهور أخبار الإعادة في الوقت، بل هو المتعارف منها.

و فيه- مع مكاتبة شاهده و إضماره و قلة العامل به، إذ لم يحك إلا عن الشيخ في استبصاره الذي لم يعده للفتوى، و إلا فالمحكي عنه في سائر كتبه موافقة المشهور، و تبعه الفاضل في بعض كتبه، فمن العجيب ما في الحدائق من حكاية شهرته بين المتأخرين و شدة ما في متنه من الاجمال، بل الاشكال كما اعترف به غير واحد بل في الوافي أنه يشبه أن يكون قد وقع فيه غلط من النساخ، و منع دعوى ظهور أخبار الإعادة في الوقت، لحدوث هذا الاصطلاح في لسان أهل الأصول الممنوع حمل الأخبار عليه- انه لا يتم في نحو

صحيح علي بن جعفر(2)عن أخيه المروي عن قرب الاسناد و كتاب المسائل له «سألته عن الرجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟ فقال: إن كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلي و لا ينقص منه شي ء، و إن كان رآه و قد صلى فليعتد بتلك الصلاة ثم ليغسله»

الصريح


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات- الحديث 10.

ج 6، ص: 220

في القضاء الشامل بإطلاقه لصورة النسيان ان لم تكن هي الظاهر منه.

كغيره الصريح في النسيان الظاهر في القضاء، كموثق سماعة(1)المعلل للإعادة بالعقوبة.

بل

حسن ابن مسلم أو صحيحه (2)كالصريح في ذلك أيضا و إن كان ظاهرا في النسيان و لو بإطلاقه، قال فيه: «و إذا كنت قد رأيته- أي الدم- و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه»

إذ الظاهر إرادة ما يزيد على صلاة الفريضة، بل الخمس المفروضة، كما هو واضح.

فظهر لك انه لا مناص عن القول المشهور من الإعادة مع النسيان في الوقت و القضاء في خارجه.

و منه نسيان عين المتنجس و ان بقي على العلم بالنجاسة على الأقوى و إن كان القول بلحوقه بجاهل الموضوع لا يخلو من وجه، بل في كشف الأستاذ انه وجه قوي.

و كذا منه نسيان كون النجاسة مما تحتاج إلى عدد في الغسل، أو أنها مما لا يعفى عن قليلها، أو لا يكتفى فيها بالصب و نحو ذلك مما قدمنا الإشارة إليه في ذيل مسألة الجاهل.

[في وجوب الإعادة لو تذكر النجاسة في الأثناء]

بل منه أيضا أو بحكمه الذاكر للنجاسة في أثناء الصلاة كما صرح به في كشف اللثام و الرياض و عن الأستاذ الأكبر، لأصالة الشغل، و انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و ظهور ما دل (3)على إعادة الذاكر بعد الفراغ في عدم كون النسيان عذرا في ارتفاع الشرط المزبور، فيستوي الكل و البعض حينئذ في ذلك، ضرورة تساويهما فيه، و احتمال الفرق و تصوير إمكانه لا يرفع الظهور المذكور، و لذا بنى ما نحن فيه في كشف اللثام على ما تقدم من الأقوال الثلاثة في المسألة السابقة، و قد عرفت أن الأقوى فيها


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب النجاسات- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 221

الإعادة وقتا و خارجا، بل التعليل للإعادة في بعض أخبارها كموثق سماعة(1)بالعقوبة للنسيان شامل للفرض المذكور، بل سؤاله عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلي كذلك أيضا، لمنع إرادة تمام الصلاة من المضارع بعد «حتى» كغيره من الأخبار.

مضافا إلى

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن محبوب (2)المروي في السرائر عن كتاب المشيخة لا بن محبوب: «إن كنت رأيت دما في ثوبك قبل أن تصلي فلم تغسله ثم رأيته بعد و أنت في صلاتك فانصرف و اغسله و أعد صلاتك».

و

الكاظم (عليه السلام) في صحيح علي أخيه (3)بعد أن سأله عن رجل ذكر و هو في صلاته انه لم يستنج من الخلاء «ينصرف و يستنجي من الخلاء و يعيد الصلاة»

الحديث.

و التعليل في

مضمر زرارة(4)الطويل المسند إلى أبي جعفر (عليه السلام) عن العلل قال فيه: «قلت: إن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة، قال: تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، و إن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت على الصلاة، لأنك لا تدري لعله شي ء أوقع عليك، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك»

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة بإطلاقها منطوقا و مفهوما على المطلوب كما لا يخفى على الناظر فيها مع التأمل السالمة عن معارضة غيرها(5)الظاهر في الجاهل.

نعم

سأل علي بن جعفر أخاه (عليهما السلام) في الصحيح (6)«عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر و هو في صلاته كيف يصنع به؟ قال: إن دخل في


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب النجاسات- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 44- من أبواب النجاسات- الحديث 0.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 222

صلاته فليمض، و إن لم يكن دخل في الصلاة فلينضح ما أصاب إلا أن يكون فيه أثر فيغسله»

و هو قد يتوهم منه المنافاة لذلك، لكنه محتمل لإرادة الأمر بالمضي في صلاته لاحتمال اليبوسة أو العلم بها، و لذا قال (عليه السلام): «فلينضح ما أصاب» و لا يدفعه قوله (عليه السلام): «إلا أن يكون أثر فيغسله» لاحتمال إرادة وجوب غسله حينئذ دخل في الصلاة أولا، و إلا لم يقل أحد بجواز المضي في الصلاة بعد العلم بالنجاسة من غير غسل أو إبدال أو نحوهما.

ثم لا فرق فيما ذكرنا من وجوب الاستيناف بين ضيق الوقت و سعته للأدلة السابقة القاضية بكونه كالذاكر بعد الصلاة الذي يجب عليه الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه.

نعم قد يقال بالفرق بينهما في الجملة إن قلنا بعدم إعادة الناسي مطلقا، ضرورة أن المتجه عليه حينئذ في الفرض مع سعة الوقت طرح الثوب أو تطهيره و نحوهما بعد الذكر إن أمكن بلا فعل مناف للصلاة و إلا استأنف، أما مع الضيق فقد يقال بإلقائه و إتمام الصلاة عاريا كفاقد الساتر الطاهر ابتداء لمساواة حكم البعض للكل.

كما انه قد يقال ذلك أيضا إن قلنا بوجوب الإعادة على الناسي في الوقت دون خارجه، فان المتجه عليه حينئذ أيضا الاستيناف مع السعة، أما مع الضيق فيحتمل كونه كالذاكر بعد خروج الوقت، فلا قضاء كما هو الفرض و لا أداء، لعدم إمكانه إلا بإتمام ذلك الفعل المحكوم بفساد بعضه بالذكر في الوقت، اللهم إلا أن يستثنى ذلك من إفساد الذكر في الوقت، أو يخص عدم وجوب القضاء بخصوص الذاكر بعد الوقت، لكن في كشف اللثام أنه يطرح الثوب إن أمكن بلا فعل المنافي، و إلا فإشكال، و فيه بحث يعرف مما سمعت.

هذا كله في الذاكر للنجاسة في الأثناء

[في حكم من رأى النجاسة و هو الصلاة]

و أما لو رأى النجاسة و هو في الصلاة و قد علم سبقها عليها ف المتجه مع سعة الوقت بناء على المختار من عدم إعادة الجاهل

ج 6، ص: 223

وقتا و خارجا أنه إن أمكنه إلقاء الثوب و ستر العورة بغيره أو تطهيره و نحوهما بلا فعل ينافي الصلاة وجب عليه ذلك و أتم، و إن تعذر إلا بما يبطلها من كلام و نحوه استأنف الصلاة من رأس بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بين أجلاء القائلين بمعذورية الجاهل مطلقا إلى ما بعد الفراغ، بل في المبسوط و النهاية التصريح بنحو ذلك هنا مع قوله فيهما بإعادة الجاهل في الوقت، و إن استوجه المصنف و الشهيد و غيرهما الاستيناف مطلقا بناء عليه، لكن ناقشهم فيه بعض الناس بعدم التلازم بين المقامين، و هو متجه إن أريد إمكان التفرقة بدليل شرعي معتبر، أما بدونه فقد يمنع، لظهور القول بإعادة الجاهل في عدم كون الجهل عذرا لإسقاط الشرط الذي هو بالنسبة للجميع و البعض على حد سواء، ضرورة تساويهما في دليل شرطيته، فيشتركان حينئذ في عدم عذريته كاشتراكهما في عذريته، بناء على المختار من معذورية الجاهل المستفاد منها تساوي الكل و البعض فيه إن لم يكن أولى، فيصح حينئذ ذلك البعض الذي وقع فيه قبل العلم به، فمع إمكان الإزالة أو الإبدال أو التطهير من غير فعل مبطل للصلاة من كلام و نحوه بعد العلم تسلم الصلاة من عروض مفسد شرعي لها حينئذ و لو بالتلفيق من الأمرين، و لذا لم يعرف في ذلك خلاف بين الأصحاب على هذا التقدير، بل نفى الاشكال عنه في الذكرى، و نسبه إلى الوضوح في مجمع البرهان.

مع أن فيه جمعا بين إطلاق ما دل على الإتمام من

موثق داود بن سرحان (1)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يصلي فأبصر في ثوبه دما، قال: يتم».

و

خبر ابن محبوب (2)المروي في مستطرفات السرائر من كتاب المشيخة عن ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: «إن رأيت في ثوبك دما و أنت تصلي و لم تكن رأيته قبل ذلك فأتم صلاتك، فإذا انصرفت فاغسله»

الحديث.


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب النجاسات- الحديث 3.

ج 6، ص: 224

و بين إطلاق ما دل على الاستيناف من

خبر أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) «في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به، قال: عليه أن يبتدئ الصلاة»

و

صحيحة ابن مسلم (2)عنه (عليه السلام) أيضا «إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة»

الحديث.

و

صحيح زرارة(3)الطويل قال فيه: «قلت: إن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة قال: تنقض الصلاة و تعيد الصلاة إن شككت في موضع منه ثم رأيته»

بحمل الأولى على إرادة المضي بعد طرح النجس مثلا مع الاستتار بغيره، أو تطهيره مع عدم فعل مناف للصلاة، و الثانية على إرادة الاستيناف مع عدم إمكان شي ء مما تقدم إلا بفعل المنافي كما هو الغالب.

و الشاهد- مضافا إلى ظهور التلازم المتقدم بين القول بمعذورية الجاهل و بين ذلك هنا المؤيد بفتوى الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه، و بكون ما نحن فيه بعد ما عرفت كمن عرضت له النجاسة في الأثناء أو لم يعلم بسبقها الذي ستسمع اتفاق النصوص و الفتاوى على التفصيل المتقدم فيه، بل لعل بعض أفراده مما نحن فيه، كالعالم بالعروض في الأثناء متقدما على حال الرؤية لها، كما سيتضح لك فيما يأتي-

حسن ابن مسلم (4)قلت له: «الدم يكون في الثوب و أنا في الصلاة، قال: إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه وصل، و إن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك و لا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، و ما كان أقل من ذلك فليس بشي ء رأيته أو لم تره، و إذا كنت


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 6 مع اختلاف يسير.

ج 6، ص: 225

قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه»

فان الأمر بالطرح فيه المحمول على الوجوب لا يتم إلا على تفصيل الأصحاب، و لا ينافيه الشرط الثاني بعد تقييده المضي و عدم الإعادة بما لم يزد على مقدار الدرهم، بل مفهومه شاهد على الشق الثاني من تفصيل الأصحاب، و هو عدم المضي مع عدم إمكان الطرح لعدم ساتر غيره أو لغير ذلك مما يبطل الصلاة.

نعم قد ينافيه بناء على رواية الشيخ له بزيادة الواو قبل قوله (عليه السلام):

«و ما لم يزد» و حذف «و ما كان أقل من ذلك» لكن مع كون الكليني أضبط يدفعه اتفاق الأصحاب ظاهرا بل واقعا كما اعترف به في الحدائق على عدم جواز المضي في الصلاة بالنجس، فيكون مطرحا لا ينافي الاستدلال بصدره على الشق الأول.

فدعوى سقوط الاستدلال به من بعض متأخري الأصحاب لما في متنه من هذا الاضطراب بمعزل عن الصواب.

كما أن ما في المدارك- بعد ذكره بعض الأخبار الدالة على الاستيناف ثم هذا الحسن و صحيح علي بن جعفر في الخنزير «يصيب» المتقدم آنفا في المسألة السابقة من أن مقتضى هاتين الروايتين وجوب المضي في الصلاة لكنه اعتبر في الأولى طرح الثوب النجس إذا كان عليه غيره، و الجمع بين الروايات يتحقق بحمل ما تضمن الأمر بالاستيناف على الاستحباب، و إن جاز المضي في الصلاة مع طرح الثوب النجس إذا كان عليه غيره، و إلا مضى مطلقا، و لا بأس بالمصير إلى ذلك و إن كان الاستيناف مطلقا أولى- ينبغي القطع بفساده، إذ هو- مع مخالفته لإجماع الأصحاب ظاهرا على عدم جواز الإتمام بالثوب النجس مع التمكن من غيره بقطع الصلاة، و عدم مدخلية صحيح ابن جعفر فيما نحن فيه، إذ محله الناسي- تصرف في النصوص من غير شاهد على إذن المالك به.

ج 6، ص: 226

و كذا ما في الرياض تبعا لها و للمفاتيح من الميل إلى القول بالاستيناف مطلقا و ان تمكن من الطرح و نحوه، بل ظاهر أول كلامه أو صريحه الجزم به، لا طلاق الأمر به في الأخبار السابقة المنزل بمعونة فتوى الأصحاب و غيرها مما سمعت على تعذر الإزالة و التطهير و نحوهما من غير فعل مناف، بل قيل إنه الغالب الذي ينصرف إليه الإطلاق، و لما قد يشعر به التعليل السابق في صحيح زرارة الذي يجب الإعراض عنه، أو تنزيله على ما لا ينافي المطلوب في مقابلة ما عرفت.

إذ هو مع كونه محجوجا بما سمعت كاد يكون خرقا للإجماع، إذ لم نعرف أحدا قال بمعذورية الجاهل إلى ما بعد الفراغ و أوجب الاستئناف هنا.

و كأن الذي ألجأه إلى ذلك اعتراف صاحب الذخيرة بالعجز عن دليل تفصيل الأصحاب هنا بذلك، و قد عرفته بما لا مزيد عليه، على أنه يكفي فيه ظهور اتفاقهم عليه مع مراعاة القواعد فضلا عن غيره.

كما أنك بالتأمل فيما ذكرنا تعرف كثير خبط لبعض متأخري المتأخرين في أدلة المسألة من ذكرهم أخبار النسيان هنا و غيره، و الله أعلم.

[في حكم عروض النجاسة في الأثناء]

و كذا يعرف منه وضوح جريان التفصيل في عروض النجاسة في الأثناء أو لم يعلم سبقها، و لذا لم أجد فيه خلافا هنا، بل الظاهر أنه إجماعي كما اعترف بهما بعضهم.

نعم في المدارك و الذخيرة عن المعتبر الجزم بالاستيناف مطلقا بناء على عدم معذورية الجاهل، و ناقشاه فيه بما تقدم سابقا الذي قد عرفت ما فيه، مع زيادة عدم صراحة ما في المعتبر بما حكياه عنه هنا.

لكن بعد فرض صحة هذا النقل عنه قد يتوجه عليه هنا احتمال الفرق بين المقامين من غير الجهة التي ذكراها بعدم القطع بوقوع شي ء من أفعال الصلاة حال النجاسة فيما نحن فيه، للعلم بالحدوث في الأول، و أصالة التأخر المستلزمة له في الثاني،

ج 6، ص: 227

بخلاف ذلك المقام، فيتجه التفصيل المذكور هنا و ان قال بالإعادة هناك، اللهم إلا أن يفرض في المقام العلم بسبق النجاسة على حال العلم بها و ان كان في أثناء الصلاة، كما لو رآها في الركعة الثالثة و علم بأن ابتداء عروضها له في الركعة الأولى، فيتجه حينئذ البناء المحكي عن المصنف إلا أن المحكي عن الشيخ هنا موافقة الأصحاب في التفصيل كالمسألة السابقة.

و كيف كان فالحجة عليه بناء على المختار من معذورية الجاهل بعد إمكان تحصيل الإجماع عليه هنا ما عرفته سابقا من وجود مقتضي الصحة مع إمكان الإزالة من غير فعل مبطل و ارتفاع المانع، بل ينبغي القطع به هنا في بعض صور المسألة، كالعالم بالعروض عند حصوله قبل وقوع شي ء من أجزاء الصلاة معه، ضرورة عدم كون عروض النجاسة من المبطلات القهرية كالحدث و نحوه، و إطلاق الحسنة السابقة الآمرة بالطرح، و صحيح زرارة السابق المشتمل على التعليل بأنه «لعله شي ء أوقع عليك».

و الصحاح المستفيضة الواردة في الرعاف، منها

صحيحة معاوية بن وهب (1)«سأل الصادق (عليه السلام) عن الرعاف أ ينقض الوضوء؟ فقال: لو أن رجلا رعف في صلاته و كان عنده ماء أو من يشير اليه بماء فتناوله فمال برأسه فغسله فليبن على صلاته و لا يقطعها».

و

صحيح ابن مسلم (2)«سأل الباقر (عليه السلام) عن الرجل يأخذه الرعاف أو القي ء في الصلاة كيف يصنع؟ فقال: ينفتل فيغسل أنفه و يعود في صلاته، فان تكلم فليعد صلاته، و ليس عليه وضوء».

و

صحيح إسماعيل بن عبد الخالق (3)«سألته عن الرجل يكون في جماعة من القوم يصلي بهم المكتوبة فيعرض له رعاف كيف يصنع؟ قال: يخرج، فان وجد ماء


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 12.

ج 6، ص: 228

قبل أن يتكلم فليغسل الرعاف ثم ليعد و ليبن على صلاته».

و لا يقدح ظهور الإطلاق الأخير، بل و سابقه في الغسل و البناء و ان استلزم مبطلا غير الكلام من الاستدبار و نحوه بعد عدم علم قائل به من الأصحاب كما اعترف به في الذخيرة، بل في الرياض الإجماع على خلافه، لوجوب تقييده حينئذ بما لم يستلزم ذلك، أو حمله عليه، ترجيحا لما دل (1)على بطلان الصلاة بها.

كما انه لا يقدح ظهور إطلاق بعض أدلة المضي في البناء من دون طرح للنجس أو إزالة للنجاسة بعد الإجماع أيضا كما عرفته سابقا و غيره على خلاف ذلك، و في المنتهى «لا يقطع الصلاة رعاف، و لو جاء الرعاف أزاله و أتم الصلاة ما لم يفعل المنافي عند علمائنا» و في التذكرة «لا يقطع الصلاة رعاف، و لو عرض أزاله و أتم الصلاة ما لم يحتج إلى فعل كثير أو استدبار، لأن ذلك ليس بناقض للطهارة، و هو إجماعي منا، و الأصل يعطيه» إلى غير ذلك مما هو نص في المطلوب.

فلا إشكال حينئذ بحمد الله في المسألة، بل هي من الواضحات، كوضوح الصحة بناء على ما سمعت أيضا لو علم بوقوع نجاسة عليه في الأثناء ثم زالت بمزيل معتبر، لكن في المعتبر و غيره استقبال الصلاة بناء على قول الشيخ بعدم معذورية الجاهل في الوقت، و فيه المناقشة السابقة من بعضهم التي قد عرفت ما فيها، نعم قد يتوجه عليه ما سمعته آنفا في بعض أفراد الفرض الذي يعرف بالتأمل فيما ذكرنا.

أما لو رأى النجاسة بعد الفراغ من الصلاة و احتمل حدوثها بعدها فالصلاة صحيحة من غير خلاف نعرفه بين أهل العلم كما في المنتهى، بل هو إجماع كما في المعتبر، لأصالة الصحة و التأخر و البراءة، بل لعله من الشك بعد الفراغ المعلوم عدم الالتفات إليه.

بقي الكلام فيما لو علم بها في الأثناء لكن مع ضيق الوقت عن الإزالة و الاستيناف


1- 1 الوسائل- الباب- 2 و 3- من أبواب قواطع الصلاة.

ج 6، ص: 229

علم السبق مع ذلك أولا، و المتجه بناء على المختار من معذوريته فيما وقع من أبعاض الصلاة الإتمام و عدم الالتفات إلى النجاسة، كما صرح به في الذكرى و البيان و جامع المقاصد و غيرها، بل لا أجد فيه خلافا يعتد به، للقطع بسقوط شرطيتها عند الضيق، و عدم سقوط الصلاة في الوقت لذلك، تحكيما لما دل (1)على وجوبها و عدم سقوطها بحال على دليل الشرطية(2)كما في غيرها من الشرائط بل الواجبات من غير خلاف نعرفه فيه، بل لعله من الاجماعيات بل الضروريات، و قد عرفت غير مرة أن البعض كالكل في جميع ذلك، لاتحاد الدليل، بل هذا الكل في التحقيق عبارة عن الأبعاض المجتمعة.

نعم لو فرض النجاسة المتعذرة الزوال بالساتر فهل يتعين عليه الإتمام به أو عاريا؟

وجهان بل قولان، ستعرف التحقيق فيهما، و هو أمر خارج عما نحن فيه.

لكن في المدارك بعد أن حكى عن البيان القطع بالاستمرار، و الذكرى الميل اليه موجها له باستلزام الاستيناف القضاء المنفي قال: «و يشكل بانتفاء ما يدل على بطلان اللازم، مع إطلاق الأمر بالاستيناف المتناول لهذه الصورة، و الحق بناء هذه المسألة على أن ضيق الوقت عن إزالة النجاسة هل يقتضي انتفاء شرطيتها أم لا، بمعنى أن المكلف إذا كان على ثوبه أو بدنه نجاسة و هو قادر على الإزالة لكن إذا اشتغل بها خرج الوقت فهل يسقط وجوب الإزالة و يتعين فعل الصلاة بالنجاسة، أو يتعين عليه الإزالة و القضاء؟

و هي مسألة مشكلة من حيث إطلاق النصوص المتضمنة لإعادة الصلاة مع النجاسة المتناول لهذه الصورة، و من أن وجوب الصلوات الخمس في الأوقات المعينة قطعي، و اشتراطها بإزالة النجاسة على هذا الوجه غير معلوم، فلا يترك لأجله المعلوم، و قد سبق نظير


1- 1 الوسائل- الباب- 1 و 2 و 6 و 7 و 8 و 11- من أبواب أعداد الفرائض.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الوضوء- الحديث 1.

ج 6، ص: 230

المسألة في التيمم لضيق الوقت عن المائية» انتهى.

و هو من غرائب الكلام، إذ لم نعرف أحدا قال أو احتمل تقديم مراعاة إزالة النجاسة أو الساتر أو القبلة أو نحوها على وجوب أداء الصلاة في الوقت المعلوم كتابا و سنة بل ضرورة، بل الإجماع على خلافه كما اعترف به في الحدائق، بل الضرورة في غيرها، و لا تقاس على فاقد الطهورين أو من ضاق عليه الوقت من المائية، على أنك قد عرفت التحقيق في الثاني، و أما إشكاله توجيه الذكرى بالإطلاق ففيه أنه غير منصرف إلى مثله من الأفراد النادرة قطعا.

نعم قد يرد على التوجيه المذكور عدم استلزامه القضاء، أو عدم البأس به بناء على القول بعدم معذورية الجاهل مطلقا أو في الوقت، ضرورة كونه حينئذ كالناسي الذاكر في الأثناء الذي تقدم البحث فيه.

فالأوجه حينئذ توجيه الاستمرار و عدم الاستيناف بعدم مقتضي الفساد بناء على المختار من معذورية الجاهل في الوقت و خارجه، لا بالاستلزام المذكور، و لعله يريد به ذلك، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و المحمول بناء على اشتراط طهارته كالساتر مع الجهل قطعا على المختار من معذوريته فيه، لأولويته منه، أما على غير المختار فيشكل مساواته له في عدم العذر حينئذ باختصاص النصوص به دونه، لكن قد يدفع بأنه و إن كان ظاهر النصوص الاختصاص إلا أن عدم المعذورية مقتضى أصالة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، فيساويه حينئذ لذلك دونها.

و منه يعلم الحكم في الناسي، و لعله لذا استغنى الأصحاب عن التعرض له بذكر حكم الساتر، إلحاقا به في جميع ما تقدم من صور الجهل و النسيان، و إن كان بعضها لا يخلو من نظر.

ج 6، ص: 231

[في حكم ثوب المربية للصبي]

و المربية للصبي إذا لم يكن لها إلا ثوب واحد غسلته من بوله في كل يوم مرة وصلت به و ان تنجس به بعده على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل لا أعرف فيه خلافا كما اعترف به في الحدائق و عن الدلائل إلا ممن لا يعتد بخلافه في إمكان تحصيل الإجماع ممن عادته الخلاف لخلل في الطريقة، كصاحبي المعالم و المدارك و الذخيرة بعد اعتراف الأخيرين بأنه مذهب الشيخ و عامة المتأخرين، تبعا لتوقف الأردبيلي فيه من ضعف مستنده الذي هو

خبر أبي حفص (1)عن الصادق (عليه السلام) «سئل عن امرأة ليس لها إلا قميص واحد و لها مولود فيبول عليها كيف تصنع؟ قال:

تغسل القميص في اليوم مرة»

باشتراك أبي حفص بين الثقة و غيره، و تضعيف العلامة محمد بن يحيى المعاذي من رجال سنده، و مساواته دم القروح و الجروح و السلس في عسر الإزالة و مشقتها لتكرير البول، فكما وجب اتباع الرواية هناك لهما فكذا هنا باقتضاء ذلك دوران الحكم مداره، كما في سائر التكاليف من غير خصوصية لما نحن فيه، و بمنع كونهما المستند في حكم المذكورات و ان ذكرا تأييدا لدليله الصالح لإثباته بخلافه هنا.

و فيه انه بعد تسليم عدم إمكان دفعه و لو على الظنون الاجتهادية غير قادح بعد الانجبار بأدنى مراتب الاشتهار فضلا عن أن يكون كالشمس في رابعة النهار، و بما تسمعه من خبر الخصي (2)و من ذلك يظهر ما في الأخير، كما أن سابقه بعد الإغضاء عما فيه في الجملة لا يتم على تقدير إرادة الحرج النوعي.

نعم ينبغي الاقتصار في هذا الحكم المخالف للأصل على مورد النص، فلا يتعدى من المربية إلى المربي وفاقا لصريح جماعة و ظاهر آخرين، بل لعله ظاهر الأكثر، و خلافا للفاضل في قواعده و عن تذكرته، و الشهيد الأول في بيانه و ذكراه، و الثاني في


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب نواقض الوضوء- الحديث 8.

ج 6، ص: 232

المسالك، و إن عللوه بدعوى القطع باشتراكهما في علة الحكم، و هي المشقة من غير مدخلية للأنوثة، لكنه كما ترى.

و لا من الثوب إلى البدن جمودا على ظاهر النص و الفتوى مع عدم القطع بالمساواة أو القطع بعدمها، فما عن بعض المتأخرين و لعله السيد حسن أحد مشايخ شيخنا الشهيد الثاني من الإلحاق ليس بشي ء، و كأنه لغلبة تعديه من الثوب إلى البدن، بل يشق التحرز عنه مع خلو الخبر عن الأمر بتطهيره لكل صلاة، بل قد يشعر عدم الأمر فيه بالتحفظ عن الثوب المتنجس به و غسل البدن منه خصوصا في أيام الصيف الغالب فيها العرق، بل و مطلق الأيام، ضرورة احتياجها لمزاولته برطوبة في الاستنجاء و الاغتسال و نحوهما بالعفو عن ذلك كله.

و فيه ان الثاني خارج عن محل النزاع، إذ البحث في إلحاق البدن بالثوب في الحكم المذكور لا العفو عن تعدي نجاسة الثوب بسبب المباشرة بعرق و نحوه، إذ هو قد يحتمل كما سمعته في نظائره كدم القروح و نحوها لما تقدم من عدم زيادة الفرع على أصله و غيره، إلا أنه قد يفرق بينهما بإطلاق العفو هناك و تقييده بالغسل في كل يوم مرة هنا، فيتجه القول حينئذ بغسل البدن كل يوم مرة تبعا لأصله المتنجس بسببه، اللهم إلا أن يستفاد من عدم الأمر به عدمه، لكن على كل حال هو غير ما نحن فيه من مساواة البدن للثوب في خصوص البول.

و أن الأول بعد إمكان منعه يقضي بالعفو مطلقا عن البول في البدن لا بالمساواة للثوب في الغسل كل يوم مرة، إلا أن يدعى استفادة ذلك من الذكر في الثوب، و ان ترك التعرض له في الخبر، للعلم بعدم زيادته عليه، و هو ممنوع، كمنع دلالة عدم التعرض للبدن على العفو عنه، إذ لعله إيكال إلى إطلاق الأدلة و عموماتها، فتأمل.

ج 6، ص: 233

و لا بالبول الغائط فضلا عن الدم و نحوه و إن أوهمته بعض العبارات كالمتن و نحوه، حيث لم يخص النجاسة فيها بالبول، بل في كشف اللثام لم يخصوا الحكم به بضمير الجمع الظاهر في الأكثر إن لم يكن الجميع، بل في جامع المقاصد التصريح بأنه ربما كني بالبول عن النجاسة الأخرى كما هو قاعدة لسان العرب في ارتكاب الكناية فيما يستهجن التصريح به مما يشعر باحتماله إلحاق الغائط به، بل عن ظاهر الشهيد القول به، بل عن التذكرة و نهاية الأحكام استشكاله أولا من اختصاص النص بالبول، و من الاشتراك في المشقة، ثم استقراب الثاني ثانيا، لكن ضعف الجميع واضح، إذ دعوى الكناية مجاز لا قرينة عليه، كما ان دعوى الاشتراك المذكور لا تجدي إلا بعد القطع بالعلية و المساواة فيها، و هو واضح المنع.

و لا من ذات الثوب الواحد إلى ذات الأثواب المتعددة مع عدم الحاجة إلى لبسها مجتمعة، وفاقا لصريح جماعة و ظاهر أخرى، وقوفا على ظاهر النص، و لانتفاء المشقة حينئذ، بل قد يظهر من المتن و غيره عدم الفرق في ذلك بين حاجة لبسها جميعها و عدمه، فلا يجري الحكم المذكور مع التعدد حينئذ مطلقا، لكنه لا يخلو من تأمل و بحث، لصيرورة التعدد كالاتحاد في الفرض المذكور.

و أشكل منه احتمال عدم جريان الحكم في ذات الثوب الواحد القادرة على شراء غيره أو استئجاره أو إعارته في الروض و كشف اللثام و غيرهما، بل عن المعالم حكاية القول به عن جماعة من المتأخرين، لانتفاء المشقة حينئذ، لكن النص كما ترى مطلق و خال عن التعليل بها حتى يعلم من انتفائها انتفاؤه.

و أوضح منه إشكالا احتمال عدم جريانه في المربية للمتعدد في الروض و الذخيرة و الحدائق، بل ظاهر الرياض أو صريحه القول به، لقوة النجاسة و كثرتها، و ظهور النص في الواحد، ضرورة زيادة المشقة به، و عدم ظهور النص في كون الوحدة شرطا و ان

ج 6، ص: 234

قلنا بكون تنوينه لها لا للتمكن، بل ظاهره عدمه، بل ينبغي القطع بشموله لذات الولدين مع فرض تنجس ثوبها ببول أحدهما، إذ وجود الآخر لا يمنع من الصدق بل و ان تنجس ببولهما، لفهم الأولوية أو المثالية من مثل هذا

التركيب، أو للصدق عرفا، و لعله الذي أومأ إليه في كشف اللثام، حيث جزم بعدم الفرق بين الواحد و المتعدد كالمسالك و عن الذكرى و الدروس معللا له بعموم الخبر و ان لم يعم المولود، لكنه لا يخلو من نوع تأمل، و لذا جزم به في كشف اللثام و المسالك و عن الذكرى و الدروس.

كما أن ظاهر المولود فيه الشمول للصبي و الصبية كما صرح به الشهيدان في الذكرى و المسالك، بل في الذخيرة و عن المعالم نسبته إلى أكثر المتأخرين، بل في المدارك ينبغي القطع به، خلافا لظاهر المتن و صريح غيره فالصبي خاصة، بل في كشف اللثام نسبته إلى الشيخ و الأكثر، بل في جامع المقاصد نسبته إلى فهم الأصحاب، لمنع الشمول، أو الشك فيه، أو لتبادر الصبي، و للفرق بين بوليهما في شدة النجاسة و غيرها، و فيه منع الأولين و عدم قادحية الأخير، بعد فرض كون المستند ما عرفته من شمول النص لا الإلحاق.

ثم ان ظاهر النص و الفتوى هنا تعين الغسل و ان كان المربي صبيا لم يتغذ بالطعام الذي اكتفي في تطهير بوله في غير ثوب المربية بالصب كما عن العلامة التصريح به، و تبعه بعض من تأخر عنه، بل في الحدائق الاتفاق عليه، و لعله للفرق بينها و بين غيرها باكتفائها بالمرة التي لا يشق كونها غسلا معها بخلاف غيرها المحتاج إلى تكرر الإزالة كلما أصابه المناسب للاكتفاء بالصب فيه.

لكن لا يخفى عليك عدم صلاحيته مرجحا لأحد الدليلين المتعارضين بالعموم من وجه، ضرورة تناول ما دل على الاكتفاء بالصب لبول الصبي للمربية و غيرها،

ج 6، ص: 235

كإطلاق ما دل (1)على الغسل في المربية لما كان مولودها صبيا أو أنثى، بناء على المختار من شمول النص لهما و للصبي المتغذي بالطعام و غيره، بل قد يقوى في النظر رجحان ذلك الإطلاق من حيث كونه مساقا لبيان حكم بول الصبي و مقصودا به ذلك.

بل في بعض أدلته التعليل الظاهر في الشمول كمال الظهور، بخلاف هذا الإطلاق، فإن المقصود منه بيان المرة لا كونه غسلا أو صبا، كما يومي اليه ترك ذكر غسلتي البول أو صبتيه.

بل يمكن أن يكون التعبير هنا بالغسل لكونه القدر المشترك بين بول الصبي و الصبية و المتغذي بالطعام و غيره، إذ الصب فرد من الغسل قطعا.

بل قد يقال: إنه يغاير الغسل حيث يقابل به، و إلا فهو مندرج في إطلاقه، فلا تنافي حينئذ بين الإطلاقين، لكون المراد حينئذ بيان الغسل في الجملة مرة، و إلا فالتفصيل بالصب في غير المتغذي و الغسل فيه و الصبية و تكرار الغسل و الصب و نحوهما من الأحكام الأخر موكول إلى الأدلة الأخر.

و لعله لذلك كله احتمل في كشف اللثام الاكتفاء بالصب هنا في كل يوم مرة من بول الصبي غير المتغذي ترجيحا لذلك الإطلاق، و هو قوي.

بل قد يؤيده انه المناسب لما هنا من التخفيف و الامتنان بالحكم المذكور.

و المراد باليوم ما يشمل الليل إما لما في المنتهى من ان اسمه يطلق على النهار و الليل أو للتبعية و التغليب المفهومين هنا بقرينة تسالم الأصحاب ظاهرا على الاجتزاء بالمرة في اليوم، و إن توقف بعض الناس، لكن قد يقال: إن منشأ ذلك التسالم ظهور النص في عدم وجوب الغسل عليها في شي ء من الأوقات إلا كل يوم مرة من غير حاجة إلى دعوى العموم المذكور حقيقة أو مجازا المستلزم لجواز إيقاع الغسل ليلا، و الاكتفاء به


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب نواقض الوضوء- الحديث 8.

ج 6، ص: 236

له و للنهار كالعكس، مع إمكان دعوى ظهور النص و الفتوى في تعيينه باليوم، و إن كان لا يخلو من بحث.

نعم قضية إطلاقهما تخييرها أي ساعة منه شاءت كما صرح به غير واحد، لكن في جامع المقاصد «ان الظاهر اعتبار كون الغسل في وقت الصلاة، لأن الأمر بالغسل يقتضي الوجوب، و لا وجوب في غير وقت الصلاة، و لو جعلته آخر النهار كان أولى لتصلي فيه أربع صلوات» إلى آخره. و تبعه في اللوامع، بل في التذكرة احتمال وجوب تأخيره مع تأخير الظهرين، لتمكنها حينئذ من جمع أربع صلوات في طهارة، فهو أولى من تقديمه للصبح خاصة، و ان كان هذا الاحتمال ضعيفا جدا، لعدم صلاحية التعليل المذكور مقيدا لا طلاق النص و الفتوى.

نعم يمكن جعله وجها للأولوية و الرجحان لا على جهة الوجوب كما سمعت التصريح به في جامع المقاصد، و تبعه الشهيد الثاني في روضه، و الفاضل الهندي في كشفه و غيرهما، و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله و إن جعلت تلك الغسلة في آخر النهار أمام صلاة الظهر كان حسنا بل لم يعض في المنتهى عليه بضرس قاطع مع التسامح في دليل الاستحباب، فقال: و لو قيل باستحباب جعل الغسل آخر النهار لتوقع الصلوات الأربع في الطهارة كان حسنا كضعف ما تقدم في جامع المقاصد من اعتبار كون الغسل في وقت صلاة للتعليل السابق، لإمكان منع ظهور مثل هذا الأمر هنا، خصوصا إذا كان بالعبارة المذكورة في إرادة الوجوب الشرعي، بل الظاهر منه إرادة حكم وضعي، و هو توقف الصحة على الغسل في كل يوم مرة، و ان سلم فلا دلالة فيه على عدم اعتبار الغسل و عدم صلاحيته مقدمة لو وقع قبل وقت الوجوب، إذ الأمر الظاهر في الوجوب لا يصلح لتخصيص مقدمية مثل هذا الغسل المستفادة من إطلاق متعلق الأمر المذكور بما بعد الوقت على معنى عدم اعتباره لو وقع قبله، ضرورة عدم استلزام اختصاص الحكم

ج 6، ص: 237

التكليفي في وقت اختصاص الوضعي به أيضا و ان استفيدا معا من عبارة واحدة، على انه قد يمنع اختصاص وجوب المقدمة هنا بما بعد الوقت و إن قلنا به في إزالة النجاسات، لإطلاق الأمر هنا السالم عن معارضة الإجماع المدعى هناك أو غيره على اختصاص الوجوب فيها بما بعده، إذ لعل هذه المقدمة لا على نحو غيرها من المقدمات، لعدم قصد الطهارة بهذا الغسل للصلاة، كما يومي اليه تصريح جماعة حتى هذا المدعي نفسه بعدم وجوب إيقاع الصلاة بعده بلا فاصل و ان يبس الثوب و تمكنت من لبسه.

بل لا أعرف فيه خلافا سوى ما في المدارك فأوجب وقوعها بعده مع التمكن من لبسه، نعم توقف فيه في الحدائق، كما انه نظر فيه في الذخيرة، و هو ضعيف لا دليل عليه، بل ظاهر الدليل خلافه، فلها التأخير حينئذ زمانا تعلم في العادة عدم بقائه على الطهارة فيها، كما هو قضية إطلاق النص، و لا استبعاد حينئذ منه في توسعة وقت وجوب هذه المقدمة تمام اليوم من غير فرق بين وقوعه قبل الصلاة أو بعدها.

و ما عساه يقال: إنه لا يعقل وجوب شرط قبل وجوب مشروطه و لو توسعا يدفعه أولا منع عدم تسليم ذلك بعد ثبوته بدليل مستقل غير وجوب المشروط، و ثانيا إمكان الفرق بينه و بين غيره من الشرائط التي يراد تقدمها على مشروطها.

بل قد يقال و إن قلنا: إن هذا الشرط منها أيضا: إن المراد الفرائض الخمس من اليوم المذكور في النص على إرادة طلب الغسل مرة لكل خمس، فلا فرق حينئذ بين غسله ابتداء النهار و إيقاع الخمس به، أو قبل وقت الظهرين و إيقاعهما مع العشاءين و الصبح الآتي به، أو بعده و إيقاع العشاءين به مع الصبح و الظهرين الآتية، و إن كان قضية ذلك عدم الفرق بين وقوعه ليلا أو نهارا حينئذ.

كما ان قضيته انتهاء الرخصة بانتهاء الخمس، فلو أوقعه مثلا قبل الظهرين ثم صلاهما و العشاءين و الصبح به لم يكن له بعد ذلك صلاة ظهري اليوم اللاحق قبل وقوعه،

ج 6، ص: 238

لكن لا بأس بالتزامهما بعد منع ظهور النص في خلافهما على تقدير سبق المعنى المذكور منه إلى الذهن.

أو يقال: إن المراد طلب غسل الثوب مرة ثم تصلي بها إلى أن يدور ذلك الزمان الذي وقع الغسل فيه، فكل صلاة خوطب بها في أثناء ذلك الزمان كان لها صلاتها دون غيرها، بل لا مانع من إرادة ذلك من اليوم.

كما انه لا بأس بالتزام ما يقتضيه كل من هذين الوجهين من وجوب قضاء سائر فرائض ذلك اليوم إذا أخل بالغسل، لا انه يختص في آخر الفرائض و ان صرح به في المدارك و الذخيرة معللين له بأنها محل التضييق، لجواز تأخير الغسل إلى ذلك الوقت لكنه مع إجمال الأخيرة في كلامهما ظاهر البناء على خلاف ما ذكرناه من الوجهين، بل مرادهما و الله أعلم إيجاب وقوعه في كل يوم مرة من غير مدخلية لها فيما تقدمها من الصلوات، و إن توقف صحة آخر الصلوات عليها.

و لعل المراد بآخر الصلوات بناء على ذلك و على وجوب وقوعه في وقت صلاة من اليوم فريضة العصر حينئذ، لأنها هي التي يحصل الإخلال عندها، و يتضيق وقت الغسل قبلها، إذ بعدها لم تبق صلاة واجبة في ذلك اليوم ليتجه وجوب الغسل عندها، لكن على هذا ينبغي وجوب قضاء صلاة العشاءين حينئذ، اللهم إلا أن يدعى عدم مدخلية الغسل لهما، و هو كما ترى، بل أصل الدعوى أوضح منه فسادا، بل قد يقال بوجوب قضاء سائر صلوات ذلك اليوم و ان لم نقل بالوجهين السابقين على معنى شرطية هذا الغسل و إن تأخر، فينكشف حينئذ بتركه في ذلك اليوم عدم صحة الصلاة السابقة فضلا عن اللاحقة، كبعض أغسال المستحاضة لبعض ما شرط به، فتأمل جيدا.

و لا فرق في المربية بالنسبة إلى سائر ما تقدم بين أن تكون أما أو غيرها من مستأجرة أو متبرعة و حرة و أمة و ان كان ظاهر النص خلاف ذلك، لكن لا يلتفت

ج 6، ص: 239

اليه بعد القطع بعدم الفرق، بل يمكن إنكار ظهوره أيضا، بل لا يبعد في النظر جريان الأحكام المذكورة مع تعدد المربية بعد فرض الصدق على كل منهما، و خلو النص عن تعليق الحكم على وصف المربية لا يمنع من دوران الحكم بعد انسباقه إلى الذهن من قوله:

«لها مولود» منجبرا بظاهر الفتوى أو صريحها.

و هل يتسرى العفو المزبور مع الوفاء بالشرط المذكور إلى غير صلوات الخمس من قضاء الفرائض و الصلاة بإجارة و نحوها؟ لا يبعد ذلك، لا طلاق النص و الفتوى كما عن نهاية الأحكام قربه بعد الاشكال فيه، و إن نص على خصوص القضاء، لكن الظاهر عدم إرادته الاختصاص به.

و لا يلحق بالمربية غيرها فيما تقدم من الأحكام المحتاج ثبوتها إلى دليل غير الحرج، للأصل من غير فرق بين الخصي المتواتر بوله و غيره، و إن ورد في الأول ما يقتضيه، ك

مكاتبة عبد الرحيم القصير(1)قال: «كتبت إلى أبي الحسن الأول (عليه السلام) أسأله عن خصي يبول فيلقى من ذلك شدة، و يرى البلل بعد البلل، فقال: يتوضأ و ينضح ثوبه في النهار مرة واحدة»

إلا أنه بعد ضعف سنده بل و دلالته مع عدم الجابر كان كالذي لم يرد فيه ذلك.

لكن في الذكرى و عن الدروس «و عفي عن خصي تواتر بوله بعد غسل ثوبه مرة في النهار و إن ضعفت الرواية عن الكاظم (عليه السلام) للحرج» بل في المنتهى بعد اعترافه بضعف الخبر قال: «لكن العمل بمضمونه أولى لما فيه من الرخصة عند المشقة» بل قد يظهر من المعتبر الميل إلى ذلك أيضا و ان اعترف بضعف الراوي المذكور، بل صرح بعدم العمل بروايته، لكنه قال بعد ذلك: «و ربما صير إليها أي الرواية السابقة دفعا للحرج» بل عن الفقيه رواية الخبر المذكور سابقا مع ضمانه في أوله أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب نواقض الوضوء- الحديث 8.

ج 6، ص: 240

لا يورد فيه إلا ما يعمل به، بل قد يظهر من التذكرة العمل بها في الجملة فإنه و إن صرح بضعفها و أوجب تكرير الغسل لكنه قال: فان تعسر عمل بمضمون الرواية دفعا للمشقة، و لعله لذلك كله نسب العفو عن ثوب الخصي بعد الغسل مرة في الذخيرة إلى جماعة من الأصحاب.

إلا أنه لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الاعتراف بقصور الخبر(1)عن إثبات الحكم المذكور سندا بل و دلالة، بل في الحدائق ما حاصله «ان الأظهر طرحه و الرجوع إلى الأصول و قواعد النجاسات من جهة إجمال المراد به، لاحتماله بولية البلل المذكور فيه، فيراد بالأمر بالوضوء فيه حينئذ غسل الثوب مرتين من البول الخارج منه معتدلا، و بالنضح غسله من ذلك البلل، فيكون من قبيل المربية حينئذ، فيعتبر فيه ما تقدم فيها من اتحاد الثوب و نحوه، و الظاهر بعده، فإنه على هذا التقدير يكون من قبيل المسلوس الذي حكمه وضع الخريطة، و احتماله البلل المشتبه الذي لم يعلم كونه بولا، فيكون الأمر بالنضح فيه دفعا للنجاسة المحتملة على نحو ما سمعته سابقا من المقامات التي يستحب ذلك له، بل يحتمل الأمر بالنضح فيه إرادة رطوبة الثوب، ليتمكن من جعل استناد البلل اليه، فيكون من الحيل الشرعية التي سبق نظيرها».

و ان كان جميع ما ذكره كما ترى خصوصا بعض ما ذكره أولا، فإنه واضح الفساد كوضوح فساد الاستناد إلى الحرج ممن عرفت في إثبات الحكم المذكور، ضرورة عدم صلاحيته لإثبات خصوص الحكم المزبور، إذ أقصاه رفع التكليف المستلزم للحرج لا إثبات قسم آخر خاص منه مع تعدد أفراد ما يندفع به الحرج، اللهم إلا أن يقال:

إنه بعد أن يرتفع التكليف بتكرر الإزالة للحرج يدور الحكم بين السقوط بالمرة و المسلوس


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 241

و المربية و غيرها من الأمور التي يندفع بها الحرج، فيخرج الخبر المذكور مرجحا للأخير حينئذ، فتأمل.

[في حكم الصلاة في الثوبين المشتبهين]

و إذا كان مع المصلي ثوبان: أحدهما نجس لا يعلمه بعينه و تعذر التطهير و غير هما و لم يتعد نجاستهما إلى البدن صلى الصلاة الواحدة في كل واحد منهما منفردا على الأظهر الأشهر، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل لا نعرف فيه خلافا إلا من ابني إدريس و سعيد، و إن حكاه في الخلاف عن قوم من أصحابنا فأوجبوا الصلاة عاريا، بل قد تشعر بعض العبارات بالإجماع أو استقراره على عدمه، و لعله كذلك، استصحابا لبقاء التكليف بثوب طاهر مع إطلاق أدلته، بل أدلة الصلاة جامعة للشرائط و لا يتم حصول امتثاله إلا بما ذكرنا، و ل

مكاتبة صفوان بن يحيى (1)في الحسن أو الصحيح أبا الحسن (عليه السلام) «يسأله عن الرجل كان معه ثوبان فأصاب أحدهما بول و لم يدر أيهما هو و حضرت الصلاة و خاف فوتها و ليس عنده ماء كيف يصنع؟

قال: يصلي فيهما جميعا».

مع عدم وضوح دليل للخصم سوى ما في المبسوط «روي انه يتركهما و يصلي عريانا» و هو مع قصوره عن الحجية فضلا عن معارضة الحجة المعتضدة بما عرفت لا يعمل به الخصم، لطرحه الصحاح من الأخبار الآحاد فضلا عن المراسيل.

و سوى ما في السرائر من التعليل له بالاحتياط الذي لا يخفى وضوح فساد دعواه هنا، إذ لا أقل من احتمال ما ذكرناه.

و من هنا اعترض على نفسه بكون المشهور أحوط لحصول اليقين له بعد الفراغ بوقوع الصلاة في ثوب طاهر، لكنه أجاب عن ذلك بوجهين.

حاصل أحدهما انه لا بد عند الشروع في الصلاة من العلم بطهارة الثوب، و هو


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 242

هنا مفقود، فلا ثمرة للعلم بعد ذلك، بل لا بد من الجزم في نية كل عبادة يفعلها، و الصلاة مشروطة بطهارة الثوب، و المصلي هنا لا يعلم في شي ء من صلاتية طهارة ثوبه، فلا يعلم أن ما يفعله صلاة.

و حاصل ثانيهما أن الواجب عليه انما هي الصلاة واحدة، و لا يعلم أيتهما هي واجبة فلا يمكنه نية الوجوب الذي هو الوجه في شي ء منهما.

و في الأول منع واضح و إن أراد بالعلم ما يشمل الشرعي، إذ الشرط الطهارة لا العلم بها، و لئن سلم من جهة استلزام عدم معلومية حصول الشرط مع التنبه عدم العلم بحصول المشروط المستلزم لعدم إمكان نيته و الجزم بحصول القرب به، فلا نسلم وجوبه في نحو المقام و ان قلنا به مع الإمكان، و لا ينافي ذلك القول ببقاء شرطية طهارة الثوب الواجب تحصيلها بالتكرير، لإمكانها دونه فيسقط.

فلعل ذا هو الذي أراده المصنف في الرد عليه بمنع كون اليقين بالطهارة شرطا، بل يكفي عدم العلم بالنجاسة و ان كان ظاهر عبارته يوهم غير ذلك مما هو واضح الفساد عندنا.

كما ان منه ظهر لك ما في آخر قول الخصم من دعوى عدم العلم يكون ما يفعله صلاة إذ هي ممنوعة على مدعيها، بل يعلم أن كلا منهما صلاة، كما يومي اليه النص و القاعدة السابقتان، واحدة بالأصالة، و أخرى بالعارض، و إن لم يعلم طهارة ثوبه في كل منهما، لكنه لا ملازمة بين ذلك و بين العلم بكون كل منهما صلاة.

بل من التأمل في هذا ينقدح لك ما في ثاني جوابيه، ضرورة تمكنه حينئذ من نية الوجوب في كل من الصلاتين و ان اختلفا بالأصالة و المفدمية التي لا يجب التعرض لهما في النية لو قلنا باعتبار نية الوجه، أما على المختار من عدم وجوبها فيسقط الجواب من أصله.

إلا أن يقرر بطريق آخر، كأن يبدل الوجه فيه بالقربة، فيقال: إنه لا يتمكن من نية

ج 6، ص: 243

القربة في شي ء من صلاتية، لعدم علمه بالمأمور بها منهما، لكنه يرجع حينئذ إلى ما سمعته أولا، أو إلى ما يقرب منه، و قد عرفت ما فيه.

و نزيد هنا بأنه مشترك الإلزام، إذ هو مع الصلاة عاريا لا يعلم أنها الصلاة المأمور بها، لاحتمال تكليفه ما ذكرنا إلا بنص قاطع و نحوه و هما مفقودان باعتراف الخصم، و بأنه لا مانع من نية التقرب بكل منهما بناء على المختار من وجوب مقدمة الواجب، بل و على غيره في خصوص المقام للحسنة السابقة(1)و لأدلة الاحتياط السالمة عن معارضة اقتضائه عدم الصلاة فيهما مقدمة لامتثال النهي عن الصلاة في الثوب النجس، إذ قد عرفت غير مرة سقوط الحرمة التشريعية للاحتياط، دون الذاتية كالمشتبه بالمغصوب و الميتة و الحرير و الذهب و نحوها، لعدم تصور منشأ الحرمة الذي هو التشريع معه، و إلا لانسد باب الاحتياط في كثير من المقامات، كما انه يتعذر وقوع غالب أفراده بناء على ظاهر كلام الخصم من اعتبار الجزم بكون الواقع هو المكلف به أصالة، مع أن المنقول عنه الموافقة في تكرير الصلاة إلى أربع جهات، و هي و المقام من واد واحد.

و ما يقال: إن الاحتياط هنا بالصلاة بالثوبين و عاريا كي يحصل له اليقين ببراءة ذمته يدفعه حصول الظن الاجتهادي من الأدلة السابقة بفساد القول بتعين الصلاة عاريا، بل يمكن دعوى القطع به كما ادعاه بعضهم، بل قد يقال: إنه لا يتصور الاحتياط بذلك بعد فرض الصلاة بالثوبين، ضرورة حصول القطع بوقوع صلاة مشروعة بثوب طاهر مندرجة تحت الأدلة المقتضية للإجزاء و الامتثال المانعة من وقوعها حينئذ عريانا بعد ذلك.

و دعوى- أن تلك الصلاة بذلك الثوب الطاهر و إن قلنا بمشروعيتها للاحتياط كعدمها لعدم العلم به، و احتمال كون التكليف عريانا- كما ترى واضحة الفساد، و لعله لذا لم يقل في السرائر بالاحتياط المذكور مع اعترافه بعدم دليل خاص ألجأه إلى القول


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 244

بما عرفت، فكان عليه الأخذ بما تيقن به البراءة، فلو أن الاحتياط بتكرير الصلاة ثلاثا يمكن عنده لاتجه له القول به لا تعيين الصلاة عاريا، فتأمل جيدا، فإنه دقيق و إن كان لا يخلو من بحث، إلا أن الأمر سهل بعد وضوح المطلوب.

و لا فرق في المختار بين الثوب الواحد المشتبه بمثله أو المتعدد، و المتعدد المشتبه بمثله أو المتحد، كما أشار إليه المصنف بقوله و في الثياب الكثيرة كذلك بل لا أجد فيه خلافا بيننا، فيكرر الصلاة حتى تيقن براءة الذمة، و يحصل بتكرير فعلها قدر عدد النجس مع زيادة واحدة كما هو واضح.

و من هنا أمكن القول بوجوب ذلك حتى لو اشتبه النجس متحدا بل و متعددا لا يشق التكرير قدره في غير المحصور من الثياب الطاهرة، لانتفاء المشقة حينئذ التي هي المدار في ارتفاع حكم المقدمة، بل في كشف اللثام اختياره، و إن كان لا يخلو من نظر بل منع، لظهور الأدلة في طهارة أفراد المشتبه بغير المحصور، بل أغلب ما في أيدي الناس منه فيكفي الصلاة حينئذ بأحدها، كما لو كان المشتبه من الثياب ما يشق التكرير معه، أو يتعذر لكثرتها، إذ المتجه فيه الاكتفاء بالصلاة في أحدها أيضا، و إن أطلق في المتن إلا أنه يجب تقييده به، لأنه من المشتبه غير المحصور.

بل لعله يرجع اليه ما في الذكرى من أن التحري وجه للحرج، بل عن التذكرة الوجه التحري، دفعا للمشقة على أن يراد بالتحري فيها التخيير، كما تشهد له بعض الامارات، لكن في الذخيرة احتمال وجوب التكرير قدر

المكنة، و هو ضعيف، إلا أن يمنع كونه من غير المحصور و إن قلنا بأن مداره المشقة، لكن مشقة الاجتناب لا مشقة التكرير، و هي أعم من الأولى.

و فيه- بعد منع اختصاص اعتبار تلك المشقة في الحصر و عدمه، إذ المعتبر مطلق المشقة الناشئة من الكثرة في تكليف المقدمة تركا أو فعلا- ان مفروض المسألة في

ج 6، ص: 245

ذي المشقة التي صار بسببها غير محصور، و إلا فلو فرض مشقة ليست كذلك ففيه ما ستعرفه فيما لو ضاق الوقت عن التكرير المبرئ بيقين الذي أشار إليه المصنف باستثنائه مما سبق فقال إلا أن يتضيق الوقت فيصلي عريانا إذ هما من واد واحد عند التأمل و فيه قولان: أحدهما ما اختاره المصنف هنا و العلامة في قواعده تبعا لما عن ابن البراج في جواهره من تعيين الصلاة عاريا، كما لو لم يجد إلا النجس، بناء على ذلك فيه، لتعذر الاحتياط الذي كان مسوغا للصلاة فيه مع عدم ثبوت طهارته شرعا، فيبقى حينئذ النهي عن الصلاة بالنجس الذي لا يتم إلا باجتناب الثوبين سالما عن المعارض، و ثانيهما تكرير الصلاة فيه بقدر الممكن، حتى لو لم يمكنه إلا صلاة واحدة صلاها به، و اختاره العلامة في تذكرته و عن نهايته، و الشهيد الأول في ذكراه و عن بيانه، و الثاني في روضه و عن مسالكه، و المحقق الثاني في جامعه، و الفاضل الهندي في كشفه، و الأردبيلي في مجمعه، و السيد في مداركه، و الخراساني في ذخيرته، و البحراني في حدائقه، استصحابا لما قبل الضيق، و لأنه أولى من الصلاة عاريا، لاحتمال مصادفة الطاهر، و أسهلية فقدان وصف الساتر منه نفسه، بل أرجحيته لفوات كثير من الواجبات معه دونه، و لاغتفار النجاسة عند تعذر إزالتها، و لأولويته من الصلاة بالثوب النجس.

و في الجميع نظر، للقطع بسقوط المقدمة لسقوط ذيها المانع من جريان الاستصحاب هنا، و احتمال كون المستصحب وجوب غير المقدمة- بل هو المستفاد من إطلاق الرواية السابقة(1)بل يمكن الاستغناء في الاستدلال بها عن الاستصحاب، ضرورة ظهورها في عدم اشتراط وجوب الصلاة في أحدهما بوجود الثاني، بل هي كالعام بالنظر إلى أفراده خصوصا مع تأيدها بعدم سقوط الميسور بالمعسور- واضح الفساد، لوضوح انصراف الوجوب في الرواية المذكورة إلى إرادة المقدمي منه، بل ينبغي القطع


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 246

بعدم إرادة غيره فيجري فيه حينئذ ما عرفت، فتأمل، و لعدم ثبوت تلك الأولوية شرعا، إذ احتمال مصادفة الطاهر معارض باحتمال عدمه، و الأسهلية و الأرجحية و نحوهما من الأمور الاعتبارية التي لم يقم على اعتبارها شي ء من الأدلة الشرعية لا تصلح لإثبات حكم بحيث ينطبق على قواعد الإمامية، كما يومي اليه عدم التزام معظم الأصحاب بمقتضاهما من تعيين الصلاة بالثوب النجس مع فقد غيره، و لابتناء الأخيرين على الصلاة بالثوب النجس عند فقد غيره، و ستعرف البحث فيه.

على أن مقتضى إلحاق المقام به ثبوت التخيير، كما هو المعروف هناك بين القائلين بالصلاة فيه، بل لم يعرف القول بالتعيين إلا من بعض متأخري المتأخرين الذي يمكن دعوى عدم قدح خلافه في الإجماع، و احتمال الفرق بينهما بيقين النجاسة و عدمه يدفعه عدم ثبوت اعتباره شرعا، بل لعل الثابت خلافه من حيث إلحاق المشتبه بالنجس في أكثر الأحكام.

بل قد يقال: إن التخيير هو المتجه هنا و إن لم نقل به هناك، للفرق الواضح بينهما بيقين النجاسة التي يمكن دعوى مانعيتها فيه للنص أو غيره و عدمه، فله حينئذ الصلاة عاريا، لعدم تيسر الساتر المعلوم الطهارة، و الصلاة فيه، لأنه غير محكوم بنجاسته شرعا حتى يكون مقتضيا للفساد.

بل من هذا الأخير ينقدح وجه الصحة فيما لو صلى لابسا للثوبين المشتبه أحدهما بعد غسل واحد منهما و الاستتار به، لعدم العلم بكون الآخر هو النجس، و الشك في موضوع المانع غير معتبر على الأصح عندنا، بل هو في الحقيقة كالصلاة بثوب طاهر لاقى أحدهما برطوبة.

و احتمال التمسك باستصحاب منع الصلاة فيهما، إذ لم يتيقن أن المغسول هو النجس منهما يدفعه عدم اعتبار مثل هذا الاستصحاب، إذ هو من استصحاب الجنس عند

ج 6، ص: 247

التأمل، و لا ينافي ما ذكرنا عدم الخلاف بينهم في تعيين الصلاة بالطاهر لو كان عنده مع المشتبهين، بل الاتفاق ظاهرا مع ظهور وجهه بل وضوحه، إذ مرادهم بذلك عدم جواز تكرير الصلاة الذي كان سائغا عند فقد الطاهر، و عدم جواز الصلاة بالثلاثة مجتمعة، لا أن المراد الصلاة بالطاهر و أحد المشتبهين كما هو المفروض.

فما في صريح المنتهى و ظاهر البيان حينئذ من القول بفساد الصلاة في الفرض المذكور لا يخلو من بحث، كتمسك الأول له بالاستصحاب المزبور.

نعم قد يكون وجهه اعتبار طهارة مطلق لباس المصلي و لو شرعية، لا خصوص الساتر منه دون الزائد عليه، فيكتفى بعدم العلم بنجاسته، لا أنه يشترط طهارته كالساتر، و هو جيد و إن كان لا يخلو من بحث أيضا.

لكن على كل حال لا ينافي ما ذكرنا من التخيير في المقام عند التأمل، إلا أني لم أعرف أحدا صرح به هنا، كما أني لم أعرف أحدا صرح فيه أيضا باحتمال وجوب الصلاة عليه عاريا و في بعض الثياب المتمكن من تكرير الصلاة فيها قبل انقضاء الوقت، إذ هو بعض أفراد ما نحن فيه مع وضوح وجهه، بناء على عدم جواز الصلاة بالنجس، بل صرح الشهيد في الذكرى بذلك في نظيره من الفاقد لأحد المشتبهين. فأوجب الصلاة عليه فيه و عاريا، و ان

استجود في المدارك و الذخيرة الصلاة فيه خاصة، لكن ذلك بناء منهما على صحة الصلاة في متيقن النجاسة مع التعذر، و ما سمعت مبني على خلافه، فتأمل.

ثم انه يجب على مكرر الصلاة بالثوبين لتحصيل اليقين مراعاة الترتيب بين الصلوات ان كان، ضرورة صيرورة الثوبين بمنزلة الثوب الواحد. فلو صلى الظهر حينئذ بأحدهما و صلى العصر بآخر ثم صلى الظهر به و صلى العصر بالأول لم يحكم له بصحة غير الظهر، لاحتمال كون الطاهر ما صلى به الظهر ثانيا، فيجب عليه حينئذ صلاة العصر بما صلاها فيه أولا، و دعوى أن المفسد العلم بخلاف الترتيب لا احتماله واضحة

ج 6، ص: 248

الفساد لدى من لاحظ ما دل عليه.

أما لو صلى الفرضين بكل منهما معا ففي البيان و المدارك و عن النهاية صحتهما معا، لحصول الترتيب على كل حال، إذ الطاهر ان كان الأول فقد وقعا به مترتبين، و إن كان الثاني فكذلك، لكن قد يشكل بعدم تصور وقوع نية التقرب منه بالعصر مع تنبهه و عدم غفلته قبل العلم بإحراز شرط صحتها الذي هو وقوعها بعد الظهر الصحيحة، فالأحوط بل الأقوى وجوب تكرير الظهر أولا ثم فعل العصر، فتأمل.

[في حكم المصلي إذا انحصر ثوبه في النجس]

و يجب على المكلف أن يلقي الثوب النجس و يصلي عريانا إذا لم يكن معه هناك غيره و لم يمكنه غسله كما في الخلاف و السرائر و الإرشاد و عن المبسوط و النهاية و الكامل و التحرير، بل في المدارك و عن الدروس و الروض و المسالك نسبته إلى الأكثر، بل في الذكرى و الروضة و الذخيرة و الحدائق و عن غيرها أنه المشهور، بل في الرياض نسبته للشهرة العظيمة. بل في الخلاف الإجماع عليه، و هو الحجة.

مضافا إلى إطلاق النهي (1)عن الصلاة في النجس، و خصوص

قول الصادق (عليه السلام) في خبر الحلبي (2)«في رجل أصابته جنابة و هو بالفلاة و ليس عليه إلا ثوب واحد فأصاب ثوبه مني: يتيمم و يطرح ثوبه و يجلس مجتمعا و يصلي و يومي إيماء»

و مضمرتي سماعة(3)المنجبرتين هما و سابقهما بما عرفت، فلا يقدح قصور السند حينئذ مع إمكان منعه في البعض.

لكن قد يشكل بعدم تحقق الشهرة المدعاة أولا فضلا عن الإجماع المحكي،


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب النجاسات.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب النجاسات- الحديث 1 و 3.

ج 6، ص: 249

مع احتمال إرادة حاكيه الاجزاء لو صلى عاريا لا الوجوب، و هو مما لا كلام فيه، بل في المنتهى أنه يجزئ قولا واحدا، بل قد يفهم ذلك من المعتبر أيضا، كما انه ستسمع دعوى الإجماع عليه من غيرهما، و بموهونيتهما بمصير الفاضلين في المعتبر و المنتهى و المختلف و من تأخر عنهما إلى التخيير بين الصلاة فيه و عاريا ثانيا، كالمحكي عن ابن الجنيد، و بمعارضة تلك بالأقوى سندا و الأكثر عددا، لا أقل من المساواة المستلزمة للجمع بالتخيير المذكور.

منها

صحيحة الحلبي (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره، قال: يصلي فيه، و إذا وجد الماء غسله».

ك

خبره الآخر(2)سأله أيضا «عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله، قال: يصلي فيه».

و

صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (3)سأل الصادق (عليه السلام) أيضا «عن الرجل يجنب في ثوبه ليس معه غيره و لا يقدر على غسله، قال: يصلي فيه».

و

صحيح علي بن جعفر(4)عن أخيه موسى (عليهما السلام) «سألته عن رجل عريان و حضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله دم يصلي فيه أو يصلي عريانا؟

قال: إن وجد ماء غسله، و إن لم يجد ماء صلى فيه و لم يصل عريانا»

إلى غير ذلك مؤيدة بأرجحية الصلاة فيه على عدمها، إذ ليس فيه إلا فوات شرط الطهارة التي لم يعلم شمول أدلتها لمثل المقام إن لم يعلم عدمه، خصوصا مع القطع بسقوطه بالنسبة للبدن في مثل هذه الضرورة، بخلاف الصلاة عريانا، فان فيه فوات الستر أولا، و الركوع و السجود بل و القيام إذا لم يأمن المطلع.


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 6، ص: 250

و من هنا مع ظهور رجحان هذه الأخبار القاضي بعدم مكافأة الأولى حتى يجمع بالتخيير و نحوه قال في المدارك تبعا لما في الروضة و عن مجمع البرهان: «إنه لو لا الإجماع لوجب القول بتعيين الصلاة في النجس» بل في كشف اللثام أنه الأقوى كما عن المعالم، و كأنه لعدم ثبوت الإجماع عندهما، بل ربما استظهر ذلك من الفقيه أيضا، حيث انه روى الأخبار الدالة على الصلاة في النجس غير معقب لها بما ينافيها من قول أو رواية.

و يدفع بمنع عدم تحقق الشهرة بعد نقل أولئك الأساطين المذكورين الذين هم أعلم منا بكلمات المتقدمين، و مصير الفاضلين إلى خلافه، مع أنه في بعض كتبهما لا يوهنه، و إن تبعهما من تأخر عنهما، خصوصا مع عدم عض بعضهم كالشهيد في الذكرى عليه بضرس قاطع، على أنه يمكن دعوى عدم احتياج بعض تلك الأخبار أو الجميع إلى الانجبار بالاشتهار بدعوى انها من الصحيح، بناء على كون العدالة من الظنون الاجتهادية، و من الموثق، و هما معا عندنا لا يحتاجان إلى ذلك، أو بدعوى الاتفاق محصلا على العمل بمضمونها في الجملة الذي يشهد على أنها من المعتبرة عند الجميع.

بل و بمنع عدم تحقق الإجماع بعد عدالة حاكيه، و كونه مظنة للاطلاع على ما لا يطلع عليه غيره، و الاحتمال المذكور لا ينافي الظهور المزبور، و ليس هو من ظاهر الإجماع الذي ليس بحجة عندنا، بل هو من ظاهر متن الإجماع الذي هو بعض ظواهر الخطاب المعلوم حجيته.

بل و بمنع أرجحية هذه الأخبار، إذ الشهرة و موافقة الإطلاقات كتابا و سنة و الإجماع المحكي من مثل الشيخ لا يقاومها شي ء مما عداها من المرجحات، و لذا لم يرجحها عليها أحد من معتبري الأصحاب و إلا لم يتجه لهم التخيير المذكور.

و ما في كشف اللثام و عن المعالم من القول بتعيين الصلاة لا يلتفت اليه بعد إمكان دعوى مخالفته المحصل من الإجماع فضلا عن محكيه الذي قد عرفته.

ج 6، ص: 251

و منه حينئذ يعلم وجوب صرف هذه الأخبار عن ظاهرها، و إرادة غيره، و كونه التخيير بمعنى جواز الفعل و الترك، أو أفضلية الصلاة في الثوب كما صرح بها بعضهم تبعا لما عن ابن الجنيد إن لم نقل إنه من التخيير بين الواجب و عدمه ليس بأولى من إرادة الصلاة فيه لضرورة البرد و نحوه مما يعسر من جهته النزع، بل هو أولى، لما فيه من تقليل التجوز، ضرورة بقاء تلك الأخبار على ظاهرها، بل و بعض هذه كالمشتمل منها على نفي الصلاة عريانا المراد بها نهي عند التأمل، مع أنه لم يقل أحد بكراهة الصلاة عريانا، بل قضية ذلك استعمال أوامر الصلاة عريانا في مجاز بعيد جدا ان لم يكن ممتنعا، و ما فيه من موافقة الاحتياط المعلوم تأكده إن لم نقل بوجوبه في خصوص ما نحن فيه من العبادات، و لعدم وجود الشاهد على ذلك الجمع، بخلافه، فإنه يشهد له

صحيح الحلبي (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول و ليس معه غيره، قال: يصلي فيه إذا اضطر اليه».

و دعوى عدم احتياج الجمع المذكور إلى شاهد كدعوى شهادة هذا المفهوم له الذي هو عبارة عن نفي الوجوب عند عدم الاضطرار ممنوعتان، سيما الثانية، لظهور كون المفهوم هنا و إن لم نقل به في سائر المفاهيم عدم الإذن بالصلاة فيه عند عدم الاضطرار لا عدم الوجوب، ضرورة إرادة دفع توهم السائل الحظر من الإنشاء المستفاد من الخبر، و لا يرد عليه استلزام ذلك حينئذ الإباحة مع الضرر المعلوم نفيها عقلا و نقلا، كمعلومية وجوب الصلاة فيه معه كذلك، لأن المراد هنا الأذن التي لا تنافي الوجوب و إن قلنا بظهور الأمر في مقام توهم الحظر في الإباحة المنافية له، لكن لخصوص المقام خصوصية واضحة كما لا يخفى على من لاحظ نظائره مما علق الحكم فيه على ضرورة الاضطرار، فتأمل جيدا فإنه لا يخلو من دقة.


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب النجاسات- الحديث 7.

ج 6، ص: 252

و معارضة ذلك كله بدعوى أولوية الجمع بالتخيير لذلك الوجه الاعتباري الذي منه قيل بأفضلية الصلاة في الثوب، و كذا القول بتعينها فيه أيضا المنافي للإجماع المحكي على لسان جماعة إن لم يكن محصلا مدفوعة بعدم معروفية حكم الأحكام الشرعية و مصالحها.

نعم هذا كله مع إمكان نزعه الثوب، ف أما إن لم يمكنه نزعه و لو لمشقة برد أو نحوه لا تتحمل صلى فيه قولا واحدا، لعدم سقوط الصلاة بحال، و الصحيح السابق (1)و إطلاق غيره، بل قد عرفت إمكان تنزيل باقي الأخبار عليه مع نفي الحرج في الدين، و لكن عن الشيخ في جملة من كتبه، بل في المدارك و الرياض نسبته إلى جمع معه أيضا

و ان كان لم نتحققه، بل لم نعرف أحدا غيرهما نسبه إلى غير الشيخ عدا ابن الجنيد أنه أعاد الصلاة إذا تمكن بعد ذلك من غسله، استصحابا لبقاء التكليف الأول، و ل

موثق الساباطي (2)عن الصادق (عليه السلام) انه سئل «عن رجل ليس عليه إلا ثوب و لا تحل الصلاة فيه و ليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال: يتيمم و يصلي فإذا أصاب ماء غسله و أعاد الصلاة»

المشار إليه في الفقيه على الظاهر بأنه

في رواية «يعيد الصلاة إذا وجد ماء غسله و أعاد الصلاة».

و قيل لا يعيد بل هو المشهور المعروف، بل لم نتحقق فيه خلافا من غير الشيخ و عن ابن الجنيد و ان حكاه في الكتابين السابقين عن جمع و هو الأشبه لقاعدة الاجزاء و أصالة البراءة، و ظواهر الصحاح المتقدمة الواردة في مقام الحاجة، مع تضمن بعضها الأمر بغسل الثوب خاصة بعد زوال الضرورة من دون تعرض لإعادة الصلاة بالمرة، فلا بأس حينئذ بحمل الموثق المذكور على الاستحباب كما صرح به جماعة، و ان كان الموثق عندنا حجة في نفسه، و المعارض كله قابل للتقييد به، لكنه لإعراض المشهور عنه قصر عن المقاومة، إلا أنه مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل بمضمونه،


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب النجاسات- الحديث 7
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب النجاسات- الحديث 8.

ج 6، ص: 253

خصوصا مع احتمال بل ظهور كون الاعراض لعدم القول بحجية الموثق، بل صرح به غير واحد، لا أنهم أعرضوا عنه لقوة المعارض عليه، فتأمل.

[فيما يطهر بالشمس]

و إذ فرغ المصنف من ذكر مباحث التطهير بالماء شرع في باقي المطهرات.

فمنها الشمس و هي إذا جففت البول خاصة أو هو و غيره من النجاسات المشابهة له في عدم بقاء الجرمية كالماء النجس و نحوه على ما ستعرف البحث فيه، كما أنك تعرفه أيضا في اعتبار كون الإزالة عن الأرض خاصة، أو هي و البواري و الحصر أو غيرها مما لا ينقل طهر موضعه على حسب الطهارة بالماء، فيجوز التيمم به و السجود عليه، و لا ينجس لو بوشر برطوبة، وفاقا للأكثر نقلا في المختلف، و تحصيلا بل هو المشهور كما في المفاتيح و الذخيرة و الحدائق و عن المهذب و الكفاية و البحار و المعالم و غيرها، بل عن الأستاذ الأكبر انها شهرة كادت تبلغ الإجماع، بل في اللوامع أنه مذهب غير الراوندي و صاحب الوسيلة و المحقق في أول كلامه، بل هو معقد مذهب الإمامية في كشف الحق، و الإجماع في السرائر و موضعين من الخلاف.

و هو الحجة بعد

صحيح زرارة(1)«سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلى فيه، فقال: إذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر»

و

خبر أبي بكر الحضرمي (2)عنه (عليه السلام) أيضا المنجبر بما تقدم «يا أبا بكر ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر»

بل في الوسائل أنه

بهذا الاسناد(3)عنه (عليه السلام) أنه قال: «كل ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر»

المؤيد بما في

الفقه الرضوي (4)«ما وقعت الشمس عليه من الأماكن التي أصابها شي ء من النجاسات


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب النجاسات- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب النجاسات- الحديث 6.
4- 4 المستدرك- الباب- 22- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 6، ص: 254

مثل البول و غيره طهرتها، و أما الثياب فلا تطهر إلا بالغسل»

بل و ب

قول الكاظم (عليه السلام)(1): «حق على الله تعالى أن لا يعصى في دار إلا أضحاها الشمس ليطهرها».

و المناقشة بعدم إرادة المعنى الشرعي من لفظ الطهارة مدفوعة بما مر غير مرة من إمكان دعوى ثبوت الحقيقة الشرعية فيها في عصر النبي (صلى الله عليه و آله) فضلا عن عصر الصادقين (عليهما السلام) على أنه لو سلم عدم ثبوتها فلا ريب في إرادته هنا، لكونه مجازا راجحا في نفسه، أو للشهرة و الإجماع المتقدمين، كالمناقشة باحتمال إرادة العفو من الطهارة، نحو

قوله (عليه السلام)(2): «كل يابس ذكي»

ضرورة انه مجاز لا دليل عليه، بل الدليل على خلافه، و كالمناقشة بعدم دلالة بعضها على تمام المدعى من الأرض و غيرها و البول و غيره، و تناول الآخر لغيره، كخبر الحضرمي، إذ هي واضحة الاندفاع.

فلا يليق بفقيه التوقف في الاستدلال بها لنحو هذه المناقشات الواهية، سيما بعد اعتضادها

بصحيح زرارة و حديد بن حكم الأزدي (3)جميعا، قالا: «قلنا لأبي عبد الله (عليه السلام): السطح يصيبه البول أو يبال عليه يصلى في ذلك المكان، فقال: إن كان تصيبه الشمس و الريح و كان جافا فلا بأس إلا أن يتخذ مبالا».

و

علي بن جعفر(4)عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) في حديث قال:

«سألته عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل؟

قال: نعم لا بأس».

ك

صحيحه الآخر(5)عنه (عليه السلام) «سألته عن البواري يبل قصبها بماء


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب جهاد النفس- الحديث 2 من كتاب الجهاد.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 30- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 255

قذر أ يصلى عليه؟ قال: إذا يبست فلا بأس».

و

خبر ابن أبي عمير(1)قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) «عن البارية يبل قصبها بماء قذر هل تجوز الصلاة عليها؟ فقال: إذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها».

و المناقشة في الأول- باشتماله على الريح، و فيما بعده بعدم تقييد الجفاف بالشمس، و فيهما بل و صحيح زرارة الأول باحتمال إرادة ما عدا السجود من الصلاة عليه، سيما

صحيحتي علي بن جعفر، لأنه نفسه (2)سأل أخاه (عليهما السلام) «عن البيت و الدار لا يصيبهما الشمس و يصيبهما البول و يغتسل فيهما من الجنابة أ يصلى فيهما إذا جفا؟ قال:

نعم»

و من المعلوم إرادة ذلك منه، و بعدم الدليل على اشتراط طهارة محل السجود- مدفوعة بعدم قدح الأولين في الحجية و الإجماع المحكي مستفيضا إن لم يكن متواترا أو محصلا بحيث لا يقدح فيه ما عن الراوندي من جواز السجود على ما جففته الشمس و ان لم يطهر على اشتراط طهارة محل السجود، بل خبر علي بن جعفر الأخير دال عليه أيضا، كظهور الفاء فيه في صحيح زرارة الأول، إذ هو كالعلة أو التفريع، و عدم قدح الثالث في الظهور الناشئ من ترك الاستفصال عن المباشرة بالرطوبة و عدمها و عن السجود عليه و عدمه، خصوصا إذا ادعي ظهوره في إرادة وقوع تمام الصلاة عليها مباشرة، أو عدم صدق اللفظ حقيقة على الفرض.

بل قد يشعر أول موثقة الساباطي (3)بكون المفهوم من قوله «يصلى عليه و لا يصلى عليه» السجود،

قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس و لكنه قد يبس الموضع القذر، قال: لا يصلى عليه،


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب النجاسات- الحديث 5 و هو خبر عمار الساباطي.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الوضوء- الحديث 4.

ج 6، ص: 256

و أعلم موضعه حتى تغسله، و عن الشمس هل تطهر الأرض؟ قال: إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة، و إن أصابته الشمس و لم ييبس الموضع القذر و كان رطبا فلا تجوز الصلاة عليه حتى ييبس، و ان كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع، و إن كان غير الشمس أصابه حتى ييبس فإنه لا يجوز ذلك».

ضرورة إرادته السجود عليه، و إلا فلا مانع من الصلاة عليه مع السجود على غيره و إن كان يابسا بغير الشمس، بل قوله (عليه السلام) فيه: «فالصلاة جائزة» دليل آخر على أصل المطلوب، خصوصا مع أمره في الصورة الأولى بإعلام الموضع لأجل غسله دونه هنا، مع ملاحظة مطابقة الجواب للسؤال، بل عن العلامة أنه بدونه يكون من تأخير البيان عن وقت الحاجة، كما يشهد له غلبتها عنده، و إن ناقشه فيه بعضهم بأنه من تأخير البيان عن وقت الخطاب، بل ناقش في أصل دلالة هذه الموثقة على الطهارة بإشعار مغايرة الجواب للسؤال بعدم الطهارة، بل قوله (عليه السلام) فيه: «و إن كانت رجلك» إلى آخره كالصريح في عدم حصول الطهارة لما يبسته الشمس بحيث لا تضر مباشرته بالرطوبة، بناء على وصل قوله (عليه السلام) أخيرا: «و إن كان» بسابقه، و ان الرواية «عين الشمس» بالعين المهملة و النون كما عن بعض النسخ، بل في حبل البهائي و وافي الكاشاني أنه الصحيح الموجود في النسخ الموثوق بها.

لكن قد تدفع الأولى بغلبة وقت الحاجة عند السؤال، و الثانية بأن الموجود فيما حضرني من نسخة الوسائل كالمحكي عن الاستبصار و بعض كتب فروع الأصحاب و بعض نسخ التهذيب «غير» بالغين المعجمة و الراء المهملة، بل في الذخيرة أنه المظنون صحته، و كشف اللثام أنه أوضح، بل فيه ان الأظهر كون الأولى سهوا من النساخ.

ج 6، ص: 257

و يؤيده تذكير ضمير الفعل بعده، ضرورة وجوب التأنيث على الأولى، فلا ينافي حينئذ ما دل عليه أوله من الطهارة، بل قد يؤكده، فتكون الصور المبين حكمها فيه حينئذ ثلاثة.

و احتمال التربيع- بجعله مفصولا على أن يكون شرطا جزاؤه «فإنه» فيتعلق حينئذ قوله (عليه السلام): «و إن كان رجلك» بصورة يبوسة الموضع بالشمس لا رطوبته، لمعلوميتها من سابقها- يدفعه بعد أظهرية الاتصال من الانفصال انه محتمل حينئذ للتعلق بسابقه- و لا ينافيه ظهور حكمه منه، خصوصا في أخبار عمار الغالب اشتمالها على نحو ذلك، بل قد يمنع ظهور حكمه إن حمل على إرادة بيان صورة جفاف الموضع بالشمس لا على وجه اليبوسة، بل على وجه لا تصل رطوبته إلى مباشرة، بناء على عدم حصول الطهارة بذلك، فتأمل- و للتعلق بالصورة السابقة في صدره، كما يومي اليه لفظ «ذلك» فيه على أن يراد بعدم الصلاة عليه هناك السجود، و هنا و ان لم يسجد، و ان كان الإنصاف أنهما معا بعيدان جدا إن لم يكونا ممنوعين.

لكن عليهما لا يكون فيه دلالة على خلاف المطلوب حتى على رواية الشيخ له في الزيادات بإسقاط قوله (عليه السلام): «و ان كان غير الشمس» إلى آخره. إلا أنه بعد أن عرفت ظهوره من الوجوه السابقة لم يقدح هذا التجشم على بعض التقادير، بل لا بأس به في مقام الجمع.

بل لو قلنا بسقوط دلالته أصلا كان فيما ذكرناه من الأدلة السابقة المؤيدة و المعتضدة بما عرفت- بل و بسهولة الملة و سماحتها، بل و بنفي العسر و الحرج اللازمين على تقدير عدم الطهارة بالإشراق، بل و بالسيرة من الناس كافة كما في الرياض في جميع الأزمنة على عدم إزالة النجاسة عن مثل الأرض بالماء، و على الاكتفاء بالطهارة بالشمس،

ج 6، ص: 258

بل و بما قيل من عموم ما دل على طهورية الأرض، و من أن الشمس من شأنها الإسخان الملطف للأجزاء الرطبة و المصعد لها، مع إحالة الأرض للأجزاء الباقية اليسيرة، فتطهر حينئذ، خصوصا لو قلنا إن الطهارة النظافة و النزاهة الحاصلتان بمجرد زوال القذارة عن المحل، إلى غير ذلك- غنية و كفاية عن غيرها.

فما عن الراوندي و وسيلة الطوسي و معتبر المصنف من القول بعدم الطهارة و ان عفي عنه بالنسبة للسجود دون المباشرة بالرطوبة و نحوها ضعيف جدا، و إن تبعهم بعض متأخري المتأخرين، مع عدم ثبوت ذلك عن المعتبر، و ان استجوده بعد أن نقل عدم الطهارة و جواز الصلاة عنهما، لكن في كلامه ما يقضي بالتردد، بل الميل إلى الطهارة، بل هو في مسألة تطهير الأرض بالذنوب كالصريح في المختار، بل ما حضرني من عبارة الوسيلة صريحة أو كالصريحة في خلاف ما حكي عنها من موافقة الراوندي كما اعترف به في الذخيرة و غيرها، نعم هي ظاهرة أو صريحة في عدم تأثير الشمس طهارة و لا عفوا، فيكون ذلك من منفردات الراوندي، إذ لم نعرف له موافقا صريحا من كبراء الأصحاب حتى ابن الجنيد، إذ المحكي عنه انه احتاط في تجنب الأرض المجففة بالشمس إلا أن يكون ما يلاقيها من الأعضاء يابسا، و هو في خلافه أظهر منه في وفاقه.

و كيف كان فلا ريب في ضعفه، إذ هو- مع ما فيه من منافاته لجميع ما دل على اشتراط الطهارة في السجود و التيمم و نحوهما، بناء على ما عن الراوندي- ليس له إلا الأصل الغير الصالح لمعارضة شي ء مما سمعت، بل في الرياض تبعا لغيره المناقشة في جريانه هنا بأن مقتضاه النافع لثمرة النزاع نجاسة الملاقي بالملاقاة، و هو حسن إن خلا عن المعارض بالمثل، و ليس، إذ الأصل بقاء طهارة الملاقي، و لا وجه لترجيح الأول عليه، بل هو به أولى، كيف لا و الأصل طهارة الأشياء حتى يعلم المسلم بين العلماء، و دلت

ج 6، ص: 259

عليه أخبارنا(1)و لا علم هنا بعد تعارض الاستصحابين و تساقطهما، فلا مخصص للأصالة المزبورة، بل في المعالم و الذخيرة المناقشة في جريانه بالنسبة إلى نفس المتنجس فضلا عن الملاقي و ان كانا معا ليسا بشي ء عندنا كما مر غير مرة، سيما الثانية، إذ مرجعها إلى إنكار حجية الاستصحاب في مثله المعلوم بطلانه في محله، بل هو في خصوص المقام من الواضحات، لظهور الأدلة في بقاء ما ثبتت نجاسته أو طهارته إلى حصول مزيلهما شرعا، بل لا يعقل حصول أحدهما بدونه.

و دعوى تخصيص ذلك في البدن و الثوب و الآنية دون غيرها مما ثبت نجاسته بالإجماع المعلوم انتفاؤه على الاستمرار في محل النزاع من أغرب الدعاوي، بل لا يحتاج ردها إلى تشمير ساعد و إن أطنب فيه في الحدائق.

و إلا الموثق (2)الذي قد عرفت البحث فيه، و

صحيح ابن بزيع (3)«سألته عن الأرض و السطح يصيبه البول أو ما أشبهه هل تطهره الشمس من غير ماء؟

قال: كيف يطهر من غير ماء؟»

الواجب طرحه أو حمله على إرادة طهارته بها بعد جفافه بغيرها، فإنه حينئذ لا بد من ماء ليجف بها ثانيا حتى يطهر، كما صرح به بعضهم، بل في الحدائق الظاهر انه المشهور، و هو كذلك بناء على التحقيق من عموم طهارة الشمس للبول و غيره مما لا يبقى جرمه، أو على التقية من المحكي عن جمع من العامة، لقصوره من وجوه عديدة عن مقاومة ما مر من الأدلة المذكورة الظاهرة في المختار، كظهور الموثق منها و خبري الحضرمي و ابن أبي عمير و أحد صحاح علي بن جعفر و أحد معقدي إجماع الخلاف المؤيد بصريح الرضوي، بل و غيره مما مر في عدم الفرق بين البول و غيره من النجاسات المشابهة له بعدم بقاء الجرمية، كما هو صريح المتن و جماعة من الأصحاب،


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب النجاسات.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب النجاسات- الحديث 7.

ج 6، ص: 260

بل الظاهر انه المشهور كما في الحدائق، بل لا أعرف فيه خلافا من غير المنتهى، و إن حكي عن المبسوط التصريح بعدم طهارة الخمر، و ان حمله على البول قياس، لكنه بقرينة ما حكي عنه من التصريح بالتعميم السابق محتمل لكونه مما يبقى جرمه عنده. فلا يكون خلافا في الحكم، كما ان ما حكي عن المقنعة و النهاية و المراسم و الإصباح و غيرها من الاقتصار على البول كذلك، لاحتمال المثالية كصحيح زرارة، فما في المنتهى حينئذ من التخصيص بالبول ضعيف جدا ان لم يكن تأويل كلامه إلى المختار.

نعم لا طهارة مع بقاء الجرم كالدم، كما صرح به في الذكرى و الروض و المدارك و غيرها، بل في الحدائق لا خلاف فيه على الظاهر، بل في المدارك و اللوامع الإجماع على اعتبار زوال الجرم في الطهارة، و اليه يرجع ما عن ابن الجنيد من التصريح بعدم طهارة المجزرة و الكنيف، للأصل و ظهور الأدلة في غيره، بل اعتبار الإشراق في خبر الحضرمي كالصريح في خلافه، ضرورة عدم تحققه في الفرض، لحيلولة جرم النجاسة الذي لا يطهر بجفاف الشمس قطعا بل ضرورة.

فلا تثمر يبوسة ما تحته بحرارة الشمس، كما لا تثمر مع غيره من الحواجب ذوات الظل حتى السحاب، بل في كشف الأستاذ إلحاق احتراق القرص بذلك، لعدم صدق الإشراق حينئذ، و احتمال اعتبار التجفيف دونه مناف لقواعد الإطلاق و التقييد، و لذا لم يظهر خلاف بين الأصحاب في عدم حصول الطهارة لشيئين متنجسين منفصلين أحدهما غير الآخر، كحصيرين أو حجرين إذا جمعا، بل يختص التطهير بالعالي الذي أشرقت عليه الشمس دون الأسفل و ان كان جفافه بحرارة الشمس.

بل قد توهم عبارة المنتهى اختصاص التطهير بالظاهر الذي أشرقت عليه الشمس بالنسبة للشي ء الواحد كالأرض دون ما جف من الباطن، و إن كان في غاية الضعف، للفرق الواضح بينهما بصدق الإشراق على الثاني و ان اختص بالظاهر دون الأول.

ج 6، ص: 261

بل التأمل في الأدلة السابقة من الأخبار يورث القطع بتناولها لمثله، و لذا صرح بالطهارة فيه في جامع المقاصد و الروض و الروضة و غيرها، لكن ينبغي تقييده بما لو كانت النجاسة متصلة و سارية من الظاهر إلى الباطن و جفا بها معا، لا ما إذا اختص الجفاف بالظاهر، فإنه يطهر هو حينئذ خاصة كما صرح به في كشف الغطاء، و لا ما إذا كانت مختصة بالباطن و جففته الشمس بالإشراق على الظاهر الطاهر، فإنه لا يبعد عدم حصول الطهارة له و ان كان شيئا واحدا، كما عساه يلوح من الذخيرة بل و غيرها، اقتصارا على المتبادر المنساق من الأدلة، بل خبر الحضرمي ظاهر في ذلك، كما انه ظاهر خصوصا على روايته بلفظ «كل» في عموم الحكم بطهارة الشمس للأرض و نحوها.

بل و كذا كل ما لا يمكن نقله كالنباتات و الأبنية و نحوها كما هو الأقوى في النظر، خلافا لما عن المهذب من النص على عدم طهارة غير البواري و الحصر بها الذي هو في غاية الضعف و الغرابة، لمخالفته عموم الخبر المذكور، و نص صحيح زرارة السابق على طهارة السطح و المكان الذي يصلي فيه، و ظهور صحيحه الآخر في السطح، و موثق عمار في الأرض، بل لا أعرف خلافا من غيره في طهارة الأرض بها، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع على خلافه فيها فضلا عن محكيه من غير واحد.

بل من الغريب نصه على طهارة الحصر بها إلحاقا لها بالبواري، مع خلو الأخبار عن التعرض لها، و تركه الأرض المدلول عليها بما عرفت، فلو عكس بأن ذكر الأرض و البواري و ترك الحصر كما عن النزهة كان أولى، و إن كان لا خلاف يعرف أيضا في طهارتها بها مما عدا النزهة، بل هي من معقد إجماع الخلاف و نفي خلاف التنقيح، بل لعل مراده فيها بالبواري ما يشملها كالأخبار، كما يشهد له ما في كشف اللثام «اني لم أعرف في اللغة فرقا بين الحصير و البارية، و في الصحاح و الديوان و المغرب ان الحصير هو البارية» انتهى.

ج 6، ص: 262

و لا ينافيه ما يتراءى من عرف هذا الزمان من اختصاص البارية بالمعمولة من القصب و الحصير بالمعمول من غيره، على أنه إن لم نقل بشمولها له لغة أمكن إلحاقه بها إلغاء للخصوصية بمعونة فهم الأصحاب، بل في المنتهى و الجامع و عن المبسوط إلحاق كل ما عمل من نبات الأرض غير القطن و الكتان، و إن كان لا يخلو من نظر، لعدم دليل معتبر على التعدية المذكورة بحيث يقطع الأصل و خبر الحضرمي، مع أنه لا جابر له فيما نحن فيه محتمل لإرادة ما لا ينقل عادة من الأشياء التي يعتاد إشراق الشمس عليها، كالأبنية و نحوها، و لا ينافيه العموم اللغوي فيه بعد ظهور مدخول «كل» في ذلك مع ملاحظة دخولها.

و من هنا نص في جامع المقاصد و الموجز و غيرهما على عدم طهارة غير الحصير و البارية من المنقولات، بل هو ظاهر باقي الأصحاب عدا من عرفت، مع ظهور عملهم بالخبر المذكور في غير الأرض مما لا ينقل، إذ في القواعد و الإرشاد و التذكرة- بل في الذخيرة و البحار و الكفاية أنه المشهور بين المتأخرين، بل عن الدلائل انه المشهور- النص على طهارة النبات و الأبنية كالمختلف و عن النهاية و التلخيص، لكن مع إبدال النبات بالأشجار، و عن التبصرة الأبنية، و التحرير النباتات و شبهها، و في المنتهى و عن كتب الشهيد ما لا ينقل، بل عن الدلائل نسبته إلى المتأخرين، و في الموجز ما اتصل بالأرض و لو ثمرة و الأبنية و مشابهها و لو خصا و وتدا، و كذا السفينة و الدولاب و سهم الدالية و الدياسة، و عن المهذب البارع ما جاور الأرض إذا اتصل بها كالطين الموضوع عليها تطيينا أو على السطح، و كذا الجص المثبت بإزاء الحائط حكمه حكم البناء، و كذا المطين به، و كذا القير على الحوض و الحائط، بل عنه انه يلحق بالأبنية مشابهها و ما اتصل بها مما لا ينقل عادة كالأخصاص و الأخشاب المستدخلة في البناء، و الأجنحة و الرواش و الأبواب المغلقة و أغلاقها و الرفوف المتمرة؟؟؟ و الأوتاد المستدخلة في البناء،

ج 6، ص: 263

إلى غير ذلك من كلمات الأصحاب ما يظهر منها العمل بالخبر المذكور، لبعد احتمال كون مدركهم غيره.

فمن هنا اتجه حينئذ القول بعمومه لسائر ما يصلح تناوله له مما لا ينقل مما تقدم و غيره بعد انجبار سنده بما عرفت، و تأييده بالرضوي السابق، و سهولة الملة و سماحتها، و عدم ظهور الفرق بين الأرض و بينه، بل قد يظهر إرادة المثالية منها بمعونة ما سمعت و بالسيرة المستقيمة في أكثر أفراده إن لم يكن جميعها و غير ذلك.

بل لعل منه الأواني المثبتة و العظيمة، كما نص عليه في كشف اللثام، و الفواكه ما دامت على أشجارها، كما عن ابن فهد و جامع المقاصد و الروض النص عليها، بل في الروضة و إن حان قطافها، خلافا لما عن ظاهر نهاية الفاضل أو صريحها فلا تطهر، بل قد يظهر من الذخيرة و عن المعالم الميل إليه إذا حان القطع، و إن كان الاحتياط ذلك.

بل قد يظهر من المحكي عن فخر الإسلام عموم الحكم لما لا ينقل و إن عرض له النقل، كالنباتات المنفصلة من الخشب و الآلات المتخذة من النباتات، و إن كان لا يخلو من نظر، لعدم اندراجه في الخبر المذكور بعد التنزيل المزبور، إذ العبرة بوصف عدم النقل حال الجفاف، أو حال التنجس في وجه ضعيف، أو حالهما في وجه قوي، اللهم إلا أن يستند في ذلك إلى الاستصحاب، و فيه بحث، و من هنا جعله في الحدائق قولا غريبا.

نعم يمكن عموم الحكم للأرض خاصة و إن نقلت كالحجر و نحوه، لصدق اسم الأرض، و لفحوى طهارة توابع الأرض من الحصى و غيره لا للخبر السابق، و لعله لذا نص في المنتهى على طهارة حجر الاستنجاء، مع أنه لا يخلو من نظر أيضا، لتبادر غير ذلك من الأرض لكن يمكن عموم الحكم لسائر ما ينقل بعد صيرورته مما لا ينقل، كما يومي اليه التمثيل بنحو ذلك ممن عرفت، و إن كان لا يخلو أيضا من نوع تأمل.

ج 6، ص: 264

إلا أنه على كل حال ما في معتبر المصنف من التردد في طهارة مالا ينقل ما عدا الأرض- بل عن القطب الراوندي النص على المنع في غيرها منه، كما عساه الظاهر من اقتصار مقنعة المفيد و نافع المحقق و غيرهما عليها منه، بل في السرائر التصريح بذلك مع التمثيل له بالنبات، بل قال فيها:

«و قد روي (1)أن ما طلعت عليه الشمس فقد طهرته، و هي رواية شاذة ضعيفة لا يلتفت إليها و لا يعرج عليها»

بل مال اليه بعض متأخري المتأخرين- محل للنظر بل المنع، لما عرفت.

لا لما في الرياض من الاستدلال على التعميم المذكور بل و الأعم منه لاندراج المنقول فيه إلا ما علم خروجه بإجماع و نحوه بالأصل المزبور الذي نقلناه عنه سابقا في البحث عن عموم الحكم لكل نجاسة، إذ هو بعد تسليمه له إنما يقتضي عدم نجاسة الملاقي لما شك في تطهير الشمس له من النجاسات و الأمكنة، لتعارض الاستصحابين، فيبقى عموم طهارة كل شي ء حتى يعلم سالما، لا أنه يقتضي طهارة الملاقي بالفتح بحيث يجوز السجود عليه و التيمم منه و نحو ذلك، ضرورة عدم معارضة الاستصحاب فيه نفسه بشي ء إذ استصحاب طهارة الملاقي بالكسر يكفي فيه عدم العلم بنجاسة الملاقي بالفتح، لا عدم نجاسته واقعا حتى يعارضه بالنسبة إليه نفسه، كما هو واضح،

فلولا عموم الخبر المذكور المنجبر و المؤيد بما سمعت لاتجه البناء عليه في جميع صور الشك في النجاسات و الأمكنة.

[حكم الجفاف بغير الشمس]
اشاره

و من هنا كان المتجه البقاء عليه فيما إذا جف بغير الشمس من ريح أو غيرها، خصوصا بعد اعتضاده بما في المنتهى من أنه لو جف بغير الشمس لم يطهر عندنا قولا واحدا، و ما في التحرير من الإجماع على ذلك، و ما في موثق عمار السابق، بل و صحيح ابن بزيع.


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 6، ص: 265

فما في موضع من الخلاف من الحكم بالطهارة بهبوب الريح كالشمس ضعيف جدا، و إن كان ظاهره أو صريحه دعوى الإجماع عليه فيه، لكنه موهون بالإجماعين السابقين اللذين يشهد لهما التتبع لكلمات الأصحاب و ما في السرائر من نسبة ذلك من الشيخ إلى خلاف الإجماع، و انه مذهب الشافعي، بل و بتصريحه نفسه في موضع آخر منه أيضا بعدم طهارة ما يجف بغير الشمس، بل ظاهره أو صريحه الإجماع عليه، و لذا كان من المحتمل قويا إرادته بالطهارة ما في المنتهى و المختلف زوال الأجزاء الملاقية للنجاسة بهبوب الرياح لا جفافها أو غيره، صونا لكلامه عن التنافي، و إلا كان ضعيفا.

كضعف التمسك له بإطلاق خبر ابن أبي عمير(1)و صحيحي علي بن جعفر [4148](2)و

خبره الآخر(3)المسؤول فيه عن البيت و الدار لا يصيبهما الشمس و يصيبهما البول و يغتسل فيهما من الجنابة أ يصلى فيهما إذا جفا؟ فقال: «نعم»

ك

صحيح زرارة و حديد(4)المتقدم سابقا المشتمل على سؤالهما الصادق (عليه السلام) «عن السطح يصيبه البول أو يبال عليه يصلى في ذلك المكان، فقال: إن كان تصيبه الشمس و الريح و كان جافا فلا بأس إلا أن يتخذ مبالا»

و بأصالة الطهارة و عموماتها بناء على عدم جريان استصحاب النجاسة في مثله مما مدركها الإجماع المفقود في محل النزاع، أو على ما سمعته سابقا من الرياض.

ضرورة فساد الأخير بما عرفت، كضرورة وجوب تقييد الخبر الأول و الصحيحين بما سمعت لو أريد من الصلاة فيها ما يشمل السجود، على أنها قد اشتملت


1- 1 المتقدم في الصحيفة 255 في التعليقة 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب النجاسات- الحديث 3 و الباب 30 الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 266

على البواري، و دعوى الشيخ في الأرض، كوجوب تنزيل الثالث على إرادة ما عدا السجود من الصلاة فيه حتى من الخصم إن لم يقيد الجفاف فيه بالريح، و الرابع على التقية أو الريح التي لا تنافي نسبة الجفاف إلى الشمس، لأن التحقيق عدم منافاة مثلها حينئذ للطهارة بها، كما صرح به غير واحد على حسب غيرها من الضمائم من النار و نحوها، لتناول الأدلة، و عدم الانفكاك من مثل الريح غالبا.

انما الممنوع حصول نسبة الجفاف إلى غيرها منفردا أو مجتمعا معها بشرط الاجتماع أما لو كان مبدأ التجفيف إلى شي ء و غايته إلى آخر فالمدار على الغاية، كما صرح به الأستاذ في كشفه، لكن مع فرض بقاء رطوبة يصدق معها الجفاف.

و هل المدار في حصول الطهارة بالشمس اليبس أو الجفاف الذي لا تعلق معه رطوبة في الملاقي؟ وجهان، ينشئان من ملاحظة الأخبار، إلا أن الاستصحاب يشهد للأول.

و عليه فهل يكفي في حصول الطهارة بها عدم الجفاف قبلها و إن لم يكن فيه رطوبة تعلق بملاقيه، أو لا بد من رطوبته رطوبة تعلق في الملاقي فتيبسه الشمس؟ وجهان أيضا، لكن يشهد الاستصحاب لثانيهما، فتأمل.

[تطهير النار و عدمه]

و منها النار التي أشار المصنف إليها بقوله و تطهر النار ما أحالته رمادا أو دخانا من الأعيان النجسة ذاتا على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك في جامع المقاصد و ظاهر التذكرة و عن السرائر فيهما، و في الخلاف و اللوامع و عن ظاهر المبسوط في الأول، و في ظاهر المنتهى و التذكرة في الثاني، بل في أولهما و كشف اللثام و ظاهر الذكرى ان الناس مجمعون على عدم التوقي عن رماد الأعيان النجسة، بل في الثاني و عن دخانها و أبخرتها، كصريح المعتبر و الذكرى في الدخان، و هو الحجة بعد الأصل العقلي و الشرعي السالم عن معارضة غير الاستصحاب الواضح عدم جريانه في المقام بتغير اسم الموضوع و حقيقته المعلق عليهما حكم النجاسة.

ج 6، ص: 267

و المعتضد بما وقع من غير واحد من الأصحاب من الاستدلال عليه ب

صحيح ابن محبوب (1)«سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى و يجصص به المسجد، أ يسجد عليه؟ فكتب اليه بخطه أن الماء و النار قد طهراه».

بل و بما عن

قرب الاسناد عن علي بن جعفر(2)عن أخيه (عليه السلام) قال:

«سألته عن الجص يطبخ بالعذرة أ يصلح به المسجد؟ قال: لا بأس»

و إن كان هو مبنيا على إرادة السؤال عن رماد العذرة مثلا المختلط مع الجص، لأنه يوقد بهما عليه الذي لو بقي على النجاسة نجس الجص بعد وضع الماء عليه للبناء به، و على إرادة الطهارة حقيقة بالنار التي أحالته رمادا في جواب الأول و إن ضم معها فيه الماء المعلوم عدم مدخليته في التطهير بالإجماع المحكي في المعتبر و المنتهى المحمول من جهتهما على إرادة الطهارة المجازية منه، فيكون كنحو ما سبق من رش الثوب و المكان و نحوهما المحتمل نجاستهما استحبابا أو رفعا للنفرة أو غير ذلك، و لا بأس بإرادة الحقيقي و المجازي بعد قيام القرينة في وجه، على أنه يمكن جعله من عموم المجاز الذي لا إشكال فيه معها.

بل في المدارك و الذخيرة و غيرهما إمكان إرادة المجازي خاصة الذي لا ينافي استفادة الحقيقي مما علم جوازه من تجصيص المسجد به و السجود عليه من الجواب ضمنا لا منه.

بل في الثاني احتمال إرادة ماء المطر من الماء، إذ ليس في الرواية كون المسجد مسقفا، فيراد المعنى الحقيقي حينئذ فيهما، و إن كان قد يشكل بأنه لا وجه له بعد فرض تطهير النار تلك الأجزاء بل و بدونه، ضرورة عدم قابلية ماء المطر لتطهير الأجزاء النجسة عينا.

نعم لو أريد تطهير الجص بماء المطر من نجاسته بايقاد العذرة و عظام الموتى عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 81- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 65- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 2 من كتاب الصلاة.

ج 6، ص: 268

بسبب ما فيهما من الدسومة و نحوها و نفس تلك الأجزاء النجسة بإحالة النار لها رمادا كان ممكنا، إذ عليه لا مانع من إرادة الطهارة الحقيقية من كل منهما.

بل يمكن حينئذ بناء على ذلك فرض الماء القليل أيضا إن قلنا بقابليته لتطهير مثله مما ينفذ فيه ماء الغسالة و لا ينفصل عنه كما تقدم سابقا، بل قد عرفت الاعتراف من بعضهم بدلالة خصوص هذا الخبر على ذلك.

كما أنه يمكن أن يراد بتطهير الماء و النار له على أن النار مقدمة لحصولها بالماء بسبب تجفيفها له تجفيفا ينفذ فيه الماء، إلا أنه يخرج عن الدلالة على المطلوب حينئذ.

بل في المعتبر و المنتهى الإشكال في أصل دلالته عليه بعدم مدخلية الماء الذي يمازجه و يحيل به في التطهير إجماعا، و بعدم نجاسة الجص بالدخان و نحوه حتى يحتاج إلى التطهير، و بأنه لم تصيره النار رمادا حتى يطهر بها بعد فرض نجاسته.

لكنه كما ترى مبني على إرجاع الضمير إلى الجص نفسه لا باعتبار ما خالطه من الأجزاء كما هو مبنى الاستدلال منا على ما عرفت البحث فيه مفصلا، بل قد عرفت أنا في غنية عن هذا الخبر مما سمعت من الأصل و الإجماع و غيرهما.

فما عن أطعمة الكتاب من التردد في الدخان أو هو و الرماد ضعيف جدا، على أن الموجود فيه هنا «و دخان الأعيان النجسة طاهر عندنا، و كذا كل ما أحالته النار فصيرته رمادا أو دخانا أو فحما على تردد» و هو محتمل أو ظاهر في الفحم خصوصا بعد ظهور الإجماع منه أولا على طهارة الدخان، و إن كان قد يحتمل إرادته به البخار، فلا خلاف فيه حينئذ فيما ذكرنا.

كما انه لا خلاف فيه أيضا من المبسوط و ان حكي عنه التصريح بنجاسة خصوص دخان الدهن النجس، لكن علله بأنه لا بد من تصاعد بعض أجزائه قبل إحالة النار لها بواسطة السخونة، و هو واضح الخروج عن محل البحث.

ج 6، ص: 269

كالمحكي عن نهاية الفاضل بعد حكمه بطهارة الدخان مطلقا للاستحالة كالرماد، و انه لو استصحب شيئا من أجزاء النجاسة باعتبار الحرارة المقتضية للصعود فهو نجس، و لهذا نهي عن الاستصباح بالدهن النجس تحت الظلال، لعدم انفكاك ما يستحيل عن استصحاب أجزاء دهنية اكتسبت حرارة أوجبت ملاقاته الظل و إن كان هو محلا للنظر من وجوه أخر.

كتعليله النهي عن الاستصباح تحت الظلال بذلك، إذ لا حرج على المالك بتنجيس ملكه، و كدعواه عدم انفكاك ما يستحيل عن استصحابها، إذ لمانع يمنعها عليه، بل قد يدعى العفو عن مثل هذه الأجزاء، للسيرة المحكية ممن عرفت إن لم تكن محصلة التي هي أقوى من الإجماع في بعض الأحوال على عدم توقي الناس دخان الأعيان النجسة، خصوصا بعد اعتضادها بصريح الإجماع و ظاهره.

و كالذي عساه يظهر منه من تنجس الدخان باستصحاب تلك الأجزاء و ملاقاته لها، فإنه و إن كان قد يؤيده قاعدة قبول الأجسام النجاسة، لكن قد يمنع بشهادة السيرة و حكمهم بطهارة الأبخرة التي تمر على الأعيان النجسة الذي لا ينافيه ما في المنتهى من أن البخار المتصاعد من ماء النجس إذا اجتمعت منه نداوة على جسم صقيل و تقاطر حكم بنجاسته، إلا أن يعلم تكونه من الهواء كالقطرات الموجودة على طرف إناء في أسفله جمد نجس، فإنها طاهرة، إذ لعل مراده بل هو الظاهر الأجزاء المائية التي تتصاعد مع البخار و تجتمع، و لذا حكم بالطهارة مع العلم بتكونها من الهواء، بل هو ظاهر في عدم نجاسة ذلك البخار عنده.

نعم قد يناقش في تعليقه الطهارة على العلم، إذ المتجه العكس، بل قد يناقش في أصل النجاسة هذه الأجزاء بما تقدم آنفا.

كما انه قد يستفاد منه ان المستحيل إلى شي ء لو رجع إلى المستحال منه لا يرجع حكم النجاسة، و هو كذلك للأصل، لكنه انما يتم في المتنجس دون عين النجاسة.

ج 6، ص: 270

و في طهارته با حالة النار له كالنجاسة و عدمها وجهان أو قولان، ينشئان من ظهور أولويته من عين النجاسة، بل و أولوية النار من الماء لأبلغيتها منه في الإزالة، و إطلاق معقد صريح إجماع جامع المقاصد و ظاهر التذكرة، بل في مفتاح الكرامة عن الأستاذ أيده الله لعله الظاهر من إطلاق الفقهاء، بل يستفاد منهم الإجماع عليه. قلت: و هو كذلك و إن كان قد اقتصر بعضهم هنا على ذكر النجاسة، بل حكي عن الأكثر، لكن ملاحظة كلامهم في البحث عن طهارة الطين بالخزفية و الآجرية و نحوهما تشرف الفقيه على القطع بعدم فرقهم بين النجس و المتنجس، ضرورة ظهور بحثهم في ذلك من حيث كون ذلك استحالة و عدمه، و إلا فلو فرض استحالة ذلك إلى الرماد و نحوه مما يقطع باستحالته كان من المتسالم على طهارته حينئذ، كملاحظة إطلاقهم أو أكثرهم طهارة الكلب و نحوه بالملحية مثلا الشامل لما لو تنجس الماء به ثم صار هو معه ملحا، بل في اللوامع الاستناد إلى حكمهم بطهارة الخمر و العذرة إذا صارا خلا و ترابا مع نجاسة الإناء بالأول و الأرض بالثاني إذا كانت رطبة، و إن كان هو كما ترى ليس مما نحن فيه من طهارة المتنجس بالاستحالة لا التبعية، كاستناده إلى استحالة ما لاقى المتنجس من عين النجاسة، إذ البحث في الطهارة من النجاسة الحكمية الحاصلة للمتنجس شرعا بملاقاة عين النجاسة كما هو واضح.

و من أن الحكم بالطهارة مع الاستحالة لانتفاء الموضوع المعلق عليه شرعا وصف النجاسة كالكلبية و نحوها، و ذلك ليس إلا في النجس ذاتا دون المتنجس، لظهور عدم تعليق الحكم بنجاسته بملاقاته للنجس على كونه خشبا و نحوه، بل هو لأنه جسم لاقى نجسا. الاستحالة لا ترفع ذلك، فيبقى الاستصحاب حينئذ محكما و سالما.

و لا ريب أن الأقوى الأول إن قلنا بأن النار من المطهرات التعبدية، كما يومي اليه ذكرهم لها مستقلة للإجماع و غيره مما تقدم مما يمكن شموله للنجس و المتنجس حتى خبر

ج 6، ص: 271

الجص على أحد الوجوه، بل و إن قلنا بكون ذلك للاستحالة، لظهور عدم جريان الاستصحاب فيه، بل لعله من المنكرات في العبادات.

و منه ينقدح الشك في شمول أدلته لمثله، بل قد يدعى ظهورها في غيره، فيبقى أصل الطهارة المؤيد في بعض الأحوال بعموم ما دل على طهارة المحال اليه كالملح و نحوه، و بما سمعته في بيان منشأ الشك سالما عن المعارض، و سيأتي نوع تحقيق لذلك.

نعم يتجه البحث في المتنجس الذي تصيره النار فحما أو خزفا أو آجرا أو جصا أو نورة، للشك في الاستحالة، لا لأنها متنجسة، ففي المفاتيح و جامع المقاصد و اللوامع و ظاهر المعالم و الحدائق و الرياض كما عن ظاهر حاشية الشرائع و الدلائل طهارة الأول، بل في اللوامع نسبته إلى أكثر المتأخرين، بل قد يظهر من الأول عدم الخلاف فيه، لكن ظاهره النجس لا المتنجس و ان كانا من واد واحد عند التحقيق، ضرورة أنه إن كان ذلك استحالة لتغير الاسم و الحقيقة بل هو رماد في الحقيقة فالمتجه فيهما الطهارة، و إلا فلا، فما في المعالم من التوقف في النجس و عدم استبعاد الطهارة في المتنجس لا يخلو من نظر أو منع.

و في ظاهر المسالك أو صريحهها و ظاهر شرح الصغير لسيد الرياض النجاسة، بل لعلها لازم تيمم التذكرة و الذكرى و جامع المقاصد و غيرها، حيث جوزوا التيمم بالخزف لعدم خروجه عن الأرض، كما يومي اليه جواز السجود عليه على ما قيل، بل ظاهر تيمم المعتبر أنه من المسلمات، بل تقدم لنا في ذلك الباب ما له نفع تام، و فيه شهادة على النجاسة.

و ظاهر الروض كصريح الكفاية و البحار التوقف.

و في الخلاف و اللوامع و ظاهر شرح الأستاذ للمفاتيح و الرياض أو صريحهما و عن المبسوط و النزهة و المعالم و موضع من المنتهى و ظاهر التذكرة طهارة الثانيين، بل

ج 6، ص: 272

و كذا القواعد، لكن على إشكال و البيان في وجه قوي، بل في الخلاف الإجماع عليه.

و في الروضة و عن الروض و المسالك النجاسة، و صريح بعضهم كظاهر آخر التردد و التوقف، و هو في محله، بل قد يقوى في النظر النجاسة للشك إن لم يكن ظنا أو قطعا في كون ذلك استحالة، و تغير الاسم بعد تسليمه أعم منها، فيبقى استصحاب النجاسة كاستصحاب عدم الاستحالة سالما.

و إجماع الشيخ- بعد عدم رفعه ما نجده من الشك في الاستحالة، بل و عدم صلاحيته لذلك، إذ هي من الموضوعات التي لا مدخلية له فيها حتى لو أفاد الظن، لعدم ثبوت حجية مثله هنا كغيره من الظنون بمصداق الموضوع لا معناه، بل المعتبر القطع بالاستحالة، أو ما هو بمنزلته- لا عبرة به.

و القول بالحكم بالطهارة له و إن لم تثبت الاستحالة بل و إن ثبت عدمها مؤيدا بإطلاق ما دل على تطهير النار كخبر الجص (1)بل و خبر الخبز(2)و كونها أولى من الشمس، و ذكرهم لها مستقلة عن الاستحالة، و نحو ذلك ضعيف جدا، لوضوح قصوره مع الفرض المذكور عن إثبات ذلك، بل يمكن تحصيل الإجماع على عدم الاكتفاء في تطهير النار بالتجفيف و اليبوسة، كوضوح ضعف الاستدلال على أصل طهارتهما بفحوى خبري الخبز و الجص، لابتنائه على العمل بهما، و على مساواتهما للثاني، بل و على إرادة تطهير النار نفسها للجص نفسه مما أصابه من دسومات العذرة و عظام الموتى المفروض كونها من نجس العين، أو مستصحبة لبعض الجلد و اللحم من هذا الخبر. و دون ظهوره فيه فضلا عن صراحته خرط القتاد كما يعرف مما سبق.


1- 1 الوسائل- الباب- 81- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- الحديث 18.

ج 6، ص: 273

و أضعف منه الاستدلال بما في الرياض عليه و على غيره مما شك باستحالته باستصحاب الطهارة في الملاقي، و قاعدتها المستفادة من نحو

قوله (ع)(1): «كل شي ء طاهر حتى تعلم»

إذ هما معا يحكم عليهما استصحاب النجاسة في المشكوك باستحالته كما مر نظيره غير مرة، بل أولهما بعد تسليمه لا يقتضي طهارة الملاقي بالفتح حتى يعارضه، إذ أقصاه طهارة الملاقي بالكسر، و هي أعم من الحكم بذلك، و أما الأخيران فقد يعطي ذهاب الأكثر في باب التيمم إلى عدم جوازه بثانيهما، و جماعة بأولهما إلى الطهارة هنا، لاشتراكهما في المنشأ، و هو الاستحالة، كما انه قد يشهد لها خبر الجص و ظهور تغير الاسم و الحقيقة، سيما الثاني، لكني لم أجد أحدا صرح باختيارها في المقام.

نعم هو ظاهر الرياض أو صريحه و كشف اللثام في الثاني، إلا أن القول بطهارتهما لعله لازم لمن قال بها في الخزف و الآجر، بل و كل من يتوقف في إجراء الاستصحاب في مثل المقام مما شك فيه كالمعالم و الذخيرة، كما أن القول بالنجاسة قد يلزم القائل بجواز التيمم بهما، إذ منشأه عدم تحقق الاستحالة أو تحقق عدمها المشترك في المقامين.

و لعلك بملاحظة ما تقدم لنا في ذلك المقام تكون على بصيرة فيما نحن فيه من القول بالنجاسة، خصوصا بعد تأييده باستصحاب الأحكام عند الشك في بقاء الموضوع، بل و استصحاب الموضوع نفسه بناء عليه و ان كانا معا لا يخلوان من بحث، و الاحتياط في مثل المقام لا ينبغي تركه، و الله أعلم.

لكن على كل حال فالبحث هنا انما هو للشك في كون ذلك استحالة و عدمه، و إلا فلو علم الثاني أو الأول لم يكن له وجه، لظهور الاتفاق على توقف تطهير النار عليها، و من هنا كان المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا على عدم طهر العجين ذاتا أو عرضا بالخبز شهرة كادت تكون إجماعا كما اعترف به بعضهم، بل هي كذلك، إذ لم نعرف


1- 1 المستدرك- الباب- 29- من أبواب النجاسات- الحديث 4.

ج 6، ص: 274

فيه خلافا إلا من الشيخ في نهايته، فلم ير بأسا بأكل الخبز المعجون بماء نجس معللا له بأن النار قد طهرته، و عن استبصاره و ظاهر الفقيه و المقنع، مع أن النهاية ليست من كتبه التي أعدها للفتوى، بل هي متون أخبار كما لا يخفى على الخبير الممارس، كما ان الاستبصار من الكتب المعدة لمجرد الجمع بين الأخبار، على انه قد احتمل فيه اختصاص ذلك بالمعجون بماء البئر المتنجس لا بالتغير، بل لعله مراد الأخيرين أيضا، إذ لم يكن فيهما إلا جواز أكل الخبز مما عجن من ماء بئر وقع فيها شي ء من الدواب فماتت، بل في أولهما التصريح بأنه إذا قطر خمر أو نبيذ في عجين فقد فسد، فلا بأس ببيعه من اليهود و النصارى بعد أن يبين لهم، و نحن لا ننكره و إن كان لعدم نجاسة البئر عندنا بغير التغير، بل و على القول بها فيه، لاختصاصها بأحكام كثيرة انفردت بها عن غيرها، فلعل هذا منها عندهما، فلا يقدحان في ذلك الإجماع، كما لا يقدح فيه ما سمعته من النهاية بعد ما عرفت، و بعد رجوعه عن ذلك في المحكي من مبسوطة و تهذيبه، بل فيها نفسها في باب الأطعمة، بل ظاهره فيه أن ما ذكره هنا رواية لا فتوى، قال: «و إذا نجس الماء بحصول شي ء من النجاسات فيه ثم عجن به و خبز منه لم يجز أكل ذلك الخبز، و قد رويت رخصة في جواز أكله، و ذكر أن النار قد طهرته، و الأحوط ما قدمناه» و إن كان في قوله:

«أحوط» إشعار باختيار الجواز.

و مع ذلك كله فالمتبع الدليل، و هو على النجاسة قطعا للاستصحاب فيما لم تبق النار شيئا من أجزاء الرطوبة فضلا عما بقي فيه كما هو الغالب، و ما في المعالم- من عدم جريانه فيه لكنه لو قيل بطهارته دون ما بقي فيه استلزم إحداث قول ثالث- جراف من القول، و إلا لطهر الثوب و نحوه لو جفف بالنار.

و

صحيح ابن أبي عمير(1)عن بعض أصحابه- بل قال: ما أحسبه إلا حفص


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأسئار- الحديث 1.

ج 6، ص: 275

ابن البختري- عن الصادق (عليه السلام) «في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع؟ قال: يباع ممن يستحل أكل الميتة»

ك

صحيحه الآخر(1)عن بعض أصحابه، لكن قال: «يدفن و لا يباع».

و

خبر زكريا بن آدم (2)«قلت لأبي الحسن (عليه السلام): فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم، قال فقال: فسد، قلت: أبيعه من اليهود و النصارى و أبين لهم، قال: نعم، فإنهم يستحلون شربه».

و المناقشة في السند بالإرسال و نحوه بعد الانجبار بما عرفت من الشهرة العظيمة بل في شرح الأستاذ و وفاق الكل غير مسموعة، خصوصا و ابن أبي عمير مراسيله كالمسانيد، بل هو على ما قيل ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و انه لا يروي إلا عن ثقة، مع أن المظنون عنده انه حفص بن البختري الثقة، بل في شرح المفاتيح لو كان التعديل من الظنون الاجتهادية لكان هذا الحديث صحيحا، بل فيه أيضا أن المدار في التصحيح غالبا على الظنون.

كالمناقشة في المتن بعدم دلالته على ما نحن فيه، لأعمية البيع و الدفن و الفساد من الطهارة بالخبز، بل هو أوضح فسادا من الأولى خصوصا إن قلنا بإرادة بيعه مخبوزا عليهم لا عجينا كما هو المتعارف، على أن ترك ذكر علاجه بذلك و الأمر بدفنه و بيعه ممن يخبزه معللا بأنه ممن يستحله كالصريح في المطلوب، كما هو واضح، بل قد يشعر ذلك بعدم قابليته للتطهير أصلا حتى بالماء و لو كثيرا كما اعترف به في الذكرى، بل عن ظاهر منتهى الفاضل اختياره، و ان كان الأقوى ذلك عندنا إذا دقق و وضع في كثير بحيث ينفذ الماء في جميع أجزائه وفاقا للتذكرة و غيرها، أو جفف و وضع فيه مدة


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأسئار- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات- الحديث 8.

ج 6، ص: 276

حتى نفذ كذلك وفاقا لشرح المفاتيح للأستاذ، بل تقدم منا سابقا في طهارة اللحم و نحوه مما يرسب فيه الغسالة ما يقتضي طهارته بالقليل في بعض الأحوال، فلاحظ، و لعل ترك ذكر ذلك في الخبرين للمشقة أو لعدم معهودية مثله في التطهير أو لغيرهما، فتأمل.

و معارضة ذلك كله ب

صحيح ابن أبي عمير(1)عمن رواه عن الصادق (عليه السلام) «في عجين عجن و خبز ثم علم أن الماء كانت فيه ميتة، قال: لا بأس أكلت النار ما فيه».

و

خبر عبد الله بن الزبير(2)«سألت الصادق (عليه السلام) عن البئر تقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فتموت فيعجن من مائها أ يؤكل ذلك الخبز؟ قال: إذا أصابته النار فلا بأس»

- بعد إرسال أولهما، و إن كان المرسل ابن أبي عمير، و ضعف ثانيهما، و عدم ظهور الميتة في ذي النفس، و الماء في القلة، و أكل النار ما فيه في الطهارة، لاحتماله إزالة النفرة كما يكشف عنه الخبر الثاني، بناء على الصحيح من عدم نجاسة البئر بغير التغير- مما لا ينبغي أن يصغى إليها، خصوصا بعد ما عرفت من الشهرة العظيمة أو الإجماع، فلا ينبغي الإشكال أو التوقف في ذلك، فما في الذخيرة من الميل اليه مما ينبغي أن يقضى منه العجب.

[في جواز بيع المتنجس و عدمه]

نعم قد يتوقف فيما دل عليه الخبر الأول و الثالث من جواز بيعه، بل في المنتهى أن الأقرب عدمه، للأمر بالدفن في خبر ابن أبي عمير السابق، و عدم قابلية التطهير، و لأنهم مكلفون بالفروع فيحرم حينئذ بيعه عليهم، لئلا يكون إعانة على الإثم بأكله، و لظهور هذه الأخبار في عدم جوازه على المسلم مع ظهور شركة الكافر له في سائر أحكامه إلا ما خرج بالدليل، على أن الذمي معصوم المال، فلا يجوز أخذ ماله ببيع فاسد بخلاف غيره، و لعله لذا احتمل في المنتهى جواز بيعه على غير أهل الذمة مصرحا


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- الحديث 18.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- الحديث 17.

ج 6، ص: 277

بإرادة الاستنقاذ منه لا البيع الحقيقي.

مع أن الأقوى في النظر جوازه مطلقا مسلما أو كافرا أخبر بنجاسته أولا لولا ما في الحدائق من ظهور الإجماع على عدم جوازه على المسلم مع عدم الاخبار، مع انه قد يمنع عليه ذلك، خصوصا إن أراد اشتراط الصحة به، لأصالة البراءة و استصحاب حاله قبل النجاسة، و إطلاق أدلة البيع، و عدم خروجه بالنجاسة عن المالية، لأنه قابل للتطهير بما عرفت، و لجواز الانتفاع به في غير الأكل من إطعام الدواب و نحوه، و للأخبار السابقة.

و

حسن الحلبي أو صحيحه (1)عن الصادق (عليه السلام) «انه سئل عن رجل كانت له غنم و بقر و كان يدرك الذكي منها فيعزله و يعزل الميتة، ثم إن الذكي و الميتة قد اختلطا كيف يصنع؟ قال: يبيعه ممن يستحل الميتة».

و الأمر بالدفن في خبر ابن أبي عمير مع معارضته بما عرفت لعله إذا لم يرد بيعه أو تطهيره أو الانتفاع به، بل ينبغي القطع بذلك حتى من الخصم، إذ هو و إن منع البيع لكنه لم يمنع الانتفاع بإطعام الحيوان و نحوه.

كما انك قد عرفت ما في دعوى عدم قابليته للتطهير، على انه لو سلم أمكن منع عدم جواز البيع لذلك بعد الانتفاع به بوجه محلل، كالإطعام لحيوان و نحوه، كما يومي اليه ما في جامع المقاصد و كشف اللثام.

و الإعانة على الإثم- مع إمكان منعها لعدم العلم بأكلهم له بل و لو علم، لاستناده إلى اختيارهم، و عدم كونه إثما في دينهم الذي أمرنا شرعا بمجاراتهم عليه- يجب الخروج عن إطلاق دليلها بما عرفت، فهي كبيع التمر لمن يعلم أنه يعمله خمرا.


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.

ج 6، ص: 278

و ظهور تلك الأخبار في عدم جوازه على المسلم لعله بعد الأخبار(1)بنجاسته، بناء على عدم جوازه في هذا الحال كما صرح به بعضهم، بل قد عرفت نسبته في الحدائق إلى الأصحاب.

و دعوى شركة الكافر له في ذلك ممنوعة بعد مجي ء الدليل، أو لعله لعدم رغبة المسلم فيه غالبا لصعوبة تطهيره و قلة الانتفاع بدونه، فيكون حينئذ للإرشاد.

و من ذلك كله ظهر لك ما في الأخير، كما ظهر لك انه لا ينبغي الإشكال في المسألة بل و ظهر مما تقدم سابقا في أدلة مطهرية النار أن الاستحالة التي هي عند الفقهاء كما في حواشي الشهيد على القواعد عبارة عن تغيير الأجزاء و انقلابها من حال إلى حال أيضا من المطهرات، كما عدها غير واحد من الأصحاب منها بل تطهر النار في الحقيقة بعض أفرادها، فكان اللائق إدراجها فيها، لا إفرادها بالذكر، بل هي غير محتاجة إلى التعريف بعد ظهور معناها العرفي الذي هو المدار دون التدقيق الحكمي المبني على انقلاب الطبائع بعضها إلى بعض و عدمه، مع ان التحقيق فيه ذلك، لكن لعله لاختصاصها ببعض الأدلة عنها كما يومي اليه اتفاقهم على طهارة ما أحالته كما عرفت دون مطلق الاستحالة كما ستعرف.

و الأمر سهل بعد عدم الفرق بين سائر أفراد المحيل و المستحيل من النار و غيرها كما هو التحقيق عندنا للأصل و إطلاق أدلة المحال اليه لو كانت المؤيدين باستقراء ما علم طهارته من ذلك بالإجماع بقسميه، و السيرة بل الضرورة في البعض، و النصوص كرماد الأعيان النجسة و دخانها بل و بخلوها، و الخمر المنقلب بنفسه خلا، و كذا العصير، و النطفة و العلقة المتكونين حيوانا، بل و العذرة و نحوها دودا، و إن أوهمت عبارات


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح« عند عدم الاخبار» بقرينة ما حكى قدس سره عن الحدائق آنفا.

ج 6، ص: 279

بعض الناس الخلاف فيه، و الدم المستحيل قيحا أو جزء لما لا نفس له، و الماء النجس بولا لحيوان مأكول اللحم، بل أو عرقا أو لعابا أو جزءا من الخضراوات و الحبوب و الأشجار و الثمار، و الغذاء النجس لبنا أو روثا لمأكول اللحم أو جزءا له أو لطاهر العين، و غير ذلك، بل و باستقراء سائر الأحكام الشرعية غير الطهارة المعلقة على موضوعات فاستحالت أو استحيل إليها، عبادة كان ذلك الحكم أو معاملة، بل و بالمعروف في ألسنة الفقهاء في سائر الأبواب من قاعدة انتفاء الحكم بانتفاء الاسم المقطوع باندراج ما نحن فيه فيها.

بل قد يدعى ظهورها في الأعم من تغير الحقيقة و من تغير الصورة التي يذهب بذهابها مسمى الاسم دون حقيقته، و ان استبعده بل منعه بعض علمائنا، ضرورة تخلفه في كثير من الموارد، و اقتضائه بطلان الاستصحاب المعلوم عدم اشتراط حجيته ببقاء اسم المستصحب، لإطلاق أدلته.

[في تعلق الأحكام بالمسميات أو بالحقائق]

لكن قد يمنع ذلك عليه، و يدعى ظهور تعلق الأحكام بمسميات الأسماء دون حقائها، لأنه معنى اللفظ دونها، فالأصل حينئذ يقتضي انتفاء الحكم بانتفائه، إلا أن يعلم تعليقه على طبيعة مسمى الاسم دون حقيقته (1)التي يقارنها التسمية بذلك الاسم الخاص في بعض الأحوال، فيدور حينئذ مدارها، كما في النجاسات و أشباهها مما علم دوران

الحكم فيه على الحقيقة و الطبيعة دون الاسم، فتخلفه لذلك، كما ان اقتضاءه بطلان الاستصحاب في مثل الفرض ليس من المنكرات.

و دعوى ظهور أدلته في شمول مثل ذلك ممنوعة، بل لعل ما شاع في لسانهم من عدم جريان الاستصحاب مع تغير الموضوع شاهد له، و تنزيله على تغير الحقائق و استحالتها يمكن منعه، و قد تقدم لنا بعض الكلام في ذلك في بحث العصير من النجاسات، فلاحظ.


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و في بعض النسخ« مسمى الاسم و حقيقته».

ج 6، ص: 280

[في الاستحالة]

و على كل حال فلا ريب في اندراج محل البحث في القاعدة المذكورة، فما في المعتبر- من عدم طهارة الأعيان النجسة بالاستحالة و عدم طهارة الخنزير إذا صار ملحا كالمنتهى و عن التحرير و نهاية الأحكام بل و القواعد، و إن قال فيه: و في استحالة العذرة ترابا نظر، بل في المنتهى نسبته إلى أكثر أهل العلم مع زيادة النص في معقد ذلك على عدم طهارة العذرة الواقعة في البئر المستحيلة حمأة، كما ان ذكر الخلاف فيه من أبي حنيفة خاصة في المعتبر يشعر بعدمه بيننا- ضعيف جدا لا أعرف لهما موافقا عليه سوى ما عساه يظهر من الأردبيلي من الميل، و سوى ما عن موضع من المبسوط من النص على عدم طهارة تراب العذرة، مع ان ما حكي عنه في موضع آخر انه لا بأس بالتيمم بتراب القبر منبوشا أو غيره يعطي الطهارة.

بل يمكن تنزيل كلامه على صيرورة العذرة كالتراب في تفرقة الأجزاء، لا أنها استحالت، فيرتفع التنافي، بل قد يقال بتعيينه، لعدم خلاف في الطهارة في الصورة المفروضة حتى من الفاضلين، إذ قد صرحا في المعتبر و المنتهى بطهارة التراب المستحيل من الأعيان النجسة، و إن تردد فيه أولا أولهما، كما انه نظر فيه في القواعد ثانيهما.

و إن كان ينبغي أن يقضى العجب من فرقهما بين المسألتين، بل و المسائل السابقة التي قد عرفت الاتفاق عليها، خصوصا مع تعليل المنتهى للطهارة هنا بأن الحكم معلق على الاسم، فيزول بزواله، و فيه و في المعتبر بما دل على طهورية التراب، و للنجاسة هناك فيهما(1)أي في المستحيل ملحا بأنها قائمة بالأجزاء فلا تزول بتغير أوصاف محلها، بل ينبغي تضاعف العجب من هذا التعليل الذي لا شاهد عليه، بل الشاهد على خلافه كما عرفت.


1- 1 أي في المعتبر و المنتهى.

ج 6، ص: 281

و ما في حواشي الشهيد على القواعد من أن الاستحالة عند الأصوليين عبارة عن تغيير النوعية(1)و هي بعد لم تتغير أي في المفروض من الملح و التراب، فلا يطهر- مع إجماله و إن كان الظاهر إرادته الصورة الجسمية، و إمكان منعه حتى في مصطلح الأصوليين أيضا- غير مجد، إذ البحث في كون المدار في الطهارة ذلك، أو المعنى السابق الذي حكاه عن الفقهاء، و يشهد له الأدلة السابقة.

كما انه لا يجدي ما عن فخر المحققين من تخريجه تارة على كون النجاسة ذاتية، و أخرى على أن الباقي مستغني عن المؤثر، خصوصا الأول، إذ المراد بذاتية النجاسة حكم الشارع على العين بذلك من غير اعتبار طرو شي ء، و من الواضح عدم مدخليته في بقاء النجاسة في المفروض، و إرادة معنى آخر من الذاتية بحيث يكون له مدخلية فيه أول البحث، بل و الثاني، إذ هو مع عدم جريانه في نحو العلل الشرعية التي هي معرفات انما يتجه بعد القطع بالبقاء، و الاشكال في مؤثرة لا مع الإشكال في أصل البقاء كما هو محل البحث، على أن مقتضاه توقف الحكم بالطهارة على القول باحتياج الباقي في بقائه إلى مؤثر، و هو غير واضح.

كما في جامع المقاصد، قال: «لأن احتياجه في الإبقاء لا يقتضي زواله باختلاف الزمان و لا بتغير محله، و إلا لكان الحكم الشرعي الثابت بدليل في كل آن يتجدد زائلا، أو بكل تغير يعرض لمحله، و هو معلوم الفساد، و قد تقرر في الأصول أن استصحاب الحال حجة، فان قيل لما كان المقتضي للنجاسة هو تعليق الشارع إياها على الاسم و الصورة وجب أن يعتبر بقاؤهما في بقائه، قلنا ليس المقتضي للنجاسة هنا ذلك، بل المقتضي لها نص الشارع على نجاسة جسم العين، و لا يعتبر لبقاء الحكم إلا بقاء ذلك الجسم، و لا دخل لاحتياج الباقي و استغنائه في بقاء الحكم و زواله مع بقاء ذلك الجسم،


1- 1 أي الصورة النوعية.

ج 6، ص: 282

فإن ذلك محل الاستصحاب» انتهى. لكنه هو غير واضح أيضا كتخريج الفخر، فالأولى في رده ما سمعته أولا.

و المناقشة فيه بأنه لا وجه للإشكال في أصل البقاء بعد إمكان إثباته بالاستصحاب أو هي (1)من بيت العنكبوت، ضرورة عدم تناول ما هو العمدة في دليل الاستصحاب من أخبار عدم نقض اليقين و السيرة لمثل ذلك، بل قد يعد إجراؤه في بعض تغيرات الموضوع و استحالته من المنكرات المساوية لإنكار الضروريات.

و إن أطال في بيان ذلك الأستاذ في شرح المفاتيح، لكنه ذكر أمثلة لا يعقل فيها بقاء الحكم، كصيرورة الماء المطلق المأمور بالوضوء به مثلا هواء أو بخارا أو نحوهما، و من المعلوم ان محل البحث الانتقال إلى موضوع قابل لتعلق الحكم الأول به كملحية الكلب و نحوه، بل قد عرفت في بعض الوجوه ان الخصم يوافق على عدم جريان الاستصحاب مع تغير موضوع الحكم و استحالته، إلا انه يدعي موضوعية حكم النجاسة الجسم الذي لم يتغير و إن تغيرت الكلبية، و إن كان العرف شاهد صدق على خلافه، و إلا فالموضوع الواحد للحكم لا ريب في اختلافه من حيثيتين.

أ لا ترى أن الماء المطلق المأمور بالوضوء منه ينعدم حكم الوضوء منه بصيرورته مضافا، و لا معنى للاستصحاب فيه بعد انعدام الموضوع الذي هو المائية، و لا يطهر مع فرض نجاسته بذلك، لأن موضوع حكم النجاسة فيه كونه جسما رطبا لاقى نجاسة، و هو باق في حال الإضافة.

لكن قد يناقش في خصوص المثال بأنه لا يتم بناء على ما سبق من تطهير الاستحالة أعيان النجاسات و المتنجسات، ضرورة اقتضاء ذلك طهارة الماء في الفرض.

فالمتجه إما القول بدوران طهارة المتنجسات بالاستحالة على استحالتها لموضوعات


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و في بعض النسخ« أوهن».

ج 6، ص: 283

ينكر فيها جريان الاستصحاب بحيث يقطع بعدم شمول أدلته لمثلها أو يظن بل أو يشك كصيرورته حيوانا و نحوه، دون غيرها مما يظن أو يقطع بشمولها كما في الفرض، فيكون المدار عرض ذلك كله على أدلة الاستصحاب كما أشرنا إلى ذلك في مطهرية النار، و إما التزام الطهارة في كل ما يستحيل اليه المتنجس بعد تحقق الاستحالة حتى في الفرض لكن مع صيرورته مضافا بنفسه لا بامتزاج شي ء منه به، و إلا لم يطهر، لأنه و ان استحال ذلك الماء لكن ما امتزج به من الماء المضاف المتنجس بملاقاته لا استحالة بالنسبة إليه، فيبقى على النجاسة، فينجس الماء المستحيل اليه.

و من هنا قيد بعضهم ما نحن فيه من طهارة التراب المستحيل من العذرة مثلا بما إذا كانت يابسة لا رطبة، لتنجس التراب برطوبتها و لا استحالة بالنسبة اليه.

و إن كان قد يستغنى عن هذا التقييد بأن المراد طهارة خصوص التراب المستحيل من العذرة لا غيره، أقصاه حينئذ انه يمتزج الطاهر و النجس، و هو خارج عما نحن فيه، كتقييد طهارة الملح المستحيل من الكلب بما لم يصادف وقوع الكلب في المملحة ملحا رطبا ينجس بملاقاته، بل و كذا تقييد الطهارة فيه بما إذا كان الماء الواقع فيه الكلب المستحيل ملحا قدر كر لا قليلا، و إلا نجس الجميع.

بل ينبغي القطع ببطلانه بناء على الصحيح من طهارة المتنجس بالاستحالة أيضا، فيطهر الكلب و الماء، بل و على غيره، لعدم التلازم بين طهارة الملح المستحيل من الكلب و نجاسة المستحيل من غيره، أقصاه الامتزاج أو نجاسة ملح الكلب عارضا لو فرض استحالته قبل الماء القليل.

بل قد يناقش في صحة التقييد السابق بإمكان التزام طهارة محل العذرة و الدم المستحيلين ترابا، كمحل الماء المتنجس المستحيل ملحا و نحوهما، لفحوى طهارة ظروف الخمر و العصير و شبهها، بل فحوى طهارة ما يعالجان به من الأجسام التي لا استحالة بالنسبة

ج 6، ص: 284

إليها تقتضي أعم من ذلك، كما ان إطلاق بعضهم التيمم بتراب القبر المستحيل كذلك أيضا، لغلبة سيلان دم الميت عليه.

[في تخليل الخمر و الانقلاب]

لكن الأخير كما ترى لا يصلح دليلا إن لم نقل بتنزيله على غير ذلك، بل و سابقه أيضا، لعدم رجوعه إلى محصل غير القياس المحرم، على أن الثاني منه مبني على طهارة ما يعالج به الخمر و العصير، و فيه بحث، إذ الذي تقتضيه القواعد طهارة الخمر و العصير المستحيل بنفسه خلا، أو بعلاج غير الأجسام، أو بالأجسام المستهلكة فيه قبل التخليل، أو المنقلبة قبله خلا أو معه، بناء على طهارة المتنجس بالاستحالة الشاملة لمثل ذلك، دون ما كان بأجسام بقيت بعد خليته، لنجاسته حينئذ بتلك الأجسام الباقية على استصحاب النجاسة الذي لم يعارضه استحالة أو نحوها فيها، بل لا يجدي استحالتها خلا بعد ذلك، لسبق نجاسة الخل المستحيلة من الخمر بها.

بل ظاهر جملة من الأخبار اختصاص طهارة الخمر بالمنقلب لنفسه لا بعلاج ك

خبر العيون (1)عن علي (عليه السلام) «كلوا الخمر ما انفسد، و لا تأكلوا ما أفسدتموه أنتم».

و

خبر أبي بصير(2)عن الصادق (عليه السلام) «الخمر يجعل فيها الخل قال:

لا إلا ما جاء من قبل نفسه».

و

خبر آخر عنه (عليه السلام)(3)«الخمر يجعل خلا قال: لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يقلبها»

إلا أنه لاتفاق الأصحاب ظاهرا ان لم يكن واقعا نقلا و تحصيلا على عدم الفرق بين انقلابه بنفسه أو بعلاج لا يبقى عينه، و قاعدة الاستحالة يجب الخروج عنها في غير الصورة السابقة.


1- 1 عيون أخبار الرضا عليه السلام- الباب- 31- الحديث 127.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 4.

ج 6، ص: 285

و لعله لذا تأمل فيها في كشف اللثام و عن الأردبيلي و الخراساني، بل عن المجمع و الكفاية ربما قيل بعدم الطهارة فيها، بل في اللوامع نسبته إلى القيل، بل لعله لازم ما في السرائر و النافع و التحرير و أطعمة الكتاب من عدم طهارة و حلية ما سقط من إناء الخمر في خل و ان تخلل، بناء على ما عن الآبي و أبي العباس من فهم ذلك منها، لاتحاد مستند الجميع من نجاسة ما يعالج به و عدم مطهر له.

لا على ما فهمه منها في كشف اللثام من أن مرادهم مع عدم العلم بتخلل الخمر المختلطة مع الخل ردا على الشيخ في نهايته القائل بحلية ذلك و طهارته إذا انقلب ما بقي في الإناء خلا، فيكون حينئذ انقلابه علامة على انقلاب ذلك المختلط على ما فهمه منها بعضهم، و إلا فهي محتملة إرادة دوران الحل و الحرمة و الطهارة و النجاسة مدار الانقلاب و عدمه، كما عن نص أبي علي، بل و الشيخ أيضا من غير تعرض لعلامة ذلك، فلاحظ.

و لا على ما عساه يظهر من الدروس بل و غيرها من الفرق بين ما يعالج به من الأعيان الباقية بعد التخليل و بين الخمر الواقع في خل، فطهر الأول و أحله، دون الثاني و ان انقلب ذلك الخمر خلا، هذا.

و لكن الإنصاف في تحقيق البحث أن يقال: إن إطلاق الفتاوى يقتضي عدم الفرق بين تخليل الخمر بعلاج تبقى عينه أولا، بل ظاهر كشف اللثام و المحكي عن عبارة المرتضى في السرائر الإجماع عليه، كظاهر الطباطبائي في منظومته، بل كاد يكون صريحها، قال فيها:

و الخمر و العصير ان تخللافباتفاق طهرا و حللا

بنفسه أو بعلاج انقلب إن بقي الغالب فيه أو ذهب

بل و النصوص ك

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح زرارة(1)و موثقة


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.

ج 6، ص: 286

ولده (1): «لا بأس»

جواب سؤالهما عن الخمر تجعل خلا، تاركا للاستفصال عنه.

كالموثق الآخر عنه (عليه السلام)(2)أيضا «في الرجل باع عصيرا فحبسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه خلا، فقال: إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس».

و

صحيح جميل (3)قال له (عليه السلام) أيضا: «يكون لي على الرجل دراهم فيعطيني بها خمرا، فقال: خذها ثم أفسدها»

و قال علي بن حديد: «و اجعلها خلا».

خصوصا

صحيح عبد العزيز بن المهتدي (4)«كتبت إلى الرضا (عليه السلام) جعلت فداك العصير يصير خمرا فيصب عليه الخل و شي ء يغيره حتى يصير خلا، قال: لا بأس به».

بل و المحكي (5)عن الرضا (عليه السلام) في فقهه و السرائر من خبر أبي بصير(6)المشتملين على علاجه بالملح أو غيره.

فيجب حمل النصوص السابقة على الكراهة، كما صرح بها بعضهم، بل حكيت عليه الشهرة، لقصورها عن المعارضة من وجوه، بل لا قائل بمضمونها كما في شرح الأستاذ للمفاتيح سوى ما عن الشهيد من التوقف في أصل العلاج بالأجسام، و هو مسبوق بالإجماع و ملحوق به.

كما انه يجب القول بعدم الفرق أيضا بين ما يبقى عينه من الأجسام أولا، و لا بين الخل و غيره، للإطلاق و خصوص الصحيح الأخير، فيخرج عن تلك القاعدة السابقة و يلتزم بتبعيتها بالطهارة له كالإناء.


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب النجاسات- الحديث 8.
5- 5 المستدرك- الباب- 21- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 31- من أبواب النجاسات- الحديث 10.

ج 6، ص: 287

نعم ينبغي الاقتصار في ذلك على غير الخمر المستهلكة بالخل نحو القطرات منه الواقعة في حب و نحوه من الخل، فلا يطهر و لا يحل بمجرد الاستهلاك من دون انقلاب و استحالة قطعا، بل و إجماعا، خلافا لأبي حنيفة استصحابا لحكم الخمر و نجاسة الخل به.

و دعوى تناول لفظ الجعل و التحويل و القلب في الأخبار لمثل ذلك واضحة المنع، كدعوى مساواته للاستحالة المفهومة بتغيير الاسم و نحوه، بل هي قياس محض، بل قضيتها طهارة سائر النجاسات باستهلاكها و ذهاب اسمها في ممازجة شي ء من المائعات المعلوم بطلانه ضرورة من المذهب أو الدين.

و لا بانقلاب ما بقي من ذلك الخمر الواقع في الخل و استحالته، خلافا لنهاية الشيخ في أحد الوجهين و تهذيبه، بل عن مختلف الفاضل استقرابه، فاكتفيا في طهارته و حليته بذلك، لدلالة انقلابه على تمامية استعداده للخلية، و المزاج واحد، بل استعداد الملقى في الخل أتم، لكن لا يعلم لامتزاجه بغيره، فإذا انقلب الأصل المأخوذ منه علم انقلابه أيضا.

بل قد يظهر من السرائر ان مضمون ما ذكره الشيخ رواية، لكن قال: «إن الذي يقتضيه أصول مذهبنا ترك العمل بهذه الرواية الشاذة، و لا يلتفت إليها و لا يعرج عليها، لأنها مخالفة لأصول الأدلة مضادة للإجماع، لأن الخل بعد وقوع قليل الخمر في الخل صار بالإجماع الخل نجسا، و لا دلالة على طهارته بعد ذلك و لا إجماع، لأنه ليس له حال ينقلب إليها، و لا يتعدى طهارة ذلك الخمر المنفرد و استحالته و انقلابه إلى الخل الواقع فيه قليل الخمر المختلط به الذي حصل الإجماع على نجاسته، و هذه الرواية شاذة موافقة لمذهب أبي حنيفة، فإن صح ورودها فتحمل على التقية» انتهى.

فظهر حينئذ ضعفه إن كان المراد التعبد للرواية بما سمعته من السرائر، و إن كان المراد العلامة و الدلالة على انقلاب الممزوج ففيه منع حصول العلم و القطع منها بذلك، و لا يكفي الظن، على أنه مبني على القول بطهارة هذا المستهلك مع انقلابه إلى الخلية،

ج 6، ص: 288

و فيه بحث أو منع و إن حكي عن الشيخ و أبي علي ذلك، بل هو صريح ما سمعته من المختلف، بل ظاهره أنه مفروغ منه، بل في كشف اللثام أن الظاهر اتفاقهم عليه، و ان بحثهم انما هو في معلومية ذلك بانقلاب ما بقي من الخمر و عدمها.

كما انه قد يستدل له بإطلاق الأخبار السابقة، و خصوص صحيح ابن المهتدي، و بتحقق الاستحالة التي هي المدار في هذا الحكم، و بمساواته لباقي الأجسام التي يعالج بها الخمر الباقي أعيانها.

لكن قد يمنع ذلك كله و يدعى أن المشهور اشتراط طهارة الخمر بالتخليل غلبتها على ما عولجت به من الخل أو عدم كونها مستهلكة فيه، كما اعترف به في الكفاية و اللوامع، بل هو ظاهر المفاتيح أو صريحها كشرحها للأستاذ الأعظم، بل يظهر من الأولى كون المشهور عدم الطهارة حتى لو كان الخل قليلا.

قال فيها بعد أن ذكر أن المشهور طهارة الخمر لو صارت خلا بعلاج أو غيره، بقي عين ما عولج به أولا: «و لو ألقى في الخمر خلا كثيرا حتى استهلكه فالمشهور بين المتأخرين انه لا يحل و لم يطهر و لو انقلب الخمر خلا، و كذا لو ألقى في الخل القليل خمرا حتى استهلكه، نظرا إلى أن الخمر يطهر و يحل بالانقلاب لا ما ينجس بالخمر، و عن الشيخ القول بالطهارة في المسألتين إذ انقلب الخمر التي أخذ منه» انتهى.

و قال في الثانية بعد أن ذكر أيضا أن المشهور طهارة الخمر بالعلاج: «تذنيب المشهور اشتراط التطهر بالعلاج بغلبة الخمر على المطروح، فلو مزجت بالخل الكثير فاستهلكت فيه لم يطهر- إلى أن قال-: و الحق عدم الاشتراط و حصول التطهير بعد مضي وقت يعلم في مثله الانقلاب، وفاقا للشيخ و الإسكافي و الفاضل و العاملي و بعض الطبقة الثالثة» انتهى.

ج 6، ص: 289

و قال في المفاتيح أيضا بعد أن ذكر أن المشهور الطهارة بعلاج و غيره، بقيت العين أولا: «و لو مزجت بالخل فاستهلكت فيه فالمشهور عدم الطهارة، لتنجس الخل بالملاقاة، و لا مطهر له، إذ ليس له حال ينقلب إليها ليطهرها كالخمر، خلافا للشيخ و الإسكافي فيما إذا مضى زمان يعلم انقلاب الخمر فيه إلى الخل» انتهى. و تبعه في ذلك الأستاذ في شرحه.

و مع ذلك كله يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب مع التأمل فيها و التدبر، حتى عبارة السرائر السابقة، منها ما في النافع و الكتاب و التحرير و الدروس بل و الإرشاد لا طلاقهم عدم طهارة المستهلك، و تصريح بعضهم بخلاف الشيخ و أنه متروك و لا وجه له، خصوصا و عبارة الشيخ لا صراحة فيها بإرادة انقلاب ذلك الخمر الباقي،

لاحتمالها إرادة الممزوج منه، قال فيها: «إذا وقع شي ء من الخمر في الخل لم يجز استعماله إلا بعد أن يصير ذلك الخمر خلا» بجعل الإشارة فيها إليه، فعده حينئذ مخالفا كالصريح فيما قلنا، و احتمال إرادة الإرشاد و نحوه الرد بذلك على أبي حنيفة القائل بالطهارة و الحلية بالاستهلاك يدفعه الملاحظة له و لغيره مع التأمل و التدبر.

و مع ذلك كله فهو الموافق لمقتضى الأدلة، ضرورة اقتضاء الأصل عدم طهارة الخل المتنجس بالخمر، لفقد سائر المطهرات، بل و لا الخمر كما في شرح الأستاذ «لأنها و ان استهلكت في الخل إلا أن الخل نجس، فهي مستهلكة في الشي ء النجس، فيكون نجسة البتة، لأنها صارت خلا نجسا» انتهى السالم عن معارضة ما دل على طهارة الخمر بالتخليل القاضي بطهارة ما يعالج به تبعا، حتى صحيح ابن المهتدي بعد تنزيله على المتعارف المعتاد من عدم استهلاك المعالج بالمعالج به ليكون تابعا له، بل هو المنساق من تلك الأخبار، ضرورة ظهورها حتى الصحيح السابق في بقاء الموضوع المنقلب إلى الخل لا مع هلاكه.

ج 6، ص: 290

بل

خبر أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) كالصريح في ذلك، قال:

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخمر يصنع فيها الشي ء حتى تحمض، قال: إذا كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فيه فلا بأس»

بل خبره الآخر المتقدم سابقا كذلك إن قرأ «يقلبها» فيه بالغين المعجمة، بل هو بعد الاستهلاك لا يصدق عليه اسم الخمر حتى يتحقق الانقلاب و التحول و الاستحالة، لصيرورته خلا و إن لم يكن باستحالة و انقلاب، إذ سلب اسم الخمرية عنه و تسميته خلا أعم منهما، و الاكتفاء بالانقلاب التقديري الفرضي لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، كظهورها في عدم الاكتفاء بالاستهلاك من غير انقلاب حتى باعتراف الخصم، و لذا اعتبر مضي زمان ينقلب فيه مثله، على أن طهارة الخمر بالخل مخالفة للضوابط، و لذلك اختص به من بين المائعات.

فينبغي الاقتصار فيها على المتيقن، بل لعل التأمل الجيد يشرف الفقيه الماهر على القطع بعدم طهارة الكثير جدا من الخل بتبعيته لانقلاب قطرة خمر وقعت فيه و اضمحلت في أجزائه.

بل قد يقال: إنه لا يمكن حصول اليقين بصيرورته خلا طبيعة، إذ لعل هذا الاستهلاك و الحموضة العارضة من الخل تمنع من ذلك، كما أن ترك الأمر به في كثير من الأخبار- مع سهولته، و إمكان تطهير أكثر أفراد الخمر به لتيسر إهلاكه بالخل في غالب الأوقات- أوضح شاهد على ما ذكرنا، إلى غير ذلك من المؤيدات الكثيرة الظاهرة بالتأمل في الأدلة مع الانصاف.

فلا ريب ان الأقوى عدم الطهارة في الفرض المذكور، كما ان الأقوى عدم طهارة الخمر لو تنجست بنجاسة خارجية و ان لم تبق عينها بناء على تضاعف النجاسة، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، بل الظاهر، إذ الانقلاب يطهر من النجاسة


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.

ج 6، ص: 291

الخمرية، فلو أحيل الخمر حينئذ بمتنجس لم يطهر، لكن في كشف الأستاذ انه إن استحال إلى المحال أولا ثم رجع هو و المحال إلى ما استحال منه طهر، و إن أحال و لم يستحل بقي على نجاسته، و هو لا يخلو من وجه.

و لو تخلل بعض الخمر المجتمع لم يطهر الباقي قطعا، لكن هل ينجس ذلك به مطلقا أو يفرق بين الأعلى و الأسفل بل و بين المسامت و غيره؟ وجهان، أقواهما الأول، لعدم اندراجه فيما دل على عدم سراية النجاسة من السافل مثلا إلى العالي، فيبقى على إطلاق نجاسة ملاقي النجاسة، هذا.

و قد عرفت ان العصير كالخمر في طهارته بالخلية، بناء على نجاسته بالغليان، للإجماع بقسميه و غيره، و يزداد عليه طهارته بذهاب ثلثيه، ضرورة تبعية زوال نجاسته لزوال حرمته الثابت بالذهاب المذكور إجماعا و سنة(1)مستفيضة حد الاستفاضة إن لم تكن متواترة.

بل لا ريب في انه يفهم من فحواها بناء على كون ذلك مطهرا له كما أنه محلل تبعية الآلات و المزاول و نحوهما له في الطهارة، بل في اللوامع الإجماع عليه، مضافا إلى لزوم الحرج و المشقة لولاه، و طهارة أواني الخمر المنقلب خلا، و آلات النزح و النازح و جوانب البئر، لاتحاد طريق الجميع أو قياس الأولوية، بل في كشف الأستاذ أنه يطهر بذلك أيضا ظاهر ما دخل فيه و باطنه ابتداء أو بعد الغليان و الاشتداد من تراب و أخشاب و فواكه و غيرها، كالمحكي عن النهاية و الروض من التصريح بطهارة الأجسام المطروحة فيه، بل قيل إنه لم يوجد فيه صريح مخالف، لا طلاق ما دل على الحلية، و ترك الاستفصال المستلزمة للطهارة هنا قطعا له و لها، و إلا عادت منجسة له، و لفحوى طهر الأجسام المطروحة في الخمر بناء عليه، و لعدم معقولية الفرق بينه و بين المطروح


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المحرمة.

ج 6، ص: 292

المائع الثابت تبعيته في الطهارة له إجماعا كما في اللوامع.

نعم ينبغي اعتبار تحقق التبعية في سائر ما تقدم بأن يكون معه غير غائب عنه في وقت تطهيره إلا بما لا ينافيها، فلا يطهر حينئذ غير العامل، بل و لا العامل معرضا عن العمل خاليا عن صورة التشاغل، و كذلك ثيابه

و سائر الآلات اقتصارا على المتيقن، بل ينبغي الاقتصار على ما علم تبعيته دون ما شك فيها فضلا عما ظن عدمها، بل هو المدار في جميع ما تقدم.

كما انه ينبغي الاقتصار في الطهارة و الحل على ذهاب الثلثين بالنار و إن كان يقوى إلحاق الشمس بها، أما الهواء و التشريب و طول البقاء أو المركب منها خاصة أو من الأولين معها فلا يخلو من نظر بل منع، خصوصا الأخيرين و إلا لم ينجس بالعصير أكثر الأشياء، فتأمل.

و لا يلزم البحث عن كيفية الذهاب من الجوانب، نعم لو علم الذهاب من جانب دون آخر انتظر ذهابهما منه.

و المعتبر صدق ذهاب الثلثين من غير فرق بين الوزن و الكيل و المساحة، و إن كان الأحوط الأولين، بل قيل الأول.

و لا يحل العصير بل و لا يطهر بغير الخلية و ذهاب الثلثين، للأصل و إطلاق النصوص (1)و الفتاوى، فما في اللوامع من طهارته بصيرورته دبسا و إن لم يذهب ثلثاه حاكيا له عن الجامع ضعيف، كمستنده من أصالة الطهارة و الإباحة، و إطلاق دليل طهارة الدبس و حله، لوجوب الخروج عنه بما عرفت، و أضعف منه التمسك باندراجه حينئذ في الاستحالة، إذ هو ليس منها قطعا.

[في حكم المرتد الفطري]

كما انه ليس منها- و إن كان قريبا إليها بل متحدا معها في تقرير الدليل- الإسلام


1- 1 الوسائل- الباب- 2 و 31- من أبواب الأشربة المحرمة.

ج 6، ص: 293

و الانتقال الذي عدهما غير واحد من الأصحاب من المطهرات، بل لا خلاف أجده فيهما، كما لا إشكال بل حكى الإجماع على الأول في المنتهى و الذكرى و غيرهما، بل هو في الجملة من الضروريات، بل و الثاني إذ المراد به انتقال شي ء حكم بنجاسته باعتبار إضافته إلى محل خاص إلى محل آخر حكم الشارع بطهارته بإضافته اليه، كانتقال دم ذي النفس المحكوم بنجاسته إلى غير ذي النفس من القمل و البق و نحوهما، لشمول ما دل (1)على طهارته دمها مما تقدم سابقا له، كما انه لو انعكس الأمر حكم بالنجاسة لذلك، و بهما ينقطع استصحاب نجاسة الأول و طهارة الثاني بعد تسليم إمكان جريانه في نحو المقام، لتغير الموضوع، ضرورة مدخلية الإضافة في الحكم المذكور، و إن كان بينهما تعارض العموم من وجه، بل قد يدعي أخصية الاستصحاب، لكنه على كل حال معارضه أقوى منه قطعا.

نعم يعتبر صدق الإضافة حقيقة، فلو شك في انتقال الاسم بعد الانتقال من الجسم كما إذا دخل شي ء من النجاسات المتعلقة بذوات النفوس في بطون غير ذوات النفوس و لم يستقر فيها حتى يتبدل الاسم لم يحكم بالطهارة، كما انه لم يحكم بالنجاسة في العكس.

و لا فرق بعد صدق الإضافة المذكورة بين الحيوان و غيره، و بين الدم و غيره، فلو شرب الشجر أو النبات ماء متنجسا طهر بمجرد انتقاله إلى باطنه، لصدقها حينئذ بذلك، كما هو واضح.

لكن ينبغي أن يعلم أن الإسلام يطهر عن نجاسة الكفر بجميع أقسامه إلا الارتداد الفطري منه الرجل خاصة دون الامرأة بل و الخنثى المشكل و الممسوح، للأصل بمعنى الاستصحاب لموضوع الكفر نفسه، و لحكمه من النجاسة و نحوها، و إطلاق ما في مواريث كشف اللثام من الإجماع على عدم قبول توبته، كالمحكي في باب الحدود منه أيضا عن


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب النجاسات.

ج 6، ص: 294

الخلاف المؤيد بالشهرة المحكية، بل بمعروفية ذلك في كلمات الأصحاب حتى يرسلوه إرسال المسلمات.

و

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم(1): «من رغب عن الإسلام و كفر بما أنزل الله على محمد (صلى الله عليه و آله) بعد إسلامه فلا توبة له، و قد وجب قتله، و بانت منه امرأته، و يقسم ما ترك على ولده»

المعلوم إرادة الفطري منه، كمعلومية إرادة حكم التوبة من نفيها الذي الطهارة و قبول أعماله منه قطعا.

و

مرسل عثمان بن عيسى (2)«من شك في الله بعد مولده من الفطرة لم يفي ء إلى خير أبدا»

المنجبر سنده بما عرفت كمتنه لو كان محتاجا، إذ لا ريب في كون الطهارة و قبول أعماله خيرا، و لا شعار عدم قبول توبته في سائر أحكامه الظاهرة من قتله و قسمة أمواله و بينونة زوجته و غيرها بجريانه مجرى الكافرين في سائر أحكامهم التي النجاسة منها، بل أهونها، و غير ذلك من المؤيدات الكثيرة.

و المناقشة في الأصل- بعدم جريانه هنا لتغير الموضوع باعتبار صيرورته مسلما بإقراره بعد أن كان كافرا بإنكاره، بل يشمله حينئذ كلما دل (3)على طهارة المسلمين الذي يقصر عن مقاومتها الاستصحاب- من غرائب الكلام، إذ البحث في صيرورته مندرجا تحت إطلاق المسلم بذلك، بل ظني أنه لا يقول به من قال بقبول توبته باطنا خاصة، إذ هو أعم من ذلك ضرورة، و إلا لاقتضى عدم قبولها في الظاهر اندراجه في الكافر بالأولى، لا أقل من أن يكون واسطة عنده بين الكافر و المسلم على معنى


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المرتد- الحديث 2 من كتاب الحدود و التعزيرات.
2- 2 أصول الكافي- ج 2- ص 400 المطبوعة بطهران عام 1375.
3- 3 صحيح مسلم- ج 1- ص 195 المطبوع بمصر.

ج 6، ص: 295

كونه كافرا من جهة و مسلما من أخرى، لا أنه موضوع خارج ليتمسك حينئذ في طهارته بالأصل، فما شك فيه حينئذ من الأحكام الثابتة له بارتداده و قبل توبته لا ريب في استصحابه.

و أغرب من ذلك إثبات تلك الدعوى بوضوح صدق اسم المسلم عليه، بناء على ثبوت الحقيقة الدينية فيه و في الكفر، ضرورة ان الإسلام شرعا عبارة عن الإقرار بالشهادتين، كما أن الكفر عبارة عن إنكارهما أو إحداهما، و على تقدير عدم الثبوت فأظهر، إذ لا يخفى ظهور ما دل (1)على كون الإسلام الإقرار بالشهادتين في غيره، و كيف لا مع اشتمال أكثرها على أنه به تحقن به الدماء، و عليه جرت المناكح و المواريث و نحو ذلك مما علم انتفاؤه في الفرض، كما ان اشتمالها أيضا على الفرق بينه و بين الايمان ظاهر في كون المراد من ذلك بيان الإسلام على الإهمال لا التعميم المثمر في المقام، على أن ارتداده قد يكون بغير إنكار الشهادتين، بل كان بفعل بعض ما يقتضي الاستخفاف بالدين و نحوه مما لا يتم معه الاستدلال بتلك الإطلاقات المناقش فيها بما عرفت، بل يمكن معارضتها بالإطلاقات الدالة(2)على كفر المرتد و استحقاقه جهنم، ضرورة شمولها لمن أعقب ارتداده بالتوبة، و ترجيحها عليها باعتبار اعتضادها بإطلاقات التوبة و عموماتها يدفعه- بعد إمكان منع شمول عمومات التوبة الكفر و نحوه، خصوصا مع قوله تعالى (3):

«إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ»* كإمكان منع رجحانها عليها مع ذلك أيضا، لأكثرية أفرادها و خروجها مخرج القواعد العامة و المقتضيات التي قطع النظر عن موانعها- أنها معتضدة بالاستصحاب و ما سمعته من الأدلة السابقة القاضية بعدم


1- 1 أصول الكافي- ج 2 ص 25 من طبعة طهران.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد من كتاب الحدود و التعزيرات.
3- 3 سورة النساء- الآية 51.

ج 6، ص: 296

قبول توبته الواجب تحكيمها عليها، لخصوصيتها حتى الاستصحاب منها، و عمومية تلك.

و دعوى تنزيلها- على إرادة عدم قبولها بالنسبة للأحكام الظاهرية دون الباطنية المتفرع عليها العقاب و نحوه، جمعا بين الأدلة بشهادة العقل، للقطع و الإجماع على عدم سقوط التكليف عنه بالإسلام و أحكامه من الصلاة و الصوم و الحج و غيرها، و لا ريب في قبحه مع فرض عدم إمكان ذلك منه بعدم قبول توبته، لكونه من التكليف بما لا يطاق المنافي للعدل، فالجمع بين الأدلة حينئذ يتعين بإرادة عدم القبول الظاهري دون الباطني- في غاية السقوط.

إذ فيها أولا أنه يمكن منع القطع بعدم سقوط التكليف عنه، لظهور الأدلة في تنزيله منزلة الميت، كما يومي اليه اعتداد زوجته عدة الوفاة، و قسمة أمواله بين ورثته و غير ذلك، كإمكان منع كون ما نحن فيه من طهارة بدنه للغير من مقتضيات القبول الباطني، ضرورة أعمية ذلك الشاهد العقلي منها، بل جعل نجاسته من الأحكام الظاهرية التي حكي الإجماع على عدم قبول توبته بالنسبة إليها، بل لعله محصل، و لا يقدح فيه ما عن أبي علي من القبول مطلقا ظاهرا و باطنا بعد أن كان بمكانة من الضعف.

و الالتزام بمقتضى الدليل العقلي- من قبول أعماله، فيكون بدنه طاهرا بالنسبة إليه خاصة في الأعمال التي اشترط الشارع الطهارة فيها، أو يكون الشرط بالنسبة إليها ساقطا، فتصح أعماله في حقه و إن كان نجسا لا في حق غيره، فلا يؤتم به و لا يستناب مثلا- أولى قطعا، بل لعل مراد القائل بالقبول الباطني ذلك لا الطهارة للغير، و إلا كان أمرا زائدا على القبول الباطني كما اعترف به الشهيد الثاني في حدود روضته، حيث قال بعد أن قوى القبول الباطني محتجا ببعض ما سمعت، و حينئذ فلو لم يطلع عليه أحد أو لم يقدر على قتله أو تأخر قتله بوجه و تاب قبلت توبته فيما بينه و بين الله تعالى،

ج 6، ص: 297

و صحت عباداته و معاملاته، و طهر بدنه، و لا يعود ماله و زوجته بذلك للاستصحاب، و لكن يصح له تجديد العقد عليها بعد العدة، و في جوازه فيها وجه، كما يجوز للزوج العقد على المعتدة منه بائنا، و بالجملة فيقتصر من الأحكام بعد توبته على الأمور الثلاثة في حقه و حق غيره، و هذا أمر آخر وراء القبول باطنا.

لكنك خبير بما فيه، إذ هو مجرد دعوى خالية عن الدليل، بل مخالفة له، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافها، بل ظاهر أول عبارته نفسه الاعتراف بذلك، و ثانيا أنه لا قبح في التكليف بذلك بعد امتناعه عليه باختياره، لما هو مقرر في محله أن ما بالاختيار لا ينافي الاختيار، و له نظائر كثيرة في الشرع.

و القول بأن ذلك يتم في التكليف بالإسلام نفسه و به للصلاة لو وقع بعد الوقت- أما لها مع فرض وقوعه قبل الوقت فلا، لعدم وجوب مقدمة الواجب المطلق قبله، ففي الفرض يصادف الواجب حينئذ امتناع الشرط، و لا ريب في

قبح الأمر بالمشروط مع العلم بانتفاء شرطه، فيلزم فيه حينئذ سقوط التكليف المعلوم بطلانه، و يتم في الجميع بعدم القول بالفصل- جزاف من القول.

إذ هو- مع إمكان معارضته بمثله متمما بعدم القول بالفصل أيضا، و إمكان منع عدم وجوب حفظ مقدمة الواجب المطلق قبل وقته التي لا بدل لها، و يعلم عدم حصولها في تمام وقته كإتلاف الطهورين، و النوم قبل وقت الفريضة و نحوهما بشهادة ذم العقلاء له على ذلك، بل لعل وجوبه مفهوم من نفس الخطاب التوقيتي- مدفوع بأنه لا مانع من الالتزام بتكليفه في الفرض المذكور أيضا تكليفا امتحانيا، أي يراد منه العقاب خاصة، نحو التكليف بأصل الإسلام المسلم عند ذلك القائل، ضرورة الاكتفاء في صحة التكليف بالعبادة بصحة التكليف بشرطها على أن يكون التكليف بها على نحو التكليف به في الابتلائي و غيره، و لا ريب في صحة تكليفه بالإسلام بعد الوقت امتحانا و ان كان كفره كغيره

ج 6، ص: 298

قبله، فيصح التكليف بالصلاة حينئذ كذلك، و اعتذار المكلف بامتناع الشرط علي يدفعه ما دفعه بالنظر إلى التكليف بالإسلام نفسه.

و دعوى تسليم ذلك بالنظر اليه نفسه، و أنه لا قبح فيه، و منعه بالنظر إلى الخطاب الشرطي، و انه قبيح لا يصغى إليها، بل لا يعقل لها وجه عند التأمل الجيد.

كما انه لا يصغى بعد ما عرفت إلى إثبات أصل الدعوى من القبول الباطني بالمعنى المستلزم لطهارة بدنه للغير و نحوه

بالمروي (1)عن الباقر (عليه السلام) انه قال: «من كان مؤمنا فحج و عمل في إيمانه ثم أصابته في إيمانه فتنة فكفر ثم تاب و آمن قال: يحسب له كل عمل صالح عمله في إيمانه، و لا يبطل منه شي ء»

لعدم حجيته في نفسه أولا، و وضوح قصوره عن مقاومة ما تقدم ثانيا، و احتماله غير الفطري، بل لعل الظاهر منه ذلك، كعدم ظهوره في إرادة ما عمله في الايمان الثاني ثالثا، على انه لا يستلزم الطهارة الغيرية كما عرفت، فمن العجيب دعوى أولوية تقييد ما دل على عدم قبول توبة الفطري بهذه الرواية من العكس.

فلا ريب حينئذ ان الأقوى النجاسة في المرتد، وفاقا لصريح بعضهم و ظاهر المعظم أو صريحه، و خلافا لصريح الشهيدين و العلامة الطباطبائي و المحكي عن التحرير و الموجز، و إن كان قد يقوى في النظر قبول توبته باطنا بالنسبة إليه نفسه لا غيره، كما انه يقوى القول بقبول توبته ظاهرا و باطنا لو كان ارتداده بإنكاره بعض الضروريات مع سبق بعض الشبهات و الدخول في اسم المسلمين كطوائف الجبرية و المفوضة و الصوفية، وفاقا لصريح الأستاذ في كشفه، و خلافا لظاهر السرائر أو صريحها كظاهر إطلاق الباقين، للشك في شمول أدلة الفطرية لهم، فتبقى عمومات التوبة بحالها.

و المراد بتطهير الإسلام للكافر انما هو له نفسه لا ما باشره سابقا حتى ثيابه على


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 1.

ج 6، ص: 299

إشكال، اقتصارا على المتيقن، بل هو مقتضى الدليل، و احتمال طهارته تبعا لا شاهد له، نعم قد يقال بالتبعية بالنسبة إلى فضلاته المتصلة به من عرق أو بصاق أو نخامة أو قيح أو سوداء أو صفراء، لصدق إضافتها للمسلم، كما انه ينبغي القطع بها بالنسبة للشعر و الظفر و نحوهما.

[في كون التبعية من المطهرات و عدمه]

هذا كله من حيث النجاسة الكفرية، أما لو كان بدنه متنجسا بنجاسة خارجية لم تبق عينها ففي طهارته بالإسلام و عدمها وجهان، أقواهما الأول، بناء على عدم تأثر النجس بالنجس، بل و على غيره، للسيرة و خلو السنة عن الأمر بذلك مع غلبته، و يتبعه ولده في الطهارة بالإسلام، سواء كان أبا أو أما إلحاقا بأشرف الأبوين، بل أو أحد الجدين القريبين كما في كشف الأستاذ، كما أن فيه أيضا التصريح بالطهارة تبعا للسابي المسلم، لكن قيده بعدم وجود أحد الأبوين أو الأجداد معه، و للبحث فيه مقام آخر.

كما انه قد تقدم البحث في كثير من الأشياء التي ذكرها فيه في عداد المطهرات، حتى أنهاها إلى عشرين من حجر الاستنجاء و خرقه، و زوال العين في الحيوان، و الغيبة في بدن الإنسان بل و ثيابه، و خروج دم المذبح و المنحر، و الاستعمال في نحو آلات العصير و البئر و بدن النازح و العاصر و ثيابهما، و سبق استعمال الماء للمغتسل قبل الصلب، و الشهادة لبدن الشهيد، و غير ذلك، مع أنه لا يخفى عليك عدم كون الأخيرين من المطهرات، بل هما نافيان لأصل تحقق النجاسة، كما ان سابقهما مندرج فيما ذكرناه و ذكره هو أيضا مما يطهر بالتبعية، و إن اختلفت أفرادها، فمنها ذلك، و منها طهارة بدن مغسل الميت و آلات التغسيل و ثياب الميت التي غسل فيها، و خرقته التي وضعت عليه، بل قيل و ثياب المغسل نفسه، و منها ما عرفته من رطوبات الكافر و ولده، و إناءات الخمر المخللة و الأجسام المطروحة فيها، و منها طهارة فضلات الإبل الجلالة الغير المنفصلة منها حتى ثم الاستبراء حتى العرق نفسه، إذ هي كرطوبات الكافر الذي أسلم في تغير إضافتها،

ج 6، ص: 300

و الثالث ليس من المطهرات حقيقة، بل هو مما يحكم معه بالطهارة، فلا ينبغي عده منها حينئذ كما اعترف به غير واحد.

بل و الثاني أيضا بناء على ما ذكرناه في باب الأسئار من احتمال عدم تنجس الحيوان بملاقاة عين النجس حتى تكون الإزالة مطهرة له، بل هو في الحقيقة كالبواطن المتفق بين الأصحاب على طهارتها بمجرد زوال عين النجاسة، بل قيل إنه يمكن أن يكون من ضروريات الدين.

مضافا إلى

صحيح صفوان عن إسحاق بن عمار عن عبد الحميد بن أبي الديلم (1)قال للصادق (عليه السلام): «رجل شرب الخمر فأصاب ثوبي من بصاقه، فقال:

ليس بشي ء».

و

قول الرضا (عليه السلام) في خبر إبراهيم بن أبي محمود(2): «يستنجي و يغسل ما ظهر منه على الشرج، و لا يدخل فيه الأنملة».

ك

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمار(3)في حديث: «انما عليه أن يغسل ما ظهر منها يعني المقعدة، و ليس عليه أن يغسل باطنها».

و

موثق عمار(4)عنه (عليه السلام) أيضا «في رجل يسيل عن أنفه الدم هل عليه أن يغسل باطنه يعني جوف الأنف؟ فقال: انما عليه أن يغسل ما ظهر»

و غير ذلك و مرادهم على الظاهر عدم النجاسة لا الطهارة بالزوال، و إن كان ربما توهمه بعض العبارات بل الموثق ظاهر فيما قلناه من عدم نجاستها بملاقاة عين النجاسة، كما هو قضية الأصل و العمومات، إذ ليس في أدلة النجاسات عموم مثلا يشمل نجاسة البواطن بها.

و قد أجاد الأستاذ في شرحه على المفاتيح حيث قال: إنه لم يتحقق إجماع على


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب النجاسات- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 6، ص: 301

تنجس البواطن لو لم نقل بالإجماع على العدم، مضافا إلى الأصول و العمومات، قلت:

و هي و الحيوان مشتركان في سبب ذلك، ضرورة أنه إن كان عين النجاسة موجودا فالمنجس حينئذ للملاقي هو لا ما كان عليه من البواطن و بدن الحيوان، و إلا كان طاهرا، فلم يظهر أثر للحكم حينئذ بتنجيسهما بالملاقاة، فابقاؤهما على الطهارة و عدم تأثير عين النجاسة فيهما أولى من الحكم بنجاستهما و طهارتهما بالزوال، و قد تقدم في الأسئار تمام الكلام، كما أنه تقدم هناك تمامه أيضا في أصل الاكتفاء في الحيوان بزوال عين النجاسة، و أنه هو المدار لا غيبة الحيوان غيبة يحتمل معها مصادفة المطهر و ان كان ظاهر الفاضل في نهايته ذلك.

[كون الغيبة من المطهرات و عدمه]

نعم هو كذلك بالنسبة للإنسان، فيحكم بطهارة بدن المسلم منه المكلف مع الغيبة عنه و علمه بالنجاسة و تلبسه بما يشترط فيه الطهارة بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل حكى الإجماع عليه بعض شراح منظومة الطباطبائي، بل لعله كذلك نظرا إلى السيرة القاطعة المعتضدة بإطلاق ما دل (1)على طهارة سؤر المسلم، و إن كان هو غير مساق لذلك، و بتعارف عدم السؤال عن إزالة النجاسات مع القطع بعروضها، بل قد يعد السؤال من المنكرات كالإنكار على مخالفة الضروريات المرجحة للعمل بظاهر حال المسلم من عدم عصيانه و سهوه و نسيانه على الأصل.

مع أنه ناقش بعض الأساطين في أصل جريانه هنا من حيث ظهور أدلته فيما يتعلق بالمكلف نفسه لا غيره، و الأمر بالغسل للمكلف أعم من وجوب احتراز الغير له حتى يعلم بالغسل، كآخر بأنه معارض بالأصل في الملاقي أيضا، و ان كان هما كما ترى مع أنهما لم يثبتا الطهارة نفسها، كاستدلال بعضهم بأنه لم يثبت تنجيس المتنجس هنا و إن قلنا به في غير المقام.


1- 1 الوسائل- الباب- 7 و 8- من أبواب الأسئار.

ج 6، ص: 302

فالعمدة حينئذ ما ذكرناه أولا من السيرة السابقة المعتضدة بما عرفت، و لعلها كذلك أيضا بالنسبة إلى غير بدنه من ثيابه أو فرشه و أوانيه و غيرها مع القيود السابقة، فتأمل مجمع البرهان و عن المدارك في ذلك كله في غير محله كظاهر المفاتيح، بل الظاهر الطهارة أيضا و إن لم يكن متلبسا بما يشترط فيه الطهارة، وفاقا

لمن عداهم و ظاهر الموجز في الثياب خاصة ممن تعرض لذلك كالشهيدين و أبي العباس في المهذب و الصيمري و الفاضل النراقي و العلامة الطباطبائي و الأستاذ في كشف الغطاء و غيرهم، بل قد يظهر من المحكي عن تمهيد الشهيد الثاني الإجماع عليه، بل حكاه عليه بعض شراح منظومة الطباطبائي، بل هو رحمه الله في نظمه حكى السيرة القاطعة التي هي أعظم من الإجماع، فقال:

و احكم على الإنسان بالطهارةمع غيبة تحتمل الطهارة

و هكذا ثيابه و ما معه لسيرة ماضية متبعة

و هو كذلك، فيقدم بسببها ظهور حال المسلم في التنزه عن النجاسات على الأصل، بل ظاهره رحمه الله كصريح لوامع النراقي و ظاهر كشف الأستاذ، بل و الموجز لكن في البدن خاصة عدم اعتبار علمه بالنجاسة أيضا، فاحتمال مصادفة الطهارة حينئذ كاف، و هو لا يخلو من قوة، إلا أن المعروف بين من تعرض لذلك اعتباره، بل عن التمهيد «انه المستفاد من تعليل الأصحاب، حيث قالوا: يحكم بالطهارة عملا بظاهر حال المسلم، لأنه مما يتنزه عن النجاسة» انتهى. و الاحتياط لا ينبغي تركه.

كما انه لا ينبغي تركه في غير المكلف من الإنسان سيما من لا أهلية له للإزالة، بل و المكلف مع عدم اعتقاد النجاسة، لتقليده مجتهدا لا يقول بها، أو لأنه من العامة الذين لا يقولون بها، بل و المعتقد إذا علم من حاله عدم الاهتمام و الاكتراث بإزالة النجاسات، لتسامحه في دينه، و إن أمكن تنقيح السيرة في جميع ذلك أو أكثره، بل يمكن إدراج بعض غير المكلف من الإنسان كغير المميز في توابع المسلم المكلف من فرشه و أوانيه.

ج 6، ص: 303

نعم ينبغي القطع بعدم مساواة الظلمة أو العمى أو حبس البصر للغيبة، للأصل السالم عن معارضة سيرة و نحوها، إذ ليس المدار على احتمال الطهارة.

كما انه ينبغي القطع بعدم اعتبار غيبة الشخص عن ثيابه و أوانيه و نحوها ما لم تكن من توابع شخص آخر يباشرها، و الأمر واضح بعد أن عرفت مستند الحكم في المسألة و مداره.

[في مطهرية الأرض]

و من المطهرات في الجملة إجماعا محصلا و منقولا و نصوصا(1)مستفيضة حد الاستفاضة و عملا مستمرا التراب بل مطلق مسمى الأرض كما هو معقد أكثر الفتاوى و إجماع غير واحد من الأصحاب، بل هو مستفاد من معتبرة نصوص الباب (2)فما في النبويين العاميين (3)على الظاهر من أن طهور الخفين و النعلين التراب محمول على إرادة ما يشمل الأرض قطعا، أو لا يراد منه الحصر بالنسبة إلى ذلك كالمتن و عبارة المقنعة و التحرير ل باطن الخف بلا خلاف أجده فيه إلا ما عساه توهمه عبارة الخلاف في بادئ النظر، مع إمكان دفعه ثانيه كما أطنب فيه الأستاذ في شرحه على المفاتيح ردا على تفردها في نقل عدم الطهارة عنه، فلاحظ.

و يوهمه أيضا ما عن الإشارة و التلخيص من الاقتصار على النعل مع احتماله بل لعله الظاهر إرادة المثال، و لذا جعله من معقد إجماعه في جامع المقاصد، و من المتيقن في المنتهى، و هو الحجة بعد

النبوي (4)العامي «إذا وطأ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب»

و

صحيح فضالة و صفوان عن ابن بكير عن حفص بن أبي عيسى (5)قال


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب النجاسات.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب النجاسات.
3- 3 كنز العمال- ج 5 ص 88- الرقم 1878 و 1879.
4- 4 كنز العمال- ج 5- ص 88- الرقم- 1879.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب النجاسات- الحديث 6.

ج 6، ص: 304

للصادق (عليه السلام): «اني وطأت عذرة بخفي و مسحته حتى لم أر فيه شيئا فما تقول في الصلاة فيه؟ فقال: لا بأس».

و المناقشة في سند الأولى- بعد الانجبار بما عرفت بناء على صحة انجبار مثله، و في دلالة الثاني بأن أقصاه الصلاة فيه التي هي أعم من الطهارة، ضرورة كون الخف مما يعفى عن نجاسته، لأنه مما لا يتم الصلاة به منفردا- كما ترى، على أنه يمكن دفع الثانية بعد الغض عن إطلاق نفي البأس بظهورها سؤالا و جوابا في نفيه من حيث زوال النجاسة بذلك المسح، لا من حيث عدم التمامية به منفردا كما هو واضح للمنصف المتأمل.

خصوصا بعد اعتضادها بإطلاق

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1)قال: «نزلنا في مكان بيننا و بين المسجد زقاق قذر، فدخلت عليه أبي الصادق (عليه السلام) فقال: أين نزلتم؟ فقلت: نزلنا في دار فلان، فقال: إن بينكم و بين المسجد زقاقا قذرا أو قلنا له إن بيننا و بين المسجد زقاقا قذرا فقال: لا بأس، الأرض يطهر بعضها بعضا».

كالمروي في مستطرفات السرائر عن كتاب

البزنطي عن المفضل بن عمر عن محمد ابن علي الحلبي (2)عن الصادق (عليه السلام) قال: «قلت له: إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه، فربما مررت فيه و ليس علي حذاء فيلصق برجلي من نداوته، فقال: أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ فقلت: نعم، فقال: لا بأس، إن الأرض يطهر بعضها بعضا».

و

حسن المعلى بن خنيس (3)«سأل الصادق (عليه السلام) عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافيا فقال: أ ليس وراءه شي ء جاف؟


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب النجاسات- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب النجاسات- الحديث 3.

ج 6، ص: 305

قلت: بلى، قال: لا بأس، لأن الأرض يطهر بعضها بعضا»

إذ الظاهر أن المراد تطهير بعض الأرض البعض الآخر منها النجس الملاقي للنعل و نحوه على معنى إزالة أثره عما لاقاه بالبعض الآخر، كما يقال الماء مطهر للبول و الدم، أو تطهير بعض الأرض ما لاصق بعضا نجسا آخر منها مما كان عليها من القدم و نحوه، و إلا فاحتمال إرادة تطهير بعض الأرض بعض المتنجسات كالنعل، فلا يكون في المطهر بالفتح عموم أو إطلاق يتناول المقام مما ينبغي القطع بفساده كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام، بل ينبغي القطع بفساد ما ذكرناه ثانيا، لبعد هذا المجاز بل استقباحه حتى لو أريد الإضمار منه، فيتعين الأول حينئذ، لكن في المعالم أنه عليه يكون الحكم المستفاد من الحديث مختصا بالنجاسة المكتسبة من الأرض النجسة.

قد يقال: إنه يمكن أن يكون هذا إشارة إلى أنه بمحض المسح على الأرض لا يذهب الأثر الحاصل من الأرض السابقة مطلقا، بل يبقى فيه بعض الأجزاء من الأرض المتنجسة، فتلك الأجزاء تطهرها الأرض الطاهرة، فلا ينافي عموم الحكم، لورود تلك العبارة في مقامات أخر، بل لعل تفسير الحديث بذلك أولى من غيره، لما فيه من السلامة من المجاز و نحوه، حتى ما قيل أيضا من أن المراد انتقال النجاسة بالوطء عليها من موضع إلى آخر حتى تستحيل، و لا يبقى منها شي ء.

نعم هو موقوف على عدم انعقاد إجماع على عدم طهارة الأرض بذلك، و لعله كذلك، بل نص على ما ذكرناه في البحار، بل ستعرف فيما يأتي زيادة قوة له، فتأمل.

و بعد اعتضادها أيضا بإطلاق

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الأحول (1)في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف، ثم يطأ بعده مكانا نظيفا: «لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا»

بعد تنزيل الشرط فيه على إرادة التقدير لما يزال به أثر


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 306

النجاسة عادة، لإطلاق غيره من النصوص و الفتاوى عدا المحكي عن ابن الجنيد، حيث قال: «إذا وطأ الإنسان رجليه أو ما هو وقاء لهما نجاسة رطبة أو كان رجلاه رطبة و النجاسة يابسة أو رطبة فوطأ بعدها نحوا من خمس عشر أرضا طاهرة يابسة طهر ما ماس النجاسة من رجله و الوقاء لها، و غسلهما أحوط، و لو مسحهما حتى يذهب عين النجاسة بغير ماء أجزأ إذا كان ما مسحها به طاهرا» انتهى. مع احتماله ما سمعته في الرواية أيضا، بل هو أولى لقوله: «نحو» فتأمل.

و بمساواته للنعل الثابتة طهارة أسفله بها بإجماع جامع المقاصد، و بما في المنتهى أنه من المتيقن، و إطلاقات الأخبار السابقة، بل

في النبوي (1)و ان كان عاميا «إذا وطأ أحدكم بنعليه الأذى فطهورهما التراب»

معتضدا ذلك كله بعدم خلاف أجده فيه، إذ اقتصار المصنف في نافعة على الخف و القدم لا صراحة به بل و لا ظهور، بل يمكن تحصيل الإجماع، بل هو كذلك مع ملاحظة الفتاوى و إطباق الناس قديما و حديثا على صلاة الحفاة و المتنعلين، و دخولهم المساجد من غير غسل الأقدام و النعال مع غلبة الظن على النجاسات، بل و مع القطع بها، بل لو كلفوا لكان فيه من الحرج ما لا يخفى.

و لو لم يكن في المقام إلا هذا لكفى في طهارة أسفل القدم و النعل فكيف مع ما سمعته في الثاني الذي هو بجميعه عدا النبوي منه ثابت في سابقه أيضا، بل بعضها كصحيح الأحول ظاهر فيه، بل صحيح الحلبي و حسن ابن خنيس و المروي في مستطرفات السرائر نص فيه.

ك

صحيح زرارة(2)عن الباقر (عليه السلام) «في رجل وطأ على عذرة فساخت


1- 1 كنز العمال- ج 5- ص 88 الرقم 1879 لكن فيه« بخفيه» بدل« بنعليه» كما تقدم في التعليقة 4 من الصحيفة 303.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب النجاسات- الحديث 7.

ج 6، ص: 307

رجله فيها أ ينقض ذلك وضوءه؟ و هل يجب عليه غسلها؟ فقال: لا يغسلها إلا أن يقذرها، و لكنه يمسحها حتى يذهب أثرها و يصلي».

و

صحيحه الآخر(1)«جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله، و يجوز أن يمسح رجليه و لا يغسلهما»

فتوقف الفاضل فيه في المنتهى في غير محله قطعا كترك التمثيل به عن المقنعة و المراسم و الجامع و النزهة و الإشارة و التلخيص ان كان لذلك، لكن الظاهر إرادتهم المثال لما ذكروه مقتصرين عليه، بل لعل ملاحظة جمع الثلاثة من بعض، و الأولين خاصة من آخر، و الآخرين كذلك من ثالث، و الأول و الأخير من رابع، و الاقتصار على الأول من خامس، و على الأخير من سادس يومي إلى التعدية لغير الثلاثة مما يوقى به القدم من الأرض مثلا، و لعله لذا كان من معقد إجماع جامع المقاصد كل ما ينتعل به كالقبقاب، بل هو الأقوى وفاقا لجماعة منهم الإسكافي و السيدان في المنظومة و الرياض، لا طلاق كثير من الأخبار السابقة خصوصا المستفيض من

قوله (عليه السلام): «إن الأرض يطهر بعضها بعضا»

الذي لا يقدح في شهادته لما نحن فيه ندرة بعض ما يوقى به كما توهم، ضرورة أن المطلق فيه نفس الأرض.

نعم لو كان الدليل صحيح الأحول خاصة لأمكن المناقشة بذلك، بل قد يقال باستفادة طهارة خشبة الأقطع منه بعد الغض عن دعوى مساواتها للنعل أو القدم، بل و كعب عصاة الأعمى و عكاز الرمح و نحو ذلك، إلا أن الأحوط خلافه.

بل يمكن إلحاق من يمشي على ركبتيه أو عليهما و على كفيه بذلك، بل و ما توقي به هذه أيضا، بل و نعل الدابة و نحوه، بل و حواشي القدم مثلا القريبة من أسفله و إن كانت هي من الظاهر.


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 308

بل قد يدعى ظهور صحيح زرارة السابق المشتمل على السؤال عن رجل ساخت رجله في ذلك، ضرورة ظهور السوخ فيه، بل في ظاهر كشف الأستاذ الحكم بطهارة الحواشي المذكورة تبعا للأسفل و ان لم تمسح بالأرض، و هو جيد لولا مطلوبية التوقف و الاحتياط في أمثال ذلك كلها، و كذا منه و غيره يستفاد أنه لا فرق في الطهارة المذكورة بين المشي و المسح و غيرهما كما نص عليه جماعة، و يقتضيه التدبر في الأخبار السابقة، و لا بين كيفيات المسح من جعل الحجر مثلا آلة للمسح و غيره.

بل قيل: إن إطلاقه كغيره من الأخبار يقتضي عدم اعتبار طهارة الأرض في التطهير، بل مال إليه في الروضة و الرياض، بل نسبه في الأول إلى إطلاق الفتاوى، إلا أن الأقوى خلافه، وفاقا للإسكافي و أول الشهيدين و ثاني المحققين، للأصل السالم عن معارضة غير ذلك الإطلاق المشكوك في إرادة الأعم من الطاهر منه، لعدم سياقه له، و لقاعدة اعتبار سبق الطهارة في المطهر المتفق بين الفقهاء عليها على الظاهر، كما اعترف به الأستاذ في شرحه على المفاتيح، بل كان في بالي حكاية الإجماع من بعضهم عليها، بل تقدم منا في مبحث الغسالة ما يستفاد منه تحصيل الإجماع عليها أيضا، و لما يحصل للفقيه من تتبع محال التطهير بالماء حدثا و خبثا بل و بالأرض حدثا

بل و خبثا في غير المقام كحجر الاستنجاء من قوة الظن بذلك، خصوصا مع ملاحظة تصريح الجماعة الذي لا يعارضه عدم تعرض غيرهم له.

مضافا إلى ما قيل من إشعار صحيح الأحول و حسنة المعلى المتقدمتين به، و إلى ما في الحدائق من الاستدلال بقوله (صلى الله عليه و آله) المروي في عدة طرق فيها

الصحيح و غيره (1): «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا»

فان الطهور أعم من الحدث و الخبث، و قد تقدم أنه الطاهر المطهر، ثم قال: «إنه لم يلم بهذا أحد من الأصحاب، بل استدلوا بأن النجس لا يفيد غيره طهارة، كما أنهم في بحث التيمم لم يستدلوا به على


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التيمم.

ج 6، ص: 309

طهارة التراب، انما ذكروا الإجماع، نعم استدل به بعض المتأخرين و تنظر فيه، فليت شعري أين مصداقه الذي افتخر (صلى الله عليه و آله) به- إلى أن قال-: ما هذا إلا غفلة تبع فيها المتأخر المتقدم».

قلت: لعلهم تركوا الاستدلال به هنا أولا لما عرفت في أول الكتاب من مجازية الطهارة في إزالة الخبث شرعا، و انه إن كان حقيقة فهو عند المتشرعة، فارادة المعنيين منه حينئذ هنا ممنوعة أو موقوف على القرينة، بل و كذا إن قلنا باشتراكه لفظا بين رفع الحدث و الخبث، على أنه قد يدعى ظهوره في إرادة الحدث هنا بقرينة المسجد، و ثانيا بعد التسليم لا دلالة فيه على الاشتراط كما هو واضح بعد التأمل، خصوصا إن قلنا إن المراد منه جعلت لي الأرض طاهرة مطهرة، فيكون مساقا لبيان أصل خلقة الأرض كذلك، فتأمل.

و في اعتبار جفاف الأرض في التطهير و عدمه وجهان بل قولان، أحوطهما أقواهما وفاقا للإسكافي و الثانيين في الجامع و المسالك و غيرهم، و خلافا لنهاية الفاضل و روضة الثاني و ذخيرة الخراساني و رياض المعاصر، للأصل و ما يشعر به بل يدل عليه حسن المعلى بإبراهيم، و صحيح الحلبي المروي في مستطرفات السرائر المتقدمان سابقا، بل و غيرهما أيضا باعتبار تعارف المسح و الإزالة بالجفاف في الاستنجاء و غيره، فالاطلاقات حينئذ بنفسها يمكن انصرافها إلى ذلك فضلا عن ملاحظة المعتبرين السابقين.

فما في الرياض من أن الأقوى عدم اشتراط الجفاف، لقصور سند الخبرين مع عدم الجابر عن إطلاق أكثر النصوص و الفتاوى لا يخلو من نظر، سيما دعواه القصور، ضرورة صحة الخبرين بناء على الظنون الاجتهادية.

كما أن ما في مجمع البرهان من أنه لم يظهر وجه لاعتبار الجفاف إلا تخيل نجاسة الأرض، و هو غير ضار كرطوبة النجاسة، إذ الضار سبق النجاسة لا الحاصلة بنفس

ج 6، ص: 310

التطهير كما قيل مثله في غسالة الماء القليل كذلك لا يخلو من نظر، لما عرفت من كون الوجه غير ذلك أولا، و للفرق بين المقامين ثانيا، إذ أقصى ما يمكن تسليمه عدم ضرر نجاسة نفس الأرض بنفس الإزالة كما في الاستنجاء بالحجر، لا الرطوبة الكائنة على الأرض من ماء و نحوه القاضية بنجاسة المطهر و المطهر بسبب ملاقاتها للنجاسة، كما هو واضح، بل لعل ذلك كاف في إثبات المطلوب فضلا عما تقدم.

بل يمكن تنزيل كلام من لم يعتبر الجفاف على إرادة الاكتفاء بالأرض الرطبة رطوبة غير متعدية لا المتعدية، كما قد يومي اليه ما عن نهاية الفاضل التي هي الأصل في هذا الخلاف من أن الأقرب عدم الطهارة لو وطأ و حلا، بل و كذا روضة الثاني، و إن كان بعيدا فيها، فتأمل. فيكون النزاع حينئذ لفظيا، إذ المراد بالجفاف عند من اعتبره عدم التعدي لا عدم النداوة أصلا، فالطهارة بالفرض المذكور متفق عليه بين الفريقين كما اعترف به في الروض، كما أن عدمها في ذي الرطوبة المتعدية كذلك، بناء على التنزيل المذكور الذي يشهد له استبعاد حصول الطهارة مع تلك الرطوبة المتعدية اللهم إلا أن يريدوا بذلك زوال النجاسة السابقة عن القدم و ان تنجس بالرطوبة اللاحقة، فتأمل جيدا.

ثم المدار في التطهير بالأرض على زوال العين قطعا، و هل يعتبر زوال الأثر أيضا كما صرح به في جامع المقاصد و منظومة الطباطبائي أولا كما في كشف الأستاذ؟

وجهان ينشئان من الأصل و

قول أبي جعفر في صحيح زرارة(1)المتقدم: «يمسحها حتى يذهب أثرها»

و معروفية توقف تطهير النجاسات على إزالة آثارها، على أن المراد بالأثر هنا هو الأجزاء الصغار التي تبقى ملتصقة من عين النجاسة، فيدل على وجوب إزالتها حينئذ ما دل على وجوب إزالة أصل العين


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب النجاسات- الحديث 7.

ج 6، ص: 311

و من إطلاق باقي النصوص (1)و مناسبته لسهولة الملة و سماحتها، بل و لحكمة أصل مشروعية هذا الحكم من التخفيف و نحوه، بل في التكليف بوجوب إزالة ذلك من العسر و الحرج ما لا يخفى، بل يمكن دعوى تعذره عادة،

بل يمكن دعوى ظهور سائر النصوص في ذلك، بل يمكن تنزيل خبر الخصم على ذلك أيضا بأن يراد من الأثر الأجزاء التي لا يعتاد بقاؤها، و لا يصدق عرفا ذهاب تمام العين مع وجودها، لا الأثر بالمعنى السابق، كما عساه يومي اليه صحيح هذا الراوي (2)بعينه الآخر المتقدم آنفا المشتمل على حكم ما نحن فيه مع الاستنجاء الظاهر في مساواتهما في كيفية التطهير، و قد عرفت في ذلك الباب عدم وجوب إزالة الأثر، بل مع قطع النظر عن هذا الصحيح يمكن للفقيه الماهر بملاحظة ما تقدم هناك تحصيل الظن إن لم يكن القطع بمساواتهما في ذلك، و انه به يفرق بينه و بين التطهير بالماء، بل بدونهما يمكن القطع إذا لا حظ السيرة و تعذر إزالة تلك الأجزاء أو تعسرها، خصوصا ما يكون في الشقوق منها، كتعذر العلم بذلك أو تعسره بالحكم المذكور، سيما مع ملاحظة عدم شي ء من هذه المداقة في النصوص، بل ظاهر الاكتفاء بها بالخمسة عشر ذراعا و نحوه خلافه، بل لعل التأمل فيها مع الاستقامة يشرف الفقيه على القطع بذلك، فلا ريب أن الأقوى الثاني.

هذا كله إن كانت عين النجاسة موجودة فيما يراد تطهيره، أما إذا لم تكن بل كانت نجاسة حكمية خاصة كفى في الطهارة مجرد المماسة كما صرح به الطباطبائي في منظومته، و الأستاذ في كشفه، بل اليه يرجع ما في المعتبر و المنتهى و الذكرى و الذخيرة و غيرها من التصريح بعدم اشتراط جرمية النجاسة و جفافها في الطهارة، بل ظاهر نسبة الخلاف في أكثرها إلى بعض الجمهور خاصة عدمه بيننا، بل الإجماع عليه عندنا، و لعله لإطلاق الأدلة و أولويتها من العينية، و فحوى الاكتفاء به في الاستنجاء، بل هي هي و زيادة.


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب النجاسات.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب النجاسات- الحديث 10.

ج 6، ص: 312

لكن قد يناقش فيه إن لم يكن مجمعا عليه بمنع الأولوية و ظهور الأدلة في العينية التي تزال بالمسح و الدلك و المشي و نحوها، و تتبعها الحكمية، لا إذا كانت هي لا غير، و الأمر سهل.

و ظاهر المصنف كباقي الأصحاب اختصاص الأرض في التطهير لتلك الأشياء فلا يجزئ مسحها ببعض الأجسام المزيلة لذلك و ان كان على وجه أبلغ من الإزالة بها، للأصل و ظاهر النبويين السابقين السالمين عن معارضة إطلاق بعض الأدلة بعد انصراف المسح فيها و نحوه إلى الغالب المتعارف من آليته لنحو هذه الأمور سيما بعد انجبار ذلك بتطابق الفتاوى ظاهرا عليه بحيث لم يعرف قائل بالتعدي كما اعترف به الأستاذ في شرحه للمفاتيح و غيره، فما عساه يظهر- من إطلاق عبارة الإسكافي السابقة من الاجتزاء بذلك كما عن نهاية الفاضل الاشكال فيه، بل في الذخيرة أن القول به لا يخلو من قوة للإطلاق- في غير محله قطعا، بل يمكن تنزيل عبارة أولهم على ما سمعته من الغلبة، فتخلو المسألة حينئذ عن المخالف كخلوها عن الدليل المعتبر، إذ الإطلاق منزل على ما عرفت، و القياس على الاستنجاء لا نقول به، و إن أشعر صحيح زرارة بمساواتهما، فتأمل جيدا.

[في حكم ماء المطر]

و من المطهرات في الجملة كتابا(1)و سنة(2)إجماعا بل ضرورة ماء الغيث إذ هو كالجاري لا ينجس بغير التغيير في حال وقوعه و تقاطره على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة عظيمة كما في اللوامع، بل عن الروض نسبته إلى عامتهم عدا الشيخ، بل في المصابيح بعد نسبته إلى فتوى الأصحاب انه لم يثبت مخالف ناص إلى آخره. لكن إذا كان تقاطرا عن قوة بحيث يصدق عليه اسم المطر


1- 1 سورة الفرقان- الآية- 50.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الماء المطلق.

ج 6، ص: 313

و الغيث لا قطرات يسيرة حتى القطرة و القطرتين، كما حكاه الشهيد الثاني عن بعض السادات المعاصرين له.

و لا حال جريانه من ميزاب مع اتصاله بالنازل من السماء و عدم انقطاعه عنه بلا خلاف أجده فيه، بل هو مجمع عليه، كما أنه المتيقن من الأدلة، بل ظاهر تهذيب الشيخ و مبسوطة اشتراط كونه كالجاري بذلك، كما عن الجامع بل و الوسيلة و الموجز، و إن كان لم يثبت ذلك عن الأخير، بل ظاهر ما حضرني من نسخته خلافه كما أن سابقه لم يذكر الميزاب، بل قال: و حكم الماء الجاري من المشعب من ماء المطر كذلك، أي كالجاري، و المشعب كما عن القاموس الطريق، و كمنبر المثقب الطريق العظيم، لكن الظاهر منه إرادة مطلق المجرى من الميزاب.

و شبهه فيتحد حينئذ مع الشيخ بناء على إرادته ذلك أيضا من الميزاب في أنه لا ينجس إذا كان كذلك إلا أن تغيره النجاسة بل قد يريدان مسمى الجريان كما في غسل البدن و نحوه أي مجرد الانتقال من مكان و نحوه، فيتحدان حينئذ مع مختار كشف اللثام في اشتراط ذلك المنفي عنه البعد في المدارك و الكفاية، بل قد يريدون جميعا به الأعم من القوة كما إذا كان كثيرا و الفعل، فيتحد حينئذ مع ما في الحدائق و عن الأردبيلي من اعتبار ذلك حقيقة أو حكما، بل هو قريب جدا بالنسبة إلى كلام الشيخ و ابن زهرة، بل يمكن القطع به، نعم هو بعيد جدا إن لم يكن ممتنعا بالنسبة إلى كلام كشف اللثام.

لكن عليه و على ما سمعت تكون الأقوال حينئذ ثلاثة: المشهور، و هو عدم اشتراط ما يزيد على ما يسمى به مطرا أو غيثا، و الاكتفاء بالقطرة و القطرتين، و اعتبار الكثرة و الجريان و لو قوة، و بدون ذلك تكون ستة أو سبعة كما هو واضح بعد التأمل:

الثلاثة السابقة، و القول باعتبار الجريان فعلا من الميزاب خاصة، أو منه و نحوه،

ج 6، ص: 314

أو مسمى الجريان و إن لم يكن من ميزاب و نحوه، بل كان كجريان ماء أعضاء الطهارة، و إن كان الأول من هذه الثلاثة محتملا لإرادة المثالية من الميزاب، بل و لا رادة الحكمي من الجريان، أي يعتبر بلوغ المطر حدا يجري

من الميزاب و نحوه و إن لم يجر منهما، أو حد الجريان مطلقا و إن لم يجر أصلا، بناء على جعل الميزاب مثالا لأصل الكثرة.

ثم انه هل يختص الحكم بالجاري حقيقة أو حكما أو يثبت لمطلق ماء المطر بمجرد جريانه كذلك في بعض المواضع؟ وجهان، لم أعثر على من نص على أحدهما، كما أنه بناء على اعتبار التقدير لم ينصوا على أنه هل يعتبر الأرض بأن تكون مثلا وسطا في الصلابة و الرخاوة، فلا تكون صخرا ينحدر عنه الماء سريعا و لا رملا يغور فيه، و كذلك بالنسبة إلى استوائها و انحدارها، إلا أنه ظهر لك كون الأقوال ستة أو سبعة أو أزيد، بناء على عدم رجوع بعضها إلى بعض، بل لعل ما استظهر من العلامة من اعتبار الكرية هنا كما اعتبرها في غيره من أفراد الجاري يكون قولا آخرا، لكن المحكي عنه في المنتهى و التحرير و نهاية الأحكام و التذكرة أن ماء المطر كالجاري البالغ كرا و إن لم يبلغه هو، بل هو محتمل عبارته في القواعد أيضا، بل قد يؤيده استبعاد اعتبارها من مثل العلامة، لمنافاته للأدلة أولا، و سماجته ثانيا، إذ لم يعلم اعتبارها في الموجود بالسحاب أو في الواقع على الأرض أو ما بينهما، و على الثاني فهل المدار على اجتماع ذلك في مكان خاص، أو يكفي تقديره بالنسبة إلى تمام الواقع عليها، إلى غير ذلك من الأمور المستبعد التزامها جدا، و لعله لذا حكي عن المجمع دعوى الإجماع على عدم اشتراط الكرية هنا.

و كيف كان فالمشهور هو الأقوى، للأصل و العمومات و ظاهر الكتاب معتضدا بفتوى المعظم، بل عدم ثبوت المخالف الناص كما سمعت، بل في حاشية المدارك للأستاذ قيل: لا خلاف في عدم انفعاله حال تقاطره، بل قد يشهد له استبعاد القول بنجاسة المياه الكثيرة المجتمعة من الأمطار الغزيرة في الأرض المستوية، بل هو معلوم البطلان،

ج 6، ص: 315

و إن كان هو لازما للقول باعتبار الجريان فعلا، كما أن لازم ظاهر الشيخ من اعتبار الميزاب نجاسة الفرض المذكور و إن جرى في الأراضي المنحدرة، بل و إن صارت كالأنهار العظيمة، و هو معلوم البطلان.

هذا كله مع موافقته لسهولة الملة و سماحتها، بل عسر الاحتراز عن ماء المطر و طينه المباشر للنجس، و السيرة المستقيمة التي اعترف بها غير واحد من الأساطين.

و النصوص المستفيضة ك

مرسل الكاهلي (1)عن الصادق (عليه السلام) قال:

«قلت: يسيل علي من ماء المطر أرى فيه التغير و أرى فيه آثار القذر، فتقطر القطرات علي و ينتضح علي منه و البيت يتوضأ على سطحه فكيف على ثيابنا، قال: ما بذا بأس، كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر».

و

مرسل محمد بن إسماعيل (2)عن أبي الحسن (عليه السلام) «في طين المطر انه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام إلا أن يعلم أنه قد نجسه شي ء بعد المطر».

و

مرسل الفقيه (3)«سئل يعني الصادق (عليه السلام) عن طين المطر يصيب الثوب فيه البول و العذرة و الدم، قال: طين المطر لا ينجس».

و

خبر أبي بصير(4)سأل الصادق (عليه السلام) «عن الكنيف يكون خارجا، فتمطر السماء فتقطر علي القطرة، قال: ليس به بأس».

و

صحيح هشام بن سالم (5)انه سأل الصادق (عليه السلام) أيضا «عن السطح يبال عليه فتصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب، فقال: لا بأس به، ما أصابه من الماء أكثر».


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الماء المطلق- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 75- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الماء المطلق- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الماء المطلق- الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الماء المطلق- الحديث 1.

ج 6، ص: 316

و

صحيح علي بن جعفر(1)«سأل أخاه عن الرجل يمر في ماء المطر و قد صب فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل أن يغسله؟ قال: لا يغسل ثوبه و لا رجله و يصلي فيه و لا بأس»

إلى غير ذلك.

و المناقشة في سند بعضها يدفعه الانجبار بما عرفت، كالمناقشة في الدلالة بعد تضمن شي ء منها أنه كالجاري أولا، و بتناولها لما بعد النزول و الانقطاع الذي نقل الإجماع غير واحد منهم الفاضل الأصبهاني في كشفه، و العلامة الطباطبائي في مصابيحه على أن حكمه حينئذ حكم الواقف ثانيا، و بأنها مطلقات قابلة للحمل على غيرها ثالثا، لوضوح اندفاعها بعدم الفرق بين التصريح بكونه كالجاري و بين تضمنها للوازمه من عدم تنجسه بملاقاة النجاسة و تطهيره لكل ما يراه، و ترك الاستفصال عن الطين المحكوم بطهارته قبل أن يتنجس أنه هل كان من أرض نجسة مثلا أولا، بل قد عرفت التصريح في بعضها بأن فيه البول و العذرة و الدم، كالتصريح في آخر بأنه كيف من السطح الذي يبال عليه، و المراد بأنه يخرق السقف و يسقط، و بأن العام المخصوص حجة عندنا، و بقصور المقيد بعد تسليم قابليتها جميعها لذلك عن التقييد كما هو واضح.

بل يمكن دعوى حصول القطع للفقيه بمساواة الغيث للجاري إذا لا حظ مجموع أخبار المقام بعد استقامة الفهم، كما انه يمكنه القطع بفساد الأقوال السابقة بمجرد تصورها من غير احتياج إقامة أدلة على ذلك، خصوصا إذا لاحظ خلوها عن الشاهد المعتبر، إذ ليس هو إلا أدلة القليل الواضح عدم شمولها للمقام، و بعد التسليم يجب الخروج عنها ترجيحا لما سمعت عليها.

و

صحيح علي بن جعفر(2)عن أخيه موسى (عليهما السلام) قال: «سألته عن البيت يبال على ظهره و يغتسل من الجنابة ثم يصيبه المطر أ يؤخذ من مائه فيتوضأ به


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الماء المطلق- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الماء المطلق- الحديث 2.

ج 6، ص: 317

للصلاة؟ فقال: إذا جرى فلا بأس به».

ك

خبره الآخر(1)المروي عن كتابه سأل أخاه أيضا «عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أ يصلى فيه قبل أن يغسل؟ قال: إذا جرى به المطر فلا بأس»:

و

الآخر أيضا المروي (2)عن كتابه و الحميري سأل أخاه أيضا «عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فيكف فيصيب الثوب أ يصلى فيه قبل أن يغسل؟ قال:

إذا جرى من ماء المطر فلا بأس».

و هي- مع إمكان الطعن في سند الأخيرين لعدم ثبوت تواتر كتابه، و ظهور الثالثة في إرادة الاحتراز عن ماء الكنيف، بل لعلها في خلاف المطلوب أظهر منها فيه- محتملة جميعا لورود الشرط فيها مورد الواقع، كما في قوله تعالى (3)«إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً» ضرورة ظهور السؤال بلوغ المطر حد الجريان، و فائدة الشرط حينئذ التنصيص على مورد السؤال، كما أن أولها الذي هو العمدة في المقام محتمل أيضا لإرادة بيان عدم التمكن من الأخذ غالبا بدونه، لا لنجاسة الماء إذا انتفى الجريان، و لبيان أنه بدونه مظنة التغير بنجاسة السطح، خصوصا و قول: «يبال عليه» مشعر بتكرر ذلك، بل يكون كالمعد له، و لا ريب ان للبول مع ذلك أثرا باقيا محسوسا، فإذا كان المطر قليلا لا يبلغ حد الجريان لزمه التغير فينجس به دون الملاقاة، و لإرادة التدافق و التكاثر منه احترازا عن القطرات اليسيرة التي لا يعتد بها، و لإرادة نفي البأس حال جريانه و نزوله، و الغرض المنع عن أخذه بعد الانقطاع، بناء على عدم طهارة السطح بمجرد وصول ماء المطر إليه، فإنه إذا لم يطهر به و بقي فيه شي ء بعد الانقطاع نجس بمحله النجس، فلم يجز استعماله في الطهارة، و لإرادة النزول من السماء على أن يكون مرادا به التعليل لا الشرط


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الماء المطلق- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الماء المطلق- الحديث 3.
3- 3 سورة النور- الآية 33.

ج 6، ص: 318

حتى يرد عليه أنه لا طائل تحته، على أن أقصاه ثبوت البأس الذي هو أعم من المنع، إذ لعل وجهه توقف النظافة، بل لو سلم إرادة المنع منه فهو أعم من النجاسة، إذ لعله لكونه بعد الانقطاع غسالة غير رافعة للحدث، بل ظاهر الصحيح المذكور إناطة بعض الأحكام بالجريان، و هو لا ينافي ثبوت غيره، بل ربما قيل إنه لا يراد منه الشرط هنا قطعا، ضرورة أنه إذا لم يكن طاهرا لم يطهره الجريان.

لكن قد يدفعه أن الخصم لا يلتزم نجاسته لو باشر نجاسة قبل أن يجري حتى يرد عليه عدم معقولية الطهارة بالجريان، بل حكي الإجماع على عدم ذلك، بل لعله يقول: إذا جرى انكشف أنه من الماء الذي لا يقبل النجاسة بالملاقاة نظير المختار بالنسبة للقطرات اليسيرة ابتداء، فإنه ينكشف عدم قابليتها للنجاسة إذا تواتر بعدها المطر و قوي مثلا، لا أنها تنجس ابتداء، فيسقط حينئذ رد الصحيح من هذا الوجه.

بل قد يناقش في بعض ما تقدم من الوجوه السابقة أيضا، إلا أن ذلك لا يقدح في جميع ما سمعت، إذ البعض كاف حينئذ.

كما أنه يكفي في رد ما عساه يتمسك به لمن اعتبر الكثرة الموجبة للجريان تقديرا- من صحيح هشام بن سالم المتقدم سابقا، فان قوله (عليه السلام) فيه: «ما أصابه من الماء أكثر» بمنزلة التعليل لنفي البأس، فيفهم منه ثبوته إذا لم يكن كذلك- أن يقال: إن المراد بالأكثرية هنا القهر و الغلبة دون المقدارية، إذ البول الجاف لا مقدار له، على أن أكثرية الماء من البول لا تقتضي تحقق الجريان فيه، إذ ربما لم يجر و هو أكثر منه، و محتمل لرجوع ضمير «أصابه» إلى الثوب، أي أن القطرات الواصلة للثوب أكثر من البول الذي أصابه.

بل قد يقال: إن انتفاء العلة المنصوصة لا يقتضي انتفاء المعلول و إن كان اطرادها يقتضي اطراده، بناء على حجية منصوص العلة، إلى غير ذلك.

ج 6، ص: 319

و كذا ما يتمسك به للقائل بطهارة القطرة و القطرات من عموم مرسل الكاهلي يدفعه المنع من تسميته ماء مطر، كما أنه يدفع ما يقال لو نجست القطرة بالملاقاة لنجس الأكثر بذلك أيضا، إذ المطر ليس إلا قطرات متعددة أنه من الجائز تقوي القطرة باتصال التقاطر، كتقوي الجرية باتصال الجاري، و هو واضح.

فظهر لك من ذلك كله بحمد الله ان التحقيق كونه كالجاري جرى حقيقة أو حكما أو لم يجر، فالماء النجس يكفي في تطهيره حينئذ وقوع قطرات المطر عليه، لاتصاله حينئذ بالجاري من غير حاجة إلى انتظار الامتزاج، بناء على عدم اعتباره في أمثاله، بل و عليه أيضا، لإمكان دعوى الاستغناء هنا خاصة بقوله (عليه السلام): «كل شي ء رآه ماء المطر» معتضدا بإطلاق الآيتين (1)إن قلنا باستفادة تعميم كيفية التطهير منهما، و القول بعدم صدق رؤية ماء المطر له إلا باستيعابه تماما المتعذر ذلك بالنسبة للتقاطر، بل إن كان يتحقق فهو بغيره مما لا ينبغي أن يصغى اليه، بل يمكن أن يدعى الصدق المذكور بالقطرة الواحدة، فيطهر بها حينئذ كما حكاه الشهيد الثاني عن بعض من عاصره من السادة، بل قال هو: «إنه ليس ببعيد، لكن العمل على خلافه» انتهى. قلت:

و هو كذلك، بل قد يمنع كونه على خلافه، أو يسلم و يمنع حجية مثله.

كما أنه يؤيد بما تقدم تقريره هناك في باب المياه من أن القطرة الواحدة المحكوم عليها بأنها كالجاري بعد اتصالها بالماء النجس فاما أن يطهر النجس أو ينجس الطاهر أو يبقى كل على حكمه، لا سبيل للثالث، إذ ليس لنا ماء واحد بعضه طاهر و بعضه نجس، كما لا سبيل لسابقه بعد فرض كونه كالجاري، فلم يبق إلا الأول، فيطهر حينئذ أول جزء ثم يطهر الباقي في زمان واحد، و هذا لا ينافي ما قدمناه سابقا من عدم الاجتزاء بالقطرة و القطرتين للفرق الواضح، إذ المراد بعدم الاجتزاء هناك انما هو في أصل


1- 1 سورة الأنفال- الآية 11 و سورة الفرقان- الآية 50.

ج 6، ص: 320

مسمى المطر لا بالنظر إلى ما يصيب منه بعد تحققه، لكن ربما اشتبه ذلك على بعضهم فظنهما من واد واحد، و لذا نسب إلى السيد الذي هو في عبارة الشهيد القول بالاجتزاء بالقطرة و القطرتين في أصل المطرية، و جعله قولا مستقلا من الأقوال السابقة، و الأمر سهل بعد أن عرفت ضعفه على أحد التقديرين، و صوابه على الآخر.

و ما عن المعالم- من الحكم بغلطه أيضا للفرق بين المقامين بتقوي الجزء الملاقي للنجس باتصاله بالكثير، أو ما كان بحكمه هناك، بخلافه هنا، إذ أقصاه تطهير القطرة ما تلاقيه، ثم يجري عليها حكم الانقطاع بعد ذلك، و هي بعده في حكم القليل، فليس للجزء الذي طهر بها مقوم حينئذ ليستعين به، بل هو معها حين الانقطاع ماء قليل ينجس بالملاقاة- من غرائب الكلام، ضرورة أن القطرة بالنسبة إلى أول ملاقاتها بحكم الجاري قطعا، ففي آن طهارة الجزء الملاقي لها يطهر الجميع حينئذ دفعة من غير حاجة إلى ترتب زماني كما تقدم ذلك في محله، أقصاه التقدم ذاتا، و هو كاف، و جريان حكم الانقطاع عليها بعد ذلك غير ضائر، على أنه يجري مثل الاشكال المذكور أيضا فيما لو تواتر القطرات على الماء النجس، لحصول الانقطاع بالنسبة إلى كل قطرة لاقت ذلك الماء، فتنجس به حينئذ، و هو واضح الفساد عند القائلين بكونه كالجاري حال تقاطره.

هذا كله بعد الإغضاء عما يمكن دعواه في المقام و إن لم أجده محررا في كلام الأصحاب، بل المحرر غيره من القول بأن ماء المطر له حكم الجاري حال تقاطره قبل ملاقاته جسما من الأجسام، و بعده أيضا لكن بشرط عدم انقطاع التقاطر من السماء، و عدم صيرورته في مكان يصدق عليه اسم الانقطاع عن المطر عرفا، كما لو وضع في خابية و ترك في بيت مثلا، بل كان متعرضا و متهيئا لوقوع التقاطر عليه، فان الظاهر جريان حكم الجاري عليه بنفسه كما كان حال تقاطره قبل استقراره، لا لاتصاله بالجاري

ج 6، ص: 321

أي القطرات الواقعة، و إلا فهو في حكم المنقطع كما صرح به الطباطبائي في مصابيحه، بل ظاهره فيها انه من المسلمات، فإنه بعد أن ذكر حكم ماء المطر بعد الانقطاع من النجاسة لو كان قليلا و عدمها لو كان كرا و استدل عليه بالإجماع و الأخبار قال: «و المراد بانقطاع المطر انقطاع تقاطره من السماء لا مطلقا، فلو انقطع كذلك ثم تقاطر في سقف أو جدار فبحكم الواقف، و كذا لو جرى من جبل أو أرض منحدرة بعد سكون المطر، و يحصل الانقطاع في القطرات النازلة بملاقاتها لجسم و لو قبل الاستقرار على الأرض، فلو لاقت في الجو شيئا ثم سقطت على نجس نجست بالملاقاة ما لم تتقوّ باتصالها بالنازل بعدها» انتهى، و هو كما ترى صريح في مخالفة ما ذكرنا.

و تظهر الثمرة معه في أمور عديدة: (منها) ما نحن فيه، فإنه بناء عليه لا ينقطع حكم الجريان من القطرات الواقعة على الماء النجس، بخلافه على الوجه الآخر.

و (منها) ان الماء المجتمع من المطر إذا كان فيه عين نجاسة لم ينجس شي ء لاقاه ما دامت السماء تكف و إن اتفق إصابته حال عدم وقوع قطرات عليه، بخلافه على الآخر، فان المتجه عليه النجاسة و إن أصابه حال وقوع التقاطر عليه فضلا عن غيره، إذ القطرات النازلة و إن كانت بحكم الجاري لكنها بعد وقوعها و ملاقاتها للجسم صارت مثله بحكم الواقف، فلا يتقوى بها، و الفرض وجود عين النجاسة من عذرة و نحوها فيه.

و (منها) انه يتم بناء عليه ما ذكره في الذخيرة و الحدائق من تقوي الماء القليل من غير المطر الطاهر بالتقاطر عليه بحيث لا ينفعل بالملاقاة، بناء على المشهور من عدم اعتبار الجريان في مساواته للجاري، بخلافه عليه، إذ أقصاه عليه أنه ينجس و يطهر لا أنه لا ينجس بالملاقاة، اللهم إلا أن يقال فيه و فيما تقدم انه يكتفى في الاتصال بالجاري بنحو ذلك، فترتفع الثمرة حينئذ بيننا في جملة من المقامات، أو يقال إن ذلك كله من أحكام الملاقاة الأولى التي هي بحكم الجاري، إنما البحث في الملاقاة الثانية.

ج 6، ص: 322

و (منها) ما ذكره في كلامه من تنجس القطرة في ثاني الوقوعين بالملاقاة، بخلافه عندنا، إلى غير ذلك من الأمور التي تظهر بالتأمل.

كما أنه بالتأمل في أخبار المقام يظهر دليل ما ذكرنا من عدم انقطاع حكم الجاري عنه بمجرد ملاقاته لجسم من الأجسام حتى خبري الميزابين المروي أحدهما(1)

في الحسن عن الصادق (عليه السلام) «في ميزابين سالا: أحدهما بول و الآخر ماء المطر فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضره ذلك»

و يقرب منه ثانيهما(2)و إن كان الوجه تنزيلهما على الاستهلاك، بل مرسل الكاهلي و خبر أبي بصير المتقدمان آنفا كالصريحين فيه، بل و خبر هشام بن سالم كذلك، بل و غيره بل جميع ما ورد فيما نحن فيه ظاهر في مساواته لحكم الجاري بعد وقوعه و ملاقاته لكونه ماء مطر، لا لاتصاله بماء المطر كما ذكره المحقق المذكور، مضافا إلى استصحاب حكم الجاري نفسه فضلا عن الطهارة.

و كأنه ألجأه إليه رحمه الله- بعد الاقتصار على المتيقن من تخصيص قاعدة القليل بالمتيقن من ماء الغيث، بل قد يدعى ظهوره في النازل من السحاب نفسه- انه لا وجه لجريان حكم الجاري عليه بعد ملاقاته، و إلا لزم أن لا ينجس ما دامت السماء تكف و ان أحيز في آنية و قطع عن التقاطر، و هو ضروري الفساد، و يدفعه أنه لا تلازم، إذ لعل الضابط ما ذكرناه، فتأمل جيدا فإن المسألة من مزال الأقدام، و محتاجة بعد ذلك إلى مزيد كلام لا يسعه المقام، إذ هي ليست محررة في كلام أحد من الأعلام، بل لم يتعرض لها سوى العلامة المزبور في الكتاب المذكور، و أما غيره فأطلق، بل هو نفسه في منظومته كذلك أيضا.

نعم قد يظهر ما قلناه من مجموع ما في كشف الأستاذ هنا الذي منه قوله:


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الماء المطلق- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الماء المطلق- الحديث 6.

ج 6، ص: 323

«و لو ترشح ماء مما يقع على نجاسة العين مع بقاء التقاطر فلا بأس به- ثم قال-: و هو عاصم لما اتصل به من الماء، مطهر لما وقع فيه، معصوم لا ينجس إلا بالتغير» إلى غير ذلك من عباراته، فلاحظ و تأمل، بل ربما يظهر منه الميل إلى كون المتقاطر من النافذ في السقف منه بحكم الجاري أو الشك فيه، حيث قال: «و ما يشك في صدق اسم المطر عليه كالقطرة و القطرتين، و ما يتكون من الأنجرة السماوية من بعض القطرات، و ما حجبه عن السماء حاجب كبعض الغمام الداخل في بعض البيوت المبنية على رؤوس الجبال، و ما تقاطر من السقف بعد نفوذه في أعماقه إن لم يدخل في عموم

قوله (عليه السلام)(1):

«له مادة»

فلا يحكم عليه بحكمه» انتهى.

و هو جيد و إن أمكن المناقشة في المذكور ثالثا في كلامه بمنع الشك فيه بمجرد حجبه عن السماء، لكن الأمر سهل بعد ظهور كلامه الأول فيما سمعت المتجه بناء عليه استثناء ماء الغيث من قاعدة القليل، سواء قلنا بتساوي الورودين في الانفعال و عدمه، إذ ماء الغيث عندنا أعم من النازل و المجتمع منه على الأرض مع بقاء التقاطر بخلافه على غيره، فإنه لا يتجه استثناؤه حينئذ إلا على تقدير القول بالتساوي و إلا فعلى القول بعدمه لا وجه لاستثنائه، لعدم تصور الغيث غالبا إلا واردا، لأنه عليه عبارة عن القطرات النازلة.

و إن أمكن أن يناقش في الأول بأنه عليه لم يظهر فرق حينئذ بين ماء الغيث نفسه و بين غيره إذا كان يتقاطر عليه كالمجتمع من ماء المطر حينئذ، كما أنه قد يوجه الاستثناء على الثاني أيضا بأن طهارة الماء الوارد على القول به مخصوصة بالوارد المتميز عن المورود عليه بعد الورود، فأما غير المتميز كالوارد على الماء النجس فإنه ينجس به على القولين، لاتحاد حكم الماءين المختلطين على الوجه الرافع للتمييز، فيتجه حينئذ استثناء


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- الحديث 6.

ج 6، ص: 324

ماء الغيث، ضرورة عدم كونه كذلك إذا لاقى الماء النجس، و لذا وجب (عدم كونه كذلك إذا لاقى الماء النجس)(1)الحكم حينئذ بطهارته مع اتصاله به، فيستثنى حينئذ من قاعدة القليل لذلك، فتأمل جيدا.

ثم ان كيفية التطهير بالغيث ككيفية التطهير بالجاري لا يحتاج إلى عصر أو تعدد أو نحوهما و لا نجاسة في غسالته و إن كان قليلا، بخلاف الماء القليل غيره الذي يغسل به النجاسة فإنه نجس على الأشهر بين المتأخرين، بل المشهور سواء كان في الغسلة الأولى أو الثانية، و سواء كان متلونا بالنجاسة أو لم يكن، و سواء بقي على المغسول عين النجاسة أو نقي بل و كذا القول في غسالة الإناء على الأظهر عند المصنف لا عند الشيخ، فحكم بطهارة الغسلتين في إناء الولوغ، و الثانية في غيره على ما حكي عنه، بل و لا عندنا لما تقدم سابقا أن الأظهر طهارة ما له مدخلية في نفس تطهير المتنجس من ماء الغسالة من غير فرق بين الإناء و غيره، و الغسلة الأخيرة و غيرها، بناء على مدخليتهما معا في الطهارة، و إلا اختص الحكم المذكور بالأخيرة كما قواه العلامة الطباطبائي فيما حضرني من نسخة منظومته، فقال:

و طهر ما يعقبه طهر المحل عندي قوي و على المنع العمل

و قد تقدم البحث في ذلك مفصلا بحمد الله و بركة محمد و أهل بيته (صلوات الله عليهم) فراجع و تأمل.

[في تطهير الأرض بالقليل]

و منه يظهر لك وجه ما في الخلاف و السرائر و اللوامع، بل هو كصريح مجمع البرهان و ظاهر الذكرى بل و المدارك من تطهير الأرض النجسة بالبول كما في الأولين أو به و بغيره كما هو ظاهر غيرهما، بل و هما إن حمل البول فيهما على المثال بالماء القليل في ذنوب و نحوه الغالب القاهر، و اليه أشار المصنف بقوله و قيل في الذنوب


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح حذف ما بين القوسين.

ج 6، ص: 325

بفتح الذال الذي هو في الأصل كما في مجمع البحرين الدلو العظيم، و لا يقال لها ذنوب إلا و فيها ماء، و كانوا يستقون فيها لكل واحد ذنوب، فجعل الذنوب النصيب، كما عن القاموس انه الدلو فيها ماء أو الملائي أو دون الملائي إذا ألقي على نجاسة على الأرض يطهر الأرض مع بقائه على طهارته ضرورة وضوحه بناء على طهارة الغسالة مطلقا بل و على القول بطهارة الأخيرة خاصة إذا فرض نجاسة الأرض بما لا يحتاج إلى التعدد، بل و به أيضا مع جفاف الغسلة الأولى مثلا، لأن أقصاه صيرورة الأرض نجسة بها أيضا مع النجاسة الأولى، فتطهر هما الغسلة الثانية حينئذ، بناء على عدم اعتبار التعدد في طهارة المتنجس بماء الغسالة و إن كان غسالة واجب التعدد، بل يمكن القول بإمكان التطهر في الفرض و إن لم نقل بطهارة الغسالة، لطهورية الماء و تحقق صدق الغسل الذي هو بالنسبة إلى كل شي ء بحسبه، و الحرج لعدم تيسر غيره في أكثر الأمكنة، و إمكان كون ماء الغسالة كالمتخلف في كثير الحشو و نحوه، و خلو الأدلة عن نفيه مع غلبة وقوعه و قلة التمكن من الماء الكثير في الأزمنة السالفة.

و إشعار قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (1)

و خبر أبي بصير(2)بعد سؤاله عن الصلاة في البيع و الكنائس و بيوت المجوس: «رش و صل»

بناء على الظاهر منه من كون ذلك للتطهير لا تعبدا أو زوال النفرة أو دفع الوسواس بفعل ما ينبغي أن يزيده، كاشعار تعليل طهارة السطح بماء الغيث في صحيح هشام المتقدم سابقا بأن «ما أصابه من الماء أكثر» إن لم يجعل اللام فيه للعهد الخارجي أو بمنزلته، و تعليل طهارة ماء الاستنجاء بأنه أكثر من القذر، و النبوي المروي في الخلاف و السرائر و غيرهما، بل وصف بالمشهور في مجمع البرهان و عن الموجز و البيان، و المقبول في الذكرى.


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب مكان المصلى- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب مكان المصلى- الحديث 3.

ج 6، ص: 326

بل يشهد له

رواية ابن إدريس (1)له مرسلا عن النبي (صلى الله عليه و آله) مستدلا به على المختار، مع أنه لا يعمل بالصحيح من أخبار الآحاد فضلا عن مثله «دخل أعرابي المسجد، فقال: اللهم ارحمني و محمدا، و لا ترحم معنا أحدا، فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): أعجزت واسعا، قال: فما لبث أن بال في ناحية المسجد، و كأنهم عجلوا اليه، فنهاهم النبي (صلى الله عليه و آله) ثم أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه، ثم قال: اعلموا و يسروا و لا تعسروا».

و المناقشة فيه بعدم حجيته- إذ هو من طرق العامة بل راويه أبو هريرة منهم الذي قد نقل عن أبي حنيفة الاعتراف بكذبه ورد رواياته، بل عن بعضهم أنهم لا يقبلون رواياته في معالم الحلال و الحرام، و انما يقبلونها في مثل أخبار الجنة و النار- يدفعه إمكان دعوى الانجبار بما تقدم سابقا، بل يمكن دعوى الشهرة على مضمونه إذا لوحظ القائلون بطهارة الغسالة.

كما أنه لا داعي و لا مقتضي للمناقشة في متنه و تأويله بما هو مخالف لظاهرة من احتمال كرية الذنوب و إرادة الرطوبة له بعد أن جف للتطهير بالشمس، و إزالة نفس العين بالصب لذلك و حجرية الأرض و صلابتها مع انحدارها إلى خارج المسجد، إذ لا بحث في إمكان طهارتها حينئذ و إن نجس ذلك المحل الذي ينتهي اليه ماء الغسالة، إنما البحث في الرخوة التي لا ينفصل تمام الغسالة منها.

بل ظاهر المصنف في المعتبر إمكان تطهير هذه أيضا إذا فرض انحدارها و إمكان إغمارها بالماء بحيث ينتهي منها إلى المحل الآخر و إن تخلف منه فيها ما تخلف، فإنه بعد أن رد على الشيخ دعواه و عارض مستنده ب

رواية ابن معقل (2)عن النبي (صلى الله عليه و آله)


1- 1 عمدة القاري في شرح البخاري للعيني ج 1 ص 884.
2- 2 كنز العمال- ج 5- ص 84 الرقم 1753.

ج 6، ص: 327

انه قال في الحكاية السابقة: «خذوا ما بال عليه من التراب و أهريقوا مكانه»

المعلوم قصورها عن معارضة ذلك من وجوه قال: «فالوجه أن طهارة الأرض بجريان الماء عليها و المطر أو تطلع الشمس عليه حتى يجف أو تغسل بما يغمرها لم يجر إلى موضع آخر فيكون ما انتهى اليه نجسا» انتهى. و دعوى إرادته الصلبة لا شاهد عليها بل ظاهر كلامه يأباها.

بل ظاهر النراقي في اللوامع نسبة ذلك إلى غير المصنف من القائلين بعدم طهارة الأرض بالقليل، حيث قال فيها: «من لا يطهر الأرض بالقليل فالتطهير عنده بجريان أحد الثلاثة مع الغلبة المهلكة، أو بوقوع الشمس عليه حتى يجف، أو بأخذ ما قطع بنجاسته من التراب، أو بصب ماء يغمرها ثم إجراؤه إلى موضع آخر فينجس ذلك الموضع، أو بتطيينه بطين طاهر» إلى آخره. و إن كان الثالث و الأخير ليس من التطهر حقيقة، لكن على هذا ينحصر النزاع بين المصنف مثلا و الشيخ بالنظر إلى قابلية التطهير في الأرض الرخوة غير المنحدرة التي لا يمكن إجراء ماء الغسالة عنها إلى محل آخر، و إلا فالنزاع معه في الأرض المنحدرة نفسها و الصلبة أيضا من غير هذه الجهة، كطهارة الماء و عدمها، بل قد يقال: إن المتجه بناء على ما سمعته من المصنف القول بالطهارة في الأرض المستوية أيضا كما حكي عن أبي حنيفة باعتبار رسوب ماء الغسالة فيها إلى الباطن فيطهر حينئذ هذا الظاهر الذي انفصل عنه الماء، بل لا فرق عند التأمل بين الانفصال بالإجراء و نحوه المذكور في كلامه و بينه.

إلا أن الانصاف ان المعروف بين القائلين بنجاسة الغسالة و عدم قابلية الأرض للطهارة بالقليل عدم الفرق بين المستوية الرخوة و المنحدرة، إذ المانع عندهم عدم انفصال ماء الغسالة المحكوم بنجاسته، و إن أمكن مناقشتهم في ذلك، كما يظهر لك من المباحث السابقة عند البحث عن طهارة ما لا يعصر و يرسب فيه ماء الغسالة الذي ما نحن فيه جزئي من جزئياته، فلاحظ و تأمل.

ج 6، ص: 328

كما انه ينبغي لك ملاحظة ما في السرائر، فإنه و إن وافقنا في الطهارة بالقليل لكن وقع فيها على الظاهر ما هو محل للنظر بل المنع، كقوله بتعدد الذنوب على عدد تعدد البائلين المحكي في الذكرى عن الشيخ أيضا، و الأمر سهل، و الله و رسوله و الأئمة (صلوات الله عليهم) أعلم بذلك كله.

[القول في الآنية]
القول في الآنية
[في عدم جواز الأكل و الشرب من آنية الذهب و الفضة]

و لا يجوز الأكل و الشرب من آنية من ذهب أو فضة إجماعا منا بل و عن كل من يحفظ عنه العلم عدا داود، فحرم الشرب خاصة، محصلا و منقولا مستفيضا إن لم يكن متواترا كالنصوص به من الطرفين.

ف

في النبوي (1)من طريقهم «لا تشربوا في آنية الذهب و الفضة، و لا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا و لكم في الآخرة».

و

المرتضوي (2)«الذي يشرب في آنية الذهب و الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم».

و في

الحسن أو الصحيح (3)من طريقنا عن الصادق (عليه السلام) «لا تأكل في آنية من فضة و لا في آنية مفضضة».

ك

قوله (عليه السلام) في خبر داود بن سرحان (4): «لا تأكل في آنية الذهب و الفضة».


1- 1 كنز العمال- ج 8- ص 16- الرقم 362.
2- 2 المستدرك- الباب- 40- من أبواب النجاسات- الحديث 4 لكن رواه عن النبي صلى الله عليه و آله.
3- 3 الوسائل- الباب- 66- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 65- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 329

و

عن الباقر (عليه السلام) في خبر ابن مسلم (1)أو صحيحه لما قيل إن الصدوق رواه عن أبان عنه الظاهر منه انه ابن عثمان، و طريقه اليه صحيح «انه (عليه السلام) نهى عن آنية الذهب و الفضة».

كخبر المناهي المروي عن النبي (صلى الله عليه و آله) في الفقيه (2)و

عن الكاظم (عليه السلام) في خبر موسى بن بكير(3)انه قال: «آنية الذهب و الفضة متاع الذين لا يوقنون»

إلى غير ذلك، فما عن الخلاف من إطلاق كراهة استعمالهما يراد به ما في المعتبر و المختلف و الذكرى الحرمة قطعا.

ك

صحيح ابن بزيع (4)«سألت الرضا (عليه السلام) عن آنية الذهب و الفضة فكرههما، فقلت: روي أنه كان لأبي الحسن (عليه السلام) مرآة ملبسة فضة، فقال:

لا و الله انما كانت لها حلقة من فضة و هي عندي، ثم قال: إن العباس حين عذر عمل له قضيب ملبس من فضة من نحو ما يعمل للصبيان يكون فضته نحوا من عشرة دراهم، فأمر به أبو الحسن (عليه السلام) فكسر».

و

خبر بريد(5)عن الصادق (عليه السلام) «انه كره الشرب في الفضة و القدح المفضض، و كذلك أن يدهن في مدهن مفضض، و المشط كذلك».

و

موثق ابن مهران (6)عنه (عليه السلام) أيضا «لا ينبغي الشرب في آنية الذهب و الفضة».

و

خبر يونس بن يعقوب (7)عن أخيه قال: «كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 65- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 65- من أبواب النجاسات- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 65- من أبواب النجاسات- الحديث 4 لكن رواه عن موسى بن بكر و هو الصحيح.
4- 4 الوسائل- الباب- 65- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 66- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 65- من أبواب النجاسات- الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 65- من أبواب النجاسات- الحديث 6.

ج 6، ص: 330

فاستسقى ماء فأتي بقدح فيه من صفر، فقال رجل: إن عباد بن كثير يكره الشرب في الصفر، فقال: لا بأس به، فقال (عليه السلام) للرجل: إلا سألته أذهب أم فضة؟»

الحديث. و إن استبعد في كشف اللثام ذلك من عبارته، بل في المجمع أنه لولا الإجماع لكان القول بالكراهة حسنا، و لعله لحمل النهي على ما سمعت، و هو لا يخلو من وجه لو كان لفظ الكراهة صريحا في غير الحرمة في العرف السابق، و لم يظهر من السياق و نحوه إرادتها منها هنا.

بل و قد يستفاد من خبر ابن مسلم و المناهي بعد إرادة مطلق الاستعمال من النهي عن الآنية فيها كما هو الظاهر و لو بملاحظة الحكمة و عدم تبادر الخصوصية و القرينة عليها، بل و خبر موسى بن بكير أيضا بل و صحيح ابن بزيع أيضا أنه لا يجوز استعمالها في غير ذلك مما لا يندرج في الأكل و الشرب، خصوصا بعد انجبار ذلك كانجبار السند بالشهرة بين الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا، بل في الحدائق نفي الخلاف عنه لا وجدانه، كما أن معقد نفيه في كشف الرموز الاستعمال، بل في التحرير تعقيب حرمة الاستعمال غير الأكل و الشرب بعندنا مشعرا بالإجماع عليه، بل في المنتهى عند علمائنا و الشافعي و مالك، بل معقد إجماع اللوامع الاستعمال، بل في التذكرة «يحرم استعمال المتخذ من الذهب و الفضة في أكل و شرب و غيرهما عند علمائنا أجمع، و به قال أبو حنيفة و مالك و أحمد و عامة العلماء و الشافعي في الجديد».

فاقتصار بعضهم كما عن الصدوق و المفيد و سلار و الشيخ في النهاية على الأكل و الشرب لا يصغى اليه إن أرادوا الحصر.

كما أنه يجب طرح أو تأويل

صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهما السلام)(1)قال: «سألته عن المرآة هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة فضة؟ قال: نعم إنما


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 6، ص: 331

يكره ما يشرب به»

الحديث. بل هو ظاهر في غير ما نحن فيه.

نعم لا يحرم ما فيها من المأكول و المشروب قطعا، وفاقا للأكثر للأصل السالم عن المعارض، ضرورة عدم استلزام حرمة الاستعمال بل الأكل الذي هو عبارة عن الازدراد المنهي عنه في الأخبار ذلك، إذ حرمته من حيث كونه أكلا في الآنية و استعمالا لها لا ينافي حلية ذاته الثابتة بأدلتها، و

قول النبي (صلى الله عليه و آله):

«يجرجر في بطنه»(1)

مع أنه غير ثابت في طرقنا لا بد من إرادة المجاز منه، لتعذر الحقيقة أي يوجب له بسبب تناوله من الآنية النار، فلا يجب حينئذ عليه استفراغه و إن تمكن منه، بل في كشف الأستاذ «و لا وضعه من فيه بل و لا إلغائه من يده بعد التوبة و الندم على إشكال».

فما عن المفيد بل في الذكرى أنه يلوح من كلام أبي الصلاح من الحرمة ضعيف، أو أنه يريد ما وجهه به في الحدائق من إرادة حرمة الأكل بمعنى الازدراد، للنهي عن ذلك، فيكون المأكول حينئذ محرما كالحق الشرعي المأخوذ بحكم حاكم الجور الذي ورد فيه (2)أنه سحت، إذ قد عرفت أن ذلك لا يقتضي الحرمة الذاتية التي يراد بها كون الأكل منهيا عنه لنفسه كالميتة و لحم الخنزير و نحوهما لا من جهة أخرى، و عين المال المملوك المأخوذ بحكم حاكم الجور حرمته كحرمة الأكل في الآنية قطعا لا ذاتية، فليس هو أوضح منها حتى يستفاد من حكمه حكمها.

و دعوى أن الآنية و الأخذ بحكم حاكم الجور من الأشياء المنقحة لموضوع الحرمة الشرعية لا أنها جهات خارجية، بل هي في الحقيقة كالموت للحيوان و السكر للخل و النجاسة للمائع و نحو ذلك واضحة المنع على مدعيها، بل يمكن تقريره في سائر المحرمات عارضا


1- 1 المستدرك- الباب- 40 من أبواب النجاسات- الحديث 4.
2- 2 أصول الكافي- ج 1 ص 67 المطبوعة بطهران عام 1374.

ج 6، ص: 332

حتى وطء الزوجة في الحيض و هو معلوم الفساد.

هذا كله بعد تسليم حرمة الأكل بمعنى المضغ و الازدراد، أما لو قلنا إن المحرم نفس التناول خاصة حتى في مثل الأكل و الشرب تنزيلا للنهي عنهما على إرادة الاستعمال، ضرورة عدم الفرق بينهما و بين غيرهما من أنواع الاستعمال فلا وجه لتصور الحرمة حينئذ في نفس المأكول و المشروب، بل هذا هو ظاهر الأصحاب كما يومي اليه حكمهم بصحة الطهارة من الآنية مع التمكن من ماء غيره، كالإناء المغصوب من غير خلاف يعرف فيه بينهم بل ظاهر معتبر المصنف حيث نسب الخلاف فيه لبعض الحنابلة الإجماع عليه، معللين ذلك بأن المحرم الانتزاع، و هو أمر خارج عن الطهارة، كما لو جعلت مصبا لماء الطهارة.

نعم جعل في المنتهى البطلان وجها معللا له بما يقضي بإرادته ما لو انحصر الماء في الآنية، فيكون البطلان حينئذ لعدم تصور الأمر بالطهارة بعد توقفها على المقدمة المحرمة، فيكون فرضه حينئذ التيمم، لأن المنع الشرعي كالعقلي، و هو أمر غير ما نحن فيه، و من هنا استجوده في المدارك و تبعه في الذخيرة، و هو لا يخلو من وجه، لكن ينبغي تقييده مع ذلك بما إذا لم يتمكن من إفراغ ذلك الماء في آنية أخرى مثلا، و إلا كان كالمتمكن من الماء الآخر، بل في كشف اللثام التردد في أصل حرمة الاغتراف منها للطهارة أو صب ما فيها على الأعضاء، لأنهما من الإفراغ الذي لا دليل على حرمته و إن أمكن منعه عليه، ضرورة عدم اندراجه في الإفراغ، إذ

ليس هو كل نقل، كضرورة اندراجه في الاستعمال، بل لو كان قد قصد الإفراغ أيضا لكن بالاستعمال الخاص لم ترتفع الحرمة، و إلا لحل كثير من وجوه الانتفاع بل جميعها لذلك، بل التحقيق أن الأكل و الطهارة و نحوهما من الآنية استعمال لها بنفس أفعال الطهارة و بالمضغ و الازدراد لا مجرد النقل، كما يشهد لذلك ملاحظة العرف.

و من هنا حكم العلامتان في المنظومة و الكشف بفساد الطهارة، بل صرح الثاني

ج 6، ص: 333

بعدم الفرق بين رمس العضو و الاغتسال مرتمسا و التناول باليد و الآلة، فما يظهر من الأصحاب حينئذ أن المحرم نفس النقل و الانتزاع لا غير ليس في محله، فضلا عن ما سمعته من كشف اللثام الذي ينبغي العجب من صدوره من مثله، لما عرفت من وضوح الفرق عرفا بين التفريغ و الاستعمال و النقل هنا من الثاني، إذ مبنى استعماله في الوضوء و معناه عرفا ذلك كالأكل، فإن النقل باليد من الإناء إلى المضغ ليس من التفريغ قطعا.

نعم قد يقال هو منه بالنسبة للشرب إذا كانت الآنية مما تستعمل بالشرب من دون نقل منها، فلو وضع حينئذ ما فيها في يده بقصد التفريغ و لو للشرب لم يكن ذلك الشرب استعمالا لها فيه، فالواجب حينئذ ملاحظة العرف في صدق استعمالها في الشي ء، فإنه مختلف جدا باختلاف المستعمل فيه، بل و المستعمل بالفتح من الإبريق و القمقمة و نحوهما، بل و القصد أيضا فتأمل.

[في صحة الوضوء من آنية الذهب و الفضة و بطلانه]

و ما يقال:- إنه ليس في الأدلة نهي عن الوضوء مثلا في الآنية أو عن استعمالها في الوضوء حتى يقال: إن المفهوم من الوضوء بها و استعمالها فيه هو تمام ذلك من الانتزاع و غيره، بل الموجود في الأدلة النهي عن الآنية، و هو كما يحتمل إرادة الوضوء بها مثلا و استعمالها فيه يحتمل إرادة النهي عن نفس نقل ما فيها و انتزاعه للوضوء أو غيره، فيكون المنهي عنه النقل حينئذ خاصة يدفعه انه و إن لم يكن ذلك في الأدلة صريحا لكنه المفهوم المتبادر منها، خصوصا بعد اشتمالها على النهي عن الأكل و الشرب فيها المتفق بين الأصحاب على عدم الفرق بينهما و بين غيرهما في كيفية الحرمة، إذ قد سمعت معقد الإجماع المحكي بل الإجماعات على حرمة غير الأكل و الشرب، فإنه كالصريح في اتحادهما بذلك، كما هو واضح، فيكون حينئذ بمنزلة قوله: لا تأكل في الآنية و لا تشرب فيها و لا تتوضأ فيها و لا تغتسل فيها و نحو ذلك، على أنه يكفي في ثبوت المطلق نفس معقد الإجماع المذكور، و خصوصا ما تقدم من التذكرة، فيتجه

ج 6، ص: 334

حينئذ التعليل بأن معنى استعمالها في الوضوء ذلك.

و لعله من هنا يمكن الفرق بين الإناء المغصوب و بين ما نحن فيه و إن ساوى بينهما في الفساد العلامتان المذكوران، كما أن غيرهما ساوى بينهما في عدمه، فيحكم بصحة الوضوء منه دونه، لعدم النهي في شي ء من الأدلة عن استعماله في الوضوء أو الانتفاع به فيه أو عن الوضوء فيه ليتم ذلك فيه، بل ليس إلا حرمة التصرف في مال الغير المعلومة عقلا و نقلا، و ليس من التصرف في الإناء مثلا غسل الوجه بالماء المملوك المنتزع من الإناء المغصوب قطعا، و إن صدق استعمال الإناء في الوضوء، لكن ذلك لا يقتضي فسادا بدون نهي عنه، فهو حينئذ كسقف البيت و سور الدار المغصوبين، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه.

[في تحديد الآنية]

و المرجع في الإناء و الآنية و الأواني إلى العرف كما صرح به غير واحد، و إن قال في المصباح المنير: «أن الإناء و الآنية كالوعاء و الأوعية و زنا و معنى» إذ هو إما تفسير بالأعم كما هي عادة أهل اللغة، أو أنه يقدم العرف عليه بناء على ذلك لكن فيما تعارضا فيه مما كان ظرفا و وعاء إلا أنه يسلب عنه اسم الآنية عرفا، أما ما توافقا فيه أو استقل هو عن العرف بأن كان من الظروف و الأوعية و لم يسلب عنه الاسم لكن لم يتنقح لدينا إطلاق عرف زماننا عليه، لقلة استعمال هذا اللفظ فيه، أو غير ذلك فالظاهر ثبوت الحرمة، فالقليان حينئذ و رأسها و رأس الشطب و ما يجعل موضعا له و قراب السيف و الخنجر و السكين و بيت السهام و ظروف الغالية و الكحل و العنبر و المعجون و التتن و التنباك و الأفيون و المشكاة و المجامر و المحابر و نحوها من المحرم، وفاقا لصريح الطباطبائي في منظومته في أكثر ذلك أو جميعه، بل و التذكرة و الذكرى و الحدائق و ان اقتصروا على التصريح بظرف الغالية و المكحلة، و خلافا لصريح الأستاذ في كشفه في جميع ذلك و زيادة، بل و النراقي في لوامعه و ان اقتصر على التصريح

ج 6، ص: 335

بالمكحلة و ظرف الغالية و الدواة، و المعاصر في رياضة و ان اقتصر على التصريح بالأولين لكن ظاهرهما بل صريحهما العموم، لصدق الاسم أو لعدم صحة السلب.

و دعوى الشك في الصدق أو الإرادة- بل ظهور عدمها لندرتها و عدم اعتيادها، و المجاز خير من الاشتراك، و الأصل الإباحة، مضافا إلى

الصحيح (1)«عن التعويذ يعلق على الحائض، فقال: نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة من حديد»

و إلى ما اشتهر مما ورد في حرز الجواد- يدفعها منع الشك في الصدق أولا، و عدم قادحيته بعد ما عرفت ثانيا، كمنع الشك في الإرادة ثالثا، لمنع الندرة في الإطلاق الموجبة لذلك، و إن كان الكثير المتداول عند أغلب

الناس لأواني المستعملة في المأكل و المشرب و نحوهما و صغر الحجم و نحوه لا تأثير له في ذلك، و أولوية المجاز انما هي من الاشتراك اللفظي لا المعنوي، بل لعله من أفراد أصالة الحقيقة في الإطلاق.

على أنه يمكن منع كون ما نحن فيه من المطلق الذي ينصرف إلى المعتاد، إذ قوله فيها لا تأكل في آنية الذهب و نحوه مما لا تفاوت في شموله بين المعتاد و غيره، لكونه من العموم اللغوي فضلا عن تعميم معاقد الإجماعات، بل لعل ملاحظة الأخبار نفسها خصوصا صحيح ابن بزيع تعطي تعميم المراد بالآنية لغير المعتاد، كما اعترف به الأستاذ الأكبر في حاشيته على المدارك.

و أما صحيح التعويذ المعتضد بالمشتهر من حرز الجواد فيدفعه أولا إمكان الفرق بينه و بين غيره بصحة سلب الاسم عنه دونه كما اعترف به الأستاذ في كشفه، و ثانيا تسليمه لكن لا يجوز التعدي من غير التعويذ(2)و نحوه إلى غيره مما يطلق عليه اسم الآنية، بل و لا من الفضة إلى الذهب فيه، كما هو ظاهر العلامة الطباطبائي في منظومته


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح إسقاط لفظة« غير».

ج 6، ص: 336

فيهما معا، و هو لا يخلو من قوة.

و عليه يكون بعض ما في كشف الأستاذ- من أن المعتبر في الآنية الظرفية، و أن يكون المظروف معرضا للرفع و الوضع، فموضع فص الخاتم و إن عظم و عكوز الرمح و ضبة السيف و المجوف من حلي الامرأة المعد لوضع شي ء فيه للتلذذ بصوته و محل العوذة و قاب الساعة و آنية جعلت لظاهر أخرى بمنزلة الثوب مع الوضع على عدم الانفصال ليس منها إلى أن قال: و أن يكون له أسفل يمسك ما يوضع فيه، و حواشي كذلك، فلو خلي كالقناديل و المشكاة و المحرمات و السفرة و الطبق لم يكن منها- محلا للنظر و التأمل كما انه قد يناقش في اعتبار الظرفية و عدم التشبيك و وجود الحواشي بالكفكير و المصفاة و الصينية الكبيرة التي هي بمنزلة السفرة فضلا عن الطبق و نحوه، كما اعترف به الطباطبائي في منظومته بشهادة العرف بل و اللغة، نعم هو جيد في مثل فص الخاتم و عكوز الرمح و نحوهما من الملصق الملازم لصوقا يصير الجميع بسببه كأنه شي ء واحد لا ظرفا و مظروفا، بل يصح سلب الاسم عنه قطعا، بل هو كالأواني المفضضة التي ستعرف أن حكمها الكراهة، إذ لا ريب في أنه من أفراد التفضيض التلبيس و الكسوة للقليل من الإناء بالصياغة، بل و للكثير منه في وجه، و إن تنظر فيه الطباطبائي في منظومته، بل و للجميع في آخر أيضا، لعدم صدق الإناء مع صدق المفضض، و إن جزم العلامة المذكور في منظومته بالمنع، تمسكا بأن الكاسي إناء مستقل، لكنه لا يخلو من نظر، لما عرفت من عدم صدق الإناء على مثله، و إن كان قد يشكل ذلك كله أو أكثره بصحيح ابن بزيع المشتمل على المرآة و القضيب الملبسين فضة فضلا عن الأواني الملبسة، إذ هي كالآنية في الآنية إلا أنه لما لم يكن فيه صراحة بالحرمة بل و لا ظهور حمله غير واحد من الأصحاب على الكراهة، و هو في محله.

ج 6، ص: 337

و أما حلي المرأة المجوف من الخلخال و نحوه فان سلب عنه اسم الآنية جاز، و إلا فلا، إذ لا فرق في الحرمة بين الرجال و النساء، لا طلاق الأدلة، بل عليه الإجماع في الذكرى و جامع المقاصد و عن غيرهما.

و جيد أيضا في عده القناديل من غير الأواني لشهادة العرف له، لا انها منها كما في ظاهر المنظومة، و لكنها استثنيت للسيرة المستمرة في جعلها شعارا للمشهد و المسجد من فضة و عسجد، بناء على مساواة التزيين و نحوه للاستعمال في الحرمة، أو أنه منه، إذ لا شاهد عليه، بل الشاهد على خلافه، و إلا فلو سلم أنها من الأواني لم يكن لاستثنائها وجه، لحدوث تلك السيرة، و استغناء تعظيم شعائر الله بمحللاته عن محرماته.

و من هنا تعرف انه متى كان شي ء مما يزين به مشهد أو مسجد مما يسمى إناء من مبخرة و نحوها دخل في المحرم من ذلك، نعم لا بأس به إذا لم يكن منها، كما انه لا بأس بذلك أيضا في غيرها كما نص عليه الفاضلان و غيرهما، بل لا أجد فيه خلافا، بل في اللوامع الظاهر وفاقهم عليه، للأصل و العمومات و خصوص ما ورد من الطريقين في حلق درع النبي (صلى الله عليه و آله) ذات الفضول و حلقة قصعته و قبضة سيفه و حلية ذات الفقار و أنف عرفجة و مرآة الكاظم (عليه السلام) و السلسلة للقدح المنكسر عوض الشعب.

بل

قال الصادق (عليه السلام) في صحيحة معاوية(1)لما سأله عن الشرب في قدح من ماء فيه ضبة من فضة: «لا بأس إلا أن تكره الفضة فتنزعها».

و في

حسن ابن سنان (2)«ليس بتحلية السيف بالذهب و الفضة بأس».

و في

خبر ابن سرحان (3)«ليس في تحلية المصاحف و السيوف بالذهب و الفضة بأس».


1- 1 الوسائل- الباب- 66- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من أبواب أحكام الملابس- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 64- من أبواب أحكام الملابس- الحديث 3.

ج 6، ص: 338

و

عنه (عليه السلام) أيضا(1)«انه كان نعل سيف رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قوائمه فضة، و بين ذلك حلق من فضة، و لدرعه ثلاث حلقات من فضة، حلقة قدامها، و اثنتان خلفها».

و

روي (2)انه «عرض عليه (عليه السلام) أيضا قرآن معشر بالذهب، و في آخره سورة مكتوبة بالذهب، فلم يعب سوى كتابة القرآن بالذهب، و قال: لا يعجبني أن يكتب القرآن إلا بالسواد».

و

عنه (عليه السلام) أيضا(3)انه قال: «كان برة(4)ناقة رسول الله (صلى الله عليه و آله) من فضة».

لكن في

خبر الفضيل بن يسار-(5)«سألت الصادق (عليه السلام) عن السرير فيه الذهب أ يصلح إمساكه في البيت؟ فقال: إن كان ذهبا فلا، و إن كان ماء الذهب فلا بأس».

و في

صحيح علي بن جعفر(6)عن أخيه (عليهما السلام) «سألته عن السرج و اللجام فيه الفضة أ يركب به؟ قال: إن كان مموها لا يقدر على نزعه فلا بأس، و إلا فلا يركب به».


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب أحكام الملابس- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أحكام الدواب في السفر و غيره- الحديث 2 من كتاب الحج.
4- 4 البرة بالضم و خفة الراء: الحلقة التي توضع في أنف البعير و هي الخزامة مجمع البحرين ثم ذكر الحديث.
5- 5 الوسائل- الباب- 67- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 67- من أبواب النجاسات- الحديث 6.

ج 6، ص: 339

و في صحيح ابن بزيع (1)المتقدم سابقا مما سمعته من كسر القضيب و إنكار المرآة الملبسة فضة.

و في

خبر عمرو بن أبي المقدام (2)«رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) أتي بقدح فيه ماء فيه ضبة من فضة، فرأيته ينزعها بأسنانه».

و في

خبر بريد(3)عن الصادق (عليه السلام) «انه كره الشرب في القدح المفضض، و كذلك أن يدهن في مدهن مفضض، و المشط كذلك»

- ما قد يوهم المنافاة للأخبار الأول، و من هنا جمع بينهما في الحدائق بالكراهة في الآلات و إن تفاوتت شدة و ضعفا في مواردها، إلا انه يمكن مناقشته بعدم مساعدة النصوص و الفتاوى له على هذا الإطلاق، فاحتمال الاقتصار على مضمونها، أو التعدي منها إلى مطلق الملبس أو ما عدا السيف منه و لو بضبة دون غيره إذا كان يسيرا كالحلقة و نحوها، و قد يأتي في المفضض ما له نفع، و الأمر سهل بعد الاتفاق ظاهرا على عدم الحرمة إلا ما حكي عن العلامة من حرمة المموه بالذهب إذا انفصل منه شي ء في العرض على النار، بل حكاه في اللوامع عنه في الفضة أيضا موافقا له فيهما، بل قال: و هذا التفصيل آت في المفضض و المذهب، لترادفهما له، و لا ريب في ضعفه بعد ما عرفت، و إن كان قد يشهد له بعض ما تقدم، كما أن ما فيها و المدارك من تحريم زخرفة الحيطان و السقوف بهما حاكيين ذلك عن الحلي و خلافه عن الخلاف ضعيف جدا، لعدم الدليل القاطع للأصل و العمومات و السيرة في نحو المشاهد بل و غيرها.

و دعوى انه تضييع للمال و صرف له في غير الأغراض الصحيحة، فيكون إسرافا في محل المنع، إذ التلذذ في الملابس و المساكن و نحوها من أعظم الأغراض التي خلق


1- 1 الوسائل- الباب- 65- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 66- من أبواب النجاسات- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 66- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 340

المال لها، على أنه قد تعرض مقاصد عظيمة كتعظيم شعائر الدين و إرغام أنف أعدائه و نحو ذلك، فتأمل.

[في وجوب اجتناب موضع الفضة من إناء المفضض]

و يكره استعمال الإناء المفضض على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في الحدائق عليه عامة المتأخرين و متأخريهم، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما حكي عن الخلاف، حيث سوى بينه و بين أواني الذهب و الفضة في الكراهة التي صرح غير واحد من الأصحاب بإرادته الحرمة منها هناك، مع أنه محتمل لخلاف ذلك، إذ استبعاد إرادته حقيقتها فيهما كاستبعاد إرادته الحرمة هنا، فالأولى حينئذ بعد صرف كلامه عن ظاهره إرادته القدر المشترك على كل من المقامين حسب ما تسمعه من الأخبار، و إلا فهو ضعيف، للأصل.

و

صحيح عبد الله بن سنان (1)«لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضض، و اعزل فمك عن موضع الفضة».

و صحيحة معاوية بن وهب المتقدم سابقا، إذ ذو الضبة من المفضض كما صرح به في كشف اللثام كباقي أنواع الملبس، بل و منه المنبت، بل في كشف الأستاذ أن منه المموه، و إن كان لا يخلو من نظر، بل و خبر بريد المتقدم آنفا أيضا على ما عن الصدوق من الزيادة فيه «فان لم يجد بدا من الشراب في القدح المفضض عدل بفمه عن موضع المفضض» و هو ظاهر أو صريح في إرادة القدر المشترك من الكراهة في أوله، بل لعل ذلك هو معناها الحقيقي في العرف السابق، فلا وجه للاستدلال به للشيخ حينئذ باعتبار معلومية إرادة الحرمة بالنسبة للمعطوف عليه، ك

خبر الحلبي (2)«كره- أي الصادق (عليه السلام)- آنية الذهب و الفضة و الآنية المفضضة».


1- 1 الوسائل- الباب- 66- من أبواب النجاسات- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 65- من أبواب النجاسات- الحديث 10.

ج 6، ص: 341

فلا حاجة حينئذ في رده إلى دعوى جواز استعمال اللفظ في المعنيين اشتراكا أو حقيقة و مجازا أو إلى دعوى عموم المجاز أو الاشتراك تخلصا من استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه أو المشترك في معنييه بناء على ممنوعيته، إذ هي موقوفة على القرينة، و الخصم مستظهر.

نعم لا بد من التزام ذلك بقرينة ما سمعت مع الشهرة العظيمة بين الأصحاب في مثل

صحيح الحلبي (1)عن الصادق (عليه السلام) «لا تأكل في آنية من فضة، و لا في آنية مفضضة»

مع إمكان عدمه أيضا و إن كان بمجاز آخر بدعوى إرادة الكراهة من خصوص «لا» في المعطوف، و دعوى وجوب اشتراك المعطوف مع المعطوف عليه في مثل الحرمة و الوجوب و الندب و ان تكرر مقتضياتها في محل المنع، على انه يمكن دعوى الاستيناف فيه، و أما نزع الصادق (عليه السلام) ضبة الفضة من الإناء بأسنانه و أمر أبي الحسن (عليه السلام) كسر القضيب الملبس فضة كنفي الرضا (عليه السلام) عن أن يكون لأبي الحسن (عليه السلام) مرآة ملبسة فضة حامدا لله بعد أن سئل عن ذلك فلا دلالة فيه على الحرمة حتى يحتاج إلى دعوى ترجيح الأدلة السابقة و صرفها بها للكراهة و إن كانت هي كذلك.

و الأمر هيّن بعد أن عرفت ضعف الخلاف، بل عدم تحققه، نعم قيل بل لا خلاف أجده فيه بين القدماء و المتأخرين يجب اجتناب موضع الفضة إلا من معتبر المصنف فاستحبه و تبعه الطباطبائي في منظومته، و استحسنه في المدارك و الذخيرة، لظاهر الأمر في الصحيح السابق و زيادة الصدوق في خبر بريد المتقدم معتضدا بما عرفت من عدم الخلاف و سالما عما يصلح للمعارضة، ضرورة عدم صلاحية الأصل و ترك الاستفصال في صحيح معاوية السابق لذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 66- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 342

و يلحق بالإناء المفضض الإناء المذهب في جميع ما تقدم و إن خلت عنه النصوص و أكثر الفتاوى، كما اعترف به في المنتهى، لكن الأصل كاف في جواز الاتخاذ، و التسامح و حسن الاحتياط و احتمال الاستغناء بذكر المفضض عنه، بل لعله ينساق إلى الذهن عند ذكره، خصوصا بعد اقترانه بآنية الفضة كاف في الكراهة، بل يمكن أن يدعى أولويته من المفضض أو مساواته، بل هو كذلك.

و منها يستفاد حينئذ وجوب العزل حينئذ، بل في الذكرى احتمال المنع لأصل الاستعمال في ذي الضبة الذهب، ل

قوله (1)(صلى الله عليه و آله): «هذان محرمان على ذكور أمتي»

و إن كان ضعيفا، و لعل في خبر السرير(2)و القرآن (3)نوع إيماء إلى بعض ما ذكرنا، كما انه تقدم سابقا ما يمكن استفادة كراهة مطلق المفضض منه أو ما عدا السيف و ان لم يكن إناء بل قد عرفت الإطلاق من صاحب الحدائق، و الله أعلم.

[في عدم جواز اتخاذ أواني الذهب و الفضة]

و في جواز اتخاذها أي أواني الذهب و الفضة لغير الاستعمال من الذخر و نحوه تردد من الأصل مع عدم ظهور الأدلة فيه، بل هي ظاهرة في الاستعمال، و من تعليل النبوي (4)بأنها لهم في الدنيا و لكم في الآخرة، ك

قول الكاظم (عليه السلام)(5): «انها متاع الذين لا يوقنون»

و النهي عن آنية الذهب و الفضة و كراهتهما المحمول على أقرب المجازات بعد تعذر الحقيقة، و لا ريب ان مطلق الاتخاذ أقرب من الاستعمال، لأعميته منه، و لأن النهي في الحقيقة نفي، و نفي الحقيقة و كراهة طبيعتها يناسبه النهي عن أصل وجودها في الخارج، على ان السارد للنصوص يظهر لديه إن لم


1- 1 المستدرك- الباب- 24- من أبواب لباس المصلي- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 67- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2.
4- 4 كنز العمال- ج 8- ص 16- الرقم 362.
5- 5 الوسائل- الباب- 65- من أبواب النجاسات- الحديث 4.

ج 6، ص: 343

يقطع أن مراد الشارع ذلك، أي النهي عن أصل وجودها في الخارج مستعدة للاستعمال بل في المنتهى أن تحريم استعمالها مطلقا يستلزم تحريم أخذها على هيئة الاستعمال كالطنبور، و قد يؤيده أنه المناسب لإرادة حصول المطلوب، كما أن عدمه معرض لخلافه، و انه المناسب لما قيل من حكمة التحريم من حصول الخيلاء و كسر قلوب الفقراء و الإسراف و ان كان كما ترى، إلى غير ذلك.

و لكن الأظهر المنع وفاقا للمشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل لا أجد فيه خلافا إلا من مختلف الفاضل، و استحسنه بعض متأخري المتأخرين، بل قد يظهر منه نفسه في المنتهى كالمصنف في المعتبر أنه لا خلاف عندنا في المسألة، بل هو مخصوص بالشافعي أو أحد قوليه، إذ ذلك بعد جبره لما عرفت و اعتضاده به كاف في انقطاع الأصل السابق، و في بطلان دعوى عدم ظهور الأدلة في غير الاستعمال، كما هو واضح، هذا.

و قد يظهر من قواعد الفاضل بل و من غيرها من كتب الأصحاب ان مما نحن فيه اتخاذها للتزيين و نحوه، لكن قد يمنع و يدعى اندراجه في نحو الاستعمال الذي قد عرفت معلومية منعه، إذ هو أعم من استعمالها في الظرف بها، كما يشهد لذلك استثناء بعضهم أو شبهه اتخاذها للمشاهد و المساجد من حرمة الاستعمال.

و على كل حال فحيث ظهر حرمة الأواني استعمالا و قنية و غيرها كانت حينئذ كباقي الآلات المحرمة الهيئة المملوكة المادة، فيجري فيها حينئذ بالنسبة إلى وجوب كسرها و عدم ضمان الأرش، و عدم جواز بيعها أو بشرط الكسر فورا أو العلم به مع وثاقة المشتري أو مطلقا، بل سائر أنواع نقلها بل رهنها و عاريتها و غير ذلك ما يجري في تلك، فتأمل.

و لا يحرم استعمال غير الذهب و الفضة من أنواع المعادن و الجواهر و لو تضاعف

ج 6، ص: 344

أثمانها بلا خلاف أجده، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه، للأصل المعتضد بالسيرة الذي لا يعارضه القياس المعلوم بطلانه عندنا، مع إمكان إبداء الفرق بعدم إدراك العامة نفاستها، و بأنها لقلتها لا يحصل اتخاذ الآنية منها إلا نادرا، فلا يفضي إباحتها إلى اتخاذها و استعمالها بخلاف الأثمان، فما عن أحد قولي الشافعي من تحريم المتخذ من الجواهر الثمينة كالياقوت و نحوه لأولويتها بكسر القلوب و الخيلاء و السرف لا يصغى اليه.

و أواني المشركين أهل كتاب كانوا أولا و غيرها مما في أيديهم عدا اللحم و الجلد طاهرة بلا خلاف أجده فيه إلا ما توهمه في الحدائق من خلاف الشيخ، فحكى عنه عدم جواز استعمالها، مع أن ما حكاه من العبارة ظاهرة أو صريحة في غير ما نحن فيه من البحث مع العامة في نجاستها بمباشرتهم أو لا بد من نجاسة أخرى غيرها، و إلا فلا خلاف فيما نحن فيه بيننا، بل في كشف اللثام الإجماع عليه، و هو كذلك، مضافا إلى الأصل و العمومات و خصوص المعتبرة الواردة في طهارة الثوب المعار للذمي (1)و الثياب السابرية التي يعملها المجوس (2)بل و ثوب المجوسي نفسه (3)و ما يعمله الخياط و القصار اليهودي و النصراني (4)و هي و إن كانت مشتملة على غير مفروض العبارة، لكن عدم القائل بالفرق و اشتمال بعضها على التعليل العام كاف في المطلوب، كما أن ما عرفته من عدم الخلاف عندنا في الحكم بل الإجماع عليه إن لم تكن الضرورة كاف في رفع اليد عن النهي عن استعمال أوانيهم و ثيابهم و الأكل منها، أو تنزيلها، بل لعله الظاهر منها على المعلوم مباشرتهم لها.


1- 1 الوسائل- الباب- 74- من أبواب النجاسات.
2- 2 الوسائل- الباب- 73- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 73- من أبواب النجاسات- الحديث 7.
4- 4 الوافي باب التطهير من مس الحيوانات من أبواب الطهارة عن الخبث.

ج 6، ص: 345

و لذا قيد المصنف الطهارة ب ما لم يعلم نجاستها بمباشرتهم أو غيرها، فإنه إذا علم حكم بالنجاسة و ان احتمل حصول الطهارة بل و لو ظن ما لم يكن معتبرا شرعا، لعدم اعتبار ذلك هنا في قطع الأصل و ان كان لغيبة يحكم بالطهارة معها لغيرهم، كما أنه لا اعتبار بالظن عندنا في التنجيس أيضا ما لم يكن ناشئا عن أمارة شرعية من البينة و خبر العدل، بل و إن كان خبر عدل على ما تقدم سابقا، بل في الرياض «أنه لم ينهض دليل تطمئن به النفس على البينة أيضا» إلى آخره. و إن كان قد عرفت سابقا وضوح ضعفه، كوضوح ضعف القبول بالاكتفاء بمطلق الظن، فلاحظ و تأمل.

[في عدم جواز استعمال الجلود الميتة]

و لا يجوز استعمال شي ء من الجلود في صلاة أو غيرها إذا كانت جلود ذوي الأنفس السائلة حتى لو جعل وقود الحمام أو بوا(1)أو طعام كلب أو وصلة لقتل بعض الحيوانات المؤذية و نحو ذلك، على إشكال في البعض، بل في كشف الأستاذ جعلها جميعها من الانتفاع لا من الاستعمال حتى يحرم، و إن كان فيه منع، و بعد التسليم فهو يحرم مع قصده كالاستعمال إلا ما كان طاهرا في حال الحياة لا كالكلب و نحوه ذكيا تذكية شرعية، إذ هو بدون ذلك ميتة، سواء كان قابلا لها فلم تقع عليه، أو غير قابل، و هو مغن عن القيد الأول، لأن غير الطاهر لا تقع عليه، و قد تقدم سابقا في النجاسات حرمة استعمال الميتة في الرطب و اليابس و نجاستها في الصلاة و غيرها من غير فرق بين الدبغ و عدمه، و بيان ضعف المحكي عن الصدوق و أبي علي، و إن مال اليه بعض متأخري المتأخرين.

نعم ظاهر المصنف كصريح بعضهم بل هو المشهور كما قيل توقف الاستعمال على ثبوت التذكية و لو ببعض الأمارات الشرعية، أما مع الجهل بها فلا يجوز الاستعمال، بل هو ميتة فيه و في النجاسة و في غيرهما، لاقتضاء الشك في الشرط الشك في المشروط، مضافا


1- 1 البو: جلد ولد الناقة يحشى تبنا أو غيره فيقرب من أمه فتخدع و تعطف عليه فتدر.

ج 6، ص: 346

إلى أصالة عدم تحقق الشرط الواضح ضعف المناقشة في حجيتها بما هو محرر(1)في محله من أدلة الاستصحاب، كمعارضتها بأصالة عدم الموت حتف الأنف التي قد ترجح عليها باعتبار اعتضادها بأصالة الطهارة، ضرورة موافقة الموت حتف الأنف بعد تحقق خروج نفس الحيوان لمقتضى الأصل، فلا ينفى به، إذ غيره هو الذي يحتاج إلى سبب زائد من تذكية أو قتل و نحوهما في تحققه بخلافه هو، و أصالة الطهارة مع معارضتها بأصالة بقاء الشغل في مثل العبادة و نحوها مقطوعة بأصالة عدم التذكية، إذ هي كالواردة عليها حينئذ، على أن نفيها للتذكية بالواسطة، بخلاف نفي الطهارة بأصالة عدم التذكية، فتأمل.

و

للموثق (2)«و ان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و كل شي ء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح»

كالحسن (3)«يكره الصلاة في الفراء إلا ما صنع في أرض الحجاز إلا ما علمت منه ذكاته».

و

الخبر(4)«عن جلود الفراء يشتريها الرجل من سوق من أسواق الجبل يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما عارفا، قال: عليكم أن تسألوا إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، فإذا رأيتم المسلمين يصلون عليه فلا تسألوا عنه».

و منه كغيره من الأخبار الكثيرة جدا بل كادت تكون متواترة يستفاد طهارة ما يؤخذ من يد المسلم و ان علم سبقها بيد كافر من غير فرق بين المسلم المخالف و غيره مستحل ذبائح أهل الكتاب أولا مستطهر الجلد بالدبغ أولا، للسيرة المستقيمة، و محكي الإجماع، و إطلاق الأخبار إن لم يكن ظاهرها، و سهولة الملة و سماحتها، و عدم العسر


1- 1 و في النسخة الأصلية« محرز» بدل« محرر».
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 61- من أبواب لباس المصلي الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات- الحديث 7 و في الوسائل« غير عارف» بدل« عارفا».

ج 6، ص: 347

و الحرج فيها، و مساواته بل هو منه لما حكي عليه الإجماع من حل ذبائح العامة مع عدم رعاية ما يلزم عندنا في الذبح من الشروط و غير ذلك.

فما عن الفاضل من التوقف في طهارة الموجود في يد مستحل الميتة بالدبغ، بل ظاهر الذكرى الحكم بالنجاسة ضعيف جدا بل معلوم الفساد، بل يستفاد من غيره طهارة ما في يد غير المعلوم إسلامه إذا كان السوق سوقهم و البلاد بلادهم و هم أغلب من الكفار، ف

في الموثق كالصحيح (1)«لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام، قلت: فان فيها غير أهل الإسلام، قال: إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس»

مضافا إلى جريان أحكام الإسلام على مثله ممن وجد في أرض المسلمين من رد السلام و تغسيله و نحوه حتى يعلم انه من غيرهم.

[في حكم المطروح من اللحم و الجلد]

بل قد يقال بطهارة المطروح في بلادهم و أرضهم و إن لم يكن عليه يد لكن إذا كان عليه آثار الاستعمال بأي نحو كان مما لا يغتفر في جلد الميتة، وفاقا للمدارك و كشف الأستاذ و اللوامع، بل في الأخير نسبته إلى ظاهر المعتبر و معظم الطبقة الثالثة، تحكيما للظاهر على الأصل كما يومي اليه الخبر السابق.

و

خبر السكوني (2)عن الصادق (عليه السلام) «ان أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة، كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): يقوم ما فيها ثم يؤكل، لأنه يفسد و ليس له بقاء، فان جاء طالبها غرموا له الثمن، قيل: يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي، قال: هم في سعة حتى يعلموا»

لظهور انسياق بلاد الإسلام من الخبر المذكور.

بل قد يرشد إليه في الجملة

الصحيح عن حفص بن البختري (3)قال: «قلت


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبح الحديث 1 من كتاب الحج.

ج 6، ص: 348

لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه، قال: ينحره و يكتب كتابا يضعه عليه ليعلم من مر به أنه صدقة»

حيث ظهر منه جواز الاعتماد على القرائن غير اليد.

أما ما كان مطروحا و لا أثر استعمال عليه أو كان في يد كافر لم يعلم سبق يد مسلم عليه أو أرضهم و سوقهم و بلادهم فهو ميتة لا يجوز استعماله، للأصل، و ظاهر بعض المعتبرة السابقة.

فما في المدارك- من الحكم بطهارة الجلد المطروح حتى يعلم أنه ميتة، تمسكا بنحو

الصحيح (1)«عن الخفاف التي تباع في السوق، قال: اشتر وصل حتى تعلم أنه ميتة»

و بقاعدة الطهارة بعد تعارض الأدلة، إذ هو حينئذ كالدم المشتبه- ضعيف جدا إن أراد بالمطروح غير ما ذكرنا كالذي في غير بلاد الإسلام، أو فيها لكن لا أثر عليه، لعدم الشاهد له بعد تنزيل الخبر المذكور و نظائره على بلاد الإسلام و سوقهم كما هو الظاهر منها، و انقطاع قاعدة الطهارة بأصالة عدم التذكية.

على أنه قد يقال: المتجه بعد تسليم تعارض الأدلة من الأصول و غيرها عدم الحكم بالطهارة مثلا أيضا، لعدم ثبوت شرطها، لا لثبوت العدم باستصحاب و نحوه، و هو كاف قطعا، نعم لا ينجس حينئذ ما يلاقيه، اللهم إلا أن يدعى أن قاعدة الطهارة يكفي في تحققها عدم العلم بالنجاسة مع عدم الحصر إن قلنا به أيضا، بل أكثر موارد قاعدة الطهارة من هذا القبيل، إلا أن يفرق باشتراطها هنا بالتذكية بخلافها في غيره، فإن النجاسة بالحقيقة هي المشروطة لا الطهارة، فتأمل جيدا فإنه لعلك به مع ملاحظة ما ذكرنا تستفيد الجمع بين الفتاوى كالنصوص، فتخرج المسألة عن الخلاف حينئذ، و الله أعلم، و يأتي إن شاء الله مزيد تحقيق في باب الصلاة.


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 6، ص: 349

[في استحباب اجتناب جلد ما لا يؤكل لحمه قبل الدبغ]

و يستحب اجتناب جلد ما لا يؤكل لحمه من ذي النفس الذي تقع عليه التذكية حتى يدبغ بعد ذكاته كالسباع، فإنها مما تذكى للإجماع المحكي عن الفاضلين و الشهيد، و

موثق سماعة(1)«سألته عن جلود السباع ينتفع بها، قال: إذا رميت و سميت فانتفع بجلده»

ك

موثقه الآخر(2)«سألته عن تحريم السباع و جلودها، فقال:

أما اللحوم فدعها، و أما الجلود فاركبوا عليها و لا تصلوا فيها».

و بذلك ينقطع أصالة عدم التذكية بناء على أنها أمر شرعي كما يشهد له اختلاف أفرادها من ذكاة السمك و الجراد و غيرهما، بل ما كان تذكيته الذبح قد اعتبر الشارع فيه من التسمية و الاستقبال و نحوهما ما به خرج عن إرادة المعنى اللغوي بحيث ينتفى الاسم بانتفائها، و يندرج تحت الميتة لا المذكى النجس مثلا.

نعم قد يقال بعدم الاحتياج إلى أزيد مما ثبت من اعتباره في المأكول من ذي النفس متى ثبت كون الحيوان مما يقبل التذكية حتى يدل دليل على الزيادة، فتأمل جيدا.

بل و كذا إن قلنا إن التذكية لغوية لكنها من الأسباب الشرعية التي رتب الشارع عليها أحكاما عديدة، فمع الشك في سببيتها بالنسبة إلى أحد أفراد موضوعها و محلها فالأصل عدمها أيضا، إلا أنه قد يمنع الشك حينئذ و يدعى ترتب الأحكام على مسمى التذكية، فيكون الأصل بالعكس، بل يؤيده ما عن القاموس و الصحاح أنها الذبح، لكن العرف و الشرع يأباه، إذ الذبح فيهما أعم من التذكية كما لا يخفى على من لاحظ الأدلة بل و اللغة أيضا، و ما عن القاموس و الصحاح تفسير بالأعم كما هو دأب أهل اللغة، أو أن المراد الذبح الشرعي المخصوص.


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب لباس المصلي- الحديث 3 من كتاب الصلاة مع اختلاف كثير.

ج 6، ص: 350

و من الغريب احتمال أن التذكية الموت بغير حتف الأنف حتى أنه لو قد الحيوان نصفين على عكس القبلة و عدم التسمية كان مذكى، إلا أن يقوم إجماع و نحوه على عدمه كاحتمال أن الموت مانع، و مع الموت بغير حتف الأنف يشك في دخوله تحت اسمه ليتبعه الحكم، إذ هما من الخرافات.

بل لعل الاحتمال السابق- أي أن التذكية ليست شرعية لا يحتاج في معناها و لا محلها إلى الشرع، بل المحتاج اليه منه نفس الحكم المترتب على ذلك، فإذا قال مثلا:

المذكى طاهر لم يحتج بعد إلى شي ء آخر- كذلك أيضا، إذ هو أيضا واضح الفساد، لأنه أصل مقابلة الموت بالتذكية انما هو من الشرع، و إلا فالموت يقابله الحياة لا التذكية، على أنه قد يمنع حينئذ عليه عموم الدليل لكل مذكى بحيث يجري عليه الأحكام و إن بعد، و قوله تعالى (1)«إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ» يراد به بالنسبة إلى ما يؤكل لحمه قطعا، كما يدل عليه المستثنى منه.

فالأقوى حينئذ التمسك بأصالة عدم التذكية في كل حيوان شك في قابليته لها و عدمه، فالمسوخ حينئذ و الحشرات باقية على مقتضاها حينئذ، لعدم الدليل، فالقول بها فيها كالقول بعدمها في السباع لا يصغى اليه كما يأتي مزيد تحقيق ذلك في محله في باب الصيد و الذباحة إن شاء الله. و ما في الحدائق «الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب فيما أعلم ان ما عدا الكلب و الخنزير و الإنسان من الحيوانات الطاهرة تقع عليها الذكاة» إلى آخره، لم نتحققه، بل المتحقق خلافه.

و أما ما في المتن و القواعد و غيرهما من استحباب الاجتناب كالذي في المعتبر و المختلف من كراهة الاستعمال قبل الدبغ فلم أقف على ما يقتضي شيئا منهما عدا الخبر الذي ستسمعه، و التفصي من شبهة القول بوجوب الاجتناب قبل الدبغ المحكي عن الشيخ،


1- 1 سورة المائدة- الآية 4.

ج 6، ص: 351

بل الشيخين، بل المرتضى، بل في كشف اللثام عن الأكثر، بل في الذكرى عن المشهور، بل هو اختاره في البيان، سواء كان ذلك منهم لتوقف الطهارة عليه كما يفهم من المنتهى و جامع المقاصد، أو التعبد المحض كما يفهم من غيرهما، و إن كان على أي التقديرين في غاية الضعف، إذ هو مع انه مناف للأصل و إطلاق أدلة الطهارة السابقة لم نعثر على ما يدل عليه أيضا سوى ما في كشف اللثام من أنه

روي في بعض الكتب عن الرضا (عليه السلام) «دباغة الجلد طهارته»

و هو- مع قصوره عن إثبات المطلوب من وجوه- محتمل (1)لإرادة زوال الزهومات و نحوها بالدبغ من الطهارة فيه، على أنه لا ينطبق على القول بتعبدية الدبغ.

و أما ما في الخلاف من أن جواز التصرف في هذه الأشياء يحتاج إلى دلالة شرعية، و انما أجزنا ما أجزنا بدلالة إجماع الفرقة على ذلك أيضا فهو لا يرجع إلى محصل، إذ الدلالة ما عرفت، كقوله بعد ذلك: إنه لا خلاف في جواز استعمالها بعد دباغها، و لا دليل قبل الدبغ، كما هو واضح.

[في حكم الدبغ بالأشياء النجسة]

ثم انه لا ريب في امتثال الاستحباب أو الكراهة أو الوجوب أو الحرمة على اختلاف التعبير بالدبغ بالأشياء الطاهرة من الشب و القرظ و العفص و قشور الرمان و غيرها مما يندرج في ذلك، أما الأشياء النجسة فلا يجوز الدبغ بها كما صرح به في المختلف و المعتبر و المنتهى و الذكرى بل في الأول الإجماع عليه، و هو إن تم كعدم جواز مطلق استعمال النجس و الانتفاع به الحجة، و إلا كان للنظر فيه مجال.

لكن لو خالف فدبغ فالظاهر جواز استعماله عندنا بعد الغسل، للأصل و العمومات، و

خبر أبي يزيد(2)عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «سأله عن جلود


1- 1 في النسخة الأصلية« و محتمل» و الصحيح ما أثبتناه.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 352

الدارش، فقال: لا تصل فيها، فإنها تدبغ بخرء الكلاب»

لقصوره محمول على الكراهة أو إرادة قبل الغسل و نحوهما.

و أما على القول بوجوب الدبغ ففي الاكتفاء به و عدمه، أو التفصيل بين التعبد و توقف الطهارة عليه، فالاكتفاء على الأول و عدمه على الثاني وجوه لا يمكن أن يعض على أحدها بضرس قاطع حتى يعرف دليل ذلك القول و ما يقتضيه، و إن أمكن تعليل الأول بصدق الدبغ، و الثاني بعدم كون المحرم سببا لحكم شرعي، و الثالث باشتراط الطهارة في المطهر دون التعبد، و خبر الرضا (عليه السلام) السابق، و الأمر سهل، فتأمل جيدا.

[في كراهة الاستعمال من أواني الخمر ما كان رخوا]

و يجوز أن يستعمل من أواني الخمر ما كان صلبا يمنع نفوذ الخمر و لو لأنه كان مقيرا أو مدهونا بدهن أخضر مثلا بعد غسله فإنه مما يطهر بذلك إجماعا كما في المعتبر و المنتهى، و هما مع العمومات الحجة على ما نحن فيه، بل لعله مستغن عنهما بضروريته و بداهته.

و كذا يجوز لكن يكره ما كان رخوا لا يمنع نفوذ الخمر فيه كما لو كان خشبا أو قرعا أو خزفا غير مدهون وفاقا للمشهور نقلا في كشف اللثام إن لم يكن تحصيلا، أما الجواز فلوجود المقتضي من الغسل المترتب عليه الطهارة، لإزالته العين كغيره من النجاسات، و ارتفاع المانع، إذ ليس هو إلا نفوذ الأجزاء الخمرية في الباطن فيتنجس بها، و فيه أنه ليس أسرع من الماء نفوذا أولا، و دعوى أسرعيته قبل حيلولة الأجزاء الخمرية، و إلا فهي مانعة له عن النفوذ بعد تسليمها خروج عن محل النزاع، على أن الأجزاء الخمرية غالبا تستهلك متى دخلت في المسام خصوصا إذا جف الإناء، و ليس مانع من حصول طهارة الظاهر الذي يراد استعماله ثانيا، إذ لا سراية، نعم

ج 6، ص: 353

ينجس ما فيه حينئذ لو خرج تلك الأجزاء الخمرية إلى الخارج مضافا إلى إطلاق ما دل على حصول الطهارة بالغسل و ترك الاستفصال في

موثق عمار(1)«سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خل أو ماء أو كامخ أو زيتون؟ قال: إذا غسل فلا بأس، و عن الإبريق و غيره يكون فيه خمر أ يصلح أن يكون فيه ماء؟ قال: إذا غسل فلا بأس، و قال: في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر قال: يغسله ثلاث مرات».

ك

موثقه الآخر(2)«في الإناء الذي يشرب فيه النبيذ و أنه يغسل سبع مرات».

بل

و خبر حفص الأعور(3)«قلت للصادق (عليه السلام): إني آخذ الركوة فيقال: إنه إذا جعل فيها الخمر و غسلت كانت أطيب لها فنأخذ الركوة فنجعل فيها الخمر فنخضخضه و نصبه و نجعل فيها البختج، فقال: لا بأس».

و

خبره الآخر(4)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الدن يكون فيه الخمر ثم يجفف يجعل فيه الخل، قال: نعم»

إذ المراد يجفف و يغسل.

و

الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا(5)«في الإناء يشرب فيه النبيذ فقال: تغسله سبع مرات، و كذا الكلب».

فما عن نهاية الشيخ و ابني الجنيد و البراج- من المنع عن استعماله لما في الخمر من الحدة و النفوذ.

و ل

صحيح ابن مسلم (6)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن الظروف فقال:

نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن الدباء و المزفت و زدتم أنتم الحنتم يعني الغضار


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 52- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 354

و الزفت يكون في الزق و يصب في الخوابي ليكون أجود للخمر، و سألته عن الجرار الخضر و الرصاص قال: لا بأس».

و

خبر أبي الربيع الشامي (1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن كل مسكر حرام، قلت: فالظروف التي تصنع بها منه فقال:

نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن الدبا و المزفت و الحنتم و النقير، فقلت:

و ما ذاك؟ قال: الدبا: القرع، و المزفت: الدنان، و الحنتم: جرار خضر، و النقير:

خشب كانوا ينقرونها حتى يصير لها أجواف ينبذون فيها».

و

خبر جراح المدائني (2)عنه (عليه السلام) أيضا «انه منع عما يسكر من الشراب و منع النقير و النبيذ الدباء»

- ضعيف، إذ الأول قد عرفت ما فيه من أشدية الماء منه نفوذا، و الأخبار لا تصلح لإثبات الكراهة فضلا عن المنع، إذ هي- بعد الإغضاء عن سند بعضها و الاجمال، بل الإشكال في متن الآخر، و قصورها عن تقييد غيرها- ظاهرة في إرادة النهي عن الانتباذ فيها مخافة الاختمار باعتبار ما في الإناء من الدهنية أو النبيذ السابق المتغير، لا مطلق استعمالها، كما يشهد لذلك النهي فيها عن المزفت أي المطلي بالزفت، و هو القير، و عن الحنتم، و هي كما قيل الجرار الخضر المدهونة مما عرفت انه لا إشكال في قابليته للتطهير و جواز استعماله، فعلم إرادة بيان خصوصية للانتباذ خوفا عليه من الاختمار و لو لتشرب الإناء الذي لا يمنع من قبول التطهير، لكنه قد يؤثر الاختمار، بل قد تؤثر الرائحة و نحوها، إلا أنه مع ذلك كله لا بأس بالقول بالكراهة تخلصا من شبهة الخلاف، بل و الاحتمال في الأخبار، و استظهارا في الاحتياط، و نحو ذلك مما يكتفى به فيها للتسامح، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب النجاسات- الحديث 2 مع الاختلاف.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.

ج 6، ص: 355

[في حكم ولوغ الكلب]

و يجب أن يغسل مسمى الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا إجماعا مما عدا الإسكافي كما في المنتهى، بل لم يستثنه منه في الانتصار و الخلاف و الغنية بل و الذكرى أيضا و ان حكي خلافه فيها بعد ذلك، و هو الحجة بعد إمكان دعوى الأصل في نفي الزائد هنا، و

صحيح البقباق (1)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن الكلب فقال: رجس نجس لا تتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء»

خصوصا على ما في المعتبر و المنتهى و غيرهما من زيادة «مرتين» بعد لفظ الماء فيه، و لعلهم عثروا عليه فيما عندهم من الأصول، و خصوصا بالنسبة للمحقق، إذ هو غالبا يروي عن أصول ليس عندنا منها إلا أسماؤها، بل يؤيده أيضا وجود ذلك في لسان القدماء من الأصحاب حتى ان الشيخ الذي روى الرواية بدون ذكر المرتين حكى الإجماع على وجوبهما، بل لم يفت أحد بالاكتفاء بالمرة، بل لعل ذلك مخالف لشعار الشيعة، و لما يظهر من الأخبار من شدة نجاسة الكلب، بل هي أشد من البول الذي وجب فيه التعدد.

فدغدغة سيد المدارك تبعا لأستاذه بالنسبة إلى ذلك من حيث خلو الصحيح عنه في الأصول في غير محلها قطعا، و خصوصا بعد تأييد ذلك الصحيح أيضا بما في الرضوي (2)كما عن

رسالة الصدوق و مقنع ولده و فقيهه «إن ولغ الكلب في الماء أو شرب منه أهريق الماء و غسل الإناء ثلاث مرات: مرة بالتراب، و مرتين بالماء، ثم يجفف»

و

بالعاميين (3)عن النبي (صلى الله عليه و آله) «ان ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرات».


1- 1 الوسائل- الباب- 70- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 43- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 حاشية ابن مالك على صحيح مسلم المطبوعة بهامش الصحيح ج 1- ص 162 و سنن البيهقي ج 1 ص 240.

ج 6، ص: 356

مع زيادة في أحدهما «أو خمسا أو سبعا» المعلوم حملها على الندب، لعدم جواز التخيير بين الأقل و الأكثر.

فما عن ابن الجنيد- من إيجاب السبع للأصل الذي يكفي في انقطاعه على تقدير تسليم جريانه بعض ما مر، و

النبوي (1)العامي الذي لم يثبت من طرقنا، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا، أولاهن بالتراب»

المحمول على الندب قطعا، لقصوره عن معارضة ما عرفت من وجوه، كالموثق المتقدم (2)آنفا في المسألة السابقة- ضعيف إن لم يكن مقطوعا بفساده.

و ظاهر المتن كغيره بل المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة كادت تبلغ الإجماع قصر الحكم على الولوغ الذي هو الشرب، كما في المصباح المنير بل و الصحاح و إن زاد بطرف لسانه، بل و القاموس و إن فسره بإدخال لسانه في الإناء و تحريكه، فلا يتعدى منه إلى غيره من مباشرة باقي أعضائه غير اللطع، لمساواته له أو أولويته منه، بل في مجمع البرهان و لا إلى مباشرة لسانه بما لا تسمى ولوغا حتى اللطع، للأصل في وجه، و إطلاق الأمر بالغسل من نجاسة الكلب المفهوم من النصوص (3)بعد إلقاء الخصوصية فيما تضمنته السالمين عن المعارض، إذ هو في الولوغ خاصة.

لكن قد يشكل الأصل باقتضائه العكس الذي هو المطلوب، و ما بعده بأعمية صحيح البقباق الذي هو مستند الحكم من الولوغ، خصوصا إن أخذنا طرف اللسان أو إدخاله و تحريكه فيه، ضرورة أن الفضل أعم منه، إذ هو يصدق على بقية الملطوع و المأكول و نحوهما دونه.


1- 1 كنز العمال- ج 5- ص 89- الرقم 1888.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب النجاسات.

ج 6، ص: 357

اللهم إلا أن يقال: إنه و إن كان هو أعم منه في نفسه لكن المراد منه هنا باعتبار ظهوره في بقية الماء المشروب بطريق الولوغ كما هو أغلب أحوال شرب الكلب إن لم يكن جميعها الولوغ.

لكن قد يمنع ظهور الصحيح في اعتبار ذلك على وجه الشرطية للحكم المذكور، بل قد يقال المراد مطلق السؤر الذي هو بمعنى المباشرة عندنا من الفضل، و لعله لذا و الأصل- مع التأييد بالرضوي المتقدم و غلبة اتحاد الحكم في أجزاء الحيوان، بل يمكن دعوى أولوية غير الفم منه في هذا الحكم باعتبار أن فمه أنظف منها، و لذا كانت نكهته كما قيل أطيب من غيره من الحيوانات لكثرة لهثه- ساوى المفيد و النراقي كما عن الصدوقين- بل قد يظهر من سيد الرياض الميل اليه- بين الولوغ في ذلك و بين مباشرة باقي أعضاء الكلب، و هو لا يخلو من وجه، بل لعل التأمل الجيد في الصحيح السابق و ظهور سياقه في إرادة بيان نجاسة الكلب من غير مدخلية لشي ء آخر يعين ذلك، لا أقل من الشك، و الأصل بقاء النجاسة.

بل ينبغي القطع به في مثل اللطع و الشرب كرعا لمقطوع اللسان و نحوه، بل في الروض و شرح المفاتيح و جامع المقاصد أنه أي اللطع أولى من الولوغ.

كما انه ينبغي القطع بعدم الفرق بين الماء و غيره من سائر المائعات في صدق الولوغ أو الإلحاق به.

نعم لا ينسحب الحكم إلى مباشرة لعابه من غير ولوغ فضلا عن عرقه و سائر رطوباته، وفاقا للمشهور نقلا و تحصيلا، لعدم دليل عليه، و خلافا للفاضل في نهايته، فألحق اللعاب به، بل و باقي الفضلات أيضا، معللا الأول بأن المدار على قطع اللعاب من غير اعتبار السبب، و للثاني بأن فمه أنظف من باقي أعضائه، فهي به حينئذ أولى بالحكم المذكور، و هما معا كما ترى و إن كان هو أحوط.

ج 6، ص: 358

بل قد يراد من الفضل الذي في الصحيح ما كان فيه من فضلة فمه مثلا شي ء، سواء باشره فمه أو لا، بل لعل سبب أصل إطلاق الفضل على ما يباشره فم الحيوان مثلا غلبة تخلف شي ء من فضلة فيه، فحينئذ يقوى القول بجريان الحكم المذكور في الفرض، و إن كان لا يجسر على الجزم به مجرد ذلك.

و لا يلحق بالكلب الخنزير قطعا، لعدم الدليل، وفاقا لمن عدا الخلاف، و خلافا له و عن المبسوط و المصباح و مختصره و المهذب، و ان استدل عليه في الأول بدعوى تسميته كلبا لغة، لكنه في غاية الضعف لمنعها، و لو سلم ففي العرف لا ينصرف الإطلاق إليه، كالاستدلال عليه بأن سائر النجاسات يغسل منها الإناء ثلاث مرات، و الخنزير نجس بلا خلاف، إذا البحث في مساواته للولوغ في الحكم بالتراب و نحوه لا العدد، و إلا فقد يقوى في النظر وجوب

سبع مرات في ولوغ الخنزير ضعف عدد الكلب و زيادة، وفاقا للمختلف و الإرشاد و القواعد و الذكرى و جامع المقاصد و غيرها من كتب متأخري المتأخرين، ل

صحيح علي بن جعفر عن أخيه (1)«سألته عن خنزير شرب من الإناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرات»

السالم عن معارض غير الإطلاق و نحوه الواجب حمله عليه، لا التجوز بإرادة الندب فيه و إن ارتكبه المصنف في معتبرة، و لعله لعدم عثوره على عامل به قبله، لكنك خبير ان ذلك غير شرط، نعم لو تحقق الاعراض ربما يشكل العمل حينئذ به، و دعواه هنا بالنسبة إلى سابق زمن المصنف و إن كانت ممكنة خصوصا بعد ما في كشف اللثام أن ظاهر الأكثر كونه كسائر النجاسات، و عدم اشتهاره بين السلف، لكن لا يجسر عليه الآن بعد ما سمعت من عمل من عرفت به.

و على كل حال فلا وجه لا لحاقه بالكلب، بل و لا غيره من الحيوان النجس


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 359

كأصناف الكفار حتى الناصب منهم، و ان ورد(1)فيه أنه أشر من الكلب، لكنه لا ظهور فيه في إرادة ما يشمل مثل ذلك من الأحكام الظاهرية.

نعم يقوى في النظر إلحاق ما تنجس بماء الولوغ من الأواني، وفاقا للمحكي عن نهاية الفاضل و المحقق الثاني، لظهور الصحيح السابق الذي هو مستند الحكم هنا في أن مدار التعفير على نجاسة الإناء بفضلة الكلب، فمع فرض إراقة ذلك الماء مثلا من الإناء الأول إلى الآخر تحقق صدق نجاسته بفضل الكلب، لكن في المعتبر و الذكرى و المدارك بل و ظاهر الخلاف أيضا عدم اللحوق، اقتصارا في الحكم، على موضع النص، و فيه ما عرفت إلا أن يدعى تبادر الإناء الأول من فضل الكلب، و إن كانت هي أيضا بحيث تنافي ما ذكرنا ممنوعة، إذ لا فرق بين كل من الإناءين في حصول النجاسة له بفضل الكلب.

أما لو أصاب ذلك الماء الجسد و الثوب و نحوهما فلا تعفير، لا لعدم صدق الولوغ إذ قد عرفت أن موضوع الحكم أعم من ذلك، بل هو لظهور النص و الفتوى بدوران الحكم مدار الإناء، فلو لطع الكلب ثوبا أو جسدا لم يجب التعفير، بل لو ولغ بماء في كف إنسان مثلا أو موضوع في ثوب و نحوه لا تعفير بناء على ذلك أيضا، لكن لا يخلو من نظر و تأمل من حيث ظهور الصحيح السابق في كون الإناء فيه مثالا لغيره، لا أنه يراد منه التخصيص و التعيين قطعا، و إلا لم يؤد بهذا النوع من العبارة، و يؤيده أيضا ما سمعته سابقا من إمكان دعوى القطع بعدم مدخلية الماء المطلق في هذا الحكم، بل غيره من المائعات كالماء المضاف و نحوه مثله فيه، ضرورة عدم الفرق بين الإناء و الماء في الصحيح المذكور، فتأمل.

و ليس ماء الغسالة بناء على نجاسته كماء الولوغ قطعا، لصدق النجاسة بفضل


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المضاف- الحديث 4.

ج 6، ص: 360

الكلب في الأول دون الثاني، و من هنا لم يجر عليها حكم التعفير و إن قلنا بوقوع الغسل قبله فاتفق الإصابة حينئذ من ذلك الغسل المتقدم عليه، بل تكون حينئذ كسائر النجاسات حتى لو قلنا إن ماء الغسالة كالمحل قبلها في الحكم، إذ يمكن تخصيصه بما إذا لم يكن لخصوص النجاسة مدخلية، أما لو كان كالولوغ الواضح عدم صدقه بالنسبة إلى ماء الغسالة فلا، كما أشار إليه الشهيد في الروضة في البحث عن الغسالة، على أنه بناء على وجوب تقديم التراب لا يتصور تقديم ماء الغسالة حتى يجب التعفير حينئذ كالمحل، بل أقصاه وجوب العدد.

نعم يمكن فرضه حينئذ بالمتنجس بملاقاة إناء الولوغ، إذ ليس للغسالة خصوصية في ذلك، ضرورة كون منشأ التبعية للمحل فيها انما هو استظهار انتقال حكم النجاسة إلى المتنجس بها، بل هو معنى نجاستها بملاقاته، و هو لا يتفاوت فيه بين الغسالة و غيرها، بل هو في الثاني أتم، خلافا لظاهر المحكي عن المحقق الثاني، فأوجب التعفير من ملاقاة ماء الغسالة مع فرض صحة وقوعها قبل التعفير، و كان مستنده ما عرفت من انتقال حكم النجاسة إلى ملاقيها مؤيدا بالاستصحاب و نحوه، لكن قد عرفت أن الأقوى خلافه هنا، كما أنك عرفت ما يرد عليه أيضا بالنسبة إلى تقييده بفرض صحة وقوعها قبل التعفير، إذ لو لم يفرض ذلك كان من المتنجس الذي قد سمعت أن المتجه مساواته لماء الغسالة، كما هو واضح.

ثم لا فرق في الحكم المذكور بين ولوغ الكلب الواحد مرة أو مرات و الكلاب المتعددة بلا خلاف و لا إشكال، لظهور الجنسية من الصحيح التي لا يتفاوت فيها القليل و الكثير كباقي النجاسات بالنسبة إلى بعضها مع بعض، كعدم الخلاف و الاشكال أيضا في وجوب الاستئناف لو فرض وقوع ذلك في الأثناء لعدم تصور التداخل فيما مضى،

ج 6، ص: 361

و لا فائدة بل لا وجه للإتمام ثم الإعادة، و مثله في ذلك كله النجاسات الأخر لو عرضت له في الأثناء أو قبل التعفير، فإنه يدخل ذات العدد القليل في الكثير، و يختص الولوغ بالتعفير.

و كيف كان فالغسلات الثلاثة التي ذكرنا وجوبهن لا بد أن يكون أولاهن بالتراب على الأصح وفاقا للمشهور نقلا و تحصيلا للأصل و الصحيح المتقدم و إجماع الغنية التي لا ينافيها إطلاق الرضوي (1)لو قلنا بحجيته كإطلاق معقد إجماع الانتصار و الخلاف، لوجوب حمله عليه، فما في المقنعة من اعتبار كون الوسطى كذلك ضعيف، لم نقف له على مأخذ كما اعترف به غير واحد سوى ما في الوسيلة من نسبته إلى الرواية، لكنها كما ترى مرسلة بأضعف وجهي الإرسال قاصرة عن معارضة ما تقدم من وجوه.

و هل يجب مزج التراب بالماء كما في السرائر و عن الراوندي، بل قواه في المنتهى تحصيلا لحقيقة الغسل أو أقرب المجازات اليه و ان حصل التجوز بالتراب، بل قد يدعى أنه المنساق إلى الذهن من الغسل بالتراب، خصوصا بعد ملاحظة العدول عن التعبير بالمسح به إلى ذلك.

أم يجب العدم كما في جامع المقاصد و ظاهر الخلاف، ترجيحا لا بقاء التراب على حقيقته على تلك الأقربية لو سلمت بعد منع إمكان تحصيل حقيقة الغسل بالمزج، و دعوى انه جريان مطلق المائع على الجسم واضحة الفساد، بل هو إما جريان الماء خاصة، أو هو و ما أشبه من ماء الورد و نحوه. هذا كله إن قلنا بأقربية ذلك المجاز، و إلا فلو منع و قلنا إنه على كل حال تعذر الإتيان بحقيقة الغسل، ضرورة عدم صدق اسم الغسل على جريان التراب الممزوج و لو بنفسه لم يحتج حينئذ إلى مراعاة الترجيح المزبور، لوجوب إبقاء التراب حينئذ على حقيقته، لا صالة الحقيقة، و لمرجوحية المجازين بالنسبة إلى المجاز الواحد قطعا.


1- 1 المستدرك- الباب- 43- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 362

أو يخير بين كل من الأمرين كما هو ظاهر الذكرى أو صريحها و البيان و عن الدروس بل هو ظاهر الشهيد الثاني أيضا، لكنه اعتبر المزج الذي لا يخرج به التراب عن اسمه، و كان مراده المزج الذي هو كاللبس، و قواه في الذخيرة لحصول الغرض، و هو إزالة ما حصل بالإناء من اللعاب بكل منهما، بل قد يدعى ان الغسل بالتراب و إن كان مجازا مطلق بالنسبة إليهما معا فكل منهما فرد يحصل به امتثال التكليف بإيجاده.

أو يجبان معا كما عساه يميل إليه الأستاذ في شرح المفاتيح، بل و السيد المعاصر في رياضة، لتوقف يقين الطهارة من تلك النجاسة اليقينية عليه؟ أوجه بل أقوال كما عرفت، أحوطها آخرها، و أقواها ثالثها على الوجه الذي اعتبره الشهيد الثاني، بل لعله المتعارف من الغسل بالتراب كغسل اليد بالأشنان و نحوه، فيتعين حينئذ لا أنه يخير بينه و بين عدمه، إلا أني لم أعرف قائلا به، كما أني لم أعرف قائلا باحتمال جعل الباء للاستعانة مع تقدير الدلك و المسح متعلقا للظرف لا أنه متعلق بالغسل، و إلا رجع إلى أحد الوجوه السابقة، أو للمصاحبة و الظرف مستقر لا لغو، فيكون المراد غسله مصاحبا للتراب، فيجتزى بمسماه، أو يتعين بحيث لا يخرج الماء عن إطلاقه كالسدر و الكافور في غسل الميت، لكن كان المناسب حينئذ وصف الماء بالبحث في قوله (عليه السلام): «ثم بالماء» عدا هذا الأخير، فإنه ربما يظهر من تذكرة الفاضل حيث استشكل فيها بالاجزاء بناء على المزج إذا خرج الماء عن الإطلاق و صار مضافا، كما أنه استشكل في قيام غيره من ماء الورد و نحوه مقامه بناء على الاجتزاء به لو خرج عن الإطلاق.

بل عنه في النهاية أن مبنى ذلك وجوب التعفير تعبدا أو استظهارا في القلع، فيتوقف فيه على الأول على ظاهر النقل، بخلاف الثاني فيجزي غير الماء المطلق من ماء الورد و نحوه فضلا عن الاجتزاء بالخارج منه عن الإطلاق بالمزج، و إن كان لا يخفى عليك أن الاشكال الأول في غير محله، و مخالف لظاهر كلمات الأصحاب، إذ لم أعرف أحدا

ج 6، ص: 363

اعتبر بقاء الماء على إطلاقه من القائلين بالمزج، بل صريح بعضهم كما عرفت اشتراط عدم خروج التراب عن اسمه بالمزج، بل و الثاني أيضا عند التأمل، إذ لا وجه لاعتبار كونه ماء مطلق سوى إطلاق

قوله (عليه السلام): «اغسله بالتراب»

و الغسل معناه إما إجراء الماء أو أنه أظهر أفراده الذي ينصرف إليها، و فيه ان هذا لو لم يذكر متعلقة، أما إذا ذكر انه التراب فلا، كما هو واضح، فاستفادة اشتراط مزج الماء حينئذ من إطلاق الغسل و ان كان قد ذكر متعلقة لأنه أقرب مجاز لا ينبغي أن يصغى إليه، إذ هو لا يرجع إلى محصل.

نعم يتجه وجوب الاقتصار على التراب، فلا يجوز الأشنان و نحوه كما هو ظاهر النص و الفتوى، عدا ما حكاه بعضهم عن ابن الجنيد من الاجتزاء بالتراب و ما يقوم مقامه، لكن مع أنه حكى عنه المصنف و غيره ذلك حال عدم التمكن من التراب هو ضعيف جدا، و إن حكي عن موجز أبي العباس موافقته، بل لعله مبني على ما نسب اليه من القول بالقياس.

بل المتجه عدم الاجتزاء بغيره مع الضرورة و عدم التمكن منه أيضا، وفاقا للمنتهى و جامع المقاصد و كشف اللثام و المدارك و الذخيرة و غيرها، للأصل و مساواته حال التمكن في علة المنع، و عدم إمكان التنقيح بعد طهورية التراب دون غيره، على أنه لو جاز هنا لجاز حال عدم الاضطرار، لعدم دليل يخصه، و خلافا للقواعد و الذكرى و البيان و عن المبسوط فيجزئ حينئذ، لحصول الغرض من إرادة قلع النجاسة و الأجزاء اللعابية، بل ربما كان بعضه أبلغ من التراب، إذ هو كما ترى، بل مقتضاه جوازه اختيارا، و هو معلوم البطلان.

فالأقوى بقاؤه على النجاسة حتى يتمكن من التراب، كما إذا تعذر ما يقوم مقام التراب أيضا، وفاقا لظاهر أو صريح أكثر من قدمنا أو جميعهم، لعين ما مر،

ج 6، ص: 364

فهو و الماء حينئذ بمنزلة واحدة كما هو ظاهر الصحيح السابق، و لا يقدح فيه لزوم التعطيل في مثله بعد فرض ندرة عدم التمكن من التراب أو الماء المعصوم، بناء على عدم التعفير فيه، كندرة مشقة الاستغناء عن خصوص الإناء، على أنه حرج شخصي لا نوعي.

خلافا لقواعد الفاضل و عن مبسوط الشيخ، بل قواه في المنتهى، كما عنه أنه قربه في التحرير، فيجتزئ بالماء خاصة، بل نسبه في المدارك إلى جمع من الأصحاب، و ضعفه واضح مما مر، فمن العجيب تقوية ظاهر المنتهى له هنا مع قوله بعدم إجزاء غير التراب عنه هناك، و لعله لا يريدها بالنسبة إلى ذلك، بل يريد قوة القول بالمرتين، بناء على الاجتزاء بالماء مقابل احتمال ثلاثة غسلات الذي اختاره في القواعد، واحدة منهن بدل التراب تحصيلا ليقين الطهارة، و تحقيقا للتثليث، و إقامة للماء مقام التراب، لكونه أبلغ في الإزالة، و لعدم سقوط الميسور بالمعسور، بناء على اعتبار المزج، و لا ريب في قوته كما ذكره فيه، و عن التحرير انه قربه لسقوط الغسل بانتفاء ما يغسل به، و انتفاء الدليل على قيام غيره مقامه مع ظهور ضعف ما سمعت للثاني.

و من التعذر خوف فساد المحل في المنتهى و القواعد و عن التحرير و التذكرة، فهو حينئذ كفقد التراب، فيجتزئ بالماء لاشتراط الجميع بالمشقة في التعطيل، و دعوى ظهور الاشتراط في الاختيار، و فيه البحث السابق، و لذا حكم ببقائه على النجاسة أكثر من تقدم لعين ما مر.

نعم قد يشك في أصل شمول دليل وجوب التعفير للإناء المتعذر فيه ذلك أو المتعسر لا لعارض خارجي بل كان من حيث نفسه و أصل وضعه، و منه الإناء النفيس جدا، أو الإناء الضيق الرأس الذي يفسد بكسره إن لم نقل بإمكان تعفير مثله بناء على المزج و إن خرج التراب عن مسماه، بأن يخلط الطين و التراب و يوضع فيه، بل و على غير المزج بناء على عدم وجوب الدلك، بل يكفي إجراء التراب كالماء، لإطلاق الدليل،

ج 6، ص: 365

بل قد يدعى ظهور النص بل و الفتوى في إرادة الأواني الممكنة التعفير لا متعذرته في نفسها، فيبقى حينئذ على حكم الأواني المتنجسة بغير الولوغ، كما اعترف به الأستاذ في كشفه و احتمله غيره.

و من ذلك بالنسبة للحكم المذكور القربة المتعذر تعفيرها بالتراب على وجه الدلك بناء على اعتباره في الغسل به إن قلنا بعموم حكم الولوغ لغير الأواني لإطلاق النص، بل لو سلم انفهام الإناء من الصب فيه مع أنه أعم منه قطعا لقلنا إنه من باب المثال كما يومي اليه ذكره لا بعنوان هذا المساق، بل لا يكاد ينكر ظهوره في ذلك، بل هو الأقوى في النظر إن لم ينعقد إجماع على خلافه، و عليه فلو ولغ في حوض و نحوه وجب تعفيره، و أما إن قلنا باختصاصه بالأواني كما هو ظاهر كلام الأصحاب بل هو صريح كشف الأستاذ سقط البحث فيها من أصله، إلا أن يلتزم أنها من الأواني، فيجري فيها البحث السابق حينئذ، لكنه كما ترى.

و ربما يتوهم من إطلاق المتن كإطلاق النص و فتوى قدماء الأصحاب عدم اشتراط طهارة التراب، بل كأنه مال اليه بعض متأخري المتأخرين حتى رياض المعاصر، سواء قلنا بمدخليته في نفس التطهير كالماء أو لم نقل بل كان من الشرائط الخارجية لتأثير الماء الطهارة، كالاستعلاء و نحوه في التطهير بالماء القليل، إذ لم يثبت قاعدة اشتراط طهارة المطهر، و إن ثبت فالإطلاق يقيدها.

إلا أن الأقوى في النظر اعتبارها، وفاقا للمنتهى و البيان و جامع المقاصد و الروض و الحدائق و شرح المفاتيح و كشف الأستاذ و غيرها، للأصل و تبادر الطاهر من الإطلاق المذكور الذي لا عموم فيه، سيما إطلاق النص، خصوصا مع الأمر فيه بالغسل به المنصرف إلى الطاهر و إن لم يرد به حقيقته، على أنه غير مساق لذلك، لتركه ذكر الطهارة في الماء.

ج 6، ص: 366

بل يظهر من سياقه حينئذ اعتبار الطهارة فيه كالماء، لعدم سوقه لبيان ذلك، و منع عدم مدخليته في التطهير بعد ظهور النص في مساواته للماء، و

قوله (عليه السلام) في النبوي (1): «طهور إناء أحدكم»

كمنع عدم ثبوت القاعدة المذكورة أو تقييدها بذلك الإطلاق الذي عرفت حاله، سيما مع ملاحظة نظائر المقام من أفراد التطهير بالأرض كحجر الاستنجاء و غيره.

هذا كله مضافا إلى ما في الحدائق من الاستدلال عليه بما تقدم في تطهير الأرض من اعتبار الطهارة فيها ب

قوله (صلى الله عليه و آله)(2): «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا»

إذ الطهور عندنا الطاهر المطهر منكرا على الأصحاب عدم الاستدلال به كما هناك، و إن كان قد مضى ما فيه، على أنه قد أومأ إليه في الجملة جامع المقاصد هنا باستدلاله عليه

في النبوي السابق «طهور إناء أحدكم»

إلى آخره. بل لعله أولى من استدلاله، لإمكان المناقشة بإرادة الطهارة من الحدث من الطهور في تلك الأخبار، خصوصا ما يشمل مثل المقام، بل لعل الظاهر من الأخبار خلافه، فيكون إنكاره على الأصحاب منكرا عليه، و انه غفلة منه لا منهم، و الله أعلم.

و لا يسقط التعفير في الغسل بالماء الكثير جاريا أو غيره، وفاقا للمعتبر و المنتهى و الذكرى و جامع المقاصد و الروض و المسالك و غيرها، بل في الحدائق أنه المشهور، بل قد يظهر من الأولين كونه مفروغا منه، و أنه إن كان إشكال فهو في تقديم التراب على الغسلات مقابل الاجتزاء به لو وقع وسطا أو آخرا، للأصل و إطلاق النص و معاقد الإجماعات، خلافا لظاهر المختلف أو محتمله و محتمل الخلاف و صريح كشف الأستاذ و عن صريح نهاية الفاضل، اقتصارا فيما خالف الأصل، و الاجتزاء بمطلق


1- 1 كنز العمال- ج 5- ص 89- الرقم 1884.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التيمم- الحديث 3.

ج 6، ص: 367

الغسل المستفاد من إطلاق الأدلة و أصالة البراءة في وجه على المتيقن المتعارف في ذلك الزمان، و هو كما ترى ضعيف جدا.

و أضعف منه ما في المختلف من أنه حال وقوع الإناء في الكر لا يمكن القول بنجاسته حينئذ، لزوال عين النجاسة، إذ التقدير ذلك، و الحكم زال بملاقاة الإناء للكر، إذ هو مصادرة أو مغالطة.

و كذا لا يسقط العدد أيضا في الغسل بالراكد من الكثير عند الشيخ في خلافه و عن مبسوطة و المصنف في معتبرة، بل هو لازم القول بعدم سقوطه في غسل الثوب به من البول، و هو لا يخلو من قوة، للأصل و إطلاق دليل التعدد من النص على رواية المعتبر له، و معاقد الإجماعات و غيرها السالمة عن معارضة ما سمعته في غسل الثوب و البدن من البول، فلا تلازم حينئذ هنا بين المقامين و لا قياس.

خلافا للفاضل في المنتهى و القواعد و الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم فتجزى المرة فيه و في كل الأواني بناء على اعتبار العدد فيها للأصل، و في جريانه منع، و ظهور أدلة التعدد في الغسل بالقليل، و فيه بالنظر إلى ما نحن فيه منع أيضا، و تسليمه بالنظر إلى غيره لا يجدي بعد بطلان القياس، فلا يتجه حينئذ التأييد بما تقدم لنا في البحث عن سقوطه في غسل الثوب من البول به.

و من ذلك كله يعرف البحث في الجاري إلا أنه لم أعرف أحدا صرح بعدم سقوط العدد هنا، بل بعض من صرح هناك بعدم السقوط صرح بالسقوط هنا كالمصنف في المعتبر، و لعله لأنه يزيد على سابقه بإطلاق بعض أدلة الجاري ك

قوله (عليه السلام)(1):

«كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر»

و بأنه بتعاقب جريانه يكون كتعدد الغسل، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الماء المطلق- الحديث 5.

ج 6، ص: 368

علله به في المعتبر، و باختصاصه بالتأييد بصحيح ابن مسلم (1)السابق المتضمن سقوط العدد لو غسل الثوب به، لكن قد يمنع تحقق العرف بالثاني، كما يمنع ترجيح هذا الإطلاق على إطلاق العدد، و التأييد قد عرفت ضعفه بعد عدم الدليل على المساواة بين المقامين من إجماع و غيره إن لم يكن الدليل على خلافها، فتأمل.

[في وجوب غسل الآنية ثلاثا من الخمر و موت الجرز]

و كذا يجب غسل الإناء من الخمر و موت الجرز و هو بضم الجيم و فتح الراء كعمر و رطب: الذكر من الفأر كما في المصباح المنير عن ابن الأنباري و الأزهري، و في كشف اللثام عن العين و المحيط بل و النهاية الأثيرية و إن وصف الذكر فيها بالكبير، بل لعله يرجع اليه ما فيه عن الصحاح و المغرب و المعرب من أنه ضرب من الفأر.

نعم ما عن ابن سيده- ضرب منها أعظم من اليربوع أكدر في ذنبه سواد، و الجاحظ ان الفرق بين الجرز و الفأر كفرق ما بين الجاموس و البقر و البخاتي و العراب، و في المصباح عن بعضهم انه الضخم من الفيران يكون في الفلوات و لا يألف البيوت- قد يظهر منه خلاف ذلك، و أنه نوع آخر من الفأر فيه الذكر و الأنثى، لكنه لا صراحة فيه، بل يمكن أن يرجع لذاك عند التأمل، و لعله الموافق لعرفنا الآن ثلاثا بالماء كما في المنافع و القواعد و كشف الرموز بل و الخلاف، لا يجابه غسله ثلاثا من كل نجاسة حاكيا فيه الإجماع على حصول الطهارة بها، بل و كذا كل من تبعه عليه، و عن أطعمة المهذب في الخمر، لأصالة البراءة من الزائد و عدمها في الناقص.

و

موثق عمار(2)«انه سئل الصادق (عليه السلام) عن قدح أو إناء يشرب


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 369

فيه الخمر فقال: يغسله ثلاثا، و سئل أ يجزيه أن يصب فيه الماء؟ قال: لا يجزيه حتى يدلك بيده و يغسله ثلاث مرات».

ك

موثقه الآخر(1)الشامل لكل نجاسة التي منها الجرذ، سئل الصادق (عليه السلام) أيضا «عن الكوز و الإناء يكون قذرا كيف يغسل؟ و كم مرة يغسل؟ قال:

يغسل ثلاث مرات، يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه و قد طهر».

لكن يشكل على نافع المصنف و قواعد الفاضل و نحوهما ممن اجتزى بالمرة في غير الخمر و الجرذ استفادة حكم الثاني من هذا الموثق الخاص الشامل بظاهره و ترك استفصاله له و لغيره، كما أن استفادته خاصة من الأصل مع عدم اختصاصه بما يورث شكا في تناول إطلاق الغسل له من بين باقي أنواع النجاسة في غاية الإشكال.

نعم لو قال بوجوب السبع فيه- كما حكي عن ظاهر المقنع، بل مال إليه في الرياض، بل و بالنسبة للخمر أيضا، بل هو خيرة الذكرى و جامع المقاصد و عن تعليق النافع فيه و في كل مسكر كطهارة النهاية و الوسيلة إلا أنه أبدل الجرذ بموت الفأر، بل في النافع و الدروس و المصباح و عن المراسم و البيان و الألفية و ظاهر الإصباح و مختصره ذلك أيضا، إلا أنه أبدل المسكر بالخمر فيها، و زيد في الثاني الحية، كما عن ظاهر المقنعة و المبسوط الاقتصار على السبع في كل مسكر، و في جمل الشيخ و عن اقتصاده في الخمر، لكن في الجمل كالسرائر و

عن المبسوط روي (2)«في الفأرة سبع إذا ماتت في الإناء»-

لكان متجها يمكن الاستدلال عليه ب

قول الصادق (عليه السلام) في موثق عمار(3)في الإناء يشرب فيه النبيذ: «يغسله سبع مرات، و كذا الكلب»

بل في اللوامع


1- 1 الوسائل- الباب- 53- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 53- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.

ج 6، ص: 370

رواية موثقة أخرى له أيضا بالسبع في الخمر، إلا أني لم أجدها، و قوله (عليه السلام) في

موثقه الآخر(1): «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات».

بل و ترجيحه على موثقي الثلاث بالشهرة و المنطوقية، بل هو أخص من ثانيهما، بل لعل معارضته لأولهما من تعارض الإطلاق و التقييد في وجه، على انه لا معارض غير صالح للتقييد بالنسبة للجرذ.

و مع الإغضاء عن ذلك كله فلا أقل من أن يورثا هذان الموثقان المعتضدان بما في الرياض من دعوى الأشهرية، بل في جامع المقاصد دعوى الشهرة عليه شكا في تناول الإطلاقات، فيبقى الأصل حينئذ سالما.

لكن قد يقال إن ضرورة أشدية نجاسة كثير من النجاسات كدم الكلب و الخنزير و الناصب و الحيض و أبوال الثلاثة و خرئهم و غير ذلك منهما، و عدم صراحة الموثق الأول بالوجوب، بل و لا ظهوره، بل لعله بقرينة قوله: «و كذا الكلب» بعده الذي قد علمت إرادة الندب منه ظاهر في خلافه، على أن التعدي عن النبيذ فيه إلى مطلق المسكر أو الخمر فضلا عن الفقاع و إن كان لم يستبعد إلحاقه بالمسكر في جامع المقاصد، و عن الجرذ في الثاني إلى الفأرة، بل قد عرفت مما تقدم من كلام أهل اللغة أنه ذكر الفأر، فالأنثى حينئذ خلافه، بل الأمر بالتطهير بالسبع منها حينئذ ليس عملا به محتاج إلى دليل آخر، و ليس سوى دعوى التنقيح، و الرواية المرسلة السابقة في الفأرة المعلوم عدم حجيتها في نفسها فضلا عن صلاحيتها لمعارضة غيرها و لو إطلاقا.

و ما في جامع المقاصد أن الظاهر مساواة غير الجرذ من الفأر بالحكم نظرا إلى إطلاق اسم الفأر على الجميع ينبغي أن يقضى العجب منه، إذ قد عرفت أن الموجود في النص الجرذ لا الفأر، و مع ذلك كله قد يظهر لك من التأمل في كلمات الأصحاب عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 53- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 6، ص: 371

تحقق شهرة بسيطة على ذلك، بل قد يدعى تحققها خصوصا بين المتأخرين و متأخريهم على خلافه، بل قد عرفت حكاية الإجماع من الشيخ على الاكتفاء بالثلاث في الإناء لسائر النجاسات، مضافا إلى صراحة دلالة موثقة الثلاث و إمكان حمل موثق السبع في الخمر على الندب لو عمل بذلك بخلاف العكس.

و من ذلك بل و غيره قال المصنف و تبعه عليه غيره، بل لعله الأقوى و السبع أفضل حتى في مثل الجرذ فإنه و إن سلم دليله عن معارض معتبر صريح بل و كثير من هذه المناقشات، بل هو مؤيد بالمرسل السابق في الخمر، لكن قصوره عن مقاومة إطلاق الموثقة السابقة لما عرفت- و خصوصا بعد اعتضاده بإجماع الخلاف (1)بل و ما ستسمعه من السرائر، إذ هما معا صريحان في نفي السبع- يعين حمله على الندب.

كما انه يقوى التثليث فيه و في الخمر لما سمعته سابقا من إطلاق أحمد الموثقين و خصوص الأخير، بل لا يبعد ذلك بالنسبة إلى غيرهما من النجاسات، عدا الخنزير فسبع كما عرفت، وفاقا للخلاف، بل عن سائر كتب الشيخ عدا

المبسوط، و الذكرى و الدروس و جامع المقاصد و الحدائق و شرح المفاتيح للأستاذ، بل مال اليه المعاصر في الرياض، لإطلاق الموثق السابق المعتضد بالأصل، بل و بموثق الخمر، بل و بولوغ الكلب، بدعوى ظهور اختصاصه عن غيره بالتراب و بغير ذلك مما يعرف مما تقدم، لا بما قيل من دعوى الشيخ في الخلاف الإجماع عليه، فإنه لم يحكه عليه فيه و ان ظنه في المعتبر و الذكرى.

خلافا لما في معتبر المصنف و مختلف الفاضل من وجوب غسلة واحدة للإناء بعد إزالة العين منهما و من كل نجاسة حتى البول عدا الولوغ، بل هو ظاهر الإرشاد و صريح التذكرة أيضا، و إن كان ظاهر الأولين عدم الطهارة إلا بغسلة بعد الإزالة، كما صرح


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و بهامشها« الجمل».

ج 6، ص: 372

باحتماله في جامع المقاصد بخلافهما فيجزئ للطهارة و الإزالة واحدة، كما هو ظاهر المتن و القواعد فيما اكتفيا بالمرة فيه للإطلاق، و قد تقدم منا سابقا غير مرة في مبحث الغسالة و غيره التعرض لذلك، و أن الأول لا يخلو من قوة فلاحظ.

و كيف كان فقد تبعهما عليه السيد في مداركه، و العلامة الطباطبائي في منظومته، و الأستاذ في كشفه، بل هو خيرة الحلي و عن سلار لكن في غير الخمر و المسكر من سائر النجاسات بل في السرائر أنه الصحيح من الأقوال و المذهب و الذي عليه الاتفاق و الإجماع.

و ما في اللمعة و عن الألفية- من وجوب المرتين كذلك بالنسبة إلى كل نجاسة، إذ لا نعرف للأول دليلا يعتد به على ذلك فضلا عن أن تطرح له الأدلة المعتبرة في أنفسها، بناء على حجية الموثق عندنا فضلا عن اعتضادها و انجبارها، أو تحمل على غير ظاهرها من الندب و نحوه، إلا الأصل الممنوع جريانه في البراءة عن الشغل اليقيني، و إطلاق الأمر بالغسل في هذا الموثق لعمار أيضا في الدن و الإبريق الواجب حمله على التقييد، بل هو في هذا الموثق ظاهر في إرادة بيان قبول التطهير في الجملة للسائل عن ذلك، و انه لا يسقط جواز استعماله أصلا بمباشرة الخمر، كما يشهد له تصريحه بالتثليث بعده من غير فاصل معتد به، و دعوى ان اختلاف الأخبار بالإطلاق و السبع و الثلاث شاهد على ذلك، إذ وجهه على الظاهر اختلاف الأواني نفسها و ما تنجس به و غيرهما بالنسبة إلى تحقق الإزالة و عدمها، خصوصا في مثل النجاسة الخمرية من حيث شدة أغراض الشارع في كمال الاحتياط عنها، بل لعل الأمر بالدلك في موثق الخصم المعلوم عدم وجوبه إذا لم يكن للعين أثر يومي لذلك أو يظهر فيه، لا أقل من تعارض خبري السبع و الثلاث و تساقطهما و الرجوع إلى الإطلاق أو الأصل- في غاية الغرابة، ضرورة اقتضاء ذلك فساد أصول المذهب و قواعده، لغلبة مثل هذا الاختلاف اليسير الراجح أحد طرفيه مع قبول الآخر لما لا يبعد حمله عليه، كغرابة الاكتفاء في إثبات أصل

ج 6، ص: 373

الحكم ب

ما عن المبسوط من أنه روي «يغسل أي الإناء من سائر النجاسات مرة واحدة»

إذ هي مع أنها مرسلة واضحة القصور عن إثبات ذلك، مع احتمال إرادة مرسلها ما سمعته من الإطلاق في موثق عمار نقلا بالمعنى، ضرورة حصول الامتثال بالمطلق في المرة.

كما يرشد إلى ذلك ما في المدارك حيث أرسل عن عمار عن الصادق (عليه السلام) رواية الاكتفاء بالمرة، ثم رجحها على غيرها، و من المعلوم للخبير الممارس إرادته ذلك الإطلاق.

نعم قد يستند فيه إلى إجماع السرائر لولا معلومية موهونيته بتحقق الخلاف بل الشهرة على خلافه، خصوصا بالنسبة إلى بعض النجاسات.

[في اعتبار التعدد و عدمه في غسل الآنية]

و من ذلك كله ظهر لك ما في قول المصنف هنا و النافع، و الفاضل في القواعد:

و يغسل الإناء من غير ذلك أي غير ما تقدم مرة واحدة، و الثلاث أحوط و إن نسبه في كشف اللثام إلى الأكثر، بل ينبغي القطع بفساده بالنسبة إلى البول، إذ الإنائية إن لم تكن أولى بالزيادة على المرتين من الجسد و باقي الأجسام الصلبة فهي مثلها قطعا لا أنقص، بل لم نعرف دليلا للقائل بالمرتين بعد الأصل في نفي الزائد على المرتين و إثبات الزائد على المرة إلا ذلك، أي دعوى المساواة المذكورة بعد إلغاء خصوصية الجسد و الثوب بل و البول، بشهادة ما في بعض الأخبار من تعليل الغسلتين بأن إحداهما للإزالة، و الأخرى للإنقاء، و لذا قال: بوجوب المرتين مطلقا في النجاسة و المتنجس، لكنه كما ترى ضعيف جدا، بل يمكن دعوى الإجماع المركب على خلافه، بل لا يحتاج فساده إلى إطناب بعد الإحاطة بما تقدم آنفا و سابقا من الخطاب.

كما انه لا يحتاج فساد بعض ما يحكى عن ابن حمزة إلى ذلك أيضا من إيجاب المرة في مباشرة الحيوانات النجسة بغير الولوغ، و هي الكلب و الخنزير و الكافر و الثعلب و الأرنب و الفأرة و الوزغة، و الثلاث في غيرها و غير الخمر و موت الفأرة و ولوغ الكلب.

[في كيفية غسل الآنية]

ج 6، ص: 374

ثم إن ظاهر الموثق السابق إيجاب الإفراغ في التطهر، و به صرح في المنتهى، بل فيه أنه لم يحتسب غسلة عرفا حتى يفرغ منه رادا على ما حكاه عن بعض الجمهور، ففرق بين ما يسع قلتين و غيره، فالأول لو طرح فيه و خضخض احتسبت غسلة ثانية بخلاف الثاني، و إن كان لا يخلو من نظر، لإمكان منع توقف صدق العرف على ذلك، فالأولى تعليله بالخبر، مع أن العمل به أيضا فيما لو أريد تطهير غير مقر الماء من الإناء كالظرف الأعلى منه، فيدعى توقف طهارته على الإفراغ لا يخلو من إشكال أيضا، لتحقق اسم الغسل عرفا بدونه، و جريان الأمر في الموثق مجرى الغالب.

بل قد يقال بإمكان تطهير محل القرار منه أيضا لو أريد قبل الإفراغ، بأن يمال الإناء مثلا ليستقر الماء في غير المحل المعتاد له، بناء على عدم نجاسة المغسول بماء الغسالة إن قلنا بنجاستها قبل انفصالها منه، و لذا لا ينجس ما يمر عليه منه بالافراغ، فيحصل التثليث حينئذ لجميع الإناء من غير فصل بالافراغ، ثم يفرغ من الجميع دفعة، إلا أن الأحوط الأول.

نعم في الروضة «لا فرق في الإفراغ بين ميل الإناء لاهراقه مثلا و بين إفراغه بآلة لا تعود اليه ثانيا إلا طاهرة، سواء في ذلك المثبت و غيره، و ما يشق قلعه و غيره» انتهى.

و هو على إطلاقه مبني على كون الغسالة مطلقا كالمحل قبلها، دون القول بكونها مطلقا كالمحل بعدها، بل و دون القول بكون الأخيرة منها كذلك.

بل قد يناقش في اشتراط طهارة الآلة مع العود على الأول أيضا بإطلاق الموثق و بعدم تنجس المغسول بماء غسالته، و إلا لكان مقتضاه النجاسة لو فرض التقاطر من تلك الآلة.

و من هنا قال سلطان في حاشيته عليها: «الظاهر إرادته العود في المرة الثانية من

ج 6، ص: 375

الغسلتين لئلا يختلط المتنجس بالغسالة الأولى بالثانية».

لكن قد يجاب بعدم سوق الإطلاق لذلك، و منع عدم تنجس المغسول بماء غسالته مطلقا، بل ينبغي القطع بالنجاسة مع الانفصال عنه قضاء للقواعد، و من ذلك مسألة التقاطر، إذ هي ليس من المعلوم حكمها بإجماع و نحوه حتى يصلح الاستشهاد بها، فلا فرق حينئذ في عود الآلة بين كونه للغسلتين أو الغسلة الواحدة كما حكاه في الحاشية المذكورة عن ظاهر بعض الأصحاب، بل لو فرض مباشرة الآلة حال العود للماء المستقر في جوف ذلك الإناء خاصة من غير مباشرة للإناء نفسه أمكن الإشكال في حصول الطهارة أيضا- مع فرض عدم تجديد طهارتها، و قلنا بطهارة ماء الغسالة قبل الانفصال- باستلزام ذلك النجاسة للماء و الإناء، بل و كذا إن لم نقل بأنه أقصى ما ثبت العفو عنه نجاسة ماء الغسالة نفسها قبل أن تنفصل دون ما لو أصابتها نجاسة خارجية و ان كان ما تنجس بمباشرتها، كما يومي إلى ذلك إشكالهم في الصحيح المتقدم الآمر بغسل الثوب في المركن.

بل قد يشكل أصل التفريغ بالآلة، خصوصا مع مباشرتها للمغسول بعدم ثبوت العفو عن مثل نجاستها الحاصلة بمباشرة ماء الغسالة، و لعله لذا حكى في الحدائق عن بعضهم تقييد جواز التفريغ بالآلة بكون الإناء مثبتا يشق قلعه بعد أن حكى عن جمع من الأصحاب الإطلاق، إذ وجهه على الظاهر ما سمعته، إلا أنه يعفى عنه بالنسبة للمثبت للعسر و لزوم التعطيل و نحوهما، و إن قال فيها: إنه لا وجه له معللا بأنه لا فرق في التفريغ بين الآلة و غيرها مع الشرط المذكور.

لكنك خبير بما فيه، نعم كان المتجه في الرد عليه منع ثبوت العفو حينئذ فيما يشق قلعه، لمنع العسر بل و التعطيل أو جدواه، على أنهما لا يثبتان كيفية شرعية في التطهير.

ج 6، ص: 376

ثم انه يظهر مما سمعته من كلامهم على اختلافه انه لا يشترط في التطهير عدم استقرار ماء الغسالة في الإناء، بل يكفي فيه إفراغه و لو في زمان متأخر عن التحريك و نحوه مما يتحقق به الغسل، و لعله لظاهر الموثق السابق، و فيه تأمل، إذ لعل الموثق وارد على ما هو المتعارف في أيدي الناس من كيفية التطهير التي لا يتراخى فيها، بل قد يستلزم ذلك الحكم بطهارة ما يستبعد على الفقيه التزامه.

و هل يجب في التحريك و الخضخضة الفورية بعد الوضع أولا؟ قضية إطلاق الموثق الثاني أيضا، و قضية الاقتصار على المتيقن من تطهير الماء القليل الأول.

كما أنه هو بل و ظاهر الموثق السابق يقتضي عدم الاكتفاء في التطهير بمل ء الإناء ثم إفراغه، و إن حكاه في الحدائق عن تصريح جماعة من الأصحاب، فتأمل، و انه لا يخلو من إشكال، كالإشكال في كثير من أحكام الفروع السابقة بل و غيرها المتفرعة على القول بنجاسة الغسالة الذي هو مع التأمل و التدبر من أقبح ما يلزم به القائلون بها ضرورة، إذ إيكال هذه الأحكام إليهم على كثرتها و إشكالها لا يرتكبه ذو مسكة.

و هل يلحق بالأواني في جميع أحكام التطهير الحياض و نحوها مما يشابهها في الصورة و الانتفاع و لا يصدق عليه اسمها أولا؟ وجهان، يقوى في النفس الأول، و ظاهر الأصحاب الثاني، و الله أعلم، و الحمد لله أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا على ما أنعم و وفق لا تمام مباحث الطهارة

إلى هنا تم الجزء السادس من كتاب جواهر الكلام و به تم كتاب الطهارة و قد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه و مقابلته بالنسخة الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف قدس روحه الشريف، و يتلوه الجزء السابع في الصلاة إن شاء الله،. عباس القوچاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.