الصحيح من سيرة النبي الأعظم المجلد 8

هویة الکتاب

عنوان و نام پديدآور : الصحیح من سیره النبی الاعظم (ص )/ جعفرمرتضی العاملی

مشخصات نشر : سحرگاهان ، 1419ق . = 1377.

مشخصات ظاهری : ج 35

شابک : 130000ریال (دوره کامل ) ؛ 130000ریال (دوره کامل ) ؛ 130000ریال (دوره کامل ) ؛ 130000ریال (دوره کامل ) ؛ 130000ریال (دوره کامل ) ؛ 130000ریال (دوره کامل )

وضعیت فهرست نویسی : فیپا

يادداشت : عربی .

يادداشت : کتاب حاضر در سالهای مختلف توسط ناشرین مختلف منتشر گردیده است .

يادداشت : افست از روی چاپ بیروت : دار السیره

يادداشت : جلد دهم : الفهارس

یادداشت : کتابنامه

موضوع : محمد ‫ (ص) ، پیامبر اسلام، ‫53 قبل از هجرت - 11ق. -- سرگذشتنامه

موضوع : اسلام -- تاریخ -- از آغاز تا 41ق.

رده بندی کنگره : ‫ BP22/9 ‫ /ع 2ص 3 1377

رده بندی دیویی : ‫ 297/93

شماره کتابشناسی ملی : م 77-15929

محرر الرقمي: میثم حیدری

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

الصحيح من سيرة النبي الأعظم

تألیف: جعفر مرتضی عامری

ص: 3

الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ط _ جدید)

تألیف: جعفر مرتضی عامری

الناشر: موسسه علمی فرهنگی دار الحديث، سازمان چاپ و نشر

سال انتشار: 1426 ق/1385 ه.ش

ص: 4

تتمة القسم السادس: حتى الخندق

تتمة الباب الثانى: شخصيات و احداث

الفصل الثاني: سلمان الفارسي حرا

اشارة

ص: 5

ص: 6

تذكير ضروري:

إننا قبل أن ندخل في موضوع تحرر سلمان من الرق، نشير إلى أن هذا البحث قد كتب، بالإضافة إلى بحوث أخرى تتعلق بسلمان، كموضوع التمييز العنصري، الذي عانى منه سلمان كما عانى منه الآخرون، و موضوع بيان السبب في قبوله الإشتراك في الحكم في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، مع أنه يعتبر من المعارضين لخلافة من عدا أمير المؤمنين «عليه السلام»، و موضوعات أخرى.

و قد كتبت هذه البحوث، لتكون جزءا من هذا الكتاب، ثمّ رأينا أنها قد أصبحت من السعة بحيث لا مناص من إفرادها، كتأليف مستقل، يمكن الرجوع إليه للراغبين في الاطلاع عليه، فأفردناها في كتاب باسم «سلمان الفارسي في مواجهة التحدي».

و لكننا لم نجد بدّا هنا من إيراد الفصل الذي يرتبط بتحرير سلمان من الرق، لأنّه يعتبر جزءا من هذا الكتاب بالذات و لعل الإحالة على ذلك الكتاب فيه لا تخلو من بعض المحاذير.

فرضينا لأنفسنا: أن نقع في محذور إيراد هذا الفصل في كتابين، و هو أمر لم نكن نحب أن يصدر منا؛ من أجل أن نوفر على القارئ معاناة محذور

ص: 7

الإحالة على كتاب لربما لا يكون متوفرا لديه: فنقول:

متى تحرر سلمان ؟!

و يقولون: إن تحرير سلمان من رق العبودية بصورة كاملة قد كان في أول السنة الخامسة من الهجرة النبوية الشريفة(1) و ذلك قبل وقعة الخندق، التي يرى عدد من المؤرخين: أنها كانت سنة خمس، في ذي القعدة منها(2).

و لكننا بدورنا نقول: إن ذلك مشكوك فيه من ناحيتين:

الأولى: في تاريخ وقعة الخندق.

الثانية: في تاريخ عتق سلمان.

تاريخ غزوة الخندق:
اشارة

فأما بالنسبة للناحية الأولى، أعني تاريخ غزوة الخندق، فإننا نقول:

ص: 8


1- الثقات: ج 1 ص 257 و تاريخ الخميس ج 1 ص 352 و 468.
2- راجع: البداية و النهاية ج 4 ص 53 و تاريخ الأمم و الملوك للطبري طبع الإستقامة ج 2 ص 233 و الكامل في التاريخ، ج 2 ص 178 و تاريخ الخميس ج 1 ص 179 و المحبر ص 113 و فتوح البلدان ج 1 ص 23. و ليراجع: صفة الصفوة ج 1 ص 455-459 و مختصر التاريخ لابن الكازروني ص 42 و السيرة الحلبية ج 2 ص 328، و شذرات الذهب ج 1 ص 11 و التنبيه و الإشراف ص 115 و البدء و التاريخ ج 4 ص 216. و ليراجع أيضا: مغازي الواقدي ج 2 ص 440 و 441 و المصنف للصنعاني ج 5 ص 67 و طبقات ابن سعد ج 2 قسم 1 ص 47 و ج 4 قسم 1 ص 60 و تاريخ بغداد ج 1 ص 170، و أنساب الأشراف ج 1 (قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله») ص 343.

1 - لو سلم أنها كانت في السنة الخامسة، فإن مجرد ذلك لا يكفي في تعيين زمان عتقه على النحو المذكور، إذ قد يكون العتق قد تم بعد أحد بأشهر يسيرة، في السنة الرابعة مثلا، ثم حضر الخندق بعد ذلك بسنة أو أكثر، أو أقل.

2 - لقد جزم البعض بأن الخندق كانت في سنة أربع، و صححه النووي في الروضة، و في شرحه لصحيح مسلم(1).

بل لقد قال ولي الدين العراقي عن غزوة الخندق: «المشهور أنها في السنة الرابعة للهجرة»(2).

و قال عياض: «إن سعد بن معاذ مات إثر غزوة الخندق، من الرمية التي أصابته، و ذلك سنة أربع بإجماع أهل السير، إلا شيئا قاله الواقدي»(3).

فقوله: «بإجماع أهل السير» يحتمل رجوعه إلى سنة أربع، فيكون قد ادّعى الإجماع على كون الخندق في سنة أربع، و يحتمل رجوعه إلى موت سعد بن معاذ بعد الخندق، و تكون كلمة: «و ذلك سنة أربع» معترضة، و لا

ص: 9


1- مجمع الزوائد ج 9 ص 345 و تهذيب الكمال ج 10 ص 31 و الجامع لابن أبي زيد القيرواني ص 279 و راجع: فتح الباري ج 7 ص 302 و المحبر ص 113 و عنوان المعارف في ذكر الخلائف ص 12 و المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 76 و شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ص 64 و نقله في وفاء الوفاء ج 1 ص 300 و في تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 160 عن النووي في الروضة، و أصر عليه في العبر و ديوان المبتدأ و الخبر ج 2 قسم 2 ص 29 و 33 و صحيح البخاري ج 3 ص 20.
2- تاريخ الخميس ج 1 ص 480 و المواهب اللدنية ج 1 ص 110.
3- شرح صحيح مسلم للنووي، بهامش إرشاد الساري ج 10 ص 226 و فتح الباري ج 8 ص 360.

تعبر إلا عن رأيه.

و مما يدل على أن الخندق قد كانت سنة أربع:

1 - أنهم يذكرون بالنسبة لزيد بن ثابت: أن أباه قتل يوم بعاث و هو ابن ست سنين، و كانت بعاث قبل الهجرة بخمس سنين(1) و قدم النبي «صلى اللّه عليه و آله» المدينة و عمر زيد إحدى عشرة سنة(2).

ثم يقولون: إن أول مشاهد زيد، الخندق(3)، لأن النبي «صلى اللّه عليه و آله» قد أجازه يوم الخندق(4) و هو ابن خمس عشرة سنة(5).

ص: 10


1- تهذيب الكمال ج 10 ص 27-30 و مستدرك الحاكم ج 3 ص 421 و راجع: شذرات الذهب ج 1 ص 54 و تهذيب تاريخ دمشق ج 5 ص 449.
2- مجمع الزوائد ج 9 ص 345 عن زيد نفسه، و تهذيب التهذيب ج 3 ص 399 و الثقات ج 3 ص 136 و صفة الصفوة ج 1 و سير أعلام النبلاء ج 2 ص 427 - 428 و تهذيب الكمال ج 10 ص 25-27 و تهذيب الأسماء ج 1 ص 200-201 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 551 و شذرات الذهب ج 1 ص 54 و تهذيب تاريخ دمشق ج 5 ص 449.
3- تهذيب الكمال ج 10 ص 30 و 31 و مستدرك الحاكم ج 3 ص 421 و تذكرة الحفاظ ج 1 ص 30 و شذرات الذهب ج 1 ص 54 و تهذيب تاريخ دمشق ج 5 ص 449 و راجع: تهذيب التهذيب ج 3 ص 399 عن الواقدي.
4- تهذيب تاريخ دمشق ج 5 ص 446 و مجمع الزوائد ج 9 ص 345 و تهذيب الكمال ج 10 ص 31.
5- تهذيب الكمال ج 10 ص 30 و 31 و مستدرك الحاكم ج 3 ص 421 و مجمع الزوائد ج 9 ص 345.

و الخندق إنما كانت في شوال سنة أربع(1).

و يروى عن زيد قوله: أجازني رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» يوم الخندق، و كساني قبطية(2).

و عنه: أجزت يوم الخندق، و كانت وقعة بعاث و أنا ابن ست سنين(3).

و عنه: لم أجز في بدر، و لا في أحد، و أجزت في الخندق(4).

و توفي زيد سنة ثمان و أربعين، و سنه تسع و خمسون سنة(5).

و قال الواقدي: مات سنة خمس و أربعين و هو ابن ست و خمسين سنة(6).

و قد استدل النووي، و ابن خلدون - و ربما يظهر ذلك من البخاري - على أن غزوة الخندق قد كانت سنة أربع(7): بأنهم قد أجمعوا على أن حرب

ص: 11


1- مجمع الزوائد ج 9 ص 345 و تهذيب الكمال ج 10 ص 31 و تقدمت طائفة من المصادر.
2- سير أعلام النبلاء ج 2 ص 432 و في هامشه عن الطبراني، و تهذيب الكمال ج 10 ص 29 و تهذيب تاريخ دمشق ج 5 ص 449.
3- سير أعلام النبلاء ج 2 ص 433 و مستدرك الحاكم ج 3 ص 421 و تهذيب تاريخ دمشق ج 5 ص 449 و تهذيب الكمال ج 10 ص 30.
4- الإصابة ج 1 ص 561.
5- مجمع الزوائد ج 9 ص 345 و تهذيب الكمال ج 10 ص 31.
6- صفة الصفوة ج 1 ص 704 و 705.
7- راجع: فتح الباري ج 7 ص 302 و شرح صحيح مسلم (بهامش إرشاد الساري) ج 8 ص 64 و العبر و ديوان المبتدأ و الخبر ج 2 قسم 2 ص 29 و 33 و تاريخ الخميس ج 1 ص 480. و راجع: المواهب اللدنية ج 1 ص 110 و صحيح البخاري (طبع سنة 1309 ه) ج 3 ص 20 فإنه نقل في عنوان الباب عن موسى بن عقبة: أن الخندق كانت سنة أربع.

أحد، كانت سنة ثلاث و لم يجز النبي «صلى اللّه عليه و آله» عبد اللّه بن عمر أن يشترك فيها؛ لأن عمره كان أربع عشرة سنة، ثم أجازه في وقعة الخندق لأنه كان قد بلغ الخامسة عشرة(1)، فتكون الخندق بعد أحد بسنة واحدة.

و قد حاول البعض الإجابة على ذلك بطرح بعض الاحتمالات البعيدة، و قد أجبنا عنها في كتابنا: «حديث الإفك» ص 96-99، فليراجعه من أراد.

و مهما يكن من أمر؛ فإن احتمال أن يكون تحرر سلمان من الرق قدتم قبل السنة الخامسة من الهجرة؛ يصبح على درجة من القوة.

تاريخ الحرية:
اشارة

و أما بالنسبة لتحديد تاريخ الحرية، فإننا نقول:

إننا نكاد نطمئن إلى أنه قد تحرر في السنة الأولى من الهجرة، بل لقد ورد في بعض الروايات ما يدل على أنه قد أعتق في مكة(2).

ص: 12


1- سنن ابن ماجة ج 2 ص 850 و مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 2 ص 17، و صحيح البخاري ج 3 ص 20 و ج 2 ص 69، و صحيح مسلم ج 6 ص 30، و المصنف لعبد الرزاق الصنعاني ج 5 ص 310-311 و طبقات ابن سعد ج 4 ص 105 و أنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله») ج 1 ص 343 و 344 بإضافة كلمة: و اشف منها، و المواهب اللدنية ج 1 ص 110 و راجع نسب قريش ص 350.
2- راجع: مستدرك الحاكم ج 3 ص 603، 604 و غيره، و ستأتي رواية أخرى تدل على أنه كان هو المشير بدعوة أبي بكر إلى الإسلام.
و يدل على تحرره في السنة الأولى:

1 - إن روايات عتقه يدل عدد منها على أنه قد أعتق عقيب إسلامه بلا فصل، و هو إنما أسلم - أو فقل: أظهر إسلامه - في السنة الأولى من الهجرة(1).

2 - قد صرح البعض - كتاريخ كزيده - بأن الرسول «صلى اللّه عليه و آله» قد اشتراه في السنة الأولى من هجرته(2).

و سيأتي التصريح بذلك عن الشعبي و عن بريدة، و ذلك حين الكلام عن كونه من موالي رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله».

3 - و مما يدل على أن سلمان قد تحرر في أول سني الهجرة:

كتاب النبي صلّى اللّه عليه و آله في مفاداة سلمان:

حيث يقولون: إن النبي «صلى اللّه عليه و آله» قد أملى كتاب مفاداة سلمان على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»، و هو - و النص لأبي نعيم - كما يلي:

هذا ما فادى محمد بن عبد اللّه، رسول اللّه، فدى سلمان الفارسي من عثمان بن الأشهل اليهودي، ثم القرظي، بغرس ثلاثمائة نخلة، و أربعين أوقية ذهب؛

ص: 13


1- راجع: نفس الرحمن ص 20، و هو ظاهر إن لم يكن صريح الرواية التي ذكرها ص 5، 6 و اعتبرها أصح الروايات، و هي موجودة في إكمال الدين ص 162 - 165 و في روضة الواعظين ص 275-278 و البحار ج 22 ص 355-359 و الدرجات الرفيعة ص 203 و نقلها النوري أيضا عن الدر النظيم، و عن قصص الأنبياء للراوندي و عن الحسين بن حمدان.
2- نفس الرحمن ص 20.

فقد برئ محمد بن عبد اللّه رسول اللّه لثمن سلمان الفارسي، و ولاؤه لمحمد بن عبد اللّه رسول اللّه، و أهل بيته، فليس لأحد على سلمان سبيل.

شهد على ذلك: أبو بكر الصديق، و عمر بن الخطاب، و علي بن أبي طالب، و حذيفة بن اليمان، و أبو ذر الغفاري، و المقداد بن الأسود، و بلال مولى أبي بكر، و عبد الرحمن بن عوف رضي اللّه عنهم.

و كتب علي بن أبي طالب يوم الإثنين في جمادى الأول، مهاجر محمد بن عبد اللّه رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله».

و قد ذكرت بعض المصادر هذا الكتاب من دون ذكر الشهود(1).

تأملات في الكتاب:

قال الخطيب: «في هذا الحديث نظر، و ذلك أن أول مشاهد سلمان مع رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» غزوة الخندق، و كانت في السنة الخامسة من الهجرة، و لو كان يخلص سلمان من الرق في السنة الأولى من الهجرة لم يفته شيء من المغازي مع رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله».

و أيضا، فإن التاريخ بالهجرة لم يكن في عهد رسول اللّه «صلى اللّه عليه

ص: 14


1- ذكر أخبار أصفهان ج 1 ص 52، و تاريخ بغداد ج 1 ص 170 و تهذيب تاريخ دمشق ج 6 ص 199 و مجموعة الوثائق السياسية ص 328 عن الأولين و عن جامع الآثار في مولد المختار لشمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي و طبقات المحدثين بأصبهان ج 1 ص 226-227 و نفس الرحمن في فضائل سلمان ص 20 - 21 عن تاريخ كزيده و مكاتيب الرسول ج 2 ص 409 عن أكثر من تقدم، و قال: «و أو عز إليه في البحار عن الخرائج».

و آله»، و أول من أرخ بها عمر بن الخطاب في خلافته»(1).

و قال العلامة المحقق الأحمدي: «أما الشهود فإن فيهم أبا ذر الغفاري «رحمه اللّه» و هو لم يأت المدينة إلا بعد خندق، مع أن صريح الكتاب أن ذلك كان في السنة الأولى من الهجرة. و توصيف أبي بكر بالصديق يخالف رسوم كتب صدر الإسلام»(2).

قال هذا «رحمه اللّه» بعد أن ذكر: أن الخطيب قد تنظر في الكتاب و أنه لم يذكر الشهود. كما و ذكر «رحمه اللّه»: أن ابن عساكر و النوري في نفس الرحمن لم يذكرا الشهود أيضا(3).

الرد على الشكوك المشار إليها:

و نقول:

إن لنا هنا ملاحظات، سواء بالنسبة لما ذكره الخطيب أو بالنسبة لما ذكره العلامة الأحمدي.

فأما بالنسبة إلى ما ذكره الخطيب فنشير إلى ما يلي:

أولا: قوله: إن أول مشاهد سلمان الخندق، ينافي ما ورد في الكتاب من أنه قد كوتب في السنة الأولى للهجرة.

هذا القول لا يصح و ذلك لما يلي:

1 - إن من الممكن أن يتحرر في أول سني الهجرة، ثم لا يشهد أيا من

ص: 15


1- تاريخ بغداد ج 1 ص 170.
2- مكاتيب الرسول ج 2 ص 410.
3- المصدر السابق.

المشاهد، لعذر ما، قد يصل إلينا، و قد لا يصل.

2 - إن مكاتبته في السنة الأولى لا تستلزم حصوله على نعمة الحرية فيها مباشرة، إذ قد يتأخر في تأدية مال الكتابة، فتتأخر حريته.

و إن كنا قد ذكرنا آنفا: أن سلمان لم يكن كذلك، بدليل نفس ما ورد في ذلك الكتاب الآنف الذكر، و أدلة أخرى.

و لكننا نريد أن نقول للخطيب: إن ما ذكرته ليس ظاهر اللزوم في نفسه، و لا يصح النقض به، مجردا عن أي مثبتات أخرى، كما يريد هو أن يدعيه.

3 - إن البعض قد ذكر: أن سلمان قد شهد بدرا و أحدا أيضا(1).

و هو الذي يظهر من سليم بن قيس، فقد عد سلمان في جماعة أهل بدر(2).

و لعل هذا يفسر لنا سبب فرض عمر له خمسة آلاف، الذي هو عطاء أهل بدر(3).

و قد حاول البعض أن يقول: إن مراد القائلين بحضوره بدرا: أنه حضرها و هو عبد، و مراد القائلين بأنه قد شهد الخندق فما بعدها، و لم يحضر

ص: 16


1- الإستيعاب ج 2 ص 58 بهامش الإصابة. و راجع الإصابة ج 2 ص 62 و شرح النهج للمعتزلي ج 18 ص 35 و البحار ج 22 ص 390 و تهذيب التهذيب ج 4 ص 139 و الدرجات الرفيعة ص 206 و نفس الرحمن ص 20.
2- راجع: سليم بن قيس ص 52 و نفس الرحمن ص 20 عنه.
3- شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 215 و راجع ج 18 ص 35 و ذكر أخبار أصبهان ج 1 ص 48 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 2 ص 58 و قاموس الرجال ج 4 ص 424 و تاريخ الأمم و الملوك ج 3 ص 614.

بدرا، أنه لم يحضرها و هو حر(1).

و نقول:

إن هذا جمع تبرعي، لا يرضى به أولئك، و لا هؤلاء، لأن مدار النفي و الإثبات هو أصل الحضور و الشهود، من دون نظر إلى الحرية و العبودية، و لذا تجد في بعض العبارات المنقولة التعبير بأن لم يفته مشهد بعد الخندق، فإنه يكاد يكون صريحا في فوات بعض المشاهد قبل ذلك.

ثانيا: قول الخطيب إن التاريخ الهجري لم يكن في عهد الرسول، و أن عمر بن الخطاب هو أول من أرخ به، لا يمكن قبوله: فقد أثبتنا في كتابنا هذا: أن النبي «صلى اللّه عليه و آله» هو واضع التاريخ الهجري و قد أرخ به هو نفسه «صلى اللّه عليه و آله» أكثر من مرة، و هذا الكتاب يصلح دليلا على ذلك أيضا.

و أما بالنسبة لكلام العلامة البحاثة الأحمدي، فنحن نشير إلى ما يلي:

أ - قوله: إن الخطيب، و ابن عساكر، و نفس الرحمن لم يذكروا الشهود، ليس في محله، كما يعلم بالمراجعة.

ب - إن ما ذكره حول توصيف أبي بكر بالصديق صحيح، و قد تحدثنا في كتابنا هذا: أن تلقيبه بهذا اللقب لا يصح لا في الإسراء و المعراج، و لا في أول البعثة، و لا في قضية الغار، حسب اختلاف الدعاوى.

و ذكرنا هناك: أن الظاهر: هو أن هذا اللقب قد خلع عليه بعد وفاة النبي «صلى اللّه عليه و آله» بمدة ليست بالقصيرة.

ص: 17


1- راجع: نفس الرحمن ص 20 و تاريخ الأمم و الملوك ج 2 ص 566.

و نضيف إلى ذلك: أنه إن كان أبو بكر نفسه قد كتب هذه الكلمة على كتاب عتق سلمان، فنقول:

إن من غير المألوف أن يطلق الإنسان على نفسه ألقاب التعظيم و التفخيم، بل إن الإنسان العظيم، الذي يحترم نفسه، يعمد في موارد كهذه إلى إظهار التواضع و العزوف عن الفخامة و الأبهة.

و إن كان الآخرون هم الذين أطلقوا عليه لقب «الصديق»، و أضافوه إلى الكتاب من عند أنفسهم، تكرما و حبا و رغبة في تعظيمه، و تفخيمه.

فذلك يعني: أنهم قد تصرفوا بالكتاب، و أضافوا إليه ما ليس منه، دون أن يتركوا أثرا يدل على تصرفهم هذا، و هو عمل مدان، و مرفوض، إن لم نقل إنه مشين، لا سيما و أنهم أهملوا صديقه عمر بن الخطاب، فلم يصفوه بالفاروق كما أهملوا غيره أيضا.

و لا يفوتنا التذكير هنا: بأن النوري قد أورد الكتاب في نفس الرحمن عن تاريخ كزيده و ليس فيه وصف أبي بكر ب «الصديق»، بل وصفه ب «ابن أبي قحافة»، و هو الأنسب، و الأوفق لظاهر الحال.

ج - و أما قولهم: إن أبا ذر لم يكن قد قدم المدينة حينئذ، لأنه إنما قدمها بعد الخندق،

فإننا نقول:

المراد: أنه إنما قدمها مستوطنا لها بعد الخندق، أما قبل ذلك، فلعله قدمها للقاء رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، أو لبعض حاجاته، فصادف كتابة هذا الكتاب؛ فشهد عليه، ثم عاد إلى بلاده، و ثمة رواية أخرى تشير

ص: 18

إلى حضوره(1)، فلتراجع.

د - أضف إلى ذلك: أن وصف بلال بأنه مولى أبي بكر، قد يكون من تزيد الرواة أيضا؛ إذ قد ذكرنا فيما سبق من هذا الكتاب: أن بلالا لم يكن مولى لأبي بكر.

و أخيرا.. فإن مما يدل على أن الرواة و الكتاب قد زادوا شيئا من عند أنفسهم: إضافة عبارة: «رضي اللّه عنهم» إلى الشهود؛ إذ لا شك في أن ذلك قد حصل بعد كتابة ذلك الكتاب، بل و يحتمل أن يكون الشهود جميعا قد أضيفوا بعد ذلك، و إن كان هذا احتمالا بعيدا جدا.

حديث الحرية بطريقة أخرى:

و قد جاء في بعض الروايات: أن الرق قد شغل سلمان حتى فاته بدر و أحد، حتى قال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»: كاتب يا سلمان، فكاتب سيده على ثلاث مئة نخلة (و قيل: على مئة و ستين فسيلة، و قيل: خمس مئة و قيل: مئة فقط) يحييها له، و أربعين أوقية من ذهب.

فقال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»: أعينوا أخاكم بالنخل.

فأعانه أصحاب النبي «صلى اللّه عليه و آله» بالخمس و العشر حتى اجتمعت عنده، فأمره «صلى اللّه عليه و آله» أن يفقّر لها، و لا يضع منها شيئا

ص: 19


1- راجع: البحار ج 22 ص 358 و إكمال الدين ج 1 ص 164 و 165 و روضة الواعظين ص 276-278 و الدرجات الرفيعة ص 203 عن إكمال الدين، و نفس الرحمن ص 6 و 22 عن الحسين بن حمدان و ص 5 و صححها عن إكمال الدين، و عن الراوندي في قصص الأنبياء، و عن روضة الواعظين، و عن الدر النظيم.

حتى يكون النبي «صلى اللّه عليه و آله» هو الذي يضعها بيده؛ ففعل، فجاء رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» فغرسها بيده، فحملت من عامها.

و قال «صلى اللّه عليه و آله»: إذا سمعت بشيء قد جاءني فأتني، أغنيك بمثل ما بقي من فديتك، فبينا رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» ذات يوم في أصحابه، إذ جاء رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب.

فقال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»: ما فعل الفارسي المكاتب ؟

فدعي له سلمان، فقال: خذ هذه فأدبها ما عليك يا سلمان.

إلى أن تقول الرواية: فأخذها فأوفى منها حقهم كله: أربعين أوقية(1).

و في بعض المصادر: أنه بقي منها مثل ما أعطاهم.

و أعتق سلمان، و شهد الخندق ثم لم يفته معه مشهد(2).

ص: 20


1- الأوقية: وزن أربعين درهما.
2- راجع: الثقات ج 1 ص 256 و 257 و تاريخ الخميس ج 1 ص 468 و حلية الأولياء ج 1 ص 195 و تاريخ بغداد ج 1 ص 169 و راجع 163 و 164 و طبقات المحدثين بأصبهان ج 1 ص 209-223 و دلائل النبوة لأبي نعيم (طبع ليدن) ص 213-219 و سيرة ابن هشام ج 1 ص 228-236 و أسد الغابة ج 2 ص 330 و طبقات ابن سعد ج 4 ص 197-199 عن أبي يعلى و المصنف للصنعاني ج 8 ص 418 و 420 و تهذيب الأسماء ج 1 ص 227 و مجمع الزوائد ج 9 ص 335 و 337 و 340 و قاموس الرجال ج 4 ص 427 و 428 و أنساب الأشراف (سيرة النبي «صلى اللّه عليه و آله») ج 1 ص 486 و 487 البحار ج 22 ص 265 و 367 و 390 و شرح النهج للمعتزلي ج 18 ص 35 و 39 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 2 ص 57 و صفة الصفوة ج 1 ص 352 و 533 عن أحمد و في هامشه عن ابن هشام و عن الطبراني في الكبير و عن الخصائص للسيوطي ج 1 ص 48 عن دلائل البيهقي و نفس الرحمن ص 2-6 عن قصص الأنبياء للراوندي و عن المنتقى للكازروني و عن السيرة الحلبية، و عن سيرة ابن هشام و راجع مسند أحمد ج 5 ص 438 و 439 و 440 و 441 و 444.
مناقشات لا بد منها:

إننا نشك في بعض ما جاء في هذه الرواية:

1 - لأنها تقول: إنه هو الذي كاتب سيده، و أعانه الصحابة على أداء دينه، و أعانه الرسول أيضا بالذهب.

مع أن صريح كتاب المفاداة: أن الرسول «صلى اللّه عليه و آله» هو الذي أدى جميع ما على سلمان، و أن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» قد اشتراه و أعتقه، و أن ولاءه لرسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و أهل بيته، و قد دلت على ذلك نصوص أخرى أيضا ستأتي إن شاء اللّه تعالى.

2 - إن كونه قد أعتق في السنة الخامسة، أو الرابعة، مشكوك فيه أيضا، و قد قدمنا بعض ما يرتبط بذلك، و أنه قد أعتق في أول سني الهجرة.

3 - قول الرواية: إنه قد فاته بدر و أحد، قد عرفنا: أنه غير مسلّم، فقد قيل: إنه حضرهما أيضا.

أضف إلى ذلك، أن رواية أبي الشيخ تنص على أنه قد أخبر النبي بأنه قد كاتب سيده فور إسلامه، حين مجيء النبي «صلى اللّه عليه و آله» إلى المدينة مباشرة(1) فراجع.

كما أن القول: بأن الصحابة قد أعانوا النبي «صلى اللّه عليه و آله» على

ص: 21


1- طبقات المحدثين بأصبهان ج 1 ص 215.

أداء دينه فيما يرتبط بفداء سلمان هو الآخر لا يصح، إذ قد كان على الراوي أن يقول ذلك، و يصرح به، و كان على النبي «صلى اللّه عليه و آله»: أن يطلب منهم أن يعينوه هو، لا أن يعينوا أخاهم سلمان، كما هو صريح الرواية.

الرواية الأقرب إلى القبول:

و لعل الرواية الأقرب إلى القبول هو: أنه «صلى اللّه عليه و آله» قد غرس النوى، و كان علي «عليه السلام» يعينه؛ فكان النوى يخرج فورا، و يصير نخلا، و يطعم بصورة إعجازية له «صلى اللّه عليه و آله» كما ظهرت معجزته «صلى اللّه عليه و آله» في وزن مقدار أربعين أوقية ذهبا، من حجر صار ذهبا(1)، من مثل البيضة، أو من مثل وزن نواة.

النخلة التي غرسها عمر:

و نجد في بعض المصادر: أن عمر بن الخطاب قد شارك في غرس نخلة واحدة و لكنها لم تعش، فانتزعها النبي «صلى اللّه عليه و آله» و غرسها بيده، فحملت(2).

ص: 22


1- نفس الرحمن ص 21 و البحار ج 22 ص 367 و الخرايج و الجرايح ج 1 ص 144 و ذكر غرس النوى في حديث آخر، فراجع: روضة الواعظين ص 278 و البحار ج 22 ص 358 و إكمال الدين ص 165 و الدرجات الرفيعة ص 203 و نفس الرحمن ص 6 عن بعض من تقدم و عن قصص الأنبياء للراوندي، و عن الحسين بن حمدان و عن الدر النظيم.
2- مجمع الزوائد ج 9 ص 337 عن أحمد، و البزار، و رجاله رجال الصحيح، و تاريخ الخمس ج 1 ص 468 و شرح النهج للمعتزلي ج 18 ص 35 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 2 ص 58 و قاموس الرجال ج 4 ص 227 و تهذيب تاريخ دمشق ج 6 ص 198 و 199 و شرح الشفاء لملا علي القاري ج 1 ص 384 و مزيل الخفاء، في شرح ألفاظ الشفاء (مطبوع بهامش الشفاء نفسه) ج 1 ص 332 و البحار ج 22 ص 390، و الدرجات الرفيعة ص 205 و نفس الرحمن ص 16.

و في رواية أخرى: أن التي لم تعش كان سلمان هو الذي غرسها(1).

أما عياض، فلم يسم أحدا، و إن كان قد ذكر غرس غيره أيضا(2).

و لعلها كانت فسيلة حاضرة لدى عمر، أو سلمان، فأحب المشاركة في هذا الأمر، فغرسها، و لعله غرس نواة كانت في حوزته، و إن كانت الروايات قد صرحت بالأول لا بالنواة فيتعين ذلك الاحتمال.

و قد حاول البعض الجمع بين الروايتين المشار إليهما، أعني رواية غرس عمر للنخلة التي لم تعش، و رواية غرس سلمان لتلك النخلة:

بأن من الممكن أن يكونا - عمر و سلمان - قد اشتركا في غرسها، فصح نسبة ذلك لهذا تارة، و لذاك أخرى(3).

«و يجوز أن يكون كل واحد من سلمان و عمر غرس بيده النخلة،

ص: 23


1- طبقات ابن سعد ج 4 قسم 1 ص 57 و 58 و شرح الشفاء للقاري ج 1 ص 384 عن البخاري، و مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء (مطبوع بهامش الشفاء) ج 1 ص 332 عن البخاري في غير صحيحه، و نفس الرحمن ص 16 و مسند أحمد ج 5 ص 440.
2- الشفاء ج 1 ص 332.
3- شرح الشفاء، لملا علي القاري ج 1 ص 384 و مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء (مطبوع بهامش الشفاء) ج 1 ص 332.

أحدهما قبل الآخر»(1).

و لنا أن نعلق على ذلك: بأنه بعد نهي النبي «صلى اللّه عليه و آله» لسلمان عن ذلك؛ فلا يعقل أن يقدم على مخالفة النبي «صلى اللّه عليه و آله»، و سلمان هو من نعرف في انقياده، و التزامه المطلق بأوامر اللّه سبحانه و رسوله «صلى اللّه عليه و آله»، فلا يمكن أن نصدق: أنه قد خالف أمر رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله».

و كيف لم يتدخل في غرس مائتين و تسع و تسعين، و تدخل في خصوص هذا الواحدة دون سواها؟!

هذا بالإضافة إلى صحة سند ما روي عن عمر، و كثرة الناقلين له، و عدم نقل ذلك عن سلمان إلا عند ابن سعد في طبقاته.

و إذا كان الراجح - إن لم يكن هو المتعين - أن سلمان لم يتدخل في هذا الأمر، و لا خالف النهي المتوجه إليه من قبل رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله».

و إذا كان النهي إنما توجه إلى سلمان، لا إلى عمر، فإن إقدام عمر على هذا الأمر، يصبح أكثر معقولية، و أقرب احتمالا.

فهو قد أراد أن يجرب حظه في هذا الأمر أيضا، و لعله يريد إظهار زمالته للرسول «صلى اللّه عليه و آله»، و هو القائل: «أنا زميل محمد»(2)، فكما أن النخل يثمر على يد رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»؛ فإنه يثمر على يده أيضا و كما أن الرسول يقوم ببعض الأعمال؛ فإن غيره أيضا قادر على أن يقوم بها، فليس ثمة فرق كبير فيما بينهم و بينه «صلى اللّه عليه و آله»، على حد

ص: 24


1- نفس الرحمن ص 16.
2- راجع: تاريخ الأمم و الملوك للطبري ج 3 ص 291 طبع الإستقامة.

زعمه، أو هكذا خيل له على الأقل.

و أما أنه لماذا لم يغرس سوى نخلة واحدة، فلعله يرجع إلى أنه حين رأى النبي «صلى اللّه عليه و آله» ينهى سلمان عن أن يغرس شيئا منها، فإنه قد تردد في ذلك، و حاذر من أن يتعرض لغضب النبي «صلى اللّه عليه و آله» و إنكاره ثم تشجع أخيرا، و جرب حظه في نخلة واحدة، الأمر الذي تفرد فيه دون سائر الصحابة الآخرين، و لم يقدم عليه لا أبو بكر، و لا غيره. و قد يكون السبب في ذلك هو أنه لم يكن في حوزته سوى هذه النخلة.

و لكن شاءت الإرادة الإلهية: أن يحفظ ناموس النبوة، و أن تخيب كل الطموحات، و تتحطم كل الآمال، التي تريد أن تنال من ذلك الناموس، أو تستفيد منه في مسار انحرافي آخر، لا يلتقي معه، و لا ينتهي إليه، و تجلى هذا اللطف الإلهي في أن النخل قد أثمر كله، سوى هذه، حتى أعاد رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» غرسها بيده الشريفة من جديد، فظهرت البركات، و تجلت الكرامة الإلهية.

دور خليسة في عتق سلمان:

و قد جاء في بعض روايات عتق سلمان: أنه كان لامرأة اسمها خليسة، كانت قد اشترته، ثم بعد أن أسلم سلمان أرسل إليها رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» عليا «عليه السّلام»، يقول لها: إما أن تعتقي سلمان و إما أن أعتقه، فإن الحكمة تحرمه عليك.

فقالت له: قل له: إن شئت أعتقه، و إن شئت فهو لك.

قال رسول اللّه: أعتقيه أنت؛ فأعتقته.

ص: 25

قال: فغرس لها رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» ثلاث مئة فسيلة.

و في لفظ آخر قالت: ما شئت.

فقال: أعتقته(1).

و نقول:

1 - إن الرواية التي قدمناها في مكاتبته لمولاه على غرس النخل، حتى تطعم، و على أربعين أوقية، و غير ذلك مما دل على أن الرسول «صلى اللّه عليه و آله» قد اشتراه، و أعتقه، ينافي ذلك.

2 - إن كتاب المفاداة المتقدم ينافي ذلك أيضا، لأنه كتب باسم عثمان بن الأشهل القرظي:

إلا أن يدّعى: أن خليسة كانت زوجة لعثمان هذا، أو من أقاربه أو غير ذلك، فلا مانع من كتب الكتاب باسمه نيابة عنها.

و لكن ذلك مجرد احتمال، يحتاج إلى شاهد و عاضد، و هو مفقود.

3 - لماذا يأمرها النبي «صلى اللّه عليه و آله» بعتق سلمان، و لم يأمر غيرها، من الذين كانوا يملكون أرقاء مسلمين ؟!(2).

4 - ما معنى قوله: إما أن تعتقيه أنت، أو أعتقه أنا، فهل يريد الرسول

ص: 26


1- راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 469 و أسد الغابة ج 5 ص 440 و الإصابة ج 4 ص 286 عن ابن مندة، و قالوا أخرجه أبو موسى في الأحاديث الطوال و نفس الرحمن ص 22 عن المنتقى و أشار إلى ذلك في تهذيب التهذيب ج 4 ص 138 - 139 عن العسكري.
2- قد يقال بعدم وجود أرقاء مسلمين في أيدي غير مسلمين، و لكن يرد عليه: أن خليسة قد أسلمت حسب نص الرواية فلماذا يوجب عتقه عليها؟!

«صلى اللّه عليه و آله» استعمال ولايته في هذا المجال ؟!

5 - و إذا كانت قد أسلمت قبل أن يرسل إليها هذا الأمر(1)؛ فما معنى قوله: «صلى اللّه عليه و آله»: فإن الحكمة تحرمه عليك ؟!

فهل كانت قد تزوجته، و هل يصح تملك المرأة لزوجها؟

أم أنه كان أبا لها؟! أم ماذا؟!

هذا مع أنه حتى لو فرض ذلك، فإنه ينعتق عليها قهرا في الفرض الثاني، و ينفسخ النكاح في الفرض الأول.

6 - و إذا كانت لم تملكه لأنه كان حرا، و قد ظلموه، فباعوه لها؛ فإن ذلك لو صح أنه كاف في ذلك؛ لمنع من أصل عبوديته؛ فلا حاجة بعد ذلك لعتقه، لا من قبله «صلى اللّه عليه و آله» و لا من قبلها.

7 - و إذا كانت تملكه، و لا بد من عتقه؛ فلماذا لا يشتريه منها؟!

أو لماذا لم تكاتبه هي ؟! و لماذا تؤمر بعتقه من الأساس، إلا على سبيل الحث و الترغيب في الأجر، لا على سبيل التهديد، و بأسلوب القهر؟!

8 - و ما معنى التناقض في رواية عتقها له تارة، و عتق النبي «صلى اللّه عليه و آله» له تارة أخرى ؟! بقي علينا أن نعرف:

من الذي حرر سلمان ؟

هناك نصوص كثيرة تفيد: أن النبي «صلى اللّه عليه و آله» هو الذي حرر سلمان من الرق.

ص: 27


1- راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 469.

1 - فقد عده كثير من العلماء و المؤرخين من موالي رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»(1).

2 - و عن بريدة: «كان لليهود؛ فاشتراه رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» بكذا و كذا درهما، و على أن يغرس له نخلا، و يعمل فيها سلمان حتى تطعم، فغرس رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» النخل»(2).

3 - و سئل الشعبي: هل كان سلمان من موالي رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»؟

قال: نعم، أفضلهم. كان مكاتبا؛ فاشتراه، فأعتقه(3).

4 - و قال الخطيب البغدادي: «أدى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» كتابته، فهو إلى بني هاشم»(4).

ص: 28


1- رجال ابن داود ص 175 و خلاصة الأقوال للعلامة الحلي ص 41 و الفهرست للشيخ الطوسي ص 158 و تاريخ الأمم و الملوك طبع الإستقامة ج 2 ص 419. و راجع المصادر التالية: ذكر أخبار إصبهان ج 1 ص 54 و شرح النهج للمعتزلي ج 18 ص 34 و مصابيح الأنوار ج 1 ص 356 عن القرطبي، و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 2 ص 57 و قاموس الرجال ج 4 ص 433 عنه، و البحار ج 22 ص 390 و حلية الأولياء ج 1 ص 195 و نفس الرحمن ص 20 و 21 عن بعض من تقدم، و المناقب لابن شهر آشوب ج 1 ص 171.
2- مجمع الزوائد ج 9 ص 337 عن أحمد و البزار، و رجاله رجال الصحيح، و شرح النهج للمعتزلي ج 18 ص 35. و شرح الشفاء لملا علي القاري ج 1 ص 384.
3- أنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله») ج 1 ص 487 و قاموس الرجال ج 4 ص 429 عنه.
4- تاريخ بغداد ج 1 ص 164 و 163.

5 - و قال المبرد: «و كان «صلى اللّه عليه و آله» أدى إلى بني قريظة مكاتبة سلمان، فكان سلمان مولى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، فقال علي بن أبي طالب «عليه السّلام»: سلمان منا أهل البيت»(1).

6 - و قال أبو عمر: «و قد روي من وجوه: أن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» اشتراه على العتق»(2).

7 - و تقدم كتاب المفاداة، الذي ينص على أن ولاء سلمان هو لمحمد بن عبد اللّه رسول اللّه، و أهل بيته، فليس لأحد على سلمان سبيل.

8 - و في مهج الدعوات، في حديث حور الجنة و تحفها، مسندا عن فاطمة عليها السلام: «فقلت للثالثة: ما اسمك ؟

قالت: سلمى.

قلت: و لم سميت سلمى ؟

قالت: خلقت أنا لسلمان الفارسي، مولى أبيك رسول اللّه»(3).

9 - و في رسالة سلمان إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، كتب له سلمان: من سلمان مولى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»(4).

10 - و روى الحاكم أن علي بن عاصم ذكر في حديث إسلام سلمان:

أنه كان عبدا، فلما قدم النبي «صلى اللّه عليه و آله» المدينة، أتاه، فأسلم

ص: 29


1- الكامل ج 4 ص 14.
2- الإستيعاب، بهامش الإصابة ج 2 ص 57.
3- نفس الرحمن ص 21.
4- الإحتجاج ج 1 ص 185 و نفس الرحمن ص 21 عنه.

فابتاعه النبي «صلى اللّه عليه و آله» و أعتقه(1).

11 - و في حديث سلام سلمان على أهل القبور، قال «رحمه اللّه»:

سألتكم باللّه العظيم، و النبي الكريم إلا أجابني منكم مجيب، فأنا سلمان الفارسي: مولى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»(2).

12 - و عن ابن عباس قال: رأيت سلمان الفارسي «رحمه اللّه» في منامي، فقلت له: يا سلمان، ألست مولى النبي «صلى اللّه عليه و آله»؟

قال: بلى، فإذا عليه تاج من ياقوت الخ..(3).

13 - هذا بالإضافة إلى الحديث الذي يقول سلمان في آخره: فأعتقني رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، و سماني سلمانا(4).

أبو بكر و عتق سلمان:

و بعد كل ما تقدم، فإننا نعرف: أن دعوى: أن أبا بكر قد اشترى سلمان فأعتقه(5) لا يمكن أن تصح بأي وجه.

ص: 30


1- معرفة علوم الحديث ص 198.
2- نفس الرحمن ص 21 عن فضائل شاذان بن جبرائيل القمي.
3- روضة الواعظين ص 281 و نفس الرحمن ص 21 عنه.
4- روضة الواعظين ص 278 و البحار ج 22 ص 358 و الدرجات الرفيعة ص 203 و إكمال الدين ص 165. و رواه في نفس الرحمن ص 6 عن بعض من تقدم، و عن قصص الأنبياء للراوندي و عن الحسين بن حمدان و عن الدر النظيم.
5- تاريخ الخميس ج 1 ص 469 و تهذيب تاريخ دمشق ج 6 ص 199 عن البيهقي و نفس الرحمن ص 21 عن المنتقى و مستدرك الحاكم ج 3 ص 599-602.

و يكفي في ردها حديث كتاب المفاداة المتقدم، بالإضافة إلى النصوص الآنفة الذكر، إلى جانب النصوص الأخرى، التي تدّعي: أنه قد أعانه الصحابة و رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» حتى أدى ما عليه من مال الكتابة، و إن كان سيتضح أنها غير خالية عن المناقشة.

لماذا يكذبون ؟

و لعل أهمية سلمان، و عظمته و جلالته في المسلمين، قد جعلت البعض يرغبون في أن يجعلوا للشخصيات التي يحترمونها، و يهتمون في حشد الفضائل لها، نصيبا في هذا الرجل الفذ، و فضلا لها عليه، حتى و لو كان ذلك على حساب كرامات و فضائل رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» نفسه، فإن الإغارة على بعض فضائله و كراماته «صلى اللّه عليه و آله»، و نسبتها إلى غيره، لا تنقص من شأنه - بزعمهم - شيئا، إذ يكفيه شرفا: أنه النبي الهادي لهذه الأمة، و أنه رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله».

كما أن ذلك يمكن أن يكون ردة فعل على تلك الرواية التي لا يجدون دليلا ملموسا على ردها و تكذيبها، و التي تقول:

إنه أسلم في مكة، و حسن إسلامه، و أن النبي «صلى اللّه عليه و آله» شاوره - امتحانا له - فيمن يبدأ بدعوته في مكة، فجال سلمان في أهل مكة يخبرهم، و يشيرهم، و يجتمع مع النبي «صلى اللّه عليه و آله» و أبي طالب لهذا الغرض، ثم أشار بدعوة أبي بكر؛ لأنه معروف بين العرب بتعبير الأحلام، و هم يرون فيه ضربا من علم الغيب، مع معرفته بتواريخ العرب و أنسابها بالإضافة إلى أنه معلم للصبيان، و يطيعه و يجله من أخذ عنه من فتيانهم،

ص: 31

و لكلامه تأثير فيهم؛ فإذا آمن فلسوف يكون لذلك أثره، و لسوف تلين قلوب كثيرة، لا سيما و أن معلمي الصبيان راغبون في الرئاسة، فاستصوب النبي «صلى اللّه عليه و آله» و أبو طالب ذلك، و شرع سلمان في دلالة الرجل، و إدخاله في الإسلام(1).

فلعل سلمان - كما تدل عليه هذه الرواية، و يظهر من غيرها - كان في بدء أمره في مكة و أسلم هناك، ثم انتقل إلى المدينة.

و عن تقدم إسلام سلمان، نجد عددا من الروايات تشير إلى ذلك(2)و من ذلك: أن أعرابيا سأل النبي «صلى اللّه عليه و آله» عنه قال: أليس كان مجوسيا، ثم أسلم ؟!

فقال «صلى اللّه عليه و آله»: يا أعرابي، أخاطبك عن ربي، و تقاولني ؟! إن سلمان ما كان مجوسيا، و لكنه كان مضمرا للإيمان، مظهرا للشرك(3).

ص: 32


1- راجع: نفس الرحمن ص 48 عن بعض الكتب المعتبرة و ص 27 و 28 عن كتاب الكشكول فيما جرى على آل الرسول للعبيدلي.
2- راجع: ذكر أخبار أصبهان ج 1 ص 51 و تهذيب تاريخ دمشق ج 6 ص 193 و البحار ج 22 ص 355-359، و إكمال الدين ص 162-165 و روضة الواعظين ص 275-278 و الدرجات الرفيعة ص 203 و نفس الرحمن ص 5-6 عن بعض من تقدم و عن غيرهم.
3- الإختصاص ص 222 و البحار ج 22 ص 347 و قاموس الرجال ج 4 ص 429 و نفس الرحمن ص 4.

الفصل الثالث: ولادة الإمام الحسين عليه السّلام و بعض ما قيل حولها

اشارة

ص: 33

ص: 34

بداية:

إن الحديث عن ولادة سيد شباب أهل الجنة، الإمام الحسين «عليه السلام»، و ما رافق ذلك من اهتمام ظاهر من قبل الرسول الأكرم «صلى اللّه عليه و آله» بهذا الوليد المبارك، و أهداف ذلك، و أبعاده، و مراميه لهو حديث محبب للنفوس المؤمنة و تتطلبه عقول ذوي النهى، ما دام أن ذلك يجسد لنا المعاني الحقيقية التي تريد الأسوة و القدوة لنا أن نتلمسها و نتحسسها و نتوصل إليها، و نعيشها.

و لكن بما أن هذا الكتاب قد اتخذ - عموما - منحى يغلب عليه طابع التعامل مع النصوص تأكيدا، أو تفنيدا، فقد أصبح طرح حقائق كهذه لا يتلاءم مع أسلوب الكتاب، و لا يناسب توجهه العام.

و لأجل ذلك، فنحن نكتفي في طرحنا لقضية ولادة الحسين «عليه السلام» أيضا ببعض ما لا يخرجنا عن هذا الاتجاه، و لا يضر بذلك المنحى؛ فنقول:

ولادة الإمام الحسين عليه السّلام:

و في السنة الرابعة للهجرة، في الخامس من شعبان، أو لثلاث، أو لأربع، خلون منه، كانت ولادة الإمام الحسين بن علي «عليهما السلام» في

ص: 35

المدينة المنورة(1).

و قيل: ولد في آخر شهر ربيع الأول، سنة ثلاث من الهجرة(2).

ص: 36


1- راجع: إعلام الورى ص 215 و نور الأبصار ص 125 و الفصول المهمة، لابن الصباغ ص 156 و الإصابة ج 1 ص 332 و الإستيعاب، بهامشه ج 1 ص 378، و أسد الغابة ج 2 ص 18 و ذخائر العقبى ص 118 و كفاية الطالب، و ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق ص 12 و 23 و 25 و 288 و 293 و 295، و تاريخ بغداد ج 1 ص 141، و صفة الصفوة ج 1 ص 762 و روضة الواعظين ص 153 و نظم درر السمطين ص 194 و تهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 316 و كشف الغمة ج 2 ص 215 و إحقاق الحق (قسم الملحقات) ج 11 ص 256-259 و ج 19 ص 181 و 361-363 و مجمع الزوائد ج 9 ص 164 و تذكرة الخواص ص 232، و الإرشاد للمفيد ص 218، و الإتحاف بحب الأشراف ص 40 و تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 160 و إسعاف الراغبين، بهامش نور الأبصار ص 185 و البحار ج 43 ص 227 و 250 و 260 و سيرة المصطفى ص 149 و تهذيب الأسماء ج 1 ص 163 و المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 76، و تاريخ الأمم و الملوك ج 2 ص 555 و التنبيه و الإشراف ص 213 و بهجة المحافل ج 1 ص 230، و تاريخ الخميس ج 1 ص 417 و 464 و مقاتل الطالبين ص 78 و تهذيب التهذيب ج 2 ص 345 و مروج الذهب ج 2 ص 289 و الجوهرة في نسب علي «عليه السلام» و آله ص 38 و نسب قريش لمصعب ص 40، و مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 143 و نزل الأبرار ص 148 و عمدة الطالب ص 191 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 206 و الكامل لابن الأثير ج 2 ص 176.
2- راجع: الإستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 378 و إعلام الورى ص 215 و الكافي ج 2 ص 385 و تاريخ الخميس ج 1 ص 464 و يفهم من قول ابن الخشاب، كما في كشف الغمة ج 2 ص 252.

و قال قتادة: إنه «عليه السلام» ولد بعد أخيه الحسن بسنة و عشرة أشهر، لخمس سنين و ستة أشهر من التاريخ(1).

و قال الجزري تفريعا على قول قتادة: فولدته لست سنين، و خمسة أشهر و نصف(2).

و قال الدولابي: ولد لأربع سنين و ستة أشهر من الهجرة(3).

و قيل: ولد سنة سبع، و ليس بشيء(4).

و من جهة أخرى؛ فقد قيل: لم يكن بينه و بين أخيه إلا الحمل، و الحمل ستة أشهر(5).

و زاد في بعض الروايات قوله: و عشرا(6).

ص: 37


1- تهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 416 و ذخائر العقبى ص 118 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 378 و تاريخ الخميس ج 1 ص 417 و 464 و فيه: بعد الحسن بستة عشر شهرا، و ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق ص 14 و مستدرك الحاكم ج 3 ص 177 و راجع: تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 233.
2- أسد الغابة ج 2 ص 18 و راجع: المعارف لابن قتيبة ص 158 و كشف الغمة ج 2 ص 266.
3- ذخائر العقبى ص 118.
4- الإصابة ج 1 ص 332.
5- إعلام الورى ص 215 و ذخائر العقبى ص 188 عن ابن الدارع، و تاريخ الخميس ج 1 ص 417 و إحقاق الحق ج 11 ص 259 و راجع: تفسير البرهان ج 4 ص 172 - 174 و تفسير نور الثقلين ج 5 ص 11-12 و في نزل الأبرار ص 148: و في بعض الروايات ولد بعده بستة أشهر.
6- الكافي ج 1 ص 385، 386 و البحار ج 43 ص 247 و 258.

و قيل: كان أصغر من الحسن بسنة(1).

و قول آخر: يفيد أنه كان بين ولادة الحسن و ولادة الحسين عشرة أشهر و عشرون يوما(2).

و في رواية أخرى: أنها حملت به بعد وضعها الحسن «عليه السلام» بخمسين يوما(3).

و في نص آخر: لم يكن بينهما إلا طهر واحد(4).

ص: 38


1- تهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 416 و ذخائر العقبى ص 120 و ترجمة الإمام الحسين «عليه السلام» من تاريخ دمشق ص 25 و إحقاق الحق ج 11 ص 502.
2- البحار ج 43 ص 237.
3- الكامل في التاريخ ج 2 ص 166 و تاريخ الأمم و الملوك ج 2 ص 537 و الجوهرة في نسب علي و آله «عليهم السلام» ص 38 و نور الأبصار ص 125 و تذكرة الخواص ص 232 و الفصول المهمة لابن الصباغ ص 156 و راجع: بهجة المحافل ج 1 ص 230 و البدء و التاريخ ج 5 ص 75 و كشف الغمة ج 2 ص 215 و كفاية الطالب ص 416 و ذخائر العقبى ص 118 و تاريخ الخميس ج 1 ص 417 و 464 و إحقاق الحق ج 9 ص 362 و ترجمة الإمام الحسين «عليه السلام» من تاريخ دمشق ص 23 و 295 و مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 143 و نزل الأبرار ص 148 و عمدة الطالب ص 191 و كتاب الجامع للقيرواني ص 276.
4- تاريخ الخميس ج 1 ص 417، 464 و تهذيب دمشق ج 4 ص 416 و إحقاق الحق (الملحقات) ج 11 ص 592 و ج 9 ص 361-363 و تهذيب التهذيب ج 2 ص 345 و أسد الغابة ج 2 ص 18 و الإصابة ج 1 ص 332 و الإستيعاب بهامشه ج 1 ص 378 و البحار ج 43 ص 247 و 258، و ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق ص 13 و 295 و مجمع الزوائد ج 9 ص 185 و المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 398 و الكافي ج 1 ص 385 و 386، و تهذيب الأسماء ج 1 ص 163 و كفاية الطالب ص 417 و نظم درر السمطين ص 194 و ذخائر العقبى ص 118 و تفسير نور الثقلين ج 5 ص 12 و عمدة الطالب ص 191 و كتاب الجامع للقيرواني ص 276.

و قال ابن قتيبة: «حملت به بعد أن وضعت الحسن بشهر واحد و اثنين و عشرين يوما، و أرضعته و هي حامل ثم أرضعتهما جميعا»(1).

و من الواضح أنه لا منافاة بين النصوص الأربعة الأخيرة على تقدير كون الحمل به تسعة أشهر، و لكن العسقلاني يقول: «قلت: فإذا كان الحسن ولد في رمضان، و ولد الحسين في شعبان، احتمل أن يكون ولدته لتسعة أشهر، و لم تطهر من النفاس إلا بعد شهرين»(2).

و نقول: إن في كلامه بعض المناقشة:

أولا: إنه مبني على ما يذهبون إليه، من أن النفاس يمكن أن يكون أربعين يوما، و يكون شهرين و أكثر و أقل و غير ذلك.

أما على ما هو الثابت من مذهب أهل البيت «عليهم السلام»، و يؤيده الواقع، من أن أكثر النفاس عشرة أيام و لا حد لأقله، فلا معنى لاستمرار نفاسها إلى شهرين.

ثانيا: إنه حتى على ما ذكره؛ فإن نفاسها يكون خمسين يوما، إذا كان حملها قد استمر تسعة أشهر، إلا أن يكون كلامه تقريبيا، و لا تحديد فيه.

ثالثا: قد ورد في الروايات: أنها «صلوات اللّه و سلامه عليها» لم تر الدم

ص: 39


1- المعارف ص 158.
2- الإصابة ج 1 ص 332.

حين الولادة أصلا(1).

الحلق، و العقيقة، و التسمية:

«و لما ولد «عليه السلام»، أخبر النبي «صلى اللّه عليه و آله» به، فجاءه، و أخذه، و أذن في أذنه اليمنى، و أقام في أذنه اليسرى، و استبشر به «صلى اللّه عليه و آله»، و سماه «حسينا» و عق عنه كبشا، و في رواية كبشين، وقال لأمه:

احلقي رأسه، و تصدقي بوزنه فضة، و افعلي به كما فعلت بأخيه الحسن».

و زاد البعض: و أعطى القابلة رجل العقيقة، و ختنه يوم السابع من ولادته.

و زاد آخرون: أنه «صلى اللّه عليه و آله» حنكه بريقه، و تفل في فمه، و دعا له، و سماه حسينا، يوم السابع(2).

ص: 40


1- تاريخ الخميس ج 1 ص 417، لكن الرواية عن أسماء بنت عميس، مع أنها كانت في الحبشة، فلا بد أن تكون هي الأنصارية، و زيدت كلمة «بنت عميس» من قبل الرواة جريا على ما هو المألوف عندهم، و تبعا لما ارتكز في أذهانهم.. و راجع: إحقاق الحق (الملحقات) ج 11 ص 259 عن عمدة الأخبار ص 394.
2- راجع فيما تقدم كلا أو بعضا المصادر التالية: الفصول المهمة لابن الصباغ ص 156 و البحار ج 43 ص 237-260 و أسد الغابة ج 2 ص 18 و روضة الواعظين ص 155 و مستدرك الحاكم ج 3 ص 179 و 180 و تلخيصه للذهبي بهامشه، و نور الأبصار ص 125 و تذكرة الخواص ص 232 و الإرشاد للمفيد ص 218 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 378 و نظم درر السمطين ص 208 و 194 و الإتحاف بحب الأشراف ص 40 و ذخائر العقبى ص 118 - 120 و كشف الغمة ج 2 ص 215 و 216 و إعلام الورى ص 215 و كفاية الطالب ص 417 و مجمع الزوائد ج 9 ص 185 عن الطبراني و تاريخ الخميس ج 1 ص 417 و 418 و تهذيب تاريخ دمشق ج 3 ص 316 و إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 185 و ترجمة الإمام الحسين «عليه السلام» من تاريخ دمشق، بتحقيق المحمودي ص 11 و نزل الأبرار ص 148 و ذكر في تاريخ بغداد ج 10 ص 151 حديث أنه عق عن الحسنين كبشا كبشا و كذا في حلية الأولياء. و راجع: سنن البيهقي ج 9 ص 299 و 300 و راجع مشكل الآثار ج 1 ص 456، و راجع بقية المصادر في إحقاق الحق (الملحقات) ج 11 ص 260-264 و ج 19 ص 182 و ج 10 ص 490-530 فقد نقل ذلك عن مصادر كثيرة.

و عن عمران بن سليمان، قال: الحسن و الحسين من أسماء أهل الجنة، لم يكونا في الجاهلية(1).

لا منافاة بين الروايات:

و في حين نجد بعض الروايات تقول: إن فاطمة «عليها السلام» قد عقت عن الحسنين «عليهما السلام»(2).

فإننا نجد الروايات المتضافرة الأخرى تفيد: أنه «صلى اللّه عليه و آله»

ص: 41


1- الصواعق المحرقة ص 190 و تاريخ الخلفاء ص 188 و البحار ج 43 ص 252 عن المناقب، و بهجة المحافل ج 1 ص 196 و أسد الغابة ج 1 ص 18 و ذخائر العقبى ص 119 عن الدولابي، و تاريخ الخميس ج 1 ص 418 و إحقاق الحق ج 10 ص 488-491 و ج 19 ص 183 عن شرح ثلاثيات مسند أحمد ج 2 ص 557 و عن حلى الأيام ص 218 و مصادر كثيرة أخرى.
2- راجع المصادر المتقدمة في الهامشين السابقين و غيرهما، و ذخائر العقبى ص 118 و تاريخ الخميس ج 1 ص 418 و البحار ج 43 ص 240 و 257.

هو الذي عق عنهما «عليهما السلام»(1).

كما أن بعض الروايات تفيد: أن فاطمة «عليها السلام» هي التي حلقت رأسيهما يوم سابعهما، و تصدقت بوزن شعرهما فضة(2).

بينما غيرها يقول: إن النبي «صلى اللّه عليه و آله» نفسه هو الذي تولى ذلك منهما(3).

و لعله لا منافاة بين جميع ما ذكر، إذ إن الرسول «صلى اللّه عليه و آله» أمرها بذلك، حسبما صرحت به الروايات، فهي «عليها السلام» قد تولت أمر العقيقة و الحلق، و النبي «صلى اللّه عليه و آله» يكون هو الذي اشترى العقيقة، و دفع الفضة التي تصدقت بها «عليها السلام».

و يمكن أن يكون «صلى اللّه عليه و آله» قد شارك الصديقة الطاهرة «عليها السلام» في ذبح الكباش و توزيعها، كما و شاركها في أمر الحلق أيضا، فصح نسبة الفعل إليه «صلى اللّه عليه و آله» تارة، و إليها «صلوات اللّه و سلامه عليها» أخرى(4) و اللّه العالم.

ص: 42


1- راجع جميع المصادر في الهوامش المتقدمة و ذخائر العقبى ص 119 و البحار ج 43 ص 439 و 257 و إحقاق الحق (الملحقات) ج 11 ص 261، 262.
2- راجع المصادر في الهوامش المتقدمة، و ذخائر العقبى ص 119 و البحار ج 43 ص 340 و 256 و 257. و إحقاق الحق (الملحقات) ج 10 ص 507-510 و سنن البيهقي ج 9 ص 299، و صرح في بعض رواياته بأمر النبي «صلى اللّه عليه و آله» لفاطمة بالحلق و مسند أحمد ج 6 ص 292 و 290 و 291.
3- راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 418 و سنن البيهقي ج 9 ص 299.
4- راجع: إحقاق الحق (الملحقات) ج 10 ص 510 و 508.
اليافعي و ثقافته الواسعة:

قال اليافعي: «في رمضان منها (أي سنة ثلاث) ولد الحسن رضوان اللّه عليه.

قلت: و لم أرهم ذكروا تاريخ ولادة أخيه الحسين رضي اللّه تعالى عنه، و الذي يقتضيه ما ذكروا من تاريخ مدة عمرهما، و زمان وفاتهما: أن يكون ولادة الحسين في السنة الخامسة، و اللّه تعالى أعلم.

ثم وقفت على كلام للإمام القرطبي المالكي يذكر فيه: أنه ولد في شهر شعبان في السنة الرابعة.

فعلى هذا ولد الحسين قبل تمام السنة من ولادة الحسن، و مثل هذا غريب في العادة، نادر الوقوع.

و يؤيد هذا ما وقفت عليه بعد ذلك، و من نقل الواحدي: أن فاطمة رضي اللّه تعالى عنها علقت بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة و اللّه أعلم»(1).

و إنما ذكرنا كلام اليافعي - و هو من أعلام القرن الثامن الهجري و يعبر عنه ب «الإمام» - بطوله، ليقف القارئ على سعة اطلاع هذا الرجل، و معرفته بتاريخ حفيد رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، و أحد سبطيه، و سيد شباب أهل الجنة «صلوات اللّه و سلامه عليه»، مع أنه هو نفسه يذكر تواريخ دقيقة لكثير من الناس الذين لا شأن و لا منزلة لهم إلا من خلال مواقفهم و عداواتهم لأهل البيت «عليهم السلام».

ص: 43


1- مرآة الجنان ج 1 ص 6 و 7.
حملته أمه كرها:

و جاء في رواية عن أبي عبد اللّه «عليه السلام»: أنه لما أعلم جبرئيل النبي «صلى اللّه عليه و آله» بأن أمته ستقتل الحسين «عليه السلام» - و ذلك قبل أن يولد «عليه السلام» - كرهت فاطمة «عليها السلام» حمله. و حينما وضعته كرهت وضعه، لأنها علمت أنه سيقتل و فيه نزلت:

وَ وَصَّيْنَا اَلْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ إِحْسٰاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلاٰثُونَ شَهْراً (1) .

زاد في المناقب: و لم يولد مولود لستة أشهر عاش غير عيسى و الحسين.

و في نصوص أخرى: أنها «عليها السلام» رضيت لما أخبرها بأن الإمامة و الولاية في ذريته(2).

و أقول:

1 - لا أستطيع أن أؤكد صحة هذا الخبر، ما دمت أرى أنه لا يناسب فاطمة «عليها السلام» أن تفكر بهذه الطريقة التي تصب في الاتجاه الشخصي، و أقول: إن فاطمة ترضى ما يرضاه اللّه سبحانه لها، و لم تكن لتكره عطيته سبحانه، و لا سيما إذا كانت هذه العطية هي الحسين «عليه السلام» سيد شباب أهل الجنة.

ص: 44


1- الآية 15 من سورة الأحقاف.
2- الكافي ج 1 ص 386 و المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 50 عن كتاب الأنوار و تفسير البرهان ج 4 ص 172 و 173 و 174 و البحار ج 43 ص 246 و 453 و كامل الزيارات ص 55-57 و نور الثقلين ج 5 ص 11-14 عن عدة مصادر.

2 - كما أنني أريد أن أحتمل هنا: أن المقصود أيضا هو التقليل من كرامة الحسين «عليه السلام» نفسه، حتى إن أقرب الناس إليه و هو أمه لم ترض بحمله، و لا بوضعه، و كان وجوده ثقيلا عليها.

3 - و يمكن أن يناقش في هذه الرواية بأن الآية قد وردت في سورة الأحقاف، و هي مكية(1)، و الحسين «عليه السلام» إنما ولد في المدينة.

و قد يمكن دفع ذلك بأمرين:

الأول: بما ورد في بعض الروايات من أنه «صلى اللّه عليه و آله» كان إذا نزلت آية يقول لهم ضعوها في المكان الفلاني(2) و يمكن أن تكون هذه الآية نزلت في المدينة، و وضعها الرسول «صلى اللّه عليه و آله» في سورة مكية، تقدم نزولها، و قد ورد الاستثناء لهذه الآية بخصوصها فراجع المصاحف المطبوعة.

الثاني: إنه يمكن أن يكون قد تكرر نزول هذه الآية بهذه المناسبة، و لذلك نظائر كثيرة(3) فلا إشكال.

رواية أسماء:

و أما بالنسبة لرواية أسماء بنت عميس لما جرى حين ولادته و أخيه الحسن «عليهما السلام» و حكم بعض المحققين عليها بأنها غير مستقيمة

ص: 45


1- الدر المنثور ج 6 ص 37 عن ابن مردويه.
2- مسند أحمد ج 1 ص 57 و الإتقان ج 1 ص 61 و 62 و راجع كتابنا: «حقائق هامة حول القرآن الكريم».
3- راجع: الإتقان ج 1 ص 35 و 36.

فقد تقدم في المجلد السادس: أن سبب ذلك هو الاشتباه في قراءة كلماتها.

و إن كان في بعض نصوصها شيء من التهافت الناشئ من خلط الرواة بين بنت عميس و غيرها(1).

و ملخص هذه الرواية حسبما جاء في روضة الواعظين:

قالت أسماء بنت عميس: قبلت فاطمة بالحسن و الحسين «عليهم السلام»، فلما ولد الحسن «عليه السلام» جاء النبي «صلى اللّه عليه و آله»، فقال: يا أسماء (أي و هي غير بنت عميس) هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقة صفراء، فرمى بها النبي «صلى اللّه عليه و آله» و قال: يا أسماء، ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء؟ فلفته في خرقة بيضاء، و دفعته إليه، فأذن في أذنه اليمنى.

ثم تذكر الرواية تسمية النبي «صلى اللّه عليه و آله» له، و حلقه رأسه، و تصدقه بزنته ورقا، و عقه عنه، و طلي رأسه بالخلوق، ثم قال: يا أسماء الدم فعل الجاهلية.

«و لعله لأنهم كانوا في الجاهلية يطلون رأس المولود بالدم، فغيّر «صلى اللّه عليه و آله» هذه السنة السيئة».

فلما ولد الحسين، جاء «صلى اللّه عليه و آله» و قال: يا أسماء «أي و هي

ص: 46


1- و الرواية موجودة أيضا في روضة الواعظين ص 153 و 154 و النص فيه ظاهر فيما نقول؛ لأن ظاهرها أن بنت عميس تحدث عن امرأة أخرى اسمها أسماء. و راجع: إعلام الورى ص 218 و ذخائر العقبى ص 120 و تاريخ الخميس ج 1 ص 418 و إحقاق الحق (قسم الملحقات) ج 10 ص 502 و البحار ج 43 ص 239 و عيون أخبار الرضا ج 2 ص 26.

غير بنت عميس» هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقة بيضاء، فأذن في أذنه اليمنى، و أقام في اليسرى، و وضعه في حجره، و بكى، فقالت أسماء: قلت فداك أبي و أمي مم بكاؤك ؟

فقال: على ابني هذا.

قلت: إنه ولد الساعة.

قال: يا أسماء، تقتله الفئة الباغية إلى آخر الرواية(1).

فأسماء بنت عميس فيها تروي عن أسماء أخرى، و لعلها بنت يزيد الأنصارية.

أما ما روي عن السجاد «عليه السلام»، من أنه قال: لما حان وقت ولادة فاطمة بعث إليها رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أسماء بنت عميس و أم أيمن، حتى قرأتا؟ عليها آية الكرسي و المعوذتين(2).

فهو أيضا موضع إشكال، لأن بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب في الحبشة، و لم تقدم إلى المدينة إلا عام خيبر.

و الظاهر - أيضا -: أن كلمة «بنت عميس» مقحمة في هذه الرواية من قبل الرواة أو المؤلفين جريا على عادتهم و ما هو المألوف عندهم، و تكون أسماء هي واحدة أخرى من النساء الصحابيات، بنت يزيد، أو غيرها.

و مما يدل على هذا الإقحام: أننا نجد الدياربكري، راوي الرواية السابقة عن علي بن الحسين «عليه السلام» يروي رواية أخرى عن المحب

ص: 47


1- تاريخ الخميس ج 1 ص 417.
2- روضة الواعظين ص 153 و راجع البحار ج 43 ص 239.

الطبري، فيقحم فيها من عند نفسه كلمة «بنت عميس» فيقول:

«عن أسماء بنت عميس، قالت: قبلت فاطمة بالحسن؛ فلم أر لها دما؛ فقلت: يا رسول اللّه إني لم أر لفاطمة دما في حيض و لا نفاس ؟! فقال «صلى اللّه عليه و آله»: «أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهرة، لا يرى لها دم في طمث، و لا ولادة أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا»(1).

فراجعت ذخائر العقبى ص 44 فرأيت الرواية نفسها، و لكنها عن أسماء من دون ذكر لعبارة «بنت عميس» فيها.

و هذه هي الرواية الصحيحة، لأن بنت عميس كانت حين ولادة الإمام الحسن «عليه السلام» في الحبشة، لا في المدينة حسبما ألمحنا إليه آنفا.

و ثمة روايات أخرى عن أسماء بنت عميس(2)، و الكلام فيها هو الكلام.

أي أننا نحتمل أن يكون لفظ: «بنت عميس» من إقحام الرواة، انطلاقا مما هو مرتكز في أذهانهم، دون أن يلتفتوا إلى المفارقة المذكورة.

التشريف و التكريم:

هذا و قد روي عن أبي جعفر «عليه السلام»، قال: لما عرج برسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، نزل بالصلاة عشر ركعات: ركعتين، ركعتين، فلما ولد الحسن و الحسين، زاد رسول اللّه سبع ركعات شكرا للّه؛ فأجاز اللّه

ص: 48


1- تاريخ الخميس ج 1 ص 417.
2- البحار ج 43 ص 255 عن كشف الغمة.

ذلك(1).

و قال ابن شهر آشوب: «من كثرة فضلهما، و محبة النبي إياهما: أنه جعل نوافل المغرب، و هي أربع ركعات، كل ركعتين منهما عند ولادة كل واحد منهما»(2).

هذا و قد أشرنا في المجلد الرابع من هذا الكتاب في فصل: قضايا و أحداث غير عسكرية إلى موضوع الزيادة في الصلاة فلا نعيد.

و لكننا نشير هنا: إلى أن بعض الروايات تشير إلى أن سبب زيادة الركعتين أمر آخر، و هو إرادة الحفاظ على إتيان الصلاة من قبل المكلفين بصورة معقولة.

و قيل: غير ذلك، فليراجع كتاب الوسائل ج 3 باب عدد الفرائض اليومية و نوافلها و جملة من أحكامها.

و لا مانع من كون الداعي إلى ذلك هو كلا الأمرين، كما أن رواية ابن شهر آشوب(3) لا تنافي الرواية التي قبلها، كما لا تنافي سائر الروايات المبينة لسبب جعل النوافل؛ فإن جعل النافلة عند ولادتهما تشريفا لهما، لا ينافي أن تكون علة هذا الجعل شيئا آخر، و ذلك ظاهر.

إرضاع الحسين عليه السّلام بلبن قثم لا يصح:

عن أم الفضل بنت الحارث قالت: رأيت فيما يرى النائم: أن عضوا من

ص: 49


1- البحار ج 43 ص 258 عن الكافي و الوسائل ج 3 ص 35 و ليلا حظ هامشه.
2- مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 164.
3- راجع: المناقب ج 3 ص 395.

أعضاء النبي «صلى اللّه عليه و آله» في بيتي، فقصصتها على النبي «صلى اللّه عليه و آله» فقال: خيرا رأيت، تلد فاطمة غلاما، فترضعيه بلبن قثم، فولدت فاطمة غلاما، فسماه حسينا، فدفعه إلى أم الفضل، فكانت ترضعه بلبن قثم(1).

و في نص أخر: لم يذكر إرضاعها له بلبن قثم، بل اكتفى بأنه «صلى اللّه عليه و آله» أخبرها بأنه يكون في حجرها، فكان كذلك، و تفصيل القصة يراجع في مصادرها(2).

و لكننا قد قدمنا في هذا الكتاب، في فصل: شخصيات و أحداث، حينما

ص: 50


1- راجع: تهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 316 و تاريخ الخميس ج 1 ص 418، 419 عن الدولابي، و البغوي في معجمه و تذكرة الخواص ص 232 و ينابيع المودة ص 221 و 318 و سنن ابن ماجة ج 2 ص 1293 مع الترديد في الاسم و كفاية الطالب ص 419 و ذخائر العقبى ص 121 و ترجمة الإمام الحسين «عليه السلام» من تاريخ دمشق، بتحقيق المحمودي ص 10 و مستدرك الحاكم ج 3 ص 180 و تلخيصه للذهبي و البداية و النهاية ج 6 ص 230 و مسند أحمد ج 6 ص 339 و فيه أنها كانت ترضع الحسن و الحسين «عليهما السلام»، و الإصابة ج 4 ص 484 و عمدة الطالب ص 191.
2- مستدرك الحاكم ج 3 ص 176 و كشف الغمة ج 2 ص 219 و إعلام الورى ص 218 و نور الأبصار ص 126 و الفصول المهمة لابن الصباغ ص 158 و مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 159 و البداية و النهاية ج 6 ص 230 و مشكاة المصابيح ص 572، و راجع: إحقاق الحق (الملحقات) ج 10 ص 397-204 و ج 19 ص 373 و 374 ففيه مصادر أخرى و الإرشاد للمفيد ص 281 و كفاية الطالب ص 418 و الفتوح لابن أعثم ج 4 ص 211.

تحدثنا عن ولادة الإمام الحسن «عليه السلام» ما يلي:

1 - إن العباس لم يكن قد هاجر حينئذ إلى المدينة، و قد كانت زوجته عنده في مكة، كما هو الظاهر.

2 - إننا نجد البعض ينكر أن يكون لقثم صحبة أصلا.

و أخيرا، فيحتمل أن تكون رواية أم الفضل هذه هي نفس الرواية التي تقدمت في هذا الكتاب في آخر فصل شخصيات و أحداث.

لكن الرواة بسبب عدم نقط الكلمات و تقارب كلمتي الحسن و الحسين، قد صحفوا أحدهما بالآخر، و نضيف هنا:

3 - إنه قد ورد في بعض الروايات - و النص للبحراني - أنه: «لم يرضع الحسين «عليه السلام» من فاطمة «عليها السلام»، و لا من أنثى، كان يؤتى به النبي «صلى اللّه عليه و آله» فيضع إبهامه في فيه، فيمص منها ما يكفيه، اليومين، و الثلاثة، فنبت لحم الحسين من لحم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، و دمه من دمه»(1).

و في نص آخر: أنه كان يؤتى بالحسين؛ فيلقمه لسانه؛ فيمصه؛ فيجتزئ به، و لم يرتضع من أنثى(2).

ص: 51


1- راجع: الكافي ج 1 ص 386، و المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 50 و تفسير البرهان ج 4 ص 173 و 174 و تفسير نور الثقلين ج 5 ص 14 و راجع: البحار ج 43 ص 254.
2- راجع: الكافي ج 1 ص 387، و المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 50 و البحار ج 43 ص 245 و 254 و تفسير نور الثقلين ج 5 ص 12 و تفسير البرهان ج 4 ص 173 و علل الشرايع ص 206.

و روي عن أبي عبد اللّه «عليه السلام»، قال: كان رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» يأتي مراضع فاطمة؛ فيتفل في أفواههم، و يقول لفاطمة: لا ترضعيهم(1).

و إن كان ربما يقال: إن هذا لا يدل على أنه لم يرضع من أخريات.

و بعد، فقد تقدم: أن الظاهر هو: أن صاحبة القضية المذكورة، و صاحبة المنام المشار إليه، ليست هي أم الفضل، و إنما هي أم أيمن(2)، حسبما جاء في بعض الروايات، و أشرنا إليه في جزء سابق حين الكلام حول ولادة الحسن «عليه السلام».

أوهام لأبي نعيم:

عن هارون عن عبد اللّه قال: سمعت أبا نعيم يقول: «قتل الحسين على رأس سنة ستين، يوم السبت؛ يوم عاشوراء، و قتل و هو ابن خمس و ستين، أو ست و ستين».

و في هذه الرواية و هم من جهتين؛ في القتل، و المولد.

فأما مولد الحسين؛ فإنه كان بينه و بين أخيه الحسن طهر. و ولد الحسن للنصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة.

و أما الوهم في تاريخ موته، فأجمع أهل التاريخ: أنه قتل في المحرم، سنة إحدى و ستين، إلا هشام ابن الكلبي، فإنه قال: سنة اثنتين و ستين، و هو

ص: 52


1- البحار ج 43 ص 250.
2- راجع بالإضافة إلى ما قدمناه في المجلد السادس: روضة الواعظين ص 154 و المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 70.

و هم أيضا»(1).

و نزيد نحن في توضيح ذلك: أن معنى كلام أبي نعيم هو: أن الإمام الحسين «عليه السلام»، قد ولد قبل الهجرة بست سنين، مع أن عليا قد تزوج بالزهراء «عليهما السلام» بعد الهجرة، و ولدت له الحسن «عليه السلام» في سنة ثلاث.

أضف إلى ذلك: أن أبا الفرج يقول: «إن الأصح هو: أنه «عليه السلام» قد استشهد يوم الجمعة، لا يوم السبت»(2).

و يقول عن القول بأنه استشهد يوم الإثنين: إنه: «لا أصل له، و لا حقيقة، و لا وردت فيه رواية»(3).

رواية أخرى لا تصح:

قال أبو الفرج: «و روى سفيان الثوري عن جعفر بن محمد: أن الحسين بن علي قتل و له ثمان و خمسون سنة، و أن الحسن كذلك كانت سنوّه يوم مات، و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، و علي بن الحسين، و أبو جعفر محمد بن علي»(4).

ص: 53


1- راجع فيما تقدم: تاريخ بغداد ج 1 ص 142 و ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق، بتحقيق المحمودي ص 282.
2- مقاتل الطالبيين ص 78.
3- مقاتل الطالبيين ص 79 و راجع ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق بتحقيق المحمودي ص 281.
4- مقاتل الطالبيين ص 79 و راجع الإستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 382 و ترجمة الإمام الحسين «عليه السلام» من تاريخ دمشق بتحقيق المحمودي ص 279 و في هامشه عن الطبراني في المعجم الكبير و ليس في رواية الطبراني ذكر للإمام الحسن «عليه السلام» و كذا في مجمع الزوائد ج 9 ص 198 عن الطبراني أيضا.

قال سفيان: «و قال لي جعفر بن محمد: و أنا بهذا السن في ثمان و خمسين سنة، فتوفي فيها رحمة اللّه عليه»(1).

قال أبو الفرج: «و هذا و هم، لأن الحسن ولد سنة ثلاث من الهجرة، و توفي في سنة إحدى و خمسين، و لا خلاف في ذلك، و سنه على هذا ثمان و أربعون سنة، أو نحوها»(2).

و نقول:

أولا: قول أبي الفرج عن الإمام الحسن «عليه السلام»: إنه «توفي سنة إحدى و خمسين، و لا خلاف في ذلك» محل نظر، إذ إن كثيرين يقولون: إنه «عليه السلام» قد توفي في سنة تسع و أربعين، و قيل: في سنة خمسين، و قيل:

في سنة ثمان و أربعين، و قيل: غير ذلك(3).

ص: 54


1- الإستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 382.
2- مقاتل الطبيين ص 79.
3- راجع: المستدرك للحاكم ج 3 ص 169 و الإصابة ج 1 ص 331 و الإستيعاب بهامشها ج 1 ص 374 و البدء و التاريخ ج 5 ص 74 و نظم درر السمطين ص 204 و 205 و إعلام الورى ص 206 و الفصول المهمة لابن الصباغ ص 151 و نور الأبصار ص 123 و الإرشاد للمفيد ص 211 و روضة الواعظين ص 168 و المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 29 و المعارف لابن قتيبة ص 212 و كفاية الطالب ص 415 و أسد الغابة ج 2 ص 14 و ذخائر العقبى ص 141 و 142 و تذكرة الخواص ص 211 و الكافي ج 1 ص 383 و 384 و غير ذلك كثير، و البحار ج 44 ص 132-164 و مجمع الزوائد ج 9 ص 179.

و بالنسبة لسن السجاد و الباقر «عليهما السلام»، فهو أيضا ليس على حسب ما جاء في الرواية، فليراجع البحار و الكافي، و غير ذلك من المصادر المشار إليها في الهامش على الفقرة السابقة.

ثانيا: بالنسبة للمدة التي عاشها الإمام الصادق «عليه السلام»، فالمقل يقول: إنه «عليه السلام» قد عاش ثلاثا و ستين سنة، و الأكثر على أنه عاش خمسا و ستين، و قيل أكثر من ذلك(1).

اشتباهات حسابية:

و هذه الاشتباهات كثيرة، نذكر منها ما يلي:

1 - قال المقدسي: «قتل الحسين «عليه السلام» سنة إحدى و ستين من الهجرة، يوم عاشوراء، و هو يوم الجمعة، و كان قد بلغ من السن ثمانيا و خمسين سنة»(2).

و قال في موضع آخر: «قتل يوم عاشوراء سنة اثنتين و ستين»(3).

و التنافي بين هذين القولين ظاهر.

كما أنه بعد ذكره: أن الحسن «عليه السلام» قد توفي سنة سبع و أربعين(4) ذكر: «أن الحسين «عليه السلام» قد قتل سنة اثنتين و ستين، بعد

ص: 55


1- راجع: البحار ج 47 ص 1 حتى ص 11.
2- البدء و التاريخ ج 6 ص 12.
3- المصدر السابق ج 5 ص 75.
4- المصدر السابق ج 5 ص 74.

الحسن بسبع عشرة سنة»(1)، مع أن ما بين سبع و أربعين و اثنتين و ستين هو خمس عشرة سنة لا أكثر.

و في مورد آخر يذكر: أن الحسين «عليه السلام» قد ولد بعد الحسن بعشرة أشهر أي في السنة الرابعة(2)، ثم يذكر: أنه استشهد سنة إحدى و ستين و عمره ثمان و خمسون سنة. مع أن عمره يكون سبعا و خمسين سنة.

إلا أن يكون قد أضاف أشهرا يسيرة على العمر الصحيح، الذي هو سبع و خمسون سنة و أشهر.

كما أنه تارة يذكر: أن الحسين «عليه السلام» قد ولد بعد الحسن «عليه السلام» بعشرة أشهر و عشرين يوما، و أن الحسن قد ولد في السنة الثالثة.

و تارة يذكر: أن الحسين «عليه السلام» قد ولد بعد الهجرة بسنتين(3).

2 - و يصرح ابن الوردي، و غيره: بأن الحسين «عليه السلام» قد ولد سنة أربع(4) و توفي سنة إحدى و ستين.

و لكنه يغلط بالحساب، فيقول: «و الصحيح: أن عمره رضي اللّه عنه و عنا بهم: خمس و خمسون سنة و أشهر»(5).

ص: 56


1- المصدر السابق ج 5 ص 75.
2- المصدر السابق ج 5 ص 75.
3- البدء و التاريخ ج 6 ص 20.
4- تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 160 و ترجمة الإمام الحسين «عليه السلام» من تاريخ دمشق بتحقيق المحمودي ص 293.
5- تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 233 و ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق ص 293.

3 - و قال الحافظ عبد العزيز: ولد في شعبان سنة أربع، و قتل يوم عاشوراء، سنة إحدى و ستين، و هو ابن خمس و خمسين سنة و ستة أشهر(1).

و الخطأ في حساب سني عمره الشريف واضح، و الصحيح: أن عمره سبع و خمسون سنة و أشهر.

4 - أما الشيخ المفيد «رحمه اللّه» تعالى، فإنه ذكر أن ولادته «عليه السلام» كانت في شعبان سنة أربع و وفاته في يوم عاشوراء سنة إحدى و ستين، و عمره ثمان و خمسون سنة(2).

و قد قدمنا: أن الصواب هو أن عمره سبع و خمسون سنة و أشهر، و لعله «رحمه اللّه» لم يعتن بهذه الأشهر الباقية، فأطلق حكمه ذاك على سبيل التسامح.

ص: 57


1- كشف الغمة ج 2 ص 252.
2- الإرشاد ص 218 و 283.

ص: 58

الفصل الرابع: عبرة و مناسبة

اشارة

ص: 59

ص: 60

بداية:

نتحدث في هذا الفصل عن وفيات بعض الأشخاص الذين عاشوا في زمن النبي «صلى اللّه عليه و آله»، و ذلك انطلاقا من المبررات التي ألمحنا إليها في بداية الفصل السابق.

و لكننا نشير هنا إلى أننا سوف نجعل ذلك أيضا ذريعة إلى التعرض لأمور أخرى ترتبط بهؤلاء الأشخاص من قريب أو من بعيد، من أجل أن نسجل تحفظا، أو ننوه بما ينبغي التنويه به، و التنبيه إليه، فنقول:

1 - عبد اللّه بن عثمان:
اشارة

فإنهم يقولون: إن عبد اللّه بن عثمان بن عفان، سبط رسول اللّه، حيث إن أمه هي رقية بنت النبي «صلى اللّه عليه و آله»(1)، قد توفي في جمادى

ص: 61


1- الإصابة ج 3 ص 67 و راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 464، و أسد الغابة ج 3 ص 244 و البداية و النهاية ج 4 ص 89 و أنساب الأشراف ج 1 ص 401 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 172 و الكامل لابن الأثير ج 2 ص 176 و تاريخ الأمم و الملوك ج 2 ص 555.

الأولى، من السنة الرابعة(1).

و كان قد ولد في الإسلام في الحبشة؛ فبلغ ست سنين؛ فنقره ديك في عينه؛ فمرض فمات(2).

و حين دفن دخل رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» قبره(3).

و نحن نشك في أكثر ما تقدم، و نذكر ذلك ضمن النقاط التالية:

عبد اللّه بن عثمان سبط الرسول صلى اللّه عليه و آله!!

في قولهم: إن عبد اللّه بن عثمان كان سبط رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله».

نقول: قد تقدم في الجزء الثاني من هذا الكتاب شكنا في كون زوجتي عثمان كانتا بنتي رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و قلنا: إن الظاهر هو أنهما كانتا ربيبتيه؛ فراجع.

سماه النبي صلّى اللّه عليه و آله!

إننا لا ننكر أن يكون النبي «صلى اللّه عليه و آله» كان يؤتى بأولاد

ص: 62


1- تاريخ الخميس ج 1 ص 464 و أسد الغابة ج 5 ص 456 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 4 ص 300 و البداية و النهاية ج 4 ص 89 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 172 و راجع: تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 206 و الكامل في التاريخ ج 2 ص 176.
2- تاريخ الخميس ج 1 ص 464 و 275 و أسد الغابة ج 5 ص 456 و الإصابة ج 4 ص 304 و الإستيعاب بهامشه ج 4 ص 300 و بهجة المحافل ج 1 ص 231.
3- أسد الغابة ج 3 ص 224 عن ابن مندة و أبي نعيم.

الصحابة يسميهم، و يبرّك عليهم حين ولادتهم، و قد حفظ التاريخ لنا وقائع كثيرة من هذا القبيل(1).

و لكن قولهم: إن النبي «صلى اللّه عليه و آله» هو الذي سمى ابن عثمان ب «عبد اللّه»(2) غير ظاهر الوجه، بعد أن كان قد ولد في الحبشة، فهل يعقل أن يبقى طفل هذه المدة الطويلة، التي تصل إلى سنوات من دون تسمية!!

أضف إلى ذلك: أن ظاهر بل صريح كلام مصعب الزبيري، و الزهري، و أم عباس «أو عياش» التي يقال: إنها مولاة رقية هو: أن عثمان نفسه هو الذي سمى ولده(3).

إلا أن يدّعى: أنهم قد سموه أولا، ثم لما قدموا المدينة، و رآه رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» جدد له التسمية.

و لكن ذلك يبقى مجرد احتمال لا دليل عليه، و ليس ثمة ما يؤيده.

و لعل الهدف هو جعله في مستوى سيدي شباب أهل الجنة، اللذين سماهما النبي «صلى اللّه عليه و آله»، و لا أقل من أن لا يكون ذلك مختصا بهما «عليهما السلام».

وفاة عبد اللّه:

قولهم: إن عبد اللّه قد توفي في السنة الرابعة، يقابله قول أبي سعد

ص: 63


1- راجع كتاب: تبرك الصحابة و التابعين للعلامة الشيخ علي الأحمدي.
2- أسد الغابة ج 3 ص 224 عن ابن مندة و أبي نعيم.
3- راجع: الإصابة ج 3 ص 67 و الإستيعاب بهامشه ج 4 ص 299 و تاريخ الخميس ج 1 ص 275 و أسد الغابة ج 3 ص 224 و ج 5 ص 456.

النيسابوري في كتاب شرف المصطفى: أنه مات قبل أمه بسنة، فيكون قد مات في أول سني الهجرة(1).

و ذكر الدولابي: «أنه مات و هو رضيع»(2).

دخول النبي صلى اللّه عليه و آله قبر ابن عثمان:

قولهم: إن النبي «صلى اللّه عليه و آله» قد دخل قبره ينافيه قولهم: إن عثمان هو الذي دخل قبره(3).

إلا أن يقال: يمكن أن يكون النبي «صلى اللّه عليه و آله» و عثمان أيضا قد دخلا حفرته.

و لكنه احتمال بعيد، إذ قد كان على ناقل دخول عثمان أن ينبه على دخول النبي أيضا، لأن ذلك شرف عظيم لا يهمل ذكره ليذكر ما لا شرف فيه، مع توفر الدواعي على تكريس الفضائل و الكرامات لعثمان، و كل من يلوذ به.

بل قولهم: «صلى عليه رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، و نزل في حفرته أبوه عثمان»(4) يأبى عن هذا التوجيه إن لم يكن ظاهرا في ضده و نقيضه.

ص: 64


1- الإصابة ج 3 ص 67.
2- تاريخ الخميس ج 1 ص 275 و الإصابة ج 4 ص 304.
3- تاريخ الخميس ج 1 ص 464.
4- الإصابة ج 4 ص 304 و الإستيعاب بهامشها ج 4 ص 400 و أسد الغابة ج 5 ص 456 و تاريخ الخميس ج 1 ص 275 و تاريخ الأمم و الملوك ج 2 ص 226 ط الإستقامة و أنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله») ص 401 و البداية و النهاية ج 4 ص 89 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 172.
ابن عثمان حقيقة أم خيال ؟

و أخيرا، فنحن نشك في أصل وجود هذا الطفل، فضلا عن كل تلك الادعاءات.

قال قتادة: «لم تلد رقية لعثمان»(1).

و علقوا على ذلك بقولهم: «و هو غلط، و الأصح ما تقدم و إنما أختها أم كلثوم لم تلد له»(2).

لكن الحقيقة هي: أن قتادة التابعي القريب العهد من عصر النبوة، و الذي يأخذ علمه عن الصحابة الشاهدين للأحداث مباشرة، قتادة هذا لا بد أن يكون أعرف بهذا الأمر من الدياربكري و غيره.

و يكفي أن يكون قول قتادة هذا موجبا للشك و الشبهة في هذا الأمر الخطير، لا سيما و نحن نعلم: أن هناك من يهتم بصياغة الفضائل و المناقب لعثمان، كما أشرنا إليه غير مرة.

التناقض و الاختلاف:

هذا كله، بالإضافة إلى ما تقدم من الاختلاف الفاحش في المدة التي عاشها بين أن تكون ست سنين، ثم مات، أو أنه مات و هو رضيع.

ص: 65


1- تاريخ الخميس ج 1 ص 275 و الإصابة ج 4 ص 304 و أسد الغابة ج 5 ص 256 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 4 ص 300.
2- تاريخ الخميس ج 1 ص 275 و الإصابة ج 4 ص 304 و أسد الغابة ج 5 ص 256 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 4 ص 300.
2 - زينب بنت خزيمة:
اشارة

قد أشرنا فيما سبق: إلى وفاة زينب بنت خزيمة، و ذلك حين الكلام عن زواج النبي «صلى اللّه عليه و آله» بها، و لكنها كانت إشارة عابرة و سريعة، فآثرنا هنا أن نذكر ذلك بنحو أكمل و أتم، فنقول:

إنهم يقولون: إن زينب بنت خزيمة، بنت الحارث الهلالية، قد تزوجها النبي «صلى اللّه عليه و آله» في سنة ثلاث، فلبثت عنده «صلى اللّه عليه و آله» شهرين، أو ثلاثة، ثم توفيت، و دفنت في البقيع، ذكره الفضائلي، و الذهبي.

و عند الدياربكري: أنها مكثت عنده «صلى اللّه عليه و آله» ثمانية أشهر، ذكره الفضائلي.

و قال البلاذري: أقامت عند النبي «صلى اللّه عليه و آله» ثمانية أشهر، تزوجها في شهر رمضان سنة ثلاث، و ماتت في آخر ربيع الأول سنة أربع:

و دفنها في البقيع.

و كانت أولا تحت عبد اللّه بن جحش، قتل عنها يوم أحد، كما قال ابن شهاب، قال في المواهب: و هو أصح.

و قال قتادة: كانت قبله «صلى اللّه عليه و آله» عند الطفيل بن الحارث.

و قال أبو الحسن علي بن محمد الجرجاني النسابة: كانت عند الطفيل بن الحارث، ثم خلف عليها عبيدة بن الحارث.

قال: و كانت زينب أخت ميمونة، لأمها.

قال أبو عمر: و لم أر ذلك لغيره.

و يقال: إنها كانت تدعى في الجاهلية بأم المساكين، و نزل في قبرها إخوتها.

ص: 66

و كان سنها يوم ماتت ثلاثين سنة، أو نحوها(1).

تأييد قول الجرجاني:

و نقول: إن الظاهر: أن الصحيح هو قول الجرجاني النسابة، و يؤيده ما ذكره ابن سعد و غيره، من أن الطفيل بن الحارث طلقها، فخلف عليها أخوه عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب فقتل عنها يوم بدر(2).

من اشتباه الأسماء:

و أما ما قاله الزهري، و تبعه غيره، من أنها كانت تحت عبد اللّه بن

ص: 67


1- راجع في ما تقدم كلا أو بعضا: الإصابة ج 4 ص 315 و 316 و الإستيعاب بهامشه ج 4 ص 312 و البداية و النهاية ج 4 ص 90 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 173 و 174 و قاموس الرجال ج 10 ص 445 و أسد الغابة ج 5 ص 466 و 467 و تاريخ الخميس ج 1 ص 463 و 417 و طبقات ابن سعد ج 8 ص 82 و الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ص 232 و أنساب الأشراف قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله» ص 429، و السيرة الحلبية ج 3 ص 318 و 319 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 208 و مرآة الجنان ج 1 ص 7 و تاريخ الأمم و الملوك ج 2 ص 545.
2- طبقات ابن سعد ج 8 ص 82 و قاموس الرجال ج 10 ص 445 عن البلاذري و السيرة الحلبية ج 3 ص 319 و أنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله») ص 429 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 173 و البداية و النهاية ج 4 ص 90 و تاريخ الخميس ج 1 ص 417 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 208.

جحش، فقد قال التستري:

«لعل الأصل في قول كونها عند عبد اللّه بن جحش، خلطها بأم حبيبة، فإنها كانت قبل النبي «صلى اللّه عليه و آله» عند عبد اللّه بن جحش، و اللّه العالم»(1).

و لكننا لم نفهم المبرر لهذا الخلط، و لا سيما من الزهري، فهل هو اشتباه نسخ الكتاب الذي قرأ ذلك فيه، أم أن الرواة خلطوا في سماعهم لفظ: أم حبيبة، فسمعوه: بنت خزيمة!!.

كل ذلك بعيد عن الاحتمال المقبول، و المرضي، و لعل دعوى الخلط بين عبد اللّه بن جحش، و عبد اللّه بن الحارث أقرب إلى الاعتبار، بملاحظة ما بينهما من الاتفاق و التقارب في اللفظ لو كان ثمة خلط حقيقة.

أسرعكن لحوقا بي:

قال ابن الأثير: «ذكر ابن مندة في ترجمتها قول النبي «صلى اللّه عليه و آله»: «أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا» فكان نساء النبي «صلى اللّه عليه و آله» يتذارعن، أيتهن أطول يدا، فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدا في الخير».

قال: «و هذا عندي و هم، فإنه «صلى اللّه عليه و آله» قال: أسرعكن لحوقا بي، و هذه سبقته، إنما أراد: أول نسائه تموت بعد وفاته، و قد تقدم في زينب بنت جحش، و هو بها أشبه، لأنها كانت أيضا كثيرة الصدقة من عمل

ص: 68


1- قاموس الرجال ج 10 ص 445.

يدها، و هي أول نسائه توفيت بعده»(1).

و نضيف نحن إلى ذلك: أن من غير المعقول أن يقول النبي الأعظم «صلى اللّه عليه و آله» كلاما مبهما لا يفهم المقصود منه، حتى لقد صدر منهن ما يوجب الضحك و السخرية، و هو أنهن صرن يتذار عن ليرين أيهن أطول يدا؛ لأنه «صلى اللّه عليه و آله» حين قال لهن ذلك، إنما أراد به حثهن على المسابقة في الصدقات و عمل الخير، و هذا هو اللائق بشأنه «صلى اللّه عليه و آله»، و المتوافق مع أهدافه و مراميه.

فالحق هو أنها زينب بنت جحش، كما قالوا.

و لا نرى أن قولهم: كان نساء النبي «صلى اللّه عليه و آله» يتذارعن، يصح بوجه، و لا مبرر له.

3 - فاطمة بنت أسد:
اشارة

و قد كانت فاطمة بنت أسد امرأة صالحة، و كان رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» يزورها، و يقيل في بيتها(2).

و هي أول امرأة بايعت النبي «صلى اللّه عليه و آله» بمكة بعد خديجة(3).

قال ابن عباس: «و فيها نزلت: يٰا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ إِذٰا جٰاءَكَ اَلْمُؤْمِنٰاتُ

ص: 69


1- أسد الغابة ج 5 ص 466 و 467 و الإصابة ج 4 ص 415 و 416 و الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ص 232.
2- طبقات ابن سعد ج 8 ص 161 و الإصابة ج 4 ص 380.
3- تذكرة الخواص ص 10 و قاموس الرجال ج 11 ص 7 عنه و راجع: تفسير البرهان ج 4 ص 326 و 327 و مقاتل الطالبيين ص 10.

يُبٰايِعْنَكَ »(1).

و أول امرأة هاجرت إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله» من مكة إلى المدينة على قدميها ماشية حافية(2).

و كانت حادية عشرة، يعني في السابقة إلى الإسلام، و كانت بدرية(3).

و حينما حضرتها الوفاة أوصت إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله» فقبل وصيتها(4).

و توفيت في السنة الرابعة من الهجرة، و صلى عليها رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، و تولى دفنها، و نزع قميصه و ألبسها إياه، و اضطجع معها في قبرها، و قرأ فيه القرآن، و أحسن الثناء عليها.

فلما سوى عليها التراب سئل عن سبب فعله ذلك، فقال: ألبستها لتلبس من ثياب الجنة، و اضطجعت معها في قبرها لأخفف عنها ضغطة القبر، إنها كانت أحسن خلق اللّه صنعا بي بعد أبي طالب.

و عند السمهودي أنه «صلى اللّه عليه و آله» نزع قميصه و أمر أن تكفن فيه، و أنه «صلى اللّه عليه و آله» صلى عليها عند قبرها و كبر عليها تسعا و أنه «صلى اللّه عليه و آله» حفر اللحد بيده و أخرج ترابه بيده.

ص: 70


1- تذكرة الخواص ص 10.
2- راجع: تفسير البرهان ج 4 ص 326 و 327 و تذكرة الخواص ص 10 و الكافي ج 1 ص 377.
3- مقاتل الطالبيين ص 9 و تفسير البرهان ج 4 ص 327 و شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 14.
4- مقاتل الطالبيين ص 8 و الكافي ج 1 ص 377.

و أضاف السلفي: أنه «صلى اللّه عليه و آله» تمرغ في قبرها و بكى، و قال:

جزاك اللّه من أم خيرا، لقد كانت خير أم، و كانت ربت النبي «صلى اللّه عليه و آله»(1).

و أضاف الكليني: أنه «صلى اللّه عليه و آله» حمل جنازتها على عاتقه، فلم يزل حتى أوردها قبرها، و أخذها على يديه، و وضعها فيه، و انكب عليها طويلا يناجيها و لقنها ما تسأل عنه، حتى إمامة ولدها علي «عليه السلام».

و حينما سئل عن ذلك قال: «اليوم فقدت بر أبي طالب، إن كانت لتكون عندها الشيء؛ فتؤثرني به على نفسها و ولدها إلى آخر ما قال «صلى اللّه عليه و آله و سلم»(2).

و عند الكليني: أنه هو نفسه «صلى اللّه عليه و آله» قد قال للمسلمين:

ص: 71


1- راجع ما تقدم في المصادر التالية: مقاتل الطالبيين ص 8 و 9 و قاموس الرجال ج 11 ص 6 و 7 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 4 ص 382 و الإصابة ج 4 ص 380 و الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ص 358، 359 و أسد الغابة ج 5 ص 517 و تذكرة الخواص ص 10 و الكافي ج 1 ص 377 و الإرشاد للمفيد ص 10 و إعلام الورى ص 153 و تاريخ الخميس ج 1 ص 468 و وفاء الوفاء المجلد الثاني ص 897 و 898 و 899 و بهجة المحافل ج 1 ص 231 و 232 و راجع: الفصول المهمة للمالكي ص 13 و 14.
2- راجع: الكافي ج 1 ص 377 و قاموس الرجال ج 11 ص 6 عنه و راجع: وفاء الوفاء المجلد الثاني ص 898.

«إذا رأيتموني قد فعلت شيئا لم أفعله قبل ذلك؛ فسلوني: لم فعلته»(1).

و عند السمهودي: أن قبرها حفر في موضع المسجد الذي يقال له اليوم قبر فاطمة(2).

و دفنت رحمها اللّه تعالى في البقيع، و دفن الحسن عندها كما نص عليه المفيد و غيره(3).

و لكن أبا الفرج يقول: إنها دفنت في الروحاء مقابل حمام أبي قطيفة(4)، و لم نفهم المبرر لدفنها هناك، لو صح ذلك.

و وصية الإمام الحسن «عليه السلام» بدفنه عندها، ثم دفنه في البقيع تدل على خلاف ذلك، و الحسنان «عليهما السلام» أعرف بقبر جدتهما من غيرهما.

و أخيرا، فقد قيل: إنها توفيت في مكة قبل الهجرة، قالوا: و ليس بشيء، و استدلوا على ذلك بأن عليا «عليه السلام» قال لها: إكف فاطمة بنت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» سقاية الماء و تكفيك الداخل و الطحن و العجن(5).

ص: 72


1- المصدران السابقان.
2- وفاء الوفاء المجلد الثاني ص 897.
3- الإرشاد ص 211 و راجع: ص 213 و إعلام الورى ص 206 و راجع: ص 212.
4- مقاتل الطالبيين ص 10 و البرهان ج 4 ص 327 عنه.
5- راجع: أسد الغابة ج 5 ص 517 و الإصابة ج 4 ص 380 و راجع الإستيعاب بهامشها ج 4 ص 382 و تاريخ الخميس ج 1 ص 468 و الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ص 358.
و نضيف نحن إلى ذلك:

ما روي عن علي «عليه السلام» أنه قال: إنه أهدي إلى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» حلة استبرق، فقال: اجعلها خمرا بين الفواطم، فشققتها أربعة أخمرة، خمارا لفاطمة بنت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، و خمارا لفاطمة بنت أسد، و خمارا لفاطمة بنت حمزة، و لم يذكر الرابعة، قال ابن حجر «قلت» و لعلها امرأة عقيل الآتية(1).

التوازن و التكريم:

و قد تقدم: أنه «صلى اللّه عليه و آله» حينما أراد أن يقوم ببعض الأعمال، و يتخذ بعض المواقف تجاه فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام، يقول للمسلمين: «إذا رأيتموني قد فعلت شيئا لم أفعله قبل ذلك؛ فسلوني: لم فعلته»؟.

و نرى: أنه «صلى اللّه عليه و آله» يهدف من وراء ذلك إلى تركيز أمرين اثنين لهما أهمية فائقة:

أولهما: الإشارة إلى أن أهم شيء تقوم عليه التربية الإلهية لهذا الإنسان هو: إقرار حالة من التوازن بين ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان المسلم من لزوم التعبد و التسليم و الانقياد للّه و للرسول «صلى اللّه عليه و آله» و لكل ما هو شرع و دين، عملا بقوله تعالى: وَ مٰا آتٰاكُمُ اَلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا(2).

ص: 73


1- الإصابة ج 4 ص 481 و أسد الغابة ص 519.
2- الآية 7 من سورة الحشر.

و قوله تعالى: أَطِيعُوا اَللّٰهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ (1).

و الآيات الآمرة بهذه الإطاعة كثيرة.

و بين أن يبقى العقل و الفكر طليقا يمارس حقه الطبيعي في التأمل، و التدبير و الاستنتاج، و إصدار الأحكام، وفقا للمعايير الصحيحة و السليمة، التي يقبلها العقل و أقرها الشرع حتى إذا ما واجه هذا الإنسان أحيانا مشكلة على مستوى الفهم و النظر و التأمل، فإن عليه أن يبحث، و من حقه أن يسأل و يستوضح.

ذلك: أن التسليم و التعبد و الانقياد لا يتنافى مع هذا الفكر و العقل و الفهم، و الإدراك الوجداني. و إنما هو ملازم له، و بحاجة إليه في نظر الإسلام.

فالإسلام لا يريد لهذا الإنسان أن يعيش حالة الكبت و القهر، و سلب الاختيار ثم الجمود، ليكون - من ثم - آلة بلهاء، لا حياة فيها، و لا حركة.

و إنما يريده حرا، مختارا طليقا، يزخر بالحيوية، و يجيش بالحركة و التطلع و التوثب، يتفاعل مع ما يحيط به، و يعي ما يدور حوله، و يفهمه، و يعيشه بروحه، و عقله، و بوجدانه، و عاطفته، و بكل وجوده.

و ذلك من أجل أن يجد السبيل إلى أن يتكامل به و معه، و يستوعب خصائصه الإنسانية و لينسجم - من ثم - مع نفسه، و فكره، و مع وجدانه و فطرته.

و الإسلام يرى في الفكر و العقل، و في الفطرة أيضا خير نصير و معين له في مجال تحقيق أهدافه، حيث إن ذلك يسهم في تجلي عظمته، و يظهر مزاياه الفريدة، و خصائصه الكريمة و المجيدة.

ص: 74


1- الآية 59 من سورة النساء.

و قد اهتم القرآن و الحديث عن النبي «صلى اللّه عليه و آله» و عن المعصومين من أهل بيته الطاهرين «صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين» كثيرا في التركيز على الدور الطليعي و الرائد للعقل و للفكر، و للنظر و للتدبر، و ذم التقليد و الانقياد الأعمى، و لا نرى حاجة لإيراد الشواهد على ذلك؛ فإن ذلك أظهر من النار على المنار، و أجلى من الشمس في رابعة النهار.

و العبارة المتقدمة عنه «صلى اللّه عليه و آله» ليست إلا واحدا من الشواهد الكثيرة على اهتمام النبي «صلى اللّه عليه و آله» بإثارة دفائن العقول، و تحريكها نحو الفهم و الفكر، و التعقل و التدبر، ليصبح التعبد و الانقياد مرتكزا على أساسه القوي المتين، و مستندا إلى ركنه الشديد الوثيق.

و يشبه ما نقرؤه عن النبي «صلى اللّه عليه و آله» هنا ما نقرؤه عن سبطه و وصيه و وارثه الإمام الرضا «عليه السلام»، حينما سأله الحسين بن خالد عن نقش خاتم جده أمير المؤمنين علي «عليه السلام» فقال له: «و لم لم تسألني عما كان قبله»؟!

ثم يذكر له خواتيم الأنبياء السابقين «عليهم الصلاة و السلام»(1).

و في مورد آخر، نجد الأصبغ بن نباتة يروي عن علي أمير المؤمنين «عليه السلام»، أنه قال: «ما من شيء تطلبونه إلا و هو في القرآن؛ فمن أراد ذلك؛ فليسألني عنه»(2).

نعم، و قد أثرت هذه التربية الإلهية في شيعة أهل البيت «عليهم

ص: 75


1- راجع: نقش الخواتيم لدى الأئمة الاثني عشر ص 10 و 11 للمؤلف.
2- الكافي ج 2 ص 457 و الوسائل ج 18 ص 135.

السلام» و بلغت حدا فريدا من نوعه، حتى لنجد زرارة ذلك الرجل العالم التقي يواجه إمامه الإمام الباقر «عليه السلام» الذي يعتقد عصمته، و أن قوله قول رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» يواجهه بسؤال: «من أين علمت و قلت: إن المسح ببعض الرأس، و بعض الرجلين ؟ فضحك، ثم قال: يا زرارة، قاله رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، و نزل به الكتاب من اللّه (ثم يذكر له آية الوضوء و غير ذلك من استدلالات لا مجال لذكرها هنا)»(1).

و كتاب علل الشرايع للشيخ الصدوق لخير دليل على مدى اهتمامهم «عليهم السلام» بإيراد علل الأحكام للسائلين عنها، و تفهيمهم إياها بالصورة المقبولة و المعقولة، و ذلك لما أشرنا إليه.

أضف إلى ذلك: أنهم «عليهم السلام» كانوا يعلمون شيعتهم كيفية استنباط المعاني و الأحكام من أدلتها و مصادرها، و ذكر شواهد ذلك له مجال آخر(2).

ثانيهما: إنه «صلى اللّه عليه و آله» قد أراد بوصيته للمسلمين بسؤاله عما يفعل في هذه المناسبة أن يفهمهم، و كل من يصل إليه نبأ هذه الواقعة: أن الإسلام يحفظ للمحسن إحسانه، و لا يبخسه منه شيئا، حيث لا يضيع عند اللّه عمل عامل من ذكر أو أنثى.

و لكنه في حين يريد: أن يعلن أن هذه المرأة الصالحة قد أعطت و قدمت

ص: 76


1- علل الشرايع ص 279 و من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 103 و الإستبصار ج 1 ص 62، 63 و التهذيب ج 1 ص 61 و الكافي ج 1 ص 30 و الوسائل ج 1 ص 391 و ج 2 ص 980.
2- راجع: الكافي ج 1 ص 33 و التهذيب ج 1 ص 363 و الإستبصار ج 1 ص 77، 78 و أطائب الكلم في بيان صلة الرحم للكركي ص 20 و الوسائل ج 1 ص 327.

من التضحيات في سبيل اللّه سبحانه و تعالى ما يجعلها مؤهلة للتكريم و التقدير، و المعاملة المتميزة و على المستوى الأعلى، و بالذات من قبل أفضل الخلق، و خاتم الأنبياء محمد «صلى اللّه عليه و آله»،

إنه في حين يريد أن يعلن ذلك لسبب أو لآخر نجده يختار لهذا التكريم و التقدير، و لهذه المعاملة المتميزة اتجاها لم نعهده من غيره في مجالات كهذه على الإطلاق.

فلقد كان هذا التكريم لا يهدف إلى المكافأة الدنيوية، التي ليس فقط يكون مصيرها - كسائر حالات الدنيا و شؤونها - إلى الزوال و الفناء.

و إنما هي قد تضر بحال من تكون له أو لأجله، نفسيا و روحيا - على الأقل، حينما يأخذ العجب و الغرور، و الإحساس بالتميز بالنسبة لغيره من إخوانه و أقرانه - و أقل ما يقال في ذلك: إنه من الأدواء الخطيرة و المرعبة، و لا أخطر من ذلك و لا أدهى.

و إنما اتخذت تلك المكافأة و ذلك التكريم منحى أكثر واقعية، و أعظم نفعا، و أبعد عن مزالق الخطر، و مخاطر الأدواء، حيث ألبسها قميصه لتكسى من حلل الجنة، و اضطجع في قبرها لتهون عليها ضغطة القبر.

و هذا في الحقيقة هو محض الخير، و منتهى الإحسان، و غاية النعمة حيث تحس به الروح الإنسانية إحساسا حقيقيا و واقعيا، و عميقا، حينما يمكن للروح أن تتلقاه عن طريق العقل بكل ما له من شفافية و طهر و صفاء لم يتكدر صفاؤه، و لا تأثر طهره بأعراض الحياة الدنيا و زخارفها، و لا خفف من درجة الإحساس به حجب الشهوات و الأهواء، و لا الانصراف و لا الانشغال بشواغل و صوارف اللهو و اللعب. كما قال تعالى: اِعْلَمُوا أَنَّمَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا لَعِبٌ

ص: 77

وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفٰاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكٰاثُرٌ فِي اَلْأَمْوٰالِ وَ اَلْأَوْلاٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ اَلْكُفّٰارَ نَبٰاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرٰاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطٰاماً وَ فِي اَلْآخِرَةِ عَذٰابٌ شَدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اَللّٰهِ وَ رِضْوٰانٌ وَ مَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا إِلاّٰ مَتٰاعُ اَلْغُرُورِ (1) .

و ما ذلك إلا لأن الدار الأخرة هي التي يتاح للإنسان فيها: أن يعيشها بكل خصائصه الإنسانية، و بكامل قدراته الحياتية، و هي التي يجد الإنسان فيها حقيقته، و يدرك واقعه كإنسان، و كإنسان فقط.

وَ إِنَّ اَلدّٰارَ اَلْآخِرَةَ لَهِيَ اَلْحَيَوٰانُ لَوْ كٰانُوا يَعْلَمُونَ (2) .

4 - وفاة عمرة بنت مسعود (أم سعد):

و في السنة الخامسة في ربيع الأول منها، في غياب النبي «صلى اللّه عليه و آله» إلى غزوة دومة الجندل توفيت عمرة بنت مسعود، أم سعد بن عبادة، و كان ولدها سعد غائبا مع النبي «صلى اللّه عليه و آله» أيضا و كانت من المبايعات.

و قالوا: إنه لما رجع النبي «صلى اللّه عليه و آله» إلى المدينة أتى قبرها، فصلى عليها و ذلك بعد أشهر من موتها(3). و قد تقدم الحديث عن ذلك فلا نعيد.

5 - وفاة أبي سلمة:
اشارة

و يقال: إن أبا سلمة، عبد اللّه بن عبد الأسد المخزومي، ابن عمة

ص: 78


1- الآية 20 من سورة الحديد.
2- الآية 64 من سورة العنكبوت.
3- راجع: طبقات ابن سعد ج 8 ص 330 و 331 و الإصابة ج 4 ص 367 و تاريخ الخميس ج 1 ص 469 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 210.

رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» - لأن أمه هي: برة بنت عبد المطلب(1) - إن أبا سلمة هذا - قد توفي في السنة الرابعة كما سيأتي.

و كان قد أسلم «رحمه اللّه»، بعد عشرة أنفس، و كان الحادي عشر، قاله ابن إسحاق(2).

و كان قد شهد «بدرا، و أحدا، و جرح فيها، جرحه أبو أسامة الجشمي، رماه بمعبلة(3) في عضده؛ فمكث شهرا يداوي جرحه فبرئ فيما يرى، و قد اندمل الجرح على بغي لا يعرفه؛ فبعثه رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» على رأس خمسة و ثلاثين شهرا من الهجرة في سرية إلى بني أسد، بقطن، فغاب بضع عشرة ليلة، ثم قدم المدينة، فانتقض به الجرح، فاشتكى ثم مات لثلاث ليال بقين من جمادى الآخرة»(4).

ص: 79


1- راجع: أسد الغابة ج 3 ص 195 و الإصابة ج 2 ص 335 و الإستيعاب بهامشها ج 2 ص 338 و البداية و النهاية ج 4 ص 90 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 172 و ذخائر العقبى و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 209.
2- الإصابة ج 2 ص 335 و الإستيعاب بهامشها ج 2 ص 138، 338 و أسد الغابة ج 3 ص 196 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 209.
3- المعبلة بكسر الميم: نصل طويل عريض.
4- طبقات ابن سعد ج 3 قسم 1 ص 171 و راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 450 و تهذيب الأسماء و اللغات قسم اللغات ج 2 ص 240 و ذخائر العقبى ص 253، 254 و الإصابة ج 2 ص 335 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 174 و البداية و النهاية ج 4 ص 62 و 90 و راجع: تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 209.

و إذا.. فقد كانت وفاته في أوائل السنة الرابعة(1)، و نسب ذلك إلى الجمهور.

و قيل: توفي «رحمه اللّه» في سنة ثلاث، في جمادى الآخرة و نقل هذا عن أبي عمر أيضا(2).

و في نقل آخر عن أبي عمر، و ابن مندة: أنه توفي سنة اثنتين(3).

فيقع التنافي بين كلامي أبي عمر في نفس الكتاب.

و قد قدمنا في الجزء السادس: أن الأقرب هو أن النبي «صلى اللّه عليه و آله» قد تزوج بأم سلمة في السنة الثانية، و معنى ذلك أن زوجها الأول، و هو أبو سلمة كان قد مات قبل ذلك.

و ذلك يدل على: أن سرية قطن قد كانت في السنة الثانية أيضا.

و مهما يكن من أمر، فقد حضر النبي «صلى اللّه عليه و آله» موت أبي

ص: 80


1- راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 350 عن المنتقى، و المواهب اللدنية و أسد الغابة ج 3 ص 196 عن مصعب الزبيري و أنساب الأشراف ج 1 (سيرة النبي «صلى اللّه عليه و آله») ص 429 و البداية و النهاية ج 4 ص 90 و 62 و السيرة النبوية لابن كثيرة ج 3 ص 174 و 122 و المغازي للواقدي ج 1 ص 343 و الإصابة ج 2 ص 335 عن ابن سعد و أبي بكر، زنجويه، ثم قال: «.. و به قال الجمهور، كابن أبي خيثمة، و يعقوب بن سفيان، و ابن البرقي، و الطبري و آخرون».
2- أسد الغابة ج 3 ص 196 و تاريخ الخميس ج 1 ص 450 عن الصفوة، و الإصابة ج 2 ص 335 عن أبي عمر، و الإستيعاب بهامشه ج 4 ص 82 و ج 2 ص 338.
3- أسد الغابة ج 3 ص 196 و 197 و الإصابة ج 2 ص 335 و الإستيعاب بهامشه ج 4 ص 421 و 422 ذكر زواج النبي «صلى اللّه عليه و آله» بأم سلمة في شوال في السنة الثانية.

سلمة، و أغمضه بيده(1)، كان قد أتاه ليعوده، فصادف خروج نفسه(2) فضج ناس من أهله، فقال «صلى اللّه عليه و آله»: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمّنون.

ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، و ارفع درجته في المهديين، و اخلفه في عقبه في الغابرين، و اغفر لنا، و له يا رب العالمين(3).

«فغسل من (اليسيرة)، بثر بني أمية بن زيد بالعالية، و كان ينزل هناك حين تحول من قباء، غسل بين قرني البئر. و كان اسمها في الجاهلية «العبير» فسماها رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»: (اليسيرة) ثم حمل من بني أمية بن زيد، فدفن في المدينة»(4).

من حياة أبي سلمة:

و أخيرا.. فإنهم يقولون: إن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» كان قد آخى بين أبي سلمة و بين سعد بن خيثمة(5).

و لما أقطع رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» الدور في المدينة، جعل لأبي

ص: 81


1- طبقات ابن سعد ج 3 قسم 1 ص 172 و تاريخ الخميس ج 1 ص 450 و أسد الغابة ج 3 ص 196 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 209.
2- طبقات ابن سعد ج 3 قسم 1 ص 172.
3- أسد الغابة ج 3 ص 196 و راجع: ذخائر العقبى ص 254 و طبقات ابن سعد ج 3 قسم 1 ص 172.
4- طبقات ابن سعد ج 3 قسم 1 ص 172 و المغازي للواقدي ج 1 ص 343.
5- طبقات ابن سعد ج 3 قسم 1 ص 171.

سلمة موضع داره، عند دار بني عبد العزيز الزهريين اليوم، و كانت معه أم سلمة، فباعوه بعد ذلك، و تحولوا إلى بني كعب(1).

و استخلف رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أبا سلمة على المدينة، لما سار إلى غزوة العشيرة، سنة اثنتين من الهجرة(2).

و سيأتي حين الكلام على سرية قطن بعض ما يذكرونه عنه: أنه فعله في هذه السرية.

و رغم: أن الكثير مما تقدم يحتاج إلى بحث و تحقيق، و لكننا سوف نعتبره من الأمور التي لا نجد ضرورة ملحة لمعالجتها في الوقت الحاضر، و لأجل ذلك، فنحن نرجئ الحديث عنها إلى فرصة أخرى، و وقت آخر، و نكتفي بتسجيل ملاحظات يسيرة، رأينا في الاشارة إليها بعض الفائدة، أو هكذا خيل لنا، و الملاحظات هي التالية.

هجرة أبي سلمة إلى الحبشة و إلى المدينة:

و يقولون: إن أبا سلمة كان قد: «هاجر إلى الحبشة، و كان أول من هاجر إليها.

و قال ابن مندة: هو أول من هاجر بظعينته إلى الحبشة، و إلى المدينة»(3)فهو إذا قد كان الأول في الهجرتين معا.

و كان أبو سلمة قد التجأ - في أول الأمر - إلى خاله أبي طالب، شيخ

ص: 82


1- طبقات ابن سعد ج 3 قسم 1 ص 171.
2- أسد الغابة ج 3 ص 196 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 2 ص 338.
3- ذخائر العقبى ص 253 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 209 و ثمة مصادر كثيرة أخرى تقدمت طائفة منها في الجزء الثالث من هذا الكتاب.

الأبطح «رحمه اللّه» حينما اشتد البلاء على المسلمين؛ فمنعه أبو طالب، و رفض تسليمه إلى بني مخزوم(1) ثم كانت الهجرة إلى الحبشة، فكان أول من هاجر إليها.

و أما بالنسبة إلى هجرته إلى المدينة، فإنه حينما قدم من الحبشة إلى مكة و آذته قريش، و قد بلغه إسلام من أسلم من الأنصار، خرج إليها، و ذلك قبل بيعة العقبة(2).

و كان قدومه إلى المدينة لعشر خلون من المحرم، و نزل على مبشر بن عبد المنذر(3).

و مما تقدم يظهر: أن قولهم: إن عثمان كان أول من هاجر إلى الحبشة بأهله لا يصح؛ و لا أقل من أنه يصير محل شك و ريب، و قد ألمحنا إلى ذلك في الجزء الثالث من هذا الكتاب في فصل: الهجرة إلى الحبشة.

أبو سلمة في حنين (!!)

قال ابن مندة: شهد أبو سلمة بدرا، و أحدا، و حنينا و المشاهد و مات بالمدينة، لما رجع من بدر(4).

و نقول:

أولا: إن غزوة حنين قد كانت سنة ثمان، فمن مات بعد رجوعه من بدر،

ص: 83


1- أسد الغابة ج 3 ص 196.
2- ذخائر العقبى ص 253.
3- طبقات ابن سعد ج 3 قسم 1 ص 171.
4- أسد الغابة ج 3 ص 196 و 197.

التي كانت في شهر رمضان المبارك، في السنة الثانية كيف يشهد حرب حنين ؟!

ثانيا(1): قد تقدم أنه مات في السنة الرابعة على ما قاله الجمهور، أو في الثالثة، و نحن قد قوينا: أن وفاته كانت في الثانية، و نسب ذلك إلى أبي عمر، و لكن في كلام أبي عمر تناقض حسبما ألمحنا إليه.

نزول آية في أبي سلمة:

و يقولون: إن قوله تعالى: فَأَمّٰا مَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هٰاؤُمُ اِقْرَؤُا كِتٰابِيَهْ (2). قد نزل في أبي سلمة «رحمه اللّه» تعالى(3).

و لكن قد ورد أن هذه الآية قد نزلت في أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام، روي ذلك عن أبي جعفر الباقر، و أبي عبد اللّه الصادق، و ابن عباس، فراجع(4).

ص: 84


1- أشار إلى هذين الإيرادين على ابن مندة في أسد الغابة ج 3 ص 197.
2- الآية 19 من سورة الحاقة.
3- راجع: أسد الغابة ج 3 ص 196، و التبيان ج 10 ص 100 و فيه: أبو سلمة بن عبد الأسود، و روى ذلك عن الفراء، و الجامع لأحكام القرآن ج 18 ص 270، عن الضحاك، و مقاتل، و الإصابة ج 2 ص 335 عن الأوائل لابن أبي عاصم، عن ابن عباس.
4- تفسير البرهان ج 4 ص 377 و 378 و راجع: تفسير الميزان ج 19 ص 402.

الفصل الخامس: رجم اليهوديين حقيقة أم خيال ؟!

اشارة

ص: 85

ص: 86

اليهود و الرجم في القرآن (!!)

و يقولون: إن بعض الآيات القرآنية قد نزلت في مناسبة ترتبط باليهود، و موقفهم من الرجم في الزنى، و الآيات في سورة المائدة، و هي التالية:

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ لاٰ يَحْزُنْكَ اَلَّذِينَ يُسٰارِعُونَ فِي اَلْكُفْرِ مِنَ اَلَّذِينَ قٰالُوا آمَنّٰا بِأَفْوٰاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ اَلَّذِينَ هٰادُوا سَمّٰاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّٰاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ اَلْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوٰاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هٰذٰا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَ مَنْ يُرِدِ اَللّٰهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اَللّٰهِ شَيْئاً أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اَللّٰهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي اَلدُّنْيٰا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ * سَمّٰاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّٰالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جٰاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اَللّٰهَ يُحِبُّ اَلْمُقْسِطِينَ * وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَ عِنْدَهُمُ اَلتَّوْرٰاةُ فِيهٰا حُكْمُ اَللّٰهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذٰلِكَ وَ مٰا أُولٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * إِنّٰا أَنْزَلْنَا اَلتَّوْرٰاةَ فِيهٰا هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا اَلنَّبِيُّونَ اَلَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هٰادُوا وَ اَلرَّبّٰانِيُّونَ وَ اَلْأَحْبٰارُ بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتٰابِ اَللّٰهِ وَ كٰانُوا عَلَيْهِ شُهَدٰاءَ فَلاٰ تَخْشَوُا اَلنّٰاسَ وَ اِخْشَوْنِ وَ لاٰ تَشْتَرُوا بِآيٰاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْكٰافِرُونَ * وَ كَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا أَنَّ اَلنَّفْسَ

ص: 87

بِالنَّفْسِ وَ اَلْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ اَلْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ اَلْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ اَلسِّنَّ بِالسِّنِّ وَ اَلْجُرُوحَ قِصٰاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّٰارَةٌ لَهُ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلظّٰالِمُونَ (1) إلى آخر الآيات رقم 50.

و أما القصة التي يقال: إن الآيات نزلت من أجلها؛ فإن نصوصها شديدة الاختلاف، بينة التهافت، و نحن نذكر خلاصات عنها على النحو التالي.

نص الرواية:

ذكروا: أنه في ذي القعدة من السنة الرابعة رجم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» يهوديا و يهودية زنيا، و نزل في هذه المناسبة قوله تعالى: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْفٰاسِقُونَ (2).

و قيل: بل كان ذلك في شوال من السنة الرابعة(3).

و عن أبي هريرة: أن ذلك كان حين قدوم النبي «صلى اللّه عليه و آله» المدينة(4) و للرواية نصوص متعددة و مختلفة نذكر منها:

ص: 88


1- الآيات 41-45 من سورة المائدة.
2- تاريخ الخميس ج 1 ص 467 و راجع: عون المعبود ج 12 ص 131 عن القسطلاني، و شرح الموطأ للزرقاني ج 5 ص 80 و السيرة الحلبية ج 2 ص 117 أما الذهبي، فذكر ذلك في السنة الرابعة من دون تحديد الشهر فراجع: تاريخ الإسلام (المغازي) ص 210.
3- التنبيه و الإشراف ص 223.
4- نصب الراية ج 3 ص 326 و سنن أبي داود ج 4 ص 156 و عمدة القاري ج 18 147 و فتح الباري ج 12 ص 151 و 152.

1 - عن ابن عمر: إن اليهود أتوا النبي «صلى اللّه عليه و آله» برجل و امرأة منهم قد زنيا؛ فقال: ما تجدون في كتابكم ؟. «و حسب نص آخر عنه:

كيف تفعلون بمن زنى منكم ؟».

فقالوا: نسخّم وجوههما، و يخزيان..

و في نص آخر عنه: «نفضحهم، و يجلدون، و في نص ثالث أيضا:

نحممهما، و نضربهما»، فسألهم: إن كانوا يجدون الرجم في التوراة، فأنكروا.

فقال «صلى اللّه عليه و آله»: كذبتم، إن فيها الرجم؛ فأتوا بالتوراة؛ فاتلوها إن كنتم صادقين.

و في نص آخر: عن ابن عمر أيضا: «أن ابن سلام قال لهم ذلك».

فجاؤوا بالتوراة، و جاؤوا بقارئ لهم أعور، يقال له: ابن صوريا.

و في نص آخر عنه: «فدعا - أي النبي «صلى اللّه عليه و آله» - ابن صوريا».

فقرأ، حتى انتهى إلى موضع منها، وضع يده عليه؛ فقيل له: و في نص آخر «فقال له ابن سلام» ارفع يدك، فرفع يده، فإذا هي تلوح؛ فقال: أو قالوا: إن فيها الرجم، و لكنا كنا نتكاتمه بيننا، فأمر بهما رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» فرجما.

و في نص آخر عنه: «فرجمهما رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، بالبلاط».

و في نص ثالث عنه أيضا: «أنهما رجما قريبا من حيث توضع الجنائز في المسجد».

ص: 89

قال: فلقد رأيته يجانئ عليها، يقيها الحجارة بنفسه(1).

2 - و في نص آخر: إن اليهود دعوا رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» إلى القف(2)، فأتاهم في بيت المدارس فقالوا: يا أبا القاسم، إن رجلا منا زنى بامرأة فاحكم. فوضعوا للرسول «صلى اللّه عليه و آله» و سادة فجلس

ص: 90


1- راجع في النصوص المختلفة لرواية ابن عمر، المصادر التالية: منحة المعبود ج 1 ص 301 و مسند الطيالسي ص 253 و 254 و سنن ابن ماجة ج 2 ص 854 و مسند أحمد ج 2 ص 5 و أشار إلى ذلك بصورة مجملة أو مفصلة في ص 7 و 62 و 63 و 76 و 126 و 280 و ج 4 ص 355 و ج 5 ص 91 و 97 و 94 و 104 و راجع: المسند للحميدي ج 2 ص 306 و الجامع الصحيح ج 4 ص 43 و المنتقى ج 2 ص 706 و كنز العمال ج 5 ص 244 و 245 و عمدة القاري ج 24 ص 19 و 18 و ج 23 ص 294 و المصنف للصنعاني ج 7 ص 318 و 319 و جامع البيان ج 6 ص 103 و 163 و 152 و 156 و 157 و المغني ج 10 ص 129 و 130 و الشرح الكبير بهامشه ج 10 ص 162 و عون المعبود ج 12 ص 138-145 و السيرة الحلبية ج 2 ص 116 و 117 و الدر المنثور ج 2 ص 282 و نصب الراية ج 3 ص 326 عن الستة و عن ابن حبان في صحيحه و صحيح البخاري ج 4 ص 117 و راجع ص 114 و ج 3 ص 74 و تاريخ الخميس ج 1 ص 467 و سنن الدارمي ج 2 ص 178 و 179 و السنن الكبرى ج 8 ص 246 و تفسير القرآن العظيم ج 2 ص 58 و راجع: فتح الباري ج 12 ص 114 و 115 و 148-153 و الموطأ المطبوع مع تنوير الحوالك ج 3 ص 38 و سنن أبي داود ج 4 ص 153 و راجع: صحيح مسلم ج 5 ص 122 و أعلام الموقعين ج 4 ص 467 و 368 و فتح القدير ج 2 ص 44 و تفسير الخازن ج 1 ص 464 و في ظلال القرآن ج 2 ص 894.
2- القف - بالضم -: اسم واد بالمدينة. و في بعض المصادر: الأسقف: بدل القف.

عليها، ثم قال: ائتوني بالتوراة.

فأتي بها.

فنزع الوسادة من تحته، فوضع التوراة عليها، ثم قال: آمنت بك، و بمن أنزلك.

ثم قال: ائتوني بأعلمكم.

فأتي بفتى شاب.

ثم ذكر قصة الرجم(1).

3 - في نص آخر: عن البراء بن عازب قال: مر النبي «صلى اللّه عليه و آله» بيهودي محمم مجلود(2) فدعاهم؛ فقال: هكذا تجدون في كتابكم حد الزاني ؟

قالوا: نعم.

فدعا رجلا من علمائهم فقال: أنشدك باللّه الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزنى ؟

قال: لا، و لو لا أنك نشدتني لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، و لكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، و إذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحد.

ثم تذكر الرواية اختيارهم هذا الحل.

ص: 91


1- سنن أبي داود ج 4 ص 155 و تفسير القرآن العظيم ج 2 ص 58، و الجامع لأحكام القرآن ج 6 ص 178 و عمدة القاري ج 23 ص 294 و فتح الباري ج 12 ص 149.
2- محمم، أي مسود الوجه بالحمم، و هو ما أحرق من خشب و نحوه.

إلى أن تقول الرواية: و أمر به فرجم فأنزل اللّه: يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ لاٰ يَحْزُنْكَ اَلَّذِينَ يُسٰارِعُونَ فِي اَلْكُفْرِ.. إلى قوله: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هٰذٰا فَخُذُوهُ إلى قوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْكٰافِرُونَ .

قال: في اليهود، إلى قوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلظّٰالِمُونَ .

قال: في اليهود و إلى قوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْفٰاسِقُونَ ..(1).

4 - و في رواية عن جابر: جاءت اليهود برجل منهم و امرأة زنيا؛ فقال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»: ائتوني بأعلم رجلين فيكم؛ فأتوه بابني صوريا.

ثم تذكر الرواية مناشدته «صلى اللّه عليه و آله» لهما، و إقرارهما بالرجم في التوراة، إذا شهد أربعة أنهم نظروا إليه مثل الميل في المكحلة.

ص: 92


1- راجع الآيات 40 إلى 47 من سورة المائدة. و راجع في الحديث: سنن البيهقي ج 8 ص 246 و سنن ابن ماجة ج 2 ص 855 و النص لهما و صحيح مسلم ج 5 ص 122 و 123 و سنن أبي داود ج 4 ص 154 و المنتقى من أخبار المصطفى ج 2 ص 706 و 707 و مسند أحمد ج 4 ص 286 و جامع البيان للطبري ج 6 ص 150 و 164. و راجع: تفسير النيسابوري بهامشه ج 6 ص 141 و تفسير القرآن ج 2 ص 59 و الدر المنثور ج 2 ص 282 و 285 عن أحمد و مسلم و ابن داود و النسائي، و النحاس في ناسخه و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبي الشيخ، و ابن مردويه و الجامع لأحكام القرآن ج 6 ص 177 و راجع: فتح الباري ج 12 ص 150.

إلى أن قالت الرواية: فدعا رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» بالشهود فجاء أربعة فشهدوا، فأمر برجمهما(1).

5 - و في نص آخر، عن الإمام الباقر «عليه السلام» ما ملخصه: أن المرأة كانت من خيبر، و كانت ذات شرف، زنت مع آخر من أشرافهم، و كانا محصنين، فكرهوا رجمهما؛ فأرسلوا إلى يهود المدينة ليسألوا النبي «صلى اللّه عليه و آله» طمعا في أن يأتيهم برخصة؛ فانطلق قوم منهم كعب بن الأشرف، و كعب بن أسيد بن عمرو، و شعبة و مالك بن الصيف، و كنانة بن أبي الحقيق، و غيرهم، فسألوه، فنزل جبرئيل بالرجم، فأخبرهم، فأبوا، فقال له جبرئيل: اجعل بينك و بينهم ابن صوريا. و هو شاب أمرد أبيض أعور يسكن بفدك، فناشده «صلى اللّه عليه و آله» أن يخبره عن الرجم في التوراة، فاعترف به، إذا شهد أربعة شهداء بالرؤية المباشرة، ثم كان سؤال و جواب.

ثم أمر النبي «صلى اللّه عليه و آله» بهما فرجما عند باب مسجده.

فأنزل اللّه: يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ قَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولُنٰا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّٰا كُنْتُمْ

ص: 93


1- راجع: مجمع الزوائد ج 6 ص 271 و 272 و كشف الأستار ج 2 ص 219 و سنن أبي داود ج 4 ص 156 و تفسير الخازن ج 1 ص 464 و تفسير القرآن العظيم ج 2 ص 59 و الدر المنثور ج 2 ص 282 و 283 عن ابن جرير، و ابن أبي حاتم و أبي الشيخ، و ابن المنذر و الحميدي في مسنده، و أبي داود و ابن ماجة، و ابن مردويه و تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج 6 ص 177 و فتح الباري ج 12 ص 150.

تُخْفُونَ مِنَ اَلْكِتٰابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (1) .

ثم تذكر الرواية طلب ابن صوريا من النبي «صلى اللّه عليه و آله» أن لا يذكر الكثير الذي عفا عنه في الآية، فاستجاب لطلبهم، ثم سأله ابن صوريا بعض الأسئلة، ثم أسلم، فوقعت فيه اليهود، و شتموه، فلما أرادوا أن ينهضوا تعلقت بنو قريظة ببني النضير.

ثم تذكر الرواية ما سيأتي من قضية القود و الدية و التحميم و التجبيه عند قتل واحد من هذه القبيلة أو تلك، فانتظر(2).

6 - و عن ابن عباس: أن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أمر برجمهما عند باب المسجد؛ فلما وجد اليهودي مس الحجارة أقام على صاحبته، فحنى عليها يقيها الحجارة حتى قتلا جميعا؛ فكان مما صنع اللّه لرسوله «صلى اللّه عليه و آله» في تحقيق الزنى منهما.

و عند الطبراني: أن النبي «صلى اللّه عليه و آله» أتي بيهودي و يهودية قد

ص: 94


1- الآية 15 من سورة المائدة.
2- راجع: تفسير البرهان ج 1 ص 472 و 473 و تفسير نور الثقلين ج 1 ص 522 و مجمع البيان ج 3 ص 193 و روي عن غيره نظيره فراجع: تفسير الخازن ج 1 ص 463 و 464 و السيرة الحلبية ج 2 ص 116 و 117 و 118. و راجع: شرح الموطأ للزرقاني ج 5 ص 80 و 83 و التفسير الكبير ج 11 ص 232 و 233 و فتح القدير ج 2 ص 23 و تفسير النسفي بهامش الخازن ج 1 ص 465 و تفسير الطبري ج 6 ص 103 و 104 و 157 و تفسير النيسابوري بهامشه ج 6 ص 142 و تفسير التبيان ج 3 ص 520.

أحصنا، فسألوه أن يحكم بينهما بالرجم، فرجمهما في فناء المسجد(1).

7 - و في نص آخر عنه: أن رهطا أتوا النبي «صلى اللّه عليه و آله»، جاؤوا معهم بامرأة، فقالوا: يا محمد، ما أنزل عليك بالزنى ؟

فقال: اذهبوا فائتوني برجلين من علماء بني إسرائيل، فذهبوا فأتوه برجلين أحدهما شاب فصيح، و الآخر شيخ قد سقط حاجبه على عينيه، حتى يرفعهما بعصابة، فناشدهما أن يخبراه بما أنزل اللّه على موسى في الزاني، فأخبراه بنزول الرجم..

إلى أن تقول الرواية:

فقال: اذهبوا بصاحبتكم؛ فإذا وضعت ما في بطنها فارجموها(2).

8 - و عن أبي هريرة رواية طويلة مفصلة، و ملخصها: أن يهوديين زنيا، فقرر علماؤهم رفع أمرهما إلى الرسول «صلى اللّه عليه و آله»، فإن حكم بالرجم كما في التوراة خالفوه، كما لم يزالوا يخالفونها في ذلك، و إن حكم بما هو أخف من ذلك أخذوا به، و اعتذروا إلى اللّه بأنهم عملوا بفتيا نبي من أنبيائه.

فأتوه إلى المسجد، فسألوه؛ فلم يجبهم، بل قام و معه بعض المسلمين حتى أتى مدارس اليهود، و هم يدرسون التوراة، فقام «صلى اللّه عليه و آله» على الباب، و ناشدهم أن يخبروه بحكم التوراة في الزاني المحصن قالوا:

ص: 95


1- مجمع الزوائد ج 6 ص 271 عن أحمد و الطبراني و مسند أحمد ج 1 ص 261 و راجع: فتح الباري ج 12 ص 151.
2- راجع: مجمع الزوائد ج 6 ص 271 عن الطبراني و راجع تفسير جامع البيان للطبري ج 6 ص 153 و راجع الدر المنثور ج 2 ص 282 عن ابن جرير، و الطبري، و ابن مردويه، و راجع فتح الباري ج 12 ص 149.

يحمم و يجبّه (و التحميم تسويد الوجه، و التجبيه: أن يحمل الزانيان على حمار و يقابل أقفيتهما، و يطاف بهما).

و سكت حبرهم الشاب. ثم اعترف للنبي بالرجم في التوراة، ثم أمر النبي «صلى اللّه عليه و آله» برجمهما.

«فبلغنا: أن هذه الآية أنزلت فيه: إِنّٰا أَنْزَلْنَا اَلتَّوْرٰاةَ فِيهٰا هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا اَلنَّبِيُّونَ اَلَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هٰادُوا(1) و كان النبي «صلى اللّه عليه و آله» منهم(2).

9 - و في رواية أخرى عنه، جاء في آخرها: فخير في ذلك، قال: فَإِنْ جٰاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ (3).

ص: 96


1- الآية 44 من سورة المائدة.
2- الآية 41 من سورة المائدة. راجع: كنز العمال ج 5 ص 245-247 و المصنف ج 7 ص 316-318 و ليراجع: سنن أبي داود ج 4 ص 155 و 156 و أعلام الموقعين ج 4 ص 368 و فتح القدير ج 2 ص 43 و عن عبد الرزاق و أحمد، و عبد بن حميد و أبي داود و ابن جرير و ابن أبي حاتم و البيهقي في الدلائل و السنن و ابن إسحاق و ابن المنذر و تفسير الطبري ج 6 ص 151 و 161. و راجع: شرح الموطأ للزرقاني ج 5 ص 81 و تفسير ابن كثير ج 2 ص 58 و 59 و الدر المنثور ج 2 ص 282 عن عبد الرزاق و أحمد و عبد بن حميد و أبي داود، و ابن جرير، و ابن أبي حاتم، و البيهقي في الدلائل و تفسير القرطبي ج 6 ص 178 و راجع: فتح الباري ج 12 ص 148.
3- راجع: كنز العمال ج 5 ص 245-247 و المصنف ج 7 ص 316-318 و ليراجع سنن أبي داود ج 4 ص 155 و 156 و أعلام الموقعين ج 4 ص 368 و فتح القدير ج 2 ص 43 عن عبد الرزاق و أحمد و عبد بن حميد و أبي داود و ابن جرير و ابن أبي حاتم و البيهقي في الدلائل و السنن و ابن إسحاق و ابن المنذر و تفسير الطبري ج 6 ص 151 و 161 و راجع: شرح الموطأ للزرقاني ج 5 ص 81 و تفسير ابن كثير ج 2 ص 58 و 59 و الدر المنثور ج 2 ص 282 عن عبد الرزاق و أحمد، و عبد بن حميد، و أبي داود، و ابن جرير، و ابن أبي حاتم، و البيهقي في الدلائل و تفسير القرطبي ج 6 ص 178 و راجع: فتح الباري ج 12 ص 156.

10 - و عند البيهقي عنه: أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدارس حين قدم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» المدينة، و قد زنى منهم رجل بعد إحصانه بامرأة من اليهود قد أحصنت، فقالوا: انطلقوا بهذا الرجل و بهذه المرأة إلى محمد «صلى اللّه عليه و آله» فسلوه كيف الحكم فيهما و ولوه الحكم عليهما، فإن عمل بعملكم فيهما من التجبيه..

إلى أن قال: فاتبعوه و صدقوه، فإنما هو ملك، و إن هو حكم فيهما بالرجم فاحذروا على ما في أيديكم أن يسلبكموه.

إلى أن تقول الرواية: إنه طلب من اليهود أن يخرجوا إليه أعلمهم؛ فأخرجوا له ابن صوريا الأعور.

و قد روى بعض بني قريظة: أنهم أخرجوا إليه مع ابن صوريا أبا ياسر بن أخطب، و وهب بن يهوذا، فقالوا: هؤلاء علماؤنا.

إلى أن تقول الرواية: قالوا لابن صوريا: هذا أعلم من بقي بالتوراة؛ فخلا به رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و كان غلاما شابا، من أحدثهم سنا فألظ به المسألة رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله».

ثم تذكر الرواية: «مناشدة النبي «صلى اللّه عليه و آله» له، و اعترافه بأن

ص: 97

التوراة جاءت بالرجم، فخرج «صلى اللّه عليه و آله» و أمر بهما، فرجما عند باب مسجده في بني غنم بن مالك بن النجار، ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا، فأنزل اللّه:

يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ لاٰ يَحْزُنْكَ اَلَّذِينَ يُسٰارِعُونَ فِي اَلْكُفْرِ.. إلى قوله:

سَمّٰاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ .. يعني الذين لم يأتوه و بعثوا و تخلفوا أو أمروهم بما أمروهم به من تحريف الكلم عن مواضعه، قال:

يُحَرِّفُونَ اَلْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوٰاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هٰذٰا فَخُذُوهُ - «للتجبيه» - وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ - «أي الرجم» - فَاحْذَرُوا..(1)»(2).

هذا.. و قد صحح القرطبي نزول الآيات بهذه المناسبة(3) و هو ما اعتمده كثير من المفسرين.

و لكن نصا آخر ذكر أنهم سألوا النبي «صلى اللّه عليه و آله» فأفتاهم بالرجم فأنكروه؛ فناشد أحبارهم فكتموا حكم الرجم إلا رجلا من أصاغرهم أعور، فقال: كذبوك يا رسول اللّه، إنه في التوراة(4).

ص: 98


1- الآيات 41 و 43 من سورة المائدة.
2- راجع: السنن الكبرى ج 8 ص 246 و 247، و تفسير جامع البيان ج 6 ص 150 و السيرة الحلبية ج 2 ص 117 و الدر المنثور ج 2 عن 281 عن ابن إسحاق، و ابن جرير، و ابن المنذر، و البيهقي و راجع: فتح الباري ج 12 ص 150 و راجع في النصوص المتقدمة: عمدة القاري ج 23 و ج 24 و فتح الباري ج 12 ص 148 - 155 و إرشاد الساري، و غير ذلك.
3- الجامع لأحكام القرآن ج 6 ص 176.
4- فتح الباري ج 12 ص 150.

11 - و أخيرا.. فقد نقل ابن العربي، عن الطبري، و الثعلبي عن المفسرين، قالوا: انطلق قوم من قريظة و النضير، منهم كعب بن الأشرف، و كعب بن أسد، و سعيد بن عمرو، و مالك بن الصيف، و كنانة بن أبي الحقيق، و شاس بن قيس، و يوسف بن عازوراء، فسألوا النبي «صلى اللّه عليه و آله»، و كان رجل و امرأة من أشراف أهل خيبر زنيا، و اسم المرأة «بسرة» و كانت خيبر حينئذ حربا؛ فقال لهم: اسألوه، فنزل جبرئيل على النبي «صلى اللّه عليه و آله»؛ فقال: اجعل بينك و بينهم ابن صوريا الخ..(1).

مناقشة النص:

و بعد ما تقدم: فإننا نسجل على الروايات المتقدمة المؤاخذات التالية:

1 - إن مقارنة سريعة فيما بين هاتيك النصوص كافية للتدليل على مدى ما بينها من اختلاف و تناقض ظاهر و صريح حتى في روايات الراوي الواحد؛ حتى إنك لا تكاد تجد فقرة إلا و ثمة ما ينافرها و يناقضها، الأمر الذي لا يدع مجالا للشك بأن التصرف و التغيير لم يكن عفويا، و إنما ثمة تعمد للتصرف و التزوير في هذه القضية.

فلا يمكن أن تكون الحقيقة هي كل ما تقدم على الإطلاق.

و لئن استطاعت بعض التمحلات للجمع - و بعضها ظاهر السخف و التفاهة - التخفيف من حدة التنافي في بعض الموارد؛ فإن ذلك إنما يأتي في

ص: 99


1- فتح الباري ج 12 ص 148 و تسمية المرأة ب «بسرة» ذكره السهيلي و غيره أيضا فراجع: عمدة القاري ج 18 ص 147 و عون المعبود ج 12 ص 131 و كذا في جامع البيان للطبري أيضا.

موارد محدودة، و تبقى عشرات الموارد الأخرى على حالها من الاختلاف و التنافر.

2 - ذكرت بعض الروايات نزول قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ لاٰ يَحْزُنْكَ اَلَّذِينَ يُسٰارِعُونَ فِي اَلْكُفْرِ مِنَ اَلَّذِينَ قٰالُوا آمَنّٰا بِأَفْوٰاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ اَلَّذِينَ هٰادُوا سَمّٰاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّٰاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ..(1).

في ابن صوريا الذي أسلم، ثم كفر بعد ذلك، أو في طائفة اليهود التي قامت بهذه اللعبة.

و تقول: إن ذلك لا يمكن أن يصح؛ فإنه عدا عن أن سورة المائدة قد نزلت قبيل وفاة الرسول «صلى اللّه عليه و آله»، فإن هاتين الآيتين لا تنطبقان على المورد، و ذلك لأن مفادهما وجود فريقين:

أحدهما: يسارع في الكفر، و يظهر الإيمان و يبطن الكفر.

و الثاني: فريق يهودي سماع للكذب، سماع لقوم آخرين.

و يظهر أن الفريق الأول ليس من طائفة اليهود، و إنما هو من المنافقين بقرينة التنصيص على كون الفريق الثاني كان يهوديا، المشعر بأن الفريق الأول لم يكن من طائفة اليهود.

مع أن الرواية التي تذكر نزول الآيتين في ابن صوريا أو في طائفة اليهود تجعل الفريقين واحدا، و هو خلاف ظاهر الايتين.

3 - قد جاء في رواية ابن عباس: أن اليهودي لما وجد مس الحجارة،

ص: 100


1- الآيات 41-43 من سورة المائدة.

«حتى على صاحبته يقيها الحجارة، حتى قتلا جميعا، فكان مما صنع اللّه لرسوله «صلى اللّه عليه و آله» في تحقيق الزنى منهما».

لم نفهم كيف يكون حنوّه عليها ليقيها الحجارة دليلا على تحقيق الزنى منهما؛ فإن الإنسان قد يعطف حتى على الحيوان، فضلا عن الإنسان. فلا يمكن أن يكون حنوه عليها و لا على غيرها دليلا على شيء من هذا القبيل.

4 - لقد نصت رواية أبي هريرة على أنهم يعتذرون إلى اللّه سبحانه عن ترك الرجم بأنهم قد عملوا بفتيا نبي من أنبيائه (يعني محمدا «صلى اللّه عليه و آله»).

و معنى ذلك هو: أنهم يعتقدون بنبوّته «صلى اللّه عليه و آله» فلا يكونون من اليهود.

لكن نصا آخر عن أبي هريرة نفسه يقول: إنه إن أفتى بغير الرجم، فإنه يكون ملكا، و إن أفتى بالرجم، فاحذروا على ما في أيديكم أن يسلبكموه.

فنبوّته إذا توجد لهم الحذر من أن يسلبهم ما في أيديهم، و ليس ثمة اعتذار منهم إلى اللّه سبحانه و إن أفتاهم بغير الرجم، فذلك دليل على كونه ملكا.

و معنى ذلك هو ترددهم في نبوته و عدمها، و ذلك بعكس النص السابق.

5 - إن الآيات التي في سورة المائدة، و التي يدّعى نزولها في هذه المناسبة و هي الآيات 41-50 لم تتعرض لحكم التوراة في الزنى أصلا، و إنما تعرضت بالتفصيل لأحكام القتل و الجروح و نحوها. مع أنها لو كانت نازلة في هذه المناسبة فإن المفروض هو أن تبين حكم الواقعة المختلف فيها

ص: 101

و التي أوجبت نزولها، و الذي يلاحظ الآيات المذكورة؛ فإنه يجدها مترابطة و منسجمة مع بعضها البعض، و يدرك: أنها نزلت في واقعة واحدة، لا أن كل واحدة منها نزلت في واقعة تختلف عن الواقعة التي نزلت فيها الآية الأخرى.

6 - إن بعض الروايات تفيد: أنه «صلى اللّه عليه و آله» هو الذي عرض نفسه للحكم في هذه المسألة، حينما رآهم يجرون أحكام دينهم على الزانيين، فتدخل هو نفسه متبرعا، و انجر الأمر إلى الحكم بالرجم.

مع أن الآيات المذكورة تقول: فَإِنْ جٰاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ..(1).

إذا، فحكمه «صلى اللّه عليه و آله» بينهم معلق على مجيئهم إليه، و ترافعهم فَإِنْ جٰاؤُكَ فَاحْكُمْ ...

أضف إلى ذلك: أن الآية تقول: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ الظاهر بحدوث خلاف بين المترافعين و المتنازعين يحتاج إلى الحكم، و فصل الخصومة فيه، و ليس في النصوص المتقدمة ما يشير إلى حدوث خلاف في أمر الزانيين المرجومين، بل في بعضها تلويح، بل تصريح بعدمه.

7 - و يلاحظ على بعض الروايات أيضا: محاولة إظهار تعظيم النبي «صلى اللّه عليه و آله» للتوراة، التي كانت لديهم، و إيمانه «صلى اللّه عليه و آله» بما جاء فيها.

ص: 102


1- الآية 42 من سورة المائدة.

و هذا هو ما دعا البعض إلى القول بأن التوراة لم تتعرض للتحريف، حيث استدل بالروايات المتقدمة على ذلك(1).

و لعل مما يزيد في تأكيد ذلك و تثبيته قولهم بنزول آية: إِنّٰا أَنْزَلْنَا اَلتَّوْرٰاةَ فِيهٰا هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا اَلنَّبِيُّونَ اَلَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هٰادُوا(2) في هذه المناسبة.

على أساس أن مراد الآية - و الحالة هذه - بالتوراة التي لها هذه المواصفات: هو نفس هذه التوراة التي عظمها رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، و قرأها ابن صوريا، و عليه فإن التوراة التي كانت بحوزة اليهود كانت سليمة عن التحريف، بنص الآية الشريفة.

مع أن تحريف التوراة كالنار على المنار، و كالشمس في رابعة النهار.

و قد حاول العسقلاني دفع هذه الغائلة بطرح فكرة: أن المراد: أنه «صلى اللّه عليه و آله» مؤمن بما جاء في أصل التوراة، لا بهذه التوراة المحرفة(3).

و هو تمحل ظاهر؛ فإنه «صلى اللّه عليه و آله» إنما خاطب بكلامه هذا خصوص التوراة الموضوعة أمامه.

و احتمال أن تكون خصوص تلك النسخة غير محرفة، دون غيرها(4)يدفعه: أن من غير المعقول أن يأتوه بالتوراة الصحيحة، لأجل التحاكم إليها، و ليس من الممكن لهم تسجيل إدانة ضدهم، بأنهم يتعاملون بتوراتين:

ص: 103


1- راجع: فتح الباري ج 12 ص 153.
2- الآية 44 من سورة المائدة.
3- راجع: فتح الباري ج 12 ص 153.
4- راجع: فتح الباري ج 12 ص 153.

إحداهما محرفة، و الأخرى صحيحة!!

8 - و حين قال البعض: إن حكم الرجم لم يكن مشرعا في الإسلام، فإنه ادّعى أنه «صلى اللّه عليه و آله» إنما رجمهما بحكم التوراة، فإنه «صلى اللّه عليه و آله» كان أول قدومه إلى المدينة مأمورا باتباع التوراة و العمل بها حتى يأتي ناسخ، ثم نسخ حكم التوراة بالرجم بعد ذلك(1).

و أجابوا عن ذلك: بأن اليهود إنما جاؤوا يسألون النبي «صلى اللّه عليه و آله» عن الحكم الذي عنده، و قد قال سبحانه: وَ أَنِ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ وَ لاٰ تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ ..(2).

فمراجعته للتوراة إنما كانت من أجل أن يثبت لليهود أن حكم التوراة لا يخالف حكم القرآن(3).

هذا كله، عدا عن الأحاديث التي أشرنا إليها في عدة مواضع، من أنه «صلى اللّه عليه و آله» كان يخالف اليهود في كل مورد، حتى قالوا: «إن محمدا يريد أن لا يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه»(4).

9 - و أما أنه «صلى اللّه عليه و آله» قد رجم اليهوديين في أول قدومه المدينة، أو في السنة الرابعة، و يؤيد الأول ذكر كعب بن الأشرف في عدد من النصوص،

ص: 104


1- فتح الباري ج 12 ص 151 و راجع المصادر الآتية في الهامش التالي أيضا.
2- الآية 49 من سورة المائدة.
3- فتح الباري ج 12 ص 152 و راجع: المغني لابن قدامة ج 10 ص 130 و الشرح الكبير بهامشه ج 10 ص 162 و 163، و راجع أيضا: عون المعبود ج 12 ص 133.
4- قد تحدثنا عن إصرار النبي «صلى اللّه عليه و آله» على مخالفة اليهود في الجزء الخامس من هذا الكتاب فراجع.

مع أن كعبا قد قتل قبل السنة الرابعة بمدة طويلة، أما ذلك فيرد عليه:

ألف: إنهم يقولون: إن عبد اللّه بن الحرث بن جزء قد حضر ذلك، و عبد اللّه إنما قدم المدينة مسلما بعد فتح مكة.

ب: إنه يظهر من حديث ابن عباس: أنه هو أيضا قد شاهد ذلك، و ابن عباس إنما قدم المدينة مع أبيه بعد فتح مكة أيضا.

ج: إن الآيات التي يدّعى نزولها في هذه المناسبة قد جاءت في سورة المائدة، النازلة في أواخر أيام حياته «صلى اللّه عليه و آله»، و قد نزلت دفعة واحدة، كما سنشير إليه إن شاء اللّه تعالى.

د: قال العيني: «و قد وقع الدليل على أن الرجم وقع بعد سورة النور، لأن نزولها كان في قصة الإفك، و اختلف هل كان سنة أربع، أو خمس، أو ست، و الرجم كان بعد ذلك، و قد حضره أبو هريرة، و إنما أسلم سنة سبع»(1).

و بعد ما تقدم، فكيف يكون رجم اليهوديين في السنة الرابعة، أو في أول الهجرة ؟!

10 - و ترد هنا الأسئلة التالية:

لماذا عرف المؤرخون اسم المرأة المرجومة و لم يعرفوا اسم الرجل ؟!(2)

و لماذا تعلقت بنو قريظة ببني النضير حينما حكم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» بالرجم ؟

ص: 105


1- عمدة القاري ج 23 ص 291.
2- راجع: عون المعبود ج 12 ص 131.

و لماذا يستفتي اليهود النبي «صلى اللّه عليه و آله» حينما كرهوا رجم صاحبيهما؟

و كيف ذكرت رواية الإمام الباقر «عليه السلام» التحميم و التجبيه عند القتل، لا عند الزنى ؟ ثم إننا لم نفهم المراد من كونه كان يجانئ (أي ينحني) على المرأة، يقيها الحجارة بنفسه، فهل كانا في حفرة واحدة ؟!

أضف إلى ذلك: أن الرواية عن الإمام الباقر «عليه السلام» تفيد: أن الرجم كان معمولا به عند اليهود حتى ذلك الوقت، حيث تقول: إن اليهود كرهوا رجم صاحبيهما، و لذلك استفتوا النبي «صلى اللّه عليه و آله».

11 - إن نزول الآيات المتقدمة في أول البحث: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ ، و غير ذلك من آيات تقدمت، غير معقول، و ذلك للأمور التالية:

ألف: لأن هذه الآيات في سورة المائدة: 41-47 و سورة المائدة كانت من آخر ما نزل؛ فلا يعقل أن يحتفظ بهذه الآيات من أول الهجرة إلى قبيل وفاته «صلى اللّه عليه و آله»، ثم تنزل سورة المائدة، فيجعلها فيها(1).

ب: أضف إلى ذلك أنهم يقولون: إن سورة المائدة قد نزلت كلها، دفعة واحدة؛ فراجع(2).

ص: 106


1- راجع: الدر المنثور ج 2 ص 252 عن أحمد، و أبي عبيد في فضائله، و النحاس في ناسخه، و النسائي، و ابن المنذر، و الحاكم، و صححه، و ابن مردويه، و البيهقي في سننه، و الترمذي، و حسنه، و سعيد بن منصور، و ابن جرير.
2- الدر المنثور ج 2 ص 252 عمن تقدم، حيث صرحوا بتاريخ نزول السورة، و صرح بأنها نزلت دفعة واحدة كل من: أحمد، و عبد بن حميد، و الطبراني، و ابن جرير، و محمد بن نصر في الصلاة، و أبي نعيم في الدلائل، و البيهقي في شعب الإيمان.

ج: إنهم قد ذكروا سببا آخر لنزول الآيات في بني النضير و بني قريظة و هو: أن بني النضير كانوا أكثر مالا، و أحسن حالا من بني قريظة، و كانوا حلفاء لابن أبي، و كان من يقتل منهم لا يرضون من بني قريظة بالقود، بل يلزمونهم بالدية و بالقود من القاتل معا.

أما لو قتل نضيري قريظيا؛ فإن القاتل يحمم و يجبه، و يدفع نصف الدية، و لا يقاد به، و كتبوا بذلك كتابا في الجاهلية، فلما هاجر «صلى اللّه عليه و آله» إلى المدينة، و ضعف أمر اليهود قتل قريظي نضيريا فطالبوهم بالدية و القود، فأبوا و طلبوا أن يحكم «صلى اللّه عليه و آله» بالأمر فطلب بنو النضير من حليفهم ابن أبي: أن يقنع النبي «صلى اللّه عليه و آله» بعدم نقض الشرط الذي بينهم و بين القريظيين، و قال لهم ابن أبي: إن حكم بنقض الشرط فلا تطيعوه في ذلك، فنزلت الآيات: يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ لاٰ يَحْزُنْكَ اَلَّذِينَ يُسٰارِعُونَ فِي اَلْكُفْرِ... إلى قوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْكٰافِرُونَ .

بل في بعض النصوص: أن الحرب كادت تقع بينهما، ثم ارتضوا بالنبي «صلى اللّه عليه و آله»(1).

ص: 107


1- إنتهى ملخصا عن: البرهان ج 1 ص 472 و ص 473 و 478 و تفسير نور الثقلين ج 1 ص 523 و 524 و عون المعبود ج 12، ص 136 و الدر المنثور ج 2 ص 281 و 283 و 284 و 285 و 287 و 288 و 290 عن أحمد، و أبي داود، و ابن المنذر، و الطبراني، و أبي الشيخ، و ابن مردويه و عبد بن حميد، و ابن إسحاق، و ابن أبي شيبة، و الحاكم و صححه، و ابن أبي حاتم، و البيهقي في سننه و فتح القدير ج 2 ص 43 و 44 و تفسير القرطبي ج 6 ص 176 و 187 و 191 و تفسير ابن كثير ج 2 ص 58 و 60 و 61 و تفسير القمي ج 1 ص 168 و 169 و تفسير التبيان ج 3 ص 521 و 524 و 525 و 518 و التفسير الحديث ج 11 ص 107 و 108 و مجمع البيان ج 3 ص 194 و 196 و في ظلال القرآن ج 2 ص 894 و تفسير الرازي ج 11 ص 235 و ج 12 ص 6 و تفسير الخازن ج 1 ص 468 و تفسير الطبري ج 6 ص 149 و 150 و 154 و 157 و 164 و 165 و 167 و تفسير النيسابوري بهامشه ج 6 ص 45 و الكشاف ج 1 ص 633.

و لعل هذا أنسب بالآيات و سياقها، كما أنه هو الأنسب بالمعاهدة التي أبرمت بين المسلمين و اليهود حين قدوم النبي «صلى اللّه عليه و آله» إلى المدينة (و تقدمت في الجزء الرابع من هذا الكتاب)؛ حيث قد نصت على:

«أن ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده؛ فإن مرده إلى اللّه عز و جل و إلى محمد «صلى اللّه عليه و آله».

فهذه القصة كاد أن يحدث فيها حدث أو اشتجار يخاف فساده، فالمرجع فيها إلى اللّه سبحانه و إلى محمد «صلى اللّه عليه و آله».

و يظهر من رواية ابن جريج و غيره: أن النبي «صلى اللّه عليه و آله» لما حكم بالرجم في الزنى، و رأت قريظة: أنه قد جاء بحكم التوراة، عرفت أن بإمكانها أن تطرح قضيتها عليه «صلى اللّه عليه و آله»، و تحصل على حقها، ففعلت ذلك؛ فلما حكم النبي «صلى اللّه عليه و آله» فيها، غضب بنو النضير، و قالوا: لا نطيعك بالرجم، و لكننا نأخذ بحدودنا التي كنا عليها(1)، و ذلك من أجل أن يتخلصوا من حكمه «صلى اللّه عليه و آله».

و لكن يبقى في المقام إشكال، و هو: أن نزول الآيات قد كان بعد

ص: 108


1- راجع المصادر السابقة.

محاربته «صلى اللّه عليه و آله» لهاتين الطائفتين بمدة طويلة، فلا بد أن يكون سبب نزولها أمرا آخر.

إلا أن يدّعى: أن بقايا هاتين الطائفتين كانت لا تزال في المنطقة، و لا سيما أولئك الذين لم يشاركوا في الحرب منهم - و إن كانوا - فلعل القصة قد حصلت بعد ذلك، أي في أواخر حياته «صلى اللّه عليه و آله».

و أما بالنسبة لعبد اللّه بن أبي، فإنهم يقولون: إنه قد توفي في سنة تسع من الهجرة، فلا إشكال من هذه الناحية.

سر الوضع و الاختلاق:

و يبقى أن نشير إلى أن سر وضع الرواية المتقدمة، التي عرفنا عدم إمكان صحتها بوجه، يمكن أن يكون حسبما يفهم من النصوص و من تصريحاتهم ما يلي:

1 - ما تقدم من إظهار تعظيم النبي «صلى اللّه عليه و آله» للتوراة حتى لينزع الوسادة من تحته ليضع التوراة عليها.

2 - النص على إيمانه «صلى اللّه عليه و آله» بما جاء فيها.

إذا، فيجب على كل مسلم أن يقتدي برسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و يؤمن بها.

3 - إن ذلك يعني: أنها صحيحة، و غير محرفة، فلا يصح ما يدّعيه المسلمون على اليهود من تحريفهم لها.

4 - إظهار: أن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» كان يعمل بالتوراة في كل ما لم ينزل فيه عليه شيء، فلا مانع من العمل بها الآن في كل مورد لا يجد

ص: 109

المسلمون حكمه، أو يرون أنه لم ينزل فيه شيء.

5 - إظهار دور عبد اللّه بن سلام المتميز، في تحقيق الحق، و إظهاره، حتى إنه ليأتي بنفس التعبير القرآني: فَأْتُوا بِالتَّوْرٰاةِ فَاتْلُوهٰا إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ (1). و لا بد أن يكون هذا من شدة انسجامه مع القرآن، و مع آياته، و عمق إيمانه به، حتى أصبح كلامه عين الآيات القرآنية، و نفس عباراتها.

6 - إظهار ورع أحبار اليهود و رؤسائهم، حتى ليقرون للنبي «صلى اللّه عليه و آله» بالحقيقة بمجرد مناشداته لهم.

و لا ندري كيف يكون هذا الورع و التقوى من أناس يحرفون كتابهم و يستبدلون أحكامه، أو يسكتون على تبديلها، و يرضون به ؟

7 - التأكيد، أو فقل الإلماح إلى جواز أن يفتي الرجل للآخرين بما يخالف دينه و شريعته، لأنهم يقولون: إن حكم الإسلام لم يكن هو الرجم، رغم أن اللّه سبحانه قد أمره «صلى اللّه عليه و آله» أن يحكم بينهم بما أنزل اللّه.

8 - إن النبي «صلى اللّه عليه و آله» يشارك اليهود في كتمانه ما أنزل اللّه سبحانه، حيث طلب ابن صوريا من النبي «صلى اللّه عليه و آله» أن لا يذكر الكثير مما حرفوه، فاستجاب «صلى اللّه عليه و آله» لطلبه.

9 - و لعل المقصود أيضا: إبعاد سورة المائدة عن أن تكون قد نزلت في أواخر أيام حياته «صلى اللّه عليه و آله»، و ذلك لأن فيها آيتي الولاية النازلتين يوم غدير خم، الذي كان قبيل وفاته «صلى اللّه عليه و آله»، و الآيتان هما، قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ

ص: 110


1- الآية 93 من سورة آل عمران.

تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ وَ اَللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنّٰاسِ (1) .

و قوله تعالى: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاٰمَ دِيناً(2).

فإذا كانت سورة المائدة قد نزلت دفعة واحدة، و ثبت نزول آيات في قضية رجم اليهوديين، التي يصرحون: أنها كانت في أول الهجرة، أو في السنة الرابعة،

فإن معنى ذلك هو أن الآيتين المتقدمتين لم تنزلا في مناسبة غدير خم قبيل وفاته «صلى اللّه عليه و آله»، فيتطرق الشك إلى أصل حديث الغدير.

اليهود في آيات سورة المائدة:

إننا إذا راجعنا الآيات الكريمة، الواردة في سورة المائدة، أعني قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ لاٰ يَحْزُنْكَ اَلَّذِينَ يُسٰارِعُونَ فِي اَلْكُفْرِ مِنَ اَلَّذِينَ قٰالُوا آمَنّٰا بِأَفْوٰاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ اَلَّذِينَ هٰادُوا سَمّٰاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّٰاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ اَلْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوٰاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هٰذٰا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَ مَنْ يُرِدِ اَللّٰهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اَللّٰهِ شَيْئاً أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اَللّٰهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي اَلدُّنْيٰا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ ، سَمّٰاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّٰالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جٰاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اَللّٰهَ يُحِبُّ اَلْمُقْسِطِينَ ، وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَ عِنْدَهُمُ اَلتَّوْرٰاةُ فِيهٰا

ص: 111


1- الآية 67 من سورة المائدة.
2- الآية 3 من سورة المائدة.

حُكْمُ اَللّٰهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذٰلِكَ وَ مٰا أُولٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (1) .

إننا إذا راجعنا هذه الآيات، و تأملناها، فلسوف نجد فيها الكثير من الحقائق الهامة، و المطالب العالية، التي يهم الإنسان المسلم الوقوف عليها، و التعرف إليها، و بما أن المجال لا يتسع لطرح كل ما نجده - بفهمنا القاصر - في ثنايا هذه الآيات، فلسوف نقتصر على الإلماح العابر لأمرين فقط، لربما نجد فيهما بعض الصلة فيما نحن بصدده، و هذان الأمران هما:

الأول: إننا نلاحظ: أن بعض الأمور تبدو لنا صغيرة و ثانوية، و غير ذات أهمية كالحض على طعام المسكين، ثم إننا إذا رجعنا إلى القرآن الكريم نجده قد أولاها المزيد من العناية، و اهتم بها اهتماما بالغا، فنزلت بخصوصها الآيات الكثيرة، ذات الطابع القوي، و العنيف، و المركز، مع إظهار: أن النبي «صلى اللّه عليه و آله»، الذي يتصرف من موقع الوالد الرحيم لكل أحد، و الذي تذهب نفسه حسرات، من أجل هداية الناس، و إبعادهم عن مزالق الشر و الجريمة - هذا كله عدا عن موقعه «صلى اللّه عليه و آله» كقائد مشرع و حكيم - نعم إن هذا النبي يهتم، و يغتم، و يحزن كثيرا لأجل هذه الأمور بالذات.

و لعل ذلك يرجع إلى أن هذا الذي رأيناه ثانويا، و غير ذي أهمية، بنظرنا القاصر، إنما يكشف عن خلفيات مرعبة، و بواعث و منطلقات خطيرة، من شأنها أن تقوض كل بناء و تنسف كل جهد، و تحبط كل مسعى في سبيل إقامة صرح العدل، و تثبيت الحق و ترسيخه.

و لتصبح من ثم كل تلك الجهود، و هاتيك المنجزات مجرد ظواهر و مظاهر

ص: 112


1- الآيات 41-43 من سورة المائدة.

لامعة، و شكليات خادعة، ليس لها من الثبات، و الأصالة و الرسوخ، ما يمكنها من الصمود و التصدي في مواقع التحدي، و لا من مواجهة المحن، و العوادي، و الأخطار.

و واضح: أن كل جهد و بناء لا يقوم على الركائز العقيدية و الإيمانية، و الأخلاقية، و السلوكية الثابتة، لا يكون سوى جهد ضائع، و سراب خادع، لا حياة له و لا بقاء، و لسوف ينتهي إلى التلاشي و الدمار و الفناء.

و هذا هو القرآن نراه في هذا المناسبة يركز على الخصائص الإيمانية و العقيدية، بالنسبة إلى اليهود و المنافقين على حد سواء.

فهو تعالى يقول عن اليهود: وَ مٰا أُولٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ .

و يقول عن المنافقين: اَلَّذِينَ قٰالُوا آمَنّٰا بِأَفْوٰاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ و يُسٰارِعُونَ فِي اَلْكُفْرِ.

و عنهما معا يقول: وَ مَنْ يُرِدِ اَللّٰهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اَللّٰهِ شَيْئاً أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اَللّٰهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ .

و عن خصائصهم السلوكية و الأخلاقية يقول: سَمّٰاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّٰالُونَ لِلسُّحْتِ ، يُحَرِّفُونَ اَلْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوٰاضِعِهِ ..(1).

أي أنهم رغم كل خبثهم و شيطنتهم، هم من الحمق، و قلة العقل إلى حد:

أنهم أصبحوا سمّاعين للكذب، الذي ينبت النفاق(2)، و هو فساد كل شيء(3).

ص: 113


1- كل ما تقدم ما هو إلا فقرات من الآيات 41-43 من سورة المائدة و قد سلفت.
2- راجع: ميزان الحكمة، حرف الكاف، مادة: كذب.
3- غرر الحكم و درر الكلم.

و جعلت الخبائث في بيت، و جعل مفتاحه الكذب(1)، إلى غير ذلك مما يوضح: أن الكذب هو أم الخبائث، و أساس الموبقات.

نعم، لقد بلغ الحمق و قلة العقل بهم حدا، أصبحوا معه بحيث يستهويهم الكذب، و أصبح له دور رئيس في حياتهم و تعاملهم؛ فهم سمّاعون له، بملء إرادتهم، و مع مزيد من الأنس به، و الإلف له.

كما أنهم قد رضوا بأن يكونوا آلات و دمى طيّعة بأيدي الآخرين، الذين يرون: أن الحفاظ على امتيازاتهم الظالمة لن يكون إلا في ظل مقاومة دعوة الإسلام، التي هي دعوة الحق و العدل و الخير و الأمن و السلام، و النعمة، و البركات.

و يلاحظ هنا: أنه سبحانه و تعالى قد كرر عبارة: سَمّٰاعُونَ لِلْكَذِبِ ، و لعله ليشير بذلك إلى أن تعاملهم قائم على أساس مواصلة السماع للكذب، الذي هو أحد أهم مناشئ البلايا و المصائب، و النكبات، حينما يكون ثمة من يتخذ الكذب شعاره، و دثاره؛ فهو يتحرك، و يخطط، و يتعامل على أساسه، عن سابق إرادة و اختيار و سابق معرفة و تصميم، حيث رضي بأن يكون الكذب رائد انطلاقته في الحياة؛ بهدف الحصول على الامتيازات الظالمة و اللا مشروعة، و الحفاظ عليها.

نعم، لقد كرر سبحانه ذلك ليؤكد على مدى حمقهم و قلة عقلهم، حتى ليتلذذون بالكذب، و قد رضوا لأنفسهم أن يصبحوا دمى في أيدي الذين

ص: 114


1- راجع: بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 72 ص 263، و راجع ج 78 ص 377 و ميزان الحكمة حرف الكاف، مادة: كذب.

يتعاملون على أساس الكذب، و الدجل فهم: سَمّٰاعُونَ لِلْكَذِبِ ، سَمّٰاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ من دون تعقل و تدبر، أو تفكير و تأمل.

و الصفة الثانية، التي نعى سبحانه و تعالى عليهم اتصافهم بها هي:

حبهم للمال، و تفانيهم في سبيله، و لكنه المال الذي لا يحصل عليه الإنسان بالطرق المشرفة و المشروعة، و إنما يرتكب من أجله ما يسحت دينه و مروءته، و يلزمه العار، ليكون «سحتا» حسبما ورد في تفسير السحت(1).

و هذا يدلّل على مدى الانحطاط و المهانة و الرذالة في شخصيتهم، و في إنسانيتهم، حتى ليصح أن يقال: إنهم أصبحوا موجودات ممسوخة، لا تملك شيئا من الميزات و الخصائص الإنسانية على الإطلاق.

فالمهم لدى هؤلاء هو الدنيا، و الحصول على زخرفها، من أي طريق كان، و بأية وسيلة كانت، حتى و لو كان ثمن ذلك هو دينهم، و مروءتهم و لزوم العار الدائم لهم.

و لعل هذا هو ما سهل على الآخرين أن يسخروهم لإرادتهم حتى ليصبحون أداوت طيعة في أيديهم، فإن حبهم العظيم للمال، و تفانيهم في سبيل الحصول عليه قد أعمى بصائرهم، و سلبهم عقولهم و أعماهم و أصمهم، و أصبحوا حمقى و قليلي عقل، و دمى طيّعة بأيدي الطامعين و المستغلين، إذ قد أصبح المال و الدنيا بالنسبة إليهم كل شيء، و ليس قبلهما و لا بعدهما شيء، فهما المعيار لهم في كل موقف، و ليست هي المبادئ الإلهية، و المثل و القيم الإنسانية.

ص: 115


1- راجع: مفردات الراغب مادة السحت.

و إن هذين الأمرين أعني: قلة عقولهم، و صيرورتهم أدوات طيعة مسلوبة الاختيار بأيدي الطامعين و المفسدين،

و أيضا.. انسلاخهم عن الخصائص الإنسانية، و عن الالتزام بالمبادئ، بسبب حبهم للمال، حتى لو كان ثمنه هو أن يسحت دينهم و مروءتهم و يلزمهم العار،

إن ذلك من أهم العوامل لتبديد كل الجهود الخيرة، و إحباط كل الأعمال الجهادية و التضحيات الكبيرة في سبيل إعلاء كلمة الحق، و العدل، و تعميق جذور شجرة الإسلام المباركة، لتنمو باسقة وارفة الظلال، عزيزة الشموخ.

الثاني: إننا نلاحظ: أن القرآن الكريم حين يستنكر تحاكمهم للنبي «صلى اللّه عليه و آله»، إنما يستنكر أن يكون قصدهم من ذلك هو الوصول إلى الحق، و الحصول على الحكم العدل، إذ لو كان الأمر كذلك لما احتاجوا إلى التحاكم إليه «صلى اللّه عليه و آله»؛ لأن حكم هذه القضية - سواء أكانت هي قضية الرجم، أو هي قضية القود؛ التي نميل إلى أنها هي مورد نزول الآية - إن حكم هذه القضية واضح و جلي في التوراة التي عندهم، و هي واضحة الدلالة على هذا الحكم.

و هم إنما يقبلون بالتحاكم إليه «صلى اللّه عليه و آله» من أجل تحقيق مآربهم في الابتعاد عن حكم اللّه، حسب ظنهم، حتى إذا ما أحسوا بأن الحكم سوف يأتي موافقا لما عرفوه من حكم اللّه في التوراة نجد لديهم التصميم و التآمر و التمرد سلفا على هذا الحكم الإلهي، حتى قبل صدوره.

فتواجههم الإرادة الإلهية بالإصرار على إقامة حكم اللّه سبحانه، إن

ص: 116

كان لابد من الحكم، و إلا فإن الإعراض عنهم، حيث يكون هذا الحكم في معرض الاغتيال و التآمر هو أيضا لا حرج فيه، ما دام أنهم قد تآمروا على هذا الحكم سلفا؛ بهدف اغتياله، بل و حتى التمرد عليه بصورة علنية و فاضحة.

فيكون حكم النبي فيما بينهم خاضعا لما يراه مفيدا للإسلام، و للمسلمين، و يساهم بشكل أو بآخر في فضيحتهم و خزيهم، و إبطال تآمرهم في الدنيا، ثم لهم في الآخرة عذاب عظيم، تماما كما قال تعالى: لَهُمْ فِي اَلدُّنْيٰا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ (1).

و بعد كل ما تقدم فإن هذه الآيات تفيدنا: أنه لا مجال للمهادنة و لا للمساومة مع أحد أيا كان على حساب الدين، و الحق، و أنه لا يمكن التنازل عن الأحكام الإلهية في مجال التشريع، استجابة لحالات طارئة، و لضغوطات معينة. و إن كان قد الواقع يفرض عدم التوسل ببعض الوسائل العنيفة لفرض الحكم الإلهي و تطبيقه أو انتظار الفرصة المناسبة من أجل ذلك.

وفقنا اللّه للسير على هدى القرآن، و الالتزام بتعاليمه، و الاهتداء بنوره، إنه ولي قدير، و بالإجابة جدير.

ص: 117


1- الآية 33 من سورة المائدة.

ص: 118

الفصل السادس: من متفرقات الأحداث

اشارة

ص: 119

ص: 120

سرقة طعمة:

يذكر المؤرخون هنا: قصة «سرقة طعمة»، و نحن نذكر أولا النص التاريخي للرواية، ثم نشير إلى ما يرد عليها من مناقشات، بقدر ما يسمح لنا به المجال هنا، فنقول:

نص الرواية:

إنهم يقولون: إنه في شهر ربيع، سنة أربع من الهجرة، كانت قصة السرقة المعروفة عن بني أبيرق(1) و جعلها الدياربكري في السنة الثالثة(2).

فقد جاء في تفسير القمي: «أن قوما من الأنصار، من بني أبيرق(3)، أخوة ثلاثة، كانوا منافقين: بشير، و بشر، و مبشر. فنقبوا على عم قتادة بن النعمان - و كان قتادة بدريا - و أخرجوا طعاما كان أعده لعياله، و سيفا و درعا.

فشكا قتادة ذلك إلى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، فقال: يا رسول

ص: 121


1- الدر المنثور ج 2 ص 216، عن ابن سعد عن محمود بن لبيد.
2- تاريخ الخميس ج 1 ص 449.
3- الصحيح: بالراء لا بالزاي.

اللّه، إن قوما نقبوا على عمي، و أخذوا طعاما كان أعده لعياله، و سيفا و درعا، و هم أهل بيت سوء، و كان معهم في الرأي رجل مؤمن، يقال له:

لبيد بن سهل.

فقال بنو أبيرق لقتادة: هذا عمل لبيد بن سهل، فبلغ ذلك لبيدا؛ فأخذ معه سيفه، و خرج عليهم، فقال: يا بني أبيرق، أترمونني بالسرقة و أنتم أولى بها مني ؟! و أنتم المنافقون تهجون رسول اللّه، و تنسبون إلى قريش، لتبينن ذلك، أو لأملأن سيفي منكم.

فداروه، فقالوا له: ارجع يرحمك اللّه، فإنك بريء من ذلك، فمشى بنو أبيرق إلى رجل من رهطهم، يقال له: أسيد بن عروة، و كان منطيقا بليغا، فمشى إلى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، فقال: يا رسول اللّه، إن قتادة بن النعمان عمد إلى أهل بيت منا، أهل شرف و نسب و حسب، فرماهم بالسرقة، و اتهمهم بما ليس فيهم.

فاغتم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لذلك، و جاء إليه قتادة، فأقبل عليه رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، و قال له: عمدت إلى أهل بيت شرف، و حسب، و نسب، فرميتهم بالسرقة ؟! فعاتبه عتابا شديدا؛ فاغتم قتادة من ذلك، و رجع إلى عمه، و قال: يا ليتني مت و لم أكلم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، فقد كلمني بما كرهته، فقال عمه: اللّه المستعان؛ فأنزل اللّه في ذلك على نبيه «صلى اللّه عليه و آله»: إِنّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ اَلْكِتٰابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ اَلنّٰاسِ بِمٰا أَرٰاكَ اَللّٰهُ وَ لاٰ تَكُنْ لِلْخٰائِنِينَ خَصِيماً * وَ اِسْتَغْفِرِ اَللّٰهَ إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً * وَ لاٰ تُجٰادِلْ عَنِ اَلَّذِينَ يَخْتٰانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يُحِبُّ مَنْ كٰانَ خَوّٰاناً أَثِيماً * يَسْتَخْفُونَ مِنَ اَلنّٰاسِ وَ لاٰ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اَللّٰهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ

ص: 122

إِذْ يُبَيِّتُونَ مٰا لاٰ يَرْضىٰ مِنَ اَلْقَوْلِ وَ كٰانَ اَللّٰهُ بِمٰا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (1) . يعني الفعل، فوقع القول مقام الفعل.

إلى أن قال في تفسير القمي: في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر «عليه السلام»: أن أناسا من رهط بشر الأدنين، قالوا: انطلقوا بنا إلى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و قالوا: نكلمه في صاحبنا، أو نعذره أن صاحبنا بريء؛ فلما أنزل اللّه: يَسْتَخْفُونَ مِنَ اَلنّٰاسِ إلى قوله: وَكِيلاً،

أقبل رهط بشر، فقالوا: «يا بشر استغفر اللّه و تب إليه من الذنوب، فقال: و الذي أحلف به، ما سرقها إلا لبيد؛ فنزلت وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ اِحْتَمَلَ بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً(2).

ثم إن بشرا كفر، و لحق بمكة، و أنزل اللّه في النفر الذين أعذروا بشرا و أتوا النبي «صلى اللّه عليه و آله» ليعذروه قوله: وَ لَوْ لاٰ فَضْلُ اَللّٰهِ عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ - إلى قوله: - وَ كٰانَ فَضْلُ اَللّٰهِ عَلَيْكَ عَظِيماً(3)»(4).

و ذكر الطبرسي و غيره: الرواية السابقة، مع بعض الاختلافات و الإيضاحات

ص: 123


1- الآيات 105-108 من سورة النساء.
2- الآية 112 من سورة النساء.
3- الآية 113 من سورة النساء.
4- تفسير القمي ج 1 ص 151-152 و عنه في تفسير الميزان ج 5 ص 89 و 90 و في تفسير البرهان ج 1 ص 414 و في تفسير نور الثقلين ج 1 ص 453 و 454 و راجع: مجمع البيان ج 3 ص 105 و لباب النقول ص 78 و 79 و المصادر الآتية في آخر نقل هذه الروايات.

فقالوا، و النص للطبرسي: «كان بشير (هكذا في نص الطبرسي) يكنى أبا طعمة، و كان يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» ثم يقول: قاله فلان، و كانوا أهل حاجة في الجاهلية و الإسلام، فنقب أبو طعمة على علية رفاعة بن زيد».

ثم يذكر شكواه لقتادة، ثم يقول: «فتجسسا في الدار، و سألا أهل الدار في ذلك، فقال بنو أبيرق: و اللّه ما صاحبكم إلا لبيد الخ..».

إلى أن قال: «فلما سمع بذلك رجل من بطنهم الذي هم منه يقال له:

أسير بن عروة، جمع رجالا من أهل الدار، ثم انطلق إلى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله».

إلى أن قال: «فلما أتى قتادة رسول اللّه بعد ذلك ليكلمه، جبهه رسول اللّه جبها شديدا، و قال: عمدت الخ..».

ثم يستمر في كلامه، إلى أن ذكر أخيرا ذهاب بشير إلى مكة: «فنزل على سلافة بنت سعد بن شهيد، و كانت امرأة من الأوس، من بني عمرو بن عوف، نكحت في بني عبد الدار، فهجاها حسان، فقال:

فقد أنزلته بنت سعد فأصبحت *** ينازعها جلد أستها و تنازعه

ظننتم بأن يخفى الذي قد صنعتم *** و فينا نبي عند ذي الوحي واضعه

فحملت رحله على رأسها، فألقته بالأبطح، و قالت: ما كنت تأتيني بخير، أهديت إليّ شعر حسان.

هذا قول: «مجاهد، و قتادة بن النعمان، و عكرمة، و ابن جريج»(1).

ص: 124


1- مجمع البيان ج 3 ص 105 و راجع: التبيان ج 3 ص 317 و تفسير الميزان ج 5 ص 90-92 و فتح القدير ج 1 ص 511-512 و الروض الأنف ج 2 ص 292 و 293 و الدر المنثور ج 2 ص 215-217 عن: الترمذي، و ابن جرير، و ابن المنذر، و ابن أبي حاتم، و أبي الشيخ، و ابن سعد و الحاكم، و صححه، عن قتادة بن النعمان، و عن محمود بن لبيد.

ثم أضاف الطبرسي «رحمه اللّه» قوله: إلا أن عكرمة قال: إن بني أبيرق طرحوا ذلك على يهودي، يقال له: زيد بن السهين(1)، فجاء اليهودي إلى رسول اللّه، و جاء بنو أبيرق إليه، و كلموه: أن يجادل عنهم؛ فهم رسول اللّه أن يفعل، و أن يعاقب اليهودي؛ فنزلت الآية. و به قال ابن عباس(2).

و قال الضحاك: نزلت في رجل من الأنصار، استودع درعا؛ فجحد صاحبها فخونه رجال من أصحاب النبي؛ فغضب له قومه، فقالوا: يا نبي اللّه، خوّن صاحبنا و هو مسلم أمين، فعذره النبي، و كذب عنه، و هو يرى:

أنه بريء، مكذوب عليه فأنزل اللّه الآيات(3).

و اختار الطبري هذا الوجه، قال: لأن الخيانة إنما تكون في الوديعة، لا في السرقة(4). إنتهى كلام الطبرسي.

و في رواية عن ابن عباس: أن طعمة سرق درع قتادة، و كانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق الجراب، حتى انتهى إلى داره، ثم خبأها عند رجل من اليهود، يقال له: زيد بن السمين. ثم تذكر

ص: 125


1- لعل الصحيح: السمين.
2- راجع بالإضافة إلى مجمع البيان: الدر المنثور ج 2 ص 218 عن ابن جرير.
3- راجع: الدر المنثور ج 2 ص 218 عن ابن جرير، و ابن المنذر، و سنيد، عن عكرمة، هذا بالإضافة إلى مجمع البيان.
4- راجع ما تقدم في: مجمع البيان ج 3 ص 105 و التبيان ج 3 ص 318.

الرواية كيف اقتفوا أثر الدقيق، حتى انتهوا إلى دار طعمة؛ فحلف لهم، فتركوه. ثم اقتفوا أثر الدقيق إلى منزل اليهودي، ثم جاء قوم طعمة إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله» الخ..(1).

و قال الطبرسي أيضا: «يروى: أن أبا طعمة بن أبيرق سرق درعا من جار له اسمه قتادة بن النعمان، و خبأها عند رجل من اليهود؛ فأخذ الدرع من منزل اليهودي؛ فقال: دفعها إليّ أبو طعمة، فجاء بنو أبيرق إلى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» إلى آخر ما مر عن الضحاك(2).

و عن ابن زيد: «كان رجل سرق درعا من حديد في زمن النبي «صلى اللّه عليه و آله» طرحه على يهودي.

فقال اليهودي: و اللّه ما سرقتها يا أبا القاسم، و لكن طرحت عليّ ، و كان للرجل الذي سرق جيران يبرئونه، و يطرحونه على اليهودي، و يقولون: يا رسول اللّه، إن هذا اليهودي خبيث، يكفر باللّه و بما جئت به، حتى مال عليه النبي «صلى اللّه عليه و آله» ببعض القول.

فعاتبه اللّه في ذلك؛ فقال: إِنّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ اَلْكِتٰابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ اَلنّٰاسِ بِمٰا أَرٰاكَ اَللّٰهُ وَ لاٰ تَكُنْ لِلْخٰائِنِينَ خَصِيماً(3). و استغفر اللّه مما قلت لليهودي الخ..»(4).

و عند الطوسي: أنه بلغ بني أبيرق نزول الآيات فخرجوا من المدينة،

ص: 126


1- تفسير الخازن ج 1 ص 400.
2- جوامع الجامع ص 96.
3- الآية 105 من سورة النساء.
4- تفسير الميزان ج 5 ص 92 و الدر المنثور ج 2 ص 217 عن ابن جرير.

و لحقوا بمكة، و ارتدوا؛ فلم يزالوا بمكة مع قريش؛ فلما فتح مكة هربوا إلى الشام؛ فأنزل اللّه فيهم: و من يشاقق الرسول الخ..(1).

و في رواية عن ابن عباس، بعد أن ذكر: أن صاحب الدرع أتى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» فقال: إن طعمة بن أبيرق سرق درعي،

فلما رأى السارق ذلك عمد إليها، فألقاها في بيت بريء، و قال لرجل من عشيرته: إني غيبت الدرع، و ألقيتها في بيت فلان، و ستوجد عنده؛ فانطلقوا إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله».

إلى أن قالت الرواية: فقام رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»؛ فبرأه، و عذره على رؤوس الناس؛ فأنزل اللّه: إِنّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ اَلْكِتٰابَ ..(2)»(3).

و قال الضحاك: أراد النبي «صلى اللّه عليه و آله» أن يقطع يده (أي يد اليهودي المتهم بالسرقة) و كان مطاعا، فجاءت اليهود شاكين في السلاح؛ فأخذوه؛ و هربوا؛ فنزل: ها أنتم هؤلاء، يعني: اليهود(4).

و قيل: إن زيد بن السمين أودع الدرع عند طعمة؛ فجحده طعمة، فأنزل اللّه تعالى: إِنّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ ..(5).

و ذكر السدي: «أن الآية نزلت في طعمة بن أبيرق، استودعه رجل من اليهود درعا؛ فانطلق بها إلى داره؛ فحفر لها اليهودي، ثم دفنها، فخالف

ص: 127


1- التبيان ج 3 ص 317.
2- الآية 105 من سورة النساء.
3- الدر المنثور ج 2 ص 217 عن ابن جرير، و ابن أبي حاتم.
4- تفسير القرطبي ج 5 ص 376 و راجع ص 379.
5- تفسير الخازن ج 1 ص 400.

إليها طعمة، فاحتفر عنها، فأخذها، فلما جاء اليهودي يطلب درعه كافره عنها؛ فانطلق إلى أناس من اليهود من عشيرته؛ فقال: انطلقوا معي؛ فإني أعرف موضع الدرع؛ فلما علم به طعمة أخذ الدرع، فألقاها في بيت أبي مليك الأنصاري، فلما جاءت اليهود تطلب الدرع فلم تقدر عليها، وقع به طعمة، و أناس من قومه، فسبوه.

قال: أتخونونني ؟ فانطلقوا يطلبونها في داره؛ فأشرفوا على دار أبي مليك، فإذا هم بالدرع.

و قال طعمة: أخذها أبو مليك.

و جادلت الأنصار دون طعمة، و قال لهم: انطلقوا معي إلى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و قولوا له: ينضح عني، و يكذب حجة اليهودي، فإني إن أكذب كذب على أهل المدينة اليهودي، فأتاه ناس من الأنصار؛ فقالوا:

يا رسول اللّه، جادل عن طعمة، و أكذب اليهودي، فهمّ رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أن يفعل؛ فأنزل اللّه عليه: لاٰ تَكُنْ لِلْخٰائِنِينَ خَصِيماً.. إلى قوله: أَثِيماً.

ثم ذكر الأنصار و مجادلتهم، فقال: يَسْتَخْفُونَ مِنَ اَلنّٰاسِ وَ لاٰ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اَللّٰهِ .. إلى قوله: وَكِيلاً.

ثم دعا إلى التوبة، فقال: وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ .. إلى قوله: رَحِيماً.

ثم ذكر قوله حين قال: أخذها أبو مليك؛ فقال: وَ مَنْ يَكْسِبْ إِثْماً..

إلى قوله: مُبِيناً.

ثم ذكر الأنصار، و إتيانها إياه: أن ينضح عن صاحبهم، و يجادل عنه،

ص: 128

فقال: لَهَمَّتْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ ، ثم ذكر مناجاتهم فيما يريدون أن يكذبوا عن طعمة، فقال: لاٰ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوٰاهُمْ .

فلما فضح اللّه طعمة بالقرآن بالمدينة، هرب حتى أتى مكة، فكفر بعد إسلامه، و نزل على الحجاج بن علاط السلمي، فأراد أن يسرقه، فسمع الحجاج خشخشة في بيته، و قعقعة جلود كانت عنده؛ فنظر فإذا هو بطعمة، فقال: ضيفي و ابن عمي فأردت أن تسرقني ؟! فأخرجه؛ فمات بحرة بني سليم كافرا، و أنزل اللّه فيه: وَ مَنْ يُشٰاقِقِ اَلرَّسُولَ .. إلى قوله: وَ سٰاءَتْ مَصِيراً»(1).

ص: 129


1- الدر المنثور ج 2 ص 218 عن ابن جرير، و ابن أبي حاتم، عن السدي، و مهما يكن من أمر فإنك تجد الروايات المتقدمة و غيرها مما يختلف عنها بعض الاختلاف في: الدر المنثور ج 2 ص 215-219 عن الترمذي، و ابن جرير، و ابن المنذر، و الحاكم، و ابن أبي حاتم، و ابن سعد، و أبي الشيخ و عبد بن حميد، و سنيد، و عبد الرزاق، و راجع: تنوير المقباس بهامش الدر المنثور ج 1 ص 289-293 و فيه: أن النبي «صلى اللّه عليه و آله» هم بضرب اليهودي. و راجع: تفسير الكشاف ج 1 ص 561-565 و فيه: أنه هم بقطع يد اليهودي و في هامشه عن تفسير الثعلبي و عن الواحدي، و الترمذي و الحاكم، و الطبري و تفسير جامع البيان ج 5 ص 169-177 و غرائب القرآن بهامشه ج 5 ص 165 فما بعده، و الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 375 عن: الترمذي، و عن الليث، و الطبري، و ذكر قصة موته يحيى بن سلام في تفسيره و القشيري كذلك، و زاد ذكر الردة، ثم قيل: كان زيد بن السمين و لبيد بن سهل يهوديين، و قيل: كان لبيد مسلما الخ.. و التفسير الكبير ج 11 ص 32-42 و تفسير القرآن العظيم ج 1 ص 550 - 552 و لباب النقول ص 78-80 و في ظلال القرآن ص 751 و 752 و 759 و التبيان ج 3 ص 316 و تفسير الخازن ج 1 ص 400-402 عن البغوي و غيره، و بهجة المحافل ج 1 ص 230 و 231 و شرحه بهامشه، و تفسير النسفي، بهامش الخازن ج 1 ص 400-402 و أسباب النزول ص 103 و جوامع الجامع ص 96 و فتح القدير ج 1 ص 512 و التفسير الحديث ج 9 ص 161 و تاريخ الخميس ج 1 ص 449 و أنساب الأشراف ج 1 (قسم سيرة النبي «صلى اللّه عليه و آله») ص 277 و 278 و السيرة النبوية لابن هشام ج 2 ص 171 و هامشها، و الروض الأنف عن الطبري، و الترمذي و الكشي و يحيى بن سلام في تفسيره و أكثر التفاسير، و ابن إسحاق و فيه إشارة إلى بعض وجوه الاختلاف عند ابن إسحاق و غيره.
مناقشة النص:

و لكن لنا شكوك كبيرة في كثير من الجهات و الأمور التي أثارتها النصوص المتقدمة، و نكتفي هنا بتسجيل النقاط التالية:

أولا: إن ملاحظة النصوص المتقدمة، و مقارنتها فيما بينها، و كذلك مقارنتها مع غيرها من الروايات التي لم نذكرها، و إنما اكتفينا بالإشارة إلى مصادرها في الهامش،

إن هذه الملاحظة و المقارنة توضح لنا مدى التفاوت، و الاختلاف، الذي قد يصل إلى درجة التناقض الواضح و الفاضح فيما بينها، و لا نريد أن نذكر النصوص المتخالفة هنا، ما دام أن بوسع القارئ الكريم أن يلحظ ذلك بأدنى تأمل و مراجعة.

ثانيا: لقد ادّعت تلك النصوص: أن قوله تعالى: وَ اِسْتَغْفِرِ اَللّٰهَ إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً قد نزل بهذه المناسبة.

ص: 130

و قد أريد به: أن استغفر اللّه يا محمد «صلى اللّه عليه و آله» مما هممت به من معاقبة اليهودي.

و قيل: من جدالك عن طعمة.

و قد تمسك بهذه الآية من يرى جواز صدور الذنب من الأنبياء، و قالوا: لو لم يقع من الرسول «صلى اللّه عليه و آله» ذنب لما أمر بالاستغفار(1).

و قد صرحت بعض الروايات المتقدمة: بأن النبي «صلى اللّه عليه و آله» قد عمل أو همّ بعمل كان في غير محله على الأقل.

ففي بعضها: أنه «صلى اللّه عليه و آله» قد لام قتادة لوما شديدا.

و في أخرى: جبهه رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» جبها شديدا.

و في ثالثة: أنه «صلى اللّه عليه و آله» مال على اليهودي ببعض القول.

و رابعة تقول: فعذره النبي «صلى اللّه عليه و آله»، و كذب عنه و هو يرى أنه بريء مكذوب عليه، فنزلت الآيات.

و في خامسة: أنه «صلى اللّه عليه و آله» برأ السارق، و عذره على رؤوس الناس، فأنزل اللّه إنا أنزلنا الخ..

و لعل كلمة «الخصام» تشير إلى الشدة في ذلك؛ فإن المخاصمة:

«المنازعة، بالمخالفة بين اثنين، على وجه الغلظة»(2).

ص: 131


1- تفسير الخازن ج 1 ص 401 و التفسير الكبير ج 11 ص 34 و الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 377 و التفسير الحديث ج 9 ص 163 و غرائب القرآن (مطبوع بهامش الطبري) ج 5 ص 167 و راجع: جامع البيان ج 5 ص 169.
2- مجمع البيان ج 3 ص 106.

إلى غير ذلك من النصوص المختلفة، التي تفيد: أنه «صلى اللّه عليه و آله» قد عذر السارق، و ساهم في تبرئته فعلا، أو أنه هم بذلك.

أما نحن فنقول: إن ذلك لا يصح؛ و ذلك للأمور التالية:

1 - إن النبي «صلى اللّه عليه و آله» إما أن يكون قد قصر في تحريه للحقيقة فانخدع، فذلك لا يصح؛ لأنّ النبي «صلى اللّه عليه و آله»، لم يكن ليقدم على إدانة شخص، و الدفاع عن آخر؛ ما لم يثبت له بعد التحري و التحقيق الدقيق براءته، و صدقه.

و أما الإقدام على تبرئة شخص، و الدفاع عنه، من دون تحر و لا تحقيق، فهو لا يصدر عن أي إنسان عادي آخر، فكيف بالنبي الأكرم «صلى اللّه عليه و آله» الذي هو عقل الكل، و مدبر الكل، و رئيس الكل، و قد تلقى «صلى اللّه عليه و آله» الحكمة عن اللّه سبحانه، فلا يعقل أن يتصرف تصرفا غير معقول كهذا.

و إما أن يكون قد حكم وفق الضوابط الظاهرية، التي جعلها اللّه سبحانه في موارد كهذه؛ فلا معنى لاعتبار ذلك من الذنوب التي لا بد أن يستغفر منها.

و إما أن يكون «صلى اللّه عليه و آله» قد حكم وفق هواه، و على خلاف ما يريده اللّه سبحانه، حتى صح أن يعد اللّه ذلك ذنبا يستوجب الاستغفار.

فمعنى ذلك: أن لا يكون «صلى اللّه عليه و آله» معصوما، و هذا خلاف ما ثبت بالدليل القاطع، و البرهان الناصع، من عصمته «صلى اللّه عليه و آله»، و خلاف الآيات التي ألزمت الناس بالرجوع إليه ليحكم بينهم، و اعتبار حكمه حكما إلهيا، لا بد من قبولهم به و انتهائهم إليه.

ص: 132

2 - إن قوله تعالى في بقية هذه الآيات التي يقال: إنها نزلت في هذه المناسبة: وَ لَوْ لاٰ فَضْلُ اَللّٰهِ عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَ مٰا يُضِلُّونَ إِلاّٰ أَنْفُسَهُمْ وَ مٰا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ ءٍ وَ أَنْزَلَ اَللّٰهُ عَلَيْكَ اَلْكِتٰابَ وَ اَلْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ مٰا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كٰانَ فَضْلُ اَللّٰهِ عَلَيْكَ عَظِيماً(1).

ثم قوله: لاٰ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوٰاهُمْ .

و كذا قوله: إِذْ يُبَيِّتُونَ مٰا لاٰ يَرْضىٰ مِنَ اَلْقَوْلِ (2).

إن هذه الآيات تفيد: أنهم كانوا قد تناجوا في هذا الأمر، و بيّتوا ما لا يرضي اللّه من القول، بهدف الذب عن صاحبهم، و إبعاد الشبهة عنه. و لكن لم يصل ذلك إلى درجة إقدامهم على تضليل النبي «صلى اللّه عليه و آله»، فلم يقدموا على ذلك أصلا بصريح الآية التي تقول: وَ لَوْ لاٰ فَضْلُ اَللّٰهِ عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ (3)، فقد دلت الآية: على أنهم لم يهموا بإضلال النبي «صلى اللّه عليه و آله»، لا أنهم هموا بذلك و فعلوه و وقع النبي «صلى اللّه عليه و آله» و العياذ باللّه في حبائل مكرهم، و همّ بمعاقبة السارق، أو بقطع يده، أو أنه برأه على رؤوس الأشهاد، وجبه قتادة جبها شديدا!!

و بتعبير أوضح: إن هؤلاء الناس قد يحاولون إضلال النبي «صلى اللّه عليه و آله»، زاعمين: أن ذلك ممكن لهم..

و لكن بما أن هذا الأمر يستحيل حصوله.. فلا يصل سعيهم إلى نتيجة،

ص: 133


1- الآيتان 112 و 113 من سورة النساء.
2- الآية 108 من سورة النساء.
3- الآية 113 من سورة النساء.

و يكون همهم به بمنزلة العدم من حيث إنه من قبيل الهم بالمستحيل.

فيصح القول: بأنهم لم يهموا بذلك تنزيلا له بمنزلة العدم.. بسبب استحالة تحقق مقتضاه، لأجل فضل اللّه على رسوله «صلى اللّه عليه و آله».

3 - إن نفس الآية الأنفة الذكر تدل على: أنهم حتى لو أنهم حاولوا إضلال النبي «صلى اللّه عليه و آله» في هذا، فإنهم سوف يفشلون في ذلك قطعا و سوف لن يؤثر ذلك في النبي «صلى اللّه عليه و آله»، و ذلك لقوله تعالى: وَ مٰا يُضِلُّونَ إِلاّٰ أَنْفُسَهُمْ فإنه بقرينة قوله بعده: وَ مٰا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ ءٍ ، يفيد: أن إضلال هؤلاء لا يتعدى أنفسهم و لا يتجاوزهم إليك.

و يفيد: نفي إضرارهم بالنبي «صلى اللّه عليه و آله» نفيا مطلقا، و ذلك بسبب أن اللّه قد: أَنْزَلَ اَللّٰهُ عَلَيْكَ اَلْكِتٰابَ وَ اَلْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ مٰا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ .

فنفس هذه الآية تفيد: أنه «صلى اللّه عليه و آله» لم يرتكب ذنبا في حق أحد يجب أن يستغفر اللّه منه.

و بعد كل ما تقدم فإن الظاهر هو: أن الآية الشريفة: وَ لاٰ تَكُنْ لِلْخٰائِنِينَ خَصِيماً * وَ اِسْتَغْفِرِ اَللّٰهَ إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً * وَ لاٰ تُجٰادِلْ عَنِ اَلَّذِينَ يَخْتٰانُونَ أَنْفُسَهُمْ ،

إن كل ذلك لا بد أن يكون واردا مورد التأديب و التعليم له و لأمته في أن لا يبادروا بالخصام إلا بعد تبيّن الحق لهم، و ليس يريد إثبات أنه «صلى اللّه عليه و آله» قد خاصم فعلا عن الخائنين و جادل عنهم، فأذنب بذلك، فوجب أن يستغفر اللّه سبحانه، فإن ذلك ليس مرادا قطعا؛ و ذلك لما قدمناه

ص: 134

من القرائن و الأدلة، و هو من قبيل قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (1) فإنه لا يدل على وقوع الشرك منه «صلى اللّه عليه و آله».

أضف إلى ذلك كله: أن الشيخ الطوسي «رحمه اللّه تعالى» يقول: «على أنّا لا نعلم: أن ما روي في هذا الباب وقع من النبي «صلى اللّه عليه و آله» لأن طريقه الآحاد، و ليس توجه النهي إليه بدالّ على أنه وقع منه ذلك المنهي»(2).

ثالثا: و قالوا حول آية: لِتَحْكُمَ بَيْنَ اَلنّٰاسِ بِمٰا أَرٰاكَ اَللّٰهُ : احتج به من ذهب من علماء الأصول: إلى أن له «صلى اللّه عليه و آله» أن يحكم بالاجتهاد، بهذه الآية(3).

و نقول: إن الآية على خلاف ذلك أدلّ ، حيث إن مفادها: أن اللّه سبحانه يريه الحق من الكتاب، فيحكم به.

و إلا فلو كان مراد الآية: أن له «صلى اللّه عليه و آله» أن يحكم بالاجتهاد، لكان ذكر إنزال الكتاب، ثم تعليل ذلك بقوله: لِتَحْكُمَ بَيْنَ اَلنّٰاسِ بِمٰا أَرٰاكَ اَللّٰهُ .

أضف إلى ذلك: أن اللّه سبحانه إذا أراه شيئا فإنما يريه الحق، و لا يريه ما ليس بحق، و لو كان من قبيل الاجتهاد، الذي قد يخطئ و يصيب، لكان ينبغي أن يقول: بما تراه أنت ليشمل ما كان حقا و ما لم يكن كذلك.

ص: 135


1- الآية 65 من سورة الزمر.
2- التبيان ج 3 ص 316.
3- تفسير ابن كثير ج 1 ص 550 و راجع: تفسير النسفي بهامش الخازن ج 1 ص 400.

و قد قال عمر بن الخطاب: «لا يقولن أحدكم: قضيت بما أراني اللّه، فإن اللّه لم يجعل ذلك إلا لنبيه «صلى اللّه عليه و آله»، و لكن ليجتهد رأيه، فإن الرأي من الرسول «صلى اللّه عليه و آله» كان مصيبا، لأن اللّه كان يريه إياه، و هو منّا الظن و التكلف»(1).

و روي عن الإمام الصادق عليه الصلاة و السلام أنه قال: «كان الرأي من رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» صوابا، و من دونه خطأ؛ لأن اللّه تعالى قال: فاحكم بينهم بما أراك اللّه، و لم يقل ذلك لغيره»(2).

و يلاحظ هنا: أن الآية منقولة في هذه الرواية بالمعنى، لا بنصها الحرفي.

و الآية هي: لِتَحْكُمَ بَيْنَ اَلنّٰاسِ بِمٰا أَرٰاكَ اَللّٰهُ

رابعا: أما ما ورد في رواية الضحاك؛ من أن اليهود جاؤوا شاكين السلاح، فخلصوا صاحبهم، و هربوا به، فهو موضع شك كبير، إذ لم يكن اليهود ليجرؤوا على ذلك بعد أن رأوا ما جرى لبني قينقاع من قبل، ثم لبني النضير.

و سيأتي بعض ما يرتبط بهذا الموضوع إن شاء اللّه تعالى.

كما و يرد هنا سؤال: إنه لماذا لم يتعقبهم المسلمون ؟! و إلى أين هربوا؟ فهل إنهم خرجوا من البلاد التي تدين بالولاء لرسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»؟ و لماذا لم يذكر التاريخ لنا ذلك ؟!

ص: 136


1- الكشاف ج 1 ص 562 و تفسير النسفي ج 1 ص 400 و التفسير الكبير للرازي ج 11 ص 33 و تفسير النيسابوري، بهامش جامع البيان ج 5 ص 166 و راجع: الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 376.
2- تفسير نور الثقلين ج 1 ص 453 و الإحتجاج ج 2 ص 117.

هذا كله، عدا عن أن ذلك يعتبر نقضا للوثيقة التي كتبت في مطلع الهجرة فيما بين اليهود و المسلمين، و التي تنص على أن كل حدث و اشتجار يخاف فساده: فإن مرده إلى اللّه عز و جل، و إلى محمد «صلى اللّه عليه و آله»(1).

خامسا: إن الظاهر هو: أن سورة النساء قد نزلت بعد السنة السادسة للهجرة، لأنهم يقولون: إنها نزلت بعد سورتي الأحزاب و الممتحنة(2) و هي قد نزلت بعد السنة الرابعة و لا سيما سورة الممتحنة، فإن قصة حاطب بن أبي بلتعة و كتابته لقريش، و انكشاف ذلك قد كان في قصة الحديبية(3).

و ثمة شواهد أخرى على ذلك في السورة مثل مجيء النساء المؤمنات في الحديبية، و نزول آية: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا جٰاءَكُمُ اَلْمُؤْمِنٰاتُ ..(4).

و صرح في رواية ابن عباس: بأن سورة الممتحنة نزلت بعد صلح الحديبية(5).

كما أنها قد نزلت بعد سورة: إِنّٰا فَتَحْنٰا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً(6) و لا شك في

ص: 137


1- السيرة النبوية لابن هشام ج 2 ص 147-150 و البداية و النهاية ج 3 ص 224 - 226 و مكاتيب الرسول ج 1 ص 241-263 و راجع في الأقوال: ص 184 و سنن البيهقي ج 8 ص 106.
2- الإتقان ج 1 ص 11.
3- راجع: الدر المنثور ج 6 ص 203 عن ابن مردويه و أبي يعلى، و ابن المنذر.
4- الدر المنثور ج 6 ص 205 و 206 و 207 و 208 عن البخاري، و أبي داود في ناسخة و البيهقي في السنن و الطبراني، و ابن مردويه، و ابن دريد في أماليه، و ابن سعد، و ابن إسحاق، و ابن المنذر، و ابن جرير، و الفريابي، و عبد بن حميد، و ابن أبي حاتم.
5- الدر المنثور ج 6 ص 208 عن ابن مردويه.
6- تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 43.

أن هذه السورة قد نزلت في شأن الحديبية و صرح الرواة في آية بيعة النساء بأنها نزلت عام الفتح(1).

(و ليراجع بقية تفسير سورة الممتحنة و تفسير سورة الأحزاب في الدر المنثور للوقوف على موارد أخرى تدل على ذلك).

أضف إلى ذلك: أنهم يقولون: إن قوله تعالى: إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا اَلْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا الواردة في سورة النساء قد نزلت يوم فتح مكة، حيث رد الرسول مفاتيح الكعبة إلى عثمان بن أبي طلحة، حسبما يقولون(2).

بل لقد زعم النحّاس: الاتفاق على نزول هذه الآية في مكة، حتى ادعى أن سورة النساء مكية(3).

و فيها أيضا: آية التيمم، التي يقول أبو هريرة و هو قد أسلم سنة سبع(4): إنها لما نزلت لم يدر كيف يصنع(5).

و تتبع الموارد الأخرى يترك لمن أراد ذلك.

سادسا: تقدم: أن الطبري قد استظهر أن تكون القضية واردة في

ص: 138


1- الدر المنثور ج 6 ص 209 عن ابن أبي حاتم.
2- الدر المنثور ج 2 ص 174 و 175 عن ابن مردويه، و ابن جرير، و ابن المنذر.
3- الإتقان ج 1 ص 12.
4- راجع: أسد الغابة ج 5 ص 316 و الإصابة ج 4 ص 206 و 207 و الإستيعاب بهامشها ج 4 ص 208 و البداية و النهاية ج 8 ص 102 و فتح الباري ج 6 ص 31 و ج 7 ص 377 و 378 و شيخ المضيرة أبو هريرة و سير أعلام النبلاء ج 2 ص 589 و مسند أحمد ج 2 ص 475 و عمدة القاري ج 23 ص 291.
5- الدر المنثور ج 2 ص 167 عن المصنف لابن أبي شيبة.

الخيانة في الوديعة لأن الخيانة إنما تقال في هذا المجال.

سابعا: لقد روي في تفسير قوله تعالى: إِذْ يُبَيِّتُونَ مٰا لاٰ يَرْضىٰ مِنَ اَلْقَوْلِ ما يفيد: أن هذه الآيات قد نزلت في مورد آخر فراجع(1).

و لم نفهم لماذا لم يشتك نفس صاحب الدرع إلى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، و أرسل شخصا آخر لهذا الغرض ؟!

و أخيرا فإننا نلاحظ: أن بعض الروايات تهدف إلى الطعن بالأنصار، و الحط من قدرهم.

الكلمة الأخيرة:

و لكننا مع كل ما تقدم، فإننا لا نستبعد أن يكون لهذه الرواية أصل، و إن لم نستطع أن نحدده بدقة، فربما يكون ثمة شخص قد سرق درعا لأحدهم، فلما خاف أن تقطع يده هرب و ارتد.

الارتداد لماذا؟!

ليس عجيبا أن يسرق الإنسان شيئا ما، بدافع الحاجة أحيانا، أو بدافع الإضرار بخصمه أحيانا أخرى، أو لاقتضاء عادته و ظروفه النفسية و غيرها و خصوصا مع عدم بنائه نفسه، و أخلاقه، و عاداته، و سلوكه بصورة عامة، وفق المبادئ و المثل العليا التي يؤمن بها.

و لكن العجيب حقا أن يتخلى هذا الإنسان عن عقيدته، و فكره، و قناعاته

ص: 139


1- تفسير نور الثقلين ج 1 ص 454 و 455 عن روضة الكافي، و الإحتجاج، و تفسير العياشي و تفسير البرهان ج 1 ص 414 و تفسير العياشي ج 1 ص 275.

بسبب أمر تافه كهذا؟! و هذا إن دل على شيء؛ فإنما يدل على: أن هذه العقيدة لم تتخذ من نفسه صفة الأصالة و الرسوخ الكامل، و لا اتصلت بعقله و بروحه، و لا هو تفاعل معها و عاشها فكرا و عقيدة و سلوكا، و إنما كانت بالنسبة إليه نوعا من الترف الفكري، أو انسياقا في جو معين لم ير بأسا من الانسياق معه، و لا ضرورة للتخلف عنه.

ماذا يقطع في حد السرقة ؟!

إن حد السرقة هو قطع اليد، و اختلفوا فيما يقطع منها، فقال قوم: بأن القطع للأصابع فقط. و إن كان الجمهور على أن القطع من الكوع(1) على حد تعبير ابن رشد، و اتفق على ذلك الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، و مالك، و الشافعي، و ابن حنبل(2).

و لكن قد خالف الشيعة في ذلك، و ذهبوا تبعا لأئمتهم إلى أن القطع يجب أن يكون من أصول الأصابع. و يدل على ذلك من النصوص الواردة عن أمير المؤمنين «عليه السلام» و غيره:

1 - إن الجاحظ يذكر: أن أمير المؤمنين «عليه السلام» كان يقطع اليد من أصول الأصابع، حتى عد الجاحظ ذلك من المطاعن عليه(3). و ذلك يدل على شهرة ذلك عنه.

ص: 140


1- بداية المجتهد ج 2 ص 447. و الكوع: هو طرف الزند الذي يلي الإبهام، و منه المثل: أحمق يمتخط بكوعه.
2- راجع: الفقه على المذاهب الأربعة ج 5 ص 159.
3- العثمانية ص 91.

2 - روى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: أن عليا كان يقطع اليد من الأصابع، و الرجل من نصف الكف(1).

3 - و يشير إلى ذلك: أنهم يروون: أنه «عليه السلام» قد جيء بسارق، فقال لقنبر: اذهب به يا قنبر، فشد إصبعه، و أوقد النار، و ادع الجزار ليقطع الخ..(2).

فإن الظاهر: أنه أمره بشد إصبعه، ليكون القطع من أصول الأصابع.

4 - و يؤيد ذلك: قول عمر: لا تقطع الخمس «أي الأصابع» إلا في خمس(3) أي دراهم.

5 - «و كان علي بن أصمع على البارجاه، ولاه علي بن أبي طالب «صلوات اللّه عليه»، فظهرت منه خيانة، فقطع أصابع يده، ثم عاش حتى أدرك الحجاج؛ فاعترضه يوما، فقال: أيها الأمير، إن أهلي عقوني.

قال: بم ذاك ؟

قال: سموني عليا.

قال: ما أحسن ما لطفت. ثم ولاه ولاية، ثم قال: و اللّه لئن بلغتني عنك خيانة لأقطعن ما أبقى علي من يدك(4).

ص: 141


1- مصنف الحافظ عبد الرزاق ج 10 ص 185.
2- كنز العمال ج 5 ص 316 عن مسند أبي يعلى، و حياة الصحابة ج 2 ص 464 عنه.
3- سنن الدارقطني ج 3 ص 186، و أخرجه ابن المنذر و النسائي. و أخرجه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة و أبي سعيد. و في هامش سنن الدارقطني عن: ابن شبرمة و ابن أبي ليلى و الحسن البصري.
4- الإشتقاق ص 272 و وفيات الأعيان (ط دار صادر) ج 3 ص 175.

6 - بل الظاهر: أن قطع الأصابع قد كان شائعا قبل زمان عطاء، أي في الصدر الأول، كما يفهم من تساؤل ابن جريج، و جواب عطاء له، فقد قال ابن جريج لعطاء: سرق الأولى.

فقال: يقطع كفه.

قلت: فما قولهم: أصابعه ؟!

قال: لم أدرك إلا قطع الكف كلها(1).

خسوف القمر:

و يقولون: إنه في السنة الخامسة من الهجرة في جمادى الآخرة انخسف القمر، و جعل اليهود يضربون بالطساس (جمع طاس) و يقولون: سحر القمر.

فصلى بهم النبي «صلى اللّه عليه و آله» صلاة الخسوف، حتى انجلى القمر(2).

و نقول:

إن من الواضح: أن اليهود لم يكونوا سليمي النوايا حينما ضربوا بالطساس، و قالوا: سحر القمر.

و ذلك لأن خسوف القمر أمر عادي يحدث كثيرا، و يعرفه كل أحد.

فهل أراد اليهود بعملهم هذا التلاعب بأفكار الناس، و إيهامهم بأن هذا من فعل محمد «صلى اللّه عليه و آله»، و أنه ساحر، و ليس بنبي ؟!

إن تاريخ اليهود، و نشاطاتهم الماكرة و الهدامة، لا تأبى عن تقوية هذا الاحتمال، و تأكيده.

ص: 142


1- مصنف عبد الرزاق ج 10 ص 185.
2- راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 469 عن ابن حيان.
النبي «صلّى اللّه عليه و آله» يبعث بالأموال إلى مكة:

و في السنة الخامسة كما يقولون: أصابت قريشا شدة، فبعث إليهم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» بفضة، يتألفهم بها(1).

و في بعض النصوص: أنه أرسل إليهم بخمس مئة دينار(2).

عن عبد اللّه بن علقمة الخزاعي، عن أبيه، قال: بعثني النبي «صلى اللّه عليه و آله» بمال لأبي سفيان بن حرب، يفرق في فقراء قريش، و هم مشركون يتألفهم. فقدمت مكة و دفعت المال إلى أبي سفيان فجعل أبو سفيان يقول: من رأى أبرّ من هذا و لا أوصل - يعني: النبي «صلى اللّه عليه و آله» - إنا نجاهد و نطلب دمه و هو يبعث إلينا بالصلات يبرنا بها(3).

أما ما ذكره ابن سعد: من أنه «صلى اللّه عليه و آله» أرسل إلى أبي سفيان بمال يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح(4) فلعلها كانت مرة أخرى غير التي كانت في السنة الخامسة. و لعل الرسول في كلا الحادثتين رجل واحد أيضا.

و نقول:

إن هذا الموقف للرسول «صلى اللّه عليه و آله» من مشركي مكة لا يجوز

ص: 143


1- تاريخ الخميس ج 1 ص 470.
2- آثار الحرب في الفقه الإسلامي ص 522 و المبسوط للسرخسي ج 10 ص 92 و راجع: الثقات ج 1 ص 261 عن شرح السير الكبير ج 1 ص 70.
3- التراتيب الإدارية ج 1 ص 390، 391 عن كنز العمال ج 5 ص 42 عن ابن عساكر.
4- الطبقات الكبرى (ط صادر) ج 4 ص 296 و التراتيب الإدارية ج 1 ص 225 و راجع: ص 390، 391 عن ابن عساكر و عن كنز العمال ج 5 ص 42.

تفسيره على أنه محاولة منه لشراء ولائهم، عن طريق استغلال ضعفهم الناشئ عن مكابدة الحاجة، و مكافحة الجوع، و معاناة البلاء و الالآم؛ لأن معنى ذلك هو أن مواقفه «صلى اللّه عليه و آله» و تصرفاته كانت تمليها عليه الروح التجارية، و الشعور الانتهازي و أهداف لا إنسانية بصورة عامة.

و إنما عكس ذلك هو الصحيح. فإن مواقف المشركين معه «صلى اللّه عليه و آله»، و جرائمهم تجاهه، و تجاه أهل بيته و أصحابه و التي كانت قد بلغت الغاية، و أوفت على النهاية، لو فرض أنها قد كان لها دور في ما يتخذه من مواقف و يقوم به من أعمال، فقد كان اللازم هو أن يجد في معاناة أهل مكة أنواع البلاء ما يشفي غليل صدره و متنفسا لحقده و وجده.

و لكننا نجده يعلن بفرحه و سروره، و يعرب عن تمنياته بزيادة النكبات، و توالي المصاعب و المتاعب و بمضاعفة البلايا و المآسي على أولئك الذين لم يألوا جهدا و لم يدخروا وسعا في حربه، و قهره، و إلحاق مختلف أنواع الأذى به و بكل من يلوذ به.

نعم، إن هذا هو الذي كان يمكن أن نتوقعه منه «صلى اللّه عليه و آله» في ظروف كهذه و لكن من يراجع حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله» و مواقفه من أهل مكة قبل و بعد هذه القضية، فإنه يجده ذلك الرجل المشفق، و الوالد الرحيم لهم حتى و هم يتخذون ضده و ضد أهل بيته و أصحابه أعتى المواقف، و يرتكبون في حقهم أبشع الجرائم و أفظعها، فهو القائل في حرب أحد، التي قتل فيها عمه أسد اللّه و أسد رسوله حمزة بن عبد المطلب: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.

و هو الذي قال لأهل مكة، حينما دخلها بعد ذلك في سنة ثمان للهجرة:

ص: 144

اذهبوا؛ فأنتم الطلقاء.

مع أنهم قد حاربوه، و نابذوه على مدى سنوات طويلة، و قتلوا، أو تسببوا في قتل الكثيرين من الخيرة من أهل بيته و أصحابه.

و قد وصف القرآن الكريم حالته و مشاعره هذه بأنه: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مٰا عَنِتُّمْ ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ، بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (1).

بل لقد كانت نفسه تذهب حسرات عليهم، حتى لقد قال اللّه تعالى له:

فَلاٰ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرٰاتٍ (2) .

و قال مخاطبا إياه: فَلَعَلَّكَ بٰاخِعٌ نَفْسَكَ عَلىٰ آثٰارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهٰذَا اَلْحَدِيثِ أَسَفاً(3).

نعم.. و هو هو شأن المسلم الأول، و تلك هي تعاليم الإسلام و التربية الإلهية الخالصة، التي تسمو بالإنسان عن أن يكون أسير انفعالاته و أحقاده، و تفتح أمامه الآفاق الرحبة، ليعيش الحياة بكل صفائها و نبلها، و بكل كمالاتها و مواهبها، لا تقيده قيود، و لا تحده حدود.

أول وافد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

و يقولون: إنه في السنة الخامسة قدم على رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» بلال بن الحارث، في أربعة عشر رجلا من مزينة، فأسلموا. و كان أول وافد مسلم بالمدينة.

ص: 145


1- الآية 128 من سورة التوبة.
2- الآية 8 من سورة فاطر.
3- الآية 6 من سورة الكهف.

فقال لهم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»: ارجعوا، فأينما تكونوا فأنتم من المهاجرين. فرجعوا إلى بلادهم(1).

و نقول: إننا نسجل هنا ما يلي:

1 - إن اعتبار النبي «صلى اللّه عليه و آله» هؤلاء من المهاجرين أينما كانوا و حيثما وجدوا يشير إلى:

ألف: إن المهاجر لا ينحصر بمن قدم من مكة إلى المدينة، بل يعم كل من هاجر من بلاده إلى اللّه و رسوله، كما أشارت إليه الآية بل الآيات القرآنية.

إذا: فلا يحق لأهل مكة أن يعتبروا أنفسهم «المهاجرين» دون غيرهم.

فالامتيازات التي حاولوا أن يختصوا بها لأنفسهم دون غيرهم على هذا الأساس تصبح بلا مبرر مهما كان ضعيفا و غير معقول.

ب: إن اعتبارهم من قبل النبي «صلى اللّه عليه و آله» مهاجرين، حتى مع بقائهم في بلادهم هو بدوره أيضا توضيح و معيار آخر لمفهوم المهاجر الذي يعترف به الإسلام و يتعامل على أساسه.

ج: إننا نلاحظ: أنه «صلى اللّه عليه و آله» قد ركز على كونهم من المهاجرين، و لم يعتبرهم من الأنصار، و لا ندري إن كان ذلك منه «صلى اللّه عليه و آله» و هو الذي كان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق إلماحة إلى سياسة الاستئثار و التجني التي سوف ينتهجها الحكام تجاه الأنصار، لصالح المهاجرين، و هو بذلك يبذل محاولة لإعطاء المبررات المنطقية لإدانة تلك

ص: 146


1- تاريخ الخميس ج 1 ص 470.

السياسة الظالمة و إظهار بعدها عن النزاهة، و عن العدالة.

و قد رأيناه «صلى اللّه عليه و آله» قد اعتبر: أن كل من دخل في الإسلام طوعا فهو مهاجري(1) حسبما روي عنه.

و هذا بدوره إدانة أخرى لتلك السياسات التي انتهجها الخليفة الثاني بعده لصالح المهاجرين ضد الأنصار، بهدف تكريس الحكم في هذا الفريق الذي يهتم الخليفة الثاني بأمره، و يرسم لذلك الخطط، و يضع له المناهج.

و قد أشرنا إلى شيء مما حاق بالأنصار في الجزء الخامس من هذا الكتاب فليراجعه من أراد، و تحدثنا عن جانب من هذه السياسات في كتابنا «الحياة السياسة للإمام الحسن عليه السلام».

2 - إننا نلاحظ: أن هذه الوفود قد بدأت في السنة الخامسة، و ذلك يدل على: أن الناس قد بدأوا يشعرون بقوة الإسلام، و شوكته، و أصبح واضحا لديهم: أن قريشا، بكل جبروتها و قوتها و نفوذها قد باتت عاجزة عن تسديد ضربة قاضية لهذا الدين الجديد رغم أنها قد ألحقت بالمسلمين خسائر كبيرة في حرب أحد، و لكن تحرك النبي «صلى اللّه عليه و آله» في غزوة حمراء الأسد و في غيرها و حتى في حرب أحد بالذات قد ضيع عليها فرص تكريس النصر لها كما هو معلوم.

إذا، فقد كان من الطبيعي أن يظهر من يرغب بالإسلام إسلامه، دونما خوف أو وجل.

ص: 147


1- راجع: الجعفريات ص 185 و جامع أحاديث الشيعة ج 13 ص 207 عنه و مستدرك الوسائل ج 2 ص 268 عن روضة الكافي.

كما أن من الطبيعي أن يخطب أولئك الذي يعيشون في المنطقة ود المسلمين، و أن يعقدوا معهم معاهدات و إتفاقات توضح نوع و مستوى و منطلقات العلاقة بهم.

و هذه الوفود، و إن كانت قد ظهرت على نطاق واسع في سنة تسع من الهجرة أي بعد فتح مكة، و كسر شوكة قريش و القضاء على جبروتها،

و لكن بدء هذه الوفود و لو بصورة محدودة في السنة الخامسة، يدلل على وجود تحول حقيقي في ميزان القوى في المنطقة، ثم في نظرة الناس للإسلام، و المسلمين، و حساباتهم الدقيقة و تصوراتهم فيما يختص بالتعامل معه كقوة جديدة في المنطقة، و كدين جديد أيضا.

3 - قولهم: إن وفد بلال بن الحارث كان أول وفد مسلم إلى المدينة قد يكون موضع ريب و شك إذا أردنا أن نبحث هذا الموضوع بدقة و أناة، فلعل وفد ضمام بن ثعلبة كان قبله.

إلا أن يدّعى: أن ضماما لم يكن قد أسلم حينئذ.

و مهما يكن من أمر: فإن موضوع الوفود و سائر ما يتعلق به موكل إلى ما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

4 - و إذا كان بلال بن الحارث شابا في مقتبل العمر، لم يتجاوز الخمس و عشرين سنة(1) فإن نسبة هذا الوفد إليه، من بين سائر الرجال الذين رافقوه، و لعل الكثيرين منهم كانوا أسن منه، و قد يكون فيهم من هو من ذوي الشرف و الرياسة في تلك القبيلة،

ص: 148


1- الإصابة ج 1 ص 164.

نعم.. إن نسبة الوفد إلى هذا الشاب دون أي منهم يصبح بحاجة إلى مزيد من التأمل و التحقيق و التدبر.

5 - إن بلالا كان يسكن وراء المدينة(1) - كما يقولون - فلا بد من التأمل أيضا في سبب اعتبار قدومه إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله» وفادة عليه.

نسأل اللّه التوفيق لمزيد من البحث في ذلك في الوقت المناسب.

وفد ضمام بن ثعلبة:

قال الدياربكري: «و في هذه السنة قدم على رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» ضمام بن ثعلبة، من بني سعد بن بكر، و عليه جمع كثير من أكابر أهل السير.

لكن الحافظ ابن حجر، قال في فتح الباري: إن قدوم ضمام كان في السنة التاسعة، كما ذهب إليه محمد بن إسحاق، و سيجيء في الخاتمة»(2).

و نحن نوكل الحديث و التحقيق في ذلك إلى الحديث عن سنة تسع، و هي سنة الوفود إن شاء اللّه تعالى.

و إنما ذكرنا ذلك هنا متابعة لهم، و للإشارة إلى الموضع الذي نفضل إرجاء طرح هذه المسائل إلى حين بلوغه.

غدر مقيس بن حبابة:

قالوا: و في السنة الخامسة، قدم مقيس بن حبابة من مكة، متظاهرا

ص: 149


1- الإصابة ج 1 ص 164.
2- تاريخ الخميس ج 1 ص 470 و راجع: الإصابة ج 2 ص 211.

بالإسلام، فقال: يا رسول اللّه، جئتك مسلما، و جئتك أطلب دية أخي، قتل خطأ، فأمر له رسول اللّه بدية أخيه هشام بن حبابة، فأقام عند رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» غير كثير، ثم اعتدى على قاتل أخيه، فقتله، ثم رجع إلى مكة مرتدا(1).

و ذلك إن دل على شيء، فإنما يدل على: عدل الإسلام، و سماحته و تسامحه، و يظهر زيف و سقوط مناوئيه، و غدرهم.

و هو يعطي الصورة العملية عن أخلاقيات الإسلام و مناقبيته، و وفائه بالتزاماته.

و إلى جانب ذلك تظهر اللاأخلاقية و الفلتان و اللامبدئية الجاهلية.

أعاذنا اللّه من شرور أنفسنا، و هدانا إلى سواء السبيل.

ص: 150


1- راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 473، و تاريخ الأمم و الملوك ج 2 ص 609 و الكامل في التاريخ ج 2 ص 194 و 92 و 250.

الباب الثالث حتى بئر معونة

اشارة

الفصل الأول: سريتان ناجحتان

الفصل الثاني: مأساة الرجيع: نصوص و آثار

الفصل الثالث: حدث و نقد

الفصل الرابع: جثة خبيب

ص: 151

ص: 152

الفصل الأول: سريتان ناجحتان

اشارة

ص: 153

ص: 154

بداية:

هذا.. و قد كانت فيما بين أحد و الخندق العديد من السرايا و الغزوات و كانت لها نتائج إيجابية، على الصعيد السياسي العام و كذلك على الصعيد الاجتماعي، و العسكري و غير ذلك كما سنرى.

و حيث إن السرايا لم يكن النبي «صلى اللّه عليه و آله» يشارك فيها، و إنما كان يشارك في الغزوات فقط، فلسوف نحاول الفصل فيما بينهما في الحديث، و لسوف نهتم بالغزوات التي يشارك فيها النبي «صلى اللّه عليه و آله» بنفسه أكثر، لنستفيد من أقواله و مواقفه «صلى اللّه عليه و آله» الدروس و العظات و العبر، و لتكون لنا نهج حياة، و منار هداية، و دليل خير و فلاح.

و ليعلم: أن كثيرا مما يذكر في هذه الغزوات و السرايا، يحتاج إلى بحث و تمحيص، و قد لا نرى ضرورة كبيرة للمبادرة لتحقيقه و معالجته في هذه العجالة، توفيرا للفرصة لما هو أهم و أكثر ضرورة و إلحاحا.

فما نذكره هنا لا يدل على أننا نقطع بصحته، و إنما نذكره متابعة للمؤرخين، فليعلم ذلك.

و نذكر هذه السرايا حسب الترتيب الزمني، فيما ظهر لدينا، أو حسب ما نص عليه المؤرخون فنقول:

ص: 155

سرية أبي سلمة إلى قطن:

و يقولون: إنه في هلال المحرم، على رأس خمسة و ثلاثين شهرا من الهجرة،

و قيل: في آخر سنة ثلاث، على رأس أربعة و ثلاثين شهرا كانت سرية أبي سلمة، عبد اللّه بن عبد الأسد، إلى قطن(1)، و كان معه مئة و خمسون رجلا من الأنصار و المهاجرين، منهم: أبو عبيدة بن الجراح، و سعد بن أبي وقاص، و أسيد بن حضير، و سالم مولى أبي حذيفة، و غيرهم.

فإن رجلا من طيء، و قيل: من نفس الذين توجه أبو سلمة لغزوهم - و اسمه الوليد بن زهير بن طريف - و قيل: الوليد بن الزيه الطائي، و لعله تصحيف زهير، أو العكس - كان قد قدم المدينة لزيارة زينب الطائية ابنة أخيه، و زوجة طليب بن عمير - فأخبر صهره أن طليحة و سلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما و من أطاعهما يريدون أن يدنوا من المدينة لحرب رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله».

و قالوا: نسير إلى محمد في عقر داره، و نصيب من أطرافه؛ فإن لهم سرحا يرعى جوانب المدينة، و نخرج على متون الخيل، فقد أربعنا خيلنا - أي أرعيناها الربيع - و نخرج على النجائب المخبورة؛ فإن أصبنا نهبا لم

ص: 156


1- قطن: جبل بناحية فيد كذا في المواهب اللدنية و في غيره: ببلاد بني أسد على يمينك إذا فارقت الحجاز، و أنت صادر من النقرة، قال إسحاق: قطن: ماء من مياه بني أسد بنجد. راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 450 و عددا من المصادر الآتية في الهامش التالي.

ندرك، و إن لاقينا جمعهم كنا قد أخذنا للحرب عدتها؛ معنا خيل و لا خيل معهم، و معنا نجائب أمثال الخيل، و القوم منكوبون قد أوقعت بهم قريش، فهم لا يستبلون دهرا و لا يثوب لهم جمع.

فقال رجل منهم اسمه: قيس بن الحارث: يا قوم، و اللّه ما هذا برأي، ما لنا قبلهم وتر، و لا هم نهبة لمنتهب، إن دارنا لبعيدة من يثرب، ما لنا جمع كجمع قريش، مكثت قريش دهرا تسير في العرب تستنصرها، و لهم وتر يطلبونه، ثم ساروا و قد امتطوا الإبل، و قادوا الخيل، و حملوا السلاح، مع العدد الكثير، ثلاثة آلاف مقاتل سوى أتباعهم، و إنما جهدكم أن تخرجوا في ثلاث مئة رجل، إن كملوا، فتغررون بأنفسكم، و تخرجون من بلدكم، و لا آمن أن تكون الدائرة عليكم.

فكاد ذلك أن يشككهم في المسير، و هم على ما هم عليه بعد، فذهب به صهره إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله»؛ فأخبره كما أخبره.

و في رواية: أنهم كانوا قد جمعوا، و توجهوا إلى المدينة، ثم بدا لهم الرجوع، فرجعوا إلى منازلهم.

و عند البلاذري: كانوا قد جمعوا جمعا عظيما.

فبعث رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أبا سلمة، و أرسل معه نفس ذلك الرجل الذي أخبره بجمعهم، و قال «صلى اللّه عليه و آله» لأبي سلمة:

سر حتى تنزل أرض بني أسد، فأغر عليهم، قبل أن تلاقى عليك جموعهم.

فخرج، و كان الطائي دليلا خريتا - أي ماهرا - فأغذّ السير فسار بهم أربعا إلى قطن، و سلك بهم غير الطريق و عارض الطريق، و سار بهم ليلا و نهارا.

و في رواية أخرى: أنهم كان يسيرون في الليل و يكمنون في النهار

ص: 157

ليعمي عليهم الأخبار، فسبقوا الأخبار، و انتهوا إلى أدنى قطن، ماء من مياه بني أسد.

فتذكر رواية: أن أبا سلمة أغار على سرحهم و دوابهم و أصابوا ثلاثة أعبد، كانوا رعاة، و هرب الباقون، و أخبروا قومهم بمجيء أبي سلمة، و كثرة جيشه - و بتعبير الواقدي: و كثروه عندهم -.

فخافوا، و هربوا عن منازلهم في كل وجه، ثم ورد أبو سلمة، فوجد الجمع قد تفرق، و جعل أصحابه ثلاث فرق، فرقة أقامت، و فرقتان أغارتا في ناحيتين شتى، و أوعز إليهم ألا يمعنوا في طلب أحد، و ألا يفترقوا، و ألا يبيتوا إلا عنده، و استعمل على كل فرقة عاملا منهم؛ فآبوا إليه جميعا سالمين، و لم يلقوا أحدا، و جمعوا ما قدروا عليه من الأموال و رجعوا إلى المدينة.

و في رواية أخرى: أنه لقيهم فقاتلهم، فظفر و غنم، و أنه قتل عروة بن مسعود (الصحيح: مسعود بن عروة) في هذه الغزوة على ما قاله أبو عبيدة البكري.

و أن أبا سلمة لما ورد قطن، وجدهم قد جمعوا جمعا، فأحاط بهم أبو سلمة في عماية الصبح، فوعظ القوم و رغبهم في الجهاد، و أوعز إليهم في الإمعان في الطلب، و ألف بين كل رجلين، فانتبه الحاضر قبل حملة القوم عليهم، فتهيأوا و أخذوا السلاح، أو أخذه بعضهم، فقتل سعد بن أبي وقاص رجلا منهم، و قتل رجل منهم مسعود بن عروة، فحازه المسلمون إليهم، حتى لا يسلب من ثيابه، ثم حمل المسلمون فانكشف المشركون، و تفرقوا في كل وجه، ثم أخذ أبو سلمة ما خف لهم من متاع القوم، و لم يكن في المحلة ذرية، ثم انصرفوا راجعين إلى المدينة، حتى إذا كانوا من الماء على

ص: 158

مسيرة ليلة أخطأوا الطريق، فهجموا على نعم لهم، فيها رعاؤهم، فاستاقوا النعم و الرّعاء، فكانت غنائمهم سبعة أبعرة.

و في رواية: أنهم لما أخطأوا الطريق.. استأجروا دليلا فقال لهم: أنا أهجم بكم على نعم؛ فما تجعلون لي منه ؟

فقالوا: الخمس.

قال: فدلهم على النعم، و أخذ خمسه.

و في نص آخر: أن أبا سلمة أعطى الدليل الطائي ما أرضاه، و عزل للنبي «صلى اللّه عليه و آله» عبدا، (صفي المغنم)، ثم خمسها، و قسم الباقي على السرية، فبلغ سهم كل واحد سبعة أبعرة، و أغناما.

و كانت مدة غيبتهم عشرة أيام، و قيل: أكثر من ذلك(1).

ملاحظات لا بد منها:

و لنا على ما تقدم ملاحظات، هي:

ألف: إن النص المتقدم يقول: إن سرية أبي سلمة إلى قطن قد كانت في هلال المحرم، على رأس خمسة و ثلاثين شهرا من الهجرة.

ص: 159


1- راجع فيما تقدم المصادر التالية: مغازي الواقدي ج 1 ص 341-346 و تاريخ الخميس ج 1 ص 450 و المحبر ص 117 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 121، 122 و البداية و النهاية ج 4 ص 61 و 62 و أنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله») ص 374، 375 و المواهب اللدنية ج 1 ص 100 و طبقات ابن سعد ج 2 قسم 1 ص 35 و سيرة مغلطاي ص 51 و السيرة الحلبية ج 3 ص 164 و 165 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 254.

و نقول:

أولا: إن من الواضح: أن هجرة الرسول الأعظم و الأجلّ الأكرم «صلى اللّه عليه و آله» قد كانت في شهر ربيع الأول.

و هذا معناه: أن سرية أبي سلمة كانت على رأس أربعة و ثلاثين شهرا، إلا إذا كان المقصود: أنها كانت في أول الشهر الخامس و الثلاثين كما هو الأولى.

ثانيا: إنها إذا كانت في أول المحرم، فلا يمكن أن تكون في أول السنة الرابعة، إلا بنحو من المسامحة، و زيادة شهرين، لأن الهجرة كانت في ربيع الأول، كما قلنا، و كان هو أول السنة، و تغييره إلى المحرم إنما كان من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بعد سنوات طويلة.

فمن قال: إنها كانت في أول الرابعة فقد اعتمد التاريخ الذي وضعه عمر بن الخطاب، و تسامح بإضافة شهرين.

و من قال: إنها كانت في أواخر الثالثة فقد اعتمد التاريخ الأصيل الذي وضعه النبي «صلى اللّه عليه و آله» و الذي يكون أول السنة فيه هو ربيع الأول، و يكون كلامه أكثر دقة و انسجاما مع الواقع.

ثالثا: إن كون سرية أبي سلمة هذه قد كانت سنة ثلاث في آخرها، أو في أول سنة أربع، لا يتلاءم مع القول بأن أبا سلمة قد توفي سنة اثنتين و لا مع القول بأنه قد توفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث، حسبما قدمناه، حين الكلام على وفاته.

رابعا: إنه قد تقدم في المجلد الخامس من هذا الكتاب بعض القرائن التي تفيد أنه توفي سنة اثنتين، و هو ما ذهب إليه البعض، حسبما ألمحنا حين

ص: 160

الكلام على وفاته.

و قد ذكرنا في الجزء الخامس: أن أم سلمة قد حضرت زفاف فاطمة كزوجة للنبي، إلا أن تكون أم سلمة قد حضرت هذا الزفاف كامرأة من النساء و يكون المراد ببيت أم سلمة: البيت الذي صار لها فيما بعد. و إن كان ذلك خلاف الظاهر. حيث إن النبي «صلى اللّه عليه و آله» إنما كان يبني لزوجاته البيوت بعد زواجه بهن، و لأنه يظهر من الرواية: أنه «صلى اللّه عليه و آله» كان يتعامل معها كزوجة، كما ألمحنا إليه فيما تقدم. و اللّه هو العالم بحقيقة الحال.

ب: يلاحظ: أن الرواية المتقدمة تقول: إن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» قد أمر أبا سلمة بالإغارة عليهم بغتة، قبل أن يعلموا أو يجمعوا الجيش.

و لعل ذلك يرجع إلى أنهم كانوا قد بادروا هم إلى نصب العداء للمسلمين، و جمع الجموع للإغارة على المدينة، فأصبحوا من المحاربين، الذين لا بد من كسر شوكتهم، و دفع غائلتهم، و لم يعد لهم أمان، و لا حرمة، و لا عهد. فلا مانع من تربص غفلتهم، و الإغارة عليهم بغتة، فإنما: «على نفسها جنت براقش»، و لا يعتبر ذلك غدرا بهم، و لا تجنيا عليهم، فإن المحارب إذا قصر في الاحتياط لنفسه، لا يكون معذورا، و لا يجب على غيره أن ينوب عنه في ذلك.

و من جهة ثانية: فإن هذا الأمر من شأنه أن يقلل من حجم الخسائر في الأرواح في صفوف المسلمين، و حتى في صفوف المشركين أيضا.

كما أن من شأنه أن يعود بالفائدة الكبيرة على المسلمين من الناحية

ص: 161

الاقتصادية - كما يتضح من حجم الغنائم التي حصلوا عليها - و يضعف عدوهم من هذه الناحية أيضا، و بالتالي فإنه يربك خطط العدو و خطواته في مجال التآمر على المسلمين، و ضربهم، و يؤجل كثيرا من المشاكل، و الأخطار إلى أجل مسمى، الأمر الذي ربما يحمل معه الكثير من المستجدات، التي قد لا يبقى معها مجال للحرب، و لا للخصومة على الإطلاق.

و لعل ما ذكره ابن سعد من قول الرسول «صلى اللّه عليه و آله» لأبي سلمة: سر حتى تنزل أرض بني أسد فأغر عليهم قبل أن تلاقى عليك جموعهم(1)، يشير إلى الأمرين السابقين.

ج: إن ذلك يعطينا: أنه لا مانع من المبادرة إلى أعمال وقائية، تمنع الأعداء من تسديد الضربات القاسية للمؤمنين، ما دام العدو بصدد ذلك، و يعد العدة له.

أضف إلى ذلك: أن غزو المسلمين في عقر دارهم يضعف أمرهم، و يوهن عزمهم، و يطمع فيهم أعداءهم.

أما إذا بادروا هم إلى مبادءة أعدائهم في عقر دارهم، فإن ذلك أبعد للسمع، و أنكى للعدو، و أقوى لقلوب المسلمين.

د: لعل الرواية الأخيرة أقرب إلى الصواب، إذا ثبت أن مسعود بن

ص: 162


1- الطبقات ج 2 قسم 1 ص 35 و مغازي الواقدي ج 1 ص 341 و السيرة الحلبية ج 1 ص 164.

عروة أو عروة بن مسعود قد قتل في هذه الغزوة: كما نص عليه البعض(1).

كما و يلاحظ: دقة نصوصها و تفصيلاتها، و لعلها لا تأبى عن الجمع بينها و بين الرواية الأخرى التي لا تخلو من شيء من الإجمال.

إغتيال سفيان بن خالد:

و تعرف بسرية عبد اللّه بن أنيس.

و يقولون: إن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» قد بعث عبد اللّه بن أنيس - وحده - إلى قتل سفيان بن خالد، و في الإكتفاء و المواهب اللدنية:

خالد بن سفيان، حيث بلغ رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أنه يجمع الجموع لحرب المسلمين، و ضوى إليه بشر كثير من أفناء الناس.

فخرج عبد اللّه بن أنيس إليه ليقتله، فرواية تقول: لقيه و هو في ظعن يرتاد لهن منزلا، فسأله عن نفسه، فأخبره بأنه رجل من العرب سمع بجمعه لهذا الرجل أي النبي فجاءه لذلك، فقال: أجل، أنا في ذلك.

فمشى معه شيئا، حتى إذا أمكنته الفرصة قتله، و ترك ظعائنه مكبات عليه.

و عند البلاذري: أنه قتله و هو نائم. و يبدو أنه ناظر إلى ما جاء في الطبقات و غيره، عن ابن أنيس قال: «و استأذنت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أن أقول، فأذن لي، فخرجت، و أخذت سيفي، و خرجت أعتزي إلى خزاعة - و في السيرة الحلبية و الواقدي: أن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»

ص: 163


1- راجع: مغازي الواقدي و غيره مما تقدم، و أسد الغابة ج 4 ص 359 عن ابن إسحاق، و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 3 ص 448.

أمره بالانتساب إليها - حتى إذا كنت ببطن عرنة(1) لقيته يمشي و وراءه الأحابيش، و من ضوى إليه».

فمشى معه، و حدثه بما هو قريب مما تقدم، و فيه أنه استحلى حديث ابن أنيس، حتى انتهى إلى خبائه؛ و تفرق عنه أصحابه، حتى إذا هدأ الناس و ناموا، اغتررته فقتلته، و أخذت رأسه، ثم دخلت غارا في جبل، و ضربت العنكبوت عليّ الخ..

ثم صار يسير بالليل و يكمن بالنهار حتى قدم بالرأس على النبي، فوضعه بين يديه، و كانت مدة غيبته ثمانية عشر يوما.

و يذكر أيضا: أن النبي «صلى اللّه عليه و آله» أعطاه بهذه المناسبة عصا ليتخصر بها في الجنة، فأوصى أهله، حتى لفوها في كفنه - أو بين جلده و كفنه - و دفنوها معه.

كما أنه هو نفسه قد ذكر: أنه حينما رأى خالدا، و كان قد دخل وقت صلاة العصر، خشي أن يكون له معه ما يشغله عن الصلاة، فصلى و هو يمشي نحوه، و يومي برأسه.

أما بالنسبة لتاريخ هذه القصة، فقد ذكرها المؤرخون في السنة الرابعة يوم الإثنين لخمس خلون من المحرم، على رأس خمسة و ثلاثين شهرا من الهجرة، و رجع يوم السبت لسبع بقين من المحرم.

و عند الواقدي: في المحرم على رأس أربعة و خمسين شهرا.

و عند البلاذري: سنة ست، و في الوفاء: في الخامسة، بعد غزوة بني

ص: 164


1- بطن عرنة: واد بعرفة، و ليس من الموقف.

قريظة و ذكره المسعودي في التنبيه و الإشراف بلفظ: قيل.

و بعض أهل السير أوردها بعد سرية عاصم بن ثابت، و قال: إنه - يعني سفيان بن خالد - كان سببا لقصة الرجيع التي قتل فيها عاصم و أصحابه.

فتكون قصة قتل سفيان بعد سرية الرجيع(1).

ملاحظات على ما تقدم:

و لنا هنا ملاحظات:

ألف: بالنسبة لمدى اعتبار الرواية، نشير إلى:

1 - إن الملاحظ: هو أن المؤرخين و المحدثين إنما يروون هذه الحادثة الهامة عن خصوص بطلها عبد اللّه بن أنيس، و ذلك أمر ملفت للنظر حقا:

فلماذا لم ترو عن غيره يا ترى ؟!

هذا مع ملاحظة: أنه يحاول إعطاء نفسه بعض الأوسمة البراقة، مثل قوله عن نفسه: إنه كان لا يهاب الرجال.

ص: 165


1- راجع قضية سفيان و ابن أنيس إجمالا أو تفصيلا في المصادر التالية: تاريخ الخميس ج 1 ص 450 و 451 و مغازي الواقدي ج 2 ص 531-533 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 267 و المحبر ص 119 و زاد المعاد ج 2 ص 109 و أنساب الأشراف (قسم سيرة النبي «صلى اللّه عليه و آله») ص 376 و المواهب اللدنية ج 1 ص 100 و السيرة الحلبية ج 3 ص 164 و 165 و طبقات ابن سعد ج 2 قسم 1 ص 35 و 36 و تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 74 و سيرة مغلطاي ص 51 و 52 و الإصابة ج 2 ص 279 عن أبي داود و غيره و الإكتفاء ج 2 ص 417-419 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 254 و 255.

أو قوله: فاستحلى حديثي، أو قصة تخصره بالعصا في الجنة، أو نحو ذلك. مما يظهر من تتبع نصوص الرواية في المصادر المشار إليها في الهامش آنفا و غيرها.

2 - إننا نلاحظ: أنه يدخل غارا، ثم يحدث له نفس ما حدث للنبي «صلى اللّه عليه و آله» حين هجرته، من نسج العنكبوت عليه؛ ثم يأتي رجل، و معه إداوة ضخمة، و نعلاه في يده، و كان ابن أنيس حافيا، و كان أهم أمره عنده العطش، فوضع إداوته و نعله، و جلس يبول على فم الغار، ثم قال لأصحابه: ليس في الغار أحد، فانصرفوا راجعين، فخرج عبد اللّه و أخذ النعلين، و شرب من الإداوة و لم يره أحد فطلبهما صاحبهما بعد ذلك فلم يجدهما فرجع إلى قومه، ثم سار عبد اللّه نحو المدينة(1).

و هذه هي نفس الأمور التي حدثت للنبي «صلى اللّه عليه و آله» في غار ثور حين هجرته، لا ندري كيف عادت و تكررت لابن أنيس دون سواه!! و من دون أي تفاوت أو تغيير تقريبا.

و يلاحظ أيضا: أن هذا الرجل يحاول أن ينسب قتل سلام بن أبي الحقيق اليهودي لنفسه أيضا: كما سنرى.

3 - إن الرواية - رغم أنها عن شخص واحد، و هو نفسه بطلها - وردت مختلفة النصوص إلى حد التنافي، كما يظهر من ملاحظة ما تقدم.

4 - إن هذه الرواية تقول: إن عبد اللّه بن أنيس قد حمل رأس سفيان إلى

ص: 166


1- مغازي الواقدي ص 533 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 254 و 255 و السيرة الحلبية ج 3 ص 165.

النبي «صلى اللّه عليه و آله».

و لكن قد جاء عن الزهري قوله: «لم يحمل إلى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» رأس إلى المدينة قط»(1).

و قد جعل الحلبي قصة حمل رأس سفيان و كعب بن الأشرف إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله» ردا على الزهري، و إبطالا لقوله(2).

و نقول: إن ذلك ليس بأولى من العكس، بل العكس هو الأولى، ما دام الزهري بصدد تكذيب ما نقل من ذلك. فلو لا أنه بحث عن ذلك و استقصاه، و سأل عنه، لما حكم بهذا الحكم القاطع.

و لا سيما بملاحظة أن ناقل إحدى القصتين رجل واحد، هو نفس بطلها، إلى آخر ما تقدم من وجوه الوهن في القصة.

ب: بالنسبة لتاريخ الرواية، و كونها على رأس خمسة و ثلاثين شهرا، في السنة الرابعة، فقد قلنا بعض ما يرتبط بذلك حين الكلام على سرية أبي سلمة إلى قطن.

كما أننا قدمنا آنفا: أن هذا التاريخ محل نظر، و لا بد أن تكون بعد سرية الرجيع، و هي بعد التاريخ الآنف الذكر.

و مهما يكن من أمر: فقد تكلمنا حول الاغتيالات في الجزء السادس من هذا الكتاب فما بعده، فلا نعيد.

ج: و لو أننا أغمضنا النظر عما تقدم، ففي الرواية دلالة على جواز

ص: 167


1- السيرة الحلبية ج 3 ص 165.
2- المصدر السابق.

التبرك بآثاره «صلى اللّه عليه و آله».

و حتى لو فرضنا: أن الرواية المتقدمة غير صحيحة من الأساس، فإن قبول المؤرخين القدامى هذا الأمر - «التبرك» - و إدراجه في كتبهم، من دون اعتراض عليه، أو تسجيل ملاحظة حوله يشير إلى أنهم كانوا لا يرون هذا التبرك شركا باللّه سبحانه، و لا خروجا عن الدين.

و قد تحدث العلامة البحاثة الشيخ علي الأحمدي «رحمه اللّه» حول هذا الموضوع بإسهاب في كتابه القيم: التبرك، تبرك الصحابة و التابعين بآثار الأنبياء و الصالحين فليراجعه من أراد.

د: لقد ذكر البعض(1): أن قبيلة هذا الرجل و هي هذيل كان لها خصومات دامية مع خزاعة(2).

فكيف يمكن لابن أنيس أن يدّعي: أنه من خزاعة، ثم يثق به سفيان بن خالد؟!

ص: 168


1- محمد في المدينة ص 135.
2- راجع مغازي الواقدي ج 2 ص 843 و 844 و 845 و 846.

الفصل الثاني: مأساة الرجيع: نصوص و آثار

اشارة

ص: 169

ص: 170

يوم الرجيع كما يرويه المؤرخون:

قالوا: إنه في سنة ثلاث، بعد أحد، قدم على رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» رهط من عضل، و القارة، فقالوا: يا رسول اللّه، إن فينا إسلاما؛ فابعث معنا نفرا من أصحابك، يفقهوننا في الدين، و يقرؤوننا القرآن و يعلموننا شرائع الإسلام.

فبعث «صلى اللّه عليه و آله» معهم نفرا، ستة من أصحابه، و هم:

1 - مرثد بن أبي مرثد الغنوي، حليف حمزة بن عبد المطلب.

2 - خالد بن البكير الليثي.

3 - عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح.

4 - خبيب بن عدي الأسدي.

5 - زيد بن الدثنة.

6 - عبد اللّه بن طارق.

و أمر عليهم: مرثد بن أبي مرثد، و خرجوا مع القوم، حتى إذا كانوا على الرجيع - ماء لهذيل بناحية الحجاز بين عسفان و مكة - غدروا بهم، فاستصرخوا عليهم هذيلا، فلم يرع القوم، و هم في رحالهم، إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم.

ص: 171

فأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم، فقالوا لهم: إنا و اللّه ما نريد قتلكم، و لكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة، و لكم عهد اللّه و ميثاقه: أن لا نقتلكم.

فأما مرثد بن أبي مرثد، و خالد بن البكير، و عاصم بن ثابت، فقالوا:

و اللّه، لا نقبل من مشرك عهدا، و لا عقدا أبدا.

ثم ارتجز عاصم أبياتا ذكرها ابن هشام في السيرة، ثم قاتل القوم حتى قتل، و قتل صاحباه.

فأرادت هذيل أخذ رأس عاصم، ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد، و كانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد: لئن قدرت على رأس عاصم، لتشر بن في قحفه الخمر، فمنعته الدبر - أي الزنابير و النحل - فقالوا: دعوه حتى يمسي فتذهب عنه، فنأخذه، فبعث اللّه سيلا، فاحتمل عاصما، فذهب به.

و كان عاصم قد أعطى اللّه عهدا: أن لا يمسه مشرك، و لا يمس مشركا أبدا، تنجسا، فكان عمر بن الخطاب يقول حين بلغه أن الدّبر منعته: يحفظ اللّه العبد المؤمن، كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك، و لا يمس مشركا أبدا في حياته، فمنعه اللّه بعد وفاته، كما امتنع منه في حياته.

و أما زيد بن الدثنة، و خبيب بن عدي، و عبد اللّه بن طارق، فلانوا و رقوا، و رغبوا في الحياة، فأعطوا أيديهم، فأسروهم، ثم خرجوا بهم إلى مكة، ليبيعوهم بها حتى إذا كانوا بالظهران - واد قرب مكة - انتزع عبد اللّه بن طارق يده من الحبل الذي كان قد ربط به، ثم أخذ سيفه، و استأخر عنه القوم، فرموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره - «رحمه اللّه» - بالظهران.

ص: 172

و أما خبيب بن عدي، و زيد بن الدثنة، فقدموا بهما إلى مكة.

قال ابن هشام: فباعو هما من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة.

قال ابن إسحاق: فابتاع خبيبا حجير بن أبي إهاب التميمي، حليف بني نوفل، لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل، و كان أبو إهاب أخا للحارث بن عامر لأمه، ليقتله بأبيه.

و أما زيد بن الدثنة، فابتاعه صفوان بن أمية، ليقتله بأبيه أمية بن خلف.

و بعث به صفوان مع مولى له، يقال له: نسطاس إلى التنعيم - موضع بين مكة و سرف على فرسخين من مكة - و أخرجوه من الحرم ليقتلوه.

و اجتمع رهط من قريش، فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان، حين قدم ليقتل: أنشدك اللّه يا زيد، أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك، نضرب عنقه، و أنك في أهلك ؟

قال: و اللّه ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه أن تصيبه شوكة تؤذيه، و أني جالس في أهلي.

قال: يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا.

ثم قتله نسطاس، يرحمه اللّه.

و أما خبيب بن عدي، فقد حدثت ماوية، (أو مارية) مولاة حجير بن أبي إهاب، قالت: كان خبيب بن عدي حبس في بيتي، فلقد اطلعت عليه يوما، و إن في يده لقطفا من عنب، مثل رأس الرجل، يأكل منه، و ما أعلم في أرض اللّه عنبا يؤكل.

ص: 173

و قالت أيضا: قال لي حين حضره القتل: ابعثي إليّ بحديدة أتطهر بها للقتل.

قالت: فأعطيت غلاما من الحي الموسى، فقلت: أدخل بها على هذا الرجل البيت.

قالت: فما هو إلا أن ولى الغلام بها إليه.

فقلت: ماذا صنعت ؟! أصاب - و اللّه - الرجل ثأره بقتل هذا الغلام فيكون رجلا برجل.

فلما ناوله الحديدة أخذها من يده، ثم قال: لعمرك، ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلي ؟ ثم خلى سبيله.

قال ابن هشام: و يقال: إن الغلام ابنها «و سماه بعضهم: أبا حسين بن الحارث بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، كما في شرح المواهب».

قال ابن إسحاق: ثم خرجوا بخبيب، حتى إذا جاؤوا به إلى التنعيم ليصلبوه، طلب منهم السماح له بصلاة ركعتين، فسمحوا له، فصلاهما، ثم قال لهم: أما و اللّه لو لا أن تظنوا: أني إنما طولت جزعا من القتل، لاستكثرت من الصلاة.

فكان خبيب بن عدي أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين.

قال: ثم رفعوه على خشبة فلما أو ثقوه، قال: اللهم إنّا قد بلغنا رسالة رسولك، فبلغه الغداة ما يصنع بنا.

ثم قال: اللهم احصهم عددا، و اقتلهم بددا، و لا تغادر منهم أحدا، ثم قتلوه «رحمه اللّه».

ص: 174

فكان معاوية بن أبي سفيان يقول: حضرته يومئذ فيمن حضره مع أبي سفيان؛ فلقد رأيته يلقيني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب.

و كانوا يقولون: إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه زالت عنه.

قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد اللّه بن الزبير، عن أبيه عباد، عن عقبة بن الحارث، قال: سمعته يقول: ما أنا - و اللّه - قتلت خبيبا، لأني كنت أصغر من ذلك. و لكن أبا ميسرة أخا بني عبد الدار، أخذ الحربة، فجعلها في يدي، ثم أخذ بيدي، و بالحربة، ثم طعنه بها حتى قتله.

و كان عمر بن الخطاب قد استعمل سعيد بن عامر بن حذيم على بعض الشام، و كانت تصيبه غشية، فقيل لعمر، فسأله عن ذلك، فقال: إنه كان فيمن حضر خبيبا حين قتل، و سمع دعوته، فكان إذا ذكرها غشي عليه.

قال ابن هشام: أقام خبيب في أيديهم حتى انقضت الأشهر الحرم، ثم قتلوه.

و روي عن ابن عباس: أن المنافقين قالوا في هذه المناسبة: يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا، لا هم قعدوا في أهليهم، و لا هم أدّوا رسالة صاحبهم.

فأنزل اللّه تعالى في ذلك من قول المنافقين، و ما أصاب أولئك النفر من الخير بالذي أصابهم، فقال سبحانه: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا أي لما يظهر من الإسلام بلسانه وَ يُشْهِدُ اَللّٰهَ عَلىٰ مٰا فِي قَلْبِهِ و هو مخالف بما يقول بلسانه وَ هُوَ أَلَدُّ اَلْخِصٰامِ أي ذو جدال إذا كلمك و راجعك.

ص: 175

و قال ابن إسحاق: قال تعالى: وَ إِذٰا تَوَلّٰى سَعىٰ فِي اَلْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهٰا وَ يُهْلِكَ اَلْحَرْثَ وَ اَلنَّسْلَ وَ اَللّٰهُ لاٰ يُحِبُّ اَلْفَسٰادَ أي لا يجب عمله و لا يرضاه، وَ إِذٰا قِيلَ لَهُ اِتَّقِ اَللّٰهَ أَخَذَتْهُ اَلْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ اَلْمِهٰادُ، وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ رَؤُفٌ بِالْعِبٰادِ(1).

يعني: قد شروا أنفسهم من اللّه بالجهاد في سبيله، و القيام بحقه، حتى هلكوا على ذلك يعني تلك السرية.

ثم ذكر خبيبا حين بلغه أن القوم اجتمعوا لصلبه، قال:

لقد جمع الأحزاب حولي و ألبوا *** قبائلهم و استجمعوا كل مجمع

ثم ذكر عدة أبيات.

و لكن ابن هشام قال: و بعض أهل العلم بالشعر ينكرها له.

ثم ذكر خمسة أبيات لحسان بن ثابت يبكي بها خبيبا، أولها:

ما بال عينك لا ترقى مدامعها *** سحا على الصدر مثل اللؤلؤ القلق

و أبياتا أخرى ستة، أولها:

يا عين جودي بدمع منك منسكب *** و ابك خبيبا مع الفتيان لم يؤب

ثم قال ابن هشام: و هذه القصيدة مثل التي قبلها، و بعض أهل العلم بالشعر ينكرهما لحسان، و قد تركنا أشياء قالها حسان في أمر خبيب لما ذكرت.

قال ابن إسحاق: و كان الذين أجلبوا على خبيب في قتله حين قتل من قريش: عكرمة بن أبي جهل، و سعيد بن أبي عبد اللّه بن أبي قيس بن عبد

ص: 176


1- الآيات 203-206 من سورة البقرة.

ود، و الأخنس بن شريق الثقفي، و عبيدة بن حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي، حليف بني أمية بن عبد شمس، و أمية بن أبي عتبة، و بنو الحضرمي.

ثم ذكر عدة مقطوعات شعرية لحسان يبكي فيها خبيبا أو يهجو هذيلا، و المقطوعة الأخيرة، و هي خمسة أبيات، أولها:

صلى الإله على الذين تتابعوا *** يوم الرجيع، فأكرموا و أثيبوا

ثم قال ابن هشام: «و أكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسان».

كان ما تقدم سردا لقضية يوم الرجيع، حسبما يريد ابن هشام أن يصورها لنا(1).

ص: 177


1- راجع فيما تقدم: السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 178-193 و راجع: الإكتفاء للكلاعي ج 2 ص 134-141 و طبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج 2 ص 55 و 56 و ج 8 ص 302 و البدء و التاريخ ج 4 ص 209-211 و تاريخ الطبري (ط دار المعارف) ج 2 ص 538-542 و العبر و ديوان المبتدأ و الخبر ج 2 القسم الثاني ص 27 و البداية و النهاية ج 4 ص 62 و أنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله») ج 1 ص 375 و الكامل في التاريخ ج 2 ص 167 و مغازي الواقدي ج 1 ص 354 و تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 158 و تاريخ الخميس ج 1 ص 454 - 458 و زاد المعاد ج 2 ص 109 و تاريخ الإسلام للذهبي (قسم المغازي) ج 1 ص 187 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 255 و 256 و السيرة الحلبية لابن كثير ج 3 ص 123 و الأغاني ج 4 ص 225-227 و المواهب اللدنية ج 1 ص 100 - 103 و قصة خبيب في الإستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 429-432 و حلية الأولياء ج 1 ص 113 و الروض الأنف ج 3 ص 234 و الاشتقاق ص 442.

و لسوف نجد: أن ثمة نصوصا أخرى تخالف ما ذكر، و لسوف يتضح بعض الأمر في المناقشات التالية.

رأينا في الرواية:

و نقول:

إننا لا نملك دليلا قاطعا يجعلنا نخضع لصحة هذا الحدث، و نستسلم لواقعيته بصورة نهائية.

بل لدينا الكثير من الموارد المثيرة لأكثر من سؤال، و لا سيما فيما يتعلق ببعض التفاصيل التي أشارت إليها الروايات المختلفة. و هي من الكثرة بحيث نكاد نشكك في أصل هذه السرية.

و قد رأينا أن نقسم الحديث عن هذه السرية إلى قسمين، ثم عززناهما بثالث.

أولهما: يتناول بشيء من التفصيل التناقضات الظاهرة فيما بين النصوص المختلفة التي بحوزتنا.

الثاني: يتعرض لمناقشة طائفة من الموارد التي جاءت في هذه النصوص، و إبطالها، وفقا لما يتوفر لدينا من وسائل، تعطينا القدرة على ذلك.

أما القسم الثالث: فقد تعرضنا فيه للرواية التي تتحدث عن إنزال خبيب عن خشبته التي صلب عليها، حسبما نرى.

فإلى ما يلي من مطالب و فصول.

تناقضات في روايات الرجيع:

إن روايات سرية الرجيع، ثم ما جرى لحبيب و صاحبيه، و كذلك ما

ص: 178

يرتبط بإنزال جثة خبيب، لا تكاد تتفق على شيء، فهي متنافرة، و متدابرة بصورة عجيبة و غريبة.

الأمر الذي يشير إلى وجود تعمد للكذب و الوضع، و التصرف و التحريف، بحيث أصبح من الصعب تحديد نتيجة واضحة لا لبس فيها في هذا المجال.

بل إن هذه التناقضات الواضحة تكاد تجعلنا نشك في مجمل ما يذكرونه هنا، سوى أننا لا نجرؤ على نفي الموضوع من أساسه، و لا ضير في أن يكون ثمة أشخاص قد قتلهم ناس من عضل و القارة(1) و لا نمانع في أن يكون خبيب و صاحبه قد قتلهما أهل مكة.

و ما عدا ذلك فهو مشكوك فيه، إن لم نقل إن فيه الكثير مما نقطع بأنه مكذوب و موضوع، أو محرف عن عمد، أو عن غير عمد كما سنرى.

و إذا أردنا أن نلم بطائفة من هذه التناقضات، فإننا نشير إلى ما يلي:

ألف: بالنسبة لتاريخ سرية الرجيع، نجد: أن معظم المؤرخين يذكرون قضية الرجيع في صفر سنة أربع(2) مع أن عددا آخر يذكرها في سنة ثلاث

ص: 179


1- عضل (بفتحتين): بطن من بني الهون بن خزيمة، بن مدركة، بن إلياس، بن مضر، ينسبون إلى عضل بن الديش. و القارة (بتخفيف الراء): بطن من الهون أيضا، و ينسبون إلى الديش المذكور، و القارة: أكمة سوداء فيها حجارة كأنهم نزلوا عندها فسمعوا بها.
2- راجع: البداية و النهاية ج 4 ص 62 و أنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله») ج 1 ص 375 و الكامل في التاريخ ج 2 ص 167 و مغازي الواقدي ج 1 ص 354 و تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 158 و تاريخ الخميس ج 1 ص 33 و تاريخ الإسلام للذهبي (قسم المغازي) ج 1 ص 187 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 255 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 123 و تاريخ الطبري (ط دار المعارف) ج 2 ص 538 و العبر و ديوان المبتدأ و الخبر ج 2 ق 2 ص 27 و راجع: المواهب اللدنية ج 1 ص 100 و التنبيه و الإشراف ص 212 و عمدة القاري ج 17 ص 166.

بعد غزوة أحد(1).

و في نص آخر: أنهم انطلقوا بخبيب و زيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة، بعد وقعة بدر(2).

ب: و بينما نجد بعض النصوص تشير إلى: أن غزوة الرجيع كانت بعد بئر معونة، التي كانت في محرم(3).

فإن البعض يذكر: أن خبرهما (بئر معونة، و الرجيع) قد جاء إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله» في ليلة واحدة(4).

و نص ثالث: يشير إلى أن أهل مكة قد اشتروا خبيبا و ابن الدثنة في ذي

ص: 180


1- الإكتفاء للكلاعي ج 2 ص 134 و تاريخ الخميس ج 2 ص 454 عن ابن إسحاق و راجع: البدء و التاريخ ج 4 ص 209 و فتح الباري ج 7 ص 290 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 429 و بهجة المحافل ج 1 ص 217 و راجع: المواهب اللدنية ج 1 ص 100 عن ابن إسحاق و العبر و ديوان المبتدأ و الخبر ج 1 قسم 2 ص 27 و كتاب الجامع للقيرواني ص 278 و عمدة القاري ج 17 ص 166 عن ابن التين.
2- أسد الغابة ج 2 ص 104 و صحيح البخاري ج 2 ص 115 و مسند أحمد ج 2 ص 294 و صفة الصفوة ج 1 ص 620 و حلية الأولياء ج 1 ص 112.
3- راجع: المصادر المتقدمة في الهوامش السابقة.
4- راجع: المصادر المتقدمة في الهوامش السابقة.

القعدة، فحبسوهما حتى خرجت الأشهر الحرم، ثم أخرجوهما، فقتلوهما(1).

و رابع عن أنس يذكر: أنه لما أصيب خبيب بعث رسول اللّه السبعين إلى حي من بني سليم، فقتلوا جميعا(2).

ج: و فيما يرتبط بسبب بعث السرية، فقد تقدم أن نفرا من عضل و القارة قد طلبوا من النبي «صلى اللّه عليه و آله»: أن يرسل معهم من يفقههم في الدين، لأن فيهم إسلاما، فأرسلهم معهم، فغدروا بهم.

و في رواية: أنه «صلى اللّه عليه و آله» أراد أن يبعث عيونا إلى مكة؛ ليأتوه بخبر قريش، فلما طلب منه هؤلاء النفر ذلك بعث معهم ستة نفر للأمرين جميعا(3).

و تفصل إحدى الروايات في سبب إقدام هؤلاء النفر على الطلب من النبي «صلى اللّه عليه و آله» فتقول: إن بني لحيان بعد قتل سفيان بن خالد، قد جعلوا لعضل و القارة إبلا على أن يكلموا رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أن يخرج إليهم نفرا من أصحابه، يدعونهم إلى الإسلام، «فنقتل من

ص: 181


1- راجع: مغازي الواقدي ج 1 ص 357 و السيرة الحلبية ج 3 ص 166 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 256 و راجع: طبقات ابن سعد ج 2 ص 37 و 56 و راجع: السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 131 و البداية و النهاية ج 4 ص 67 و تاريخ الخميس ج 1 ص 456.
2- راجع: كنز العمال ج 10 ص 371 و 372 عن الطبراني، و أبي عوانة و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 195 و 196.
3- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 255 و مغازي الواقدي ج 1 ص 354 و فتح الباري ج 7 ص 291 و عمدة القاري ج 17 ص 167 و 168.

قتل صاحبنا، و نخرج بسائرهم إلى قريش بمكة، فنصيب بهم ثمنا». فقدم سبعة نفر مظهرين الإسلام الخ..(1).

و لكن رواية أخرى تذكر: أنه «صلى اللّه عليه و آله» قد أرسلهم عيونا إلى مكة، فساروا يكمنون النهار، و يسيرون بالليل، خوفا من قريش و هذيل، و ذلك قرب وقعة أحد، و قتل سفيان بن خالد الهذلي(2).

و عن اليعقوبي: بعد أن ذكر خروجهم مع أولئك النفر، قال: «فلما كانوا على ماء يقال له: الرجيع لهذيل، خرج بعض الناس، حتى انتهى إلى هذيل، فقال:

«إن ههنا نفرا من أصحاب محمد، هل لكم أن نأخذهم، و نسلبهم، و نبيعهم من قريش ؟! فما راع إلا الرجال الخ..»(3).

و عن البغوي: أن قريشا بعثوا إلى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و هو

ص: 182


1- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 255 و عمدة القاري ج 17 ص 168.
2- راجع: السيرة الحلبية ج 3 ص 165 و 166 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 255 و راجع: زاد المعاد ج 2 ص 109 عن موسى بن عقبة، و البداية و النهاية ج 4 ص 62 و 63 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 123 و 125 و تاريخ الإسلام للذهبي (قسم المغازي) ج 1 ص 187 و 189 و بهجة المحافل ج 1 ص 218 و فتح الباري ج 7 ص 291 و حلية الأولياء ج 1 ص 112 و صفة الصفوة ج 1 ص 619 و صحيح البخاري ج 2 ص 114 و ج 3 ص 18 و أسد الغابة ج 2 ص 103 و مسند أحمد ج 2 ص 284 و 310 و تاريخ الخميس ج 1 ص 451 و راجع: شرح السير الكبير ج 10 ص 387.
3- تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 70.

بالمدينة: إنا قد أسلمنا، فابعث إلينا نفرا من علماء أصحابك يعلموننا دينك، و كان ذلك مكرا منهم، فبعث رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أصحاب السرية إليهم(1).

د: بالنسبة لعدد عناصر السرية، نقول: إن البعض يصرح بأنهم كانوا تسعة(2).

و ذكرت الرواية المتقدمة في عدد من مصادرها: أن عدد أفراد السرية هو ستة نفر و قد تقدمت أسماؤهم.

و لعل هذا القول و الذي قبله واحد، لأن الكتابة في السابق لم يكن لها نقط، و ستة و سبعة في الرسم متقاربان.

و لكننا نجد رواية أخرى تزيد فيهم: معتب بن عبيد(3).

و زاد ابن سعد: ربيعة بن الحارث(4).

و بعضهم زاد: مغيث بن عوف(5).

و قال البخاري و غيره: كانوا عشرة رجال(6).

ص: 183


1- شرح بهجة المحافل للأشخر اليمني ج 1 ص 218 عن تفسير البغوي.
2- التنبيه و الإشراف ص 212.
3- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 255 و طبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج 2 ص 55 و ج 3 ص 455 و مغازي الواقدي ج 1 ص 355 و ص 357 و شرح بهجة المحافل ج 1 ص 218 و تاريخ الخميس ج 1 ص 454 و فتح الباري ج 7 ص 291.
4- طبقات ابن سعد ج 4 قسم 1 ص 33.
5- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 255 و راجع: فتح الباري ج 7 ص 291.
6- راجع: صحيح البخاري ج 2 ص 114 و ج 4 ص 177 و مسند أحمد ج 2 ص 294 و الأغاني ج 4 ص 228 و الروض الأنف ج 3 ص 233 عن البخاري و تاريخ الخميس ج 1 ص 454 و فتح الباري ج 7 ص 291 و الإصابة ج 1 ص 418 و أسد الغابة ج 2 ص 103 و زاد المعاد ج 2 ص 291 و طبقات ابن سعد ج 2 ص 55 و تاريخ الأمم و الملوك (ط دار المعارف) ج 2 ص 540 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 125 و 126 و البداية و النهاية ج 4 ص 63 و 64 و تاريخ الإسلام للذهبي قسم المغازي ج 1 ص 187 و مغازي الواقدي ج 1 ص 355 و بهجة المحافل ج 1 ص 218 و السيرة الحلبية ج 3 ص 165.

و البعض يذكر: أنهم عشرة، و لكنه يذكر أسماء سبعة منهم و يسكت(1).

ه: بالنسبة لأمير السرية أيضا نقول:

قد تقدم: أنه «صلى اللّه عليه و آله» قد أمّر على السرية: مرثد بن أبي مرثد(2).

ص: 184


1- طبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج 2 ص 55 و صفة الصفوة ج 1 ص 619 و حلية الأولياء ج 1 ص 112 و هامش كتاب الجامع للقيرواني ص 278 عن البخاري و عمدة القاري ج 17 ص 166 و 167.
2- العبر و ديوان المبتدأ و الخبر ج 2 قسم 2 ص 27 و زاد المعاد ج 2 ص 109 و تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 70 و راجع: طبقات ابن سعد ج 2 ص 55 و الإكتفاء ج 2 ص 134 و السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 179 و تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 158 و تاريخ الأمم و الملوك (ط دار المعارف) ج 2 ص 538 و راجع: الكامل في التاريخ ج 2 ص 167 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 126 و البداية و النهاية ج 4 ص 63 و تاريخ الإسلام للذهبي ج 1 ص 189 قسم المغازي، و مغازي الواقدي ج 1 ص 355 و أنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله») ج 1 ص 375 و راجع: السيرة الحلبية ج 1 ص 165 بلفظ قيل، و كذا لدى بعض من تقدم، و تاريخ الخميس ج 1 ص 454 و فتح الباري ج 7 ص 291 و المواهب اللدنية ج 1 ص 100 عن ابن إسحاق و عمدة القاري ج 17 ص 166 و 168.

و لكن في عدد من المصادر: أنه «صلى اللّه عليه و آله» قد أمر عليها عاصم بن ثابت(1).

و ذكر ابن سعد: أن ربيعة بن الحارث كان أميرا في سرية الرجيع(2).

و: و بالنسبة لكيفية اكتشاف أمر السرية:

ذكرت الرواية المتقدمة: أن الذين كانوا مع السرية قد غدروا بهم؛ فاستصرخوا هذيلا عليهم، فلم يرعهم و هم في رحالهم إلا و الرجال بأيديهم السيوف، قد غشوهم، فأخذوا السيوف ليقاتلوهم الخ..

و لكن النص الآخر يقول: إنهم خرجوا عيونا، فلما نزلوا بالرجيع، أكلوا تمرة عجوة، فسقط نواه في الأرض، فجاءت امرأة من هذيل، ترعى غنما؛ فرأت النوى، فأنكرت صغرهن، و قالت: هذا تمر يثرب، فصاحت

ص: 185


1- طبقات ابن سعد ج 2 ص 55 و تاريخ الأمم و الملوك للطبري (ط دار المعارف) ج 2 ص 540 و الكامل في التاريخ ج 2 ص 167 و البداية و النهاية ج 4 ص 62 - 64 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 123 و 125 و 126 و تاريخ الإسلام للذهبي قسم المغازي ج 1 ص 187 و مغازي الواقدي ج 1 ص 355 بلفظ: يقال، و كذا في أنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله») ج 1 ص 375 و السيرة الحلبية ج 3 ص 165 و 170 و 171 و تاريخ الخميس ج 1 ص 454 و 455 و صححه و رجحه السهيلي، فراجع: فتح الباري ج 7 ص 291 و الإصابة ج 1 ص 418 و أسد الغابة ج 1 ص 103 و صحيح البخاري ج 2 ص 114 و ج 3 ص 18 و مسند أحمد ج 2 ص 284 و 310 و صفة الصفوة ج 1 ص 620 و حلية الأولياء ج 1 ص 112 و الأغاني ج 4 ص 228 و المواهب اللدنية ج 1 ص 100 و 101 عن الصحيح، و التنبيه و الإشراف ص 212.
2- طبقات ابن سعد ج 4 قسم 1 ص 33.

في قومها، و قالت: قد أتيتم من قبل العدو، فجاؤوا في طلبهم، و اتبعوا آثارهم، فلما أحسوا بهم التجأوا إلى جبل كان هناك؛ فأحاطوا بهم، و قالوا لكم العهد و الميثاق إن نزلتم إلينا: أن لا نقتل منكم رجلا، فنزلوا إليهم الخ..(1).

أما ابن الوردي فلا يشير إلى هذيل أصلا، فهو يقول: «فلما وصلوا إلى الرجيع.. غدروا بهم و قاتلوهم الخ..»(2).

و عند البلاذري، بعد ذكر ادعاء هذيل الإسلام على سبيل المكيدة: «فلما صاروا إليهم، غدروا، و كثروهم، فقتل مرثد الخ..»(3).

ز: بالنسبة لعدد المهاجمين للسرية: نجد رواية تقول: إنهم كانوا مائة رام.

و أخرى تقول: إنهم كانوا مائتي رام(4).

و رواية تفسير البغوي تقول: ركب سبعون رجلا معهم الرماح، حتى

ص: 186


1- راجع: السيرة الحلبية ج 3 ص 166 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 255 و راجع: شرح بهجة المحافل ج 1 ص 218 و تاريخ الخميس ج 1 ص 455 و فتح الباري ج 7 ص 292 و راجع: أسد الغابة ج 2 ص 103 و صحيح البخاري ج 2 ص 114 و راجع: ج 3 ص 18 و مسند أحمد ج 2 ص 284 و 310 و صفة الصفوة ج 1 ص 620 و حلية الأولياء ج 1 ص 112 و الأغاني ج 4 ص 228 و المواهب اللدنية ج 1 ص 101.
2- تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 185.
3- أنساب الأشراف ج 1 ص 375 (قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله»).
4- راجع: المواهب اللدنية ج 1 ص 101 و سائر المصادر المتقدمة و شرح السير الكبير ج 10 ص 388.

أحاطوا بهم(1).

ح: ثم إنهم قد رووا: أن عاصم بن ثابت قد قتل رجلا، و جرح رجلين(2)، و لكن رواية أخرى تقول: إنه كان عنده سبعة أسهم، فقتل بكل سهم رجلا من عظمائهم(3).

ط: و بالنسبة لمعرفة المسلمين بعدوهم، تقدم: أن المسلمين لم يشعروا بعدوهم إلا و قد غشيهم في رحالهم.

بينما نجد رواية أخرى تذكر: أنهم قد شعروا بعدوهم فالتجأوا إلى جبل كان هناك، فأحاطوا بهم(4).

و رواية تصرح: بأن الجميع كانوا كامنين في الجبل، فلما أحاطوا بهم و طلبوا منهم النزول لم ينزل سوى خبيب، و زيد، و ابن طارق، و أبى عاصم النزول، و اقتدى به أصحابه و رماهم بنبله حتى فني، ثم قاتلهم بالسيف،

ص: 187


1- راجع: شرح بهجة المحافل ج 1 ص 218 و راجع: تاريخ الخميس.
2- مغازي الواقدي ج 1 ص 356 و تاريخ الخميس ج 1 ص 455.
3- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 256 و راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 455 و راجع: شرح بهجة المحافل ج 1 ص 218.
4- الكامل في التاريخ ج 2 ص 167 و تاريخ الأمم و الملوك ج 2 ص 240 و البداية و النهاية ج 4 ص 62 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 123 و بهجة المحافل ج 1 ص 218 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 255 و 256 و تاريخ الإسلام للذهبي (قسم المغازي) ج 1 ص 187 و راجع: السيرة الحلبية ج 3 ص 166 و سائر المصادر التي تقدمت حين الكلام عن اكتشاف أمر السرية بواسطة الامرأة الهذلية التي كانت ترعى غنما.

حتى قتل، و قتل أصحابه(1).

و أخرى تقول: بل هؤلاء الثلاثة فقط هم الذين رقوا الجبل(2).

ي: و بالنسبة لمن قتلوا مع عاصم:

فإن الرواية المتقدمة تذكر: أن رجلين فقط قد قتلا مع عاصم، و هما:

مرثد، و خالد بن بكير.

بينما نجد النص الآخر يقول: إن المقتولين كانوا أربعة فيضيف إليهم:

معتب بن عبيد(3).

و في نص آخر: أنهم قتلوا سبعة، و بقي ثلاثة، و أنهم قتلوهم بالنبل(4).

ك: قد تقدم: أن عاصما قد حمته الدبر، ثم جاء سيل فاحتمله، فذهب به.

و زاد في نص آخر: أن السيل احتمل عاصما إلى الجنة(5).

لكن في نص آخر: أن اللّه حماه بالدبر، فارتدوا عنه، حتى أخذه

ص: 188


1- راجع: المصادر المتقدمة.
2- راجع: السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 255.
3- مغازي الواقدي ج 1 ص 355.
4- السيرة النبوية لابن كثير ج 1 ص 123 و البداية و النهاية ج 4 ص 62 و تاريخ الإسلام للذهبي (قسم المغازي) ج 1 ص 187 و بهجة المحافل ج 1 ص 218 و شرحه بهامش نفس الصفحة و السيرة الحلبية ج 3 ص 166 و تاريخ الخميس ج 1 و ج 3 ص 118 و أسد الغابة ج 2 ص 103 و صحيح البخاري ج 2 ص 114 ص 455 و 456 و مسند أحمد ج 2 ص 294 و 310 و صفة الصفوة ج 1 ص 620 و حلية الأولياء ج 1 ص 220 و راجع: التنبيه و الإشراف ص 212.
5- بهجة المحافل ج 1 ص 220 و تاريخ الخميس ج 1 ص 455.

المسلمون فدفنوه(1).

ل: بالنسبة لعبد اللّه بن طارق، نقول:

تذكر الرواية المتقدمة: أن عبد اللّه بن طارق استأسر مع رفيقيه، و ساروا بهم حتى إذا بلغوا الظهران - واد قرب مكة - انتزع يده من الحبل الذي ربط به، ثم أخذ سيفه، و قاتلهم، فرموه بالحجارة حتى قتلوه؛ فقبره بمر الظهران.

و لكن رواية أخرى تقول: إنهم حين أسروه أرادوا ربطه، فاعتبر ذلك أول الغدر منهم، و رضي بأن يقتل إلى جانب عاصم و رفاقه؛ فكان ذلك(2).

أما ابن الوردي: فقال: «فهرب طارق(3) في الطريق، و قاتل، إلى أن قتلوه بالحجارة»(4).

ص: 189


1- تاريخ الخميس ج 1 ص 455 و حياة الحيوان ج 1 ص 297.
2- تاريخ الأمم و الملوك (ط دار المعارف) ج 2 ص 540 و الأغاني ج 4 ص 288 و فيهما: أنهم و هم يوثقون الأسرى جرحوا أحدهم، فاعتبر ذلك عبد اللّه بن طارق أول الغدر، و راجع: السيرة الحلبية ج 3 ص 166 و السيرة النبوية لدحلان ج 2 ص 256 و راجع: زاد المعاد ج 2 ص 109 و صفة الصفوة ج 1 ص 620 و حلية الأولياء ج 1 ص 112 و الكامل في التاريخ ج 2 ص 167 و البداية و النهاية ج 4 ص 62 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 124 و تاريخ الإسلام للذهبي (قسم المغازي) ج 1 ص 187 و بهجة المحافل ج 1 ص 218 و تاريخ الخميس ج 1 ص 456 و أسد الغابة ج 2 ص 104 و صحيح البخاري ج 2 ص 114 و 115 و ج 3 ص 18 و مسند أحمد ج 2 ص 294 و 310.
3- الظاهر أن الصحيح: ابن طارق.
4- تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 158.

و لكن الواقدي ذكر: أن قوله لهم: هذا أول الغدر، قد كان بمر الظهران(1).

م: تقول الرواية المتقدمة: إن الذي اشترى خبيبا هو حجير بن أبي إهاب، اشتراه لعقبة بن الحارث، ليقتله بأبيه.

و لكن ثمة رواية تقول: اشتراه عقبة و أبو سروعة، و أخوهما لأمهما حجير بن أبي إهاب، حليف بني نوفل(2).

و رواية ثالثة تقول: اشترته ابنة الحارث بن عامر بن نوفل(3).

و رابعة تقول: إشترك في شرائه: أبو إهاب، و عكرمة بن أبي جهل، و الأخنس بن شريق، و عبيدة بن حكيم بن الأوقص، و أمية بن أبي عصمة أو عتبة، و بنو الحضرمي، و صفوان بن أمية، و زاد البعض: شعبة بن عبد اللّه(4).

و خامسة تقول: إن عقبة بن الحرث اشترى خبيبا من بني النجار(5).

و رواية سادسة تقول: اشترته ابنة أبي سروعة، و اشترك معها ناس(6).

و سابعة تقول: إشتراه بنو الحارث بن نوفل(7).

ص: 190


1- مغازي الواقدي ج 1 ص 357.
2- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 256.
3- مغازي الواقدي ج 1 ص 357 و عمدة القاري ج 17 ص 100.
4- الإصابة ج 1 ص 418 و 419 و الإستيعاب بهامشه ج 1 ص 431 و أسد الغابة ج 2 ص 104 و عمدة القاري ج 17 ص 100.
5- الإستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 431.
6- عمدة القاري ج 17 ص 100.
7- عمدة القاري ج 17 ص 100 و 168 و صحيح البخاري ج 3 ص 18.

ن: و عن سبب شراء هؤلاء لخبيب نجد الرواية المتقدمة تقول: إنهم أرادوا أن يقتلوه بالحارث بن عامر، الذي كان خبيب قد قتله يوم بدر.

لكن رواية أخرى تقول: إن الذي قتله خبيب في بدر هو عامر بن نوفل(1).

س: بالنسبة للذي اشترى زيد بن الدثنة، قالوا: «إشتراه صفوان بن أمية، بخمسين فريضة (أي جملا)، فقتله بأبيه.

و يقال: إنه شرك فيه أناس من قريش..»(2).

ع: بالنسبة لثمن الأسرى، نجد الرواية المتقدمة تقول: إنهم باعوا زيد بن الدثنة و خبيبا بأسيرين من هذيل كانا بمكة.

و لكن رواية أخرى تقول: إنهم أرادوا أسر أفراد السرية ليسلموهم لقريش، و يأخذوا في مقابلهم مالا، لعلمهم بأنه لا شيء أحب لقريش من أن يؤتوا ببعض أصحاب محمد «صلى اللّه عليه و آله»، يمثلون به، و يقتلونه بمن قتل منهم ببدر(3).

و ذلك يفسر لنا أننا نجد رواية أخرى تقول: إنهم باعوا خبيبا بأمة سوداء(4).

ص: 191


1- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 256.
2- مغازي الواقدي ج 1 ص 357 و راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 456 و عمدة القاري ج 17 ص 100.
3- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 255.
4- السيرة الحلبية ج 3 ص 66 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 256 و تاريخ الخميس ج 1 ص 456 و عمدة القاري ج 17 ص 166.

و ثالثة تقول: إنهم باعوه بثمانين مثقال ذهب.(1)

و رابعة تقول: بمائة من الإبل(2).

و خامسة: بخمسين فريضة(3)، و هي البعير.

و بالنسبة لثمن زيد بن الدثنة قيل: بيع بخمسين من الإبل أيضا(4). كما تقدم.

ف: قد صرحت الرواية المتقدمة: أن المرأة التي حبس عندها خبيب هي: ماوية (أو مارية)(5)، مولاة حجير بن أبي إهاب، زوجة موهب، مولى آل نوفل، كما ذكره البعض.

و لكن نصوصا أخرى تقول: إنه كان عند امرأة اسمها جويرية(6).

و في نص ثالث: أن عقبة بن الحارث سجنه في داره(7).

و في نصوص أخرى: أنه كان عند بنات الحارث(8)

ص: 192


1- مغازي الواقدي ج 1 ص 357 و عمدة القاري ج 17 ص 100.
2- مغازي الواقدي ج 2 ص 357 و تاريخ الخميس ج 1 ص 456 و عمدة القاري ج 17 ص 100.
3- المصادر السابقة.
4- تاريخ الخميس ج 1 ص 456 و السيرة الحلبية ج 3 ص 166.
5- لعل هذا الاختلاف ناشئ من الخطأ و الاشتباه في قراءة رسم الخط.
6- فتح الباري ج 7 ص 293 و عمدة القاري ج 17 ص 168 عن ابن بطال.
7- الإستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 431 و أسد الغابة ج 2 ص 104.
8- تاريخ الأمم و الملوك (ط دار المعارف) ج 2 ص 540 و الكامل لابن الأثير ج 2 ص 167 و البداية و النهاية ج 4 ص 63 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 124 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ج 1 ص 188 و الأغاني ج 4 ص 228.

ص: بالنسبة لزيد بن الدثنة، يقولون: إن صفوان بن أمية حبسه عند ناس من بني جمح.

و في مقابل ذلك يقال: حبسه عند نسطاس، غلامه(1).

ق: تقول الرواية المتقدمة: إن مولاة حجير قد أرسلت بالمدية إلى خبيب مع غلام من الحي.

و لكن الرواية الأخرى تقول: إن الغلام كان ابنها.

ر: و قد سمته عدة من المصادر ب «أبي حسين».

و بما أن أم أبي حسين هذا هي أمامة بنت خليفة بن النعمان بن بكر بن وائل، فإن مصعب الزبيري جعل القضية بينه و بين حاضنته(2).

أما السهيلي، فسماه: «أبا عيسى بن الحارث بن عدي بن نوفل بن عبد مناف».

قال الزبير: و هو جد عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي حسين، الذي يروي عنه مالك(3).

و لكن ابن حزم سماه: «أبا حسنين»(4)، و لعله تصحيف حسين.

ش: في الرواية المتقدمة: أن هذا الغلام كان كبيرا إلى حد أن المرأة خافت أن يقتله، فيكون رجلا برجل.

و لكن الرواية الأخرى تقول: إنه كان صبيا صغيرا، قد درج، فما

ص: 193


1- راجع في القولين: مغازي الواقدي ج 1 ص 357 و راجع: ص 361.
2- نسب قريش ص 205.
3- الروض الأنف ج 3 ص 234.
4- جمهرة أنساب العرب ص 116.

شعرت إلا و هو في حجر خبيب(1).

ت: و الرواية المتقدمة تقول: إنها أرسلت إليه بالسكين مع ذلك الغلام.

و الرواية الأخرى تقول: إنها هي التي أعطته الحديدة، ثم درج ابنها فجلس في حجره.

ث: و صرحت بعض النصوص: أن خبيبا قد استعار الموسى من زينب بنت الحرث و أن الصغير كان لها(2).

و أخرى: أنه استعاره من مولاة حجير.

ملاحظة: جمع العسقلاني بين الروايتين، بأن من الممكن أن يكون قد طلب الموسى من كلا المرأتين، فأوصله إليه ابن هذه، و جلس في حجره ابن

ص: 194


1- راجع: تاريخ الأمم و الملوك (ط دار المعارف) ج 2 ص 540 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 256 و الكامل في التاريخ ج 2 ص 167 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 124 و البداية و النهاية ج 4 ص 63 و تاريخ الإسلام للذهبي (قسم المغازي) ج 1 ص 188 و شرح بهجة المحافل ج 1 ص 219 و السيرة الحلبية ج 3 ص 167 و تاريخ الخميس ج 1 ص 456 و فتح الباري ج 7 ص 293 و نسب قريش ص 205 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 430 و أسد الغابة ج 2 ص 104 و صحيح البخاري ج 2 ص 115 و ج 3 ص 19 و مسند أحمد ج 2 ص 294 و 310 و صفة الصفوة ج 1 ص 620 و حلية الأولياء ج 1 ص 112 و الأغاني ج 4 ص 228 و المواهب اللدنية ج 1 ص 101 و جمهرة أنساب العرب ص 116.
2- راجع المصادر المتقدمة باستثناء: نسب قريش و الإستيعاب و راجع أيضا: عمدة القاري ج 17 ص 168.

الأخرى(1).

و لكنه جمع باطل، لأن الرواية تصرح: بأنها هي بنفسها قد ناولته الموسى، ثم رأت ولدها في حجره، و الرواية الأخرى تصرح: بأنها أرسلته مع غلام من الحي، ثم خافت على نفس ذلك الغلام بالذات.

أضف إلى ذلك: أنه قد تقدم عن مصعب الزبيري: أن أم أبي حسين هي أمامة بنت خليفة، و ليست هي بنت الحرث كما لا يخفى(2).

هذا بالإضافة إلى: أن أبا عمر قد ذكر رواية ثالثة، و هي أن خبيبا قد طلب الحديدة من امرأة عقبة بن الحارث فأعطته إياها(3).

خ: و الرواية المتقدمة تصرح: بأن مولاة حجير هي التي رأت خبيبا يأكل العنب، و لم يكن ثمة عنب في تلك المنطقة.

و لكن الرواية الأخرى تصرح: بأن بنت الحرث - و سمتها بعض المصادر ب «زينب» - هي التي رأت ذلك منه كما روته ماوية نفسها عن زينب(4).

ملاحظة ثانية: لقد اعتذر البعض: بأن من الممكن أن تكون ماوية و زينب معا قد رأتا عنقود العنب في يد خبيب و أن يكون قد حبس في بيت ماوية، و كانت زينب تحرسه(5).

ص: 195


1- فتح الباري ج 7 ص 294.
2- نسب قريش ص 205.
3- الإستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 432 و راجع عمدة القاري ج 17 ص 168.
4- راجع المصادر الكثيرة المتقدمة لحديث إعطاء المرأة الحديدة لخبيب ثم درج ابنها فجلس في حجره، و ذلك في الفقرة رقم ش
5- فتح الباري ج 7 ص 293 و عمدة القاري ج 17 ص 168.

و لكن لماذا ترويه ماوية عن زينب، و لا ترويه عن نفسها، كما في بعض الروايات.

ذ: ذكرت الرواية المتقدمة: أن هذيلا أرادت قطع رأسه فحمته الدبر.

و في رواية أخرى: أن قريشا أو قيسا أرادت شيئا من لحمه فحمته الدبر(1).

و يذكر البلاذري: أنهم أرادوا إحراق عاصم، فحمته الدبر، ثم احتمله السيل(2).

و في رابعة: أنهم أرادوا أن يصلبوه، فحمته الدبر(3).

و في خامسة: أنهم أرادوا أن يمثلوا به، فحمته الدبر(4).

و حسبنا ما ذكرناه من التناقضات، فإن فيها كفاية، لمن أراد الرشد و الهداية.

ص: 196


1- راجع: تاريخ الأمم و الملوك (ط دار المعارف) ج 2 ص 240 و الأغاني ج 4 ص 228، و راجع: المواهب اللدنية ج 1 ص 102 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 124، 125 و البداية و النهاية ج 4 ص 63 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ج 1 ص 188 و بهجة المحافل ج 1 ص 220 و السيرة الحلبية ج 3 ص 170 و تاريخ الخميس ج 1 ص 655 و أسد الغابة ج 2 ص 104 و صحيح البخاري ج 5 ص 115 و ج 3 ص 19 و مسند أحمد ج 2 ص 295 و 311.
2- أنساب الأشراف ج 1 ص 375 (قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله»).
3- الأغاني ج 4 ص 224.
4- تاريخ الخميس ج 1 ص 455.

الفصل الثالث: حدث و نقد

اشارة

ص: 197

ص: 198

بداية:

و بعد ما تقدم؛ فإن لنا على كثير من الفقرات التي أوردتها روايات هذه السرية العديد من الملاحظات و الإيرادات التي تبقى بلا جواب.

و نحن نورد ذلك فيما يلي:

سبب غزوة الرجيع:

قد تقدم: أن ثمة نصا يقول: إن بني لحيان - بعد قتل صاحبهم سفيان بن خالد - أرادوا الانتقام له ممن قتله، فكلموا قبيلتي عضل و القارة، و طلبوا منهما أن يذهبوا إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله»، و يخدعوه؛ ليرسل معهم بعض أصحابه، ليقتلوا من قتل صاحبهم، و يبيعوا الباقين من قريش، فكان ما كان، و فعلوا فعلتهم حسبما تقدم(1).

ص: 199


1- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 255 و راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 451 و السيرة الحلبية ج 3 ص 165، 166 و زاد المعاد ج 2 ص 109 و البداية و النهاية ج 4 ص 62 و 63 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 123 و 125 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ج 1 ص 187 و 189 و بهجة المحافل ج 1 ص 218 و فتح الباري ج 7 ص 291 و حلية الأولياء ج 1 ص 112 و صفة الصفوة ج 1 ص 619 و صحيح البخاري ج 2 ص 114 و ج 3 ص 18 و أسد الغابة ج 2 ص 103 و مسند أحمد ج 2 ص 284 و 310.

و نقول: إن ذلك لا يصح، و ذلك لما يلي:

ألف: قد تقدم: أنه «صلى اللّه عليه و آله» أرسلهم عيونا إلى مكة، فاكتشفت هذيل أمرهم.

و ثمة روايات أخرى تفيد: أن هذيلا لم تكن تعلم بأمرهم قبل ذلك، فراجع الفقرة (ج) من حديثنا الآنف حول تناقضات الرواية.

ب: هناك نص آخر يقول: إن سفيان بن خالد نفسه هو الذي قتل أصحاب الرجيع حينما علم بهم(1).

ج: قد تقدم: أن تاريخ غزوة الرجيع، إما هو سنة ثلاث بعد غزوة أحد، أو في صفر سنة أربع(2).

و الأصح، هو الأول و ذلك لأن بعض النصوص تصرح: بأن أهل مكة قد اشتروا خبيبا، و ابن الدثنة في ذي القعدة فحبسوهما حتى خرجت الأشهر الحرم، ثم أخرجوهما، فقتلوهما(3).

و من الواضح: أن قتل سفيان بن خالد قد كان بعد ذلك، و ذلك: لما يلي:

ص: 200


1- السيرة الحلبية ج 3 ص 166.
2- راجع: ما ذكرناه حول تناقضات الرواية الفقرة رقم: ألف.
3- راجع: مغازي الواقدي ج 1 ص 357 و السيرة الحلبية ج 3 ص 166 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 256 و طبقات ابن سعد ج 2 ص 56 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 131 و البداية و النهاية ج 4 ص 67 و تاريخ الخميس ج 1 ص 456.

1 - إن بعض الروايات تقول: إن سفيان قتل لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة و ثلاثين شهرا من الهجرة(1).

2 - بل لقد أورد البعض قصة سفيان بن خالد في السنة الخامسة، بعد غزوة بني قريظة(2) و لا شك في أن قصة الرجيع قد كانت قبل ذلك.

3 - إن الحافظ البيهقي قد ذكر في الدلائل: قتل سفيان بعد مقتل أبي رافع(3) فإذا انضم ذلك إلى ما يظهر من ابن إسحاق من أن مقتل أبي رافع كان بعد الخندق و قريظة(4):

فإن النتيجة تكون: أن قتل سفيان قد كان بعد هاتين الغزوتين أيضا، أما قصة الرجيع، فلا شك في سبقها على ذلك.

4 - قال البلاذري: «و سرية عبد اللّه بن أنيس، من ولد البرك بن وبرة، عداده في جهينة، في المحرم سنة ست، إلى سفيان بن خالد بن نبيح»(5).

ص: 201


1- راجع: السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 254 و المواهب اللدنية ج 1 ص 100 و سيرة مغلطاي ص 51 و طبقات ابن سعد ج 2 ص 50 و تاريخ الخميس ج 1 ص 450 و التنبيه و الإشراف ص 212.
2- تاريخ الخميس ج 1 ص 451 عن الوفاء و المحبر ص 119 و ذكره بلفظ قيل في التنبيه و الإشراف ص 212.
3- السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 267 و البداية و النهاية ج 4 ص 140.
4- السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 261 و البداية و النهاية ج 4 ص 137.
5- أنساب الأشراف ج 1 ص 376 (قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله»).
جثة عاصم و ما قيل حولها:

تقول الرواية المتقدمة: إنهم أرادوا قطع رأس عاصم بن ثابت، ليبيعوه من سلافة بنت سعد، فحمته الدبر منهم (أي من بني لحيان الهذليين)، ثم احتمله السيل في المساء.

و نقول:

1 - إننا نجد عند أبي الفرج: أن حيا من قيس، (و عند غيره: أن حيا من قريش)، قد أرسلوا إلى عاصم ليؤتوا من لحمه بشيء، و قد كان لعاصم فيهم آثار بأحد، فبعث اللّه عليه دبرا فحمت لحمه(1).

و معنى ذلك هو: أن السيل لم يكن قد احتمل عاصما، حسبما ذكرته الرواية المتقدمة.

و اعتذار العسقلاني و غيره عن ذلك: بأن من الممكن أن لا تكون قريش قد علمت بحماية الزنابير له من هذيل، أو شعرت بذلك، لكن رجت أن تكون الزنابير قد تركته(2)،

هذا الاعتذار لا يجدي في دفع ما ذكرناه، لأن الرواية المتقدمة تذكر: أن

ص: 202


1- تاريخ الأمم و الملوك (ط دار المعارف) ج 2 ص 540 و الأغاني ج 4 ص 228 و راجع: المواهب اللدنية ج 1 ص 102 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 124 و 125 و البداية و النهاية ج 4 ص 63 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ج 1 ص 188 و بهجة المحافل ج 1 ص 220 و السيرة الحلبية ج 3 ص 170 و تاريخ الخميس ج 1 ص 455 و أسد الغابة ج 2 ص 104 و صحيح البخاري ج 2 ص 115 و ج 3 ص 19 و مسند أحمد ج 2 ص 395 و 311.
2- فتح الباري ج 7 ص 295 و السيرة الحلبية ج 3 ص 170.

السيل قد احتمل عاصما في مساء ذلك اليوم الذي أرادت هذيل قطع رأسه فيه فحمته الدبر.

و زاد في بعض الروايات: أن ذلك السيل قد احتمل معه خمسين من المشركين إلى النار أيضا كما تقدم(1).

2 - لا ندري لماذا جاء ذلك السيل الذي احتمل عاصما ليلا، و لم يأت نهارا؟! فهل خشي على نفسه من هذيل أن يعرفوه، و يعاقبوه بعد ذلك ؟

و لماذا اكتفى بحمل خمسين من المشركين، و لم يحمل بقيتهم، و يخلص الناس من شرهم ؟!

و لماذا لم يعتبروا بما جرى، و أصروا على أسر خبيب و أصحابه، ثم قدموا بهم إلى مكة، حتى جرى عليهم ما جرى ؟!

ألم يكن الأنسب أن يطلقوا سراح أسراهم، و يعتذروا إليهم ؟!

ألم يكن الأجدر بهم أن يرجعوا إلى أنفسهم، و يعرفوا: أن دعوة عاصم و أصحابه صحيحة و محقة، فيقبلوا بها و يعتنقوها، و يعتذروا لنبي الإسلام عما صدر منهم ؟! و لا أقل من أن يفعل بعضهم ذلك، أو يختلفوا فيما بينهم لأجله!!

و قريش أيضا: لماذا لم تعتبر بما رأته من الكرامة لعاصم، فترجع إلى نفسها، و تصدق بالحق، أو يصدق بعض رجالها به ؟!

3 - إن بعض الروايات تصرح: بأن المسلمين قد دفنوا عاصما بعد أن

ص: 203


1- تاريخ الخميس ج 1 ص 455 و شرح بهجة المحافل ج 1 ص 220 عن البغوي.

حمته الدبر(1)، و معنى ذلك هو: أن السيل لم يحتمله، إلا أن يكون قد احتمله ثم أرجعه إليهم!!

كما أننا لم نعرف من أين جاء المسلمون إلى عاصم ليدفنوه، فهل هم خبيب و أصحابه الأسرى الذين لم يكن يمكنهم القيام بأي عمل من دون إذن آسريهم ؟

أم أنهم مسلمون آخرون كانوا حاضرين، و لكنهم لم يشاركوا في المعركة و لم يدافعوا عن إخوانهم ؟!

عاصم ليس قاتل عقبة:

لقد ذكروا: أن العظيم الذي قتله عاصم يوم بدر، هو عقبة بن أبي معيط، قتله صبرا بأمر النبي «صلى اللّه عليه و آله»، بعد منصرفهم من بدر(2).

و لكن ذلك لا يصح؛ إذ قد تقدم: أن عليا «عليه السلام»: هو الذي قتل عقبة هذا بأمر من رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»(3).

و قال معاوية للوليد بن عقبة في صفين يحرضه على علي «عليه السلام»:

ص: 204


1- تاريخ الخميس ج 1 ص 455.
2- المواهب اللدنية ج 1 ص 102 و 87 و السيرة النبوية لابن هشام و مغازي الواقدي ج 1 ص 148 و 282 و 138 و البحار ج 19 ص 347 و عمدة القاري ج 17 ص 99 و 169 و فتح الباري ج 7 ص 240.
3- راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج 2 ص 298 بلفظ قيل، و البحار ج 19 ص 260 و تفسير القمي ج 1 ص 269، و من دون ترديد و كذا في الدر المنثور ج 5 ص 69 عن عبد الرزاق في المصنف و ابن المنذر و غيرهما.

«.. و أما أنت يا وليد فإنه قتل أباك بيده صبرا يوم بدر»(1).

و نقول أيضا:

1 - إننا لم نفهم السر في سكوت عبد اللّه بن طارق حتى بلغوا به مر الظهران، و لماذا قال لهم في هذا المكان بالذات: هذا أول الغدر، فكلمة (هذا) يراد بها الإشارة إلى أي شيء؟!

أليس كانوا قد وعدوه بأن يأخذوه إلى مكة ليصيبوا به و برفيقيه مالا من أهلها؟ فهل غيروا خطتهم الآن، و غدروا بهم و أخلفوا بوعدهم ؟!

2 - ما معنى قوله: إن بهؤلاء لأسوة، يعني القتلى ؟ فهل كان القتلى حاضرين في مر الظهران إلى جانبه حتى صح أن يشير إليهم بكلمة (هؤلاء)؟ ألم يترك القتلى في منطقة الرجيع البعيدة عن مر الظهران مسافات طويلة ؟!

3 - قد تقدم: أن من غير المعقول: أن يبقي آسروه سيفه معه، و تقدم غير ذلك أيضا، فلا نعيد.

4 - و يفهم من عبارة ابن الوردي: أنه قد هرب من آسريه، فلما حاولوا استعادته قاتلهم، لا أنه تمرد عليهم ثم قاتلهم، يقول ابن الوردي: «فهرب طارق (كذا) في الطريق، و قاتل إلى أن قتلوه بالحجارة»(2).

ص: 205


1- الفتوح لابن أعثم ج 3 ص 191 و راجع: صفين للمنقري ص 417 و فيه: (الجمل) و هو غلط.
2- تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 158.
خبيب مع بني النجار:

و حول ما ذكرته بعض الروايات المتقدمة، من أن عقبة بن الحارث اشترى خبيبا من بني النجار(1).

فإن لنا أن نسأل: لماذا من بني النجار، و ليس من الهذليين ؟!

و لماذا اشتراه بنو النجار؟ ثم لماذا عادوا فباعوه بعد ذلك ؟!

فهل كانوا يريدون المتاجرة به و الحصول على المال ؟!

ابن طارق، و معتب مع الأعداء:

و تذكر الرواية المتقدمة: أن عبد اللّه بن طارق استأسر مع رفيقيه، و سار معهم، حتى إذا بلغوا مر الظهران - واد قرب مكة - انتزع يده من الحبل الذي ربط به، ثم أخذ سيفه و قاتلهم، فرموه بالحجارة حتى قتلوه؛ فقبره بالظهران.

و ذكر ابن سعد: أن معتب بن عبيد هو الآخر قد قتل يوم الرجيع بمر الظهران شهيدا(2).

و نقول:

ألف: قد تقدمت الرواية الأخرى القائلة: إنه بعد قتل عاصم و رفيقيه رفض عبد اللّه أن يسير مع آسريه، فقتلوه إلى جانب رفاقه.

ب: إننا لم نفهم سر بقاء سيفه معه، إلى أن بلغ معهم مر الظهران،

ص: 206


1- الإستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 431.
2- مغازي الواقدي ج 1 ص 357 و طبقات ابن سعد ج 3 ص 455.

و كيف لم ينتزعوه منه، و هو أسيرهم، و مربوط بحبالهم ؟!

ج: لماذا رموه بالحجارة حتى قتلوه، ألم يكن معهم سيوف يقاتلونه بها؟!

و لماذا لم يرموه بسهامهم، و قد كانوا مئة رام، أو مئتين ؟!

أو لماذا لم يشجروه برماحهم ؟!

د: معنى قول ابن سعد: أن معتبا هو الآخر قد استشهد بمر الظهران هو أن الأسرى كانوا أربعة لا ثلاثة.

تهافت عبارتي الواقدي و ابن سعد:

و عبارة الواقدي هنا هي التالية: «حتى إذا كانوا بمر الظهران، و هم موثقون بأوتار قسيهم، قال عبد اللّه بن طارق: هذا أول الغدر، و اللّه لا أصاحبكم، إن لي في هؤلاء لأسوة، يعني القتلى، فعالجوه؛ فأبى و نزع يده من رباطه ثم أخذ سيفه الخ..»(1).

و قريب منه عبارة ابن سعد أيضا، فالقتلى لم يكونوا بمر الظهران ليصح قوله: إن لي بهؤلاء لأسوة.

من الذي اشترى خبيبا؟

و قد صرحت الرواية المتقدمة: بأن الذي اشترى خبيبا هو: حجير بن أبي إهاب لعقبة بن الحارث، ليقتله بأبيه الحارث بن عامر بن نوفل.

ص: 207


1- طبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج 3 ص 455.

و صرح البعض: بأن خبيبا هو الذي قتل الحارث في غزوة أحد(1) أو في بدر(2).

و نقول:

1 - قد تقدم: أن بعض الروايات تقول: إن ثلاثة قد اشتركوا في شراء خبيب. و هم: أبو سروعة، و عقبة، و أخوهما لأمهما حجير بن أبي إهاب(3)و تقدمت روايات أخرى في من اشتراه.

2 - إن رواية أخرى تقول: إن المقتول ببدر هو عامر بن نوفل(4) و ليس هو الحارث بن عامر.

3 - إن الدمياطي قد أشكل على هذا المورد بأمرين:

ص: 208


1- تاريخ الأمم و الملوك (ط دار المعارف) ج 2 ص 540 و الأغاني ج 4 ص 228 و الكامل في التاريخ ج 2 ص 167.
2- البداية و النهاية ج 4 ص 62 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 124 و الروض الأنف ج 3 ص 234 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ج 1 ص 188 و بهجة المحافل ج 1 ص 218 و السيرة الحلبية ج 3 ص 166 و تاريخ الخميس ج 1 ص 456 و فتح الباري ج 7 ص 293 و الإصابة ج 1 ص 418 و الإستيعاب بهامشه ج 1 ص 429 و 431 و أسد الغابة ج 2 ص 104 و صحيح البخاري ج 2 ص 115 و ج 3 ص 18 و مسند أحمد ج 2 ص 294 و 310 و صفة الصفوة ج 1 ص 620 و حلية الأولياء ج 1 ص 112 و جمهرة أنساب العرب ص 116 و راجع: عمدة القاري ج 17 ص 100 و 168.
3- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 256.
4- المصدر السابق.

أحدهما: أن خبيبا لم يذكره أحد من أهل المغازي في من شهد بدرا(1).

الثاني: أن الذي قتل الحارث هو خبيب بن أساف الخزرجي، و هو غير خبيب بن عدي الأوسي(2).

4 - و نقول: بل قيل: إن قاتل الحارث هذا هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»(3).

مناقشة البعض لقول الدمياطي و جوابها:

و قد أجابوا عن قول الدمياطي الآنف الذكر: بأن في هذا تضعيفا للحديث الصحيح، و لو لم يقتل خبيب بن عدي الحارث بن عامر، لم يكن لاعتناء آل الحارث بشرائه و قتله به معنى، إلا أن يقال: لكونه من قبيلة قاتله، و هم الأنصار، كذا قال ابن حجر(4).

و نقول: إن هذه الأجوبة لا مجال لقبولها، و ذلك:

ألف: إن الحديث الصحيح ليس وحيا منزلا، فكم من حديث ورد

ص: 209


1- شرح بهجة المحافل ج 1 ص 218 و السيرة الحلبية ج 3 ص 166 و 167 و فتح الباري ج 7 ص 293 و عمدة القاري ج 17 ص 168 و 100.
2- شرح بهجة المحافل ج 1 ص 218 و السيرة الحلبية ج 3 ص 166 و فتح الباري ج 7 ص 293 و راجع: شرح النهج للمعتزلي ج 14 ص 134 و فيه: أنه قتله و هو لا يعرفه و راجع: نسب قريش لمصعب ص 204 و أنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله») ج 1 ص 154 و عمدة القاري ج 17 ص 100 و 168.
3- السيرة الحلبية ج 3 ص 166.
4- راجع: السيرة الحلبية ج 3 ص 167 و فتح الباري ج 7 ص 293.

بسند صحيح في الصحاح الستة، و منها البخاري، ثم ثبت كذبه، و إذا جاء الحديث الصحيح مخالفا لكل الأدلة القطعية، فلا بد من رده و تضعيفه.

و خذ مثلا على ذلك: حديث بدء نزول الوحي، و حديث الإفك، و حديث زواج علي «عليه السلام» ببنت أبي جهل، إلى عشرات، بل مئات من الأحاديث التي ثبت كذبها و ضعفها، أو التصرف العمدي فيها.

ب: و أما بالنسبة لاعتناء آل الحارث بشراء خبيب و قتله بصاحبهم، فلا يدل على أنه قد قتل أباهم بنفسه، إذ يكفي أن يكون من الفريق القاتل و من مؤيديه و مناصريه.

و من عادة العرب: أن يقتلوا أيا من أفراد القبيلة إذا كان أحد أفرادها قد قتل بعضهم.

و من الواضح: أن خبيب بن عدي كان قحطانيا كخبيب بن أساف، و كان من مؤيدي و مناصري النبي «صلى اللّه عليه و آله»، و على دينه، فإذا كان الحارث في حالة غليان ضد النبي «صلى اللّه عليه و آله» و كل من يلوذ به، فإن اهتمامهم بأمر خبيب لا يكون غريبا و لا عجيبا.

و قد أشار ابن حجر إلى هذا المعنى، فاعتبر كون خبيب من الأنصار كافيا لاهتمام آل الحارث بقتله، و إن كان القاتل للحارث هو ابن أساف لا ابن عدي.

هذا كله، مع غض النظر عن سائر ما يرد على الرواية مما تقدم و سيأتي فإنه لا يبقي مجالا للشك في عدم صحة هذا الحديث، و إن كان مذكورا في الكتب التي اعتبروها صحاحا.

و بعد كل ما تقدم نقول: إن عد «الإستيعاب» خبيب بن عدي في من

ص: 210

شهد بدرا(1) لعله مستند إلى رواية قتله الحارث بن عامر، فلا يصلح دليلا على صحتها.

دعوى نزول آيتين في هذه المناسبة:

و في الرواية المتقدمة: كما في بعض المصادر: أن المنافقين قالوا في هذه المناسبة: يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا، لا هم قعدوا في أهليهم و لا هم أدوا رسالة صاحبهم؛ فأنزل اللّه: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا وَ يُشْهِدُ اَللّٰهَ عَلىٰ مٰا فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ اَلْخِصٰامِ ، وَ إِذٰا تَوَلّٰى سَعىٰ فِي اَلْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهٰا وَ يُهْلِكَ اَلْحَرْثَ وَ اَلنَّسْلَ وَ اَللّٰهُ لاٰ يُحِبُّ اَلْفَسٰادَ، وَ إِذٰا قِيلَ لَهُ اِتَّقِ اَللّٰهَ أَخَذَتْهُ اَلْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ اَلْمِهٰادُ(2).

وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ رَؤُفٌ بِالْعِبٰادِ (3) .

قال ابن إسحاق: في أصحاب الرجيع نزلت: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ .. الخ..(4).

ص: 211


1- عمدة القاري ج 17 ص 100.
2- الآيات 204-206 من سورة البقرة.
3- الآية 207 من سورة البقرة.
4- راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 183 و 184 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 132 و البداية و النهاية ج 4 ص 67 و راجع البدء و التاريخ ج 4 ص 211 و الجامع لأحكام القرآن ج 3 ص 21 بلفظ: قيل.

و نقول:

إن ذلك لا يصح، و ذلك لما يلي:

1 - أما بالنسبة لآية: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ ..، فقد قال السهيلي ردا على ابن إسحاق: «أكثر أهل التفسير على خلاف قوله، و أنها نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، رواه أبو مالك عن ابن عباس، و قاله مجاهد.

و قال ابن الكلبي: كنت بمكة، فسئلت عن هذه الآية، فقلت: نزلت في الأخنس بن شريق، فسمعني رجل من ولده، فقال: يا هذا، إنما أنزل القرآن على أهل مكة؛ فلا تسم أحدا ما دمت فيها»(1).

2 - كما أننا لم نفهم معنى لقول المنافقين: «و لا هم أدوا رسالة صاحبهم»، فهل كانوا يحملون رسالة منه «صلى اللّه عليه و آله» لبني هذيل ؟!

كما أن قول المنافقين: «لا هم قعدوا في أهليهم» يفيد: أن مسيرهم ذاك كان برأي منهم، و الفقرة السابقة تدل على: أن النبي «صلى اللّه عليه و آله» قد حملهم رسالة، فما هذا التناقض ؟

3 - و أما بالنسبة لآية الشراء فإنهم تارة يقولون: إنها نزلت في قضية الرجيع، حسبما تقدم، و أخرى يقولون: إنها نزلت في حق الزبير و المقداد، في محاولتهما إنزال جثة خبيب عن الخشبة التي كان مصلوبا عليها(2).

ص: 212


1- الروض الأنف ج 3 ص 237 و نزول الآيات في الأخنس بن شريق مذكور في كثير من المصادر الروائية و التفسيرية، فراجع.
2- راجع: السيرة الحلبية ج 3 ص 168 و بهجة المحافل ج 1 ص 220 و 221 و تاريخ الخميس ج 1 ص 458 و كلام الفضل بن روز بهان في دلائل الصدق ج 2 ص 81.

و سيأتي في الفصل التالي: أن ذلك كله لا يصح.

و ثالثة: إنها نزلت في صهيب لما أخذه المشركون ليعذبوه، فأعطاهم ماله(1).

و قد ذكرنا في فصل: هجرة الرسول الأعظم أن ذلك أيضا لا يصح.

و لكن الصحيح هو: أنها نزلت في علي أمير المؤمنين «عليه السلام» حين مبيته على فراش النبي الأعظم «صلى اللّه عليه و آله» حينما هاجر، و وقاه «عليه السلام» بنفسه(2)، كما قدمناه في فصل هجرة الرسول الأعظم «صلى اللّه عليه و آله».

دعاء خبيب:

و قد تقدم: أن خبيبا قد دعا عليهم بقوله: «اللهم أحصهم عددا و اقتلهم بددا، و لا تبق منهم أحدا» فلبد رجل بالأرض خوفا من دعائه.

و قالوا: حضر قتلهما أكثر أهل مكة(3).

و عند ابن سعد: «خرج معه الصبيان و النساء و العبيد، و جماعة أهل

ص: 213


1- الروض الأنف ج 3 ص 237 و السيرة الحلبية ج 3 ص 168 و ج 2 ص 23 و 24 و تاريخ الخميس ج 1 ص 458 و الإصابة ج 2 و الدر المنثور ج 1 ص 204 عن عدد من المصادر.
2- قد ذكرنا في الجزء الثالث من هذا الكتاب طائفة كبيرة من المصادر لهذه القضية فلتراجع هناك في فصل هجرة الرسول الأعظم.
3- تاريخ الخميس ج 1 ص 456 و الإشتقاق ص 442 باستثناء العبارة الأخيرة.

مكة فلم يتخلف أحد»(1).

ثم قالوا: «فلم يحل الحول و منهم أحد حي، غير ذلك الرجل الذي لبد في الأرض.

قيل: إن ذلك الرجل هو معاوية»(2).

و أضاف البعض: «و لقد مكثت قريش شهرا، أو أكثر، و ما لها حديث في أنديتها غير دعوة خبيب»(3).

و أضاف بعض آخر قوله: «و قد قتلوا في الخندق متفرقين»(4).

و نقول:

1 - إن الدعاء المنسوب إلى خبيب بعينه رواه غير واحد على أنه من كلام الإمام الحسين «عليه السلام» في كربلاء(5).

و قد تعودنا في موارد كثيرة: أن نجدهم يسرقون كلام علي و غيره من الأئمة الأطهار «عليهم السلام»، و ينسبونه إلى آخرين ممن لهم هوى في مناصرته، و إظهار أمره، و تضخيم مواقفه.

ص: 214


1- طبقات ابن سعد ج 8 ص 302.
2- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 256 و راجع: فتح الباري ج 7 ص 295 و عمدة القاري ج 17 ص 169 و راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 456 و المواهب اللدنية ج 1 ص 101 و لكنه لم يستثن ممن هلك أحدا.
3- مغازي الواقدي ج 1 ص 360.
4- السيرة الحلبية ج 3 ص 167.
5- مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 34 و مقتل الحسين للمقرم ص 339 و 340 عنه و عن نفس المهموم ص 189 و عن مقتل العوالم ص 98.

2 - كيف لم يحل الحول و أحد ممن حضر حيّ ، مع أن أبا سفيان قد كان في جملة من حضر، و قد بقي بعد ذلك عشرات السنين، هذا بالإضافة إلى كثيرين ذكرت أسماؤهم ؟

بل تقدم: أن أكثر أهل مكة كانوا حاضرين، فلو كان أكثرها قد هلك، قبل أن يحول الحول، فلماذا يحتاج النبي «صلى اللّه عليه و آله» إلى خوض حرب الخندق، و ما بعدها من حروب إلى فتح مكة ؟

ألم يكن بإمكان الرسول «صلى اللّه عليه و آله» أن يهجم حينئذ على مكة، و يستولي عليها، و لماذا ينتظر إلى سنة ثمان من الهجرة أي حوالي أربع سنين من هلاك أكثر أهل مكة ؟!

و لا ندري بعد هذا ما المقصود بقولهم: إنهم قتلوا في الخندق متفرقين، و نحن نعلم أنه لم يقتل في الخندق من المشركين سوى عدة قليلة معروفين بأسمائهم و أعيانهم، كما سيأتي.

توجيهات لا تجدي:

و الغريب في الأمر: أننا نجد الزرقاني و السهيلي يتبرعان بحل هذا المشكل على النحو التالي:

إن دعوة خبيب أصابت منهم من سبق في علمه تعالى: أن يموت كافرا، و أما من سبق في علمه تعالى أنه يسلم: فلم يعنه خبيب، و لا قصده في دعائه فلم تصبه.

و علامة استجابة دعوته: أن من هلك بعد الدعوة، فإنما هلك بددا، لأنهم قتلوا غير معسكرين، و لا مجتمعين، كاجتماعهم في بدر و أحد، لأن

ص: 215

الدعوة بعدهما، فنفذ الدعوة على صورتها(1). إنتهى.

و نقول:

ألف: إن صريح الكلام المتقدم هو أن جميع الذين حضروا قتل خبيب قد هلكوا، و لم يبق منهم أحد قبل أن يحول الحول.

ب: من الذي أخبره أن خبيبا كان قد فكر هذا التفكير الذي ذكره، فلعله لم يدر بخلده، و لم يخطر له على بال أصلا، فكيف حكم بأن خبيبا لم يعنه ؟

ج: هل إن الذين ماتوا من مشركي مكة ما بين قتل خبيب و فتح مكة ماتوا جميعا قتلا، ألم يمت من مكة طيلة الأربع سنين أحد حتف أنفه ؟!

صلاة خبيب:

و ذكرت الرواية المتقدمة: أن خبيبا قد صلى ركعتين قبل قتله، ثم قتل، فهو أول من سن الصلاة حين القتل(2).

و قوله هذا يدل على أنها سنة جارية(3).

1 - لا ندري كيف سمح له المشركون بالصلاة، و هم الأشرار و الموتورون، الذين ما كانوا يتحملون ما هو أقل من الصلاة، و كان يسرهم حتى آخر لحظة: أن يجعلوه يرجع عن دينه و يتخلى عنه ؟

ص: 216


1- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 256 عن الزرقاني و شرح بهجة المحافل ج 1 ص 219 عن السهيلي.
2- تقدمت المصادر لذلك.
3- الروض الأنف ج 3 ص 235.

2 - لا ندري لماذا يقال: إن خبيبا هو أول من سن الركعتين، مع أن المصادر قد ذكرت: «أن زيد بن الدثنة أيضا قد صلى هاتين الركعتين»(1)و كيف نفسر قول ابن سعد: «و كانا قد صليا ركعتين ركعتين قبل أن يقتلا، فخبيب أول من سن ركعتين عند القتل»(2)؟

و ذكر الواقدي: أنهما التقيا في التنعيم؛ فأوصى كل منهما الآخر بالصبر، ثم افترقا(3).

و يظهر من الرواية المتقدمة: أن قتل زيد بن الدثنة كان أسبق من قتل خبيب(4).

إذا، فما معنى أن يقال: إن خبيبا هو أول من سن الصلاة حين القتل ؟

3 - ثم إنهم يقولون: إن زيد بن حارثة هو الآخر حين أراد أحد

ص: 217


1- راجع: طبقات ابن سعد ج 2 ص 56 و مغازي الواقدي ج 1 ص 362.
2- طبقات ابن سعد ج 2 ص 56.
3- مغازي الواقدي ج 1 ص 362. تنبيه: ذكر في الكامل في التاريخ ج 2 ص 168: أنهم لما خرجوا بخبيب من الحرم ليقتلوه، قال: ردوني أصلي ركعتين؛ فتركوه فصلاهما إلخ.. و الصحيح: ذروني (كما في تاريخ الأمم و الملوك (ط دار المعارف) ج 2 ص 456) و هو المناسب لقوله: فتركوه الخ..
4- راجع أيضا: السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 256. و لكن سياق كلام الدياربكري يفيد: أن قتل خبيب كان أسبق: (راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 458) و يبدو أنه قد استفاد ذلك من كون خبيب أول من سن الصلاة عند القتل.

الأشرار قتله قد صلى ركعتين، ثم دعا اللّه سبحانه؛ فخلصه اللّه منه(1).

قال مغلطاي: «و صلى خبيب قبل قتله ركعتين فكان أول من سنهما، و قيل: أسامة بن زيد حين أراد المكري الغدر به كذا ذكره بعضهم و كان الصواب زيد»(2).

قال في النور: و المعروف أن زيد بن حارثة صلاهما قبل خبيب بزمن طويل.

و في الينبوع: إن قصة زيد بن حارثة «رضي اللّه تعالى عنهما» كانت قبل الهجرة(3).

4 - هل يصح أن يقال: إن خبيبا قد سن صلاة كذا؟ و هل يحق لغير الرسول أن يشرع من عند نفسه ؟ و هل يحق للآخرين أن يقتدوا به ؟!

التشريع من غير النبي صلّى اللّه عليه و آله:

و قد حاول البعض أن يجيب على هذا السؤال فقال: «و إنما صار فعل خبيب سنة، و السنة إنما هي أقوال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و أفعاله و تقريره؛ لأنه فعله في حياته «صلى اللّه عليه و آله»، فاستحسن ذلك من

ص: 218


1- راجع: السيرة الحلبية ج 3 ص 169 و زاد المعاد ج 2 ص 109 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 130 و البداية و النهاية ج 4 ص 65 و تاريخ الخميس ج 1 ص 457 و المواهب اللدنية ج 1 ص 102 و الروض الأنف ج 3 ص 235.
2- سيرة مغلطاي ص 52.
3- السيرة الحلبية ج 3 ص 169.

فعله، و استحسنها المسلمون، و الصلاة خير ما ختم به عمل العبد»(1).

و نقول لهؤلاء:

ألف: إن كلامهم يبقى مجرد دعوى بلا دليل و لا شاهد؛ إذ لا بد من إثبات أن ذلك قد بلغ رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أولا، ثم إثبات: أن الرسول «صلى اللّه عليه و آله» قد استحسن ذلك من فعله ثانيا، و ليس لدينا ما يثبت ذلك و لو حتى رواية واحدة.

ب: إنه لم يثبت أن المسلمين قد استحسنوا ذلك، و لو قبلنا ذلك؛ فإن استحسان المسلمين لا يصير تشريعا.

ج: إن كون الصلاة خير ما ختم به عمل العبد صحيح في نفسه، و لكن جعل ذلك في وقت معين و حالة معينة بحيث يصبح من التشريعات و السنن، يكون خلاف الشرع، و لا يجوز ارتكابه، لأنه تشريع و تقوّل على اللّه سبحانه.

و الصحيح هو: أن يقال هنا: أن خبيبا أو زيدا لم يفعلا ذلك بقصد التشريع، و لا إحداث سنّة، و إنما أحبا أن يختم عملهما بالصلاة التي هي عمود الدين، ففعلا ذلك و قد اقتدى الآخرون بفعلهما، لا بقصد فعل ما هو مشرع و مسنون أيضا.

متى أسر خبيب ؟!

و بينما نجد الروايات المتقدمة تقول: إن خبيبا أسر يوم الرجيع، نجد

ص: 219


1- المواهب اللدنية ج 1 ص 102 و الروض الأنف ج 3 ص 235.

ابن دريد يقول: «و منهم خبيب بن عدي أسر يوم الأحزاب، و قتلته قريش بمكة و صلبوه»(1).

بلاغ الرسالة:

و أخيرا فإننا لم نستطع أن نفهم معنى قول خبيب: اللهم بلغنا رسالة رسولك، فبلغه الغداة ما أتى إلينا.

فهل طلب النبي «صلى اللّه عليه و آله» منهم أن يوصلوا رسالته إلى أحد؟ و لمن كان «صلى اللّه عليه و آله» قد أرسل تلك الرسالة ؟

و ما يذكر من أحداث في هذه الرواية يدل على أن أصحاب الرجيع قد قتلوا في الطريق، و قبل أن يصلوا إلى أي قبيلة أو بلد يمكنهم إبلاغ رسالة رسولهم فيه.

ثم إننا لم نفهم وجه الربط بين هذه الكلمة من هؤلاء، و دعواهم تبليغ رسالة الرسول، و بين إنكار المنافقين لذلك، حين قالوا: لا هم قعدوا في أهليهم، و لا هم أدوا رسالة صاحبهم.

كما أن قول المنافقين الآنف الذكر يدل على أنهم كانوا متبرعين بالذهاب.

و حسبنا ما ذكرناه هنا، فإن ذلك كله يكشف عن مدى التلاعب و التزوير للحقائق، و يجعلنا نفقد الثقة فيما يدّعى أنه تاريخ و حديث لدى البعض بصورة عامة.

ص: 220


1- الإشتقاق ص 442.
معاوية لم يبلغ الحلم:
اشارة

و أخيرا.. فقد قال ابن دريد: «و كان معاوية يقول: إني لأذكر دعوة خبيب، فأتطأطأ مخافة أن تصيبني، و اللّه ما كنت بلغت، و لكن جاء رجل من قريش - سماه - فجمع يدي في يده، و فيها حربة، ثم طعنه بها الخ..»(1).

و لكن من الواضح، أن معاوية قد ولد قبل البعثة بخمس سنين، و قيل:

بسبع، و قيل: بثلاث عشرة(2).

و معنى هذا هو: أن عمره كان حين قتل خبيب لو كان قتل في السنة الرابعة من الهجرة، لا بعد ذلك، كان اثنين و عشرين، أو أربع و عشرين، أو ثلاثين سنة، فكيف يقول: إنه حين قتل خبيب لم يكن قد بلغ ؟!

بقي أن نشير إلى الأمور الثلاثة التالية:

1 - الأشعار المنحولة:

و قد لاحظنا: أن ابن هشام يقول بالنسبة للأشعار المنسوبة لخبيب بن عدي، و حسان بن ثابت: إن أهل العلم بالشعر، أو بعضهم، ينكر أن تكون هذه الأشعار أو تلك لخبيب أو لحسان.

بل إن ابن هشام يصرح: بأنه قد ترك ذكر أشعار أخرى تنسب لحسان، بسبب إنكار العلماء بالشعر، أو بعضهم نسبتها لحسان.

الأمر الذي يعطي: أنه قد كان ثمة شكوك منذ الصدر الأول تراود

ص: 221


1- الإشتقاق ص 442.
2- راجع: الإصابة ج 3 ص 433.

أذهان العلماء في هذا المجال، و أنهم كانوا يشعرون بوجود تعمد و إصرار على نظم أشعار و نسبتها إلى خبيب تارة و إلى حسان أخرى.

و إن ذلك لمريب حقا، و أي مريب.

2 - خبيب هو الأهم:

و من يراجع النصوص الروائية و التاريخية يتضح له: أن خبيب بن عدي هو محط الاهتمام، و الحائز على أوسمة التبجيل و الإكرام، و هو الذي ترثيه الشعراء، و تظهر له الكرامات و تبرز له الفضائل.

بل ذكروا: أن النبي «صلى اللّه عليه و آله» قال يوم قتل خبيب: خبيب قتلته قريش، و لا ندري أذكر زيدا أم لا(1).

فهل سبب ذلك: أنه كان أفضل من زيد بن الدثنة و أعلم و أعبد؟!

أم أن سبب ذلك هو: أن العلماء يشكون في أمر زيد بن الدثنة، و يرون أنه لم يقتل مع خبيب ؟!

أم أنه قد كان ثمة من يهتم بأمر خبيب، و التركيز عليه لقرابة له معه، أو لهوى سياسي له يخوله الاستفادة من استشهاد خبيب لتثبيت أمر فريق، و تقوية مركزه في مقابل الفرقاء الآخرين.

أم أنه قد كان ثمة أهداف و مرام أخرى ؟!

إن التاريخ لم يفصح لنا عن شيء من ذلك، و لسوف تبقى تلك الأسئلة و سواها تراود أذهاننا، حتى نجد الإجابة الصريحة، و المقنعة و المفيدة.

ص: 222


1- عمدة القاري ج 17 ص 101.
3 - عاصم بن ثابت هو الأعظم أيضا:

و نلاحظ: أن شخصية عاصم بن ثابت بن الأقلح تظهر كذلك على أنها متميزة على من عداها من أولئك الذين استشهدوا في قضية الرجيع، فهو أمير السرية عند البعض، و هو الوحيد الذي قتل رجلا، و جرح رجلين، بل لقد كان عنده سبعة أسهم، فقتل بكل سهم رجلا من عظمائهم، و هو الذي يرفض قبول طلب الأعداء، فيقتدي به الآخرون و هو الذي حمت رأسه الدبر، و يحتمله السيل، و هو الذي يقرضه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الخ..

و عاصم و إن كان شهيدا مغفورا له، و له الدرجات العلى عند اللّه، لكن الباحث قد تراوده بعض الشكوك في الموارد التي يرى أنها خارجة عن المألوف و المعروف، و قد يكون سر التكرم بالأوسمة على عاصم، هو أنه كان خال عاصم بن عمر بن الخطاب لأن أم عاصم بن عمر هي جميلة بنت ثابت، فيكون عاصم أخاها(1).

و وهم البعض فادعى: أنه جد عاصم بن عمر(2) و الصحيح هو ما ذكرناه.

ص: 223


1- إرشاد الساري ج 6 ص 312 و راجع: فتح الباري ج 7 ص 240 و 292 و عمدة القاري ج 17 ص 168.
2- صحيح البخاري ج 2 ص 114 و ج 3 ص 18 و مسند أحمد ج 2 ص 294 و 310 و حلية الأولياء ج 1 ص 112 و البداية و النهاية ج 4 ص 62 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 123 و فتح الباري ج 7 ص 240 و أسد الغابة ج 2 ص 103 و أنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله») ج 1 ص 428 و المواهب اللدنية ج 1 ص 87 و عمدة القاري ج 17 ص 168.

ص: 224

الفصل الرابع: جثة خبيب

اشارة

ص: 225

ص: 226

عمرو بن أمية و جثة خبيب:

و يقولون: إن جثة خبيب قد أنزلت عن الخشبة في وقت لا حق. و تذكر قضية إنزالها على أنحاء مختلفة، فاقتضى الأمر إيراد النص المطول الذي ذكره كثير من المحدثين و المؤرخين، ثم نعطي رأينا فيه، و في سائر المنقولات في هذا المجال، فنقول:

نص الرواية:

قال الطبري: «و لما قتل من وجهه النبي «صلى اللّه عليه و آله» إلى عضل و القارة من أهل الرجيع، و بلغ خبرهم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، بعث عمرو بن أمية الضمري إلى مكة، مع رجل من الأنصار، و أمرهما بقتل أبي سفيان بن حرب، فحدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة بن الفضل، قال:

حدثني محمد بن إسحاق عن جعفر بن الفضل بن الحسن بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه، عن جده - يعني عمرو بن أمية - قال: قال عمرو بن أمية: بعثني رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» بعد قتل خبيب و أصحابه، و بعث معي رجلا من الأنصار، فقال: إئتيا أبا سفيان بن حرب، فاقتلاه.

قال: فخرجت أنا و صاحبي، و معي بعير لي، و ليس مع صاحبي بعير، و برجله علة؛ فكنت أحمله على بعيري، حتى جئنا بطن يأجج فعقلنا بعيرنا

ص: 227

في فناء شعب، فأسندنا فيه.

فقلت لصاحبي: انطلق بنا إلى دار أبي سفيان؛ فإني محاول قتله؛ فانظر؛ فإن كانت مجادلة، أو خشيت شيئا؛ فالحق ببعيرك، فاركبه، و الحق بالمدينة، فأت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، فأخبره الخبر، و خل عني، فإني رجل عالم بالبلد جريء عليه، نجيب الساق.

فلما دخلنا مكة، و معي مثل خافية النسر - يعني: خنجره - قد أعددته، إن عانقني(1) إنسان قتلته به، فقال لي صاحبي: هل لك أن نبدأ؛ فنطوف بالبيت أسبوعا، و نصلي ركعتين ؟!

فقلت: أنا أعلم بأهل مكة منك، إنهم إذا أظلموا رشوا أفنيتهم، ثم جلسوا بها، و أنا أعرف بها من الفرس الأبلق.

قال: فلم يزل بي حتى أتينا البيت؛ فطفنا به أسبوعا، و صلينا ركعتين ثم خرجنا، فمررنا بمجلس من مجالسهم، فعرفني رجل منهم؛ فصرخ بأعلى صوته: هذا عمرو بن أمية!

قال: فتبادرتنا أهل مكة، و قالوا: تاللّه ما جاء بعمرو خير، و الذي يحلف به ما جاءنا قط إلا لشر.

و كان عمرو رجلا فاتكا، متشيطنا في الجاهلية.

قال: فقاموا في طلبي و طلب صاحبي، فقلت له: النجاء، هذا و اللّه الذي كنت أحذر، أما الرجل فليس إليه سبيل، فانج بنفسك.

فخرجنا نشتد، حتى أصعدنا في الجبل؛ فدخلنا في غار فبتنا فيه ليلتنا،

ص: 228


1- ابن الأثير: عاقني.

و أعجزناهم، فرجعوا، و قد استترت دونهم بأحجار حين دخلت الغار، و قلت لصاحبي: أمهلني حتى يسكن الطلب عنا؛ فإنهم و اللّه ليطلبنّا ليلتهم هذه و يومهم هذا حتى يمسوا.

قال: فو اللّه، إني لفيه إذ أقبل عثمان بن مالك بن عبيد اللّه التيمي، يتخيل(1) بفرس له، فلم يزل يدنو و يتخيل بفرسه حتى قام علينا بباب الغار، قال: فقلت لصاحبي: هذا و اللّه ابن مالك، و اللّه، لئن رآنا ليعلمن بنا أهل مكة.

قال: فخرجت إليه؛ فوجأته بالخنجر تحت الثدي، فصاح صيحة أسمع أهل مكة، فأقبلوا إليه، و رجعت إلى مكاني، فدخلت فيه و قلت لصاحبي:

مكانك.

قال: و اتّبع أهل مكة الصوت يشتدون، فوجدوه و به رمق، فقالوا:

ويلك، من ضربك ؟

قال: عمرو بن أمية، ثم مات، و ما أدركوا ما يستطيع أن يخبرهم بمكاننا؛ فقالوا: و اللّه، لقد علمنا: أنه لم يأت لخير، و شغلهم صاحبهم عن طلبنا؛ فاحتملوه.

و مكثنا في الغار يومين، حتى سكن عنا الطلب.

ثم خرجنا إلى التنعيم، فإذا خشبة خبيب؛ فقال لي صاحبي: هل لك في خبيب تنزله عن خشبته ؟!

فقلت: أين هو؟

قال: هو ذاك حيث ترى.

ص: 229


1- يتخيل: أي يعجب بنفسه.

فقلت: نعم؛ فأمهلني و تنح عني.

قال: و حوله حرس يحرسونه.

قال عمرو بن أمية: فقلت للأنصاري: إن خشيت شيئا، فخذ الطريق إلى جملك، فاركبه، و الحق برسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»؛ فأخبره الخبر.

فاشتددت إلى خشبته، فاحتللته، و احتملته على ظهري؛ فو اللّه، ما مشيت إلا نحو أربعين ذراعا حتى نذروا بي، فطرحته؛ فما أنسى وجبته حين سقط؛ فاشتدوا في أثري، فأخذت طريق الصفراء؛ فأعيوا، فرجعوا.

و انطلق صاحبي إلى بعيره؛ فركبه، ثم أتى النبي «صلى اللّه عليه و آله»؛ فأخبره أمرنا.

و أقبلت أمشي، حتى إذا أشرفت على الغليل، غليل ضجنان(1) دخلت غارا فيه، و معي قوسي و أسهمي؛ فبينا أنا فيه إذ دخل علي رجل من بني الديل بن بكر، أعور طويل، يسوق غنما له، فقال: من الرجل ؟

فقلت: رجل من بني بكر.

قال: و أنا من بني بكر، ثم أحد بني الديل.

ثم اضطجع معي فيه، فرفع عقيرته يتغنى، و يقول:

و لست بمسلم ما دمت حيا *** و لست أدين دين المسلمينا

فقلت: سوف تعلم! فلم يلبث الأعرابي أن نام، و غط؛ فقمت إليه فقتلته أسوأ قتلة قتلها أحد أحدا، قمت إليه؛ فجعلت سية قوسي في عينه الصحيحة، ثم تحاملت عليه، حتى أخرجتها من قفاه.

ص: 230


1- الغليل: واحد الغلان و هي منابت الطلح، و ضجنان موضع بعينه.

قال: ثم أخرج مثل السبع، و أخذت المحجة كأني نسر، و كان النجاء حتى أخرج على بلد قد وصفه، ثم على ركوبة، ثم على النقيع؛ فإذا رجلان من أهل مكة بعثتهما قريش يتحسسان من أمر رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»؛ فعرفتهما؛ فقلت: استأسرا.

فقالا: أنحن نستأسر لك ؟!

فأرمي أحدهما بسهم، فأقتله، ثم قلت للآخر: استأسر؛ فاستأسر فأوثقته، فقدمت به على رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله».

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن سليمان بن وردان، عن أبيه، عن عمرو بن أمية، قال: لما قدمت المدينة، مررت بمشيخة من الأنصار، فقالوا: هذا و اللّه عمرو بن أمية؛ فسمع الصبيان قولهم، فاشتدوا إلى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» يخبرونه؛ و قد شددت إبهام أسيري بوتر قوسي، فنظر النبي إليه؛ فضحك حتى بدت نواجذه، ثم سألني فأخبرته الخبر، فقال لي خيرا، و دعا لي بخير(1).

ص: 231


1- تاريخ الأمم و الملوك ج 2 ص 542-545 و القصة مع شيء من الاختلاف سيظهر إن شاء اللّه موجودة في: السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 135-138 عن البيهقي و البداية و النهاية ج 4 ص 70 و 71 و الكامل في التاريخ ج 2 ص 169، 170 و تاريخ الخميس ج 1 ص 458 و 459 و السيرة النبوية لابن هشام ج 4 ص 282-284 و السيرة النبوية لدحلان ج 2 ص 33 و 34 و السيرة الحلبية ج 3 ص 184 و 185 و طبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج 4 ص 249، و ذكر البعض حديث الضمري هذا، لكنه لم يذكر قصته مع جثة خبيب، فراجع: طبقات ابن سعد (ط صادر) ج 2 ص 94 و المواهب اللدنية ج 1 ص 125 و أنساب الأشراف ج 1 ص 379 و 380.
دور الزبير و المقداد:

و لكن بعض النصوص الأخرى تقول: إن النبي «صلى اللّه عليه و آله» قد أرسل الزبير و المقداد في إنزال خبيب عن خشبته؛ فوصلا إلى التنعيم، فوجدا حوله أربعين رجلا نشاوى يحرسونه.

فأنزلاه، فحمله الزبير على فرسه و هو رطب، لم يتغير منه شيء فنذر به المشركون «و كانوا سبعين حسب بعض المصادر» فلما لحقوهم قذفه الزبير، فابتلعته الأرض، فسمي بليع الأرض، و عند العيني قالا: «فأنزلناه فإذا هو رطب لم يتغير بعد أربعين يوما، و يده على جرحه و هو ينبض يسيل دما كالمسك».

و زاد في بعض المصادر: «أنهما قدما على النبي محمد «صلى اللّه عليه و آله» و جبرئيل «عليه السلام» عنده، فقال جبرئيل: يا محمد، إن الملائكة تباهي بهذين من أصحابك، فنزل فيهما: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ رَؤُفٌ بِالْعِبٰادِ(1)»(2).

و أضافت بعض المصادر: أن الزبير قال للمشركين: ما جرأكم علينا يا معاشر قريش ؟

ص: 232


1- الآية 206 من سورة البقرة.
2- راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 458 و السيرة الحلبية ج 3 ص 168 و 184 و 185 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 257 و ج 2 ص 34 و بهجة المحافل ج 1 ص 220 و 221 و شرحه بهامش نفس الصفحة، و راجع: الإصابة ج 1 ص 419 و عمدة القاري ج 11 ص 101.

ثم رفع العمامة عن رأسه، فقال: أنا الزبير بن العوام، و أمي صفية بنت عبد المطلب، و صاحبي المقداد بن الأسود، أسدان رابضان يدافعان عن شبليهما؛ فإن شئتم ناضلتكم، و إن شئتم نازلتكم، و إن شئتم انصرفتم.

فانصرفوا إلى مكة(1).

و نحن نشك في هذه الرواية و سابقتها، و شكنا هذا يستند إلى الأمور التالية:

تناقض الروايات:

إن بينها و بين سائر الروايات و النصوص و كذلك سائر الروايات فيما بينها تناقضات ظاهرة، و نحن نكتفي هنا بالإشارة إلى الموارد التالية:

ألف: بالنسبة لتاريخ بعث عمرو بن أمية نجد: أن هذه الرواية تقول:

إنه «صلى اللّه عليه و آله» قد أرسل عمروا و صاحبه لقتل أبي سفيان فور وصول نبأ قتل عضل و القارة أصحاب الرجيع، أو بعد مقتل خبيب و أصحابه(2) في السنة الرابعة(3) بعد أربعين يوما من قتله(4).

لكن البعض ذكر: بعث عمرو بن أمية في السنة السادسة، بعد سرية

ص: 233


1- شرح بهجة المحافل ج 1 ص 220 و تاريخ الخميس ج 1 ص 458 و السيرة الحلبية ج 3 ص 168.
2- تاريخ الخميس ج 1 ص 458 عن الإكتفاء و السيرة الحلبية ج 3 ص 184.
3- تاريخ الخميس ج 1 ص 458 و راجع: التنبيه و الإشراف ص 213.
4- شرح بهجة المحافل ج 1 ص 220.

كرز بن جابر، و قبل الحديبية، و عطفها عليها بكلمة «ثم»(1).

و صرح البلاذري بقوله: «سرية عمرو بن أمية الضمري إلى مكة، في صفر سنة ثمان، أو شهر ربيع الأول، وجهه رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لقتل أبي سفيان، فوجده قد نذر به، فانصرف»(2).

و لم يذكر حديثه مع جثة خبيب.

ب: و بالنسبة للأنصاري، الذي كان مع عمرو بن أمية، سماه البعض سلمة بن أسلم بن حريش(3).

و سماه بعض آخر: جبار بن صخر(4).

و في بعض المصادر: خيار بن صخر(5)، و يبدو أنه تصحيف.

ج: بعض المصادر يذكر: أنه لم يكن مع صاحبه بعير كما في الرواية

ص: 234


1- راجع: سيرة مغلطاي ص 62 و تاريخ الخميس ج 1 ص 458 و 459 عنه و عن المواهب اللدنية.
2- أنساب الأشراف ج 1 ص 379 و 380 (قسم حياة النبي «صلى اللّه عليه و آله»).
3- طبقات ابن سعد (ط دار صادر) 2 ص 93 و 94 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 136 و البداية و النهاية ج 4 ص 70 و راجع: المواهب اللدنية ج 1 ص 125 و السيرة الحلبية ج 3 ص 184 و سيرة مغلطاي ص 62، و تاريخ الخميس ج 1 ص 459 و السيرة النبوية لدحلان ج 2 ص 33 و التنبيه و الإشراف ص 213.
4- السيرة النبوية لابن هشام ج 4 ص 282 و راجع: البداية و النهاية ج 4 ص 71 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 138 كلاهما عنه، و تاريخ الخميس ج 1 ص 459 و السيرة النبوية لدحلان ج 2 ص 33 و السيرة الحلبية ج 3 ص 184 و سيرة مغلطاي ص 62.
5- المواهب اللدنية ج 1 ص 125.

المتقدمة و بعضها يقول: فحبسا جمليهما بشعب من شعاب يأجج(1).

د: و الذي رأى عمرو بن أمية: هل هو معاوية بن أبي سفيان(2) أو غيره كما قيل(3).

ه: و تقول الرواية المتقدمة: فدخلنا على غار فبتنا فيه ليلتنا، و أعجزناهم، فرجعوا و قد استترت دونهم بأحجار حين دخلت الغار.

و ثمة نص آخر يقول: فدخلت في غار، فتغيبت عنهم حتى أصبحت، و باتوا يطلبوننا في الجبل و عمى اللّه عليهم طريق المدينة أن يهتدوا له(4).

و في نص آخر: فخرجنا نشتد، حتى أصعدنا في جبل، و خرجوا في طلبنا، حتى إذا علونا الجبل يئسوا منا، فرجعنا فبتنا في كهف في الجبل(5).

و: و الرواية المتقدمة تقول: إن مجيء عثمان بن مالك كان بمجرد دخول الضمري إلى الغار، و استتاره بالأحجار.

و نص آخر يقول: فلما كان ضحوة الغد أقبل عثمان بن مالك إلخ..(6).

ص: 235


1- السيرة النبوية لابن هشام ج 4 ص 282 و تاريخ الخميس ج 1 ص 459 و السيرة الحلبية ج 3 ص 184.
2- البداية و النهاية ج 4 ص 70 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 137 و المواهب اللدنية ج 1 ص 125 و السيرة الحلبية ج 3 ص 184 و السيرة النبوية لدحلان ج 2 ص 33.
3- راجع: السيرة النبوية لدحلان ج 2 ص 33.
4- البداية و النهاية ج 4 ص 70 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 137.
5- السيرة النبوية لابن هشام ج 4 ص 282 و تاريخ الخميس ج 1 ص 459 و السيرة النبوية لدحلان ج 2 ص 33.
6- السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 137 و البداية و النهاية ج 4 ص 70.

ز: و الذي جاء يتخيل بفرسه، هل هو عثمان بن مالك بن عبيد اللّه كما ذكرته الرواية المتقدمة ؟

أو هو عبيد اللّه بن مالك(1) أو عبد اللّه بن مالك(2).

ح: و هل ضربه بالخنجر تحت الثدي، كما في الرواية المتقدمة، أم أنه ضربه على يده ؟(3).

إلا أن يكون الراوي أو الكاتب قد صحف الكلام هنا، فبدل أن يكتب ضربه على ثديه، كتب: ضرب على يده.

ط: و الرواية المتقدمة مفادها: أنه بمجرد أن رأى جثة خبيب اشتد نحوها، و احتله و حمله على ظهره، فما مشى إلا نحو أربعين ذراعا حتى نذروا به.

و في نص آخر: أنه بعد أن حمل خبيبا و مشى به استيقظوا(4) الأمر الذي يدل على أنهم كانوا نائمين حينئذ.

لكن رواية أخرى تفيد: أنهم خرجوا ليلا يريدون المدينة، فمروا بالذين يحرسون جثة خبيب، فقال أحدهم: ما رأيت كالليلة أشبه بمشية عمرو بن أمية، فلما حاذى عمرو الخشبة شد عليها؛ فاحتملها، و خرج بها

ص: 236


1- طبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج 2 ص 94 و ج 4 ص 249 و راجع السيرة النبوية لدحلان ج 2 ص 33 و تاريخ الخميس ج 1 ص 459.
2- المواهب اللدنية ج 1 ص 125 و السيرة النبوية لدحلان ج 2 ص 33 عن ابن هشام.
3- السيرة الحلبية ج 3 ص 184.
4- البداية و النهاية ج 4 ص 70 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 137.

شدا و خرجوا وراءه(1).

ي: الرواية المتقدمة تقول: إنه شد على الخشبة، فاحتمل خبيبا عنها، ثم احتمله على ظهره، و مشى به.

و النص الآخر يقول: إنه اقتلع الخشبة نفسها بما عليها(2).

ك: و الرواية المتقدمة تقول: إنه بمجرد أن نذروا به رمى الجثة، على بعد نحو أربعين ذراعا، فاشتدوا في أثره.

و النص الآخر يقول: إنه بقي يعدو و الخشبة معه، و هم خلفه، حتى أتى جرفا بمهبط سيل يأجج، فرمى بالخشبة بالجرف(3).

ل: و في الرواية المتقدمة: أنه مشى نحو أربعين ذراعا، فنذروا به.

و في نص آخر: ما مشيت إلا عشرين ذراعا(4).

و في نص ثالث: أنه حين حله عن الخشبة وقع إلى الأرض، فانتبذ غير بعيد، ثم التفت فلم يره، كأنما ابتلعته الأرض(5).

م: تقول رواية: إنه بقي حاملا الخشبة التي عليها خبيب، حتى رمى بها

ص: 237


1- راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج 4 ص 283 و السيرة الحلبية ج 3 ص 184 و تاريخ الخميس ج 1 ص 459 و السيرة النبوية لدحلان ج 2 ص 34.
2- راجع: المصادر المتقدمة بالإضافة إلى البداية و النهاية ج 4 ص 70 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 137.
3- راجع: المصادر المتقدمة باستثناء البداية و النهاية و السيرة النبوية لإبن كثير.
4- السيرة النبوية لابن كثير ج 1 ص 137 و البداية و النهاية ج 4 ص 70.
5- تاريخ الخميس ج 1 ص 458 عن الصفوة و الإصابة ج 1 ص 419.

بمهبط مسيل يأجج بالجرف، فغيبه اللّه عنهم، فلم يقدروا عليه(1).

و رواية تقول: إنه حين أهبط عن الخشبة لم ير له رمة و لا جسدا(2).

و فصلت رواية ثالثة، فقالت: إنه حين ألقاه عن الخشبة سمع وجبة خلفه، فالتفت فلم ير شيئا، كأنما ابتلعته الأرض، زاد بعضهم قوله: فلم تر لخبيب رمة حتى الساعة(3).

و لكن نصا آخر يقول: عن عمرو بن أمية: فطرحت الخشبة: فما أنسى وجبتها، يعني صوتها، ثم أهلت التراب عليه برجلي(4).

هذا كله، عدا عن دعوى ابتلاع الأرض له في حديث إنزال الزبير و المقداد له، و أنه سمي بليع الأرض(5).

ص: 238


1- السيرة النبوية لابن هشام ج 4 ص 283 و السيرة النبوية لدحلان ج 2 ص 34 و السيرة الحلبية ج 3 ص 184 و تاريخ الخميس ج 1 ص 459.
2- البداية و النهاية ج 4 ص 71 و 67 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 138 و 131.
3- الإستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 432 و الاغاني ج 4 ص 230 و راجع المصادر التالية: الإصابة ج 1 ص 524 و 419 و أسد الغابة ج 2 ص 105 و تاريخ الإسلام (قسم المغازي) ج 1 ص 191 و تاريخ الخميس ج 1 ص 458 عن الصفوة و صفة الصفوة ج 1 ص 622 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 257 و السيرة الحلبية ج 3 ص 168.
4- البداية و النهاية ج 4 ص 70 و راجع ص 66 عن موسى بن عقبة و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 137 و 131 و زاد المعاد ج 2 ص 109.
5- راجع: السيرة الحلبية ج 3 ص 168 و راجع ص 184 و 185 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 257 و راجع ج 2 ص 34 و تاريخ الخميس ج 1 ص 458 و بهجة المحافل ج 1 ص 220 و 221 و شرحه بهامش نفس الصفحة و راجع: الإصابة ج 1 ص 419.

ن: و الرواية المتقدمة تنص على: أن عمرو بن أمية هو الذي أنزل جثة خبيب عن الخشبة.

بينما نجد نصوصا أخرى نسبت ذلك إلى الزبير و المقداد(1).

و بعض الروايات نسبت قضية إنزاله إلى خباب بن الأرت(2).

س: و نجد في بعض النصوص: أن النبي «صلى اللّه عليه و آله» لم يرسل عمرو بن أمية، بل أسر في بئر معونة فقدموا به مكة، فهو دفن خبيبا(3).

طريق جمع فاشل:

و قد حاول البعض رفع هذا التنافي الأخير: بأن النبي «صلى اللّه عليه و آله» قد أرسل الضمري أولا، ثم أرسل الزبير و المقداد؛ فحين أنزله عن الخشبة كانا حاضرين، فأخذه الزبير، فلما لحقوهم قذفه الزبير، فابتلعته الأرض(4) فصح نسبة ذلك إلى كل منهم.

و لكن هذا المتبرع بالجمع قد نسي: النصوص التي يقول بعضها: إن عمرو بن أمية قد حمله حتى أتى جرفا بمهبط مسيل يأجج، فرمى بالخشبة، فكأنما ابتلعته الأرض.

ص: 239


1- راجع المصادر المتقدمة.
2- كنز العمال ج 10 ص 372 عن الطبراني عن عمرو بن أمية الضمري.
3- مجمع الزوائد ج 6 ص 127 عن الطبراني.
4- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 257 و راجع ج 2 ص 34 و أشار إلى هذا التنافي أيضا، و إلى أنه لا بد من الجمع في السيرة الحلبية ج 3 ص 184 و 185. و لربما يلاحظ بعض الاختلاف في وجه الجمع الذي ذكره دحلان في الموضعين فليراجع.

و النصوص التي تقول: إنه بمجرد أن وقع إلى الأرض ابتعلته الأرض.

و النصوص التي تقول: إن الأرض ابتلعته بعد عشرين ذراعا، أو أربعين.

و النصوص التي تقول: إن عمرو بن أمية قد دفنه، و أنه أهال عليه التراب برجله، إلى آخر ما تقدم مما لا مجال لإعادته.

هذا كله، عدا عن أن ابن أبي شيبة يقول: إنهما حين حلاه من الخشبة التقمته الأرض(1)، فالذي حله إذا اثنان و ليس رجلا واحدا.

عودة للتناقضات:

ع: و قد تقدم: أن عمرو بن أمية قد شد على الخشبة فاحتلها و ذهب بها.

لكن نصا آخر يقول: إنه احتمله بخدعة ليلا، فذهب به فدفنه(2).

ف: تقدم أن الرسول قد أرسل عمرو بن أمية لأجل قتل أبي سفيان.

لكن نصا آخر يقول: إنه قد بعثه عينا على قريش، فجاء إلى خشبة خبيب فحله عنها(3).

و صرحت بعض المصادر: أنه «صلى اللّه عليه و آله» قد بعثه إلى خبيب لينزله عن الخشبة(4).

هذا كله، بالنسبة لطائفة من الموارد، التي تظهر فيها التناقضات في ما

ص: 240


1- الروض الأنف ج 4 ص 254 عن ابن أبي شيبة.
2- زاد المعاد ج 2 ص 109.
3- الإصابة ج 1 ص 419.
4- راجع المصادر التي تقدمت تحت الفقرة (م) الواردة لقوله: فلم تر لخبيب رمة حتى الساعة.

بين الروايات و النصوص.

و أما بالنسبة لسائر الأمور التي نود الإشارة إليها هنا، مما يدل على ضعف هذه الروايات و سقوطها، فإننا نشير إلى ما يلي:

آية الشراء:

قد ذكرت رواية إنزال الزبير و المقداد لجثة خبيب: أن آية: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اَللّٰهِ .. نزلت فيهما، و أن الملائكة تباهي بهما من بين أصحابه «صلى اللّه عليه و آله».

و نقول:

1 - إن ذلك ينافي قولهم المتقدم: إن آية الشراء قد نزلت في خبيب و ابن الدثنة، فكيف يقولون: إنها قد نزلت في الزبير و المقداد؟

كما أنهم يقولون: إنها قد نزلت في صهيب، و هو ينافي ما يذكرونه هنا أيضا، و دعوى تكرر نزول الآية لا تدفع التناقض في قصة خبيب هنا.

2 - قد تقدم: أن آية الشراء قد نزلت في علي «عليه السلام» حين مبيته على فراش رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و قد ذكرنا عشرات المصادر لذلك؛ فلا نعيد.

الكشاف الليلي و السحر الخارق:

1 - قد صرحت الروايات المقدمة: أن عمرو بن أمية و رفيقيه قد ذهبا إلى الكعبة للطواف و الصلاة بعد حلول الظلام؛ فكيف رآه معاوية و عرفه إذا.

2 - قد صرحت الروايات المتقدمة: أنهما قد ذهبا إلى جثة خبيب ليلا، فكيف رآهما ذلك الرجل، و عرف مشية عمرو بن أمية بخصوصها؟

ص: 241

3 - و بعد أن رآه ذلك الرجل و أخبر رفقاءه بوجود غريب حولهم، كيف استطاع أن يقتلع الخشبة، أو أن يحل الجثة منها، و هم حولها يحرسونها؟!

و إذا كانوا حينئذ نائمين فكيف رآه ذلك الرجل و عرف مشيته ؟

نبوءة و كهانة و موتة السوء:

و حين كان راجعا إلى المدينة، و دخل الغار، و جاءه الراعي، كيف عرف أنه من بني بكر؟!

و هل مجرد وضع سية قوسه في عينه الصحيحة، و قتله بهذه الصورة يعتبر أسوأ قتلة ؟! أليس ثمة أشكال و أنحاء أخرى أسوأ من هذه القتلة ؟!

أين هي جثة ابن الدثنة ؟

الحديث كله، و عند جميع المؤرخين، يدور حول جثة خبيب، فأين ذهبت جثة زيد بن الدثنة ؟!

و لماذا لم ينزلها الضمري، و لا الزبير و المقداد، و لا ذكرها الرسول، و لا حرسها المشركون، و لا ابتلعتها الأرض و لا.. و لا الخ..؟!

طاقية الإخفاء لدى الأعرج الطائر:

و صاحبه الذي لا رجلة له، و لم يكن يستطيع المشي، لماذا لم يأخذه حراس خبيب ؟!

و لماذا لحقوا فقط بعمرو نفسه دونه، و لماذا لا يثير وجوده تساؤلهم ؟

و إذا كان لا يستطيع المشي، فكيف استطاع أن ينجو من أهل مكة،

ص: 242

حينما صرح معاوية أو غيره يعلمهم بوجوده، و كيف استطاع أن يرتقي الجبل و هو لا يستطيع المشي و لا يرتقيه أهل مكة و هم يستطيعون المشي ؟!

تعمد المواجهة:

إنهما حين خرجا من الكعبة لماذا مرا على مجلس من مجالس قريش ؟ ألم يكن بوسعهم تحاشي المرور على ذلك المجلس ؟! لا سيما و أن الظلام كان يسترهما عن العيون ؟!

طاقية الإخفاء مرة أخرى:

كيف قام عليهم عثمان التيمي على باب الغار، و هو على فرسه و لم يرهم فيه ؟! و كيف قتله على باب الغار، و جاء أهل مكة إلى صاحبهم الذي كان ملقى على باب الغار، و لم ينظروا فيه، بل لم يفطنوا لوجوده ؟!

و حين أخبرهم المقتول بقاتله، كيف لم يبحثوا عنه، و هو لا بد أن يكون قريبا منهم ؟!

و كيف تقول الرواية: شغلهم موت صاحبهم عن البحث عنهما، مع أن نفس الرواية تقول: إنهما أقاما في الغار يومين حتى سكن الطلب ؟!

فإن ذلك يدل على أن المكيين قد واصلوا البحث عنهما.

بطل هنا.. و نعامة هناك:

إننا نلاحظ: أن البطولات كلها تنسب إلى عمرو بن أمية الضمري، و ليس لصاحبه أي دور يذكر.

فهو نجيب الساق.. و هو أعرف بمكة من الفرس الأبلق، و هو معه

ص: 243

خنجر مثل خافية النسر، و هو يخرج من الغار مثل السبع، و يأخذ المحجة كأنه نسر و هو الرجل المعافى، و صاحبه ذو علة، و هو صاحب الجمل، و لا جمل لصاحبه و هو.. و هو الخ..

و لكننا لا نجده في سرية بئر معونة نجيب الساق، و لا كان مثل السبع، و لا أخذ المحجة كأنه نسر، بل ألقي عليه القبض مباشرة و لم يذكر لنفسه و لا ذكر غيره له أي شيء يشير إلى ذلك لا من قريب و لا من بعيد كما تقدم.

بطل يتحدث عن نفسه:

لم ترو قصة عمرو بن أمية إلا عن عمر بن أمية نفسه، و هذا أمر يثير الشبهة و الريب فيها.

يأس العاجز أم طاقية الإخفاء؟

تقول الرواية: إن أهل مكة حين رأوا عمرو بن أمية على رأس الجبل يئسوا.

و لكن النص الآخر يقول: إن اللّه قد عمّى عن أهل مكة طريق المدينة أن يهتدوا له، فهل كان ذلك الغار على طريق المدينة، أو أن ذلك الجبل كان على طريق المدينة ؟!

فشدوا الوثاق:

لم نعرف معنى لشد إبهام أسيره بسية قوسه، فلماذا لا يشد يده مثلا أو رقبته، أو أي شيء آخر؟!

و لا ندري لماذا جاء الأمر بشد الوثاق في القرآن، و لم يرد الأمر بشد

ص: 244

الإبهام ؟!

و هل شده لإبهامه يمنعه من التمرد عليه لو غفل عنه ؟!

و أخيرا:

لماذا لم يعد إلى صاحبه، و يركبا معا الجمل، و يعودا إلى المدينة ؟!

و لماذا؟ و لماذا؟

إلى آخر ما هنالك من الأسئلة الكثيرة التي لا مجال لإيرادها.

تحذير النبي «صلى اللّه عليه و آله» من الضمري:

عن الخزاعي، عن أبيه قال: دعاني رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و قد أراد أن يبعثني بمال إلى أبي سفيان، يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح، فقال:

التمس صاحبا.

قال: فجاءني عمرو بن أمية الضمري.

فقال: بلغني أنك تريد الخروج و تلتمس صاحبا.

قال: قلت: أجل.

قال: فأنا لك صاحب.

قال: فجئت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، فقلت: قد وجدت صاحبا.

و كان رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» قال: إذا وجدت صاحبا فآذني.

قال: فقال: من ؟

فقلت: عمرو بن أمية الضمري.

قال: فقال: إذا هبطت بلاد قومه فاحذره، فإنه قد قال القائل: أخوك

ص: 245

البكري، و لا تأمنه.

قال: فخرجنا، حتى إذا جئت الأبواء قال: إني أريد حاجة إلى قومي بودّان، فتلبث لي.

قال: قلت: راشدا.

فلما ولى ذكرت قول رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، فشددت على بعيري، ثم خرجت أوضعه، حتى إذا كنت بالأصافر إذا هو يعارضني في رهط، و أوضعت فسبقته، فلما رآني قد فته انصرفوا، و جاءني، فقال: كانت لي إلى قومي حاجة.

قلت: أجل.

فمضينا حتى قدمنا مكة، فدفعت المال إلى أبي سفيان(1).

سبعون يهربون من واحد أم العكس ؟!

لا نعرف كيف انصرف سبعون من المشركين عن الزبير و المقداد، لمجرد تهديد الزبير لهم، و إذا كانوا قد خافوا منه إلى هذا الحد، فلماذا لم يخافوا منه في أحد، حيث فر مع الفارين ؟! و كذا في غيرها من المواطن الصعبة، و لماذا لم يبرز لواحد منهم و هو عمر بن عبدود في الخندق ؟!

و إذا كان الحراس نشاوى، فهل أفاقوا من نشوتهم بعد أن أتم الزبير عمله و أخذ الجثة من بينهم، و حمل الجثة على فرسه و ذهب و لم يستفيقوا قبل ذلك ؟!

ص: 246


1- الطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج 4 ص 296 و التراتيب الإدارية ج 1 ص 225 و راجع ص 390 و 391.
ما هي الحقيقة إذن ؟

و غاية ما يمكن أن يطمئن إليه الباحث هو: أن جماعة من المسلمين كانوا قرب منازل هذيل في منطقة الرجيع، فأتوا إليهم، و قتلوهم، و قد يبلغ عددهم الستة أشخاص، و من بينهم عاصم بن ثابت.

هذا بالإضافة إلى أسر اثنين آخرين هما: خبيب بن عدي، و زيد بن الدثنة، و قد انتهى أمر هذين الأسيرين إلى أن أصبحا في أيدي مشركي مكة، فقتلوهما حقدا منهم و بغيا.

و ما سوى ذلك فإنه إما لا ريب في كونه مكذوبا و مختلقا، و إما يشك في صحته بنسبة كبيرة، مع احتمال أن يكون ثمة أمور أخرى نالتها يد التحريف، و التحوير لأهداف سياسية، أو غيرها.

ص: 247

ص: 248

الباب الرابع سرية بئر معونة

اشارة

الفصل الأول: النصوص و تناقضاتها الفصل الثاني: نقاط ضعف

الفصل الثالث: القنوت و الدعاء على القبائل

الفصل الرابع: دلالات و عبر

ص: 249

ص: 250

الفصل الأول: النصوص و تناقضاتها

اشارة

ص: 251

ص: 252

نص الرواية:

و يقولون: إن سرية بئر معونة(1) كانت في السنة الرابعة في المحرم، كما قال البعض(2).

و قد اختلفت الروايات في بيان حقيقة ما جرى، و نحن نذكر أولا نص الطبري الذي قال:

قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر، ملاعب الأسنة - و كان سيد بني عامر بن صعصعة - على رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» المدينة، و أهدى له هدية، فأبى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أن يقبلها، و قال: يا أبا براء، لا أقبل هدية مشرك، فأسلم إن أردت أن أقبل هديتك. ثم عرض عليه الإسلام، و أخبره بما له فيه، و ما وعد اللّه المؤمنين من الثواب، و قرأ عليه القرآن فلم يسلم و لم يبعد، و قال: يا محمد إن أمرك هذا الذي تدعو إليه

ص: 253


1- ستأتي المصادر لذلك و بئر معونة: موضع ببلاد هذيل بين مكة و عسفان. و في معجم ما استعجم: ماء لبني عامر بن صعصعة و في الاكتفاء ج 2 ص 142 و السيرة الحلبية ج 3 ص 172: هي بين أرض بني عامر، و حرة بني سليم.
2- تاريخ الأمم و الملوك ج 2 ص 545 و سيرة مغلطاي ص 52 و تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 158 و تاريخ الخميس ج 1 ص 451 و 452 و غير ذلك.

حسن جميل، فلو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك.

فقال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»: إني أخشى عليهم أهل نجد! فقال أبو براء: أنا لهم جار، فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك.

فبعث رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة المعنق(1) ليموت في أربعين رجلا من أصحابه من خيار المسلمين؛ منهم الحارث بن الصمة، و حرام بن ملحان أخو بني عدي النجار، و عروة بن أسماء بن الصلت السلمي، و نافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي، و عامر بن فهيرة مولى أبي بكر؛ في رجال مسمين من خيار المسلمين(2).

فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: بعث رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» المنذر بن عمرو في سبعين راكبا، فساروا حتى نزلوا بئر معونة - و هي أرض بين أرض بني عامر و حرة بني سليم، كلا البلدين منها قريب، و هي إلى حرة بني سليم أقرب - فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» إلى عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في كتابه، حتى عدا على الرجل فقتله، ثم استصرخ عليهم بني عامر، فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه، و قالوا: لن نخفر أبا براء، قد عقد لهم عقدا و جوارا.

فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم: عصيّة، و رعلا، و ذكوان،

ص: 254


1- المعنق: المسرع؛ و إنما سمي بذلك لأنه أسرع إلى الشهادة.
2- سيرة ابن هشام ج 3 ص 174.

فأجابوه إلى ذلك فخرجوا حتى غشوا القوم، فأحاطوا بهم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا السيوف، ثم قاتلوهم حتى قتلوا عن آخرهم، إلا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النجار، فإنهم تركوه و به رمق، فارتث(1) من بين القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق.

و كان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري، و رجل(2) من الأنصار أحد بني عمرو بن عوف، فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر، فقالا: و اللّه إن لهذه الطير لشأنا، فأقبلا لينظرا إليه، فإذا القوم في دمائهم، و إذا الخيل التي أصابتهم واقفة.

فقال الأنصاري لعمرو بن أمية: ماذا ترى ؟

قال: أرى أن تلحق برسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» فتخبره الخبر، فقال الأنصاري: لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، و ما كنت لتخبرني عنه الرجال. ثم قاتل القوم حتى قتل.

و أخذوا عمرو بن أمية أسيرا، فلما أخبرهم أنه من مضر، أطلقه عامر بن الطفيل، و جز ناصيته، و أعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه.

فخرج عمرو بن أمية حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة، أقبل رجلان من بني عامر حتى نزلا معه في ظل هو فيه؛ و كان مع العامريين عقد من رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و جوار لم يعلم به عمرو بن أمية، و قد سألهما حين نزلا: ممن أنتما؟

ص: 255


1- ارتث: أي وقع و به جراح.
2- قال ابن هشام: «هو المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح».

فقالا: من بني عامر، فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما، و هو يرى أنه قد أصاب بهما ثؤرة(1) من بني عامر، بما أصابوا من أصحاب رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله».

فلما قدم عمرو بن أمية على رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أخبره الخبر، فقال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»: لقد قتلت قتيلين لأدينهما.

ثم قال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»: هذا عمل أبي براء؛ قد كنت لهذا كارها متخوفا.

فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه إخفار عامر إياه، و ما أصاب رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» بسببه و جواره و كان فيمن أصيب عامر بن فهيرة(2).

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عامر بن الطفيل كان يقول: إن الرجل منهم لما قتل رأيته رفع بين السماء و الأرض حتى رأيت السماء من دونه. قالوا: هو عامر بن فهيرة(3).

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن أحد بني جعفر، رجل من بني جبار بن سلمى بن مالك بن جعفر، قال: كان جبار فيمن حضرها(4) يومئذ مع عامر، ثم أسلم بعد ذلك.

قال: فكان يقول مما دعاني إلى الإسلام أني طعنت رجلا منهم يومئذ

ص: 256


1- الثؤرة: الثأر.
2- السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 195 و 196.
3- السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 175.
4- أي فيمن حضر يوم بئر معونة.

بالرمح بين كتفيه، فنظرت إلى سنان الرمح حين خرج من صدره، فسمعته يقول حين طعنته: فزت و اللّه!

قال: فقلت في نفسي: ما فاز! أليس قد قتلت الرجل ؟! حتى سألت بعد ذلك عن قوله.

فقالوا: الشهادة.

قال: فقلت: فاز لعمرو اللّه!

فقال حسان بن ثابت(1) يحرض بني أبي البراء على عامر بن الطفيل:

بني أم البنين ألم يرعكم *** و أنتم من ذوائب أهل نجد

تهكم عامر بأبي براء *** ليخفره، و ما خطأ كعمد

ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي *** فما أحدثت في الحدثان بعدي(2)

أبوك أبو الحروب أبو براء *** و خالك ماجد حكم بن سعد

و قال كعب بن مالك في ذلك أيضا:

لقد طارت شعاعا كل وجه *** فارة ما أجار أبو براء

فمثل مسهب و بني أبيه *** بجنب الرّده من كنفي سواء(3)

بني أم البنين أما سمعتم *** دعاء المستغيث مع المساء!

و تنويه الصريخ بلى و لكن *** عرفتم أنه صدق اللقاء

ص: 257


1- ديوانه ص 50 مع اختلاف في ترتيب الأبيات.
2- المساعي: السعي في طلب المجد و المكارم.
3- و: (بجنب المرو).

فما صفرت عياب بني كلاب *** و لا القرطاء من ذم الوفاء

أعامر عامر السوءات قدما *** فلا بالفعل فزت و لا السناء

أأخفرت النبي و كنت قدما *** إلى السوءات تجري بالعراء؟

فلست كجار جار أبي داود *** و لا الأسدي جار أبي العلاء

و لكن عار كم داء قديم *** وداء الغدر فاعلم شر داء

فلما بلغ ربيعة بن عامر أبي البراء قول حسان و قول كعب، حمل على عامر بن الطفيل فطعنه، فشطب الرمح عن مقتله، فخر عن فرسه.

فقال: هذا عمل أبي براء! إن مت فدمي لعمي و لا يتبعن به، و إن أعش فسأرى رأيي فيما أتى إليّ (1).

حدثني محمد بن مرزوق، حدثنا عمرو بن يونس، عن عكرمة، قال:

حدثنا إسحاق بن أبي طلحة، قال: حدثني أنس بن مالك في أصحاب النبي الذين أرسلهم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» إلى أهل بئر معونة.

قال: لا أدري، أربعين أو سبعين و على ذلك الماء عامر بن الطفيل الجعفري، فخرج أولئك النفر من أصحاب النبي «صلى اللّه عليه و آله» الذين بعثوا؛ حتى أتوا غارا مشرفا على الماء قعدوا فيه.

ثم قال بعضهم لبعض: أيكم يبلغ رسالة رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أهل هذا الماء؟

فقال - أراه ابن ملحان الأنصاري -: أنا أبلغ رسالة رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله».

ص: 258


1- سيرة ابن هشام ج 2 ص 174 و 175.

فخرج حتى أتى حواء منهم، فاحتبى أمام البيوت، ثم قال: يا أهل بئر معونة، إني رسول اللّه إليكم، إني أشهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا عبده و رسوله فآمنوا باللّه و رسوله.

فخرج إليه من كسر البيت برمح، فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر، فقال: اللّه أكبر، فزت و رب الكعبة، فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه في الغار، فقتلهم أجمعين عامر بن الطفيل.

قال إسحاق: حدثني أنس بن مالك أن اللّه عز و جل أنزل فيهم قرآنا:

«بلّغوا عنا قومنا أنّا قد لقينا ربنا، فرضي عنا، و رضينا عنه».

ثم نسخت، فرفعت بعدما قرأناه زمانا، و أنزل اللّه عز و جل: وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ أَمْوٰاتاً بَلْ أَحْيٰاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ ..(1).

حدثني العباس بن الوليد، قال: حدثني أبي قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة الأنصاري، عن أنس بن مالك قال: بعث رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» إلى عامر بن الطفيل الكلابي سبعين رجلا من الأنصار قال: فقال أميرهم: مكانكم حتى آتيكم بخبر القوم!

فلما جاءهم قال: أتؤمنونني حتى أخبركم برسالة رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»؟

ص: 259


1- الآيتان 169 و 170 من سورة آل عمران، و الخبر في التفسير ج 7 ص 393 و الدر المنثور ج 2 ص 95 عن ابن المنذر و ابن جرير.

قالوا: نعم، فبينا هو عندهم، إذ و خزه رجل منهم بالسنان: قال:

فقال الرجل: فزت و رب الكعبة! فقتل.

فقال: عامر: لا أحسبه إلا أن له أصحابا، فاقتصوا أثره حتى أتوهم فقتلوهم، فلم يفلت منهم إلا رجل واحد.

قال أنس: فكنا نقرأ فيما نسخ: «بلغوا عنا إخواننا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا و رضينا عنه»(1).

و تقول الروايات: إنه «صلى اللّه عليه و آله» قنت شهرا في صلاة الغداة يدعو على رعل و ذكوان و عصية.

نص آخر للطبراني:

و ثمة نص آخر، عن سهل بن سعد، ملخصه: أن عامر بن الطفيل قدم على النبي «صلى اللّه عليه و آله» المدينة، فراجع النبي «صلى اللّه عليه و آله» و ارتفع صوته، و ثابت بن قيس قائم بسيفه على النبي «صلى اللّه عليه و آله»، فأمره بغض صوته، و جرى بينهما كلام.

فعطس ابن أخ لعامر، فحمد اللّه، فسمّته النبي «صلى اللّه عليه و آله»، ثم عطس عامر، فلم يسمّته، فقال عامر: سمّت هذا الصبي، و لم تسمّتني ؟!

فقال «صلى اللّه عليه و آله»: إن هذا حمد اللّه.

قال: و محلوفه، لأملأنها عليك خيلا و رجالا.

ص: 260


1- تاريخ الأمم و الملوك ج 2 ص 545-550 و الكامل لابن الأثير ج 2 ص 171 - 173 و لباب التأويل ج 1 ص 301 و 302 و مجمع البيان ج 2 ص 535 و 536 و تفسير القرآن العظيم ج 1 ص 426.

فقال «صلى اللّه عليه و آله»: يكفينيك اللّه و ابنا قيلة.

ثم خرج عامر، فجمع للنبي «صلى اللّه عليه و آله»، فاجتمع من بني سليم ثلاثة أبطن هم الذين كان «صلى اللّه عليه و آله» يدعو عليهم في صلاة الصبح: اللهم العن لحيانا، و رعلا، و ذكوان و عصية، دعا سبع عشرة ليلة.

فلما أن سمع «صلى اللّه عليه و آله»: أن عامرا جمع له، بعث النبي «صلى اللّه عليه و آله» عشرة، فيهم عمرو بن أمية الضمري و سائرهم من الأنصار، و أميرهم المنذر بن عمرو.

فمضوا، حتى نزلوا بئر معونة، فأقبل حتى هجم عليهم، فقتلهم كلهم؛ فلم يفلت منهم إلا عمرو بن أمية، كان في الركاب.

فأخبر اللّه نبيه بقتلهم، فقال «صلى اللّه عليه و آله»: اللهم اكفني عامرا، فأقبل حتى نزل بفنائه. فرماه اللّه بالذبحة في حلقه في بيت امرأة سلولية فأقبل ينزو و يقول: يا آل عامر، غدة كغدة الجمل في بيت سلولية، يرغب أن تموت في بيتها، فلم يزل كذلك حتى مات في بيتها.

و كان أربد بن قيس أصابته صاعقة، فاحترق فمات، فرجع من كان معهم(1).

نص ثالث لابن طاووس رحمه اللّه:

و حسب نص ابن طاووس: أقبل عامر بن الطفيل، و زيد بن قيس، و هما عامريان، أبناء عم، يريدان رسول اللّه، و هو في المسجد جالس في نفر من أصحابه.

ص: 261


1- مجمع الزوائد ج 6 ص 125 و 126 عن الطبراني.

قال: فدخلا المسجد، فاستبشر الناس لجمال عامر بن الطفيل، و كان من أجمل الناس، أعور.

فجعل يسأل: أين محمد؟ فيخبرونه، فيقصد نحو رجل من أصحاب رسول اللّه، فقال: هذا عامر بن الطفيل يا رسول اللّه.

فأقبل، حتى قام عليه؛ فقال: أين محمد؟

فقالوا: هو ذا.

قال: أنت محمد؟

قال: نعم.

قال: ما لي إن أسلمت ؟

قال: لك ما للمسلمين، و عليك ما على المسلمين.

قال: تجعل لي الأمر بعدك ؟

قال: ليس ذلك لك، و لا لقومك، و لكن ذاك إلى اللّه، يجعله حيث يشاء.

قال: فتجعلني على الوبر - يعني الإبل - و أنت على المدر؟

قال: لا.

قال: فماذا تجعل لي ؟

قال: أجعل لك أعنة الخيل، تغزو عليها، إذ ليس ذلك لي اليوم، قم معي، فأكلمك.

فقام معه رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و أوصى (أي عامر) لزيد بن قيس: أن اضربه.

قال: فدار زيد بن قيس خلف النبي «صلى اللّه عليه و آله»؛ فذهب ليخترط السيف فاخترط منه شبرا، أو ذراعا، فحسبه اللّه تعالى، فلم يقدر على سله.

ص: 262

فجعل يومئ عامر إليه، فلا يستطيع سله.

فقال رسول اللّه: اللهم هذا عامر بن الطفيل أعر (كذا) الدين عن عامر - ثلاثا - ثم التفت فرأى زيدا و ما يصنع بسيفه، فقال: اللهم اكفنيهما.

ثم رجع، و بدر(1) بهما الناس، فوليا هاربين.

قال: و أرسل اللّه على زيد بن قيس صاعقة فأحرقته(2).

و رأى عامر بن الطفيل بيت سلولية، فنزل عليها، فطعن في خنصره فجعل يقول: يا عامر غدة كغدة البعير و تموت في بيت سلولية، و كان يعتبر(3) بعضهم بعضا بنزوله على سلول ذكرا كان أو أنثى.

قال: فدعا عامر بفرسه فركبه، ثم أجراه حتى مات على ظهره خارجا من منزلها. فذلك قول اللّه عز و جل: فَيُصِيبُ بِهٰا مَنْ يَشٰاءُ وَ هُمْ يُجٰادِلُونَ فِي اَللّٰهِ [في آيات الله] وَ هُوَ شَدِيدُ اَلْمِحٰالِ ، يقول: العقاب.

فقتل عامر بن الطفيل بالطعنة، و قتل زيد بالصاعقة(4).

و ثمة نصوص أخرى:

و في نص آخر: أن عامرا كان رئيس المشركين قدم على النبي، فقال:

إختر مني ثلاث خصال، يكون لك السهل و يكون لي أهل الوبر، أو أكون

ص: 263


1- لعل الصحيح: و نذر.
2- لعل الصحيح: فأحرقته.
3- لعل الصحيح: يعير.
4- سعد السعود ص 218 و 219 عن تفسير الكلبي، تفسير سورة الرعد في قوله تعالى: و يرسل الصواعق، الآية.

خليفة من بعدك، أو أغزوك بغطفان ألف أسفر و ألف سفرا(1) قال: فطعن في بيت امرأة من بني فلان الخ..

و في الإصابة: «أن ربيعة جاء إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله» فقال: يا رسول اللّه أيغسل عن أبي هذه الغدرة: أن أضرب عامر بن الطفيل ضربة أو طعنة ؟

قال: نعم، فرجع ربيعة فضرب عامرا ضربة أشواه منها فوثب عليه قومه فقالوا لعامر بن الطفيل: اقتص.

فقال: قد عفوت و عقب ذلك مات أبو براء أسفا الخ..»(2).

و ذكروا أيضا: أن سبب مجيء ربيعة إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله» و سؤاله له حسبما تقدم عن الإصابة: أن حسان بن ثابت قال شعرا يحرضه على عامر بن الطفيل:

ألا من مبلغ عني ربيعا *** بما قد أحدث الحدثان بعدي

و خالد ماجد الخ..(3)

فقال ربيعة: هل يرضى حسان طعنة أطعنها عامرا قيل: نعم، فشد عليه فطعنه فعاش منها(4).

و ثمة نصوص أخرى يتضح مخالفتها لما قدمناه مما سيأتي حين الكلام عن تناقض النصوص.

ص: 264


1- لعل الصحيح «ألف أشقر و ألف شقراء» كما في غيره من المصادر.
2- السيرة الحلبية ج 3 ص 173 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 259.
3- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 259.
4- تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 208.
تناقض النصوص و اختلافها:
اشارة

إن أدنى ملاحظة للنصوص توضح لنا مدى الاختلاف و التناقض فيما بينها، بشكل يتعذر معه الجمع فيما بينها، و حيث إن استقصاء هذه الاختلافات و التناقضات أمر يطول، فإننا نلمح إلى بعض الموارد، و نترك سائرها إلى معاناة القارئ أو الباحث الذي يهمه ذلك، لسبب أو لآخر: فنقول:

ألف: تاريخ السرية:

هناك من يقول: إنها كانت في السنة الرابعة من المحرم(1).

و آخرون يقولون: إنها كانت على رأس ستة و ثلاثين شهرا أي على رأس أربعة أشهر من أحد، في شهر صفر(2).

ص: 265


1- تاريخ الخميس ج 1 ص 451 عن الوفاء.
2- تاريخ الأمم و الملوك ج 2 ص 545 و سيرة مغلطاي ص 52 و تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 158 و تاريخ الخميس ج 1 ص 451 و 452 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 192 و عمدة القاري ج 14 ص 320 و ج 18 ص 126 و 174 و ج 7 ص 18 و لباب التأويل للخازن ج 1 ص 302 و مجمع البيان ج 2 ص 536 و أنساب الأشراف ج 1 ص 194 و 375 و زاد المعاد ج 2 ص 109 و المواهب اللدنية ج 1 ص 103 و السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 193 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 258 و بهجة المحافل ج 1 ص 223 و الإكتفاء للكلاعي ج 2 ص 142 و المحبر ص 118 و طبقات ابن سعد (ط ليدن) ج 2 قسم 1 ص 36 و العبر و ديوان المبتدأ و الخبر ج 2 قسم 2 ص 27 و البداية و النهاية ج 4 ص 71 و 72 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 139 و 141 و التنبيه و الإشراف ص 212.

أو لعشرين بقين منه(1).

و ثالث، و هو مكحول، زعم: أنها كانت بعد غزوة الخندق(2).

أما العامري فقد رأى: أن من الممكن أن تكون في السنة الثالثة حيث قال: «و فيها، أو في الرابعة، سرية بئر معونة»(3).

ب: سبب إرسال السرية:

1 - و حول سبب إرسال السرية نجد الرواية المذكورة في صدر البحث تقول: إن أبا براء قدم على النبي «صلى اللّه عليه و آله»، فدعاه «صلى اللّه عليه و آله» إلى الإسلام، فلم يسلم، و لم يبعد، و لكنه طلب من النبي «صلى اللّه عليه و آله»، أن يرسل دعاته إلى نجد، و تعهد بأن يكون جارا لهم، إن تعرض لهم أحد.

2 - و لكننا نجد في مقابل ذلك من يقول: إن أبا براء بعث إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله» يقول له: ابعث إلي رهطا ممن معك، يبلغوني عنك، و هم في جواري، فأرسل إليه «صلى اللّه عليه و آله» المنذر بن عمرو الخ..»(4).

ص: 266


1- المحبر ص 118 و العبر و ديوان المبتدأ و الخبر ج 2 قسم 2 ص 28.
2- عمدة القاري ج 7 ص 18 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 139 و البداية و النهاية ج 4 ص 71.
3- بهجة المحافل ج 1 ص 221.
4- تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 208 و المحبر ص 472 و راجع: تاريخ اليعقوبي (ط دار صادر) ج 2 ص 72، و راجع أيضا: عمدة القاري ج 17 ص 174 عن أبي معشر في المغازي.

و معنى ذلك هو: أن أبا براء لم يطلب ذلك من النبي «صلى اللّه عليه و آله» حين قدم عليه.

3 - و جاء في نص ثالث: أن أناسا جاؤوا إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله»، فقالوا: ابعث معنا رجالا يعلموننا القرآن و السنة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار.

إلى أن تقول الرواية: فبعثهم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» إليهم، فتعرضوا لهم، فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان(1).

4 - و حسب ما جاء في صحيح البخاري، و غيره، أن رعلا، و ذكوان و عصية، و بني لحيان، أتوا رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، فزعموا: أنهم أسلموا فاستمدوه على قومهم (عدوهم خ ل)، فأمدهم سبعين رجلا الخ..(2).

5 - و لكننا نجد رواية أخرى تقول: إنه «صلى اللّه عليه و آله» بعث المنذر بن عمرو في هؤلاء الرهط - عينا له في أهل نجد - فسمع بهم عامر بن

ص: 267


1- صحيح مسلم ج 6 ص 45 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 194 و راجع: طبقات ابن سعد ج 2 قسم 1 ص 38 و بهجة المحافل ج 1 ص 223 و لباب التأويل ج 1 ص 303.
2- صحيح البخاري ج 3 ص 19 و ج 1 ص 116 و تاريخ الخميس ج 1 ص 451 عن الوفاء و طبقات ابن سعد ج 2 قسم 1 ص 38 و السنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 199 و فتح الباري ج 7 ص 296 و عمدة القاري ج 17 ص 169 و مسند أحمد ج 3 ص 255 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 139 و البداية و النهاية ج 4 ص 71 و لباب التأويل ج 1 ص 302.

الطفيل، فاستنفر بني عامر الخ..(1).

6 - و آخر ما نذكره هنا هو: النص الذي يقول: إنه «صلى اللّه عليه و آله» سمع أن عامر بن الطفيل قد جمع له، فبعث «صلى اللّه عليه و آله» عشرة، فيهم عمرو بن أمية، و سائرهم من الأنصار؛ فأقبل عامر بن الطفيل، حتى هجم عليهم فقتلهم(2).

ملاحظة: و قد سجل الدمياطي تحفظا على النص الذي رواه البخاري و غيره، و هو المتقدم آنفا: و هو أن قوله أتاه رعل و ذكوان و عصية، و لحيان، و هم؛ لأن بني لحيان ليسوا في أصحاب بئر معونة، و إنما هم أصحاب الرجيع، و هو كما قال الخ..(3).

ج - من هو أمير السرية ؟

و تذكر المصادر المتقدمة: أن أمير السرية هو المنذر بن عمرو.

و لكن نصا آخر يقول: إن أميرها هو مرثد بن أبي مرثد(4).

بل نجد في الطبري رواية تفيد: أن حرام بن ملحان كان أمير السرية.

ص: 268


1- تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 192 و مجمع الزوائد ج 6 ص 127 عن الطبراني و قال: رجاله رجال الصحيح.
2- مجمع الزوائد ج 6 ص 125.
3- راجع: فتح الباري ج 6 ص 126 و عمدة القاري ج 13 ص 309 و 310 و ج 17 ص 170.
4- راجع: البداية و النهاية ج 4 ص 74 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 44 و عمدة القاري ج 14 ص 310 و ج 7 ص 18 و ج 17 ص 126.

و تقول الرواية: فقال أميرهم: مكانكم، حتى آتيكم بخبر القوم.

ثم تذكر الرواية: ذهابه إليهم، و غدرهم به، و قتلهم إياه على النحو الذي سبق(1).

مع أن الروايات متفقة: على أن الذي جاءهم و غدروا به هو حرام بن ملحان.

د: عدد أفراد السرية:

و قد تقدم: أن الروايات مختلفة في عدد أفراد السرية هل هم سبعون أو أربعون ؟

بل إن أنس بن مالك كان مترددا أيضا، فهو يقول: «لا أدري، في أربعين أو سبعين»(2).

و بعض الروايات تقول: زهاء سبعين(3).

و رواية ثالثة تذكر: أنهم كانوا ثلاثين رجلا، أربعة من المهاجرين و الباقون من الأنصار(4).

ص: 269


1- تاريخ الأمم و الملوك ج 2 ص 550 و راجع: الدر المنثور ج 2 ص 95 عن ابن جرير، و ابن المنذر.
2- الدر المنثور ج 2 ص 95.
3- السنن الكبرى ج 2 ص 207.
4- المحبر ص 118 و سيرة مغلطاي ص 52 و تاريخ الخميس ج 1 ص 452 و المواهب اللدنية ج 1 ص 103، و السيرة الحلبية ج 3 ص 171 و راجع: فتح الباري ج 7 ص 97 و عمدة القاري للعيني ج 7 ص 19 عن الطبراني.

و رابعة تقول: كانوا عشرة فقط، منهم عمرو بن أمية - فقط - من المهاجرين(1).

و خامسة: تحدد عددهم ب «اثنين و عشرين راكبا».

و احتمل الذهبي: أن يكون قد عد الركاب دون الرجالة(2).

و نقول: و هو خلاف ظاهر الحصر.

كما أن رواية العشرة، و رواية الإثنين و العشرين و رواية الأربعين، تبقى على حالها، فإن احتمال الذهبي لا يجدي في رفع تناقضها.

أضف إلى ذلك: أن رواية السبعين أيضا تصرح بكونهم ركبانا(3).

و رواية سادسة تذكر: أنهم كانوا تسعة و عشرين رجلا(4).

و سابعة تقول: إن عدتهم أربعة عشر رجلا(5).

و ثامنة تقول: إنهم كانوا أربعة و خمسين رجلا.

و تاسعة تقول: كانوا سبعة و عشرين رجلا.

و لعلها لا تخلتف عن رواية التسعة و العشرين، لتقارب رسم الخط فيهما.

و رواية عاشرة تقول: كانوا أربعة و عشرين رجلا(6).

ص: 270


1- مجمع الزوائد ج 6 ص 125 عن الطبراني.
2- تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 208 و 207.
3- لباب التأويل للخازن ج 1 ص 302 و راجع غيره.
4- تاريخ اليعقوبي (ط دار صادر) ج 2 ص 72.
5- عمدة القاري ج 17 ص 174.
6- الجامع لأحكام القرآن ج 16 ص 301 عن الماوردي.
ه: لم يكن في السرية إلا أنصاري:

و في حين نجد الروايات تصرح بوجود أربعة من المهاجرين في السرية مثل عامر بن فهيرة، و الحكم بن كيسان المخزومي، و نافع بن بديل بن ورقاء السهمي، بل و حتى سعد بن أبي وقاص(1)،

فإننا نجد البعض يصرح: بأنه لم يكن في هذه السرية إلا أنصاري.

قال الواقدي: و هذا الثبت عندنا(2). مع أن الواقدي نفسه قد صرح بأسماء المهاجرين الآنفة الذكر(3).

و استثنى البعض خصوص عمرو بن أمية دون سواه(4).

و لعل منشأ تخصيص الأنصار بذلك هو رواية أنس التي تقول: ذكر أنس سبعين من الأنصار، كانوا إذا جنّهم الليل أووا إلى معلم بالمدينة ثم تذكر الرواية إرسالهم إلى بئر معونة(5).

ص: 271


1- ورد التصريح باستثناء أربعة من المهاجرين في الرواية التي تذكر: أنهم كانوا ثلاثين رجلا، فراجع مصادرها فيما سبق.
2- مغازي الواقدي ج 1 ص 352 و 348 و 350 و راجع المصادر التالية: صحيح البخاري ج 3 ص 19 و فتح الباري ج 7 ص 296 و طبقات ابن سعد (ط ليدن) ج 2 قسم 1 ص 36 و 37 و الثقات ج 1 ص 238 و راجع: لباب التأويل ج 1 ص 302.
3- راجع: مغازي الواقدي ج 1 ص 352.
4- مجمع الزوائد ج 6 ص 125 عن الطبراني و راجع: عمدة القاري ج 17 ص 174 عن العسكري.
5- تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 195 و 196 و كنز العمال ج 10 ص 371 و 372 عن الطبراني و أبي عوانة.
و: من الذي قتل حرام بن ملحان ؟

و قد تقدم: أن عامر بن الطفيل لم ينظر في كتاب رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» حتى عدا على حرام بن ملحان؛ فقتله، و هذا هو صريح رواية اليعقوبي أيضا، و ابن إسحاق، كما عند دحلان.

و لكن رواية أخرى تقول: إن رجلا خرج من كسر البيت، أو من خلفه، فقتله(1).

و عند الواقدي: أن الذي قتله هو جبار بن سلمى الكلابي(2).

و قيل: إنه لم يمت من طعنة عامر بن الطفيل، و إنما أثخن، و ظنوا أنه مات فكان عند امرأة تداوي جراحه كما سيأتي(3).

ملاحظة: لعل القول بأن قاتله هو جبار بن سلمى قد نشأ عن الخلط بينه و بين عامر بن فهيرة، كما سنرى إن شاء اللّه تعالى.

ز: أين التقى المسلمون بالمشركين ؟

و قد تقدم: أن المشركين بعد قتلهم لحرام قد توجهوا إلى المسلمين، حتى غشوهم، فأحاطوا بهم و هم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا السيوف، فقاتلوهم.

ص: 272


1- تاريخ الأمم و الملوك ج 2 ص 550 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 194 و صحيح مسلم ج 6 ص 45 و تاريخ الخميس ج 1 ص 452 و السيرة الحلبية ج 3 ص 172.
2- البداية و النهاية ج 4 ص 71 و حياة الصحابة ج 1 ص 545.
3- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 258 و 259 و الإصابة ج 1 ص 319 و الإستيعاب بهامشه ج 1 ص 353.

و لكن نصا آخر يقول: إن المسلمين استبطأوا صاحبهم، فأقبلوا في أثره فلقيهم عامر، فأحاطت بهم بنو عامر، و كاثروهم حتى قتلوهم(1).

ح: من هو قاتل عامر بن فهيرة ؟

و نجد في الروايات: أن عامر بن الطفيل هو الذي قتل عامر بن فهيرة(2).

و لكننا نجد نصا آخر يقول: إن الذي قتله هو رجل من بني كلاب(3).

و يصرح الواقدي: أن ابن الطفيل قد نسب قتله إلى ذلك الرجل أيضا(4).

و قد سمته بعض الروايات بجبار بن سلمى(5).

ص: 273


1- مغازي الواقدي ج 1 ص 348 و طبقات ابن سعد ج 2 قسم 1 ص 37 و تاريخ الخميس ج 1 ص 452.
2- الإستيعاب بهامش الإصابة ج 3 ص 8 و الروض الأنف ج 3 ص 239 و السيرة الحلبية ج 3 ص 173 و فتح الباري ج 7 ص 300 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 259.
3- تاريخ الخميس ج 1 ص 453.
4- مغازي الواقدي ج 1 ص 349.
5- راجع: فتح الباري ج 7 ص 300 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 259 و الثقات ج 1 ص 238 و السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 196 و تاريخ الخميس ج 1 ص 253 و الاكتفاء للكلاعي ج 2 ص 144 و 145 و السيرة الحلبية ج 3 ص 173 و شرح بهجة المحافل ج 1 ص 224 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 1414 و أنساب الأشراف ج 1 ص 194 و 375 و البداية و النهاية ج 4 ص 72 و المحبر ص 183 و طبقات ابن سعد ج 2 قسم 1 ص 37 و المغازي للواقدي ج 1 ص 349 و أنساب الأشراف ج 1 ص 375.

ملاحظة: لقد حاول البعض الجمع بين الروايات بأن نسبة القتل إلى عامر بن الطفيل قد جاء على سبيل التجوز، لكونه كان رأس القوم(1).

و نقول: لو صح ذلك لكان ينبغي نسبة قتل غير ابن فهيرة إلى عامر أيضا فلماذا اقتصر الرواة على نسبة قتل ابن فهيرة إلى ابن الطفيل ؟!

ط: من كان في سرح القوم ؟

قد ذكرت الروايات المتقدمة: أن عمرو بن أمية كان في سرح القوم مع رجل آخر.

و تقول بعض الروايات: إن ذلك الآخر كان أنصاريا أحد بني عمرو بن عوف.

و لكننا نجد: أن بعض الروايات قد سمت هذا الآخر ب «الحارث بن الصمة»(2).

و سماه بعض آخر ب «المنذر بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح»(3).

ص: 274


1- راجع: فتح الباري ج 7 ص 300 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 259.
2- المغازي للواقدي ج 1 ص 347 و تاريخ الخميس ج 1 ص 452.
3- تاريخ الخميس ج 1 ص 453 و زاد المعاد ج 2 ص 110 و الإكتفاء للكلاعي ج 2 ص 143. و راجع: العبر و ديوان المبتدأ و الخبر ج 2 قسم 2 ص 28 و السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 195 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 259 و شرح بهجة المحافل ج 1 ص 222.
ي: الناجي من القتل:

قد تقدمت الرواية التي تقول: إن الناجي من القتل هو - فقط - عمرو بن أمية الضمري(1).

و أضافت رواية أخرى إلى عمرو بن أمية رجلا آخر هو كعب بن زيد، الذي استشهد يوم الخندق(2)، و قالوا: بأنه ارتث بين القتلى.

و عند الزمخشري و غيره: أن ثلاثة قد نجوا من القتل(3).

ص: 275


1- راجع: تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 192 عن موسى بن عقبة و أنساب الأشراف ج 1 ص 375 و عمدة القاري ج 17 ص 174 و 175 و زاد المعاد ج 2 ص 110 و المحبر ص 118 و 472 و فتح الباري ج 7 ص 299 و البدء و التاريخ ج 4 ص 211 و طبقات ابن سعد ج 2 قسم 1 ص 37 و 38 و مجمع الزوائد ج 6 ص 125 و 126 عن الطبراني بأسانيد رجالها رجال الصحيح.
2- راجع: تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 193 و 194 و سيرة مغلطاي ص 52 و تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 159 و حياة الصحابة ج 1 ص 543 و 544 و البداية و النهاية ج 4 ص 73 و تاريخ الخميس ج 1 ص 452 و زاد المعاد ج 2 ص 110 و المواهب اللدنية ج 1 ص 103 و الإكتفاء للكلاعي ج 2 ص 143 و السيرة الحلبية ج 2 ص 172 و الثقات ج 1 ص 238 و مجمع الزوائد ج 6 ص 128 و السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 194. و راجع: السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 259 و بهجة المحافل ج 1 ص 222 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 142. و راجع أيضا: عمدة القاري ج 7 ص 19 و ذكره ص 18 وحده، و لباب التأويل ج 1 ص 302 و مجمع البيان ج 2 ص 536.
3- الكشاف ج 4 ص 350 و الجامع لأحكام القرآن ج 16 ص 301 عن الماوردي.

و نص رابع يقول: إن رجلا أعرج - فقط - قد نجا من القتل(1) و صرح البعض بأنه كعب بن زيد(2).

أما اليعقوبي فيقول: إن الناجي هو أسعد بن زيد، حيث أعتقه عامر بن الطفيل عن رقبة كانت على أمه و لم يذكر عمرو بن أمية و لا غيره(3).

و نص سادس يقول: إن سعد بن أبي وقاص قد نجا أيضا(4).

و سابع يقول: إن أصحاب بئر معونة قتلوا جميعا(5).

و في نص آخر: ما بقي منهم مخبر(6).

و يذكر نص ثامن: أن المنذر بن عمرو أمير السرية، أمر أربعة فذهبوا إلى بعض مياههم، فلما رجعوا إذا هم بنسور تحوم، فآثر اثنان منهم الموت،

ص: 276


1- تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 194 و 195 و صحيح البخاري ج 3 ص 19 و حياة الصحابة ج 1 ص 545 و بهجة المحافل ج 1 ص 222 و البداية و النهاية ج 4 ص 72 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 140 و عمدة القاري ج 17 ص 172 و راجع: مسند أحمد ج 3 ص 289 لكنه ذكر في ص 210 تشكيكا في كونه أضاف نجاة رجل آخر كان مع الأعرج على الجبل.
2- راجع: شرح بهجة المحافل للأشخر اليمني ج 1 ص 222 و فتح الباري ج 7 ص 298 و عمدة القاري ج 17 ص 171.
3- تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 72.
4- مغازي الواقدي ج 1 ص 352.
5- أنساب الأشراف ج 1 ص 375.
6- تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 196 و كنز العمال ج 10 ص 371 و 372 عن الطبراني، و أبي عوانة.

فقاتلا حتى قتلا، و رجع اثنان منهم إلى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»(1).

لكن نصا آخر يذكر: أن عمرو بن أمية و رجلا آخر كانا في سرح القوم، فعادا فوجدا نسورا تحوم، فقاتل أحدهما، فيقال: إنه قتل أربعة من المشركين.

و عند الواقدي: أن هذا الرجل هو الحارث بن الصمة، و أنه قتل رجلين فقط(2) ثم قتل، و أسر عمرو بن أمية، ثم أطلق، و رجع وحده(3).

و في بعض المصادر: انطلق حرام و رجلان معه، أحدهما أعرج، فقال:

كونا قريبا مني حتى آتيهم.

إلى أن قال: و قتل كلهم إلا الأعرج كان في رأس الجبل(4).

و في بعض المصادر: أن اللذين كانا مع حرام كانا من بني أمية(5).

و قد تقدم تسمية الأعرج بأنه كعب بن زيد من بني دينار بن النجار أما الرجل الآخر، فسموه بالمنذر بن محمد بن عقبة بن الجلاح الخزرجي(6).

و تقول رواية أخرى: قتل المنذر بن عمرو و أصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا في

ص: 277


1- تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 208.
2- راجع: مغازي الواقدي ج 1 ص 348.
3- الثقات ج 1 ص 239 و تاريخ الخميس ج 1 ص 453.
4- تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 195 و فتح الباري ج 7 ص 298 و 299 و صحيح البخاري ج 3 ص 19 و عمدة القاري ج 17 ص 172 و مجمع الزوائد ج 6 ص 126.
5- مجمع الزوائد ج 6 ص 126 و مسند أحمد ج 3 ص 210.
6- فتح الباري ج 7 ص 298 و راجع: عمدة القاري ج 17 ص 172.

طلب ضالة لهم، أحدهم عمرو بن أمية فلم يرعهم إلا و الطير تحوم، فحمل أحد الثلاثة يشتد، فلقي رجلا فقتله ذلك الرجل، و رجع صاحباه و قتلا رجلا من بني سليم في طريقهما، و قدما على النبي «صلى اللّه عليه و آله»(1).

ملاحظة: جاء في البخاري: فانطلق حرام أخو أم سليم و هو رجل أعرج و رجل من بني فلان و قال: كونا قريبا مني.

إلى أن قال: فقتلوا كلهم غير الأعرج(2).

فالظاهر: أن الواو في قوله: (و هو) قدمت سهوا و الصحيح: (هو و رجل) لأن حراما قد قتل أيضا(3)، و لأن قوله قريبا الخ.. يدل على أن الذين كانوا مع حرام رجلين.

ك: الذين رأوا الطير تحوم!!

و نجد بعض الروايات تصرح: بأن رجلين كانا في سرح القوم، فرجعا؛ فرأيا الطير تحوم(4).

و لكن رواية أخرى تقول: إن ثلاثة نفر كانوا في طلب ضالة لهم؛ فرجعوا فرأوا الطير تحوم(5).

و رواية ثالثة تذكر: أن أمير السرية أرسل أربعة إلى بعض مياههم؛

ص: 278


1- تاريخ الخميس ج 1 ص 453 و 454.
2- صحيح البخاري ج 3 ص 19 و عمدة القاري ج 17 ص 172.
3- راجع: فتح الباري ج 7 ص 298 و عمدة القاري ج 17 ص 171.
4- قد تقدمت مصادر ذلك حين ذكر التناقض في من كان في سرح القوم.
5- تاريخ الخميس ج 1 ص 454.

فرجعوا فإذا هم بنسور تحوم(1).

ل: من قتل العامريين ؟

و تقول الروايات المتقدمة: إن عمرو بن أمية - وحده - قد قتل العامريين اللذين كان معهما عهد من رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، و هو راجع إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله».

و لكننا نجد نصا آخر يقول: إن رجلين قد نجيا من بئر معونة فقتلا الرجلين، و أخذا ما معهما، فأتيا رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، فأخبراه الخ..(2).

و في نص ثالث: «فقتل المنذر بن عمرو و أصحابه إلا عمرو بن أمية الضمري فإنهم أسروه، فاستحيوه حتى قدموا به مكة، فهو دفن خبيب بن عدي»(3). فكيف يكون قد قتل العامريين و هو عائد من بئر معونة ؟

و في رواية أخرى: أنهما كانا من بني سليم لكنهما اعتزيا إلى بني عامر لأنهم كانوا أعز من بني سليم(4).

م: مدة دعاء النبي صلّى اللّه عليه و آله على القبائل:

قد تقدم: أن النبي الأكرم «صلى اللّه عليه و آله» قد دعا على رعل و ذكوان،

ص: 279


1- تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 208.
2- تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 208.
3- مجمع الزوائد ج 6 ص 127 عن الطبراني.
4- الكشاف ج 4 ص 350 و الجامع لأحكام القرآن ج 16 ص 301 عن الماوردي.

و عصية شهرا في قنوته ثم تركه لما جاؤوا مسلمين تائبين كما ذكره ابن القيم(1).

ص: 280


1- راجع فيما تقدم: الثقات ج 1 ص 237 و صحيح مسلم ج 2 ص 136 و 137 و سنن الدارمي ج 1 ص 375 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 194 و 195 و شرح الموطأ للزرقاني ج 2 ص 51 و زاد المعاد ج 2 ص 110 و ج 1 ص 71 و 73 و كنزل العمال ج 8 ص 53 عن المتفق و المفترق و عبد الرزاق و الإعتبار ص 85 و 86 و 87 و 91 و 93 و المواهب اللدنية ج 1 ص 103 و تاريخ الخميس ج 1 ص 451 و الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج 5 ص 308 و 320 و 322 و 323 و في هامشه عن شرح معاني الآثار ج 1 ص 244 و 243 و راجع: مسند أبي عوانة ج 2 ص 306 و 307 و 311 و 312 و الإكتفاء للكلاعي ج 2 ص 145 و السيرة الحلبية ج 3 ص 173 و مجمع الزوائد ج 2 ص 137 عن أبي يعلى، و البزار، و الطبراني في الكبير، و طبقات ابن سعد ج 2 قسم 1 ص 37 و صحيح البخاري ج 3 ص 19 و 20 و ج 4 ص 74 و ج 1 ص 117 و 148 و ج 2 ص 117 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 260 و فتح الباري ج 7 ص 301 و بهجة المحافل ج 1 ص 224 و البداية و النهاية ج 4 ص 71 و 72 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 139 و 140 و مسند أحمد ج 1 ص 301 و ج 3 ص 255 و 167 و 162 و 204 و 216 و 259 و 278 و 282 و 215 و 289 و المنتقى ج 1 ص 502 و المغني ج 1 ص 787 و 788 و منحة المعبود ج 1 ص 101 و سنن ابن ماجة ج 1 ص 394 و سنن أبي داود ج 1 ص 68 و نصب الراية ج 2 ص 127 و السنن الكبرى ج 2 ص 213 و 200 و 199 و 207 و 244 و نيل الأوطار ج 2 ص 395 و 396 عن الدارقطني، و أحمد و البيهقي و الحاكم و صححه، و عبد الرزاق، و أبي نعيم و جامع المسانيد ج 1 ص 346 و راجع ص 324 و 342 و مصابيح السنة ج 1 ص 446 و 447 و سنن النسائي ج 2 ص 200 و 203 و 204 و عمدة القاري ج 17 ص 169 و ج 5 ص 73 و ج 7 ص 17 و 19 و 22 و 23 و الإعتصام بحبل اللّه المتين ج 2 ص 19 و بداية المجتهد ج 1 ص 134.

و في نص آخر: أنه دعا عليهم سبع عشرة ليلة(1).

و في ثالث: خمس عشرة ليلة أو يوما(2).

و في رابع: سبعين يوما(3).

و في خامس: أربعين يوما(4).

ن: مصير ملاعب الأسنة:

و حول مصير ملاعب الأسنة؛ فإن الروايات المتقدمة تذكر: أنه قد بقي حيا، و أنه حين بلغه قول النبي «صلى اللّه عليه و آله»: هذا عمل أبي براء، شق عليه ذلك، و لكنه كما يقول الواقدي: كان لا حركة له من الكبر(5).

و لكن نصا آخر يقول: إن أبا براء قد مات أسفا على ما صنع به ابن أخيه عامر بن الطفيل(6).

ص: 281


1- مجمع الزوائد ج 6 ص 125.
2- مغازي الواقدي ج 1 ص 347 و 350 و السنن الكبرى ج 2 ص 199.
3- تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 194 و 195 و تاريخ الخميس ج 1 ص 451.
4- راجع: أسد الغابة ج 3 ص 91 و الإستيعاب هامش الإصابة ج 3 ص 8 و البدء و التاريخ ج 4 ص 212 و راجع: مغازي الواقدي ج 1 ص 350 و جامع المسانيد ج 1 ص 330 و السنن الكبرى ج 2 ص 199 و عمدة القاري ج 23 ص 18 و بهجة المحافل ج 1 ص 224 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 260 و مسند أحمد ج 3 ص 210 و بداية المجتهد ج 1 ص 134 و لباب التأويل ج 1 ص 302.
5- مغازي الواقدي ج 1 ص 351 و راجع: تاريخ الأمم و الملوك ج 2 ص 547 و غير ذلك.
6- راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 452 و فتح الباري ج 7 ص 301 و المواهب اللدنية ج 1 ص 103 و السيرة الحلبية ج 3 ص 173 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 259.

و نص ثالث يقول: إن أبا براء أسلم عند ذلك، و قاتل حتى قتل(1).

و في رواية أخرى: أن أبا براء طلب من النبي إرسال رجال إليه لتعليم القرآن، فبعث إليه المنذر بن عمرو في أربعة عشر رجلا، فلما ساروا إليهم بلغهم موت أبي براء، فأرسل المنذر بن عمرو إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله» يستمده فأمده بأربعين رجلا أميرهم عمرو بن أمية، على أن يكون المنذر بن عمرو أميرهم حين يجتمعون فلما وصلوا إلى بئر معونة كتبوا إلى ربيعة بن أبي البراء: نحن في ذمتك و ذمة أبيك فنقدم عليك أم لا؟!

قال: أنتم في ذمتي فأقدموا الخ..(2).

و في نص آخر دلالة على: أن ملاعب الأسنة قد قتل نفسه بعد موت عامر بن الطفيل، لأن قومه بعد موت عامر حين انصرافه من عند النبي «صلى اللّه عليه و آله» أرادوا النجعة دون مشورته لأنهم يزعمون: أنه قد حدث له عارض في عقله، بسبب إرساله إلى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، فدعا لبيدا و قينتين، فشرب و غنتاه، فقال للبيد: أرأيت إن حدث بعمك حدث ما أنت قائل ؟ فإن قومك يزعمون أن عقلي قد ذهب و الموت خير من عزوب العقل، فقال لبيد:

قوما تجوبان مع الأنواح *** في مأتم مهجر الرواح

في السلب السود و في الأمساح *** و ابّنا ملاعب الرماح

يا عامرا يا عامر الصباح *** و عامر الكتيبة الرداح

ص: 282


1- تاريخ الخميس ج 1 ص 452.
2- عمدة القاري ج 17 ص 174.

حتى أتمها، و غيرها من المراثي، فلما أثقله الشرب اتكأ على سيفه حتى مات، و قال:

لا خير في العيش، و قد عصتني عامر........

و تزعم عامر: أنه مات مسلما و لم يقتل نفسه(1).

و قال الذهبي: الصحيح أنه لم يسلم(2).

س: مصير عامر بن الطفيل:

و نجد رواية تقول: إن ربيعة بن أبي براء، بعد موت أبيه طعن عامر بن الطفيل فقتله(3).

و أخرى تقول: إن عامرا عاش بعد ذلك حتى ابتلي بغدة كغدة البعير، و مات كافرا، و هو منصرف من عند رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»(4).

ص: 283


1- المحبر ص 472 و 473.
2- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 258.
3- تاريخ الخميس ج 1 ص 453 عن معالم التنزيل، و شرح بهجة المحافل ج 1 ص 224 عن تفسير البغوي.
4- تاريخ الخميس ج 1 ص 453 و السيرة الحلبية ج 3 ص 173 و المحبر ص 472 و المغازي للواقدي ج 1 ص 351 و مجمع الزوائد للهيثمي ج 6 ص 125 و 126 عن الطبراني و فتح الباري ج 7 ص 301 و بهجة المحافل ج 1 ص 224 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 208 و 194 و 195 و البداية و النهاية ج 4 ص 71 و 72 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 140 و صحيح البخاري ج 3 ص 19.

و قيل: إنه قدم على النبي «صلى اللّه عليه و آله» و هو ابن بضع و ثمانين سنة، و لم يسلم، و عاد من عنده؛ فخرج له خراج في أصل أذنه، أخذه منه مثل النار، فاشتد عليه، و مات منه(1).

ع: مكان موت عامر:

و تناقض آخر، و هو: أن عامر بن الطفيل، هل مات على ظهر فرسه، بعد تركه بيت السلولية، كما جاء في الروايات المتقدمة ؟

أم أنه مات في بيت السلولية بالذات، كما رواه الطبراني ؟!(2).

هذا كله.. عدا عن الاختلاف في أنه مات قبل موت أبي براء، أو بعده.

و حسبنا هذا الذي ذكرناه من التناقضات و الاختلافات بين الروايات، و لو أردنا استقصاء ذلك لاحتجنا إلى جهد أعظم، و وقت أطول، و لملأنا العديد من الصفحات، و المهم هو الإلماح و الإشارة؛ ليتضح: أن ثمة تعمّدا للكذب، و الوضع، و التحريف، و أنه لا يمكن الركون إلى النصوص، و لا اعتماد بعض دون بعض، إلا بعد تزييف الزائف، و تحقيق ما هو حقيقة.

و اللّه هو الموفق، و المسدد.

ص: 284


1- لباب التأويل للخازن ج 1 ص 302.
2- مجمع الزوائد ج 6 ص 126 عن الطبراني.

الفصل الثاني: نقاط ضعف

اشارة

ص: 285

ص: 286

بداية:

و بعد ما تقدم، فإن لنا على كثير من الفقرات التي أوردتها روايات هذه السرية العديد من الملاحظات و الإيرادات التي تبقى لا جواب لها.

الأمر الذي يزيد في تشكيكنا و ريبنا في كثير من الأحداث و التفاصيل التي تحدثت عنها.

و نحن نجمل هنا ما نريد التنبيه إليه فيما يلي من مطالب، و فصول:

مكحول.. و تاريخ غزوة بئر معونة:

يقول مكحول: إن سرية بئر معونة قد كانت بعد غزوة الخندق(1).

و نقول:

1 - إنهم يقولون: إن بئر معونة كانت سببا لغزوة بني النضير بل لقد ادّعي اتفاق عامة المؤرخين على ذلك(2) و النضير كانت قبل الخندق فكيف تكون بئر معونة بعد الخندق ؟

ص: 287


1- البداية و النهاية ج 4 ص 71 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 139 و عمدة القاري ج 7 ص 18.
2- نص على هذا الاتفاق في بهجة المحافل ج 1 ص 223.

2 - قد تقدم: أن غزوة بني النضير كانت حسب روايات آخرين في السنة الثالثة، فلا بد أن تكون بئر معونة قبلها.

أما غزوة الخندق، فهي في الرابعة، و قال عدد من المؤرخين: إنها في السنة الخامسة.

3 - تقدم أن كعب بن زيد: ارتث في بئر معونة، و تركوه و به رمق، فعاش و قتل يوم الخندق، فكيف تكون بئر معونة بعدها؟.

الرجيع.. و بئر معونة في وقت واحد:

قد تقدم أنهم يقولون: إن سرية الرجيع، و سرية بئر معونة قد كانتا في وقت واحد، و بلغ النبي «صلى اللّه عليه و آله» خبرهما في آن(1).

و نقول:

روي عن أنس، قال: لما أصيب خبيب، بعث رسول اللّه السبعين إلى حي من بني سليم؛ فقتلوا جميعا(2).

و معنى ذلك هو: أن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» قد عرف بقتل خبيب قبل إرساله السبعين، فكيف بلغه خبرهما في آن واحد؟!

ص: 288


1- راجع: مغازي الواقدي ج 1 ص 349 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 260 و المواهب اللدنية ج 1 ص 104 و عمدة القاري ج 17 ص 174 و 175 و تاريخ الخميس ج 1 ص 453 و السيرة الحلبية ج 3 ص 172 و 174 و طبقات ابن سعد ج 2 قسم 2 ص 37.
2- راجع: كنز العمال ج 10 ص 371 و 372 عن الطبراني، و أبي عوانة، و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 195 و 196.
بئر معونة سبب لغزوة بني النضير:

قد عرفنا: أن عامة المؤرخين يذكرون: أن النبي قد جاء إلى بني النضير، يستمدهم في دية العامريين، اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري حين رجوعه من بئر معونة، فظهر منهم الغدر به «صلى اللّه عليه و آله»، فكانت غزوة بني النضير بسبب ذلك.

و تقدم أنهم يقولون: إن بئر معونة كانت في السنة الرابعة للهجرة.

و نقول:

إن ذلك موضع شك و ريب، و ذلك لما يلي:

أولا: إنه و إن كان عدد من المؤرخين يذكرون: غزوة بني النضير - تبعا لابن إسحاق - في السنة الرابعة للهجرة، و لكننا نجد من الشواهد و الدلائل، و أقوال المؤرخين الآخرين ما يرجح لدينا خلاف ذلك، و ذلك استنادا إلى ما يلي من نقاط:

1 - قد روى الزهري، عن عروة: أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر فتكون في السنة الثالثة من الهجرة و كذا روي عن الزهري، و عائشة(1).

ص: 289


1- راجع: صحيح البخاري ج 3 ص 10 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 119 و دلائل النبوة للبيهقي ج 2 ص 442 و ذكر الرواية عن الزهري ص 443، و عن عائشة و عروة ص 444 و فتح الباري ج 7 ص 253 عن عبد الرزاق، و زاد المعاد ج 2 ص 71 و الجامع للقيرواني ص 279 و عمدة القاري ج 17 ص 126 و بهجة المحافل ج 1 ص 213 و البداية و النهاية ج 4 ص 74 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 145 كلاهما عن البخاري، و عن البيهقي، و عن تفسير ابن حبان.

و هذا هو ما ذهب إليه النووي و غيره(1) و قواه السهيلي أيضا، حيث قال معترضا على ابن هشام:

«كان ينبغي أن يذكرها بعد بدر لما روى عقيل بن خالد، و غيره عن الزهري: قال: كانت غزوة بني النضير على رأس ستة أشهر من بدر، قبل أحد»(2).

2 - قال موسى بن عقبة، و الذهبي: كان إجلاء بني النضير في المحرم سنة ثلاث(3).

3 - و عند الحاكم: أن إجلاء بني النضير و إجلاء بني قينقاع كان في زمن واحد.

قال العسقلاني: «و لم يوافق على ذلك، لأن إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة، أو بعد ذلك بمدة طويلة على قول ابن إسحاق»(4).

ثانيا: «و روي أيضا من طريق عكرمة: أن غزوتهم (أي بني النضير)

ص: 290


1- بهجة المحافل ج 1 ص 223 و 213 و راجع: السيرة الحلبية ج 2 ص 263 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 260 و تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 159 و نسبة في مرآة الجنان ج 1 ص 19 إلى بعضهم.
2- الروض الأنف ج 3 ص 250 و تاريخ الخميس ج 1 ص 460 و راجع: فتح الباري ج 7 ص 255 و المواهب اللدنية ج 1 ص 104.
3- راجع: تاريخ الإسلام للذهبي ص 122 و 197 و دلائل النبوة للبيهقي ج 2 ص 450 عن موسى بن عقبة.
4- فتح الباري ج 7 ص 256.

كانت صبيحة قتل كعب بن الأشرف، كذا في الوفاء»(1).

و يؤيد ذلك: أنهم يذكرون: أنه لما صار النبي «صلى اللّه عليه و آله» إليهم يستعينهم في دية العامريين، و اطلع على محاولتهم الغدر به انصرف راجعا عنهم، و أمر بقتل كعب بن الأشرف، و أصبح غاديا عليهم بالكتائب، و كانوا بقرية يقال لها: زهرة، فوجدهم ينوحون على كعب، فقالوا: يا محمد، واعية إثر واعية ؟! ثم حشدوا للحرب الخ..(2).

و قد ذكر البعض النص السابق من دون ذكر: أنه أمر بقتل كعب بن الأشرف بعد محاولتهم الغدر به حين استعانته بهم في دية العامريين(3).

و يؤيد ذلك: الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين «عليه السلام» بالمناسبة، و من جملة أبياته:

و أن تصرعوا تحت أسيافه *** كمصرع كعب أبي الأشرف

إلى أن قال:

فدس الرسول رسولا له *** بأبيض ذي هبة مرهف

فباتت عيون له معولات *** متى ينع كعب لها تذرف

ص: 291


1- تاريخ الخميس ج 1 ص 461 عن معالم التنزيل، و فتح الباري ج 7 ص 256 عن عبد بن حميد في تفسيره.
2- بهجة الحافل ج 1 ص 214 عن البخاري، و شرح بهجة المحافل ج 1 هامش ص 215 عن مسلم و أبي داود، و الترمذي عن ابن عمر و في السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 9 و البداية و النهاية ج 4 ص 5 كلاهما عن البخاري و البيهقي: أن مقتل كعب بن الأشرف كان بعد قصة بني النضير.
3- تاريخ الخميس ج 1 ص 461.

و قلن لأحمد: ذرنا قليلا *** فإنا من النوح لم نشتف

فخلاهم ثم قال: اظعنوا *** دحورا على رغم الآنف

و أجلى النضير إلى غربة *** الخ..(1)..

فإن هذه الأبيات ما هي إلا تقرير للقصة الآنفة الذكر.

و معلوم: أن كعب بن الأشرف إنما قتل على رأس خمسة و عشرين شهرا من الهجرة، و هذا ينسجم مع القول بأن بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر.

ثالثا: قد ذكرت بعض النصوص: أن كفار قريش كتبوا بعد وقعة بدر إلى اليهود، يهددونهم و يأمرونهم بقتال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، فلما بلغ كتابهم النبي «صلى اللّه عليه و آله» اجتمعت بنو النضير بالغدر، و أرسلوا إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله»: اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك.

ثم تذكر الرواية: أنه «صلى اللّه عليه و آله» غدا عليهم بالكتائب، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء(2).

قال العسقلاني: «قلت: فهذا أقوى مما ذكر ابن إسحاق، من أن سبب غزوة بني النضير طلبه أن يعينوه في دية الرجلين. و لكن وافق ابن إسحاق

ص: 292


1- السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 207 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 152 و 153 و البداية و النهاية ج 4 ص 79.
2- دلائل النبوة للبيهقي ج 2 ص 445 و 446 و فتح الباري ج 7 ص 255 عن ابن مردويه، و عبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق.

جل أهل المغازي، و اللّه أعلم»(1).

رابعا: أما بالنسبة لسبب غزوة بني النضير، ففيه أقوال عديدة، فقيل:

1 - إنه «صلى اللّه عليه و آله» قد ذهب إليهم ليسألهم كيف الدية عندهم، و ذلك للعهد الذي كان بينهم و بين بني عامر.

و لا ندري كيف يجهل رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و سائر أصحابه مقدار الدية عند اليهود، و هم قد عاشوا معهم هذه السنين الطويلة.

و لا ندري أيضا لماذا لا يرسل إليهم بعض أصحابه ليسألوهم عن ذلك ؟

و لا ندري كذلك، ما هو أثر العهد بينهم و بين بني عامر في مسألة الدية و السؤال عنها؟

و لماذا يريد أن يعطي مقدار دية يهودية ؟

2 - و قيل: ذهب إليهم ليستمدهم في دية العامريين، لأنه «صلى اللّه عليه و آله» كان قد أخذ العهد عليهم أن يعاونوه في الديات.

3 - و قيل: ذهب لأخذ دية الرجلين منهم، لأن بني النضير كانوا حلفاء لبني عامر قوم الرجلين.

و لا ندري لماذا يأخذ الدية من حلفاء المقتول، فهل جرت عادة العرب على ذلك ؟ أم ماذا؟

4 - و قيل: إنهم طلبوا إليه أن يخرج إليهم في ثلاثة، مقابل ثلاثة من أحبارهم للمناقشة في أمر الدين، و كانوا قد خبأوا الخناجر، فأرسلت إليه

ص: 293


1- فتح الباري ج 7 ص 255.

امرأة منهم، فأعلمته بخيانتهم(1).

و قد تقدم تقوية العسقلاني لهذا الأخير.

و خامسا: إنه لا شك في أن غزوة بني النضير كانت قبل الخندق و قريظة بثمانية أشهر في أقل الأقوال، و قد تحدثنا في كتابنا «حديث الإفك» حول تاريخ غزوة الخندق، و قوينا أن تكون في السنة الرابعة، و إن كان عدد من المؤرخين يقول: إنها كانت سنة خمس(2).

استدلال لا يصح:

قال العسقلاني: «حكى ابن التين عن الداودي: أنه رجح ما قال ابن إسحاق: من أن غزوة بني النضير كانت بعد بئر معونة، مستدلا بقوله تعالى: وَ أَنْزَلَ اَلَّذِينَ ظٰاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتٰابِ مِنْ صَيٰاصِيهِمْ .

قال: و ذلك في قصة الأحزاب.

قلت: و هو استدلال واه؛ فإن الآية نزلت في شأن بني قريظة، فإنهم هم الذين ظاهروا الأحزاب، و أما بنو النضير، فلم يكن لهم في الأحزاب ذكر، بل كان من أعظم الأسباب في جمع الأحزاب ما وقع من جلائهم، فإنه كان من رؤوسهم حيي بن أخطب و هو الذي حسن لبني قريظة الغدر، و موافقة الأحزاب، كما سيأتي، حتى كان من هلاكهم ما كان، فكيف يصير السابق لاحقا؟»(3) إنتهى.

ص: 294


1- السيرة الحلبية ج 2 ص 263 و 264.
2- راجع: حديث الإفك ص 96-106.
3- فتح الباري ج 7 ص 254 و المواهب اللدنية ج 1 ص 104.
الأنصار في بئر معونة:

و تذكر روايات بئر معونة: أن الذين قتلوا في بئر معونة كانوا كلهم من الأنصار و استثنت بعض الروايات واحدا أو أكثر.

و في مسند أنس: «ذكر سبعين من الأنصار، كانوا إذا جنّهم الليل أووا إلى معلّم بالمدينة، فيبيتون يدرسون القرآن، فإذا أصبحوا فمن كان عنده قوة أصاب من الحطب، و استعذب الماء، و من كانت عنده سعة أصابوا الشاة، و أصلحوها، فكانت تصبح معلقة بحجر رسول اللّه، فلما أصيب خبيب، بعثهم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» الخ..»(1).

و نقول:

تواجهنا في هذا النص الأسئلة التالية:

1 - لماذا اختار رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» خصوص هذه الثلة و لم يخلطهم بغيرهم من سائر الأنصار؟

2 - لماذا لم يدخل في هذا التجمع، على كثرته، أحدا من المهاجرين الذين كانوا قد فقدوا أموالهم في مكة، فقدموا المدينة و هم لا يملكون شيئا، فتوزعهم الأنصار في بيوتهم، فآووهم و أطعموهم، و قاموا بخدمتهم على أتم وجه ؟

3 - لماذا شكل هؤلاء هذا التجمع الخاص بهم، و لم يحاولوا زيادة

ص: 295


1- راجع على سبيل المثال: كنز العمال ج 10 ص 371 و 372 عن الطبراني، و أبي عوانة و راجع المصادر المذكورة عند تناقض الروايات، فإن هذا النص موجود في عدد منها.

عددهم على السبعين، و لا رضوا بإنقاصه عن ذلك ؟!

4 - تنص الرواية على أن النبي «صلى اللّه عليه و آله» قد أرسلهم لما أصيب خبيب، لماذا تخصيص خبيب، دون سائر شهداء سرية الرجيع ؟!

5 - و هل هو قد أرسلهم إلى مكة للثأر من قاتلي خبيب ؟!

6 - و هل أرسلهم النبي «صلى اللّه عليه و آله» في مهمات من هذا القبيل قبل قتل خبيب ؟!

7 - أو ليس يقولون: إن خبر أصحاب الرجيع قد ورد عليه هو و خبر أصحاب بئر معونة في آن واحد؟!

8 - إن معنى ذلك هو: أن حجر رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» كانت شبيهة بسوق القصابين في تعليق اللحم فيها يوميا، مع أنهم يذكرون من معاناة رسول اللّه و أهل بيته في هذه الفترة، من حيث المعاش الشيء الكثير، و قصاع سعد بن عبادة و غيره، كان لها دور في التخفيف عنهم إلى حد كبير، و لم تذكر شيئا عن هذا الفريق المنظم!

حرام بن ملحان شهيدا:

و تذكر الروايات المتقدمة: أن حرام بن ملحان قد استشهد على يد عامر بن الطفيل أو غيره، قبل إغارة عامر على سائر المسلمين في بئر معونة.

بل إن بعض الروايات تنص على: أنه بعد أن قتل أصحاب المنذر بن عمرو، طلب عمرو (أي بن أمية) من الأعداء أن يمنحوه الفرصة ليصلي على حرام بن ملحان ففعلوا، فصلى عليه، ثم أخذ سيفا (و لا ندري لم تركوا

ص: 296

له هذا السيف ؟) و أعنق نحوهم، فقاتلهم حتى قتل(1).

و نقول:

إن ثمة نصا آخر يقول: إن حراما قد ارتث يوم بئر معونة و ظنوا أنه مات، فقال الضحاك بن سفيان الكلابي - و كان مسلما يكتم إسلامه - لامرأة من قومه:

هل لك في رجل إن صح كان نعم الراعي ؟ فضمته إليها، فعالجته، فسمعته يقول:

أتت عامر ترجو الهوادة بيننا *** و هل عامر إلا عدو مداهن(2)

إذا ما رجعنا ثم لم تك وقعة *** بأسيافنا في عامر، أو نطاعن

فلا ترجونّا أن يقاتل بعدنا *** عشائرنا و المقربات الصوافن

فوثبوا عليه فقتلوه»(3).

و لكن لنا ملاحظات على هذا النص أيضا، إذ لماذا لم يأخذه الضحاك إلى بيته هو؟ و كيف لم ينكشف أمره في بيت تلك المرأة ؟! و متى أتت عامر ترجو المودة بينها و بينهم ؟!

إلا أن يكون ثمة تفاصيل لم تصل إلينا، تفيد أن بني عامر قد حاولوا

ص: 297


1- تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 72 و راجع: المغازي للواقدي ج 1 ص 348.
2- في الإصابة: أبا عامر نرجو.. و مداجن.
3- راجع: الإصابة ج 1 ص 319 و الإستيعاب بهامشه ج 1 ص 353 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 258 و 259 مع بعض الاختلاف فيما بينها في كلمات الشعر المذكور.

إصلاح ما صدر منهم تجاه المسلمين، و لعل وفود عامر بن الطفيل إلى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» قد كان لأجل ذلك.

بالإضافة إلى الحاجة إلى تفاصيل أخرى حول كيفية احتفاظ تلك المرأة بابن ملحان عندها، و عدم تمكن الضحاك من جعله في بيته.

سعد بن أبي وقاص في بئر معونة:

و قد ذكرت بعض الروايات: حضور سعد بن أبي وقاص في قضية بئر معونة، و أنه حين رجع إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله»، قال له: «ما بعثتك قط إلا رجعت إلي من بين أصحابك»(1).

و نحن نسجل هنا النقاط التالية:

ألف: لقد صرحت بعض الروايات، و لا سيما الواقدي في مغازيه: بأنه لم يشترك في هذه السرية إلا أنصاري، و استثنى البعض بعض المهاجرين، و ليس من بينهم سعد.

و إذا كان قد حضرها حقا، فلعله التحق بهؤلاء الركب بعد مسيرهم، ثم تمكن من الهرب، حينما وقعت الواقعة.

ب: إن كلمات الرسول الأكرم «صلى اللّه عليه و آله» المتقدمة لسعد تدل على: أنه كان ماهرا في الهرب، بارعا في التخلص من المآزق، و أنه قد تخلص مرات عديدة أشار النبي «صلى اللّه عليه و آله» إليها في كلمته الآنفة الذكر، و التي تشير إلى تعجب النبي «صلى اللّه عليه و آله» من هذا الأمر.

ص: 298


1- المغازي للواقدي ج 1 ص 352 و راجع ص 350.

ج: إننا لا ندري شيئا عن المرات الأخرى التي تخلص فيها سعد و رجع سالما، الأمر الذي يشير إلى خيانة تاريخية في هذا المجال.

د: و إذا صح أن النبي «صلى اللّه عليه و آله» قد لا حظ عودة سعد سالما إليه «صلى اللّه عليه و آله» من بين أصحابه، فهل يمكن أن نفهم من كلمته «صلى اللّه عليه و آله» تلك: أنه «صلى اللّه عليه و آله» كان يرغب في التخلص من سعد، و لا يرغب في عودته إليه سالما في كل مرة ؟!

لا ندري، و لعل الفطن الذكي يدري.

ابن الصمة أحد الشهداء:

قد تقدم قولهم: إن الحارث بن الصمة كان أحد الشهداء في بئر معونة(1).

و نقول:

كيف يصح ذلك و هم يقولون: إن النبي «صلى اللّه عليه و آله» قد قسم أموال بني النضير بين المهاجرين، و لم يعط أحدا من الأنصار إلا ثلاثة لفقرهم و هم: أبو دجانة، و سهل بن حنيف، و الحارث بن الصمة(2)؟

ص: 299


1- المغازي للواقدي ج 1 ص 248 و تاريخ الخميس ج 1 ص 452 و تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 72 و راجع: لباب التأويل للخازن ج 1 ص 302.
2- تاريخ الخميس ج 1 ص 462 عن المدارك، و عن معالم التنزيل و السيرة الحلبية ج 3 ص 269 و الروض الأنف ج 3 ص 251 عن غير ابن إسحاق و بهجة المحافل ج 1 ص 216.

و جعل رواية شهادته في بئر معونة دليلا على عدم صحة القسمة له(1)ليس بأولى من العكس، مع ملاحظة الضعف الشديد و التناقضات الكثيرة، و كثرة النصوص التي لا تصح في حديث سرية بئر معونة، لا سيما و أن أمر القسمة ملفت للنظر من قبل كل أحد، و مثير لفضول الجميع.

أنس بن عباس السلمي في بئر معونة:

و بعد.. فقد جاء في الأبيات التي يرثي بها أنس بن عباس السلمي حراما:

تركت ابن ورقاء الخزاعي ثاويا *** بمعترك تسفي عليه الأعاصر

ذكرت أبا الريا لما رأيته *** و أيقنت أني عند ذلك ثائر(2)

فهو يخبر عن أنه قد رأى جثة ابن ورقاء، فهل كان قد شارك هو الآخر في هذه السرية، و سلم من القتل فيمن سلم ؟!

أم أن النبي «صلى اللّه عليه و آله» كان قد أرسله ليكشف له الخبر فرأى جثة ابن ورقاء؟!

أو أنه قد شارك في دفن الشهداء، فرأى جثة نافع ؟!

كل ذلك محتمل و لا بد من انتظار العثور على دلائل و شواهد أخرى.

رفع عامر بن فهيرة إلى السماء:

لقد ذكرت طائفة من المصادر: أن عامر بن فهيرة قد رفع إلى السماء،

ص: 300


1- السيرة الحلبية ج 2 ص 296.
2- السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 197 و 198.

حينما طعنه قاتله(1).

و تضيف بعض المصادر: أنه لما طعن أخذ رمح قاتله، و صعد به(2)، و أن ملائكة الجنة دفنته و أنزل في عليين(3).

إلى غير ذلك من نصوص(4) لا مجال لاستقصائها و لا لتتبع خصوصياتها، فلتراجع في مصادرها.

و نحن نشك في صحة هذه الروايات، و ذلك استنادا إلى ما يلي:

أولا: تقدم عن بعض المصادر: أنه لم يكن في السرية إلا أنصاري و لم يكن فيها مهاجري أصلا(5).

ص: 301


1- راجع: أنساب الأشراف ج 1 ص 375 و تاريخ الخميس ج 1 ص 453 و المحبر ص 183 و 184 و 118 و فتح الباري ج 7 ص 300 و راجع أيضا: المغازي للواقدي ج 1 ص 349 و السيرة الحلبية ج 3 ص 173 و الإصابة ج 2 ص 256 و الروض الأنف ج 3 ص 239 و الإكتفاء ج 2 ص 144 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 3 ص 8 و جميع المصادر الأخرى الآتية في الهوامش التالية.
2- راجع: أنساب الأشراف ج 1 ص 375 و تاريخ الخميس ج 1 ص 453 و المحبر ص 183 و 184 و 118 و فتح الباري ج 7 ص 300.
3- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 259 و راجع: المواهب اللدنية ج 1 ص 103 و السيرة الحلبية ج 3 ص 173 و مغازي الواقدي ج 1 ص 349 و تاريخ الخميس ج 1 ص 453 و فتح الباري ج 7 ص 300 و أنساب الأشراف ج 1 ص 194 و 375 و طبقات ابن سعد ج 2 قسم 1 ص 37 و 38 و شرح بهجة المحافل ج 1 ص 224 و 225.
4- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 259.
5- مغازي الواقدي ج 1 ص 352 و 348 و راجع ص 350 و راجع: تاريخ الأمم و الملوك (ط دار المعارف) ج 2 ص 550 و راجع أيضا: صحيح البخاري ج 3 ص 19 و فتح الباري ج 7 ص 296 و طبقات ابن سعد ج 2 قسم 1 ص 36 و 37 و الثقات ج 1 ص 238.

و استثنى البعض: عمرو بن أمية الضمري(1)، كما أن نافع بن بديل الخزاعي أيضا كان فيهم، بدليل رثاء أنس بن عباس السلمي، و عبد اللّه بن رواحة له «رحمه اللّه تعالى»(2).

ثانيا: تناقض النصوص في أمره، فبعضها يذكر: أنه لم يوجد في القتلى، فلذلك قيل: إن الملائكة رفعته أو دفنته(3)، و هو ظاهر في أن القول برفعه إلى السماء أو دفن الملائكة له تكهن منهم.

و بعضها الآخر يذكر: أنه كان موجودا بين القتلى، و أن عامر بن الطفيل أشار إلى قتيل، و سأل عمرو بن أمية عنه فكان هو(4).

ص: 302


1- مجمع الزوائد ج 6 ص 125 عن الطبراني و عمدة القاري ج 17 ص 174 عن العسكري.
2- السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 197 و 198 و غيره من المصادر.
3- الثقات ج 1 ص 238 و راجع: المحبر ص 183 و 118 و طبقات ابن سعد ج 2 قسم 1 ص 38 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 259 و أنساب الأشراف ج 1 ص 194 و تاريخ الخميس ج 1 ص 453 و السيرة الحلبية ج 3 ص 173 و الجامع للقيرواني ص 278 و عمدة القاري ج 17 ص 175 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 141 عن مغازي موسى بن عقبة، و المواهب اللدنية ج 1 ص 103 و البداية و النهاية ج 4 ص 72 و الإكتفاء ج 2 ص 144 و شرح بهجة المحافل ج 1 ص 225 و 224 و الروض الأنف ج 3 ص 239 و مجمع الزوائد ج 6 ص 127 عن الطبراني و رجاله رجال الصحيح و أسد الغابة ج 3 ص 91 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 3 ص 8.
4- صحيح البخاري ج 3 ص 20 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 140 و 141 و البداية و النهاية ج 4 ص 72 و بهجة المحافل ج 1 ص 224 و السيرة الحلبية ج 3 ص 173 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 196 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 259 و عمدة القاري ج 17 ص 175.

و قد حاول البعض رفع التناقض: بأن من المحتمل أن يكون قد رفع، ثم وضع، ثم فقد من بين القتلى(1).

و نقول: إن صريح الروايات حسبما تقدم: أن فقده من بين القتلى مستند إلى رفعه حين قتله كما يدل عليه سؤال عامر بن الطفيل عمرو بن أمية عمن يفقد، فأخبره، فقال عامر: إنه حين قتل رآه يرفع إلى السماء، فهو يذكر له سبب فقده من بين القتلى، كما هو ظاهر.

هذا بالإضافة إلى النص القائل: إن فقدهم له قد نشأ عنه قولهم: إنه رفع إلى السماء.

ثالثا: لقد روى ابن مندة بأسناده عن أيوب بن سنان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن عامر بن فهيرة، قال: تزود أبو بكر مع رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» في جيش العسرة بنحي من سمن، و عكيكة(2) من عسل، على ما كنا عليه من الجهد(3).

و معنى ذلك هو: أن عامر بن فهيرة قد كان حيا إلى ما بعد ست سنين أو أكثر من غزوة بئر معونة، حيث كان تجهيز جيش العسرة إلى تبوك.

و لكن أبا نعيم قال: أظهر - يعني: ابن مندة - في روايته هذا الحديث غفلته و جهالته، فإن عامرا لم يختلف أحد من أهل النقل: أنه استشهد يوم

ص: 303


1- راجع: السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 259.
2- النحي: إناء السمن. العكيكة: إناء السمن أو غيره.
3- أسد الغابة ج 3 ص 91 و الإصابة ج 2 ص 256.

بئر معونة، و أجمعوا: أن جيش العسرة هو غزوة تبوك، و بينهما ست سنين، فمن استشهد ببئر معونة، كيف يشهد جيش العسرة ؟

و صوابه: «أنه تزود مع رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» في مخرجه إلى الهجرة، و الحق مع أبي نعيم أخرجه الثلاثة»(1).

و لكننا نقول:

إن تأكيد البعض على أنه لم يشترك في السرية إلا أنصاري و استثنى البعض عمرو بن أمية، يدل على أن عامر بن فهيرة لم يكن في هذه السرية.

و كذلك رواية ابن مندة المتقدمة تدل على ذلك.

و أما ما ذكره أهل المغازي، فإن معظمهم تبع لابن إسحاق، و عيال عليه، و على الواقدي، و قد نص الواقدي على عدم حضور أي مهاجري في السرية، فالنصوص على استشهاده ببئر معونة تنتهي إلى أفراد معدودين، و لا يجدي إجماع من هذا القبيل، و صرف حديث التزود إلى قضية الهجرة يحتاج إلى ما يثبته و يدل عليه.

و الخلاصة: أن ما ذكره ابن مندة يوجب الشك فيما روي من استشهاده يوم بئر معونة، بالإضافة إلى دعوى:

أنه لم يكن مهاجري في السرية إلا الضمري، أو بدونه أيضا.

رابعا: إننا نجد: أن حسان بن ثابت، و أنس بن عباس السلمي، و عبد اللّه بن رواحة قد رثوا من شهداء بئر معونة كلا من:

ص: 304


1- المصدران المتقدمان.

المنذر بن عمرو و نافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي(1).

مع أنه لو كان عامر بن فهيرة قد رفع إلى السماء، و أن الملائكة دفنته و أن جثته قد فقدت من بين القتلى الخ.. لكان المناسب أن يذكره المسلمون في أشعارهم، و للزم أن يحتجوا على المشركين، و على كل أحد بهذه الكرامة الظاهرة في كل مناسبة و موقف.

و لكان المناسب أن يترك الشعراء كل أحد، و يخصصوا كل قصائدهم به و فيه، و لسارت بذلك الركبان.

خامسا: قال دحلان: «و في هذا تعظيم لعامر بن فهيرة رضي اللّه عنه، و ترهيب للكفار و تخويف؛ و من ثم تكرر سؤال ابن الطفيل عن ذلك»(2).

و نقول:

إن هذا الحدث العظيم تقشعر له الأبدان، و تخشع له النفوس و تعنو له الجباه بالخضوع و التسليم.

و لكن العجيب هنا هو: أننا لم نجد هذا الحدث قد أثر أثرا يذكر فلم يتراجع عامر بن الطفيل و لا أصحابه عن قتل من تبقى من أصحاب عامر بن فهيرة، و لا أظهر ندما على ما صدر منه، بل أصر على ما فعل.

و لما قدم على النبي «صلى اللّه عليه و آله» أعلن بالتهديد و الوعيد له «صلى اللّه عليه و آله» بألف أشقر، و ألف شقراء، حتى قتله اللّه في بيت

ص: 305


1- السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 195 و 196 و مغازي الواقدي ج 1 ص 353 و مصادر أخرى فراجع الهوامش المتقدمة.
2- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 259 و راجع: فتح الباري ج 7 ص 300 و عمدة القاري ج 17 ص 175.

سلولية حسبما ذكروه.

و قد كنا نتوقع منه أن يعلن إسلامه فور مشاهدته هذه الكرامة الباهرة.

و لا أقل من أن نجد من أصحابه من يعترض عليه، أو من يتردد في مواصلة الحرب مع البقية الباقية من أصحاب عامر بن فهيرة، أو من يعلن منهم بعد ذلك بإسلامه محتجا لعمله بما ظهر لعامر بن فهيرة ؟!

و حينما ذهب عامر بن فهيرة بطائفة من الرمح الذي طعنه به قاتله، ما بالنا لا نرى قاتله يقع مغشيا عليه ؟! أو لماذا لا يفر على وجهه من ساحة المعركة ؟! أو لا يصاب بالذهول و الوجوم مما شاهد و رأى ؟!

بل على العكس نجد الكل يستمرون على شركهم، و على طغيانهم، و لا تظهر منهم أية بادرة خوف أو ندم أو تردد أمام هذا الأمر الخطير، بل يواصلون هجومهم على من تبقى من المسلمين، حتى أبادوا خضراءهم و استأصلوا شأفتهم.

بل و يقتلون حتى المنذر بن محمد الذي كان غائبا عن المعركة و رجع فرأى مقتل أصحابه(1)، و يقتلون الحارث بن الصمة أيضا بعد أن عاد فرأى ما رأى(2) لو صح ذلك.

سادسا: لماذا اختص عامر بن فهيرة بالرفع إلى السماء و دفن الملائكة له في عليين دون سائر الشهداء الكبار، الذين اهتم النبي «صلى اللّه عليه و آله»

ص: 306


1- راجع: الثقات ج 1 ص 239 و مغازي الواقدي ج 1 ص 348 و تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 72 إلى غير ذلك من مصادر تقدمت في الهوامش السابقة.
2- تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 72.

- و لا بد أن يكون ذلك بأمر اللّه - بتعظيم شأنهم و إظهار أمرهم من أمثال سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، الذي قال عنه: أما حمزة فلا بواكي له، و جعفر بن أبي طالب ذي الجناحين، و زيد بن حارثة، و عبد اللّه بن رواحة، و غيرهم من الشهداء الذين اهتم «صلى اللّه عليه و آله» بإظهار فضلهم و عظيم منزلتهم، و بكى أو أمر بالبكاء عليهم ؟

و لماذا لم نجد النبي «صلى اللّه عليه و آله» يمنح عامر بن فهيرة و لو و ساما متواضعا في هذا المجال فيترحم عليه مثلا، و يذكر للمسلمين بعض مقاماته في الجنة، كما تحدث عن حمزة و جعفر و غيرهما؟

و لماذا لم يرفع عمار بن ياسر، و لا علي بن أبي طالب، و لا الحسين بن علي، و لا أخوه الحسن بن علي «عليهم السلام»، و لا غيرهم من الشهداء حتى النبي الأكرم «صلى اللّه عليه و آله» إلى السماء؟

سر تعظيم عامر بن فهيرة:

و نحن و إن كنا نقدر بما لا مزيد عليه جهاد عامر بن فهيرة، و نرى: أنه قد فاز فوزا عظيما، و أنه من الشهداء الذين هم أحياء عند ربهم يرزقون إن صح أنه قد استشهد.

إلا أن ما يلفت نظرنا:

هو هذا الإصرار على إعطاء و سام له، لا تؤيده، بل و تنافيه سائر الشواهد و الدلائل التاريخية.

و لعلنا لا نبعد عن الصواب إذا بادرنا إلى القول: إنهم أرادوا: أن يمنحوه هذا الوسام، ليس حبا به، و لا تقديرا لجهاده هو، و إنما لأجل اعتقادهم: بأنه

ص: 307

كان من موالي أبي بكر الخليفة بعد النبي الأعظم «صلى اللّه عليه و آله»، فهذا هو الذي جعلهم ينسجون له هذه الفضيلة، و يتفضلون عليه بهذا التعظيم، أي حبا منهم بسيده، و ليس به هو. و حبك الشيء يعمي و يصم.

و لو أنهم علموا: أن أبا بكر لم يكن هو الذي أعتقه، و إنما الذي أعتقه هو رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» نفسه - كما قاله الإسكافي، كما قدمنا(1) - لكان لهؤلاء موقف آخر، و لكان ثقل عليهم تحمل عناء جعل هذه الفضيلة له أو تلك، و منحه هذا الوسام أو ذاك.

و قد يكون النبي «صلى اللّه عليه و آله» قد اشتراه من نفس أبي بكر، ثم أعتقه، و ذلك بدليل:

أنهم يقولون: إنه كان للطفيل بن عبد اللّه بن سخبرة، و اشترى أبو بكر عامر بن فهيرة من الطفيل كما يقولون(2).

و لعل ما يؤيد ذلك: أنهم يقولون: إن عامر بن فهيرة كان من السابقين إلى الإسلام، أسلم و هو مملوك قبل دخول النبي «صلى اللّه عليه و آله» دار الأرقم. و دخوله «صلى اللّه عليه و آله» إلى دار الأرقم قد كان قبل ظهور الإسلام في مكة، و قبل الهجرة إلى الحبشة.

و قد قدمنا: أن أبا بكر قد أسلم بعد أكثر من خمسين رجلا، أي في حوالي السنة الخامسة من البعثة فإن النتيجة تكون: أن عامر بن فهيرة قد أسلم قبل أبي بكر، و إذا كان مملوكا لربيبه فلا نستبعد أن يكون أبو بكر

ص: 308


1- راجع: هذا الكتاب ج 2 ص 34-38.
2- راجع: فتح الباري ج 7 ص 299.

نفسه هو الذي كان يقوم بتعذيبه، فيبدو أن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» قد اشتراه من أبي بكر الذي كان قد اشتراه من الطفيل، و لذا عدّوه من موالي رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، حسبما قدمناه.

تصحيح خطأ:

ألف: و حول رواية البخاري و غيره: أن عامر بن فهيرة كان غلاما لعبد اللّه بن الطفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها:

نقول:

الصواب - كما قال الدمياطي -: «الطفيل بن عبد اللّه بن سخبرة، و هو أزدي من بني زهران، و كان أبوه زوج أم رومان والدة عائشة، فقدما في الجاهلية، فحالف أبا بكر، و مات و خلف الطفيل، فتزوج أبو بكر امرأته أم رومان، فولدت له عبد الرحمان، و عائشة، فالطفيل أخوهما من أمهما»(1).

ب: قال أبو عمر: الطفيل بن عبد اللّه بن سخبرة القرشي.

قال ابن أبي خيثمة: لا أدري من أي قريش هو؟!

و الصحيح أنه أزدي، و ليس بقرشي(2).

ص: 309


1- راجع: صحيح البخاري ج 3 ص 19 و 20 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 196 و فتح الباري ج 7 ص 299 و عمدة القاري ج 17 ص 173 و راجع: أسد الغابة ج 3 ص 53 و راجع ص 90 و الإصابة ج 2 ص 224 و راجع ص 256 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 2 ص 229 و ج 3 ص 7.
2- راجع: أسد الغابة ج 3 ص 53 و الإستيعاب بهامش الإصابة ج 2 ص 229 و عمدة القاري ج 17 ص 173.
و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتا:

و أما بالنسبة لنزول آية: وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ أَمْوٰاتاً.. في شهداء بئر معونة(1).

فإننا نجد في مقابل ذلك:

أولا: إن كثيرا من المصادر و الروايات عن ابن عباس و أبي الضحى، و قتادة، و الضحاك، و الربيع، و أنس، و سعيد بن جبير، تذكر: أنها نزلت في حمزة أو فيه و في غيره من شهداء أحد(2).

ص: 310


1- الدر المنثور ج 2 ص 95 عن ابن جرير و ابن المنذر و جامع البيان ج 4 ص 115 و راجع: فتح القدير ج 1 ص 399 و 401 و الجامع لأحكام القرآن ج 4 ص 268 و 269 و مجمع البيان ج 2 ص 535 و 536 و تفسير القرآن العظيم ج 1 ص 426.
2- الدر المنثور ج 2 ص 94 و 95 عن: الحاكم، و سعيد بن منصور، و عبد بن حميد، و ابن أبي حاتم، و أحمد، و هناد، و أبي داود و ابن جرير، و ابن المنذر و البيهقي في الدلائل، و ابن أبي شيبة، و الطبراني، و تفسير القرآن العظيم ج 1 ص 426 و بهجة المحافل ج 1 ص 224 و تنزيه القرآن عن المطاعن ص 83 و تفسير المنار ج 4 ص 232 و أسباب النزول ص 73 و 74 و سنن سعيد بن منصور ج 2 ص 219 و التبيان ج 3 ص 47 و التفسير الكبير ج 9 ص 88 و 89 و تفسير الكشاف ج 1 ص 440 و جامع البيان ج 4 ص 113 و 114 و 115 و تفسير غرائب القرآن للنيسابوري بهامشه ج 4 ص 137 و فتح القدير ج 1 ص 399 و 400 و 401 و لباب التأويل للخازن ج 1 ص 301 و الجامع لأحكام القرآن ج 4 ص 268 و 269.

و قيل: غير ذلك(1).

ثانيا: إن سياق الآيات التي قبل هذه الآية و التي بعدها يؤيد أن تكون قد نزلت في واقعة أحد، ردا على المنافقين الذي خذلوا المسلمين، و قالوا لإخوانهم: لَوْ أَطٰاعُونٰا مٰا قُتِلُوا..(2).

و كذلك الحال بالنسبة للآيات اللاحقة، فإن للجميع سياقا واحدا، و هي تناسب بمجموعها واقعة أحد، و ما جرى فيها من أحداث، كما أيدته الروايات المختلفة، و الواردة في بيان شأن نزولها فراجع.

التقدم بين يدي اللّه و رسوله:

و ذكر البعض نزول آية: التقدم بين يدي اللّه و رسوله، فيما فعله عمرو

ص: 311


1- الدر المنثور ج 2 ص 95 عن ابن جرير، عن الربيع في شهداء بدر و أحد معا و راجع: نفس الصفحة من الدر المنثور عن: الترمذي، و ابن ماجة، و ابن أبي عاصم في السنة، و ابن خزيمة، و الطبراني، و الحاكم و صححه، و ابن مردويه و سعيد بن منصور و عبد بن حميد و ابن أبي حاتم و أحمد و هناد و أبي داود و ابن جرير و ابن المنذر و البيهقي في الدلائل، و بهجة المحافل ج 1 ص 224 و تفسير المنار ج 4 ص 233 و أسباب النزول للواحدي ص 74 و سنن أبي داود ج 3 ص 15 و سنن ابن ماجة ج 2 ص 936 و الجامع الصحيح ج 5 ص 230 و 231 و مستدرك الحاكم ج 2 ص 88 و تلخيصه للذهبي بهامشه و التبيان ج 3 ص 45 و التفسير الكبير ج 9 ص 90 و جامع البيان ج 4 ص 113 و 114 و غرائب القرآن بهامشه ج 4 ص 137 و لباب التأويل للخازن ج 1 ص 301.
2- و قد أشار إلى ما ذكرناه أيضا: تفسير المنار ج 4 ص 233 و راجع: فتح القدير ج 1 ص 298 و 399.

بن أمية الضمري لقتله العامريين المعاهدين(1).

و هو أيضا محل ريب.

فأولا: لقد روي في شأن نزولها:

1 - أنه كان أناس يتقدمون بين يدي شهر رمضان بصيام، يوما أو يومين، فأنزل اللّه تعالى: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ (2).

2 - إن أناسا ذبحوا قبل رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» يوم النحر أو ذبحوا قبل الصلاة فنزلت الآية(3).

3 - عن قتادة قال: ذكر لنا أن أناسا كانوا يقولون: لو أنزل في كذا و كذا لو صنع كذا و كذا، فكره اللّه ذلك، و قدم فيه(4).

ص: 312


1- البدء و التاريخ ج 4 ص 212 و الكشاف ج 4 ص 350 و الجامع لأحكام القرآن ج 16 ص 301.
2- الدر المنثور ج 6 ص 84 عن ابن النجار في تاريخه، و ابن مردويه، و الطبراني في الأوسط و الكشاف ج 4 ص 350 و لباب التأويل ج 4 ص 164 و مدارك التنزيل بهامشه و فتح القدير ج 5 ص 61 و غرائب القرآن بهامش جامع البيان ج 26 ص 72.
3- الدر المنثور ج 6 ص 84 عن ابن جرير، و ابن المنذر، و عبد بن حميد، و ابن أبي الدنيا في الأضاحي و أحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 397 و أحكام القرآن لابن العربي ج 4 ص 1712 و الكشاف ج 4 ص 350 و التبيان ج 9 ص 338 و لباب التأويل ج 4 ص 164 و مدارك التنزيل بهامشه ج 4 ص 163 و الجامع لأحكام القرآن ج 16 ص 301 و غرائب القرآن بهامش تفسير الطبري ج 26 ص 72 و جامع البيان ج 26 ص 74.
4- الدر المنثور ج 6 ص 84 عن عبد بن حميد، و ابن جرير، و ابن المنذر، و ابن أبي حاتم و أحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 397 و أحكام القرآن لابن العربي ج 4 ص 1712 و صحيح مسلم. و راجع: تفسير القرآن العظيم ج 4 ص 205 و الكشاف ج 4 ص 351 و لباب التأويل ج 4 ص 164 و الجامع لأحكام القرآن ج 16 ص 301 و جامع البيان ج 26 ص 74.

4 - أنهم نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه «صلى اللّه عليه و آله» عن ابن عباس(1).

5 - و عن الحسن: لما استقر رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» بالمدينة أتته الوفود من الآفاق، فأكثروا عليه بالمسائل، فنهوا أن يبتدؤوه بالمسألة حتى يكون هو المبتدئ(2).

و لعل سبب ذلك: أن ركبا من بني تميم، قدم على النبي «صلى اللّه عليه و آله» فقال أبو بكر: أمّر القعقاع بن معبد.

و قال عمر: بل أمّر الأقرع بن حابس.

فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي.

فقال عمر: ما أردت خلافك.

فتماريا، حتى ارتفعت أصواتهما، فأنزل اللّه: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ

ص: 313


1- الدر المنثور ج 6 ص 84 عن ابن أبي حاتم و ابن مردويه، و ابن جرير و أحكام القرآن لابن العربي ج 4 ص 1712 و تفسير القرآن العظيم ج 4 ص 205 و الكشاف ج 4 ص 350 و فتح القدير ج 5 ص 61 و الجامع لأحكام القرآن ج 16 ص 301 و مجمع البيان ج 9 ص 130 و جامع البيان ج 26 ص 74.
2- الكشاف ج 4 ص 351 و غرائب القرآن بهامش جامع البيان ج 26 ص 73.

تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ . حتى انقضت الآية(1).

و يؤيد ذلك ما رواه المفيد من: أنه قام رجل إلى أمير المؤمنين، فسأله عن هذه الآية، فيمن نزلت:

فقال «عليه السلام»: في رجلين من قريش(2).

6 - إنها نزلت في وفد بني تميم، كانوا إذا قدموا على رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، وقفوا على باب حجرته، فنادوا: يا محمد، أخرج إلينا و كانوا إذا خرج رسول اللّه، تقدموه في المشي، و كانوا إذا كلموه، رفعوا أصواتهم، و يقولون: يا محمد، يا محمد، ما تقول في كذا و كذا كما يكلمون بعضهم بعضا، فأنزل اللّه: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تُقَدِّمُوا..(3).

ثانيا: إنهم يقولون: إن سورة الحجرات قد نزلت بعد سورة الأحزاب، و بعد سور: الحج، و الطلاق، و إذا جاء نصر اللّه و الفتح، بل يظهر: أنه لم ينزل بعدها سوى سبع سور.

ص: 314


1- الدر المنثور ج 6 ص 83 و 84 عن البخاري، و ابن المنذر، و ابن مردويه و أسباب النزول للواحدي ص 218 و صحيح البخاري ج 3 ص 122 و الجامع الصحيح ج 5 ص 387 و تفسير القرآن العظيم ج 4 ص 205 و 206 و لباب التأويل ج 4 ص 164 و فتح القدير ج 5 ص 61 و الجامع لأحكام القرآن ج 16 ص 300 و 301 و غرائب القرآن بهامش جامع البيان ج 26 ص 72.
2- تفسير البرهان ج 1 ص 203 عن الإختصاص.
3- تفسير القمي ج 2 ص 318 و تفسير نور الثقلين ج 5 ص 80 و تفسير البرهان ج 4 ص 203 و فيه: (عن القمي) و نزلت في بني عدي، و في بني تميم، كانوا إذا قدموا الخ..

فمعنى ذلك: أنها من أواخر ما نزل في المدينة، لا سيما و أن الوفود على النبي «صلى اللّه عليه و آله» كانت في سنة تسع.

و إذا كانت هذه الآية قد نزلت بمناسبة بئر معونة، فتكون من أوائل ما نزل بعد الهجرة، بل يكون تاريخ نزولها موافقا لتاريخ نزول سورة آل عمران، مع أن نزولها قد تأخر عنها بحوالي سبع عشرة سورة(1).

و احتمال أن تكون الآية المذكورة قد نزلت في بئر معونة، ثم بعد نزول سورة الحجرات في سنة تسع ألحقت الآية بها:

هذا الاحتمال لا يصح، فقد قدمنا أكثر من مرة: أن نزول القرآن كان تدريجيا، و أنه كان يعلم ابتداء السورة، و انتهاء غيرها، بنزول: بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ ، كما عن عثمان، و ابن عباس، و سعيد بن جبير(2).

ص: 315


1- راجع: الإتقان ج 1 ص 11.
2- راجع: الدر المنثور ج 1 ص 7 و ج 3 ص 208 عن أبي داود، و البزار، و الدارقطني في الأفراد، و الطبراني و الحاكم، و صححه، و البيهقي في المعرفة، و في شعب الإيمان، و في السنن الكبرى، و عن أبي عبيد و الواحدي، و فتح الباري ج 9 ص 39 و تفسير القرآن العظيم ج 1 ص 16 و نيل الأوطار ج 2 ص 228 و مستدرك الحاكم ج 1 ص 231 و 232 و صححه على شرط الشيخين، و تلخيص المستدرك للذهبي بهامشه، و أسباب النزول للواحدي ص 9 و 10 و السنن الكبرى ج 2 ص 42 و 43 و محاضرات الأدباء المجلد 2 ج 4 ص 433 و الإتقان ج 1 ص 78 و بحوث في تاريخ القرآن و علومه ص 56 و 57 و راجع ص 55 عن بعض من تقدم، و الجامع لأحكام القرآن ج 1 ص 95، و عمدة القاري ج 5 ص 292 و نصب الراية ج 1 ص 327 و المستصفى ج 1 ص 103 و فواتح الرحموت بهامشه ج 2 ص 14 و تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 34 و التفسير الكبير ج 1 ص 208 و غرائب القرآن بهامش الطبري ج 1 ص 77 و المصنف لعبد الرزاق ج 2 ص 92 و مجمع الزوائد ج 6 ص 310 و ج 2 ص 109 و كنز العمال ج 2 ص 368 و سنن أبي داود ج 1 ص 209 و التمهيد في علوم القرآن ج 1 ص 212 و المنتقى ج 1 ص 380 و تبيين الحقائق ج 1 ص 113 و كشف الأستار ج 3 ص 40 و مشكل الآثار ج 2 ص 153.

و روي عن أبي عبد اللّه أيضا(1) و نسب القرطبي إلى أصحابه: أنهم كانوا يعلمون الابتداء و الانتهاء بنزول البسملة(2).

و بذلك يعلم عدم صحة الرواية القائلة: إنه «صلى اللّه عليه و آله» كان يكتب أولا: باسمك اللهم - كأهل الجاهلية - فلما نزل: بِسْمِ اَللّٰهِ مَجْرٰاهٰا وَ مُرْسٰاهٰا، كتب: بِسْمِ اَللّٰهِ ؛ فلما نزل: قُلِ اُدْعُوا اَللّٰهَ أَوِ اُدْعُوا اَلرَّحْمٰنَ ، كتب: بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ فلما نزل: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمٰانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ كتب: بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ (3).

أما أن تكون بعض الآيات قد نزلت، فيتركها جانبا، ثم بعد سنوات كثيرة، و نزول العشرات من السور، يأتي بتلك الآيات، و يجعلها في سورة نزلت حديثا، فذلك ما لا نفهمه، و لا نتعقله.

و احتمال أن يكون قد حدث تشويش و تصرف في ترتيب الآيات

ص: 316


1- تفسير العياشي ج 1 ص 19 و عنه في التمهيد في علوم القرآن ج 1 ص 212، و بحوث في تاريخ القرآن و علومه ص 56 و مصباح الفقيه (كتاب الصلاة) ص 276.
2- الجامع لأحكام القرآن ج 1 ص 95.
3- راجع: السيرة الحلبية ج 3 ص 20 و الوزراء و الكتاب ص 14 و التنبيه و الإشراف ص 225 و طبقات ابن سعد ج 1 قسم 2 ص 9 و بحوث في تاريخ القرآن الكريم و علومه ص 53 و أكذوبة تحريف القرآن ص 35 عن مصادر أخرى.

القرآنية، بعد وفاة النبي «صلى اللّه عليه و آله»، لا يصح، و لا سيما بالنسبة للسور القصيرة كسورة الحجرات، و نحوها.

و قد تحدثنا عن ذلك في كتابنا: «حقائق هامة حول القرآن الكريم»، فراجعه.

ثالثا: مما يدل على نزول سورة الحجرات في سنة تسع أيضا: أن آية النبأ، الواردة في سورة الحجرات، قد نزلت في السنة التاسعة، بمناسبة غزوة بني المصطلق، و افتراء الوليد بن عقبة عليهم، حسبما يقولون.

و معنى ذلك: هو أن بدء نزول سورة الحجرات قد كان في ذلك الحين، و لا يمكن قبول أن يكون بعض منها قد نزل في السنة الرابعة، ثم نزل الباقي بعد خمس سنوات من ذلك التاريخ، حيث تخللها نزول العديد من السور القرآنية و ذلك لما تقدم.

آيات منسوخة!!

ثم إنهم يقولون: إن اللّه سبحانه قد أنزل في الذين قتلوا يوم بئر معونة قرآنا.

قال أنس: «قرأناه» ثم نسخ، أي نسخت تلاوته، و هو: «بلّغوا عنا قومنا:

أنّا قد لقينا ربنا، فرضي عنا، و رضينا عنه، و في رواية عنه: و أرضانا»(1).

ص: 317


1- راجع: تاريخ الخميس ج 1 ص 453 و صحيح البخاري ج 3 ص 19 و 20 و ج 2 ص 117 و صحيح مسلم ج 2 ص 136. و راجع: كنز العمال ج 1 ص 239 و الثقات ج 1 ص 239 و 237 و المغازي للواقدي ج 1 ص 350 و حياة الصحابة ج 1 ص 545 و مسند أبي عوانة ج 2 ص 311 و 312 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 260 و طبقات ابن سعد ج 2 ص 53 و 54 (ط دار صادر) و الإكتفاء ج 2 ص 145 و السنن الكبرى ج 2 ص 199 و بهجة المحافل ج 1 ص 224 و الروض الأنف ج 3 ص 239 و مجمع الزوائد ج 6 ص 130 و السيرة الحلبية ج 3 ص 172 و الإتقان ج 2 ص 26 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 139 و 140 و الكامل في التاريخ ج 2 ص 172 و مشكل الآثار ج 2 ص 420 و أصول السرخسي ج 2 ص 79 و حلية الأولياء ج 1 ص 123 و المواهب اللدنية ج 1 ص 103 و البداية و النهاية ج 4 ص 71 و 72 و ج 7 ص 349. و راجع: فتح الباري ج 7 ص 297 و تاريخ الأمم و الملوك (ط دار المعارف) ج 2 ص 550 و جامع البيان ج 1 ص 381 و راجع ج 4 ص 115 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 207 و 195 و مسند أحمد ج 3 ص 289 و 255 و 210 و 215 و الدر المنثور ج 1 ص 105 و ج 2 ص 95 عن بعض من تقدم، و عن: أبي دواد في ناسخه، و ابن الضريس، و ابن المنذر و البيهقي في الدلائل، و لباب التأويل للخازن ج 1 ص 302 و 303 و مجمع البيان ج 2 ص 536 و تفسير القرآن العظيم ج 1 ص 426.

و نقول:

إننا نجزم بعدم صحة كون ذلك من القرآن، و ذلك للأمور التالية:

1 - إن نسخ التلاوة المدعى مرفوض جملة و تفصيلا، و قد تحدثنا عن ذلك بشيء من التفصيل في كتابنا: «حقائق هامة حول القرآن الكريم».

و معنى نسخ التلاوة هو: أن يصبح الكلام، ليس له حكم القرآن، أي بحيث يتعبد بتلاوته، و يقرأ في الصلاة، و لا يقرؤه الجنب و لا يمسه، إلا

ص: 318

الطاهر(1)، إلى غير ذلك من الأحكام، و إن كان بعضهم قد اختار بقاء بعض تلك الأحكام كعدم جواز مسه لغير الطاهر، حتى بعد نسخ تلاوته(2).

2 - لو كان ثمة آيات من هذا القبيل لأثبتها الرسول «صلى اللّه عليه و آله»، و الصحابة في مصاحفهم، و لكان لا بد من إرسال الرسل إلى جميع العباد في مختلف البلاد، لإبلاغهم بنسخ تلاوتها، و أمرهم بمحوها من مصاحفهم، و ليس ثمة ما يشير إلى ذلك أو يدل على شيء منه، من قريب، و لا من بعيد.

3 - قال السهيلي: «ليس عليه رونق الإعجاز، فيقال: إنه لم ينزل بهذا النظم، بل بنظم معجز، كنظم القرآن»(3).

و لكننا لا نوافق السهيلي على قوله - محيلا على مجهول -: إنه قد نزل بنظم معجز آخر، كنظم القرآن، و ذلك لأنه ليس ثمة ما يؤيد، أو يدل على نزوله بنص آخر، بل ظاهر، إن لم يكن صريح النقل هو أن نفس ذلك المنقول كان قرآنا، قد نسخت تلاوته.

ص: 319


1- راجع: السيرة الحلبية ج 3 ص 172 و الأحكام للآمدي ج 3 ص 130 و المستصفى للغزالي ج 1 ص 123 و فواتح الرحموت بهامش المستصفى ج 2 ص 74 و فتح الباري ج 7 ص 299 و مناهل العرفان ج 2 ص 112 و أصول السرخسي ج 2 ص 81 و البيان لآية اللّه الخوئي ص 224.
2- البيان في تفسير القرآن ص 224 و 225 و راجع: الأحكام للآمدي ج 3 ص 201 و 203.
3- راجع: الروض الأنف للسهيلي ج 3 ص 239 و شرح بهجة المحافل ج 1 ص 224 و السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 260.

و إلا فلماذا لم ينقلوا لنا نفس النص المعجز، فهل هذا إلا محض تخرص و رجم بالغيب لا شاهد له، و لا دليل عليه ؟!

4 - لقد روي في الصحيحين، و غيرهما ما يدل على أن هذه العبارة ليست وحيا، و إنما هي من كلام النبي الأكرم «صلى اللّه عليه و آله»، حكاه للناس نقلا عن المقتولين، أنهم قالوه، تقول الرواية:

إن النبي «صلى اللّه عليه و آله» نعاهم فقال: «إن أصحابكم قد أصيبوا، و إنهم قد سألوا ربهم، فقالوا: ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك، و رضيت عنا»(1).

و في رواية أخرى عن أنس: «بلّغ اللّه نبيه «صلى اللّه عليه و آله» على لسان جبريل «عليه السلام»: أنهم لقوا ربهم، فرضي عنهم، و أرضاهم»(2).

و عن ابن مسعود: قتلوا فقالوا: «اللهم بلغ نبينا «صلى اللّه عليه و آله» عنا: أنّا قد لقيناك فرضينا عنك و رضيت عنا»(3).

و عن الضحاك قال: «لما أصيب الذين أصيبوا يوم أحد، لقوا ربهم فأكرمهم، فأصابوا الحياة و الشهادة، و الرزق الطيب، قالوا: يا ليت بيننا و بين إخواننا من يبلغهم: أنّا لقينا ربنا، فرضي عنا و أرضانا، فقال اللّه: أنا رسولكم إلى نبيكم و إخوانكم، فأنزل اللّه: وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ قُتِلُوا.. إلى

ص: 320


1- صحيح البخاري ج 3 ص 20 و صحيح مسلم ج 6 ص 45 و كنز العمال ج 10 ص 239 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 141 و البداية و النهاية ج 4 ص 72 و السيرة الحلبية ج 3 ص 172 و تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص 194.
2- السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 260.
3- مسند أحمد ج 1 ص 416.

قوله: وَ لاٰ هُمْ يَحْزَنُونَ (1).

و بالمناسبة فقد كان هذا المورد هو السبب في كتابة كتابنا: «حقائق هامة حول القرآن الكريم»، و ذلك من أجل الذب عن حريمه، و الدفع عن ساحة قدسه، ورد كيد الخائنين إلى نحورهم لم ينالوا شيئا.

بين العشرة.. و السبعين:

بقي أن نشير إلى أن رواية العشرة تقول:

إن عامر بن الطفيل حينما اجتمع بالنبي «صلى اللّه عليه و آله» هدده بأن يملأها عليه خيلا و رجالا، ثم خرج فجمع من سليم ثلاثة أبطن: رعل، و ذكوان، و عصية، فلما سمع النبي «صلى اللّه عليه و آله» بأن عامرا قد جمع له بعث عشرة من المسلمين، فيهم عمرو بن أمية الضمري، و سائرهم من الأنصار، فأقبلوا حتى نزلوا ببئر معونة، فهجم عليهم عامر، فقتلهم كلهم، ثم أقبل حتى نزل بفناء رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، فلما مات بالذبحة في بيت السلولية، و أصابت الصاعقة أربد بن قيس، فاحترق، رجع من كان معهم.

و نقول:

إن من غير المعقول: أن يكون «صلى اللّه عليه و آله» قد أرسل هؤلاء العشرة لأجل التعليم و الدعوة، كما لا يعقل أن يكون قد أرسلهم للحرب، بعد تهديدات عامر تلك، و جمعه له القبائل، و لا يعقل أن يعتمد و الحالة هذه

ص: 321


1- الدر المنثور ج 2 ص 95 عن ابن جرير و جامع البيان ج 4 ص 115.

على جوار أبي براء.

و ذلك يرجح أن يكون «صلى اللّه عليه و آله» قد أرسل هؤلاء العشرة ليكونوا عيونا له «صلى اللّه عليه و آله» على عدوه، كما صرحت به رواية الطبراني، التي وصفها الهيثمي بأن رجالها رجال الصحيح و قد تقدمت.

و لا نستبعد أن يكون قدوم عامر في جموعه حتى نزل بفناء النبي «صلى اللّه عليه و آله» قد كان بعد مدة طويلة من حادثة قتله للعشرة في بئر معونة، حيث حرض حسان ربيعة بن أبي براء في شعره حتى طعن عامر بن الطفيل، ثم بقي حتى شفي من طعنته فقدم بجموعه حتى نزل بفنائه.

و بعد، فقد صرحت الرواية بأن عامر بن الطفيل قد أتبعهم بمئة رام، و لو كان المسلمون سبعين رجلا لم يمكن لمئة رام أن يفنوا جمعهم بهذه السهولة، لا سيما في حرب مصيرية بالنسبة إليهم، يطلبون فيها الشهادة و يعتبرونها فوزا و إكراما من اللّه لهم، و دنيوية بالنسبة لأعدائهم الذين كانوا لا يريدون الموت، و يعتبرونه خسرانا و ضياعا.

الأمر الذي يرجح إمكانية أن تكون النتائج معكوسة تماما، أي يكون الفناء للمئة، و البقاء لمعظم السبعين.

و الخلاصة: أن من غير المعقول أن يكون الموطنون أنفسهم على الشهادة أكلة رأس لجماعة لا يزيدونهم عدة و عددا إلا يسيرا، و قد تعودنا أن نرى من المسلمين أعلى درجات التضحية و الفداء، و غاية النكاية في العدو.

إلا أن يكون المسلمون قد أخذوا على حين غرة، بحيث لم يمكنهم أخذ الأهبة للحرب و النزال، كما ربما تشير إليه الروايات التي تقول: إن المشركين أحاطوا بهم، و هم في رحالهم.

ص: 322

و لكن ثمة نص آخر يقول: إن المشركين التقوا بالمسلمين، و هم في طريقهم، للتعرف على مصير صاحبهم الذي أرسلوه بالكتاب إلى بني عامر.

نضيف إلى ما تقدم: أننا لا نجد مبررا لإرساله «صلى اللّه عليه و آله» سبعين رجلا أو أربعين أو أقل، لأجل التعليم، و ذلك لأنه «صلى اللّه عليه و آله» قد أرسل ستة نفر أو عشرة فقط في سرية، حينما طلبت منه «صلى اللّه عليه و آله» عضل و القارة أن يرسل إليهم من يعلمهم، كما أنه قد أرسل مصعب بن عمير - فقط - إلى المدينة قبل الهجرة لغرض التعليم، و ليلاحظ أيضا قلة من أرسلهم إلى اليمن، فما باله يرسل إلى بئر معونة سبعين رجلا؟

فإن كان ذلك لأجل مباشرة الحرب، فهذا العدد لا يكفي لمواجهة أهل نجد، و إن كان الهدف هو الدعوة و كانت زيادة العدد لأجل الاحتراز منهم - لو كانت نياتهم سيئة - فإن هذا العدد لا يكفي للاحتراز.

و إن كان لأجل المراقبة، و ليكونوا عيونا، فإن العشرة فما دون يكفون لذلك.

و لعل مما يشير إلى: أنهم كانوا عيونا: خفاء أمرهم، و سرية عملهم، فإن عامر بن الطفيل و قومه ما كانوا يعلمون بوجودهم، فقد قال عامر بن الطفيل بعد قتل حرام بن ملحان:

«لا أحسبه إلا أن له أصحابا، فاقتصوا أثره حتى أتوهم، فقتلوهم»(1).

ص: 323


1- تاريخ الأمم و الملوك (ط دار المعارف) ج 2 ص 550 و الدر المنثور ج 2 ص 95 عن ابن جرير و ابن المنذر.

و عند الواقدي: أن ابن الطفيل قال: «ما أقبل هذا وحده، فاتبعوا أثره حتى وجدوا القوم الخ..»(1).

و معنى ذلك هو: أن عامرا لم يكن يعلم بإجارة أبي براء لهم، و لا كان أمرهم معلنا، و مشهورا.

و ذلك يخالف الرواية القائلة: إن ملاعب الأسنة أخبر أهل نجد بإجارته لهم.

وجه جمع غريب:

قال العسقلاني: يمكن الجمع بين كونهم سبعين، و كونهم أربعين، بأن الأربعين كانوا رؤساء، و بقية العدة كانوا أتباعا(2).

و نقول:

1 - متى جرت العادة على هذا التفصيل في عدد المقاتلين ؟

2 - ما المراد بكونهم أتباعا، و كون أولئك قادة، هل المراد: أنهم سادة و معهم عبيدهم ؟!

أم المراد: أن أربعين كانوا سادة في قبائلهم و الباقون كانوا من الناس العاديين ؟

أما الأول، فلا شاهد له.

و أما الثاني، فإن سادة الأوس و الخزرج، و غيرهم كانوا معروفين مشهورين، و مميزين عن غيرهم، و لم نجد في هؤلاء المقتولين ببئر معونة ما

ص: 324


1- مغازي الواقدي ج 1 ص 348.
2- فتح الباري ج 7 ص 297 و السيرة الحلبية ج 3 ص 171 عن العسقلاني.

يشير إلى تلك الشهرة، و لا إلى ذلك التميز.

3 - إن الرواية الحاصرة بالعشرة، بالعشرين، بالثلاثين و غيرها تنافي هذا الاحتمال.

4 - إن الرواية المتقدمة في صدر البحث عن الطبري و غيره يتردد الراوي فيها و هو أنس بن مالك و يقول: لا أدري سبعين أو أربعين. و لا ينسجم ذلك مع وجه الجمع المذكور.

و خلاصة الأمر: أن هذا الموضوع مما لا يمكن الجزم بأي من أطرافه و لا تأكيد شيء من أوصافه، بسبب تناقض الروايات، و تعارض الشواهد، و الدلائل.

و إن كنا نستقرب الصورة التالية المستخلصة من جميع النصوص، و إن كانت تأخذ من كل نص بعضه، و تترك سائره لتتجه إلى نص آخر أنسب، و إلى انسجام الحادثة أقرب.

الصورة الأقرب إلى القبول:

و لعل الصورة الأقرب إلى القبول هي: أن أبا براء قد أرسل إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله» بهدية، و استشفاه من مرض كان قد ألم به، ثم قدم على النبي «صلى اللّه عليه و آله»، و أجار أصحابه، و استمده ليرسل دعاته إلى أرض نجد، ثم ذهب أبو براء إلى نجد، و أخبرهم بأنه أجار أصحاب محمد «صلى اللّه عليه و آله».

ثم أتى عامر بن الطفيل إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله»، و جرى له معه ما جرى، و هدده بأن يملأها عليه خيلا و رجالا. و قد يكون طلب أن يكون

ص: 325

خليفة له من بعده أو يكون له أهل السهل، و لعامر أهل الوبر، أو الحرب على ألف أشقر، و ألف شقراء من غطفان.

ثم ذهب فجمع الجموع. فبلغ النبي «صلى اللّه عليه و آله» ذلك، فأرسل إليه و لبني عامر رسالة تحذيرية، و أرسل جماعة أخرى مع الرسول ليكونوا عيونا: فقتل عامر بن الطفيل الرسول، ثم استجاش على من خلفهم، فأجابه مئة رجل رام، ففاجأهم، و هم في رحالهم، أو في الطريق، فقتلهم.

ثم حرض حسان ربيعة بن أبي براء فطعن عامر بن الطفيل، فلما شفي جمع جموعه، و سار بهم حتى نزل بفناء النبي «صلى اللّه عليه و آله»، ثم أصابته الغدة في بيت السلولية، فمات، و مات الآخر بالصاعقة، فرجع من كان معهم.

و لكن مع ذلك لا مجال لتجاهل ما قدمنا و ما سيأتي، فليلاحظ ذلك، و اللّه هو الموفق و الهادي.

مقارنة لا يمكن تجاهلها.

إن من يراجع نصوص سرية الرجيع، ثم نصوص سرية بئر معونة، و يقارن فيما بينها يجد أوجه شبه كثيرة فليلاحظ اشتراكهما في تقارب الأسباب التي دعت إلى إرسال هاتين السريتين.

و في استصراخ بعضهم قبائل معينة، فيأتون إلى أفراد السرية حتى غشوهم في رحالهم فقتلوهم.

و بعضهم يأبى قبول العهد الذي يعطيه إياه المشركون في هذه السرية

ص: 326

كما في تلك.

و هنا رجل تحمي رأسه الدبر.

و هناك شخص يرفع إلى السماء.

و يقدم المشركون هنا بخبيب و صاحبه إلى مكة، و يقدم هناك المشركون بعمرو بن أمية إليها أيضا، حسب بعض النصوص.

و هذيل تقتل هؤلاء، و أولئك على حد سواء.

و كانتا في وقت واحد، و بلغ خبرهما رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» في وقت واحد أيضا.

و حسب بعض النصوص: نجد أن المهاجمين من المشركين كانوا مئة رام في كليهما.

و يحمل السيل جثة عاصم إلى الجنة، و تواري الملائكة عامر بن فهيرة في الجنة أيضا.

و خبيب - و روي ذلك عن عاصم بن ثابت أيضا -(1) يبلغ الرسول ما جرى له، و كذلك فعل أصحاب بئر معونة.

و كما يدعو النبي «صلى اللّه عليه و آله» على قتلة هؤلاء، كذلك فإنه يدعو على قتلة أولئك.

و يلاحظ كذلك:

أن عمرو بن أمية الضمري يقتل في طريق عودته إلى النبي «صلى اللّه

ص: 327


1- بالنسبة إلى خبيب راجع مصادر الرواية التي ذكرناها مطولا حول قضية الرجيع، و أما بالنسبة لعاصم فراجع: السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 255.

عليه و آله» بعض الأشخاص في كلا السريتين.

كما أن طريقة قتله لهذا البعض في كلا الموردين واحدة.

و لعل التدقيق في مختلف النصوص الواردة في الواقعتين يظهر موارد أخرى من التوافق فيما بينهما.

و بعد ما تقدم فإن ذلك يلقي المزيد من ظلال الريب على كلا السريتين، و يزيد من درجة الإبهام فيهما.

و إن كان يمكن اعتبار بعض موارد التوافق من الأمور التي لا يبعد وقوعها.

و لكن إذا أضيف إليه البعض الآخر، الذي يكون فيه ذلك أقل احتمالا، و أبعد منالا، فإن النتيجة تكون هي تأكيد الريب، و زيادة درجة الشك. و اللّه هو العالم بحقيقة الحال، و إليه المرجع و المآل.

ص: 328

الفصل الثالث: القنوت و الدعاء على القبائل

اشارة

ص: 329

ص: 330

القنوت و الدعاء على القبائل:

و نجد في الروايات المتقدمة و غيرها: أنه «صلى اللّه عليه و آله» قد دعا على القبائل: رعل، و ذكوان، و عصية، و بني لحيان، و عضل، و القارة في قنوته بعد الركوع، مدة من الزمن.

بل في بعض الروايات: أن ذلك كان بدء القنوت، و ما كنا نقنت(1).

و تنص الروايات أيضا، على أن دعاء الرسول «صلى اللّه عليه و آله» عليهم قد كان في صلاة الصبح(2).

ص: 331


1- راجع الفقرة الأخيرة في: صحيح البخاري ج 3 ص 19 و تاريخ الخميس ج 1 ص 451 و البداية و النهاية ج 4 ص 71 و السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 139 و مسند أحمد ج 1 ص 302 و مستدرك الحاكم ج 1 ص 226 و تلخيصه للذهبي بهامشه، و نيل الأوطار ج 2 ص 400 و زاد المعاد ج 1 ص 71 و السنن الكبرى ج 2 ص 207 و المنتقى لابن تيمية ج 2 ص 505 و الإعتبار ص 85.
2- صحيح البخاري ج 3 ص 19 و 74 و نصب الراية ج 2 ص 127 و 135 و زاد المعاد ج 1 ص 71 و مجمع الزوائد ج 2 ص 138 عن الطبراني في الكبير و فتح الباري ج 8 ص 170 و 171 و سنن الدرامي ج 1 ص 374 و مسند أبي عوانة ج 1 ص 312 و 311 و عمدة القاري ج 17 ص 172 و سنن البيهقي ج 2 ص 199 و 200 و 207 و 244 و 245 و كنز العمال ج 8 ص 53 عن عبد الرزاق، و عن المتفق و المفترق و المصنف للصنعاني ج 3 ص 109 و المحلى ج 4 ص 149 و مسند أحمد ج 4 ص 57 و ج 3 ص 196 و 162 و 282 و 180 و راجع ص 232 و بداية المجتهد ج 1 ص 135 و الاعتبار ص 86 و 96.

و نقول:

إننا نشك في ذلك، و ذلك للأمور التالية:

أولا: حول كون القنوت بعد الركوع، نقول:

ألف: لقد روي عن عبد العزيز قال: سأل رجل أنسا عن القنوت:

أبعد الركوع، أو عند فراغ من القراءة ؟

قال: لا، بل عند فراغ من القراءة(1).

و دعوى: أن المراد هو القنوت لغير الحاجة، أما القنوت للحاجة، فإنما هو بعد الركوع(2)، لا تصح، إذ قد روي بسند صحيح عن أنس: أنه «صلى اللّه عليه و آله» كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم، و مثل ذلك روي عن أبي هريرة أيضا عن علقمة و الأسود(3).

ص: 332


1- صحيح البخاري ج 3 ص 19 و الصراط المستقيم للبياضي ج 3 ص 288 عن الجمع بين الصحيحين حديث رقم 39 من المتفق عليه و فتح الباري ج 2 ص 408 و راجع: نيل الأوطار ج 2 ص 397 و المحلى ج 4 ص 140 و السنن الكبرى ج 2 ص 207.
2- فتح الباري ج 1 ص 408.
3- راجع: فتح الباري ج 2 ص 408 و ج 8 ص 170 عن صحيح ابن خزيمة، و نيل الأوطار ج 2 ص 396 عن أنس و عن ابن حبان عن أبي هريرة و شرح الموطأ للزرقاني ج 2 ص 52 و المصنف ج 3 ص 107 عن علقمة و الأسود، و مسند أبي عوانة ج 2 ص 306 و نصب الراية ج 2 ص 130 و المغني لابن قدامة ص 787 و فيه التصريح بأن ذلك كان في صلاة الفجر، و زاد المعاد ج 1 ص 69 و عن الحافظ في الدراية ص 117.

إذا.. فليس ثمة قنوت لغير الحاجة، و كل قنوت كان، فإنما هو قبل الركوع.

و ادّعى البعض: أن أنسا إنما يتحدث عن أمراء عصره، لا عن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»(1).

و لكن لماذا لا يتحدث عن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، و يكون أنس بكلامه هذا مخالفا لهم رادا عليهم ؟ و يوضح ذلك المطالب التالية:

ب: ما رواه عاصم عن أنس: أن النبي «صلى اللّه عليه و آله» قنت شهرا، و أنه قبل الركوع(2).

ج: عن أبي هريرة: أن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» كان إذا أراد أن يدعو لأحد أو على أحد قنت قبل الركوع و ربما قال، إذا قال سمع اللّه لمن حمده: ربنا و لك الحمد، اللهم أنج.. إلى قوله كسني يوسف(3).

د: عن هشام بن عروة: أن أباه كان لا يقنت في شيء من الصلاة، و لا في الوتر، إلا أنه كان يقنت في الفجر، قبل أن يركع الركعة الأخيرة، إذا قضى قراءته(4).

ه: روى طارق، قال: صليت خلف عمر صلاة الصبح، فلما فرغ من القراءة في الثانية كبر ثم قنت، ثم كبر فركع(5).

ص: 333


1- المحلى ج 4 ص 141.
2- عمدة القاري ج 7 ص 17.
3- مسند أبي عوانة ج 2 ص 306.
4- شرح الموطأ للزرقاني ج 2 ص 51.
5- المعتصر من المختصر من مشكل الآثار ج 1 ص 63.

و: عن ابن عمر: رأيت قيامكم عند فراغ القارئ هذا القنوت، و اللّه إنه لبدعة، ما فعله رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» غير شهر واحد ثم تركه(1).

ثانيا: دعوى: أنه قنت يدعو عليهم في صلاة الصبح، يقابلها:

ألف: ما روي عن ابن عباس: أنه «صلى اللّه عليه و آله» قنت يدعو عليهم في الظهر و العصر، و المغرب، و العشاء، و الصبح(2).

ب: عن ابن مسعود: أنه «صلى اللّه عليه و آله» كان إذا حارب يقنت في الصلوات كلهن يدعو على المشركين(3).

ج: في رواية أخرى: أنه دعا على رعل و ذكوان الخ.. في العشاء الآخرة، و الصبح(4) و حسب تعبير ابن القيم: في الفجر و المغرب(5).

د: عن أبي هريرة حين أراد أن يقرب لهم صلاة رسول اللّه «صلى اللّه

ص: 334


1- الاعتبار ص 91.
2- السنن الكبرى ج 2 ص 200 و 212 و المنتقى ج 1 ص 505 و عمدة القاري ج 7 ص 19 و مسند أحمد ج 1 ص 301 و 302 و مستدرك الحاكم ج 1 ص 225 و 226 و تلخيصه للذهبي بهامشه، و سنن أبي داود ج 2 ص 68 و نيل الأوطار ج 2 ص 400 و مصابيح السنة ج 1 ص 446 و 447 و زاد المعاد ج 1 ص 69 و الإعتبار ص 85.
3- راجع: مجمع الزوائد ج 2 ص 136 و 137 و نيل الأوطار ج 2 ص 394 عن الطبراني و البيهقي و الحاكم في كتاب القنوات و المحلى ج 4 ص 145 و عمدة القاري ج 7 ص 23 و الاعتبار ص 91.
4- مسند أحمد ج 2 ص 237.
5- زاد المعاد ج 1 ص 69.

عليه و آله»: أنه «صلى اللّه عليه و آله»، كان يقنت في صلاة الظهر و العشاء و الصبح يدعو للمؤمنين، و يلعن الكافرين(1).

ثالثا: دعوى: أنه قنت شهرا يدعو عليهم، قد تقدم ما يخالفها، و ذكرنا الأقوال المتناقضة في مدة دعاء النبي «صلى اللّه عليه و آله» عليهم، فلا نعيد.

رابعا: عن ابن جريج، عن عطاء، قال: عمر أول من قنت في رمضان، في النصف الآخر من رمضان بين الركعة و السجدة(2).

خامسا: إننا إذا أردنا أن نجاري الآخرين في نظرياتهم، و نلزمهم بما يلزمون به أنفسهم، و إن كنا نرى بطلان رأيهم، فإننا نشير إلى:

ألف: إن البعض ينكر القنوت في صلاة الصبح من الأساس، و يعتبره بدعة، و هو ما روي عن طاووس، و الزهري(3) و ابن عباس(4).

ص: 335


1- مسند أحمد ج 2 ص 255 و 407 و 337 و سنن الدارقطني ج 2 ص 38 و سنن أبي داود ج 2 ص 67 و صحيح البخاري ج 1 ص 95 و صحيح مسلم ج 2 ص 135 و نيل الأوطار ج 2 ص 399 و نصب الراية ج 3 ص 129 و سنن النسائي ج 2 ص 202 و الإحسان ج 5 ص 319 و السنن الكبرى ج 2 ص 198 و 206 و المنتقى ج 1 ص 505 و زاد المعاد ج 1 ص 69 و 70 و المصنف للصنعاني ج 3 ص 115 و المحلى ج 4 ص 139 و راجع: بداية المجتهد ج 1 ص 135 و الاعتبار ص 97.
2- المصنف للصنعاني ج 4 ص 260 و راجع هامشه.
3- عمدة القاري ج 7 ص 23.
4- نيل الأوطار ج 2 ص 394 عن الدارقطني، و البيهقي و عمدة القاري ج 7 ص 23 و نصب الراية ج 2 ص 131 و السنن الكبرى ج 2 ص 214 و زاد المعاد ج 1 ص 69 و سنن الدارقطني ج 2 ص 41.

و عن ابن نجيح، قال: سألت سالم بن عبد اللّه: هل كان عمر بن الخطاب يقنت في الصبح ؟!

قال: لا، إنما هو شيء أحدثه الناس بعد(1).

و روى محمد بن الحسن في كتابه الآثار قال: أخبرنا أبو حنيفة، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي، قال: لم ير النبي «صلى اللّه عليه و آله» قانتا في الفجر حتى فارق الدنيا(2).

و عن أم سلمة قالت: نهى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» عن القنوت في الفجر.

و روي نحوه عن صفية بنت أبي عبيد، عنه «صلى اللّه عليه و آله»(3).

ب: إن هناك من ينكر أصل القنوت، و يعتبره بدعة، كابن عمر(4).

ص: 336


1- المصنف للصنعاني ج 3 ص 108 و المحلى ج 4 ص 142 و راجع ص 143.
2- نصب الراية ج 2 ص 132 و 133 و عمدة القاري ج 7 ص 21.
3- سنن ابن ماجة ج 1 ص 394 و سنن الدارقطني ج 2 ص 38 و نيل الأوطار ج 2 ص 394 و السنن الكبرى ج 2 ص 214 و عمدة القاري ج 2 ص 23 و نصب الراية ج 2 ص 129 و 130 و 134 و الاعتبار للحازمي ص 91 و 95.
4- راجع المصادر التالية: شرح الموطأ للزرقاني ج 2 ص 50 و السنن الكبرى ج 2 ص 213 و عمدة القاري ج 7 ص 16 و 17 و 22 و 23 و فتح الباري ج 2 ص 408 و راجع: الموطأ المطبوع مع تنوير الحوالك ج 1 ص 174 و الجوهر النقي هامش السنن الكبرى ج 2 ص 201 و مجمع الزوائد ج 2 ص 137 عن الطبراني في الكبير و راجع: المصنف للصنعاني ج 3 ص 107 و المحلى ج 4 ص 142 و راجع ص 143 و راجع: نيل الأوطار ج 2 ص 394 و نصب الراية ج 2 ص 130 و راجع ص 131 و 133 و عن الاعتبار للحازمي ص 67.

و سعيد بن جبير(1).

و عن أبي مالك، قال: كان أبي قد صلى خلف رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و هو ابن ست عشرة سنة، و أبي بكر، و عمر، و عثمان، فقلت له: أكانوا يقنتون ؟!

قال: لا، أي بني، محدث(2).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، و العمل عليه عند أكثر أهل العلم(3).

و عن ابن مسعود: ما قنت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» في شيء من

ص: 337


1- الجوهر النقي المطبوع بهامش السنن الكبرى ج 2 ص 206.
2- راجع في ذلك ما يلي: مسند أحمد ج 6 ص 394 و ج 3 ص 472 و الجامع الصحيح ج 2 ص 252 و منحة المعبود ج 1 ص 101 و سنن ابن ماجة ج 1 ص 393 و المنتقى ج 1 ص 499-502 و السنن الكبرى ج 2 ص 213 و زاد المعاد ج 1 ص 69 عن أهل السنن و أحمد و الجوهر النقي المطبوع بهامش السنن الكبرى ج 2 ص 206 و 202 و 203 و 213 و نيل الأوطار ج 2 ص 393 و سنن النسائي ج 2 ص 204 و مصابيح السنة ج 1 ص 447 و مسند الطيالسي ص 189 و عمدة القاري ج 7 ص 22 و المحلى ج 4 ص 142 و تهذيب الكمال ج 13 ص 334 و 335 و المغني لابن قدامة ج 1 ص 787 و الإصابة ج 2 ص 219 و نصب الراية ج 2 ص 130 و 131 و الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج 5 ص 328 و في هامشه عن بعض من تقدم و عن المصادر التالية: شرح معاني الاثار ج 1 ص 249 و المصنف لابن أبي شيبة ج 2 ص 308 عن الطبراني في الكبير رقم 8179 و 8178 و 8177.
3- راجع الجامع الصحيح للترمذي ج 2 ص 253.

صلاته(1).

و عن ابن مسعود أيضا، قال: صليت خلف رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و أبي بكر، و عمر، فما رأيت أحدا منهما قانتا في صلاة إلا في الوتر، و روي قريب منه عن ابن عمر أيضا(2).

و عن الزهري، قال: قبض رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، و أبو بكر، و عمر، و هم لا يقنتون(3).

و أخيرا، فقد قال الطحاوي: «لم يزل النبي «صلى اللّه عليه و آله» محاربا للمشركين إلى أن توفاه اللّه، و لم يقنت في الصلوات»(4).

ملاحظة:

و إنما قلنا: إن ما تقدم قد كان مجاراة منا للآخرين، لأننا نعتقد ببطلانه، استنادا إلى الكثير من الروايات الواردة عن أهل البيت «عليهم السلام» في إثبات القنوت.

كما أن ما ورد من طرق غيرهم في إثباته كثير جدا، لا مجال لاستقصائه في عجالة كهذه.

و لا نقصد من ذلك خصوص ما ورد في القنوت في الوتر عندهم، و لا تلك الأحاديث التي تتحدث عن قنوته «صلى اللّه عليه و آله» شهرا يدعو

ص: 338


1- السنن الكبرى ج 2 ص 213.
2- نصب الراية ج 2 ص 130 عن الطبراني و راجع: مجمع الزوائد ج 2 ص 136 و استثني في عدد من المصادر حالة الحرب. و عن ابن عمر في: الإعتبار ص 93 و 94.
3- المصنف للصنعاني ج 3 ص 105.
4- الجوهر النقي بهامش السنن الكبرى ج 2 ص 197.

على القبائل ثم تركه، و قيد بعضها بكونه في صلاة الصبح، و لا تلك التي تشير إلى أنه قنت بعد الركوع يسيرا أو شهرا لم يقنت قبله و لا بعده، أو أربعين يوما.

و بعضها يذكر: أنه «صلى اللّه عليه و آله» قنت في صلاة العتمة شهرا(1)،

ص: 339


1- راجع الأحاديث المشار إليها على اختلاف نصوصها و سياقاتها في المصادر التالية: نيل الأوطار ج 2 ص 395 و 397 و 399 عن الحاكم و صححه، و الدارقطني، و أبي نعيم، و أحمد، و عبد الرزاق، و مسلم، و أبي داود و ابن ماجة و النسائي، و البخاري في المغازي و السنن الكبرى ج 2 ص 201 و 206 و 213، و عمدة القاري ج 2 ص 17 و 23 و ج 17 ص 169 و ج 5 ص 73 و 74 و الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج 5 ص 323 و 320، و مسند أحمد ج 3 ص 184 و 216 و 287 و سنن النسائي ج 2 ص 200 و 203 و 204 و صحيح مسلم ج 2 ص 137 و 136 و المنتقى ج 1 ص 502 و منحة المعبود ج 1 ص 101 و فتح الباري ج 2 ص 236 و الإعتصام بحبل اللّه المتين ج 2 ص 19 و راجع أيضا: سنن الدار قطني ج 2 ص 33 و 39 و سنن ابن ماجة ج 1 ص 394 و زاد المعاد ج 1 ص 71 و 69 و مجمع الزوائد ج 2 ص 137 عن أبي يعلى، و البزار، و الطبراني في الكبير، و المغني لابن قدامة ج 1 ص 787 و 788 و مصابيح السنة ج 1 ص 447 و المصنف للصنعاني ج 3 ص 105 و سنن أبي داود ج 2 ص 68 و سنن الدارمي ج 1 ص 375 و صحيح البخاري ج 1 ص 117 و شرح الموطأ للزرقاني ج 2 ص 51 و نصب الراية ج 2 ص 133 و 134 و 126 و 127 و المحلى ج 4 ص 140 و 142 مسند و أبي عوانة ج 2 ص 307 و 311 و 312 و جامع المسانيد ج 1 ص 330 و 346 و 342 و 324 و كشف الأستار ج 1 ص 269 و بداية المجتهد ج 1 ص 135 و الإعتبار ص 87 و 91 و 93 و عن شرح معاني الآثار ج 1 ص 245 و 244.

أو أنه قنت عشرين يوما فقط(1).

و لكننا نشير إلى روايات أخرى وردت في كتب الحديث، و نذكر منها:

ما روي عن أنس بن مالك، قال: «ما زال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» يقنت في الفجر، حتى فارق الدنيا»(2).

بل لقد حكم الحسن و سعيد بن عبد العزيز بلزوم سجود السهو على من نسي القنوت في الفجر(3).

و عن البراء بن عازب، قال: كان رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها(4).

و عن ابن عباس: ما زال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» يقنت حتى

ص: 340


1- مسند أحمد ج 3 ص 207 و عمدة القاري ج 7 ص 17.
2- راجع سنن الدارقطني ج 2 ص 39 و 40 و نيل الأوطار ج 2 ص 395 و 397 عنه عن الحاكم و صححه، و البيهقي، و أبي نعيم، و عبد الرزاق، و أحمد و السنن الكبرى ج 2 ص 201 و مجمع الزوائد ج 2 ص 139 عن أحمد و البزار، و زاد المعاد ج 1 ص 70 عن الترمذي و أحمد و غيرهما، و عمدة القاري ج 5 ص 74 و راجع ج 7 ص 22 عن الخطيب و شرح الموطأ للزرقاني ج 2 ص 51 و المصنف لعبد الرزاق ج 3 ص 110 و مسند أحمد ج 3 ص 162 و الإعتصام بحبل اللّه المتين ج 2 ص 18 و 91 و الاعتبار ص 86 و 95.
3- سنن الدرقطني ج 2 ص 41.
4- سنن الدارقطني ج 2 ص 37 و مجمع الزوائد ج 2 ص 138 عن الطبراني في الأوسط و السنن الكبرى ج 2 ص 198 و المحلى ج 4 ص 139 و ليس فيه كلمة (مكتوبة) و كذا في عوالي اللآلي ج 2 ص 42 و عنه في مستدرك الوسائل ج 4 ص 396 و الإعتبار ص 85.

فارق الدنيا، و كذا روي أيضا عن أنس(1).

و عدا عما تقدم من القنوت في الصلوات كلهن، فقد روي عن أنس: أن القنوت كان في الفجر و المغرب، و رواه البراء عن النبي «صلى اللّه عليه و آله»، فراجع(2).

و عن أبي هريرة: كان رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» إذا قال: سمع اللّه لمن حمده من صلاة العشاء الآخرة قنت(3).

حديث أبي هريرة في القنوت لا يصح:

عن ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، و أبو سلمة بن عبد

ص: 341


1- راجع: سنن الدارقطني ج 2 ص 41 و راجع أيضا: كشف الأستار ج 1 ص 269 و عمدة القاري ج 7 ص 21 و نصب الراية ج 2 ص 131 و 132 و 136 و 137 و المغني لابن قدامة ج 1 ص 787 و نقل أيضا عن الطحاوي ص 143 و غيره.
2- راجع في ذلك: منحة المعبود ج 1 ص 101 و شرح الموطأ للزرقاني ج 2 ص 52 و صحيح البخاري ج 1 ص 95 و 117 و زاد المعاد ج 1 ص 71 و السنن الكبرى ج 2 ص 198 و 199 و نيل الأوطار ج 2 ص 397 و المصنف لعبد الرزاق ج 3 ص 113 و المحلى ج 4 ص 141 و 138 و المنتقى ج 1 ص 503 و عمدة القاري ج 7 ص 21 و نصب الراية ج 2 ص 136 و سنن الدارقطني ج 2 ص 37 و راجع: سنن أبي داود ج 2 ص 68 و صحيح مسلم ج 2 ص 137 و سنن النسائي ج 2 ص 202 و مسند أبي عوانة ج 2 ص 313 و مسند أحمد ج 4 ص 280 و 285 و 300 و مسند الطيالسي ص 100 و عن شرح معاني الآثار ج 1 ص 242 و عن المصنف لابن أبي شيبة ج 2 ص 311 و 318.
3- مسند أبي عوانة ج 2 ص 310.

الرحمن بن عوف: أنهما سمعا أبا هريرة يقول:

كان رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة، و يكبر و يرفع رأسه: سمع اللّه لمن حمده، ربنا و لك الحمد.

ثم يقول، و هو قائم: اللهم أنج الوليد بن الوليد، و سلمة بن هشام، و عياش بن أبي ربيعة، و المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد و طأتك على مضر، و اجعلها عليهم كسني يوسف، اللهم العن لحيان، و رعلا، و ذكوان، و عصية عصت اللّه و رسوله.

ثم بلغنا: أنه ترك ذلك لما أنزل: لَيْسَ لَكَ مِنَ اَلْأَمْرِ شَيْ ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظٰالِمُونَ (1).

ص: 342


1- صحيح مسلم ج 2 ص 134 و 135 و راجع: المصادر التالية: المحلى ج 4 ص 149 و مسند أبي عوانة ج 2 ص 305 و 312 و 313 و راجع ص 306 و 308 و 309 و السنن الكبرى ج 2 ص 197 و 244 و 198 و 208 و 200 و في هذه الصفحة أن ذلك كان في صلاة العتمة و مسند أحمد ج 2 ص 255 و 337 و 470 و سنن الدارمي ج 1 ص 374 و نيل الأوطار ج 2 ص 398 و 399 و مصابيح السنة ج 1 ص 445 و 446 و صحيح البخاري ج 3 ص 74 و راجع ج 4 ص 73 و يقال: إن الحديث موجود في أحد عشر موردا آخر في البخاري و بداية المجتهد ج 1 ص 135 و راجع: زاد المعاد ج 1 ص 69 و المنتقى ج 1 ص 503 و 504 و فتح الباري ج 7 ص 282 و ج 8 ص 170 و 171 و نصب الراية ج 2 ص 127-129 و ص 135 و سنن النسائي ج 2 ص 201 و مجمع الزوائد ج 2 ص 137 و 138 و كنز العمال ج 8 ص 53 و 54 و راجع: الإعتبار ص 92 و راجع ص 88 و الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج 5 ص 307 و 323 و 324 و 321 و في هامشه عن معاني الآثار ج 1 ص 241 و 242 و عن سنن الدارقطني ج 2 ص 38 و مسند الحميدي (939) و مسند الشافعي ج 1 ص 86 و 87 و المصنف لعبد الرزاق، فإن هذه المصادر كلها قد أشارت إلى حديث أبي هريرة، تاما أو ناقصا، و ستأتي مصادر أخرى أيضا حين الحديث عن نزول الآية بهذه المناسبة.

و في نص آخر: عن أبي هريرة، بعد ذكره دعاء النبي «صلى اللّه عليه و آله» للمستضعفين، و على مضر، قال أبو هريرة:

«ثم رأيت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» ترك الدعاء بعد؛ فقلت:

أرى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»؛ قد ترك الدعاء لهم!! قال: فقيل: أو ما تراهم قد قدموا»؟!(1).

و في نص آخر: قال أبو هريرة: «و أصبح رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» ذات يوم؛ فلم يدع لهم، فذكرت ذلك له: فقال «صلى اللّه عليه و آله»:

أما تراهم قد قدموا؟!!»(2).

و ثمة روايات أخرى لأبي هريرة حول القنوت و الدعاء فيه للمؤمنين، و على الكافرين(3) لا مجال لإيرادها.

ص: 343


1- صحيح مسلم ج 2 ص 135 و راجع: المحلى ج 4 ص 150 و السنن الكبرى ج 2 ص 200 و نيل الأوطار ج 2 ص 396 و الحديث نفسه رواه أبو هريرة، و لكنه قد نسب الاعتراض على رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» بسبب تركه الدعاء للنفر المؤمنين إلى عمر بن الخطاب، فأجابه بذلك الجواب، فراجع: السنن الكبرى ج 2 ص 200 و الاعتبار ص 97.
2- الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج 5 ص 323 و 324 و السنن الكبرى ج 2 ص 200 و مسند أبي عوانة ج 2 ص 309 و 310.
3- ذكر إحداها مع مصادرها حين الرد على دعوى كون القنوت كان في خصوص صلاة الصبح؛ فراجع.

و نقول:

إن هذه الرواية لا يمكن أن تصح، و ذلك لعدة أمور ذكر البعض شطرا منها، فنحن نكتفي بما قال، و نصرف النظر عن سائر المؤاخذات التي يمكن تسجيلها هنا، فنقول: قال في بغية الألمعي ما ملخصه:

1 - إن أبا هريرة أسلم بعد الهدنة، و لم يكن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» ليدعو على قوم صالحهم على أمر ما خانوا في شيء منه بعد.

2 - و في الحديث: أنه «صلى اللّه عليه و آله» ترك القنوت لمجيئهم، و قد صالحهم على أنه لا يأتيه منهم رجل - و إن كان على دينه - إلا رده عليهم، و ما كان ليدعو بشيء لو استجيب له لسعى هو في خلافه.

3 - و دعا لوليد، و هشام، و ترك أبا جندل، و أبا بصير و كانا أحق به، و قد رأى من ابتلاء أبي جندل ما رأى.

4 - و روي عن ابن سعد في طبقاته ص 98 ج 4 عن الواقدي: أن وليد بن الوليد انفلت منهم؛ فأرسله رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» إلى مكة، ليأتي بسلمة و عياش، و هذا بعد بدر بثلاث سنين.

5 - و من لفظ الدعاء: اجعل عليهم سنين كسني يوسف. و هذا لم يكن بعد الهدنة قط.

6 - و في قنوته عند مسلم، و الطحاوي: اللهم العن رعلا و ذكوان و عصية عصت اللّه و رسوله. و هذا الدعاء كان على قاتلي القراء ببئر معونة، في صفر، على رأس أربعة أشهر من أحد، قاله ابن إسحاق.

7 - و أكثر من روى حديث القنوت: كابن عباس، و ابن عمر، و ابن مسعود، و عبد الرحمن بن أبي بكر، و أنس و أبي هريرة، قالوا: قنت بعد

ص: 344

الركعة في صلاة شهرا.

قال أنس: قنت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» على رعل، و ذكوان ثم تركه.

إلى أن قال: «ما قاله الحازمي في الإعتبار ص 96 و الطحاوي ص 146:

إن قوله: بلغنا الخ.. من كلام الزهري، لا دليل عليه، و الظاهر من رواية البخاري: أنه من كلام أبي هريرة.

نعم، في بعض روايات الحديث عن مسلم ج 2 ص 135 و 136، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، من قوله: ثم رأيت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» ترك الدعاء، الحديث. دلالة على حضور أبي هريرة تلك الصلاة. و لعل على هذا اعتمد من قال: بعد صلح الحديبية، و بعد فتح خيبر، لأن أبا هريرة حضر تلك الصلاة، و قد أسلم بعدها. فلا بد إما القول بخطأ الرواية..

إلى أن قال: أو القول بأن زيادة اللعن على لحيان و رعل. الحديث بهذا اللفظ عند مسلم، و عنه التعبير بما جرى عند البخاري، اللهم العن فلانا و فلانا - لأحياء من العرب - كلاهما خطأ الخ..»(1).

و قد اعتذر البعض عن أبي هريرة لكونه بقي يقنت بعد وفاته «صلى اللّه عليه و آله» بجواز أن يكون لم يعلم بنزول الآية، لأن قوله بلغنا هو من كلام

ص: 345


1- بغية الألمعي في تخريج الزيلعي بهامش نصب الراية ج 2 ص 128 و راجع: عمدة القاري ج 7 ص 22.

الزهري(1).

و نقول: إن أبا هريرة نفسه يصرح بسماعه نبأ قدوم القوم من النبي «صلى اللّه عليه و آله» مباشرة كما هو صريح بعض نصوص روايته، فراجع المصادر المتقدمة.

و أخيرا فإننا نلاحظ: أن نصا آخر ينقله لنا أبو عوانة عن أبي هريرة يصرح فيه بأن القنوت كان قبل الركوع، و ليس فيه دلالة على سماع أبي هريرة ذلك منه «صلى اللّه عليه و آله» مباشرة(2).

آية: ليس لك من الأمر شيء:

و قد أفادت رواية أبي هريرة السابقة: أن آية: ليس لك من الأمر شيء، أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون، قد نزلت في قضية بئر معونة، حيث ترك الدعاء عليهم حينما نزلت الآية المذكورة(3).

و نحن نشك في ذلك بصورة كبيرة و ذلك لما يلي:

ص: 346


1- راجع: عمدة القاري ج 7 ص 22.
2- مسند أبي عوانة ج 2 ص 306.
3- قد قدمنا شطرا من المصادر لذلك فيما سبق حين ذكرنا رواية أبي هريرة و نضيف هنا: مغازي الواقدي ج 1 ص 350 و الإستيعاب هامش الإصابة ج 3 ص 8 و أسد الغابة ج 3 ص 91 و الإتقان ج 1 ص 65 و الدر المنثور ج 2 ص 70 عن البخاري و مسلم، و ابن جرير، و ابن المنذر، و ابن أبي حاتم، و النحاس في ناسخه، و البيهقي، و مجمع البيان ج 2 ص 501 و البحار ج 2 ص 21 عنه و الاعتبار ص 93 و 92 و عن الترمذي في تفسير آل عمران.

أولا: قولهم: إنها نزلت في ناس من المنافقين كان «صلى اللّه عليه و آله» يلعنهم، أو فيه «صلى اللّه عليه و آله» نفسه؛ حيث كان في حرب أحد يلعن أبا سفيان، و الحرث بن هشام، و صفوان بن أمية، و عمرو بن العاص، فنزلت الآية؛ فتيب عليهم كلهم.

أو نزلت في حرب أحد، حيث دعا «صلى اللّه عليه و آله» على رجل من قريش، كشف عن أسته بحضرته «صلى اللّه عليه و آله».

أو حينما كسرت رباعيته في حرب أحد، حيث قال «صلى اللّه عليه و آله»: كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم الخ..(1).

و عليه، فإذا كانت الآية قد تعرضت لبئر معونة فكيف تكون قد نزلت في حرب أحد، و هل يعقل أن يتأخر السبب في النزول(2).

و قد صحح العسقلاني نزولها بمناسبة أحد، قال: «و يؤيد ذلك ظاهر قوله في صدر الآية: لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أي يقتلهم، أَوْ يَكْبِتَهُمْ ، أي يخزيهم ثم قال: أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أي فيسلموا، أو يعذبهم، أي إن ماتوا كفارا»(3).

ثانيا: إن سياق الآيات ظاهر في أنها قد نزلت في غزوة بدر، و الآيات هي التالية: وَ مٰا جَعَلَهُ اَللّٰهُ إِلاّٰ بُشْرىٰ لَكُمْ وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَ مَا اَلنَّصْرُ إِلاّٰ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ اَلْعَزِيزِ اَلْحَكِيمِ ، لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ

ص: 347


1- تقدمت بعض المصادر في غزوة أحد في الجزء السابع، الفصل الثاني: نصر و هزيمة.
2- راجع: فتح الباري ج 8 ص 171 و راجع ج 7 ص 282.
3- فتح الباري ج 7 ص 282.

فَيَنْقَلِبُوا خٰائِبِينَ لَيْسَ لَكَ مِنَ اَلْأَمْرِ شَيْ ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظٰالِمُونَ (1) .

فإن الآيات تتحدث عن الإمداد بالملائكة في بدر، و أن سببه هو البشرى للمؤمنين و لكي تطمئن قلوبهم، مع العلم أن النصر هو من عند اللّه، و إنما نصرهم اللّه في بدر ليقطع طرفا من الذين كفروا و يقلل عدتهم و قوتهم بالقتل و الأسر، أو يكبتهم أي يذلهم على حنق و غيظ، ثم جاءت جملة معترضة تفيد: أن هذا القطع و الكبت لهم، ليس من صنع النبي «صلى اللّه عليه و آله»، ليكون هو الممدوح و الملوم في صورة النصر، و عدمه و إنما هو قرار إلهي.

ثم جاءت جملة أخرى معطوفة على «ليقطع» و هي قوله: أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ ، و الضمير فيها يرجع إلى الذين كفروا في الآية السابقة، أي ليس لك يا محمد في أمر التوبة عليهم أو عذابهم شيء، بل الأمر للّه، لأنه هو المالك لكل شيء، فيغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء.

و لو كان الكلام منفصلا عما قبله، لم يعرف مرجع الضمير في عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ .

و لو صح: أن أهل بئر معونة قد أتوه تائبين، فتاب اللّه عليهم، لم يكن معنى لقوله: أو يعذبهم، إلا إذا كان قد ورد على سبيل الترديد في المطلق، أي على نحو القضية الحقيقية لا الخارجية.

ثالثا: قد تقدم: أنه قيل له «صلى اللّه عليه و آله»: ادع على المشركين،

ص: 348


1- الآيات 126-128 من سورة آل عمران.

فقال: إني لم أبعث لعانا، و إنما بعثت رحمة(1).

و قال لامرأة لعنت ناقتها، و لرجل لعن ناقته: لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة.

هذا كله عدا عما روي عنه «صلى اللّه عليه و آله» من أنه «صلى اللّه عليه و آله» لم يكن لعانا(2) و ما روي عنه من أن المؤمن أو الصديق لا يكون لعانا و نحوه(3).

رابعا: روى البخاري عن عائشة: إن يهودا أتوا إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله»، فقالوا: السام عليكم.

فقالت عائشة: عليكم و لعنة اللّه، و غضب اللّه عليكم.

قال: مهلا يا عائشة، عليك بالرفق، و إياك و العنف و الفحش الخ..(4).

التصرف المشين:

عن خالد بن أبي عمران، قال: بينا رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»

ص: 349


1- راجع الجزء السابع من هذا الكتاب، غزوة أحد، فصل: نصر و هزيمة حين الحديث حول دعاء النبي «صلى اللّه عليه و آله» على قومه.
2- صحيح البخاري ج 4 ص 38 و 73 و دلائل الصدق ج 1 ص 417 و صحيح مسلم.
3- راجع: دلائل الصدق ج 1 ص 416 و صحيح مسلم ج 8 ص 23 و الغدير ج 11 ص 90 عن مستدرك الحاكم ج 1 ص 12 و 47 و الترغيب و الترهيب ج 3 ص 469 و 470 عن عدد من المصادر و مسند أحمد ج 1 ص 405 و 416 و ج 2 ص 337 و 366 و راجع: ج 5 ص 70 و ج 2 ص 337 و 366.
4- دلائل الصدق ج 1 ص 417 و راجع: صحيح البخاري ج 4 ص 36 و 58 و 73 و 126 و صحيح مسلم ج 7 ص 5 و 4 و الجامع الصحيح ج 5 ص 60 و مسند أحمد ج 3 ص 241 و ج 6 ص 37 و 199.

يدعو على مضر، إذ جاءه جبرئيل، فأومأ إليه: أن اسكت، فسكت، فقال:

يا محمد، إن اللّه لم يبعثك سبابا، و لا لعانا، و إنما بعثك رحمة، و لم يبعثك عذابا، ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم، أو يعذبهم فإنهم ظالمون، ثم علمه هذا القنوت: اللهم (ثم ذكر ما يعرف بسورتي الخلع و الحفد) فراجع(1).

و نقول:

1 - لقد تحدثنا في كتابنا «حقائق هامة حول القرآن الكريم» عن عدم صحة هاتين السورتين المزعومتين، و احتملنا أن تكونا من إنشاءات الخليفة الثاني، و قد أحب بعض محبيه إثباتها في القرآن، فلم يوفقوا.

2 - إن هذه الرواية صريحة في أن الرسول الأكرم «صلى اللّه عليه و آله» قد وقع في مخالفة صريحة، و فعل خلاف ما تفرضه عليه مهمته، و ما لا ينسجم مع موقعه و شخصيته.

3 - إن هذا القنوت الذي علمه إياه جبرئيل ليس فيه تلك البلاغة الظاهرة، و لا أي من المعاني الخفية أو المتميزة، هذا إلى جانب أنه لا ينسجم مع ضوابط اللغة، و استعمالاتها، فليراجع في مصادره.

4 - لماذا جاءه جبرئيل و هو يدعو على مضر فقط، و لم يأته، و هو يدعو على رعل و ذكوان و عصية، حتى بقي شهرا أو أكثر يدعو عليهم، أو حين لعن أبا سفيان، و الحرث بن هشام و غيرهما؟!

ص: 350


1- راجع: سنن البيهقي ج 2 ص 210 و نصب الراية ج 2 ص 136 عن أبي داود في المراسيل، و الاعتبار ص 89.

أو في غير ذلك من المناسبات، ثم ألم يلعن الحكم بن أبي العاص، و غيره بعد ذلك ؟!

5 - إن لعنه لمضر، الموجب لتدخل جبرئيل قد كان بعد نزول سورة النجم التي صرحت بأنه «صلى اللّه عليه و آله» لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.

6 - و هل لعنه «صلى اللّه عليه و آله» للمشركين الذين يحاربون اللّه و رسوله، يجعله سبابا، و لعانا، ألم يلعنهم اللّه سبحانه، و لعن غيرهم في محكم كتابه ؟!

ألم يذكر اللّه ما يدل على وجود لا عنين ممدوحين في لعنهم، حينما قرنهم مع نفسه حيث قال: أُولٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اَللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اَللاّٰعِنُونَ ..؟!.

رواية ابن مسعود، و ما فيها:

و قد روي عن ابن مسعود أنه قال: ما قنت رسول اللّه في شيء من صلاته (زاد الطبراني: إلا في الوتر) و إنه كان إذا حارب يقنت في الصلوات كلهن، يدعو على المشركين، و لا قنت أبو بكر، و لا عمر حتى ماتوا، و لا قنت عليّ حتى حارب أهل الشام الخ..(1).

و نقول:

يرد على هذه الرواية:

ص: 351


1- راجع: المحلى ج 4 ص 145 و مجمع الزوائد ج 2 ص 136 و 137 و عمدة القاري ج 7 ص 23 و نيل الأوطار ج 2 ص 394 عن الطبراني في الأوسط، و الحاكم في كتاب القنوت و البيهقي.

1 - قوله: ما قنت رسول اللّه في شيء من صلاته قد تقدم ما فيه، و أنه «صلى اللّه عليه و آله» قد قنت في جميع صلواته. بل كان يقنت في كل مكتوبة، و استمر على ذلك حتى فارق الدنيا.

2 - روايات قنوت عمر، قد رواها غير واحد من المحدثين، فراجع كتب الحديث و الرواية، كالإعتبار للحازمي مثلا.

3 - إن ابن مسعود لم يدرك موت عثمان، و لا خلافة علي «عليه السلام»، و لا حربه «عليه السلام» لأهل الشام. لأن ابن مسعود مات في خلافة عثمان، كما هو معروف.

و لذا احتمل البعض: أن يكون الشطر الأخير من الرواية من كلام علقمة و الأسود(1).

و لكنه خلاف الظاهر، كما لا يخفى، حيث إن لها سياقا واحدا لم يتغير، و قد جاء عطف اللاحق على السابق بصورة طبيعية، و منسجمة، كما هو الحال في كل كلام واحد.

جريمة الإحداث في الدين، و السكوت عليها:

و نجد في الروايات: أن أول من جعل القنوت قبل الركوع هو عثمان بن عفان، لكي يدرك الناس الركعة(2).

ص: 352


1- راجع: عمدة القاري ج 7 ص 23.
2- راجع: المصنف للصنعاني ج 3 ص 109 و 119 و السنن الكبرى ج 2 ص 209 و فتح الباري ج 2 ص 408 عن محمد بن نصر، و شرح الموطأ للزرقاني ج 2 ص 51.

و نقول:

1 - لعل المراد: أن عثمان قد جعل القنوت الثاني في صلاة الجمعة قبل الركوع. ثم جاءت الأهواء بعد ذلك لتلغي القنوت من جميع الصلوات، ما عدا الصبح عند البعض، أو ما عدا شهر رمضان عند آخرين، إلى غير ذلك من أقوال و مذاهب، منشؤها اختلاف الروايات، و لسنا هنا بصدد تحقيق ذلك.

2 - قد قدمنا: ما يدل على أن القنوت كان قبل الركوع، و نزيد هنا ما رواه البخاري و غيره، من أن عاصما الأحول، سأل أنسا عن القنوت، أقبل الركوع، أو بعد الركوع ؟!

فقال: قبل الركوع.

قال: قلت فإنهم يزعمون: أن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» قنت بعد الركوع.

فقال: كذبوا، إنما قنت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» شهرا، يدعو على ناس الخ..(1).

3 - و بعد فإن ما يثير عجبنا و استغرابنا؛ أننا نجد النص السابق يصرح بأن عثمان بن عفان يقدم على التغيير في أحكام الشرع و الدين، بمرأى و مسمع من الصحابة و علماء الأمة، لمصلحة يزعم أنه أدركها، حتى كأنه

ص: 353


1- الإعتبار ص 87 و 96 و صحيح البخاري ج 1 ص 117 و ج 3 ص 20 و ج 2 ص 131 و صحيح مسلم ج 2 ص 136 و مسند أبي عوانة ج 2 ص 306 و سنن الدارمي ج 1 ص 374 و 375 و السنن الكبرى ج 2 ص 207.

أعرف بما يصلح الناس، و ينفعهم، من ربهم و خالقهم سبحانه، و من نبيه الأكرم «صلى اللّه عليه و آله».

4 - و الأعجب من ذلك: أننا نجد هؤلاء الأتباع الأغبياء، يسكتون على ما ينقل لهم من جرأة عثمان هذه، و لا يدينونها، كسكوتهم بل و تبريرهم لكثير من نظائرها، مما صدر من سابقيه، و منه على حد سواء.

فإذا كان عثمان و سواه عندهم فوق الشبهات، فلا يمكن أن يكون فوق الإسلام و فوق الدين الذي به يصول و يطول، فليتحمسوا لدينهم و ليتهموا الواضعين و الكذابين بالافتراء على الخليفة الثالث، و على غيره ممن يودون و يحبون!!

أو فليقدموا تفسيرا معقولا و مقبولا لإقدام الخليفة على ما أقدم عليه، و ما رضوا بنسبته إليه.

و أما تقييد العسقلاني و الزرقاني بكون المراد: أنه جعله قبل الركوع دائما(1) فلا يحل المشكلة؛ فإنه بالإضافة إلى كونه خلاف ظاهر النص المنقول.

لا يبرر الإقدام على هذا التصرف، و لو بهذا المقدار، فإن حلال محمد «صلى اللّه عليه و آله» حلال إلى يوم القيامة و حرامه كذلك.

5 - و أخيرا.. فيجب أن لا ننسى أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يقدم فيها الخليفة على مثل ذلك، فلقد أقدم هو و اللذان سبقاه، و تبعهم من جاء بعدهم من الأمويين و غيرهم على تغيير الكثير من أحكام الشرع، و حقائق الدين، أو تحريفها، و كان رأيهم كالشرع المتبع.

ص: 354


1- فتح الباري ج 2 ص 408 و شرح الموطأ ج 2 ص 51.

و قد ذكرنا بعض ما يرتبط بهذا الموضوع الخطر و الهام في كتابنا: (الحياة السياسية للإمام الحسن «عليه السلام») في عهد الرسول و الخلفاء الثلاثة بعده، فليراجعه من أراد.

اللعن رفض و إدانة:

و سواء ثبت لدينا: أن النبي الأكرم «صلى اللّه عليه و آله» قد لعن رعلا و ذكوانا، و بني لحيان، و مضر الخ.. أم لا، فإن لعنه لبعض الناس ثابت لا ريب فيه.

و ليس ذلك لأجل أن اللعن سلاح العاجز، الذي لا يجد حيلة للتعبير عن مشاعره الثائرة إلا ذلك، إذ إنه «صلى اللّه عليه و آله» لم يكن لينطلق في مواقفه كلها من حالة انفعالية طاغية، و من اندفاع عاطفي غير مسؤول، بهدف التنفيس عن حقد دفين، و انسياقا مع انفعالات طائشة.

و إنما يريد «صلى اللّه عليه و آله» أن يلقن الناس جميعا عن طريق الشعور و اللاشعور و يؤدبهم، و يعلمهم: أن الاعتداء على الأبرياء، و الغدر، و الخيانة، و نقض المواثيق و الذمم، و كذلك جميع أشكال الانحراف و أنحائه،

إن كل ذلك مرفوض جملة و تفصيلا، و لا بد من تربية الوجدان على الإحساس بقبحه و رذالته ليصبح النفور منه، و الابتعاد عنه بصورة عفوية حالة طبيعية، و واقعية ذات جذور ممتدة في أعماق الإنسان، و في صميم ذاته.

و لا بد من الإعلان بإدانة الانحراف، انطلاقا من المثل و القيم الإلهية، بأسلوب اللعن، الذي هو طلب البعد عن ساحة القدس الإلهي.

فاللعن إذا: أسلوب تربوي بناء، و ليس موقفا سلبيا عاجزا و لا مهينا.

ص: 355

و لأجل ذلك نجد القرآن الكريم لا يزال يؤكد على لزوم التبري من أعداء اللّه، و التولي لأوليائه، و يعلن اللّه سبحانه بلعن فئات كثيرة، كالكاذبين و الظالمين، و البراءة منهم.

بل و يشير إلى وجود لاعنين آخرين، حيث قال سبحانه و هو يتحدث عن الذين يكتمون ما أنزل اللّه من البينات و الهدى: أُولٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اَللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اَللاّٰعِنُونَ (1).

و بعد ما تقدم، فلا يمكن لنا أن نصدق، أنه «صلى اللّه عليه و آله» قد لعن أحدا لا يستحق اللعن. و إلا، لكان «صلى اللّه عليه و آله» ليس فقط لا ينطلق في تعامله و مواقفه من موقع المسؤولية و الإنصاف، و إنما من موقع العاطفة و الطيش و الانفعال، و حاشاه. و ذلك لو صح لوجدنا أنفسنا مضطرين لطرح التساؤلات الجدية حول عصمته «صلى اللّه عليه و آله»، لا سيما إذا كان لعنا لأحد المؤمنين، فإن لعن المؤمن كقتله، أو لاعن المسلم كقاتله، كما روي عنه «صلى اللّه عليه و آله» نفسه(2).

و من هنا فلا بد من رفض و عدم التصديق بالحديث الذي يقول: إن رجلين كلماه «صلى اللّه عليه و آله»، فأغضباه، فلعنهما و سبهما، فلما خرجا سألته عائشة عن ذلك.

فقال لها: أما علمت ما شارطت عليه ربي ؟!

ص: 356


1- الآية 159 من سورة البقرة.
2- راجع: صحيح البخاري ج 4 ص 38 و سنن الدارمي ج 2 ص 192 و صحيح مسلم ج 1 ص 73 و الجامع الصحيح للترمذي ج 5 ص 22 و مسند أحمد ج 4 ص 33.

قلت: اللهم إنما أنا بشر، فأي المسلمين لعنته، أو سببته، فاجعله له زكاة و أجرا.

زاد في لفظ آخر: أو جلدته.

و في لفظ ثالث: إنما أنا بشر، أرضى كما يرضى البشر، و أغضب كما يغضب البشر إلخ..

و ثمة نصوص أخرى، فلتراجع في مصادرها(1).

نعم، لا بد لنا من رفض أمثال هذه الأحاديث المزعومة لأنها تعني لنا:

1 - الطعن في عصمته «صلى اللّه عليه و آله».

2 - لقد كان على المسلمين و الحالة هذه أن يتعرضوا له «صلى اللّه عليه و آله» ليلعنهم و يسبهم لتنزل عليهم الرحمات و تعمهم البركات، و كان يجب أن نراهم يتسابقون لذلك، و يحتالون له بلطائف الحيل، أم يعقل أن يكونوا قد زهدوا جميعا بالأجر و الثواب ؟!

3 - لقد كان ينبغي أن يعتز الملعونون كأبي سفيان و معاوية و الحكم و مروان بهذه اللعنات، و يباهوا بها و يتفاخروا، و يعدوها من مآثرهم.

و لكان من القبيح جدا أن يعيرهم بها المسلمون، و يتخذوها وسيلة للطعن عليهم، فلم يكن يصح من عليّ ، و لا من عائشة، و لا من أبي ذر، و لا من

ص: 357


1- صحيح مسلم ج 8 ص 24 و 25 و 26 و 27 و سنن الدارمي ج 2 ص 315 و مسند أحمد ج 2 ص 317 و 390 و 449 و 488 و 493 و 496 و ج 3 ص 33 و 391 و 400 و ج 5 ص 437 و 439 و ج 6 ص 45 و البداية و النهاية ج 8 ص 119 و الغدير ج 8 ص 89 عنه و 252 عن صحيح مسلم و عن صحيح البخاري ج 4 ص 71 كتاب الدعوات.

سائر صحابة أمير المؤمنين «عليه السلام» تسجيل هذا الطعن على خصومهم في مختلف الموارد و المناسبات.

4 - تصويره «صلى اللّه عليه و آله» أنه إنسان طائش، يثور لأسباب تافهة، فيعصف و يعربد و يتفوه بما لا يليق، ثم يتراجع، و يهدأ، و يحاول إزالة الآثار السيئة لتصرفاته الصبيانية، و يلتمس لها المبررات.

5 - و لا ندري أية قيمة تبقى للأحاديث التي تصر و تؤكد على أنه «صلى اللّه عليه و آله» لم يكن لعانا، و لا سبابا(1).

6 - كما أنه لا يبقى معنى للحديث الذي يقول: إنه «صلى اللّه عليه و آله»، قال: «اللهم و ما صليت من صلاة، فعلى من صليت، و ما لعنت من لعنة، فعلى من لعنت»(2).

7 - و كيف نفسر أيضا قوله «صلى اللّه عليه و آله»: «من لعن شيئا ليس له أهل رجعت اللعنة عليه»(3).

السر الخفي:

و الذي نفهمه: هو أن ثمة يدا تحاول التلاعب، و تعمل على اغتيال الحقيقة و تشويهما، بهدف تمييع مواقفه، و إفراغها من زخمها، و إبطال آثارها.

تلك المواقف، التي لعن فيها «صلى اللّه عليه و آله» بعض الشخصيات

ص: 358


1- راجع: صحيح مسلم ج 8 ص 24 و دلائل الصدق ج 1 ص 416 عنه و راجع: الغدير ج 11 ص 91 و ج 8 ص 252 و صحيح البخاري ج 4 ص 38 و 37.
2- مسند أحمد ج 5 ص 191.
3- المعجم الصغير ج 2 ص 70.

التي يهمهم أمرها، و يحترمونها، فعز عليهم ذلك، و آثروا أن يتلاعبوا بحديث رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»، بل و رجحوا الطعن في توازنه «صلى اللّه عليه و آله»، و حكمته، و يقينه، و متانة شخصيته، و حتى في عصمته، في سبيل حفظ أولئك الذين يحترمونهم و يقدسونهم من أن تمس شخصياتهم بأي سوء أو هوان.

و ليس قول رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» عن: معاوية لا أشبع اللّه بطنه(1)،

ثم لعنه «صلى اللّه عليه و آله» للحكم بن أبي العاص، و ما ولد(2)،

و لعنه الذين سبقوه إلى الماء في تبوك(3)،

و الشجرة الملعونة في القرآن يعني بني أمية(4)،

ص: 359


1- صحيح مسلم ج 8 ص 27 و البداية و النهاية ج 8 ص 119 و الغدير ج 11 ص 88 عنهما و عن أحمد و الحاكم و غيرهم و ليراجع كلام ابن كثير الذي ذكر أن معاوية قد انتفع بهذه الدعوة في دنياه و آخراه!!.
2- مسند أحمد ج 4 ص 5 و قد ذكر العلامة الأميني أحاديث لعن الرسول للحكم بن أبي العاص و ما ولد في كتابه القيم الغدير ج 8 ص 243-250 عن عشرات المصادر المعتمدة لدى إخواننا أهل السنة، فنحن نحيل القارئ عليه، و نطلب منه الرجوع إليه.
3- صحيح مسلم ج 8 ص 123 و مسند أحمد ج 5 ص 454 و 391.
4- تفسير العياشي ج 3 ص 297 و 298 و تفسير القمي ج 2 ص 21 و مجمع البيان ج 6 ص 434 و تفسير البرهان ج 2 ص 424 عمن تقدم، عن الثعلبي، و فضيلة الحسين. و راجع: الدر المنثور ج 4 ص 191 عن ابن جرير، و ابن أبي حاتم، و ابن مردويه و البيهقي في الدلائل، و ابن عساكر و الغدير ج 8 ص 248-250 عن عشرات المصادر فليراجع إليه من أراد.

و إخباره «صلى اللّه عليه و آله» أن اللّه سبحانه قد أمره بأن يلعن قريشا مرتين، فلعنهم «صلى اللّه عليه و آله»(1)،

إلى غير ذلك من موارد لهج فيها «صلى اللّه عليه و آله» بلعن أولئك الذين يعزون عليهم،

نعم، ليس كل ذلك إلا الجرح الذي لا يندمل، و المصيبة التي لا عزاء لها إلا بضرب و إهانة شخص الرسول الأكرم «صلى اللّه عليه و آله» و لو عن طريق التزوير الرخيص، و الكذب الصراح حتى على اللّه و رسوله، و العياذ باللّه.

و لا ندري بعد هذه الأكاذيب و الأباطيل كيف يفسرون لعنه «صلى اللّه عليه و آله» لأولئك الذين تلبسوا ببعض العناوين الساقطة و المرفوضة إسلاميا كلعنه للمحتكر، و شارب الخمر، و ساقيها و غيرهما، و آكل الربا، و الذي يلبس لباس المرأة، و الرجلة من النساء، و من قطع السدر، و النائحة، و المستمعة، و من هو مثل البهيمة، و الواشمة، و المستوشمة، و من جلس وسط الحلقة، و من غيّر منار الأرض.

إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه، و يمكن مراجعة مادة (لعن) في المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، و كتاب الترغيب و الترهيب، و أي كتاب حديثي آخر.

فإن الذي ذكرناه ما هو إلا غيض من فيض، و قطرة من بحر، و قد أتى العلامة الأميني «رحمه اللّه تعالى»، في كتابه القيم (الغدير) بشواهد كثيرة و متنوعة لكثير مما يدخل في سياق ما ذكرناه، فليراجعه من أراد.

ص: 360


1- مسند أحمد ج 4 ص 387 و زاد: و أمرني أن أصلي عليهم، فصليت عليهم مرتين..
ما أسلم أحد، و لا أفلت:

لقد أشرنا فيما سبق إلى قول المقدسي: إن الذين دعا عليهم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»: ما أسلم أحد منهم، و لا أفلت(1).

و نقول: لا ندري الوجه فيما ذكره، فإنهم يقولون: إنهم جاؤوه تائبين، مسلمين بعد ذلك، فترك الدعاء عليهم(2).

كما أنهم يقولون في ضد ذلك: أن سبع مئة رجل من بني سليم قد اشتركوا في حرب الخندق(3)، و سيأتي ذلك إن شاء اللّه.

و معنى ذلك هو أن إسلامهم قد تأخر مدة الشهر، التي يقال: إنها مدة دعائه «صلى اللّه عليه و آله» عليهم، أما في فتح مكة، فكانوا قد أسلموا، و كان منهم في جيش المسلمين تسع مئة أو ألف رجل(4).

و بعد كل هذا كيف يصح قول المقدسي: ما أسلم أحد منهم، و لا أفلت ؟!

ص: 361


1- البدء و التاريخ ج 4 ص 212.
2- راجع: زاد المعاد ج 1 ص 69.
3- محمد في المدينة ص 145.
4- المصدر السابق.

ص: 362

الفهارس

اشارة

1 - الفهرس الإجمالي

2 - الفهرس التفصيلي

ص: 363

ص: 364

1 - الفهرس الإجمالي

الفصل الثاني: سلمان الفارسي حرا 5-32

الفصل الثالث: ولادة الإمام الحسين عليه السلام و بعض ما قيل حولها 33-59

الفصل الرابع: عبرة و مناسبة 59-84

الفصل الخامس: رجم اليهوديين حقيقة أم خيال ؟! 85-118

الفصل السادس: من متفرقات الاحداث 119-150

الباب الثالث: حتى بئر معونة

الفصل الأول: سريتان ناجحتان 153-168

الفصل الثاني: مأساة الرجيع: نصوص و آثار 169-196

الفصل الثالث: حدث و نقد 197-224

الفصل الرابع: جثة خبيب 225-248

الباب الرابع: سرية بئر معونة

الفصل الأول: النصوص و تناقضاتها 251-284

الفصل الثاني: نقاط ضعف 285-328

الفصل الثالث: القنوت و الدعاء على القبائل 329-362

الفهارس 363-375

ص: 365

ص: 366

2 - الفهرس التفصيلي

الفصل الثاني: سلمان الفارسي حرا

تذكير ضروري: 7

متى تحرر سلمان ؟! 8

تاريخ غزوة الخندق: 8

تاريخ الحرية: 12

كتاب النبي صلّى اللّه عليه و آله في مفاداة سلمان: 13

تأملات في الكتاب: 14

الرد على الشكوك المشار إليها: 15

حديث الحرية بطريقة اخرى: 19

مناقشات لا بد منها: 21

الرواية الأقرب إلى القبول: 22

النخلة التي غرسها عمر: 22

دور خليسة في عتق سلمان: 25

من الذي حرر سلمان ؟ 27

أبو بكر و عتق سلمان: 30

لماذا يكذبون ؟ 31

ص: 367

الفصل الثالث: ولادة الإمام الحسين عليه السّلام و بعض ما قيل حولها

بداية: 35

ولادة الإمام الحسين عليه السّلام: 35

الحلق، و العقيقة، و التسمية: 40

لا منافاة بين الروايات: 41

اليافعي، و ثقافته الواسعة: 43

حملته أمه كرها: 44

رواية أسماء: 45

التشريف و التكريم: 48

إرضاع الحسين عليه السّلام بلبن قثم لا يصح: 49

أوهام لأبي نعيم: 52

رواية أخرى لا تصح: 53

اشتباهات حسابية: 55

الفصل الرابع: عبرة و مناسبة

بداية: 61

1 - عبد اللّه بن عثمان: 61

عبد اللّه بن عثمان سبط الرسول صلّى اللّه عليه و آله!! 62

سماه النبي صلّى اللّه عليه و آله! 62

وفاة عبد اللّه: 63

دخول النبي صلّى اللّه عليه و آله قبر ابن عثمان: 64

ابن عثمان، حقيقة أم خيال ؟ 65

ص: 368

التناقض و الاختلاف: 65

2 - زينب بنت خزيمة: 66

تأييد قول الجرجاني: 67

من اشتباه الأسماء: 67

أسرعكن لحوقابي: 68

3 - فاطمة بنت أسد: 69

التوازن و التكريم: 73

4 - وفاة عمرة بنت مسعود (أم سعد): 78

5 - وفاة أبي سلمة: 78

من حياة أبي سلمة: 81

هجرة أبي سلمة إلى الحبشة و إلى المدينة: 82

أبو سلمة في حنين (!!) 83

نزول آية في أبي سلمة: 84

الفصل الخامس: رجم اليهوديين حقيقة أم خيال ؟!

اليهود و الرجم في القرآن (!!) 87

نص الرواية: 88

مناقشة النص: 99

سر الوضع و الاختلاق: 109

اليهود في آيات سورة المائدة: 111

الفصل السادس: من متفرقات الاحداث

سرقة طعمة: 121

ص: 369

نص الرواية: 121

مناقشة النص: 130

الكلمة الأخيرة: 139

الارتداد لماذا؟! 139

ماذا يقطع في حد السرقة: 140

خسوف القمر: 142

النبي صلّى اللّه عليه و آله يبعث بالأموال إلى مكة: 143

أول وافد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: 146

وفد ضمام بن ثعلبة: 149

غدر مقيس بن حبابة: 150

الباب الثالث: حتى بئر معونة

الفصل الأول: سريتان ناجحتان

بداية: 155

سرية أبي سلمة إلى قطن: 156

ملاحظات لا بد منها: 159

إغتيال سفيان بن خالد: 163

ملاحظات على ما تقدم: 165

الفصل الثاني: مأساة الرجيع، نصوص و آثار

يوم الرجيع كما يرويه المؤرخون: 171

رأينا في الرواية: 178

ص: 370

تناقضات في روايات الرجيع: 178

الفصل الثالث: حدث و نقد

بداية: 199

سبب غزوة الرجيع: 199

جثة عاصم و ما قيل حولها: 202

عاصم ليس قاتل عقبة: 204

خبيب مع بني النجار: 206

ابن طارق، و معتب مع الأعداء: 206

تهافت عبارتي الواقدي و ابن سعد: 207

من الذي اشترى خبيبا؟ 207

مناقشة البعض لقول الدمياطي و جوابها: 209

دعوى نزول آيتين في هذه المناسبة: 211

دعاء خبيب: 213

توجيهات لا تجدي: 215

صلاة خبيب: 216

التشريع من غير النبي صلّى اللّه عليه و آله: 218

متى أسر خبيب ؟! 219

بلاغ الرسالة: 220

معاوية لم يبلغ الحلم: 221

1 - الأشعار المنحولة: 221

2 - خبيب هو الأهم: 222

ص: 371

3 - عاصم بن ثابت هو الأعظم أيضا: 223

الفصل الرابع: جثة خبيب

عمرو بن أمية و جثة خبيب: 227

نص الرواية: 227

دور الزبير و المقداد: 232

تناقض الروايات: 233

طريق جمع فاشل: 239

عودة للتناقضات: 240

آية الشراء: 241

الكشاف الليلي؛ و السحر الخارق: 241

نبوءة و كهانة، و موتة السوء: 242

أين هي جثة ابن الدثنة ؟ 242

طاقية الإخفاء لدى الأعرج الطائر: 242

تعمد المواجهة: 243

طاقية الإخفاء مرة أخرى: 243

بطل هنا.. و نعامة هناك: 243

بطل يتحدث عن نفسه: 244

يأس العاجز أم طاقية الإخفاء؟ 244

فشدوا الوثاق: 244

تحذير النبي صلّى اللّه عليه و آله من الضمري: 245

سبعون يهربون من واحد أم العكس ؟! 246

ص: 372

ما هي الحقيقة إذا؟ 247

الباب الرابع: سرية بئر معونة

الفصل الأول: النصوص و تناقضاتها

نص الرواية: 253

نص آخر للطبراني: 260

نص ثالث لابن طاووس رحمه اللّه: 261

و ثمة نصوص أخرى: 263

تناقض النصوص و اختلافها: 265

ألف: تاريخ السرية: 265

ب: سبب إرسال السرية: 266

ج - من هو أمير السرية ؟ 268

د: عدد أفراد السرية: 269

ه: لم يكن في السرية إلا أنصاري: 271

و: من الذي قتل حرام بن ملحان ؟ 272

ز: أين التقى المسلمون بالمشركين ؟ 272

ح: من هو قاتل عامر بن فهيرة ؟ 273

ط: من كان في سرح القوم ؟ 274

ي: الناجي من القتل: 275

ك: الذين رأوا الطير تحوم!! 278

ل: من قتل العامريين ؟ 279

م: مدة دعاء النبي صلّى اللّه عليه و آله على القبائل: 279

ص: 373

ن: مصير ملاعب الأسنة: 281

س: مصير عامر بن الطفيل: 283

ع: مكان موت عامر: 284

الفصل الثاني: نقاط ضعف

بداية: 287

مكحول.. و تاريخ غزوة بئر معونة: 287

الرجيع.. و بئر معونة في وقت واحد: 288

بئر معونة سبب لغزوة بني النضير: 289

استدلال لا يصح: 294

الأنصار في بئر معونة: 295

حرام بن ملحان شهيدا: 296

سعد بن أبي وقاص في بئر معونة: 298

ابن الصمة أحد الشهداء: 299

أنس بن عباس السلمي في بئر معونة: 300

رفع عامر بن فهيرة إلى السماء: 300

سر تعظيم عامر بن فهيرة: 307

تصحيح خطأ: 309

و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتا: 310

التقدم بين يدي اللّه و رسوله: 311

آيات منسوخة!! 317

بين العشرة.. و السبعين: 321

ص: 374

وجه جمع غريب: 324

الصورة الأقرب إلى القبول: 325

مقارنة لا يمكن تجاهلها: 326

الفصل الثالث: القنوت و الدعاء على القبائل

القنوت و الدعاء على القبائل: 331

حديث أبي هريرة في القنوت لا يصح: 341

آية: لَيْسَ لَكَ مِنَ اَلْأَمْرِ شَيْ ءٌ : 34(6)

التصرف المشين: 349

رواية ابن مسعود، و ما فيها: 351

جريمة الإحداث في الدين، و السكوت عليها: 352

اللعن رفض و إدانة: 355

السر الخفي: 358

ما أسلم أحد، و لا أفلت: 361

الفهارس:

1 - الفهرس الإجمالي 365

2 - الفهرس التفصيلي 367

ص: 375

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.