الانتصار : اهم مناظرات الشيعه في شبكات الانترنت المجلد7

هویة الکتاب

بطاقة تعريف:الكوراني العاملي، علي، 1944 - م.

Kurani,Ali

عنوان واسم المؤلف:الانتصار : اهم مناظرات الشيعه في شبكات الانترنت/ بقلم علي الكوراني العاملي.

تفاصيل المنشور:بيروت: دارالسيرة، 2000م- = 1421ق- = [1379]-

مظهر:ج.

حالة الاستماع:الفهرسة الوصفية

لسان:العربية.

ملحوظة:ج.3، ج6 (چاپ اول: 2000م= 1421ق= 1379).

ملحوظة:ج.2(چاپ اول:2000م.=1379).

ملحوظة:المجلد الثاني ، نشرته دار القرآن الكريم.

ملحوظة:لقب روي المجلد: الانتصار: مناظرات الشيعه في شبكات الانترنت.

ملحوظة:فهرس.

مندرجات:ج.1. بحوث تمهيدية: قصة الشيعة في شبكات الحوار- بحوث في المنهج.-ج.2.مناظرات في التوحيد و مسائل صفات الله عز و جل ج.3. رد اتهامهم للشيعة بأنهم يقولون بتحريف القرآن.- ج.6. دفاعا عن امير المومنين علي عليه السلام.-

العنوان على الغلاف:الانتصار: مناظرات الشيعه في شبكات الانترنت.

رقم الببليوغرافيا الوطنية:1916453

ص: 1

اشارة

الإنتصار

أهم مناظرات الشيعة في شبكات الإنترنت

بقلم: العاملي

المجلد السابع

دفاعاً عن الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء علیها السلام

ص: 2

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا

ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين

جرت في شبكات الانترنت نقاشاتٌ عديدة حول مقام الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وموقفها من خلافة أبي بكر .. ولم يستوعب النقاش جوانب شخصيتها وظلامتها، حيث دار أكثره حول منعها إرثها من أبيها، ومصادرة فدك التي أعطاها إياها صلی الله علیه و آله !

ونظراً الى مقام الصديقة الزهراء علیها السلام المجمع على سموه عند جميع المسلمين، وأن موقفها من خلافة أبي بكروعمر يعتبر ركناً في مذهب التشيع لأهل البيت النبوي علیهم السلام .. رأينا ضرورة إضافة فصول مختصرة، عن خلافة النبي صلی الله علیه و آله، وما قام به في حجة الوداع وبعدها لتثبيت خلافة عترته الطاهرة، ثم أحداث وفاته صلی الله علیه و آله، وما تبعها من مهاجمتهم بيت علي علیه السلام وفاطمة علیها السلام لإجبارهم على البيعة . .

ص: 3

أرجو أن تكون هذه الفصول مع المناقشات، بحوثاً نافعة للمسلمين وتصوراً متكاملاً لمسائل حياة الصديقة الزهراء علیها السلام ومواقفها علیها السلام .

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .

كتبه: العاملي

في العشرين من شهر رجب الأصب 1422

ص: 4

الفصل الأول: خلافة النبي صلی الله علیه و آله كانت مطروحة في حياته ..

اشارة

ص: 5

ص: 6

خلافة النبي صلی الله علیه و آله كانت مطروحة في حياته ..

من أكاذيب التاريخ الكبيرة قولهم: إن خلافة النبي صلی الله علیه و آله لم تطرح في حياة النبي أبداً ! ولا أوصى الى أحد أبداً ! ولا سأله أحد حتى مجرد سؤال عن الخلافة من بعده لمن هي! ولا ائتمر زعماء قريش بينهم ولا اتفقوا أن يحرموا منها عترة النبي علیهم السلام . . ولا تشاوروا مع اليهود أبداً !!

وقد أخذت هذه اللاءات طريقها من أصحاب السقيفة، ثم من بلاط الخليفة وحمله الأتباع والرواة . . وكتبته الصحاح ! ! فأبو بكر وابنته عائشة، وعمر وابنته حفصة .. قالوا إنه لم يجر مع النبي صلی الله علیه و آله أي حديث حول الموضوع، وإنهم تأسفوا كثيراً لماذا لم يسألوه عن الخلافة من بعده لمن تكون !

وعندما تقول هاتان العائلتان .. يقول الرواة، ويقول التاريخ، وتقول الصحاح ..!! ويصير كل من خالف قولهم مخالفاً للاسلام ! أما من كذبهم فهو عدو للاسلام ! فهذه اللاءات . . كانت ضرورية لمشروع قريش في ترتيب الخلافة بين قبائلها وعزل بني هاشم سياسياً !

وإذا قال لهم أحد إن هذه اللاءات هذه تصطدم بمنطق الأمور، وبقضايا كثيرة ونصوص كثيرة، رويتموها أنتم وتجعل الرسول ساذجاً مقصراً .. يتعمد

ص: 7

ترك فراغ هائل بعده، وهو يعرف أن صراعاً بين أصحابه سينفجر بمجرد أن يغمض عينيه ! وتجعل الرسول يناقض نفسه حيث يأمر كل مسلم بالوصية قبل موته .. بينما يتعمد هو أن لا يوصي !

بل تتناقض مع حكمة الله تعالى وعدله، لأنها تعني أنه سبحانه ختم النبوة في الأرض . . وترك أمة نبيه تقتتل على خلافته .. ثم لم يصنع لها شيئاً !!

إذا قلت ذلك . . فجوابهم إنها لاءات ضرورية . . ولتصطدم بما تصطدم !!

شهود بالجملة على كذب لاءات قريش !

اشارة

من الأدلة القطعية التي تشهد على كذب لاءات بطون قبائل قريش ..

1- حديث بني عامر بن صعصعة

ورد في سيرة النبي صلی الله علیه و آله من أنه كان يعرض نفسه على القبائل في أول بعثته، ويطلب منها أن تحميه لكي يبلغ رسالة ربه . . وأن بعض القبائل قبلت عرضه بشرط أن يكون لها الأمر من بعده، فأجابها النبي صلی الله علیه و آله بأنه مجرد رسول والأمر ليس له، بل هو لله تعالى يجعله لمن يريد! وأبرز ما وجدناه من ذلك: حديث بني عامر بن صعصعة، وحديث كندة، وكلاهما في أول البعثة، وحديث عامر بن الطفيل وهو في أواخر حياة النبي صلی الله علیه و آله !

ففي سيرة ابن هشام: 2/289: (أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال له: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال: الأمر إلى الله، يضعه حيث يشاء .

ص: 8

قال فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ! لاحاجة لنا بأمرك ! فأبوا عليه .

فلما صدر الناس، رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم، قد كانت أدركته السن حتى لا يقدر أن يوافي معهم المواسم، فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم، فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم، فقالوا: جاءنا فتى من قريش ثم أحد بني عبد المطلب، يزعم أنه نبي يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا .

قال: فوضع الشيخ يديه على رأسه، ثم قال: يا بني عامر هل لها من تلاف؟! هل لذناباها من مُطَّلب ؟! والذي نفس فلانٍ بيده ما تقوَّلها إسماعيليٌّ قط، وإنها لحق، فأين رأيكم كان عنكم !) . انتهى .

ورواه الطبري في تاريخه:2/84 . وابن كثير في سيرته: 2/158، وحكاه في الغدير: 7/134 عن سيرة ابن هشام 2/32، والروض الأنف: 1/264، وبهجة المحافل للعامري: 1/128، والسيرة الحلبية: 2/3، وسيرة زيني دحلان: 1/302، بهامش الحلبية، وحياة محمد لهيكل / 152

2- حديث قبيلة كندة

رواه ابن كثير في سيرته: 2/159، قال: (قال عبدالله بن الأجلح: وحدثني أبي عن أشياخ قومه أن كندة قالت له: إن ظفرت تجعل لنا الملك من بعدك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الملك لله يجعله حيث يشاء، فقالوا لا حاجة لنا فيما جئتنا به) ! . انتهى .

3- حديث عامر بن الطفيل

ص: 9

هو شيخ مشايخ قبائل غطفان، روى قصته ابن كثير أيضاً في سيرته: 4/114 قال: (عن ابن عباس أن أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن كلاب، وعامر بن الطفيل بن مالك، قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهيا إليه وهو جالس، فجلسا بين يديه . فقال عامر بن الطفيل: يا محمد، ما تجعل لي إن أسلمت ؟ !

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم. قال عامر: أتجعل لي الأمر إن أسلمت، من بعدك ؟ !

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس ذلك لك، ولا لقومك، ولكن لك أعنة الخيل .

قال: أنا الآن في أعنة خيل نجد ! إجعل لي الوَبَر، ولك المَدَر .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا .

فلما قفل من عنده قال عامر: أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً !

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمنعك الله .

وفي ص 112، قال: (وكان عامر بن الطفيل قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال: أخيرك بين ثلاث خصال: يكون لك أهل السهل ويكون لي أهل الوبر، وأكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء !

قال فطعن (أصيب بالطاعون) في بيت امرأة، فقال: أغدةٌ كغدة البعير، وموتٌ في بيت امرأة من بني فلان ! - وفي رواية في بيت سلولية - ائتوني بفرسي، فركب، فمات على ظهر فرسه !) . انتهى .

ص: 10

4- شرط النبي صلی الله علیه و آله على الأنصار حماية أهل بيته وذريته

من آيات النبوة أن بيعة النبي صلی الله علیه و آله للأنصار من أول يوم في مكة تضمنت ثلاثة شروط:

الأول: أن يحموا النبي صلی الله علیه و آله مما يحمون منه أنفسهم .

والثاني: أن يحموا أهل بيته وذريته ممايحمون منه أولادهم وذراريهم.

والثالث: أن لا ينازعوا الأمر أهله !!

وهذا الشرط الأخير دليلٌ واضحٌ على أن مبدأ الإختيار الإلهي للأئمة بعد النبي صلی الله علیه و آله كان مفروغاً عنه من أول الرسالة، وأن لهذا الأمر أهلاً بعد النبي صلی الله علیه و آله، على الأمة أن تطيعهم ! وليس لها أن تختار هي، ولا أن تنازع أهل الأمر، أو أولي الأمر، الذين يختارهم الله تعالى لقيادتها بعد نبيه ! وقد وفَى الأنصار بالشرط الأول خير وفاء، ولكن أكثرهم حنث بالشرطين الأخيرين حنثاً سيئاً، مع الأسف !

وقد روت الصحاح هذه الشروط النبوية الثلاثة ..

ففي صحيح البخاري: 8/122: (عن عبادة بن الصامت قال: بايعنارسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم) . ورواه مسلم: 6/16، والنسائي: 7/137، بعدة روايات، وعقد باباً بعنوان (باب البيعة على أن لا ننازع الأمر أهله) . ورواه ابن ماجة: 2/ 957 . وأحمد 5/316، وفي ص 415 وقال: (قال سفيان: زاد بعض الناس: ما لم تروا كفرا بواحاً). ورواه البيهقي في سننه 8/145 .

ص: 11

وفي مجمع الزوائد: 6/49: (عن عبادة بن الصامت أن أسعد بن زرارة قال: يا أيها الناس، هل تدرون على ما تبايعون محمداً ؟ إنكم تبايعونه أن تحاربوا العرب والعجم، والجن والأنس ! فقالوا: نحن حرب لمن حارب، وسلم لمن سالم. قالوا: يا رسول الله إشترط . قال: تبايعوني على أن: تشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة، والسمع والطاعة، وأن لا تنازعوا الأمر أهله، وأن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم .

وعن حسين بن علي قال: جاءت الأنصار تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على العقبة فقال يا علي قم فبايعهم، فقال على ما أبايعهم يارسول الله؟ قال: على أن يطاع الله ولا يعصى، وعلى أن تمنعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وذريته، مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم . انتهى .

ومن الملفت أن مصادرهم روت أن النبي صلی الله علیه و آله ضمَّنَ شروط بيعة الشجرة التاريخية في صلح الحديبية مع المهاجرين والأنصار، نفس هذا الشرط الذي اشترطه على الأنصار قبل الهجرة ! أن يحموه وأهل بيته وذريته مما يحمون منه أنفسهم، وأن لا ينازعوا الأمر أهله) !

قال النووي في شرح مسلم: 13/2: (قوله: في رواية جابر ورواية معقل بن يسار (بايعناه يوم الحديبية على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت) وفي رواية سلمة أنهم بايعوه يومئذ على الموت، وهو معنى رواية عبد الله بن زيد بن عاصم. وفى رواية مجاشع بن مسعود البيعة على الهجرة والبيعة على الاسلام والجهاد. وفي حديث ابن عمر وعبادة: بايعنا على السمع والطاعة وأن لا ننازع الأمر أهله . . وفى رواية عن ابن عمر في غير صحيح

ص: 12

مسلم البيعة على الصبر . قال العلماء: هذه الرواية تجمع المعاني كلها، وتبين مقصود كل الروايات) . انتهى.

ومن الواضح لمن له أدنى خبرة أن الزيادة التي قال عنها أحمد بن حنبل (قال سفيان: زاد بعض الناس: مالم تروا كفراً بواحاً) . . من إضافات أتباع السلطة على الحديث بعد معارضة بني هاشم والأنصار لخلافة أبي بكروعمر!

وكذلك كل ما في معناها، كالذي رواه البخاري: 8/ 88 (إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم من الله فيه برهان) والبيهقي في سننه: 8/145، لأن بيعة الأنصار كانت قبل الهجرة، ولم يكن فيها استثناء من الطاعة، ولم تكن مسألة إثرة القرشيين على الأنصار مطروحة أبداً إلا بعد بيعة أبي بكر ورفض رئيس الأنصار صاحب السقيفة سعد بن عبادة لها بشدة !

ويلاحظ أن الصحاح القرشية أكثرت من رواية شرط النبي صلی الله علیه و آله على الأنصار أن لا ينازعوا الأمر أهله، لأجل أن تحتج عليهم بأنهم لا سهم لهم في الخلافة القرشية .. ولكنها لم تروِ شرط النبي صلی الله علیه و آله على الأنصار أن يمنعوا أهل بيته وذريته مما يمنعون منه أهليهم، لأن ذلك في غير مصلحة الخلافة القرشية، التي هاجمت بيت فاطمة علیها السلام وعلي علیهما السلام وأشعلت فيه النار لتحرقه بمن فيه، إن لم يخرجوا ويبايعوا !

ولا روت شرط النبي صلی الله علیه و آله عليهم أن لا ينازعوا الأمر أهله، إلا ما فلت من سذاجة راويه أو كان من صدقه كما رأيت في حديث عبد الله بن عمر ! لأن رواية هذا الشرط في غير مصلحة الذين اغتنموا انشغال بني هاشم بجنازة النبي وسرقوا الأمر من أهله !

ص: 13

وبهذا تعرف الهدف من الروايات المدبجة التي حرفت الحديث من كونه شرطاً نبوياً على المسلمين وحولته الى أمر نبوي للمسلمين بطاعة كل حاكم! كالتي رواها أحمد في مسنده: 5/321: (عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله: عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك، ولا تنازع الأمر أهله وإن رأيت أنه لك) . انتهى .

ولا يتسع المجال لتحليل هذا الشرط النبوي البليغ، الذي بدأ به النبي صلی الله علیه و آله مبكراً فاشترطه بأمر ربه على الأنصار، ثم اشترطه على المهاجرين.. وعمق دلالاته على الخطة الالهية لمستقبل الاسلام، وترتيب الامامة بعد النبوة .

5- حديث الدار . . . وأندر عشيرتك الأقربين

حديث الدار معروف، فهو مرتبط في مصادر التفسير والسيرة بتفسير قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، حيث دل نص الآية على أن الله تعالى أمر رسوله في المرحلة الأولى أن يدعو بني هاشم فقط !

فماذا فعل النبي صلی الله علیه و آله في هذه المرحلة ؟ وهل استمرت مدتها شهوراً، أو سنين، حتى نزل الأمر بتوسيع نطاق الدعوة لعموم الناس ؟

وما معنى الأمر الإلهي: أن تكون نبوة الرسول صلی الله علیه و آله أولاً لبني هاشم خاصة، وبعدها لقريش والعرب والناس عامة ؟

وما معنى أن قريشاً اتخذت قراراً بمحاصرة بني هاشم، فالتفوا جميعاً حول النبي صلی الله علیه و آله، مؤمنهم وكافرهم، وتحملوا الحصار الشامل الذي استمر من السنة السادسة أو السابعة، إلى السنة الحادية عشرة للبعثة.. ولم يقل أحد منهم آخ! وما معنى أنه عندما كانت الشدائد تقع على المسلمين، لم ينهض بحملها إلا بنو هاشم ؟

ص: 14

فقد انهزم المسلمون جميعاً في أحد، ولم يثبت غير بني هاشم !

ثم تحداهم جميعاً فارس الأحزاب يوم الخندق، فلم يجرؤ أحد على مبارزته غير بني هاشم !

ثم انهزموا في حنين وهم عشرة آلاف . . فلم يثبت غير بني هاشم ! !

إنها حقائق وظواهر تفسر الحديث الذي روته مصادرنا قال فيه النبي صلی الله علیه و آله: (بعثت إلى أهل بيتي خاصة، وإلى الناس عامة) .

كما تدل آية (وأنذر عشيرتك الأقربين) وما ورد في تفسيرها، على أن إنذار بني هاشم كان مبرمجاً من الله تعالى . . وأن تعيين وصي النبي صلی الله علیه و آله وخليفته من بينهم، كان ضمن ذلك البرنامج ..

فقد قال السيوطي في الدر المنثور: 5/97: (وأخرج ابن إسحق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي في الدلائل، من طرقٍ، عن علي رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلی الله علیه و آله: وأنذر عشيرتك الأقربين، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أني مهما أبادؤهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتُّ عليها حتى جاء جبريل فقال: يا محمد إنك إن لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لي صاعاً من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واجعل لنا عساً من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب، حتى أكلمهم وأبلغ ما أمرت به . ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به، فلما وضعته تناول النبي صلی الله علیه و آله بضعة من اللحم فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي

ص: 15

الصحفة، ثم قال: كلوا بسم الله، فأكل القوم حتى نهلوا عنه، ما ترى إلا آثار أصابعهم !

والله إن كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم !

ثم قال: إسق القوم يا علي، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعاً ! وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله !

فلما أراد النبي صلی الله علیه و آله أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم ! فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي صلی الله علیه و آله . فلما كان الغد قال: يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا بمثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب، ثم اجمعهم لي، ففعلت ثم جمعتهم، ثم دعاني بالطعام فقربته، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا حتى نهلوا، ثم تكلم النبي صلی الله علیه و آله فقال: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم أحداً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على أمري هذا ؟

فقلت وأنا أحدثهم سناًّ: إنه أنا، فقام القوم يضحكون) . انتهى .

ثم رواها السيوطي بسند آخر عن ابن مردويه عن البراء بن عازب، قال: (لما نزلت هذه الآية: وأنذر عشيرتك الأقربين، جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب، وهم يومئذ أربعون رجلاً . . .) إلخ . .

ولكن السيوطي بتر الحديث هنا، ولم يذكر بقية كلام النبي صلی الله علیه و آله . . وهو أسلوب دأب رواة خلافة قريش على ارتكابه في حديث الدار، لأن بقية الحديث تقول إن الله أمر رسوله من ذلك اليوم أن يختار وزيره وخليفته من عشيرته الأقربين !

ص: 16

قال الأميني في الغدير: 1/ 207: (وها نحن نذكر لفظ الطبري بنصه حتى يتبين الرشد من الغي . قال في تاريخه: 2/217 من الطبعة الأولى: (إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟

قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت وإني لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه .

فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا . قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع) .

وقال الأميني: 2/279: (وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الإسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي، المتوفى 240، في كتابه نقض العثمانية، وقال: إنه روي في الخبر الصحيح. ورواه الفقيه برهان الدين في أنباء نجباء الأبناء 46- 48 . وابن الأثير في الكامل: 2/24 . وأبو الفداء عماد الدين الدمشقي في تاريخه: 1/116 . وشهاب الدين الخفاجي في شرح الشفا للقاضي عياض: 3/37 (وبتر آخره) وقال: ذكرفي دلايل البيهقي وغيره بسند صحيح. والخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره – 390 . والحافظ السيوطي في جمع الجوامع، كما في ترتيبه: 6/392 . وفي / 397، عن الحفاظ الستة: ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي . وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 3/254) . انتهى كلام صاحب الغدير .

ثم شكا رحمة الله من الذين حرفوا الحديث لإرضاء قريش، ومنهم الطبري الذي رواه في تفسيره بنفس سنده المتقدم في تاريخه، ولكنه أبهم كلام

ص: 17

النبي صلی الله علیه و آله في حق علي علیه السلام فقال: ثم قال: إن هذا أخي، وكذا وكذا !! وتبعه على ذلك ابن كثير في البداية والنهاية 3/40 وفي تفسيره 3/351 !

وقال في هامش بحار الأنوار: 32/272: (وناهيك من ذلك مؤاخاته مع رسول الله صلی الله علیه و آله بأمر من الله عز وجل في بدء الإسلام حين نزل قوله تعالى: وأنذر عشيرتك الأقربين. راجع: تاريخ الطبري: 2/321، كامل ابن الأثير: 2/24، تاريخ أبي الفداء: 1/116، والنهج الحديدي: 3/254، ومسند الإمام ابن حنبل: 1/159، وجمع الجوامع ترتيبه: 6/408، وكنز العمال: 6/401 . وهذه المؤاخاة مع أنها كانت بأمر الله عزوجل، إنما تحققت بصورة البيعة والمعاهدة (الحلف) ولم يكن للنبي صلی الله علیه و آله أن يأخذ أخاً ووزيراً وصاحباً وخليفة غيره، ولا لعلي علیه السلام أن يقصر في مؤازرته ونصرته والنصح له ولدينه، كمؤازرة هارون لموسى على ما حكاه الله عز وجل في القرآن الكريم ولذلك ترى رسول الله صلی الله علیه و آله حين يؤاخي بعد ذلك المجلس بين المهاجرين بمكة، فيؤاخي بين كل رجل وشقيقه وشكله: يؤاخي بين عمر وأبي بكر، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وبين الزبير وعبد الله بن مسعود، وبين عبيدة بن الحارث وبلال، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة، وبين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة الكلبي. (راجع سيرة ابن هشام: 1/504 . المحبر: 71 /70 . البلاذري: 1/270)، يقول لعلي علیه السلام: والذي بعثني بالحق نبياً ما أخرتك إلا لنفسي، فأنت مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي، وأنت معي في قصري في الجنة.

ص: 18

ثم قال له: وإذا ذاكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله ولا يدعيها بعدي إلا كاذب مفتر . (الرياض النضرة: 2/168. منتخب كنز العمال: 5/45 و46).

ولذلك نفسه تراه صلی الله علیه و آله حينما عرض نفسه على القبائل فلم يرفعوا إليه رؤوسهم، ثم عرض نفسه على بني عامر بن صعصعة قال رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس بن عبد الله بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال لرسول الله: أرأيت إن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟

قال: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء . قال: فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه . (راجع: سيرة ابن هشام: 1/424، الروض الأنف: 1/264، بهجة المحافل: 1/128، سيرة زيني دحلان: 1/302، السيرة الحلبية: 2/3) .

فلولا أنه صلی الله علیه و آله كان تعاهد مع علي علیه السلام بالخلافة والوصاية بأمر من الله عز وجل قبل ذلك، لما ردهم بهذا الكلام المؤيس، وهو بحاجة ماسة إلى نصرة أمثالهم) . انتهى .

وفي دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي: 1/15: (وروينا أيضاً عن علي بن أبي طالب صلى الله عليه أنه قال: لما أنزل الله عز وجل: وأنذر عشيرتك الأقربين، جمع رسول الله صلی الله علیه و آله بني عبد المطلب على فخذ شاة وقدح من لبن، وإن فيهم يومئذ عشرة ليس منهم رجل إلا أن يأكل الجذعة ويشرب الفرق، وهم بضع وأربعون رجلاً، فأكلوا حتى صدروا وشربوا حتى ارتووا، وفيهم يومئذ أبو لهب، فقال لهم رسول الله صلی الله علیه و آله: يا بني عبد المطلب أطيعوني تكونوا

ص: 19

ملوك الأرض وحكامها، إن الله لم يبعث نبياً إلا جعل له وصياً ووزيراً ووارثاً وأخاً وولياً، فأيكم يكون وصيي ووارثي ووليي وأخي ووزيري ؟ فسكتوا، فجعل يعرض ذلك عليهم رجلاً رجلاً، ليس منهم أحد يقبله، حتى لم يبق منهم أحد غيري، وأنا يومئذ من أحدثهم سناً، فعرض علي علیه السلام فقلت: أنا يا رسول الله . فقال: نعم، أنت يا علي . فلما انصرفوا قال لهم أبو لهب: لو لم تستدلوا على سحر صاحبكم إلا بما رأيتم، أتاكم بفخذ شاة وقدح من لبن فشبعتم ورويتم ! وجعلوا يهزؤون ويقولون لأبي طالب: قد قدم ابنك اليوم عليك) . انتهى .

ولا بد أن تكون حادثة دعوة النبي صلی الله علیه و آله لبني هاشم قد شاعت في قريش ثم في العرب، فقالوا إن النبي الجديد جمع عشيرته بأمر ربه كما يزعم، ودعاهم إلى دينه، وطلب منهم شخصاً يكون وزيره وخليفته من بعده، فأجابه ابن عمه الشاب الغلام علي .. فاتخذه وزيراً وخليفة !

ومنها نفهم تفسير ولاية علي علیه السلام بأنها النبأ العظيم كما في الكافي: 1/418: (عن عبدالله بن كثير قال سألت الامام الصادق علیه السلام في قوله تعالى (عم يتساءلون . عن النبأ العظيم) ؟ قال: النبأ العظيم: الولاية) . انتهى .

وينبغي هنا أن ننبه هنا على أمرٍ مهم.. هو أن مدوني السيرة النبوية الشريفة طمسوا مرحلة دعوة بني هاشم وحذفوها من السيرة، وكأنه لا يوجد في القرآن آية: (وأنذر عشيرتك الأقربين) !

واخترعوا بدلها مرحلة بيت الأرقم، وما قبل بيت الأرقم .. وما بعد بيت الأرقم . . ! وأكثروا فيه من الروايات غير المعقولة !

ص: 20

فهذه الأدلة المتعددة الثابتة حتى في مصادر السنيين بأسانيد صحيحة، لا تدع مجالاً للشك في أن ولاية الأمر بعد النبي صلی الله علیه و آله كانت مطروحةً يتكلم فيها النبي صلی الله علیه و آله والناس، من أول بعثته إلى آخر حياته صلی الله علیه و آله .. وأن الناس كانوا يعرفون أن مشروع النبوة ودعوة الناس إليها، هو أيضاً مشروع تكوين دولة يرأسها النبي صلی الله علیه و آله، وتحتاج إلى خليفة له بعده .. ولذلك كانت القبائل ترى في نبوته بحسابها المادي، مشروعاً مغرياً، وتحاول أن تأخذ منه وعداً بأن يكون لها الأمر من بعده، ومنها قبائل يمانية وعدنانية، وزعيم قبائل نجد المتنقلة .

بل يمكننا بملاحظة هذا الواقع أن نفترض أن يكون في المسلمين الأوائل منافقين جذبتهم هذه الحركة النبوية باعتبارها مشروعاً مغرياً يؤمل له النجاح، فكان الواحد منهم يطمع أن يجدله موقعاً في دولة هذا المتنبئ من بني هاشم، ينقله من ذل التهميش القبلي الذي هو فيه، إلى مركز قيادي !

وبهذا فقط نستطيع أن نفسر ذكر المنافقين والذين في قلوبهم مرض، في الآية 31 من سورة المدثر، التي نزلت مبكراً في مكة ! !

أمام هذه الحقائق الصارخة ..كيف يصدق عاقل دعوى حكومات زعماء قريش، بأن أحداً لم يطرح مسألة الخلافة مع النبي صلی الله علیه و آله أبداً أبداً! حتى بصيغة سؤال عن الحكم الشرعي وواجب المسلمين من بعده !! فهل يقبل عاقل أن المسلمين سألوا النبي صلی الله علیه و آله عن مستقبل الأمة ورووا عنه الأحاديث في كل ما يكون بعده الى يوم القيامة، إلا في أمر الخلافة، وإلا في تعيين الإمام الشرعي من بعده ؟!!

ص: 21

ص: 22

الفصل الثاني: المؤامرات القرشية اليهودية على النبي صلی الله علیه و آله

اشارة

ص: 23

ص: 24

أكثر من عشرين محاولة لاغتيال النبي صلی الله علیه و آله .. وأضعافها مؤامرات !

اشارة

يلاحظ المتأمل في سيرة النبي صلی الله علیه و آله أنه في الثلاث وعشرين سنة من بعثته الى وفاته، تعرض لأكثر من عشرين محاولة اغتيال ! وأن أصحاب هذه المحاولات هم فئتان لا أكثر: قريش .. واليهود !! وهذا يدلنا على أهل القوة الحقيقية في الجزيرة المتضررين من الاسلام، والمنتفعين حسب خيالهم من قتل نبيه الهاشمي !

لكن نلاحظ أن هدف اليهود من قتل محمد ثابت لم يتغير .. بينما هدف قريش من قتله تطور فقد كان هدفهم في مكة إطفاء دعوته، ثم صار بعد هجرته الى المدينة ونشوب الحروب معه، الانتقام والغلبة على محمد عدو قريش واليهود .. لكن بعد فتح مكة وإجبار قريش على الخضوع وخلع السلاح .. لم يعد محمد في نظر زعماء قريش شاباً من بني هاشم هدد نفوذهم على قبائلهم وعلى العرب . . بل صار رئيس دولة مترامية، خضعت لها الجزيرة واليمن والبحرين، ووصل نفوذها الى مشارف الشام وفلسطين ومصر .. فالهدف

ص: 25

الصحيح من قتله هو (وراثة سلطانه) وتسلم قيادة هذه الدولة الكبيرة، المتحفزة لفتح بلاد كسرى وقيصر، ذلك الهدف المغري الذي طالما أكد عليه النبي صلی الله علیه و آله في دعوته لقريش في أيامها الأولى، وجعله من وعود نبوته القطعية !!

ولا يتسع المجال لاستعراض جميع محاولاتهم لاغتياله ومؤامراتهم عليه .. فهي متنوعة ومكثفة خاصة في آخر سنة من حياته الشريفة صلی الله علیه و آله . . ونكتفي من مؤامراتهم ومحاولاتهم اغتيال النبي صلی الله علیه و آله، بما يلي:

المحاولة الأولى: محاولة قريش اغتيال النبي صلی الله علیه و آله في طريق عودته من تبوك

وقدكانت محاولة متقنة نفذتها مجموعة منافقة بلغت نحو عشرين شخصاً فقد عرفوا أن النبي صلی الله علیه و آله سيمر ليلاً من طريق جبلي بينما يمر الجيش من طريق حول الجبل، وكانت خطتهم أن يكمنوا في أعلى الجبل فوق الطريق الذي سيمر فيه الرسول، حتى إذا وصل إلى المضيق ألقوا عليه ما استطاعوا من صخور ضخمة تنحدر بقوةوتقتله، ثم يفرون ويضيعون أنفسهم في جيش المسلمين، ويبكون على النبي صلی الله علیه و آله مع الباكين، ويعلنون بيعة أحدهم لخلافته !

وقد تركهم الله تعالى ينفذون خطتهم، حتى إذا بدؤوا بإلقاء الصخور، جاء جبرئيل وأضاء الجبل عليهم فرآهم الرسول صلی الله علیه و آله وناداهم بأسمائهم، وأراهم لمرافقيه المؤمنين: حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر، وأشهدهما عليهم ! فسارعوا بالفرار ونزلوا من الجهة الثانية من الجبل، وضيعوا أنفسهم في المسلمين!!

أما لماذا لم يعلن الرسول أسماءهم ؟! فلأنهم من قريش ومن المعروفين فيها . . ولو أعلن أسماءهم وقام بمعاقبتهم أو طردهم، لواجه خطر إعلان قريش الردة

ص: 26

عن الإسلام، بحجة أن محمداً أسس ملكاً وأعطى كل شئ من بعده لبني هاشم، ولم يعط لقريش والعرب شيئاً ! وهذا يعني السمعة السيئة للإسلام، وأن نبيه صلی الله علیه و آله بعد أن آمن به أصحابه، اختلف معهم على خلافته، وقاتلهم وقاتلوه !

ويعني الحاجة من جديد إلى بدر، وأحد، والخندق، وفتح مكة ! ولن تكون نتائج هذه الدورة للإسلام أفضل من الدورة الأولى !

لذلك كان الحل الإلهي: السكوت عنهم ما داموا يعلنون قبول الإسلام، ونبوة الرسول صلی الله علیه و آله، وينكرون فعلتهم الخيانية .

ومن الملاحظ أن روايات مؤامرة العقبة ذكرت أسماء قرشية معروفة، وطبيعي أن يضعِّف علماء الخلافة الرواة الذين رووها، لكن أكثر أهل الجرح والتعديل وثقوا الوليد ابن جميع وغيره من الرواة، الذين صرحوا بأسماء المشاركين فيها، وأنهم الزعماء القرشيون المعروفون !

كما أنهم رووا عن حذيفة وعمار روايات فاضحة لبعض الصحابة الذي كان يسألهما عن نفسه: هل أنا من المنافقين؟ هل رأياه في الجبل ليلة العقبة؟ ويحاول أن يأخذ منهما براءة من النفاق والمشاركة في المؤامرة !

كما رووا أنهم كانوا يعرفون أن الشخص من المنافقين عندما يموت ولا يصلي على جنازته حذيفة ! وقد شهدت رواياتهم أن حذيفة لم يصل على جنازة أي زعيم قرشي مات في حياته أبداً !!

ومن نماذج أحاديث مؤامرة العقبة، مارواه مسلم في صحيحه: 8 /123: عن أبي الطفيل قال: (كان بين رجل (؟) من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس، فقال: أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة ؟ قال فقال له القوم: أخبره إذ سألك ! قال: كنا نخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنت منهم، فقد

ص: 27

كان القوم خمسة عشر! وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) . انتهى .

ويتضح من هذه الرواية أن التغطية على أصحاب مؤامرة العقبة كانت ضرورية حتى بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله .. ولا يوجد سبب لذلك إلا أنهم من زعماء قريش !!

الثانية: محاولات قريش اغتيال النبي صلی الله علیه و آله في معركة حنين

بعد فتح مكة، وبعد أن اضطر فراعنة قريش وأتباعهم إلى الدخول في الإسلام تحت السيف، لكن بقيت مشاعر الغيظ والكبرياء القرشي محتدمة في قلوبهم، لكنهاكامنة . .

وفي نفس الوقت ظهر فيهم منطق يقول: إن دولة محمد دولتنا ! فمحمد أخ كريم، وابن أخ كريم، ودولته دولة قريش، وعزه عز قريش وفخرها، فمحمد هو ابن قريش، ودولته أوسع من نفوذ قريش وأقوى، ومهما كان الماضي فقد عفا محمد عن قريش وعفت عنه وغفرت له ذنبه، وهاهو يفتح المجال أمام زعمائها في دولته، فلماذا نحاربها ؟! بل لماذا نتركها بأيدي الغرباء من الأوس والخزرج اليمانيين !

أما مسألة بني هاشم ووراثة دولة محمد بعده، فهي مسألة قرشية داخلية قابلة للعلاج ! لذلك ترجح عند قريش أن توجه جهودها لمرحلة ما بعد محمد صلی الله علیه و آله، وأن تمنع محمداً أن يرتب الأمر من بعده لبني هاشم، ويجمع لهم النبوة والخلافة على حد تعبير قريش ! فالنبوة لبني هاشم كأمر واقع، ولكن خلافة محمد يجب أن تكون لقريش من غير بني هاشم !

ص: 28

وعلى الرغم من وجود هذا المنطق، فإن نصوص السيرة الموثقة، واعترافات بعض زعمائهم، تدل على أنهم كانوا يعملون على جبهة المؤامرة أيضاً ! وأن أكثريتهم كانوا يائسين من أن يشركهم محمد في حكم دولته، لأنه يعمل بجدية تامة لتركيز حكم عترته من بعده .. فالأفضل عند زعمائهم أن يتم اغتياله في مكة، وترتيب الأمر بعده ! وسرعان ماحاولوا تنفيذ ذلك في غزوة حنين التي دعاهم النبي صلی الله علیه و آله الى مشاركته فيها !

يا للعجب .. لقد أعلنوا إسلامهم، وأجابوا النبي صلی الله علیه و آله ليساعدوه في حربه ضد قبيلتي هوازن وغطفان، اللتين عسكرتا في حنين قريباً نسبياً من مكة، كان عدد جيش النبي صلی الله علیه و آله الذي فتح به مكة عشرة آلاف وعدد جيش القرشيين الذين شاركوا معهم في حرب هوازن ألفين .. وبمجرد أن واجههم كمين من هوازن في حنين، وكان القرشيون في المقدمة انهزموا مذعورين من أول رشقة سهام ! فسببوا الهزيمة في صفوف المسلمين فانهزموا الجميع، كما حدث في أحد !

وثبت النبي صلی الله علیه و آله ومعه بنو هاشم فقط فقط كالعادة! وقاتلوا بشدة حتى رجع اليهم مئة من الفارين فردوا كمين هوازن وحملتها، ثم رجع آخرون من المسلمين الفارين .. وكتب الله لهم النصر .

وفي أثناء هزيمة المسلمين، قامت قريش بعدة محاولات لقتل النبي صلی الله علیه و آله ! وهو أمر يوجب الشك بأن الهزيمة كانت مدبرة مع قبيلة هوازن !

ونكتفي هنا بذكر ما نقله قائد قوات قريش النضير بن الحارث زعيم بني عبد الدار، وقد نقل ذلك عنه ابن كثير المتعصب لقريش ولبني أمية، فقال في سيرته: 3/ 691: (كان النضير بن الحارث بن كلدة من أجمل الناس، فكان يقول: الحمد لله الذي من علينا بالإسلام، ومن علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولم

ص: 29

نمت على ما مات عليه الآباء، وقتل عليه الأخوة وبنو العم. ثم ذكر عداوته للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه خرج مع قومه من قريش إلى حنين، وهم على دينهم بعد، قال: ونحن نريد إن كانت دائرة على محمد أن نغير عليه، فلم يمكنا ذلك. فلما صار بالجعرانة فوالله إني لعلى ما أنا عليه، إن شعرت إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنضير ؟ قلت: لبيك. قال: هل لك إلى خير مما أردت يوم حنين مما حال الله بينك وبينه ؟ قال: فأقبلت إليه سريعاً . فقال: قد آن لك أن تبصر ما كنت فيه توضع ! قلت: قد أدري أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئاً، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم زده ثباتاً . قال النضير: فوالذي بعثه بالحق لكأن قلبي حجر ثباتاً في الدين، وتبصرة بالحق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمدلله الذي هداه) . انتهى .

وأنت تلاحظ أن هذا الكلام يتضمن إقراراً من هذا الزعيم القرشي على نفسه، وإقرار الإنسان على نفسه حجة .. كما يتضمن ادعاءه أنه آمن بالله تعالى، وهو ادعاء للنفس بدون شهادة الغير !

ومما يلاحظ عليه أنه ذكر في إقراره ومدحه لنفسه أنه تشهد الشهادة الأولى فقط، ولم يذكر الثانية !

وغرضناهنا أن نسلط الضوء على اعترافه وهو زعيم بني عبد الدار صاحب راية قريش وقائد قواتها في معركة حنين المؤلفة من 2000 مقاتل، بأن إعلان زعماء قريش إسلامهم في مكة كان كاذباً، وأنهم

اتفقوا بعده على قتل النبي صلی الله علیه و آله، وحاولوا مرات في حنين فلم يستطيعوا لأن الله تعالى أحبط خططهم، وكشف لنبيه صلی الله علیه و آله نواياهم !

ص: 30

بل تدل أحاديث السيرة، على أن زعماء قريش لم يملكوا أنفسهم عندما انهزم المسلمون في حنين أول الأمر، فأظهروا كفرهم وفضحوا أنفسهم ! ففي سيرة ابن هشام: 4/ 46، قال ابن إسحاق: (فلما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب: لاتنتهي هزيمتهم دون البحر، وإن الأزلام لمعه في كنانته) ! (أي كان يحمل صنمه مع سهامه) وصرخ جبلة بن الحنبل قال ابن هشام كلدة بن الحنبل وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا بطل السحر اليوم !

قال ابن إسحاق: (وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار: قلت اليوم أدرك ثأري من محمد، وكان أبوه قتل يوم أحد، اليوم أقتل محمداً، قال: فأدرت برسول الله لأقتله، فأقبل شئ حتى تغشى فؤادي فلم أطلق ذاك، وعلمت أنه ممنوع مني) . انتهى .

وشيبة هذا قائد آخر من قادة جيش قريش (المسلمة المؤمنة المجاهدة) يعترف بأنه في حنين عند الهزيمة أو بعدها (دار) مرة أو مرات حول النبي صلی الله علیه و آله ليقتله !

إن الناظر في مقومات شخصيات زعماءقريش وتفكيرهم واهتماماتهم .. يصل إلى قناعة بأنهم فراعنة كما وصفهم الله تعالى، وأنهم يهود هذه الأمة، لا يعرفون شيئاً اسمه الوفاء أو الخجل، بل يصابون بالصداع إن لم يغدروا بمن عفا عنهم وأحسن إليهم ! لقد مردوا على النفاق، واتخذوا قراراً بأن يكذبوا بكل الآيات والمعجزات التي يأتيهم بها محمد صلی الله علیه و آله ويكفروا بكل القيم والأعراف

ص: 31

الإنسانية التي يدعوهم إليها ويعاملهم بها .. وقرروا أن لا يدخلوا في دينه إلا في حالتين لا ثالثة لهما: إذا كان السيف فوق رؤوسهم ! أو صارت دولة محمد وسلطانه بأيديهم ! فقد حاربوا هذا الدين ونبيه صلی الله علیه و آله بكل الوسائل حتى عجزوا وانهزموا . .

ثم واصلوا تآمرهم على النبي صلی الله علیه و آله ومحاولاتهم اغتياله صلی الله علیه و آله .. حتى عجزوا..

ثم جاؤوا يشترطون الشروط عليه وهم منهزمون طلقاء أي عبيد له أطلقهم ولم يعتقهم، ليأخذوا شطراً من دولته فعجزوا . .

ثم جاؤوا يدعون أنهم أصحاب الحق في دولة نبيهم صلی الله علیه و آله لأنه من قبائل قريش !!

فتأمل في طبيعة هذه الطينة التي استولت على مقدرات الدولة الإسلامية، وأبعدت عن الحكم أهل بيت نبيها، وحرمت الأمة من الذين اختارهم الله لقيادتها، وأورثهم الكتاب والحكمة !

الثالثة: مؤامرة سورة التحريم

فقد نصت السورة على أن النبي صلی الله علیه و آله أسرَّ بحديث خطير إلى بعض أزواجه، وأكد عليها أن لا تقوله الى أحد، ولا بد أن الله تعالى أمره بذلك لحكم ومصالح يعلمها سبحانه .

فما كان من (أم المؤمنين) إلا أن خالفت حكم الله تعالى وأفشت سر زوجها الرسول صلی الله علیه و آله، وعملت مع صاحبتها لمصلحة (قريش) ضد مصلحة زوجها النبي صلی الله علیه و آله ! فأطلع الله تعالى نبيه على مؤامرتهما، فأخبرهما بما فعلتا، فكشف القرآن سرهما وسر من ورائهما وهددهما، وضرب لهما مثلاً بامرأتي نوح ولوط، اللتين خانتا زوجيهما النبيين فدخلتا النار !!

ص: 32

أما رواة الخلافة القرشية فيقولون إن المسألة كانت عائلية صرفة، تتعلق بغيرة نساء النبي صلی الله علیه و آله من بعضهن، وبعض الأخطاء الفنية الخفيفة لهن مع النبي صلی الله علیه و آله ! إنهم يريدونك أن تغمض عينيك عن آيات الله تعالى في سورة التحريم، التي تتحدث عن خطر عظيم على الرسول صلی الله علیه و آله والرسالة، وتحشد أعظم جيش جرار لمواجهة الموقف فتقول (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما، وإن تظاهرا عليه، فإن الله هو مولاه، وجبريل، وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير) .

فلمن صغت قلوبهما، ولمصلحة من تعاونتا على الرسول صلی الله علیه و آله ؟! وما هي القضية الشخصية التي تحتاج معالجتها إلى هذا الجيش الإلهي الجرار، الذي لا يستنفره الله تعالى إلا في حالات الطوارئ القصوى ؟!

أما ابن عباس الذي يصفونه بحبر الأمة، فكان يقرأ الآية (زاغت قلوبكما) وبذلك تكون اثنتان من أمهات المؤمنين خرجتا من الاسلام، واحتاجتا إلى تجديد إسلامهما .. فهل فعلتا ؟!

الرابعة: حادثة هجر النبي صلی الله علیه و آله نسائه شهراً

وقد شاع خبر طلاقه لهن ! حتى أنه اعتزل منزله الذي يعشن فيه، وذهب بعيداً عنهن وعن المسجد إلى بيت مارية القبطية الذي كان في ضاحية المدينة على بعد كيلومترات عن منزله ومسجده، وبقي هناك شهراً !!

وقد صورت الروايات القرشية هذه الحادثة كعادتها على أنها حادثة شخصية .. وزعموا أن سببها كثرة طلبات نساء النبي المعيشية منه صلی الله علیه و آله، وأكدوا أنه لاربط للحادثة بقضايا الإسلام المالئة للساحة السياسية آنذاك، والشاغلة لزعماء قريش

ص: 33

خاصة .. ومنها خلافة النبي صلی الله علیه و آله !! وكيف تكون حادثة شخصية بزعمهم وقد شغلت النبي صلی الله علیه و آله والوحي والمسلمين شهراً كاملاً !!

الخامسة: تصعيد عمل قريش ضد علي بن أبي طالب علیه السلام

وذلك بهدف إسقاط شخصيته، والانتقام منه لقتله زعماء قريش وأبطالها، وتهيئة الجو لعزله بعد النبي صلی الله علیه و آله ! وقد غضب النبي صلی الله علیه و آله من ذلك، وشدد عليهم في دفاعه عن علي، وأكد مكانته الشرعية.. ولهذا الموضوع مفردات عديدة في حروب النبي صلی الله علیه و آله وسلمه، وسفره وحضره صلی الله علیه و آله، ونلاحظ أنها كثرت في السنة الأخيرة من حياته، وغضب بسببها مراراً، وخطب أكثر من مرة، مبيناً فضل علي علیه السلام، ونفاق من يؤذيه ويبغضه، أو كفره !

ولو لم يكن من ذلك إلا قصة بريدة الأسلمي الكاسحة، التي روتها مصادر السنيين بطرق عديدة، وأسانيد صحيحة عالية، وكشفت عن وجود شبكة عمل منظم ترسل الرسائل من اليمن الى المدينة، وتضع الخطط ضد علي علیه السلام .. وسجلت إدانة النبي صلی الله علیه و آله الغاضبة لهم وتصريحه بأن علياً (وليكم من بعدي) كما رواه أحمد في مسنده، وأن كل من ينتقد علياً وكل من لا يحب علياً، ولا يطيعه .. فهو منافق خارج عن الاسلام ! وهي حادثة تكفي دليلاً على عمق حسد زعماء قريش لعلي علیه السلام، وعدم سماعهم لأوامر النبي صلی الله علیه و آله تجاهه، وأقواله في حقه .

ص: 34

السادسة: منع تدوين سنة النبي صلی الله علیه و آله في حياته

أما القرآن فالصحيح عندنا أن عامة الناس كانوا يكتبونه حين نزوله، وكان النبي صلی الله علیه و آله يأمر بوضع ما ينزل منه جديداً في مكان بين المنبر والحائط، فيه ورق ودواة، لمن يريد أن يكتبه .

وكان علي علیه السلام يكتب القرآن، وحديث النبي صلی الله علیه و آله وكان آخرون يكتبون حديث النبي صلی الله علیه و آله أيضاً، ومنهم شبان قرشيون يعرفون الكتابة مثل عبد الله بن عمرو بن العاص .. وقد أحست قريش بأن ذلك يعني تدوين مقولات النبي صلی الله علیه و آله العظيمة في حق عترته وبني هاشم، ومقولاته في ذم عدد كبير من فراعنة قريش وشخصياتها .. فعملت على منع كتابة سنة النبي صلی الله علیه و آله في حياته، في حين أن بعض زعمائها كان يكتب أحاديث اليهود، ويحضر درسهم في كل سبت !! وقد وثقنا ذلك في محله . وقد روت مصادر السنيين أن عبد الله بن عمرو بن العاص شكى إلى النبي صلی الله علیه و آله أن (قريشاً) نهته عن كتابة حديثه لأن أحاديثه التي فيها غضب عليها ليست حجة شرعاً !

قال أبو داود في سننه: 2/176: (عن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد حفظه، فنهتني قريش (؟) وقالوا: أتكتب كل شئ تسمعه ؟! ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا ؟! فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال: أكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق !) . انتهى . ورواه أحمد في مسنده: 2 / 192، و215، والحاكم: 1 / 105 و: 3 / 528، وصححه .

ص: 35

السابعة: محاولة اغتيال النبي صلی الله علیه و آله في طريق عودته من حجة الوداع

عند عقبة هرشى، بعد انصرافه من غدير خم، على أثر إعلانه إمامة علي علیه السلام وخلافته له ! وقد كشف الوحي المؤامرة، وكانت شبيهة بمؤامرة اغتياله صلی الله علیه و آله في العقبة في طريق رجوعه من مؤتة ! ويظهر أن خبر هذه المحاولة بقي محدوداً، حيث لم تروه إلا مصادر أهل البيت علیهم السلام .

الثامنة: تصعيد قريش انتقادها لأعمال النبي صلی الله علیه و آله

لتركيز مكانة عترته علیهما السلام وأسرته بني هاشم في الأمة! فقد اعترض عدد منهم على النبي صلی الله علیه و آله بوقاحة، وطالبوا أن يجعل الخلافة لقريش تدور في قبائلها، أو يشرك مع علي علیه السلام غيره من قبائل قريش ! وقد رفض النبي صلی الله علیه و آله كل مطالبهم، لأنه لا يملك شيئاً مع الله تعالى، ولم يعط لعلي علیه السلام وبني هاشم شيئاً من عنده حتى يمنعه من عنده، وإنما هو عبد مبلغ صلی الله علیه و آله !

ففي تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى ص 167: (جاءه قوم من قريش فقالوا له: يا رسول الله صلی الله علیه و آله إن الناس قريبو عهد بالإسلام، لا يرضون أن تكون النبوة فيك والإمامة في ابن عمك علي بن أبي طالب . فلو عدلت به إلى غيره لكان أولى . فقال لهم النبي صلی الله علیه و آله: ما فعلت ذلك برأيي فأتخير فيه، لكن الله تعالى أمرني به وفرضه علي . فقالوا له: فإذا لم تفعل ذلك مخافة الخلاف على ربك، فأشرك معه في الخلافة رجلا من قريش تركن الناس إليه، ليتم لك أمرك، ولا يخالف الناس عليك) . . . الخ .

ص: 36

التاسعة: إصرار قريش على مخالفة النبي صلی الله علیه و آله ومنع مسير جيش أسامة

فعندما كان النبي صلی الله علیه و آله مريضاً شكل جيشاً بقيادة أسامة بن زيد، وجعل تحت إمرته كل زعماء الأنصار، وزعماء قريش وأتباعهم غير بني هاشم، وكان عدد القرشيين في جيش أسامة سبع مئة، وعقد اللواء لأسامة، وأمره أن يسير إلى مؤتة في الأردن لمحاربة الروم .. أراد بذلك أن يرسخ قدرة الدولة الإسلامية ويأخذ بثأر شهداء مؤتة، كما أراد أن يفرغ المدينة من المعارضين لعلي علیه السلام قبيل وفاته صلی الله علیه و آله . فخرج أسامة بمن معه وعسكر خارج المدينة، وحثه النبي صلی الله علیه و آله على الحركة، ولكن زعماء قريش تثاقلوا عن الالتحاق بمعسكر أسامة، وثبطوا معهم من استطاعوا، ثم طعنوا في تأمير النبي صلی الله علیه و آله لأسامة الشاب الأسود بحجة صغر سنه (18 سنة) فصعد النبي صلی الله علیه و آله المنبر رغم مرضه ورد اعتراضهم، وأمر بتعجيل سفر جيش أسامة !! لكنهم واصلوا تسويف الوقت، والذهاب إلى المعسكر، ثم الرجوع إلى المدينة ! حتى صعد النبي صلی الله علیه و آله المنبر وشدد على إنفاذ جيش أسامة ولعن من تخلف عنه، وبذلك صدرت اللعنة من الله عز وجل على كل من عصى النبي صلی الله علیه و آله ولم يلتحق بمعسكره !!

ومع كل ذلك ظلوا يسوفون ويتعللون عن الالتحاق والحركة بحجة أن النبي صلی الله علیه و آله مريض .. حتى توفي صلی الله علیه و آله فنفذوا خطتهم ضد عترته .

ص: 37

العاشرة: قرار قريش المواجهة المباشرة مع النبي صلی الله علیه و آله

وقد قام بمهمة المواجهة زعيم قريش الجديد عمر بن الخطاب ! الذي ارتضاه اليهود وسهيل بن عمرو وبقية زعماء قريش، زعيماً عاماً لقريش بصفته صحابياً جريئاً، ليقود الانقلاب ويبعد بني هاشم عن خلافة النبي صلی الله علیه و آله ! وبالفعل قاد عمر أعنف مواجهة في تاريخ النبوات، وذلك عندما جمع النبي صلی الله علیه و آله زعماء قريش والأنصار في مرض وفاته، وأخبرهم أنه قرر أن يكتب لأمته كتاباً إن هم نفذوه لا يضلوا بعده أبداً !!! فعرفوا أنه يريد أن يدون ولاية علي علیه السلام وأهل بيته على الأمة بشكل مكتوب، فواجهه عمر بصراحة: لا نريد كتابك وأمانك من الضلال ولا سنتك ولا عترتك، وحسبنا كتاب الله ! وحتى تفسير القرآن هو من حقنا نحن لا من حقك ولا حق عترتك !!

وأيده القرشيون الحاضرون ومن أثروا عليهم من الأنصار، وصاحوا في وجه نبيهم صلی الله علیه و آله: القول ما قاله عمر ! القول ما قاله عمر ! وانقسم الحاضرون في بيت نبيهم، وتشادوا بالكلام فوق رأسه صلی الله علیه و آله .. وكثر صياحهم ولغطهم ! منهم من يقول قربوا له دواةً وقرطاساً يكتب لكم أماناً من الضلال . وأكثرهم يصيح: القول ما قاله عمر، لا تقربوا له شيئاً، ولا تدعوه يكتب !!

ولا بد أن جبرئيل حينذاك كان عند النبي صلی الله علیه و آله، فقد كثر نزوله عليه في الأيام الأخيرة، فأخبره أن الحجة قد تمت عليم، وأن الإصرار على الكتاب يعني دفع قريش نحو إعلان ردتها وقولها إن محمداً يريد تأسيس ملك كملك كسرى وقيصر لأهل بيته وعشيرته بني هاشم ويفرضهم على قريش والعرب ! والحل هو الاعراض عنهم، وإتمام الحجة عليهم بطردهم ! فطردهم النبي صلی الله علیه و آله وقال لهم: قوموا عني فما ينبغي عند نبي نزاع! قوموا عني، فما أنا فيه خير مما تدعوني إليه ! !

ص: 38

وهذا الحديث الذي سماه ابن عباس رزية يوم الخميس، حديث معروف روته صحاحهم، ورواه البخاري في ست مواضع من صحيحه !!

الحادية عشرة: توفي النبي صلی الله علیه و آله .. مسموماً ؟

في الأيام الأخيرة من مرضه .. أصيب النبي صلی الله علیه و آله بحمى شديدة، فكان يغشى عليه لدقائق من شدة الحمى ثم يفيق .. واطلع على أن عائشة وحفصة تريدان أن تسقياه دواء عندما يغمى عليه، فأفاق ونهاهم، وشدد عليهم النهي بأن لا يسقوه أي دواء إذا أغمي عليه مرة أخرى .. ولكنهما اغتنمتا فرصة إغمائه وخالفتا نهيه المشدد، وصبتا في فمه دواء فرفضه لكنهما سقتاه إياه بالقوة! فأفاق النبي صلی الله علیه و آله ووبخهما على عملهما! وأمرهما وكل من كان حاضراً أن يشربوا من ذلك الدواء، ما عدا بني هاشم لأنه لم يكن منهم أحد ! ورووا أن الجميع غير بني هاشم شربوا من (ذلك) الدواء ! والله العالم .

هذه الحادثة المعروفة في السيرة بحادثة (لَدّ النبي) صلی الله علیه و آله، لم تعط حقها من البحث والتحقيق، فربما كانت محاولةً لقتل النبي صلی الله علیه و آله بالسم .. أما أصحاب خطة السم فهم اليهود أو قريش، ولا مصدر ثالثاً .. وقد كانت امرأة يهودية تسكن بيت عائشة باسم خادمة !! قال البخاري: 7 / 17: (عن ابن عباس قالت عائشة: لددناه في مرضه فجعل يشير الينا أن لا تلدوني، فقلنا كراهية المريض للدواء . فلما أفاق قال: ألم انهكم أن تلدوني ؟! قلنا: كراهية المريض للدواء . فقال: لا يبقى في البيت أحد إلا لدّ، وأنا أنظر إلا العباس، فإنه لم يشهدكم !!) ورواه في: 8 /40 و42، وفيه أنه أحس باللدّ فنهاهم ولكنهم لم يمتنعوا فعاقبهم !! (قالت عائشة: لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه وجعل يشير الينا لا تلدوني، قال: فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن

ص: 39

تلدوني ؟!) . ورواه الحاكم في المستدرك: 4/202، وفيه: والذي نفسي بيده لا يبقى في البيت أحد إلا لد، إلا عمي . قال فرأيتهم يلدونهم رجلاً رجلاً . قالت عائشة رضى الله عنها: ومن في البيت يومئذ فيذكر فضلهم، فلدّ الرجال أجمعون، وبلغ اللدود أزواج النبي صلی الله علیه و آله فلددن امرأة امرأة !! ... وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد، ولم يخرجاه !! قال النووي في شرح مسلم: 14/ 198: قولها: (لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فأشار أن لا تلدوني ...) قال أهل اللغة: اللدود: بفتح اللام هو الدواء الذي يصب في أحد جانبي فم المريض ويسقى أو يدخل هناك بأصبع وغيرها ويحنك به . ويقال منه: لددته ألده . وحكى الجوهرى: أيضاً ألددته رباعياً والتددت أنا .قال الجوهرى: ويقال للدود لديد أيضاً، وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بلدهم عقوبة لهم حين خالفوه في إشارته اليهم لا تلدوني . ففيه أن الاشارة المفهمة تصريح العبارة في نحو هذه المسألة، وفيه تعزيز المتعدى بنحو من فعله الذى تعدى به) . انتهى !!!

ومهما حاولوا التخفيف من هذه القضية . . فهي إعلانٌ من النبي صلی الله علیه و آله عن شكه فيمن سقتاه دواء حين أغمي عليه رغم نهيه ! واتهامٌ لهما بأنهما يمكن أن تكونوا قصدتا سمه، أو سقتاه سماً أعطاه لهما اليهود باسم دواء ! فأمره جبرئيل أن يسجل هذا الإعلان بهذه الصورة، ليفهم الأجيال أن الجميع متهمون باغتياله، ما عدا بني هاشم !!

وفي مجمع الزوائد: 8/34: (عن عبد الله يعني ابن مسعود قال: لأن أحلف تسعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل قتلاً، أحب إلي من أن أحلف واحدةً أنه لم يقتل، وذلك بأن الله عز وجل جعله نبياً واتخذه شهيداً! قال الأعمش:

ص: 40

فذكرت ذلك لابراهيم فقال: كانوا يرون أن اليهود سموه . رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح) . انتهى .

وقد ذكر المحدثون أن حادثة اللد هذه كانت يوم الأحد، بعد تأكيد النبي صلی الله علیه و آله على إنفاذ جيش أسامة، وبعد لعنه من تخلف عن الحركة معه ! وكان في جيشه كل زعماء تحالف قريش، فتخلفوا رغم تأكيد النبي صلی الله علیه و آله ولعنه، لأنه لو مات النبي صلی الله علیه و آله في غيابهم فسيتم الأمر لعلي علیه السلام بلا منازع !

إن كل واحدة من هذه الحوادث موضوعٌ لدراسة مفصلة، وهي وإن كانت مؤامرات متنوعة في أساليبها وأوقاتها.. لكن أبطالها الحقيقيين والأدمغة المخططة لها دائماً هي قريش واليهود .. فقط لا غير، لاغير !!

ص: 41

ص: 42

الفصل الثالث: النبي صلی الله علیه و آله يعلن قرب موته ..ويدعو الناس الى حجة الوداع

اشارة

ص: 43

ص: 44

1- الإعداد والإستعداد من النبي صلی الله علیه و آله .. ومن قريش

من معجزات نبينا صلی الله علیه و آله، أنه أخبر الناس بقرب وفاته، مع أنه كان في أوائل الستين من عمره، سالماً، نشيطاً، قويَّ البدن !! فقد نزل عليه الأمين جبرئيل وأخبره بذلك، وأمره أن يحج بالمسلمين حجة الوداع، ويبين لهم ما بقي من معالم دينهم، فأرسل النبي صلی الله علیه و آله مبعوثيه الى أرياف المدينة والقبائل يدعوهم الى موافاته في الحج . .

إنها معجزة ربانية واضحة، وهي سنة الله سبحانه في أنبيائه أنه إذا قرب رحيل الواحد منهم يهئ أمته لفراقه، ويوصيهم بوصاياه، ويعين لهم الوصي من بعده ..

وقد أعد النبي صلی الله علیه و آله لحجة الوداع واستعد .. وأعد المسلمون واستعدوا، ليودعوا نبيهم ويحفظوا كلماته وحركاته وسكناته، ويسجلوها في قلوبهم وقرطاسهم، قبل أن يفقدوا النبي صلی الله علیه و آله من بينهم، ويرحل الى ربه !

وفي المقابل استعدت قريش وأعدت ..! فالنبي صلی الله علیه و آله أعلن قرب وفاته .. وهو يمهد لحكم عترته من بعده، وقد أعلن إمامة أولهم علي علیه السلام، الذي يبلغ من العمر ثلاثين سنة.. وأعلن بعده إمامة سبطيه الحسن والحسين، وعمرهما أقل من عشر سنوات . . ومن بعدهما تكون الامامة في أولاد الحسين . .

ص: 45

لهذا قال زعماء قريش لبعضهم إذا دخلت الخلافة في بني هاشم فلن تخرج منهم أبداً، ولن يصل منها الى قبائل قريش شئ !

ولم يحتج زعماء قريش الى جهد ليعرفوا أن الغرض الأول للنبي من اجتماع حجة الوداع الذي وسع الدعوة اليه .. أن يركز حكم أهل بيته من بعده كركن من أركان الاسلام، ويعلن ذلك رسمياً، ويأخذ من المسلمين البيعة عليه! بعد أن قطع شوطاً كبيراً في هذا الأمر .. فقد قرنهم به في الصلاة وجعل الصلاة عليهم جزء من صلاة المسلمين، وأمر المسلمين أن يصلوا في صلاتهم على محمد وآل محمد . .

كما حرم عليهم الصرف من الزكوات، وجعل لهم بدل ذلك بنداً خاصاً في ميزانية الدولة الاسلامية هي الخمس .. وعين مسؤولاً خاصاً عن أخماس بني هاشم من يوم بدر، هو محمية بن جزء اليماني .

وأعلن أن حب ابن عمه وصهره علي علیه السلام وبغضه، ميزانٌ للايمان والنفاق . .

وأعلن ابنته فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين . .

وأعلن سبطيه الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة . .

وجعل أجرة تبليغه لرسالة ربه .. مودة قرباه واتباعهم . .

وبذلك اقترب من الصيغة الختامية التي تنتظم هذه الاعلانات وتكرسها .. وإذا تم له ذلك في عترته .. فقد فاتت القافلة قريشاً ! وكتب عليها أن تكون تابعة مطيعة لبني هاشم الى آخر الدهر .. كما اضطرت أن تكون تابعة مطيعة لنبيهم محمد مادام حياً . . !

من هنا . . كان واضحاً عند زعماء قريش أنه لا بد لهم أن يعملوا كل ما استطاعوا ليمنعوا إعلان النبي صلی الله علیه و آله إمامة عترته !

ص: 46

ولابد أنهم تشاوروا فيما بينهم .. سواءٌ من وجد منهم في المدينة، وقد كثروا بعد (هجرة) العديد من الطلقاء حتى بلغوا ألفين، وتشاوروا مع رئيس قريش الجديد في مكة سهيل بن عمرو، ومن بقي معه من زعمائهم ولم (يهاجر) الى المدينة عاصمة دولة محمد !!

إن الباحث في خطب حجة الوداع النبوية الست في حجة الوداع يقرأ فيها جميعاً همَّ النبي صلی الله علیه و آله لقضية إمامة عترته .. وكيف أقام الحجة لربه فيها، وكيف كان مثقلاً بحساسية قريش وحسدها لبني هاشم !

وفيما يلي لقطات من هذه الخطب الشريفة:

2- تخليد النبي صلی الله علیه و آله لمحصب الخيف مكان مؤتمر قريش ضد بني هاشم !

في خطبة النبي صلی الله علیه و آله الأولى في مكة قبيل مراسم الحج، خطب المسلمين وأمرهم أنه ينزلوا في محصب منى من جهة مسجد الخيف .. فكان ذلك رسالة قوية الى زعماء قريش الذين عقدوا مؤتمرهم بالأمس القريب في ذلك المكان وتعاهدوا على حصار بني هاشم، وحاصروهم سنوات طويلة ! !

روى البخاري في صحيحه: 5/92: (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منزلنا إن شاء الله إذا فتح الله، الخيف حيث تقاسموا على الكفر) . انتهى . ورواه في: 4/246 و: 8/194 وفي: 2/158، بنص أوضح، قال: (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال النبي صلی الله علیه و آله من الغد يوم النحر وهو بمنى: نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر . يعني بذلك المحصب، وذلك أن قريشاً وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب أو بني المطلب، أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى

ص: 47

يسلموا إليهم النبي صلی الله علیه و آله !) . انتهى . ورواه مسلم: 4/86، وأحمد: 2/322 و237 و263 و353 و540 . وفي رواية البيهقي عن الأوزاعي زيادة: (أن لايناكحوهم، ولا يكون بينهم شئ، حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) . وفي مجمع الزوائد: 3/250: (عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل يوم التروية بيوم: منزلنا غداً إن شاء الله بالخيف الأيمن، حيث استقسم المشركون. رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات) . انتهى .

لقد أراد صلی الله علیه و آله أن يخلد ذلك المكان في ذاكرة المسلمين والتاريخ، لأن حادثةً عظيمةً وقعت فيه قبل نحو أربع عشرة سنة من حجة الوداع، وهي حادثةٌ تريد قريش أن تدفنها لينساها الناس . . وكلها عارٌ على قريش، وفخرٌ للنبي صلی الله علیه و آله وبني هاشم.. وصورةٌ عن جهود فراعنة قريش حيث استطاعوا أن يحققوا إجماع قبائلهم، ويقنعوا قبائل كنانة القريبة من الحرم بالتحالف معهم وتنفيذ المقاطعة التامة لبني هاشم ! ! وقد تضامن بنو هاشم مع النبي صلی الله علیه و آله، وقبلوا أن يحاصروا في شعب أبي طالب، مسلمهم وكافرهم ما عدا أبي لهب، وتحملوا المقاطعة والفقر والأذى والإهانة في سنوات الحصار الخمس أو السبع، ولم يشاركهم في ذلك أحد من المسلمين ! حتى فرج الله عنهم بمعجزة !

أراد النب صلی الله علیه و آله أن يوعي المسلمين عبر الأجيال على تاريخ الإسلام، وتكاليف الوحي، ليعرفوا قيمته .. وأن يعرفهم أين يقع معدن الإسلام . . وأين يقع معدن الكفر !

كما أراد أن يبعث بذلك رسالة إلى من بقي فراعنة قريش، من أعضاء مؤتمر المقاطعة الذين مازالوا أحياء، بأنهم قد تحملوا وزر هذا الكفر والعار، ثم ارتكبوا بعده ما هو أعظم منه فخاضوا حروباً ضد النبي صلی الله علیه و آله والاسلام، ولم

ص: 48

يتراجعوا إلاعندما جمعهم النبي صلی الله علیه و آله في فتح مكة في المسجد الحرام، تحت سيوف بني هاشم والأنصار، فأعلنوا إسلامهم خوفاً من القتل !! وهاهم اليوم يخططون لوراثة دولة الإسلام التي بناها الله تعالى ورسوله، وهم كارهون !!

لقد أهلك الله تعالى عدداً قليلاً من أبطال ذلك الحلف الشيطاني، من سادة مؤتمر المحصب.. بالموت، وبسيف علي بن أبي طالب، ولكن العديد مثل سهيل بن عمرو، وأبي سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية بن خلف، وحكيم بن حزام، وصهيب بن سنان، وأبا الأعور السلمي، وغيرهم من زعماء قريش وكنانة .. ما زالوا أحياءً ينظرون، وكانوا حاضرين مع النبي صلی الله علیه و آله صلىالله عليه وآله في حجة الوداع يسمعون كلامه ويذكرون ماضيهم بالأمس القريب جيداً، ويتعجبون من عفوه عنهم واكتفائه بإقامة الحجة الدامغة عليهم ! وكانت تصرفاتهم الظاهرة والخفية، ومنطق الأمور، وشهادة أهل البيت، ومجرى التاريخ .. كلها تدل على فرحهم بأن النبي صلی الله علیه و آله يعلن قرب موته ورحيله عنهم، وأنهم يعدون العدة لحصار جديد لبني هاشم وهذه المرة باسم الاسلام !!

لقد ذكَّرهم النبي صلی الله علیه و آله بخطتهم في حصارهم القديم كيف أحبطها الله تعالى ! وأنه سيحبط حصارهم الجديد أيضاً ولو بعد حين !!

3- تحذير النبي صلی الله علیه و آله لقبائل قريش من الطغيان بعده !

في مجمع الزوائد: 3/272: (عن فهد بن البحيري بن شعيب بن عمرو بن الأزرق، قال: خرجت إلى مكة فلما صرت بالصحرية، قال لي بعض إخواني:

ص: 49

هل لك في رجل له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت: نعم، قال صاحب القبة المضروبة في موضع كذا وكذا، فقلت لأصحابي: قوموا بنا إليه، فقمنا فانتهينا إلى صاحب القبة، فسلمنا فرد السلام. فقال: مَنِ القوم ؟ قلنا: قوم من أهل البصرة بلغنا أن لك صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال: نعم، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدت تحت منبره يوم حجة الوداع، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: إن الله يقول: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، فليس لعربي على عجمي فضل، ولا لعجمي على عربي فضل، ولا لأسود على أحمر فضل، ولا لأحمر على أسود فضل، إلا بالتقوى . يا معشر قريش لاتجيئوا بالدنيا تحملونها على رقابكم وتجئ الناس بالآخرة، فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً . قلنا: ما اسمك ؟ قال: أنا العداء بن خالد بن عمرو بن عامر، فارس الضحياء في الجاهلية . رواه الطبراني في الكبير بأسانيد . هذا ضعيف، وتقدم له إسناد صحيح في الخطبة يوم عرفة) . انتهى .

ونشكر الله تعالى أن الحديث صحيح عندهم، وأن فهداً البحيري هذا كان بدوياً، ولم يكن قرشياً ولا كنانياً، وإلا لحول هذه الرواية الى تحذير لبني هاشم وبني عبد المطلب وذم كنائي لهم، وأبعدها عن قريش، كما فعل الرواة القرشيون! فرووا عشرات الأحاديث في مدح قريش ووجوب أن تكون القيادة فيهم ! ولا تكاد تجد فيها حديثاً في ذم قريش إلا حرفوه إلى ذم بني هاشم ! أو أحبطوا معناه بحديث آخر ! أو جعلوه مدحاً لقريش !! وحديث ابن البحيري هذا في حجة الوداع تحذيرٌ نبويٌّ صريح لقريش، وهو في محله ووقته تماماً، لأن قريشاً ذات موقع مميز في العرب .. وهي المتصدية لقيادة عرب الجزيرة في حياة

ص: 50

النبي صلی الله علیه و آله وبعده.. فالخطرعلى أهل بيته وعلى مستقبل الاسلام والمسلمين، إنما هو من قريش وحدها.. وبقية القبائل تبع لها !

والنبي صلی الله علیه و آله إنما هو مبلغٌ عن ربه، ومتممٌ لحجة ربه .. وعليه أن يحذر وينذر .. ليحيى من حيَّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة .

4- إعلان النبي صلی الله علیه و آله أن صحابته سيتقتتلون على السلطة بعده !

وقد روت أخبار هذا التحذير النبوي مصادر الجميع في حجة الوداع ففي صحيح البخاري:1/ 38: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع استنصت الناس فقال: لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ! وفي: 2/191: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: يا أيها الناس أي يوم هذا قالوا يوم حرام قال فأي بلد هذا قالوا بلد حرام قال فأي شهر هذا قالوا شهر حرام قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا فأعادها مرارا ثم رفع رأسه فقال اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت قال ابن عباس رضي الله عنهما فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته فليبلغ الشاهد الغائب: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض!) وقد خففها البخاري في: 5/ 126: فاستبدل لفظ (كفاراً) بلفظ (ضلالاً) ! ! وقد عقد ابن ماجة في سننه: 2/1300: باباً بعنوان: باب لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض . . ! !

والذي يتأمل في التحذيرات النبوية يعرف أن معنى هذا التحذير أن الإقتتال بين أصحابه سوف يقع، بل أخبرهم بصراحةً أنهم سيفعلون، ولكنه صلی الله علیه و آله يستعمل بلاغته وعاطفته في التخويف والتحذير، ليقيم الحجة عليهم لربه عز

ص: 51

وجل من ناحية، ويترك لهم الحرية من ناحية، حتى إذا وافوه يوم القيامة لا يقولوا: لماذا لم تحذرنا ؟!

والذين يحذرهم من الإقتتال ليسوا إلا الصحابة لا غير . . لا اليهود ولا القبائل العربية، ولا حتى زعماء قريش بدون شركائهم من الصحابة .. فالدولة الإسلامية كانت قائمة، وقد حققت مركزيتها على كل الجزيرة، والخوف من الإقتتال بعد النبي صلی الله علیه و آله ليس من القبائل التي خضعت للإسلام طوعاً أو كرهاً، مهما كانت كبيرة وموحدة مثل هوازن وغطفان.. فهي لا تستطيع أن تطمح إلى قيادة هذه الدولة، وإن طمحت فلا حظَّ لها في النجاح، إلا بواسطة الصحابة ..

واليهود لا يمكنهم أن يقودوا العرب فضلاً عن دولة الاسلام، كما أنهم لايشكلون خطراً عسكرياً بعد أن حطم النبي صلی الله علیه و آله قوتهم العسكرية، وأجلى قسماً منهم من الجزيرة .. فمكائدهم وخططهم مهما كانت قوية، لا حظَّ لها في النجاح إلا.. بواسطة الصحابة وقريش ..

وزعماء قريش، مع أنهم يملكون جمهور قبائل قريش، ومعهم ألفا مقاتل، وربما أكثر، فهم لا يستطيعون أن يدعوا حقاً في قيادة الدولة بعد النبي صلی الله علیه و آله لأنهم أعداؤه وطلقاؤه، ومعنى ذلك أنه كان للنبي صلی الله علیه و آله الحق في أن يقتلهم، أو يتخذهم عبيداً، فاتخذهم عبيداً وأطلقهم .. فلا طريق لهم للقيادة إلا بواسطة العدد الضئيل من الصحابة، من القرشيين المهاجرين ..

وبذلك يتضح أن تحذيره صلی الله علیه و آله من الصراع بعده على السلطة ينحصر بالصحابة المهاجرين، ثم بالأنصار فقط .. وفقط !!

5- إعلان النبي صلی الله علیه و آله أن صحابته في النار إلا مثل همل النعم!

ص: 52

وهو تحذير مباشر لأكثرية الصحابة ومن يتبعهم من الأمة .. لا ينقصه إلا الأسماء الصريحة.. وقد جاء هذا الإعلان النبوي على شكل لوحة من الغيب، عن المصير الذي يمشي إليها هؤلاء الصحابة المنحرفون المحرفون !! لوحةٌ أخبره بها جبرئيل علیه السلام عن الله تعالى، يوم يجعل الله محمداً صلی الله علیه و آله رئيس المحشر، ويعطيه جبرئيل لواء الحمد، فيدفعه النبي صلی الله علیه و آله إلى علي بن أبي طالب فهو حامل لوائه في الدنيا والآخرة، ويكون جميع أهل المحشر تحت قيادة محمد صلی الله علیه و آله، ويفتخر به آدم علیه السلام فيدعى أبا محمد صلی الله علیه و آله .. ويعطي الله تعالى رسوله الشفاعة وحوض الكوثر، فيفد عليه الوافدون من الأمم فيشفع لهم ويعطيهم بطاقة للشرب من حوض الكوثر، ليتغير بتلك الشربة تركيبهم الفيزيائي، وتصلح أجسادهم لدخول الجنة والخلود في نعيمها .

وعندما يفد عليه أصحابه تحدث المفاجأة: يأتي النداء الإلهي بمنع النبي صلی الله علیه و آله من الشفاعة لهم، ومنعهم من ورود الحوض، ويؤمر ملائكة العذاب بأخذهم إلى جهنم !!

هذا هو مستقبل هؤلاء الصحابة على لسان أصدق الخلق !! إنها صورة رهيبة جاء بها جبرئيل الأمين، لكي يبلغها النبي صلی الله علیه و آله إلى الأمة في حجة الوداع !!

وهي أعظم كارثة على صحابة أعظم رسول!! وسببها أنهم سوف يعزلون القيادة التي اختارها الله من عترته صلی الله علیه و آله، ويجرون أمته من بعده الى أعظم كارثة !! ولا ينجو من هؤلاء الصحابة إلا مثل (همل النعم) كما في روايات محبي الصحابة الصحيحة كالبخاري !

وهو تعبير نبوي عجيب، لأن همل النعم هي الغنم أو الإبل الفالتة من القطيع، الخارجة على راعيه ! وهو يدل على أن قطيع الصحابة في النار، وهملهم الذي

ص: 53

يفلت منهم، يفلت من النار إلى الجنة ! بل ذكر النبي صلی الله علیه و آله أن الصحابة الجهنميين زمرتان أي أنهم خطان من صحابته لاخط واحد، وقد تقدم قول الحاكم عن حديثه: صحيح على شرط الشيخين، وفيه (ثم أقبلت زمرة أخرى، ففعل بهم كذلك، فلم يفلت إلا كمثل النعم !!) .

إنها مسألةٌ مذهلةٌ .. صعبة التصور والتصديق، خاصةً على المسلم الذي تربي على حب كل الصحابة، وخير القرون، والجيل الفريد، وحديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم .. وفتح عينيه على الصور واللوحات الرائعة للصحابة، التي كبر هذا المسكين معها وكبرت معه .. فإذا به يفاجأ بهذه الصورة الجهنمية المخيفة عن الصحابة !!

لو كان المتكلم عن الصحابة غير الرسول صلی الله علیه و آله لقالوا عنه إنه عدو للإسلام ولرسوله يريد أن يكيد للإسلام عن طريق الطعن في صحابة الرسول ! ولكن المتكلم هو .. الرسول صلی الله علیه و آله بعينه .. بنفسه .. وكلامه ليس اجتهاداً منه ولارأياً رآه، حتى تقول قريش إنه يتكلم في الرضا والغضب، وتزعم أن كلامه في الغضب ليس حجة . . بل هو وحي نزل عليه من رب العالمين !!

إنها حقيقةٌ مرةٌ .. ولكن هل يجب أن تكون الحقيقة دائماً حلوة كما نشتهي.. وأن يكون الحق دائماً مفصلاً على مزاجنا، مطابقاً لموروثاتنا ؟! وماذانصنع إذاكانت أحاديث الصحابةالمطرودين،المرفوضين، الممنوعين من ورود الحوض مستفيضة في الصحاح، وهي في غير الصحاح أكثر .. وكلها تصرح بأنه لا ينجو منهم إلا القليل أو مثل همل النعم !!

قال الجوهري في الصحاح: 5/1854: (والهمل بالتحريك: الإبل التي ترعى بلا راع، مثل النفش، إلا أن النفش لا يكون إلا ليلاً، والهمل يكون ليلاً

ص: 54

ونهاراً . يقال: إبلٌ هملٌ وهاملة وهمال وهوامل . وتركتها هملاً: أي سدى، إذا أرسلتها ترعى ليلاً ونهاراً بلا راع . وفي المثل: اختلط المرعى بالهمل . والمرعى الذي له راع) .

لكن السؤال هو: لماذا طرح الرسول صلی الله علیه و آله موضوعهم في حجة الوداع؟!

وجوابه: أن الله تعالى أمره بذلك فهو لا ينطق عن الهوى، ولا يعلم من نفسه ما سيفعله أصحابه من بعده، ولا بحالهم يوم القيامة ! !

وسؤال آخر: وماذا فعل الصحابة بعد الرسول؟ هل كفروا وارتدوا كما يقول الحديث ؟ هل حرفوا الدين ؟ هل اقتتلوا على السلطة والحكم ؟ !

والجواب: إقبل ما يقوله لك نبيك صلی الله علیه و آله، واسكت، وإلا صرت رافضياً !

وسؤال آخر: لماذا اختار الله تعالى هذا الأسلوب في التحذير، ولم يهلك هؤلاء الصحابة، الذين سينحرفون، أو يأمر رسوله بقتلهم، أو كشفهم للمسلمين ليحذروهم !

والجواب: هذه سياسته سبحانه وتعالى في إقامة الحجة كاملة على العباد، وترك الحرية لهم .. ليحيى من حيَّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.. ولا يسأل عما يفعل، وهم يسألون .. فهو سبحانه مالكهم له حق سؤالهم، وهو لا يفعل الخطأ حتى يحاسب عليه . وهو الأعلم والأحكم، وغير الأعلم لا يمكنه أن يحاسب الأعلم ويسأله !

وسؤال أخير: ماذا كان وقع ذلك على الصحابة والمسلمين ؟! ألم يهرعوا إلى الرسول صلی الله علیه و آله ليحدد لهم الطريق أكثر، ويعين لهم من يتبعونه بعده، حتى لا يضلهم هؤلاء الصحابة الخطرون ؟!

والجواب: لقد عين لهم الثقلين من بعده: كتاب الله وعترته، وبشرهم باثني عشر إماماً ربانياً يكونون منهم بعده .. وطالما حدد النبي صلی الله علیه و آله لهم عترته وأهل

ص: 55

بيته بأسمائهم: علي علیه السلام وفاطمة علیها السلام والحسن والحسين علیهم السلام، وتسعة من ذرية الحسين آخرهم المهدي، وذلك قبل حجة الوداع وفيها وبعدها، حتى أن أحاديث الصحاح تقول إنه حددهم حسياً فأدار كساء يمانياً على علي وفاطمة والحسنين، وقال للمسلمين: هؤلاء عترتي أهل بيتي !! ثم لم يكتف بذلك، حتى أوقف المسلمين في رمضاء الجحفة بغدير خم وأخذ بيد علي علیه السلام وبلغ الأمة إمامته من بعده، ونصب له خيمة، وأمر المسلمين أن يسلموا عليه بإمرة المؤمنين، ويباركوا له ولايته عليهم التي أمر بها الله تعالى. فهنؤوه جميعاً وباركوا له، وأمر النبي صلی الله علیه و آله نساءه وكنَّ معه في حجة الوداع، أن يهنئن علياً فجئن إلى باب خيمته وهنأنه وباركن له .. معلناتٍ رضاهن بولايته على الأمة.

ثم أراد صلی الله علیه و آله في مرض وفاته أن يؤكد الحجة على الأمة بوثيقة مكتوبة، فطلب منهم أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً . . ولكنهم رفضوا ذلك بشدة ! وقالوا له: شكراً أيها الرسول لقد قررنا أن نضل، عن علم وعمد واختيار وإصرار ! ولا نريد أن تكتب لنا أطيعوا بعدي عترتي علياً، ثم حسناً، ثم حسيناً، ثم تسعة من ذرية الحسين ! وقالوا بكل وقاحة: إن نبيكم ليهجر، لا تقربوا له دواة ولا قرطاساً !!

فهل تريد من نبيك صلی الله علیه و آله أن يقيم الحجة أكثر من هذا ؟!

6- تحذير النبي صلی الله علیه و آله أمته من بدايات الانحراف الصغيرة

ورد في نصوص خطب حجة الوداع أن النبي صلی الله علیه و آله حذر أمته من محقرات الأعمال التي توجب الانحراف، وأن الشيطان قد رضي منهم بها !

ففي سنن ابن ماجة: 2 / 1015: (عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أبيه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: في حجة الوداع: يا أيها

ص: 56

الناس ألا أي يوم أحرم؟ ثلاث مرات . قالوا: يوم الحج الأكبر . قال: فإن دماءكم أموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا . في بلدكم هذا . ألا لا يجنى جان إلا على نفسه . ولا يجنى والد على ولده، ولا مولود على والده . ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبدا . ولكن سيكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم، فيرضى بها . . . ألا يا أمتاه هل بلغت ؟ ثلاث مرات . قالوا: نعم . قال: اللهم اشهد . ثلاث مرات) . ونحوه في سنن الترمذي: 3 / 313، وقال: هذا حديث حسن صحيح ورواه أيضاً في السنن الكبرى: 2/445 .

وقال في تحفة الأحوذي: 6 /315: (قال الطيبي رحمة الله قوله فيما تحتقرون، أي مما يتهجس في خواطركم وتتفوهون عن هناتكم وصغائر ذنوبكم، فيؤدي ذلك إلى هيج الفتن والحروب، كقوله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان قد يئس من أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم) . انتهى .

وفي ذلك إلفات نبوي إلى قاعدة مهمة في السلوك الفردي والإجتماعي، وهي أن الإنحراف يبدأ بأمر صغير، أو أمور تبدو بسيطة يحتقرها الإنسان ولا يراها مهمة في ميزان التقوى.. وإذا بها تستتبع أموراً أخرى، وتجره إلى هاوية الهلاك الأخروي أو الدنيوي !

وهو أمر مشاهد في حالات الهلاك الفردي والإجتماعي.. فقد يتسامح المسلم في النظر إلى امرأة أجنبية تعجبه، ثم يتسامح في الحديث معها، ثم في التصرف .. حتى ينجر أمره إلى الفاحشة ! وقد يتسامح في اتخاذ صديق سوء، ولا ينصت إلى صوت ضميره الديني، ولا نصح ناصحيه .. حتى يغرق معه في بحر ظلمه للناس، أو بحر رذيلته !

ص: 57

وقد تتسامح الأمة في اعتداء الأجانب عليها، أو نفوذهم السياسي أو الإقتصادي أو الثقافي في بلادها.. فينجرالأمر إلى تسلطهم علىمقدراتها..

أو يتسامح المجتمع في مظهر من مظاهر الفساد والمنكر أول ما يحدث في محلة أو منطقة منه، أو في فئة من فئاته، أو شخص . .

أو يتسامح المجتمع في شروط حاكمه، ووزرائه وقضاته، أو في ظلمهم وسوء سيرتهم.. فينجر ذلك إلى شمول الفساد في المجتمع، وتسارع هلاكه!

فالمحقرات من الذنوب هي المواقف أو التصرفات الصغيرة، التي تكون في منطق الأحداث والتاريخ بذوراً لشجرة شر كبيرة، على المستوى الفردي أو الإجتماعي ! !

وبهذا ورد تفسيرها عن النبي صلی الله علیه و آله، في مصادر الطرفين .. ففي الكافي: 2/288: (عن الإمام الصادق علیه السلام قال: إن رسول الله صلی الله علیه و آله نزل بأرض قرعاء، فقال لأصحابه: إئتوا بحطبٍ، فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب ! قال: فليأت كل إنسان بما قدر عليه، فجاؤوا به حتى رموا بين يديه، بعضه على بعض، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: هكذا تجتمع الذنوب، ثم قال: إياكم والمحقرات من الذنوب، فإن لكل شئ طالباً، ألا وإن طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم، وكل شئ

أحصيناه في إمام مبين) . انتهى .

وفي سنن البيهقي: 10/188: (عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم ومحقرات الأعمال، إنهن ليجمعن على الرجل حتى يهلكنه، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلاً، كمثل قوم نزلوا بأرض فلاة فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل يجئ بالعويد،

ص: 58

والرجل يجئ بالعويد، حتى جمعوا من ذلك سواداً، ثم أججوا ناراً فأنضجت ما قذف فيها) . انتهى .

وهذان الحديثان الشريفان ناظران إلىالتراكم الكمي للذنوب والأخطاء المحقرة، وأن كمها يتحول إلى خطر نوعي في حياة الفرد والمجتمع .

وقد يكون الحديثان التاليان ناظرين إلى التراكم الكيفي في نفس الإنسان والمجتمع، وشخصيتهما . . ففي الكافي: 2/287: (عن الإمام الصادق علیه السلام قال: اتقوا المحقرات من الذنوب، فإنها لا تغفر ! قلت: وما المحقرات ؟ قال: الرجل يذنب الذنب، فيقول طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك !) .

وفي سنن ابن ماجة: 2/1417: (عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إياك ومحقرات الأعمال، فإن لها من الله طالباً) . في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات . انتهى . ورواه الدارمي: 2/303، وأحمد: 6/70 و151 .

وفي صحيح البخاري: 7/187: (باب ما يتقى من محقرات الذنوب .. عن أنس رضي الله عنه قال إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا نعد (ها) على عهد النبي (من) الموبقات). انتهى .

ومن القواعد الهامة التي نفهمها من هذا التوجيه النبوي: أن الشيطان عندما ييأس من السيطرة على أمة في قضاياها الكبيرة،يتجه إلى التخريب والإضلال عن طريق المحقرات ! فالإسلام الذي أنزله الله تعالى، وبناه رسوله صلی الله علیه و آله صرح كبير وقلعة محكمة، يئس الشيطان من قدرته على هدمها، فعمد الى إقناع شخص من أهله بسحب حجر واحدٍ صغير من ركن الجدار، ثم حجر آخر .. وآخر .. حتى

ص: 59

يفرغ تحت الأساس فينهار الصرح على من فيه ! شبيهاً بالجرذ الذي سحب الحجر الأول من جدار سد مأرب !

ومن الأمور الملفتة في رواية علي بن إبراهيم أن إطاعة الشيطان في محقرات الذنوب عبادة له، فالذين يبدؤون بالإنحراف في مجتمع، إنما يعبدون الشيطان ويدعون الأمة العابدة لله تعالى إلى عبادة الشيطان .. (ولكنه راض بما تحتقرون من أعمالكم، ألا وإنه إذا أطيع فقد عبد !)، تفسير علي بن إبراهيم: 1/171 .

كما أن شهادة النبي صلی الله علیه و آله بأن الشيطان راض بتلك المحقرات شهادةٌ خطيرة بنجاح الشيطان في مشروعه في إضلال الأمة وهدم صرحها عن طريق المحقرات.. وهو ينفع في تفسير قوله تعالى: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين) سبأ - 20 .

7- إعلان النبي صلی الله علیه و آله تمييز بني هاشم بمالية خاصة !

ص: 60

من الأمور الملفتة في الاسلام أن الله تعالى ميز رسوله صلی الله علیه و آله وأهل بيته علیهم السلام، وأسرتهم بني هاشم، فحرم عليهم الصدقات والزكوات، وجعل لهم مالية خاصة في ميزانية الدولة الاسلامية هي الخمس !

ففي مسند أحمد: 4/186: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته فقال: ألا إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي، وأخذ وبرة من كاهل ناقته، فقال: ولا ما يساوي هذه، أو ما يزن هذه . لعن الله من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه). انتهى .

وفي صحيح البخاري: 2 / 135: (عن أبي هريرة قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كخ كخ ليطرحها، ثم قال أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة) .

وفي صحيح البخاري: 4/ 36: (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بالفارسية كخ كخ . أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة) . ورواه مسلم: 3 /117، وروى عن شعبة أن النبي قال: (إنا لا تحل لنا الصدقة) .

وفي سنن أبي داود: 1 / 373: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على الصدقة من بنى مخزوم، فقال لأبي رافع: إصحبني فإنك تصيب منها، قال: حتى آتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله، فأتاه فسأله فقال: مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة !) .

وفي سنن الترمذي: 2 /416: أن (علي بن أبي طالب أصاب ديناراً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفه فلم يجد من يعرفه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأكله، وكان علي

لا تحل له الصدقة) . انتهى .

وفي شرح مسلم للنووي: 7 / 175: (قال القاضى يقال: كخ كخ، بفتح الكاف وكسرها وتسكين الخاء ويجوز كسرها مع التنوين . وهي كلمة يزجر بها

ص: 61

الصبيان عن المستقذرات فيقال له كخ أي اتركه وارم به . قال الداودى هي عجمية معربة بمعنى بئس، وقد أشار الى هذا البخاري بقوله في ترجمة باب من تكلم بالفارسية والرطانة) .

وقال ابن حجر في فتح الباري: 3 /282: (وفي رواية حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عند أحمد فنظر إليه فإذا هو يلوك تمرة فحرك خده وقال ألقها يا بني ألقها يا بني ويجمع بين هذا وبين قوله كخ كخ بأنه كلمه أولا بهذا فلما تمادى قال له كخ كخ إشارة إلى استقذار ذلك له) . انتهى .

وقول البخاري إن كلمة كخ فارسية بعيد، بل الظاهر أنها من أسماء الأصوات المشتركة في اللغات .

أما الذي هو أشد من تحريم الصدقات على قريش فهو: أن النبي صلی الله علیه و آله نص في تعليل هذا التشريع الرباني أن الصدقات (الضرائب) هي تطهير لأموال الناس، فهي غسالة أموالهم وأوساخها، ولا تناسب الأسرة التي اختارها الله تعالى واجتباها !

ففي صحيح مسلم:3 / 118: (اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا والله لو بعثنا هذين الغلامين (قالا لي وللفضل بن عباس) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه فأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصابا مما يصيب الناس ؟ قال فبينما هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا له ذلك، فقال علي بن أبي طالب: لا تفعلا فو الله ما هو بفاعل . فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال: والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا، فوالله لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما نفسناه عليك ! قال علي علیه السلام: أرسلوهما فانطلقا واضطجع علي علیه السلام، قال فلما صلى رسول الله صلى الله

ص: 62

عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى جاء، فأخذ بآذاننا ثم قال أخرجا ما تصرران ؟ ثم دخل ودخلنا عليه، وهو يومئذ عند زينب بنت جحش، قال فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا، فقال يا رسول الله أنت أبرُّ الناس وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي اليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون . قال فسكت طويلاً حتى أردنا أن نكلمه، قال وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه، قال ثم قال: إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ! أدعوا لي محمية (وكان على الخمس) ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، قال فجاآه فقال لمحمية: أنكح هذا الغلام ابنتك (للفضل بن عباس) فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث أنكح هذا الغلام ابنتك فأنكحني، وقال لمحمية: أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا . قال الزهري ولم يسمه لي) . انتهى .

وأورد القصة أيضاً برواية ثانية وفيها: (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أدعوا إلى محمية بن جزء، وهو رجل من بني أسد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على الأخماس) . انتهى . ورواه أحمد في مسنده: 4 / 166، وأبو داود: 2 / 28

وقال النووي في شرح مسلم: 7 / 179: (قوله صلى الله عليه وسلم: إنما هي أوساخ الناس، تنبيه على العلة في تحريمها على بني هاشم وبني المطلب وأنها لكرامتهم وتنزيههم عن الأوساخ . ومعنى أوساخ الناس أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم، كما قال تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها .. فهي كغسالة الأوساخ) !

ص: 63

وقال ابن حجر في فتح الباري: 3 /280: (قال بن قدامة لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة كذا قال . . . وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: الصدقة أوساخ الناس، كما رواه مسلم) .

وقال في فتح الباري: 5/150: (قال ابن بطال: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة لأنها أوساخ الناس، ولأن أخذ الصدقة منزلة ضعة والأنبياء منزهون عن ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم كان كما وصفه الله تعالى: ووجدك عائلاً فأغنى، والصدقة لا تحل للأغنياء . وهذا بخلاف الهدية، فإن العادة جارية بالاثابة عليها، وكذلك كان شأنه) . ونحوه في شرح السيوطي لمسلم: 3 / 173 .

وفي عون المعبود: 5/47: (وقال النووي: تحريم الزكاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب . هذا مذهب الشافعي وموافقيه أن آله صلى الله عليه وسلم هم بنو هاشم وبنو المطلب، وبه قال بعض المالكية . وقال أبو حنيفة ومالك هم بنو هاشم خاصة . وقال بعض العلماء: هم قريش كلها ! وقال أصبغ المالكي: هم بنو قصي . دليل الشافعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بني هاشم وبني المطلب شئ واحد، وقسم بينهم سهم ذوي القربى. انتهى .

قال المنذري: وأخرجه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح . هذا آخر كلامه) . انتهى .

وفي عون المعبود: 8/ 146: (ادعوا إلى محمية بن جزء) قال النووي: حمية وبميم مفتوحة ثم حاء مهملة ساكنة ثم ميم أخرى مكسورة ثم ياء مخففة وجزء بجيم مفتوحة ثم راي ساكنة ثم همزة . هذا هو الأصح). انتهى.

ص: 64

ولك أن تتصور تأثير هذا الإعلان والتأكيد النبوي في جموع الحجيج بتمييز أهل بيته وكل عشيرته بني هاشم عن بقية المسلمين حتى في ماليتهم ! ولا بد أن حساد بني هاشم من المنافقين ومرضى القلوب قالوا إن محمداً يؤسس ملكاً لبني هاشم كملك كسرى وقيصر !

8- إعلان النبي صلی الله علیه و آله اللعنة الالهية على من تولى غير أهل البيت !

توجد في خطب النبي في حجة الوداع، فقرةٌ ملفتةٌ وردت بعد تحريم الصدقات على آل النبي في أحاديث حجة الوداع عند السنة والشيعة، وهي فقرة اللعن لمن ادعى لغير أبيه أو تولى غير مواليه ! فقد تقدم في حديث أحمد قول النبي صلی الله علیه و آله (لعن الله من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه). وقد روت هذا الحديث أهم الصحاح، لكن بعضها نص على أنه في حجة الوداع، وبعضها لم ينص، ففي صحيح البخاري: 4/ 67: (فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى فيها محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل . ومن تولى غير مواليه فعليه مثل ذلك) . ونحوه في مسلم: 4 / 115، وابن ماجه: 2/870 وص 905، والترمذي: 3/ 297، والبيهقي في سننه: 8/ 26 . وفي مصنف ابن أبي شيبة: 6/ 186: (عن عمرو بن خارجة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم وهوعلى راحلته وإن راحلته لتقصع بجرانها، وإن لعابها يسيل بين كتفي، فقال: من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله، لا يقبل منه صرف ولا عدل، أو قال عدل ولا صرف) .

ص: 65

وقال ابن قدامة في المغني: 5/327: (وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه) .

وقال في: 7 / 238: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله من تولى غير مواليه . قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح) . انتهى .

وقد تصور رواتهم وفقهاؤهم أن اللعن هنا للولد الذي يدعي غير أبيه النسبي، والغلام الذي يترك مالكه الحقيقي ويدعي أنه غلامٌ لشخص آخر .. لكنهم غفلوا عن شدة الحكم، وعن بلاغة النبي صلی الله علیه و آله، وأن مقصوده هنا لا يمكن أن يكون الأبوة النسبية وولاء الرق المعروفين، بل مقصوده أبوته المعنوية للأمة وولاؤه وولاء أهل بيته الطاهرين !

والدليل البسيط على ذلك: أن جميع الفقهاء يفتون بقبول توبة الولد إذا هرب من أبيه وادعى لنفسه والداً آخر، ثم تاب من فعلته..كما يفتون بقبول توبة العبد المملوك إذا هرب من سيده ولجأ إلى شخص وادعى أنه سيده، ثم تاب ورجع إلى سيده.. بينما الشخص الملعون في كلام النبي صلی الله علیه و آله محكوم بكفره مصبوب عليه الغضب الإلهي إلى الأبد! (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً)، والصرف هو التوبة، والعدل الفدية، وقد فسرتهما الأحاديث الشريفة بذلك .

بل صرحت بعض الأحاديث بكفر من يفعل ذلك وخروجه من الإسلام ! كما في مجمع الزوائد: 4 / 232: (عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تولى غير مواليه فقد خلع ربقة الايمان من عنقه . رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح خلا خالد بن أبي حيان وهو ثقة) .ونحوه في سنن البيهقي: 8/26، وكنز العمال: 5/872 . وفي كنز العمال: 10/324: (من تولى غير مواليه فقد خلع ربقة

ص: 66

الإسلام من عنقه. أحمد عن جابر) . وفي /326: (من تولى غير مواليه فليتبوأ بيتاً في النار . ابن جرير عن عائشة) . وفي / 327: (من تولى غير مواليه فقد كفر . ابن جرير عن أنس) . وفي 16/255: (ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله على رسوله . ش) . انتهى .

كما ورد في مصادر الفريقين أن هذا الحديث كان مكتوباً في صحيفة صغيرة معلقة في ذؤابة سيف النبي صلی الله علیه و آله، الذي ورثه لعلي علیه السلام .. فقد رواه البخاري في صحيحه:4/67، ومسلم: 4/115، و 216، بعدة روايات، والترمذي: 3/297 . وغيرهم ... وقد أكثروا من روايته لأن الراوي زعم فيه على لسان علي أن النبي صلی الله علیه و آله لم يورث أهل بيته شيئاً من العلم، إلا القرآن، وتلك الصحيفة المعلقة في ذؤابة سيف النبي ! وأن فيها لعن الله من تولى غير مواليه !!

أما في مصادرنا فالحديث ثابتٌ عنه صلی الله علیه و آله في خطب حجة الوداع، وهو أيضاً جزء من حديث الغدير .. ففي بحار الأنوار: 37/123: عن أمالي المفيد . . . عن زيد بن أرقم قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله بغدير خم يقول: إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي، لعن الله من ادعى إلى غير أبيه، لعن من تولى إلى غير مواليه، الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر، وليس لوارث وصية). انتهى . ورواه الصدوق في عيون أخبار الرضا:2 / 63، وروى نحوه في / 186، عن بشارة الإسلام .

فنحن في هذا النص النبوي أمام عقوبة إلهية مشددة، لاتصلح إلا لحالات الخيانة العظمىكالإرتداد، ولا يعقل أن يكون الاسلام شرعها لولد جاهل دعا نفسه لغير أبيه، أو لعبد مملوك أو مظلوم، دعا نفسه لغير سيده !

فالأبوة هنا أعظم من الأبوة النسبية، وهي أبوة النبي صلی الله علیه و آله وآله لهذه الأمة .. والولاء هنا ولاء النبي صلی الله علیه و آله وآله الطاهرين، وهو أعظم من ولاء العبد لسيده .. فالذي يناسبه الحكم المشدد هو من خرج على هذه الأبوة والولاية . . لا تلك !

ص: 67

والسؤال هنا: إذا لم يفهم أتباع قريش هذا الاعلان النبوي في حجة الوداع فهل فهمته قريش .. وهل تفاجأت به ؟!

والجواب: أنه لم يكن إعلان النبي صلی الله علیه و آله في حجة الوداع هو المرة الأولى التي أفهمهم هذه الحقيقة الاسلامية المرة عليهم ! فقد روت مصادرنا أنه أفهمها لزعماء قريش مرات قبل حجة الوداع، وبلغهم هذه اللعنة .. !!

منها: عندما كثر طلقاء قريش في المدينة، وصارت أجواؤهم ضد بني هاشم كتلك التي كانت في مكة، وزاد تناغمهم مع المنافقين وعملهم ضد أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله، حتى أنهم كانوا في مجلس في السكة فمر بهم أحد بني هاشم فتحدثوا في أمرهم، وبلغت الجرأة بزعيمهم أن يقول: (إنما مثل محمد في بني هاشم كمثل نخلة نبتت في كبا: أي مزبلة) فبلغ ذلك النبي صلی الله علیه و آله فغضب، وأمر علياً أن يصعد المنبر ويجيبهم ! !

فقد روى في بحار الأنوار: 38/204: عن أمالي المفيد، عن محمد بن عمر الجعابي، عن ابن عقدة، عن موسى بن يوسف القطان، عن محمد بن سليمان المقري، عن عبد الصمد بن علي النوفلي، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الأصبغ بن نباتة قال: لما ضرب ابن ملجم لعنه الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، غدونا نفر من أصحابنا أنا والحارث وسويد بن غفلة وجماعة معنا، فقعدنا على الباب، فسمعنا البكاء فبكينا، فخرج إلينا الحسن بن علي علیه السلام فقال: يقول لكم أمير المؤمنين: انصرفوا إلى منازلكم، فانصرف القوم غيري فاشتد البكاء من منزله فبكيت، وخرج الحسن وقال: ألم أقل لكم: انصرفوا ؟ فقلت: لا والله يا ابن رسول الله لاتتابعني نفسي ولا تحملني رجلي أنصرف حتى أرى أميرالمؤمنين علیه السلام . قال: فبكيت، ودخل فلم يلبث أن خرج، فقال لي: أدخل،

ص: 68

فدخلت على أمير المؤمنين علیه السلام فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء، قد نزف واصفر وجهه ما أدري وجهه أصفر أو العمامة ؟ فأكببت عليه فقبلته وبكيت . فقال لي: لا تبك يا أصبغ، فإنها والله الجنة . فقلت له: جعلت فداك إني أعلم والله أنك تصير إلى الجنة، وإنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين . جعلت فداك حدثني بحديث سمعته من رسول الله، فإني أراك لا أسمع منك حديثاً بعد يومي هذا أبداً . قال: نعم يا أصبغ: دعاني رسول الله صلی الله علیه و آله يوماً، فقال لي: يا علي انطلق حتى تأتي مسجدي، ثم تصعد منبري، ثم تدعو الناس إليك، فتحمد الله تعالى وتثني عليه وتصلي علي صلاة كثيرة، ثم تقول: أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم، وهو يقول لكم: إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي علىمن انتمى إلى غير أبيه أو ادعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره .

فأتيت مسجده وصعدت منبره، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي فحمدت الله وأثنيت عليه، وصليت على رسول الله صلی الله علیه و آله صلاة كثيرة ثم قلت: أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم، وهو يقول لكم: ألا إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه، أو ادعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره . قال: فلم يتكلم أحد من القوم إلا عمر بن الخطاب، فإنه قال: قد أبلغت يا أبا الحسن ولكنك جئت بكلام غير مفسر، فقلت: أُبْلِغُ ذلك رسول الله صلی الله علیه و آله . فرجعت إلى النبي صلی الله علیه و آله فأخبرته الخبر، فقال: إرجع إلى مسجدي حتى تصعد منبري، فأحمد الله واثن عليه وصل علي علیه السلام، ثم قل: أيها الناس، ما كنا لنجيئكم بشئ إلا وعندنا تأويله

ص: 69

وتفسيره ألا وإني أنا أبوكم ألا وإني أنا مولاكم، ألا وإني أنا أجيركم !!) . انتهى .

ومنها: ما روته مصادرنا في مناسبة أخرى، كما في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره /392: قال: حدثنا عبد السلام بن مالك قال: حدثنا محمد بن موسى بن أحمد قال: حدثنا محمد بن الحارث الهاشمي قال: حدثنا الحكم بن سنان الباهلي، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لفاطمة بنت الحسين: أخبريني جعلت فداك بحديث أحدث، واحتج به على الناس . قالت: نعم: أخبرني أبي أن النبي صلی الله علیه و آله كان نازلاً بالمدينة، وأن من أتاه من المهاجرين عرضوا أن يفرضوا لرسول الله صلی الله علیه و آله فريضة يستعين بها على من أتاه، فأتوا رسول الله صلی الله علیه و آله وقالوا: قد رأينا ما ينوبك من النوائب، وإنا أتيناك لتفرض فريضة تستعين بها على من أتاك . قال: فأطرق النبي صلی الله علیه و آله طويلاً ثم رفع رأسه فقال: إني لم أؤمر أن آخذ منكم على ما جئتم به شيئاً، إنطلقوا فإني لم أؤمر بشئ، وإن أمرت به أعلمتكم . قال: فنزل جبرئيل علیه السلام فقال: يا محمد إن ربك قد سمع مقالة قومك وما عرضوا عليك، وقد أنزل الله عليهم فريضة: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى . قال فخرجوا وهم يقولون: ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأشياء، وتخضع الرقاب ما دامت السماوات والأرض لبني عبد المطلب ! قال: فبعث رسول الله صلی الله علیه و آله إلى علي بن أبي طالب أن اصعد المنبر وادع الناس إليك ثم قل: أيها الناس من انتقص أجيراً أجره فليتبوأ مقعده من النار، ومن ادعى إلى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار، ومن انتفى من والديه فليتبوأ مقعده من النار ! قال: فقام رجل وقال: يا أبا الحسن ما لهن من تأويل؟ فقال: الله ورسوله أعلم. فأتى رسول الله صلی الله علیه و آله فأخبره فقال رسول الله: ويل لقريش من

ص: 70

تأويلهن، ثلاث مرات! ثم قال: يا علي انطلق فأخبرهم أني أنا الأجير الذي أثبت الله مودته من السماء، ثم أنا وأنت مولى المؤمنين، وأنا وأنت أبوا المؤمنين) . انتهى .

وقال ابن البطريق في كتابه العمدة / 344: (وأما الأخبار التي تكررت من الصحاح من قول النبي صلی الله علیه و آله: لعن الله من انتمى إلى غير أبيه، أو توالى غير مواليه، فهي أدل على الحث على اتباع أمير المؤمنين علیه السلام بعده بدليل ما تقدم من الصحاح من غير طريق، في فصل مفرد مستوفى، وهو قول النبي صلی الله علیه و آله: من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم قال مؤكداًً لذلك: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله . فمن كان النبي صلی الله علیه و آله مولاه فعلي علیه السلام مولاه، ومن كان مؤمناً فعلي علیه السلام مولاه أيضاً، بدليل ما تقدم من قول عمر بن الخطاب لعلي لما قال له النبي صلی الله علیه و آله: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال له عمر: بخ بخ لك يا علي أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة، وفي رواية: مولاي ومولى كل مؤمنة ومؤمن . وهذه منزلة لم تكن إلا لله سبحانه وتعالى، ثم جعلها الله لرسوله صلی الله علیه و آله ولعلي علیه السلام بدليل قوله تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون . . .

وقوله صلی الله علیه و آله: من انتمى إلى غير أبيه، فالمراد به: من انتمى إلى غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام في الولاء، مأخوذ من قول النبي صلی الله علیه و آله لعلي علیه السلام: أنا وأنت أبوا هذه الأمة، فعلى عاق والديه لعنة الله) . انتهى.

وفي الكافي: 7/274: (ثم قال لي: أتدري ما يعني من تولى غير مواليه؟ قلت ما يعني به ؟ قال: يعني أهل الدين (وفي نسخة أهل البيت): والصّرف التوبة) .

ص: 71

9- تأكيد النبي صلی الله علیه و آله على أداء الفرائض وإطاعة ولاة الأمر من عترته

روى الطبراني في المعجم الكبير: 8/136: (عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلىالله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع:

أيها الناس، إنه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم، أعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأطيعوا ولاة أمركم، تدخلوا جنة ربكم). ورواه أيضاً في: 8/115، ورواه في:22/316 عن أبي قتيلة، ورواه أيضاً في مسند الشاميين: 1/310، و:2/16، و193، وابن الأثير في أسد الغابة: 5/275، والهيثمي في مجمع الزوائد: 3/273، والضحاك في الآحاد والمثاني:5/252، والهندي في كنز العمال: 5/294، عن عدة مصادر .. ورواه من علمائنا الصدوق في الخصال ص 322، والحر العاملي في وسائل الشيعة: 1/23 .

وعندما يقول النبي صلی الله علیه و آله للمسلمين وهو يودعهم (أطيعوا ولاة أمركم) فهو لا يقصد ولاة أمورهم بعده أياً كانوا، وأن ولاية الأمر بعده متروكة لكل من هب ودب، على قاعدة الصراع والغلبة ! بل يقصد ولاة الأمر الذين بينهم لهم عندما نزل قوله تعالى: (يا أيها الدين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، والذين قال لهم عنهم مراراً خاصة في حجة الوداع: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .. وقال عن أولهم: هذا وليكم من بعدي . . صلوات الله عليهم .

10- تحذير النبي صلی الله علیه و آله من الكذابين عليه في حياته وبعد وفاته !

ص: 72

روت مصادر الجميع تحذيرات النبي صلی الله علیه و آله في مناسبات متعددة من الكذب عليه، وخاصة قوله (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، وروى ذلك بعضهم في نصوص خطب حجة الوداع .

ففي بحار الأنوار: 37/123: (عن أمالي المفيد من خطبة النبي صلی الله علیه و آله في حجة الوداع: (ألا وقد سمعتم مني ورأيتموني .. ألا من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) . انتهى .

وهذا التنبيه النبوي يدل على أن مشكلة الكذب والافتراء على النبي صلی الله علیه و آله في حياته، ستبقى بعد وفاته بل سوف تتفاقم ! لذا كان من اللازم أن يحذر جموع المسلمين في حجة الوداع، ويؤكذ لهم أنه يوجد في أصحابه كذابون يكذبون عليه .. وأن عليهم التأكذ والتثبت مما ينسبونه اليه، والمرجع في ذلك هم عترته الذين جعلهم الله عدل القرآن، فهم يفسرون كتاب الله للأمة، وهم يميزون الصحيح من سنة النبي صلی الله علیه و آله من المكذوب عليه .

في الكافي: 1/ 62: (عن سليم بن قيس الهلالي، قال: قلت . لأمير المؤمنين علیه السلام: إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلی الله علیه و آله غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله صلی الله علیه و آله أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أن ذلك كله باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلی الله علیه و آله متعمدين، ويفسرون القرآن بآرائهم ؟ قال: فأقبل علي علیه السلام فقال: قد سألت فافهم الجواب:

إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كذب على رسول الله صلی الله علیه و آله على

ص: 73

عهده حتى قام خطيبا فقال: أيها الناس قد كثرت علي الكذابة، فمن كذب علي متعمداً فليتبوء مقعده من النار، ثم كذب عليه من بعده . . .) . انتهى .

ومن الطبيعي للنبي الحكيم عندما يرى أنه يوجد في أصحابه من يكذب عليه، ويخبر أمته أن هذه المشكلة ستستمر بعد وفاته .. أن يعين الجهة التي يرجع اليها لتكون ميزاناً يعرف بها الصحيح الصادر عنه من المكذوب عليه .. وليست تلك الجهة إلا العترة والقرآن، اللذان أوصى بهما النبي صلی الله علیه و آله دون غيرهما.

11- إعلان النبي صلی الله علیه و آله مبادئ احترام الإنسان المسلم وحرياته الشخصية

أكثر مارواه الرواة من أحاديث حجة الوداع، فقراتٌ تتعلق بمبادئ إسلامية عامة، مثل إلغاء آثار الجاهلية ومآثرها وتشريعاتها المخالفة للإسلام . ومبدأ الأخوة والتكافؤ بين المسلمين . ومبدأ احترام حياة المسلم، وتحريم دماء المسلمين على بعضهم . واحترام الملكية الشخصية وتحريم أموال المسلمين على بعضهم . واحترام عرض المسلم وكرامته وتحريم أعراضهم على بعضهم . وهذه نمادج منها من مصادر الطرفين:

في تحف العقول لابن شعبة ص 30: (أما بعد: أيها الناس، إسمعوا مني ما أبين لكم، فإنى لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، في موقفي هذا .

أيها الناس: إن دماءكم وأعراضكم عليكم حرام، إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا . ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد . . .

وإن ربا الجاهلية موضوع، وإن أول ربا أبدأ به ربا العباس بن عبدالمطلب.

وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب .

ص: 74

وإن مآثر الجاهلية موضوعة، غير السدانة والسقاية . والعمد قَوَدٌ، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، وفيه مائة بعير فمن ازداد فهو من الجاهلية) .

وفي صحيح البخاري: 1/24: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا . ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه) .

وفي صحيح مسلم: 4/41: (فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس، أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس، وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا . ألا كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل. وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله) . انتهى .

وسبب اهتمام الرواة بهذه الفقرات هوإعجاب المسلمين المؤمنين بها، وكونها تمثل حلاً لمشكلة الغزو والقتل التي كانوا يعانون منها .. فقد كان المجتمع العالمي في عصره صلی الله علیه و آله مجتمع تمييزٍ حادٍ على أساس قومي وقبلي وطبقي . . وكان يحكمه (قانون الغلبة والقوة) فالغالب على حق دائماً سواء كان حاكماً، أو قبيلة، أو فارساً، أو صعلوكاً !! فما دام استطاع أن يقهر الآخرين، أو يغزوهم ويقتلهم ويسرق أموالهم، أو يغصبها منهم عنوة، أو يحتال عليهم بحيلة . . فهو على حق !

ص: 75

فجاءت تشريعات الإسلام لتلغي ذلك كله، وتعلن تساوي الناس أمام الشرع والقانون، وتحرم كل أنواع الاعتداء على الحقوق الشخصية، وتؤسس احترام الإنسان وكرامته وملكيته . وقدكان لهذه التشريعات والتوجيهات النبوية، تأثير كبير على مجرى احترام الإنسان وماله وعرضه ورأيه في حياة النبي صلی الله علیه و آله .

أما بعد وفاته فنلاحظ هبوط هذه القيم والقوانين هبوطاً حاداً بعد النبي صلی الله علیه و آله .. وأن أكثر الناس احتراماً للإنسان وحرياته المشروعة، هم عترة النبي وأهل بيته الطاهرون علیهم السلام،ثم الأقرب منهم فالأقرب !

فعلي علیه السلام هو الحاكم الوحيد بعدالنبي صلی الله علیه و آله الذي لم يجبر أحداً على بيعته، ولم يستعمل قانون الطوارئ أو الأحكام العرفية، ولا أي قانون استثنائي حتى مع خصومه والممتنعين عن بيعته، بل حتى في حروبه! مع أنه ابتلي بثلاثة حروب استوعبت مدة خلافته كلها !

بينما استعمل أبو بكر وعمر قانون الجاهلية في القهر والغلبة في السقيفة ضد الأنصار، وهموا بقتل سعد بن عبادة ! ثم هاجموا الممتنعين عن بيعتهم وهم مجتمعون في بيت علي علیه السلام وفاطمة علیها السلام، مع أنهم في عزاء بوفاة النبي صلی الله علیه و آله ! وهددوهم بإحراق البيت عليهم إن لم يخرجوا ويبايعوا! ولما تأخروا عن الخروج أشعلوا النار في الحطب، وأحرقوا الباب !!

12- إعلان النبي صلی الله علیه و آله فريضة التمسك بالثقلين القرآن والعترة

ص: 76

روت مصادرنا تأكيد النبي صلی الله علیه و آله في خطب حجة الوداع على الثقلين القرآن والعترة، في خطبة الغدير، وخطبة مسجد الخيف أيضاً، وربما في غيرها من خطب حجة الوداع . .

أما مصادر السنيين فقد روت بشكل واسع تأكيده على الثقلين القرآن والعترة في خطبة غدير خم فقط، وصححوا روايتها، وألف محدثوهم فيها كتباً مستقلة، منها كتاب الولاية للطبري المعروف، الذي جمع طرق أحاديث الغدير وأسانيدها في مجلدين !

أما في غير خطبة الغدير من خطب الوداع: فقد روى الوصية بالكتاب والعترة الترمذي: 5/ 328، قال: (عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: يا أيها الناس، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي . وفي الباب عن أبي ذر، وأبي سعيد، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد . هذا حديث غريب حسن، من هذا الوجه . وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان، وغير واحد من أهل العلم) .

أما غير الترمذي من صحاحهم المعروفة فروت وصية النبي صلی الله علیه و آله في حجة الوداع بالكتاب وحده، بدون العترة ! ففي صحيح مسلم: 4/41: (وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله) . ومثله في أبي داود: 1/427، وسنن البيهقي: 5/8، ونحوه في ابن ماجة: 2/1025، وفي مجمع الزوائد: 3/265: بصيغة (أيها الناس إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله فاعملوا به) . انتهى .

لكن المتتبع لأحاديث الباب يطمئن بأنهم أسقطوا لفظ العترة من روايتهم، بسبب رقابة قريش على أحاديث نبيها صلی الله علیه و آله ! والدليل على ذلك أن نفس

ص: 77

المصادر التي روت هذا الحديث ناقصاً في حجة الوداع، روته تاماً في غيرها، فيحمل الناقص على التام ! فقد روى مسلم والبيهقي وابن ماجة والهيثمي وصية النبي صلی الله علیه و آله بالقرآن والعترة معاً، وتأكيداته المتكررة على ذلك .. بروايات متعددة! ففي صحيح مسلم: 7/122: (عن زيد بن أرقم: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً، بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي . فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده . قال: ومن هم ؟ قال: هم آل علي علیهم السلام وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس . قال: كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال نعم). انتهى . ورواه البيهقي في سننه 7/30 و10/114 .

وفي مجمع الزوائد: 1/170: (عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني تركت فيكم خليفتين: كتاب الله، وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض . رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات) . ورواه بنحوه: 9/162 وقال: رواه أحمد وإسناده جيد . وأما أبو داود فهو وإن لم يرو حديثاً صريحاً في الثقلين، لكنه عقد في سننه: 2/309 كتاباً باسم (كتاب المهدي)، روى فيه حديث الأئمة الإثني عشر وبشارة النبي صلی الله علیه و آله بالإمام المهدي وأنه من ذرية علي علیه السلام وفاطمة علیها السلام، وروى عن النبي صلی الله علیه و آله قوله: (لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً) . انتهى .

ص: 78

ومما يدل على أن الوصية بالعترة حذفت من خطب حجة الوداع: أن الكلام النبوي الذي هو جوامع الكلم، له خصائص يتفرد بها .. منها أنه يستعمل تراكيب معينة لمعان معينة لا يستعملها لغيرها، فهو بذلك يشبه القرآن . وتركيب (إني تارك فيكم .. ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي) خاص لوصيته للأمة بالقرآن والعترة، ولم يستعمله صلی الله علیه و آله في غيرهما أبداً .. ولذلك عندما قال لهم في مرض وفاته: إيتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً .. فهمت قريش أنه يريد أن يلزم المسلمين بإطاعة الأئمة من عترته بشكل مكتوب، فرفضت ذلك بصراحة ووقاحة ! وقد روى البخاري هذه الحادثة في ستة أماكن من صحيحه ! !

كما روت مصادرهم أن عمر افتخر في خلافته، بأنه بمساعدة قريش حال دون كتابة ذلك الكتاب !!

وعليه، فإن ورود هذا التركيب في بعض نصوص خطب حجة الوداع للقرآن وحده بدون ذكر العترة، يخالف الأسلوب النبوي في تعبيره المبتكر للوصية بهما معاً .. خاصة وأن الترمذي وغيره رووهما معاً !

وستعرف ما يؤكد ذلك من أحاديث بشارة النبي صلی الله علیه و آله لأمته في خطبة عرفات باثني عشر إماماً بعده، ومن تأكيده على الكتاب والعترة في خطبة الغدير.

13- بشارة النبي صلی الله علیه و آله أمته بالأئمة الإثني عشر من بعده

ص: 79

من الحقائق الاسلامية الكبيرة التي عتمت عليها مصادر أتباع الخلافة القرشية . . أن النبي صلی الله علیه و آله بشر الأمة في أهم خطبة له في حجةالوداع في عرفات، بالأئمة الإثني عشر من عترته علیهم السلام ! فقد اتفق الجميع على صحة الحديث بذلك، لكن زعمت مصادر السنيين أن المسلمين لغطوا وضجوا عندما وصل النبي صلی الله علیه و آله الى تعيين هوية هؤلاء الأئمة، فلم يسمعوا جيداً، فقال لهم بعضهم إنهم من قريش لا من بني هاشم فقط !!

روى البخاري في صحيحه: 8/127: عن (جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش) !

وفي صحيح مسلم: 6/3: (جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لايزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال ؟ فقال: كلهم من قريش) !

ثم روى مسلم رواية ثانية نحوها، قال فيها (ثم تكلم بشئ لم أفهمه) .

ثم روى ثالثة جاء فيها: (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى إثني عشر خليفة، فقال كلمة صَمَّنِيَها الناس ! فقلت لأبي: ما قال ؟ قال: كلهم من قريش) . انتهى .

ولم يصرح البخاري ولم يشر إلى أن هذا الحديث جزء من خطبة حجة الوداع في عرفات ! وقلدته أكثر المصادر في ذلك ! لكن عدداً منها (نسي) ونص عليه، ففي مسند أحمد: 5/93 و96 و99: (عن جابر بن سمرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات، فقال . . .) وفي ص 87:

ص: 80

(يقول في حجة الوداع ...) . وفي ص 99 منه: (وقال المقدمي في حديثه: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله يخطب بمنى) . انتهى .

وستعرف أنه صلی الله علیه و آله كرر هذا الموضوع المهم في عرفات، وفي منى عند الجمرة يوم العيد، وفي اليوم الثاني .. ثم في اليوم الثالث في مسجد الخيف . ثم أعلنه صريحاً قاطعاً إلزامياً .. في غدير خم !

فماهي قصة الأئمة الإثني عشر ؟ ولماذا طرحها النبي صلی الله علیه و آله على أكبر تجمع للمسلمين، وهو يودع أمته ؟!

يجيبك البخاري: إن الأئمة بعد النبي صلی الله علیه و آله هم أبو بكر وعمر، وهؤلاء الإثنا عشر ليسوا أئمة تجب طاعتهم دون سواهم، بل هم أمراء صالحون سوف يكونون في أمته في زمن ما، وقد أخبر صلی الله علیه و آله أمته بما أخبره الله تعالى من أمرهم، وأنهم جميعاً من قريش، لا من بني هاشم وحدهم، بل من البضع وعشرين قبيلة التي تتكون منها قريش، وليس فيهم أحد من الأنصار، ولا من قبائل العرب الأخرى، ولا من غير العرب .. وهذا كل ما في الأمر .

وتسأل البخاري: لماذا أخبر النبي صلی الله علیه و آله أمته في حجة الوداع في عرفات بهؤلاءالإثني عشر؟ وماهو الأمر العملي الذي يترتب على ذلك؟!

يجيبك: بأن الموضوع مجرد خبر فقط، فقد أحب النبي صلی الله علیه و آله أن يخبر أمته بذلك، لكي تأنس به ! فكأن الموضوع عند البخاري مجرد خبر صحفي ليس فيه أي عنصر عملي !!

والنتيجة: أن البخاري لم يروِ في صحيحه في الأئمة الإثني عشر إلا هذه الرواية اليتيمة المجملة المبهمة، التي لا يمكنك أن تفهمها أنت ولا قومك ! بينما روى عن حيض أم المؤمنين عائشة في حجة الوداع روايات عديدة، واضحة

ص: 81

مفهومة، تبين كيف احترمها النبي صلی الله علیه و آله وأرسل معها من يساعدها على إحرامها وعمرتها .. إلخ .

أما مسلم فكان أكرم من البخاري قليلاً، لأنه اختار رواية يفهم منها أن هؤلاء الإثني عشر هم خلفاء، يحكمون بعد النبي صلی الله علیه و آله !

ويفرح المسلم بحديث مسلم هذا، لأنه يعني أن الله تعالى قد حل مشكلة الحكم في الأمة بعد نبيه صلی الله علیه و آله، فهؤلاء أئمة معينون من الله تعالى على لسان نبيه، ويستمدون شرعيتهم من هذا التعيين، ولا يحتاج الأمر إلى سقيفة واختلافات ثم إلى صراع دموي على الحكم من صدر الإسلام إلى يومنا هذا .. وملايين ملايين الضحايا على مذبح الخلافة .. وانقساماتٍ في الأمة أدت إلى تراكم ضعفها .. حتى انهارت خلافتها وكيانها على يد العثمانيين !

ولكن رواية مسلم تقول: كلا لم تحل المشكلة، لأن النبي صلی الله علیه و آله أخبر عنهم إخباراً مجملاً ! ولم يخبر المسلمين عن هويتهم وأسمائهم ؟ ولم يسأله أحد من عشرات الألوف الذين أخبرهم بهذا الموضوع الخطير: من هم يا رسول الله ؟! ولو أن أحداً سأله عنهم فسماهم أو سمى الأول منهم، لرضيت بذلك كل قبائل قريش وسلمت إليهم الأمر ولم تنازعهم، لأنها قبائل مؤمنة مخلصة، مترفعة عن حطام الدنيا، مطيعة لله تعالى ولرسوله !!

وكأن مسلماً يقول: مع أن روايتي فيها إضافة على ما رواه البخاري فأنا لا أزيد على ماقال: كلا، كلا . . إن هؤلاء الأئمة هم أناس ربانيون فقط، يعز الله بهم الإسلام، وهم من قريش .. من قريش .. هذا كل ما في الأمر !!

وهكذا لا يمكنك أن تصل من البخاري ومسلم إلى نتيجة مقنعة في أمر هؤلاء الأئمة الإثني عشر.. فقد أقفل الشيخان عليك الأبواب، وقالا لك مقولة

ص: 82

قريش: إن نبيك تحدث في حجة الوداع عن رائحة الأئمة الإثني عشر فقط .. فَشُمَّهَا واسكت !

ولكنك لا تعدم الكشف عن عناصر مفيدة من مصادر قرشية أخرى، أقل مراعاة من البخاري ومسلم للسياسة وأهلها، أو أن ظروف أصحابها أحسن من ظروفهما ! فقد رووا كلمة (بعدي) بصيغ أكثر دلالة على أنهم يكونون مباشرة بعد النبي صلی الله علیه و آله . روى أحمد في مسنده: 5/92: عن نفس الراوي جابر السوائي قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون (بعدي) . . وروى في نفس الصفحة عن نفس الراوي جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش . قال ثم رجع إلى منزله فأتته قريش فقالوا: ثم يكون ماذا ؟ قال ثم يكون الهرج . انتهى .

ففي الروايتين كلمة (بعدي) التي يفهم منها أنهم يكونون بعده مباشرة .

والرواية الثانية تكشف عن اهتمام قريش بالموضوع، وسؤالهم عن هؤلاء الأئمة الربانيين، وأن القصة في المدينة، لا في حجة الوداع !

وقد تكررت كلمة بعدي، ومن بعدي، في عدد من روايات الحديث .

منها ما رواه أحمد أيضاً في: 5/94: عن نفس الرواي (يكون بعدي اثنا عشر أميراًَ، ثم لا أدري ما قال بعد ذلك، فسألت القوم . .) .

وفي: 5/99 و108: عن السوائي أيضاً (يكون من بعدي اثنا عشر أميراً فتكلم فخفي علي فسألت الذي يليني أو إلى جنبي، فقال كلهم من قريش).

وفي سنن الترمذي: 3/340: (يكون من بعدي اثنا عشر أميراً، قال: ثم تكلم بشئ لم أفهمه، فسألت الذي يليني فقال قال: كلهم من قريش) .

ص: 83

وفي تاريخ البخاري: 1/446 رقم 1426: (عن جابر بن سمرة أيضاً أنه سمع النبي صلی الله علیه و آله قال: يكون بعدي اثنا عشر خليفة) .

وفي الصواعق المحرقة لابن حجر /20: (قال: خرج أبو القاسم البغوي بسند حسن، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون خلفي اثنا عشر خليفة) . انتهى .

إذن، فقد طرح النبي صلی الله علیه و آله في حجة الوداع أمر الحكم من بعده، وأخبر عن ربه عزوجل بأن حكم الأمة الشرعي يكون لاثني عشر! ولكن ذلك لايحل مشكلة الباحث بل يفتح باب الأسئلة على قريش ورواتها: السؤال الأول: لماذا نرى أن روايات هذه القضية الضخمة تكاد تكون محصورة عندهم براوٍ واحد، هو جابر السوائي، الذي كان صغيراً في حجة الوداع صبياً ابن عشر سنوات ! ألم يسمعها غيره ؟ ألم يروها غيره من كل الصحابة الذين كانوا حاضرين ؟ !

أم رواها غيره .. ولكن رواية جابر فازت بالجائزة، لأنها أحسن رواية ملائمة للخلافة القرشية، فاعتمدتها وسمحت بتدوينها !

السؤال الثاني: كان المسلمون يسألون النبي صلی الله علیه و آله عن صغير الأمور وكبيرها، حتى في أثناء خطبه، وهذه الروايات تقول إنه أخبرهم بأمر كبير خطير، عقائدي، عملي، مصيري، مستقبلي . . وتدعي أنه أجمله إجمالاً، وأبهمه إبهاماً .. ثم لا تذكر أن أحداً من المسلمين سأله عن هؤلاء الأئمة الربانيين، وما هو واجب الأمة تجاههم ؟!

وإذا كانت (قريش) قد ذهبت إلى النبي صلی الله علیه و آله في بيته في المدينة، كما يقول نفس الراوي في حديث آخر، وطرقت عليه بابه لتسأله عما يكون بعد مضي

ص: 84

هؤلاء الإثني عشر وانتهاء عهودهم .. فهل يعقل أنها لم تسأله عنهم، وعما يكون في زمانهم ؟!

وعندما يقول رواة حديث في المدينة (قريش) فهي تعني عمر وأبا بكر فقط .. وما دامت قريش هذه سألته عنهم فأين جوابه صلی الله علیه و آله ؟!

نكتفي بما تقدم، ونحيل في هذا الموضوع على كتاب الغدير للعلامة الأميني رحمة الله، وآيات الغدير - مركز المصطفى للدراسات الاسلامية .

14- إعلان النبي صلی الله علیه و آله علياً ولياً للأمة بعده والإمام الأول من الإثني عشر

من الحقائق المتفق عليها من أعمال النبي صلی الله علیه و آله في حجة الوداع.. أنه أوقف الحجيج الذين كانوا معه في طريق العودة، في الصحراء في لهب الظهيرة، في مكان يسمى غدير خم، قرب رابغ .. لأن الله تعالى أمره بأمر، وأمره أن يوقفهم ويبلغهم إياه هناك !!

وخطب فيهم خطبة وداع، وأصعد معه علياً على المنبر، وأوصى مؤكداً بكتاب الله وعترته أهل بيته، ثم أمسك بيد علي علیه السلام ورفعها معرفاً له، وقال فيما قال: (ألا من كنت مولاه فعلي مولاه) !

وبعد الخطبة أمرهم أن ينصبوا لعلي علیه السلام خيمة ويهنئوه بولايته عليهم التي نزلت من عند الله، فهنؤوه، وهنأه عمر قائلاً: (بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم) . تاريخ بغداد: 8/290، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: 1/158، والغزالي في سر العالمين ص 21 .

ص: 85

وهكذا جاء إعلان النبي صلی الله علیه و آله علياً علیه السلام ولياً وخليفة وإماماً للأمة من بعده، فصيحاً صريحاً في خطبة خاصة، وفي مكان لاينسى، حيث أوقف النبي صلی الله علیه و آله الحجيج في حر الظهيرة في غير منزل، ورفع بيد علي.. الخ.

كان هذا العمل النبوي تتويجاً لما بلَّغه عن ربه عز وجل في أهل بيته .. وقد تحملته قريش على مضض كبير، وما كان لها أن تتحمله لولا أن الله تعالى عصم نبيه من ردة فعلها، وقال له: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس، إن الله لايهدي القوم الظالمين) . ولا يتسع المجال لبحث نص الخطبة النبوية وأسانيدها ودلالتها .. وقد تكفلت بذلك مصادر الحديث والكلام، ومن أقدمها كتاب (الولاية) للطبري السني، ومن أواخرها كتاب (الغدير) للعلامة الأميني رحمة الله .

يوم الغدير.. فرحت فاطمة

الزهراء علیها السلام واطمأنت، فقد أكمل الله دينه وأتم نعمته، عليها وعلى الأمة بولاية بعلها علي علیه السلام والأئمةالمعصومين من أولادها وأقام النبي صلی الله علیه و آله الحجة على الأمة فأبلغها ذلك، وأعلن علياً ولياً من بعده . .

لكن فاطمة علیها السلام أوفر عقلاً وأبعد نظراً، من أن تؤخذ بسكوت قريش، أو ببيعتها لعلي علیه السلام وتهنئتها له، أو ببخبخة زعيمها الجديد عمر بن الحطاب، الذي اتفقت عليه بطون قريش ليقوم بنزع الخلافة من بني هاشم ويعطيها لهم !

لقد كانت فرحة فاطمة علیها السلام بمنطقها ومنطق أبيها، الذي هو أعلى من منطق اللعب السياسية القرشية .. كان فكر النبي صلی الله علیه و آله ربانياً بمستوى أعلى من البيعة.. بمستوى الأمر الإلهي والاختيار الإلهي، الذي لاخيرة فيه لأحد، ولا محل فيه للبيعة، إلا إذا طلبها من الناس النبي أو الوصي فتجب. فهذا هو منطق التبليغ، وحسب! ولذلك لم يشاورهم النبي صلی الله علیه و آله في بيعة علي علیه السلام، لأن اختيار الله تعالى

ص: 86

لايحتاج إلى مشورتهم ولا بيعتهم ولا رضاهم.. لقد أمر الله تعالى رسوله صلی الله علیه و آله أن يشاورهم ليتألفهم، ويسيّرهم معه في الطريق الصحيح.. وفي نفس الوقت أمره: إذا عزمت فتوكل، ولا تسمع لكلام مخلوق، لأنك تسير بهدى الخالق!

أما إذا عزم الله تعالى واختار ولياً بعد نبيه صلی الله علیه و آله، وقال لنبيه بلغ ولا تخف، ولست مسؤولاً عن إطاعة من أطاع ومعصية من عصى .. فليس للمشاورة ولا للبيعة محل من الإعراب !

لقد طلب منهم الرسول صلی الله علیه و آله تهنئة علي علیه السلام إقراراً بالإختيار الإلهي، وهي تهنئةٌ أقوى من البيعة وألزم منها للأعناق ..

ثم ليفعلوا بعدها ما يحلو لهم.. فإنما على النبي صلی الله علیه و آله أن يبلغهم، وحسابهم على من يملك كل الأوراق، ويملك الدنيا والآخرة، ويفعل ما يريد . . سبحانه وتعالى !

ومضافاً الى التهنئة، طلب منهم النبي صلی الله علیه و آله البيعة لعلي علیه السلام، ومعناه أنه طلب منهم أيضاً إعلان التزامهم بإطاعة علي علیه السلام .. فأعلنوا !

لكن الأمر لا يختلف من ناحية شرعية وحقوقية، فسواء أمرهم ببيعة علي علیه السلام أم بتهنئته فقط .. فإن تبليغ الولاية أقوى من التهنئة، والتهنئة أقوى من البيعة، فالتبليغ اصطفاء .. والتهنئة اعترافٌ وتبريك .. والبيعة تعهدٌ بالإلتزام .

لقد سكتت قريش آنياً بسبب أنهالم تكن حاضرةً كلها في الجحفة .. وبسبب عنصر المفاجأة، وظرف المكان والزمان ! ولعلها كانت تقنع نفسها بأن المنطق النبوي يبقي لها مساحة للعمل .. فالباب مفتوح أمامها للتصرف !! أما في المنطق النبوي فقد حسم الأمر .. ومن شاء فليكفر، ولْيهلكْ من هلك عن بينة، وليحي من حيَّ عن بينة .

ص: 87

وهذا نفسه منطق فاطمة علیها السلام .. فعندما أدانت هي وعلي علیه السلام بيعة السقيفة، وقررا أن يستنهضا الأنصار ويطالباهم بالوفاء ببيعة العقبة، التي شرط عليهم النبي صلی الله علیه و آله فيها أن يحموه وأهل بيته وذريته، مما يحمون منه أنفسهم وذراريهم، فبايعوه على ذلك ! كان قول أكثرهم: يابنت رسول الله، لو سمعنا هذا الكلام منك قبل بيعتنا لأبي بكر، ما عدلنا بعلي علیه السلام أحداً ! فقالت الزهراء علیها السلام:

وهل ترك أبي يوم غدير خمٍّ لأحد عذراً .. !! (الخصال 1/173)

إن منطق الاسلام والتسليم والرضابالله تعالى وماأنزله على رسوله صلی الله علیه و آله .. منطقٌ مطهرٌ من تثاقل المثَّاقلين إلى الأرض وتفكيرهم . ذلك أن الزهراء علیها السلام كأبيها ذات شخصية واحدة .. وعالم واحد موحَّد موحِّد .. منسجمٌ دائماً . وليس لها كغيرها شخصيتان: واحدةٌ رسالية والأخرى شخصية، تغلب هذه مرة وهذه مرة !! وهي لذلك ترى أن أباها قد أقام الحجة لربه كاملةً غير منقوصة، في كل قضايا الاسلام، ومن أعظمها حق زوجها علي علیه السلام، وولديها الحسن والحسين علیهم السلام والأئمة من ذرية الحسين، الذين أعطاهم الله حق الولاية على الأمة بعد نبيها !

وبهذا المنطق قالت الزهراء علیها السلام للأنصار: إن جوابكم لي جواب سياسي.. ومنطق الحجة الإلهية أعلى من منطق اللعب السياسية، ومهيمنٌ عليه، ومتقدم عليه رتبةً، وفاضحٌ له! فقد بلَّغ أبي صلی الله علیه و آله عن ربه، وأخبركم أن المالك العظيم سبحانه قد قضى الأمر، وجعل لأمة رسوله أولياء بعد نبيه .. وما ذنبنا أن كان الأولياء منا، ومتى كان لكم الخيرة من أمركم حتى تختاروا زيداً أو عمرواً، بعد أن قضى الله ورسوله أمراً !!

ص: 88

فالحجة عليكم تامةٌ من أبي، والآن مني، ونعم الموعدُ القيامة، والزعيم محمد صلی الله علیه و آله .. وعند الساعة يخسر المبطلون !

ص: 89

ص: 90

الفصل الرابع: فاطمة علیها السلام وعلي علیهما السلام في حجة الوداع

اشارة

ص: 91

ص: 92

1- العظماء الخمسة

كان المسلمون في المدينة إذا ذكروا اسم النبي صلی الله علیه و آله، تبادر الى ذهنهم معه اسم علي علیه السلام وفاطمة علیها السلام والحسن والحسين علیهم السلام .. فهؤلاء هم أسرة النبي صلی الله علیه و آله اللصيقون به، الذائبون فيه، الذين يتعلق بهم النبي صلی الله علیه و آله تعلقاً خاصاً لا يشبهه تعلقه بأحد من الناس أبداً . .

فعلي علیه السلام . . هو التلميذ والعضد والمعتمد، والوزير وابن العم والصهر، والمعبر عن النبي صلی الله علیه و آله الناطق باسمه، ورجل المهام الكبرى، وحامل لوائه دائماً، الذي فلَّ جيوش المشركين، وجندل أبطال العرب وقريش، وأقام النائحات عليهم .. وهو الذي لم يفر عن رسول الله في معركة أبداً، كما فعل غيره .

وفاطمة علیها السلام . . سيدة نساء العالمين، ذات المكانة المميزة عند النبي صلی الله علیه و آله، والشخصية الأكثر تمييزاً .. يعاملها النبي صلی الله علیه و آله كأنها ابنته الوحيدة، وكأن بناته غيرها ربائبه .. وآخر ما يقوم به النبي صلی الله علیه و آله قبل سفره من المدينة أن يودع فاطمة علیها السلام، وأول مايقوم به بعد أن يرجع، أن يزور فاطمة علیها السلام .. وإذا دخلت عليه وقف لها احتراماً، وقبل يدها وأجلسها في مجلسه .

ص: 93

والحسن والحسين .. سيدا شباب أهل الجنة، السبطان اللذان بشره بهما جبرئيل واختار الله اسميهما، وسماهما النبي صلی الله علیه و آله ابنيه وسبطيه .. أخوان كالتوأم، عليهما ملامح جدهما النبي صلی الله علیه و آله وأنواره، يعيشان مع النبي صلی الله علیه و آله ويدرجان حوله فيقبلهما ويضمهما، ويبلغ الأمة مقامهما عند الله .. ويمرضان، فيزورهما النبي صلی الله علیه و آله ويزورهما زعماء العرب ! فقد ذكر ذلك المفسرون السنة والشيعة في تفسير سورة (هل أتى) كما في طرائف السيد ابن طاووس ص 107، عن تفسير الثعلبي من عدة طرق، منها عن ابن عباس قال: (مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما رسول الله ومعه أبو بكر وعمر وعادهما عامه العرب فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذراً ... فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراً لله، وكذلك قالت فاطمة علیها السلام، وقال الصبيان نحن أيضاً نصوم ثلاثة أيام وقالت جاريتهم فضة . فألبسهما الله عافيته، فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام . . . الخ .) .

2- علي علیه السلام فاتح اليمن

في حجة الوداع كما في فتح مكة .. كانت الزهراء علیها السلام والحسنان علیهم السلام في رفقة النبي صلی الله علیه و آله، يحجون معه حجة الوداع ..

أما علي علیه السلام فكان في مهمة استكمال فتح اليمن، التي استعصت ستة أشهر على جيش بعثه النبي صلی الله علیه و آله بقيادة خالد بن الوليد! فبعث علياً المذخور للمهمات.. قال الطبري في تاريخه:2/389: (عن البراء بن عازب قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الاسلام، فكنت فيمن سار معه فأقام عليه ستة أشهر لا يجيبونه إلى شئ، فبعث

ص: 94

النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأمره أن يقفل خالد ومن معه، فإن أراد أحد ممن كان مع خالد بن الوليد أن يعقب معه، تركه .

قال البراء: فكنت فيمن عقب معه فلما انتهينا إلى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر فجمعوا له، فصلى بنا علي علیه السلام الفجر فلمافرغ صفنا صفاً واحداً، ثم تقدم بين أيدينا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان كلها في يوم واحد !

وكتب بذلك إلى رسول الله صلىالله عليه وسلم فلما قرأ كتابه خر ساجداً، ثم جلس فقال: السلام على همدان، السلام على همدان . ثم تتابع أهل اليمن على الاسلام) . انتهى .

وهذه الرواية عن مناطق همدان وهي ثقل مهم في اليمن، لكن بقية مناطقها احتاجت الى حروب خاضها علي علیه السلام .. واستعمل في بعضها المعجزة التي خصه بها النبي صلی الله علیه و آله، لأن الله أراد لليمن أن تدخل في الاسلام !

ففي الثاقب في المناقب لابن حمزة ص 68: (عن حنش بن المعتمر، عن علي علیه السلام أنه قال: دعاني رسول الله صلی الله علیه و آله، فوجهني إلى اليمن لأصلح بينهم، فقلت: يا رسول الله إنهم قوم كثير لهم سن وأنا شاب حدث، قال يا علي إذا صرت بأعلى عقبة أفيق فناد بأعلى صوتك: يا شجر، يا مدر، يا ثرى، محمد رسول الله يقرؤكم السلام !

قال: فذهبت فلما صرت بأعلى عقبة أفيق أشرفت على أهل اليمن، فإذا هم بأسرهم مقبلون نحوي مشرعون رماحهم، مشرعون أسنتهم، متنكبون قسيهم، شاهرون سلاحهم، فناديت بأعلى صوتي: يا شجر، يا مدر، يا ثرى، محمد رسول الله يقرؤكم السلام ! فلم يبق شجرٌ ولا مدرٌ ولا ثرى إلا ارتج بصوت

ص: 95

واحد: وعلى محمد رسول الله السلام، وعليك السلام ! فاضطربت قوائم القوم وارتعدت ركبهم، فوقع السلاح من أيديهم وأقبلوا إلَّي مسرعين، فأصلحت بينهم، وانصرفت عنهم). انتهى .

ويظهر أن هذه المعجزة كانت في مهمة سابقة لعلي علیه السلام في اليمن .. أما هذه فكانت آخر مهماته لتكميل فتح المناطق النائية منها .. وسرعان ما وصلت رسائله بالنصر المتتابع الى النبي صلی الله علیه و آله، ففرح بذلك النبي صلی الله علیه و آله وفرحت فاطمة علیها السلام .. وأرسل الى علي علیه السلام أن يوافيه الى مكة لحجة الوداع .

كانت الزهراء علیها السلام تعيش مع ربها العظيم وهي قاصدة حج بيته الحرام وتنعم مع أولادها في ظل أبيها سيد الأنبياء وسيد الآباء، وتنتظر أن توافي بعلها الفريد علياً عندما تصل الى مكة، حيث سيعود منتصراً من مهمته الرسولية في اليمن ..

لكنها ما زالت تفكر في مؤامرات قريش على علي علیه السلام، وحسدها لأهل بيت النبي علیهم السلام، وغيظها كيف أعطى الله آل محمد .. ولم يعطهاً ؟!

وما زالت فاطمة علیها السلام تذكر أن قريشاً واليهود أفرطوا في حسدهم لمحمد وآل محمد وبني هاشم، حتى أنزل فيها قوله: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت، ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ! أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا . أم لهم نصيب من الملك، فإذا لا يؤتون الناس نقيرا . أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ن فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيما) . سورة النساء 51- 54

لقد شهدت فاطمة علیها السلام قبل أيام واحدة من معارك الحسد القرشي التي استهدفوا فيها شخصية علي! فقد جاء من اليمن وفد مبعوث برسالة من خالد بن

ص: 96

الوليد، يحملها بريدة الأسلمي، ويشكون فيها الى النبي صلی الله علیه و آله من علي علیه السلام، ويتهمونه أنه خان بيت المال !

وقبل أن تصل الرسالة الى النبي صلی الله علیه و آله تلقفها حساد قريش المرجفون، وأشاعوا في المدينة بأن علياً خان أمانة المسلمين، وأخذ من الفئ جارية وتزوجها !

قال أحمد بن حنبل في مسنده: 5/ 356: (عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: بعث رسول الله صلی الله علیه و آله بعثين على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعلي علیه السلام على الناس، وإذا افترقتما فكل واحد منكما على جنده . فلقينا بني زيد من اليمن فاقتتلنا فظفر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى علي علیه السلام من السبي امرأة لنفسه .

قال بريدة: وكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلی الله علیه و آله يخبره بذلك، فلما أتيت النبي صلی الله علیه و آله دفعت الكتاب إليه فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله، فقلت: يا رسول الله هذا مكان العائذ بك، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به . فقال رسول الله: يا بريدة لا تقع في علي علیه السلام، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي !!) . انتهى.

وقصة بريدة حجة بالغة، فقد وصل الغضب النبوي فيها أقصاه، حتى أنه قال لبريدة: أنافَقْتَ بعدي يا بريدة ؟!! وقد روى ذلك ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق: 42/191 قريباً مما في مصادرنا، قال: (عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال بعث رسول الله علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد كل واحد منهما وحده وجمعهما فقال إذا اجتمعتما فعليكم علي علیه السلام، قال فأخذنا يميناً أو يساراً، قال

ص: 97

فأخذ علي علیه السلام فأبعد (أي راوح خالد بجيشه مكانه، بينما توغل علي علیه السلام بجيشه في فتح اليمن) فأصاب سبياً فأخذ جارية من الخمس، قال بريدة: وكنت من أشد الناس بغضاً لعلي علیه السلام، وقد علم ذلك خالد بن الوليد، فأتى رجل خالداً فأخبره أنه أخذ جارية من الخمس فقال ما هذا، ثم جاء آخر ثم أتى آخر، ثم تتابعت الأخبار على ذلك، فدعاني خالد فقال: يا بريدة قد عرفت الذي صنع، فانطلق بكتابي هذا إلى رسول الله فأخبره، وكتب إليه فانطلقت بكتابه حتى دخلت على رسول الله، فأخذ الكتاب فأمسكه بشماله، وكان كما قال الله عز وجل لا يكتب ولا يقرأ، وكنت رجلاً إذا تكلمت طأطأت رأسي حتى أفرغ من حاجتي، فطأطأت رأسي أو تكلمت فوقعت في علي علیه السلام حتى فرغت، ثم رفعت رأسي فرأيت رسول الله قد غضب لم أره غضب مثله قط إلا يوم قريظة والنضير !! فنظر إلي فقال: يا بريدة إن علياً وليكم بعدي، فأحب علياً فإنه يفعل ما يؤمر ! قال فقمت وما أحد من الناس أحب إلي منه .

وقال عبد الله بن عطاء: حدثت بذلك أبا حرب بن سويد بن غفلة فقال كتمك عبد الله بن بريدة بعض الحديث، أن رسول الله قال له أنافقتَ بعدي يا بريدة ؟!) . وقال لبريدة كما في المسترشد للطبري الشيعي ص 620 وغيره: (يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت بلى، قال: من كنت مولاه فعلي علیه السلام مولاه، هو وليكم من بعدي يا بريدة) وقال له: إن نصيب علي علیه السلام من الخمس أكثر من جارية! وقال له: لاتقع في علي علیه السلام فإنه مني وأنا منه .. الخ .

ولم يكتف النبي صلی الله علیه و آله بما قاله لبريدة، لأن الخطر أكبر من بغض بريدة وخالد لعلي علیه السلام .. إنه خطر الحسد القرشي لما آتاه الله لآل محمد من وراثة

ص: 98

الكتاب الالهي والحكمة والملك العظيم ! فصعد النبي صلی الله علیه و آله المنبر وبلغ المسلمين فضل علي علیه السلام وحقه على الأمة، وفضح حاسديه !

كانت فاطمة علیها السلام مطمئنة الى حماية أبيها لبعلها في حياته، لأنه ثقته وعضده، ووصيه بأمر ربه، وكانت تأمل أن يضع النبي صلی الله علیه و آله الأمور في نصابها في حجة الوداع .. لكنها كانت قلقة من مكر قريش وخططها !

3- من تحريكات الحزب القرشي ضد علي علیه السلام

اقترب جيش علي علیه السلام من مكة من ناحية اليمن . . وعرف علي علیه السلام أن موكب النبي صلی الله علیه و آله اقترب منها من جهة المدينة.. فاستخلف قائداً علىجيشه، وبادر مسرعاً الى حبيبه النبي صلی الله علیه و آله لكي يتزود منه بعد فراق شهرين، ويقدم له تقريراً عن نعم الله تعالى بفتح اليمن، وترتيب إدارتها !

كانت غياب علي علیه السلام عن جيشه قصيراً ليوم أو يومين .. ولكنها كانت فرصة كافية لأتباع الحزب القرشي في جيشه، ليس للشكوى عليه الى النبي صلی الله علیه و آله هذه المرة، فقد بلغهم الرد النبوي الغاضب على شكوى خالد ! بل ليوقعوا بين علي علیه السلام وقادة جيشه ! فأقنعوا خليفته أن يعطي الى وجهاء الجيش حلل الجزية النجرانية . . فأعطاهم إياها ولبسوها !

قال المفيد الارشاد: 1/172: (وخرج أمير المؤمنين علیه السلام بمن معه من العسكر الذي كان صحبه إلى اليمن، ومعه الحلل التي أخذها من أهل نجران. فلما قارب رسول الله صلی الله علیه و آله مكة من طريق المدينة، قاربها أمير المؤمنين علیه السلام من طريق اليمن، وتقدم الجيشَ للقاء النبي صلی الله علیه و آله وخلَّف عليهم رجلاً منهم، فأدرك النبي عليه وآله السلام وقد أشرف على مكة، فسلم وخبَّره بما صنع وبقبض ما قبض، وأنه سارع للقائه أمام الجيش، فسُرَّ رسول الله صلی الله علیه و آله بذلك وابتهج بلقائه

ص: 99

وقال له: بما أهللت يا علي ؟ فقال له: يا رسول الله، إنك لم تكتب إلي بإهلالك ولا عرفتنيه فعقدت نيتي بنيتك وقلت: اللهم إهلالاً كإهلال نبيك وسقتُ معي من البدن أربعاً وثلاثين بدنة، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: الله أكبر، فقد سقتُ أنا ستاً وستين، وأنت شريكي في حجي ومناسكي وهديي، فأقم عل إحرامك وعد إلى جيشك فعجل بهم إلي، حتى نجتمع بمكة إن شاء الله، فودعه أمير المؤمنين علیه السلام وعاد إلى جيشه، فلقيهم عن قرب فوجدهم قد لبسوا الحلل التي كانت معهم، فأنكر ذلك عليهم، وقال للذي كان استخلفه فيهم: ويلك ما دعاك إلى أن تعطيهم الحلل من قبل أن ندفعها إلى النبي صلی الله علیه و آله، ولم أكن أذنت لك في ذلك ؟! فقال: سألوني أن يتجملوا بها ويحرموا فيها ثم يردونها علي علیه السلام . فانتزعها أمير المؤمنين علیه السلام من القوم وشدها في الأعدال فاضطغنوا لذلك عليه! فلما دخلوا مكة كثرت شكايتهم من أمير المؤمنين علیه السلام فأمر رسول الله صلی الله علیه و آله مناديه فنادى في الناس: (إرفعوا ألسنتكم عن علي بن أبي طالب فإنه خشن في ذات الله عز وجل، غير مداهن في دينه)، فكف الناس عن ذكره، وعلموا مكانه من النبي صلی الله علیه و آله، وسخطه على من رام الغميزة فيه !) . انتهى .

لكن هل يسكت الذين أكل الحسد قلوبهم ؟! لقد أشاعوا عن علي علیه السلام أنه تفاجأ عندما دخل بيته فوجد فاطمة علیها السلام قد أحلت من إحرامها، فأخبرته أن النبي صلی الله علیه و آله أمر بفصل العمرة عن الحج، إلا من ساق معه الهدي، فلم يثق بها وذهب محرشاً عليها أباها !! ففي سنن أبي داود:5/144 عن لسان علي علیه السلام ! (فانطلقت محرشاً أستفتي رسول الله، فقلت يا رسول الله إن فاطمة علیها السلام لبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، وقالت أمرني به أبي ! قال صدقت صدقت صدقت أنا

ص: 100

أمرتها) . لكن النسائي رواه في: 1/428، عن جابر بن عبدالله.. وقال: (لم يذكر جابر فذهبت محرشاً، وذكر قصة فاطمة رضي الله عنها) . انتهى .

غير أن ابن كثير على عادته في التحامل على علي علیه السلام، روى أن علياً ذهب للتحريش، وحذف الاستفتاء ! قال في النهاية: 5/185: (فذهب محرشاً عليها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنها حلت ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، وزعمت أنك أمرتها بذلك يارسول الله ؟! فقال: صدقت، صدقت، صدقت ! !) . انتهى .

ومعنى التحريش الشكاية للتحريك، وقد استعمل في قصة بريدة، وأن خالداً أرسله الى النبي صلی الله علیه و آله محرشاً على علي علیه السلام .. وقد يقال إن التحريش يستعمل بمعنى أخف لأنه ورد في رواياتنا، لكن ذلك بعيد، والأقرب أن بعض رواتنا متأثر بنص رواياتهم، فروى عنه الباقون .

وينبغي الالتفات هنا الى أن الحزب القرشي المخالف لعلي علیه السلام كان مولعاً بالتحريش، والاهتمام بأن يظهر علياً صهراً غير مناسب للنبي، وأن علاقته مع فاطمة الزهراء علیها السلام لم تكن كما ينبغي، وأنه لم يكن يصدق كلامها كما في قصة الإحرام ! وأنه خطب عليها ابنة أبي لهب أو ابنة أبي جهل، فغضب عليه النبي صلی الله علیه و آله وقال لا والله لاتجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عندك أبداً !! وقد تبنت الخلافة القرشية هذه المكذوبات ودونتها في صحاحها ! ورتب عليها فقهاؤهم أحكاماً بتحريم الزواج على بنت النبي صلی الله علیه و آله، استثناءً لها من نساء الأمة، لأن ذلك يؤذي النبي صلی الله علیه و آله !

ص: 101

هذا مع أنهم رووا قصة بريدة، وفيها أن علياً علیه السلام تسرى جاريةً من اليمن فشكاه خالد الى النبي صلی الله علیه و آله فقال: إن حق علي علیه السلام من الخمس أكثر من جارية ! ولم ينتقد النبي صلی الله علیه و آله عمل علي علیه السلام، ولا الزهراء علیها السلام علیهما السلام !

4- أضحية النبي صلی الله علیه و آله مئة من الإبل .. وعلي علیه السلام شريكه فيها ؟

ينبغي التعرض هنا الى أضحية النبي صلی الله علیه و آله بمئة ناقة، مع أن الواجب واحدة، وأشرك فيها علياً علیه السلام مع أن يجب أن تكون الأضحية معينة، ولا يصح الاشتراك المشاع فيها !

قد يقال إن النبي صلی الله علیه و آله جعلها مئة ناقة بسبب كثرة الناس وحاجتهم الى اللحم، لكن ذلك بعيد، فإن أضاحي منى كانت تكفيهم قبل الاسلام، ويعملون ما بقي منها قديداً مجففاً، والأضاحي في الاسلام أكثر منها في الجاهلية، فلا بد أن يكون السبب تكريم الحج والكعبة الشريفة على سنة ابراهيم علیه السلام، وسنة عبد المطلب رضي الله عنه، كما سيأتي .

مهما يكن، فماذا يعني إشراكه علياً في أضحيته ؟ ولماذا علياً دون غيره من الصحابة وبعضهم عنده أضحية واحدة، وبعضهم ليس عنده أضحية ؟! ولماذا علياً دون فاطمة

سلام الله عليهما ؟! فالروايات تشير الى أن أضحيتها كانت واحدة كما سيأتي .

أما الحسن والحسين علیهما السلام ، فقد يكون النبي صلی الله علیه و آله ضحى عنهما في حجة الوداع بكبشين أقرنين، لأنه كان يضحي عنهما كل عام في المدينة يوم الأضحى بكبشين أقرنين منذ نزل قوله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر، إن شانئك هو الأبتر)، فقد رد الله قول الذين قالوا إن محمداً أبتر لاذرية

ص: 102

له .. وأعطاه خير الذرية من ابنته فاطمة علیها السلام، فقد روى البيهقي في سننه: 5/238 (عن أنس بن مالك أن النبي كان يضحي يوم النحر بكبشين أملحين أقرنين) ورواه البخاري ومسلم، ولكن رواة الخلافة قالوا إنه كان ينوي كبشاً عن آل محمد، وآخر عن أمته .

أما نساء النبي صلی الله علیه و آله فقد ضحى النبي صلی الله علیه و آله عنهن جميعاً ببقرة واحدة ! قال في فتح الباري:3 /440: (عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن أزواجه بقرة واحدة) وقال الشوكاني في نيل الأوطار:5/191: (عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة ولا نرى إلا الحج . . . قالت: فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هذا ؟ فقيل: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه . متفق عليه) . ونحوه في سير أعلام النبلاء للذهبي: 9 /219 .

وقد تحير الفقهاء والباحثون في معنى إشراك النبي صلی الله علیه و آله علياً علیه السلام في أضحيته؟! فقال النووي في شرح مسلم: 8/192: (وأما قوله وأشركه في هديه، فظاهره أنه شاركه في نفس الهدي، قال القاضي عياض: وعندي أنه لم يكن تشريكاً حقيقة، بل أعطاه قدراً يذبحه، والظاهر أن النبي صلی الله علیه و آله نحر البدن التي جاءت معه من المدينة وكانت ثلاثاً وستين، كما جاء في رواية الترمذي وأعطى علياً البدن التي جاءت معه من اليمن، وهي تمام المائة والله أعلم) . ونحوه في شرح السيوطي على مسلم:3/324 .

وقال الشوكاني في نيل الأوطار: 5/192: (قوله: وأشركه . ظاهره أنه أشركه في نفس الهدي . .) . انتهى .

ص: 103

وكلام النووي والشوكاني قويٌّ، لأن الظاهر من الإشراك الحقيقي لا الشكلي، وهو المفهوم من رواية جابر المطولة التي روتها مصادر السنة في وصف حج النبي صلی الله علیه و آله، ونقل الزيلعي في نصب الراية: 3/131 منها فقرات واضحات، قال: (أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها سبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده، ثم أعطى علياً فنحر ما غبر وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال: انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم، فناولوه دلواً فشرب منها . ورواه بن حبان في صحيحه) . انتهى .

بل روت مصادرهم أن نحر الأضحيات كان مشتركاً أيضاً، فقد روى البيهقي في سننه: 5/238: عن (غرفة بن الحارث الكندي قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأتي بالبدن فقال: أدعوا لي أبا حسن، فدعي له علي علیه السلام فقال له: خذ بأسفل الحربة، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلاها، ثم طعنا بها البدن، فلما فرغ ركب بغلته وأردف علياً) . انتهى . ورواه الطبراني في الأوسط: 3/173، والكبير: 18/262

وقد يفهم من بعض روايات مصادرنا ما يؤيد رأي عياض في أنه اشتراك علي علیه السلام ليس في المئة ناقة كالذي رواه الصدوق في علل الشرائع: 2/ 413، قال: (وأشركه في هديه وجعل له من الهدي سبعاً وثلاثين، ونحر رسول الله صلی الله علیه و آله ثلاثاً وستين نحرها بيده، ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلها في قدر واحد، ثم

ص: 104

أمر به فطبخ فأكلا منهاوحسوا من المرق فقال: قد أكلنا الآن منها جميعاً). انتهى .

لكن ما تقدم من اشتراكهما في النحر، والأكل من المرق وقوله صلی الله علیه و آله (قد أكلنا الآن منها جميعاً) يؤيد اشتراكهما الحقيقي في تمام المئة!

وحيث ثبت أنه اشتراك حقيقي فالمشكلة تزداد! إذ كيف يصح أن يشترك اثنان في عددمن الأضحيات على نحو المشاع، وذلك يوجب الجهالة في عين الأضحية، التي يجب أن تكون معينة مشخصة وصاحبها معيناً ؟! ولهذا أجاب بعض فقهائنا بأن هذا الحكم خاص بالنبي صلی الله علیه و آله لأنه لا يتفق مع القاعدة . .

لكن يبقى السؤال: هل خرق النبي صلی الله علیه و آله القاعدة الفقهية .. أم أن أذهاننا لم تصل الى محتواها .. ؟ وأن الإثنينية بين النبي صلی الله علیه و آله وعلي علیه السلام هنا ملغاة، فهما من نور واحد، وعلي علیه السلام نفسه بقوله تعالى (وأنفسنا وأنفسكم) !!

مهما يكن .. فإن هذا العمل من النبي صلی الله علیه و آله كان في نظر قريش .. إمعاناً منه في ترتيب الأمر بعده لعلي علیه السلام وذرية النبي من فاطمة علیها السلام صلوات الله عليه وعليهم ! فأصحاب الأذهان المادية المسطحة يفهمون تصرفات النبي صلی الله علیه و آله على أنها عمل شخصي، ولا يريدون أن يفهموا أنه لاينطق عن الهوى، ولا يفعل عن الهوى . . صلوات الله عليه وآله .

ولا بد أن هذا التمييز النبوي لعلي علیه السلام، كغيره من تمييزاته له، كان مؤججاً لحسد قريش لعلي علیه السلام .. ولكن ماذا يصنع النبي صلی الله علیه و آله لقريش، فإنما عليه أن يبلغ، وليس مسؤولاً عن غضب من يغضب، ولا حسد من يحسد !

قال القاضي النعماني المغربي في شرح الأخبار: 1/253: (وكان علي علیه السلام أول من آمن بالله عز وجل وتولى رسوله صلی الله علیه و آله، وأول من صلى معه وتزكى

ص: 105

وصام، وأول من جاهد في سبيل الله، وبذل مهجته دون رسول الله صلی الله علیه و آله، ولما حج رسول الله أشركه في هديه، فكان بذلك أفضل من حج معه .. فجمع الله عز وجل له السبق إلى كل فضيلة، إبانةً له بالفضل عمن سواه، وأنه أقرب الخلق بعد رسول الله صلی الله علیه و آله بقوله تبارك اسمه في كتابه (والسابقون السابقون أولئك المقربون) فكان علي علیه السلام أسبق الخلق إلى كل فضيلة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله، لما يؤثر من سبقه إلى الجهاد وعنائه فيه، وإنه أوفر الأمة حظاً منه، بما أبان الله عز وجل به فضله على سائر الأمة لقوله عز وجل: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى، وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما) . انتهى .

5- عدد المئة من الإبل .. أيضاً يغيض قريشاً !

تضمن هدف النبي صلی الله علیه و آله في أضحياته غيضاً أكبر لقريش، فقد أراد أن تبلغ أضحيته مع أضحية علي علیه السلام مئة ناقة، بقدر أضحية جدهما عبد المطلب رضوان الله عليه، الذي كان نذر أن يذبح ولده عبد الله قرباناً لله تعالى، وتكريماً لبيته، فأمره الله تعالى أن يفديه بمئة ناقة !

فإن قريشاً بعد اضطرارها للدخول في الاسلام، كانت تعمل على اعتبار عبد المطلب وكل آباء النبي مشركين !

ثم أضاف الأمويون بعد ذلك اليه عم النبي صلی الله علیه و آله أبا طالب، فقالوا إنه مات مشركاً وإنه نصر النبي صلی الله علیه و آله حمية لابن أخيه ولم يسلم! وغرضهم من ذلك أن ينفوا وراثة عبد المطلب لدين جده اسماعيل وابراهيم، وينفوا وراثة أبي طالب

ص: 106

والنبي صلی الله علیه و آله لعبد المطلب، وينفوا وراثة بني هاشم للنبي وعبد المطلب ! وبذلك تتخلص قبائل قريش من أي وراثة لبني هاشم للنبي صلی الله علیه و آله !

فأراد النبي صلی الله علیه و آله بذلك أن تكون أضحية ابنيْ عبد المطلب أي هو وعلي علیه السلام، مئة من الإبل، بقدر أضحية جدهم عبد المطلب رضوان الله عليه !

وقد رأيت في أحاديث أضحية النبي صلی الله علیه و آله في مصادر الطرفين أنه صلی الله علیه و آله عندما وافاه علي علیه السلام قادماً من اليمن سأله كم ساق معه من الهدي، فأجابه أربعاً وثلاثين ناقة، وكان النبي صلی الله علیه و آله ساق معه ستاً وستين .. فكبَّرَ النبي صلی الله علیه و آله لذلك، وليس معنى تكبيره إلا أنه اعتقد أن ذلك إرادة إلهية لأن تكون أضحيتهما معاً مئة كاملة، مشتركة بينهما !

ويؤيد ذلك ما صح عندنا عن الأئمة علیهم السلام في مدح عبد المطلب ففي الكافي: 1/446: في صحيح زرارة عن الصادق علیه السلام قال: (يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمة وحده، عليه سيماء الأنبياء، وهيبة الملوك !) .

وفي من لا يحضره الفقيه: 3 / 89: عن الباقر علیه السلام قال: (أول من سوهم عليه مريم بنت عمران وهو قول الله عز وجل: وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم، والسهام ستة .

ثم استهموا في يونس لماركب مع القوم فوقعت السفينة في اللجة فاستهموا فوقع السهم على يونس ثلاث مرات، قال: فمضى يونس إلى صدر السفينة فإذا الحوت فاتح فاه فرمى نفسه .

ثم كان عند عبد المطلب تسعة بنين فنذر في العاشر إن رزقه الله غلاماً أن يذبحه، فلماولد عبدالله لم يكن يقدرأن يذبحه ورسول الله صلی الله علیه و آله في صلبه، فجاء بعشر من الإبل فساهم عليها وعلى عبد الله فخرجت السهام على عبد الله، فزاد عشراً فلم تزل السهام تخرج على عبد الله، ويزيد عشراً، فلما أن خرجت مائة

ص: 107

خرجت السهام على الإبل، فقال عبد المطلب: ما أنصفت ربي، فأعاد السهام ثلاثاً فخرجت على الإبل، فقال: الآن علمت أن ربي قد رضي فنحرها !) . انتهى .

فهاتان الروايتان تدلان على أن نذر عبد المطلب صحيح، وإسهامه وفداؤه بالإبل صحيح .. وأنه كان ملهماً من الله تعالى يعلم بأن ولده عبدالله سيلد رسول الله صلی الله علیه و آله !

ويؤيد ذلك ما ثبت له من كرامات، في إرشاد الله إياه في المنام الى حفر زمزم، وإخباره بحفظ البيت من غزو أبرهة، وأنه كان يعلن دائماً أنه على ملة أبيه إبراهيم صلی الله علیه و آله - كما كان أبو طالب يعلن دائماً أنه على ملة عبد المطلب - وأنه أحيا عدداً من سنن شريعة ابراهيم، وشرع تشريعات لقريش والعرب .. أمضاها الاسلام كلها !

ولابد من الإلتفات الى أن عبد المطلب رضي الله عنه كان يعيش في مجتمع وثني يتقرب إلى الأصنام بالقرابين، وقد يذبح أحدهم ولده قرباناً لصنمه !! فمن المعقول أنه قابل ذلك بنذر أحد أولاده قرباناً لله تعالى وتعظيماً لبيته الحرام، كما نذر إبراهيم ذبح ولده اسماعيل، ليكون ذلك دعوةً عملية لعبدة الأصنام أن يعبدوا رب هذا البيت رب إبراهيم واسماعيل، ويقدموا لله قرابينهم عنده، لا لأصنامهم .

أما الاشكالات التي نراها في عمله، فهي واردة على شريعتنا لا على شريعة إبراهيم، ثم هي واردة عندنا لعدم معرفتنا بتفاصيل الحادث والمستند الشرعي الذي استند عليه عبد المطلب في نذره وطريقة وفائه به . غير أن ما ثبت لنا عن شخصية عبد المطلب وإيمانه العميق، يكفي للقول بأنه لم يكن يقدم على نذره ثم على التحلل منه بالقرعة، إلا بحجة بينة من ربه تعالى .

ص: 108

وقد روى الدكتور شوقي ضيف في تاريخ الأدب العربي ص 41، طبعة دار المعارف المصرية، أن المنذر بن ماء السماء ملك المناذرة المعاصر لعبد المطلب والذي كان أعظم ملك وثني في العرب، قد أسر ابن الحارث بن شمر ملك الغساسنة النصراني في حربه معه، فذبحه قرباناً للعزى !! فلا يبعد أن يكون نذر عبد المطلب أن يذبح واحداً من أولاده لرب البيت سبحانه، تعزيزاً لدين إبراهيم ورداً على عمل المنذر في عبادة صنم العزى !

وعلى هذا يكون غيض قريش أكثر من تأكيد النبي صلی الله علیه و آله لعمل جده عبد المطلب، خاصةً وأن فيه إثباتاً لشراكة علي علیه السلام معه في وراثة عبد المطلب، صلوات الله على رسوله وآله، وعلى جده عبد المطلب .

6- يا فاطمة علیها السلام .. قومي الى أضحيتك فاشهديها

قال الحاكم في المستدرك: 4/ 222: (عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: يا فاطمة علیها السلام قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه يغفر لك عند أول قطرة تقطر من دمها كل ذنب عملتيه، وقولي: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لاشريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين .

قال عمران: قلت يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة، فأهل ذاك أنتم (وفي رواية البيهقي وابن حميد والشعراني وغيرهم: وهم أهل لما خصوا به) أم للمسلمين عامة ؟ قال: لابل للمسلمين عامة . هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه . وشاهده حديث عطية عن أبي سعيد . . . وفيه: (قالت يا رسول الله هذا لنا أهل البيت خاصة، أو لنا وللمسلمين عامة ؟ قال: بل لنا وللمسلمين عامة) . انتهى .

ص: 109

وهنا عدة أسئلة: لماذا قال لفاطمة علیها السلام خاصة، ولم يقل لغيرها من النساء ؟ وهل يستحب للمرأة أن تشهد أضحيتها في منى ؟

وما معنى أن مصادرنا الأساسية لم ترو هذه الرواية، وروت بدلها أن لصاحب الأضحية بكل قطرة من دمها حسنة ؟

لكن الذي يدخل في غرضنا هو خصوصية فاطمة

سلام الله عليها واهتمام النبي صلی الله علیه و آله الخاص بتوجيهها، لكي تتقن نسكها وعبادتها .

7- خواطر الصديقة الطاهرة بعد حجة الوداع ..

(1)

بعد العودة من حجة الوداع .. كانت أكبر مسألة تشغل ذهن الصديقة الطاهرة سلام الله عليها، شعورها أن الأيام تقترب من فقدها لأبيها ..

هذا الأب الذي يعني لها كل شئ بعد الله تعالى .. الأب الذي يهبط عليه جبرئيل بين يوم ويوم، وربما مرات في اليوم، يبلغه عن الله العظيم، ويخبره بأخبار أوليائه، وخطط أعدائه، ويوجهه بما يجب فعله .. وفاطمة علیها السلام تنعم بكل نعم الله التي تتنزل على أبيها .

وجود النبي صلی الله علیه و آله يعني لها . . الأب العطوف عطفاً غامراً، تمتزج فيه الأبوة الحانية بالنبوة الهادية، والقدوة العليا بالأخوة والألفة . .

ويعني لها .. العماد الذي تقوم به حياتها وحياة زوجها وأولادها، خاصة بعد فقدها لأمها وأخوالها، ورجال بني هاشم أهل العاطفة والمعرفة والشهامة كعمها أبي طالب وحمزة وجعفر .. في مجتمع لاتقوم فيه الحياة إلا بعشيرة .

ص: 110

ويعني لها قبل ذلك وبعده .. علاقة جزء الجوهر بكله وحنينه اليه .. ففاطمة علیها السلام منذ الأزل جزءٌ لا يتجزأ من النور المحمدي، خلقهم الله قبل هذا العالم، أجساماً نورانية خاصة، فعبدوه عند عرشه، وأحبوا بعضهم بحبه .. ولذا لاترى لها في هذه النشأة مناغماً في فكرها ومشاعرها وعالمها مع ربها، مثل أبيها وبعلها وبنيها، صلوات الله عليهم .

كان من الصعب على فاطمة علیها السلام أن تتصور، حتى مجرد تصور، أنها ستفقد أباها عن قريب، وتعيش بعده بدونه ! لذا كان الشئ الوحيد الذي يسليها عن فراقه، ويخرجها من بكائها وحزنها العميق .. أن النبي صلی الله علیه و آله قال لها لاتخافي يافاطمة علیها السلام، إن مدة بقائك بعدي قليلة (أنت أول أهل بيتي لحوقاًبي) ! فتنفست فاطمة علیها السلام الصعداء، وتوقفت دموعها الغزار وتبسمت تبسم الرضا .. قالت عائشة: (فأقبلت فاطمة علیها السلام تمشي ماتخطئ مشيتها من مشية رسول الله شيئاً، فلما رآها رحب بها فقال مرحباً بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم سارَّها فبكت بكاء شديداً، فلما رأى جزعها سارَّها الثانية، فضحكت ! قالت عائشة: مارأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن ! وسألتها عما قال لها النبي صلی الله علیه و آله فقالت إنه بشرها بأنها ستلحق به عما قريب !

(2)

والأمر الآخر الذي كان يشغل ذهن الصديقة الزهراء علیها السلام .. هو فتنة الأمة الحتمية بعد أبيها، والعاصفة التي يعد لها زعماء قريش ليل نهار، ليحرفوا سفينة الاسلام عن مجراها الرباني الهادي .. الى مجرى قبلي خشن ! لقد أخبرها النبي صلی الله علیه و آله بأن ذلك قضاء الله تعالى على هذه الأمة كماكان قضاؤه على الأمم السابقة بعد أنبيائها.. أن يعطيها الحرية والقدرة على اختيار الضلال، مادامت لم

ص: 111

ترتفع الى مستوى عقلاني تفهم فيه الفرق بين القيادة المعينة من الله تعالى، والمعينة من القبيلة الغالبة.. ! كلا بل إن زعماءها فهموا ذلك ووعوه،لكن حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها، فاختاروا منطق القبائل والأطماع، على منطق النص النبوي !

لقد أعد النبي صلی الله علیه و آله فاطمة علیها السلام وعلياً والحسنين علیهم السلام لمرحلة ما بعده .. فلا تنقصهم المعلومات، ولا التوجيهات، ولا اليقين بما سيكون .. فقد حكاه الله لنبيه فحكاه لهم، فآمنوا به على مستوى الحس لا الحدس .. وأخذ عليهم النبي صلی الله علیه و آله العهد والميثاق أن يصبروا ويعملوا لإنقاذ ما يمكن .. وأعطوه العهد على ذلك عن إيمان ورضا، ووطنوا أنفسهم على العطاء لله من كرامتهم حتى يرضى !

لكن هذا اليقين لا يمنع فاطمة علیها السلام أن تستشرف صور الفتنة وعواصفها المزمجرة كلما اقتربت أيام وصولها.. فقد دخلت على أبيها في مرضه وقد (جرت دموعها على خديها، فقال لها رسول الله صلی الله علیه و آله: ما يبكيك يا فاطمة علیها السلام ؟ قالت: يا رسول الله أخشى على نفسي وولدي الضيعة بعدك، فاغرورقت عينا رسول الله بالبكاء، ثم قال: يا فاطمة علیها السلام أما علمت أنا أهل بيت اختار الله عز وجل لنا الآخرة على الدنيا، وأنه حتم الفناء على جميع خلقه ...) !!

فاغرورقت عينا رسول الله بالبكاء .. فهو على يقين مثلها أن عاصفة بطون قريش بالباب، تنتظر أن يغمض عينيه لتعصف بالاسلام وبالترتيبات الربانية النبوية له ! ويعرف أنها أول هدف للعاصفة بيت علي علیه السلام وفاطمة علیها السلام والحسن والحسين، وأنها ستهددهم بإحراق البيت بمن فيه، أو يعترفوا بشرعية إمام القبائل القرشية!!

ص: 112

يعرف مثلها أن عاصفة أبي بكر وعمر ستفتح باب العواصف على آل محمد حتى يضج منها التاريخ .. فيعيشون وشيعتهم مظلومين مضطهدين مقهورين، ما بين مسموم ومقتول ومسجون ومشرد.. حتى يظهر مهديهم الموعود من رب العالمين .

يبكي النبي صلی الله علیه و آله لبكاء فاطمة علیها السلام .. ويقول بذلك لها.. نعم سيكون ماتخشين يا فاطمة علیها السلام، لكن علينا أن ندفع ضريبة العبودية الكاملة لربنا .. فقد آمنا بها واخترناها ورضيناها . . وهي ضريبة أيام قليلة، تعقبها راحة طويلة . . فعمر الدنيا القصير يسهل الأمر يابنية !

(3)

بعد حجة الوداع، لم يكن أحدٌ يعاني كما عانت فاطمة علیها السلام وعلي علیه السلام والحسنان . كان وداع النبي صلی الله علیه و آله بالنسبة اليهم وداعاً لعالم أعلى فيه كل شئ .. واستعداداً للدخول في عالم الأحزان والآلام، ومقارعة العواصف والأفاعي !!

كانوا يدركون أن كل تأكيدات النبي صلی الله علیه و آله واحتياطاته سوف لا تؤثر في قريش التي ركبت رأسها وأصرت على مؤامرتها، وهيأت الأجواء في قبائلها وقبائل العرب وحتى في أوساط من الأنصار، بأن بني هاشم تكفيهم النبوة، وليس من العدل أن يجمعوا بين النبوة والخلافة، ويحرموا قبائل قريش !!

لقد شاهدت فاطمة علیها السلام في حجة الوداع أنواعاً من الصراع بين الهدى النبوي والضلال القرشي.. ورأت أن النبي صلی الله علیه و آله خطب خمس خطب، وأوضح للأمة مراراً موقع عترته وأهل بيته من بعده، بأساليبه المبتكرة، وبلاغته النبوية .. وأنه كلما وصل الى تعيين الولاة بعده وأن الله غرسهم في هذا البيت من بني هاشم ..

ص: 113

لغطت قريش وشوش أتباعها المبثوثون في مجلسه، وصاحوا وقاموا وقعدوا وكبروا .. ثم قالوا: قال النبي صلی الله علیه و آله: قريش، قريش .. والأئمة من قريش من كل قريش .. ولم يحصرهم في بني هاشم !!

لقد أقام النبي صلی الله علیه و آله الحجة لربه بينةً صريحةً .. ويوم الغدير لم يبق لأحد عذراً .. لكن الحجة لله ولرسوله كأنها لاتعني قريشاً بشئ.. فهذا سهيل بن عمر يمسك بزعامتها في مكة ويقول نحن ومحمد ! ويرسل جابر بن النضر العبدري ليعترض على النبي صلی الله علیه و آله، لأنه بزعمه لم يكتف بما فرضه على الناس من صلاة وصوم وزكاة وحج .. حتى أخذ بضبع ابن عمه قائلاً: من كنت مولاه فعلي علیه السلام مولاه !

وهؤلاء الطلقاء من قريش صاروا ألوفاً في المدينة، وهم ملتفون حول أبي بكر وعمر، وعائشة وحفصة تواصلان تظاهرهما على رسول الله وتفشيان سره لهم ! وكلما علَّمَ جبرئيل النبي صلی الله علیه و آله خطةً لترتيب الوضع لوصيه وعترته من بعده .. عملوا في إبطالها وتخريببها !!

حتى أن النبي صلی الله علیه و آله عرض عليهم ما لم يعرضه نبي على أمته قط ! وطلب منهم أن يقبلوا بكتاب يكتبه لأمته يؤمنها من الضلال الى يوم القيامة، ويجعلها سيدة العالم الى يوم القيامة ! فبادروا الى رفضه، ودفعوا عمر لمواجهة النبي صلی الله علیه و آله بكل صلافة: لاحاجة لنا بكتابك، ومنعوه من كتابه !!

ثم أراد النبي صلی الله علیه و آله أن تفرغ المدينة من دعاة الفتنة وأرسلهم في جيش أسامة .. وفيهم سبع مئة رجل من قريش .. فاصطنعوا المشاكل والأعذار لتسويف الوقت وإفشال غزوة أسامة !!

كانت فاطمة علیها السلام ترى كل المقادير تسير الى وقوع الكارثة على الاسلام وعترة نبيه، بمجرد أن يغمض النبي صلی الله علیه و آله عينيه ويلاقي ربه !!

ص: 114

صدق الله ورسوله . . سمعاً وطاعة يا أبتاه .. تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، فرضا الله رضانا أهل البيت . .

في أمالي الشيخ الطوسي ص 188: (عن عبد الله بن العباس، قال: لما حضرت رسول الله الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته، فقيل له: يا رسول الله ما يبكيك ؟ فقال: أبكي لذريتي، وما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي، كأني بفاطمة

ابنتي وقد ظلمت بعدي وهي تنادي يا أبتاه يا أبتاه، فلا يعينها أحد من أمتي . فسمعت ذلك فاطمة علیها السلام فبكت، فقال لها رسول الله لم تبكين يا بنية؟ فقالت: لست أبكي لما يصنع بي من بعدك، ولكن أبكي لفراقك يا رسول الله . فقال لها: أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي، فإنك أول من يلحق بي من أهل بيتي) .

وبعين الله ماسألقاه بعدك يا أبتي . . يغصب حق زوجي، ويهجمون علينا ويضرمون النار في دارنا، ويهتكون حرمتنا، وأهان أنا وأضرب ويسقط جنيني، ويقاد زوجي بحمائل سيفه .. رضاً برضا الله ياأبت .. ورضاك .

ص: 115

ص: 116

الفصل الخامس: النبي صلی الله علیه و آله يحاول إبعاد عاصفة الحزب القرشي عن الاسلام

اشارة

ص: 117

ص: 118

1- سعي النبي صلی الله علیه و آله قبل وفاته لترتيب الحكم بعده

رجع النبي صلی الله علیه و آله من حجة الوداع الى المدينة بعد العشرين من ذي الحجة.. وعاش فيها نحو ثمانين يوماً، هي بقية ذي الحجة وشهر محرم وصفر الى الثامن والعشرين منه، حيث توفي صلوات الله عليه ..

وفي هذه المدة نزلت بقية آيات القرآن، وجرت أحداث أكثرها يتعلق بخلافته صلی الله علیه و آله، فقد كان الجو الحاكم جو الترقب لوفاته، فهو الصادق الأمين، وقد أخبر عن قرب رحيله الى ربه.. وقد اتضح للجميع أن النبي صلی الله علیه و آله قد استكمل في حجة الوداع وفي غدير خم ترتيب الأمر لعترته أهل بيته وكثر حديثه في التأكيد على متاب الله وعترته، والتبشير بالأئمة الاثني عشر منهم كعدد نقباء بني اسرائيل .. وقد رأوه عين علياً علیه السلام أول إمام من العترة، وأعلن أن سبطيه الحسن والحسين إمامان بعد أبيهما . .

ومعنى ذلك في ذهنية بطون قريش القبلية المادية، أن النبي صلی الله علیه و آله أسس لبني هاشم ملكاً يمتد مع الدهر، وحرم قبائل قريش والعرب من خلافته، وفرض عليهم طاعة الأئمة من بني هاشم !

ص: 119

كانت قريش متحيرة مع النبي صلی الله علیه و آله، حيث لم ينفع معه نقاش ولا اعتراض، فهو يقول إنه لم يفعل شيئاً لعترته من عند نفسه، بل كان كل ما فعله بأمر ربه ! لكنها مسألة لا يمكن لقريش أن تؤمن بها ولا أن تسكت عنها .. فما العمل ؟ !

لقد قرر زعماء قريش أن ينشطوا ويعملوا المستحيل .. حتى لا يجمع بنو هاشم بين النبوة والخلافة ! ويحرموا قبائل قريش بزعمهم !!

لقد تجسد في قريش حسد أبناء يعقوب .. واتضحت فيهم الانتقائية في الايمان بنبوة محمد بن عبد المطلب بن هاشم ! فقد غلبها محمد وأعلنت دخولها في الاسلام، وقررت أن ترضى به نبياً، لكن بدون عترته !

أما في عمل النبي صلی الله علیه و آله مع الحزب القرشي .. فقد تجلى القانون الالهي في التبليغ وإقامة الحجة، وترك الحرية للناس .. أن يهتدوا .. أو يضلوا !!

2- حساسية قريش من البشارة النبوية بالأئمة الاثني عشر !

روى أحمد في مسنده: 5/92: (عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش . قال ثم رجع إلى منزله فأتته قريش فقالوا: ثم يكون ماذا ؟ قال: ثم يكون الهرج) ! ومن المرجح أن يكون هذا الحديث في مسجده في المدينة، في الشهرين الباقيين من عمره الشريف، لأنه ثبت في صحاحهم أن النبي صلی الله علیه و آله تحدث عن الأئمة الاثني عشر في حجة الوداع في خطبة عرفات، وربما في غيرها .

وقد نص الطبراني في المعجم الكبير: 2/256 ح 2073، على أن هذا الحديث كان في المدينة، فقال: (عن جابر بن سمرة: قال سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وهو يخطب على المنبر ويقول: اثنا عشر قيماًَ من قريش، لا يضرهم عداوة من عاداهم !! قال فالتفت خلفي، فإذا أنا بعمر بن الخطاب رضي الله عنه

ص: 120

وأبي في ناس، فأثبتوا لي الحديث كما سمعت) . انتهى . وقال عنه في مجمع الزوائد: 5/191: (رواه البزار عن جابر بن سمرة وحده وزاد فيه: ثم رجع، يعني النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته فأتيته فقلت ثم يكون ماذا؟ قال ثم يكون الهرج . ورجاله ثقات) . انتهى .

ويلاحظ أنه يوجد في الروايتين كلمة (بعدي) مما يدل على أن النبي صلی الله علیه و آله أخبر أن هؤلاء الأئمة الاثني عشر يكونون بعده مباشرة .. وأن الذي (صحح) الحديث للغلام سمرة هو عمر فقال له نعم إن النبي صلی الله علیه و آله قال إن هؤلاء القيمين الربانيين على الأمة من كل بطون قريش، وليسوا من بني هاشم فقط !

كما يلاحظ حساسية قريش وشدة اهتمامهم بالموضوع، وسؤالهم عن هؤلاء الأئمة الربانيين وما يكون بعدهم! وقريش في المدينة تعني أول ماتعني أبا بكر وعمر، والطلقاء الذين كثروا في المدينة بعد الفتح .

كما يلاحظ أن النبي أخبر عن عداوة أمته أو بعضها لهؤلاء الأئمة القيمين بأمر ربهم على الأمة (لا يضرهم عداوة من عاداهم) !!

ومن عجائب قريش ورواتها أن جابر بن سمرة روى أحاديث الأئمة الاثني عشر في حجة الوداع، وعندما وصل الى هويتهم ضاع عليه كلام النبي صلی الله علیه و آله فلم يسمعه، بسبب لغط الناس في عرفات !

ثم رواه عن النبي صلی الله علیه و آله في المدينة، وزعم أن النبي صلی الله علیه و آله قال إنهم من قريش، أي من قبائلها الثلاث والعشرين ! وإن عمر وغيره أثبتوا له الحديث كما نقله !

أما ابن أبي جحيفة .. فعندما وصل الى هويتهم ضاع عليه كلام النبي صلی الله علیه و آله أيضاً فلم يسمعه، لكن بسبب انخفاض صوت النبي صلی الله علیه و آله ! قال الحاكم في

ص: 121

المستدرك: 3/618: (عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: كنت مع عمي عند النبي صلی الله علیه و آله فقال: لا يزال أمر أمتي صالحاً حتى يمضي اثنا عشر خليفة، ثم قال كلمة وخفض بها صوته، فقلت لعمي وكان أمامي: ما قال يا عم ؟ قال: قال يا بني: كلهم من قريش) . انتهى . وقال عنه في مجمع الزوائد: 5/190: (رواه الطبراني في الأوسط والكبير، والبزار، ورجال الطبراني رجال الصحيح) . انتهى.

وهذا أمر لامثيل له في كل أحاديث رسول الله صلی الله علیه و آله ! وهو يدل على أن هوية هؤلاء الأئمة الاثني عشر مهمة عند الحزب القرشي جداً، وأنهم لايرتاحون حتى يقولوا: كلهم من قريش وليسوا فقط من بني هاشم !!

3- مبعوث قريش الوقح من بني عبد الدار .. !

بنو عبد الدار وقد يقال لهم العبدريون، من أشجع قبائل قريش، وهم أصحاب لوائها، أي لهم وزارة دفاعها ! وقد قادوا كل معاركها ضد النبي صلی الله علیه و آله .. وقتل علي علیه السلام يوم أحد فقط تسعةً من أبطالهم تناوبوا على حمل اللواء ! وبضعةً آخرين في معارك الاسلام الأخرى، ومنهم أخ جابر هذا الذي روى أبو عبيد الهروي في كتابه: غريب القرآن، أنه قصد النبي صلی الله علیه و آله الى المدينة محتجاً على استخلافه ابن عمه علي علیه السلام في غدير خم !!

قال في مناقب آل أبي طالب 2/240: (أبو عبيد، والثعلبي، والنقاش، وسفيان بن عينيه، والرازي، والقزويني، والنيسابوري، والطبرسي، والطوسي في تفاسيرهم، أنه لما بَلَّغَ رسول صلی الله علیه و آله بغدير خم ما بَلَّغ، وشاع ذلك في البلاد، أتى الحارث بن النعمان الفهري، وفي رواية أبي عبيد: جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري فقال: يا محمد ! أمرتنا عن الله بشهادة أن لا إله إلا الله وأن

ص: 122

محمداً رسول الله، وبالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، فقبلنا منك . ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي علیه السلام مولاه ! فهذا شئ منك أم من الله ؟ ! فقال رسول الله: والذي لا إله إلا هو إن هذا من الله .

فولى جابر يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم !! فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر، فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله، وأنزل الله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع . . الآية) . انتهى .

والحديث بموازين الجرح والتعديل السنية صحيح، ولابد أن يكون معنى قول الراوي (وأنزل الله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع .. الآية) أنه نزل يومئذ تأويلها، وفي بعض رواياتها أن جبرئيل قال للنبي: يا محمد إقرأ سأل سائل .. أي هذا تأويل قوله تعالى الذي نزل عليك في مكة .

وقد أحصى علماؤنا، كصاحب العبقات، وصاحب الغدير، وصاحب إحقاق الحق، وصاحب نفحات الأزهار، وغيرهم.. عدداً من أئمة السنيين وعلمائهم الذين أوردوا هذا الحديث في مصنفاتهم فزادت على الثلاثين، بعدة طرق وأسانيد .

4- زعماء الأنصار يعرضون خدماتهم على النبي صلی الله علیه و آله . .

يظهر من الأحاديث الواردة في تفسير قوله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)، أن لهذه الآية أكثر من قصة مع النبي صلی الله علیه و آله والمسلمين .. وأن أصل نزولها عندما عرض عليه الأنصار خدماتهم في أوائل قدومه الى المدينة.. قال الواحدي في أسباب النزول ص 251: (قوله تعالى: قل لا

ص: 123

أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى، قال ابن عباس: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة،كانت تنوبه نوائب وحقوق وليس في يده لذلك سعة، فقال الأنصار: إن هذا الرجل قد هداكم الله تعالى به، وهو ابن أختكم وتنوبه نوائب وحقوق وليس في يده لذلك سعة، فاجمعوا له من أموالكم مالايضركم فأتوه به ليعينه على ما ينوبه، ففعلوا

ثم أتوا به فقالوا يا رسول الله إنك ابن أختنا وقد هدانا الله تعالى على يديك، وتنوبك نوائب وحقوق، وليست لك عندنا سعة، فرأينا أن نجمع لك من أموالنا فنأتيك به فتستعين على ما ينوبك وهو هذا، فنزلت هذه الآية) . انتهى .

فقوله (لما قدم رسول الله المدينة) يدل على أن هذه الحركة كانت مبادرة طيبة من الأنصار في أول هجرة النبي صلی الله علیه و آله .. فنزلت الآية ترفض عرضهم وتفرض عليهم بدله حفظ النبي صلی الله علیه و آله في أهل بيته صلى الله عليه وعليهم ! ولا يخفى ما في ذلك من إعجاز إلهي وتكريم للنبي، وإخبارٍ بالظلم الذي سيلاقيه أهل بيت النبي علیهم السلام من بعده، ومعالجةٍ لمشكلة سوف تحدث في الأمة !!

أما الرواية التالية فهي تتحدث عن مرحلة تالية بعد ولادة الحسن والحسين علیهما السلام ، قال في مجمع الزوائد ج7 ص 103: (وعن بن عباس قال لما نزلت: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)، قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال: علي علیه السلام وفاطمة علیها السلام وابناهما . رواه الطبراني من رواية حرب بن الحسن الطحان، عن حسين الأشقر، عن قيس بن الربيع وقد وثقوا كلهم وضعفهم جماعة، وبقية رجاله ثقات .

وفي مجمع الزوائد: 9/ 168: (وعن ابن عباس قال لما نزلت (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) قالوا: يا رسول الله ومن قرابتك هؤلاء

ص: 124

الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي علیه السلام وفاطمة علیها السلام وابناهما). انتهى . وهذا الحديث في الطبراني الكبير: 3 /47، وفي إرشاد الساري: 7 /330، ونقله الرازي في تفسيره: 14 جزء 27 / 166، عن الكشاف للزمخشري . وذكره في هامش الترغيب للمنذري: 3 /366، وقال: قال البيضاوي: اللهم إني أحب الحسن والحسين، فأقبل حبي لهما، وشرحي لحديث جدهما صلى الله عليه وسلم) . انتهى .

وأما الروايات الثالثة، فهي تتحدث عن مرحلة لاحقة قد تكون قريبة من حجة الوداع أو بعدها .. قال في مجمع الزوائد: 7/103: (وعن ابن عباس قال قالت الأنصار فيما بينهم: لو جمعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مالاً فبسط يده لايحول بينه وبينه أحد فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا أردنا أن نجمع من أموالنا فأنزل الله جل ذكره: (قل لا أسألكم عليه أجراً الا المودة في القربى) فخرجوا مختلفين فقال بعضهم: إنما قال هذا لنقاتل عن أهل بيته وننصرهم، فأنزل الله جل ذكره: (أم يقولون افترى على الله كذباً .. إلى قوله: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) فعرض لهم التوبة إلى قوله: (ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله) . رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وزاد بعد من فضله: هم الذين قالوا هذا . إن تتوبوا إلى الله وتستغفروه . والباقي بنحوه، وفيه عثمان بن عمير أبو اليقظان، وهو ضعيف). انتهى . وتضعيف الهيثمي لايضره لأن سببه تشيعه وقد قال عنه يحيى بن معين كما في تاريخه للدارمي ص 158: (وسألته عن عثمان أبي اليقظان فقال: ليس به بأس) . والحديث في الطبراني الكبير: 3 / 39 وج11/ 444 وج 12/ 26، ورواه أحمد في فضائل الصحابة: 2 /669. وحتى لو كان عثمان بن عمير عندهم ضعيفاً فله متابعات متعددة يصير بسببها على مقاييسهم من الصحيح لغيره .

ص: 125

أما الاشكال عليه بأن هذه الآية أو غيرهانزلت قبل ذلك، فهو من عدم الالتفات الى أن الآية قد تنزل مراراً، ويكون نزولها التالي تأويلاً وتطبيقاً لها .. وقد ثبت عند المفسرين أن سورة الكوثر، وقوله تعالى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) نزلتا أكثر من مرة، في مناسبات مختلفة كان جبريل يقرؤها أو يأمر النبي صلی الله علیه و آله بقراءتها، تسلية من الله تعالى لنبيه صلی الله علیه و آله .

وروى فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره /392: قال: (حدثنا عبد السلام بن مالك قال: حدثنا محمد بن موسى بن أحمد قال: حدثنا محمد بن الحارث الهاشمي قال: حدثنا الحكم بن سنان الباهلي، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لفاطمة علیها السلام بنت الحسين: أخبريني جعلت فداك بحديث أحدث، واحتج به على الناس .

قالت: نعم، أخبرني أبي أن النبي صلی الله علیه و آله كان نازلاً بالمدينة، وأن من أتاه من المهاجرين عرضوا أن يفرضوا لرسول الله صلی الله علیه و آله فريضة يستعين بها على من أتاه، فأتوا رسول الله صلی الله علیه و آله وقالوا: قد رأينا ما ينوبك من النوائب، وإنا أتيناك لتفرض فريضة تستعين بها على من أتاك . قال: فأطرق النبي صلی الله علیه و آله طويلاً ثم رفع رأسه فقال: إني لم أؤمر أن آخذ منكم على ما جئتم به شيئاً، إنطلقوا فإني لم أؤمر بشئ، وإن أمرت به أعلمتكم. قال: فنزل جبرئيل علیه السلام فقال: يا محمد إن ربك قد سمع مقالة قومك وما عرضوا عليك، وقد أنزل الله عليهم فريضة: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى . قال فخرجوا وهم يقولون: ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأشياء، وتخضع الرقاب ما دامت السماوات والأرض لبني عبد المطلب ! قال: فبعث رسول الله صلی الله علیه و آله إلى علي بن أبي طالب أن اصعد المنبر وادع الناس إليك ثم قل: أيها الناس من انتقص أجيراً أجره فليتبوأ مقعده من

ص: 126

النار، ومن ادعى إلى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار، ومن انتفى من والديه فليتبوأ مقعده من النار ! قال: فقام رجل وقال: يا أبا الحسن ما لهن من تأويل ؟ فقال: الله ورسوله أعلم . فأتى رسول الله صلی الله علیه و آله فأخبره، فقال رسول الله: ويل لقريش من تأويلهن، ثلاث مرات ! ثم قال: يا علي انطلق فأخبرهم أني أنا الأجير الذي أثبت الله مودته من السماء، ثم أنا وأنت مولى المؤمنين، وأنا وأنت أبوا المؤمنين) . انتهى .

وفي الصراط المستقيم: 2/93: (وأسند نحو ذلك محمد بن جرير الطبري برجاله في كتاب المناقب وفيه: أخرج فناد: ألا من ظلم أجيراً أجرته فعليه لعنة الله، ألا من تولى غير مواليه فعليه لعنة الله، ألا من سب أبويه فعليه لعنة الله، فنادى بذلك . فدخل عمر وجماعة إلى النبي صلی الله علیه و آله وقالوا: هل من تفسير لما نادى به ؟ قال: نعم، إن الله يقول: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى، فمن ظلمنا فعليه لعنة الله، ويقول النبي صلی الله علیه و آله: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ من كنت مولاه فعلي علیه السلام مولاه، فمن توالى غيره وغير ذريته فعليه لعنة الله وأشهدكم أني أنا وعلي علیه السلام أبوا المؤمنين، فمن سب أحدنا فعليه لعنة الله . فلما خرجوا قال عمر: يا أصحاب محمد ما أكد النبي صلی الله علیه و آله عليكم الولاية لعلي علیه السلام بغدير خم ولا غيره بأشد من تأكيده في يومنا هذا . قال خباب بن الأرت: كان ذلك قبل وفاة النبي صلی الله علیه و آله بسبعة عشر يوماً) . انتهى .

ص: 127

5- أعظم عرض في تاريخ الأنبياء .. وأسوأ رد من صحابته !

المشكلة الكبرى المستعصية والمتكررة في تاريخ الأنبياء، هي أن أممهم تختلف بعدهم وتنحرف، فتجري عليها السنة الإلهية في الصراع الداخلي والضعف والتفكك، حتى تتغلب عليها الأمم الأخرى فتنهار ! ويبدو أنها مشكلة لاحل لها، وأنه لا بد أن تجري سنة الله وقوانينه في الأمم . . !

غير أن نبينا صلی الله علیه و آله قال لأمته إن الله تعالى أوحى اليه علاجاً لهذا المرض الخبيث في تاريخ الأمم ومستقبلها، وأنه علاجٌ مضمون يضمن لأمته أن تكون الى يوم القيامة سيدة العالم ورائدة الأمم، وهادية البشرية الى خير دنياها وآخرتها !! وأن شرطه الوحيد أن يدونه النبي صلی الله علیه و آله في كتاب، ويعلن صحابته قبولهم له والتزامهم بتنفيذه !

إنه أغرب عرض من نبي على أمته .. وهو ميزةٌ عجيبة، وخصوصية فريدة لنبينا صلی الله علیه و آله، فلا نعلم نبياً أنزل عليه هذا العرض وقدمه لأمته، ولعل السبب أن محمداً خاتم الأنبياء صلی الله علیه و آله، وأن أمته خاتمة الأمم الحاملة لرسالة ربها !!

لقد جمعهم النبي صلی الله علیه و آله في بيته في مرض وفاته، وبلَّغهم ما نزل به جبرئيل من عند ربه، وبشرهم بهذا الإكسير الذي يضمن لهم خلود العزة الى يوم القيامة، ويضمن لهم الثبات على خط الهدى الإلهي والتنعم ببركاته الى يوم القيامة .. وقال لهم: إيتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً ! !

فهل ترى - بالله عليك - أروع وأعظم من هذا العرض النبوي ؟

وهل ترى في كلام هذا النبي صلی الله علیه و آله الصادق الأمين ذرة خطأ، أو مساساً بأحد؟

وهل تجاوز النبي صلی الله علیه و آله حقه بصفته نبياً يبلغ رسالة ربه ؟

ص: 128

أو حقه بصفته مؤسس أمة يريد حفظ مستقبلها ؟

أو حقه بصفته رئيس دولة يريد ضمان استقرارها ونموها ؟

أو حقه بصفته مريضاً يريد أن يوصي أمته وذويه ؟

أو حقه بصفته صاحب بيت يريد أن يكتب شيئاً ويشهد عليه الحاضرين؟!

كلا والله.. إذن ما قولك بصحابي لم يقبل كلام النبي صلی الله علیه و آله وواجهه برفض طلبه، مدعياً عدم الحاجة الى كتابة كتاب يضمن عدم ضلال الأمة ! وبطَّن كلامه باتهام النبي صلی الله علیه و آله بالهذيان، وطلب أن يستفهموه ليثبت لهم أنه يهذو !!

وما قولك بأكثرية الصحابة الذين صاحوا: القول ما قاله عمر ! حسبنا كتاب الله !! ثم لغطوا وتصايحوا مع من خالفهم من الصحابة ! حتى طردهم النبي صلی الله علیه و آله وقال لهم: قوموا عني فلا ينبغي عند نبي نزاع ؟!!

إنها قضية كبيرة خطيرة . . غنية بالعناصر العقيدية، والشرعية، والحقوقية، والسياسية، والانسانية .. فالذي حدث فيها أنه ظهرت الى العلن قيادة عمر بن الخطاب في مقابل قيادة النبي صلی الله علیه و آله ! ووقع فيها انقسام الأمة الى جبهتين جبهة مع عمر، هي الأكثرية الغالبة، وجبهة مع النبي صلی الله علیه و آله هي الأقلية المغلوبة !!

وبحساب سياسي.. فقد انتهى أمر الاسلام وأمته وتولى قيادتهما عمر، وقامت أكثرية الصحابة بعزل النبي صلی الله علیه و آله، لكنها أعطته فرصة وهو على فراش المرض لكي يموت باحترام، بدون أن تعلن عليه الردة رسمياً !!!

وهكذا استطاع الحزب القرشي أن يعزل النبي صلی الله علیه و آله نفسه عن القيادة !!!

ولِمَ لا يفعل . . فبعد فتح مكة أي قبل سنتين من هذه الجلسة الصاخبة، عمل سهيل بن عمر زعيم القرشيين الجديد بدهاء، ونجح في أن يحكم قبضته على مكة حتى جعل حاكمها من قبل النبي صلی الله علیه و آله أسيد بن عتاب وجوداً شكلياً لا

ص: 129

أكثر، مع أنه مكي أموي، حتى أن أسيداً توارى خوفاً من القتل عندما توفي النبي صلی الله علیه و آله ! فأرسل اليه سهيل أن اخرج من مخبئك، ولا نقتلك !

كما خطط أئمة الحزب القرشي لتكثير الطلقاء في المدينة فبلغ عددهم ألوفاً ! وزعَّموا عليهم عمر بن الخطاب ليجعل خلافة محمد لكل بطون قريش تتداولها فيما بينها، ويقوم بعزل آل محمد بعد وفاته، ويخلص قريشاً من الأئمة الربانيين من بني هاشم الى الأبد !

وكان من جرأة عمر وحسن أدائه لدوره القيادي أنه عبأ القرشيين في المدينة وبعض الأنصار، وهيأ الأجواء لعزل آل محمد تحت شعار: إن قريشاً لاترضى أن يجمع بنو هاشم بين النبوة والخلافة ! بل زادت جرأته وثقته بتأييد كل قريش له، فجعلته يواجه نبيه في حياته، فأخر حركة جيش أسامة ! ووواجه النبي صلی الله علیه و آله نفسه برفض عرضه بأن يكتب لأمته كتاباً يضمن عدم ضلالهم الى يوم القيامة وتكلم بكلام جارح للنبي ! فأيدت قريش عمر، وصاحت في وجه النبي صلی الله علیه و آله: القول ما قاله عمر .. القول ما قاله عمر !!

هذه الحقائق التي ظهرت يوم الخميس، كان معناها الوحيد عند أهل البيت علیهم السلام، أن يستعدوا لما أخبرهم به النبي صلی الله علیه و آله من الاضطهاد، عندما نظر اليهم ودموعه تترقرق في عينيه وقال: أنتم المستضعفون بعدي !!

ففي مجمع الزوائد: 8/34: (عن أم الفضل بنت الحارث وهى أم ولد العباس أخت ميمونة قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فجعلت أبكى فرفع رأسه فقال ما يبكيك ؟ قالت: خفنا عليك ولا ندري ما نلقى من الناس بعدك يا رسول الله ! قال: أنتم المستضعفون بعدي) .

ص: 130

6- جيش أسامة.. قرار نبوي بإبعاد المخالفين لعلي علیه السلام من المدينة !

اشارة

مؤتة .. مدخل القدس، على مرمى حجر منها، وكيلو مترات قليلة ..!

وهي على بعد نحو 2000 كيلومتر من المدينة.. وفي السنة الثامنة للهجرة، وصل اليها جيش النبي صلی الله علیه و آله .. يعني قبل فتحه لمكة، وخلعه سلاح قريش وتحويله بالقوة باتجاه فتوحات الاسلام !

كانت معركة مؤتة أول معارك النبي صلی الله علیه و آله مع الروم واليهود الذين هم تحت سيطرتهم ! وكان أمير الجيش فيها جعفر بن أبي طالب ابن عم النبي، الذي قال فيه النبي صلی الله علیه و آله عندما رأى شجاعة ابنته أم هاني (لله در أبي طالب لو ولد الناس كلهم لكانوا شجعاناً !!) . كشف الغمة:2/235

أراد النبي صلی الله علیه و آله بإرسال جيش الى مؤتة أن يرسم توجه المسلمين نحو القدس ونحو الروم .. فأرسلهم ثلاثة آلاف بقيادة جعفر وقال: فإن قتل جعفر فأميركم زيد بن حارثة، فإن قتل زيد فأميركم عبد الله بن رواحة ! وهكذا كان.. فقد لقيهم الروم بأضعافهم والتحموا معهم في معركة غير متكافئة، صبر فيها المسلمون واستبسل أميرهم جعفرفعرقب فرسه علامة عدم فراره، وقاتل راجلاً، حاملاً راية النبي صلی الله علیه و آله في يد، والسيف الهاشمي في يد وقتل منهم كثيراً، حتى تكاثروا عليه وقطعوا يده فقاتلهم بالأخرى حتى قطعوها، فسقط شهيداً، وعد بعضهم في بدنه خمسين طعنة رمح وضربة سيف . . رضوان الله عليه . . وأخذ الراية زيد بن حارثة الذي رباه النبي صلی الله علیه و آله، فقاتل بشجاعة حتى استشهد، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بشجاعة حتى استشهد.. وظهر الضعف على المسلمين فانحاز بهم خالد بن الوليد، وانسحبوا من المعركة عائدين .

ص: 131

وكظم النبي صلی الله علیه و آله هزيمة جيشه وشهادة صحابته الأبرار بانتظار أن يؤمر بالكرة .

وبعد حجة الوداع .. وقد كان النبي صلی الله علیه و آله يعيش هموم ترتيب خلافته لعترته الذين اختارهم الله وطهرهم، ويعالج أدواء حسد قريش ومؤامراتها عليهم . . جاءه جبرئيل وأمره أن يخلي المدينة من زعماء قريش ومعهم زعماء الأنصار ويرسلهم كلهم تحت إمرة أسامة بن زيد الى مؤتة، ويستبقي علياً وأهل بيته عنده .. حتى إذا جاءته الوفاة، انتظم الأمر لعلي علیه السلام قبل أن يعودوا فلا يكون لعلي علیه السلام معارض !

أمر النبي صلی الله علیه و آله بإحضار أسامة بن زيد، ابن الثمانية عشر عاماً، وهو شاب أسود، فأمه أم أيمن حبشية وهي أمة للنبي صلی الله علیه و آله زوجها لزيد الذي رباه.. لكنه شاب شجاع، استفاد من تربية النبي صلی الله علیه و آله له ومن تأميره في السنة الماضية على جيش صغير سماه البخاري (باب بعث أسامة بن زيد الى الحرقات - سبل الهدى والرشاد: 6/ 193) . .

أحضر النبي صلی الله علیه و آله أسامة وقال له، كما في عيون الأثر: 2/352: (سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فأغر صباحاً على أهل أبنى وحرق عليهم، وأسرع السير تسبق الأخبار، فإن ظفرك الله فأقلل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع معك .

فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فحم وصدع، فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده، ثم قال: أغزُ بسم الله وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله . فخرج بلوائه معقوداً فدفعه إلى بريدة بن الحصيب

ص: 132

الأسلمي، وعسكر بالجُرف، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة منهم أبوبكر، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد وقتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم بن حريس .. فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس، فما قالةٌ بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ؟! ولئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله ! وأيم الله إن كان لخليقاً للامارة وإن ابنه من بعده لخليق للامارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإنهما لمخيلان لكل خير - أي لمظنة لكل خير - فاستوصوا به خيراً فإنه من خياركم .

ثم نزل فدخل بيته، وذلك في يوم السبت لعشر خلون من شهر ربيع الاول سنة إحدى عشرة، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخرجون إلى المعسكر بالجُرف، وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: أنفذوا بعث أسامة) .

وفي عيون الأثر: 2/352: (فلما كان يوم الأحد اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فدخل أسامة من معسكره والنبي صلى الله عليه وسلم مغمور وهو اليوم الذى لدوه فيه ! فطأطأ أسامة فقبله والنبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة، قال أسامة: فعرفت أنه يدعو لي، ورجع أسامة إلى معسكره .

ثم دخل يوم الاثنين وأصبح رسول الله صلىالله عليه وسلم مفيقاً فقال له: أغد على بركة الله، فودعه أسامة وخرج إلى معسكره، فأمر الناس بالرحيل، فبينا هو

ص: 133

يريد الركوب إذا رسول أمه أم أيمن قد جاءه يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت، فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت، فتوفي حين زاغت الشمس يوم الاثنين . . .) . انتهى .

هذه هي الرواية القرشية لجيش أسامة، أو بعث أسامة .. ولا تحتاج معها الى جهد كبير لتعرف أن جيش أسامة كان خطة ربانية أحبطتها قريش وحققت هدفها في الخلافة .. لكن الله تعالى أتم فيها حجته وحجة نبيه صلی الله علیه و آله .. ونكتفي لذلك بتسجيل الملاحظات التالية:

جيش أسامة أمر رباني نزل فيه الوحي !

أنهم كانوا يعرفون أن أمر النبي صلی الله علیه و آله بإرسالهم في جيش أسامة، والتشديد على سرعة حركته وحرمة تأخره، إنما هو أمر رباني نزل به الوحي ..

ففي تاريخ ابن عساكر: 2 /56، أنهم قالوا لأبي بكر: فلو استأنيت بغزو الروم حتى يضرب الاسلام بجرانه ويعود أهل الردة إلى ما خرجوا منه أو يفنيهم السيف، ثم تبعث أسامة حينئذ . . . فقال: والذي نفسي بيده لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لانفذت هذا البعث ولا بدأت بأول منه كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي من السماء يقول: أنفذوا جيش أسامة ؟!!!) . انتهى .

ص: 134

أول ما برز المنشقون على النبي صلی الله علیه و آله في كتابة الكتاب وجيش أسامة !

من الواضح أن أصل اختلاف المسلمين هو ظهور المنشقين على النبي صلی الله علیه و آله في حياته، العاصين له في كتابة الكتاب، وفي جيش أسامة !

ففي شرح المواقف للجرجاني: 8 / 376: (قال الآمدي:كان المسلمون عند وفاة النبي علیه السلام على قيدة واحدة طريقة واحدة، إلا من كان يبطن النفاق ويظهر الوفاق، ثم نشأ الخلف فيما بينهم أولاً في أمور اجتهادية لا توجب إيماناً ولا كفراً، وكان غرضهم منها إقامة مراسم الدين، وإدامة مناهج الشرع القويم !! وذلك كاختلافهم عند قول النبي صلی الله علیه و آله فى مرض موته: ائتونى بقرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي ! حتى قال عمر: إن النبي قد غيبه الوجع حسبنا كتاب الله ! وكثر اللغط في ذلك حتى قال النبي صلی الله علیه و آله: قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع !!!

وكاختلافهم بعد ذلك في التخلف عن جيش أسامة فقال قوم بوجوب الاتباع لقوله علیه السلام: جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه . وقال قوم: التخلف انتظاراً لما يكون من رسول الله في مرضه !!) . انتهى .

أمر النبي صلی الله علیه و آله المنشقين بالسفر في جيش أسامة .. عندما رفضوا كتابة الكتاب . .

يوجدارتباط بين كتابة كتاب التأمين من الضلالة الذي أمر به النبي صلی الله علیه و آله فعصوه، وبين أمره لهم بالمسير الى مؤتةتحت إمرة أسامة.. لأن النبي صلی الله علیه و آله توفي يوم الاثنين، وقد أمرهم بكتابة الكتاب يوم الخميس، وعقد اللواء لأسامة وأمره

ص: 135

بالحركة يوم الخميس .. وإن كنا يحتمل أن يكون عقد لواء أسامة في الخميس الماضي، أي قبل وفاته باثني عشر يوماً .

فمن الثابت في مصادر الجميع أن قضية الكتاب الذي رفضه عمر وقريش، كان في يوم الخميس، حتى سماها ابن عباس (رزية الخميس) .. أما جيش أسامة فقال ابن حجر في فتح الباري: 8/115: (بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الأربعاء فأصبح يوم الخميس فعقد لأسامة فقال: أغز في سبيل الله وسر إلى موضع مقتل أبيك فقد وليتك هذا الجيش) . انتهى .

خطة التثاقل والتخلف القرشية عن جيش أسامة !

لم تكن حركة جيش كبعث أسامة في ذلك الوقت تحتاج الى أكثر من يوم أو يومين .. فبمجرد أن يصدر الأمر النبوي ويعقد النبي صلی الله علیه و آله الراية، يستلمها القائد ويعلن مكان الاجتماع ويذهب اليه، ويلتحق به المنسَّبون اليه، فيتحرك.

وقد تحرك أسامة يوم الخميس بمجرد أن عقد له النبي صلی الله علیه و آله اللواء الى محلة (الجُرف) على فرسخين خارج المدينة، وعسكر فيها، والتحق به في يومه واليوم الثاني أكثر جيشه . . لكن بدأت الاشاعات والتعللات وأولها أنه يوجد معترضون علىتأمير أسامةالشاب الأسود الصغير السن على زعماء المهاجرين والأنصار .. ! وسرعان ماحسم النبي صلی الله علیه و آله ذلك بغضب نبوي وتوبيخ للمنافقين الذين اعترضوا . . لكن جيش زيد لم يتحرك .. فما أن تنتهي قصة وإشاعة لتأجيل حركته . . حتى تجئ قصة وتعلل آخر !!

وهذا يدل على أنه كان يوجد متخلفون عن جيش أسامة عن عمد وإصرار، بل كانت توجد خطة تثاقل لتأخيره، وأن تخلفهم لم يكن قلقاً على حياة النبي صلی الله علیه و آله، بل كان معصية كبيرة لله ورسوله بلغت حد الارتداد واستحقاق

ص: 136

صدور اللعنة عليهم من الله ورسوله !! فقد روى عدد من المصادر أن التشديد النبوي على إنفاذ جيش أسامة رافقه لعن هؤلاء المتخلفين! وقد لاحظت ما تقدم في شرح المواقف، وفي الملل والنحل للشهرستاني ص 29، وفي طبعة أخرى:1/14: (الخلاف الثاني في مرضه أنه قال: جهّزوا جيش أسامة لعن الله من تخلّف عنه . الخ. . . .) .

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 6/52: (في حديث أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: أنفذوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عنه، وكرّر ذلك) . انتهى.

وعليه، فلا يمكن الوثوق بالروايات القرشية التي تصور تأخر جيش أسامة بأنه حادث عادي ! وكيف يكون عادياً مع إصرار النبي صلی الله علیه و آله المتتابع، ومع تأخر الجيش عن الحركة أياماً، أو اثني عشر يوماً، كما نرجح ؟!

قال الطبري الشيعي في المسترشد ص 112: (وجعل أبا بكر وعمر، وأبا عبيدة ابن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبا الأعور السلمي، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، في رجال من المهاجرين والأنصار عدة، منهم قتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم بن حريش، تحت لوائه، وكان أشدهم إنكاراً لولايته عياش بن أبي ربيعة حتى قال: أيستعمل هذا الغلام على المهاجرين والأولين ؟! فكثرت القالة فسمع عمر بن الخطاب هذا القول فرده على من تكلم به !! وجاء إلى النبي صلی الله علیه و آله فأخبره بقول من قال، فغضب رسول الله صلی الله علیه و آله من (بعض) ذلك القول غضباً شديداً، فخرج في علته وقد عصب رأسه بعصابة وعليه قطيفة وصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبل، وأيم الله إنه للامارة لخليق،

ص: 137

وإبنه بعده للامارة خليق، وهو من أحب الناس إلي، وإنهما أهل لكل خير فاستوصوا به خيراً فإنه من خياركم .

ثم نزل رسول الله صلی الله علیه و آله فدخل بيته وذلك ليوم السبت، لعشر خلون من شهر ربيع الأول، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلی الله علیه و آله، وفيهم أبو بكر وعمر، ورسول الله يقول: أنفذوا جيش أسامة، ودخلت أم أيمن وهي أم أسامة، فقالت: يارسول الله لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل، فإن أسامة إن خرج على حالته هذه لم ينتفع بنفسه فقال رسول الله صلی الله علیه و آله أنفذوا بعث أسامة . فمضى الناس إلى المعسكر فباتوا ليلة الأحد ورسول الله ثقيل مغمى عليه، فدخل أسامة على رسول الله وعيناه تهملان وعنده العباس عمه رحمة الله، والنساء حوله فتطأطأ إليه أسامة فقبله رسول الله صلی الله علیه و آله ورفع يديه إلى السماء ثم نصبهما إلى أسامة . قال أسامة: فعرفت أنه يدعو لي فرجعت إلى معسكري .

فلما كان يوم الاثنين جاء أسامة فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله: أغد على بركة الله، فودعه أسامة، ورسول الله مفيق، فصاح أسامة بأصحابه وأمرهم باللحوق بالمعسكر، وبالرحيل . فلما متع النهار فبينا أسامة يريد أن يركب من الجرف أتاه رسول أم أيمن يخبره أن رسول الله صلی الله علیه و آله يموت، فامتنع عليه القوم ! فتوفي رسول الله في ذلك اليوم حين زاغت الشمس، وهو يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، ودخل الناس من الجرف إلى المدينة، ولم ينفذوا لأمر رسول الله، ثم اضطربوا وبايعوا لأبي بكر قبل دفن رسول الله صلی الله علیه و آله، ثم ادعى القوم أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة !) . انتهى .

ص: 138

لاحظ عبارة (فامتنع عليه القوم !) أي لم يطيعوا أمر أسامة بالحركة . . وقد كان الوقت صبح الاثنين والنبي صلی الله علیه و آله مفيق وحالته حسنة، فقد توفي عصر يوم الاثنين!

ومن حق الباحث هنا أن يشك في أن أم أيمن قدأرسلت الى ولدها أسامة أكثر من مرة، أن يخالف أمر النبي صلی الله علیه و آله المشدد ويتأخر ! كما تزعم مصادرهم ..

فقد كانت أم أيمن امرأة بسيطة مؤمنة طيبة، وكانت أمة لآمنة أم النبي، ثم أمة النبي المطيعة المعتقدة بنبوته وصدقه، ولم يعهد أنها كانت تتدخل في أوامر النبي صلی الله علیه و آله حتى لو كانت تتعلق بزوجها زيد أو بولدها أسامة .. فمن المرجح أن القرشيين كانوا على الخط، وأن العاملات لهم أرسلن أحداً باسم أم أيمن، أو أثرن عليها حتى أرسلت الى أسامة بدون إذن من النبي صلی الله علیه و آله !

أبو بكر وعمر والمتسللون لواذاً من معسكر أسامة !

خرج أسامة يوم الخميس بلوائه الى مؤتة وعسكر في الجرف خارج المدينة، ليلتحق به الذين أمرهم النبي صلی الله علیه و آله بأن يكونوا معه .. ولم يكن الأمر يحتاج إلا يوماً أو يومين لكي يتحرك بالجيش، أي بقية يوم الخميس ويوم الجمعة! فالمفروض في أبي بكر وعمر وبقية السبع مئة قرشي من المهاجرين والطلقاء، أن يكونوا في الجرف مع أسامة .. لكن الذي حدث شئ آخر !!

فقد كانت الموازنة عند هؤلاء بين السفر الى مؤتة لقتال الروم، وبين مواصلة خطتهم لابعاد بني هاشم عن خلافة النبي صلی الله علیه و آله وتعويمها في قبائل قريش!! وأنى لمن طمع في خلافة نبيه أن يترك الفرصة، ويذهب لقتال الروم ؟!!

ص: 139

يضاف الى ذلك أن المنظرين للخلافة القرشية واجهوا إشكالاً بأنه كيف يكون أبوبكر خليفة شرعياً للنبي صلی الله علیه و آله، وقد توفي النبي صلی الله علیه و آله وأبو بكر جندي تحت إمرة أسامة بن زيد ؟!

وللتخلص من ذلك ادعى بعض متعصبيهم كابن تيمية، أن أبا بكر لم يكن أصلاً في جيش أسامة .. وقد رد عليهم بعض علمائهم مثل ابن حجر، فقال في فتح الباري: 8 / 115: (وقد أنكر بن تيمية في كتاب الرد على ابن المطهر أن يكون أبو بكر وعمر كانا في بعث أسامة . ومستند ما ذكره (يقصد ابن المطهر الذي هو العلامة الحلي) ماأخرجه الواقدي بأسانيده في المغازي، وذكره بن سعد أواخر الترجمة النبوية بغير إسناد، وذكره بن إسحاق في السيرة المشهورة، ولفظه: بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الأربعاء فأصبح يوم الخميس فعقد لأسامة، فقال: أغز في سبيل الله، وسر إلى موضع مقتل أبيك، فقد وليتك هذا الجيش، فذكر القصة وفيها لم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة، منهم أبوبكر وعمر. ولما جهزه أبو بكر بعد أن استخلف سأله أبو بكر أن يأذن لعمر بالاقامة فأذن.

ذكر ذلك كله بن الجوزي في المنتظم جازماً به، وذكره الواقدي، وأخرجه بن عساكر من طريقه مع أبي بكر وعمر أبا عبيدة وسعداً وسعيداً وسلمة بن أسلم وقتادة بن النعمان، والذي باشر القول ممن نسب إليهم الطعن في إمارته عياش بن أبي ربيعة . وعند الواقدي أيضاً أن عدة ذلك الجيش كانت ثلاثة آلاف، فيهم سبعمائة من قريش) . انتهى . وهي واحدة من الصفعات العلمية التي وجهها ابن حجر لابن تيمية !

ص: 140

وقال البلاذري في أنساب الأشراف: 2/115: (حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جده عن أبي صالح عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر، وكان الناس قد تكلموا في أمره حين أراد توجيههم إلى مؤته، فكان أشدّهم قولاً في ذلك عياش بن أبي ربيعة .

فقال: أيها الناس، أنفذوا بعث أسامة، فلعمري لئن قلتم في أمرته لقد قلتم في إمرة أبيه من قبله، ولقد كان أبوه للإمارة خليقاً وإنه لخليق بها . وكان في جيش أسامة أبو بكر وعمر ووجوه من المهاجرين والأنصار) . انتهى .

وقد أورد السيد شرف الدين في المراجعات والشيخ الأميني في الغدير، عدداً كبيراً من المصادر التي نصت على أن أبا بكر كان في جيش أسامة .. مثل ابن سعد في الطبقات، وابن الجوزي في المنتظم، والجوهري في السقيفة وابن الأثير في تاريخه، وابن سيد الناس في سيرته .. وغيرهم وغيرهم ..

العلاقة بين لدِّهم للنبي صلی الله علیه و آله .. وبين عملهم لإفشال جيش أسامة !

تقدم قول ابن سيد الناس في عيون الأثر: 2/352: (فلما كان يوم الأحد اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فدخل أسامة من معسكره والنبي صلى الله عليه وسلم مغمور وهو اليوم الذي لدُّوه فيه ! فطأطأ أسامة فقبله والنبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة، قال أسامة: فعرفت أنه يدعو لي، ورجع أسامة إلى معسكره .

ثم دخل يوم الاثنين وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقاً فقال له أغد على بركة الله، فودعه أسامة وخرج إلى معسكره، فأمر الناس بالرحيل فبينا هو يريد الركوب إذا رسول أمه أم أيمن قد جاءه يقول إن رسول الله صلى الله عليه

ص: 141

وسلم يموت، فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت، فتوفي حين زاغت الشمس يوم الاثنين . . .) . انتهى .

كما تقدم الكلام في لدهم للنبي صلی الله علیه و آله في مرضه أي إعطائهم له دواء بالاجبار عندما أغمي عليه، وأنه غضب لذلك وأمر بعقوبتهم ليسجل بذلك احتمال أنهم سقوه سماً في الدواء !! قال البخاري ج 7 ص 17 (عن ابن عباس قالت عائشة: لددناه في مرضه فجعل يشير الينا أن لا تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء . فلما أفاق قال: ألم انهكم أن تلدوني ؟! قلنا: كراهية المريض للدواء . فقال: لا يبقى في البيت أحد إلا لدّ، وأنا أنظر إلا العباس، فإنه لم يشهدكم !!) ورواه في: 8/40 و42، وفيه أنه أحس باللدّ فنهاهم، ولكنهم لم يمتنعوا فعاقبهم !) انتهى .

وواضح أن عملية اللد وقعت في وقت لم يكن عند النبي صلی الله علیه و آله أحد من بني هاشم أبداً ! ولا بد أنها كانت فترة قصيرة أو لحظات، لأن علياً والزهراء علیها السلام والحسنين علیهم السلام، والعباس وأولاده رضي الله عنهم كانوا ملازمين للنبي صلی الله علیه و آله، إلا إذا بعث أحداً منهم في مهمة، أو صادف خلو الغرفة منهم لفترة وجيزة ! وفي هذه الفرصة الوجيزة قامت عائشة وحفصة بلد النبي صلی الله علیه و آله عندما أغمي عليه، رغم نهيه لهن وتشديده في النهي !!

وقد غضب النبي صلی الله علیه و آله من عملهم، ومع أنه يعرف أن الذي يقدم على سم أحد، لا يشرب هو من نفس الدواء المسموم الذي سقاه إياه ! لكنه صلی الله علیه و آله أراد أن يسجل اتهامهم لهم بأنهم سموه !! فأمرهم أن يشربوا من نفس الدواء الذي سقوه له !

ص: 142

والذي يتأمل يجد العلاقة واضحة بين الذين اعترضوا على كتابة كتاب تأمين الأمة من الضلال، واعترضوا على تأمير أسامة، والذين تثاقلوا وخططوا لتأخير حركة الجيش، والذين لدوا النبي صلی الله علیه و آله رغم نهيه، والذين عندهم حساسية مفرطة من أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله وبني هاشم، والذين سارعوا الى السقيفة وصفقوا على يد أبي بكر وأعلنوا بيعته ..

إنهم رموز الحزب القرشي .. لاغير !!

إفشال قريش جيش أسامة .. مقدمات العاصفة على آل الرسول !

ظهرت مقدمات عاصفة الحزب القرشي على العترة النبوية قبل حجة الوداع، ثم تتابعت وبرزت في حجة الوداع، ثم تفاقمت واشتدت بعد عودة النبي صلی الله علیه و آله الى المدينة .. حتى ظهرت فاغرة أفواهها بالسم أمام النبي صلی الله علیه و آله ! عندماردوا أمره وقالوا له بوقاحة: لانريد أن تكتب لنا كتاباً يؤمننا من الضلال!! فقد استطاعت قريش أن تزعم عليها أجرأ أصحاب النبي وأخشنهم، وأوكلت اليه مواجهة النبي صلی الله علیه و آله بنفسه، فأعلن أمام النبي صلی الله علیه و آله أنه يرفض أن يكتب النبي صلی الله علیه و آله لهم كتاباً يتضمن الخطة الربانية للحكم بعده.. واتهم النبي بأنه يهجر وقال حسبنا كتاب الله .. فصاح أفراد الحزب القرشي: القول ماقاله عمر .. القول ماقاله عمر !!

ولابد أن هؤلاء الصارخين في وجه نبيهم، وأكثرهم من الطلقاء ! كانوا في جيش أسامة يلتفون حول عمر ويقولون .. القول ما قاله عمر ! !

قال ابن حجر في فتح الباري: 8/115: (وعند الواقدي أيضاً أن عدة ذلك الجيش كانت ثلاثة آلاف، فيهم سبعمائة من قريش) . انتهى .

ص: 143

وقد استطاع هؤلاء أن يفشلوا الخطة الربانية لإرسال جيش أسامة، ويعصوا أوامر النبي صلی الله علیه و آله وتأكيداته المتتابعة عليهم بالاسراع في الحركة، حتى مضت الأيام وتوفي النبي صلی الله علیه و آله .. ورتبوا في يوم وفاته بيعة السقيفة !

طرق المدينة هذه الليلة شر عظيم !!

في ليلة الاثنين، كانت حالة النبي صلی الله علیه و آله تشتد وتخف، يغمى عليه من الحمى ثم يفيق .. فأفاق بعض الإفاقة فقال: لقد طرق ليلتنا هذه المدينة شر عظيم، فقيل له: وما هو يا رسول الله ؟! فقال: إن الذين كانوا في جيش أسامة قد رجع منهم نفر يخالفون عن أمري، ألا إني إلى الله منهم برئ . ويْحَكم نفذوا جيش أسامة، قالها مرات كثيرة !!

ففي بحار الأنوار: 28 / 108 عن كتاب سليم بن قيس رضي الله عنه: (قال: فخلا أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بأسامة وجماعة من أصحابه فقالوا إلى أين ننطلق ونخلي المدينة ونحن أحوج ماكنا إليها وإلى المقام بها ؟ فقال لهم: وما ذلك ؟ قالوا إن رسول الله قد نزل به الموت، ووالله لئن خلينا المدينة لتحدثن بها أمور لا يمكن إصلاحها، ننظر ما يكون من أمر رسول الله، ثم المسير بين أيدينا . قال: فرجع القوم إلى المعسكر الأول وأقاموا به وبعثوا رسولاً يتعرف لهم أمر رسول الله، فأتى الرسول إلى عائشة فسألها عن ذلك سراً، فقالت إمض إلى أبي وعمر ومن معهما وقل لهما: إن رسول الله قد ثقل، فلا يبرحن أحد منكم، وأنا أعلمكم بالخبر وقتاً بعد وقت .

واشتدت علة رسول الله فدعت عائشة صهيباً فقالت: إمض إلى أبي بكر وأعلمه أن محمداً في حال لا يرجى، فهلم إلينا أنت وعمر وأبو عبيدة ومن

ص: 144

رأيتم أن يدخل معكم، وليكن دخولكم في الليل سراً، قال: فأتاهم الخبر فأخذوا بيد صهيب فأدخلوه إلى أسامة فأخبروه الخبر، وقالوا له كيف ينبغي لنا أن نتخلف عن مشاهدة رسول الله ؟! واستأذنوه في الدخول فأذن لهم وأمرهم أن لايعلم بدخولهم أحد، وإن عوفي رسول الله رجعتم إلى عسكركم وإن حدث حادث الموت عرفونا ذلك لنكون في جماعة الناس . فدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلاً المدينة، ورسول الله قد ثقل فأفاق بعض الإفاقة فقال: لقد طرق ليلتنا هذه المدينة شر عظيم!! فقيل له: وما هو يا رسول الله ؟ فقال: إن الذين كانوا في جيش أسامة قد رجع منهم نفر يخالفون عن أمري، ألا إني إلى الله منهم برئ، ويحكم نفذوا جيش أسامة، فلم يزل يقول ذلك حتى قالها مرات كثيرة .

قال: وكان بلال مؤذن رسول الله يؤذن بالصلاة في كل وقت، فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلى بالناس، وإن هو لم يقدر على الخروج أمر علي بن أبي طالب فصلى بالناس، وكان علي بن أبي طالب والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك، فلما أصبح رسول الله من ليلته تلك التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يدي أسامة، أذن بلال ثم أتاه يخبره كعادته، فوجده قد ثقل فمنع من الدخول إليه، فأمرت عائشة صهيباً أن يمضي إلى أبيهافيعلمه أن رسول الله قدثقل في مرضه وليس يطيق النهوض إلى المسجد وعلي بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس، فاخرج أنت إلى المسجد فصل بالناس، فإنها حالة تهنؤك، وحجة لك بعد اليوم !

قال: فلم يشعر الناس وهم في المسجد ينتظرون رسول الله أو علياً يصلي بهم كعادته التي عرفوها في مرضه، إذ دخل أبو بكر المسجد وقال: إن رسول الله قد ثقل وقد أمرني أن أصلي بالناس، فقال له رجل من أصحاب رسول الله: وأنى

ص: 145

لك ذلك وأنت في جيش أسامة ؟! ولا والله لا أعلم أحداً بعث إليك ولا أمرك بالصلاة ! ثم نادى الناس بلال فقال: على رسلكم رحمكم الله لأستأذن رسول الله في ذلك، ثم أسرع حتى أتى الباب فدقه دقاً شديداً فسمعه رسول الله فقال: ما هذا الدق العنيف فانظروا ما هو ؟ قال: فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذا بلال، فقال: ما وراءك يابلال ؟ فقال: إن أبا بكر قد دخل المسجد وقد تقدم حتى وقف في مقام رسول الله، وزعم أن رسول الله أمره بذلك ! فقال أو ليس أبو بكر مع جيش أسامة، هذا هووالله الشر العظيم الذى طرق البارحة المدينة، لقد أخبرنا رسول الله بذلك! ودخل الفضل وأدخل بلالاً معه فقال: ما وراءك يا بلال ؟ فأخبر رسول الله الخبر، فقال: أقيموني أقيموني، أخرجوا بي إلى المسجد، والذي نفسي بيده قد نزلت بالاسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن !! ثم خرج معصوب الرأس يتهادى بين علي علیه السلام والفضل بن العباس، ورجلاه تجران في الأرض، حتى دخل المسجد وأبو بكر قائم في مقام رسول الله، وقد أطاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الذين دخلوا، وأكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي بلال، فلما رأى الناس رسول الله قد دخل المسجد وهو بتلك الحالة العظيمة من المرض، أعظموا ذلك .

وتقدم رسول الله فجذب أبا بكر من ورائه فنحاه عن المحراب، وأقبل أبو بكر والنفر الذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله، وأقبل الناس فصلوا خلف رسول الله وهو جالس، وبلال يسمع الناس التكبير حتى قضى صلاته، ثم التفت فلم ير أبا بكر فقال: أيها الناس ألا تعجبون من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي أسامة، وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الذي وجهوا إليه فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة، ألا وإن الله قد أركسهم فيها !

ص: 146

أعرجوا بي إلى المنبر، فقام وهو مربوط حتى قعد على أدنى مرقاة فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

أيها الناس: إني قد جاءني من أمر ربي ما الناس إليه صائرون، وإني قد تركتكم على الحجة الواضحة ليلها كنهارها، فلا تختلفوا من بعدي كما اختلف من كان قبلكم من بني اسرائيل .

أيها الناس: إنه لا أحل لكم إلا ما أحله القرآن، ولا أحرم عليكم إلا ما حرمه القرآن، وإني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ولن تزلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي هما الخليفتان فيكم، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، فأسائلكم بماذا خلفتموني فيهما ؟ وليذادنَّ يومئذ رجالٌ عن حوضي كما تذاد الغريبة من الابل، فتقول رجال أنا فلان وأنا فلان، فأقول أما الأسماء فقد عرفت، ولكنكم ارتددتم من بعدي، فسحقاً لكم سحقاً !! ثم نزل عن المنبر وعاد إلى حجرته، ولم يظهر أبو بكر ولا أصحابه حتى قبض رسول الله وكان من الأنصار وسعد من السقيفة ماكان). انتهى . وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة من هذه الحادثة، ظهر أبو بكر وأصحابه يدعون الناس الى بيعته تحت التهديد بالقتل والحرق، وأعطوه لقب خليفة رسول الله صلی الله علیه و آله، وادعوا أن النبي صلی الله علیه و آله أمره بإمامة الصلاة مكانه !!

كل هذا وجنازة النبي صلی الله علیه و آله ما زالت مسجاة، لم تدفن بعد !!

هذه هي قصتهم عن صلاة أبي بكر بالناس بأمر النبي صلی الله علیه و آله .. وقد كشف زيفها أهل البيت علیهم السلام وعلماء مذهبهم، ولعل أفضل من فضحها الباحث القدير السيد الميلاني في بحثه (رسالة في صلاة أبي بكر) !

ص: 147

سعد بن عبادة وعدو الحزب القرشي كان أيضاً في جيش أسامة !

كان سعد بن عبادة زعيم الأنصار في جيش أسامة، وقد عسكر معهم في الجرف خارج المدينة بانتظار أمر الحركة من أسامة .. وكان على معرفة بمشروع القرشيين في صرف خلافة النبي صلی الله علیه و آله عن أهل بيت النبي علیهم السلام من بني هاشم، وتعويمها بين قبائل قريش، فسرى اليه التفكير القبلي والطمع في الخلافة مع إيمانه بنص النبي صلی الله علیه و آله على استخلاف علي علیه السلام والعترة الطاهرة ! لكن سعداً أقسم أنه لم يطلب خلافة النبي لنفسه حتى رآهم اتفقوا على صرفها عن علي علیه السلام !!

قال الطبري الشيعي في المسترشد ص 412: (ثم إن سعد بن عبادة، لما رأى الناس يبايعون أبا بكر، نادى: والله ما أردتها حتى صرفت عن علي، ولا أبايعكم أبداً حتى يبايعكم علي علیه السلام ولعلي علیه السلام لا أفعل وإن بايع !!) . انتهى .

وهنا تبرز الحكمة النبوية في جعله تحت قيادة أسامة أيضاً !

ص: 148

الفصل السادس: فاطمة علیها السلام في مرض النبي صلی الله علیه و آله

اشارة

ص: 149

ص: 150

1- فاطمة علیها السلام الطفلة الصديقة .. المجاهدة !!

كانت فاطمة علیها السلام صلی الله علیه و آله دائماً الى جنب أبيها صلی الله علیه و آله .. وكانت من صغرها تفكر تفكير الكبار، وتتحمل مسؤولية الكبار !

فقد رووا عنها العجائب والكرامات .. منها أنها كانت معه وهو يصلي في مكة، فوجه القرشيون سفهاءهم وألقوا عليه كرش ناقة وهو ساجد .. فألقته عنه فاطمة علیها السلام وبكت ودعت عليهم .. وكأن دعاءها كان مؤشراً ربانياً ينتظره النبي صلی الله علیه و آله ليدعو عليهم، ولعلها أول مرة بدأ الدعاء عليهم !! قال البخاري: 4 / 71: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش المشركين، إذ جاءه عقبة بن أبى معيط بسلى جزور فقذفه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة علیها السلام صلی الله علیه و آله فأخذت من ظهره، ودعت على من صنع ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم عليك الملأ من قريش، اللهم عليك أبا جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وعقبة بن أبى معيط، وأمية بن خلف أو أبي بن خلف، فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر، غير أمية أو أبي فإنه كان رجلاً ضخماً فلما جروه تقطعت أوصاله قبل أن يلقى في البئر) . انتهى .

ص: 151

وينبغي أن نسجل هنا أن كلمة (ودعت على من صنع ذلك) صارت في روايات القرشيين (وسبتهم) !!

ومن عجيب ماذكروه في سيرة النبي صلی الله علیه و آله أن فاطمة علیها السلام هي التي أخبرته بتآمر زعماء قريش عليه ليقتلوه ! ففي مجمع الزوائد: 8/ 228: (عن ابن عباس قال إن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا باللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى وأساف ونائلة، لو قد رأينا محمداً لقد قمنا إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله، فأقبلت ابنته فاطمة رضي الله عنها تبكي حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت هذا الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك لقد قاموا اليك فيقتلوك، فما منهم رجل إلا وقد عرف نصيبه من دمك!!

قال يابنية أدلي وضوءً، فتوضأ ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا هذا هو، وخفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم في صدورهم، وعقروا في مجالسهم فلم يرفعوا إليه بصراً، ولم يقم إليه رجل منهم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام على رؤسهم فأخذ قبضة من التراب فقال: شاهت الوجوه، ثم حصبهم بها فما أصاب رجلاً من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر كافراً . رواه أحمد بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح) . انتهى. فمن أين جاءتها هذه المعلومة السرية الخطيرة.. لابد أنها كانت ملهمة؟!

ولعل هدف الرواة من هذه الرواية أن يقولوا إن مؤامرة قريش انتهت بهذه المعجزة، ولم تكن بحاجة الى مبيت علي علیه السلام في فراش النبي صلی الله علیه و آله، ولكنهم تركوا فضيلة لعلي علیه السلام فرووا كرامة ومعجزة عجيبة لفاطمة الزهراء علیها السلام علیهما السلام !

وعندما هرب المسلمون من المعركة وتركوا نبيهم صلی الله علیه و آله لسيوف قريش وهجماتهم المستميتة لقتله، ولم يبق معه إلا علي علیه السلام .. انقضًت فاطمة الزهراء

ص: 152

علیها السلام كالصقر المجروح الى ساحة المعركة في أحد لتكون الى جنبه ! ففي سنن البيهقي: 2/402: عن سهل بن سعد قال: هشمت البيضة على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، وجرح وجهه! قال أبو حازم: وكانت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل عنه الدم، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يأتيها بالماء في مجنة، فلما أصاب الجرح الماء كثر دمه فلم يرقأ الدم حتى أخذت قطعة حصير وأحرقته حتى صار رماداً، ثم جعلته على الجرح فرقأ الدم) . انتهى.

وفي البخاري:3/229: (عن سهل رضي الله عنه أنه سئل عن جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ؟ فقال: جرح وجه النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه فكانت فاطمة علیها السلام تغسل الدم وعلي رضي الله عنه يمسك، فلما رأت أن الدم لا يزيد إلا كثرة أخذت حصيراً فأحرقته حتى صار رماداً، ثم ألزقته فاستمسك الدم) . انتهى. وينبغي أن نسجل هنا أنهم حذفوا من رواياتهم أن النبي صلی الله علیه و آله قاتل في أحد قتال الأبطال، وأن علياً بقي يرد حملات المشركين التي استهدفت قتل النبي صلی الله علیه و آله الى ما بعد الظهر حتى نزل جبرئيل وقال (لاسيف إلا ذوالفقار ولا فتى إلا علي علیه السلام) !

حذفوا ذلك ليكتبوا بدله إن النبي صلی الله علیه و آله لم يقاتل، بل أعطى سيفه لأبي دجانة فقاتل عنه ! مع أن أبا دجانة وسهل بن حنيف قد ثبتا مع النبي لكن سرعان ما جرحا وخرجا من المعركة.. ولم يبق معه إلا علي علیه السلام من الضحى الى العصر ! ومع أن علياً علیه السلام كان يقول (كنا إذا اشتد البأس لذنا برسول الله صلی الله علیه و آله - الرسالة السعدية للعلامة الحلي ص 79) وفي مسند أحمد: 1/86: (عن علي رضي الله عنه قال: لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقر بنا

ص: 153

إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأساً) . وفاطمة علیها السلام بضعة من النبي صلی الله علیه و آله، وشجاعتها من شجاعته .. فبينما كان الصحابة ممعنين في هروبهم من المعركة كما قال الله تعالى (إذ تصعدون ولاتلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم !) وإذا بفاطمة تنقض كالصقر لتكون هي وعلي علیه السلام فقط الى جنب النبي صلی الله علیه و آله . .

ومن مكذوباتهم في هذا الموضوع أنهم رووا ما يفهم منه أن فاطمة علیها السلام لم تذهب الى أحد، وأن علياً عندما رجع الى المدينة افتخر لفاطمة علیها السلام بشجاعته وثباته فوبخه النبي !! قال ابن هشام في سيرته: 3 / 614: (قال ابن إسحاق: فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة علیها السلام فقال اغسلي عن هذا دمه يا بنية، فو الله لقد صدقني اليوم، وناولها على بن أبي طالب سيفه فقال: وهذا أيضاً فاغسلي عنه دمه فو الله لقد صدقني اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه سلم: لئن كنت صدقت القتال، لقد صدق سهل بن حنيف وأبو دجانة) . انتهى .

وفي بقية معارك النبي صلی الله علیه و آله التي سمح لها فيها بالحضور، أو ألهمها الله الحضور فيها كانت فاطمة علیها السلام الى جنب أبيها .. وفي فتح مكة .. وفي حجة الوداع .

أما في مرضه فقد لازمته فاطمة علیها السلام كزوجها علي علیه السلام . . إلا لضرورة، أو عندما يبعثهما النبي صلی الله علیه و آله بمهة فيغيبان ليعودا.. وشبيهٌ بهما العباس وولده الفضل، ومن بقي من بني هاشم، ولم يكن بقي من رجالهم إلا قليل !

وعندماخلا بيت النبي صلی الله علیه و آله من بني هاشم قامت نساؤه اللائي تظاهرن عليه بنص القرآن، بلدِّه وسقيه (دواء) في يوم الأحد، قبل وفاته بيوم واحد !

ص: 154

2- فاطمةو علي علیهم السلام والحسنان .. مخصوصون بأسرار النبوة!!

اشارة

في صحيح مسلم: 7/142: (عن عائشة قالت: كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن واحدة، فأقبلت فاطمة علیها السلام تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فلما رآها رحب بها فقال مرحباً بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم سارَّها فبكت بكاء شديداً، فلما رأى جزعها سارَّها الثانية، فضحكت ! فقلت لها خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين نسائه بالسرار، ثم أنت تبكين ؟! فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره! قالت: فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: عزمت عليك بما لي عليك من الحق، لما حدثتني ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: أما الآن فنعم، أما حين سارني في المرة الأولى فأخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة أو مرتين، وأنه عارضه الآن مرتين، وإنى لا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري، فإنه نعم السلف أنا لك .. قالت فبكيت بكائي الذي رأيت . فلما رأى جزعي سارني الثانية فقال: يافاطمة علیها السلام أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة؟ قالت فضحكت ضحكي الذى رأيت).انتهى . ونحوه في البخاري: 3/101

وفي سنن النسائي: 5/95: (عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فاطمة علیها السلام ابنته في وجعه الذي توفي فيه فسارها بشئ، فبكت . ثم دعاها فسارها فضحكت ! قالت فسألتها عن ذلك فقالت: أخبرني رسول الله صلى الله

ص: 155

عليه وسلم أنه يقبض في وجعه هذا فبكيت، ثم أخبرني أني أول أهله لحاقاً به فضحكت) . انتهى .

أما تعبير النسائي في كتابه خصائص علي علیه السلام ص 117، فهو أدق، قال: (دعا فاطمة رضي الله عنها فناجاها فبكت، ثم حدثها فضحكت.. الخ). انتهى . ومثله في الطبراني الكبير: 22 / 422 .

ماكنت لأفشي على رسول الله سره !

قالت هذه الكلمة فاطمة علیها السلام لعائشة .. وكأنها بذلك قرأت لها الآيات التي خلد الله فيها خيانة عائشة لسر النبي صلی الله علیه و آله، فقال عنها وعن حفصة: (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير . إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ! وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) سورة التحريم 3- 4، تقول لها بذلك نحن نعرف أنكما مازلتما تفشيان سره وتتظاهران عليه !!

أما لماذا دعا النبي صلی الله علیه و آله فاطمة علیها السلام فناجاها، وأسر اليها أنه يموت في مرضه هذا ؟! وأبقى ذلك سراً عن غيرها، مع أن الله أمره أن يعلن للمسلمين قرب أجله، وأن يحج بهم حجة الوداع، ويؤدي لهم كل ما يجب قوله وفعله ؟!

السبب .. أنه صلی الله علیه و آله عبدٌ مأمور، وقد أمره الله أن يعلن دون توقيت.. أما التوقيت فهو من أسرار الله تعالى، وله أهله، وأهله فاطمة علیها السلام وعلي علیه السلام فقط ! أما الباقون فإن السر ينفذ منهم الى المتربصين من اليهود وقريش الذين يحسبون لموته بالدقائق، لكي يغنوا أغنيتهم .. وينفذوا خطتهم !!

ص: 156

أسرَّ الى ابنته فاطمة علیها السلام، الصديقة، الطاهرة، فخر نساء العالم وسيدتهم.. لكي تتأهب هي وعلي علیه السلام والحسنان.. للمهمة التي أعدهم لها وأخذ عليهم ميثاقه للوفاء بها، في ذلك المجلس العظيم العظيم الذي لاتنساه !!

ففي الكافي: 1/ 281: (عن الامام الصادق علیه السلام قال: حين نزل برسول الله صلی الله علیه و آله الأمر، نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجلاً، نزل به جبرئيل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة، فقال جبرئيل: يا محمد، مرْ بإخراج من عندك إلا وصيك، ليقبضها منا وتشهدنا بدفعك إياها إليه ضامناً لها، يعني علياً، فأمر النبي صلی الله علیه و آله بإخراج من كان في البيت ما خلا علياً، وفاطمة علیها السلام فيما بين الستر والباب، فقال جبرئيل: يا محمد ربك يقرؤك السلام ويقول: هذا كتاب ماكنت عهدت إليك، وشرطت عليك وشهدت به عليك، وأشهدت به عليك ملائكتي وكفى بي يامحمد شهيداً، قال: فارتعدت مفاصل النبي صلی الله علیه و آله فقال: يا جبرئيل ربي هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام، صدق عز وجل وبرَّ، هات الكتاب فدفعه إليه وأمره بدفعه إلى أمير المؤمنين فقال له: إقرأه، فقرأه حرفاً حرفاً، فقال: يا علي هذا عهد ربي تبارك وتعالى اليَّ، شرطه علي علیه السلام وأمانته، وقد بلغت ونصحت وأديت، فقال علي علیه السلام: وأنا أشهد لك بأبي وأمي أنت بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلت، ويشهد لك به سمعي وبصري ولحمي ودمي . فقال جبرئيل: وأنا لكما على ذلك من الشاهدين، فقال رسول الله: يا علي أخذت وصيتي وعرفتها وضمنت لله ولي الوفاء بما فيها ؟ فقال علي علیه السلام: نعم بأبي أنت وأمي علي علیه السلام ضمانها، وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها . فقال رسول الله: ياعلي علیه السلام إني أريد أن أشهدَ عليك بموافاتي بها يوم القيامة. فقال علي علیه السلام: نعم أشْهِدْ .

ص: 157

فقال النبي صلی الله علیه و آله: إن جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران معهما الملائكة المقربون لأشهدهم عليك . فقال: نعم ليشهدوا وأنا بأبي أنت وأمي أشهدهم، فأشهدهم رسول الله ! وكان فيما اشترط عليه النبي صلی الله علیه و آله بأمر جبرئيل فيما أمر الله عز وجل أن قال له:

يا علي تفي بما فيها من موالاة من والى الله ورسوله، والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله، والبراءة منهم . على الصبر منك، وعلى كظم الغيظ، وعلى ذهاب حقك، وغصب خمسك، وانتهاك حرمتك ؟

فقال: نعم يا رسول الله .

فقال أميرالمؤمنين: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لقد سمعت جبرئيل علیه السلام يقول للنبي: يا محمد عرفه أنه تنتهك الحرمة، وهي حرمة الله وحرمة رسول الله، وعلى أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط .

قال أمير المؤمنين: فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل حتى سقطت على وجهي، وقلت: نعم قبلت ورضيت، وإن انتهكت الحرمة وعطلت السنن، ومزق الكتاب، وهدمت الكعبة، وخضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط، صابراً محتسباً أبداً، حتى أقدم عليك !

ثم دعا رسول الله فاطمة علیها السلام والحسن والحسين، وأعلمهم مثل ما أعلم أمير المؤمنين، فقالوا مثل قوله، فختمت الوصية بخواتيم من ذهب، لم تمسه النار ودفعت إلى أمير المؤمنين .

قال الراوي عن الامام الكاظم: فقلت لأبي الحسن: بأبي أنت وأمي ألا تذكر ما كان في الوصية ؟ فقال: سنن الله، وسنن رسوله . فقلت: أكان في الوصية توثبهم وخلافهم على أمير المؤمنين؟ فقال: نعم والله شيئاً شيئاً وحرفاً حرفاً، أما سمعت قول الله عز وجل: (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ماقدموا وآثارهم

ص: 158

وكل شئ أحصيناه في إمام مبين). والله لقد قال رسول الله لأمير المؤمنين وفاطمة علیها السلام: أليس قد فهمتما ما تقدمت به إليكما وقبلتماه ؟ فقالا: بلى وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا) . انتهى .

إنها مهمة هداية البشرية الى آخر هذا العالم بعد ختم النبوة .. مهمة الامامة وعهدها ميثاقها، ومسؤوليتها الثقيلة، وعلومها وأسرارها الربانية..

ولكن زعماء قريش لايريدون أن يفهموا إمامة الأمة بعد النبي صلی الله علیه و آله، إلا أنها رئاسة دولة محمد والتمتع بسلطان محمد، وليس من العدل أن يجمع بنو هاشم بين النبوة والخلافة !! فالنبوة كانت سهم بني هاشم، وإمامة أمة الاسلام يجب أن تكون سهم بقية بطون قريش !

إنهم أنفسهم الذين قال الله عنهم: (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم . أهم يقسمون رحمة ربك ؟! نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات .. ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ! ورحمة ربك خير مما يجمعون) سورة الزخرف - 31- 32

3- فاطمة علیها السلام لأبيها: أخشى على نفسي وولدي الضيعة من بعدك !

في هذه الأجواء كانت تعيش فاطمة علیها السلام وعلي علیه السلام وأهل البيت علیهم السلام ..

فقريش ضارية في عملها ضد عترة النبي علیهم السلام وبني هاشم، لكي تنفذ صحيفة المقاطعة الجديدة ضدهم، كتلك التي نفذتها قبل ست عشرة سنة !

ص: 159

لقد تحملت فاطمة علیها السلام في رها سنوات طويلة جور صحيفة المقاطعة القرشية في شعب أبي طالب .. لكنها كانت في كنف أبيها خير البشر، وأمها الصديقة خديجة الكبرى، وكنف عشيرتها الأبطال بني هاشم ..

أما اليوم فهي تواجه صحيفة قرشية أشد وأعتى .. ولا من والد يرد عنها، ولم يبق من رجال بني هاشم إلا علي علیه السلام والعباس وعقيل !

قالت قريش ليس من العدل أن يجمع محمد لبني هاشم بين النبوة والخلافة، وائتمرت لمنعهم من الخلافة وتحالفت !

فكأن محمداً أعطى بني هاشم ومنع قريشاً من عند نفسه ! وكأن القرشيين لم يعرفوا الى الآن أن محمداً هو الذي كانوا يسمونه قبل بعثته (الصادق الأمين) صلی الله علیه و آله .. وكأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى: (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى) وقوله تعالى: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علواً في الأرض ولا فساداً، والعاقبة للمتقين) !!

بلى والله لقد سمعوه ووعوه، لكن حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها! سبحانك اللهم .. أعطيت عترة نبيك وحرمت قريشاً .. فجعلتهم لهم فتنة، وجعلت قريشاً لهم بلاء .. ! لا اعتراض على أمرك، ولا شك في حكمتك !

كانت فاطمة علیها السلام تعد نفسها للمصائب التي ستنزلها قريش بالبيت النبوي.. ولكنها أرادت أن تبث شجونها وتسكب عبرتها أمام أبيها الحنون .. فدخلت عليه وهي تتأجج حزناً وألماً.. وشكت اليه أنها ترى الأفق ملبداً بالغيوم الداكنة، وترى الأفاعي فاغرة تنتظر أن يغمض الرسول عينيه، حتى تهاجمها مع زوجها وولديها !! فقد روت المصادر السنية والشيعية أجزاء من هذه الملحمة المؤثرة،

ص: 160

بين النبي وفاطمة علیها السلام .. ففي كمال الدين ص 262: (عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت سلمان الفارسي رضي الله عنه يقول: كنت جالساً بين يدي رسول الله صلی الله علیه و آله في مرضته التي قبض فيها فدخلت فاطمة علیها السلام، فلما رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتى جرت دموعها على خديها، فقال لها رسول الله صلی الله علیه و آله: ما يبكيك يا فاطمة علیها السلام ؟ قالت: يا رسول الله أخشى على نفسي وولدي الضيعة بعدك، فاغرورقت عينا رسول الله بالبكاء، ثم قال: يا فاطمة علیها السلام أما علمت أنا أهل بيت اختار الله عز وجل لنا الآخرة على الدنيا، وأنه حتم الفناء على جميع خلقه، وأن الله تبارك وتعالى اطَّلع إلى الأرض اطِّلاعةً فاختارني من خلقه فجعلني نبياً، ثم اطَّلع إلى الأرض اطِّلاعة ثانية فاختار منها زوجك وأوحى إلي أن أزوجك إياه وأتخذه ولياً ووزيراً وأن أجعله خليفتي في أمتي، فأبوك خير أنبياء الله ورسله، وبعلك خير الأوصياء، وأنت أول من يلحق بي من أهلي .

ثم اطَّلع إلى الأرض اطلاعة ثالثةً فاختارك وولديك، فأنت سيدة نساء أهل الجنة، وابناك حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة، كلهم هادون مهديون، وأول الأوصياء بعدي أخي علي علیه السلام، ثم حسن، ثم حسين، ثم تسعة من ولد الحسين في درجتي، وليس في الجنة درجة أقرب إلى الله من درجتي ودرجة أبي إبراهيم .

أما تعلمين يا بنية أن من كرامة الله إياك أن زوجك خير أمتي، وخير أهل بيتي أقدمهم سلماً، وأعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً .

فاستبشرت فاطمة علیها السلام وفرحت بما قال لها رسول الله صلی الله علیه و آله، ثم قال: يا بنية إن لبعلك مناقب: إيمانه بالله ورسوله قبل كل أحد، فلم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي، وعلمه بكتاب الله عزوجل وسنتي، وليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي

ص: 161

غير علي علیه السلام، وإن الله عز وجل علمني علماً لا يعلمه غيري وعلم ملائكته ورسله علماً، فكلما علمه ملائكته ورسله فأنا أعلمه، وأمرني الله أن أعلمه إياه ففعلت، فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي وفهمي وحكمتي غيره .

وإنك با بنية زوجته، وابناه سبطاي حسن وحسين وهما سبطا أمتي، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فإن الله جل وعز آتاه الحكمة وفصل الخطاب . وبابنية إنا أهل بيت أعطانا الله عزوجل ست خصال لم يعطها أحداً من الأولين كان قبلكم، ولم يعطها أحداً من الآخرين غيرنا، نبينا سيد الأنبياء والمرسلين، وهو أبوك، ووصينا سيد الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا سيد الشهداء وهو حمزة بن عبد المطلب عم أبيك . . . وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار في الجنة مع الملائكة، وإبناك حسن وحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة، ومنا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً . قالت وأي هؤلاء الذين سميتم أفضل ؟

قال: علي علیه السلام بعدي أفضل أمتي، وحمزة وجعفر أفضل أهل بيتي بعد علي علیه السلام، وبعدك وبعد ابنيَّ وسبطي حسن وحسين، وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا وأشار إلى الحسين، منهم المهدي .

إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، ثم نظر رسول الله صلی الله علیه و آله إليها وإلى بعلها وإلى ابنيها فقال: يا سلمان أشهد الله أني سلم لمن سالمهم، وحرب لمن حاربهم، أما إنهم معي في الجنة .

ثم أقبل على علي علیه السلام فقال: يا أخي أنت ستبقى بعدي وستلقى من قريش شدة من تظاهرهم عليك وظلمهم لك، فإن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك، وإن لم تجد أعواناً فاصبر وكفَّ يدك ولا تلق

ص: 162

بها إلى التهلكة، فإنك مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه، فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك، فإنك بمنزلة هارون ومن تبعه، وهم بمنزلة العجل ومن تبعه . يا علي إن الله تبارك وتعالى قد قضى الفرقة والاختلاف على هذه الأمة، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى حتى لا يختلف اثنان من هذه الأمة ولا ينازع في شئ من أمره، ولا يجحد المفضول لذي الفضل فضله . ولو شاء لعجل النقمة وكان منه التغيير حتى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره . ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال، وجعل الآخرة دار القرار، ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى .

فقال علي علیه السلام: الحمد لله شكراً على نعمائه، وصبراً على بلائه) . انتهى .

وهكذا علم النبي صلی الله علیه و آله عزيزته الزهراء علیها السلام ووصيه علياً الرضا والتسليم ..

وهكذا كانت عبودية الانسان الكامل وإطاعته للخالق العظيم الحكيم، مطلقةً من الشروط، بريئةً من الذات، خالصةً نقيةً من رواسب الطين .. فكان التكريم الرباني بمستوى تسليمهم المطلق لإرادته .. صلوات الله عليهم .

لقد فهمت فاطمة علیها السلام وعلي علیه السلام والحسنان . . أنهم أمام قدر الله وإرادته في الامتحان، وأن عليهم أن يدفعوا ضريبة العبودية .. فدفعوها بسخاء، ورضوا بقدر الله تعالى، وعيونهم تفيض بالدمع، وقلوبهم تنبض بالخشوع والشكر !!

وهنيئاً لمن فهم بعض ما فهموا، واستوعب بعض ما استوعبوا .

ص: 163

4- الله .. يا يوم الاثنين

لم ينم أحد في بيت النبي صلی الله علیه و آله ليلة الاثنين إلا لماماً .. !

فالنبي صلی الله علیه و آله من يوم الأحد، منذ أن لدَّته عائشة وحفصة، يغمى عليه ويفيق .. ورغم حالته هذه، فقد اضطر للخروج الى المسجد عند المغرب متوكئاً على علي علیه السلام والعباس، ليتدارك فتنة عائشة حيث أرسلت الى أبيها عن لسان النبي صلی الله علیه و آله أن يصلي إماماً بالناس، فذهب النبي صلی الله علیه و آله وأزاحه وصلى بهم، وخطب آخر خطبة له مؤكداً على التمسك بعترته، وغشي عليه في المسجد حتى صاح الناس وبكوا .. ثم أفاق وأمرهم بإرجاعه الى البيت، وبقي يغمى عليه ويفيق الى وقت وفاته بعد ظهر الاثنين .. صلوات الله عليه وآله !

قال في البحار: 22/486: (وقال: ادعوا لي العباس، فدعي فحمله هو وعلي، فأخرجاه حتى صلىبالناس وإنه لقاعد،ثم حمل فوضع على منبره، فلم يجلس بعد ذلك على المنبر، واجتمع له جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار حتى برزت العواتق من خدورهن، فبين باك وصائح وصارخ ومسترجع، والنبي يخطب ساعة ويسكت ساعة، وكان مما ذكر في خطبته أن قال: أيها الناس: لا تأتوني غداً بالدنيا تزفونها زفاً، ويأتي أهل بيتي شعثاً غبراً مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم أمامكم . . .

أيها الناس: ومن كانت له قبلي تبعة فها أنا، ومن كانت له عدة، فليأت فيها علي بن أبي طالب، فإنه ضامن لذلك كله، حتى لا يبقى لأحد علي علیه السلام تباعة) . انتهى .

وفي الارشاد للمفيد: 1/183: (فلما كان من الغد (يوم الاثنين) حجب الناس عنه وثقل مرضه، وكان أمير المؤمنين لايفارقه إلا لضرورة، فقام في بعض

ص: 164

شؤونه، فأفاق علیه السلام إفاقة فافتقد علياً علیه السلام فقال وأزواجه حوله: أدعوا لي أخي وصاحبي، وعاوده الضعف فأصمت، فقالت عائشة أدعوا له أبا بكر، فدعي فدخل عليه فقعد عند رأسه، فلما فتح عينه نظر إليه أعرض عنه بوجهه، فقام أبو بكر . فقال: أدعوا لي أخي وصاحبي، فقالت حفصة: أدعوا له عمر فدعي، فلما حضر رآه النبي علیه السلام فأعرض عنه بوجهه، فانصرف . ثم قال أدعوا لي أخي وصاحبي! فقالت أم سلمة: أدعوا له علياً فإنه لا يريد غيره، فدعي أمير المؤمنين علیه السلام، فلما دنا منه أومأ إليه فأكب عليه، فناجاه رسول الله صلی الله علیه و آله طويلاً، ثم قام فجلس ناحية حتىأغفى رسول الله صلی الله علیه و آله، فلما أغفى خرج فقال له الناس: يا أبا الحسن ما الذي أوعز إليك ؟ فقال: علمني رسول الله ألف باب من العلم فتح لي كل باب ألف باب، ووصاني بما أنا قائم به إن شاء الله.

ثم ثقل رسول الله صلی الله علیه و آله وحضره الموت، فلما قرب خروج نفسه قال له: ضع رأسي يا علي في حجرك، فقد جاء أمر الله عز وجل، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة، وتول أمري، وصل علي علیه السلام أول الناس، ولاتفارقني حتى تواريني في رمسي، واستعن بالله عزوجل .

وأخذ علي علیه السلام رأسه فوضعه في حجره فأغمي عليه، وأكبت فاطمة علیها السلام تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه.. ثمالُ اليتامى عصمةٌ للأرامل، ففتح رسول الله صلی الله علیه و آله عينيه وقال بصوت ضئيل: يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لاتقوليه، ولكن قولي: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، إفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ! فبكت طويلاً فأومأ إليها بالدنو منه، فدنت إليه، فأسر إليها شيئاً هلل له وجهها .

ص: 165

ثم قضى صلی الله علیه و آله، ويد أمير المؤمنين اليمنى تحت حنكه، ففاضت نفسه علیه السلام فيها، فرفعها إلى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره، واشتغل بالنظر في أمره) . انتهى .

وقد روت شبيهاً بذلك مصادرهم .. لكن على طريقتها في الحذف والتحريف! ففي مسند أحمد: 1/356: (عن ابن عباس قال لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة فقال: أدعوا لي علياً قالت عائشة: ندعو لك أبا بكر ؟ قال أدعوه، قالت حفصة يا: رسول الله ندعو لك عمر؟ قال أدعوه، قالت أم الفضل: يارسول الله ندعو لك العباس ؟ قال أدعوه فلما اجتمعوا رفع رأسه فلم ير علياً فسكت، فقال عمر: قوموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ...). انتهى. ومثله ابن ماجة: 1 / 391

والقارئ يفهم الكثير الكثير من قول النبي صلی الله علیه و آله: أدع لي علياً فتجيبه عائشة: ندعو لك أبا بكر ! وتجيبه حفصة: ندعو لك عمر !!

ولا يحتاج الى شرح لذلك بعد أن شرحه الله تعالى بقوله: (إن تتوبا لى الله فقد صغت قلوبكما، وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه، وجبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير) وفي قراءة ابن عباس (زاغت قلوبكما) والمعنيان صحيحان، لأن قلبيهما زاغا عن الايمان الى النفاق، بسبب أنهما صغتا الى شياطين قريش واليهود، وعملتا لمصلحتهم ضد العترة النبوية !

ص: 166

5- الساعات الأخيرة من عمر خير البشر ..

في بحار الأنوار: 22/531: (عن الامام الصادق علیه السلام قال: (لما حُضِرَ النبي صلی الله علیه و آله جعل يغمى عليه، فقالت فاطمة علیها السلام: واكرباه لكربك يا أبتاه، ففتح عينه وقال: لا كرب على أبيك بعد اليوم) .

وفي بحار الأنوار: 22/ 532: (عن علي علیه السلام قال: كان جبرئيل ينزل على النبي صلی الله علیه و آله في مرضه الذي قبض فيه في كل يوم وفي كل ليلة فيقول: السلام عليك، إن ربك يقرئك السلام، فيقول: كيف تجدك ؟ وهو أعلم بك، ولكنه أراد أن يزيدك كرامة وشرفاً إلى ما أعطاك على الخلق، وأراد أن يكون عيادة المريض سنة في أمتك، فيقول له النبي صلی الله علیه و آله إن كان وجعاً: يا جبرئيل أجدني وجعاً، فقال له جبرئيل اعلم يا محمد إن الله لم يشدد عليك، وما من أحد من خلقه أكرم منك، ولكنه أحب أن يسمع صوتك ودعاءك حتى تلقاه مستوجباً للدرجة والثواب الذي أعد لك والكرامة الفضيلة على الخلق . وإن قال له النبي صلی الله علیه و آله: أجدني مريحاً في عافية، قال له: فاحمد الله على ذلك، فإنه يحب أن تحمده وتشكره ليزيدك إلى ما أعطاك خيراً، فإنه يحب أن يحمد ويزيد من شكر .

قال: وإنه نزل عليه في الوقت الذي كان ينزل فيه فعرفنا حسه، فقال علي علیه السلام: فيخرج من كان في البيت غيري، فقال له جبرئيل: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويسألك وهو أعلم بك كيف تجدك ؟ فقال له النبي صلی الله علیه و آله: أجدني ميتاً، قال له جبرئيل: يا محمد أبشر، فإن الله إنما أراد أن يبلغك بما تجد ما أعد لك من الكرامة . قال له النبي صلی الله علیه و آله: إن ملك الموت استأذن علي علیه السلام فأذنت له، فدخل واستنظرته مجيئك ؟ فقال له: يا محمد إن ربك إليك

ص: 167

مشتاق، فما استأذن ملك الموت على أحد قبلك، ولا يستأذن على أحد بعدك، فقال النبي صلی الله علیه و آله: لا تبرح يا جبرئيل حتى يعود، ثم أذن للنساء فدخلن عليه، فقال لابنته: أدني مني يا فاطمة علیها السلام، فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها وعيناها تهملان دموعاً فقال لها: أدني مني، فدنت منه فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها وهي تضحك، فتعجبنا لما رأينا، فسألناها فأخبرتنا أنه نعى إليها نفسه فبكت، فقال: يا بنية لا تجزعي، فإني سألت ربي أن يجعلك أول أهل بيتي لحاقاً بي، فأخبرني أنه قد استجاب لي، فضحكت .

قال: ثم دعا النبي صلی الله علیه و آله الحسن والحسين فقبلهما وشمهما وجعل يترشفهما وعيناه تهملان) . انتهى .

وفي مناقب آل أبي طالب: 1 / 203: (دعت أم سلمة علياً فناجاه طويلاً، ثم أغمي عليه، فجاء الحسن والحسين يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله، وأراد علي علیه السلام أن ينحيهما عنه فأفاق رسول الله ثم قال: ياعلي علیه السلام دعهما أشمهما ويشماني وأتزود منهما ويتزودان مني، ثم جذب علياً تحت ثوبه ووضع فاه على فيه وجعل يناجية .

فلما حضره الموت قال له: ضع رأسي يا علي في حجرك فقد جاء أمر الله فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثم وجهني الى القبلة وتول أمري وصل علي علیه السلام أول الناس، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي واستعن بالله عز وجل .

وأخذ علي علیه السلام برأسه فوضعه في حجره وأغمي عليه، فبكت فاطمة علیها السلام فأومى إليها بالدنو منه، فأسر إليها شيئا تهلل وجهها، القصة ...

ص: 168

ثم قضى، ومد أمير المؤمنين يده اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها الى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه ومد عليه أزاره واستقبل بالنظر في أمره).

وفي بحار الأنوار: 22/529: (قال: وصاحت فاطمة علیها السلام، وصاح المسلمون ووضعوا التراب على رؤوسهم) .

6- غابت عائشة وحفصة وأبو بكر وعمر.. عن جنازة النبي صلی الله علیه و آله !

ما إن صعدت صيحة أهل بيت النبي علیهم السلام، والمسلمين الموجودين قرب بيته وفي مسجده الملاصق للبيت.. حتى ظهر عمر في المسجد لابساًلباس الحرب شاهراً سيفه وهو يصيح (إن النبي لم يمت والله لا أسمع أحداً يقول مات رسول الله إلا ضربته بالسيف !) مجمع الزوائد: 5/182، ثم خرج الى السكك يتابع صياحه وتهديده (حتى أزبد شدقاه) ! سبل الهدى للصالحي: 12 / 298، وصححه كانت حركة غريبة من عمر على المسلمين، لكنها جنون سياسي محسوب سلفاًً من قائد الحزب القرشي.. فقد خافوا أن يبادر العباس عم النبي أو أحد من بنس هاشم الى دعوة المسلمين لتجديد البيعة لعلي علیه السلام ! فكان من الضروري أن يكسبوا الوقت لساعات قليلة حتى يرتبوا إعلان بيعة أبي بكر قبل أي حركة من بني هاشم ! فمن الضروري لهم التشكيك في وفاة النبي صلی الله علیه و آله، ليؤخروا مراسم دفنه وأي تفكير بتجديد البيعة لعلي علیه السلام !

روى الطبري في تاريخه: 2/442، أن عمر كان يقول: (إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله توفي، وإن رسول الله والله ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع بعد أن

ص: 169

قيل قد مات . والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله مات !!) .

وأضاف النسائي والهيثمي: (لا أسمع أحداً يقول مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ضربته بالسيف !) مجمع الزوائد:5 /182و النسائي: 4/ 263 .

وقال الصالحي الشامي في سبل الهدى والرشاد: 12/298: (روى البزار والبلاذري وبقي بن مخلد، عن أبي هريرة وابن عباس، وأبو يعلى وأحمد برجال ثقات، والطيالسي والترمذي في الشمائل بإسناد حسن، عن عائشة، والطبراني برجال ثقات، عن عكرمة، عن ابن عباس، وإسحاق بن راهوية عن عكرمة، وعبد بن حميد بسند صحيح، عن سالم بن عبيد الصحابي . . في حديث طويل جاء فيه أن عمر كان يقول . . . وليقطعن أيدي رجال وأرجلهم وألسنتهم، وتكلم حتى أزبد شدقاه . . . وابن أم مكتوم في مؤخرة المسجد يقرأ: وما محمد إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل . . . والناس يموجون ويبكون ولا يسمعون، فخرج عباس بن عبد المطلب على الناس فقال: يا أيها الناس هل عند أحد منكم من عهد رسول الله فليحدثنا ؟! قالوا: لا . قال: هل عندك يا عمر من علم ؟! قال: لا . فقال العباس: أشهد أيها الناس أن أحداً لا يشهد على رسول الله بعهد عهده إلي في وفاته، والله الذي لا إله إلا هو فقد ذاق رسول الله الموت، فادفنوا صاحبكم . .) . انتهى .

فقد كان العباس يتصور أن كل شئ بيدهم وأنهم يجب أن يدفنوا النبي صلی الله علیه و آله أولاً ثم يجددوا البيعة لعلي علیه السلام ! ولا بد أن عمر ارتاح الى أن برنامجهم دفن النبي صلی الله علیه و آله أولاً، لكنه احتاط ولم يقتنع بكلام العباس، كما (لم يقتنع) من قبل بنص القرآن بذلك الذي كان يتلوه ابن أم مكتوم في المسجد بشكل مستمر !!

ص: 170

وإنما اقتنع عندما جاء أبو بكر وقرأ له آية إنك ميت وإنهم ميتون .. فتغيرت حالته لأنه اطمأن الى نجاح خطتهم، وقد قال هو عن نفسه، كما في البخاري: 5 / 20: (لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار .. وقال كما في البخاري: 8 / 27: (وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحدة، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري، إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل، حتى سكت . فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولم يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب الي من أن اتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم الا ان تسول الي نفسي عند الموت شيئاً، لا أجده الآن ! فقال قائل الأنصار أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يامعشر قريش.. فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف فقلت أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل الله سعد بن عبادة!

قال عمر: وأنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر! خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا، فإما بايعناهم على ما لانرضى، وإما نخالفهم فيكون فساد . فمن بايع رجلاً على غير مشورة

ص: 171

من المسلمين، فلا يتابع هو ولا الذي بايعه، تغرة أن يقتلا !) . انتهى . وكلامه الأخير فتوى بوجوب قتل أصحاب بيعة الفلتة، كبيعتهم !!

(انطلق بنا الى الأنصار .. فانطلقا يتعاديان ...) !!

وكان هذا آخر عهد أبي بكر وعمر بجنازة النبي صلی الله علیه و آله ! ومعهما عائشة وحفصة!! أما لماذا ذهبا الى سقيفة بني ساعدة، فلأن سعد بن عبادة زعيم الأنصار مريض، وهو نائم في تلك السقيفة التي هي محل استقبال سعد لأنها قرب بيته وحوله على العادة بعض الأنصار، فهو أفضل مكان لبيعة أبي بكر وإعلانها !! قال ابن كثير في السيرة: 4/ 491: (قال الامام أحمد ... توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه في صائفة من المدينة قال فجاء فكشف عن وجهه فقبله وقال: فداك أبي وأمي ما أطيبك حياً وميتاً، مات محمد ورب الكعبة . فذكر الحديث قال: فانطلق أبو بكر وعمر يتعاديان حتى أتوهم، فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئا أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله من شأنهم إلا ذكره .. الخ .) . انتهى .

ولم يقل أحمد في روايته هذه أن أبا بكر غطى وجه النبي صلی الله علیه و آله وقال لأهل بيته استلموا صاحبكم أنا مشغول ! لكن النسائي قاله في كتاب الوفاة ص 75: (ثم قال أبو بكر عندكم صاحبكم، وخرج) !

وقال البيهقي في سننه: 8/145 دونكم صاحبكم، لبني عم رسول الله يعني في غسله وما يكون من أمره ثم خرج) !! .

وقال ابن أبي شيبة فى المصنف: 8/572، قال: (حدثنا ابن نمير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي صلی الله علیه و آله وكانا في الأنصار، فدفن رسول الله صلی الله علیه و آله قبل أن يرجعا) . انتهى .

ص: 172

وإن كان عجيباً أن ينشغل أبو بكر وعمر عن جنازة الرسول أياماً! فالأعجب منه أن زوجته عائشة وحفصة، ماأن أغمض عينيه حتى خرجتا من بيته وكانتا تتجولان وتعملان مع أبويهما في إقناع الأنصار، ولم تجلسا في بيتهما للبكاء على زوجهما، ولا أدَّتا واجب الحداد عليه!!

ثم نرى عائشة بعد ذلك تعتب على علي علیه السلام وبني هاشم لتقصيرهم في حقها وحق حفصة حيث لم يفتشوا عنهما في مناطق المدينة ويدعوهما لحضور مراسم دفن النبي صلی الله علیه و آله !! قال ابن عبد البر في الاستيعاب: 1 / 47: (عن عمرة عن عائشة قالت ما علمنا بدفن رسول الله صلی الله علیه و آله حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل وصلى عليه علي علیه السلام والعباس وبنو هاشم ثم دخل المهاجرون، ثم الأنصار، ثم النساء والغلمان) . انتهى . ورواه ابن هشام في سيرته: 4/321، والطبري في تاريخه: 3 / 213، والبيهقي في دلائل النبوة: 7 /256، والشوكاني في نيل الأوطار: 2 جزء 4 / 88، وابن شيبة في المصنف: 3 /227 .. وغيرهم .

7- بات آل محمد بأطول ليلة ..!

في بحار الأنوار: 22 / 537: (عن الامام الباقر علیه السلام قال: لما قبض رسول الله بات آل محمد بأطول ليلة حتى ظنوا أن لا سماء تظلهم، ولا أرض تقلهم! لأن رسول الله وَتَرَ الأقربين والأبعدين في الله، فبينما هم كذلك إذ أتاهم آتٍ لايرونه، ويسمعون كلامه، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاء من كل مصيبة، ونجاة من كل هلكة، ودركاً لما فات، كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور .

ص: 173

إن الله اختاركم وفضلكم وطهركم، وجعلكم أهل بيت نبيه، واستودعكم علمه، وأورثكم كتابه، وجعلكم تابوت علمه، وعصا عزه، وضرب لكم مثلاً من نوره، وعصمكم من الزلل، وآمنكم من الفتن، فتعزوا بعزاء الله، فإن الله لم ينزع منكم رحمته، ولن يزيل عنكم نعمته، فأنتم أهل الله عز وجل الذين، بهم تمت النعمة، واجتمعت الفرقة، وائتلفت الكلمة، وأنتم أولياؤه، فمن تولاكم فاز، ومن ظلم حقكم زهق، مودتكم من الله واجبة في كتابه على عباده المؤمنين، ثم الله على نصركم إذ يشاء قدير، فاصبروا لعواقب الأمور، فإنها إلى الله تصير، قد قبلكم الله من نبيه وديعة، واستودعكم أولياءه المؤمنين في الأرض، فمن أدى أمانته أتاه الله صدقه، فأنتم الأمانة المستودعة، ولكم المودة الواجبة، والطاعة المفروضة، وقد قبض رسول الله وقد أكمل لكم الدين، وبين لكم سبيل المخرج، فلم يترك لجاهل حجة، فمن جهل أو تجاهل أو أنكر أو نسي أو تناسى، فعلى الله حسابه، والله من وراء حوائجكم، وأستودعكم الله، والسلام عليكم) .

فسألت أباجعفر ممن أتاهم التعزية ؟ فقال من (قبل) الله تبارك وتعالى).

وفي الأنوار البهية: ص 42: (وعن الثعلبي: إنه قبض حين زاغت الشمس، فلما قبض رسول الله، جاء الخضر فوقف على باب البيت، وفيه علي علیه السلام وفاطمة علیها السلام والحسن والحسين، ورسول الله قد سجي بثوب، فقال: السلام عليكم يا أهل البيت: كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة إن في الله خلفاً من كل هالك، وعزاءً من كل مصيبة، ودركاً من كل مافات، فتوكلوا عليه، وثقوا به، وأستغفر الله لي ولكم .

ص: 174

وأهل البيت يسمعون كلامه ولا يرونه، فقال أمير المؤمنين: هذا أخي الخضر جاء يعزيكم بنبيكم) . انتهى .

8- علي وفاطمة علیهم السلام ينفذان وصية النبي صلی الله علیه و آله ..

لم يكن بقي من رجال بني هاشم الكبار بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله إلا العباس وابنه الفضل وعلي علیه السلام، فكانوا هم المعنيين بجنازة النبي صلی الله علیه و آله .. أما عقيل بن أبي طالب فكان في مكة .. وكان الباقون شباناً وغلماناً، وهم كثرة ..

وقد حدد النبي صلی الله علیه و آله (آله وأهل بيته) مراراً بعلي علیه السلام وفاطمة علیها السلام والحسنين علیهم السلام .. أما بقية بني هاشم فهم أرحامه وعشيرته، لكنهم ليسوا آله ولا أهل بيته، بالمصطلح الاسلامي الذي وضعه النبي صلی الله علیه و آله .

ومع أن العباس عم النبي صلی الله علیه و آله، والعم عند العرب صنو الأب، لكنه كان يعرف لعلي مقامه من النبي صلی الله علیه و آله، خاصة أن علياً قبل وصية النبي صلی الله علیه و آله بأن يقضي عنه ديونه وعداته، بينما لم يقبلها العباس خوفاً من ثقلها عليه !

كان العباس يفكر أن الأمور بيدهم، فقد أمر النبي صلی الله علیه و آله المسلمين وبايعوا علياً في حياته، وأنهم سيفون ببيعتهم ويجددونها بعد وفاته، لكن لايصح أن يتكلم أحد عن خلافة النبي صلی الله علیه و آله إلا بعد مراسم دفنه .. وقد رأى العباس حركة عمر للتشكيك في وفاة النبي صلی الله علیه و آله فردها، وتصور أن عمر قد سكت وذهب وانتهى الأمر ! لكنه عندما عرف فيما بعد أنهم تركوا جنازة النبي صلی الله علیه و آله بأيديهم وذهبو ليعلنوا بيعتهم لأبي بكر بدون مشورة، صاح منفعلاً: فعلوها والله !! فعلوها !!

ص: 175

أما علي علیه السلام وفاطمة علیها السلام والحسنان .. فكانوا يعلمون أن قريشاً ماضية في خطتها الجهنمية في الانقلاب على نبيها بعده، على سنة اليهود حذو القذة بالقذة . . وكانوا ينتظرون أن تأتيهم موجة الفتنة القرشية اليهودية بين حين وآخر !

لكنهم لم يكونوا حاضرين لأن يقوموا بأي عمل، أو ينشغلوا بأي شغل سوى تنفيذ وصية النبي صلی الله علیه و آله حرفياً .. فقد أوصاهم النبي صلی الله علیه و آله بما يجب عليهم بوضوح، وأوصى علياً بكل ما يعمله في مراسم احتضاره وتغسيله والصلاة عليه ودفنه .. ثم أوصاه أن يعتكف في بيته حتى يجمع القرآن كما وجهه ويعرضه عليهم، فإن لم يقبلوه، احتفظ به عن الناس وورثه للحسن ثم للحسين ثم للأئمة من ذريته .

كانت وصايا النبي صلی الله علیه و آله بتجهيزه والصلاة عليه ودفنه، تحتاج الى بقية يوم الاثنين الذي توفي فيه ويوم الثلاثاء كاملاً الى أواخر الليل، حيث قام علي علیه السلام بدفن النبي صلی الله علیه و آله ليلاً . ولم يكن يستشير أحداً في شئ من أمر النبي صلی الله علیه و آله لا في تجهيزه والصلاة عليه ولا في مكان دفنه أو وقته،كما تزعم بعض الروايات .. لأن النبي صلی الله علیه و آله كان حدد لعلي علیه السلام كل ذلك بدقة !

في بحار الأنوار: 22 / 492: عن الامام الصادق علیه السلام قال: (قال علي علیه السلام ابن أبي طالب: كان في الوصية أن يدفع إلي الحنوط، فدعاني رسول الله صلی الله علیه و آله قبل وفاته بقليل فقال: يا علي ويا فاطمة علیها السلام هذا حنوطي من الجنة دفعه إلي جبرئيل، وهو يقرئكما السلام ويقول لكما: إقسماه واعزلا منه لي ولكما قال: لك ثلثه، وليكن الناظر في الباقي علي بن أبي طالب، فبكى رسول الله وضمها إليه . وقال: موفقة رشيدة مهدية ملهمة . يا علي قل في الباقي، قال: نصف ما بقي لها، ونصف لمن ترى يا رسول الله، قال: هو لك فاقبضه . ..

ص: 176

وبالاسناد المتقدم عنه عن أبيه قال: قال رسول الله: يا علي أضمنت ديني تقضيه عني ؟ قال: نعم، قال: اللهم فاشهد، ثم قال: يا علي تغسلني ولا يغسلني غيرك فيعمى بصره، قال علي علیه السلام: ولم يا رسول الله ؟ قال: كذلك قال جبرئيل عن ربي، إنه لا يرى عورتي غيرك إلا عمي بصره قال علي علیه السلام: فكيف أقوى عليك وحدي؟ قال: يعينك جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وإسماعيل صاحب السماء الدنيا، قلت: فمن يناولني الماء ؟ قال: الفضل بن العباس من غير أن ينظر إلى شئ مني، فإنه لايحل له ولالغيره من الرجال والنساء النظر إلى عورتي، وهي حرام عليهم، فإذا فرغت من غسلي فضعني على لوح، وافرغ علي علیه السلام من بئري بئر غرس أربعين دلوا مفتحة الافواه . قال عيسى: أو قال: أربعين قربة شككت أنا في ذلك، قال: ثم ضع يدك يا علي على صدري، وأحضر معك فاطمة علیها السلام والحسن والحسين من غير أن ينظروا إلى شئ من عورتي، ثم تفهم عند ذلك ما كان وما هو كائن إن شاء الله تعالى . أقبلت يا علي ؟ قال: نعم . قال: اللهم فاشهد .

قال: يا علي ماأنت صانع لو قد تأمر القوم عليك بعدي، وتقدموا عليك، وبعث إليك طاغيتهم يدعوك إلى البيعة ثم لببت بثوبك، تقاد كما يقاد الشارد من الابل مذموماً مخذولاً محزوناً مهموماً وبعد ذلك ينزل بهذه الذل ؟

قال: فلما سمعت فاطمة علیها السلام ما قال رسول الله صرخت وبكت، فبكى رسول الله لبكائها، وقال: يا بنية لا تبكين ولا تؤذين جلساءك من الملائكة، هذا جبرئيل بكى لبكائك، وميكائيل وصاحب سر الله إسرافيل، يا بنية لا تبكين فقد بكت السماوات والارض لبكائك .

ص: 177

فقال علي: يا رسول الله أنقاد للقوم، وأصبر على ما أصابني من غير بيعة لهم ما لم أصب أعواناً لأناجز القوم، فقال رسول الله: اللهم اشهد .

فقال: يا علي ما أنت صانع بالقرآن والعزائم والفرائض ؟

فقال: يا رسول الله أجمعه ثم آتيهم به، فإن قبلوه وإلا أشهدت الله عز وجل وأشهدتك عليه . قال: أشهد .

قال: وكان فيما أوصى به رسول الله أن يدفن في بيته الذي قبض فيه، ويكفن بثلاثة أثواب أحدها يمان، ولا يدخل قبره غير علي علیه السلام .

ثم قال: يا علي كن أنت وابنتي فاطمة علیها السلام والحسن والحسين، وكبروا خمساً وسبعين تكبيرة، وكبر خمساً وانصرف، وذلك بعد أن يؤذن لك في الصلاة .

قال علي علیه السلام: بأبي أنت وأمي من يؤذني ؟ قال: جبرئيل يؤذنك .

قال: ثم من جاء من أهل بيتي يصلون علي علیه السلام فوجاً فوجاً، ثم نساؤهم، ثم الناس بعد ذلك) . انتهى .

ص: 178

9- منع أبي بكر وعمر فاطمة الزهراء علیها السلام من إقامة مجالس البكاء على أبيها !

اشارة

قال البخاري: 5 / 144: (عن أنس رضى الله عنه قال لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة علیها السلام: واكرب أباه ! فقال لها: ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم ! فلما مات قالت:

يا أبتاه .. أجاب رباً دعاه

ياأبتاه .. من جنة الفردوس مأواه

يا ابتاه .. إلى جبريل ننعاه

فلما دفن قالت فاطمة علیها السلام: يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب ؟!) . انتهى .

روت مصادر الحديث والسيرة السنية هذا الحديث، وأحاديث أخرى تهز قلب كل مسلم، عن بكاء الصديقة الزهراء علیها السلام، ونعيها البليغ الحنون لأبيها صلی الله علیه و آله .. لكنها لم ترو شيئاً عن مهاجمة السلطة القرشية لدار فاطمة علیها السلام، وجمعهم الحطب وإضرامهم النار في بابها .. ولا عن الأحكام العرفية التي أعلنتها حكومة بطون قريش ومنعت بموجبها فاطمة علیها السلام أن تقيم مجلس البكاء عند قبر أبيها صلی الله علیه و آله، بل منعت أي تجمع عند القبر والإقتراب منه، بحجة تحريم البكاء على الميت، وزعم عمر أن النبي قال إن الله يعذب الميت إذا بكى أهله عليه ! وأن النبي نهى أن يتخذ قبره عيداً، أي مجتمعاً للزائرين !

والسبب في هذه الاجراءات المشددة المسندة بأحاديث موضوعة، أنهم خافوا من تأثير مجالس الزهراء علیها السلام عند قبر أبيها على الرأي العام، وخافوا أن

ص: 179

يعلن أحد من بني هاشم استجارته بالقبر ويقيم عنده حتى يلبي طلبه، كما هي عادة العرب في الاستجارة بقبور عظمائهم والاقامة عندها حتى يلبى طلبهم، ومن العار على ذوي القبر أن يستجير أحد بقير عظيم لهم، ولا يلبوا طلبه ما أمكن !!

أما في مصادرنا .. فترى الصورة منطقية لا تناقض فيها ولا امتهان للعقل.. فالبكاء على الميت والحزن عليه عاطفة إنسانية ممدوحة، وله أحكام شرعية، تبين ما يستحب منه، وما يكره، وما يحرم ..

والبكاء على مصاب الأمة بنبيها وأهل بيته الطاهرين، وعلى مصائبهم وأحزانهم، من أرقى أنواع بكاء المؤمنين وعبادتهم لربهم، والملائكة تسجل تلك العواطف والدموع في الحسنات.. ومن الظلم والمحال أن يعذب الله ميتاً لأن أحداً يبكي عليه كما زعم عمر !!

وحرمة النبي صلی الله علیه و آله وآله صلى الله عليهم أمواتاً كحرمتهم أحياء، فهم أحياء عند ربهم يرزقون، يسمعون كلامنا، ويردون سلامنا، وتعرض عليهم أعمالنا .. وزيارة قبورهم المباركة ومشاهدهم المشرفة من أفضل القربات الى الله تعالى لأنها أمكنة مباركة مقدسة لها أحكام المساجد، وهي أفضل من بعض المساجد، فالصلاة لله في جوارهم من أفضل الأعمال . ودعاء الله عندها من أرجى الأدعية استجابةً، لأن مشاهدهم مظان إجابة الله تعالى لأدعية عباده وتضرعاتهم اليه .

أما الأحاديث التي زعموا فيها أن النبي صلی الله علیه و آله نهى عن الصلاة عند قبره، أو نهى أن يكون القبر في المسجد، أو نهى أن يتوسل بالنبي صلی الله علیه و آله وآله، أو نهى أن يشد الرحال الى زيارتهم، أو لعن من فعل ذلك .. فهي أحاديث موضوعة،

ص: 180

أو محرفة عن أصولها، لأغراض سياسية قرشية ! وقد كذبها أهل بيت النبي علیهم السلام من أول يوم بقولهم وعملهم !

فاطمة علیها السلام .. وبيت الأحزان

إن موقف سلطة أبي بكر وعمر من مجالس البكاء التي كانت تقيمها الصديقة الزهراء سلام الله عليها على أبيها رسول الله صلی الله علیه و آله، دليلٌ واضح على أن مسألة البكاء على النبي صلی الله علیه و آله، وزيارة قبره والتجمع عنده، والتوسل والاستشفاع به الى الله تعالى .. كانت تخيف السلطة أشد الخوف لذا اعتبروها من الأمور التي تمس بالأمن القومي، على حد تعبير الحكومات المعاصرة المشابهة !

فلابد للباحث المنصف أن يشك في كل الأحاديث التي رووها مما يخالف سلوك فاطمة الزهراء علیها السلام وأهل البيت وأقوالهم علیهم السلام !

في الخصال للصدوق ص 272، عن الامام الصادق علیه السلام قال:

(البكاؤون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة علیها السلام بنت محمد، وعلي علیه السلام بن الحسين علیهم السلام . فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية، وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره، وحتى قيل له: تا الله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين . وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا له: إما أن تبكي الليل وتسكت بالنهار، وإما أن تبكي النهار وتسكت بالليل، فصالحهم على واحد منهما .

ص: 181

وأما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلی الله علیه و آله حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك ! فكانت تخرج إلى المقابر فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف .

وأماعلي علیه السلام بن الحسين فبكى على الحسين علیه السلام عشرين سنة أو أربعين سنة، ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون، إني ما أذكر مصرع بني فاطمة علیها السلام إلا خنقتني لذلك عبرة) . انتهى . ورواه الصدوق أيضاً في الأمالي ص 204، والنيسابوري في روضة الواعظين ص 451، وابن شهراشوب في المناقب: 3/104

وقال المجلسي في بحار الأنوار: 43/177: (واجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أمير المؤمنين علي علیه السلام فقالوا له: يا أبا الحسن إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل والنهار فلا أحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا، ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا، وإنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً، فقال: حباً وكرامة، فأقبل أمير المؤمنين حتى دخل على فاطمة علیها السلام وهي لا تفيق من البكاء، ولا ينفع فيها العزاء، فلما رأته سكنت هنيئة له، فقال لها: يا بنت رسول الله إن شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلاً وإما نهاراً . فقالت: يا أبا الحسن ما أقل مكثي بينهم وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لا أسكت ليلاً ولا نهاراً، أو ألحق بأبي رسول الله . فقال لها علي علیه السلام: إفعلي علیه السلام يا بنت رسول الله ما بدا لك . ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان، وكانت إذاأصبحت قدمت الحسن والحسين أمامها

ص: 182

، وخرجت إلى البقيع باكية فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين إليها وساقها بين يديه إلى منزلها) . انتهى .

وقال السيد شرف الدين في النص والإجتهاد ص 301: (وهنا نلفت أولي الألباب إلى البحث عن السبب في تنحي الزهراء علیها السلام عن البلد في نياحتها على أبيها صلی الله علیه و آله وخروجها بولديها في لمة من نسائها إلى البقيع يندبن رسول الله صلی الله علیه و آله، في ظل أراكة كانت هناك، فلما قطعت بنى لها علي علیه السلام بيتاً في البقيع كانت تأوى إليه للنياحة يدعى بيت الأحزان، وكان هذا البيت يزار في كل خلف من هذه الأمة، كما تزار المشاهد المقدسة، حتى هدم في هذه الأيام بأمر الملك عبد العزيز بن سعود النجدي، لما استولى على الحجاز وهدم المقدسات في البقيع عملاً بما يقتضيه مذهبه الوهابي، وذلك سنة 1344 للهجرة . وكنا سنة 1339 تشرفنا بزيارة هذا البيت بيت الأحزان، إذ منَّ الله علينا في تلك السنة بحج بيته وزيارة نبيه، ومشاهد أهل بيته الطيبين الطاهرين في البقيع علیهم السلام) .

وقال صاحب الذريعة: 7 /52: (أقول: إن دار تميم الداري معروفة بالمدينة، وهو مشهد يزار حتى اليوم، وكذا دار أبي بكر وعثمان، ولكن انهدم بيت الاحزان في بقيع الغرقد لمجاورته مراقد أئمة الشيعة علیهم السلام وذلك لأجل أنه: قد يؤخذ الجار بجرم الجار) !

وفي بيت الأحزان للقمي ص 128: للشيخ صالح الحلي رحمة الله: ***

الواثبين لظلم آل ومحمد *** ومحمد ملقىً بلا تكفينِ

والقائلين لفاطم آذيتنا *** في طول نوح دائمٍ وحنينِ

والقاطعين أراكةً كيما تقيلَ *** بظل أوراقٍ لها وغصون

ومجمعي حطبٍ على البيت الذي *** لم يجتمع لولاه شمل الدين

ص: 183

والهاجمين على البتولة ببيتها *** والمسقطين لها أعز جنين

والقائدين أمامهم بنجاده والطهر *** تدعو خلفه برنين

خلوا ابن عمي أولأكشف في الدعا *** رأسي وأشكو للإله شجوني

ما كان ناقة صالح وفصيلها *** بالفضل عند الله إلا دوني

ورنَت

إلى القبر الشريف بمقلة *** عبرى وقلبٍ مُكمَد محزون

قالت وأظفار المصاب بقلبها *** غوثاه قلَّ على العداة معيني

أبتاه هذا السامري وعجله تُبعا *** ومال الناس عن هارون

أي الرزايا أتقي بتجلدي *** هو في النوائب مذحييت قريني

فقدي أبي أم غصب بعلي حقه *** أم كسرضلعي أم سقوط جنيني

أم أخذهم إرثى وفاضل نحلتي *** أم جهلهم حقي وقد عرفوني

قهروا يتيميك الحسين وصنوه *** وسألتهم حقي وقد نهروني

لماذا تنتحبين يازهراء ..؟!

- كتب السبيل الأعظم في شبكة هجر الثقافية بتاريخ 11-6-2001، الواحدة صباحاً، موضوعاً بعنوان (تنتحبين يازهراء ؟)، قال فيه:

الزهراء علیها السلام (علیه السلام) تبكي ! بل الزهراء علیها السلام تنحب بنشيج !

بل الزهراء علیها السلام تُؤذي أهل المدينة ببكائها ! جلست عند الشجرة فقطعوها!

فبنى لها أمير المؤمنين (علیه السلام) بيتاً بعيداً عن المدينة !

عجيبٌ أمركِ يا فاطمة علیها السلام ! أما لكِ شغلٌ غير البكاء والنحيب وأذية الناس ! !

ص: 184

كفِّي عن البكاء !

كلُّ ذلك من أجل رحيل أبيكِ من هذا الوجود الدنيوي ! ما عند أحد أبٌ إلا أنتِ ؟! أو ما ضربوك إلا أنت، حتى أسقطوك ؟!

أنتِ امرأة مؤمنة بالله سبحانه ومسلمة لقضاء الله وقدره ومؤمنة بأن الموت حق، فلماذا تبكين ؟!

أنتِ معصومة لاتخالفين الله سبحانه، ولا تفعلين فعلا إلا وفيه رضا لله سبحانه فإذاً لماذا هذا البكاء ؟؟

أجيبوني ياموالين، فلقد حيرتني الزهراء علیها السلام في أمرها..لماذا كانت تبكي؟!

من هم أهل المدينة الذين تجرأوا وقالوا للزهراء علیها السلام لقد آذيتنا ؟!

هل كان بكاؤها عاطفياً محضاً، أم كان واجباً لهدف من الأهداف ؟!

يا شفيعة المذنبين يا سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب الحقاني في 11-6-2001، الخامسة إلا ربعاً صباحاً:

سلام الله عليك يا زهراء ...

أخي الفاضل هذا السؤال من الأفضل أن نوجهه الى أهل السنة والجماعة ليبحثوا عن السبب، وأما نحن الشيعة فنعرف لماذا حدث، ولكن أرجو من المنصفين الاجابة .

- وكتب الكاشف في 11-6-2001

م، الثامنة صباحاً:

الأخ السبيل الأعظم:

هل تعلم أن الرسول محمد صلی الله علیه و آله بكى على الموتى ؟

ص: 185

1 - فقد روى البخاري في صحيحه: أنّ النبي نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم وقال: أخذ الراية زيد، فأُصيب . ثم أخذها جعفر فاُصيب، ثمّ أخذها ابن رواحة فاُصيب، وعيناه تذرفان (صحيح البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب خالد بن الوليد 2 / 204، ط.الحلبي بمصر .)

2 - وفي ترجمة جعفر من الاستيعاب وأُسد الغابة والاصابة وخبر غزوة مؤتة من تأريخ الطبري وغيره ما ملخّصه: لما أُصيب جعفر وأصحابه دخل رسول اللّه صلی الله علیه و آله بيته وطلب بني جعفر، فشمهم ودمعت عيناه، فقالت زوجته أسماء بأبي واُمّي ما يبكيك ؟ أبَلغك عن جعفر وأصحابه شئ ؟ قال: نعم، أُصيبوا هذا اليوم. فقالت أسماء: فقمت أصيح وأجمع النساء، ودخلت فاطمة علیها السلام وهي تبكي وتقول واعماه . فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: على مثل جعفر فلتبكِ البواكي !

3 - ولقد بكى الرسول صلی الله علیه و آله على ابنه ابراهيم: كمافي صحيح البخاري: قال أنس: دخلنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله ... وإبراهيم يجود بنفسه. فجعلت عينا رسول الله تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف (رضی الله عنه): وأنت يا رسول الله !؟ فقال: يا ابن عوف إنها رحمة . ثم أتبعها بأخرى فقال: إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلاّ ما يرضي ربّنا، وإنّا بفراقك يا إيراهيم لمحزونون . وفي سنن ابن ماجة: فانكبّ عليه وبكى (صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلی الله علیه و آله: إنّا بك لمحزونون 1 / 158، واللفظ له. وصحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته بالصبيان والعيال، ح 62. وسننابنماجة، كتاب الجنائز، باب ما جاء في النظر إلى الميّت، ح 1475، 1 / 473. وطبقات ابن سعد، ط. اوربا 1 / ق 1 / 88. ومسند أحمد 3 / 194.)

4- بكاءه على حفيده: ففي صحيح البخاري: أنّ ابنة النبي صلی الله علیه و آله أرسلت إليه: أنّ ابنا لي قبض فأتنا. فقام ومعه سعد ابن عبادة ورجال من أصحابه فرُفع إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله ونفسه تتقعقع ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟

ص: 186

فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء . صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلی الله علیه و آله: (يعذّب الميّت ببعض بكاء أهله عليه) واللفظ له. وكتاب المرضى، باب عيادة الصبيان 4/3. وصحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميّت، ح 11، ص 636. وسنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميّت، ح 3125، 3 / 193. وسنن النسائي، كتاب الجنائز، باب الامر بالاحتساب والصبر 1 / 264 . ومسند أحمد 2 / 306، و3 / 83، 88 و89.)

5 - ندب الرسول صلی الله علیه و آله إلى البكاء على عمّه حمزة: في مغازي الواقدي وطبقات ابن سعد ما موجزه: لما سمع رسول اللّه صلی الله علیه و آله بعد غزوة أحد البكاء من دور الأنصار على قتلاهم ذرفت عينا رسول الله صلی الله علیه و آله وبكى وقال: لكن حمزة لا بواكي له ! فسمع ذلك سعد بن معاذ، فرجع إلى نساء بني عبد الأشهل فساقهنّ إلى باب رسول الله صلی الله علیه و آله فبكين على حمزة . فسمع ذلك رسول الله صلی الله علیه و آله فدعا لهنّ وردّهن. فلم تبكِ امرأة من الأنصار بعد ذلك إلى اليوم على ميّت إلاّ بدأت بالبكاء على حمزة ثمّ بكت على ميّتها. (من ترجمة حمزة في طبقات ابن سعد، ط. دار صادر بيروت 1377 ه-، 3 / 11. وأكثر تفصيلا منه في مغازي الواقدي 1 / 315 - 317. وبعده إمتاع الاسماع 1 / 163. ومسند أحمد 2 / 40، وتأريخ الطبري. وأورده ابن عبد البرّ بإيجاز بترجمة حمزة من الاستيعاب، وباختصار أيضا، ابن الاثير بترجمته من اُسد الغابة .)

6 - بكى الرسول صلی الله علیه و آله على قبر أمّه وأبكى من حوله: زار رسول الله صلی الله علیه و آله قبر أمّه فبكى وأبكى مَن حوله . (سنن النسائي، كتاب الجنائز، باب زيارة قبر المشرك 1 / 267. وسنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب زيارة القبور، ح 3234، 3 / 218. وسنن ابن ماجة، كتاب الجنائز، بابما جاء في زيارة قبور المشركين، ح 1572، 1 / 501) .

يظهر لنا من الأحاديث أن الرسول صلی الله علیه و آله بكى ولم ينهه.. أما مبدأ نهى البكاء فعائشة اصطدمت بالخليفة عمر حول هذه النقطة:

ص: 187

1 - في صحيح البخاري ومسلم عن ابن عباس: لما أن أصيب عمر دخل صهيب يبكي ويقول وا أخاه وا صاحباه ! فقال عمر: يا صهيب أتبكي علي علیه السلام وقد قال رسول الله: (إنّ الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه) ؟ فقال ابن عباس: فلمّا مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت: رحم الله عمر، والله ما حدّث رسول الله صلی الله علیه و آله: إنّ الله ليعذّب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال: (إنّ الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه)، وقالت: حسبكم القرآن: (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرى). قال ابن عباس (رضی الله عنه) عند ذلك: والله هو أضحك وأبكى. (صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلی الله علیه و آله: يعذّب الميّت ببكاء أهله عليه 1/155 و156. ومسلم، كتاب الجنائز، باب الميت يعذّب ببكاء أهله ح22، ص 641.)

2- وفي صحيح مسلم: ذكر عند عائشة أنّ ابن عمر يرفع إلى النبي صلی الله علیه و آله: (إنّ الميّت يعذّب في قبره ببكاء أهله عليه) فقالت:وَهِلَ (وَهَِل بفتح الواو وفتح الهاء وكسرها أي غلط ونسي)، إنما قال رسول الله صلی الله علیه و آله: (إنّه ليعذّب بخطيئته أو بذنبه وإنّ أهله ليبكون عليه) . وفي رواية قبله: ذكر عند عائشة قول ابن عمر: الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه، فقالت رحم الله أبا عبد الرحمن سمع شيئا فلم يحفظه، إنما مرّت جنازة ليهوديّ على رسول الله وهم يبكون عليه، فقال: (أنتم تبكون وإنّه ليعذّب) (صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه، ح 25 و2، ص642و643، وح 27، ص 643. وقريب منه لفظ الترمذي في كتاب الجنائز، الرخصة في البكاء على الميّت 4 / 225. وسنن أبي داود، كتاب الجنائز، ح3129، 3 / 19.)

3 - قال الامام النووي (ت: 676 ه-) في شرح صحيح مسلم عن روايات النهي عن البكاء المروية عن رسول الله صلی الله علیه و آله: وهذه الروايات من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبدالله رضي الله عنهما وأنكرت عائشة ونسبتها إلىالنسيان

ص: 188

والاشتباه عليهما، وأنكرت أن يكون النبيّ صلی الله علیه و آله قال ذلك . (شرح النووي بهامش صحيح مسلم، المطبعة المصرية 1349 ه-، 6 / 228، كتابالجنائز، باب الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه.)

4 - ويظهر من الحديث الآتي أنّ منشأ الخلاف كان في اجتهاد الخليفة عمر فبالنهي عن البكاء في مقابل سنة الرسول صلی الله علیه و آله بالبكاء، فقد ورد في الحديث أنّه: مات ميّت من آل الرسول صلی الله علیه و آله فاجتمع النساء يبكين عليه، فقام عمر ينهاهنّ ويطردهنّ فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: دعهنّ يا عمر، فإنّ العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب. (سنن النسائي، كتاب الجنائز، باب الرخصة في البكاء على الميّت. وسنن ابن ماجة، كتابالجنائز، باب ما جاء في البكاء على الميّت، ح 1587، ص 505. ومسند أحمد 2/110، 273، 333، 408 و444.)

فلماذا تتعجب من بكاء الزهراء علیها السلام ؟!!

- وكتب الموسوي في 11-06-2001 م، التاسعة صباحاً:

تعجب الأخ العزيز السبيل الأعظم في محله. والسؤال غير موجه للسنة فقط بل لبعض الشيعة أيضاً ! والعجب كل العجب حينما ينكرون شدة حزن الزهراء علیها السلام وبكائها، ويعتبرونه منافياً للصبر وللرضا بقضاء الله وقدره ؟!!

- وكتب أبوسمية في 11-06-2001

م، التاسعة والربع صباحاً:

ستغدر بك الأمة . . . والغدر بأمير المؤمنين غدر بالدين . . فليست هذه المصيبة فقط، بل ستليها مصائب . .

المسألة مسألة حق ضاع . . وقبله أتعاب وأعباء !!

اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد، وكل تابع له على ذلك.

- وكتب العاملي في 11-06-2001

م، العاشرة والنصف صباحاً:

ص: 189

الأخ السبيل الأعظم، الاخوة الاعزاء ..

شكراً لكم على تعطير الجو بذكر الصديقة الزهراء علیها السلام ..ومن حق إعجازها في الايمان والقول والعمل ..أن يكون محيراً ..والى الآن .. لم يتم تحليل موقفها من الحكومة التي بادرت قريش الى تشكيلها والنبي صلی الله علیه و آله مسجى بين أهله !!

تعالوا .. لنعدد مفردات هذا الموقف .. وكل مفردة منه موقف كامل ..

1- إدانتها لتركهم جنازة النبي صلی الله علیه و آله مسجاة بين يدي أهل بيته .

2- إدانتها تدبيرهم بيعة أبي بكر في غياب أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله .

3- إعلان شكايتها الى الله مالقيته من ابن الخطاب وابن أبي قحافة، عند هجومهم الأول على بيتها ..

4- تهديدها أن تكشف رأسها الى ربها بالدعاء، أي تدعو بالاسم الأعظم، إن أرادوا قتل علي علیه السلام ..

5- إعلانها مقاطعتهما كل حياتها .. ودعاؤها عليهما بعد كل صلاة .

6 - بكاؤها ونوحها على النبي صلی الله علیه و آله .. بمفردها.. وفي مجالس النوح والبكاء .. وعدم استطاعة عمر أن يمنعها .. مع أنه منع عائشة وضرب أخواتها، وكاد يضربها .

7 - عقدها لمجلس بكاء يومي تحت شجرة في البقيع، ليكون البكاء والنوح على النبي صلی الله علیه و آله سنة في المسلمين ..

8 - انتقالها بعد قطع الشجرة الى بيت الأحزان الذي بناه لهاعلي علیه السلام في البقيع.

9 - زيارتها لقبر أبيها وصلاتها عنده، وتبركها بتربته .. مع أنهم أعلنوا حالة الطوارئ عند القبر .. ووضعوا الحديث الذي يلعن من صلى عنده!!

ص: 190

10 - زيارتها كل يوم اثنين وخميس لقبر حمزة سيد الشهداء وشهداء أحد، وصلاتها عند قبورهم .

11 - إقامتها الحجة على الأنصار وذهابها مع مرضها الى بيوت زعمائهم.. ومطالبتهم بأن يفوا بيعتهم للنبي في العقبة بحماية أهل بيته وذريته من بعده .. كما يحمون أهل بيتهم وذريتهم .

12 - مطالبتها بإعادة منحة النبي صلی الله علیه و آله وميراثه التي صادروها من يدها ..

13 - خطبتها في المسجد النبوي التي كان لها وقع الصاعقة على المهاجرين والأنصار ..

14 - رفضها قبول زيارة الشيخين في مرضها . . وبعد أن أذن لهما علي علیه السلام .. لم تجب سلامهما وأقامت عليهما الحجة، وأعلنت أنها ستواصل دعاءها عليهما بعد كل صلاة حتى تلقى أباها وتشكوهما اليه ..

15 - وصيتها أن لايحضرا جنازتها، وأن يخفى قبرها ..

- وكتب الآراكي في 11-6-2001

م، الثانية عشرة والنصف ظهراً:

السلام عليكم... سبب نحيب الزهراء علیها السلام

تشرحه هي علیها السلام في أبياتها:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة *** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها *** واختل قومك فاشهدهم ولا تغب

وكل أهل له قربى ومنزلة *** عند الإله على الأدنين مقترب

أبدت رجال لنا نجوى صدورهم *** لما مضيت وحالت دونك الترب

تهجمتن،ا رجال واستخف بنا *** ما فقدت وكل الأرض مغتصب

وكنت بدرا ونورا يستضاء به *** عليك ينزل من ذي العزة الكتب

قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا *** فقد فقدت وكل الخير محتجب

ص: 191

فليت قبلك كان الموت صادفنا *** لما مضيت وحالت دونك الكثب

إنا رزينا بما لم يرز ذو شجن *** من البرية لا عجم ولا عرب

(بحار الأنوار 8/109) . . . . فسلام الله عليك يا مولاتي يا فاطمة علیها السلام ....

- وكتب التمار في 11-06-2001

م، الواحدة ظهراً:

أنا لا أتصور أن الزهراء علیها السلام وهي لاشغل لها إلا البكاء، وهي التي يقول عنها أئمة أهل البيت علیهم السلام نحن حجج الله على الخلق وفاطمة علیها السلام حجة الله علينا، فأنا لا أتصورها وهي حجة الله البالغة وهي لاشغل لها إلا البكاء حتى تأذى أهل مدينة الرسول الأعظم الى درجة أنها لاتهدأ من البكاء لا ليلاً ولا ونهاراً.. أيكون هكذا حال الزهراء علیها السلام بعد أبيها ؟ فالرسول صلی الله علیه و آله الذي هو رحمة للعالمين، والذي لم يتأذ منه مخلوق قط، وهو أبوها بأبي هي وأمي كيف تؤذي المسلمين، كيف تؤذي من نصروا الاسلام ؟ أيعقل أن تؤذي أحداً وهي النسمة الطاهرة، إلا أن يكون هناك سر لا نعلمه ؟

- وكتب أبوسمية في 11-06-2001

م، السابعة والنصف مساءً:

روايات تحدثت عن:1. مهاجمة الدار واختباء فاطمة علیها السلام صلوات الله تعالى عليها خلفه، وما تبعه من كسر الضلع وقضية المسمار والإسقاط..

2. حق ضاع..(حق) وليس المقصود به (حقها فقط) . .

3. مصيبة فقد الوالد . . هذه كلها الآم . . وقبل ذلك نرى أن الجماعة قد عرفوا بتزوير الحقائق وأمثلة ذلك كثيرة .. إليكم الخلافة .. فدك ... حروب الردة . . تغيير الأحداث من معدوم إلى موجود ومن موجود إلى معدوم . . . .

أفضل طريقة يقولون أنها كانت تبكي على فقدان أبيها ... لأن البكاء أمر مفروغ منه لم يمكنهم إغفاله.. بقي السبب .. فإذا ثبت الأول ... أو الثاني ... أو

ص: 192

الثالث .. أو ما تقدم مجتمعاً... فهي الطامة الكبرى على المخالف... على الأقل نستدل علىجواز البكاء على الميت بهذه الصورة.

وأما رد ماجاء في كتب التاريخ بحجة عدم المعقولية فغير معقول.. لأننا إما أن ننسف جميع كتب التاريخ، أو يكون الانتقاء وفق أسس معينة مدروسة . .

قد يقال: لا يعقل أن يكون عمر قاصداً قتلها .. نقول نعم وهو الذي عرف بوأد البنات .. أما كان عليه أن يرعى حرمة الدار ؟!

اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد، وكل تابع له على ذلك.

- وكتب السبيل الأعظم في 13-6-2001

م، الواحدة إلا ثلث ظهراً:

أشكر الأخوة الأفاضل لولائهم وحبهم لسيدتهم الزهراء علیها السلام، وتفانيهم في إظهار مظلوميتها سلام الله عليها .

الأخ الفاضل الحقاني .. أشكرك على مداخلتك ونصيحتك . ولكن أقول: ليس كلنا نحن الشيعة نعرف الحقايق . فكثير منّا، وأقطع بذلك، لا يعرف الحقايق إلا قشوراً أو يعرف لكنه يتجاهل .

الأخ الفاضل الكاشف .. أشكرك على ردك في جواز البكاء على الميت واستفدت فائدة في ردك وهي أن الحث على البكاء ليس من جهة اعتباطية، وإنما لغرض في نفس رسول الله صلی الله علیه و آله . وإلا الرسول يأمر أو يحث على البكاء لغرض عاطفي فقط ! غير معقول في نظري القاصر.. وإنما هناك أغراض، فياحبذا لوبينت لنا هذا الأمر، أو غيرك من لأخوة الكرام .

الأخ العزيز الإستاذ الموسوي .. أنت الذي لاتحاول اللف والدوران وتريد أن تبين الحقايق بصورتها لواقعية .

ص: 193

نعم، تعجبك هو محل سؤالي.. لماذا يُنكر شدة حزن الزهراء علیها السلام ؟ لماذا يُعتبر حزنهاوبكاؤها منافياً للصبر ومنافياً لرضا بقضاء الله وقدره ..؟ فأطلب منكم الإجابة .

الأخ الفاضل السيد أبو سمية .. نعم أخي العزيز، أستفيد من كلامك في المداخلة الأولى (التي هي جزء جواب عن أساس الموضوع) أن البكاء والحزن إنما هو صرخة في وجوه الأعداء لما فعلوا ببعلها من غصب الخلافة. لكن أما تظن أن هناك طرقاً أخرى لإبداء هذه المظلومية ؟ سؤال قد يُثار في الساحة، فما الجواب ؟ ؟

الأخ الأستاذ الشيخ العاملي .. أشكرك على هذه المداخلة ولازلت مؤيداً وناصراً للمذهب بإظهارك مظلومية الزهراء علیها السلام بجزئياتها.. إجابتك في صميم الموضوع ... ياحبذا شيخنا العزيز لو وضحتم مواقف الزهراء علیها السلام من الحكومة بشئ من الروايات (إذا ما عليكم زحمة) لأكون من الشاكرين لك . . .

- وكتب الكاظميني في 15-6-2001، الواحدة صباحاً:

الحقيقة أني عاجزعن كتابة أي موضوع بعد الردود التي قرأتهامن أساتذتي وإخواني، ولكن أحب أن أطرح وجهة نظري القاصرة التي هي قابلة للرد والقبول: مما يؤخذ على البعض أن فهمهم للأمور التاريخية للمعصوم تكون في حلقة فكرهم وعقلهم الخاص، بعيداً عن قبول فعل المعصوم ومحاولة فهمه لا محاولة نفيه لأن العقول لا تقبله ! فإن مسائل كثيرة ثبتت عن طريق البرهان والدليل والنقل التاريخي تثبت أفعالاً للمعصوم ربما لا يقبلها عقل شخص فيقال عنها (لايقبلها عاقل) (ولا أتصور) (وليس من الممكن) . فنحن يا إخوان ليس لنا اقتضاء حتى نفهم المعصوم كما تشتهي أنفسنا، وبعبارة أوضح لا يصح أن

ص: 194

نحاول رسم المعصوم صورة كما نريد ونشتهي . وأما بكاء الزهراء علیها السلام على النبي صلی الله علیه و آله، فهو أمر طبيعي مضافاً الى أنه يؤدي رسالة الى المسلمين.. مضافاً الى أن إعلانه وعقد المجالس له نوع من الثورة والإدانة لتلك الحكومة الغاصبة .. وقطعاً هناك ثمرات أجل وأعظم من التي طرحناها.

إن فعل المعصوم خاضع للحكمة وليس مجرداً عنها، ولذا ننبه على أن من يحاول أن يصور الزهراء علیها السلام بالانسانة الغير الباكية، لأنه هو يريد أن يفهم شخصية الزهراء علیها السلام كما يشتهي وليس كما يريد الله .

وأتعجب من الذي يقول هذه المقولة ومن ثمة يقول إنه لاخصوصية في شخصية الزهراء علیها السلام، ويدعي أن أي امرأة عادية لو كانت في محل الزهراء علیها السلام لكانت زهراء ثانية !!

اللهم صل على فاطمة علیها السلام وأبيها، وبعلها وبنيها، والسر المستودع فيها، عدد ما أحاط به علمك .

ص: 195

ص: 196

الفصل السابع: عاصفة السقيفة القرشية على آل الرسول

اشارة

ص: 197

ص: 198

1- فهرس بالأحداث أيام مرض النبي صلی الله علیه و آله ووفاته !

اشارة

- قال العاملي: حاولت أن أضع تقويماً أو جدولاً زمنياً دقيقاً لمراسم تغسيل النبي صلی الله علیه و آله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه صلی الله علیه و آله، والأحداث الخطيرة التي وقعت أثناء ذلك وبعده الى أسبوعين من وفاته .. فوجدت أن ذلك من المهمات الصعبة، بسبب أن نصوص هذه الفترة كثيرة متعارضة متضاربة، ينفي بعضها الآخر، ويخرب بعضها الآخر ! وهذا بنفسه دليل على تدخل السياسة في رواياتها، وعملها على إخفاء أمور كانت موجودة، واختراع عناصر لم تكن موجودة !

وتذكرت حادثة الشيخ متولي الشعراوي عندما قال في محاضرة له في التلفزيون المصري إن كلام علي علیه السلام في وداع فاطمة علیها السلام يدل على وجود أحداث كبيرة خطيرة بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله ينبغي أن نكشفها.. وهو يقصد قول علي علیه السلام عند دفن سيدة النساء فاطمة علیها السلام كما في نهج البلاغة:2/182، وقدروي في غيره مسندا ً: (السلام عليك يارسول الله، عني وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك . قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبرى، ورق

ص: 199

عنها تجلدي . إلا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك موضع تعز . فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك .

إنا لله وإنا إليه راجعون . فلقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة . أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها، فأحفها السؤال واستخبرها الحال . هذا ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر . والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم . فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين) . انتهى. وفي اليوم الثاني من كلام الشعراوي خرجت صحيفة مصرية تتساءل هل تشيع الشعراوي ؟! وبذلك أسكتوه عن بحث تلك الأحداث، أو الحديث عنها !

فإذا كانت هذه حال عالم سني معروف كالشعراوي، وفي مصر بلد الذي فيه قدر من الحرية وشعبه محب لأهل البيت وفاطمة

الزهراء علیها السلام خاصة.. فما بال من يحاول كشف تلك الأحداث في عصور حكم الخلافة القرشية ؟!!

فهرس بأهم الأحداث لأيام وفاة النبي صلی الله علیه و آله

1 - تدهورت حالة النبي صلی الله علیه و آله بعد أن لدته عائشة وحفصة يوم الأحد، أي سقتاه (دواء) في حال إغمائه رغم نهيه المشدد عن ذلك، وتوفي في اليوم الثاني !

2- باشر علي علیه السلام بمراسم تجهيز النبي صلی الله علیه و آله من ساعة وفاته، بعد ظهر يوم الاثنين الى صباح الثلاثاء، وأذن للمسلمين أن يصلوا على جنازته ضحى ذلك اليوم الى العصر، ثم انشغل علي علیه السلام بضغوط أبي بكر وعمر ومجئ رسولهما ثم

ص: 200

مجيئئهما الى بيته يطالبونه ومن معه بالبيعة لهم، ويهدودنه بالهجوم على بيته إن لم يبايع !!

3 - دبَّر الحزب القرشي بيعة أبي بكر في السقيفة بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله بساعتين! وساعدهم رؤساءالأوس حسداً لسعد بن عبادة رئيس الخزرج. ولم يثبت أن سعد بن عبادة أو أحداً من الأنصار دعا الى اجتماع في السقيفة لبحث خلافة النبي صلی الله علیه و آله .. بل كانت السقيفة محل استقباله وضيافته، وهي مكان من الشارع مسقوف ومنسوب الى جيرانها بني ساعدة الخزرجيين .. وكان مريضاً نائماً فيها يزوره الناس هناك، فاختارها الحزب القرشي لوجود سعد وعدد من رجال الأنصار حوله، وفتحوا الموضوع وناقشوا سعداً ومن حضر عنده، فبادر أبو بكر الى القول إني رضيت لكم أحد الرجلين عمر أو أبا عبيدة فبايعوا أحدهما! فقال عمر لانتقدم عليك وأخذ يده وصفق عليها هو وأبو عبيدة، ثم بايعه ثلاثة نفر من الأوس المضادين لسعد ! ! وهكذا أعلنوا بيعة أبي بكر بالحيلة من غير مشورة، وساندهم كل القرشيين الطلقاء، وكانو ألوفاً في المدينة .

4- تغلب الحزب القرشي على سعد بن عبادة المريض رغم موقفه الشديد ضدهم وهجموا عليه وداسوا بطنه، فحمله أولاده الى بيته، وعندما انسحب سعد صارت السقيفة بيد القرشيين، واتخذوها مقراً لبيعة أبي بكر ومركزاً لجلوسهم وعملياتهم ! وقال سعد فيما بعد إنه طرح نفسه للخلافة بسبب أن قريشاً قررت أن تخالف وصية النبي صلی الله علیه و آله وتمنع منها عترته حتى لا يجمع بنو هاشم بين النبوة والخلافة !

5- ترك القرشيون جنازة النبي صلی الله علیه و آله لعترته وعشيرته بني هاشم وكذلك الأنصار ! حتى أن مسجد النبي ومحيطه كان في الأيام الثلاثة بعد وفاته خالياً من

ص: 201

الناس تقريباً !! وانشغل الجميع إلا المنقطعون الى أهل البيت بتأييد بيعة أبي بكر أو معارضتها، وكانت فعاليات الحزب القرشي أبو بكر وعمر وعائشة وحفصة وأبو عبيدة وسالم مولى حذيفة ومن معهم من الأوس، مشغولين بمعالجة موقف الأنصار، يجولون في أحيائهم ويزورون زعماءهم في بيوتهم لإقناعهم ببيعة أبي بكر، ومنع تأثير سعد وعلي علیه السلام عليهم !

6 - جاء أبو بكر وعمر وأنصارهما في اليوم الثاني الى مسجد النبي صلی الله علیه و آله، يزفون أبا بكر زفةً مسلحة ويهددون من لم يبايع بالقتل ! وأصعد عمر أبا بكر بالقوة على منبر النبي صلی الله علیه و آله وبايعه بعض الناس، وصلى بهم المغرب ثم عاد الى السقيفة .

7 - في مساء الثلاثاء ليلة الأربعاء بعد منتصف الليل، قام علي علیه السلام بدفن جنازة النبي صلی الله علیه و آله، وحضر مراسم الدفن بنو هاشم وبعض الأنصار، وقليل جداً من القرشيين، ولم يحضرها أحد من قادة الحزب القرشي !

8- في ليلة الخميس قام أمير المؤمنين ومعه فاطمة علیها السلام والحسنان علیهم السلام بجولة على بيوت الأنصار، وطالبوهم بالوفاءببيعتهم في العقبة للنبي صلی الله علیه و آله، التي شرط فيهاعليهم أن يدافعوا عن أهل بيته وذريته كما يدافعون عن بيوتهم وذراريهم .. فاستجاب له منهم أربع وأربعون رجلاً، فواعدهم أن يأتوه غداً محلقين رؤوسهم مستعدين للموت، فلم يأته إلا أربعة !

ثم أعاد أمير المؤمنين جولته على الأنصار وبعض المهاجرين، ليلة الجمعة ثم ليلة السبت.. فلم يأته غير أولئك الأربعة: المقداد وعمار وأبوذر وسلمان !

9 - في هذ المدة أرسل الحزب القرشي الى أسامة وهو في معسكره بالجرف خارج المدينة، أن يترك معسكره وأن يأتي ومن بقي معه الى المدينة،

ص: 202

وأن يبايعوا أبا بكر لأن المسلمين بايعوه .. فاحتج عليهم أسامة بأن النبي صلی الله علیه و آله توفي وهو أمير على أبي بكر، فأبو بكر مازال جندياً تحت إمرته ! قال الطبرسي في إعلام الورى: 1/ 269: (فما كان بين خروج اسامة ورجوعه إلى المدينة الا نحو من أربعين يوما، فلما قدم المدينة قام على باب المسجد ثم صاح: يا معشر المسلمين، عجباً لرجل استعملني عليه رسول الله صلی الله علیه و آله فتأمَّر علي علیه السلام وعزلني !).

10 - تخوف الحزب القرشي من علي علیه السلام أن يجد أنصاراً ويقف ضدهم، ولذا تتابعت رسل أبي بكر له بالحضور الى السقيفة ليبايعه، فكان يتعلل لهم بأنه مشغول بمراسم دفن النبي صلی الله علیه و آله، أو مشغول بجمع القرآن .. لكنهم صعدوا تهديدهم له وجاؤوا مسلحين الى باب داره، فتلاسن معهم بعض أنصاره، لكنهم تغلبوا عليهم واقتحموا البيت بالقوة، وأخذوا علياً الى السقيفة فحاججهم بقوة منطق .. وسكتوا عنه ذلك اليوم .

وهذه الحادثة هي الهجوم الأول على بيت علي علیه السلام وفاطمة علیها السلام، وقد يكون وقتها يوم الأربعاء أو الخميس !

11 - في يوم الجمعة التي تلت وفاة النبي صلی الله علیه و آله .. اتفق اثنا عشر من المهاجرين والأنصار على أن يتكلموا في المسجد ويقيموا الحجة على أبي بكر وعمر، وتكلموا جميعاً وبينوا وصية النبي صلی الله علیه و آله لعلي علیه السلام وبيعة المسلمين له يوم الغدير، وأدانوا مؤامرة السقيفة !

12 - كان تأثير احتجاج الصحابة الاثني عشر يوم الجمعة قوياً، وأحدث موجة مضادة لمؤامرة السقيفة، ضعف أمامها أبو بكر حتى أنه وآخرين من الحزب القرشي فكروا أن يعيدوا الخلافة شورى بين المسلمين، لكن عمر استطاع إحداث موجة مضادة لمصلحة الحزب القرشي .

ص: 203

13 - من المرجح أن الهجوم الثاني وقع بعد يوم الجمعة المذكور واحتجاج وجهاء الصحابة على أبي بكر وعمر، وهو الهجوم الذي حدث فيه ضرب الزهراء علیها السلام وإسقاط جنينها، وأخذوا علياً أيضاً الى السقيفة وهددوه بالقتل إن لم يبايع أبا بكر !

14- في يوم الجمعة الثانية لوفاة النبي صلی الله علیه و آله خطب علي علیه السلام في مسجد النبي خطبته البليغة القوية المعروفة ب- (خطبة الوسيلة) ! وكانت إتماماً لإقامة الحجة على المسلمين، من أهل السقيفة والأنصار، وقد بين فيها مقام النبي صلی الله علیه و آله وأهل بيته عند الله، ويوم القيامة، وواجب الأمة تجاههم .

15 - خطبة الزهراء علیها السلام في المسجد، ووقتها بعد أحداث السقيفة وهجومهم على بيتها وضربها وإسقاط جنينها .. فقد شنوا حرباً اقتصادية على أهل البيت علیهم السلام وقرروا إفقارهم، فحرموهم الخمس الذي له، ومنعوا فاطمة علیها السلام إرثها من النبي صلی الله علیه و آله، وصادروا منها مزرعة فدك التي كان أعطاها إياها النبي صلی الله علیه و آله امتثالاً لقوله تعالى (وآت ذا القربى حقه . .) فرأت الصديقة الزهراء علیها السلام في ذلك مناسبةً لأن تخطب في المسجد وتؤكد عليهم الحجة، وتفضح مؤامرتهم على الاسلام .

16- حادثة ضرب عمر للصديقة الزهراء علیها السلام في الطريق، وأخذه منها بالقوة الكتاب الذي كتبه لها أبو بكر باسترجاع فدك ! ويبدو أنها كانت بعد خطبتها في المسجد النبوي، وإلا لذكرت ذلك في خطبتها .

ص: 204

2- هجومان على بيت فاطمة علیها السلام وعلي علیه السلام !

الهجوم الأول

تدل النصوص على أن الحزب القرشي أعلن بيعة أبي بكر بعد ساعة أو ساعتين من وفاة النبي صلی الله علیه و آله، واتخذ من السقيفة مركزاً لعملياته، وانشغل في معالجة موقف الأنصار .. لكن ذلك لم يمنعه من إرسال جماعة لعلي علیه السلام يطلبون منه الحضور الى السقيفة لبيعة أبي بكر، خاصةً أن جماعة من الأنصاركانوا يهتفون باسمه ويقولون لا نبايع إلا علياً .

ومع أن علياً أعلن بشدة إدانته لمؤامرتهم وسقيفتهم، لكنهم اطمأنوا الى أنه ليس عنده أنصار ليواجههم بالسلاح.. وأنه مشغول بتنفيذ وصية النبي صلی الله علیه و آله ومراسم جنازته ! ففي كتاب سليم بن قيس: ص 148: فأرسل إليه أبو بكر: أجب خليفة رسول الله، فأتاه الرسول فقال له ذلك فقال له علي علیه السلام: سبحان الله ما أسرع ما كذبتم على رسول الله ! إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري . وذهب الرسول فأخبره بما قال له . قال إذهب فقل له: أجب أمير المؤمنين أبا بكر، فأتاه فأخبره بما قال، فقال له علي علیه السلام: سبحان الله ما والله طال العهد فينسى . فوالله إنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، ولقد أمره رسول الله وهو سابع سبعة فسلموا علي علیه السلام بإمرة المؤمنين . فاستفهم هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا: أحقٌّ من الله ورسوله ؟ فقال لهما رسول الله صلی الله علیه و آله: نعم، حقاً حقاً من الله ورسوله إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين، يقعده الله عز وجل يوم القيامة على الصراط، فيدخل أوليائه الجنة وأعداءه النار . فانطلق الرسول فأخبره بما قال. قال: فسكتوا عنه يومهم ذلك) .

ص: 205

وفي تفسير العياشي:2/66، والاختصاص للمفيد ص 185: (عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن جده قال: ما أتى على علي علیه السلام يوم قط أعظم من يومين أتياه، فأما أول يوم فاليوم الذي قبض فيه رسول الله صلی الله علیه و آله، وأما اليوم الثاني فوالله إني لجالس في سقيفة بني ساعدة عن يمين أبي بكر والناس يبايعونه إذ قال له عمر: يا هذا ليس في يديك شئ مهما لم يبايعك علي! فابعث إليه حتى يأتيك يبايعك، فإنما هؤلاء رعاع، فبعث إليه قنفذ فقال له: إذهب فقل لعلي علیه السلام: أجب خليفة رسول الله صلی الله علیه و آله، فذهب قنفذ فما لبث أن رجع فقال لأبي بكر: قال لك ما خلف رسول الله أحداً غيري ! قال: ارجع إليه فقل: أجب، فإن الناس قد أجمعوا على بيعتهم إياه، وهؤلاء المهاجرون والأنصار يبايعونه وقريش، وإنما أنت رجل من المسلمين لك ما لهم وعليك ما عليهم، فذهب إليه قنفذ، فما لبث أن رجع فقال قال لك: إن رسول الله صلی الله علیه و آله قال لي وأوصاني أن إذا واريته في حفرته لا أخرج من بيتى حتى أؤلف كتاب الله، فإنه في جرايد النخل وفي أكتاف الابل . قال عمر: قوموا بنا إليه، فقام أبو بكر، وعمر، وعثمان وخالد بن الوليد، والمغيرة بن شعبة، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبى حذيفة، وقنفذ، وقمت معهم، فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة علیها السلام صلوات الله عليها أغلقت الباب في وجوههم، وهي لاتشك أن لا يدخل عليها إلا بإذنها، فضرب عمر الباب برجله فكسره وكان من سعف، ثم دخلوا فاخرجوا علياً ملبباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبا بكر أتريد أن ترملني من زوجي، والله لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري ولأشقن جيبي ولآتين قبر أبى ولأصيحن إلى ربى، فأخذت بيد الحسن والحسين وخرجت تريد قبر النبي صلی الله علیه و آله فقال علي علیه السلام لسلمان: أدرك ابنة محمد فإني أرى جنبتي المدينة تكفيان، والله إن نشرت

ص: 206

شعرها وشقت جيبها وأتت قبر أبيها وصاحت إلى ربها لايناظر بالمدينة أن يخسف بها وبمن فيها، فأدركها سلمان رضي الله عنه . فقال: يا بنت محمد إن الله إنما بعث أباك رحمة فارجعي، فقالت: يا سلمان يريدون قتل علي علیه السلام ! ما على علي علیه السلام صبر، فدعني حتى آتى قبر أبى فأنشر شعري وأشق جيبي وأصيح إلى ربى، فقال سلمان: إني أخاف أن يخسف بالمدينة، وعلى بعثني اليك ويأمرك أن ترجعي إلى بيتك وتنصرفي، فقالت: إذاً أرجع وأصبر وأسمع له وأطيع .

قال: فأخرجوه من منزله ملبباً ومروا به على قبر النبي عليه وآله السلام قال: فسمعته يقول: يا بن أم إن القوم استضعفوني .. إلى آخر الآية .وجلس أبو بكر في سقيفة بني ساعدة وقدم علي علیه السلام فقال له عمر: بايع ! فقال له علي علیه السلام: فإن أنا لم أفعل فمَهْ ؟ فقال له عمر: إذا أضرب والله عنقك ! فقال له علي علیه السلام: إذاً والله أكون عبد الله المقتول وأخا رسول الله .فقال عمر: أما عبد الله المقتول فنعم، وأما أخو رسول الله فلا، حتى قالها ثلاثاً، فبلغ ذلك العباس بن عبد المطلب فأقبل مسرعاً يهرول فسمعته يقول: إرفقوا بابن أخي ولكم علي علیه السلام أن يبايعكم، فأقبل العباس وأخذ بيد على فمسحها على يد أبي بكر، ثم خلوه مغضباً فسمعته يقول: ورفع رأسه إلى السماء: اللهم إنك تعلم أن النبي صلی الله علیه و آله قد قال لي إن تموا عشرين فجاهدهم، وهو قولك في كتابك: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين . قال: وسمعته يقول: اللهم وإنهم لم يتموا عشرين، حتى قالها ثلاثاً، ثم انصرف) . انتهى .

ص: 207

الهجوم الثاني

كتب مالك الأشتر في شبكة أنا العربي بتاريخ5-8-1999، التاسعة صباحاً، موضوعاً بعنوان (الهجوم على بيت البتول بعد الرسول صلی الله علیه و آله)، قال فيه:

قال أبو بكر الخليفة الأول وهو على فراش الموت: ليتني لم أفتش بيت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله وأدخله الرجال، ولو كان أُغلق على حرب !!

1 - تاريخ الاسلام للذهبي ج 1ص 117، 2- العقد الفريد ج4 ص298، 3- الامامة والسياسة ج1ص18، 4- سير الخلفاء الراشدين ص17، 5- منتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج2 ص171 تاريخ اليعقوبي ج2ص137، 7- ميزان الاعتدال ج3 ص109، 8- المعجم الكبير للطبراني ج 1 ص 62، 9- حياة الصحابة ج2 ص24، 10- تاريخ ابن عساكر: (ترجمة حياة أبي بكر)

- وكتب رنا نضال بتاريخ 5 –8-1999، التاسعة مساءً:

(ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً . يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً . لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولاً) . صدق الله العظيم .

- وكتب الإماراتي راشد بتاريخ 6–8-1999، الرابعة صباحاً:

الرد على الأشتر .. ولماذا تتعب نفسك وأنت تعلم أننا لا نأخذ من كتب الحديث إلا الصحيح. فكيف بكتب التاريخ ؟! هل عندك سند هناك في كتب التاريخ ؟! إن قلت لي نعم فقل لي من من العلماء المعتبرين صححوا هذا السند والحديث ؟! إن لم تفعل فلن تعدو قدر الكذابين الذين لا نستطيع أن نحصيهم من كثرتهم .

ص: 208

- وكتب مالك الأشتر بتاريخ 6-10- 1999 السادسة مساء:

الى الإماراتي:

هل من الممكن أن تعطيني أسماء علمائك الذين تقبل بقولهم ؟

- وكتب العاملي:

الأخ الأشتر .. إسمح لي أن أجيبك، فعلماؤه الذين يقبل قولهم هم ابن تيمية، ثم ابن تيمية، ثم المقلدون لابن تيمية ! ولمعلوماتك فإن ابن تيمية توفي في أواسط القرن الثامن . . يعني لو أن الله تعالى خلقهم في القرون الثمانية قبل ابن تيمية لما قلدوا أحداً وانتظروه حتى يأتي ! لأن العلماء قبله صفر !!!

- قال العاملي: وغاب المدعو راشد الإماراتي، ولم يجب .

- كتب (حر) في شبكة الموسوعة الشيعية، بتاريخ 7-1-2000، الواحدة والنصف صباحاً، موضوعاً بعنوان (فقتلوا الأمّ ضرباً .. يا فاطمة علیها السلام .. يا ريحانة الرسول . . .)، قال فيه:

هل يمكن أن يحدث كل هذا لبنت النبي الرؤوف الرحيم صلی الله علیه و آله ؟! في حين أنه لم يمض على رحيله إلاّ أيام قليلة ؟!! أم تناسوا كلّ خير عميم أسداه، وكلّ كلام رحيم أبقاه، وكلّ خلق عظيم أبداه ؟!

ولتأكيد الأمر، وزيادته وضوحاً نورد إليك هذا القبس فنقول: (روى سليم بن قيس، عن عبد الله بن العباس، أنه حدثه أن النبي صلی الله علیه و آله قال لعلي علیه السلام: (إن قريشاً ستظاهر عليكم، وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك، فإن وجدت أعواناً فجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً فكف يدك واحقن دمك، أما إنّ الشهادة من

ص: 209

ورائك، لعن الله قاتلك . ثم أقبل على ابنته فقال: إنك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل الجنة وسترين بعدي ظلماً وغيظاً حتى تضربي، ويكسر ضلع من أضلاعك، لعن الله قاتلك .) .

وروى سليم بن قيس عن ابن عباس أيضاً قال: (دخلت على علي علیه السلام بذي قار فأخرج لي صحيفة، وقال لي: يا ابن عباس هذه صحيفة أملاها علي علیه السلام رسول الله صلی الله علیه و آله وخطي بيدي. فقلت: يا أمير المؤمنين إقرأها علي علیه السلام . . . إلى أن قال: فكان مما قرأه علي علیه السلام: كيف يصنع به، وكيف تستشهد فاطمة علیها السلام، وكيف يستشهد الحسن . . . إلخ) .

وفي كنز الفوائد: عن أبي الحسن بن شاذان، عن أبيه، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسين بن الصفار، عن محمد بن زياد، عن مفضل بن عمر، عن يونس بن يعقوب، عن الصادق علیه السلام، أنه قال في حديث طويل: (يا يونس، قال جدي رسول الله: ملعون من يظلم بعدي فاطمة علیها السلام ابنتي ويغصبها حقها ويقتلها) .

وفي كتاب الإختصاص: روى الشيخ المفيد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه، والعباس بن معروف، عن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن عبد الله بن بكر الأرجاني قال: صحبت أبا عبدالله علیه السلام في طريق مكة من المدينة . . . ثم ذكر حديثاً طويلاً عن الإمام (علیه السلام) جاء فيه: (قاتل أمير المؤمنين، وقاتل فاطمة علیها السلام، وقاتل المحسن، وقاتل الحسن والحسين . . . إلخ) .

وفي دلائل الإمامة: عن أبي جعفر الباقر علیه السلام قال في حديث: (وحملت بالحسن، فلما رزقته حملت بعد أربعين يوماً بالحسين ثم رزقت زينب، وأم كلثوم، وحملت بمحسن، فلما قبض رسول الله وجرى ما جرى في يوم دخول

ص: 210

القوم عليها دارها، وإخراج ابن عمها أمير المؤمنين، وما لحقها من الرجل، أسقطت به ولداً تماماً . وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها صلوات الله عليها) .

قال الفاضل الخواجوئي المازندراني: (ورد في طريقنا أنها علیها السلام كانت معصومة صديقة شهيدة رضية . . .) .

وذكر الشيخ المفيد في كتاب المزار زيارة لفاطمة علیها السلام تقول: (السلام عليك يا رسول الله، السلام على ابنتك الصديقة الطاهرة، السلام عليك يا فاطمة علیها السلام بنت رسول الله، يا سيدة نساء العالمين، أيتها البتول الشهيدة الطاهرة ..) .

وقال الشيخ الطوسي قدس سره بعد نقله الزيارة المروية: يا ممتحنة امتحنك الله . . .: (هذه الرواية وجدتها مروية لفاطمة علیها السلام، وأما ما وجدت أصحابنا يذكرونه من القول عند زيارتها فهو أن تقف على أحد الموضعين اللذين ذكرناهما، وتقول: السلام عليك يا بنت رسول الله... السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة ...) . وفي البحار نص آخر وهو: (اللهم صلّ على السيدة المفقودة، والكريمة المحمودة، والشهيدة العالية) . وذكر الكفعمي في مصباحه: (إن سبب وفاتها علیها السلام هو أنها ضربت وأسقطت) .

وقال المجلسي الثاني: (وفي رواية أخرى: ضربها عمر بالسوط، فماتت حين ماتت وإن في عضدها مثل الدملج من ضربته… إلى أن قال: لم تدعهم يذهبوا بعلي علیه السلام حتى عصروها وراء الباب، فألقت ما في بطنها مَنْ سمَّاه رسول الله (محسناً) حتى ماتت مما أصابها) .

وقال أيضاًفي تعليقه على الخبر الصحيح المروي عن أبي الحسن علیه السلام: إن فاطمة علیها السلام صديقة شهيدة، ما لفظه: (ثم إن هذا الخبر يدل على أن فاطمة علیها السلام صلوات الله عليها كانت شهيدة، وهو من المتواترات . وكان سبب ذلك: أنهم

ص: 211

لما غصبوا الخلافة، وبايعهم أكثر الناس بعثوا إلى أمير المؤمنين ليحضر للبيعة، فأبى . فبعث عمر بنار ليحرق على أهل البيت بيتهم، وأرادوا الدخول عليه قهراً، فمنعتهم فاطمة علیها السلام عند الباب، فضرب قنفذ غلام عمر الباب على بطن فاطمة علیها السلام، فكسر جنبها، وأسقط لذلك جنيناُ كان سماه رسول الله محسناً . فمرضت لذلك، وتوفيت صلوات الله عليها في ذلك المرض . . . إلخ) . وذكر صاحب كتاب ألقاب الرسول وعترته: (أن من ألقاب فاطمة علیها السلام الشهيدة) .

وقال الحسيني في كتاب التتمة في تواريخ الأئمة: (فجمع عمر بن الخطاب جماعة وأتى بهم إلى منزل علي علیه السلام، فوجدوا الباب مغلقاً، فلم يجبهم أحد، فاستدعى عمر بحطب وقال: والله لئن لم تفتحوا لنحرقنّه بالنار . فلما سمعت فاطمة علیها السلام ذلك خرجت وفتحت الباب، فدفعه عمر فاختفت هي من وراء الباب، فعصرها بالباب فكان ذلك سبب إسقاطها، ونقل أنه سبب موتها) . وقال أيضاً: (سبب وفاتها هي من الضرب الذي أصابها، وأسقطت بعده الجنين) .

وقال الكفعمي: (إن سبب موتها علیها السلام أنها ضربت وأسقطت . . فألقوا في عنقه حبلاً، وحالت بينهم وبينه فاطمة علیها السلام عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط، فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه الله . . .

وأيضاً قال سليم بن قيس في كتابه: (وقد كان قنفذ لعنه الله ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط، حين حالت بينه وبين زوجها، وأرسل إليه عمر: إن حالت بينك وبينه فاطمة علیها السلام فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها ودفعها، فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلى الله عليها من ذلك شهيدة) .

ص: 212

وكذلك قال سليم بن قيس: (فقال العباس لعلي: ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذاً كما أغرم جميع عماله ؟ فنظر علي علیه السلام، إلى من حوله، ثم اغرورقت عيناه، ثم قال: شكر له ضربة ضربها فاطمة علیها السلام بالسوط . فماتت وفي عضدها أثر كأنه الدملج) .

وعن أمالي الصدوق، عن ابن عباس في خبر طويل عن النبي صلی الله علیه و آله قال فيه: كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي يامحمّداه فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث ... إلى أن يقول: فيلحقها الله بي، فتكون أوَّل من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم علي علیه السلام محزونة، مكروبة، مغمومة، مغصوبة، مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهمَّ العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلّل من أذلّها، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين) .

وذكر ابن طاووس في كتابه الإقبال: (في زيارة الصدّيقة الزهراء علیها السلام المرويّة عن أهل بيت العصمة: اللهمّ صلّ على محمّد وأهل بيته، وصلّ على البتول الطاهرة، الصدّيقة المعصومة، التقيّة النقيّة، الرّضيّة المرضيّة الزكيّة الرشيدة، المظلومة المقهورة، المغصوبة حقّها، الممنوعة إرثها، المكسورة ضلعها، المظلوم بعلها، المقتول ولدها، فاطمة علیها السلام بنت رسولك، وبضعة لحمه، وصميم قلبه، وفلذة كبده . . .) .

وروى ابن قولويه في كامل الزيارات: بإسناده إلى حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله، قال: (لما أسري بالنبي صلی الله علیه و آله ... إلى أن قال: وأما ابنتك فتظلم وتحرم، ويؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها، وتضرب وهي حامل، ويدخل على

ص: 213

حريمها ومنزلها بغير إذن، ثم يمسّها هوان وذل ثم لا تجد مانعاً، وتطرح ما في بطنها من الضرب، وتموت من ذلك الضرب .

وروى ابن قولويه أيضاً في كامل الزيارات، في حديث عن الإمام الصادق، قال: (وقاتل أمير المؤمنين، وقاتل فاطمة علیها السلام ومحسن، وقاتل الحسن، والحسين علیهم السلام) .

وروى الشيخ المفيد في الإختصاص: (أبو محمد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لمّا قبض رسول الله ... في حديث طويل ... إلى أن يقول: فرفسها برجله وكانت حاملة بابن اسمه المحسن، فأسقطت المحسن من بطنها، ثمَّ لطمها، فكأنّي أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت . ثمَّ أخذ الكتاب فخرقه، فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة ممّا ضربها عمر ثمَّ قبضت . . . إلى آخر الخبر .

وذكر العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي رحمة الله، وهو والد الشيخ محمد باقر صاحب البحار، قال في شرحه لكتاب من لايحضره الفقيه: (وشهادتها كانت من ضربة عمر الباب على بطنها، عندما أرادوا أمير المؤمنين لبيعة أبي بكر ... وضرب قنفذ غلام عمر السوط عليها بإذنه . والحكاية مشهورة عند العامة والخاصة، وسقط بالضرب غلام كان اسمه محسن) .

وقال العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي رحمة الله: في كتاب مرآة العقول، الذي شرح فيه أخبار أصول الكافي والروضة، قال عند رواية أنها علیها السلام صدّيقة شهيدة: (إنه من المتواترات، وكان سبب ذلك أنهم لمّا غصبوا الخلافة، وبايعهم أكثر الناس، بعثوا إلى أمير المؤمنين علیه السلام ليحضر البيعة، فأبى . فبعث عمر بنارٍ ليحرق على أهل البيت بيتهم، وأرادوا الدخول عليه قهراً، فمنعتهم فاطمة علیها السلام عند

ص: 214

الباب، فضرب قنفذ غلام عمر الباب على بطن فاطمة علیها السلام فكسر جنبها، وأسقطت لذلك جنيناًكان سمّاه رسول الله صلی الله علیه و آله محسناً، فمرضت لذلك، وتوفيت صلوات الله عليها من ذلك المرض) .

وروى الطبري في دلائل الإمامة: عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قبضت فاطمة علیها السلام في جمادى الآخرة يوم الثّلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشر من الهجرة. وكان سبب وفاتها أنَّ قنفذاً مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسنّاً، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممّن آذاها يدخل عليها . وكان الرَّجلان من أصحاب النبي صلی الله علیه و آله سألا أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن يشفع لهما إليها، فسألها أمير المؤمنين علیه السلام فلمّا دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يا بنت رسول الله ؟ قالت: بخير بحمد الله، ثمَّ قالت لهما: ما سمعتما النبي صلی الله علیه و آله يقول: فاطمة علیها السلام بضعة منّي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ؟ قالا: بلى . قالت: فوالله لقد آذيتماني . قال: فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما .

قال محمد بن همام: وروي أنها قبضت لعشر بقين من جمادى الآخرة، وقد كمل عمرها يوم قبضت ثمانية عشر سنة وخمساً وثمانين يوماً بعد وفاة أبيها، فغسّلها أمير المؤمنين ولم يحضرها غيره والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضّة جاريتها وأسماء بنت عميس. وأخرجها إلى البقيع في اللّيل، ومعه الحسن والحسين وصلّى عليها، ولم يعلم بها، ولا حضر وفاتها، ولا صلّى عليها أحد من سائر النّاس غيرهم، ودفنها بالرَّوضة، وعمي موضع قبرها . وأصبح البقيع ليلة دفنت، وفيه أربعون قبراً جدداً، وإنَّ المسلمين لمّا علموا وفاتها جاؤوا إلى البقيع، فوجدوا فيه أربعين قبراً، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور، فضجَّ

ص: 215

الناس . ولام بعضهم بعضاً وقالوا: لم يخلف نبيّكم فيكم إلاّ بنتاً واحدة، تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها والصّلاة عليها، ولا تعرفوا قبرها . ثمَّ قال ولاة الأمر منهم: هاتم من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور، حتى نجدها فنصلي عليها، ونزور قبرها . فبلغ ذلك أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فخرج مغضباً قد احمرَّت عيناه، ودرَّت أوداجه، وعليه قباه الأصفر الّذي كان يلبسه في كلِّ كريهة، وهو متوكئ على سيفه ذي الفقار، حتى ورد البقيع، فسار إلى النّاس النذير، وقالوا: هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه، يقسم بالله لئن حوِّل من هذه القبور حجر ليضعنَّ السّيف على غابر الآخر. فتلقّاه عمر ومن معه من أصحابه وقال له: مالك يا أبا الحسن، والله لننبشنَّ قبرها ولنصلّينَّ عليها . فضرب علي علیه السلام بيده إلى جوامع ثوبه فهزَّه، ثمَّ ضرب به الأرض، وقال له: يا ابن السّوداء، أمّا حقّي فقد تركته مخافة أن يرتدّ الناس عن دينهم، وأمّا قبر فاطمة علیها السلام فوالّذي نفس علي علیه السلام بيده، لئن رمت وأصحابك شيئاً من ذلك لأسقينَّ الأرض من دمائكم، فإن شئت فأعرض يا عمر ! فتلقّاه أبو بكر فقال: يا أبا الحسن بحقِّ رسول الله، وبحقِّ من فوق العرش إلاّ خلّيت عنه، فإنّا غير فاعلين شيئاً تكرهه . قال: فخلّى عنه وتفرَّق النّاس، ولم يعودوا إلى ذلك) .

- وكتب ذو الفقار بتاريخ 7-1-2000، الثالثة صباحاً:

نعم أحسنت أخي العزيز (حر) جعلك الله حراً في الدنيا والآخرة، أتحفنا بمثل هذه المواضيع الطيبة. لعنة الله على ظالميها. لانامت أعين الجبناء.

- وكتب الفاروق بتاريخ 7-1-2000، الرابعة صباحاً:

أستغفر الله وأتوب اليه أنه هو التواب الرحيم .

ص: 216

أيها الزملاء الشيعة: والله مايجوز القول بهذا أبداً ولا يصح، حرام عليكم خافوا الله في أنفسكم وفيما تقولون . إن كلاماً كهذا يضع أمير المؤمنين علیه السلام علي بن أبي طالب في مصاف الضعاف والجبناء، ويجعله سلام الله عليه من الذين لا يغارون على حرمات الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وهو البطل المغوار وأسد الصحراء وسيد من سادات العرب، وإمام المسلمين وإمامكم إن كنتم فعلاً توالونه ؟! هداكم الله وهدانا الى ما يحب ويرضى .

- وكتب محمد ابراهيم بتاريخ 24-1-2000، الواحدة ظهراً:

على خلفية الأحاديث التي جاء بها الزميل (حر) أود أن أسأله بعض الأسئلة التي تبين أجوبتها أن ما جاء به من أخبار إنما هي أخبار متهافتة كالعادة . ولا أظن أنه ستكون لديه الشجاعة ليجيب على هذه الأسئلة:

1) أليس سيدنا علي هو الذي حمل باب خيبر الذي عجز عن حمله عشرات الرجال (حسب الروايات الشيعية طبعاً) ؟ كيف يعجز من هو به القوة الخارقة من أن يذود عن امرأته عندما يأتي بعض الجبناء، ويعتدون عليها بالضرب ويُجهضون جنينها وهو منزوٍ في ركن البيت يبكي ويقول دعيهم، لا بل ويمسكونه هو أيضا ويشبعونه ضرباً (حسب الروايات الشيعية) ؟ كيف تستقيم هذه الأمور مع بعضها البعض ؟

2) سيدنا علي من أكرم وأشجع وأنبل العرب كما هو معروف لدى جميع المسلمين، كيف يرضى هذا السيد الشجاع النبيل أن يدخل قوم على زوجته ويضربونها ويجهضون جنينها، من غير أن يقاتلهم حتى الموت ؟! أين ذهبت نخوة سيدنا علي وشجاعته في هذه الروايات الخيالية ؟

ص: 217

3) إذا فعل أحد هكذا مع زوجتك فهل ستسكت عنه ؟ كيف إذاً سكت عنهم سيدنا علي؟! لاوبل بايعهم وعاش تحت حكمهم وساعدهم في شؤون الحكم ؟ أين نخوة سيدنا علي وحبه لزوجته وجنينه الذي أجهضوه؟ لا تقل لي تقية ومصالح المسلمين فهذا الكلام مأخوذ خيرة، لأن هذه الأعذار تجعل سيدنا علي يخسر أكثر مما لو لم يعمل بالتقية ومصالح المسلمين ضاعت أكثر بعد أن سكت سيدنا علي عنها، بل وكان من آثار سكوته قتل ابنه الحسين وحصول الفتن بين المسلمين (حسب أقوال الشيعة طبعاً) فكيف يرضى المعصوم بهذه الأمور ولا يدافع عن الحق خوفاً وجبناً كما تدعي الشيعة؟! كيف تستقيم هذه الأمور مع التساؤلات الثلاثة التي سألتك إياها ...؟!

- وكتب الفاروق بتاريخ 24-1-2000، الرابعة عصراً:

أشكر الأخ الكريم محمد ابراهيم على ما يبذله من جهد للدفاع عن الخليفه الرابع، وعن تعظيم فضله ومكانته بين المسلمين .

الى صاحب الموضوع: أنا لا أشك يوماً بأنك ممن يحبون الامام علي علیه السلام كرم الله وجهه، ولكن يجب أن تختار ما هو لائق بمكانته وعلو شأنه بين المسلمين هذه الروايات ما هي الا دليل على ضعف الامام وجبنه، وحاشا لله أن يكون هكذا سيدنا الامام علي .

أدعو الأفاضل الشيعه أن يتمعنوا بهذه الروايات التي لا تنال إلا من أمير المؤمنين . نصرة أمير المؤمنين تكون بإيضاح فضائله ومكارم أخلاقه وشجاعته . فمن هذه الروايات المكذوبة عليه وعلى آله ما هي إلا مدخل لكل ضال مضل لكي ينال من آل الرسول علیه السلام جميعاً . انتهى .

ص: 218

- قال العاملي: لم أجد بقية الموضوع .. ولايغرنك الغيرة التي أظهرها المدعو فاروق ومحمد ابراهيم على أمير المؤمنين علیه السلام ! فطالما دافعا عن أعدائه وقاتليه، وحاولا أن يثبتا أن غيره أعلم منه وأشجع .. ولكنهما رأيا هنا أن أفضل طريقة في الدفاع عن أبي بكر وعمر ونفي هجومهما على بيت فاطمة علیها السلام أن يقولا إن ذلك محال مع وجود أمير المؤمنين علیه السلام !

وجوابهما: أنه ثبت عندنا أن النبي صلی الله علیه و آله أخبر علياً وفاطمة علیها السلام والحسنين بما يجري عليهم بعده، وأن الأمة ستغدر بهم، وأوصاهم بوصاياه وأخذ منهم عهد الله تعالى وميثاقه على تنفيذ ما أمرهم به لإبقاء الاسلام.. وقد نفذوا ذلك حرفياً وتحملوا أنواع التعديات والبغي والإهانة احتساباً وطاعةً لله ورسوله .

وقد كان من الأسهل على علي علیه السلام أن يجرد ذا الفقار ويسقي الأرض من دمائهم، ويوصل صراخهم وفلولهم الى آخر المدينة .. ولكن نتيجة ذلك أن ترتد العرب عن الاسلام ويقولوا إن دعوة هذا النبي كانت للدنيا، والدليل عليه أن أصحابه اختلفوا على سلطانه !!

فشجاعة علي علیه السلام في صبره وتحمله الهجوم على بيته وما ارتكبوه بحق الصديقة الزهراء علیها السلام وحقه..أعظم من شجاعته في مقابلتهم بالسيف، بل أعظم من شجاعته في معارك الاسلام مثل بدر وأحد والخندق وخيبر !!

- وكتبت المدعوة فريدة في شبكة الموسوعة الشيعية، بتاريخ 19-2-2000، الواحدة صباحاً، موضوعاً بعنوان (هل للسيدة الزهراء علیها السلام ولد اسمه محسن)، قالت

فيه:

إخواني الشيعة: حدثتني إحدى الأخوات الشيعيات أيام دراستنا في الجامعة أن فاطمة

الزهراء علیها السلام لها ثلاثة أولاد، الثالث يسمى المحسن . في حين أن

ص: 219

المعروف أن لها الحسن والحسين فقط، ولم أجد كتاباً فيه ذلك .. أرجو تبيين حقيقة ذلك . ولكم الشكر الخالص .

- فكتب الموسوي بتاريخ 19-2-2000، الخامسة مساءً:

الأخت الفاضلة فريدة .. رغم بعض المشاغل التي تحول دون التفرغ للإجابة على سؤالك هذا، ولكن لأهمية الموضوع فإنني سأورد لك بعضاً مما جاء في كتاب حوار مع فضل الله حول الزهراء علیها السلام حول مسألة الجنين محسن علیه السلام، وسأنقله بتصرف واختصار من ذلك الكتاب (ص 313 . .: (جاء ذكر السقط الشهيد محسن علیه السلام في كثير من كتب الحديث والتاريخ، بشكل يجعل المرء يقطع بوجوده بل والسبب في إسقاطه . أما ما جاء في مصادرنا الشيعية، فمن الأحاديث المسندة التي وردت في هذا المجال ما يلي:

1 - ماذكره علي بن إبراهيم القمي المتوفى بحدود سنة 307 ه- عن أبيه، عن سليمان الديلمي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إذا كان يوم القيامة يدعى محمد صلی الله علیه و آله فيكسى حلة وردية ثم يقام على يمين العرش... ثم ينادي مناد من بطنان العرش من قبل رب العزة والأفق الأعلى: نعم الأب أبوك يا محمد وهو إبراهيم، ونعم الأخ أخوك وهو علي بن أبي طالب، ونعم السبطان سبطاك وهما الحسن والحسين، ونعم الجنين جنينك وهو محسن . . . الخ . (تفسير القمي ج 1 ص 128) .

2 - ما ذكره محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني المتوفى سنة 329 ه- في كتاب العقيقة من الكافي - باب الأسماء والكنى، الحديث الثاني: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: حدثني أبي، عن جدي، قال:

ص: 220

قال أمير المؤمنين علیه السلام: سموا أولادكم قبل أن يولدوا، فإن لم تدروا أذكر أم أنثى، فسموهم بالأسماء التي تكون للذكر والأنثى، فإن أسقاطكم إذا لقوكم يوم القيامة ولم تسمّوهم، يقول السقط لأبيه ألا سمّيتني، وقد سمّى رسول الله صلی الله علیه و آله محسناً قبل أن يولد) . الكافي ج 6 ص 18 وسند الرواية صحيح .

3 - ما رواه الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي علیه السلام بن بابويه المتوفى سنة 381 ه- في كتابيه الأمالي والخصال، فقد روى في الأمالي عن علي علیه السلام بن أحمد بن موسى الدقاق، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلی الله علیه و آله ..، والخبر طويل يتحدث فيه الرسول عما يجري على أهل بيته من الظلم، وجاء في الخبر: (كأني بها وقد دخل الذل بيتها وانتهكت حرمتها وغصبت حقها ومنعت إرثها وكسر جنبها وأسقطت جنينها وهي تنادي يا محمداه فلا تجاب وتستغيث فلا تغاث ... فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها وعاقب من غصبها وأذلّ من أذلّها، وخلّد في نارك من ضرب جنينها حتى ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك آمين) . الأمالي ص 100، وكذلك روى الصدوق في كتابه الخصال بسند صحيح عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثني محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه علیه السلام: " إن أمير المؤمنين علیه السلام علّم أصحابه في مجلس واحد أربع مائة باب مما يصلح في دينه ودنياه، وجاء في الحديث ضمن النصائح: (سمّوا أولادكم، فإن لم تدروا أذكر هم أم أنثى فسمّوهم بالأسماء التي تكون للذكر والأنثى، فإن أسقاطكم إذا لقوكم في القيامة ولم

ص: 221

تسمّوهم يقول السقط لأبيه: ألا سمّيتني، وقد سمّى رسول الله صلی الله علیه و آله محسناً قبل أن يولد). الخصال ص 634

4 - ما ذكره جعفر بن محمد بن قولويه المتوفى سنة 367ه- في روايتين من باب نوادر الزيارات من كتابه كامل الزيارات، فقد روى الرواية الأولى عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي علیه السلام بن محمد بن سليمان، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله الأصم، عن عبد الله بن بكر الأرجاني قال: صحبت أبا عبد الله علیه السلام في طريق مكة . . .، وجاء في الرواية عن الإمام الصادق علیه السلام عبارة: (وقاتل أمير المؤمنين وقاتل فاطمة علیها السلام ومحسن وقاتل الحسن والحسين علیهم السلام) (كامل الزيارات باب108 ح2 ص326 ط المرتضوية ص541 ط. مؤسسة نشر الثقافة) أما الرواية الثانية فيرويها بنفس الإسناد إلى عبد الله الأصم الذي يسندها إلى حماد بن عثمان عن أبي عبد الله علیه السلام، والرواية تحكي بعض ما أوحي إلى النبي صلی الله علیه و آله لما أسري به إلى السماء مما سيجري عليه وعلى أهل بيته، وجاء في هذه الرواية: (وأما ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقها غصبا الذي تجعله لها وتضرب وهي حامل ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن ثم يمسها هوان وذل ثم لا تجد مانعا وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب). وجاء في مقطع آخر من الرواية: (وأول من يحكم فيهم محسن بن علي علیه السلام في قاتله ثم في قنفذ فيؤتيان هو وصاحبه فيضربان بسياط من نار) كامل الزيارات الباب108 ح11 ص332ط .المرتضوية، ص 548 ط . مؤسسة نشر الثقافة) .

5 - ما رواه محمد بن جرير بن رستم الطبري الذي عاش في القرن الرابع في كتابه دلائل الإمامة عن إبراهيم بن أحمد الطبري قال: أخبرنا القاضي أبو الحسين

ص: 222

علي علیه السلام بن عمر بن الحسن بن علي علیه السلام بن مالك السياري قال: أخبرنا محمد بن زكريا الغلابي، قال: حدثني جعفر بن محمد بن عمارة الكندي، قال: حدثني أبي، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي علیه السلام بن الحسين علیهم السلام، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن عمار بن ياسر قال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله يقول لعلي علیه السلام يوم زوج فاطمة علیها السلام: (يا علي ... قال (أي عمار بن ياسر): وحملت بالحسن فلما رزقته حملت بعد أربعين يوماً بالحسين، ثم رزقت زينب وأم كلثوم، وحملت بمحسن فلما قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وجرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها وإخراج ابن عمها أمير المؤمنين وما لحقها من الرجل أسقطت به ولداً تماماً وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها صلوات الله عليها) . (دلائل الإمامة ص104 ح35) .

وروى الطبري في كتابه عن محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، عن أبيه، عن محمد بن همام بن سهيل، عن أحمد بن محمد بن البرقي، عن أحمد بن محمد الاشعري القمي، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير عن أبي عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام قال: "... وكان سبب وفاتها أن قنفذا مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره وأسقطت محسناً ومرضت من ذلك مرضا شديدا. (دلائل الإمامة ص134 ح43، عنه بحار الأنوار ج43 ص170 ح11) .

أما ما جاء في كتبنا سواء في رواياتنا المرسلة أو عبائر علمائنا ومؤرخينا عن السقط محسن فكثيرة، منها:

ص: 223

1 - تاريخ أحمد بن إسحاق اليعقوبي المتوفى بعد سنة 292 ه-، فقد جاء فيه: (وكان له من الولد الذكور أربعة عشر ذكراً: الحسن والحسين، ومحسن مات صغيراً، أمهم فاطمة علیها السلام بنت رسول الله) . (تاريخ اليعقوبي:2/213) .

2 - تاريخ الأئمة لمحمد بن أحمد بن محمدبن عبدالله بن إسماعيل المعروف بابن أبي الثلج المتوفى سنة 325 ه- . وقد جاء فيه: "ولد لأمير المؤمنين علیه السلام من فاطمة علیها السلام: الحسن والحسين ومحسن سقط". (مجموعة نفيسة ص 16) .

3- إثبات الوصية لعلي علیه السلام بن الحسن المسعودي المتوفى سنة 346 ه-، فقد جاء فيه: (فأقام أمير المؤمنين علیه السلام ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلی الله علیه و آله فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرهاً وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً) (إثبات الوصية ص124) .

4 - تلخيص الشافي للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460 ه- . فقد قال: (ومما أنكر عليه ضربهم لفاطمة علیها السلام، وقد روي أنهم ضربوها بالسياط، والمشهور الذي لا خلاف فيه بين الشيعة إن عمر ضرب على بطنها حتى أسقطت فسمي السقط محسناً، والرواية بذلك مشهورة عندهم، وما أرادوا من إحراق البيت عليها حين التجأ إليها قوم وامتنعوا من بيعته، وليس لأحد أن ينكر الرواية بذلك لأنا قد بينا الرواية الواردة من جهة العامة من طريق البلاذري وغيره. ورواية الشيعة مستفيضة به لا يختلفون في ذلك) . (تلخيص الشافي ج3 ص156) .

ص: 224

5 - تاج المواليد للحسن بن علي علیه السلام الطبرسي المتوفى سنة 548 ه- فقد ذكر في الفصل الخامس من الباب الثاني ما يلي: " وكان لأمير المؤمنين علیه السلام ثمانية وعشرون ولداً ويقال ثلاث وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى: الحسن والحسين علیهما السلام والمحسن الذي أسقط ". (مجموعة نفيسة ص94) .

6 - المناقب لمحمدبن علي علیه السلام بن شهراشوب المازندراني المتوفى سنة 588 ه-، فقد كتب في مقدمة كتابه في معرض حديثه عن الجماعات الضالة والمنحرفة ما يلي: (وجماعة من السفساف حملهم العناد على أن قالوا: كان أبو بكر أشجع من علي علیه السلام، وإن مرحباً قتله محمد بن مسلمة، وأن ذا الثدية قتل بمصر، وإن في أداء سورة براءة كان أبو بكر أميراً على علي علیه السلام، وربما قالوا: قرأها انس بن مالك، وإن محسناً ولدته فاطمة علیها السلام في زمن النبي صلی الله علیه و آله سقطا) . (المناقب ج 1 ص14) . وذكر أيضاً في كتابه عن كنى فاطمة

الزهراء علیها السلام مايلي: (وكناها أم الحسن وأم الحسين وأم المحسن وأم الأئمة وأم أبيها) . (المناقب ج3 ص357) .

أما عن أولادها فقال: " وأولادها الحسن والحسين والمحسن سقط، وفي معارف القتيبي أن محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي". (المناقب ج3 ص358، ولكن الموجود في الطبعة المتداولة لكتاب المعارف لابن قتيبة ص 210-211 ما يلي: (فولد علي علیه السلام الحسن والحسين ومحسناً وأم كلثوم الكبرى وزينب الكبرى، أمهم فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ... وأما محسن بن علي علیه السلام فهلك وهو صغير) . انتهى .

ومثل هذا التحريف ليس بعزيز فقد مر سابقاً محاولة أبي عبيد القاسم بن سلام إخفاء أمر هجوم أبي بكر على بيت فاطمة علیها السلام، وللمزيد يمكن مراجعة

ص: 225

بداية كتاب التاريخ والإسلام للسيد جعفر مرتضى العاملي حيث ذكر أسماء الكتب التي وقع فيها التحريف ومواقعه) . انتهى موضع الشاهد من الكتاب المذكور . وأفضل من استقصى موارد ذكر السقط محسن علیه السلام هو العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه مأساة الزهراء علیها السلام:2 /337 –349 .

- وكتب (فرات) في شبكة الموسوعة الشيعية، في 22-1-2000، الخامسة مساءً، موضوعاً بعنوان (لماذا عاملوا الزهراء علیها السلام هكذا ؟؟!)، قال فيه:

فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله،من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، مودتها فرض على كل مسلم (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) الشورى- 23 . يغضب الله ورسوله لغضبها قال رسول الله صلی الله علیه و آله (إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك)، أخرجه الحاكم في مستدركه وصححه، والذهبي في ميزان الاعتدال ح 2/72 معترفاً بصحته وغيرهم . وقوله صلی الله علیه و آله (فاطمة علیها السلام بضعة مني فمن أغضبها أغضبني) . أخرجه البخاري - باب مناقب فاطمة علیها السلام . وهي سيدة نساء هذه الأمة بل نساء العالمين قال لها صلی الله علیه و آله (يافاطمة علیها السلام أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة) هذه قطرة من بحر فضائلها سلام الله عليها، ولكن ما هو موقف الصحابة معها بعد وفاة أبيها صلی الله علیه و آله ؟!

نجد مواقف عديدة منها: بعد وفاة الرسول تفقد أبو بكر قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي علیه السلام كرم الله وجهه فبعث إليهم عمر . فجاء وناداهم وهم في دار علي علیه السلام، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده، لتخرجن أو لأحرقها على من فيها! فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة علیها السلام !!

ص: 226

فقال: وإن . . !! ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة علیها السلام فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم، نادت بأعلى صوتها (يا أبت يارسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ؟!!) الإمامة والسياسة 1/12 ويمكنك أن تراجع حديث احراق دار الزهراء

سلام الله عليها في المصادر: تاريخ الطبري 3 / 198، تاريخ أبي الفداء 2 / 64، العقد الفريد 5/ 12 . أعلام النساء 4 / 114 تاريخ اليعقوبي 2 / 126، الفتوح لابن اعثم 1/ 13.شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 65) . حتى قال حافظ إبراهيم:

وقولةٌ

لعلي قالها عمر *** أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرَّقت دارك لا أبقي عليك بها إن *** لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص بقائلها أمام *** فارس عدنان وحاميها

إن المرء ليقف مذهولاً من موقف الصحابة هذا، أيصل الأمر إلى أن يقسم صاحبهم على إحراق بيت الزهراء علیها السلام وهم مقرون بأنه البيت الذي كان رسول الله صلی الله علیه و آله نفسه لايدخل إلا بعد استئذان ؟! من حق كل مسلم حر أن يسأل نفسه: لماذا وصل الأمر بهم إلى هذا الحد ؟!!

- وكتب حسيني بتاريخ 22-1-2000، التاسعة مساءً:

إنه حب المنصب والظهور يا أخي العزيز، هذه الغريزة التي أودعها الله بنا لاختبارنا وتمحيصنا ! ويا لها من غريزة إذا لم يتحكم بها الانسان ويسيطر عليها من خلال عقله . فإنها سوف تجره الى مهالك الضالين ... وهل تعلم ياأخي لماذا هذه المحاولات البغيضة لإخفاء الحقائق الجلية؟! السبب هو حب المنصب والظهور والابتعاد عن الورع والتقوى . فسلام الله عليك يا أماه يا فاطمة الزهراء علیها السلام، ولعن الله أعدائك وظالميك من الأولين والآخرين .

ص: 227

- وكتب العاملي في 22-1-2000، العاشرة والنصف مساءً:

أحسنتما أيها الأخوين .. ستبقى الزهراء علیها السلام قمةً سامقةً في طليعة العترة الطاهرة، لا يمكن لأحد أن ينال من صدقها لله، وتجردها عن الهوى، وشموخها عن حطام الدنيا .. فهي بنص من لاينطق عن الهوى: سيدة نساء أهل الجنة، وسيدة نساء العالمين .. وقد بقى موقفها في إدانة تحالف قبائل قريش المتآمرة في حياة النبي صلی الله علیه و آله وبعده، صخرةً صلبةً، صلدةً، عصيةً على دهاة السياسة اليهودية القرشية، أن ينالوا منه أو يطوعوه !! إن مواقف الزهراء علیها السلام أكبر سندٍ حيً بعد النبي صلی الله علیه و آله على انحراف الأمة، وكشف خطة قريش في فرض حصارها الجديد على بني هاشم، ولمدة أطول من سنوات الحصار الخمس في شعب أبي طالب، وهذه المرة باسم الاسلام ومصلحة الاسلام، وأن قبائل قريش لا ترضى أن يجمع بنو هاشم بين النبوة والخلافة !!

إن السر في حساسية أتباع الخلافة القرشية من قضية الزهراء علیها السلام ومسائل ظلامتها . . أنهم يسهل عليهم أن يلووا أعناق نصوص الآيات والأحاديث، وربما المواقف . . ولكنهم لا يستطيعون أن يزوروا مواقف الزهراء علیها السلام العظيمة، والمبتكرة !!

ومن أبسط أمثلتها، أنهم يقولون بشرعية خلافة أبي بكر وعمر، ووجوب بيعتهما على الأمة، وأن من لم يبايعهما فهو عاص خائن، في النار .. لكن عندما يصلون الى إدانة الزهراء علیها السلام لمؤامرتهما ورفضها بيعتهما، ورفضها الكلام معهما، ودعائها عليهما بعد كل صلاة ! وقسمها أن تشكوهما الى رسول الله صلی الله علیه و آله .. تقف سفينتهم .. وتغرق حججهم !!

- وكتب الفاطمي في 23-1-2000، الثانية عشرة والنصف صباحاً:

ص: 228

فلماذا إذ جهزت للقاء الله *** عند الممات لم يحضراها

شيّعت نعشها ملائكة الرحمن *** رفقا بها وما شيعاها

كان زهداً في أجرها أم عناداً *** لأبيها النبي لم يتبعاها

أم لأن البتول أوصت بأن لا *** يشهدا دفنها فما شهداها

أم أبوها أسر ذاك إليها *** فأطاعت بنت النبي أباها

كيف ماشئت قل كفاك فهذي *** فرية قد بلغت أقصى مداها

أغضباها وأغضبا عند ذاك *** الله رب السماء إذ أغضباها

وكذا أخبر النبي بأن الله *** يرضى سبحانه لرضاها

- وكتب فرات بتاريخ 23-1-2000، الرابعة عصراً:

شعت فلا الشمس تحكيها ولا القمرُ... زهراءُ من نورها الأكوان تزدهر

أشكر الأخوة والأساتذة الفضلاء على تعقيبهم على الموضوع ..

وهنالك نكته أخرىيمكن اكتشافها للتدليل على عظم مظلوميتها علیها السلام، وهي تأكيد النبي صلی الله علیه و آله في أكثر من حديث وفي مختلف الأزمنة والأمكنه بقوله: يؤذيني ما يؤذيها يؤلمني ما يؤلمها يغضبني ما يغضبها ! حيث نكتشف أن النبي صلی الله علیه و آله أراد أن يؤكد حدوث ظلم فادح على بضعة الزهراء علیها السلام بعد وفاته.

- وكتب حسيني بتاريخ 24-1-2000، الثانية صباحاً:

ولكن الظلم الأشد والأمّر والذي يقطع القلب هو الظلم العملي، والذي بدأت بعض الجماعات سامحها الله بممارسته بحق فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وهو أنهم بعدما كانوا يقيمون الاحتفالات بولادة الزهراء علیها السلام أو فرحة الزهراء علیها السلام، ويقيمون العزاء لوفاة الصديقة الطاهرة، بدأوا يتهربون ويتحاشون من إقامة

ص: 229

مثل هذه المراسيم والشعائر، وكأنما أصبح الدين فقط شعارات وأقوالاً ! فإذا لم نقم مثل هذه الاحتفالات والشعائر والتي تذكر الناس بالتاريخ وما حصل لأهل البيت علیهم السلام، كيف ستتعرف الأجيال على تاريخ المعصومين وما حل بهم ؟! الكثير نراهم يسطرون الكلام المنمق ويذكرون الشعارات والكلمات الرنانة في حق فاطمة الزهراء علیها السلام، ولكن عندما ترى أفعالهم وأعمالهم ترى أنها تكون بعيدة كل البعد عن ما يقولون، فيدعون الناس الى عدم ذكر ظلامات الزهراء علیها السلام علناً !! بل يدعونهم الى عدم تكرار هذه الحادثة التي مضت عليها مئات السنوات حسب قولهم بين فترة وأخرى !! أليس هذا الظلم أشد وقعاً على القلب أيها الأخوة الأعزاء ؟!

السلام عليك أيتها الصديقة الطاهرة المعصومة .

ولعن الله من غصب حقك وظلمك الى قيام يوم الدين .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 25-1-2000، الثالثة صباحاً:

أخي العزيز الفرات.. السلام عليكم.. بعد 1400 سنة ومازالوا يحاربون الزهراء علیها السلام وهي في مثواها المجهول! وما زالوا يمنعوننا من قراءة الكتب التي تتحدث عنها سلام الله عليها وعن مظلوميتها مثل كتاب (فاطمة تعني فاطمة) للدكتور شريعت . وكتاب فدك للسيد محمد حسن القزويني . والذي بعد جهود جبارة حصلت على صور لصفحات الكتاب بعد أن منع عندنا في الكويت . وعسى الله أن يوفقني في نشر هذا الكتاب الثمين في إحدى مواقع الإنترنت حتى يستطيع جميع الأخوة أن يطلعوا عليه . ولا أدري ما هو سبب إصرار البعض على ظلمها وحتى هي في مثواها ؟!!

السلام عليك يا بضعة المصطفى .. يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

ص: 230

- وكتب حسيني بتاريخ 25-1-2000، الخامسة صباحاً:

ربما كل هذا الظلم وإخفاء الحقائق من أجل المشروع المسمى بالتقارب بين المذاهب . وفي الحقيقة لا أعلم مدى مصداقية هذا المشروع، لأن المشكلة أن الخلاف عميق، فإما أن نتنازل عن مبادئنا من أجل تحقيق هذا المشروع أو أن نتغافل عن ذكر النقاط السوداء على كثرتها بيننا وبين الأطراف الأخرى من أجل هذا المشروع، حيث بدأ البعض يستغلون هذا الشعار من أجل إقناع الناس أن الحادثة المتعلقة بظلم الزهراء علیها السلام ما هي إلا حادثة ملفقة وغير صحيحة ! مستغلين بذلك الضعف الايماني لكثير من الناس، وهذا ناتج من قلة الوعي لما حدث، وقلة المعرفة بالتاريخ .

-كتب السبيل الأعظم في شبكة هجر الثقافية، بتاريخ 24-5-2001، الثامنة صباحاً، موضوعاً بعنوان (لماذا هذا الكلام على ظلامة الزهراء علیها السلام ؟!) قال فيه:

هذه الأيام أيام المآسي والحزن لماجرى علىمولاتنا فاطمة الزهراء علیها السلام ونريد أن نلقي الضوء على ماجرى عليها من الظلامات، وأحب من الأخوة المشاركة . وطرحي لهذا البحث حيث أجد بعضاً من المؤمنين في بلادنا الحبيبة القطيف من ينكر تلك الظلامات، ويدافع عن أعداء الزهراء علیها السلام ! في هذه الأيام تحدث خطيب على المنبر يذكرظلامة الزهراء علیها السلام وما حصل لها من ضرب وعصر ووكز بالسيف وإسقاط للجنين .. وبعد البحث تحدث رجل وهو في سن الأربعين أو يزيد شيئاً مع صاحبه يقول: هذه خرافة ! إلى متى نتحدث عن

المكذوبات ؟ متى نطهر المنبر من هذه السوالف ؟! وهلم جراً، وحط من مكانة الشيخ الخطيب !!

ص: 231

نكتفي برواية في كتاب سليم بن قيس الهلالي برواية أبان بن أبي عياش عنه، عن سلمان وعبد الله بن العباس قالا: توفي رسول الله صلی الله علیه و آله يوم توفي فلم يوضع في حفرته، حتى نكث الناس وارتدوا وأجمعوا على الخلاف، واشتغل علي علیه السلام برسول الله صلی الله علیه و آله حتى فرغ من غسله وتكفينه وتحنيطه ووضعه في حفرته . ثم أقبل على تأليف القرآن وشغل عنهم بوصية رسول الله صلی الله علیه و آله، فقال عمر لأبي بكر: يا هذا إن الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته فابعث إليه، فبعث إليه ابن عم له يقال له قنفذ فقال له ياقنفذ إنطلق إلى علي علیه السلام فقل له أجب خليفة رسول الله، فبعثا مراراً وأبى علي علیه السلام أن يأتيهم، فوثب عمر غضبان ونادى خالد بن الوليد وقنفذاً فأمرهما أن يحملا حطباً وناراً، ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي علیه السلام وفاطمة علیها السلام صلوات الله وسلامه عليهما، وفاطمة علیها السلام قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله، فأقبل عمر حتى ضرب الباب ثم نادى: يا ابن أبي طالب إفتح الباب، فقالت فاطمة علیها السلام: ياعمر ما لنا ولك، لاتدعنا وما نحن فيه ؟! قال افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم ! فقالت: ياعمر أما تتقي الله عز وجل تدخل علي علیه السلام بيتي وتهجم على داري؟! فأبى أن ينصرف، ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب، ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت: يا أبتاه يا رسول الله، فرفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت، فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: يا أبتاه ! فوثب علي بن أبي طالب علیه السلام، فأخذ بتلابيب عمر، ثم هزه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته، وهم بقتله فذكر قول رسول الله صلی الله علیه و آله وما أوصاه به من الصبر والطاعة فقال:والذي أكرم محمد بالنبوة يابن صهاك، لولا

ص: 232

كتابٌ من الله سبق لعلمت أنك لاتدخل بيتي!! فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار فكاثروه وألقوا في عنق علي علیه السلام حبلاً فحالت بينهم وبينه فاطمة علیها السلام عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط!! فماتت حين ماتت وإن عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه الله ! فألجأها إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعاً من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها . . . الخ) . انتهى .

وهناك روايات كثيرة في هذا المعنى . لكن عجبي من قومي فإنهم ينكرونها وأنها لم تضرب ولم تسقط ولم ... ولم ... فما يقول أهل الغيرة على المذهب؟!

يا شفيعة المذنبين، ياسيدة نساء العالمين، يافاطمة الزهراء علیها السلام .

- فكتب العاملي بتاريخ 24-5-2001، الثامنة والنصف صباحاًَ:

أحسنت أيها الأخ الموالي، فإن مقام الصديقة الزهراء علیها السلام في الاسلام، وظلامتها وموقفها الصارم من خلافة أبي بكر وعمر .. له موقعه المركزي في مذهبنا في التشيع للعترة النبوية الطاهرة .. وإن كل محاولة لتجاوز ذلك، أو تمييعه، أو تخفيف لونه الصارخ .. إنما تنتج عن عدم الاطلاع على تاريخ الاسلام، أو من الضعف والانهزام أمام إعلام الحكومات المخالفة، أو من فهم خاطئ للوحدة السياسية الاسلامية المطلوبة، وتصور أنها يجب أن تتم بتنازلنا عن عقائدنا، ومسامحة الظالمين بظلامة العترة الطاهرة، مع أنها ظلامة لا يملكها من يسامح بها أو يتسامح فيها.. وهو لايفعل أكثر من أن يضم نفسه الى الظالمين .. ولو لم يقصد ذلك !!

اللهم العن أول ظالم ظلم آل محمد .. وآخر تابع له على ذلك .

- وكتب علي علیه السلام الشيخ بتاريخ 24-5-2001، العاشرة والنصف صباحاًَ:

ص: 233

استجابتاً لنداءك أقول . . . إن هناك أناساً لا يعرفون الحقيقة . . جهال . . وهناك أناس لاأقول جهال ولكن اطلاعهم على السيرة والتاريخ ضعيف جداً. وهناك فئة أيضاً وهم الأكثرية يقولون كيف تضرب الزهراء علیها السلام ومعها الامام علي علیه السلام وهو يراها ويرى مايفعل بها علیها السلام وهي بنت من؟ بنت حبيب الله ورسوله! ومن هو علي علیه السلام هذا ؟ إنه قتال العرب كسار الأصنام، الشجاع والأبي الشهم .. أين غيرته ؟!

وهم جهلاء يطرحون هذه الأسئلة ولا يعلمون بأن أمير المؤمنين مقيد بوصية رسول الله صلی الله علیه و آله وأنه وكما قال الامام الحسين علیه السلام عن النساء والاطفال لماذا يأخذهم معه فأجاب: شاء الله أن يراهم سبايا .. وهكذا حال الزهراء علیها السلام والامام علي علیهم السلام .. شاء الله أن يقبض أرواحهم مظلومين، عليهم صلوات لله ..

ثانياً، بهذه الفاجعة يعرف ويميز المؤمن من الكاذب المنافق، فهي امتحان لهؤلاء الذين يدعون أنهم أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله .

- وكتب ناظم بتاريخ 24-5-2001، الثانية عشرة ظهراً:

لماذا الإنكار ؟! مظلمة السيدة الزهراء علیها السلام مظلمة سجلها التاريخ .. حتى وإن حاول البعض أن يظللها بالغمام، ليحجبها من أجل سواد عين فلان أو إرضاء لخاطر فلان . . .

الواثبين

لظلم آل محمد ومحمد ملقى بلا تكفينِ

والقائلين

لفاطمٍ آذيتنا في طول نوح دائم وحنينِ

ومجمّعي حطب على البيت الذي لم يجتمع لولاه شمل الدينِ

والداخلين على البتولة بيتها والمسقطين لها أعزّ جنينِ

والقائدين

إمامهم بنجاده والطهر تدعو خلفهم برنينِ

ص: 234

خلّواابن عمي أولأكشف بالدعا رأسي وأشكو للإله شجوني

ما كان ناقة صالح وفصيلها بالفضل عند الله إلا دوني ...

عظم الله أجورنا وأجوركم .

- وكتب الكاظميني بتاريخ 24-5-2001، الثانية عشرة ودقيقة ظهراًَ:

نتيجة الجهل معروفة ومعلومة، ولا أظن القائل بهذه المقولة يتعدى الحكم عليه بكونه جاهلاً، إلا أن هناك من يدعي العلم في المقام وله أتباع ! وإني لا ألوم عالمهم القائل بهذه المقولة، لكن كلي أسف على من يتبعه ويدافع عنه بكل صلافة، وهم بهذا يدافعون عن من ينال من سيدتي ومولاتي الزهراء علیها السلام ! فهو نفسه الذي يقول لاخصوصية للزهراء في شخصيتها فإنه بإمكان كل امرأة تكون بمكان الزهراء علیها السلام أن تكون زهراء ثانية، فالأجواء المحيطة التي أحاطت بالزهراء علیها السلام هي التي صنعت الزهراء علیها السلام، وإلا لاخصوصية للزهراء !! وقد غفل عن رواية الرضا علیه السلام حيث يقول: نحن حجج الله عليكم وأمنا فاطمة علیها السلام حجة الله علينا !

لكن ماذا عسانا أن نقول ونحن نعلم أن أهل البيت علیهم السلام قد ظُلموا وهم أحياء، وإنهم اليوم يُظلمون وهم عند ربهم بيد أناس جهال يعانون من الجهل وآخرون يعانون من حب الرئاسةوالزعامة السريعة، المبنية على أسس مريضة خارجة عن صلب عقائدنا، فلا أعلم لماذا هذه العداوة مع الزهراء علیها السلام .. لماذا ؟!

وهل هذه هي الوحدة المطلوبة المزعومة بين الشيعة والسنة؟ فلا خير في وحدة نضع فيها تاريخنا ومظلومية أهل البيت علیهم السلام وراء ظهورنا، فبؤساً لهذه الوحدة التي تزيد في ظلم أهل البيت !

ص: 235

وأنا أدعو نفسي وجميع الشيعة أن يرتبطوا بالحوزة العلمية التي هي المدار في جميع النوائب والفتن، والسؤال عن كل صغيرة وكبيرة، وأن لا يخدعهم الاعلام المزيف الذي يطبل لكل من لديه اعوجاج في الفكر .

وليعلم الكل أن الإعلام قد روّج للساقاطات والعاهرات، وليس هو المدار في تقييم الأشخاص، وإنما هي الحوزة العلمية التي ما زالت تذب عن حياض المذهب، متحملةً كل أعباء الحروب الخارجية والداخلية .. وواجب الشيعة الرجوع والالتفاف حول علمائها، كي تبقى قلعة قوية قلعة شامخة في وجوه أعداء المذهب . والله من وراء القصد .

ص: 236

الفصل الثامن: غضب فاطمة علیها السلام على السلطة.. وأن غضبها غضب الله تعالى

اشارة

ص: 237

ص: 238

زعمهم أن علياً أغضب فاطمة علیها السلام، وأراد أن يتزوج عليها !

- كتب الشيباني في شبكة هجر الثقافية، بتاريخ 9-9-1999، الثانية عشرة وخمس دقائق صباحاً، موضوعاً بعنوان (للمنصفين فقط !! فاطمة علیها السلام تغضب على علي رضي الله عنهما… فماذا تقولون ؟!)، قال فيه:

(روى ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق في كتابه عن أبي عبدالله (جعفر الصادق) أنه سئل: هل تشيع الجنازة بنار ويمشى معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يضاء به ؟ قال: فتغير لون أبي عبد الله علیه السلام من ذلك واستوى جالساً . ثم قال: إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: أما علمت علياً قد خطب بنت أبي جهل فقالت: حقاً ما تقول ؟ فقال: حقاً ما أقول ثلاث مرات . فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها وذلك أن الله تبارك تعالى كتب على النساء غيرة وكتب على الرجال جهاداً، وجعل للمحتسبة الصابرة منهن من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله . قال: فاشتد غم فاطمة علیها السلام من ذلك وبقيت متفكرة حتى أمست وجاء الليل

ص: 239

حملت الحسن على عاتقها الأيمن والحسين على عاتقها الأيسر وأخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى، ثم تحولت إلى حجرة أبيها، فجاء علي علیه السلام فدخل حجرته فلم يرَ فاطمة علیها السلام فاشتد لذلك غمه وعظم عليه ولم يعلم القصة ما هي، فاستحيا أن يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد يصلي فيه ما شاء الله، ثم جمع شيئاً من كثيب المسجد واتكأ عليه، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما بفاطمة من الحزن، أفاض عليها الماء ثم لبس ثوبه ودخل المسجد فلم يزل يصلي بين راكع وساجد، وكلما صلّى ركعتين دعا الله أن يذهب ما بفاطمة من الحزن والغم، وذلك أنه خرج من عندها وهي تتقلب وتتنفس الصعداء، فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا يهنيها النوم وليس لها قرار قال لها: قومي يا بُنية فقامت، فحمل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن وحملت فاطمة علیها السلام الحسين وأخذت بيد أم كلثوم فانتهى إلى علي علیه السلام وهو نائم فوضع النبي صلى الله عليه وسلم رجله على علي علیه السلام فغمزه وقال: قم أبا تراب ! فكم ساكن أزعجته ! أدع لي أبا بكر من داره وعمر من مجلسه وطلحة، فخرج علي علیه السلام فاستخرجهما من منازلهما واجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله عليه وسلم: يا علي ! أما علمت أن فاطمة علیها السلام بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي) . انظر علل الشرائع لابن بابويه القمي ص 185، 186 مطبعة النجف .أيضاً أورد الرواية المجلسي في كتابه (جلاء العيون).

وغضبت عليه (مرة أخرى) حينما رأت رأسه في حجر جارية أُهديت له من قبل أخيه! وها هو النص: يروي القمي والمجلسي عن أبي ذر أنه قال: كنت أنا

ص: 240

وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة، فأُهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة آلاف درهم، فلما قدمنا المدينة أهداها لعلي تخدمه فجعلها علي في منزل فاطمة، فدخلت فاطمة

يوماً فنظرت إلى رأس عليّ في حجر الجارية، فقالت: يا أبا الحسن فعلتها ؟! فقال: والله يا بنت محمد ما فعلت شيئاً، فما الذي تريدين ؟ قالت: تأذن لي في المسير إلى منزل أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لها: قد أذنت لك، فتجلببت بجلبابها، وأرادت النبي صلى الله عليه وسلم). انظر علل الشرائع للقمي ص 163 وأيضاً بحار الأنوار ص 43، 44 باب (كيفية معاشرتها مع علي) .

وغضبت عليه (مرة ثالثة) كما يرويه القوم: (إن فاطمة رضي الله عنها لما طالبت فدك من أبي بكر امتنع أبو بكر أن يعطيها إيّاها فرجعت فاطمة وقد جرعها من الغيظ ما لم يوصف ومرضت، وغضبت على علي لامتناعه عن مناصرته ومساعدته إيّاها وقالت: يا ابن أبي طالب ! اشتملت مشيمة الجنين وقعدت حجرة الظنين بعد ما أهلكت شجعان الدهر وقاتلتهم، والآن غلبت من هؤلاء المخنثين، فهذا هوابن أبي قحافة يأخذ مني فدك التي وهبها لي أبي جبراً وظلماً ويخاصمني ويحاججني، ولا ينصرني أحد، فليس لي ناصر ولا معين، وليس لي شافع ولا وكيل، فذهبت غاضبة ورجعت حزينة، أذللت نفسي، تأتي الذئاب وتذهب ولا تتحرك، يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً، إنما أشكو إلى أبي وأختصم إلى ربي). أنظر كتاب حق اليقين للمجلسي بحث فدك ص 203، 204 . ومثله في كتاب الأمالي للطوسي ص 295 .

ولنا مع هذه الروايات بعض الوقفات:

(1) أنكم تلاحظون أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فاطمة علیها السلام بضعة مني وأنا منها فمن آذاها فقد آذاني..) حسب الرواية موجهة لعلي رضي الله عنه

ص: 241

، لكنكم تحولونه إلى الصديق رضي الله عنه. فنقول: إن كان هذا وعيداً لاحقاً بفاعله لزم أن يلحق هذا الوعيد علي بن أبي طالب وإن لم يكن وعيداً لاحقاً بفاعله كان أبو بكر أبعد عن الوعيد من علي رضي الله عنهما .

(2) هناك وقائع أخرى ذكرها كل من المجلسي والطوسي والأربلي وغيرهم وقعت بين علي وفاطمة رضي الله عنهما التي سببت إيذاءها ثم غضبها على علي رضي الله عنه . فماذا سيُجيب القوم عن هذه الوقائع المُتظافرة، وبماذا سيحكم المنصفون منهم ؟! فنحن نريد كل منصف متعقل من الشيعة ونرضاه حكماً، فما هو جوابهم عن علي رضي الله عنه فهو جوابنا عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما . فإن قالوا إنها رضيت عن علي علیه السلام بعد ما غضبت عليه فنقول: إنها رضيت أيضاً عن الشيخين بعدما غضبت .

(فمشى إليها أبو بكر بعد ذلك وشفع لعمر وطلب إليها فرضيت عنه) . انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 57 ط بيروت، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم ج 5 ص 507 ط بيروت، وحق اليقين ص 180 ط طهران .

- فكتب العاملي بتاريخ 9-9-1999، الواحدة إلا ربعاً صباحاً:

أولاً: إن غضب فاطمة علیها السلام على أبي بكر وعمر دراية، لأنه متواتر والجميع رووه وشهدوا به . وغضبها على علي علیه السلام رواية. وليست الدراية كالرواية .

وثانياً: أنت قد تغضب من والدتك أو ولدك، وقد تغضب من شخص هو برأيك غاصب لحقك وحق ولدك .. فهل الغضبان من نوع واحد ؟! وهل تجعل (غضب) الزهراء علیها السلام من علي علیه السلام - إن صح - من نوع غضبها على من شهدت لله أمام المسلمين بأنه خالف الله ورسوله وغصب الخلافة، وهدد أسرتها

ص: 242

بإحراقهم إن لم يبايعوا، وأشعل الحطب في باب دارها .. الى آخر ما جرى، مما لا مثيل له مع أسرة نبي من الأنبياء في التاريخ ؟!!

وثالثاً: ثبت في البخاري: أنها غضبت عليهما وغاضبتهما وبقيت غضبى حتى توفيت !! فهل رأيت شيئاً من هذا في غضبها المزعوم على علي علیه السلام ؟!

ورابعاً: للزهراء شهادات عظيمة بحق علي علیهما السلام ، في حياتها الى عند وفاتها .. فهلاّ جمعت بينها وبين الروايات التي ذكرتها ؟ وهلاّ وجدت لها حرفاً واحداً تشهد فيه بخير، لمن غضبت عليهما ؟!!

- وكتب محمد نور الله في 9-9-1999، الواحدة صباحاً:

من أساليب النقاش أن تأتي بما نعتقد بصحته، لاما لانعتقد به مما هو منتشر في الأخبار الضعيفة، وإلا لو كان هذا أسلوباً علمياً معتمداً لانقلب السحر عليكم أيضا ! هل تريد أن أستخرج لك جميع الروايات غير المقبولة عندكم ؟! ماذا سترد علي حينها ؟! فيا عزيزي إعلم أن المسألة ليست بهذه السهولة التي تتصورها . ولك وافر تحياتي .

- وكتب الموحد في 9-9-1999، الثانية صباحاً:

أيها الأخوة، لقد أخبرتكم من قبل، وها أنا أعيد .. الشيباني مدلس فافهموا يرحمكم الله . هذه رواية أخرى من علل الشرائع تعارض ما جلبه الشيباني ليحتج به، وكلما أشعل ناراً أطفأها الله . علل الشرائع ص156: يقول الشيخ الصدوق في خبر تسمية الرسول أمير المؤمنين بأبي تراب: (ليس الخبر عندي بمعتمد ولا هو لي بمعتقد في هذه العلة لأن علياً وفاطمة الزهراء علیها السلام ما كان ليقع بينهما كلام يحتاج رسول الله إلى الإصلاح بينهما، لأنه سيد الوصيين وهي سيدة نساء العالمين مقتديان برسول الله في حسن الخلق. لكني اعتمد في ذلك على ما

ص: 243

حدثني به أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا قال: حدثنا بكر بن عبدالله بن حبيب قال: حدثنا تميم عن بهلول عن أبيه قال: حدثنا أبو الحسن العبدي عن سليمان بن مهران، عن عبايه ابن ربعي قال: قلت لعبد الله بن عباس: لم كنّى رسول الله علياً أبا تراب ؟ قال: لأنه صاحب الأرض وحجة الله على أهلها بعده وبه بقاؤها وإليه سكونها .ولقد سمعت رسول يقول: أنه إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ماأعد الله تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة، قال يا ليتني كنت تراباً: يعني من شيعة علي علیه السلام، وذلك قول الله عز وجل " ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً) .

ها أنتم تقرؤون إقرار الصدوق أن الرواية التي ذكرها الشيباني ليست معتمدة ثم تحتجون بها . . ! وإذا لم تستحِ فافعل ما شئت ! .

- وكتب (محب أهل البيت) في شبكة أنا العربي، بتاريخ 16-6-1999 الواحدة ظهراً، موضوعاً بعنوان (أطروحة الشيعة لإغضاب سيدتنا فاطمة علیها السلام والرد عليها)، قال فيه:

كثيراً ما تثيرون مسألة إغضاب سيدتنا فاطمة رضوان الله عليها وهذا حق لا نجادل فيه، لكن قصة إحراق البيت وإسقاط الجنين مكذوبة، بل فيها إهانة للإمام علي علیه السلام نفسه لأنه رجل شهم، فكيف ينظر الى امرأته يحدث لها هذا ولا يتحرك ؟!!

أما قصة فدك فقد طرحتها من قبل وبينت أن أبا بكر استشهد بحديث صحيح عند السنة والشيعة (صححه المجلسي في مرآة العقول وصححه الخميني واستشهد به على ولاية الفقيه) . وبقي أن أقول إن كتب الشيعة تبين أن الإمام

ص: 244

علي علیه السلام نفسه أغضب فاطمة علیها السلام . فهل ترضون أن تطبقوا المبدأ على الإمام علي علیه السلام، أم أن المسألة عندكم مزاجية ؟!!

دخل الحسن بن علي علیه السلام على جدّه رسول الله . . . الى آخر ما نقله الشيباني . . ثم نقل رواية علل الشرائع التي نقلها الشيباني أيضاً .. وقال:

والغريب هنا أنّ هذه المقولة قيلت بناء على إغضاب علي لفاطمة وهو تحذير نبوي لعلي زوج فاطمة

ولباقي الصحابة من إغضاب فاطمة، إلا أنّ الشيعة لا يستدلون بهذا الحديث إلا على أبي بكر ! ولو كان إغضاب فاطمة رضوان الله عليها أو رضاها سبباً في إيمان أو كفر للحق الوعيد علي بن أبي طالب قبل أبي بكر وقبل أي رجل أو امرأة اختلفت مع فاطمة .

نحن نقول بأنه لا علي بن أبي طالب ولا أبو بكر كفرا أو فسقا بسبب إغضابهما فاطمة، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما قال تلك الكلمات في حق من يغضب فاطمة تعظيماً لأمرها وهي بلا شك أهل لذلك، وتحذيراً من إغضاب ابنته التي لها من المكانة عنده ما لها، رضوان الله عليها .

وغضب فاطمة لا بد أن يُقاس من خلال القرآن والسنة فإن كان غضبها لأجلهما كان إغضابها إغضاباً لله والرسول، أما إذا كان غضبها لخلاف شخصي أو لوجهة نظر لها كالذي يحصل للناس عادة، فهذا ما لا يقتضي إدانة أحد لأنّ الله عز وجل ودين الإسلام لا يتماشى مع آراء البشر ولو كانوا من صلحاءهم ومصلحيهم .

- وكتب عبد الله الشيعي في 16-6- 1999، الحادية عشرة ليلاً:

قال حافظ إبراهيم في ديوانه في الصفحة 82: (عمر وعلي)

وقولة لعلي قالها عمرٌ *** أكرم بسامعها أعظم بملقيها !

ص: 245

حرقت دارك لا أبقي عليك بها *** إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها!

ماكان غير (أبي حفص) يفوه بها *** أمام فارس (عدنان) وحاميها !

كلاهما في سبيل الحق عزمته *** لا تنثني أو يكون الحق ثانيها !

فاذكرهما وترحَّم كلما ذكروا *** أعاظماً أُلّهوا في الكون تأليها !

فماذا أنتم قائلون في محاولة الحرق؟! وحديث الرسول الأعظم محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام حيث يقول: (فاطمة علیها السلام بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ...) أم هو عندكم حديث موضوع ؟!

وكتب مدافع عن الحقيقةفي 16-6-1999،الحادية عشرة والنصف ليلاً:

قال محب أهل البيت: (دخل الحسن بن علي علیه السلام على جده رسول الله صلی الله علیه و آله وهو يتعثر بذيله فأسرّ إلى النبي عليه الصلاة والسلام سراً فرأيته وقد تغير لونه ثم قام النبي عليه الصلاة والسلام حتى أتى منزل فاطمة علیها السلام ... ثم جاء علي علیه السلام فأخذ النبي صلی الله علیه و آله بيده ثم هزها إليه هزاً خفيفاً ثم قال: يا أبا الحسن إياك وغضب فاطمة علیها السلام فإنّ الملائكة تغضب لغضبها وترضى لرضاها) . بحار الأنوار 43/42 .

أقول: أنقل لكم نص ما أورده العلامة المجلسي عليه الرحمة في بحار الأنوار في 43/42، وذلك كي تقارنوا بين ما نقله من سمّى نفسه محب أهل البيت وبين أصل النص الوارد في البحار ! فالنص كالتالي: (ابن عبد ربّه الأندلسي في العقد: عن عبد الله بن الزبير في خبر عن معاوية بن أبي سفيان قال: دخل الحسن بن علي علیه السلام على جدّه صلی الله علیه و آله وهو يتعثر بذيله فأسرّ إلى النبي صلی الله علیه و آله سرّاً فرأيته وقد تغيّر لونه، ثم قام النبي صلی الله علیه و آله حتى أتى منزل فاطمة علیها السلام فأخذ بيدها فهزّها إليه هزّاً قوياً ثم قال: يا فاطمة علیها السلام إياك وغضب علي علیه السلام فإن الله يغضب لغضبه

ص: 246

ويرضى لرضاه، ثم جاء علي علیه السلام فأخذ النبي صلی الله علیه و آله بيده ثم هزها إليه هزّاً خفيفاً ثم قال: يا أبا الحسن إياك وغضب فاطمة علیها السلام فإن الملائكة تغضب لغضبها وترضى لرضاها . فقلت: يا رسول الله مضيت مذعوراً وقد رجعت مسروراً . فقال: يا معاوية كيف لا أسر وقد أصلحت بين اثنين هما أكرم الخلق على الله . . .) . انتهى .

أولاً: إن مصدر هذا الكلام هو كتاب العقد الفريد لابن عبد ربّه الأندلسي، فالرواية واردة من طرق السنة لا من طرق الشيعة .

ثانياً: أن راويها معاوية بن أبي سفيان، والرجل قاتلَ علياً وسبّه، فغير بعيد أن يلفق هذه الحكاية كي يسئ إلى أمير المؤمنين والسيدة الزهراء علیها السلام .

ثالثاً: نقل الشيخ المجلسي عليه الرحمة عن ابن بابويه قوله: (هذا غير معتمد لأنهما منزّهان أن يحتاجا أن يصلح بينهما رسول الله صلی الله علیه و آله) بحار الأنوار 43/42 .

قال محب أهل البيت: (وعن أبي عبد الله (جعفر) . . . فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: يا علي أما علمت أنّ فاطمة علیها السلام بضعة مني وأنا منها، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي . علل الشرائع للقمي ص 185-186 . انتهى .

أقول: إن هذا الرجل لم يذكر من الرواية ما يدل على أن علياً علیه السلام لم يحصل أصلاً منه ما يغضب السيدة الزهراء علیها السلام . فقد ورد في الرواية بعد قوله صلی الله علیه و آله: ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي . قال فقال علي علیه السلام: بلى يا رسول الله، قال فما دعاك إلى ما صنعت ؟ فقال علي علیه السلام: والّذي بعثك بالحق نبياً ما كان مني مما بلغها شئ ولا حدثت بها نفسي. فقال النبي

ص: 247

صلی الله علیه و آله: صدقت وصدقت ففرحت فاطمة علیها السلام بذلك . . . الخ . والرواية طويلة .. فلا يوجد في الرواية حسب ظاهرها ما يدل على أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قد أغضب الزهراء علیها السلام علیهما السلام ، حتى تكون هذه الرواية مستنداً لمحب أهل البيت يستدل بها على ما ذهب إليه ! ولا يوجد في التاريخ دليل واحد صحيح يدل على أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قد أغضب الزهراء علیها السلام علیهما السلام .

وقال السيد الشريف المرتضى علم الهدى في كتابه تنزيه الأنبياء (ص167) عن خبر خطبة علي علیه السلام بنت أبي جهل بن هشام: (قلنا هذا خبر باطل موضوع).

- وكتب الكويتي في 17-6-1999، الثانية عشرة والنصف صباحاً:

إلى محب أهل البيت أقول وباختصار: حاشا مولانا الامام علي علیه السلام أن يغضب الزهراء سلام الله عليها مع علمه بغصب الله، ولا توجد لدى الشيعة رواية صحيحة السند بذلك، فاحفظ نفسك واستر عليها، ولا تحاول النيل من محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله، وإليك أوجه أسئلتي: ماذا تعني أن المجلسي صحح الحديث ؟ ما هو دليلك أنه صححه ؟ لماذا لم تذكر سند الحديث ؟! بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق، ولكم الويل مما تصفون. كل الشكر والتقدير لمدافع عن الحقيقة .

- وكتب محب أهل البيت بتاريخ 17-6-1999، الثانية صباحاً:

الى الكويتي.. الحديث الذي عنيته هو (الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورثوا العلم) رواه الكليني في الكافي (الأصول) وصححه المجلسي في مرآة العقول . وكذا الخميني في الحكومة الاسلامية . راجعه لو سمحت .

ص: 248

- وكتب محب أهل البيت في 17-6-1999، الثالثة إلا ربعاً صباحاً: عبد الله الشيعي .. أظن حافظ ابراهيم ليس عالماً بل شاعراً، لا يفهم من الدين إلا كيف يصلي ويصوم وو .. وليس له دراية بالعلم الشرعي . أنصحك بالاستدلال أيضا بكلام فريد شوقي وليلى علوي، إذا كانت المسألة محاكمة أهل السنة بكل من هب ودب !!

مدافع عن الحقيقة: الرواية التي في علل الشرائع واضحة في بيان الإغضاب، ثم كيف تنفي الرواية لمجرد أنها تخالف عقيدتكم وتقبلون الرواية التي تتحدث عن أبي بكر ؟ هل المسألة مزاج أم ماذا ؟!! إذا كان أبو بكر قد استشهد بحديث صحيح عند الفريقين (السنة والشيعة) كما أشرت آنفاً للزميل الكويتي، فلماذا يوضع أبو بكر في قفص الاتهام، هل تريدونه أن يخالف قول الرسول؟!!

السيدة فاطمة علیها السلام لم تقبل الحديث لترجح ظنها أنه ليس بصحيح، ونحن كأهل سنة نلتمس العذر للسيدة فاطمة علیها السلام في ذلك . أما أبو بكر فلم يخطئ لأنه طبق الحديث بحذافيره، نرجو أن تفكرون بمنهج علمي لا بعاطفة، فالسيدة فاطمة علیها السلام سيدتنا وحبيبتنا لكن المنصف يحكم بعد دراسة القضية لا بعواطفه . فإن قلت أن السيدة فاطمة علیها السلام معصومة. قلت لك لاأسلّم بهذا. وحديث الكساء قد بينت من قبل أنه لا يعني العصمة لشواهد كثيرة لا مجال لذكرها هنا .

- فكتب مدافع عن الحقيقة في 17-6-1999، الثامنة صباحاً:

إلى محب أهل البيت: أولاً: قلت: (مدافع عن الحقيقة: الرواية التي في علل الشرائع واضحة في بيان الإغضاب . . .)

ص: 249

أقول: أين النص الذّي في رواية علل الشرائع الدال على إغضاب الإمام أمير المؤمنين للسيدة الطاهرة الزهراء علیها السلام علیهما السلام ؟ بالله عليك دلّنا عليه ؟ فهل تريد أن تنتصر لباطلك وما تهذي به بتفسير نص الرواية حسب مزاجك وعلى خلاف ما يدل عليه ؟ أليس في هذه العبارة الواردة ضمن هذه الرواية (والّذي بعثك بالحق نبيّاً ما كان مني مما بلغها شئ ولا حدّثت بها نفسي . فقال النبي صلی الله علیه و آله: صدقت وصدقت) دليلٌ على أنه لم يصدر من مولى المتقين علیه السلام ما يغضب السيدة الزهراء علیها السلام .

ثانياً: قلت: (ثم كيف تنفي الرواية لمجرد أنها تخالف عقيدتكم وتقبلون الرواية التي تتحدث عن أبو بكر، هل المسألة مزاج أم ماذا؟!!)

أقول: أين يكمن نفيي للرواية في قولي أعلاه ؟ فأنا فقط بيّنت تدليسك على القارئ الكريم الذي أردت إيهامه بأن الرواية واردة من طريق الشيعة حيث ذكرت أنت أن مصدرها بحار الأنوار دون الإشارة منك إلى أن صاحب البحار قد نقلها عن مصدر آخر وهو كتاب العقد الفريد للأندلسي !

وأما تعليقي على الرواية فهو ليس نفي لأصل وجود الرواية هذه في مصدرها، فهي موجودة، ولكني ناقشت صحة هذه الرواية من حيث سندها ومضمونها . فمعاوية هو الراوي وهو مجروح عندنا، ومضمونها يتنافى مع عقيدتنا في السيدة الزهراء علیها السلام والإمام أمير المؤمنين لأنهما معصومان، ولأنهما كانا يعيشان الانسجام في الحياة الزوجية بما لكلمة الانسجام من معنى، فلم يصدر يوماً من الزهراء علیها السلام ما يغضب الإمام علیه السلام ولم يصدر من الإمام ما يغضبها ! يروي الحافظ موفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في كتابه المناقب ص243، رواية طويلة خاصة بخبر زواج السيدة الزهراء علیها السلام من أمير المؤمنين علیه السلام ودخول

ص: 250

الرسول صلی الله علیه و آله عليهما صباح عرسهما وفيها: (وقال: كيف أنت يا فاطمة علیها السلام وكيف رأيت زوجك ؟ قالت: يا أبه خير زوج، إلاّ أنه دخل علي نساء من قريش وقلن لي: زوّجك رسول الله من رجل فقير لا مال له، فقال لها رسول الله: ما أبوك بفقير ولا بعلك بفقير، ولقد عرضت علي خزائن الأرض من الذهب والفضة فاخترت ما عند ربي عزّ وجل . يا بنيه لو تعلمين ما يعلم أبوك لسمجت الدنيا في عينيك . والله يا بنيه ما ألوتك نصحاً أن زوجتك أقدمهم سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً .

يا بنيه إن الله عزّ وجل اطلع إلى الأرض اطلاعه فاختار من أهلها رجلين فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك .

يابنيه نعم الزوج زوجك لا تعصي له أمراً . ثم صاح بي رسول الله فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: أدخل بيتك وألطف بزوجك وأرفق بها، فإن فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤلمني ما يؤلمها ويسرني ما يسرها، أستودعكما الله وأستخلفه عليكما . قال علي علیه السلام: فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها من بعد ذلك على أمر حتى قبضها الله عزّ وجل إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً . ولقد كنت أنظر إليها فتنجلي عني الهموم والأحزان بنظرتي إليها) .

فرواية معاوية ليست مقبولة عندنا بحال من الأحوال، ولنا أن لا نقبل بهذه الرواية وأمثالها مما فيه الإساءة إلى هاتين الشخصيتين العظيمتين .

وأما قولك عن قبولنا للرواية التي تتحدث عن أبي بكر . فلا أدري ما هذه الرواية التي تعنيها ؟ نعم نحن نحتج بالروايات الواردة من طرقكم عليكم، وذلك من باب: من فمك أدينك . وهذا الأمر مما هو معروف في مجال الجدال والمناظرة، فليس المسألة مسألة مزاج كما تزعم ولا شئ من ذلك . وكلامك

ص: 251

هذا إن دلّ على شئ فإنما يدل على أنه أسقط ما في يدك، حيث أردت أن تثبت بما أوردته أن السيدة علیها السلام أنها كما غضبت على أبي بكر فقد غضبت - وحاشاها ثم حاشاها - على أمير المؤمنين علیه السلام !! ولكن بالرد عليك بان وظهر عدم صحة وبطلان ما أردت إثباته، فأخذت تتهمنا بالمزاجية . هذا ما يخص ادعائك أن علياً علیه السلام أغضب الزهراء علیها السلام .

وأما مسألة إرث الزهراء علیها السلام فهو موضوع آخر . ولكن لعلمك أن السيدة الزهراء علیها السلام لم تنحصر مطالبتها لأبي بكر بالإرث فقط، بل بنحلتها أيضاً من رسول الله صلی الله علیه و آله التي أنحلها الرسول لها وهي (فدك) . وإن كنت تستطيع خوض غمار هذا المجال والنقاش فيه، فأنا على استعداد أن أدخل في النقاش معك فيه، فأنتظر منك إشارة فقط .

ثالثاً: بالنسبة للحديث الذي تطبل وتزمر عليه والذي تقول بأن أبي بكر استشهد به في منعه للزهراء إرثها من أبيها، والذّي تدّعي أنه صحيح من طرق الفريقين . فأقول: إن الحديث الوارد في المصادر الشيعيّة لا دلالة فيه على شئ مما تذهبون إليه . ففي الكافي: 1/103، روى الشيخ الكليني عليه الرحمة بسنده عن أبي عبدالله قال: (إن العلماء ورثة الأنبياء وذاك أن الأنبياء لم يوّرثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشئ منها فقد أخذ حظاً وافراً فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه ؟ فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) . وفي الكافي: 1/111، روى الشيخ الكليني عليه الرحمة بسنده عن أبي عبد الله علیه السلام قال: (قال رسول الله صلی الله علیه و آله: من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاًبه وأنّه يستغفر لطالب

ص: 252

العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وأن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر) . انتهى .

وقد شرح العلامة المجلسي عليه الرحمة الحديث الأول فقال في كتابه مرآة العقول: 1/103: (قوله علیه السلام: العلماء ورثة الأنبياء، أي يرثون منهم العلوم والمعارف والحكم إذْ هذه عمدة ما يتمتعون به في دنياهم . ولذا علّله بقوله: أن الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً، أي لم يكن عمدة ما يحصلون عليه في دنياهم وينتفع الناس به منهم في حياتهم وبعد وفاتهم الدينار والدرهم، ولا ينافي أن يرث وارثهم الجسماني منهم ما يبقى بعدهم من الأموال الدّنيوية . أو يقال وارثهم من حيث النبوّة المختصّة بهم العلماء فلا ينافي ذلك كون وارثهم من جهة الأنساب الجسمانية يرث أموالهم الظاهرة، فأهل البيت علیهم السلام ورثوا النبي صلی الله علیه و آله من الجهتين معاً . على أنه يحتمل أن يكون الأنبياء علیهم السلام لم يبق منهم خصوص الدينار والدّرهم بعد وفاتهم . لكن الظاهر أنه ليس المراد حقيقة هذا الكلام بل المراد ما أومأنا إليه من أن عمدة أموالهم وما كانوا يعتنون به ويورّثونه هو العلم دون المال، وذكر الدينار والدرهم على المثال) .

ثم يقول: (ويخطر بالبال وجه آخر وهو أن يكون المراد بقوله علیه السلام: أن الأنبياء لم يورّثوا بيان الموروث فيه، لأنه علیه السلام لما قال: أن العلماء ورثة الأنبياء. فكأن سائلاً يسئل: أي شئ أورثوا لهم ؟ فأجاب بأنه لم يورّثوا لهم الدرهم والدينار ولكن أورثوهم الأحاديث . ولذا قال: أحاديث من أحاديثهم لأن جميع علومهم لم يصل إلى جميع العلماء بل كل عالم أخذ منها بحسب قابليته واستعداده . ففي الكلام تقدير: أي لم يورّثوا لهم، فيشعر بأن لهم ورثة يرثون

ص: 253

أموالهم ولكن العلماء من حيث العلم لا يرثون إلاّ أحاديثهم وهذا وجه وجيه وإن كان قريباً مما مر) . انتهى .

فهذا تفسير هذه الرواية عند هذا العالم من علماء الشيعة الإمامية ليس فيها يا من سميت نفسك أنك محب لأهل البيت، ليس فيه ما تريد إثباته . ولا بد من توجيه هذه الرواية بهذا المنحى والتفسير أو ما يشابهه - أي بما لا ينفي توريث الأنبياء لأبنائهم - وإلاّ فإنها تخالف صريح القرآن الكريم الذي يثبت التوارث بين الآباء والأبناء ولم يستثن الأنبياء . والذي يثبت في آياته ما يدل على الأنبياء قد ورّثوا أبناءهم، وعليه فإنها تكون مخالفة للقرآن وفي هذه الحالة أي في حالة عدم إمكانية التوجيه لها، يضرب بها عرض الجدار .

رابعاً: قلت: (فإن قلت إن السيدة فاطمة علیها السلام معصومة قلت لك لا أسلم لك بهذا . وحديث الكساء قد بينت من قبل أنه لا يعني العصمة لشواهد كثيرة لا مجال لذكرها هنا) .

أقول: أنت لا تسلّم لي هذا فهذا شأنك فهي معصومة . والأدلة على ذلك كثيرة جداً، وبالنسبة لحديث الكساء فنعم قد زعمت أنه لا يدل على العصمة زعماً خالياً من الدليل والبرهان . وقد رددت عليك في الساحة الإسلامية بفارس نت، وأثبت لك أن آية التطهير تدل على عصمة أصحاب الكساء بمن فيهم السيدة الزهراء علیها السلام . وإذا كانت عندك شواهد كثيرة خاصة بحديث الكساء كما تزعم تدل على عدم عصمة أصحاب الكساء بما فيهم السيدة الزهراء علیها السلام، فهيّا اذكرها لنا فأنا بودّي أن أكمل الحديث معك حول إشكالاتك على آية التطهير .

- وكتب عبدالله الشيعي بتاريخ 17-6-1999، الواحدة ظهراً:

ص: 254

يامحب آل البيت ولكن العكس صحيح ... ومن أين استاق حافظ ابراهيم هذه الحادثة ورتبها في أبياته الواضحة، من كتب تاريخ أبيه، أم من كتب الواقع الاسلامي المرير ... والسلام من الله خير تحية .

- وكتب فادي بتاريخ 17-6-1999، الواحدة والنصف ظهراً:

ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .

أنقل لأخينا الكريم قول الرسول صلی الله علیه و آله نفسه بأن من أغضب فاطمة علیها السلام فقد أغضب الرسول، فيقول إذا لم يكن الغضب لأمر شخصي ! فهل الرسول صلی الله علیه و آله قال هذا الكلام مجرد مجاملة لابنته سلام الله عليها ؟! أليس رسولاً لا ينطق عن الهوى ؟!! هل تريد أن تقول لنا أن هذه الرواية مجرد مجاملة وليس لها أي معنى ومغزى، وأن غضب فاطمة علیها السلام كغضب باقي الناس ؟!

بمقتضى هذه الرواية نفهم أن فاطمة سلام الله عليها لا يمكن أن تغضب لشخصها أبداً ولا تغضب إلا لله تعالى، ولذلك كان غضبها غضب الرسول نفسه وأذيتها أذية الرسول صلی الله علیه و آله نفسه، ومن أغضبها أو آذاها استحق النار بمقتضى الآيات الكريمة . أرجو أن لا تكون كلمات ابن تيمية عندك أدق وأهم وأعمق من كلمات الرسول صلی الله علیه و آله !!!

- وكتب محب أهل البيت بتاريخ 17-6-1999، الرابعة عصراً:

عموماً أنا لا أستطيع أن أجيب على خمسة مناقشين في وقت واحد، لست سوبرمان كما يسمونه، لكن سأذكر التالي:

1 - تفسير المجلسي للحديث بناء على رأيه الشخصي، لكن المهم أن الحديث صحيح، أبو بكر لم يختلق الحديث كما تزعمون، بل جاء بحديث

ص: 255

صحيح، استدلاله به سواء كان صحيحاً أم خطأ لا يهمني، بل يهمني إثبات الحديث، وأنه لم يكن اختلاقاً كما تزعمون .

2 - إقرأ الرواية مرة أخرى يا مدافع عن الحقيقة (التلميذ) قبل مناقشتي ومن المدلس أنا أم أنت ؟! وعن أبي عبد الله جعفر) علیه السلام أنه سُئل هل تشيع الجنازة بنار ويُمشى معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يُضاد به ؟ قال: فتغير لون أبي عبد الله من ذلك واستوى جالساً ثم قال: إنه جاء شقي من الأشقياء إلىفاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلىالله عليه وآله وسلم فقال لها: أما علمت أنّ علياً قد خطب بنت أبي جهل فقالت: حقاً ما تقول ؟ ! . . كيف تزعم أنه ليس فيها مايذكر اغضاب علي لفاطمة علیها السلام ؟!

قولك (الحديث الذي تطبل وتزمر عليه) عيب وليس فيه احترام لحديث رسول الله، استغفر الله من هذا البهتان !! أهكذا احترامك لقول رسولك حتى تجلب هذه المسميات السخيفة (تطبيل وتزمير) وتسقطها على الحديث إن كنت أطبل أو أزمر فلا يمكن أن أسمح لنفسي أن أستخدم مجرد استخدام لهذه الألفاظ مع حديث رسول الله الذي أراك بقولك هذا لا تعرف قيمته .

- وكتب حسين الشطري بتاريخ 17-6-1999، الخامسة عصراً:

أنقل بأمانة إذاكنت أميناً . الحمد لله الذي جعلك تعترف بأصل قضية إغضاب فاطمة علیها السلام، وأنه إغضاب لله ولرسوله، وإذا كان هذا محل اتفاق بيننا فأقول:

1 - قصة إحراق البيت وإسقاط الجنين مما استفاضت به روايات السنة وتواترت فيه روايات الشيعة، وإن أحببت أعطيناك من المصادر التي تعجبك ما تشاء، وقصة فدك معروفة ولا مجال لنكرانها إلا لمن عاند الحق صريحاً .

ص: 256

2 - إغضاب أبي بكر وعمر لفاطمة علیها السلام مما صرحت به هي وماتت وهي غاضبة عليهما، ولم تصرح بغضبها على علي علیه السلام بل على العكس من ذلك، وإن كذبت ذلك فقد كذبت صحيح البخاري ومسلم وغيرهما، ولا أظنك تجرؤ على ذلك حتى وإن تجرأت على الإمام علي علیه السلام .

3 - بالنسبة لإغضاب علي علیه السلام لها فهذا مما لم يسبقك اليه سابق، واعلم أنك أول من افترى به على الإمام علي علیه السلام، ولكن الحمد لله الذي يكشفك على حقيقتك، لكي لا تقول نحن لا نتجاسر على الصحابة ! ولو أسميت نفسك عدو أهل البيت لكان أصدق ! فإن الذي أغضب فاطمة علیها السلام هو الشقي الذي أخبرها كذباً بأن علي علیه السلام خطب ... وعلي علیه السلام لم يصدر منه هذا الفعل، وليتك أكملت الحديث ولم تقطعه لكي يتضح للجميع بطلان ما نسبته للإمام علیه السلام وما تدعيه، ولكنك قطعته بغية تشويه المعنى وتمرير الأباطيل على من ليس له إطلاع، فعجباً عجباً ! هل يجوز هذا في الإسلام، وهل هذا رعاية للأمانة العلمية، أم تقنع نفسك بذلك ! فما هكذا تورد يا سعد الإبل، وأنا أكمل لك الحديث الذي غضضت بصرك وبصيرتك عنه... قال رسول الله صلی الله علیه و آله: يا علي أما علمت أن فاطمة علیها السلام بضعة مني، وأنا منها فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاني في حياتي، ومن آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي، قال: فقال علي علیه السلام: بلى يا رسول الله . قال: فما دعاك إلى ما صنعت ؟ فقال علي علیه السلام: والذي بعثك بالحق نبياً ماكان مني مما بلغها شئ ولا حدثت بها نفسي . فقال النبي صلی الله علیه و آله: صدقت وصُدقت . ففرحت فاطمة علیها السلام بذلك وتبسمت حتى رؤي ثغرها، فقال أحدهما لصاحبه أنه لعجب ما دعاه إلى ما دعانا هذه الساعة .

ص: 257

قال: ثم أخذ النبي صلی الله علیه و آله بيد علي علیه السلام فشبك أصابعه بأصابعه فحمل النبي بيده الحسن وحمل الحسين علي علیه السلام وحملت فاطمة علیها السلام أم كلثوم وأدخلهم النبي بيتهم، ووضع عليهم قطيفة وأستودعهم الله ثم خرج وصلى بقية الليل، ثم ذكر الحديث كيف أن فاطمة علیها السلام أشهدتهما على ذلك، فقالا: نعم . ثم قالت: اللهم أني أشُهدك فأشهدوا يامن حضرني أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما بما صنعتما بي، وارتكبتما مني ! فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال يا ليت أمي لم تلدني ! فقال عمر: عجباً للناس كيف ولوك أمورهم وأنت شيخ خرفت، تجزع لغضب إمرأة وتفرح برضاها وما لمن أغضب إمرأة، وقاما وخرجا) . انتهى .

فانظر أيها المسلم بإنصاف هل في هذه الرواية دلالة على أن علياً أغضب فاطمة علیها السلام ؟! ثم تساءل لماذا دعا الرسول هؤلاء النفر، وهل كان لهم يد وراء أخبار ذلك الشقي الذي أخبر فاطمة علیها السلام كذباً، فكانوا وراء أذيتها ؟ القرينة تؤيد ذلك. أو كان النبي صلی الله علیه و آله أراد أن يُسمع الأشخاص الذين يعلم أنهم سيغضبونها بعد موته، وهذا هو المتيقن .

4 - الحديث الأول الذي ذكرته، لو غضضنا الطرف عن سنده لما كان فيه دلالة على ما تقول، وإن كنت عربياً حقاً راجع كلماته وألفاظه . فليس فيه دلالة لا من قريب ولا من بعيد على أن علياً أغضب فاطمة

سلام الله عليهما، وهذا تحميل منك وتأويل ليس له أي شاهد، فإن النبي صلی الله علیه و آله أخبر علي علیه السلام عن فاطمة سلام الله عليها بأن الملائكة تغضب لغضبها وترضى لرضاها، وليس فيه دلالة أكثر من هذا.

ص: 258

5 - بالنسبة لقولك إن غضبها لا بد أن يقاس على الكتاب والسنة، فنحن نقول لو لم يقسه رسول الله على الكتاب والسنة لما قال ذلك، لأنه (لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى . علمه شديد القوى) .

ولكن لا تثريب عليك فقد سبقك إلى ذلك من قال للنبي (إن الرجل ليهجر) وقصدك من كلامك التقليل من شأن فاطمة علیها السلام، وإن وضعت بعض الكلمات التي لا تؤمن بها . ولكن يلقمك حجراً قوله سبحانه وتعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فالتي أذهب الله عنها الرجس ليست كما تقول، تغضب كما تغضب النساء عادة ! وأخيراً أرجو منك أن تراجع عقائدك وأقوالك بعد مطابقتها مع القرآن والكتب التي تعتقدون بأنها صحيحة، ولا تنس قوله سبحانه وتعالى (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) . والحمد لله رب العالمين .

- وكتب مدافع عن الحقيقة بتاريخ 17-6-1999، العاشرة ليلاً:

إلى محب أهل البيت: أولاً: قلت: (1- تفسير المجلسي للحديث بناء على رأيه الشخصي، لكن المهم أن الحديث صحيح، أبو بكر لم يختلق الحديث كما تزعمون بل جاء بحديث صحيح، استدلاله به سواء كان صحيحاً أم خطأ لا يهمني، بل يهمني إثبات الحديث وأنه لم يكن اختلاقاً كما تزعمون) .

أقول: 1- إن الشيخ المجلسي عليه الرحمة عندما فسّر الرواية الواردة من طرق الشيعة بما فسرّها به، إنما هو لأن أخذ الرواية حسب التفسير الذي تريدونه أنتم يجعل الرواية تخالف صريح القرآن الكريم، فالقرآن الكريم كما أشرتُ سابقاً يثبت توريث الآباء لأبنائهم، ولم يستثنِ الأنبياء من هذا القانون العام يقول تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) سورة النساء - 11

ص: 259

فهذه الآية وغيرها من آيات الإرث والسهام مطلقة تشمل الناس جميعاً بما فيهم الأنبياء علیهم السلام بنا فيهم النبي صلی الله علیه و آله مشمولون بهذا الإطلاق يرثون ويورّثون وتنتقل أموالهم لورثتهم . ويقول تعالى: (ذكر رحمت ربّك عبده زكريا إذ نادى ربّه نداءاً خفياً، قال ربي إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك رب شقياً وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك وليّاً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربّي رضياً) . سورة مريم - 4، ويقول تعالى: (ولقد أتينا داود وسليمان علماً، وقالا الحمد لله الّذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين) . سورة النمل -16

فالميراث هنا ميراث المال لظهور اللفظ في ذلك، ولا يجوز العدول عنه إلاّ بقرينة قطعية، فأين القرينة ؟ والسيدة الزهراء سلام الله عليها عندما ذكر لها أبو بكر الحديث المذكور أثبتت له وهن استدلاله بالحديث المذكور وذلك من خلال سردها لآيات من القرآن الكريم تدل على صحة توارث أبناء الأنبياء من آبائهم الأنبياء، فمن أراد نص قولها في الرد عليه فهو مذكور في خطبتها سلام الله عليها .

2 - لو صح حديث أبي بكر فإنه يشمل كل أموال النبي صلی الله علیه و آله جميعاً، وعليه فإنه يجب حرمان الورثة منها سواءكانت ثيابه أو سلاحه وحيواناته وأثاث بيته وغيرها، فتصادر إلى بيت المال وتدخل في الأموال العامة، والتاريخ يشهد أن الرسول صلی الله علیه و آله توفي وله أموال خاصة به لم يمنع أبو بكر منها الورثة وبقيت نساؤه في بيوتهن، ولم يرو التاريخ لنا أن أبا بكر صادر سلاح النبي صلی الله علیه و آله وثيابه ودوابه وأثاث بيت زوجاته، وهذا بنفسه دليل على ضعف الحديث الذي رواه أبوبكر -

ص: 260

ويبدو أنّه هو نفسه لم يقتنع به - وإلاّ فما معنى التفكيك بين أمواله صلی الله علیه و آله وهو يدّعي أنه سمع الرسول يقول: إنّا معاشر الأنبياء لانورّث، أموالنا صدقة، ولكنه لم يأخذ بيوت النبي من أزواجه، وخدش قلب فاطمة علیها السلام - ريحانة النبي وعزيزته وحبيبته - فكدّر عواطفها بحرمانه لها من حقها .

3 - إن أبا بكر حينما حضرته الوفاة أوصى أن يدفن في حجرة رسول الله صلی الله علیه و آله واستأذن لذلك من عائشة، ولو كان يعتقد حقاً أن النبي لا يورث وأمواله صدقة، فحجرته من أموال عامة المسلمين وينبغي أن يستأذنهم جميعاً ويكسب رضاهم !

4 - هل يعقل القول بأن علي بن أبي طالب علیه السلام خزانة علم النبوّة وفاطمة علیها السلام بنت محمد ربيبة بيت النبوة والولاية، لم يعرفا هذا الحكم المهم من أحكام الإسلام، وهو محل ابتلاءهم، ولكن أبا بكر يعرف ذلك ؟!

وهل يمكن أن يقال: أن فاطمة علیها السلام المعصومة الطاهرة الصديقة تعرف الحكم في المسألة ولكنّها خالفت أمر أبيها ؟!!

وهل يمكن أن يقال أن علياً علیه السلام يعرف الحكم ولكنّه أجاز لزوجته أن تخالف أمر الرسول صلی الله علیه و آله وتطالب بإرثها ؟!

وهل أن النبي صلی الله علیه و آله لا يعلم أن ورثته سيسمون تركته من بعده وفقاً لأحكام الشريعة ؟ أو أنه يعلم ذلك ولكنه والعياذ بالله قصّر في تبليغ الأحكام فلم يخبر ورثته أن أمواله من بعده ليست لهم فيها نصيب وأنها صدقة عامة ؟!

وعليه فالذي يهمّنا هو عدم صحة الاستدلال بالرواية المذكورة على عدم التوارث بين الأنبياء وأبنائهم، ولا يهمنا صحة الرواية أو عدم صحتها مع العلم أن

ص: 261

نص رواية: (إنا معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة) فهذا النص مما تفرد أبو بكر بروايته عن النبي صلی الله علیه و آله .

ثانياً: قلت: (2 - اقرأ الرواية مرة أخرى يا مدافع عن الحقيقة قبل مناقشتي، ومن المدلس أنا أم أنت !! وعن أبي عبد الله (جعفر) علیه السلام أنه سُئل . . . . . الخ) .

أقول: أما حول سؤالك فمن هو المدلس أنا أم أنت ؟ فأقول إنه أنت لا أنا، والّذي يراجع أصل موضوعك وردي عليه يظهر له من منا المدلّس .

أما الرواية فقد قرأتها مرات ومرات فليس فيها ما يدل على أن فعلاً فعله علي علیه السلام أو صدر منه هو شخصيّاً أدّى إلى إغضاب السيدة الزهراء علیها السلام . أقصى ما تدل عليه الرواية بغض النظر عن سندها أن هناك من الأشقياء من كذب على فاطمة علیها السلام بأن علياً خطب بنت أبي جهل فأدّى ذلك إلى تأثرها وتألمها فقط ... فعلي علیه السلام لم يصدر منه فعل يغضب الزهراء علیها السلام علیهما السلام ، ومسألة خطبة علي علیه السلام لأبنت أبي جهل مكذوبة، ولذلك عندما سأله النبي صلی الله علیه و آله بقوله: (فما دعاك إلى ما صنعت ؟ قال علي علیه السلام: والّذي بعثك بالحق نبياً ما كان مني مما بلغها شئ ولا حدّثت بها نفسي) فهذا أمير المؤمنين علیه السلام ينفي صدور شئ منه فيما يتعلق بخطبة بنت أبي جهل . ولذلك قال له النبي صلی الله علیه و آله (صدقت وصدقت) ففرحت فاطمة علیها السلام .

والظاهر أن العزة بالإثم أخذتك حيث انتقصت من أمير المؤمنين ومن السيدة الزهراء علیها السلام، فأخذت تصر على قولك بأن ما في الرواية يدل على أن علياً أغضب الزهراء علیها السلام علیهما السلام ، مع عدم دلالة شي مما ورد في الرواية على ذلك . على أن في النفس شئ من هذه الرواية أصلاً . فالسيدة الزهراء علیها السلام أجل من أن تنفعل

ص: 262

لمسألة كهذه وتغضب وتترك بيت زوجها , إضافة إلى كل ذلك فالرواية في سندها مجهول الحال، وهو أبو العباس أحمد بن محمدبن يحيى.

ثالثاً: قلت: (قولك " الحديث الذي تطبل وتزمر عليه " عيب وليس فيه احترام لحديث رسول الله، استغفر الله من هذا البهتان !! أهكذا احترامك لقول رسولك حتى تجلب هذه المسميات السخيفة (تطبيل وتزمير) وتسقطها على الحديث، إن كنت أطبل أو أزمر فلا يمكن أن اسمح لنفسي أن أستخدم مجرد استخدام لهذه الألفاظ مع حديث رسول الله الذي أراك بقولك هذا لا تعرف قيمته) .

أقول: ماذا نفعل مع أصحاب العقول السقيمة الجامدة المتحجرة التي لاتفهم دلالات الكلام البين الظاهر، أنا لم أصف حديث النبي صلی الله علیه و آله بشئ، فالوصف الذي قلته أعني قولي (الحديث الذّي تطبل وتزمر عليه)، إنما هو انتقاد لك أنت لا للحديث النبوي . فوصف التطبيل والتزمير واقع عليك أنت لا على الحديث، وذلك باستغلالك لهذا الحديث واتخاذه وسيلة لتحقيق ما تريده . فلماذا تصادر علي علیه السلام حديثي وقولي وتوجهه خلاف ما أنا قصدته ؟!

- وكتب جميل 50 بتاريخ 18-6-1999، الثانية صباحاً:

شكر الله جهودكم أيها المحبون لأهل البيت، غير المجازفين ببضاعة الولاء وهو وصية نبيكم وأمانة ربكم، وأخص بالشكر الأخ العزيز التلميذ (الأستاذ) ولكن .. ماذا ... أين أنت يا محب ؟!!!

- وكتب محب اهل البيت بتاريخ 18-6-1999، الثالثة صباحاً:

ص: 263

حسين الشطري بالاضافة الى مدافع عن الحقيقة: لم أستطع قراءة ردكم بتمعن وكل واحد ما شاء الله كاتب لي مقالة كاملة ويحتاج رد مفصل، وهذا يأخذ وقت، سأرى متى تتسنى لي فرصة لقراءة ردكم مرة ثانية والرد عليه .

جميل 50 . . ما أدري ماذا أتصرف مع أمثالك ممن يقفون موقف جماهير المصارعة الحرة وغيرها ويصفقون ويطبلون وكأني منسحب، مع أني لم أقرأ الرد إلا الآن، بل كتبت ردي العصر وفتحت الكمبيوتر ليلاً لأجد رد الشطري ومدافع، فهل هذا الوقت يكفي لإصدار حكم علي؟!!

- فكتب جميل 50 بتاريخ 18-6-1999، الثالثة صباحاً:

عفواً من الأخ (محب . . .) ليس من ديدني الوقوف موقف الجماهير يا أخي، وإنما أحببت أن أمسح العرق عن جبين هذين اللذين إن كتبا كان الدليل حليفهما، وإن نطقا كان البيان أساسهما . ووالله إني من أصحاب الأشغال والإرتباطات، ولا أقوى على المراجعة ...حتى أنني قرأت موضوعك هذا، وأحببت أن أراجع الرواية، ولم أستطع حتى دخل عليك التلميذ.. وعندما أجد مثل هذين أحبهما محبتي للصدق والحقيقة، وليس بضائر أكتب حسب المنهج العلمي وسوف أشجعك . . .

لطفية خفية: يعد الشيخ علي الفارقي، من أعلام بغداد ومدرساً في مدرستها الغربية . وهو من شيوخ ابن أبي الحديد المعتزلي، إذ سأله فقال: أكانت فاطمة علیها السلام صادقة في دعواها النحلة ؟ قال: نعم . فقال ابن أبي الحديد: فلم لم يدفع لها أبوبكر فدكاً وهي عنده صادقة ؟ فتبسم ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فدكاً بمجرد دعواها، لجاءت اليه غداً وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه الإعتذار

ص: 264

بشئ، لأنه يكون قد سجل على نفسه بأنها صادقة من غير حاجة الى بينة ولا شهود ! ! انتهى .

ومما يعلمنا أن هذا الأمر دُبّر بليل ؟! أنه طالبها بالبينة مع أن البينة كانت لازمة عليه لا عليها . لأنه ادعى حديثاً يجهله علي علیه السلام وهو أعلمهم، ويجهله العباس على قربه وفضله، ولم يسمع بذلك الحديث . ويعزب عن علم بني هاشم كافة حتى فوجئوا به بعد النبي صلی الله علیه و آله . بل يجهله أمهات المؤمنين اللائي ورثنه ! وهذه عائشة يدفن أبوها في بيت رسول الله صلی الله علیه و آله بمكان إرثها ؟! وقد أرسلن أمهات المؤمنين عثمان يسأل لهن ميراثهن من رسول الله ؟!

كل هذا ولم يحتج الى بينة! واحتاجت فاطمة علیها السلام الى بينة وهي المشمولة لآية التطهير باتفاق المسلمين، والتي هي أفضل نساء العالمين الأولين والآخرين، والتي هي ممن تعبَّد الله الخلق بالصلاة عليهم في كل فريضة، كما تعبدهم بالشهادتين! فجاء الأمر (اللهم صل على محمد وآل محمد) وهي من الآل، قولاً مرضياً لدى الجميع .

وعلى الأخ ... آل البيت، أن يتأمل البحث الذي استطرده معه الأخ التلميذ (الأستاذ) بكل إنصاف وروية .

- وكتب المدعو الفاروق في شبكة الموسوعة الشيعية، بتاريخ 6-1-2000، الرابعة صباحاً، موضوعاً بعنوان (فاطمة

الزهراء سلام الله عليها وعلى أبيها أفضل الصلوات والسلام)، قال فيه:

الزملاء الشيعة، بعد الاحترام: هذه سطور قليله ولكن فائدتها كثير ومنها على سبيل المثال لاالحصر غضب السيدة فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، كيف هو

ص: 265

مشهور عند الشيعة ليس فقط عند السنة، بل الشيعه بروؤا أبا بكر وعمر من غضب فاطمة علیها السلام .

غضب فاطمة علیها السلام على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليس في كتب السنة وحدهم .. بل موجود كذلك في كتب الشيعه أيضاً ... وتنص على أن سبب قول النبي صلى الله عليه وسلم: فاطمة علیها السلام بضعة مني وأنا منها فمن آذاها فقد آذاني.. هو خطبة علي رضي الله عنه بنت أبي جهل .. فقد ذكر ذلك الصدوق في كتابه علل الشرائع ص 185 .. وجاءت رواية أخرى تدل على غضب فاطمة رضي الله عنها على علي رضي الله عنه عندما رأته واضعاً رأسه في حجر جارية أهديت له .ذكرها القمي في علل الشرائع: 163 والمجلسي في باب كيفية معاشرتها مع علي علیه السلام .

وغضبت على علي رضي الله عنه مرة ثالثة كما يذكر الرافضة .. عندما لم يناصرها في طلبها فدك من أبي بكر الصديق رضي الله عنه . وقد ذكر ذلك المجلسي في حق اليقين بحث فدك: 203 . وغير ذلك من الحوادث التي تدل على غضب فاطمة رضي الله عنها على زوجها ... فهذه رواياتكم من كتبكم وليست من صحيح البخاري... أما غضبها على الصديق رضي الله عنه.. فكتبنا غير صحيحة عندكم .. لكن .. كتبكم هي الصحيحة !!! فما تقولون عن هذه المسألة؟

ذكر المجلسي في حق اليقين: أنها قبل موتها رضيت عن الشيخين وذلك بعدما مشيا إليها وزاراها عند موتها . ص: 180 . وكذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة .. هل كتبكم تكذب أيضاً … والسلام على أهله.

- فكتب عبدالحسين البصري بتاريخ 6-1-2000، الخامسة صباحاً:

ص: 266

الزميل الفاروق. ليس للعلامة المجلسي كتاب بإسم حق اليقين! أرجو التأكد من المصدر الذي نقلت منه مع ذكر السند . ولكم الشكر .

- وكتب محمد ابراهيم بتاريخ 6-1-2000، الواحدة ظهراً:

أشكر الأخ الفاروق أعزه الله على هذا البحث المهم جداً . في خضم هذا البحث هناك سؤال مهم جداً:إذا كان أبوبكر قد اغتصب فدك من فاطمة (حسب أقوال الشيعة) فلماذا لم يردّ علي فدكاً إلى ولد فاطمة في فترة خلافته ؟؟

- وكتب الفاروق بتاريخ 7-1-2000، الرابعة إلا ربعاً صباحاً:

السيد مشرف الحوار العام، تحيه طيبه وبعد:

لن أخفي عليك سراً إذا قلت لك أنك لست الوحيد الذي قال بأن حق اليقين ليس للمجلسي، يا البصري حق اليقين للمجلسي، ولك أن تشتريه من مكتبة الألفين في الكويت .

- وكتب عبد الحسين البصري بتاريخ 7-1-2000، الرابعة صباحاً:

الزميل الفاروق .. عذراً أنا لست من الكويت، وعندما أذكر لك هذا فقد اعتمدت على كتب التراجم والتصانيف. أرجو منك ذكر الطبعة والدار الناشرة إن كان حقاً ما تقول . ويا حبذا تنشر لنا الصفحة الأولى منه لكي نتأكد من النسبة . ولا تنس ذكر السند . ولك جزيل الشكر .

- وكتب الفاروق بتاريخ 7-1-2000، الثالثة والنصف صباحاً:

الأخ محمد ابراهيم سلمه الله . السلام عليكم .. والله يا أخ محمد سؤالك هذا مهم جداً، بارك الله فيك .

ص: 267

أنا أدعو الزملاء الأماميين أن يجيبوا عليه بلا لف أو دوران .

- وكتب جابر الأنصاري بتاريخ 7-1-2000 الرابعة والربع صباحاً:

أخي الفاروق، إن قولك بأن الشيعة يعتقدون بصحة الروايات في كتبهم فهذا افتراء وكذب، فالشيعة يعتقدون بأن كتبهم تحتوي على الروايات القوية والروايات الضعيفة، والرواية التي ذكرتها لنا من علل الشرائع سندها ضعيف حيث أن معاويه من بين الناقلين للخبر .

- وكتب فاتح بتاريخ 7-1-2000، الرابعة والنصف صباحاً:

عجباً لهذه الأمة كيف طغت وتجاوزت في طغيانها فقد حاربت رسول الله في أحب الناس إليه فاطمة علیها السلام وسلبوها إرثها، حتى قال القائل منهم: ليت أبا بكر لم يصنع ما صنع ! وأخذوا علياً مقيداً كما فعل اليهود بهارون، فصدق فيهم قول رسول الله صلی الله علیه و آله لو دخلوا جحر ضب دخلتموه . وقدموا من أخره الله ورسوله ومنعه من تبليغ سورة براءة ثم منع عمر أيضاً من تبليغها ثم أمر علياً علیه السلام لأنه لا يبلغها إلا هو أو رجل كنفسه بقول الله تعالى: وأنفسنا وأنفسكم. فلم يباهل إلا بعلي علیه السلام وفاطمة علیها السلام والحسنين. وقال: علي مع الحق والحق مع علي . وقد اتهموه أنه آذى الزهراء علیها السلام . فهل كان رسول الله مخطئاً في قوله وهو يقول: علي مع القرآن والقرآن مع علي، والقرآن لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وقد لعنه معاوية بن أبي سفيان على منبر رسول الله وقتلوا شيعته وحاربوا أهل بيته وقتلوا ابنه في كربلاء وأدخلوا بناته مجالس الشام مما لايرضى به المسلم لنفسه وترضونه لرسول الله وبناته .

ودخل عمر على فاطمة علیها السلام وأسقط جنينها وضربها في سكك المدينة، وأنتم تترضون عليه وتسخطون الرسول بترضيكم . والبخاري يروي أن الزهرا

ص: 268

ء علیها السلام ماتت وهي واجدة عليهما . وكيف تقولون أنها ليست غاضبة، ألم تمنعهما من الصلاة عليها . فهذه المدينة تكذبكم في افترائكم . فأين قبر فاطمة علیها السلام ؟ لماذ لم يصل عليها الشيخان ؟!

ما عساكم تقولون لرسول الله حين تردون القيامة وقد اتبعتم قاتل ابنته وتركتم وصيه، وأخذتم دينكم ممن خرجت على إمام زمانها، وخالفت صريح القرآن، فلم تقر في بيتها وتبرجت تبرج الجاهلية الأولى . وأخذتم دينكم من أبي هريرة الذي جلده عمر لسرقته بيت مال البحرين . . . .

ومحمد ابراهيم أخذته العزة بالإثم مع ما أورده الأخوة من حجة عليه !!

- وكتب الفاطمي بتاريخ 10-1-2000، السادسة مساءً:

المكرم: الفاروق حياك الله ..

قلت: لن أخفي عليك سراً إذا قلت لك أنك لست الوحيد الذي قال بأن حق اليقين ليس للمجلسي، يا البصري حق اليقين للمجلسي، ولك أن تشتريه من مكتبة الألفين في الكويت .

أقول: لا أدري من الذي أخبرك بأن حق اليقين للمجلسي موجود في مكتبة الألفين يالفاروق ! فللتوّ رجعت من مكتبة الألفين، وطلبت منه هذا الكتاب فقال صاحب المكتبة: لا يوجد لدي كتاب للمجلسي بإسم حق اليقين ولم أسمع به، ولكن يوجد للسيد عبد الله الشبر كتاب بهذا الإسم وهو ممنوع في الكويت، وموجود في القطيف . وعندما سألته وهل يوجد كتاب يشابه هذا الإسم، قال: نعم يوجد كتاب بإسم: علم اليقين للفيض الكاشاني، وهو أيضاً ممنوع عندنا (بالكويت) .

ص: 269

ويا زميلي الفاروق: الرجاء التأكد من معلوماتك، ولكي تتأكد مما قلت أنا تستطيع الإتصال بصاحب المكتبة ورقم التلفون هو: 2522797، ومن يريد الإتصال من الخارج فيجب إضافة 965 .

السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب ذو الشهادتين بتاريخ 11-1-2000، الواحدة صباحاً:

سيدي العزيز الفاطمي: ِلمَ تستنكر على الفاروق كذبه ؟! الكذب هو جزء مهم من ردود النواصب الموضوعية كما يزعمون !!

الى محمد إبراهيم: بالله عليك هل يحق لي أن أشهر بجميع إخواننا السنة بسبب كذبة الفاروق هذه ؟ هل يجوز لي إتهام جميع إخواننا السنة بالكذب بسبب كذبة الفاروق ؟!

السيد الفاطمي:لاتضيع وقتك مع الفاروق وأمثاله . حشرك الله يا الفاطمي مع جدتك الزهراء علیها السلام المظلومة:

نقضوا

عهد أحمد في أخيه *** وأذاقوا البتولة ما أشجاها

يوم جاءت إلى عدي وتيم *** ومن الوجد ما أطال بكاها

تعظ

القوم في أتم خطاب *** حكت المصطفى به وحكاها

جرعاها من بعد والدها الغيظ *** مرارا فبئس ما جرعاها

ولأي الأمور تدفن سراً *** بضعة المصطفى ويعفى ثراها

بنت من أم من حليلة من *** ويل لمن سن ظلمها وأذاها

- قال العاملي: وغاب عمر الفاروق، ولم يجب عن كذبته !!!

ص: 270

الفصل التاسع: سياسة الخلافة القرشية في عزل أهل البيت وإفقارهم!

اشارة

ص: 271

ص: 272

حديث استثناء الأنبياء من قانون التوريث .. لم يروه إلا أبو بكر

- قال العاملي: قامت خطة الحزب القرشي في الانقلاب على النبي صلی الله علیه و آله يوم وفاته .. على الختل، والإرهاب ! فقد اغتنموا فرصة انشغال بني هاشم بجنازة النبي صلی الله علیه و آله، وداسوا مبدأ الشورى الذي رفعوا قميصه فيما بعد، وسارعوا الى سقيفة بني ساعدة حيث ينام سعد بن عبادة مريضاً.. وتمكنوا من شق صف الأنصار فاتفقوا مع بعض زعماء الأوس المنافسين لسعد الذي هو رئيس الخزرج، وأخذوهما معهم الى السقيفة .. وهناك اكتفوا بحضور بضعة عشر نفراً من مجموع المسلمين، ويعد مناقشة أولية لموضوع الخليفة، سارع أبو بكر الى ترشيح عمر أو أبي عبيدة، فرداها عليه وصفقا على يده، ثم صفق على يده بعدهما الأوسيان !! فأعلنوا بذلك أن البيعة تمت لأبي بكر، وهجموا على سعد وهو مريض وداسوا بطنه وكادوا يقتلونه، لولا أن دفعهم عنه أولاده، وحملوه الى بيته !!

وهكذا اتخذ الحزب القرشي سقيفة بني ساعدة مقراً له، وتركوا جنازة النبي، واشتغلوا ثلاثة أيام في إقناع الأنصار ببيعة أبي بكر، فكانوا يزورونهم في

ص: 273

أحيائهم ويعقدون معهم الجلسات، ويحذرونهم من غزو قريش للمدينة إذا هم أصروا على المطالبة ببيعة علي بن أبي طالب أو سعد بن عبادة !

وقد نصت مصادرهم على غياب أبي بكر وعمر عن جنازة النبي صلی الله علیه و آله، وعلى أن حفصة وعائشة تمردتا على عدة الحداد الشرعية، وتركتا جنازة النبي صلی الله علیه و آله بيد أهل بيته، وانشغلتا بالعمل لخلافة أبويهما !

وقد سجل أحد الرواة تعجبه عندما دخل المدينة في يوم وفاة النبي صلی الله علیه و آله، فوجد المسجد خالياً وباب بيت النبي مغلقاً، وداخله أهل بيته مشغولون بمراسم جنازته مع قليل قليل من المسلمين .. أما الباقون فكانوا مشغولين في السقيفة في أحياء الأنصار !!

وعندما تم للحزب القرشي بيعة أكثرية الأنصار، وجه عملياته ضد علي بن أبي طالب وفاطمة

الزهراء علیها السلام علیهما السلام ، فهاجم بيتهما مراراً، وفي آخرها جمع أكوام الحطب على باب دارهما وأشعل فيها النار، وصاح فيهم عمر مهدداً بإحراق البيت علىمن فيه من أهل بيت النبي علیهم السلام ومن اعتصم معهم إن لم يبايعوا أبابكر! ثم أحضروا علياً بالقوة الى السقيفة وهددوه بالقتل إن لم يبايع! ولما تم لهم ما أرادوا وأجبروا علياً على السكوت وإن لم يبايع.. بدؤوا بإصدار قرارات عزل بني هاشم اجتماعياً، وحرمانهم، وإذلالهم !!

قال المحامي أحمد حسين يعقوب في كتابه مساحة للحوار ص 143: (وبعد موت الرسول، رتبت البطون أمرها وألغت مرجعية ربها وتجاهلت وجودها تماماً، كما تجاهلت وجود النبي صلی الله علیه و آله ! ولم تكتف بذلك إنما حاصرت أهل بيت النبوة وجردتهم من ممتلكاتهم، ومن كافة حقوقهم المدنية والسياسية، وحاصرتهم اقتصادياً " وعزلتهم اجتماعياً ") .

ص: 274

وقال في كتابه خلاصة المواجهة مع النبي وآله ص 125: (3- لم يكن أهل البيت آنئذ في حالة يشكلون معها خطراً على دولة الانقلابيين، ولكن عمر كان مصمماً على تحطيم آل محمد من جميع الوجوه لكي لا يطمع طامع منهم بالسلطة فيأخذ الخلافة ويجمع الهاشميون النبوة والخلافة معا، فيحدث الاجحاف بحق البطون .

ومن جهة أخرى فإن عمر كان يريد أن يزين ملك التحالف ببيعة آل محمد، ولأجل ذلك قرر أن يستصدر من الخليفة سلسلة من القرارات الاقتصادية يضطهد بها آل محمد ويضطرهم إلى الركوع، بعد أن عجز حصار المشركين في مكةعن تركيع البيت الهاشمي بسبب ضعف تخطيط المشركين آنذاك وسوء تدبيرهم. ويمكن تلخيص هذه القرارات في ما يلي:

أولاً: حرمان أهل بيت النبوة من إرث النبي صلی الله علیه و آله، واحتجوا لذلك بأن الرسول قال لأبي بكر، نحن الأنبياء لا نورث (58)، وقد احتج الإمام علي علیه السلام على أبي بكر بقول الله تعالى: وورث سليمان داود، (59)، وقوله تعالى: يرثني ويرث من آل يعقوب، (60) فكيف يتم التوفيق بين دعوى أبي بكر أن الأنبياء لا يورثون، وبين هاتين الآيتين ؟ وقال علي علیه السلام: هذا كتاب الله ينطق، فسكت أبو بكر وانصرف مصراً على ادعائه . وأما فاطمة علیها السلام فلم تكتف بذلك، وإنما بسطت الخصومة بينها وبين أبي بكر علنا أمام المهاجرين والأنصار، وأقامت الحجة على أبي بكر بخطبة رائعة جاء فيها: وزعمتم أن لا حق ولا إرث لي من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج منها بنيه ؟ أم تقولون: أهل ملتين لا يتوارثون ! أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة ؟ لعلكم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبي، أفحكم الجاهلية تبغون !

ص: 275

(61) . فأصر أبو بكر على رأيه، وادعى أن وراث محمد هو الذي يقوم مقامه (62)، وبما أن أبا بكر قد أصبح خليفة النبي، فيكون هو الوارث الوحيد لرسول الله .

ثانياً: قرار حرمان أهل بيت النبوة من المنح التي أعطاهم الرسول إياها، ومصادرة تلك المنح، وكانت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله أول من طالها هذا القرار فصودرت منحتها، وقد قالت لأبي بكر: أعطني فدك، فقد جعلها رسول الله لي، فسألها البينة فشهدت لها أم أيمن زوج الرسول، ورباح مولى الرسول، فقال أبو بكر: لا يجوز إلا شهادة رجل وامرأتين ! (63)، وعلى الرغم من أن علياً شهد لها أيضاً، إلا أن الخليفة قرر ولا راد لقراره ! والعجيب أن أبا بكر ترك كافة المنح التي أعطاها رسول الله لكثير من الناس واستولى فقط على المنح التي أعطاها النبي صلی الله علیه و آله لأهل البيت، وأنه لم يسأل الناس بينة، ولكنه سأل فاطمة علیها السلام عن البينة !

ثالثاً: قرار حرمان أهل بيت النبوة من حقهم في الخمس الوارد في القرآن الكريم، وقد طالبت فاطمة علیها السلام بهذا الحق وقالت لأبي بكر: لقد حرمتنا أهل البيت، فأعطنا سهم ذوي القربى، وقرأت الآية: واعلموا أن ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى . . . (64)، فقال لها أبو بكر: سمعت رسول الله يقول، سهم ذوي القربى للقربى حال حياتي، وليس لهم بعد موتي ! (65) .

تركت هذه القرارات أثرها المؤلم على آل محمد، وتذكرت القلة المخلصة من المهاجرين حصار بطون قريش ومقاطعتهم لبني هاشم في شعاب أبي طالب، وأن بطون قريش قصرت الحصار يومها على البيع والشراء والنكاح ! وتمنت

ص: 276

القلة المخلصة لو طبق هذا الحصار ثانية على أهل البيت، إذن لكان أخف وطأةً وأسهل تحملاً من هذه القرارات الاقتصادية الجائرة . لقد حرم آل النبي علیهم السلام من الإرث، ومما منحهم رسول الله ومن حصتهم في الخمس، فإذا علمنا أن أموال الصدقة محرمة عليهم، (66) فمن أين يأكل أهل البيت، وكيف يعيشون ؟ !

قال أبو بكر لفاطمة علیها السلام مجيباً عن هذا السؤال: إني أعول من كان رسول الله يعول، وأنفق على من كان رسول الله ينفق عليه. (67) . فالحاكم يقدم لآل بيت محمد المأكل ولا يزيدون عليه، ويجب على آل البيت طوال التاريخ أن يمدوا أيديهم للحاكم من أجل الطعام ! ومن حسن الخلف أن يطيع الإنسان من يطعمه ! تلك هي سنة أبي بكر وعمر! وهذا هو عدلهم ومودتهم للقربى، وهذا هو برهم ووفاؤهم لمحمد بن عبد الله !

ويبدو أن أبابكر قد تنبه في لحظة من لحظات استيقاظ الضمير إلى شناعة ما ارتكبه بحق آل محمد، فاعتراه الندم ولكن بعد فوات الأوان . لقد تذكر فاطمة علیها السلام تنادي بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ! (68)، واستعاد ما قالته فاطمة علیها السلام شخصيا له ولعمر بن الخطاب وجها لوجه: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله تعرفانه وتفعلان به ؟ قالا: نعم . فقالت: نشدتكما الله، ألم تسمعا رسول الله يقول: رضى فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني: ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟ قالا: نعم، سمعناه من رسول الله، فقالت الزهراء علیها السلام: فإني أشهد الله أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه... أنتحب أبو بكر

ص: 277

حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: والله لأدعون عليك في كل صلاة أصليها !! (69) .

واستحضر تهديد عمر بن الخطاب لعلي علیه السلام بالقتل، وكيف التحق علي علیه السلام بقبر النبي صلی الله علیه و آله يبكي ويصيح: يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ! (70) تذكر أبوبكر كل ذلك وندم، وأدرك أنه أول ضحايا هذا النظام الجديد الذي أقامه عمر، وخرج إلى الناس قائلاً: يبيت كل واحد منكم معانقاً حليلته، مسروراً في أهله، وتركتموني وما أنا فيه، أقيلوني بيعتي ! (71) ربما كان الرجل صادقاً بالفعل، ولكنه كان قد قطع على نفسه خط الرجعة، ولم يسمح له قادة الانقلاب وبالذات عمر بالإفلات، كان لا بد له من البقاء ومواصلة الشوط، فهذه مرحلة انتقالية يجب أن يحمل وزرها وهو مشرف على الموت، وبموته يرثون دولة مستقرة !!). انتهى.

حديث استثناء الأنبياء من قانون التوريث .. لم يروه إلا أبو بكر !!

- كتب الحجازي في شبكة هجر الاسلامية، بتاريخ 10-9-1999، الخامسة مساءً، موضوعاً بعنوان (حديث: الأنبياء لاتورث، سمعه ورواه أبو بكر وعمر فقط، حتى أن أهل البيت أنكروه !!)، قال فيه:

هل يصح أن لا يخبر رسول الله أهل بيته أنه لايورث وبالأخص فاطمة علیها السلام ؟! وهل تعرفون للحديث راوياً غير الشيخين ؟!!

وهذه مصادر الحديث من الصحاح وغضب فاطمة عليهم:

البخاري / 2862 - لا نورث ما تركنا صدقة فغضبت فاطمة ..

البخاري / 3913 - لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد ..

ص: 278

مسلم / 3304 - لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد..

الترمذي / 1533- لا نورث ولكني أعول من كان رسول الله يعوله ..

الترمذي / 1534 - إني لا أورث قالت والله لا أكلمكما أبداً ..

أبو داود / 2578 - لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد ..

أحمد / 25 - لا نورث ما تركنا صدقة فغضبت فاطمة فهجرت..

أحمد / 52 - لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد ..

أحمد / 57 - إن النبي لا يورث ولكني أعول من كان رسول..

أحمد / 75 - إني لا أورث ..

- وكتب شعاع بتاريخ 11-9-1999، الثانية عشرة ظهراً:

الرافضة يحبون أن يوجدوا أي عداوةبين أهل البيت وبين أصحاب رسول الله كعادتهم ... ومع أن علي قد أقر بذلك ولم يورث فدك لأبنائه لعلمه بالحديث، إلا أن الرافضة (أبناء المجوسية) يظنون أن الاسلام لازال تحت ملك كسرى فيورث الملك كما يدعون في الولاية . إن الاسلام جاء ليخرج الناس من الظلمات الى النور .

هذا الحديث موجود بلفظ آخر في الكافي: (روى الكليني في الكافي عن أبي عبد الله علیه السلام قوله: قال رسول الله صلی الله علیه و آله ... وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر) . واستشهدبه الخميني في كتابه الحكومات الاسلاميه على ولاية الفقيه، أم أنها حلال للخميني محرمة على غيره. أما عند المسلمين فقد صح عن أبي هريرة وعن عائشة في البخاري ومسلم ولا أعلم ما في غيرهما . أيضاً أقر بالحديث كل من الزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن بن عوف، بالاضافة الى

ص: 279

علي علیه السلام والعباس . . . فراجع الأحاديث التي ذكرت أرقامها أنت وسوف تجد ذلك .

الحجازي: نصيحة لوجه الله دائماً استفساراتك على هذه الهيئة كما فعلت في سحاب وتظن أنك ستنتصر ولكن في النهاية تكون . . . فأرى أن تغير من أسلوبك اللطيف الذي يدل على برائتك ونيتك الحسنة وبحثك عن الحق

- فكتب الحجازي بتاريخ 12-9-1999، التاسعة مساءً:

شعاع: 1 - إذا كان علي علیه السلام يعلم، لماذا لم يقل لفاطمة علیها السلام ويجعلها ترضى عن الشيخين وفي هذه الأحاديث، ماتت وهي غاضبة عليهما، وغضبها كما معلوم هو غضب الرسول صلی الله علیه و آله وغضب الرسول هو غضب الله جل جلاله .

2 - حديثك يتكلم عما ورث العلماء من الأنبياء وهو العلم لاغيره، فلا تخلط .. ثم لماذا لم تعط مصدره كاملاً حتى نراجعه .

3 - قال الرضا علیه السلام ما معناه: (عندما سئل لماذا لم يسترد علي علیه السلام فدك عندما ولي الأمر قال: إنا أهل بيت الله يسترجع لنا ماغصبناه ولسنا نحن، بل إننا أولياء المؤمنين نحكم بينهم) عيون أخبار الرضا . نقلت الحديث بالمعنى لأن النص لايحضرني .

4 - ماذا تسمي غضب الزهراء علیها السلام هنا إذا لم يكن رد فعل على عداء وغصب الشيخين لفدك . فماذا تسميه، وضِّح رجاءً .

5 - في سحاب أنتم دائماً منتصرون، لأن مراقب الساحة يمسح الأجوبة المعارضة، ويترك أجوبتكم بدون ردود، ثم يقوم بإلغاء الاشتراك تماماً إذا أحس أن الكاتب مخالف، كما فعل معي هناك .

ص: 280

6 - ألم تسمع في حياتك أن عمر بن عبد العزيز أرجع فدكاً لأهل البيت علیهم السلام . فما معنى فعله هذا ؟ أجب بوضوح .

7 - نصحتني أن أغير أسلوبي ولم تنصحني الى أي نوع من التغيير، ونصيحتك كانت لوجه الله، وأنا أعلم أن وجه الله عندكم هو جزءمن الأجزاء الأخرى، وأنا أنصحك لوجه الله على معتقدنا، أن تصححه على معتقدكم فتقول مثلاً: نصيحة لله عز وجل حتى لاتخالف عقيدتك.

8- إن الأحاديث التي ذكرتها لم يذكر فيها أحد غير الزهراء علیها السلام ومطالبتها وغضبها على أبو بكر أو على الشيخين معاً، الى أن توفيت سلام الله عليها .

- وكتب الصارم المسلول بتاريخ 12-9-1999، التاسعة مساءً:

أيها الحجازي إليك سند الحديث الذي نقله الأخ شعاع: (روى الكليني عن حماد بن عيسى عن القداح عن أبي عبد الله علیه السلام: من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً الى الجنة .. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر) (الأصول من الكافي كتاب فضل العلم باب ثواب العالم والمتعلم ج 1 ص 32) وروايه عن الصادق: أن العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم. (نفس المصدر السابق) .

- وكتب الصارم المسلول في 12-9-1999، العاشرة إلا ربعاً ليلاً:

الحجازي .. أنت شخص كريم ومثال يحتذى في الأدب . ولكن ما هو قولك على الآتي: (أ) روى المجلسي في (حق اليقين) ص 201 و 202 ترجمه من

ص: 281

الفارسية: أن أبا بكر لما رأى غضب فاطمة علیها السلام قال لها: أنا لا أنكر فضلك وقرابتك من رسول الله علیه السلام، ولم أمنعك من فدك إلا امتثالاً بأمر رسول الله وأشهد الله على أني سمعت رسول الله يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه إلا الكتاب والحكمه والعلم . وقد فعلت هذا باتفاق المسلمين ولست بمتفرد في هذا . وأما المال فخذي من مالي ما شئت لأنك سيدة أبيك وشجرة طيبة لأبنائك ولا يستطيع أحد أن ينكر فضلك) .

(ب) ذكر المرتضى في الشافي ص 231، وشرح نهج البلاغه لابن أبي حديد ج 4: أن الأمر لما وصل الى علي بن أبي طالب كلم في رد فدك فقال إني لأستحي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر وأمضاه عمر) .

(ج) لما سئل محمد الباقر عن ذلك وقد سأله كثير النوال: "جعلني الله فداك، أرأيت أبا بكر وعمر هل ظلماكم من حقكم شيئاً أو قال ذهبا من حقكم شيئاً ؟ فقال: لا والله الذي أنزل القران على عبده ليكون للعالمين نذيراً ما ظلمانا من حقنا مثقال حبة من خردل . قلت: جعلت فداك . أفأتولاهما ؟ قال: نعم ويحك تولهما في الدنيا والآخرة وما أصابك ففي عنقي) . (شرح نهج البلاغه لابن أبي حديد ج 4 ص 82)

بالله قلي، هل أنت متبع الحق ؟ والحمد لله رب العالمين.

- وكتب شعاع بتاريخ 13-9-1999، السادسة صباحاً:

أولاً: لماذا لم يُعد علي علیه السلام الأرض الى أبناء فاطمة علیها السلام، وهذا إن كان حقاً فليس فيه مجاملة . . .

النقطة الأخرى: الذي أعرف أن في دينكم المرأة لاترث من العقار . بوّب الكليني باباً مستقلاً في الكافي بعنوان (إنّ النساء لايرثن من العقار شيئاً) روى

ص: 282

فيه عن أبي جعفر قوله (النساء لايرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً) وروى الطوسي في التهذيب والمجلسي في بحار الأنوار، عن ميسر قوله: (سألت أبا عبد الله علیه السلام عن النساء ما لهن من الميراث فقال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب، فأما الأرض والعقار فلا ميراث لهن فيهما) وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال: (النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً) . وعن عبد الملك بن أعين عن أحدهما علیهما السلام قال: (ليس للنساء من الدور والعقار شيئاً) .

فلا أدري لماذا كل هذا الجدل ؟؟ وكما قلت سابقاً إن أعداء الاسلام لم يجدوا إلا الوقيعة بين أهل البيت وبين الصحابة رضوان الله عليهم .

- وكتب جميل 50 في 13-9-1999، السادسة والنصف صباحاً:

العجب كل العجب حينما تترائى بعض العقول ذات عوار في التفكير، لا تبصر إلا بجانب واحد بين عدة جوانب، ولا ترى إلا جهة فاردة من عدة جهات، وهنا المشكلة إذ لم يقل أحد أن الجاهل لايستطيع أن يتحدث ... ولكنه بعد الحديث .. صانعاً من غير الدليل دليلاً، ومن غير الحجة حجةً، مادام يروم التمسك بالطحالب، ويتشبث بالمفردات الشاردة، والموارد النادرة ليضرب بها الكم الهائل والكيف غير الزائل، من مجموع الموارد التأريخية والشواهد الروائية الأخرى . كلنا يعرف أن الفقيه لايشهد له بأخذ رواية ولو صحيحة قبل أن يوافق بينها وبين ما يعارضها إن أمكنت الموافقة، وإلا فللتعارض أحكام مذكورة ودساتير مأثورة وغير مأثورة . .

وهنا إرث فاطمة علیها السلام الذي شهد به القرآن الكريم: يوصيكم الله في أولادكم. والقرآن لم ينزل ليعمل به الناس دون النبي صلی الله علیه و آله إلا بمخصص

ص: 283

وكلامنا فيه الآن .. وأول نقض على المخصص المدعى أنه معارض للقرآن إذا أن الدعوة جاءت لتشمل جميع الأنبياء، وها قد قال عن زكريا: وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب .

بينما، والكلام للمتدبرين فحسب، لاوجه لذكر الموالي والخوف منهم .. ثم تعقيبه بصفة زوجته (وامرأتي عاقراً) التي لاربط لها ولاسببية منعقدة بينها وبين توريث العلم هذا بالضرورة . كما أن التأريخ يذكر أنه ناقض نفسه سواء حينما حكم لعلي علیه السلام بسيف رسول الله صلی الله علیه و آله وعمامته كميراث فلم يجعلها صدقة؟!! أو كما جاء في المسند من أنه قال: شئ تركه رسول الله فلم يحركه فلا أحركه . فإنه إذا كان صدقة . فلماذا لايحركه على ذلك الوجه . وكيف كان فهذه قضية بحالها ولها مجالها من الحديث.. وكذا في الإستشهاد بكلام الباقر علیه السلام الذي تراهم استخرجوا رواياته في الإشادة بالخلفاء وعدم التعريض بهم في أمر الإرث . فنعم سؤال الأخ: لماذا أرجعه أحد الخلفاء ؟ وهنا أقول: إن كان واضحاً لماذا بقي الجدل فيه إلى أن حان حين المأمون من الخلفاء العباسيين، ولماذا ينشد به بعض الشعراء في ذلك العصر ممن والى فاطمة علیها السلام وبعلها وبنيها . . . . هذا فقط لأدلل على أن الأمر لم يكن واضحاً.

وعموماً مثل الامام الباقر وغيره من أئمةآل البيت علیهم السلام فكلامهم ليس يأخذ على ظاهره لما عانوه من الظلم والإضطهاد . وخير رادع لمن أراد أن يستشهد بهم هنا هو:كيف تعتبرون أولئك من السائرين على خطى الشيخين والخلفاء رغم ما هو موجود في التأريخ من أنهم عاشوا الحصار والمضايقة من حكومات كانت لاتحيد برأيها عن سياسة الشيخين ؟! أم كيف تصدقون أنهم ميالون إلى

ص: 284

عقيدتكم وقد جعلتهم كتبكم الروائية أقل الرواة، بل في بعضها وأصحها لاتوجد لهم رواية أصلاً، مع أنهم أهل بيت زقوا العلم زقاً .. أبعد هذا نستقبل كلامهم على قلته كما ظاهره ؟!! وأما الرواية في كتبنا فبعد الغض عن سندها نقول ليست فيها دلالة أيضاً، لأن الخطاب ليس لعياله بالمعنى الأخص، وإنما لعياله بالمعنى الأعم، أي الأمة من حوله وهذا فارق مهم، ومثبته أنه في الغزوات ومستوى الدخل العام لبيت المال ربما تشفق الأمة على المال وتتصور أن النبي صلی الله علیه و آله يضمن لها سعادتها من هذه الناحية لأنه الكاسب بمشيئة الله وما سخروه له من همتهم ودمائهم و... وفارق آخر أن الأحاديث هذه لم تذكر الجزء الكلامي المدعى: ماتركناه صدقة . فتأمل يرحمك الله .

والحقيقة أن هذا الحديث لم يسمعه غيره، والمسألة واضحة فليست برياضية تحتاج إلى عناء المعادلات والمدقات الحسابية، بل كل الصيد في جوف الفرا . . . أي إذا أجبنا على هذا السؤال انتهى كل شئ: لماذا لم يخبر النبي صلی الله علیه و آله ابنته ونسائه بذلك مع أنهم هم المعنيون لا أبو بكر؟! ولماذا لم يمنع علي فاطمة علیها السلام من المطالبة وهو الوافر في العلم، وأكثر الصحابة سماعاً على يد الرسول صلی الله علیه و آله ؟!!

وليكن نظرك للمجموع، فلا تنفي واحدة بما تثبت به أخرى ؟!

ص: 285

محاولتهم تصوير قضية فدك بأنها خلاف فقهي محض !

- كتب المدعو محب أهل البيت في شبكة الساحة الإسلامية، بتاريخ 4-5-1999، الثامنة مساءً، موضوعاً بعنوان (فدك بين أبو بكر الصديق والسيدة فاطمة علیها السلام - مناقشة علمية)، ونشره في شبكات عديدة مثل شبكة الجارح وسحاب، وقد أجاب عليه الشيعة لكن أكثر إجاباتهم حذفت !

قال: أرض فدك، قرية في الحجاز كان يسكنها طائفة من اليهود، ولما فرغ الرسول عليه الصلاة والسلام من خيبر، قذف الله عز وجل في قلوبهم الرعب، فصالحوا رسول الله صلی الله علیه و آله على فدك، فكانت ملكاً لرسول الله صلی الله علیه و آله، لأنها مما لم يُوجف عليها بخيل ولا ركاب . ورغم أن خلاف الخليفة أبو بكر مع السيدة فاطمة علیها السلام رضوان الله عليهما كان خلافاً سائغاً بين طرفين يملك كل منهما أدلة على رأيه، إلا أنّ حساسية البعض من شخصية أبي بكر تجعله ينظر إلى الأمور بغير منظارها فتنقلب الحبة إلى قبة. ولو أننا استبدلنا شخصيات القصة (أبا بكر وفاطمة علیها السلام) بفقيهين من الشيعة مثلاً أو مرجعين من مراجعهم لكان لكل طرف منهما مكانته وقدره دون التشنيع عليه وإتهام نيته، ولكانت النظرة إلى رأي الطرفين نظرة احترام وتقدير على اعتبار وجودنصوص وأدلة يستند إليها الطرفين في دعواهما وإن كان الأرجح قول أحدهما . لكن أمام أبي بكر وفاطمة علیها السلام الأمر يختلف، فأبو بكر عدو للشيعة ومادام عدواً فكل الشر فيه وكل الخطأ في رأيه، هكذا توزن الأمور! توزن بميزان العاطفة التي لا تصلح للقضاء بين متنازعين فكيف بدراسة أحداث تاريخية ودراسة تأصيلها الشرعي ! لكن المنصف الذي لا ينقاد إلى عاطفته بل إلى الحق حيث كان، يقف وقفة تأمل لذاك الخلاف ليضع النقاط على الحروف .

ص: 286

فأرض فدك هذه لا تخلو من أمرين: إما أنها إرث من النبي صلی الله علیه و آله لفاطمة رضوان الله عليها، أو هي هبة وهبها رسول الله لها يوم خيبر . فأما كونها إرثاً فبيان ذلك ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أنه بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله جاءت فاطمة رضوان الله عليها لأبي بكر الصدّيق تطلب منه إرثها من النبي عليه الصلاة والسلام في فدك وسهم النبي صلی الله علیه و آله من خيبر وغيرهما. فقال أبو بكر الصدّيق: إني سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله يقول: (إنّا لا نورّث، ما تركناه صدقة) وفي رواية عند أحمد (إنا معاشر الأنبياء لا نورّث) (39)، فوجَدَت (32) فاطمة علیها السلام على أبي بكر . بينما استدلت رضوان الله عليها بعموم قوله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين (39) . ولنكن حياديين هاهنا ولننس أنّ المطالب بالإرث امرأة نحبها ونجلها لأنها بنت نبينا وأنّ لها من المكانة في نفوسنا وعند الله عز وجل ما لها، لنقول: كلام محمد عليه الصلاة والسلام فوق كلام كل أحد، فإذ صح حديث كهذا عن رسول الله فلا بد أن نقبله ونرفض ما سواه، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا نلوم أبو بكر على التزامه بحديث رسول الله وتطبيقه إياه بحذافيره ؟! لقد صح حديث (إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث) عند الفريقين السنة والشيعة، فلماذا يُستنكر على أبي بكر استشهاده بحديث صحيح ويُتهم بالمقابل باختلاقه الحديث لكي يغصب فاطمة علیها السلام حقها في فدك ؟!!

أما صحته عند أهل السنة فهو أظهر من أن تحتاج إلى بيان، وأما صحته عند الشيعة فإليك بيانه: روى الكليني في الكافي عن أبي عبد الله علیه السلام قوله: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: (... وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر) (39) . قال عنه المجلسي في مرآة العقول 1/111: الحديث الأول (أي الذي بين يدينا) له

ص: 287

سندان الأول مجهول، والثاني حسن أو موثق لايقصر عن الصحيح، فالحديث إذاً موثق في أحد أسانيده ويُحتج به، فلماذا يتغاضى عنه علماء الشيعة رغم شهرته عندهم؟! والعجيب أن يبلغ الحديث مقدار الصحةعند الشيعة حتى يستشهد به الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية على جواز ولاية الفقيه فيقول تحت عنوان صحيحة القداح: (روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن القداح (عبدالله بن ميمون) (89) عن أبي عبدالله علیه السلام قال: (قال رسول الله صلی الله علیه و آله: (من سلك طريقاً يطلب فيه علماً، سلك الله به طريقاً إلى الجنة… وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر) . ويعلق على الحديث بقوله (رجال الحديث كلهم ثقات، حتى أنّ والد علي بن إبراهيم (إبراهيم بن هاشم) من كبار الثقات (المعتمدين في نقل الحديث) فضلاً عن كونه ثقة) (67) . ثم يشير الخميني بعد هذا إلى حديث آخر بنفس المعنى ورد في الكافي بسند ضعيف فيقول: (وهذه الرواية قد نقلت باختلاف يسير في المضمون بسند آخر ضعيف، أي أنّ السند إلى أبي البختري صحيح لكن نفس أبي البختري ضعيف والرواية هي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد عن أبي البختري عن أبي عبد الله علیه السلام قال: (إنّ العلماء ورثة الأنبياء وذاك أنّ الأنبياءلم يورّثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورّثوا أحاديث من أحاديثهم …) (39) . إذاً حديث (إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم) صحيح . كما بيّن ذلك الخميني والمجلسي من قبله، فلماذا لا يؤخذ بحديث صحيح النسبة إلى رسول الله مع أننا مجمعين على أنه لا اجتهاد مع نص ؟! ولماذا يُستخدم الحديث في ولاية الفقيه ويُهمل في قضية فدك ؟! فهل المسألة يحكمها المزاج ؟!

ص: 288

إنّ الاستدلال بقول الله تبارك وتعالى عن زكريا علیه السلام: فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب، على جواز توريث الأنبياء لأبنائهم استدلال غريب يفتقد إلى المنطق في جميع حيثياته، وذلك لعدة أمور: أولاً: لا يليق برجل صالح أن يسأل الله تبارك وتعالى ولداً لكي يرث ماله فكيف نرضى أن ننسب ذلك لنبي كريم كزكريا علیه السلام في أن يسأل الله ولداً لكي يرث ماله، إنما أراد زكريا علیه السلام من الله عز وجل أن يهب له ولداً يحمل راية النبوة من بعده، ويرث مجد آل يعقوب العريق في النبوة .

ثانياً: المشهور أنّ زكريا علیه السلام كان فقيراً يعمل نجاراً، فأي مال كان عنده حتى يطلب من الله تبارك وتعالى أن يرزقه وارثاً، بل الأصل في أنبياء الله تبارك وتعالى أنهم لا يدخرون من المال فوق حاجتهم بل يتصدقون به في وجوه الخير .

ثالثاً: إنّ لفظ (الإرث) ليس محصور الاستخدام في المال فحسب بل يستخدم في العلم والنبوة والملك وغير ذلك كما يقول الله تعالى (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)(39) وقوله تعالى (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)(39) فلا دلالة في الآية السابقة على وراثة المال .

رابعاً: حديث (إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم) الذي ذكرناه آنفاً يتضمن نفي صريح لجواز وراثة أموال الأنبياء، وهذا كاف بحد ذاته . وكذلك الحال في قوله تعالى: وورث سليمان داود، (39) فإنّ سليمان علیه السلام لم يرث من داود علیه السلام المال، وإنما ورث النبوة والحكمة والعلم لأمرين إثنين: الأول: أنّ داود علیه السلام قد اشتُهر أنّ له مائة زوجة وله ثلاثمائة سريّة

ص: 289

أي أمة، وله كثير من الأولاد فكيف لا يرثه إلا سليمان علیه السلام ؟! فتخصيص سليمان علیه السلام حينئذ بالذكر وحده ليس بسديد .

الثاني: لو كان الأمر إرثاً مالياً لما كان لذكره فائدة في كتاب الله تبارك وتعالى، إذ أنّه من الطبيعي أنّ يرث الولد والده (والوراثة المالية ليست صفة مدح أصلاً لا لداود ولا لسليمان علیهما السلام فإنّ اليهودي أو النصراني يرث ابنه ماله فأي اختصاص لسليمان علیه السلام في وراثة مال أبيه !! والآية سيقت في بيان المدح لسليمان علیه السلام وما خصه الله به من الفضل وإرث المال هو من الأمور العادية المشتركة بين الناس كالأكل والشرب ودفن الميت، ومثل هذا لا يُقص عن الأنبياء، إذ لا فائدة فيه، وإنما يُقص ما فيه عبرة وفائدة تُستفاد وإلا فقول القائل (مات فلان وورث فلان ابنه ماله) مثل قوله عن الميت (ودفنوه) ومثل قوله (أكلوا وشربوا وناموا) ونحو ذلك مما لا يحسن أن يُجعل من قصص القرآن) (93)

وأعجب من هذا كله حقيقة تخفى على الكثيرين، وهي أنّ المرأة لا ترث في مذهب الشيعة الإمامية من العقار والأرض شيئاً، فكيف يستجيز الشيعة الإمامية وراثة السيدة فاطمة

رضوان الله عليها لفدك، وهم لا يُورّثون المرأة العقار ولا الأرض في مذهبهم ؟!! فقد بوّب الكليني باباً مستقلاً في الكافي بعنوان (إنّ النساء لا يرثن من العقار شيئاً) روى فيه عن أبي جعفر قوله: (النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً) (34). وروى الطوسي في التهذيب والمجلسي في بحار الأنوار عن ميسر قوله (سألت أبا عبد الله علیه السلام عن النساء ما لهن من الميراث، فقال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب فأما الأرض والعقار فلا ميراث لهن فيهما) (39) وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام

ص: 290

قال: (النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً) (39) وعن عبد الملك بن أعين عن أحدهما علیهما السلام (39) قال: (ليس للنساء من الدور والعقار شيئاً) .

كما أنّ فدك لو كانت إرثاً من النبي صلی الله علیه و آله لكان لنساء النبي ومنهن عائشة بنت أبي بكر وزينب وأم كلثوم بنات النبي حصة منها، لكن أبا بكر لم يعطِ ابنته عائشة ولا أحد من نساء النبي ولا بناته شيئاً استناداً للحديث، فلماذا لا يُذكر هؤلاء كطرف في قضية فدك بينما يتم التركيز على السيدة فاطمة علیها السلام وحدها ؟!! هذا على فرض أنّ فدك كانت إرثاً من رسول الله صلی الله علیه و آله أما إذا كانت فدك هبة وهدية من رسول الله صلی الله علیه و آله لفاطمة رضوان الله عليها كما يروي ذلك الكاشاني في تفسيره الصافي 3/186، فالأمر يحتاج إلى وقفة أخرى أيضاً فعلى فرض صحة الرواية والتي تناقضها مع روايات السنة والشيعة حول مطالبة السيدة فاطمة

رضوان الله عليها لفدك كأرث لا كهبة من أبيها، فإننا لا يمكن أن نقبلها لاعتبار آخر، وهو نظرية العدل بين الأبناء التي نص عليها الإسلام. إنّ بشير بن سعد لمّا جاء رسول الله صلی الله علیه و آله فقال: يا رسول الله إني قد وهبت ابني حديقة واريد أن أُشهدك، فقال النبي صلی الله علیه و آله: أكُلّ أولادك أعطيت ؟ قال لا، فقال النبي صلوات الله وسلامه عليه (إذهب فإني لا أشهد على جور) (39) فسمّى النبي صلی الله علیه و آله تفضيل الرجل بعض أولاده على بعض بشئ من العطاء جوراً، فكيف يُظن برسول الله صلی الله علیه و آله كنبي معصوم لا يشهد على جور أن يفعل الجور (عياذاً بالله) ؟! هل يُظن به وهو أمين من في السماء أو يجور في أمانة أرضية دنيوية بأن يهب السيدة فاطمة علیها السلام فدك دون غيرها من بناته ؟! فكلنا يعرف أنّ خيبر كانت في السنة السابعة من الهجرة بينما توفيت زينب بنت رسول الله في الثامنة من الهجرة

ص: 291

، وتوفيت أم كلثوم في التاسعة من الهجرة، فكيف يُتصور أن يُعطي رسول الله فاطمة

رضوان الله عليها ويدع أم كلثوم وزينباً ؟!!

والثابت من الروايات أنّ فاطمة رضوان الله عليها لمّا طالبت أبو بكر بفدك كان طلبها ذاك على اعتبار وراثتها لفدك لا على أنها هبة من رسول الله صلی الله علیه و آله . ولذا فإنّ فدك لم تكن لا إرثاً ولا هبة، وهذا ما كان يراه الإمام علي علیه السلام نفسه إذ أنه لمّا استُخلف على المسلمين لم يعط فدك لأولاده بعد وفاة أمهم فاطمة علیها السلام بحيث يكون له الربع لوجود الفرع الوارث، وللحسن والحسين وزينب وأم كلثوم الباقي (للذكر مثل حظ الأنثيين) وهذا معلوم في التاريخ، فلماذا يُشنع علىأبي بكر في شئ فعله علي بن أبي طالب نفسه؟! بل يروي السيد مرتضى (الملقب بعلم الهدى) في كتابه الشافي في الإمامة عن الإمام علي علیه السلام ما نصه

(إنّ الأمر لمّا وصل إلى علي بن أبي طالب علیه السلام كُلّم في رد فدك، فقال: إني لأستحيي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر وأمضاه عمر) (2) .

وماكدت أشرف على إغلاق ملف قضية فدك ومناقشة أدلتها حتى وقعت على رواية طريفة تُعبر بالفعل عن المأساة الحقيقة التي يعيشها من يريدون القدح بأبي بكر بأي طريقة كانت (شرعية وغير شرعية) !!

روى الكليني في الكافي عن أبي الحسن قوله (ورد على المهدي ورآه يردّ المظالم . فقال: يا أمير المؤمنين ! ما بال مظلمتنا لا تُرد ؟ فقال له: وما ذاك يا أبا الحسن ؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالى لمّا فتح على نبيه صلی الله علیه و آله فدك... فقال له المهدي: يا أبا الحسن حدّها لي . فقال: حد منها جبل أحد، وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر، وحد منها دومة الجندل) . (29) فأين أرض في خيبر من مساحة كهذه ؟!!

ص: 292

ألهذا الحد يُستخف بعقول الناس ؟!!

- وكتب أويس بتاريخ 4-5-1999، العاشرة ليلاً:

أسأل الله أن ينفعنا بهذا ويهدي بهذا البيان طالبي الحق من الشيعة .. آمين.

- وكتب شامس 22 أيضاً في 12-5-1999، السادسة صباحاً:

جزاك الله خير على هذا الكلام الطيب .

- وكتب محب أهل البيت بتاريخ 12-5-1999، السابعة صباحاً:

الأخ شامس . جزاك الله خير .

هذه المقالة تعتمد على حديث في الكافي صححه المجلسي في مرآة العقول والخميني في الحكومة الاسلامية . والمطلوب من الشيعة الرد، خصوصاً وإني لم أجلب حديث مكذوباً أو ضعيفاً عندهم . فلماذا تتهمون أبا بكر رضوان الله عليه بغصبه فدك، مع أن دليله مجمع على صحته بين السنة والشيعة !!

ثم سؤالي هو: هل يرى الشيعة أن إغضاب السيدة فاطمة علیها السلام لايجوز، وإغضاب رسول الله جائز ؟!! إن الاستدلال بحديث (يغصبني مايغضبها) في واقعة فدك غير ملائم. لأن اغضاب فاطمة

رضوان الله عليها مشروط بعدم إغضاب الله ورسوله أولاً، والسيدة فاطمة علیها السلام لم يصلها الحديث وظنت أنه غير صحيح في بادئ الأمر .

- وكتب شامس 22 بتاريخ 12-5-1999، الخامسة مساءً:

أين الرد يا شيعة يا سادة يا محترمين ؟

- وكتب سماحة بتاريخ 22-5-1999، الثامنة مساءً:

الشيعة يردّون، ولكن تحذف ردودهم بسرعة !!!

ص: 293

- وكتب العاملي بتاريخ 5-5-1999، العاشرة صباحاً:

فدك ليست هي القضية .. بل رمز لقضية الخلافة:

إن موقف الزهراء علیها السلام من خلافة أبي بكر وعمر يتضمن عدة قضايا، لابد أن نوضح حدود كل واحدة منها أولاً، تحديداً شرعياً وقانونياً ثم نبحثها . ولا يصح أن نصادر المسألة، ونصورها على أنها مسألة مطالبة من الزهراء علیها السلام بمزرعة فدك، وأن أبا بكر أجابها بأن الأنبياء مستثنون من قانون الإرث الشرعى، وانتهى الأمر ! !

وأهم القضايا التي تضمنها موقف الزهراء علیها السلام هي:

القضية الأولى: أن الزهراء علیها السلام أدانت بيعة السقيفة، واتهمتهم بأنهم خالفوا الرسول صلی الله علیه و آله ونكثوا بيعة علي علیه السلام فى يوم الغدير، وانقلبوا على أعقابهم ! وكان موقفها نفس موقف علي علیه السلام والعباس وعدد كبير من المهاجرين والأنصار الذين امتنعوا عن البيعة وأدانوا السقيفة، وكانوا مجتمعين فى بيت علي علیه السلام وفاطمة علیها السلام، في مراسم تعزية أهل البيت بالنبي صلی الله علیه و آله، فهاجمهم عمر وجماعته بأمر أبي بكر لا لكي يعزوهم، بل ليهددوهم إما أن يبايعوا وإما أن يحرقوا عليهم الدار !! وبالفعل أحرقوا باب الدار الخارجي وضربوا فاطمة الزهراء علیها السلام، التي خرجت في محاولة لمنع الاصطدام بينهم وبين المعتصمين داخل الدار، وهي تأمل أن يوقفوا الهجوم ويحترموا بنت نبيهم، وهي في اليوم الثاني من مصيبتها بفقد أبيها صلی الله علیه و آله !!

ثم قامت الزهراء علیها السلام بعدة أعمال لنصرة الامام الشرعي علي علیه السلام وإفشال المؤامرة .. ومن ذلك أنها ذهبت مع علي علیه السلام وأولادهما الى بيوت زعماء

ص: 294

الأنصار تذكرهم ببيعتهم لعلي علیه السلام يوم الغدير، وبأنهم بايعوا النبي صلی الله علیه و آله بيعة العقبة على أن يحموه وأهل بيته مما يحمون منه أنفسهم وأهليهم !! ثم قامت بإعلان تحريم بيعة أبي بكر، والدعاء عليه وعلى عمر .. ثم خطبت خطبتها التاريخية في مسجد النبي صلی الله علیه و آله بحضور جمع كبير من المسلمين، وأدانت خلافة أبي بكر وعمر ثم لما صادروا منها مزرعة فدك، أدانت عملهم وطالبت بها وبما صادروه من إرثها من النبي صلی الله علیه و آله .

ثم قاطعت أبا بكر وعمر ولم تكلمهما الى آخر حياتها، وأدارت وجهها عنهما ولم تكلمهما بحرف عندما جاءا الى زيارتها واعتذرا عن مهاجمة بيتها! فهذه القضية فيها عدة مسائل عقيدية وفقهية ...

منها: هل أن فاطمة الزهراء علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة، ولا يمكنكم أن تقولوا إنها أخطأت لأنها لم تبايع أبا بكر، وماتت ميتة جاهلية، لأن من مات وليس في عنقه بيعة مات موتة جاهلية ؟!

ومنها: هل تكون بيعة أبي بكر وعمر بيعة شرعية، بعد أن شهدت سيدة نساء أهل الجنة بأنها خيانة ؟!

ومنها: لماذا أوصت فاطمة علیها السلام وأصرت على أن تدفن خفية، ولا يشارك في جنازتها أبو بكر ولا عمر وأنصارهما ؟!! ومنها .. ومنها . . . الخ .

القضية الثانية: موقف السلطة من المنح التى كان أعطاها الرسول للمسلمين في حياته صلی الله علیه و آله، وهي إقطاعات كثيرة وردت تسمياتها فى مصادر السيرة والفقه، وقد تركتها السلطة بأيدي أصحابها ولم تصادر منها شيئاً .. بينما صادرت كل ما كان أعطاه لأهل بيته خاصة، وعمدة ذلك مزرعة فدك من يد فاطمة علیها السلام وعلي علیه السلام !!

ص: 295

القضية الثالثة: موقف السلطة من التشريع الاسلامى المجمع عليه، الذي يحرم الصدقات والزكوات على أهل بيت الرسول صلی الله علیه و آله، ويشرع لهم بدلها الخمس .. فلماذا حرمت السلطة أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله من حقهم الشرعي في ميزانية الدولة، وجعلتهم بلا مورد من الخمس والزكاة ؟!!

فمسألة فدك أيها الأخ، إنما هي مفردة واحدة من سياسة الدولة الاقتصادية في اضطهاد أهل بيت نبيهم بمجرد رحيله الى ربه !! ثم مفردة من سياستهم الكلية، التي بدأت بترك جنازة النبي بين أيدي أهل بيته، وتشكيل اجتماع السقيفة بدون مشورتهم، ولا دعوتهم اليه، ولا إخبارهم به !! ثم بإجبارهم على الاختيار بين بيعة أبي بكر أو إحراق بيتهم عليهم أو قتلهم !! بالله عليك لوأن بلداً في عصرنا أجرى انتخابات وأجبر الناخبين على انتخاب مرشحه الوحيد، تحت طائلة الاعدام لكل من يمتنع، هل يكون ذلك عملاً شرعياً، وهل تكون رئاسته شرعية ؟! إن الاستثناء الوحيد من الخلفاء الذي أعطى للمسلمين حريتهم فى بيعته وعدمها، هو علي بن أبي طالب، وكل من عداه ترافقت بيعته بالاجبار ومصادرة حريات المسلمين ! أما مسألة فدك فهى تشمل مسائل عديدة أيضاً:

المسألة الأولى: هل أن مزرعة فدك إرث أم أنها كانت منحة أعطاها النبي صلی الله علیه و آله فى حياته لفاطمة علیها السلام واستلمتها وجعلت عليها وكيلاً واستغلتها سنة أو سنتين في حياة النبي صلی الله علیه و آله ؟!! نحن نثبت أنها كانت بيدها، واليد على الشئ علامة الملكية فى الشريعة الاسلامية، وفي كل قوانين الدنيا، وأن أبا بكر صادرها، وعليه هو أن يأتى ببينة على جواز مصادرة ملكية شرعية صحيحة تحت يد مالكها، حتى لو كان هذا شخصاً عادياً وليس بنت أعظم رسول صلی الله علیه و آله التي نزل الوحي عليه بأنها سيدة نساء العالمين؟!

ص: 296

ومن العجيب أن سياسة أبي بكر كانت بمكيالين، فلم يصادر شيئاً من المنح وإقطاعات الأراضي التي كان منحها الرسول صلی الله علیه و آله لكثيرين في المدينة وخارجها، بل أبقاها في أيديهم، ولم يطالبهم بدليل إثبات عليها كما طالب فاطمة علیها السلام ؟!!!

الثانية: أن القرآن ينص على قانون الإرث، وتشريعات الاسلام عامة شاملة للرسول وغيره، إلا ماخرج منها بدليل، مثل حق الرسول فى الزواج بأكثر من أربع زوجات .. فأين الدليل هنا على استثناء الرسول صلی الله علیه و آله من قانون الإرث ؟! إنه لايوجد دليل إلا مارواه أبو بكر وأجاب به فاطمة الزهراء علیها السلام ! ولم يروه أحد غيره من المسلمين أبداً !! حتى أن الهيثمى اعترف فى مجمع الزوائد مجلد 9 ص 40، بأن روايتهم الأخرى للحديث عن غير أبي بكر وهي في الطبراني الأوسط في طريقها (الفيض بن وثيق) وهو كذاب ! ولهذا السبب تجد بحثاً في علم الأصول اسمه: (هل يجوز نسخ القرآن أو تحصيصه بخبر الواحد ؟) لأن رواي النسخ أو التخصيص لتشريع الإرث هو أبو بكر وحده !! وهنا يحق للمسلم أن يسأل: هل يعقل أن النبي صلی الله علیه و آله لم يخبر أهل بيته ولا أحداً من المسلمين بأن الأنبياء مستثنون من قانون الإرث وخص بذلك أبا بكر وحده فقط وفقط ؟!

أم هل يعقل أن فاطمة علیها السلام تعرف ذلك وتطالب بما ليس لها بحق وتريد أن تطعم أولادها المال الحرام وفي طليعتهم سيدا شباب أهل الجنة ؟!! أو تريد أن تسرق لهم من أموال المسلمين ؟!!

إن كل واحد من هذه المسائل والقضايا فيها بحوث.. فأرجو أن تقرأ أكثر، ولا تستعجل بالأحكام .. ولاتخلط بين إرث الزوجة من الأرض وإرث البنت !! ولابين عدم اهتمام الأنبياء بالتوريث المادي الوارد في رواياتنا وبين تحريم

ص: 297

توريثهم ماتركوه لورثتهم، ومصادرة ماكانوا وهبوه لهم!! وأضيف لك: إن من الأدلة الواضحة على أن مطالبة الزهراء علیها السلام بفدك كانت رمزاً للخلافة:

أولاً: أنها وجميع المسلمين يعرفون أنها أول أهل بيت النبي علیهم السلام لحوقاً به، وذلك بإخبار النبي صلی الله علیه و آله إياها، ومن كانت بهذا المقام والحالة، ماذا تصنع بفدك وغير فدك .

ثانياً: أن سبب تشدد أبي بكر وعمر في ردها وتكذيبها ورد شهودها، أنهما خافا إن أعطياها اليوم فدكاً وقبلا أنها صادقة لا تكذب، كما شهدت عائشة، فقد تطالبهما غداً بالخلافة وتشهد أن علياً علیه السلام وصي النبي الشرعي الرسمي من يوم الغدير، وأنهما خانا الله ورسوله !!

ثالثاً: عندما سأل هارون الرشيد الامام الكاظم علیه السلام عن حدود فدك ليرجعها لهم، أجابه بأن حدودهاحدود الدولة الاسلامية كلها ! وليتك فهمت قصد الإمام الكاظم علیه السلام بدل أن تهزئه وتسخر منه ! بل ليت هارون الرشيد سلَّم الخلافة المغصوبة الى أهل البيت النبوي المطهرين، إذن لتغير مسار التاريخ، ولما ضيعها أولاد هارون حتى وصلت الى السلاجقة والمماليك، ثم الى العثمانيين وانتهت بذلةعلى أيديهم في استانبول، وصارت بلاد المسلمين بأيدي الغربيين والشرقيين!!

- قال العاملي: قامت شبكتهم بحذف هذا الرد وغيره وأبقت الموضوع!

ص: 298

محاولاتهم تبرير ظلم أبي بكر بتضييع فدك بين النحلة والارث !

- كتب المدعو جاكون في شبكة الموسوعة الشيعية، بتاريخ 2-4-2000، الثانية عشرة صباحاً، موضوعاً بعنوان (سؤال الى الاخوة الشيعة بشأن وضع فدك)، قال فيه:

هل فدك نحلة نحلها رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ابنته فاطمة

الزهراء علیها السلام ؟ أم كانت إرثاً ؟

- فكتب العاملي في 2-4-2000، الثانية عشرة والنصف ظهراً:

كلاهما .. فأنت قد تهب لولدك في حياتك وتقول له: يابني سوف ينازعونك فاستلم من الآن لتكون صاحب يد، وإن رفض القاضي تصديقك فخاصمه بالشهود، فإن رفض الشهود، فخاصمه بالإرث .

- وكتب أبوالصراحة في 2-4-2000، الثانية عشرة والنصف صباحاً:

أحسنت يا العاملي . أغلقت جميع الأبواب عليه . إلعب غيرها يا جاكون .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 2-4-2000، الواحدة صباحاً:

وما زلت كما عهدتك ياجاكون ناصبي .. والظاهر أنك تموت على نصبك للزهراء علیها السلام ! وما زلت متمسكاً بافتراءاتك على سيدة نساء العالمين سلام الله عليها.

يا ويلك يالناصبي من غضب الله ورسوله صلی الله علیه و آله !!

- وكتب جاكون بتاريخ 3-4-2000، الواحدة والنصف صباحاً:

ص: 299

أنت قلت إنها هبة الى فاطمة علیها السلام أصلاً، ثم قال الرسول كذا لكي يكون كذا أين الدليل ؟ أم أنه مجرد احتمال .. ثم قلت إنها تنازلت عن الهبة الى تقاسم الهبة مع الورثة الآخرين . إن القول بالإرث والقول بالهبة لا يجتمعان بمنطق العقلاء . كما أنه لايستوي احتراز الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك مع علمه بالغيب، وعلمه بهضم حقها مستقبلاً عندكم، فإن كانت فدك حلالاً صرفاً لها لا يشاركها فيه أحد .. فلم كان رجوعها الى شخص لا تعترف بسلطته عليها أصلاً، ولكي يفعل ماذا ؟! هل تمكن بنو هاشم وباقي سكان المدينة من رضا الخليفة الجديد عليهم لتثبيت أملاكهم وعقارهم ؟ وهل أرسل هذا الخليفة زبانيته الى خيبر، أم اعترض طريق غلتها إليها في أول يوم من خلافته لكي تذهب إليه .

والآن .. عود لذي بدء ... هل كانت هبة أم إرثا ؟

- وكتب عمر بتاريخ 3-4-2000، الثانية صباحاً:

(ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب). سورة الحشر- آية 7 .. السؤال: هل يجوز للرسول صلی الله علیه و آله أن يهب مال الله وذي القربى وابن السبيل واليتامى لشخص واحد ؟ أعتقد بأن من يدعي بأنه وهبها فإنه ينتقص من الرسول صلی الله علیه و آله ! هذا ما أعتقده أنا بعد الرجوع للآية . الرجاء التوضيح لمن له رأي آخر، مع الاعتذار للمداخلة .

- وكتب سجاد بتاريخ 5-4-2000، الثالثة والثلث صباحاً:

أخي العزيز الفاطمي حفظك الله. هذه بعض الأدلة من كتبهم على إعطاء النبي صلی الله علیه و آله السيدة فاطمة الزهراء علیها السلام فدكاً:

ص: 300

السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى:وآت ذا القربى حقه، قال: (وأخرج البزار وأبو يعلى وابن أبي الحاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت هذه الآية: وآت ذا القربى حقه، دعا رسول الله فاطمة علیها السلام فأعطاها فدكاً .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت: وآت ذا القربى حقه، أقطع رسول الله صلی الله علیه و آله فاطمة علیها السلام فدكاً) .

الهيثمي في مجمعه: 7 / 49 قال: عن أبي سعيد قال لما نزلت: وآت ذا القربى حقه، دعا رسول الله فاطمة علیها السلام وأعطاها فدكاً) . رواه الطبراني وذكره الذهبي أيضاً في ميزان الاعتدال:2/ 228، وصححه المتقي في كنز العمال:2/ 158: عن أبي سعيد قال: لما نزلت: وآت ذا القربى حقه، قال النبي صلی الله علیه و آله: يافاطمة علیها السلام لك فدك) أخرجه الحاكم في تاريخه وابن النجار .

أحببت التنويه الى هذه المصادر . وعفواً للمداخلة .

- فكتب الفاطمي بتاريخ 5-4-2000، الثالثة والنصف صباحاً:

أخي العزيز سجاد سلمك الله تعالى .. وهل يعترفون ؟! نورد لهم من البخاري وغيره ولا يصدقون، وأعتقد لو أن خير خلق الله صلی الله علیه و آله يخبرهم يوم القيامة إن فدكاً للزهراء سلام الله عليها، فسوف يشككون به وبقوله وهل تعرف لماذا ؟! ويوم يعض الظالم على يديه . . .

السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب جاكون بتاريخ 5-4-2000، العاشرة ليلاً:

ص: 301

الصحيح عند أهل السنة: هو أنها جاءت تطلب إرثاً، وغير ذلك ضعيف عقلاً ونقلاً، لكن يبدو أنكم تقولون بالأعطية، ولكي نقطع الشك باليقين هذا سؤال بسيط لكي نحدد موقف مذهبكم في القضية وإجابته كلمة واحدة لا تتعداها: هل كانت فدك هبة أم إرثاً ؟ ولكم الشكر مقدماً .

- وكتب أبو سمية بتاريخ 7-4-2000، الثانية عشرة ظهراً:

الصحيح عندكم وعندنا وكما أورده الأخوة المؤمنون أعلاه أنها عطية. ولكن الاستيلاء عليها بعد الاستيلاء على الخلافة، لكي لا تكون مصدر تموين لثورة متوقعة، جعلهاتذهب الى أبي بكر لتستردها وفعلاً استردتها منه، ولكنها في طريق العودة لقيت عمر في الطريق فأخذ الكتاب منها وبصق فيه ثم مزقه ! ثم حصلت رواية تلك الرواية فهل نسيها أبوبكر قبلاً أم ماذا؟! (راجع نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 16 ص 388 طبعة الأعلمي) . .

والمعلوم أن أحكام أبي بكر كانت تخضع للضغوط . أليس هو القائل (إن لي شيطاناً يعتريني . .) الصواعق المحرقة: ص7 . الامامة والسياسة: ج1 ص6 نور الأبصار ص53 . ولا ندري من شياطين الجن كان أم الانس !

نعم فاتني أن أذكر أنها لما استنفذت السبل في الحصول عليها، طالبت بها كإرث فتذكر أبو بكر الحديث ! ثم حصل ماحصل .. وهذا ما أورده أخونا العاملي سدد الله تعالى خطاه من البداية..راجع . . والسلام .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 7-4-2000، الثانية عشرة والثلث ظهراً:

وهل كانت الزهراء علیها السلام صادقة في دعواها، أم لالالالالا ؟ وما هو موقف مذهبكم من دعواها ومطالبتها علیها السلام بفدك ؟ نريد جواباً، واترك عنك أسطوانتكم

ص: 302

المشروخة، ولا تطعنوا بها وبأبيها صلوات الله وسلامه عليهما، نريد جواباً ... وهل تريد النقاش ؟ وهل تثبت ولا تهرب كما فعلتها من قبل؟

والرجاء أن تكفوا عن طعنكم في الزهراء علیها السلام، لأن الله يغضب لأبيها ولها صلوات الله وسلامه عليهما، ولن تفلحوا بعدها أبداً . والنصيحة اليوم ببلاش . . ويوم يعض الظالم على يديه . . .

السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام

- وكتب خالد 78 بتاريخ 7-4-2000، الثانية ظهراً:

لطالما تساءلت حين أقرأ القصص عن فدك وغيرها التي تمس أحد أطهر الخلق سيدة نساء العالمين في أغلب الروايات، كيف حصلت سيدة نساء العالمين على هذا اللقب .. هل هو بنوتها للرسول الأعظم .. زواجها من رافع لواء الحمد .. أم صلاة وتقوى وحب لله وغيرها من صفات الأخيار .. لكننا لو قرأنا أغلب القصص التي تحكى عما حدث من خرافات .. فإنه لشئ يخجل منه أضعف الضعفاء ولا يرضى به العامة من المسلمين لأهلهم . ولو قرأنا أعدل وأخف الروايات فإن الإنسان يتساءل: لما كل هذا .. لما كل هذا الفرقة بين المسلمين والشتم والسباب، من أجل أرض من أجل مال من أجل عرض دنيا .. هل هذه هي أخلاق الأنبياء وآل الأنبياء ؟

أطهر الخلق هل هذا ما تعلمته من مدرسة النبوة .. وعندما طلبت خادماً علمها أباها التسبيح وقسم العمل بينها بين زوجها وغيرها من التضحيات التي كان الرسول قدوتهم، وكانوا هم قدوة الناس كيف هذه القدوة التي من أجل أرض تسبب كل هذا .. هل هذا هو الإرث الذي يطالبون به ويفاخرون به الناس.. حاشاهم هم أطهر من ذلك وأنبل .. إن ما حصل لو حصل هو سوء تفاهم أو

ص: 303

لنقل اختلاف في وجهات النظر وانتهى . لكن أبى المغرضون إلا أن يشقوا وحدة الأمة بمثل هذه وتلك الشبهات، وهي فتن من عند الله حمانا الله منها أجمعين . أين هذا من مريم بنت عمران حين سألها زكريا … فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب - آل عمران 37 .. مريم تربت بين يهود وانظر ماذا قالت .

الزهراء علیها السلام أحرى من أن تتوكل على الله، فقد تربت في خير كنف هل كانت تريد ملكاً وسلطاناً وجاهاً ومالاً . هل كانت تخاف الفقر، أو أرادت أن تضمن مستقبل أولادها مستحيل… حاشا لله من هذا الإفتراء .

- فكتب الفاطمي بتاريخ 7-4-2000، الثانية والثلث ظهراً:

نريد منك موقفاً واضحاً ياخالد، وبدون لف ودوران .. نريد الإجابة على هذا السؤال: هل كانت الزهراء علیها السلام صادقة في دعواها أم لالالالالا ؟؟؟ وما هو موقف مذهبكم من دعواها ومطالبتها علیها السلام بفدك ؟ والرجاء أن تكفوا عن طعنكم في الزهراء علیها السلام، لأن الله يغضب لأبيها ولها صلوات الله وسلامه عليهما ولن تفلحوا بعدها أبداً .

والظاهر ياخالد لم تلتفت إلى السطرين الأخيرين.. فتنبه ودير بالك !!

السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب خالد 78 بتاريخ 7-4-2000

، الخامسة مساءً:

ما هذا ؟ إرهاب فكري ؟!

يا أخي هذا المنتدى لطرح الأفكار ولتبادل الأراء . إنها وجهات نظر، إن أعجبك أو لم يعجبك لا ترد، لا أحد يستطيع أن يجبر أحداً على شئ . إعتبر أن

ص: 304

هناك من يبحث عن أين الحقيقة وأين الواقع . إعتبرني جديد على هذه المواضيع فقرأ ما قرأ ثم استنتج ما استنتج من خلال مشاهدتي لمجريات الأمور، فإن الرسول وصحابته خصوصاً أهل بيته هم قدوة ومحاسبون على كل عمل أمام الناس، لأنهم يقتدون بهم، فكنت دائماً أفكر ما الحكمة من تصرف الزهراء علیها السلام، وما هو الدرس الذي نتعلمه، وما هي القدوة هذا ما قصدته أعلاه . رأي أهل السنة الذي أنا من مقتنعيه أن السيدة الزهراء علیها السلام طيب الله ذكراها وعلى أبيها وعليها أفضل الصلوات والسلام، ذهبت لتطالب بما رأت أنه حقها . الخليفة الأول مع حبه لبنت حبيبه رسول الله أكثر من نفسه إلا أنه رأى أن هذا ليس لها، ولن ولن يحابي في دين الله أحداً .

إنه امتحان وفتنة، فنجحت هي ونجح هو في الإمتحان، وسقط المغرضون في الفتنة . وانتهى الموضوع على هذا . وكل ما زيد على ذلك هو من خيالات المغرضين .. كلام عندي أقوله لوجه الله، ولا أريد أن أدخل في تبادل صفحات من أحاديث من عندك لا أومن بها، ولا أحاديث عندي أنت غير مؤمن بها والسلام .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 7-4-2000، الثامنة مساءً:

أخينا خالد: السلام عليكم . . رد بسيط وموجز: قلتَ: لا أريد أن أدخل في تبادل صفحات من أحاديث من عندك لا أومن بها، ولا أحاديث عندي أنت غير مؤمن بها .

أقول: ألا تؤمن بأحاديث الصحيحين، والأحاديث الصحيحة من الكتب الأخرى إذا أوردناها لك ؟ وهل تقبل بالنقاش حول ما قلته أنت في ردك الأخير في صفحة مستقلة ؟ جواب فقط .

ص: 305

السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب خالد 78 بتاريخ 7-4-2000، التاسعة مساءً:

أعتذر . لن أبدأ شيئاً أراه كل يوم بدون نهاية. تفسيرات بأسلوب وتأويلات عجيبة . قال التاريخ ما عنده ونحن جميعاً شهود، كل على مايرى وكل حسب تفكير عقله الذى وهبه إياه الله . وأنا أحترم وجهة نظرك وإيمانك القوي ودفاعك عن وجهة نظرك، لكن لن أدخل في جدل عقيم . لقد أوفى العلماء هذه المواضيع حقها من النقاش .

أنا قلت فقط وجهة نظر باختصار وبساطة بعدما قرأت وشاهدت وسمعت مئات النقاشات، وشكراً على لطفك . والسلام .

- وكتب جاكون بتاريخ 7-4-2000، الحادية عشرة ليلاً:

الحق أن الشيعة يثيرون قضية فدك من أجل الإثارة فقط،فهم طوال التاريخ يريدون أن يثبتوا رأيهم بأكثر كمّ من الأدلة وإن كانت متعارضة وغير منطقية . ولقد ذكر الحلي في منهاج الكرامة أدلة الهبة والإرث معاً فقد ذكر (ومنع أبوبكر فاطمة علیها السلام إرثها، فقالت: يا ابن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي .. (منهاج السنة 2/223) ثم ذكر (أن أباها رسول الله وهبها فدك!!) فرد ابن تيمية (إن ما ذكر من إدعاء فاطمة علیها السلام فدك فإن هذا يناقض كونه ميراثاً لها، فإن كان طلبها بطريق الإرث امتنع أن يكون بطريق الهبة، وإن كان بطريق الهبة امتنع أن يكون بطريق الإرث. (منهاج السنة 2/236) . ومثل هذا الكلام يعيده الشيعة الى عصرنا هذا، وفي هذا المنتدى مما يحير العقول فعلاً ؟؟ فأين الرابط بين الاثنين ؟ فأدلة الإرث النقلية والعقلية لم تذكر ولم تنقل شيئاً عن الهبة . وأدلة

ص: 306

الهبة العقلية والنقلية إن صحت لم تذكر الإرث ! وأنا أعيد السؤال ذاته .. هل فدك إرث أم هبة ؟ هل من مجيب ؟

- وكتب أبو سمية بتاريخ 8-4-2000، الواحدة ظهراً:

السلام عليكم .. يا أخ خالد (قل من حرم زينة الله . . .) هذا فيما يخص قولك بأن هذا من عرض الدنيا. فهل سكوتها عن حقها يجعلها عابدة و . . . وإذا طالبت به يكون عرض الحياة الدنياً . .

ثم قولك: أنها رأت حقها فذلك يكون تكذيباً لحديث الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله حول رضاه من رضاها وبالتالي من رضا الله تعالى . راجع ذلك في مصادركم .. فتكون القضية تابعة الى الهوى العياذ بالله .

أما القول بأنها مجرد إثارة .. فهذا غير صحيح لأننا بصدد بحث صلاحية أناس لتولي أمر المسلمين أم لا.. ثم الارهاب الذي عومل به الآل عليهم صلوات الله تعالى .. على كل حال الدليل على أنها هبة ..

الآيات التي أوردت أعلاه (وآت ذا القربى ..) ولو لم تصادر لم تأت لتطالب بها فهذا لايعقل.. ولو كانت المسألة مسألة أموال فهي فداك وفدى أبي بكر وغيره! ولكن المسألة مسألة حق صغيراً أو كبيراً .. فاطمة سلام الله تعالى عليها أم غيرها . ولو كان ذلك لعائشة، أي حقها لدافعنا عنه .. والله تعالى من وراء القصد .

- وكتب المدعو جاكون في الموسوعة الشيعية، بتاريخ 7-2-2000، الخامسة والنصف صباحاً، موضوعاً بعنوان (فدك بين رأيين)، قال فيه:

اختلف الشيعة في طلب فاطمة علیها السلام ميراثها من النبي صلی الله علیه و آله الى أبي بكر .

ص: 307

الرأي الأول: فدك هي إرث من النبي صلی الله علیه و آله لفاطمة علیها السلام، وهنا فالخبر متواتر عن الرسول وواضح في عدم توريث الأنبياء. 1 - أنا لا نورث ما تركنا صدقه 2 - ما تركنا صدقة . 3- ما تركنا فهو صدقة . 4- إنا معاشر الأنبياء لا نورث . فوجَدَت فاطمة علیها السلام لأنها استدلت بالعموم في قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) وغير ذلك، إلا أن الصديق رضي الله عنه استدل بخصوص حالتها رضي الله عنها وأرضاها.

وأهل السنة في هذه المسألة لايبحثون عن عذر لأبي بكر، وإنما يبحثون عن عذر لفاطمة علیها السلام، لأن الحديث صحيح متواتر رواه كل من: 1- أبوبكر . 2- عمر . 3- عثمان . 4- علي علیه السلام . 5- العباس . 6- عبد الرحمن بن عوف . 7- سعد بن ابي وقاص . 8- الزبير بن العوام . (البخاري -كتاب الخمس -باب فرض الخمس وأيضاً مسلم - كتاب الجهاد والسير) .

وقالوا غضبت على أبي بكر .. قلنا ما يضر أبا بكر إن غضبت عليه فاطمة علیها السلام إن كان الله رضي عنه، فقد قال الله تعالى (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) فمن رضي الله عنه ورضي عنه الرسول لا يضره غضب من غضب !

الرأي الثاني: هبة من الرسول صلى الله عليه وسلم لفاطمة علیها السلام . وهو القول أنها هبه وهديه من النبي صلی الله علیه و آله وهبها وأهداها لفاطمه يوم خيبر . فهذا غير صحيح بل الصحيح أن فاطمة علیها السلام طلبت فدك من باب الإرث لا من باب الهبة . إن بشير بن سعد لما جاء الى النبي صلی الله علیه و آله فقال: يارسول الله إني قد وهبت ابني حديقة وأريد أن أشهدك . فقال النبي صلی الله علیه و آله: أكل أبنائك أعطيت ؟ قال: لا . فقال: اذهب فإني لا أشهد على جور . (رواه مسلم – كتاب الهبات رقم 14) . فسماه جوراً ذلك أن يفضل بعض الأولاد على بعض . فهذا النبي الكريم الذي

ص: 308

لايشهد على جور هل يفعل الجور أبداً، صلوات الله وسلامه عليه بل نحن ننزه الرسول صلى الله عليه وسلم وفاطمة علیها السلام كما يدعون وهبها فدك في أول السنه السابعة وزينب بنت الرسول صلی الله علیه و آله توفيت في السنه الثامنة وأم كلثوم بنت النبي صلی الله علیه و آله في التاسعة (سير أعلام النبلاء) وعلى الأمرين فالقول ساقط.. لا إرث ولا هبة . فلو فرضنا أن فدك لفاطمة علیها السلام على أي من القولين فإلى من تذهب فدك بعد موتها ؟! فعلى مذهب الشيعة لا ترث، فلو كانت فدك إرثاً فما كان لفاطمة علیها السلام منها شئ لأنها عقار (فروع الكافي 7/129) .

أما عندنا .. فتذهب الى الورثة لعلي علیه السلام الربع وللحسن والحسين وزينب وأم كلثوم الباقي (للذكر مثل حظ الانثيين) ولما استخلف علي علیه السلام لم يعط فدك لأولاده. فهل كان الخلفاء الأربعه ظالمين ؟ لا .. فنحن ننزههم جميعاً .

ويروون أنها لما منعت فدك ذهبت الى قبر أبيها تشتكيه، وهذا غير صحيح ولا يليق بها … ونحن نجل فاطمة علیها السلام ونقول أنها لا تشكو بثها وحزنها إلا الى الله، كما قال النبي يعقوب عليه الصلاه والسلام (إنما أشكو بثي وحزني الى الله) . والسلام عليكم ورحمة الله . اللهم صل على محمد وآل محمد .

- فكتب الفاطمي بتاريخ 9-2-2000، الخامسة صباحاً:

الناصبي جاكون: قلت: ففاطمة علیها السلام لما قبلت منه هذا العذر حاول أهل السنة أن يبحثوا عذراً لفاطمة علیها السلام .

أقول: من أين أتيت بقولك هذا (لما قبلت منه هذا العذر)؟! هل لديك مصدر صحيح ولو من كتبكم ؟وهل استمرأت الكذب على سيدة نساء أهل الجنة ياناصبي ؟! وهل قبولها عذره بغضبها عليه ومهاجرتها له حتى وفاتها ؟! وهل من مصاديق قبولها عذره أن تطلب سلام الله عليها أن تدفن ليلاً وأن لا

ص: 309

يصلي عليها ؟! وهل تحاولون أن تجدوا العذر لسيدة نساء أهل الجنة سلام الله عليها ؟!

باب 61: قال رسول الله صلی الله علیه و آله (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة) رواه البخاري الجزء الخامس ص96 كتاب فضائل أصحاب النبي طبعة دار القلم .

قلت: وقالوا غضبت على أبي بكر قلنا ما يضر أبا بكر إن غضبت عليه فاطمة إن كان الله رضي عنه .

أقول: وهل يضره إذا غضب عليه رسول الله صلی الله علیه و آله، أم لألألأ ؟ ممكن جواب؟!

قلت: وهو القول أنها هبة وهدية من النبي صلى الله عليه وسلم وهبها وأهداها لفاطمة علیها السلام يوم خيبر . فهذا غير صحيح . بل الصحيح أن فاطمة علیها السلام طلبت فدك من باب الإرث لا من باب الهبة .

أقول: وروى البخاري عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: أن فاطمة علیها السلام والعباس علیهما السلام أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم . (وهما يطلبان أرضهما من فدك وسهمهما من خيبر) كتاب الفرائض، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركناه صدقة، ج 8، ص 551 . فهل تستطيع أن تقرأ (وهما يطلبان أرضهما من فدك وسهمهما من خيبر) . فكيف يطلبان ما ليس لهما ؟ فمصداقاً لهذه الرواية من البخاري، ومن قول أم المؤمنين عائشة إن الرسول صلی الله علیه و آله أعطاها فدك أي ملَّكها فدك . فهل تريد يا جاكون أن تكذب هذه الرواية ؟

قلت يا جاكون: فعلى مذهب الشيعة لا ترث، فلو كانت فدك إرثاً فما كان لفاطمة علیها السلام منها شئ لأنها عقار (فروع الكافي 7/129) .

ص: 310

أقول: يالفاروق وبعدين تزعل إذا قلنا جاكون الكذاب، ومن قال من الشيعة إن فاطمة الزهراء سلام الله عليها لاترث ؟! وهل تقصد روايات الكليني عن المرأة ؟ إذن إقرأ ما معنى المرأة بالميراث، وهل تعني (المرأة) غير الزوجة ؟

قال المجلسي في مرآة العقول (شرح الكافي)، باب أن النساء لا يرثن من العقار شيئاً . كتاب المواريث ج 23، ص 187. وقال في المسالك: اتفق علماؤنا إلا ابن جنيد على حرمان (الزوجة) في الجملة من أعيان التركة . وقال المجلسي في ص 188: وأما من يحرم من (الزوجات) فاختلف فيه أيضاً) . فهل عرفت معنى والمقصد من كلمة المرأة في المواريث ؟! ففاطمة الزهراء علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وليست إمرأته، فلا ينطبق عليها هذا الحكم لأنه مخصص للمرأة، والتي هي الزوجة يا ناصبي . ولكي تفهم المقصود من كلمة (المرأة) في المواريث راجع صحيح البخاري، كتاب الفرائض، فقد أفرد البخاري باب أسماه (ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره) ج 8، ص 556، ط / دار القلم. وأفرد باباً آخر أسماه (ميراث البنات) ج 8، ص 554، ط / دار القلم . وإذا كان المقصود من كلمة المرأة هو البنت … فلماذا أفرد البخاري باب أسماه ميراث البنات ؟!

وراجع فتح الباري.كتاب الفرائض / باب11 ح6740 ص30 ج 12 طبع دار السلام، الرياض ولنا عودة يا جاكون …

وإلى الفقيه: الرد جاهز وتنقصني إحدى المصادر، وإن شاء الله سوف ترى الرد الليلة بحول منه. السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 10-2-2000، التاسعة مساءً:

ص: 311

أين أنت يا ناصبي ؟؟ ولماذا تنشر افتراءاتك بخصوص الزهراء سلام الله عليها ثم تتهرب من النقاش ؟ لولا أنك تريد فقط الطعن بها سلام الله عليها ! ولنرى يوم الحشر عندما ينادي المنادي (يا أهل المحشر غضوا أبصاركم) وتكون الزهراء علیها السلام وأبوها صلوات الله وسلامه عليهما خصميك . وعندها سوف تعرف هل نفعتك افتراءاتك على الزهراء

سلام الله عليها !

ويوم يعض الظالم على يديه .

السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب فراتفي شبكة الموسوعة الشيعية في5-2-2000، السادسة مساءً، موضوعاً بعنوان (فدك هل هي ميراث أم نحلة ؟)، قال فيه:

عندما نقرأ التأريخ نجد أن الخليفة الأول منع فاطمة علیها السلام من فدك وضمها الى أموال المسلمين وادعى أن رسول الله قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة . ولكن الذي نسوه أن فدك لم تكن حقاً للزهراء علیها السلام بعد وفاة أبيها حتى يقال ذلك، بل أعطاها إياها في حياته كما هو معلوم عند الشيعة، وكما أخرجه: السيوطي في الدر المنثور في تفسير قوله تعالى (وآت ذا القربى حقه) في سورة الإسراء. قال: وأخرج البزار وأبو يعلى وأبن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله فاطمة علیها السلام فأعطاها فدكاً . وقال: أخرج أبن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت: وآت ذا القربى، أقطع رسول فاطمة سلام الله عليها فدكاً . كما أخرجه الهيثمي في مجمعه (ج 7 ص 49) قال عن أبي سعيد: قال: لما نزلت (وآت ذي القربى حقه) دعا رسول الله فاطمة علیها السلام فأعطاها فدكاً . والذهبي في ميزان الإعتدال ج

ص: 312

2 ص 228 وصححه . وكذلك أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ج 2 ص 158 عن أبي سعيد . والطبري في تاريخه، والحاكم في تاريخه وابن النجار . فالصحيح هذا بعد أن بينّا أنه أصبح حقاً لها أثناء حياته صلی الله علیه و آله .

- وكتب المعتز بالله بتاريخ 6-2-2000، الخامسة مساءً:

الأخ الفاضل فرات، السلام عليكم ..

عجباً لكم أيها الشيعة . فقط سمعنا الكثير من كتابكم يؤكدون على أنها ميراث ويستدلون لذلك بروايات شيعية من عندكم تؤكد أن الزهراء علیها السلام ادعت ميراثها من رسول الله صلی الله علیه و آله واستشهدت بقوله تعالى: (وورث سليمان داود) وهذا هو الذي حدا بالصديق أن يقول لها: نحن معاشر الأنبياء لا نورث . ثم تأتي وتقول أنها نحلة . فما الذي عدا مما بدا ؟!

- فكتب عمار بتاريخ 6-2-2000، الثامنة مساءً:

بل عجباً منك تطعن بالقرآن وبالصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين وعلي سلام الله عليه والعباس، وتتمسك بمقولة أبي بكر الذي قال إن له شيطاناً يعتريه ! أم تنكر أنهم طلبوا حقهم ومنعوا منه ؟!

- وكتب الموسوي بتاريخ 6-2-2000، الحادية عشرة ليلاً:

الزميل المعتز بالله .. هذا مقطع من ردي على الزميلين محمد إبراهيم وعبدالله الحوت فيه إجابة على كلامكم:

إن مطالبة الزهراء علیها السلام لحقها في فدك كانت على ثلاثة مراحل، وعندما كان الخليفة أبو بكر يرفض دعواها في المرحلة الأولى فإنها كانت تنتقل إلى المرحلة التي بعدها، وهذا أسلوب شائع في المطالبة بالحق .

ص: 313

يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة ج 16 ص 230: (واعلم أن الناس يظنون أن نزاع فاطمة علیها السلام أبابكر كان في أمرين: الميراث والنحلة، وقد وجدت في الحديث أنها نازعت في أمر ثالث، ومنعها أبو بكر إياه، وهو سهم ذوي القربى) . انتهى .

وتقريباً للفكرة، لو أن الأب خص أحد ابنيه بأحد أملاكه قبل الوفاة، ثم بعد وفاته استولى أخوه علىهذا الملك وتصرف فيه تصرف الملاك، فإن الابن الموهوب إليه سيسعى إلى إثبات أحقيته في الملك، وإذا رفض القاضي دعواه فإنه سينتقل إلى المطالبة بحقه كشريك في الإرث، ومطالبته بالإرث لا تعني منه إقراراً بأن الملك ليس له، ولكنه محاولة لاستنقاذ أي حق له في هذا المال . والغرض من إثارة هذه النقطة هو دفع توهم قد يعلق ببعض الأذهان من أن الزهراء علیها السلام إذا كانت تعتقد أن فدك قد نحلها النبي صلی الله علیه و آله في حياته فلم طالبت به من باب الإرث بعدوفاته. وللمزيد يمكنك الرجوع إلى الوصلة التالية:

http://shialink.org/muntada/Forum2/HTML/001532.html

- وكتب فرات بتاريخ 7-2-2000

، الرابعة عصراً:

الأخ الفاضل المعتز بالله .. السلام عليكم ..

إن قراءة النصوص قراءة مبتورة توجب الوقوع في كثير من الأرباك . فلو كنت قد تتبعت لوجدت إن الزهراء علیها السلام كانت تقول: (وزعمتم أن لاحظوة لي ولا إرث من أبي ولارحم بيننا) . وهذه العبارة تدل على أن من غصب فدكاً أدعى أنها ميراث وأخرجها من يد الوارث بدعوى أن الأنبياء لايورثون وماتركوه صدقة.. فالزهراء علیها السلام إذ تحتج بآيات الميراث، إنما ترد إدعاءاتهم بنفي التوارث بينها وبين أبيها صلی الله علیه و آله الرد إذن على ادعائهم لا استشهاداً لما تدعيه صلوات الله عليها .

ص: 314

ثم إن قولها علیها السلام: (زعمتم أن لاحظوة لي) هو الذي تريد أن تستدل به على مدعاها صلوات الله عليها من النحلة. ومن ثم باستدلالها على ثبوت الميراث بينها وبين الرسول تكون قد أسقطت حجة أبي بكر وأثبتت استحقاقها فدكاً، سواء كانت نحلة أو ميراثا ً. وقد اضطر أبوبكر مع حجةالزهراء علیها السلام الى التلميح بالقوة إذ قال: (هؤلاء المسلمون بيني وبينك، قلدوني ماتقلدت وباتفاق منهم أخذت ما أخذت) . الاحتجاج:1 /278 .

وشكراً للأخ الموسوي على تعليقه، وسوف أبعث لك أخي الكريم رسالة جوابية إنشاء الله . وشكري الى الأخ عمار .

- وكتب علي القاضي بتاريخ 9-2-2000، الخامسة مساءً:

الأخ المعتز بالله السلام عليكم .. إن فدكاً كانت نحلة وهكذا طالبت بها فاطمة علیها السلام ولم يصدقها أبو بكر في ذلك، كما يذكر الفخر الرازي في تفسيره . فلما مات رسول الله صلی الله علیه و آله ادعت فاطمة أنه كان ينحلها فدكاً، فقال لها أبو بكر: أنت أعز الناس علي فقراً وأحبهم إلي غنى لكني لا أعرف صحة قولك فلا يجوز أن أحكم لك) ج8 / 125 مفاتيح الغيب . لايصدق الزهراء سلام الله عليها ؟! عجباً لذلك !! وقد قال رسول الله لعلي علیه السلام (وأوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي) الرياض النظرة:2 /202 . وأن عائشة كلما ذكرتها فاطمة علیها السلام قالت: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها، إلا أن يكون الذي والدها) المستدرك:3 /16والاستيعاب:2 /751 وحلية الأولياء:2 /41هل أن سيدة نساء العالمين وأفضلهن بنص النبي صلی الله علیه و آله كما يذكر البخاري . . تكذب في أمور دنيوية لاقيمة لها ؟!!

ص: 315

- وكتب عنتر في شبكة منتدى الإصلاح بتاريخ 6-5-2001، الثالثة صباحاً، موضوعاً بعنوان (لماذا ورثت الحميراء، ولم ترث سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء علیها السلام ؟!! سؤال غير محرج !!)، قال فيه:

هذه الفقرة من أحد المواضيع في شبكة هجر للأخ المحمدي: (يروى أنه بينماكان أبو حنيفة بين جمع غفير يملي عليهم من فقهه وحديثه إذ مر عليه (فضال بن الحسن الكوفي) مع صاحب له فقال فضال لصاحبه: والله لا أبرح هذا المكان حتى أُخجل أبا حنيفة . فقال له صاحبه: إن أباحنيفة ممن قد علت حاله وظهرت حجته، فقال له فضال: هل رأيت حجة علت على حجة مؤمن ؟؟ ثم دنا من أبي حنيفه فسلم عليه فرد علیه السلام ورد القوم، فقال: يا أبا حنيفة إن أخاً لي يقول إن خير الناس بعد رسول الله صلی الله علیه و آله علي بن أبي طالب، وأنا أقول أبوبكر خير الناس وبعده عمر، فما تقول أنت ؟ فأطرق ملياً ثم رفع رأسه فقال:كفى بمكانهما من رسول الله صلی الله علیه و آله كرماً وفخراً، أما علمت أنهما ضجيعاه في قبره فأي حجة تريد أن أوضح من هذا ؟ فقال له: إني قد قلت ذلك لأخي فقال: والله لئن كان المكان لرسول الله صلی الله علیه و آله فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما بحق، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله صلی الله علیه و آله فقد أساءا وما أحسنا إذ رجعا في هبتهما ونسيا عهدهما .

فأطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال له:لم يكن له ولا لهما خاصة، ولكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما .

فقال فضال: قد قلت له ذلك فقال: أنت تعلم أن النبي صلی الله علیه و آله مات عن تسع نساء ونظرنا فكان لكل واحدة منهن تسع الثمن، ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو

ص: 316

شبر في شبر، فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك؟ . . . فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول الله صلی الله علیه و آله وفاطمة علیها السلام ابنته تمنع الميراث ؟!

فقال أبو حنيفة: يا قوم نحوه عني فإنه رافضي خبيث !

- وكتب عدو المشركين بتاريخ 6-5-2001، الرابعة صباحاً:

ذهبنا الى موقع هجر فوجدنا هذا السؤال (هل بيوت أزواج النبي صلی الله علیه و آله هي بيوت الرسول نفسه من ممتلكاته بعد وفاته؟

- فكتب عنتر بتاريخ 6-5-2001، الرابعة والربع صباحاً:

ماذا تعتقد أنت ؟!

- وكتب عدو المشركين بتاريخ 6-5-2001، السابعة صباحاً:

اعتقد أن " عبلة " لن تقبل بجبان لا يعرف الجواب مثلك .

- فكتب عنتر بتاريخ 7-5-2001، الثالثة والنصف صباحاً:

أن عبلة ليس لها دخل هنا، بل هي الحميراء هي لب الموضوع!! وأتمنى يا محب الحسين علیه السلام أن تواصل الموضوع هنا مع الأخ سيد علي وحالم وغيرهم هنا: http://forum.hajr.org/showthread.php3?threadid=19015

- وكتب عدو المشركين بتاريخ 7-5-2001، الرابعة والنصف صباحاً:

تقول الحميراء ولا تقول أم المؤمنين أتدري لماذا ؟! لأنك لست مؤمناً !

سماها الله وسمى أزواج رسول الله بأمهات المؤمنين، وأنت تقول حميراء يعني حميراء، ولا تستحق أن تكون أم المؤمنين حتى لو سماها الله بذلك !

- وكتب عنتر بتاريخ 8-5-2001، الثالثة والنصف صباحاًَ:

ص: 317

يا عدو الله وعدو المؤمنين، إن لقب الحميراء ليس أنا أوأنت الذي لقبها بذلك، فالله عز وجل هو أيضاً لقبها بذلك، لأن الرسول صلی الله علیه و آله لا ينطق عن الهوى، فإن ذلك من عند الله !!

أفهمت يا أنت، فنحن الذين يلتزمون بالكتاب الحكيم والسنة النبوية المطهرة التي لا يشوبها أفكار الأحبار مثل كعب الأحبار وغيرهم، وأما أنتم فدعكم في جهلكم وتغاضيكم عن الحقيقة المرة التي لا تستطيعون أن تنقضوها .

- قال العاملي: هذا نموذج من تهربهم من الأجوبة في هذا الموضوع !

العالم الوهابي جاكون يحاول التزوير !

- كتب المدعو جاكون في شبكة الموسوعة الشيعية، بتاريخ 29-1-2000، السادسة مساءً، موضوعاً بعنوان (أكذوبة الخلاف بين السيدة فاطمة علیها السلام والخليفة الاول أبي بكر)، قال فيه:

وقع في كتب الصحيحين والسنن، ما روي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري: أن فاطمة علیها السلام وجدت على أبي بكر رضي الله عنه، لما أبى أن يقسم ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، مستدلاً عليها بقوله صلوات الله وسلامه عليه: " نحن معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة " . وذكرت بعض الروايات أن فاطمة علیها السلام غضبت ولم تزل مهاجرته، حتى توفيت بعد ستة أشهر . ولقد تعرضت ألفاظ هذه الرواية التي انفرد بروايتها محمد بن مسلم، وهو ثقه من صغار التابعين الى تفسيرات وتأويلات ينزه عنها الرعيل الأول من هذه الأمة،

ص: 318

وزاد الأمر سوء أن الرواية وردت بالمعنى: وهنا قد يقصر التعبير بالمعنى عن المراد حقيقة . وما أكثر الأمثلة على لذلك حتى في كلام البلغاء من الرجال !!

وفي هذه المقالة محاولة نقد وتفنيد لذلك الخبر، لعل من خلالها أن تتضح الرؤية ويزول اشكال طالما أفاد من وجوده أعداء الاسلام لبسوا لبوسه حيناً، وأسفروا عن ضغائن نفوسهم أحياناً ؟؟

أولاً: اختلاف الروايات: ورد هذا الخبر في كل من البخاري في كتاب الخمس والمغازي وفضائل الصحابة والاعتصام والفرائض . وفي مسلم في كتاب الخراج . والترمذي والنسائي في قسم الفئ . وأحمد في الجزء الأول والثاني في مسنده . وابن سعدفي الجزء الثاني من طبقاته . والمروزي في مسند أبي بكر . واستقصى الامام ابن كثير في البداية والنهاية في الجزء الخامس منه ص285 و291 طرق هذا الخبر وألفاظه، وأجاب بما يزيل اللبس ويقضي على الاشكال .

والملاحظ أن مدار الاسناد في هذا الخبر هو محمد بن مسلم . وهو من هو

ثقة وفقيه، غير أنه من صغار التابعين وقوله في الخبر " فغضبت فاطمة علیها السلام أو وجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر " . إنما هو مجرد ظن منه حيث استنبط من عدم تكلمها أنها غضبت أو وجدت على الصديق . والاختلاف في الألفاظ لعله من تلاميذ الزهري الذي روى كل منهم ما سمعه من شيخه بمعناه، فوقع الاختلاف فيه ما يشبه الاضطراب . أما روايه أبي الطفيل في مسند أحمد وسنن أبي داوود فليس في طرقها ابن شهاب .

ثانياً: مسأله الغضب والوجد: قبل كل شئ: إن وقوع الغضب والهجران ليس منقصة ما دام لم يتعدّ حدوده وزمنه وأسبابه . فهذه أخلاق في طبيعة الانسان، لا يمكن أن ينعزل عنها أحد بأي حال حتى الرسل عليهم الصلاه

ص: 319

والسلام . فقد غضب الرسول صلی الله علیه و آله على أسامه حِبّه، حينما تشفع في حد من حدود الله .كذلك هجر إحدى أمهات المؤمنين شهوراً حينما عيرت أخرى باليهوديه . وقد قال لعلي علیه السلام وقد تغير لونه مرة: يا أبا الحسن إياك وغضب فاطمة . فإنّ الملائكة تغضب لغضبها وترضى لرضاها . بل إن من شمائل المصطفى صلی الله علیه و آله: أن يغضب لله تعالى ويرضى لرضاه . والنبي ذو العزم موسى علیه السلام، قال الله حكايه عنه (فرجع موسى الى قومه غضبان أسفاً) وغضبه كذلك على الرجل الصالح واضح في سورة الكهف . وصحابة رسول الله صلی الله علیه و آله ليسوا معصومين من هذه الخلال الانسانية، وهم مدرسه للانسانية بكل كمالاتها وظروفها .

ثالثاً: على من غضبت فاطمة علیها السلام: على أن فاطمة علیها السلام غضبت وهذا كما ذكر ليس منقصة بحقها ولا بحق من غضبت عليه . فلا يحق أن نسأل على من غضبت فاطمة علیها السلام ؟: الحق أن الروايات كلها لم تذكر أنها غضبت عليه، أي أبي بكر . ولم تحدد على من كان الغضب غير أبي بكر ولكن جاء في بعض الروايت لفظ " وجدت على أبي بكر " فالغضب على أغلب الظن ليس هو الوجد بعينه، فلقد ذكر صاحب تاج العروس للوجد معاني خمس: العلم، الاصابة، الغضب، الايسار وهو الاستغناء، والاهتمام وهو الحزن . إذن هل غضبت على نفسها ؟ الأرجح أن يكون الأمر كذلك . ويؤكد هذا الرأي المحدث الكنكوهي في تعليقه على الجامع الصحيح:2 /500: يقول: قوله: " فغضبت فاطمة علیها السلام .. وهذا ظن من الراوي " . حيث استنبط من عدم تكليمها إياه أنها غضبت عليه مع أنها كانت نادمة فيما بدرت إليه . وكان عدم التكلم لأجل الندامة، أو المعنى: التكلم في هذا الباب . أو المعنى: أنها غضبت على

ص: 320

نفسها . حيث ذهبت الى الخليفه تطلب شيئاً من الدنيا مع أنه رضي الله عنه، كان باراً راشداً غير مظلوم .

رابعاً: الهجران: أول ما ينبغي أن يقرر هنا: أن الهجر من فاطمة علیها السلام لشخص الصديق رضي الله عنه لم يقع أصلاً . ولكن الذي حدث، أن ورود لفظ الهجر في قول الزهري ألبس الأمر مالبس، فظن الظانون أن الهجران إنما كان لشخص الصديق . فذهبوا يبررون ويتأولون . ورغم ما علموا أنه لم تنقل روايه تفيد أنهما تلاقيا فأعرض أحدهما عن الآخر، فقد فسروا لفظ الهجران بالانقباض، وهو ما لايليق بسيده نساء العالمين . وابنه سيد الاولين والاخرين . ويبقى السؤال: لأي شئ إذن كان الهجر ؟ ويأتي الجواب من نفس تلك الروايات التي رددت لفظ الهجر، وأنه انما كان لطلب الميراث، وليس لشخص أبي بكر رضي الله عنه . أي أنها هجرت الكلام من مسأله الميراث . حتى لحقت أبيها صلی الله علیه و آله . قال الحافظ ابن حجر (قوله: فلم تزل مهاجرته) . وفي روايه معمر: " فهجرته فاطمة علیها السلام فلم تكلمه حتى ماتت " . ووقع عند عمر بن شبه من وجه آخر عن معمر "فلم تكلمه في ذلك المال " وكذا نقل الترمذي عن بعض مشايخه: أن معنى قول فاطمة علیها السلام لابي بكر وعمر " لا أكلمكما " . أي في هذا الميراث . ثم كم بقيت الزهراء علیها السلام على قيد الحياة بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله، لم تكلم خلاله الصديق حتى يسمى ذلك هجرًا ؟ ذكرت الروايات: أن الزهراء علیها السلام، توفيت في الثالث من رمضان . أي أنها لم تعش ستة أشهر بعد أبيها .. وهذ الفترة لا يمكن تسميه عدم التلاقي فيها بين شخصين هجراناً وبخاصه بحق من كان في مثل وضع الزهراء علیها السلام فهي:

ص: 321

أولاً: ملتزم بشرع الاسلام الذي جاء به أبوها . وفيه أمرهن - أهل البيت - بالقرار في بيوتهن .

ثانياً: أن أبا بكر رضي الله عنه ليس محرماً لها، حتى يجتمع بها وتجتمع به في كل حال ..

ثالثاً: شغلت عن كل شئ بحزنها لفقدها أكرم الخلق، وهي مصيبة تزري بكل المصائب .

رابعاً: شغلت بمرضها الذي ألزمها الفراش عن أي مشاركة في أي شأن من الشؤون، فضلاً عن لقاء خليفة المسلمين، المشغول لكل لحظه من لحظاته بشؤون الأمة وحروب الرده وغيرها .

خامساً: لقد كانت تعلم بقرب لحوقها بأبيها، ومن كان في مثل علمها، لا يخطر بباله أمور الدنيا . وقد قال قوم إنما كان هجرها انقباضاً عن لقائه، وليس من الهجران المحرم، وإنما المحرم من ذلك أن يلتقيا فلا يسلم أحدهما على صاحبه . لكن هذا لايستساغ منها وهي من هي في حرصها على تعاليم الاسلام وسنة أبيها ووصيته ورضاه . ثم هل يتصور من فاطمة علیها السلام أن تهجر حتى ذلك الهجر المباح في تقديرهم أحب خلق الله الى رسول الله وأقربهم إليه، وهي تعلم يقيناً أن من وصاياه أن يحسن المرء الى صحابه أبيه؟ وحمل ما ورد في الحديث من لفظ الهجر بالانقباض إنما هو مجرد تكلف لا مبرر له . وأما ما أورده صاحب العمدة نقلاً عن كتاب الخمس لأبي حفص بن شاهين عن الشعبي: أن أبا بكر قال لفاطمة علیها السلام: " يابنت رسول الله صلی الله علیه و آله ما خير عيش حياة أعيشها وأنت علي ساخطة ؟ فإن كان عندك من رسول الله في ذلك عهد فأنت الصادقة المصدقة المأمونة على ما قلت .قال: فما قام أبو بكر إلا رضيت ورضي" . فهذا

ص: 322

الخبر على فرض صحته وهو ليس كذلك فيمكن حمله على أن الصديق بسبب مزيد حرصه على رضا فاطمة علیها السلام ومودتها وملاحظته حزنها، أراد أن يزيل من نفسها ما علق بها حول تركه رسول الله صلی الله علیه و آله فيكون قوله: أنت علي ساخطة من باب المعاتبة والود اد لا من باب تقرير الواقع . ويؤيد هذا التوجيه ما جاء في آخر الخبر المذكور من قوله: " فرضيت ورضي " . والمعلوم أن أبا بكر لم يغضب عليها ولم يقل ذلك أحد الرواة . ثبت كذلك أن أبا بكر زارها في بيتها فأذنت له، وتكلمت معه حتى رضيت، ولم يقل أحد أن هذا الرضى أعقب عدم رضا منها نحو الصديق . . . . الى آخر ماسيأتي في ردود السيد الفاطمي .

- فكتب الأشتر بتاريخ 29-1-2000، السابعة صباحاً:

ولأي الأمور تدفن ليلاً . . . . بضعة المصطفى ويعفى ثراها ؟!

والسلام على من اتبع الهدى .

- وكتب أبو حسين بتاريخ 29-1-2000، التاسعة صباحاً:

يقول المثل: حدَّث العاقل بما لا يُعقَل، فإن صدَّق فلا عقل له . ويقول أمير المؤمنين علي علیه السلام: حاججني العالم فغلبته، وحاججني الجاهل فغلبني. فماذا عساني أن أقول لك وأنت ببحثك الواهي هذا أخجلت الجهل والسذاجة . لماذا لم يؤول تأويلاتك هذه البخاري نفسه، أم تراك أنت أحرص على الدين منه، وقد دان بدينه ثلاثة أرباع هذه الأمة! على كل حال لاأريد أن أطبل الكلام معك فقد عرَّفتني وزنك وأنت أجبت عن نفسك من حيث لا تدري عندما قلت العبارة التالية: (لقد كانت تعلم بقرب لحوقها بأبيها.. ومن كان في مثل علمها .. لا يخطر بباله أمور الدنيا) وأنا أقول لك نعم، لقد كان غضبها لأمور الدين . انتهى كلامي معك فهذا كافٍ عليك جواباً لما أوردت.

ص: 323

والآن أريد أن أطرح سؤالاً عليك وعلى أهل ملَّتك:

1- لقد ذكرت بأن الزهراء علیها السلام كانت تعلم بقرب لحوقها بأبيها . وهذا ماتشنعون به علينا من قولنا بأن أهل البيت يعلمون بوقت لحوقهم بربهم.

2 - لقد ذكرت بأن النبي صلی الله علیه و آله قد قال لعلي علیه السلام وقد تغير لونه مرة: يا أبا الحسن إياك وغضب فاطمة علیها السلام فإنّ الملائكة تغضب لغضبها وترضى لرضاها . وهذا ماتشنعون به علينا من قولنا بأن آل محمد لهم من الشأن ما لايعلم به إلا الله سبحانه وتعالى، فهل قرأت قوله تعالى (وذا النون إذ ذهب مغاضباً) فهل غضبت الملائكة لغضب نبي الله يونس على نبينا وآله وعليه السلام . وهل تغضب الملائكة لغضب شخص خطَّاء، وهذه إحدى أدلتنا على العصمة التي تشنعون بها علينا .

3- ماذا أبقيتم لآل محمد؟ حتى عندما يغضبون لمالاقوا من أسلافكم لا تقبلون، وتؤولون لأعداء الله سوء أفعالهم، بالله عليك لماذا يبايع علي علیه السلام أبا بكر مرتين ؟ وهل حدث هذا لأحد غيره وقد تخلف عن البيعة جمعٌ من الصحابة الأبرار رضوان الله تعالى عليهم ؟! ألا تستحون من قولكم هذا. ولكن مع من أتكلم ... صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لايعقلون . والأعجب من هذا كله قولك هذه العبارة: (فلا يحق أن نسأل على من غضبت فاطمه ؟) . مسكينٌ أنت يا . . .

- وكتب فرزدق بتاريخ 29-1-2000، الثانية ظهراً:

وهل سألت نفسك يوماً يا جاكون:

- لماذا توفيت الزهراء علیها السلام عن ستة أشهر من رحيل أبيها وهي بعمر الورود ؟

- ولماذا لم يحضر القوم تشييعها وجنازتها ودفنها ؟!

- ولماذا لم يُصَلِّ عليها الخليفة .. وهي فاطمة الزهراء علیها السلام ؟!

ص: 324

- ولماذا دفنت ليلاً، وكل ذلك كان بطلب منها ؟!

بل ألم تسأل عقلك يوماً .. لماذا لم يصدّقها أبو بكر بما قالت في نحلة فدك ويرضيها ليرضي أباها وبعلها وآل البيت من وراء ذلك ؟!

- وهل الحديث المكذوب على رسول الله أولى بالاتباع، أم تصديق بضعة المصطفى ؟!

- وعلى فرض صحة الحديث جدلاً فهو في حالة الارث، وليس فيما إذا كان الشئ ملكاً للزهراء في حياة الرسول، لأن فدكاً كانت نحلة لها !.

- وهل عمل أبو بكر وتالياه بهذا الحديث مع نساء النبي صلی الله علیه و آله .. أم أن تطبيقه كان من قبيل (الأحكام العرفية !!!) .

- وهل وهل وهل وهل وهل .... وجزى الله الأخ أبو حسين فلقد أحسن وأجاد .. وخير الكلام ما قل ودلّ ..

- وكتب الفاطمي بتاريخ 29-1-2000

، الثانية والربع ظهراً:

إلى الزميل: جاكون … السلام عليكم .

قلت: والملاحظ أن مدار الاسناد في هذا الخبر هو محمد بن مسلم . وهو من هو ثقه وفقهاً غير أنه من صغار التابعين وقوله في الخبر: " فغضبت فاطمة علیها السلام أو وجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر ". إنما هو مجرد ظن منه حيث استنبط من عدم تكلمها أنها غضبت أو وجدت على الصديق .

أقول: أما قولك من صغار التابعين فلا يضره، فقد قال ابن حجر العسقلاني فيه: أحد الأئمة الأعلام وعالم الحجاز والشام . وقال ابن حجر: كان ابن شهاب يقول: ما استودعت قلبي شيئاً قط فنسيته (تهذيب التهذيب، ترجمة محمد بن مسلم الزهري) . وقال ابن عيينة عن عمرو بن دينار: ما رأيت (أنص للحديث) من الزهري . وهذا القول من معاصره وأيضاً ثقة (نفس المصدر) فكيف تقول " إنما

ص: 325

هو مجرد ظن منه حيث استنبط من عدم تكلمها أنها غضبت أو وجدت على الصديق . وهل يوافق ما قلته عن الزهري ما قاله ابن حجر ؟؟ وهل قولك لتصغير الزهري هو لتضعيف الحديث ؟؟!

وأيضاً: 2862 حَدَّثَنَا

عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِالله حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ (ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي) عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِي اللهم عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فاطمة علیها السلام ابْنَةَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى آخر الحديث سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَفَاءَ الله عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ فَغَضِبَتْ فاطمة علیها السلام بِنْتُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ .

أقول: لاحظ السند يا جاكون . فإن ابن شهاب يقول: أخبرني . وانظر الأقوال في مدح ابن شهاب وإنه أنص للحديث . فلماذا قلت: إنما هو (مجرد ظن منه حيث استنبط من عدم تكلمها أنها غضبت أو وجدت على الصديق) . أو لم يقل ابن شهاب أخبرني عروة فهل هو كاذب ؟ ؟

وأما الإختلاف في الألفاظ فلو كان يضر بالحديث لكانت روايات أم المؤمنين عن عقدها باطلةللإختلاف الشاسع فيها وفي كيفية ضياع العقد. لكان أهل الحديث طعنوا في تلك الروايات وما فعلوه . فهل طعنك هذا تصغيرا لشأن الزهراء سلام الله عليها ؟! وهل هو للدفاع عن أبي بكر ؟؟! ولنا عودة وللحديث بقية فترقب . . .

نعود لتكملة الرد على ما قلته يا جاكون ..

ص: 326

قلت: ثانياً: مسأله الغضب والوجد .. وقلت: وقد قال لعلي علیه السلام وقد تغير لونه مرة: يا أبا الحسن إياك وغضب فاطمة علیها السلام، فإنّ الملائكة تغضب لغضبها وترضى لرضاها .

أقول: أحسنت على هذا القول ! فهل غضبت الملائكة لغضب فاطمة علیها السلام على أبي بكر أم لألألأ ؟؟ ولا أدري لماذا أوردت هذا القول مع علمك بأنه ضد أبا بكر ؟ وهل لأنك تريد أن تثبت غضب الزهراء على علي سلام الله عليهما ؟ وأين الدليل ؟؟!

قلت: بل إن من شمائل المصطفى: أن يغضب لله تعالى ويرضى لرضاه .

أقول: فلماذا تتقولون على خير خلق الله صلی الله علیه و آله بقولكم إنه كان يسب ويلعن ويجلد من ليس بأهل لذلك ؟؟ يا أخي حيرتونا بتناقضاتكم ولا ندري نأخذ بأقوال مَن مِن علمائكم ؟!

قلت: ثالثاً: على من غضبت فاطمة علیها السلام ؟... الحق أن الروايات كلهالم تذكر أنها غضبت عليه أي أبي بكر ولم تحدد على من كان الغضب غير أبي بكر .

أقول: هل تريد أن تلعب علينا، وهل تريد أن تستخف بعقول القراء، ياجاكون ؟ وهل قرأت البخاري قبل أن تكتب ردك البارد هنا ؟ ففي البخاري: ح 1574 – كتاب الفرائض، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركناه صدقة، ج 8، ص 551، ط / دار القلم . (فهجرته فاطمة علیها السلام فلم تكلمه حتى ماتت) .

وأيضاً في البخاري: ح 1265 – كتاب الخمس، باب فرض الخمس، ج 4، ص 504: (فغضبت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجرت أبابكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت) .

ص: 327

وأيضاً في البخاري: ح 704، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، ج 5 ص 252، (فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي علیه السلام ليلاً ولم يؤذن بها أبو بكر وصلى عليها) . أنظر يا جاكون إلى (فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر فلم تكلمه). وانظر إلى " فغضبت فاطمة علیها السلام ": فغضبت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجرت أبابكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت .

وانظر لعلك تقتنع ولا أظن (فهجرته فاطمة علیها السلام فلم تكلمه حتى ماتت) ! وهل غضبت إلا على من منعها أرضها وسهمها من خيبر ؟! هل غضبت على نفسها ؟ الأرجح أن يكون الأمر كذلك !!

ويؤكد هذاالرأي المحدث اللكنوهي في تعليقه على الجامع الصحيح: 2/ 500: قال: (قوله " فغضبت فاطمة علیها السلام .. وهذا ظن من الراوي" حيث استنبط من عدم تكليمها إياه أنها غضبت عليه، مع أنها كانت نادمة فيما بدرت إليه وكان عدم التكلم لأجل الندامة، أو المعنى: التكلم في هذا الباب أو المعنى: أنها غضبت على نفسها حيث ذهبت الى الخليفة تطلب شيئاً من الدنيا مع أنه رضي الله عنه، كان باراً راشداً غير ظلوم) . انتهى .

لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ماكنت أظن أن حب أبو بكر هكذا يصم ويعمي ! ما كنت أظن أن هناك من يطعن في سيدة نساء أهل الجنة . قال رسول الله صلی الله علیه و آله: فاطمة علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة . رواه البخاري الجزء الخامس ص 96 – كتاب فضائل أصحاب النبي_ طبعة دار القلم) .

ص: 328

معذرة مولاتي، وحتى وفي مثواك يطعنون بك ! حتى وبعد 1400 سنة يطل علينا من يصر أن يطعن بك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام !!

هل تدري ما تقول يا جاكون؟! وهل أنك جاد أو تستهزئ بقولك (إنها غضبت على نفسها) ؟ هل أمرها سلام الله عليها بأن تدفن ليلاً كان من غضبها على نفسها ؟! وهل إصرارها سلام الله عليها على مهاجرتها لأبي بكر حتى توفيت، كان لغضبها على نفسها ؟! فلماذا لم تأذن لأبي بكر بالصلاة عليها إذا كانت راضية عنه، كما تدعون كذباً وزوراً ؟!

قلت: مع أنها كانت نادمة فيما بدرت إليه وكان عدم التكلم لأجل الندامة .

أقول: وهل ندمت سلام الله عليها لطلبها أرضها الذي وهبها أبوها صلی الله علیه و آله إياها وسهمها من خيبر ؟ ما لكم كيف تحكمون ؟! ساء ما تحكمون !

قلت: حيث ذهبت الى الخليفة تطلب شيئاً من الدنيا، مع أنه رضي الله عنه كان باراً راشداً غير مظلوم .

أقول: كيف كان باراً راشداً وقد منعها فدك مع أن الرسول صلی الله علیه و آله أعطاها إياه في حياته ؟! روى البخاري عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: أن فاطمة علیها السلام والعباس علیهما السلام أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم (وهما يطلبان أرضهما من فدك وسهمهما من خيبر) كتاب الفرائض، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لانورث ما تركناه صدقة . ج 8، ص 551. فهل تقرأ يا جاكون: (وهما يطلبان أرضهما من فدك وسهمهما من خيبر). وهل تعرف معنى ما بين القوسين ؟ وهل حرمانها من أرضها يعتبر من البر ؟! وهل طلبها أرضها والذي أعطاها أبوها صلی الله علیه و آله يعتبر منقصة لها، لكي تقول إنها غضبت على نفسها لطلبها شيئاً من الدنيا ؟؟

ص: 329

قلت: رابعاً الهجران: أول ما ينبغي أن يقرر هنا: أن الهجر من فاطمة علیها السلام لشخص الصديق رضي الله عنه لم يقع أصلاً .

أقول: إقرأ البخاري جيداً. وراجع الروايات التي أوردنها أعلاه في هذا الرد ونذكرها باختصار: في البخاري ح1574 - كتاب الفرائض: (فهجرته فاطمة علیها السلام فلم تكلمه حتى ماتت) وأيضا في البخاري: ح 1265 - كتاب الخمس: (فغضبت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجرت أبابكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت) !!

فكيف تقول: إن الهجر من فاطمة علیها السلام لشخص الصديق رضي الله عنه لم يقع أصلاً . وعلى ماذا بنيت قولك هذا، وما هو المصدر، ومن أي كتاب ؟! أم إنك تتقول على الزهراء

سلام الله عليها ؟! ولنا عودة يا جاكون بعد حوالي ساعة . السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب فاتح في30-1-2000، الثانية عشرة وخمس دقائق صباحاً:

الواضح الذي لا يمكن الفرار منه هو موقف الزهراء علیها السلام الشهيدة .

هل قتلت أم لا ؟ ومن الذي قتلها ؟ أليس عمر ؟!

ومن أحرق بيتها ؟ أليس عمر وأبو بكر ؟!

من غصب الخلافة والإرث ؟؟

وتبقى الزهراء علیها السلام هي الزهراء علیها السلام الكاشفة عن الحقيقة .

نعم لأي الأمور تدفن ليلاً . أليس لعدم رضاها بهما ؟!

- وكتب الفاطمي في 30-1-2000، الواحدة والنصف صباحاً:

تكملة الرد:

ص: 330

قلت: ويبقى السؤال: لأي شئ إذن كان الهجر ؟ ويأتي الجواب من نفس تلك الروايات التي رددت لفظ الهجر، وأنه إنما كان لطلب الميراث، وليس لشخص أبي بكر رضي الله عنه .

أقول: ومن الذي منعها سلام الله عليها من الميراث ؟ ومن الذي منعها سهمها وأرضها في فدك ؟! أليس هو أبو بكر والذي هجرته الزهراء سلام الله عليها لإحساسها بالظلم والحيف ؟؟!

قلت: قال الحافظ ابن حجر (قوله: فلم تزل مهاجرته) وفي روايه معمر: " فهجرته فاطمة علیها السلام فلم تكلمه حتى ماتت " . ووقع عند عمر بن شبه من وجه آخر عن معمر: " فلم تكلمه في ذلك المال " . وكذا نقل الترمذي عن بعض مشايخه: أن معنى قول فاطمة علیها السلام لأبي بكر وعمر: " لا أكلمكما " . أي في هذا الميراث .

أقول: لماذا لم تكمل ماقاله ابن حجر العسقلاني !وهل رأيت ما لا تحب؟ وهل في بتر الأقوال تريدون الدفاع عن أبي بكر ؟ وعموماً قال ابن حجر بعد أن قال: أي في الميراث، وتعقبه الشاشي بأن قرينة قوله (غضبت) تدل على أنها امتنعت من الكلام جملة وهذا صريح الهجر، لاحظ عبارة (صريح الهجر) فهل اقتنعت الآن، لا أعتقد !

قلت: فهي أولاً: ملتزمة بشرع الاسلام الذي جاء به أبوها. وفيه أمرهن أهل البيت بالقرار في بيوتهن .

أقول: لا يمنع الشرع مطالبة المرأة بحقها وإرثها، وانظر خروج عائشة أم المؤمنين من بيتها إلى البصرة !!!

ص: 331

قلت: ثانياً: إن أبا بكر رضي الله عنه ليس محرماً لها حتى يجتمع بها وتجتمع به في كل حال .

أقول: وهل كانت سلام الله عليها تجتمع في خلوة والعياذ بالله أم بالمسجد ؟! وهل كانت أم المؤمنين عائشة محرم على جيشها ؟!

قلت: ثالثاً: شغلت عن كل شئ بحزنها لفقدها أكرم الخلق، وهي مصيبه تزري بكل المصائب .

أقول: صح لسانك . ولكن هل رفقوا بها سلام الله عليها .

أيها القوم راقبوا الله فينا *** نحن من روضة الجليل جناها

أيها الناس أي بنت نبي *** عن مواريثها أبوها زواها

قلت: رابعاً: شغلت بمرضها الذي ألزمها الفراش عن أي مشاركة في أي شأن من الشؤون فضلاً عن لقاء خليفه المسلمين، المشغول لكل لحظه من لحظاته بشؤون الأمة وحروب الردة وغيرها .

أقول: وما كان مرضها سلام الله عليها ؟ وهل كانت مريضة طول فترة بقائها بعد أبيها صلی الله علیه و آله ؟! وهل كانت تلاقي أبابكر إلا في المسجد ؟! فهل كانت مشاغله تمنعه من الصلاة في المسجد ؟!

قلت: خامساً: لقد كانت تعلم بقرب لحوقها بأبيها.. ومن كان في مثل علمها .. لا يخطر بباله أمور الدنيا . وقد قال قوم إنما كان هجرها انقباضاً عن لقائه، وليس من الهجران المحرم وإنما المحرم من ذلك أن يلتقيا فلا يسلم أحدهما على صاحبه .

أقول: لم نسلكم لحاجة واضطرار *** بل ندل الورى على تقواها

كم لنا فيكمُ رشحةُ جود *** يعجز السبعة البحار غناها

ص: 332

وهل تعد من الهجران المحرم وصيتها علیها السلام بدفنها ليلاً، أم لألأ ؟! وهل تعد عدم صلاة أبي بكر عليها من الهجران المحرم، أم لألألأ ؟

ولأي الأمور تدفن ليلاً بضعة المصطفى ويعفى ثراها ؟

قلت: لكن هذا لا يستساغ منها وهي من هي في حرصها على تعاليم الاسلام وسنة أبيها ووصيته ورضاه .

أقول: وهل يستساغ من أبي بكر إغضابها ومنعها حقها ؟! وماذا تريد من الزهراء علیها السلام أن تفعل وقد غصب أبو بكر حقها ؟هل تريد منها أن ترضى عنهم وتتقبل إغصابها حقها وهي بضعة المصطفى ويغضبه ما يغضبها ولم يراعوا لهما أي حرمة . وما هذه العقلية يا جاكون ؟!

قلت: ثم هل يتصور من فاطمة علیها السلام أن تهجر حتى ذلك الهجر المباح في تقديرهم أحب خلق الله الى رسول الله وأقربهم إليه، وهي تعلم يقيناً أن من وصاياه أن يحسن المرء الى صحابه أبيه ؟

أقول: ولم لألأ ؟ وقد غصبوا حقها (أرضها في فدك وسهمها من خيبر) ومن قال لك بأن أبا بكر أحب الخلق إلى أبيها صلی الله علیه و آله ؟ وهل أحب الخلق إلى أبيها يغتصب حقها ويمنعها من أرضها وسهمها ؟

وهل أحب الخلق كما تزعمون لم تؤذنه بالصلاة عليها وبعد مماتها؟؟

وهل أحب الخلق كما تزعمون قد هجرته الزهراء سلام الله عليها وهي التي يغضب لها أبوها صلی الله علیه و آله والملائكة كما قلت أنت ؟؟

قلت: وحمل ما ورد في الحديث من لفظ الهجر بالانقباض إنما هو مجرد تكلف لا مبرر له .

ص: 333

أقول: أين الدليل ؟ أم أن حبك لأبي بكر وبغضك للزهراء سلام الله عليها، يدفعانكم إلى القول بذلك ؟؟

قلت: فهذا الخبر على فرض صحته وهو ليس كذلك .

أقول: فلماذا أوردته وأنت تعلم عدم صحته ؟ أم أن الغريق يتشبث بكل طحلب .

قلت: روى البيهقي عن طريق الشعبي أن أبابكر عاد فاطمة علیها السلام فقال لها علي علیه السلام هذا أبو بكر يستأذن عليك فقالت: أتحب أن آذن له ؟ قال نعم . فأذنت له فدخل عليها فترضاها حتى رضيت . وهذا الحديث وإن كان مرسلاً فإسناده الى الشعبي صحيح . وفيه أيضاً قول أبي بكر رضي الله عنه: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيره إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت . قال ابن كثير: هذا إسناد جيد قوي . (ج 5 ص 289)

أقول: يا سبحان الله كيف يكون إسناداً قوياً وأنت تقول إنه مرسل ؟! أم أن الإسناد يكون قوياً على المشتهى والهوى ؟ وإذا كان الحديث صحيحاً فلماذا قال ابن حجر: فإن ثبت حديث الشعبي أزال الإشكال ! فتح الباري، كتاب فرض الخمس،/ باب 1 / ح 3091 - 3094، ص 243، طبع دار السلام، الرياض . وإذا كان هذا الحديث صحيحاً فلماذا لم يروه أصحاب الصحاح الستة مع شديد الإحتياج إليه لأن هذا الحديث وكما قال ابن حجر: فإن ثبت حديث الشعبي أزال الإشكال . وإذا كان هذا الحديث صحيحاً . فلماذا قالت أم المؤمنين عائشة في البخاري: ح 704، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، ج 5، ص 252: (فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر،

ص: 334

فلما توفيت دفنها زوجها علي علیه السلام ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها علي علیه السلام) ؟!!

وراجع بقية الأحاديث التي أوردتها في الرد الثاني لتعلم ضعف هذا الحديث يا جاكون ! وأما قول ابن كثير في إسناد الحديث فهو قول يضاد الأحاديث الصحيحة في البخاري (أصح كتاب عندكم) ودافعه لهذا القول حبه لأبي بكر .. ولا أحب أن أزيد على هذا ؟!

وأما قولك يا جاكون: فهذا من كمال خلقها وسمو أدبها والتزامها آداب الشرع الحنيف .

فأقول: ليست الزهراء سلام الله عليها بحاجة لهذا الإستدلال الخاطئ من حديث مرسل، لكي تثبت كمال خلقها وسمو آدابها فيكفيها سلام الله عليها قول أبيها صلی الله علیه و آله فيها: فاطمة علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة .

السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب الأشتر بتاريخ 30-1-2000، السادسة صباحاً:

اللهم صل على محمد وآل محمد .. وعجل فرجهم الشريف.

- وكتب الفاطمي بتاريخ 31-1-2000، الحادية عشرة ليلاً:

السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- ثم كتب الفاطمي بتاريخ 17-2-2000، الرابعة عصراً:

لماذا لا ترد يالناصبي .. ؟! صم بكم عمي في ظلمات !

ص: 335

يالناصبي ألا تستحي ؟ ألا تخجل من افتراءاتك على سيدة نساء العالمين وعلى أبيها ؟! قليل من الحياء إن لم تخف من أبيها صلی الله علیه و آله، الذي يغضب له رب العالمين يوم القيامة .

السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

قال العاملي: وهرب جاكون ولم يجب !! وصلوات الله على الزهراء علیها السلام التي أقامت الحجة بقولها وفعلها، ولم تبق للجوج منفذاً !!

محاولتهم الاحتجاج على الشيعة بأن المرأة لا ترث من العقار !

- قال العاملي: جرت في هذا الموضوع مناقشات مهمة بين المدعو عبد الله الحوت ومحمد ابراهيم من جهة، وبين الأشتر والسيد الموسوي والسيد الفاطمي من جهة، قد تزيد على مئة صفحة، لذا اكتفينا بنبذة منها:

- كتب عبد الله الحوت في الموسوعة الشيعية في 8-1-2000 العاشرة صباحاً، موضوعاً بعنوان (أيها الشيعة: هذه حقيقة مظلومية فدك)، قال فيه:

كثر الحديث والقيل والقال حول ما يسميه البعض بمظلومية فدك، حيث أخذ كل متعصب في التشكيك بصحابة رسول الله، فراحوا يتناولون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطعن والتجريح، ويصورونهم أنهم ما هم سوى عصابة تتكالب على حطام الدنيا، فطاشت السهام والأقلام كل حسب ميله وهواه، لدرجة أن يقول بعض المترددين على هذا المنتدى: من يستطيع أن يأتيني بدليل على فضل الصحابة .. سبحانك هذا بهتان عظيم وكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً ..

ص: 336

ومن تلك الاشاعات والتقاويل ما يسمى ب- (مظلومية فدك) .. لذلك فإني أضع هذه الحادثة في موضعها الصحيح ومن مصادر الشيعة، والمسألة لم تكن ذات أهمية كبيرة، ولكن أصحاب المطامع السيئة والنوايا الخبيثة يحاولون اجترار القضية بين الفينة والأخرى والنفخ فيها، وهي لا تستحق كل هذا التهويل، ولكن دعنا بداية نوجزها بشكل صحيح وهي . . . . الخ .

هنا نقل الحوت ماكتبه إحسان ظهير ومحب أهل البيت، ونسبه الى نفسه.. ومما نقله قوله: والأمر الأهم: ألا يعتقد الشيعة أن مذهبهم لا يورث المرأة من العقار والأرض شيئاً ؟ ولذلك فإن الكليني محدث الشيعة الذي يقول عنه الشيعة (أنه كاف للشيعة) قد عقد باباً مستقلاً في كتابه أسماه: باب أن النساء لا يرثن من العقار شيئاً . . .

- فكتب مالك الأشتر بتاريخ 8-1-2000

، الحادية عشرة صباحأ:

الى الحوت . . . إن صحيحك البخاري يقول إن فاطمة علیها السلام ماتت وهي واجدة (غاضبة) على أبي بكر، وكذلك أوصت أن لا يصلي عليها وماتت وهي غير مبايعة له، بل إن علياً علیه السلام لم يبايع أبا بكر مازالت فاطمة علیها السلام في الحياة، يعني بقي لمدة ستة أشهر لم يبايع .

إن فاطمة علیها السلام كانت البنت الوحيدة الباقية لرسول الله صلی الله علیه و آله، فهل من المعقول أن النبي صلی الله علیه و آله خبر الناس بأنه لا يورث وترك فاطمة علیها السلام لم يخبرها ؟ فإذا كان لم يخبرها فقد قصر في حق ابنته، وحاشاه من ذلك، لأنها ستطالب بإرثها وهي لا تعلم بأنها لا ترث !! . . .

بقي احتمالان: أن تكون فاطمة علیها السلام علمت بأنها لا ترث من أبيها وذهبت تطالب بشئ هو ليس لها، وبذلك تكون كاذبة في دعواها وسارقة من مال

ص: 337

المسلمين، حاشاها ذلك ! أو يكون أبو بكر قد افترى على رسول الله صلی الله علیه و آله بهذا الحديث، وبهذا يكون قد سرق أموال فاطمة علیها السلام بنت النبي صلی الله علیه و آله، ورماها بعدم الفهم وعدم المعرفة بشريعة أبيها .

هذه للعجالة، وسنوافيك بالباقي إن شاء الله .

- وكتب محمد ابراهيم بتاريخ 8-1-2000، الثانية عشرة ظهراً:

الأخ الكريم عبد الله الحوت ... لله درك، فقد كفيت ووفيت .

ورسالتك هذه سوف تكون أحد المراجع التي أحتفظ بها في تبيان الحق . فإلى الأمام والمزيد من هذه الرسائل التي تضع الحق في نصابه...

الزميل مالك الأشتر: ما رأيك، هل يمكن أن ترث المرأة الأرض والعقار حسب عقيدة الشيعة ؟

- فكتب الأشتر بتاريخ 8-1-2000، الثالثة إلا الثلث ظهراً:

كالعادة لم أجد جواباً لسؤالي الذي طرحته وهو: إذا كان الرسول لا يورث حسب زعم أهل السنة، فكيف ترث عائشة أم المؤمنين بيت النبي، لابل وتأذن لأبي بكر وعمر أن يدفنا فيه ؟!! وهل هناك تشريع في الاسلام يمنع البنت من إرثها، بينما ترث الزوجة ؟!

وإليكم هذه الرواية من صحيح البخاري يستأذن فيها عبد الله بن عمر عائشة لكي يدفن عمر في بيت النبي صلی الله علیه و آله: من وصية عمر بن الخطاب إلى ابنه عبد الله: انطلق إلى عائشة أم المؤمنين . فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم أمير المؤمنين، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفع مع صاحبيه، فإن أذنت لي فأدخلوني وأن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين . فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال: يقرأ عليك عمر بن

ص: 338

الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه . فقالت: كنت أريده لنفسي ولأوثرنه به اليوم على نفسي. فلما أقبل قيل هذا عبدالله بن عمر قد جاء. قال: إرفعوني فأسنده رجل إليه فقال: ما لديك ؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنَت . قال: الحمد لله ما كان من شئ أهم إلي من ذلك فإذا أنا قضيت فاحملوني . رواه البخاري ص 78 و79 الجزء 5 باب 38 حديث 219 طبعة دار القلم . فهل من مجيب من أهل السنة ؟؟!

- وكتب عبد الله الحوت في 8-1-2000، الثالثة إلا ربعاً ظهراً:

الأخ العزيز محمد ابراهيم .. أشكرك على هذا الاطراء وأقول لك: ولا يهمك وربك لأنخلن كتبهم نخلاً، وأرد على كل تهمة من كتبهم. فلدي الكثير الذي لم أقله .. ولكن أنتظر قادم الأيام لأنها ستكون حاسمة فأنا شعاري من فمهم أدينهم مهما حاولوا تزوير الوقائع وتكذيب الحقائق .

(فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)

وأنا حتى الآن لم أذكر إلا اليسير .

- وكتب مالك الأشتر في 8-1-2000، الثالثة والنصف ظهراً:

يا محمد ابراهيم … إن صاحبك دلس الكلام في المرأة فالموضوع الزوجة وليس البنت . أما البنت فإنها ترث وهي الحاجب عن كل قريب غير الزوجة التي ترث الثمن، فلا تفرح .. وسيأتيك تفصيل وتفصيل، ستندم به على مدحك لصاحبك !

- وكتب محمد ابراهيم بتاريخ 8-1-2000

، السابعة مساءً:

قول أن المرأة لا ترث العقار والأرض ليس من عندنا، بل هناك العديد من الروايات في كتب الشيعة في هذا الشأن نورد هنا القليل منها ويمكن لمن أراد

ص: 339

البحث أن رجع لكتب الشيعة ويتحقق من ذلك . جاء في الكافي ج 7 ص 127 باب أن النساء لا يرثن شيئاً من العقار: علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن محمد بن حمران عن زرارة عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال: النساء لا يرثن من الأرض والعقار شيئاً .. الخ .

هل من مجيب من الشيعة الكرام على هذا السؤال المهم جداً .

(مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) العنكبوت 41 .

- وكتب الموسوي بتاريخ 8-1-2000

، الحادية عشرة ليلاً:

عندي رد سيأتي على النقاط التي طرحها الزملاء عبد الله الحوت ومحمد إبراهيم . ولكن أقول: أين أمانتكم ؟ هل تتبعون خطى إحسان إلهي ظهير في التقطيع والتحريف ؟! أبشروا فهناك موضوع سأطرحه بعد عودتي من السفر حول تحريف إحسان إلهي ظهير ؟ والسؤال هو: إذا كنتم قد رأيتم روايات عدم إرث النساء للعقار فلم اخترتم تلك الأحاديث فقط ؟ إنكم تريدون الايهام بأن النساء أي الإناث لايرثن العقار، وفي هذا يقول الحوت (والأمر الأهم ألا يعتقد الشيعة أن مذهبهم لا يورث المرأة من العقار والأرض شيئاً ؟) ثم يقف محمد إبراهيم في نفس الخانة من التحريف .. هل يكون من يعمد إلى هذه الأساليب الرخيصة موضوعياً ؟!

لقد بينتما يا محمد إبراهيم والحوت عن حقيقة أمركما، وتبعتما الكاذب ابن تيمية والمحرف إحسان إلهي ظهير في أساليبهما ؟ فهل تستحقان بعد هذا النظر في كلامكما ؟ وحتى لا تظنا أننا عاجزون عن الجواب سأقوم بإعداد رد آخر على باقي كلامكما .

ص: 340

- وكتب محمد ابراهيم بتاريخ 9-1-2000، الواحدة صباحاً:

الزميل الموسوي . . . يؤسفني أن تلقي أنت التهم جزافاً هكذا، لقد وضحت الأحاديث والمصدر وانتقيت الأحاديث القصيرة لاختصار الوقت في الكتابة ولأنها شاملة، والأحاديث التي أنت تقول أنني لم أنقلها فإنني نقلت مضمونها من الحديث الذي ذكرته من كتاب الاستبصار للطوسي ... فهات أنت والزميل مالك الأشتر ماعندكما وعندما نتأكد مما نقلتماه يكون هناك رأي آخر . . . .

- فكتب الفاطمي بتاريخ 10-1-2000، الواحدة ظهراً:

إلى أخي محمد إبراهيم، السلام عليكم .. لو سمحت وتكرمت ممكن ترد على هذا السؤال قبل أن أنشر الرد بخصوص هذا الموضوع: ما حكم من يذكر الروايات ويبترها ويأخذ منها ما يلائمه ويوافق هواه، ويحذف بقية الرواية التي تناقض هواه ومراده ؟ هل تعتبره مدلساً أم كذاباً ؟ وهل تقر بهذا البتر والتلاعب بالروايات ؟!

السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب محمد ابراهيم بتاريخ 10-1-2000

، السابعة مساءً:

الزميل الفاطمي: لقد وضحت أن ما يدعيه الزميل الموسوي من عدم أمانة النقل هو من استنتاجه، وأتحدى من يدعي ذلك علي أن يثبت أنني بترت أو حورت أو تلاعبت بالروايات .

أما قولك عن أن من يأخذ من الروايات ما يوافق هواه فهذا كلام ممطوط يمكن أن تتهم أي أحد به، بمعنى أنه كل من لا يأتي بجميع الروايات فإنه يُمكن اتهامه بأنه يأخذ من الروايات حسب هواه . المهم الروايات التي أتيت بها فيها بيت القصيد حسب جهدي في البحث وحسب ماسمح به الوقت لي فإن

ص: 341

كان هناك غيرها في صلب الموضوع وترون أنه جدير بالنقل فهاتوه واستدلوا به . هذه مسؤوليتكم أنتم . فلماذا تضيعون الرسائل في بحث ما أتيت به أنا من كتبكم بالرغم من أنها حسب رأيي قد وفت بما أردت أن أبينه، فإذا ترون أنها ليست كذلك فهاتوا ما عندكم . . . .

- وكتب الموسوي بتاريخ 4-2-2000، الخامسة إلا ربعاً مساءً:

الزملاء الكرام: عبدالله الحوت ومحمد إبراهيم ... سأبدأ ردي بمقدمة، ثم سأقسم ردي إلى ثلاثة أقسام، فقسم منه يعم أسئلتكما والنقاط المشتركة بين كلامكما، والقسمان الآخران سيكون خاصاً بما أثاره كل واحد منكما على انفراد، مع اعتذاري مسبقاً عن التأخر في الرد الذي أضحى من سماتي السلبية ! وحسب عادتي في تقسيم الردود الطويلة فإنني سأنزله من خلال عدة ردود، فأقول وبالله التوفيق:

أما المقدمة التوطئة فهي عبارة عن نقطتين: الأولى: إن مطالبة الزهراء علیها السلام لحقها في فدك كانت على ثلاثة مراحل، وعندما كان الخليفة أبو بكر يرفض دعواها في المرحلة الأولى فإنها كانت تنتقل إلى المرحلة التي بعدها، وهذا أسلوب شائع في المطالبة بالحق . يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة: 16/230: " واعلم أن الناس يظنون أن نزاع فاطمة علیها السلام أبابكر كان في أمرين: الميراث والنحلة، وقد وجدت في الحديث أنها نازعت في أمر ثالث ومنعها أبو بكر إياه، وهو سهم ذوي القربى ".

وتقريباً للفكرة، لو أن الأب خص أحد ابنيه بأحد أملاكه قبل الوفاة، ثم بعدوفاته استولى أخوه على هذا الملك وتصرف فيه تصرف الملاك، فإن الابن الموهوب إليه سيسعى إلى إثبات أحقيته في الملك، وإذا رفض القاضي دعواه

ص: 342

فإنه سينتقل إلى المطالبة بحقه كشريك في الإرث، ومطالبته بالإرث لا تعني منه إقراراً بأن الملك ليس له، ولكنه محاولة لاستنقاذ أي حق له في هذا المال . والغرض من إثارة هذه النقطة هو دفع توهم قد يعلق ببعض الأذهان من أن الزهراء علیها السلام إذا كانت تعتقد أن فدك قد نحلها النبي صلی الله علیه و آله في حياته، فلم طالبت به من باب الإرث بعد وفاته .

الثانية: إن فدكاً لم تكن فيئاً للمسلمين عامة، بل كانت خاصة لرسول الله يفعل بها مايشاء . ففي سيرة ابن هشام: 3/801: "وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسلالم، حتى إذا أيقنوا بالهلكة، سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم، ففعل . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموال كلها: الشق ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم، إلا ما كان من ذينك الحصنين . فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم، وأن يحقن دماءهم، ويخلوا له الأموال، ففعل . وكان فيمن مشى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود، أخو بنى حارثة . فما نزل أهل خيبر على ذلك، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف، وقالوا: نحن أعلم بها منكم، وأعمر لها، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم، فصالحه أهل فدك على مثل ذلك، فكانت خيبر فيئاً بين المسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب".

وفي نفس المصدر ص 814: قال ابن إسحاق: " فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك حين بلغهم ما أوقع

ص: 343

الله بأهل خيبر، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطائف، أو بعد ما قدم المدينة، فقبل ذلك منهم، فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب". انتهى .

إذن فدك كانت شيئاً خاصاً لرسول الله يتصرف فيها ما يشاء. وبما أنها كانت خالصة لرسول الله فقد أنحلها رسول الله صلی الله علیه و آله ووهبها لفاطمة علیها السلام . فقد روى السيوطي في الدر المنثور:4/178: " وأخرج البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه، قال: " لما نزلت هذه الآية: (وآت ذا القربى حقه) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدكاً ". انتهى .

وليس في سند الحديث من يتكلم فيه سوى عطية العوفي، ويكفي بالنسبة لنا (تأييداً لرأينا في أن رسول الله صلی الله علیه و آله أنحلها ابنته، أن يحيى بن معين قال عنه: صالح . فهذه الرواية تؤكد أن هناك أمراً إلهياً في حياة النبي صلی الله علیه و آله بأن توهب الزهراء علیها السلام فدكاً، أو على أقل تقدير هو مورد تطبيق ذلك الأمر .

والكل يعلم أن الهبة من أسباب الملك، فهي إذن ملك لفاطمة علیها السلام، ولهذا جاء في رواياتنا أن أبا بكر أخرج وكيل فاطمة علیها السلام عن فدك، وهذا يعني أن فاطمة

الزهراء علیها السلام بصفتها صاحبة الملك كان لها وكيل في فدك يقوم بأمورها، وأخذ الأموال من أهلها .

القسم الأول (المشترك بين الزميلين محمد إبراهيم وعبدالله الحوت)....الخ.

- وتابع الموسوي بتاريخ 6-2-2000، الخامسة مساءً فقال:

القسم الثاني (المخصص للزميل عبد الله الحوت) ....

ص: 344

وقد ابتدأ به الزميل الحوت بما نقله عن ابن ميثم البحراني في شرحه لنهج البلاغة . ولقد كفاني الأخ العزيز السيد الفاطمي المؤونة في الإجابة عنها بأدلة واضحة، ولكنني سأضيف إلى ما قاله لإكمال الجواب، وأحمد الله على صفة التناصر فيما بين كتاب المنتدى لنصرة حق أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله . نحن نعلم أن ابن ميثم من علماء الشيعة في القرن السابع الهجري وقد توفي سنة 679 هجرية، وهو لم يورد الحديث بإسناده، بل إنه لم يتعرض لسند (فلا يمكن الاحتجاج بها) ولكنه نقل نفس ما ذكره ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة، فراجع شرحه على نهج البلاغة:16/216 .

وابن أبي الحديد المتوفى سنة 656هجرية، صرح بأنه ينقل روايات فدك عن كتاب السقيفة لأحمد بن عبدالعزيز الجوهري، فراجع شرح نهج البلاغة: 16/210. وقد قام الدكتور محمد هادي الأميني بجمع ما نقله ابن أبي الحديد عن كتاب السقيفة وفدك للجوهري في كتاب سماه بنفس اسمه الأصلي، والكتاب من إصدارات مكتبة نينوى الحديثة في طهران، أما أصل الكتاب فلا يزال مفقوداً . والجوهري يعد من أعلام القرن الثالث والرابع الهجريين، وقد توفي سنة 323 ه- كما نقله الأميني عن الكاتب المعروف الشطرنجي الطولي المتوفى سنة 335 ه-. وهذا يعني أن ابن ميثم إما نقل ماجاء في شرحه من كتاب السقيفة للجوهري مباشرة، أو نقله ولعله الأرجح من شرح ابن أبي الحديد . والنقل عما ينقله الغير لايعني تبنياً له، بل لو أن الشخص روى بنفسه حديثاً فلا يعني هذا الالتزام بمضمونه من دون النظر في سنده ومتنه، وابن ميثم لو افترضنا أنه لم يصرح برفض مضمون بعض مارواه فإنه لم يلتزم بصحة كل ما نقله لكي يصح الاحتجاج به علينا .

ص: 345

ثم إن هناك فرقاً بين ما نقله ابن ميثم البحراني ورواية ابن أبي الحديد المعتزلي، فابن أبي الحديد نقل نص الرواية في شرحه بالشكل التالي: قال أبو بكر (الجوهري): حدثني محمد بن زكريا، قال: حدثني ابن عائشة قال: حدثني أبي، عن عمه، قال: " لما كلمت فاطمة علیها السلام أبا بكر بكى، ثم قال: يا ابنة رسول الله، والله ما ورث أبوك ديناراً ولادرهماً، وإنه قال: إن الأنبياء لايورثون . فقالت: إن فدك وهبها لي رسول الله صلی الله علیه و آله . قال: فمن يشهد بذلك ؟ فجاء علي بن أبي طالب علیه السلام فشهد، وجاءت أم أيمن فشهدت أيضاً، فجاء عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف فشهداأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسمها. قال أبو بكر: صدقت يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدق علي علیه السلام وصدقت أم أيمن، وصدق عمر وصدق عبدالرحمن بن عوف، وذلك أن مالك لأبيك، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ من فدك قوتكم ويقسم الباقي، ويحمل منه في سبيل الله، فما تصنعين بها ؟ قالت: أصنع بها كما يصنع بها أبي . قال: فلك علي لله أن أصنع فيها كما يصنع فيها أبوك . قالت: الله لتفعلن ! قال: الله لأفعلن . قالت: اللهم اشهد . وكان أبو بكر يأخذ غلتها فيدفع إليهم منها ما يكفيهم، ويقسم الباقي، وكان عمركذلك، ثم كان عثمان كذلك، ثم كان علي علیه السلام كذلك، فلما ولي الأمر معاوية بن أبي سفيان أقطع مروان بن الحكم ثلثها، وأقطع عمرو بن عثمان بن عفان ثلثها، وأقطع يزيد بن معاوية ثلثها، وذلك بعد موت الحسن علیه السلام . . . الخ . (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص216) . . . . . . . . الخ .

أما قول الزميل عبدالله الحوت: (فتراجعت فاطمة

رضي الله عنها ولم تتكلم في هذا الأمر حتى ماتت ".

ص: 346

فالتعليق: في هذا الكلام إشعار بأن سكوت الزهراء علیها السلام كان قبولاً ورضاً بما قاله أبوبكر، ولكن الحوت تجاوز الاشعار إلى التصريح حيث قال: (حتى أن بعض المصادر الشيعية تذكر أن فاطمة علیها السلام رضيت بذلك). وقال: (لذلك رجعت عن عن القول بوراثة فدك، ولم تتكلم في فدك حتى آخر حياتها رضاً وتسليماً) .

ولكن أهم المصادر الصحيحة عند أهل السنة تؤكد على أن الصديقة الطاهرة علیها السلام لم تكن راضية بهذا، ولهذا هجرت أبا بكر حتى وفاتها وأوصت أمير المؤمنين أن يدفنها ليلاً كي لايصلي عليها الشيخان ومن ظلمها وتسجل أكبر مظاهر الاحتجاج عليهما !!

روى البخاري في صحيحه كتاب الفرائض: (6230 حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا هشام، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن فاطمة علیها السلام والعباس علیهما السلام أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك وسهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال . قال أبو بكر: والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته قال: فهجرته فاطمة علیها السلام فلم تكلمه حتى ماتت) ! ! انتهى .

فالويل ثم الويل لمن أغضبها وآذاها . اللهم العن ظالمي فاطمة

الزهراء علیها السلام ومؤذيها وأنزل بهم أشد العذاب .

وبالإضافة إلى ماذكره أخونا الفاطمي العزيز من تصريح ابن ميثم برأيه، فإن لدي كلاماً على فرض عدم تصريح ابن ميثم أيضاً، وهو أن رواية ابن ميثم التي

ص: 347

نقلها عن ابن أبي الحديد عن الجوهري هي من باب الاستشهاد لأخذ بعض مضمونها لا الالتزام بكل ما جاء فيها، والرواية على فرض قصد الإلزام ضعيفة السند، فلايصح إلزام الشيعة بها، كما أنه لم يظهر من قول ابن ميثم أنه قبل بكل مضمونها حتى يقال أن بعض المصادر الشيعية ذكرت أن فاطمة علیها السلام رضيت بذلك !! ألا ترى أننا نستشهد من البخاري بحديث طويل للاحتجاج بمقطع صغير فيه، مع أننا لا نقبل باقي مضمونه غير المقبول !

كما أنه لايصح قياس رواية ابن ميثم الضعيفة بما كان صحيحاً عندكم ودل على أن الزهراء علیها السلام كانت غاضبة على أبي بكر حتى وفاتها ... الخ.

- وكتب الموسوي بتاريخ 6-2-2000، الخامسة وتسع دقائق مساءً:

أما قول الزميل الحوت: (ها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكما تذكره كتبكم أيضاً يوم تولى الخلافة كما ذكره السيد المرتضى الملقب بعلم الهدى إمام الشيعة: إن الأمر لما وصل إلى علي بن أبي طالب كُلَّم في رد فدك، فقال: إني لأستحي من الله أن أرد شيئاً منعه أبوبكر وأمضاه عمر) . . الشافي للمرتضى ص231 .

فأقول: كتاب الشافي مطبوع في أربعة أجزاء ولم أجد المقطع الذي تشير إليه من خلال رقم الصفحة 231، في أي واحدة من الأجزاء الأربعة فالرجاء أن تتأكد من مصدرك أكثر ! وسأطلب منك في المرة القادمة أن ترشدنا إلى المصدر بشكل صحيح حتى لاتضيع وقتنا في البحث عن عبارة ضمن أربعة أجزاء . فقد وجدت المقطع المذكور في الجزء الرابع ص 76، ولكن سند الرواية ينتهي إلى عائشة كما أورده الشريف المرتضى فراجع ج4 ص 69، 70، 73-74 . وقد صرح المرتضى أنه يورد الرواية من باب الاحتجاج، فقد قال

ص: 348

احتجاجاً على كلام القاضي عبدالجبار المعتزلي: فأما قوله أي القاضي عبدالجبار: (إن فاطمة علیها السلام لما سمعت ذلك (أي حديث نحن معاشر الأنبياء لانورث) كفت عن الطلب فأصابت أولاً وأصابت آخراً) فلعمري أنها كفت عن الطلب الذي هو المنازعة والمشاحة لكنها انصرفت مغضبة متظلمة متألمة، والأمر في غضبها وسخطها أظهر من أن يخفى على منصف، فقدروى أكثر الرواة الذين لايتهمون بتشيع ولاعصبية فيه من كلامها علیها السلام في تلك الحال، وبعد انصرافها عن مقام المنازعة والمطالبة ما يدل على ماذكرناه من سخطها وغضبها، ونحن نذكر ذلك ما يستدل به على صحة قولنا .

ثم أورد الشريف المرتضي بإسناده عن المرزباني عن عائشة قصة الحوار الدائر بين فاطمة الزهراء علیها السلام وأبي بكر .. ألا يعد بتر هذا المقطع من الرواية من مجمل كلام ورواية الشريف المرتضى، لتجعله اعترافاً من أهل البيت علیه السلام برضاهم عن فعل أبي بكر .. نوعاً من التدليس والتحريف ؟!!

ولكن هذا التعجب من الزميل الحوت بعد أن قام الأخ العزيز العلوي بفضح طريقة اقتطاع العبارات من موقع "اسلام ويب" الناصبية ثم إنزالها هنا، وأنها من بحث وتحقيق كاتبها! وذلك الموقع دأبه الكذب والتدليس والتحريف، ومن الطبيعي أن يتصف موضوع الزميل الحوت بنفس السمة لأن الوباء قد أعداه، وأمراض ذلك الموقع سارية ومعدية ! . . . .

- وكتب الموسوي بتاريخ 6-2-2000، الخامسة وعشر دقائق مساءً: القسم الثالث: وهو المخصص لكلام الزميل الفاضل محمد إبراهيم ...

ص: 349

أما قول الزميل محمد إبراهيم: والسؤال الكبير الذي يتبادر إلى الذهن ويجب على كل من يدّعي مظلومية فدك أن يجيب عليه بالأدلة والمسانيد، هو السؤال التالي: إذا كان سيدنا أبو بكر قد اغتصب فدك كما تدعي الشيعة وكذلك سيدنا عمر وسيدنا عثمان، فهل أعاد سيدنا علي حينما وُلي الخلافة فدك إلى ولد فاطمة علیها السلام ؟ ".

التعليق: أورد الشيخ الصدوق في كتابه علل الشرائع ص 154 باب 124 (العلة التي من أجلها ترك أمير المؤمنين فدك لما ولي الناس) .. الأحاديث التالية . . . حدثنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم رحمة الله، قال: حدثنا أبي، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن إبراهيم الكرخي قال: سألت أباعبدالله علیه السلام فقلت له: لأي علة ترك علي بن أبي طالب علیه السلام فدك لما ولي الناس ؟ فقال علیه السلام: للاقتداء برسول الله صلی الله علیه و آله لما فتح مكة، وقد باع عقيل بن أبي طالب داره، فقيل له: يا رسول الله صلی الله علیه و آله ألا ترجع إلى دارك ؟ فقال صلی الله علیه و آله: وهل ترك عقيل لنا داراً !! إنا أهل بيت لانسترجع شيئاً يؤخذ منا ظلماً، فلذلك لم يسترجع فدك لما ولي .

والآن ينتقل دورنا لتوجيه الأسئلة ونحن في انتظار من يجيب عنها:

- كيف ورثت عائشة بيت النبي صلی الله علیه و آله ومنعت الإمام الحسن علیه السلام من الدفن بجوار جده ؟

- لماذا لم يطبق أبو بكر الحديث الذي ادعى سماعه بشخصه عن النبي صلی الله علیه و آله: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، على عائشة وبقية زوجات النبي صلی الله علیه و آله، وطبقه على الزهراء علیها السلام فقط ؟!!

ص: 350

- كيف طالب أبو بكر الزهراء علیها السلام البينة على النحلة، ولم يطالب أحداً من الصحابة البينة على الدين أو العدة ؟!!

أورد البخاري في صحيحه ما يلي: (2132 - حدثنا علي بن عبدالله، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو، سمع محمد بن علي، عن جابر ابن عبدالله رضي الله عنهم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قد جاء مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا، فلم يجئ مال البحرين حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم , فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر فنادى: من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم عدة أو دين فليأتنا، فأتيته فقلت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي كذا وكذا، فحثى لي حثية فعددتها فإذا هي خمس مائة وقال خذ مثليها). انتهى. فلماذا لم يطالبه البينة على هذه العدة ؟! والأسئلة في هذا المجال كثيرة.. وهناك المزيد وأنا في انتظار المجيب !!

- وكتب ذو الشهادتين في 9-2-2000، الثانية عشرة صباحاً:

أحسنت أخي العزيز الموسوي على هذا الجهد الطيب. جعله الله لك في ميزان أعمالك إن شاء الله . . . .

لي مداخلة بسيطة بشأن عدم إرجاع الإمام علي علیه السلام فدكاً عندما تولى الخلافة: يقول أمير المؤمنين في رسالته إلتي كتبها إلى عثمان بن حنيف (عامله على البصرة): (بلى ! كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء، فشحًت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس قوم آخرين، ونعم الحكم الله . . . .) .

سؤال بسيط: ألم يرجع الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز فدكاً إلى أحفاد الزهراء علیها السلام ؟؟ أليس في إرجاعه فدكاً دلالة على اغتصابها من أصحابها الشرعيين (أهل بيت النبي علیهم السلام) من قبل أبي بكر وأعوانه ؟؟! انتهى .

ص: 351

- قال العاملي: وغاب الحوت في بحره، وأخذ معه محمد ابراهيم!

- وكتب الفاطمي في الموسوعة الشيعية، بتاريخ 14-1-

1999، الواحدة صباحاً، موضوعاً بعنوان (إلى عبدالله الحوت، رداً على موضوعه: هذه حقيقة مظلومية فدك)، قال فيه:

الزميل عبدالله الحوت حياك الله... قلت: ولكن دعنا بداية نوجزها بشكل صحيح وهي: أنه لماتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبويع الخليفة الراشد الصديق بالخلافة جاءته فاطمة رضي الله عنها تسأل ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه من فدك (هي قرية بخيبر وقيل بناحية الحجاز فيها عين ونخل وهي مما أفاء الله على نبيه صلى الله عليه وسلم .. لسان العرب:10/473) فأجابها أبوبكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لانورث، ما تركنا فهو صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال يعني مال الله وإني والله لا أغير شيئاً من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم .. التي كانت عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الي من أصل قرابتي . فتراجعت فاطمة رضي الله عنها ولم تتكلم في هذا الأمر حتى ماتت) .

أقول: أولاً: قال البخاري: مناقب فاطمة علیها السلام . لاحظ جيداً يالزميل قال البخاري بينما تقول أنت: فاطمة رضي الله عنها . فلماذا لا تقول: فاطمة علیها السلام ؟ ولماذا تصر على تصغير شأنها علیها السلام ؟! صحيح البخاري، ج 5، كتاب فضائل

ص: 352

أصحاب النبي، باب 61 مناقب فاطمة علیها السلام: وقال النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فاطمة علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة، ص 96 .

ثانياً: لِم لم تذكر من الراوي لهذه الرواية، وفي أي صحيح، أو أي كتاب ؟! ومن أين أتيت بقولك: (فتراجعت فاطمة رضي الله عنها ولم تتكلم في هذا الأمر حتى ماتت) . ففي البخاري: ح 1574 - كتاب الفرائض - باب: قول النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم: لا نورث ما تركناه صدقة، ج 8، ص 551، ط / دار القلم: (فهجرته فاطمة علیها السلام فلم تكلمه حتى ماتت) . وأيضاً في البخاري: ح 1265 - كتاب الخمس، باب فرض الخمس: 4/504: (فغضبت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت) . وأيضاً في البخاري: ح 704، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، ج 5، ص 252: (فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي علیه السلام ليلاً ولم يؤذن بها أبو بكر وصلى عليها) . فمن أين أيها الزميل أتيت بقولك: (فتراجعت فاطمة

رضي الله عنها ولم تتكلم في هذا الأمر حتى ماتت) ؟ وهل هذا إيجازك بالشكل الصحيح؟؟ وهل ترى التدليس والكذب هو الصحيح؟؟

قلت أيها الزميل: حتى أن بعض المصادر الشيعية تذكر أن فاطمة علیها السلام رضيت بذلك كما يذكر ابن الميثم الشيعي في شرح نهج البلاغة (أن أبا بكر قال لها إن لك مالأبيك، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ من فدك قوتكم ويقسم الباقي ويحمل منه جزء في سبيل الله . ولك على الله أن أصنع كما كان

ص: 353

يصنع، فرضيت بذلك، أخذت العهد عليه به . . . شرح نهج البلاغة لابن الميثم البحراني ج 5 ص 107 ط . طهران . انتهى .

أقول: كان عليك أن تذكر ما قال البحراني قبل قوله الذي أوردته، ولا تذكر الذي يوافق هواك وتترك الباقي، عموماً سوف أورده لك .. قال البحراني: واعلم أن فدك كانت خاصة لرسول الله صلی الله علیه و آله وذلك لأنه لما فرغ من أمر خيبر قذف الله في قلوب أهل فدك الرعب فبعثوا إليه صلی الله علیه و آله يصالحونه على النصف فقبل ذلك منهم فكانت له خاصة إذ لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب (ثم المشهور بين الشيعة والمتفق عليه عندهم) أن رسول الله صلی الله علیه و آله أعطاها فاطمة علیها السلام، ورووا ذلك من طرق مختلفة: منها عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت: (وآت ذي القربى حقه) أعطى رسول الله صلی الله علیه و آله فاطمة علیها السلام فدكاً . فلما تولى أبو بكر الخلافة عزم على أخذها منها، فأرسلت إليه تطلبه بميراثها من رسول الله صلی الله علیه و آله وتقول: إنه أعطاني فدك في حياته واستشهدت على ذلك علياً علیه السلام، واستشهدت في ذلك علياً وأم أيمن فشهدا لها بها، فأجابها عن الميراث بخبر رواه هو: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه من صدقة . (شرح نهج البلاغة لإبن ميثم البحراني ج 5، ص 104 و105) . ثم ذكر إبن ميثم البحراني خطبة الزهراء سلام الله عليها وفي ختام الخطبة قال: (ثم رجعت إلى بيتها وأقسمت أن لا تكلم أبابكر ولتدعون الله عليه، ولم تزل كذلك حتى حضرتها الوفاة فأوصت أن لا يصلي عليها فصلى عليها عباس ودفنت ليلاً). وبعدها قال ابن ميثم البحراني مباشرة: (وروي) . ثم ذكر ما قلته أيها الزميل بعد عدة أسطر !! فأقول أيها الزميل: بالبداية ذكر البحراني أن المشهور بين الشيعة والمتفق عليه بينهم أن رسول الله أعطاها (فدك) . ثم ذكر البحراني في ختام الخطبة أن فاطمة علیها السلام

ص: 354

أقسمت أن لا تكلم أبا بكر ولتدعون الله عليه وأوصت أن لا يصلي عليه أبا بكر ودفنت ليلاً !! فلماذا لم تذكر أيها الزميل أقوال البحراني مما يلغي ما ترنو إليه وتضاد رأيك ؟ وهل تريد أن توهم القراء بأن ما ذكرته هو الحق ؟ وإن الشيعة كذابين ؟ وأما بالنسبة لإيراد البحراني ما ذكرته أنت فهو لإثبات أمانة نقل الأقوال وليس إلا، ولبيان إن هذا القول مما لا تعتقد به الشيعة ولذلك قال: (وروى).

قلت يالحوت: ولكن أصحاب الأهواء لم يرضوا بذلك فراحو يؤلفون الروايات التي تظهر أن أبا بكر قد ظلم فاطمة علیها السلام، ومنهم المجلسي الذي كان لا يذكر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وأعقبه بلعن أو فسق . (حق اليقين للمجلسي ص 193) .

أقول: لقد أثبتنا ومن صحيح البخاري أن فاطمة الزهراء

سلام الله عليها هجرت أبا بكر ولم تكلمه حتى توفيت، وأمرت أن تدفن ليلاً وأن لا يصلي عليها أبو بكر، وكل هذا لأنها كانت تشعر بالظلم الواقع من قبل أبي بكر ! فلماذا يالحوت تكذب على المجلسي وعلماء الشيعة بقولك: فراحوا يؤلفون الروايات التي تظهر أن أبا بكر قد ظلم فاطمة علیها السلام ؟!

وإذا كان ما تقول حقاً فإن علماء السنة كذابون أيضاً ومنهم البخاري لأنهم أثبتوا ظلم أبي بكر لفاطمة الزهراء سلام الله عليها .

قلت: لذلك يذكرون أن أبا بكر استولى على فدك ليفقر فاطمة علیها السلام ولا يبقى لهم شئ، ولا يطمع فيهم الناس وتبطل خلافتهم، ووضعوا من أجل ذلك الروايات . أنظر: الأصول من الكافي: باب فضل العلم وفضل العلماء ج1 ص32، الاصول من الكافي: باب ثواب العالم والمتعلم ج1 ص 34 .

ص: 355

أقول: أيها الحوت من أين أخذت قولك هذا؟ ومن الذي أخبرك بأنه في باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء (ج 1 / 32) وفي باب (ثواب العالم والمتعلم) توجد روايات أن أبا بكر استولى على فدك ليفقر فاطمة علیها السلام ؟! ففي (باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء): توجد 9 روايات ليس فيها ما قلت . وكلها عن العلم وفضله . وفي باب (ثواب العالم والمتعلم) توجد 6 روايات وكلها عن ثواب العالم الذي يعلم الناس ويفقههم !! وهل نعتبر ما قلته تدليساً أو كذباً منك أيها الزميل ؟؟ وهل تريد إقناع القراء بقولك وآرائك عن طريق الكذب أو التدليس ؟؟

قلت يالحوت: ثم أمر آخر يذكره الذين كتبوا حول هذه القضية وتناولوها بالدراسة والتمحيص وهي: أن كانت فدك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تكن فاطمة علیها السلام هي الوريثة الوحيدة بل كانت نساء الرسول (عائشة وحفصة مثلاً) أيضاً لهن حق الوراثة، ولم يورث الصديق ولا الفاروق ابنتيهما . كذلك العباس عم النبي الله صلى الله عليه وسلم كان حياً وهو من ورثته بلا شك . ومع ذلك لم يرث .

أقول: نسيت أو تناسيت أو أنك لاتدري بأن فاطمة الزهراء علیها السلام كانت تطلب هي والعباس أرضيهما وسهميهما من خيبر ؟! روى البخاري عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: أن فاطمة علیها السلام والعباس علیهما السلام أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم . (وهما يطلبان أرضهما من فدك وسهمهما من خيبر) . كتاب الفرائض - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركناه صدقة، ج 8، ص 551. فهل تقرأ يالحوت (وهما يطلبان أرضهما من فدك وسهمهما من خيبر) وهل تعرف معنى ما بين القوسين ؟؟!

ص: 356

قلت يالحوت: والأمر الأهم: ألا يعتقد الشيعة أن مذهبهم لا يورث المرأة من العقار والأرض شيئاً ؟ ولذلك فإن الكليني أي محدث الشيعة الذي يقول عنه الشيعة (أنه كاف للشيعة) قد عقد باباً مستقلاً في كتابه أسماه باب أن النساء لايرثن من العقار شيئاً) . ثم ذكر الروايات عن المؤيدة في ذلك .. الفروع من الكافي كتاب المواريث:7 /137. انتهى .

أقول: أيها الحوت وما زلت تريد أن تلبس على القراء وتدلس في أقوالك ولكن خاب ظنك يالحوت، ولن أتكلم بما قاله المجلسي عن بعض الروايات التي تقصدها بأنها مجهولة، ولكن أقول: ما معنى المرأة بالميراث ؟ وهل تعني (المرأة) غير الزوجة ؟ قال المجلسي في مرآة العقول شرح الكافي - باب أن النساء لا يرثن من العقار شيئاً- كتاب المواريث ج 23، ص 187 . وقال في المسالك: اتفق علماؤنا إلا ابن جنيد على حرمان (الزوجة) في الجملة من أعيان التركة. وقال المجلسي في ص 188: وأما من يحرم من (الزوجات) فاختلف فيه أيضاً .

فهل عرفت يالحوت معنى والمقصد من كلمة المرأة في المواريث ؟! ففاطمة

الزهراء علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وليست إمرأته . فلا ينطبق عليها هذا الحكم لأنه مخصص للمرأة والتي هي الزوجة يالحوت . . .

قلت يالحوت: ثم ها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكما تذكره كتبكم أيضاً يوم تولى الخلافة كما ذكره السيد المرتضى الملقب بعلم الهدى إمام الشيعة: أن الأمر لما وصل إلى علي بن أبي طالب كُلَّم في رد فدك فقال: إني لأستحي من الله أن أرد شيئاً منعه أبوبكر وأمضاه عمر . الشافي للمرتضى ص 231 . أيضاً: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 .

ص: 357

أقول: حدد رقم الصفحة لنرد عليك، ونرجو أن لا تكون قد بترت الرواية، وأن تكون معتمدة من قبل علمائنا ومتفقين عليها !! هذا ما قاله ابن ابي الحديد عن جميع الروايات التي أوردها في هذا الفصل، وهي من روايات أهل الحديث (السنة) وبالذات أبي بكر الجوهري، ومن جملتها الروايتان التي أوردتهما أنت لتستدل وتدلس وتلبس على القراء، فهل هذه أمانتك في النقل يالحوت ؟ فكيف تحتج بكتبكم علينا ؟ ولماذا لم تذكر عن الروايتين بأنهما من كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري ؟! وهل ابن أبي الحديد شيعي وعلى مذهب أهل البيت لكي تحجنا بقوله ؟! … إذا أردت أن تكتب وتناقش فيجب أن تكون أميناً في نقلك للأقوال والروايات .…

السلام عليك يا بنت رسول الله السلام عليك يا بنت نبي الله .

السلام عليك يا بنت حبيب الله السلام عليك يا بنت خليل الله .

السلام عليك يا سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين .

السلام عليك يا أم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة .

- فكتب الأشتر بتاريخ 14-1-2000،

الثامنة صباحاً:

أحسنت سيدنا الفاطمي (متخصص في قضايا الدفاع عن الزهراء علیها السلام) ...

- وكتب مالك الأشتر بتاريخ 14-1-2000، السادسة مساءً:

حياك الله وبياك، وحيا هذا القلم العلوي الشريف . وفقك الله وحشرك مع أجدادك الطاهرين . أما بخصوص الحوت فإنك لم تجب على ماأثبته لك الشريف الفاطمي من الكذب والتدليس لا بعذر ولا بغير عذر .

- ثم كتب الفاطمي بتاريخ 14-2-2000، السادسة مساءً:

اللهم صل على محمد وآل محمد .

ص: 358

وما زلنا لم نر الرد، فهل سنراه ؟!

السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام . انتهى .

- قال العاملي: وغاب الحوت في ظلمات البحر، ولم يظهر !!

الخطبة النارية للصديقة الزهراء علیها السلام في المسجد النبوي ..

- كتب السيد محمد العلي بتاريخ 28–8–1999، موضوعاً بعنوان

(خطبتان لسيدة نساء العالمين):

خطبتان للسيّدة فاطمة الزهراء علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله

تحقيق الدكتور الفاضل محمود محمد الطناحي، ضمن كتاب منال الطالب في شرح طوال الغرائب، لابن الأثيرمجدالدين المبارك بن محمد – 544 - 606 ه- (طبع في الصفحات) 501 - 534، وهو الكتاب الثامن من سلسلة (من التراث الإسلامي) منشورات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، بجامعة أمّ القرى بمكّة المكرّمة، بالمملكة العربية السعودية .

قال ابن الأثير بعد إيراده الخطبة: هذا الحديث أكثر ما يروى عن طريق أهل البيت , وإن كان قد روي عن طرق أخرى أطول من هذا وأكثر . والمحقق الفاضل عزاه إلى غريب الحديث لابن قتيبة:1/590، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:16/211 و249

و: 6/ 43 وقال: أنظر الفائق للزمخشري:4/ 116، وبلاغات النساء لابن أبي طيفور ص16، ولهذه الخطبة الغرّاء مصادر وفيرة , إليك منها: كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه للمحدث الشيخ محمد بن علي المعروف بالصدوق - ت381ه-، وانظر شرحه المسمى روضة المتقين للمجلسي الأول - ت 1070ه-، وعلل الشرائع للصدوق أيضاً. والشافي في

ص: 359

الإمامة للسيد الشريف المرتضى علي بن الحسين - ت 436ه-، ودلائل الإمامة للطبري محمد بن جرير بن رستم - ت310ه-، وكشف الغمة للأربلي -القرن السادس، والطرائف من مذاهب الطوائف لابن طاوس الحلي علي بن موسى بن جعفر - ت664ه-، والاحتجاج على أهل اللجاج للطبرسي - القرن الثامن . ونثر الدر للآبي . وتنتهي أسانيد الرواية إلى عدد من الرواة , منهم زينب الكبرى بنت علي علیه السلام وفاطمة علیها السلام، والحسين الشهيد، والباقر علیهم السلام، وابن عباس، وعبد الله بن الحسن المثنى، وعائشة بنت أبي بكر . وقد انتخبنا النص من طبعة الدكتور الطحان في أصل ما نقدمه هنا , إلا أنا أكملناه بما يلزم من المصادر الأخرى , واضعين المضافات بين الأقواس تمييزاً لها , ونسأل الله أن يتقبل من الجميع ما يقدمه إلى الحق والعلم من خدمات إنه قريب مجيب .

الخطبة الأولى: في مسجد الرسول صلی الله علیه و آله

قالت زينب بنت علي بن أبي طالب: لَمّا بلغ فاطمة علیها السلام إجْماَع أَبي بَكْرٍ عَلى مَنْعها حقَّها من فَدَكٍ , لاثَتْ خِمارَها وَاشْتَمَلَتْ بِجِلْبابِها، وَأَقْبَلَتْ في لُمَّةٍ مِنْ حَفَدَتِها وَنِساءِ قَوْمِها تجُرُّ أدْراعَها، وتَطَأُ ذُيُولَها، لا تَخْرِمُ مِشْيَتُها مِشْيَةَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه و آله , حَتَّى دَخَلَتْ عَلى أبِي بَكْرٍ، وَهُوَ فِي حَشَدٍ مِنَ المُهاجِرِينَ وَالأَنْصارِ وَغَيْرِهِمْ . فَنِيطَتْ دُونَها مُلاءَةٌ، فَجَلَستْ ثُمّ أنَّتْ أنَّةً أجْهَشَ لَها القَوْمُ بِالْبُكاءِ والنحيب، فَارْتَجَّ الَمجْلِسُ، ثُمَّ أمْهَلَتْ هُنَيَّةً حَتّى إِذا سَكَنَ نَشِيجُ القَوْمِ وهَدَأتْ فَوْرَتُهُمْ وسكنت روعتهم، افْتَتَحَتِ الكَلامَ بالِحَمْدِ للهِ وَالثَّناءِ عَلَيْهِ، وَالصَلاةِ عَلى رَسُولِهِ في كلام طويل من الثناء والتحميد، فَعادَ الَقْومُ فِي بُكائِهِمْ، فَلمَّا أمْسَكُوا عَادَتْ فِي كَلامِها فَقَالَتْ علیها السلام:

أبْتدئُ بحمدِ مَنْ هو أوْلى بالحمدِ والطولِ والمجدِ . الحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُكْرُ عَلى ما ألْهَمَ، والثَناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغُ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامٍ مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الإِحْصاءِ عَدَدُها، وَنَأى عَنِ الجَزاءِ

ص: 360

أمَدُها،وَتَفاوَتَ عَنِ الإِدْراكِ أبَدُها، وَنَدَبَهُمْ لاِسْتِزادَتِها بِالشكْرِ لاتّصالِها، وَاسْتَحْمَدَ إلى الخَلائِقِ بِإِجْزالِها، وَثنّى بِالنَّدْبِ إلى أمْثالِها .

وَأشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، كَلِمَةٌ جَعَلَ الإخْلاصَ تَأويلَها، وَضَمّنَ القُلُوبَ مَوْصُولَها، أنارَ فِي الَفِكَرِ مَعْقُولَها . المُمْتَنِعُ مِنَ الأَبْصارِ رُؤْيَتُهُ، وَمِنَ الأَلْسُنِ صِفَتُهُ، وَمِنْ الأَوْهامِ صِفَتُهُ . ابْتَدَعَ الأَشْياءَ لامِنْ شَئ كانَ قَبْلَها، وَأنْشَأها بِلا احْتِذاءِ أمْثِلَةٍ امْتَثَلَها , كَوَّنَها بِقُدْرَتِهِ، وذَرَأها بِمَشِيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ حاجَةٍ مِنْهُ إِلى تَكْوِينِها، وَلا فَائِدَةٍ لَهُ فِي تَصْوِيرِها إلاّ تَبْيِيناً لِحِكْمَتِهِ، وَتَنْبِيهَاً عَلى طَاعَتِهِ، وَإظْهارَاً لِقُدْرَتِهِ، وَتَعَبُّدَاً لِبَرِيَّتِهِ، وَإعْزازَاً لِدَعْوَتِهِ . ثُمَّ جَعَلَ الثَّوابَ عَلى طَاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيَتِهِ ذِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ، وحِياشَةً لَهُمْ إلى جَنَّتِهِ .

وَأشْهَدُ أنَّ أَبي مُحَمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اخْتَارَهُ وَانْتَجَبَهُ قَبْلَ أنْ أرْسَلَهُ، وَسَمَّاهُ قَبْلَ أنْ اجْتَبَلَهُ، وَاصْطَفَاهُ قَبْلَ أنْ ابْتَعَثَهُ إِذِ الخَلائِقُ بِالْغَيْبِ مَكْنُونَةٌ، وَبِسَتْرِ الأهاوِيلِ مَصُونَةٌ، وَبِنهايَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَةٌ، عِلْماً مِنَ اللهِ تَعالَى بِمآئِلِ الأُمُورِ، وَإِحاطَةً بِحَوادِثِ الدهُورِ، وَمَعْرِفَةً بِمَواقِعِ المقدُورِ .

ابْتَعَثَهُ اللهُ إتْماماً لأَمْرِهِ، وَعَزِيمَةً عَلى إِمْضاءِ حُكْمِهِ، وَإنفاذَاً لِمَقَادِيرِ حَتْمِهِ، فَرَأى الأُمَمَ فِرَقاً فِي أدْيانِها، عُكَّفاً عَلى نِيرانِها، عَابِدَةً لأِوْثانِها، مُنْكِرَةً للهِ مَعَ عِرْفانِها، فَأنارَ اللهُ بِأَبي مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله ظُلَمَها، وَكَشَفَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَها، وَجَلا عَنِ الأَبْصارِ عَمَهَها، وعن الأنْفُس غُمَمَها، وَقامَ فِي النَاسِ بِالهِدايَةِ، فَأنْقَذَهُمْ مِنَ الغَوايَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ العَمايَةِ، وَهَداهُمْ إلى الدينِ القَويِمِ، وَدَعَاهُمْ إِلى الصراطِ المُسْتَقِيمِ .

ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إلَيْهِ قَبْضَ رَأفَةٍ وَاخْتِيارٍ، وَرَغْبَةٍ وَإيثارٍ، فَمُحَمَّدٌ صلی الله علیه و آله فِي راحَةٍ مِنْ تَعَبِ هذِهِ الدّارِ، مَوضُوعَاً عَنْهُ أعْباءُ الأَوْزارِ، وَمَحْفُوفَاً بِالْملاَئِكَةِ الأَبْرارِ،

ص: 361

وَرِضْوانِ الربِّ الغَفَّارِ، وَمُجاوَرَةِ المَلِكِ الجَبَّارِ، صَلَّى الله على أبي نَبِيِّهِ وَأمِينِهِ عَلى الَوحْي وَصَفِيهِ، وَخِيَرَتِهِ مِنَ الخَلْقِ وَرَضِيّهِ، وَالسَّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

ثمّ التفتت علیها السلام إلى أهل المجلس وقالت: وأنْتُم عِبادَ اللهِ نَصْبُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَحَمَلَةُ دِينِهِ وَوَحْيِهِ، وَاُمَناءُ اللهِ عَلى أنْفُسِكُمْ، وَبُلَغاؤُهُ إلى الأُمَمِ حولكم، زَعِيمُ حَقّ لهُ فيكُمْ، وَعَهْدٌ قَدَّمَهُ إلَيْكُمْ ..وَنحن بَقِيَّةٌ اسْتَخْلَفَها عَلَيْكُمْ، ومعنا كِتابُ اللهِ النَّاطِقُ، وَالقُرآنُ الصَّادِقُ، وَالضياءُ اللاَّمِعُ، بَيّنَةٌ بَصائِرُهُ، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ، مَتَجَليَّةٌ ظَواهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أشْياعُهُ، قَائِدٌ إلى الرضْوانِ أتْباعُهُ، مُؤَدٍّ إلى النَجاةِ اسْتِماعُهُ , بِهِ تُنالُ حُجَجُ اللهِ المُنَوَّرَةُ، وعَزَائِمُهُ المُفَسَّرَةُ، وَمَحارِمُهُ الُمحَذَّرَةُ، وَبَيناتُهُ الجَالِيَةُ، وَبَراهِينُهُ الكَافِيَةُ، وَفَضَائِلُهُ المَنْدُوبَةُ، وَرُخَصُهُ المَوْهُوبَةُ، وَشَرائِعُهُ المَكْتُوبَةُ . فَجَعَلَ اللهُ الإيمانَ تَطْهِيراً لَكُمْ مِنَ الشركِ، وَالصَلاةَ تَنْزِيَهاً لَكُمْ عَنِ الكِبْرِ، وَالزَّكاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَنَماءً فِي الرزْقِ، وَالصيامَ تَثْبِيتا لِلإِخْلاصِ، وَالحَجَّ تَشْيِيداً لِلدينِ، وَالعَدْلَ تَنْسِيقاً لِلْقُلُوبِ، وَطَاعَتَنا نِظامَاً لِلْمِلَّةِ، وَإمامَتَنا أمانَاً مِنَ الفُرْقَةِ، وَالجِهادَ عِزَّاً لِلإِسْلامِ، وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلى اسْتِيجابِ الأَجْر , وَالأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعامَّةِ، وَبِرَّ الوَالِدَيْنِ وِقايَةً مِنَ السَّخَطِ، وَصِلَةَ الأَرْحامِ منْسأةً في العمر ومَنْماةً لِلْعَدَدِ، وَالقِصاصَ حَقْنَاً لِلدماءِ، وَالوَفَاءَ بِالنَّذْرِ تَعْريضَاً لِلْمَغْفِرَةِ، وَتَوْفِيَةَ المَكائِيلِ وَالمَوَازِينِ تَغْييراً لِلْبَخْسِ، وَالنَّهْيَ عَنْ شُرْبِ الخَمْرِ تَنْزِيهَاً عَنِ الرجْسِ، وَاجْتِنابَ القَذْفِ حِجابَاً عَنِ اللَّعْنَةِ، وَتَرْكَ السرْقَةِ إيجابَاً لِلْعِفَّةِ، وَحَرَّمَ الشرْكَ إخْلاصَاً له بِالربُوبِيَّةِ .. فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إلاّ وَأنْتُمْ مُسْلِمُونَ . وَأطِيعُوا اللهَ فِي ما أمَرَكُمْ بِهِ وَنَهاكُمْ عَنْهُ، فَإنَّهُ قال إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَماءُ . فاحْمَدُوا اللهَ الذي بِعَظمَتِهِ ونُوْرِهِ ابْتَغَى مَنْ في السَمَواتِ

ص: 362

والأرْضِ إليه الوسيلةَ , فنَحْنُ وَسيلَتُهُ في خَلْقِهِ ونَحْنُ آلُ رسُولِهِ، ونَحْنُ خاصَّتُهُ، ومَحَلُّ قُدْسِهِ، ونَحْنُ حُجَّةُ غَيْبِهِ، ووَرَثَةُ أنْبِيائِهِ .

أيها النّاسُ: أنَا فاطمة علیها السلام وَأبِي مُحَمَّدٌ صلی الله علیه و آله، أقُولُها حَقَّاً عَوْدَاً وَبَدْءاً، ما أقُولُ إذ أقُولُ غَلَطَاً، وَلاَ أفْعَلُ مَا أفْعَلُ سرفاً ولا شَطَطَاً . لَقَدْ جَاءَ كُمْ رَسُولٌ مِنَ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنينَ رَؤُوفٌ رَحيمٌ . فَإِنْ تَعْزُوهُ تَجِدُوهُ أبِي دُونَ نِسائِكُمْ، وَأخا ابْنِ عَمي دُونَ رِجالِكُمْ، وَلَنِعْمَ المَعْزِي إلَيْهِ صلّى الله عليه، فَبَلَّغَ النذارَةَ صَادِعَاً بِالرسَالَةِ، ناكباً عَنْ سنن المُشْرِكِينَ، ضَارِباً لأثْباَجِهِمْ، آخِذَاً بِأكْظامِهِمْ، دَاعِيَاً إلى سَبِيلِ رَبّهِ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، يَفُضُّ الهام ويجُذُّ الأَصْنامَ، حَتّى انْهَزَمَ الجَمْعُ وَوَلَّوُا الدبُرَ، وحَتَّى تَفَرَّى اللَّيْلَ عَنْ صُبْحِهِ، وَأسْفَرَ الحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ، وَنَطَقَ زَعِيمُ الدينِ، وهدأتْ فَوْرةُ الكفْر، وَخَرسَتْ شَقَاشِقُ الشَّياطِينِ، وَطَاحَ وَشِيظُ النفاقِ، وَانْحَلَّتْ عُقَدُ الكُفْرِ وَالشقَاقِ، وَفُهْتُمْ بِكلِمَةِ الإِخْلاصِ، فِي نَفَرٍ مِنَ البِيضِ الخِماصِ، وَكُنْتُمْ عَلى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فأنْقَذَكُم منها بنبيّهِ , تعْبُدُونَ الأصْنامَ وتَسْتَقْسِمُونَ بالأزْلام مَذْقَةَ الشَّارِبِ، وَنُهْزَةَ الطَّامِعِ، وَقُبْسَةَ العَجْلانِ، وَمَوْطِئَ الأَقْدامِ، تَشْرَبُونَ الطَّرْقَ، وَتَقْتَاتُونَ القدَّ والوَرَقَ، أذِلَّةً خَاسِئِيَن، تَخَافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ، فَأنْقَذَكُمُ اللهُ بِنبيّه صلی الله علیه و آله بَعْدَ اللَّتِيَّا وَالَّتيِ، وَبَعْدَ ما مُنِيَ بِبُهَمِ الرجالِ، وَذُؤْبانِ الَعَربِ، وَمَرَدَةِ أهَلِ الكِتَابِ، كُلَّما أوْقَدُوا نَاراً لِلْحَربِ أطْفَأها اللهُ، أوْ نَجَمَ قَرْنٌ للضلالة، أوَ فَغَرَتْ فَاغِرَةٌ المُشْرِكِينَ، قَذَفَ أخَاهُ عليّاً فِي لَهَواتِها , فَلا يَنْكَفِئُ حَتّى يَطَأ ضِماخَها بِأخْمَصِهِ، وَيُخْمِدَ لَهَبَها بِحدِّهِ , مَكْدُودَاً فِي طاعة اللهِ ورسوله، مُجْتَهِدَاً فِي أمْرِ اللهِ، قَرِيبَاً مِنْ رَسُولِ الله، سَيّدَاً فِي أوْلِياءِ اللهِ، مُشَمرَاً نَاصِحَاً مُجِدَّاً كَادِحَاً .. وَأنْتُمْ فِي بُلَهْنِيَةٍ وَادِعُونَ آمِنُونَ فرِحون، وفي رَفَاهِيَة مِنَ العَيْشِ فَكِهُونَ ,

ص: 363

تأْكُلُون العَفْوَ وتشربُوْنَ الصَفْوَ، تَتَوَكَّفُونَ الأخْبارَ، وَتَنْكُصُونَ عِنْدَ النزالِ وَتَفِرونَ مِنَ القِتَالِ !!

فَلَمّا اخْتارَ اللهُ لِنَبِيهِ دَارَ أنْبِيائِهِ، وَمحلَّ أصْفِيائِهِ، ظَهَرَتْ فِيكُمْ حَسِيْكَةُ النقاقِ، وَانْسَمَلَ جِلْبابُ الدينِ، وأخْلقَ عهده، وانتقضَ عقده , وَنَطَقَ كَاظِمُ، وَنَبَغَ خَامِلُ , وَهَدَرَ فَنِيقُ الباطِلِ يخَطُرُ فِي عَرَصَاتِكُمْ، وَأطْلَعَ الشّيطانُ رَأسَهُ مِنْ مَغْرِزِهِ ضارخاً بِكُمْ، فَألْفاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُصيخينَ، وَلِلْغِرَّةِ مُلاحِظِينَ،واسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ خِفافَاً، وَأحْمَشَكُمْ فَألْفاكُمْ غِضابَاً، فَوَسَمْتُمْ غَيْرَ إِبِلِكُمْ، وأَورَدْتُموها غَيْرَ شِرْبِكُمْ .

هَذا وَالعَهْدُ قَرِيبٌ، وَالكَلْمُ رَحِيبٌ، وَالجُرْحُ لَمّا يَنْدَمِلْ، وَالرَّسُولُ لَمّا يُقْبَر، بِدارَاً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الفِتْنَةِ ! ألا فِي الفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكافِرِين .

هَيْهَاتَ مِنْكُمْ ؟ وَأينَ بِكُمْ ؟ وَأنَّى تُؤْفَكُونَ ؟! وَكِتَابُ اللهِ بَيْنَ أظْهُرِكُمْ، أُمُورُهُ ظَاهِرَةٌ، وَأحْكامُهُ زَاهِرَةٌ، وزَوَاجِرُهُ قاهرة، وَأوَامِرُهُ لاَئِحَةٌ، وأدلته وَاضِحَةٌ، وَأعْلامُهُ بَيّنةٌ، قَدْ خَلَّفْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ !! أرَغْبَةً ويْحَكُمْ عَنْهُ تُدْبِرُونَ ؟ أمْ بِغَيْرِهِ تَحْكُمُونَ ؟! بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً.. وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينَاً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخاسِرِينَ .

ثُمَّ لَمْ تَلْبَثُوا بعد اجتهاد إِلاّ رَيْثَما سكنتَ نِفْرَتُها، وَأسْلَسَ قِيادُها، ثُمَّ أخَذْتُمْ تُورُونَ وَقْدَتَها، وَتُهَيّجُونَ جَمْرَتَها، وَتَسْتَجِيبُونَ لِهِتافِ الشَّيْطَانِ الغَوِيّ، وَإطْفاءِ أنْوارِ الدّينِ الجَلِي، وَإهْمادِ سُنَنِ النَبيّ الصَفِيّ، تُسرِّونَ حَسْوَاً فِي ارْتِغَاءٍ، وَتَمْشُونَ لأَهْلِهِ وَوُلْدِهِ فِي الخَمَر وَالضَّرآءِ، وَنحن نَصْبِرُ مِنْكُمْ عَلى مِثْلِ حزّ المُدَى،

وَوَخْزِ السنانِ فِي الحَشَا ! وَأنْتُمْ الآنَ تَزْعَمُونَ أنْ لا إِرْثَ لَنَا ولاحظّ ! أفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ تَبْغُونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمَاً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ !! بَلى قَدْ تَجَلَّى لَكُمْ كَالشَّمْسِ الضَّاحِيَةِ أَني ابْنَتُهُ!

ص: 364

إيْهاً معاشر المُسْلِمينَ , أأبْتزُّ إِرْثِيَهْ ؟ يَا ابْنَ أبِي قُحافَةَ أفِي كِتابِ اللهِ أنْ تَرِثَ أباكَ وَلاَ أرِثُ أبِيَهْ ؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئَا فَرِيَّاً ! جرْأةً منكم على قطيعة الرحِم ونكْث العهْد , أفَعَلى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللهِ وَنَبَذْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ إِذْ يَقُولُ: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُد . وَقَالَ فِي ما اقْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيّا علیهما السلام إِذْ قَالَ: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ. وَقَالَ: وأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ .وَقَالَ: يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظ الأُنْثَيَيْنِ . وَقَال: إِنْ تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقَّاً عَلى المُتَّقِينَ .

وَزَعَمْتُمْ أنْ لاحظْوَةَ لِي وَلا إِرْثَ مِنْ أبي، وَلاَ رَحِمَ بَيْنَنَا ! أفَخَصَّكُمُ اللهُ بِآيَةٍ أخْرَجَ أبِي صلی الله علیه و آله مِنْها ؟ أمْ هَلْ تَقُولُونَ: إِنَّا أهْلُ مِلَّتَيْنِ لا يَتَوارَثانِ ؟ أوَلَسْتُ أنَا وَأبِي مِنْ أهْلِ مِلَّةٍ واحِدَةٍ ؟! أمْ أنْتُمْ أعْلَمُ بِخُصُوصِ القُرآنِ وَعُمُومِهِ مِنْ أبِي وَابْنِ عَمي ؟!

فَدُونَكَهَا مَخْطُوْمَةً مَرْحُولَةً مزْمومةً , تكون معك في قبرك، وتَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الحَكَمُ اللهُ، وَنعم الزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ , وَالمَوْعِدُ القِيامَةُ، وَعِنْدَ السَّاعَةِ يَخْسَرُ المُبْطِلُونَ . وَلِكُل نَبَأٍ مُسْتَقَر، وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيِه وَيَحِل عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ !

ثُمَّ رَنَتْ علیها السلام بِطَرْفِها نَحْوَ الأَنْصارِ وَقَالَتْ:

يَا مَعْشَرَ النَّقِيبَة ِ، وَأعْضادَ المِلَّةِ، وَحَضَنَةَ الإسْلاَمِ: مَا هَذِهِ الغَمِيزَةُ فِي حَقّي، وَالسِنَةُ عَنْ ظُلاَمَتِي ؟! أمَا قال رَسُولُ اللهِ أبِي: الْمَرْءُ يُحْفَظُ فِي وُلْدِهِ ؟ لَسَرْعانَ مَا أحْدَثْتُمْ، وَعَجْلاَنَ ذَا إِهالَة، وَلَكُمْ طَاقَةٌ بِما اُحاوِلُ، وَقُوَّةٌ عَلَى مَا أطْلُبُ وَاُزاوِلُ ؟! أتَقُولُونَ مَاتَ مُحَمَّدٌ ؟ لعمري خَطْبٌ جَلِيلٌ اسْتَوْسَعَ وَهْيُهُ، وَاسْتَنْهَرَ فَتْقُهُ، وَفُقِد رَاتِقُهُ، وَأظْلَمَتِ الأرْضُ لِغَيْبَتِهِ واكتأبت خِيَرةُ الله لِمُصِيبَتِهِ , وَخَشَعَتِ

ص: 365

الجِبالُ، وَأكْدَتِ الآَمالُ، وَأُضِيعَ الحَرِيمُ، وَاُزِيلَتِ الحُرْمَةُ، فَتِلْكَ وَاللهِ النَّازِلَةُ الكُبْرى، وَالمُصِيبَةُ العُظْمى، لا مِثْلُها نَازِلَةٌ، وَلا بائِقَةٌ عاجِلَةٌ، أعْلَنَ بِها كِتابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في مَمْساكُمْ وَمُصْبَحِكُمْ، يَهْتِفُ بِهِ فِي أفْنِيَتِكُمْ هِتَافاً وَصُراخَا، وَتِلاوَةً، وَإلحاناً، وَلَقَبْلَهُ ما حَلَّ بِأنْبِياءِ اللهِ وَرُسُلِهِ، حُكْمٌ فَصْلٌ وَقَضَاءٌ حَتْمٌ: وَما مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرسُلْ أفَإِنْ مَاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللهَ شَيْئَاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرينَ .

إيْهاً بَنِي قَيْلَةَ ! أاُهْضَمُ تُراثَ أبِيَهْ، وَأنْتُمْ بِمَرْأىً مِنّي وَمَسْمَعٍ وَمُنْتَدى وَمَجْمَعَ؟ تَشْمَلُكُمُ الدَّعْوَةُ، وتَلْبَسُكُمُ الحَيْرَةُ، وفيكم العَدَدِ وَالعُدَّةِ وَلكم الدارُ وعندكم الجُنَنُ والأَداةُ وَالقُوَّةُ، وَعِنْدَكُمُ السلاحُ , تُوافِيكُمُ الدَّعْوَةُ فَلا تُجِيبُونَ، وَتَأتِيكُمُ الصَّرْخَةُ فَلا تُغِيثُونَ وَأنْتُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْكِفاح ِ، مَعْرُوفُونَ بِالْخَيْرِ وَالصَّلاحِ، والنخْبَةُ الَّتي انتُخِبَتْ لنا أهل البيت، وَالخِيَرَةُ الَّتي اخْتِيرَتْ فنابذتُمُ فينا صميم العَرَبَ،وَتَحَمَّلْتُمُ الكَدَّ وَالتَّعَبَ، وَنَاهضْتُمُ الاُمَمَ، وَكَافَحْتُمُ البُهَمَ، لاَنَبْرَحُ ولا تَبْرَحُونَ نَأمُرُكُمْ فَتْأتَمِرُونَ , حَتَّى إِذا دارَتْ بِنا رَحى الإسْلامِ، وَدَّرَ حَلَبُ الأَيَّامِ، وَخَضَعَتْ نخوة الشركِ، وَسَكَنَتْ فَوْرَةُ الإِفْكِ، وَهَمَدَتْ نِيرانُ الكُفْر وَهَدَأتْ روْعةُ الهَرْجِ، وَاسْتَوْسَقَ نِظامُ الدينِ . فَأنّى حِرتُمْ بَعْدَ البَيَانِ، وَأسْرَرْتُمْ بَعْدَ الإِعْلان، وَنَكَصْتُمْ بَعْدَ الإقْدامِ وجَبُنْتُمْ بعدَ الشَجاعَةِ، عن قوْمٍ نَكَثُوا أيْمانَهُمْ، من بعد عَهْدِهِمْ وطَعَنُوا في دينكم . فقاتلُوا أئمّةَ الكُفْرِ إنّهُمْ لا أيْمانَ لَهُمْ لَعَلّهُمْ يَنْتَهُوْنَ . ألا تُقاتِلُونَ قَوْمَا نَكَثُوا أيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُوكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ أتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أحَق أنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

ألا , قَدْ أرى والله أنْ قَدْ أخْلَدْتُمْ إلى الخَفْضِ، وَأبْعَدْتُمْ مَنْ هُوَ أحَق بِالْبَسْطِ وَالقَبْضِ، وَخُلِبتُمْ بِالدَّعَة، َنجَوْتُمْ مِنَ الضيقِ بِالسعَةِ، فَمَجَجْتُمْ الذي عرفتُمْ،

ص: 366

وَدَسَعْتُمُ الَّذِي تَسَوَّغْتُمْ، فَإِنْ تَكْفُرُوا أنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِي حَمِيدٌ .

ألا وَقَدْ قُلْتُ الذي قُلْتُ عَلى مَعْرِفَةٍ مِنّي بِالخِذْلَةِ الَّتِي خامَرَتْكُمْ، وَالغَدْرَةِ الَّتِي اسْتَشْعَرَتْها قُلُوبُكُمْ، وَلَكِنَّها فَيْضَةُ النَّفْسِ، ومنية الغَيْظِ، ونفْثَّةُ الصدْرِ، ومعذرَةُ الحُجَّة !! فَدُونَكُمُوها فَاحْتَقِبُوها دَبْرَةَ الظَّهْرِ، مَهِيْضَةَ العَظْمِ خَوْراءَ القناةِ , نَاقِبَةَ الخُفّ، باقِيَةَ العارِ، مَوْسُومَةً بِغَضَبِ اللهِ موصولةً بشَنارِ الأَبَدِ، متصُلَةً بِنارِ اللهِ المُوقَدَةِ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلى الأَفْئِدَةِ .

فَبِعَيْنِ اللهِ ما تَفْعَلُونَ، واعملوا إنّا عاملون، وَانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ، وَأنا ابْنَةُ نَذِيرٍ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ . فكِيْدُوني جَمِيْعاً ثُمّ لا تُنْظِرُون . وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .

فَأجابَها أبو بكر (عَبْدُ الله بن عثمان) وَقَال:

يابِنْتَ رَسُولِ اللهِ لَقْدَ كَانَ أبُوكِ بِالمْؤُمِنيِنَ عَطُوفاً كَرِيمَاً رَؤُوفَاً رَحِيمَاً، وَعَلى الكافِرِينَ عَذابَاً ألِيمَاً وَعِقابَاً عَظِيمَاً، إِنْ عَزَوْناهُ وَجَدْناهُ أباكِ دُونَ النساءِ، وَأخا إِلْفِكِ دُونَ الأَخِلاَّءِ، آثَرَهُ عَلى كُل حَمِيمٍ، وَسَاعَدَهُ عَلى كُل أمْرٍ جَسِيمٍ، لا يُحِبكُم إلاّ كُل سَعِيدٍ، وَلا يُبْغِضُكُمْ إلاّ كُل شَقي، فَأنْتُمْ عِتْرَةُ رَسُولِ اللهِ الطَّيِبونَ، وَالخِيَرَةُ المُنْتَجِبُونَ، عَلى الخَيْرِ أدِلَّتُنا، وَإلى الجَنَّةِ مَسالِكُنا، وَأنْتِ يا خَيْرَةَ النساءِ، وَابْنَةَ خَيْرِ الأَنْبِياءِ، صادِقَةٌ فِي قَوْلِكِ، سابِقَةٌ فِي وُفُورِ عَقْلِكِ، غَيْرُ مَرْدُودَةٍ عَنْ حَقكِ، وَلا مَصْدُودَةٍ عَنْ صِدْقِكِ . وَاللهِ ما عَدَوْتُ رَأيَ رَسُولِ اللهِ، وَلا عَمِلْتُ إلاّ بِاِذْنِهِ، وَإنَّ الرَّائِدَ لا يَكْذِبُ أهْلَهُ، وَإني اُشْهِدُ اللهَ وَكَفى بِهِ شَهِيدَاً أنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: نَحْنُ مَعاشِرُ الأَنْبِياءِ لا نُوَرثُ ذَهَباً وَلا فِضَّةً وَلا داراً وَلا عِقاراً، وَإنَّما نُوَرثُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَالعِلْمَ وَالنبُوَّةَ، وَما كانَ لَنا مِنْ طُعْمَةٍ

ص: 367

فَلِوالي الأَمْرِ بَعْدَنا أنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِحُكْمِهِ، وَقَدْ جَعَلْنا ماحَاوَلْتِه فِي الكُراعِ وَالسلاحِ يُقاتِلُ بِها المُسْلِمُونَ، وَيُجاهِدُونَ الكُفَّارَ، وَيُجادِلُونَ المَرَدَةَ الفُجَّارَ، وَذَلِكَ بإِجْماعٍ مِنَ المُسْلِمِينَ لَمْ أنْفَرِدْ بِهِ وَحْدِي، وَلَمْ اَسْتَبِدَّ بِما كانَ الرَّأيُ فِيهِ عِنْدِي، وَهذِهِ حالِي وَمالِي هِيَ لَكِ وَبَيْنَ يَدَيْكِ، وَلا تُزْوى عَنْكِ، وَلا تُدَّخَرُ دُونَكِ، وَأنْتِ سَيدَةُ أُمَّةِ أبِيكِ، وَالشَّجَرَةُ الطَّيِبَّةُ لِبَنِيكِ، لا يُدْفَعُ مالَكِ مِنْ فَضْلِكِ، وَلا يُوضَعُ مِنْ فَرْعِكِ وَأصْلِكِ، حُكْمُكِ نافِذٌ فِيما مَلَكَتْ يَدايَ، فَهَلْ تَرَيْنَ أنْ أُخالِفَ فِي ذَلِكَ أباكِ .

قالت علیها السلام: سُبْحانَ اللهِ ما كانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه و آله عَنْ كِتابِ اللهِ صادِفَاً، وَلا لأحْكامِهِ مُخالِفا، بَلْ كانَ يَتْبَعُ اَثَرَهُ، وَيَقْتَفِي سُوَرَهُ، أفَتَجْمَعُونَ إلى الغَدْرِ اعْتِلالاً عَلَيْهِ بِالزورِ، وَهَذا بَعْدَ وَفاتِهِ شَبِيهٌ بِما بُغِيَ لَهُ مِنَ الغَوائِلِ فِي حَياتِه ِ، هَذا كِتابُ اللهِ حَكَمَاً عَدْلاً وَناطِقَا فَصْلاً يَقُولُ: يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبِ. وَيَقُولُ: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُد، فبيّنَ عَزَّ وَجَلَّ فِي ما وَزَّعَ مِنَ الأَقْساطِ، وَشَرَعَ مِنَ الفَرائِضِ وَالمِيراثِ، وَأباحَ مِنْ حَظ الذكْرانِ وَالإناثِ ما أزاحَ عِلَّةَ المُبْطِلِينَ، وَأزالَ التَظَني وَالشبُهاتِ فِي الغابِرينَ. كَلاَّ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْراً، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ .

فَقالَ أبو بكر: صَدَقَ اللهُ وَصَدَقَ رَسُولُهُ وَصَدَقَتْ ابْنَتَهُ، أنْتُمْ مَعْدِنُ الحِكْمَةِ، وَمَوْطِنُ الهُدى وَالرَّحْمَةِ، وَرُكْنُ الدينِ، وَعَيْنُ الحُجَّةِ، لا أُبْعِدُ صَوابَكِ، وَلا أُنْكِرُ خِطَابَكِ، هؤلاءِ المُسْلِمُونَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ قَلَّدُونِي مَا تَقَلَّدْتُ، وَباتفاقٍ مِنْهُمْ أخَذْتُ ما أخَذْتُ، غَيْرَ مُكابِرٍ وَلا مُسْتَبِدّ وَلا مُسْتَأثِرٍ وَهُمْ بِذلِكَ شُهُودٌ .

فَالْتَفَتَتْ فاطمة علیها السلام إلى النَّاسِ وَقَالَتْ: مَعاشِرَ النَّاسِ المُسْرِعَةَ إلى قِيلِ الباطِلِ، المُغْضِيَةَ إلى الفِعْلِ الخاسِرِ، أفَلا تَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أمْ عَلى قُلُوبٍ أقْفالُها .كَلاَّ بَلْ

ص: 368

رَانَ عَلى قُلُوبِكُمْ ما أسَأتُمْ مِنْ أعْمالِكُمْ، فَأخَذَ بِسَمْعِكُمْ وَأبْصارِكُمْ، وَلَبِئْسَ ما تَأوّلْتُمْ، وَسَاءَ ما بِهِ أشَرْتُمْ، وَشَرٌَ ما مِنْهُ اغْتَصَبْتُمْ، لَتَجِدُنَّ وَاللهِ مَحْمِلَهُ ثَقِيلاً، وَغِبَّهُ وَبِيلاً، إِذا كُشِفَ لَكُمُ الغِطاءُ، وَبانَ ما وَرَاءَه الضَّراءِ، وَبَدا لَكُمْ مِنَ رَبكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَحْتَسِبُونَ . وَخَسِرَ هُنالِكَ المُبْطِلُونَ . ثُمَّ انكفأت إلي قبر أبيها صلی الله علیه و آله متمثّلة بقول صفيّة بنت عبد المطلب وقيل أمامة:

قَدْ كانَ بَعْدَكَ أنْباءٌ وَهَنْبَثَةٌ لَوْ *** كُنْتَ شاهِدَها لَمْ تَكْثُرِ الخُطَبُ

إِنّا فَقَدْناكَ فَقْدَ الأَرْضِ وَاِبلَها *** وغاب مذْغِبْتَ عنّاالوحيُ والكُتُبُ

تَهَضَّمَتْنا رِجالٌ وَاسْتُخِفَّ بِنا *** إذْ بِنْتَ عنّا فنحن اليوم نُغْتَصَبُ

أبْدَتْ رِجالٌ لَنا نَجوْى صُدُورِهِمُ *** لَمَّا فُقِدْتَ وَحالَتْ دُونَكَ الكُثُبُ

قال: فما رأينا يوماً أكثر باكياً وباكيةً من ذلك اليوم. ثُمَّ انكَفَأتْ وَأمِيرُ المُؤمِنِينَ (علیهما السلام) يَتَوَقَّعُ رُجُوعَها إلَيهِ وَيَتَطَلَّعُ طُلُوعَها عَلَيْهِ، فَلمَّا اسْتَقَرَّتْ بِها الدَّارُ قَالَتْ لأَمِيرِ المُؤمِنينَ علیه السلام:

يا ابْنَ أبِي طالِبٍ اشْتَمَلْتَ شِمْلَةَ الجَنِينِ، وَقَعَدْتَ حُجْرَةَ الظَنِينِ، نَقَضْتَ قادِمَةَ الأَجْدَلِ، فَخانَكَ رِيشُ الأَعْزَلِ، هَذا ابْنُ أبِي قُحافَةَ يَبْتَزنِي نِحْلَةَ أبِي وَبُلْغَةَ ابْنَيَّ، لَقَدْ أجْهَدَ فِي خِصامِي، وَألْفَيْتُهُ ألَدَّ فِي كَلاَمِي، حَتَّى حَبَسَتْنِي قَيْلَةُ نَصْرَها، وَالمُهاجِرَةُ وَصْلَهَا، وَغَضَّتِ الجَماعَةُ دُونِي طَرْفَها، فَلا دافِعَ وَلا مانِعَ ! خَرَجْتُ كاظِمَةً، وَعُدْتُ راغِمَةً .. أضْرَعْتَ خَدَّكَ يَوْمَ أضَعْتَ حَدَّكَ، افْتَرَسْتَ الذئابَ وَافْتَرَشْتَ الترابَ، مَا كَفَفْتَ قائِلاً، وَلا أغْنَيْتَ طائِلاً. وَلا خِيارَ لِي، لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هُنيَّتي وَدُونَ ذِلَّتِي !

ص: 369

عَذِيريَ اللهُ مِنْهُ عادِياً، وَمِنْكَ حامِياً، وَيْلايَ فِي كُلّ شارِقٍ وَغارِبٍ، ماتَ العَمَدُ، وَوَهَتِ العَضُدُ، شَكْوايَ إلى أبِي، وَعَدْوايَ إلى رَبي، اللهمَ إنَّكَ أشَد قُوَّةً وَحَوْلاً، وأحَد بَأسَاً وَتَنكِيلاً .

فَقَالَ لَهَا أمِيرُ المُؤمِنِينَ علیه السلام: لا وَيْلَ لَكِ بَلِ الوَيْلُ لِشانِئِكِ، ثُمَّ نَهْنِهِي عَنْ وَجْدِكِ يابْنَةَ الصَّفْوَةِ، وَبَقِيَّةَ النبُوَّةِ، فَما وَنَيْتُ عَنْ دِيِني، وَلا أخْطَأتُ مَقْدُورِي، فَاِنْ كُنْتِ تُريِدِينَ البُلْغَةَ فَرِزْقُكِ مَضْمُونٌ، وَكَفِيلُكِ مَأمُونٌ، وَما اُعِدَّ لَكِ أفْضَلُ مِمّا قُطِعَ عَنْكِ، فَاحْتَسِبِي اللهَ .

فَقَالَتْ: حَسْبِيَ اللهُ، وَأمْسَكَتْ .

ص: 370

كلامها علیها السلام في توبيخ الصحابة ..

وقال ابن الأثير حديث آخر لفاطمة رضي الله عنها: روي أنّها مرِضتْ قبل وفاتها فدخلَ إليها نساءُ المهاجرين والأنصار يعُدْنَها فقلن لها: كيف أصبحتِ من علتك يا ابنة رسول الله ؟ فقالت:

أصبحتُ والله عائفةً لدنياكنّ، قاليةً لرجالكنّ , لفظتهم بعد أنْ عجمتهم, وشنئتهم بعد أنْ سبرتهم , فقبحاً لفلول الحدّ، وخطل الرأي، وخور القناة! لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم! لقد قلّدهم ربقتها , وشنّت عليهم غارتها , فجدعاً وعقراً وبعداً للقوم الظالمين .

ويحهم أنَّى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمين؟! ما الذي نقموا من أبي الحسن ؟! نقموا والله شدّة وطأته , ونكال وقعته، ونكير سيفه، وتنمّره في ذات الله . وأيم الله لو تكافؤوا على زمام نبذه إليه رسول الله، لسار بهم سيراً سُجُحاً ن لايكلم خشاشه، ولا يتعتع راكبه, ولأوردهم منهلاً نميراً فضفاضاً تطفح ضفّتاه، ولأصدرهم بطاناً قد يحير بهم الريُّ، غير متحل منه بطائل، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض .

ألا هلمّ فاعجب , وما عشت أراك الدهر عجباً ! فرغماً لمعاطس قومٍ يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ؟! ولعمر الله لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ! ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً، وذعاقاً ممقراً ! فهنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غبَّ ماأسّس الأولون !! فطيبوا عن أنفسكم نفساً، وطامنوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيفٍ صارم، وهرج شامل، يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً . فياحسرة عليكم وأنى بكم وقد عميت عليكم ؟! أنلزمكموها وأنتم لها كارهون .

ص: 371

قال ابن الأثير: هذا طرف من حديث أطول منه يروى من طريق أهل البيت. انتهى . (أنظره في شرح نهج البلاغة:16/ 233 وبلاغات النساء ص23) .

- قال العاملي: توجد هنا مداخلات مقتضبة لايتسع لها المجال، من: علي القاضي، والسردال، وأبي زهراء، والدكتور جايكل، وعربي، والإماراتي، ورنا، ونيدهال، وذي الفقار .

كما لا يتسع المجال لشرح هذه الخطبة الفاطمية والنفحة الننبوية .. التي تصرح بعقيدة الصديقة الزهراء علیها السلام في أن الأمة انحرفت عن خط نبيها، وتآمرت على علي علیه السلام والعترة الطاهرة في بيعة السقيفة !!

ص: 372

الفصل العاشر: مقام الصديقة الزهراء علیها السلام (علیه السلام) عند الله تعالى وعند رسوله (صلی الله علیه و آله)

اشارة

ص: 373

ص: 374

عائشة تشهد بأن فاطمة علیها السلام أصدق الناس لهجة بعد النبي صلی الله علیه و آله

- كتب علي القاضي في الموسوعة الشيعية، بتاريخ 6-2-2000، الرابعة عصراً، موضوعاً بعنوان (الزهراء علیها السلام .. أصدق الناس لهجة)، قال فيه:

لقد منّ الله تعالى على نبيه صلی الله علیه و آله بفاطمة، التي تكونت نطفتها وانعقدت من غذاء النبي من ثمر الجنة كما أخرجه كل من السيوطي في ذيل تفسير قوله تعالى: سبحان الذي أسرى بعبده . . والتي كان صلی الله علیه و آله يشمها كلما اشتاق الى ريح الجنة. (الحاكم في مستدركه:3 /156. والمحب الطبري في ذخائر العقبى ص36 و44 . والخطيب البغدادي في تأريخه: 5 /87 و12 /331). وأنها علیها السلام صدّيقة. كما أخرجه المحب الطبري في الرياض النضرة:2 /202 . وأنها خيرة الله . الخطيب البغدادي في تاريخه ج1 ص 259

فقد كانت سلام الله عليها بالإضافة الى ذلك كله أصدق الناس لهجة، فقد روي عن عائشة أنها كانت إذا ذكرت فاطمة علیها السلام بنت النبي صلی الله علیه و آله قالت: مارأيت أحداً كان أصدق لهجة منها، إلا أن يكون الذي ولدها . (الحاكم: 3 /160) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم . وابن عبد البر في إستيعابه: 2/751. والحافظ الأصبهاني في حلية الأولياء:2 /41) .

ص: 375

ولكن رغم ذلك كله فلم يقبل الخليفة الأول قولها بملكية فدك، وأنها حقها ! فهل يشك في مثل فاطمة علیها السلام ولايقبل قولها ؟!!

- وكتب ذو الفقار بتاريخ 6-2-2000، السادسة مساءً:

أحسنت ورحم الله والديك يا أبا حسن .

- قال العاملي: يناسب هنا أن نورد كلمات للمرجع الديني الوحيد الخراساني مد ظله، في مقام الصديقة الزهراء

سلام الله عليها:

(1)

قال علیه السلام: فمن عرفها، يعني حق المعرفة، فقد أدرك ليلة القدر.. فليلة القدر التي لاينالها أحد.. موجودةٌ هنا . .

بعد هذه الفقرة .. قال علیه السلام: (إنما سميت فاطمة علیها السلام، لأن الخلق فطموا عن معرفتها) فأي شخصية هذه التي عز مقامها عن أن ينال الخلق معرفتها؟! لا بد لنا أن نتأمل في هذا الأمر.. بل هو مطلب ينبغي أن يتأمل فيه كبار مفكري الانسانية، من أصحاب الأفكار الراقية، التي بلغت مستوى عالياً من النضج والرشد .. ويتساءلوا عن حقيقة هذه المسألة ؟!

ليلة القدر.. ليلة تنزل القرآن .. التي يقول الله تعالى عنها أيضاً (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين).. وها نحن نسمع في تفسير هذه الليلة المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم.. أنها فاطمة علیها السلام ! وتلاحظون أن تعليل هذا المطلب جاء بتعليل تسميتها (إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن الخلق فطموا عن معرفتها) ! وكلمة الخلق أوسع نطاقاً من كلمة الناس، فهي تشمل الإنس والجن .. الى أن تصل الى الملائكة (الذين أسكنتهم سماواتك ورفعتهم عن أرضك) .. فحتى هؤلاء فطموا عن معرفتها !!

ص: 376

إذن ما الخبر ؟! ومن هي هذه الامرأة .. وما ذا فيها من حقيقة غيب هي أرفع من أن ينال معرفتها أصحاب العقول الراقية ..؟!!

من أجل فهم هذه المسألة لابد من عقل قوي تربى بالقرآن، واستدلال معتمد على أكثر الأدلة قطعية يعني القرآن .. بمساعدة السنة القطعية .. فلعله يستطيع أن يفتح نافذة صغيرة على هذا المطلب العظيم .

لأن الخلق فطموا عن معرفتها ..

لماذا ؟ وأي سر في شخصية فاطمة علیها السلام .. فطم الخلق عن معرفته ..؟!!

(2)

خرج رسول الله صلی الله علیه و آله وقد أخذ بيد فاطمة علیها السلام ....

وردت هذه الرواية بمضامين مختلفة .. في مصادر الخاصة والعامة .. وهذا نص كلامه صلی الله علیه و آله: (من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة علیها السلام بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله) !

أنظروا الى التعبير .. فمجلسنا والحمد لله يكفيه إلفات النظر فقط .. ما معنى أن يخرج النبي صلی الله علیه و آله آخذاً بيد فاطمة علیها السلام .. ؟

إن عمل النبي صلی الله علیه و آله هذا في حق فاطمة علیها السلام كعمله في حق علي علیه السلام يوم الغدير .. صلوات الله عليهم . في يوم الغدير أصعد النبي علياً معه على المنبر، وأخذ بيد ذلك الرجل الفريد في العالم ورفعها ..

وفي هذا اليوم عندما خرج آخذاً بيد فاطمة علیها السلام الامرأة الفريدة في العالم.. قال: من عرفها فقد عرفها . . . ومن لم يعرفها فليعرفها .. لاحظوا كيف قدمها النبي صلی الله علیه و آله للأمة . . وعرفهم مقامها درجةً درجة . .

ص: 377

إن لكلام النبي صلی الله علیه و آله في أنفس مستمعيه وقارئيه جاذبيات خاصة متنوعة .. في المرتبة الأولى قال: بضعةٌ مني.. لاحظوا كلمة بضعة.. ثم انتقل من التنزل الى الترفع الى المرتبة الثانية فقال (وهي قلبي الذي بين جنبي) . .

وعندما يقول النبي صلی الله علیه و آله (أنا) فالأنا هنا غير كلمة بدني .. البدن مضاف وضمير المتكلم مضاف اليه .. فهنا تعابير خاصة .. بضعةٌ مني .. وهي أبلغ من بضعة من بدني .. وقلبي الذي بين جنبي غير قلبي .. إنها قلب بين جنبي الشخص الذي (إنيته) مبدأ ومنشأ كل الفضائل البشرية .. (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين) .. قلب إنسان بهذه الصفة .. معناه أنه لو أخذت مني فاطمة علیها السلام .. فسأبقى بدنا بلا روح !

هذه الإمرأة .. الى أين وصلت حتى بلغت مقاماً كهذا .. صارت قلباً بين جنبي علم وعمل .. فجنب النبي صلی الله علیه و آله الأيمن علم.. وجنبه الأيسر عمل .. علمٌ .. عنده تتلاشى كل علوم الأنبياء ! وعملٌ.. عنده تتلاشى كل أعمال الأولياء .. والقلب الذي بين هذين الجنبين .. هي الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء علیها السلام !! هنا يتضح سر النص الحديث القدسي في النبي والعترة: (هم فاطمة وأبوها .. وبعلها وبنوها)!

سيدتي ما ذا فعلت حتى صرت المحور والقطب ؟!

سيدتي ما ذا فعلت حتى صرت قلب عالم الوجود ؟!

سيدتي ماذا فعلت حتىصرت في مقام قال عنك خاتم النبيين صلوات الله عليه: (من صلى على فاطمة فهو معي أينما كنت في الجنة) !

إن العمل الذي عملته .. لايعرف كنهه وقيمته إلا الله تعالى .. وإلا الذين هم خزائن أسرار الله تعالى .. أنت تلك العظيمة التي يقول فيك الامام الصادق علیه السلام ..

ص: 378

لو أن الناس حاولوا جادين أن يعرفوا كنه فاطمة لما عرفوها .. (لأن الناس فطموا عن معرفتها) !

إن ماذكرناه هو ألف باء المطلب.. ونصل من كلام الامام الصادق علیه السلام الى مرحلة (اللهم إني أسألك بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها)!

تأملوا .. فكروا.. وتفهموا سر هذه الكلمات: (اللهم إني أسألك بفاطمة

وأبيها وبعلها وبنيها) .. فالسؤال بفاطمة علیها السلام .. وأب فاطمة صلی الله علیه و آله .. وبعل فاطمة علیه السلام .. وأبناء فاطمة علیها السلام .. ونختم هذا الدعاء بكلمة .. هي ختم الكلام ..

في معراج النبي صلی الله علیه و آله .. أخذوه الى شجرة طوبى .. وقطفوا له من ثمرها .. وأطعموه منها .. ومن هذا الثمر انعقدت نطفة فاطمة علیها السلام .. وفي هذه النطفة وضعوا جوهر روح .. اختارها الله تعالى أشرف ما في خزائنه من جواهر !! المسألة هنا .. (والسر المستودع فيها) .. فأي سر هذا السر .. الذي كان لابد له من مقدمات .. معراج النبي .. وأن يتناول من شجرة طوبى وثمار الجنة.. ليتكون البدن الذي يكون محلاً لهذا السر !!!

هذا السر .. يحتاج الى فرصة أخرى لبيانه .

(3)

يا بنت رسول الله .. أيتها الصديقة الطاهرة ..

من أنت.. والى أي مقام وصلت.. بحيث أن الذي يموت على ولايتك .. يصير قبره مزاراً لملائكة الرحمة ؟! فكيف يكون قبرك أنت ..؟!!

الذي يتشرف بموالاتك .. بعد أن يموت ويدفن وينام في قبره .. يطوف حوله ملائكة الرحمة كما تطوف الفراشات حول السراج ..!

ترى .. من الذين يطوفون حول قبرك أنت.. حيث حل جثمانك الطاهر...

ص: 379

أيها الفخر الرازي .. أيها الزمخشري .. هل فهمتما ماذا قلتما عندما قلتما وكتبتما عن فاطمة علیها السلام .. هل فهمتما أن رحمة الله التي وسعت كل شئ .. لاتشمل من آذى فاطمة علیها السلام ؟ وأن الذي يغضب فاطمة علیها السلام ولا يرتبط بولايتها بخيط ولاء، يخرج عن مفهوم الشيئية .. ويستحق أن يكتب على جبينه: منقطع عن الله، آيس من رحمة الله ..

أيها الفخر الرازي .. هل فهمت ماكتبت .. ؟ كتبت أن الايمان وجوداً وعدماً .. هذه واحدة .. وقلت .. الايمان كمالاً ونقصاً .. يرتبط بمحبة فاطمة

الزهراء علیها السلام ..هل فهمت لوازم ما قلت وكتبت ..؟

أنت قلت . . وصححت .. وأمضيت .. أن النبي صلی الله علیه و آله قال: (من آذى فاطمة علیها السلام فقد آذاني .. غضب فاطمة علیها السلام عضبي ...) .

هنا .. أمام هذه الكلمات .. أتكلم دقائق فقط في بعض أبعاد هذا الحديث الشريف الذي أورده الفخر الرازي في تفسيره، ونسبه الى النبي على نحو القطع بدون ترديد فقال (قال رسول الله صلی الله علیه و آله . . .) ..

قصة هذا الحديث أنه ورد أو صدر بعدة صيغ .. فبعض صيغه بلفظ (رضا فاطمة علیها السلام رضاي .. وغضب فاطمة علیها السلام غضبي) وفي صيغة أخرى (إن الرب يغضب لغضب فاطمة علیها السلام ويرضى لرضاها) وفي صيغة أخرى (إن الله يغضب لغضب فاطمة علیها السلام ويرضى لرضاها) . والحديث من ناحية السند مفروغ عنه.. فلايوجد أحد من أهل الجرح والتعديل تردد في تصحيحه.. حتى رأس النقاد السنيين وإمام المدققين عندهم شمس الدين الذهبي، صححه بلفظ (إن الرب يغضب لغضب فاطمة علیها السلام ويرضى لرضاها) !!

ص: 380

ترى هل فهموا ماذا رووا وما كتبوا ... وأن معنى هذا الحديث أن فاطمة علیها السلام لها مقام العصمة .. نعم مقام العصمة .. لكنها ليست كعصمة يعقوب وعصمة ويوسف، ولا كعصمة موسى وعيسى .. بل ولا كعصمة ابراهيم.. علیهم السلام .. عصمة .. وصلت اليها فاطمة علیها السلام وحدها، هي العصمة التي هي من شأن النبي الخاتم صلی الله علیه و آله ..!

إن الرب ليغضب لغضب فاطمة علیها السلام ويرى لرضاها.. وسؤالنا للفخر الرازي هو: إذا لم تكن فاطمة علیها السلام معصومة من الخطأ، ومعصومة من الهوى.. فإن أقل انحراف في رضاها وغضبها عن نقطة الحق المستقيمة.. يوجب قهراً أن يتعلق رضا الله تعالى وغضبه بالباطل ..!! وعليه .. فإنه بحكم البرهان تكون الصديقة فاطمة علیها السلام وصلت الى ذلك الأفق المبين، واتخذت منزلاً في ذلك المقام المكين .. هناك حيث كل العقول تتعطل عن العمل ..

ليس الوقت الآن وقت بيان ماهي العصمة .. المسألة هنا فوق العصمة.

أرجو أن تنتبهوا .. ماهي العصمة ؟ العصمة أن يصل الانسان الى مستوى يرتفع غضبه ورضاه عن حد الحيوانية ويصل الى حد العقلانية .. ثم لابد أن يعبر عن حد العقلانية الى حد الربانية .. فيكون رضاه رضا الله وغضبه غضب الله.. هناك يصل الانسان الى مستوى أنه يغضب حيث يغضب الله تعالى، وحيث يرضى الله تعالى يرضى هو !!

لكن المسألة هنا فوق هذا .. فتارة نقول إن فاطمة علیها السلام وصلت الى مستوى صارت بحيث تغضب حيث يغضب الله تعالى وترضى حيث يرضى الله تعالى . .

لكن الذي قاله النبي صلی الله علیه و آله موضوع آخر .. قال إن الله يغضب عندما تغضب فاطمة علیها السلام، ويرضى عندما ترضى فاطمة علیها السلام !!

ص: 381

هنا يقف جواد العقل البشري .. ولو كان جواده كميتاً ..

(4)

اتفقت كلمة أئمة التفسير والحديث على ما أقوله اليوم، وخلاصته: عندما خرج النبي صلی الله علیه و آله للمباهلة مع نصارى نجران .. خرج وعليه مرط أسود .. في ذلك اليوم الموعود .. وبعد أن أقام عليهم الحجة بالبرهان العلمي القاطع بالوحي وقوله تعالى (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) بعد هذه البرهان وصل الأمر الى المحاجة والمباهلة !

المطلب عندكم واضح، لكن المهم هو أن نعرف رواية السنيين للحديث، وما نذكره هو من أتقن الروايات التفسيرية والحديثية، ولا يختص باعتقادنا نحن الشيعة ومصادرنا . .

وما ينبغي توضيحه من الموضوع هو: لقد وصلت القضية الى المباهلة .. فما هي حقيقة المباهلة ؟ حقيقتها تتضح من قول رأس النصارى الذي سيأتي.. خرج رسول الله وعليه مرط أسود.. وقد حمل الحسين علیه السلام على صدره واحتضنه !

الامام الحسين في ذلك الوقت كان في سن يستطيع أن يمشي .. لكن لأمر ما خرج النبي صلی الله علیه و آله بهذه الصفة .. محتضناً الحسين .. آخذاً بيد الحسن يجره الى جانبه ..لاحظوا تعبير النص بدقة ..

النبي في الأمام محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن.. وخلفه فاطمة الزهراء علیها السلام . . وخلفها علي بن أبي طالب علیه السلام ..

إنه نفس النبي الذي قال فيه الله تعالى (وما ينطق عن الهوى).. وهي آية ليست عادية .. فالذي لاينطق عن الهوى .. لايفعل عن الهوى .. إنه نفس النبي الذي يقول فيه الله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) .. إنه نفسه الذي سنته ليست فقط قوله .. بل سنته فعله .. سنته تقريره .. وكل

ص: 382

حركاته وسكناته سنة ..كل أطواره وأحواله سنة ..وكل ما يرتبط بمقام (فدنا فتدلى فكان قاب قوسين أوأدنى) !! إنه خلاصة العالم .. وإنه النبي الخاتم .. وجوهر الوجود، والشخص الاول في عالم الكون ..

إن شخصاً من هذا النوع .. النظرة الواحدة منه عالم من الحكمة .. وكل عمل منه ربيع ملئ بالمعرفة .. وعندما يكون هو في المقدمة وفاطمة علیها السلام خلفه وعلي علیه السلام خلفهما .. فهذا عمل له معنى .. ومعناه: أن فاطمة علیها السلام هي البرزخ بين النوة الكبرى والولاية العظمى .. معناه أن فاطمة علیها السلام فيها جنبة القطب والمحور ..

ولها موقع المركزية بين مقام الوحي الأعظم وتبليغ الوحي . . وبين مقام تفسير الوحي . . فأمام فاطمة علیها السلام النبي وتبليغ الوحي . . ووراءها تفسير الوحي ..

هذه فاطمة الزهراء علیها السلام ..هذه مجهولة القدر عند جميع العوالم ..هكذا خرج رسول الله صلی الله علیه و آله الى المباهلة.. فماذا كان التأثير، وماذا حدث ؟

عندماجاء رئيس أساقفة نجران في وفد علماء النصارى وشخصياتهم، ورأى هذا المنظر، لم يملك نفسه أن قال: والله إني لأرى وجوهاً لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها من مواضعها ..

وجوهٌ إذا حركت شفاهها بالدعاء.. أو مدت أيديها الى السماء.. لامتلأ الوادي على وفد النصارى ناراً .. ولما بقي نصراني على وجه الأرض !!

ياليت أن فهم هذا الأسقف النصراني كان توأماً مع نقل الفخر الرازي!

لكن مع الأسف فإنا نرى نقل الحديث من الفخر الرازي .. بينما درايته من الأسقف النصراني . . ! ! وهذا بذاته مصيبة كبرى !

قال الأسقف النصراني لقومه يجب أن نعمل بكل وسيلة لكي لا يرفع هؤلاء أيديهم بالدعاء !!

ص: 383

وكان النبي صلی الله علیه و آله قال لفاطمة وعلي والحسن والحسين علیهم السلام: (إذا دعوت فأمنوا) !! التفتوا الى هذه الكلمة .. ما معنى هذه الجملة أيها الفخر الرازي ؟ أيها الزمخشري ؟ أيها البيضاوي ..؟

معناها أنه: أن النبي صلی الله علیه و آله يقول عملي تطبيق لأمر الوحي بقوله تعالى (فمن حاجك فيه من بعد ماجاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فأوجب أن يجتمع هؤلاء .. ولذا قال لهم النبي صلی الله علیه و آله: إذا دعوت فأمنوا .. ومعنى هذا أن دعائي بصفتي خاتم النبيين مقتض .. لكن شرط فعلية اقتضاء المقتضيي أنفاس فاطمة الزهراء علیها السلام .. فلا بد أن ينضم آمينها الى دعائي .

هكذا قرر الوحي .. وهكذا قررت السنة .. أن دعاء الزهراء علیها السلام شرط لدعاء النبي صلی الله علیه و آله .. والمقتضي محال أن يؤثر بدون شرطه .. ففي هذا المقام مقام مباهلة النبي صلی الله علیه و آله مع النصارى.. لا بد مع رفع النبي يديه نحو السماء أن ترتفع معه أيدي أربعة آخرين.. حتى يستجاب الدعاء ويتحقق المطلوب .. !! وما دام الأمر هكذا .. فياترى ماهو علي علیه السلام ؟ وماهي فاطمة علیها السلام ؟ وماهو الحسن بن علي علیه السلام ؟ وما هو الحسين بن علي علیه السلام ؟!!

(5)

من ابن قتيبة . . الى محمد فريد وجدي ..كتبوا ..

كتب وجدي في دائرة معارفه أن عمر جاء الى باب بيت علي علیه السلام فقال: ياعلي أخرج فبايع وإلا أحرقت عليكم هذا البيت بمن فيه !

من الذين كانوا في ذلك البيت ؟! أيها الفخر الرازي .. أيها القاضي البيضاوي.. أيها الزمخشري .. يا جلال الدين السيوطي .. أنتم رجال فهم.. فلماذا

ص: 384

هنا لم تفهموا .. هذا الشخص الذي جاء الى هذا البيت .. وقال يا علي أخرج، وإلا حرقت عليكم الدار بأهلها ..؟!

فلله الحجة البالغة .. قيل لعمر: إن في البيت فاطمة علیها السلام ! ففي ذلك معنى كبير . . يعني داخل هذا البيت تلك التي قال فيها النبي صلی الله علیه و آله (من آذاها فقد آذاني .. ومن آذاني فقد آذى الله) !

كتب ابن قتيبة .. وكتبوا كلهم أن عمر قال: وإن .. وإن !!

وإذا كان الأمر كذلك فعندي سؤال: انتبهوا فوالله مهما بكى البشر لهذه المصيبة فهو قليل .. سؤالي: أي بيعة هذه التي هاجم البييت من أجلها وقال لعلي علیه السلام أخرج وبايع ..؟! إنها تلك البيعة التي قال عنها نفس هذا الذي أراد إحراق البيت من أجلها . . قال عنها (بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها) .

لقد تمت الحجة على كل العالم .. فنفس ذلك الشخص الذي جاء ليحرق بيتا فيه فاطمة علیها السلام وعلي علیه السلام والحسن والحسين .. نفسه قال كما في البخاري .. إن بيعة أبي بكر كانت فلتةً وغلطاً وخطيئةً وقى الله الأمة شرها !!

أيها الرجل.. إذا كانت البيعة هذه البيعة .. باعترافك أنت ..!! فلماذا ؟!!

أيها العلماء السنيون .. هذا الرجل الذي قال تلك الكلمة هل هو عاقل أم مجنون ..؟ إن كان مجنوناًً فهو بحث .. وإن كان عاقلاً .. فإن إقرار العلاء على أنفسهم جائز !!

الله أكبر.. تلك البيعة التي اعترف ذلك الشخص بأنهاكانت غلطاً.. جاء ليحرق فاطمة الزهراء علیها السلام من أجل حفظها! ترى..هل يوجد مظلوم في العالم أكثر من هذه الحرة .. ؟ والله كلما فكرنا لانرى أعظم من هذه المصيبة !!

(6)

ص: 385

سر .. هي سر .. سر الله الأعظم ..

كان قلبها سراً .. وما في ذلك القلب كان سراً ..

ألمها كان سراً .. لونها كان سراً ..

ما تحملته كان سراً ..

قدرها كان سراً .. مقامها سراً ..

سرٌّ في سر .. وحتى القبر الذي حوى جثمانها كان سراً ..

ماذا فعلت يابنت رسول الله حتى صرت سر الله .. والى أي مقام وصلت؟!

الذي أستطيع أن أقوله إن العمل الذي قامت به فاطمة علیها السلام أحيت به من آدم الى النبي الخاتم . . العمل الذي عملته . . به أحيت اسم الله تعالى . .

عملت عملاً .. به أحيت كل حرمات الله تعالى ..

عندما يموت المؤمن .. أول تحفة يقدمونها له في الجنة أنهم يقولون له: كل من شارك في تشييع جنازتك مغفور له ..

فاطمة علیها السلام تعرف ذلك .. لكنها قالت: ياعلي علیه السلام لاتُعلم بموتي أحداً منهم !

هذا العمل وماأحدثه.. جدير بأن نفكر فيه كثيراً .. لنعرف ماذا حدث..؟

عندما غادر النبي الدنيا صلی الله علیه و آله .. كانت فاطمة علیها السلام في كامل النشاط وغاية السلامة .. وبعد مضي خمس وسبعين يوماً لحقت به الصديقة فاطمة الزهراء علیها السلام .. وفي الليلة التي غسلوا جثمانها قالوا إنها كانت من ضعفها كالخيال! يعني أن جسدها الذي وضعوه على المغتسل كان كالشبح !! لم يبق إلا نفَسٌ خافتُ ... أومقلةٌ إنسانها باهتُ !!

(7)

ص: 386

هذه فاطمة علیها السلام الزهرا .. هذه الإنسية الحورا .. هذه الصديقة الكبرى ..

هذه الانسانة التي هي قطب دائرة النبوة العظمى والولاية الكبرى ..

والله إن قدر فاطمة الزهراء علیها السلام مجهول في كل العالم ..

أن يكون قدرها مجهولاً في مراكز السنيين وبلادهم .. ليس فيه حسرة .. لكن في دولة فاطمة علیها السلام .. هنا دولة الزهراء علیها السلام .. هنا بلد فاطمة علیها السلام ..

في دولة فاطمة الزهراء علیها السلام .. من أجل ذكرى جم .. من أجل نوروز العجم.. عطلةٌ رسمية طويلة .. لكن من أجل يوم شهادة فاطمة الزهراء علیها السلام لايوجد تعطيل رسمي ليوم واحد ! المجهولة قدراً .. المجهولة قدراً ..

أما متى يعلم مقام فاطمة علیها السلام ويعرف قدرها . . ؟ يعرف قدرها في ذلك اليوم الذي تبعث من تربتها.. يقول حجة الله.. فيبعث الله تعالى لاستقبالها سبعين ألف ملك بلواء التكبير، وسبعين ألف ملك بلواء التسبيح يرافقونها حتى تستقر في مقرها .. هذا النوع من التكريم والتقدير الالهي لم يصدر أمر الله بمثله لابراهيم أب الأنبياء .. ولا لموسى بن عمران .. ولا لعيسى بن مريم .. مع أن خزائن الله لا تتناهى ..

إنه يفتح لفاطمة علیها السلام اعتبارا غير محدود .. يأتيها جبرئيل فيقول لها: سلي حاحتك تعطين . . . ولا حد لهذه الحاجة . . مهما شئت فاطلبي . . فماذا تطلب فاطمة علیها السلام من الله تعالى ؟

أرجو الدقة في هذا الموضوع أيها العلماء .. أنتم أهل دقة ففكروا .. وانظروا الى رقي هذه المسألة . . ؟ الطلب من الله تعالى في ذلك اليوم هو الجزاء .. والجزاء غير العمل .. ولكن فاطمة علیها السلام .. عندما يقال لها أطلبي حاجتك من الله تعالى .. تقول: اللهم أرني الحسن والحسين ! إنها تريد أن ترى العمل قبل الجزاء

ص: 387

.. يعني إلهي أرني الذي عملته كما هو، ليكون الجزاء متناسباً معه . . فيأتونها بالحسن والحسين وأوداج الحسين تشخب دماً !!!

(8)

دخل النبي صلی الله علیه و آله الى بيت فاطمة علیها السلام .. فرآها وعليها كساء من وبر الابل !! نظر اليها فرأى حالتها . . رأى ابنته التي امضت ليلها في محراب عبادتها ولم تكد تنم . . وفي الصباح بدأت بعملها .. وهذا لباسها، فانكسر قلبه لها ودمعت عيناه . .

انكسار قلب النبي صلی الله علیه و آله ليس أمراً عاديا ساذجاً .. وعندما يجري دمع النبي صلی الله علیه و آله .. فإن دمع باطن الوجود يجري .. فبكى رسول الله وقال لها: إصبري على مرارة الدنيا ..

ما نقله السيوطي وابن الدلال وابن النجار والبقية.. لانفهم منه ماذا كانت القضية وماذا جرى.. القدر الذي نفهمه أن النبي صلی الله علیه و آله خرج من عندها فنزل عليه جبرئيل بقوله تعالى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) !!

(9)

الرجل الفريد في العالم .. الذي لم تستطع خيبر أن تخضعه .. ولا استطاع الخندق أن يحني ظهره .. الذي أمضى ليلة المبيت على فراش النبي على هولها، فلم يخف . . نراه في ليلة موت فاطمة علیها السلام . . منكسرا لا حيلة له !!

قلَّ يارسول الله عن صفيتك صبري ..إنها شكوى لم يشكها الى أحد.. فلم يكن عنده من يبث اليه ما لاقاه .. إلا الذي خاطبه بهذه الآهات .. قل يا رسول الله عن صفيتك صبري ..

ماذا جرى حتى دفنت فاطمة الزهراء علیها السلام ليلاً ؟

ماذا حدث.. حتى صار الأمر هكذا .. ؟! إنها حادثة من نوع لا يستطيع الانسان أن يكون مسلماً ويغمض عينه عنها، إلا أن يكون في إسلامه خلل !

ص: 388

وهل يمكن لإنسان أن يؤمن بنبوة النبي صلی الله علیه و آله .. ثم يتساهل في مظلومية فاطمة الزهراء علیها السلام والصديقة الكبرى، محور آل العبا، وحرمة الرسول والله في أرضه .. ويغمض عينيه عن قصة دفنها ليلاً، وعن الجناية التي ارتكبوها في حقها ..؟! إنها هذه الجناية يجب أن تكون محور البحث بين جميع عوامنا وجميع خواصنا .. ترى ماذا كان .. وماذا جرى، حتى وصل الأمر الى شهادتها .. ؟!

اللهم اغفر لنا .. ولا تجعلنا شركاء في ظلم فاطمة الزهراء علیها السلام .. اللهم اغفر لنا حتى لانكون مسؤولين في مقابل ذلك الأنين، وتلك الدموع، وتلك الآهات التي عاشت بها فاطمة علیها السلام .

- كتب المفيد في شبكة هجر، بتاريخ 13-7-2001، موضوعاً بعنوان (الشيخ العاملي.. ومن يحب أن يشارك .. في رحاب المصاب)، قال فيه:

السلام على الجميع ورحمة الله وبركاته .. أشعر بأن الشبكات قد فقدت رونقها العلمي السابق، فلم نعد ندخل ونستفيد كما كنا في السابق وقد اشتعلت الشبكات بالمهاترات والكلام فيما لا ينفع والغيرة على الشخصيات من دون التفكير في الطائفة، وشخصنة الحوارات، على قولة العاملي ..

المهم . . آثرت أن نستفيد من الأخوة في هذا الموضوع . . قولهم صلوات الله عليهم: نحن حجج الله عليكم وفاطمة علیها السلام حجة علينا ..

ماذا تفهمون من هذا الكلام يا مولانا ؟ نرجوا الإفادة ..

- وكتب محمد المفيد في 14-07-2001

م، الحادية عشرة ليلاً:

في انتظار الجواب .

ص: 389

- وكتب العاملي في 15-07-2001

م، الثامنة والنصف صباحاً:

جزاك الله خيراً أيها الأخ المفيد، فقد عشت ببركة سؤالك .. بعض الوقت مع أحاديث نور النبي وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم .. وتأملت في عدد منها..

في خلق العالم من هذا النور . . وهي حقيقة تنص عليها الأحاديث النبوية الشريفة، وأعتقد شخصيا بها، وهي قضية يصعب استيعابها على الانسان العادي .

وفي مسيرة هذا النور في عوالم الوجود .. حتى افترق في أبناء عبد المطلب.. فكان في عبد الله وأبي طالب .. رضوان الله عليهم، ثم اجتمع في فاطمة علیها السلام وعلي علیهما السلام ، ثم اتسق في منظومة الامامة التي قدرها الله تعالى منذ الأزل بعد آخر نبوة .. وشاءها شعلة وهاجة الى يوم الدين ..

أعتقد أننا لم نكتشف إلا القليل من عظمة هذه المنظومة الربانية، وأن الله تعالى جعل ثقل حقيقتها من غيبه المنكنون .. وجعل أكثر مايسمح بمعرفته للناس، مؤجلاً الى ظهور ختام المنظومة المحمدية .. الذي يملأ العالم بنور الاسلام .. ويملأ الله العالم بنوره مشكاته الرباني .

أيها الأخ المؤمن، إن موقع الصديقة الزهراء سلام الله عليها من هذه المنظومة .. أنها حلقة الوصل لعودة وحدة النور في مساره وخطط الله فيه .. وهي بهذا المعنى حجة ربانية تكوينية على الأئمة المعصومين من ذريتها .. الذين تختلف الحجج عليهم عن الحجج علينا .

هذا معنى من معاني أنها حجة الله على المعصومين .. ومعنى آخر.. يعتقد به الوحيد الخراساني مد ظله الشريف ..أن الأئمة علیهم السلام .. قلوبهم متعلقة عملياً بالصديقة الزهراء علیها السلام .. وهو معنى من عالم الحياة الروحية، والفيض الرباني على عباده المعصومين ..

ص: 390

ختاماً .. أرانا بحاجة الى عدم الاسترسال .. فالتقية مستحبة أيضا أمام بعض الشيعة .. والله يرعاك .

صلوات الله عليك أيتها الحوراء الانسية.. والصديقة المرضية .. والشهيدة المضطهدة .

- وكتب الموسوي في 15-7-2001

م، التاسعة إلا ثلث صباحاً:

الأستاذ العاملي حفظه الله .. جزاكم الله ألف خير .. وبحق إجاباتكم رغم اختصارها فإنها تفتح آفاقا واسعة للتفكير لاستكشاف نقطة صغيرة في العالم الكبير لأسرار آل محمد صلوات الله عليهم .

والتقية أمام الشيعة وردت أكثر ما وردت في أحاديث الفضائل، حيث كان الأئمة علیهم السلام يخصون بعض أصحابهم بأسرارهم، كسلمان الفارسي، وجابر الجعفي، ويونس بن عبد الرحمن، رضوان الله تعالى عليهم .

- وكتب محمد المفيد في 15-7-2001

م، التاسعة صباحاً:

شكراً جزيلاً شيخي ومولاي علىهذه السطور الذهبية، التي تشع بنور الولاية العظمى .. نعم هذا الشيخ العاملي الذي عرفته منذ القدم .. أتذكر هذا الأسلوب تماماً وأنا إلى جانبكم في أول مرة تقع عيني على الكعبة المشرفة بمعيتكم، ولا تزال كلماتكم يرن صداها في مسمعي، وأنت متوجه بعينيك الى الكعبة المشرفة وقد توقفت قليلاً عند بداية الصحن المكي الشريف.. بهذا الأسلوب الذي لا يزال يفتح لنا الآفاق الروحية والعلمية، جئت اليوم تدلق علينا من معينك الصافي، تعرب عن بعض ما من الله عليك من معرفتها بالإشارة الخفية والجلية.. فشكراً جزيلاً لك ..

ص: 391

وفعلاً سأستفيد وأبني على ما تفضلت به في ليالي الفاطمية القادمة .. فأنت هبة الأئمة في عالم الإنترنت، في عهد ضاعت فيه صرخات الصديقة الطاهرة، وغاب من يشدو بحقيقتها، بل ظهر وغلب صوت شانئها . . روحي فداها ولا زلنا نطمع منكم المزيد، ومن باقي الأخوة، فهو حق أمَنا علينا، في أيام مصابها .

- وكتب العاملي في 15-7-2001، الحادية عشرة وعشرة دقائق صباحاً:

أشكركما أيها الفاضلان العزيزان .. المفيد والموسوي، وقد استخرت الله على أن أبثكما شكوى من عالمي الداخلي ..

أفكر أحياناً، فأقول في نفسي: لا وفق الله الذين أجبرونا على أن ننشغل في الدفاع عن إثبات أصل مقام أهل البيت علیهم السلام .. وشغلونا عن العيش في أبعاد مقامهم .. وعوالم عظمتهم .. إن مثلنا كمثل الذي يدافع عن الجواهر الغالية .. فينشغل بذلك عن معايشتها والاستضاءة بنورها، والالتذاذ برؤيتها ..

ترى .. هل سأفرغ مدة قبل موتي .. لألقي أحجاري .. وأشتغل بدل الدفاع عنهم .. بنظم قصائدي فيهم ..؟! وهل يمكن لي أن أجمع بين الدفاع عن أحب الخلق الي .. وبين نظم المواويل فيهم .. أرجو دعاءكم.

زرت الشيخ اسماعيل نمازي .. وهو صادق موثق من مرجع .. وحدثني عن ملاقاته لسيدي ومولاي صاحب الزمان روحي فداه.. فانشغل ذهني وما زال في أن أفهم وأستوعب .. مجرد فهم .. كيف يصل الانسان الكامل من هؤلاء العظماء صلوات الله عليهم .. الى أن يكون موضعاً لأسر ار الله تعالى ومظهراً لإرادته .. ينوي الشئ فيكون .. وينتقل في أرض الله ببدنه..كما ينتقل أحدنا بذهنه !!

كم هو الفرق بين متخصص في النبات .. ينظر الى نبتة أو شجرة .. وبين أبله يقف الى جانبه وينظر معه اليها ..؟ إنه نموذج مصغر للفرق بين من فهم شيئاً من مقام النبي والأئمة علیهم السلام .. وبين مسطحي الأذهان .. من السنة .. بل من الشيعة .

ص: 392

إن مثلنا عندما نبحث عن مقام الصديقة الزهراء سلام الله عليها والأئمة المعصومين علیهم السلام في دنيانا فقط .. كمثل الذي يبحث عن تأثير أشعة الشمس في غرفته فقط .. وكأن غرفته كل العالم .. وكل الكون الذي تشرق عليه الشمس .. الكون أوسع من هذا يا صاحبي .. والدنيا .. أصغر من مقام محمد وآل محمد .. صلوات الله عليهم .

تعود الناس في كل الشعوب أن ينظروا الى المرأة أنها أنثى .. فهذه حضارة الغرب .. لايمكنها أن تنظر اليها كإنسانة ! فهي عندهم إما أنثى .. أو قراضة

خارجة عن الاستعمال .

كما تعودوا أن ينظروا الى المرأة أنها شر .. وهذه أمامك ثقافة اليهود وثقافة توراتهم الوثنية . . وقد عمت العالم المسيحي وغيره .. وهي تتحدث عن خطيئة حواء والحية وشر المرأة الذاتي !!

أما الصديقة الزهراء علیها السلام .. الانسانة الكاملة ..

والصديقة الزهراء علیها السلام .. الطاهرة المطهرة ..

والصديقة الزهراء علیها السلام .. أم الأئمة الاطهار ..

فهي مشروع الجواب الرباني . . الذي وأدوا إشراقته بدخان نيرانهم وطغيانهم!!

- وكتب صوت الحكمة في15-7-2001 الحادية عشرة والثلث صباحاًَ:

شكراً يا شيخنا الجليل.. شكراً على هذه الكلمات النورانية في مولاتنا الزهراء علیها السلام .

شيخنا الجليل: هناك سؤال عن حديث للامام على علیه السلام عن النورانية لا أحفظ الحديث بالضبط، ولكن مضمونها عن معرفة الامام على علیه السلام بالنورانية هل المقصود بها نور الله تعالى أو أهل البيت علیهم السلام . مع التفصيل إن أمكن .

ص: 393

- وكتب أبو مهدي في 15-7-2001، الثانية عشرة ودقائق ظهراً:

آآآه ما أبعد الطريق إلى قدسها ...!

أيها الشيخ الفاضل أيها الأب الحاني .. لم نكأت الجرح ! ولماذا هذا الغور في المعرفة ؟ وكيف استطعت الدخول من بوابة النور إلى النور ؟ وأنت تعيش بين ظهرانينا.. إنه والله العجب ! إنتظر قليلا يا مولانا لعل البعض يرى من كوّة الباب ما يدله علي الحلقة ! إنتظر قليلا فلعل وعسى، أقول لعل وعسى نصيب خيطاً من الضوء ينير لنا حالك الطريق .. أو نستزيد فنتوضأ وضوء أهل الجنة !

رويدك يا أبتاه لا تزج بنا في هذا العالم البرزخي فليس معنا إلا بطاقات .. صفراء . . باهتة . . يابسة . . تكاد أن تقع من فرط الجفاف . . فانتظر حتى حلول الربيع ! من ينتظر معي .. فإني من المنتظرين . . ؟

والصلاة والسلام عليك يا مولاتي يا سيدة نساء العالمين .

- وكتب هادم اللذات في 17-07-2001

م، الحادية عشرة صباحاً:

الشيخ الفاضل العاملي حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أولاً: أشكرك على هذه الكلمات الولائية الرائعة.

ثانياً: عندي استفسار حول ما ذكرتم، أتمنى لو أحصل على إجابة له فإن لم يكن في المنتدى فعن طريق البريد .

شيخنا الفاضل قلتم: " إن موقع الصديقة الزهراء سلام الله عليها من هذه المنظومة .. أنها حلقة الوصل لعودة وحدة النور في مساره وخطط الله فيه ..

وهي بهذا المعنى حجة ربانية تكوينية على الأئمة المعصومين من ذريتها .. الذين تختلف الحجج عليهم عن الحجج علينا."

ص: 394

أقول: أرغب أن تتفضلوا علي بتوضيح ما يلي: ما المقصود بحجة ربانية تكوينيةعلى الأئمة علیهم السلام ؟ صحيح أن الزهراء علیها السلام، كانت حلقة الوصل لعودة وحدة النور، ولكن كيف يجعلها ذلك حجة على الأئمة علیهم السلام ؟؟

- ماهو وجه الإختلاف بين الحجج على الخلق والحجج على الأئمة؟! ولماذا لم يكن عبدالله وأبو طالب علیهما السلام ، حجة على الأئمة، لحملهما لذلك النور ؟

- وكتب العاملي في 20-7-2001

م، التاسعة إلا ثلث صباحاً:

الأخ العزيز هاذم اللذات .. بالنسبة الى قولك: ما هو وجه الإختلاف بين الحجج على الخلق، والحجج على الأئمة علیهم السلام ؟ فإن حجة الله تعالى التي يحتج بها على عباده .. منها عام لكل الخلق، ومنها خاص على كل عبد أو مجموعة بما يخصهم. ففي الكافي: 8/84: عن الامام الصادق علیه السلام: إن الرجل منكم ليكون في المحلة فيحتج الله عز وجل يوم القيامة على جيرانه به فيقال لهم: ألم يكن فلاناً بينكم، ألم تسمعوا كلامه، ألم تسمعوا بكاءه في الليل، فيكون حجة الله عليهم) . انتهى .

مثلاً .. من حجج الله تعالى على رسوله محمد صلی الله علیه و آله أنه جعله خاتم الرسل وفضله على النبيين علیهم السلام، وعرج به الى سماواته فأراه عالم ملكوته .. وأنزل عليه خاتم كتبه .. وأنعم عليه بذرية طيبة مباركة جعلهم من صديقة حوراء إنسية وجعلهم أئمة للأمة من بعده علیهم السلام .. وضمن له أن لايفترقا حتى يردا عليه الحوض .. الخ .

وحجته على الصديقة الزهراء علیها السلام الخصائص الفريدة التي وهبها والمقام العظيم الذي أعطاها إياه ..

ص: 395

وحجته على الأئمة علیهم السلام أنه جعلهم أئمة وحججاً له على خلقه وخصهم بما خصهم به .. ومن حججه عليهم أنه جعلهم من ذرية الصديقة المباركة فاطمة علیها السلام، وأورثهم من نورها وخصائصها.. وجعل سيرتها قدوة لهم في التحمل والزهد والعبادة . . الخ .

أما معنى أنها حجة ربانية تكوينية على الأئمة علیهم السلام ؟ فلأن تكوينهم بخصائصهم العالية مديونٌ لها.. ولو أنهم كانوا أولاداً لعلي علیه السلام من غيرها لما كانت النعمة عليهم تامة كما هي .. بالرغم من أن لعلي علیه السلام خصائصه التي لا تقل عنها .

على أن في العالم التكويني للمعصومين علیهم السلام ما يتسع لارتباط نورهم بنورها، وتوجه قلوبهم تكوينياً الى مراكز النور الالهي .. وللزهراء مركزية خاصة فيه . ولعل المرجع الوحيد الخراساني يقصد هذا المعنى بقوله إن قلوب الأئمة علیهم السلام تتجه الى قلب الصديقة الزهراء علیها السلام .

والبحث عن عالم النور الالهي، الذي فتحت بابه سورة النور، وموقع الصديقة الزهراء علیها السلام منه .. بحث طويل . أما لماذا لم يكن عبد الله وأبو طالب علیهما السلام حجة على الأئمة لحملهما لذلك النور ؟ فإن فرق الصديقة الزهراء علیها السلام عن عبدالله وأبي طالب رضوان الله عليهما.. أنها ليست مجرد حامل لذلك النور، بل هي مركز لتطويره وتموينه بخصوصياتها الربانية، وحورائيتها الانسية. وما اتصل لها من أبيها، صلوات الله عليها وعلى أبيها، وبعلها وبنيها .. سيما خاتمهم الموعود رحمة للعالمين .

- وكتب ناصر العترة في20-7-2001، الحادية عشرة والثلث صباحاً:

اللهم صل على محمد وآل محمد .

ص: 396

بارك الله فيكم مولاي وسيدي وشيخي الغالي العاملي، أدام الله ظلكم العالي وأمد في عمركم الكريم، وأبعد عنكم كل شر ومكروه، على هذه الكلمات المباركة الطيبة . أسال الله ان يحشركم وإيانا مع الصديقة الطاهرة المظلومة الشهيدة، في يوم القيامة، اللهم آمين، ورحم الله الشاعر والخطيب الوائلي حينما قال فيها سلام الله عليها:

كيف يدنو الى حشاي الداء *** وبقلبي الصديقة الزهراء علیها السلام

من أبوها وبعلها وبنوها *** صفوة ما لمثلهم قرناء

لعن الله الظالمين لك ياسيدتي ومولاتي وأمي، من الأولين والآخرين الى قيام يوم الدين . . . .

- وكتب هادم اللذات في 20-07-2001

م، التاسعة مساءً:

شكراً جزيلاً لكم مولانا العزيز على هذا الجواب وعلى هذه الكلمات الولائية الجميلة والرائعة جداً. وأسأل الله أن يرزقكم وإيانا شفاعة السيدة الصديقة الشهيدة الزهراء سلام الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، وأن يطيل في عمركم الشريف ويحفظكم من كل سوء وينفع بكم المؤمنين.

- وكتب 9 بدر في 20-07-2001، التاسعة والنصف مساءً:

السلام عليكم يا شيعة (أم أبيها) ورحمة الله وبركاته .

مع العاملي 100% ولست مع المفيد فاقبلوني معكما أو معكم . . . ولإزالة استغراب مولاي المفيد أقول إني لست معه في قوله (بل ظهر وغلب صوت شانئها) موافق على أنه (ظهَرَ) أما (غلبَ) فلا ولا ولا ولا . . .

مع العاملي المدافع عن أهل البيت علیهم السلام وهو يخرج مكنون صدره الملئ حباً لهم صلوات الله وسلامه عليهم (أفكر أحياناً قائلاً في نفسي: لا وفق الله الذين

ص: 397

أجبرونا على أن ننشغل في الدفاع عن إثبات أصل مقام أهل البيت علیهم السلام .. عن العيش في أبعاد مقامهم .. وعوالم عظمتهم .. إن مثلنا كمثل الذي يدافع عن الجواهر الغالية فينشغل بذلك عن معايشتها والاستضاءة بنورها، والالتذاذ برؤيتها .. ترى .. هل سأفرغ مدة قبل موتي لألقي أحجاري .. وأشتغل بدل الدفاع عنهم .. بنظم قصائدي فيهم ..؟! وهل يمكن لي أن أجمع بين الدفاع عن أحب الخلق اليَّ .. وبين نظم المواويل فيهم .. أرجو دعاءكم) .

مولاي العاملي .. ليس لنا إلا أن ندعو لكم بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها وبالسر المستودع فيها أن يوفقكم لما تأملون، فلا تطل التفكير وتوكل على الله .. تفقَّدْ واحات الأدب لعلها تترصع با"لأحجار الكريمة " التي تلقيها دفاعاً عن التي " بدت فأبدت عاليات الأحرف " صلوات الله وسلامه عليها .

وهل سمعت أن الحجةالأصفهاني تخلى عن جواهره أعني (أحجاره) الكريمة ؟

اعذروا تطفلي، ففي صدري شقشقة لو هدرت لأقرت بأني مع العاملي ومع المفيد 100%، ومع كل محبي فاطمة علیها السلام، ونسألكم الدعاء .

- وكتب العاملي في 20-7-2001، الحادية عشرة والربع مساءً:

الصديقة الزكية .. الحوراء الإنسية

الأخ صوت الحكمة .. سؤالك عن معرفة الامام على علیه السلام بالنورانية: كان أصل المادة عند فلاسفة اليونان والفيزيائيين القدماء .. من ذرات صلبة .. وجزء لايتجزأ .. ثم وصل العلم الى الجدلية بين المادة والطاقة .. والى الكتلة السديمية الكهرمغناطيسية، التي تصوروا أن تفصيل الكون .. بدأ منها.. ثم وصلوا في عصرنا الى الغاز السائل.. قبل السديم والدخان الكهرمغناطيسي .. ووصل

ص: 398

آينشتاين الى بعض قوانين النور .. وفتح باب العلم المادي بالجدلية بين النور والمادة . . إنها خطوات ابتدائية في الطريق . . ليكتشفوا عالم الأنوار التي تدخل في بناء الكون وحياته وفعالياته . .

أما نحن المؤمنون بأن محمداً صلی الله علیه و آله .. مفتوح له الباب الى خالق الكون .. وأنه سبحانه حدثه عن قصة الكون .. وعن مستقبله ..فلا نحتاج الى انتظار أن يصلوا الى عالم النورانية.. نحن نعتقد أن موقع محمد وآله.. علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين، صلوات الله عليهم . . في قصة خلق الكون .. عريقة وحيوية .. فأول ماخلق الله من نوره نورهم .. ثم بدأ تفصيل الكون منه .. فكان للكون مساره .. ولنورهم مساره في نسيج الكون .. وفي خلق آدم ومسيرة الانسان .. ولنقف فعلاً هنا .

الأخ أبا مهدي .. عن النور .. الجفاف .. البرزخ ..

نحن بشر .. فينا نوازع تشدنا الى الملأ الأعلى .. وفينا ثقل الطين ..

كذلك هو الانسان . . هبَّةٌ ملائكية أو أرقى منها . . وهباتُ توحّل في الطين . .

وإن أردنا أن نعيش متوازنين .. فلا بد لنا من العيش مع القدوات المتوازنين صلوات الله عليهم .. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين .

فادع لي .. وأدعو لك .

الأخ ناصر العترة .. هنيئاً لك ولاؤك .. فالقلب الذي يضم حب محمد وآل محمد .. ينطوي على أعظم جوهرة في الكون ..فمن أغنى منك .. وأسعد ..

ثبتك الله وإيانا .. لنحافظ على جوهرتنا ..ونحملها معنا في سفرنا .

ص: 399

الأخ هاذم اللذات .. وبالأحرى .. ذاكر هاذم اللذات ..وقد فضلت لك الهاذم على الهادم .. لأنه وصف أمير البلغاء والفصحاء علیه السلام , لمجئ وقت سفرنا .. الذي يقطع لذات دنيانا التي نراها مهمة .. وينقلنا الى عالم أرقى . . حيث الخلود . .

بارك الله لك لنا ..وعوضنا عن لذات الدنيا الفانية، بلذات الجنة الباقية .

الأخ 9بدر.. يظهر أنك معي في التفاؤل..وأنه أحب اليك من الشكوى..

ومن حق محب النبي وآله الأطهار .. أن يتفاءل ..

ومن حقه عندما يرى المستعتمين عنهم أن يشكو، كما شكى الأخ المفيد .

الحوراء الإنسية ..

هل سمعت عن الملونين المتولدين من عروق متباعدة ؟ هل رأيت شخصاً منهم .. أبوه أفريقي وأمه ألمانية، مثلاً .. ؟ وهل توجد للملونين فروق وميزات عن المتولدين من عرق واحد أو عروق متقاربة ؟

الجواب: نعم توجد، فالجينات المورثة في ولادتنا الأولى ترجع الى الأبوين وبيئتهما وغذائهما، وعوامل الوراثة الضاربة فيهما الى أبوينا آدم وحواء .

أما في ولادتنا الثانية من أجسادنا فإن جينات أرواحنا تخضع لعامل واحد ومورث واحد فقط هو: سلوكنا وعملنا !

فهو المصنع الوحيد المؤهل لأن يرسل بجيناته المورثة الى تلك الذرة المستديرة في أبداننا التي لا تفنى على حد تعبير الامام الصادق علیه السلام !

ففي الكافي: 3 / 251: (عن عمار بن موسى، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سئل عن الميت يبلى جسده ؟ قال: نعم حتى لا يبقى له لحم ولا عظم إلا طينته التي خلق منها، فإنها لا تبلى، تبقي في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرة) . فتلك الطينة أو الذرة، هي الصندوق الأسود الذي يختزن مواصفات

ص: 400

ولادة روحنا من جسدنا، ثم ولادةجسدنا الجديد الذي يتولد منها عندما تزرع في تربة مناسبة للبعث، ثم نخرج روحاً وجسداً للمحشر .

الملونون .. بشكل عام، أغنى من غيرهم بالمورثات في كثرتها وحيويتها .. والمتولدون من عرق واحد .. مورثاتهم أقل وأضعف .. وهي إحدى الحكم من استحباب الاتجاه في الزواج الى غير الأقارب .

غذاء الوالدين ..

قد تكون رأيت أبوين لادين لهما ولا يقين .. يعيشان على المال السحت أو المغصوب .. ويأكلان النجس والمحرم .. ولا يعرفان طاهراً ولا نجساً .. ولا صلاة .. ولا شيئاً اسمه القيم ! ثم تأملت تأثير غذائهما وسلوكهما في أطفالهما!

ولعلك رأيت أبوين طاهرين .. يعيشان بالأدب والتقوى .. ويفيضان بالخير لكل الناس .. ولا يأكلان إلا حلالاً طاهراً.. وتأملت تأثير غذائهما وسلوكهما في أطفالهما !! إنها قوانين الله تعالى في معادن الناس وما يورثونه الى أولادهم من جينات تنسجها نطفهم !!

ترى كيف سيكون الطفل لو تغذى والداه على ثمار الجنة، فتكونت منها نطفته ؟ يجيبك الفكر البشري: أنه لم يكتشفت الى الآن من قوانين الوراثة في الأرض إلا القليل القليل .. ناهيك عن فيزياء الجنة وغذائها.. وعن هذا الذي تسأل عنه المركب من فيزياء الأرض والجنة !

الفكر البشري لايعرف شيئاً عن ذلك ليقوله .. !

لكن خالق فيزياء الأرض والجنة أخبرنا على لسان الصادق الأمين أن هذا هو الذي حدث .. وأن النبي وخديجة نالا شرف هذا الغذاء السماوي.. وكان المتولد منه.. فاطمة

الزهراء علیها السلام ! ففي عيون أخبار الرضا: 2/ 107: (قال النبي صلی الله علیه و آله:

ص: 401

لما عرج بي الى السماء أخذ بيدي جبرائيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته، فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت الأرض واقعت خديجه فحملت بفاطمة

، ففاطمه حوراء إنسية، فكلما اشتقت الى رائحه الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة علیها السلام) ! انتهى .

ذلك الرطب .. من ثمار شجرة طوبى، فهي شجرة تثمر بأكثر من نوع من الثمر ؟ أمَّا في الدنيا فيمكن أن تثمر بالتطعيم بعشرين نوعاً ! لكن لابد أن تكون من فصيلة واحدة أو متقاربة .. وأما في الجنة فيوجد أشجار تثمر بأنواع الثمر، بدون حاجة الى تطعيم .. وأهمها وأعظمها شجرة طوبى .. وما أدراك ما طوبى !! في تفسير نور الثقلين: 2 / 502: (عن النبي صلی الله علیه و آله حديث طويل وفيه يقول: دخلت الجنة وإذا شجرة لو أرسل طائر في أصلها ما دارها سبعمأة عام، وليس في الجنة منزل إلا وفيها شجر منها، فقلت: ما هذه يا جبرئيل؟ فقال هذه شجرة طوبى، قال الله تعالى: طوبى لهم وحسن مآب) . وفي تفسير نور الثقلين: 2 / 502: (عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: طوبى شجرة في الجنة في دار أميرالمؤمنين علیه السلام وليس أحد من شيعته إلا وفي داره غصن من أغصانها، وورقة من أوراقها تستظل تحتها أمة من الأمم). وفي مناقب آل أبي طالب:3 / 32: (وعن ابن عباس . وفي دار كل مؤمن منها غصن) .

وفي مستدرك سفينة البحار: 6 /611: (ليس من مؤمن إلا وفي داره غصن منها لاتخطر على قلبه شهوة شئ إلا أتاه به ذلك الغصن ..الخ .) .

وفي فتح الباري: 11 / 366: (وأخرج أحمد وصححه بن حبان من حديث أبي سعيد رفعه: شجرة طوبى مائة سنة) .

ص: 402

وفي صحيح ابن حبان: 61 / 429: (عن عتبة بن عبد السلمي يقول: قال أعرابي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فاكهة الجنة ؟ قال: فيها شجرة تدعى طوبى . فقال: أي شجرنا تشبه ؟ قال: ليس تشبه شجراً من شجر أرضك، ولكن أتيت الشام ؟ قال: لا يا رسول الله . قال: وإنها شجرة بالشام تدعى الجميزة تشتد على ساق ثم ينشر أعلاها . قال: ما عظم أصلها ؟ قال لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتاها هرماً !!) .

من أحاديث مقام الصديقة الزهراء علیها السلام في مصادر السنيين

- كتب العاملي في شبكة هجر الإسلامية، بتاريخ 20-8-1999، السابعة مساءً، موضوعاً بعنوان (مقام الصديقة الزهراء علیها السلام عند الله تعالى وعند رسوله صلی الله علیه و آله)، قال فيه:

بمناسبة أيام وفاة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام، أقدم باقة من الأحاديث العطرة التي تكشف عن مقامها العظيم عند الله تعالى وعند رسوله صلی الله علیه و آله:

ملاكٌ خاصٌ يبشر النبي صلی الله علیه و آله بمقام

فاطمة والحسنين علیهم السلام

في مسند أحمد: 5 / 391: عن زر بن حبيش، عن حذيفة قال: سألتني أمي: منذ متى عهدك بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال فقلت لها: منذ كذا وكذا . قال فنالت مني وسبتني ! قال فقلت لها: دعيني فإني آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأصلي معه المغرب ثم لا أدعه حتى يستغفر لي ولك . قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فصليت معه المغرب، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم انفتل فتبعته، فعرض له عارض فناجاه، ثم ذهب فاتبعته فسمع صوتي،

ص: 403

فقال من هذا؟ فقلت حذيفة . قال مالك ؟ فحدثته بالأمر. فقال غفر الله لك ولأمك . ثم قال: أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل ؟ قال قلت: بلى . قال: فهو ملك من الملائكة لم يهبط الأرض قبل هذه الليلة، فاستأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة) .

عائشة تتحدث عن الزهراء علیها السلام بإجلال وإكبار

في مسند أحمد: 6/ 282: عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقال مرحباً بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم إنه أسرّ إليها حديثاً فبكت !

فقلت لها: استخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، ثم تبكين ؟ ثم إنه أسرّ إليها حديثا فضحكت ! فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتها عما قال ؟ فقالت: ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ! حتى إذا قبض النبي صلى الله عليه وسلم سألتها فقالت: إنه أسرّ إليّ فقال: إن جبريل علیه السلام كان يعارضني بالقرآن فى كل عام مرة، وإنه عارضني به العام مرتين، ولا أراه الا قد حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحوقاً بي، ونعم السلف أنا لك، فبكيت لذلك ! ثم قال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة، أو نساء المؤمنين ؟ قالت: فضحكت لذلك) .

ص: 404

آخر من يودعه النبي صلی الله علیه و آله فاطمة علیها السلام، وأول من يزوره بعد عودته .. فاطمة علیها السلام

في مسند أحمد: 5 / 275: عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة ! وأول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة ! فقدم من غزاة له فأتاها فإذا هو بمسح على بابها ورأى على الحسن والحسين قلبين من فضة، فرجع ولم يدخل عليها ! فلما رأت ذلك فاطمة ظنت أنه لم يدخل عليها من أجل مارأى، فهتكت الستر ونزعت القلبين من الصبيين فقطعتهما فبكى الصبيان فقسمته بينهما. فانطلقا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما يبكيان، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما . فقال: يا ثوبان، إذهب بهذا الى بني فلان أهل بيت بالمدينة، واشترِ لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج، فإن هؤلاء أهل بيتى، ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم فى حياتهم الدنيا !) .

قصة تسبيح الزهراء علیها السلام الذي التزم به الشيعة ونسيه غيرهم

في مسند أحمد: 1 / 106: عن علي رضى الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجّه فاطمة بعث معه بخميلة، ووسادة من أدم حشوها ليف، ورحيين وسقاء وجرتين، فقال علي لفاطمة رضي الله عنهما ذات يوم: والله لقد سنوت حتى لقد اشتكيت صدري، قال: وقد جاء الله أباك بسبي، فاذهبي فاستخدميه . فقالت: وأنا والله قد طحنت حتى مجلت يداي، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم . فقال: ما جاء بك أي بنية ؟ قالت: جئت لأسلم عليك، استحيت

ص: 405

أن تسأله ورجعت . فقال: ما فعلت ؟ قالت: استحييت أن أسأله، فأتيناه جميعاً . فقال على رضي الله عنه: يا رسول الله والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري . وقالت فاطمة رضي الله عنها: قد طحنت قد طحنت حتى مجلت يداي وقد جاءك الله بسبي وسعة، فأخدمنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم، لا أجد ما أنفق عليهم ! ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم، فرجعا . فأتاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلا فى قطيفقتهما إذا غطت رؤسهما تكشفت أقدامهما وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤسهما فثارا، فقال: مكانكما . (يظهر أن الوقت كان شتاء) ثم قال: ألا أخبركما بخير مما سألتماني ؟ . قالا: بلى . فقال: كلمات علمنيهن جبريل علیه السلام، فقال: تسبحان في دبر كل صلاة عشراً وتحمدان عشراً وتكبران عشراً، وإذا أويتما الى فراشكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين . قال: فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم .قال فقال له ابن الكواء: ولا ليلة صفين ؟! فقال: قاتلكم الله يا أهل العراق، نعم ولا ليلة صفين !) .

ص: 406

الرسول يباهل النصارى بأمر ربه .. بأفضل أهل الأرض

في مسند أحمد: 1 / 185: عن عامر بن سعد عن أبيه قال .... ولما نزلت هذه الآية: ندعُ أبناءنا وأبناءكم . دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً رضوان الله عليهم أجمعين. فقال: اللهم هؤلاء أهلي).

تحديد النبي صلی الله علیه و آله لأهل بيته تحديداً حسياً !

في مسند أحمد: 6/ 323: عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: ائتيني بزوجك وابنيك . فجاءت بهم فألقى عليهم كساء فدكياً، قال ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم إن هؤلاء آل محمد، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد، إنك حميد مجيد . قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي وقال: إنك على خير . انتهى . وفي ذلك بلاغ لمن كان له قلب ! فقد نصت الصحاح على أن هذه الآية نزلت مستقلة، ولا ربط لها بآيات زوجات النبي !!

ص: 407

وعلم النبي صلی الله علیه و آله أنه يوجد من يظلم أهل بيته ويحاربهم .. فأعلن موقفه معهم

في مسند أحمد: 2/ 442: عن أبي هريرة قال نظر النبي صلى الله عليه وسلم الى على والحسن والحسين وفاطمة فقال: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم !) .

- فكتب طالب العلم بتاريخ 20-8-1999، السابعة والثلث مساءً:

السلام عليك يابنت رسول الله، السلام عليك أيتها الشهيدة الصابرة..

قُلْ لِلْمُغَيَّبِ تَحْتَ أَطْباقِ الثَرى *** إِنْ كُنْت َ تَسْمَعُ صَرْخَتي وَنِدائِيا

صُبَّتْ علي مَصائِبٌ لَوْ أَنَّها *** صُبَّتْ عَلى الأَيَّامِ صِرْنَ لَيالِيا

قَدْ كُنْتُ ذاتَ حِمىً بِظِلِّ مُحَمَّدٍ *** لا أَخْشَ مِنْ ضَيْمٍ وَكانَ حِماً لِيا

فَاليَوْمَ أَخْضَعُ لِلْذَلِيلِ وأتقي *** ضَيْميِ وأَدْفَعُ ظَالِمي بِرِدائِيا

فَإِذا بَكَتْ قُمْرِيَّةٌ في لِيْلِها *** شَجَناً على غُصْنٍ بَكِيتُ صَباحِيا

ئفَلأَجْعَلَنَّ الحُزْنَ بَعْدَكَ مُونِسي *** وَلأَجْعَلَنَّ الدَّمْعَ فيكَ وِشاحِيا

عظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب الزهراء سلام الله عليها وصلواته .

- وكتب مالك الأشتر بتاريخ 22 –8-1999، الثامنة صباحاً:

اللهم صلِّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها، بعدد ما أحصاه كتابك وأحاط به علمك . لقضاء الحوائج يقرأ 135 مرة .

- وكتب عبر البحار بتاريخ 23 –8-1999، الرابعة صباحاً:

ص: 408

السلام على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها، والسر المستودع فيها . اللهم العن أول ظالم ظلم محمد وآل محمد وآخر ظالم ظلم محمد وآل محمد . اللهم العن الجبت والطاغوت . اللهم أحينا وأمتنا على ولايتهم بحق محمد وآل محمد .

- فكتب العاملي بتاريخ 24-8-1999، التاسعة مساءً:

من عيون الشعر العربي في ظلامة الصديقة الزهراء علیها السلام،

للسيد الحميري رحمة الله، من شعراء صدر الاسلام:

فمضى واتبعتْهُ ولها *** بعد غيض جرعته ووجعْ

ضربت واهتضمت من حقها *** وأذيقت بعده طعم السلع

قطع الله يدي ضاربها *** ويد الراضي بذاك المتبع

لا عفى الله له ولا *** كفَّ عنه هول يوم المطَّلع

وللشاعر الأزري البغدادي رحمة الله:

تركوا عَهد أحمد في أخيه *** وأذاقوا البتول ما أشجاها

وهي العروة الّتي ليس ينجو *** غير مستعصم بحبل ولاها

لم ير الله للرسالة أجراً *** غير حفظ الزهراء في قرباها

يوم جاءت ياللمصاب إليهم *** ومن الوجد ما أطال بكاها

فدعت واشتكت إلى الله شكوى *** والرواسي تهتزُّ من شكواها

فاطمأنّت لها القلوب وكادت *** أن تزول الأحقاد ممّن حواها

تعظ القوم في أتمّ خطاب *** حكت المصطفى به وحكاها

أيُّها القوم راقبوا الله فينا *** نحن من روضة الجليل جناها

نحن من بارئ السماوات سرٌّ *** لو كرهنا وجودها مابراها

ص: 409

فاطمة علیها السلام أفضل نساء العالمين .. وبعدها أمها خديجة ومريم بنت عمران

قال العاملي: في شرح أصول الكافي للمازندراني: 7: 221: (عن الامام الصادق علیه السلام قال: لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين لفاطمة علیها السلام، ماكان لها كفؤ على ظهر الأرض من آدم ومن دونه) .

وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي: 10 / 265: (قال الحافظ في الفتح قال السبكي الكبير الذي ندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة والخلاف شهير ولكن الحق أحق أن يتبع به . وقال ابن تيمية جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة، وكأنه رأى التوقف، وقال ابن القيم أن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله، فذاك أمر لا يطلع عليه، فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح، وإن أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة، وإن أريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة، وهي فضيلة لا يشاركها فيها غير أخواتها، وإن أريد شرع السيادة فقد ثبت النص لفاطمة علیها السلام وحدها !

قال الحافظ: امتازت فاطمة عن أخواتها بأنهن متن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما امتازت به عائشة من فضل العلم فإن لخديجة ما يقابله وهي أنها أول من أجاب إلى الإسلام ودعا إليه وأعان على ثبوته بالنفس والمال والتوجه التام، فلها مثل أجر من جاء بعدها ولا يقدر قدر ذلك إلا الله، وقيل انعقد الإجماع على أفضلية فاطمة وبقي الخلاف بين عائشة وخديجة) . انتهى .

وفي فيض القدير للمناوي:3 /574: (خديجة بنت خويلد القرشية الأزدية ذات الشرف الظاهر والحسب الفاخر أفضل أمهات المؤمنين قال الحافظ العراقي

ص: 410

: على الصحيح المختار وذكر نحوه ابن العماد وسبقهما السبكي كيف وهي (سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله وبمحمد) أي وبما جاء به محمد عن الله سبحانه فهي أول من آمن به من النساء مطلقا وأرسل الله إليها السلام مع جبريل .قال ابن القيم: وهذه خصوصية لا تعرف لامرأة غيرها . وقد استدل بهذا الحديث على أن خديجة أفضل من عائشة) .

وفي جواهر المطالب لابن الدمشقي ج 1 ص 153: (روى أحمد والحاكم والطبراني عن أبي سعيد الخدري بإسناد صحيح مرفوعاً: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم . وفي رواية صحيحة: إلا ما كان من مريم بنت عمران . فعلم أنها أفضل من أمها خديجة، وما وقع في الأخبار مما يوهم أفضليتها، فإنما هو من حيث الأمومة فقط .

وأيضاً هي أفضل عن عائشة على الصحيح بل الصواب، قال السبكي: الذي نختاره وندين الله به: أن فاطمة أفضل نساء هذه الأمة ثم خديجة ثم عائشة. قال: ولم يخف عنا الخلاف في ذلك، ولك إذا جاء نهر الله بطل نهر العقل! قال الشيخ شهاب الدين ابن حجر الهيتمي: ولوضوح ما قاله السبكي تبعه عليه المحققون... وممن تبعه عليه: الحافظ أبو الفضل بن حجر، فقال في موضع: هي مقدمة على غيرها من نساء عصرها، ومن بعدهن مطلقاً) .

وقال البهوتي في كشاف القناع: 5 / 31: (وأفضلهن خديجة وعائشة، وما ثبت أنه صلی الله علیه و آله قال لعائشة حين قالت له: قد رزقك الله خيراً منها: لا والله ما رزقني الله خيراً منها، آمنت بي حين كذبني الناس، وأعطتني مالها حين حرمني الناس ... وخبر: فاطمة بضعة مني، وقوله لها: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم، يدل على أن فاطمة أفضل) .

ص: 411

وفي فتح الباري لابن حجر ج 7 ص 84: (قال السبكي الكبير الذي أدين الله به أن قاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة والخلاف شهير، ولكن الحق أحق ان يتبع . وقال بن تيمية جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة وكأنه رأى التوقف !) .

وفي فتح الباري: 7 / 101: (وجاء ما يفسر المراد صريحاً فروى البزار والطبراني من حديث عمار بن ياسر رفعه لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين، وهو من حديث حسن الاسناد . واستدل بهذا الحديث على ان خديجة أفضل من عائشة، قال بن التين ويحتمل أن لا تكون عائشة دخلت في ذلك لأنها كان لها عند موت خديجة ثلاث سنين، فلعل المراد النساء البوالغ !! كذا قال وهو ضعيف ! فإن المراد بلفظ النساء أعم من البوالغ ومن لم تبلغ أعم ممن كانت موجودة وممن ستوجد، وقد أخرج النسائي بإسناد صحيح وأخرجه الحاكم من حديث بن عباس مرفوعاً: أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية . وهذا نص صريح لا يحتمل التأويل . . . .).

وفي فيض القدير للمناوي ج 2 ص 68: (تنبيه: سئل السبكي هل قال أحد إن أحداً من نساء النبي صلى الله عليه وسلم غير خديجة وعائشة أفضل من فاطمة علیها السلام ؟ فقال: قال به من لا يعتد بقوله وهو ابن حزم فضل نساءه على جميع الصحابة لأنهن في درجته في الجنة، قال وهو قول ساقط مردود . قال: ونساؤه بعد خديجة وعائشة متساويات في الفضل .. وفي مسند أحمد والطبراني عن ابن عباس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربع خطوط فقال أتدرون ما هذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم، فقال أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية . قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح (ك) في أخبار

ص: 412

الأنبياء (عن ابن عباس) قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي .... قال ابن حجر في الفتح بإسناد صحيح) .

وفي فيض القدير: 4 / 556: (وفي الفتاوى الظهيرية للحنفية أن فاطمةلم تحض قط ولما ولدت طهرت من نفاسها بعد ساعة لئلا تفوتها صلاة قال: ولذلك سميت بالزهراء، وقد ذكره من صحبنا المحب الطبري في ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى وأورد فيه حديثين أنها حوراء آدمية طاهرة مطهرة لا تحيض ولا يرى لها دم في طمث ولا ولادة . وفي الدلائل للبيهقي أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وضع يده على صدرها ورفع عنها الجوع فما جاعت بعد . وفي مسند أحمد وغيره أنها لما احتضرت غسلت نفسها وأوصت أن لا يكشفها أحد فدفنها علي بغسلها ذلك، وذكر العلم العراقي أن فاطمة وأخاها إبراهيم أفضل من الخلفاء الأربعة بالاتفاق... (تتمة) قال ابن حجر في الفتح: أقوى ما استدل به على تقديم فاطمة على غيرها من نساء عصرها ومن بعدهن، خبر أن فاطمة سيدة نساء العالمين إلا مريم، وأنها رزئت بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها من بناته فإنهن متن في حياته فكن في صحيفته ومات في حياتها، فكان في صحيفتها قال: وكنت أقول ذلك استنباطاً إلى أن وجدته منصوصاً في تفسيره الطبري عن فاطمة علیها السلام أنه ناجاها فبكت ثم ناجاها فضحكت، فذكر الحديث في معارضة جبريل له القرآن مرتين وأنه قال: أحسب أني ميت في عامي هذا وأنه لم ترزأ امرأة من نساء العالمين مثل مارزئت، فلا تكوني دون امرأة منهن صبراً، فبكت فقال: أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم فضحكت) .

ص: 413

وفي سبل الهدى والرشاد للصالحي: 10/ 326: (قال البلقيني في (فتاويه): الذي نختاره أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة، للحديث الصحيح، وأنه قال لفاطمة علیها السلام: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء المؤمنين، وفي النسائي مرفوعاً: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة علیها السلام بنت محمد . سنده صحيح، فالحديث صريح في أنها وأمها أفضل نساء أهل الجنة، والحديث الأول يقتضي فضل فاطمة علیها السلام على أمها، وفي حديث آخر: فاطمة علیها السلام بضعة مني، وهو يقتضي تفضيل فاطمة علیها السلام على جميع نساء العالم ومنهن خديجة وعائشة رضي الله عنهما وبقية بنات النبي صلى الله عليه وسلم . .) .

وفي سبل الهدى والرشاد: 11/161: (قال شيخنا: الصواب القطع بتفضيل فاطمة وصححه السبكي، قال في الحلبيات: قال بعض من يعتد به

بأن عائشة أفضل من فاطمة، وهذا قول من يرى أن أفضل الصحابة زوجاته لأنهن معه في درجته في الجنة التي هي أعلى الدرجات، وهو قول ساقط مردود وضعيف لاسند له من نظر ولا نقل، والذي نختاره وندين الله تعالى به أن فاطمة علیها السلام أفضل، ثم خديجة، ثم عائشة، وبه جزم ابن المغربي في روضته. ثم قال السبكي: والحجة في ذلك ماثبت في الصحيح أن النبي قال لفاطمة علیها السلام: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة، وما رواه النسائي بسند صحيح من أن رسول الله قال: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة علیها السلام بنت محمد، واستدل شيخنا في شرحه بما ثبت أنه قال لعائشة حين قالت له: قد رزقك الله خيراً منها، قال: لا والله ما رزقني الله خيراً منها .. الحديث) .

ص: 414

الفصل الحادي عشر: لماذا قبر فاطمة الزهراء علیها السلام .. مجهول ؟!

اشارة

ص: 415

ص: 416

وصية فاطمة علیها السلام أن تدفن ليلاً ولا يحضروا جنازتها

- كتب المدعو عمر الفاروق في شبكة الموسوعة الشيعية، بتاريخ 18-2-2000، الواحدة والنصف صباحاً، موضوعاً بعنوان (إخوتي الأعزاء أهل السنة: أين دفنت فاطمة الزهراء رضي الله عنها)، قال فيه:

بعض الأخوة الشيعة لهم دعوى تدور حول دفن سيدتنا فاطمة علیها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بحثت فلم أجد نصوصاً تدل على مكان دفنها . أرجو إرشادي ممن رأى مصدراً سواء كان من الأخوة أهل السنة أم إخوننا الشيعة مع ذكر المصدر . والله يوفقكم جميعاً .

- فكتب الفاطمي بتاريخ 18-2-2000، الثانية إلا ربعاً صباحاً:

وثوت لا يرى لها الناس مثوىً *** أي قدس يضمه مثواها

السلام عليك يا بضعة المصطفى يافاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب الفتى الإمامي بتاريخ 19-2-2000، العاشرة صباحاً:

ص: 417

لقد أخفي قبر فاطمة الزهراء علیها السلام عن الأنظار... ليبقى علامة استفهام على مر العصور عن سبب اختفاء قبرها، وليتفكر المنصفون عن السبب ويفهموا ماعانته الأمة بعد انحرافها عن أمير المؤمنين .

- وكتب المدعو صبي الشيعة في الموسوعة الشيعية، بتاريخ 16-2-2000، الثانية ظهراً،موضوعاً بعنوان (الى م. ابراهيم .... أين قبر الزهراء علیها السلام ؟)، قال فيه:

الى الزميل الغالي: م . ابراهيم . لا أدري ما الذي أشعل هذا السؤال في ذهني، وحاولت أن أحصل على الاجابة من الشباب السنة الذين حولي.. ولكني أرى أنك الأجدر به سؤال بسيط ... ما السبب في رأيك (رأي مذهبك) الذي أدى الى عدم إخبار الزهراء علیها السلام بمكان قبرها .. لماذا طلبت من بعلها أن يوارى جسدها الشريف في الظلام !!

- وكتب محمد ابراهيم بتاريخ 16-2-2000، الخامسة مساءً:

عزيزي: ص . الشيعة: أشكرك على حسن الظن . أرجو أن تزودني بروايات هذا الخبر، حتى يمكنني أن أبحث فيها، مع جزيل الشكر .

- وكتب فرزدق بتاريخ 18-2-2000، الخامسة مساءً:

صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب غزوة خيبر، روى بسنده عن عروة عن عائشة، أن فاطمة بنت النبي صلی الله علیه و آله، أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلی الله علیه و آله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدَك وما بقي من خمس خيبر . فقال أبو بكر: إن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: لا نورّث ما تركناه صدقة .. إلى أن قال: فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً .. فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر

ص: 418

في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت !! وعاشت بعد النبي ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي علیه السلام ليلاً !! ولم يؤذن بها أبا بكر !! وصلى عليها علي علیه السلام . . . ! ! الحديث . .

وتجد ذلك أيضاً في: صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير، ج 2 ص72، سنن البيهقي ج4 ص29 وج6 ص300 طبع حيدر آباد، مشكل الآثار للطحاوي ج1 ص47، مرآة الجنان لليافعي ص91، المستدرك للحاكم النيسابوري ج3 ص162 وفيه (ولم يشعر بها أبو بكر !!) .. وغير ذلك من المصادر .. بل إن في بعضها تصريحاً بأن ذلك أي الدفن ليلاً ومنع الشيخين من حضور جنازتها، كان بوصيةٍ من الزهراء علیها السلام ..

فسلام الله عليك أيتها البضعة الطاهرة، الشهيدة المظلومة المقهورة .

- وكتب محمد ابراهيم بتاريخ 18-2-2000، الثامنة مساءً:

لماذا لم يؤذن سيدنا علي بأن يصلي أبو بكر على الزهراء ؟

الإجابة هي: سؤال آخر: لماذا يصلى عليها أبو بكر أصلاً ؟ إذا كانت مثلاً رغبة سيدنا علي بأن يصلى هو بنفسه على سيدة نساء العالمين، هو زوجها وأحق بهذا من غيره، فلماذا نعتبر هذا مأخذاً على سيدنا أبي بكر رضي الله عنه ؟

لماذا دفنت الزهراء علیها السلام ليلاً ؟ الإجابة هي ولماذا لا تدفن ليلاً ؟ هل الدفن ليلاً مثلاً مكروه ؟ من المعلوم أن إكرام الميت هو تعجيل دفنه: أليس كذلك ؟

لماذا هجرته السيدة فاطمة الزهراء ولم تكلمه ؟

كيف هجرته ؟ هل لم تزره مثلاً وهي كانت معتادة زيارته ؟ أم هجرته بمعنى أنه تركته ولم تعد إليه في موضوع الميراث، ولم تكلمه بعد أن سمعت منه ما لم تكن تعلمه من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ؟

لماذا وجدت عليه فاطمة ؟ لا أدري حقيقة . وخصوصاً بأن الزهراء هي أعظم شأناً من أن تتكالب وتأسى على حطام الدنيا، وخصوصاً أنها تعرف بدنوّ

ص: 419

أجلها من أبيها عليه الصلاة والسلام، وهي أيضاً بنت خير البشر الذي كان معروفاً بزهده في الدنيا وبتربيته ابنته الطاهرة على الزهد في الدنيا . إجابتي هذه هي عن الحديث الأول الذي أوردته، ولا أريد أن أبحث في الأحاديث الأخرى، لأن هذا ليس في موضوع السؤال الرئيس في الصفحة، ولكن إن أوردت أنت شيئاً فربما أنني سوف أبحث فيه بما يمكنني الله عز وجل .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 19-2-2000، الثالثة صباحاً:

أخي محمد إبراهيم .. لا أود أن تسلك هذا المسلك الوعر، وأربأ بك مما قلته، فما قلته يعد من القول الغير المنطقي. ولا أود أن أقول بأنه طعناً بالزهراء علیها السلام واستخفافاً لمشاعرها. ولاحترامي الشخصي لك أقول لك: لا تدخل في هذا الموضع الشائك . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء .

- وكتب فرزدق بتاريخ 19-2-2000، الرابعة عصراً:

الأخ صبي الشيعة . . قد وضع العنوان ليُثير الإنتباه إلى ما في نفس الصفحة لاحظ قوله: (سؤال بسيط ... ما السبب في رأيك (رأي مذهبك) الذي أدى الى عدم إخبار الزهراء بمكان قبرها .. لماذا طلبت من بعلها، أن يوارى جسدها الشريف في الظلام ؟!!) .فهل أنت دفّان موتى حتى يسألك عن قبر الزهراء

؟! وإنما حقيقة السؤال عن سرّ عدم معرفة مكان قبر الزهراء، ولماذا ؟! وهي وحيدة المصطفى وأم الحسنين وأوّل أهل بيته لحوقاً به . . . ثم لو كان السؤال عن مجرّد مكان قبر الزهراء فأيُّ معنى لكلامك السابق: (أرجو أن تزودني بروايات هذا الخبر حتى يمكنني أن أبحث فيها) !! فهل السُؤال إخبار ؟؟!! هذا أولا ..

ص: 420

وثانياً . . تقول: (لماذا لم يؤذن سيدنا علي بأن يصلي أبو بكر على الزهراء ؟) .

وأقول لك: لماذا تحرّف معنى الحديث .. الحديث يقول: (فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها علي..) . فهو يخبر عن ثلاثة أمور: الدفن ليلاً . عدم إخبار أبي بكر، وهو معنى: لم يؤذن . كون المصلي عليها عليّاً ولكنك غيرتَ العبارة لأجل الإيهام!! فهلاّ أرجعت الضمير في (بها) على ما سبقه ليصح الإرجاع وليس على ما يلحقه فلا يصح ! وهلاّ ربطت الجملة الثانية بالأولى وقلت: دفنها زوجها علي ليلاً من دون أن يُخبر بها أبا بكر، وصلّى عليها علي .. فتكون الجملة الأخيرة تأكيداً على عدم حضوره أيّ مراسمَ لها ..

وهلاّ تأمّلت في رواية المسُتدرك التي فيها بدل (ولم يؤذن بها أبا بكر) قوله (ولم يشعر بها أبو بكر) وهي أصرح في كون مراسم الصلاة والدفن تمّت خِلسة، وبعيداً عن عيون الخليفة خليفة أبيها !! لكيلا تقع المخالفة لوصيّة الزهراء

بكتمان الأمر عليهم، وإخفاء قبرها، خصوصاً مع الإلتفات إلى أن الصلاة على أموات المسلمين كانت تقام من قبل الخليفة، وهذه هي سيرتهم في ذلك لاسيما على كبار الصحابة، وهذا كلّه لأجل التأكيد منها علیها السلام على ظلمهم لها وغصبهم لحقوقها .. فدقق .

ثالثاً.. تقول: (ولماذا لا تدفن ليلاً،هل الدفن ليلاً مثلاً مكروه ؟.. الخ) . وأقول: الصحيح أن يُسأل .. لماذا دفنت ليلاً ؟! مع أن القوم كانوا ينتظرون المشاركة مع الامام علي علیه السلام في مراسم التشييع والصلاة والدفن صباحاً، ولكنه علیه السلام عجّل دفنها ليلاً بل سراً، مع نفرٍ قليل من أصحابه .. وما ذاك إلاّ لما

ص: 421

تقدّم ذكرُه من وصيّتها، وإمعاناً في تأكيد بغضها لهم بل بغضهم لها وغصبهم لحقوقها.. وإلاّ فبالله عليك.. لو لم يكن الدفن سرّاً فأين قبرها ؟! وهل هي نكرة مجهولة حتى يخفى قبرها عن المسلمين ؟! وتلك قبور نساء النبي صلی الله علیه و آله وأصحابه في البقيع ظاهرة للجميع، بل حتى قبور بعض أحفادها من الأئمة الطاهرين، والذين توفوا بعدها بعشرات السنين ظاهرة للعيان، وهي شهادة حيّة على عمق ظلامة الزهراء علیها السلام واهتضامها لو تدبّر المنصفون! رابعاً .. تقول: (لماذا هجرته السيدة فاطمة علیها السلام ولم تكلمه ؟ كيف هجرته: هل لم تزره مثلاً وهي كانت معتادة زيارته ؟ أم هجرته بمعنى أنه تركته ولم تعد إليه في موضوع الميراث ولم تكلمه بعد أن سمعت منه ما لم تكن تعلمه من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ؟).

وأقول: سبحان الله .. وهل الهجر هو بهذا المعنى يا سيبوبه !! الهجر هو الإعراض والإبتعاد؛ ومع ضمّ قرينة الغضب والوَجد الحاصلين تجاه القوم من قبل الزهراء علیها السلام، وكذلك وصيّتها المتقدمة الذِكْر عند دفنها والصلاة عليها، وجمعاً مع حديث النبي المتواتر لفاطمة علیها السلام (إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك)، فسوف يتجلّى موقف التحدّي بل التبرّي الذي أرادت فاطمة علیها السلام أن تُظهره وتكشف عنه تجاه مغتصبي حقوقها وحقوق بعلها !! بل وإعلان غضب الله عليهم .. والذي أرادت سلام الله عليها أن يبقى إلى يومنا هذا حيّاً طريّاً؛ يكمنُ في سرّ دفنها وخفاء قبرها !!

ثم لو كان هجرُها لأبي بكرٍ بعد أن سمعت منه مالم تكن تعلمه كما تزعم أنت فلِمَ الهجر ؟! أليس ينبغي عليها أن تشكر أبا بكر وتُثني عليه لأنه أخبرها لو

ص: 422

كان صادقاً بحديثٍ عن أبيها، يتضمن حُكماً شرعيّاً يعنيها بالدرجة الأولى .. ومن أولى بالزهراء علیها السلام من ذلك ؟!

وهل كانت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلی الله علیه و آله تجهل حكم ميراث النبي، أو لم يكن هو صلی الله علیه و آله قد أخبرها به ولا أخبر نساءه به، ولا عمّه العباس ولا ابن عمه علي علیه السلام وهم أمسّ الناس حاجة لمثل هذا الأمر، لأنهم ورثة النبي لو كان يورّث أو لم يكن.. حتى يأتي الأبعدون ليشهدوا بذلك !

خامساً .. وتقول: (لماذا وجدت عليه فاطمة علیها السلام ؟ لا أدري حقيقة وخصوصاً بأن الزهراء علیها السلام هي أعظم شأناً من أن تتكالب وتأسى على حطام الدنيا وخصوصاً أنها تعرف دنو أجلها من أبيها عليه الصلاة والسلام). وأقول: لا يخفى بأن بعض الروايات عبّرت هكذا (فغضبت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك) أو (فبقيت غاضبة ..) أو نحو ذلك .. هذا من جهة .

ومن جهة أخرى فإن ما تقوله أنت هو الذي يبين لنا حقيقة الأمر .. فإنّ الزهراء علیها السلام الطاهرة المطهرة بنصّ آية التطهير والتي هي مثال الزُهد، كيف تهتمّ بأمرٍ دنيوي مادّي وقتيّ مالم يكن وراءَه أمراً آخرَ، أكثر أهميّةً وأشدّ خطورة منه .. وليس هو إلاّ تثبيتُ عدم رضا الله عن القوم وغضبه عليهم، بعدم رضاها بل بغضبها عليهم وعلى خلافتهم، بسبب ما قاموا به تجاهها .. كما هو مفاد الحديث المتقدم بأن الله يرضى لرضى فاطمة علیها السلام ويغضب لغضبها .. وإلاّ فبالله عليك .. ألم تروِ صحاحُكم بأن: (من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميته جاهليّة) .. فهل الزهراء سلام الله عليها ماتت وهي لم تبايع أبا بكر ميتة جاهلية ؟! كيف، وهي سيدّة نساء العالمين بل سيدة نساء أهل الجنة وأحبّ الخلق مع

ص: 423

زوجها إلى رسول الله ! وهذا البرهان كافٍ لوحده في بطلان إمامة أبي بكرٍ وفساد خلافته .. لو أنصف العقل والوجدان !

وأخيراً .. فإني أدعوك أن تبحث في هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي أشرتُ إليها وغيرها من عشرات الأحاديث المرتبطة بهذا الأمر .. وغيره من الأمور الحساسة الخطيرة، فإنها وربّ البيت من صلب موضوعنا بل هي عين الموضوع وحقيقته.. وهل لنا غيرُ الوصول إلى الحق والنجاة من النار والفوز بالجنة، موضوع .. فلاحظ . والسلام على من اتبع الهدى .

- وكتب صبي الشيعة بتاريخ 19-2-2000، الرابعة والنصف عصراً:

الزميل الكريم محمدابراهيم .. لقد أجاب الأخ فرزدق عن كل استفساراتك .. شكراً لك عزيزي وأخي الحبيب فرزدق .

- وكتب محمد ابراهيم بتاريخ 19-2-2000، التاسعة مساءً:

الأخ العزيز الفاطمي .. أشكرك كثيراً أخي على هذه المعزّة الخاصة، ويشهد الله أن لك في نفسي مثلها . ولا شك أن ما يجمعنا على هذه المعزّة هو حب سيدتنا الزهراء علیها السلام فداها أبي وأمي. وأنا أعرف كم هو مقدار حبك لسيدة نساء العالمين حتى أنك اخترت اسم الفاطمي .

في الحقيقة أنني لا أحب أن أترك النقاش في الحقائق، ولكن نزولاً عند رغبتك الشخصية وكلامك الذي أجعله فوق رأسي، فإنني أتشرف بأن أنفذ طلبك الكريم حتى تبقى هذه المحبة بيننا، وأسأل الله العلي القدير أن يبقينا جميعاً في محبة الزهراء علیها السلام عليها وعلى أبيها الصلاة والسلام .

أرجو أن تعذرني أخي الحبيب أنني أحياناً أكون مضطراً للدخول في المناقشات لإبراز الحقائق أو استجابة لطلب أحد المشتركين، ولكنني أعدك

ص: 424

أنني (والله يشهد على ما في قلبي) لا أحب ولا أرضى يوماً أن يكون كلامي يُفهم منه أنه انتقاص من سيدتي الزهراء علیها السلام أو قلة محبة لها . يهمني كثيراً أن تعرف أنت بالذات هذا الأمر لما أعلمه من غيرتك الشديدة على الغالية علیها السلام .

أعتذر من الزميل صبي الشيعة عن إكمال الحوار نزولاً على رغبة أخي العزيز الفاطمي، وأرجو أن تكون متفهماً للأمر وخصوصاً أنني ألمس فيك إنصافاً (مع أنه يبدو واضحاً أنك عصبي المزاج أحياناً) .

يمكنك عزيزي أن توجه نفس السؤال إلى أحد المشتركين الآخرين من السنة . (شو رأيك أخوي الفاطمي نرشح له الأخ العزيز مشارك، فأنا أعرف أنكما الاثنان جني وعطبة) . انتهى .

- قال العاملي: وهكذا تخلص الشيخ محمد ابراهيم من حجج الزهراء علیها السلام، على لسان ولدها الفرزدق !

- وكتب المسلم المسالم بتاريخ 20-2-2000، السادسة صباحاً:

معذرة على هذا التدخل، لكن أحببت أن أسأل: من الذي دفنها رضي الله عنها ؟ ولماذا أخفى قبرها ؟كيف تطلبون منامعرفة قبرها ونحن لم ندفنها رضي الله عنها ؟ وإنما نحن نسألك أنت أين قبرها ؟؟

- وكتب صبي الشيعة بتاريخ 2-2-2000، الواحدة ظهراً:

الى المدعو المسلم المسالم . السلام عليكم، لماذا لا تبحث !!

- وكتب فرزدق بتاريخ 20-2-2000، الثالثة والثلث ظهراً:

إلى المسلم المسالم: الجواب موجود في الأعلى، فراجع هداك الله ..

ولا تستغفل حالك والآخرين، وتسأل ساذجاً .

ص: 425

- وكتب المسلم المسالم بتاريخ 20-2-2000، الرابعة والنصف عصراً:

إذا كنتم تعرفون الجواب . لماذا تسألون !!!

- فأجابه فرزدق بتاريخ 20-2-2000، الخامسة والنصف عصراً:

حتى تُدركون وتفهمون، ما أنتم عليه عاكفون، وعن غيره غافلون، ولعظيمِ خطرِه جاهلوون !

- وكتب صبي الشيعة بتاريخ 20-2-2000، السابعة مساءً:

الى المسلم الجاهل .. حبيبي كثير من الأمور تعرفون أجوبتها أحسن منا.. ولكن ماتقول في عمي البصيرة !! هل راجعت قرأت البخاري ومسلم من قبل.. هل بحثت عن حديث الغدير وحديث غضب فاطمة وحديث وحديث وحديث وحديث وحديث . . . إقرأ . . .

- وكتب المسلم المسالم بتاريخ 21-2-2000، السادسة صباحاً:

إذا كان الأمير رضي الله عنه أخفى قبرها عنكم يا رافضة، فلماذا تطلبون منا أهل السنة أن نخبركم به ؟ نحن نقتدي بأبي الحسن رضي الله عنه فلا نريد أن نخبركم به ؟ إذا كان الأمير لا يثق بكم فنحن كذلك.

- وكتب صبي الشيعة بتاريخ 21-2-2000، الحادية عشرة صباحاً:

للأسف كنت أعتقد أن فيك لمحة من تفكر وتعقل.. لكن الواضح أنك مثل ربعك عمي البصيرة.. الله يهدي الجميع والسلام على من اتبع الهدى.

- وكتب أبوحسين بتاريخ 23-2-2000، السابعة والنصف صباحاً:

سيضل قبرها صلوات الله عليها غير معروف حتى يتساءل المسلمون: لماذا المرأة الأولى في الكون فضلاً وتقوى وهدىً،لم تحظ بما حظيت به نساء

ص: 426

عصرها من أن يكون لها قبر . إذن لابد للمسلم أن يدرك بأن هنالك سراً وراء هذا ! فإذا سأل وبحث سيكتشف أن هنالك حق مضيَّع وأمر عظيم مغتصب، ومحاولة دثر الخط الرسالي الصحيح، حتى يكون المسلمون على بينة من أمرهم، وهذا ما أرادت الزهراء صلوات الله وسلامه عليها أن تخدم به أمة الإسلام بموقفها السياسي هذا .

- وكتب المسلم المسالم بتاريخ 23-02-2000 الخامسة مساءً:

أليس الذي أخفى قبرها شريك في نظركم في المؤامرة على جحدها حقها؟ لماذا لم يحف قبر الحسين رضي الله عنه حتى يعلم مقدار المؤامرة ضده؟

- وكتب أبو حسين بتاريخ 24-2-2000، السابعة مساءً:

أولاً: عندما تتكلم عن آل محمد كن مؤدباً، وأعرف حجمك يامسالم . فتساؤلك الذي وصفت به الإمام علیه السلام بأنه شريك في مؤامرة إخفاء قبرها وجحده حقها، لهو غاية الخروج عن الأدب اللازم لأسيادك . ولكن مثلك أحرى بأن يكون هكذا .

ثانياً: الزهراء صلوات الله وسلامه عليها هي التي أوصت الإمام علي علیه السلام، وقد نفذ وصيتها .

ثالثاً: الزهراء صلوات الله وسلامه عليها أفضل من الحسين علیه السلام وهي أول الناس لحوقاً بالنبي الأكرم صلی الله علیه و آله، وهي الفترة التي انحرفت بها الأمة .

رابعاً: الحسين علیه السلام لم يوص بهذا بل ليس من الحاجة أن يوصي لأن أمره معروف وأمر عدوه مكشوف (يزيد الفاسق المتجاهر بفسقه) الذي جاء الى الحكم بإيعاز من الطليق ابن الطليق معاوية بن آكلة الأكباد، فلا شورى ولا

ص: 427

إسلام . أما موضوع الزهراء علیها السلام فالأمر مختلف، إذ أن هنالك من اشتبه بأن الخليفة الشرعي بعد النبي الأكرم صلی الله علیه و آله هو أبو بكر، فأرادت الزهراء صلوات الله وسلامه عليها أن تبين بأن هذا الأول هو أول ظالم لمحمد وآل محمد بظلمه للزهراء في حياتها وإغضابها (كما جاء في صحاحكم) وأن غضبها من غضب الله ورسوله ! فهذه واحدة. وإخفاء قبرها بوصية منها هو تعبير عن عظيم غضبها وسخطها على من حرف الخط الرسالي وجعل من المسلمين ثلاث وسبعون فرقة كلهم في النار... كلهم في النار إلآ واحدة . فبجهود هؤلاء سيدخل المسلمون النار وهم أحق أن يدخلوها قبلهم، وعليهم وزرهم ووزر من اتبعهم على إنحرافهم الى يوم القيامة .

- وكتب المسلم المسالم بتاريخ 24-2-2000، الثامنة إلا ربعاً صباحاً:

أولاً: عندما تتحدث عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم كن مؤدباً معهم ..

ثانياً: كلامي ليس فيه قلة أدب مع علي رضي الله عنه، وإنما بيان مقدار كذبكم وافترائكم عليه رضي الله عنه .

ثالثاً: من قال لك أن الزهراء رضي الله عنها أوصت بذلك .. وأن الحسين رضي الله عنه لم يوص بذلك ؟

- وكتب أبو حسين بتاريخ 24-2-2000، التاسعة صباحاً:

ومن قال لك أنها صلوات الله وسلامه عليها لم توصِ . وأن الحسين علیه السلام أوصى . أنا أذكر لك ما (هو) موجود في كتب التأريخ عن حوادث لم يشهدها لا أنا ولا أنت . ولم آتك بكلام من عندي !

ص: 428

الفصل الثاني عشر: السيد الفاطمي .. الفاطمي ..

اشارة

ص: 429

ص: 430

السيد الفاطمي ظاهرةٌ مميزة في مناقشات الشيعة ودفاعاتهم عن أهل البيت الطاهرين علیهم السلام .. فهو سيدٌ من ذرية علي وفاطم ة علیهم السلام .. وهو في غيرته هاشمي أصيل، ومع أنه موظف متوسط الثقافة، لكنه عصامي التخصص، حيث أتقن بالبحث الشخصي ما تحتاج اليه مواضيع المناقشات حتى صار يناقش المتخصصيين في مواضيع الحديث والجرح والتعديل !

أما في سيرة جدته الصديقة الزهراء سلام الله عليها، وظلامتها، وما يتعلق بها من آيات وأحاديث ونصوص، فهو متخصص من الدرجة الأولى .. وقد أوردنا بعض مناقشاته في الفصول المتقدمة، وله مناظرات متعددة وبعضها مطول، لم يتسع لها المجال، فعقدنا هذا الفصل لاختيار بعضها .

مناقشة بين الفاطمي والفقيه في حديث: لانورث ما تركناه صدقة ...

- كتب المدعو (الفقيه) وهو نفسه محب أهل البيت، في شبكة الموسوعة الشيعية، بتاريخ 27-1-2000 السادسة صباحاً، موضوعاً بعنوان (يا الفاطمي –

ص: 431

دعنا نتناقش في موضوع السيدة فاطمة علیها السلام هنا)، قال فيه: الزميل الفاطمي: فتحت صفحة جديدة للحوار لأن تلك الصفحة امتلأت نقاشات جانبية خارج البحث .

عموماً قبل استئناف الحوار من جديد هنا بعض الملاحظات:

1 - النقاش علمي، ولا نريد أسلوبك المعتاد في النقاش، راجع حوارك معي وانظر الى أسلوب: (هي هي هي والكلام الفاضي).

2 - أن لا ترد علي نقاشي بأسئلة مقابلة، بل بإجابة على كلامي . راجع كلامك عن مفهوم حديث التوريث، بدلاً من الاجابة قمت بكتابة أسئلة كثيرة لي !!

3 - النقاش من أجل الحقيقة لا التحدي الشخصي .

إذا وافقت على هذه الشروط، فبمجرد الموافقة إن شاء الله، سأكتب طرحي مرة أخرى .

- فكتب الفاطمي بتاريخ 27-1-2000، الثانية والنصف ظهراً:

الزميل: الفقيه .. هل شروطك التي كتبتها لتحملني مسؤولية عدم ردك وإنسحابك ؟ ولماذا تريد أن تتهرب مما قلته في الموضوع السابق ؟ والأولى أن نبدأ من المكان الذي توقفت فيه عن الرد .

قلت: (1- فتحت صفحة جديدة للحوار لأن تلك الصفحة امتلأت نقاشات جانبية خارج البحث) .

ولماذا كتبت شروطك وأنت تعلم عدم صحتها كما سترى ؟ وهل تريد أن تمتلئ بالنقاشات الجانبية أيضاً ؟ ومالقصد من ذلك ؟

ص: 432

وبالنسبة لملاحظاتك: قلت (النقاش علمي ولا نريد أسلوبك المعتاد في النقاش راجع حوارك معي وانظر الى أسلوب هي هي هي والكلام الفاضي)

أقول: ومن بدأ أولاً ؟ ومن حاول الإستهزاء بأسلوب الآخر ؟

http://www.hajr.org/hajrhtml/Forum1/HTML/001031.html

وهل استهزأت بك من قبل أن تبدأ أنت بالطعن في أسلوبي ؟! أم أنك تريد بقولك هذا أن تمهد لتهربك المقبل ؟!

قلت: (2- ان لا ترد علي نقاشي بأسئلة مقابلة بل بإجابة على كلامي راجع كلامك عن مفهوم حديث التوريث، بدلاً من الاجابة قمت بكتابة أسئلة كثيرة لي !) .

أقول: ومن قال إني لم أقم بالإجابة على ماقلت؟ومن أين أتيت بهذا القول وما دليلك عليه؟ والموضوع موجود إلى الآن ولم يمسح وتستطيع أن تراجعه:

http://shialink.org/muntada/Forum2/HTML/001918.html

وأما بخصوص الأسئلة المقابلة فهي تتعلق بالموضوع مباشرة (حديث التوريث على ما قلت) وليست خارج الموضوع .

قلت: (3- النقاش من أجل الحقيقة لا التحدي الشخصي) .

أقول: ومتى كان النقاش للتحدي الشخصي أو للتجريح وما شابه ؟ وأيضاً لي شرط مقابل ما شرطته وهو: أن لا تورد أقوال وتبترها على وزن: ولا تقربوا الصلاة، وتسكت مثلما فعلت بشرح الإمام الخميني للرواية وأوردت منه ما يناسبك وبترت ما يناقضه .

وأما بخصوص فتح هذه الصفحة فسوف أنزل ردك وردي الأخير هنا، ولك أن ترد أو تبدأ مرة أخرى . وأيضاً أستطيع أن أمسح ردودي في صفحتي وتمسح

ص: 433

ردك وتبدأ مرة أخرى ولك حرية الإختيار ..وحاضرين بشرط أن تثبت للجميع إنك لا تفر !

- وكتب الفاطمي بتاريخ 31-1-2000، الثانية عشرة ظهراً:

السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام

- وكتب الفقيه بتاريخ 4-2-2000، التاسعة صباحاً:

الزميل الفاطمي .. أعتذر عن التأخير في الرد وذاك لانشغالي . لقد فتحت صفحة جديدة لنقاش جديد لا أن تنقل لي النقاش السابق الذي أقسم بالله العظيم أني لم أره في هجر .

قلت لي: (على العموم لأجيب على ما ذكرته لي بالنسبة لإيرادك كلام الإمام الخميني كان عليك أن تكمل قوله) .

عموماً سوف أكمله أنا، قال الإمام الخميني: إذ لو كان المراد أن النبي الأكرم صلی الله علیه و آله لم يترك شيئاً يورث سوى أحاديثه، فهذا خلاف ضرورة مذهبنا. إذ أن الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله قد ترك أشياء تورث . الحكومة الإسلامية، ص 149، الطبعة 2 . وفي صفحة 150، قال الإمام الخميني: وأما كون ذيل الرواية يتضمن: (إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً) فلا يعني أن الأنبياء لا يورثون شيئاً غير العلم والحديث، وإنما هذه الجملة كناية عن أنهم مع كونهم أولياء للأمور وحكاماً على الناس، فهم رجال إلهيون وليسوا بماديين لكي يسعوا وراء جمع زخارف الدنيا . قلت: هذا رأي الخميني وإن كان لا يهمني كيف يفسر الخميني الحديث النبوي، لكن الخميني ذاته الذي يستشهد بالحديث ويفسره بما لا يناقض مذهبه، هو نفسه الذي اتهم أبا بكر باختلاق الحديث !

ص: 434

أقل شئ نقوله إذا كنا منصفين أن أبا بكر استشهد بحديث صحيح وتأوله خاطئاً، فهل تعترف بهذه الحقيقة ؟ طبعاً لا لأنها تناقض المذهب .

أما بالنسبة لقولك: وإذا كان إحتجاج أبو بكر صحيحاً بقوله: (لا نورث ماتركناه صدقة) . فلماذا دفن في حجرة أم المؤمنين عائشة ؟ وبإذن من ؟ ولماذا وصى عمر بن الخطاب بدفنه في حجرة أم المؤمنين عائشة ؟ وأرسل إبنه عبد الله يستأذنها في دفنه بالقرب من أبيها ؟ ولماذا أذنت أم المؤمنين عائشة بدفنه ودفن أبيها ؟

أقول مجيباً على أسئلتك: أن بيت أم المؤمنين عائشة هو بيتها هي، ولها أن تأذن من تشاء في دخوله . أما كيف أخذته وهل هو وراثة . وإذا كان وراثة، لماذا ورثت بينما حرمت السيدة فاطمة من ميراثها ؟ فأقول يستدل الشيعة الامامية على أم المؤمنين عائشة بحديث قرن الشيطان الصحيح عند أهل السنة وعند الشيعة فيما يظهر .

أقول: إن رسول الله صلی الله علیه و آله أشار نحو بيت عائشة كما تقول الرواية، طبعاً سأتغاضى كسُني عن لفظ (نحو) الذي يصرف معنى الحديث عن المعنى الذي يريده الشيعة طعناً في عائشة لأقول: هذه الحقيقة . إما أن تقول رسول الله أشار الى بيته وقال بأنه قرن الشيطان، وحينئذ يكون صاحب هذا القول قد أشهر كفره بطعنه في رسول الله صلی الله علیه و آله، وإدعاءه أنه قرن الشيطان عياذاً بالله من ذلك ! أو أن تقول أنه أشار إلى بيت عائشة لا بيته هو عليه الصلاة والسلام وأن بيتها ملك لها قبل وفاته عليه الصلاة والسلام، وبهذا ينتقض الأصل الذي يُطرح عليه الأسئلة .

بعد هذا كله أريد أن أسألك: ماذا فعل علي بن أبي طالب رضوان الله عليه بفدك حينما استلم الخلافة ؟ ولماذا لم ينفقها كما تذكر ؟ لماذا يمكِّن أن يمنع

ص: 435

أبو بكر فاطمة من أخذ فدك ؟ أليس ادعاء أن أبا بكر غصب فاطمة حقها محض ادعاء ؟! بانتظار ردك .

ملاحظة: النقاش بيني وبين الزميل الفاطمي , أرجو عدم تدخل أحد لا من أهل السنة ولا الشيعة .

- فكتب الفاطمي بتاريخ 5-2-2000، الثانية عشرة صباحاً:

الزميل الفقيه، حياك الله ولا داعي للإعتذار .

قلت يالزميل: لقد فتحت صفحة جديدة لنقاش جديد لا أن تنقل لي النقاش السابق الذي أقسم بالله العظيم اني لم أره في هجر .

أقول: قلت لك يا زميلي (الأفضل أن نبدأ من هنا لكي لا يتغير الموضوع، وآمل أن لا تمانع) .

وقلت لك: وأما بخصوص فتح هذه الصفحة فسوف أنزل ردك وردي الأخير هنا ولك أن ترد أو تبدأ مرة أخرى، وأيضاً أستطيع أن أمسح ردودي في صفحتي وتمسح ردك وتبدأ مرة أخرى ولك حرية الإختيار وحاضرين بشرط أن تثبت للجميع إنك لا تفر وإذا تريد أن نقفل هذا الموضوع، ونبدأ من جديد فليس لدي أي مانع بخصوص هذا . والأمر لك يا زميلي وبانتظار ردك ؟

السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب الفقيه بتاريخ 5-2-2000، السادسة صباحاً:

الزميل الفاطمي .. شكراً على الاجابة .

وقد أجبت على تساؤلاتك بدءاً بمستندي على عدم غصب أبي بكر لحق فاطمة في فدك، وكون الدليل الذي استدل به صحيح عند الفريقين، وبينت أن مرادي من الاستشهاد بكلام الخميني أو غيره انما هو لإثبات صحة الحديث

ص: 436

وأخذ علماء الشيعة به، ولايهمني كيف يفسرونه لأن النقطة المطروحة على الساحة هي أن أبا بكر اختلق الحديث فأثبتُّ العكس . ثم أعقبت هذا ببيان سبب بقاء بيت عائشة رضي الله عنها عندها، ورضاها بدفن أبيها أو عمر .

وهكذا .. وطرحت عليك بالمقابل أسئلة وأنا بانتظار الرد عليها ؟

- فكتب الفاطمي بتاريخ 6-2-2000، الخامسة صباحاً:

الزميل الفقيه، حياك الله .

قلت: (هذا رأي الخميني وأنا لايهمني كيف يفسر الخميني الحديث النبوي لكن الخميني ذاته الذي يستشهد بالحديث ويفسره بما لا يناقض مذهبه هو نفسه الذي اتهم أبا بكر باختلاق الحديث) .

أقول يالفقيه: إذا كان لا يهمك رأي الإمام الخميني فلماذا استشهدت بقوله ؟ وأيضاً لماذا بترت بقية أقواله ؟ وكان عليك أن تثبت خطأ قول الإمام الخميني بالأدلة، ثم بعدها تتهمه بتفسير الرواية بما لا يناقض مذهبه وإلا كان لنا أن نقول بنفس ما قلته أنت، ونتهم علماءكم بتفسير الروايات المتعلقة بهذه القضية بما لا يناقض مذهبكم، فهل ترضى يالفقيه أن نتهم علماءكم بمثل قولك هذا بدون دليل ؟؟

وهل لنا أن نقول بأنكم تفسرون الروايات والأحاديث بما لا يناقض مذهبكم بدون دليل أو إثبات ؟ واستشهادك بما قاله الإمام الخميني لإثبات صحة أصل الصدور مغالطة، لأن الكلام ليس في أصل الحديث بل في الحديث مع الزيادة التي هي (ما تركناه صدقة) وهذه الإضافة هي التي تغير معنى الحديث تماماً، وتجعل المراد منه نفي الإرث المادي . بينما الحديث الذي أورده الإمام الخميني هو لإثبات الإرث المعنوي لا نفي الإرث المادي !

ص: 437

قلت يا زميلي: (أنا بيت أم المؤمنين عائشة هو بيتها هي ولها أن تأذن من تشاء في دخوله . أما كيف أخذته وهل هو وراثة ؟ واذا كان وراثة لماذا ورثت بينما حرمت السيدة فاطمة من ميراثها ؟!) .

أقول: نعم البيت بيتها تسكن فيها حال حياة رسول الله صلی الله علیه و آله . ولكن وحسب رواية أبو بكر (لانورث ما تركناه صدقة) فإن البيت أو الحجرة (كما في بعض الروايات في البخاري ومسلم) تكون صدقة بعد وفاته مصداقاً لرواية أبي بكر !

والدليل على أن البيت أو الحجرة ليس ملكها، أو ملك أي من أمهات المؤمنين، قول أم المؤمنين عائشة في البخاري: (2452 عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِي اللهم عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ . قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ) . ولو كان لفظ البيت يدل على ملكية أم المؤمنين حفصة لهذا البيت لما قالت أم المؤمنين عائشة: (هذا رجل يستأذن في بيتك)، بالرغم إن الرجل كان يستأذن في بيت حفصة ؟!

وأيضاً أن عبارة (بيتها) لايدل على الملكية كما تريد انتزاع هذا المعنى، بل يحتمل فيه الاختصاص، فلابد لك يالفقيه من الاتيان بالدليل على ملكية عائشة لحجرتها، والمراد من (البيت) في اللغة والروايات هو الحجرة، لا المنزل، فهل ملكية عائشة للبيت أو الحجرة أمر خاص بها ؟ أم أن بقية زوجات النبي كذلك ؟!

قلت يالزميل: (إن رسول الله صلی الله علیه و آله أشار (نحو بيت عائشة) كما تقول الرواية، أما أن تقول: رسول الله أشار الى بيته وقال بأنه قرن الشيطان ....الخ.) .

ص: 438

أقول يا زميلي: الثابت في البخاري إن الرسول صلی الله علیه و آله أشار نحو (مسكن عائشة) والبخاري أصح من أي كتاب عندكم ! روى البخاري في الخمس الجزء الثالث، ص 508 طبعة دار القلم باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلی الله علیه و آله قال: عن نافع عن عبد الله، قال قال النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال: ها هنا الفتنة ثلاثاً من حيث يطلع قرن الشيطان) .

ولاحظ قول عبد الله بن عمر (مسكن عائشة) ولم يقل بيت عائشة، فهذا ما وجدته في البخاري . وفي كتاب الفتن توجد هذه الرواية ولكن بدون ذكر مسكن عائشة أو بيتها ! وإذا لديك مصدر في البخاري وفيه (بيت عائشة) فالرجاء إعلامنا بذلك ولك الشكر . وحتى ولو أنه قال: (بيت عائشة) فهذا القول ليس من قول الرسول صلی الله علیه و آله، بل قول ابن عمر راوي هذه الرواية، وقوله ليس بحجة بل قول الرسول صلی الله علیه و آله حجة على الجميع . فالرسول صلی الله علیه و آله لم يقل هذا بيت عائشة، ومن ها هنا يطلع قرن الشيطان لكي تقول: (أو أن تقول أنه أشار إلى بيت عائشة لا بيته هو عليه الصلاة والسلام، وأن بيتها ملك لها قبل وفاته عليه الصلاة والسلام وبهذا ينتقض الأصل الذي يُطرح عليه الأسئلة) فأصل استدلالك باطل، لأنك استندت على قول الراوي (بيت عائشة) بينما الثابت عندكم (مسكن عائشة) !

وأيضاً إن قول مسكن أو بيت هو قول الراوي، وليس قول رسول الله صلی الله علیه و آله ! فاستدلالك بهذا القول والرواية على ملكية عائشة لبيتها أو حجرتها باطل لهذا الوجه، وبقية الوجوه أعلاه .

أقول: إلى الآن لم تورد ما يثبت ملكية عائشة لحجرتها أو بيتها (رواية صحيحة) !!

ص: 439

قلت يا زميلي: (أقل شئ نقوله إذا كنا منصفين: أن أبا بكر استشهد بحديث صحيح وتأوله خاطئاً، فهل تعترف بهذه الحقيقة ؟ طبعاً لا لأنها تناقض المذهب) .

أقول: القضية ليست قضية مزاج , لكي تقول (أقل شئ نقوله إذا كنا منصفين أن أبا بكر استشهد بحديث صحيح وتأوله خاطئاً) فقولك هذا قول عاطفي بدون أي دليل أو إثبات سوى أن أبا بكر قال !! وحبك لأبي بكر يدفعك لأن تكون منصفاً معه حتى وبدون دليل ! وحتى لو تطلّب الأمر أن تطعن في فاطمة الزهراء سلام الله عليها وهي بضعة المصطفى ؟!

فالقضية قضية أدلة وإثباتات توردها من الكتاب والسنة، ونحن نثبت آراءنا ونستدل عليها من كتبكم ومن رواياتكم، بينما أنتم تحتجون علينا بكتبكم وأيضاً نقبل بهذا، فالرجاء نريد أدلة وإثباتات . وإذا كان قولك هذا صحيحاً (استدلال أبي بكر بحديث صحيح) فلماذا لم يخبر رسول الله صلی الله علیه و آله ابنته الزهراء سلام الله عليها بأن ما يتركه صدقة، لكي لا تطالب بإرثها ؟ ولماذا لم يوصها سلام الله عليهما ولم يحدثها بهذا الحديث، وهي الوريثة منه، بينما يحدث أبو بكر ليس وريثاً له ؟!

أيها الناس أي بنت نب *** عن مواريثها أبوها زواها

كيف لم يوصنا بذلك مولانا *** وتيماً من دوننا أوصاها

هل رآنَا لا نستحق اهتداء *** واستحقت منه تيم الهدى فهداها

أم تراه أضلنا في البرايا *** بعد علم لكي نصيب

خطاها

وكيف يعطيها فدكاً ولا يخبرها بهذا الحديث (ما تركناه صدقة) ؟؟

ص: 440

وروى البخاري عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: إن فاطمة والعباس علیهما السلام أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم (وهما يطلبان ارضهما من فدك وسهمهما من خيبر) كتاب الفرائض، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركناه صدقة، ج 8، ص 551 . فاقرأ يا زميلي (وهما يطلبان أرضهما من فدك وسهمهما من خيبر) فكيف يطلبان ما ليس لهما ؟ فمصداقاً لهذه الرواية من البخاري ومن قول أم المؤمنين عائشة إن الرسول صلی الله علیه و آله أعطاها فدك أي (ملكها فدك) فلماذا منعها أبو بكر من أرضها بينما أعطى ابنته حجرتها (على فرض أن الحجرة ملكها) ؟!!

وهل كان أبو بكر يجهل أن رسول الله أعطى الزهراء صلوات الله عليهما

أرضها في فدك، بينما علمت عائشة أم المؤمنين بذلك وروت الحديث ؟ وإذا كان قولك هذا صحيحاً (إن أبا بكر استدل بحديث صحيح) . فلماذا غضبت الزهراء سلام الله عليها وهجرته حتى وفاتها سلام الله عليها ؟!

ولأي الأمور تدفن ليلاً ...بضعة المصطفى ويعفى ثراها!!

وإذا كان ما قاله أبو بكر حقاً فلماذا لم يصلِّ عليها أبو بكر وهو الخليفة يومئذ ؟! ولماذا لم يشيعها ويحضر دفنها سلام الله عليها ؟!

وكيف يكون الحديث صحيحاً وأهل بيت رسول الله صلی الله علیه و آله لا يعرفونه وهم المختصين به ؟!

فلماذا إذ جهزت للقاء الله *** عند الممات لم يحضراها

شيّعت نعشها ملائكة الرحمن *** رفقا بها وما شيعاها

كان زهداً في أجرها أم عناداً *** لأبيها النبي لم يتبعاها

أم لأن البتول أوصت بأن لا *** يشهدا دفنها فما شهداها

ص: 441

أم أبوها أسر ذاك إليها *** فأطاعت بنت النبي أباها

كيف ما شئت قل كفاك فهذي *** فرية قد بلغت أقصى مداها

أغضباها وأغضبا عند ذاك *** الله رب السماء إذ أغضباها

وكذا أخبر النبي بأن الله *** يرضى سبحانه لرضاها

و بعد أن نقضنا ما قلت يالفقيه وأثبتنا أن حديث (لا نورث ما تركناه صدقة) غير صحيح .. فهل تعترف بهذه الحقيقة ؟

طبعاً لا لأنها تناقض مذهبك . وسوف أكمل الرد غداً إن شاء الله، فلا تستعجل . السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب الفقيه بتاريخ 8-2-2000، الثالثة صباحاً:

شكراً على التجاوب .. قلت لي: (إذا كان لا يهمك رأي الإمام الخميني فلماذا استشهدت بقوله ؟ وأيضاً لماذا بترت بقية أقواله . . . الخ .)

أقول: لعلي أذكرك بكلامي الذي لا أدري هل أنك نسيته أو لم تقرأه أو تناسيته . قلت لك: إني لا أتناقش معك الآن في تفسير الحديث بل في إثبات الحديث أولاً، صحة الحديث عند الفريقين، وأنا حينما استشهد بصحته عند المجلسي وعند الخميني فإنه لا يعنيني كيف يفسرونه بل يعنيني أولاً إثباتهم لصحته . بينما الشيعة يتهمون أبا بكر باختلاقه ! هل عرفت المقصد ؟ وإذا كانت المسألة أن كل واحد إذا استششهد بحديث، فلا بد أن يفسره بتفسير المخالفين له، فمعنى ذلك ألا تستشهد علي بحديث إلا بتفسير أهل السنة له ولا تفسره بأي تفسير شيعي ! وهذا ما لا يفعله الشيعة، بل ولا يفعله فريق يستدل على آخر !

ص: 442

قلت أيضاً: (القضية ليست قضية مزاج لكي تقول أقل شئ

نقوله إذا كنا منصفين أن أبا بكر استشهد بحديث صحيح وتأوله خاطئاً . فقولك هذا قول عاطفي بدون أي دليل او إثبات سوى إن أبوبكر قال ...الخ.) .

أقول: أين القول العاطفي؟ أنا استدل عليك بحديث صحيح عند الفريقين؟ وحبي لأبوبكر هو حبي لفاطمة أيضاً، ني أتناقش وفق أدلة وبراهين، واسمح لي أن أول إ قولك هذا يدينك أثر مني، فأا أحب الإثنين وما عندي مشكلة في أيهما كان أصح قولاً . لكنك تحب فاطمة فقط ولا ترى الحق إلا في جانبها، فمن ذا الذي يحكم من خلال العاطفة لا الدليل ؟! خصوصاً وأني استدل بكلامي بحديث صحيح عند الفريقين، وأنت تقول لي كيف جهلت السيدة فاطمة الحديث وهي بضعة المصطفى؟ ومن هذا الكلام العاطفي !

أما من ناحية البيت، فهذا أحد الأحاديث التي تذكر البيت صراحة:5170 عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِ عَائِشَةَ، فَقَالَ: رَأْسُ الْكُفْرِ مِنْ هَاهُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ يَعْنِي الْمَشْرِقَ . رواه مسلم .

أما من ناحية قولك أن ذكر (بيت عائشة) هو رأي ابن عمر . فأقول هل الصحابي الذي عاش مع الرسول وعرف بيت من هذا وبيت من ذاك يجهل حقيقة تعرفها أنت ؟! ثم لنفرض أنه أخطأ فحينئذ أريد منك تطبيقاً عملياً على الحديث، بناء على خطئه وكون الرسول هو صاحب البيت .

أقول: إن رسول الله صلی الله علیه و آله أشار (نحو بيت عائشة) كما تقول الرواية، طبعاً سأتغاضى كسُني عن لفظ (نحو) الذي يصرف معنى الحديث عن المعنى الذي يريده الشيعة طعناً في عائشة لأقول . . .

ص: 443

. . . ثم كرر الفقيه كلامه المتقدم الذي أجاب عليه الفاطمي الى قوله (أليس ادعاء أن أبا بكر غصب فاطمة علیها السلام حقها محض ادعاء ؟!) !!

- وكتب الفاطمي بتاريخ 11-2-2000، الثانية عشرة والثلث صباحاً:

الزميل الفقيه، حياك الله .. أعتذر عن التأخير في الرد لنقص في بعض المصادر وكنت آمل أن تتريث قليلاً حتى أكمل الرد . عموماً كنت أود ان ترد على جميع أسئلتي كما أرد أنا على أسئلتك كلها، لا أن ترد على ما تختاره من الأسئلة وتترك الباقي ! ولكي لايحيد النقاش عن مساره والذي وصفته أنت (بالنقاش العلمي) وعدم ردك على بعض الأسئلة يخل بما حددته أنت بالنقاش العلمي .

قلت يالفقيه: (قلت لك أني لا أتناقش معك الآن في تفسير الحديث بل في إثبات الحديث أولاً .. صحة الحديث عند الفريقين .. وأنا حينما استشهد بصحته عند المجلسي وعند الخميني فإنه لا يعنيني كيف يفسرونه بل يعنيني أولاً اثباتهم لصحته . بينما الشيعة يتهمون أبا بكر باختلاقه ! هل عرفت المقصد ؟) .

أقول: أولاً: الحديث الذي صححه الإمام الخميني والعلامة المجلسي هو (إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً) . والحديث المروي من قبل أبو بكر والذي تريد أن تلزمنا بصحته عندنا هو (لا نورث، ما تركناه صدقة) والفرق بينهما واضح . فالحديث الثاني واضح بأن جميع ما يتركه النبي إنما هو صدقة وغير قابل للتفسير أو التاويل . بينما في الحديث الأول لا توجد عبارة: (لا نورث ما تركناه صدقة) وفسره الإمام الخميني بما أوردناه في الرد السابق، فاستدلالك بصحة رواية أبي بكر عندكم بصحة الرواية في الكافي باطلة من هذا الوجه (للإختلاف في ألفاظهما ومعناهما)، فكيف تقول بصحة الحديث عند

ص: 444

الفريقين رغم الإختلاف الواضح بينهما ؟؟ علماً بأن الإمام الخميني طعن في لفظ (ماتركناه صدقة) في نفس الحديث وقال: في بعض الموارد ذُيّل هذا الحديث بجملة: (ما تركناه صدقة) وهي ليست من الحديث . الحكومة الإسلامية ص 150 .

وأيضاً قال العلامة المجلسي: قوله علیه السلام: العلماء ورثة الأنبياء، أي يرثون منهم العلوم والمعارف والحكمة، إن هذا عمدة ما يتمتعون به في دنياهم ولذا علله بقوله: إن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً . . . (ولا ينافي أن يرث وارثهم الجسماني منهم ما يبقى بعدهم من الأموال الدنيوية) أو يقال وارثهم من الجهة النبوة المختصة بهم العلماء فلا ينافي ذلك كون وارثهم من جهة الأنساب الجسمانية يرث أموالهم الظاهرة، فأهل البيت علیهم السلام ورثوا الجهتين معاً … وأيضا ففي الكلام تقدير: أي لم يورثوا لهم، فيشعر بأن لهم ورثة يرثون أموالهم ولكن العلماء من حيث العلم لا يرثون إلا أحاديثهم . مرآة العقول، ج 1، ص 103، 104 .

فهذا تفسير العلامة المجلسي والإمام الخميني وهما يصححان حديث (إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا ذهباً) ولم يصححا: (لا نورث ما تركناه صدقة) . وهناك فرق كبير بين القولين كما أوضحنا أعلاه،ولا أدري لماذا قلت: (فإنه لا يعنيني كيف يفسرونه) مع أن تفسير وشرح الحديث هو الذي يبين معناه،وإذا كان لا يعني لك تفسير هذا الحديث شيئاً . فلماذا قلت: (واذا كانت المسألة أن كل واحد إذا استششهد بحديث فلا بد أن يفسره بتفسير المخالفين له . فمعنى ذلك ألا تستشهد علي علیه السلام بحديث إلا بتفسير أهل السنة له ولا تفسره بأي تفسير شيعي! وهذا ما لا يفعله الشيعة بل ولا يفعله فريق يستدل على آخر) .

ص: 445

فكيف تستشهد علينا بما لا نقول به (لانورث ما تركناه صدقة) وتلزمنا بقولك هذا: (صحيح عند الفريقين) ؟! ولا تقبل تفسير أئمتنا للحديث . وأنت تقول (وهذا مالا يفعله الشيعة بل ولا يفعله فريق يستدل على آخر)!

قلت: (أقول أين القول العاطفي، وأنا استدل عليك بحديث صحيح عند الفريقين ؟) .

أقول: قد أثبتنا عدم صحة قول (لانورث ماتركناه صدقة) عندنا فكيف تقول (حديث صحيح عند الفريقين) ؟!

قلت يالفقيه: (وحبي لأبو بكر هو حبي لفاطمة أيضاً، لكني أتناقش وفق أدلة وبراهين) .

أقول: أين الأدلة والبراهين وأنت إلى الآن لم ترد على كثير من الأسئلة التي طرحتها عليك في الرد السابق، وسوف أعيدها إليك في نهاية الرد .

قلت يالزميل: (فأنا أحب الأثنين وما عندي مشكلة في أيهما كان أصح قولاً لكنك تحب فاطمة علیها السلام فقط ولا ترى الحق إلا في جانبها فمن ذا الذي يحكم من خلال العاطفة لا الدليل ؟!).

أقول: نعم أنا أحب فاطمة سلام الله عليها فقط لأنها سيدة نساء أهل الجنة، وأبو بكر غصب حقها كما أثبت لك من حديث أم المؤمنين عائشة (وروى البخاري عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: إن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم (وهما يطلبان أرضهما من فدك وسهمهما من خيبر) كتاب الفرائض، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركناه صدقة، ج 8، ص 551، فاقرأ يا زميلي (وهما يطلبان أرضهما من فدك وسهمهما من خيبر) . فكيف يطلبان ما ليس لهما ؟!

ص: 446

فمصداقاً لهذه الرواية من البخاري، ومن قول أم المؤمنين عائشة إن الرسول صلی الله علیه و آله أعطاها فدك أي (ملكها فدك) فلماذا منعها أبوبكر من أرضها بينما أعطى ابنته حجرتها (على فرض أن الحجرة ملكها) ؟! ولماذا لم ترد على هذا السؤال وتجاهلته، وهو أحد الأسئلة التي تجاهلتها يالفقيه ؟! والرجاء أن لا تتجاهل الرد على أسئلتي ؟! فكما أرد على جميع أسئلتك، فالرجاء أن ترد على أسئلتي لك، لكي يبقى النقاش في مساره الطبيعي . وكما قلت أنت نقاش علمي، فعدم ردك على أسئلتي يخل بطلبك (النقاش العلمي) .

وهل تريد بقولك: (وما عندي مشكلة في أيهما كان أصح قولاً) أن تقول لنا إن قول أبوبكر وقول الزهراء سلام الله عليها كلاهما صحيحان ؟! أفكل هذا النزاع والتخاصم لتأتي أنت وتقول: أيهما أصح ؟!!

قلت: (ولا ترى الحق إلا في جانبها، فمن ذا الذي يحكم من خلال العاطفة لا الدليل ؟!) .

أقول: نعم أرى الحق في جانبها سلام الله عليها من خلال الأدلة والبراهين وأيضاً من كتبكم ! وعدم ردك على أسئلتي وردي على جميع أسئلتك يثبت ذلك !

قلت: (وإني استدل بكلامي بحديث صحيح عند الفريقين) .

أقول: أولاً: أثبتنا عدم صحة حديث (لا نورث ما تركناه صدقة) عندنا، ولم يصحح أحد من علماء الشيعة حديثاً بهذا اللفظ والحديث عندكم تناقضه كثير من الأمور، والتي تتضح في هذا النقاش ومنها:

ص: 447

1) إذا كانت رواية أبوبكر صحيحة (لانورث ما تركناه صدقة) فلماذا غضبت الزهراء سلام الله عليها وهجرته حتى وفاتها سلام الله عليها؟ ولماذا دفنت سراً بالليل ولم يصل عليها أبوبكر مع كونه خليفة ؟!

2) ولماذا لم يخبر رسول الله صلی الله علیه و آله ابنته (وريثته) وابن عمه سلام الله عليهما ؟ وأيضاً عمه العباس، بهذا الحديث وأخبر أبوبكر وهو ليس من ضمن ورثته ؟؟

3) ولماذا لم يمنع أبو بكر ابنته أم المؤمنين عائشة من حجرتها، ومنع الزهراء سلام الله عليها من أرضها في فدك، كما أثبتنا ملكيتها (أعلاه) من حديث أم المؤمنين عائشة، ومن رواية البخاري ؟!

وهل يا ترى يالفقيه أن الزهراء علیها السلام والعباس جاءا يطلبان ما ليس لهما أو أنهما يكذبان في دعواهما ؟ ممكن جواب ؟!

قلت يالقفيه: (وأنت تقول لي كيف جهلت السيدة فاطمة علیها السلام الحديث وهي بضعة المصطفي ومن هذا الكلام العاطفي) .

أقول: نعم يالفقيه كيف جهلت الزهراء سلام الله عليها الحديث وهي وريثة الرسول صلی الله علیه و آله وسيدة نساء أهل الجنة، بينما علمه أبو بكر ؟؟ ولماذا لم يخبرها أبوها صلی الله علیه و آله بهذا القول (لا نورث ماتركناه صدقة) وهي وريثته ؟! وهل تظن أن سيدة نساء أهل الجنة تجهل مثل هذا الأمر لو كان صحيحاً ؟!

هنا السؤال يالفقيه فهل تستطيع الرد ؟! وأكرر مرة أخرى: أريد الجواب على كل هذه الأسئلة لا أن تتجاهلها يالفقيه !!

قلت يالفقيه: (أما من ناحية البيت فهذا أحد الأحاديث التي تذكر البيت صراحة: 5170 ٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِ عَائِشَةَ فَقَالَ رَأْسُ الْكُفْرِ مِنْ هَاهُنَا . . . الخ .) .

ص: 448

أقول: أولاً: أوردت لك الحديث من البخاري. (وفيه أشار نحو (مسكن عائشة) . والبخاري أصح من مسلم .

ثانياً: هذا ما قلته أنت يالفقيه في ردك (أقول: أن رسول الله صلی الله علیه و آله أشار (نحو بيت عائشة) كما تقول الرواية . وهنا الرواية في صحيح مسلم لا يوجد بها (وأشار نحو بيت عائشة) . والموجود بهذه الرواية (خَرَجَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِ عَائِشَةَ فَقَالَ رَأْسُ الْكُفْرِ مِنْ هَاهُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ يَعْنِي الْمَشْرِقَ) يعني أن الرسول صلی الله علیه و آله خرج من بيت عائشه وأشار نحو المشرق بقرينة (يعني المشرق) بينما في صحيح البخاري: أن الرسول صلی الله علیه و آله أشار نحو مسكن عائشة. وكما قلت البخاري أصح من مسلم . وكما تقولون أنتم فمن أين أتيت بقولك: (أما من ناحية البيت فهذا أحد الأحاديث التي تذكر البيت صراحة) . مع إن الإشارة كانت نحو المشرق ؟! ومن أين أتيت بقولك هذا (أقول: أن رسول الله صلی الله علیه و آله أشار (نحو بيت عائشة) كما تقول الرواية)، وبنيت على هذا القول إستدلالك بملكية أم المؤمنين عائشة لحجرتها أو بيتها !؟ وأين هي الرواية التي قلت أنت (وأشار إلى بيت عائشة) والرجاء أن ترد على هذا السؤال .

وهل عرفت بأن قولك (وأن بيتها ملك لها قبل وفاته) والذي بنيته على هذا الحديث (أشار إلى بيت عائشة) إنما هو قول خاطئ وغير صحيح لأنه مبني على خطأ منك يالفقيه (ولا أريد أن أقول تدليس منك أو تلبيس) ولا يوجد هذا الحديث (أشار إلى بيت عائشة) بل الموجود هو (أشار إلى مسكن عائشة).

ثالثاً: قوله: صلى الله عليه وسلم " من حيث يطلع قرن الشيطان " يدل على مستقبل الفعل وليس ماضيه أي أن الفعل يكون مستقبلياً ولم يكن قبل قوله هذا

ص: 449

أي أن الفتنة وطلوع قرن الشيطان يكون بعد مماته وليست في حياته الشريفة . ونريد منك يالفقيه أن تثبت ملكية أم المؤمنين عائشة لحجرتها فإلى الآن لم تثبت ذلك، فهل ستثبت لنا ذلك ؟ وعدم إثباتك ملكية الحجرة لها يبين إن قول أبو بكر غير صحيح و . . . .

قلت: (أما من ناحية قولك أن ذكر (بيت عائشة) هو رأي ابن عمر.

فأقول هل الصحابي الذي عاش مع الرسول وعرف بيت من هذا وبيت من ذاك يجهل حقيقة تعرفها أنت ؟!

أقول: نعم هو رأي إبن عمر وقد ورد في قول أنس بن مالك حجرة عائشة . فهل أنس الذي عاش مع الرسول صلی الله علیه و آله وكان يخدمه يجهل حقيقة تعرفها أنت ؟! راجع كتاب الآذان، صحيح البخاري .

وأما بخصوص ما الذي فعله أمير المؤمنين علیه السلام في فدك عندما استلم الخلافة . فإنني أحيلك إلى قوله في نهج البلاغة: بلى كانت بأيدينا فدك من كل ما اظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين ونعم الحكم الله . وما أصنع بفدك وغير فدك، والنفس مظانها في غد جدث، تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها... إلى آخر الخطبة شرح النهج لابن أبي الحديد: 16/ 77 فتمعن يالفقيه في هذه الخطبة لترى زهد الإمام علیه السلام في فدك وغير فدك . والإمام آثر عدم رد فدك لأنها كانت خاصة للزهراء علیها السلام وكانت قد توفيت هي والذي اغتصب حقها فدك ورحلا إلى أحكم الحاكمين ليحكم بينهما. وللإختصار راجع رد الأخ الكريم الموسوي، وأخي العزيز ذوالشهادتين: http://shialink.org/muntada/Forum2/HTML/001532.html

ص: 450

وأما قولك (لماذا يمكن أن يمنع أبو بكر فاطمة من أخذ فدك ؟) فالأولى أن تطرح هذا السؤال على نفسك: لماذا منعها سلام الله عليها من إرثها وحقها (فدك) وسهمها من خيبر (الخمس). فهل فدك وسهمها من الخمس يعتبران من الميراث ؟

ولنفترض إن أبابكر أعطاها أرضها وسهمها بعد أن طالبته سلام الله عليها، ثم جاءت فيما بعد تطالبه بالخلافة لزوجها علیه السلام . فهل يستطيع أبو بكر الإعتراض عليها بعدما أعطاها فدك بشهادتها ؟!!

قلت: (أليس ادعاء أن أبا بكر غصب فاطمة علیها السلام حقها محض ادعاء ؟) .

أقول: عندما ترد على جميع الأسئلة هنا سوف تعرف هل أنت صادق في قولك هذا، أم لأ، لأ . وأكرر مرة أخرى: أريد الرد على جميع أسئلتي بدون استثناء، كما رددت على جميع أسئلتك بدون إستثناء، فهل أنت فاعل ؟! وهذه هي أسئلتي بالرد السابق والتي تجاهلتها يالفقيه:

وإذا كان قولك هذا صحيحاً (استدلال أبو بكر بحديث صحيح) فلماذا لم يخبر رسول الله صلی الله علیه و آله ابنته الزهراء سلام الله عليها بأن ما يتركه صدقة لكي لا تطالب بإرثها ؟ ولماذا لم يوصِّها سلام الله عليها، ولم يحدثها بهذا الحديث ن وهي الوريثة منه، بينما يحدث أبو بكر وليس هو بوريث له ؟!

أيها الناس أي بنت نبي *** عن مواريثها أبوها زواها

كيف لم يوصنا بذلك مولانا *** وتيما من دوننا أوصاها

هل وأنَا لا نستحق إهتداء *** وأستحقت منه تيم الهدى فهداها

أم تراه أضلنا في البرايا *** بعد علم لكي نصيب خطاها

وكيف يعطيها فدكاً ولا يخبرها بهذا الحديث (ما تركناه صدقة) ؟!

ص: 451

وروى البخاري عن عائشة أنها قالت: أن فاطمة والعباس علیهما السلام أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم (وهما يطلبان أرضهما من فدك وسهمهما من خيبر) كتاب الفرائض - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركناه صدقة . ج 8، ص 551 . فاقرأ يا زميلي (وهما يطلبان أرضهما من فدك وسهمهما من خيبر) . فكيف يطلبان ما ليس لهما ؟!.... وإذا كان قولك هذا صحيحاً (إن أبا بكر استدل بحديث صحيح) فلماذا غضبت الزهراء علیها السلام وهجرته حتى وفاتها سلام الله عليها ؟!!

ولأي الأمور تدفن ليلاً *** بضعة المصطفى ويعفى ثراها

وإذا كان ما قاله أبو بكر حقاً، فلماذا لم يصل عليها أبوبكر وهو الخليفة يومئذ ؟؟ ولماذا لم يشيعها ويحضر دفنها سلام الله عليها ؟!

ولو سمحت وتكرمت نريد الرد على جميع أسئلتي هذه، وأسئلتي في هذا الرد . ولا تتجاهل أي منها كما جاوبتك على أسئلتك .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 14-2-2000، الثانية عشرة ظهراً:

إلى الفقيه حياك الله .. نسيت أن أورد هذا الرد الذي ذكرتني فيه في هجر

http://www.hajr.org/hajrhtml/Forum1/HTML/001346.html

قلت يالفقيه: وأنت تقول لي كيف جهلت السيدة فاطمة علیها السلام الحديث وهي بضعة المصطفى ومن هذا الكلام العاطفي !)

هل تعتبر قولي هذا من الكلام العاطفي ؟ وهل تعتقد فعلاً أن الزهراء سلام الله عليها تجهل حديث أبيها صلی الله علیه و آله لو كان صحيحاً، وهي سيدة نساء أهل الجنة ؟ علماً بأن الحديث يخصها لكونها أنها إبنة قائل هذا الحديث ووريثته، والحديث يتعلق بها . ولأي أي شئ اختصت باسم سيدة نساء أهل الجنة، إذا كانت تجهل

ص: 452

حديث والدها المتعلق بها صلوات الله وسلامه عليهما ؟! أليس نسبة الزهراء

سلام الله عليها الى الجهل بهذا الحديث (إن صح) طعناً بأبيها صلی الله علیه و آله لكونه قال عنها (فاطمة علیها السلام بضعة مني) و (سيدة نساء أهل الجنة) و(يغضبني ما يغضبها) فكيف يغضب لابنته والتي تجهل قوله الذي يتعلق بها ؟! حاشا رسول الله ؟! وهل قال أبوها عنها ما قال كونها ابنته أم أنها استحقت تلكم الفضائل؟

السلام عليك يا بضعة المصطفى، يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 12-4-2000، الرابعة عصراً:

! ؟ ! ؟

السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- ثم كتب الفاطمي بتاريخ 16-3-2000، الحادية عشرة ليلاً:

في سحاب نت = محب أهل البيت

في هجر = محب أهل البيت

في شيعة لينك = الفقيه

السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- قال العاملي: ولم أجد بقية المناقشة، وأظن أن الفقيه هرب !

- وكتب المدعو محب أهل البيت في شبكة هجر الثقافية، بتاريخ 26-12-1999، الثالثة ظهراً، موضوعاً بعنوان (يا فاطمي - هل تريد الاجابة على قولك: ولأي الأمور تدفن فاطمة علیها السلام ليلاً ؟)، قال فيه:

رغم أني لا أرضى أسلوبك في النقاش والذي لا يحمل أي نوع من احترام الآخرين كما يشاهد الأخوة . فاسلوبك كله استهزاء وابتسامات، ولا أريد التعليق

ص: 453

أكثر . أقول لك أنا مستعد لمناقشتك لكن بشرط واحد: أن تناقش باحترام وبلا طريقة استهزاء، وأن لا ينقلب النقاش الى نقاش أطفال . لأني بصراحة ما أحب أنزل لهذه المستويات في النقاش، فإذا أردت النقاش الموضوعي فأنا مستعد، فهل أنت مستعد ؟

أرجو أن لا يتدخل أحد لا معك ولا معي ولنتناقش .

- فكتب الفاطمي بتاريخ 26-12-1999، الرابعة عصراً:

السلام عليكم ..

قلت: (رغم أني لا أرضى أسلوبك في النقاش، والذي لا يحمل أي نوع من احترام الآخرين كما يشاهد الأخوة، فأسلوبك كله استهزاء وابتسامات

ولا أريد التعليق أكثر) .

أولاً: أين سلامك ؟ ومن يأمر أهل البيت علیهم السلام بعدم السلام.

ثانياً: هل كان نقاشي معك (إذا كنت نفس الشخص) أو مع الأخ: أجدل، قبل تخريب هجر .. مثلما تقول ؟ وهل نقاشي مع الأخ محمد إبراهيم في شيعة لينك كما تدعي ؟ وهل استهزأت بك والأخ أجدل والأخ الناصر لدين الله والأخ العزيز محمد إبراهيم في شيعة لينك، وهل احترمني الذي فقد صراحته أو مشارك لكي أحترمهم، وهل رأيت ما قال عني مشارك ؟ فهل عرفت مقدار صحة كلامك هذا (فأسلوبك كله استهزاء وابتسامات، ولا أريد التعليق أكثر)؟!

قلت: (أن تناقش باحترام وبلا طريقة استهزاء) .

أقول: من يحترمني أحترمه وبزيادة، أما من يحاول أن يستهزئ بي فليس له إلا ما حاول .

ص: 454

قلت: (وأن لا ينقلب النقاش الى نقاش أطفال، لأني بصراحة ما أحب أنزل لهذه المستويات في النقاش) .

أقول: إذا تريد أن تقلبه إلى نقاش أطفال فهذا يرجع لك أنت . وأما أنا فلا أحب أن أنزل إلى هذا المستوى وأسلوبك هذا ينم عن ماذا ؟ وهل هذه طريقة لطلب النقاش ؟ هل تريد أن تقول إن نقاشي لمشارك والذي فقد صراحته كان نقاش أطفال من جانبي، ولذلك تركوا النقاش معي ؟ وهل موضوعك هذا وما قلت فيه هو للدفاع عن الذي فقد صراحته وهرب ومشارك، وذلك بالطعن في أسلوبي ؟ أو لم تر أسلوب المشارك الذي يقطر (؟؟؟) ؟؟ وهل تؤيده على سبه وفحشه ؟ وهل لنا أن نسمع ردك ؟

ويعلم الله إنني لا أريد أن أعلق أكثر من هذا ورمضان كريم، وآمل أن لا يكون ما كتبته هو بمثابة هروب قبل البدأ بالنقاش، آمل ذلك يا محب . نسيت أن أسألك: لماذا فتحت صفحة جديدة غير الصفحة المعنية بذلك؟

السلام عليك يابضعة المصطفى يافاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب المدعو محب أهل البيت بتاريخ 27-12-1999 الثالثة صباحاً:

قضية السلام ما عندي مشكلة فيها . السلام عليكم .

في الحقيقة لا أقصد نفسي بالشخص الذي لم يكن أسلوبك جيداً في النقاش معه حتى الآن، لكني أقرأ كلامك وأسلوب نقاشك مع الآخرين من عمر الى مشارك إلى جبهان الكاتب والفاروق والفقيه وآخرين . وبصراحة قلت في نفسي كيف يرضى المراقبون بهذا الأسلوب في النقاش ؟! حتى عمر والبقية أسلوبهم ليس مثل أسلوبك الذي كله استهزاء واستعلاء على الآخرين في النقاش ! قلت

ص: 455

بأن النقاش فقط مع مشارك بهذا الأسلوب، وليس مع البقية، ولا أقول لك إلا راجع ردودك في شيعة لنك، وهنا لتعرف الحقيقة !

أما لماذا فتحت صفحة جديدة، فذلك لأنك طلبت مني أيام غلق هجر، في أن تناقش معاً . أما لماذا أطرح هذا الموضوع رغم بعدي عن هجر فذلك لأني رأيتك كالعادة تستهزئ بأهل السنة وتفتخر في طرح هذا الموضوع وكأنك صدت شيئاً على أهل السنة لا يستطيعون نقاشه . ولا أناقشك هنا إلا اظهاراً للحق وزهقاً للباطل .

ملاحظة: أرجو أن لا يتدخل أحد بيني وبينك في النقاش . أما الآن فاعطني النقاط التي تريد الحوار معي فيها، هل المسألة هي لماذا دفنت سيدتي فاطمة علیها السلام ليلاً ؟

- وكتب الفاطمي بتاريخ 27-12-1999، الخامسة صباحاً:

الأخ المحب، السلام عليكم . .

قلت: (قضية السلام ما عندي مشكلة فيها) .

أقول: وهل تحتاج إلى من ينبهك إلى السنة لكي تسلم ؟

قلت: (لكني أقرأ كلامك وأسلوب نقاشك مع الآخرين من عمر إلى مشارك إلى جبهان الكاتب والفاروق والفقيه وآخرين) .

أقول: وهل عرفت من بدأ بالإستهزاء ؟ وهل تريد أن أنقل أقوالهم لك لتعرف ذلك ؟!

قلت: (وبصراحة قلت في نفسي كيف يرضى المراقبون بهذا الأسلوب)؟

ص: 456

أقول: وهل أسلوب المشارك وعمر أفضل من أسلوبي يامحب ؟؟ ألم تقرأ سبابهم لي ؟وهل قرأت لي أنني سببتهم ؟ أدخل هنا لتعرف أسلوب المشارك الملئ بالسب والفحش وبعدها قل ما تقول:

http://shialink.org/muntada/Forum2/HTML/000610.html

وأدخل هنا لتعرف أسلوب عمر لتعرف صحة قولك:

http://shialink.org/muntada/Forum2/HTML/000885.html

ولماذا لم تقل في نفسك كيف يرضى المراقبون بأسلوب المشارك وعمر في النقاش ؟ أم عين الرضا .. .. وعين السخط .. ونعذرك يالمحب .

قلت يالمحب: (قلت بأن النقاش فقط مع مشارك بهذا الأسلوب وليس مع البقية، ولا أقول لك الى راجع ردودك في شيعة لنك...) .

أقول: من أين أتيت بهذا القول عني ؟ وهل تستطيع أن تورده بالنص ؟ وإنما قلت: وهل استهزأت بك والأخ أجدل والأخ الناصر لدين الله والأخ العزيز محمد إبراهيم في شيعة لينك . فهل استشفيت من قولي هذا بأنني قلت بأن النقاش فقط مع مشارك بهذا الأسلوب وليس مع البقية . والأفضل أن تحتاط بالإتهام والتقول على الآخرين ولا تنسب لهم ما لم يقولوه !!

قلت: (أما لماذا فتحت صفحة جديدة، فذلك لأنك طلبت مني أيام غلق هجر في أن تناقش معاً) .

أقول: طلبت منك أن نتناقش، ولم أطلب منك فتح صفحة جديدة، فالإختلاف بينهما واضح .

قلت: (أما لماذا أطرح هذا الموضوع رغم بعدي عن هجر فذلك لأني رأيتك كالعادة تستهزأ بأهل السنة وتفتخر في طرح هذا الموضوع....). أقول: ومتى سألتك لماذا تطرح هذا الموضوع رغم بعدك عن هجر ؟ وهل اختفى

ص: 457

الإخوة من أهل السنة لكي تأتي أنت وتدافع عنهم ؟ وهل لا يوجد من يستطيع الرد سواك ؟ ولماذا لا تقول إنك أجرأهم على الزهراء سلام الله عليها ؟ ولماذا لم تطرح للنقاش موضوع:

إلى جميع الأخوة، دافعوا عن خير خلق الله صلی الله علیه و آله:

http://shialink.org/muntada/Forum2/HTML/000660.html

بالرغم إنني طرحته أكثرمن مرة في شيعة لينك؟في صفحة خاصة وردودي على السيف المشهور ؟ وأيضاً طرحته هنا في موضوع (إلى مشارك والمجاهد لصريح وغيرهم . هل تستطيعون أن تقولوا هذه الجملة الصغيرة ؟

http://www.hajr.org/hajrhtml/Forum1/HTML/000716.html

وهل هذا الموضوع أهم من موضوع (دافعوا عن خير خلق الله . ومن موضوع: إلى مشارك والمجاهد والصريح وغيرهم، هل تستطيعون أن تقولوا هذه الجملة الصغيرة ؟ وكان الأفضل أن تبدأ بالدفاع عن خير خلق الله محمد بن عبد الله صلی الله علیه و آله، أم وراء الأكمة ما ورائها ؟!

قلت: (ولا أناقشك هنا إلا إظهاراً للحق وزهقاً للباطل) .

أقول: كان بودي أن تقول هذا القول في الدفاع عن النبي صلی الله علیه و آله، وأن تظهر الحق له وتدفع الباطل عنه .

عموماً: سوف أفتح صفحة خاصة بالسؤال، وأستأذنك بذلك لكي يكون أسهل للقراءة . السلام عليك يابضعة المصطفى يافاطمة الزهراء علیها السلام

- وكتب محب أهل البيت بتاريخ 27-12-1999، الثانية ظهراً:

يالفاطمي هون عليك . . دعنا من حسين وعبيد، لندخل في صلب الموضوع، أما لماذا أناقشك وهل أنا نائب عن أهل السنة، فلم أدع ذلك أبداً ! لكن أحب أن

ص: 458

أذكرك أنك تحديتني بصيغة غير لطيفة في سحاب وقلت لي: لما ترجع هجر راح نتناقش، هذا أمر .

الأمر الثاني، رأيت أن أخوتي من أهل السنة متخاذلين في الرد عليك وهذا ما أحززني . أما قولك بأني أجرأ الناس على الزهراء، فالحمد لله أني أحبها وأكن لها كل احترام وتقدير، وحينما أناقش نقاش علمي فلا يعني ذلك اني لا أحترمها، وحينما أقول أنها غير معصومة لأن العصمة للأنبياء، فهذا ثابت عندي في أنه لا عصمة لأحد مع محمد عليه الصلاة والسلام .

أما قولك: لماذا لا أدافع عن رسول الله صلی الله علیه و آله، فلا أدري ما دخل هذا بذاك ! أنت تطرح موضوع غضب السيدة فاطمة، وتكرره مراراً ولابد أن أريك الحق في القضية، هذا على افتراض أنك تريد الحق، ولا تريد فقط التعريض بأهل السنة بين حين وآخر !

حتى لا يطول كلامنا في القضية، أجبني عن سؤالي السابق .

- فكتب الفاطمي بتاريخ 27-12-1999، السابعة مساءً:

الزمبل المحب، حياك الله . من الذي بدأ بالإبتسامة وآمل أن لا تقول ما لاتفعل، وسوف أرد عليك لاحقاً لأني بالدوام حالياً، فقط استئذنت للإفطار بالبيت، وأراني مضطراً للخروج الآن . والسلام .

السلام عليك يابضعة المصطفى يافاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 28-12-1999، الواحدة والنصف ليلاً: الزميل المحب، حياك الله .

ص: 459

أولاً: وهل نسيت أن تسلم أيضاً ؟ قلت: (فأسلوبك كله استهزاء وابتسامات، وقلت: يالفاطمي هون عليك) . أقول: وهل تأمر بالبر وتنسى نفسك؟ ولم تقول ما لا تفعل؟ وهل تعلم إن ذلك من المقت ؟ ولم هذه الإبتسامة وأنت تنهى عنها؟.

قلت: (دعنا من حسين وعبيد لندخل في صلب الموضوع) .

أقول: ولماذا بدأت بذكرهم ؟ أم ضاقت عليك الإجابة فتهربت منها؟

قلت: (أما قولك بأني أجرأ الناس على الزهراء، فالحمد لله أني أحبها وأكن لها كل احترام وتقدير) .

أقول: سوف يبان للجميع مدى احترامك لها أيها الزميل، و(اللي بالقدر يطلعه الملاس) أي ما يكون في القدر تخرجه المغرفة .

قلت: (لأن العصمة للأنبياء فهذا ثابت عندي في أنه لا عصمة لأحد مع محمد عليه الصلاة والسلام) .

أقول: ها قد بدأت تتناقض مع مذهبك ونفسك، وإذا كان رسول الله صلی الله علیه و آله معصوماً عندك فهل لك أن تقول هذه الجملة الصغيرة قل يا محب: (لعن الله من قال أو يقول بأن الرسول صلی الله علیه و آله كان يسب أو يلعن أو يجلد من لم يكن أهلاً لذلك من المسلمين) . فهل تستطيع أن تقول هذه الجملة الخفيفة على اللسان ؟ وهل تعتقد فعلاً بأن نبي الرحمة صلی الله علیه و آله كان يسب ويلعن من لم يكن أهلاً للسب واللعن ؟! نريد جواباً ولا نريد تهرباً منك يا محب أهل البيت، مثلما فعل الذي فقد صراحته وهرب، ممكن جواب ؟!

قلت: (أنت تطرح موضوع غضب السيدة فاطمة، وتكرره مراراً، ولابد أن أريك الحق في القضية) .

ص: 460

أقول: وأيضاً طرحت موضوع الطعن بالرسول صلی الله علیه و آله . والقول بأنه كان يسب ويلعن ويجلد من لم يستحق من المسلمين، وكررته مراراً وتكراراً في شيعة لينك وهنا في هجر، فلماذ لا ترى بداً من أن تريني الحق في هذه القضية ؟ فهلا تكرمت بالدفاع عن خير خلق الله صلی الله علیه و آله ؟! والأولى أن تدافع عن من تعتقد فيه العصمة، لا أن تحاول أن تدافع عن صحابته فهل عرفت ؟! نأمل بالرد لا بالتهرب، ممكن ؟

السلام عليك يابضعة المصطفى يافاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب محب أهل البيت في 28-12-1999 الثالثة والنصف صباحاً:

أولاً: بدأنا بأسلوب النقاش الطفولي، طفل في المدرسة يتناقش بأسلوب لا تقول لي كذا، إنته اللي كذا ! وأنا قلت لك إطرح نقطتك ودعني أناقشك، ولكن تأبى إلا أن تستمر في هذا الأسلوب في النقاش !

ثانياً: من غير المعقول أن أطالبك في موضوع غضب سيدتنا فاطمة الذي تكرره مراراً وتكراراً، ولما نريد مناقشتك تطرح موضوع آخر ! عجباً !

والعجيب فيك أن لا تريد النقاش من أجل الحق بل من أجل الجدال، وهاك دليل على هذا: لما تتناقش مع الأخوة في أي موضوع كأن تطرح قضية غضب السيدة فاطمة، مع أن الموضوع مختلف ! وحينما آتي لمناقشتك تحيلني الى موضوع آخر ! ناقشني في موضوع الغضب ثم إذا التزمت بأسلوب النقاش العلمي، ممكن أناقشك في أمر آخر .

بخصوص طلبك أن يكون الرد في صفحة أخرى لا أرى لذلك داعي، أريد رد خاص بيني وبينك لأنك أنت من طلب هذا في سحاب .

ص: 461

- وكتب المشرف العام بتاريخ 28-12-1999، الرابعة والربع صباحاً:

الزميل / الفاطمي، الزميل / محب أهل البيت . بعد التحية والاحترام .

نرجو منكما التوقف من النقاش المذهبي أو الانتقال الى موقع أخر تتفقان عليه وشكراً:http://www.hajr.org/hajrhtml/Forum1/HTML/001048.html

مع تحيات / المشرف العام

- فكتب الفاطمي بتاريخ 28-12-1999، الرابعة والنصف صباحاً: وهل عجزت عن الرد لتقول نقاش طفولي ؟ وهل الأسئلة كانت صعبة لتقول نقاش طفولي ؟ السلام عليك يابضعة المصطفى يافاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 29-12-1999، الواحدة صباحاً:

هل قلت نقاش طفولي لكي تتهرب من هذا السؤال،كما تهرب منه الذي فقد صراحنه وهرب ؟ ولماذا تناقض نفسك ومذهبك ؟ إليك ماقلت يا محب الذي فقد محبته للرسول صلی الله علیه و آله كرامة لغيره ؟؟ !!

قلت: (لأن العصمة للأنبياء فهذا ثابت عندي في أنه لا عصمة لأحد مع محمد عليه الصلاة والسلام) .

أقول: ها قد بدأت تتناقض مع مذهبك ونفسك، وإذا كان رسول الله صلی الله علیه و آله معصوماً عندك فهل لك أن تقول هذه الجملة الصغيرة، قل يامحب: (لعن الله من قال أو يقول بأن الرسول صلی الله علیه و آله كان يسب أو يلعن أو يجلد من لم يكن أهلاً لذلك من المسلمين) ... فهل عرفت طعنكم بأخلاقيات الرسول صلی الله علیه و آله ؟!

وإذا كنت كما تقول من أن اعتقادك بأن الرسول معصوم . فقل هذه الجملة لتثبت قولك، وإلا فهذا إدعاء منك ولا تقول به حقيقة .

ص: 462

وما كلامك هذا إلا للطعن في الزهراء سلام الله عليها لنفي العصمة عنها ولكي تتمكن من الطعن بها وتقول بأنها غضبت لأنها تريد زوجها أن يكون خليفة للمسلمين !!

قلها يا محب: (لعن الله من قال أو يقول بأن الرسول كان يسب أو يلعن أو يجلد من لم يكن أهلاً لذلك من المسلمين) فهل تستطيع أن تقول هذه الجملة الخفيفة على اللسان ؟! يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون .

السلام عليك يابضعة المصطفى يافاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب محب أهل البيت بتاريخ 29-12-1999، السادسة صباحاً:

ما أدري أنت تعرف عربي، أم لأ !! هل نقاشي عن العصمة أم عن موضوع غضب السيدة فاطمة ؟! من الذي يتهرب الآن ؟!!

موضوع العصمة لم أقرأ نقاشك أو نقاش التلميذ لمشارك، وهذا أمر بينكم، لننه الأمر الذي بيننا والذي سويت نفسك شاطر وتتحدى به، وكل شوي تحط لنا بيت الشعر وفي الأخير تتهرب !

- فكتب الفاطمي بتاريخ 29-12-1999، الثانية ظهراً:

الزميل المحب، حياك الله .

سوف أترك لك هذه الصفحة، لترى تهربك من الإجابة على الأسئلة التي تتحاشاها وتتجاهلها، وسوف أفتح صفحة خاصة بك لنرى إجابتك .

ص: 463

وعموماً إذا تريد أن ترى من لا يعرف العربية، فانظر إلى من لا يجيب على الأسئلة، لتعرف أنه لايجيد العربية ! وانظر إلى من تهرب من هذا السؤال لتعرف أنه لا يجيد العربية !

عموماً سوف أترك هذه الصفحةلكي تعرف تناقضك مع نفسك ومذهبك وأفتح لك صفحة ثنائية، لكي ترد هناك .

- وكتب موسى العليبتاريخ 29-12-1999، الثانية والنصف ظهراً:

الأخ الفاطمي، بعد التحية والاحترام .. قلنا لك وما زلت أقول لك: إن نقاشك مع محب أهل البيت عقيم ! والدليل على ذلك عدم اتفاقكم على شئ حتى الآن ! أنت ترى عصمة سيدتنا الزهراء علیها السلام وهو لايراها ! هم يرون عصمة النبي في التبليغ فقط وأنت تراها في كل شئ !! تريد أن تبرهن له وللجميع أنه يتهرب منك كما تهرب الذي فقد صراحته أو مشارك كما تدعي ! وهذا هو عين النقاش المذهبي العقيم مع السلفيين !

مع تحيات / المشرف العام

- فكتب الفاطمي بتاريخ 29-12-1999، السادسة مساءً:

الموقر موسى العلي .. السلام عليك . أوافقك في جل ما قلت، ولكنك قلت: تريد أن تبرهن له وللجميع أنه يتهرب منك كما تهرب الذي فقد صراحته أو مشارك كما تدعي !!

أقول: أخطأت في قولك هذا فالمسألة ليست بطولات أدعيها أنا أم غيري بقدر ما هي دفاع عن معتقداتي وإثبات إنها هي العقيدة الصحيحة، فتهرب المشارك أو الذي فقد صراحته يعني شيئاً واحداً ويثبته وهو: أن عقيدتي في الرسول صلی الله علیه و آله صحيحة وراسخة بعكسهم هم !!

ص: 464

وأيضاً في المسائل الأخرى التي ناقشتها، فالمسألة ليست كما قلت ولا أقول (تدعي) فالإدعاء شئ والقول شئ آخر .

عفا الله عنك، فهل أصبحت أنا ممن (يدعي) ؟! عموماً نشكرك ! وتقول ولد عمي !! السلام عليك يابضعة المصطفى يافاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب عبد الوهاب بتاريخ 29-12-1999، التاسعة مساءً:

مازلتم تكيلون بمكيالين يا أخي موسى العلي. أم نسيتم عندما كان المشارك ينشر في كل يوم نقاشه مع التلميذ في أكثر من موضوع، في يوم واحد ؟ يا أخي لماذا مع الشيعة نكون أكثر حزماً، ومع المخالفين نكون متسامحين ؟ أذكر أن الأخ محمد ابراهيم في المنتدى قد ذكر في أحد مقالاته أن الشيعة تحترم وتقدر السنة أكثر من أهل السنة ! ووالله لم أوافقه عليها واعترض عليه الكثيرين، ولكني الآن ألاحظ ماكان يقصد !

أقول هذا من باب الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس .

تقبل الله أعمالكم في هذا الشهر الكريم .

- وكتب المشرف العام بتاريخ 29-12-1999، التاسعة والربع مساءً:

الأخ عبد الوهاب، سامحك الله . هذا القرار جديد ونريد أن نتخذه مع الجميع ! وأنتم تذكروننا بتجاوزات بعض الأخوة في الماضي وتحاسبوننا عليها وتعتبروننا نكيل بمكيالين ! والتجاوزات كانت سابقاً من كلا الطرفين وليس من طرف واحد ! ونحن نريد أن نضع حداً لهذه الأمور وقد شخصت لنا! وكلهاتصب في النقاشات العقيمة! ولكن للأسف تريدونها نقاشات عقيمة!

مع تحيات/ المشرف العام .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 29-12-1999، العاشرة ليلاً:

ص: 465

الموقر موسى العلي، السلام عليكم . . قلت: ولكن للأسف تريدونها نقاشات عقيمة !! لا يا أخي، من قال نريدها نقاشات عقيمة، نريد أن نثبت صحة عقائدنا، نريد أن نتكلم بحرية هنا بعد أن حرمنا من حرية النقاش في سحاب نت وغيرها، لا نستطيع الدفاع عن عقائدنا، فنحن ندافع عن معتقداتنا بالنقاش وبتهربهم يتضح من هو على العقيدة الصحيحة .

والرجاء كل الرجاء لا تجعل من موقعك خاتماً بيد المشارك وغيره، ولا تجعلهم يدقون إسفين الخلاف بينك وبين من يحبونك، ولا تجعلهم يضحكون علينا بالخفاء فنحن نقدر مواقفك وحساسيتها ولكن، السكوت أحياناً أفضل . ولهذا لا نحب أن نتناقش معك أكثر من هذا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . السلام عليك يابضعة المصطفى يافاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب عبد الوهاب بتاريخ 30-12-1999، الخامسة صباحاً:

الأخ العزيز الفاطمي ..

أعتقد أن هناك حرية كافية في هذه القناة، ولله الحمد .

الأخ موسى العلي.. سامحنا الله وإياكم . هذا رأي يا أخي قد أكون مصيباً وقد أكون مخطئاً، وأنا أحترم رأيكم والذي تقومون به من أجل الأخوة المشاركين، ومن أجل إظهار الحقيقة فجزاكم الله ألف خير، وتقبل أعمالنا وأعمالكم في هذا الشهر .

تقول: والتجاوزات كانت سابقاً من كلا الطرفين وليس من طرف واحد!! وأنا أؤيدك في هذا 100%ولكن للأسف فإنكم طردتم وأعطيتم تحذيراً نهائياً لطرف واحد فقط، وتركتم الطرف الثاني يصول ويجول في هذه الساحة . صدقني يا أخ موسى أنكم لو أوقفتم الذين يناقشون بهذه الأساليب الغير مرغوب

ص: 466

بها، لكان أصلح وأوفر علينا وعلى بقية القراء من منع النقاشات المذهبية بالمرّة، والتي ساهمت كثيراً في توضيح ورفع بعض الشبهات. هناك الكثير من الأخوة الشيعة والسنة من الذين يناقشون بأساليب علمية هادئة بعيدة كل البعد عن التشنج والعصبية، فلماذا نحرق الأخضر واليابس يا أخي ونمنع الكل من النقاش؟

كما علمتنا أخي، أن هجر هي ملك للمشاركين، وهذا من طيب خلقكم وكرمكم، لهذا من رأي أن نصوت على هذا القرار . كما وأنه لا بد لنا من قنوات نوصل من خلالها أفكارنا ومعتقداتنا الى العالم موضحين الشبهات والافتراءات التي أثيرت طوال القرون الماضية منذ أيام الأمويين والى يومنا هذا .

نشكر لكم مرة أخرى إتاحة الفرصة لنا في المشاركة، واعطاؤنا مالم توفره شبكات أخرى، وهذا ما لا ينكره أحد .

- وكتب منتظر بتاريخ 31-12-1999، الثالثة صباحاً:

السلام عليكم ورحمته وبركاته وبعد.. أما بشأن أن يقول الأخ أن يلعن من يقول أن الرسول صلی الله علیه و آله كان يلعن فهذا القول يناقضه القرآن .

أولاً: أن الرسول كلامه لا غلط ولا إشكال فيه لأنه معصوم، وهذا الكلام تقبله ويقبله الجميع (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) والرسول يقول بأن الله قد لعن الكافرين والظالمين . فهل يؤيد الرسول لعن الله للكافرين ؟! أم يرفض ؟! وإن رفض يعني أن الله قد خرج عن عدالته بلعن الظالمين والكفار !! وإذا قبل الرسول ما قاله الله في القوم الظالمين وهذا هو الصحيح وما يقبله العقل والمنطق، فإذاً ما الاشكال في لعن الرسول الكفار . وأستدل بهذه الآيات الكريمة (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة) (ألا لعنة

ص: 467

الله على الظالمين) (أولئك عليهم لعنة الله والملئكة والناس أجمعين) (يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) إذن فمن يلعن؟! إن الرسول عندما يبلغ ما يقوله الله فهو موافق لأحكامه كلها، فكيف تقول أن الرسول لا يلعن .

وأما بأن الرسول لا يكون معه معصوم، ما رأيك بالآية (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) فإن قلت أزواج الرسول مخاطبون، فأنت توافق بوجود عصمة بعض الأشخاص مع الرسول وإن لم توافق فمن هم المخاطبون، ولماذا بالجمع (عنكم) ؟

فإذن يوجد أفراد خصهم الله بالعصمة هم ليسوا أزواج الرسول (أين نون النسوة) لو كانوا أزواج الرسول.. فكيف أخطأت عائشة أم المؤمنين بالخروج عن الخليفة الرابع علي بن أبي طالب . هذا رد مبسط فما رأي الاخوة الكرام . والسلام عليكم .

- فكتب الفاطمي بتاريخ 31-12-1999، الثالثة وخمس دقائق صباحاً:

الأخ منتظر، حياك الله . ما رأيك أفتح لك صفحة (حوار ثنائي) ؟ موافق أم لألأ ؟ صفحة مستقلة أفضل لكي تقول بحرية وبدون تدخل وبدون ردود أخرى .. ننتظر ردك يا منتظر . والسلام عليكم .

السلام عليك يابضعة المصطفى يافاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب منتظر بتاريخ 31-12-1999، الثالثة والربع صباحاً:

السلام عليكم .. نحن في خدمة الاخوان، وأنا في الانتظار أفتح صفحات وحياكم الله بتحية الايمان . والسلام عليكم ورحمته وبركاته .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 31-12-1999، الثالثة والثلث صباحاً:

ص: 468

الأخ المنتظر حياك الله . سوف أفتح لك صفحة جديدة باسمك والسلام. السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- وكتب الفاطمي في شبكة الموسوعة الشيعية، بتاريخ 4-3-2000، السابعة مساءً، موضوعاً بعنوان (لماذا حذف هذا الموضوع في هجر ؟؟ هل الدفاع عن الزهراء " علیها السلام ممنوع في هجر)، قال فيه:

ما كان بودي أن أكتب هنا بخصوص هذا الموضوع لولا أنه قد بلغ السيل الزبى في هجر العزيزة على الجميع . لولا أن المراقبين الجدد بدأوا مخالفة القوانين على (كيفهم) حتى مسح موضوعي هذا: (الرد على كاتب الموضوع أطروحة الشيعة لمسألة إغضاب سيدتنا فاطمة علیها السلام - وافتراءاته)

- وكتب الفاطمي بتاريخ 4-3-2000، الرابعة صباحاً:

اللهم صل على محمد وآل محمد . رداً منا على إفتراءات الكتاب في (إفتراء ويب ودحض أكاذيبهم سوف نقوم بنشر كتاباتهم والرد عليها ونبدأ بحول منه . الرد على هذا الموضوع الذي شحنه كاتبه بكل ما يستطيع من إفتراءات وأكاذيب وبتر للروايات في كتب الشيعة ليحاول أن يثبت فقط أن أمير المؤمنين هوالذي أغضب الزهراء سلام الله عليها، لكي يبطل قول رسول الله صلی الله علیه و آله: (فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها) ويبرئ من يريد من تبعات غضب الزهراء سلام الله عليها !!

قال هذا الكاتب: أما قصة فدك فقد طرحناها من قبل وبينا أن أبو بكر استشهد بحديث صحيح عند السنة والشيعة (صححه المجلسي في مرآة العقول وصححه الخميني واستشهد به على ولاية الفقيه):

http://arabic.islamicweb.com/shia/Fatimah.htm

ص: 469

وهذا ما قاله الكاتب بخصوص رواية الكافي في الوصلة أدناه: روى الكليني في الكافي عن أبي عبد الله علیه السلام قوله: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: (وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر) . قال عنه المجلسي في مرآة العقول1/111: " الحديث الأول: (أي الذي بين يدينا) له سندان الأول مجهول . والثاني حسن أو موثق لا يقصران عن الصحيح". فالحديث إذاً موثق في أحد أسانيده ويُحتج به، فلماذا يتغاضى عنه علماء الشيعة رغم شهرته عندهم .

http://arabic.islamicweb.com/shia/abubakrfatima.htm

أقول: الروايتان مختلفتان في الألفاظ فرواية أبوبكر هي (لانورث ما تركناه صدقة) وهي صريحة بأن ما يتركه الأنبياء تعتبر صدقة ولا يورثون ولا مجال لتفسيرها، بينما رواية الكافي: إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً . وهي قابلة للتفسير والتأويل .

ثانياً: أورد هذا الكاتب ما يريد من أقوال العلامة المجلسي والإمام الخميني قدس سره ، ولم يكمل بقية أقوالهما وشرحهما لهذه الرواية إمعاناً في تضليل القراء والتلبيس عليهم . فقد قال العلامة المجلسي في مرآة العقول: قوله علیه السلام: العلماء ورثة الأنبياء: أي يرثون منهم العلوم والمعارف والحكمة، إن هذا عمدة ما يتمتعون به في دنياهم ولذا علله بقوله: إن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ... (ولا ينافي أن يرث وارثهم الجسماني منهم ما يبقى بعدهم من الأموال الدنيوية ...) أو يقال وارثهم من الجهة النبوة المختصة بهم العلماء فلا ينافي ذلك كون وارثهم من جهة الأنساب الجسمانية يرث أموالهم الظاهرة، فأهل البيت علیهم السلام ورثوا الجهتين معاً ... وأيضاً ففي الكلام تقدير: أي لم يورثوا لهم، فيشعر بأن

ص: 470

لهم ورثة يرثون أموالهم ولكن العلماء من حيث العلم لا يرثون إلا أحاديثهم . مرآة العقول، ج 1 ص 103، 104 .

وقال الإمام الخميني قدس سره : إذ لو كان المراد أن النبي الأكرم صلی الله علیه و آله لم يترك شيئاً يورث سوى أحاديثه، فهذا خلاف ضرورة مذهبنا . إذ أن الرسول الأكرم قد ترك أشياء تورث . الحكومة الإسلامية، ص 149، الطبعة 2 . وفي صفحة 150 قال الإمام الخميني: وأما كون ذيل الرواية يتضمن: (إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً) فلا يعني أن الأنبياء لا يورثون شيئاً غير العلم والحديث، وإنما هذه الجملة كناية عن أنهم - مع كونهم أولياء للأمور وحكاما على الناس، فهم رجال إلهيون وليسوا بماديين لكي يسعوا وراء جمع زخارف الدنيا . انتهى.

علماً بأن الإمام الخميني طعن في لفظ (ماتركناه صدقة) في نفس الحديث وقال (في بعض الموارد ذيل هذا الحديث بجملة (ما تركناه صدقة) وهي ليست من الحديث) . الحكومة الإسلامية ص 150 فكيف يقول الكاتب: وبينا أن أبوبكر استشهد بحديث صحيح عند السنة والشيعة (صححه المجلسي في مرآة العقول وصححه الخميني) ؟!

قال الكاتب: (وبقي أن نقول إن كتب الشيعة تبين أن الإمام علي نفسه أغضب فاطمة . فهل يرضى الشيعة أن يطبقو المبدأ على الإمام علي، أم إن المسألة عندهم مزاجية ؟! ثم أورد هذه الرواية في البحار: دخل الحسن بن علي على جده رسول الله صلی الله علیه و آله وهو يتعثر بذيله فأسرّ إلى النبي عليه الصلاة والسلام سراً فرأيته وقد تغير لونه ثم قام النبي عليه الصلاة والسلام حتى أتى منزل فاطمة … ثم جاء علي فأخذ النبي صلی الله علیه و آله بيده ثم هزها إليه هزاً خفيفاً ثم قال: يا أبا

ص: 471

الحسن إياك وغضب فاطمة فإنّ الملائكة تغضب لغضبها وترضى لرضاها) . بحار الأنوار 43/42 . انتهى .

أولاً: نقول: لماذا لم يذكر الكاتب راوي هذه الرواية ؟ وهل كان يعلم أن ذكر الراوي (معاوية بن أبي سفيان) الذي كان يأمر بسب الإمام علي علیه السلام (صحيح مسلم كتاب الإيمان) يكفي في بطلان الرواية عندنا وبطلان احتجاجه علينا بها ؟! ولماذا لم يذكر قول العلامة المجلسي: قال ابن بابويه: هذا غير معتمد لأنهما منزهان أن يحتاجا أن يصلح بينهما رسول الله صلی الله علیه و آله ؟! وهل إخفاؤه إسم الراوي (معاوية) وعدم ذكر قول ابن بابويه إلا للتلبيس على القراء ؟؟

قال الكاتب: (وعن أبي عبد الله (جعفر) علیه السلام أنه سُئل: هل تشيع الجنازة بنار ويُمشى معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يُضاد به ؟ قال: فتغير لون أبي عبد الله علیه السلام من ذلك واستوى جالساً ثم قال: إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله فقال لها: أما علمت أنّ علياً قد خطب بنت أبي جهل فقالت: حقاً ما تقول ؟ فقال: حقاً ما أقول ثلاث مرات . فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها، وذلك أنّ الله تبارك وتعالى كتب على النساء غيرة وكتب على الرجال جهاداً وجعل للمحتسبة الصابرة منهن من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله، قال: فاشتد غم فاطمة علیها السلام من ذلك وبقيت متفكرة هي حتى أمست وجاء الليل حملت الحسن على عاتقها الأيمن والحسين على عاتقها الأيسر وأخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى، ثم تحولت إلى حجرة أبيها فجاء علي علیه السلام فدخل حجرته فلم ير فاطمة علیها السلام فاشتد لذلك غمه وعظم عليه ولم يعلم القصة ما هي . فاستحيا أن يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد يصلي فيه ما شاء الله، ثم جمع شيئاً من كثيب المسجد واتكأ عليه، فلما رأى

ص: 472

النبي صلی الله علیه و آله ما بفاطمة من الحزن أفاض عليه الماء ثم لبس ثوبه ودخل المسجد فلم يزل يصلي بين راكع وساجد، وكلما صلى ركعتين دعا الله أن يُذهب ما بفاطمة من الحزن والغم، وذلك أن لا يهنيها النوم وليس لها قرار، قال لها: قومي يا بنية فقامت، فحمل النبي عليه الصلاة والسلام الحسن وحملت فاطمة علیها السلام الحسين وأخذت بيد أم كلثوم فانتهى إلى علي علیه السلام وهو نائم فوضع النبي صلی الله علیه و آله رجله على رجل علي علیه السلام فغمزه وقال: قم يا أبا تراب ! فكم ساكن أزعجته، ادع لي أبا بكر من داره، وعمر من مجلسه، وطلحة، فخرج علي علیه السلام فاستخرجهما من منزلهما واجتمعوا عند رسول الله صلی الله علیه و آله فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: يا علي ! أما علمت أنّ فاطمة علیها السلام بضعة مني وأنا منها، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي . علل الشرائع للقمي ص 185-186 انتهى .

نقول للكاتب: الموجود في علل الشرائع (باب 149): العلة التي دفنت فيها فاطمة علیها السلام في الليل ولم تدفن بالنهار، ج 1، ص 219 عن أبي عبدالله (علیه السلام): إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله فقال لها: أما علمت أن علياً قد خطب بنت أبي جهل فقالت: حقاً ما تقول، فقال: حقاً ما أقول ثلاث مرات .. إلى أن قال: فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: يا علي أما علمت أن فاطمة علیها السلام بضعة مني وأنا منها فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي . فقال علي علیه السلام: بلى يا رسول الله . قال: فما دعاك إلى ما صنعت ؟ فقال علي علیه السلام: والذي بعثك بالحق نبياً ما كان مني ولا حدثت به نفسي . فقال النبي

ص: 473

صلی الله علیه و آله: صدقت وصدقت . ففرحت فاطمة علیها السلام بذلك وتبسمت حتى رئي ثغرها .. إلى آخر الرواية .. ولماذا لم تذكر أيها المفتري نفي الإمام علي علیه السلام أنه خطب بنت أبي جهل، بل وإنه لم يحدث نفسه بها؟! ولماذا لم تذكر قول الرسول صلی الله علیه و آله لعلي: صدقت وصدقت؟ وهل أردت أيها الكاتب أن تقنع القراء ببترك نفي الإمام علي علیه السلام لتلك الخطبة المزعومة وتصديق رسول الله صلی الله علیه و آله لعلي علیه السلام ؟!

وقد أراد هذا الكاتب أن يطعن بالشيعة وبأميرهم أمير المؤمنين علیه السلام فقال: (والغريب هنا أنّ هذه المقولة قيلت بناء على إغضاب علي لفاطمة علیهم السلام) ولنا عدة تساؤلات بخصوص تقولات هذا الناصبي: ألست بقولك هذا تكذب على علي علیه السلام، ألم ترى أيها الكاذب قول أمير المؤمنين علیه السلام: ما كان مني ولا حدثت به نفسي ؟! ألم ترى أيها الكاتب قول رسول الله صلی الله علیه و آله لعلي علیه السلام: صدقت وصدقت ؟! فكيف ترمي أمير المؤمنين بأنه أغضب فاطمة علیها السلام ؟!

ولكن إذا عرف السبب بطل العجب ! فالكاتب أراد أن يبطل قول رسول الله (فاطمة علیها السلام بضعة مني يغضبها ما يغضبني) وذلك برمي علي علیه السلام بإغضاب فاطمة علیها السلام، ويبطل إشكال الشيعة في مسألة غضب الزهراء سلام الله عليها . ولذلك قال: ولو كان إغضاب فاطمة

رضوان الله عليها أو رضاها سبباً في إيمان أو كفر لَلَحِقَ الوعيد علي بن أبي طالب قبل أبي بكر !! وأخيرا أيها الكاتب الكاذب المفتري على الزهراء علیها السلام وأمير المؤمنين علیهما السلام ، وعلى رسول الله صلی الله علیه و آله: لماذا ترفض أن تقول فاطمة علیها السلام ؟ وتصر على القول رضوان الله عليها، بينما قال البخاري: مناقب فاطمة علیها السلام ؟! راجع صحيح البخاري، ج 5، كتاب فضائل أصحاب النبي، باب 61 مناقب فاطمة علیها السلام . وقال النبي صلى الله عليه (وآله)

ص: 474

وسلم: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، ص 96 . ولو أضفنا تصغيرك لشأن الزهراء علیها السلام وافتراءاتك على أمير المؤمنين علیهما السلام ، لعلمنا بأن أفضل كلمة تنطبق عليك هي (ناصبي)

يا ناصبي وهدية لك أيها الكاتب الكا؟ب: 1265 - عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أخبرته أن فاطمة ابنة رسول الله صلی الله علیه و آله سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله صلی الله علیه و آله مما أفاء الله . فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: لا نورث ما تركنا صدقة . فغضبت فاطمة

بنت رسول الله فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ستة أشهر. رواه البخاري ص 504 الجزء الثالث - كتاب الخمس - طبعة دار القلم .

السلام عليك يابضعة المصطفى يافاطمة الزهراء علیها السلام .

فهل ترون أيها الأخوة في هذا الموضوع أي إساءة أو مخالفة لقوانين هجر العزيزة حتى يحذف بالكامل ؟ وادخلوا في هذه المواضيع لتروا حالة التخبط لدى مشرفي هجر والمحرر العام:

http://www.hajr.org/hajrhtml/Forum7/HTML/000175.html

http://www.hajr.org/hajrhtml/Forum7/HTML/000173.html

http://www.hajr.org/hajrhtml/Forum7/HTML/000174.html

http://www.hajr.org/hajrhtml/Forum7/HTML/000166.html

http://www.hajr.org/hajrhtml/Forum7/HTML/000172.html

http://www.hajr.org/hajrhtml/Forum3/HTML/002336.html

وهل من حق المحرر العام أن لا يرد على استفساراتنا وتساؤلاتنا، بينما يريد أن يغير المراقبين على هواه ؟ وهذا يقودنا إلى تساؤل آخر هل باعوا شبكة هجر الثقافية الحبيبة، أم أعاروها؟ أم إن المحرر العام (تسمية جديدة) يستغل عدم وجود الأخ العزيز: موسى العليلكي يلعب على هواه ويدمر هجر العزيزة ؟ أم إنه

ص: 475

يستغل قلة عدد المراقبين ليفرض قراراته على أصحاب هجر العزيزة ؟ ومن يرضى بذلك أيها الأخوة الكرام يا أتباع أهل البيت ؟؟

وهل ترضون بما يحدث في شبكة هجر الثقافية ؟

ونعتذر للأخوة الكرام أصحاب المنتدى والمراقبين لكتابة هذا الموضوع، ولكن اعذرونا فهجر عزيزة علينا ولن نسمح للبعض بالتلاعب بها على هواهم ؟ وهل وصل عنادهم وتلاعبهم لدرجة أن يحذفوا موضوع تشرفنا بالدفاع به عن مولاتنا سيدة نساء العالمين وعن ابن عمها أمير المؤمنين علیهما السلام ؟ فهل كتبت الموضوع في سحاب نت أم ساحة المسلول أم في هجر الشيعية؟

- وكتب الموسوي بتاريخ 4-3-2000، العاشرة ليلاً:

الأخ العزيز الغالي سيدنا الفاطمي .. أين كنت هذه الفترة ؟؟ سأقول لك كلاماً والله شاهد على ذلك: لقد ظننت أنك مسافر لأن كثيراً من الأسماء غابت خلال الفترة السابقة، وأنا قرنت ذلك الغياب بموسم الحج، ولكنني فوجئت قبل يومين حينما فتحت شبكة هجر (وأنا لا أفتحها إلا كل أسبوعين أو ثلاثة مرة) حيث رأيت أن اسمك موجوداً هناك ؟ فقلت في نفسي: إن الموقع الطبيعي لسيدنا الفاطمي هو شيعة لنك، فلماذا تركنا إلى هجر ؟ وعندما أقول الطبيعي لأنك أعلم مني بما آلت إليه الأمور في هجر . إنه لأمر محزن ما يجري فيها، لم يكن يعجبني شروطها الكثيرة حينما كانت تسمح بالحوار المذهبي فكيف بعد أن منعته ؟! لقد تحولت إلى هيكل من دون محتوى، والكتابات تكشف عن ذلك !!

المهم رأيت أن موضوعين من مواضيعك مغلقة، وأنت تحاول الضغط عليهم للسماح بالنقاش، ولكن الجماعة كما عبرتم في "شخير هادئ"!!

ص: 476

ثم قرأت تعليقك على استقالة أحد المشرفين ومحاولتك إيقاف هذه الاستقالة دون جدوى، فقد أسرعوا بالاستجابة لاستقالته !

لايهمني ذلك فهو أمر داخلي ولكن ماحيرني هو تجميد نشاطك في هجر وتركك ساحتنا التي تسمح لمثل قلمك الذي يغيظ المعاندين والمكابرين !

وكنت - ويشهد الله على ما أقول - قد نويت أن أكتب موضوعاً إليكم تحت عنوان (إلى الأخ العزيز الفاطمي: لماذا هجرتنا إلى هجر المهجورة) عصر هذا اليوم لولا أن حالت بعض الأمور، وكم أسعدني أن رأيت أنك سبقتني برجوعك ثانية، وبقدر سروري كان ألمي بالموضوع الذي رجعت به إلينا فهو يحكي آهات وآهات .

سامح الله المسؤولين في هجر وأعاد الله هجر إلى سابق عهدها .

نورت المنتدى أخي العزيز، وأنا أعتبرها بشارة لي ولباقي الأخوة .

- وكتب ناصر بتاريخ 5-3-2000، الثامنة صباحاً:

الأخ العزيز الفاطمي .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أنا من القراء المدمنين لمقالاتك الهادفة والرائعة والرادعة في نفس الوقت للمعتدين على حرمة أهل بيت النبوة والعترة الطاهرة علیهم السلام، ولاسيما سيدتي ومولاتي سيدة نساء أهل الجنه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها أفضل الصلاة والسلام . وقد أحزنني ماحصل لك وما آلت اليه الأوضاع في هجر التي لم تكن على المستوى الذي عهدته بها، فقد كنت وأعتقد تذكر أني أحد الكتاب بها وقد سافرت وعدت بعد أشهر لأرى وأقرأ من بعيد أن الأوضاع قد تغيرت والنوايا اختلفت، وأصبحت الموالاة لأهل البيت والكتابة عن ظلامتهم عليها علامة استفهام، فقررت الكتابة هنا وأنا لا أزور هجر إلا قليلاً جداً . . . .

ص: 477

أخي العزيز: أشعر بغصة وألم مثلما تشعر به أنت، فأنا قد هجرت هجر ولكن يبقى هذا في قلبي، لأني اشعر أن البوح به أشد إيلاماً .. أعتقد أنك تعرف لماذا وأتمنى أن تعود هجر لمسيرتها السابقة نصيرة للحق وسيفاً مسلطاً على الباطل وأهله . . . تمنياتي لك بالتوفيق والسعادة .

- وكتب عمار بتاريخ 5-3-2000، العاشرة صباحاً:

السلام عليكم .. أنا معك أخي الموسوي وقد أساءنا فعلاً ما يحدث لهجر، وخاصة أسلوب المراقب العام مع الزميل الفاطمي سائلاً إياه عدم التدخل في سياسة هجر، وكأن الأخوة هناك نسوا أن القوانين نوقشت من قبل جميع الأعضاء، وأنه من حقهم إبداء الرأي والانتقاد .

كما وأن الذي أحزنني هو حسن معاملتهم للأخوة السنة الضيوف والذين نخليهم على راسنا، ولكن هذا لا يعني أن تكون معاملتهم للشيعة مختلفة على حساب أنه من عندنا ويتفهم وضعنا .

أنت غالي وعزيز علينا يالفاطمي، وما نقدر على زعلكم والله حبيب قلبي .. وأرجو أن يكون ما قمنا به مؤشر يراه الأخوة هناك، ويستيقظوا قبل فوات الأوان . والسلام عليكم .

- وكتب صعصعة بن صوحان بتاريخ 5-3-2000، الثالثة ظهراً:

هجر مع الأسف أصبحت متقلبة الأطوار . في أيام هجر السابقة كنت إذا دخلت الموقع يصيبني شعور بالإطمئنان والراحة النفسية، ولكن المدة التي مرت كنت أحس بإحساس الغريب !!

والحمد لله قبل فترة وجيزة اكتشفت أني عندما أدخل إلى شيعة لنك أرتاح نفسياً وأحس بالإطمئنان . فقلت هذا هو السر المكمون في الجلوس مع الإخوة

ص: 478

وأي إخوة .. أحب إخوة . يبدو أني راح أشيل قشي . ولا أنسى أن أقول: ربما تكون هناك ضغوط ..... والله أعلم .

- وكتب الفاطمي في شبكة الموسوعة الشيعية، بتاريخ 25-11-1999 العاشرة ليلاً، موضوعاً بعنوان (

ولأي الأمور تدفن ليلاً .. .. بضعة المصطفى ويعفى ثراها ؟

)، قال فيه:

الأخوة الكرام السلام عليكم:

ولأي الأمور تدفن ليلاً بضعة المصطفى ويعفى ثراها ؟!

فمضت وهي أعظم الناس شجواً في فم الدهر غصة من جواها !!

و ثوت لا يرى لها الناس مثوى أي قدس يضمه مثواها ؟!

قال البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم، باب رقم 61 مناقب فاطمة علیها السلام: قال: فاطمة علیها السلام، وقال النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم: فاطمة سيدة نساء العالمين . وذكر قول الرسول صلی الله علیه و آله: فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني . ح رقم 278 ص 96 ج 5 ط / دارالقلم . عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أخبرته أن فاطمة ابنة رسول الله صلی الله علیه و آله سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله صلی الله علیه و آله مما أفاء الله .فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: لا نورث ما تركنا صدقة .فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ستة أشهر . رواه البخاري ص 504 الجزء الثالث، كتاب الخمس، طبعة دار القلم .

- ثم كتب الفاطمي بتاريخ 28-11-1999، الحادية عشرة ليلاً:

ص: 479

هل من مجيب، فيجاوب .. هل من مجيب ؟

- ثم كتب الفاطمي بتاريخ 29-11-1999، الثانية عشرة ظهراً:

هل من مجيب، فيجاوب . . . هل من مجيب فيجاوب . . .

آآآه يا رسول الله .. أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها، فأحفها بالسؤال واستخبرها الحال .

السلام عليك يا فاطمة الزهراء علیها السلام السلام عليك يا بنت رسول الله .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 1-12-1999، الثامنة صباحاً:

الظاهر ما في رجال ترد ؟ ؟

- وكتب المدعو الشجن بتاريخ 1-12-1999، الثانية ظهراً:

إلى الأخ العزيز الفاطمي . . هذا ليس اكتشافاً، فنحن نعرف منذ زمان أنه ليس فيهم رجل ولا رشيد ولا ولا ولا... ولكن ماقولك فيمن يدعي التشيع والولاء لأهل البيت، بل يدعي السيادة والانتساب اليهم صلوات الله عليهم، ويقول بأن الزهراء علیها السلام رضيت عن الشيخين قبل موتها، ويقول بأنها لم تدفن ليلاً، وأن قبرها صار معلوماً . ثم ماذا تقول فيمن يؤيد الضال المضل صاحب هذه المقولة ؟ الحق لا يتجزأ، كما ندين الوهابيين لإنكارهم ظلامة الزهراء علیها السلام ودفاعهم عن ظالميها، كذلك علينا أن ندين فضل الله، وندين أي شخص يتخذ هذا الموقف، مهما كان إذا أنكر حق الزهراء علیها السلام روحي فداها ودافع بذلك عن غاصبيها وظالميها . . . فهو مشمول بحكمهم .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 1-12-1999 الثالثة ظهراً:

الأخ العزيز الشجن . . السلام عليكم .

ص: 480

الأفضل أخي العزيز تفتح صفحة لقولك هذا، وأنا أريد الإجابة من الغير والحق ما يتجزأ كما قلت . فيا أخي العزيز: إفتح صفحة علشان نشوف الردود لعل في خطأ أو ماشابه . وليست هذه الصفحة المكان المناسب لطرح موضوعك ويعلم الله إنني لا أدري عماقلته ولا أتابع ما يجري هناك . . البيت . . الدوام . . البيت . من بعد وفاة الوالد الله يرحمه، حتى الدواوين . . قمت أخفف من الروحة لها . والسلام عليكم .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 3-12-1999، الخامسة صباحاً:

ما في بشر ترد .. ويقولون إحنا نحب أهل البيت .. كذب وإفتراء !!

- وكتب المدعو محب الحكمة بتاريخ 4-12-1999، الواحدة ظهراً:

ولماذا تصرّ أيها الأخ الفاطمي على الجواب ؟ وهل تظن أن الجواب ممكن، قبل أن يأتي الآخذ بثارها؟! وهل تعتقد أن عالمنا المعاصر يحتمل الاجابة على سؤالك هذا ؟ ألا تعتقد أن كل الحقائق دفنت معها في جنح الظلام حينما دفنت علیها السلام ليلاً ؟ ألا ترى كم نحن وهم وكل الناس تتخبط في الظلمات من بعد ما غيبب نورها وضياؤها ؟

ألا ترى أن اختلافنا وتشتتنا وضعف عقولنا هو دليل آخر على أن الحقيقة ما زالت تدفن وتخفى في عالمنا الاسلامي منذ اليوم الذي دفنت فيه البضعة الطاهرة ليلاً ؟!

أخي الفاطمي أجبني على واحد من هذه الأسئلة ففي كل واحد منها تجد الاجابة على سؤالك المطروح ؟ وأخيراً إعلم أخي الفاطمي أن مثل هذه الأسئلة أسئلة غير مشروعة في عالمنا الاسلامي !!

ص: 481

- وكتب الفاروق بتاريخ 4-12-1999، الواحدة ظهراً:

يا ثارات الحسين رضي الله عنه وأرضاه .

لم أجد شعاراً للغائب أغرب من هذا الشعار، ولم أجد شعار للغائب يقول: يا ثارات فاطمة رضي الله عنها .

الفاطمي: راجع ابن كثير في ترجمه فاطمة الزهراء علیها السلام بضعه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأنت ستجد الإجابة، أم تحسب أن هذا السؤال هو الفيصل في قضية الشيعة ؟ والسلام على أهله .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 4-12-1999، الثانية ظهراً:

حياك الله يابو راشد . . وأنا أعرف إنه لا يوجد أحد يتجاسر ويرد غيرك أو وجهك الآخر عمر . قلت: (راجع ابن كثير تقصد التاريخ أو التفسير الظاهر طايح على ديسكه.. وإنت وعمر طايحين له نقل، وليش ما نقلته إنت؟ أو أنك غير مقتنع بالذي قاله ابن كثير ؟؟ ولو كنت ناقله لوجدت الرد عليه ؟

ولأي الأمور تدفن ليلاً .... بضعة المصطفى ويعفى ثراها ؟!

- وكتب الفاطمي أيضاً بتاريخ 10-12-1999، العاشرة صباحاً:

أممممم . لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

- وكتب الفاطمي بتاريخ 12-12-1999، الثانية صباحاً:

أممممم . لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

السلام عليك يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- ثم كتب الفاطمي بتاريخ 23-12-1999، الحادية عشرة ليلاً:

السلام عليك يا بنت رسول الله .. السلام عليك يا بنت نبي الله .

ص: 482

السلام عليك يا بنت حبيب الله .. السلام عليك يا بنت خليل الله .

السلام عليك يا بنت صفي الله . السلام عليك يا بنت أمين الله .

السلام عليك يا بنت خير خلق الله ..

السلام عليك يابنت أفضل أنبياء الله ورسله .

السلام عليك يا بنت خير البرية .

السلام عليك يا سيدة نساء العالمين، من الأولين والآخرين .

السلام عليك يا أم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة.

السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة .

السلام عليك أيتها الرضية المرضية .. السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية .

السلام عليك أيتها الحوراء الإنسية .. السلام عليك أيتها التقية النقية .

السلام عليك أيتها المحدثة العليمة .

السلام عليك أيتها المظلومة المغصوبة .

السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة .

السلام عليك يا فاطمة علیها السلام بنت رسول الله ورحمة الله وبركاته .

صلى الله عليك وعلى روحك وبدنك أشهد الله أن من سرك فقد سر رسول الله . ومن جفاك فقد جفى رسول الله، ومن آذاك فقد آذى رسول الله . ومن وصلك فقد وصل رسول الله، ومن قطعك فقد قطع رسول الله . لأنك بضعة منه وروحه التي بين جنبيه، أشهد الله ورسله وملائكته أني راض عمن رضيت عنه، ساخط عمن سخطت عليه . ومبغض لمن أبغضت وموال لمن واليت . يا سيدتي ومولاتي يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

ص: 483

- كتب الفاطمي في شبكة هجر بتاريخ 29-12-1999، الثانية والثلث ليلاً، موضوعاً بعنوان: (ولأي الأمور تدفن ليلاً ... بضعة المصطفى ويعفى ثراها ؟ وتفضل هنا يا محب لنرى جوابك ؟)

الزميل المحب حياك الله .. وللأخوة الكرام: هذه صفحة ثنائية الحوار فالرجاء الإلتزام . السلام عليك يا بضعة المصطفى يا فاطمة الزهراء علیها السلام .

- فكتب محب أهل البيت بتاريخ 31-12-1999، الواحدة وأربعين دقيقة عصراً:

إذا أردت الاجابة فهي أن أبا بكر الصديق استدل بحديث صحيح عند الفريقين السنة والشيعة، وكلام رسول الله صلی الله علیه و آله فوق كل كلام، فوق كلام أبي بكر وكلام فاطمة .

النقطة الثانية، فاطمة لم تغضب من أجل رؤيتها أن أبا بكر غصبها فدك دون وجه حق، ولكنها غصبت منه حينما قالت له بعد استدلاله بالحديث بأنها تريد أن تعطى لها ولزوجها فدك، لا كحق لها لكن لتسير هي وزوجها على ماسار عليه رسول الله من تقسيم فدك في مصارفها، أبو بكر رفض ذلك باعتباره خليفة المسلمين وأمينا على بيت المال، فغضبت من ذلك فاطمة ! هذه هي الاجابة على سؤالك باختصار ما هي النقاط التي تريد إثارتها في المسألة ؟

- وكتب الفاطمي بتاريخ 1-1-2000، الثانية عشرة والنصف ظهراً:

الزميل المحب، حياك الله .

ص: 484

أولاً: أنا وأنت لا نقبل ردود بدون إثباتات من القرآن الكريم ومن الصحاح وما صح من الكتب الأخرى، وردك كان بدون دليل أو إثبات يسنده، كان مجرد جواب بدون أدلة !

عموماً أيها الزميل قلت: (إذا أردت الاجابة فهي أن أبا بكر الصديق استدل بحديث صحيح عند الفريقين السنة والشيعة . .) .

أقول: 1): نريد إثبات من كتبنا أن الحديث صحيح لدينا، وقبل تخريب هجرأوردت أنت روايةمن الكافي وأوردت استدلال الإمام الخميني وأعطيتك الرد على ذلك، فإذا تريد إيرادها مرة أخرى فحياك الله، وإذا عندك روايات أخرى، فأيضاً حياك الله. ولنبدأ من جديد يا زميلي .. والرجاء أن تورد الأدلة أخي: 1265- عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أخبرته أن فاطمة ابنة رسول الله صلی الله علیه و آله سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله صلی الله علیه و آله مما أفاء الله فقال لها أبو بكر إن رسول الله صلی الله علیه و آله قال لا نورث ما تركنا صدقة فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ستة أشهر. رواه البخاري ص 504 الجزء الثالث - كتاب الخمس - طبعة دار القلم . السؤال الأول: لماذا غضبت فاطمة الزهراء؟ وهل كانت على حق أم على خطأ ؟

السؤال الثاني: هل النبي صلی الله علیه و آله يورث، أم لا ؟ نريد أدلة وإثباتات على كل ما تقوله وأقوله يا محب ؟ فالنقاش كما قلت يا زميلي هو نقاش علمي وليس مجرد جدال .

السلام عليك يابضعة المصطفى يافاطمة الزهراء علیها السلام .

ص: 485

قال العاملي: وغاب المسمي نفسه محب أهل البيت، ولم يجب !

الرد على شبهات فضل الله

. .

جرت في شبكات الانترنت مناقشات عديدة لمقولات فضل الله المخالفة لمذهب أهل البيت علیهم السلام حول ظلامة الزهراء علیها السلام ..

وقد حاول النواصب والمخالفون الاحتجاج بها، وناقشهم فيها عدد من الفضلاء الشيعة .. ونظراً لكثرتها لم يتسع لها المجال في هذا المجلد، لكن رأينا من الضروري الإشارة اليها، وننصح بقراءة كتاب مأساة الزهراء علیها السلام وكتاب خلفيات مأساة الزهراء علیها السلام . . للباحث القدير السيد جعفر مرتضى، فقد استقصى الشبهات التي طرحها فضل الله، وأجاب عنها بالتفصيل .

تم المجلد السابع من كتاب:

الإنتصار - أهم مناظرات الشيعة في شبكات الانترنت

ويليه المجلد الثامن إن شاء الله وموضوعه:

(دفاعاً عن الامامين الحسن والحسين علیهما السلام )

ص: 486

فهرس المجلد السابع من كتاب الإنتصار

مقدمة 3

الفصل الأول خلافة النبي (صلی الله علیه و آله كانت مطروحة في حياته 5

شهود بالجملة على كذب لاءات قريش ! 8

الفصل الثاني المؤامرات القرشية اليهودية على النبي صلی الله علیه و آله 23

أكثر من عشرين محاولة لاغتيال النبي.. وأضعافها مؤامرات ! 25

المحاولة الأولى: محاولة قريش اغتيال النبي (صلی الله علیه و آله في طريق عودته من تبوك 26

الثانية: محاولات قريش اغتيال النبي صلی الله علیه و آله في معركة حنين . 28

الثالثة: مؤامرة سورة التحريم 32

الرابعة: حادثة هجر النبي صلی الله علیه و آله نسائه شهراً 33

الخامسة: تصعيد عمل قريش ضد علي بن أبي طالب 34

السادسة: منع تدوين سنة النبي صلی الله علیه و آله في حياته 35

السابعة: محاولة اغتيال النبي صلی الله علیه و آله في طريق عودته من حجة الوداع 36

الثامنة: تصعيد قريش انتقادها لأعمال النبي صلی الله علیه و آله 36

التاسعة: إصرار قريش على مخالفة النبي صلی الله علیه و آله ومنع مسير جيش أسامة 37

العاشرة: قرار قريش المواجهة المباشرة مع النبي صلی الله علیه و آله ! 38

الحادية عشرة: توفي النبي صلی الله علیه و آله .. مسموماً 39

ص: 487

الفصل الثالث النبي صلی الله علیه و آله يعلن قرب موته .. ويدعو الناس الىحجة الوداع 43

1- الإعداد والإستعداد من النبي صلی الله علیه و آله .. ومن قريش 45

2- تخليد النبي صلی الله علیه و آله لمحصب الخيف مكان مؤتمر قريش ضد بني هاشم ! 47

3- تحذير النبي صلی الله علیه و آله لقبائل قريش من الطغيان بعده ! 50

4- إعلان النبي صلی الله علیه و آله أن صحابته سيتقتتلون على السلطة بعده ! 51

5- إعلان النبي صلی الله علیه و آله أن صحابته في النار إلا مثل همل النعم ! 53

6- تحذير النبي صلی الله علیه و آله أمته من بدايات الانحراف الصغيرة 57

7- إعلان النبي صلی الله علیه و آله تمييز بني هاشم بمالية خاصة 1 61

8- إعلان النبي صلی الله علیه و آله اللعنة الالهية على من تولى غير أهل البيت ! 65

9- تأكيد النبي صلی الله علیه و آله على أداء الفرائض وإطاعة ولاة الأمر من عترته 72

10- تحذير النبي صلی الله علیه و آله من الكذابين عليه في حياته وبعد وفاته ! 73

11- إعلان النبي صلی الله علیه و آله مبادئ احترام الإنسان المسلم وحرياته الشخصية 74

12- إعلان النبي صلی الله علیه و آله فريضة التمسك بالثقلين القرآن والعترة 77

13- بشارة النبي صلی الله علیه و آله أمته بالأئمة الإثني عشر من بعده 80

14- إعلان النبي صلی الله علیه و آله علياً ولياً للأمة بعده والإمام الأول من الإثني عشر 85

الفصل الرابع فاطمة علیها السلام وعلي علیهما السلام في حجة الوداع 91

1 - العظماء الخمسة 93

2- علي علیه السلام فاتح اليمن 94

3- من تحريكات الحزب القرشي ضد علي علیه السلام 99

4- أضحية النبي صلی الله علیه و آله مئة من الإبل .. وعلي علیه السلام شريكه فيها ؟ 102

5- عدد المئة من الإبل .. أيضاً يغيض قريشاً ! 106

6- يا فاطمة علیها السلام .. قومي الى أضحيتك فاشهديها 109

ص: 488

7- خواطر الصديقة الطاهرة بعد حجة الوداع 110

الفصل الخامس النبي صلی الله علیه و آله يحاول إبعاد عاصفة الحزب القرشي عن الاسلام 117

سعي النبي صلی الله علیه و آله قبل وفاته لترتيب الحكم بعده 119

2- حساسية قريش من البشارة النبوية بالأئمة الاثني عشر ! 120

3- مبعوث قريش الوقح من بني عبد الدار .. ! 122

4- زعماء الأنصار يعرضون خدماتهم على النبي صلی الله علیه و آله 123

5- أعظم عرض في تاريخ الأنبياء .. وأسوأ رد من صحابته ! 128

6- جيش أسامة.. قرار نبوي بإبعاد المخالفين لعلي علیه السلام من المدينة ! 131

جيش أسامة أمر رباني نزل فيه الوحي ! 134

أول ما برز المنشقون على النبي صلی الله علیه و آله في كتابة الكتاب وجيش أسامة ! 135

أمرالنبي صلی الله علیه و آله المنشقين بالسفر في جيش أسامة .. عندما رفضوا كتابة الكتاب.. 135

خطة التثاقل والتخلف القرشية عن جيش أسامة ! 136

أبو بكر وعمر والمتسللون لواذاً من معسكر أسامة ! 139

العلاقة بين لدِّهم للنبي .. وبين عملهم لإفشال جيش أسامة ! 141

إفشال قريش جيش أسامة .. مقدمات العاصفة على آل الرسول ! 143

طرق المدينة هذه الليلة شر عظيم !! 144

سعد بن عبادة وعدو الحزب القرشي كان أيضاً في جيش أسامة ! 148

الفصل السادس فاطمة علیها السلام في مرض النبي صلی الله علیه و آله 149

1- فاطمة علیها السلام الطفلة الصديقة .. المجاهدة !! 151

2- فاطمةوعلي علیهم السلام والحسنان .. مخصوصون بأسرار النبوة!! 155

ماكنت لأفشي على رسول الله سره ! 156

3- فاطمة علیها السلام لأبيها: أخشى على نفسي وولدي الضيعة من بعدك 159

ص: 489

4- الله .. يا يوم الاثنين 164

5- الساعات الأخيرة من عمر خير البشر 167

6- غابت عائشة وحفصة وأبو بكر وعمر.. عن جنازة النبي صلی الله علیه و آله ! 169

7- بات آل محمد بأطول ليلة ..! 173

8- علي علیه السلام وفاطمة علیها السلام ينفذان وصية النبي صلی الله علیه و آله 175

9- منع أبي بكر وعمر فاطمة الزهراء علیها السلام من إقامة مجالس البكاء على أبيها ! 179

فاطمة علیها السلام .. وبيت الأحزان 181

لماذا تنتحبين يازهراء ..؟! 184

الفصل السابع عاصفة السقيفة القرشية على آل الرسول 197

1- فهرس بالأحداث أيام مرض النبي صلی الله علیه و آله ووفاته ! 199

فهرس بأهم الأحداث لأيام وفاة النبي صلی الله علیه و آله 200

2- هجومان على بيت فاطمة علیها السلام وعلي علیه السلام ! 205

الفصل الثامن غضب فاطمة علیها السلام على السلطة.. وأن غضبها غضب الله تعالى 237

زعمهم أن علياً أغضب فاطمة علیها السلام، وأراد أن يتزوج عليها ! 239

الفصل التاسع سياسة الخلافة القرشية في عزل أهل البيت وإفقارهم! 271

حديث استثناء الأنبياء من قانون التوريث .. لم يروه إلا أبو بكر !! 273

محاولتهم تصويرهم قضية فدك بأنها خلاف فقهي محض ! 286

محاولاتهم تبرير ظلم أبي بكر بتضييع فدك بين النحلة والارث ! 299

العالم الوهابي جاكون يحاول التزوير ! 318

محاولتهم الاحتجاج على الشيعة بأن المرأة لا ترث من العقار ! 336

الخطبة النارية للصديقة الزهراء علیها السلام في المسجد النبوي 359

ص: 490

كلامها صلی الله علیه و آله في توبيخ الصحابة 371

الفصل العاشر مقام الصديقة الزهراء علیها السلام (علیه السلام) عندالله تعالى وعند رسوله صلی الله علیه و آله 373

عائشة تشهد بأن فاطمة علیها السلام أصدق الناس لهجة بعد النبي صلی الله علیه و آله 375

من أحاديث مقام الصديقة الزهراء علیها السلام في مصادر السنيين 403

عائشة تتحدث عن الزهراء علیها السلام بإجلال وإكبار 404

آخر من يودعه النبي صلی الله علیه و آله فاطمة علیها السلام، وأول من يزوره بعد عودته .. فاطمة علیها السلام 405

قصة تسبيح الزهراء علیها السلام الذي التزم به الشيعة ونسيه غيرهم 405

الرسول يباهل النصارى بأمر ربه .. بأفضل أهل الأرض 407

تحديد النبي صلی الله علیه و آله لأهل بيته تحديداً حسياً ! 407

وعلم النبي صلی الله علیه و آله أنه يوجد من يظلم أهل بيته ويحاربهم .. فأعلن موقفه معهم. 408

فاطمة علیها السلام أفضل نساء العالمين .. وبعدها أمها خديجة ومريم بنت عمران 410

الفصل الحادي عشر لماذا قبر فاطمة الزهراء علیها السلام .. مجهول ؟! 415

وصية فاطمة علیها السلام أن تدفن ليلاً ولا يحضروا جنازتها 417

الفصل الثاني عشر السيد الفاطمي .. الفاطمي 429

مناقشة بين الفاطمي والفقيه في حديث: لانورث ما تركناه صدقة 431

ولأي الأمور تدفن ليلاً . . . بضعة المصطفى ويعفى ثراها ؟! 479

الرد على شبهات فضل الله 486

ص: 491

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.