الاسباب و العلامات المجلد2

اشارة

سرشناسه:نفیس بن عوض، -842؟ق.

عنوان قراردادی:الاسباب و العلامات .شرح

عنوان و نام پديدآور:شرح الاسباب والعلامات/ تالیف نفیس بن عوض کرمانی؛ تصحیح و تحقیق موسسه احیاء طب طبیعی؛ به سفارش موسسه مطالعات تاریخ پزشکی، طب اسلامی و مکمل.

مشخصات نشر:تهران: جلال الدین، 1387 -

مشخصات ظاهری:2ج.

فروست:موسسه احیاء طب طبیعی؛ 9

شابک:210000 ریال: 978-964-8410-61-8

يادداشت:عربی.

يادداشت:چاپ قبلی: تهران: موسسه مطالعات تاریخ پزشکی، طب اسلامی و مکمل، 1383.

يادداشت:ای کتاب شرحی بر کتاب " الاسباب والعلامات" تالیف محمدبن علی سمرقندی است.

موضوع:سمرقندی، محمدبن علی، - 619ق. . الاسباب و العلامات -- نقد و تفسیر.

موضوع:پزشکی اسلامی -- متون قدیمی تا قرن 14

پزشکی سنتی -- متون قدیمی تا قرن 14

شناسه افزوده:سمرقندی، محمدبن علی، - 619ق. . الاسباب و العلامات. شرح.

شناسه افزوده:موسسه احیاء طب طبیعی

شناسه افزوده:موسسه مطالعات تاریخ پزشکی٬ طب اسلامی و مکمل

رده بندی کنگره:R128/3/س8الف50218 1387

رده بندی دیویی:610/917671

شماره کتابشناسی ملی:2042845

ص: 1

الباب الثانى عشر: في أمراض الكبد

اشارة

ص: 2

* الباب الثانى عشر: في أمراض الكبد

الفصل الأول: في سوء مزاج الكبد

الفصل الأول: في سوء مزاج الكبد(1)

يكون إما حارّا. و علامته: شدة العطش و خشونة اللسان؛ لأن الحرارة تنشف رطوبته بمشاركة فم المعدة فتجتمع اجزاؤه لضرورة الخلّاء و يختلف وضعها الإرتفاع و الإنخفاض و قلة الشهوة(2) لما يسخّن فم المعدة بالمشاركة فيسترخى و تسقط الشهوة و يبس البطن(3)؛ لأن الكبد بسبب حرارته يجذب جميع مائية الكيلوس فيجفّ البراز و حمرة(4) الماء لكثرة تولد الصفراء في الكبد و اختلاطها مع البول و الحمى لسريان مزاجها الى جميع البدن لكونها من الأعضاء الرئيسية و حرارة موضع الكبد من غير وجع لا لأن سوء المزاج غير موجع كما هو رأى «جالينوس» بل لأن الكبد عضو عديم الحس لا يدرك المنافى و أما غشاؤه فانه إنما يتالم إذا كان سوء المزاج في نفسها، أو كان في الكبد سبب يوجب التمدّد

ص: 3


1- 1. ( 1). معالجات واعظى:ILL temperament of the liver .
2- 2. ( 2). اعلم أن سقوط الشهوة انما يحدث عن حرارة الكبد اذا لم تكن تلك الحرارة معينة على الجذب و التحليل و الا فقد يكون مقوية للشهوة.
3- 3. ( 3). و لا يكون ذلك دائما لان ما يذوب من الأخلاط و الأعضاء إذا اندفع الى الأمعاء احدث الإختلاف.
4- 4. ( 4). يريد بذلك ناريته أو زعفرانيته.

فيها و قى ء(1) المرار و اختلافه إن كان مع مادة صفراوية فينصبّ شى ء منها الى المعدة و يخرج عنها بالقى ء و الإسهال.

و علاجه: تبريد الكبد بماء الهندباء(2) و السكنجبين و نحو ذلك و بالأضمدة الباردة مثل عصارة القرع و القثاء مع دقيق الشعير و العدس و الفوفل و الصندل و الورد الأحمر و المزورات المتخذة بالأنبرباريس و التمر الهندى و نحوهما مثل الرمان المز و الريباس و التوت الشامى مع الماش و الاسفاناج و بعضهم يؤثرون(3) ماء الشعير على الأشياء الحامضة القابضة خوفا من تضييق العروق و تخشين جرم الكبد و استفراغ المادة إن كان ماديا بالفصد من الباسليق و الابطى و الاسهال بطبيخ الهليلج مع فلوس الخيار شنبر.

و إما باردا.(4) و علامته: الخلّفة؛ لأن الكبد لبرده لا يجذب صفوة الكيلوس فيندفع مع البراز. و قد تكون الطبيعة يابسة لقلة تولد الصفراء فلا ينصبّ منها شى ء الى الأمعاء و لا يندفع النجو من ذاته و ترهّل البدن و هو أن لا يلتصق الغذاء به التصاقا تاما كاملا فينتفخ و ذلك لقصور الهضم و كثرة الرطوبة الرقيقة البلغمية الدم و فساد اللون(5) لقلة تولد(6) الدم و كثرة اختلاط الرطوبات الفاسدة به و تهبج الوجه لكثرة ارتفاع الأبخرة الغليظة إليه؛ إذ عند ضعف الحرارة الغريزية إنما تتولد فضول رياحية و رطوبات رقيقة تنفش(7) إلى الأعضاء و تحتقن فيها فإن كانت

ص: 4


1- 5. ( 1). و قد يكون القى ء السوداوى لما يندفع الى المعدة عن الأخلاط المحترقة و حينئذ يعرض في اكثر الامراض أعراض الماليخوليا المراقى.
2- 6. ( 2). المتخذ من أوراقها الرطبة بالتوريق و طريقه معروف. أو من بذورها اليابسة نقوعا أو مطبوخا فان لها خاصية في دفع علل الكبد و أوجاعها حارّة كانت أو باردة، فاحفظه.
3- 7. ( 3). خصوصا اذا كان معه سعال؛ فالاجتناب عن الاشياء الحامضة أحوط. فان احتيج إليها، فمثل الاجاص مع العناب أو امثال ذلك ليكون محفوظا عن الغائلة.
4- 8. ( 4). علم من كتب القدماء أن سوء المزاج البارد للكبد أشدّ إضرارا من سائر الأمزجة لمخالفة البرودة لمزاج الكبد فليهتمّ كثيرا في مداواته.
5- 9. ( 5). أى: لون جميع البدن أو لون الوجه.
6- 10. ( 6). و قد كان قلة الدم و غلظه متنافيين لحدوث اشراق اللون لأنه انما يكون اذا كان الدم رقيقا لطيفا كثيرا. و ربما إسودّ اللون أو إخضرّ أو إصفرّ؛ أما السواد فلما يحدث البرد الكمودة و أما الخضرة فلما يتركب مع هذه الكمودة من الصفراء اللازمة لقلة الدم و أما الصفرة فلقلة الدم؛ فإن الصابغ للحمرة اذا قلّ، صبغ الى الصفرة و لذلك ترى أنّ الشراب الأحمر اذا امتزج به الماء كثيرا صار المجموع أصفر.
7- 11. ( 7). أي: تتفرق.

الأعضاء قوية حلّلتها و دفعتها عن نفسها و الّا ارتبكت(1) فيها لا تتحلّل. فإن كان ظهور التهبج في القدمين، كان أقل خطرا مما إذا كان ظهوره في الوجه و العينين(2)؛ لأن الوجه قريب من القلب فلو لا ضعف القلب و الحارّ الغريزى، لم يظهر فيه تهبج و أما القدمان. فإنهما بعيدتان من القلب و وصول الحرارة إليهما إنما يكون إذا كانت كثيرة فائضة جدا و قلة العطش(3) و بياض اللسان و الشفتين و فتور النبض و بياض القارورة و يدل على المادى علامات كثرة البلغم و ثخن القارورة لاختلاط البلغم مع البول.

و علاجه: تسخين الكبد بالمعاجين الحارّة مثل الأثاناسيا و دواء الكركم و الأضمدة الحارّة مثل الأفسنتين و السنبل و أصل الأذخر و القسط و السليخة و الورد و الزعفران مع دهن السوس و الناردين و الأغذية الحارّة المتوبلة مثل الدراج و الطيهوج المطبوخ مع الحمص و الكمون و الشبت و الدار صينى و الخولنجان و استفراغ البلغم في المادى بما يسهل و بما يدر مثل ماء الأصول و طبيخ الزوفا مع مثقال من دواء الكركم(4).

و إما يابسا. و علامته: قضافة البدن و يبسه لقلة تولد الدم و لسريان مزاجه الى جميع البدن و قلة البراز؛ لأن الكبد يستنشف مائية الكيلوس فيجف البراز و يقل حجمه و يبس الفم؛ لأن سطحه متصل بسطح المعدة و قد انتشف الكبد رطوباتها و العطش و صلابة النبض لتمدّد العروق باستيلاء اليبس و الجفاف عليها فلا تنغمز تحت الأصابع و قلة الدم.

و علاجه: الترطيب بالأشربة المرطّبة مثل شراب النيلوفر و الخشخاش و الأطلية مثل ماء القرع و البقلة و الهندباء و الخس مع دهن النبفسج و الأغذية المرطّبة كأدمغة الجداء و الباقلى المقشّر مع دهن البنفسج و كشك الشعير المقشّر و البقول المرطّبة كالاسفاناج و ورق الخس و الخطمى بدهن اللوز و ينبغى أن لا يفرط في الترطيب لئلا يفضى الى سوء القنية و الاستسقاء.

ص: 5


1- 12. ( 1).[ أي: تراكمت].
2- 13. ( 2). يمكن أن يكون المراد من العينين أنفسهما أو الجفنين.
3- 14. ( 3). اذا لم يعرض بلغم معطّش.
4- 15. ( 4). قال« الرازى» في« من لا يحضره الطبيب»: استعماله انما يمنع من[ فى] علل الكبد اذا أزمنت و طالت و صلبت.

و إما رطبا. و علامته: تهبج الوجه و العين لكثرة ارتقاء الرطوبات الرقيقة و الأبخرة الغليظة إليهما و ترهل لحم الشراسيف أى: رخاوته لسخافته و قلة حركته فلا تتحلل عنه الرطوبات الرقيقة التى تتوجه إليه مع الدم و لكثرة انتشافه الرطوبة من الكبد بالمجاورة و الملاصقة و رطوبة اللسان و لين الطبيعة؛ لأن الكبد لا يجذب رقيق الكيلوس بالتمام و الانتفاع بالأطعمة الناشفة و قلة العطش.

و علاجه: كل ما يجفف من الأغذية مثل القبج مع القرنفل و الدار صينى و المصطكى و الزعفران و مثل المصوص و القلايا المتوبلة و الكردناج و الأدوية مثل الاطريفل و دواء الكركم و الرياضة و تقليل الغذاء و الماء و لا ينبغي أن يفرط التجفيف فيؤدى الى الذبول.

و إما حارّا يابسا أو حارّا رطبا(1) أو باردا يابسا أو باردا رطبا. و علامة هذه مركبة من علامات بسيطة و كذلك المعالجات يجب أن تكون مركبة بحسب ذلك المزاج المركب.

ص: 6


1- 16. ( 1). اعلم أن الأطباء المتقدمين لا يسمّون المزاج الحارّة الرطبة الحادّثة في الكبد بسوء مزاج و ان كان مفرطا جدا اذ هم زعموا بأن هذا المزاج مزاج جبلى طبيعى للكبد و الحيوة انما هي بالحرارة و الرطوبة كما أن الموت بالبرودة و اليبوسة.

الفصل الثانى: في ضعف الكبد17

و هو خلل في جميع قواه الأربع أو في بعض منها.

سببه

إما أحد سوء المزاجات الساذجة.

و إما حصول خلط فيها أى: في الكبد لسدد يعرض فيها نفسها فتحتبس الأخلاط فيها أو حصوله فيما يجاورها مثل المرارة فلا تجذب الصفراء، أو الطحال فلا يجذب السوداء أو الكلية أو المثانة فلا يجذبان المائية، أو الرحم كما عند احتباس الطمث فلا يجذب الدم الطمثى فيفسد لذلك دم الكبد، أو لسدد يعرض فيما يجاورها مثل المنفذ الذى بينها و بين المرارة و بينها و بين الطحال أو بينها و بين الكلية فلم تنفصل عنها الفضول المتولدة فيها بل تبقى فيها فتختل أفعاله فتتأدّى المضرة الى البدن كلّه لضعف الكبد و لما تختلط تلك الفضول أيضا مع الدم و تنتشر في البدن.

و إما أمراض آلية تعرض له كالصغر و السدد و الإمتلاء و الرمل و الحصاة أو تفرق الاتصال كالورم و الشق.

و سبب الضعف إن كان قويا يضعف جميع قواه و إن لم يكن قويا يضعف بعض قواه فإن بقى و لم يندفع بسرعة، أدّى من البعض الى الجميع.

ص: 7

و أكثر ما يضعف الجاذبة و الهاضمة من البرد و الرطوبة؛ أما الجاذبة فلأن فعلها إنما يكون بحركة مكانية و البرودة مميتة مخدرة مضادة لجميع الأفعال التى هي الحركا، و الرطوبة ترخى ألياف العصب و تمنعها عن الاندفاع القوى الذى لا بدّ منها في الحركات. و أما الهاضمة فلأن فعلها تفريق ما غلظ و جمع ما رقّ و تقطيع ما لزج و هذه الأفعال حركات لا تتم الّا بالحرارة و أما الرطوبة فإنها و ان كانت معينة قبول فعل الهاضمة من الإحالة و الطبخ و التسييل و التهيئة للنفوذ لكنها إذا أفرطت، أضعفت الحرارة و لينتها فلا يتأتى عنها أفعال الهضم على ما ينبغي و الماسكة من الرطوبة؛ لأن فعلها القبض و حفظ الليف على هيئة الإشتمال الصالح زمانا طويلا و الرطوبة لا رخائها تنافى ذلك و الدافعة من اليبس؛ لأنها إنما تحتاج الى تحريك و الى تكثيف قليل يعين على العصر و الدفع لا بمقدار ما يبقى به الليف حافظا لهيئة القبض زمانا طويلا و إذا أفرط اليبس، أمسك الفضل و حبسه و منعه من أن يندفع.

و علامة ضعف الكبد جملة: اختلاف شبيه بماء اللحم الطرى إذا غسل و ذلك لأن الضعف إن كان في الهاضمة، لم تهضم الكيلوس على ما ينبغي فتبقى المواد مختلطة بعضها ببعض و تكره الطبيعة ذلك و تدفع منه شيئا الى الأمعاء و شيئا الى الكلية و إن كان في الماسكة، لم تمسك الدم و المائية من أن ينحدر الى الأمعاء و إن كان في الدافعة، لم تدفع الدم بتمامه الى الأعضاء و لا المائية بتمامها الى الكلية فيسيل شى ء منه مع المائية الى الأمعاء و شى ء منها إلى الكلية لكن سيلانها الى الكلية يكون أكثر؛ لأن الدم في غالب الأمر لا يندفع الى جهة المقعر الّا إذا كثر الاسهال و تعوّدت الطبيعة الدفع الى تلك الجهة و إنما لا يكون الإختلاف أحمر كما في الإسهال الدموى، لأن الطبيعة هاهنا مجتهدة في التميز فلا يكون الدم الخارج شديد الاختلاط بالبراز حتى يصبغه و لا كذلك في الاسهال الدموى فان الدم فيه يخرج من عروق الأعضاء و ليست فيها قوة مميزة كما في الكبد فلذلك يكون شديد الاختلاط بالمائية بحيث لا يمكن التمييز بينهما و كذا الحكم في البول أيضا، و أما ضعف الجاذبة فهو لا يوجب ذلك الّا إذا ضعفت لضعفها القوى الأخرى و فساد

ص: 8

اللون(1) فيضرب في الأكثر الى صفرة و بياض و ربما يضرب الى خضرة و كمودة؛ لأن ما يتأدى الى سائر الأعضاء من الدم لا يكون نقيا بل مختلطا مع الأخلاط الأخر فيتغير اللون بسبب الخلّط الغالب و قلة الشهوة إما لضعف الكبد عن جذب الكيلوس فتبقى المعدة ممتلئة، أو لضعفه عن دفع الكيموس فيبقى ممتلئا لا يجذب شيئا آخر من المعدة، أو لضعفه عن تمييز السوداء و دفعها الى الطحال حتى ينصبّ منه الى المعدة فيدغدغها و يحرك الشهوة و نحافة البدن أما عند ضعف الجاذبة، فلان الغذاء لا ينجذب من المعدة الى الكبد حتى يندفع الى البدن و أما عند ضعف الهاضمة، فلأن ما يصل إليه من الدم يكون رديئا غير منهضم فلا يصلح للتغذية و كذلك عند ضعف الماسكة لأنها لا تمسك الغذاء الى أن ينهضم و أما عند ضعف الدافعة، فلأنه لا يندفع الغذاء الى البدن على المجرى الطبيعى و وجع ليّن يمتدّ الى الضلع الأخير من الجانب الأيمن خاصة عند نفوذ الغذاء الى الكبد؛ لأنه إذا لم يقو على التصرف في الغذاء على ما ينبغى، امتلأ منه و ظهر فيه الثقل و تمدّد الغشاء و يتألم ألما ليّنا لقلة التمدد بسبب كونه في عضو لحمى ليّن و امتدّ الألم من أعلاه الى أسفله و هو عند الضلع الأخير من أضلاع الخلّف.

و علامة ضعف الجاذبة: كثرة البراز و لينه و بياضه؛ لأنه إذا لم يجذب صفوة الكيلوس من المعدة و الأمعاء، يندفع مع البراز فيكثر البراز لذلك و يرقّ و يبيض.

و علامة ضعف الماسكة و الهاضمة: كثرة البول و الإختلاف و الغساليان لما ذكر و تهبج الوجه لما يندفع الكيموس غير المنهضم الى الأعضاء فما كان منها قويا، يحلّله و يدفعه عن نفسه و ما كان ضعيفا سخيف البنية بعيدا عن القلب كالوجه و العين، لا يقدر على ذلك فيرتبك الفضل فيه لا ينحل و لا يلتصق به فيحدث به التهبج و فساد لونه لما ذكر و رقة الدم لقلة تميز المائية عن الدم و العجز عن امساكها من أن تندفع مع الدم الى العروق.

و علامة ضعف الدافعة: قلّة البول لعجزها عن تميز المائية و دفعها الى الكليتين بالتمام و قلة الحاجة الى دفع البراز لقلة اندفاع الصفراء الى المرارة ثم

ص: 9


1- 18. ( 1). أي: لون جميع البدن.

منها الى الأمعاء فيقلّ لذعها و الاحساس بالحاجة الى القيام و قلة صبغهما لما علم و قلة الشهوة لقلة اندفاع السوداء الى الطحال ثم منه الى فم المعدة، و لأن الكيموس لا يندفع من الكبد على المجرى الطبيعى فيبقى فيه و ينقطع المصّ و التقاصى بالغذاء عن المعدة و ترهّل البدن مع صفرة و سواد مخلوطين ببياض لقلة تمييز الفضول الثلاثة و المائية عن الدم و عدم توزيع كل منها الى مدافعها فينفذ الجميع مع الدم الى الأعضاء فيترهل البدن و يتغير لونه.

و علاج ضعف الكبد: إزالة سببه إن كان السبب سوء المزاجات فقد ذكرت المادية منها و غير المادية و إن كان السبب تفرق الاتصال أو ورما أو سددا، فجيئ و مداواته من بعد.

و أكثر ما يعرض ضعف الكبد، يعرض من البرد و الرطوبة؛ لأن البرودة مميتة مخدرة مانعة عن جميع الأفعال مضادة للقوى التى هي بالحركات الّا أنها تخدم بعضها كالماسكة و الدافعة بالعرض و الرطوبة ترخى العضو(1) و تمنع الحركة و تعاون البرودة كما أن البرودة تولّدها فكأنهما متلازمان فلذلك يكون أكثر علاجه بالأشياء الحارّة القابضة(2) مما يطلى به و مما يسقى كالدار صينى و فقاح الأذخر و المر و الزعفران و كذلك الأغذية مثل حب الرمان و الزبيب(3) المدقوقين المطيبين بالدار صينى و نحوه من الأفاوية.

ص: 10


1- 19. ( 1).[ خ. ل: الليف].
2- 20. ( 2). و انما قيد المصنف الأشياء الحارّة بالقابضة لأن الاشياء الحارّة لا تخلو عن تفتيح و تحليل و انضاج و هذه الأفعال كلها مضعفة لجرم العضو محللة للروح و بالقابض يتدارك ضرر ذلك. و اعلم أنّ الأطلية و الأضمدة كثيرا مّا يكون في أمراض الكبد أنفع من المشروبات؛ لأن وصول قوتها الى الكبد أسرع من وصول قوة المشروب الّا أن يكون حاجة داعيه الى قبض قوى فحينئذ يكون المشروب أفضل منها لقلة نفوذ القوابض من المسامّات؛ فلذا ينفع الأدوية الموضعية نفعا كثيرا في محدب الكبد من مقعرها.
3- 21. ( 3). ينبغي أن يكون الزبيب مع عجمه ليكون فيه قبض. و مع كونه مدقوقا يبالغ في مضغه[ حتى] يصغر أجزاء العجم فيكون نفوذها مع نفوذ لحم الزبيب. كذا في« كشف الإشكالت».

الفصل الثالث: في سدة الكبد22

سببها أخلاط غليظة لزجة عسرة النفوذ في عروق الكبد فتقف فيها و تحدث السدد؛ لأن الغليظة لا تتسع لها المجارى حتى تنفذ فيها بسرعة و اللزجة تتشبّث بجوانب المجارى فلا يسهل انفصالها منها بل تبقى محتبسه فيها.

و علامتها: ثقل في موضع الكبد سيّما إذا كانت السدّة في المحدّب لما يمتلئ الكبد مما ينفذ فيه الى السكر الحابس(1) عن دفعه عنه الى غيره و يلزم من ذلك حدوث الاستسقاء لما يفسد مزاج الكبد بسبب ما يحتبس فيه بلا وجع لأن التمدد في السدّة لا يبلغ أثره الى الغشاء المحيط به و لا حمى(2) لعدم العفونة الّا إذا كثرت السدّة و طال زمانها فتأدّت الى عفونات تحدث عنها الحمى.

فإن كانت السدد في الجانب المحدّب، كان البول مع ذلك رقيقا قليلا(3)؛ لأن نفوذ البول إنما هو من المحدّب الى الكلية و عند حدوث السدّة لا ينفذ منه إليها الّا ما كان رقيقا على مهل و رقة البول و قلته تكون على حسب قوة السدّة و ضعفها

ص: 11


1- 23. ( 2). أى: السدّة الحابسة.
2- 24. ( 3). قال« السيد محمد هاشم»: هذا الفرق بالحقيقة بين السدة و الورم الحارّ دون البارد؛ اذ الورم البارد لا يلزم أن يكون معه حمى. و أما السدة فلا يكون معها حمى الّا اذا عرض للمادة المحتبسة عفونة حدثت الحمي كما قال« الشارح».
3- 25. ( 4). أقول: إن السدة اذا كان في مقعره يلزم أيضا قلة البول لعدم نفوذ المائية منه الى المحدب فلا يكون قلة البول دليلا تاما على سدّة المحدب لكن يفرق بينهما و بين سدّة المعقر بثقل موضع الكبد في الأول و عدمه[ فى الثانى].

فكلّما كانت السدّة أقوى، كان البول أرقّ و أقلّ و إن كانت فى الجانب المقعر، كان البراز رطبا كثيرا؛ لأن صفوة الكيلوس لا تجد طريقا تنفذ فيه الى الكبد فتضاف الى البراز و تندفع معه و قد يكون البراز ليّنا إذا كانت السدّة الحدبة تامة فلا تنفذ فيها المائية بل ترجع قهقرى الى الماساريقا و تندفع من الأمعاء مع البراز.

و علاجها إن كانت في حدبة الكبد: الادرار؛ لأن دفع المادة المسدّدة به أسهل لقرب أعضاء البول منها بما يوافق بحسب حرارة المزاج و برودته مثل الهندباء و بذر الخيارين و الكشوث و البرسياوشان و السكنجبين الساذج عند الحرارة و مثل الأسارون و السليخة و الأفتيمون و السكنجبين البذورى و شراب الدينار عند البرودة و تضميد الكبد بالأضمدة الملطفة مثل الجعدة و الأفسنتين و الراوند و أصل الكرفس مع ماء الهندباء.

و إن كانت في تقعيره: فبالاسهال؛ لأن دفع المادة به هاهنا أسهل لقرب الأمعاء منه بماء الفواكه مع الراوند و الاحتقان(1) بالحقن اللينة إن كانت حرارة و بالمسهلات(2) الأخرى مثل طبيخ أصل الكبر و الرازيانج و الكرفس و الأذخر و الهندباء مع شراب الأفسنتين و الحقن الباردة إن لم تكن حرارة و دعت إليها ضرورة شديدة؛ لأن المادة قريبة من الدواء يمكن استفراغها في الأكثر بالمسهلات الخفيفة و كذلك ينبغي أن يكون التضميد من خارج على حسب المزاج و التغذى بالزيرباجات المتوبلة بالأبازير الحارّة عند البرودة و غير المتوبلة بها عند الحرارة و نحوها مثل ماء الحمص مع ورق الهندباء و قليل خل و مثل الهندباء المطنجن بدهن اللوز مع الخلّ.

و قد يكون السدد من ورم فيه لما تنضغط المجارى عن زيادة حجمه و تنسدّ و قد يجى ء علاج الورم.

ص: 12


1- 26. ( 1). الأجود أن يقدم عليها ما يفتّح السدة و يقطّع الأخلاط الغليظة و يجلو مادتها لئلّا يجلب الضرر الى الكبد لازدياد السدة بثوران الماده و تحريكها إليها.
2- 27. ( 2). الخفيفه.

الفصل الرابع: في نفخة28 الكبد29

قد تجتمع في أجزاء الكبد أو تحت غشائه بخارات إما لضعف الهاضمة عن تغيير الغذاء و تلطيفه فتحركه تحريكا ضعيفا و تتحلّل عنه بخارات غليظة قليلة الحرارة تصير رياحا نافخة عند مفارقة الأجزاء النارية عنها، و إما لكون المأكول غليظا نفّاخا لا تستولى الحرارة على إنضاجه التام فإذا احتبست هذه البخارات و كثفث و استحالت رياحا نافخة لضعف الحرارة عن تلطيفها و تحليلها، لا تجد منفذا إما لكثرتها و إما لسدد في الكبد و إما لصفاقة الغشاء المجلل له و ذلك هو النفخة فى الكبد.

و علامتها: تمدّد تحت الضلع الأيمن بلا ثقل كما يكون في الورم و السدد و لا حمى كما يكون في الورم؛ لأن المادة المورمة تتعفن و تسرى الأجزاء العفنة من الكبد الى القلب و توجب الحمى و لا مادة هاهنا حتى تتعفن و لا تغير في السحنة لسلامة أفعال الكبد و تميزه كل واحد من الأخلاط عن غيره فلا يختلط شى ء منها بالدم حتى يفسد لون البشرة و يحدث بعقب انهضام الطعام أكثر؛ إذ حينئذ يكثر تولد الرياح النافخة و يقرقر بالغمز الشديد عليها و يتحلل لما تنزعج عن محلّها

ص: 13

و تتبدّد. و علاجها: سقى المعجونات المحلّلة الملطّفة مثل الكمونى و دواء الكركم و دواء اللك و الحمام على الريق؛ لأنه يلطف الرياح و يحلّلها بالتبخير و يحلل موادها أكثر مما يكون على الشبع و الدلك؛ لأنه أيضا يلطف الرياح و يحلل و التكميد بالكمادات اليابسة المسخّنة مثل الملح و الجاورس و الرماد و التغذى بالأغذية الناشفة للرطوبات؛ لأنها مادة تولد الرياح مثل القلايا المتوبلة و الكباب.

ص: 14

الفصل الخامس: في أورام الكبد و ورم العضلات الموضوعة عليها30

ورم الكبد(1) يكون:

إما حارّا دمويا. و علامته: الحمى و العطش و الثقل و الوجع لتمدد الغشاء المحيط به و الحرقة في موضع الكبد و ذهاب الشهوة لسخونة المعدة بالاشتراك و لعجز الكبد عن جذب الكيلوس فتبقى المعدة ممتلئة لا تطلب الغذاء(2) و ظهور الورم بالحس تحت الشراسيف و احمرار الوجه و اللسان لكثرة ارتفاع الأبخرة الحارّة إليهما بسبب الحرارة و الرطوبة و سعال يابس خال عن النفث لما يثقل الكبد و ينجذب الى أسفل و تنجذب معه المعاليق و الرباطات التى بين الكبد و الرئة فتنجذب أقسام القصبة و يضيق فضاء الرئة بقدر الجذب و ينضغط النفس فيسعل بالاضطرار(3) ظنا من الطبيعة أن هذا الأذى يندفع من الرئة بالسعال كما يندفع به كثير من أنواعه. و لا يكون معه نفث؛ إذ لا طريق من الكبد الى الرئة تترشح مادة الورم منه إليها فيه مع حيلولة الحجاب الحاجز بينهما و فواق إن كان الورم

ص: 15


1- 31. ( 2). يقال له ذات الكبد أيضا.
2- 32. ( 3). بل كان المعدة حينئذ تشتاق الى دفع ما فيها و مع هذا ينصبّ في تلك الحال مواد حارّة مرارية الى المعدة تنفّر عنها طبيعتها فتشتاق الى الدفع لذلك أيضا و هو مناف للجذب.
3- 33. ( 4).[ خ. ل: فيضطرب].

عظيما؛ أما في التقعيرى، فلشدة مشاركة المعدة مع المقعر و لأن هذه الجهة محتوية بزوائدها على المعدة احتواء اليد على الشى ء الممسك بالاصابع فينتهى ضغط الورم إذا عظم الى فمها و يهيّج الفواق.

و أما في الحدبى، فقال قوم: لأنه تنصبّ مرة صديدة الى فم المعدة و تؤذيه و فيه بعد؛ لأن انصباب المرّة الصديدية الى الكلى أولى و أسهل على الطبيعة من انصبابها الى فم المعدة اللهم إلّا إذا عرضت سدّة بين الكبد و الكلية بسبب عظم الورم فلا يمكن أن تندفع المرّة الصديدية منه إليها فينصبّ بالضرورة الى المعدة. و قال بعضهم: لأن الورم يضغط فم المعدة و فيه أيضا بعد لبعد الحدبة عنه. و قال بعضهم لمشاركتها له بالعصبة الدقيقة و لذلك لا يصل الأذى إليها الّا إذا كان الورم عظيما و باقى الكلام قد مر في الفواق

فإن كان الورم في جانب المقعر، كان مع ذلك قى ء مرارى لسخونة المعدة من تسخين الكبد أو تولد الصفراء فيها و لانصباب المرّة إليها من الكبد و احتباس البطن إذا كانت القوة في البدن قوية و لم يكن الورم عظيما بحيث يسدّ المجارى و يمنع نفوذ الكيلوس الى الكبد فحينئذ ينفذ رقيق الكيلوس إليه و ينشّف الكبد بحرارته أيضا جميع ما فيه من المائية و يجف البراز و يعتقل الطن و يشبه بالقولنج لما يعرض معه القذف و التهوع و الوجع عند طرف القولون و امتناع البراز. و أما إذا كانت القوة في البدن ضعيفة بحيث لا تجذب الغذاء و كان الورم عظيما، استسهل البطن و غشى لما يتأذى القلب بمشاركة المعدة عند امتلائها من الأخلاط المرارية اللذاعة و برد الأطراف لما تتوجه الحرارة الى القلب فتخلو الأطراف منها لبعدها عن المنبع و يبرّد و يكون الفواق و ذهاب الشهوة و الوجع فيه أشدّ أما الأولان فلما ذكرنا و أما الثالث فلأن التقعيرى قريب من أغشية البطن فلذلك يكون وجعه أشدّ و مزاحمته أكثر كما أنه إذا كان في الجانب المحدّب، كان السعال أكثر و ضيق النفس و احتباس البول أشدّ أما الأوّلان فلمزاحمة الورم الحجاب و ضغطه و تمديده له فيضيق لذلك قضاء الصدر على الرئة، و تنضغط مجاريها فيضيق النفس و يدعو ذلك الى السعال لتوهم أن السعال ينفعه و أما الثالث فلا نضغاط الأجوف الطالع من حدبة الكبد الذى تنجلب المائية منه الى الكلية.

و أيضا الثقل و انجذاب الترقوة الى أسفل في الحدبى أكثر؛ أما الثقل فلأن

ص: 16

المحدّب معلّق غير معتمد على شى ء بخلاف المقعر فإنه معتمد على المعدة و لما يمتلئ الكبد عند ورم المحدّب من الكيموس و أما عند ورم المقعر، فلا ينفذ شى ء من الكيلوس إليه لانسداد مجاريه بالضغطة و إن نفذ خرج من المحدّب لانفتاح مجاريه فيقلّ الثقل فيه و أما انجذاب الترقوة فلانجذاب قسم من العرق الأجوف من جملة الأقسام الخمسة و هو الذى يجاوز في صعوده عن محاذاة القلب و تتشعب منه شعبتان الى الترقوتين و لانجذاب المعاليق المتصلة بالترقوة و احساس الورم بالحس فيه أيضا اكثر؛ لأن حدبة الكبد بعضها مماس للحجاب و بعضها مماس للشراسيف فإذا عظمت بالورم، أحسّ بغلظ الورم فيما دون الشراسيف بخلاف التقعيرى لأن المقعر مهندم على تحديب المعدة من جهة اليمين لا يصل إليه حس الأصابع الّا إذا عظم الورم جدا.

و علاجه: الفصد من الباسليق(1) أو الأكحل؛ لأن استعمال الرادعات الباردة القابضة قبل الفصد و استفراغ المادة من الكبد يصلب الورم و كذلك استعمال المحلّلات قبله يهيّج الألم و يزيد الورم و سقى الأشربة الباردة مثل ماء الهندباء و عنب الثعلب و ماء الرمانين و السكنجبين الحامض؛ إذ فيها مع الردع و القبض تفتيح و تحليل يسير لا يخاف منها تحجر الكبد و احتباس الصفراء فيه لتضيق المنفذ الذى الى المرارة و لانحلال القوة و إرخائها و فوت المريض و لذلك ينبغي أن يخلط بالمحلّلات المفتحة ما فيها قبض و تقوية و عطرية قدر ما يحفظ القوة و كذلك بالرادعات ما يلطّف و يفتح قدر ما يحفظ المادة من التحجر و الصلابة، فإن هذا العضو كما هو سريع القبول للصلابة، سريع القبول للتخلخل و التهلهل و التضميد بالأضمدة الباردة مثل ماء الهندباء و ماء الكزبرة الرطبة و جرادة القرع و عصارة ورق الكرم مع الصندل و ماء الورد و دهن الورد و الكافور أولا ثم يخلط معها

ص: 17


1- 34. ( 1). هذا إن لم يكن فصد الباسليق مما يجلب مواد أخرى الى الكبد. و توضيحه: إن فصد الباسليق تنقّى تنور البدن و هو كثير النفع في امراض الكبد و عظيم التنقية و ربما كانت في تلك الحال مادة كثيرة في عضو واقع فى تنور البدن أسفل وضعا من الكبد فاذا فصد من الباسليق خيف أن يجذب من ذلك العضو مادة كثيرة و يقع مرورها على الكبد المؤوفة بالورم فيشتدّ قبولها لها فيتضاعف الورم فحينئذ لا يجوز الفصد من الباسليق. و إنما تخير فصد العرق من اليد و ان كان فصد عروق الرجل كالصافن قوى الجذب من الكبد لأن استفراغ الدم و انجذابه من أسافل البدن مما يضعف القوى و ذلك أمر محذور في أورام الأحشاء.

البابونج و الإكليل و دقيق الشعير و فى الإنحطاط يستعمل الصندلان و الفوفل و الورد و الأفسنتين و الإكليل مع دهن البابونج و سقى ماء الشعير و الاقتصار من كل غذاء عليه لأنه يجلو و يبرّد من غير لذع و لا إيراث سدّة مع أنه يمكن أن يقوى تفتحيه و جلاءه بما يخلط به و يطبخ معه إن احتيج الى زيادة قوة.

و إما صفراويا و ذلك يحدث عند كثرة تولدها و عند سدد يعرض للكبد الى جانب المرارة حتى لا يندفع المرار عنها إليها بل يغلى فيها و يتشرب في أجزائها تشربا غير طبيعى فيحدث الورم.

و علامته: صفرة اللسان لكثرة انصباب الصفراء الى المعدة و الوجه لغليان الصفراء و ارتقائها إلى الرأس و الرجيع أى: البراز، لكثرة انصباب الصفراء الى الأمعاء من طريق الماساريقا و خروج البثر الصغار فيه أى: في اللسان، لارتقاء الصفراء من المعدة الى الفم و اللسان و شدة الالتهاب و الحمى لحرقة المعدة و لذعها مما ينصبّ إليها من المرّة المتشيظة و قذف أنواع المرار كالمرّة الصفراء و المحيّة و الكراثية و الزنجارية على حسب إختلاف الاحوال.

و علاجه: اسهال الصفراء بمطبوخ بارد مفتح للسدد مثل طبيخ بذر الهندباء و بذر الخيار و عنب الثعلب و برسياوشان و أصل الهندباء و أصل السوس مع السكنجبين و تبريد الكبد بالأطلية و الأشربة الباردة الرطبة التى ليس فيها قبض كثير لئلا تزداد السدّة و لا تضيق المنافذ فلا تتحلّل عنها المادة و يؤول إلى التحجر، و أما القبض اليسير فمما لا بدّ منه لما ذكرناه. و أما الأطلية فمثل دقيق الشعير و الصندل و ماء الورد و عصارة الهندباء و الخلّ. و أما الأشربة فمثل شراب النيلوفر و شراب الاجاص و السكنجبين الساذج و الراوندى فإن كان الورم في المحدّب، سقى ما يدرّ أكثر؛ لأنه مشارك للكلية؛ لأن العروق التى في هذا الجانب بأجمعها كما تنتهى إلى العرق الأجوف، تتصل بها هناك من الكليتين برنجان جذّابان لفضوله و هما مخرجان طبيعيان لما فيه فيستفرغ فضوله منهما و إن كان في المقعر سقى ما يسهل أكثر؛ لأنه مشارك للأمعاء؛ لأن الباب تنتهى جداوله إلى الأمعاء و هى مخارج طبيعية لما فيه و خلاف هذا ربما جلب خطرا عظيما بسبب ما تتفرق المادة و تنتشر جميع أجزاء الكبد فيعم الورم و لأن استفراغ المادة من أقرب المواضع التى يصلح لاستفراغها أسهل على الطبيعة و لا تترك البطن

ص: 18

تعتقل و تحتبس؛ إذ فيه خطر عظيم بسبب أنه لا تندفع الفضول الكيلوسية إلى الأمعاء فتترشح إلى الكبد و بسبب أنه تنسدّ منها المجارى التى يندفع فيها الفضول من الكبد و المرارة إلى الأمعاء و ذلك يوجب زيادة الورم و بسبب أنه يؤلم الكبد و يزاحمه و يضغطه بالمجاورة.

و إما باردا بلغميا رخوا. و علامته: بياض الوجه لكثرة تولد البلغم و اختلاطه بالدم القليل و بياض الرجيع لقلة تولد الصفراء و انصبابها إلى الأمعاء و ترهل الوجه و استرخاء عضلاته لكثرة ما يتوزع إلى الأعضاء من الرطوبة البلغمية المائية و عجز اعضاء الوجه عن تحليلها لسخافة جوهرها و لبعدها عن ينبوع الحرارة و بياض اللسان و قلة العطش لامتلاء المعدة من البلغم و رقة الدم لضعف المميزة عن تمييز المائية عن الدم و قصور الحرارة من تغليظ الدم بتحليل المائية عنه بالتبخير و الاحساس بالورم اللين فيما دون الشراسيف إن كان حدبيا كما ذكر من غير وجع؛ لأن البلغم يرخى العضو و يلينه و الإرخاء و التليين من جملة أسباب سكون الوجع و لا خمى لخلو المادة عن الغليان و العفونة.

و علاجه: الاستفراغ بالحقن الحادّة إن كان تقعيريا بمثل طبيخ أصل الكرفس و أصل الرازيانج و أصل الأذخر و فقاحة و الإنيسون و حشيش الغافث و الزوفا و الفودنج و الغاريقون و التربد و القنطوريون الدقيق و الزبيب و التين مع السكر الأحمر و بالادرار إن كان حدبيا بمثل طبيخ بذر الكرفس و الإنيسون و الرازيانج و النانخواه و أصل الهندباء مع السكنجبين البذورى ثم تسخين الكبد بالأدوية مثل الأقراص المعمولة من الورد و الإنيسون و بذر الكرفس و فقاح الأذخر و المصطكى و السنبل و الأسارون و الراوند و الفوه و اللك المنقى و الزعفران مع العسل و الأغذية المتخذة من الطياهيج و الدراريج مع الحمص و الزيت و المرى و الكمون و الدارصينى.

و إما سوداويا صلبا. و هذا إما أن يحدث عن ورم يقدمه(1) حارّا أو باردا

ص: 19


1- 35. ( 1). كما يكون في أورام المعدة. قالى« السيد محمد هاشم» في بحث الورم الصلب في المعدة: انما هو يحدث في الأكثر من انتقال الورم الدموى و الصفراوى و البلغمي إليه لكن انتقال الدموى إليه يكون أكثر بكثير عن انتقالهما إليه؛ لأن الدم مع كونه أغلظ قواما مستعد لذلك على أن الحرارة المحللة في الدموى سبب قوى للانتقال. أما-- انتقال الأورام الحارّة إليه فلأنها بسبب حرارتها المحللة يتحلّل لطيف المادة و رقيقها و يجعل الباقى صلبا و يزداد صلابته يوما فيوما الى أن ينتقل الورم لكون صلابة مادته الى ورم صلب سوداوى؛ أو لأن الأطلية المبرّدة الكثير البرودة و فرطها اذا استعمل عليها تجمّد و تغلّظ مادتها حتى تصلبها فيصلب الورم لصلابة مادته. و اما انتقال البلغمى إليه فلأن مادة هذا الورم اذا كانت صلبة لانتفاء لطيفها و رقيقها عن استعمال المحللات القوية عليه انتقل لكون حجرية المادة الى ورم صلب سوداوى. و كل هذه يكون عن سوء تدبير المعالج و أما قلة حدوثه في الابتداء فلقلة السوداء.

إذا استحجر لرداءة التدبير، و ذكر بعض الأوائل أن الورم الحارّ لا يصير صلبا الكبد، لأنه قبل أن يصلب يقتل العليل أو يزول أو يحدث ابتداء و ذلك الحادّث لانسداد الطريق الذى بين الكبد و الطحال فتجتمع الأخلاط الغليظة في الكبد؛ إذ من شأن الطحال أن يجذب الأخلاط الغليظة منها و تسدّ مجاريها و تملأ عروقها و تنفذ هذه الأخلاط حينئذ في جرم الكبد نفوذا غير طبيعى فيغلظ و يتصلّب.

و قد يحدث الورم عن ضربة لما يحدث عنها الألم و هو يثير الحرارة و الحرارة جذابة بالذات، و لما تضعف طبيعة العضو عن التصرف فيما يرد عليه و عن دفع الفضلات، و لما تروم الطبيعة اصلاحه فتتوجه إليه مع المواد و هو لضعفه يقبلها و لا يقدر على إحالتها كما ينبغي فتحتبس فيه و تورم فيتبادر إلى الصلابة لما يتحلّل لطيفها بحرارة الوجع و حرارة الكبد و يحتقن غليظها كالدم الميت على أن الكبد سريع الإنسداد و التحجر خصوصا إذا استعملت عليه الأطلية المغلّظة القابضة.

و علامته: أن يظهر للحس تحت الأضلاع شى ء صلب حيثما ينال المس إليه من غير وجع لما يتكاثف الغشاء المحيط بالكبد و يصلب تغلظ المادة أو تحجرها فلا ينفذ فيه الروح الحساس و لا حمى لخلوة عن الغليان و التعفن لغلبة الأرضية و برودة المادة و يفسد اللون لعدم تولد الدم الصالح و اختلاطه بالأخلاط الفاسدة و يهزل البدن لفساد الدم و عدم صلاحيته للتغذية و تقل الشهوة لضعف القوة عن طلب الغذاء و ربما كان الورم الصلب مع حرارة المزاج و تكون تلك الحرارة سببا لزيادة التحجر و الصلابة.

ص: 20

و علاجه: الإستفراغ(1) بالمسهل بعد التليين و الإنضاج لئلا تزيد الصلابة باستفراغ اللطيف و إبقاء الكثيف بماء الأصول و الجلنجبين و السكنجبين البذورى و العنصلى و دواء الكركم و صنعته: ورد درهم؛(2) سنبل الطيب، كركم و هو الزعفران، من كل واحد درهمان؛ دارصينى، مرصاف، قسط مر، فقاح الأذخر، من كل واحد درهم، يدقّ و ينخل و يعجن بثلاثة أمثالها عسلا منزوع الرغوة و الأثاناسيا و معناه المنفذ(3)، و صنعته: ميعه، زعفران قسط مر، سنبل الطيب، مرصاف، عيدان البلسان، أفيون، سليخة، من كل واحد جزء؛ عصارة الغافث، جزءان؛ أصل السوس، ثلاثة أجزاء، يدقّ و ينخل و يعجن بثلاثة أمثالها عسل منزوع الرغوة و أقراص المقل و صنعته: ورد، عشرة دراهم، سنبل الطيب درهمان، زعفران، مصطكى، قسط، لوز مرّ، من كل واحد درهم و نصف؛ مقل، ثلاثة دراهم، يدقّ و يعجن بالعسل و الأضمدة المعمولة من دقيق الحلبة و الكرنب و الحلبة و التين و المقل و الأشق و الإكليل و السذاب مع الشمع و الدهن مع ما يحفظ جوهر الكبد و يقويه من الأشياء العطرة القابضة كالورد و الصندل و سنبل الطيب.

قال «جالينوس»: كان أصحاب «تاسلس» رئيس الفرقة المحتالة(4) يداوون كبد «ديوجانس» الكلبى من ورم صلب عظيم أصابه و لا يعتنون بما يحفظ جوهره بل يقتصرون على المرخيات و المحلّلات المحضة، فأشرت إليهم بأن يخلط القوابض بالمحلّلات فزبرنى «تاسلس» و قال: إن هذا العلاج كان يستعمل قبل ان استنبط الطب الخفى. فقلت له: إن عرق مريضنا هذا عرقا لزجا يسيل(5) فمات بغتة فترجع عن هذا الرأى؟ فبالغ في الزبر(6) و مضى مغضبا، فلما عاد بعد أيام يسيرة إلى «يديوجانس» ألقاه ميتا كما أنذرته.

ص: 21


1- 36. ( 1). أقول: انما قيد الاستفراغ بالمسهل لاخراج الحقن لعدم إيصالها النفع البليغ في ذلك الورم. و قال بعض الأطباء: ينبغي أن يقدم عليه الحقنة تنظيفا للمسالك ثم ينضّج ثم يسهل ثم ينضج ثم يسهل و هكذا.
2- 37. ( 2).[ خ. ل: غير موجودة].
3- 38. ( 3).[ خ. ل: المنقذ، و الظاهر أنه هو الصحيح].
4- 39. ( 4). إن الأطباء ينقسمون الى فرق ثلاثة: أحدها، المحتالة و هم الذين يقتصرون على المعالجات بالاستفراغ و الاحتباس رئيسهم ثاثليس. و ثانيها، المجربون و هم الذين يقتصرون على ما صدّقت تجربتهم. و ثالثها، اهل القياس و هم الذين يقيسون على ما صدقت به تجربتهم مثله في الكيفية و هم فرق جالينوس.
5- 40. ( 5).[ خ. ل: يسيرا].
6- 41. ( 6). أي: الزبر.

كل ذلك بحسب حرارة المزاج و برودته و التغذية بالزيرباجات المعمولة من البصل و الأبزار الرطبة مع الزيت و العسل و المرى و السكر الأبيض و الكمون و الدارصينى.

و أما أورام العضلات الموضوعة على البطن و هى أربعة أزواج:

أحدها: يمتدّ في طول البطن على استقامة من عند الغضروف الحنجرى إلى عظم العانة.

و ثانيها: يمتدّ عرضا بحيث يتقاطع الزوج الطولانى على زوايا قائمة.

و الثالث و الرابع: يذهبان على التوريب بحيث يقاطع أحدهما الآخر تقاطعا صليبيا من الشرسوف إلى العانة و من الخاصرة إلى الغضروف الحنجرى على هذا المثال:

فكثيرا ما يقع الاشتباه بين ورمها و ورم الكبد من حيث الأعراض و الشكل خاصة إذا كان الورم في العضل الغائرة المؤربة فإن شكل ورمه أشبه بشكل ورم الكبد بسبب التوريب و البعد عن الحس.

و الفرق بينهما أن ورم الكبد هلالى(1) أى: مائل إلى التدوير يحس بفصل انقطاعه المشترك بينه و بين ما يجاوره دفعة، و الفصل المشترك هو الحد الفاصل المشترك كالسطح المستوى الذى يقطع الكرة إلى نصفين فإنه فصل مشترك بين النصفين و إنما سمى فصلا لأنه يفصل بين القطعتين و إنما سمى مشتركا لأنه مشترك بينهما.

و أما العضلى فهو مستطيل أحد طرفيه غليظ و الآخر دقيق و لذلك لا يحس بفصل انقطاعه المشترك بل تراه يلطف في طوله قليلا قليلا و لم يكد تراه ينقطع و ليس معه من الأعراض اللازمة لورم الكبد من احتباس البول و البطن و ذهاب الشهوة و الوجع و انجذاب الترقوة شى ء يعتدّ به؛ لأن تلك الأعراض في ورم العضلة إنما تكون بالمشاركة و ورم العضل يدرك بالحس دائما لاتصاله بالمراق و ورم الكبد قد لا يظهر لبعد الكبد عنه و خصوصا التقعيرى.

ص: 22


1- 42. ( 1). هذا الفرق اكثرى لا دائمى؛ لأنه يمكن أن يحدث و رمان مستطيل الشكل في بعض مواضع حدبة الكبد. و كذا يمكن أن يحدث هلالى الشكل في عضو مستطيل الشكل أعنى العضلة بأن يحدث في موضع خاص منه بهذا الشكل.

و علاجه: كعلاج الورم في الكبد في أول الأمر أى: في الابتداء من الفصد و الاسهال و وضع الرادعات عليه من غير خوف من تحجر المادة و بعد ذلك عند الإنتهاء يضمد بالأضمدة المحلّلة من غير توق و حذر عن انحلال القوة و فوت المريض و يقتصر عليها أى: على الرادعات الصرفة في المعالجة من غير ان يخلط بها ما يلطف في الإبتداء و على المحلّلات الصرفة من غير أن يخلط بها ما يقبض في الانتهاء، بخلاف الأورام الكبدية؛ إذ لا يخاف(1) هاهنا و إن آل أمره إلى الجمع و التقيح فلا ينبغي أن ينظر إلى أن ينفجر بالأدوية، بل يستعمل البط لأن المدة عند طول لبثها تأكل و تعفن العضل و الصفاق و يخاف أيضا أن ينفجر إلى داخل و تتأذى الأحشاء منها مع أن البط ممكن هاهنا.

ص: 23


1- 43. ( 1). قال السيد محمد هاشم: أى: لا يخاف في الأورام العضلى ما يخاف في أورام الكبد من تحجّر المادة و انحلال القوة و فيه ذلك لأن حفاظة العضو الرئيس عن انحلال القوة في جميع الحالات و الأوقات أقدم أنسب من غيره لأن عروض الضعف فيه يؤدّى بفساد عظيم الى سائر الأعضاء مع أن الكبد كما هو سريع القبول للصلابة سريع القبول للتخلخل بخلاف العضلات فإنها ليست كذلك فينبغي علاج الكبد مع توق و حذر عن تحجّر المادة و انحلال القوة و ارخائها دون علاج العضلى. قال بعض الأطباء: ورم الكبد إن كان دمويا يقتل أو يؤدّى الى الاستسقاء و إن كان صفراويا يقتل غالبا.

الفصل السادس: في الدبيلة في الكبد44

أكثر ما تحدث الدبيلة في الكبد تحدث بعقب الورم الحارّ فيها و ذلك لأن الدبيلة كما علمت هي أن تجتمع مادة الورم إلى موضع واحد في باطنه حينئذ يلزمه التقيح؛ لأن الطبيعة لا بدّ و أن تتصرف فيها و تنضجها و تحيلها مدة بمشاركة من الحرارة الغريبة؛ إذ لا مطمع لها في اصلاحها و جعلها جزءا للبدن لفسادها و عفونتها و لا يمكن لها أن تدفعها و تحللها لغلظها و لكثرتها و احالة المادة الحارّة إلى المدة أسهل لأنها ألطف و أرقّ و لأن حرارتها أيضا تعين على ذلك كما أن أكثر ما تحدث الصلابة فيها تحدث بعقب الورم البارد؛ لأن المادة الباردة بسبب غلظها و برودتها تعصى عن النضج و الاستحالة إلى المدة في الأكثر، فلا تقوى الطبيعة إلّا على تحليل ما رقّ و لطف منها و حينئذ يصير الباقى صلبا متحجرا.

و إذا كان الورم الحارّ لا يتحلل و أراد ان يجمع إلى موضع في باطن الكبد و يصير دبيلة فعلامته: أن تشتدّ الحمى لما تعرض للمادة عن استحالتها إلى المدة حالة شبيهة بالغليان كما تعرض للعصارات عند الطبخ و تنضمّ هذه الحرارة إلى الحرارة العفنية التى كانت موجودة لها بسبب فقدان الترويح فتشتدّ الحمى و الوجع لازدياد التمدد الذى يوجبه الغليان و التخلخل و الوجع أيضا لاستلزامه ثوران الحرارة لاضطراب الطبيعة من المنازعة و الجهاد الذى يجرى بينها و بين المرض يوجب اشتداد الحمى و سائر الأعراض من العطش و الحرقة في الكبد و النخس

ص: 24

و احمرار الوجه و ذهاب الشهوة و غيرها و يتعذر على العليل الاستلقاء لما يتمدد المراق حينئذ فينضغط الورم لزيادة حجمه و يشتد الوجع و لما تتمدد الأربطة و المعاليق المتصلة بالترقوة أيضا و يشتد الوجع فضلا عن النوم على جانب؛ أما على اليمين فلما تتكئ المعدة و الأحشاء على الكبد و ينضغط تحتها و أما على اليسار فلما يتدلى من ذلك الجانب و يزداد التمدد و الوجع ثم يلين المغمز لاعتدال قوام المادة المورمة و لزوال شدة التمدد التابع للغليان و تهدأ جميع الأعراض التى تكون عند النضج.

و إذا انفجر، عرضت قشعريرة و نافض للذع المدة ما يجرى عليها من الأعضاء الحساسة و اختلاف مدة بيضاء عند كمال النضج أو شى ء كالدودى عند قصوره، أو نقول إن المدة البيضاء إنما تكون إذا كان جرم الكبد سليما حتى تكون القوى المنضجة صحيحة و إنما يكون جرمها سليما إذا لم تكن المدة متولدة فيه بل غشائه؛ لأن المتولد فيه يفسد جرمه و يلزمه فساد المدة و عفونتها و ان تصير سوداء حمئة منتنة(1) هذا إذا كان الورم في جانب التقعير و كان الانفجار إلى ناحية الأمعاء و يجد العليل خفة و راحة من ثقل يجده، و ربما اندفعت المدة بطريق القى ء إذا كان الانفجار إلى المعدة بطريق الماساريقا، أو بالادرار إذا كان الورم في الجانب التحديب و كان الإنفجار إلى ناحية الكلية و ربما انصبّت المدة عند الانفجار إلى فضاء الجوف بين الصلب و الأمعاء في الموضع الذى يجتمع فيه الماء في الاستسقاء الزقى فلا يشاهد استفراغها بالبول و لا بالبراز و لا بالقى ء غير أنه تهدأ الأعراض و يضمر الورم و تعرض قشعريرة عند الانفجار و انصباب المدة إلى فضاء الجوف.

و علاجه بعد الانفجار: أن يسقى أولا في الغدوات الجلاب و ماء الشعير الساذج أو مع العسل أو السكنجبين بقدر بقية الحرارة و ذلك لتنقية بقية المدة و غسلها و جلائها ثم يسقى بعد ذلك بزمان قدر ساعتين الدواء الملحم لقروح الجوف مثل الكندر و دم الأخوين مخلوطا بما يوصله إلى الكبد مثل بذر الهندباء و بذر الكرفس و نحوهما مع السكنجبين أو ماء العسل، و يضمد

ص: 25


1- 45. ( 1).[ خ. ل: يظهر منها أن تكون عبارة« و أن تصير سوداء حمئة منتنة» من كلام الماتن و هو الأنسب بسياق الشرح].

الكبد بالقوابض المقوية لها مثل: الصندل و لسان الحمل و المصطكى و الراوند و اللك لئلا تنحل القوة و يهلك العليل و تحفظ القوة بالغذاء اللطيف مثل السمك الصخرى و الحساء المعمول من لباب السميذ بدهن اللوز و السكر و مثل البيض النيمبرشت و لحم الطيور الناعمة و بالطيب الذى فيه قبض مثل: العود و الزعفران و نحوه من الأشربة و الأدهان و الأطلية.

ص: 26

الفصل السابع: في تبثر سطح الكبد46

هذه العلة تحدث نادرا؛ لأن حدوثها من مادة صفراوية رقيقة حادّة أو من مائية عرضت لها كيفية حادّة لذاعة حريفة لطول بقائها في الكبد و قد خلقت فيه عروق تجذب مثل هذه الفضول منه إلى الكلية و المرارة بالذات فلا تلبث فيه حتى تحدث منها هذه العلة مع أن الأعضاء أيضا تجذب الفضول منه بقوة و أيضا قد غشى سطح الكبد بغشاء صلب صفيق قلّما ينفذ فيه فضل.

و علامتها: أن يجد العليل حرقة و لهيبا في موضع الكبد و ربما يتبثر أيضا الموضع المحاذى الكبد من الجنب بسبب المجاورة و يشبه أن يكون ذلك فيمن كانت خلقة كبده شديد الالتصاق و الملاقاة بالأضلاع الخلّف فتترشح تلك المادة منه إلى الغشاء المستبطن للأضلاع و العضلات التى فيما بينها و تنفذ إلى ظاهر الجلد و ربما حدثت قشعريرة و نافض بسبب أن سطح الكبد حساس يتأذى عند انصباب الفضل اللذاع إليه و كذلك الغشاء المستبطن و العضلات و الجلد و يكون معها علامات سوء المزاج الحارّ على ما مرّ.

و علاجها: علاج سوء المزاج الحارّ المادى من الإسهال و الإدرار و تبريد مزاج الكبد بالأشربة و الأغذية و الأطلية المبرّدة.

ص: 27

الفصل الثامن: في خفقة الكبد

هذه علة غريبة نادرة الوقوع و هى أن يخفق الكبد أى: يضطرب و يتحرك حركة اختلاجية.

و سببها: سدّة تقع في عرق كبير من العروق التى فيها يجرى الى الكبد شى ء و هى العروق المتشعبة من الباب المتفرقة في جرم الكبد على مثال أصول الشجرة التى تأخذ إلى غور منبتها أو من العروق التى يخرج منها شى ء و هى العروق المتشعبة من الأجوف المنقسمة في جرم الكبد المتصلة فوهاتها بفوهات شعب الباب فإذا حصل الكيموس هناك و وقف هناك بسبب السدّة، تغير إلى شى ء من الفساد و التعفن و ارتفعت عنه ابخرة حارّة غليظة رديئة الكيفية و حدثت خفقة و اختلاج مع يسير ألم في الكبد لما تتحرك تلك الأبخرة و لا تندفع بسهولة لغلظها و غلظ جرم الكبد و صلابته و صفاقة غشائه إلى أن يجوز و ينفذ من ذلك العرق ان لم تكن السدّة كاملة فيه أو يعود و يرجع إن كانت كاملة إلى شعب أخرى من العروق غير المسدودة و يندفع من غير طريق السدّة.

و علامتها: أن يجد العليل في بعض الأوقات و هو وقت وقوف الكيموس و احتباسه خفقة في كبده كأنّ ناقرا ينقرها بسبب أن جرم الكبد صلب متلزز و المادة المحتبسة تطلب منفذا تندفع عنه فيمدد جرمه و تمزقه و تخرقه فيحس العليل بناقر ينقر فيه فتثبت فيه لحظة ثم تزول عند اندفاع الكيموس و ربما وجد معها ألما من جنس التمدد حتى يبقى عليه ساعة و قد وضع يده على كبده

ص: 28

و يحس عند زوالها و هو وقت نفوذ المادة و اندفاعها ببخار حارّ يرتفع إلى رأسه و هو البخار الحارّ المحتبس الذى قد انفصل من ذلك الكيموس، فإنه لغلبة الاجزاء الهوائية و النارية عليه يميل إلى أعالى البدن و الاحساس به لغلظه و كثيرا مّا يتبعه إغماء لما تنسدّ بعض منافذ الروح لغلظ البخار فيمتنع عن السلوك الطبيعى في أوعية الدماغ و عروقه و ربما عرق عند ذلك؛ لأن ذلك البخار بسبب حرارته يرقق ما تحت الجلد من الرطوبات و يفتح المسامّات ليخرج منها، فتخرج معها الرطوبات التى قد سالت بالعرق.

و علاجها: تفتيح سدد الكبد بالسكنجبين البذورى الذى يقع فيه ماميران و زعفران و ريوند و نحوها من الأشياء الموافقة لتفتيح سدد الكبد و تنقية الخلّط منها بمثل الأذخر و الكشوث و الأقحوان و الشاهترج و الأفسنتين و الغافث.

ص: 29

الفصل العاشر: في القيام الكبدى47

سمى به الاسهال لقيام المريض له تسميته للملزوم باسم اللازم يكون:

إما قيحيا. و سببه: دبيلة فيها قد انفجرت.

و إما غساليا. و سببه ضعفها و قد مرّ بيانه.

و إما دمويا و يسمى الذوسنطاريا الكبدى و معنى ذو سنطاريا في اللغة اليونانية قروح الأمعاء، و العلماء من الأطباء يطلقونه على هذا فقط ثم أطلقه بعض على لازمها و هو اسهال الدم مطلقا إلّا ما كان من الزحير.

و سببه: امتلاؤها من الدم لاحتباس نزف معتاد من رعاف أو طمث أو باسور أو غير ذلك فيتأذى الكبد بثقل الدم المجتمع فيه فيدفعه إلى الأمعاء أو قطع عضو كبير مثل اليد و الرجل؛ لأن الطبيعة تولد الدم على عادتها و تصيره إلى كل واحد من الأعضاء و ليس لها شعور بنقصان بعض منها فالدم الذى كان يأتى العضو المقطوع يصير إلى ما يجاوره من الأعضاء و يكون كلّا عليه فيدفعه إلى ما يجاوره ثم إلى ما يجاوره إلى أن يرجع قهقرى إلى الكبد فيدفعه إلى الأمعاء لما يثقل عليها، و هذا النوع من القيام يقل بطول الزمان لا لأن الطبيعة تشعر بذلك فتقف عن توليد الدم بل لأن الأعضاء المجاورة للعضو المقطوع يكثر الغذاء عندها فيقل اقتضاؤها للغذاء، و تقل الشهوة لتناول الغذاء فينتقص الدم أو تفرق اتصال يعرض للكبد لانفجار ورم حارّ يكون في نفسها أو لانشقاق من كثرة الإمتلاء أو من ضربة أو

ص: 30

سقطة أو لغير ذلك فلا يتوزع الدم منها إلى الأعضاء كما ينبغى، بل يترشح من ذلك الموضع و يسيل منه إلى الباب ثم منه إلى الأمعاء.

و إما صفراويا. و سببه: امتلاؤها من الصفراء و قوة الدافعة فإنها ما لم تقو لم تقدر على دفع الفضل.

و إما صديديا، و سببه: احتراق الدم فيها فيتميز الجوهر المائى عن الجوهر الأرضى اليابس و يندفع إلى الأمعاء.

و إما خاثرا غليظا يشبه الدردى في اللون و القوام. و سببه: دبيلة في جرم الكبد انفجرت و لم تنضج النضج الفاضل لضعف المنضجة و إلّا لكان أبيض معتدل القوام أو سدّة انفتحت فاندفعت المواد المحتبسة المتغيرة إلى هذا اللون و القوام بسبب طول المكث أو احتراق شديد يعرض للكيموس كما عند العطش الشديد فيفنى لطيفة بالكلية و يبقى الغليظ منتنا حمئيا كالدردى.

فأما القيحى و الغسالى فقد ذكرنا في دبيلة الكبد و ضعفها.

و أما الدموى الصرف الامتلائى، فعلامته: تقدم سبب الامتلاء و احتباس سيلان معتاد و عدم علامات السحج من الوجع لسلامة الأمعاء من اختلاط الدم بالبراز؛ لأن عند امتلاء الكبد، يندفع دم كثير دفعة إلى الأمعاء لكثرة الدم هناك و يستفرغ عنها من غير توقف فلا يختلط بالبراز، و أما المعوى، فإن الدم يترشح من عروقه قليلا بعد قليل فيختلط بالبراز لطول المكث. و من عدم النتن فإن الدم الكبدى يكون شديد النتن لحرارة الكبد و رطوبته و من قلّة المقدار لأن الكبدى يستفرغ من ينبوع الدم.

و لا ينبغي أن يحبس هذا ما لم يضعف العليل لئلا ينصبّ الدم إلى عضو أشرف من الأمعاء كالقلب و الدماغ فإذا خيف الضعف أميل إلى جهة أخرى من غير أن يستفرغ مثل شدّ الأطراف و الثديين و الخصيتين أو يستفرغ قليلا قليلا أقل مما يستفرغ بالاسهال و كذلك يمال و يستفرغ عند خوف السحج لأنه بكثرة مروره على الأمعاء يجردها و يذهب بصهروجها فيخاف القرحة فيها و سقى القوابض بعد الإمالة مثل: أقراص الكهرباء مع حليب بذر البقلة و لسان الحمل.

و قد ينبغي للطبيب أن يمعن النظر في علاج هذا المرض لئلا يقع في الغلط، فإن كثيرا مّا يكون ذو سنطاريا كبدية فيظن أنه معوى فيعالجه بعلاجه و يهمل أمر الكبد فيهلك العليل.

ص: 31

و أما أطباء زماننا فلا حاجة لهم إلى معرفة الأمراض و أسبابها و علاماتها سيّما إلى التفرقة بين المتشابهات بل كل ذلك فضول مستغنى عنها عندهم و هم تحت دعاء «جالينوس» حيث قال: كثر الله بهم عدد المقابر. قال جالينوس: إنى لأعرف قوما كثيرا مرضوا هذا المرض فهلكوا لقلة معرفة الأطباء بالتفرقة بين النوعين من الذوسنطاريا و ربما وقع بهم الغلط من قبل أن الدم الكبدى قد يكون معه خلط مرارى فيجرد الأمعاء و تخرج مع البراز خراطة فتوهموا أنه سحج الأمعاء فيجب أن يبين الفرق بينهما و هو من وجوه:

أحدها: إن الكبدية لا يكون معها وجع إلّا في النادر و يحسّ العليل بوجع يسير ناحية الكبد بخلاف المعوية فإنها لا تكون إلّا مع وجع شديد لعصبية الأمعاء.

و ثانيها: إن الكبدية يجى ء الدم فيها بأدوار فإذا استفرغ يومين أو ثلاثة، احتبس إلى أن يجتمع ثانية بخلاف الآخر، فإن استفراغ الدم فيه يكون متصلا من غير سكون.

و ثالثها: إن الكبدية يهزل معها البدن لعدم قبول الأعضاء الغذاء الذى يصير إليها من الكبد بخلاف الآخر فإنه لا يهزل معه البدن الّا إذا أفرط و طال الزمان.

و رابعها: ان الكبدية يكون الإستفراغ فيها من أوله إلى آخره دما محضا أو غساليا لا تخالطه خراطة إلّا إذا أفرد، فإنه حينئذ يجرد سطح الأمعاء و يكون الدم مختلطا بالخراطة بخلاف الآخر فإنه يكون فيه في الابتداء استفراغ مرار ثم جرادة ثم دم و أجسام غشائية ثم قيح؛ لأن المرار إذا انصبّ إلى الأمعاء، استفرغ عنها على صفته ثم إذا طال عبوره عليها، جرّد ترصيصها ثم إذا انجردت الرصاصية عنها، باشر المرار جوهرها و جرمها فإذا انفتحت أفواه عروقها؛ خرج الدم قليلا قليلا لدقة تلك العروق و قلة الدم فيها مع شى ء من الخراطة و جرم الأمعاء ثم إذا تقيحت الجراحة خرجت المدة الّا إذا انفتحت أفواه العروق من كثرة الدم ابتداءا فحينئذ يستفرغ الدم الخالص لكنه يكون قليلا قليلا و توهم الجهال أنه دم البواسير.

و خامسها: إن الكبدية تكون شديدة النتن لحرارتها و رطوبتها بخلاف الآخر لبرد الأمعاء و يبسها.

و الذى عن تفرق الاتصال يعالج بالأقراص القابضة و الملحمة المعمولة من الطباشير و النشا و عصارة لحية التيس و دم الاخوين و الطين الأرمنى و الراوند و الجلنار بماء لسان الحمل.

ص: 32

و أما الصفراوى و الصديدى و الذى يشبه الدردى، فعلامتها إذا كانت من الكبد: أن لا تكون معه علامات السحج من الألم و المغص و لا شك أن الاستدلال بهذين الوجهين إنما يصح في الابتداء. و أما عند كثرة مرور تلك الأخلاط الحادّة على الأمعاء فلا محالة إنها تنخدش بها و يحدث فيها الألم و المغص و من الخروج المتدارك المتواتر و من أن يكون أى: الخلّط الصفراوى و غيره مختلطا بالبراز بخلاف الكبدى فإنه يجى ء بعد البراز قليل الاختلاط به لقلة توقفه في الأمعاء و من أن يستريح العليل إلى القيام لاندفاع تلك الأخلاط الحادّة الجاردة المسحجة من الأمعاء و من أن يكثر قيامه إذا خلت معدته إذ حينئذ يكثر انصباب الأخلاط الفاسدة إليها و إذا اغتذى وقف قيامه إلى آخر هضمه إذ عند انتهاء الهضم يندفع الكيلوس بعضه إلى الكبد و بعضه إلى الأمعاء السفلى و لا ينبغي أن تحتبس هذه الأخلاط الرديئة و لا يعطى القوابض لأنه يؤدى إلى الهلاك العاجل بسبب انها عند الحبس تقرح جوهر الأمعاء و تفسده بل ينبغي أن يعدل المزاج لئلا يتولّد مثلها و الخلّط لتسكن حدتها و تقل رداءتها بماء الشعير و الأشربة المطفئة التى ليس فيها كثير قبض مثل شراب الخشخاش و العناب و الرمان العذب.

و كثيرا ما يعرض لمن به هذا النوع من القيام سحج إذا امتد إلى أسبوعين لما ذكرنا من انجراد سطح الأمعاء من هذه الأخلاط و علامة ذلك: أى علامة عروض السحج أن يجلس العليل بهذه الأخلاط مرة مختلطة بالدم لما يترشح الدم من موضع الجراحة و يخلط بها و مرة غير مختلطة لأن المعاء عضو عصبانى قليل الدم و عروقها ضيقة دقيقة فلا يكون سيلان الدم عنها كثيرا متصلا، بل قليلا بعد قليل فتخلو الأخلاط عنه في بعض الأوقات و مرة يستريح العليل إلى خروجها لاندفاع المؤذى و مرة يكاد يغشى عليه من شدة الألم لمرور تلك الأخلاط الحادّة على موضع الجراحة.

و علاجه مع ما ذكرناه من تعديل المزاج و الأخلاط: علاج السحج بالمغريات مثل الصمغ و النشا و بذر قطنا و بذر لسان الحمل و التودرى مضروبا بالماء الحارّ ملتوتا بدهن الورد.

ص: 33

الفصل الحادّى عشر: في سوء القنية48 و الإستسقاء49

سوء القنية: معناه رداءة إذخار الغذاء فإن القنية هي رأس المال، شبّه به الدم الكبدى و سمى المرض بهذا الاسم تسمية للشى ء باسم سببه و الاستسقاء: معناه اجتماع الماء الأصفر في البطن، يقال: سقى بطنه و استسقى بمعنى واحد، و أما اطلاقه على الطبلى مع أنه ليس هناك ماء، فلشبهه بالزقى.

أما سوء القنية فهو مقدمة الاستسقاء و ذلك عند ما يفسد مزاج الكبد و يستولى عليه الضعف إما بسبب البرد فيقتصر فعلها عن توليد الدم على المجرى الطبيعى فيصل إلى جميع البدن فجّا و لا يمكن للاعضاء أن تحيله إلى الدم الجيد، أو بسبب الحركما في الأمراض الحارّة فيسخّن الكبد و تحل قوته فلا يمكنه توليد الدم الجيد الصالح للاستخلاف عن المتحلل؛ لأن كل عضو خرج مزاجه عن الاعتدال الخاص به ضعف عن عمله الطبيعى و يستحيل لون الوجه و البدن إلى الصفرة(1)؛ لأن القوة إذا لم تقدر على احالة الغذاء إلى الدم الطبيعى تجعله أصفر لأن الصفرة أول درجة الحمرة و البياض لقلة الدم و تهبج الاطراف لبعدها عن ينبوع الحرارة فتضعف عن تحليل ما يصل إليها من الرطوبات غير المنهضمة.

و أما الاستسقاء فهو مرض مادى أى ذو مادة سببه: مادة باردة غريبة غليظة تتخلل الأعضاء أى: تستقر في خللها فتربو الأعضاء بها إما الظاهرة من

ص: 34


1- 50. ( 3). الّا أن هذه الصفرة تكون في الوجه أظهر لأن جلده سخيف أقبل لظهور الألوان.

الأعضاء كلها كما في اللحمى و إما المواضع الخالية من النواحى التى فيها تدبير الغذاء و الأخلاط مثل فضاء البطن التى فيها المعدة و الكبد و الأمعاء كما في الزقى و الطبلى و اقسامه ثلاثة: لحمى و زقى و طبلى:

أما اللحمى فهو أن تترهل جميع الأعضاء و تصير كالعجين.

و سببه: ضعف قوى الكبد و برد مزاجها بسبب نزف الدم و تحلل الروح و الحرارة الغريزية و احتباسه فيمتلئ عنه البدن و تنطفى الحرارة الغريزية أو شرب الماء الشديد البرد سيّما عقيب حركة مفرطة(1) بدنية أو نفسانية أو عقيب الحمام فتجذبه الأعضاء لحرارتها غير منكسرة السورة و تنطفئ عنه الحرارة الغريزية و تبرد الأعضاء و يبرّد الكبد بالمشاركة و يوصل برد الماء إليه أولا أو لآفة تعرض لبعض الأعضاء المجاورة لها مثل الطحال إذا ورم و ضعف عن جذب السوداء فيبقى فيها أى: في الكبد و يبرّد مزاجها إما باطفاء حرارتها بالامتلاء أو ببرد المرّة السوداوية و مضادة مزاجها لمزاج السوداء و مثل المعدة إذا بردت فلا تهضم الطعام جيدا فتصل عصارة الغذاء إلى الكبد فجة فلا يمكنه أن يحيلها إلى الدم و تجذبها الأعضاء بتلك الحالة، و لا يمكن لها أيضا أن تحيلها الى جوهرها فيبقى بين خلل اللحم و مثل: الرئة إذا امتلأت من الرطوبات اللزجة و بردت فيبرّد الكبد بمشاركتها بسبب العروق التى هي تلى محدّبة أو لمجاورتها و مماستها فإن بينهما ليس إلّا الحجاب الحاجز أو بما يبرّد القلب و يضعف حرارته بمجاورة الرئة فتنقطع مادة الحرارة عن الكبد فتبرده، و مثل الكلية إذا ضعفت عن جذب مائية الدم فتبقى الكبد فيبرّد و تختلط أيضا بالدم و تصير إلى الأعضاء فتغتدى بها و تبرد، و عند بقاء تلك الرطوبات في خلل اللحم يترطب بدن العليل بحيث لو قطع منه جزء لم يسل منه إلّا رطوبة لزجة كلعاب الحلزون و بياض البيض و ذلك لأن كل رطوبة إذا لم تنضج حدثت فيها لزوجة كلحم العجل الذى لفرط رطوبته التى لم تستحكم يكون لزجا و من ثم قيل إن بدنه يصير كابدان الموتى و لهذا أى: و لأن مادته بين خلل اللحم سمى لحميا. و هو

ص: 35


1- 51. ( 1). سيما اذا وقع شربه عقيبها و عقيب الجماع فإن الطبيعة تشتاق فى هذه الأوقات الى الماء البارد و تجذبه الى أقاصى البدن بسرعة و يقع مروره في الكبد بصرافة برودته فيطفى حرارتها الغريزية و تنسدّ مجاريها.

أسلم الأنواع؛ لأن مادة هذا النوع لا تكون من الرداءة بحال لا تجذبها الأعضاء كما في النوعين الآخرين؛ فإن مادتهما لبعد المشاكلة تندفع إلى فضاء البطن و لأن مادته حيث كانت عامة في جميع البدن، يسهل استفراغها بالمسهلات من غير غائلة كثيرة و أما النوعان الآخران فان المادة فيهما لما كانت مختصة ببعض الأعضاء دون جميعها، عظمت الغائلة و اشتدّت عند الإستفراغ خصوصا إذا كانت بأدوية سميّة لا يتم الأمر إلّا بها؛ لأن الدواء إذا لم يجد الأعضاء الصحيحة فضلة ليجذبها، جذب ما يحتاج إليه البدن بعسر و مشقة و كرب شديد و مغص و ربما أحدث غشيا لما تضعف القوى و يتحلّل الارواح و تنهتك الأعضاء و ربما جلب الموت و حيا إذا أفرط و ذلك لأن عمل المسهل ليس مخصوصا بعضو واحد بل كما أنه يجذب المادة الفاسدة من العضو العليل، يجذب المواد الصالحة من الأعضاء الصحيحة. و قال قوم منهم «يحيى بن ماسوية» أنه أردأ الجميع؛ لأن الآفة فيه تعم الكبد و جميع العروق و اللحم و لان عناية الطبيعة فيه مصروفة إلى أمور متعددة فإن البدن فيه يكون مترهلا و الكبد ضعيف و كذا الحرارة الغريزية و المعدة مأفوفة لضعف الحرارة الغريزية و لمزاحمة ما حولها لها، بخلاف النوعين الآخرين فإن عناية الطبيعة فيهما مصروفة إلى جهة واحدة و هى إما تحليل الرياح و إما إخراج المائية.

و علامته: بياض البول لضعف الكبد و بطلان الهضم؛ إذ لو حصل له هضم الكبد لا ندفع معه شى ء من الفضول و أفاده لونا في الجملة و انطلاق الطبيعة لضعف الكبد عن جذب صفوة الكيلوس فيثقل على المعدة و الأمعاء و يندفع بالاسهال و يعين على ذلك اللذع العارض للكيلوس من فساده في المعدة و انتفاخ الجسد لما ذكر من أن الغذاء لفجاجته لا يستعدّ أن يلتصق بالبدن بل يبقى في فرج الأعضاء متبرئا عنها و التطامن عند الغمز عليه و بقاء موضع الغمز غائرا لحظة ثم عوده الى حالته الأولى؛ لأن سبب الانتفاخ هنا رطوبات لزجة فجة فإذا تفرقت عن موضع الغمز لا تعود إليه بسرعة لغلظها بخلاف الطبلى و الزقى فإن موضع الغمز فيهما لا يبقى غائرا لأن الريح سريع الحركة سهل الاجتماع و كذلك المائية.

و علاجه: إزالة السبب السابق و هو ورم الطحال و برد المعدة و الرئة و ضعف الكلية و غير ذلك ثم معالجة السبب الواصل و هو برد الكبد بما يسخّنه مما

ص: 36

ذكر سوء المزاج البارد للكبد من المعاجين و الأضمدة و الأغذية ثم تنشيف الماء بالتعريق بأن يطلى البدن بالبورق الأرمنى مع دهن البابونج أو بالملح المسحوق مع شحم الثور أو بالزراوندين مع دهن البان أو الغار أو بالدارصينى و السليخة و قصب الزريرة مع دهن السوس و الإندفان في الرمل الحارّ و التضميد بالأضمدة الناشفة المتخذة من مثل دقيق الحلبة و خرء الحمام الراعية و علك البطم و الشحم العتيق أو من أخثاء البقر و بعر المعز و رماد خشب الكرم و النطرون مع الخلّ.

و قد قيل(1) قائله «جالينوس» و قد تبعه «الرازى» و «الشيخ الرئيس»: إنه قد يحدث أى: الاستسقاء اللحمى بسبب حرارة غريبة مذيبة مرققة تعرض للبدن و الأخلاط التى في العروق فإذا وقعت سدّة لا يمكن معها انتفاض الخلّط الصديدى الذوبانى الذى قد إذابته و رقّقته الحرارة الغريبة من البدن و الأخلاط إلى الكلى لكونه من جنس المائية و من شأنها أن تندفع إليها في نواحى الكلى أو وقع ضعف فيها تعجز عن جذب تلك المائية إذ من شأنها جذب مثل هذا الفضل ما دامت سليمة و إذا لم ينجذب إليها، تفرق في جميع أجزاء البدن فحدث الاستسقاء اللحمى أو انصبّت إلى فضاء البطن و حدث الاستسقاء الزقى. هذا إذا كان ما يذوب رقيقا مائيا و أما إذا كان غليظا، انصبّ كله إلى الأمعاء و حدث اختلاف صديدى إن لم تكن سدّة في مقعر الكبد أو تفرق في البدن و حدث الاستسقاء إذا كانت سدّة فيه و إذا كان متوسطا، اندفع بعضه إلى الأمعاء و بعضه إلى الكلى.

و أقول: لو اتفق هذا أى: اجتماع الحرارة المذيبة في البدن مع السدّة في نواحى الكلى، فلأن يحدث منه الشرى و البثور أولى بأن يحدث منه الاستسقاء اللحمى؛ لأن الخلّط الصديدى الذوبانى من جملة الفضول فإذا انتفض الى فضاء البطن حدث منه الاستسقاء الزقى و إذا انتفض إلى العرق الطالع من حدبة الكبد و لم يندفع عنه إلى الكلى بسبب السدّة أو لضعف و رجع منه و تفرق في البدن، نفضته الأعضاء أيضا و دفعته إلى الجلد بخلاف الغذاء الفجّ الذى يطمع في اصلاحه و هضمه فحدثت البثور و النفاطات.

و فى هذا الكلام نظر من وجوه:

ص: 37


1- 52. ( 1). أورده بصيغة المجهول بسبب كثرة القائلين لا لضعف القول.

الأول: إن هذا الخلّط الذوبانى الذى يتفرق في الأعضاء إنما يبقى بين خللها بسبب ضعفها عن دفعه إلى ظاهر الجلد لغلبة تلك الحرارة الغريبة و إنما كانت تدفعه إلى الكبد لأنه من جنس المائية التى من شأنها أن تندفع إلى الكبد و من شأن الكبد أيضا أن يجذبه إلى نفسه مثل ما يجذب من الأعضاء مائية الدم التى تكون مخالطة له لترقيقه فدفعه إلى الكبد أمر طبيعى بخلاف دفعه إلى ناحية الجلد.

الثانى: إن الخلّط الصديدى إنما يمكن أن يحدث البثور و النفاطات إذا عرضت له كيفية فاسدة لذاعة و كانت الأعضاء قوية على دفعه إلى الجلد و كلاهما منتفيان؛ أما الثانى فلما ذكر و أما الأول فلأنه لو كان كذلك لتبثر المراق من أصحاب الاستسقاء الزقى و تقرّح على تقدير أن تكون المائية المولّدة له صديدا على أن الصديد لطول احتباسه في فضاء بطونهم أقرب من أن يتعفن و يفسد و يحدث له كيفية لذاعة و المشاهد بخلاف ذلك، و ما يعرض لأبدان المستسقين من التنفط و التقرح و سيلان الرطوبة المائية إنما يكون عند حصول الشرطين.

الثالث: إن الصديد الذوبانى لو كانت له كيفية لذاعة، لفسد جرم الأمعاء و الثرب و الصفاق من أصحاب الزقى.

قال «بقراط»: «من امتلأ كبده ماءا ثم انفجر ذلك الماء إلى الغشاء الباطن، امتلأت بطنه ماءا و مات»، أى: من عرضت في غشاء كبده نفاطات ثم تفقأت و انفجرت و انصبّ ذلك الصديد إلى فضاء البطن مات؛ لأن ذلك الصديد لا بدّ و أن يكون حادّا لذاعا محدثا للتآكل فيفسد الثرب و الأمعاء و يلزمه الموت و من هذا علم أن النفاطات إنما تحدث من الصديد إذا كانت له كيفية لذاعة حادّة و أن صديد المستسقى ليس له لذع و لا حدّة.

الرابع: إن الصديد الذوبانى لو كانت له كيفية لذاعة لكان السحج لازما للاسهال الذوبانى و الحرقة و القرحة للبول الذوبانى و ليس كذلك، بل كثيرا ما يكون البول الذوبانى أبيض مشفا غير متغير في لونه و لا في قوامه كالماء الصافى و إنما تعرض الحدّة و اللذع لهذا الصديد إذا عملت تلك الحرارة الغريبة في نفس ذلك الصديد

ص: 38

بعد الذوبان و أما الأثر الأول(1) الذى كان في الخلّط و العضو فإنه لا يوجب ذلك فيه(2) كما لا يوجب العفونة العفونة فيما يتولّد عنها كالحشرات و الديدان و لذلك يشاهد ماء اللحم المستخرج بالقرع و الانبيق على سبيل الذوبان خاليا عن اللذع و الحدّة في الطعم و الرائحة و إنما أطلق «الشيخ» الصديد على تلك الرطوبة و هو عبارة عن مائية رقيقة حارّة لشبهها بالصديد، فإن الحرارة المذيبة كالأدوية الأكالة إذا استولت على البدن، احالت لحمه إلى رطوبة سائلة يظن أنها صديد لكنها ليست بصديد في الحقيقة بل حدوثه أى: حدوث الاستسقاء اللحمى مع الحرارة إنما هو لسوء مزاج حارّ للكبد مثل ما يعرض للكلى في العلة المسماة ذيابيطس، فيجذب الكبد المائية الكثيرة من المعدة و تجذبها الأعضاء مع الغذاء و لا تلتصق بها بل تبقى بين خللها و هذا إنما يتم إذا عرض للاعضاء أيضا سوء مزاج حارّ و عرضت في المجرى الذى تندفع المائية فيه إلى الكلية سدّة.

و علامته: علامات سوء المزاج الحارّ المذكور في امراض الكبد.

و كذلك علاجه إن كان سوء المزاج باقيا بعد في الكبد فإنه كثيرا ما يبرّد الكبد بالآخرة مع بقاء الورم و الترهل في الأعضاء ثم علاج الاستسقاء من الاسهال و الادرار و التعريق و التجفيف بما لا يسخّن كثير اسخان.

و أما الزقى فهو أن يجتمع الماء في الاحشاء إما فيما بين الصفاق و الثرب و إما فيما بين الثرب و الأمعاء؛ و ذلك أن بين السرة و مقعر الكبد مجرى عند الاجتنان(3) يصل فيه الدم إلى كبد الجنين من سرته و يخرج منه البول أيضا أن يسرّ(4) فينصرف حينئذ إلى المثانة و ذلك المجرى إما أن يجف و يصير كأنه خيط دقيق عند ما يستنغى عنه كما ذكره «جالينوس» في السادسة من «منافع الأعضاء» و إما يتلاشى و يفنى أصلا كما ذكره المشاؤون و هم طائفة من تلامذة

ص: 39


1- 53. ( 1). من الحرارة الغريبة سواء كان في خلط أو غير ذلك لا يوجب الحدّة و اللذع كما يشاهد في ماء اللحم أنه يكون خاليا عن اللذع و الحدّة انه[ لانه] يحصل عن الأثر الأول من الحرارة فالصديد الذوبانى يتحصل عن الأثر الأول من الحرارة كيف يحدث في لذعه حتى يتصور عنه حدوث النفاطات و غيرها.
2- 54. ( 2). أي: لا يوجب الحدّة و اللذع في الصديد.
3- 55. ( 3). أي: عند كون الشخص جنينا.
4- 56. ( 4). أي: ينقطع السرّة.

«أرسطو» كانوا يأخذون العلم منه ماشين لعدم فرصتهم عند الجلوس لازدحام الأكابر مجلس درسه و المائية تصير إلى جوف المستسقى في الثقب النافذ من مقعر الكبد إلى ذلك المجرى عند ما ينسدّ الجانب المحدّب من الكبد لغلظ أو ورم أو صلابة أو خلط و صار الدم الذى يولّده مائيا إن كان الكبد باردا أو صديديا إن كان حارّا فلا تنفذ المائية إلى الكليتين فتفتح الطبيعة ذلك المنفذ الذى في المقعر إلى السرة و تندفع المائية فيه فإذا نفذت المائية فيه و وافت السرة عند بقاء ذلك المجرى و سلامته كما هو رأى جالينوس، احتبست عندها لانسدادها فتثقب المائية المجرى عند قرب السرة بسبب كثرة التمدد و تجتمع دون الصفاق و لذلك تنتؤ السرة في هذه العلة. و إن كان المجرى متلاشيا ذاهبا اصلا كما هو رأى المشائين، فإن الطبيعة إذا فتحت المنفذ صارت المائية فيما دون الثرب من البطن حتى ان الأمعاء تسبح فيما بين الماء هذا ما عليه جمهور المتقدمين و كثير من المتأخرين، و أما الباقون فقد ذكروا لعروض هذا النوع من الاستسقاء وجوها أخر:

منها: إن المائية إذا لم تنفذ في محدّب الكبد إلى الكليتين ثم منها إلى البرنجين و المثانة تنفذ إلى فضاء البطن على سبيل الترشح كما تترشح صفوة الكيلوس من المعدة و الأمعاء إلى الماساريقا و المدة المحتقنة في الصدر من عظام القص أو على سبيل التبخير فان الماء إذا احتقن في المجارى، يصير بخارا و ينفذ إلى فضاء البطن و يصير هناك رطوبة لما يبرّد فيه.

و منها: إن بعض المجارى التى ينفذ فيها الغذاء من المعدة و الأمعاء إلى الكبد ينصدع فتنجلب مائية الكيلوس عنده إلى فضاء البطن قبل أن تصل إلى الكبد.

و منها: قائله «الطبرى»، إن الغذاء غير المنهضم ينفذ من الكبد في العروق إلى الأعضاء فلا يغتذى به لعدم المشاكلة فيكثر في العروق و لهذه العروق شعب كثيرة تتصل بالأحشاء ينجذب منها الغذاء إلى الأعضاء و يندفع فيها البول إلى السرة الجنين و هذه الشعب على صورة لا يرجع عنها ما اندفع فيها كما لا يرجع البول من المثانة إلى الكلية فتندفع تلك الفضول في هذه الشعب إلى الأحشاء و يخرج عنها إلى ما بين الغشاء و الصفاق إذ لا مستقر لها إلّا في ذلك الموضع و تتورم البطن و لا يزال يصل إليه يوما فيوما، فيتسع الموضع و يتمدد.

ص: 40

و هذا الوجه ليس بسديد و انما لا تتعفن تلك المائية مع أن كل رطوبة تقف البدن لا على هيئة طبيعية تتعفن سيّما إذا كانت غير نضيجة، لأن الرطوبة إنما تتعفن إذا وقعت في موضع واحد و لم يكن لها مجار تدور فيها و تنقص و تزيد كالماء الراكد في الغدير فإنه إن لم يدخل فيه ماء و لم يخرج منه و لم يدر الرواضع و السواقى تعفن و تولدت فيه أشياء رديئة و الّا لم يتغير و لم يتعفن.

و هذا النوع أعنى الزقى أردأ الأنواع و عليه «الرازى»؛ لأنه لا يكاد يحدث إلّا مع ورم في الكبد حارّ أو صلب يسد منافذ المائية إلى الكلية أو سوء مزاج مستحكم مبطل لقواها فيه بحث(1)، لأنه لا يوجب الزقى بوجه إلّا أن يكون معه سدّة في تلك المنافذ. و قد ذكر في رداءتها وجوه أخر:

الأول: إن بعض الأعضاء فيه سليمة فلا يتمكن من استعمال الأدوية القوية حذرا من إضرارها به.

و الثانى: إن أكثر إضراره و معظم افساده بالأعضاء الباطنة و هى أشرف.

و الثالث: إن ضرره بآلات التنفس أكثر بخلاف اللحمى.

و الرابع: إن مادته أغلظ و تحللها و خروجها أعسر بخلاف الطبلى.

و الخامس: إن مداواته في الحقيقة البزل و فيه خطر عظيم.

و ذهب قوم منهم «بخيشوع» إلى أن الطبلى أرادأ لأن تمديده للأحشاء و إيلامه أشدّ من غيره و لأنه إنما يحدث إذا كان الحارّ الغريزى ضعيفا جدا بخلاف غيره فإنه قد يحدث السدّة أو تفرق اتصال.

و الحق أنه دون اللحمى و الزقى؛ لأن المادة الموجبة له سهلة التحلل و المعالجة.

و علامته: ثقل البطن و عظمها و صقالة جلده لصقالة الماء، و يكون مسه كمس الزق المملوء ماءا و لذا سمى بالزقى و ليس الزق المنفوخ فيه و يسمع منه خضخضة الماء عند ضرب اليد عليه و عند انتقال صاحبه من جنب إلى جنب.

ص: 41


1- 57. ( 1). و يمكن أن يقال في تأويل كلامه بأن المعدة و الأمعاء تمتلى من صفوة الكيلوس و يقع في مجاريها التى تنفذ فيها الغذاء من المعدة و الأمعاء الى الكبد انصداع لكثرتها لبطلان جاذبة الكبد لسوء مزاجها المستحكم المبطل لقواها كما قرّره« المصنف» فيتجلب مائية الكيلوس عند انصداع تلك المجارى الى فضاء البطن قبل وصولها الى الكبد فيكون سوء مزاج بهذا الوجه موجبا للاستسقاء الزقى.

و علاجه: علاج ورم الكبد الحارّ أو الصلب إن كان و تبديل مزاجه أى:

مزاج الكبد إن كان حارّا بالسكنجبين و ماء الهندباء و إن كان باردا فبالسكنجبين البذورى و نحوه مثل شراب الدينار و شراب الأصول ثم استفراغ الماء بما يسهل ذلك كالكلكلانج البارد و صنعته: ورق المازريون المنقوع في الخلّ سبعة أيام المجفف، هليلج اصفر منقى، من كل واحد خمسة دراهم؛ عصارة الأفسنتين، ثلاثة دراهم؛ ايرسا، ورد أحمر، بذر الهندباء، بذر الخيار المقشّر، رب السوس، من كل واحد درهمان، يدق و ينخل، يؤخذ ترنجبين و فلوس الخيار شنبر و فانيد، من كل واحد خمسة دراهم، و يحلّ ثلثها في ماء حارّ و يصفّى و يغلى حتى يغلظ و يعجن به الأدوية.

و الكلكلانج الحارّ و صنعته: هليلج أسود، بليلج، أملج، فلفلمويه، بذر الكرفس، شيطرج هندى، فلفل، لسان العصافير، كمون كرمانى، ريويد صينى، ملح اندرونى، ملح أحمر ملح العجين، ملح هندى، نانخواه، من كل واحد ثلاثة دراهم؛ تريد، رطل؛ أملج منزوع النوى، ثلاثة أرطال، يطبخ الآملج بأربعة و عشرين رطلا من ماء حتى يبقى ثمانية أرطال ثم يصفى و يلقى على ذلك الماء الصافى فانيد أربعة أرطال و يطبخ حتى يصير غليظا مثل العسل، ثم يصبّ عليه ثلاثة أرطال من الشيرج الطريّ و يحرك حتى يستوى ثم يذر عليه الأدوية و يخلط و نحوه مثل دواء الكركم و معجون الملك الصغير و الكبير بحسب حرارة المزاج و برودته و صبغ القارورة و بياضها، ثم سقى المقويات للكبد مثل قرص الأنبرباريس و الورد و شراب الرمان و الزيرباج و السكباج و الرمانية و بالزبيب مع اللحوم اللطيفة مثل الدراج و الطيهوج و الفروج بالأبازير الحارّة و المدرات لتندفع المائية بطريق البول و لا تنصبّ إلى فضاء البطن فيعود المرض من الأقراص مثل قرص المازريون و غيرها كالحبوب و المطبوخات المتخذة من الأسارون و الرازيانج و النانخواه و بذر الكرفس و السنبل و الوج و الأنجدان و الفودنج و الهليون و الكاكنج و ينبغي أن لا يداوم على مدرّ واحد لئلّا تألفه الطبيعة فلا تنفعل عنه و أن تسحق الأدوية ناعما لتصل قوتها سريعا إلى محدّب الكبد و أن يتبع بمرق دجاج مسمن.

و أما الطبلى فهو أن تجتمع الرياح الغليظة العسرة التحلل في المواضع التى يجتمع فيها الماء في الزقى مع رطوبة قليلة جدا، و لذلك يسميه «بقراط» بالاستسقاء اليابس.

ص: 42

و سببه: حرارة مزاج الكبد مع برودة المعدة و رطوبتها فلم تهضم المعدة الطعام جيدا و لم تهيّ ء لهضم الكبد ثم يحاول الكبد أن يهضم ما هو غير معدّ لهضمه بحرارة نارية فيفعل فيه فعلا غير طبيعى خلاف ما تفعله الحرارة الغريزية فتحلّله أبخرة تصير رياحا عند استيلاء البرد عليها و مفارقة الأجزاء النارية عنها و تجمع تلك الرياح في الاحشاء و المواضع الخالية التى يجتمع فيها الماء في الزقى.

و قيل: إن هذه الرياح تنفذ من الكبد مع الغذاء غير النضيج إلى العروق و لا تلتزق بالأعضاء لبعد المشاكلة فترجع في الشعب التى تأتى السرة و تفتح أفواهها و تنقذف إلى الاحشاء و جميع مواضع الماء من الزقى. و فيه ما فيه.

و علامته: أن لا يكون معه من الثقل ما يكون في الزقى بل فيه تمدد كما ينتفخ الزق و إذا قرعت البطن باليد، سمع منها صوت كصوت الطبل و لهذا سمى بالطبلى و يكون معه خروج السرّة كثيرا؛ لأن التمدّد فيه للطافة مادته أشدّ بخلاف الزقى.

و علاجه: الاسهال أى: اسهال المائية و الرطوبات السخيفة التى تكون مع الريح الأحشاء و الرطوبات غير المنهضمة التى يتولّد منها الريح برفق بما لا يسخّن الكبد فيكثر تولد الأبخرة و يحدث العطش أيضا و التقيؤ لتنقية المعدة و تبريد الكبد ثم تحليل الرياح المسخّنة بالتجشئة بمضغ الكندر و الكمون و الكمادات مثل الجاورس و الملح المسخّن و الحمولات المعمولة من السذاب اليابس و بذر الرازيانج و بذر الحرمل و بذر الرازيانج و بذر الكرفس و التربد و البورق مع السكر الأحمر و ماء السذاب و المعجونات الكاسرة للريح مثل السنجرينيا و الفنداديقون.

و نوع من الاستسقاء الطبلى يقال له الحبن و هو في اللغة مرادف للاستسقاء، يقال له الذى(1) به الاستسقاء الأحبن، و هو أى: هذا النوع الطبلى بعينه إذا تحلل ما رقّ من الرطوبات و الرياح و يبقى ما يعسر تحليله منها أى: من هذه الرطوبات و الرياح غليظا لا ينحل و يصح الكبد و يصلح حال العليل و يجود هضمه و يحسن دمه و يتم اغتذاء بدنه و تكمل قوته و تبقى الصلابة في بطنه أكثر مما كان.

ص: 43


1- 58. ( 1).[ خ. ل: يقال الذى. و الصحيح أن يكون: يقال للذى].

و علاجه: الجلوس في الحمامات الكبريتية و النطرونية لتتلطّف تلك الرياح و تتحلل و تضميد البطن بما يلطّف تلك الرياح و يحلّلها مثل البابونج و الإكليل و المرزنجوش و الصعتر و بذر السذاب و الجندبيدستر و رماد الطرفا و النطرون مع ماء السذاب و بول الجمل.

ص: 44

الباب الثالث عشر: فى امراض المرارة و الطحال

ص: 45

ص: 46

الباب الثالث عشر: في أمراض المرارة و الطحال [اليرقان]

اليرقان تغير من لون البدن فاحش إلى صفرة أو سواد لجريان الخلّط الأصفر أو الأسود إلى الجلد و ما يليه بلا عفونة و إلّا لصحبته حمى غب أو ربع لأن المادة خارجة العروق.

أما اليرقان الاصفر فهو:

إما من قبل دفع الطبيعة إذا دفعت المرّة الصفراء الى الجلد و ظاهر البدن على جهة البحران.

و علامته: تقدم حميات صفراوية تدفع الطبيعة مادتها إلى الجلد و علامات آخر لازمة للبحران مثل ألم في الأحشاء؛ لأن عند مجاهدة البحرانية تتمدد الأعضاء نحو جهة دفع الطبيعة، فيحدث لذلك ألم في الأحشاء و لما ينصبّ شى ء من الصفراء عند حركتها إلى الأحشاء أيضا و غثيان لما ينصبّ شى ء إلى المعدة أيضا و مرارة في الفم و يبس في الطبيعة لاشتغال الطبيعة و اتجاهها إلى أمر آخر و هو دفع مادة المرض عن دفع الفضلات الأخر فيحتبس البراز و يجفّف بتحليل رطوباتها و أن يكون حدوثه في يوم باحورى؛ فإن كان قبل السابع فهو ردى ء لأنه لا يكون عن دفع الطبيعة فإن البحران اليرقانى إنما يكون إذا دفعت الطبيعة المرّة عند عجزها عن اخراجها من البدن بالقى ء و الاسهال و غير ذلك إلى ناحية الجلد و لم تخرج بالعرق لغلظها فتحتبس تحت الجلد و تصفرّه؛ فإن البحران

ص: 47

اليرقانى إنما يكون إذا كانت المرّة غليظة و حينئذ لم يمكن أن تدفعها الطبيعة على سبيل البحران قبل السابع فبالضرورة يكون حدوثه بسبب آخر من أسباب اليرقان مثل السدد في الكبد و الورم فيه و كثرة المادة و عند هذا يكون بالضرورة رديئا. هذا عند «جالينوس».

و قيل: إنه يكون لدفع الطبيعة على سبيل البحران الردى ء بسبب كثرة المادة أو رداءتها أو سدد في الكبد فعند ذلك تضطر الطبيعة إلى الدفع قبل نضج المادة و الاستيلاء عليها و تمييز جيدها عن رديئها.

و علاجه: أن تعان الطبيعة على دفعها بالدخول في الماء الحارّ فإنه يوسع المجارى و يلين الجلد و يرقق المادة و يجذبها إلى ظاهر البدن و يسقى السكنجبين؛ لأنه يقمع الصفراء و يلطّف الأخلاط الغليظة و ينفذ الفضول و يفتح المجارى.

و إما من سوء مزاج حارّ يعرض للكبد فيحيل الغذاء إلى الصفراء الف الطبيعية لأن الحرارة ترقق جوهر الكيموس و تحدث له غليانا و احتراقا و تصل هذه الصفراء في العروق إلى سائر البدن مع الدم لكثرتها و مجاوزتها عن القدر الذى تسعه المرارة و لذلك تكثر معه حمى سونوخس لسخونة الدم و غليانه أيضا و وصوله على تلك الصفة إلى القلب و سائر الأعضاء.

و علامته: علامات سوء المزاج الحارّ للكبد على ما مرّ و قى ء الصفراء لانصباب شى ء منها لكثرتها إلى المعدة و قلة صبغ الشفة فيه نظر؛ لأن بياض الشفة و اللسان في اليرقان إنما يكون لاستيلاء البلغم على المعدة و الأمعاء لبردها و قلة انصباب الصفراء إليها لاندفاعها إلى ظاهر البدن و لذلك يكثر فيه القولنج، و هذا لا يمكن أن يكون فيما يحدث من حرارة الكبد؛ لأن الأحشاء فيه تكون حارّة بالضرورة، و يدل على ذلك كثرة تولد الرياح في هذا النوع خاصة و كثرة القى ء الصفراوى و شدة صفرة البول لكثرة اندفاع الصفراء في البول أو سواده؛ لأن الصفراء لكثرتها في مجارى البول تجتمع و تتكاثف و الأصفر و غيره من الملونات إذا تكاثف، قلّ نفوذ البصر فيه فيرى أسود كالماء الغمر فإنه يرى أزرق للتكاثف سيّما إذا كان تحلل لطيفها الموجب للاشراق بسبب طول احتباسها في المسالك الضيقة عند التراكم. و قد يكون سواده لاحتراق الصفراء حتى تصير سوداء محترقة.

ص: 48

و الفرق بينهما أنه إذا كان عن الاحتراق لا يكون البول معه غريزا ضرورة لأن الاحتراق يلزمه ضعف القوة و يعلوه زبد أصفر أما الزبد فللغليان و أما صفرته فلزوال التكاثف الموجب للسواد عنه لتخلخله.

و علاجه: تبريد الكبد بمثل: ماء الرمان الحامض و ماء الشعير و غير ذلك من الأدوية و الأغذية و الأضمدة التى ذكرت و تنقية البدن من الصفراء بمثل طبيخ الهليج و ماء الرائب الذى اديف فيه السقمونيا.

و إما من سوء مزاج حارّ يحدث في المرارة فتجذب المرار أكثر من القدر الطبيعى ثم يغلى فيها و يفور لفرط حرارتها و ينبسط في جميع البدن كما إذا جعل رطل من الماء في ظرف يسع فيه عشرة أرطال و أغلى فإنه عند غليانه يتخلخل حتى يملأ منه الظرف ثم ينصبّ عنه حتى لا يبقى فيه شى ء منه و هذا بعيد جدا؛ لأن اندفاع المرار عند غليانه في المرارة إلى الأمعاء و المعدة أقرب من اندفاعه إلى الكبد و رجوعه قهقرى إليه ثم منه إلى سائر البدن، بل الأقرب ان المرارة عند حرارتها تجذب المرار جذبا قويا بحيث يمتلئ منه و لا يسعه فيتمدّد تمدّدا كثيرا فيسترخى و تسقط قوتها و لا تستطيع دفع المرار إلى أسفل فلا ينصبّ المرار من الكبد إليها لامتلائها بل تنبسط مع الدم في جميع البدن و هذا كما يعرض للمثانة إذا امتلأت بأكثر مما يجب فانها تتمدّد حينئذ و تسترخى و لا تستطيع أن تدفع البول إلى خارج و أيضا لا تقدر المرارة حينئذ على جذب المرار من الكبد فيبقى فيها و ينبسط في البدن.

و قيل: حدوث اليرقان منه لما أن الكبد يسخّن بما يتأدى إليه من حرارة المرارة، فيحيل الغذاء إلى الصفراء على ما ذكر و هذا أيضا بعيد.

و الفرق بين هذا و بين الذى من سوء مزاج الكبد أن الذى من الكبد يصفرّ فيه لون جميع البدن ما خلا الوجه، فإنه تعتريه كمودة إذ الذى يرتقى إلى الوجه من المادة يكون أشدّ تهيّئا للاحتراق لشدة حدّته و لطافته فيحترق و يسوّد فيميل لون الوجه إلى الكمودة و تكون معه نحافة البدن لما لا يتولّد دم يصلح لأن يتخلف عن المتحلل و احتباس الطبيعة لانجذاب جميع مائية الكيلوس إلى الكبد بسبب حرارته كانجذاب الدهن إلى الفتيلة في السراج و فى سوء مزاج المرارة لا يوجد ذلك، فيه نظر؛ لأن «الشيخ» قد صرّح بأن عند حراقة المرّة في

ص: 49

المرارة و التهابها فيها يكون البدن اصفر و الوجه وحده أسود و البدن نحيفا و الطبيعة محتبسة لشدة تجفيف المرار للثفل، بل الفرق بينهما أن الكبدى يكثر معه العطش و قلة الشهوة و قى ء المرار و حمرة البول، و المرارى يبيضّ(1) معه اللسان و البول في الابتداء لاحتباس المرار في البدن ثم يصفرّ ثم يسودّ و يغلظ(2) في الآخر.

و الفرق بينه أى: بين المرارى و بين الذى من سدد الكبد أى: سدد عروقه التى بينه و بين المجرى الذى بينه و بين المرارة، و عروقه التى ترتقى منها الصفراء إلى حدبته و تندفع إلى الكليتين و المثانة، أن ذلك المرارى يحدث قليلا قليلا ثم يتكامل لأنه ينفذ المرار إلى البدن إلّا ما يفضل عن المرارة و يرجع عنها إلى الأعضاء و هذا السدّى يحدث دفعة؛ لأن المرار فيه يحتبس بالكلية عن المرارة دفعة و ينفذ إلى الأعضاء.

و علاجه: تبديل مزاج المرارة بالأشربة الباردة المطفئة مثل شراب الاجاص و الرمان و السكنجبين الساذج الصادق الحموضة مع ماء الهندباء و ماء اللبلاب و تنقية البدن من الصفراء بطبيخ الهليلج الأصفر و الشاهترج و الأفسنتين و الاجاص.

و إما من حرارة جميع البدن و العروق حتى تكثر فيه المرّة الصفراء لما يتغير الدم الذى فيها و يستحيل إلى المرّة.

و علامته: سخونة البدن عند اللمس و نحولته أعنى نحافته لما أن الدم يستحيل إلى المرّة فلا يصير جزءا للبدن و حكّة تعرض لجميع البدن للذع الصفراء وحدتها و يبس البراز لانجذاب المائية بتمامها إلى الأعضاء بسبب حرارتها و خروج الصفراء بالقى ء و البول و البراز؛ لأن الطبيعة تدفعها من هذه

ص: 50


1- 59. ( 1). وجه ذلك أنه اذا كان بين المرارة و الأمعاء و المعدة سدّة فيقطع منها ما يرد من الصفرا فيكسر البلغم فيكون اللسان أبيض.
2- 60. ( 2). وجّه بأن الصفراء لشدة اشتعالها حركت الى فوق و الى الجلد مما[ فما] يندفع منها الى مجارى البول يكون قليلا جدا فيرقّ البول و يبيضّ ثم بعد ذلك اذا لم يندفع بالعرق لغلظها دفعتها الطبيعة الى جهة مخارجها الطبيعية فيسودّ و يغلظ لغلظ المرارة أو كان سببها احتراقها لشدة اشتعالها حتى يصير سوداء محترقة فيسودّ البول و يغلظ باختلاطها معه.

الطرق عند زيادتها البدن و أن يعرض قليلا قليلا بحسب ما يصل إلى البدن من الغذاء و لما يتحلل من تلك الصفراء عن الجلد بحرارة البدن.

و علاجه: الاسهال بما يستفرغ الصفراء ثم تعديل المزاج بالأغذية المطفئة مثل السمك الصخرى المطبوخ بالخلّ و الفراريج المطبوخة بماء الحصرم و ماء الرمان الحامض و مزورة الماش و القرع و الأشربة المطفئة.

و إما من ورم الكبد بسبب ما ينضغط منه المجرى الذى تنفذ فيه الصفراء إلى المرارة فينسدّ فتحتبس فيه المرار و حينئذ يصير الكبد أسخن مما كان سيّما إذا كان الورم حارّا فيتولّد المرار فيه أكثر مما يتولّد في الصحة.

و علامته: علامات ورم الكبد و كذلك علاجه.

و إما من سدد في الكبد يحتبس عنها المرار إلى المرارة و الكلية.

و علامته: أن يكون مع اليرقان علامات سدد الكبد و يكون البول و البراز أبيضين لانسداد طريق الصفراء إلى الكلية و الأمعاء.

و علاجه: علاج سدد الكبد.

و إما من استحالة بعض الأخلاط في الأعضاء إلى المرّة الصفراء بسبب حرارة غريبة عرضت لها و هذا يكون من لسع حيوان ذى سم حارّ كالرتيلا و الزنابير الخبيثة و الافاعى و ذلك لما يسخّن العضو الملسوع بحرارة السم و بالألم فتسخن الأخلاط التى فيه و تتعفن و تستحيل إلى الصفراء و تنتشر منه إلى جميع البدن.

و إما من شرب دواء قتال حادّ كمرارة النمر و الأفعى و صدأ الحديد إذا لم يبلغ إلى حد الهلاك.

و علامته: تقدم الصحة و جودة الأخلاط و حسن التدبير و أن يعرض بغتة من نهشة حيوان في الذى من اللسع أو حدوث مغص و تقطيع في الأعضاء الباطنة و التهاب و حمرة في الوجه و كرب و عطش و بخر في الفم لفساد الأخلاط و تعفنها و ارتفاع أبخرة متعفنة عنها في الذى عن المشروب.

و علاجه: سقى ماء الرمان و لعاب بذر قطونا و ماء الهندباء و أقراص الكافور و ماء الشعير و دهن اللوز و غيرها مما فيه تبريد مع ترياقية و قد ذكر «ثابت بن قرّة» ان «جالينوس» سقى من ذلك اليرقان الترياق الكبير فبرئ به المريض.

ص: 51

و إما من شدة حرارة الهواء؛ لأنها تولد المرار و تحيل ما في البدن من الدم إلى المرار و تجذبه إلى ظاهر البدن.

و علامته: القى ء المرارى لما ينصبّ شى ء من المرار لكثرته إلى المعدة و العطش و ضعف الشهوة لحرارة المعدة و كثرة انصباب الصفراء إليها و ألم في المعدة للذع الصفراء وحدتها و هذا الصنف من اليرقان يحدث للصبيان و النساء في الأكثر للين أجسامهم و تخلخلها فيسرع تأثير الحرارة و نفوذها فيها و فى الاكثر يكون معه حمى غب دائمة أو محرقة؛ لأن المرار الذى يتولّد من الدم في ابدانهم يتعفن بتلك الحرارة الغريبة في داخل العروق أو لما يسخّن القلب و الروح أولا من حرارة الهواء ثم يسخّن المرار في العروق القريبة منه و يتعفن.

و علاجه: تبريد المسكن بالاكتنان في مثل المجامد و سقى مياه الفواكه الباردة مثل ماء الرمان و التفاح و البطيخ الهندى و القرع و الخيار و الأطعمة الباردة مثل الرمانية و الريباسية و الكشكية لأنها بعيدة الاستحالة إلى الصفراء.

و إما لورم يحدث للمرارة فتضعف عن جذب المرار من الكبد و عن دفعه إلى الأمعاء.

و علامته: الحمى الدقية أما الحمى، فللورم أو وصول الحرارة من المادة المتعفنة في موضع الورم إلى القلب لا للمرار المندفع إلى الجلد لخلوه عن العفونة و إلّا لكانت الحمى غبا نائبة و أما دقّيتها، فلبعد المرارة من القلب و ضعف مشاركتها له لأنها تشارك الكبد و هو يشارك القلب من غير ثقل في موضع الكبد و لا جهته لصغر حجم الورم، و إن أحسّ بثقل كان يسيرا عميقا ليس بظاهر كما في ورم الكبد و خشونة اللسان لحرارة الحمى و لكثرة ارتفاع الأبخرة الحارّة المجففة من المعدة إليه و التهوع لانصباب المرّة إلى المعدة حيث لا تجذبها المرارة من الكبد.

و علاجه: علاج ورم الكبد.

و إما لضعف جرم المرارة عن الجذب بسبب سوء مزاج في الأكثر يكون مع ضعف الكبد عن التمييز و الدفع.

و علامته: أن يكون مع اليرقان غشى و قى ء المرّة بلا ثقل في الكبد إذ لا يحتبس المرار بأجمعه فيه، بل يندفع شى ء منه إلى الأعضاء و شى ء منه إلى المعدة و شى ء إلى المرارة و إن كان أقل مما ينبغى؛ لأن المرارة لم تبطل قوتها عن الجذب بالكلية.

ص: 52

و علاجه: علاج ضعف الكبد فإن المرارة تقوى باشتراكها أى: باشتراك الكبد، و كذلك يكون علاجها هو بعينه علاج الكبد.

و إما لسدة تحدث في المجرى الذى تجذب فيه المرارة المرّة الصفراء من الكبد.

و علامته: أن يكون مع قى ء المرّة مرارة الفم و ثقل يسير في الكبد أما الثقل، فلاحتباس يسير من الصفراء فيه حيث لا يندفع شى ء منها إلى المرارة أصلا و إن كان شى ء منها يندفع إلى الأعضاء و المعدة و أما يسير، فلقلة الصفراء و خفتها و لطافتها و أن يبيض الرجيع قليلا قليلا؛ لأن ما تبقى من المرار في كيس المرارة ينصبّ أولا فأولا إلى الأمعاء و يصبغ البراز حتى ينفذ.

و علاجه: استفراغ الصفراء من البدن ثم تفتيح السدّة- إن كانت حرارة- بماء الهندباء و عنب الثعلب و السكنجبين(1) و إن لم تكن حرارة، فماء الكرنب و الكرفس و الرازيانج و السكنجبين البذورى(2) و نحوها.

و إما لسدة في المجرى الذى فيه تدفع المرارة المرار إلى الأمعاء.

و علامته أن يبيّض البراز دفعة لانقطاع الصفراء عن الانصباب إلى الأمعاء دفعة و يعسر خروجه؛ لأن الصفراء تغسل الأمعاء من الثفل و البلغم اللزج و تلذع عضل المقعدة فيحتاج الانسان إلى النهوض إلى التبرز و إذا انقطعت منها بالكلية، لم تتنبه لدفع الثفل و لم يتحرك البراز للدفع و لم تتنظف الأمعاء من الرطوبات فيرتبك عليها و يحتبس مع البراز فيها و ربما يحدث معه قولنج لانسداد الأمعاء بالثفل أو بالرطوبات المتشبثة المرتبكة عليها و لا يكون معها قى ء المرّة؛ لأن الكبد الصحيح يدفع المرّة إلى المرارة، فإن لم يمكن فإلى البول و الأعضاء لا إلى المعدة؛ لأنها تتأذّى بذلك و يفسد الهضم فيها لاختلاط الخلّط الردى ء بالغذاء و يحدث الغثيان إلّا بعد ما امتلأت المرارة من المرّة و تأذى الكبد باحتباسها فيه فيدفع شيئا إلى المعدة للاضطرار. و أيضا قد يحدث القى ء فيمن كان بين مرارته و معدته مجرى فتندفع المرّة عند انقطاعها عن الأمعاء الى المعدة.

ص: 53


1- 61. ( 1). الساذج أو البذورى المتخذ من البذور الباردة.
2- 62. ( 2). يعنى الحارّ.

و علاجه: العلاج المتقدم بعينه عند الحرارة و البرودة، لكن يحتاج هاهنا إلى أدوية أقوى من الأول لبعد مكان السدّة و يزيد عليه بأن يحقن في هذا النوع لأن تأثير الحقنة فيه أقرب بالحقن الحادّة لأنها تفتح السدّة و تحلل القولنج و تستفرغ الرطوبات اللزجة المتشبثة بالأمعاء و الصفراء المتلاشية في الأعضاء و ينفع من السدّة في هذين المجريين يعنى الذى ينجذب فيه المرار إلى المرارة و الذى يندفع منها المرار الى الأمعاء خاصة ماء الكرنب إذا حل فيه فلوس الخيار شنبر و قطر عليه دهن اللوز المر و سقى؛ لأن السدّة في هذين المجريين أى: في داخلهما، لأن الأطباء إنما يطلقون السدّة على ما يكون في داخل المجرى و فى تجويفه، و ما يكون على المسامّ و أفواه العروق يطلقون عليه الانسداد إذ لا يكاد يحدث إلّا من ورم لأن الصفراء لحدتها و لطافتها لا تدع ان يبقى فيهما رطوبة لزجة تسددهما فيحتاج إلى ما يحلّله مثل الكرنب و الخيار شنبر و اللوز المر. هذا من نتائج أفكار «الرازى» و فيه بحث لأن الورم في هذين العرقين لا يمكن أن يكون إلّا من الصفراء بالضرورة و لا يخلو عن وجع مّا و حمى لينة و المشاهد خلاف ذلك. و أيضا الصفراء التى تنفذ فيهما، تكون على صرافتها و غاية حدتها و لطافتها فكيف تصير محتقنة في العضو مورّمة له؟!

و البلغم الغليظ إذا اختلط بها لا يمكن أن ينفذ في جرم هذه العروق لشدة صلابتها و تلززها؛ لأنها مجارى للصفراء و ليس من المحال أن تتولد في الكبد أخلاط غليظة لزجة تختلط بالصفراء و تنفذ إلى المرارة كما يكون فيمن يكثر تناول الرؤوس و الهرايس مع شرب الشراب فتنفذ تلك الأغذية على فجاجتها في العروق و تسدّد و لا تقدر المرارة على اخراجها لغلظها و لزوجتها سيّما إذا كانت الدافعة مع ذلك ضعيفة. على أنهم يجوزون حدوث اليرقان من احتباس شى ء في الأمعاء خصوصا في قولون فينصبّ إليه مرار كثير و لا يخرج عنه فلا يجد ما في المرارة موضعا يفزع إليه و إن كان المجرى الذى بينها و بين الأمعاء مفتوحا، هذا مع كثرة المرار وسعة المجرى فكيف يكون مع قلته و ضيق المجرى؟! و «الشيخ» و إن استبعد ما استحاله فإنه قال: إن المرّة إذا حصلت و كثرت المعاء أخرجت نفسها و غيرها إلّا أن يكون عرض للحس أن بطل و للدافعة أن سقطت و يجوزون أيضا حدوث السدّة في المجارى من الصفراء نفسها لكثرتها.

ص: 54

و قد تحدث السدّة في هذين المجريين من لحم نابت أو ثؤلول. و يستدل عليه بقلة غناء المعالجة، لأن قوة الأدوية لا تبلغ إلى أن تقطع اللحم و الثؤلول و عدم انصراف اليرقان لبقاء السبب.

و لا علاج له إذ لا يمكن إزالته إلّا بالحديد و هو غير ممكن هاهنا.

و ربما عرض اليرقان بسبب القولنج بانسداد الطريق الذى فيه تنصبّ المرّة إلى الأمعاء بسبب خلط بلغمى لزج يلتزق على سطح الأمعاء و يسدّ فم المجرى الذى تنصبّ منه المرارة إليها فتنصرف إلى الأعضاء و يحدث اليرقان. و هذا لا يناقض ما سبق من أن السدّة في هذين المجريين لا تكون إلّا من ورم؛ لأن السدّة ليست هاهنا في نفس المجرى بل في فوهته و وجهه، و كذا ما تكون السدّة بسبب شدة إكتناز المرارة لانصباب المرار الكثير إليها دفعة فينطبق على فم المجرى ما يحبسه فيها، و كذا ما يكون بسبب برد يصيب قعر الكبد فتنقبض مجاريه أو لاجتماع مادة لزجة فيها يغرى وجه المجرى فلا ينفذ المرار إلى المرارة.

و علاجه: علاج القولنج. فأما ما ينقّى الصفرة من أبدان اصحاب اليرقان و أعينهم عند زوال السبب، فالاستحمام لأنه يفتح المسامّ و يرقق الأخلاط و يدفعها عن الجلد بالعرق و البخار و تنشّق الخلّ الثقيف مرارا متوالية فإنه لحدته يلذع الخيشوم و يقطع الأخلاط و يفتح المجارى فتسيل من العين دمع كثير و من الأنف مرة كثيرة و تزول به صفرة العين و كذلك الغرغرة بالسكنجبين الذى قد طبخ فيه أفسنتين؛ لأنه ينقى العروق من الصفراء و تخرج المرّة المحتقنة فيها و التسعط بالشونيز و شحم الحنظل و النظر إلى الألوان الصفر حتى تترشح في ذهنه صورة الأصفر؛ لأن الطبيعة تدفع المادة الصفراوية كلها إلى الجلد للمشاكلة فيتحلل عنه سريعا و لذلك ينهى المرعوف عن النظر إلى الأشياء الحمر و سبب ذلك تأثير التصورات الوهمية في البدن.

و أما اليرقان الأسود و هو الذى يقال له اليرقان السندى ينسب إلى «السند»، و هو موضع يكون لون سكانه أسود فهو يحدث:

إما لسدة في المجرى الذى فيه تنجذب السوداء من الكبد إلى الطحال فلا يصل الخلّط السوداوى إلى الطحال و يبقى مع الدم و يسرى في البدن بأسره، و إما لسدة في المجرى الذى فيه يندفع السوداء من الطحال إلى فم

ص: 55

المعدة فتكثر أى: السوداء فيه أى: في الطحال و تعود عنه عند امتلائه إلى الكبد و يسرى منه مع الدم في البدن.

علامة هاتين السدتين: الثقل و التمدد لأحتباس السوداء في الجانب الأيسر، فيه نظر؛ لأن السدّة إذا كانت فيما بين الطحال و الكبد يكون الثقل و التمدد لا محالة في الجانب الأيمن لاحتباس السوداء هناك و أن يحدث اليرقان قليلا قليلا لأن ما يسرى من السوداء إلى البدن يكون على حسب ما يتولّد في الكبد يوما فيوما، و ظاهر أن تولدها قليل جدا ليس كتولد المرار و غيره من الأخلاط.

و الفرق بين هاتين السدتين أن في الأول تسقط الشهوة بتدريج، لما يبقى شى ء من السوداء في الطحال فتنصبّ أولا فأولا إلى المعدة، و فى الثانى تسقط دفعة.

و علاجه: تفتيح السدّة بالسكنجبين البذورى و نحوه من الأشربة و الأقراص و المعاجين التى فيها مفتحات قوية و تنقية البدن من السوداء بطبيخ الأفتيمون أو بماء الجبن مع الأفتيمون و الملح النفطى و الغاريقون.

و إما لشدة حرارة الكبد فتحرق الدم إلى السوداء فيسودّ اللون لسريان الدم السوداوى المحترق إلى البدن.

و الفرق بين الكبدى أى: اليرقان الأسود الذى يكون من ضعف الكبد و الطحالى أى: الذى يكون من ضعف الطحال مع سلامة الكبد، أن الكبدى يكون قليل السواد مع سوء حال الكبد و الطحالى يكون شديد السواد و ذلك لأن ما ينبعث من السوداء إلى البدن عند ضعف الكبد يكون مختلطا بالأخلاط الأخر غير متميز عنها فيكون قليل السواد و ما ينبعث عند ضعف الطحال و سلامة الكبد يكون متميز عن الأخلاط الأخر خالصة صرفة فيكون شديد السواد و قد يكون البراز و البول فيه أسودين لأن الطحال عند ضعفه لم يجذب الفضل السوداوى فيختلط شى ء منه بالدم و يبنبعث إلى الأعضاء و يستفرغ شى ء منه بالاسهال و الادرار و يتخلى عن امساكه فيندفع بحسب ميله مع البول و البراز و القى ء مع شكوى المريض من الجانب الأيسر عن التمدد و الثقل و الوجع و الصلابة.

و علامته أى: علامة ما يحدث لشدة حرارة الكبد أن يكون مع خبث نفس و غم و وسواس بلا سبب خارجى و سائر الأعراض التى تكون في السوداء المراقى.

و علاجه: اخراج الدم الفاسد بفصد الباسليق و الخلّط الردى ء بطبيخ

ص: 56

الأفتيمون و الشاهترج ثم العناية بأمر الكبد و تطفئة حرارته بالأشربة و الأغذية و الأطلية المبرّدة.

و إما لضعف جاذبة الطحال فتجرى السوداء مع الدم في جميع البدن و إما لضعف ما سكته فتنصبّ السوداء من الطحال و تسرى في جميع البدن.

و علامته: كدورة بياض العين في القسمين مع سقوط الشهوة في القسم الأول؛ لأن الطحال لا يجذب السوداء من الكبد حتى تنصبّ منه إلى فم المعدة و خروج السوداء بالقى ء و الاسهال في القسم الثانى.

و علاجه: تقوية الطحال بوضع الأضمدة المقوية عليه مثل الأفسنتين و السنبل و الكزمازج و القردمانا و فقاح الأذخر و أصل الكبر و الورد، و المقل بماء ورق الطرفاء و بماء السذاب و الخلّ و المحاجم بالنار أو بغيرها بغير شرط لجذب السوداء إليه و بالدلك بالخرق الخشنة لذلك و الرياضة على الخلّاء لأنها تثير الحرارة و ترقق الرطوبات الغليظة و توسع المسامّ و تحلل الفضول.

و إما لورم في الطحال حارّ أو صلب يضعف بسببه عن جذب السوداء و تنقية الدم و يجى ء في أمراض الطحال.

و قد يحدث اليرقان الأسود على سبيل دفع الطبيعة و بحران أمراض الطحال حيث لم تجد الطبيعة طريقا للنفض غير ناحية الجلد لمانع.

و علامته: أن يحدث اليرقان بعقبها أى: بعقب أمراض الطحال و يجد العليل بعقبه أى: بعقب اليرقان خفة.

و علاجه: المعونة على ذلك بالاستحمام بالماء العذب و التمريخ بالأدهان الملطّفة مثل دهن البابونج و الشبت و السوسن.

قال «الطبرى»: اليرقان السندى منسوب إلى «سند» و هو موضع يكون لون أهله أسود إلى الصفرة و سببه انسداد الطريق بين الكبد و المثانة العليا(1) و بينه و بين الطحال فلا تنفذ الصفراء إلى المرارة و لا السوداء إلى الطحال فيختلطان بالدم إلى الأعضاء فيصفرّ اللون و يسودّ و الصفرة في السواد لون أهل «السند».

ص: 57


1- 63. ( 1). أى: بين الكبد و المرارة؛ لأن المثانة اذا قيدت بلفظ العليا يراد عنها المرارة لأنها أعلى وضعا من المثانة.

و الفرق بين ما تكون السدّة في الموضعين و بين ما يكون في الطحال فقط بلون الماء فإنه إن كان على صورة الميفختج الممزوج بالزعفران ففى الموضعين، و إن لم تكن فيه صفرة ففى الطحال فقط و كذلك يكون البراز بلون الخرقة التى يمسح بها البدن.

ص: 58

الباب الرابع عشر: فى امراض الطحال

اشارة

ص: 59

ص: 60

الباب الرابع عشر: في أمراض الطحال

الفصل الأول: في سوء مزاج الطحال

يكون إما حارّا.

و علامته: العطش و الالتهاب في اليسار و أن تضرب القارورة مع الحمرة إلى السواد لما يسخّن الكبد بالمشاركة سخونة غير مفرطة فيكثر تولد الدم السوداوى فيه و يندفع شى ء منه مع البول و كذلك النجو لما يندفع شى ء منه إلى الأمعاء.

و علاجه: فصد الباسليق و الأسليم من الجانب الأيسر إن كان سوء المزاج ماديا و ذلك لأن فصده يجذب المادة الى المجارى التى هي في غاية البعد و سقى ماء الهندباء و عنب الثعلب و الأقراص الباردة مثل هذه: ورد أحمر، طباشير، بذر البطيخ و القثا و الخيار و بقلة الحمقاء، من كل واحد ثلاثة دراهم؛ راوندصينى، اسقولوقندريون، من كل واحد درهم و نصف؛ زعفران، درهم، كافور، نصف درهم يدقّ و يعجّن بماء الخلّاف و الهندباء و يقرص و تضميد الطحال بالاضمدة الباردة مثل دقيق الشعير مع ماء ورق الطرفاء و الخلّ و مثل اللبلاب المطبوخ بالخلّ مع دقيق الشعير.

و إما باردا.

ص: 61

و علامته: سقوط الشهوة و كثرة القراقر و الجشاء، هذه كلها لضعفه(1) عن جذب السوداء، فيه بحث؛ لأن القراقر و الجشاء إنما يكونان لضعف المعدة و قصور الهضم لما يتعدى إليها البرد من الطحال بالمشاركة.

و علاجه: التسخين بالسكنجبين الكثير البذور و الأصول الحارّة مثل بذر الكرفس و الرازيانج و الإنيسون و الكشوث و الفنجنكشت و السذاب و الشلجم و أصل الكرفس و الرازيانج و السوسن، أما البذور و الاصول الحارّة فللتسخين و أما الخلّ- و إن كان باردا- فلما يشتدّ جذب الطحال بسببه للسكنجبين لما فيه من الحموضة الشبيهة بحموضة السوداء و أما السكر فلميل الطبيعة إليه بسبب الحلاوة. و الأقراص المعمولة من قشور أصل الكبر و الزرارند و اسقولوقندريون و الاشق و بذر و الفنجنكشت و الفلفل و القسط و السداب و الاشنة و الايرسا و الوج و السنبل معجونة بالخلّ و ماء ورق الكبر و ثمرة الطرفاء و الأضمدة المتخذة من التين و القسط و ورق السذاب أو قشور أصل الكبر و ثمرة الطرفاء و اسقولوقندريون و اللوز المر و ورق الغرب مع الخلّ.

و إما يابسا. و علامته: صلابة الطحال و نحافة البدن؛ لأنه حيث لا يجذب السوداء من الكبد لضعفه و لعدم مؤاتاته للانبساط و الاتساع لنفوذها فيه، يختلط بالدم و ينبعث إلى سائر البدن فلا يغتذى به على المجرى الطبيعى و لا يترطب به ليبسه و جفافه، مع أن ما يتولّد في الكبد من الدم يكون غليظا قليل الرطوبة لما يحدث فيه اليبس أيضا بمشاركة الطحال و اسوداده لاختلاط السوداء بالدم.

و علاجه: الترطيب بوضع الاطلية المرطّبة عليه مثل حب القرع و البطيخ و بذر البقلة و الخطمى مع لعاب بذر المرو و لبن البنات و دهن البنفسج و سقى الأشربة الموافقة لذلك مثل شراب البنفسج و النيلوفر و الخشخاش مع ماء القرع و الخيار.

ص: 62


1- 64. ( 1). أى: لضعف الطحال عن جذب السوداء؛ لأن سوء المزاج البارد العارض له مضعف للجذب. و يتبادر من ضعف الطحال نقصانه في الافعال لما يستفاد ذلك من لفظ الضعف و حينئذ لا يتحقق سقوط الشهوة لأنه انما يحدث اذا كان البرد شديدا جدا حتى يكون مبطلا لجذب الطحال و دفعه فلا يجذب الطحال حتى ينصبّ منه الى المعدة و يحدث الشهوة. و أما اذا لم يكن البرد كذلك فلا يبطل جاذبة الطحال و دافعتها بالكلية فقد ينصبّ حينئذ شى ء منه الى المعدة و يحدث الشهوة.

و إما رطبا. و علامته: لين الجانب الأيسر و ثقل فيه أما في المادى فظاهر و أما الساذج فلأن الرطوبة ترخى الرباطات و المعاليق التى يتعلق بها الطحال فتضعف عن حمله و يحس العليل حينئذ بثقله و ترهل البدن لما يكثر في الكبد بالمشاركة تولد الدم الرطوبى و سواد فيه يضرب إلى بياض أسربى لتركيب السواد الحادّث من السوداء مع البياض الحادّث من الرطوبة عند انبعاثهما من الكبد إلى الأعضاء لضعف جاذبة الطحال.

و علاجه: ما يجفف من الأقراص المعمولة من الورد الأحمر و أصل الكبر و الراوند و السنبل و اللك المغسول و الانبرباريس المعجونة بماء الطرفاء و الأضمدة المتخذة من الفوتنج و البورق و السذاب و ثمرة الطرفاء مع الخلّ الثقيف.

و إما حارّا رطبا. و علامته: أن يظهر ثقل في الجانب الأيسر و لا يكون هناك عطش و لا التهاب بسبب الرطوبة و لا سواد في القارورة لقلة تولد السوداء لمضادة المزاج الحارّ الرطب للسوداء و تظهر في اللون كمودة لكثرة اختلاط الرطوبة الغليظة المتولدة في الكبد بالدم و فى البدن ترهّل لذلك.

و علاجه: سقى السكنجبين البذورى بقشور أصل الكبر و التضميد بالأضمدة التى فيها مع التبريد تنشيف مثل الورد الأحمر و ثمرة الطرفاء و المغاث و الصندل مع ماء الطرفاء و الخلّ و لا يسقى ماء الشعير لأنه مرطّب في الغاية.

و إما حارّا يابسا. و علامته: اعتقال الطبيعة لنشف مائية الكيلوس و حمى القدمين و الساقين لكثرة ما ينزل إليها من الدم الغليظ الحارّ و صفاء يظهر فى القارورة لشدة جذب الطحال للفضول الغليظة المكدرة للبول مع الحمرة لحرارة الكبد من غير رسوب لما ذكر و غير نضج لأن النضج إنما يكون عند اعتدال المزاج و شدة العطش و الالتهاب.

و علاجه: التضميد بالأضمدة المرطّبة المبرّدة مثل ورق عنب الثعلب و عصا الراعى و ورق القرع و ورق لسان الحمل و بذر قطونا و سائر علاج سوء المزاج الحارّ البسيط و اليابس البسيط.

و إما باردا رطبا. أو باردا يابسا. و يتبع هذين المزاجين ضرورة جساوة الطحال و غلظه لأن البرد يزيد في الفضول التى في الطحال غلظا و كثافة و ستجى ء جساوة الطحال و غلظة الذى يكون من الورم و أما الجساوة التى تكون لغلظ جوهره من غير ورم فلم يذكرها المصنف.

ص: 63

الفصل الثانى: في أورام الطحال و صلابته

أكثر ما تكون أورام الطحال صلبة لأنه مفرغة للفضول الغليظة الكثيرة الارضية و هى إذا تراكمت فيه عند الورم، تصلّبت بالضرورة و قد تعرض له الأورام الحارّة لكثرة ما فيه من الشرايين التى تحتوى دما حارّا و لكن إذا عرضت له لم تلبث أن تتصلب لأن الدم الواصل إليه لغذائه غليظ و يتراكم في الورم و يزداد غلظا فيصلب مع أن شدة حرارته تعين على تحليل ما فيه من الأجزاء اللطيفة بسرعة و هى:

إما حارّة دموية.

و علامتها: وجع في جانب الطحال و التهاب و عطش و حمى حادّة تشتدّ ربعا لما سنبين في الحميات و سواد في القارورة آخذا في القتمة لاحتراق الدم و كثافته و اسوداده و كثرة تولد السوداء في الكبد أيضا بالمشاركة و ضعف الطحال عن الجذب بسبب الورم و ربما ظهرت الحمرة في الموضع المحاذى للطحال من الجلد لاتصاله بغشاء البطن و شراسيف اضلاع الخلّف فتترشح منه المادة إلى ظاهر البشرة.

و علاجها: فصد الباسليق و الاسهال بالخيارشنبر و ماء الهندباء و ماء عنب الثعلب و نحوها و وضع الأضمدة الباردة عليه مع ما فيه تلطيف كالخلّ لئلّا تتحجر المادة.

ص: 64

و إما صفراوية، و علامتها: الحرقة المفرطة في الطحال؛ لأن فيها تبشر سطح الطحال؛ لأنها للطافتها وحدتها تميل إلى ظاهر العضو و الجلدة التى تحاذيه من البشرة أيضا لاتصاله بها سيّما إذا عظم الورم فتترشح المادة الحادّة منه إليها و الحمى التى تشتدّ على أدوار الغب(1)، و اصفرار العينين و اللسان و سائر البدن لغلبة الصفراء و اختلاطها بالدم لسخونة الكبد و اختصاصهما بالذكر لأن الصفرة فيهما أظهر و يخالطها سواد يسير لاختلاط السوداء التى لا يجذبها الطحال مع الصفراء و ربما يظهر معها يرقان أسود عند ازدياد الحرارة و احتراق الصفراء بل سائر الأخلاط في الكبد، و ازدياد ضعف الطحال عن الجذب.

و علاجه: نفض الصفراء بماء الفواكه و نحوه مثل طبيخ الهليلج و الشاهترج و بذر الكشوث مع السكنجبين و تضميد الطحال بالأضمدة الباردة الرطبة مثل دقيق الشعير و الخطمى مع ماء الهندباء و الخلّ.

و إما بلغمية رخوة تسمى تهبج الطحال.

و علامتها: زيادة في حجم الطحال مع قلّة الوجع و تغير لون الوجه إلى البياض و بياض اللسان و العين؛ لأن الرطوبة تنزل من الدماغ إلى الطحال بالعرق الذى فيه ترتقى البخارات السوداوية إلى الدماغ، هكذا قال «جالينوس». و ذكر «بختيشوع»: إن الجساوة و الورم في الطحال أكثر من الرطوبات النازلة من الرأس؛ لأن الرطوبة التى تجى ء إليه من الكبد تكون مختلطة بالدم رقيقة لا يحدث منها جساوة و لا ورم إلّا إذا كثرت جدا، و أما ما ينزل من الرأس فهى باردة غليظة فجة و لذلك تزيله الغرغرة و تهبج حماليق العين لارتفاع أبخرة رطبة من الطحال إليها و تجلب رطوبات من الدماغ إليها و بياض القارورة و النجو لقلة تولد الصفراء في الكبد لاستيلاء البرد عليه بالمشاركة يلوح منهما سوادا؛ أما القارورة فلأن البرد عند استيلائه على الكبد يزيل الإشراق من المائية و يحدث لبياضها كمودة فيصير شبيها بالبياض الرصاصى، و أما النجو فلاستيلاء البرد على المعدة لمشاركتها لأسفل الطحال بواسطة الوريد النافض للسوداء إليها و لذلك تحمى الأطراف في أورام الطحال لما تنهزم الحرارة الغريزية من المعدة إلى الأطراف فيميل البياض الكيلوسى إلى كمودة.

ص: 65


1- 65. ( 1). إذا اطلق الأطباء الغبّ أرادوا بها الدائرة.

و علاجها: نفض البلغم بالحقن المتخذة من طبيخ قشور أصل الكرفس و أصل الكبر و أصل الرازيانج و أصل الأذخر و الإنيسون و التين و الزبيب و التربد مع السكر و البورق و الملح و المرى و دهن اللوز و الحبوب المعمولة من الأفتيمون و الاسقولوقندريون و التربد و الغاريقون و الأيارج و الأشق المعجونة مع العسل و سقى الأقراص الحارّة الموافقة لذلك بعد التنقية مثل قرص الكبر و قرص الفنجنكشت و قرص الفوة و تضميد الطحال برماد خشب الكرم و دهن الورد لتحفظ المادة بتليينه عن التحجر بالخلّ للتنفيذ و التقطيع و التلطيف و لايصاله الأدوية إلى الطحال، بما فيه من الحموضة الشبيهة بحموضة السوداء كما تقدم.

و إما صلبة سوداوية. و علامتها: انتفاخ البطن لكثرة تولد الرياح من الأبخرة الغليظة المتحللة عن الطحال و لضعف المعدة و قصور هضمها و صلابة شديدة الطحال؛ لأن السوداء اغلظ الأخلاط و أكثرها أرضية و خروجه عن موضعه بحيث يدرك بالحس لزيادة حجمه و اشتداد عظمه؛ لأنه معدن تلك المادة و مصبّها و هو بالطبع يجذبها إليه و عند عظمه يكثر تولد الفضول الغليظة في الكبد و نفس منقطع في الوسط حتى يكون دخول الهواء في الرئة مرتين كما في نفس البكاء لمزاحمة الحجاب لمجاورته له فإذا انبسط الصدر، تزعزع معه الطحال الوارم و يحدث فيه ألم و ضغط من ذلك فيستريح الصدر و آلات التنفس لحظة مّا و ينقطع النفس ثم يعود إلى الانبساط ليتم ما قد نقص فيتضاعف النفس لذلك و تأذى شديد بالطعام؛ لأن المعدة إذا امتلأت من الطعام، وقعت على الطحال و عرض له و للمعدة أيضا من ذلك ضغط و مزاحمة شديدة و تغير في اللون إلى الكمودة و فساد الهضم لبرد المعدة بالمشاركة، و لكثرة ما ينصبّ إليها من المواد الفاسدة من الطحال و انحلال الطبيعة لفساد الكيلوس و سرعة تحدث لنبض الشريانين الملتقيين للحلقوم و هما الشريانان السباتيان؛ لأن الحجاب بسبب مزاحمة الطحال له لا يقدر على الانبساط التام و التنفس الطبيعى الذى يفى بتدبير الروح فيحتاج القلب و الروح إلى زيادة الترويح فتتحرك جميع الشرايين حركة قوية سريعة حتى يظهر في هذين الشريانين لحس البصر لأنهما شريانان عظيمان غير غائرين في اللحم و هزال في البدن على قدر عظم الطحال.

ص: 66

قال «بقراط»: إذا عظم الطحال هزل البدن، و إذا ضمر الطحال خصب البدن. قال «جالينوس» في «الأعضاء الآلمة»: إن عظم الطحال يدل على أن في البدن خلطا رديئا و ضموره يدل على جودة الأخلاط، و هذا قرينة لا سبب و السبب هوان عظمه يهزل الكبد و يضعفه و يوهن قوته ايهانا شديدا بالمضادة، و هزال الكبد و ضعفه يوجب هزال البدن لقلة تولد الدم و رداءة الأخلاط و عدم صلوحها لخصب البدن مع أنه يجذب حينئذ من الدم القليل شيئا كثيرا لعظمه فيقلّ غذاء البدن.

و علاجها إن كانت في الدم كثرة: فصد الباسليق و الاسيلم و ترك الاسيلم حتى يحتبس الدم عن ذات نفسه و لا يعصب إذ من خواص هذا العرق أن الدم ينقطع منه عند فصده من ذاته ان احتبس قبل سقوط القوة و كيف لا، و هذا عرق دقيق و الدم الذى يخرج منه غليظ الجوهر و لذلك يحتاج في الأكثر أن توضع اليد من مفصوده في ماء حارّ ليخرج الدم بسهولة و لا يحتبس قبل حصول المراد ثم يسقى السكنجبين البذورى و الاسهال بطبيخ الأفتيمون و البسفايج و الاسقولوقندريون و تضميد الطحال بالخلّ و السذاب و الفوتنج و بضماد و الخلّ الاشق و نحوه مثل الخردل المنثور على جلد مطلى بالعسل و سقى أقراص الكبر و أقراص الفنجنكشت بعد التنقية و أكل التين و الكبر المخللين و الزيرباجات المعمولة من الفراريج و الدراريج و ما يشاكلها مما يسهل انهضامه مع الخلّ و الكبر و الكرويا و الزعفران و الدارصينى.

ص: 67

الفصل الثالث: في تقيح66 الطحال

إعلم أن الورم الصلب في الطحال ربما(1) قاح لقوة الحرارة الغريزية التى فيه بسبب كثرة الشرايين في النادر؛ لأن الورم إنما يتقيح إذا قويت الطبيعة على إنضاجه و جمعه مدة و الورم الصلب عاص عن النضج الّا ما لم يكن في غاية الصلابة أو كانت الطبيعة قوية و فى عبارته شى ء(2).

و علامة تقيحه: أن يبول العليل شيئا كالدردى لتراجع القيح من الطحال الى الكبد و خروجه مع البول مع رائحة متغيرة جدا لما مرّ غير مرة أن التقيح إنما يتولّد من فعل الحرارة الغريزية مع مشاركة الحرارة النارية فلذلك لا يخلو من العفونة و وجع شديد و نخس في الطحال للذع المدة و ربما قذف مثل ذلك إذا انصبّ منه الى فم المعدة و ربما اندفع مع البراز إذا اختلط بما في المعدة و نزل الى الأمعاء.

و علاجه: أن يشرب ماء البذور المنقّية المدرة مثل الرازيانج و بذر الهندباء

ص: 68


1- 67. ( 2). للتقليل.
2- 68. ( 3). لأنه« ربما» إن جعل على التقليل كما هو معناه الموضوع له كان قوله« في النادر» مستدركا و إن حمل على التكثر كما هو المشهور في استعماله، كان قوله« في النادر» مناقضا. انتهى، كذا نقل عنه. و قال« السيد محمد هاشم» في جوابه: اللهم الّا أن يقال إن المراد هو معناه الموضوع له و لا يلزم عنه استدراك قوله المذكور بل هو دال على أقلية ذلك الحكم، أى: مشرف على أن تقيح الورم الصلب في الطحال يكون أقل قليلا.

و بذر الكشوث و الخيار بلبن اللقاح أو بلبن الاتن لان اللبن يجلو المدة بمائيته أو بشرب ماء العسل لجلائه على حسب حرارة المزاج و عدمها، و يضمد الطحال بالنخالة المغلاة بالخلّ؛ لأن من شأن النخالة أن تذيب الطحال و تنقيه بسرعة مع الاشق؛ لأنه ينضج الأورام الصلبة و يلينها و يحللها.

ص: 69

الفصل الرابع: في ضعف الطحال

علامته: فساد اللون و استحالته الى السواد و كدورة بياض العين، مع سقوط الشهوة، هذا إذا ضعفت قوته الجاذبة فلم يجذب السوداء من الكبد فينبعث منها الى الأعضاء مخالطة للدم، و اذا لم يجذبها من الكبد، لم يدفعها الى المعدة، و كذلك إذا ضعفت قوته الدافعة فتمتلئ أوعيته من السوداء فلا يتمكن من جذب شى ء آخر منها فيختلط بالدم و أما إذا ضعفت قوته الماسكة، فيحدث استفراغ الخلّط السوداوى مرة بالقى ء و مرة بالاسهال لتخليته عن امساكه فينصبّ منه الى المعدة و يندفع عنها إما بالقى ء أو بالاسهال.

و علاجهما جميعا: تقوية الطحال بالأضمدة المقوية المذكورة و الرياضة و الدلك باليد الّا أن أكثر ما تضعف القوة الجاذبة تضعف من البرودة و الرطوبة لما علم(1) من ان الجذب حركة و الحركة لا بدّ لها من الحرارة اذ البرودة مميتة للقوة مخدرة لها و من اليبوسة لأنها تمكن الروح الحامل للقوة و تجود هيئة الآلة و تحفظها على تلك الصفة و ينافى جميع ذلك الاسترخاء الرطوبى و الماسكة من الرطوبة فقط لما ذكر، و أما البرودة فإنها نافعة في الامساك من جهة أنها تحبس الليف و تحفظه على هيئة الاشتمال الصالح فلتكن المداواة بحسب ذلك من التسخين و التجفيف أو التجفيف المفرد.

ص: 70


1- 69. ( 1). في مبحث ضعف الكبد.

الفصل الخامس: في سدد الطحال

علامتها: الثقل في الطحال ان كانت بسبب خلط، أو كانت في الجهة التى تندفع عنها السوداء من غير علامات الأورام.

و علاجها: علاج سدد الكبد الّا انه ينبغي ان تكون المفتحات المستعملة هاهنا اقوى، لان السدّة هاهنا أشدّ لغلظ الخلّط الموجب لها.

ص: 71

الفصل السادس: في نفخة الطحال

سببها: برد مزاج الطحال و كثرة السوداء فيه فتتولد لضعف الحرارة و غلظ المادة بخارات و تحتبس لغلظها تحت غشائه و تصير رياحا نافخة.

و علامتها: تمدّد تحت الجنب الأيسر مع ورم غير صلب يلطأ عند الغمز الشديد عليه لتنحى الريح عن موضع الغمز الى جوانبه و ربما جاءت عند الغمز عليه قرقرة لانتقال الريح و حركته و جشاء لاندفاع شى ء منه الى المعدة.

و علاجها: ما يحللها و يفشها مثل الفنجنكشت و الكمون و بذر السذاب و النانخواه و سفوف الحرف و صنعته: أن يؤخذ حرف و ينقع في الخلّ يوما و ليلة و يعجّن به من دقيق الشعير شى ء يسير و يخبز في تنور معتدل حتى ينضج و يجف من غير أن يحترق ثم يدق ناعما و يؤخذ منه جزء و من قشور أصل الكبر و بذر الفنجنكشت و اسقولوقندريون و ثمرة الطرفاء نصف جزء و من الكمون المدبر و بذر الكراث ثلث جزء و يدق و نحوها مثل أقراص بذر الفنجنكشت و المصابرة على العطش قدر ما يحتمله لتشتدّ الحرارة على تحليل النفخ و وضع المحاجم(1) بالنار على الطحال؛ لانها أقوى تاثيرا في تحليل الرياح بسبب الحركة النارية.

و كيفية استعمالها: أن يؤخذ قدح صالح العظم على شكل «الانبيق» يكون له رف و يجعل فيه ثقب صغير و تشعل النار في قطنه منفوشة و توضع على رف الانبيق

ص: 72


1- 70. ( 1). قال« صاحب الكامل»: يجب تقديم التنقية لئلّا يجلب إليه من الفضول اكثر مما يستفرغ.

لئلا يلقى النار الجسد، ثم يوضع القدح على العضو و يحوط ما حوله بمثل العجين و يشدّ الثقب بحشو ناعم كالقطن حتى لا يكون للهواء مسلك الى داخله، فعند ذلك تنطفئ النار بالضرورة و يتعلق القدح بالعضو، و ذلك لأن الهواء الذى في داخله قد كان متخلخلا بسبب تسخنه بالنار و عند انطفائها برد و تكاثف و احتاج الى مكان اضيق فاضطر الى جذب الجلد و اللحم اللذين يلاقيهما ليشغلا من المكان ما قد أخلاه التكاثف. فإذا أريد اسقاطه عن العضو، فتح الثقب ليدخل فيه الهواء، فيسترخى القدح و يسقط. فإن لم تحضر هذه الآلة يؤخذ قدح عريض لين الفم و توضع قطعة عجين كالقرصة على الموضع و تشعل النار في قطنة و توضع على ذلك العجين، و يكبّ عليه القدح و يغمز فتنطفئ النار و ينجذب الجلد و اللحم في تجويف القدح و يترك على العضو ساعتين فان خيف من احتراقه نحى عنه ساعة ثم أعيد.

ص: 73

الفصل السابع: في الحجارة في الطحال

قد يتولّد في النادر رمل أغبر أو أسود صغير الاجزاء جدا لعدم لزوجة المادة و يبسها في الطحال بسبب حرارة العروق الضاربة و الساكنة الكثيرة التى فيه و غلظ المادة و استعدادها للترمل، لكنه لسخافة جوهره و تخلخل لحمه، و اتساع عنقه الذى تندفع عنه السوداء لا تلبث المادة فيه الى أن تتحجر مع أنها أيضا خالية عن اللزوجة الّا في الندرة.

و علامته: أن يخرج الرمل مع الدم عند الفصد؛ لان الفصد يخرج الدم من جميع الأعضاء لضرورة الخلّاء أو بالادرار عند ما قويت الطبيعة على الدفع الى الكبد أو مع دم البواسير فإنه دم سوداوى يتسفل الى آخر العروق لغلظه، و كثرة أرضيته و اذا تولد الرمل في الطحال و اندفع منه الى الكبد، اختلط بالدم الغليظ العكرى الذى فيه فصار أثقل و أميل الى الأسافل مع نخس و وجع في الطحال لخشونة الرمل و خدشة و سلامة الأعضاء الاخر من آلات البول كالكلية و المثانة و نحوهما مما يمكن أن يتولّد فيه الحصا كالكبد.

و علاجه: تنقية ذلك بالبذور المنقية المدرة مثل بذر الهندباء و الكشوث و الرازيانج و الكاكنج و الكرفس و الهليون و التين المخلّل؛ لانه يفتح افواه العروق و ينقى الطحال و يجلوه و نحوها من الأغذية و الأشربة و الأطلية.

ص: 74

الباب الخامس عشر: فى امراض الأمعاء و المقعدة

اشاره

ص: 75

ص: 76

الباب الخامس عشر: في أمراض الأمعاء و المقعدة(1)

الفصل الأول: في زلق الأمعاء72

هو أن لا يلبث الطعام في الأمعاء بل ينزلق عنها سريعا و هو:

اما لبثور يخرج في السطح الداخل من الأمعاء من المواد الحارّة فإذا لذعت البثور الأمعاء دفعت ما فيها غير منهضم لما لا يتوقف فيها الطعام و فيه بحث؛ لأن تمام الهضم و كماله يكون في الأمعاء، و اذا قل لبث الغذاء فيها يكون الهضم ناقصا، إذ لم يحصل بقية الهضم المعوى.

و علامته: أن يخرج مع الطعام غير المنهضم أو القليل الهضم صديد رقيق و يجد صاحبه الوجع عند مرور الطعام في الأمعاء متسفلا على التدريج حتى إذا جاوز عن مواضع البثور و بحسب صعوبة البثور و كثرتها يكون الألم و أن يجد لهيبا يرتفع الى رأسه و وجهه لارتفاع أبخرة حارّة إليهما من الأمعاء بسبب حرارة المادة المبثرة أو بسبب الحرارة الحادّثة من اللذع و الحرقة و يسكّن اللهيب عند شرب الماء البارد ساعة لسكون تلك الأبخرة الى أن تزول البرودة الفعلية من الماء.

ص: 77


1- 71. ( 1). المقعدة عبارة عن مجموع الطرف الأسفل للمعاء المستقيم و اللحم و العضلات الموضوعة عليها.

و علاجه: الفصد و شرب ماء سويق الشعير و صنعته: أن يؤخذ سويق الشعير أو الجاورس و يطبخ كما يطبخ كشك الشعير و يصفى المقطر عليه دهن الورد الخالص ليسكّن اللذع و الحرقة بتليين الدهن و ارخائه و سفوف زلق الأمعاء البثورى على ما مر، و الادوية المغرية كالصمغ و النشا و الكثيرا و البذور اللعابية و الحقن المبرّدة مثل: الشعير المحمص و الأرز و قشور الخشخاش و الخطمى و بذر المرو، يطبخ و يصفى مع دهن الورد و الصمغ العربى و النشا و الأشربة مثل شراب الخشخاش و الرمان الحلو و الآس و الأغذية المطفئة مثل الأرز المطبوخ مع العدس و دهن الورد و مثل الكعك المدقوق مع دهن اللوز، و هجر الحوامض الصرفة لأنها توجب اللذع و الحرقة.

و إما لبثور في سطحها الخارج من تلك المواد.

و علامتها: أن يجد العليل دغدغة و لذعا في الاحشاء مع قيام غير نضيج و لا منهضم. و يخالف النوع الأول بأنه لا صديد معه في البراز؛ لأن الصديد السائل من تلك البثور ينصبّ الى فضاء البطن و يكون الوجع مختلفا فمرة يجده فوق و مرة يجده أسفل و مرة يمنة و مرة يسرة و لا يمكنه أن يبين موضع الوجع، هكذا قال «الطبرى» في «المعالجات البقراطية» و لم يساعده القياس و لا التجربة.

و علاجه: الفصد و تسكين الحرارة بالمطفئات مثل ماء السفرجل و ماء لف الكرم مع الطباشير و مثل الهندباء المسلوق و المزورات المتخذة بماء الحصرم و تضميد الاحشاء بالاضمدة المبرّدة المرطّبة مثل: الطحلب و جرادة القرع و ماء ورق الخلّاف و ورق بذر قطونا و لسان الحمل و حى العالم مع دقيق الشعير و السكون في المواضع الباردة.

و إما لرطوبات فاسدة نمسة أى: حلوة كالماء العذب تخالطه نفطية تجتمع فى الأمعاء فتتلطخ بها سطوحها فينزلق الطعام بملاستها و تخرجه سريعا و أما الرطوبات الزجاجية و المالحية إذا كثرت في الأمعاء، فإنما يحدث عنها القولنج.

و علامته: خروج تلك الرطوبات مع الطعام القليل الهضم؛ لأن تمام الهضم و كماله كما مر يكون في الأمعاء سيّما العليا منها و قلة لبث الطعام في الأمعاء إذا انحدر إليها من المعدة مع حسن حال المعدة من الهضم و من لبث الغذاء فيها قدر انهضامه على المجرى المعتاد إن كان الزلق في الأمعاء وحدها.

ص: 78

و علاجه: تنقية تلك الرطوبات بالقى ء إن امكن فإنه قلّما يستفرغ البلغم المجتمع في الأمعاء بالقى ء بسهولة و الاسهال بأيارج فيقرا ثم سقى السفوفات و الأقراص القابضة إن كان الاسهال باقيا من بقية الرطوبات التى لم تستفرغ مثل سفوف حب الرمان و قرص الجلنار.

و إما لترهل الأمعاء و ابتلالها و سوء مزاج رطب يعرض لها فتضعف قوتها الماسكة.

و علامته: علامات زلق الأمعاء الرطوبى، غير أنه لا يكون معه خروج الرطوبات مختلطا بالطعام كما يكون هناك؛ لأن الرطوبات هاهنا تشرّبه في جرم الأمعاء.

و علاجه: سقى الأقراص و السفوفات القابضة المنشفة و الاسوقة، و دلك الأحشاء بدهن الورد لما فيه من التحليل و القبض.

و إما من خلط لذّاع صفراوى يترشّح من الأعضاء إلى الأمعاء فيلذعها و يحوجها إلى دفع ما فيها كما ذكرناه في الخلّقة.

و علامته: ان يخرج ذلك الخلّط مع الطعام لاذعا للمقعدة، لانها لحمانية شديدة الحس و ليس لفمها صهروج يمنع لذع الصفراء عن جرمه.

و علاجه: تنقية البدن من ذلك الخلّط بالاشياء التى تسهل بالعصر كالهليلج الأصفر مع السكر فإنه مع ما يسهل الصفراء يعقّب قوة قابضة مقوية للأمعاء بها تقتدر على أن لا تقبل الفضول المنصبّة إليها و بالقى ء و هو أولى لان الصفراء بالطبع تميل الى فوق، و لأن الأمعاء تسلم من غائلة الأدوية المسهلة و كثرة مرور الصفراء عليها ثم سقى الأقراص القابضة المبرّدة المقوية للاحشاء ليتدارك ما قد عرض لها من الضعف مثل أقراص الطباشير.

و قد يعرض الزلق من ضعف الأمعاء عن امساك الغذاء و ذلك عند ما يعرض للاعصاب الجائية إليهما من جنس الفالج بسبب امتلائها نفسها أو مبدئها من الخلّط البلغمى أو سقطة عرضت لمبادئها فاسترخت الأعصاب النابتة منها. و علامته: علامات الفالج. و كذلك علاجه على ما مرّ.

ص: 79

الفصل الثانى: فى الاسهال73 و السحج74

قد ذكر كثير من انواع الاسهال الدموى منها و غير الدموى منها- في أمراض الكبد و أمراض المعدة و زلق الأمعاء و بقى الآن ما كان من نفس الأمعاء- دما كان أو مدة أو خراطة و يسمى الذوسنطاريا على الاطلاق.

و الدم الذى يخرج من الأمعاء يكون:

إما من انفتاح عروق فيها عند امتلائها من الدم بلا سحج كخلوه من مادة جاردة مسحجة لها و ذلك الانتفاح إما في الأمعاء الغلاظ و علامته: أن ينزل غائط مع دم؛ ثم ينزل غائط بغير دم لان عروقها ضيقة قليلة الدم فيترشح عنها الدم قليلا بعد قليل بحيث لا يتصل في الخروج و لا يكون معه علامات البواسير من وجع المقعدة و ثقلها و حكتها و خروج الدم بالزرق و القطر بعد الغائط أو قبله غير مختلط به.

و إما في الأمعاء الدقاق قد اقتبس المصنف (ره) هذه المسألة من الطبرى و لم يتدبر فيها و علامته: أن ينزل الغائط ثم ينزل الدم فيه نظر، و الحقّ ان الأمر بخلاف ذلك؛ لأنه بسبب طول المسافة يختلط الدم بالغائط كما قد صرح به الجمهور مزبدا فيه أيضا نظر؛ لان الزبد إنما يكون من اختلاط الريح بالرطوبة و لا موجب لتولد الريح هاهنا رقيقا مع رياح و قرقرة فيه النظر المذكور و لا تكون

ص: 80

معه دلائل(1) القيام الكبدى من خروج الدم دفعة من غير خراطة و فيما بين أوقات متباعدة من غير وجع و كونه دما محضا أو غساليا و هزال البدن و فى قوله من الحمى و العطش و اللهيب بحث و تغير اللون أى: لون العليل الى الصفرة لعدم جذب الأعضاء الدم الذى يسرى إليها من الكبد و الثقل في الكبد لامتلائه من الدم و لا دلائل السحج من الألم و المغص و الخراطة.

و علاجه: الفصد من الباسليق إن كان في الدم كثرة و أطاعت القوة ثم سقى الربوب القابضة كرب الريباس و الحصرم و حب الآس و السفرجل و التفاح مجموعة و الأدوية المغرية لتسدّ أفواه العروق و إن كان في الأمعاء السفلى يفزع أى: يلجأ و يغاث مع ذلك الى الحقن الحابسة لأن وصول أثر الدواء إليها من هذا الطريق أسرع.

و إما من السحج و هو انجراد سطح الأمعاء. و ذلك الجارد:

اما مواد صفراوية حادّة تنزل الى الأمعاء و تذهب بترصيصها و هو الرطوبة اللزجة المطلية على سطح الأمعاء كالرصاص على النحاس، و فائدتها أن لا يلاقى جرم الأمعاء ما يمرّ عليها من ثفل خشن أو خلط خشن أو خلط حادّ، و ان لا ينخرط و لا ينجرد من حدّة ما يمرّ عليها كل يوم، و أن ينزلق البراز عنها إذا تعفن و يخرج بسهولة ثم تخدشها و تعقرها و تفتح افواه عروقها و تسيل الدم منها.

و علامته: أن تنزل الصفراء مختلطة بالخراطة أولا، ثم بالدم و الخراطة و اللزوجات التى في الأمعاء مع وجع في الأمعاء؛ فإن كان السحج في الأمعاء العليا، يكون الوجع عند السرة و فوقها و ما يخرج من الدم و اللزوجات يكون شديد الاختلاط بالبراز لبعد المسافة و يكون مع ذلك قليلا غير مختلط بدسم و يكون معه كرب و عطش لقربها من القلب و المعدة و هو أردأ لقرب تلك الأمعاء من الأعضاء الرئيسية كالكبد و القلب فيتأدى إليها الضرر بالمجاورة و رقتها فيسرع إليها الخرق و قلة لبث الدواء فيها سيّما الصائم، فإن المرّة الصفراء التى تنصبّ إليها من المرارة لتغسلها، إنما تنصب الى هذه الأمعاء و هى خالصة لم تختلط بعد بالرطوبات فتهيّج القوة الدافعة لقوتها اللذاعة فتبقى في أكثر الأمر خالية و كثرة عروقها الماساريقية فيكون اشتراك الكبد لها أشدّ و أزيد

ص: 81


1- 75. ( 1).[ خ. ل: علامات].

من اشتراكه للغلاظ، و كثرة عروقها غير الماساريقية ايضا فيكون استفراغ الدم منها عند انخداشها أكثر، و كثرة ما يتصل بها من الأعصاب فيكون حسها أقوى و وجعها أشدّ و ان كان في الأمعاء السفلى، يكون الوجع أسفل السرة و ينزل الدم و الخراطة أولا، قبل البراز ثم البراز و قد ينزل البراز قبلهما و يكون الدم و الخراطة مع دسم و شحمية إن كان السحج في أمعاء المستقيم و مع رطوبة لزجة بلا دسم إن كان في القولون و الأعور و هذا أى: الذى يكون في الغلاظ أسلم لسلامتها مما اجتمع في الدقاق و لانها أقرب من طبيعة اللحم فيكون التئامها لذلك أسرع.

و علاجه: قطع السبب المسحج ان كان بعد باقيا و هو انصباب الصفراء بالربوب الحامضة مثل ربّ الحصرم و الرمان و الريباس و التفاح و السفرجل الحامض و أكل الحصرميات فإنها تقمع الصفراء و تقبض و تقوى الأعضاء الضعيفة و المسترخية، لكن الأولى أن لا تستعمل الحوامض لما فيها من اللذع و التقطيع و المسترخية، لكن الأولى أن لا تستعمل الحوامض لما فيها من اللذع و التقطيع و ازدياد الوجع و الحرقة الّا إذا دعت إليها ضرورة من وسخ و تعفن عرض للمقرحة، فحينئذ لا بد من استعمال ما يجلو و ينقى و ربما احتيج الى استعمال ما هو أقوى كالفلدفيون ثم معالجة السحج بالبذور الباردة اللعابية مقلية لانها تسكن اللذع و تبرد و تقبض و تلزم على موضع العلة حينا و بالأدوية المغرية و هى ما يكون لها لزوجة تلتصق على الفوهات فتسدها كسفوف المقلياثا و صفته على ما ذكره المصنف قرابادينه: بذر قطونا، عشرون درهما؛ الريحان، عشرة دراهم؛ بذر لسان الحمل، عشرة دراهم؛ بذر الحماض، سبعة دراهم؛ بذر البقلة، نشا، من كل واحد سبعة دراهم؛ بذر المرو، خمسة؛ صمغ عربى، عشرة دراهم؛ طين ارمنى، خمسة عشر درهما؛ بذر الخشخاش، عشرة دراهم، تقلى البذور و يدقّ الجميع سوى بذر قطونا و الريحان و لسان الحمل و المرو و يخلط. و لعله لم يسبق عليه احد باطلاق هذا الاسم على هذا التركيب، فإن مقلياثا باليونانية هو الحرف و نسبة السفوف المشهور إليه لوقوعه فيه و الحقن الحابسة المتخذة من الأرز و سويق الشعير و العدس المقشّر و أقماع الرمان و الجلنار و حب الآس مطبوخة مع الصمغ و النشا و دم الاخوين و عصارة لحية التيس و القرطاس المحرق و الودع المحرق و اسفيداج الرصاص مع شحم كلى الماعز المذاب و صفرة البيض الّا أنه إن كان السحج في الأمعاء العليا، عولج بالمشروبات أكثر و ان كان في الأمعاء السفلى، عولج

ص: 82

بالحقن أكثر ليصل الدواء الى موضع العلة و لم ينقص من فعلها شى ء بطول المسافة.

و إما بلغم مالح بورقى يفعل ما تفعله الصفراء من انجراد صهروج الأمعاء و جلائها ثم تعقرها و تفتيح افواه عروقها و يسيل الدم منها أو بلغم شديد اللزوجة تشبث بسطح الأمعاء فإذا انقلع عن ملتزقة بعنف جرح الأمعاء لشدة تشبثه فلا ينقلع وحده بل مع شى ء من جرم الأمعاء.

و علامته: تقدم استفراغ ذلك البلغم و عدم صبغ البراز كما في الصفراوى و كثرة الرياح و القراقر المتولدة من ذلك البلغم و الوجع الثقيل اللازم الذى لا ينتقل الى حين(1) لغلظ البلغم و لزوجته و بطء حركته و لا له حدّة الوجع الصفراوى و خروج البلغم مع الخراطة و الدم و كثيرا مّا يكون هذا بعقب نوازل و زكام إذا انصبّ البلغم من الدماغ الى المعدة و الأمعاء.

و علاجه بعد إزالة السبب من استفراغ البلغم و منع انصبابه، سقى البذور اللينة التى لها غروية مثل بذر الريحان و لسان الحمل و البادروج و الحقن بالحقن الممسكة التى لا تبرد مثل طبيخ حب الآس و أقماع الرمان و جفت البلوط مع الشب و القرطاس المحرق و الزعفران و الاسفيداج.

قال المصنف: و قد وصف جميع الأطباء لهذا النوع من السحج- أعنى ما كان من الرطوبات المالحة- أدوية جلّاءة ملطّفة للرطوبات اللزجة التى هي سبب السحج مزيلة لها مثل الخردل و الكمون و حب الرشاد و نحوها مثل بذر الكراث و النانخواه و بذر الكرفس و فى استعماله نظر فإنها ربما تؤذى الأمعاء و تسحجها بجلائها و تقطيعها فيزيد السحج و تكتسب تلك الرطوبات المالحة المسحجة منها ايضا فضل حدّة فتجرد الأمعاء جردا قويا فليتأمل مثل ذلك.

امتثلنا فتأملنا و علمنا ما قاله الأطباء هو عين الحق و محض الصواب؛ لان الواجب في الأمراض دفع سببها و ازالته و إن كان يضر بالمسبب كما إذا عرضت حمى من السدّة البلغمية نبدأ بعلاج السدّة بالمسخّنات و لم يبال بأمر الحمى، و إن كانت تزيد فيها و هاهنا و إن كانت تلك الأدوية الجلّاءة تزيد في البلغم المالح حدّة و حرارة لكنها تزيله و تخرجه من البدن، و للمؤثر القوى مع قصر المدة أضعف من المؤثر الضعيف مع طولها، و لو أنا أهملنا اخراج البلغم و أقبلنا الى تدبير السحج

ص: 83


1- 76. ( 1).[ خ. ل: جنب].

بالمغريات و الملينات و امتد الى اشهر، لا بدّ و أن تحدث في الأمعاء قرحة على ما شهدت به التجربة، و حينئذ يشتدّ الأمر و يصعب العلاج فالواجب الاقبال على اخراج البلغم المالح مع مراعات السحج بقدر الامكان ثم تدارك ما بقى من تأثير تلك الأدوية المقطّعة الجلّاءة بالبذور المليّنة على ما مرّ.

و إما سوداوى يحدث من سوداء محترقة حريفة لذاعة و هى تسحج بحموضتها وحدتها و حراقتها الحادّثة من الاحتراق.

و علامته: المغص الدائم لحموضتها وحدتها و لكون القرحة الحادّثة منها خبيثة و مخالطة السوداء بما يخرج حامضة في ريحها تغلى منها الارض؛ لأنها بحدتها تنفذ في باطن الارض كالخلّ فيخرج ما في خللها من الهواء و الأبخرة المستكنة و يحدث الغليان و أن يكون معه كرب شديد لكثرة الاحتراق و شدة اللذع و الحرقة و ربما أدّى الى الغشى من شدة الوجع، و هذا النوع قاتل.

و علاجه: بعد قطع السبب و منع انصباب السوداء و تقوية الطحال ليجذب السوداء بقوة و لا يخليها حتى تنصب الى المعدة و الأمعاء و اصلاح التدبير بما لا يولّد السوداء، سقى سفوف الطين و البذور اللينة و الاحتقان بالحقن المغرية مثل سلاقة الأرز مع النشا و الصمغ و الكثيرا و الطين الأرمنى (و دم الاخوين)(1) و مح البيض و الاجتناب عن الحموضات؛ لانها مع ما تلذع القرحة و تحرقها، تقوى السوداء و تزيدها و لذلك هي من أضرّ الاشياء بأصحاب السوداء.

و إما ثفل غليظ خشن يخدش الأمعاء عند مروره عليها لخشونته و يبسه.

و علامته: وجود السبب و هو تقدم استمساك البطن و مرور الثفل اليابس الخشن و ربما كانت الطبيعة يابسة بعد و سبب السحج باق في الأمعاء و يسيل من موضع السحج دم و خراطة فيعمل الطبيب الجاهل في امساكه بالقوابض فيزيد احتباس البراز و جفافه و يؤدى الى القولنج و زيادة السحج فيهلك العليل.

و علاجه: تليين البطن بالمزلقات مثل الألعبة و شراب البنفسج، فإنها مع ما تزلق الثفل اليابس تسكن الوجع دون المسهلات التى تخدش الأمعاء لحدتها و لا يعطى من القوابض شيئا بل يحقن بها بعد نقاء الأمعاء من الاثفال اليابسة إن كان خروج الدم و الخراطة باقيا.

ص: 84


1- 77. ( 1).[ خ. ل: غير موجود].

و قد يحدث السحج من شرب الأدوية السمية كالزرنيخ فإنه يسحج بتقطيعه و النوشادر فإنه يسحج بجلائه و لذعه و تقطيعه و الجبسين و هو الجص الابيض فإنه يسحج بما يجفف الثفل و يخشنه و يصلب الأمعاء فتنجرد عند مروره عليها.

و علامة كل واحد تجى ء في شرب السموم.

و علاجه: القذف و سقى اللبن و الاحساء المغرية المبرّدة لتليين البطن و لتسكين الألم و اللذع.

و قد يحدث السحج عقيب شرب الأدوية المسهلة إما لحدّة ما يخرج بالاسهال أو لحدّة كيفية الدواء و ينفع منه الأدوية المغرية المبرّدة لأنها تسدّ المسامّ و تسكن اللذع و الحدّة و تجمد الأخلاط و تلحج بالأمعاء فتحول بينها و بين ما يمرّ عليها من الأخلاط الحادّة و شرب المخيض فإنه بما فيه من الجبنية يلتصق بالاحشاء و يسكّن اللذع و الحدّة.

ص: 85

الفصل الثالث: في المدة التى تخرج من الأمعاء

فأما المدة التى تخرج من الأمعاء فتلك

إما عن ورم فيها قد تقيح و انفجر أو سحج صار قرحة و أكثر ما تكون القرحة في الأمعاء الغلاظ لثخن جرمها و احتمالها ذلك و أما في الدقاق فيسبق عليه الموت في الأكثر لسخافة جرمها و شدة ذكاء حسها و زيادة شرفها و قربها من الأعضاء الرئيسية و الفرق بين المدة و البلغم أن المدة ترسّب في الماء و تتفرق فيه بالتحريك و تنحلّ بخلاف البلغم و قد مرّ بيان ذلك.

و علاجها: أن يحقن أولا بالحقن الجلّاءة لتنقيتها من الوسخ و المدة و يظهر جرم اللحم و الالياف الصحيحة مثل سلاقة السماق و أقماع الرمان، و الآس و الأرز و الشعير مع النورة غير المطفئة ثم بالحقن المدملة مثل عصارة لسان الحمل و التوت الفجّ مع الصمغ و الطين الأرمنى و دم الاخوين و عصارة لحية التيس و القرطاس المحرق.

و إن كانت المدة رديئة كريهة الرائحة، تدل على التآكل و التعفن فيحقن بحقن الزرانيخ و صفتها: زرنيخ أحمر و أصفر، و شب و عفص و نحاس محرق و نورة غير مطفئة من كل واحد ستة دراهم؛ افيون، زعفران، من كل واحد اربعة دراهم، يعجن بعصارة لسان الحمل و يقرص و يجفف و يستعمل منه من نصف درهم الى درهم طبيخ الأرز و العدس و الشعير. و رأى بعض الأطباء طبيخ الزرانيخ مع الحقنة و هو ألطف على قدر الحاجة بأن ينقص منها أو يزيد عليها الى أن تنظف القرحة من الرطوبات و الوسخ و الأجزاء المتعفنة ثم يحقن بالحقن القابضة المدملة بعد نقاء القرحة على ما ذكر.

ص: 86

الفصل الرابع: في الزحير78

هو حركة من المعاء المستقيم تدعو العليل الى دفع البراز اضطرارا بحيث لا يقدر على تركها اختيارا و لا يخرج منه الّا شى ء يسير من رطوبة مخاطية لزجة تنجرد من سطح الأمعاء لشدة التزحر أو ينعصر من الثفل المحتبس يخالطها دم ناصع يترشح من افواه عروق المعاء المستقيم عند انفتاقها من التمدد.

و سببه:

إما رطوبة مالحة لذاعة تسيل الى المعاء المستقيم فتلذعه و تدعو الانسان الى دفع البراز.

و علامته: خروج تلك الرطوبة مع الرطوبة المخاطية.

و إما مرة صفراوية حادّة تفعل مثل ذلك و يستدل عليها بخروجها أيضا و بحرقة و لهيب في المقعدة.

و علاج كلا النوعين: علاج نوعى السحج البلغمى و الصفراوى غير أن الانتفاع هاهنا بالشيافات و الحقن أكثر لسرعة وصول أثرها إليه غير منكسرة القوة.

و إما ورم حارّ يعرض للمعاء المستقيم يتخيل العليل أن في امعائه ثفلا محتبسا فيدعوه ذلك التخيل و التمدد الى دفع البراز و التزحر.

و علامته: الضربان و الثفل في المعاء المستقيم و ربما كان معه حمى و عسر بول لانضغاط فم المثانة.

و علاجه بعد منع انصباب المادة: التنطيل بمياه الأدوية الملطّفة الملينة

ص: 87

لنضج المادة و تحليلها و تسكين الوجع و كذلك الجلوس فيها و اتخاذ الشيافات أيضا من تلك الأدوية و هى مثل الخطمى و بذر الخبازى و بذر الكتان و نحوها مثل الحلبة و ورق الكرنب و البابونج و البنفسج، فإن كانت الشيافات لا تصل الى موضع الورم لبعده، فليستعمل الحقنة من تلك الأدوية فإذا جمع و لم يتحلل، استعمل المنضجات.

و إما زبل يابس محتقن في الأمعاء الدقاق يدعو الى البراز فيعسر خروجه ليبوسة الثفل و بعد مكانه و يضطر الانسان الى استعمال التزحر و تنحل عنه ريح غليظة تمدد جرم الأمعاء فيحدث لذلك وجع شديد و يخرج بسبب التزحر رطوبة لزجة و شى ء من خراطة الأمعاء فيعتقد جهال الأطباء أن ذلك هو اسهال فيستعملون معه ما يحبس الطبيعة فيهلك العليل.

و علامته: بعض علامات القولنج الثفلى من ثقل البطن و الوجع و المغص الدائم و خروج الثفل اليابس كالحمص و تقدم الأغذية اليابسة.

و قد يفرق بين هذا النوع من الزحير و بين الانواع الاخر بابتلاع شى ء من البذور فإن لم يخرج فهو ثفلى و الّا فلا.

و علاجه: تليين البطن و اخراج ذلك الثفل بالحقن اللينة، و شرب المزلقات مثل: الخيار شنبر و شراب البنفسج مع دهن اللوز و ربما كفى فيه الماء الحارّ وحده.

و إما برد يصيب المقعدة فتكزهى أى: تتشنج، لتكثيف البرد و جمعه و تمدد المعاء المستقيم لاتصاله بها فيتوهم أن هناك ثفلا يمدّده و يقوم إلى البراز و يتزحر و لا يخرج منه شى ء.

و علامته: تقدم وصول البرد إلى المقعدة، و علاجه: التكميد بالماء الحارّ، و التمريخ بالاهان الحارّة بالفعل و القوة مثل دهن القسط المسخّن.

و إما طول الجلوس على صلابة كما في الركوب أو غلظ ما يخرج من الثفل و صلابته فينكئ المقعدة و المعاء المستقيم و يؤذيهما و يدعو ذلك إلى التزحر.

و علاجه: الارخاء بالقيروطى المعمول من الشمع و دهن البابونج و المقل و الحقن بدهن الخلّ و الزيت.

ص: 88

الفصل الخامس: في المغص79

هو وجع الأمعاء و سببه:

اما ريح غليظة محتقنة تمدد الأمعاء و لا تقوى الحرارة على تحليلها لغلظها.

و علامته: القراقر و الانتفاخ و التمدد بلا ثقل و سكون الوجع مع خروج الريح.

و علاجه: تحليل تلك الرياح بالبذور الكاسرة لها مثل بذر الكرفس و الإنيسون و الرازيانج و النانخواه.

و إما فضل حادّ مرارى ينصب إلى الأمعاء و يؤلمها بالكيفية اللذاعة

و علامته: الثقل القليل مع شدة اللذع و الالتهاب و الوجع و العطش و خروج المرار في البراز.

و علاجه: سقى البذور اللينة الباردة غير المقلية كبذر قطونا و بذر لسان الحمل و الشاهسفرم و نحوها مع الماء البارد و دهن الورد، فإن كفى و الّا فلا بدّ من استفراغها بمثل الخيار شنبر و الشيرخشت.

و إما من سوء مزاج حارّ ساذج يعرض للأمعاء فيؤلمها بكيفيته

و علاماته: علامات النوع المرارى سوى الثقل و سوى خروج المرار و إنما خصه بالذكر مع أن جميع انواع سوء المزاج مؤلم لان ايلامه أشدّ و أقوى.

و علاجه: تبديل المزاج بماء الرمان المز مع بذر قطونا المضروب بماء

ص: 89

الورد و دهن الورد و نحوه لان الدهن بارخائه يسكّن الوجع.

و إما خلط بورقى مالح.

و علامته: لذع مع ثقل زائد على المرارى و خروج البلغم في البراز.

و علاجه: تنقية الأمعاء بالحقن التربدية و البسفايجية معدّلة بمثل السفستان و البنفسج لتسكين اللذع بالغروية.

و إما خلط بلغمى فج غليظ يرتبك في الأمعاء و لا يندفع لغلظه و لضعف القوة. و علامته: الثقل الزائد و لزوم الوجع موضعا واحدا للزوم الخلّط و تشبثه بذلك الموضع و عدم انتقاله عنه لغلظه و لزوجته و خروج أخلاط من هذا القبيل أحيانا في البراز.

و علاجه: استفراغ ذلك الخلّط من فوق بالقى ء إن كان في الأمعاء العليا بمثل طبيخ الشبت و العسل و من تحت بالحقن إن كان في السفلى ثم يسقى الجوارشات الحارّة بعد التنقية مثل الكمونى و الفلافلى لتبديل المزاج و تقوية الهضم حتى لا يتولّد ذلك الخلّط تارة اخرى.

و إما زبل يابس يحتقن في الأمعاء و لا يخرج بالتزحر و علامته: علامات القولنج الثفلى و كذلك علاجه.

و إما من ورم في الأمعاء. و قد يجى ء في باب القولنج بعلاماته و علاجاته.

و اما حيات(1) و حب القرع.

و قد يجى ء من بعد.

ص: 90


1- 80. ( 1).[ خ. ل: حميات].

الفصل السادس: في القراقر

القراقر تكون إما بسبب الاغذية مثل أن تكون نافخة أى: تكون فيها رطوبة فضلية لا تقوى الحرارة على تحليلها فتتولد عنها أبخرة غليظة تستحيل رياحا كاللوبيا أو كثيرة الكمية فتعجز الحرارة عن هضمها فتتولد عنها الرياح أو رديئة الكيفية عاصية ثقيلة على القوة الهاضمة كلحم الجاموس

و إما من قبل ضعف الأمعاء و بردها فلا يكمل الهضم و إن كان الغذاء صالحا الكمية و الكيفية.

و علامة الأول و هو ما يكون من الأغذية، حدوث القراقر بعد أكل تلك الاغذية. و علامة الثانى و هو ما يكون عن ضعف الأمعاء، حدوثها بلا سبب خارجى و مع جودة الغذاء.

و علاجها: أى: علاج القراقر تجويد الغذاء في الأول و تقليله في الثانى و أخذ الفلافلى و الكمونى و الخوذى إن كان معها اسهال بسبب ضعف الهضم.

ص: 91

الفصل السابع: في القولنج81 و ايلاوس82

اشارة

القولنج: هو مرض معوى مؤلم احترز به عن الاحتباس الذى لا يكون معه وجع، فإنه قد يعرض احتباس يمتدّ إلى مدة لها قدر من غير وجع يتعسر معه خروج ما يخرج بالطبع أى: البراز، احترز به عن المغص الذى لا يكون معه احتباس.

و إنما سمى به لعروضه في المعاء المسمى بالقولون في الأكثر، و ذلك لبرده و كثافته و كثرة تعاريجه و انثنائه في نواحى البطن يمينا و شمالا، و قلة احساسه بلذع الصفراء لكثافته و لكونه شحمى الباطن.

و فى رسالة في «آلات الغذاء» منسوبة إلى «حنين بن اسحاق»: أن المعاء الثانى من الأمعاء الغلاظ هو الذى يسميه اليونانيون قولون، كأنهم يشيرون به إلى القولنج.

و إنما سموه به لأن القولنج إنما يعرض فيه على الأكثر. و قد نقل فيها عن «ثابت بن قرّة» أنه قال: إن الأمر على الضد في تسمية العلة و المعاء، لأن العلة انما يقال لها قولنج بسبب ان المعاء قولون أى: الواسع و اما في الكناش المنسوب إليه المسمّى ب «الذخيرة»، فالمذكور فيه على خلاف ما نقل عنه في الرسالة.

و ايلاوس: و معناه المستعاذ منه على ما قال «بقراط». و قال «جالينوس» فى «اغلوقن»: معناه يا رب ارحم نوع منه و هو ما كان منه أى: من القولنج في الأمعاء

ص: 92

الدقاق و هى الاثنا عشرى و الصائم و الدقيق المعروف بذات التلافيف، لكن احتباس الثفل قلّما يكون في الصائم؛ لأن وضعه في طول البدن على الاستقامة و لأنه تتصل به عروق كثيرة لامتصاص الغذاء و لان أكثر انصباب الصفراء لدفع البراز يكون إليه و هى على صرافتها و خلوصها و حدّتها.

و إنما سمى به لأنه من الأمراض الحادّة التى تقتل في الرابع في أكثر الأمر لما أن السدّة فيه قوية جدا؛ لأن الأمعاء العليا أدقّ كثيرا من السفلى فلا ينفذ فيه شى ء البتة و ان استعمل الحقن القوية و المسهلات الشديدة بل يرجع الزبل إلى المعدة لأن الطبيعة عند ما تروم دفع الفضلات البرازية و لم تجد سبيلا إلى أسفل بسبب السدّة تضطرّ إلى ان تتحرك حركة مستكرهة على خلاف عادتها، فيدفعها إلى المعدة حيث لم يمكن حبسها و اجتماعها في الأمعاء لنتنها رداءتها و تمديدها لأن الحارّ الغريزى يعرض عنها حيث لا مطمع له فيها فيتصرف فيه الغريب بالتعفين ثم يندفع عنها بالقى ء كما ترجع الحقنة و الدود و الحيات إليها عند اشتداد القذف و التهوع، و لما أن الوجع فيه شديد لذكاء حس تلك الأمعاء و كثرة عصبيتها، و لما تضرر به المعدة و خاصة فمها لما تميل إليها المواد الفاسدة و الزبل المتعفن و لما يتضرر به الدماغ و يختلط العقل بمشاركة فم المعدة و الوجع الشديد، و لما يتصعد إليه من بخار الرجيع، و لما يتضرر القلب من الرائحة النتنة و من شدة الوجع و مشاركة فم المعدة.

و إنما عده المصنف نوعا من القولنج لشدة مشابهته له، و الّا فالقولنج بالحقيقة هو ما يكون في الأمعاء الغلاظ و هى القولون و الأعور و المستقيم و ما يكون فى الدقاق فهو ايلاوس لا القولنج، فهما بالحقيقة متباينان و اطلاق القولنج عليه على سبيل التجوز.

و القولنج إما بلغمى سببه بلاغم غليظة زجاجية مختلطة بالاثفال تحتبس فى الأمعاء و تمسكها أى: الاثفال عن الخروج لغلظها و لزوجتها و لشدة تشبثها بها.

و علامته: تقدم سقوط الشهوة لامتلاء المعدة و الأمعاء عن تلك البلاغم الرديئة و لحيلولتها بين جرم المعدة و السوداء المنبّهة على الجوع و سبوق التخم المولّدة لتلك البلاغم و أكل الأطعمة الغليظة و شدة الاحتباس لغلظ المادة و لزوجتها و برودتها فلا تنحلّ بسهولة مع غلظ الأمعاء التى هي محتبسة فيها

ص: 93

و تكاثفها و برد مزاجها و شدة الوجع لما تنحلّ عنها رياح غليظة تمدد الأمعاء مع تمديد البلاغم و الاثفال لها و خروج البلغم في الثفل قبل حدوث القولنج و قلة خروج البراز قبل حدوثه أيضا فيحتبس يوما فيوما و يتراكم و يجفّ حتى يحتبس بالكلية.

و قد يشتبه وجع القولنج بوجع المغص و يفرق بينهما بالاسباب المتقدمة مثل سبوق التخم و سقوط الشهوة و تناول البقول و الفواكه الرطبة و الأغذية الغليظة القولنج و بأن وجع المغص أكّال لذّاع إن كان سببه خلطا لذاعا بورقيا أو مراريا و لا يكون معه تمدّد و تنطلق البطن بعده أى: بعد المغص بساعة أو ساعتين خاصة إن شرب صاحبه الماء الحارّ الشديد الحرارة؛ لانه يرخى المعدة و الأمعاء فيتسع و ينزلق منها الثفل مع أنّه يبلّ الثفل أيضا و يرقّق الفضول و يغسلها من الأحشاء و وجع القولنج ثقيل لان تلك الاثفال و البلاغم المسددة تنجذب إلى أسفل و تجذب الأمعاء أيضا.

و أما الفرق بينه و بين الأنواع الاخر من المغص كالريحى و البلغمى و الزبلى فبسهولة انحلال الطبع و عسره، مع أن علاج كل نوع من هذه الانواع هو بعينه علاج ذلك النوع من القولنج.

و قد يشتبه وجع القولنج أيضا بوجع الكلية و هو أشدّ الاشياء شبيها به؛ لأن القولون يشارك الكلية و يجاورها فتعرض له الأعراض التى تناسب وجع الكلية و لذلك ربما يحتبس البول في القولنج و يفرق بينهما بأن وجع الكلية لا يجاوز من موضع الكلية بل يكون ثابتا فيه و يكون مكانه صغير أو أميل إلى الخلّف عند القطن يحسّ العليل كأن مسلة مركوزة في قطنة و وجع القولنج ينبسط و يمتدّ إلى فوق و يمنة و يسرة؛ لان معاء قولون يميل أولا إلى اليمين ميلا تاما ثم ينعطف إلى اليسار منحدرا، ثم ينعطف ثانيا إلى اليمين و إلى خلف حتى يحاذى فقرة القطن.

قال «جالينوس»: إن معاء قولون يبلغ جهات البطن يمنة و يسرة و فوق و أسفل، و لذلك اوجاعه تبلغ الجهات كلها، و لذلك يشتبه وجعه بأوجاع الأعضاء الموضوعة في تلك الجهات مبتدئا من أسفل اليمين؛ لأن ابتداء ذلك المعاء من

ص: 94

هناك و وجع القولنج أشدّ بحيث يتأدى إلى الغشى و العرق البارد(1) و يستدل على وجع الكلى أيضا باحتباس البول أو قلته أو كون الرمل فيه أو علامات أورام الكلى على ما يجى ء و وجع الكلى يخفّ بالقى ء؛ لأنه إن كان من الورم فلما تنقلع مادته بالحركة المزعجة و تندفع و كذلك إن كان من السدّة فينتفخ المجرى، و إن كان من الرمل فلما يزول عن موضعه و يتفرق فيسهل خروجه بخلاف وجع القولنج فإن القى ء يحرك مادته إلى اعالى الأمعاء و يمنعها عن الخروج من الأسفل فكأنه فيه فعل مضاد لفعل الطبيعة، و فيه بحث فإن الرازى قد عكس الأمر في ذلك، و قال «الشيخ»: ان الانتفاع بالقى ء في وجع الكلى أقلّ.

و قد يشتبه أيضا بوجع الرحم و وجع الكبد و الطحال و المعدة و وجع الديدان و الفرق بينهما ظاهر من موضع العضو فإن وجع الرحم يكون مائلا إلى أسفل من ناحية العانة و وجع القولنج يكون في الأكثر في الخواصر و فيما بين السرة و العانة و لا يكاد يبلغ المعدة و لا الكبد و لا الطحال الّا في الندرة، و اما وجع الديدان فمواضعه مختلفة بحسب انتقالها و من مقدار الوجع فإنه لا يحدث في هذه الأعضاء وجع يقارب وجع القولنج في صعوبته اللهم الّا إذا عرضت لها أورام حارّة و حينئذ يلزمه الحمى المحرقة الدائمة لا محالة.

قال «جالينوس»: إن كل وجع شديد في البطن فهو قولنج لان الكبد و الطحال و غير ذلك من الأعضاء المطيفة بالأمعاء لا يبلغ وجعها وجع قولون و اما وجع الديدان فيسير جدا و سائر الاعراض اللازمة لوجع هذه الأعضاء مثل احتباس الطمث و تغير اللون(2) و ضعف الهضم و سقوط الديدان و غيرها، و الاعراض اللازمة للقولنج مثل: سقوط الشهوة و القى ء و وجع الساقين و النفخ: أما سقوط الشهوة فلوجوه:

احدها مشاركة المعدة للأمعاء في التضرر بسبب اتصالها بها.

و ثانيها كثرة المرار المندفع إلى المعدة حينئذ لاحتباسه عن النفوذ إلى الأمعاء؛

ص: 95


1- 83. ( 1). اما الغشى فلأجل زيادة قوة الوجع مع كون العضو عصبيا و لتصعّد أبخرة كثيرة ردية الى القلب عن المادة السادسة[ السادّة] و لأن القلب يتضرر فيه بمشاركة المعدة و يتضرر مع ذلك فمها و ذلك أسباب الغشى. و كذلك يكون العرق البارد في القولنج لشدة الوجع و تضرر القلب.
2- 84. ( 2). الى البياض و الصفرة في وجع الكبد و الى الكمودة في وجع الطحال.

أما إذا كان ذلك عن سدّة مجرى المرارة فظاهر، و أما إذا لم يكن عن ذلك فلأن الثفل المحتبس يمنع نفوذه إلى الأمعاء و الصفراء من شأنها اسقاط الشهوة لمرارتها و كراهتها عند الطبيعة.

و ثالثها، ان الطبيعة حينئذ يكون شوقها إلى الدفع أكثر من الجذب.

و رابعها، كثرة ما يحتبس من الرطوبات التى في المعدة لعدم اندفاعها إلى الأمعاء.

و خامسها، كثرة البخارات المتصعدة إلى المعدة من الفضول المحتبسة الأمعاء.

و أما القى ء فلوجوه أيضا:

احدها، مشاركة المعدة للأمعاء.

و ثانيها، احتباس الغذاء عن النفوذ إلى الأمعاء فيندفع إلى فوق.(1)

شرح الأسباب و العلامات ؛ ج 2 ؛ ص96

ثالثها، كثرة انصباب الصفراء إلى المعدة؛ لان طريقها إلى الأمعاء في أكثر الأمر يكون منسدّا فيندفع إلى فوق.

و أما وجع الساقين، فلمزاحمة الثفل المحتبس في الأمعاء للاعصاب النافذة من القطن إلى الساقين و تمديده لها و إنما يظهر ذلك التمدد في الساقين دون الفخذين؛ لان ضرر الانجذاب في كل شى ء انما يتبين عند اطرافه.

و أما النفخ فلاحتباس الرياح عن الخروج بسبب انسداد المجرى مع أن تولدها حينئذ يكون أكثر لما ينفصل من البراز المحتبس أبخرة غليظة تصير رياحا عند مفارقة ألاجزاء النارية عنها.

و علاج هذا النوع من القولنج: أن يتحمل الشيافات المسهلة أولا لأنها أقلّ غائلة و أسهل تناولا مثل التربد و شحم الحنظل و البورق و الانزروت و الملح المعجونة بالسكر الأحمر فإن انطلقت الطبيعة، فلذاك و الّا حقن بالحقن القوية أو بالتى دونها على قدر قوة السبب و شدة الاعراض، و تجرب الأشكال عند الحقن من البروك و هو أن يكون العليل على هيئة الساجد مشيلا عجزه إلى فوق و الاستلقاء و غيرها من الاضطجاع على اليمين و على اليسار فأيما من الاشكال تكون الحقنة معه أعمل، حقن على ذلك الشكل و أنيم عليه فإن من الناس من يكون حقنه متبركا أعمل، و منهم من يكون حقنه مستلقيا أعمل لاختلاف مواضع أمعائهم مع أن الإنامة على جهة يكون الوجع إليها أميل أنفع، كما إذا كان الوجع

ص: 96


1- 85. سمرقندى، نجيب الدين - شارح: كرمانى، نفيس بن عوض، شرح الأسباب و العلامات، 2جلد، جلال الدين - قم، چاپ: اول، 1387 ه.ش.

مائلا إلى ناحية الظهر يكون الاستلقاء أنفع و إذا كان إلى قدّام يكون البروك أنفع، لما تستقر الحقنة حينئذ على جانب العلة و يكثر وصولها إليه و يتمكّن من عملها فيه ثم بعد انحلال الطبيعة بالحقن، يسقى المسهلات السريعة الاسهال المقوية، بمثل سقمونيا و شحم الحنظل و الغاريقون مثل السفرجلى المسهل و الشهرياران و نحوهما خاصة إن كان معه غثيان لا يستقر المسهل في المعدة فإنهما يقويان المعدة و يطيبانها و يحبسان القى ء.

و أما سقى المسهل أولا قبل انفتاح المجرى فهو خطر عظيم؛ لانه ربما كانت السدّة قوية و كان البدن ممتلئا فتجذب الأخلاط و تتوجه إلى الأمعاء و لم تجد منفذا و مخرجا فتعظم البلية و يزداد الوجع و يهلك العليل.

فأما استعمال الآبزن و الكمادات فكثيرا مّا يضر؛

أما الآبزن فلأنه يرخى القوة و يحللها و يحدث الكرب و الغشى و لأنه إن كانت المادة في الانصباب و استعمل زاد انصبابها لارخائه العضو و ترقيقة المادة، و لانه ان كان السبب رياحا كثيرة غليظة الجوهر، تخلخلت و انبسطت و لم تتحلل لغلظها و كثرتها و فتور القوة فازداد الوجع بازدياد التمدد.

و اما الكماد فلأنه إن كان يابسا، جفّف البراز و نشف رطوبته فاشتدّ الاحتباس و جذب المواد أيضا إلى العضو سيّما إذا كانت في الانصباب تخلخل الرياح أيضا و زاد الوجع إذا كان السبب ريحا، و ان كان رطبا كان حكمه حكم الآبزن الّا عند الانحلال فإن الابزن حينئذ يكون شديد النفع. لأنه يحلل الورم بحرارته العرضية و بقوته المستفادة من الحشائش و يرخى العضو برطوبته و حرارته فيسهل انفشاش المواد و تحليلها عنه و يرخى عضل المقعدة و ذلك يعين على اندفاع البراز المحتبس مع الأمن من انصباب المواد و تخلخل الرياح و عصيانها من التحلل. و كذلك الكماد؛ لأنه يفش الرياح التى قد تلطفت و يحللها و يحلل الورم مع الامن من المخاطرات المذكورة و إذا كان سبب القولنج ضعيفا، فإن الآبزن و الكماد حينئذ ينفعان أيضا؛ إذ يمكن استيلاءهما على السبب الضعيف و دفعه و ازالته.

و يجوع العليل بعد البرء و لا يطعم زمانا؛ لان الجوع يقوم مقام الاستفراغ فيندفع به ما بقى من البلاغم الغليظة في الأمعاء بعد التنقية، بسبب أن الطبيعة حيثما لم ترد إلى المعدة و الأمعاء و سائر العروق ما يشتغل بهضمه، تتوجه بالكلية

ص: 97

إلى ما عندها من الرطوبات الفجة و تهضمها و تصلحها و تختار منها ما يصلح للتغذية و تجعله غذاءا للاعضاء و أما ما لم يصلح لها تحليل لطيفه بهيجان الحرارة و احتدادها عند الجوع و باقبال الطبيعة عليه و يبقى الغليظ منه و هو قدر يسير بالنسبة فتقوى القوة على نضجه و دفعه، و لو لم يمسك عن الغذاء و أكل شيئا قبل التنقية التامة لجلب عودة من المرض بالضرورة، لاشتغال الطبيعة بهضمه عن التصرف في تلك المواد و إنضاجها سيّما و قد ضعفت القوى من شدة الوجع عن التصرفات الطبيعة أقل ذلك الزمان يوم بليلة لان كل أحد سواء كان بدنه متخلخلا أو متلززا يسهل عليه احتمال الجوع و المصابرة عليه في هذه المدة من غير ضعف و فتور في القوة.

و إما ريحى سببه رياح غليظة محتقنة بين طبقتى الأمعاء أو في تجويفها لكنها حينئذ تكون سهلة التحلل تنحل تلك الرياح من رطوبات زجاجية هناك و تمدد جرم الأمعاء و لا تتحلل بسهولة لغلظها و لكثافة جرم الأمعاء.

و علامته: تقدم القراقر و النيل من الأطعمة المنفخة أو القوية البرد العاصية على القوة الهاضمة فيتولّد عنها رطوبات فجة غليظة أو الفواكه الرطبة المولّدة للرياح و انتقال الوجع و شدته حتى يظن العليل أن أمعاءه تثقب بمثقب؛ لأن الريح لقوة تمدده و ضيق مكانه يمزق الأمعاء و ينفذ فيها فيتخيل العليل ذلك و خروج الجشاء الصغار لقلة ما يتلطف منها و يندفع و ربما اشتد الوجع مرة و يسكّن أخرى بالدلك و التكميد بالأشياء المسخّنة؛ أما الاشتداد فلما تنفصل عن الرطوبات الزجاجية عند التسخين بالدلك و التكميد أبخرة غليظة رياحية تزيد في الوجع، و اما السكون فلما تتلطف الرياح بالحرارة و تتحلل و ربما ينتؤ موضع احتقان الرياح و احس بها بالبصر و بالجسّ باليد و ذلك عند كثرته و زيادة غلظة، فإذا انتقل إلى موضع استقر فيه و لم ينتقل عنه بسهولة و ربما كانت البطن مع ذلك لينا و البراز ثلطا أى: منتفخا اسفنجيا، إذا ألقى ء على الماء، طفى و لم يرسب فيه كأخثاء البقر و ذلك إذا لم يكن المجرى منسد بالواحدّة فما يندفع من البراز يكون مختلطا بالريح متخلخلا.

و علاجه: علاج ذلك النوع الأول من استعمال الشيافات و الحقن، الّا أن الشيافات و الحقن التى تستعمل في هذا النوع ينبغي أن تكون مفشية للريح

ص: 98

كاسرة لها مثل الشيافات المتخذة من البورق و المقل و الجاوشير و بذر السذاب و الجندبيدستر و الحنظل مع السكر الأحمر و مثل الحقن المعمولة من طبيخ السذاب و النمام و القيصوم و البابونج و المرزنجوش و بذر الكرفس و الرازيانج و النانخواه و التين مع العسل و إذا لم يسكّن الوجع بعد استعمال الشيافات و الحقن و خروج الريح و مادتها المحتقنة و هى البلغم الزجاجى، حقن بالحقن المسخّنة للأمعاء؛ لانه يدل على أن السبب إنما هو برودة الأمعاء و ذلك مثل طبيخ البابونخ و الإكليل و البرنجاسف و السذاب و النانخواه و الشونيز المرضوض مع الزيت و الجندبيدستر لتقوى الحرارة على تسخين الأمعاء و يمسكها العليل أكثر ما يقدر على امساكها؛ لان الغرض منها تبديل المزاج لا الاستفراغ و انما يحصل ذلك بمكث الدواء و طول وقوفه و سقى الكمونى و نحوه مما يكسر الريح كالفنداديقون و السنجرنيا و الترياق الكبير و التكميد بالجاورس و الملح المسخّنين لانهما ليبسهما يحفظان القوة و الحرارة و يفيدانهما حدّة و قوة على التحليل و مرخ البطن و دلكها بالأدهان الحارّة الكاسرة للريح بمثل دهن السذاب و الشبت و الياسمين في هذا النوع أوجب و انفع منه في السفلى لان السبب هنالك أقوى مما يحلله الدهن و يزيله و هجر الماء البارد في كلا النوعين واجب ضرورة لانه يزيد الوجع بسبب أنه يفجج البلغم و يغلظ الرياح بالتبريد و يمنعهما جميعا عن التحليل بتكثيف الاحشاء و استحصافها و ضعف الحرارة المنضجة للبلاغم الملطفة للرياح المرخية للأحشاء.

و قد يكون القولنج الريحى من سوداء تنصبّ إلى البطن(1) فتنفخها لضعف المعدة و قصور الهضم كما في الماليخوليا المراقى.

و علامته: حموضة الجشاء و انتفاخ البطن ضربة أى: دفعة؛ لان السوداء كما تنصبّ إلى المعدة ترتفع عنها أبخرة غليظة كثيرة تستحيل رياحا نافخة، بخلاف الرطوبات المحتبسة بين طبقتى الأمعاء، فإن تولد الرياح فيها يكون قليلا قليلا على حسب تأثير الحرارة فيها بغير وجع شديد؛ لان الرياح السوداوية اخف و الطف و اسرع تحللا من البلغمية، لغلبة الأجزاء الدخانية الحارّة عليها، و ليبس مادتها و خلوها عن اللزوجة التى في البلغم، و لان تولدها في فضاء المعدة لا فيما بين طبقتى الأمعاء.

ص: 99


1- 86. ( 1).[ خ. ل: الباطن.]

و علاجه: العلاج المذكور من استعمال الحقن و الشيافات المفشية للرياح و التمريخ بالأدهان الكاسرة لها و تنقية البدن من السوداء بمطبوخ الأفتيمون.

و إما ورمى و سببه ورم حارّ يحدث في موضع من الأمعاء فيضيق المكان و يمنع خروج الثفل و الريح.

و علامته: الحمى الحادّة لكثرة وصول الأبخرة الحارّة المتعفنة من موضع الورم بسبب كثرة الشرايين إلى القلب و العطش الشديد و قى ء المرار لكثرة تولده المعدة بسبب حرارتها و لكثرة انصبابه إليها من شدة الوجع و درور العروق إن كان من غلبة الدم و الثقل و الضربان لكثرة ما فيها من الشرايين و الوجع في موضع الورم لا ينتقل عنه و حدوثه يكون قليلا قليلا على حسب انصباب المواد و تزائد الورم.

و قد يكون القولنج في النادر من ورم بلغمى؛ لأن الأمعاء لصفاقتها قلّما ينفذ فيها البلغم.

و علامته: و هدؤ تلك الأعراض.

و علاجه أى: علاج الورم الحارّ: الفصد إن وجب و وضع الخرق المبرّدة بماء الورد و الخلّ على موضع الوجع في الابتداء لتكثيف العضو و استحصافه فلا تنفذ فيه المادة، و لتبريد المادة و تغليظها فلا تنفذ في العضو، و لتسكين الحرارة الحادّثة من الوجع فلا تنجذب المواد إلى العضو و لا يزداد الوجع و لا يجفّ البراز أيضا و التضميد بالأضمدة الملينة المحلّلة إذا سكن اللهيب و جاوز التزائد على حسب شدة حرارة الورم و قلتها مثل البنفسج و الخطمى و البورق و دقيق الشعير و البابونج مع الشمع و دهن البابونج و لعاب بذر الكتان و التنطيل بالمياه الحارّة التى طبخت فيها هذه الأدوية و المرخ بالأدهان الفاترة(1) مثل دهن البنفسج و البابونج و الحقن بالحقن المبرّدة مثل ماء الشعير و ماء عنب الثعلب و بالتى فيها تهيّج قليل للأمعاء مثل الحلبة و بذر الكتان و البابونج ليقوى الحرارة على نضج المادة و تحليلها قد مرس فيها فلوس الخيار شنبر لتليين البطن و سقى ماء الاجاص و فلوس الخيار شنبر و الشيرخشت و شراب البنفسج لازلاق الأثفال

ص: 100


1- 87. ( 1). أي: قليلة الحرارة بالقوة على المعنى المصطلح كما صرح به الاستاد العلامة اعلى الله مقامه أو الفاتره بالفعل على المعنى اللغوي.

من الأمعاء فلا يجتمع فيها و يزاحم الورم فيزداد الوجع و قد يحدث منها عند احتباسها قولنج ثفلى أيضا و ربما احتيج عند كثرة الصفراء إلى السقمونيا.

و إما التوائى و سببه: التواء و تعقد يقع في الأمعاء و ربما انهتك بعض رباطاتها التى تتصل بها بالظهر فيتغير وضعها و تزول عن موضعها فيحتبس الثفل فيها أو فتق يعرض في المراق و فى كلامه نظر؛ لان انفتاق المراق لا يوجب تغير وضع الأمعاء إلّا إذا انفتق معه الصفاق أيضا فدخلت فيه الأمعاء لكن الموت عند ذلك يسبق على حدوث القولنج، و الحق أن الصفاق إذا انفتق وحده دخلت فيه الأمعاء سيّما الدقيق منها، فإنه معاء طويل كثير التلافيف و الاستدارات و تغير وضعها، فاحتبس الثفل و عرض القولنج أو قرو و هو بالقاف المفتوحة: أن تعظم جلدة البيضتين لريح أو لماء أو لنزول المعاء و الثرب إليها، لكن المصنف جعله هاهنا عبارة عن الفتق الذى يكون في الصفاق الذى عند الاربيتين فتنزل فيه الأمعاء سيّما الاعور لأنه مخلّى غير مربوط بشى ء إلى كيس البيضتين، احترز به عن باقى أنواع القرو فإنها لا توجب القولنج و ربما وقعت عليها عقدة شديدة أو تلوى قوى لا ينحلّ البتة.

و علامته: أن يحدث دفعة بعقب و ثبة أو حركة عنيفة أو حمل شى ء ثقيل أو اتفاق فتق و أن يكون الوجع لازما مكانه لا ينتقل من مركزه من موضع إلى موضع كما يجى ء في الريحى و لا يتزيد كثير تزيد كما في الثفلى، بل يكون متشابها أحواله، و ربما يظهر النتوء في المراق و العظم في كيس الأنثيين.

و علاجه: أن يدبر بطنه(1) باللمس اللطيف و المسح المستوى لامعائه و يهزّ و يحرك هزّا مختلفا إذ يمكن أن لا يرجع بنوع من الهزّ إلى مكانها و ترجع بنوع آخر و تشدّ ساقاه شدّا قويا عند الهزّ بحبل و يشال و يحرك تحريكا تتحرك معه الأمعاء و يكون العليل مستلقيا أو تشال يداه مع رجليه حتى يتحدب صلبه و تتقصع بطنه و يحرك فإن لم يرجع الامعاء إلى شكله بالهزّ و التحريك، سقى العليل زئبقا مغسولا و صفة غسله على ما وصفه اهل «الهند» في كتب الرسائن: أن يؤخذ ماء ورق شجرة الخروع و يفرك الزئبق به بالفهر في صلاية

ص: 101


1- 88. ( 1). باليد و طريقه معروف.

مقعرة حتى يخرج منه و سخه و سواده فينزع الماء عنه ثم يفرك بماء شجرة عنب الثعلب و ينزع عنه الماء، و إن لم تتيسر هذه المياه، كفى الماء الذى قد نقع فيه الهليلج و البليلج و الآملج ليلة، يفرك الزئبق به حتى يصفو.

و اهل الصنعة يغسلونه بطريق آخر يجعلون تسعين مثقالا من الزئبق في قدر مع رطل من الماء، و يغلونه بنار هادئة و كلّما قلّ من الماء شى ء يصبّون عليه شى ء آخر حتى يتميز السوداء عنه إلى الماء و يتنظف عن الشوائب الرديئة. و التراب الهالك المعدنى، غير مقتول لأن مقتوله مهلك بسبب نفوذه في العروق قدر أوقية و هو وزن عشرة دراهم و خمسة أسباع درهم أو أوقيتين فإنه ينزل بثقله سريعا و تسوى الأمعاء و يمشى بعد سقيه خطوات و يغمز بطنه من فوق إلى أسفل ليعينه على الانحدار حتى يخرج الزئبق، و يحتسى بعد خروج الزئبق مرقة اسفيدباجات دسمة لتليين الأمعاء و ارخائها و إزالة العقر الحادّث من ثقل الزئبق عنها و كذلك قبل سقيه أيضا لتعدّ الأمعاء للتسوية و يقتصر عليه أياما و إن لم يخرج الزئبق و وجد العليل ثقلا و وجعا لا يطيق من الزئبق، فلينكس ليخرج الزئبق من مريئه و يعالج الفتق بعلاج الفتق و القروى بعلاج القرو و ردّ الأمعاء إلى أماكنها و شدها بالرفائد المربعة بعد ذلك.

و إما ثفلى و سببه ثفل يجف و يشتد و يتبندق في الأمعاء. إما ليبس الأطعمة فى نفسها كالبلوط و الجاورس. أو قلّة مقدارها فتقبل الطبيعة على استقصاء المصّ حتى يجفّ. و إما لحرارة الأمعاء و تحليلها لرطوبات الثفل و نشفها لها و إما ليبسها و نشفها للرطوبات و جذبها إلى نفسها أو لذهاب حسها إما لشرب مخدر أو لسوء مزاج بارد يعرض لها، فلا يتنبه للذع المرار المنصبّ إليها و يبقى الثفل فيها مدة تجف رطوباته. و إما لكثرة درور البول و اندفاع المائية من طريق لآخر أو لكثرة التحليل من البدن بسبب تخلخله فتنجذب جميع الرطوبات التى في المعدة و الأمعاء إليه ليصير بدلا للمتحلل كما عند الاغتسال بمياه الحمات أو حرارة الهواء و جذبها للرطوبات إلى الظاهر و تحليلها لها أو كثرة التعب و تحليل الرطوبات باشتداد الحرارة و ثورانها.

و علامة ما كان من الأطعمة اليابسة القليلة، تناولها قبل حدوث القولنج أو

ص: 102

قلّة الرزء منها. و ما كان من حرارة الأمعاء(1) فعلامته دوام يبس الثفل قبله، و شدة العطش و وجود الالتهاب في المراق و قحولته لكثرة التحليل و نتن البراز لشدة تأثير الحرارة الغريبة فيه و سواده إلى الحمرة لاحتراق ما ينصبّ إليها من الصفراء و اختلاطها بالثفل المحترق. و الذى من يبس الأمعاء فعلامته هذه العلامات من غير التهاب في المراق و لا نتن في البراز و لا سواد فيه. و علامة ذهاب حس الأمعاء أن تكون الأغذية الحريفة مثل ما فيه الثوم و الخردل و الكرفس لا يتقاضى بالقيام و لا يحس بأذى الحمولات الحادّة مثل البورق و الملح و الصابون و تنتفخ البطن بما يتناول لاحتباسه في الأمعاء و انفصال ابخرة رياحية عنه و لا يوجع وجعا يعذّبه لذهاب الحس و قد يتفق أن يكون هناك ناصورا أفسد الحس بإفساد جوهر العضو و ازالة القابلية للروح الحساس(2).

و الذى يكون من كثرة درور البول علامته أن يكون بعقب كثرة دروره.

و الذى من كثرة التحلل علامته وجود اسباب التحلل من الهواء الحارّ الخارجى فتتخلخل المسامّ و كثرة العرق و مزاولة الصنائع المحلّلة مثل الحدادة و غيرها.

و علاج هذا النوع أى: الثفلى من القولنج: أن يسقى المرى لأنه يقطع و يلطف و يسهل و يلذع الأمعاء بحموضته و دهن اللوز لأنه يلين الثفل و الأمعاء مسخّنا ليزيد الارخاء و التليين أو مرقة حارّة دسمة مزلقة للثفل مثل مرقة الديك فإن الديك في بدنه رطوبة لزجة كثيرة يصير لحمه لذلك رخصا سريع الانهضام مناسبا للناقهين و اذا هرم، ضعف الحارّ الغريزى منه و استولى النارى على تلك الرطوبة فتصرف فيها و احدث لها ضربا من الاحتراق و الرمادية. و اذا اختلطت هذه بالرطوبات الغريبة الفضلية التى تكثر في بدنه لقصور الغريزى و ضعف الهضم و الدفع فتمتلئ تجاويف اعضائه بها، عرضت لها حدّة و بورقية و كلّما ازداد هرمه ازدادت تلك الرطوبات البورقية فيه. فإن كان مع ذلك أسود، كانت الرطوبة أحدّ فإذا طبخ طبخا كثيرا انفصلت الرطوبة إلى المراق فتنطلق البطن ببورقيتها، و يعينه على ذلك دسومته و ازلاقه و لزوجته و لكن ينبغي أن يذبح بعد

ص: 103


1- 89. ( 1).[ خ. ل: الأحشاء].
2- 90. ( 2).[ خ. ل: النفسانى].

إعدائه إلى أن يسقط لتتحلل عنه الرطوبات الفضلية الغليظة ثم يطبخ كثيرا بالمقدار ضعيفا بالكيفية حتى يتهر أو يخرج الرطوبات البورقية المسهلة المستكنة التى في أعضائه إلى الماء. و الدجاج المسمنة فإن مرقها بدسومتها ترخى الأمعاء و تلينها و يلين الثفل و يجرى بينه و بين جرم الأمعاء و يفصل بينهما فيستعد للزلق.

و تخضخض بطنه بالحركة و يؤمر بالطفرة و الحجل، حتى ينزل الثفل قليلا قليلا بعد تليينه و اعداده لذلك. ثم يحقن بالحقن اللينة المزلقة مثل طبيخ ورق السلق و البنفسج و النخالة و الخطمى و التين و الحلبة و لباب القرطم مع الشيرج و السكر الأحمر و المرى و لب الخيار شنبر. و يسقى ما يسهل سريعا، مثل: البورق و السقمونيا و شحم الحنظل بعد انحلال الطبيعة و بعد ذلك أى: عند زوال القولنج ينظر إلى سبب يبس الثفل فإن كان من يبس الأغذية أو قلتها استعمل ما يضادها في الكم و الكيف، و إن كان من حرارة الأمعاء و يبسها، سقى الماء الفواكه الباردة الرطبة مثل: الاجاص و المشمش و الشاهلوج و شراب البنفسج و إن كان من ذهاب حسها، سقى الترياق و المثروديطوس و الخنديقون و هو الشراب العتيق الذى قد طبخ فيه الزنجبيل و القاقلة و الهيل و القرنفل و الدارصينى و الفلفل مع العسل و الميسوسن و هو شراب السوسن و استعمال الأدهان المقوية شربا و حقنا مثل دهن الخروع و القسط. و إن كان من كثرة درور البول اطعم التمر و الزبيب و الحلواء المتخذ من النشا و الزبد و سقى شراب البنفسج و الخيار شنبر و غير ذلك مما يقل البول، و يلين البراز. و إن كان من كثرة التحلل من البدن، أجلس في موضع بارد ليكثف الجلد و تسد المسامّ و مرخ البدن بالقيروطى المعمول من الادهان المكثفة مثل دهن الورد و الآس و أطعم الاغذية الدسمة لأنها تصلب الأخلاط و تزيدها(1) غلظا و متانة بلزوجتها فلا ينحل سريعا.

ص: 104


1- 91. ( 1).[ خ. ل: و تفيدها].

الفصل الثامن: في الديدان92

سبب تولدها رطوبات بلغمية تتعفن في الأمعاء فتحدث فيها حرارة غريبة يتولّد منها الديدان و فى الكلام حزازة و الأولى أن يقال سبب تولدها رطوبات بلغمية تتعفن في الأمعاء بسبب حرارة غريبة تحدث فيها و ذلك لأن الطبيعة باذن خالقها تصرف كل مادة إلى ما يصلح أن يكون هيولى له فإذا وجدت مادة فضلية يمكن دفعها و تنقية البدن منها بطريق العرق و البخار دفعتها، و إذا لم يمكن ذلك دفعتها بطريق الجرب و البثور و الدماميل و اذا كانت لا تندفع من البدن و يمكن أن تقبل هيئة و صورة حيوانية لبستها مزاجا تستعد به أصلح ما تحتمله من الصور و هو حياة دودية أو قملية أو قمقامية فتفيض عليها تلك الصورة من الصانع القدير و لا يحرم الكمال الطبيعى الذى تستعده، لأن ذلك خير لها من بقائها على العفونة الصرفة، و لأنها حينئذ تعفن غيرها و تفسد البدن، و هى مع ذلك تتسلط على عفونات البدن و أوساخها و تغتذى بها للمشاركة و لا يمكن تولدها من الصفراء لأنها شديدة الحرارة بعيدة عن مناسبة الحياة لانها شديدة اليبس و لأنها لمرارتها وحدتها و مضادة مزاجها تقتلها إن كانت متولدة فكيف يمكن أن تكون مولّدة لها، و لذلك يداويها الأطباء بالأشياء المرّة، و لا من السوداء لأنها باردة يابسة مضادة للحياة و لأنها لا تنصب إلى الأمعاء و لا من الدم لأن الطبيعة ضنينة به إذ الحاجة شديدة إليه و هو مناسب للاعضاء الانسانية لا للدودية، و لأنه أيضا لا تنصبّ إلى الأمعاء

ص: 105

و إن انصبّ إليها جمد ثم اندفع إلى خارج قبل أن يتعفن مع أن الأخلاط الثلاثة ان انصبت إلى الأمعاء لم يكن ان تلبث فيها حتى تتعفن و تصير دودا، بخلاف البلغم فإنه للزوجته يتشبث و يلحج بالأمعاء و أيضا فان بياض لونها يدل على أن تولدها ليس من الثلاثة فيثبت بالبرهان اللمّى و الانّى أن تولدها من البلغم لا غير(1).

و هى: إما طوال قد تبلغ الواحدّة منها قدر ذراع تسمى الحيّات و تولدها في الأمعاء الدقاق. و سببها رطوبة لم تتفرق و لم تنقسم باستقصاء الكبد جذب صفوتها التى هي مادة الدود و لا بمجاوزة الثفل و مروره عليها و لا بتقطيع العفونة؛ لأن ما ينصبّ إلى تلك الأمعاء من الرطوبات انما هو غذاء جيد صالح لتغذية الأعضاء، فلا تدع الطبيعة أن تتصرف فيها الحرارة الغريبة المعنفة بخلاف الرطوبات البلغمية التى لا مطمع للطبيعة في إصلاحها فتعرض عنها كما تعرض عن الاثفال فتتصرف فيها الحرارة الغريبة المتعفنة، بالتعفين الشديد، و إنها أيضا لا تلبث فيها مدة طويلة حتى تتعفن تعفنا شديدا يبلغ إلى حد التقطيع(2) و التقسيم، لكثرة الماساريقا فيها، و لأن تلك الأمعاء ليست لها أوعية كالاعور و القولون، و الصفراء أيضا إنما تنصبّ إليها و تغسل رطوباتها و تخرجها قبل أن تشتدّ عفونتها و تنقطع اجزاؤها فيتولّد منها لذلك دود عظيم مائل إلى الحمرة لأنها دم بالقوة القريبة.

و علامتها: المغص لتمزيقها الأمعاء و عضّها لها سيّما عند الجوع و صرير الأسنان لما يتأذّى الدماغ من البخارات المتعفنة المتصاعدة إليه من الديدان و من موادها أيضا؛ فان كانت الأبخرة كثيرة شديدة الخبث و الرداءة يضطرب الدماغ و ينقبض و يتشنج بحيث يبلغ إلى حد الصرع و إن كانت قليلة الرداءة و المقدار، يتشنج تشنجا يسيرا و تتشنج بتشنجه الأعصاب القريبة منه تشنجنا مّا و يظهر

ص: 106


1- 93. ( 1). لكن[ بعض] من الأطباء جوّزوا تولد الدود من مجتمع الأخلاط الثلاثة و قالوا: إن الصفراء و السوداء اذا خالطت بلغما كثيرا فإنه حينئذ لا يمنع تولد الدود عن هذا المختلط و كذا جوّزوا تولدها من الدم و قالوا إن الدم قد يعفن و يفسد و يصير مادة للحميات و الدماميل و لا يصونه الطبيعة عن مثل هذا التعفن فلا يبعد أن لا يصونه عن التعفن الذى به يستعدّ لتولد الدود منه. و ايضا إن الدم قد يندفع في الاسهال و نحوها اندفاعا كثيرا و لا تصونه الطبيعة عنه و لا عجب لو لا تصونه يتولّد منه الدود.
2- 94. ( 2). أي: لا تتفرق الرطوبة بتقطيع العفونة. و إنما يكون التقطيع من العفونة لأن العفونة مستلزمة للحرارة و الحرارة من شأنها التفريق و التقطيع.

التلوى و الحركات المضطربة بحسب ذلك التشنج في الأعضاء المتصلة بها مثل الفك الأسفل و لما يتشنج سطح المعدة و ينقبض من الأذى فتتشنج أغشية الفم لاتصالها بها و يتشنج الفك الأسفل و تضطرب حركاته و الاحساس بحركاتها نحو المعدة لطلب الغذاء فإنها كثيرا مّا تصعد إلى المعدة عند الجوع و الغثيات و التهوع و جريان اللعاب و إذا عظمت ضعف النبض لانصراف الكيلوس إلى غذاء الحيّات و برد ظاهر البدن و حدوث حكّة في الشفتين و قذف و كرب و بياض البراز و ربما صعدت الحيّات إلى المعدة و خرجت من الفم ميلا إلى الموضع الذى يجى ء منه غذاؤها و لذلك ربما يندفع بالقى ء و ربما حدثت من حركاتها المؤذية و ارتفاع الأبخرة الخبيثة عنها إلى الدماغ أعراض رديئة شبيهة بالصرع كالسقوط و التشنج و الالتواء و ذلك لشدة انقباض الدماغ و انسداد بعض مسالك الروح النفسى.

و علاجها: قتلها و اخراجها لأنها إن احتبست بعد القتل تعفّنت و تصاعدت منها إلى الدماغ و القلب أبخرة متعفنة خبيثة أخبث مما يتصاعد منها عند حياتها بالأدوية القاتلة و المخرجة إياها مثل البرنج و السرخس و الشيح و القنبيل و الترمس و حب النيل و القسط المرّ و التربد و الملح الهندى و نحوها مما فيه قوة سمّية بالنسبة إليها مع قوة مسهلة، إلّا أنه ينبغي أن يشرب العليل اللبن الحليب و يمص الكباب ثلاثة أيام قبل سقى الادوية، حتى يظن الدود ان كل ما يأتيه من الغذاء اللذيذ على هذه الصفة ثم تدسّ الأدوية في اللبن و يهجر بعد ذلك من الأغذية المولّدة لها.

و إما عراض تسمى حب القرع و ليست واحدة منها تزيد على أخرى و قد تتصل واحدة منها بأخرى حتى يصير لها قدر طويل يبلغ ثلاثة أذرع و أكثر تولدها في الأمعاء الغلاظ من الأعور و القولون دون المستقيم. قيل: و أكثر تولدها يكون في يسار تلك الأمعاء؛ لأن الصفراء تنصبّ إليها من جهة اليمين؛ لأن المرارة تلك الجهة فإذا بلغت مادة الدود غسلتها و أخرجتها فقلّت من ذلك الجانب، و أما الطوال ففى من تنصب الصفراء إلى معدته يكون تولدها في اليسار أكثر؛ لأن السوداء و إن كانت تنصبّ إلى يسار المعدة الّا انها انما تنصبّ إلى فمها و تمتزج بالغذاء و تزول عنها حدتها التى بها تقتل الدود عند وصولها إلى مكانه و بها يقطع ما

ص: 107

يمر عليه من المادة التى يتولّد هو منها و لا كذلك الصفراء لأن انصبابها عند قعرها فلا تطول المسافة بينها و بين مادتها مع أن حرارة الكبد تعين في إذابة تلك المادة و تحليلها، و أما فيمن لا تنصبّ الصفراء إلى معدته فالظاهر أن تولدها في يسار المعدة و يمينها يكون على السواء و فيه نظر؛ لأن المجرى الذى تنصبّ الصفراء فيه من المرارة إلى الأمعاء تتصل أكثر شعبه بالاثنى عشرى كما صرح به الشيخ و الصائم أيضا موضوع بحذاء المرارة و يكثر لذلك ترشح المرار منها إليه، فيلذعه و يسرع خروج ما في تجويفه من الغذاء فيخلو تجويفه منه كخلو جوف الصائم، و لذا يسمى به، و لأن المسافة بين يمين الأمعاء و يسارها ليست بأكثر من المسافة بين المعدة و آخر المعاء الدقيق من مثل تلك المادة التى تتولد عنها الحيات الّا أنها قد استولى عليها الانقسام لا كانقسام ما تتولد عنه الديدان الصغار.

و علامتها: بعض تلك العلامات و خروجها من أسفل لانتشارها من الجانب السفلى و لضعفها عن التشبث بالأمعاء كالطوال شبيهة بحبّ القرع و لذا سميت به و هذا النوع أردأ الانواع و أخبثها لأن تولدها من مادة شديدة العفونة مع قربها من القلب و الكبد، و أما الطوال و إن كانت أقرب إلى هذه الأعضاء فإنها ليست بتلك الرداءة؛ لأن مادتها صالحة بالنسبة الّا أنها تضعف البدن بالتقام الكيلوس عند انحداره من المعدة مع أنها أيضا شديدة الالتصاق و التشبث بالأمعاء عسيرة الاندفاع لبعدها من المخرج و لضيق المجارى الحاوية لها و لكثرة تلافيفها.

و علاجها: قتلها و إخراجها بتلك الأدوية الّا أن الأدوية المستعملة هاهنا ينبغي أن يكون أقوى من المستعملة في الطوال؛ لأنها أبعد مكانا مما يشرب و أشدّ اكتنافا و تسترا بالرطوبات المخاطية الواقية لها و كثيرا مّا تكون مستترة بغشاء صفاقى محتوى عليها كالكيس على ما يشاهد بعد السقوط، و لأن تولدها من مادة أغلظ و أكثف و أقرب إلى المزاج الحارّ اليابس و لذلك تكون مجتمعة فان اليابس من شأنه التجمع كما أن الرطب من شأنه السيلان و لذلك كان العنب المستطيل ارطب من المستدير و لأنها أيضا أشدّ عفونة و أكثر سمية فلا تنفعل عن الأدوية السمية ما لم تغلب عليها غلبة كثيرة و تجرع المرى على الريق بعد سقوطها لأنه يقطع الرطوبات اللزجة المولّدة لها و ينظف الأمعاء عنها و هجر الأغذية اللزجة الرطبة؛ لأنها تستعدّ أن تكون مادة لها مثل الهريسة و الاكارع و الجبن الرطب.

ص: 108

و إما صغار شبيه بالدود المتولد في الخلّ و المتولد في الجبن معوجة كالكمون؛ لأن تولدها في غضون المعاء عند الشرج و الغضون إذا ركبت بعضها بعضا و زاحمها الثفل الحاصل في المعاء انضغطت الديدان بين الغضون فدقّت و تعوّجت كقطعة من دائرة على حسب استدارة المعاء و تولدها في المعاء المستقيم من مادة قد استولى عليها الانقسام و التفريق استيلاءا شديدا، لضد ما ذكر في الطوال من استقصاء الكبد جذب صفوتها فلم يبق فيما بقى ما يكفى في تكوين دود عظيم و لا في تغذيته، و من شدة تعفنها لأنها تلبث في الأمعاء كثيرا لقلة الماساريقا و وجود الاوعية فيها و لأن المرار إن يصل إليها يتلاشى و يتفرق و يضعف عن غسل الرطوبات.

و علامتها: حكة و دغدغة في المقعدة و أن تخرج هي مع البراز لقربها من المخرج و لسعة المعاء الذى تتولد فيه و لضعفها عن التشبث به و لان خشونة الثفل و مروره عليها يعين على اخراجها.

و علاجها: الحقن المنقية للأمعاء و تحمل قطنة مغموسة في دهن نوى المشمش المرّ و ماء السذاب أو الصبر المذاب في ماء الأفسنتين أو ماء ورق الخوخ أو القطران.

ص: 109

الفصل التاسع: في البواسير95

و هى زيادة مثل اللحم و الدشبد تنبت على افواه العروق التى في المقعدة من دم سوداوى غليظ يتسفل لغلظة و كثرة أرضيته إلى أواخر العروق. و فساد هذا الدم و غلظه. إما لحرارة الكبد و يبوسته. أو لكثرته و طول وقوفه في العروق. أو لضعف الطحال عن جذب الفضول الغليظة فتبقى مختلطة بالدم. أو لتناول اطعمة مولّدة للسوداء. و إذا امتلأت هذه العروق من الدم تورّمت المقعدة و تبثرت إما على فم العروق، أو على ناحية منها.

و هى ثلاثة اصناف:

إما ثؤلولية كالعدس و الحمص تشبه الثآليل الصغار الصلبة و تولدها من مادة سوداوية قريبة من الصرافة.

و إما عنبية مستعرضة مستديرة مخضرّة الأسافل تشبه عنبة أرجوانية اللون و تولدها عن مادة بين الدموية و السوداوية.

و إما توثية رخوة مخضرّة على شكل التوثة لها رأس مدوّر محبّب و أسفلها دقيق و تولدها من مادة دموية قريبة من الصرافة.

و كل واحد منها إما عميا لا يسيل منها شى ء. و إما دامية يسيل منها شى ء إما بادوار معينة و غير معينة. و إما خارج الشرج. و إما داخله و هى أصعب علاجا؛ لأنها لا يحس بها و لا تباشرها الأدوية أيضا و يقرب علاج بعضها من بعض؛ لأن مادة الجميع دم سوداوى.

ص: 110

و علاجها جميعا: فصد الباسليق و اصلاح الدم بالأغذية الجيدة الرطبة التى يتولّد منها دم صالح مثل الاسفيدباجات بلحوم الدجاج المسمنة و حفظ الطبيعة لئلّا تستمسك فتؤذى المقعدة و تشقّقها بالصلابة و الخشونة و يشتدّ الوجع ثم بتبخيرها بورق الآس، و جوز السرو، و أقماع الباذنجان، و قشور أصل الكبر، و المرّ و شحم الحنظل، و سلخ الحية و المقل، مفردة و مجموعة على جمر بعر الجمال تحت اجانة مثقوبة يجلس عليها حتى يذبل على طول الزمان و يسقط. هذا إذا لم تكن مؤذية و لا مؤلمة يمكن احتمالها مدة طويلة حتى تسقط فأما إذا امتلأت و آلمت و لم يسيل منها دم، ينبغي أن يتحمل ما يفتح افواهها و يسيل منها الدم مثل ماء البصل و مرارة الثور و العرطنيثا بعد التليين بالاستحمام و التمريخ بدهن لب الخوخ و مخ ساق البقر و أدهان سنام الجمل و يضمد بأضمدة مسكنة للوجع لئلّا تسقط القوة و لا يرم العضو من شدة الوجع الباسورى و الحادّث من حدّة الأدوية المفتحة مثل الأضمدة المتخذة من الإكليل و الخطمى و الأفيون و الزعفران لاصلاح الافيون و بذر الكتان و صفرة البيض و شحم الدجاج و المقل و الميعة السائلة و مخ ساق البقر و سنام الجمل و البصل المخيض أى: المعجون بالسمن فإنه مع ما يسكّن الوجع يفتح أيضا أو بمرهم الاسفيداج المعمول من اسفيداج الرصاص و الشمع الأبيض و دهن الورد إن كانت الحرارة شديدة.

فأما إذا كان دامية يسيل منها الدم، فلا ينبغي أن يحبس؛ لأنه يستفرغ به مادة البواسير فلا يحدث عنها الورم و البثور في المقعدة، و لأنه يحتقن في الكبد ما كانت الطبيعة تدفعه من الدم الفاسد الغليظ و هو سبب قوى لافساد مزاج الكبد و لأنه أمان من كثير من الأمراض السوداوية مثل الماليخوليا، و الخفقان و الصداع السوداوى و وجع الورك و المفاصل و الكلى و الأرحام، و لأنه عن دفع الطبيعة و حبسه يكون معارضا لفعل الطبيعة فلا يجوز و لذا قيل: إنه بمثابة الحيض من النساء إلّا إذا أفرط و رقّ و خرج دم أحمر صاف ليس فيه سواد و أضعف العليل فعند ذلك يسقى أقراص الكهربا و حب المقل الممسك و معجون الخبث و يتحمل الشياف الكحلى.

فأما العلاج التام لها فهو أن تقطع بالحديد أو يوضع عليها الدواء الحادّ

ص: 111

الأكّال مثل الديكبرديك و الفلدفيون و الزرانيخ حتى تسقط فإنها و إن ذبلت(1) بالأدوية المفتحة لكنها تمتلئ ثانيا و تعود كما كانت في أكثر الأمر مع أن العليل لا يحتمل أذى المفتحات المذكورة مدة طويلة حتى يندمى(2) فالأصوب أن يقطع من أصلها بأحدّ آلة و لا يترك أصلها و لا يقطع مما دونه فانه يؤدّى إلى آفات قوية و أوجاع شديدة و أورام عظيمة أو توضع عليها الأدوية الأكّالة حتى تفينها و يظهر اللحم الصحيح، فإن لم يصبر على استعمالها مرة واحدة من شدة الوجع، كرّرت مرارا و تدوركت فيما بين المرات بالمراهم المسكنة للوجع حتى تسودّ و تسقط من أصلها و الغائرة تحتاج إلى قلب المقعدة بأن تمص بالمحاجم حتى تنقلب و تظهر ثم تعالج بالحديد أو الدواء الحادّ.

ص: 112


1- 96. ( 1).[ خ. ل: اذهبت].
2- 97. ( 2). أي: يسيل منها شى ء.

الفصل العاشر: في ريح البواسير

و أما ريح البواسير فهى ريح غليظة عسرة التحلل تحدث وجعا مثل وجع القولنج؛ لأنها في الأكثر تدور في الخاصرة و حوالى السرّة و الكليتين و تصعد مرة إلى الظهر و الشراسيف و تنزل أخرى إلى الخصيتين و القضيب و القطن و حوالى المقعدة.

و سببها: الخلّط السوداوى المنصبّ إلى الكلية أو المتولد فيها و تحلّلها بالحرارة التى في الكلية إلى أبخرة غليظة و استحالتها إلى رياح غليظة عند مفارقة الأجزاء النارية عنها فتدور في نواحى الكلية و لا تتحلل بسهولة و لا تندفع كاندفاع ما يتولّد في المعدة و الأمعاء.

و علاجها: تنقية السوداء و سقى ما يكسر الريح من الجوارشات و غيرها مركبة مع المدرّات لتوصل أثرها إلى الكلية.

ص: 113

الفصل الحادّى عشر: في النواصير98

النواصير(1) قروح غائرة تحدث في المقعدة عند اطراف المعاء المستقيم بسبب خراج يحدث فيه فيؤخر الأمر في بطّه حتى يتعفن و يفسد ما حوله من جوهر المعاء و من اللحم يسيل منها صديد أى: رطوبة سيّالة غساليّة يستحيل إليها اللحم الفاسد. و هى عسرة البرء؛ لان العضو ليّن سخيف كثير الرطوبة ممرّ للفضلات العفنة(2) معكوس في شكله(3) و وضعه مجاور للمثانة التى تترشح منها إليه رطوبات حريفة عفنة موضوع في اسافل البدن شديد الحس، لكثرة عصبيته فلذلك يشتدّ ألمه فيكثر انجذاب الفضول إليه.

و هى إما نافذة إلى داخل المعاء أو غير نافذة إليه.

و علامة النافذة: أن يخرج منها الريح و النجو بلا ارادة و هذا إنما يكون إذا كان

ص: 114


1- 99. ( 2). و لقائل أن يقول: إن النواصير من الأمراض التى لا يختص بعضو و كان ينبغى أن يذكرها المصنف الأمراض العامة. كذا في« كشف الإشكالات». أقول: قد سلمنا أن النواصير من الامراض العامة لكن أكثر عروضها في ماق العين و اللثة و الرحم و المقعدة و خصوصا بعد البواسير كما يظهر من عبارة الشيخ ... و لذا ذكره المصنف في الامراض التى لا يختص بعضو و لم يتعرض به الشارح ايضا لذلك مع أن في علاماتها و علاجاتها ايضا نوع من التفاوت كما سيظهر فكيف لا يتوجه المصنف بذكره مع كثرة اهتمامه في ذلك.
2- 100. ( 3). فيوسع تفرق اتصالها بذلك و لا يسهل تنقيتها ايضا حتى يلتحم من الأدوية الملتحمة.
3- 101. ( 4). فلا يبقى الدواء فيه بل ينحدر و يخرج.

المنفذ وسيعا و أما عند ضيقه فيستدل عليها بأن يشدّ موضع المقعدة بقطنة و يأمر العليل أن يحصر نفسه فيختبر بخروج الريح من المنفذ و عدم خروجه، أو يوضع طرف قمع في فم المنفذ و يبخر تحته و يسأل العليل هل يجد حر البخور قد نفذ إلى أمعائه ام لا و إذا دخل فيها الميل و أدخل الاصبع أيضا في المقعدة التقيا.

و لا علاج لهذا النوع الّا الخرم بميرد معوج كالمنجل أو بشعر مفتول معقود عليه، أو كذلك يجعل أحد رأسه خارجا من المنفذ و الآخر من المقعدة و يحرّك و يجرّه كالمنشار أو وضع الدواء الحادّ عليه مثل مرهم الزنجار حتى يفنى اللحم الردى ء الفاسد المتعفن و ينبت اللحم الصحيح و فى كلا العلاجين خطر لما يخاف عنهما من شدة الوجع و عروض التشنج و الغشى و غير ذلك من الأعراض الرديئة و لأنه ربما ينال القطع و التأكّل إلى بعض العضلات الحابسة للزيل فيخرج حينئذ بغير ارادة لكن ينبغي أن يترك و يتحمّل إذاه مدة العمر و ليس له أذى أكثر من الرشح و السيلان الدائم.

و أما غير النافذة فعلامتها: أن لا يخرج منها النجو و الريح، و لا ينفذ فيها الميل إلى جانب الآخر.

و علاجها: أن يعصر حتى يخرج كل ما فيه من الصديد و الوضر فلا يحول بين الدواء و جرم العضو و يقطر فيها من شياف الغرب المتخذ من الصبر و الكندر و الانزروت و دم الأخوين و الكحل و الشب و الجلنار مع قليل جدا من الزنجار ثلاث قطرات كل يوم غدوة و عشية بعد أن يستلقى العليل و يشال وركه بمخاد توضع تحته حتى يجف هذا إذا لم يدخل فيها الميل، و الّا فالأولى أن يلفّ عليه قطنة و يلت بنقيع الصمغ و يلوث في الدواء و يدسّ فيها.

ص: 115

الفصل الثانى عشر: فى أورام المقعدة102

قد يعرض الورم الحارّ في المقعدة مبتدئا أو بعد أوجاع البواسير عند قطعها أو مداواتها بالدواء الحادّ لاتّجاه المواد إليها من شدة الوجع.

و علاجه: الفصد في الابتداء و وضع مرهم الاسفيداج عليه لأنه يبرّد العضو و يكثفه و يردع المواد بسبب الاسفيداج و يحلل و يسكّن الوجع بسبب الشمع و الدهن أو بياض البيض لأنه يبرّد و دهن الورد لأنه يحلل و يردع المواد بالقوة القابضة التى في الورد المسحوقين في هاون الرصاص و هو القلعى أو الآنك و هو الرصاص الأسود المعروف بالأسرب، و فائدة ذلك أن يختلط بهما ما ينحلّ من الرصاص أو الأسرب عند السحق فيزداد تبريدهما و يحصل لهما قوة رادعة و غير ذلك من الأضمدة و الشحوم المبرّدة بحسب شدة الحرارة و قلتها و أما إذا كان الورم مما يجمع، فينبغي أن يبادر إلى البطّ قبل النضج(1) لئلّا تميل المادة إلى الغور و يصير ناصورا.

ص: 116


1- 103. ( 2). أى: قبل النضج الكامل، لا قبل مطلق النضج.

الفصل الثالث عشر: في شقاق المقعدة104

شقاق المقعدة تكون ليبوسة(1) و حرارة تعرض لها فتنشق عن أدنى سبب يصيبها مثل مرور الثفل اليابس فانه يخدشها بخشونته و يمددها بصلابته و غلظه و هى لا تتمدد لغلبة اليبس و الجفاف فتنشق.

و علاجه: أن يوضع عليها المرهم الأبيض أو القيروطى المتخذ بدهن الورد و الاسفيداج و المرتك مع إقليميا الفضة أو الشحوم و اللعابات و النشا و غبار الرحى و الكثيرا و نحو ذلك فان بعضها مدملة و بعضها ملينة مرطّبة و بعضها معالجة بالخاصية إن كانت حرارة هذا قيد مستدرك و إن لم تكن حرارة هذا مناقض للكلام السابق وضع عليها القيروطى المتخذة بدهن الورد و الاسفيداج و المرتك و مخ ساق البقر و الزفت. و إن كان يسيل من الشقاق دم يجلس في ماء القمقم الذى طبخ فيه العفص و الآس و الجلنار و قشور الرمان و الورد و جوز السرو و ثمرة الطرفاء و ينثر عليه من الذرورات ما يمنع ذلك أى:

خروج الدم، مثل الودع المحرق و قشار الكندر و غبار الرحى و الكحل.

ص: 117


1- 105. ( 2). الواو بمعنى« أو» لا بمعنى« مع».

الفصل الرابع عشر: فى استرخاء الشرج106

و هو أن يخرج الثفل و الريح بلا إرادة. و سببه:

إما آفة العضلة المطيفة بالمقعدة الممسكة لها بسبب فسخ أو هتك نالا العصبة الجائية إليها.

و علامته: أن يعرض بغتة بعقب ضربة أو سقطة على الظهر أو قطع باسور أو خرمه و لا علاج له.

و إما برد تلك العضلة و تشربها الرطوبة فيحدث فيها استرخاء.

و علامته: أن يعرض قليلا قليلا مع علامات برد المزاج.

و علاجه: علاج الفالج من استفراغ المادة المرخية و تبديل المزاج و مرخ الخرز السفلى من خرزات الصلب لأنها مبدأ للعصب الفرد الذى يمتدّ إلى عضل المقعدة و غيرها من الأعضاء المجاورة لها و مرخ المقعدة بالأدهان الحارّة مثل دهن القسط المفتوق فيه الجندبيدستر و الفرفيون و الجلوس في ماء القمقم الذى طبخ فيه الأدوية الحارّة القابضة مثل سنبل الطيب و القسط و المرو و جوز السرو و نحوها.

ص: 118

الفصل الخامس عشر: فى خروج المقعدة107

يكون:

إما بسبب ورمها إذا بلغ من العظم و زيادة الحجم إلى أن قلّب المقعدة.

و قد ذكرت علامته و علاجه. و ينفع منه الجلوس في المياه التى طبخ فيها المسكنات للوجع و هى ما تبدّل المزاج و تحلّل المادة و ترخى العضو و تخدره و ذلك لئلا يزداد الورم من شدة الوجع و المرخيات للورم لأنها تحلل بالرفق و تسكن الوجع مثل: البنفسج و الخطمى و نحوهما مثل البابونج و ورق الكرنب و الشلجم و بذر الكتان و المرو و مرخ المقعدة بالقيروطى المتخذ من دهن الشبت لما فيه من الارخاء و دهن البابونج لما فيه من التحليل حتى يلين و يرجع إلى داخل ثم يعالج بالقابضات لئلا يخرج ثانيا كماء القمقم و نحوه.

و إما لشدة استرخائها لغلبة الرطوبة على العضلة الممسكة لها.

و علامته: أن تدخل المقعدة بسهولة إذا دسّت باليد أو بغيرها ثم ترجع إلى خارج. و علاجه: أن تمسح المقعدة بدهن ورد خام و هو أن يلقى الورد الطرى الدهن و يشمّش فإنه مع ما تتشبّث به الأدوية على العضو يقوى العضو و يقبضه و يشدّده أكثر من الدهن المعمول بالنار؛ لأن النار تفنى عن الورد الأجزاء المائية اللطيفة التى بها تنفذ الأجزاء القابضة التى فيه و تفنى أيضا الأجزاء الحارّة المرّة اللطيفة التى بها تقوى الأعضاء و تسخنها و تقبضها و ذلك لأن امتزاج تلك

ص: 119

القوى فيه غير مستحكمة ثم يذرّ عليها اسفيداج الرصاص و جلنار و عفص و شبّ و كحل مسحوق كالغبار و يدخل و يشدّ بقطنة و عصابة و يجلس في ماء القمقم الذى طبخ فيه العفص و الجلنار و البلوط و الآس و نحوها من الأدوية القابضة المقوية للاعصاب.

ص: 120

الفصل السادس عشر: فى قروح المقعدة

تعالج بالمجففات القوية لأنها عضو كثير الرطوبة مثل الابار المحرق المغسول و المر و أطراف شجر السماق و اطراف الآس و ينفع منها المرهم الاسود و إن كان الوجع شديدا خدّر حسها بمثل الافيون.

ص: 121

الفصل السابع عشر: فى حكّة المقعدة108

قد تكون بسبب الديدان الصغار المتولدة فيها. و قد ذكر.

و قد تكون مقدمة للبواسير و تدل على أنها ستحدث لانصباب دم سوداوى حادّ لذاع إليها.

و علامة ذلك: أن لا تكون بسبب الديدان.

و علاجها: فصد الباسليق و اصلاح الدم بالأغذية و الأدوية المبرّدة المرطّبة التفهة.

و قد تكون لأخلاط مرارية أو بورقية تلذعها بحدتها و يستدل على ذلك بخروج تلك الأخلاط مع التزحر.

و علاجها: تنقية تلك الأخلاط من البدن إن كانت تنصبّ منه إلى العضو أو من نفس العضو إن كانت محتبسة هناك بما ذكرنا في الزحير و مسح المقعدة بدهن الورد و الخلّ لقمع تلك الأخلاط و تسكين حدتها و لذعها و الاعانة على تحليلها بالتليين و التقطيع.

ص: 122

الباب السادس عشر: فى امراض الكلية و المثانة

اشارة

ص: 123

ص: 124

الباب السادس عشر: فى أمراض الكلية و المثانة

الفصل الأول: في سوء المزاج الكلية

سوء مزاج الكلية يكون إما حارّا.

و علامته: انصباغ القارورة بالحمرة أو الصفرة لسخونة الكبد بالمشاركة و لضعف الكلية عن تمييز الدم الذى هو غذاؤها عن المائية عند الحمرة و لا حراقها الصفراء التى تجى ء مع المائية إليها عند الصفرة و حرارة موضع الكلية من الظهر و القطن و قوة الشهوة المباضعة لأنها تسخن الشرايين التى في اعضاء المنى فتجذب الريح الناشرة و الروح و الدم إليها و يحدث الانتشار، و لأنها تسخن المنى فيكثر لذعه و دغدغته للأوعية و طلبه للاندفاع و كثرة العطش؛ لأنه يجذب المائية من الكبد و هو من الماساريقا و هو من المعدة و الأمعاء فيحدث العطش لاشتياق هذه الأعضاء بل جميع الأعضاء إلى المائية و اذا أفرط سوء المزاج الحارّ فيها، حدث منه ذيابيطس الحارّ و قد يجى ء.

و علاجه: سقى الاشربة الباردة مثل شراب الرمان و الأنبرباريس و الخشخاش و اللعابات مثل لعاب بذر قطونا و وضع الأضمدة الباردة عليها مثل أقاقيا و عصارة لحية التيس و الصندل و الجلنار مع ماء عساليج الكرم، أو ماء ورق الآس أو ماء العاقول و للكافور تأثير عظيم في تبريد الكلية بحيث أنه يقطع الباه بواحدة، لكن ينبغي أن لا يفرط في تبريدها فيبطل فعلها.

ص: 125

و إما باردا(1). و علامته: بياض البول(2) و اللون لأنها لا تجذب المائية بتمامها من الكبد فيبرّد الكبد و يقل الدم و يكثر اختلاط الرطوبة المائية به فيبيضّ اللون و يقل تولد الصفراء و اختلاطها بالبول فيبيضّ هو أيضا.

و ذهاب(3) شهوة المباضعة لضد ما ذكر، و ضعف الظهر و كونه كظهر المشايخ منحنيا لا يقدر لضعفه على استقلال البدن مستويا، و ذلك لسريان البرد منها إلى عضلات الظهر و أعصابها و رباطاتها، بسبب مجاورتها للظهر و اتصالها و تعلقها به و بسبب مشاركتها له بواسطة الشريان العظيم المتكئ عليه.

و علاجه: الحقن الحارّة بالأدهان الحارّة؛ لأنها تسخن الكلية بحرارتها و تقوى جوهر لحمها بدسومتها اللزجة مثل: دهن القرطم و اللوز المر و الفستق و القسط، و يدهن موضع الكلية بتلك الادهان، و للكمونى منفعة عظيمة في علاج برد الكلية لأن الأدوية المدرّة التى فيه توصل قوة المسخّنات إليها، و الأفاوية محركة للقوة مهيجة لها بحرارتها و عطريتها خاصة إذا سحقت ناعما فيصل من جرمها شى ء له قدر إلى الكلية و يتشبث بها حينا.

ص: 126


1- 109. ( 1). اعلم أن الامراض الباردة تكثر في الكلى لأمرين: أحدهما، بعدها عن القلب و مجاورتها الأعضاء الباردة و هى فقرات القطن. و ثانيهما، كثره نزول المائية إليهما.
2- 110. ( 2). هذا اذا لم يبلغ سوء المزاج الى حد يضعف الكلية بالكلّية فحينئذ يكون البول مثل ماء اللحم كما سيجى ء ذكره في ضعف الكلية. قال في« كشف الإشكالت»: و اعلم أنّ برد الكلية لا يستلزمه أى: بياض اللون دائما لأن الكلية الباردة قلّما تتميز المائية المنجذبة إليهما من الدم فيكون ما يخرج من البول كغسالة الدم.
3- 111. ( 3). و يقال إن سوء المزاج الحارّ اذا كان في الكلية اليسرى كانت شهوة المباضعة أشدّ و ذلك لأن مشاركة الكلية اليسرى لأعضاء المنى اكثر من مشاركة الكلية اليمنى له. كذا في« كشف الإشكالات». و قس على ذلك سوء المزاج البارد.

الفصل الثانى: فى هزال الكلية112

قد يعرض للكلية أن تهزل و يقل شحمها أو يفنى لسوء مزاج حارّ يذيب شحمها و يذبل جوهرها بكثرة التحلل و بافساد مزاجها الطبيعى فيضعف عن التصرف و الاغتذاء أو سوء مزاج بارد يضعفها عن الجذب و النضج و الاغتذاء أو كثرة جماع يهلهل اكتناز لحمها و يضعفها باستفراغ جوهر غذائها و تحليل قواها و تذويب لحمها و الشحم الذى عليها بسبب تسخينه القويّ لآلات التناسل و اطفاء حرارتها الغريزية بالآخرة أو الإستفراغ بمسهل أو مدرّ.

و علامته: بياض البول؛ أما في سوء المزاج الحارّ فلأن الكلية لا تمهل المائية في الكبد إلى أن يتغير بل تجذبها أكثر مما يحتمل ثم يدفعها على حالها كماذيابيطس، و أما في البارد فلأنه يبرّد الكبد بالمشاركة فيقصر الهضم و يقل الصابغ، و أما في كثرة الجماع و الاستفراغ فلما قلنا في سوء المزاج البارد و دروره لضعف الكلية عن امساكه و وجع لين في الصلب لضعف الرباطات و الأعصاب بالمشاركة فيتألم عن حمل الأعضاء العالية و عن الحركات المتعبة(1)، و لاستيلاء الجفاف عليها عند نقصان الدسومة الملينة المرخية لها و نحافة في البدن إما لحدّة الدم و مرارته فلا تجذبه الأعضاء و لا يصير جزءا منها أو لضعف الكبد و قصور الهضم و قلة شهوة الباه لما سيجى ء بيانه.

ص: 127


1- 113. ( 2).[ خ. ل: المتفننة].

و علاجه: التدبير المخصب للبدن و الكلية بالتوسيع في الغذاء و إزالة السبب المهزّل و أكل اللبوب بالسكر لأنها بسبب الحلاوة و الدسومة تكون محبوبة عند الطبيعة فتتصرف فيها تصرفا تاما و يتولّد عنها دم محمود نضيج متين لزج رطب المزاج تجذبه الأعضاء باشتياق و يسمن به سيّما الكلية فإنها عضو صلب متلزّز الجوهر و غذاؤها يجب أن يكون دما متينا لزجا و اللزج لا يكون الّا دسما مثل لب اللوز و النارجيل و البندق و الفستق و الشحوم مثل شحم الدجاج و الأوز و البط، و الخبز المشحّم الحارّ قبل أن تزول عنه الحرارة الفعلية و ينجمد الشحم فيثقل على المعدة و يبطئ انحداره و الحقن المسمنة للكلى المتخذة من طبيخ رؤوس الضأن و الحبوب مثل الحنطة و الحمص و العدس و اللوبياء و الباقلاء و أدهان اللبوب المذكورة و غيرها مثل لب حب القرطم و الحبة الخضراء و السمسم و الأمخاخ مثل مخ ساق البقر و الابل و الضأن فإنها ترطّب الأمعاء السفلى و تغذيها و يترشح منها إلى الكلى و النخاع فتغذّيها و ترطّبها و ترطّب الأعصاب النابتة من فقرات الصلب و القطن و سقى دواء الترنجبين و هو لبن البقر المطبوخ مع ثلاثة أو اربعة من الترنجبين، فانه أيضا لحلاوته و دسومته يجود هضمه و تجذبه الأعضاء باشتياق و تغتذى به و بجبنية اللبن يلتصق بها.

ص: 128

الفصل الثالث: فى ضعف الكلية

سببه إما سوء مزاجها و إما هزالها فإن الأعضاء المهزولة تكون عاجزة من افعالها و حركاتها و إما اتساع مجاريها و تهلهل اكتناز لحمها فيتغير وضع اجزائها و يسوء تركيبها و حينئذ تختل معونتها للقوى الطبيعية التى فيها فتضعف افعالها و يستفرغ عنها غذاؤها بسرعة و يزداد ضعفها يوما فيوما بسبب كثرة الجماع لما يستفرغ به الروح و الرطوبات القريبة العهد بالانعقاد من سائر الأعضاء سيّما من الكلية أو كثرة استعمال المدرّات فإنها توسع مجاريها بفرط التمديد و الارخاء بسبب كثرة المادة المدفوعة و حرارتها و رطوبتها فلا تمكث فيها المائية حتى يتميز عنها الدم الذى كان مختلطا بها لغذائها فيهزل و يتهلهل لحمها لذلك أو صدمة أو تعب يصيبها من السفر خصوصا ماشيا و الركوب فيكثر التحلل عنها و تضعف قوتها لذلك عن التصرف في الغذاء و لأنها بسبب الألم و الكلال ترجع قوتها عن التصرف أيضا في الغذاء.

و علامته: بول مثل ماء اللحم لعدم التمييز بين الدم و المائية و ذلك إنما يكون بعد الهضم الكبدى و تأدية الدم إلى العروق، و أما قبل ذلك فيكون البول مائيا لعدم اختلاط الدم به مع وجع في الصلب احيانا سيّما عند الانحناء و الإنتصاب و الإنقلاب من جنب إلى جنب لضعف عضلات الصلب و أعصابه للمشاركة و قلة شهوة الباه و قلة البول لضعف جاذبة الكلية و الذى سببه سوء المزاج تكون معه علامات سوء المزاج على ما ذكر. و الذى سببه الهزال يكون معه علامات الهزال المذكورة.

ص: 129

و علاجه: إن كان سببه سوء المزاج، تبديل المزاج و استفراغ مادته إن كان ماديا بسقى الدواء النافع لبول الدم مما يقوى القوة الماسكة مثل دم الاخوين و الجلنار و عصارة لحية التيس و الصمغ و الطين الأرمنى مع عصارة لسان الحمل و تضميد القطن بالاضمدة الباردة المقوية مثل الصندل و الورد و الاقاقيا و الرامك و الآس و السك بماء الآس إن كان سوء المزاج حارّا و أما ان كان باردا فلا ينبغي أن يفرط في الإسخان بل يعدل في المبرّدات لان الحرارة توسع المجارى و تجذب الدم و تكثر التحليل و مرخها بدهن الخلّ و الورد للتبريد و القبض مع الارخاء.

و إن كان سببه الهزال، فعلاجه: علاج الهزال.

و إن كان سببه الاتساع و التهلهل و هو الضعف الحقيقى فان الضعف قد يطلق على ثلاثة معان: الأول، أن يضعف جوهر العضو. الثانى أن يضعف جوهر الروح الذى هو مركب القوة المتصرفة في العضو. الثالث أن تضعف نفس القوة لكن الضعف الحقيقى هو أن يتهلل العضو و أليافه و أعصابه المنتسجة بعضها في بعض كالثياب الخلّقة التى تبلى من كثرة الغسل و اللبس.

فعلاجه منع تلك الأسباب الموجبة للتهلهل مثل الجماع و كثرة الاستفراغ و الادرار و الركوب و المشى و غيرها ثم التلزيز و التقوية بالاغذية المغرية القابضة اللزجة مثل الرمانية بعجم الزبيب مع شحم كلى الماعز و مثل السويق المتخذ من الشعير و الحنطة و القسب و هو نوع من التمر جليل له لزوجة و الزعرور و السفرجل و نحوها مثل الارز باللبن و الرؤوس و الأكارع المطبوخة بالحموضات و المعجونات و الحقن المقوية المسمنة للكلى مثل معجون اللبوب و الحقن المتخذة من مرقة الرؤوس على ما ذكر في الهزال و ألبان النعاج و هى الضأن و اللقاح و هى النوق لا نظير لها في ضعف الكلية خصوصا إذا خلط بها شى ء من القوابض مثل الطين الأرمنى و ذلك لانها حلوة دسمة حارّة رطبة باعتدال ليست بكثيرة الفضول مغرية ملائمة لمزاج الانسان، لأنه يغتذى بلحمها و لها جبنية تلتصق بها بالأعضاء، و فيها أيضا قوة مدرة يصل بها إلى الكليتين كما ينبغي و هى مع ذلك قريبة الانهضام لأنها تولّدت من دم في غاية الانهضام و طرأ عليها هضم آخر.

ص: 130

الفصل الرابع: فى ريح الكلية

قد تتولد في الكلية ريح غليظة من أخلاط غليظة عملت فيها حرارة نارية ضعيفة تمددها.

و علامتها: وجع و تمدد من غير ثقل و لا علامات حصاة و يكون فيه انتقال مّا و يقلّ على الخواء لما يتلطف و يتحلل باتجاه الحرارة إليه بالكلية و على الهضم الجيد لما لا يتولّد الريح عنده و لا الفضول التى تصلح أن تكون مادة له.

و علاجها: شرب المدرّات(1) المخرجة لمادة الرياح المحلّلة للرياح مما لا يسخّن الكلية كثير اسخان، فيكثر تولد الرياح مثل البذور بماء العسل أو السكر و التضميد بالأضمدة الكاسرة لها مثل الكمون و ورق السذاب و البابونج و الشبت و التكميد اليابس بالملح و النخالة و الرماد و التدهين بدهن القسط و الزنبق و نحوهما مثل: دهن الخيرى و السذاب.

ص: 131


1- 114. ( 1). يعنى المدرّات الحارّة للبول مثل بذر الجزر و البرسياوشان و سنبل الطيب و الخيار شنبر و الرازيانج و القسط الحلو و الزعفران و السليخة و الأنيسون و الزوفاء اليابس و السذاب و الأسارون و عود البلسان و الأبهل و البرنجاسف و الكرفس و لب حب القرطم و الشونيز و الفودنج و الناخواه و الخبازى و أمثال ذلك.

الفصل الخامس: فى وجع الكلية115

سببه إما ريح أو ضعف و قد ذكر. و إما ورم أو حصاة أو قروح و قد يجى ء من بعد و الآبزنات شديدة المنفعة في أوجاع الكلية لأنها تلين العضو و ترخيه فتسكن الوجع و تحلل الرياح و المواد، و توسع المجارى و البرابخ و تدر البول، خصوصا إذا طبخت فيها الادوية الملينة المسكنة للوجع مثل البابونج و الشبت و ورق الكرنب و الخطمى.

ص: 132

الفصل السادس: فى ورم الكلية116

يكون إما حارّا من دم غليظ أو رقيق صفراوى. و علامته: حميات(1) مختلطة أى: ذات فترات و هيجانات غير منظومة(2) لا نوبة لها لأن الكلية بعيدة من القلب قليلة المشاركة له، و ورمها لا يكون كبير الحجم فلا تحدث(3) منه حميات قوية لازمة، بل يكون معها اقشعرار و فتور مع التهاب لان الورم يجذب المواد الحارّة إليه فتبرد الأعضاء الظاهرة سيّما الاطراف و يقشعر الجلد و تلتهب

ص: 133


1- 117. ( 2). أى: دائمة لازمة كما في القانون لاجل الورم الحارّ في الباطن؛ فان الورم لتسخين حرارته القلب يحدث الحمى و بسبب كون هذه السخونة ثابتا دائما يكون الحمى دائمة.
2- 118. ( 3). لكون العضو المتورم بعيدا عن القلب فانما يشتدّ تسخينه للقلب في أوقات و تلك الأوقات هي الأوقات التى يزيد فيها حرارة الورم إما عن سبب من خارج كما اذا اتفق عروض حركة او تناول المسخّن أو بسبب من داخل كما اذا اندفعت مائيته الى الكلية فزادت في سخونتها و كما اذا اتفق سيلان مادة أخرى زائدة في الورم. و أما في غير هذه الأوقات فإنّ تسخين الورم للقلب يكون قليلا فحينئذ لا يسور الحمى سورة قوية و لانها لا يكون تابعة لطبيعة المادة حتى يكون بحسب نوائبها بل انما يكون بحسب مقدار الأسباب التى يزيد سخونة الورم و لا شك أن عروض تلك الأسباب و فقدانها عما لا نظام له.
3- 119. ( 4). هذا خلاف ما قال« الشيخ» في« القانون» فانه قد جعل لزوم الحمى من علامات الورم الحارّ للكلية. و يمكن أن يؤول العبارة و يقال: معناها بأن« الشارح» لا ينكر و لا ينفى لزوم الحميات مطلقا حتى يلزم المنافات بين الكلامين بل ينكر لزوم الحمى القوية كما يستفاد هذا من عبارته بنظر التأمل، فحينئذ يحصل التوفيق بينهما.

الاحشاء بحيث لا يحتمل العليل أن يلقى عليه ثوبه(1) و وجع(2) في القطن من جانب الكلية العليلة فإن كان الورم في اليمنى كان الوجع فيها مائلا إلى فوق(3) نحو الكبد و إن كان في اليسرى كان مائلا إلى أسفل نحو المثانة و ثقل خاصة إذا انبطح العليل أى: انكبّ على وجهه أو اضطجع على الجانب الصحيح لأن الكلية الورامة حينئذ تكون معلقة غير مستندة إلى شى ء و العطش لتوجه الحرارة إلى الباطن نحو موضع الورم، و لأن الكلية لغلبة حرارتها تجذب المائية من الكبد جذبا قويا متصلا و الكبد من المعدة و الصداع لما يرتفع منها إلى الدماغ أبخرة حارّة للمحاذاة، و لأنها مشاركة له بواسطة الكبد و السهر ليبس الدماغ بسبب تلك الأبخرة و قى ء المرار لمشاركة المعدة للكبد و مشاركته للكلية فيسخّن عند سخونتها و يتولّد فيه المرار و لما ينصبّ إليها من الكبد حيث يكثر تولده فيه لسخونته بالمشاركة و عسر البول لانضغاط مجارى البول و انسدادها سيّما إذا كان الورم مائلا إلى تجويف الكلية و البراز بسبب مزاحمة الورم للأمعاء و ضغطه لها و لأن حرارة الكلية تنشف مائية البراز فيجفّ و يعسر خروجه.

و علاجه: فصد الباسليق و سقى ماء الشعير و شراب البنفسج و اللعابات الباردة مثل لعاب بذر قطونا و حب السفرجل و بذر الخطمى ليحصل في البطن تليين من غير عنف، فان الاسهال العنيف هاهنا يضر لما يجلب الخلّط الكثير إلى الأمعاء و لا يخرج عنها بسهولة لضيقها فيحدث التمدد و زيادة الوجع و ارتفاع الحرارة و التضميد بدقيق الشعير و الصندل و الماميثا و ماء عنب الثعلب و ماء الهندباء و دهن البنفسج للردع و التحليل و اطفاء الحرارة فإذا مضت مدة أسبوع

ص: 134


1- 120. ( 1). هذا ليس بالكلى بل يختلف الإختلاف بحسب قوة المادة الوارمة في شدة حرارتها و ضعفها فان حرارة الصفراء شديدة جدا فيكون الإلتهاب حيث كان الورم صفراويا كثيرا لا محالة و حرارة الدم دون ذلك فيكون الإلتهاب في الورم الدموى دون ذلك.
2- 121. ( 2). هذا الوجع يهيّج تارة عند وجود الأسباب الزائدة في سخونة الورم أو في حركة مادته و يسكّن تارة أخرى عند فقدان تلك الأسباب بخلاف الثقل فانه يكون دائما في هذا المرض. و ايضا إن كان الورم في جرم الكلية، كان عروض هذا الوجع و شدته أقل مما اذا كان عند غشائها أو عند علاقتها؛ لأن جرم الكلية غير حساس بنفسه فيكون الألم عند عروض الورم فيه اقل مما اذا كان الورم عند العلاقة أو عند الغشاء.
3- 122. ( 3). لان مكان الكلية اليمنى يكون أعلى بالنسبة الى الكلية اليسرى فلا جرم يكون وجعها مايلا الى فوق.

و لانت الحمى، فيه نظر؛ لأن الورم إذا أخذ في الجمع، اشتدّت الحمى بالضرورة و زاد لهيبها لما تجتمع حرارة طبخ المدة مع حرارة الحمى، و لما يزداد الوجع الموجب لثوران الحرارة و انما تلين الحمى و تسكن سورتها بعد التقيّح و نضج المادة و زاد الثقل لكثرة ما يتوجه إلى العضو الوارم من الدم تبعا للطبيعة و لأن المادة إنما تأخذ في طريق الجمع إذا آيست الطبيعة عن اصلاحها و صرفها في تغذية البدن و حينئذ يصير كلا على القوة فيستثقل و حدث الاقشعرار، فيه أيضا نظر؛ لأن الاقشعرار انما يحدث عند الانفجار و مرور المدة على الأعضاء الحساسة، لما يلذعها و يؤذيها لحدتها و رداءة كيفيتها و اشتد الوجع لتخلخل المادة و ازدياد حجمها عند الطبخ و الغليان فالورم في طريق الجمع و استحالة المادة إلى المدة و حينئذ ينبغي أن يعان على ذلك بأن يضمد بالإكليل و الخطمى و الحلبة و بذر الكتان و دقيق الشعير بالماء الحارّ و دهن الشيرج و ينطل بالماء الحارّ فإنه يرخى و يرطّب و ينضج و لو طبخت فيه الأدوية المنضجة لكان أقوى و يسقى البذور المنضجة مثل بذر الكتان و الخطمى و الحلبة فإن سكن الوجع كله و بقى الثقل فقد تمّ النضج، لان سكون الوجع يدل على زوال التمدد الذى كان عارضا من التخلخل و الغليان اللازم للطبخ فيزاد في الضماد الأشياء المفجرة مثل خرء الحمام و دقيق الكرسنة و غبار الرحى و يهزّ القطن و يحرك لتنشق الجلدة التى على الورم فإذا انفجر و خرجت مدة البول فليعط البذور المنقية المدرة كبذر الخيارين و نحوهما مثل: بذر البطيخ و القرع و الرازيانج بالجلاب و شراب الخشاش و شراب البنفسج و لبن الأتن فانه شديد الجلاء لرقته و كثرة مائيته ثم بعد نقاء المدة ليعط البذور الملحمة مثل بذر الكتان ففيه إنضاج و تغرية و تجفيف سيّما المقلو منه و الكاكنج ففيه تنقية و تجفيف و الخشخاش ففيه تجفيف و تسكين للوجع و النشا للتغرية و الطين الأرمنى للتجفيف حتى يندمل.

و إما باردا. و علامته: الثقل في القطن مما يلى الخاصرة من غير وجع شديد و لا التهاب و يشتبه بوجع القولنج لما ذكر، و يفرق بينهما بأن لا تنفعه الحقنة بل تزيد ايذائه لامتلاء المعاء و مزاحمة الكلية بالضغط و بسائر ما قيل في الفرق بينهما في باب القولنج.

و علاجه: التضميد بالأضمدة المسخّنة مثل البابونج و النمام و ورق الغار

ص: 135

و المرزنجوش و الادرار بطبيخ بذر الكرفس و الحسك و الإنيسون و البرسياوشان و الهليون مع الجلنجبين العسلى و استعمال الحقن المتخذة من طبيخ البابونج و الإكليل و الشيح و الشبت و السذاب و اطراف الكرنب و بذر الحلبة و الحسك و التين مع دهن الخلّ و الملح و البورق و المروخات الحارّة مثل دهن القسط و الحسك و البابونج و لفلوس الخيار شنبر تأثير عظيم في تحليل أورام الاحشاء الباطنة حقنا و شربا لأن له حرارة معتدلة بها يحلّل الأورام مطلقا و يلين الصلبة منها، و لأنه يسهل بلا نكاية و لا غائلة اسهالا غير عنيف حتى يستفرغ المواد الرقيقة اللطيفة بجملتها و تبقى الغليظة فتصلب بسرعة.

و إما صلبا. و أكثر ما يحدث بعقب الورم الحارّ(1) أو البارد بحرّ حجّره بتحليل لطيفه أو برد غلّظه فلم ينضج و لم يتحلل لشدة غلظه و فجاجته.

و علامته: الثقل الشديد لتراكم المادة الأرضية مع وجع قليل لأنه لبرده و غلظه يبلّد حس العضو و رقة البول لاحتباس الأجزاء المغلّظة له لانسداد عروق الكلية من الورم و لأنها لا يجذب إلا الرقيق لضعفها و نزارته؛ لأن الكلية لضعفها لا تجذب المائية من الكبد على المجرى الطبيعى فيبقى شى ء منها في الكبد و لان السدّة أيضا إذا منعت الأجزاء الغليظة من النفوذ، قلّ البول بالضرورة مع انها كما تمنع الغليظة تمنع كثيرا من الرقيقة أيضا و كثيرا مّا يعرض منه الاستسقاء لما تحتبس المائية الكبد و يطول زمان ذلك، لأن الورم الصلب في الكلية لا يمكن أن يندفع في زمان يسير فينصرف مع الدم إلى البدن أو إلى فضاء البطن. و قال «الطبرى» قد يعرض عنه الدق(2) بسبب انقطاع الغذاء عن القلب و ضغط العرق الصاعد من

ص: 136


1- 123. ( 1). لكنه لا من انتقال كل ورم حارّ فانه يبعد أن ينتقل الورم الصفراوى إليه لبعد الصفراء عن قوام السوداء فان الأكثر انما يكون انتقاله عن دم صرف أو عن دم مخالط ليسير من الصفراء و هذا أقلّ من الاولى.
2- 124. ( 2). لأن القلب حين انقطاع الغذا عنه يحمى حميا شديدا باشتعال الحرارة فيه عند ذلك و تسخن الروح و يجرى الروح المسخّن و الحرارة المشتعلة عنه الى سائر الأعضاء آنا فآنا كما هو عادتهما و يحلل رطوباتها المبثوثة فيه كالطلّ لانفاقها لها و استحالتها الى الغذاء عند فقدانه و التى قريبة العهد بالانعقاد أولا فأولا حتى تفنى رطوباتها الأصلية بمرور الأيام الكثيرة فيحدث منه الدق ضرورة. و انما خصّصه بالورم الصلب، لأن زمانه كان زمانا طويلا بنسبة سائر الأيام لصلابة هذا الورم و عصيان مادته للتليين و التحليل و لقلة وصول أثر الدواء إليه فيمكن أن يتحلل تلك الرطوبات في تلك المدة و يحدث الدق.

الكلية إليه الذى يجرى فيه غذاؤه.

و علاجه: عسر لصلابة الورم و صلابة جوهر العضو و حرارته و قلة وصول أثر الدواء داخلا و خارجا و يعالج على كل حال بتضميد القطن بالضمادات المحلّلة مثل البابونج و الإكليل و بذر الكتان و الحلبة و الخطمى مع المقل و الأشق و شحم الدب و مخ البقر و تمريخه بالأدهان الملينة لئلا يتحلل اللطيف بالمحلّل و يبقى الكثيف الغليظ فيزداد صلابة مثل دهن البابونج و القرطم و الغار و التكميد بمثل دهن القسط و الشبت و الماء الحارّ و التنطيل بطبيخ البابونج و الحسك و بذر الكتان و البنفسج و البسفايج و التين و الحلبة و سقى البذور الملينة المحلّلة مثل:

بذر الخطمى و الكتان و الحلبة مخلوطة بالمدرة مثل بذر الخيارين و البطيخ ليوصل إليه اثر المحلّل بسرعة و ليستفرغ ما صار منه ليّنا مستعدا للاستفراغ.

ص: 137

الفصل السابع: فى قروح الكلية125

القرحة تفرق اتصال يقع في اللحم و يتقيّح سببها تفرق اتصال، فيه بحث؛ لأن القرحة هى تفرق الاتصال إذا قاح و الأولى أن يقول كما قال «الشيخ»: و سببها سبب تفرق الاتصال ثم التقيح أو انقطاع عرق أو دبيلة انفجرت أو خلط حادّ مرارى أو بورقى تقطع و تأكل أو حصاة تجرد و تخدش.

و علامتها: وجع في القطن(1) وراء الخاصرة من غير ثقل و لا تمدد كما يكون في الورم و خروج المدة و الدم و قشور القرحة في البول و ربما خرجت شبيهة بفتات اللحم صلبا متلززا.

و الفرق بين قروح الكلى و قروح المثانة بعد اشتراكهما في خروج الدم و المدة و القشور، أن قروح الكلية مع سلس البول- أى مع تقطيره- و ذلك لحدّة المدة و لذعها المثانة فيدفع كل قليل من البول يجتمع فيها و القشور تكون فيها حمراء لانفصالها عن عضو لحمى أحمر و قروح المثانة مع عسر البول؛ لان المثانة لا تنقبض على البول و لا تعصره هربا من الألم فلا يخرج بسهولة و القشور بيضاء

ص: 138


1- 126. ( 2). هذا لكون موضع الكليه هناك. و انما يكون القرحة في الكلى مولمة اذا كانت قربته من الغشاء؛ فان جوهر الكلية لا حس له و انما يحس بما عليها من الغشاء.[ و] وجع هذا الموضع لا يدل بانفراده على القرحة أو[ و] قد يكون بسبب آخر كالريح و سوء المزاج و غير ذلك لكن هذا الوجع اذا كان مع سائر علامات القرحة فلا شك أنه يكون من القرحة.

لأنها تنفصل عن عضو عصبى أبيض و قروح الكلى أقل وجعا بخلاف قروح المثانة فان وجعها أصعب؛ لأنها لعصبيتها أقوى حسا من الكلية؛ لأن لحمها ليس عضليا و يستدل أيضا بموضع الوجع و هو القطن أو العانة، و يستدل أيضا بأن المدة الخارجة من المثانة تكون أقل اختلاطا بالبول من الخارجة من الكلية لقرب المثانة، و بأنها تكون أشدّ نتنا؛ لأن المثانة واسعة يطول احتباس المدة فيها فيكتسب نتنا و عفونة، و لأنها عضو عصبى بعيد عن النتن فلا يحصل فيها ذلك إلّا عن سبب قوى و السبب القوى يوجب شدة النتن.

و علاجها: تعديل الأخلاط أولا و إمالتها عن المرارية و البورقية إلى العذوبة لئلا تزداد بسببها القرحة و التآكل و لا يزداد الوجع و الحرقة و اخراجها بالفصد و القى ء(1) إن كانت غالبة فإن القى ء أفضل ما يعالج به في قروح الكلية؛ لأنه ينقى و يستفرغ و يجذب المواد منها إلى خلاف جهتها، هكذا قال «جالينوس» في «حيلة البرء». و أقول: إن الاسهال يضر بالكلية بوجهين:

أحدهما إن الأدوية المسهلة لا تخلو من حدّة فتصل حدتها إلى الكلية تارة من الكبد و تارة من الأمعاء بالرشح فيزيد في القرحة.

و ثانيها، إن المواد المرارية و البورقية عند انجذابها إلى الأمعاء تزاحم الكلية بالضغط و تزيد القرحة بالرشح و المجاورة مع أن هذه المواد المنجذبة من الأعضاء إلى الكبد عند الاسهال لا بدّ و أن ينفذ شى ء منها من محدّبة إلى الكلية و يزيد العلة.

ثم الاقبال على مداواة القرحة فيه إشارة إلى أن التوجه إليها ينبغي أن يكون مع جدّ و جهد بليغ؛ لأن قروحها عسرة الإندمال لأنها بعيدة عن المعدة فلا يصل الدواء إليها إلّا بعد ضعف قوته، و لأن البول دائما يمرّ عليها فلا يترك الدواء لابثا فيها إلى أن يتم فعله، و لأن الفضلات الحادّة تنصبّ دائما إليها مع البول، و لأن جرمها صلب، و لأنها لا تفتر عن فعلها دائما و العضو المتقرح يحتاج في برئه إلى الهدوء و السكون و هكذا الأمر في المثانة، بل فيها أمران زائدان:

ص: 139


1- 127. ( 1). في غلبة المرارية و البورقية بمثل السكنجبين بالماء الحارّ بعد استعمال المدرّات الباردة الغير القوية مثل بذر الهندباء و بذر الخيارين و السكنجبين و ماء الخيار و ماء الشعير و ماء القرع و بذر الفرفخ و الخسك حب الكاكنج و ماء البطيخ الرقى و امثال ذلك.

أحدهما، ثبات البول و احتباسه فيها و هو مما يمنع الاتصال. و ثانيهما، عصبية العضو و قروح العضو العصبى أعسر برءا من قروح اللحمى من الكلية بالأقراص و الأدوية المدملة للقروح مثل أقراص الكهرباء و أقراص الشب و أقراص الخشخاش و مثل دم الأخوين و الطين الأرمنى و القرطاس المحرق و الكندر و غيرها مخلوطة ببعض المغريات، مثل: النشا و الكثيرا و الصمغ فإنها تلتصق على الفوهات و تسدّها و تجعل المدملة بلزوجتها لازمة للقرحة، و تجعل رطوبة القرحة لزجة فتلتصق إحدى شفتى الجرح بالأخرى و بالمدرات لتبدرقها و توصلها إلى موضع القرحة.

ص: 140

الفصل الثامن: فى جرب الكلية128

و هو عبارة عن انفجار بثور صغار عرضت لها قد تظهر على الكلية بثور من أخلاط مرارية أو بورقية ثم تتقرح.

و علاماتها: علامات القروح من الوجع و برد الاطراف و بول الدم و المدة و خروج القشور الصغار مع مدة قليلة مع عدم اتساع القرحة و حكة و دغدغة فى موضع الكلية للذع تلك المواد الحادّة مع لذع المدة وحدتها و مع لذع البول لمواضع المتقرحة و لذلك سمى بالجرب يخالطها نخس لتمدد الغشاء الذى عليها من البثور و تفرق اتصالها و ربما عظم معها الوجع إذا اتسعت القرحة و ازداد اللذع و التفرق.

و علاجها: تنقية البدن بالفصد من الباسليق و الاسهال بطبيخ الشاهترج و الاجاص و السفستان مع الترنجبين أو بالحقن اللينة ثم تبريد المزاج و ترطيبه بالأشربة و البقول الرطبة لتسكين حدّة المواد و لذع المدة مثل شراب البنفسج و النيلوفر و الخشخاش و مثل البقلة اليمانية و الاسفاناج و الخطمى و الكزبرة الرطبة و سقى بنادق البذور و صنعتها: بذر البطيخ المقشّر، عشرة دراهم؛ بذر الخيار، خمسة دراهم، بذر القرع الحلو و بذر البنج و بذر البقلة و بذر الخطمى و اللوز المقشّر و الكثيرا و النشا و رب السوس و الخشخاش الأبيض، من كل واحد درهمان، يسحق و يعجن بلعاب بذر قطونا و تتخذ بنادق مع الطين الأرمنى للتجفيف و الاندمال.

ص: 141

الفصل التاسع: في ذيابيطس129

هو أن يخرج الماء كما يشرب بحاله من غير أن يتغير في زمان قصير و يقال له سلس البول أيضا و الاستسقاء الذى في الأنمس؛ لأن الماء الذى يجتمع دائما فى الوعاء القابل للبول المسمى انمس و هو المثانة و نسبة هذا المرض إلى المشروب و أعضائه، نسبة زلق الأمعاء و المعدة إلى المطعومات فكما أن المطعوم يستفرغ في زلق الأمعاء على حاله من غير تغيّر، كذلك المشروب يستفرغ هاهنا.

و سببه: إفراط سوء المزاج الحارّ للكلية فتجذب المائية من الكبد فوق ما يحتمله لينطفئ ما عرض لها من اللهيب ثم تدفعها لضعفها و اتساع فوهاتها أى:

فوهات مجاريها العارضة بسبب سوء مزاجها الحارّ المرخى و بسبب امتلائها من المائية المجذوبة إليها فلا تقدر الماسكة على ضبطها و تنبيه الدافعة و تتحرك لدفعها أو تتخلى القوى عنها عند ثقل الكلية و عموم الضعف فتستفرغ بنفسها و تجذب الكلية أيضا تارة أخرى من الكبد لبقاء الحرارة فيها و الكبد مما قبلها و هو الماساريقا و المعدة فلا يزال هناك انجذاب متصل للمائية و اندفاع، و لذلك يسمى هذا المرض الدولاب فإنه ترجمة ذيابيطس في اللغة العربية، و ذلك لأن أهل اسكندرية مياههم في الاحواض فينصبون عليها دواليب ينزحون بها الماء عنها و يردونه إليها، ليتطلف الماء بهذا التحريك و التقلب في الهواء و يبعد

ص: 142

عن قبول العفونة، و يسمى أيضا بالدوارة و البركارية لأن الماء يعود إلى ما بدأ منه أى من الخارج الى الخارج.

و علامته: شدة العطش لاشتياق الكبد و المعدة إلى الماء، بل لاشتياق سائر الأعضاء إليه؛ لأن الكلية تمنع الأعضاء من أن تنالها رطوبة الماء و الكبد أيضا يجذب المائية عنها من غير حمى و البول الدائم من غير حرقة و أن يكون البول أبيض رقيقا شبيها بالماء؛ لأن الكلية لا تمهل المائية إلى أن تتصرف فيها القوى الطبيعية فيتغير لونها و قوامها.

و علاجه: سقى ماء الشعير و الأشربة المطفئة المبرّدة مثل شراب الرمان الحامض و الحصرم و الحماض و أقراص الكافور المعمولة من الطباشير و الصندل و الكزبرة اليابسة و بذر البقلة و بذر الحماض و بذر الخس و بذر الخيار و بذر القرع و الصمغ و الطين الأرمنى و الكافور و أقراص الطباشير المعمولة من الطباشير و بذر الخس و بذر البقلة و الورد الأحمر و الطين الأرمنى و الجلنار و أقراص ذيابيطس و صنعتها: طباشير، خمسة دراهم؛ رب السوس، مثله بذر الخس، بذر البقلة، من كل واحد عشرة دراهم؛ بذر الحماض، كزبرة يابسة، طين ارمنى، من كل واحد ثلاثة دراهم؛ صندل ابيض، جلنار، سماق، صمغ عربى من كل واحد درهمان؛ كافور، نصف درهم؛ يدق و يعجن بماء البقلة أو الخس أو الرمان الحامض و تضميد القطن بالأضمدة الباردة المتخذة من الصندل و الجلنار أقاقيا و الطين الأرمنى و سويق الشعير بماء الخس و النوم مستلقيا على الرياحين الباردة مثل: النيلوفر و البنفسج و الورد و فقاع الأذخر(1) و السفرجل و التفاح و الخلّاف و التغذى بمثل الحصرمية و الرمانية و نحوهما من الأغذية الباردة القابضة.

و قيل: إنه قد يعرض ذيابيطس من البرد المستولى على جميع البدن أو على الكلية، خاصة من شرب ماء بارد أو حصر(2) شديد من برد قارص أى:

شديد فتضعف القوة الماسكة عن ضبط المائية و هذا نادر جدا.

و علامته: عدم علامات الحرارة إلّا العطش، فإنه لا يخلو من العطش و لذلك يسمى بالمعطش أيضا. و سببه: إن الكلية لما لم تحفظ المائية لضعف

ص: 143


1- 130. ( 1).[ خ. ل: غير موجودة. خ. ل: فقاح السفرجل و التفاح].
2- 131. ( 2). أى: برد.

ماسكتها بل تتخلى عنها تتبعها المائية التى فيما فوقها و يتوجه إليها ثم يندفع عنها فلا تأخذ الأعضاء منها حاجتها فلا يزال يشتاق إلى شرب الماء، إلّا أن يكون البرد عاما فحينئذ يقل العطش بالنسبة.

و علاجه: سقى المثروديطوس و المعاجين الحارّة بعد تنقية البدن إن وجب(1) بالقى ء بطبيخ الفجل و السكنجبين العسلى و الحقن(2) اللينة و مرخ الصلب بالأدهان المقوية مثل دهن القسط و المحلب و السعد مع الجندبيدستر و العاقرقرحا.

ص: 144


1- 132. ( 1). أى: كان سوء المزاج ماديا.
2- 133. ( 2). افضل الحقن ما يكون بأدوية معدّلة لمزاج الكلى مقوية لأجزائها حتى يقوى على امساكها المائية و ذلك بأن يكون فيها قبض مّا. و أجود هيأة احتقانهم أن يكون المريض مستلقيا على ظهره ليكثر وصول تأثير الأدوية الى الكلى.

الفصل العاشر: فى ورم المثانة134

أكثر ما يعرض للمثانة الورم الحارّ من دم حارّ لطيف، أو مرة صفراء، لأن جوهرها صلب صفيق متلزز فلا ينفذ فيه في الأكثر الا مادة حارّة لطيفة(1) إما ابتداء أو بسبب الحصاة لخدشها و إيلامها لها فتتوجه إليها من الوجع مواد حارّة و تتورم.

و علامته: وجع شديد لحدّة المادة و كون جوهرها عصبيا مع نخس لأن الورم يمدّد غشاءها عرضا في العانة لأن موضعها هناك و احتباس البول إما لضعف المثانة عن اشتمالها على البول و انعصارها له عند ارادة الدافع، أو لضيق المجرى من الورم فيعسر خروج البول، أو لأن البائل لا يعصر مثانته هربا من الألم و حمى حادّة محرقة و هذيان لمشاركة الدماغ للمثانة و سواد اللسان لكثرة ارتفاع(2) الأبخرة الحارّة و تراكمها على اللسان و انتفاخ العانة و ربما ظهرت

ص: 145


1- 135. ( 2). و يكون مع ذلك عروقها ضيقة لا يمتنع لنفوذ المواد الكثيرة المورّمة و ما كان من المواد باردا خصوصا اذا كان مع برده لزجا كالبلغم فلا شك أن عروض الورم منه نادر جدا و كان القياس ليقتضى أن يكون عروض الورم الصفراوى لها اكثر من الدموى لأن جرم الدم أغلظ و نفوذه في جرم مستحصف أعسر لكن اتفق هاهنا شى ء آخر و هو ان اكثر عروض الأورام انما يكون بعد حدوث الم شديد و ذلك يوجب الورم الدموى لا الصفراوي و انما كان كذلك لأن جرمها لاستحصافه لا يقبل التوريم الّا اذا عرض له انجذاب كثير من المواد إليها فلذلك هو الدم[ دموى].
2- 136. ( 3). من المثانة.

الحمرة من خارج إن كان الورم في الجهة المجاورة للعانة فتترشح مادة الورم إلى الجلد و يحمرّ و ربما كان معه احتباس الغائط عند عظم الورم و ضغطه الأمعاء إذا كان الجهة المجاورة لها.

و علاجه: الفصد من الباسليق و الجلوس في المياه التى طبخت فيها الأدوية الباردة اللينة(1) لتكسر سورة المادة و ترطب، فيسهل تحليلها و يسترخى العضو فيسكّن الوجع فان العضو عصبى حساس، ربما ادى الوجع فيه إلى الغشى و تحليل القوى كالبنفسج و الخبازى و نحوهما و تنطل المثانة بدهن البنفسج و تضميدها باللبن و السمسم المقشّر و الخبز السميد؛ لأنه يرخى و يلين و يحلل و يبرّد تبريدا يسيرا و نحوها كالشلجم و ورق الكرنب و البابونج و الحسك و لا يضمد بالأشياء الباردة القابضة لئلا تتحجر المادة بسبب أن العضو عصبى بارد المزاج سريع القبول للصلابة و إن ضمد بدقيق الشعير و البنفسج و الخطمى و ماء الهندباء و عنب الثعلب، ضمد بالقيروطى ليزيل بالارخاء و التليين ما عرض لها من الكثافة بسبب هذه المبرّدات و بعد مضى الاسبوع و ابتداء زمان الانحطاط يضمد باللينة التحليل و هى ما فيها حرارة يسيرة؛ لأن القوية التحليل و هى ما فيه حرارة كثيرة و اسخان قوى تحجر المادة لشدة تحليل ما يمكن أن يتحلل منها مثل البابونج و بذر الكتان و دقيق الباقلاء بميفختج و هو المثلث، و يزاد كل يوم في تقوية المحلّلات بحسبب تليين المادة و استعداد جمعها للتحليل فإن تحلل الورم و زال فذلك، المطلوب، و إن لم يتحلل و أراد أن يجمع، عولج بما قيل في دبيلة الكبد من الاعانة على الجميع بالمنضجات ثم التفجير ثم تنقية المدة بالمدرات ثم الالحام بالمدملات.

و قد يعرض في المثانة ورم صلب و أكثر ما يحدث بعقب الورم الحارّ(2) أو بعقب ضربة أو سقطة تنصبّ بسببها مادة إلى المثانة و تتصلب بتحليل لطيفها بالحرارة الحادّثة من الوجع.

ص: 146


1- 137. ( 1). أى: المرخية.
2- 138. ( 2). لكنه لا من انتقال كل ورم حارّ فانه يبعد أن ينتقل الورم الصفراوى إليه لبعد الصفراء عن قوام السوداء فان الاكثر انما يكون انتقاله عن دم صرف أو عن دم مخالط ليسير من الصفرائ و هذا أقلّ من الاول.

و علامته: أن يعسر(1) خروج البول و الغائط و يظهر للحس إن كان عظيما. و علاجه: سقى ماء البذور المدرة مثل بذر الخيارين و الهليون و الإنيسون و البرسياوشان مع فلوس الخيار شنبر و دهن اللوز و لا يبالغ في الادرار فيبقى الغليظ و يتحجّر بل يراعى معه النضج و التليين و يحتسى ماء الكرنب فإنه يحلّل الأورام الصلبة و ماء الحمص فإنه يحلل و يدر و الجلوس في الآبزنات المحلّلة المليّنة مثل طبيخ البابونج و الإكليل و بذر الكتان و الحلبة و الخطمى و لباب القرطم و البرسياوشان و الحسك و نطل المثانة بتلك المياه و مرخها بالأدهان المحلّلة مثل دهن الغار و الزنبق و شحم الدجاج و البط و تضميدها بالأضمدة المحلّلة مثل البابونج و بذر الكتان و الأشق و المقل مع مخ ساق البقر و دهن القسط و الزيت كما ذكر في ورم الكلى الصلب.

ص: 147


1- 139. ( 1). المراد بذلك أن تعسرهما يكون اكثر مما كان في الورم الحارّ؛ فإنّ الورم الحارّ لا يتمكن المائية فيه أن تأخذ طريقا ينفذ فيه و كذلك الثفل و لا كذلك هذا الورم لأجل صلابته.

الفصل الحادّى عشر: فى قروح المثانة140

سببها إما سحج خلط مرارى اكّال أو خدش حصاة فإن حصاة المثانة خشنة الملمس و ذلك لسعة فضاء المثانة فيركب عليها ما يخشنها أو انفجار ورم.

و علامتها: حرقة البول؛ لأن البول لحدّته يلذع مواضع القرحة و نتنه قال:

«الرازى»: إنما يكون نتن البول مع المدة خاصا بقرحة المثانة دون سائر آلات البول مثل الكلى و البرنجين بسبب طول بقاء القيح و المدة فيها لسعة فضائها بخلاف سائر الآلات فإنها مجار للبول لا أوعية له و بسبب أن المثانة عصبى الجوهر لا يكون تولد القيح فيها الّا لأمر بالغ في الرداءة يوجب شدة النتن، و البول يجتمع في المثانة و تحتبس فيها مدة، و هى إذا كانت متقيحة كان يجتمع البول مكان متقيح و ذلك موجب لزيادة نتنه و عسره و خروج المدة و أشياء مثل الصفائح و النخالة لما يتقشّر عنها بسبب القرحة و تخرج مع البول.

و علاجها: أن يعطى ما ينقّى القرحة مثل ماء العسل و ماء السكر مرة و ما يلحم القروح اخرى مثل أقراص الطباشير و أقراص الكهرباء و ينفع منها أقراص الكاكنج و صنعتها: بذر الخيار المقشّر، عشرة دراهم؛ بذر الكاكنج، ثلاثة دراهم؛ بذر الكرفس، و الشهدانج و الطين الأرمنى و الصمغ و دم الأخوين و بذر البنج، من كل واحد درهمان؛ افيون، درهم؛ يقرص بشراب الخشخاش و يزرق في الإحليل الشياف الأبيض الذى يستعمل في العين للتغرية و تسكين الحرقة إن كان

ص: 148

الوجع شديدا مع لبن النساء، و إن لم يكن الوجع شديدا، فبما يلحم القروح مثل الطين الأرمنى و قرن الايل و الشادنج و الكندر و الاسفيداج مع لبن النساء و إن كان الوضر كثيرا فبماء العسل وحده لأنه يجلو القرحة و ينقيها من الوضر و المدة بحيث لا يوازيه شى ء في ذلك.

ص: 149

الفصل الثانى عشر: فى جرب المثانة141

سببه فضل حادّ مالح أو بورقى يحدث فيها بثورا تتقرّح.

و علامته: حرقة البول و نتنه و وجع شديد لعصبية العضو مع حكّة و رسوب نخالى و نحافة في البدن لأن المثانة لحرقتها و حرارتها تجذب جميع المائية إليها فلا يصل منها إلى البدن ما يجب أن يناله من الرطوبة عن الماء، و لأن الوجع الشديد يمنع الأعضاء عن خواص أفعالها فيختل أمر التغذية و ربما سال على الدوام رطوبات مدية أو صديدية تترشح من تلك البثور و ربما سال الدم إذا كان انفجار البثور قبل النضج أو كان معها تأكل في موضع عرق ذى قدر يترشح منه الدم قليلا قليلا.

و علاجه: سقى المغريات لأنها تسكن اللذع و الحرقة و تلتصق بلزوجتها على موضع القرحة فتندمل من اللعابات مثل لعاب حب السفرجل و بذر قطونا و نحوها مثل النشا و الصمغ و الكثيرا و شرب ماء الشعير لأنه يبرّد و يسكّن الوجع و الحرقة و يجلو المدة من غير لذع و اللبن لذلك و دهن اللوز و الأمراق الدسمة لتسكين اللذع و الحرقة و حقن المثانة بلعاب حب السفرجل و لبن النساء و دهن اللوز.

ص: 150

الفصل الثالث عشر: فى جمود الدم في المثانة

قد يجمد الدم في المثانة عند حصوله فيها لما ذكر من أن الطبيعة العرقية هي التى تحفظه على الدموية فإذا خرج عن العرق تغير و انجمد.

و علامته: سبوق بول الدم إما لآفة في الكبد أو الكلية أو ضربة أو سقطة على المثانة ينشقّ بذلك عرق كبير و أن يعرض بعد ذلك كرب لأنه يستحيل سما من السموم القتالة فينفصل عنه بخار ردى ء إلى القلب و برد الاطراف لضعف القلب و عدم توزّع الروح و الحرارة الغريزية منه إلى الأعضاء الظاهرة سيّما إلى الأطراف لأنها أبعد و صغر النفس و النبض لضعف القوة القلبية و العرق البارد اما العرق فلضعف القوة الماسكة و تخليتها عن امساك الرطوبات و أما برده فلتراجع الحرارة إلى الباطن و ربما كان معه نافض لاستيلاء البرد على الأعضاء الظاهرة.

و علاجه: أن يسقى السكنجبين العنصلى لأنه يلطّف و يقطّع حتى إنه يفتت الحصاة مفردا أو مع شى ء من رماد خشب التين لأنه ملطّف مقطّع جال مفتح بسبب أنه رماد شجره مملوءة كلها من لبن حارّ حادّ قوى الحرارة و الحدّة أو مطبوخا فيه أى: في السكنجبين المقطعات مثل البرنجاسف و بذر الكرفس و الفجل و السذاب البرى و أن يجلس في المياه المحلّلة الملطّفة مثل الإكليل و الحاشا و الأذخر و الانجدان و البابونج و الفوتنج و السذاب و الاقحوان و يزرق في الإحليل أنفحة الارنب فإنه يذيب الدم و يقطّعه و يحلّله فإن كفى هذا العلاج و إلّا اعطى المدرّات و الأدوية التى تفتت الحصاة على ما يجى ء، فإن لم ينفع ذلك أيضا، م يكن بدّ من الشق و استخراج الدم كالحصاة.

ص: 151

الفصل الرابع عشر: فى وجع المثانة142

يكون إما بسبب الورم أو القروح أو الجرب و قد ذكر جميع ذلك.

و إما بسبب الحصاة أو الريح و قد يجى ء.

و إما بسبب سوء مزاج حارّ يعرض لها من كثرة تناول المدرات و الاشياء الحارّة فإنها تحدث السخونة في المثانة بذاتها و بما يوصل إليها من المواد الصفراوية مرة بعد أخرى.

و علامته: الوجع(1) و اللهيب في موضع المثانة و العطش لأن المثانة لحرارتها تجذب الماء من الكلية أكثر مما يحتمله و تدفعه و الكلية مما فوقها(2) إلى أن يتصل الجذب إلى المعدة.

و علاجه: سقى الأشربة الباردة لتسكين الحرارة اللينة لتسكين الوجع باسترخاء العضو مثل شراب البنفسج و الخشخاش كحليب بذر الفرفخ و بذر الخيار و نحوهما مثل بذر القرع و بذر الخس و بذر الهندباء و وضع الأضمدة الباردة(3) عليها مثل الصندل و الفوفل و دقيق الشعير و عنب الثعلب بماء الهندباء

ص: 152


1- 143. ( 2). لان المثانة عضو عصبى حساس.
2- 144. ( 3). أى: من الكبد و الماساريقا و المعدة كما في ذيابيطس؛ يعنى تجذب الكلية من الكبد و الكبد من الماساريقا و هو من المعدة و هى تطلب الماء من الخارج فاذا شرب العليل الماء يفارق المعدة قبل أن تأخذ الماء لنفسها فلذلك ربما لا يحصل له بالشراب الريّ التام.
3- 145. ( 4): أى: الرادعة المرخية.

و النطل(1) بالأدهان الباردة مثل دهن القرع و البنفسج و الزرق منها في الإحليل.

و إما بسبب سوء مزاج باردة. و علامته: أن يعرض بعقب شرب الأشربة و الادوية الباردة كالكافور و نحوه أو بعقب هبوب الريح الباردة فإنها توهن الحرارة و تضعفها بالمضادة و تبرد البدن سيّما الأعضاء العصبية.

و علاجه: سقى المدرّات الحارّة مثل طبيخ أصل الرازيانج و الكرفس و الفوتنج و الإنيسون و بذر الجزر و السذاب مع شراب الدينارى و التضميد و التكميد بما يسخّن مثل السذاب و البرنجاسف و الشبت و الفوتنج مع الجندبيدستر و الحلتيت.

ص: 153


1- 146. ( 1). أي: وضع الصوفة المغموسة بالادهان الباردة على المثانة.

الفصل الخامس عشر: فى ريح المثانة

سببها أغذية نافخة أو كثرة الرطوبة في المثانة مع ضعف فيها لا تقدر على نضجها لقصور حرارتها فتتولد عنها رياح غليظة.

و علامتها: تمدّد بلا ثقل في القسم الأول و خصوصا إذا انتقل العليل ذكر «الشيخ» هاهنا الانتقال بدون المسند إليه، فزعم المصنف أنه العليل و هو غلط فاحش، فإنه هو الوجع اللازم للتمدد لا غير؛ لأن الاوجاع الممدّدة إنما تكون من الريح إذا كانت مع خفة فإن وجد هناك انتقال من الوجع، فقد تأكّدت قوة الدلالة؛ لأن الرياح من شأنها الانتقال و التحريك لا غير، و فى بعض النسخ إذا انتقلت العلة- أى: الوجع- و هو الصحيح.

و علاجها: سقى دهن الخروع إلى مثقالين بالتدريج، فإنه محلّل قوى أقوى من الزيت على ماء الاصول و دلك المثانة بالأدهان الحارّة المحلّلة للرياح مثل دهن البان و الزنبق مع الصموغ الحارّة مثل الحلتيت و الثافسيا فإنها مع ما تسخن و تحلل تلبث الأدهان بلزوجتها على موضع المثانة فلا تسلبها الهواء و تحفظ قوتها بذلك أيضا حتى تصل إلى المثانة و كذلك الزرق منها في الاحليل و تضميدها بمثل السذاب و الفوتنج و الشبت و الحرمل و الخرميان و هو الجندبيدستر و نحوها مما يكسر الريح و يحلّلها.

ص: 154

الفصل السادس عشر: في الحصاة و الرمل147

أما حصاة الكلى فسببها الفاعلى حرارة غريبة نارية خارجة عن الاعتدال و سببها المادى خلط غليظ لزج من بلغم أو مدة أو دم غليظ تنشف الحرارة رطوبته فيبقى شديد الغلظ فيجفّ و يحترق من غلبة الحرارة و يتحجّر على طول المدة و خاصة إذا كانت المجارى فيما بين الكلية و المثانة ضيقة إما خلقة أو لسدة من خلط لحج أو ورم ساد في نفس المجارى أو فيما يجاورها مثل الأمعاء فيتصفى رقيق البول و لطيفه قليلا قليلا و يبقى غليظه. و الرمل يكون إذا كانت المادة قليلة الغلظة و اللزوجة فلا تتصل بعض أجزائها ببعض حتى تتحد و تصير حجرا و انعقد منها شى ء بعد شى ء فتدفعه القوة الدافعة أولا فأولا بسهولة الدفع و لا تدعه يبقى و يلتصق به شى ء آخر حتى يصير حصاة و الحصاة تكون إذا كانت المادة كثيرة شديدة الغلظة و اللزوجة و لحجت على الكلية في فضائها و ارتبكت فلم تخرج لشدة التشبث و تنعقد هناك بالحرارة الغريزية و ينضاف إليها أى: إلى المادة التى انعقدت شى ء بعد شى ء و ينعقد أيضا حتى يصير حصاة مثل ما يتولّد في قدور الحمّامات من الحجارة و فى القمقمة التى يسخّن فيها الماء؛ لأن الفضل الغليظ الذى في الماء إذا رسّب في أسفل القدر و انعقد من الحرارة المسخّنة للماء و لصق بعضه ببعض تولدت منه حجارة ثم يلتصق بها من فضل الماء شى ء بعد شى ء حتى تصير حصاة كبيرة صالحة القدر.

ص: 155

و علامتها: صفاء البول بعد الكدر لاحتباس الأجزاء الغليظة في الكلية و الثفل الرملى الضارب إلى الحمرة و الصفرة؛ لأن تولده في كل عضو انما يكون من فضل غذائه و هو هاهنا الدم فيكون شبيها بلونه، و لأن تولده أيضا في عضو أحمر و ثقل في القطن و تمدّد حتى يحس العليل كأن شيئا معلق منه أى: من القطن و خاصة إذا انبطح. و إن امتلأت امعاؤه من الثفل، يجد وجعا في موضع الكلية لضغطها لها بالمجاورة و ربما عرض ألم في الخصية المحاذية للكلية العليلة لاشتراكهما الأوردة و الشرايين، و فى الرجل الموازية لها مع خدر، و ذلك لمشاركة الرجلين و الكلية بالعروق الضوارب و غير الضوارب أيضا فإذا سخنت الشرايين من الوجع، انجذب إليها دم كثير حتى امتلأت و عرض له غليان من الوجع أيضا، فيزداد الامتلاء و يختنق الروح فيعرض خدر بالضرورة.

و قد يشتبه وجع الحصاة بوجع القولنج، و قد ذكر الفرق هناك أى: في القولنج. و لوجع الحصاة نوائب يشتدّ فيها و يهيّج و يعرض لصاحبه عند النوبة وجع كالقولنج و ذلك على حسب نوائب تولد الحصاة. قال «الشيخ»: إن من أصحاب الحصاة من يكون له نوائب لتولد حصاته و بوله إياها و اذا اجتمعت و كادت أن تخرج بالبول، يصيبه وجع كالقولنج و المدد(1) في ذلك مختلفة ما بين شهر إلى سنة. و سبب ذلك اختلاف حرارة الكلية و ضيق عنقها خلقة و ضعف القوة الهاضمة، فبحسب ذلك تجتمع الفضول الغليظة في كليتهم و تتحجّر فيما بين هذه المدد.

و علاجها: قطع مادتها بالاجتناب عن الأغذية الغليظة، كالالبان و لحوم الجمال و البقر و التيس و الخبز الفطير و النى و الحوارى و الهريسة و اللاكشة و الحلاوى اللزجة و الفواكه العسرة الانهضام كالتفاح و الخوخ و الكمثرى و تنقية البدن منها أولا بالقى ء و هو أفضل؛ لأنه يصرف المادة المتوجه إلى الكلية و يقلعها و يستأصلها و يجعل الكلية نقية، و لأن استعماله على التواتر(2) و الاغباب(3) جائز

ص: 156


1- 148. ( 1).[ جمع المدّة].
2- 149. ( 2). أي: كل يوم.
3- 150. ( 3). أي: في كل يومين مرة.

لا مخافة فيه بخلاف المسهل حيث لا يجوز استعماله إلّا حينا بعد حين و الاسهال لأنه يميل المواد الغليظة إلى جهة الأمعاء و يخرج الثفل المحتبس فيها فلا يزاحم الكلية، لكن ينبغي أن لا يكون قويا لما ذكرنا من أنه يجلب أخلاطا كثيرة إلى الأمعاء فيضغط الكلية و يزاحمها بل خفيفا مثل طبيخ السفستان و التين و أصل السوس و الخطمى مع الترنجبين و فلوس الخيار شنبر و الأدرار ليستفرغ المادة المستعدة للتحجر من نفس الكلية بما لا يسخّن كثير إسخان؛ لان المسخّن المقوى يجذب الفضول إليها و يعين على تصلب المادة و تحجرها مثل بذر الخيارين و القرع و الهليون و الكاكنج، و الحسك و البرسياوشان و استعمال التدبير الملطف بالتغذى بمثل الطهيوج و الفرّوج، و لحم الجدى اسفيدباجا و الخبز الخشكارى و الحمصية و الاسفاناخية مع القرع و الخيار، و بالرياضة المعتدلة على الخواء و تجويد الهضم لئلا تتولد مادة الحصاة لقصور الهضم ثم تنقيتها بالأدوية المفتتة لها من الأقراص و المعاجين المعمولة من الحسك و الفوتنج و الافسنتين و الكرفس و أصل الهليون و اصل الغار و اصل الكاكنج و الرازيانج و السذاب البرى و بذر الخيار و الحرشف و البرسياوشان و السكنجبين العنصلى الكثير الاصول و البذور المفتتة للحصاة و المخرجة لها.

فأما عند هيجان الوجع فينبغي أن يفصد من الباسليق إن كان الدم غالبا لتقلّ المواد المزاحمة للكلية و لئلا ينصبّ إليها شى ء منها عند شدة الوجع، فيحدث فيها ورما و يحقن إن كان الطبع يابسا بحقنة لينة دسمة مرخية مدرة، فإنها تسكن الوجع بتليين الطبيعة و تعين على إخراج الحصاة بارخاء المجارى لكن ينبغي أن لا تكون كثيرة فتضغط و تزيد في الألم و يجلس في آبزن قد طبخ فيه الحسك و البابونج و الخطمى و الشبت و الكرفس و الكرنب و البرسياوشان و الرطبة و القرطم المرضوض و الحلبة و اصل الكبر و ورق بذر قطونا و بقلة الحمقاء و البنفسج و ورق السمسم فإنه يلين المجارى فيوسعها فيسكّن الوجع بالارخاء و يسهل خروج الحصاة بالتوسيع و يضمد بها مسلوقة أيضا على القطن و الخواصر و الحالبين و يعطى الأدوية المدرّة و هو في الآبزن لأنه بسبب إرخاء المجارى و توسيعها يعين المدر فيسهل عليه اخراج الحصاة و يمرخ القطن بعد الخروج منه بدهن الخيرى و الشبت و دهن البنفسج على حسب حرارة

ص: 157

المزاج و برودته و يحرك العليل و يهزّ صلبه و يؤمر أن ينزل من درج أو يحجل(1) على فرد رجل بعد التمريخ.

فإن نزلت الحصاة و خرجت فذاك و إن تعلقت في المجارى، وضعت المحاجم أسفل الحصاة و مصت حتى تنجذب الحصاة من ذلك الموضع إلى موضع الحجامة. و سبب ذلك أنه إذا خرج بعض الهواء من المحجمة بالمصّ ينجذب شى ء من الجلد و ما يجاوره إلى داخلها لضرورة الخلّاء و اذا انجذبت هذه الاجزاء انجذب ما يجاورها ثم ما يجاورها حتى يصل الجذب إلى الحصاة فتنجذب حينئذ إلى جهة المحجمة و هكذا يفعل كلّما تعلقت بموضع حتى تنحدر إلى المثانة و حقن باللعابات المزلقة مثل لعاب بذر الخطمى و الكتان و الحلبة مع دهن القرطم، لأنها تترشح من الأمعاء إلى مجارى البول فترخيها و تلينها و تبلّها بالرطوبة المزلقة و سقى دهن اللوز مع فلوس الخيار شنبر فإن ذلك يرخى و يزلق الحصاة و يستفرغ الاثفال من الأمعاء فيزول الضغط عن مجارى البول و يتسع بذلك. فإن تعلقت فى مجرى القضيب، وضع القضيب في الماء الحارّ و زرق فيه اللعابات و الأدهان و مسح عليه إلى قدّام مرة بعد اخرى حتى يخرج و إن اشتدّ الوجع جدا في هذه الاحوال، سقى الفلونيا و نحوه من المخدرات مثل دواء اللفاحى و الترياق الذى لم يعتق بعد و بقى فيه قوة الأفيون.

و أما حصاة المثانة: فأسباب تولدها مثل اسباب تولد حصاة الكلية. و قلّما تعرض الحصاة مطلقا، خاصة حصاة المثانة للنساء؛ لأن مجرى مثانتهن إلى خارج أقصر و أوسع و أقل تعاريج فإن فيهن ذو تعريج واحد بخلاف الذكران فإن مجرى مثانتهم أطول على حسب طول القضيب و أضيق و ذو ثلاث تعاريج فيجرى البول الغليظ عنها بسهولة و لا يحتبس فيها شى ء من الفضول و لضعف السبب الفاعل فيهن و هو الحرارة النارية و عدم ما يسخّن الكلى من حركة الجماع و غيرها من الحركات القوية فلا تتولد حصاة الكلى فيهن أيضا.

و علامتها: الوجع في موضع المثانة و نواحيها و حكّة تعرض للقضيب أى فى أصله للمشاركة بينهما، و لما يبقى من الرسوب الرملى الخشن شى ء في فوهة المثانة بعد البول و لما يتحلل من مادة الحصاة بسبب حرارة الوجع أبخرة حارّة

ص: 158


1- 151. ( 1).[ أي: يمشى على رجل واحد].

تحتبس عند العانة و أصل القضيب و توتره أحيانا لما ينجذب إليه الدم و الروح بسبب اللذع و الحكة التى تعرض في أصله: و فى الغدد الموضوعة في جانبى المثانة كما يتوتر عند لذع المنى و دغدغته، و يعين على ذلك ما يتولّد فيه من الرياح النافخة الغليظة و ذلك لأن مادة الحصاة لا تكون الّا رطوبة فجة غليظة يتولّد عنها رياح غليظة ممدّدة عند عمل الحرارة فيها و استرخاؤه من غير سبب كانقضاء شهوة و استفراغ منى و ذلك لسكون اللذع أو لاستيلاء الحرارة و تحليل الرياح و بياض البول؛ لأن الحصاة إنما تتكون من البلغم الغليظ اللزج، و هو إنما تتولد عند برد الكبد و بطلان هضمه المستلزم لعدم تولد المرار الصابغ و رقته لاحتباس الاجزاء المغلظة له، و قد يصير البول ابيض عند استفراغ تلك المادة الفجة أو عند ذوبان الحصاة و اندفاعها لكنه حينئذ يكون مع غلظ القوام و يفرق بينهما بأن الحصوى يكون بعد تولد الحصاة و تعقبه خفة راحة و الرمل الخارج الضارب إلى الدكنة و الرمادية و البياض على حسب غلبة الحرارة و احراقها؛ إذ المادة إنما هي رطوبة بيضاء فالإختلاف إنما يكون بسبب الفاعل و عسر البول و احتباسه لانسداد بعض عنق المثانة أو كله بوقوع الحجر فيه و خروج المقعدة لما تضعف العضلتان المشيلتان للشرج إلى فوق من التمدد الحادّث فيهما من احتباس البول في المثانة، و لأن شدة التزحر لاخراج البراز لانضغاط المعاء المستقيم و ضيقه بمجاورة الحصاة و لاخراج البول أيضا لاحتباسه، يعين على ذلك و كلّما فرغ العليل من بول يبوله، اشتهى أن يبول فى الحال لتقاضى الحصاة المستدفعة كتقاضى البول، هذا عند تكوّن الحجر و أما عند تكون الرمل فلما يبقى شى ء من الرمل الخشن بعد البول في المجرى فيتقاضاه للقيام و اذا أشيل رجلاه و وركاه مستقليا عند الأسر و العسر و نطل على المثانة بالماء الحارّ حتى تسترخى و غمز عليها إلى فوق، يبول بولا صالحا لما تزول الحصاة عن فوهة المثانة(1).

و حصاة المثانة أكثر ما تعرض للصبيان لكثرة تولد الأخلاط الغليظة اللزجة فيهم، لشرههم و سوء تدبيرهم في الأكل و الشرب و كثرة حركتهم على الامتلاء، و لأن المسالك التى يجرى فيها البول من الكلية إلى المثانة فيهم واسعة، لكثرة حرارتهم الغريزية و شدّة قوتهم الدافعة و لين تلك العروق فيهم فتجرى المادة بكليّتها-

ص: 159


1- 152. ( 1). أي: عنقه.

لطيفها و غليضها- إلى المثانة بسهولة، و لا يندفع عنها الغليظ لضيق عنقها بسبب صغر سنهم و صغر أعضائهم و لضيق إحليلهم أيضا بسبب ذلك و لعدم خروج المنى الغليظ القوام بل يتصفى الرقيق و يتحجر الغليظ لكثرة حرارتهم كما أن حصاة الكلى أكثر ما تكون للكهول لكثرة تولد الأخلاط الغليظة فيهم بسبب ضعف الهاضمة، و لأن المسالك التى بين الكلية و المثانة فيهم ضيقة لبرد مزاجهم و يبسهم فإن البرد يضيق المجارى بالقبض و التكثيف و اليبس يعين على ذلك بعدم قبول التمدد مع أن كليتهم أقبل للمواد من الصبيان لضعفها بسبب كثرة المباشرة فتبقى المواد الغليظة فيها و تتحجر عند غلبة الحرارة عليها.

لا يقال: على هذا ينبغي أن يكون تولد الحصاة في الكهول في الكبد، لأن البرد و اليبس كما يضيقان المجرى الذى بين الكلية و المثانة يضيقان ما بين الكبد و الكلية أيضا فتبقى المواد الغليظة فيه و تتحجر.

لأنا نقول: لا يمكن أن يضيق مجرى الكبد كضيق مجرى الكلية إلى المثانة؛ لأن حرارة الكبد و رطوبة توسعانه و حرارة الكلية و رطوبتها ليستا بهذه المثابة.

و أكثر من تصيبه حصاة المثانة نحيف؛ لأن مجارى النحفاء بين الكلية و المثانة أوسع فتندفع المواد الغليظة منها إليها و تتحجّر و فى حصاة الكلية بالعكس؛ لأن كثرة الشحم تضيق مجارى كلى السمان، و لأن موادهم في الأكثر تكون غليظة لزجة لبرد مزاجهم فتبقى في الكلية و تتحجر لأن السبب القوى في تولد الحصاة هو غلظ المواد و اما الحرارة فإذا كانت معتدلة فهى كافية و لذلك تتولد الحجارة في مياه الحمامات و إن كانت فاترة.

و علاجها: مثل علاج حصاة الكلية إلّا أنه ينبغي أن تكون أدويتها أقوى بسبب بعد العضو فتضعف قوة الدواء إلى أن تصل إليه(1) و برد مزاجه فيتحمل الأدوية الحارّة القوية و عظم ما يتولّد فيه من الحصاة فإنها قد تبلغ قدرها إلى أعظم ما يكون من بيض الدجاج و ذلك لأن تقعير المثانة واسع و جرمها أيضا قابل للتمدد و عند زيادة العظم لا بدّ من أدوية قوية جدا حتى تقوى على تفتيتها، و بسبب صلابة الحصاة أيضا فإنها انما تتولد في المثانة من رطوبة غليظة باردة المزاج لأن غذاء كل عضو يكون شبيها به و المثانة عضو صلب القوام فيكون ما يتولّد فيها أيضا

ص: 160


1- 153. ( 1). أي: المثانة، و ارجاع الضمير المذكر إليه لكونه مونثا غير حقيقى.

صلبا، و لأن المحل له تأثير قوى في ذلك، و لأنها أيضا لطول لبثها في المثانة تزداد صلابة بخلاف ما يتولّد في الكلية فإنها تكون أصغر و ألين أما الصغر فلصغر جوف بطون العضو و عدم قبوله للتمدد لكونه لحميا متلززا و أما اللين فللين مادتها التى هي الدم و لين محلها لأنه لحمى و قلة لبثها فيه أيضا و أن يستعمل فيه خاصة ما يزرق في الاحليل مما يفتت الحصاة مثل دهن العقارب و نحوه. و ينفع منها الترياق و المثروديطوس و السنجرنيا و المعجون المفتت للحصاة المعمول من حب البلسان و حب القلت و حجر الاسفنج و رماد العقارب و اصل الكاكنج و ماء الحسك.

فإن كانت ملساء لا تجيب إلى التفتت، فينبغي أن يشق عنق المثانة لأنه بسبب ما فيه من اللحمية يلتحم بسهولة و يحتاط أن لا يقع الشق في جرم المثانة فإنه لا يلتحم البتة لكونه عصبيا رباطى الجوهر و يخرج الحصاة و يتأتى هذا الفعل في سن الصبى حتى لا يبلغ السن إلى التسعة عشر سنة فان المحصو في هذا السن يتحمل الشق و يصبر على الألم لقوة بدنه و يسرع التحام الشق فيه لطراوة لحمه فأما بعد ذلك فخطر أما في الشبان فلما يسرع إليهم الورم الحارّ المهلك، و أما في الشيوخ فلأن القروح في أبدانهم لا تندمل، و أما في الكهول فإنهم قد يبرءون في الندرة لما لا يحدث بهم الورم و لما ليست أجسادهم أيضا باردة يابسة بحيث لا تلتحم، و أما الصغار جدا فإنهم يموتون لضعف قواهم.

ص: 161

الفصل السابع عشر: فى حرقة البول154

تكون إما بسبب مدة تخرج و تلذع لحدتها و لأنها تذهب بالرطوبة اللزجة المطلية على مجرى البول و تذهب أيضا بالرطوبة المعدّة في اللحوم الغددية التى هناك، فإنها تغرى المجرى و تخالط البول فتعدله فيباشر البول الصرف حينئذ جرم المجرى و يخالط و ذلك:

إما لقروح المثانة و أما لقروح الكلى، أو لجربهما و قد ذكر جميع ذلك بعلاماتها و علاجاتها.

و إما لحدّة البول و بورقيته(1) بسبب مرار كثير يخالطه فيسحج المثانة و القضيب.

و علاماته: علامات حرارة المزاج و صبغ القارورة و عدم خروج المدة و القشور.

و علاجه: سقى لعاب بذر قطونا و شراب البنفسج و بنادق البذور الباردة و ماء الشعير و ترك المالح و الحامض و الحريف و شديد الحلاوة فإنها تفيد البول كيفية لذاعة جاردة و التحسى بالبيض النيمبرشت و دهن اللوز و أمراق الدجاج المسمنة بكشك الشعير و القرع و غير ذلك من الاغذية التى لم يكن لها طعم غالب.

ص: 162


1- 155. ( 2). الزائدة على القدر الطبيعى.

و قد تكون الحرقة بسبب قرحة في القضيب يلذعها البول عند مروره عليها.

و يفرق بينها و بين قرحة المثانة بأن البول في قرحة المثانة يكون قليل المقدار كثير العدد لأنها لشدة الوجع لا تصير على مقاساة البول حتى يجتمع فيها مقدار كثير.

ص: 163

الفصل الثامن عشر: فى احتباس البول و عسره156

يكون إما لورم في الكلى ينسدّ منه المجرى فلا ينفذ البول فيه إلى المثانة أو فى المثانة أو حصاة فيهما أو لجمود الدم و المدة في المثانة، أو ريح نافخة غليظة فيها تعارض البول و تمنعه من الخروج كما يمنع البراز في القولنج الريحى و لا يتحلل عنها بسهولة لبرد العضو و صفاقته و ضيق مجراه و كثرة تعاريجه ممددة لها إلى الاطراف فلا تنغمز المثانة عند الارادة فإن اندفاع البول منها إنما يكون بانعصار أجزائها كلها و انقباضها على البول بالقوة الدافعة التى فيها، و بإعانة عضلات البطن لها على الانعصار بعد استرخاء العضلة التى على عنقها و قد ذكر جميع ذلك بعلاماتها و علاجاتها، و إما للحم نابت في مجارى البول.

و علامته: أن يكون بعقب اندمال القروح و ليس يمنع كل البول و لكن شيئا منه فى الأكثر و قد يكون نباته فيها ابتداءا. و يعرف بمس «القاثاطير» له إن كان مجرى القضيب و بعدم غناء العلاج ان كان فيما فوقه، فإن كان السبب الحابس فوق المثانة، يدل عليه ثقل في الظهر لاجتماع المائية في الكلية و خلاء المثانة من البول و إن كان تحتها يدل عليه ثقل المثانة و تركزها أى: صلابتها لامتلائها و تمددها و ثقل في العانة للمشاركة و وجع شديد لأن التمدد في عضو عصبانى و تمدد مفرط لأن المائية على الدوام تندفع إليها شيئا فشيئا.

و علاجه: إن كان في مجرى القضيب التفريغ «بالمبولة» أى بالآلة

ص: 164

المخرجة للبول، و هى المسماة «بالقاثاطير» و هى «أنبوب» يعمل من ألين الأجساد و أقبلها للتثنية من الأسرب و القلعى و الفضة على حسب طول قضيب العليل وسعة احليله و ضيقه و يثقب في رأسه عدة ثقوب حتى إذا انسدّ بعضها بشى ء من الدم أو الخلّط الغليظ يبقى الآخر مفتوحا، و يشد وسطه صوف منظوم الخيوط بخيط ابريسم و يدسّ في تجويفه من الرأس الآخر و يحكم احكاما صناعيا بحيث لا يدخله الهواء، ثم يدخل الأنبوب في مجرى البول و يجذب الخيط بقوة فينجذب البول خلفه لضرورة الخلّاء. و أما إذا كان هناك ورم صعب، فينبغي أن لا يستعمل القاثاطير؛ لأن ادخالها تزيد في الورم لشدة الوجع بل يستعمل فيه عند الاحتباس التام و خوف الهلاك البطّ فيما بين البيضتين و الشرج، كما يستعمل في إخراج الحصاة و يدخل فيه «أنبوب» حتى يجرى البول فيه.

و إن كان- أى: الحابس- فوق ذلك فيما بين الكبد و الكلية أو الكلية و المثانة، فلا علاج له إلّا التليين؛ إذ به يحصل الارخاء و التهيئة للتمديد و الاتساع بالآبزنات المعمولة من البابونج و البنفسج و الخطمى و الحسك و ورق الكرنب و كزبرة البئر و بذر الكتان و الضمادات الملينة مثل دقيق الحلبة و الخبازى و البنفسج و البابونج و الإكليل بماء الكرنب و دهن الحسك.

و إما لإسترخاء العضلة العاصرة للمثانة، فيه بحث؛ لأنه ليست للمثانة الّا عضلة واحدة محيطة بعنقها تقبضها بقوة التفاف ليفها عليها، و بذلك يحبس الانسان بوله إلى وقت الارادة لخروجه، فمتى تحركت القوة الارادية لدفعه استرخت العضلة فانفتحت فوهة المثانة و زرق البول و يعين على ذلك دفع المثانة له بالقوة الدافعة الطبيعية بانقباض جرمها عليه و انضغاط عضل البطن و الحجاب لها. فاسترخاء تلك العضلة انما يوجب خروج البول من غير ارادة، لاحتباسه. و يمكن أن يقال: إن لتلك العضلة- كما قال «صاحب الكامل»- منفعتين: أحدهما، امساك البول إلى وقت الارادة. و ثانيهما أنها تقبض عنق المثانة، في وقت خروج البول، و ذلك لأنه متى استرخى من عنق المثانة الموضع المتصل بالمثانة و انقبض رأسه الأسفل(1)،

ص: 165


1- 157. ( 1). يعلم من هذا أن وضع المثانة معكوس و يمكن توجيه هذا العبارة بأن يستعمل القبض على معنى« انكبّ» و يجعل لفظ« الأسفل» متعلقا به، أى: انكبّ رأسه الى-- الأسفل، كذا في« كشف الإشكالت». و قال« شريف الأطباء»: المراد من الرأس الأسفل المقابل للرأس الذى اتصل بالعنق. و قال جالينوس: لعنق المثانة عضلة واحدة يحيط به و يدور عليه و ليفها ذاهب عرضا.

دخل البول من المثانة إلى العنق، و إذا انقبض سائر عنق المثانة خرج جميع ما فيه من البول حتى لا يبقى منه شى ء فيه البتة و على هذا إذا استرخت العضلة بتمامها و لم يعصر عنق المثانة»، احتبس شى ء من البول بالضرورة فيكون تقدير كلام المصنف:

«و إما لاسترخاء العضلة العاصرة لتمام عنق المثانة، و لكن لا يقال لهذا احتباس البول و لو قيل: المراد بالعضلة العاصرة عضل البطن، لوجب حينئذ أن تمرخ البطن بالأدهان المذكورة بعد المثانة.

و علامته: أن صاحبه يبول بسهولة إذا غمز على مثانته درورا بغير حصر أى: زرق قوى؛ لأنه انما يتم بانعصار المثانة من جميع الجوانب و انقباضها على ما يحويه، و عند الاسترخاء لا يتأتى منها العصر فإذا غمزت المثانة باليد قام الغمز مقام العصر من جانب واحد و يحس بأن شيئا من باطنه لا يجيب إلى العصر.

و علاجه: سقى المعاجين الحارّة مثل: المثروديطوس و البلادرى و مرخ المثانة بدهن الناردين و دهن القسط و نحوهما مثل: دهن السذاب و الخروع و السوسن مع الجندبيدستر و الفرفيون.

و إما لخلط لزج يلحج في مجرى البول من المثانة إلى القضيب فيحدث سدّة.

و علامته: تقدم الدعة و الراحة و التغذى بالأغذية الغليظة اللزجة مثل لحوم البقر و الاكارع و الجبن و الثقل المحسوس في العانة و أن يخرج في البول خام(1) و أن لا توجد علامات الحصاة و الورم و غيرهما من الأسباب الاخر مثل اللحم النابت و جمود الدم و المدة.

و علاجه: سقى المدرات(2) القوية لاخراج ذلك الخلّط مثل الإنيسون و بذر

ص: 166


1- 158. ( 1). أى: بلغم خام.
2- 159. ( 2). اللهم الّا أن يكون في المدرّات خدر و يخشى[ يفضى] الى الموضع المرض فيوجب زيادة لتوجه المادة السدة فحينئذ ينبغى أن يستعمل المدرات بعد تنقية البدن بمثل القى ء و الاسهال و الفصد. و انما قيدها الشارح بلفظ« القوية» لأن العضو الذى فيه المرض بعيد لضعف قواها جدا حين وصولها الى ذلك العضو. و ينبغى أن تمرخ-- الأدوية المدرّة بالمفتحه و مع ذلك يمرخ بهما ما يقوى المثانة و نحوها من أعضاء البول لأنهما لا بدّ أن يضعف باحتباس البول و بما يلزمه من الألم. كذا في« كشف الإشكالات». أقول: هذا أي: تنقية البدن قبل استعمال المدرّات يمكن اذا كانت السدة ناقصة و يحدث منه عسر البول لا احتباسه و أما اذا كانت تامة فإنهما لا تمهل لشدة الوجع و التمدد و الثقل في المثانة فينبغى حينئذ سقى المدرات أولا ثم بعد ذلك ينقى البدن من الأخلاط اللزجة اللحجة ليأمن المريض عن نكس المرض.

الكرفس و الدوقو و بذر اللفت البرى في طبيخ الشبت و الجلوس في الآبزنات التى طبخ فيها ورق الغار و المرزنجوش و البابونج و الإكليل و الشبت و الحلبة و الكرفس و الحرمل و التمريخ بالأدهان الحارّة مثل دهن الحسك و الشبت و الزرق منها فى الاحليل.

و اما لخلط حادّ ينزل إلى المثانة و يحدث لذعا في مجارى البول لافناء الرطوبة المغرية التى فيها و هذا يوجب العسر و التقطير لا الأسر أى: الاحتباس؛ لأنه إذا رام البول أن يخرج، أوجع وجعا شديدا فأمسك العليل عن عصر المثانة و التزحر بعصر عضلات البطن فلم يزرق(1) البول بل يقطر.

و علامته: تقدم التدبير المسخّن و حمرة البول و الحرقة التى يجدها العليل فى طرف الاحليل؛ لانه كثير اللحم و اللحم أكثر احساسا من العصب؛ لأن الحس يحتاج إلى اعتدال من الحرارة و الرطوبة، و لأن العصب كالمسلك لقوة الحس و اللحم كالمصبّ إليه، و لأن اللحم ألطف و العضو اللطيف أشدّ قبولا للحس من الكثيف، و لذلك يكون وجع العصب خدريا- أى: قليل الحس- و وجع اللحم شديدا مبرحا و يكون ورمه مع عظمه لا يؤلم كثيرا، أو تكون انقطاعة في الفصد غير مشعور به إلى أن يسترخى البدن من بعد، و يكون الانسان عند غرز لحمه أكثر صياحا و اضطرابا عند غرز عصبه، و هذا في عصب الحس و أما في عصب الحركة فقد قيل إنه لا حس له كالرباط و إن صبر على الوجع، يخرج البول أى: إن احتمل شدة الوجع و الحرقة عند خروج البول، بال على المجرى الطبيعى و هذا من اصح الدلائل على هذا الصنف.

ص: 167


1- 160. ( 1). هكذا وجد في هذا اللفظ في اكثر النسخ أعنى بالقاف و ليس بجيّد فإن الزرق ما يدفعه الطائر من دبره و الأولى أن يكون بالذال المعجمة و الراء المهملة ثم الفاء بمعنى السيلان. و المراد منه درور البول. كذا في« كشف الإشكالات».

و علاجه: سقى الأشربة و اللعابات و الأدهان الباردة مثل شراب البنفسج و الخشخاش و العناب و لعاب بذر قطونا و حب السفرجل و بذر المرو و دهن القرع و اللوز الحلو و البنفسج و هجر المسخّنات و المدرّات لادرارها الخلّط الحادّ، و الخلّط الحادّ يجرّد مجرى البول و يذهب بالرطوبة المغرية.

و إما لشدة حبس البول و إطالته إما للنوم أو لكثرة الشغل فتتشنج(1) المثانة و تتمدّد بامتلاء البول و مدافعة الاستفراغ و تضعف عن فعلها و تموت القوة الدافعة؛ لأن التمدّد فيها يبلغ إلى حد تعجز الدافعة عن القبض و العصر.

و علامته: أن يحدث بعقب ذلك.

و علاجه: الآبزنات المرخية الملينة المعمولة من بذر الكتان و الحلبة و القرطم و ورق الكرنب و الخطمى و غمز المثانة باليد فإنها يمكن ان تنقبض بالغمز بعد التليين، و يقوم الغمز باليد مقام عصرها على ما فيها بالقوة الدافعة الطبيعية التى لها و يخرج منها البول و مرخها بدهن البلسان و الأدهان التى فيها قبض لتعين على دفع البول و ترد إلى المثانة قوتها القابضة فإن خرج البول، و الّا استعمل «القاثاطير».

و إما لبثور و قروح في المجارى فكلّما أراد أن يبول اوجع فلم يعصر البائل مثانته بعضل البطن هربا من الألم المؤذى لكن إذا جهد و صبر بال على المجرى الطبيعى، و فى هذا النوع أيضا يكون العسر مع التقطير.

و علاجه: علاج قروح المثانة، و قد ذكر، و الزرق في الإحليل بما يخدّر و يزيل الألم ليسهل عليه أن يبول مثل الأفيون و بذر البنج و بما يغرى و يلطخ على المجرى فيحول بين الحادّ و بين جرم العضو.

و إما لضربة تقع على المثانة فتضعف قواها، إما لحدوث الورم فيها أو لما يعرض في نسج اليافها مثل التهلهل فلا يتأتى منها الانقباض و الانعصار على البول.

و علاجه: الفصد إن ورمت المثانة لإمالة المواد عن جهة المثانة و استفراغها عنها فلا يزداد الورم أو لم ترم لما قلنا فلا يحدث فيها الورم و المرخ بالأدهان القابضة المقوية لها مثل دهن الورد و الجلوس في الآبزنات و الاجتهاد في أن يبول و لو «بالقاثاطير».

ص: 168


1- 161. ( 1). أى: يتمدد؛ لأن التشنج هاهنا مرادف للتمدد و تفصيله في« كشف الإشكالات».

و إما لقبض و جفاف على مجارى البول من حر شديد كما يحدث في الحميات المحرقة فإنها تفنى الرطوبات فيحف المجرى و ينضم و فى علل الذوبان.

و علامته: حدّة البول و الالتهاب و نفع الترطيب فإن القليل من البول لا يخرج و الكثير يكون أسهل خروجا بما يرطّب ببلّته المجرى و توسعه قال «جالينوس» في كتابه في «منافع الأعضاء»: شكا إليّ رجل قضيف البدن مهزول أن البول يعسر عليه و أنه لا يقدر عليه حتى يجتمع في مثانته كثير منه جدا، فحدست أن مجرى بوله قد جفّ و قحل و انضمّ و هو لذلك يحتاج ان يجتمع في مثانته بول كثير فيدفعه دفعا قويا دفعة واحدة حتى ينفتح المجرى و يتسع فعالجته بالأشياء المرطّبة حتى برئ.

و علاجه: التدبير المرطّب مثل لعاب بذر قطونا و حب السفرجل مع شراب البنفسج و دهن الورد و ماء الشعير و الاسفاناخ و القرع مع لب اللوز و استعمال الآبزنات و الادهان المرخية مثل دهن البنفسج و القرع.

و إما لتشنج في المثانة و المجارى بسبب بلغم ينصب إلى الأعصاب و الرباطات و علامته: علامات التشنج و أن القليل الذى يخرج منه يخرج بحصر لاتساع المجرى و استقامته بخلافه عند الاسترخاء فانه حينئذ ينطبق بعض اجزائه على بعض و ينحنى.

و علاجه: علاج التشنج.

و إما لضعف حس المثانة لآفة فيها أو في عضلتها، أو في مبدأ اعصاب عضلتها أو في مبدأ الكل و هو الدماغ كما في قرانيطس و ليثرغس.

و علامته: أن لا يحس بلذع البول و حرقته فلا يتقاضى باخراجه.

و علاجه: التمريخ و الزرق بدهن الياسمين و السوسن و النرجس و الزعفران و دهن البلسان مع المسك و الجندبيدستر و استعمال الأضمدة المقوية العطرة مثل ورق التفاح و النعناع و السوسن و الإكليل و الشيح و الشبت على المثانة و سقى الترياق و المثروديطوس و أما إذا كانت الآفة في الدماغ عولج بعلاجه.

ص: 169

و إما لورم ما يجاور المثانة من المقعدة و المعاء و غيرهما كالسرة و الرحم و الحالبين إذا كان الورم عظيما، بسبب انسداد مجرى المثانة بالضاغط المجاور، و أما إذا لم يكن الورم عظيما فإنه يحدث عنه التقطير لما تعتل المثانة بالمجاورة من المزاج الردى ء الذى للورم و لما ينضغط و يضيق تجويفها فلا يتسع أن يجتمع فيها ماء كثير أو لزحير للاشتغال أى: اشتغال الطبيعة بما هو الأهم و هو دفع الثفل و خصوصا إذا كان الزحير من الاثفال اليابسة و الرطوبات الغليظة و الورم، فإنها مع ذلك تزاحم المثانة(1) بالضغط فيحتبس البول لذلك أيضا.

و علاجه: علاج تلك الأعضاء حتى يزول الورم و الأذى عنها.

ص: 170


1- 162. ( 1). أي: عنق المثانة بحذف المضاف لأن تزاحم نفس المثانة يوجب تقطير البول لا احتباسه. كذا يستفاد من« كشف الإشكالات».

الفصل التاسع عشر: في تقطير البول163

سببه إما حدّة في البول تحرق المجرى فيكون استرساله مؤلما و اجتماعه فى المثانة بالضغط و ثقله أيضا غير محتمل لشدة التمدّد و اللذع فيكون له حالة بين الاسترسال و الاحتباس و هو التقطير، أو لأن كل قليل منه- لشدة ايذائه المثانة- حدته يستدعى النفض فتدفعه الدافعة و إن لم يكن بارادة.

و علامته: الحرقة و صفرة لون البول لكثرة اختلاط الصفراء به و علامات غلبة المرار و تقدم تناول الأغذية و الأدوية الحارّة و أكثر ما يصيب ذلك الشبان لقوة حرارتهم و كثرة تولد المرار في أبدانهم.

و علاجه: سقى البذور الباردة مثل بذر البطيخ(1) و الخشخاش و القرع(2) و البطيخ الهندى و الخس و حليب بذر الفرفخ و الخيارين و ماء الشعير و ماسك البول البارد مثل الطباشير و الكزبرة و بذر الحماض و الطين الأرمنى و الصندل و الجلنار و الصمغ العربى(3) بماء الخس و التغذى بالملوخية و الهندباء و الخس و القرع و نحوها.

و إما لضعف جرم المثانة و برد مزاجها كما يعرض للمصرودين(4) و المشايخ

ص: 171


1- 164. ( 2). أي: الاصفر.
2- 165. ( 3). أى: الحلو.
3- 166. ( 4).[ خ. ل: غير موجودة].
4- 167. ( 5). أى: الذين أصابهم برد شديد.

و استرخاء العضلة المطيفة بها فتضعف له الماسكة و لا تقدر على امساك كل قليل من البول يحصل في المثانة حتى يجتمع الكثير منه فتتخلى(1) عنه أو لضعف الدافعة فلا تعصر البول و ان كانت المثانة ممتلئة عنه الّا قليلا قليلا.

و علامته: أن يكون خروج البول بلا حرقة و لا عطش و بياض لون البول و تقديم التدبير البارد.

و علاجه: سقى المعجونات الحارّة مثل المثروديطوس و الاطريفل الكبير و جوارش الكندر و السنجرينيا مخلوطا ببعض القوابض مثل جفت البلوط و حب الآس و نحوهما و ينفع منه ماسك البول الحارّ مثل الكندر و البلوط و السعد و الخولنجان و القرفة و الآس و حب الرشاد معجونة بالعسل و الاطريفل الصغير إذا خلط بوزن ثلاثة دراهم (منه نصف درهم) سنجرينا و أكل التين و الزبيب لأنهما يقطعان البلغم و يجلوان المثانة و يسخّنانها.

و قد يتولّد من اسباب العسر مثلا لورم و الحصاة و الرطوبة للزوجة و علق الدم التقطير إذا لم تكن السدّة تامة و أمكن للطبيعة أن تدفع البول قليلا قليلا فيتركبان و يكون عسر مع التقطير.

و علاجه: علاج عسر البول و قد ذكر.

ص: 172


1- 168. ( 1). خروج البول اذا لم يكن بارادة لا يسمى تقطير البول بل سلس البول. كذا في« كشف الإشكالات». أقول: و توضيحه: إن ضعف جرم المثانة و برد مزاجها و استرخاء العضلة المحيطة بها إما أن يكون مفرطا و يكون سببه قويا و إما أن يكون ضعيفا و إما أن يكون متوسطا بينها. و يتولّد من الاول سلس البول و من الثانى تقطير البول و من الثالث البول في الفراش. و هذا يستفاد من كلام الماتن؛ لأنه قال في مبحث سلس البول: و لسبب[ السبب] برد المثانة و استرخاء العضلة المحيطة بها بسبب الرطوبة كما سيجى ء فيما بعد فلم يبق الاشكال.

الفصل العشرون: فى سلس البول169 و البول في الفراش170

سلسل البول هو أن يخرج البول بلا إرادة و سببه فرط برد المثانة و استرخاء العضلة المحيطة بها بسبب الرطوبة.

و علامته: علامات سوء المزاج البارد على ما مرّ و بياض البول بلا حرقة.

و علاجه: سقى الأدوية الحارّة القابضة كالكندر و السعد و الخولنجان و نحوها مما يجفّف رطوبات الثفل و يسخّن المثانة مخلوطا بمثل جفت البلوط و حب الآس و الجلنار مما فيه قبض و تجفيف و ينفع منه الاطريفل الكبير و الصغير إذا لتّت أخلاطه بسمن البقر لتقل عفوصته و شويت ليزيد تجفيفه و التمريخ بالادهان الحارّة مفتقا فيها المسك و الخزميان.

و قد يكون بسبب زوال الفقار المحاذى للمثانة إلى خارج فتنقطع رباطات المثانة و تسترخى المثانة لذلك فلا تضبط البول فيسيل من غير ارادة.

و علامته: نتوء الفقار.

و علاجه: عسر بل ممتنع؛ لأنه إن أمكن رد الفقار لم يمكن ربط الأربطة المنقطعة.

و قد يكون بأن تزول تلك الفقرات إلى خارج زوالا لا تنقطع تلك الرباطات، بل تحدث آفة في العضلة العاصرة عن تمدد الرباطات لا يقدر لها

ص: 173

و يعالج برد الفقار إن أمكن.

و قد يحدث منه الأسر لتشنج العضلة فلا تنبسط عند ارادة البول و لا تسترخى.

و قد يحدث السلس من زوالها إلى داخل لاسترخاء العضلة و امتناعها عن الانقباض لضغط فقار المثانة فلا يحتمل أن يجتمع فيها ماء كثير بل تدفع كل قليل يحصل. و قد يحدث منه الاسر أيضا لانسداد مجرى المثانة من ضغط الفقار.

و قد يكون السلس بسبب حرارة كثيرة جذّابة إلى المثانة موسعة للمجارى بالارخاء مع معاونة البول لها بالرطوبة المهيئة للامتداد أو مضعفة للمثانة لاحداثها سوء المزاج الحارّ لها.

و علامته: حرارة المزاج و الاستضرار بالمسخّنات و صبغ البول.

و علاجه: سقى الأقراص الباردة الحابسة للبول المتخذة من الطباشير و الجلنار و الطين الأرمنى و بذر البقلة و الخس و نحوها مما ذكر في علاج ذيابيطس.

و أما البول في الفراش فسببه أيضا استرخاء العضلة. و أكثر ما يعرض للصبيان لرطوبة اعضائهم فتسترخى من أدنى سبب يعرض لها و يعينهم على ذلك الاستغراق في النوم لرطوبة دماغهم فإذا تحركوا قليلا قليلا للانتباه من أذى البول، دفعته الطبيعة و الإرادة الخفية الشبيهة بإرادة التنفس فيه بحث(1) قبل انتباههم من النوم إلى حد اليقظة، فإن دفع البول إنما يتم بقوتين: أحداهما، الدافعة الارادية و الأخرى، الدافعة الطبيعية، و لذلك يقدر الانسان على امساكه بالاختيار بخلاف المنى، فإنه إنما يندفع بالدافعة الطبيعية المحضة و لذلك لا

ص: 174


1- 171. ( 1). لأن التنفس ... كما قال المحققون ليس بارادى لأنه لو كان التنفس إرادى لم يقع في حال عدم الارادة و الشعور كحالة الغشى و الصرع و السكتة و كحالة النوم مع أنه خلاف الواقع بل التنفس امر ضرورى في جميع اوقات الحيات. كذا في كشف اللغات. و قال« شريف الأطباء»: ثم اعلم أن التنفس كالنبض يتم بحركتين[ و] وقفتين بينهما الّا أن حركة النبض طبيعى صرف و حركة التنفس مع ارادة يمكن أن يغير عن مجرى الطبيعى. و حركة التنفس المعتدل الطبيعى الخالى عن الآفة يتم بحركة الحجاب و إن احتيج الى زيادة، شارك عضل الصدر كلها أو بعضها حسب الحاجة و كما أن في النبض عظيما طويلا و منقطعا و مرتعشا و غيرها من الاقسام و امورا محمودة أو مذمومة و لكل ذلك اسباب و لكل ذلك دليل على امر مادتها[ و] اختلاف بحسب الامزجة و الاجناس و العوارض البدنية و النفسانية، كذلك للتنفس.

يشترط الانتباه القليل من النوم في خروجه عند الاحتلام، و لا يقدر الانسان على امساكه عند المباشرة بالاختيار و ربما ناموا بعد ذلك و لم ينتبهوا إذا كان سبب انتباههم ما يؤذيهم من حدّة البول و امتلاء المثانة و اذا زال، حصل الاستفراغ التام.

و علاجه: علاج النوع الأول من السلس و هو برد المثانة و استرخاء العضلة.

و كثيرا مّا لا ينفع العلاج فيه للصبيان و إنما يزول عنهم بالبلوغ و توفر الحرارة و اشتداد الأعصاب.

و قد يحدث السلس بسبب ما يجاور المثانة مما يزاحمها و يضغطها كل ساعة فيخرج البول على قلته كورم عظيم في الرحم أو في السرّة أو ثفل كثير في الأمعاء أو حمل مثقل للنساء و يزول بزوال السبب.

ص: 175

الفصل الحادى و العشرون: فى بول الدم172

يكون إما لانفتاح عرق في الكلى و انشقاقه دون المثانة؛ لأن الدم الخارج مع البول إذا كان من الكثرة بحيث يقال له أنه بول الدم لا يمكن أن يكون من المثانة لأن عروقها ضيقة لا تحتوى دما كثيرا و لا يتصفى فيها الدم كما يتصفى في عروق الكلية، و أنها مندسّة في جرم المثانة فلا يعرض لها الانصداع الّا في الندرة و عند خرق المثانة.

و علامته: أن يكون نقيا من القيح و المدة؛ إذ ليس خروجه بسبب قرحة و تآكل عبيطا بالعين المهملة أى: خالصا طريا بلا وجع(1) بخلاف ما يكون عن القرحة، فإنه يكون مع وجع و حرقة و لذع و يكون كثيرا غزيرا؛ فان كان من الانفتاح، يكون قليلا قليلا لأنه يترشح من فوهة العروق و إن كان من الانشقاق، يكون كثيرا بغتة و يكون بعقب ضربة على موضع الكلية ينصدع منها العرق أو بعقب أكل الطعام الحريف فإنه لشدة حدته و لطافة جوهره يفرق اتصال العروق سيّما عروق الكلى؛ لأنها أقبل لذلك بسبب جريان المائية عليها فإنها لحدّتها و بورقيتها تضعف هذه العروق و تجعلها قابلة للتفرق و هى أيضا واسعة كبيرة لأنها في جرم لحمى و مع ذلك مكشوفة، على أن المائية المندفعة إلى الكلية بعد أكل الطعام الحريف تكون متكيفة بتلك الكيفية الحادّة الحريفة اللذاعة فتجرد السطح الباطن

ص: 176


1- 173. ( 2). لعدم احساس الكلى.

من الكلية و تعين على انفتاق عروقها و ظاهر أن الطعام الحريف لا يختص بايجاب الانشقاق بل يعم الانشقاق و الانفتاح لكن ايجابه للانفتاح أكثر و اسهل و ربما تولد ذلك عن تمدد و كزاز قويين لما مر(1). و ربما كان خروج الدم من الكلى بادوار بحسب امتلاء العروق و خلائها كالذى يكون من المقعدة و يعرض لصاحبه ألم نحو القطن عند الامتلاء لتمدد العروق فإذا انفتحت فوهاتها و خرج الدم في وقت الدور سكن الألم.

و علاجه: فصد الباسليق لامالة الدم و تقليله و سقى أقراص بول الدم المتخذة من بذر القثا و النشا و الكثيرا أو الجلنار و السك و دم الاخوين و الصمغ بماء البقلة أو بماء لسان الحمل و أقراص الكهرباء و أقراص نفث الدم المذكورة.

و إما لضعف الكلى أو ضعف الكبد عن تمييز الدم عن المائية.

و علامته: أن يكون غساليا و الذى من ضعف الكلية أشدّ بياضا؛ لأن الدم المختلط بالمائية فيه هو الدم الذى يجى ء إلى الكلية لغذائها و هو قليل جدا بالنسبة إلى المائية، فلا يصير البول أحمر كما في الكبدى بل مائلا إلى البياض و إلى غلظ؛ لان الكلية لكونها عضوا صلبا متلززا وجب أن يكون الدم الذى يجى ء إليها لغذائها غليظا متينا و هو مع ذلك يكون قد تم نضجه في الكبد و انما يفوته النضج الكلوى و الذى من ضعف الكبد أضرب إلى الحمرة لكثرة اختلاط الدم بالمائية لتغير لونه و ميله إلى السواد و القتمة لطول احتباسه بسبب بعد المسافة و لاختلاط السوداوية أيضا و أرقّ لضعف الكبد عن إنضاجه و أشبه بالدم لما يختلط الدم الكثير بالمائية اختلاطا شديدا بسبب طول المسافة.

و قد ذكر علاجهما في باب ضعف الكبد و ضعف الكلية.

و إما لتآكل العروق التى في اعضاء البول، فإن الدم و القيح كليهما لا يجتمعان الّا فيها دون غيرها، فإن القرحة في الكلى و المثانة إذا كانت في موضع عرق ذى قدر خاصة مع تآكل يتبعها بول دم و مدة و اذا كانت القرحة في غير موضع عرق و مع غير تاكل، فإنه يتبعها بول مدة فقط و كذلك إذا كانت في المواضع التى هي أعلى من الكلية كالكبد و الرئة و الحجاب غير المحيط بالأضلاع.

ص: 177


1- 174. ( 1). في امراض الرأس في مبحث التمدد و الكزار حيث قال المصنف« ربما بال الدم لأنفجار العروق لشدة النضغاط الحادّث من تمدد الأعضاء ظاهرا أو باطنا ...».

و علامته: أن يكون بعقب قروح في موضع عرق لها قدر قد تأدّت إلى الفساد و التآكل في جرم ذلك العرق و يكون مجيئه قليلا قليلا بتفاريق بحسب ترشحه من ذلك العرق سيّما إذا كان من عروق المثانة، و فى عدّها من أقسام بول الدم شى ء مع مدة و نتن رائحة لعفونة المدة، خصوصا إذا كانت القرحة في المثانة؛ لأن المدة يطول بقاؤها فيها فتزداد عفونة و نتنا، و أما الكلى و البرنجان فإنهما مجار للبول لا أوعية له فتندفع المدة منها قليلا قليلا و لا يطول بقاؤها فيها حتى تكتسب فيها فضل عفونة.

و علاجه: علاج القروح في الكلية و المثانة على ما مرّ.

ص: 178

الباب السابع عشر: فى علل أعضاء التناسل من الذكران

اشاره

ص: 179

ص: 180

الباب السابع عشر: في علل أعضاء التناسل من الذكران

الفصل الأول: في نقصان الباه175

يكون إما لضعف الشهوة أى: الرغبة الباعثة عليه و إما لاسترخاء الآلة فلا تتحرك و لا تتوتر عند الجماع؛ لأن توترها إنما يكون بتمديد العصبة المجوفة و انبساطها طولا و عرضا بسبب رياح قوية غليظة تكون في العروق، و ارواح كثيرة حيوانية منبثة تستصحب دما شريانيا كثيرا و انما تنجذب هذه إليها بسبب قوة شهوانية ملذذة و اذا استرخت الآلة، لم يكن لها أن تتمدّد و تنبسط و تنتشر.

أما ضعف الشهوة فيكون:

إما لضعف البدن أى: هزاله و قلة غذائه فتقلّ فيه الريح و الروح و الدم.

و علامته: انخراط البدن و نحافته و ضعفه قوة و فعلا؛ لأنه إذا ضعف البدن لقلة الغذاء، قلّت الروح لأنها بخار الدم و لطيفه فتضعف القوى الحالة فيها و تضعف آثارها التى الأفعال و صفرة اللون لقلة الدم و قلة الطعم أى: الغذاء.

و علاجه: تقوية البدن بتدبير الناقة و الزيادة في الغذاء بحسب قوة الهضم و فى النوم لترطيب البدن و تقوية الهضم و الطيب و السرور و اللهو لتقوية الروح

ص: 181

و بسط النفس و انعاش الحرارة الغريزية، و سيجى ء لهذا زيادة بيان إن شاء الله تعالى و ترك التعرض للجماع مدة؛ لأنه يضعف البدن لكثرة الحركة المحلّلة للروح و الحرارة الغريزية من استفراغ الغريزية و الرطوبات الصالحة و باستفراغ المنى و هو أشدّ تأثيرا في ضعف البدن من استفراغ غيره من الرطوبات لأنه فضلة الهضم الرابع و قد استوفى الهضم الرابع(1) و قرب من أن ينعقد و يصير جزءا للبدن و منه أيضا تغتذى العروق و الشرايين.

و إما لقلة المنى و عوزه لأن الشهوة انما تتحرك عند كثرة المنى في اعضاء الجماع فيتحرك فيها و يهاج و يحدث بكيفيته لذعا و أذي و بكميته ضغطا و تمددا و تشتاق تلك الأعضاء إلى نفضه كما إلى نفض سائر الفضول.

و علامته: نزارة المنى عند الخروج.

و علاجه: أن ينظر إن كان سببه يبوسة آلات المنى و هزالها و يستدل على ذلك بغلظ المنى لانتفاء الرطوبة المرققة و الانتفاع بالحمام المرطّب و الدخول في الماء و الاستكثار من الأغذية مرطّبة، عولج بالأغذية المرطّبة مثل الأحساء اللبنية و الاسفيدباجات و سقى دواء الترنجبين الزائد في المنى و صفته: أن يؤخذ من الترنجبين الأبيض الجنقى، ثلاثون درهما، و يطبخ باللبن الحليب حتى يغلظ، ثم يؤخذ منه عند النوم ملعقتان؛ لأن اللبن كثير الرطوبة كثير الغذاء يزيد في المنى؛ لأنه أكثر انهضاما من الدم و الترنجبين إذا خلط به كان جذب الطبيعة له و تصرفها فيه أقوى لحلاوته و اختياره على السكر لأنه أرطب.

و إن كان سببه برودة آلات المنى، فإنها تغلظ المنى و تكثفه فيقلّ حجمه و يزول عنه اللذع المهيّج و يستدل على ذلك بجمود المنى عند الخروج و عسر خروجه لتبلّده في الحركة و تغلّظه و الانتفاع بجميع ما يسخّن مثل الجوع و الحركات المعتدلة و الأدوية المسخّنة، عولج بالزنجبيل المربى و معجون اللبوب الزائد فى المنى و صفته: لب اللوز و الجوز و البطم و حب الصنوبر و حب الزلم و البندق و النارجيل و الفستق و حب القلقل و الخشخاش

ص: 182


1- 176. ( 1).[ خ. ل: الثالث].

الابيض و التودريان و السمسم و بذر الجزر و الجرجير و البصل و الشلجم(1) و الرطبة و البهمنان و الزنجبيل و فلفل و الكبابة و القرفة و الدارصينى و الشقاقل و الخولنجان و بذر الهيلون على السواء، يدقّ و يعجن بثلاثة أمثالها عسلا و المعجون الحارّ الزائد في الجماع المتخذ من الزنجبيل و الشقاقل و الخولنجان و بذر الجرجير و بذر الجزر و الابخرة و الهليون على السواء، معجونة بالعسل المطبوخ مع ماء البصل الأبيض.

و إن كان سببه حرارة آلات المنى و يستدل على ذلك بغلظ المنى لأن الحرارة المفرطة تشويه و تجففه بافناء ما رقّ و لطف منه و بسهولة خروجه لأن الحرارة آلة لجميع الحركات و الانتفاع بالمبرّدات، عولج بما يكسر حرارتها مثل حليب بذر البقلة و اللبن و المخيض.

و إن كان سببه رطوبة آلات المنى و يستدل على ذلك برقة المنى، عولج بالأدوية اليابسة مثل الاطريفل و الأغذية الناشفة مثل القلايا المبذرة و المشويات المتوبلة بالدارصينى و الكمون و الصعتر و السذاب.

و ان كان من اجتماع البرد و اليبس أو البرد و الرطوبة أو الحرارة و اليبوسة و يستدل عليها بتركّب العلامات، عولج بعلاج مركب مضاد لكلتا الكيفيتين و أما المزاج الحارّ الرطب فهو السبب الفاعلى للدم النضيج الصالح المستلزم لكثرة تولد المنى و الروح الشهوانى و النفخ المنعظ و لا يمكن أن يكون سببا لقلة المنى.

و إما لسكون المنى و قلة حركته و فقدانه اللذع المهيج للقوة الشهوانية على اخراجه كما يعرض لمن يتناول الأفيون و قشور الخشخاش و ورق القنب.

و علامته: كثرة المنى عند الخروج و جموده و غلظه.

و علاجه: ما يسخّن المنى و يحدث فيه حدّة و لذعا مهيجا كالزرعونى و صفته: فلفل و دار فلفل، زنجبيل، قرفة، دارصينى، قرنفل، خولنجان، من كل واحد جزء؛ تودريان و بهمنان بوزيدان، لسان العصافير، قسط حلو، سعد، سنبل، من كل واحد ثلاثة أجزاء، يدق و ينخل و يعجن بعسل مصفى و نحوه مثل معجون اللبوب و معجون البذور و الحقنة المسخّنة المتخذة من طبيخ الحسك و الزنجبيل و اللبن الحليب و دهن الجوز و الحمولات الحارّة مثل لب حب القطن و العاقرقرحا و القنة و شحم الأسد مع دهن النارجيل.

ص: 183


1- 177. ( 1). أي: بذرها.

و إما لترك الجماع ضرورة أو اختيارا أو نسيان النفس له و انقباض الأعضاء أى: إعراضها عنه و قلة احتفال الطبيعة أى: اهتمامها بتوليد المنى كما لا تهتم أى: الطبيعة بتوليد اللبن في الفاطمة(1) فلا يتولّد.

و علامته: ترك ذلك مدة طويلة و قلة طروئه على البال.

و علاجه: التدرج إليه لتتحرك القوة الشهوانية و تأخذ المولّدة في توليد المنى و سماع احادّيث ذلك و النظر إلى تسافد(2) الحيوانات فتتذكر النفس أمر الجماع تتحرك إلى الأعضاء التى هي آلاته مع الدم و الروح و الحرارة الغريزية، فتحركها و تستعملها في توليد المنى و تهيّج المتولدة منه فيحصل الانعاظ و يتم أمر الجماع كما يتحرك إلى العين عند تخيل الصور الجميلة، لأنها سفيرها و آلتها ادراك هذه الصور، و لذلك يظهر فيها عند ذلك تغير مّا، و كذلك يتحرك إلى اللسان عند تخيل الطعوم اللذيذة و لذلك يمتلئ الفم من الماء عند ذلك لانحدار الرطوبات التى هناك و ذوبانها لتوجه الحرارة إليه. و ذلك لأن التخيلات النفسانية قد تكون سببا لحدوث الحوادث البدنية كما ثبت في القواعد الحكمية فتحدث في البدن حرارة لا عن حرارة و برودة لا عن برودة و استعمال المروخات مثل دهن السوسن و الخيرى مع الشمع و مرارة الثور و الدلوكات مثل العاقرقرحا مع دهن حب القطن و الأغذية الباهية(3) مثل صفرة البيض و لحوم الحملان و الفراخ و الرؤوس و الهرائس و غيرها، و الاعتماد أكثره في هذا الأمر على الاغذية(4)؛ لأن منها يتوقع

ص: 184


1- 178. ( 1).[ خ. ل: هي المرأة التى لا ترضع].
2- 179. ( 2).[ يقال للجماع في الحيوانات].
3- 180. ( 3). فان كفى فهو المقصود و الّا فبلأدوية.
4- 181. ( 4). ذلك[ الاعتماد] لأمرين: أحدهما، إن علاج هذا المرض هو تكثير المنى و زيادة الأرواح و تقوية البدن و الأعصاب و كل ذلك يحصل من الاغذية بخلاف الادوية فانها لا مدخل لها في تكثير المنى و الدم الّا بالعرض من جهة أنها يصلح المزاج و لذلك لا يعرض عنها تقوية يعتدّ بها. و ثانيهما، إن اعضاء المنى بعيد جدا عن مدخل الأدوية فلا يصل إليها الّا بقوة قوية فيها و ذلك قليل فلذلك يقبل[ تقلّ] وصول أكثر الادوية الى هذه الأعضاء بخلاف الأغذية فان الدم اذا كثر كانت عناية الطبيعة تصرف الفاضل منها الى هذه الأعضاء أولى من احتباسه أو اخراجه بالرعاف و نحو ذلك فاذا احتيجت الى الأدوية لتعديل أمزجة هذه الأعضاء فالأولى أن يكون ذلك مستعملا من خارج كالمسوحات و الأدهان و نحوها لان وصولها الى هذه الأعضاء مع سرعته لا يتوقف على المرور بالأعضاء الاخرى و لا يتغير مزاجها.-- و ينبغى أن يكون الأغذية المستعملة في هذا المرض كثيرا ليكون الدم المتولد عنه كثيرا لتفضل عن كفاية الأعضاء لتكوّن المنى. و ينبغى أن يكون مع ذلك متلينة[ متلرزة] ليكون الدم المتولد عنها كذلك فلا ينحلّ بسرعة. و ينبغى أن يكون مع ذلك قوية القوة فان الضعيف يمنع من الباه جدا. و يكون مع ذلك سريعة الهضم جيدة الغذاء ليحصل عنها دم نضيج فان ذلك هو المادة للمنى. و ينبغى أن يكون مع ذلك قوية القوة فان الضعيف يمنع من الباه جدا. و يكون مع ذلك سريعة الهضم جيدة الغذاء ليحصل عنها دم نضيج فان ذلك هو المادة للمنى. و ينبغى أن يكون مع ذلك قوية القوة فان الضعيف يمنع من الباه جدا. و يكون مع ذلك سريعة الهضم جيدة الغذاء ليحصل عنها دم نضيج فان ذلك هو المادة للمنى. و ينبغى أن يكون مع ذلك لذيذة لتقبلها المعدة سريعا كثيرا فيكون انهضامها أجود و لذلك ينبغى أن يكون عطرة ليكون تقويتها أكثر. و ينبغى أن يكون مع هذا كله مولّدة للنفخ و الرياح ليكون بذلك انتشار القضيب كما ينبغي. و ينبغى أن يكون ما يتولّد عنها من ذلك غير مولم فإنّ الألم ينافى الشهوة التى لا بدّ منها في الجماع. و ينبغى أن يكون توليدها لذلك ليس في المعدة و نواحيها بل يكون في العروق ليمكن نفوذه الى أعضاء المنى و لم يتحلل فلذلك ينبغى أن يكون هذه الأغذية ذوات رطوبات فضلية و أن تكون مع الرطوبات حرارة لطيفة فان الحرارة القوية تحلل الرياح و النفخ و البرد يمنع حدوثها. و ينبغى أن يكون هذه الرطوبه غليظة عسرة الانهضام ليتأخر انفعالها المحدث للرياح و النفخ الى عروق[ العروق] و لا ينفعل في الهضم الاول و لا الثانى انفعالا كثيرا. و ينبغى أن يكون مع ذلك لزجة فإنّ اللزج أعسر انفعالا و انهضاما فيتأخّر بذلك انفعاله.

انتعاش القوة و كثرة المادة.

و إما لرأى نفسى كالزهد و التقشف(1) فانه إذا استقرّ ذلك في النفس، لم يرغب في المجامعة و أعرضت القوى الشهوانية عنها و لم تتحرك الآلة أو بغض الجماع و تنفر الطبيعة عنها، فلا ترغب في المباشرة معها و لا تتحرك القوة و الآلة أو احتشامه فتنفعل النفس و تستحيى عن الاستكشاف و المباشرة الفاحشة أو سبوق استشعار إلى القلب من أن لا ينتشر منه القضيب فلا ترغب النفس في المجامعة حذرا من الخجالة و الشناعة عند المزاولة بسبب عدم القدرة و استرخاء الآلة خصوصا إذا اتفق ذلك أى: عدم الانتشار عند المباشرة وقتا مّا اتفاقا فكلّما وقعت المعاودة إلى المجامعة مرة اخرى، تمثل ذلك أى: عدم الانتشار في الوهم و اعتقد جزما بأنه لا يتأتى منه في هذا الوقت كما في الماضى و ارتسخ ذلك النفس حتى ذهبت الحركة و الشهوة بالكلية و ربما تعاضد في ذلك أمر آخر وهمى أيضا و هو أن يعتقد أنه قد سحر و ذهبت رجوليته و قدرته على الجماع بسبب السحر.

ص: 185


1- 182. ( 1). في بعض النسخ« التعفف» لا« التقشف»؛ أما التقشف فهو ضيق العيش و أما التعفف فهو مرادف للزهد ... و النسخة الثانية أولى.

و علاجه: دفع تلك الآراء عن النفس.

و إما لضعف القلب إما بسبب تعب كثير أو مرض طويل أو جوع مفرط أو غير ذلك مما يحلل الروح و الحارّ الغريزى فتضعف القوة فينقطع الروح الشهوانى و الريح الناشرة و حينئذ يغلب عليه الحياء أيضا بسبب ضعف الحرارة الغريزية فيمتنع(1) عن المباشرة.

و علامته: نقصان الحرارة في جميع البدن و لين النبض أى: رخاوته و ضعفه بسبب ضعف القوة و يكاد يغشى عليه عند الفراغ منه أو لحرارته المجاوزة عن الاعتدال فتتحلل الريح الناشرة.

و علامته: الخفقان و العطش.

و علاجه: تقوية القلب و تعديل مزاجه بالمفرحات الباردة العطرة.

و إما لضعف المعدة و الكبد فتنقطع مادة المنى لقلة تولد الدم الصالح.

و علامته: قلّة الشهوة أى: شهوة الطعام و الهضم و علامات آفات المعدة و الكبد و ضعفهما.

و علاجه: تقوية المعدة و الكبد و اصلاح مزاجهما بحسب الواجب كما ذكر موضعه.

و إما لضعف الدماغ فتنقطع مادة القوة النفسانية الحساسة عن اعضاء التناسل و لا يحس بحركة المنى و لذعة و دغدغته المتقاضية بالجماع، فلا يشتهيه و لا ترغب النفس فيه و اذا تكلف لذلك، لم يحس باللذة التامة و تضعف الأعصاب أيضا عن الحركة و الانتشار.

و علامته: أن تكون الحواس مع ذلك كدرة و الحركات عسرة بطيئة.

و علاجه: تقوية الدماغ بالمعاجين و الشمومات و الأطلية الموافقة و غير ذلك.

و إما لضعف الكلية و آفاتها العارضة لها فإن الشهوة الطبيعية لا تتم الّا بقوة الكلية لأن مادة المنى تأتى من الكبد إلى الكليتين في شعب من الاجوف النازل و تتصفى فيهما من المائية ثم منهما إلى المجرى الذى بينهما و بين الانثيين، و هو عرق كثير المعاطف و الاستدارات لطول المسافة بينهما، فينضج فيه المنى و يبيّض

ص: 186


1- 183. ( 1).[ خ. ل: فينقطع].

بعد احمراره، ثم منه إلى الأنثيين فهما يعينان على تمام تكون المنى باسخانهما الدم النافذ في هذه العروق، و لذلك صاحب الكلية الحارّة باعتدال يكون كثير المنى قويا على الجماع. و لان خميرة المنى على ما رآه «الشيخ» تنزل من الدماغ إلى النخاع ثم منه إلى الكليتين ثم إلى ذلك المجرى ثم إلى الأنثيين، فعلى هذا يتغير بالضرورة مزاج المنى و تضعف الشهوة عند ضعف الكلية و آفاتها كما تضعف عند ضعف الكبد و الدماغ، و لأن الكلية تحيل ذلك الدم النافذ في العروق التى بينها و بين الانثيين إلى طبيعة تلك الخميرة و تجعل المجموع منيا. و لأن ضعف الكلية بسبب القرب و المشاركة لآلات التناسل تؤثر تأثيرا قويا في مزاج المنى فإن كان من الحرارة تحرق المنى و تجففه و تعدم الروح المنعظ و إن كان من البرودة تجمد المنى و تزيل عنه اللذع المهيج للشهوة و تمنع تولد الريح و قد ذكر جميع ذلك بعلاماتها و علاجاتها.

و أما استرخاء الآلة فيكون:

إما لضعف البدن أيضا فتضعف لذلك الأعضاء و تعجز عن الحركة.

و علامته: نحافة البدن و ضعفه.

و علاجه: التدبير المنعش الذى ذكر من تكثير الغذاء و الدعة و النوم و الطيب و السرور و غير ذلك.

و إما لطول الامساك عن الجماع فيتقلص العضو حينئذ و يضمر؛ لأن جميع الأعضاء تقوى و تشتدّ باستعمال الرياضة التى تخصّها و تضعف بتركها، كما قال «ابقراط» العمل مغلّظ و العطلة مذبّلة.

و علاجه: الدلك الدائم بلبن الضأن؛ لأنه يجذب الدم إليه و يجمعه و يحبسه فيه بانسداد مسامّاته من لزوجة اللبن و دسومته، و لأنه يرخى المجارى و يوسعها فيسهل نفوذ الدم إليها، و لأنه لا يحلل المجذوب إليه كما يحلله الدلك الخشن مع أن لبن الضأن مفرط في الترطيب و التليين و بالزفت بعد الدلك و جذب الدم إليه ليحفظه فيه مع أن الزفت يجذب الدم أيضا و صبّ الماء الحارّ عليه فإنه أيضا يرخى و يرطّب و يخلخل(1) و يجذب.

ص: 187


1- 184. ( 1).[ خ. ل: يحلل].

و إما لقلة النفخ و الريح في أسافل البدن إما لبرد مفرط فلا يتولّد النفخ و الريح و هو الأكثر أو لحر مفرط فيتحلل، أو ليبس معوز لمادة النفخ.

و علامته: قوة البدن و سلامة الأعضاء و عدم الحرارة و النفخ أو الحرارة القوية و الانتفاع بالأغذية المنفخة و هى التى فيها رطوبة فضلية لا تتحلل في الهضم الأول بل تبقى إلى الهضم الثانى و الثالث فتنحلّ رياحا نافخة في العروق و كثرة المنى عند الجماع لسلامة الأعضاء المولّدة له و أن لا يكون الانتشار باطلا اصلا بل يكون قليلا ضعيفا، لسلامة أعصاب القضيب عن الاسترخاء فإن كان عوز النفخ لعدم الحرارة- و يستدل على ذلك بأن يقوى الانتشار عند الجوع و الخفة من الطعام لغلبة الحرارة و ثورانها حينئذ و عند الحركات المسخّنة و استعمال الأدوية المسخّنة- عولج بالتسخين بالمعاجين و الأدهان و غيرهما.

و إن كان لعوز الرطوبة- و يستدل على ذلك بأن يقوى بعقب الأكل سيّما من الأطعمة الرطبة التى فيها يسير حرارة(1) و الشرب- عولج بالترطيب بالاستحمام و التمريخ و غير ذلك و تناول ما ينفخ كالباقلاء و الحمص و اللبن الحليب بقليل الدارصينى؛ لأن النفخ كما يحتاج في تولده إلى رطوبة هي مادته، يحتاج إلى حرارة يسيرة تؤثر في تلك الرطوبة حتى تنحل عنها رياح نافخة و نحوها من أدوية الباه غير الحارّة القوية؛ لأن الحرارة المفرطة تزيد في اليبس لفرط التحليل.

و إما لبرد أعصاب القضيب و هى من جنس الفالج لفضل بلغمى ينصبّ إليها، أو لكثرة القيام في الماء البارد، أو الجلوس على الثلج فيفسد مزاجها و لا تتأثر عن القوة المحركة و الحساسة التى تنفذ فيها.

و علامته: غزارة المنى و رقته لنقصان الحرارة المغلّظة في آلات التناسل بالمجاورة و الاشتراك و سهولة خروجه لكثرته و رقّته من غير انتشار و أن لا يتقلّص في الماء البارد؛ لأنه لا يتأذى من برودة الماء- لبطلان حسه- حتى ينقبض و يجتمع هربا من المؤذى و أن يكون ضعيف الحس و الحركة ذاهبا إلى الضمور و الهزال لفتور حرارته و ضعف أفعاله الطبيعية من الجذب و الهضم و التغذية فإن كان هذا مزمنا جدا و قد رقّ العضو و نهك أى: ضعف، فلا علاج

ص: 188


1- 185. ( 1). لأنّ الحرارة المفرطة كما تولد الرياح تلطّفها و تحللها أيضا.

له لما ذكرنا في الفالج، و هذا هو الذى تسميه العامة العنة. و إن لم يكن كذلك أى:

لم يكن ضعيف الحس و الحركة و لا رقيقا منهوكا و كان يتقلص في الماء البارد فعلاجه: علاج الفالج و الحقن المسخّنة للعصب و المسوحات و الحمولات المسخّنة مما ذكرنا هناك أى: في الفالج و الاسترخاء.

ص: 189

الفصل الثانى: فى سرعة الانزال186

سببه ضعف قوة الماسكة بسبب البرودة و الرطوبة فان الإمساك انما يتمّ بتحريك الليف المورّب إلى هيئة من الاشتمال متنوعة متفننة ثم بالقبض و جودة اشتمال الليف على الممسوك، و الأول إنما يكون بالحرارة لأن البرودة مانعة عن جميع الأفعال و الحركات، و الثانى باليبوسة لأن الرطوبة ترخى و ترهل الليف فلا يتأتى منه القبض و الاشتمال.

و علامته: أن لا يكون هناك علامات الحرارة لا في المنى كالصفرة و الحدّة و لا المزاج كالعلامات المعلومة و يكون المنى كثيرا رقيقا أما الكثرة فلغلبة الرطوبة و أما الرقة فلعدم الحرارة المغلظة.

و علاجه: استفراغ البدن و تنقيته من الرطوبات بالاسهال بالأيارجات و القى ء و هو أولى؛ لأن الاسهال يجذب المواد و الرطوبات إلى الأعضاء السفلية و تمريخ العانة و العجان و هو ما بين القحفة و الخصية بدهن الخلّوق و هو دهن الزعفران و دهن الآس و النرجس و دهن القسط و شراب الفنجنوش و هو شراب يؤخذ من عصير العنب مع أدوية قابضة يغلى غليات حتى يتقوم و صفته: أن يؤخذ من سلاقة العنب العفص ستة أرطال، و يطبخ مع السماق و العفص و الجلنار و الورد و الكندر و الكزبرة و الصعتر و السعد من كل واحد عشرة دراهم؛ و الزعفران و المرو و الشب اليمانى، من كل واحد درهم؛ و خبث الحديد ثلاثون مثقالا و يطبخ حتى

ص: 190

يبقى الثلث و يصفى و معجون الخبث و صفته: اهليلج أسود، بليلج، آملج، فلفل، دار فلفل، زنجبيل، سعد، شيطرج هندى، سنبل، من كل واحد عشرة دراهم؛ بذر الشبت، بذر الكراث، من كل واحد اربعة دراهم؛ خبث الحديد المدبر بخل الخمر المجفف المقلو، مائة درهم؛ يسحق و ينخل و يعجن بعسل منزوع الرغوة و دهن لوز حلو، ثم يلقى فيه درهمان من المسك و يرفع في إناء صينى و يستعمل بعد ستة أشهر.

و قد يكون من حدّة المنى و لذعه حتى لا تستطيع الأوعية أن تمسكه عند الهيجان و الحركة بل يشتد اشتياقها إلى دفعه للذعة و حرقته فتدفع هي أى:

الأوعية ذلك المنى عن نفسها سريعا.

و علامته: حدّة المنى و لذعه عند الخروج.

و علاجه: سقى ما يبرّد و يرطّب مع قبض من الأشربة مثل شراب الخشخاش مع حليب بذر الفرفخ و الحماض و الخس و الأغذية مثل الأرز و العدس مع حليب بذر الخشخاش.

و قد يكون من ضعف الأعضاء الرئيسة و فتور قواها فتضعف سائر الأعضاء بتبعيتها و هذا يكون مع نقصان الباه و قد ذكر ضعفها بعلاماتها و علاجاتها.

ص: 191

الفصل الثالث: فى كثرة الشهوة

يكون إما لامتلاء البدن و كثرة الدم و المنى.

و علامته: قوة البدن و حمرة اللون و قلة الضعف على كثرة الباه؛ إذ لا ينقص من غذاء البدن شى ء عند استفراغ المنى لتوفر المادة و الاحتلام؛ لأن الأوعية عند تمدّدها و تأذيها بامتلاء المنى و لذعه تشتاق إلى دفعه بالانضمام و الانقباض عليه، سيّما إذا عرض له احتداد و هيجان عند النوم بسبب توجه الحرارة نحو الباطن.

و علاجه: الفصد و الاسهال و تقليل الغذاء و إمالته إلى الحموضة و شرب ماء العناب و العدس و الحصرم و الرمان الحامض و الخلّ و استعمال الدواء البارد المقلل للمنى مثل: بذر الخس و بذر البنج و الشهدانج و الكزبرة و دقيق البلوط و النيلوفر و بذر البقلة و الصندل و السماق و الجلنار و الطباشير و العدس المقشّر و الورد و الكافور، و تبريد الظهر لتبرد الكلية و أوعية المنى فيسكّن لذعه و هيجانه بما يضمد مثل أقاقيا و الطين الأرمنى و الطراثيث و الجلنار بماء الآس و بما ينام عليه مثل ورق الخلّاف و ورق النيلوفر و فرش الكتان و نحوها.

و الحق أن كثرة الشهوة إذا كانت مع قوة البدن و صحة المزاج و الاقتدار على الباه من غير استعقاب ضعف، فليس مما يجب أن يشتغل بتدبيره و كسره؛ لأن كسره من غير ضرورة يوهن المزاج و ينهك القوة كما صرح به «الشيخ»- و سبب ذلك أن المنى عند كثرته يغمر الحرارة الغريزية و يبرّد البدن و يصير كلّا على الأعضاء و يتبع ذلك أعراض رديئة، بل إنما يجب أن يكسر إذا استعقبه ضعف فسيتفرغ عن البدن بالفصد و الاسهال؛ لأن استفراغه بهما أقل ضررا من استفراغه باخراج المنى.

ص: 192

و إما من حدّة المنى و لذعه و هيجانه و مطالبته بالخروج.

و علامته: حدّة المنى و لذعه عند الخروج و سرعة خروجه مع حرقة و حدوث ضعف بعده، و أن يصيب منه حرقة البول لانجراد مجرى البول من الرطوبة الغروية بسبب حدّة المنى.

و علاجه: تناول الاشياء المبرّدة المرطّبة كالقرع و بقلة الحمقاء و الخس و اللبن و استعمال الدواء البارد المقلل للمنى مع ما فيه تخدير يسير مثل: قشور الخشخاش و ورق القنب و الدخول في الماء البارد و شرب الرائب الحامض فإنه في غاية التبريد و التطفئة.

و إما من كثرة الرطوبات المهيئة لأن تصير منيا مع ضعف البدن و قلة الدم و فتور القوة.

و علامته: غزارة المنى و رقته و بياضه و كثرة النفخ لكثرة الرطوبة التى هي مادته.

و علاجه: الدواء الحارّ المقلل للمنى مثل الشونيز و بذر السذاب و بذر الفنجنكشت و الفوتنج و ورق النعناع(1) و المرزنجوش و الأغذية و الأدوية الطاردة للرياح لأن الرياح بايجابها الانعاظ تحرك الشهوة و تذكر النفس كالصعتر و السذاب و ورق النعناع و الفوتنج و الجوارش الكمونى و نحوه كالدراج و الطيهوج و القبج.

و إما لحكة و بثور في أوعية المنى توجب ما يوجب المنى عند كثرته من اللذع و الدغدغة فتتحرك الشهوة كما يعرض للنساء حكّة في الرحم من أخلاط حارّة صفراوية أو مالحة بورقية فيشتاق إلى شى ء يدخل فيه و يحكه ليبدّد المادة المؤذية و يسكّن الدغدغة فلا تهدأ فيهن شهوة الجماع.

و علامته: أن يكون الجماع يزيد في الشهوة(2)؛ لأن حركة الجماع تثير الحرارة و تزيد في كيفية تلك الأخلاط الحارّة اللذاعة و فى كميتها أيضا، لما

ص: 193


1- 187. ( 1).[ خ. ل: غير موجودة] و فيه بحث لانه ليس من الأدوية المقلّلة للمنى كما صرّح به الشيخ في علاج كثرة درور المنى و المذى و الوذى و قال:« النعنع فاضل في تغليظ المنى و تغذى؟ اعضائه على ضبطه»، و كما قال الهروى: الفودنج هو نهرى و بستانى و برى و جبلى، يقطع الباه و يمنع الاحتلام الّا الفودنج البستانى فانه النعناع و هو ينفع و يقوى الباه.
2- 188. ( 2). كما يزيد الحكاك في الحكّة و الجرب.

ينجلب إلى الأوعية من الدم و المنى و غيرهما فيستحيل شى ء منها إلى نوع تلك الأخلاط(1) و ربما يتبع الجماع ألم لتقرح تلك البثور و حرقتها بمرور المنى.

و علاجه: الفصد إن وجب و الاسهال للمادة الحادّة الصفراوية و تعديل المزاج بحليب الفرفخ و الخشخاش و لعاب بذر قطونا مع شراب البنفسج و الاستنقاع الماء البارد جدا لأنه يبرّد و يسكّن اللذع و يصلب الأعضاء و يقويها على منع المواد الفاسدة.

و إما لكثرة النفخ لما تلزمه كثرة الانعاظ كما يقع من القراقر التى لا تؤلم انعاظ شديد و أما التى تؤلم فلا يمكن ان يحدث منها انعاظ، لأن الألم يمنع الأعضاء من خواص افعالها و تحلل القوة لتحليل الرياح بسبب مجاهدة الطبيعة و اضطرابها لدفع المنافى و كما يشتدّ انعاظ صاحب السوداء المراقية و إن لم يكن له منى كثير و لا حادّ.

و علامته: شدة الانعاظ و تقدم تناول المنفخات و المزاج المنفخ كالسوداوى على ما ذكر في الماليخوليا.

و علاجه: إن كان التبخير و النفخ من قوة الحرارة(2)، فيه بحث(3)؛ لأن الحرارة القوية تلطّف و تحلّل الأبخرة التى تتولد من الرطوبات و تصير رياحا عند مفارقة الأجزاء النارية عنها فسقى المبرّدات مثل حليب بذر الفرفخ و الخس و الهندباء مع رب السفرجل و إن كان من ضعف الحرارة و كثرة الرطوبة فسقى المجفّفات المحلّلة للرياح على ما ذكر و إن كان من كثرة السوداء فاستفراغ السوداء بطبيخ الأفتيمون و غيره مما مرّ غير مرة.(4)

شرح الأسباب و العلامات ؛ ج 2 ؛ ص194

ص: 194


1- 189. ( 1). و يلزم منه زيادة الحكة التى هي سبب الشهوة و لذلك يتبع الجماع ألم لأجل سخونة المادة المنصبّة.
2- 190. ( 2).[ خ. ل: الحرارة و الرطوبة].
3- 191. ( 3). أقول: ليس فيه بحث اصلا لأن المراد من قوة الحرارة لا في مرتبة من القوة حتى يحلل الأبخرة فإن قوة الحرارة لها مراتب قال« الشيخ» في علاج كثرة الشهوة: و ما كان من المنفخات فعلاجه المبرّدات إن كانت حرارة شديدة حتى يطفى حرارته المنفخة أو المجففات بقوة فالمحللات للرياح إن كان مع برودة شديدة و استفراغ سودائهم إن كانوا سوداويين.
4- 192. سمرقندى، نجيب الدين - شارح: كرمانى، نفيس بن عوض، شرح الأسباب و العلامات، 2جلد، جلال الدين - قم، چاپ: اول، 1387 ه.ش.

الفصل الرابع: فى كثرة درور المنى و المذى و الوذى193

فالمذى هو رطوبة تسيل عند ابتداء الشهوة لتليين مجرى المنى فيسهل خروجه لأن طول زمان خروجه مما يفسد مزاجه و يبرّده فلا يتأتى منه الإحبال. و مجراه فوق مجرى المنى؛ لأن تليينه لما يسيل فوقه أزيد من تليينه لما يسيل تحته، و سبب خروجه أن شهوة الجماع إذا ابتدأت، حرّكت أجزاء القضيب و أوجبت الانعاظ لأجل التهيئة للجماع فانضغطت الغدة الموضوعة في رقبة المثانة و يلزم ذلك سيلان الرطوبة منها. و الوذى و هو رطوبة غروية لزجة تسيل في مجرى البول عند ارادته لتغرية المجرى؛ لأن البول لكثرة مقداره يطول زمان مروره عليه، و هو حادّ فاحتيج إلى تلك الرطوبة ليكسر بلعابيتها حدّة البول فلا ينسحج المجرى. و تولدها من غدة موضوعة بقرب عنق المثانة تنضغط عند حركة البول للخروج فتسيل منها تلك الرطوبة و هى إذا كثرت و غلظت، سالت بعد البول أيضا.

أما سيلان المنى و خروجه من غير إرادة أى: من غير مزاولة جماع، فيكون:

إما لكثرة المنى لقلة الجماع و كثرة تناول مولّدات المنى فتمتلئ الأوعية و تتمدّد و تتأذّى و تضطرّ إلى حركة دفّاعة للمنى بانضمامها و عصرها عليه.

و علامته: كثرة ما يخرج من المنى عند الجماع و استواؤه في القوام، لكمال نضجه لصحة مزاج الأعضاء و سلامة افعالها من غير حرارة مفرطة مرقّقة لقوامه و لا برودة مفرطة مغلّظة له من غير استتباع ضعف في الأعضاء و لا في القوى إلّا

ص: 195

أن يكون البدن ضعيفا في الأصل و أوعية المنى قوية فتنصبّ مادة المنى من الأعضاء و تجذبها إليها فيزداد الضعف بذلك عليها.

و علاجه: استفراغ المنى الذى قد تولّد في الأوعية بالجماع و تقليل الغذاء عند قوة البدن و استعمال الدواء المقلّل للمنى من الحارّ و البارد على حسب الواجب.

و إما لحدّة المنى و حرافته فيلذع الأوعية و تحوج الطبيعة إلى دفعه.

و علامته: الاحساس بحدته عند الخروج و ربما كان معه حرقة البول؛ لأن المنى لحدته يجرّد الرطوبة الغروية عن القدر المشترك بينهما من مجرى القضيب فتحدث فيه الحرقة عند مرور البول و كان لونه إلى صفرة و تدل عليه الأسباب السالفة.

و علاجه: استعمال الأشربة الباردة الرطبة مثل شراب النيلوفر و البنفسج و العناب و الدواء البارد المقلل للمنى المتخذ من الجلنار و بذر الخس و البقلة و بذر قطونا و البنج و الهندباء و الخيار و الكزبرة و النيلوفر.

و إما لاسترخاء أوعية المنى و برد مزاجها و ضعف قوتها الماسكة فتتخلى عن امساك المنى فيسيل هو بنفسه.

و علامته: رقة المنى و أن ينزل بلا انعاظ لاسترخاء الأعصاب و لا دفق لأنه إنما يكون عند عصر الأوعية و انتشار القضيب إذ حينئذ ينفتح المجرى و يتسع و يصير صالحا لان ينزرق فيه المنى و الاسترخاء ينافى ذلك و سائر علامات برد المزاج.

و علاجه: سقى الدواء الحارّ المقلل للمنى المتخذ من بذر الفقد و هو بذر الفنجنكشت سمى به لأنه يفقد النسل و ورق الفوتنج و السعد و الجلنار و بذر السذاب و المرو الابيض و الشهدانج و الكمون و الشونيز و الميعة اليابسة و نحوها و أخذ الكمونى.

و إما لتشنج و تمدّد يعرض لعضل أوعية المنى فيسيل المنى بعصره عليه كما ينزرق عند النزع و مفارقة الروح لتشنج الأعضاء و المجارى و انقباضها، و أيضا العضو المتشنج يضطرّ إلى حركات منكرة فتتحرك الدافعة لذلك و تدفع المنى عند وقوعه في الأوعية ظنا منها أنها تدفع المؤذى الآخر الذى هو التشنج، كما يعرض القى ء عند تأذى المعدة من مؤذ غير الطعام بخلاف ما يعرض لعظلة المقعدة

ص: 196

من التشنج فإن تشنجها حابس، لأنها حينئذ خلقت للحبس و كذلك عضلة المثانة، و تلك- أى: عضلة الأوعية- خلقت للعصر و العصر موجب لانفتاح المجرى.

و علامته: أن ينزل مع انعاظ لعدم استرخاء الآلة و يكون هذا التشنج و التمدد في الصرع و فى توتر الذكر المسمى فريسموس لما تتشنج فيهما عضلات اوعية المنى و القضيب.

و علاجه: علاج التشنج.

و إما لضعف الكلية و ذوبان شحمها من شدة الشهوة؛ لأن شدة الشهوة لا تكون الّا من غلبة الحرارة و هى موجبة للذوبان أو كثرة الجماع لما ذكر في هزال الكلية.

و علامته: علامات ضعف الكلية و سوء مزاجها الحارّ و أن يخرج من المجامع بعد البول شى ء كثير من مادة المنى من غير لذة و لا تدفق و لا متانه، و ذلك لأنه بسبب ضعف الماسكة و رقة المنى يسيل منه شى ء كثير و يتحرك إلى الخروج و لا يندفع بتمامه لضعف الدافعة أيضا فيبقى في المجرى و يندفع عقيب البول و يعلّق بالثوب و هو ردى ء منهك للبدن و القوة؛ لأنه من الرطوبة القريبة العهد بالانعقاد و منها تغتذى الأعضاء الأصلية من غير احتياج إلى كثير تغير.

و علاجه: علاج ضعف الكلية و سوء مزاجها و قد ذكر.

و إما لفكر في الجماع أو استماع من حديثه، فتتحرك أعضاء المنى إلى فعلها و هو الانتشار و اخراج المذى و المنى نوعا من الحركة ضعيفا فيمذى، أو قويا فينزل و ذلك إنما يتمّ إذا أعانه سبب آخر من الأسباب المذكورة مثل كثرة المنى و حدّته و ضعف الماسكة.

و علاجه: ترك حديث النفس بها و السماع من حديثها و تقوية القوة الماسكة بما يسقى و بما يمرخ به.

و قد يحدث للنساء سيلان المنى مثل ما يحدث للرجال من تلك الأسباب بأعيانها، و من استرخاء فم الرحم أيضا مع أن منيهنّ أرق و أوعية منيهن أضعف جدا فتتخلى عن إمساكه بأدنى سبب و ينبغي له أن يتفقد أنه من أيّ سبب و يعالج بالعلاجات المذكورة في الرجال.

ص: 197

الفصل الخامس: في الاحتلام194

أسبابه مثل أسباب درور المنى الّا أن أكثر المنى يكون فيه جامدا لبرودة أعضاء التناسل فلا تهيّج الشهوة و لا يتحرك المنى فيه و لا يتولّد النفخ الّا عند النوم لتوجه الحرارة إلى الباطن و عدم تحلّل الروح و الريح فيه كما في اليقظة و كذلك علاجه.

و ينفع منه شدّ صفائح الأسرب على الظهر؛ لأنه ببرودته يمنع سخونة المنى عند النوم. و النوم خاصة على الظهر و على فراش الحرير من المنعظات لسخونة الكلى و الشرايين التى في أعضاء المنى و انجذاب الروح و الريح و الدم إليها فيسخّن لذلك المنى و يتحرك و تنحلّ عنه رياح نافخة منعضة و تنفتح أيضا افواه العروق و الشرايين التى فيها بسبب الحرارة و الإمتلاء فيخرج منها روح و ريح كثير إلى القضيب فينتشر فينبغي أن يجتنب النوم على القفا و ينام على الجانب الأيمن؛ لأن الكلية اليمنى تماس محدّب الكبد فتكون قريبة من الظهر بعيدة عن الجنب الأيمن، و الكلية اليسرى نازلة جدا لمزاحمة الطحال لها فتكون قريبة من الجنب الأيسر فتسخن عند النوم عليه بخلاف اليمنى فإنها لا تسخن عند النوم على اليمنى على الفراش المبرّدة مثل الكتان و على ورق الخلّاف و البنج و الفنجنكشت و نحوها.

ص: 198

الفصل السادس: في فريسموس195

و هو باليونانية اسم للعبة قائمة الذكر يلعب بها اهل «الروم» في الأعراس، و قيل:

إنه في الأصل اسم لولد الشيطان استعير منه على هذه اللعبة. و قيل: إنهم يصوّرون على أبواب الحمامات صورة شيطان اسود قائم الذكر واحدى يديه على ذكره و يسمونه بهذا الاسم، و قال «ابن هبل»: قيل: إن الصبيان كانوا يلعبون بفأرة من خشب تسمى بهذا الإسم، فشبّه القضيب حين ينتصب بها و سميت العلة بهذا الاسم و هو أن يشتد الانعاظ و يبقى القضيب متوترا من غير شهوة الجماع عند قلّة المنى أو مع شهوة عند كثرته و يبقى بعد قضاء الوطر على ما كان عليه من الانتشار؛ لأن سببه ليس من المنى و ربما أخذ ينمو و يطول لقوة الحرارة و كثرة ما ينجذب إليه من الدم بسبب التمدّد المؤلم و هو يضرّ بالنسل لتعذر ادخاله في عنق الرحم و لتضرر الرحم به أيضا عند الادخال لشدة صلابته و لأن المنى لا يصل إلى قعر الرحم عند عظم القضيب و طوله الا و قد برد بسبب طول المسافة.

و هذا الداء إذا لم يعالج، أدّى إلى تمدّد أعضاء المنى و حدوث ورم حارّ فيها لكثرة ما ينجذب إليها من المواد الحارّة بسبب الألم و ربما يقتل بالألم لذكاء حس هذه الأعضاء، و لذلك كانت تلتذّ عند الاحتكاك فوق سائر الأعضاء و لشدة مشاركتها للقلب و الدماغ.

ص: 199

و سببه كثرة الريح الغليظة في أعضاء الجماع و مداخلتها في مجارى القضيب و هى إما متولدة في نفسها أو واردة إليها من الشرايين متولدة في أعضاء قبلها.

و علامة ما يتولّد في نفس القضيب أن يكون معه اختلاج في القضيب متقدم. و علامة ما يصير إليه من الشرايين أن لا يكون معه تقدم اختلاج في القضيب و معه ألم لشدة صفاقة جرم الشرايين و ضيق تجويفها فيشتد فيها التمدّد و الأذى من الريح الغليظة و مادة هذه الريح رطوبة غليظة لزجة و فاعلها حرارة قليلة تبخر تلك الرطوبة و لا تقوى على تحليل الأبخرة فتصير رياحا عند مفارقة الاجزاء النارية عنها. و قد يعين على هذين السببين- أعنى المادى و الفاعلى- تكاثف جلدة القضيب و ما يليه لأنه يمنع تحلّل الرياح عن المسامّ و تقدم الأسباب المتقدمة الظاهر أن لفظ التقدم زائد من الأغذية المولّدة للبلغم و المنى و الحارّة و الحريفة لأنها تسخن الأخلاط و تبخّرها و النافخة و من كثرة النوم على القفا فيذوب المنى ريحا لسخونة الكلية و من شد الحقو شديدا فتتسع أفواه العروق المتجهة إلى القضيب بامتلائها من الدم فينصبّ إليه كثير من الدم و الروح و يسخّن المنى و أوعيته و تتولد الرياح و ربما حدث هذا الداء من ترك الجماع مدة فيتحرك المنى عند غلبته و الريح الشهوانى بقوة و يؤدى إلى فريسموس.

و علاجه: إن كان مع حرارة و كثرة دم، الفصد و سائر ما يقلّل المنى مما ذكر كثرة الشهوة و سيلان المنى الذى من الحرارة من تقليل الغذاء و سقى الأدوية الباردة المجففة للمنى، و شد صفائح الاسرب على الظهر و العانة. و إن كان مع بياض اللون أى: لون المنى و رقة المنى، فالقى ء بما يخرج البلغم دون الاسهال لما يخاف فيه من انحدار المواد إلى أسفل و التمريخ بما يكسر الرياح مثل دهن السذاب و سائر ما قيل في سيلان المنى الذى من الرطوبة البلغمية.

ص: 200

الفصل السابع: في العذيوط

و هو الذى إذا جامع ألقى زبله عند الانزال و لم يملك مقعدته لاسترخاء عضلاتها الماسكة للبراز. و قد يعرض هذا للنساء أيضا و أكثر ما تحدث هذه العلة للذين يغلب عليهم الشبق جدا لحدّة المنى و رقته و كثرته و تكثر فيهم اللذة أى: لذة الجماع، و هم ذو الطبائع الكثيفة فان التذاذهم و تألمهم بالمحسوسات اللمسية أشدّ و أقوى من ذوى الطبائع اللطيفة، و ذلك لأن آلة اللمس لغلبة الأرضية و الكثافة عليها و على محسوساتها التى هي الأجسام الأرضية، تبقى متكيفة بتلك الكيفيات الملموسة زمانا له قدر فينضم ما تتكيف به في الزمان السابق مع ما يتكيف به فى الزمان اللاحق فتدركه القوة المدركة على أتم وجه فتلتذّ به أو تتألم؛ بخلاف سائر الآلات، فإنها ألطف من آلة اللمس و كذا محسوساتها، فإن محسوس الباصرة الاضواء و الاشكال و الالوان بواسطة الضوء و محسوس السامعة الهواء المتكيف و محسوس الشامة البخار المتكيف و محسوس الذائقة الماء المتكيف، و كما أن كل واحد منها أكثف من الآخر على الولاء كذلك الالتذاذ و التألم به أكثر و أقوى من غيره و لذة المجامعة من اللذات اللمسية التى هي أقوى الجميع سيّما في الطبائع الكثيفة و لذا ترى الحكماء يلدون أولادا سخفاء و السخفاء(1) يلدون أولادا أذكياء، لأن الحكماء للطافة طباعهم لا تغلبهم لذة المجامعة فلا يستفيد

ص: 201


1- 196. ( 1).[ أى: غير ذكيّ].

منيهم فضل قوة و روح فيكون أولادهم ناقصى العقول و القوى، و أما الثقفاء(1) فلكثافة طباعهم ينقهرون و ينغلبون من لذة الجماع و تميل نفوسهم بالكلية إليها فتتوفر القوة و الروح على منيّهم فيكون مولودهم كاملا في العقل و الفكر و سائر القوي و يسترخون جدا عند الانزال لتحلّل روحهم شيئا بعد شى ء و ضعف قواههم و عروض حالة كالغشى من شدة اللذة و من استفراغ المنى فإنه أيضا يضعف القوي بخروج أرواح كثيرة معه و أكثرهم مترهّلوا الأبدان؛ لأن لحمومهم تكون سخيفة متخلخلة و مسامّاتهم واسعة، و اعصابهم مسترخية و ارواحهم قليلة و دماؤهم رقيقة فيكثر التحليل فيهم لذلك عند الانزال و يزداد الاسترخاء و الوهن فى عضلاتهم و اعصابهم.

و تدبيرهم أن يجامعوا على الخواء أى: خلاء الأمعاء(2) و بعد التبرز و يتناولوا الأشياء القابضة العاقلة للبطن مثل القلايا المبذرة بالكمون و القبج و الطيهوج و الكردناج و الارز المحمص المطبوخ بقليل دهن و يتحملوا شيافا متخذا من اقاقيا و رامك و جلنار و صمغ و كندر و يتعاهدوا عليه خصوصا عند الجماع و يعنى بتقوية قلوبهم لتكثّر أرواحهم و تقوية قواهم و أدمغتهم لتقوية أعصابهم و يكسر حدّة منيّهم لتسكين شبقهم.

ص: 202


1- 197. ( 1).[ خ. ل: السخفاء].
2- 198. ( 2). و فى بعض النسخ:« خلاء المعدة» و هو تصحيف و تفصيله في« كشف الإشكالات».

الفصل الثامن: فى أورام الانثيين199

تكون إما حارّة و علامتها: حمرة اللون و عظم الحجم لتخلخل المادة لحرارتها الأصلية و النارية العفنية و الوجع و الحرارة و الالتهاب خصوصا إذا كان في نفس الخصية لاتصالها بواسطة الشرايين بالقلب.

و علاجها: فصد الباسليق و وضع الخرق المبرّدة بالخلّ و ماء الورد و اللعابات مثل: لعاب بذر قطونا و العصارات عليها مثل عصارة الكزبرة و عنب الثعلب و الهندباء و بعد الابتداء إلى الانتهاء تخلط بها الأدقة لأنها تبرد و تردع و تحلل مثل دقيق الشعير و الباقلاء و الحمص ثم توضع عليها الأضمدة المحلّلة المتخذة من البابونج و الإكليل و الكمون و نحوها مخلوطة بدهن الورد للارخاء و التليين و صفرة البيض لأنها تلين الأورام الحارّة و تحللها تحليلا قويا.

و إما باردة بلغمية. و علامتها: بياض اللون و رخاوة الملمس و قلة الوجع.

و علاجها بعد القى ء مرات بما يخرج البلغم: التضميد بالأضمدة المحلّلة المتخذة من الأدقة مثل دقيق الباقلاء و الحمص و الكمون و الإكليل و البابونج و الحلبة و المقل و الشمع نحوها.

و إما صلبة سوداوية و علامتها: الصلابة و الكمودة و علاجها: استعمال القى ء و التضميد بالأضمدة الملينة و المحلّلة مثل المقل و البابونج و الإكليل و

ص: 203

ورق الكرنب المتخذة بالامخاخ مثل مخ ساق البقر و الابل و الشحوم مثل شحم البط و الدجاج و الصموغ مثل الاشق و الميعة السائلة بميفختج، تأويله بالعربية مطبوخ العنب و هو الرب.

ص: 204

الفصل التاسع: فى عاقونا200

هذه علة نادرة في الرجال و فى النساء أندر و هى اختلاج الذكر في الرجال، و فى فم الرحم في النساء و تمدّد يعرض في أوعية المنى لورم حارّ بها و انعاظ شديدة لما ينجذب إلى العضو دم كثير بسبب حرارة الورم و لما يسخّن المنى أيضا بهذه الحرارة فينحلّ عنها و عن مادة الورم ابخرة كثيرة تصير رياحا غليظة لعصبية هذه الأعضاء و كثافتها فلا تتحلل بسرعة و تصير سببا للانعاظ و الاختلاج و إن لم يعاف العليل منه تادّى إلى خلع أوعية المنى من شدة التمدد. و من عرض له التشنج من اصحاب هذه العلة و انتفخت بطنه و عرق عرقا باردا فهو يموت لأن التشنج انما يعرض عند تأذى الدماغ من ورم ذلك العضو و شدة ألمه، لأنه عضو عصبى ذكى الحس متصل بالدماغ، و انتفاخ البطن انما يكون عند ضعف الحرارة الغريزية و استيلاء الحرارة النارية على الرطوبات التى في الاحشاء و المراق و آلات التناسل و احالتها لها إلى الرياح النافخة، و العرق البارد انما يكون لضعف القلب و خمود الحرارة و انحلال القوى من شدة الوجع و تخليتها عن امساك الرطوبات فيسيل ما رقّ و لطف عنها بالعرق.

و علاجه: الفصد و تليين الطبيعة برفق بالاشياء الباردة مثل الترنجبين و الشيرخشت و حليب الخيار شنبر و ذلك لئلّا تنصبّ المواد إلى موضع الورم و

ص: 205

وضع الأطلية المبرّدة جدا على اعضاء الجماع مثل الصندل و الاسفيداج و الطين الأرمنى و الأفيون بماء الخس و ماء الكزبرة و سقى ماء الشعير و بقلة الحمقاء و عصا الراعى فإن لم يكف ذلك و دام الورم، فلتوضع المحاجم على القضيب مع شرط أو يرسل عليه العلق بعد تنقية البدن و الأمن من انصباب المواد إليه لتستفرغ المادة من نفس العضو.

ص: 206

الفصل العاشر: في وجع الانثيين و القضيب

يكون إما من سوء مزاج حارّ. و علامته: الحرارة و الالتهاب.

و الهندباء و عنب الثعلب و ربما جعل فيها افيون عند شدة الوجع و الخوف من

و إما من سوء مزاج بارد. و علامته: قلّة الألم و الوجع الخدرى.

و علاجه: التمريخ بالمروخات الحارّة مثل شحم البط و الدجاج و دهن الخروع الذى قد فتق فيه فرفيون.

و إما من ريح. و علامته: انتقال الوجع و التمدد بلا ثقل.

و علاجه: وضع الاطلية الحارّة المحلّلة عليه المفشية للريح مثل: البابونج و الإكليل و الفوتنج و السذاب و التمريخ بالادهان الاحارّة التى قد اديف فيها جندبيدستر مثل: دهن الياسمين و السذاب.

و إما من ضربة أو صدمة. و علاجه: الفصد و وضع المبرّدات الرادعة عليها اللينة غير القابضة لئلا يؤلم فإن المرخيات تلين قوام العضو و تهيؤه للتمديد و تعدّه لأن تتحلل منه الفضول و كل ذلك مما يسكّن الألم بخلاف القابضات مثل البنفسج و النيلوفر و القرع و نحوها كورق الخطمى و الكرنب و عنب الثعلب.

ص: 207

الفصل الحادّى عشر: في عظم الخصيتين

قد يعرض للخصيتين أن تعظما لا على سبيل الورم بل على سبيل السمن و الخصب فلا تولدان المنى على ما ينبغي لما يتبدّد فيهما الحرارة الغريزية لعظم المكان و يمنعان أيضا من المشى و أكثر الحركات عند ازدياد العظم كما حكى «المسيحى» من أن رجلا عظمت خصيتاه في «دمشق» حتى كان كيسهما على قدر المخدّة الكبيرة و تعذّرت عليه الحركة و النوم حتى اختار الموت و جاء إلى البيمارستان النورى و طلب المعالجة عن الجراح فانهم امسكوا من معالجته خوفا من موته، ثم حضر إلى دار العدل و سأل من نائب السلطان أن يأمرهم بالمعالجة فعالجوه بقطعهما و بقى بعد ذلك أياما قلائل ثم مات، و عند قطعهما و زنوهما فكان وزنهما سبعة عشر رطلا بالدمشقى، و الرطل ست مائة درهم كما يعرض العظم على سبيل السمن للثديين فيثقل حملهما على البدن و يتولّد اللبن فيهما على ما ينبغى.

و يعالج بالأدوية المبرّدة المخدّرة لتضعف القوة الجاذبة و الغاذية التى تعالج بها أثداء الأبكار و النواهد و هن اللواتى يخرج ثديهن لئلا يسقط ثديهن من العظم و الثقل على الصدر مثل البنج و الشوكران و اللفاح و قشور الخشخاش و حكاكة حجر المسن بأن يتخذ منه الفهر(1) و الصلاية(2) بماء الكزبرة و مثل حكاكة الأسرب و حكاكة حجر الرحى.

ص: 208


1- 201. ( 1).[ هو الحجر الفوقانى للرحى الصغيرة التى يدق بها الجوز و نحوه].
2- 202. ( 2).[ هى الحجر التحتانية للرحى الصغيرة التى يدق بها الجوز و نحوه].

الفصل الثانى عشر: في ارتفاع الخصية203 و صغرها204

قد يعرض للخصية أن تتقلّص و ترتفع من كيسها إلى العانة فتؤلم و تمنع أكثر الحركات و تصغر و يجتمع في ذاتها لاستيلاء المزاج البارد و الضعف عليها(1) كما يكون عند الخوف الشديد و الغوص في الماء البارد فتصغر الخصية من البرد و تهرب و ترتفع على قدر الامكان إلى أعالى البدن لتكتسب حرارة من الأحشاء و الثرب و الأعضاء الباطنة و ذلك لأنها مجوفة متخلخلة سخيفة الجوهر غددية و مع ذلك على خارج البدن فتأثرت من البرد تأثيرا قويا فتكاثفت و انقبضت بالضرورة و مالت إلى تنور البدن و ربما غابت و ارتفعت إلى المراق حتى يعسر البول لانضغاط المجرى و ضيقه عنها و يوجع عند دروره و يحدث تقطير البول.

و علاجه: المروخات و الأضمدة المسخّنة الجذابة للدم مثل دهن الفرفيون و مرارة الثور و الحلتيت و مثل الحلبة و المرزنجوش و الإكليل و البابونج بماء العسل و مداومة الحمام و الآبزن للارخاء و التسخين.

ص: 209


1- 205. ( 3). لأن البرد يحدث صغر الخصية لما يوجبه من تجمع الأجزاء و تكاثفها. أما استيلاء الضعف عليها فلقلة ما يصل إليها من الغذاء بسبب تكاثف المجارى عن البرد مع أنها ايضا قلّما يجذب الغذاء لعدم الحرارة الجاذبة. و أما حدوث الصغر منه فلهرب الخصية من أذية البرد لأجل ضعفها.

الفصل الثالث عشر: في دوالى الصفن206

و هو كيس الانثيين و صلابته قد يعرض على الصفن و ما يليه دوالى ملتوية كثيرة و ربما احتقن فيها ريح غليظة متولدة من المواد الغليظة المنصبة إليها و تواتر عليها اختلاج لحركة الريح، و قد يعرض مثل ذلك على جرم الأنثيين فيتعذر المشى و تسمى القروء الدوالية.

و سببها: انصباب مواد غليظة إلى هذه العروق التى في الجلد أو في جرم الانثيين و يستدل على ذلك بظهور عروق ممتلئة ملفوفة ملتوية عليها كأنها عنقود. و أكثر ما يعرض ذلك للخصية اليسرى لضعفها و نقصان حرارتها لأن الجانب الأيسر لبعده عن الكبد أبرد و لأن لها عرقا زائدا تنصبّ إليه المواد فان الأجوف النازل يتفرق منه عرقان عظيمان يتوجهان إلى الكليتين يسميان الطالعين و ينشعب من أيسرهما عرق يأتى البيضة اليسرى، ثم يتفرع من الاجوف عرقان يتوجهان إلى البيضتين و ربما كان منشأها العرقين الآتيين إلى اليسرى من أيسر هاذين الطالعين الذى يتوجه إلى الكلية اليسرى فيكون الدم و الروح اللذان يأيتانها أبرد و أرطب لعدم تصفّى المائية عنه و أما الذى يأتى البيضة اليمنى فإنما يكون منشأه من نفس الأجوف النازل فلذلك يكون الدم الذى ينصبّ إليها أنضج و أنقى من المائية و هكذا الأمر في تشريح الشريان فيهما و انما جعل ذلك كذلك لتتعادل

ص: 210

اليسرى مع اليمنى في الحرارة في الجملة فيكون توليد المنى فيهما متساويا و لا يختلف فعل المصوّرة فيه.

و علاجه: علاج الدوالى التى في الرجلين و قد يجى ء، و علاج الأورام الصلبة فى الانثيين لمشاركته لهما في السبب و هو المادة الغليظة و قد ذكر و هو القى ء و التضميد بالأضمدة الملينة المحلّلة.

ص: 211

الفصل الرابع عشر: في استرخاء الصفن

قد يطول الصفن و يسترخى بسبب حرارة الهواء و رطوبته كما في البلدان الجنوبية المجاورة للبحارّ من غير أن يسترخى ما في داخله و يكون فيه أمر سمج و مزاحمة عند المشى.

و علاجه: التنطيل بالمبرّدات المقبضة مثل العفص و الآس و الورد و العدس و القرظ و الجلنار و جفت البلوط و الكزمازج و التضميد بها.

ص: 212

الفصل الخامس عشر: فى قروح الذكر و الخصية و حواليها

قروح هذه المواضع رديئة تسرع إليها العفونة لقربها من مجارى الفضول الحارّة العفنة و لأنها مستترة من الهواء البارد الذى يمنع العفونة لا ينبغي أن يتوانى في علاجها لأنها تسعى في زمان يسير و تشتدّ نكايتها لذكاء حس هذه المواضع.

أما الطرية منها فتعالج بمثل الصبر و المردارسنج و الاقليميا المغسول بالشراب لدفع العفونة و التوتيا و اللؤلؤ و القرع المحرق و النحاس المحرق و الشادنج و الجلنار، ضمادا أو مرهما أو ذرورا.

و أما المتقادمة فتعالج بدقاق الكندر و القرطاس المحرق و لحاء شجرة الصنوبر المحرق و المر و نحوها من المجففات القوية.

و أما الآكلة منها التى تعفّنت و فسدت و اسودّت أجزاء العضو منها فتعالج بالفلدفيون و نحوه مما يأكل اللحوم الفاسدة و ينظف القرحة من الوضر و الصديد و يجففها.

و أما إذا كانت القروح داخل القضيب و يستدل عليها بحرقة البول و عسر خروجه و خروج الدم و المدة و القشور معه، فتعالج بالأدوية التى من قبيل الأول مما له تبريد و تجفيف و ألين منها لئلا يزداد الألم و اللذع. و بالجملة، يعالج بعلاج قروح المثانة.

ص: 213

الفصل السادس عشر: فى الحكّة في القضيب

تكون إما من مادة حادّة صفراوية أو بورقية أو دم سوداوى متعفن تنصبّ إليه أو عرق حادّ ينصبّ و يترشّح من نواحيه فيحكّه.

و علاجها: نفض تلك المادة بالفصد إن أمكن و الاسهال بطبيخ الهليلج و الشاهترج ثم طليه بالخلّ و دهن الورد و قليل ماميثا و ماء الكرفس المعصور إن كانت بورقية، و الّا فماء الكزبرة و غسله بالماء الحارّ لينظف الجلد و يلينه و يفتح المسامّ و يحلل المواد و يسكّن لذعها ثم طليه ببياض البيض لأنه يبرّد تبريدا معتدلا و يجفف تجفيفا لا لذع معه و يشدّ الأعضاء و يمنع انصباب المواد إليها و إن كان الأمر اغلظ ينبغي أن يحجم على الأربية عند باطن الفخذ و يرسل عليه أى: على القضيب العلق و يطلى بأطلية الجرب على ما يجى ء.(1)

الفصل السابع عشر: فى أورام القضيب208

علامات الحارّة منها و الباردة مثل علامات أورام الانثيين، و كذلك معالجتها و يستعمل على الحارّة منها خاصة قشور الرمان و الورد و العدس ضمادا، بعد أن يطبخ بالماء و يدقّ مع دهن ورد. و على الباردة دقيق نوى التمر و الخطمى ضمادا بالخلّ و دقيق نوى التمر، جزءان؛ خطمى، جزء.

ص: 214


1- 207. ( 1). في مبحث الأورام و البثور.

الفصل الثامن عشر: فى شقاق القضيب

يعالج بعلاج شقاق المقعدة لأنه أيضا انما يحدث من الحرارة و اليبوسة.

و مما يقرب نفعه و يشفى سريعا أن يؤخذ قيموليا و هو طين ابيض كالرخام و توتيا و حنا و كثيرا و يتخذ منها مرهما بالشمع و دهن الورد و صفرة البيض.

الفصل التاسع عشر: فى الثآليل و التوث على القضيب و نواحيه

يعالج بعلاج سائر الثآليل و يطلى بالبورق المحرق و رماد حطب الكرم و غير ذلك مما يحلل و ينشف الرطوبة الجامدة التى هي مادتها. فإن لم ينجع، تقطع و ينثر عليه الزاج و الزنجار ليحبس الدم.

ص: 215

الفصل العشرون: فى السدّة في مجرى القضيب

تكون إما من بثور تخرج فيه. و علامته: حرقة البول و عسر خروجه لضيق المجارى و لأن البائل لشدة الوجع عند البول يمسكه و لا يرسله دفعة.

و علاجه: فصد الباسليق و سقى لعاب بذر قطونا و ماء بذر بقلة الحمقاء و أن يزرق في الاحليل بعد انفجار البثرة شياف البيض بلبن جارية و دهن ورد للتبريد و تسكين الوجع بالارخاء و التخدير و التغرية و الحيلولة بين جرم المجرى و بين البول. و هذه القرحة تندمل بسهولة لأن مرور البول عليها ينقيها من الوضر و يجففها.

و إما من خلط غليظ لزج يلحج فيه. و علامته: عسر البول من غير حرقة و خروج الخلّط الغليظ منه.

و علاجه: سقى المدرات مثل الإنيسون و بذر الجزر و الكرفس و بذر الرازيانج و بذر البطيخ و الهليون و تلطيف التدبير بمثل ماء الحمص و الشبت و الكمون و الزيت و حليب لب القرطم و أن ينطل على القضيب بالمياه الملطّفة التى طبخ فيها مثل البابونج و الإكليل و البرنجاسف و المرزنجوش و الفوتنج و الصعتر و أن يزرق في الاحليل أيضا مع مثل دهن البابونج.

ص: 216

الفصل الحادى و العشرون: فى اعوجاج الذكر209

سببه تمدد يعرض للقضيب إما من خلط غليظ لاحج في عضل من عضلاته فيمدّده إلى جهة تلك العضلة، و إما من ورم حادّث به، و إما من تشنج يابس أو امتلائى في عصب من الأعصاب الآتية إليه؛ فإن كان في العصب الآتى إليه من العانة، كان التعوج إلى فوق و إن كان في العصب الآتى إليه من القطن، كان إلى أسفل. و كل ذلك يمنع من الادخال في عنق الرحم و لا يندفق عنه المنى إلى قعره على استقامة.

و علاجه(1): أن يلين بعد إزالة السبب(2) بالملينات من الادهان مثل دهن السوسن و النرجس و الشحوم مثل شحم الدجاج و البط و الامخاخ مثل مخ ساق البقر و الشمع و الراتيانج ثم يسوى باليد.

ص: 217


1- 210. ( 2).[ الإعوجاج الكائن من التشنج اليابس] عسر العلاج بل كل تشنج اذا حدث من يبوسته فهو كذلك لأن اخلاف المتحلل من الرطوبات الاصليه المستقرة في جوهر الأعضاء غير ممكن كما مرّ في باب التشنج. و كذلك اذا كان الاعوجاج خلقيا. و أما الإمتلائى فالواجب في علاجه أن يبدأ أولا بالإنضاج و الإستفراغ ثم يستعمل الملينات.
2- 211. ( 3). بالفصد و الاسهال.

الفصل الثانى و العشرون: في القيل212

إن المريطا- و هى المجرى الضيق الذى يحدث من اجتماع اطراف الصفاق عند الاربيتين وقت نزولها إلى البيضتين حتى يصير كيسا لهما المريطاء بالمد، ما بين السرة و العانة، و فى تفسير المصنف له نظر. و فى بعض النسخ أنه باريطارون و تفسيره أيضا بما ذكره غير مستقيم. ثم نقول: للبطن بعد المراق و هو الغشاء الخارج و بعد العضل غشاءان: أحدهما؛ الثرب و هو داخل يقال له:

ابيلس أى: الطافى من حيث أنه يطفو و هو يحوى الأمعاء و يسخّنها بدسومته و بحصره الحرارة فيها و منعه من أن يتفشى لكثافته، و هذا الغشاء بالحقيقة مركب من غشاءين و شعب من الأوردة و الشرايين قد تخلل بين فرجها شحم كثير. و الآخر الصفاق و يقال له باريطارون أى: الممتدّ من حيث أنه يمتدّ على أوعية الجوف و يسترها و اذا انتهى إلى الأربيتين حصلت فيه ثقبتان مثل البرنجين تنفذ فيهما عروق و معاليق ثم ينفتحان و ينبسطان حتى يصيرا كالكيس الواحد للبيضتين- إذا اتسعت أو انخرقت ما بين الثقبتين من الغشاء الصفاقى حتى ينزل فيهما شى ء مما فوقهما إلى كيس الخصيتين، يسمى قيلة، وادرة وقروا بفتح القاف و سكون الراء و سبب اتساع هذا المجرى رطوبة مرخية بالّة توسعه خصوصا إذا أعانتها و ثبة قوية أو صيحة أو حركة عنيفة و لذلك تحدث هذه العلة بالصبيان كثيرا لرطوبة مزاجهم و ضعف اعصابهم و أغشيتهم و كثرة حركاتهم العنيفة و ذلك النازل

ص: 218

إما أن يكون المعاء مع الثرب الا إذا عرض للثرب فتق فينزل المعاء وحده.

و علامته: أن يحدث قليلا قليلا فيه نظر، لأنه من علامات اتساع المجرى سواء كان النازل معاء أو ثربا أو غيرهما، لأن الاتساع لا يكون دفعة بل على التدريج بخلاف الخرق و أن لا يرجع بسهولة عند الاستلقاء و الغمز عليه لغلظ جوهره و ثقله و ميله إلى الأعضاء السفلية بالطبع، بخلاف الريحى فإنه للطافته و خفته يرجع بسهولة عند الاستلقاء بالغمز لانبساط الأمعاء و الأغشية حينئذ و لزوال الانضغاط و وقوع بعض اجزائها على بعض، و لاستقامة المجرى الذى نفذ فيه الريح بل يرجع بعسر بخلاف المائى فإنه لا يرجع عند ذلك قطعا، و انما كان المعوى يرجع عند ذلك لما تتمدّد الرباطات و تنجذب الأمعاء من أسافل البدن و تميل إلى أعإليها و يزول عنها ميلها و تسفلها إلى جهة الأنثيين و بقرقرة يسيرة لحركة ما احتبس فيه من الاجزاء الريحية و ربما عرض معه وجع القولنج لالتواء الأمعاء و تغيرها عن الوضع الطبيعى كما مر في القولنج و يصير من الزبل شى ء إليه أى: إلى ذلك المعاء النازل إلى كيس الانثيين، و هذا مما يؤدى إلى الهلاك في الأكثر لأنه إذا اجتمع الزبل في الكيس عسر رجوع المعاء من ذلك المجرى إلى موضعه و لا يمكن ان ينحل القولنج الّا بعد استقامة وضع الأمعاء.

و اما أن يكون أى: النازل الثرب فقط.

و علامته: أن يرجع بعسر عند الاستلقاء و الغمز لأنه غشاء واسع مترهل ليس ارتباط بعضه ببعض كارتباط الأمعاء حتى ينجذب إلى الأعالى عند الاستلقاء و لأنه أشدّ رخاوة و أكثر ترهلا و لينا من الأمعاء فينزلق عند الغمز من تحت الأصابع و لا يرجع بسهولة و بلا قرقرة إذ ليس للثرب وعاء تحتبس فيه الريح كما للأمعاء.

و علاجهما معا: أن يردا برفق لئلا يشتد الوجع و لا يزداد الاتساع في المجرى فان لم يرجعا، أجلس العليل في الماء الحارّ ليسترخى المجرى و يتسع و غمز عليه برفق حتى يرجع ثم يضمد بضماد متخذ من المصطكى و الانزروت و الكندر و جوز السرو و ورقه و الاقاقيا و دم الاخوين و المر و الشب و الصبر و الابهل و الحضض و الاسراش و غرى السمك و لا يحلّ ثلاثة ايام و هو مستلقى حتى ينقبض المجرى و يضيق و يحذر عن الامتلاء لئلا يثقل الأمعاء و يزيد ميلها إلى التسفل و الحركة عليه لأنها تعين على النزول و الانحدار

ص: 219

و المنفخات لأنها بتمديدها القويّ تدافع الثرب و الأمعاء و توجب نزولهما لأن الريح عند كثرتها تتحرك إلى الكيس و يشد المجرى دائما باللجام خاصة عند الحركة و الجماع.

و إما أن يكون ريحا. و علامته: أن يرجع بسهولة عند الاستلقاء و غيره، و ذلك لخفته و لطافة جوهره و بقرقرة شديدة.

و علاجه: الشد بالعصائب المربعة و هجر المنفخات و سقى ما يحلل الرياح مثل الكمون و السنجرنيا و نحو ذلك و التضميد بالسذاب و الفنجنكشت و الوج و الفوتنج و المرزنجوش و الشيح و نحوها و التمريخ بدهن القسط و الزنبق و الناردين و نحوها.

و إما أن يكون النازل ماء و رطوبات تنصبّ إلى الكيس من دفع الطبيعة أو يتولّد عنده لبرده و إحالته الدم الذى يصل إليه لغذائه إلى المائية.

و علامته: أن يكون أملس لأن عند الامتلاء بالماء يتمدد و يزول عنه الغضون، و أيضا يبتلّ جرمه و يترطب بالمائية و تزول عنه الخشونة براقا لما يرقّ الجلد عند التمدد فيدرك تحته شفيف الماء و صقالته ثقيلا بخلاف باقى الأقسام، أما الريحى فلأن الريح جوهر خفيف، و أما الثربى و المعوى فلأن الثرب و المعاء و إن كانا جسمين ثقيلين لكنهما مربوطان من فوق برباطات كثيرة و أن يعظم جدا إذ كل ما يرد إليه من المائية و الرطوبات يوما فيوما يبقى فيه و لا يتحلّل عنه لصفاقة جلده و يقلّ معه البول لانضغاط المثانة و البرانج فيكون البول قليلا و المرات كثيرا، أو لانصراف شى ء من المائية إلى الكيس عند ما يكون من دفع الطبيعة كانصرافه إلى فضاء البطن في الاستسقاء الزقى و أن لا يرجع(1) البتة.

و علاجه: إن كان كثيرا أن يبزل يمين الدرز أو يساره موازيا له

ب «مبضع» عريض و يستفرغ الماء على التمام في يومين إلى اربعة أيام لئلّا يحدث الغشى ثم تربط الخصيتان أبعد ما يمكن و تؤخذ حديدة دقيقة معقّفة(2) محماة و تدخل في موضع البزل و تدار على الصفن حتى لا تصيب الخصية بل تصيب الصفن و الباريطارون فيتشنج موضع الفتق و يضيق فلا يدخله الماء بعد ذلك ثم يعالج

ص: 220


1- 213. ( 1). أي: الماء و الرطوبات.
2- 214. ( 2). أي: معوّجة.

الخشكريشة و يدمل، و قد يبزل و يترك من غير كيّ فيصح العليل مدة حتى يجتمع الماء فيه ثانيا فيعاد العلاج و بعضهم يقطعون جزءا من الكيس ليتفشى الماء في الهواء و لا يجتمع فيه ثانيا و يكوى موضع البزل، فيه بحث؛ فان القدماء من المعالجين كانوا يستعملون الخياطة و ينثرون عليه الأدوية الملحمة و المحدثين يستعملون الدواء المنبت للّحم من غير خياطة.

و إن كان صغيرا، تنشف تلك المائية بالأدوية الناشفة للماء المستعملة الاستسقاء الزقى مثل رماد قضبان الكرنب و رماد خشب البلوط إذا طلى بدهن الزيت المقوم بالسعد و دقيق الشعير و اخثاء البقر و بمثل الفلفل و حب الغار و البورق و الكمون بالزيت المقوم بالطبخ.

و قد يكون لانصباب مادة غليظة فغلظت و سمنت الخصية و يسمى القرو اللحمى، فيه نظر؛ لأن «الشيخ» قد صرح بأن غلظ الصفن و صلابته من ورم أو سمن يسمى ادرة اللحم و قال «صاحب الكامل»: إن القرو اللحمى هو نبات اللحم في الاجسام المحيطة بالانثيين و يكون الورم في هذه الحالة جاسيا(1) و ربما كان متحجرا و تكون معه أوجاع رديئة و أما غلظ الخصية و سمنها فهو أن تعظم الخصية و قد ذكر من قبل.

و علاجه: علاج الورم الصلب في الانثيين، فان لم ينفع فعلاجه بالحديد، و أما ادرة الدوالى فقد ذكر في دوالى الصفن.

ص: 221


1- 215. ( 1). أي: صلبا.

ص: 222

الباب الثامن عشر: فى أمراض الرحم

اشارة

ص: 223

ص: 224

الباب الثامن عشر: في أمراض الرحم

فى العقر و هو امتناع العلوق و عسر الحبل و كثرة الاسقاط.

الفصل الأول: في العقر216

العقر يكون:

إما من سوء مزاج الرحم و ذلك يكون:

إما باردا يكثف الرحم و يضمّ افواه العروق التى يصير فيها المنى و دم الطمث إلى فضاء الرحم فإذا أورد إليه المنى من الرجل أو المرأة برّده و جمّده فلا تنجب.

و علامته: رقة الطمث لأنه بسبب ضيق المجارى يحتبس الغليظ و لا يسيل منها الّا ما كان رقيقا مائيا و قلة حمرة دمه أى: دم الطمث لكثرة مائيته و قلة الشعر فى العانة لأن تولد الشعر انما يكون من أبخرة دخانية تنفصل عن الأخلاط، بتأثير الحرارة و البرودة مانعة عند ذلك، و لأن تولده إنما يكون في المسامّات المعتدلة في السعة و الضيق و البرودة تكثف الجلد و تضيق المسامّات بل تسدها فلا ينفذ فيها من الابخرة ما يصلح لتكوّن الشعر النزر اليسير و قلة الحيض لانضمام افواه العروق كما ذكر و تطاول أزمانه أى: تباعد أزمان الحيض بأن تكون مدة

ص: 225

الطهر الواقع بين الحيضتين مديدة، و الأولى أن يقول(1): تطاول الطهر، كما قال «الشيخ»، و ذلك لأن المرأة التى هذه حال رحمها يكون دمها بلغميا باردا غليظا(2) قليل المقدار لا يندفع الّا إذا كثر جدا.

و إن كان هذا المزاج عاما لجميع البدن، تدل عليه دلائل المزاج البارد من اللون و اللمس و غير ذلك.

فعلاجه: تنقية البدن إن كان هناك امتلاء من خلط بلغمى بالأيارجات و الحقن ثم سقى الجوارشات و المعجونات الحارّة مثل المثروديطوس و السنجرنيا و دواء المسك و احتمال الفرازج المسخّنة للرحم المتخذة من الزعفران و السنبل و الإكليل و الساذج الهندى و القردمانا و الشحوم مثل شحم الاوز و الدجاج و صفرة البيض بدهن الناردين في صوفة و تبخير الرحم بمثل الزرنيخ الأحمر و المر و جوز السرو و الميعة و السعد و القنة و حب الغار في قمع بعد الطهر.

و إما حارّا بحيث يفسد المنى و يحرقه كما يحرق الهواء الحارّ البذور و أما الحرارة المعتدلة فإنها تنفع بذاتها في الحبل لجذب المنى و إنضاجه و عقده و جذب الغذاء إليه و غير ذلك.

و علامته: نحافة بدن المرأة لكثرة التحلل و احتراق الرطوبات و استيلاء اليبس و الجفاف على الأعضاء، و ذلك إنما يكون عند عموم هذا المزاج و سريانه من الرحم إلى جميع الأعضاء و كثرة الشعر في الثنية و هى ما بين السرة و الفرج و نزارة الحيض و حرارته و غلظه و سواده لاحتراق الدم و نقصان مائيته.

ص: 226


1- 217. ( 1). قال في« كشف الإشكالات»: مراد المصنف منه أي: من تطاول زمانه امتداد زمان الحيض بأن يكون مدة بقائه طويلة من جهة كثافة الدم و غلظه و يضيق[ تضيق] المجارى و انضمام افواه العروق و لضعف الدافعه ايضا فيندفع حينئذ قليلا قليلا في زمان أطول من المعتاد فلا يكون قول الشارح أولى من قوله. أقول: يحتمل أن يكون المراد من تطاول زمانه تباعد زمان الحيض كما ذكره« الشارح» أو يكون المراد منه امتداد زمان الحيض كما ذكر ذلك الفاضل لكنه لا يساعده« القانون».
2- 218. ( 2). قال الفاضل السرهندى: فيه بحث؛ لأنه يناقض ما تقدم من علاماته من رقة الطمث. و قال« شريف الأطباء» فى جوابه: لا يناقض؛ لأن دم البلغمى الغليظ القليل الذى في العروق بسبب غلظه و قلته و ضيق افواه العروق لا يخرج و انما يخرج الرقيق من هذا الدم اذا كثر جدا في العروق و ضغطها فالخارج الرقيق هو المسمى بالطمث فيكون الطمث رقيقا و الدم غليظا.

و علاجه: تبديل مزاجها بالأشربة مثل شراب البنفسج و النيلوفر و الخشخاش و الاغذية مثل الفراريج و لحوم الحملان و الجدى بالاسفاناج و القرع و اكتسابها الخصب بالأغذية الموافقة لها لان الرطوبة تحطم سورة الحرارة و تزيل اليبس العارض منها.

و إما يابسا يجفف المنى و يفسده و يكون ما يتولّد في الرحم من المنى غليظا متينا لا يتمدّد و لا يقبل التخطيط و التشكيل و يضيق أيضا منافذ الغذاء من الرحم و المشيمة فلا يصل إلى الجنين إلّا شى ء يسير. و بالجملة، اليبس مناف للتكوين و التغذية.

و علامته أيضا: نحافة المرأة و نزارة الطمث و يبس الفرج دائما و ربما بلغ من يبسه أن يشبه الجلود اليابسة.

و علاجه: الترطيب بالتوسيع في الأغذية و الأشربة الرطبة مثل الاسفيدباجات الدسمة و اللبن الحليب و الفالوذجات و مثل شراب البفسج و النيلوفر و ادمان الحمام المرطّب و استعمال الأدهان المرطّبة مثل دهن البنفسج و القرع و النيلوفر و الشحوم مثل شحم البط و الدجاج و الفرازج الملينة مثل: مخ ساق البقر و السمن و لبن النساء و لعاب حب السفرجل.

و إما رطبا يضعف القوة الماسكة باسترخاء الليف و يحدث فيها ملاسة فينزلق المنى و يخرج عنها و تضعف القوة الجاذبة للمنى أيضا فلا يجذبه و يغير المنى و يخمد ما فيه من الحرارة الغريزية و تبطل قوة التوليد فيه كما يعرض للبذور في الأراضى النزة.

و علامته: أن تسيل من الرحم دائما رطوبات و إن حبلت يسقط إذا عظم الجنين لأن المشيمة التى هي غلاف الجنين متعلقة بأفواه عروق الرحم المسماة بالنقر فإذا امتلأت تلك النقر بالرطوبة و ابتلّ جرم الرحم بها، لم يمكن أن تتعلق و تتشبّث بها المشيمة فما دام الجنين يكون صغيرا خفيفا، يقوى الرحم على حمله و أما إذا كبر و عظم ضعف الرحم عن الامساك و الحفظ، فيسقط بأدنى سبب.

و علاجه: تنقية البدن من البلغم بالأيارجات و استعمال القى ء و تناول الأغذية الناشفة كالقلايا المتوبلة بالأبازير الحارّة المجففة و تحمل الفرازج المتخذة من شحم الحنظل و الانزروت و من الشب و السماق و المر

ص: 227

و الزعفران و العود بالعسل في صوفة و الحقن فيها أى: في الرحم بطبيخ الطيوب القابضة مثل الورد و اظفار الطيب و الصعتر و السنبل و السك و السليخة، و ذلك لشدة اشتياق الرحم إلى الروائح الطيبة فيكون تأثيرها فيها أشدّ و اقوى.

و قد يكون العقر من انصباب أخلاط بلغمية، أو صفراوية، أو سوداوية إلى الرحم يفسد بها مزاجها فيفسد المنى فيها.

و علامته: خروج تلك الأخلاط، و علاجه: تنقيتها و تقوية الرحم لئلا يقبل مثل هذه الأخلاط كرة اخرى بالشيافات و الحقن و الاضمدة الطيبة التى فيها قبض.

و قد يكون من افراط سمن المرأة و كثرة شحمها فيضغط الثرب فم الرحم و هو الموضع المشترك بين انتهاء بطن الرحم و ابتداء عنقها فلا يصل إليه منى الرجل إلّا أن تكون المرأة على هيئة الساجد عند الجماع فحينئذ يتمكن المنى من النفوذ إلى الرحم، لانحطاط الثرب و مباينته عنها لكن لا يكون منه حبل في الأكثر، لأن الثرب يضيق المكان على المنى لعصره فيخرجه من الرحم و يمنعه من الاستقرار فضلا عن النماء و يضغط أيضا مجارى المنى من المرأة و دم الطمث فلا يجرى إلى فضاء الرحم الا قليلا بحيث لا يفى بتوليد الجنين و تغذيته و ذلك القليل يكون رقيقا لضيق المجارى فلا يصلح للتوليد و التغذية و أيضا لا يفضل من غذاء هذه المرأة- لفرط سمنها- ما يكفى للبذور و النماء كما فى الاشجار العظيمة، فإنها في الأكثر تكون قليلة الثمار، و أيضا السمن المفرط يبعد فم الرحم، فلا يصل الذكر إلى الموضع الذى يمكن أن يندفق منه المنى إلى الرحم من غير أن يبرّد و يفسد و يتغير و أيضا يكون منيها قليل النضج كثير الرطوبة لبرد مزاجها.

و علامته: كثرة الثرب و انشيال البطن أى ارتفاعها و عظمها فوق المقدار، و البهر عند الحركة إذ عند الحركة يشتدّ الاشتغال و يكثر الاشتياق إلى استنشاق النسيم البارد و الثرب يزاحم الحجاب و يمنعه عن الانبساط التام فيضيق النفس و يتواتر ليتلافا به ما فاته من العظم و التأذى بأدنى ريح أو نجو يجتمع في البطن لانضغاط الأمعاء و ضيقها بكثرة الشحم و ضيق القبل لكثرة الشحم و ضغطه للرحم و عنقها و لغلظ الأوراك و الأفخاذ و إن حبلت أسقطت عند كبر الجنين لضيق المكان.

و علاجه: التهزيل بالاستفراغ بالفصد و الاسهال و الحقن الحادّة و تقليل

ص: 228

الغذاء و إدمان أخذ الاطريفل الصغير و الكمونى و غير ذلك مما يجفف و لدواء اللك خاصية عجيبة فى التهزيل.

و قد يكون لرداءه مزاج منى الرجل و عدم استعداده للتوليد بأن يكون حادّا محرقا أو باردا مجمدا أو رطبا سيالا لا يلبث في الرحم لرقته أو يابسا لا ينبسط في الرحم و لا يطاوع القوة المصورة لغلظه و متانته.

و علامة حرارته: علامات المزاج الحارّ و صفرة المنى و قلته و نتن رائحته إن كانت الحرارة الغريبة مفرطة متمكنة منه.

و علامة برودته: علامة المزاج البارد و رقة المنى و غزارته لما لا يتحلّل شى ء منه لعدم الحرارة و ليس يبلغ مزاج المنى في الرطوبة و اليبس إلى أن يمنع الحبل لأن المنى إذا استقر فى الرحم تتحلّل عنه الرطوبة و تفنى إن كانت مفرطة بسبب حرارة الرحم، فيعتدل فى أقصر مدة و كذلك اليبوسة إن كانت مفرطة عليه يعتدل بالرطوبات المنوية و الطمثية التى فى الرحم حتى يصير قابلا للتمديد و التشكيل بسهولة إلّا أن يوافق زوجا بأن يكون مزاج رحمها أو منيّها مشاكلا(1) لمزاج ذلك المنى فلا يعتدل بل يزداد رداءة و فسادا.

و علاجه: إمالة المزاج إلى الإعتدال بالأدوية و الأغذية و استبدال المرأة الموافقة مزاجها لمزاج الرجل السى ء المزاج بالمرأة التى يكون مزاجها ضد مزاجه حتى يعتدل منيّه عند الامتزاج بمنيها.

و قد يكون لقصر رباط الكمرة بالفتح، و هى رأس القضيب فإذا خرج منه المنى لم يمرّ على استقامة إلى أقصى الرحم.

و علامته: أن تكون الكمرة متقوّسة متحدّبة إلى ناحية الخصى و لا يزرق البول على استقامة لانحناء المجرى لكنه يزرق إلى أسفل و لا يزرق أصلا لانحناء المجرى و ميل الثقبة إلى أسفل بل يجرى إلى أسفل من غير زرق.

و علاجه: أن يلين ذلك الرباط بالملينات من الشحوم و الأمخاخ و نحوها كالألعبة و الأدهان ثم يمدّ و يسوّى و يشدّ على شى ء مستوى حتى يستقيم أو يقطع

ص: 229


1- 219. ( 1). اعلم أن فرقة من الحكماء ذهبوا الى أن توافق المنيين شرط في الحبل و عند فرقة اخرى تخالفهما شرط فيه. كذا في« كشف الإشكالات».

قليلا إن لم يستقم بهذا التدبير و يوضع على شى ء مستو و يشد حتى يلتحم الجرح مستويا.

و إما لمرض- أى: في فم الرحم- مثل ورم صلب أو نبات لحم أو ثؤلول أو رتقة أو غير ذلك مما يسدّ فم الرحم و يمنع المنى من الوصول إلى الرحم و يسمى هذا بانغلاق الرحم و علامة ذلك: ظاهرة للحس.

و علاجه: إزالة ذلك إن أمكن و قلّما يمكن أن لا يعرض في مثل هذا العضو إذا عولج بالحديد أو بالأدوية الحادّة الأكّالة خطر؛ لأنه عضو شريف ذكى الحس مشارك للأعضاء الرئيسة يحدث فيه من شدة الوجع ورم يورث الكزاز و التشنج ثم الموت أو غشى عظيم يتبعه الموت.

و قد يكون لميلان فم الرحم لصلابة تحدث في أحد الشقين من ورم صلب أو تكاثف أو تقبض من برد أو يبس أو اندمال قرحة أو امتلاء في عروق أحد الشقين، كما عند احتباس الحيض أو أخلاط غليظة لزجة كثيرة تنصبّ إلى رباطات أحد الجانبين و أليافه فيميل الرحم إلى أحد الجانبين أما في الورم فلما يتمدّد الشق الوارم و ينجذب الصحيح إليه، و أما في التكاثف و التقبض فلما يحدث فيه من التشنج، و أما في امتلاء العروق فلما يغلظ و يتقلّص فينجذب الجانب الآخر إليه، و كذلك في الأخلاط الغليظة لما تتشنج رباطات ذلك الشق و اليافه فيميل الشق الآخر إليه و يزول فم الرحم عن المحاذاة أى: محاذاة الفرج، فلا نزرق إليه المنى.

و علامته: أن يصيب المرأة وجع عند المجامعة لما يتمدد عنق الرحم عند ذلك إلى الاستقامة على هيئة القضيب و هو لا يقبل ذلك و لا يستعدّ له فيتألم و القوابل يعرفن جهة الميل باللمس بالإصبع و يعرفن هل هو من صلابة أو امتلاء أو تمدّد عروق فيه شى ء(1) أو تمدّد ألياف.

و علاجه: فصد الصافن من الجهة المحاذية للشق المميل إليه إن أحسّت القابلة بامتلاء العروق و امتدادها. و إن كان تقبض و تكاثف من غير ورم و مادة، استعملت الملينات من الحقن مثل طبيخ التين و البابونج و الحلبة و لب حب القرطم و بذر الكتان مع دهن الخلّ القبل و المروخات مثل الشحوم و دهن البابونج

ص: 230


1- 220. ( 1). لأن معرفة تمدد العروق على القوابل عسيرة.

و الحمولات مثل ورق الكرنب المطبوخ مع شحم الدجاج و دهن الخلّ في صوفة و الحمام المرطّب. و إن كانت رطوبات استفرغت بما يستفرغها مثل:

الأيارجات ثم تسوى القابلة الرحم بإصبعها ممسوحة بالقيروطى أو بعض الشحوم حتى يحاذى فم الرحم.

و قد يكون لخطأ طارئ بعد الاشتمال أى: اشتمال الرحم على المنى مثل سرعة القيام بعد الانزال قبل أن يستقرّ المنى في الرحم أو حركة عنيفة من وثبة أو صدمة فإنهما تنزلان المنى و تخرجانه إن كان عروضها قبل استقراره و أما إن كان بعد استقراه، فلأنها تزلق علائق المشيمة و تقلعها عن نفس الرحم أو شى ء من الآلام النفسانية من غضب شديد أو حزن أو خوف فان تأثيرها في البدن أشدّ و أقوى و أسرع من تأثير الأمور البدنية و لذلك ترى الرجل عند عروضها له يتغير لونه و صوته و حركاته و سكناته و هذه التغيرات تختلف بحسب اختلاف الأشخاص، فمن كان قوى النفس عالى الهمة قد باشر الأمور و الحوادث و اعتاد التثبّت فيها و إخفائها في النفس، كان تأثيرها فيه أقلّ منه في غيره، كالنساء فإن قواها ضعيفة و أرواحها قليلة رقيقة و ليست هي ممن باشر الأمور الهائلة و اعتاد التثبت فيها فتتأثر منها تأثيرا عظيما تتحلّل أرواحها و تخور قواها، و تثور أخلاطها و تتغير جميع افعالها حتى لا تقدر على تدبير البدن كما ينبغى و مع ذلك فان قواها تتحرك إلى جهة تلك الآلام و تتخلى عن حفظ الجنين و مسكه(1) فيسقط أو من الآلام البدنية من أسقام توجب ضعف القوة الماسكة أو جوع شديد تضعف بسببه قوة الأم عن حفظ الجنين و يفقد الجنين منه غذاءه أيضا فيهلك و يدفعه الرحم دفع المعدة الغذاء الفاسد فيها سيّما عند عظمه أو استفراغ خلط تضعف منه الأمعاء بسبب كثرة الاختلاف و مرور المواد عليها و بمجاورتها يضعف الرحم عن امساك الجنين و يتأذى بمرورها أو ينقص منه غذاء الجنين، لما تستفرغ الأخلاط الصالحة عند استفراغ المادة الفاسدة أو تضعف و تعجز قوة الأم من إمساك الجنين أو كثرة جماع يحرك الرحم إلى خارج فإنه لاشتياقه الطبيعى الذى ألذّ له إلى جذب المنى يبرز عند الجماع إلى الفرج فينزعج الجنين لذلك و يسقط أو كثرة استحمام مزلق للرحم مرخ له بالترطيب الحاصل من سيلان رطوبات البدن

ص: 231


1- 221. ( 1). أي: امساكه.

و الرحم و من بلّة الماء المستعمل في الحمّام فان الماء كيف ما كان يفيد رطوبات غريبة في البدن محوج للجنين إلى هواء بارد لما يسخّن قلب المستحمّ من حرارة الحمّام و يحتاج إلى النفس العظيم و هو لا يمكن أن يكون وافيا بتبريد قلب الحامل و الجنين فيتحرك الجنين إلى الخارج لاستنشاق الهواء البارد و حركات مزعجة مضطربة موهنة لعلائق المشيمة مع أن الحمّام أيضا يرخى الأعضاء لكثرة الترطيب و يرخى القوى و يضعفها بكثرة التحليل.

و علاجه: التحفظ عن تلك الأحوال و الأسباب.

و قد يكون لرياح غليظة في الرحم تحول بين غلاف الجنين و بين متعلقه بالنقر التى فى الرحم فلا تتصل بها العروق التى انتسجت منها المشيمة.

و علامته: انتفاخ الثنة دائما و التأذى بالأطعمة المنفخة و الاسقاط قبل أن يكبر الجنين بخلاف ما يكون بسبب الزلق و الاسترخاء الرطوبى، فإنه لا يسقط الّا عند عظمه.

و علاجه: سقى ماء الاصول و دهن الخروع فإنه يكسر الرياح و يلطفها و يخرج البلغم و الرطوبات التى هي مادتها في وقت لا حبل فيه لأنه عند الحبل يعين على الاسقاط و جميع ما يفش الرياح و ما يعالج به الرحم البارد من وضع المحاجم بالنار و غيرها من المعاجين و الحقن و الفرزجات و الأطلية و المروخات.

و قد يكون من أورام حارّة في الرحم أو بواسير أو قروح رديئة، فإن الحمل لا يكون الّا مع صحة الرحم و سلامة أفعاله و علاج كل واحد يجى ء من بعد إن شاء الله تعالى.

و قد يكون لشدة هزال المرأة، فإذا حبلت في تلك الحال أسقطت قبل أن تسمن؛ لأن البدن ينال من الغذاء لاصلاح نفسه و عود قوته ما لا يفضل للجنين ما يغذوه؛ لأن اهتمام طبيعة الحامل إلى تدبير بدنها أشدّ من اهتمامها إلى تدبير بدن الجنين، فتصرف الغذاء إلى اصلاح بدنها حتى يحصل السمن، و ذلك انما يمكن في مدة أقل منها بكثير يضعف الجنين و يسقط من عدم الغذاء.

و علاجه: التسمين.

ص: 232

و قد يكون لاحتباس دم الطمث الذى هو غذاء الجنين بسبب من الأسباب(1).

و علاجه: ادرار الطمث.

و قد يكون لفساد آلات المنى مثل الوجاء، بالمد و الكسر، و هو رضّ عروق الانثيين التى هي مجار للمنى حتى تسترخى و تترهل و ينفسخ نسج أليافها فيفنى المجرى بالكلية، فلا ينجلب المنى إليهما ثم منهما إلى الأوعية و قطع العرق الذى هو خلف الأذن فإنه يبطل النسل على ما ذكره «افلاطون» في كتاب «الكيّ و الجراحات».

و قال «بقراط» في كتابه في المنى: إن جمهور مادة المنى هو من الدماغ، فإنه ينزل منه إلى العرقين اللذين خلف الأذنين ثم منهما إلى النخاع لئلّا يبعد من الدماغ و ما يشبهه مسافة طويلة فيتغير مزاجه، ثم منه إلى الكليتين بعد نفوذه في العرقين الطالعين المنشعبين من الأجوف، ثم إلى العروق التى تأتى الانثيين و لهذا قيل: إن قطعهما يقطع النسل. و نقل «الطبرى» صاحب «المعالجات البقراطية» في رسالته في الفصد عن «بقراط» أنه ذكر في كتاب «الأهوية و البلدان»، ان الصقالبة إذا أرادوا أن يهيئوا أولادهم للدعوة أو للناموس بتروا منهم هذين العرقين، فينقطع ذلك المقطوع العرق عن الجماع و يصير بصورة النساء، فيتبركون به و يتوسلون به إلى الله تعالى و يرون أن دعاءه مستجاب و أن الله قد اصطفاه و اختاره و طهّره من الخبائث.

و ينكر جالينوس ذلك، قال على بن زين الطبرى في فردوس الحكمة: إن جالينوس انكر ذلك و خطأ قول بقراط، و من اختصم وحده كانت الغلبة له(2).

و قال «الشيخ»: أنا أرى أن المنى ليس يجب أن يكون من الدماغ وحده- و إن كانت خميرته- منه و صحّ ما يقوله «بقراط»- من أمر العرقين- بل يجب ان يكون له من كل عضو رئيس عين و من الأعضاء الأخرى يترشّح أيضا إلى هذه الأصول.

قال «القرشى»: انما يكون تولد المنى من الرطوبة المبثوثة على الأعضاء كالطل،

ص: 233


1- 222. ( 1). المذكوره في مبحث احتباس الطمث.
2- 223. ( 2). حاصل العبارة أن اعتراض جالينوس على بقراط كان بعد انتقاله الى دار البقاء و هذا مما كانت[ موجبة] الغلبة[ له] لأن مجيب الخصم حينئذ ليس بموجود حتى يقدح اعتراضه و يقلب به عليه.

و معلوم أنه ليس في كل جزء من كل واحد من الأعضاء مجرى يسيل فيه ما هناك من تلك الرطوبة إلى الأنثيين ثم إلى القضيب، فلا يمكن أن يكون وصولها إلى هناك الّا بأن تتبخر تلك الرطوبة من كل واحد من الأعضاء حتى تتصعد إلى الدماغ و هناك تفارقها الحرارة المبخرة فتبرد و تتكاثف و تعود إلى قوامها قبل التبخر ثم من هناك تنزل فى العروق التى خلف الأذنين و تنفذ إلى النخاع في عروق هناك لئلّا تتغيّر عن التعدّل الذى أفاده الدماغ فلا تتبخّر بالحرارة كرة أخرى، فإذا نزلت من هناك حتى وصلت إلى قرب الأنثيين، صادفت هناك عروقا واصلة من الكليتين إلى الأنثيين و تلك العروق مملوءة من دم قد تسخن في الكليتين فتعدل فيحيله ذلك النازل من الدماغ إلى مشابهته بعض الاستحالة ثم بعد ذلك ينفذ إلى الأنثيين و يكمل فيهما تعدّله و بياضه و نضجه و منهما يندفع إلى أوعيته.

و أقول: إنى وجدت في كتاب منسوب إلى «هرمس» في سر الخلّيقة قد فسره «بليناس» صاحب «الطلسمات» و ترجمه «ابو مسحوس القس» ما يؤيد كلام «القرشى» و هو أن المنى إذا خرج من معادنه عند الجماع ائتلف بعضه إلى بعض و سما إلى الدماغ و أخذ الصورة منه ثم ينزل إلى الذكر و يخرج منه. و قال «الفاضل العلامة قطب المحققين» فى «شرح الكليات»: و الحق ما قاله «جالينوس»؛ إذ بتقدير تسليم تولد المنى في الدماغ فقطع العرقين المذكورين إما ان يكون سببا لانقطاع المنى بالكلية أو لقطع النسل على معنى أن المنى ما لم يستمر على انحداره إليهما ثم منه إلى الأنثيين ثم إلى القضيب ثم إلى الرحم، لا تكون فيه قوة عاقدة، أو على معنى أن المنى ما لم يمتزج به شى ء من دم العرقين لا يوجب النسل. و الأول ظاهر البطلان؛ لأن من انقطع له العرقان المذكوران لا ينقطع منيّه بالكلية و كذا الثانى؛ لأنه يلزم منه أن الأنثيين متى قطعا و كان العرقان بحالهما لم يبطل النسل و هو فاسد.

و يمكن أن يقال في جوابه: إنا نختار القسم الثانى لكن لا نسلّم أنه يحصل الاستغناء بهما في بقاء النوع عن الأنثيين كما لا يحصل بالأنثيين عن الرحم و القضيب و الأوعية و غيرها من أعضاء آلات التناسل، و ذلك لأن وجود العرقين كما أنه سبب لابراد المنى الموجب للنسل كذلك وجود الأنثيين سبب لنضجه و إكماله و إعداده لقبول الصورة الإنسانية فلا يحصل الاستغناء بوجود كل منهما عن الآخر.

ص: 234

و قد يكون العقر من الرجل و المرأة بغير الأسباب المذكورة، بل لخاصية في المنى كحال الشجرة التى لا تثمر. و قيل في تجربة ذلك: أن يصبّ المنيان على الماء فأيهما طفا فالتقصير من جهته لأنه يدل على الفجاجة و عدم النضج و كثرة الرياح و يصبّ البولان على أصل نبات الخس أو القرع فأيهما جفّفه فمنه التقصير لانه يدل على غلبة الحرارة المحرقة. و قيل: يؤخذ سبع حبات من حنطة و سبع من شعير و سبع من باقلاء و تصيّر فى إناء خزف و يبول عليه أحدهما و يترك سبعة أيام فإن نبت الحب فلا عقر من جهته.

ص: 235

الفصل الثانى: فى الرجا224

بالجيم، سمى هذا المرض به لأن صاحبته ترجو فيه الولد. و قال «الفاضل العلّامة» فى «شرح الكلّيات»: الحق إن هذه العلة إسمها الرحاء بالحاء المهملة، لأن اسم هذه القطعة اللحمية المتولدة في الرحم باليونانية مولى و هو اسم الرحى، أى:

هذه العلة تشبه الرحى لاستدارتها. و فيه بحث؛ لأن «الشيخ» قد ذكر أن الرحا لا يشبه من جميع اقسام هذه العلة، بل هو ما تضع فيه المرأة قطعة لحم له صورة مّا، و هذا القسم بعينه هو المسمى مولى و لا يقال لغير ذلك مولى و يسمى بالفارسية:

«باد دروغين»، و هذا الكلام يدل على أن مولى الذى ترجمته بالعربية الرحا بالحاء المهملة، إنما يقال على قسم من أقسام هذه العلة لا على جميع الأقسام.

قد تعرض للمرأة أحوال تشبه احوال الحبالى من احتباس الطمث و تغير اللون إلى السماجة(1) و الكمودة لكثرة اجتماع الفضلات في البدن و سقوط الشهوة لامتلاء البدن من تلك الفضلات و انصباب شى ء منها إلى المعدة و انضمام فم الرحم لانضغاطه بسبب الورم أو لاشتمال الرحم على ما فيها اشتمالا على الجنين، و ربما كأنه مع صلابة إذا كانت وارمة بالورم الصلب و مشتملة على القطعة اللحمية أو الرياح الكثيرة الغليظة جدا أو الفضول الغليظة و تحسّ في بطنها حركة كحركة الجنين، أما الحركة في الريحى فظاهرة لأن الريح لغلظه لا يتحرك حركة

ص: 236


1- 225. ( 2).[ هى القباحة].

قوية جدا بل شبيهة بحركة الاختلاج و كذا في اللحمى إذا كان ذا حياة، و أما في الورمى فلثقل الورم و ميله إلى الجوانب بحسب اختلاف الهيئات فى الجلوس و الاضطجاع و الاستلقاء، و كذلك الحكم في الفضول الطمثية و القطعة اللحمية غير الحية، لكن الحركة في غير ما يكون عن قطعة لحمية ذات حياة لا تكون كحركة الجنين و حجما كحجمه ينتقل بالغمز يمنة و يسرة.

و سببه: إما كثرة مواد تنصبّ إليها مع شدة حرارة تحلل لطيفها و تعقد كثيفها فتتولد قطعة لحمية لها صورة مّا لا تنضبط أصنافها لكثرتها. و قد تتعفن تلك المواد من الحرارة الغريبة و تلبس مزاجا تستعدّ به لقبول نفس حيوانية فتفيض عليها. و قد سمعت بامرأة ولدت جنينا على صورة سلحفاة يحس و يتحرك ساعات و أخرى على صورة ديك و له جناحان و كثيرا مّا يكون على صورة انسان ناقص الخلّقة. و قد يكون سبب تولدها جماعا يشتمل الرحم فيه على ماء المرأة فقط و تمدّده و ينميه بالغذاء فيتخلق صورة ناقصة الخلّقة لفقدان القوة الذكورية و إما ورم صلب يعرض للرحم أو فمه فيصير الرحم لذلك صلبا متحجرا و ينقطع الطمث لانسداد العروق التى يجرى فيها الدم و تعرض الأعراض المذكورة و إما رياح غليظة تحتقن بين صفاقات الرحم و لا تتحلل لغلظها و كثافة العضو.

و الفرق بينه و بين الحبل الحق شدة جساوة البطن معه دون بطن الحبلى و ترهل اليدين و الرجلين و انتفاخهما لما تحتبس الفضول الطمثية في البدن و لا تنصرف إلى غذاء الجنين فتدفعها الطبيعة إلى الأطراف و تختنق الحرارة لكثرة تلك الفضول و تضعف عن دفعها و تحليلها، سيّما في الأطراف لبعدها عن الينبوع و لما يضعف الكبد أيضا و تضعف القوى الطبيعية لامتلائها من الفضول و لاشتراكها مع الرحم و أن يكون قد جاوز الوقت الذى يتحرك فيه الجنين إلى الخروج، فإنه ربما يمتدّ سنين أربعا و خمسا و ربما يمتدّ إلى آخر العمر و لا يقبل العلاج و يشبه أيضا الاستسقاء إذا تمادى به الزمان، و يفرق بينهما بالجساوة و الصلابة التى فيه و عدم العلامات الاخرى من علامات الاستسقاء إلا أنه إذا أهمل أمره و تطاول آل إلى الاستسقاء.

و علاجه: سقى ماء الاصول بدهن الخروع و سقى الأيارجات الكبار مثل:

أيارج لوغاذيا و أيارج جالينوس بعد ذلك عند نضج المادة ثم سقى الدحمرثا

ص: 237

و دواء الكركم و ترياق الأربعة بطبيخ الترمس و الأبهل و المشكطرا المشبع و غيرها مما يخرج الجنين الميت و استعمال ما يدرّ الحيض من المشروبات و الحمولات التى تذكر في احتباس الطمث و ما يحلل الريح من الكمادات المتخذة من الرماد و الملح المسخّنين و الضمادات المتخذة من الكمون و الصعتر و القردمانا و البابونج و الجاوشير بماء الكرفس و المروخات مثل دهن الياسمين و الخيرى و السذاب و إن كان مع صلابة الرحم فتعالج الصلابة بالاشياء الملينة مما يجى ء في باب الورم الصلب في الرحم ثم بالمحلّلة.

ص: 238

الفصل الثالث: في كثرة الطمث226

إفراط سيلان الطمث يكون:

إما لامتلاء البدن من الدم و دفع الطبيعة له كدفعها سائر الفضول، لأنه حينئذ يكون فضلا مستغنى عنه.

و علامته: امتلاء الوجه و الجسد و درور العروق و أن يكون البدن مع سيلانه قويا لا يضعف و اللون بحاله على الحمرة و النضارة و لا يتغير إلى الصفرة و البياض، بل ربما تقوى القوة و يزيد صفاء اللون و نضارته بخروجه، لانه يغمر الحرارة و يصير كلّا على القوى و ثقلا على الأعضاء و لا ينبغى أن يعمل في حبسه ما لم يظهر ضعف في البدن و القوى و تغير في اللون.

و علاجه: إذا افرط جدا، فصد الباسليق لتقليل الدم و ميله إلى جهة أخرى و شدّ الثديين لميل الدم إلى جهتهما لا لامتلائهما منه، لأنهما عضوان ضعيفان صغيران يمتلئان بيسير من الدم و هو لا يجدى نفعا و لذلك ينبغى أن يكون الشدّ وثيقا مؤلما و وضع المحاجم بالنار على أسفل الثديين لأن عروق الرحم تشارك عروق الثديين في المراق و موضعه عند أسفل الثديين و انما ينبغى أن تكون المحجمة بالنار لأن حركة دم الطمث إلى أسفل حركة طبيعة له و الطبيعة أيضا تعاونه و تدفعه إلى أسفل و لا يمنع هذه الحركة الّا مانع قوى يجذب الدم بقوة إلى جهة مخالفة لحركته الطبيعية و القسرية، التى هي من الطبيعة و لذلك ينبغى أن

ص: 239

تكون المحاجم أيضا كبيرة لتأخذ مكانا كثيرا من تلك العروق المشتركة و ليكون الجذب أيضا أقوى و لا يكون وضعها على نفس الثديين و لا على ما فوقها، لأن هذين الموضعين خاليان من تلك العروق و سقى أقراص الكهرباء و احتمال الشيافات الممسكة للحيض المتخذة من الكحل و الجلنار و الشب و تنكار الصناعة منه معدنى من اجناس الملح فيه طعم البورق مع شى ء من المرارة و منه مصنوع على انحاء شتى و العفص و قشار الكندر و أقاقيا و ماء الآس و نحوها.

و إما لرقة الدم و جذبه فيخرج من أفواه العروق الضيقة للطافته.

و علامته: ضعف البدن لأن الدم الرقيق الحادّ لا يصير جزءا له و تغير اللون إلى الصفرة لكثرة استفراغ الدم و لأن الدم الرقيق الحادّ يكون قريبا من الصفراء في صفائه و رقة ما يسيل من الدم بالطمث و حرقته و سرعة خروجه لحدته و لطافته و صفرة لونه.

و علاجه: علاج النوع الأول في إمالة الدم و حبسه بالأقراص و الشيافات و سقى الأشربة و الربوب القابضة الباردة مثل شراب الرمان و الانبرباريس و الحماض و رب الريباس و السفرجل و التفاح و كذلك الأغذية القابضة الباردة مثل الحصرمية و الزرشكية و الرمانية مع الأرز و سائر ما قيل هناك إلّا الفصد لأنه ليس هاهنا امتلاء دموى يوجب الفصد.

و قد يكون لغلبة الرطوبة و المائية على الدم المرخية لماسكة افواه العروق المرققة لقوام الدم أو لغلبة الخلّط السوداوى الحادّ المفتح لأفواه العروق مثل تفتيح الصفراء.

و علامة كل واحد منهما: أن تتحمل المرأة في الليل قطنة نظيفة قد سخنت على النار لتقبل اللون كما ينبغى ثم تنظر إليها بعد جفافها في الظل فيظهر عليها لون الخلّط الغالب فإن كانت بيضاء فالفضل رطوبته بلغمية، و إن كانت سوداء أو كمدة أو خضراء فهو سوداوى، و هكذا إن كانت صفراء فهو صفراوى و ربما بقيت على ذلك اللون بعد غسلها بالماء.

و علاجه: أن يستفرغ الخلّط الغالب ثم يدبر التدبير المذكور مثل استعمال الأغذية و الأدوية و الشيافات الحابسة.

ص: 240

و قد يكون من بواسير في الرحم.

و علامته: أن يجى ء بأدوار غير أدوار الحيض بأن يكون في شهر يومين إلى سبعة أيام بل يكون أدواره تابعا للامتلاء و ربما لم يكن له أدوار.

و علامته أن يسيل منها الدم مع المدة و الصديد و يكون معه ألم و نتن و حرقة.

و علاجه: علاج البواسير.

و قد يكون من قروح في الرحم.

و قد يجى ء علاج القروح.

و قد يحدث بعقب عسر الولادة لما يضعف معه الرحم و تنخرق العروق و تنفسخ الأغشية لشدة التمدّد فيكثر خروج الدم.

و علاجه: العلاج المذكور في أول الباب و الادوية النافعة للقروح و الشقوق في الرحم كما سيجى ء.

ص: 241

الفصل الرابع: في قروح الرحم

حدوثها إما من أسباب من خارج مثل الضربة التى تقع على موضع الرحم و تفسخ و تهتك غشائه، و إما من سبب من داخل مثل عسر الولادة و شدة الطلق فإن ذلك بفرط التمديد يفسخ الرحم و ما يلازمه من الصياح القوى و التزحر الشديد يعين عليه بسبب حصر النفس و امتلاء العروق و توتّرها و تمدّد الأوعية بالتوسيع أو جذب المشيمة أو جذب الجنين الميت فيعرض منه الهتك و الفسخ في الرحم لأن المشيمة متعلقة بنقرها فإذا فصلت عنها بعنف و قلع شديد قبل أن يسترخى الرحم و أطراف عروق المشيمة المتصلة بها، عرض لها الفسخ بالضرورة أو خلط حادّ مرارى يقطع و يأكل الرحم جزءا بعد جزء أو انفجار ورم أو بثور.

و علامتها: الوجع لحصول التفرق في عضو ذكى الحس و خروج ما يخرج من القرحة: فإن كان شيئا كثيرا شبيها بالدردى، يدل على خراج أى: ورم حارّ قد جمع و انفجر قبل النضج الكامل و الّا لكان أبيض نقيا و إن كان دما أسود منتن الرائحة مع وجع شديد، يدل على التآكل لأن الخلّط الأكّال لشدة تأثير الحارّ النارى فيه يصير أسود متعفنا و لشدة لذعه و حدّته و تقطيعه جرم العضو الذكى الحس يحدث وجعا شديدا و إن كان دما أحمر خالصا، يدل على هتك و فسخ و قد انصدع منه عرق، لأنه لو كان من قرحة أو تآكل لكان مختلطا بالقيح و المدة و الدم الاسود المنتن و إن كان شبيها بماء اللحم مع وجع أقلّ، يدل على أن القرحة و سخة متعفنة تفسد اللحم و يذوب من استيلاء الحارّ النارى المعفن

ص: 242

و يسيل عنه صديد غسالى و انما لا يكون الدم الأسود منتن الرائحة مع وجع شديد، لضعف الحرارة و قصورها عن الاحراق و التعفين الشديد و التقريح و التآكل القوى و ان كان مدة بيضاء ثخينة قليلة المقدار مع لذع و ليست لها رائحة كريهة، تدل على نقاء القرحة من الوسخ و الوضر لأن بياض المدة و ثخنها انما يكون من تصرف الحرارة الغريزية فيها و احالتها إلى مشابهة الأعضاء الاصلية في اللون و القوام، و قلتها إنما يكون بسبب ان ما يجى ء من الغذاء إلى العضو المتقرح يصير اكثره جزءا له، و الباقى بسبب شوب عمل الحرارة الغريبة التى لم ترتفع بعد بالكلية، لعمل الحرارة الغريزية تصير مدة ذات لذع عديمة الرائحة في الظاهر، الّا إذا القيت على الجمر فحينئذ تظهر منها رائحة منتنة.

و علاجها: إن كان فسخ و هتك في الرحم، أن تجلس العليلة في ماء القمقم و تستنجى به ليحتبس الدم و تتحمل فرزجة من الكندر و الانزروت و دم الاخوين و المر و الشب و قشور الرمان و جوز السرو بماء عصا الراعى و ماء لسان الحمل و الآس بصوفة لأن الصوف ناعم لا يؤلم الرحم، و لأن فيه قوة حابسة و ملحمة لأنه يعين على التجفيف الموجب لاجتماع الاجزاء و سرعة الاندمال أو يحقن بها أى: بتلك المياه إن كانت بعيدة الغور في قعر الرحم لأن الحقنة تندفق إلى القعر بخلاف الفرزجة مضافا إليها الطين الأرمنى و أقاقيا و العفص و الرامك و استعمال الفرزجة و الحقن هاهنا أنجح لأن وصول الأدوية المشروبة إلى هذا العضو بعيد جدا و انما يصل إليه ما يصل بعد ضعف عملها و فتور قوتها بطول المسافة أو يسقى أقراص الكهرباء مع ماء لسان الحمل.

و إن كان ما يخرج عن انفجار خراج، ينبغى أن يحقن بدهن ورد و دهن بنفسج و ماء سكر حتى تنقى المدة و الوسخ من موضع القرحة بجلاء السكر فيسكّن اللذع و الوجع بتغرية الدهن ثم تحقن بمرهم الباسليقون فإنه ينبت اللحم و يدمل الجرح سيّما المواضع العصبية و صنعته: زفت و راتينج، من كل واحد عشرون مثقالا؛ قنة، اربعة مثاقيل، يجمع و يذاب بزيت مع دهن الورد.

و إن كانت المدة منتنة أو شبيهة بماء اللحم، فليحقن بالأشياء الباردة القابضة لأنهما يدلان على كثرة الرطوبة و غلبة الحرارة النارية و إنهما إذا بقيا على حالهما و لم يتداركا بالتجفيف و التبريد، زادت العفونة فيهما و فسد اللحم و اتسعت القرحة و تآكلت كالأرز و العدس و قشور الرمان و الجلنار و حب الآس

ص: 243

و الكزمازج و جفت البلوط مع دهن الورد لما فيه من التغرية مع التجفيف و التبريد فان صارت المدة إلى المثانة، سقيت البذور المدرّة غير القوية لئلّا تنجلب إليها مواد حارّة و لا مدة كثيرة و لا يسخّنها فتزداد حدّة المدة و فسادها فتتقرح منها المثانة مثل بذر البطيخ و القثاء و الخيار و القرع مع الخشخاش أجزاء سواء، و الصمغ و النشا و الكثيرا و رب السوس على الربع منها أى: من البذور، أى: يؤخذ من كل واحد من البذور جزء و من كل هذه ربع جزء، لأنها بلزوجتها و غرويتها تحفظ قوة المدرات إلى أن تصل إلى العضو فلا تنقص في طول المسافة(1) و الشربة ثلاثة دراهم بشراب الخشخاش، أو شى ء يسير من قيروطى ليسكّن لذع المدة و حرقتها فلا تتقرح منها المثانة.

فان صارت المدة إلى المعاء المستقيم فيحقن بالعدس و الأرز و أقماع الرمان و الطين الأرمنى و دهن الورد و الاسفيداج و دم الاخوين و الصمغ لأنها جامعة بين القبض- فلا ينصبّ شى ء من المدة إلى الأمعاء(2)، بل يرجع من المعدة إلى الرحم و يندفع من طريقها المستقيم، فإن جرم الرحم أصلب و أصبر على لذعها من الأمعاء- و بين تقوية الأمعاء فتدفع ما ينصبّ إليها من المدة و لا تتأثر من لذعها و حدّتها فلا تتقرح و بين التغرية فيحول بين المدة و جرم الأمعاء و صفرة بيض مسلوقة بخل خمر فإنها إذا سلقت بالخمر حبست الطبع و نفعت من الذوسنطاريا مع أن فيها تغرية، و في الخلّ تجفيفا بليغا و قبضا به تقوى الأعضاء على دفع ما ينصبّ إليها، و فيه أيضا خاصية في دفع العفونة و تنقية القروح الخبيثة.

و إن كان عن تآكل و كان ما يخرج مدة غير نقية من الوسخ بل كان أخضر أو أسود كالدردى أو صديدا، فينبغى أن يحقن بما ينقيها مثل ماء كشك الشعير و العسل و نحوهما مثل ماء الصابون و طبيخ أصل السوس ثم تدمل القرحة بالأدوية المذكورة و إن كانت القرحة مع وجع شديد استعمل الأفيون فإنه يسكّن الوجع بالتخدير و يجفّف أيضا و الزعفران لإصلاحه حمولا بلبن جارية لأن اللبن أيضا يسكّن الوجع بالإرخاء و التليين و ينقّى الوسخ بالجلاء.

ص: 244


1- 227. ( 1). لأنّ حفظ قوة الدواء و اصلاحه يتم بربع وزنه مما في غاية الحفظ و الاصلاح. هكذا قرّر في« قواعد التركيب».
2- 228. ( 2). الطريق المستقيم للمدة المتكونة في الرحم هو فمه.

الفصل الخامس: فى شقاق الرحم229

قد يعرض الشقاق للرحم كما يعرض لعنقه أيضا من الأسباب المذكورة ليبس يطرأ عليه تمدّد عنيف تتكاثف منه اجزاء الرحم و تجتمع فتنشقّ الأطراف التى يكون عنها التكاثف و خاصة عند الولادة إذ حينئذ لا بدّ و أن يتمدّد الرحم و عنقه أيضا و ينبسط غاية ما يمكن و لا يتأتى منه ذلك عند اليبس و الجفاف فينشق و قد يعرض من شدة الطلق و عسر الولادة لما ذكر و لا يتبين الشقاق إذا كان بعد الولادة في أول الأمر، لقرب العهد بالطلق و شدة الوجع الحادّث عنه فيستتر وجع الشقاق تحت وجع الولادة و كذلك الدم المترشح منه تحت دم النفاس ثم تحسّ بالألم قليلا قليلا بحسب سكون وجع الطلق.

و علامته: أن يدرك الشقاق بالحس خصوصا إذا كان في عنقه و المشاهدة في الرحم عند انفتاح فمه بآلة أو في مرآة موضوعة قبالة الفرج بعد انفتاحه و أن يخرج الإصبع داميا. و مما يدل عليه زيادة الوجع و خروج الذكر داميا عند الجماع لتمدد عنق الرحم و زيادة اتساع موضع الشقاق.

و علاجه: استعمال مرهم الباسليقون مع شى ء من شحم البط و الدجاج و دهن البنفسج و استعمال مخ ساق البقر مع دهن البنفسج و الزفت أو دهن السوسن مع علك الانباط و الزفت حمولا و طلاءا.

ص: 245

الفصل السادس: فى حكّة الرحم230

قد تعرض في الرحم حكّة لأخلاط حادّة صفراوية أو مالحة أو بورقية أو أكالة سوداوية، أو منى حادّ جدا، فإن هذه كلها تحدث فيه- و هو عضو ذكى الحس- لذعا و دغدغة لا تهدأ و ربما أفرطت الحكة حتى اسقطت القوة؛ لان كل عضو لين يمس بشى ء لين وجد منه لذة مثل أخمص القدم و الكشح و الاربية، و الرحم ذكى الحس مخلوق ليتلذذ الانسان من مسه و احتكاكه لذة مفرطة و يجد فرحا و نشاطا عظيما، سيّما إذا كانت به أذية تهدأ بالاحتكاك فحينئذ يلتذّ منه بالوجهين، و عند ذلك يتحرك الروح إلى خارج لحظة فلحظة و يتحلل فتسقط القوة لذلك، و لأنه كثيرا مّا ينزل المنى مرة بعد اخرى عند احتكاك الفرج و عنق الرحم فتسقط القوة، و لأن الروح أيضا يتحلّل بتحلّل تلك المواد اللّذاعة عند الإحتكاك و قد يعرض لتلك المرأة أن لا تشبع من الجماع لأن شهوتها ليست من كثرة كمية المنى و تمديده للأوعية حتى إذا استفرغ عند الجماع سكنت الشهوة إلى أن يجتمع فيها تارة أخرى و كلّما جومعت ازداد الجماع شرّها لما تزداد تلك الأخلاط حدّة و لذعا بالجماع، و كذلك المنى الحادّ مع أنه ينجذب منه كثير من الأوعية إلى الرحم عند الجماع و يستدل على أنها من أيّ خلط تحدث من لون الطمث المجفف فى قطنة نظيفة كما ذكر.

و علاجها: تنقية تلك الأخلاط بالفصد من الأكحل و الاسهال بما يوافق كلّا

ص: 246

منها و لطخ فم الرحم بالأطلية المبرّدة مثل الصندل و المامثيا و عصارة لحية التيس و العصارات مثل عصارة الكزبرة و الفرفخ و الخس و الأدهان الباردة مثل دهن الورد و البنفسج، و مما هو مجرب في ذلك: ورق النعناع و قشور الرمان و العدس المقشّر يطبخ بنبيذ و يحتمل بصوفة و كسر سورة المنى و حدّتها بالأدوية المذكورة في كثرة الشهوة مما فيه تبريد و ترطيب و تخدير يسير.

ص: 247

الفصل السابع: فى بواسير الرحم231

حدوثها يكون في خارج الرحم و فى عمقها من خلط سوداوى كما في المقعدة. و معرفتها تكون بحاسة اللمس و البصر إذا فتح فم القبل و نظر فيه أو في المرآة المحاذية له فإنها تظهر ناتئة فإذا كان في وقت هيجان الوجع و هو عند امتلائها و احتباس الدم فيها، كان لونها أحمر و إن كان في وقت السكون و هو عند انفتاحها كان أصفر و تسيل منها رطوبة شبيهة بالدردى و لونها إلى السواد ما هو فتذبل و تصير ضامرة.

و علاجها: استفراغ البدن من الخلّط السوداوى و استعمال الأغذية المرطّبة مثل لحوم الحملان و الجداء و التمريخ بدهن النرجس و السوسن و استعمال المراهم المتخذة من الاقليميا و العروق(1) و المردارسنج بالسوية و الشمع و دهن البذر العتيق و نحو ذلك مما ذكر فى بواسير المقعدة من المجففات، فان كفى و الّا استعمل القطع بالحديد إذا كانت خارج الرحم و لم تكن عريضة على نحو ما يستعمل في بواسير المقعدة، و أما إذا كانت عميقة أو عريضة فلا يستعمل الّا المجفّفات دون الأدوية المحرقة؛ لأنها تنكئ و تؤلم ألما شديدا لذكاء حس العضو.

ص: 248


1- 232. ( 2). أي: عروق الصفر.

الفصل الثامن: فى ناصور الرحم

علامته: طول التعفن إذ الناصور لا يطلق على القرحة الّا إذا بعد عهدها و مضت عليها مدة من وقت الانفجار و لزوم الوجع الّا إذا فسد العضو و بطل حسه بسبب خبث القرحة فيسكّن الوجع و تكون رداءته على حسب سكون الوجع و تقدم قروح لم تبرأ بالمعالجات، إما لضعف طبيعة العضو و عجزه عن التصرف في الغذاء و دفع الفضول القيحية و الصديدية، أو لأنه عضو معكوس لا يستقر فيه الدواء، أو لأنه تنصبّ الفضلات إليه دائما لضعفه و وضعه في أسافل البدن، أو لانه مجاور للمثانة و المعاء المستقيم فتترشح إليه منهما رطوبات حادّة عفنة و طالت المدة و أقلها أربعون يوما و سال الصديد لكثرة الرطوبات الرقيقة القيحية التى تتولد فيه من الغذاء الذى يتوجه إليه و يفسد فيه و يستحيل إلى الصديد لضعفه عن التصرف فيه، و لكثرة ما تنجلب إليه الفضول من الأعضاء المجاورة و العالية و يعرف مكانه بالمرود أنه في عنق الرحم أو قعره، و كذلك يعرف منتهاه به أنه قد جاوز منه إلى عظم العانة أو إلى المقعدة و عضلها أو إلى المثانة و عضلها.

و علاجه: علاج القروح(1) و استعمال الأدوية المنقية المجففة على ما ذكر و لا وجه لعلاجه بالحديد لأنه يؤدى- لعصبية العضو- إلى الكزاز و اختلاط العقل و الغشى، و أيضا لا يمكن هذا العلاج الّا في المواضع التى ترى و تشاهد و يتمكن بعد ذلك على قطع الأجزاء الفاسدة و كل ذلك متعذر فيه.

ص: 249


1- 233. ( 1). أي: القروح العسرة الاندمال.

الفصل التاسع: فى سيلان الرحم234

إنه قد يعرض للنساء أن تسيل من أرحامهن دائما رطوبات و ربما عرض لهن سيلان المنى كما يعرض للرجال و تلك الرطوبات إما أن يكون تولدها في الرحم نفسه إذا ضعفت القوة الغاذية التى فيه فلا يتصرف في غذائه تصرفا طبيعيا بل تغيره عن حاله تغيرا مّا فيندفع عنه و إما فضول تصل إليه من جميع البدن على جهة الاستفراغ و التنقية لضعف فيه لا يقدر على ردعها و تلك الفضول تكون إما بلغمية أو صفراوية أو سوداوية أو دموية أى: غالب عليها الدم؛ إذ لو كان دما خالصا لا يقال له السيلان بل الاستحاضة و يستدل على نوعها بلونها عند السيلان إذا كانت الغلبة شديدة مفرطة و بلون الخرقة المتحملة بعد جفافها إذا لم تكن بتلك الحيثية و يستدل على المنى بلونه في البياض و قوامه في يسير الغلظ و عدم العفونة لان منيّ المرأة جنس من دم الطمث نضج بالحرارة الغريزية نضجا يسيرا و استحال من الدموية قليلا قليلا، فلذلك يكون خاليا من العفونة بخلاف الرطوبات الفضلية التى تصرفت فيها الحرارة الغريبة و صاحبة السيلان يعسر نفسها لأن السيلان انما يكون عند امتلاء البدن مع ضعف الرحم و ضعفه يوجب احتباس الفضول الطمثية أيضا في البدن فتتفرق تلك الفضول في جميع الأعضاء سيّما ما له منها مشاركة مع الرحم مثل: آلات التنفس، فإن لها اتصالا قويا و مشاركة تامة معه، و لذلك يستنشق الجنين من الهواء الذى

ص: 250

استنشقته الأم و مثل المعدة فإن لها أيضا مشاركة قوية مع الرحم و لذلك تسقط شهوتها للطعام(1) و يستحيل لونها إلى الضرب من الرداءة لضعف الكبد و انتشار الفضول مع الدم في سائر البدن و تصيبها نفخة و ورم في العين لارتفاع أبخرة حارّة غليظة و رطوبات رقيقة بسبب ضعف الكبد إليه.

و علاجه: نفض البدن من الخلّط الغالب ثم تنقية الرحم بالحقن المنقية مثل: طبيخ الايرسا و الأذخر و اصل السوس و الفراسيون و الحمص الاسود مع أيارج فيقرا إن لم تكن حرارة و الّا فبماء البذور المدرة شربا و حقنا و تقويتها بعد ذلك بحقن قابضة و فرزجات حابسة على ما ذكر في افراط الطمث و أما سيلان المنى فقد ذكر بأقسامه.

ص: 251


1- 235. ( 1). لاجتماع الفضول الكثيرة مع ردائتها في المعدة.

الفصل العاشر: فى احتباس الطمث236

يكون اما لقلة الدم في البدن و احتياجه إليه فلا يبقى منه فضل زائد مستغنى عنه يندفع بالطمث.

و علامته: النحافة و صفرة اللون و تقدم الجوع و التعب و الأمراض المحلّلة المضعفة للقوى و الاستفراغات خصوصا من الدم مثل سيلان الدم من البواسير و الرعاف و نحو ذلك(1).

و علاجه: التوسع في الأغذية و الدعة و النوم و الحمام المرطّب.

و إما من غلظ الدم لبرده كما يعرض من الماء البارد و الهواء البارد، فإن البرد يجمد و يكثف و يجمع الاجزاء أو كثرة ما يخالطه من الأخلاط الغليظة كالبلغم، فلا يسرى العروق الدقاق و لا يخرج من فوهاتها.

و علامته: ترهل البدن لانتشار الفضول الطمثية في سائر البدن و لكثرة تولد الرطوبات الغليظة في البدن لضعف الكبد و قصور هضمه و بياضه لغلبة الرطوبات البلغمية و استيلائها على الدم و خضرة الأوراد لاحتوائها على تلك الرطوبات الباردة المختلطة بالدم و البرودة تجمد الدم و تسودّه و تغمر الروح و تكثفه و تجمد الحرارة الغريزية و تمنعها من الانتشار و الانبساط في الظاهر فيخضرّ لون المواضع المحتوية عليها أو يسودّ بحسب اشتداد البرد و كثرة البول لما أن الطبيعة تدفع

ص: 252


1- 237. ( 2). مثل نفس الدم و قى ء الدم و كثرة الطمث و القيام الكبدى و السحج و الاسهال و بول الدم و كثرة الطمث و شقاق الرحم و بواسير الرحم و ...

تلك الرطوبات بالادرار، حيث لا تندفع بالطمث و لا بالعرق لغلظها و بلغمية البراز لقصور هضم المعدة، و قلة جذب الكبد من رقيق الكيلوس لضعفه، و لامتلاء البدن من الفضول و اضطراره إلى الدفع دون الجذب و ثقل النوم.

و علاجه: أن تعطى الأدوية المسخّنة الملطّفة(1) ليرقّ الدم و يسيل جرمه مثل بذر الكرفس و الإنيسون و الرازيانج و الفوتنج و المشكطرامشيع و نحوها معجونا بالعسل أو مطبوخا بعد استفراغ الأخلاط الغليظة، و تقعد أيضا في مياه الادوية الملطفة مثل الشبت و المرزنجوش و الفوتنج و السذاب و البابونج و الإكليل و الصعتر و أن تكمد بالأفاوية مثل: السنبل و الدارصينى و السليخة و حب البلسان و عوده و جوزبوا و الهيل و القسط و نحو ذلك مما له مع عطريته تفتيح للسدد و تقطيع للأخلاط الغليظة و تلطيف لها و تسخين للعروق و الأعضاء المتكاثفة من البرد بعد أن تدق كلها و تطبخ و تصير في كيس من صوف و تكمد به السرة و العانة و هو حارّ، كذا وصفه «صاحب الكامل»، و هو الظاهر. و «قال إبن أبى صادق» في «شرح الفصول»: ان التكميد بالأفاوية، و هو أن يبخر بأدوية لطيفة حارّة طيبة الرائحة و ذلك بأن يكبّ «قمع» على «مجمرة» و توضع «انبوبة» في فم الرحم ليترقى دخانها إليه و أن يفصد الصافن لأنه يدر الطمث بقوة لإمالة الدم من الأعالى إلى الأسافل و تحجم الساق عند الصافن لذلك قبل يوم النوبة(2) ليكون الجذب الصناعى مقارنا للدفع الطبيعى، فيكون تأثيره أشدّ و أقوى و تستولى الطبيعة على ما بقى من الخلّط الفاسد بعد الفصد و الحجامة، لانتقاص شى ء منه فيسهل عليها دفعه إلى الجهة التى أميل إليها بيومين لئلا يتصل النوعان من الاستفراغ فيحدث الضعف و فتور القوة.

و إما لسدة افواه عروق الرحم من حرّ مجفف مقبض تتحلّل الرطوبات كتجفيف النار الأديم(3) إذا أدنى منها و يدل عليه الالتهاب و جفاف الرحم أو برد مجفّف مكثّف لغشائه.

و علامته: بياض اللون لأن البرد يوجب الفجاجة و قلة تولد الدم الصابغ و لانه

ص: 253


1- 238. ( 1). الفاترة بالفعل.
2- 239. ( 2). أى: قبل اليوم الذى كانت الطبيعة تدفع فيه الطمث عادة قبل الاحتباس.
3- 240. ( 3). أي: الجلد.

يغلظ الدم و الروح و يحقن الحرارة الغريزية فيخلو عنها ظاهر البشرة و تفاوت النبض لقلة الحاجة إلى الترويح و برد العروق لقلة الدم و الروح و غلظهما و سائر علامات برد المزاج لأن الرحم من الأعضاء الشريفة التى يسرى مزاجها إلى سائر البدن.

أو يبس مكثف. و علامته: يبس الرحم و جفافه و هزال البدن و خلاء العروق(1).

و قد ذكر علاج كل واحد في باب العقر.

و ينفع من الذى من البرد أقراص المر فإنها تسخن الرحم بقوة، و صفتها: مر، ثلاثة دراهم؛ ترمس؛ خمسة دراهم؛ ورق السذاب، فوتنج، مشكطرامشيع، فوة الصبغ، حلتيت، سكبينج، جاوشير، من كل واحد درهمان، يقرص و يسقى بطبيخ الأبهل و الأدوية الملطفة المذكورة لأنها تسخن الرحم و تزيل التكاثف و ترقق الرطوبات فيسهل نفوذها فى المجارى الضيقة.

أو من ورم في الرحم يضيق العروق و يسدّها بالضغط و المجاورة أو رتق على فم الرحم، أو قروح اندملت فسدّت باندمالها أفواه العروق، أو إفراط سمن ضيق المسالك بالمزاحمة و الضغط، و فى هذه العلة يرجع الدم المنجلب إلى الرحم حيث لم يجد منفذا يخرج منه و ينبسط في البدن و يورث امراضا.

و علاجه: أما ما كان من ورم فيجى ء علاج الورم، و أما ما كان من رتق أو اندمال قروح فهو كالميئوس منه و تعالج المرأة بإخراج الدم بالفصد لئلا يكثر و تنقية البدن من الفضلات الطمثية بالاستفراغات و استعمال الرياضة لتحلل تلك الفضلات منها كما تتحلل من الرجال.

و أما ما كان من افراط السمن، فعلاجه: التهزيل بما سيجى ء و فصد الصافن

ص: 254


1- 241. ( 1). هذا مشكل؛ لأن العروق يعرض لها عند احتباس الطمث امتلاء. اللهم الّا أن يكون ذلك في الحقيقة ليس للاحتباس بل لفقدان الدم أو لقلته الذى من شأنه[ أن] يخرج فحينئذ يجوز أن يكون مراد المصنف أن العروق تكون خالية بالنسبة الى العروق التى احتبس طمث المرأة بسبب آخر لأن امتلاء العروق يكون هاهنا أقل. كذا في« كشف الإشكالات». أقول: المراد من خلاء العروق عدم درور العروق لأنها لازمة لليبس و الجفاف عند غلبتهما فان كان خلاء العروق مشكلا كان هزال البدن أيضا مشكلا لأن البدن يلزمه أن يكون عند الاحتباس سمينا و هذا خلاف لما يشاهد و لما وقع في« القانون».

و سقى ما يدرّ الطمث و هو الذى يحرك الدم إلى الرحم و يجعله نافذا في المسامّ بالترقيق و التلطيف عند قرب النوبة لتعاضد الطبيعة عند نهوضها للدفع.

و قد يكون لميلان الرحم و انقلابه إلى جهة بحيث يزول فمه عن محاذات الفرج زوالا مفرطا فلا يخرج منه الدم و قد ذكر في العقر مع العلاج.

ص: 255

الفصل الحادّى عشر: في الرتق242

الرتقاء هي التى يخرج إما على فم فرجها ما يمنع الجماع أى: إيلاج الذكر من شى ء زائد عضلى أو غشائى قوى صفيق لا ينخرق بالافتضاض أو يكون هناك التحام عن قروح أو عن خلقة، و إما على ما بين فم الفرج و فم الرحم ما يمنع الايلاج التام على هذه الوجوه بأعيانها و إما على فم رحمها ما يمنع الحبل لمنعه وصول منى الذكر إلى داخل الرحم و يمنع خروج الطمث لشدة الانسداد أو من غشاء أو التحام قرحة و ما أشبه ذلك أو يكون المنفذ غير موجود في الخلّقة حتى يعرض للجارية عند ابتداء الحيض أن لا يجد الطمث منفذا فتعرض لها أوجاع شديدة لامتلاء الرحم و عروقها من الدم و شدة تمددها و بلاء عظيم لذلك(1) و لما يرجع الدم منها إلى جميع البدن و تمتلئ منها العروق و التجاويف و يختنق الروح و الحرارة الغريزية فتسودّ المرأة و تهلك.

ص: 256


1- 243. ( 2). هذا أكثرى و قد لا يعرض بل في الأكثر يكون حال المرأة كحال التى يحتبس طمثها بالأسباب المذكورة قبل ذلك و قد لا يعرض بأنه لما عدم منفذ دم الطمث فقد يمتنع الطبيعة من توليدها البتة. كذا في« كشف الإشكالات». أقول: قد رأيت في بعض القرى حين سافرت لمداواة بعض الرؤساء امرأة شابة ... كانت رتقاء لم تطمث مرة واحدة صحيحة المزاج لم تكن فيها علامة من علامات احتباس الطمث و لا عرض من أعراض ذلك فحدست أن الطبيعة باذن خالقها قد تمنع من توليد دم الطمث لما عدم منفذه كما ذكر ذلك الفاضل المحقق. فتتبارك الله احسن الخالقين.

و علاجه: الحديد لا غير فإن كان من الالتحام يشق بالطول بالآلة التى تقطع بها النواصير، أو «بمبضع» عريض مخفى كالآلة المسمّاة «بميل نهان». و إن كان من اللحم النابت، يعلق ذلك اللحم «بصنارة» و يقطع «بمبضع» و يترك في الشق قالب مجوّف ذو ثقب لتخرج منها الرياح و الفضول ملفوفا بصوفة مطليا بمراهم ليمنع عن الالتحام و الانضمام.

ص: 257

الفصل الثانى عشر: فى نتوّ الرحم244

هو أن يخرج الرحم من الفرج إما منقلبا من أصله بحيث يصير باطنه كلّه ظاهرا و تنتفى الثقبة أو من رقبته فقط و حينئذ تبقى الثقبة.

حدوثه يكون إما من أسباب من خارج من جذب المشيمة أو جذب جنين ميت على غير ما ينبغى فينجذب الرحم أيضا و ينقلب لاتصال عروق المشيمة بنقر الرحم أو من سقوط المرأة من موضع عال على عجزها فتنقطع منها رباطات الرحم أو تسترخى بمجرد السقوط أو لزوال فقرة عن موضعها إلى داخل أو لفزع شديد يعرض منه ضعف أو استرخاء في الأعضاء لما يهرب الروح الحيوانى إلى داخل دفعة فيختنق و تخمد الحرارة و يبرّد الظاهر و الباطن و تضعف القوة النفسانية بالتبعية، و قد تكون في الباطن رطوبات فضلية تذوب و تنتشر في الأعضاء عند اجتماع الحرارة في الباطن إذا لم يبلغ إلى حدّ الاختناق فتسترخى رباطات الرحم فينزلق لذلك الرحم و يخرج إلى خارج كما يعرض عند وقوع الغارات و اضطراب السفينة و إما من أسباب من داخل و ذلك لرطوبة بلغمية لزجة مرخية للرباطات فيسترخى ينزلق منها الرحم و ينقلب كما يعرض كثيرا للعجائز لكثرة ما يجتمع في أبدانهن من هذه الرطوبة.

و علامته: أن يعرض للمرأة وجع عظيم في العانة و المقعدة و القطن و الظهر لتمدد رباطات الرحم عند بروزه و رباطات الأعضاء المتصلة به و يعرض لها كزاز لأن العضو عصبى مشارك للدماغ متصل به فينقبض الدماغ و تتشنج

ص: 258

الأعصاب من شدة الوجع و رعشة لانحلال الروح و ضعف القوة المتحركة عن حمل الأعضاء لشدة الوجع و خوف بلا سبب، لكثرة ارتفاع أبخرة عفنة فاسدة رديئة الكيفية إلى الدماغ من الفضول الطمثية و الرطوبات المنوية المحتبسة هناك عند تأثير الحرارة الغريبة العارضة من الوجع الشديد و تحسّ بشى ء مستدير في العانة و تحس عند الفرج بشى ء نازل لين المجس.

و علاجه إن كان بسبب رطوبة أزلقت الرحم و أبرزته إلى خارج: تنقية البدن بأدوية مسهلة للبلغم و الرطوبة مثل الأيارجات التربدية و حقن الرحم بدهن الزنبق فإنه يقطع البلغم و يسخّن الأعضاء المداف فيه شى ء من الخلّوق و الغالية و هذا العلاج انما يمكن النوع الذى سقطت رقبته فقط و بقيت الثقبة، و أما في النوع الآخر فيمرخ الرحم به ثم رد الرحم إلى موضعه برفق بفرزجة لينة من مرغزى، و هو الزغب الذى يكون في اصول اشعار المعز يقال له بالفارسية: كوركينه قد غمست في ماء و قليل شراب قابض قد طبخ فيه القرظ و الطراثيث و العفص و الخرنوب و أديف فيه شى ء من اقاقيا و سك و رامك تدفع بها الرحم إلى أن يرجع إلى موضعه و المرأة شائلة الوركين مستلقية على قفاها مفججة بين ساقيها و تضميد العانة و نواحى الفرج بعد ذلك بالأدوية القابضة ليحفظ الرحم على تلك الهيئة و شمّ الروائح الطيبة ليصعد الرحم بسببها إلى فوق، فإنه بالطبع يحب الروائح الطيبة و يميل إليها لا لأن له قوة شامة، كما أن الكبد يهرب من المرارات و يميل إلى الحلاوات و ليس له حس ذوقى، فإن كان نازلا و استنشقت العليلة الروائح الطيبة صعد إلى فوق، و ان كان شاهقا إلى فوق و قدم إلى فمه طيب نزل إليه كما يميل الحيوان بالتمييز الطبيعى إلى شى ء يريده، و لكمال تميزه في هذا و شدة احساسه، قال «افلاطون»: ان الرحم حيوان في جوف حيوان و الاجتناب عن الروائح الكريهة لأنه يتنفر عنها فيهرب منها إلى أسفل و معاودة هذا العلاج في كل ثلاثة أيام، إن لم تستقر و يعود إلى خارج و ترك الفرزجة فيها بأن تضطجع العليلة(1) و تضم ساقيها إلى أن ترجع إلى الهيئة الطبيعية و يستقر عليها و لا تعود.

و إن كان بروز الرحم من الأسباب الخارجة، فعلاجه هذا العلاج غير سقى الأدوية المسهلة.

ص: 259


1- 245. ( 1). على جنبها.

الفصل الثالث عشر: في ميلان الرحم246 و أورامه247

ميلان الرحم قد ذكر في العقر.

و أما أورام الرحم فأكثر ما يعرض للرحم من الأورام الورم الحارّ لأنه مصبّ الدم الطمثى، و لأن المواد المنصبّة إلى العضو المتألم هي المواد الحارّة في الأكثر و الورم الصلب الحادّث عقيب الورم الحارّ أو ابتداءا، لأنه عضو غشائى صفيق لا تتحلّل عنه المواد بسهولة، و هو مع ذلك شديد الحرارة لكثرة الشرايين و الاوردة فيتحلل عنه لذلك ما رقّ و لطف من المواد و يتحجّر الباقى بسرعة. أو ابتداءا عطف على قوله: عقيب الورم الحارّ.

و يحدث الورم الحارّ إما من ضربة على الرحم لما تنصبّ بسببها مادة حارّة إليه أو احتباس طمث أو نفاس لما ينصب ذلك الدم في بعض أجزاء الرحم و يتورّم أو اسقاط جنين لما يتألمّ منه الرحم فتتوجّه إليه المواد الحارّة، أو عسر ولادة و شدة طلق لذلك، أو كثرة جماع لما يتأذى الرحم من كثرة اصطكاك القضيب و قرعه و ضغطه و حكه له أو ابتداء جماع لما يتأذى من الإفتضاض و تمدد عنقه إلى أن يتسع و يتشكّل بشكل قضيب المجامع.

و علامة الورم الحارّ: الحمى الحادّة لكثرة تصاعد الأبخرة المتعفنة إلى القلب كحمى البرسام للمشاركة القوية التى بين الرحم و القلب بواسطة الحجاب

ص: 260

و الشرايين الكثيرة و سواد اللسان و وجع الرأس(1) خصوصا في اليافوخ و الثنة ان كان الورم في مقدم الرحم و القطن إن كان في مؤخره و الخاصرتين إن كان في جانبيه، و قد ينزل الوجع من هذه الأعضاء إلى الرجل و يحدث فيها امتداد شديد لا تقدر المرأة أن تقوم الّا بمشقة فينزل عن الثنة مثلا إلى الاربية و الفخذ و من القطن إلى الورك و الفخذ و كذا من الخاصرتين و عسر البول إن كان الورم في مقدمه مائلا إلى الأعالى لضغط عنق المثانة و الرجيع إن كان فى مؤخره مائلا إلى الأسافل لضغط المعاء المستقيم، و كلّما كان الورم أعظم، كان العسر أشدّ و تواتر النبض و النفس لشدة الحرارة و ضعف القوة(2) و فساد المعدة في الإستمراء و الشهوة لشدة المشاركة بينهما(3).

و علاجه: في الابتداء فصد الباسليق و تضميد العانة و السرة بدقيق الشعير و الباقلاء و الخطمى و البنفسج بماء الكزبرة و الهندباء مع قليل كافور و حقن الرحم بالألعبة و الأدهان و العصارات الباردة و استعمال الفرازج بها أى: بتلك العصارات، و انما لم يقتصر فى الإبتداء على الرادعات الصرفة حذرا من تحجر المادة و فى الانتهاء النطل بمياه طبخ فيها البابونج و الخطمى و نحوهما من المليّنات المحلّلة، فإذا لم تتحلّل و اشتدّت الأعراض من الوجع و النخس و الحمى بسبب مجاهدة الطبيعة و اجتماع حرارة الحمى مع الحرارة الحادّثة من الطبخ و من

ص: 261


1- 248. ( 1). و اعلم أن مشاركة الدماغ للرحم بالأمرين: أحدهما، بالعصب الواصل بينهما. و ثانيهما، بوضع الدماغ في جهة تصعد ما يتحلل من الرحم من الأبخرة فاذا صعدت الى الدماغ أحدثت فيه الآفة بالمشاركة و بما يصل من هذا الأبخرة الى الرأس؛ فإن كان نفوذها الى مداخل الدماغ، ففى الأكثر ينفذ في الأعصاب الآتية الى العينين لأن هذه الأعصاب مجوفة تحمل نفوذ تلك الأبخرة فيها فلذلك يحدث حينئذ وجع في أصل العين و عنقها. و ان لم ينفذ هناك، ففى الاكثر يتصعّد من القحف و يمدد السمحاق فيحدث من ذلك الصداع في اليافوخ لما قلنا و لأن اكثر الأبخرة المتصعدة من الرحم يكون في مقدم الرأس و ذلك لمساقته[ لمسامّتته] للرحم و لأن اليافوخ لتخلخله يسهل نفوذ الابخرة منه و لا كذلك باقى أجزاء القحف.
2- 249. ( 2). أى: لشدة حرارة القلب و ضعف قوته و أما شدة الحرارة فلما يتصعّد إليه من الأبخرة الحارّة و أما ضعف القوة فلأجل قلة الروح لتخلخلها بحرارة الورم فيكون تواتر النبض و النفس لضعف القوة مع شدة الحاجة الى ترويح الروح لأجل زيادة تسخن القلب و الارواح لما يتصاعد إليه من الأبخرة على أن تلك الأبخرة اذا احتبست و ازدحمت في فضاء الصدر زاحم الرية و القلب و يعاوقهما عن كمال حركة انبساطية.
3- 250. ( 3). فيسخّن المعدة لأجل المشاركة بحرارة الورم و يلزم منه التحلل و الفساد في افعالهما.

ازدياد الوجع الحادّث من غليان المادة و تخلخلها و كثرة تمددها و انضاف إليها حميات مختلفة الادوار، لأن المواد تتحرك في البدن و يعرض لها ثوران و هيجان عند شدة الوجع و مجاهدة الطبيعة و انتهاضها لنضج مادة الورم و حينئذ ينصبّ شى ء منها لا على نظام معين الى مستوقد العفونة لضعف العضو عن الردع و يتعفن و تحدث منه (حمى مع)(1) الحمى اللازمة الى أن يتحلّل و قشعريرات لما تجرى تلك المادة العفنة من مستوقدها عند دفع الطبيعة لها على الأعضاء الحساسة فإنه سيجمع، و حينئذ ينبغى أن يعان على الجميع بحقن الألعبة الحارّة في الرحم مثل لعاب الحلبة و بذر الكتان و التين و وضع الأضمدة المتخذة من البابونج و الخطمى و البنفسج و بذر الكتان و التين على العانة و الجلوس في الماء الحارّ.

فإذا تم النضج و انفجر، حقنت المرأة في رحمها بماء العسل و سقيت المدرات الخفيفة مثل بذر البطيخ و الخيارين و بذر الهندباء و اللبن حتى تنقى من المدة و لا تستعمل المدرّات القوية لئلّا تنجلب إليه مواد أخر تعين المدة في ازدياد القرحة ثم تعالج بعلاج القروح على ما مرّ.

و أما الورم الصلب فكثيرا مّا يقع للرحم من غير أن يتقدمه ورم حارّ و تولده يكون من مادة سوداوية من الدم الطمثى المحترق أو من غيره فإن السوداء لغلظها تميل الى أسافل البدن فتنصبّ الى الرحم، لأنه مصبّ للفضول العكرية الغليظة فتدفعها الطبيعة إليه و يتبعه ميل الرحم الى جانب مخالف لجانب الورم- على ما قال «الشيخ»- فان كان في الأيمن مال الى الأيسر و بالعكس، و إن كان في قدّام مال الى خلف و بالعكس، و إن كان في أسفل مال الى فوق و بالعكس، و هذا إذا عظم الورم جدا فمال العضو بثقله الى الجهة المخالفة و أما إذا كان صغيرا فيميل الى جهتيه بالتمديد و متى لم يعالج عرض منه الاستسقاء لما يضعف الكبد بالاشتراك و بالامتلاء من الفضول الطمثية المحتبسة و لما تتفرق تلك الفضول فى جميع الأعضاء و لا تلتصق بها.

و علامته: الصلابة في موضع العانة ان كان الورم في رقبته، و هو الأكثر، لأنها عصبانية عضلية اللحم كأنها غضروفية فيحتبس فيها لكثافتها ما ينصب إليها من المواد الغليظة و اما نفس الرحم فإن باطنه منتسج من العروق و الشرايين، و لها

ص: 262


1- 251. ( 1).[ خ. ل: غير موجودة].

فوهات كثيرة تسيل منها المواد الغليظة المنصبّة إليه غالبا، اللهم الّا إذا كانت في غاية من الغلظ لا يمكن لها أن تترشح من فوهات تلك العروق فتزداد غلظا بطول المكث و حرّ العضو و يتحجر و الثقل في موضع الورم و اضطراب حركة الساقين إن كان الورم في جانبى الرحم، أو ساق واحد إن كان فى جانب منه، و ذلك لما تتمدّد الأربيتان و الحالبان بالاشتراك و تتمدّد اعصاب الرجلين و رباطاتهما و يحدث منه العرج و اضطراب حركة الساقين عند المشى، لأن ضرر تمدّد الأعصاب و الرباطات التى في الرجلين انما يظهر عند أطرافهما و لما يقلّ نفوذ الغذاء إليهما(1) لانضغاط مجاريه و لذلك يهزلان أيضا و الكسل عن الحركة لثقل البدن و امتلائه من الفضول المحتبسة و قلّما يكون معه وجع؛ لأن المواد الباردة الغليظة تكثف جوهر العضو فلا ينفذ فيه الروح و تغلظ الروح النفسى و تضيق مجاريه فيبطل حسه، اللهم الّا إذا لم تكن المادة في غاية الغلظ.

و علاجه: استفراغ البدن من الخلّط السوداوى و استعمال مرهم الدياخليون و الباسليقون و المقل و الشحوم و الأمخاخ و الأدهان الحارّة مثل دهن السوسن و النرجس و الشبت و البابونج و الخروع و الأضمدة الملينة المحلّلة مثل المقل و الميعة و الأشق و الحلبة و البابونج و ورق الكرنب مع الشمع و الدهن و لعاب بذر الكتان فان المحلّلات الصرفة تزيد في الصلابة و ادامة الجلوس في المياه الملطفة التى طبخ فيها الشبت و الكرنب و الإكليل و الخطمى و البنفسج و البابونج و المرزنجوش و نحوها.

ص: 263


1- 252. ( 1). مع أن الغذاء ايضا يصير فاسدا غير قابل للتغذية؛ لأن الغذاء انما يأتى إليهما بعد مروره بموضع الرحم و هو لسوء مزاجه بالورم يفسد حتى لا يصلح للتغذية.

الفصل الرابع عشر: فى السرطان في الرحم

أكثر ما يحدث السرطان في الرحم، يحدث بعقب الورم الحارّ إذا لم تتحلّل مادته بالكلية و لم ينفجر حتى تستفرغ من العضو مدة و وسخا بل تحلّل لطيفها و بقى كثيفها سيّما إذا كانت المادة دموية فإنها اسرع انتقالا لغلظها و إعانة حرارتها على تحليل اللطيف و إعانة رطوبتها على التحلل ثم عرض لذلك الكثيف احتراق بالحارّ النارى و بعد ذلك غليان و فساد في جوهره.

و علامته: الصلابة مع الحرارة و الضربان؛ لأن السرطان إنما يحدث من مادة غليظة محترقة بالحرارة الغريبة في عضو كثير الشرايين.

و ربما كان السرطان مع تقرح إذا كانت مادته في غاية الخبث و الفساد فتأكل العضو و تفسد جوهره و علامته: الوجع الشديد بسبب لذع المادة وحدتها و افسادها في الاربيتين و أسفل البطن و العانة و الظهر بحسب اختلاف مواقعه في الرحم، و كثيرا مّا تسيل منه رطوبة منتنة غير مستوية النضج الى البياض في النادر؛ لأنه إنما يكون عن النضج الكامل و هذه المادة غير قابلة له أو الى السواد في الأكثر أو الى الحمرة أو الى الخضرة بحسب اختلاف المواد و تفاوت الاحتراق.

و لا برء له سواء كان متقرحا أو غير متقرح؛ أما المتقرح فلأن برء القرحة لا يمكن الّا بعد تنقيتها من الوسخ و الصديد و اللحوم الفاسدة و لا يمكن ذلك هاهنا؛ لأنه لخبث مادتها و فسادها و تشبثها بالعضو و مداخلتها لجوهره و نفوذها في

ص: 264

العروق لا تؤثر فيه الأدوية المنقية و لا يمكن أيضا قطعه و استئصاله بالحديد(1)، و أما غير المتقرح فلأنه لا يمكن تحليله لأن الأدوية الضعيفة تعجز عن ذلك لغلظ المادة و تحجرها و القوية تحلّل اللطيف و تزيد في الباقى غلظا و تحجرا، و لا يمكن أيضا نضجه لترمده و شده يبسه.

و لكن يجب أن يداوى بالمراهم المسكنة للوجع و اللعابات الباردة عند شدة الحرارة و الضربان مثل لعاب بذر قطونا حتى يهدأ الوجع و تسكن الحرارة و عند سكون الحرارة يداوى باللينة التحليل مثل الدياخليون مع المقل و دهن البابونج و شحم البط لأن القوية التحليل لا تفيد الّا زيادة في غلظ المادة و يبسها و ترمدها بالنطولات المسخّنة المحلّلة برفق مثل طبيخ الحلبة و البابونج و بذر الكتان و ورق الكرنب و فصد الباسليق إن وجب لتقليل الدم السوداوى و إمالته الى الجانب المخالف و استفراغ السوداء و تنقية البدن منها، و ترطيب المزاج. و أما المتقرح فيداوى بأن تقعد في الآبزن المعمول من ورق الخطمى و الكرنب و البنفسج و بذر الكتان و تحقن في القبل لتسكين الوجع بالشياف الأبيض و الأفيون بلبن النساء و قليل زعفران لاصلاح الأفيون و سقى طبيخ التين و العناب و السفستان مع فلوس الخيار شنبر و دهن اللوز فإنه يستفرغ السوداء برفق و يسكّن الوجع و اللذع بالإرخاء و التبريد.

ص: 265


1- 253. ( 1). قال بقراط: اذا حدث في انسان سرطان حتى لا يصلح للعلاج فإنه إن عولج( أى: بالحديد) هلك سريعا و إن لم يعالج بقى زمانا طويلا.

الفصل الخامس عشر: فى اختناق الرحم254

هذه علة شبيهة بالصرع و الغشى المركبين معا، أما شبهها بالصرع فمن جهة الأدوار و السقوط و التشنج في بعض الأعضاء مثل الساق و أما شبهها بالغشى فمن جهة أنها تسمع إذا صيح بها و من جهة برد الأطراف و صفرة اللون و صغر النبض و النفس، و أما الشبه المشترك فمن جهة تعطل أكثر القوى المحركة و الحساسة كتعطله في المختنقين، و لذلك سمى به و يكون مبدؤها من الرحم، و تتأدى من مشاركة قوية إلى القلب و الدماغ بتوسط الحجاب فان الرحم مشارك للقلب بتوسط الحجاب من جهة اتصال أربطة به و من جهة مجاورته لاسفله و مشاركة الدماغ بتوسط الشبكة أو المفروشة و هى مثل غشاء منتسج من الشريانين اللذين تحت الحد المشترك بين مقدم الدماغ و مؤخره لاتصاله بهما و لذلك تصل إليه الروائح من كل واحد منهما الى الآخر، و مشارك القلب و الدماغ بتوسط العروق الضاربة و الساكنة التى بينه و بينهما.

و سببها إما كثرة المنى و تراكمه و احتباسه في أوعيته فيغمر الحرارة الغريزية و يطفئها فيبرّد الرحم و يبرّد ذلك المنى فيه بالفعل و يستحيل الى كيفية سمية باردة إذا لم تؤثر فيه حرارة غريبة و الّا لاستحال الى كيفية سمية حارّة عفنة و يتأدى الضرر منه الى العضوين الرئيسين(1) بوجهين: أحدهما، ما يؤذى

ص: 266


1- 255. ( 2). أى: الدماغ و القلب.

الرحم فيتقلص و يتشنج الرحم منه الى فوق أو الى جهة اخرى هربا من المؤذى و يلحق الضرر من تشنجه الى القلب و الدماغ بالمشاركة. و ثانيهما، ما يرتفع منه أى: من المنى الفاسد بخار ردى ء سمى و يتأدى الى القلب و الدماغ فتحدث هذه العلة، أما الغشى فلما يجتمع الروح كلّه الى القلب عند وصول الأذى إليه و أما الصرع فلما يعرض للدماغ انقباض مّا من الهرب عن البخار السمى.

و إما احتباس دم الطمث إذا طال به الزمان و كثر في الرحم لما يرد عليه كل شهر طمث آخر بحسب العادة، فيعرض منه ما يعرض من المنى المحتبس من تشنج الرحم بسبب الهرب عن المؤذى و بسبب أن المادة الطمثية تحتبس في العروق فتمتلئ هي منها و تغلظ و تتسع و تتقلص فيتشنج الرحم و يتقلص أو تفشو- أى:

المادة- و تنبسط في جرم الرحم فيغلظ و يتقلص، أو لم تفش فيه بل تنفذ في موضع واحد منه فيتورم و يتقلص و يتألم و يتأدى الضرر من تشنجه إلى العضوين الرئيسين و يزداد فيه التشنج و التقلص و الأذى إذا ورد عليه طمث آخر فلا يجد سبيلا الى الخروج لانسداد فم الرحم و فوهات العروق من التشنج و الانقباض؛ و ايضا يعرض منه ما يعرض من المنى المحتبس من ارتفاع البخار السمى منه الى القلب و الدماغ عند استحالته الى الكيفية السمية بسبب انطفاء الحرارة الغريزية. و هذا الطمثى أسلم من المنوى؛ لأن المنى كاللبن أقبل للاستحالات الرديئة من الدم و إن كان تولده عنه.

و لهذه العلة أدوار و نوائب إما متباطئة أو متقاربة و تقاربها قاتل و ربما عرضت كل يوم. و سبب ذلك أن هذه المادة السمية إذا غلبت في الرحم تأذى القلب و الدماغ منها بواسطة تشنج الرحم و ارتفاع البخار السمى منها فانتهضت الطبيعة الى ازالتها و دفعت شيئا منها بالتحلل الخفى حتى هدأت الأعراض فأفاقت العليلة و صلحت و تبقى على هذه الحالة بعد ذلك الى أن تغلب المادة السمية تارة اخرى.

و علامتها: إذا قربت النوبة، اختلال الذهن و كسل لضعف القوى المدركة و المحركة و ضعف في الساقين لبعدهما عن القلب و الدماغ و لأن ثقل البدن بجملته عليهما و صفرة فى اللون لرجوع الدم الى الباطن باستتباع الروح و الحرارة الغريزية و رطوبة في العينين لما يضعف الدماغ عن امساك الرطوبات، و لما يعرض له انعصار مّا فيسيل ما رقّ و لطف من الرطوبات التى فيه الى العينين لما مرّ

ص: 267

من قبل و تحسّ العليلة بشى ء يرتفع من ناحية العانة الى أن يبلغ الفؤاد ثم يختلط الذهن و يحدث الغشى و يبطل الحس و ينقطع الصوت و الكلام كما تنقطع سائر الحركات الإرادية.

و الفرق بين هذه العلة و بين الصرع المفرد أن المرأة في هذه العلة لا تفقد عقلها بالكلية، لأن انسداد بطون الدماغ هاهنا ليس كانسدادها في الصرع فلذلك لا تتعطّل الحواس الباطنة بالكلية و تحدّث إذا افاقت بأكثر مما كان بها إلّا أن يكون الأمر عظيما متفاقما(1)، و أن لا يسيل من فمها زبد مثل سيلانه في الصرع لأن انعصار الدماغ و أفضيته لا تبلغ الى أن تندفع الرطوبات التى فيه الى مجارى النفس فتختلط بالهواء المستنشق و يحدث الزبد على أن الصرع الذى لا يكون بسبب رطوبة في الدماغ لا يكون معه زبد الا في الندرة و لا يكون معه اضطراب، لأن ما يصل من الروح الحيوانى الى الأعضاء يكون نزرا يسيرا فى الغاية، فلا يمكن له أن يعدّ الأعضاء لقبول الروح النفسانى.

و علاجها: أما في وقت النوبة: فعلاج الغشى المذكور من دلك الأطراف و شدّها و رشّ الماء البارد على الوجه و الهزّ و التحريك سوى شمّ الطيوب، فان في هذه العلة ينبغى أن تشمّ الأشياء المنتنة مثل الجندبيدستر و الكندش و الحراق و القطران و النفط و نحوها لتحلل تلك الروائح بتسخينها الدماغ البخارات الباردة السمية التى تصاعدت إليه و تلطفها و تنزل بالرحم الى أسفل و تبسطها و ترخى القبض العارض لها و يميلها الى الاستواء إذ كان من شأن الرحم أن يهرب من الأشياء المنتنة، و يشتاق الى الاشياء العطرة، و لذلك ينبغى أيضا أن يمسح الرحم بالأدهان الحارّة العطرة المفتوق فيها مثل المسك و العنبر ليزداد ميله الى أسفل و يحقن- أى: الرحم- بها لترخى انقباضه و تذيب المنى الجامد هناك و تحلّله بتسخينها و تدلك القدمان بقوة و تشدّ الساقان لتنبّه الطبيعة بسبب الأذى و تستيقظ و تعلّق المحاجم على الأربيتين و باطن الفخذين و يصوت باسمها في الأذنين بأعلى الصوت، لأنها لم تفقد حسها بالكلية بل كانت تسمع الأصوات كأنها من بعيد أو من وراء جدار، فإذا صيحت في أذنيها تنبّهت و استيقظت و ربما أفاقت بالتمام.

ص: 268


1- 256. ( 1). مرادف للعظيم.

و أما بعد النوبة فينبغى أن ينقى البدن بالحبوب مثل حب الاصطمحيقون و الأيارجات الكبار مثل الوغاذيا ثم سقى الدحمرثا و المثروديطوس و المعجون الغياثى و هو المعروف بالسوطير و نحوها، ثم ينظر إن كانت المرأة أيما أى: خالية عن الزوج عولجت بالتزويج لأن الجماع يسخّن المنى و يذيبه و يرققه و ينزله و يستفرغه و ينزل الرحم أيضا الى أسفل شوقا الى جذب المنى و يميله الى الإستواء و تسقى الأدوية الحارّة لتسخين الرحم و المنى البارد، و المقلّلة للمنى لتقلّ مادة العلة و تمسح القابلة اصبعها بالأدهان المذكورة و تدغدغ فم رحمها عند النوبة أيضا، فان ذلك يقوم مقام الجماع و كذلك تتحمل الأشياء اللذاعة المدغدغة للرحم مثل النمام و الزنجبيل و الفلفل بدهن الزنبق ليسخّن الرحم و يقذف المنى و إن كانت المحتنقة محتبسة الحيض عولجت بالاشياء التى تدر الطمث، مما ذكر احتباس الطمث خصوصا بالحمولات المدغدغة لفم الرحم، المدرة للطمث في الوقت مثل: الفرفيون و الفلفل.

ص: 269

الفصل السادس عشر: فى البثور في الرحم

حدوثها يكون عن أخلاط دموية من أنواع الدم غير الطبيعى أو عن مواد مخالطة للدم مندفعة إليه من طريق الطمث و أكثر ما يعرض ذلك لفم الرحم؛ لأنه صلب صفيق لا يندفع عنه ما ينصبّ إليه من الفضول، بل يحتبس و يصير بثورا، و أما جرم الرحم فإنه كثير العروق و الشرايين كثير الفوهات قلّما يحتبس فيه لذلك ما ينصبّ إليه بل يستفرغ عنه من تلك النقر و الفوهات بسرعة و الوقوف عليها يكون بفتح فم الفرج و النظر فيه أو فى المرأة المقابلة له و بحاسة اللمس إذا لمس بالاصبع.

و علاجها: فصد الباسليق و الطلى بمرهم الاسفيداج و المرهم المتخذ من الورد و طين قيموليا و خبث الفضة و المرتك و اسفيداج الرصاص بالشمع و دهن الورد فان ذلك يجفف المادة و يسكّن لذعها.

ص: 270

الفصل السابع عشر: فى نفخة الرحم257

سببها سوء مزاج بارد لا في الغاية بحيث يميت الحرارة مضعف للرحم أى:

لقواه لنقصان الحرارة التى هي آلته، ساد لفمه(1) بالقبض و التكثيف يحلّل الرحم ما يصل إليه من الغذاء الى الرياح لضعف الحرارة فيحتقن إما في عمق الرحم إما في زواياها و إما فى فضائها و إما في ما بين خلل أجزائها و أليافها المتخلخلة و يعرض لمن بها ذلك ورم و انتفاخ في العانة و ما يليها من أسفل البطن و صلابة و وجع فيها مع تمدّد ينتهى الى الأربيتين و الفخذين و إلى فم المعدة و الحجاب لاتصال أربطة الرحم بتلك الأعضاء و يكون له صوت كصوت الطبل

ص: 271


1- 258. ( 2). يفهم من هذه العبارة أن سوء المزاج البارد يوجب احتقان الريح في الرحم بسبب انسداد فمها و هو ليس بجائز لأن اجتماع الريح غير موقوف على انسداد فمه لأن الريح قد تكون متحركة الى الجوانب و قد تكون ساكنة فيمكن احتباسها في فضاء الرحم و لو كان فمه منفتحا بخلاف الماء فان من طبعه السيل لان الى أسفل فليس يمكن تجمعه في فضاء الرحم الّا اذا عرض لفمه انسداد. و أما الريح فليس من شأنها ذلك و لو كان اجتماعها فيه موقوفا على انسداد فم الرحم لم يمكن ذلك عند انسداده بالبرد أن يسدّ سدا تاما بحيث يمنع خروج الريح و لو فعل ذلك لكانت حركة تلك الريح يفتح فم الرحم و يخرج بل انما يمكن ذلك اذا كان الانسداد بمثل الورم أو اللحم الزائد و نحوهما. كذا في« كشف الإشكالات». أقول: سلمنا أن اجتماع الريح غير موقوف على انسداد فمها و لكن لا نسلّم حركة الريح تفتح فم الرحم و تخرج بالكلية في هذا المرض و خصوصا الريح الساكنة؛ لأنها إن كانت كذلك لم يحدث عنها نفخة في الرحم على أنه ما قال ذلك الفاضل المحقق خلاف لما يشاهد و لما وقع في« القانون».

إذا قرع ما دون السرة من البطن و ربما كان منتقلا من جانب الى جانب و يصحبه مغص في الرحم لتمديد الرياح المحتبسة و ضربان لتألم الأعضاء المجاورة لها و إدراكها بضربان الشرايين التى فيه و تنتؤ معه العانة فيه تكرار.

و علاجها: النفض بالأيارجات لاستفراغ الفضول الغذائية التى هي مادة الريح و استفراغ البلاغم الباردة إن كان سوء المزاج ماديا و سقى جوارش الكمونى و السنجرنيا بماء الاصول و البذور لتسخين الرحم و تلطيف الرياح و تكسيرها و استعمال الحقن و الفرازج و الضمادات و الكمادات المسخّنة المفشية للرياح مثل البابونج و الشبت و المرزنجوش و الفوتنج و السذاب و بذر الكرفس و الرازيانج و البرنجاسف و الكمون و النانخواه.

ص: 272

الباب التاسع عشر: فى أمراض الصفاق

اشارة

ص: 273

ص: 274

الباب التّاسع عشر: في أمراض الصفاق

الفصل الأول: في الفتق259

يكون إما لانحلال الغشاء- أى: الصفاق- عن فرديه و وقوع شق فيه ينفذ فيه جسم غريب كان محصورا فيه قبل الشق و ذلك الجسم إما الثرب و إما الأمعاء إن كان الشقّ الصفاق مع الثرب.

و حدوث هذه العلة يكون إما من حركة مفرطة من وثبة و طفرة توجبان التفرق الغشاء بسبب سقوط الاحشاء و وقوع ثقلها عليه دفعة بعنف و قوة و صيحة لاستلزامها حصر النفس و تمدّد الأغشية لا سيّما بعقب الامتلاء من الغذاء و حمل شى ء ثقيل أو ضربة تقع على البطن فيهتك الصفاق، و إما ريح منفخة للبطن و الأمعاء فتتمدّد الصفاق و تخلخله و تهتكه.

و علامته: زيادة تظهر و تحس بين الصفاق الداخل(1) و بين المراق

ص: 275


1- 260. ( 2). الظاهر أن قوله« الداخل» صفة كاشفة للصفاق لأنه قيد لما هو في نفس الأمر لا أنه قيد احترازى؛ اذ لم يقل أحد من ارباب التشريح بتثنية الصفاق حتى يكون أحدهما داخلا و الآخر خارجا. اللهم الّا أن يتجوز و يقال للمراق الصفاق الخارج فحينئذ يكون لا محالة داخلا.

و يزداد ظهورها عند الحركة و حصر النفس(1) و ترجع و تغيب عند الاستلقاء و الغمز عليه أى: على المراق لميلها عن الصفاق إلى داخل لثقله الطبيعى.

و لا برء لهذه العلة لان البرء لا يحصل إلّا باجتماع طرفى العضو المتفرق و الثبات على تلك الهيئة حتى يلتحم أحدهما بالآخر و لا يمكن ذلك هاهنا إلّا ما يحدث للصبيان فى النادر لأنه يمكن أن يتصل طرفا الشق فيهم بسبب النمو و الزيادة في الأقطار الثلاثة عند المحافظة في اخراج الجسم الغريب مما بينهما.

و يعالج على كل حال لئلّا يزيد بترك الإمتلاء و ترك الحركات القوية و النهوض دفعة لأنها تدفع الاحشاء بقوة إلى موضع الشق(2) و الجماع خاصة بعقب الطعام(3) و امتلاء المعدة(4) و ترك المنفخات من البقول و الفواكه الرطبة و الحبوب و الحذر من طول الجلوس في الحمام لأنه يرخى الغشاء و يلينه و يعده لزيادة الخرق و اتساعه و سقى الكمونى و نحوه مما يكسر الرياح و بإدامة الشدّ بالرفايد المربعة و المثلثة ليرد الشى ء الخارج عما بين طرفى الشق إلى الداخل و يحفظه عن الرجوع و لتعين بزواياها على جميع اجزاء العضو إلى موضع الشق لا بالأكر أى: لا بالرفائد الكروية، فإنها توسعه لأن حدبتها تدخل في موضع الشق و تفرق كلّا من طرفيه عن الآخر بعنف عند الشدّ و التضميد بضماد الفتق المذكور في قيلة الأمعاء و الثرب بعد رجوع الجسم الغريب إلى الداخل.

ص: 276


1- 261. ( 1). لأن كل واحد منهما ممدّد للأعضاء مبرّد لها؛ أما حصر النفس فظاهر و أما الحركة فبما يلزمها من حصر النفس فاذا كانت الحركة ما يلزمها زيادة في حصر النفس و شدة في تواتره كما يكون في الجماع، كان ابرازها لهذه الزيادة اكثر.
2- 262. ( 2). أما الامتلاء فإنه بسبب إثقاله الأحشاء يضغط المعاء و الثرب و يدفع كلاهما الى موضع الشق. و أما الحركة فبما يلزمها عن حركة المعاء و الثرب كلاهما الى النزول.
3- 263. ( 3). لأن مطلق الجماع يضر اصحاب الفتق بما فيه من الحركة و زيادة الحاجة الى التنفس و بما يلزم خروج المنى من توسع الفتق و كيف لا يضرها اذا كان بعقب الطعام و امتلاء المعدة لأن ثقالة الأحشاء حين الجماع تكون معينة للنزول من موضع الشق.
4- 264. ( 4). و خصوصا اذا كان امتلاءها من الغذاء الفاسد كما في التخمة؛ فان الجماع حينئذ أعون على حدوث الفتق لاحداث التخمة من زيادة ترطيب الغشاء المسمى بالصفاق بكثرة الفضول الغذائية التى تحصل هناك.

الفصل الثاني: في نتوء السرة

الفصل الثاني: في نتوء السرة(1)

يكون إما من فتق الصفاق في موضع السرة من الأسباب المذكورة و خروج الثرب أو الأمعاء، و إما من رطوبة بلغمية تصير إلى السرة كما في الاستسقاء الزقى و إما من ريح ينفذ فيه كما في الطبلى و إما من لحم ينبت هناك تحت الجلد و ربما كان النتوء من عرق ينخرق أو شريان ينبثر(2) فيخرج منه الدم إلى تحت الجلد كالورم الذى يسمى أبورسماء و هو أم الدم.

علامة ما كان من فتق: أن يكون لونه كلون البدن و ملمسه لينا من غير وجع و يندفع بالغمز إلى داخل و يزيده الحمّام عظما؛ فان كان الخارج هو المعاء دون الثرب يكون معه وجع ما لتمدد الأمعاء و انضغاطها و ترجع بقرقرة لما ذكر. و ما كان من رطوبة فان ملمسه رطبا و لا يرجع عند الغمز و لا يوجع و لونه لون البدن الّا أنه يكون له بريق و صقالة.

علامة ما كان من خرق عرق أو شريان: فأن يكون لون الموضع بنفسجيا أو أسود لجمود الدم تحت الجلد و زوال اشراقه لفقده الطبيعة العرقية التى تحفظه على صفائه. و ما كان من لحم نابت: فإنه يكون صلبا لا يزيد و لا ينقص باختلاف الأحوال. و ما كان من ريح: فإن ملمسه يكون لينا مع مدافعته للجسّ لتمديده المراق.

ص: 277


1- 265. ( 1). قاموس القانون:Unbilical hernia .
2- 266. ( 2).[ أى: ينصدع].

و علاج الذى من الفتق: علاج الفتق المذكور. و الذى من اجتماع الرطوبة أو الريح، علاجه: علاج قيلة الماء و الريح المذكورين. و أما الذى من نبات اللحم و الذى من انتفاح العرق النابض أو غير النابض فتركه على حاله أحمد من التعرض له، لأنه يحتاج إلى قطع و خياطة و فيه خطر، مع أن ما يندمل منه قد يندمل بارزا غير غائر و يبقى فيه القيح الذى قد كان، و أما الانفتاحى فقد يعود ثانيا لما يبقى انفتاح العرق على حاله بعد هذا العلاج و قد لا يرقى الدم في الشريان(1) و يحتاج إلى الكيّ.

ص: 278


1- 267. ( 1). و فى بعض النسخ« فى الشريانى» و المآل واحد، أى: لا يرقى الدم بعد العلاج بشق الجلد و اخراج الدم الجامد منه لأنه بسبب الجامد يمتدّ خرق الشريان فاذا خرق الدم الجامد ينفتح خرقه فلا يحتبس الدم بحركة الشريان و يحتاج الى الكيّ و هو خطر هاهنا لمشاركة ذلك الموضع و مجاورته الأعضاء الرئيسة و الشريفة.

الباب العشرون: فى وجع الأعضاء الظاهرة

اشارة

ص: 279

ص: 280

[الباب العشرون]: في وجع الأعضاء الظاهرة

الفصل الأول: فى الحدبة268 و رياح الأفرسة269

الحدبة زوال من الفقرات إما إلى قدّام و يقال له: التقصع، و القعص مختص بهذا النوع إذا كان بشركة من عظام الصدر و إما إلى خلف و يقال له: حدبة المؤخر، و الحدبة على الاطلاق أيضا و ربما زال الفقار إلى أحد الجانبين و يقال لذلك:

الالتواء. و سببه:

إما ورم حارّ يحدث في العضل التى تلى الفقار من خارج أو داخل فيضغطه و يزيله عن موضعه إلى الجهة المخالفة، أو تمدّد الأربطة تمديدا يزيل الفقار عن موضعه إلى الجهة الموافقة، أى: التى فيها الورم.

و علامته: تقدم أوجاع في الصلب بسبب الورم مع حميات حادّة كحميات الأورام و عظم النبض و شدة الحرارة و الاطباق و اللزوم، ثم بعد سكون الحمى بمدة بسبب نضج الورم و صيرورته و صيرورة المادة مدة يبقى وجع تمددى و ثقل في الظهر و بداء الظهر يتحدب لزيادة الانضغاط و الانجذاب لتخلخل المادة و زيادة حجمها و فى هذا الكلام خلل، و سببه أن «الرازى» في «الفاخر» جعل هذه علامة للخراج الموجب للحدبة و هو صحيح،

ص: 281

و المصنف جعلها علامة للورم الموجب لها و لم يتنبّه أن الورم إذا كان موجبا لها لم تكن هذه العلامات للتورم متقدمة عليه بل مقارنة له.

و علاجه: فصد الباسليق في ابتداء الورم لا عند صيرورته خراجا و وضع الأضمدة القوية التليين عليه مثل لعاب الحلبة و بذر الكتان و شحم الدجاج و مخ ساق البقر و البنفسج و الخطمى و نطله بالدهن الحارّ بالفعل، لزيادة الارخاء و التليين و حقن العليل بالأدهان الحارّة الفعلية التى قد طبخت فيها الملينات مثل أصول الخطمى و بذر الكتان و سقى فلوس الخيار شنبر مع دهن اللوز كل ذلك لازالة التمدّد الموجب لامالة الفقار و ازالتها عن موضعها.

و إما ريح غليظة تحتقن تحت الفقار تمدّده لشدة غلظها تمديدا قويا بحيث تزعجه و تزيله عن موضعه لأن التمديد القوى موجب لتفرق الاتصال و يسمى هذا النوع رياح الأفرسة الفرسة في اللغة هي الريح التى يتولّد منها الحدب، و الأطباء يقولون رياح الأفرسة و هو غلط.

و علامته: أن يحدث الحدب بعقب وجع في الظهر لتمديد الريح بلا حمى و لا ثقل.

و علاجه: سقى ماء الأصول و البذور الطاردة للرياح مثل أصل الرازيانج و أصل الكرفس و اصل الأذخر و مثل الإنيسون و الكمون و بذر السذاب و النانخواه بدهن الخروع و النفض للرطوبة التى هي مادة الريح بحب السورنجان و التضميد بالأضمدة القوية الحرارة المفشية للرياح مثل الميعة اليابسة و القسط و قصب الذريرة و عسل اللبنى و الأبهل و الفرفيون بماء الرازيانج و السذاب و دهن الناردين و النطل بمياه طبخت فيها الأدوية المحلّلة الملطّفة مثل المرزنجوش و السذاب و القيصوم و الأذخر و النمام و وضع المحاجم بالنار على الموضع الذى يريد أن يتقصع إلى داخل ليجذبه إلى خارج لا الذى يريد أن يتحدّب.

و إما من خلط غليظ لزج يمدّد النخاع، فيه بحث؛ لأن تمدد النخاع لا يوجب زوال الفقار و يبلّ رباطات الفقرات أى: الرباطات التى بين الفقرات و يزلقها عن مواضعها، فيه أيضا بحث؛ لأن الخلّط الغليظ اللزج لا يمكن أن يبلّ الرباطات و لا أن يزلق الفقرات و إنما يمكن أن يفعل ذلك الرطوبة المائية الفالجية التى يتشرّبها الرباط فيبتلّ بها و يسترخى و يترهّل فتنزلق الفقرات عن مواضعها لأن استحكامها

ص: 282

و استيثاق كل واحد منها بالآخر إنما يكون بواسطته، و أما الرطوبات الغليظة اللزجة فانما تفعل ذلك بالتشنج لا بالاسترخاء.

و علامته: بياض اللون و برد الملمس و قلة انتشاف الموضع للدهن الذى يمرخ به لتشربه الرطوبة المائية و ابتلاله بها و تقدم التدبير المرطّب.

و علاجه: علاج رياح الأفرسة من التضميد و التنطيل بالمحلّلات مع نفض أقوى لأن الرطوبة هنا هي السبب الواصل الموجب للعلة بالذات، و لأنها أيضا نفذت في جرم الرباط و هو جرم غليظ متين لا يمكن استخراج الفضول عنه إلّا بعنف و التمريخ بالأدهان المقوية للرباطات المسترخية مثل دهن السذاب و السرو و العاقرقرحا و التضميد بالاضمدة القابضة ليشدّ الرباط و يزيل عنه الاسترخاء و يمنع نفوذ الرطوبات الرقيقة فيه مثل جوز السرو و الجلنار و الورد و ورق الغار و الأشنة.

و إما من سقطة أو ضربة تزعج الفقار و تزيله عن موضعه.

و علاجه: ردّ الفقار إلى موضعه بالمسح باليد ان كان زواله إلى خارج أو إلى جهته و بالمصّ بالمحاجم إن كان إلى داخل أو إلى جهته و توضع محاجم النار عليه في الجهة المخالفة له و طليه بالأطلية المحمرّة و هى التى تجذب الدم إليه فيغتذى به العضو مثل الزفت و المقل و شى ء من عاقرقرحا ثم تقويته بوضع الأضمدة القابضة عليه لتشدّه و تحفظه على الهيئة الطبيعية و تحبس الدم المجذوب إليه ليصير جزءا منه.

و قد يحدث لتشنج الرباطات إما من رطوبة غليظة أو من يبوسة غالبة و هو قليل الوقوع أما اليبسى فظاهر و أما الإمتلائى فلأن الرباط جسم صلب متلزز كثيف قلّما تنفذ فيه الرطوبة الغليظة المتشنجة شديد القتل أما اليبسى فظاهر، و أما الامتلائى فلأن نضج الرطوبة الغليظة و استفراغها من الرباط لا يمكن، الّا بعسر و فى مدة طويلة و الطبيعة لا تحتمل في هذه المدة تعب ذلك التشنج الشديد، الذى قد بلغت شدته إلى ازالة الفقار عن موضعه.

و علامته: علامات التشنج و كذلك علاجه على ما مرّ.

ص: 283

الفصل الثانى: في الدوالى270

هو اتساع من عروق الساق و القدم لكثرة ما ينزل إليها من الدم السوداوى لغلظه و كثرة أرضيته و ترسّبه بالطبع، و هو يبقى في هذه العروق و لا يخرج منها إلى ما بين الجلد و اللحم و لا إلى ما بين الغشاء الموضوع على العظم و بين العضل حتى يحدث منه داء الفيل و السرطان لخلوه من الحدّة و الحرافة و لاحكام هذه العروق و صلابتها و احتوائها باللحوم المتلززة لا تقبل الانشقاق، و لأنها ليست بأواخر العروق بالحقيقة بل هي قريبة منها لا تنفجر و لا تنفتح فوهاتها. و هذا المرض يضر بالعضو من جهة أنه يغير غذاءه عما ينبغى و يثقل عليه الحركة و المشى السريع و الكثير.

و علامته: ظهور عروق غلاظ خضر بسبب تراكم الدم و كثافته و سوداويته ملتّفة على الساق. و أكثر ما يعرض للفيوج و المشاة و الحمّالين و القائمين بين يدى الملوك و غيرهم ممن يدمن تعب رجله و يكثر القيام عليه فينحدر الدم إلى عروق الساق.

و علاجه: فصد الباسليق لتقليل الدم و إمالته إلى الجهة المخالفة و تنقية البدن من الخلّط السوداوى ثم فصد تلك العروق الممتلئة التى في الساق ليستفرغ الدم من نفس العضو و المسح عليها باليد حتى يستفرغ بالتمام فان هذا الدم لغلظه ربما لم يخرج بذاته عند الفصد و يضمد العضو و هجر الأغذية الغليظة السوداوية و قلة إتعاب الرجلين و ربط الساق بعصابة من أسفل إلى فوق.

ص: 284

الفصل الثالث: في داء الفيل271

هو زيادة في القدم و الساق على نحو ما يعرض في عروق الدوالى فتغلظ القدم و الساق غلظة فيليّه أى: شبيهة برجل الفيل في العظم و الاستدارة(1) و عدم الاحصار و امتلاء أخمص القدم بحيث لا يحوى عند مس الأرض و لذلك سمى به.

و قيل: إنما سمى به لأنه يعرض كثيرا بالفيل بحيث لا يقدر على النهوض. و سببه:

إما دم غليظ أسود محترق ينصبّ إلى القدم. و علامته: أن تكون معه حرارة فى الملمس لحدّة المادة و حرارتها و كمودة في اللون و شى ء من التفجير؛ لأن المادة لخبثها و رداءتها و شدة حدّتها و تعفّنها لشدة الحرارة الحادّثة من حركة الرجل، يحدث فيه تشقّقا و تآكلا و قروحا سرطانية.

و علاجه: فصد الباسليق من اليد المقابلة لتلك الرجل في الابتداء قبل الاستحكام(2) و التقرح، و هو إذا استحكم أذهب حس العضو لأنه لفرط صلابته يسدّ مجارى الروح فان كثيرا من الأعضاء إذا صلبت بضرب من الأعمال بطل حسها كأسفل العقب و استفراغ السوداء مرة بعد أخرى بطبيخ الأفتيمون أو بماء الجبن دون المسهلات القوية الحادّة ثم بعد تنقية البدن و الأمن من تجلب المواد إلى الرجل فصد مابض الركبة و حجامة الساق لتستفرغ المادة من نفس العضو العليل

ص: 285


1- 272. ( 2).[ خ. ل: الاستواء].
2- 273. ( 3). انما قال كذلك لأن الغرض من الفصد امالة المادة الى الجهة المخالفة و بعده لا يفيد لكونها متشبثة فى جرم اللحم.

و هجر الأغذية الصفراوية السوداوية و إلى الساق بالأطلية المقوية للعضو عن قبول المواد المبرّدة لتكثيف العضو و تضيق المجارى فلا تنصبّ إليه المواد مثل الاقاقيا و الرامك و عصارة لحية التيس و ترك المشى و غيره مما يوجب انصباب المواد إلى الرجل.

و إما خلط بلغمى غليظ. و علامته: غلظ الساق و القدم بلا حمرة لون و لا حرارة ملمس بل ربما كان الملمس باردا و لا ينفجر لأنه لبرودته لا يقبل التعفن و الفساد بحيث يعرض عنه التآكّل و التقرّح.

و علاجه: إدمان القى ء كل أسبوع مرة؛ لأنه يجذب المادة من الأسفل و يقلعها و ينقى البدن عنها و لا يدعها أن تجتمع فيه فينصبّ شى ء منها إلى الرجل و التجويع لتقليل البلغم و استعمال الاطريفل الصغير كل يوم درهمين مع نصف درهم كندر و نصف درهم زنجبيل لنشف الرطوبات و تجفيفها و إلى الرجل بالصبر و المر و الاقاقيا و الشراب القابض و ماء ورق السرو و جوزه لتقوية العضو و جمعه و تكثيفه و ترك الحركة على الرجل لئلّا تنصبّ إليه المواد.

ص: 286

الفصل الرابع: فى وجع الظهر274

يكون إما لبرد مزاج ساذج أو بلغم خام فان الظهر لكونه أبرد الأعضاء و أكثفها بسبب النخاع و كثرة العظام و الأعصاب و الرباطات و قلة اللحم و قلة الحركة و البعد عن القلب، يكثر استيلاء البرد و تولد البلغم الخام في عضلاته و أوتاره و رباطاته فيتمدّد و يتألم.

و علامته: إزمانه و أن يحدث قليلا قليلا إلى أن يشتدّ البرد و يكثر البلغم فيصعب الألم و أن المشى و الرياضة ليسكّنانه في الأكثر للتسخين و التحليل.

و علاجه: في المادى بالقى ء و الاسهال بحب السورنجان بعد النضج التام بماء الاصول و العسل و المرخ بالأدهان الحارّة مثل دهن القسط و السذاب في النوعين و التضميد بالأضمدة الحارّة مثل المقل و الاشق و الحلبة و البابونج و حب الغار مع لعاب بذر الكتان و دهن الخروع.

و إما من التعب لتحريكه خلطا بلغميا ساكنا و تفريقه له في العضلات و الأوتار و الرباطات، أو لتهيّجه رياحا غليظة من فضول محتبسة هناك فيحدث لذلك فيها تمدد مؤلم، أو لا حداثه يبسا و جفافا ممدّدا للأوتار و الرباطات و الأعصاب بكثرة التحليل أو من كثرة الجماع فانه يسخّن الظهر أولا بكثرة الحركة فتنجذب إليه الفضول ثم تبرّده بكثرة تحلل الروح و الحرارة الغريزية فتغلظ تلك الفضول و تتكاثف و يحدث منه التمدّد.

و علاجه: الراحة و الحمّام للترطيب و التليين و التحليل و المرخ بدهن الخيرى و البنفسج الممزوجين لذلك.

ص: 287

و إما من ضعف الكلى أو علل فيها يوجب ألما في الظهر أى: عضلاته و اغشيته و اعصابه، بسبب المجاورة و المشاركة، أو يوجب ألما في نفس الكلية فلا يميز العليل بين ألمها و ألم الموضع المتصل بها من اعضاء الظهر.

و علامته: أن يكون الوجع في القطن لمكان الكلية و أن يضعف معه الجماع لما ذكرنا.

و علاجه: علاج ضعف الكلى و امراضها.

و إما من امتلاء العرق الكبير الموضوع على الصلب أو تمدّده كما في الحميات المطبقة.

و علامته: وجع في جميع الظهر ممتدّا من أول ما يتوكأ عليه الأجوف من فقرات الظهر إلى آخر فقرات القطن مع ضربان لامتلاء الشريان النازل المجاور له المتكئ على الصلب أيضا و حرارة فيه و سائر علامات غلبة الدم.

و علاجه: فصد الباسليق و شرب ماء الرمان خصوصا الحامض، لأنه يقمع الدم و يسكّن حدته و غليانه و يقلّل حجمه بالتبريد و التغليظ و الدخول في الماء البارد لأنه يغوص في اعماق البدن فيبرّد الدم الذى في العروق و يكثفه فتسكن حدّته و غليانه و تخلخله و يقلّ حجمه و يزول التمدد العارض منه و النوم لأنه يبرّد و يرطّب سيّما فى المواضع النديّة فإن الترطيب و التبريد فيها أكثر.

ص: 288

الفصل الخامس: فى وجع الخاصرة275

هو قريب من وجع الظهر في الأسباب و العلاجات و أكثره بلغمى و ريحى لأنه ابرد من الظهر لزيادة بعده عن القلب و الكبد و قلة لحمه فلا يحدث فيه سوء المزاج الحارّ الّا نادرا.

و علاجه: علاج النوع الأول من وجع الظهر و احتمال الشيافات المسخّنة المتخذة من المقل و الأشق و الإنيسون و الزنجبيل و بذر الكرفس و شحم الحنظل و السورنجان و الماهيزهرج و أمثالها، فان الشيافات هاهنا أسرع تأثيرا للقرب من موضع العلة.

ص: 289

ص: 290

الباب الحادى و العشرون: فى أوجاع المفاصل

اشاره

ص: 291

ص: 292

[الباب الحادّى و العشرون]: فى أوجاع المفاصل(1)]

و النقرس و وجع الورك و عرق النسا أى: وجع النسا، لكن العادة قد جرت بأن يسمى وجع النسا بعرق النسا، و تقدير الكلام: وجع العرق الذى هو النسا إذا النسا بالفتح و القصر إسم لهذا العرق فإضافة العرق إليه للتبيين مثل إضافة الشجر إلى الاراك.

الفصل الأول: في وجع المفاصل277 و النقرس278

وجع المفاصل هو وجع و ورم يحدث في مفاصل الأعضاء أى: في اللحوم التى حول المفاصل. و قد يكون في الرباطات أيضا دون الأعصاب و الأوتار، و لذلك لا يتأدى هذا الورم إلى التشنج. فإن قيل: كيف تنفذ المادة في الرباطات دون الأعصاب و الأوتار مع أنها أصلب و أكثف منهما كثيرا؟ قلنا: لأن كل واحد من

ص: 293


1- 276. ( 1). قال« العلامة»: كل وجع في مفصل غير مفصل القدم يسمى وجع المفاصل. و النقرس و إن كان ايضا وجع مفصل لكنه خص بذلك الاسم اصطلاحا. قال« الهروى»: النقرس هو وجع في مفاصل مقدم القدم لا سيما الإبهام. قال« القرشى»: وجع الورك ما يكون الوجع ثابتا فيه و لم ينتقل الى عرق النسا. قال« الايلاقى»: ما يكون في مفاصل الرجل يسمى النقرس و ما كان في مفصل الورك و ينزل قليلا قليلا الى الفخذ يسمى وجع الورك و ما ينزل الى الفخذ من خارج و يبلغ الكعب و الاصابع يسمى عرق النسا و ما يكون مفاصل اليدين و الركبتين يسمى وجع المفاصل.

الأعصاب و الأوتار قد غشى بالغشاء الرقيق و الغليظ اللذين غشى بهما جوهر الدماغ و النخاع كما غشيت فروع الشجر بالقشر الذى قد غشى به أصله و هذان الغشاءان صفيقان لا تنفذ فيهما المواد الغليظة فلذلك لا يحدث التشنج في وجع المفاصل، و أما الأوتار فإنها إنما توجب التشنج إذا نفذت المادة فى شظايا العصبة التى هي جزؤها فإن كان في مفاصل القدمين- مثل مفصل الكعب و الاصابع لا سيّما من الابهام- فيقال له النقرس(1)، و انما تشتدّ هذه الأوجاع خاصة وجع النقرس لضيق المفاصل بالنسبة إلى سائر أوعية البدن فان المفاصل جعلت آلة للانثناء و الانبساط و لم يمكن أن يتأتى منها ذلك لو كانت مصمّتة أو ضيّقة قصيرة الرباطات؛ لأن ذلك انما يتم بانتقال رؤوس العظام المفصلية عن موضعها و هو لا يمكن الّا بحصول فضاء فى المفصل خال عن المصادم و المزاحم و يختلف ذلك الفضاء في السعة و الضيق بحسب اختلاف المفاصل في مقدار الانتقال فلا تسع فيها المواد فتمدّدها تمديدا شديدا(2)، و لأن حسها قوى لكثرة ما يأتيها من الأعصاب و لأن المواد لا تتحلّل منها بسرعة كما تتحلّل عن الأعضاء الرخوة لصلابتها فإنها مؤلفة من العظم و الغضروف و الوتر و الرباط و العصب و هذه أصلب أجزاء البدن و لما يحويها من الرباطات من جميع الجوانب و هى أجسام صفيقة متلززة لا تندفع عنها الفضول سريعا، و لأن الحركة من جملة أسباب التحليل و هذه الأعضاء تتعطّل عن الحركة عند وجود الوجع(3)، و لأن الحرارة فيها ضعيفة أيضا

ص: 294


1- 279. ( 1). قال في« كشف الإشكالات»: و اعلم أن المواد الرقيقة اذا احتبست بين العظام و الأغشية التى في أسافل القدم و أصابعه لأجل تكاثف الجلد و اللحم الذى هناك فلا يتمكن من التحلل و البروز من تلك الأغشية فيمدّدها تمديدا شديدا لأجل نفوذها منها[ و] هذا التمديد يحدث وجع النقرس. و انما قلنا المواد الرقيقة باعتبار الأكثرية لأن مواد النقرس في الأكثر تكون هي البلغم الرقيق المائى.
2- 280. ( 2). و لاجل تمديدها غشاء العظم الذى هناك و تمزيقها له يعرض الوجع شديدا لتفرق اتصاله و لذلك لا يعرض الوجع للمفاصل التى يكون بالتصاق احد العظمين بالآخر كمفصل عظمى الساعد و لا المفاصل التى يكون بالشئون كمفاصل عظام الرأس. و قيل السبب في شدة عروض الأوجاع في المفاصل بأنها أضعف مزاجا.[ و سيأتى معنى ضعف مزاجها في البحث عن سبب هذه العلة عن قريب].
3- 281. ( 3). لأن المفصل اذا تحرك ضغط المادة المحتبسة و أبرزها و اضطر بذلك الى شدة تمديد الغشاء فيعرض الوجع و لذلك كثيرا ما يكون هذا الوجع مختصا بحركة ذلك العضل فالطبيعة لا تحرك الأعضاء خوفا للوجع.

و لا تستفرغ المواد منها أيضا بسهولة لأن نفوذ قوى الادوية المسهلة إلى المواد التى تكون في مثل هذه الأعضاء انما تكون في العروق أولا فيكون طريق نفوذها أطول و منافذها إلى هذه الأعضاء- و هى أفواهها- أضيق، مع أن اتصال أفواه العروق بالمفاصل قليل جدّا فاستفراغ المواد منها إنما يكون بأدوية قوية جدا تخرج بها معها غيرها مما لا يقصد استفراغه و هذا مما يمنع عن تكرار الاستفراغ.

و من خواص هذه الأورام أنها لا تنضج و لا تجمع مدة كسائر الأورام، لأن موادها فى أعضاء غير لحمية و قوة النضج في اللحم أكثر، لأنها انما تكون بقوة الحرارة و الرطوبة و أجزاء المفاصل باردة يابسة، و لأن المفاصل أيضا بعيدة عن ينبوع الحرارة(1) و هى أى: موادها غليظة مخاطية إما ابتداءا أو لما يغلظ فيها بطول المكث و كثرة الحركة لما تتحلّل منها الأجزاء اللطيفة الحارّة التى فيها مع أنها أيضا تعين على نضج المادة و تقيّحها و باكتسابها مما يجاورها برودة مكثّفة مغلّظة لقوامها و لذلك تتحجّر المواد كثيرا فى المفاصل و تصير كالجص، و لأن المفاصل دائمة الحركة و الحركة تمنع من الجمع و التقيح لأن ذلك انما يتم بالهدوء و السكون، و لأن كثرة ما يوضع عليها من الضمادات المبرّدة لتسكين الوجع تفجّج موادها فاذا كثرت في المفاصل و رقت أى: إذا كانت كثيرة رقيقة حتى تبلّ اللحم الذى حول المفاصل على سبيل الاستنقاع و التشرب أحدثت أوراما شبيهة بأورام الاستسقاء اللحمى كما أن مادة الاستسقاء اللحمى مع كونها أعضاء لحمية لا تنضج و لا تصير مدة، لتفرقها في جميع أجزاء الأعضاء كما لماء الورد في الورد و صيرورتها كالجزء لها، كذلك هذه بخلاف سائر الأورام فان موادها تنفذ في خلل الأعضاء و فرجها فتوسعها و تفرقها و تمدّدها لا كتمديد الغذاء حتى تتحلّل أو تجتمع فى موضع واحد و تصير مدة.

و سبب هذه العلة: ضعف المفاصل إما لسوء مزاج مستحكم أو تعب كثير أو ضربة، مع أنها في الأصل خلقت ضعيفة(2) خسيسة ممنوة بكثرة الحركات بعيدة

ص: 295


1- 282. ( 1). أو لأنها مجاورة للعظمين.
2- 283. ( 2). لأن الاعضا الآخر لاجتماع أجزائها يكون مستحكما لأن كل جزء يتمكن من قوته للفعل في الآخر و يكثر انفعاله عنه و لا كذلك المفاصل فان أجزاءها متباعدة فلا يتم فيها ذلك فيكون مزاجها ضعيفا و يلزمه أن تكون قواها ضعيفة فيكون لذلك قبولها للمواد اكثر و تحلل ما يتحلل فيها منها أقل.

من القلب باردة المزاج قاصرة في الهضم، فلذلك تنصبّ الفضول إليها من الأعضاء الشريفة و انصباب المواد إليها لأنها أشدّ جذبا لها لكثرة حركاتها و الحركة جذّابة خصوصا إذا عرض لها وجع مّا فإنه يعين الحركة على الجذب و لانها أقبل للمواد لكونها ذات تجاويف و لأن كل مفصل تحت جملة من الأعضاء و المواد تتحرك بالميل الطبيعى إلى أسفل و تلك المواد إما صفراء و هى قليلة و إما دم و هو كثير و إما بلغم و هو أكثر و إما سوداء النادر و إما إثنان منها و قلّما يكون من خلط بلغمى أو سوداوى وحده دون ما تختلط به المرّة الصفراء فيبدرقه لأنهما باردان غليظان بطيئان في الحركة لا يمكن ان يسيلا و ينفذا فى المفاصل، و قد أحيطت بها رباطات كثيفة صلبة فإذا اختلطت الصفراء بهما أفادتهما رقة و لطافة و حدّة و لذلك لا يحدث هذا المرض للصبيان و الخصيان و النساء لقلة المرار فيهم(1) لبرد مزاجهم، و لأن الجماع أيضا أقوى أسباب هذا المرض خصوصا على الامتلاء لما يكثر حركة المفاصل فيه فيحمى و تنجذب إليها المواد و تحتبس و لأنها تزداد ضعفا بسبب الهزّ و التحريك فيزداد قبولا للمواد.

أما الدموى فعلامته: الحمرة و عظم الانتفاخ و الوجع و شدة الضربان، و سائر علامات غلبة الدم.

و علاجه: الفصد(2) من الجهة المخالفة في قطر لا في قطرين(3)، و إن كان

ص: 296


1- 284. ( 1). و لأن الأطفال و إن كان يكثر فيهم الفضول الّا أن أعصابهم لرطوباتها لا يتمكن هذه الفضول من النفوذ فيها الى المفاصل و كذلك الحال في الخصيان و النساء.
2- 285. ( 2). و اعلم أن المادة الدموية إن كانت متجهة إلى المفاصل، فوجب أن يكون ذلك الفصد بقدر يسير ليحصل به تنقيص الدم و الأمن من انصبابه الى العضو العليل ثم يجب الفصد كرة أخرى ليكون به خروج جميع ما بقى من الفصد الأول.
3- 286. ( 3). توضيح معنى العبارة أن الوجع إن كان في الرجل اليمنى مثلا، ينبغى أن يكون الفصد من الرجل اليسرى أو من اليد اليمنى لكن الأول أولى لجذبه المادة الى الجهة المخالفة البعيدة لكنه هاهنا يلزمه ضرر آخر و هو تحريك المادة الى قريب القلب فينبغى لذلك أن يكون الفصد من اليد المقابلة أيضا. و ان كان الوجع اليدين فينبغى أن يكون عن اليد التى كان الوجع فيها أخف ليكون جذب المادة من اليد التى وجعها أشدّ و كذلك يكون الفصد عن الرجل الذى يقابل تلك اليد. و لو كان الوجع في اليدين مساويا كان[ ينبغى أن] يفصدهما أو الرجلين معا. و لو كان الوجع في الرجلين مساويا فلك أن تفصد من اليدين.

الوجع عاما فمن الجهتين و الاسهال(1) بعد النضج التام بمطبوخ السورنجان و الشاهترج و التمر الهندى و الاجاص و الزبيب و الهليلج مع لب الخيار شنبر و الطلى بالأطلية الرادعة التى فيها قبض مثل طلاء النرد و الصندلين و الورد و الفوفل و الماميثا و الاقاقيا بالخلّ و ماء الهندباء و الكزبرة و نحوها و التضميد بالأضمدة ال؟؟؟ حدّرة إن كان الوجع شديدا(2) مثل الأفيون و اليبروج و نحو ذلك بماء الخس. هذا عند ابتداء المرض و تزايده فأما عند انتهائه فيجب أن يضمد بالأضمدة التى فيها تحليل مّا مثل البنفسج و الخطمى ثم التى فيها تحليل أقوى مثل الإكليل و البابونج، و ينبغى أن يقع في أضمدة أوجاع المفاصل كلها- الحارّة و الباردة- و فى مسهلاتها أيضا السورنجان لاختصاصه بهذا المرض و تسكينه الوجع باستفراغه المادة الموجعة و تقوية المفاصل و تنقيتها من المواد و تضيق مجاريها و مسالكها حتى لا تنصبّ إليها المواد كرة أخرى و ذلك لأنه مركب من جوهرين: أحدهما، مسهل و الآخر قابض فإذا فعلت القوة الطبيعية فيه فعلها، انفصل منه اللطيف المسهل ففعل فعله تحليلا و جذبا للمادة المركبة في المفاصل حتى يستفرغها ثم يعقبه بعد زمان

ص: 297


1- 287. ( 1). اعلم أن الأدوية الضعيفة لا يجوز استعمالها في الإبتداء لأن هذه الادوية من شأنها البلوغ الى أقاصل البدن فاذا استعملت بلغت الى هناك و حرّكت المواد و لم يقدر على اخراج كثير منها لضعفها فيكون ضررها شديدا. و ينبغى أن يتناول من الأدوية في الليل ليكون بقاءه مدة فبطول زمان عمله تنفذ قوته الى مواضع هذه الأوجاع. و يؤخر الغذاء لذلك أى لطول زمان فعل الدواء لأن يكون فعله أقوى فإنّ جذب المادة عن المفاصل عسير و الأغذية يقطع فعل الدواء. و ينبغى أن يراعى الأمور في علاج هذا المرض و هى: ان الحرارة اذا استولت على المواد بحيث يستعدّ للحركة الى المفاصل فيجب أن يجتنب الأدوية القوية التسخين لها و لمّا كانت المستفرغات كلها محركة للأخلاط و اكثر تحريكها للصفراء لأنها لحرارتها سريعة الحركة و الهيجان و اذا تحركت الصفراء أسخنت و لزم ذلك سيلان المواد و استعدادها للسيلان الى المفاصل، وجب أن يكون مستفرغات هؤلاء كلّما مستفرغة للصفراء حتى لو كان وجع المفاصل من البلغم وحده يجب أن لا يسهل بلغما وحده بل لا بد أن يكون مع ذلك مسهلا للصفراء فانه إن أسهل البلغم وحده انتفع في الوقت و عاد الصفراء يسيل البلغم الى المفاصل مرة أخرى.
2- 288. ( 2). حتى لا يحتمله العليل و لم يكن بدّ سكن[ تسكين] الوجع و ينبغى أن يكون استعمال المخدرات بقدر ما يسكّن سورة الوجع و لا يستعمل المخدرات القوية ما أمكن لأنها تصلب المادة و تحجّرها فيعسر نضجها و طول[ يطول] مدة المرض بل يتعسر برئه حينئذ.

الجوهر البارد اليابس القابض فيرد على تلك الأعضاء و المنافذ فيقبضها و يبرّدها و يقوّيها على الامتناع عن عود ما سال و انصباب ما ذاب من موضع آخر إليها، كذا قال «الشيخ» فى رسالته فى الهندباء. و لذلك إذا كثر منه حجّر الفضلات و فقّع(1) المفاصل و الصواب أن يستعمل فى أوقات النزلات بعينها فقط.

و أما الصفراوى فعلامته: صفرة اللون و قلة الانتفاخ و شدة الوجع و الالتهاب و الانتفاع بالاشياء المبرّدة و سائر علامات غلبة الصفراء مثل التدبير المتقدم و نحوه من السن و الفصل و البلد و العادة و قلّما يحدث من الصفراء الصرف لانها لرقتها و حدتها و لطافتها لا تحتبس في المفاصل بل تتحلّل عنها بسرعة لكن من الدم الصفراوى، و لذلك يجب أن يبدأ في علاجه أيضا بالفصد ثم بالاسهال بطبيخ الهليلج و نحوه مما يخرج الصفراء و بالتضميد بالأضمدة و الأطلية الباردة التى ليس فيها قبض؛ لأن المادة حارّة لطيفة سريعة الحركة شديدة الهيجان قوية الانصباب لصفراويتها كثيرة المقدار لدمويتها و الأطلية القابضة تدفعها عن العضو بالعصر و تعارض حركتها فيحدث من هذه المدافعة وجع عظيم يخاف منه الغشى، و لأنه ربما رجعت المادة منها إلى الأعضاء الرئيسة(2) و فيه خطر عظيم و لأن القوابض قد لا تبلغ قوتها إلى أن تصدّ هذه و تمنع المادة و تدفعها عن العضو بل يزيد في صلابته و كثافته فلا تتحلل منه المادة المنصبّة بسرعة و يشتدّ الوجع مثل بذر قطونا بالخلّ و جرادة القرع و ماء الخيار و ماء حى العالم و ماء الخس و الكافور و نحو ذلك مما يبرّد تبريدا قويا من غير تقبيض و التضميد بالأضمدة المخدّرة بقدر ما يسكّن الوجع و سقى الأدوية التى تسمى مسكنة الاوجاع مثل العدس المقشّر و العظام المحترقة و السورنجان و نحوها مما يغلّظ المادة النازلة و يخدّر الحس كالخشخاش الأبيض و البلوط المنقوع في الخلّ و بذر الخس عند اشتداد الوجع و خوف الغشى و لا يحتاج في هذا النوع إلى الأطلية المحلّلة لأن المادة للطافتها و كثرة حرارتها تنحلّ بسرعة و لا يمكن أيضا أن تتصلّب و تتحجّر.

ص: 298


1- 289. ( 1). أي: شدّها. كذا في« كشف الإشكالات».
2- 290. ( 2). خصوصا اذا اتفق استعمال تلك الأضمدة و الأطلية قبل نقاء البدن.

فأما البلغمى فعلامته: بياض اللون و قلة الالتهاب(1) و قلة الورم لكثافة المادة و عدم حرارتها المخلخلة و الوجع الذى يكون في عمق المفصل لأنه لغلظه و ثقله يغور إلى العمق و لا يبرز إلى الظاهر و الانتفاع بالمسخّنات و تقدم التدبير المولّد للبلغم و سائر علامات غلبة البلغم من السحنة و غير ذلك.

و علاجه: القى ء(2) بطبيخ الشبت و أصل السوس و العسل و الاسهال بعد النضج التام و تهيئه للاندفاع لئلّا يستفرغ اللطيف و يبقى الغليظ فيعسر نضجه و تطول مدة المرض و ربما لم يبرأ و يؤول إلى الصلابة و التحجر: بالحبوب المتخذة من شحم الحنظل و البوزيدان و السورنجان و نحو ذلك- مما يخرج البلغم و يختصّ أيضا بالمفاصل مثل التربد و الماهيزهرج و القنطوريون و الحجر الأرمنى و حب النيل ثم التضميد بالأضمدة المحلّلة المتخذة من الإكليل و البابونج و الشبت و الخطمى و الميعة و المر و الصبر و الجندبيدستر و الفرفيون و لعاب الحلبة و بذر الكتان و نحوها، مما يليّن و يحلّل معا حتى لا يبقى خلط غليظ يتحجر في المفاصل و يعقفها أى: يعوجها، و هو مأخوذ من العقاف و هو داء يأخذ فى قوائم الشاة فتعوج لأن هذا النوع يخشى فيه ذلك لغلظ المادة و لزوجتها و التمريخ بالأدهان الحارّة مثل: دهن الخروع و الناردين و القسط و اللوز المرّ مما ينفع في هذا النوع لأنها تلين المادة الغليظة و تحللها فلا يبقى الغليظ خلوا من اللطيف الرقيق كما يبقى عند استعمال المحلّلات القوية.

و أما السوداوى فعلامته خفاء الوجع لقلة كميته و برد مزاجه و قشف الموضع و كمودته و قلة التمدد(3) و صلابة الورم و الانتفاع بالمسخّنات المرطّبة و المزاج السوداوى.

و علاجه: استفراغ السوداء بالفصد إن لم يكن في غاية الغلظ و أمكن(4)

شرح الأسباب و العلامات ؛ ج 2 ؛ ص299

ص: 299


1- 291. ( 1). اما اذا كان البلغم مائيا فحدوث الإلتهاب ظاهر يكون لاجل المرار المحدث للملوحة و اما اذا لم يكن كذلك فان الإلتهاب قد يحدث لاجل تسخين الوجع فان الوجع يسترر[ يثير] الحرارة و ان كان من مادة باردة و ذالك لتهيّجه الارواح و القوى.
2- 292. ( 2). قبل نضج المادة عند ابتداء المرض.
3- 293. ( 3). هذه لقلّة ما يحصل من السوداء في هذه المواضع و لضعف حركتها المحدثة للتمدد و لأجل أرضيتها. و اعلم أن هذا النوع من اوجاع المفاصل قليل النفع بالعلاج لأجل عسر قبول السوداء الانفعال خاصة اذا كانت[ غير] طبيعية أو مستحيلة عنها أو كانت حادّثة بالجمود.
4- 294. سمرقندى، نجيب الدين - شارح: كرمانى، نفيس بن عوض، شرح الأسباب و العلامات، 2جلد، جلال الدين - قم، چاپ: اول، 1387 ه.ش.

إخراجها مع الدم من العروق، و يستدل على ذلك بلون الدم و قوامه بعد الفصد هل هو أسود كدر غليظ أو أحمر صاف معتدل القوام و الاسهال بعد الإنضاج التام فإنه أعسر نضجا و أسرع تحجرا من البلغمى و التضميد بالأضمدة المليّنة المحلّلة مثل البابونج و دقيق الحلبة و بذر الكتان و المقل و الجاوشير و الراتينج و التين مع شحم المعز المذاب و الزيت و سمن البقر و التمريخ بالقيروطيات المتخذة من دهن السوسن و القسط و الخروع و القرطم و البابونج و الشمع و الشحوم مثل شحم كلى المعز و شحم الدجاج و البط و الأدهان الحارّة الرطبة و التنطيل بالمياه المحلّلة التى طبخ فيها البابونج و المرزنجوش و الفوتنج و الحاشا و الزوفا و الحلبة.

و أما اوجاع المفاصل الحادّثة من الخلّطين أو اكثر، فعلامتها: قلّة الانتفاع بالمعالجات الحارّة المفردة و الباردة المفردة، لأنها ان كانت نافعة بواحد كانت ضارة بالآخر فلا يحصل الانتفاع التام و اختلاف أوقات الانتفاع بها فينتفع وقتا بدواء و وقتا آخر بدواء آخر يضاده و أن تكون العلامات مركبة و مداواتها تكون بتركيب علاج المفردات بحسب الخلّط الغالب في جميع الأوقات أو في وقت.

ص: 300

الفصل الثانى: في وجع الورك

و أما وجع الورك فهو أيضا صنف من أوجاع المفاصل، غير أن مفصل الورك مفصل عميق غائر في اللحم و عليه لحم كثير فلا تظهر عليه علامات الأورام من لون الموضع و من مجسه ظهورا بينّا الّا إذا امتلأ المفصل جدا، فحينئذ يدل ما ظهر منها على أن ما بطن أكثر منه أضعافا كثيرة.

و يخالف علاجه أيضا في بعض الأوقات علاج سائر أوجاع المفاصل و هو أن الرادع فى الابتداء ربما أضرّ به اضرارا شديدا، لأن المادة عميقة و الردع يحبسها هناك لأنه يدفعها بتكاثف الظاهر إلى الغور و يمنعها عن البروز و لا يمكن له أيضا أن يصدّها عن العضو قطعا، لأنها تجى ء عن مجارى غائرة غائصة و يجعلها بحيث يعسر تحليلها لأن الردع انما يكون بالاشياء المبرّدة و هى تفجّج الغليظ و تغلظ الرقيق و تكثف ما فوق المفصل من اللحم و الجلد و تهى ء المفصل للخلع لأن المادة إذا احتبست فيه صارت بطول المكث رطوبة لزجة مزلقة مرخية للرباطات، خصوصا للرباط الذى بين زائدة عظم الفخذ و حق الورك، و قال «ابن التلميذ» في «الحواشى العراقية»: انها إذا احتبست فى المفصل صارت أكّالة متعفنة مفسدة للرباط الذى في الحق و لا يمكن أن تصير المادة في هذا المفصل متحجرة، لأن التحجر انما يكون بتحليل جميع الأجزاء اللطيفة و بقاء الغليظة و هذا المفصل لتعمقه و غلظ ما فوقه لا تتحلل منه جميع الاجزاء اللطيفة حتى يصير الباقى صلبا متحجرا بل المرخيات التى لا تكون لها حرارة شديدة بل فاترة بها

ص: 301

تلطّف المادة و تحللها تحليلا لا يؤدى إلى التغليظ و لا يجذب إليه شيئا آخر منها كالبابونج و بذر الكتان و دهن الحناء و دهن الشبت في الابتداء أوفق فيه لتسكين الوجع سيّما إذا كان البدن ممتلئا يخاف منه انجذاب مواد كثيرة إليه من اشتداد الوجع اللهم إلّا أن تكون المادة رقيقة جدا(1) فحينئذ لا بدّ من هجر المرخيات و استعمال الروادع قليلا لتغلظ المادة و تمنعها من الانصباب.

و أما استفراغ المادة فيه إن كان دمويا، فيجب أن يكون بفصد الباسليق من اليد المقابلة للورك الموجع لتنجذب إليها المادة و تستفرغ بسبب الاشتراك من حيث أنها قطر واحد دون اليد المخالفة، لقلة الاشتراك لتباعدهما في قطرين و إن كان بلغميا، بالقى ء و الحقن و الشيافات المخرجة للزوجات، أما القى ء فبمثل بذر الفجل و الشبت و العسل و أما الحقن فبمثل طبيخ أصل السوسن الآسمانجونى و القنطوريون و السذاب و البابونج و اصل الكبر و القرطم المرضوض و التربد مع المرى و دهن اللوز المر و العسل، و أما الشيافات فبمثل ما ذكرنا في الخاصرة و بالتجويع ما أمكن فإن الطبيعة حينئذ تتوجه إلى المواد التى في البدن و تصرف ما أمكن منها إلى غذاء البدن و تدفع الباقى و المرخ بدهن الفرفيون و الجندبيدستر، و التضميد بالأضمدة المحمرّة المنفّطة لتجذب المادة من عمق المفصل إلى ظاهر الجلد و تدفعها بطريق القيح و الصديد مثل أصل الكبر و العاقرقرحا و الذراريج و الثوم و البلبوس و خرء الحمام و عسل البلادر و لا يترك أن يلتحم حتى يسكّن الوجع و بالكى «بمكوى» من حديد شبيه بقدح يكون ما بين قطريه قدر نصف شبر و غلظ شفتيه كغلظ نوى التمر و يكون في داخل ذلك القدح قدح آخر مثله ثم آخر بعد، ما بين الأقداح قدر عقد و له مقبض طويل يحمى رأسه حتى يصير كالنار، و يوضع على حق الورك و العليل متكئ على الجانب الصحيح فيكون قد كوى أربع كيات مستديرة مرة واحدة و بعضهم يجعل الكى على موضع المفصل و يعمق تعميقا صالحا لتجفيف الرطوبة المزلقة التى هناك إن لم يكف

ص: 302


1- 295. ( 1). فيه اشارة الى أن وجع الورك انما يحدث في الأكثر عن البلغم الغليظ كالخام و المخاطى و قلما يحدث عن المادة الرقيقة لأن مادته لو كانت رقيقة أو متوسطة الغلظ، لكانت في الأكثر ينزل في المفاصل التى هي الى أسفل و كذلك حال عرق النساء.

ذلك العلاج المتقدم و أزمن المرض، لأن عمره إن لم يكو يؤول إلى انخلاع المفصل إذا طال زمانه لما ذكرنا فإذا كوى تحللت تلك الرطوبة المرخية و فنيت و زال الاسترخاء عن الرباطات و الأوتار و تشنج الجلد فلا يمكن للعظم أن ينقلب عن موضعه و ينخلع و أشدّ ما تكون هذه العلة إذا عرضت في لجانب الأيسر، لأنه أبرد مزاجا و أضعف قوة و أبطأ انحلالا.

ص: 303

الفصل الثالث: في عرق النسا296

و أما عرق النسا: فهو وجع يبتدئ من مفصل الورك و ينزل من الجانب الوحشى على الفخذ و ربما امتدّ إلى الركبة و إلى الكعب و سببه امتلاء النسا و هو عرق ينشعب من الاجوف النازل يمتدّ طولا من مفصل الورك إلى خنصر القدم، إما من الدم الغليظ الأسود الذى تدفعه الطبيعة إلى أسافل البدن على طريق الدوالى، أو من الرطوبات المائية التى لم تنفصل عن الدم، أو من الرطوبات البلغمية الفجة فيتمدّد و يتألم، و ربما اكتسب هذه الفضول عند الامتلاء كيفية رديئة عفنة لفقد الترويح فيوجع بالكيفية أيضا و كلّما طالت مدته زاد نزوله لما تنصبّ إليه المواد من جميع البدن و تنضمّ إلى ما كانت محتقنة فيه بسبب جذب الوجع و تسفل العضو و ازدياد ضعفه و بحسب المادة على قلتها و كثرتها يكون نزول الوجع فكلّما كانت أكثر كان امتداد الوجع أزيد و ربما امتد إلى الأصابع عند طول المدة و كثرة المادة و يهزل منه الرجل و الفخذ بسبب ضعفهما- من شدة الألم- عن جذب الغذاء و التصرف فيه على ما ينبغى و يحدث منه العرج بسبب ضعف الرجل و عسر حركتها و انتقالها، أو لشدة تمدد عرق الورك من الامتلاء. و قيل(1): لا يكون العرج الّا بعد الهزال لجساوة الأعصاب و عسر انعطافها من الجفاف العارض من عوز الغذاء و يدل عليه كلام «الرازي» حيث قال في سبب هذا العرج: انه يكون من

ص: 304


1- 297. ( 2). و عليه صاحب الكامل.

جساءة في عضلات الفخذ و الصلب و الاربية. و قيل انما يكون العرج و الهزال بعد انخلاع رمانة الفخذ عن الحق إذا كثرت الرطوبة المخاطية اللزجة المزلقة في الحق و استرخى الرباط الذى فيه أو تغيرت الرطوبة التى فيه إلى ضرب من التعفن و الرداءة فافسدت جوهر الرباط، و أما العرج فلتشنج الأعصاب و امتناعها عن الحركة و الانتقال، و أما الهزال فلانسداد اكثر العروق التى يجرى منها الغذاء إلى الرجل بسبب الالتواء و الانضغاط في أكثرها و يمكن أن يكون العرج بسبب تجلب شى ء من المادة من مفصل الورك إلى شظايا الرباطات التى تنبت من عظم الخاصرة و رأس الفخذ و تتصل بعضلات الركبة و الساق فتتشنج و تشج بتشنجها الاوتار التى هي اجزاء لها تشنجا ما، سيّما الوترة العريضة(1) التى حدثت من اتصال العضلتين اللتين نشأتا أحديهما من عظم الورك و الاخرى من عظم الخاصرة و أحاطت بالرضفة ثم اتصلت بأول الساق و عند تشنجها تتقلص الرجل و يحدث العرج و يضطرّ العليل إلى أن يمشى على أطراف أصابعه.

و علاج البلغمى منه: علاج الورك البارد و كذلك علاج الدموى علاج الورك الدموى إلّا أنه ينبغى أن يفصد عرق النسا ليستفرغ منه الدم الذى هو مادة المرض بعد الفصد من الباسليق و تنقية البدن من الدم الغليظ السوداوى و الأمن من انصبابه إلى العضو العليل عند امالته إليه بفصد عرق النسا.

ص: 305


1- 298. ( 1). لان الوتر جسم ينبت من اطراف العضل فاذا اتصلت العضلتين صار الوتر به عريضا بالضرورة.

ص: 306

الباب الثانى و العشرون: فى الحميات

اشارة

ص: 307

ص: 308

[الباب الثّانى و العشرون]: في الحميات

الحمى حرارة غريبة من حيث أنها ليست مقومة لوجود البدن و لا جزءا كماهيته و انما حدثت فيه عند اجتماع الفضلات، فان الفضلات إذا اجتمع و تراكم بعضها على بعض حدثت فيها حرارة فاشتعلت و تعفنت، و يدل عليها حال الفضلات الخارجية. و احترز بها عن الحرارة الغريزية لأنها مقومة لوجود البدن باقية مدة الحياة و عن الاسطقسية التي في جزء منه لأنها باقية ببقاء البدن لا تفارقه عند الصحة و لا بعد الموت ما دام الجسد باقيا و لذلك يسودّ و يتعفن و لو دفن في الثلج(1)، هكذا قال «الفاضل العلّامة» في «شرح الكليات»، و فيه نظر؛ لأن الحرارة في الحمى اليومية و الدقية حيث تتشبث أولا بالأرواح و الأعضاء ليست حادّثة من تراكم الفضول، و يشبه أن تكون حرارة الحمى هي حرارة الاسطقسية يؤيد ذلك ما قال ابن ابى صادق في شرح المسائل: الحمى حرارة نارية و هى إذا اشتعلت عند ضعف الغريزية و احتدّت كيفيتها أكثر مما كانت عليه في حال الصحة و انتشرت في البدن و أضرّت بالفعل، صارت غريبة من حيث الإضرار، و أما الحرارة التى تحدث في الفضلات الخارجية عند اجتماعها فإنما هي من الحرارة الهوائية و الكوكبية لا أنها نوع آخر من الحرارة تشتعل في القلب(2) و لو كان مستوقدها عضو آخر فإنها

ص: 309


1- 299. ( 1). انما قال ذلك لئلّا تظن أن الحرارة التى سورت[ سوّدت] الجسد و عفنته استفادها عن خارج من الحرارة الهوائية و الكوكبية.
2- 300. ( 2). ليس المراد هاهنا بالاشتعال ازدياد الحرارة بل نفس حصولها؛ لأن من الحميات ما لا-- يكون الحراره فيها قوية حتى تزيد اولا في القلب ككثير من حميات اليوم و ليس المراد بحصول هذه الحرارة في القلب أنها لا بدّ أن يحصل فيه ابتداء بل أعم من أنها تحدث فيه اولا كما يكون في كثير من انواع حميات اليوم أو أنها تحدث بعد تسخن بعض الأعضاء كما في الحميات التابعة للأورام لكن سخونة القلب لا بدّ أن يتقدم على سخونة جميع الأعضاء لأن سخونته موجبة لسخونة الارواح و الدم الشريانى و هى اذا سخنت و جرت من طريق الشرائين الى جميع البدن سخنه دفعة. و يستدل عليها أى: على سخونة القلب اولا بوجهين: الأول، بأن مزاج القلب حارّ يابس به يشتدّ استعداده لقبول السخونة بما[ عما] عداه. الثانى، أن الروح الحيوانى سريع الحركة عن النفسانى و الطبيعى فلما انقدحت الحرارة في كل الأرواح تبادرت السخونة الى معدن الحيوانى و تسرى الى القلب في أسرع ما يكون أى تسرى الحرارة من طريق الشريان الى القلب في أسرع مدة يكون سريانها تلك المدة من غير الشريان.

تسرى منه إلى القلب أولا و تسخّنه، أما إذا كان في ذلك المستوقد شريان فلما تسرى الحرارة و ما تحملها من الأجزاء الروحية و الخلّطية العفنة فيه و أما إذا لم يكن فيه شريان فلما تتصل الحرارة بما يجاورها ثم إلى ما يجاورها إلى أن تصل إلى ما فيه شريان فتنفذ فيه ثم تسرى منه إلى القلب في أسرع ما يكون لأنه جزء من القلب، و اذا سخن بعض اجزاء الشى ء تأدت السخونة منه إلى الكل في أسرع مدة، و لأنه عند انعصاره و انقباضه يرجع جزء يسير من الدم و الروح منه إلى القلب، و اذا كان ذلك الجزء مشتعلا بالحرارة الغريبة انقدحت تلك الحرارة في القلب و فيما فيه في أسرع وقت و تنبّث منه بتوسط الروح و الدم و الشرايين جميع البدن لأن الصورة النارية انما تحدث كيفية الحرارة في غير المادة التى هى متقومة بها بالمجاورة لا غير، و إنما وجب أن يسخّن القلب أولا لأنه مبدأ لجميع انواع الارواح و القوى و لجميع الأعضاء على الرأى الحق، و لذلك ينالها من الضرر ما تناله دون العكس، و هو أول عضو يتكون في الجنين و أول عضو يتحرك و آخر عضو يسكّن عند الموت و هو معدن الغريزى و منه يسخّن البدن كله، و كما أن الغريزى يتأدى منه إليه كذلك الغريب لا يشتمل عليه ما لم يشتمل على القلب فتشتعل تلك الحرارة فيه، أى: فى البدن اشتعالا يضرّ بالأفعال الطبيعية و هى الافعال المنسوبة إلى الطبيعة المدبّرة للبدن من الأفعال الحيوانية و النفسانية و الطبيعية لا كحرارة الغضب و التعب من حيث أنها حرارة غير طبيعية تنبعث من القلب إلى البدن إذا لم تبلغ أن يؤوف الفعل و إن تشبت بجزء من أجزاء البدن و يسخّن الباقى بالمجاورة و يوجب الحمى.

ص: 310

و أجناسها العالية ثلاثة: بحسب موضوعاتها التى تتعلق بها و هى الارواح و الأعضاء و الأخلاط حمى يوم و هى التى تنبعث من الأرواح و سميت بها لأنها على الاكثر تنقضى فى يوم واحد(1) و حمى دقّ و هى التى تنبعث من الأعضاء و سميت بها لأنها حمى دقيقة- أى هادئة- أو لأنها تدقّ معها الأعضاء و تهزل(2) و حمى عفن و هى التى تنبعث من الأخلاط و سميت بها لأن حدوثها من عفونة الأخلاط(3)، و الأولى أن يقول حمى خلط كما «قال الشيخ» لئلا تخرج الحمى الغليانية عن التقسيم بسبب خلوها عن العفونة.

ص: 311


1- 301. ( 1). و لا يزيد عليه بل إما أن ينق البدن بعد ذلك أو يحدث فيه حمى آخر. و انما قال على الأكثر لأنها قد تمتدّ الى ستة أيام.
2- 302. ( 2). هذا و إن كان لازما لجميع الحميات الّا لأنه يكون في هذه الحمى اكثر فلذلك يخص باسم الدق.
3- 303. ( 3). اعلم أن الحمى المتشبّث بالرطوبات اولا تسمى حمى خلط؛ لأن المراد هاهنا بالخلّط ما يعمّ الرطوبات البدن لأنها تخص باسم الخلّط اذ الحمى التى قد تحدث من عفونة المنى و نحوه من اقسام الرطوبات الثانية لا يخرج عن التقسيم.

الفصل الأول: فى حميات اليوم304

أما حميات اليوم فهى أن يسخّن الروح الحيوانى أو الطبيعى أو النفسانى أولا بالحرارة الغريبة ثم تتأدى تلك الحرارة إلى القلب و تشتعل فيه و تسرى منه بتوسط الشرايين إلى سائر الأعضاء و الأخلاط فتسخن كما يسخّن كير الحدادين إذا اجتذب إليه هواؤه حارّ بالمجاورة و كالحمّام إن اتفق أن صار إليه هواء حارّ أو توقد فيه النار بحيث يسخّن هواء فقط، ثم تتأدى السخونة من الماء إلى الهواء و الحيطان.

و حدوثها يكون عن أسباب بادية أى: خارجة، لأن الأرواح للطافتها و كثرة رطوباتها تقبل الحرارة الغريبة سريعا أو و تتركها سريعا بدنية أى لاحقة بالبدن أولا مثل: الحر الشديد و البرد الشديد و تناول الأغذية و الأدوية الحارّة و الحركات المفرطة و الآلام البدنية أو النفسية أى: لاحقة بالروح أولا كالغضب و الغم و ليس لها كثير خطر و لا رداءة لأن الروح الذى تتشبث به الحرارة الغريبة يتحلل في الاكثر في يوم واحد و قلّما يبقى اكثر من ثلاثة أيام، و لأنه أيضا كثير الرطوبة فلا تشتدّ فيه كيفية الحرارة غير أنها ربما انتقلت إلى حميات أخر رديئة دقّية أو عفنية ان أخطئ في تدبيرها كما إذا منع العليل عن الغذاء فانتقلت في الأبدان المرارية إلى المحرقة أو الدق و فى الدموية إلى المطبقة(1).

ص: 312


1- 305. ( 2). كما صرّح بذلك الشيخ أن حمى يوم اذا كان يقتضى أن يغذى صاحبها فأخطأ-- الطبيب منه فلم يغده، انتقل الأبدان المرارية الى الدق و الحرقة و فى الأبدان اللحمية الى سونوخس التى بلا عفونة و ربما انتقل الى العفونة. و كذلك اذا كان يحتاج الى معونة في تفتيح المسامّ و تخلخل الجسم فلم يفعل، اشتعلت الحرارة فى الأخلاط المحتبسة اشتعالا مّا يتسخن بقوة و يتعفن.

و علامتها: أن لا يتغير معها في اليوم الأول البول لا في اللون الّا في الغضبية و الغمية و لا فى القوام الّا في التخمية و لا يتغير النبض كثير تغير بأن لا يكون فيهما في الاول تغير اصلا أو يكون فيهما تغير لكن غير كثير و تكون الحمى هادئة ساكنة الحرارة غير لذاعة، لأن الابخرة التى تنحل من الروح ليست شديدة الحدّة و الحرارة لشدة لطافته و كثرة رطوبته و لأن هذه الحمى خالية عن العفونة. و قد ذكر «بقراط» في «ابيذميا»: إن الحميات القوية الحادّة(1) لا تكون الّا من عفن، و ذلك لأن الحرارة النارية إذا تشبثت بممتزج لطيف حرّكت الأجزء النارية التى فيه إلى الانفصال فتحيل هذه الاجزاء بمعاونة تلك الحرارة ما تلقاه بحركتها من لطيف الاجزاء الهوائية عن طبيعتها إلى الطبيعة النارية فتزيد بذلك الاجزاء النارية التى في الممتزج، و حينئذ إما أن تغلب الحرارة و تستولى عليه فتسخن بها الرطوبة التى فيه و تغلى غليانا ينفصل به لطيفها عن كثيفها، فتنحلّ إلى بسائطه الاولى و هو الاحراق فلا يبقى مزاج و لا تحدث عفونة، و إما أن لا تغلب عليه و لا تقدر على قهره و تفصيل أجزائه- إما لكثرة الرطوبة أو لشدة الامتزاج و استحكامه- فتسخن الرطوبة التى الممتزج إذا كانت كثيرة غير شديدة الامتزاج و تغلى غليانا شديدا و تتحرك حركة غريبة فتفسد فسادا لا تقبل بعده صلاحا فلا تحصل منها الغاية المقصودة مع بقاء نوعها و هذه هي العفونة، و عرفت بأنها إحالة من الحرارة الغريبة للجسم ذى الرطوبة إلى مخالف للغاية المقصودة مع بقاء نوعها، و اذا كانت هذه الرطوبة من رطوبات البدن، لم تقبل الهضم و النضج و لم تصلح و لم ينتفع بها البدن بعد ذلك، لأن هذه من افعال الطبيعة باستعمال الحرارة الغريزية و هذه الحرارة نارية غريبة

ص: 313


1- 306. ( 1). اعلم أن الحمى الحادّة هي التى مع قصره مدتها يشتمل عل خطر فلذلك ما يكون من الحميات قصير المدة غير و هى خطر[ و هى غير خطر] لا يكون حادّا و لا مزمنا كالحمى اليوميه. فلذلك يكون تقسيم الحمى الى الحادّة و المزمنة غير حاصر بل يكون التقسيم الحاصر الى الحادّة و غير الحادّة فلذلك قال الشيخ في مقام تقسيم الحميات:« منها حادّة و منها غير حادّة» و لم يقل هاهنا[ منها] مزمنة. و كذا قال في التقسيم الآخر:« منها مزمنة و منها غير مزمنة» و لم يقل منها حادّة بوجود الحصر في التقسيم.

مضادة لها فتنفصل عنها أبخرة حادّة لذاعة مضادة لمزاج الأعضاء و يكثر الاشتعال و اللهيب حينئذ في البدن.

و تبتدئ بغير نافض لأن النفض إنما يكون إذا تعفنت المادة خارج العروق و تحركت عن مستوقدها و مرّت بالأعضاء الحسّاسة و لذعتها فتحرّكت الأعضاء لدفعها حركة قوية و المادة هاهنا في داخل العروق خالية عن العفونة لطيفة سريعة المرور و التحلل فلا يحدث عنها النفض و لا القشعريرة الّا أن تكون الأبخرة المتحلّلة عنها كثيرة جدا فيحدث عند مرورها بالعضلات نخس يسير و تنقلع بغير عرق شائع كالخلّطى، بل بنداوة يسيرة شبيهة بالعرق الصحيح.

و لا تكون معها أعراض قوية مثل خشونة اللسان و تدارك النفس و غير ذلك من أعراض الحمى العفنية و تكون نوبة واحدة و لا تعاود لأن مادتها سابحة في تجاويف العروق متصل بعضها ببعض فإذا اشتعل البعض اشتعل الكل إلى أن تتحلل الاجزاء المشتعلة و ليس لها مستوقد ينصبّ إليه جزء بعد جزء حتى يحصل بعد انصباب الجزءين فترة و ربما بقيت تلك النوبة يومين فصاعدا إلى ثلاثة أيام، فان جاوزت دلّت على أنها قد انتقلت إلى عفنية أو دقية. و ذكر «جالينوس» أنها ربما بقيت ستة أيام و انقضت انقضاءا تاما لا يمكن أن ينقضى مثله لو انتقل إلى جنس آخر و أن تحدث بعقب أسباب بادية أى: خارجة:

إما من غم مفرط يتحرك فيه الروح إلى داخل و يحتقن فيه و يفقد الترويح فيختنق الحارّ الغريزى و يشتعل الحارّ النارى فيسخّن الروح في القلب و يتأدى منه إلى جميع البدن.

و علامتها: نارية البول و حدته أى: حرقته أو زفارته عند الخروج لما تسخن الأخلاط بسخونة الروح من غير أن تتعفن و لما يغلب اليبس على البدن إما لغلبة الحرارة المحلّلة لرطوبات الدم و صيرورة الباقى حادّا مراريا، أو لعدم استمراء الطعام و قلة الاغتذاء فان كل من كان كثير الغم لم يستمرئ ما يأكله و إن كان سريع الهضم و عند غلبة اليبس تحتد الحرارة و غور العينين لغلبة اليبس و لتراجع الدم و الروح إلى الباطن و صفرة الوجه و قشفه لذلك و ضعف النبض و صغره لاحتقان الروح و اختناق الحرارة الغريزية.

و علاجها: دخول الآبزن المفتر العذب؛ اذ لو كان شديد الحرارة أحرق الجلد

ص: 314

و حصف المسامّ، فلا ينفذ الماء إلى الباطن و لا تخرج الأرواح المتسخنة عند الانحطاط و سكون الحمى لترطيب البدن و ارخاء الجلد و تفتيح المسامّ و تحليل الأبخرة الحارّة و لتسكين حرارة الحمى و فشّها لأن ما يتشرّبه البدن من الماء الفاتر يعود إلى طبعه فيبرّد، و قيل: مطلقا لينجذب الدم و الروح و الحرارة الغريزية إلى الظاهر، و لتسكين سورة الحرارة النارية بالتبريد و الترطيب و الاستحمام بالماء العذب الفاتر لذلك، و التمريخ بالأدهان الباردة العطرة كدهن البنفسج و النيلوفر للترطيب و التبريد و تقوية الروح و استعمال المفرحات الباردة القوية لتقوية القلب و الروح و تسكين الحرارة و تبريد القلب بالأطلية الباردة مثل الصندل و الكافور و ماء الورد و اذهاب الغم بضروب الكلام و الحيل و الملاهى مما يشغل النفس و يذهلها عن الغم.

و إما من همّ قوى تعرض منه حركة عنيفة للروح تارة إلى داخل و أخرى إلى خارج لأن مطلوب المهموم ليس أمرا فائتا أو محالا بل هو أمر مرجوّ ممكن الحصول لكن بجهد و تعب بخلاف مطلوب المغموم فإنه يكون فائتا غير مرجوّ الحصول مسخّنة لها، أو فزع مسخّن لها بالإحتقان و فقد الترويح كالغم أو فكر كثير في شى ء يعرض منه مثل ذلك الذى يعرض من الهم مما يسخّن الروح بدوام حركته من المطالب إلى المبادئ ثم منها إلى المطالب.

و علاماتها أى: علامات الهميّة و الفزعيّة و الفكريّة: علامات الغمية، غير أن النبض فيها يكون أقوى الّا في الفزعية فان النبض فيها يكون ضعيفا جدا كالغمية، اذ لا يحتقن الروح فى القسمين الآخرين و لا يختنق الحارّ الغريزى و لا تضعف القوى كما في الغم، و أما عند حصول المطلوب في الهمية و صيرورة المجهول معلوما في الفكرية فيحصل فرح و ازدياد قوة و لأنه عند انبساط الروح إلى خارج تنتفض البخارات الدخانية و تتحلّل فينتعش الحارّ الغريزى و كذلك ينبسط الروح أحيانا إلى الخارج في الهمية بسبب الرجاء. و علاجها: علاج الغمية.

و إما من غضب شديد يتحرك فيه الروح إلى خارج حركة عنيفة غليانية لتنتقم من المؤذى.

و علامتها: حمرة الوجه لشدة حركة الدم و الروح إلى الخارج و ارتقائهما لفرط الحرارة إلى الأعالى و انتفاخه بل انتفاخ البدن كله لذلك و لزيادة حجم الدم

ص: 315

بالغليان و جحوظ العينين و احمرارهما و عظم النبض لغلبة الحرارة و شدة الحاجة و حمرة البول و حرقته، لسخونة الدم و غليانه و ميله إلى المرارية.

و علاجها: تسكين النفس بما يفرحها من السماع الطيب و الحكايات الطيبة و اللهو و اللعب العجيبة لاشتغال النفس و ادخال الآبزن و الاستحمام بالماء الحارّ(1) المستلذّ المعتدل الحرارة(2)، لئلا تكتسب المواد التى في البدن عند كثرة حرارة الماء عفونة توجب الحمى أو ينصبّ شى ء منها إلى بعض الأعضاء فيوجب الورم، و لئلا يحترق الجلد و تنسدّ المسامّ حتى تلين بشرته بالترطيب و الارخاء و تحمرّ بجذب الدم و الروح إلى الظاهر فيتحلّل منهما ما قد غلى و سخن ثم بعد تفتيح المسامّ و تليين البشرة الدخول فى الماء البارد دفعة لينفذ في المسامّ و يبرّد البدن و يسكّن الغليان و يدفع العفونة و يسد المسامّ فتحتبس المائية التى نفذت في المسامّ من الآبزن و الاستحمام و تحتقن تحت الجلد فيكثر الترطيب و التبريد و الخروج عنه سريعا لأن الحارّ الغريزى لضعفه يعجز عن مقاومة الماء البارد حينئذ فينقهر و يزداد الضعف، و لأن الماء البارد عند طول اللبث فيه يكثف الجلد و يسد المسامّ و المنافذ سدا قويا فتحتقن الحرارة في الباطن، و تشتعل الرطوبات الاصلية، فيوجب الدق و الخلّطية فتوجب العفونة و الحمى و صبّ ماء الورد على الرأس و الصدر لتبريد الدماغ و القلب و تقويتهما و تضميد الصدر بالصندل و الكافور لزيادة تبريد القلب، لأن انبعاث الحرارة منه و سقى الأشربة الباردة المقوية للقلب مثل شراب التفاح و الرمان و الريباس و الصندل.

و إما من فرح شديد يعرض منه ما يعرض من الغضب من شدة حركة الروح إلى خارج لكن الحرارة هاهنا لا تكون حادّة لذاعة كما في الغضب، لأن الحركة في الغضب تكون دفعة مع قوة و اضطراب شديد و هيجان و غليان لدم القلب لطلب الانتقام فلا يبرّد فيه القلب و لا يخلو من الدم و الروح، لأن حجمهما بسبب

ص: 316


1- 307. ( 1). ليبرّد البدن بالآخرة و ليسكّن الغليان و يلين البشرة بالترطيب و الارخاء و يعتدل ما انجذب من الدم و الروح الى الظاهر.
2- 308. ( 2). لئلا يكتسب المواد التى في البدن عند كثرة حرارة الماء عفونة توجب الحمى العفنية و لئلّا يحترق الجلد و تنسدّ المسامّ.

الغليان يزداد جدا فيبقى شى ء منهما في القلب عند خروجهما إلى الظاهر دفعة، و لا يبرّد القلب أيضا فيه لغلبة الحرارة و شدة الهيجان و الفوران و لذلك لا يؤدى إلى الهلاك و فى الفرح و ان كان مفرطا إنما تكون الحركة بجزء من الروح بعد جزء برفق و تؤدة مع استرخاء و تحليل من غير غليان و فوران يتخلخل به الدم و الروح تخلخلا كثيرا و لذلك يبرّد فيه القلب و يؤدى إلى الهلاك.

و علاجها: علاج الغضبية و اهانة المسرور منه على النفس و تحقيرها.

و إما من سهر مفرط مسخّن للروح فإن اليقظة للروح مثل الرياضة للبدن، لأنها استعمال الروح النفسانى في الحركات الاختيارية و فى حفظ نظامها و ترتيبها فيسخّن مزاجها بكثرة الحركة و يجفّف بكثرة التحلل فتحتدّ السخونة.

و علامتها: أن تكون العينان غائرتين لكثرة التحلل و جفاف رطوبات آلآت الحس- سيّما العين منها فإنها أكثر استعمالا و أسخف بنية و ألطف رطوبة- و قلة تولد بدل المتحلل لقصور الهضم بسبب تفرق الحرارة في ظاهر البدن رطبتين مائلتين إلى النعاس، و الجفنان ثقيلين، و عسر في الحركة كل ذلك لكثرة تولد الرطوبة الفجة و لكثرة ارتفاع الأبخرة الغليظة إليهما و الوجه و جميع البدن منتفخا لذلك إلى صفرة لقلة تولد الدم بسبب سوء الهضم، و قال «الرازى»: لحركة المرّة المتولدة من السهر و ذلك لأن الحرارة عند انتشارها فى ظاهر البدن تسخن الأخلاط التى فيه و تجعلها مرّة و النبض صغير لضعف القوة من كثرة التحلل و قلة الاستخلاف لسوء الهضم و البول أبيض و ذلك لقلة الاستمراء و عدم النضج الصابغ.

و علاجها: التوديع و السكون ليقلّ التحليل و تكثر الرطوبة و التنويم لترطيب الدماغ بالنطولات و الادهان و الشمومات لأن النوم يرطّب بجودة الهضم و اغتذاء الأعضاء بالغذاء المنهضم و يسكّن اشتعال الروح لسكونه في الباطن و يمنع التحلل الموجب للجفاف و الحرارة و الاستحمام لما يبرّد و يرطّب لأن حرارة الحمام تحلّل الأبخرة الحارّة و التمريخ بما يرطّب مثل دهن البنفسج و القرع و النيلوفر و التغذى بالأغذية الجيدة الكيموس السهلة الانهضام مثل الفراريج ليحصل بدل ما تحلل في أسرع وقت من جهة أو السهر يبطئ الهضم و يضعفه و سقى الجلاب المعمول من السكر الطبرزد، و ماء الورد و ماء البهرامج، لتسكين الحرارة و ترطيب البدن و تقوية الروح.

ص: 317

و إما من تعب للبدن مسخّن للروح لأن الحركة البدنية تسخن المفاصل بل البدن كله و تشتعل الحرارة الغريبة فيحمى الارواح سيّما النفسانية منها، مع أن الحركة أيضا تجفف البدن فتشتدّ تأثير الحرارة فيه.

و علامتها: يبس الجلد و قحله خصوصا إذا كان التعب مفرطا، لانحلال الرطوبات بالعرق و البخار و صغر النبض لضعف القوة و زيادة سخونة المفاصل على غيرها لاحتكاك بعضها ببعض و اشتراكها لسائر الأعضاء في الحركة و حس الاعياء و كراهة الحركة لفرط اليبس و الجفاف و تمدد الأعصاب و الرباطات و عدم مؤاتاتها للانثناء و الالتواء و لضعف القوة عن نقل الأعضاء و تحريكها.

و علاجها: الاستحمام بالمياه العذبة الفاترة و الدلك الرقيق و هو الذى يكون بغير عنف و الغمز اللين لأنه يلين الأعضاء و يرخيها بترقيق الرطوبات و تسيلها إليها و المرخ بدهن البنفسج سيما بعد الحمام لأن الدهن بلزوجته يسدّ المسامّ و يحفظ الرطوبة التى اكتسبها البدن عن التحلل بالهواء، مع أنه يرطّب بنفسه أيضا و يرخى و يلين و التغذى بالأغذية الباردة الرطبة مثل لحوم الفراريج و أطراف الجداء و صفرة البيض النيمبرشت و سقى الجلاب.

و إما من اسهال قوى تعرض منه حركة مفرطة للروح لاضطراب الأخلاط و حركتها و استتباعها حركة الروح و تسخين من حرارة الدواء المستفرغ إن كان الاستفراغ بالدواء المسهل، فان الدواء المسهل كالتربد و السقمونيا لا يخلو من كيفية حارّة حادّة يسخّن بكيفيته و بما يلزمه من حركة الروح أيضا بسبب الجذب القوى العنيف الذى يعرض منه للأخلاط و بسبب إزجاعه لها من الأعضاء و دفعه لها بقوة قوية فتحدث منه الحمى و استفراغه الرطوبات و استيلاء الجفاف عنه على البدن فيشتدّ اشتعال الحرارة فيه و يسخّن الروح سخونة زائدة للطافته.

و علامتها: عروضها عند ذلك أى عند الاسهال القوى.

و علاجها: حبس الطبيعة و تضميد القلب و المعدة بالأضمدة الباردة المقوية لهما لتسكين الحرارة و تقوية القوة مثل الصندل و الورد و الاقاقيا و السك بماء الآس و ماء الورد و التغذى بالأغذية القابضة الباردة مثل الأرز مع الأنبرباريس و حب الرمان.

ص: 318

و إما من وجع شديد يسخّن الروح حتى تشتعل حمى لاضطراب الطبيعة و شدة مجاهدتها مع المرض و ذلك مستلزم لثوران الأخلاط و الارواح و حركتها من جميع البدن إلى موضع الوجع و لذلك تتحلل القوة في الوجع المفرط لتحليل الروح بفرط حركته عند مقاومة الطبيعة و مجاهدتها، لأنه مركب لها.

و علامتها: وجود الوجع في عضو من الأعضاء لمرض فيه إما سوء مزاج أو تفرق اتصال.

و علاجها: تسكين الوجع و مداواة ذلك المرض ثم معالجتها أى: معالجة الحمى بما تعالج به الحمى التعبية من الدعة و الاستحمام و التمريخ و غيرها.

و إما لغشى يسخّن فيه الروح لاضطراب حركتها لأنها عند ما تجتمع في القلب لا يتوزع شى ء منها إلى الأعضاء و عند ما يتفرق فيها لإصلاحها يخلو القلب عنها و الطبيعة لا ترخص في ذلك فتضطرب حركاتها بين الاجتماع و التفرق و تسخن سخونة تنقلب حمى.

و علامتها: مقارنة الغشى و سقوط القوة و ضعف النبض و اختلافه بحسب اختلاف حركة الروح و اختلاف حال القلب.

و علاجها: علاج الغشى و تقوية القلب و استعمال المبرّدات المرطّبة من الأشربة و غيرها على ما مرّ، إن بقيت من الحمى بقية بعد زوال الغشى.

و إما من جوع طويل و عطش شديد لاحتداد البخارات في البدن لأن الحرارة عند الجوع تشتعل في الأعضاء و الارواح، لعدم الرطوبة الغذائية التى تسكن سورة الحرارة و تتوجه أيضا نحو رطوبات البدن و تسخنها إذا لم تجد ما يتوجه إليه من الغذاء فتكثر الأبخرة الحارّة لتحليل تلك الرطوبات و تختلط بالروح فتشتدّ سخونته و كذلك عند العطش(1) و فقدان ما يسكّن حرارتها من رطوبة المأكول و المشروب.

و علامتها: صغر النبض و ضعفه لفتور القوة بكثرة التحليل و ربما مال إلى صلابة لغلبة اليبس و الجفاف و لقلة الدم المرطّب للشرايين الملين لها، أو قلّة رطوبته الملينة.

ص: 319


1- 309. ( 1). و لذلك قيل إن الماء للاعضاء بمنزلة الهواء للروح في حفظ اعتدالها و كما أن الهواء اذا تأخر عن الروح اشتعلت و جفّت، كذلك الماء اذا تأخر عن الأعضاء.

و علاجها: سقى ماء الشعير و السويق و الأغذية الباردة الرطبة مثل المزورات المعمولة من القرع و الاسفاناج بدهن اللوز و الماء البارد قليلا قليلا إلى أن يسكّن العطش و الربوب الباردة مثل رب الرمان و الريباس و الانبرباريس و الاستحمام بالماء الفاتر لما ذكر.

و إما من سدّة في مسامّ الجلد و فوهات العروق لا عن سبب باد بل عن سبب بدنى فيه بحث(1) من وجهين: الاول إن الحمى اليومية السدّيّة- على اصطلاح القوم- عبارة عن سخونة الروح بسبب سدّة في فوهات العروق الليفية و العروق الساقية أو في مجاريها لا فى مسامّ الجلد. و الثانى، انه قد تحدث السدّة من الأسباب البادية كالبرد العاصر القابض. قال «الشيخ»: السدد قد يكون في مسامّ الجلد و قد يكون في ليف العروق و سواقيها و فوهاتها و مجاريها، و اذا قيل حمى يوم سدية فانما يشار إلى هذا الصنف.

و سبب السدّة إما من غلظ الأخلاط أو كثرتها أو لزوجتها أو ورم مضغط أو برد عاصر قابض فتحتقن البخارات الحارّة و تجتمع و لا تتحلل فتحدث حرارة مفرطة و يسخّن الروح لأنه أضعف الاجرام البدنية و ألطفها و أحرها.

و هذه الحمى هي التى تمتدّ إلى ثلاثة أيام أو أكثر إن كانت السدّة كثيرة قوية و لم تكن تكاثفية و استحصافية من برد من خارج و تنتقل كثيرا إلى حميات العفن عند ما يتعدّى الإشتعال و السخونة التى توجبها السدّة و احتقان البخارات و عدم تنقيتها إلى عفونة الأخلاط.

و علامتها: مجاوزة حرارتها عن حرارة حمى يوم لما لا تتحلّل الأبخرة و الأرواح المسخّنة بسبب السدّة و أنها تحدث لا عن سبب باد و فيه البحث المذكور و إنما تمتدّ إلى اليوم الثانى و الثالث لأن السدّة إذا كانت في مجارى العروق الليفية و الساقية و فى فوهاتها لا تندفع سريعا، أما إذا كانت من خلط غليظ

ص: 320


1- 310. ( 1). هذا البحث يندفع من كلا الوجهين: أما الأول، فلأنه لا مناقشة في الاصطلاح فلا يرد على المصنف شى ء من أن يقال إن اصطلاحه لم يكن مرافقا لاصطلاحهم. و أما الثانى فلأن المصنف لا يدعى بأن السدة لا تحدث من السبب البادى كالبرد العاصى حتى يتوجه قول الشارح« و قد تحدث السدة من الأسباب البادية» مثل معنى كلام المصنف أى الحمى السدى لا بدّ له أن يكون سبب الشدة في داخل البدن فإنه لو كان من الخارج[ لا] يسمى حمى سدية بل يسمى حمى استحصافية.

أو لزج كثيرا أو ورم، فظاهر أما إذا كانت من برد عاصر فلانه إذا بلغ من قوته إلى أن يسدّ العروق التى في داخل البدن لم يمكن أن يندفع بسرعة و تزداد سرعة النبض و صبغ القارورة فيها كل يوم لازدياد الحرارة بدوام المؤثر.

و علاجها: الفصد إن كانت هناك علامات الدم و حمرة الوجه و العينين ثم تليين الطبيعة و تفتيح السدد بعد الفصد و التليين لئلا تنجذب الأخلاط دفعة بسبب الأدوية المفتّحة إلى بعض المجارى فيلحج فيه و تحدث منها أخطار كثيرة و ربما زادت في السدّة سيّما إذا كانت المنافذ في خلقتها ضيقة بالسكنجبين و نحوه من الجوالى غير الحارّة و سقى ماء الشعير مع السكر لما فيه من التفتيح و الجلاء و الاستحمام بعد الانحطاط و الدلك فيه بالماء الفاتر و نخالة الحنطة و نحوها مما فيه جلاء معتدل مثل دقيق الباقلاء و الكرسنة و بذر البطيخ.

و اما من تخمة و فساد طعام إلى الدخانية تحدث منها أبخرة رديئة دخانية تشتعل حرارة و تلهب الروح خصوصا في الابدان المرارية، لما يحترق الطعام في معدتهم و فى الأبدان التى ليست بواسعة المسامّ، لما لا تتحلل الأبخرة الدخانية منها بسهولة.

و علامتها: تغير الجشاء إلى النارية- أى: إلى الدخانية- و النتن و عدم النضح في البول.

و علاجها: تنقية البدن و الأمعاء من الطعام بالقى ء و الاسهال بحسب ميل الغذاء الفاسد ثم الاستحمام لتفتيح المسامّ و تحليل ما بقى من البخارات الفاسدة و التغذّى بأغذية عسرة الفساد باردة مسكنة للحرارة بعيدة عن الاحتراق كالحصرمية و الرمانية و السماقية. و اذا كانت الطبيعية منطلقة يكفيه تجرّع الماء الحارّ لما ينحدر به الغذاء و يستفرغ عن آخره ثم شرب الأشربة و الأغذية الباردة المقويّة للمعدة.

و إما من أورام تحدث في بعض الأعضاء الظاهرة مثل خلف الأذن و الإبط و الأربية عند ما تسخن الفضول فيها من غير أن تتعفن، لأن ما يكون مع العفونة يكون من جنس الحميات العفنية و تتأدّى سخونتها المجردة إلى القلب و أما الحميات التابعة لأورام الأعضاء الباطنة فإنها تكون عفنية لأن الأعضاء الباطنة أسخن من الظاهرة فتتعفن موادها عفونة قوية بسرعة.

ص: 321

و علامتها: أن يكون الوجه أحمر لأن الأبخرة الحارّة التى تتصاعد إلى الرأس تسخن الدم و ترققه فتميل إلى ظاهر الجلد منتفخا لكثرة الأبخرة الرطبة و لا يكون شديد لذع الحرارة و اذا بلغت منتهاها يترقى و يتصاعد من البدن بخار حارّ لذيذ الحرارة ندى لكونه خاليا عن العفونة رطبا لأن هذه الأورام تكون دموية الّا نادرا و يكون النبض سريعا عظيما لاجتماع مرضين حارّين الورم و الحمى و يلزم ذلك شدة الاحتياج إلى التطفئة و البول أبيض لميلان المرار(1) إلى موضع الورم بسبب الوجع فان الطبيعة لاصلاح حال العضو الموجع تتوجه إليه مع الروح و المواد الحارّة، لأنها ألطف و أسرع نفوذا و أسهل انقيادا أو بسبب الحرارة فان الحرارة جذابة و أول ما ينجذب إليها من المواد الحارّة اللطيفة.

و علاجها: الفصد و الاسهال لاستفراغ مادة الورم ثم تدبير الورم بالأضمدة و الأطلية المبرّدة القابضة، لتسكين الحرارة و تضييق الطرق التى بينه و بين القلب فلا تصل السخونة إلى القلب حتى تنقضى الحمى ثم بالأطلية المحلّلة و المنضجة.

و إما من شدة حر الشمس و طول الوقوف أو المسير فيها فيسخّن الروح النفسانى؛ لأن تأثيرها في الرأس و الدماغ أكثر بسبب الملاقات و بما يرد عليهما من المسامّ بطريق الشرايين و بالاستنشاق و الحيوانى لما يرد على القلب بالاستنشاق و التنفس من المسامّ بطريق الشرايين.

و علامتها: الحرارة و الالتهاب في الرأس و العينين و قشف جلدة الوجه و سخونته و صغر النبض لصلابة الآلة و سرعته لشدة الحاجة.

و علاجها: صبّ دهن الورد و الخلّ مبرّدا بالثلج على الرأس من موضع بعيد ليصل إلى القعر و الاستحمام بعد الانحطاط و صبّ الماء الفاتر على الرأس لترطيب الدماغ و تبريده و تليين الجلد و سقى الماء البارد و السويق بالثلج.

و إما من استحصاف الجلد من البرد و الاغتسال بالماء البارد لأن البرد يجمع الأبخرة الحارّة في الباطن و يمنعها من الانتشار بتكثيف الجلد، و تضييق المسامّ أو بالمياه القابضة مثل الزاجية و الشبية فإنها تسدّ المسامّ فتحتقن الأبخرة في الباطن و تسخن الروح بالمجاورة و المخالطة، سيما إذا كانت الأبخرة حادّة دخانية.

ص: 322


1- 311. ( 1).[ خ. ل: المواد].

و علامتها: تكاثف الجلد و اكتنازه كجلود الأيادى المغموسة في ماء الزاج و ماء قشور الرمان و أن يحس بحرارة قليلة عند ما يلمس، فإذا طال لبث اليد على البدن أحسّ بحرارة أقوى و ذلك لكمون الحرارة و قلّة خروج البخارات الحارّة بسبب التكاثف فلا يحس بها في أول الأمر فإذا طال اللبث و اتسعت المسامّ و تخلخل الجلد، ظهرت الحرارة بخروج البخارات و أن يكون في الوجه و العينين قليل انتفاخ لكثرة ارتقاء الأبخرة الغليظة إليها و النبض سريعا لشدة الحاجة إلى الهواء البارد بسبب تكون الحرارة و اشتعالها الباطن و البول إلى صفرة يسيرة أو إلى بياض لمخالطة الفضول(1) المائية المحتبسة في البدن بسبب تكاثف الجلد التى من شأنها أن تستفرغ من المسامّ بالعرق و مع البول فيقل صبغه لكثرة المائية و قلّة الصابغ.

و علاجها: الدلك الرفيق الكثير لتوسيع المسامّ و تحليل الفضول و التدثر بالثياب الناعمة حتى يعرق ثم دخول الحمام بعد الانحطاط و التعرق فيه ليتحلل الفضول و الأبخرة المحتبسة على التمام و الدلك بما يجلو المسامّ مثل النخالة و دقيق الباقلاء و بذر البطيخ و اللوز المرّ و الأشنان و التدثر و التعريق بعد ذلك أيضا لتحلّل ما قد بقى منها.

و إما من شرب شراب صرف قوى أو غذاء حارّ أو دواء حارّ يشتعل منها الدم المتولد فى الكبد و تزداد سخونته و يشتعل باشتعاله الروح الطبيعى المتولد منه.

و علامتها: احمرار الوجه و العينين و حرارتهما و حمرة البول بسبب حرارة الكبد و تغير كيفية الدم و مرارة الفم و جفافة لحرارة المعدة و انجذاب الصفراء إليها للطافتها و سرعة حركتها، فإن الاشياء الحارّة التى ترد على البدن من داخل تسخن أولا المعدة و الحرارة و اللهيب في موضع الكبد، لأن الحرارة تبدأ في هذه الحمى من الروح الطبيعى.

و علاجها: تليين البطن بمثل الشيرخشت و التمر الهندى و سقى السكنجبين

ص: 323


1- 312. ( 1). و لأن البرد المخفف[ المستحصف] يبرّد الكلى و المثانة و القطن و غير ذلك[ و هو] موجب لبياض البول. و الحق أن البول هاهنا لا يكون ابيض البتة لأن اجتماع الحرارة و قوتها من الباطن مما يزيد في صبغ البول فكيف يبيّضه و لهذا قال المصنف« الى البياض» و لم يقل أشدّ بياض.

لتبريد الكبد و ادرار الفضول الحارّة بالبول مع الخيار و ورق الهندباء و الخس و بذر البقلة و ماء الرمان الحامض و ماء الشعير و دخول الآبزن بعد الانحطاط و التغذى بالمزورات الحامضة مثل الحصرمية و الزرشكية و الرمانية مع القرع و الاسفاناج و دهن اللوز.

و قد تحدث هذه الحمى اليومية من ترك الاستحمام المعتاد لاحتقان البخارات التى كانت تندفع من المسامّ إذا كانت تلك البخارات حارّة مرارية لا عذبة، لأن العذبة لا تولدها لانسداده من تراكم الوسخ و تسمى هذه الحمى قشفية.

و علاجها: دخول الحمام و النطل بالماء الفاتر و التدلك بالنخالة و بذر البطيخ و شى ء يسير من البورق لتنظيف الجلد و جلائه من الوسخ.

و قد تحدث من الزكام أو نزلة حارّة لانعكاس الأبخرة الحادّة النارية و احتباسها فى الدماغ لانسداد مسامّات الرأس و تكاثفها إما من البرد و إما من امتلاء الأخلاط و تزاحمها و تراكمها و منعها لخروج الابخرة من المسامّات.

و علاجها: الفصد أو الحجامة إن لم يتهيأ الفصد لاستفراغ المواد الحارّة المتولدة من الابخرة المحتقنة و اطلاق الطبيعة بمطبوخ لين لتنقية الدماغ من تلك الفضول و تنقية البدن من الفضول التى تنحلّ عنها الأبخرة و تتصاعد إلى الدماغ و تسكين السعال في النزلة ثم دخول الحمام بعد نضج النزلة لتحليل و تفتيح المسامّ و بعد خفة الحمى لئلا تزداد الحرارة و تنتقل إلى الحمى العفنية.

و قد يحدث من تزحر شديد أو خلفة متواترة متداركة لما قلنا في الحمى الاستفراغية.

و علاجها: علاج التزحر و الخلّفة و دخول الحمام بعد الانحطاط للترطيب و تحليل الابخرة الحارّة و لا فائدة في اعادة هذا القسم من الحمى الاستفراغية.

و قد تحدث من إكثار من الغذاء المثقل لما ترتفع عنه أبخرة رديئة لقصور الهضم يسخّن الروح سخونة ينقلب إلى الحمى كما في الحمى التخمية أو نيل من أغذية مسددة خصوصا في الأبدان المرارية فان اكثر فضولها يبخر أبخرة دخانية حارّة و هى لا تندفع عن البدن عند انسداد المسامّ فتلهب الروح.

و علاجها: القى ء إن كان الثقل في أعلى البطن، أو تحمل الشيافة إن كان

ص: 324

في أسفله، و الاستحمام عند الخفة لما ذكر و النوم لتقوية الهضم باجتماع الحرارة في الباطن و تلطيف الغذاء و النفض ببعض الأدوية القليلة الاسهال لتستفرغ ما في المعدة و الأمعاء فقط و لا تثور الأخلاط و لا تهيّجها فتحدث سخونة و تلهب في الروح.

ص: 325

الفصل الثانى: في حمي الدق313

و أما حمى الدق فهى أن تتشبث الحرارة الخارجة عن الطبع، و هى الحرارة الغريبة بالأعضاء الأصلية خصوصا القلب لما علم من أنه الرئيس المطلق فتتضرّر الأعضاء بضرره دون العكس، بخلاف مثل الكبد فان حرارته مثلا إنما تتأدى إلى سائر الأعضاء و توجب الدق بواسطة القلب لا بنفسه حتى تفنى رطوبات البدن بالتحليل.

و حدوثها يكون:

إما من أسباب سابقة(1) مثل الحميات المحرقة إذا طالت مدتها و سخنت القلب و الأعضاء الأصلية، إما لشدة تلطيف الغذاء فيها أو لمنع الماء البارد عن العليل أو لقلة مراعاة جانب القلب بالأطلية المبرّدة، أو لاضطرار الطبيب لتواتر الغشى إلى سقى الخمر و دواء المسك، أو لأن طول المرض يفسد جوهر الأعضاء و يضعفه و يفسد الغذاء أيضا لضعف القوى فلم يصلح للتغذية فتتنفر منه الأعضاء فلا يقبله و يزداد حينئذ احتدادها و يسخّن سخونة قوية اصلية لم يمكن أن تزول

ص: 326


1- 314. ( 2). ان الدق يبعد أن يعرض ابتداء بأن يكون الأعضاء الأصلية قد اشتعلت و لم يشتعل الأخلاط و الارواح قبل ذلك[ لأنهما] يجب أن يسخّنان أولا و يقع عنها حمى يوم أو عفن ثم على مرور الايام يسخّن الأعضاء الأصلية و يحدث الدق اللهم الّا أن يعرض سبب قوى مثل فرط الغم و الهم و كثرة الغضب و التعب و غير ذلك فيقع الدق حينئذ ابتداء لكن هذا نادر جدا.

عنها بعد زوال السخونة من الأخلاط و عملت الحرارة في رطوبة القلب و رطوبة الأعضاء الاصلية فأفنتهما، أو مثل: ورم حارّ يحدث في الصدر فتتأدى حرارته إلى القلب بالمجاورة ثم منه إلى سائر الأعضاء الاصلية فتنشف رطوبته و رطوبة الشرايين حتى يجفّفها و يجفّف معها الأعضاء الأصلية و بحسب ازدياد الجفاف يشتدّ اشتعال الحرارة فيها، و فى كلامه هذا بحث؛ لأن الحمى و الورم من الأسباب الواصلة للدق لا من السابقة.

و إما من أسباب بادية مثل الهم و الغم و الغضب و السهر و التعب و عدم الطعام و سائر ما يجفّف البدن تجفيفا مفرطا مع الإسخان لا سيما إن اتفق سبب من هذه الأسباب في سن الفتوة لأن المزاج في هذا السن أشدّ حرارة و أقلّ رطوبة و فى وقت صائف لمن مزاجه حارّ من الجبلّة و يدبّر بتدبير حارّ فان هذه الامور تعين تلك الأسباب في تسخين القلب و الأعضاء الاصلية و فى تجفيف رطوباتها فتضعف المبرّدات و المرطّبات عن المقاومة و يستولى المرض.

و لهذه الحمى ثلاث مراتب بحسب انتقال الحرارة من رطوبة إلى أخرى، لا بحسب عملها في نفس الرطوبة؛ لأن الاختلاف انما يظهر عند الانتقال، و أما زمان فعلها و تأثيرها فى نفس الرطوبة فمتشابه و أيضا لو اعتبرت المراتب بحسب التأثير فيها لزم أن تكون أربعا على عدد الرطوبات:

أولها: أن تكون الحرارة الغريبة أخذت في إفناء الرطوبات المحصورة في تجاويف أطراف العروق الصغار المجاورة للأعضاء الأصلية الساقية لها و هى من الرطوبات الثانية التى استحالت عن الخلّطية و فى إفناء الرطوبات التى في فرج الأعضاء و هى تجاويف صغار مختفية في اللينة منها كاللحم لانطباق بعض أجزائها على بعض و متبينة في الصلبة منها كالعظم، و هذه الرطوبات هي رطوبات مبثوثة في الأعضاء بمنزلة ندى الطل و هذه الرطوبات و التى قبلها معدّة في الأعضاء لأن ترطب الأعضاء و تبلّها إذا جفّفها سبب من حركة عنيفة أو غيرها، و لأن تستحيل غذاءا إذا فقد البدن الغذاء، و ذلك لأن الغذاء ليس كله يصير جزءا للبدن بل يبقى منه شى ء على سبيل الإذخار، يحتاج إلى تصرف أزيد من الطبيعة حتى يصير جزء عضو. فان الغذاء في طبيعته بعيد من طبيعة الأعضاء لا بدّ فى صيرورته عضوا مّا إلى استحالات كثيرة.

ص: 327

و فى كلامه بحث؛ لأنه جعل المرتبة الأولى من الدق ما تكون الحرارة آخذة في إفناء الرطوبات التى في العروق الصغار و التى في فرج الأعضاء و ليس كذلك، لأن المرتبة الاولى منه عند الجمهور هي ما تفنى الحرارة الرطوبة التى هي في العروق و تشرع في إفناء الرطوبة التى في فرج الأعضاء، لأن هذين النوعين من الرطوبة ليس يمكن أن يفنيا معا فى مرتبة واحدة، إذ الطبيعة تحامى عن الأشرف بالأخس و الرطوبة الأولى أخسّ من الثانية، لأنها أقرب إلى الخلّطية، فما لم تفن تلك بالكلية لم تشرع الحرارة في إفناء الاخرى. فإن قيل: عند ما تتعلق الحرارة بالأعضاء و تفنى تلك الرطوبات تجذب الأعضاء بدلها من الرواضع و هى من السواقى و هى من أول الجداول، و هى من الأوردة المنشعبة من الكبد و هى من المعدة فلا تفنى الرطوبات قطعا الّا إذا أمسك العليل عن تناول الغذاء. قلنا: إن المتخلف من الغذاء في الاكثر لا يكون الّا على قدر المتحلّل بالتحلّل الطبيعى الذى لا يمكن الاحتراز عنه، فإذا عاون المحلّل الطبيعى محلّل آخر قويّ مرضى، كثر التحلل بالضرورة و لا يفيى الغذاء حينئذ بالإخلاف فتجفّ الأعضاء على مرّ الزمان و أيضا عند ما تستولى الحرارة على الأعضاء بحيث تفنى الرطوبات المذكورة يضعف الهضم و يصير الدم مراريا حادّا لا يصلح لتغذية الأعضاء و الإخلاف و تضعف أيضا جاذبة الأعضاء للغذاء فيقلّ الاقتضاء على العروق حتى يصل إلى الكبد و المعدة و اذا قلّ الاقتضاء و الاجتذاب من المعدة قلّت الشهوة فيقلّ الأكل و يقلّ الدم المتخلف فيزداد الجفاف على الدوام.

و الثانية: أن تكون قد فنيت هذه الرطوبة فيكون تشبثها بالرطوبة القريبة العهد بالجمود و اللصوق بالأعضاء و هى رطوبة استحالت إلى جوهر الأعضاء من طريق المزاج و التشبيه الّا أنها لقرب عهدها بالانعقاد لم تصلب بعد بل بقيت رطبة رخوة القوام، فلو استحالت إلى جوهرها من طريق القوام أيضا لخرجت عن انواع الرطوبات. و تسمى الحمى الدقية هذه المرتبة الذبول و فى المرتبة الاولى الدق على الاطلاق؛ لأنه ما دامت تلك الرطوبة باقية لم يظهر الذبول في الأعضاء فإذا أشرفت على الفناء، أخذت الأعضاء في الذبول.

و الثالثة: أن تكون قد فنيت هذه الرطوبات أيضا و يكون تشبثها بالرطوبات الأسطقسية التى استفادتها الأعضاء عند بنية البدن من عنصرى الماء و الهواء و يقال لها الرطوبة المنوية أيضا التى بها يكون اتصال الأعضاء

ص: 328

المتشابهة الاجزاء من أول الخلّقة و بفنائها تصير الأعضاء إلى التفرق و التفتت و تسمى الحمى في هذه المرتبة المفتت و المخشف لأن الأعضاء في هذه المرتبة تأخذ في الانفصال.

هذا ما عليه «الشيخ» و جمهور المتأخرين و كثير من المتقدمين.

و قال «ابو سهل المسيحى» في التاسع و الثلاثين من «المائة»: إن في الأعضاء الاصلية رطوبة بها تتصل أجزاؤها بعضها ببعض، فمتى سخنت هذه الرطوبة فقط و لم يفن منها شى ء فالحمى هي النوع الاول من الدق و تسمى حمى دق مرسلة. و متى كانت هذه الرطوبة قد ابتدأ بها الفناء مع سخونتها إلّا أنها لم تفن بالكلية، فالحمى هي النوع الثانى من الدق و يقال لها الذبولية. و متى كانت هذه الرطوبة قد فنيت، فالحمى هي النوع الثالث من الدق و يقال لها المفتت. و كلامه هذا لا يصلح للتعويل إذ لا يمكن أن تفنى تلك الرطوبة على التمام الّا بعد الموت و انقضاء مدة مديدة على الجسد و يلزم منه أن لا يوجد دقّ مفتّت.

و قال بعض الأقدمين إذا تغير مزاج القلب و لم تتبدّد الرطوبة التى فيه فهى المرتبة الاولى، فإذا فنيت الرطوبة التى فيه فهى الثانية فان لحقت الحرارة و اليبس بالعروق و الشرايين و الأغشية و غيرها من الأعضاء المتشابهة الاجزاء فهى الثالثة، و هذا القول إن فهم منه معنى مطابق لما قاله «الشيخ»، فذاك، و الّا ففيه ما فيه.

و ذهب «حبيش» إلى أن في المرتبة الأولى تفنى الرطوبة التى في العروق الصغار و تتشبث الحرارة بالرطوبة التى في الأعضاء الرخصة مثل اللحم، و فى الثانية تفنى هذه الرطوبة أيضا و تتشبث الحرارة بالرطوبة الطلية التى في فرج الأعضاء، و فى الثالثة تفنى هذه الرطوبة أيضا و تتشبث الحرارة بالرطوبة التى بها اتصال الأعضاء و يتبعه «صاحب الكامل» و فيه بحث؛ إذ ليس يصحّ أن يقال: إن المراد بالرطوبة التى في أعضاء الرخصة هى الرطوبة القريبة العهد بالانعقاد، لأن فناءها انما يكون بعد فناء الرطوبة الطلية لما ثبت من أن الطبيعة تحامى بالأخس عن الأشرف، و لا أن يقال: إن المراد بها غيرها إذ ليست فى البدن من الرطوبات الثانية رطوبة غير هذه الأربع.

و ذكر «ابن أبى صادق» معترضا على «حبيش» و على «الشيخ» أيضا أن من المتفق عليه أن الحرارة إذا كانت متشبثة بنفس الأعضاء لم تكن لها في الرطوبات

ص: 329

المنحصرة فى تجاويفها كثير تأثير، بل تأثيرها يكون في جوهر الأعضاء، و على هذا ينبغى أن تكون الرطوبة التى بها تكون الأعضاء رطبة رخصة تفنى أولا في المرتبة الاولى من دون التى في العروق الصغار فإنها و الأخلاط واحدة بأعيانها و أن تكون الرطوبة الرذاذية التى تمدّ تلك الرطوبة تفنى في المرتبة الثانية و أن تكون الرطوبة التى بها تتماسك الأعضاء تفنى في الثالثة، و إنما لا تفنى هذه أولا و هى أقرب إلى جوهر الأعضاء لأن الطبيعة تحامى عن الأفضل و تستفدى بالأرذل ما أمكن و لو فنيت أولا لكانت حمى الدق صنفا واحدا فقط، بل الواجب أن تكون هذه الرطوبة الاصلية التى يتماسك الأعضاء، تحمى في المرتبة الاولى و أن القليل تفنى منها في الثانية و الكثير في الثالثة كما ذهب إليه «أبو سهل المسيحى»،

فأما الرطوبة العروقية فليست تفنى من الحرارة فقط بل و لأن عند ما تجفّ، تقصر الأعضاء عن اجتذاب الغذاء فيقلّ الاغتذاء على العروق إلى المعدة فيقلّ الأكل و تقلّ الأخلاط في العروق، و لو كانت هذه الرطوبة تفنى أولا لفنيت بفنائها الرطوبات كلها؛ إذ هى مادة الكل فكانت هذه الحمى صنفا واحدا. و أقول: في هذا الكلام نظر من وجوه:

الأول: إن الرطوبة التى في أطراف العروق الصغار ليست عين الأخلاط على ما زعم؛ بل هي كما صرح به «الشيخ» رطوبة استحالت عن الكيموسية و نفذت في الأعضاء إلا أنها لم تصر جزء عضو من الأعضاء المفردة بالفعل التام.

الثانى: إن قوله: «إن الحرارة إذا كانت متشبثة بالأعضاء يكون تأثيرها في جوهرها» مع قوله: «إن الطبيعة تحامى عن الأشرف بالأرذل»، يوجب أن تفنى هذه الرطوبة أولا لكونها جزءا من الأعضاء في الجملة كما يتبين من كلام «الشيخ» فتؤثر فيها الحرارة المتشبثة بالأعضاء، لكن من حيث انها في أول مرتبة من المراتب العضوية تستفدى بها الطبيعة عن الرطوبات الأخر.

الثالث: أن قوله: «فى المرتبة الاولى ينبغى أن تفنى الرطوبة التى بها تكون الأعضاء رخصة»، إن أراد بها الرطوبة الطلية فليست الرطوبة الرذاذية ممدة لها بل هي هى بعينها و إن أراد بها الرطوبة القريبة العهد بالانعقاد كما يدل عليه باقى الكلام، يلزم أن لا يكون خروج الدهنية بالبول و البراز إلّا في المرتبة الأولى من الدق و بحسب بعده عن هذه المرتبة يقلّ حتى إذا بلغ المنتهى و انتقل إلى المرتبة الثانية انقطعت بالكلية، و المشاهد خلاف ذلك.

ص: 330

الرابع: إن قوله: إن الرطوبة الاصلية التى بها تتماسك الأعضاء تحمى في المرتبة الاولى و تفنى القليل منها في الثانية و الكثير في الثالثة»، يوجب أن يكون للدق مرتبتان: الأولى، ما تحمى و الثانية، ما تفنى، بناءا على ما قال من أنها لو فنيت أولا لكان الدق صنفا واحدا فقط، و ظاهر أن فناءها لا يكون دفعة بل يكون أولا قليلا ثم يصير كثيرا على التدريج، غاية ما في الباب أنه يلزم منه أن يكون للمرتبة الثانية عرض.

الخامس: إن ضعف الأعضاء و قصورها عن اجتذاب الغذاء ليس سببا لافناء الرطوبة معينا للحرارة الغريبة في ذلك بل هو سبب لانعدام البدل و المتخلف عما يتحلل و يفنى.

السادس: إنّا لا نسلّم أن الرطوبة العروقية مادة للرطوبات كلها حتى تفنى بفنائها، بل مادتها الرطوبة الخلّطية و هذه رطوبة مخزونة مدخرة في تلك التجاويف تجذبها الأعضاء عند فقدان ما عندها من الرطوبات الأخر و تغتذى بها، فعند فنائها تفنى الذخيرة عن الأعضاء لا مادة الرطوبات. صرّح بذلك «الشيخ» حيث قال: إن الغذاء ليس كله ينفق كما يحصل بل قد يبقى منه ما هو في سبيل الانفاق و ما هو في سبيل الاذخار و ذلك هو الرطوبة المخزونة في العروق و الرطوبة المبثوثة في الأعضاء كالطلّ.

و ما كان من هذه الحمى هي في الدرجة الاولى فمعرفتها صعبة؛ لأنها شديدة الشبه بالحمى اللثقة من حيث اللزوم و الازمان و الهدوء و عدم تبين اثر الحرارة في إفناء الرطوبات و علاجها سهل لأنه لم يفن من الرطوبات الثانية الّا ما كان قريبا من الخلّطية و لم تضعف قوى الأعضاء كثير ضعف و لم يشتدّ اشتعال الحرارة في الأعضاء لبقاء ما يقاومها من الرطوبات الأخر فيسهل لذلك تسكين الحرارة و إخلاف تلك الرطوبة بالعلاج.

و التى في الدرجة الثانية فمعرفتها سهلة لظهور النحافة و الذبول و علاجها:

صعب.

و أما التى في الثالثة فعلاجها غير ممكن؛ لأن الأعضاء قد نالها من ضعف الحرارة الغريزية و افناء الرطوبات الثلاث من الرطوبات الثانية و نقصان الرطوبة المنوية ما ينال فتيلة السراج إذا فنيت رطوبتها الدهنية و شرعت الحرارة في إفناء

ص: 331

رطوبتها التى بها اتصال اجزائها القطنية فابتدأت تلك الاجزاء في التفرق و التفتت و كما لا يمكن إعادة تلك الرطوبة فيها و إن صبّ عليها دهن كثير كذلك لا يمكن إعادة ما فنى من الرطوبة المنوية؛ لأنها رطوبة تخمرّت و نضجت في أوعية الغذاء أولا ثم في أوعية المنى ثانيا ثم الأرحام ثالثا، و الذى تورده الغاذية لم يتخمّر و لم ينضج الّا في الأول دون الآخرين فلا يقوم مقامها، مع أن إعادة الرطوبات الثلاث و إن كانت متولدة من الأخلاط متعسر جدا سيما بعد سقوط القوة و ضعف الحرارة الغريزية لما ذكرنا من أن الغذاء لا يتخلف في الأكثر الّا مما تحلّل من البدن بالتحلل الطبيعى.

و علامتها: أن تكون حمى لازمة على نظام واحد، لأن مادتها ليست مما تتحلّل يوما فيوما ثم يتولّد بدلها أخرى كالأرواح و الأخلاط و ليست بقوية الحرارة و اللهيب؛ لأن الاحساس بسوء المزاج إنما يكون إذا كان مختلفا، فأما سوء المزاج المستوى المتفق فلا يحسّ به لتمكّنه و استقراره في جوهر الأعضاء الأصلية على التدريج و إبطاله المزاج الأصلى و صيرورته كالمزاج الاصلى و الشى ء انما ينفصل عن الضد الوارد المغير إيّاه إلى غير ما هو عليه دفعة لا عما هو متمكّن فيه غير مغيّر له و اذا لم ينفعل عنه لم يحسّ به فلا تكون مع هذه الحمى أعراض الحميات الأخر كالغب مثلا، لأن الغب حرارته واردة بسبب الصفراء على الأعضاء التى قد بقيت على مزاجها الطبيعى من القلق و الكرب و غير ذلك مما يحسّ به العليل في الالتهاب، و على هذا يلزم أن يجد اللامس الصحيح المزاج لبدن صاحب الدق حرارة أقوى و أشدّ مما يجدها من بدن صاحب الغب عند لمسه له حيث لم يستقر المزاج المرضى في بدن اللامس(1)، و الواقع خلاف ذلك(2) و إن طال اللمس، و ما ذكر بعضهم من أنه هو الواقع فهو من

ص: 332


1- 315. ( 1). فيصير مضادا لمزاجه مغيرا له؛ لأن الشيى ء انما ينفعل عن الضد. و الظاهر أنّ تضاد المزاج فيما بين اللامس الصحيح و صاحب الدق اكثر مما فيه بينه و بين صاحب الغب فيلزم منه أن يجد اللامس لبدن صاحب الدق حرارة أقوى مما يجدها في بدن صاحب الغب.
2- 316. ( 2). و السبب في ذلك أن حرارة الغبّ اذا اشتعلت في المادة يتحلل عنها أبخرة حادّة لذاعة الى ظاهر البدن فيشتدّ لذلك سخونة الملمس فتسخن يد اللامس سخونة شديدة في بدن صاحب الغب؛ خلاف حرارة الدق فإنها محتقنة في أجواف-- المدقوقين كالحراره المحتبسة في النورة فلا يقوى اللامسة على ادراكها أو لأن الحرارة فى الدق متشبّثة بالأعضاء و هى اجسام صلبة يابسة فلا ينفصل عنها الأبخرة كما ينفصل عن الأخلاط بل ما ينفصل عنها من الأبخرة يكون قليلة دهنية غير حادّة و لا لذاعة خالية عن العفونة فلا يتأذّى عنها اللامس. ثم أقول: هذا مسلّم بحسب ادراك قوة اللامسة لكن لا يلزم منه أن يكون حراره الغب ضعيفة في نفس الأمر من حرارة الدق لأن حراره حمى الغب هي من حراره الحمى الحترقة و انما لا يحس كذلك لأنها ترمد الأعضاء فيكون كالنار الموجودة في الرماد. و المستدل على ذلك بأمرين: أحدهما، إن تلك الحميات يعرض لها انطفاء بأدوية تستعملها فيها دون الأدوية التى تستعمل في معالجة حمى الدق و لا يوثر فيها أثرا ظاهرا و لم يكن حرارة تلك الحميات أضعف لما كان كذلك. و ثانيهما، لو لم يكن حرارة هذه الحمى أشدّ، لمّا يتحلل بسببها من رطوبات البدن حتى يجفّ الأعضاء اكثر و لمّا كان ذوبان البدن بسببها أشدّ.

قبيل التعنّت.

و قال القرشى: السبب المسخّن في حمى الدق و إن كان أقوى من السبب المسخّن الغب الّا أن حرارة الدق تكون أضعف من حرارة الغب بكثير بل من حرارة حمى اليوم، و لا يلزم من كون السبب الفاعلى للشى ء قويا أن يكون هو في نفسه قويا، فقد يكون عسر قبول القابل يجعله ضعيفا. و تحقيق هذا: إن الأعضاء لصلابتها و يبوستها لا تقبل الحرارة الغريبة إلّا إذا كان سببها قويا جدا، فإذا حصلت تلك الحرارة فيها لم تكن قوية، بل كالحرارة التى تكون في الفحم الذى قارب أن يترمّد فإذا قلّت الرطوبة جدا، صارت الحرارة فيها كالحرارة في الرماد نفسه، فكانت الحرارة الغريبة إنما تقوى إذا كانت في جسم رطب و لذلك إذا وردت على أعضاء المدقوق رطوبة كالغذاء و الشراب فإن حرارته تشتدّ و تشتعل و لذلك لما كانت رطوبة الأرواح أقل من رطوبة الأخلاط صارت حمى اليوم أقل حرارة من حمى الأخلاط مع ان الروح احر و اقبل للتسخين و الاشتعال بسبب لطافتها و غلبة النارية فيها من الخلّط و أيضا لو كانت حرارة حمى الدق أقوى من حرارة حمى الغب لأدركه اللامس الصحيح المزاج و ليس كذلك.

و قال «الفاضل العلّامة»: أما قوله: «إن حرارة حمى الدق تكون أضعف من حرارة حمى الغب»، فهى دعوى مجردة عن الدليل، لأن قوله لا يلزم ... الخ لا يدل على المطلوب أصلا(1). و أقول: إن قوله: «لو كانت حرارة حمى الدق أقوى لادركه

ص: 333


1- 317. ( 1). لان المطلوب هو أن حرارة الدق أضعف من حرارة الغب بكثير و ذلك لا يدل عليه-- القول المذكور لأن هذا القول يدل على أن حرارة الدق ليست قوية في نفسها لا على أن حرارة الدق أضعف من حرارة الغب فما يدل عليه قوله ليس بمطلوب.

اللامس» دليل قوى على مطلوبه إلّا أن يعاند بأن اللامس الصحيح يدرك حرارة الدق أقوى من حرارة الغب كما نقله «المسيحى» و نسبه إلى كلام القوم.

ثم في كلام «القرشى» بحث؛ لأنّا لا نسلّم أنّ الحرارة القوية إذا حصلت في الأعضاء لم تكن قوية، لأنا نشاهد أثر الحرارة الواحدّة في الجسم اليابس أشدّ و أقوى من أثرها الرطب مع تساوى الزمان، و كيف لا، و الرطوبة مما تقاوم الحرارة و يضعف تأثيرها؟! و فى المثال المذكور شى ء؛ لأنه إن أراد بالفحم الذى قارب أن يترمد ما انطفأت فيه الشعلة و بقى جمرا، فهو في غاية القوة من الحرارة و إن أراد به ما خمدت فيه الأجزاء النارية و فارقت، فمسلّم أن حرارته تكون ضعيفة، إذ لم تبق فيه الّا مجرد كيفية الحرارة بعد زوال المؤثر، لكنه لا يجدى بنفع، لأن البحث في الجسم اليابس الذى قد بقى فيه تأثير المسخّن و لم يفارق السبب عنه، لا فيما زال عنه المؤثر و بقى فيه أثره و الّا فكذلك الحال فى الجسم الرطب بعد زوال المسخّن.

و قوله: «إن الحرارة الغريبة انما تقوى إذا كانت جسم رطب» غير مسلّم؛ لأن الحرارة لا تقوى في الماء كما تقوى في الحديد عند اتحادّ المسخّن و تساوى الزمان، و أما اشتداد حرارة المدقوق بعد ورود رطوبة الغذاء على بدنه فليس لما زعم «القرشى»، بل لما سنبيّنه. و قوله: «إن حمى اليوم أقلّ حرارة من حمى الخلّط لأن رطوبة الروح اقل من رطوبة الخلّط» غلط؛ لأن رطوبة الروح من الأجزاء الهوائية و رطوبة الخلّط من الأجزاء المائية و الهواء أرطب من الماء عند المحققين، بل يشبه أن يكون ادراك اللامس حرارة الغب أقوى و أشدّ من حرارة الدق؛ لأن الحرارة الغب حيث كانت متشبثة بالجسم الكثير لرطوبة يكثر عنها انفصال الأبخرة العفنة الحادّة اللذاعة إلى ظاهر الجلد فتسخن يد اللامس بسخونة شديدة كما يسخّن الجلد، و أما الحرارة فى الدق فهى متشبثة بالأعضاء و هى اجسام صلبة يابسة فلا تنفصل عنها الأبخرة كما تنفصل عن الأخلاط بل ما تنفصل عنها من الأبخرة تكون قليلة دهنية غير حادّة و لا لذاعة خالية عن العفونة فلا يتأذى عنها اللامس، و أما الارواح فهى في غاية اللطافة و اذا تشبّثت بها الحرارة الغريبة صارت ألطف فتتحلل بسرعة و لا تمكث في المسامّ و تحت الجلد حتى يتسخن منها الملمس كما يتسخن في الغب مع أنها خالية عن

ص: 334

العفونة و ما يلزمها كاللذع و الحدّة و أيضا لا يشتدّ فيها تأثر الحارّ الغريب لقصور زمان التأثر بسبب سرعة تحليلها فلا يتأذى عنها اللامس كما يتأذى عن بخار الأخلاط.

و من علاماتها تواتر النبض بسبب ضعف القوة لانحلالها و شدة الحاجة لغلبة الحرارة و صلابة الآلة لكثرة الجفاف و ضعفه فلا يقرع الإصبع بقوة و يبطل بأدنى غمز بسبب ضعف القوة و أن لا يكون الملمس فيها كملمس اصحاب حمى العفن من شدة الحرارة، لأن الحميات المشتعلة في المواد تتحلّل عنها أبخرة حادّة لذاعة لعفونتها إلى ظاهر البشرة تشتدّ لذلك سخونة الملمس.

و فى هذه الحمى عند ابتداء ما يلمس تكون الحرارة هادئة، فإذا بقيت اليد عليه ساعة ظهرت بقوة لاجتماع الأبخرة المتحلّلة عن المسامّ تحت يد اللامس(1) و يكون أسخن ما فيه مواضع العروق و الشرايين؛ لأن مستوقد الحرارة و متشبثها في الدق إنما هو جرم القلب بالحقيقة و الشرايين متصلة به و العروق متصلة بالشرائين فلذلك يكون أسخن من سائر الأعضاء، و لأن الأبخرة الحارّة لا تتحلّل منها بسهولة لكثافة جرمها فتزداد سخونتها و من دلائلها القوية ان تنمو الحرارة و تشتد عند تناول الغذاء(2) بعد ساعة أو ساعتين كما تنمو الشعلة عند اصابة الدهن و المقلى و هو الظرف الذى تقلى فيه المحمى عند صبّ الماء الحارّ عليه هكذا قال «الشيخ» في «القانون» لكنه لم يوضح كيفية تقوية الحرارة بالدهن و الماء، و يمكن أن يقال: إن النار عند إصابتها الدهن تتشبّث به و تحيل ما فيه من الاجزاء الأرضية

ص: 335


1- 318. ( 1). لمنع اليد عن تحللها. و تلك الأبخرة اذا احتبست، رطب الجلد رطوبة ما و من شأن هذه المرارة أن تشتدّ بالرطوبة.
2- 319. ( 2). لحصول الرطوبة التى يمكّن الحرارة من الاشتعال بها و قد يشتبه هذا الاشتداد باشتداد النوائب فينبغى أن يفرق بينهما و ذلك لأمرين: أحدهما، إن هذا الاشتداد لا يكون بعد تضاغط من النبض بخلاف اشتداد الحميات فإنه إنما يكون بعد ابتدائها و فى ذلك الوقت يكون النبض منضغطا لحركة المادة. أما هذا الفرق إنما ينال في الحميات الدائرة لأن اللازمة قد لا يظهر فيها التضاغط. و ثانيهما، إن هذا الاشتداد يكون بأدوار لأنه يكون عند تناول الغذاء و هو لا يلزم أن يكون في وقت معلوم فلذلك قد يغلط في هذا الفرق كما لو فرضنا أن مدقوقا يتناول الغذاء في كل يوم من نصف النهار فإنه حينئذ لا ندرى هل اشتداد بالحمى هو لأجل الغذاء أو لأجل اشتداد لونه[ نوبة] لازمة و طريق التحرز عن الغلط أن يتغير وقت الغذاء.

و المائية إلى الهوائية(1) ثم إلى النارية فيصير الدهن لذلك غذاء مقويا للنار ممدّا لها و كلّما تزداد الاستحالة يزداد الاشتعال و التشبّث إلى أن يتحلل الدهن، و أما الماء فهو عند وروده على المقلى المحمى يغلى و تنفصل عنه بحسب حرارة المقلى أبخرة حارّة لم يكن تنفصل قبل ذلك من نفس المقلى فتجتمع حرارة المقلى مع حرارة الابخرة و الماء و تزداد سخونته بحيث يسخّن كل ما تماسّه من الاجسام إلى أن تنكسر سورة حرارة المقلى بالماء فيسكّن الغليان و الاحالة أو يتحلل الماء بالكلية فلا حاجة(2) إلى تقييد الماء بالحارّ كما فعله المصنف.

و أما بيان كيفية اشتداد حرارة المدقوق بالغذاء فللقوم فيه آراء مختلفة:

قال «ابن سرافيون»: سبب ذلك إنما هو الحرارة المحتقنة في أجوافهم، فإذا ورد عليها الغذاء ثاورته و جاذبته كالحرارة المحتبسة في النورة إذا ماسّها شى ء من الماء فعند ذلك تثور و تحمى لأن رطوبة الماء تحرك و تزعج يبوسة الكلس فتظهر الحرارة و تنكشف». و فيه بحث؛ لأن انزعاج يبوسة الكلس برطوبة الماء كيف يوجب اظهار الحرارة، و لأنه يوجب أن تشتدّ الحرارة عند شرب الماء أيضا و ليس كذلك، و أن تشتدّ عند ترطيب البدن بالحمّام المرطّب و الوجود بخلافه فإنه يوجد بدنه معتدل الحرارة بعد الخروج منه.

و قال قوم: سبب ذلك أن العليل يتناول الغذاء وقت اشتداد الحمى و هو نصف النهار فتجد الحرارة مادة و غذاء تقوى بها و تظهر إلى خارج.

و اعترض عليه «الفاضل العلامة» بوجهين: أحدهما: أن الحرارة تقوى و تشتدّ عند تناول الغذاء، سواء كان بالغداة أو العشيّ أو الظهيرة أو جوف الليل. و ثانيهما، إنه لم يظهر لنا مما ذكره أن كيفية تقوية الغذاء للحرارة على أيّ نحو هى.

و نقل عن «صاحب الكامل» أنه قال: «العلة في ذلك أن الغذاء المستعمل في هذه الحمى مضاد لها فتقاومه الحرارة عند تناوله و تشتدّ هذه كاشتداد حرارة النورة

ص: 336


1- 320. ( 1). يفهم من هذه العبارة أن الأجزاء الأرضية تصير هواء من غير أن ينقلب ماء مع أن« الشيخ» و غيرها قد صرّحوا بأن العنصرين المتخالفين في الكيفيتن لا ينقلب أحدهما الى الآخر بلا واسطة.
2- 321. ( 2). لعله فعل كذلك لأن حرارة الماء حرارة الماء يكون معينا لحرارة المغلى في كثرة الغليان و الاستحالة و لانفصال الأبخرة الحارّة عنه و الماء البارد ليس بهذا المثابة بل هو لبرودته يكون منافيا لذلك فتقييد الماء بالحارّ لا يخلو عن الفائدة.

عند صبّ الماء عليها». و قال: اعترض عليه «إسحاق بن سليمان الاسرائيلى» صاحب «الحميات»، و قال: هذا خطأ، فإنه لو كان كذلك لكان ثورانها بعد شرب الماء البارد أولى و أقوى لأن مضادته لها أبلغ من مضادة الغذاء المستعمل فيها، لأنه كيف ما كان مركب(1) و الوجود بخلافه.

و قال «ابن رشد» في «كليات» ه: السبب في ذلك أن الأعضاء لما صار لها سوء مزاج حارّ و كان المغتذى من شأنه أن يجعل الغذاء شبيها به، فانه إذا ورد على أبدان هؤلاء اكتسب حرارة غريبة بالضرورة- سواء كان باردا أو لا- فتقوى الحمى حينئذ و لا يلزم مثل هذا في حمى العفن، فان الحرارة فيها لم تتشبّث بالأعضاء الفاعلة في الغذاء.

قال «الفاضل العلامة»: لا يرد عليه الاعتراض بالماء البارد كما يرد على «صاحب الكامل»، لأن اكتساب الغذاء للحرارة أكثر و أقوى من اكتساب الماء لها، لأن مناسبة الغذاء لها أبلغ من مناسبة الماء لها و مضادة الماء أبلغ من مضادة الغذاء، و لأن القوة المتصرفة في الغذاء تتوجه إليه دون الماء فيعرض لها تعب يضعفها و التعب يوجب زيادة الحرارة مع أن اعضاء الغذاء شديدة الاستعداد لقبولها فتشتدّ الحرارة. و لا يوجب ضعف الغاذية في غيرهم من المرضى زيادة الحرارة، لأن ابدانهم ليست شديدة الاستعداد لقبولها كابدان المدقوقين.

و قال «المسيحى»: و هذا تعليل حسن جدا و قد ذكرنا في كتابنا المسمى ب «الشافى» وجها قريبا من هذا، من غير ان نقف على ما قاله هذا «الفاضل العلامة»، و هو أن حرارة المدقوق حرارة قد تمكّنت في الأعضاء و صارت كأنها أصلية غريزية و قد علمت أن الغذاء متى ورد على البدن و استحال إلى الدم قوّى الحرارة الغريزية و أنماها، فالغذاء هذه الأبدان ينمى الغريبة و يقويها كما كان يفعل ذلك بالغريزية لصيرورتها مثلها في التمكن.

قال «الفاضل العلامة»: و فيه نظر؛ لأنه يوجب أن يكون الاشتداد بعد استحالة الغذاء إلى الدم و الوجود بخلافه.

ص: 337


1- 322. ( 1). و لا محالة أن البدن المغتذى ايضا كذلك فلا يكون بينهما الخلّاف من تلك الجهة؛ بخلاف الماء فإنه مع كونه باردا بسيطا فتكون بينهما غاية الخلّاف من جهتين أي: من جهة الكيفية فيكون لذلك تضاد الماء الحمى أبلغ من تضاد الماء البارد لها فعلى هذا ينبغى أن يكون ثورانها بعد شرب الماء البارد أقوى و الوجود خلاف ذلك.

و أقول: لو قال «المسيحى»: إن الغذاء عند وروده على المعدة كما يقوى الحرارة الغريزية في الأبدان الصحيحة كذلك يقوى الغريبة في المدقوقة، لتمّ الدليل من غير ورود شى ء عليه، فإنا نرى من أمسك عن الغذاء يومين أو ثلاثة بحيث استولى الضعف عليه و خارت قوته، فانه كما أكل الغذاء رجعت إليه القوة و زال الضعف قبل أن ينهضم و ينفذ إلى الأعضاء و يصير بدلا للمتحلل، و سبب ذلك أن الضعف و خور القوة إنما عرض له من تحليل الروح و نقصانه و اذا نقص التحليل منه و هو دائما في الاستمداد لأنه جوهر لطيف يتولّد بسرعة يلزم منه تكثير جوهره و تقوية القوة و انعاشها. و انما ينقص تحليله عند ورود الغذاء على المعدة، لأن الحرارة حينئذ تتوجه إلى الغذاء و إلى هضمه و يعرض عن تحليل الروح و الرطوبات الغريزية، و ذلك لأن الطبيعة من شأنها أن تحمى الأشرف و تحفظه عن الفناء و التحلل ما أمكن و تستفدى عنه بالأخس.

و قال «إبن أبى صادق»: إن للمتقدمين في هذا التعليل آراء و خيرها ما قيل: «إن رطوبة الغذاء تجاذب الأبخرة الحارّة المحتبسة في أجواف هؤلاء و تزاحمها للحلول فى محلها و تتدافع هي من أماكنها فتبرز و تحمى البدن لذلك مثل الأبخرة المحتبسة فى النورة إذا مسّها شى ء من الماء»، و لو كان هذا التعليل حقا لكان يوجد تلك الأعراض عند شرب الماء أيضا. و أجيب: بأن هذا التعليل حق، و عدم الثوران من الماء لأن الماء بسيط لا يقدر على مقاومة أبخرة و مواد متكونة من أعضاء مركبة بل يتلاشى و يبطل فعله، لأن المؤثر في البدن حالة الاخلاف و حالة التبديل ينبغى ان يكون شبيها به و كذا الأغذية لأنها مركبة من العناصر فإذا وردت على الأبخرة و المواد المنحصرة في الأعضاء زاحمتها و هيجتها بقوتها و دفعتها إلى خارج، و أما النورة فإن الأبخرة الدخانية المحصورة فيها متولدة في جسم مفرد أو غالب عليه الجسم الارضى، و البخار النارى الدخانى متولدة فيه فإذا أصابه الماء غاص فيه بلطافته من غير ممانعة و مزاحمة و هيّجه و أخرجه إلى الظاهر.

و أقول: في كلام هذا الفاضل ما يدل على أن الاشتداد لا يكون إلّا عند نفوذ الغذاء فى جوهر الأعضاء و مزاحمته للأبخرة المحصورة فيها و ليس كذلك لأن اشتداد الحرارة في أبدانهم انما تظهر بعد ساعة أو ساعتين، فظاهر أن الغذاء لا يمكن أن يتمّ هضمه بعد ساعتين بحيث يصل إلى الأعضاء و ينفذ في جواهرها.

ص: 338

هذا إذا كانت مبتدئة، فأما إذا جاوزت الابتداء و هو المرتبة الأولى(1) فيظهر في البدن الضمور و القحول و تقشّف الجلد. و من بلغت به إلى حد الذبول و هو أواسط المرتبة الثانية تلطأ أصداغه لفناء الرطوبات المائية لها، و قلة الغذاء. و هذا و إن كان عاما في الأعضاء كلها إلّا أن ظهوره فيها أكثر، لأن قبولها للتحلّل أشدّ لكثرة رطوبتها و يدقّ أيضا أنفه لأنه عضو قليل اللحم فإذا فنى ذلك القليل منه دق و لذلك يظهر الذبول فيه و فى أمثاله أولا و ينخرط وجهه و تصغر أذنه و يدقّ جرمها لما ذكر و تدقّ رقبته و تنتؤ حنجرته و تظهر عظام الصدر منه و تبرز أوتاره و عروقه كل ذلك لاضمحلال اللحم و فنائه و هى أى: العروق مع ذلك خاوية فارغة من الدم لا يحتوى تجويفها على كثير شى ء لقلة الدم بسبب ضعف الهضم من تهلهل نسج المعدة و ضعف بنية سائر أعضاء الغذاء و ضعف الحرارة الغريزية، و بسبب ضعف الأعضاء من اجتذاب الدم إلى العروق.

و علاجها: التبريد و الترطيب و ذلك بدخول الآبزن من الماء العذب الفاتر، سريعة(2) يسيرة لئلا تنحلّ قوته و المرخ بدهن البنفسج بعد ذلك ليكون الترطيب أبلغ، فان الدهن مع ترطيبه بنفسه يسدّ المسامّ فتحتبس المائية النافذة في الأعضاء و يحصر الرطوبات التى استفادها البدن من الآبزن، و الآبزن قبله مع ترطيبه أيضا يرخى الجلد و يفتح المسامّ بحرارته العرضية و يهيّى ء لنفوذ الدهن فيها و سقى ماء الشعير و الأغذية المتخذة من البقول الباردة الرطبة كبقلة الحمقاء و الملوخية و الخس و القرع و القثاء و القثد و من اللحوم الرطبة الرخصة كالأسماك و الفراريج فإنها لرطوباتها و لزوجتها و سخافة لحمها تنهضم سريعا و تنفذ سريعا إلى الأعضاء(3)، و تلتصق بها للزوجتها مع أن الدم المتولد منها يقاوم الحرارة المفرطة بكثرة رطوبته و قلة حرارته و وضع الأطلية الباردة مثل الصندل و ماء الورد و ماء بقلة الحمقاء و الكزبرة الرطبة على الصدر لتبريد القلب و سقى

ص: 339


1- 323. ( 1). قال« شريف الأطباء»: فسّر الابتداء بها لئلّا يتبادر الذهن الى الابتداء مقابل التزيد.
2- 324. ( 2).[ الأظهر أن تكون« سويعة» تصغيرا للساعة].
3- 325. ( 3). و سخافة لحمها ينهضم سريعا لما كان اصحاب هذا الدق يحتاجون الى زيادة كثيرة في التغذية لأجل الترطيب و معدتهم قد ضعفت عن ذلك فينبغى أن يكون غذائهم مما هو سريع الهضم حسن الكيموس كثير الغذاء بحيث يحصل من قليله الغذاء الكثير مثل لحم الضان و العجول و لحم الدجاج السمان و غير ذلك.

شراب الحماض و أقراص الكافور قال «جالينوس»: يحتاج في هذه العلة إلى أدوية تبرد غاية البرد و لا يكون لها قبض شديد، لأن القابض لا يغوص ببرده إلى عمق البدن، و الأجود أن يكون المبرّد يجمع إلى البرد لطافة و هذا لا يوجد لأن الجوهر البارد اللطيف جدا لا يوجد الّا الخلّ و الخلّ يخالطه شى ء من الحرارة. قال «الرازى»: كأن «جالينوس» لم يعرف الكافور أو لعله لم يذكره، لأنه في غاية التجفيف، و لهذا لا ينبغى أن يستعمل وحده عند إرادة التبريد و الترطيب، بل يخلط معه شى ء من المرطّبات مثل الماء البارد و لعاب بذر قطونا و نحوها.

و تبريد المسكن و ترطيبه بالخضر مثل ورق الخلّاف و أطراف الكرم و الخس و الرياحين مثل الورد و النيلوفر و البنفسج و أنوار الفواكه العطرة و الفواكه العطرة مثل التفاح و السفرجل و الكمثرى و الدستنبوية و رش الماء البارد و ماء الورد و وضع الجمد فيه و فرش الكتان المصندلة.

و أما دقّ الشيخوخة و دقّ الهرم: قد جرت العادة بأن يذكر دقّ الشيخوخة بعد حمى الدقّ و إن لم يكن من جنس الحميات، لشبه بينهما فهو استيلاء اليبس على المزاج من تحلّل الرطوبات و نقصانها بحيث تجف الأعضاء و تخمد الحرارة الغريزية من غير حمى و إنما سمى هذا المرض بهذا الاسم لما يعرض للبدن في غير وقت الشيخوخة ما يعرض فيه من انطفاء الحرارة و فناء الرطوبات و غلبة اليبس و الذبول على الأعضاء.

و سببه: إما برد مستولى يخمد الحرارة الغريزية و يطفئوها و يكثف مسالك الغذاء و يمنعه من النفوذ كما يعرض للنباتات في البرد القوى مع ضعف من البدن أى: نحافة فيه فإن الأبدان الضعيفة النحيفة أشدّ انفعالا من الحر و البرد و غيرهما من الأبدان القوية فتمتنع القوة الغاذية عن فعلها التام و تعجز عن استبدال ما يتحلل عن البدن، لأن الأفعال انما تتمّ بالحرارة كما يعرض استيلاء اليبس و الذبول في آخر العمر لاستيلاء البرد و ضعف القوة الغاذية و إما حرارة تحلّل و تذيب الرطوبات الثانية و تفنيها كما في الحميات المحرقة و الأوجاع الشديدة فتخمد الحرارة الغريزية بفناء الرطوبات التى هي غذاؤها و تعقب بردا و يبسا و قد يتبع الاستفراغات و إن كانت من المواد الرديئة لما يستفرغ معها الروح و تتحلّل القوى و يضعف الحارّ الغريزى و قد يحدث عند الافراط في تبريد الحميات المحرقة

ص: 340

بالأشربة و الأغذية الباردة و وضع الأطلية الباردة على القلب بحيث ينطفئ منها الحارّ الغريزى.

و علامته: علامات الذبول على ما ذكر و عدم الاشتعال و الالتهاب و بياض البول لعدم تصرف الطبيعة فيه و ضعف الهضم.

و علاجه: التدبير المسخّن المرطّب من الحمّام و الآبزن بعد الهضم و النوم بعد الطعام و التغذى بالغذاة بمثل البيض النيمبرشت و الاسفيداج بلحم الحمل و فراخ الحمام و قليل من الخبز و التمريخ بمثل دهن النرجس مع الشمع، و ينبغى أن لا يبدأ بالمسخّنات القوية و إلّا فيهلك العليل بتغير المزاج دفعة بل على مهل و تدريج.

ص: 341

الفصل الثالث: في حميات العفن

اشاره

أما حميات العفن فهى أن تسخن الأخلاط أولا بالعفونة(1) التى تحدث فيها ثم تتأدّى تلك السخونة من أيّ عضو كان إلى الروح و جرم القلب على ما ذكر ثم منه إلى سائر الأعضاء فتسخن كما يسخّن هواء الحمّام و جدرانه بسخونة الماء و يسخّن جرم القدر و الهواء الذى فيه إذا ألقى فيه الماء الحارّ بالمجاورة و العفونة تحدث في الأخلاط بسبب السدّة الحادّثة عنها و ذلك إما لكثرتها أو لغلظها أو للزوجتها؛ فإذا حدثت السدّة فى المنافس و المنافذ عفنت الأخلاط لعدم الترويح بالهواء البارد و عدم نفوذ الارواح و احتباس ما يتحلل عنها من الأبخرة الدخانية فيختنق الحارّ الغريزى و يستولى الحارّ النارى على تلك الأخلاط المحتبسة و يصير حالها كحال الرطوبات المنفصلة عن البدن فيفسد بذلك مزاجها و يتعفن.

ص: 342


1- 326. ( 1). العفونة هي فساد يعرض الرطوبة عن فعل الحرارة الغريبة يزول به عنها الاستعداد لما أعدّت له مع بقاء نوعها. فاعلها هو ذلك الجسم عند صالح لما أعدّت له. و غايتها أن يبطى عن ذلك الجسم الاستعداد لما أعدت له و السبب لإحداثها إما غذاء لردائة جوهره كالفواكه المائية كالقثاء و القثد و نحو ذلك أو سرعة قبوله للفساد و العفونة كاللبن و السمك فإنهما مع صلاح جوهرهما سريع القبول للفساد و العفونة أو امر بدنى و هو السدة التى تمنع لنفوذ الارواح و الهواء البارد فحقنت الغريزية و استولى الغريبة على الأخلاط المحتبسة فعفنته. و السدة تحدث عن الأخلاط اما لكثرتها أو لغلظها أو للزوجتها على ما بيّنه المصنف.

و هى تعفن إما(1) داخل العروق و إما خارج العروق(2) مثل الدماغ و المعدة و الأمعاء و الماساريقا و الكبد و الصدر و غيرها فإذا عفنت داخل العروق، حدثت منها الحميات الدائمة لأنها لا تتحلّل سريعا بحسب كثافة جرم العروق و تلززه فيبقى ذلك الخلّط المتعفن فيها مدة و تبقى الحرارة ببقائه إلى أن يتعفن شى ء آخر مما يجاوره معه كما فى المطبقة أو يبقى شى ء من الخلّط المتعفن إلى أن يجمع شى ء آخر مرة أخرى معه و تشتعل فيه الحرارة على سبيل التعفن كما في المحرقة و هكذا لا تزال تتصل النوائب إلى أن ينقضى أمر العفونة

ص: 343


1- 327. ( 1). قد تحيّر بعض الأفاضل في هذه المسألة فقال: أنا الى الآن لم نقف على كلام الأطباء في أنهم يقولون إن كل واحد من الصفراء و السوداء قد تعفن خارج العروق و قد تعفن داخل العروق و لا بيّنوا أن كل واحد من هذه كيف يكون خارج العروق مع أنهم يعلمون علما قطعيا ان كل واحد من هذه الأخلاط فإن مكانه الطبيعى هو داخل العروق و انما ينفصل عنها بالطبع بعد أن تصير رطوبة تامة اذ لو اندفع الى عضو و هو باق على نوعيته لأحدث في خلل العضو ورما على قدر ذلك المندفع أعنى إن كان المندفع كثيرا مجتمعا حدث عنه ورم عظيم و ان كان كثيرا متفرقا حدث عنه بثور و قروح كثيرة و إن كان قليلا حدث عنه ورم صغير أو بثور أو قروح قليلة العدد بحسب اجتماعه و تفرقه. ثم قال: إن العفونة إنما يقع خارج العروق اذا كانت في الرطوبة الثانية فان الرطوبة التى هناك بالطبع هي هذه الرطوبة و لذلك يمكن أن يكون حرارة هذه الحمى عامة للبدن كله على السواء لأن هذه الرطوبة بالطبع الأعضاء كلها و حينئذ تكون قولنا ان الحمى صفراوية و سوداوية مثلا ليس معناه ان العفونة الخلّط فتكون قولنا ان هذه الحمى صفراوية عفنها خارج العروق أن رطوبة ثانية غلبها الصفراء و لذلك يظهر آثار كل واحد من الأخلاط عند حدوث العفونة التى[ تكون] سبب له فتظهر مثلا في العفونة الحادّث في الرطوبات الثانية المتولدة من الصفراء مرارة الفم و العطش و الإلتهاب و نحو ذلك مما يقتضيه الصفراء و ما ذلك الّا لغلبة الصفراء على ذلك لا لأن العفونة فيها. أقول: هذا خلاف لما شهدت به المشاهدة لأنا شاهدنا المرار مرارا كثيرا في اصحاب الغب مثلا أنها يخرج عن صورتها النوعية و كذلك البلغم في المواظبة يخرج على صورته الخلّطية عند الاسهال فإن كان العفونة بعد استحالتها الى الرطوبة الثانية لم يرى لذلك. و لا يبعد خروج الأخلاط من العروق لأنه يمكن أن يخرج عن العروق من انفتاح فوهاتها عن كثرة كمية الأخلاط أو شدة كيفيتها الى بعض الأفضية فعفنت الأخلاط فيه لإنهدام الترويح الحاصل في العروق و لإنطفاء الحارّ الغريزى و لفقد الطبيعة العرقية الحافظة لما على مزاج الطبيعى المانعة عن التعفن و حدثت منها اى: من العفونة الحميات العفنة.
2- 328. ( 2). قال« القرشى» في« شرح القانون»: ان خارج العروق هو الأفضية التى في الأعضاء و هى الخلّل الواقع فيها.

و لأن العفونة تسرى في العروق إلى ما يجاورها من الأخلاط المستعدّة للتعفن بسرعة ثم إلى المجاور الآخر لاتصال بعض ما في العروق ببعض و كلّما يتحلّل شى ء بسرعة من المتعفن، يتعفن شى ء مما يجاوره حتى تفنى المادة و لم تبق المجاورة و لذلك شبهه «جالينوس» بأنبار غلة قد التهبت نار في بعض أجزائه فإنك ترى ذلك البعض الملتهب في الأمس مترمدا و الجزء الذى يليه مشتعلا و على هذا حتى يفنى المخزن بأسره و لا يمكن أن يتعفن الدم بالجملة إذ لا يعيش معه الانسان و لأنها أيضا شديدة المواصلة إلى القلب إذا كانت داخل العروق لاتصالها به و سريان الدم و الروح منه إليه فيصل إليه أدنى بقية بقيت من العفونة الأولى و يسخّن و تسرى منه السخونة إلى سائر الأعضاء و تبقى الحمى إلى أن يتعفن شى ء آخر من المادة فتدوم الحمى بهذه الأسباب و لا تقلع و لكن لها اشتدادات تعرض بالنوائب التى تخص كل خلط منها و سيأتى بيانها.

و إذا عفنت خارج العروق، حدثت منها الحميات الدائرة؛ لأن الأخلاط التى تعفن خارج العروق ليس كلها في موضع واحد بل هي متفرقة في البدن فإذا أتت على طائفة منها الحرارة المتعفّنة في مدة النوبة، أفنت رطوباتها التى بها تتشبّث الحرارة و أخرجت هذه الرطوبات من البدن بالعرق و البخار و غير ذلك من الاستفراغات، خصوصا إذا كانت فى موضع له مدفع للفضول كالمعدة و الكبد و الدماغ و غيرها لأنها غير محتبسة في العروق المتلزّزة المتكاثفة المانعة لها عن تمام التحلّل فبقيت رماديتها و أرضيتها التى ليست مطيّة للحمى و لا مادة للعفونة، لأن مطية الحرارة و العفونة لا بدّ و أن تكون جسما رطبا كما يشاهد من حال المزابل فإنها تتعفن قليلا قليلا حتى يترمّد الجميع و لم تبق فيها رطوبة فبطلت الحمى بانتفاء الحرارة إلى أن تجتمع طائفة أخرى مرة أخرى إلى موضع العفونة فتتعفن أيضا بالحرارة التى بقيت من العفونة الأولى في مستوقدها من هذه الأخلاط المترمدة أو تعفن لعلة التعفن الاول في المادة الاولى.

و لذلك أى: و لأجل أن الأخلاط المتعفنة خارج العروق ليست كلها في موضع واحد حتى تسرى العفونة من بعضها إلى بعض، صارت الحمى البلغمية تنوب كل يوم؛ لأن البلغم سهل التجمع بسبب كثرة مقداره، سهل التعفن بسبب

ص: 344

رطوبته فان الرطوبة هي التى تقبل العفونة و يكون هيولى لها و لذلك يكون زمان فترتها ست ساعات من أربعة و عشرين ساعة و زمان أخذها ثمانية عشرة ساعة و الحمى السوداوية تجى ء ربعا لأن السوداء عسرة التجمع لقلة مقدارها، عسرة التعفن لبردها و يبسها و هما متضادان للعفونة، و لذلك يكون زمان فترتها ثمان و أربعين ساعة من إثنين و سبعين ساعة و زمان أخذها أربع و عشرين ساعة و الحمى الصفراوية تدور غبا؛ لأن الصفراء كالمتوسطة بينهما لأنها إذا قيست بالبلغم كانت أعسر تجمعا لقلتها و أعسر تعفنا ليبسها، و فيه بحث(1)؛ لأن الصفراء و ان كانت يابسة فالبلغم بارد و البارد أبعد من العفونة مما هو يابس بالقوة رطب بالفعل لأن البرودة تخمد الحرارة و تمنع من الغليان. و انما(2) كانت زيادة فترة الصفراوية على البلغمية لقلتها فقط لا مع عسر التعفن، و لذلك قال «إبن أبى صادق»(3): «أشدّ الأبدان استعدادا للحميات العفنية، الحارّة الرطبة ثم الحارّة ثم الرطبة» و البلغم في البدن و ان كان حارّا بالفعل أيضا، لكن لا شك أن البارد بالقوة إذا سخن كان أقل سخونة من الحارّ بالفعل و القوة بخلاف الرطب، فإن

ص: 345


1- 329. ( 1). قيل في جواب هذا البحث: إن البلغم بارد بالقوة[ و الصفراء] حارّ بالفعل و القوة فهو اولى بالعفونة من الصفراء لأنّ مادة العفونة هي الرطوبة و اليبوسة مانعة عنها و لذلك كانت السوداء أعسر تعفنا عن الصفراء ايضا مع أنّها رطب بالفعل.
2- 330. ( 2). هذا جواب سوال مقدر و تقديره لا يخفى على المتأمل.
3- 331. ( 3). أتى« الشارح» قول« ابن أبى صادق» حجة على مطلق به و تفسير القول إنه ترجيح الصفراء على البلغم استعداد العفونة لأنها مشتملة على الحرارة و البلغم على الرطوبة فالحرارة التى هي فاعلة لها يكون أقوى عن الرطوبة التى هي مادة للعفونة و البلغم في البدن و ان كان حارّا بالفعل ايضا كالصفراء لكنه بارد بالقوة و هو أقلّ استعدادا للعفونة عن الحارّ بالفعل و بالقوة و كذلك البلغم و إن كان باردا بالقوه و الصفراء يابسة و هما متضادتان للعفونة الّا أن الرطوبة التى هي مادتها رطوبة فعلية و هى موجودة في الصفراء و اليبوسة بالقوة لا ينافى فيها[ لا ينافيها] بخلاف البرودة فإنها كانت مانعة عن العفونة لإخمادها الحرارة. هذا حاصل كلام« الشارح». و للمناقشة هاهنا مجال: و هى أن تلك البرودة لم لا يجوز أن يكون غير منافية للعفونة مثل اليبوسة؟ و الّا فما وجه فى البرودة منافية لما دون اليبوسة و لا بدّ من ايراد الدليل عليه ليتم المقصود و الّا فدعوى مجرد عن الدليل غاية ما في الباب أن يقال إن البارد بالقوة اذا سخن كان أقلّ سخونة من الحارّ بالفعل و القوة لكنا نقول إن اليابس بالقوة ايضا كذلك يعنى اذا سخن كان اقل سخونة من الرطب بالفعل و القوة و الّا لا يكون السوداء أعسر تعفنا عن البلغم مع كونهما مساويان في البرودة.

الرطوبة التى هي مادة العفونة إنما هي الرطوبة الفضلية الفعلية(1) و اذا قيست بالسوداء كانت أسهل تجمعا لكثرتها و أسهل تعفنا لحرارتها فتجى ء يوما فيوما و يكون زمان فترتها ستا و ثلاثين ساعة من ثمان و أربعين ساعة و زمان أخذها إثنى عشرة ساعة.

و تحقيق القول في اختلاف أدوار الحميات هو أن هاهنا ثلاثة أمور: اجتماع و تعفن و تحلل؛ فالاجتماع يختلف بحسب كمية المادة- فإنها إن كانت كثيرة تجتمع بسهولة فى زمان يسير و بالعكس- و بحسب كيفيتها في الرقة و الغلظة و الحرارة و البرودة- فإنها إن كانت رقيقة حارّة تجتمع بسهولة و بالعكس- إلّا أن الكمية في ذلك أبلغ و لذلك تزيد فترة الصفراوية على البلغمية و التعفن يختلف بحسب كيفياتها الأربع فإنها إن كانت حارّة أو رطبة أو مركبة منهما تتعفن بسهولة و إن كانت باردة أو يابسة أو مركبة منهما فبالعكس. و التحلل يختلف بحسب اختلافها في اللزوجة و عدمها و الغلظة و الرقة و الرطوبة و اليبس؛ فإنها إن كانت لزجة غليظة أو غليظة يابسة؛ عسر استفراغها عن البدن، لكن اللزوجة في ذلك أبلغ و لذلك تطول مدة البلغمية حتى أنه لا ينقّى البدن منها نقاءا تاما مع رطوبة البلغم. و إن كانت رقيقة غير لزجة فبالعكس و إن كانت كثيرة المقدار و لذلك تزيد مدة نوبة السوداوية على الصفراوية.

و أصناف الحميات العفنية أربعة على عدد الأخلاط الأربعة، كل واحد منها إما دائرة و ذلك إذا عفن خلطها خارج العروق، فيه بحث(2)؛ لأن الدم إذا عفن خارج العروق كما فى الأورام العظيمة، لم تكن الحمى دائرة لدوام اتصال العفونة منها إلى القلب، اللهم الّا أن يجعل الكلام اللاحق مخصصا لهذا و إما دائمة و ذلك إذا عفن الخلّط داخل العروق. و عفونة الدم خارج العروق تكون في الأورام

ص: 346


1- 332. ( 1). أقول: لا شك ايضا إن الرطب بالفعل و القوة اذا سخن كان أشدّ استعدادا للتعفن مما هو رطب بالفعل يابس بالقوة و السخونة القليلة تفيد العفونة و الشديدة لا تفيدها بل تؤدّى الى المجففات[ التخفيف] و الاحتراق.
2- 333. ( 2). يمكن أن يجاب عنه بأن المصنف اذا ذكر قوله الآتى:« و عفونة الدم خارج العروق يكون في الأورام العظيمة اذا اجتمع فيها دم كثير و عفن فتلزم الحمى الدائمة إلى أن ينضج ذلك الورم و يستفرغ ما فيه ...» فلا يرد عليه البحث المذكور و الى هذا أشار الشارح بقوله:« اللهم الّا أن يجعل الكلام اللاحق مخصصا لهذا».

العظيمة إذا اجتمع فيها دم كثير و عفن لانعدام الترويح، و انطفاء الحارّ الغريزى و استيلاء الغريب و لفقده الطبيعة العرقية الحافظة له على المزاج الطبيعى المانعة عن التغير و الفساد. و اذا عفنت، التهبت في العضو حرارة غريبة تسخن ما يجاوره أولا فأولا حتى تصل إلى القلب فتلزم الحمى الدائمة(1) لدوام سريان العفونة إلى القلب إلى أن ينضج ذلك الورم و يستفرغ ما فيه فتسكن الحمى. و لا يمكن للدم أن يتعفن خارج العروق في غير الأورام؛ لأنه إذا خرج من العروق إلى بعض الأفضية مثل الصدر و المعدة و الأمعاء و المثانة و غيرها، انجمد فيها و عرضت له كيفية باردة سمية.

و علامتها أى: علامة الحميات العفنية مطلقا: أن تبتدئ لا من أسباب بادية لكن تحدث ابتداءا هذا كلام لا طائل تحته، فإن السبب الواصل للحميات العفنية هي العفونة و العفونة كما تحدث عن الأسباب البدنية مثل السدّة و الامتلاء تحدث عن الأسباب البادية مثل الأهوية الرديئة و شدة الحركة و حرّ الشمس و تناول الأشياء المسخّنة و الأغذية المائية كالفواكه الرطبة أو السريعة الفساد كاللبن و ليس نوع من الحمى يحدث ابتداءا بل لا بدّ و أن يتقدّمه اما أسباب بادية أو بدنية و معها كلها إما نافض و هو حركة ارتعادية مع برد و إما قشعريرة و هى نافض ضعيف، و سبب ذلك أن الطبيعة تتشمّر(2) لدفع الأخلاط الباردة أو الحارّة اللذاعة التى قد ألّفها العضو الذى هي فيه و استقرّ انفعاله عنها فلا يحسّ ببردها و لا بلذعها فإذا تحرّكت عن ذلك العضو و مرت بالعضلات و الأعضاء الحساسة التى لم تألفها، أحسّت ببردها و لذعها فتنتفض و ترتعد لدفعها بسبب المزاج المختلف حتى يستولى ذلك المزاج الردى ء عليها و صارت مألوفا لها فيسكّن الأذى و تقف الأعضاء عن الحركة الّا مع المطبقة أى: الدائمة منها لسكون مادتها و عدم انتقالها عن مستقرها إلى الأعضاء الحساسة و بعض الورميات بل كلها، لأن المادة فيها أيضا ساكنة الّا في الابتداء عند انصباب المادة إلى موضع الورم إذا كان مرورها على الأعضاء الحساسة أو في الانتهاء عند انفجار الورم و جريان المدة اللذاعة على تلك الأعضاء

ص: 347


1- 334. ( 1). هذا هو الكلام اللاحق الذى جعله المصنف[ الشارح] مخصصا لكلامه السابق.
2- 335. ( 2).[ أي: تتهيّؤ] أي: تنقبض و تجتمع. كذا في« كشف الإشكالات».

و حرارتها كلها أقوى من حرارة حمى يوم و النبض و النفس و البول أشدّ(1) تغيرا و لكل واحدة منها علامات تخصّها.

الصنف الأول: في حمى الغب و هى الحمى الصفراوية337 التى مادتها تعفن خارج العروق.

ص: 348


1- 336. ( 1). أما النبض فلأن أقوى الأسباب التى يتغير عنها النبض ما يكون منها متعلقا بالروح و القلب لأن حركة النبض انما هي متعلق بالقلب و الحمى لا بدّ أن يتسخن منها القلب و الروح و الدم الذى في القلب فلذلك كان تغير النبض في الحمى اكثر من تغيره في جميع الامراض. و أما شدة تغير النبض في الحميات العفنة فلشدة سخونة القلب فيها لأن اسباب تلك الحميات كانت أقوى عن اسباب حمى يوم بحيث يتجاوز عن اشتعال الروح الى اشتعال الأخلاط فيتحلل عنها أبخره كثيرة حادّة و تصل الى القلب فيشتعل الحرارة النارية فيه. و أما تغير النفس فلأن البخار عند صعوده الى الرأس لا بدّ من نفوذه في فضاء الصدر و حينئذ لا بد أن تزاحم الرية فتضيق مجاريها و ذلك يلزمه تغير النفس أو لأن كثرة الاحتياج الى استنشاق المواد البارد لشدة سخونة القلب توجب تغير النفس. و أما تغير البول فلاندفاع المواد العفنة معه.

و علامتها: أن تبتدئ بنافض شديد الغرز(1) لحدّة الصفراء و لذعها في نفسها فكيف إذا زادت حدّة و لذعا من العفونة قليل البرد لأن البرد هاهنا انما هو لمجرد هرب الحارّ الغريزى إلى الباطن، و استيلاء البرد على الظاهر بخلاف ما يكون عن المواد الباردة فإنه فيها يكون مع برد شبيه ببرد الثلج لهرب الحرارة و لبرد مزاج تلك المواد(2) و سبب النافض في هذه الحمى حدّة المرّة الصفراء و قوة القوة الدافعة التى في العضل فان النافض انما يحدث من القوة الدافعة الطبيعية عند اضطرارها لدفع ما يؤذيها من أمر مرضى فينتفض الانسان بتحريك الدافعة أعضائه عند حركتها أى: حركة الصفراء عن مستوقد العفونة و مرورها على الأعصاب و العضلات و اللحوم الحساسة كما ينتفض من صبّ الماء الحارّ جدا على جلده و لا يملك ان يمنع اعضاءه عن الاهتزاز و الارتعاد لما ينقبض كل جزء من الأعضاء و العضلات التى يمرّ عليها ذلك الفضل لدفع المؤذى ثم ينبسط للاستراحة و للاستعداد للانقباض مرة أخرى فتلتئم من ذلك حركات مضطربة فتهتزّ الأعضاء و ترتعد و تتبعها المفاصل في ذلك لارتعاد الأوتار المربوطة بالعضلات المرتعدة بسبب حركة اجزاء كل عضو من الأعضاء. و اختلف في أن النافض في الصفراوية أشدّ أو في البلغمية؟ فقال «الشيخ»: إنه فى البلغمية أشدّ؛ لأن السبب كلّما كان ألزج، كان النافض أشدّ؛ لأنه يتشبث بالأعضاء تشبثا قويا فلا يندفع عنها الّا بحركة قوية جدا تقلعه. و قال «جالينوس» و من تبعه: إنه الصفراوية أشدّ لأنها أشدّ لذعا و أقوى إيذاءا فتكون حركة الأعضاء لدفعها أقوى و أشدّ. لكن قال «الشيخ» أيضا في الغب: إنه يأخذ نافض صعب جدا أشدّ من سائر النوافض و ربما صار أذى ما يلذع سببا لهرب الحارّ الغريزى و الدم و الروح إلى الباطن و يستولى البرد على الظاهر فيكون مع اللذع برد في الظاهر و لذع حارّ في

ص: 349


1- 338. ( 1). هذا في الأدوار الأول؛ لأن المادة يكون أولا غير نضيجة و الصفراء اذا كان أحدّ و ألذع فيكون نافضها أشدّ و من بعد النضج يصير أغلظ و أقل حدّة و لذعا و سيلانا فيصير النافض يسيرا لذلك و الغب الصرف أي: التى مادتها خالصة من البلغم و غيره حادّة على الاطلاق؛ أما أنها حادّة فلأجل حدّة مادتها؛ و أما حدتها على الاطلاق فلأن مادتها للطافتها لا تقتضى الطول.
2- 339. ( 2). ينفصل عنها الابخرة الباردة و تصل الى الأعضاء الحساسة فتدرك برودتها.

و يستولى البرد على الظاهر فيكون مع اللذع برد في الظاهر و لذع حارّ في الباطن.

و من علامات هذه الحمى: أن النافض فيها لا يطول لقلة مادتها و لطافتها و سرعة مرورها عن الأعضاء لكن يسخّن البدن سريعا لأن الأخلاط التى تتعفن خارج العروق متى كانت ساكنة في مستوقد العفونة مألوفة له لم يحس بأذيتها فإذا أخذت تعفن تحرّكت عن مستقرها بسبب الحرارة المفرقة التى تحدث عن العفونة فتتأذّى عنها الأعضاء التى لم تكن مألوفة بها ملاقية لها و يحدث النفض حتى إذا تعفنت بالتمام التهبت الحمى و سخن البدن و هذه المادة الصفراوية تتعفن سريعا بسبب لطافتها و الاجسام اللطيفة أسرع قبولا لتأثير الحرارة من الاجسام الصلبة الغليظة القوام و بسبب حرارتها أيضا فلذلك يسخّن البدن سخونة شديدة تلذع اليد لازدياد ناريتها بالعفونة و يعرض معها صداع إما لارتقاء الأبخرة المتعفنة إلى الدماغ أو لحصول التعفن في نفسه و عطش شديد(1) و غشى و كرب(2) و قى ء مرّة(3) و ربما انطلقت البطن بها أى: بالمرّة- سيّما إذا كان تعفنها في المعدة أو الكبد- لما يندفع بعضها عند حركتها من مستوقد العفونة و انتهاض الطبيعة لدفعها من أعلى بالقى ء و بعضها من أسفل بالإسهال و النبض فيها عند ابتدائها يكون مختلفا كما في سائر الحميات العفنية؛ لأن الأخلاط العفنية حينئذ تكون مجتمعة فتثقل على الطبيعة و تضغطها فتضعف عن التحريك المستوى و تصير بعد ذلك مستويا عظيما سريعا للطافة المرّة و خفتها على القوة و قلة اجحافها(4) بها لأن العفونة إذا انقدحت فيها ازدادت رقة و لطافة و تحلّل أكثرها بالتبخير فتنتهض الطبيعة لتحريك النبض على الاستواء و يصير عظيما سريعا لانتعاش الحرارة الغريزية و انتهاض من القوة و لشدة الحاجة إلى إخراج الأبخرة الدخانية المتحللة عن المادة العفنية و إلى استنشاق الهواء البارد و لغلبة الحارّ النارى و التهابها و البول يكون ناريا عفنا حادّ الريح لاندفاع المرّة العفنة معه.

ص: 350


1- 340. ( 1). لأجل الحرارة و اليبوسة اللازمتين للصفراء.
2- 341. ( 2). لفرط تسخن القلب بوصول الابخره إليه من المادة العفنة الحادّة.
3- 342. ( 3). لحصول الصفراء على الاكثر[ فى] المعدة.
4- 343. ( 4). أى: قلة مزاحمتها له.

و هى تفارق بعرق للطافة الصفراء و رقتها و ميلها إلى ظاهر البدن و اكثر ما يحدث لذوى الأمزجة الحارّة اليابسة و لمن يدبر بالتدبير المسخّن. و نوبتها على ما شهد به الرصد و التجربة قصيرة من أربع ساعات إلى تسع ساعات- و هذا اكثر و لا تجاوز لرقة مادتها و سرعة تحللها عن إثنتى عشرة ساعة الّا إذا كانت المادة مع خلوصها غليظة أو مقدارها كثيرة أو كان العليل متلزز البدن أو ضعيف القوة أو بارد المزاج أو عرضت معها في الجملة أسباب موجبة لحبس المادة و خفتها و بطء تحليلها من السن و الفصل و البلد و الصناعة و هى أيضا مثل الحميات اليومية سليمة غير خطرة لقلة مكثها و قصر نوبتها، فإنها تسكن و تنقلع سريعا من غير أن تضعف الطبيعة ضعفا كثيرا، و لأن مادتها أيضا لطيفة خفيفة لا تثقل على القوة ثقلا زائدا و لا تعصى في الاستفراغ عصيان المواد الغليظة اللزجة، و لأن الطبيعة إذا تعبت فيها في اليوم النوبة استراحت في اليوم الآخر و اكثرها ما ينتهى في الدور الرابع و إن امتدّت إلى السابع فلا تجاوز عنه لأنها من الأمراض الحادّة جدا و بحرانها يكون في الرابع و لا يتجاوز عن السابع، و كل دور هاهنا بمنزلة يوم فلذلك تنقضى أربعة أدوار أو في سبعة أدوار.

و علاجها: اسهال الصفراء بماء الفواكه مثل ماء الاجاص و التمر الهندى و ماء الرمان المشحوم أى: المعصور مع الشحم، فإنه يسهل بالعصر و شراب الورد و الشيرخشت و نحوها مما فيه تليين ما مع تطفئة كثيرة، لأن فساد المزاج و رداءة كيفية المادة أغلب من كثرة كميتها و سقى ماء الشعير فإنه يبرّد الحمى و يخرج الصفراء بما فيه من الجلاء و يغذو البدن و يقوى القوة و لعاب بذر قطونا و الأشربة المطفئة مثل شراب الاجاص و التمر الهندى و النيلوفر و أقراص الكافور إن احتيج إليها لغلبة الحرارة، قال «الرازى»: الكافور في البدن كريح الشمال في العالم لتبريده و تجفيفه بقوة و مضادته العفونة و التغذى بالمزورات الحامضة المعمولة من التمر الهندى و المشمش و الرمان و النيشوق و من البقول الباردة مثل القرع و الخس و الكزبرة الرطبة و الاسفاناخ.

ص: 351

الصنف الثانى: في الحمى المحرقة

هذه من الصفراوية أيضا(1) غير أن مادتها تعفن داخل العروق فتكون لازمة(2) لا تفارق البدن و تشتدّ مع ذلك غبا لما ذكر و أعراض هذه الحمى أقوى و أشدّ من أعراض الغب الدائرة لدوام مكثها(3) و المؤثر مع طول المدة يكون أقوى تأثيرا مع قصرها حتى أنها يخشن معها اللسان لغلبة الحرارة المجففة و يصفرّ لتراكم الأبخرة المتصاعدة من الصفراء عليه أو يسودّ عند ازدياد التراكم و احتراق الابخرة و تشتد الحرارة جدّا و يهذّى معها العليل لارتقاء الصفراء للطافتها إلى الدماغ.

و الفرق بين هذه الحمى و بين المطبقة أن المطبقة لا تشتدّ غبا و هذه تشتدّ غبا و لا تكون معها حمرة مفرطة لأن الغلبة ليست للمادة الدموية بل حمرة قليلة لما يشتعل الدم و يزداد حرارته من التهاب الحمى فيميل إلى ظاهر البشرة و لا تمدّد في البدن لأن الصفراء لا تبلغ من كثرتها إلى ان تمتلئ منها العروق فتتمدّد

ص: 352


1- 344. ( 1). هذا اصطلاح المصنف لكن من عادة الأطباء أنهم يسمون هذا الحمى بالإسم العام و[ هى] الغب اللازمة و يطلقون المحرقة على التي يتعفن مادتها التى هي الصفراء في العروق القريبة من القلب و الكبد. و قد يطلقونها أى: المحرقة بالاشتراك اللفظى على ما حدث عن عفونة البلغم في تلك العروق.
2- 345. ( 2). سببه أن المادة الصفراوية في هذه الحمى من حيث إنها يتعفن في العروق التى متلرز كثيف في الجرم لم يتحلل بأسرها عنها حتى ينضمّ إليها شى ء آخر من تلك المادة و يتعفن و تكرر نوبة أخرى فيكون الحمى لازمة لبقاء سببها و يشتدّ حين انضمام الشيى ء الآخر من المادة الى المادة الباقية المتعفنة في تلك العروق لازدياد الحرارة و اشتعالها بكثرة العفونة لكثرة مادتها و أما وجه اشتدادها غبا فقد ذكر« الشارح» في ما سبق لكن الاستدلال لهذا ضعيف جدا لما سنذكره في بحث الحميات المركبة؛ أو غبان لازمان قد تركبا بتركيب مبادلة فيكون الاشتداد حينئذ كل يوم مثل تلك الحمى.
3- 346. ( 3). و لا شك أن دوام الحمى أشدّ ضررا للطبيعة مما اذا لم يدم؛ لأنه يضعف الطبيعة كثيرا فلذلك كانت الحمى اللازمة أردء الحميات فلذلك كلّما كانت مدة الراحة أطول فهو أهون و أسلم مما هي أقصر راحة من ذلك النوع و ذلك لأن العفونة في اللازمة يكون داخل العروق لا مانع بها من نفوذ فسادها و بخارها الفاسد الى القلب و غيره من الأعضاء الكريمة سيما اذا كانت العفونة في العروق القريبة الى القلب فتلك الحمى لا محالة تكون أردء مما ليست كذلك.

و يتمدّد بتمدّدها الأعضاء و لا حالة شبيهة بالربو و ضيق النفس كما تكون في المطبقة على ما سيجى ء بيانه.

و اعلم أن الحمى المحرقة قد تطلق أيضا بالاشتراك اللفظى على الحمى الصفراوية اللازمة التى تكون مادتها داخل العروق التى حول القلب و الكبد و المعدة و على الحمى البلغمية التى تحدث من عفونة بلغم مالح داخل العروق التى حول تلك الأعضاء.

و علاجها: علاج الغب و سقى ماء الفواكه إن كانت الطبيعة غير منحلة و سقى ماء الرمان المدقوق بعجمه إن كانت منحلّة لما في عجمه من القبض و التجفيف و سقى الأشربة القوية التبريد مثل شراب الاجاص و التمر الهندى و السكنجبين الساذج و الماء الصادق البرد(1)، فإن التوانى في التبريد و ترك

ص: 353


1- 347. ( 1). قال« النبى» صل الله عليه و آله و سلم:« إن الحمى من فيح[ فوح] جهنم فأبردوها بالماء». اعلم أن الماء الباردة لسقيه في الحميات شروط: الأول: أن لا يكون المادة فجة. الثانى: أن لا يكون غليظة فان الماء البارد يزيد في هذين. الثالث: أن لا يكون شى ء من الأحشاء ضعيفا خاصة المعدة و الكبد فان الماء البارد يزيد[ لها] ضعفا حتى ربما غيّر فعله. و انما كانت المعدة و الكبد أولى بذلك لأن الماء البارد يلاقيهما قبل أكثر الأحشاء. الرابع: أن لا يكون في شى ء من الأعصاب أذى خاصة من جهة البرودة فإن الأعصاب باردة بالطبع ربما أصابها من الماء البارد تشنج. الخامس: أن لا يكون في شى ء من الأحشاء ورم فإن الماء البارد حينئذ يغلّظ مادته و يفسدها. السادس: أن لا يكون محل الحرارة الغريزية ضعيفة في الأصل. السابع: أن لا يكون البدن في الأصل قليل الدم و الّا لكان الحارّ الغريزى ضعيفا. الثامن: أن لا يكون البدن شديد الهزال فيصل الى الأعضاء نكاية برد الماء خاصة إن كان هزاله مع قلة دمه. التاسع: أن لا يكون[ أن يكون] معتادا لشرب الماء البارد فإنه اذا لم يكن كذلك[ أى: لم يكن معتادا] كسكان البلاد الحارّة فربما حدث لهم[ من] شرب الماء البارد تشنج أو فواق. و إنما يكون هذه الأسباب مانعة اذا لم يكن الحاجة الى شرب الماء البارد شديدة أما اذا كانت الحاجة الى شربه كما اذا وصل من عدم شربه اشتعال حرارة الحمى و اشتداد أعراضها كخشونة اللسان و صغره و التواء المعدة و الدماغ و غير ذلك فلا بد حينئذ من شرب الماء الشديد البرد و لو كان في الاحشاء ورم.

التطفئة في هذه الحمى خطر؛ لأنه كثيرا مّا يؤدّى إلى الدق لسخونة القلب و الأعضاء الأصلية و تشبّث الحرارة بها. قال «الرازى»: إن أكثرهم يشوى دماغهم و معدتهم من شدة الحر و تتشنج أعصابهم عند التقصير في التطفئة لتقريب البحران(1).

الصنف الثالث: في الحمى المطبقة

سميت بها لدوامها و اشتمالها و عدم فتورها ليلا و نهارا و هى الحمى الدموية اللازمة و تكون:

إما من سخونة الدم و غليانه بلا عفونة تحدث فيه كما تكون الحمى من سخونة الروح و سخونة الأعضاء من غير عفونة و ذلك لأن الدم لكثرة مقداره و حرارة مزاجه يمكنه عند غليانه أن يسخّن البدن و يحدث الحمى، بخلاف سائر الأخلاط فإنها لبرد مزاجها أو لقلة مقدارها لا يتأتى منها ذلك و تسمى سونوخس؛ لان هذه الكلمة في اللغة اليونانية تدل على الدوام.

و سبب سخونة الدم و غليانه سدّة تحدث فيه لكثرته فتحتقن فيه الحرارة الغريزية و تشتعل الغريبة النارية فيسخّن الدم و يغلى إذا لم تكن الحرارة قوية على التعفين و قد تكون السخونة و الغليان عن أسباب اخرى، بأن تشتدّ فوق اشتداد حمى أسباب حمى يوم بحيث يتجاوز عن اشتعال الروح و هذا النوع من الحمى الدموية بالحقيقة قسم برأسة من الحميات لأنها ليست من الحميات العفنية، فإنه لا عفونة لها و لذلك حرارتها و أعراضها أخفّ و لذعها و أذاها أقلّ و مدتها أقصر و لا من حميات اليوم، لأن التسخين الأول فيها للخلط و لذلك لا تنقلع في يوم واحد بل تمتدّ في الأكثر إلى سبعة أيام و لا تنقلع أيضا من غير استفراغ

ص: 354


1- 348. ( 1). لأن المادة كلّما كان أحرّ، كان البحران أقرب و بالعكس. و لا يخفى أن الطبيب المعالج قد يقتصر في التبريد و يمهل في التطفيه برجاء ذلك اليوم الآتى قريبا بناء على أنه[ ما] زعم؛ فإن الطبيعة التى ليست ضعيفة بعد إما أن يطفى و يصلح الصفراء بحيث تزول عنها السخونة و الاشتعال و يسكّن الحمى و يستفرغ و يخرج مادة الحمى عن البدن في ذلك اليوم لأجل قوتها مع لطافة المادة و مطاوعتها للخروج فيغفل ذلك من اشتداد الحرارة و لم يتوجه الى تطفيتها فتحلل الرطوبات حينئذ من اشتعال حرارة تلك الحمى فيؤول الأمر الى ما ذكر.

محسوس كالفصد و الرعاف و قد جعلها «جالينوس» من جنس حمى اليوم و تبعه «إبن سرافيون» و لا من الحمى الدق التى يكون تشبث الحرارة فيها أولا في الأعضاء الاصلية و لذلك لا تنقلع بمجرد تبديل المزاج من غير استفراغ و لا تقوى بعد تناول الطعام و لا تكون مزمنة و تكون الحرارة فيها حادّة نارية و السحنة ممتلئة منتفخة لا منخرطة نحيفة.

و علامتها: حمرة الوجه و العين و انتفاخ الأوردة و التمدّد لغليان الدم و زيادة حجمه و الثقل و الكسل و عظم النبض لشدة الحاجة و لين الآلة و وفور القوة و حمرة البول و غلظه لاختلاط الدم به و سائر علامات غلبة الدم و أن تبتدئ من غير نافض و لا قشعريرة(1).

و علاجها: الفصد و الاستكثار من اخراج الدم حتى يقرب العليل من الغشى فإن هذه الحمي تنقلع عند اخراج الدم انقلاعا تاما ثم سقى الأشربة و الربوب القامعة للدم بالتبريد و التغليظ مثل رب الريباس و الحصرم و حماض الاترج و الرمان و شراب العناب و تقليل الغذاء(2) ليقل تولد الدم و التغذّي بالعدس و الخلّ.

و إما من عفونة الدم و هذا النوع ثلاثة أصناف:

متزايدة إلى أن تنقضى الحمى(3) و تفارق البدن و ذلك حين يتعفن من الدم أكثر مما يتحلّل إما لكثرة مقداره فإذا عفن جزء منه سرت العفونة منه إلى كثير من أجزائه فتدوم الحمى متزايدة، و إما لكثرة رطوبته و غلبة مائيته فتسارع العفونة من جزء منه إلى كثير من أجزائه بسهولة، و إما لضعف القوة المدبرة للبدن عن حفظ

ص: 355


1- 349. ( 1). لخلوّ المادة عن العفونة اللذاعة و لكونها داخل العروق.
2- 350. ( 2). لا ينبغى أن يكون غذاء المحمومين على مقدار يبقى القوة على حالها أو يزيدها بل لا بد منها على قدر يبقى القوة على حالة تمكنها عند المنتهى دفع المرض فإن هذا القدر من الغذاء يحتاج إليه في تدبير المرض و ما نقص عنه أو زاد فمذموم أما النقصان فلأن القوة اذا لم يكن عند المنتهى يقدر بدفع المرض استولى المرض و أما الزيادة فلأن الغذاء يزيد[ كما] القوة يزيد في المرض بتزيده في مادته و زيادة المرض لا محالة رديّ. و[ لكن عند الشك في مقدار الغذاء ينبغى أن يعلم أن] الغذاء لا بد منه في إبقاء القوة لأن زيادة المرض أولى من سقوط القوة.
3- 351. ( 3). أي: الى أن تقرب الانقضاء؛ لأن انقضاء الحمى إنما يتحقق بعد انتقاضها لأنه تدريجى لا دفعى فحينئذ لا بد اولا من انحطاط الحمى ثم يوجد انقضاؤها و الّا كيف يتصور التزايد الى انقضائها.

الدم على ما ينبغى فتتسارع إليه العفونة و لا تقوى القوة أيضا حينئذ على تحليل ما قد تعفن من الدم فيزيد المتعفن على المتحلل، و إما لتلزز البدن و كثافته فلا يتحلل منه الجزء المتعفن سريعا و ينضم إلى الأجزاء الأخر التى تسرى إليها العفونة و يقل الترويح عند ذلك أيضا لضيق المنافس فيزيد المتعفن على المتحلل.

و متناقصة و ذلك حين يتحلل أكثر مما يتعفن لاضداد ما قلت.

و متساوية لتساوى ما يتحلل لما يتعفن لتوسط الأسباب المذكورة أو لاجتماع بعض أسباب التزايد مع أسباب التناقص و شرها المتزايدة(1) و هذا ظاهر.

و علامتها: علامات سونوخس و القلق و الكرب و اللهيب لغلبة الحرارة الحادّثة عن العفونة و ضيق النفس لأن الدم إذا سخن و غلى، تخلخل و ازداد حجمه و رقّ قوامه و ارتفع و مال إلى الأعضاء العليا، كالصدر و الرئة و غلى فيها غليانا شديدا بحيث لا يبقى العروق و الشرايين التى فيها متسع للتنفس و يحدث البهر مع كثرة الاحتياج إلى استنشاق الهواء البارد لشدة سخونة القلب و نواحيه من الصدر و الرئة بالمجاورة و بسبب سخونة العروق و الشظايا المنبعثة منها إليها، و لأن الدم إذا سخن و تخلخل، امتلأ منه الشريان العظيم الممتدّ على الصلب فيزاحم الرئة و يمنعها من الانبساط التام و كذلك امتلأ منه قسم من الأجوف الصاعد و هو الذى يتوكّى على الفقرة الخامسة من فقار الصدر و لذلك سميت هذه الحمى المطبقة ربوية(2)، و عند ذلك لا يؤمن أن ينفجر بعض من الشرايين في الدماغ أو الجوف و يحدث رعاف أو قى ء دم و يهلك العليل، أو أن يستمسك نفسه إن كانت الشرايين وثيقة و يختنق فجأة، أو ينصبّ الدم إلى تجويف القلب و يحدث الخناق القلبى و عظمه و تواتره لغلبة الحرارة.

و علاجه: الفصد فإن قيل: إن «جالينوس» قد منع من اخراج الدم بالفصد إذا

ص: 356


1- 352. ( 1). لأن التعفن فيها اكثر مما يتحلل فيكون المرض أقوى من فعل الطبيعة. و أسلمها المتناقصة لأن فعل الطبيعة فيها أقوى من المرض. و المتساوية متوسط الحال في ذلك لأن فعل الطبيعة قد يغلب فترهل[ فترمد] المرض و قد يتغلب فيستولى المرض.
2- 353. ( 2).[ الصحيح أن تكون« ربوية» و يمكن أن يقال في توجيه« ربوية» بأن تكون هذه الحالة موجبة لانضغاط الرية و الربو].

تعفن، قيل: نعم إذا تعفن الدم أكثره ليس الطريق في إصلاحه إخراجه بالفصد، لأنه إذا خرج شى ء منه بالفصد لم يرج أن يصلح البقية بما يتولّد من الدم بعد يوما فيوما بل الطريق فى اصلاحه الأغذية الموافقة و تقوية الكبد ليتولّد دم جيد و يختلط بالفاسد العفن و الطبيعة لقوتها- حيث لم تضعف بالفصد- تدفع ذلك الدم العفن بالعرق و البخار و الرسوب في البول، فيحصل بالتدريج دم صالح في الكبد و العروق.

و أما إذا حصلت العفونة في بعض الدم لم يمنع من الفصد، لأنه يخرج بعض منه بالفصد و يصلح الباقى- و هو قليل- بالدم الصالح الموجود و المتولد يوما فيوما و تليين الطبيعة بالتمر الهندى و ماء الرمان المشحوم و سقى ماء الشعير و الأشربة المطفئة للدم مثل شراب العناب و الخشخاش و الرمان و الاجاص و الماء الصادق البرد فإنه يطفئ الحرارة و يغلظ الدم و يدفع العفونة، قال «إبن سرافيون»:

لأن طبيعة الأعضاء الرئيسة تقوى بالتعديل و التبريد الذين يكتسبه من شرب هذا الماء فتنجذب إليها الكيموسات المعتدلة و يغتذى بها و تتوجه إلى ما ليست بمعتدلة منها فيندفع بعضها إلى الأحشاء و بعضها إلى الجلد و أقراص الكافور.

و أما الحمى الحادّثة عن عفونة الدم خارج العروق فهى حميات الأورام الدموية مثل الحميات الحادّثة عن ورم غشائى في الدماغ و الحادّثة عن ورم الآت النفس، أو ورم المعدة أو الكبد أو الكلى أو غيرها من الأعضاء.

و جميع ذلك قد ذكر عند علاج أورام هذه الأعضاء.

الصنف الرابع: فى الحمى البلغمية الدائرة

هذه الحمى هي النائبة كل يوم و تسمى المواظبة لأنها تواظب و تنوب كل يوم و هى تحدث عن عفونة البلغم خارج العروق.

و علامتها: أن يبتدئ بنافض صادق البرد لهرب الحارّ الغريزى من أذية البلغم المتعفن عند حركته من مستوقد العفونة، و قال «الشيخ»: إن الأخلاط الباردة تؤذى الأعضاء الحساسة بالبرد الفعلى الذى لها بالقياس إلى الأعضاء، فإنها متى كانت ساكنة في مستوقد العفونة مألوفة لذلك العضو و استقر انفعاله عنه لم يحس ببردها، فإذا حدث تعفن، تحركت عن مستقرها بسبب الحرارة المفرقة التى تحدث

ص: 357

عن العفونة فانفعل عنها العضو الذى لم يكن ملاقيا لها و أحس ببردها بسبب سوء المزاج المختلف فيحدث النفض و البرد لذلك حتى إذا تعفنت بالتمام و سخنت و زال عنها البرد الفعلى، سخنت البدن و التهبت الحمى و لا يبادر إلى السخونة بسرعة أى: يطول مدة لبث البرد في البدن و يمتدّ إلى أن يسخّن البدن، و ذلك لأن البلغم لغلظه و لزوجته و برد مزاجه لا تسرع إليه العفونة حتى ينشر منها الحرارة النارية في البدن و تلتهب الحمى، و لأن الحرارة في هذه الحمى تحتقن في الباطن و تكمن فيه بسبب كثافة الجلد و ضيق المسامّ عن البرد الذى يحصل عن هرب الحارّ الغريزى و من برد الخلّط أيضا كما مرّ حتى إذا تمت العفونة و اشتدّت الحرارة و رقّ البلغم و اتسعت المسامّات و تخلخل البدن و كثرت الأبخرة، برزت الحرارة و ظهرت السخونة فى البدن.

فإذا استولت الحرارة، لم تكن قوية جدا؛ لأن الحرارة إنما تكون قوية حادّة لذاعة إذا كانت متشبّثة بجسم حارّ يابس قليل المقدار و هاهنا قد تشبّثت بالبلغم و هو بارد رطب كثير المقدار في البدن و لا يكون معها عطش و لا عظم النبض لقلة الحاجة إلى الترويح و لضعف القوة و انضغاطها من كثرة مقدار البلغم و تقلّ معها الشهوة؛ لأن فم المعدة في هذه الحمى يكون مؤوفا ضعيفا على الأكثر بسبب استيلاء البلغم و انصبابه إليه، سيّما إذا كان تعفنه فيه فيعرض الامتناع من الطعام و يفسد مع ذلك الهضم، و لهذا قال بعضهم: إن ضعف المعدة خاصة لازم لهذه الحمى كما أن علة الطحال لازمة للربع و وجع الرأس للغب و يترهّل البدن و يتهبّج الوجه لسوء الاستمراء و غلبة الرطوبة، و لأن حرارة الحمى تذيب البلغم و ترققه و تنشره فيمتلئ منه البدن و ينتفخ و يترهل و يصفرّ لقلة الدم و يكون فيها قى ء البلغم و اختلافه و رطوبة الفم و يعرض للبلغميين و المرطوبين بأسنانهم كالصبيان و الشيوخ و يكون النبض فيها صغيرا مختلفا لبرد البلغم و ضغطه القوة بكثرته و البول يكون مرة رقيقا أبيض من قبل السدّة و امتناع الأجزاء الثخينة من الخروج مع البول فيتصفّى رقيقا مشفّا كالماء و من قبل برد البلغم و عدم الاستمراء أيضا، و قال «إبن أبى صادق»: «إن بياضه يكون بسبب بياض البلغم في لونه»، و فيه بحث؛ لأن بياضه لو كان بسبب اختلاط البلغم لكان قوامه غليظا و مرة أحمر ثخينا كدرا لمخالطة البلغم المحتبس العفن الغليظ الذى قد سخن

ص: 358

و احمرّ بالحرارة النارية و ذلك يدل على انفتاح السدّة لأن السدّة ما دامت باقية تحتبس الأخلاط الغليظة وراءها و تتصفّى المائية الرقيقة.

و متى كان حدوثها عن البلغم الزجاجى كان في ابتدائها نافض شديد لأنه أغلظ أصناف البلغم و أشدّها لزوجة فيتشبّث بالأعضاء و لا ينقلع الّا بحركة شديدة و ارتعاد قويّ و إن كان عن البلغم الحامض كان معها برد شديد؛ لأن حموضته إنما تكون إذا فعلت فى البلغم الحلو حرارة ضعيفة و أوجبت له غليانا و تخلخلا ثم استولى عليه البرد لذلك(1) و قهر الحرارة فحمض مثل سائر العصارات، فيكون أنفذ في خلل الأعضاء و العضلات و أغوص في جرمها لرقته و حموضته فيحس ببرده أكثر مما يحس ببرد الزجاجى و غيره و لا يكون معه نفض شديد لرقته و قلة لزوجته فلا يحتاج في انقلاعه إلى ارتعاد قوى و ما كان من بلغم مالح فيتقدمه اقشعرار من غير نفض قوى إذ ليست له لزوجة الزجاجى و لا لذع المادة الصفراوية و حدّتها و لا يشتدّ برده لأنه أسخن أصناف البلغم و أسهل قبولا للعفونة فتلتهب فيه الحمى بسرعة و يسخّن البدن و يكثر ارتفاع الابخرة الحادّة منه إلى ظاهر الأعضاء و ما كان من بلغم حلو فقلّما يتقدمه- إلى كثير من النوائب- قشعريرة و لا برد و لا نافض؛ لأنه ليس شديد البرد من حيث إنه قارب النضج و لذلك قال «صاحب الكامل»: إنه أسخن أصناف البلغم و ليس له شدة و لا لذع و لا حدّة فلا تحدث منه هذه العوارض عند حركته من مستوقد العفونة، حتى إذا امتدّت النوائب و تحلل منه ما كان ألطف و أرقّ و أحلى فيغير في كيفيته إما إلى برد شديد أو حدّة قوية.

و ربما يظهر في هذه الحمى المواظبة في الأوائل حرّ شديد و فى الآواخر يقلّ ذلك الحر؛ لأن العفونة تسبق أولا إلى الأحلى و الأملح و الأرقّ لما ذكر فتتبخّر عنها أبخرة حادّة لحرارتها و رقتها ثم إلى الأبرد و الاغلظ و هو لا يتعفن بسهولة فلا يسخّن سخونة شديدة و لا تنفصل عنه أبخرة حادّة و لا كثيرة لغلظه و لزوجته و برودته فلا يكون معها التهاب و لا كرب و لا اشتياق كثير إلى الهواء البارد و الماء البارد و لا إلى التكثيف و التخلخل.

و مدة أخذ هذه الحمى أطول من مدة الفترة، لما ذكر. و لا ينقى البدن فيها من الحرارة نقاءا تاما بل تبقى فيه بقية إلى أن تكرّ النوبة الثانية لكثرة المادة

ص: 359


1- 354. ( 1). أي: للتخلخل؛ لأن الاجزاء النارية المحتقنة في البلغم يتفارق و ينفصل عنه لتخلخله.

و غلظها و لزوجتها فلا يتحلل عن مستوقد الحرارة بالكلية حتى ينضمّ إليها شى ء آخر و يتعفن و تكرّ نوبة أخرى و يقلّ فيها العرق و لا يكون شائعا و هى مع ذلك طويلة مزمنة و ربما بقيت أشهر لأن الطبيعة تضعف في هذه الحمى لقلة زمان راحتها فلا تقدر على نضج المادة و دفعها؛ لأن المادة في نفسها غليظة عسرة النضج كثيرة المقدار فتحتاج الطبيعة في مقاومتها إلى اجتهاد قوى و هى ضعيفة لا تقدر على ذلك، و لأن اعضاء الغذاء قد ضعفت عن تدبير الغذاء و هضمه فيتولّد البلغم لذلك و يزيد في مادة المرض، و لأن الطبيب إن داوى الحمى بالأشياء المبرّدة المرطّبة، زاد السبب و إن داوى السبب بالاشياء المسخّنة المجففة، زاد فى الحمى و إن ركب الدواء، لم يحصل الغرض على ما ينبغى(1).

و علاجها: تلطيف البلغم بماء الشعير المركب مع الملطفات مثل أصل الكرفس و الرازيانج و بالسكنجبين البذورى على قدر غلظ الخلّط و برده و القى ء عند ابتداء النوبة لأن المادة حينئذ متحركة هائجة و حرارة الحمى تذيبها و ترققها فتندفع بالقى ء بسهولة بما يقطع البلغم مثل طبيخ الشبت و الفوتنج و بذر الفجل مع السكنجبين و شى ء من الملح و الاسهال بما يخرجه مثل طبيخ أصل الكرفس و الرازيانج و السوسن و الأذخر و الإنيسون و الغافث و الزبيب مع الجلنجبين و سقى دواء التربد كل ليلة إن احتملت القوة و لم تكن الطبيعة لينة، و الّا كلّ ليلتين أو اكثر و هذه صفته: زنجبيل، مصطكى، من كل واحد عشرة دراهم؛ تربد، عشرون درهما؛ سكر الطبرزد، مثل الجميع و أقراص الورد الصغير و الكبير على حسب حال البلغم.

و ينفع منها الادرار القوى بالأشياء المقطّعة الملطّفة مثل الإنيسون و الكرفس و الكشوث؛ لأن البلغم بعد ما لطف و رقّ، سهل استفراغها بالادرار؛ لأنه حينئذ يصير من جنس المائية التى شأنها أن تدفع بالبول، و لأن تكرار الادرار و كثرته ليست فيه غائلة كما فى تكرر الاسهال من تحليل القوة و ضعفها و تأذى الأمعاء،

ص: 360


1- 355. ( 1). يجوز أن يداوى الطبيب خلاف ما ذكر« الشارح» من الشقوق و هو أن يخرج البلغم من البدن بما يخرجه من الادويه المسهلة المعتدلة بين الحرارة و البرودة بعد أن ينضج نضجا تاما ثم يبدّل المزاج بما يناسبه إن كان سوء المزاج باقيا بعده.

و لأنه(1) يزول به التهبج الحادّث في البدن من استيلاء البلغم و قلة الاستمراء و التجويع لأن الطبيعة عند فقد الغذاء تتوجّه بالكلية إلى تلك الفضول البلغمية و تتصرف فيها و تنضجها و تلطفها و تدفعها عن البدن، مع أن الحرارة المشتعلة عند الجوع تعين على التلطيف و الترقيق و الدلك لتحليل الفضول المحتبسة في الأعضاء و العضلات و تقوية فم المعدة بمثل الجلنجبين و المصطكى؛ لأنه(2) إذا كان ضعيفا كان اكثر توليدا للبلغم، و لأن أكثر ما ينصبّ البلغم فى هذه الحمى انما ينصبّ إليه و يجتمع فيه و حينئذ يجب أن يستفرغ عنه إما بالقى ء أو بالاسهال و ذلك إذا وقع بعد التقوية نفع و الّا نكأ المعدة و البدن جميعا و زاد فيهما الضعف و التغذى بالاغذية الناشفة مثل: الحمصية و الزيرباجية مع الطيهوج و الدراج و الصباغات جمع صبغ و هو الإدام المتخذة من الخلّ و المرى و السلق لما فيه قوة بورقية حادّة تجلو و تحلل و تقطع البلغم و تخرج الأخلاط اللزجة الغليظة.

الصنف الخامس: في الحمى اللثقة

اللثق بالكسر البلل و سميت الحمى بها لأن مادتها التى هي البلغم ذات رطوبة و بلة هذه هي الحمى البلغمية اللازمة التى تعفن مادتها داخل العروق.

و علامتها: جميع علامات البلغمية الدائرة خلا انه لا نافض معها و العرق فيها لا يكون الّا عند المفارقة الكلية و دفع المادة من العروق إلى الجلد و تكون أشبه شى ء بالدق من حيث إن حرارتها لا تكون نارية لذاعة و لا مفارقة بل هادئة لازمة، و لا يحس بها اللامس ساعة لمس البدن بل بعد مدة طويلة إذا ترك يده عليه، لما يتخلخل العضو و يتسع المسامّ و يكثر اجتماع الابخرة الحارّة تحت اليد فيحس

ص: 361


1- 356. ( 1). هذا الدليل غير مفيد للمقصود، لأن ازالة التهبج ليست مخصوصة بالإدرار حتى يكون الإدرار أنفع من الاسهال بزواله بوجه الأحسن لاستفراغه[ أى: الاسهال] البلغم الرقيق و الغليظ معا بخلاف الادراد؛ الّا أن يقال ان التهبج إنما يكون من الرقيق و الأبخره المنحلّة منه فحينئذ يكون استفراغه بالإدرار أسهل من الإسهال.
2- 357. ( 2). فيه بحث؛ لأنا لا نسلّم تولد البلغم في فم المعدة لأن العضو المولّد[ له] في أصل الخلّقة إنما هو الكبد و مع هذا إن سلمنا ذلك جاز أن يتولّد في قعر المعدة لا في فمها لأن محل الطبخ و الهضم انما هو القعر.

بها. و قد رأيت(1) كثيرا من المدقوقين عالجهم الجهال لهذا الاشتباه بعلاج اللثقة من استعمال المسخّنات القوية و المسهلات الحادّة و غيرها فقتلوهم ظلما. و الفرق بينهما أن اللثقة لا تقوى بعد تناول الغذاء، و أن السحنة فيها تكون ممتلئة منتفخة و النبض صغيرا لينا و فى الدق صلبا متمددا، و أن التدبير المتقدم يكون مولّدا للبلغم مثل كثرة الاكل و الشرب و الدعة و الاستحمام بعد الطعام، و أن لها فتورا و اشتدادا على دور المواظبة، و أن السن و البلد و الوقت يكون مما يكثر فيها تولد البلغم و يكون هناك تفتير في ست ساعات و نحوها بحسب لزوجة المادة و غلظها و كثرتها فوق الذى يكون في الدائرة أى: حرارتها عند التفتير تكون فوق حرارة الدائرة عند التفتير، لأن المادة هاهنا داخل العروق المتلززة فلا تتحلل حتى ينضمّ إليها شى ء آخر مما لم يتعفن فيتعفن فإن الدائرة البلغمية أيضا لا تخلو عن بقية من الحرارة عند التفتير إلّا أنها تكون خفية غير ظاهرة لأن مادة الدائرة من حيث إنها تتعفن في مواضع متخلخلة أو واسعة ذوات مجار و مدافع للفضول يتحلّل أكثرها سريعا فتسكن الحرارة إلّا أنها للزوجتها و غلظها تبقى منها بقية في مستوقد العفونة يسخّن عنها البدن سخونة يسيرة حتى تكرّ النوبة الأخرى.

و علاجها: علاج المواظبة إلا أن الإقدام على التسخين فيها بالملطّفات(2) ينبغى أن يكون بتوق و تدريج(3) خاصة إن كان الدماغ ضعيفا لما تصعد إليه المواد عند تلطيفها و يحدث ليثرغس.

الصنف السادس: في حمى الربع الدائرة

سميت به لأن ابتداء النوبة الثانية يكون في اليوم الرابع من ابتداء النوبة الأولى.

و بعضهم يسميها بالمثلثة و هو خطأ، لأن المثلثة هي الغب و هى الحمى السوداوية التى تعفن مادتها خارج العروق.

و علامتها: أن تبتدئ بنافض يسير في الأدوار الاول؛ لأن المادة في أول الأمر

ص: 362


1- 358. ( 1). و قد رأينا أيضا كما ذكر ذلك« الفاضل العلّامة».
2- 359. ( 2).[ الدليل على استعمال الملطّفات أنّ] المادة المحتبسة في العروق يعرض عنها السدّة كثيرا.
3- 360. ( 3). لأجل حرارة المادة في الأصل و لازديادها بسبب الإحتراق.

لغظها لا تنفذ في العضلات حتى تتأذى بها الّا قليلا ثم تتزايد بحسب نضج المادة و رقتها، و لذلك يكون اشتداد النافض فيها علامة جيدة ينذر ببلوغها حتى إذا تم النضج، لان النافض و تكسر شديد و هو أن يتوهم العليل أن شيئا ثقيلا يرضّ عظامه و مفاصله، و ذلك لأن البرد لقوته يستولى على الأعضاء و يكثّف الأغشية المحيطة بالعظام و يقبضها بقوة فيشتدّ انضغاط العظام و انعصارها منها و تحدث حالة شبيهة بالتكسر و برد قوى؛ لأن المادة عسرة التعفن لبردها و يبسها و ترمدها و افراط غلظها فلا تسخن بسخونة حتى تلهب عنها الحمى، و لأن ما يرتفع عنها من الأبخرة المسخّنة للبدن قليلة جدا لما قلنا و وجع في المفاصل لتكاثف الأغشية المحيطة بها و انقباضها و صغر في النبض لقلة الحاجة إلى الترويح بسبب البرد، و لضعف القوة عن التعظيم بسبب ثقل المادة و غلظها و كثافتها و ضغطها لها، و لصلابة الآله بسبب استيلاء اليبس و تفاوت و ابطاء لذلك.

و إذا سخنت، تكون حرارتها فوق حرارة المواظبة ليبس المادة و ترمدها و دون حرارة الغبّ لبرودتها و لذلك مدة نوبتها تكون بين تينك في القصر و الطول فيه نظر؛ لأن مدة نوبتها و هى أربع و عشرون ساعة أطول من نوبة المواظبة التى هي ثمانى(1) عشرة ساعة و من نوبة الغبّ التى هي اثنتا عشرة ساعة، فلا يصحّ أن يراد بالنوبة الدور، لأنه أيضا أطول من دورهما، نعم مدة نفضها تكون بين مدة نفضهما في الطول و القصر، لأن النفض فيها يمتدّ أكثر من نفض الغبّ، لأن مادتها لبردها و يبسها و غلظها لا تتعفن بسرعة حتى يسخّن البدن و يسكّن النفض و لا تمتد امتداد نفض النائبة، لأنها ليست لزجة كالبلغم حتى احتيج فى انقلاعها إلى حركة قوية.

و قيل: إن دور المواظبة أربعة و عشرون ساعة و مدة نوبتها ثمانية عشرة ساعة و هى ثلاثة أرباع الدور، و دور الصفراوية ثمانية و اربعون ساعة و مدّة نوبتها اثنتا عشرة ساعة و هى ربع الدور، و دور السّوداوية اثنتان و سبعون ساعة و مدّة نوبتها أربعة و عشرون ساعة و هى ثلث الدور، و الثلث أكثر من الربع و أقل من الثلاثة أرباع. و فيه تعسّف؛ لأن ثلاثة أرباع شى ء قد يكون أقل بكثير من ربع شى ء آخر و هذا ظاهر.

ص: 363


1- 361. ( 1).[ خ. ل: ثمان].

و يدل عليها السن من الكهولة و المزاج البارد و اليابس و الوقت من الخريف و التدبير المتقدم مثل تناول العدس و الكرنب و النمكسود و نحوها و قلما تحدث ابتداءا لأن المرّة السوداء انما تتولد في الأكثر من احتراق أخلاط آخر لكن تحدث في الأكثر بعد الحميات الاخرى العفنة لاحتراق الأخلاط و ترمدها من استيلاء الحارّ النارى و تحليل الاجزاء اللطيفة عنها فإن كانت عن احتراق السوداء الطبيعية، كانت علاماتها تلك العلامات المذكورة و إن كانت عن احتراق البلغم، يستدل على ذلك بحدوثها عقيب المواظبة و بلين النبض بالنسبة و قلة اللهيب و علامات بلغمية المزاج و إن كانت عن احتراق الدم، يستدل عليها بعلامات غلبة الدم و حدوثها بعد المطبقة، و إن كانت عن احتراق الصفراء، يستدل عليه بحدوثها بعد الحمى الصفراوية و بالعطش و الالتهاب. و البول في هذه الحمّى يكون مختلفا ففى الابتداء يكون أبيض رقيقا عديم النضج و بعده يتلّون بلون المادة التى تولدت السوداء عنها فيختلف حاله لأنها تحدث من احتراق أخلاط شتى و فى الانحطاط يكون أسود غليظا لما تندفع السوداء و تنحدر مع البول و النبض يكون صلبا ليبوسة السوداء.

و علامة نضج المادة من هذه الحمى: أن يلين النافض و البرد لما يعتدل قوامها و يقلّ بردها و يبسها فتتعفن سريعا و تسخن و تلتهب الحمّى.

و علاجها: إن كانت من احتراق الدم و كانت علامات غلبة الدم ظاهرة، فصد الباسليق من الجانب الأيمن ليخرج الدم المحترق من الكبد بسهولة بسبب أنه يخدمه و يقرب منه و الّا ففصد أيّ عرق كان ينقص من الدم و يخفف من الكبد غير أنه يكون بزمان طويل، لأنه يحتاج إلى قسمة الطبيعة و تعديلها له، و أما إذا فصد لكل عضو العرق الذى يخدمه، قرب الانتفاع به و لا يحتاج إلى تعديل الطبيعة في مدة طويلة. و اتفق «يوحنا بن سرافيون» و «ثابت بن قرّة» و «الرازى» و «صاحب الكامل» و كثير من المتقدمين و المتأخرين على فصد الباسليق من الأيسر، و الحق معهم(1) لأن تولد الربع انما يكون من كثرة المرّة السوداء و الطحال معدنها و لذلك تعظم أطحلة اصحابه، فالفصد من الأيسر يكون أعظم نفعا و أشدّ اقلاعا للعلة مع

ص: 364


1- 362. ( 1). بل الحق أن الحق معهم و مع المصنف ايضا؛ لأن أصوب التدبير أن الدم اذا احترق في الكبد يفصد الباسليق الأيمن و إن احترق في الطحال يفصد الباسليق الأيسر.

أنه ينفع الكبد ايضا و يجذب الدم منه، لكن ينبغى ان ينظر الدم فإن كان أسود، يرسل و يستقصى في استفراغه و إن كان أحمر ناصعا، يحبس على المكان لأن اخراجه حينئذ يضرّ من حيث إنه يضعف القوة فلم يمكنها مقاومة المرض من حيث إنه يخرج الدم الذى هو ضد السوداء فيزيد قوتها و نكايتها و لم يبق لها مقاوم، و من حيث إنه يحرّك الأخلاط المتعفنة منه إلى خارج و لا تستفرغ مع الدم لعصيانها فيختلط الردى ء بالجيد و يحيله إلى طبيعته و تعظم البليّة حينئذ و ربما ينصبّ إلى مواضع من البدن و تحدث حميات ربع أخرى ثم اسهال السوداء بماء الجبن المقوى بالأفتيمون و نحو ذلك مما يخرج السوداء من غير أن يسخّن و يزيد في الاحتراق و التعفين مثل البنفسج و الشاهترج و الهليلج الكابلى و البسفائج و لب الخيار شنبر و الترنجبين و سقى السكنجبين و ماء الشعير للتبريد و الترطيب و التلطيف.

و إن كانت من احتراق البلغم، فالإسهال بمطبوخ الأفتيمون و القى ء بالمقطعات مثل طبيخ الشبت مع السكنجبين المنقوع فيه الفجل، سيّما عند ابتداء النوبة و سقى السكنجبين البذورى، لأنه يلطف و يقطع.

و إن كانت من احتراق الصفراء، فالإسهال بمثل البنفسج و الخيار شنبر و نحو ذلك مما يبرّد و يرطّب و يخرج السوداء مثل الاجاص و السفستان و الزبيب الخراسانى و اصل السوس و بذر الهندباء و سقى السكنجبين و ماء الشعير.

و إن كانت من عفونة الخلّط الاسود الذى هو عكر الدم، فالنفض بالحبوب المخرجة للسوداء بعد الإنضاج؛ لأنها مادة غليظة عسرة الانبعاث غير متأتية للخروج و إذا استعمل المسهل و هى لم تتهيّأ للاستفراغ بالنضج، عجز المسهل عن استفراغها بالتمام فاستفرغ الأخلاط اللطيفة الجيدة الموافقة للطبيعة و يزداد حينئذ نكاية ما بقى من الغليظ لبقائها البدن منفردا و يعسر انقلاعها و استفراغها و ايضا حرّك الأخلاط العفنة الغليظة و ازعجها و لم يقدر على استفراغها فانتشرت في البدن و اختلطت بالأخلاط الصالحة و أفسدتها و ينفع منها بعد ظهور النضج في القارورة و بعد أن يلين النافض و تصير قشعريرة فانه أيضا يدل على نضج الحبوب المخرجة للسوداء و الدلك و الادرار و التعريق لاستفراغ الفضول بالتمام من جميع الطرق التى يمكن استفراغها منها، و أما استعمال هذه التدابير قبل

ص: 365

النضج فهو في غاية المضّرة إذ لا يستفرغ حينئذ الّا الرقيق اللطيف و ينبغى أن يتواتر الاسهال في هذه الحمى، لأن الخلّط السوداوى لا يستفرغ بتمامه بمسهل أو مسهلين لغلظه و ترمده و لا ينقى نقاءا تاما، بل ينبغى أن تتهيأ المادة للاستفراغ بالإنضاج ثم تستفرغ باللين لئلا تضعف القوة في مرات و يكون الاسهال قبل يوم الدور(1) بيوم لتكون القوة قد رجعت إلى البدن و استراحت الطبيعة يوما بعد الحمى فتتحمل نكاية المسهل و لا تضعف من إذاها.

الصنف السابع: في حمى الربع الدائمة

و أما الربع الدائمة فعلامتها علامات الربع الدائرة إلّا أنه ليس معها نافض و تشتدّ ربعا و تفتر في سائر الأيام و ما أقل حدوثها لأن السوداء مع قلّة كميتها في البدن و عسر قبولها للتعفن يقلّ وجودها في العروق و لا يمكن استفراغ بعضها عنها بالفصد خصوصا غير الطبيعى منها.

و علاجها: فصد الباسليق ثم فصد الصافن لأنها حيث كانت محصورة في العروق يمكن استفراغ بعضها منها بالفصد من الباسليق الذى هو من العروق الواسعة أولا، ثم استفراغ ما هو مترسب و متسفل منها لشدة كثافتها و غلظها و كثرة ارضيتها من الصافن و الادرار ليستفرغ مع المائية التى ترجع من الأعضاء القهقرى و اسهال السوداء إن كانت غليظة جدا لا تستفرغ مع الدم و لا مع المائية.

الصنف الثامن: في حمى الخمس و السدس و السبع و ماوراءها

و أما حمى الخمس و السدس و السبع و ما وراءها، فهى من قبيل حمى الربع(2)؛ لأنها تتولد من مادة مجانسة لمادة الربع لكنها أغلظ و أقل(3) فلا تجتمع و لا تتعفن بسرعة فيكون زمان فترتها أطول و أكثر ما تكون من سوداء بلغمية

ص: 366


1- 363. ( 1). أو بعد يوم الدور بيم و تفصيله في« كشف الإشكالات».
2- 364. ( 2). أى: من قبيل الربع الدائرة؛ لأن مادة تلك الحميات كلها تكون خارج العروق لأنها لو كانت من داخلها لكان تلك الحميات لازمة.
3- 365. ( 3). و الّا لم يكن قبول المادة للعفونة بطيئا فلم يكن خمسا و سدسا و نحو ذلك، و لذلك البرد و النافض و العرق كل ذلك فيها يكون قليلا.

لأنها لزيادة بردها و غلظها تكون أبطأ حركة و أعسر تجمعا و تعفنا. و هذه الحميات قد حقق القول في وجودها «بقراط» و قال: إن السبع طويلة و ليست قتّالة، و التسع أطول منها و ليست قتّالة، و الخمس أردأ لأنها تكون قبل السل و بعده. و أمّا «جالينوس» فهو كالمنكر لوجودها و يقول: «ما رأيت في عمرى شيئا منها» و يزعم أن وقوعها يكون لسوء تدبير إذا استعمل أوجب الحمّى و إذا عوّد أوجب في مثل ذلك الوقت تلك الحمى و إذا ترك زالت الحمّى فتكون أدوارها و عوداتها بعودات التدبير لا المواد تجتمع و تتعفن على تلك الادوار، و قال «الشيخ»(1): ليس الحال في تجويز ما لم يرقط و لم يسمع و لم يشاهد به مجرب أو عالم كتجويز ما شهد به مثل «بقراط»، و قد حدثنى ثقة أنه شاهد السبّع و اما الخمس فقد شاهدناه مرارا. و قال «القرشى»: قد شاهدنا الخمس ببلاد مصر كثيرا و شاهدنا رجلا كانت حمّاه تنوب كل ثمانية عشر يوما نوبة واحدة. و أقول: إنى قد عالجت رجلا تنوب حمّاه في كل عشرة أيام.

و علاجها: علاج الربّع و التدبير الملطّف الذى له فضل تلطيف، لأن مادتها أغلظ من الربع و النفض بما يخرج البلغم إن كان المحموم ضخيما شحيما شرها على الأكل لأن هذه تدل على أن مادتها بلغم قد غلظ و استحال إلى السوداء بسبب البرد و الجمود و الاحتراق و بما يخرج السوداء الإحتراقى إن كان المحموم يابسا هزيلا نحيفا يابس المزاج، لأن ذلك يدل على حراقة مادة يسيرة و القى ء يوم الدور بما يلطّف و يقطّع الخلّط الغليظ مثل ماء الشبت مع الملح الهندى و السّكنجبين و اقوى منه جوز القى ء إن احتيج إليه.

تتمة الأولى: في الحميات المختلطة

و أما الحميات المختلطة التى لا تحفظ أدوارها فهى:

إما من ورم بعض الأعضاء فيه بحث لأن الورم لا يوجب الحميات المختلطة كما ذات الجنب و ذات الصدر و السرسام و غير ذلك و علامتها: وجود الورم

ص: 367


1- 366. ( 1). كلام« الشيخ» يدل على أنه لا ينبغى أن ينكر ما شهد به« بقراط» و ان لم يره أحد.

و علاجها: علاج الورم.

و إما من سوء تدبير العليل في المأكل و المشرب و غير ذلك فيتولّد في بدنه لذلك أخلاط رديئة تتعفن و تثير و توجب حميات على مقتضى طبائعها فيختلف نظام الادوار و ترتيبها فيكون السبب في أدوارها و عوداتها عودات التدبير الردى ء و أدواره لأدوار مواد تنصبّ و عوداتها في هذه العبارة شى ء(1).

و علاجها: اصلاح التدبير.

و إما من احتراق الأخلاط و مصيرها إلى الترمد، فيه نظر؛ لأن احتراق الأخلاط و ترمدها لا يوجب الاختلاف في ادوار الحمّى، بل يكون لها دور معين بحسب قلّة تلك المادة المحترقة و كثرتها، نعم، إن القوم قد ذكروا أن الدم إذا احترق و عفن و استحال لطيفه إلى الصفراء و غليظه إلى السوداء، اختلف الادوار، أى: لا يكون أدوارها على نظام أدوار الغب و لا على نظام أدوار الربع، بل تكون مركبة من أدوارهما و يكون لها مع ذلك نظام محفوظ و ترتيب معيّن.

و علاماتها: أن لا يكون شى ء من تلك الاسباب و تنتقل هذه العلة أى:

المختلطة الاحتراقية إلى الربع لما تجتهد الطبيعة حتى تجتمع تلك المواد في مستوقد واحد و تحامى عن المواضع المتعددة بموضع واحد.

و علاجها: الاستفراغ حينا و التطفئة حينا ليمتنع من استكمال الاحتراق فيعسر الاستفراغ حينئذ لشدة ترمد المادة و تستولى الحمى.

تتمة الثانية: سائر انواع الحميات العفنية التى لها اسم خاص

و قد تحدث من جنس الحميات العفنية أنواع أخرى غير التى ذكرت و تتميز عنها بأعراض تخصّها و سميّت بأسماء مشتقة من تلك الاعراض:

فمنها الحمّى التى يقال لها «ايفتالوس» و هى التى يستبطن فيها البرد و يظهر الحر و حدوثها يكون من بلغم زجاجى حاصل في الباطن و القعر يبرّد حيث هو لبرده، لكنه قد تعرض له العفونة فينتشر منه بخار إما يتعفن

ص: 368


1- 367. ( 1). لأن التدبير الردى إنما يوجب تلك الحمى يتولّد مواد ردى في بدن المريض و انصبابها و تعفنها في مستوقد العفونة على[ ما] تقتضى طبائعها فيختلف ادوار تلك الحمى على حسب ادوار المادة الى موضع العفونة.

و يتفرق و يلتهب في الظاهر لأن الأبخرة لحرارتها و لطافتها تميل إلى الظاهر و إما ليس بعفن يبرّد في الباطن لتحريك ما تعفن له بسبب الحرارة المفرقة الحادّثة من العفونة و ازعاجه عن العضو الذى ألفه و لم ينفعل عن برده حتى يلاقى ما لم يألفه من الأعضاء الباطنة المجاورة لذلك العضو و تحس هي أى: الأعضاء الباطنة ببرده و لا تبلغ مقداره و لا تحرّكه و تفرّقه من العفونة أن يعمّ البدن كله حتى يحدث منه البرد في الظاهر أيضا. و انما كان يتعفن بعض ذلك البلغم دون بعض، لأن البلغم- حيث لم يكن له وعاء يجتمع فيه بل هو منتشر في العروق و فرج الأعضاء- يمكن أن يتعفن بعض منه في موضع و لم يتعفن الباقى، و إن كان مجاورا له.

و علاجها: علاج الحمّى البلغمية.

و منها الحمّى التى يقال لها: «ليغوريا» و هى التى تستبطن فيها الحرارة و يظهر البرد قال «الشيخ»: و لقائل يقول: كيف تكون حمّى و لا تنبعث فيها الحرارة من القلب إلى جميع البدن؟! و الجواب: إن حدود هذه الأشياء يعتبر فيها بشرط أن لا يكون مانع مثل ما يحدّ الماء بأنه بارد رطب، أى: إذا خلى و طبعه و لم يكن له مانع، و الحرارة هاهنا تبلغ إلى القلب و تنبعث في الشرايين و تنتشر لكن يعرض ما يمنع من ذلك في بعض المواضع كما يعرض لو وضع الجمد عليه و هذه الحمى إذا كانت قوية بحيث يحترق الباطن من شدة الحر و معها سواد اللسان و عظم النبض و شدة العطش و الكرب، فهى علامة رديئة لأنها تدل على قوة المؤذى في الباطن و على أن القوة و الروح تنصبّ إليه بأسرهما فيخلو الظاهر عن الحرّ و سبب ذلك صفراء قليلة غليظة جدّا عفنت في عمق البدن و سخّنت المواضع المجاورة لها و لم تتحلل منها ابخرة كثيرة تسخن الظاهر فتبقى الحرارة مندفنة في الباطن و أما إذا لم تكن الحمى بتلك الشدّة و ليست معها هذه الاعراض فهى تكون من بلغم غليظ يعفن فى الباطن و يسخّن الباطن و لا يتحلل منه ما يسخّن الخارج و لا يسخّن الخارج بانتشار بخاره سخونة كثيرة، لأن ذلك البلغم يكون في الاصل شديد البرد فلم ينفصل عنه بخار حادّ قوى الحرارة بحيث يسخّن ظاهر البدن، لأن تلك المادة لا تقبل عفونة كثيرة تحدث عنها حرارة قوية ملتهبة في الخارج و إذا وصل ذلك البخار القليل الضعيف الحرارة إلى الجلد،

ص: 369

تزول عنه الحرارة كزوالها عن بخار الماء المسخّن خصوصا إذا صادف هناك أى: فى الظاهر بلاغم فجة زجاجية باردة فيعود باردا و يبرّد البدن. و هذا النوع في الأكثر يكون نائبة؛ لأن تولد مثل تلك المواد إنما يكون خارج العروق بسبب أن الطبيعة تدفعها عن العروق لمكان الدم.

و علاجها: علاج البلغمية ايضا.

و قد يحدث هذا النوع من الحمّى ايضا من مادة صفراوية غليظة جدّا مثل ما يحدث عن البلغم الغليظ و هذا هو القسم المذكور الذى يكون مع سواد اللسان و عظم النبض و شدة العطش.

و علاماتها: أن تكون لازمة إن كانت داخل العروق أو تجى ء على دور الغب إن كانت خارجها.

و علاجها: أن يدبّر بتدبير مركب من تدبير البلغمية و الصفراوية مثل الجلنجبين مع السكنجبين.

و قد تحدث من البلغم حمى يوجد فيها الحر و البرد معا في الظاهر و الباطن في حالة واحدة. و حدوثها يكون من بلغم قليل يعفن في الظاهر أى: يأخذ في العفونة، لأنه إذا تعفّن بالتمام لم يحدث عنه برد في الأعضاء بل سخونة و من بلغم آخر يأخذ في العفونة فى الباطن فيكون هناك مادتان إحداهما في الظاهر و الأخرى في الباطن فيسخّن الظاهر و الباطن بالبخار الحارّ الذى يرسل كل واحدة منهما إلى نواحيه و يبرّد بجرمه حيث هو إذا تحرك بسبب شروعه في العفونة حركة مّا عن العضو الذى ألفه إلى الذى لم يكن ملاقيا له فانفعل عنه فأحسّ ببرده للمزاج المختلف.

و علاجه: علاج البلغمية.

و منها الحمّى الغشية التى يحدث عنها الغشى وقت ورودها و هى:

إما من كثرة الأخلاط النيّة و البلاغم الفجة(1) فيعرض في ابتدائها أن

ص: 370


1- 368. ( 1). هذا معطوف بالعطف التفسيرى لأن مراده من الأخلاط النيّة هي البلاغم الفجّة؛ لأن مادة تلك الحمى الغشية على الأكثر تكون بلغمية لأن الدموية كيف كانت مناسب الطبيعة فلم تشتدّ عفونتها فلا يكون الغشى لافراط عفونة الدم. و أما الصفراوية و السوداوية فإنها يوجب الغشى في الحمى اذا كان مفرط الحدّة فيكون ذلك الغشى-- تابعا لكيفية المرض و الكلام هاهنا من الغشى في الحمى الذى يكون بنوع مادتها لا بقوة عفنها و لا بنفس الكيفية[ فلذا] هو يكون على الأكثر عن مادة بلغمية. كيف لا و البلغم بطبيعته شديد المنافات للأفعال الطبيعية لأجل قوه برده و لهذا قيد البلغم بالفجة لأنه لو كان نضيجا لم يكن قوى البرد فلم يقوى على كثرة إحداث الغشى و مع ذلك لا بدّ أن يكون كثيرا و الّا لم يكن شديد الاستيلاء على قهر القوة.

ينصبّ من تلك الأخلاط شى ء بارد إلى القلب، يحدث عنه الغشى و فى الأكثر يكون إذا كان مع ذلك فم المعدة ضعيفا فينصب إليه شى ء من تلك الأخلاط لضعفه عن الدفع و تصل أذيته إلى القلب بالمشاركة.

و علامتها: أن يدور على الأكثر دور الحمّى البلغمية و يترهّل معها البدن و يتهبج الوجه لضعف القوة الدافعة و قصور الهضم و امتلاء البدن من الأخلاط اللينة التخمية و إن استفرغ أصحابها بعنف، حدث لهم الغشى لحركة تلك المواد و وصولها إلى القلب و فم المعدة و لضعف القوة و عدم احتمالها للاستفراغ العنيف لما يزداد ضعفها و فتورها باستفراغها و تحللها تبعا لها و كيف يحتمل و قد يحدث الغشى و سقوط القوة عند سكون الأخلاط؟! و إن استفرغ برفق، عصت المواد لفجاجتها و تحرّكت بحركة خانقة للقوة و إن لم يستفرغ، لم تقدر القوة على دفعها بل تعجز عنها و تنغمر تحتها و إن اعطوا الغذاء لتقوية القوة، قويت الحمّى و زادت المادة الباهظة، أى: المثقلة بثقلها للقوة؛ لأن الغذاء يفسد بفساد هذه المادة و إن كان محمودا و يستحيل إلى نوعها و إن لم يغذوا سقطت قواهم لما يبقى البدن عادما للغذاء و ليس في تلك الأخلاط ما يصلح للتغذية فيغتذى به البدن و تنتعش القوة(1).

و علاجها: الحقن اللينة التى فيها أدنى حدّة لتستفرغ ما في الأمعاء و العروق القريبة منها من غير غائلة؛ لأن عادية الأدوية المسهلة و شرارتها عند استعمالها بطريق الاحتقان لا تصل إلى القلب و غيره من الأعضاء الشريفة حتى توجب سقوطا في القوة و تورث غشيا، سيّما إذا لم تكن الحقنة غير قوية الحدّة فيكون جذبها و تحريكها للأخلاط برفق و الدلك بالخرق الخشنة للتلطيف و التحليل و ينبغى ان يبتدأ به من الساقين منحدرا من فوق إلى أسفل ثم من الفخذين كذلك ثم من اليدين

ص: 371


1- 369. ( 1). فينبغى أن يكون الغذاء فيه قليل المقدار كثير التغذية؛ أما قلة مقداره فلتمكن المعدة على هضمه و أما زيادة تغذيته فليفى بالقوة.

و المنكبين إلى الكف ثم من الظهر و الصدر ثم يرجع إلى النظام الأول حتى إذا كاد أن يعرض للعليل ضعف و التنويم لتقوية القوة و استراحتها و أن يغذوا عند الجوع و عند ابتداء النوبة لئلا تنحلّ القوة عند ورود الحمّى بماء الشعير المحلى بالسكر أو العسل ليكون أسرع انحدارا و أشدّ تقوية و أعون على الجلاء و التليين و بالخبز المنقوع في ماء السكر إن احتيج إلى زيادة على ماء الشعير و يسقى كل غداة مثقالا من بذر الكرفس المغلى بالسكنجبين العسلى للتلطيف و التقطيع.

و إما من كيموسات صفراوية شديدة الرّقة و الغوص رديئة الجوهر سمية قد عرض لها التعفن و ازدادت بذلك خبثا و رداءة و فسادا و تحرّكت و تبدّدت في البدن و وصل شى ء منها إلى القلب.

و علامتها: أن يدور على الأمر الأكثر غبّا و أن تحدث في الأبدان التى في غاية حر المزاج و يبسه لأنها تستعدّ لتولد مثل هذه الأخلاط و أن ينخرط منهم الوجه بسرعة و يذبل الجسد لتحلل الرطوبات و ذوبانها و تسقط القوة و النبض في نوبة واحدة أو نوبتين لكثرة تحلل الروح و نقصان الحرارة الغريزية من حدّة المرض و خبث مادّته و مضادة كيفيتها للحرارة و لمزاج الروح و لذلك يقتل في الرابع في أكثر الأمر.

و علاجها: علاج الحميّات المحرقة و سقى ماء الشعير كل ساعة قليلا قليلا ممزوجا بماء الرمان المز ليسكّن الحرارة و ينعش القوة و لا يثقل عليها و أكل الفواكه الباردة مثل التفاح و السفرجل و الكمثرى و القثاء و القثد مبرّدة على الثلج لتتقوى البرودة التى بالقوة بالتى بالفعل في كسر الحرارة، و لتشدّ فم المعدة و تجمعه، و لتشدّ غيره من الأعضاء التى يصل إليها البرد الفعلى و تغلظ المادة الرقيقة السميّة و تكسر عاديتها فلا تنصبّ إلى القلب و لا إلى المعدة و التضميد على الصدر بالصندل و ماء الورد و أكل الخبز بماء الرمان المز و نحوه عند مقاربة النوبة لأنه يقوى المعدة و لا ينحدر عنها أيضا سريعا فلا ينصبّ إليها من المادة المرارية مع أنه يقمع عادية المرار بحموضته و الّا يجار به عند حدوث الغشى لإنعاش القوة و الحرارة الغريزية أو بالشراب الممزوج بالماء الشديد البرد مدافا فيه كعك ليسرع نفوذه إلى الأعضاء في أسرع وقت.

ص: 372

و منها حمّى الوبائية. و الوباء هو تعفن يعرض في الهواء و المراد بالهواء هاهنا هو الجسم المبثوث في الجوّ(1) و هو ممتزج من الهواء البسيط الحقيقى و من الأجزاء المائية المتصعدّة بالبخار و من الأجزاء الأرضية المتصعّدة بالدخان و البخار و من الاجزاء النارية المتصعّدة من الارض، فلا يمتنع تعفنه لمخالطته بما أخرجه من البساطة، فإذا خالطته ابخرة رديئة ترتفع من معادن مؤذية أو بطائح(2) متعفنة أو مباقل رديئة أو جيف في ملاحم أو غير ذلك مما يخرج بها الهواء عن الصرافة خروجا كثيرا أو عرض له ترطيب شديد من اشكال سماوية أو أسباب جزئية لا يشعر بها، يشتدّ بذلك استعداده لأن يتعفن سريعا إذا اثرت فيه حرارة ضعيفة(3) يشبه تعفن الماء المستنقع أى: المجتمع الآجن(4) أى المتغير بسبب أجسام أرضية خبيثة تمتزج معه و تخرجه عن البساطة فتحدث بالجملة كيفية رديئة عفنة بحرارة ضعيفة، فإن البسائط المجردة لا تتعفن و الّا لجاز أن تتعفن كل العناصر و يلزم من ذلك انقطاع التكوّن، لأن العفونة كيفية مفسدة مضادة للتكون فإذا تعفن الهواء عفنت الأخلاط لاختلاط تلك الاجزاء العفنة معها و لما تضعف القوى مما يرد عليها من الأمر الغريب السمّى فتعجز عن التصرف في الرطوبات و حمايتها عن الحرارة الغريبة و ابتداء أولا بتعفين الخلّط المحصور في القلب، لأنه أقرب إليه وصولا منه إلى غيره لأنه يلاقيه أولا بالتنفس و هو على صورته الرديئة لم ينكسر منها شى ء فيكون تأثيره فيه و فيما فيه أقوى مما في غيره حيث يصل إليه بعد ما انكسرت سورته، و إذا تعفن ذلك الخلّط، تحرّك بسبب الحرارة الغريبة و انتشر في البدن كله بواسطة الشرايين فتتعفن جميع الأخلاط الموجودة فيه.

ص: 373


1- 370. ( 1). أي: فضاء فوق الأرض و تحت السماء.
2- 371. ( 2). و هى جمع بطيحة و البطيح هو الموضع الواسع الذى تجتمع فيه الماء و تحتبس و يكون فيه و فى حو إليه أشجار.
3- 372. ( 3). إنما قيد الحرارة بالضعيفه لأن القوية منها تحلل رطوبة الهواء و تجففه أعنى تفنى الرطوبات البخارية منه فيصير الهواء يابسا أعنى يتحلل منه ما يخالط من الأبخرة المائية و هذا لا محالة يكون أقل تعفنا من الهواء الرطب الذى يخالط أبخرة كثيرة و لذلك اكثر حدوث الوباء إنما يكون في الخريف و أواخر الصيف لأجل قصور الحرارة حينئذ.
4- 373. ( 4). الأجون: تغير الماء فى الطعم.

و هى تعمّ خلقا كثيرا لعموم السبب(1) و لما تختلط الابخرة الرديئة السميّة من أبدان هؤلاء المحمومين بالهواء المستنشق، فإذا وصل هذا الهواء إلى قلب الغير أثر فيه ذلك الأثر و أفسد عليه مزاجه و أخلاطه و روحه من المستعدّين لها لأن التأثير لا يحصل من الفاعل وحده ما لم يكن للمنفعل استعداد لقبول اثر الفعل من الفاعل، فإنّ من كان بدنه نقيا من المواد الفاسدة أو كان مزاجه مضادّا لتلك الكيفية العفنة لم يحصل ضرر و لو لا ذلك لعمّت الآفة بجميع الناس عند عروض الوباء و الوجود بخلافه و هم الممتلئون من الأخلاط الرديئة المناسبة لذلك الهواء فيسرع تأثيره فيها الواسعة المسامّ فيكثر وصول ذلك الهواء إلى داخل بدنهم الضعاف الابدان مثل الذين يكثرون الجماع؛ لأن عروقهم و مسامّاتهم تكون أوسع و قواهم أضعف عن دفع الحرارة الغريبة عن القلب و عن التصرف فى الرطوبات و حفظها و صيانتها عن العفونة.

و علامتها: أن تكون هادئة الظاهر مكربة الباطن في الأكثر، لما يتعفن الخلّط المحصور فى القلب و ما حوله فتنفصل عنه ابخرة حادّة سمية إلى القلب و يحدث فيه الكرب و لا تصل إلى ظاهر البدن لقلتها فلا يظهر فيه كثير حرارة للعليل و لا للّامس حتى إذا انتشر ذلك الخلّط المتعفن في جميع البدن و عفن ما فيه من الأخلاط و يتواتر النفس معها لشدة الاشتعال و ينتن لاستحكام العفونة في القلب و فى آلات التنفس و فيما فيها من الأخلاط فيتكيف بها الهواء المستنشق و ينتن بالمجاورة، و لما يختلط به من الابخرة الدخانية المنتنة و يلزمها الكرب و العطش لسخونة القلب و الغشى لضعف القلب و تأذيه من الهواء المتعفن السمّى و تخرج بالقى ء و البراز أشياء سمجة(2) سوداوية منتنة لفساد الأخلاط و شدة عفونتها و ذوبانها.

و من علاماتها: أن تعمّ و تكثر في الناس بل في سائر الحيوانات و أن تكون علامات الوباء ظاهرة في الهواء من قلّة المطر و كثرة الضباب، فان المطر إنما

ص: 374


1- 374. ( 1). هو تعفن الهواء و فساده و قد يكون السبب العام هو ردائة الماء المشروب و فساده أيضا فاذا لم يكن له اثر ظاهر يظن أن تلك الحمى بسبب الهواء و هو أولى من غيره لقوة تأثيره لأنه كثير الملاقات للبدن و أما من خارج[ فظاهر] و أما من داخل فعند النفس و مع ذلك وصوله الى القلب و نواحيه من الضروريات و لا كذلك غيره.
2- 375. ( 2). أي: قبيحة.

يحصل من أبخرة رطبة ترتفع من الارض لتأثير حرارة الشمس و لا تتحلل عنها المائية حتى تصل إلى الزمهريرية فيعقدها البرد و تزول عنها الحرارة المحرّكة للأجزاء المائية إلى الصعود فتتكاثف و تصير سحابا فتتقاطر عنه الاجزاء المائية كما في سقوف الحمامات و إذا تعفن الهواء تعفنت تلك الابخرة أيضا لمجاورته و مخالطته و تحلّلت عنها الاجزاء المائية بالحرارة الغريبة و بقيت الاجزاء الأرضية الكثيفة و النارية فتصير ضبابا غير ممطر و كثرة الشهب و الرجوم فهى إنما تحدث من ادخنة دسمة تصل إلى الهواء الحارّ فيحترق و يشتعل و تتشبث بها النار بسرعة حيث كانت لطيفة كالشمعة التى تطفأ و تحاذى بها من تحت شمعة مشتعلة، فيشتعل الدخان المرتفع من السفلانية و يتصل بها- أى: بالعلوية- فتشتعل هى ايضا و يرى ذلك الدخان المشتعل كأنه كوكب ينفص أو عود من نار و إن انقطع اتصاله فان كانت مادته لطيفة جدّا اشتعل و لم يثبت زمانا يعتد به فيرى كأنه كوكب نفذ و ان كانت لها غلظة مّا، اشتعل و ثبت مدّة كأنه كوكب و يكون على صور مختلفة مثل حية أو حيوان ذى قرن أو ذنب أو غير ذلك و عند تعفن الهواء يكثر تولد تلك الابخرة و تحترق و تتدّخن و تصير مستعدّة للاشتعال و كدورة الهواء و اغبراره ذلك لكثرة اختلاط الأدخنة الكثيفة به لما تتحلّل منها الاجزاء اللطيفة بسبب العفونة و هرب الحيوانات الذكية الحس كاللقلق و نحوه من أوكارها و مسافرتها(1) منها و لو فيها بيضها و فرخها.

و علاجها: الفصد إن كان الدم غالبا و الاستفراغ إن كانت الأخلاط الأخرى غالبة و ذلك لتجفيف البدن؛ لأن الرطوبات إذا قلّت، قلّ الاستعداد للعفونة(2) سيّما إذا كانت مستعدّة لها و سقى الماء البارد كثيرا دفعة لتبريد القلب و اطفاء الحرارة الغريبة و تكثيف الأعضاء و تقويتها و تسديد المسامّات و ربوب الفواكه القابضة الحامضة مثل الحصرم و الليمون و الرمان و السفرجل و الحماض، لتقوية القلب و تبريده و قمع الحرارة و تجفيف الرطوبات و تكثيف الأعضاء و أقراص

ص: 375


1- 376. ( 1). حكى أنه وقع حرب عظيم فانتفت اجساد القتلى فهاجر اللقلق من عشّه من نتنها الى قريب من ماتى فرسخ. كذا في« شرح الجيلانى».
2- 377. ( 2). لأن الرطوبات ما دامت كثيرة كان فعل الطبيعة فيها ضعيفا فيكون استعدادها لتصرف الحارّ الغريب أكثر.

الكافور(1) لذلك و تضميد الصدر بالصندل و الكافور و الخلّ و ماء الورد لتبريد القلب فتقلّ عند ذلك الحاجة إلى استنشاق الهواء الكثير فيقلّ ورود الضّار و الفاسد على القلب فيكون تأثيره حينئذ أضعف و تعديل الهواء المحيط ليكون اليسير منه كافيا في تعديل حرارة الروح و لا يحتاج إلى استنشاق الكثير منه و تطيبه بما يرشّ عليه من مثل الخلّ و ماء الورد و ماء الخلّاف و النيلوفر و بما يوضع فيه من الرياحين الطيبة، لأن الروائح الطيبة تقوى القلب و إذا كانت مع ذلك معدّلة للمزاج الفاسد الذى يوجبه الهواء الوبائى فلا شك أنها تكون أنفع و التغذية بما يقوى القوة مثل الحصرمية و السماقية و الاجاصية، إما ساذجة أو مع لحم الفراريج إن كانت القوة ضعيفة.

و منها حمى الجدرى و الحصبة. و سبب هذه الحمّى غليان الدم على سبيل عفونة مّا، كما تعرض للعصارات عروضا تصير بها إلى تميز اجزائها بعضها عن بعض لما تنفصل عنها عند الغليان الرغوة الهوائية إلى الأعلى بحيث تنصبّ كثيرا إلى خارج الظرف و الثقل الأرضى إلى أسفل و يبقى الباقى شيئا نضيجا متشابه الجواهر و سبب ذلك الغليان أن كل رطوبة لا بدّ و أن تتصرف فيها إحدى الحرارتين: إما غريزية أو غريبة، فإن كان اليد للغريزية، حفظتها عن الفساد و العفونة و إن كان اليد للغريبة، غيّرتها إما بافساد صورتها النوعية و إحداث صورة أخرى أو بتعفينها، و الحرارة الغريزية التى في العصارات قاصرة بالنسبة إلى رطوباتها، و ذلك لأن الجسم المعتصر لا بدّ و أن تكون في الأصل حرارته الغريزية مستولية على رطوبته و الّا لفسدت و تعفنت و إذا عصر، كانت نسبة ما يتقوّم بالعصارة من الحرارة الغريزية إلى جملة الحرارة كنسبة مقدار العصارة إلى مقدار ذلك الجسم المعتصر، و أما ما فيها من الرطوبة فلا تكون على تلك النسبة بل أكثر فتكون الرطوبة في العصارة أكثر من الحرارة لا تقوى على حفظها بحالها، و إذا أريد إبقاء العصارة على حالتها يجب أن تقوى حرارتها الغريزية بشى ء من الادوية كما يوضع اصول الكبر فى عصير العنب أو تنقص رطوبتها إما بالطبخ أو بالشمس

ص: 376


1- 378. ( 1). قال« القرشى» في« شرح القانون»: و الكافور في ذلك جيد جدا لمضادة العفونة ببرده و يبسه و بخاصية فيه و ذلك يحفظ بدن الميت من سرعة العفونة و اختار اهل الشرع وضعه لذلك في الكفن و يطيب الميت به.

و تقوية الحرارة الغريزية و زيادتها غير مقدور في أكثر الأمر فتعين تنقيص الرطوبة و ذلك إنما يكون بالتبخير و التبخير انما يكون بالحرارة بأن يتصرف في الرطوبة تصرفا تستحيل منه بعض الاجزاء المائية إلى الهوائية و تنحلّ و ذلك هو الغليان؛ فإن قويت الغريزية على تبخير تلك الرطوبة، بقيت العصارة محفوظة و إن لم تقو على ذلك استولت الغريبة عليها و غيّرتها، فتارة تبلغ فعلها إلى حد تبطل صورتها النوعية بالكلية كما يصير عصير العنب خمرا أو خلا، و تارة لا تبلغ إلى ذلك الحد فتحدث منها العفونة و الفساد.

و ذلك الغليان في دم صاحب الجدرى و الحصبة إما طبيعى يعرض من الحارّ الغريزى و القوى الطبيعية مثل ما يعرض للصبيان لدفع الطبيعة ما في دمائهم من الفضول الرطبة المتولدة من اللبن و دم الطمث فإن الجنين في البطن يغتذى بدم الطمث و بعد الخروج باللبن و هو دم الطمث بعينه و هذا الدم فضل من فضول بدن الأمّ يغتذى الجنين بأجود ما فيه و يبقى الباقى فضلا مائيا في بدنه لضعف حرارته عن تحليله بالتبخير إلى أن تشتدّ الحرارة فتحرّكة بالغليان و النشيش(1) و تميز الاجزاء المائية عنها و دفعها إلى الجلد و غيره من الأعضاء المتشابهة الاجزاء، مثل: الحجب و الأعصاب حتى تصير دماؤهم أمتن و أقوى و حيث كانت تلك الرطوبة كثيرة جدا(2) و لم تقو الغريزية على تبخيرها و التصرف فيها وحدها، تستولى الغريبة عليها ايضا عند الغليان و تحدث فيها عفونة فمن حيث أن هذا الغليان سبب لصلاح حال البدن و تنقيته من الفضول الرديئة، علم أنه من الغريزية على ضرب من البحران و من حيث أنه لا يخلو من العفونة و الحمى، علم أنه من الغريبة و التصرف لكلتا الحرارتين و ليست اليد لواحدّة منهما حتى تعزل الأخرى عن التصرف، لكن الغريزية أقوى و لذلك كانت العفونة يسيرة و آثار صلاح البدن ظاهرة كما تسقط الاسنان المتولدة في حالة الطفولية حتى ينبت مكانها ما هو أقوى منها و أقدر على المضغ و الكسر و لذلك لا يفلت منه أحد من الصبيان، لأنه لا بدّ من انقلاب دمائهم عن الرقة و المائية إلى المتانة و قلّما يتفق هذا

ص: 377


1- 379. ( 1). هو صوت يحصل للماء عند غليانه.
2- 380. ( 2). و من هاهنا أن الحمى الجدرى و الحصبة قد لا يعرض فيمن لم يكن الرطوبة فيه بذلك الكثرة.

الانقلاب قليلا قليلا في زمان طويل من غير أن يظهر هذا الغليان فيها. و هذه الفائدة من نتائج افكار «الرازى»، فانه أول من ذكر السبب الفاعل لهذا المرض و أنه لم يفلت منه أحد و «جالينوس» و ان كان قد ذكره في عدة مواضع من كتبه لكنه لم يبين له سببا مقنعا و لا علاجا كافيا، الّا أنه يمكن أن يكون قد ذكره فى كتبه التى لم تترجم بالعربى.

و إما غير طبيعى من سبب خارج مثل تثور الأخلاط في الابدان المستعدة لذلك و هى الأبدان الحارّة الرطبة و الممتلئة من الدم و الكثيرة الاستعمال للألبان و الشراب و اللحوم و الثمار(1) و غير ذلك من الأغذية المولّدة للفضل الردى ء.

و ذلك السبب الخارجى إما وارد على داخل مثل استعمال الادوية الحارّة، و إمّا على خارج مثل ورود الربيع و الصيف و الرياح الجنوبية، فإنها تولد في الدم تثورا و يتبع ذلك التثور النشيش و الغليان المحدث للجدرى و الحصبة، و الهواء الوبائى و الهواء المجاور للمجدورين، لأن مادة الجدرى مادّة رديئة حارّة متعفنة و هى الأعضاء الظاهرة الشديدة التخلخل الكثيرة المنافذ و المنافس، فتنحل عنها ابخرة حارّة عفنة غليظة تنتشر في الهواء و لا تنحل سريعا، و إذا ورد هذا الهواء على الابدان المستعدة لذلك من داخل بالاستنشاق و من خارج بالمجاورة- و قد يجذب الشرايين له من نهاياتها(2) عند الانبساط- حرّك الفضل الذى فيها و حصل مثله فيها ينقله الدم الذى فى القلب إلى مثل مزاجه ثم نقل الدم الذى في الشرايين ثم الذى في جميع البدن، و لذلك عدّ من الأمراض المعدّية و مادة الجدرى أكثر و أميل إلى الرطوبة و لذلك عدّ من الأمراض المعدّية و مادة الجدرى أكثر و أميل إلى الرطوبة و لذلك يكون حجمه أكبر إلى التفرطح و يتقيح و مادة الحصبة أقل و أميل إلى الصفراوية و اليبوسة و لذلك تكون صفراء حادّة الرؤوس و لا تتقيح بل تصير خشكريشة و هذا الاختلاف إنما يحدث من اختلاف مزاج البدن في الحرارة و الرطوبة و الحرارة و اليبوسة.

و علامتها: الحمى المطبقة و وجع الظهر لامتلاء العرق العظيم الموضوع عليه و لامتلاء الشريان العظيم المتكئ عليه أيضا و تمدّدهما بسبب غليان الدم و تخلخله و زيادة حجمه و احتكاك في الأنف لارتقاء الابخرة الحارّة مع شى ء من

ص: 378


1- 381. ( 1).[ خ. ل: التمور].
2- 382. ( 2). أي: من أطرافها المتصلة بالمسامّات.

الدم عند الغليان إلى الدماغ و فزع في النوم لأن هذه الابخرة تلذع الدماغ و تسخنه و توجب في أفعاله تغيرا و تشويشا و تسخن الروح و تمنعه عن الاستقرار و السكون في الباطن عند النوم و يرى أحلاما هائلة ينزعج منها العليل قلقا و نخس في الجلد لتمدد الجلد و تفرّق اتصاله عند انصباب تلك المادة الحارّة اللذاعة إليه و ثقل في البدن للامتلاء و حمرة في الوجه و سائر علامات غلبة الدم مع كرب و ضيق النفس لامتلاء العروق و الشرايين سيّما العروق التى في اعضاء الصدر، أو لبروز البثور في الحجاب و الرّئة و أغشية الصدر و منعها لها عن الإنبساط التام.

و علاجها: إذا تلوحق في الابتداء إلى الرابع و قبل بروز الجدرى و الحصبة، بالفصد و إخراج الدم على قدر القوة و الحجامة إن لم يمكن الفصد بسبب صغر السن أو لغيره و سقى أقراص الكافور(1) لتغليظ الدم و تبريده و تسكين حدّته و منعه من الثوران و الغليان المفرط فلا يظهر الجدرى الّا قليلا ضعيفا- بماء الرمان الحامض و الاشربة المبرّدة مثل شراب العنّاب و شراب الكدر و شراب الريباس و الربوب القابضة مثل ربّ الحصرم و السفرجل و التفاح و التوت و الرمان، و ذلك لأن في تليين البطن في هذه العلة خطرا عظيما لما يعوق الطبيعة من فعلها من حيث إنه يميل الفضول إلى الداخل و الطبيعة تدفعها إلى الخارج، و لأن هذه المادة لا تخلو عن عفونة و كيفية رديئة فإذا أميلت بها عن الأعضاء الخسيسة

ص: 379


1- 383. ( 1). أطباء زماننا يتركون استعمال أقراص الكافور و غيرها من الادوية و الأشربة و الأغذية المبرّدة في أوائل تلك الحمى و أنا نرى مرارا كثيرا من أعطاه الطبيب من تلك الأدوية و الأغذية قد أهلك فى مدة ايام و ما نجى منها. و السبب في ذلك أين تلك الادويه و الاغذية لبردها يمنع اندفاع ما يجب اندفاعه عند الطبيعة سيما اذا احتيجت للإندفاع اذ إنما تجد تلك الحمى اذا توجهت الطبيعة مع الحرارة لتحرك الفضول و ثورانها للإندفاع فلم يكن لا عام[ مسامّ] الخروج الى الخارج من ذلك السبب و يخاف حينئذ أن ينصبّ الى الأعضاء الرئيسية و يحدث الغشى بل الموت الّا أن يكون مزاج الشخص شديد الحرارة فيغشى من غليان الدم وقوعه في حمى دقية و نحو ذلك فحينئذ يجوز هذه الأقراص لكن ينبغى أن يكون الكافور فيها أقل مما هو يطرح في الأقراص المعروفة. و[ من ذلك] ما يمنع بعض الأطباء ك د« القرشى» استعمال الكافور و نحوه من المبرّدات القوية في اليوم الاول و الثانى من المرض و لا يمنع في المنتهى مع أن القوة حينئذ يكون شديد الضعف و قال: وجه المنع أن التبريد المفرط حينئذ أي: في أول المرض يكون مبطلا لفائدة الغليان و العفونة أو منقصا له و أما بعد مضى أيام على ظهور الجدري و بقاء الأخلاط عن الفضول فلا يمنع التطفية المعدّلة للمزاج.

الظاهرة إلى الباطن خيف أن تنصبّ إلى الأعضاء الرئيسة و الشريفة و يحدث عنها الغشى و الذرب و السحج و الاقتصار من الغذاء على ماء الشعير و العدس المقشّر لتغليظ الدم المطبوخ بالخلّ للتبريد و دفع العفونة و قمع عاديتها للدم الحادّ و السكر لتسكين حدّة الخلّ و لذعه و دهن اللوز لذلك و لتغليظ الدم للزوجته.

و إذا لم يتلاحق في الابتداء بالفصد و تسكين ثوران المادة حتى برز الجدرى و الحصبة، فينبغى أن يترك التبريد و التغليظ لأن بعد غليان الدم و تميز بعض اجزائه عن بعض و اندفاع مائيته إلى الأعضاء البسيطة لا يمكن تسكين ثورانه بالتبريد، بل يخاف منه جمود الدم و تغليظه و احتباسه في الباطن و تبلده عن البروز و انصبابه إلى بعض الأعضاء الرئيسة و حدوث الخفقان و الغشى ثم الموت و أن يدّثر حتى يعرق فيسخف الجلد و يلين و تنفتح المسامّات و ترقّ الفضول و تميل إلى الظاهر و يسهل خروجها. و إن كانت عسرة الخروج بسبب غلظ المادة أو برودتها أو انسداد المسامّ، سقى طبيخ التين و العدس المقشّر و الزبيب و عيدان اللك و الورد الأحمر حتى تخرج سريعا و يبعد الفضول عن نواحى القلب، و تحفظ الطبيعة لئلا تلين لأنها ترد المواد الفاسدة من الظاهر إلى الباطن كما ذكر فإن خرجت و حملت الماء، فيعان على تجفيفها برشّ ماء الورد الذى قد أديف فيه الكافور فإنه ينشفّ و يجفّف برفق مع ما فيه من التبريد و تقوية الدماغ و القلب و بالتبخير بورق الآس و الورد و الطرفا خصوصا في الشتاء مع توقّ من أن يدخل الدخان مع الهواء المستنشق في حلقه و رئته و يرش الماء المملح عليها حتى يجفّ و يبرأ بالسقوط، لكن استعماله ينبغى أن يكون على حذر فإنه ربما يقتل خصوصا الاطفال، لما يصل ألم إحراق الملح إلى القلب و يحدث الغشى ثم الموت.

ص: 380

الفصل الرابع: في الحميات المركّب384

قد تتركّب الحميات بعضها مع بعض و فنون تراكيبها كثيرة بحيث لا يمكن ضبطها و ذلك لأن منها ما يتركب من نوع واحد من جنس واحد مثل ما يتركب من غبين و يدور على دور النائبة و من ربعين و يأخذ يومين و يترك يوما، قال «قسطا بن لوقا»: «هذا الضرب من الربع يسمى بالمنعكسة»، أو من نوعين أو أكثر من جنس واحد مثل ما يتركّب من الغب و المحرقة و ما يتركب منهما و من الورمية الصفراوية و منها ما يتركب من جنسين مختلفين مثل ما تركب من الدق و العفنية و منها ما يتركب من اللازمة من نوع مع الدائرة من ذلك النوع أو من نوع آخر و كذلك الدائرة مع الدائرة و اللازمة مع اللازمة و غير ذلك من انواع التركيب الواقع بينهما، بأن يكون الخلّطان ممزوجين أو منفردين، و أن يكونا متساويين في المقدار أو مختلفين، أو بأن تكون الحميّات متداخلتين تداخل إحداهما على الأخرى، أو متبادلتين تدخل إحداهما بعد انقلاع الأخرى أو متشابكتين تدخلان معا و لذلك لا ينبغى أن يعتمد في تعريف الحميات على أدوارها لأن المركبة منها ربما تحدث دورا شبيها بدور المفردة أو بدور مركبة أخرى بل ينبغى أن يستدل عليها بأعراضها اللازمة لها الخاصة بها، فإنها قد تجى ء من تركيب غبين دائرتين حمّى نائبة كل يوم و كذلك من تركيب ثلاثة أرباع دائرة و هذا دور البلغمية و إذا عولجت بتدبير البلغمية هلك العليل.

ص: 381

و لنفصل هذا من أقسام تركيب الحميات العفنة يكون دستورا لمن أراد المزيد فنقول:

تركيبها إما أن يكون ثنائيا و هى عشرة: دمويتان، صفراويتان، بلغميتان، سوداويتان، دموية مع صفراوية، و دموية مع بلغمية، و دموية مع سواداوية، و صفراوية مع بلغمية، و صفراوية مع سوداوية، و بلغمية مع سوداوية. و كل واحد منها إما أن يكون كلا جزءيه داخل العروق أو خارجها أو أحدهما داخلا و الآخر خارجا فتبلغ ستة و ثلاثين لأن مسطح(1) العشرة و الأربعة لا يزيد على الأربعين و ينقص منه أربعة من تركيب متوافقين يكون أحدهما داخلا و الآخر خارجا(2).

و إمّا أن يكون ثلاثيا و هو عشرون: دمويات ثلاث، صفراويات ثلاث، بلغميات ثلاث، سوداويات ثلاث، دمويتان مع صفراوية، دمويتان مع بلغمية، دمويتان مع سوداوية، صفراويتان مع دموية، صفراويتان مع بلغمية، صفراويتان مع سوداوية، بلغميتان مع دموية، بلغميتان مع صفراوية، بلغميتان مع سوداوية، سوداويتان مع دموية، سوداويتان مع صفراوية، سوداويتان مع بلغمية، دموية مع صفراوية و بلغمية، دموية مع صفراوية و سوداوية، دموية مع بلغمية و سوداوية، صفراوية مع بلغمية و سوداوية. و كل واحد منها إما أن تكون أجزاؤها الثلاثة داخلة أو خارجة أو أحدهما داخلا و الآخران خارجين أو بالعكس فتبلغ مائة و عشرين لأن لكل قسم ثمانية أحوال: إثنان فيما إذا كانت الأجزاء بتمامها داخلة و خارجة، و ستة(3) فيما

ص: 382


1- 385. ( 1).[ خ. ل: مربع]. السبب في ذلك أن كل واحد[ من] تلك العشرة ينقسم بأربعة اقسام لأن الدمويتين مثلا إما أن يكون كلاهما داخل العروق أو خارجها أو يكون الأولى و الأخرى خارجا أو بالعكس فيصير ... اقسام أربعة و قس على ذلك البواقى. فاذا ضربنا العشرة في تلك الأربعة يحصل عنه اربعون قسما لا محالة و من اصطلاح اهل الحساب أن ضرب العدد في العدد إن كان في نفسه، يسمى و اصل[ الحاصل] الضرب« مربعا» و إن كان في غيره يسمى مسطحا كما فيما نحن فيه.
2- 386. ( 2). كالدموية الداخلية مع الدموية الخارجية و البلغمية الداخلية مع البلغمية الخارجية و الصفراوية الداخلية مع الصفراوية الخارجية و السوداوية الداخلية مع السوداوية الخارجية فان هذه الاقسام الاربعة لا تنعكس لأن عكسها عينها بخلاف باقى الاقسام فالواجب سقوط الاربعة عن الاربعة المتوافقات. فافهم.
3- 387. ( 3). لان الدمويات الثلاثة مثلا إن كانت الأولى منها داخلة و الأخران خارجيين أو بالعكس، يحصل عنه قسمان و كذا يحصل القسمان عن الثالثة من الثلاثة المذكورة إن كانت داخلة و الآخران خارجيين أو بالعكس فصار المجموع ستة اقسام.

إذا كانت مختلفة بالدخول و الخروج، و مسطح(1) العشرين و الثمانين مائة و ستون ينقص منها أربعون للتكرار: ستة عشر من المتوافقات و هى الدمويات و أخواتها(2)، و أربعة و عشرون(3) من متوافقتين مع مخالفة كالدمويتين مع الصفراوية.

و إما أن يكون رباعيا و هو خمسة و ثلاثون: عشرة في الدموية: و هى دمويات اربع، ثلاث من الدمويات مع صفراوية، ثلاث منها مع بلغمية، ثلاث منها مع سوداوية، دمويتان مع صفراويتين، دمويتان مع بلغميتين، دمويتان مع سوداويتين، دمويتان مع صفراوية و بلغمية، دمويتان مع صفراوية و سوداوية، دمويتان مع بلغمية و سوداوية، و تسعة(4) الصفراوية، و ثمانية في البلغمية، و سبعة في

ص: 383


1- 388. ( 1).[ خ. ل: مربع].
2- 389. ( 2). لأن المتوافقات أربعة سقط كل واحد منها أربعة و ذلك لأن الدمويات مثلا كانت ثمانية اقسام أربعة منها غير متكررة و هي[ أي: الدليل على كون الدمويات ثمانية اقسام مع اثبات التكرار في أربعة منها] أن الدمويات الثلاثة كانت كلها داخلة أو خارجة أو إن الاولى منها كانت داخلة و الأخريين كانتا خارجتين أو بالعكس و الأربعة الباقية متكررة و هى أن الثانية منها كانت داخلة و الأخريين كانتا خارجتين أو بالعكس و إن الثالثة منها داخلة و الآخران خارجان أو بالعكس فتلك الاربعة عين القسم الثالث و الرابع من الاربعة الأولى فتكون متكررة فسقطت كذلك من الاقسام. و قس على ذلك الثلاثة البواقى. لو قيل يرد هاهنا بحث و هو أن التكرار انما يلزم صورة او شخصا لأن الدموى الاولى من الدمويات الثلاثة غير الثانية و الثالثة و الثانية غير الثالثة شخصا فلذا الاقسام التى حصلت من تلك الدمويات بالدخول و الخروج كانت تغيرا فيما بينهما شخصا و هذا القدر يكفيها في تعدادها غير متكررة. أقول ان الغرض من بيان تلك الحميات معرفته في امر المعالجات[ حتى يصير متميزا في العلاج فما م يترتب عله اثر في العلاج لم يكن قسما متمايزا].
3- 390. ( 3). لأنّ المتوافقين مع مخالفته اثنا عشر قسما يسقط عن كل واحد منها اثنان للتكرار فصار المنقوص اربعة و عشرين قسما كالدمويتين مع صفراوية مثلا لما أن يكون كلها داخلة أو خارجة أو أن يكون الصفراوية داخلة و الدمويتان خارجتين أو بالعكس أو أن يكون الدموية الأولى داخلة و الدموية الثانية و الصفراوية خارجتين أو بالعكس أو أن يكون الدموية الأولى داخلة و الدموية الثانية و الصفراوية خارجتين أو بالعكس أو أن يكون الدموية الاولى داخلة و الدموية الثانية و الصفراوية خارجتين أو بالعكس بأن يكون الدموية الثانية داخلة و الدموية الاولى و الثانية خارجتين أو بالعكس فكان ذلك القسمان الاحتراقى متكررة لكونهما عين قسم الخامس و السادس فلذلك قد سقطا عن الاقسام. و كذا حال البواقى.
4- 391. ( 4). لانه يسقط عنها قسم واحد و هو الصفراويتان مع الدمويتين و عن البلغمية قسمان و-- هما البلغميان مع الدمويتين و البلغميان مع الصفراويين و عن السوداوية ثلاثة اقسام و هى السوداويتان مع الدمويتين و السوداويتان مع البلغمتين للتكرار.

السوداوية، و واحد من تركيب الاربعة. و كل واحد منها إما أن تكون أجزاؤها الأربعة داخلة أو خارجة، أو ثلاثة منها داخلة و واحد خارجا أو بالعكس، أو إثنان داخلين و الآخران خارجين، و لكل واحد من الأقسام ستة عشر نوعا فإذا ضربناه في خمسة و ثلاثين بلغ خمس مائة و ستين ينقص منه مائتان و ثلاثون للتكرار: ثمانية و ستون من الدموية و واحد و ستون من الصفراوية، و اربعة و خمسون من البلغمية، و سبعة و أربعون من السوداوية، و يبقى ثلاثة مائة و ثلاثون.

و على هذا القياس الخماسى و ما فوقه.

و أكثر الحميات المركبة وقوعا هي التى من الصفراء و البلغم؛ لأن الدم تحفظه الطبيعة عن العفونة غاية ما يمكن، و السوداء قليلة الوجود بعيدة عن العفونة بكيفيتها، و أمّا البلغم و الصفراء فهما يتعفنان بسهولة بسبب الرطوبة و الحرارة و يكثر اجتماعهما في البدن أيضا، فان كثيرا من الناس يكثر في بدنه الصفراء فإذا ترفّه و ترك رياضات معتادة كثر فيه البلغم و اجتمع مع الصفراء، أو يكثر في بدنه البلغم فإذا استعمل الرياضة و التدبيرات المسخّنة كثرت فيه الصفراء و اجتمع مع البلغم و لذلك قد خصّت هذه الحمى من بين سائر المركبات باسم خاص و هو شطر الغب قيل(1): قد وقع في هذا الاسم غلط عند نقله من اليونانية إلى العربية، لأن هذه الحمى مركبة من الغب و البلغمية فيكون الغب شطرها و قيل(2): ليس كذلك بل التسمية صحيحة؛ لأن البلغم و الصفراء إذا اجتمعا تقاوما؛ فإذا كانت البلغمية دائمة و الغب مفارقة، تساوت قوتاهما تساوى النصف بالنصف، لأن القليل من الصفراء يقاوم الكثير من البلغم كما يقاوم القليل من الخلّ الكثير من الماء، فكانت الحمى شطر الغب خالصة، أى: نصفها عند مجاورتها و إن لم تكونا متساويتى القوة بأن تكونا دائمتين أو مفارقتين أو الغب دائمة و النائبة مفارقة فكانت الحمى شطر الغب غير صالحة. و قيل: الشطر هاهنا بمعنى البعض كما في

ص: 384


1- 392. ( 1).[ القائل هو القرشى] و ذلك لأن الصواب أن يقال« الغب شطرها» لأن هذه الحمى مركبة من الحميتين فيكون الغب شطرها أى: نصفها. و سبب هذا أن لغة اليونان و يتقدم فيه المضاف إليه على المضاف و الناقل نقل كل لفظة الى معناها.
2- 393. ( 2).[ كما قال الهروى في بحر الجواهر].

قول النبى- صلى الله عليه و آله و سلم- حيث قال في المرأة: «انها تبقى شطر دهر لا تصوم و لا تصلى» أى: بسبب الحيض و لا شك إن الصفراء عند مجاورتها للبلغم تنقص من أعراضها شى ء و الباقى يصح أن يطلق عليه البعض، و هذا الوجه أولى لاستغنائه عن تلك التكلفات. و انما نسبت هذه الحمى إلى الصفراء و سميت شطر الغب و لم تنسب إلى البلغم و لم تسم شطر النائبه، لأن علامات الصفراء فيها أظهر و أشهر من البلغم لغلبة قوة المرّة على قوة البلغم فنسبت إلى الأظهر لا إلى الأخفى.

و تركيبها يكون على أربعة ضروب: إما أن يتركب غب دائرة مع بلغمية دائمة، أو غب لازمة(1) و هى المحرقة مع بلغمية دائرة، أو غب دائرة مع بلغمية دائرة، أو غب دائمة مع بلغمية دائمة.

و علامتها: تكون ممتزجة من علامات الحمى الصفراوية و البلغمية، و تكون يوما حارّة شديدة الالتهاب و الحرارة لاشتداد الحمّى الصفراوية غبّا إن كانت لازمة أو اتيان نوبتها على البلغمية أو مع نوبتها إن كانت دائرة، و يوما بليدة متدافنة الحرارة، و أما النافض فيها فيكون على حساب تركيب الحميين فإنهما ان كانتا دائمتين، لا يكون نفض ألبتة و إن كانتا دائرتين، يتكرر النفض لتسارع المادتين أو لدخول إحداهما على الأخرى و يكون يوما ضعيفا مع قشعريرة و برد في الأطراف و يوما قويّا شديدا(2) مع رعدة و حدّة و لذع، و إن كانت البلغمية داخلة و الصفراوية خارجة، لا يكون الّا نفض واحد شديد لذاع و ان كان بالعكس، كان نفض قوى طويل البقاء(3) و كمية الخلّطين المحدثين لهما و نسبه أحدهما إلى الآخر فإن كانا متساويين في الكمية، كانت قشعريرة صرفة تامة غير

ص: 385


1- 394. ( 1). اعلم أنّ مفهومها واحد و هو الحمى اصفراوية اللازمة التى يتعفن مادتها داخل العروق و لهذا فسّرها المصنف بالمحرقة و إن كان قد يطلق المحرقة على الحمى الصفراوية التى مادتها يتعفن في العروق القريبة من القلب و الكبد كما يطلق تارة على الحمى البلغمية التى تحدث عن عفونة بلغم مالح في تلك العروق.
2- 395. ( 2). و هو يوم أخذ الغب لأن الصفراء لما كانت ينوب غبا و البلغمية في كل يوم، وجب أن يعرض فى يوم أخذ الغب حمائان أعنى البلغمية و الصفراوية فيكون الأعراض لا محالة أشدّ.
3- 396. ( 3). لأن البلغم لغلظه و لزوجته لبرد مزاجه لا يتعفن بسرعة حتى ينتشر الحرارة عن البلغم المتعفن في سائر البدن و تلتهب الحمى.

نافضة و لا متعدّية إلى النفض(1) و إن كانت الصفراء أكثر، كان نفض شديد و رعدة و لذع(2) لأن القليل من الصفراء يقاوم الكثير من البلغم فكيف إذا كانت أكثر؟! و إن كان البلغم أكثر، لا يكون النفض شديدا بل يكون شبيها بالاقشعرار القليل لمقاومة الصفراء له و اختلاطهما و عدم اختلاطها، و لذلك تسمى تارة شطر الغب إذا كان البلغم غير متّحد معها أى مع الصفراء بل متميز عنها و تارة الغب غير الخالصة إذا كانت الصفراء مختلطة به اختلاطا مازجا و متحدا مؤاخذا لها، و لهذا يكون له نوبة واحدة و لشطر الغب نوبتان بحسب الخلّطين.

و هذه الحمّى طويلة تمتدّ كثيرا إلى تسعة أشهر(3)، و ربما تمتدّ إلى سنة و ذلك لأن الطبيعة إن توجهت إلى الصفراء و نضجتها بالتغليظ و التكثيف، بقى البلغم بحاله و طالت المدة لأنها تحتاج إلى زمان آخر تنضجه و إن توجهت إلى البلغم و نضجته بالتلطيف و الترقيق بقيت الصفراء بحالها، و إن توزعت فعلها في المادتين، لم يحصل فيهما أثر تام فتحيّرت في ذلك و تطول المدة رديئة لأنها تجاهد الطبيعة على الدوام و لا تدعها تستريح إذ ليس لها فترة و تفسد الأحشاء لما تكثر فيها الفضول الغليظة لقصور الهضم لكثرة تحلل الحارّ الغريزى بمقاساة المرض، و لما تنصبّ الفضول المتعفنة كل يوم إلى فم المعدة و سائر الأحشاء إذا كانت الحمى دائرة كما تنصبّ من مستوقد العفونة إلى سائر الأعضاء و قد تنصبّ أكثرها إليهما إذا كانت الطبيعة تدفعها بالبراز و القى ء و البول و قد تجتمع الفضول

ص: 386


1- 397. ( 1). لأن الوجه للتعفن في الصفراء كثرة الحدّة و اللذع و فى البلغم شدة الغلظ و اللزوجة فباختلاطهما تنكسر سورة لوازم إحديهما بالأخرى. هذا اذا كان التركيب فيهما تركيبا متشابكة أو متداخلة، و أما اذا كان تركيبهما تركيبا متبادلة ففى هذه الحالة يكون كل واحد منهما على حالها في أعراضها و جميع احوالها فلم يكن الغب حينئذ أخفّ أعراضا.
2- 398. ( 2). هذا إنما يكون اذا كان المادتان ممتزجين حتى تكون كل واحد منهما مكسّرة سورة الأخرى و أما اذا لم يكن كذلك بل كانتا متباينين كما في شطر الغب لم يكن لأحدهما تأثيرا في الأخرى حتى يتصور مقاومة الّا أن يكون التركيب في تلك الحمى تركيبا متشابكة أو متداخلة ففى هذين التركيبين يجعل أن يحصل ما ذكره الشارح من المقاومة.
3- 399. ( 3). لا لأن البلغمية تجعل الغب أطول[ ل] أن البلغم يغلظ الصفراء[ ف] يصير عسر التحلل فان المادتين في هذا الحمى غير مختلطين كما يكون في الغب الغير الخالصة كما يستفاد ذلك من كلام« الشارح» في مقام الدليل بل لأن البلغمية تمنع عن صواب تدبير الغب و بالعكس.

فيها أنفسها و تتعفن إذا كانت هي مستوقدة للعفونة، و لما يتهلّهل نسجها و تسترخى بنيتها بالنفض و الرعدة، و بطول مقاساة المرض و بكثرة تحلل الرطوبات الأصلية و بفساد غذائها.

و علاجها: نفض البلغم و الصفراء بالقى ء و الاسهال و الادرار بعد ظهور النضج و سقى السكنجبين فإنه يقطع البلغم و يلطفه و يقمع الصفراء إما ساذجا أو بذوريا على حسب شدة الحرارة و قلتها و غلبة أحد الخلّطين على الآخر و سقى السكنجبين السكرى و أقراص الورد و أقراص الغافث.

و قد يعرض بأدوار نافض لا يسخّن و لا يؤدى إلى الحمى، و سببه بلغم زجاجى ينتشر فى البدن بلا عفونة، و يتحرك على الادوار و ينصبّ إلى العضلات و يؤذيها ببرده و لم يؤد إلى الحمى لخلوه عن العفونة.

و علاجه: تلطيف التدبير و نفض البلغم بالقى ء و الادرار و التعريق بالحمام و الكد و التعب و هذه أولى من الاسهال لما تنتشر المواد في جميع الأعضاء عند الاسهال.

ص: 387

ص: 388

الباب الثالث و العشرون: فى الأورام و البثور

اشاره

ص: 389

ص: 390

الباب الثالث و العشرون: في الأورام و البثور

الورم: هو غلظ(1) يدخل فيه الأورام التى لمادتها غلظ مّا في القوام، مثل الأخلاط الاربعة و المائية و انتفاخ يدخل فيه الورم الريحى يحدث في العضو من فضل مادّة تمدّده و تملأه فإن المادة إذا كثرت في البدن و انصبّ فضلها إلى عضو مّا امتلأت منها أولا عروقه الكبار ثم سرت منها إلى العروق الصغار حتى امتلأت ثم إلى الأصغر فالأصغر حتى امتلأت العروق بأجمعها و انفتحت من فرط الامتداد أفواه عروقها الليفية و سال الفضل منها إلى الفرج التى بين الأعضاء فيوسعها بالتمديد و يملؤها و لا يزال يسير إليها شيئا فشيئا بحسب مقدار الفضل و كثرته إلى أن يتعذر على الطبيعة تحليله فيتعفن و يستحيل إلى كيفية رديئة و البثور ايضا من جنس الأورام لأن حدوثها كحدوثها، غير أنها تفارقها بالصغر فإنها أورام صغار كما أن الأورام بثور كبار.

و حصول المواد في الأعضاء و اجتماعها فيها يكون لقوة العضو الدافع فإنه إذا كان قويا، يتشمر لدفع ما فيه من الفضول إلى ما يجاوره و ضعف القابل فلا يقدر على دفع ما يتوجه إليه من الفضول فيقبلها و تبقى محتبسة فيه و كونه أى: كون القابل أسفل منه أى: من الدافع، فيسهل اندفاع الفضول إليه لثقلها و ميلها إلى أسفل بالطبع و كثرة المادة و زيادتها على القدر الطبيعى، فتفضل من غذاء العضو و يتعذّر على الطبيعة تحليلها لكثرتها فتدفعها إلى العضو الضعيف و سعة المجارى فيسهل

ص: 391


1- 400. ( 1). أي: زيادة في الأقطار الثلاثة.

اندفاع ما يندفع فيها أو ضعف القوة الغاذية التى في العضو حتى لا ينهضم الغذاء الصائر إليه هضما تاما فتبقى فضلة فيه باردة لأن ضعف الهضم إنما يكون من البرد و البرد يوجب تولد البلغم و يتزايد ذلك قليلا قليلا حتى يكثر في العضو و يتعفن و يحدث الورم و هذا الذى يحدث من ضعف الغاذية يكون فى الأورام الباردة فإن الأورام الحارّة لا يمكن أن يكون حدوثها قليلا قليلا على مهل و تدريج.

و قد يحدث الورم بسبب باد، مثل ضربة أو سقطة حدثت لعضو ينصبّ إليه الدم لثوران الحرارة فيه بسبب الوجع و من شأن الحرارة أن تجذب ما يصلح ليكون وقودا لها إلى العضو الذى هي فيه، و الدم أكثر وجودا في البدن فيجذبه و لحدوث الضعف فيه فلا يقوى على دفع ما ينصبّ إليه و ارسال الطبيعة الدم إليه تقوية له و اصلاحا له فيرم لامتلائه منه.

ص: 392

الفصل الأول: في الفلغمونى401

أدخله «الرازى» في باب القاف من جداول الحاوى و هو الورم الدموى و قد كان هذا اللفظ يطلق في اللغة اليونانية عليكل حرارة و التهاب يحصل في العضو، ثم أطلق على كل ورم حارّ، ثم سمى به الورم الدموى لما يلزمه الحرارة و الالتهاب.

و علامته: الانتفاخ و شدة الحرارة و الحمرة و التمدد لكثرة المادة و مدافعة اليد لشدة التمدد و شدة الوجع لذلك و الضربان خاصة إن كان العضو كثير الشرايين لزيادة الاحساس بحركتها، لزيادة حركتها و شدة قرعها(1) بالحرارة الحادّثة في العضو و للضيق الحادّث بسبب الورم.

و علاجه: الفصد و جذب الدم إلى الخلّاف و تلطيف التدبير ليقلّ توليد الدم ثم يوضع عليه أما عند الإبتداء فالأدوية الرادعة إذ الحاجة ليست ماسّة إلى منع المادة حيث لم ينفذ في العضو شى ء بعد حتى تحتاج إلى تحليلها و هى الادوية الباردة القابضة التى تجمع العضو و تكثفه و تضيق منافذه و تقلل حرارته فيضعف عن الجذب و يغلّظ قوام المادة التى في الانصباب فتقف في المجارى و لا ينفذ فيه شى ء منها كالصندلين و الفوفل و الطين الأرمنى و الماميثا و أقاقيا و الورد و الهندباء لتقوية العضو بالقبض و الكثافة و تدفع المادة عن نفسه و تمنعها من الانصباب.

ص: 393


1- 402. ( 2). و فى بعض النسخ:« و شدّة لذعها» و هذا أولى.

هذا إذا لم يكن الوجع شديدا جدّا و لا يكون الورم ايضا من دفع الأعضاء الرئيسة، لأن شدة الوجع تدل على كثرة المادة المنصبّة في العضو المجتمعة فيه من كثرة التجلب و قلة التحلّل، و الادوية الرادعة عند ذلك لا تقوى على الردع و تزيد الجلد تكاثفا مانعا عن التحلل و تحتقن المادة ايضا و تغلظ فيزداد الوجع لزيادة التمدد و تصير شقاقلوس عند تعفن المادة و فساد كيفيتها و اختناق الحارّ الغريزى. و أما إذا كان عن دفع الأعضاء الرئيسة فلا يؤمن من ارتداد المادة إليها عند استعمال الروادع فينبغى في تلك الحال أن تطلى الروادع فوق موضع الورم حيث تجى ء منه تلك المادة لتتكاثف تلك المواضع و ترتكز فلا يمكن للمادة أن تنفذ فيها و تتجاوز عنها إلى موضع الورم و بعد التنقية البالغة؛ لأن الرادع يقوى العضو الضعيف عن قبول المادة المائلة إليه؛ فإذا كان البدن ممتلئا من المواد الرديئة و أميلت عن ذلك العضو، انصبّت إلى غيره بالضرورة و فعلت فيه ما فعلته بالعضو الأول، فإن استعملت عليه الروادع ايضا حصل منه ما ذكرنا و يحدث الورم في اعضاء كثيرة، و لا شك ان حدوث الورم في عضو واحد اجود من حدوثه فى اعضاء كثيرة، و أيضا يمكن ان تنصب عند رجوعه من ذلك العضو إلى عضو رئيس أو شريف لتمنع التجلب إلى ذلك العضو من غير غائلة، و كذلك يمكن استعمال الروادع في موضع الورم إذا كان الانصباب من الأعضاء الرئيسة بعد التنقية البالغة.

و أما عند التزيد فتختلط بها الأدوية المحلّلة المرخية و هى الادوية التى ترقّق المادة و تهيؤها للتبخير و تلين الجلد و توسع المسامّ بحرارتها و رطوبتها فيسهل اندفاع ما يندفع عنها. و ذلك ليمنع الرادع ما هو في الانصباب في جرم العضو بعد و تحلّل المحلّل ما قد انصبّ إليه و لا يدعه يغلظ بالرادع ثم يتحجّر. لا يقال: إن الرادع من شأنه القبض و المحلّل من شأنه التفريق و المرخى من شأنه البسط و هذه الآثار متضادة متفاوتة و متى حصلت المقاومة بين القوى نقصت منها أو بطلت فلا يحصل الغرض المقصود منها، لأنا نقول: إنا لا ننكر ذلك، لكن الطبيعة بإذن خالقها تميز بين تلك القوى و تستعمل كلّا فيما يستحقّه مثل: الأدقة و الكزبرة الرطبة و البابونج و الإكليل و الشبت و الخطمى و نحوها.

و عند الانتهاء أى: عند أول زمانه يكثر منها أى: من المحلّلات حتى تصير متساوية للرادعات.

ص: 394

و عند الانحطاط و آخر الانتهاء يقتصر عليها لعدم الاحتياج إلى الرادع لتوقف المادة عن الانصباب و إذا لم تتحلل المادة بالكلية لضعف الطبيعة و أرادت أن تجمع لأن الطبيعة حيث عجزت عن التحليل تصرفت في المادة باستعمال الحارّ الغريزى على سبيل الإنضاج و التشبيه بجوهر الأعضاء الاصلية طمعا في أن تصرفها إلى غذائها و يعاونها الحارّ الغريب ايضا لضعفها، فإنها كلّما كانت أضعف كان الغريب أقوى و بالعكس، يضمد بما ينضج و هو الأشياء التى فيها تسديد و تغرية يحصر بها الحارّ الغريزى و يمنعه عن التحلل و التلاشى، فالمنضج بالحقيقة و هو الحارّ الغريزى مثل بذر المر و الكتان و نحوهما فإنها مع حصرها الحرارة بلزوجتها تمنع رقيق المادة من أن يتحلل و يتفرق فيبقى الباقى صلبا متحجرا، أو يعين الحرارة ايضا على الإنضاج بتسخينها المعتدل.

و أما ما يحدث من الورم بسبب باد مثل الضربة و البدن يكون نقيا من الأخلاط، يكفيه وضع الادوية المرخية و المحلّلة و الأدهان الفاترة عليه لأنها ترخى العضو و تلينه و صبّ الماء الفاتر عليه لذلك و الغرض من ذلك امور:

أحدها، أن العضو يسخّن فتتحلل المادة المنصبّة إليه. و ثانيها، أن المادة ترقّ و تتلطّف فتتحلل بسرعة و لا تحتبس فيه احتباسا موجبا لطول بقاء الورم. و ثالثها، أن الارخاء يسكّن الوجع فيقلّ انجذاب المواد إليه. و رابعها، أن المسامّ تصير أوسع فتندفع المادة بسهولة و لا يحتاج هنا إلى الروادع للأمن من انصباب الفضول الى العضو لنقاء البدن و يشرط الورم و لو قبل النضج(1) إن لم يكف ذلك العلاج لتستفرغ المادة من نفس العضو بسرعة فلا تغمر الحرارة و لا تؤدى إلى فساد العضو.

و نوع من الورم الدموى يسمى باليونانية شقاقلوس و يدعى عندنا الخبيثة. و هو أن يحدث ورم عظيم من دم غليظ لا يندفع بسهولة حتى يضغط العروق و الشرايين بل جميع المنافس و مداخل النسيم بسبب عظمه و غلظ مادته و يمنعها أى: الشرايين من ترويح الحرارة الغريزية بالانبساط لشدة الضغط فتنخمد أى: الحرارة الغريزية و تنطفئ فيتعفن الدم و يفسد و تتعدّى العفونة و الفساد منه إلى العضو و يموت العضو و يسودّ و يفسد بالعفونة فيفتت و ينتن ما حوله من الجلد و غيره.

ص: 395


1- 403. ( 1). لنقاء البدن من الفضول كما ذكره« الشارح» قبل ذلك.

و لا علاج له الّا القطع لئلا يسعى فساده إلى الأعضاء المجاورة له فيفسدها ايضا.

فأما ما لم تخمد فيه الحرارة الغريزية و لم يفسد العضو هذا الفساد الذى يسودّ منه و يتعفّن بعد، بل أخذ تذهب نضارة لونه لانطفاء الحرارة الغريزية و جمود الدم و كثافة الجلد و يسكّن ضربانه لأن الحس يخدّر و يتبلّد بسبب فساد الروح الحيوانى و ضعفه عن اعداد العضو لقبول الروح النفسانى و يسمّى غانغرايا.

و علاجه: استفراغ ذلك الدم الغليظ الفاسد الخبيث منه بالشرط العميق الذى يصل إلى الموضع الذى حلّت فيه المادة الفاسدة الخبيثة لئلا يسرى منه الفساد إلى العضو. قال جالينوس: الشرط الخفيف هاهنا سبب لفساد العضو و اهلاكه و العميق سبب للبرء و الصلاح، لأنه يخرج المادة الفاسدة ثم طليه بما يمنع التعفن بالتجفيف و تقطيع الرطوبات المتعفنة مثل دقيق الكرسنة بالسكنجبين و نحوه مثل الطين الأرمنى و العفص و الشب اليمانى.

ص: 396

الفصل الثانى: في الحمرة404

بالحاء المهملة هي الورم الصفراوى المحض و سمّى به اطلاقا لإسم اللازم على الملزوم، فإن الحمرة لازمة له. و انما سمى بها و هى في الدموى أكثر- لما قيل يشبه أن يكون ذلك- لأن أكثر ما يعرض الورم الحارّ هو الدموى و كان أولى بإسم الحرارة فسمى بها، ثم سمى الصفراوى بلازم آخر و هو الحمرة، و إن كانت في الدموى أكثر كما أن الحرارة و الالتهاب في الصفراوى أكثر.

و علامته: أن يكون مشرقا برّاقا ملتهبا ناصع الحمرة على لون الصفراء تتنحى حمرته بالغمز عليه فيبيضّ مكانه، بسبب لطف المادة و رقّتها و تفرقها في سطح الجلد بالغمز ثم تعود بسرعة للطف المادة و سرعة جريانها و أن يكون في سطح الجلد غير غائص لخفة المادة و حدّتها و رقتها فتميل إلى ظاهر البشرة الّا أن تكون الصفراء مختلطة بالدم فيكون غائرا في اللحم لغلظها و رزانتها و على حسب قلّة الدم و كثرته يكون غوره و خفة الوجع لقلة التمدد بسبب قلّة وجود الصفراء و لطافتها و شدة الحرقة و الالتهاب و الخالصة من الحمرة و هى التى لا يخالط مادّتها التى هي الصفراء خلط آخر تدّب و تسعى لكثرة حدّتها و لطافتها و هيجانها.

و علاج الخالص من الحمرة: استفراغ البدن من الصفراء بمطبوخ الهليلج و التمر الهندى و التضميد بعد ذلك بالاشياء المبرّدة المرطّبة إذ قبل ذلك

ص: 397

يخاف من أن تنطفئ الحرارة و تحتقن المادة و تتعفن فيسودّ العضو و يفسد كجرادة القرع و ماء ورق البقلة و الخس و لسان الحمل و بذر قطونا و نحوها. و لا يحتاج هذا النوع من الحمرة إلى الأضمدة المحلّلة؛ لأن مادتها للطافتها وحدتها و رقتها تتحلّل بنفسها سريعا مع أن المحلّل لا يخلو من حرارة و الحرارة تجذب المادة و تزيد في كيفيتها حدّة.

و علاج غير الخالصة: و هى التى اختلط بها دم رقيق حادّ تقديم الفصد قبل الاستفراغ و استعمال بعض الأطلية الرادعة في الابتداء، إذ لا يخاف من الردع رجوع هذه المادة لغلظها إلى الأعضاء الشريفة، كما يخاف في الخالصة و المحلّلة بعد ذلك على حسب الحاجة إليها و حسب الأوقات.

ص: 398

الفصل الثالث: في النملة405

النملة بثرة أو بثور تخرج مع التهاب و احتراق بحيث يحس العليل كأنها نار قد وضعت على العضو و يرم مكانها ورما يسيرا لأن مادتها و هى الصفراء مختلطة بيسير من الدم و قد تدبّ و تسعى من موضع إلى موضع لحدّة مادتها كما تدب النملة و لهذا سميت بها، أو لأن صاحبها يحس في كل نملة أذى شبيها بعضّ النملة فسميت البثرة بها و تسمى ايضا ساعية لسعيها في الجلد فمنها النملة المتآكله التى تأكل الجلد و تقرّحه و منها الساذجة التى تسعى في ظاهر الجلد.

و سببها: صفراء لطيفة حادّة تخرج من افواه العروق الدقاق لكثرتها بسبب غليانها و تخلخلها و لحدتها و اشتداد سخونتها فتفتح العروق و تخرج منها و لا تحتبس فيما هو داخل في ظاهر الجلد لشدة لطافتها و حدّتها فتنبسط تحت الجلد و تبثره فإن كانت ألطف و أرقّ و أحدّ، حدثت عنها النملة الساذجة، و ان كانت أغلظ و أردأ لمخالطة دم حادّ محترق، حدثت عنها نملة أكّالة يعرض منها مع السعى أكّال فيما بين الجلد و اللحم.

و علاجها: اسهال الصفراء بمطبوخ الفواكه المقوى بالسقمونيا أو بماء الهليلج و التمر الهندى ثم إن بقى شى ء من الدم، استفرغ بالفصد بعد الاسهال بخلاف الحمرة غير الخالصة فإن الفصد فيها مقدم على الاسهال و ذلك لأن الدم في الحمرة غير الخالصة غالب فيجب استفراغه لئلا تنفتح افواه العروق عند غليانه

ص: 399

و هاهنا الصفراء غالبة فيجب استفراغها أولا- و هى شديدة الاجابة و المؤاتاة له- لتقلّ الحرارة و الاشتعال و لا يزداد الفساد و التآكل فى العضو لحدّتها ثم استعمال الأطلية المبرّدة المجفّفة لأن النملة و إن كانت أوراما صفراوية فإنها لا تحتمل الترطيب لأنها قروح و الترطيب يمنع القرحة من الالتحام، لأنه يزيد في رطوبتها المانعة منه. و إنما تحدث هذه القرحة من الصفراء بسبب أن الصفراء لغليانها تتميز مائية صديدية ذوبانية لذّاعة حادّة عن كثيفها و تخرج من فوهات العروق إلى ما تحت الجلد و تدبّ فيه و تقرّح كل موضع تصل إليه لحدتها و تمنع من الاندمال و انبات اللحم فتحتاج فى العلاج مع التبريد إلى التجفيف بحسب ذلك العارض الذى هو القرحة دون الترطيب بحسب السبب الذى هو الصفراء، لأن العرض هاهنا قد قهر السبب بحيث لا ينجح فيه كثير من الاشياء المبرّدة المجففة فيستعمل مكانها حينئذ المسخّنة المجففة، لأن التسخين يعاون التجفيف فإن لم تنجح تلك ايضا، يستعمل ما هو في غاية الحرّ و اليبس و هو الكى فيطلى بمثل ماميثا و قاقيا و حضض بماء الهندباء و تطلى المتأكّلة بطلاء النرد و بأقراص اندروخون و صفتها: عفص اخضر، كندر، من كل واحد سبعة دراهم؛ قلقديس، درهم؛ شب، مرّ، من كل واحد اربعة دراهم؛ زرواند، إثنا عشرة درهما، يسحق و يعجن بشراب و يقرص و يجفف إن أزمنت العلة و احتيجت إلى تجفيف قوى.

ص: 400

الفصل الرابع: في الجاورسية406

و أما الجاورسية من بين اصناف النملة فإنها بثور شبيهة بالنفاخات صغار متفرقة مثل الجاورس بيض الرؤوس حمر الاصول و ربما كان معها لذع شديد و ورم و سيلان صديد على حسب حدّة المادة و غليانها و اختلاط المائية بها و سببها تلك الصفراء التى يحدث عنها النملة إذا كانت معتدلة في الرقّة و الغلظة قليلة الحدّة و ذلك لما يخالطها شى ء من البلغم المائى فلا يسعى من موضع إلى موضع، بل يقف في المسامّ الذى يخرج منه و يحدث له حجم مّا بحسب غلظ المادة و لا يعرض معها تآكل لعدم صرافة المرار و لخلوّها عن الحدّة القوية المقرّحة.

و علاجها: الفصد و الاسهال بما يخرج الصفراء و الرطوبات البلغمية مثل طبيخ الهليلج و التمر الهندى و عنب الثعلب و بذر الكشوت و الهندباء مع الترنجبين و السقمونيا و التربد و أن يطلى بعفص و قشور الرمان و صندل و جزمازج و طين ارمنى(1) بماء ورد و قليل خل و قد يحتاج إلى مثل القلقديس و الكبريت عند كثرة الرطوبة البلغمية.

ص: 401


1- 407. ( 2).[ خ. ل: طين بلاقيه« الأرمنى»].

الفصل الخامس: فى الجمرة408

بالجيم هي حبات تظهر متفرقة أو مجتمعة مفرطحة لغلظ المادة و كثرة أرضيتها فتتسفل و تنبسط تحت الجلد و لا ترتفع كثيرا شديدة الحمرة كالجمرة لاختلاط الدم الحادّ بالصفراء و لذا سميت بها. و قيل: إنما سميت بها لأنها تفحم(1) العضو و تسودّه من غير رطوبة كالجمرة في فعلها و فى قلّة رطوبتها، فان الحطب ما دام رطبا يشتعل بالنار فاذا فنيت رطوبته صار جمرا تأخذ كل حبة من البقعة قطعة كبيرة لشدة حدّة المادة و تعمق فى اللحم لغلظها و يكون ألمها ألم نار توضع على العضو لشدة لذع المادة و حرقتها و لذلك سميت بالجمرة و تصير خشكريشة إذ ليست حدّتها و لطافتها و غليانها بحيث يتميز عن مادتها صديد حادّ لذّاع يتقرّح عنه الجلد كما في النملة و لا غلظها و كثافتها بحيث لا تتحلّل و تجتمع و تصير مدّة بل تتحلل منها ابخرة حادّة محرقة للجلد و تفسده و تقشره.

و سببها الصفراء الغليظة الشديدة الحدّة و الرداءة بما يخالطها دم حادّ.

و علاجها: علاج النملة، الّا أنها ينبغى أن تشرط شرطا عميقا ليخرج منها الدم الردى ء المحتقن في العضو و يزاد في أطليتها الكافور لزيادة التبريد و التجفيف و من خاص ما يعالج به الجمرة دردى الخلّ لما فيه من التبريد و التجفيف و التقطيع و قمع المادة الحارّة و دفع الفساد و العفونة يصب على الطين

ص: 402


1- 409. ( 2). أى: تجعله كالفحم، و هو مرادف ل« تسودّ».

الحرّ فإنه يبرّد و يجفف حتى يغلى بسبب خروج الأجزاء الهوائية و البخارية المحتبسة فيه عند نفوذ الخلّ في خلله و الحلول في محل تلك الاجزاء، فعند ذلك يكون تبريده أشدّ و أقوى ثم يذرّ عليه كافور و يطلى لزيادة التبريد و التجفيف.

ص: 403

الفصل السادس: في النار الفارسى410

قال «إبن أبى صادق»: سميت بذلك إمّا لحدوثها ببلاد «فارس» كثيرا، أو لأن من أخذ عنه أولا علاجها كان من «فارس». أما النار الفارسى فهو بثرة تخرج و تبادر بسرعة إلى أن تصير خشكريشة لاحراقها الجلد بكثرة حدّتها و معها تلهب شديد جدا و يكون حيث ما يظهر في البدن خطوط حمراء طاووسية مثل لسان النار إذا ارتفع و لهذا سميّت بها. قال «القرشى»: إنما اختصت بالفارسية، لأن الفرس كانوا يعبدون النار و كانت لهم نار توقد دائما و تلك تكون قوية لا محالة لدوام اشتعالها و التهابها فشبه المرض به بقوته بها، و سمى بها لأن مادتها صفراء محترقة مختلطة بالسوداء و هو قريب من الجمرة الّا أن مادته أشدّ صفراوية و مادة الجمرة أشدّ سوداوية.

و علاجهما واحد، و ينبغى أن يقبل هاهنا بعد الفصد و الاسهال على ما يرقّق الدم و يرطّبه و يزيد في مائيته لتذهب عنه الحرارة المحترقة كماء الشعير و ماء الخيار و ماء البطيخ الهندى، و مما يخصّ به أن يطلى بالحضض و الكافور و لعاب بذر قطونا و لسان الحمل أو يبلّ به خرقة و توضع على العضو و تبدلّ كل لحظة أو يطلى بالعفص مسحوقا بالخلّ لئلا يتسع.

ص: 404

الفصل السابع: في التنفط411

قد يخرج من البدن نفاطات فيها ماء رقيق يشبه ما يحدث من حرق النار و قد يكون فيها دم رقيق إذا لم يكن الغليان شديدا بحيث تتميز المائية الرقيقة الصرفة عن الاجزاء الكثيفة الدموية و هى تحدث من رقة الدم و غليانه بحرارة نارية حتى تتميز عنه المائية و تندفع في اطراف العروق إلى ما تحت الجلد فتجد أى: المائية الجلد أكثر تكاثفا مما تحته فلا تنفذ فيه إلى الخارج حتى تندفع عن البدن بالكلية كالعرق بل تبقى نفّاخة مائية.

و علاجها: الفصد لاخراج الدم الغليانى و كل ما يطفئ حدّة الدم و يغلّظه حتى لا ينفذ فى العروق الليفية إلى ما تحت الجلد من الأشربة و الاغذية مثل شراب الكدر و شراب السمّاق و شراب العنّاب و ماء الرمان و غيره مما قد جمع مع الحموضة عفوصة و قبضا و الطفشيل و هو العدس المقشّر المطبوخ مع الخلّ و العدس بالخلّ و العناب فإنها تبرد الدم و تغلظه و تسكن غليانه و تفقأ النفاطات «بالإبرة» الذهبية و تطلى بعد ذلك باسفيداج الرصاص أو المردارسنج المدبّر بماء الورد و ماء الآس لتبريد الدم و تجفيف القرحة.

ص: 405

الفصل الثامن: في الشرى412413

شرح الأسباب و العلامات ؛ ج 2 ؛ ص406

شرى بثور بعضها صغار و بعضها كبار مسطحة أى: لا يكون لها سمك معتدّ به لغلظ المادة إلى الحمرة ماهى حكّاكة مكربة تحدث دفعة في أكثر الأمر لأنها تحدث عن البخار و قد بعرض أن تسيل منها رطوبة إذا كان حدوثها عن الابخرة الغليظة البلغمية فإنها تصير رطوبات تحت الجلد لانطفاء اجزائها النارية فتترشح عن المسامّ و تعرض في الجلد منها نداوة قريبة من العرق.

و سببها بخار حارّ يثور في البدن دفعة إما عن دم مرارى أى: مخالط للمرار أو عن بلغم بورقى.

و علامة الدموى: أن يكون أشدّ حمرة و حرارة و أسرع ظهورا و أكثر هيجانا بالنهار لزيادة احتداد المادة بسبب حرّ الشمس.

و علامة البلغمى أن يكون إلى البياض و إنما تكون حمرته بسبب اتجاه الدم و الروح إلى الجلد تبعا للطبيعة بسبب اللذع و الحكة و يهيّج في الليل أكثر لما تحتبس تلك الابخرة اللذّاعة تحت الجلد لغلظها و كثافتها و كثافة الجلد و انسداد مسامّاتها بسبب برد الهواء و لذا سميت بنات الليل على ما قال «جالينوس» في «حيلة البرء».

و علاج الدموى: الفصد و تليين الطبيعة بماء الرمان و نقيع الاجاص و المشمش الحامض و التغذى بالطفشيل و القريص المعمول من السمك

ص: 406

الرضراضى مع البقول الباردة مثل الخس و الاسفاناج و البقلة اليمانية بالخلّ و ماء الحصرم و سقى أقراص الكافور و صبّ الماء الفاتر على البدن للارخاء و تليين الجلد و تحليل الابخرة و تسكين لذعها و حدّتها و التدلك بالنخالة و البطيخ أو بذره مدقوقا للجلاء و تفتيح المسامّات و التمريخ بالخلّ و ماء الورد و دهن الورد للتبريد و تسكين حدّة المادة و ردعها و تليين الجلد و تفتيح المسامّ.

و علاج البلغمى: سقى مطبوخ الهليلج و التربد، و سقى السكنجبين العسلى لاختلاط الصفراء مع البلغم و دخول الحمام لتلطيف البلغم و تحليله و التمريخ بسويق الشعير و ماء الكرفس و الخلّ للتقطيع و التحليل و الجلاء و تفتيح المسامّ و ادرار العرق.

ص: 407

الفصل التاسع: في الماشرا414

هو الورم الدموى الذى يظهر في الوجه و الجبهة و ربما يصعد إلى الرأس و يحدث الورم في الغشاء المجلّل للقحف، و قد يعم الأعضاء الداخلة من الرأس و الخارجة منه.

و سببه: سخونة الدم و غليانه في العرق الأجوف الموضوع على الصلب فيزداد فيه حجمه و تشتدّ حرارته و ناريته و يصير رقيقا لطيفا برّاقا لذوبان الأجزاء الغليظة فيرتقى إلى الوجه بطريق الشعب التى تدخل إليه من هذا العرق فإن له شعبا تدخل في الصدر و الحلق و الحنجرة و الوجه و إذا لم يكن الغليان شديدا و بقى للمادة غلظ مّا، يسرى إلى الصدر و الحلق و الحنجرة و المناكب و قد ينزل منها إلى العضدين. و هذا القسم في الأكثر يكون خاليا عن التنفط، لأنه إنما يحدث من الغليان و تميز المائية و الأول أسلم إذا لم يكن معه اختلاط العقل، لأن عند تسفل المادة يخاف انصبابها إلى ناحية القلب.

و علامته: الحمرة الشديدة في الوجه و انتفاخ الرأس بجميع ما فيه من الأذنين و الأنف و الجبهة و الوجنة و غيرها و وجع و ضربان.

و علاجة: الفصد و حجامة الساقين و حلّ الطبيعة بشى ء خفيف لئلا تحتدّ المادة فتنصبّ عند حركتها إلى الأعضاء الشريفة و تضميد الحلق و الصدر عند

ص: 408

الاسهال و نزول المواد بما يقويها لئلا تقبل المواد مثل الصندلين و الماميثا و الحضض و الطين الأرمنى بماء البقلة و الهندباء ثم تبريد الرأس و الوجه بماء الورد و قليل من الكافور و سقى ماء العدس و الكزبرة اليابسة و العنّاب مغلى مصفّى بالسكنجبين.

ص: 409

الفصل العاشر: في الطاعون415

اصله في اللغة اليونانية طيعون فأعرب فصار طاعونا(1). قال «الشيخ»: اللفظة التى ترجمتها بالعربية الطاعون كانت تطلق عند اليونانيين على كل ورم يحدث في اللحوم الغددية- إما الحساسة، مثل: البيض(2) و الثدى و اصل اللسان و اما غير الحساسة مثل ما الإبطين و خلف الأذنين و الأربيتن- ثم أطلقت على الورم الحارّ خاصة الحادّث في تلك المواضع، ثم على الورم الحارّ القتال، ثم على كل ورم يكون قتالا لاستحالة مادته إلى كيفية سمية تفسد العضو و تؤدى كيفية رديئة إلى القلب من طريق الشرايين كما بيّنه المصنف بقوله هو بثر صغير الحجم كالباقلاء أو أصغر أو ورم كبير الحجم على قدر الجوزة أو أعظم جدا يخرج مع تلهب شديد موذ جدا مجاوز المقدار في ذلك الالتهاب بحيث يزعم العليل أن قطعة من الجمر وضعت على ذلك الموضع و يصير ما حوله أسود إن كانت سميّة المادة و إفسادها أشدّ فيفسد الدم و الروح و تعزل الطبيعة و الحرارة الغريزية عن الكدخدائية في ذلك الموضع فتنقطع عنه الحياة و تغلب عليه الحرارة النارية فيعفن ما حوله من

ص: 410


1- 416. ( 2). قال بعض الأكابر في وجه تسمية هذا المرض بالطاعون إن حدوث هذا المرض في كثير من البلاد يكون بأن يرى الانسان في مناامه أنه طعن بالرمح في موضع من بدنه و يستيقظ و حدث بذلك الموضع وجع فيحدث هناك ورم و هذا امر واقع، أو لأن الوجع الحادّث منها يشبه وجع الطعن في الشدة كأنه يستيقظ به المريض.
2- 417. ( 3). أي: الخصية.

اللحوم و الأغشية و يسودّ و يصير كأبدان الموتى، إلّا أن الهلاك يسبق فيه على إماتة العضو أو أخضر أو أكمد إن كانت السمية أقل أو أحمر إن كانت قليلة جدا، و لذلك يكون أسلم الانواع و يحدث معه القى ء لضعف فم المعدة بمشاركة القلب و قبوله للمواد الفاسدة التى تنصبّ إليه، إما لأصلاح حاله أو لثورانها و هيجانها في البدن و الخفقان و الغشى لوصول تلك الكيفية السمية إلى القلب.

و حدوثه يكون إما من مادة سمية تفسد العضو و تغير لون ما يليه إلى السواد أو إلى الخضرة أو الصفرة أو الحمرة بحسب مراتب سميتها و افسادها و تؤدّى كيفيتها الرديئة إلى القلب من طريق الشرايين و يحدث القى ء و الخفقان و الغشى.

و هو في أكثر الأمر قتال إلى الرابع و أكثر ما يحدث في الأعضاء الضعيفة الرخوة، لأنها أكثر قبولا للمواد و أسرع إجابة للعفونة و الفساد لرطوبتها و هذه المادة لخبثها و رداءتها لا يقبلها من الأعضاء الّا ما كان منها ضعيفا عاجزا عن الدفع و خاصة في المغابن مثل الأربية و الإبط و خلف الأذنين فإن هذه الأعضاء مواضع تقاسيم العروق فملئت من لحوم غددية رخوة قليلة الحس لتدعم اقسام العروق و تكون مدافعة قابلة لفضول الأعضاء الرئيسة، و قد يعرض في الأكتاف و الصدر و أعالى البدن من المواضع التى تصل الكيفية السمية منها إلى القلب سريعا و قد يعرض في المواضع الاخر من البدن ايضا في الندرة و أردؤها ما يعرض في الإبط و خلف الأذنين لقربهما من الأعضاء التى هي أشدّ رئاسة فيسرع إليها وصول الكيفية السمية و تتواتر. و قيل: ما يعرض في الاربيتين اردأ مما يعرض فى خلف الأذنيين، لأنه من فضول الدماغ و هو أبرد و أسكن حدّة و ليس بصحيح.

و لا ينبغى أن يفصد في هذه العلة كما لا يفصد الملسوع، لئلا ينتشر السم في جميع البدن بل يصرف كل العناية إلى تبريد القلب لئلا يسخّن بالحرارة المتعفنة التى تصل إليه من العضو الفاسد و تقويته ليدفع عن نفسه ما يتأدى إليه من الكيفية الفاسدة السمية بالأطلية الموضوعة على الصدر مثل الصندل و النيلوفر و الكافور بماء الورد و الكافور(1) له خاصية عجيبة في ذلك لأنه بارد يابس في

ص: 411


1- 418. ( 1). في الفوائد الشريفية: قال الألمعى استاذى: عالجت بعض المطعونين بابتلاع تولجة[ تولة] من الكافور فبرء فى اليوم.

أول الرابعة و ينفعه لإطفاء الحرارة الغريبة و الأشربة مثل شراب الرمان و التفاح و السفرجل و حماض الأترج و الطيوب مثل البنفسج و النيلوفر و الورد و الصندل و الكافور و التفاح و السفرجل و الاغذية المبرّدة المغلّظة للدم ليصير قليل الاشتعال ثقيل الحركة فلا ينبسط في البدن بسرعة مثل العدس و المصوص المعمول من الفراريج و الطياهيج المطبوخ بالماء ثم الموضوعة في الخلّ و القريص المعمول من تلك اللحوم مع البقول الباردة و لا ينبغى أيضا أن يوضع على الموضع طلاء بارد لأنه يجمع العضو و يكثفه و يرد المادة إلى خلف فيخاف رجوعها إلى الأعضاء الرئيسة، و لأنه يطفئ الحرارة الغريزية و يخمدها لضعفها فتشتعل الحرارة النارية و يفسد العضو بل ينبغى أن يشرط الموضع و يغسل بالماء الحارّ ليسيل الدم من مواقع الشرط بسهولة و لا ينجمد عليها و إذا كان العليل جالسا في الخيش و حواليه ثلج يوضع عليه أى: على موضع الورم ما يمنع من البرد أن يصل إليه من الأطلية المعمولة من البرسياوشان و الخطمى و البابونج و الكمادات المتخذة من طبيخ البابونج و الشبت لئلّا يتكاثف الجلد و لا تنجمد المادة و لا تنطفئ الحرارة.

ص: 412

الفصل الحادّى عشر: في الأكلة419

هي تأكل و تعفن و فساد يعرض في الأعضاء.

و سببها: فساد الروح الحيوانى الذى في تلك الأعضاء أو امتناعه من الوصول إلى الأعضاء فإنه إذا فسد في عضو أو انقطع عنه المانع، فقد ذلك العضو القوة التى تحفظ حياته و تعدّه لقبول أفعال الحياة من الحس و الحركة و التصرف في الغذاء و امداده لأن تصير جزءا منه فيفسد و يتعفن و يتفتت كأعضاء الموتى و ذلك مثل ما يحدث عند انصباب خلط اكّال سمّى الجوهر حادّ يفسد الروح لسميته و مضادة جوهره له و يعفن الموضع و يحرقه باستيلاء الحارّ النارى فيسودّ يتفتّت و مثل ما يعرض في الفلغمونى العظيم الحجم إذا بلغ من عظمته أن يسد مسالك الروح فينقطع عن العضو مع أن هذا الورم ايضا يفسد مزاج ما ينفذ إليه من الروح لما يسدّ مداخل النسيم، و المثال الخاص به شدّ أصل عضو من الأعضاء شدّا وثيقا بحيث لا ينفذ فيه الروح فإنه إذا امتدّ ذلك و طال، فسد العضو؛ و مثل ما يعرض عند التبريد الشديد على الأورام الحارّة؛ و مثل ما يعرض عند صبّ الدهن الكثير في القروح الغائرة فيفسد مزاج العضو(1) و يعفّن اللحم.

و علامة الأكلة: أن يعرض عن قرحة تحدث أولا فيتعفن اللحم فيها أو بثرة سوداء تحدث من مادة محترقة حادّة رديئة أو خضرة تحدث لاحتباس الروح

ص: 413


1- 420. ( 2). فإنه ايضا يصدّ المسامّ.

الحيوانى و انقطاعه عنه أو تطويس يحدث لذلك و هو خضرة يشوبها سواد و هو أردأ من الخضرة الخالصة و يبادر إلى السعى و الاتساع سريعا بإفساد ما يجاور ذلك الجزء المألوف من الأعضاء أولا فأولا.

و علاجها: الكى بالنار فإنه يجفّف بالغاية و يزيل عن العضو الرطوبة الفاسدة المانعة من الالتحام المعينة على افساد المجاور و المغيرة لمزاجه و جوهره إلى مشاكلة مزاجها و جوهرها و يمنع أيضا انتشار الفساد لأنه يضيق مجارى المادة و يحدث خشكريشة بين السقيم و الصحيح مانعة من الانتشار و يمنع ايضا نفوذ المادة إلى العضو السقيم ثانيا لذلك و يذيب اللحم الفاسد و الرطوبة الغليظة التى لا تقبل النضج و التحليل و تفنى الاجزاء المتعفنة و يقوى العضو بتسخينه و بانجذاب الحارّ الغريزى المقوّى إليه و لا يعرض منه نكاية و لا ضرر في العضو المجاور و لا يعادله في هذه الافعال شى ء من الادوية أو بالدواء الحادّ إذا لم يكن الفساد في الغاية مثل الزنجار و الزاج و الزراوند المدحرج و القلقطار مع الخلّ و العسل، فإنها تجفّف و تسقط اللحم المتعفن و تحفظ ما حوله من الفساد و التعفن و أن يطلى حواليها بالطين و الخلّ فإنه يمنع الرطوبة الفاسدة عن الانصباب إليها و يدفع العفونة و يجفّف ما فيها من الرطوبة و يوضع عليه أى: على الأكلة الكرنب المسلوق بالسمن حتى يترهل السواد و تسقط بالارخاء و التليين ثم يعالج بعلاج القروح من التجفيف و تنقية الرطوبة الصديدية و الادمال.

و ما حدث من الأكلة من الفلغمونى و هو سقاقلوس فقد ذكر، فيه شى ء؛ لأن سقاقلوس غير الأكلة بحسب الذات و العوارض.

ص: 414

الفصل الثانى عشر: فى أورام المغابن

قد تحدث الأورام في المغابن و هى مثل الإبطين و الأربيتين لا من جنس الطواعين بل خالية من الكيفية السمية المفسدة المعفنة لكن لدفع الأعضاء الرئيسة موادها الفضلية إليها فتقبلها تلك اللحوم الرخوة الغددية التى فيها لضعفها و سخافتها بذاتها و جوهرها و ربما جلبتها قروح و أورام اخرى على الأطراف مثل الساق و الساعد و الأنامل تجرى إليها أى: إلى تلك القروح و الأورام مواد صالحة أو فاسدة بارسال الطبيعة لها طلبا لإصلاحها فتسلك هذه المواد في طريقها تلك اللحوم لأنها في طريق نفوذ المواد إلى الأطراف فتتشبث بها لضعف بنيتها و تحدث الورم فيها و تسمى عندنا بالفارسية باغرة.

و علاجها: التضميد بالمرخيات في الابتداء لتنجذب المواد من العضو الرئيس إلى تلك الأعضاء الخسيسة دون الرادعات، و إن كان استعمالها هو طريق العلاج لئلا تندفع المادة منها و تنصرف منها إلى الأحشاء و الأعضاء الرئيسة فتعظم النكاية و يعمّ الضرر بجميع الأعضاء مثل البنفسج و الخطمى و بذر المرو مع دهن البنفسج و الشمع المصفى بعد تنقية البدن بالفصد و الاسهال كى لا تنجذب إليها مواد كثيرة باستعمال المرخيات عند امتلاء البدن و تقليل الغذاء و تلطيف التدبير لتقليل المواد.

ص: 415

الفصل الثالث عشر: في الدبيلة421

ورم كبير أكبر من الدمل مستدير الشكل على الأكثر لكون مادّته باردة غليظة فلا يصير صنوبريا حادّ الرأس لبرودته و لا عريضا مسطحا لغلظه و لونه كلون الجلد لكونه بلغميا أبيض اللون لا وجع معه الّا أن يكون فيما يحويه حدّة مّا بسبب العفونة فيعرض له وجع و يحتوى على اجسام غريبة لما تستحيل المادة فيها بسبب العفونة و طول الاحتباس و تحليل اجزائها اللطيفة استحالات عجيبة يتغير لونها و قوامها تغيرا فاحشا بسبب الاستعداد مثل: الحماة و عكر الزيت و الطين و الفحم بل مثل الزرنيخ و الجبسين و هو الجص الأبيض المعروف باسفيداج الجصّاصين و قلامة الظفر و الشعر و غير ذلك من أصناف الاجسام الصلبة كالخزف و الحجر و الرمل و فتاة الخشب.

و تولدها من مادّة غليظة غير نضيجة بلغمية تتولد من سوء الهضم لقلة الحرارة و كثرة كمية الأغذية و رداءة كيفيتها فلا يصير جزءا للبدن بل يبقى في الأعضاء و تنصبّ إلى بعض المواضع فتأخذ لنفسها مكانا لكثرتها و عدم نفوذها في الجلد لغلظها حتى تصير كأنها في وعاء كما يجتمع الدم في الفلغمونى في موضع واحد عند ما يصير خراجا فتتولد منها تلك الاشياء لغلظ المادة و رداءتها و عصيانها عن أن تتحلل أو تصير مدّة نضيجة و ضعف الحرارة عن أن تجعلها مدّة بيضاء شبيهة بجوهر الأعضاء الأصلية رقيقة بالنسبة.

ص: 416

و علامتها: أن يكون مغمزها أقل تطامنا(1) من مغمز المدة و الدم إلى الصلابة و هو لغلظ مادّتها.

و علاجها بعد تنقية البدن و تلطيف التدبير: التضميد بالأدهان و الشحوم مثلدهن البنفسج و الورد و الزيت و مثل شحم الايل و الثور و الألعبة الملينة المنضجة مثل لعاب الخطمى و بذر الكتان و الحلبة و بالداخليون، ثم بطّها و تنقية ما فيها في دفعات لئلا تسقط القوة و يحدث الغشى عند اخراج المدة التى لا تخلو من استتباع الروح و الحرارة الغريزية فى الخروج دفعة، لأن الطبيعة لا بدّ و أن تتصرف في جميع الرطوبات و تحميها لئلا يعرض لها الفساد ان كانت صالحة أو لا يشتدّ فسادها إن كانت فاسدة فيفسد البدن و حينئذ لا بدّ و أن يخالطها أرواح تقوم القوى المتصرفة فإذا خرج من الرطوبات شى ء كثير دفعة، خرجت معها ارواح كثيرة دفعة ايضا و يلزم ذلك الغشى ثم الموت و حشوها بعد ذلك بالقطن العتيق حتى تنظفها من الوضر و الصديد بالنشف ثم ادمالها بما ذكر في ادمال القروح.

و من الدبيلات ما يعرف بالدبيلة المنكوسة، تجمع ما تجمع في العمق غائرا بعيدا عن الجلد لغلظ مادتها و ثقلها و هى على الأكثر قاتلة لرداءتها و لأنها تنفجر حين تنفجر إلى الباطن فتفسد ما تمرّ عليه من الأعضاء و لا ينضج ألبتة لغلظ المادة و عصيانها و إذا بطّت، لم يخرج منها غير الدم لشدة غورها فلا يصل أثر البط إليها و يخرج الدم من الجلد و اللحم الذى فوقها الّا إذا وصل البط إلى العظم فرأيت مدة من جنس ما ذكر كالحماة و عكر الزيت أو جسم غريب من الاجسام المذكورة.

و علاجها: العلاج المذكور من التليين و الإنضاج و البط مع الاستقصاء في تعرّف نضجها فإنها لغلظ مادتها لا تنضج بسهولة، و لغور موضع المدة و بعده عن الحس لا يظهر نضجها ظهورا بينا و مبالغة في علاجها لرداءة مادتها.

ص: 417


1- 422. ( 1). أى: انخفاظا.

الفصل الرابع عشر: في الخراج423

الخراج هو ما تجمع المدة من الأورام الحارّة الكبيرة الحجم.

و حدوثه يكون من مادة غليظة دفعتها الطبيعة إلى عضو فلم يمكن أن ينفذ في الجلد و يتحلّل عنه بالرشح و العرق و البخار لغلظها و لا ايضا يتشرّبها اللحم فيترهّل كما الاستسقاء اللحمى ففرقت اتصاله لغلظها تفريقا ظاهرا و أسكنت في خلل ما تفرقت منه، ثم ابتدأت تعفّن و يعفّن اللحم الذى حولها بالسخونة التى حدثت فيها من الحرارة النارية حتى تجتمع المدة في ذلك الفضاء ثم تنضج تلك المدة ثم تنفجر بافساد الجلد الذى عليها و تأكله.

و علامة الجمع اشتداد الوجع و أن يوجع متمدّدا عند الحس لزيادة حجم المادة و تخلخلها بالغليان عند الإنضاج و علامة نضج المدة سكون شدة الوجع لزوال الموجب لاشتداده و هو الطبخ و أن يتطامن و ينخفض تحت الأصابع عند اللمس لرقة قوام المادة و ذهاب غلظها و صلابتها و لزوال التمدد المفرط اللازم للطبخ.

و علاجه: أما في أول الامر فالفصد و الاستفراغ، و أما عند الجمع فالتضميد بما ينضجه مما فيه مع الحرارة تغريه أيضا؛ أما الحرارة فلأن النضج طبخ و الطبخ مفتقر إلى حرارة معتدلة، لأن المفرطة محرقة و المقصرة ليست تعمل في ذلك شيئا؛ و أما التغرية فليلتصق شى ء بلزوجته على المسامّ ليسدّ المسامّ

ص: 418

و تعكس الحرارة الغريزية إليه أيضا و يمنعها عن التحلل و التلاشى فيقوى النضج لأنها هي المنضجة بالحقيقة مثل الخطمى و بذر الكتان و الخمير و التين العلك.

و عند النضج و ظهور علاماته يبط إن لم ينفجر بنفسه إما لغلظ الجلد أو لغلظ المادة و عدم قبوله للنضج التام المنفجر من ذاته، و ذلك لأن من طول احتباس المدة في العضو يخاف فساد أو تاره و أعصابه و عضلاته و فيه آفات كثيرة و يوقع البطّ في أسفل موضع منه لتخرج المدة بنفسها على التمام بسهولة و لا يحتاج في إخراجها إلى إمالتها بالقسر إلى أعلى مواضع العضو و فى أرقّه ليكون ايجاعه أقل و الحامه أسرع و أشدّ نتوءا لأن هذا الموضع هو الذى يكاد الطبيعة أن تخرج المدة منه فيكون التدبير الصناعى موافقا للطبيعى بعد أن يكون الشق ذاهبا في طول البدن لأن طول ألياف الأعصاب مع طول البدن فلو وقع الشقّ في عرضه انقطع الليف و بطل فعل العضو إلّا إذا كان للعضو انثناء مثل الإبط و الأربية فيذهب به عند ذلك مع الأسرّة هي جمع سرار مثل أحمرة جمع حمار و هى الغضون التى تكون في الأعضاء و هى في الأكثر تحدث بسبب انثناء الجلد و انعطافه بحيث لا مقاومة و لا ممانعة لها من جهة الليف فهى تدل على أن هناك مذاهب الليف إلّا في الجبهة فإنه يجب فيها أن يخالف الأسرّة لأن وضع أسرّتها العرض و هو مخالف لوضع الليف لأنه في الطول فلو اتبعت الأسرّة في البطّ سقطت عضلة الجبهة على الحاجب و العين كما فعل «اندرماخس» بابنة الملك و يخرج ما فيه فى دفعات إن كان كثيرا لئلا تسقط القوة بتحليل الروح ثم ينظف ما فيه من المدة و الوضر و الصديد بالقطن العتيق و يدمل بالمراهم المدّملة المتخذة من مثل الاسفيداج و التوتيا و الجلنار و العفص و دم الأخوين و الانزروت.

ص: 419

الفصل الخامس عشر: في الدمل424

الدماميل بثور كبار صنوبرية الشكل لأن حدوثها من دم غليظ له كيفية حادّة فمن حيث غلظه تصير البثرة ذات حجم و من حيث حدّته تميل إلى ظاهر البشرة و يصير رأسها حادّا أحمر اللون مؤلمة في ابتدائها لعدم النضج و هى أيضا من جنس الخراجات التى ابتداءها ابتداؤها الأورام الحارّة و مآلها إلى الجمع دون التحليل لغلظ مادتها و دون الصلابة لحدتها.

و سبها: دم حادّ تخالطه رطوبة غليظة فاسدة تتولد من رداءة الهضم و الاكثار من الاغذية المولّدة للدم فتمتلئ منه العروق الكبار و الصغار و تنفتح أفواهها و يسيل منها إلى داخل التجاويف و الفرج التى في جرم الأعضاء اللينة التى يمكن لهذا الدم توسيع منافذها و ضغط ما يمانعه من جوهر الأعضاء.

و علاجها: الفصد و الاستفراغ و تقليل الغذاء و هجر اللحمان و الحلاوى و سقى السكنجبين لتقطيع الرطوبة الغليظة و تسكين حدّة الدم و قمع عاديته و أن يوضع عليها عند الابتداء الرادعات إلى ثلاثة ايام كما هو علاج الأورام الحارّة و متى أرادت التجمع، يوضع عليها بذر قطونا مع بياض البيض لتسكين حدّة الدم و ثورانه و لترطيبه و يجمع الحرارة الغريزية في الباطن بتسديد المسامّ و لتليين العضو و إرخائه فيسهل اجتماع المادة في موضع منه و متى جمعت، يوضع عليها ما ينضجها مثل التين بالعلك المدقوق لأنه حارّ ملطف مقطع فيه لزوجة بها

ص: 420

يسدّ المسامّ و يجمع الحرارة مع بذر المرو لأنه حارّ بالاعتدال ملطف و فيه لعابية مغرية مسددة للمسامّ باللبن لأنه ايضا حارّ باعتدال و فيه لزوجة تلتصق بالأعضاء و يسدّ المسامّ و العسل لأنه حارّ ملطف يمصّ ما في الأورام من المدة إلى الظاهر أو عجين الحنطة لأنه يجذب المواد من عمق البدن و فيه حرارة منضجة بشى ء من البورق لأنه ايضا يجذب المواد إلى الظاهر و دهن بذر الكتان لأنه يلين الأورام و يسدّ المسامّ للزوجته و يعين على النضج لحرارته.

فإذا نضجت، فقلّما يحتاج إلى المفجرة لحدّة المادة و لما في هذا الطلاء من البورق و العجين و العسل الّا ما كان منها مستديرا أو مفرطحا و يدل ذلك على غلظ المادة و انها لم تنازع الجلد في الاندفاع و طلب النفوذ إلى الظاهر لقلة ما فيه من الحرارة الموجبة للبروز و هذا النوع ربما انفتح في ثلاثة مواضع و أكثر بخلاف ما يكون له رأس حادّ فإنه ينفتح منه و يحتاج في هذا النوع إلى المفجرات مثل الخمير الحامض و زبل الحمام و بذر المرو و النورة الحية مدافة كلها في صفرة البيض و العسل و استعمال الحديد أولى من هذه المفجرات، لأنها لا بدّ و أن يعفن قطعة من الجلد فيعسر البرء لذلك.

فإذا انفجرت و خرجت المدة، تعالج بالمراهم المنبتة المتخذة من الجلنار و دم الأخوين و العفص و اقليميا الفضة مع الشمع و الدهن و الذرورات الخاتمة المتخذة من الجلنار و المرو و الصبر و العروق الصفر و العفص إن احتيج إليها و هو إذا كانت القرحة رطبة رهلة كثيرة الوضر و الصديد.

ص: 421

الفصل السادس عشر: في الورم الرخو425

هذا الورم يسمى أوذيما و هو ورم أبيض لبياض الخلّط الفاعل مسترخى لكثرة مائية الخلّط و نفوذها في العضو فيستفيد منها لينة و رخاوة و لذلك كلّما كان الخلّط أرقّ، كان الورم أرخى و أسهل انغمازا لا حرارة فيه و لا وجع لأنه من سيلان رطوبة رقيقة و الرطوبة من الكيفيات المنفعلة و البرودة التى لها هي من أضعف الفاعلتين، و أيضا الرطوبة الرقيقة تلين العضو و ترخيه و تعده للامتداد فلا يتألم كثيرا من تفرق الاتصال و هى ايضا إذا تشرّبها العضو تبلّد حسه و عرض له الاسترخاء كما تبين في الاسترخاء و ينبغى أن لا يظن أنه عديم الألم اصلا، لأن البلغم يؤلم بالبرد و التمديد لكن يكون إيلامه قليلا.

و علامته: أن يكون مع أدنى متانة لأن مادته و إن كانت رقيقة كثيرة المائية لكن ليست بمائية صرفة و له ثقل و يغوص فيه الإصبع لرخاوته بخلاف الانتفاخ فإنه لما يحدث عن رياح بخارية لا تنخفض عن الغمز لشدة التمدد و يبقى اثره فيه لبطء حركة المادة و عسر معاودة أجزائها عن الموضع الذى تباعدت عنه.

و علاجه: اسهال البلغم و هجر المرطّبات و التضميد بالخلّ لأنه يقطع البلغم و يجففه تجفيفا بليغا و الماء الممزوجين ليسكّن حدّة الخلّ و لذعه مع النطرون لأنه يلطف و يجفف و يحلل و يقطع و أن يدلك بالزيت لأنه يلين و يحلل

ص: 422

و الملح لأنه يحلل و يفنى من الجسم الذى يلقاه ما فيه من الرطوبة حتى لا يدع فيه شيئا و يوضع عليه خرق مشربة بماء الورد و رماد البلوط و الكرم لينشف الرطوبة و يجففها أو يطلى بطلاء التربل(1) المعمول من الملح و رماد الكرم و خثى البقر و الشب و الصبر مع الخلّ.

ص: 423


1- 426. ( 1).[ خ. ل: الترب].

الفصل السابع عشر: في الورم الريحى427

منه ما يكون عن بخار سلس لطيف لما فيه من الاجزاء النارية فيشبه التهبج من حيث إنه للطافته يداخل جوهر العضو و يخالطه و منه ما يكون عن بخار ريحى فارقته الاجزاء اللطيفة النارية و عرض له غلظ مّا و يسمى نفخة و هو لا يدخل جوهر العضو بل يجتمع موضع واحد إما في جوف العضو كما في المعدة و الأمعاء، أو في غيره كما في ما بين الأغشية المجلّلة للعظام و العظام و الاغشية المجللة للعضل و العضل، يكون لغلظه ساكنا راكدا غير متحرك و لا سلس.

و علامته: أن يكون خفيفا كالزق المنفوخ ينغمز قليلا بالاصبع و يرجع سريعا و لا يبقى له أثر لسرعة حركة الريح إلى الاجتماع.

و علاجه: بعد هجر المنفخات و تلطيف التدبير أن يكمد بدقيق الشعير أو بالجاورس المسخّن أو يضمد برماد الكرم معجونا بماء السرو و الطرفاء و الابهل فإنه يقطع و يجفف الرطوبة التى هي مادة الريح و يكثف العضو و يجمعه و يشدّه فلا ينفذ فيه الريح.

ص: 424

الفصل الثامن عشر: فى السلعة428

و هى ورم عظيم متبرئ عن اللحم غير ملتزق به حتى يمكن أن يقبض عليه لأنه متميز عن العضو منفصل عنه و يتحرك عند التحريك في الجوانب كلها من القدّام و الخلّف و اليمين و اليسار، لأنه تحت الجلد و تعلقه بالعضو إنما هو بالجلد فقط و هى مختلفة العظم من الحمصة إلى البطيخة و لها كيس يحويها من جميع الجوانب.

و تولدها يكون من بلغم غليظ عرض له برد و يبس فازداد غلظا و لذلك قد يلحق بالأورام السوداوية.

و هى اصناف أربعة: الشحمية سميت بها لشبهها بالشحم في اللون و القوام، و مادتها أغلظ و أبرد جدّا، و لذلك يكون لونها إلى البياض و لا ينغمز و لا تتطامن عند الغمز و العسلية و سميت بها لشبهها بالعسل في اللون و القوام و مادتها ألطف و أرقّ من الجميع، و لذلك تكون لها عفونة ما و تميل إلى الصفرة و تتطامن عند الغمز أقلّ من المدة و ترجع سريعا و الأردهالية و سميت بها لشبهها بالأردهالة و هى فارسية فإن «آرد» بالفارسية هو الدقيق و «هالة» هو السمن المتخذ من الزبد المذاب و يطلق على حسو غليظ معمول منهما كالعصيدة، و مادتها أغلظ و أجف من العسلية و لذلك تكون غليظة مائلة إلى السواد و الشيرازية و سميت بها لشبهها بالشيراز في البياض و الغلظ و هو ايضا فارسى يطلق على صبغ يعمل من اللبن كالحسو الغليظ

ص: 425

أعنى أنها تحتوى على مثل هذه الاشياء.

و الشحمية أصلب الانواع و يحسّ صاحبها بألم يسير عند اللمس لأن مادتها لغلظها لا تنفذ في جوهر العضو حتى تبلّد حسه فيتأذى عند اللمس لصلابة الورم و أما الثلاثة الأخر فيعمّها لين الملمس و قلة الحس لأن العضو يتشرّب من موادها لرقّتها فيتبلّد حسه.

و علاجها جميعا: تنقية البدن من البلغم الغليظ لئلا يتزايد، و إلزامها الأضمدة المحلّلة كالدياخليون و نحوه. هذا إذا تلو حقت في الابتداء إذ حينئذ يمكن أن يزول و يتحلّل بها لقلة المادة و قلة صلابتها و أما إذا عظمت و جاوزت عن الابتداء و تحلل لطيف المادة و ازداد غلظها صلابة و غلظا، فليس لها لاستحالة تحلّلها إلّا أحد الامرين: إما التعفين بالأدوية المعفنة مثل الأشق و رماد اصول الكرنب و النورة و الصابون و الزرنيخ مع دهن الورد و إما الشق عليها و اخراجها مع غشائها الذى يسمى كيس السلعة بأن يمد الجلد الذى فوق السعلة ب «صنانير» ثم يسلخ سلخا جيدا حتى يخرج الكيس صحيحا بما جوفه، فإنها إن لم تخرج مع الكيس و بقى منها شى ء، عسر اخراجه و عاد الورم و النوع الذى يسمى الشحمية فقلّما تنجع فيه الادوية المحلّلة لغاية غلظها و متانتها و لا المعفّنة كذلك ايضا و لا دواء لها الّا اخراجها على ما ذكرنا.

ص: 426

الفصل التاسع عشر: في الغدد و العقد429

الغدد منها طبيعى مثل الغدد التى في أصل اللسان تولد اللعاب و التى عند قرب أوعية المنى تولد المذى و التى في العنق و الإبط و الأربية تملأ مواضع تقاسيم العروق و منها غير الطبيعى و هو ما يجرى مجرى الزوائد في البدن. فأما غير الطبيعى فهو جسم صلب يتولّد من الفضل الغليظ السوداوية البلغمية و أكثره بلغمى ينعقد بالبرد و اليبس و يزداد غلظا و صلابة و الفرق بينها و بين السلع أنها لا تقبل الزيادة لأنها لشدة الصلابة لا تتمدّد و لا تنمو فإذا توجهت إليها مادة أخرى غليظة و انصبّت إليها، تولّدت غدة أخرى بجنبها و ليس لها غلاف فيه نظر و أنها غير لينة بل تكون صلبة بخلاف السلعة فإن أصلبها و هى الشحمية لا تخلو من لين مّا.

و علاجها: أن تضمد بالدياخليون و يشدّ فوقها قطعة أسرب ثقيلة شدّا وثيقا ليقدعما(1) و يرضّها فربّما تحلّلت و ذهبت و ربما لانت و دقّت فيعالج عند ذلك بعلاج السلعة اللينة من الأضمدة المحلّلة.

و من أورام الغدد نوع يسمى فوجشلا في عبارته شى ء(2) و كأنه يخصّ بهذا الاسم ما يكون خلف الأذنين.

ص: 427


1- 430. ( 2). أى: يضعفها. هذا اذا كان من القدع، و أما اذا كان بالفاء و الغين المعجمة فمعناه الكسر و الآخر موافق لما قاله بعض شرّاح القانون.
2- 431. ( 3). لأن الغدد لا يطلق[ الّا] على اللحوم الغددية[ لا على أورامها].

و علاجه: علاج سائر الغدد، فيه غلط فاحش؛ لأن فوجشلا ليس من انواع الغدد، بل هى من أنواع الورم الذى يحدث في اللحوم الغددية و لا يذهب مذهب الطواعين، و لو قال: «و علاجه علاج سائر الأورام الغددية»، يسقط عنه الاعتراض و مما يخصّه رماد الحلزون فإنه يحلّل الأورام الجاسية بشحم عتيق غير مملّح فإنه يلين و يرخى و يحلل أو رماد إبن عرس فإنه يحلل تحليلا شديدا بقيروطى بدهن السوسن ليزداد تحليله و يحصل له مع ذلك ارخاء و تليين.

و قد تعرض ايضا بثور غددية صغيرة.

و علاجها: شدخها أى: شقّها و تنقية ما فيها من البلغم الغليظ و شد الأسرب عليها ليمنعها عن المعاودة بثقله و ضغطه لها.

فأما العقد فإما أن تكون ريحية تظهر في المواضع المعرّاة من اللحم نحو ظهر الكف و القدم و الجبهة كالبندقة و الجوزة و ما دونهما تتفرق و تغيب عند الغمز عليها، فيه نظر؛ فإن «صاحب الكامل» و «إبن أبى صادق» و غيرهما قد صرحوا بأن هذا النوع من العقد من مادة لم تنعقد بعد غدد و لذلك تتفرق و تعود فإذا انعقد بآخره، لم يتفرق و لم يعد و لعل المصنف إنما يزعم أنها ريحية بسبب تفرقها و رجوعها و هى إما مع ألم إن كانت لمادتها ملوحية أو بورقية و إما بلا ألم إن كانت فجة غليظة:

فإذا كانت بلا ألم، فعلاجها: أن تفرك و تدقّ بخشب حتى تتفرطح و تتفرق ثم تضمد بالصبر و الحضض و الاقاقيا و غرى السمك ليجمع العضو و يمنع المعاودة و توضع فوقها قطعة أسرب ثقيلة و تشدّ شدّا وثيقا لما قلنا.

و إذا كانت مع ألم فينبغى أن تمرخ بالقيروطى ليسكّن الألم بالارخاء و التليين و تعد المادة للتحليل و ينطل بالنطولات المحلّلة مثل طبيخ أصل السوسن الآسمانجونى و اصل الخطمى و الزوفا و الإكليل و بذر الكتان و البابونج و القرطم المرضوض.

و إما أن تكون لحمية يستحيل ما في تجويفها إلى جنس اللحم الغددى و هى تحدث فى جميع الأعضاء بخلاف النوع الأول صلبة الملمس تسمى الثآليل المندفنة لشبهها بالثآليل في الصلابة، و قال «إبن أبى صادق» و «إبن النيلى» في شرحه ل «تلخيص مسائل حنين»: ان هذا الجنس يسمى سلعا و يعظم جدا و الثآليل إنما هي بثور صغار.

ص: 428

و علاجها: إخراجها إن كانت في اللحم فتخرج قطعة لحم منقطعة و إن كانت فيما دون ذلك اللحم، تلين بالأضمدة لما يخاف من اخراجه وقوع بلية عظيمة من قطع عصب أو وتر أو وريد أو شريان.

و قد تنعقد الأعصاب عند كدّ يلحقها لما ينصبّ إليها مادة يتحلل لطيفها و يبقى كثيفها بسبب كثرة حركة الأعصاب، أو تغلظ و تنجمد بسبب برد مزاجها و عقدها يشبه السلع فى نتوئها و قبولها للانغماز و يفارقها بأنها لا تزول من كل جهة كالسلع بل تزول يمنة و يسرة لأن زوالها إلى قدّام و خلف انما يتمّ بتقلّص العصب أو تمديده و ذلك عسر لا محالة، و أما حركته إلى اليمين و اليسار فيكفى فيها زوال العصب إلى تلك الجهة و ذلك غير متعسر.

و علاجه: التمريخ بالادهان أياما لتلينها و ترخيها ثم دخول الحمام و التمطى و التمديد فيه لتتحلل المادة و تتبدد.

و قد يحدث من شق العصب أى تفرق اتصاله له طولا و هتكه أى: تفرقه طولا عند اطراف العضلات عند ما يبرأ صلابة و يحدث ايضا في الأعضاء بعد انجبارها صلابات و دشابد و هى أجسام بيض صلبة شبيهة بالعصب تحيط بموضع التفرق عند التصاق أحد طرفيه بالآخر- و هذا هو معنى انجبار مثل العظم و الغضروف- و لذلك لو أزيلت تلك الدشابد عن مواضع الشقّ لشوهد هذا الشقّ باقيا و هذه الدشابد قد تنعقد أعظم مما ينبغى بحيث تضرّ بفعل العضو خصوصا إذا كان بقرب المفصل(1).

و علاجها: التمريخ بالادهان و الشحوم و المخوخ حتى تسترخى؛ فإن لم ينفع ذلك، شقّ الموضع و شرح اللحم بحيث يمكن من تحت الدشبد، أو وضع عليها المراهم الأكّالة لذلك الزائد.

ص: 429


1- 432. ( 1).[ خ. ل: العضل].

الفصل العشرون: فى الخنازير433

هى تشبه السلع في النتوء و قبول الانغماز و تفارقها في أنها غير متبرئة تبرأ السلع بل هى متعلقة باللحم لا تزول من موضعها إلى جهة من الجهات في الأكثر و ربما كانت متحرّكة كالسلع في الابتداء و صلابتها أشدّ؛ لأن مادتها أبرد و أغلظ خصوصا ما يكون العنق، لكونها من فضول الدماغ و يظهر في سطحها شبيهة بالعقد و العجز، لغلظ المادة و صلابتها و ميلها إلى السوداء و هى تحدث في اللحوم الرخوة و خاصة في العنق لأن مادتها غليظة جدّا فلا تنفذ الّا في اللحوم الغددية و تكون في الأكثر جماعة و عدة يضمّها كيس واحد و قد يكون لكل واحد منها كيس خاص كالسلع و قلّما يكون خنزير شديد العظم، لأن مادتها لشدة غلظها و قلة رطوبتها تنقطع و تتفرق أجزاء متعددة متميزة و سميت خنازير لكثرة عروضها للخنازير لنهمها و شرهها و كثرة تخمها، و قيل: لأن شكل رقاب اهلها يشبه رقاب الخنازير في أنها لا تميل إلى اليمين و اليسار، و قيل: لأنها كثيرة العدد كما ان الخنازير كثيرة الأولاد، أو لأنها لا تكون الّا جملة كما أن الخنازير أيضا لا توجد الّا جملة و حدوثها يكون من سوء الهضم و التخم فتجتمع لذلك في البدن رطوبات غليظة فجة تنصبّ إلى تلك الأعضاء.

و علاجها: تنقية البدن من البلغم الغليظ بالقى ء و الاسهال و تقليل الغذاء جدا و تلطيفه و الرياضة على الخواء لتقلّ من البدن المادة المولّدة لها ثم

ص: 430

تحليلها بالأضمدة المحلّلة مثل الخردل و بذر الأنجرة و زبد البحر و الزراوند و المقل و الأشق و الزيت العتيق و الشمع و مثل الزفت و العنصل و اصل الكرنب و اصل الكبر و المقل و الترمس بالخلّ و العسل و الزيت العتيق و لمرهم الداخليون خاصية في تحليلها بل في تحليل سائر الأورام الصلبة و خاصة إن عجن معه الايرسا المسحوق و هو أصل السوسن الآسمانجونى لخاصية فيه ايضا. فإن تحللت، و الّا عولجت بالأضمدة المنضجة و المفجرة مثل دقيق الشعير و الترمس المعجون بالزفت و بول صبى لم يحتلم ثم دويت بعد الانفجار كما تداوى القروح بأن يستعمل عليها أولا بعد الانفجار ما ينقيها من المواد الفاسدة مثل الفلدفيون و الديك برديك و يستتبع بالسمن حتى يسقط ما قد أكله الفلدفيون، فإذا نقّى و تنظّف، يستعمل عليها مرهم الزنجار حتى يندمل.

و نوع من الخنازير يكون منبسطا لا يظهر عن الجلد ظهورا كثيرا لرقة مادتها و تتقرّح لخبثها و رداءتها و تغيرها إلى العفونة و الفساد فتكون صورتها صورة التين الفجّ إذا شقّ؛ لأن المواد اللزجة إذا تعفنت و تحلل لطيفها، تفرقت الأجزاء الغليظة الباقية منها و انعقدت و تحبّبت و هو شرّ أنوع الخنازير.

و علاجه: قلعه بالحديد و استئصاله بالكلية، لئلا يعود ثانيا، و كيّ الموضع لأن هذه الجراحة لخبث مادتها لا تندمل بسهولة فيحتاج فيها إلى ما يفني المواد الفاسدة و يجفّفها تجفيفا بالغا.

ص: 431

الفصل الحادّى و العشرون: في الورم الصلب

و هو الذى يدافع المجسة غاية المدافعة. و انما سمى به مع أن الصلابة لازمة لجميع أنواع الأورام السوداوية، لأنه لما اختص كل من الانواع الباقية بإسم مخصوص خص هذا النوع بالاسم العام و يسمى سقيروس و ترجمته في اللغة اليونانية الورم الصلب.

يكون اما من المرّة السوداء بأن تنصبّ إلى عضو أو تتولد فيه، و إما عن البلغم الذى قد غلظ لفرط استعمال المبرّدات القوية المجمدة عليه أو المحلّلات القوية التى تحلّل اللطيف و تبقى الكثيف. و قد يكون مركبا منهما.

و الذى من السوداء علامته: أن يكون صلبا جدا، لأنها أغلظ و أيبس بارد المجسة كمد اللون كأنه علاه زغب لما يتقشر الجلد لغلبة الارضية و الجفاف عادما للوجع لخلو المادة عن الخبث و الرداءة و يكون العضو عادما للحس أيضا إن كان سقيروسا خالصا أى: سوداويا صرفا، لأن الأبخرة الغليظة السوداوية يخالطها الروح النفسانى فيمنعه من النفوذ فى العضو المتورم و لهذا صار بعض اصحاب ماليخوليا يصيبهم الخدر و قلة الحس أعصابهم لما يغلظ الروح في أدمغتهم باختلاط الأبخرة السوداوية فلا ينفذ فى الأعصاب، كما حكى «روفس» عن الرجل الذى لا يحسّ بالجوع و لا بالعطش و لا بألم الضرب و لا بكيّ النار، أو لأن العضو يصلب و يغلظ و يتكاثف بسبب نفوذ السوداء فيه فلا ينفذ فيه الروح، مثل جلد العقب و غيره من الأعضاء إذا صلب بكثرة الحركة و يتلزر و يتكاثف فلا ينفذ فيه

ص: 432

الروح الحساس، و لأن(1) العصب يصلب و يتكاثف لغلظ السوداء و ارضيتها فلا ينفذ فيه الروح الحساس.

و الذى من البلغم علامته: أن يكون لون البدن أبيض باردة المجسة ليس بتلك الصلابة لأن مادته أرطب و أقلّ أرضية و أكثر ما يحدث الورم الصلب بعقب الأورام الحارّة إذا كثر عليها استعمال الاطلية المبرّدة المقبضة فتجمد المادة و يغلظها خصوصا الدموية منها، لأنه أغلظ قواما بل إنها قد تنتقل إلى الصلابة بدون استعمال تلك الاشياء بسبب حرارتها المحلّلة للطيفها و رطوبتها القابلة.

و أما العديم الحس الشديد الصلابة، فلا برء له؛ لأن المادة بعد ما صارت بهذه المرتبة من الصلابة و التحجر لا يمكن أن تلين و لا أن تنضج و لا أن تتحلل و أما الذى معه حس مّا و لم يكن بتلك الصلابة و هو سقيروس غير الخالص، يعالج بالمعالجات المحلّلة مثل الدياخليون و الأشق و المقل و الميعة و الأمخاخ و الشحوم و الأدهان و الألعبة بعد سقى الأدوية المسهلة المنقية للسوداء و البلغم.

ص: 433


1- 434. ( 1).[ كذا كان في جميع النسخ و الظاهر أن« الواو» زائدة].

الفصل الثانى و العشرون: في السرطان

السرطان ورم سوداوى تولده من السوداء الاحتراقية عن مادة صفراوية صرفة و هو المتقرح أو بلغمية محترقة فيها مادة صفراوية و قد احترقت معها و هو غير المتقرّح الأكثر و قد يتقرح إذا استحالت المادة إلى ضرب من العفونة و الخبث و الفساد و ليس تولده عن الصنف العكرى من السوداوى كالسقيروس، لأن السوداء العكرية سوداء طبيعية باردة يابسة خالية عن الحدّة و السرطان ورم مؤذ مؤلم فلا يكون تولده الّا عن مادة محترقة.

و علامته: أن يتبدئ ورما مثل اللوزة أو أصغر ثم يتزايد على الأيام لكثرة المادة، و لذلك تمتلئ منها العروق التى حوله مع صلابة شديدة و كمودة في اللون و استدارة فى الشكل لغلظ المادة و أدنى حرارة في المجسة لاحتراق المادة و حدّتها و اذا أخذ يكبر، تظهر عليه عروق حمر و خضر شبيهة بأرجل السرطان و يكون له أصل و اغل فى الجسم شبيهة ببطن السرطان، لأن المادة بكثرتها تمتلئ منها داخل العروق و خارجها و لغلظها لا تتحلل و لا تتحرك بل تبقى على حالها فيظهر من هذا الورم المستدير. و حدوث تلك العروق حوله شكل شبيه بالسرطان و لهذا سمى به. و قيل: إنما سمى به لأنه يتشبّث بالعضو كما يتشبّث السرطان بما يصيده.

و المتقرح منه أسود القرحة لخبث المادة و احراقها غليظ الشفاة لغاية اليبس و الصلابة حمراء أو خضراء منقلبة إلى خارج لما تتمدد لغلظها و صلابتها

ص: 434

فتنقلب إلى الخارج يسيل منها صديد ردى ء منتن بسبب الاحتراق في بعض و التعفن في بعض.

و هو في الجملة داء عيّاء للطبيب لا مطمع في برئه؛ لأن غير المتقرح منه لا يمكن أن يتحلّل، لأن الأدوية الضعيفة التحليل لا تقدر على تحليل السوداء المحترقة و القوية التحليل تحلل اللطيف فيزداد الباقى صلابة و تحجرا، و لا يمكن أن ينضج و يصير مدة لشدة الاحتراق و الترمد و غلبة الجفاف. و أما القطع فهو ايضا غير ممكن؛ لأن له عروقا تسقيه من جوانبه لا يمكن استئصالها بالكلية لخفاء أكثرها و مداخلتها لجوهر العضو و إذا بقى بعض منها بعد القطع تولدت فيه المادة الخبيثة و حدث هناك سرطان آخر(1)، مع أن فى هذا العلاج تعذيبا للمريض و تذويبا له و تعريضا للهلاك و ربما كان في هذا العضو شرايين و عروق كبار يعرض لها عند القطع التفرق و نزف الدم، و عند الربط تنال الآفة إلى كثير من الأعضاء و تتولد سرطانات أخرى(2). و أما الكى ففيه خطر عظيم سيّما إذا كان بقرب الأعضاء الشريفة. و أما المتقرح منه فلا يمكن أن يندمل أصلا لخبث المادة و فسادها.

و إنما المقصود من معالجته أحد أغراض ثلاثة: منعه من أن يزيد، و حفظه من أن يتقرح، و مداواة المتقرح منه حتى يندمل قرحته بل حتى لا يزيد و يسكّن لذعه و ألمه و هذه الأغراض تتم باستعمال الأطلية و المراهم الموصوفة للسرطان المتقرّح و غير المتقرّح المذكورة في القرابادين و نحن نذكر نبذا منها: أما المانعة فمثل حكاكة حجر الرحى مع حكاكة الاسرب و دهن الورد و ماء الكزبرة و ماء عنب الثعلب.

و أما الحافظة فمثل اسفيداج الرصاص و الطين الأرمنى و عصارة الخس و الزيت.

و أما المدملة فمثل اسفيداج الرصاص و التوتيا المغسول بدهن الورد بعد تنقية البدن من الفضل السوداوى بالفصد و الاسهال و تبديل دم البدن بدم رقيق مائى بعيد عن الاحتراق لئلا تزداد مادة السرطان بالاغذية المرطّبة الجيدة الخلّط مثل لحوم الفراريج و الجداء و الحملان و السمك الرضراضى مطبوخا مع القرع و الشعير و البقلة اليمانية و الأشربة المرطّبة مثل شراب البنفسج و النيلوفر.

ص: 435


1- 435. ( 1). روى عن بعض القدماء أنه قطع ثديا مسرطنا لامرأة قطعا مستقصى فحدث في الثدى الأخرى.
2- 436. ( 2). لرجوع المادة الخبيثة الموجبة لحدوث السرطان الى موضع آخر.

الفصل الثالث و العشرون: في العرق المدنى437

و هو أن تحدث على البدن إما على الساقين أو الفخذين أو المعصمين أو العضدين و قد يحدث في الندرة على الجنبين بثرة فتنتفخ ثم تتنفط ثم تتثقب فيخرج منها شى ء شبيه بالعرق أحمر إلى السواد على دقة الإبرة و أغلظ لا يزال يطول إلى شبر و أكبر حتى يخرج بتمامه و ربما كان لها حركة كدودة تحت الجلد.

و سببه فضول رديئة من دم حارّ سوداوى أو بلغم محترق تحصل في العروق الواغلة فى اللحم و حرارة مفرطة تشوى تلك الفضول و تجففها و تعقدها فتصير في هيئة العرق لأنها تتولد في جوف العروق فتتشكل بشكلها فتدفعها الطبيعة على سبيل دفع الفضول فصارت إلى بعض الشعب الدقاق فتفتحه و يتثقب الجلد لشدة اندفاعها و ظن بعضهم انه حيوان يتولّد من أخلاط فاسدة متعفنة في العروق متكيفة إلى الكيفية التى تتولد منها الديدان فيتحرك في العروق و يخرج منها.

قال «القرشى»: و هذا هو الحق، فإنّا شاهدنا من خرج منه ذلك و تحرك بعد خروجه لحظة. و ظن بعضهم أنه شعبة من ليف العصب يفسد و يغلظ فتدفعها الطبيعة إلى خارج و هذا بعيد جدا.

و أكثر ما تحدث هذه العلة في البلدان الحارّة اليابسة ك «الحجاز»، لأن

ص: 436

هواءها يثير الأخلاط و يحلل لطيفها بالتبخير و يحرق كثيفها و يشويه و يجفّفه و انما ينسب إلى المدينة مدينة «الرسول»- صلى الله عليه و آله و سلم- لكثرة حدوثها فيها.

و علاجها: تنقية البدن من الفضول الرديئة بالفصد من الباسليق و الصافن من الجانب المخالف و الاسهال بطبيخ الأفتيمون و ترطيب المزاج و أن يطلى عليها الصبر ببعض العصارات الباردة مثل عصارة الكزبرة الرطبة و ورق الهندباء عند ابتداء حدوثها و أول ظهور أثرها ليمنعها و يسقى الصبر ايضا ثلاثة ايام تباعا مبتدئا من نصف درهم إلى درهم و نصف بأن يسقى في اليوم الأول نصف درهم مع خبيص السكر أو منقوعا في ماء الهندباء و فى الثانى درهما و فى الثالث درهما و نصف فإن لم يرجع و ابتدأ أن يخرج، فينبغى أن يلفّ بعد خروجه على قصبة أسرب وزنه درهم واحد حتى ينجرّ و ينجذب بثقلها و يخرج عن آخره بالرفق قليلا قليلا و لا ينقطع و ينطل العضو في تلك الحال بالماء الحارّ و يمرخ بالدهن الملين حتى يسترخى العضو و يسهل خروجه و يحتاط أن لا ينقطع فإنه إن انقطع، تقلّص و دخل في اللحم و أورث ورما عفنا و قروحا رديئة و حينئذ يجب أن يبط الموضع بالطول إلى الناحية التى يجى ء منها حتى يستفرغ كلّ ما هناك من مادته ثم يوضع فيه السمن و القطن الخلّق أياما حتى يتعفن و يتآكل كل ما بقى هناك من مادته ثم يعالج بما ينبت اللحم.

ص: 437

الفصل الرابع و العشرون: في الجذام438

الجذام عله رديئة لا ينجح فيه العلاج في الأكثر تحدث من انتشار المرّة السوداء و هى السوداء غير الطبيعية الاحتراقية أو انتشار السوداء الجمودية أو الثفلية التى عرض لها نوع تغير و نتن و احتراق مّا في البدن كله لكثرتها فيغلب على الدم و لا يصلح لتغذية الأعضاء و لا يمكن للطبيعة أن تدفعها لخبثها و عصيانها و كثرتها فينبسط في البدن فيفسد مزاج الأعضاء لرداءتها و غلبة يبسها و جفافها و هيئاتها فيحدث فيها تشنج و تعقد يغير أشكالها و ربما أفسدت هذه العلة في آخرها اتصالها لأنها لاستيلاء الجفاف عليها تتشقق و يتفرق اتصالها، لأن هذه المادة لخبثها و رداءتها و مضادة كيفيتها للحياة، و الحرارة الغريزية تفسد مزاج الأعضاء بحيث لا يقبل الروح الحيوانى فيسودّ و يتفتّت و يسيل منها صديد منتن كما يعرض لأبدان الموتى و يزداد ذلك حتى تتآكل الأعضاء و تسقط سقوطا عن تقرح و يبتدئ من الأطراف لضعف الحرارة الغريزية فيها و ينتهى إلى الأعضاء الرئيسة و هناك يقتل و هو كسرطان عام للبدن كله فربما تقرّح و ربما لم يتقرّح بحسب خبث المادة و حدّتها و فسادها.

و حدوثه إما من الخلّط السوداوى الذى هو عكر الدم و ثقله عند عروض فساد له و هذا النوع لا يكون معه تساقط الأعضاء لأن مادته أسلم لكنه إذا استحكم و طال به الزمان، ازدادت المادة فسادا و رداءة و تعفنت و تغيرت كيفيتها

ص: 438

إلى كيفية مضادة للحياة و الصحة و ذلك لعدم ترمدها و بقاء رطوبة مّا فيها يقبل بها الفساد و التعفن أكثر و أدّت إلى التقرّح و التآكل بل يزول حسّها كما ذكر في السرطان و يغلظ و يتكاثف لانصباب تلك المادة إليها و مداخلتها لجوهرها و انتشارها في جميع أجزائها و تظهر البحوحة في الصوت ليبس الرئة و قصبتها و الحنجرة و خشونتها و قلة مؤاتاتها للانبساط بسبب كثرة انصباب السوداء إليها و امتلائها منها و الفطسة في الأنف لتشنج عضلات الوجه بامتلائها من السوداء و تستدير الحدقة لذلك أيضا و تنتشر الشعور لفساد غذائها باختلاط المادة الخبيثة و لفساد منابتها ايضا و لهذا يسمى هذا النوع داء الأسد لما يشبه وجه صاحبه بوجه الأسد، و قيل: لأنه يفترس من يأخذه و يهجم عليه إفتراس الأسد و هجومه، و قيل: لأنه يعرض للأسد كثيرا و هو أقرب إلى البرء إذا تلوحق في ابتدائه و أول حدوثه قبل أن تتغير المادة إلى الخبث و الفساد و الترمد.

و إما من الخلّط السوداوى الحادّث من احتراق المرّة الصفراء، و هذا النوع يكون معه تآكل الأعضاء و تساقطها و لا يكاد يبرأ لغلبة خبث المادة و شدة غلظها و فساد الدم و الروح و ضعف القوى و الحرارة الغريزية و رداءة مزاج الأعضاء الرئيسة و غيرها ايضا.

و علامة ابتداء الجذام: بحة الصوت و ضيق النفس ليبس آلات التنفس و كدورة بياض العين لانتشار السوداء في جميع البدن و ظهور أثرها في العين لسطوع بياضها أو لنقصان رطوبات العين و تكاثفها و ذهاب صفائها و شفيفها و حمرة الوجه إلى سواد لكثرة الدم السوداوى و لضيق النفس و تعجّزها أى: تعقّد عروقه لغلظ المادة و امتلاء العروق منها حيث لا تغتذى بها الأعضاء و رقّة الشعر و انتشاره.

و علاجه: تنقية البدن من الخلّط السوداوى في مرات كثيرة إذ لا يمكن اخراجه ضربة واحدة لكثرته و غلظه و الاقبال على ترطيب المزاج في النقرات التى تكون بين الاستفراغات ليزيل اليبس المستولى على الأعضاء و لتصير أخلاطهم رقيقة مستعدة لتأثير الدواء بالاستحمامات و السعوطات و التمرخ بالادهان الباردة الرطبة سيّما بعد الخروج من الحمام و بالأغذية اللينة المرطّبة السريعة النفوذ مثل الأحساء المتخذة من السكر الأبيض و دهن اللوز و الالبان.

ص: 439

و ينفع من النوع الأول لحوم الأفاعى فإن لها خاصية عجيبة في اخراج الفضلات الفاسدة من البدن و دفعها إلى ناحية الجلد و لذلك تولد قملا كثيرا في الابدان التى فيها كيموس ردى ء و الترياق و معاجين أخرى تذكر في القرابادين.

فأما النوع الآخر فعلاجه: التطفئة و الترطيب مع الاستفراغ ليقلّ فساد قروحهم و تأكّلها و تطول مدة بقائهم.

ص: 440

الفصل الخامس و العشرون: في السعفة

السعفة بالسكون، قروح تحدث في الرأس و الوجه و قد تحدث في سائر البدن عند منابت الشعور لها خشكريشة و هى تبتدئ بثورا مستحكمه خفيفة متفرقة في عدة مواضع ثم تتقرح قروحا خشكريشية تكون إلى حمرة لحدّة مادتها و اختلاطها بالدم.

فمنها رطبة لرطوبة مادتها و رقّتها يسيل منها صديد و يسمى الشيرينج و السعفة الرطبة.

و سببها: فضلات غليظة عفنة و رطوبات فاسدة لذّاعة صديدية تندفع إلى الجلد و يحتبس الغليظ منها تحته و تحدث ورما و ينتشر الرقيق منها فيتقرّح الجلد و تفسده بحدّتها و تأكّلها فيسيل منه صديد لذّاع و أكثر ما يحدث للصبيان لرطوبة أبدانهم خصوصا أدمغتهم و كثرة بخاراتهم لكثرة حرارتهم و رطوبتهم و ضعف أعضائهم عن دفع الفضلات.

و علاجها: فصد القيفال و الاسهال بطبيخ الهليلج و الشاهترج إن أمكن و الّا فالحجامة و هجر الحلاوى و اللحمان مما يولّد دما غليظا و الاشياء الحريفة المفسدة للدم و الاقتصار على الاشياء التفهة ليتولّد منها دم صالح خال من اللذع و الحدّة ثم طليها بأطلية السعفة مثل العروق و اللوز المر و الجلنار و الراتينج و القرطاس المحرق و العفص و ورق الآس و اصل السوسن الآسمانجونى و الاقاقيا و القنبيل مع الخلّ و دهن الورد و ينفع من المبتدئة منها خاصة في أبدان الصبيان

ص: 441

و غيرهم من الأبدان الرطبة اللينة عروق و قشور الرمان و مرتك و حنا بخل و دهن الورد فإنها تجفّفها.

و منها يابسة قحلة شبيهة بالسورج(1) بالسين المهملة و فى «الكامل» بالصاد و تنتشر عنها قشور بيض.

و سببها: خلط سواداوى كثير تخالطه رطوبة حريفة تندفع إلى الجلد فيفسد و تنتشر منه تلك القشور.

و علاجها: استفراغ الخلّط السوداوى الفاعل لها و ترطيب المزاج بالأغذية و الحمام المتواتر و غيرها من التدبيرات المركبة المذكورة في الأمراض السوداوية ثم التنطيل بالمياه الحارّة و الألعبة مثل لعاب بذر الخطمى و البنفسج و بذر المرو و بذر الكتان و إلزامها القيروطى و الشحوم و الادهان الباردة مثل دهن اللوز الحلو و دهن القرع و البنفسج و النيلوفر و كذلك التسعط بها لترطيب الدماغ و ترطيب جلدة الرأس و تليينها و اصلاح مزاجها و ترطيب المادة و ترقيقها و ازالة الحدّة و الحرافة عنها و اعدادها للتحليل. و إن كانت السعفة غليظة صلبة، حكّت بالحديد حتى تدمى ثم بالخلّ و الملح و ماء الصابون أو يرسل عليها العلق ليستفرغ المواد الفاسدة التى تحت الجلد ثم يطلى بدواء السعفة القوى التجفيف مثل المرهم الأحمر المتخذ من المردارسنج و العروق و الخلّ و الزيت.

و من السعفة الرطبة نوع يقال له: الشهدى.

و علامتها: أن تثقب معها جلدة الرأس ثقوبا دقيقة يرى الصديد في عيونها واقفا وقوف العسل في الشهدة أى: في الثقبة التى في الشمعة التى هي كور النحل، و لذلك سميت بها. و قيل: إنها سميت بها لأن رطوبتها بيضاء غليظة شبيهة بالشهد و هو العسل النّى الذى في شمعه و هى تفسد الآهاب أى: الجلد، لشدة لذعها و حدّتها لأن حدوثها من بلغم مالح. و الفرق بينها و بين النوع الأول من السعفة الرطبة أن السعفة الرطبة يرى فوقها قشور رطبة تحتها المدة و هى قطع متصلة حتى ربما كانت قطعة من الرأس بمقدار أربعة أصابع قطعة واحدة و الشهدية تكون مكشوفة يرى الصديد في عيونها واقفا

و علاجها: أن يكون بالزنجار ليأكل الأجزاء المتعفنة و يفنى الرطوبات

ص: 442


1- 439. ( 1). و هو معرب شوره.

الوضرة و يجففها بأن يحشى أى: الزنجار فيها بعد تنقيتها بأن يغسل بماء الصابون أو بالخلّ و الملح و ينشف ما فيها من المدة و الصديد بالقطن الخلّق.

و منها نوع يعرف برؤوس الإبر و هو غير العلة المعروفة بالإبرية و هى الحزازة و هى تظهر في اصول الشعر في المسامّ أنفسها ثقوبا دقيقة أقل من ثقوب الشهدية تخرج منها رطوبة شبيهة بماء اللحم و تتورم المسامّ لانصباب المادة أو لإدمان الحكة و جذب المادة بسببها فيقوم شعر الرأس كأنه إبر لما تتمدّد منابت الشعر بسبب الورم. و حدوثها يكون من اختلاط بلغم بورقى مع دم فاسد يبقى غليظهما تحت الجلد و يترشح الرقيق من الثقب.

و علاجه: الاستفراغ بالفصد و الاسهال و المصّ ب «المحجمة» من غير شرط بعد نتف الشعر ب «المنقاش» حتى يخرج منه شى ء شبيه بالدهن؛ لأن مادة هذه العلة من الفضول الدماغية و الدماغ عضو دسم فيكون غذاؤه ايضا دسما شبيها به و الفضول المتولدة منه ايضا تكون دسمة، و ذلك لأن الدم كما يندسم في القلب لاختلاط الهواء المستنشق كذلك تندسم في الدماغ ايضا لذلك و بعد تنقية ذلك توضع عليها «المحاجم» بالخلّ بأن يجعل الخلّ في «المحجمه» و يمصّ بها و يلطخ العضو بالخلّ ايضا، لأنه بسبب غلظ مادته يحتاج إلى ما يقطع و يحلل و بسبب الصديد اللذاع المخالط له يجب أن لا يكون شديد الحرارة لئلا يزيد في حدّة الخلّط و تلذيعه و الخلّ يوجد فيه هذه، لأنه مقطع محلّل رادع من العضو ما يجرى إليه من الفضول و ذلك لما فيه حرارة يسيرة مع برودة كثيرة(1) لطيفة، و لأنه يقوم مقام الكيّ ايضا فينظفه من الرطوبات الفاسدة و يجفّفه و يزيل عنه العفونة حتى تبيضّ اصول الشعر و تذهب عنها الرطوبة الشبيهة بماء اللحم ثم يوضع عليها دهن الورد المدبر بالخلّ و هو أن يطبخ مع الخلّ إلى أن يفنى الخلّ ببعض أدوية السعفة مثل التوتيا و المرتك و الاقليميا.

و نوع آخر يعرف بالعجز أى: بالعقد يشبه الدماميل، يظهر صلبا و لا يتقيح(2) ثم يتحلل ثم يظهر في مواضع آخر. و هى من بخارات غليظة جدا.

و علاجه: التجويع لتتلطّف تلك الابخرة و تتحلل بالحرارة الحادّثة عند

ص: 443


1- 440. ( 1).[ خ. ل: غير موجودة].
2- 441. ( 2).[ خ. ل: ينفتح].

الجوع و لتتصرف الطبيعة عند عدم الغذاء في مواد تلك الابخرة فتدفعها و تلطيف الغذاء لئلا تتولد عنها أبخرة غليظة و لا فضول غليظة و النطل بماء الحشائش المحلّلة مثل البابونج و الإكليل و البرنجاسف.

و نوع منها يقال له التينى، و هى قروح مستديرة صلبة تعلوها حمرة، و فى جوفها شى ء شبيه بحب التين و تولدها من رطوبة غليظة محترقة.

و نوع آخر يظهر بثورا صغارا حمراء شبيهة في شكلها بحلمتى الثدى تخرج منها رطوبة شبيهة بمائية الدم و تولدها إنما يكون من بلغم مالح مختلط بدم غليظ محرق قد تميزت عنه مائيته بالاحتراق.

و يقرب هذان النوعان من النوع الأول في السبب و العلاج.

و نوع من السعفة يسمى السعفة الحمراء و تحدث في الرأس متى حلق شعر الرأس تظهر منبت جلدة الرأس حمراء مشبعة الحمرة و يكاد يضرب لونها إلى السواد لأن مادته دم غليظ فاسد محترق يوجعها المس. ذكر جالينوس أنها إن تقرّحت، لم تبرأ لغلظ المادة و فسادها.

و علاجها: الفصد و الاسهال بطبيخ الشاهترج و الأفتيمون و قطع الجهاررك و فصد عرق الجبهة و أن يطلى بالقيروطى المتخذ بدهن البنفسج المشرّب بماء الخلّاف و الخطمى و الخبازى و نحوها للتبريد و الترطيب و تسكين الألم و تليين الجلد الملقى عليه يسير من زبد البحر، لأنه يجلو ما في الجلد و يحلّله و الودع المحرق لذلك ايضا و بياض البيض لتسكين اللذع و الحرقة.

و قد تحدث هذه السعفة في الوجه.

و علاجها: فصد القيفال و عرق الجبهة و الاربية، و حجامة الساق و النقرة، و ارسال العلق، و الاستحمام لتليين الجلد و تفتيح المسامّ و تحليل المادة و الانكباب على الماء الفاتر لذلك و ان يطلى بطلاء السعفة القوية ليجلو المادة و يحللها عن الجلد.

ص: 444

الفصل السادس و العشرون: في الجرب442

الجرب بثور صغار تبتدئ حمراء و معها حكّة شديدة و ربما تقيّحت و ربما لم تتقيح. و أكثر ما تعرض في اليدين لانجذاب المواد إليهما بكثرة حركتهما، و فيما بين الأصابع لأنها أضعف و ربما يعرض في سائر الجسد عند كثرة المواد.

و سبب حدوث الجرب: إما فساد الدم بنفسه، أو مخالطة الصفراء و السوداء المحترقة، أو البلغم المالح بالدم، و على حسب اختلاط تلك الأخلاط بالدم و كيفية احوالها الحدّة و السكون و الغلظ و الرقة و الكثرة و القلة يكون أنواع الجرب و اختلاف أعراضها من الوجع و الحكة و غير ذلك كما سيجى ء. و سبب فساد الدم و احتراقه كثرة استعمال التوابل الحارّة و الكواميخ الحارّة الحريفة و المملحات و الحلاوى و الشراب و غيرها من الأغذية الرديئة الكيموس فيفسد الدم في الرائحة و القوام و الطعم و تتولد فيه تلك الأخلاط غير الطبيعية فلا يصلح لأن يصير غذاءا للبدن فتدفعها الطبيعة على سبيل دفع الفضول و تنقية الأعضاء الداخلة التى هي أشرف في العروق الدقاق إلى الجلد إذا لم يقو على إخراجها من البدن بالكلية و يقبل الجلد لضعفه خلقة فيحتبس فيه إما لضعف الدافعة أو لانسداد المسامّ أو لغلظ المادة أو لكثرتها فيزداد هناك تغيرا و فسادا فيحدث الجرب.

ص: 445

و أنواع الجرب كثيرة: فمنها اليابسة التى لا تمدّ و لا تسيل منها رطوبة بل تصير تلك البثور خشكريشة و منها الرطبة التى تسيل منها مدة و صديد و ربما سال منها دم أسود عند كثرة المادة و حدّتها و شدة لذعها فلا يمهل في الخروج إلى النضج و ربما يتولّد فيها عند غلظ المادة و رطوبتها حيوان مثل الصئبآن و هى جمع صؤابه بالهمزة و هى بيضة القمل لما تتعفن المادة تحت الجلد لطول مكثها و لتصرف الحرارة الغريبة فيها و لاختلاط أوساخ البدن بها و هى مختلفة الصور فالتى تغلب عليها الصفرة الحادّة تكون حادّة الرؤوس حمراء شديدة الوجع.

و الحكة التى تغلب عليها السوداء تكون سوداء الاصول لتراكم السوداء هناك لتسفّلها بالطبع قليلة الوجع طويلة اللبث بطيئة البرء لغلظها و عصيانها عن النضج و التحليل و البلغمية تكون بيضاء منبسطة لرطوبتها و سيلانها مترقرقة بالمدة أى: مشرقة لها، لسهولة نضجها و صفاء قوامها و الجرب اليابس يدل على غلظ المادة و يبوستها و الرطب بالضد.

و علاج الجرب: الفصد ثم الاسهال بمطبوخ الأفتيمون أو بمطبوخ الهليلج أو السناء و الشاهترج و الماميران و الافسنتنين فإن هذا المطبوخ يخرج أصناف مواد الجرب أو بحبّ متخذ من الصبر و التربد و الغاريقون و شحم الحنظل و ما يخرج البلغم الغليظ، كل ذلك بحسب الخلّط المحدث للجرب ثم تعديل المزاج بالأغذية التفهة المائلة إلى البرودة و الرطوبة مثل الاسفاناخية و القرعية و اللحوم الرخصة و الأدهان اللينة و الطلى بعد ذلك بأطلية الجرب مثل المردارسنج و ورق الحنا و شحم الحنظل و اقليميا الفضة و دقيق العدس المقشّر و الزئبق المقتول في الخلّ بدهن الورد، و ينبغى أن يجتنب عن الأطلية الحارّة.

ص: 446

الفصل السابع و العشرون: في الحكة443

قد تحدث الحكة في الجلد من غير جرب.

و سببها بخارات حريفة حادّة لذاعة و أخلاط حادّة قليلة المقدار قد احتبست تحت الجلد إما لانسداد المسامّ و قلة الاستحمام و تنظيف الجلد أو لضعف الدافعة و هى إما رقيقة لطيفة، فتحدث منها الحكة السريعة البرء لأنها تتحلل سريعا، و إما غليظة تحدث عنها الحكة المتطاولة لبطء تحللها و اندفاعها و هى تعرض من اكل النمكسود و السمك العفن المملّح و الجبن العتيق و نحوها مما يولّد كيموسا رديئا.

و علاجها: الفصد و الاسهال بما يخرج الاحتراقات مثل مطبوخ الأفتيمون و نحوه بعد ترطيب الخلّط و تعديل قوامه و اعداده للاستفراغ بسقى ماء الشعير و ماء الجبن و اصلاح الغذاء بعد ذلك و إمالته إلى ما يتولّد منه رطوبة عذبة و استعمال الاستحمام دائما لترطيب الخلّط و ترقيقه و تفتيح المسامّ و تنظيف الجلد و التدلك فيه بدهن الورد و الخلّ مع قليل من ماء الكرفس و يسير من البورق لتحليل الخلّط و تقطيعه و جلاء البدن و تنظيفه و الامتناع من الجماع بالواحدّة فإن الجماع بسبب الحركة المتعبة و بسبب اللذة تتحرك المواد إلى خارج تبعا للروح و يثير بخارا حارّا عفنا لتحليل الحرارة الغريزية و تهيّج الحرارة الغريبة إلى ناحية سطح الجلد فيتعفن ما هناك من الأخلاط و ينتن رائحة

ص: 447

البدن ايضا لما يترشح من تلك الابخرة العفنة و الأخلاط المنتنة من المسامّ، و من كان في بدنه أخلاط رديئة متعفنة فهو أولى بذلك و لذلك أمرنا(1) بالتدلك في غسل الجنابة لتنظيف المسامّ من تلك الأخلاط المتدفعة إلى الجلد.

و قد تحدث الحكة للمشايخ لضعف جلودهم فتقبل ما يندفع لها من المواد المؤذية(2) و كثرة تولد البلغم المالح فيهم بسبب سوء الهضم و ضعف الحرارة الغريزية و ضعف القوى عن تحليل البخارات المحتبسة تحت الجلد مع أن أبخرتهم تكون كثيرة غليظة لكثرة رطوباتهم و غلظها و ضعف حرارتهم عن التلطيف و التحليل و مسامّاتهم تكون متكاثفة لغلبة البرد و اليبس عليهم خاصة إن أكثروا من الأغذية التى تولد كيموسا رديئا حريفا كالقديد و السمك المالح و يعسر برؤها فيهم لأن تلك المواد لضعف قواهم فيهم تتولد يوما فيوما و لا يندفع و تدبيرهم اصلاح الغذاء و مداومة الحمام لترطيب المواد و تسكين حدتها و تلطيف الابخرة و تحليلها و تليين الجلد و تفتيح المسامّ و التمريخ فيه بدهن الورد و الخلّ للتليين و التفتيح و التقطيع.

ص: 448


1- 444. ( 1). بصيغة المجهول.
2- 445. ( 2).[ خ. ل: من تلك الأخلاط].

الفصل الثامن و العشرون: في الحصف446

الحصف بثور صغار شوكية كالذرة بل أصغر منها كالجاورس تنفرش في ظاهر الجلد و أكثر ما يعرض في البلاد الحارّة و الأوقات الحارّ و الابدان و الأعضاء الكثيرة العرق القليلة الاغتسال إذا صادفها الهواء البارد و الماء البارد، فيتكاثف الجلد و تنسدّ المسامّ.

و سببه: رطوبات رقيقة حادّة صفراوية تخالط الدم و تحتقن تحت الجلد بسبب انسداد المسامّ من الماء البارد و الهواء البارد كما هو رأى «صاحب الكامل»، أو مواد تكسل لثقلها عن لحوق العرق السريع الخروج لرقة مادته فيحتبس في سطح الجلد كأنها أثفال العروق المستعصية على الرشح كما هو رأى «الشيخ» أو بخارات حارّة غليظة إذا احتبست و امتنعت من الخروج عند انسداد المسامّ بالبرد و إذا احتبست في سطح الجلد و صارت هناك رطوبات رقيقة و تبثّرت إذا لم تكن البخارات في غاية الغلظة. و ربما لم يتبثّر بثورا ظاهرة بل أحدث خشونة مع حكّة قليلة و وجع يسير إذا كانت في غاية الغلظ و استحالت إلى فضول غليظة جدا يابسة.

و علاجه: الفصد و الاسهال بما يخرج الأخلاط الحادّة إن كان البدن ممتلئا و الاستحمام بالماء الحارّ المطبوخ فيه النخالة و الإكليل لتليين الجلد و تفتيح المسامّ و المسح بعد ذلك بالخلّ و ماء الورد للتقطيع و تسكين الحدّة و التدلك بالملح و الحنا و الخلّ للتفتيح و التقطيع و التنظيف و الطلى بدقيق الشعير و دهن الورد.

ص: 449

الفصل التاسع و العشرون: في القوباء447

القوباء خشونة تحدث في ظاهر الجلد و يكون لونها مرة مائلا إلى السواد و مرة مائلا إلى الحمرة. و حدوثها يكون من دم حادّ لطيف تخالطه مرة سوداء غليظة أغلظ من مادة الجرب و ربما حدثت من مخالطة رطوبة غليظة و بلغم مالح محترق للدم الحادّ و يكون ذلك في القوابى المزمنة التى يتقشر فيها الجلد لغلبة الكيموسات الغليظة الأرضية العسرة التحلل على الكيموسات الحادّة اللطيفة و لو كانت نسبة الاجزاء على العكس، كانت إزمانه أقل و انقضاؤه أسرع و لو كانت على التساوى، كان متوسطا في الأزمان.

و علامتها: أن تكون في قعر الجلد لغلبة الأجزاء الأرضية عليها و ميلها الى التسفل و يتقشّر منها قشورا مدوّرة على مثال فلوس السمك لشدة يبس المادة و غلظها و توغلها و هى أشبه شى ء بالسعفة اليابسة من جهة السبب و الأعراض.

و من القوابى نوع ساع خبيث و هو الذى تكون المادة الحادّة الرقيقة فيه أغلب فتترشح من الجلد رطوبة عفنة صديدية لذّاعة تفسد الأعضاء المجاورة لها و تقرّحها و منها واقف و هو الذى تكون الاجزاء الغليظة الأرضية عليه أغلب و منها حديث و منها مزمن.

و علاجها: الفصد و تنقية البدن بطبيخ الأفتيمون ثم الطلى بعد ذلك: أما المبتدئة الرقيقة فبدهن الحنطة و هو على ضربين: أحدهما، أن يؤخذ من الحنظة

ص: 450

النقية رطل و يجعل في زجاجة مطينة بطين الحكمة و يلف فم الزجاجة بليف ليقوم في حلق الزجاجة و يمنع من أن يخرج من الزجاجة إذا نكست و يتخذ كانون و يثقب و تنكس فيه الزجاجة و يخرج رأسها إلى أسفل و يوضع بإزاء فم الزجاجة قدح(1) يجتمع فيه ما يتقطر من الحنطة و يلقى حول الزجاجة سرقين يابس و تشعل فيه النار فإن الدهن يتقطر منه. و ثانيهما أن تأخذ الحنطة و توضع على زجاجة(2) و تحمى صفيحة حديد غليظة و توضع على الحنطة فإن الدهن يخرج و هو يحلل و يلين و يسكّن اللذع و وسخ أسنان الصائم فإن له جلاء و تحليلا و الصموغ مثل صمغ البطم و الاجاص و اللوز المر و الثافسيا و الأشق و الشحوم مثل شحم البط و الدجاج و الادهان مثل دهن الورد و دهن اللوز المر و الزيت أو بالهليلج الاصفر و صمغ الاجاص و الخلّ أو بالآس و الخلّ أو بالمغاث و الخلّ. و أما المزمنة فبأطلية السعفة القوية مثل الزراوند و الزرنيخ و الاشق و المقل و الخردل و الزاج بدهن الحنطة و الخلّ بعد إرسال العلق أو الحك إلى أن يدمى العضو لتخرج المادة التى بقيت فى نفسه.

ص: 451


1- 448. ( 1).[ خ. ل: قعب].
2- 449. ( 2).[ خ. ل: رخامة].

الفصل الثلاثون: في البثور450 الصغار

حدوثها يكون عن رطوبات رديئة مندفعة إلى ظاهر الجلد محتقنة فيما بين اللحم و الجلد خصوصا في الابدان الصلبة الكثيفة الجلود فإن كانت الرطوبات حارّة، كانت البثور محدّبة الرؤوس و إن كانت باردة غليظة، كانت عريضة منبسطة.

و علاجها: تنقية البدن بحب الأيارج إن كانت غليظة و المطبوخ المقوّى بالتربد إن كانت رقيقة، و نقوع الفواكه المقوّى بالهليلج الأصفر إن كانت حارّة و تكميدها بعد ذلك أى: بعد التنقية إذ قبل التنقية تنجذب المواد إلى موضع الكماد فتزداد العلة بالخرق المبلولة بالماء الحارّ حتى تخرج المواد من اللحم إلى ظاهر الجلد، لأن الماء الحارّ يفتح المسامّ و يلطف المادة و يجذبها إلى الخارج بحرارته و طليها بالدفلى و السذاب و المر بالخلّ.

ص: 452

الفصل الحادّى و الثلاثون: في البثور اللبنية451

قد تبتثّر على صفحة الوجنة و الأنف بثور بيض كأنها نقط لبن، إذا عصرت خرج منها شى ء شبيه بالسمن المنعقد.

و سببها: مادة صديدية تندفع إلى سطح الجلد بطريق البخارات و تحصل في المسامّ و لا يتحلل لغلظها و يزداد فيها غلظا و متانة لتراكمها و نشف الهواء ما رقّ منها فيتبثّر الجلد.

و علاجها: استفراغ البدن و تنقية الدماغ ثم غسل الوجه بالجاليات مثل دقيق الكرسنة و قشور البيض و العظام النخرة و القيموليا فإن كفى، و الّا ضمد بكل ما فيه تجفيف و تحليل مثل الخربق الابيض بنصفه ايرسا يتخذ منه لطوخ و بذر الكتان مع الورد و الشونيز بالخلّ. فإن لم يكف ذلك، ضمد برماد الكرم مدافا بالخلّ.

ص: 453

الفصل الثانى و الثلاثون: في بنات الليل452

هى حكّة و خشونة و بثور صغار تعرض في البرد و الليل.

و سببها: احتباس ما يجب أن يتحلل من الفضول و الأبخرة لصفاقة(1) الجلد و ضيق المسامّ في الاصل أى: أصل الخلّقة فإذا كثرت البخارات عند جودة الهضم في الليل لاجتماع الحرارة في الباطن و عدم الحركة المخضخضة للغذاء و ازدادت المسامّ ضيقا و الجلد كثافة لبرد الهواء و غور الحرارة، حدثت هذه العلة و لذلك سمّيت بنات الليل و بعض الأوائل يطلقون بنات الليل على الشرى لأنه أيضا يهيّج بالليل.

و علامة هذه العلة: أن الحكّة تشتدّ فيها أى: في الليل و تستلذّ الحكة بدءا أى: أولا ثم تؤدى إلى وجع شديد تثيره الحكة و أن يكون أكثر عروضها في الليل.

و علاجها: تنقية البدن من المواد التى هي مادة البخارات بالفصد و الاسهال ثم توسيع المسامّ بالاستحمامات و المروخات و الدلوكات المعروفة و باقى علاجها مثل علاج الحكة و التمريخ بماء الكرفس و درديّ الخلّ نافع فيها لأنه يسخّن البدن و يفتح المسامّ و يقطع الفضول و يحلّل الابخرة.

ص: 454


1- 453. ( 2).[ خ. ل: لحصافة].

الفصل الثالث و الثلاثون: في الثآليل454

الثآليل هي بثور صغار شديدة الصلابة مستديرة و هى على ضروب شتى:

فمنها منكوسة و هى التى تأخذ إلى داخل كأنها مركوزة في اللحم، و قيل: هي التى يكون اصلها ذا شظايا و منها متشققة كبيرة مستديرة ذات شظايا و منها متعلقة و منها مسمارية و هى عظيمة الرؤوس كرؤوس المسامّير مستدقة الأصول و تأخذ إلى داخل العضو كأنها مسمار و منها طوال متعقّفة أى: معوجة تسمّى قرونا و منها متقيحة تكون المدة تحتها و تسمى طرسيوس.

و سببها جميعا: خلط غليظ يابس جدا بلغمى قد جفّ عند احتباسه في العروق الصغار لقربه من الأسباب الخارجية المحلّلة المجفّفة أو سوداوى أو متركب منهما تدفعه الطبيعة عند توفر قوتها إلى ظاهر البشرة.

و علاجها إذا كثرت: الفصد إن كان الدم غالبا فإن الدم نفسه قد يبرّد و يغلظ و يستحيل إلى السوداء عند احتقانه في العروق الصغار- خصوصا إذا لم يكن حارّا في جوهره- ثم يندفع إلى الجلد و يحدث عنه الثآليل ثم الاسهال بمطبوخ الأفتيمون و بما يخرج البلغم و السوداء بعد سقى ماء الاصول بدهن اللوز لنضج المادة و تليينها و ترطيبها و ترطيب المزاج بالاغذية الرطبة الجيدة الكيموس. و مما يسقطها أن يدلك بورق الكبر و الخرنوب و الآس أو بالشونيز و الخلّ أو بالملح و الخلّ. و ينفع فيها التدهين دائما بدهن الورد

ص: 455

و الشحوم. و قد تقطع أو تقلع بالدواء الحادّ مثل النورة و الزرنيخ و القلى و الذراريح و لبن اليتوع.

و منها ما يعرف بالعدسية و الحنطية، تحدث على الجبهة و الوجه و العدسية صفراء لاطئة مفرطحة و الحنطية على شكل البرّ طويلة إلى حمرة و قد قيل: إن لون العدسية يكون أحمر و الحنطية أصفر و سبب الأولى رطوبة تفسد بالصفراء و سبب الأخرى رطوبة تفسد بالدم و تغلظ و قيل على العكس، و هذا اقرب، لأن تفرطح الأولى يدل على غلظ المادة و تسفلها و نتوء الثانية و شوكيتها على العكس.

و علاجها: بعد تنقية البدن إن كانت كثيرة طليها بالقيروطى و صمغ البطم و صمغ الاجاص و المويزج و الشيطرج بأن يذاب صمغ البطم مع الشمع و الدهن و يطرح فيه يسير من البواقى و يطلى، فإذا جفّ أعيد حتى تتناثر أو بالكندش و الكبريت و البورق بالخلّ.

ص: 456

الفصل الرابع و الثلاثون: في البلخية

سميت بها لكثرة حدوثها في بلد «بلخ» و هى قروح مع بثور و خشك ريشات و سيلان صديد و هى من جنس السعفة الرديئة و لذلك تأكل ما حولها بالفساد و يحدث معها الخفقان و الغشى لوصول خبثها و عفونتها بطريق الشرايين إلى القلب و ربما كان سببها لسع دويبة مثل البعوضة الخبيثة و الرتيلا.

و علاجها: علاج السعفة الرديئة. و ينفعها خاصة أن تطلى بالطين و الخلّ دائما حتى يجفّفها قشرا قشرا و ينتهى إلى اللحم الصحيح و يزيل عنها العفونة و الفساد أو تطلى بمرهم متخذ من الزراوند المدحرج و الزنجار و الأشق و الخردل و المقل و الزاج و دهن الحنطة و الخلّ و قليل عسل.

ص: 457

الفصل الخامس و الثلاثون: في البطم

هي بثور سود كبار على قدر حب البطم الكبير و لذا سمّى به يعرض في الساق و يتقرّح و يسيل منها صديد أسود لكون مادتها سوداوية محترقة و هى عسرة البرء؛ لأن الساقين إذا صارتا مفيضتين، انحدرت الفضول إليهما من جميع البدن لتسفلهما و لكثرة حركتهما.

و علاجها: فصد الباسليق و تعاهد القى ء بعد ذلك ثم ارسال العلق على الساقين ليستفرغ المادة التى قد بقيت في نفس العضو و الشرط و المصّ بالقوارير لذلك، و أن يطلى عليه مرهم متخذ من رماد القيصوم و من رماد خشب الطرفا و الماميران و الزراوند الطويل و قشور أصل الكبر و الحناء المحرق بخل و يسير زيت و يعالج بعلاج سائر القروح الخبيثة.

ص: 458

الفصل السادس و الثلاثون: في التوثة455

هي بثور متقرحة تأخذ في عمق الخد و الوجنة في أكثر الأمر و قد تحدث في الفرج و المقعدة.

و حدوثها عن خلط غليظ و لذلك تميل إلى العمق فيها حدّة و لذلك تتقرّح.

و علاجها: أن تفنى بمرهم الزنجار و الدواء الحارّ حتى يظهر اللحم الصحيح أو تستأصل بالحك بالحديد أو السكر و الكى(1) ثم تعالج بالمرهم الأحمر ان كانت هناك حرارة و الأسود المنبت للحم إن لم يكن.

ص: 459


1- 456. ( 2).[ خ. ل: غير موجودة].

الفصل السابع و الثلاثون: في الداخس457

الداخس ورم حارّ يعرض بالقرب من الأظفار عند اصولها مع وجع شديد لأنه عضو ذكى الحس ليكون حاكما بين الملموسات و ضربان قوى و تمدد لأنه كثير الأعصاب و الشرايين يستفيد منها مزاجا يكون به أعدل من سائر الأعضاء و يسقط الاظافير إن عمّ الورم أصل الظفر كله و ربما أحدث الحمى لشدة الوجع.

و سببه انصباب مادّة دموية غليظة.

و علاجها: الفصد و الاستفراغ بالدواء و تعديل المزاج بماء الشعير و نحوه، و أن يطلى عليه: أما في الابتداء فبالعفص الأخضر و الخلّ لردع المادة أو بصدأ الحديد و الخلّ لذلك فإنه شديد القبض أو ببذر قطونا و الخلّ مبرّدا فإنه يبرّد و يسكّن لذع المادة و يمنع انصبابها إلى العضو و يسكّن الألم بالتخدير أو يوضع بالثلج حتى يخدر لأن البرد يكثف الأعضاء و يقبضها فلا ينفذ فيه الروح.

الحساس و لأنه يفيدها مزاجا رديئا لا تستعد به لقبول الروح و انما يصلح بهذا العلاج إن كانت المادة يسيرة شديدة الحرارة فيسوى الثلج مزاجها و يضمر حجمها بتغليظ قوامها فيقلّ تمديدها و الّا فإنه يغلظ و يمنع التحلل و يسدّ المنافذ فلا يتنفس الحارّ الغريزى في العضو و يتعفن فيه الدم و غيره من المواد فيسودّ و يموت فى آخره

ص: 460

أو يطلى بالبنج و الافيون بالخلّ عند شدة الوجع فإن سكن الوجع و برئ العليل فقد تمّ المقصود و الّا وضع في الدهن المسخّن في الغاية حتى يتحلل؛ فإن لم يتحلل، توضع عليه الأضمدة المنضجة مثل بذر المرو و بذر الكتان حتى يجتمع فيبطّ ب «المبضع» و يخرج ما فيه و يدمل بالمراهم المدملة.

ص: 461

الفصل الثامن و الثلاثون: في أبورسما

و ترجمته بالعربية سيلان الدم و هو ورم يحدث من دم و ريح.

و حدوثه يكون من انخراق الشريان إذا عرضت لبعض الأعضاء ضربة و انخرق الشريان من تحت الجلد فيخرج منه الدم و الريح الهوائى عند الحركة الانقباضية إلى الفضاء الذى بينه و بين الجلد قدر ما يسع فيه و لا يجد منفذا يخرج منه عنه لعدم انفتاق الجلد، أو جراحة تقع في موضع الشريان فتخرق منه الشريان ايضا و يلتحم الجلد الذى عليه و يبقى انخراق الشريان إذا كان كبيرا مفتوحا لا يلتحم التحاما خفيفا لسعة الخرق كما هو رأى الأكثرين، فإنهم على أن الشرايين تلتحم التحاما حقيقيا، و منهم «جالينوس» فإنه زعم أن الشريان يلتحم التحاما حقيقيا و استدل عليه «جالينوس» بالتجربة و القياس، أما التجربة فقال: إنا شاهدنا التحام الشريان الذى تحت الباسليق و الذى في الصدغ، و أما القياس فقال: إن العظم طرف في الصلابة و هو لا يلتحم و اللحم طرف في اللين و هو لا يلتحم، و الشريان متوسط الحال بينهما فيكون ملتحما و لكن صعب الالتحام و لا ينبت عليه الدشبد ايضا كما هو رأى البعض، و قد استدلوا أيضا على ذلك بالقياس و التجربة: أما القياس فلأن إحدى طبقتى الشريان غضروفية و الغضروف لا يلتحم، و أما التجربة فلأنه لم ير أحد أنه قد التحم التحاما خفيفا، و «الشيخ» كأنه يميل إلى هذا الرأى فإنه قال: القياس الذى ذكره «جالينوس» خطابى و التجربة و مشاهدة الالتحام لا معوّل عليهما، إذ يجوز أن يكون ما ظنه التحاما حقيقيا لا يكون حقيقيا، بل بإنبات

ص: 462

الدشبد، فكأنه لا يصدّقه في اخباره بالالتحام الحقيقى و لذلك جعل الشريان في كليات «القانون» مما لا يلتحم حقيقيا. و ايضا لو كان الشريان يلتحم التحاما حقيقيا لكان العظم أولى بذلك منه، إذ لم يوجد فيه من الموانع إلّا الصلابة فقط و قد اجتمعت في الشريان منها أربعة: أحدها، الصلابة. و ثانيها، رقة دمه و وفور حرارته فيعسر جموده و التصاقه بموضع الجرح. و ثالثها، دوام حركته، و الحركة مانعة من الالتحام لافتقاره إلى السكون و بقاء أحد طرفى الشق مماسا للآخر مدة في مثلها يمكن الالتحام. و رابعها، تمديده، لامتلائه من الدم و الروح و يسمى أيضا أم الدم.

و علامة هذا الورم: أن يكون موضعه أبيض و هذا غلط فاحش فإنه يذكر بعد هذا أن لون الورم يكون مثل لون الباذنجان و البنفسج، بل من علامته أن يكون موضعه ينبض أى: يتحرك حركة انقباضية و انبساطية، لأنه بتبعية حركة الشريان يتحرك الدم في الفضاء الذى تحت الجلد فيقلّ عند انبساط الشريان لرجوعه إلى داخله و يكثر عند انقباضه لخروجه منه لضيق المكان عليه فيحسّ في الموضع بارتفاع و انخفاض و إذا غمز عليه باليد ذهب أكثر الورم لما يعود الدم من الفضاء إلى داخل الشريان و يسمع له في بعض الأوقات صرير و بقبقة لما ذكرنا من حركة الدم و يكون لون الورم على مثل لون الباذنجان و البنفسج لتراكم الدم و تغير لونه لنقصان حرارته.

و علاجه: أن يضمد بالاشياء القابضة ليصلب ذلك الموضع و يشتدّ فلا يتّسع الفضاء و يقلّ انصباب الدم إليه فيؤمن من انخراقه لصلابة الجلد و قلة الدم و يحذر أن يمسه شى ء يخرقه فإنه ينزف منه الدم عند انخراق الجلد كما ينزف من الشريان و يؤول إلى عاقبة غير محمودة.

ص: 463

الفصل التاسع و الثلاثون: في البثور الغريبة

أى: الشاذة النادرة الوقوع.

منها: نوع يعرف بذات الاصل، و هى بثور صغار بيض صلبة الاصول كالغدد و لذلك سميت بها مشرقة الرؤوس بالمدة قليلة الألم عسرة النضج لغلظ مادتها و هى إما ان تنقلب و تعظم فتصير كالدماميل، و إما أن تبقى على صلابتها و تترشح مدّة من رؤوسها قليلا قليلا، و هذا شرّ لأنه يدل على أن لمادتها مع الغلظ خبثا و رداءة كما للسرطان.

و سببها: خلط سوداوى متولد من احتراق الرطوبة.

و علاجه: الفصد ان وجب و الاسهال بمطبوخ الأفتيمون و تبديل المزاج إلى الرطوبة ليقلّ غلظ مادتها و جفافها و تضميدها ببذر قطونا أولا حتى يجتمع ثم بذر المرو و بذر قطونا و اطراف الهندباء و السلق المغليين بدهن البنفسج حتى يتم نضجها ثم بطّها أو تضميدها بالأشق المخيض بصفرة البيض حتى تنفجر.

و منها: نوع آخر حمر صلبة صغار تظهر بغير ألم في موضع ثم تختفى ثم تظهر فى موضع آخر و تبقى زمانا طويلا.

و سببها: بخارات دموية غليظة.

و علاجها: علاج الشرى الدموية.

و منها: بثور تعرف بالشيلم و هى تظهر في الوجه و الوجنة، صلبة و يحمرّ حواليها بمقدار درهم.

ص: 464

و هى رديئة تحدث من دم فاسد حريف إن أهمل في أمرها تعمّقت و أخذت جميع الوجه.

و علاجها: الفصد و الاسهال، و تشقّ تلك البثرات- فإنه ربما وجد هناك دم منعقد شبيه بالغدة- و يعالج بعد ذلك بمرهم الاسفيداج و مرهم الرصاص المحرق ثم بمرهم الخلّ لتنظف القرحة و لئلا يبقى أثره بعد ذلك أبيض.

و منها: بثور تعرف ببثور الاصداغ، لأنها تظهر فيها و هى كبار شبيهة بالدماميل الصغار، تحمرّ و لا تنضج أى: لا تصير مادتها مدة بل تسترخى و ترقّ، فإن بطّت، لم يخرج منها شى ء غير الدم الغليظ(1) و فى الأكثر يتنصر أى: يصير ناصورا لخبث المادة و رداءتها.

و سببها: خلط رطوبى غليظ يخالطه دم فاسد.

و علاجها: فصد القيفال، و تنقية الرأس و تضميدها بدقيق الترمس و الباقلاء و الشعير و الكرسنة معجونة بالخلّ و ماء الرازيانج حتى تتحلل و تمريخها بالقيروطى لتسكين لذعها و تليين صلابتها.

و منها بثور القفا، و هى شبيهة بهذه البثور التى تكون في الاصداغ الّا أنها اكبر و تؤلم ألما شديدا، و قلّما يتخلّص من خرجت به تلك قيل: لقربها من الدماغ و منابت الأعصاب.

و سببها: فضل دموى حادّ ينزل في مجرى النخاع.

و علاجها: الفصد و الاستفراغ و التضميد بورق بذر قطونا و لسان الحمل مدقوقين بلعاب بذر قطونا و تبريد الدماغ و ترطيبه بدهن البنفسج و لبن الحوارى.

ص: 465


1- 458. ( 1).[ خ. ل: العبيط].

الفصل الأربعون: في الحصبة459 و الجدرى460 و الحميقا

الحصبة: بثور حمر متفرقة كحب الجاورس في الحجم، إذا ابتدأت تظهر تكون كقرص البراغيث أحمر خفى الحجم ثم يتحبّب و لا ينضج و لا يتقيّح ليبس المادة وحدتها و لطافتها و قلة مقدارها، بل يتحلل لطيفها و يصير ما بقى خشكريشة يتقشر الجلد عنها كالنخالة، لأفسادها الجلد بالاحراق و خبث المادة.

و سببها: احتداد الدم و سخونته و غليانه و صيرورته صفراويا بزيادة الحرارة و الرقة.

و الجدرى: بثور كبار على قدر العدسة الكبيرة، حمر في الابتداء إلى البياض ما هو عند ما يتقيّح و ينفرش في جميع البدن أو في أكثره و ربما يحدث في بعض الأعضاء دون بعض بحسب قلّة المادة و كثرتها، و يتقيح سريعا لشدة حرارة المادة و رطوبتها.

و سببه: غليان الدم و تعفنه بما يخالطه من الفضول الرقيقة المتولدة في سن الطفولية من اللبن و دم الطمث فتتحرك الطبيعة لدفعها إلى الجلد على سبيل بحران مّا و لهذا يحدث للصبيان كثيرا لتندفع الفضول الرقيقة التى في أبدانهم و تصير دماؤهم التى بمنزلة العصارات الرقيقة غير النضيجة إلى دماء الشبان التى بمنزلة العصارات المتينة النضيجة.

و أسلمه ما كان بعد النضج أبيض لدلالته على كمال استعداد مادته للنضج

ص: 466

التام و استيلاء الطبيعة عليها كما في المدة البيضاء براقا شبيها بحب اللؤلؤ لدلالته على أن مادته دم نقى صاف خال من اختلاط المواد الغليظة الفاسدة و أما الكمد و الأسود الدالّان على استيلاء البرد المجمد أو على شدة الاحتراق و غلبة السوداء الغليظة الرديئة الكيفية و الاصفر الدال على غلبة الصفراء و البنفسجى الدال على احتراق الدم و تراكمه و الشديد الحمرة الدال على تشيظ الدم و الرصاصى الذى يدّعى الموم و يكون عروضه على الوجه و الصدر و البطن أكثر منه في الساق و القدم و يدل على غلبة البلغم الغليظ الذى عرض له احتراق مّا، و على ضعف الطبيعة عن دفع المادة إلى اطراف البدن و الأخضر الذى يظهر كآثار قرص البراغيث في وسطه خطوط بيض و هو الذى يسمى الورشكين و يدل على اختلاط الصفراء و السوداء الغليظتين و قبول بعضها للنضج و التقيح و عصيان الباقى و غير المستدير الذى له زوايا كالمربع، الدال على اختلاف قوام المادة؛ إذ لو كانت اجزاؤها متشابهة و الفاعل واحد، لكان الانفعال متشابها فيكون مستدير الشكل لأن الاستدارة من لوازم المتشابهات و الّا لزم الترجيح من غير مرجح و الذى يتسع كالأهلة الدالة على غلظ المادة و اختلاف قوامها فيه و المضاعف الذى في جوفه جدرى آخر الدال على كثرة المادة كلها رديئة من أنواع الطواعين، لبعد موادها عن النضج و فسادها و صيرورتها سمية و لذا لا يتقيّح في أكثر الأمر و خاصة عند حدوث الوباء و فساد الهواء لأنها حينئذ تزداد عفونة و سمية مع بعد مواده عن النضج فيؤدى إلى الغشى و الهلاك. و الحصبة السوداء و الخضراء الدالتان على الاحتراق و التى ترشح دما الدالة على حدّة المادة، رديئة قاتلة لوصول خبثها و سميتها إلى القلب فيغشى على العليل ثم يهلك.

و الحميقا: نوع من الجدرى و هى حبات كبار بيض متفرقة حتى يمكن عد الحبات من قلتها و يكون عقل العليل ثابتا بخلاف النوع الآخر من الجدرى فإنه في الأكثر يكون مع اختلاط العقل، للزوم الحمى و ارتفاع الابخرة الحارّة إلى الدماغ، و لما تبرز البثور في ذلك النوع في حجب الدماغ و الأعضاء الظاهرة و الباطنة المجاورة له فإن عروضه ليس فى الأعضاء الظاهرة فقط بل في جميع الأعضاء المتشابهة الاجزاء- الظاهرة و الباطنة- حتى الحجب و الأعصاب و نفسه قوية لسلامة القلب و الدماغ و الأعضاء المجاورة لهما و لا يكون هناك حمى لخلو مادته من العفونة حتى يتوهم على هذا النوع أنه جرب.

ص: 467

و هذا النوع سليم جدّا؛ لأن كبره يدل على مطاوعة المادة للخروج و على استيلاء الطبيعة على دفعها إلى الظاهر، و بياضه يدل على قوة الطبيعة و قبول المادة للنضج التام و تفرقه على قلّة المادة و دفع الطبيعة الى مواضع متباعدة و لذلك لا يخشى فيه من الاختناق و الغشى و سقوط القوة.

و علامات كون الجدرى: الحمى اللازمة لاتصال العفونة إلى القلب و انتفاخ الوجه و الاصداغ لتصاعد الأبخرة الكثيرة إلى الرأس و حكة الأنف لذلك و لتصاعد ما هو أحدّ و ألطف من مادة الجدرى إليه و تلهب و حمرة في الوجه و فى العضو الذى يحدث فيه و ثقل فى الرأس و خشونة في الحلق لبروز البثور فيه و وجع في الصلب لامتلاء الوريد المتكئ عليه لأن تولده من كثرة الدم الفاسد و غليان الدم فيه و تخلخله و زيادة حجمه فيتمدّد تمدّدا مؤلما و كذلك الشريان العظيم النازل ايضا.

و أما علامة كون الحصبة: فالحمى المحرقة و الكرب و الفزع و خبث النفس لزيادة حدّة المادة و رداءتها و حكاك الأنف.

و علاجها: قبل البروز و الخروج و بعده، قد ذكرت في الحميات و ينفع منه أى: من الجدرى التبخير بورق الآس و الصندل صيفا إذا حمل الماء، لأنه يعين على التجفيف و بقضبان الكرم و الرمان و الطرفا شتاء و أن ينثر عليه الورد المطحون و لا فائدة في تكرار هذا التدبير و تخصيصه بالذكر.

ص: 468

الباب الرابع و العشرون: فى أمراض الجلد و الشعر و الزينة و الأضافير و الأطراف

اشارة

ص: 469

ص: 470

الباب الرابع و العشرون: في أمراض الجلد و الشعر و الزينة و الأضافير و الأطراف

الفصل الأول: في البرص461

البرص: بياض يظهر في ظاهر البدن و يكون في بعض الأعضاء دون بعض و ربما كان فى سائر الأعضاء حتى يصير لون البدن كله أبيض و يقال لهذا النوع المنتشر.

و سببه: سوء مزاج العضو إلى البرودة و غلبة البلغم على الدم الذى يغذوه فتضعف القوة المغيرة و هى قوة ترجح استعداد الغذاء للصورة العضوية و يبطل عنه استعداده للصورة النوعية التى له فيصير الغذاء شبيها بالمغتذى في القوام و اللون عن تمام التشبيه لبعد صورة الغذاء عن صورة المغتذى بسبب استيلاء البلغم عليه و عدم استعداده لقبول تأثير المغيرة فيه، سيّما إذا كانت قد ضعفت بالبرودة.

و قد يكون سببه سوء مزاج العضو إلى البرودة و الرطوبة حتى يصير لحمه كلحم الاصداف رخوا مترهلا مائلا إلى البياض لضعف الغاذية عن هضم الغذاء و تميز الدم و تحليل ما فيه من الرطوبة المائية فيحيل الدم الصائر إليه إلى مزاجه البارد و لونه الأبيض كما في البرص المستحكم و إن كان ذلك الدم جيدا في

ص: 471

جوهره نقيا من البلغم حارّا كما أن المزاج الجيد يصلح الغذاء الفاسد و يحيله إلى مزاجه.

و قد يحدث البرص في موضع الحجامة و يظهر على آثارها لما يضعف العضو المحجوم بالجرح و الايلام عن إكمال فعله فيفوت عنه التشبيه و كذلك ما يحدث في موضع الكى و القروح بعد الاندمال و لما ينجذب مع الدم من الرطوبات البلغمية عند المصّ و يبقى تحت الجلد و لا يخرج مع الدم لغلظها فيصير غذاء العضو من غير تشبيه.

و علامة البرص: أن يكون أبيض اللون برّاقا لكثرة المائية في العضو و صيرورتها أجزءا له أملس لكثرة الرطوبة غائصا ذلك البياض في الجلد و اللحم إلى العظم عند استحكام العلة و أن يكون الشعر النابت فيه ابيض لاستقرار البلغم في قعر العضو و تكرّجه فيه لقلة الحرارة و جلده أنزل(1) من جلد سائر البدن و أشدّ تطامنا إذا غمز عليه لشدة ترهل العضو و رخاوته و سخافة لحمه. و إن غرزت فيه الابرة، لم يخرج منه دم بل رطوبة مائية بيضاء إذ كل إناء يترشح بما فيه و إن دلك لم يحمرّ بالدلك إذ ليس فيه دم ينجذب إلى ظاهر الجلد بسبب الحرارة الحادّثة من الدلك.

و هو داء عيّاء عسر البرء، بل داء لا يكاد يبرأ لأن الفضل البلغمى حيث صار جزءا للعضو لم يمكن استفراغه بالمسهل و المقيّ ء مع أن القوة المغيرة لضعفها لم يمكن لها أن تعطى الغذاء صورة اللحم السليم، بل تفسده و تعدّه مادة للعلة فيزيد يوما فيوما و إن فرض امكان الاستفراغ فهو إنما يمكن في مرات كثيرة لا في مرة أو مرتين و الظاهر أن دم العليل و باقى أخلاطه جيدة صالحة و انما يفسد في هذا الموضع فقط فيصير العليل بكثرة الاستفراغ عرضة للهلاك لاستفراغ الأخلاط الصالحة مع الفاسدة و تضرر الأعضاء السليمة من نكاية المسهلات، و كم قد هلك بذلك كما حكاه «الرازى». فملاك الأمر علاجه استعمال الاطلية و هى ايضا لا تجدى نفعا الّا إذا كانت مقرحة تفسد اللحم الابيض و تحيله إلى الوضر و الصديد حتى لا يبقى منه شى ء، و هذا عسر جدا و خاصة المزمن منه لاستحكام المرض و صيرورة المزاج الفاسد للعضو كالمزاج الأصلى و خاصة الآخذ في الازدياد بافساد مزاج الأعضاء المجاورة له و إحالة غذائها ايضا إلى مثل غذائه و الذى

ص: 472


1- 462. ( 1). أي: اخفض.

يرجى برؤه ما إذا دلك، احمرّ بالدلك و يكون مع خشونة مّا و الشعر الذى ينبت عليه لا يكون شديد البياض و إذا أخذ جلده بالابهام و السبابة و أشيل عن اللحم لئلا تصل الإبرة إلى اللحم فيظن بالدم الخارج عنه أنه من الجلد و غرزت فيه الإبرة، خرج منه دم أو رطوبة موردة(1) لأن ذلك كله يدل على ضعف العلة و عدم استيلائها.

و علاجه: استفراغ البلغم الغليظ و تنقية البدن منه في النوع الأول ثم تبديل المزاج بالمعاجين الحارّة مثل الكلكلانج و القرص البرمكى و الترياق و المثروديطوس و الأغذية التى تولد دما حارّا مثل لحوم الدراريج و لحوم الوحوش المشوية المتوبلة بالتوابل الحارّة و بالاطلية الشديدة الاسخان المحمرّة الجذابة للدم مثل الزفت و النفط الابيض و الخردل الأحمر و الخربقين و المويزج و الكندش و النورة و الزرنيخ الأحمر و البورق و بصل الفأر و الشيطرج و العاقرقرحا و الشونيز و قشر أصل الكبر و بالادوية المقشّرة و المقرّحة كالذراريج بالخلّ و عسل البلادر و التفسيا و الكبيكج و ذرق الحمام و بذر الفجل و الماذريون و الفرفيون و أفضل الجميع التيزابات التى يتخذها اصحاب الصنعة ب «القرع و الإنبيق» و مما يخصّ ببرص آثار المحاجم ماء القنابرى و ماء المرزنجوش و فوة الصبغ و الشيطرج يطلى بماء البقم.

و قد يصبغ البرص عند اليأس من برئه بلون البشرة لئلا يتنفر منه الناس بالاطلية المتخذة من الشب و السورج(2) (بالسين المهملة و هى شى ء شبيه بالزبد يرتفع فوق الملح و هو ألطف من الملح بكثير)(3) و المر و دردى الخمر و المغرة و هى الطين الأحمر و الفوة و الشيطرج و خبث الحديد و النيل و الوسمة بالخلّ بعد أن يغسل بماء العفص ليحدث منه فى العضو قبض و خشونة تقبل بذلك الصبغ التام و تحفظه و تغسل أيضا بعد غسلها أى: غسل الادوية عنه أى: عن العضو بماء الزاج و الشب ليحدث فيه قبض و كثافة يحفظ ما قبل من الصبغ مدة بذلك و لا يزول عنه بسرعة.

ص: 473


1- 463. ( 1). من الورد، أي: رطوبة ضاربة الى الحمرة مثل لون الورد.
2- 464. ( 2). معرب شوره.
3- 465. ( 3).[ خ. ل: غير موجودة].

الفصل الثانى: في البهق الأبيض466

هو بياض رقيق في ظاهر الجلد غير غائر.

و سببه: هو السبب المحدث للبرص إذا كان ضعيفا غير مستولى و المادة رقيقة و القوة الدافعة قوية تدفع المادة إلى السطح، فتندفع هي إليه لأنها أرقّ مما يكون في البرص فلا يرتبك في الباطن و لا تتسفل لغلظها إلى الغور كما في البرص.

و قد قيل: إن سبب البهق رطوبة تحترق احتراقا شديدا تنفصل عنها الاجزاء المائية حتى يبيضّ الباقى و يقرب من التفتّت و التترّب و تصير شبيهة بالغبراء(1) كالرماد فتكون خفيفة لزوال المائية عنها فيحملها الدم و يجرى بها في العروق، فإذا صارت إلى شعبها خرجت من فوهاتها و وقفت و انبسطت مستديرة في تحت الجلد حول الفوهات التى تخرج منها و لم تعفن لقلة مائيتها فلا يزال يتقشر الجلد أى: تنسلخ عنها قشور ليبسها و ترمدها إلى أن تفنى تلك المادة فيزول البهق بالكلية و هذا القول أشبه بالصواب، لأن حدوث البهق في الأكثر يكون دفعة و يزول سريعا بإسهال ذريع و لو كان من هيضة قوية فان اسهالها ليس مخصوصا بمادة العلة فكيف إذا اتفق اسهال من مسهل مخصوص بتلك المادة و بأطلية جالية من غير علاج آخر و لو كان من ضعف قوة المغيرة،

ص: 474


1- 467. ( 2). أي: الأرض.

لم يحدث دفعة منه شى ء كثير؛ لأن تولده حينئذ إنما يكون من الغذاء الوارد على العضو يوما فيوما فيكون حدوثه على التدريج و لم يزل الّا بطول المعالجة؛ لأن القوة المغيرة ما لم تصلح لم يمكن زوال العلة و هذا لا يمكن ان يحصل دفعة.

و فى هذا الوجه بحث؛ لأن احتراق تلك الرطوبة بحيث تصير كالغبراء مع سلامة البدن و كمال صحتها بعيد جدا، و لأن الاجسام كلّما كانت أميل إلى الأرضية كانت أثقل و أميل إلى التسفل. و فى الدليل المذكور وهن، لأن حدوثه دفعة غير مسلم و زواله دفعة بالاسهال الذريع لنقصان العلة و عدم رسوخها و تمكنها فإنها ليست الّا في ظاهر الجلد فقط بخلاف البرص فإنه قد يتمكّن في الجلد و الشعر و اللحم إلى العظم، مع أن ضعف المغيرة هاهنا يسير جدا يمكن اصلاحها بأدنى معالجة.

و علامة البهق الابيض: أن لا يكون شديد البياض، بل يكون قريبا من لون الجلد و أن لا يكون غائصا في الجلد ايضا و لا أملس السطح لقلة الرطوبة اللزجة و على الأكثر يكون مستدير الشكل لأن الرطوبة الرقيقة كلّما تخرج من أفواه العروق تنبسط حولها مستديرة و يكون الشعر النابت فيه أسود و أشقر بحسب ضعف العلة و اشتدادها و إذا غرز بأبرة خرج منه الدم.

و علاجها: الاسهال بالتربد و شحم الحنظل و القى ء و التعرق بالحمام و اخذ الاطريفل و الجلنجبين و دلك الموضع و طليه بالترمس أو بأصل الكبر معجونا بالخلّ أو بالشيطرج و العاقرقرحا و بذر الفجل و الكندش و الخردل مسحوقا بالخلّ في الشمس لأنها تعين على تأثير الادوية بترقيق المواد و تسييلها و تبخيرها و إرخاء الجلد و تفتيح المسامّ و انهاض الحرارة و نشرها و تسخين الأعضاء و جذب الدم إلى الظاهر.

ص: 475

الفصل الثالث: في البهق الأسود468

فأما البهق الأسود فهو تغير لون جلد العضو إلى السواد ما هو.

و حدوثه يكون من مخالطة المرّة السوداء للدم و جريانها معه إلى الجلد.

و علامته: أن الجلد يضرب إلى السواد و إذا دلك العضو تناثر منه شى ء شبيه بالنخالة لتبرّئه و تقشّره و استيلاء اليبس و الجفاف عليه و يبقى موضعه بعد الدلك أحمر لما ينجذب الدم إلى ظاهر البشرة فتغلب الحمرة على السواد و أكثر ما يحدث للشبان لاحتراق الصفراء فيهم و ميلها إلى السوداء.

و علاجه: الفصد أولا و الاسهال بما يخرج السوداء مثل ماء الجبن و طبيخ الأفتيمون و الغاريقون و الهليلج الاسود و البسفايج و الاستحمام الكثير لترطيب البدن تفتيح المسامّ و ترطيب المزاج بالاغذية التى تولد دما رطبا و أن يطلى بالخربق الاسود بالخلّ و بالزرنيخ أو الزاج و الكبريت أو بذر الفجل و القسط و الكندش و بذر الجرجير.

و نوع من البهق الأسود يسمى البرص الأسود و هو تخرق مشتق من الخرق يعرض للجلد من غاية اليبس مع حكّة لما تنفصل عن المادة المحترقة ابخرة حادّة لذاعة تدغدغ الجلد و خشونة شديدة و تفلس كما يكون للسمك أى:

يتشقق الجلد و تتقشر عنه قشور كفلوس السمك.

و سببه: خلط سوداوى قد يتشرّبه الجلد و ما يليه من الأعضاء التى تحته

ص: 476

تشربا أقوى من أن يؤثر في اللون وحده بل في القوام أيضا، فيجفّفه بحيث يتشقّق و يتفلّس و يسمى ايضا القوبا المتقشّر و هو من مقدمات الجذام إذا اشتدّ و كثر.

و علاجه: علاج البهق الاسود مع قوة في الاسهال لأن المادة هاهنا أغلظ و أكثر و أشدّ استحكاما و رسوخا و زيادة في ترطيب المزاج لزيادة استيلاء اليبس و الجفاف هاهنا.

ص: 477

الفصل الرابع: في الكلف469 و النمش470 و البرش471 و الخيلان472

الكلف: هو تغير لون الوجه الى السواد و حدوث آثار كمدة سود أو حمر فيه، و انما يكون في الوجه لأن تولده من ابخرة غليظة سوداوية و تصعد البخار بالطبع يكون إلى أعالى البدن فما يتوجه منه إلى الدماغ يخرج من الشؤون لأنها منافذ متسعة و ما يتوجه إلى الوجه يحتبس تحت الجلد لضيق مسامّه و غلظ البخار سيّما و قد ازداد غلظا هناك.

و النمش: قطعه سوداء صرفة أو سوداء ضاربة إلى حمرة مستديرة كالنقط تحدث فى الجلد و ربما عرضت أى: صارت عريضة منبسطة حتى تصير مثل الكلف. و حدوثه في الأكثر يكون في الوجه لما ذكر.

و البرش: نقط صغار سود، أكثر ما يعرض في الوجه و ربما كانت إلى حمرة و كمودة و الجمهور على أن لون النقط إن كان يميل إلى حمرة فهو النمش و ان كان يميل إلى السواد فهو البرش و إن اتصل بعضها ببعض و صار لطخيا فهو الكلف.

ص: 478

و الخيلان: مثل هذه الآثار السود و الحمر و الكمد في اللون إلّا أنها مجسمة ذات حجم مرتفعة عن سطح البدن مستديرة.

و هذه كلها قد تكون مولودة مع الطفل و لا برء لها.

و قد تكون حادّثة بعد الولادة، و أسبابها قريب بعضها من بعض: أما الكلف فسببه الدم السوداوى المحترق إذا خرج من افواه العروق الليفية و احتقن تحت الجلد و جمد و مال إلى السواد و الكمودة، و ذلك إما لكثرة تلك المادة أو لدفع الطبيعة لها من قعر البدن إلى الجلد لتنقية الأعضاء التى هي أشرف منه فيتكاثف الجلد من ذلك الدم المنجمد الذى تحته فلا يكسوه الدم النقى و الروح الذى يجى ء إليه رونقا و نضارة فيتغير لونه إلى الكمودة و السواد و بخارات الأخلاط السوداوية المجتمعة في المعدة أو في سائر البدن المتصعدة إلى الوجه و لا تندفع لغلظها من المسامّ فتحتقن تحت الجلد و تبرد و تزداد غلظا و كمودة و لذلك أكثر ما يعرض لأصحاب حمى الربع إذا طالت بهم الحمى و كثرت الفضول السوداوية في البدن و ضعف الكبد عن التميز و الطحال عن الجدب و للنساء الحوامل لاجتماع الفضول الطمثية فيهن و ارتفاع الابخرة منها إلى الوجه.

و أما النمش و البرش فسببهما مثل الكلف خروج الدم السوداوى البارد من أفواه العروق الدقاق و احتقانه و جموده تحت أعلى الجلد احتقانا في موضع يتأدّى لونه من السواد و الحمرة و شكله من التدوير و التضليع و الصغر و الكبر منه و الفرق بين هذه و بين البهق الأسود أن هذه ملساء و ذلك فيه خشونة لأن الدم السوداوى هاهنا قد احتقن تحت الجلد من غير أن ينفذ في جوهره و يصير غذاءا له حتى يحصل له من ذلك مزاج يابس مغيّر لقوامه مخشّن لسطحه من انتفاء الرطوبة المملّسة لفرجه، بخلافه في البهق فإنه هناك يصير غذاءا له جزء لجوهره فيتغير لذلك لونه و قوامه.

و سبب الخيلان ايضا خلط سوداوى عكرى أو دم محترق يخرج من العروق فيحتبس تحت الجلد في الموضع الذى يخرج منه لغلظه و لا ينبسط بل يصير صلبا يتحلل ما فيه من الاجزاء اللطيفة متجسما ذا حجم مثل الصموغ التى تخرج من الشجر و تتصلب و تلتزق بالموضع.

و علاجها جميعا: الفصد و اسهال الخلّط السوداوى و الأخلاط المحترقة

ص: 479

بمطبوخ الأفتيمون و الغاريقون و ماء الجبن، ثم التضميد بالاضمدة الجلّاءة المحلّلة مثل البورق و الفلفل و بذر البطيخ و بذر الجرجير و الترمس و بذر الفجل و الكندش و الدارصينى و القسط و حب المحلب و اللوز المر، و تراب الزئبق و هو التراب الذى يستخرج منه الزئبق، فإنه يستخرج بالنار من تراب معدنى على لون الزنجفر كما يستخرج الذهب و الفضة و حب البان و الايرسا و الخردل و شيرج التين و هو عسله المستخرج منه بالطبخ أو لبنه الذى يخرج من شجرته عند القطع و ينبغى أن يخلط بها أى: بالاطلية الجلّاءة المحلّلة فى الأوائل أى: أوائل العلة بعض القوابض مثل ماء الآس و ماء الورد و دقيق العدس لأن الادوية الحارّة ربما تفتح افواه العروق فيخرج منها الدم بل يجذب الدم إليها بحدتها و حرارتها إلى الجلد و تتزايد العلة حينئذ لما يخرج الدم منها إلى ما تحت الجلد و ينجمد فيسودّ الجلد و لذلك ينبغى أن يضمد الموضع بالقوابض بعد زوال العلة لئلا يسيل الدم إليه من فوهات العروق كرة أخرى، و أما المزمن فلا يخاف فيه ذلك لانسداد افواه العروق بجمود الدم و كثافته و أما البرش و النمش فيحتاج من هذه الاطلية إلى ما هو أقوى؛ أما البرش فلأن مادتها أغلظ و لو كانت رقيقة لانبسطت و صارت لطخيا كالكلف، و هكذا الأمر في النمش عند الجمهور و أما عند المصنف فلأن مادته دم سوداوى بارد فيحتاج فى علاجه بالضرورة إلى ما هو أقوى و ينبغى أن يتعاهد بالاطلية مواضع النقط بعد التكميد بالماء الحارّ لتليين الجلد و الدم الجامد.

و الخيلان يحتاج إلى أن تغرز فيها «الإبرة» و يخرج بالرفق ما فيها من الدم الجامد لأن مادتها أغلظ و أعصى من أن تحلّلها الادوية ثم تغسل بالخلّ لتنظيف بقايا الدم الجامد و يقوم مقام الكى في منع اتساع افواه العروق و يضمد بالقيروطى و بما ذكرنا من الاضمدة. و لا ينبغى أن يتعرض لما كان من الخيلان لونه لون التوت الشامى و هو الأحمر الناصع فإنه ربما كان متولدا في اطراف الشرايين و يدل عليه هذا اللون، لأن دم الشرايين أحمر ناصع فيؤدّى التعرض له بالحديد و بالادوية الحارّة إلى نزف الدم لما تنفتح عند ذلك أفواه الشرايين.

ص: 480

الفصل الخامس: في الخضرة473 و الوشم474 و آثار القروح و الجدرى475

أما الخضرة التى تحدث عن الدم الميت تحت الجلد بسبب ضربة ينصدع عنها عرق ليفى و يخرج منه الدم إلى ما تحت الجلد و يجمد فيه جمودا لا يبلغ لونه إلى حد السواد.

فعلاجها: عند سكون الحرارة و الألم لئلا ينجذب إليه من الاضمدة دم و لا غيره من المواد من العروق المنصدعة من باقى الأعضاء فيؤدى إلى ورم عظيم أن يضمد بورق الكرنب أو الفجل أو الفوتنج أو بالزرنيخ و الاشق أو بالنطرون و الخلّ ليسخّن الدم الميت و يرققه و يحلله، فإن لم يكف ذلك غرز الموضع ب «الابرة» و مسح منه الدم إن لم يكن جامدا و إن كان الدم جامدا و لا يسيل عند الغرز، شقّ الجلد بطرف «مبضع» و ينحّى عنه و أخذ بالرفق ثم دلك الموضع بملح و ضمد بنطرون و علك البطم لتكوى افواه العروق فلا يعود منها الدم إلى الموضع تارة أخرى.

و أما الوشم المعمول بالنيل و غير ذلك كالمداد و ماء الكراث فينبغى أن يدلك بالنطرون و الماء الحارّ فإن النطرون يجلو و يقطع ثم يوضع عليه علك

ص: 481

البطم الملين بالعسل لما فيه حدّة و جذب قوى من عمق البدن و يترك ثلاثة أيام ثم يحل و يدلك بالملح و يعاد عليه علك البطم إلى أن ينقطع منه سواد الوشم. فإن لم ينجع امثال ذلك، يوضع عليه عسل البلادر و يتبع مغارز الابر بنقط عسل البلادر و الادوية المقرّحة كالديك و البرديك و غيره لتقرّحه و تأكّله.

و أما آثار الجدرى و القروح فإن كانت غائرة تحتاج إلى ما يسمن البدن و إن كانت مستوية فيذهب بها بأن تطلى بالمردارسنج المبيضّ بدهن الورد أى: معه، لما فيه قوة جالية قابضة تملأه القروح العميقة لحما و تبيضه يكون على أنحاء شتى و أسهله أن يؤخذ من مرداسنج رطل و يخلط به من الملح مثله، ثم يصبّ عليه ماء و يسخّن في الشمس و يبدّل ماؤه حتى يبيضّ فإن المبيض منه جال و غير المبيضّ مسودّ و بشحم البط و الدياخليون إن كانت الآثار شبيهة بالدشابد أو بالمردارسنج و اصل القصب اليابس و دقيقى الحمص و العظام اليالبسة و القسط و حب البان و دقيق الارز و بذر البطيخ معجونة بماء البطيخ أو بماء القاقلى و هو من انواع الحمص و هو مثل الاشنان إلّا إنه اعظم من الأشنان و يتخذ منه القلى و فيه جلاء قوى أو بلعاب الحلبة معجونة بماء البطيخ و بذر الكتان فإنه يجلو و يحلل، هذا إذا كانت الآثار سوداء.

ص: 482

الفصل السادس: في البادشنام476

البادشنام: حمرة منكرة سمجة تشبه حمرة من يبتدئ به الجذام يظهر على الوجه و على الاطراف خصوصا في الشتاء و البرد و ربما كان معها قروح.

و يكون سببه: حقن البرد للبخار الكثير الدموى فإذا فسد و تغير تحت الجلد بالاحتقان أفسد الجلد و أحدث فيه قروحا.

و علاجه: الفصد و الاسهال و الحجامة و ارسال العلق على العضو و الحكّ جيدا حتى يسيل منه دم كثير فلا يتغير تحت الجلد حتى يحدث منه تأكل و تقرّح ثم يدلك بالملح ليذوب ما بقى من الدم المحتقن و يتحلل و يطلى موضع الحك و القرحة بالمرهم الأحمر و الخلّ و ينفع منه أن يطلى بالصابون و يترك حتى يمصّه بما فيه من الحدّة و الجلاء القوى ثم يغسل بالماء الحارّ و يعاد مرات إلى أن تفنى المادة بالتمام.

ص: 483

الفصل السابع: في فساد اللون477

فساد اللون أى: تغيره عن المجرى الطبيعى بحسب ما تقتضيه الأهوية و البلدان. و الطبيعى لأكثر الأصناف هو البياض المشرب بالحمرة، فإن اللون الخاص بالأعضاء على مجرى الطبيعى هو البياض، أما الجلد و العظام و الغضاريف و الرباطات و الأعصاب و الأوردة و الشرايين فذلك فيها ظاهر و أما اللحم فإنه و إن كان يميل إلى الحمرة لكنه متى اسقصى في غسله ابيضّ و إذا كان كذلك فما عدا البياض للاعضاء يكون لغلبة أحد الأخلاط و أنسبها للطبيعة هو الدم، فمتى اغتذت به الأعضاء البيض صار بياضها مشربا بالحمرة و ما عدا ذلك غير طبيعى في الأكثر يكون:

إما من دفع الطبيعة خلطا مفسدا للون إلى ظاهر الجلد.

و يكفى في علاجه: استعمال الاطلية الجلّاءة المتخذة من الأدقة و بذر الفجل و الايرسا و بذر البطيخ و اللوز المقشّر و النشا و الكثيرا و البورق معجونة باللبن فإن فيه جلاء بالمائية التى فيه.

و إما من غلبة الفضول على البدن و اختلاطها بالدم مثل ما يعرض في اليرقان الأصفر و الأسود.

و علاجه: نفض تلك الفضول ثم استعمال ما ينقى البشرة و يجلوها.

و إما من فساد الأحشاء كالطحال إذا ضعف مثلا عن جذب السوداء من الكبد

ص: 484

فيبقى فيه و يختلط مع الدم، و الكبد إذا ضعف عن تميز المرتين عن الدم أو عن دفعهما إلى مفرغيهما و المعدة إذا ضعفت مثلا عن الهضم التام فينفذ الغذاء غير المنهضم إلى الكبد و لا يتولّد عنه دم ينضج، بل دم غير طبيعى في لونه و قوامه و يفسد لون البدن و الطبيب الماهر لا يشتبه عليه لون الممعود و المكبود.

و علامة ذلك: آلامها أى: أمراضها و ضعف افعالها.

و علاجها: تقويتها.

و إما من الشمس فإنه إذا تعرض لها متعريا عن الثياب و أطال المكث فيها، ذابت الأخلاط و انجذبت إلى ظاهر الجلد و احترقت و لججت في المسامّ فاسودّ اللون و صار كالفحم و الريح أما الحارّ فلما ذكر في الشمس، و أما البارد فلما يهرب منه الحارّ الغريزى إلى الباطن و يستولى النارى على الظاهر فيحترق الجلد و يسودّ، أو لما يتكاثف الجلد و ينجمد الدم تحته فيسودّ و البرد لما ذكر.

و علاجه: الاستحمام لتليين الجلد و ترطيب الأخلاط المحترقة و ترقيقها و تحليلها و كذلك الانكباب على بخار الماء الحارّ و استعمال الغمرة الجالية مثل دقيق الباقلى و العدس و قشور البيض و الاسفيداج و نشارة العاج و العظام النخرة و اللوز المر و بذر الفجل و النشا باللبن أو بماء القنابرى أو بماء ورق الفجل.

و إما من سوء ترتيب المأكل و المشرب و الأولى أن يقول: سوء تدبيرهما مثل ما يحدث صفرة اللون من كثرة اكل النانخواه فإنه بالخاصية يصفرّ اللون شربا و اشماما، و قيل: بل النظر إليه و كذلك الكمون و إدمان شرب المياه الراكدة لأنها بسبب طول البقاء فى موضع واحد يكثر مخالطة الاجزاء الأرضية بها و يشتدّ الإمتزاج بينهما، بخلاف المياه السيّالة فإنها و ان كانت دائمة ملاقية للأرضية لكنها لا تكون ملاقاتها لأرض واحدة بعينها فلا يمتزجان امتزاج الراكدة، سيّما إذا كانت مكشوفة للشمس فتؤثر فيها فتصعد اجزاء الارضية إليها فيمتزجان و تحلل ايضا الألطف فالألطف منها بدوام تأثيرها فيها فتصير غليظة رديئة ثقيلة تغلظ الدم و سائر الأخلاط و تفسدها و تضعف الاحشاء و المعدة و تعظم الطحال فيهزل البدن و يصفرّ اللون و إدمان شرب الخلّ لأنه يقمع الدم بمضادته له و الاستكثار من أكل الطين حتى يوقع سدد في افواه العروق الدقاق و لا يخلص إلى الجلد دم صاف يحمرّ منه البشرة بل شى ء رقيق بخارى من بخار الصفراء و تنفذ بسبب رقتها و حدتها من تلك الافواه المنسدّة فيصفرّ اللون.

ص: 485

و علاجه: اصلاح الغذاء.

و قد تحدث صفرة اللون من طول مقاسات الأمراض و فقدان الغذاء لقلة تولد الدم و الغموم فإنه لما يتحرك فيها الروح إلى الباطن قليلا قليلا يتحلل و تضعف الحرارة الغريزية، و لما ينقبض و يحتقن في الباطن تنطفئ الحرارة فيبرّد مزاج القلب و يبرّد فم المعدة بالاشتراك و يضعف الهضم و يقلّ الدم الجيد القانى و يتكاثف الروح و الدم ايضا فلا يميلان إلى الظاهر و يتكاثف الجلد ايضا فيصفرّ اللون و كثرة الجماع لكثرة تحلل الدم و الروح و ضعف الحرارة الغريزية و الاوجاع لكثرة التحلل و اشتغال الطبيعة بها عن هضم الغذاء و توليد الدم و شدة حرارة الهواء لكثرة التحلل و ارخاء القوى و فتور الغريزية و احتراق الجلد و كثرة تولد الصفراء و انجذابها إلى الظاهر.

و علاجه: التقوية و التربية بإزالة السبب و العرض الحادّث منه و التغذية لتقوى القوى و يكثر تولد الدم النقى و الروح الصافى و استعمال ما يولّد الدم الرقيق ليمكن له النفوذ إلى الظاهر الكثير ليبلغ جميع مواضع البدن و ينتشر فيه و يغلب على لون الأعضاء الاصلية الجيد أى: الطبيعى، بأن يكون أحمر صافيا قانيا فيحصل منه في البشرة رونق و حمرة و نضارة مثل ماء اللحم و البيض النيمبرشت و الحمص فإنه يولّد دما رقيقا جيدا و يفتح المجارى ايضا فينبسط الدم إلى الخارج بسهولة و التين فإنه يولّد دما رقيقا لطيفا مندفعا إلى الجلد و يزيد في الحرارة الغريزية و ما يصفى الدم من الفضول الغليظة مثل الاطريفل و الهليلح المربى لنشفها الرطوبات و ما ينشر الدم و يبسطه بتسخينه و تحريكه إلى الظاهر مثل الفلفل و السعد و القرنفل و الزعفران على أن الزعفران يصبغ الدم أيضا و يفيده حمرة و بريقا و الزوفا إذا جعلت هذه في الاطعمة و ما يجذب الدم من داخل إلى الخارج من الاطلية و الغمرة المحمرة مثل الخردل و الزرنيخ باللبن و مثل الزعفران و فوة الصبغ و الكندر و المر و المصطكى معجونة بماء البلبوس و هو بصل الزئر.

ص: 486

الفصل الثامن: في الحزاز478 و الابرئة

الحزاز بفتح الحاء المهملة و الابرئة: أجسام صغار دقاق شبيهة بالنخالة تنتشر من جلدة الرأس من غير تقرّح و قد يبلغ إلى التقرّح عند زيادة رداءة المادة.

و حدوث ذلك يكون من بخارات بلغمية مالحة أو بورقية أو من دم تخالطه مرة سوداء تتصاعد إلى الرأس و تفسد برداءة كيفيتها السطح الاعلى من الجلد فيعرض له تقشر خفيف، و قد يكون من يبس مجرد عرض لمزاج الرأس دون سائر البدن فينسلخ عنه الجلد و ربما كان بالشركة و هو إما خفيف يكفيه الدهن بمثل دهن البنفسج و القرع و الغسل ببعض الجاليات مثل ماء السلق و البورق و دقيق الحمص و الخطمى بخل خمر أو دقيق الكرسنة و الترمس بلعاب بذر قطونا و بلبّ البطيخ و بذره و دقيق الباقلاء و النخالة و إما قوى مزمن أشدّ من ذلك.

و علاجه: الاسهال بما يخرج البلغم و السوداء ثم حلق الرأس ليكون تأثير الدواء فيه أزيد و أتم و التدهين و تعاهد الحمام و الغسل بالادوية التى لها جلاء قوى مرة مثل دقيق الحمص و البورق و الحلبة و الزجاج الابيض و الخردل و المويزج و الخلّ و بالتى لها لزوجات مرة أخرى لترطب و تعدل الحدّة

ص: 487

و الحرارة الحادّثة من تلك الادوية الجلّاءة و الحدّة التى للبلغم البورقى و السوداء الاحتراقى مثل دهن البنفسج و بذر الخطمى و الكثيرا و اللعابات و نحو ذلك و سقى الدهن على عصير العنب فإنه يسخّن و يرطّب و يولّد دما عذبا خاليا عن الكيفيات الرديئة.

ص: 488

الفصل التاسع: فى داء الثعلب479 و داء الحية480

هاتان العلتان هما تمرّط الشعر أى: تساقطه و إنما اشتقّ لهما هذان الإسمان من الداء العارض لهذين الحيوانين و ذلك لأن الثعلب قد يعرض له مرارا كثيرا أن يسقط شعره و يتقرّع جلده و الحية يعرض لها أن ينسلخ جلدها و لذلك صار داء الحية يكون لتساقط الشعر فيه مع انسلاخ الجلد الرقيق.

و الفرق بين داء الثعلب و داء الحية هذا، أعنى أن داء الحية مع ما ينتشر فيه الشعر ينسلخ الجلد عنه فيشبه العضو بالحية التى قد انكشفت و خشن جلدها و قيل: إن داء الحية هو ذهاب الشعر على شكل الحية إذا انسابت أى: ذهبت على التعاريج طولا، و قيل ايضا إن سبب ذلك أى: سبب ذهاب الشعر على التعاريج صعود البخارات الحادّة المفسدة لأصول الشعر و منابته و حصولها في عرق واحد و ترشحها عنه فيفسد اصول الشعر النابتة على محاذاة تلك العرق فيتمرّط على شكله طويلا معوجا، و قيل: إن داء الثعلب سمى بهذا الاسم تشبيها للعضو بالمزارع التى قد تمرغ فيها الثعلب و فسد زرعها، فإن من عادته أن يتمرغ في المزارع فيفسد زرعها بحيث لا يمكن اصلاحه أصلا و هاتان العلتان تحدثان في جميع البدن، إلّا أن أكثر حدوثهما يكون في الرأس و اللحية و الحاجبين و ذلك لأن حدوثهما إنما يكون في الأكثر من مادة حادّة لذاعة و هى بالطبع تميل

ص: 489

إلى أعالى البدن فتفسد الشعور النابتة هناك، و ايضا شعور تلك المواضع كثيرة غليظة محتاجة إلى غذاء كثير الكمية صالح الكيفية، فإن عرض له أدنى تغير فسدت الشعور و تساقطت كالنباتات المزروعة المستسقية المحتاجة إلى التروية و التربية، و أما الشعور النابتة في سائر الجسد فهى بمنزلة الاعشاب في المواضع الخربة و البرارى تصبر على العطش و لا تفسد سريعا بفقد الماء و فساده.

و حدوثهما يكون من مادة مستكنّة في الجلد و فى منابت اصول الشعر تفسد اصول الشعر أكلا لها لخبثها و فسادها منعا للغذاء الجيد عنه لحيلولتها بينه و بين الشعر و لا فسادها و تغيرها له عن الكيفية الجيدة إلى كيفية خبيثة غير ملائمة لتكون الشعر كالماء المرّ و المالح و الكبريتى و غيرهما مما له كيفية رديئة فإنها تفسد النبات و تجفّفه و تلك المادة تكون:

إما بلغما محترقا. و علامته: أن يكون الموضع أبيض لينا و صاحبه عبل البدن ناعمه و قد استكثر مما يولّد البلغم من الاغذية الباردة الرطبة و مما يفسده من الاشياء الحريفة المالحة و الابازير الحارّة.

و علاجه: نفض البلغم بعد النضج بالأيارجات و الحبوب و القى ء بالأدوية المقيئة المخرجة للبلغم مثل طبيخ الشبت و البورق و الملح الهندى مع السكنجبين العسلى بعد الامتلاء من الغذاء الذى فيه الفجل أو بالغراغر المنقية للرأس ثم دلك الموضع بخرقة خشنة و ببصل العنصل لتحليل البلغم الفاسد الذى فيه و جذب الدم الجيد إليه ثم طليه بالتفسيا و الخردل أو بالثوم المسحوق بعد الشرط إن كانت العلة قوية و لم يحمرّ الموضع بالدلك لاستيلاء البلغم و استحكامه و تقرّره في جوهر العضو.

و أما صفراء حادّة. و علامته: صفرة اللون و قشفه كقشف جلدة طائر نتف ريشه لجفاف الجلد و تقشرة و نحافة البدن لقلة اغتذاء البدن بالدم الذى تخالطه الصفراء الحادّة و استعمال ما يولّد الصفراء فيما تقدم.

و علاجه: اسهال الصفراء بالحبوب المسهلة لها ثم تكميد الموضع بالخلّ المسخّن فإنه يحلل و يقطع و يقوى العضو بما فيه من القبض فيندفع عنه ما ينصبّ إليه و تدهينه بعد ذلك بدهن الورد لئلا يحدث في الجلد من الخلّ جفاف و تكاثف و حرقة و لذع ثم دلكه و طليه بالكبريت فإنه يجلو و يقطع المواد الرديئة

ص: 490

المستكنّة تحت الجلد من غير أن يدفع شيئا منها إلى عمق البدن و الزيت فإنه يجلو و يحلل و يمنع الشعر من التساقط بما فيه من القوة القابضة و بالبندق المحرق بقشره مذابا في خل ثقيف.

و إما من مرة سوداء و قد مر غير مرة أن المراد بالمرّة السوداء هي السوداء المحترقة و علامته: كمودة الموضع و قحله و شدة يبسه و المزاج السوداوى و تقدم ما يولّد السوداء.

و علاجه: الاسهال بما يخرج السوداء كحب الأفتيمون و نحوه بعد تلطيف الخلّط و تهيئته للخروج و ترطيب المزاج، ثم دلك الموضع ببصل الفأر و الثوم و تمريخه بالشحوم كشحم الدب و شحم الاسد و اشباه ذلك فإنه مع ما يلين و يحلل، يسكّن لذع الادوية فلا يحترق عنها الجلد و لا يتقرح و طليه بالكبريت و التفسيا و الفرفيون و الخردل و اصول القصب و رماد اليبروج الصنمى و هو سراج القطرب، و له أصل في بطن الارض على صورة صنم قائم ذى يدين و رجلين و جميع اعضاء الانسان و منبت ورقه من وسط رأس الصنم و ورقه يشاكل ورق العليق و يزعمون أنه لا يمكن قلعه الّا بأن يربط إذا خلخل حوله من التراب في عنق كلب قد جوع يوما، ثم يلقى إليه من بعيد قطعة لحم فإذا توجه الكلب نحو اللحم قلعه و يزعمون أن الكلب بعد القلع يسقط ميتا و ظلف الماعز و تدهينه بدهن اللادن و الناردين.

و إما دما غليظا فاسدا. و علامته: حمرة الموضع و سائر علامات غلبة الدم.

و علاجه: الفصد و دلك الموضع بخرقة خشنة أولا و بالزوفا الرطب بعد ذلك فإنه ينضج و يحلل المواد الغليظة و يلينها، ثم دلكه بعد ذلك ببصل العنصل و الثوم و الخردل لتحلل الدم الفاسد القريب و لجذب الجيد البعيد و طليه بالتفسيا و الفربيون لا نبات الشعر فإنهما يجذبانه من عمق البدن جذبا قويا.

ص: 491

الفصل العاشر: في انتشار الشعر و الصلع481

لما كان تولد الشعر من انعقاد البخار الدخانى أى: من اجزاء هوائية فيها اجزاء مائية و أرضية، تلطّفت بالحرارة و اختلطت به اختلاطا لا يتميز الحس بينهما إذا عملت فيه حرارة الطبيعة و تحللت الاجزاء المائية منها الّا القدر اليسير الذى به تتماسك الاجزاء الارضية و انعقدت تلك الاجزاء الارضية التى فيها يسير من المائية في المسامّ لأنها الآلة التى بها يتم أمر الشعر فإن تلك الابخرة الدخانية لغلظها ترتبك في المسامّ حيث لا يمكنها النفوذ إلى خارج و الرجوع إلى داخل، فتبقى هناك مقيمة و دوام اتصال المدد إليه فيدفع الداخل منه ما قد انعقد و تبلّد أولا فأولا إلى الخارج، من غير أن ينقلع اصله فيبقى بعضه مركوز في الجلد بمنزلة أصل النبات و بعضه بارزا منه بمنزلة القضيب فانتشاره و تساقطه يكون:

اما لنقصان الغذاء و قلة البخار الجيد المنبت له، مثل ما يعرض للناقهين من الأمراض الحادّة و لأصحاب الدقاق و السل من سقوط الشعر لانعدام المادة الغاذية له كالنبات من فقد الماء.

و علامته: يبس البدن و هزاله و تقدم الاسباب المحلّلة من الأمراض و قلة الغذاء و نحوها.

و علاجه: الزيادة في الغذاء و النوم لتكميل الهضم و ترطيب البدن و الحمام للترطيب و جذب الغذاء إلى الأعضاء و غسل الرأس بالخطمى و بذر قطونا و ورق الخلّاف و دهن البنفسج و النيلوفر.

ص: 492

و إما لتخلخل الجلد و اتساع المسامّ حتى إذا خرج البخار المحدث للشعر تغشى و تبدّد و لم يجتمع بعضه حتى يتبلّد و يصير مادة لحدوث الشعر.

و علامته: رقة الشعر و دقته و سرعة الانتشار لسعة مراكز الشعر.

و علاجه: كل ما يكثف المسامّ تكثيفا غير شديد لئلا يسدّ المسامّ فلا تنفذ فيها المادة من الاطلية و النطولات القابضة و التدهين بدهن الآملج و الهليلج الكابلى و العفص و الاقاقيا و نحوه مما فيه قوة قابضة غير شديدة تكثف الجلد و تسدّ المسامّ فلا تنفذ فيها مادة الشعر و بدهن الآس فإنه مركب من جوهر حارّ يجذب المادة و من جوهر بارد يشد العضو و يقبضه فتنعقد المادة المنجذبة إليه و اللادن لما فيه قبض يسير و جوهر لطيف فهو لذلك يحلل تحليلا يسيرا لما في اصول الشعر من الرطوبات و يجذب الدم الجيد و يسدّ بقبضه مراكز الشعر.

و إما لضيق المسامّ بسبب اليبس و القشف و كثافة الجلد و تلززه كجلد الشيخ فلا تنفذ فيه مادة الشعر و إن نفذت فيه بقيت الثقب مفتوحة لا تلتحم ليبس الجلد فيتفرق البخار و لا يجتمع بعضه مع بعض حتى يتبلّد.

و علامته: يبوسة المزاج و انتتاف الشعر و جعودته لأن اليبوسة توجب التشنج و الالتواء كالاشجار، فإنها إذا انبتت في أراض قحلة عديمة المياه، تكون ملتوية كثيرة العقد و إن كانت من شأنها السبوطة و غلظة لكثرة اجتماع المادة و تراكمها و شدة سواده لخلو الابخرة الدخانية عن الرطوبة، فإن الرطوبة كلّما كانت أقلّ كان السواد أشدّ كما يشاهد النباتات.

و علاجه: ترطيب المزاج و الاستحمام الدائم و التدهين بدهن البابونج و التغليف باللوز المر و الشيح المحرقين بدهن زيت و بغير ذلك مما يناسبه من ادوية داء الثعلب.

و إما لضيق المسامّ المتولد عن الرطوبة الغليظة و البلغم، حتى أن البخار الدخانى الذى منه تكوّن الشعر إذا خرج من بين هذه الرطوبة إلى خارج عادت الرطوبة إلى موضعها فسدّت المسامّ و قطعت بين ذلك البخار الخارج و البخار الداخل الذى يجى ء بعده فلم يتصل بعضه ببعض كالنشا عند طبخه بالماء فإنك تجد البخار إذا خرج من موضع عادت الرطوبة في الحال إلى ذلك الموضع و حجزت بينه و بين ما يخرج بعده.

ص: 493

و علامته: أن يكون الشعر ايضا دقيقا ضئيلا لقلة اجتماع المادة الدخانية و اتصالها مع ضيق المسامّ لكن ليس بسريع الانتشار و الانتتاف لضيق المسامّ.

و علاجه: دخول الحمام و طول اللبث فيه لتحليل الرطوبات و دلك الرأس فيه أى: الحمام بالشيح و القيصوم و اللوز المر و غسله بالنطرون و البورق و مرارة البقر لترقيق الرطوبات و جلائها و تحليلها و جذب الدم الجيد و استعمال التوابل الحارّة في الاغذية لتقطيع الرطوبات و تجفيفها و لا ينبغى أن يدهن الرأس فيه لئلا يزيد في الترطيب و تسديد المسامّ باللزوجة.

و إما لحصول المواد الخبيثة تحت الجلد حتى يفسد عنها البخار الدخانى الذى يتكون عنه الشعر و يستحيل إلى كيفية غير ملائمة لتكوّن الشعر كالملوحة و المرارة و الحرافة و البورقية و غيرها مثل ما يكون في داء الثعلب و داء الحية أو لاستيلاء الرطوبة على الجلد و إن لم تكن ذات كيفية رديئة فيترهل الجلد لذلك و يسترخى فينتشر الشعر سريعا و لذلك ترى المنابت الخصيصة الصلبة تحفظ الشعر و تضبطه فلا يتمرط(1) سريعا كالاهداب مثلا فإن منبت شعورها غضروفية، و ايضا عند استيلاء الرطوبة على الجلد بترطيب الابخرة الدخانية التى تصل إليه و تصير رقيقا مائيا لا تنعقد و لا تتلبّد و يستدل على ذلك ايضا بلون الجلد بأن يكون أبيض و حال مزاج البدن.

و علاجه: تنقية البدن من الرطوبات، و استعمال ادوية داء الثعلب.

و قد يكون انتشار الشعر للسعفة و القروح. فما كان منها قد فسدت فيه المسامّ و انطمست(2) بعد الاندمال فلا حيلة له، و ما لم ينقطع فيه الآهاب الأصلى و لم يفسد المسامّ بتولد غشاء صلب شبيه بالجلد يقوم مقامه في ستر الأعضاء، فيعالج بالملينات المحلّلة ليسهل فيه نفوذ الشعر و تتحلل منه مادة السعفة و القروح كالخطمى و الخبازى و اللعابات و الأدهان و نحوها من المراهم و القيروطيات.

و قد يحدث جنس من الانتشار يعرف بعلة النعامة، تصير فيها جلدة الرأس كأنها جلد طائر قد نتف ريشه أى: لين الملمس و يصير الشعر لينا كالزغب و الحرير و البشرة كأنها قد نضجت و اصفرّت لقلة الدم الصالح و انتشار المواد

ص: 494


1- 482. ( 1). أي: لا يتناثر.
2- 483. ( 2).[ أي: غابت].

الصفراوية في ظاهر الجلد و هذه العلة كثيرا ما تحدث للنعامة و لذا أضيفت إليها.

و سببها: فساد المسامّ و تغير مزاج البشرة من المواد الحارّة الصفراوية و احتداد البخارات المتولدة منها و سخافتها لرقة مادتها و لطافتها فينتشر الشعر بفساد منبته و غذائه و لا يتولّد بدله شى ء آخر لعدم صلاحية تلك الابخرة لتكون الشعر و لذلك أكثر ما تحدث هذه العلة بعقب الأمراض الحادّة.

و علاجها: الحلق الدائم لأن مرور «الموسى» يحرك الحرارة و يجذب الدم إلى الجلد، و لأن الحلق يمنع من انصراف الغذاء إلى تلك الشعور الزغبية، فيجتمع و يتقوى بذلك على توليد شعر قوى و استعمال دهن الآس و الاملج و اللادن و حب الغار و استخراجه منه بأن يغلى الحب بالماء غلية خفيفة و يدقّ و يرشّ عليه الماء أو يجعل عليه ماء و يجعل تحت شى ء ثقيل و يدق و يطبخ بدهن الشيرج.

و أما الصلع فإن عرض في غير وقته و هو سن الشيخوخة فسببه هذه الاسباب المذكورة في انتشار الشعر و يعالج بهذه العلاجات.

و قد يحدث الصلع لدوام حمل الاثقال على الرأس لأنه يحلل الرطوبات و يكثف الجلد و يجففه. و علاجه: ترك ذلك.

و إن عرض الصلع بعد الكبر فإنه يحدث لنقصان مادة الشعر في تلك البقعة و هى أعالى الرأس دون الأصداغ و قصورها عنها، و استيلاء الجفاف عليها، لأن جلدتها و هى رقيقة ممدودة على عظم و ليس تحته لحم ليكون تحلل الفضول من الدماغ بسهولة و قد تتوجه إليها حرارة البدن بأسرها فيكثر تحلل رطوباتها فيجفّ تحت مسامّاتها و يكثر ايضا تحلل الابخرة التى منها يتكون الشعر فلا تبقى له مادة و يتطامن ايضا من جوهر الدماغ عما يماسه من القحف لاستيلاء اليبس و الجفاف في هذا السن على جميع الأعضاء، سيّما الأعضاء اللينة المتخلخلة السهلة القبول للتحلل، و مقدم الدماغ ألين و أشدّ تخلخلا من مؤخره فلا يسقيه سقيته إياه و هو ملاق له فيصير الجلد هناك بمنزلة الخزف فلا يتأتى نبات الشعر فيه، كما لا يتأتى نبات العشب في الصخر و ذلك مما لا برء له لأنه طبيعى بمنزلة جفاف النبات لا محيص عنه، لأن ايجاد الرطوبات الاصلية غير ممكن، و أما الأصداغ فلأن تحتها عضلا كبارا و العضل لحمية و اللحم أرطب من العظم و الجلد لا يجفّ جفاف الأعالى، و لأنها ايضا مواضع مفصلية و المفصل تجتمع فيه الفضول و الرطوبات الكثيرة المانعة من استيلاء الجفاف عليه.

ص: 495

الفصل الحادّى عشر: في الشيب484

إن سبب الشيب عند «جالينوس» هو التكرج الذى يلزم الغذاء الصائر إلى الشعر، إذا كان بلغميا باردا و كان بطى ء الحركة مدة نفوذه في المسامّ للزوجته و لضعف الحرارة الغريزية، و ذلك لأن الاجزاء البخارية- التى لا تكون الاجزاء المائية و الهوائية فيها غالبة- إذا غلبت بسبب كثرة الرطوبات و ضعف الحرارة عن تحليل بعضها و احراق الباقى على الاجزاء الدخانية- التى تكوّن الاجزاء الارضية و النارية فيها غالبة- عرض لتلك الابخرة عند ظاهر البدن أن تجمد بالبرد و تظهر لها عفونة مّا تصير بها إلى التكرج بالحرارة الغريبة القاصرة فيصير لونها ابيض لاختلاط الاجزاء الهوائية بتلك الرطوبة كالبياض العارض للخل و للخبز الرطب و المرى و غير ذلك عند ما يتعفن بحرارة الهواء، و لو لم يعرض لها لم يحدث تكرج قطعا فإن الدم ما دام دسما ثخينا حادّا لزجا فالشعر يكون أسود لأن ما ينفصل عنه من الاجزاء الدخانية و الدهنية يكون غالبة على ما ينفصل عنه من الاجزاء البخارية المائية اللطيفة، فإذا تحللت تلك المائية ايضا بالحرارة و احترقت الدخانية الغليظة، انعقد منها شعر أسود خالص السواد و إذا اخذ الدم إلى المائية بسبب ضعف الهضم و قصور الحرارة الغريزية، مال الشعر إلى الشيب لأن الحرارة الضعيفة تتبخر و لا تقدر على التحليل و لا على الاحتراق فتختلط الاجزاء المائية و الهوائية بالاجزاء الدخانية و يحصل التكرج و البياض.

ص: 496

و مما يبطئ الشيب و يزيل الحادّث في غير أوانه إن كان حدوثه من افراط الرطوبة فإنه قد يكون من الرطوبة كما ذكر و قد يكون من افراط اليبوسة كما يكون بعد الأمراض المجففة، لما تتحلل الرطوبات عن مادة الشعر و تبقى الاجزاء اليابسة متخلخلة فيداخلها الهواء و يحدث البياض كما يعرض للنبات إذا اشتدّ به العطش من تبدّل سواده بالبياض فإذا سقى عاد سواده إلى ما كان استفراغ الخلّط البلغمى كل وقت إذ لا يمكن استفراغه دفعة واحدة على التمام خصوصا بالقى ء و استعمال جميع ما يميل الدم إلى المرار و يغلظه و يستأصل البلغم من القلايا المبذرة بالأبازير الحادّة كالخردل و الفلفل و الدارصينى و المشويات و الكواميخ المالحة و التوابل و أخذ المعجونات الحارّة مثل الترياق و المثروديطوس و معجون البلادر و الاطريفلات و المسح بالادهان التى طبخت فيها الافاوية الحارّة القابضة مثل السنبل و فقاع الأذخر و السليخة و القرنفل و العود الخام و قصب الذريرة.

ص: 497

الفصل الثانى عشر: فيما يتعلق بالزينة من أحوال الشعر

منها: حفظه من الانتشار. و ذلك يكون بالادوية التى فيها حرارة لطيفة لا تبلغ إلى حد التحليل و التجفيف جذابة لغذاء الشعر و قوة قابضة تمسك الغذاء المنجذب حتى لا يتحلل فلا يتبدّد و يصير جزءا من الشعر و تمسك الشعر الموجود من الانتشار أيضا و بالادوية التى فيها خواص تفعل بها ذلك و إن لم تكن فيها قوة الجذب و الامساك المزاجيين و هى مثل: اللادن فإن فيه قوة مسخّنة مفتحة لأفواه العروق و قبضا يسيرا. قال «جالينوس» في السابعة: إن فيه حرارة مع قبض يسير و جوهره لطيف، فلهذا يلين تليينا و يحلل تحليلا و ينضج إنضاجا و فيه مع هذه الخصال قبض يسير، فهو لذلك يقوى و ينبت الشعر الذى ينتشر من البدن، لأنه يفنى جميع ما في اصوله من الرطوبة و يجمع و يشدّ بقبضته المسامّ التى فيها مراكز الشعر و الآس قال «الشيخ» في «الأدوية القلبية»: فيه جوهران: أحدهما الغالب فيه البرودة، و الآخر الغالب فيه الحرارة، و لم يستحكم فيما بينهما الامتزاج بحيث لا يفرق بينهما الحارّ الغريزى الذى في ابداننا بل يفرق بينهما فينفذ أولا الحارّ الذى فيه فيسخّن المادة ثم يأتى بعده البارد فيقوى و يشد العضو و لهذا تعظم منفعته في انبات الشعر، فإن الجوهر الحارّ يجذب المادة و يوسع المسامّ، ثم الجوهر البارد يشدّ العضو و يقبض و قد انجذبت إليه المادة التى يكون منها الشعر فتعقده شعرا.

و البرسياوشان لأنه يجفف و يلطف و يحلل، فلذلك ينبت الشعر. و الشقائق فإنّ فيه قوة حارّة جاذبة ملطفة جالية. و السنبل فإنه مركب من جوهر قابض كثير

ص: 498

المقدار و جوهر حارّ يسير المقدار، فلذلك ينبت الشعر و يقويه. و المصطكى فإنه من مركب من قوى متضادة و هى قوة القبض و التسخين و التليين، فيحلل بها الرطوبات التى من اصول الشعر و يجذب الغذاء إليه و يشدّ المنابت. و السعد ففيه قوة مسخّنة مفتحة لأفواه العروق و قوة مجففة من غير لذع و قوة قابضة يسيرة.

و بذر السلق فإنه مركب من جوهر بورقى ملطف محلّل مفتح و جوهر أرضى قابض. و بذر الكرفس فإنه محلّل للرطوبات مفتّح لسدد منق للأعضاء. و الآملج فإنه يجفف الرطوبات و البلل و يشدّ اصول الشعر بقبضه، و قال «الشارح الهندى»: إن فيه تسخينا يسيرا فلذلك يكون جاذبا لغذاء الشعر، و الأولى أن يخلط معه شى ء مما فيه حرارة لطيفة جاذبة عند استعماله لحفظ الشعر. و رماد لحاء الصنوبر فإن فيه قوة قابضة بالغة و فيه شى ء من حدّة و حرافة اصلية مكتسبة من الحرق.

و الاقاقيا فإنه مركب من جوهر لطيف حارّ لذاع و جوهر ارضى بارد قابض.

و العفص فإنه يجفف الرطوبات و يشد اصول الشعر و يقبضها، و حكمه حكم الآملج ينبغى أن لا يستعمل الّا مع ما فيه حرارة يسيرة إذا اتخذت منها أدهان لتبقى كيفياتها في حامل لطيف نافذ في المسامّ و دهن بها فيؤثر في الجلد بالتنفيذ و طول الملاقات أثرا تاما صالحا.

و منها: تطويله. و ذلك يكون بحفظ الموجود أولا بالادهان القابضة حتى لا ينتشر ثم بالادوية التى فيها قوة جذب و قبض معا يجذب بها الغذاء إلى الشعر و يمسكه حتى يغتذى به فيزداد بالضرورة يوما فيوما كالآس و الورد قال «جالينوس»: إنه مركب من جوهر مائى حارّ مع طعمين آخرين، أعنى القابض و هو أرضى بارد غليظ، و المرّ و هو لطيف حادّ و الآزاد درخت فإن ورقه يطول الشعر و يقويه و يمنعه من الآفات بالخاصية و المر فإنه يسخّن و يجفف و فيه جلاء معتدل و لذلك إذا خلط بمثل دهن الآس أمسك الشعر المتساقط و الآملج و البرسياوشان إذا غلف بها الشعر مفردة و مجموعة.

و من مطولات الشعر ما في جوهره لزوجة يمكن أن يأخذ منه الشعر الغذاء فإن جوهر الشعر صلب و الغذاء اللزج شبيه به مثل ورق السمسم و ورق القرع و الادهان التى فيها حرارة و قبض إذا دهن بها فإن الاشياء الدهنية كلها لزجة يغتذى بها الشعر و يطول و يعين على ذلك حرارتها و قبضها بعد أن يغسل

ص: 499

الرأس بماء السلق و شى ء من الخردل لجذب المادة الغاذية للشعر و لجلاء الرأس و تنقيته من الوسخ و الرطوبات الدهنية المسددة للمسامّ فتنفذ فيها الأدهان حينئذ.

و منها: انباته إذا استبطأ النبات كما في اللحية المستبطية. و ينفع من ذلك جميع أدوية داء الثعلب مما فيه تحليل للمواد المانعة لنبات الشعر و جذب للغذاء الجيد و قبض و امساك للشعر و لغذائه و المسح بالزيت العتيق مع رماد القيصوم و زبد البحر بدهن البان مسحوقا مع الذراريج المقطوعة الأرجل و الرؤوس المجففة في الظل، فإنه ينفّط العضو أولا ثم ينبت الشعر.

و منها: حلقه. و ذلك يكون بالنورة و الزرنيخ على السواء، و إن جعل من النورة أكثر كان أعدل، أو بالأصداف المكلّسة أو بزبد البحر و الجبسين المكلّسين مع الزرنيخ الأصفر.

و منها: منعه من أن ينبت. و ذلك بأن يطلى بعد النتف أو الحلق بالنورة دون «الموسى» لينقلع الشعر من أصله و يجلب المنبت فيقوى فيه اثر الدواء بالمخدّرات المبرّدة للتبلّد قوة العضو و تضعف فلا تجذب الغذاء كالبنج و الافيون و الشوكران بالخلّ (الثقيف)(1) للتنفيذ و ايصال أثر المخدّرات إلى اعماق العضو أو بمسدّدات المسامّ حتى لا ينفذ فيها ما يصلح لتكوّن الشعر و لا يخرج منها الشعر مثل اسفيداج الرصاص و القيموليا و الشبث بماء البنج أو بدم الضفادع الاجامية فقد زعموا أنه إذا وضع على موضع الشعر المنتوف منع نباته و قال «جالينوس»: وجدت ذلك كذبا عند التجربة أو بدم السلحفات أو بيض النمل فقد قيل: إنهما يمنعان نبات الشعر بالخاصية.

و منها: تجعيده. و يكون ذلك بالادوية المقبضة فإنها توجب التشنج و الالتواء مثل السدر و العفص و المردارسنج و دقيق الحلبة لأنه يحلل الرطوبات فيحدث منه القبض و التشنج بالعرض و الآملج و ورق السرور و الكزمازج و رغوة الملح المر و هو زبد البحر و يوجد على المواضع الصخرية القريبة من البحر مما يجعّده شديدا.

و منها: ترقيقه. مما يرققه أن يلقى في النورة رماد الكرم فإن له قوة محرقة

ص: 500


1- 485. ( 1).[ خ. ل: غير موجود].

و مجفّفة حادّة جلّاءة تحلل بها مادة الشعر و تقلّلها. أو البورق فإن له أيضا قوة جلّاءة مقطّعة مجفّفة محلّلة، و يكثر تقليبه على البدن لئلا يحرق الجلد و ينفطه عند طول الملاقات، و يدلك بعد غسل النورة بدقيق الشعير و الباقلاء و بذر البطيخ فإنها ايضا لجلائها تعين على ترقيق الشعر و تصلح نكاية تلك الادوية الحادّة المحرقة و تسكن اللذع الحادّث منها.

و منها: تسبيطه، و ذلك بتدهينه دائما بالدهن و الماء المضروبين المفترين لتليين الجلد و ارخائه و ازالة التشنج و الالتواء عن الشعر و يصبّ الماء الحارّ عليه.

و منها: تسويده. و ذلك يكون بالخضابات و الادهان المسودّة للشعر المذكورة القرابادين مثل دهن الآملج و اللادن و الافسنتين و الشقائق.

و منها: تشقيره و تحميره و تبييضه. و كل ذلك يكون بأدوية مركبة مذكورة فى القرابادين؛ أما التشقير فبمثل الحناء و دردى الشراب و الراتينج، و مثل الشب و الرزير و مثل الزعفران. و أما التحمير فبمثل طبيخ السعد و الكندش. و أما التبييض فبمثل خرء الخطاف و قشر الخشخاش و اللفاح و الكافور و بذر الفجل و الكبريت يدقّ و يعجن بمرارة الثور و الخلّ و يغلف به الشعر بعد أن يبخر بالكبريت و يعاد عليه مرات و بمثل الماش المسحوق.

و منها: علاج تشققه العارض عن اليبس لأن اليبس يوجب الانقباض و الاجتماع و يلزمه التشقق و التفرق مما ينجذب عنه و ذلك بالادهان الملينة المعتدلة في الحر و البرد إذ الحر المفرط يزيد في التجفيف بالتحليل، و البرد المفرط يزيد في القبض و جميع الاجزاء مثل دهن اللوز الحلو و دهن البنفسج و اللعابات المرخية(1) مثل لعاب الخطمى و بذر الكتان هذا إذا كان اليبس قليلا و ليس بمفرط، فإن أفرط فلا بدّ و أن يكون عن مادة سوداوية قد غلبت على غذاء الشعر فيعالج بالفصد و الاسهال بمطبوخ الأفتيمون و ترطيب المزاج.

و قد تحدث في الشعر علة تعرف بالنموسة تظهر في الرأس كأنه قد مس بدهن زنخ(2) حتى يتلوث منه ما يوضع عليه كالقلنسوة أو تلف فيه كالعمامة.

و سببه: دسومة غذاء الشعر اما بنفسه لغلبة الاجزاء المائية الدسمة عليه أو

ص: 501


1- 486. ( 1).[ خ. ل: اللزجة].
2- 487. ( 2). أي: متغير.

لتدسمه باختلاط ما يرتفع من البدن إلى الرأس من البخارات الرطبة الدهنية و كثرته حتى يفصل عنه أى: عن الشعر و يخرج مع البخارات من المسامّ فيتدسم به الشعر و جلد الرأس ايضا و تتغير رائحة الرأس إلى النموسة سيّما عند قلّة الاغتسال.

و علاجه: تنقية المعدة لأن أكثر ما يرتفع إلى الرأس من تلك الابخرة انما يكون منها و الرأس بالأيارجات و الاطريفل و غسله مرة بما يجلو و ينظف و يزيل الأوساخ الدسمة عنه كالنوشادر و النخالة و بذر البطيخ و اللوز المر و بما يقبض المسامّ و يمنع خروج تلك الرطوبات الدسمة مع بخارات أخرى مثل ماء طبخ فيه الآس و البلوط و جوز السرو و تدهينه بزيت مضروب مع ماء الحصرم فإن الزيت يجلو بما فيه من الجوهر الحارّ اللطيف و يقبض بما فيه من الجوهر البارد الكثيف و كذلك الحصرم يجلو بحموضته و يقبض بعفوصته.

ص: 502

الفصل الثالث عشر: في القمل488 و الصئبان

القمل: بالفتح و التخفيف، و أما القمل بالضم و التشديد فهو دويبة من جنس القردان إلّا أنها أصغر منها و الصئبان: بالهمزة، و هى بيضة القمل و الجمع الصؤاب و الصيئان.

حدوث القمل يكون من فضول رطبة رديئة لا تصلح لتغذية البدن تدفعها الطبيعة إلى ظاهر الجلد لقربها منه فلا تخرج عن المسامّ لغلظها فتبقى في عمق الجلد و تتعفن هناك و تصير حيوانا، لأن في مثل هذا الموضع يمكن تولد الحيوان و أما سطح الجلد فإنما يتولّد فيه الخراز و تخالطها الأوساخ التى تدفعها الطبيعة إلى ظاهر الجلد من فضول رطبة رديئة الهضم الثالث و الرابع و تسخن و تتعفن عفونة مّا باستيلاء الحارّ الغريب عليها بسبب اعراض الطبيعة عنها حيث لا مطمع لها فيها فيتولّد عنها القمل و ما يقاربه، و ذلك لأن فضول الهضم الثالث و الرابع لما كانت لطيفة قليلة- لأن الغذاء إنما يرد على البدن بجذب طبيعى من منافذ ضيقة جدا- تندفع من المسامّ بعضها بالتحلل الخفى الذى لا يحس به كالبخار و هو الذى يكون في غاية الرقة و اللطافة، و بعضها بالتحلل المحسوس في وقت دون وقت كالوسخ الذى لا يحس به الّا إذا اجتمع و انعقد، و بعضها بالتحلل المحسوس دائما كالعرق، و بعضها يحتبس في أعلى طبقات الجلد و يتولّد منه الخراز و نحوه، و بعضها يحتبس اغور من هذا لغلظه و يتولّد منه إن كان رديئا جدا مثل داء الثعلب و القويا

ص: 503

و السعفة و ان كان أقل رداءة و لم يبلغ في الحدّة إلى حد الصديد و لم تسرع إليه العفونة الغالبة و صلح لأن يتكون منه حيوان، صرفته الطبيعة(1) إلى ذلك فتفيض عليه صورة قملية أو قمقامية أو صئبانية على حسب الاستعداد فيتحرك و يخرج من المسامّ و لذلك أكثر ما يحدث لمن لا يستحمّ فلا تتلطف الفضول المحتبسة في بدنه و لا تتحلل و لا ينظف جلده من الوسخ فتنسدّ مسامّاته فلا تترشّح منها الفضول و لا يدخل فيها النسيم المانع لها من الاستحالات العفنية.

و علاجه إذا كثر تولده: شرب المسهل لتنقية البدن من الفضول المستعدة له و تنظيف البدن من الاوساخ بالاستحمام بالماء المالح لأنه يجلو و ينقى و يحلل و طليه بورق الدفلى لأنه يحلل تحليلا بليغا و يقتل القمل و غيره من الحيوانات بسميته و المويزج لأنه يجلو جلاءا شديدا و يقتل القمل بحدته و حرافته و خبث الفضة لأنه ينجذب و يجفف و اللوز المر فإنه يجلو و يلطف و يفتح السدد و يقتل القمل بمرارته و كذلك القسط و الزراوند و الزرنيخ فإنه يجلو و يفتح المسامّ و يقتل القمل بحدته و احراقه بالخلّ فإنه يقطع و يجلو و ينفذ إلى العمق و مرارة البقر فإنها تفتح و تجلو و تقتل القمل لمرارتها و لذعها و حدتها.

و من القمل نوع يسمى القمقام و هى متشبّثة بالمسامّ غائصة فيه حتى يظن الانسان إذا نظر إليها أنها اصول الشعر قد تورّمت قليلا لعدم حركتها، فإن مادتها لكونها أغلظ و أجف و أبرد لا تفيض عليها حياة تفيدها حركة يعتدّ بها فإذا حميت و أصابها الماء الفاتر أخرجت رؤوسها كما عليه حال الحيوانات الضعيفة الحرارة فإنها في الشتاء تكون أحجارها كأنها ميتة فإذا سخن الهواء تحرّكت.

و علاجها: علاج النوع الأول و الغسل بماء قد طبخ فيه الاشنة و الدفلى و الميعة و الفلفل الابيض و قشور الرمان.

و أما الصئبان فهى بيض متعلقة بالشعر مستديرة منظومة عليه. و مما يقتلها بعر الضب و النوشادر إذا دلك بهما محلولين بالخلّ.

ص: 504


1- 489. ( 1). قيل هذا مخالف لما مرّ من حديث إعراض الطبيعة عن الفضول لعدم الطمع[ فى اصلاحها] الّا أن يقال إن إعراض الطبيعة من جهة لا ينافى صرفها الى جهة أخرى. فإن قلت: إعراض الطبيعة و استيلاء الغريب ينافى الحيوة فكيف يتولّد القمل و غيره؟ قلت: لا نسلّم أنه ينافى مطلق الحيوة، أ لا ترى الى المزابل التى يتعفن فيها الفضول و يتولّد الحيوانات.

الفصل الرابع عشر: في كثرة العرق490 و عرق الدم

كثرة درور العرق و دوامه إذا كان من غير سبب يوجب ذلك الدرور من كثرة الحركة فإنها تحرك(1) الأخلاط و تسيلها و تفتح المجارى بالترطيب المستلزم للارخاء و نحوها كالهواء الحارّ و كان ذلك مع صحة القوة دون ضعفها، كما يكون عند الغشى لتخلية القوة عن امساك الرطوبات و كما يكون عند حضرة شى ء مهيب لاشتغال القوة الماسكة به عن التشبث بالرطوبات فهو لامتلاء البدن لأن كثرته إنما تكون لقوة سببه و اذا ليس بسبب من الاسباب المذكورة فلا محالة يكون لامتلاء. و ذلك الامتلاء:

إما من المطعوم الوقتى، كما قال «بقراط» في «الفصول» في المقالة الرابعة منها العرق الكثير الذى يكون بعد النوم من غير سبب بيّن، يدل على أن صاحبه يحمل على بدنه من الغذاء أكثر مما يحتمل، لأن كثرة العرق يكون لكثرة سببه و إذا لم يكن له سبب بين- مثل: ضعف قوة الماسكة و حر الهواء و التعب و كثرة الدثار- فلا محالة يكون من فضل في البدن، و ذلك الفضل في الأصحاء يكون متولدا من الغذاء الذى استكثر منه صاحبه عن قريب أو بعيد. و انما يختص ذلك بالنوم لأن الطبيعة في النوم يكون استيلاؤها على الفضول بالإنضاج و الدفع و غير ذلك أكثر.

و علاجه: تقليل الطعام و الجوع و الرياضة لهضمه و انحداره.

و إما من امتلاء متقادم من أخلاط في البدن مؤذية، إما لثقلها و كثرتها أو

ص: 505


1- 491. ( 2).[ خ. ل: ترقق].

لتمديدها أو للذعها لحدتها و حرافتها فتنتهض القوة الدافعة لدفعها و ذلك إذا لم يكن هناك كثرة الأكل و الامتلاء المعدى.

و علاجه: الاستفراغ و تنقية البدن.

و قد يكون كثرة سيلان العرق لاسترخاء الماسكة و ضعفها؛ لأن هذه القوة متى كانت قوية جمعت أجزاء العضو بعضها إلى بعض و حبست المادة و متى كانت ضعيفة، تخلّت عن ذلك و لذلك تخرج عند الغشى فضول البدن حتى البراز و شدة اتساع المسامّ فإنها مما تمنع الماسكة عن الامساك و تعين الدافعة على الدفع بسهولة و عجز القوة عن الهضم الجيد فان الهضم كلّما كان أجود كان التحلل أخفى(1) و يتبع هذا النوع الثانى و هو غير الامتلاء ضعف بيّن لا محالة لكثرة تحلل الارواح و القوى، سيّما إذا كان ما يستفرغ بالعرق من المواد الصالحة.

و علاجه: أن يمسح البدن بدهن ورد مع عفص مدقوق فإن الدهن بلزوجته و قبضه المستفاد من الورد يسدّ المسامّ و يقوى الماسكة و العفص يكثف الجلد و يسد المسامّ، أو بشى ء من اسفيداج الجصاصين و هو حجر رخو براق يجفّف و يسدّ و يلحج و يقبض أو يطلى بالطين الأرمنى و المردارسنج المربى بماء الورد أو بدهن السفرجل و الآس و الورد و الجلنار و العفص فإنها تكثف الجلد و تجمعه و تسدّ المسامّ و الألعبة الباردة فإنها لغرويتها تلحج في المسامّ و تسدّها أو بماء لف الكرم و الحصرم و الصندل و الكافور فإنها تقبض و تسدّ.

و أما عرق الدم: و هو ما يكون دما صرفا أو مائية مختلطة بالدم مثل البول الغسالى فهو من ضعف القوة سيّما في افواه العروق الصغار فتعجز من ضبط الدم و امساكه و احتداد الدم و ترققه بمخالطة الصفراء فيفتح افواه العروق و المسامّ و يترشح منها و لا يصلح ايضا لتغذية الأعضاء فتلقطه شعب العروق و تخرجه من المسامّ.

و علاجه: الفصد لاستفراغ الدم الفاسد و الاسهال لاستفراغ الصفراء المفسدة للدم بقدر احتمال القوة و سقى ما يسكّن الدم و يكسر حدته مثل نقوع الانبرباريس و الهندباء و الكزبرة و العناب و نحوه كالتوت الشامى و المشمش الحامض و حب الرمان، ثم مسح البدن بالقوابض مثل قشور الرمان و الآس و ورق الطرفاء و جوز السرو و جفت البلوط ليقوى القوة الماسكة و يكثف الجلد و يسد المسامّ و ماء القمقم و قد مرت صفته.

ص: 506


1- 492. ( 1).[ خ. ل: أقوى].

الفصل الخامس عشر: في شقوق الاطراف493 و الوجه و الشفة494

سبب جميع الشقوق يبس في الجلد حتى يتشقق لاجتماع الاجزاء و تكاثفها و ذلك اليبس إما من سبب من خارج مثل حرّ منشف للرطوبات و برد مكثف مجمد لها و اغتسال بمياه قابضة كالشبية و الزاجية، لأن القبض في موضع يلزمه التفرق في جوانبه و إما من سبب من داخل مثل سوء مزاج يابس ساذج أو أخلاط حادّة مجففة.

و علاج ما كان من اسباب خارجة: التليين بالقيروطيات و الادهان المرطّبة مثل دهن اللوز و المر و دهن الخلّ و الشحوم مثل شحم الدجاج و البط.

و ما كان من اسباب داخلة فتبديل المزاج و ترطيبه ساذجا كان أو ماديا بسقى الادهان و الالبان و استفراغ الخلّط الردى ء في المادى ثم الطلى بالمرطّبات المرخية بعد ذلك أى: بعد التبديل و الاستفراغ.

أما انشقاق الوجه: فبالشمع و الزوفا الرطب و شحم البط و النشا و الكثيرا و لعاب حب السفرجل.

و أما انشقاق الشفة: فبدهن الورد و دهن الحناء و شحم البط و المغرة و هى الأنثى من المعز و علك البطم، و قرن الايل المحرق المسحوق لأنه يجمع طرفى

ص: 507

الشق و ألصق عليه غرقى(1) البيض و هو القشر الرقيق الذى في داخل البيض ليحفظ عليه الدواء و يمنع الهواء من أن يجففه.

و انشقاق اليدين: فبطحين السمسم و سحيق البنفسج و الادهان.

و انشقاق القدمين: فبالزفت الرطب أو بعكر الزيت مطبوخا ببصل الفأر لما فيه من اللزوجة، أو بعلك البطم المحلول بالزيت لما فيه من تليين و لزوجة و تغرية و انبات اللحم.

و انشقاق العقب: فبشحم الماعز المذاب مدافا فيه العفص ليجمع العضو و يشده و الكثيرا لأنه يلزق و يغرى المدقوقين أو بدهن السندروس فانه يجمع العضو و يقبض أو بمخ ساق البقر و الشمع و دهن البنفسج مع شى ء من المردارسنج، فإن ذلك يلين و يغرى و يجمع.

و قد يعرض للشدقين أى: لجانبى الفم أن يتشققا و يترطبا و يبيضا من تجلب خلط رطوبى مالح من الرأس إليهما لضعفهما بسبب رخاوتهما و ترهلهما لانعطافهما و قلة وصول الهواء إليهما و دوام ابتلالهما فيقرّحهما بحدّته و تأكّله.

و علاجه: الفصد و الاسهال و الاستفراغ إن أمكن، و التغرغر بالخلّ لتقطيع الرطوبات و تجفيفها و كسر ملوحتها و تجفيف العضو الذى قد أغلى فيه العفص لتبرّده(2) و ليحدث للعضو قبض و تقوية على دفع ما ينجلب إليه و الطلى بماء الرمان الحامض، و ماء السماق و الكحل للقبض و التجفيف و ادمال القرحة.

و قد يعرض تحت القدم- سيّما العقب- وجع لا يقدر صاحبه أن يطأ على الارض(3) سيّما على الاشياء اللينة التى تنطبق عليها جميع اجزاء القدم و يعرف ذلك المرض بنزول الماء.

و سببه: خلط حادّ سيّال ينصبّ إليه بسبب رقته و لطافته عند ألم يصيبه كالمشى على شى ء صلب و أما الخلّط البارد الغليظ فإنه يتعسر انصبابه إليه لتلزز لحمه و دقة عروقه.

ص: 508


1- 495. ( 1).[ خ. ل: عرقى].
2- 496. ( 2).[ خ. ل: ليزداد تجفيفه].
3- 497. ( 3). لأنه يضيق المكان في المادة لحصول الانضغاط في المشى فيوجع بالتفريق.

و علاجه إن تورم و جمع و انفجر و خرجت المدة عنه: بأن يوسع فم الجرح إما بالآلة أو بالأدوية الأكالة و ينظف من المدة و يشدّ عليه الحنا و العفص معجونين بالخلّ ليجفف العضو و يعين على الاندمال و يمنع من أن ينصبّ إليه مادة أخرى أو يكبس برماد البلوط معجونا بشحم. و إن ابطأ الانفجار بسبب تلزز الجلد و كثافته يلين الجلد بأن توضع عليه قطعة إلية طرية و يشدّ. و قد يبطئ الانفجار بسبب جمود المادة و علاجه الكيّ الشديد.

ص: 509

الفصل السادس عشر: في تقشف الجلد و تقشره498

قد يخشن الجلد و يتقشر حتى يصير كالسفن.(1)

شرح الأسباب و العلامات ؛ ج 2 ؛ ص510

سببه: خلط سوداوى تولده من رطوبة قد احترقت و صارت يابسة رمادية تنفضها الطبيعة إلى ظاهر الجلد إن كانت قوية جدا و الّا فتدفعها إلى عضو ضعيف كما في السرطان و السقيروس و إذا انبسطت في الجلد تنشفت رطوباته و اجتمعت اجزاؤه فتصير بعضها أرفع و بعضها أخفض. فإن كانت فيها حدّة، كان معه أى: مع القشف حكّة للذعها الجلد و إن لم يكن فيها حدّة، كان بلا حكّة.

و أما تقشر الجلد فسببه الخلّط السوداوى المحترق ايضا، الّا أنه حريف لذاع يفسد الجلد و يفتته لخبثه و رداءته و لذلك لا يكون إلّا مع حكّة مقلقة.

و علاجه: تنقية البدن بطبيخ الأفتيمون و ماء الجبن و ترطيب المزاج بأكل لحوم الرواضع و سقى اللبن الحليب و الاستحمام الدائم و لزوم الدعة و التمسح بالقيروطيات و الادهان الباردة الرطبة.

و أما تقشر القدمين من دوس(2) الصوف المصنوع كالجوارب و اللفائف الصوفية و الاشياء الخشنة، فعلاجه: أن يضمد بما يخشن أى: يصلب و يقبض فلا ينسحج و لا يتقشر بمماسستها مثل الحناء و البلوط و الجلنار و قشور الرمان و جوز السرو مدقوقة مغلية بالخلّ لزيادة القبض.

ص: 510


1- 499. سمرقندى، نجيب الدين - شارح: كرمانى، نفيس بن عوض، شرح الأسباب و العلامات، 2جلد، جلال الدين - قم، چاپ: اول، 1387 ه.ش.
2- 500. ( 2).[ كوفتن به پاى].

و قد يعرض لجلدة الجبهة أن تتقشر عنها قشور دقاق مثل حساء و أرد هالج قد جفّ على شى ء و يكون معه حكّة يسيرة.

و سببه: رطوبة فاسدة محترقة يدفعها الدماغ إليها و هى في نفسها عضو عصبانى قليل الرطوبة فيزداد يبسا و جفافا عند اندفاع تلك المادة إليها فتتقشر.

و علاجه: تنقية الدماغ بالأيارجات و الغراغر و غسل الجبهة بالماء الحارّ و تمريخها بالقيروطى و تضميدها بدقيق العدس، فإنه ينقى البشرة و يجلو و يحلّل و الورد فإنه يلين مع قبض المغلى بالخلّ لزيادة القبض أو بدقيق الكرسنة فإنه ينقى البشرة و يجلو و يلين و يزيل الشقاق و الباقلاء فإنه يجلو و يحلل مع قبض و الشعير فإنه ايضا يجلو و يحلل و يغرى و الورد المغلى بالخلّ أو بدقيق الكرسنة و البقلاء و الشعير مجموعا معجونا بماء الزوفا فإنه يجلو و يحلل و يلين.

ص: 511

الفصل السابع عشر: في سحوج الجلد

السحج انقشار يعرض في سطح الجلد بمماسة عنيفة سيّما بالأشياء الخشنة و أسباب الشجوج كثيرة: منها، حمل الاشياء الخشنة و الوقوع عليها و الانزلاق عنها. و منها، ركوب الخيل عريانا. و منها، ضيق الخف و شرك النعل أى: حبالها و منها، مدّ الحبل على البدن بقوة.

و علاجها: الفصد إن أحدث منها شى ء عظيم، لئلا يحدث فيه ورم و تبريد الموضع بالخرق المبرّدة لردع ما تتوجه إليه من المواد و لتسكين الحرارة الجذابة الحادّثة من الألم إن لم يكن على اطراف العضل لئلا يعرض تشنج لأن البرد يكثف العصب و يقبضه و يجمد الرطوبة التى فيه ثم يوضع عليه المردارسنج المحلول بماء الورد لأنه يقبض و يشدّ العضو و يبرّده و يسكّن الوجع و يدفع المادة المتوجهة إليه أو الطين الأرمنى بماء الورد فإنه ايضا يقبض و يبرّد أو يمسح بدهن الورد فإنه يبرّد و يقبض و يقوى العضو و يدفع ما ينصبّ إليه و يسكّن الألم بالتبريد و الارخاء الذى فيه و يحفظ على العضو ما ينتثر عليه و لا يجففه الهواء بسرعة كالماء و ينثر عليها الورد و الآس للقبض و التبريد أو يوضع عليها المرهم المتخذ من المردارسنج و اسفيداج الرصاص و دهن الورد و العروق و الشمع و بياض البيض فإنه يبرّد و يغرى و يسكّن الوجع.

و ينفع من عقر الخف أن ينثر عليه رماد، و الجلود العتيقة من اسفل الخفاف بعد أن يمسح الموضع بدهن الورد فإنه يمنع الورم بالقبض و التبريد أو

ص: 512

ينثر عليه رماد رئة الماعز و العفص المسحوق و أقاقيا المعجون بالخلّ بعد سكون الوجع لأنها بشدّة قبضها و تكثيفها مع لذع الخلّ تزيد في الوجع فيخاف حدوث الورم معه و القرع المحرق عجيب فيه لتبريده و جمعه.

و يوضع على شجج مد الحبل اللعابات المبرّدة بالثلج مع دهن البنفسج فإنها تبرد و تقبض بالبرد الفعلى و تسكن الوجع بالارخاء و قليل كافور للتبريد و القبض و ردع المواد عن العضو.

و قد يعرض شجوج و تشقّق في العانة و الحالبين لأنها اعضاء لحمانية سخيفة الجوهر من أصل الخلّقة و من قلّة ما يصيبها الهواء البارد لدوام استتارها فتتشجّج بسرعة بسبب عرق حادّ لذاع يقف في غضون هذه المواضع لعدم الاغتسال فيرققها لجلائه ثم يصيبها الهواء البارد فتنقبض و تتكاثف و تجتمع اجزاؤها بعضها إلى بعض فتتشقق مثل ما يعرض فى المنخرين من الشقاق لسيلان الرطوبة الحادّة عند الزكام.

و علاجه: تنقية البدن من الفضول الحادّة التى تترشح مع العرق، و يفيدها حدّة و لذعا ثم تمريخ الموضع بالقيروطى المتخذ بدهن الحناء فإنه يبرّد(1) و يسكّن الحدّة و يشدّ العضو و يجفّفه و يمنع انصباب المواد إليه و وصول الهواء إليه و يسدّ المسامّ و يسير من رماد الحناء لزيادة القبض و التجفيف و القنبيل فإنه يجفف تجفيفا قويا و ينشف الرطوبات أو بحكاكة الاسرب فإنه يبرّد و يمنع انحدار المواد سيّما إلى الحالبين مع الاسفيداج لأنه يبرّد و يغرى و يسدّد و المردارسنج لأنه يبرّد و يقبض و يجلو جلاءا يسيرا و دهن الحناء.

ص: 513


1- 501. ( 1). أي: باشتداد السخونة و الحرارة.

الفصل الثامن عشر: في الهزال502 و السمن المفرطين503

ينبغى أن يعتنى بتسمين الابدان المهزولة، لأنها عرضة للآفات لأن في تركيب الأعضاء الاصلية- مثل العظام و الأعصاب و الاوردة و الشرايين- بعضها مع بعض لا بدّ و أن يكون بينها خلل إذ لو كان بعضها ملتصقا ببعض لتعذرت الحركات و لم يمكن قبض الأعضاء و بسطها و ذلك الخلّل لا يمكن أن يكون فارغا و الّا لكان التركيب واهيا و يغير وضع الأعضاء عند الحركة و لا شى ء أنسب لحشو هذه الخلّل من اللحم، فإنه يحفظ وضع الأعضاء و يدعمها و يصونها عن المصادمات مع سهولة الحركة، فكلّما كان هذا الحشو أقل كان التركيب أوهن و قبوله للآفات أشدّ سريعة الانفعال من أسباب الأمراض مثل المصادمات الواردة على البدن من الخارج و ملاقات الاشياء الصلبة لانكشاف اعضائه الاصلية فيصل إليها إذاها بسرعة و سهولة و مثل المحلّلات، فإن رطوبته تكون قليلة فما يتحلل منها يكون بالنسبة كثيرا جدا فيتضرر بها تضررا شديدا أو عن تغير الاهوية لأن اللحم وقاية و حجاب للأعضاء عن ضرر تسخين الهواء و تبريده و عن مباشرة الحركات بسبب ما يلزمها من التحليل و بسبب أن عروق المهزولين تكون ممتلئة باحتباس الغذاء فيها، لأن أكثر ما ينصرف إليه الغذاء من الأعضاء هو اللحم فإذا قلّ بقى الغذاء في العروق، و لأن المرار يكون غالبا على دمائهم فلا تستعملها الأعضاء للكراهة فيبقى في

ص: 514

العروق و يخاف عليها الانصداع عند الحركة و نحو ذلك كالحمّام و السهر و الجماع و غيرها من المحلّلات، لأن رطوبته تكون قليلة فما يتحلل منها بالنسبة يكون كثيرا جدا، و لأنها ايضا مستعدة لحدوث الحميات العفنة بسبب غلبة المرار و بسبب كثرة احتباس الدم فى عروقهم و ذلك موجب للعفونة لما يضعف تأثير الحرارة الغريزية فيه فيستولى الغريب و لما يكثر معه السدد فيعدم الترويح، و لأنها تكون قليلة البقاء بسبب قلّة رطوباتها التى لا تكون الحياة الّا بها.

و كذلك السمن المفرط يكون صاحبه على خطر عظيم، لأن الطبيعة ترسل الدم كل يوم إلى العروق لأنها لا تمسك عن فعلها من توليد الدم و توزيعه على الأعضاء و لم يكن فى العروق متسع لقبول الغذاء بسبب ان ما فيها من الدم لا تستعمله الأعضاء، لأن المراد بافراط السمن أن لا يبقى في الأعضاء ايجاب للامتداد مع أن عروق السمان تكون ضيقة مضغوطة باللحم فيحدث إما انشقاق عرق كبير لا يقبل الالتحام فيستفرغ الدم من البدن كله و ذلك إذا كان جرم العروق رخوا سخيفا و إما ضيق نفس قاتل لامتلاء العروق و التجاويف فلم يكن للروح فيها متسع و لا للحرارة الغريزية متروّح و ذلك إذا كان جرم العروق صلبا متلززا مع أن اللحم و الشحم المفرطين يزاحمان آلات التنفس و يضغطان العروق ايضا و ربما ينصب شى ء من الامتلاء إلى فضاء القلب أو الدماغ، إما بسبب ضغط اللحم للعروق فينزرق الدم منهما إليهما أو بسبب حركة مخلخلة للدم زائدة في حجمه مع أن العروق تكون شديدة الامتلاء فيضطرّ الدم إلى الانصباب إلى هذين التجويفين إذا لم ينشقّ منه عرق كبير لتلزّزه فيقتل قتلا وحيا على وزن فعيل، أى: سريعا؛ أما القلب فانه إذا انصبّ إليه الدم خنق الروح و الحرارة الغريزية فيحصل الغشى و الموت، و أما الدماغ فلما تحدث فيه السكتة.

مع أن السمن المفرط له مضار أخر: أحدها، أنه قيد للبدن يمنعه عن التصرفات و الاعمال. و ثانيها، أنه يوجد العفونة و فساد مزاج الروح بسبب انضغاط العروق فلا يكون للهواء المروح فيها مجال متسع. و ثالثها، أنه يوجب العقم، أما في الرجل فلقلة نضج المنى و كثرة رطوبته و لأن اللحم يأخذ أصل القضيب فيقصر فلا يصل إلى فم الرحم، و أما فى المرأة فلقلة نضج المنى ايضا، و لمزاحمة الثرب لفم الرحم، فلا ينزرق إليه منى الرجل، و إن انزرق و علقت المرأة يسقط الجنين لضغط الثرب

ص: 515

له. و رابعها، أن صاحبه يستعدّ لمثل السكتة و الفالج و الغشى بسبب ضغط الحارّ الغريزى. و خامسها، أنه يستعدّ للذرب بسبب كثرة الرطوبات. و سادسها، أنه يقلّ احساسه بما يعرض له من الأمراض إلى أن تستحكم، و ذلك لضعف حسه بسبب كثرة الرطوبات على أدمغتهم و أعصابهم. و سابعها، انه يمنع وصول الأدوية إلى الأعضاء الآلمة لضيق المنافذ فتشتدّ أمراضه و يعسر برؤها.

و الهزال يكون إما لقلة الغذاء فلا يفى باستخلاف المتحلل فضلا عن ان يفضل منه شى ء يزيد في البدن.

أو لطافته جدا فإن الغذاء اللطيف- و هو الذى يتولّد من دم رقيق ينفعل عن القوة المغيرة بسهولة- كما يستحيل إلى جوهر البدن سريعا، لا يثبت كثيرا بل يتحلل سريعا فلا يخصب منه البدن و لهذا من يريد تسمين بدنه يختار من الأطعمة أغلظها.

أو لرداءته فلا يتولّد منه دم طبيعى، بل دم فاسد لا يصلح لأن يصير جزءا من البدن.

و إما لقلة جذب الأعضاء للغذاء لسوء مزاج فيها لضعفها عن الاتيان بأفعالها.

و إما لعلة في الاحشاء مثل السدد في الماساريقا أو في الكبد، فلا ينفذ الغذاء إلى الأعضاء و مثل عظم الطحال فإنه يوهن قوة الكبد و يفسد مزاجه بالمضادة و مثل: الديدان فإنها تغصب الغذاء إلى نفسها.

و إما لكثرة التحلل مثل ما يكون من الغموم و الهموم فإنها يتبعها ضعف القوى الطبيعية لضعف الحرارة الغريزية و نقصانها و انطفائها، لما يعرض لها من الانقباض و الاختناق فتفنى الرطوبة التى هي مركبها، إما بالتشيظ و إما بالتنشف(1) و تفنى بفنائها الحرارة و تضعف القوى فيستولى التحلل على البدن و يقلّ توليد البدن و لأن الطبيعة عند عروض الهموم و الغموم تشتغل بهما عن التصرف في الغذاء على ما ينبغى فيقلّ الاغتذاء و يكثر التحلل.

و كثرة الرياضات فإنها بتهيّج الحرارة تحلل كثيرا.

ص: 516


1- 504. ( 1). أى: باشتداد الجفاف.

و سرعتها أى: سرعة الرياضات بأن تكون قليلة المخالطة للسكون فإنها حينئذ تحلل كثيرا، إذ لا يخالطها السبب المانع لتأثيرها، لأن السبب الصرف أقوى من المخالطة بالضد.

و علامة: كل واحد منها بينة.

و علاجه: ازالة السبب الموجب، ثم تناول الاغذية الجيدة الكيموس المرطّبة المقوية أى: الغليظة، لئلّا تتحلل سريعا مثل الاحساء و الهرايس و العصائد و الطيور المسمنة مثل البط و الدجاج و القبج و اللحوم المشوية دون المطبوخة، فان غذاءها رهل ليس بقوى و الدسومة لأن الأعضاء تجذب منها كثير الغذاء للذاذتها و ملاءمتها للطبيعة، و لأنها أسرع انحدارا من المعدة و تغيرا في الأعضاء و تشبيها بها لسهولة انفعالها عما يؤثر فيها، و لأن الدم المتولد منها لزج و اللزج لا يتحلل بسرعة و الحملان و الجداء و الاستكثار منها ليفضل الغذاء عن المتحلل بعد مراعاة الهضم و جذب الغذاء إلى الاطراف و ظاهر البدن بالاستحمام الدائم و استعمال الماء الشديد الحرارة، ليكون جذبه أقوى و لذلك تحمرّ منه البشرة أكثر و الدلك بالأدهان المرطّبة بعد الاستحمام لتسدّ المسامّ بلزوجتها فيحتبس فى الأعضاء ما قد استفادته عن الرطوبات بماء الحمام. و ينبغى أن يكون هذا الدهن يسيرا، لأن الكثير يرخى الجلد فتتحلل عنه الرطوبات بسهولة.

و التمريخ بعد الحمام أولى من صبّ الماء البارد على البدن بعده، فإن الماء و ان كان ايضا يجمع الرطوبات المستفادة من الحمام و يمنعها عن التحلل لكنه يوجب ردع الدم و رده إلى داخل و يكثف الجلد فيمنع من الامتداد الذى يحتاج إليه في التسمين و لبس الناعم من الثياب لأنه يجذب الدم إلى الأعضاء بتسخينها و يجمعه و يحبسه فيها و يحفظه عن التحلل، بخلاف الخشن منها فإنه يوسع المسامّ و يحلل الأخلاط القريبة من الجلد و يرقق الغليظ منها فيتحلل بسرعة و الاشتغال باللهو و السرور فإنه ينعش الحرارة الغريزية و يقوى القوى الطبيعية و يحرك الروح إلى ظاهر البدن و يتبعه الدم.

و أما تهزيل الأبدان السمينة فيكون بكل ما يجفف البدن من الاسهال و الادرار و التعريق و تقليل الغذاء و كثرة التعب و الاستحمام اليابس و هو الذى يستعمل فيه الهواء دون الماء على الخواء ليزداد التجفيف و التدلك

ص: 517

بالادهان الحارّة المحلّلة مثل دهن الشبت و القسط و تقليل النوم و أخذ الاطريفل و الادوية الحارّة اليابسة مثل الفلافلى و دواء اللك و الانقرديا فإنها مع ما تجفف البدن تفيد الدم كيفية حادّة تتنفر عنه القوة الجاذبة و تكرهه الطبيعة و تفيده ايضا رقة و لطافة يتحلل بذلك سريعا و لا يقبل الانعقاد.

ص: 518

الفصل التاسع عشر: في تشنج جلدة الرأس و الجبهة

قد يحدث لجلدة الرأس من فرط اليبس تجمع و تشنج حتى صار فيما بينها أى: بين الاجزاء المتشنجة طرق كالأنهار.

و علاجه: ترك جميع الاستفراغات و استعمال الادهان و السعوطات المرطّبة مثل دهن البنفسج و القرع و مثل عصارة الخس و القرع و لبن النساء و سكب الماء الفاتر و اللبن عليه دائما و التعصيب و التعميم بعمامة يسويها.

و قد تتشنج جلدة الجبهة مع حكاك و حمرة في اللون، و يعرف ذلك بالغضون و هى فى اللغة مكاسرة الجلد و أكثر ما يحدث في الشتاء.

و سببه: امتلاء مقدم الدماغ من خلط رقيق يترشح عند الجبهة و يصيبه الهواء البارد فيجمده فيحدث هناك استرسال من سيلان تلك المواد إلى الجبهة و استمساك من البرد فيحدث التشنج الامتلائى مع حكاك لحدّة المادة و لذعها و حمرة لما ينجذب إليه الدم بسبب اللذع و الألم.

و علاجه: تنقية الدماغ و التضميد بعد ذلك بالقيروطى ليزيل الاستمساك و التشنج المشرّب بماء القرع المطبوخ في الرماد فإنه يبرّد العضو و يرطّبه و يرخيه و يسكّن اللذع و الزوفا فإنه يرخى العضو و يحلل المادة و بياض البيض فإنه يبرّد و يسكّن اللذع.

ص: 519

الفصل العشرون: في تعظم الرأس

قد يعظم الرأس من تفسخ الشؤون و تفرقها و هى ملتقى قبائل الرأس، و يقال لها الدروز ايضا تشبيها لها بخياطات الخرق الموصولة، و الشؤون الحقيقية هي التى تكون متشابهة بمنشارين متداخلى الأسنان و ذلك يكون في الدرز الإكليلى و السهمى و اللامى. و ذلك التفسخ يحدث لاجتماع الرطوبات و الرياح الغليظة تحت القحف فإنها تمدّدها لغلظها تمديدا قويا يفرّق الشؤون.

و علاجه: أن يضمد الموضع الذى قد عظم من الرأس بما يحلل و يلطف تلك الرطوبات و الرياح بمثل حب الرشاد المضروب بالماء و مثل عروق الصباغين بدهن اللوز المر و يسعّط بالسعوطات المحلّلة المتخذة من الصبر و الكندش و الزعفران بماء المرزنجوش.

و قد تجتمع الرطوبة فيما بين جلدة الرأس و الصفاق الذى على القحف و فيما بين الصفاق و القحف و يرم مكانه ورما رخوا لينا في الملمس لرقة قوام تلك الرطوبة المائية و يكون لونه شبيها بلون الجلد إذ لا لون لهذه الرطوبة حتى يتلوّن به الجلد لا وجع معه؛ لأن الرطوبة غير مؤلمة بالذات، و لأنها ترخى العضو و تلينه فلا يظهر من تفريقها الاتصال ألم يعبأ به، لأن الارخاء من جملة مسكنات الوجع و إذا غمز بالاصبع أحسّ بقلة اللحم لما يغور فيه الاصبع و يندفع الورم سريعا و تندفع الرطوبة و تتبدّد لرقة قوامها تحت الجلد.

و قد يجتمع في هذا الموضع قيح و مدة و ربما أفسد القحف و لا علاج له. و قد

ص: 520

تنفسخ الشؤون من اجتماع المائية تحت القحف بحيث يخرج بعض منها إلى ما تحت الجلد فإذا غمز بالاصبع اندفعت إلى الداخل ثم عادت، و ما يكون من هذه الرطوبة تحت الجلد يكون أسهل اندفاعا و ما يكون تحت الصفاق يكون أعسر. و قد يجتمع تحت القحف فوق الغشاء الصلب، فلا يظهر له أثر في الخارج الّا إذا تأدّى إلى تفسخ الشؤون بفرط التمديد. و قد يجتمع تحت الغشاء فيبرئ الغشاء من الدماغ و حينئذ يشتدّ معه الوجع في الرأس بحيث يؤول إلى التشنج و قى ء المرّة الزنجارية و الغشى و لا يقدر صاحبه على تغميض الأجفان لدوام سيلان الدمع و لجحوظ العين و نتوئها و يكون معها حمى حادّة و اختلاط عقل و لا حيلة في مثله.

و علاجه إن كان قليلا: أن يضمد بقشور الرمان و جوز السرو و بخل فإنه يشدّ العضو و يفنى تلك الرطوبة بتجفيفها و نشفها فإن لم ينجع، شق جلد الرأس شقا واحدا (بالعرض)(1) و أخرج ما فيه بدفعات أو شقين متقاطعين ان كانت المائية كثيرة، أو ثلاثة شقوق متقاطعة إن كانت أكثر، ثم يعالج بعد خروج المائية بتمامها بالمراهم المدملة.

ص: 521


1- 505. ( 1).[ خ ل: غير موجودة].

الفصل الحادّى و العشرون: في علل الاظافير

عللها كثيرة، منها: الداخس. و قد ذكر.

و منها: أن تصير طلقية، أى: شبيهة بالطلق و هو حجر أبيض براق مثل الشب اليمانى بيضاء براقة تنكسر بأدنى سبب لاستيلاء اليبس عليها.

و سبب ذلك: قلّة الدم و الّا لكان بياضها مشوبا بالحمرة و تنشف الرطوبات بالحرارة الخارجة عن الاعتدال و لذلك تصير جافة سريعة التفتت فتغتذى هي أى: الاظفار بتلك الرطوبات فيتحجر فيها.

و علاجه: سقى ماء الاصول بالجلنجبين و السكنجبين لتلطيف تلك الرطوبات و تقطيعها و دهن اللوز الحلو للترطيب ثم الاسهال بطبيخ الأفتيمون بعد ظهور أثر النضج و ترطيب الغذاء و تضميدها بالزوفا الرطب و حب المحلب و اللوز الحلو و شحم الماعز الطرى.

و منها: برص الأظفار. و هو أن يظهر عليها آثار بيض مثل البرص.

و سبب ذلك تلحج المادة المرطّبة الفاسدة الغليظة و وقوفها تحتها فيظهر عليها بياض تلك الرطوبة لشفيفها.

و علاجه: استفراغ البدن إن كان فيه فضل، ثم تضميدها بالزفت الرطب لأنه يجلو و ينضج و يحلل و علك الانباط و هو صمغ شجرة الفستق فإنه يجلو و ينقى الاوساخ و رماد ظلف الماعز فإنه يلطف الأخلاط الغليظة و أصول القصب لما فيه من الجلاء أو بالزرنيخ فإنه ينضج و ينقى و يحلل و التفسيا فإنه يجذب الرطوبة

ص: 522

من العمق جذبا عنيفا ثم يحلل أو الذراريج فإنه يسخّن و يجلو جلاءا قويا و الدبق فإنه يجذب الرطوبة من العمق و يلطّفها و يذيبها و يحللها بخل فإنه ينفذ و يقطع و يلطف و يحلل أو بجوز السرو فإنه يفنى الرطوبات المحتقنة في العمق و الترمس فانه يجلو و يحلل و الخلّ، أو بالدردى المحرق فإنه يجلو و يقطع بحيث يقلع اللحم الزائد في القروح و الزرنيخ و الراتيانج فإنه يجلو و يجذب من العمق.

و منها: جذام الاظفار و تعقّفها. و هو أن تغلظ هي و تنكثل أى: تجتمع و خاصة أصولها و تصير من الجفاف كعظم رميم تتفتّت إذا حكّت.

و السبب الفاعل لذلك الخلّط السوداوى الحادّ الحادّث من الاحتراق، فإنه اجفّ من السوداء الجمودى.

و علاجه: استفراغ السوداء بالفصد من الاكحل و الاسهال و اصلاح الدم بالاغذية اللطيفة الجيدة الكيموس ان كان عاما للاظفار كلها و تضميدها بالأدهان الملينة و المخوخ مثل مخ ساق البقر و القيروطى و الدياخليون.

و كثيرا مّا يتعقّف الظفر و يغلظ عند نبانه بعد سقوط كان إذا لم يرفق به و لم يحفظ من مماسته الاشياء الصلبة فيتعقف و يخرج على هيئة رديئة لأنه حينئذ يكون رخوا لينا سهل القبول للأشكال، فإذا تعوّج، تعوّج منبته أيضا و يبقى على ذلك التعقف و الهيئة الرديئة، فكلّ ما ينبت بعد ذلك ينبت على هذه الهيئة.

قال «الشيخ»: و كثيرا مّا يكون سبب التشنج و التعقف قالعا من القوالع عرض للظفر فلما أراد أن ينبت نباتا جيدا لم يرفق به و مسّ كثيرا و إن لم يخرج ما خرج فيخرج على هيئة رديئة و استمر في التولد على تلك الجملة إذا كان ما يأتيه من الغذاء يأتيه فلا يجد فيه نفوذا و منه تحللا على الوجهين الطبيعين فيتراكم في أصل الظفر تراكما يصير له المدد كالأصل.

و علاجه: التليين بالشحوم مثل شحم الدجاج و البط و الماعز و نحوها من الملينات و بثفل الفقاع فإنه يلين الصلابة و يسهلها للتسوية حتى لو نفع فيه العلاج سهل علاجه و عمله ثم التسوية ب «السكّين» بأن يجرد منه قدر ما يعود إلى الشكل الطبيعى.

و منها: تشقق الأظفار. فما كان منه طولا عند رؤوسها و تبرأت منها شظايا حادّة ينخس و يؤذى ما يتعلق به من الأعضاء تسمى أسنان الفأر لشبهها بها.

ص: 523

و سبب ذلك الشتقق اليبس الغالب على البدن و الخلّط السوداوى.

و علاجه: الترطيب و تنقية البدن من الخلّط السوداوى بماء الجبن ثم التضميد بالشحوم و الالعبة مثل لعاب بذر الكتان و الخطمى أو بالسراش و الخلّ أو بالأشراس و الملح و دردى الخمر، أو بالعنصل و دهن الحل فإنه يقلع الشظايا.

و منها: تقلع الاظفار و تقصّعها. و ذلك:

إما لاسترخاء في رؤوس الأصابع لفرط الرطوبة فتنزعج الأظفار من مواضعها فتنقلع أو تنقصع بحسب زيادة الاسترخاء و نقصانها.

و علامته: أن لا يكون معه ألم.

و علاجه: تنقية البدن عن البلغم و إدمان التعالج بما يزيل الاسترخاء.

و إما لحدّة الدم و تشيظه فيفسد اصول الأظفار و منابتها كما في الداخس.

و علامته: أن يكون معه غرزان و ألم مقلق.

و علاجه: فصد الصافن و حجامة الساق إن كانت العلة في أظافير اليد، لامالة الدم إلى أسافل البدن و تسكين حدّة الدم بشراب العناب و نحوه.

و منها: احتقان الدم و موته تحت الظفر. و سببه تفسخ شعبة عرق من الشعب التى تحته بسبب ضربة و نحوها فيخرج منها الدم و يحتبس تحت الظفر و ينجمد.

و علاجه: أن يضمد بالدقيق فإنه يحلل و الزفت فإنه يلين و يفتح و ينضج و يجلو أو بالسرطان النهرى فإنه يحلل الأورام الجاسية مطبوخا بالزرنيخ الأحمر فإنه يحلل و يجلو و يقطع اللحم الزائد أو بالفطراساليون و هو الكرفس الصخرى، فإنه يقطع تقطيعا قويا و الميفختج فإنه يجلو و يحلل و مصّه في كل يوم دفعات يزيل ذلك لأن المصّ يجذبه من العمق و ماء الفم ينضج و يلين و يحلل.

و منها: صفرة الأظفار. و سببها: قلّة الدم و استيلاء الصفراء عليه فتغتذى به الاظفار و غيرها، لكن تظهر الصفرة فيها أكثر من غيرها، لشدة بياضها بالنسبة.

و علاجها: أن يضمد ببذر الجرجير لأنه يجلو و يزيل الآثار السمجة من البدن و الخلّ.

و منها: رضّ الاظفار. و يضمد عند ذلك أولا بورق الآس و ورق الرمان ليشدّ العضو و يجمعه و يمنع انصباب المواد إليه أو بدقيق الحنطة و الزيت بعد سكون

ص: 524

الوجع و الأمن من الورم، فإنه يحلل ما قد انصبّ إليه أو بشحم المعز و شى ء من الكرنب لذلك.

و مما يحدث لها: العثرة(1) و أكثر ما تحدث هذه لأصابع الرجل عند مزلّة القدم و ينفع منها أن يبال عليها أياما بعد أن تشدّ بخرقة آسمانجونية لأن البول يجفف القروح و الجراحات كلها و يدمّلها إذا تمودى عليه.

قال «جالينوس» في العاشرة من مقالاته في المفردات: إذا اخذت خرقة و لفت على الجرح و القرحة التى تحدث في أصابع القدم من عثرة و ربطت ربطا وثيقا و أمر المريض أن يبول عليها و لم يحلّها، انتفع بذلك و برئ برءا تاما. و أما خصوصية اللون فلأن النيل قابض يمنع هيجان الأورام و ينفع الجراحات الطرية و يمنع النزف و إن فسد الظفر من العثرة أو غيرها و إن أريد قلعه، ضمد بالدياخليون حتى يلين ثم يطلى بالزرنيخين لأن فيهما قوة معفنة قالعة للحم الزائد و غيره و الجاوشير فإنه يقلع اللحوم الفاسدة و المواد الخبيثة و دهن اللوز المرّ فإنه يلين و يجلو و يعين على قلع الظفر بجلائه و تقطيعة و تنقيته للقروح الخبيثة أو بالكبريت فإنه يجلو و يقلع المواد الخبيثة من القروح و الزفت فإنه يلين و فيه قوة حادّة حريفة تعين على قلع الظفر و الزرنيخ و الزيت فإنه يجلو و يلين حتى ينقلع ثم يلزم مراعاته حتى لا يعوّج ما ينبت بعد ذلك.

ص: 525


1- 506. ( 1). قال« شريف الأطباء»: اسم للقرحة الحادّثة بين أصابع الرجل.

الفصل الثانى و العشرون: في إنتفاخ الأصابع

قد يحدث الانتفاخ و الحكة في الأصابع في أوان الشتاء و الخريف بالغدوات لاحتقان الفضول فيها بسبب تكاثف الجلد و انسداد المسامّ من الهواء البارد فلا يتحلل منها ما يجب أن يتحلل فيحتبس و يوجب انتفاخا و لذعا و حكة سيّما في الأبدان المرارية.

و علاجه: غسلها بماء البحر فإنه يسخّن و يفتح المسامّ و يحلل الفضول المحتقنة تحت الجلد و ماء النخالة فإنه يجلو جلاءا كثيرا و يسخّن و طبيخ السلق لما فيه قوة بورقية جلّاءة محلّلة مفتّحه إذا طبخت خرجت منه هذه القوة و الماء المغلى فيه التين لأن فيه قوة حادّة جاذبة جلاءة مفتحة منضجة للأورام الصلبة و الكرنب فإنه يجلو و يحلل و العدس المقشّر فإن ماءه يجلو و يحلل و الكرسنة فإنه بما فيه من المرارة يجلو و يقطع و يفتح السدد و الترمس فانه ايضا لمرارته يجلو و يحلل و يفتح السدد أو بماء الشلجم المطبوخ فإن فيه قوة حارّة حريفة و تضميدها بالتين المطبوخ في الشراب و تنطيلها بماء البنج إن لم تنجع هذه فإنه يبرّد تلك الابخرة و يغلظها و يسكّن لذعها و حدتها و الحكة الحادّثة منها.

ص: 526

الفصل الثالث و العشرون: في تقرّح القطاة507

و هو مقعد الرديف من الدواب و من الانسان الموضع الذى بمنزلة ذلك فيه(1) قد يعرض للقطاة أن يحمرّ أولا و ينسحج و يتشقق و يتقرح قروحا رديئة بسبب كثرة الاستلقاء لما يكثر العرق فيها حينئذ لدوام الاستتار و قلة وصول الهواء البارد إليها و هى عضو كثير اللحم لين البشرة يسحجها أيسر الاسباب مثل العرق، فإنه بجلائه يرقق الجلد و يسخّنه فيتشقق و يتقرح عند إصابة الهواء البارد أولا و الاصطكاك بالفراش خصوصا في المرضى الذين ضعفت قواهم من تدبير أعضائهم و تغيرت رطوباتهم و استرخت اجسامهم.

و ينبغى إذا بدأت تحمرّ أن يترك الاستلقاء إن أمكن و يستعمل عليها الروادع مثل الحضض و الاقاقيا و الطين الأرمنى و العفص الجلنار و يرشّ عليها ماء الورد و الخلّ المبرّد بالثلج حتى تسكن حرارتها و يتكاثف جلدها و إن لم يمكن ترك الاستلقاء، يقلّب العليل فى اليوم مرات و يكشف العضو للهواء البارد حتى يصلب و يتكاثف و ينقطع عنه العرق و يفرش تحته ورق الخلّاف منزوعا من القضبان و الجاورس و نحوهما مثل الرمل و الريش فى وعاء لين لئلا ينسحج من الاصطكاك بالفراش الصلب الخشن فإن تنفّط و تقرّح، عولج بمرهم الاسفيداج و غيره من المجففات.

ص: 527


1- 508. ( 2). و هو العجز و ما بين الوركين.

الفصل الرابع و العشرون: في الصنان509

سبب تعفن رائحة الجلد و المغابن كالإبط و الأربيتين و نتن النجو و البول و العرق أيضا عفونة أخلاط البدن و احتدادها بالحرارة الغريبة و يعين على ذلك الحركات المشوشة للأخلاط المزعجة لها؛ لأنها تزيد فيها حدّة و عفونة بثوران الحرارة الغريبة و اشتعالها، و لأنها ترقّقها و تحرّكها إلى ناحية الجلد فتظهر عفونتها.

و خاصة حركة المباضعة؛ لأنها تحرك الأخلاط و تدفعها إلى الظاهر كما هو يحركها سائر الحركات لكنها في ذلك أشدّ و أقوى لما يلزمها من اللذة و الفرح، و لأنها تحرك المواد المنوية خاصة و تصير منها ابخرة إلى المسامّات، و لأنها توهن الحرارة الغريزية أكثر من سائر الحركات فتستولى النارية المعفنة على الأخلاط، و لهذا يعرض كثيرا لمستكثرها حميات عفنة و تأخير غسل الجنابة لما تحتبس تلك الفضول المندفعة إلى الجلد المسامّات و تتراكم و تختلط بالاوساخ فتزداد عفونة و نتنا و يتعفن بها ما يجاورها من الأخلاط أيضا و تناول ما من خاصيته أن يحرك المواد الحريفة إلى ظاهر البدن مثل الحلتيت و هو صمغ الانجدان و الحلبة و الثوم و المحروت بالتاء المثناة من فوق و هو أصل الانجدان و الانجدان أى: ورقه، و الخردل و نحوها.

و علاجه: استفراغ الفضول الرديئة العفنة و تسكين احتداد أخلاط البدن

ص: 528

و تبديل مزاجها بالاشربة المبرّدة و السكنجبين و الاغذية الملائمة مثل الفراريج و الطياهج المطبوخة بالخلّ ثم غسل البدن بالماء الفاتر و دلكه بالآس و الشب و ورق السوسن و الصندل و دلك الآباط بالمردارسنج المبيضّ المربى بماء الورد و التوتيا مع قليل كافور و بالورد الأحمر و السك و الشب و السنبل و السعد و نحو ذلك مما يسدّ منافس البدن و يكثف الجلد و يمنع العرق بالقبض و التجفيف.

و قد تتعفن المغابن و ما بين أصابع القدمين و أخمصها و تحت الثديين من السمان بسبب كثرة العرق المالح أو العفن الذى ينحل من أخلاط حريفة عفنة في أبدانهم، فإن حرارتهم الغريزية في الأكثر تكون ضعيفة لما تنغمز تحت الرطوبات الفضلية التى تولدها فى أبدانهم أكثر، و لما تنضغط عروقهم باللحم فلا يبقى للروح فيها متسع و مجال يتنفس فيه فينطفئ و لا يصل إليه الهواء البارد أيضا كما ينبغى لضيق المنافس فيفسد بذلك مزاج الروح و الدم و يضعف الحارّ الغريزى و يستولى الحارّ النارى فتحدث في رطوباتهم الحرافة و العفونة.

و علاجه: الفصد و الاستفراغ و الامتناع عن الحركة؛ لأنها تسخن الفضول و تحرّكها و ترقّقها و تبخّرها و تزيد فيها الحرافة و العفونة، خصوصا في حر الهواء فإنه يعين على ذلك و الغسل بالماء الحارّ لينظف ظاهر البشرة و يزيل عنه الاوساخ و الفضول المندفعة إليه المتراكمة عليه و الجلوس في الماء البارد ليتكاثف الجلد و تنسد المسامّ فلا يترشح منه العرق و الفضول العفنة و استعمال ذرور العرق المتخذ من ورق السوسن و التوتيا و المرتك و الجلنار و الورد و الطين الأرمنى و الحناء المحرق و قشور الرمان و الكافور مسحوقة بالخلّ فإنه يجفف تجفيفا بليغا و يزيل العفونة و يوصل أثر القابضات إلى الاعماق فتنسدّ المسامّات من أواخرها مجففة بعد ذلك ليكون تجفيفها و تنشيفها أكثر. فإن تقرّحت هذه المواضع من جلاء العرق، غسلت بالخلّ فإنه ينظف القرحة من الوسخ و يجففها من الرطوبات المانعة لها عن الاندمال و استعمل فيها مرهم العرق فإنه مجفّف للقروح.

و قد يحدث النتن في جلدة الرأس من عفونة خلط دسم يحصل هناك من ارتفاع البخارات الدهنية التى ترتفع إلى الدماغ و أكثر ما يحدث للمشايخ

ص: 529

و الأطفال لكثرة الرطوبة التى هي مادة العفونة في أبدانهم و ضعف الحرارة الغريزية الحافظة لها عن الفساد و التغير فتستولى عليها الحرارة الغريبة فيتعفن، لأن هذه الحرارة أيضا تكون ضعيفة فى أبدانهم عن الاحراق.

و علاجه بعد الاستفراغ الموافق: أن يطلى بورق السوسن و المردارسنج و التوتيا و قشور شجرة الصنوبر و جوز السرو المحرق و دقاق الكندر مسحوقة بشراب عفص ليقبض المسامّ و يسدّدها و يجفف الرطوبات و يمنعها من الخروج.

ص: 530

الفصل الخامس و العشرون: في فساد الأطراف بالبرد

سبب ذلك توجه الحرارة و الدم و البخارات الحارّة إليها دفعا للبرودة و اصلاحا لفسادها ثم احتقانها فيها لاستحصاف الجلد و انسداد مسامّاته فتحرق الأعضاء و تميتها و تعفن هي و تعفنها أى: الأعضاء؛ لأن كثرة الرطوبات توجب ضعفا في تصرف الحارّ الغريزى و ضعفه يستلزم استيلاء الحارّ الغريب، و ذلك يوجب العفونة. و فى هذا الكلام خبط؛ لأن الاحراق هو أن تميز الحرارة الجوهر الرطب عن الجوهر اليابس بالتصعيد و الترسيب، و التعفين هو أن تغير الحرارة المادة الرطبة التى يشتعل فيها عن صلوحها للغاية المقصود عنها مع بقاء نوعها، و بينهما بون بعيد؛ بل سبب ذلك أن البرد الشديد يكثف العضو و يجمعه فيعرض لذلك فيه فسوخ كثيرة في المواضع المنجذبة و يسدّ منافسه فيحتبس فيه ما كان يتحلل عنه من الفضول و يفقد الحارّ الغريزى الترويح فيختنق و يعرض للعضو ألم شديد من سوء المزاج و من الفسوخ و التفرقات العارضة له فترسل الطبيعة إليه دما كثيرا للألم و لاصلاح فساد البرد و العضو يقبله أكثر مما يحتمله في خلقته لكثرة الفسوخ العارضة و لضعفه فيزداد بذلك تمدده و ألمه و لا يمكن أن يتحلل هذا الدم من منافذه و مسامّاته لانسدادها بالبرد مع أنه أكثر مما يمكن أن يتحلل من منافذه فيتعفن فيه و يفسد و يموت لضعف الحارّ الغريزى عن حمايته و استيلاء الحارّ النارى على افساده ثم يتعفن العضو أيضا بعفونته و يفسد و يموت بانطفاء الحارّ الغريزى فيصير أسود مترهلا كأعضاء الموتى. و الدليل على أن فساده بالتعفين

ص: 531

دون الإحراق أنه يترطب و يترهل و يسترخى و تظهر منه رائحة نتنة كأبدان الموتى، و لو كان فساده بالاحراق لكان يجف أولا بمفارقة الاجزاء الرطبة ثم ينتشر و يتفتّت ما بقى فيه من الأجزاء الأرضية كما تتفتت اللحمة من النار و الأعشاب من حر الهواء و الأزهار و الأنوار في الربيع من البرد المفسد من غير أن تفوح منها رائحة عفنة (بحر الهواء). و انما اختص القول بفساد الاطراف لأن ضرر البرد بها أكثر من سائر البدن لبعدها عن ينبوع الحارّ الغريزى و لدوام انكشافها و ملاقاتها للبرد.

و علاجها ما لم تفسد بعد و لم تتورم أيضا بل ابتدأت تخضرّ بسبب جمود الدم لا بسبب انطفاء الحارّ الغريزى بالكلية كالخضرة التى تعرض بعد تورم العضو:

بأن يدلك جيدا لأنه يسخّن العضو و يذيب الرطوبات المنجمدة و يرققها و يجذب الدم و الروح إلى الظاهر و يمرّخ بالأدهان الحارّة كالزيت و الزنبق و هو دهن الحل المربى بنور الياسمين الأبيض و الرازقى و هو دهن السوسن الأبيض و نحوها فإنها تسخن و تلين و تزيل القبض و الجمود و تفتح السدد و المسامّ.

و أما عند ما يتورم العضو من غير أن يعرض له خضرة أو سواد فينبغى ان يوضع في ماء حارّ لأنه يسكّن الوجع بسبب أنه يلين ما صلب من العضو و يرخى ما تمدّد و ينفع الفسوخ و التفرقات التى فيه و يعدل ما عرض له من سوء المزاج و يلطف ما غلظ من الفضول و يذيبه و يرققه و يزيل الجمود عنه و يحلل ما فسد و خبث منها فلا يسرى الفساد و العفونة منه إلى العضو خصوصا الذى قد طبخ فيه الإكليل و البابونج و الشبت و النخالة و تبن الحنطة و الشلجم و الكرنب و الشيح و النمام و المرزنجوش و بذر الكتان و الحلبة فانها تسخن و تحلل و ترخى ثم يخرج و يمرّخ بالادهان الحارّة فإن تأثيرها حينئذ يكون أشدّ و أقوى بسبب استرخاء الجلد و تفتيح المسامّ و ترقيق الفضول، بخلاف ما لو قدم التمريخ على الآبزن فإنه مع ما يكون تأثيره ضعيفا يمنع تأثير الآبزن أيضا، لأن الدهن بلزوجته يلحج في الجلد و المسامّ و لا يمكن للماء الحارّ من الثبات و النفوذ و لذلك من مسح بالدهن و غاص في الماء الحارّ أو البارد قل احساسه بالحرارة و البرودة.

و إن هي اخضرّت أو اسودّت، فينبغى أن يشرط شرطا عميقا لأن ذلك إنما يكون عند انطفاء الحارّ الغريزى و موت الدم و فساده، فإذا ترك أمات العضو و أفسد اللحم و لا يمكن أن يتلاحق ضرره بالمحلّلات، لفظاعة الأمر و ضيق الوقت

ص: 532

و ضعف قوى الأدوية بالنسبة إليه و يوضع في الماء الحارّ لئلا يجمد شى ء من الدم في فوهات مواقع الشرط فلا يخرج بتمامه، بل ينبغى أن يترك فيه حتى يحتبس الدم من نفسه ثم يطلى بطين ارمنى مداف(1) في ماء و خل ممزوجين فإن ذلك يمنع فساده و يغسل بعد ذلك بشراب مفترّ لأنه يسخّن العضو و يزيل العفونة و يجلو القرحة من الوسخ أو ماء و خل لأنه يجفف القروح و يزيل و سخها و يقوم فيها مقام الكى و يزيل العفونة يفعل ذلك مرارا إلى أن تجفف القرحة و ينبت اللحم في مواضع الشرط و يصلب.

و إذا لم يتلاحق بالعلاج حتى جاوز الأمر الخضرة و السواد و بدأت الأطراف تعفن، ينبغى أن يوضع عليها أطراف السلق و الكرنب مطبوخة مخبطة(2) بالسمن حتى يسقط كل ما قد عفن و اخضرّ و اسودّ لئلا تسرى العفونة منه إلى ما يجاوره من المواضع الصحيحة فيتعفن، و هذا أولى من استعمال الحديد فإنه حينئذ ربما أصاب شظايا العصب و العروق، إلّا إذا لم يمكن الاسقاط بغير الحديد فإنه حينئذ لا بدّ من استعماله ثم يعالج بعلاج القروح من التجفيف و غيره على ما سيجى ء.

ص: 533


1- 510. ( 1).[ أى مبلول].
2- 511. ( 2). أي: مخلوطة.

الفصل السادس و العشرون: في حرق النار و الماء و الدهن الحارّين و غير ذلك

أما علاج حرق النار إذا لم يبلغ الأمر في الاحراق إلى أن تتميز المائية عن الدم و تندفع من أطراف العروق إلى ما تحت الجلد و تحتبس هنا و يتنفط، فتبريد الموضع بالخرق المبرّدة بالثلج و الأطلية المبرّدة ليدفع ضرر الحرارة بالمضادة و يطفئ اللهيب الحادّث الدم فلا تتميز عنه المائية حتى يتنفط و ينفع منه أن تقتص عليه بيضة فإنها تبرد و تسكن اللذع أو يلطخ بالمداد الذى يكتب به و هو المعمول من الدخان و الصمغ فإنه يبرّد و يجفف تجفيفا شديدا، قال «جالينوس» في التاسعة: إذا حلّ المداد بالماء و طلى على حرق النار و ترك عليه، نفع من ساعته أو يضمد بالعدس المطبوخ فإنه يبرّد و يجفف و يسكّن حدّة الدم و يغلظه أو بالطين الأرمنى و الماء و الخلّ فإنه يبرّد و يجفف و يسكّن حدّة الدم.

و إن تنفّط و كان شيئا عظيما مؤلما يخاف من انصباب المواد إليه، ينبغى أن يفصد و يلطف التدبير ليقلّ(1) الدم و يطلى بمرهم الاسفيداج فإنه يبرّد و يجفّف و ينشف الصديد من غير لذع و إن كان الأمر أغلظ يداوى بمرهم النورة المعمول من النورة المغسولة سبع مرات حتى تزول حدتها كلها- و من دهن الورد و طين قيموليا لأن تجفيفه و نشفه أكثر و المراهم المتخذة من رماد أرجل الدجاج فإن رماد العظم أجف و عظم الطيور أجف لأنها ايبس مزاجا من المواشى،

ص: 534


1- 512. ( 1).[ خ. ل: ليسيل].

و ارجل الدجاج اجف لكثرة حركتها و تعريها عن اللحم بخلاف الديكة، لأن في اعضائها رطوبة بورقية حادّة لذاعة و رماد الملح الاندرانى و هو الملح المتحجر الصافى اللون الشبيه بالبلور، فإنه يجفف و ينفى من الجسم الذى يلقاه ما هو رطب و يجمع منه بقبضة ما هو صلب و إذا أحرق صار أشدّ تحليلا بسبب ما يكتسب من النار و أكثر تجفيفا و أقل لذعا و حرقة لفناء الاجزاء المالحة الحادّة منه بالإحراق و دقيق الأرز و اسفيداج الرصاص و بياض البيض و دهن البنفسج.

و أما حرق الدهن الحارّ، فيداوى بمثل هذه المراهم. و مما يخصه لخلخة تتخذ من بياض البيض و شى ء من الزيت و الاسفيداج بأن يجعل الجميع في قارورة و يضرب حتى يستوى.

و أما حرق الماء الحارّ، فينبغى أن يصبّ عليه قبل التنفّط ماء الرماد و هو الماء الذى ينقع فيه الرماد مدة ثم يصفى و ينقع فيه رماد آخر، يفعل كذلك مرات، فإنه يجفف و يقبض من غير لذع أو ماء الزيتون المملّح فإنه يجفف و يقبض بما اكتسب من الملح و يقبض و يبرّد بما اكتسب من الزيتون و يبرّد بالخرق المبرّدة.

و إن تنفط فيداوى بمرهم النورة، و مما يخصه و يستعمله «الحارّث بن كلدة الثقفى»- و هو طبيب اهل المدينة في زمن «رسول الله» (صلى الله عليه و آله و سلم) لقوله عليه السلام: اطلبوا اليّ- «الحارّث بن كلدة» رماد الشعير مضروبا بصفرة البيض.

و قد يحدث الاحتراق و التشيظ عن نفخة الصواعق و الصاعقة قصفة رعد تنفض معها شقة من نار لا تمرّ بشى ء الّا أحرقته. و سببه أن الدخان إذا ارتفع من الارض و خالط السحاب و خرقه في هبوطه عند تكاثفه بالبرد، اشتعل بقوة التسخين الحادّث من الحركة القوية و الاصطكاك فلطيفه ينطفئ سريعا و هو البرق و كثيفة لا ينطفئ إلى أن يصل الارض و هو الصاعقة إذا وقعت على شى ء قريب من الانسان فوصل إليه شى ء يسير من لهيبها.

و علاجه: علاج حرق النار.

و قد يحترق الجلد من الشمس الحارّة.

و يعالج بالمرهم الكافورى و مرهم الخلّ.

و أما من أحرق جلده من عسل البلادر فسبيله أن يشرط و يحجم ليستفرغ الصديد المتميز عن الدم بالاحتراق و المواد الحارّة المتوجهة إلى العضو بسبب الحرقة و الألم ثم يداوى بمرهم الخلّ ليجفّف القرحة بسرعة.

ص: 535

ص: 536

الباب الخامس و العشرون: في الجراحات و غير ذلك

ص: 537

ص: 538

[الباب الخامس و العشرون]: في الجراحات و غير ذلك

الجراحة: هي تفرق اتصال يعرض في اللحم إذا لم يتقيح فإذا أقاح قيل له:

قرحة. و قد يقال لتفرق الاتصال في غير اللحم أيضا جراحة، لكن المشهور هو الأول و هى إذا كانت صغيرة بسيطة ليست معها عوارض أخرى من سبب كانصباب المواد أو عرض كألم مبرح أو مرض لسوء مزاج أو سوء تركيبه فالمراد بالعوارض هاهنا معنى أعم و تكون مستوية الشفاة غير معوجة غير غائرة تلتقى شفتاها عند الربط بمجرد الربط و لا تبقى بينهما فرجة عند الانطباق و الانضمام و ينضم قعرها كله و كانت طرية بدمها، فينبغى أن توضع رفادتان مثلثتان(1) على جانبى الشق، فإن المثلثة أضبط لموضع الشق من المربعة، لأن طرفى القاعدة يضبطان الطرفين و الزاوية تضبط الوسط فتكون تلك الزوايا معينة على جمع أجزاء العضو إلى موضع التفرق و ذلك سبب لسرعة الالتحام و يشدّ برباط ذى رأسين(2) ربطا جامعا للشفتين من غير أن يكون رخوا لا يضمّها ضمّا صالحا و لا وثيقا مؤلما يوجب الورم، فلا يمكن مع الورم أن تعالج القرحة مبتدئا بالربط من رأسين حتى ترد الشفتان إلى الوسط إن كانتا قد انفرجا إلى الوراب و يمنع من أن يتخللها شى ء من دهن أو شعرة و غيرهما من الأجسام الغريبة، لأنه يمنع من التصاق الشفتين و التحامهما، فإن القرحة إذا ضمّت بجملتها و هى

ص: 539


1- 513. ( 1). صورتها هكذا:.
2- 514. ( 2). صورته هكذا:

طرية غير متعفنة و لا متغيرة، أحاط بها الدم اللزج المغرى من الجوانب فألحمها و إن لم تكن طرية بدمها و قد أتى عليها يومان أو ثلاثة، إلّا أنها لم تتقيح بعد فينبغى أن يحك ب «مخشن»(1) عريض حتى تدمى ثم تربط على ما ذكر، فإنها تبرأ إلى ثلاثة ايام من غير احتياج إلى استعمال دواء.

و أما إن كانت جراحة عظيمة غائرة لا تنضمّ من أولها إلى قعرها بالربط فينبغى أن يذرّ عليها الذرور الملحم و هو الذى يجفف من غير لذع و قبض و يجعل الرطوبة التى بين طرفى الجراحة لزجة مغرية فيلتصق أحدهما بالآخر مثل الذرور المتخذ من الصبر و الكندر و المر و دم الاخوين فإنها تجفف الرطوبة الحادّثة فيها المانعة من الالتحام و يحذر اللحم و الحلو لئلا يكثر الدم في البدن فيكثر نصيب العضو المجروح و هو لضعفه لا يقدر على التصرف فيه كما ينبغى فيفسد و يصير قيحا و وضرا و يضمد حواليها بالنرد و الصندلين و ماء الهندباء و ماء الكزبرة ليمنع انصباب المواد إلى موضع الجراحة و ينثر على الرفائد الصندل اليابس المسحوق من غير أن يخلط بشى ء من العصارات لئلا تترطب الجراحة بها و يفصد إن وجب الحال ذلك لتقليل الدم.

و إن كانت شفتاها لا تجتمعان بمجرد الربط، فينبغى أن يخاط و أكثر ما يكون ذلك إذا وقعت الجراحة في عرض البدن و إن كانت لها غور و قد سقط منها شى ء من اللحم و لا تنضم أجزاؤها إلى القعر و يقع بينها فضاء تجتمع فيه رطوبة صديدية و وسخ و هو شى ء غليظ يسيل من القروح و الجراحات، إما أبيض أو أخضر أو أسود أو مثل دردى الشراب، فيحتاج إلى أدوية فيها تجفيف تنشف الرطوبة المجتمعة فيها و جلاء يجلو الوسخ عنها فان الصديد و الوسخ يمنعان الطبيعة من استعمال الغذاء على الواجب و من الالحام، لأنه لا يتم الّا بالتجفيف بسبب أن المنفعل كلّما كان أكثر كان فعل الفاعل فيه أضعف و لا بدّ أن يجتمع فى هذه الجراحة التى فيها فضاء و فى جميع القروح هاتان الفضلتان لضعف العضو عن دفع ما يفضل فيه عن الهضم الرابع مما قد اندفع قبل ذلك غليظه و سخا على الجلد و لطيفه بخارا خارجا عن المسامّ بل عن التصرف في الغذاء الوارد عليه و احالته جزءا له فيصير أكثره فضولا لذلك، بل عن دفع

ص: 540


1- 515. ( 1).[ خ. ل: بمجس].

الفضول التى تنصبّ إليه بسبب الوجع و الأدوية التى تفعل ذلك باعتدال من غير إفراط يؤدّى إلى ذوبان اللحم الصحيح و نشف الرطوبات التى يحتاج إليها في تكوين العضو، و لا تفريط تقصر على الاتيان بالواجب هي الكندر و الزراوند و الصبر و الايرسا و اقليميا الفضة و التوتيا إذا استعملت نثورا من غير أن تختلط بشمع و دهن.

و ينبغى أن يكون ربط هذه الجراحة مبتدئا من غورها رطبا شديدا ليضمّ طرفاها عند القعر ما أمكن و ليثبت الدواء الملحم عليه و ليحسن عصرها فلا يحتبس فيها شى ء من الوضر و الصديد بل ينجلب منه إلى فمها ثم يرخى عند فمها ليسهل سيلان الصديد منه و يشكل العضو بشكل ليسيل منه الصديد دائما بسهولة و لا يحتبس فيه بأن يكون فم الجراحة إلى أسفل و قعرها إلى أعلى فيسيل الصديد بطبعه. قال «جالينوس»: إنى قد أبرأت جرحا كثيرا كان غوره عند الركبة و فوهته عند الفخذ بأن نصبت الفخذ نصبة كان القعر فوق و الفوهة اسفل، و كذلك قد علقت الساعد و الكف و غيره تعليقا تكون الفوهة أبدا إلى اسفل.

و يحشى كل وقت بالقطن الخلّق حتى ينقيها من الصديد بالمنشف و من الوسخ بالتآكل ثم أى: بعد التنقية يعالج بالذرورات و المراهم المنبتة للحم و هى التى تعقد الدم الوارد على الجراحة لحما بالتجفيف.

و بعد نبات اللحم فيها يداوى بالادوية المدملة الخاتمة لها و هى التى تجفف سطح الجراحة و تصلبه حتى تصير خشكريشة غليظة تحفظه من الآفات إلى أن ينبت الجلد مثل المردارسنج و الشيح المحرق و هو الودع الكبير الحجم و ورق السوسن و الهليلج و العفص و الجلنار و العروق و الصبر و نحوها من الأدوية المجففة التى لا لذع فيها بحسب لين الأبدان و صلابتها فإن الأبدان اللينة مثل ابدان الصبيان و النسوان، يكفى فيها ما يجفف تجفيفا يسيرا بردّها إلى حالتها الطبيعية مثل المردارسنج و الشيح، و أما الابدان الصلبة مثل أبدان الاكرة و الفلّاحين، فتحتاج فيها إلى أدوية قوية التجفيف لتردّها إلى ما كانت عليه في الصلابة مثل العفص و الجلنار و الصبر.

و أما إذا كانت الجراحات مركبة مع امراض أخر مثل سوء مزاج البدن و امتلائه و مثل الورم و كسر العظم و قطع العروق و العصب أو مع اعراض مثل

ص: 541

شدة الوجع و فساد اللحم، فينبغى أن يقبل على مداواة تلك الأمراض و دفع تلك الاعراض بتبديل المزاج لأن رداءة مزاج العضو يلزمه ضعف القوى الطبيعية التى عليها مدار الأمر في العلاج و فساد ما يرد عليه من الغذاء لعدم تصرفه فيه بسبب الضعف فتصير فضلا و نقص الامتلاء لان الامتلاء و ان كان من خلط صالح يمنع من الالتحام بالترطيب و تدبير الورم بما مرّ، و جبر الكسر لأنه ما لم ينجبر كسر العظم لم يمكن التصاق شفتى الجرح و قطع النزف لان سيلان الدم من الموضع يمنع الالتحام بالترطيب و يضعف العضو أيضا و علاج جراحة العصب لأنه لشدة حسه تعرض من جراحته اوجاع شديدة و اعراض عظيمة مانعة من الالتحام و تسكين الوجع لأنه يعوق الطبيعة عن تدبير البدن و التصرف في الأوية المستعملة للالتحام، و لأنه يوجب الورم أيضا و أخذ اللحم الفاسد لأنه يمنع الالتحام على ما علم كل فى موضعه، و تسكين الوجع يكون باستعمال الضمادات المخدرة كالأفيون و البنج و نحو ذلك. و مما يسكّن الوجع بخاصية فيه أن تؤخذ رمانة حلوة فتطبخ بالشراب الحلو و يضمد بها.

و يعالج فساد اللحم و اسوداده بالتضميد بأطراف الهندباء و اطراف عنب الثعلب و الخطمى و السمن و دهن البنفسج حتى يقف الفساد و يسقط السواد و بمرهم الزنجار بعد تسكين المزاج و تعديله أيضا و وقوف الفساد، فإنه يأكل اللحم الفاسد و يسقط السواد أيضا.

و إن كانت الجراحة على الرأس و كان عظم القحف مكسورا معها، ينبغى أن ينثر عليها الذرور الملحم المتخذ من الصبر و المر و الكندر و دم الاخوين و أقاقيا فإنها تجبر العظم أيضا.

و إن وقعت الجراحة على البطن و خرجت الأمعاء و الثرب، فينبغى أن يرد و يخاط الشقّ خياطة يلزق الصفاق بالمراق، لأنه عصبى بطى ء الالتحام و إن انتفخت الأمعاء و لم تدخل إلى داخل البطن، فإنها إن لم يبادر إلى ردها من ساعتها، انتفخت و غلظت لما يتولّد فيها من الرياح بسبب برد الهواء الخارجى و إحالة الابخرة التى فيها رياحا غليظة، فيكمد بالشراب المسخّن فإنه يسخّن أكثر من إسخان الماء مع اسفنجة مغموسة فيه حتى يذهب انتفاخها بتحليل الرياح، ثم يعلق العليل بيديه و رجليه حتى يحدب ظهره و يزول ثقل الأمعاء

ص: 542

الداخلة و ضغطها عن الأمعاء الخارجة و تدخل الخارجة حينئذ إما بنفسها لميلها الطبيعى أو لجذب الأمعاء الداخلة لها أو بعمل يسير. و ينبغى أن يجعل الطرف المجروح أعلى و أرفع من الطرف الآخر، فإن كانت الجراهة في الشق الأيمن، يعلق مائلا إلى الأيسر، و إن كانت في الأيسر، يعلق مائلا إلى الأيمن و إن لم يدخل بهذا التدبير، فليوسع الشقّ قليلا على حسب الضرورة و يرد الخارج و يخلط. و أما الثرب فإن تلوحق سريعا قبل أن يسودّ أو يخضرّ أو أن يأتى عليه زمان له قدر و هو مكشوف فيرد إلى الداخل و إن لم يتلاحق حتى يسودّ أو يلبث مكشوفا أدنى لبث، فينبغى أن يقطع ما اسودّ منه لأنه يتعفّن و تسرى العفونة منه إلى الاجزاء الصحيحة و يقطع ما لبث منه في الخارج قليلا، لأنه يبرّد بردا لم يعد إلى مزاجه الأول و إن ردّ إلى الداخل بل يتعفن سريعا، لأنه لفرط رطوبته يستعد للعفونة عند ضعف حرارته الغريزية في وقت البروز إلى الخارج بالهواء البارد و يعين على ذلك سخافة جوهره و تخلخل بنيته و برد مزاجه و انعقاده من مائية الدم، بخلاف ما برز معه من اطراف الكبد و التفافات الأمعاء فإنها و إن بردت بردا شديدا فإنها لا تصير بحيث إذا ردّت إلى مواضعها لم تعد إلى طبيعتها الأولى لانتفاء تلك الأسباب فيها و لذلك لا تتعفن بعد أن يشدّ كل عرق عظيم فيه من الشرايين و الأوردة بخيط دقيق من ابريسم لئلا يحدث النزف عند قطعه ثم يرد الباقى إلى داخل و يخاط مراق البطن بخيط معتدل بين الصلابة و اللين، لأن شديد الصلابة ربما خرق الجلد و الشديد اللين انقطع.

و أما جراحة العصب فينبغى أن لا تلحم حتى يأتى عليها ايام و يؤمن من حدوث الورم فيها فانه لشدة حسه تعرض له أوجاع عظيمة، و تتوجه إليه مواد كثيرة موجبة لأورام عظيمة، فلذلك لا ينبغى أن توضع عليه في الابتداء الادوية الملحمة بل المسكنة للوجع فانها إذا ورمت يخاف عليها أن يتشنج و يبلغ ذلك التشنج إلى الدماغ و يهلك العليل.

و ينبغى أن يصان عن الماء البارد لأنه يجمع اجزاء العضو و يكثفها و يمنع من التحلل فيضغط العصب و يغلظه و يزيد في عرضه فيحدث التشنج أيضا، و لأنه يغوص في موضع الجراحة و يحدث فيه لذعا و غرزانا يعين على انصباب الفضول إليه، و لأنه يرطّب الجراحة فيكثر فيها الصديد و يخاف حينئذ أن يؤدى إلى العفونة

ص: 543

و كذا عن الماء الحارّ أيضا لأنه أبلغ في التلذيع من الماء البارد لأن تمكنه في الغوص بسبب لطافته أكثر و لأنه مع ما يرطّب يسخّن و يرخى و يؤنث اللحم بانحلال الرطوبات فتسرع إليه العفونة و الهواء البارد أيضا، لما علم و يكمد بالزيت المفتر المائل إلى السخونة، لأن الفاتر بارد بالقياس إلى العصب و ذلك لتسكين الوجع، و هو أولى من الماء الفاتر لأنه لزج يلحج بالموضع و هو مع ذلك حارّ باعتدال يابس بالقياس إلى سائر الادهان و فيه لطافة و يغرق العضو كله بالزيت المفتر لتسكين الوجع و الأمن من التشنج و يوضع عليه القيروطى المتخذ بزيت الانفاق، و هو الزيت المعتصر من الانفاق و هو اسم يونانى يطلق على حصرم الزيتون و على كل ثمرة فجة عفصة فإنه أيبس من باقى الأصناف و أشدّها قبضا أو بدهن الآس و الورد لما فيهما من القبض مع قليل فرفيون فيمن كان مزاجه أيبس و لحمه أصلب، لأن أدوية العصب يجب أن لا تسخن و لا تجفف و لا تجلو فوق الواجب و لا تقصر فيها عن الواجب، و أن تكون فيها لطافة في الغاية و قوة نفوذ يصل بها إلى الغور من غير أن تضعف قوتها عند نفوذها في الجلد و وصولها إلى موضع العصب و الفرفيون كذلك أو يذرّ عليها علك البطم في الامزجة الشديدة الرطوبة مثل النساء و الصبيان فإنه أفضل انواع العلك و ليس له قبض شديد و فيه شى ء من المرارة بسببها يحلل و يجلو و يجذب من العمق و هو لطيف جدا يجفف تجفيفا لا أذى معه إذ ليس له حدّة كثيرة بقليل زيت.

و إذا ورمت ورما حارّا يضمد بالأدقة مثل دقيق الباقلاء و الكرسنة و الحمص و الأسوقة مثل سويق الشعير معجونة بالسكنجبين لأن الاشياء الكثيفة تستفيد من الخلّ حرارة لطيفة بسببها تغوص إلى العمق، و أما السكر فانه يكسر برودة الخلّ و لذعه و يميل به إلى الاعتدال أو يضمد عند شدة الحرارة بمرهم متخذ من توبال النحاس فإنه يقبض و يعصر و يمنع القروح من الانتشار و يدملها، و الكندر فإنه يقبض و يحلل و يملأ القروح و يدملها و يمنع الخبيثة منها من الانتشار و الزيت و القنة فانه يحلل بلا أذى و ينبت اللحم و الشمع و الخلّ و قليل من زاج فانه يقبض و يجمع و ينفع الجراحات، و صنعة هذا المرهم: أن تسحق الادوية بالخلّ عشرة أيام متوالية لما أن السحق يلطفه و يبرز الحرارة اللطيفة التى فيه ثم يلقى في قدر حجارة و يحرّك جيدا حتى يستوى و يطلى و يوضع فوقه صوفة مبلول بزيت

ص: 544

و خل لتحلل و تبرّد، و ليكن هذا على حسب زيادة السخونة فان الادوية الباردة تضرّ بها ضررا عظيما و تحدث فيها تشنجا و تمدّدا يؤدى إلى الهلاك و إن عرض فيها التشنج فينبغى أن تقطع العصبة المتمدّدة لئلا يبلغ التشنج إلى الدماغ فيهلك العليل و يكمد الموضع و المواضع القريبة منه بالدهن ثم تمرخ الفقرات و الرأس و العنق بدهن البنفسج و شحم البط و الدجاج.

و إن كان مع الجراحة عظم مكسور فيضمد بضماد الجبر المقوى على ما سيأتى.

و إن كان فيها شظية عظم يضمد بالزراوند المدحرج فإنه يجذب من العمق حتى تخرج الشظية، لأنها تمنع الاندمال ما دامت فيها لما تحول بين شفتيها ثم يضمد بالكندر و المر معجونا بعسل.

و إن فسد فيها العظم و منع من الاندمال لما ينفصل عنه- بسبب فساد مزاجه و عجزه عن استعمال غذائه على ما ينبغى- صديد رقيق يرطّب الجراحة و يرخيها و يعرف ذلك بفساد اللحم الذى عليه لأنه يرم من الصديد المنصبّ إليه و تتولد فيه المدة و يتعفن و يفسد و ترهله و استرخائه لكثرة الرطوبات الفاسدة و دخول «المرود» فيه بسهولة بسبب الاسترخاء فينبغى أن ينقى اللحم الفاسد بالحديد أو بالادوية لأن الحديد ربما يصيب شظايا العصب و العروق و ينحت العظم ب «مجرد» حادّ أو ب «مبرّد» إلى أن يظهر لونه الطبيعى أو ينشر أى: يقطع ب «المنشار» أو ب «المثقب» على ما سيأتى بيانه في باب القروح و يخرج من الموضع و تنحت صحيفة قرن على قدر العظم و توضع مكانه.

و أما إن وقعت الجراحة على عرق و حدث النزف أما في الشريان فلدوام حركته ورقة قوام دمه، و أما في الأوردة فإما لرقة قوام الدم و إما لرداءة مزاج اللحم و عسر قبوله للالتحام، فيكبس الموضع بخرقة مبلولة بخل لأنه مع ما يبرّد و يقبض يغوص في العمق و يقوم في الجراحات مقام الكى، فلذلك يقطع النزف من أيّ عضو كان و ماء ورد فإنه أيضا يبرّد و يقبض يبرّد ما فوقه أى: ما فوق الموضع الذى يجرى منه الدم إليه تبريدا قويا، لأن البرد يغلظ الدم و يجمده و يكثف المجارى و يضيق الفوهات و يسد، فينقطع النزف أو يقلّ و يشدّ أى: ما فوقه، شدّا وسطا لتنضم المجارى، و أما الشدّ الوثيق فإنه يحدث وجعا فيه و يجذب المادة

ص: 545

و المسترخى لا يحبس الدم و يضمد بصمغ البلاط منه معمول من الرخام المخلوط بالغرى المتخذ من جلود البقر، و منه معمول من الصبر و المر و دم الاخوين و العلك و الانزروت و الصمغ العربى، من كل واحد جزء، و من أصل المرجان و الزاج، من كل واحد نصف جزء، معجونة بماء الصمغ العربى أو بتراب الجرار الخزفية(1) حين يخرج من الاتاتين أو بالراتينج، أو يضمد بدقيق الكندر و الصبر و العفص المدبر و هو المحرق المنطفئ في الخلّ و الجبسين و غبار الرحى ذكر «صاحب الكامل» في الحواشى أن مرادهم بغبار الرحى غبار الدقيق مشوبا بغبار حجر الرحى و دم الاخوين ببياض البيض و وبر الارنب فإن بعض هذه تقبض(2) المادة و تضم المجارى و بعضها يغرى(3) و يحدث سددا في فوهات المجارى مانعا من خروج الدم و بعضها يجفف(4) و ينشف الرطوبات المرخية لفوهات المجارى المهيئة لها للتوسع و يشدّ و لا يحلّ أسبوعا حتى ينبت عليه اللحم.

فان لم ينقطع، يحشى بالنورة الغير المطفاة و الزاج فانهما من الادوية الكاوية و هى التى تحدث خشكريشة على وجه الجراحة و يمنع من خروج الدم و يشدّ أو يشال العرق إن أمكن بأن يكشف عنه الجلد و اللحم الذى يغطيه ثم يرفع عن موضعه ب «صنانير» و يبتر، أى: يقطع، بعد أن يشدّ كل من طرفيه بخيط ابريسم و ذلك ليتقلّص كل واحد من طرفيه إلى جهته، ثم يحشى بما ذكر و يشدّ حتى ينبت عليه اللحم فينطبق على كل من طرفيه، و الّا أى: و إن لم يمكن قطع العرق، فليكو بالذهب المحمى بالنار حتى يصل اثر الكى إلى عمق الجراحة حتى يفعل خشكريشة عميقة غليظة لا يسهل سقوطها بل يثبت عليها مدة طويلة في مثلها يمكن أن ينبت اللحم، و أما الكى الضعيف فلا يفعل الّا خشكريشة ضعيفة تسقط بأدنى شى ء فتصير البلية أعظم مما كانت مع أنه يسخّن تسخينا شديدا و يجذب مادة كثيرة إن لم يمكن ذلك أى: حبس الدم بالوجوه المذكورة، و فيه تكرار.

ص: 546


1- 516. ( 1).[ خ. ل: المحترقة].
2- 517. ( 2). مثل العفص.
3- 518. ( 3). مثل عبار الرحى و دم الاخوين و بياض البيض.
4- 519. ( 4). مثل وبر الارنب.

الباب السادس و العشرون: في نشوب النصل و الشوك و غير ذلك

ص: 547

ص: 548

[الباب السادس و العشرون]: في نشوب النصل و الشوك و غير ذلك

أما النصل فينبغى أن يخرج ب «كلبتى السهام» و يحشى بالمر و الكندر حتى يلتحم. و أما الشوك و الزجاج و غيرهما مما ينشب في البدن و لا يمكن جذبه بالآلة، فتدبيرهما أن يضمد الموضع بأشياء مرخية ليتسع الشقّ فيسهل خروج الناشب مثل الاشق و بصل النرجس و اصول القصب معجونة بعسل فإنها مع ما ترخى تجذب من العمق أيضا و بأشياء جذابة كالزفت و علك الانباط و الراتينج و الزراوند.

ص: 549

ص: 550

الباب السابع و العشرون: في القروح

اشارة

ص: 551

ص: 552

[الباب السّابع و العشرون]: في القروح

القروح تتولد من الجراحات، و عن الخراجات المنفجرة، و عن البثور المتقيّحة فإن تفرق الاتصال إذا أمد، أى: صار ذا مدّة و هى الفضل الأبيض الأملس المعتدل القوام السائل من موضع التفرق عند ما كانت نضيجة وقاح القيح مرادف للمدة سمى قرحة.

الفصل الأول: القروح البسيطة السريعة الاندمال و الغرض من أدمالها

و الغرض في مداواة القروح البسيطة التى ليست معها عوارض أخرى مما يعرض للبدن أن تمنع من الاندمال من سبب مثل سيلان الفضول و المواد إليها، أو مرض إما سوء مزاج و إما سوء تركيب و إما تفرق اتصال، أو عرض مثل الوجع و سواد اللحم تجفيفا عن الصديد لأنه يمنع من انبات اللحم لأن الطبيعة بسببه تعجز عن استعمال الغذاء على الواجب، لأن المنفعل إذا كثر ضعف تأثير الفاعل فيه و جلاؤها من الوسخ لما قلنا. و انما احتيج في الأول إلى التجفيف لأنه رطوبة رقيقة تتنشف بالمجففات و تتحلل بالتحلل الخفى، و فى الثانى إلى الجلاء لأنه لغلظه يحتاج إلى ما يجرده عن سطح العضو اللذين يتولّدان في القرحة من الغذاء الصائر إليها لضعف العضو عن هضمه فيصير أكثره فضلا فيه و عن دفع فضلاته و الفضلات

ص: 553

المنجلبة إليه من الأعضاء الأخر أيضا فيتغير رقيقه و يصير صديدا و غليظه و سخا و هو شى ء خاثر جامد أبيض إن كان نضيجا أو إلى السواد كالدردى و ان لم يكن نضيجا.

و قد يكفى في تجفيف القروح و جلائها إذا كانت الرطوبة قليلة غسلها بالخلّ و الشراب و ماء العسل و حشوها بالقطن الخلّق فإنه ينشف الرطوبة المتولدة فيها يوما فيوما و يجلو الوضر و يأكله(1) و تنقّى القرحة منه فتندمل هي بنفسها و لا يحتاج إلى شى ء آخر من المدملات سوى أن توضع عليها قطنة خلقة مدّهنة بدهن ورد ليكسر تجفيف القطن، لأن مثل هذه القرحة متى استعمل فيها المجفف القوى جفف الرطوبة الاصلية و منع بذلك من انبات اللحم و يصغر مقدار القطنة كل يوم حتى تجف القرحة و يصلب لحمها و ربما احتاجت إلى مراهم جالية مجففة حيث كانت كبيرة كثيرة الرطوبة و الوضر لتقوى على إفناء هذه الرطوبة بمنزلة المرهم المتخذ من المردارسنج و العروق المربى بالخلّ و الزيت فإن الزيت يصلح كيفية تلك الادوية و يمنعها من تجفيف الرطوبات الاصلية، لكنه يرطّب القرحة و يرخيها إذا استعمل مفردا، فكل واحد منها يضرّ بالقرحة و المجموع يتمّ به الغرض المقصود و مثل هذا المرهم المذكور إذا زيد فيه المجففات مثل العفص و الجلنار و الشب و القليميا و ورق السوسن و يسير من الزنجار إذا كانت الجراحة المتقيّحة فى أبدان صلبة كأبدان الاكره و الفلاحين و غيرهم من ارباب الكد ليردها من السخافة و الرخاوة التى عرضت لها إلى حالتها الأولى من التجفيف و التصليب.

و إن كان للجراحة غور، فتحتاج بعد التجفيف البالغ بسبب أن رطوبتها لا تسيل منها بسهولة كما في القروح المستوية بل تنصبّ إلى الفضاء الذى في غورها و تجتمع فيه و قد يبلغ إلى حد تعجز المجففات عن تجفيفها فيحتاج إلى شقّ أسفل العضو عند نهاية الغور ليسيل منه إلى الذرورات و المراهم الملحمة و هى التى تلصق أحد سطحى القرحة بالآخر بتغريتها و لزوجتها مثل الذرور المتخذ من الصبر و المر و الكندر و دم الاخوين و المراهم المتخذة بالمردارسنج إذا طبخ معه ثلاثة أضعافه زيت و ينشر عليه بعد أن يسخّن قليل من الانزروت و دم

ص: 554


1- 520. ( 1).[ خ. ل: بالكلية].

الاخوين و القنة و الكندر و الزفت. فإن كان للقرحة فم ضيق، تدخل فيه المراهم بالفتل ليصل الدواء إلى قعرها و ينقّيها و ينبت اللحم فيها و يحفظ أن لا يلتحم الفم و الغور باق بعد فيجتمع فيه صديد و وضر و يحتاج إلى البطّ و اخراج ما فيه و ذلك بأن يوضع على فمها قطنة مدّهنة حتى ينبت فيه اللحم من القعر و صار مساويا لسطح الجلد، فإن القطن مع ما ينشف الرطوبة يحول بين شفيتها فلا تنضمّ.

ص: 555

الفصل الثانى: في القروح العسرة الاندمال

و أما القروح العسرة الاندمال، و الخيرونية بالخاء المعجمة المكسورة من جملتها، و هى ما كانت في غاية الفساد و البعد عن الاندمال قال «جالينوس» في «شروح الفصول»: هذه القرحة منسوبة إلى أول من يذكر أنها حدثت على بدنه و هو «خيرون» الطبيب. و ذكر فى كتاب «حيلة البرء» أن بعض القروح سيمت باسم مشتق من اسم المداوى الأول و هى القرحة المسماة خيرونا. و لا منافاة بين القولين إذ يمكن أن يكون ذلك الطبيب مع اشتهاره بأنه أول من حدثت به مشهورا أيضا بالانجاح في معالجتها و أنه المداوى الأول لها فعسر برئها يكون:

إما لقلة الدم في البدن؛ لأنه هو المادة التى تصلح أن يتكون منها العضو الذاهب و يلتحم، فإن لكل شى ء جسمانى فاعلا و قابلا و الفاعل هاهنا هو القوى البدنية، و القابل الدم الصالح، و لذلك يعسر اندمال القروح في الأعضاء غير اللحمية و فى أبدان المشايخ.

و علامتها: أن تكون القرحة و ما حولها قليلة الحمرة سليمة من الورم يابسة ضامرة و البدن منهوكا قليلا الدم.

و علاجها: الدلك أى: دلك العضو المتقرّح، لانجذاب الدم إليه و التكميد بخرقة مبلولة بالماء الحارّ ليجذب الدم إليه بحرارته من غير تجفيف كالملح و النخالة و لا ترطيب مفرط تكثر الصديد و يؤنث اللحم و يوجب اللذع كما يوجبه انصباب الماء الحارّ عليها و لذلك لا ينبغى أن يبالغ عليه بل يمسك عنه إذا حمى

ص: 556

العضو و انتفخ، و لا أن يكون حارّا جدا لأنه يحلل أكثر ما يجذب خصوصا إذا طال زمان استعماله و تغليظ تدبير العليل ليتولّد منه دم كثير متين لا يتحلل بسرعة و استعمال المرهم الأسود المتخذ من الزيت و الزفت و الراتينج و السكر و مخ ساق البقر، فإنه يجذب الدم و ينبت اللحم.

و إما لرداءة الدم في البدن حتى أن ما يأتى القرحة من الدم لا يستحيل لحما لعدم صلاحيته لذلك بل يستحيل و ضرا لعجز قوة العضو عن اصلاحه.

و علامتها: رداءة اللون و السحنة إما إلى بياض رصاصى أو صفرة إن كان السبب فيه فساد مزاج الكبد فإن فساد مزاجه إما أن يكون إلى البرودة فيكون اللون أبيض لكثرة تولد الرطوبات البلغمية، و إما أن يكون إلى الحرارة فيكون أصفر لكثرة تولد الصفراء أو إلى سواد و نمش إن كان السبب فيه فساد مزاج الطحال فلا يجذب السوداء من الكبد فتختلط مع الدم إلى سائر البدن.

و علاجها: اخراج الدم الردى ء و الخلّط الفاسد من البدن بالفصد و الاسهال و اصلاح مزاج الكبد و الطحال و إما لضعف قوة العضو و عدم تصرفه فيما يرد عليه من الغذاء على ما ينبغى.

و إما لسوء مزاج حارّ(1) في البدن الأولى(2) أن يقول: في العضو.

و علامته: حمرة الموضع و تلهبه و الوجع الشديد.

و علاجه: الفصد من العرق الموافق لذلك العضو المتقرّح و اخراج الدم بحسب الواجب و استعمال التدبير المبرّد المفطئ و المرهم البارد مثل مرهم الاسفيداج و المرهم المتخذ من الخلّ و المردارسنج و العروق لزيادة التجفيف و استعمال طلاء النرد على حوالى القرحة و استعمال الصندل المسحوق اليابس على الرفادة.

ص: 557


1- 521. ( 1).[ فانه يوجب كثرة تولد الصديد أو اليبس في القرحة و لا يخفى أنهما مانع عن الالتحام].
2- 522. ( 2). وجه الأولوية قوله الآتى« حمرة الموضع[ و] تلهبه»؛ لأنه لو كان سوء المزاج الحارّ في جميع البدن، احمرّ و ألهب و قوله« لضعف قوة العضو» فانه لو كان سوء المزاج في جميع البدن لا اختص بقوة عضو واحد بل يعمّ الضعف و يستوى جميع الأعضاء و لا يقبل أن يضعف قوى أكثر الأعضاء. و أما إنه لم قال« الأولى» و لم يقل« الصواب»، فإن الموضع ايضا جزء من البدن و قد يطلق الكل على الجزء مجازا.

و اما لسوء مزاج بارد(1)، و علامته: كمودة اللون لقلة الدم المشرق و لجموده و قلة الحرارة.

و علاجه: تسخين المزاج بالاغذية الحارّة كماء اللحم بالتوابل و أخذ الزبيب و التين اليابس و تكميد العضو بالماء الحارّ و استعمال مرهم الباسليقون المتخذ من الزفت و الراتينج و القنة مع الشمع و الزيت و المرهم الاسود المعمول من المردارسنج المغلى بالزيت إلى حد السواد و من الكندر و دم الاخوين و الانزروت.

و إما لسوء مزاج رطب(2). و علامته: أن تكون القرحة كثيرة الرطوبة و الصديد، رخوة اللحم.

و علاجه: تنقية البدن بالهليلج فإنه مع ما يسهل يجفف الرطوبة و كذلك التربد و التغذّى بالاغذية الناشفة مثل الطياهيج المشوية و المطبوخة و استعمال المراهم القوية التجفيف المتخذة من الجلنار و العفص و العروق و النحاس المحرق و الاسرنج و الشب و القليميا مخلوطة كلها بالمردارسنج المربى بالخلّ و الزيت.

و إما لسوء مزاج يابس(3). و علامته: أن تكون القرحة يابسة قحلة ناشفة.

و علاجه: أن تكمد القرحة بالماء الفاتر و دهن البنفسج و يغذى صاحبها بالأغذية المرطّبة كالحسو و الأمراق الدسمة و البيض النيمبرشت و يداوى القرحة بالأدوية القليلة التجفيف بمنزلة الدواء المعمول بدقيق الشعير و دقيق الكرسنة.

و إما لأن على شفة القرحة أو في داخلها لحما صلبا يمنع من انضمام طرفيها و يتبين ذلك عند الجس إذا كان على فمها أو على قرب منها أو عند ما يحس بطرف «المجس» إذا كان في غورها.

و علاجه: أن تحك برأس «المجس» حتى تفنى أو تقطع بالحديد إن كانت صلبة غليظة أو تفنى بالدواء الحادّ و الأكال مثل الفلدفيون و الديك برديك إن

ص: 558


1- 523. ( 1). فإن البرد يضعف القوى يمنعها عن التدبير و التصرف الواجب.
2- 524. ( 2).[ فإنه مانع عن الالتحام لأنه إنما يتم بالتجفيف المعتدل].
3- 525. ( 3). مانع عن الالتحام فإنه يتمّ بالترطيب المعتدل.

كان في غورها بحيث لا تصل إليه الآلة ثم تعالج القرحة بالمراهم المنبتة للحم.

و إما لأن في قعر القرحة عظما عفنا فاسدا فإنه بسبب ما تسيل منه دائما رطوبات صديدية تمنع القرحة عن الاندمال و تضعف العضو عن استعمال غذائه على ما ينبغى فيستحيل فيه إلى الصديد أيضا.

و علامته: أن يندمل احيانا لصحة اللحم الذى حولها ثم ينكشف و يعاود بسبب الصديد الذى يجتمع فيه فيتقيح ذلك اللحم الحديث لما يرم من الصديد النافذ فيه و يسيل منه صديد رقيق منتن لعفونة العظم و اللحم القريب المجاور له و إذا دخل رأس «المجس» في الجراحة نفذ بسهولة و وصل إلى العظم لترهل اللحم و استرخائه و أخذ طريق الفساد و ربما أحسّ بخشخشة العظم عند وصول رأس «المجس» إليه بسبب فساد الغشاء المحيط به و تبرئه عنه.

و علاجه: أن يبطّ الموضع حتى ينتهى إلى العظم أو يوضع عليه الدواء الحادّ حتى يأكل اللحم الميت و السمن المفتر بعد ما صار الموضع من الدواء الحادّ كالخشكريشة أو كاللحم الرخو حتى يسقط اللحم الردى ء المحرق، و ينكشف آخر العظم فيحكّ العظم حتى تسقط القشور الفاسدة منه و يبلغ إلى الصحيح إذا لم يسر الفساد في جميعه أو ينشر ب «منشار» دقيق حادّ في الغاية ك «منشار» المشّاطين أو يقطع بأن يثقب ثقوبا متوالية متصلة بعضها ببعض يحيط بجميع جوانبه ثم يقطع ما بين الثقوب بحديدة حادّة و يخرج على نحو ما يرى من كثرة فساده و تغير لونه ثم يعالج بالذرور المنبت المعمول من المر و الصبر و الكندر.

و إما لأن القرحة عفنة خبيثة تفسد الدم الذى يأتيها باختلاط الرطوبات الصديدية الفاسدة التى يسيل منها فلا يتولّد منه العضو.

و علامتها: اسوداد القرحة لما يضعف الحارّ الغريزى الذى في العضو، لفساد المادة الحاملة للروح و استحالتها فيه إلى كيفية خبيثة، فيستولى الحارّ الغريب عليه و يعفنه و يفسده و توسعها لسريان الفساد و العفونة منها إلى ما يجاورها.

و علاجها: أن يضمد بأطراف الهندباء و ورق الخطمى و عنب الثعلب و شى ء من السمن و دهن البنفسج حتى يترهل اللحم الفاسد و يسقط مع تسكين المزاج و تنقية البدن من الخلّط الردى ء فإن كان في القرحة لذع و حرارة و رشح

ص: 559

ماء أصفر و لون ما حوله يضرب إلى الصفرة، فالدم الذى يأتيها مرارى حادّ، و ان كان ما حوله مائلا إلى السواد و الصلابة و لم يكن ملمسها شديد الحرارة فالدم سوداوى، و إن كان مائلا إلى البياض فالدم بلغمى مالح، فيستفرغ كل على حسب الواجب ثم بعد سقوط اللحم الفاسد يداوى بمرهم الزنجار و السمن حتى ينظفها بالكلية من الاجزاء الفاسدة التى بقيت في حدود السواد و يبلغ إلى اللحم الأحمر الصحيح ثم بالمراهم المنبتة.

و إما لأن لحمها رهل ردى ء من كثرة الرطوبة و الوسخ لا من العفونة و الفساد كما ابدان المستسقين.

و تعالج: بأن يفنى ذلك اللحم بالدواء و السمن حتى يفضى إلى اللحم الصحيح المتين ثم يدمل.

و إما لأن فوقها دوال- أى: عروق كبار- تسقيها و ترطبها على الدوام و لا تدعها تندمل.

و علاجها: الفصد و الاسهال بطبيخ الأفتيمون، و تعديل الغذاء ثم فصد الدوالى ليسيل دمها و ينقطع عن القرحة ترطيبها، و انما يؤخر فصد الدوالى لما يعرض من تعرضها أولا عند امتلاء البدن ما هو شرّ من القرحة.

و إما لعدم موافقة الادوية و المراهم التى يعالج بها، و ذلك:

إما أن يسخّنها فضل اسخان فيجلب إليها مادة كثيرة و لا يقدر العضو على التصرف فيها و آية ذلك أن تزيدها حمرة و التهابا و ورما، فينبغى أن يستعمل فيها المراهم الباردة.

و إما أن يبرّدها فضل تبريد فتضعف القوى و تتبلّد و لا يجذب الغذاء و لا يتصرف فيها و آية ذلك أن تبرد و تميل إلى كمودة و سواد و صلابة لجمود الدم و ينبغى أن تعالج بالمرهم الاسود فإنه يسخّن و يجذب الغذاء.

و إما ان يقصر عما يجب من جلائها، و آية ذلك أن تكون و ضرة و سخة قد لصقت بها لحوم رديئة رهلة لكثرة الفضول الغليظة البالة و يعالج حينئذ بالمراهم القوية التنقية كالمرهم الأخضر المعمول من الزنجار و العسل و نحوه.

و إما أن يقصر عما يجب من تجفيفها، و آية ذلك أن تكون رطبة رهلة كثيرة الصديد. فتعالج بالمراهم المدملة القوية القبض المتخذة بالجلنار و العفص.

ص: 560

و إما لأنها تلذعها بحدّتها و جلائها و يفنى لحمها بأن تذيبه و تحلله إلى رطوبة رقيقة سائلة كالصديد، و كثيرا مّا يحسبه الجهال صديدا فيزيدون في قوة الجلاء، و الفرق بينهما أنه إذا كان أصفر مختلطا بالوسخ الغليظ فليس من إذابة اللحم و إن كان رقيقا أحمر مع وجع و لذع فهو من الذوبان و آية ذلك أن يكون الوجع و الورم و الحرارة زائدة و القرحة كل يوم أوسع، فينبغى أن يشتغل بالمراهم اللينة التى لا يكون فيها حدّة و لا لذع.

و إما لأن تنصبّ و تسيل إليها مواد و فضول بسبب امتلاء البدن منها و تسمى القرحة الوضرة لكثرة وضرها.

و علامتها: كثرة الرطوبة فيها و سيلانها منها.

و علاجها: أن ينقى البدن أولا بمطبوخ الهليلج و يلطف الغذاء ثم تعالج القرحة بأدوية قوية التجفيف.

الناصور من جملة القروح العسرة الاندمال، و هو من القروح المتقادمة التى تجاوزت عن الأربعين من وقت الانفجار ما كان له غور عميق و فمه ضيق و قعره واسع و فيه لحم صلب أبيض على جوانبه و لا يكون معه كثير وجع و تسيل منه رطوبة دائما و ربما ينقطع أحيانا و يصير يابسا قحلا و ربما يلتحم فمه و ينسدّ ثم يتقيّح؛ لأن اللحم إنما ينبت فيه قبل التنقية فلمّا احتبس فيه فضل غير نقى فسدّ الاتصال الحادّث ثانيا و ربما ينتهى إلى عظم و يحس بصلابتها عند ادخال «المجس» و تكون الرطوبات السائلة منه رقيقة لطيفة مائلة إلى الصفرة و إلى عصب و يحس بوجع شديد عند ادخال «المجس» و تكون الرطوبات رقيقة لطيفة كما في العظمية، لكنها تكون أميل إلى البياض و إلى رباط و تكون الرطوبات السائلة منه رقيقة بيضاء و لا يحسّ بوجع و لا صلابة شديدة كالعظمى و إلى وريد و يكون السائل دما غليظا كثيرا و إلى شريان و يكون السائل دما اشقرا حادّا رقيقا، و إلى لحم و يكون السائل رطوبة غليظة لزجة حمراء كدرة و إلى اعضاء شريفة كالعين في الغرب و الغشاء في ناصور الصدر كما حكاه «جالينوس» فيفسدها أى:

يفسد الناصور هذه الأعضاء التى ينتهى إليها بالعفونة و تجويفه قد يكون مستويا و قد يكون معوجا أى مائلا إلى جانب بحيث لا يدخل فيه «المنشار» و «الميل» و ربما كانت له افواه كثيرة و يستدل عليه بان الرطوبات السائلة منها تكون على لون

ص: 561

واحد لأنها تنتهى إلى أصل واحد بخلاف ما إذا كانت النواصير متعددة، فإن الرطوبات السائلة منه تكون على ألوان مختلفة، لأنها تنتهى إلى اصول متعددة.

و علاجه: أن يغسل بماء ورد قد نقع فيه رماد الكرم فإنه يتجفف الصديد و ينظف الوسخ أو بماء البحر و ماء الصابون فإنهما يجلوان و ينظفان مخلوطا بهما زرنيخ و نوشادر لتنقية الصديد و الوسخ و قلع اللحم الفاسد و يكبس القطن الخلّق مبلولا بشراب ملوثا بالذرور الأصفر المتخذ من الانزروت و الصبر و المر و دم الأخوين و الكندر و الأفيون و الزعفران فإن لم تنجع هذه فينبغى أن يبطّ و يفنى اللحم الردى ء من الجوانب بالحديد أو بالدواء الحادّ ثم يدمل، و ذلك صعب جدا خصوصا إذا كان في جوار عصب أو عضو شريف.

و منها: القروح الساعية. و هى قروح ملس أى غير متحبّبة و لا ذات خشكريشة كبار ترشح دائما رطوبة صديدية حادّة تحرق و يعفن ما أصابه من الجلد الصحيح و تكون معها حمى بسبب العفونة. و سببها: رطوبة قد عفنت و احتدّت و تنمّست.

و علاجها: بعد الفصد و الاستفراغ أن تطلى بدرديّ الخمر مرارا؛ لأن هذه القرحة رشّاحة جدا لا تقبل أثر الدواء قبل أن يطلى بدرديّ الخمر؛ لأنه يجفف الرطوبات تجفيفا بالغا و يسكّن احتدادها و يزيل عفونتها ثم تطلى بالتوتيا و المرتك و القرطاس المحرق و إقليميا الفضة و تراب النحاس الذى يقوم عليه عند الذوب و يعلوه بعد السبك(1) كالرماد و يستعمله الزجاجون، فإنه يكتسب من النحاس و من الاحتراق زيادة قبض و تجفيف و تنقية و ادمال للقروح و منع لها من الانتشار و تراب بوتقة النحاس أى: الكوز الذى يسبك فيه النحاس، لما ذكر و الماميران معجونة بالخلّ.

و جنس من القروح يعرف بالقروح التى تحدث عن الاحتراقات لأنها تنفجر عن احتراقات كأنها أثر الكى.

حدوثها يكون عن دم محترق سوداوى كثير الرطوبة قليل السوداوية قليل الألم تدفعه الطبيعة إلى ظاهر البدن فيحرق الجلد و يكويه.

و علامتها: أن تحدث أولا بثور كبار؛ لأن الدم مع كثرته في البدن لا يخلو عن

ص: 562


1- 526. ( 1). أي: الإذابة.

غلظ فلا ينبسط تحت الجلد و لا يتفرق فيه حتى تحدث عنها بثور صغار ثم تتقيّح و تنبسط لخبثها و فسادها و افساد ما يجاورها و تنفجر و تصير خشكريشة سوداء و رمادى اللون مثل خشكريشة الكيّ، و ذلك لشدة حرارة المادة و احتراقها و غلظها و أكثر ما تحدث فى الوجه لأنها لشدة حرارتها تتصاعد إليه.

و علاجها: الفصد و تنقية البدن بمطبوخ الأفتيمون و الغاريقون و ماء الجبن، مع سفوف ينظف السوداء مثل السفوف المتخذ من الهليلج الكابلى و الأسود و الأفتيمون و الأسطوخودوس و البسفايج و لسان الثور و الملح الهندى و ارسال العلق بعد التنقية حتى تمصّ الدم المحرق من نفس العضو، ثم يطلى الموضع بالمرهم الأحمر المعمول من المردارسنج و العروق و الخلّ و الزيت.

و قد تحدث في جلدة الرأس قروح مؤلمة جدا تمنع القرار و هى في الابتداء تكون بثورا حمراء مفرطحة مؤلمة.

و سببها: بخارات دموية غليظة محترقة(1) تسكن تحت الحجاب الذى على القحف و لا تخرج عنه بسهولة لغلظها و لكثافة الحجاب يحرق الحجاب و يكويه عند الخروج منه لغلبة ناريتها فيؤلم ألما مفرطا.

و علاجها: التضميد بالاشياء الملينة للجلد ليسهل اندفاع تلك الابخرة الغليظة عنه كأطراف الهندباء المدقوق المقلى بالشيرج و قد طرح عليها يسير من دقيق الشعير و الخطمى و أن تداوى بعد ذلك أى: عند تسكين الوجع بالمرهم الكافورى للتبريد و اندمال القرحة.

ص: 563


1- 527. ( 1). و الأول ناظر الى الحمرة و الثانية الى التفرطح و الثالث الى الإيلام.

ص: 564

الباب الثامن و العشرون: في السقطة و الضربة

ص: 565

ص: 566

[الباب الثامن و العشرون]: في السقطة و الضربة

إذا حدثت سقطة أو ضربة و لم يحدث معها شى ء من تفرق الاتصال و نزف الدم و غير ذلك، فيكفى في علاجها أن يضمد العضو الذى وقعت عليه السقطة أو الضربة بما يشدّه ليمنع انصباب المواد إليه، فإن هذا العضو قد عرضت له امور أوجبت انصباب المواد إليه: أحدها، ضعفه. و ثانيها، أن الطبيعة ترسل إليه المواد للاصلاح فإذا وصلت إليه فسدت فيه إما لعجزه عن هضمها و التصرف فيها على ما ينبغى، أو لاختلاطها بالمواد الفاسدة التى فيه. و ثالثها، ما حصل فيه من سوء المزاج الحارّ بسبب توجه الطبيعة مع الدم و الروح إليه لمقاومة الألم و الحرارة جذابة للمواد. و رابعها، الألم المبرح الذى حصل فيه مثل المغاث و الطين الأرمنى و الاقاقيا و ورق السرو و الصبر و الماش المقشّر معجونة بماء الآس.

فإن حدث معها ورم حارّ أو حمى حادّة يومية بسبب الألم أو عفنية بسبب الورم الحارّ، فليضمد بالورد الأحمر و العدس المقشّر و الطين الأرمنى و الماميثا و الصندل و الفوفل فإنها تبرد و تمنع انصباب المواد إليه و الأجود أن يفصد العليل لاستفراغ المواد و إمالتها عن العضو العليل إلى جهة اخرى و يلطّف تدبيره ليقل تولد الدم في البدن فيقل قسط العضو العليل، و لئلا تشتغل الطبيعة بهضمه عن مقاومة المرض و يغذى بالماش و الأرز و الحمص و العدس و يسقى شيئا من الموميائى الخالص فانه يصلح الكسر و الوهن و الخلّع و يسكّن

ص: 567

الأوجاع الحادّثة منها بخاصية فيه و هو مجرب ذلك. و أفضل انواعه ما يكون بكهف جبل من جبال قرية يقال لها مادة بايان من قرى «فسار» «دارابجرد»، من اعمال «فارس» يترشح من عين فيه في كل سنة قريبا من ثلاثين مثقالا إلى ستين بحسب قلّة المطر و كثرته و هو عزيز الوجود جدا يفتخر به ملوك العجم كما يفتخر ملوك الروم بالطين المختوم و ملوك الصين بالراوند و ملوك الهند بالهليلج، و له أنواع أخر توجد في مواضع كثيرة ب «فارس» و «صنعاء اليمن» و سائر النواحى، لكن ليس لها هذا الشرف و الخاصية التى للدارابجردى. و يكون منه نوع قبورى يوجد بمصر و هو خلط كانت الروم تلطخ به موتاهم في الأزمان السالفة فيحفظ أجسادهم بحالها لا تتغير و هو أيضا عزيز الوجود مجرب فيما ذكر أو يؤخذ الريوند و فوة الصبغ و اللك المنقى و الطين المختوم و يسقى في نقيع الحمص فإنها تشدّ الأعضاء و تقويها فلا يقبل المواد.

فإن وقعت السقطة و الضربة على الرأس فينبغى أن تلين الطبيعة لتميل المواد من الأعالى إلى الأسافل و تندفع بعد الفصد بحقنة فإنها تجذب الفضول من الأعالى إلى الأسافل من غير غائلة ليّنة لأن الحادّة تهيّج الأخلاط و تثورها و تسخن الكبد و تعفن الأخلاط الحاصلة هناك و تورث الحمى، لأن الادوية الحادّة التى فيها تنفذ إلى الكبد من غير انكسار عاديتها بفعل المعدة و بماء الفواكه لأن المقصود من الاستفراغ هنا استفراغ المواد التى يخاف أن تتصاعد إلى الرأس و توجب الورم فيه و هى المواد الحارّة اللطيفة الصفراوية و يوضع على الرأس خل خمر مضروب بدهن ورد و ماء ورد فإنه يسكّن الوجع و يقوى الرأس و يبرّده و يدفع المواد المتوجهة إليه و يضمد بورق الآس و الجلنار و قشور الرمان مطبوخة بماء الورد و الخلّ مع قليل من عود و سك و شراب و قصب الذريرة فإنها تصلّب اعضاء الرأس و تقويها و تمنعها عن قبول المواد و يعطى من أدمعة الدجاج فإنها مع ما تغذى تقوى الدماغ و تقطع النزف العارض من حجبه بعد اليوم الثالث.

و إن وقعت على الصدر و البطن و حدث نفث الدم و نزفه بسبب انشقاق عرق فليعط كهربا و جلنار و طين ارمنى و دم الاخوين في نقيع العدس، مع قليل افيون لأنه يغلظ الدم و يجفف القروح و يسكّن الاوجاع.

ص: 568

و إن وقعت على العضل و عرض لها الفسخ و هو عبارة عن تفرق اتصال يعرض وسط العضل؛ سواء كان في طوله أو في عرضه؛ قلّ تمدده أو كثر فيضمد في الأول بما ذكر من الرادعات لئلا ينصبّ إليه دم كثير و يتورّم و يؤدّى إلى التعفن و فساد العضو لأنه قلّما يتحلل منه- لضيق منافسه بالضغط الواقع من الفاسخ خارجا و بالضغط الواقع من الورم داخلا- و عرضت(1) للدم أن غلظ و جمد فيه لاختناق الحارّ الغريزى بسبب عدم الترويح و لقلة حرارة العضو لكثرة الاجزاء العصبية و الرباطية فيه و لفقد الدم الطبيعة العرقية الحافظة عن الجمود ثم بما يحلل الدم الميت المحتقن في خلل الليف لئلا تحدث الآفات المذكورة و لا يمنع العضو عن عوده إلى الاتصال الطبيعى الذى له مثل: النطول المحلّل المعمول من البابونج و الإكليل و بذر الكتان و الزوفا اليابس و ورق الخطمى و الفوتنج و المرزنجوش و الضماد المتخذ من دقيق الشعير و الزوفا الرطب و مثل الفوتنج الجبلى بسويق الشعير.

و إن وقعت على العصب و عرض لها رضّ أى: تباعد في بعض اجزائها عن بعض، فيضمد بما يسكّن الوجع لئلا تنجذب إليه المواد بسبب الوجع فإنه عضو حساس شديد التوجيع و بما يرخى و يحلل معا، بعد انصباب شى ء من المواد إليه؛ أما المحلّل فلئلا تبقى فيه المواد المنصبّة إليه فيتعفّن و يعفّن، و أما المرخى فلئلا يتحجر الكثيف الباقى من المادة بعد تحليل لطيفها بالمحلّل فيحدث منه التشنج بل يسترخى و يلين و يستعد لأن يتحلل منه ذلك الباقى بسهولة، و لأن العصب عضو غائر وراء الجلد لا يصل إليه أثر الدواء بسرعة فيجب أن يخلط بالمحلّلات المرخيات حتى تنفذ قوتها إليه مثل الخطمى و نحوه و يمرخ بالأدهان الحارّة مثل دهن الشبت و دهن الأقحوان.

و إن وقعت على مفصل و عرض له وهن و هو عبارة عن أذى يلحق بما يحيط بالمفصل من اللحم و غيره من غير انزعاج و وثى و هو انزعاج العضو و زواله عن موضعه زوالا غير تام، أى: من غير انخلاع فيمسح بدهن ورد و ينشر عليه آس مسحوق و يشد شدا غير موجع و لا مسترخى غير ضابط أو توضع عليه الإلية و التمر و يشدّ فإنها تزيل الصلابة و تذهب الإعياء.

ص: 569


1- 528. ( 1).[ للحالية، و الصحيح حينئذ أن يقول: و قد عرضت].

و إن حدث منها إلتواء العصب و صلابته بسبب مادة غليظة تنصبّ إليه و هو لا يقوى لضعفه على دفعها و ازالتها بالكلية فتحتبس فيه و يتحلل لطيفها و يبقى كثيفها و تزداد كثافته بسبب برد مزاج العصب و ضيق منافسه و كثرة حركته فيعرض منه تشنج و التواء فيه يمنع الانعطاف بسهولة فيضمد بالدياخليون أو بالمقل المداف بالماء و اصل الخطمى أو بذر المرو و الميفختح أو بالاشق و القنة و الفرفيون بدردى الزيت على حسب قوة الصلابة و خفتها.

و أما المضروب بالسياط فينبغى أن تكبس اعضاؤه باليد أو يداس(1) بالرجل لتعود الاجزاء اللحمية التى خرجت بالضرب من مواقعها إليها ثم توضع عليها خرق كتان مبرّدة ليمنع انصباب المواد إليها و تبدل متى فترت، أو يطلى بمرهم الاسفيداج فإنه يسكّن الوجع و يبرّد العضو و يشدها و الاجود أن تؤخذ جلد الشاة ساعة تسلخ و توضع على موضع الضرب فإنه يلتصق عليه بلزوجته و غرويته و ينضج الدم المتوجه إليه و يحلله بالتليين و التسخين العرضى، و يبرّد العضو تبريدا يسيرا ببرد مزاجه العصبى و يسكّن الألم بالتليين. قال «جالينوس» في الحادّية عشر من مفرداته: إن أخذ جلد الكبش من ساعته حين يسلخ فيوضع على موضع الضرب ممن يجلد كان نفعه أكثر من كل شى ء حتى أنه يبرأ أثر الضرب في يوم و ليلة و ذلك لأنه ينضج و يحلل مواضع الضرب الممتلئة دما و إن احتقن الدم تحت الجلد و مات فيه، فينبغى أن يضمد بلب الخبز مع الفجل فإن لب الخبز يجذب من عمق البدن و يحلل لما فيه من الخمير و الملح، و يلين الأورام و يبرّد تبريدا ليّنا و إن الفجل يجلو و يلطف و يحلل و لذلك ينفع من النمش و الآثار الكمدة.

ص: 570


1- 529. ( 1).[ أى: يرضّ].

الباب التاسع و العشرون: في الكسر و الخلّع و الوثى و الوهى

الكسر: هو تفرق اتصال خاص بالعظم الواحد بأن ينقسم إلى جزءين أو إلى اجزاء كبار و هو يعرف بحاسة البصر إذا كان عظيما متبرئا كل جزء عضو من ملاصقه حتى يدخل بعض اجزائه إلى داخل و يخرج بعضها إلى خارج فيظهر في العضو احديداب في جانب و تقصع أى: تقعر في آخر و يعرف بحاسة اللمس عند إمرار اليد عليه إذا لم يكن الكسر عظيما متبرئا فيوجد فيه عند الجسّ مواضع مختلفة في الارتفاع و الانخفاض و ربما سمعت منه خشخشة عظيمة عند الجس أو تحريك العضو.

و علاجه: أما في أول الأمر فمدّ العضو بمقدار ما ينبغى، فإن الزيادة فيه تشنج و تؤلم و النقصان منه يمنع جودة الالتئام و تقويمه على محاذاة العظم الذى هو نظيره، لئلا ينجبر معوجا مخالفا للهيئة الطبيعية و تسوية العظم و ردّ كل جزء منه إلى موضعه، لأن الشظايا إذا لم تنهدم حالت بين العظم و الانجبار بأرفق ما يمكن و أقل ايجاعا لئلا تحدث من الوجع أورام و حميات و شده بعد ذلك برباط متوسط في الشدة لأن الربط الشديد يجعل العضو ضيق المسامّ و المجارى غير قابل للغذاء و كثيرا مّا يؤدّى عند إبطاء الحلّ إلى موت العضو و تعفّنه و يضطرّ حينئذ إلى قطعه و ذلك بسبب انضغاط مجارى الروح و امتناعه عن النفوذ في العضو و الرخاوة لأن الرخو لا يحفظ المجبور و لا يضبطه حتى ينجبر على الشكل

ص: 571

الطبيعى و لا يمنع أيضا الرطوبة المتوجهة إليه و لا يدفع المنصبّة إليه من المواضع البعيدة منه مبتدئا من نفس الكسر متوجها إلى أعالى العضو بعد أن يكون أشدّ الغاية على موضع الكسر لأنه هو المقصود بالضبط ثم برباط آخر مبتدئا أيضا من موضع الألم إلى الكسر متوجها إلى أسفل بعد ثلاثة لفات أو أربع.

و ليكن حاله في شدة الابتداء و سلامة الانتهاء حال الرباط الأول الذى يتوجه به إلى الأعالى ثم تسوية الموضع بالرفائد أى: برفائد أخرى، تلقم الفرج الواقعة بين طاقات الرباطين لئلا يكون فيها موضع مرتفع و موضع منخفض فلا يلزم الجبائر عليها لزوما جيدا، و لتدور أيضا على الرباطين و يسويهما تسوية ثانية فلا يكون الربط في موضع أشدّ و فى موضع أرخى ثم وضع الجبائر فوقها و شدها بعد ذلك، ثم فصد العليل و اسهاله بشى ء ليّن و استعمال التدبير الملطف و تغذيته بالمزورات المتخذة بالفراريج ليؤمن بذلك كله حدوث الورم، و سقيه الطين الأرمنى مثقالا فإنه ينفع في كسر العظام بلزوجته و تمتينه و تجفيفه بالجلاب و الموميائى الفارسى.

و ينبغى أن لا يحلّ الرباط لئلا يتزعزع العضو و لا ينزعج بعد التقويم و التسوية الّا بعد يومين أو ثلاثة ايام لينقّى العضو و الرباط من الرطوبات الرقيقة المؤذية و الأوساخ و لئلا ينضجر العليل، و ليطلع على حال اللحم من التغير و غيره اللهم الّا أن يحدث وجع شديد و يحمرّ ما دون الرباط فيحلّ و ينقص من شدته فإن شدّة الشدّ يزيد في الوجع و هو يوجب الورم أو تعرض فيه حكّة مؤذية لا يصبر عليها العليل فيحلّ و يصبّ عليه ماء حارّ مستلذّ غير مفرط الحرارة حتى تسكن الحكة بتحليله الرطوبات اللذاعة و يترك مكشوفا حتى يستريح العليل ساعة ثم يشدّ بعد أن تغمس العصائب في ماء ورد و دهن ورد و خل فإنها تقوى العضو و تمنع انصباب الفضلات اللذاعة إليه.

فإذا مضت أيام و لم يحل و لم يحدث ورم و لم تبق في العضو حرارة، فينبغى أن يشدّ الرباط أشدّ مما كان في الأول لأنه أضبط للمجبور من أن يزول و أحفظ للزوم العظم، مع حصول الأمن في هذا الوقت من الحكة و الورم و لا يحلّ إلّا في كل أربعة أيام أو خمسة فصاعدا و أولى الأوقات بمراعات الربط على الوجه المذكور بعد العشر و نواحى العشرين، لأنه وقت ابتداء تولد الدشبد و يوضع

ص: 572

عليه ضماد الجبر المتخذ بالعدس (و المغاث)(1) و الطين الأرمنى و أقاقيا و ماء الآس و يغلظ التدبير و يعطى من الاغذية التى لها متانة و فيها لزوجة مثل الرؤوس و الاكارع و بطون البقر و البيض و الأرز و الهرائس ليتولّد منها دم غليظ متين لزج فيتولّد منه دشبد لدن(2) قوى غير يابس ضعيف ينكسر بسهولة و فى آخر الأمر و عند انعقاد الدشبذ عليه ينبغى أن يرخى الرباط قليلا لئلا يضغط الشدّ الشديد الدشبد و يمنعه من التكون مطلقا أو من التكون بمقدار كاف، و لئلا يسد مجارى الغذاء و يمنع وصوله إليه فلا يتولّد الّا دشبد رقيق ضعيف سهل الانكسار و لا يحرك العضو قبل الاشتداد و التصلب أى: قبل اشتداد الدشبد و تصلبه؛ لأن الحركة حينئذ تزعجه و تزيله عن موضعه

و علامة الدشبذ إذا ابتدأ ينعقد: ظهور الدم يراود رشحا على الرفائد و الرباطات، و ذلك يدل على أن الطبيعة أرسلت مادة جيدة كثيرة إليه فرشحت عن المسامّ فكأنه فضل زائد لطّفته الطبيعة قليلا قليلا و دفعته من الجلد من كثرة ما توجه إلى العضو من الدم.

و أما إذا كان مع الكسر ورم فينبغى أن يطلى بالنرد مذابا ببعض العصارات الباردة و لا يشدّ أو يشدّ شدّا رفيقا لما علم من أن الوثيق يوجب الورم بالايجاع و يحل كل يوم.

و إن حدث معه رضّ في اللحم فينبغى أن تشرط المواضع المرضوضة و يخرج الدم المنصبّ إليه، لئلا يبرّد و يفسد و يتعفن و يؤول الأمر فيها أى: في هذه المواضع إلى الآكلة و التعفن.

و إن عرض مع الكسر جرح فينبغى أن يرخى الرباط قليلا حذرا من الايجاع و لا يغطى فم الجرح ليصل إليه الدواء و يخرج عنه الصديد بل تشدّ عصابة على فم الجرح عند شفته العليا و يورّب إلى أسفل و أخرى عند شفته السفلى و يورّب إلى الأعلى و يترك فم الجرح مكشوفا و يحل كل يوم أو يومين، و توضع على فم الجرح قطنة خلقة حتى إذا قلّ الصديد و أمن من الورم وضع عليه مرهم منبت.

ص: 573


1- 530. ( 1).[ خ. ل: غير موجودة].
2- 531. ( 2). أى: لين.

و إن حدث معه نزف الدم فيقطع بالصبر و الكندر و المر و دم الاخوين.

و ان كان في الكسر شظايا عظم لم تخرق الجلد و يعرف ذلك بخشخشتها عند امرار اليد عليها، فينبغى أن تسوى تلك باليد على أرفق ما يمكن و يشدّ ما لم ينخس و لا يؤلم ألما شديدا لئلا يجلب عند النخس و الايلام مادة مورمة فإن كانت تنخس و تؤذى فينبغى أن يشق عنها الجلد فإن كانت متبرئة اخرجت و إن لم تكن متبرئة نشر الشى ء الحادّ الناخس منها ب «منشار المشّاطين» ثم عولج الجرح.

فأما بطء انجبار الكسور و تجاوزها الوقت الذى من شأنها أن ينعقد بمثلها الدشبد فيه و يشتدّ و هو على ما قيل في الأنف عشرة، و فى الضلع عشرون، و فى الذراع و ما يقرب منه ثلاثون أو أربعون، و فى الفخذ خمسون إلى أكثر من أربعة اشهر فيكون إما لكثرة حل الرباط لما علم أن الانجبار انما يكون بتلازم الاجزاء و الحلّ ينافى ذلك، لأنه يزعزعها و يزعجها أو لكثرة التنطيلات المفرطة فإنها تلين الصلابة و ترخيها و تلطف الغلظ و ترققه و تذيب الجامد و ترقق الدم و تحلله و كل ذلك مانع من انعقاد الدشبد و تصلبه أو لتحريكها كثيرا لأن الحركة تزعجها و تزيل تلازم أجزائها و إما لكثرة الرفائد و العصائب المثقلة لها لأنها تضغط المجارى و تضيقها فتمنع وصول الغذاء و تضغط الدشبد أيضا و تمنع انعقاده مطلقا أو على القدر الذى يحتاج إليه و إما لقلة الغذاء و لطافته حتى يهزل العضو و يدقّ و تنعدم المادة المولّدة للدشبد.

و علاجه: حسم تلك الأسباب و منعها و جذب الغذاء إليه بالتكميد بعد استعمال الاغذية المذكورة إن كان السبب فيه قلّة الغذاء و لطافته و هى التى تولد دما متينا لزجا.

فأما التعقد الذى يكون كالغدة و الصلابات التى تبقى بعد انجبار العظام المكسورة و سببه كثرة ما ينصبّ إلى الموضع من المادة التى ينعقد منها الدشبد فيتولّد منها هناك عقد و صلابات متحجرة فربما كانت مؤذية مانعة عن الحركة و أكثر الاعمال و خاصة إذا كانت بالقرب من المفاصل و فيها أيضا مع ذلك قبح في الهيئة فينبغى إن كانت قريبة العهد بالانعقاد و لم تتحجر بعد أن تشدّ برباط قوى بعد أن توضع عليها قطع الرصاص فانها تقدعها و تحللها و تصغر

ص: 574

حجمها بثقلها أو الادوية الشديدة القبض فإنها أيضا تصغرها بالقبض و العصر.

و أما المتحجرة منها فينبغى أن تلين بالمروخ بالشحوم و الامخاخ و الادهان و القيروطيات و بالتنطيل بالمياه الحارّة و بالتضميد بأضمدة ملينة متخذة من الشحوم و الادهان الحارّة، خاصة عكرها فإن العكر يتوقف على العضو ريثما(1) يفعل فعله و لا يتحلل سريعا لغلظه، بخلاف الادهان الرقيقة اللطيفة فإن الهواء ينشفها و يسلب قواها قبل تمام افعالها، إلّا إذا كان معها ما يحفظها عن ذلك كالشمع و من اللبنى و القنة و الجاوشير و الاشق و المقل و نحو ذلك معجونة بنبيذ ليعين على التنفيذ في جرم العقد.

و كذلك ينبغى أن تلين دشابذ العظام المنجبرة التى قد وقع في جبرها خطأ أو عرض فى شكلها تعوج يفسد فعلها بسبب تغير هيئة العضو عما يليق به و يحتاج إلى إعادة كسرها حتى تنجبر بعد ذلك على الهيئة الطبيعية و يخاف من أن لا يقع الكسر على موضع الأول لصلابة الدشبد المنعقد عليه، بل على غيره من المواضع فيجب أن تلين أولا بهذه الملينات و أشباهها ثم يكسر و يجبر و قد لا تحتاج إلى الكسر بل يمكن أن يعالج بأن تلين ثم تمدّ و تردّ إلى شكلها و تربط بالجبائر حتى تنهدم و تستوى.

و أما الخلّع و الوثى، فالخلّع: هو خروج زائدة العظم من حفرتها المركبة فيها خروجا تاما. و الوثى: انزعاجها و زوالها عن موضعها من غير انخلاع و الوهن و الوهى أيضا ألم أى: أذى يعرض للعظم و ما يحيط به من اللحم و الرباط و الجلد و غيرها لسقطة أو ضربة تصيبه من غير أن يتفرق اتصاله لا بالزوال و لا بالانخلاع.

و علامة الخلّع: ظاهرة من اعوجاج شكل العضو و اندفاع جلده إلى جانب و هو جانب خروج الزائدة منه و ظهور و انخفاض و غور في جانب آخر من المفصل، و من فقدان المفصل جميع حركاته، و من المقايسة بأن تقايس اليد العليلة بأختها في الطول و القصر و الاستقامة و الاعوجاج و التمكن من الحركات، الّا أن خلع مفصل العضد مع المنكب و خلع مفصل الورك ربما تعسر معرفته لأن رأس العضد إذا انخلع دخل في الإبط و لا يظهر فيه

ص: 575


1- 532. ( 1).[ أي: قدرا من الزمان].

الاعوجاج ظهورا بيّنا و لا النتوء و الغور و لا فقد جميع الحركات الّا قدر ما يكون في الوثى و الورم و لا كثير مخالفة بينه و بين الأخت و العلامة اللازمة له نتوء مستدير يحدث تحت الإبط من زائدة رأس لعضد يحس بالأصابع و لا يمكن أن تقرب تلك اليد من الاضلاع الّا بعنف و وجع شديد و أما رأس الفخذ فإنه إذا انخلع يدخل في أكثر الأمر في الأربية أو إلى ناحية الورك من الجانب الوحشى و هذا هو الأكثر و هناك لحم كثير لا يظهر الاعوجاج فيه ظهورا بينا.

و الدليل على انتقاله إلى داخل طول تلك الرجل من الرجل الأخرى؛ لأن رأس الفخذ عند خروجه من التقعير الذى في حق الورك إلى الاربية ينزل و ينحطّ إلى أسفل من تعقير الحق فتطول الرجل لذلك و نتوء الركبة إلى خارج أى: إلى الجانب الوحشى، لأن رأس الفخذ إذا مال إلى الإنسى، مال الرأس الآخر الذى عند الركبة إلى الوحشى و ظهور شى ء كالورم في الأربية لأن رأس الورك و هو رأس الفخذ المحدّب المنجذب قد اندس فيها فيظن أن بها ورما و أن لا يقدر العليل على أن يثنى رجله عند الأربية لممانعة رأس الفخذ.

و علامة خلعه إلى خارج: قصر الساق أى: الرجل؛ لأن رأس الفخذ حينئذ يرتفع إلى مكان أعلى من الحق فتتمدّد العضلات القابضة للساق فلا ينبسط الساق كل الانبساط، لأن الانبساط إنما يتمّ باسترخاء العضلات القابضة و تشنج العضلات الباسطة لجذبها الساق إلى قدّام، فإن العضل المقابل للعضل المحرك يقاومه في فعله و يمنعه من بسط العضو على أتم وجه إن كان العضل المحرك باسطا أو قبضه إن كان قابضا و تقصع الأربية و بطؤها و ظهور نتوء و ورم و انتفاخ فيما يحاذيها من خلف؛ لأن رأس الفخذ قد خرج إليه و ميل الركبة إلى داخل كأنها منقعرة بالنسبة إلى الركبة الأخرى؛ لأن رأس الفخذ إذا مال إلى الجانب الوحشى مال رأسه الآخر الذى عند الركبة إلى الإنسى بالضرورة فتكون الركبة كأنها منقعرة و أن لا يقدر صاحبها على أن يثنى ساقه لأن انثناء الساق إنما يكون باسترخاء العضلات الباسطة و تشنج العضلات القابضة بجذبها الساق إلى خلف و لا يتأتى منها الانبساط هاهنا لتمدّدها بارتفاع رأس الفخذ.

و علامة انخلاعه إلى قدّام: أن العليل لا يقدر على بسط ساقه، فيه نظر؛ لأن بسط الساق يكون برجوع الركبة إلى خلف و هو إنما يتم بميل رأس الفخذ الذى في

ص: 576

الحق إلى قدّام، و قد مال هاهنا إلى قدّام كل الميل فكيف لا يقدر بسط الساق؟! و العجب أن «الشيخ» صرح في هذا النوع من خلع الورك بأن العليل يمكنه أن يبسط ساقه و لم يمكنه أن يثنيه الّا بألم و كذلك «صاحب الكامل» و إن رام المشى لم يقدر على الذهاب إلى قدّام لأن المشى إلى قدّام انما يمكن بارتفاع الركبة و رجوع الرأس الآخر من الفخذ إلى خلف و لا يمكنه الرجوع هاهنا و عند المشى يكون وطؤه على العقب لأن عند انخلاعه إلى قدّام تكون الرجل أطول من الرجل الأخرى و لا يمكن للعليل أن يثنى ساقه لتتعادل الرجلان فى الطول و القصر فيضطرّ عند المشى إلى الوطء على العقب و ربما يحتبس بوله لانضغاط عنق المثانة بزائدة رأس الفخذ المخلوعة، و لذلك ترى الأربية كأنها (متقدمة متورمة)(1) و ترى اعفاجه الاعفاج في اللغة: الأمعاء، و المراد بها هاهنا أواخر المعاء المستقيم و أسافله التى عند المقعدة متشنجة قليلة اللحم لإمالة رأس الفخذ لها إلى الجهة المخالفة التى مال إليها و هى القدّام و جذبه و تمديده لها إليها.

و علامة انخلاعه إلى خلف: أن لا يمكنه بسط الركبة، و لا يقدر على ثنيها قبل ثنى الأربية لتمدد العضلات القابضة و الباسطة لما يزول رأس الفخذ حينئذ من الحق إلى موضع أبعد، و أما بعد ثنى الأربية فربما يمكن له أن يثنى الساق و أن تقصر الساق لأن رأس الفخذ ينفذ إلى فوق أكثر مما كان، حيث هو في حق الورك فتقصر الرجل بقدر زيادة ذلك النفوذ و تسترخى الاربية و يظهر رأس الفخذ في موضع الأعفاج فيظهر فيها نتوء لذلك.

و المزمن من خلع الورك لا يرجع و لا يبرأ ألبتة لأن المفاصل في الاصل خلقت ضعيفة قابلة للمواد و المواد تنصبّ إليها بالطبع لأن كل واحد منها اسفل بالنسبة إلى بعض الأعضاء، فإذا ازدادت ضعفا بسبب ألم يصيبها- سيّما هذا المفصل الذى هو تحت أكثر الأعضاء- انصبّت إليها مواد و غلظت فيها لتحلل لطيفها و بقاء كثيفها، و لاكتساب ذلك الكثيف مما يجاورها برودة مكثفة فصارت مخاطية تبتلّ لها تلك الرباطات و تسترخى فتخرج لذلك زائدة عظم الفخذ من النقرة بسهولة و سرعة و يعود إليه أيضا كذلك فلا يرجع إلى الطبيعية و لا يبرأ البتة حيث لا تتحلل هذه المادة عنها بالكلية لغلضها و لاكتناز الرباطات المحيطة بهذا المفصل

ص: 577


1- 533. ( 1).[ خ. ل: متورقة].

و صلابتها و لبعد المفصل عن القلب و برد مزاجه و ضعفه الأصلى و العارضى(1)، و لا تنضج أيضا لما عرفت(2)، و لا تستفرغ بالادوية لبعد تأثير الدواء بالنسبة إليها.

و علاجه: أن يمسك الفخذ و يحرّك المفصل يمنة و يسرة حتى تحاذى الزائدة الحفرة و يدخل في الحفرة بعد أن يشكل العضو بشكل موافق مثل أن الخلّع إذا كان إلى داخل أن تثنى الساق شديدا حتى تماس الأربية إلى داخل ثم يرد عظم الفخذ دافعا له إلى فوق و خارج حتى يحاذى بالعضو المخلوع ما يرد إليه إلى الأربية و كذلك في جميع الخلّع الذى يقع في سائر الأعضاء ينبغى أن تمدّ برفق و ترد إلى مواضعها حتى تستوى اشكالها ثم يضمد بالضماد المقوى مثل المغاث و أقاقيا و الطين الأرمنى و الصبر و المر و الماش المقشّر بماء الآس و يربط بالرباط الموافق لها.

و لا ينبغى أن يتوانى و يتدافع بذلك أى: بالرد بل يبادر إليه قبل حدوث الورم. فإن ترك ردها في حال مّا إلى أن ترم أو يبدّد الورم فيها، فلا ينبغى أن يرام فيها ردّها إلى موضعها في ذلك الوقت، لأنها إن مدت في هذه الحال حدث للعليل تشنج عظيم في أكثر الأمر لما يشتدّ الوجع حينئذ و يهرب منه العصب و يجتمع في نفسه و يتأذى منها- لكونها عصبانية- إلى الدماغ فيتأذى منه و ينقبض في نفسه و يحدث التشنج فيه أيضا، سيّما إذا كان الخلّع في اعضاء قريبة من الدماغ و ربما أدّى إلى الغشى لفرط تحليل الروح، لشدة مجاهدة الطبيعة للمؤذى بل ينبغى أن يبتدئ أولا بتدبير الورم حتى يزول ثم يرد الخلّع؛ اللهم الّا أن يكون خلعا سهل الارتداد يرتدّ بمدّ خفيف غير موجع وجعا شديدا يخاف فيه حدوث التشنج و الغشى و زيادة الورم كذلك.

و إذا كان مع الخلّع جراحة أو قرحة، فيجب أن يكون علاجها بمداواته حتى يسكّن الوجع و لا يزداد تمدد العضو ثم يشتغل برد الخلّع مع استعمال الرفق في جميع المواضع مفردا كان الخلّع أو مركبا؛ لأنه كثيرا مّا تحدث عن المدّ الشديد في مثل هذه الحال أوجاع شديدة لشدة حس هذه الأعضاء بكثرة ما يأتيها من الأعصاب و أورام حارّة من شدة الوجع في العصب و العضل و تمدد إما

ص: 578


1- 534. ( 1). بسبب الألم.
2- 535. ( 2). من برد مزاج العضو و بعده من القلب و غلظ المادة.

للورم و إما لاجتماع الأعصاب في نفسها و حميات حارّة لما يسخّن الروح و يشتعل أولا بالحركات المضطربة التى تعرض له عن الوجع الشديد ثم تتأدى السخونة منها إلى القلب و تسرى إلى الأعضاء ثم تسخن الأخلاط الحارّة التى في العروق بالمجاورة و تغلى بلا عفونة أو مع عفونة و خاصة في دخول مفصل المرفق فكأنه لا يكاد أن ينخلع بل ينكسر قبل الخلّع و سهولة الارتداد و صعوبته على قدر سهولة الانخلاع و صعوبته و مفصل الركبة فيه بحث؛ لأنه من المفاصل السهلة الانخلاع و الارتداد لسلاسة رباطه و لذلك ارفد بالرضفة و المفاصل القريبة من الأعضاء الرئيسة، فيهلك العليل بذلك لما ينهزم الروح و الحرارة بالمنافات التى بينها و بين الوجع و يحلّ القوة فيحدث الغشى و صغر النبض أولا ثم الموت.

و أما الوثى، فعلامته: أن يرى في المفصل تقعير قليل على حسب ميلان الزائدة و زوالها عن موضعها و نتوء من جانب آخر مع أن بعض الحركة ممكن لأن الزائدة لم تزل بالكلية عن موضعها كما أن في الوهن يمكن جميع الحركات في الجوانب كلها لكن مع تعذر على حسب الألم العارض للمفصل.

و علاج الوثى الخفيف و الوهن: أن يمسح الموضع بدهن ورد و ينثر عليه آس مسحوق و يشدّ شدّا معتدلا على ما بيّنا أو يطلى بالمغاث و الخطمى مع صفرة البيض. و إن كان الوثى أقوى يضمد بورق الاثل و الخلّاف و السك و الورد و الطين الأرمنى و الاقاقيا و الخطمى و الماش و الإكليل و الصندل الأحمر فإنها تصلب العضو و تشدّده فلا ينزعج منه العظم مرة أخرى و إن كان معه ورم حارّ يضمد بالماش و المغاث و الجلنار و أقاقيا و الفوفل فإنها تبرد العضو و تقوية و تمنع انصباب المواد إليه ببياض البيض فإنه يقوى العضو بلزوجته و غرويته و يسكّن حرارة الأورام و وجعها.

و قد يعرض للمفصل أن يطول و يزيد على طوله الطبيعى و يصير مستعدا لأن ينخلع سريعا، و ذلك لاسترخاء ما يحيط به من الروابط و لما يلزق أحد عظميه بالآخر من العقب و بترطيبه بأكثر ما يجب و هو القدر الذى لا تجففه الحركة.

و علامته: أن يكون العضو كالمتعلق، فإذا أدغم رجع إلى وضعه الطبيعى من غير تكلف، و إذا ترك عاد إلى القدر العرضى و حدث في المفصل عند

ص: 579

العود غور ربما يدخل فيه الإصبع لعظمة و ذلك في المفاصل القليلة اللحم.

و علاجه: ردّ العظم المسترخى إلى داخل مستقره الذى زال عنه و تضميده بالاضمدة التى فيها قوة قابضة مشدّدة للعضو مخلوطة بما له قوة مسخّنة مجففة للرطوبات المرخية مثل أن يخلط العفص و الجلنار و أقاقيا و نحو ذلك من القوابض بمثل شى ء من الخرميان و القسط و الاشنة و أن يقتصر على مثل جوز السرو و الأبهل و سائر ما يقع في ضماد الفتق فانه يشدّ العضو و ينشف الرطوبات و الله تعالى بالصواب أعلم.

ص: 580

الضمائم

اشاره

ص: 581

هذه العبارات موجودة في أكثر النسخ

اعلم أن البحث في المباحث البحرانية، و النظر في المراتب السمومية لما كان من أجلّ المدارج الطبية، و أعظم المدارك الطبيعية، أردنا نحن معاشر المصححين لهذا الكتاب أن نضيف إليه هذين المبحثين حتى يكون كتابنا هذا حاويا لجل المطالب العلمية و شاملا لمعظم المقاصد العملية و إنا لعمرى قد تزاحمنا كثيرا في جمع شملها و ردّ شاردها و عكس طاردها و طرد واردها، و نرجو من الناظرين فيه أن يذكروننا بالخير بإزاء تلك المزاحمة و الله هو الولى في العافية و العاقبة

ص: 582

الضميمة الأولى: في البحران

الفصل الأول: معرفة البحران اجمالا

فى البحران و أيامه و تفسير البحران في لغة اليونان و فى اصطلاح الأطباء و تحقيقه بحسب اقسامه و احكامه.

البحران في لغة اليونان: هو الفصل في الخطاب أى: الخطاب الذى يكون به الفصل بين الخصمين، و قال «جالينوس» في ايام البحران: معنى هذه اللفظة هو الحكم الفاصل، و إنما اطلق على هذا التغيير- أى: في اصطلاح الأطباء- لأن به يكون انفصال الحكم بين المرض و الطبيعة المشتبهين بالخصمين إما إلى الصحة و إما إلى الهلاك. و قال في ايام البحران: و الذى ذكر هذه اللفظة أولا رجل من عوام الناس رأى حال المريض في وقت البحران فهاله ما رأى، فشبّهه برجل قدم إلى حاكم في دم، فقال: «إن هذا المريض لفى حال حكم» و استمرت هذه اللفظة إلى الآن و استعملها الأطباء. و قال «صاحب الكامل»: معنى هذه اللفظة في اللسان السريانى الحكم الفاصل، و يمكن أن يكون أصل الكلمة يونانية ثم نقلت عنها إلى السريانية كما نقلت إلى العربية.

و عند الأطباء هو ما يلزم ذلك الفصل «و هو تغيّر عظيم يحدث في المرض دفعة إلى الصحة أو إلى العطب». و «التغير» هو كون الشى ء بحال لم يكن له قبل ذلك، و انما وضع فى الاصطلاح لهذا التغير، لأن الفصل الواقع بين المرض و الطبيعة

ص: 583

لما لم يكن مشاهدا لم توضع اللفظة له؛ بل وضع للازم هذا الفصل و هو التغيّر.

و قوله: «عظيم»، احتراز عن التغيرات اليسيرة الواقعة في المرض كتغير المرض في تزيده و انحطاطه. و قوله: «دفعة»، احتراز عن التغيرات العظيمة التى تكون بالتدريج كتغيّر المرض من المبدأ إلى المنتهى. و قوله: «إلى الصحة أو إلى العطب» احتراز به عن التغيّرات التى تحصل عند انتقالات الأمراض كما ينتقل سونوخس إلى العفونة و كما ينتقل الفلغمونى إلى الصلابة، فإنها ليست بحارّين.

و التغير الذى يحدث في المرض إلى الصحة أو العطب يكون على ثمانية اصناف:

الأول: التغير الذى يكون دفعة إلى الصحة، و يقال له البحران الجيد.

الثانى: الذى يكون دفعة إلى العطب، و يقال له البحران الردى ء.

الثالث: الذى يكون في مدة طويلة إلى الصحة، و يقال له التحلل.

الرابع: الذى يكون في مدة طويلة إلى العطب، و يقال له الذبول و الذوبان.

الخامس: الذى يكون دفعة إلى حال اصلح ثم يتم الباقى في مدة طويلة حتى يصح البدن.

السادس: الذى يكون دفعة إلى حال أردأ ثم يتم الباقى في مدة طويلة حتى يتادى إلى الهلاك.

السابع: الذى يكون قليلا قليلا إلى حال أصلح ثم يؤول إلى الصحة دفعة.

الثامن: الذى يكون قليلا قليلا إلى حال أردأ ثم يؤول إلى الهلاك دفعة و يقال لهذه الأصناف الاربعة الأخيرة- لما فيها من تغيّر دفعى- بحارّين مركبة، إما جيدة ناقصة و إما رديئة ناقصة.

و شبّه المرض بالعدو الباغى على المدينة المشبهة بالبدن، و الطبيعة بالسلطان الحامى عنها أى: عن المدينة؛ لأن الطبيعة قوة في الجسم من شأنها حفظ كمالاته اللائقة به و بنوعه من غير إرادة و لا شعور بل بتسخير من الله تعالى و الصحة من جملة تلك الكمالات و المرض من المنافيات لها، فالطبيعة لا بدّ من أن تزيله و تقهره و يوم البحران بيوم القتال المفصل بين الباغى و الحامى:

فقد يغلب العدو الباغى غلبة يستعلى بها أى: بتلك الغلبة على المدينة و هو البحران الردى ء التام.

ص: 584

و قد يغلب الباغى بحيث يستظهر و يتمكن من أخذها أى: اخذ المدينة بقتال آخر و هو البحران الردى ء الناقص.

و قد يغلب السلطان الحامى عليها فيهزم الباغى بالكلية، و هو البحران التام الدافع الجيد و يسميه المصنف بالبحران الكامل.

و قد يغلب الحامى غلبة يهزمه أى: الباغى بها أى: بتلك الغلبة عن نواحى الأعضاء الكريمة إلى بعض الأطراف و هو يسمى البحران الانتقالى و هو من أقسام البحران التام، لأن المرض الأول قد زال بالتمام بهذا البحران و لذا يسميه المصنف بالبحران التام غير الكامل و أما المحارّبة التى يحتاج إليها لإزالة المادة عن ذلك الطرف فهى محارّبة أخرى تجرى بين الطبيعة و المرض الحادّث لا المرض الأول، و قد يعدّه الأكثرون من البحرانات الجيدة الناقصة باعتبار أن البدن لم يتخلص من مادة المرض بالكلية، بل انتقلت المادة من موضع إلى موضع آخر.

و قد يقهره أى: الحامى الباغى قهرا ما يمكنه دفعه بالتمام بقتال آخر من غير أن يطرده و يدفعه إلى بعض النواحى و هو البحران الناقص.

و يكون البحران الناقص جيدا كان أو رديئا منذرا بالتمام؛ لأن الطبيعة إذا استولت على المرض بعض الاستيلاء و ضعفت شدة المرض و قوته، لم يمكن أن يرجع المرض على الطبيعة بالغلبة بعد الانقهار، بل لا بدّ و أن تتمكن عليه الطبيعة و يستأصل في البحران الآخر من غير شك، و هكذا الأمر في العكس.

و كل مرض فإما أن ينقضى أى: يزول ببحران جيد أى: بتغير عظيم يحدث دفعة إلى الصحة، و أكثر ذلك يكون في الأمراض التى موادها حارّة؛ لأن المواد الحارّة تكون قلقة سريعة الحركة و الانتقال لا تمهل مدة تتحلل فيها قليلا قليلا أو بتحلل مادته قليلا قليلا فى مدة طويلة حتى تفنى و ذلك الانقضاء التحللى أكثره في الأمراض المزمنة و هى التى تتجاوز مدتها عن أربعين يوما الباردة المادة لأن مادتها غليظة بطيئة الحركة عسرة الانفعال فلا تتمكن الطبيعة من نضجها و دفعها بسرعة و إن كانت قوية جدا؛ بل على مهل و تدريج في مدة طويلة. و قوله: أكثره، يدل على أن بعض الأمراض التى مادتها حارّة قد تنقضى أيضا بتحلل كالبيضة التى تكون من مادة حارّة و إما أن تنتقل مادته أى: مادة المرض من عضو إلى غيره من الأعضاء، و أكثره في المواد الغليظة مع ضعف يسير القوة.

ص: 585

و إما أن تقتل ببحران ردى ء أو بذبول بأن تتحلل الحرارة الغريزية و تخور القوة قليلا قليلا و يزيد المرض بحسب ذلك، لذلك و لأجل ذوبان الأعضاء و الرطوبات.

و الأبدان التى يأتيها بحران تام محمود من بعد أن تظهر علامات النضج و توفر القوة بحيث يثق الطبيب منها بأن البحران الذى سيأتيها يكون تاما محمودا البتة أو قد يأتيها بحران محمود على التمام من قبل و هو الذى ينقضى به المرض و تلزمه أمور سيجى ء بيانها، لا ينبغى أن يحرّك يريد: ينبغى أن لا يحرّك أى: ينقل موادها من عضو إلى آخر كالجذب إلى المحاجم و لا أن يحدث فيها حادّث لا بدواء مسهل و لا بغيره من التهيّج كالترعيف و التعريق و الادرار و القى ء لكن تتحرك بحالها، أما في القسم الثانى فلأن البدن قد نقى بدفع الطبيعة لمادة المرض على أحسن الوجوه فلا حاجة بعد ذلك إلى تحريك، و هو نقل المادة من عضو إلى آخر و لا إلى اسهال و لا إلى تهيّج و هو استفراغ من غير اسهال، و أما في القسم الأول فلأنه متى حصل الوثوق بكمال قوة الطبيعة و استيلائها على المرض فلا حاجة إلى هذه الامور، لأن دفعها كاف، و لأن فعل الصناعة إن وقع موافقا لفعلها أفرط و أوجب الضعف في المريض، و إن وقع مخالفا له شوّش عليها و أضعف فعلها، و إلى هذا اشار بقوله لأن البحران الكامل إذا أتى ينقى البدن بعده بدفع الطبيعة و استفراغها مادة المرض فلا حاجة إلى المحرّك حينئذ لحصول النقاء و لا حاجة إليه قبله أى:

قبل البحران الذى يأتى من بعد أيضا؛ لأن فيه كفاية بفعل الطبيعة و فعل الطبيعة أولى من فعل الصناعة؛ لأن الطبيعة بإذن خالقها تختار أوفق الأوقات و أسهل المدافع و أصلح المقادير في الاستفراغ ثم إن وقع الفعل الصناعى مضادا للطبيعى في دفع المادة شوّش الطبيعة في فعلها و إن وقع موافقا له أى: للطبيعى في الدفع أفرط الاستفراغ هذا أى: ترك التحريك و عدم التعرض للطبيعة بالافعال الصناعية في البحران الكامل الذى قد أتى و الذى يأتى بأن يثق الطبيب بكماله في الجودة بالعلامات الدالة عليه و أما في البحران الناقص الذى سيأتى أو قد أتى، فينبغى أن تعاون الطبيعة بما يوافق حركة المادة عند البحران بحسب ظهور العلامات التى يجى ء بيانها.

ص: 586

الفصل الثانى: علامات البحران و اقسامه

مهّد قبل ذكرها مقدمة ليسهل بيانها، فقال لا بدّ في يوم القتال من أمور هائلة كالعجاج و الصراخ و سيلان الدماء و غيرها كذلك يوم البحران لا بدّ فيه من اضطراب المريض و القلق و الكرب و التململ و صعوبة الاعراض، لأن الطبيعة تجاهد المرض و تجهد في قهره و تحريك الأخلاط و تهيّجها و تميّز جيدها من رديئها و تهيئة الرديئة للدفع و الاخراج من البدن، و كذلك المرض يقاوم الطبيعة و يجتهد في الغلبة عليها و سيلان مثل الرعاف كالعرق و البول لدفع المادة من جهة من الجهات.

و هو أى: الرعاف أحمد البحارّين و أقربها من الفصل، لأنه يستأصل مادة المرض رقيقها و غليظها في كرّة واحدة و مدة قليلة، لأنه يستفرغ من جميع البدن، لأنه استفراغ من داخل العروق و هى متصل بعضها ببعض فإذا اندفع شى ء من المادة من عرق، اندفع معه ما في سائر العروق على الاستتباع، و لأنه يستفرغ به انواع الأخلاط المحصورة العروق على النسبة التى بين بعضها إلى بعض و يدل على ذلك أن الرعاف قد تخلص من الأمراض التى لا تكون موادها من الدم وحده بل من مواد أخرى، و لأنه لا يحدث منه ضرر بالأعضاء و لا اضعاف شديد لأن خروج المادة بالرعاف انما يكون بحركتها إلى أعالى البدن و المواد الصالحة التى في البدن لا تتحرك إليها بالطبع فلذلك لا يخرج بالرعاف شى ء من المواد الصالحة فلا يحدث منه ضعف شديد بخلاف مثل الاسهال فان المواد الفاسدة عند اندفاعها إلى الاسافل

ص: 587

تدفع ما تلقاه أمامها من المواد الصالحة إلى هناك فإن دفع الثقيل إلى أسفل سهل جدا و أما إصعاده فعسر جدا لأنه لا يوافق التصعيد بالطبع. ثم الاسهال لأنه يستفرغ به رقيق المواد و غليظها الّا الدم من المدفع الطبيعى و ليس فيه اضرار بالمعدة. ثم القى ء لذلك، لكنه من طريق غير معتاد و فيه اضرار بالمعدة. ثم الادرار؛ لأنه تستفرغ به المواد الرقيقة أكثر و الغليظة أقل في مدة طويلة و ايام كثيرة، لأن اندفاع المادة إلى الكلية ثم إلى المثانة انما يمكن إذا كانت مخالطة للمائية، لأن اندفاع المائية إليهما إنما يتم بجذبهما لها و هما إنما يجذبان المائية فيحتاج لذلك إلى تعدد المرّات بتعدد حصول المائية، و أيضا هذا الاندفاع إنما يكون بقدر سعة الكلى و المثانة. ثم العرق لأنه يستفرغ به المواد الرقيقة جدا فقط لأن مدافعه المسامّات الضيقة. ثم الخراج لأنه لا ينقّى به البدن من الفضول بل ينتقل الفضول من عضو إلى عضو آخر، و إنما ينقّى البدن منها به بعد أن تنضج و تصير مدة، و ذلك إنما يكون في مدة طويلة و مع ذلك فإن الفضول المتشرّبة في اللحم الذى حول موضع الجمع و هى المورمة لذلك تبقى فيه مدة بعد خروج المدة حتى يتحلل.

و يتوقع الخراج حيث المادة غليظة غير مستعدة للدفع الكليّ و القوة ضعيفة عنه، فتحرك المادة و تدفعها عن الأعضاء الشريفة و لا تفي بتنقية البدن عنها و أكثر ذلك يكون فى الشتاء لأن برد الهواء يفجج المادة و يمنع من النضج و التحلل، و فى سن الكهولة لأن قوة الكهل لا تفى بالدفع الكلى فلا تعجز عن الدفع من الأعضاء الشريفة و يتوقع العرق حيث المادة رقيقة جدا قليلة الحدّة فتدفع من منافذ الجلد فإن كانت دون ذلك في الرقة، لم يمكن اندفاع جميعها بالعرق إذ الاجزاء الغليظة منها تتخلف في المنافذ لضيقها و تتصفى الاجزاء الرقيقة و إن كانت قوية الحدّة تتصاعد لحدتها إلى الرأس و كذلك إن كانت رقيقة جدا قوية الحدّة و كان المرض يغلب فيه الدم، فالرعاف لأن خروج المادة من هناك أسهل و لا ضرر فيه على الأعضاء و سبب ذلك أن المادة تغلى في العروق لحدتها و تتخلخل و يزداد حجمها فلا يتسع فيها و يعرض لها التمدد فتميل المادة لذلك و لحدتها إلى الدماغ فينفتح أو ينصدع بعض من عروقها التى عند الانف لما ذكر من أنها سهلة الانصداع قابلة لذلك بالطبع، و لما تتحلل منها عند الغليان أبخرة رياحية كثيرة في العروق تفتحها أو تصدعها بفرط التمديد و الّا أى: و ان لم تكن المادة رقيقة حادّة، فالإدرار

ص: 588

إن كانت باردة لطيفة و القى ء إن كانت دون ذلك في اللطافة و كانت حارّة صفراوية تميل إلى الأعالى، لأن خروجها بالقى ء أسلم من الرعاف، إذ مرور الصفراء بالدماغ موجب لفساد مزاجه و الاسهال إن كانت غليظة.

و لبعض الأعضاء بحارّين تخصها في دفع موادها بحسب منافذ خاصة بها فالنفث بحران امراض الصدر؛ لأن استفراغ موادها بهذا الطريق أسهل و أخف و إن كانت موادها قد تندفع بالادرار و الاسهال لكنه عسر لما يحتاج فيها إلى نفوذ المادة في العرق العظيم الممتدّ على الصلب و إن كان أفضل إذ ليس فيه تضرر بالرئة و قصبتها و الرمص و الدمعة بحران امراض العين. و المخاط و وسخ الاذن بحران أمراض الرأس و كذلك خراج خلف الأذن بحران أمراضه. و الحاصل أن اندفاع المادة في البحارّين من جهة من الجهات قد يكون بحسب نفس المادة في رقتها و غلظها و حدتها و برودتها، و قد يكون بحسب محلها و المنافذ الخاصة به.

و كما أن السلطان الحامى إذا نزل به الحادّث من الباغى استعدّ قبل يوم القتال بعرض الجيش و تكميل عدده و تجميل عدده جمع عدة بالضم و هو ما أعدّ لحوادث الدهر من المال و السلاح ثم عند قرب القتال يهيّئ مكانا للخروج منه إلى اللقاء، كذلك يتقدم يوم البحران إنضاج المادة أى: تعديل قوامها، ليسهل دفعها فان كلا من الغلظة و الرقة مانع من ذلك؛ فإذا كان البحران في السابع مثلا، يظهر في الرابع في البول غمامة و غلظ بالاعتدال بعد الرقة و صفرة اترجية بعد البياض أو غيره و كذلك يظهر في البراز و النفث و البزاق و غيرها مما يستدل به على النضج و تهيئة كل أسباب الدفع من تقطيع اللزج و تغليظ الرقيق إلى حد الاعتدال و ترقيق الغليظ إلى ذلك الحد و تفتيح المجارى ليمكن اخراج المادة عنها ثم تعيّن جهة الدفع و العضو الذى تخرج منه المادة و يستدل على ذلك العضو بعوارض تخصه:

فإذا ضاق النفس بمرور المادة بآلات التنفس و مزاحمتها لها، و لتمدد الحجاب و أغشية البطن و عضلاته إلى فوق لأجل حركة المادة إلى هذه الجهة، و لأجل أن الأبخرة المتصعّدة إذا وصلت إلى الحجاب رفعته إلى فوق فيتمدّد فتتسع مسامّه فيمكن من النفوذ فيه و يلزم ذلك انجذاب المراق و الشراسيف إلى فوق لاتصال اطراف الحجاب بها، و لامتلاء الأجوف الصاعد عند اندفاع المادة فيه فيزاحم آلات

ص: 589

التنفس و حصل غثيان و تقلب نفس لحصول المادة المؤذية في فم المعدة و نفوذها في الخلّل التى بين خمل المعدة فيحرّك المعدة لدفعها و هى لا تطاوعها في الاندفاع لقلتها أو رقتها بعد و مرارة الفم لأن سطحه متصل بسطح المعدة و المادة صفراوية و الألم يتصاعد إلى فوق و إلى جهة المعدة، فإن الدم و إن كان يتصعد لحرارته إلى فوق لكن لا إلى جهة المعدة، لأن الطبيعة لا تدفعه بالقى ء بل إلى جهة الرأس و يندفع عنه بالرعاف و وجع فم المعدة للذع المادة و حدتها و تفريقها اتصال أجزائه و هو عضو ذكى الحس و سقوط النبض لضعف القلب و خفقانه لوصول الأذية من فم المعدة إليه للمشاركة التامة التى بينهما و ظلمة و غشاوة فى البصر المراد بالظلمة السواد الذى يرى أمام العين و كذا المراد بالغشاوة، و سبب ذلك أن القوة الباصرة تدرك الأبخرة الدخانية المحترقة في المعدة المتصعّدة إلى الدماغ على سوادها، و أن هذه الابخرة إذا خالطت الروح حجبت ما وراءها من الروح عن أن يصل إليه الشبح و الضوء فلا يدرك الشبح و الضوء فيرى ذلك ظلمة، فالمادة تخرج بالقى ء.

و إن وجد صمم أى: ثقل في السمع، لتصاعد الفضول الصفراوية إلى الدماغ و ميلها إلى الأذنين لأن ميلها إلى الأذن أكثر و طنين و دويّ في الأذن لحركة الأبخرة الحارّة في فضاء الدماغ فتحس القوة السامعة بحسيسها و ذلك بالرعاف الصفراوى أولى منه بالدموى و اشتعال في الرأس لسخونته لحرارة الأبخرة المتصاعدة إليه و إذا كانت المادة صفراوية كان الاشتعال أشدّ و دموع لامتلاء الدماغ بالمادة الحارّة الرطبة و الابخرة الدموية و احتباسها تحت الأمّين لاستحصافهما و عند كثرتها تندفع الاجزاء المائية منهما إلى العينين- لانتهاء الأمّين إليهما لأن منهما تتكوّن طبقاتهما و يخرج منهما و هما يقبلانها لضعفهما في أصل الخلّقة و يتخلّيان عنها فتسيل منهما بنفسها من غير ارادة و هذا بالرعاف الدموى أولى و تباريق حمر لما تنفصل عن المادة الدموية أبخرة متلونة بلونها و تختلط بالروح الباصرة فيكيّف الروح بتلك الكيفية و تراها و يرى مثال الشبح المرئى مختلطا بتلك الكيفية أيضا فيرى أحمر و إن كانت المادة صفراوية يرى لون تلك البخارات أصفر لذلك و يزعم العليل أن لهذه الكيفية وجودا في الخارج على مقتضى العادة و إحمرار الوجه لأن هذه الأبخرة الحارّة عند تصاعدها إلى الرأس تسخن الدم الذى هناك و ترقّقه فى حجمه

ص: 590

فيميل إلى الخارج و إن كانت الابخرة دموية كانت بنفسها أيضا حمراء فتوجب الحمرة و حكّه الأنف للذع المادة له بسبب كثرة اجتماعها فيه طلبا للخروج منه فإن الطبيعة تدفع المادة إليه لأن اندفاعها منه أسرع، فالمادة تخرج بالرعاف.

و إن تموّج النبض لما يلين العرق بسبب ميل المادة الرقيقة البالّة إلى ظاهر البدن و تندّى الجلد لذلك خصوصا إذا أطيل وضع اليد عليه لاحتقان الأبخرة الرطبة التى كانت تتحلل من المسامّ تحت اليد و انتفخ لكثرة اندفاع الرطوبات إليه و احمرّ لما يسخّن الجلد لاندفاع المادة المسخّنة إليه فيجذب إليه الدم و لما يسخّن الدم لسخونة الابخرة و يرقّ و يميل إلى الخارج، فالمادة تخرج بالعرق و خصوصا إذا انصبغ البول في الرابع لأن ذلك يدل على شروع الطبيعة في النضج و على لطافة المادة و سهولة انفعالها و قبولها للاندفاع مع البول في يوم الانذار و غلظ في السابع لانصراف المائية المرققة عن البول إلى جهة أخرى و يلزم ذلك خروجها بالعرق.

و إن حصل مغص في الأمعاء لحدّة المادة و لذعها للأمعاء و ثقل بطن لامتلاء الأمعاء من المادة المنصبّة إليها و تمدّد شراسيف إلى أسفل لكثرة الفضول في الأمعاء و لامتلائها منها و قراقر لحركة الفضول المندفعة فيها و حركة الرياح المتولدة من تلك الفضول فيها و نفخة بطن أى: تمدد فيها لا ينغمر عن اللامس لكثرة الفضول و الرياح الغليظة فيه و كثرة تمديدها له و وجع الظهر لمجاورته للأمعاء و انضغاطه عند امتلائها و انصباغ البراز لكثرة انصباب الصابغ إلى الأمعاء و عدم علامات تدل على حركة المادة إلى فوق مما ذكر، فهى تخرج بالاسهال و خصوصا إذا كان المرض صفراويا قال «الشيخ»: لأن المرار إذا لم يخرج بالبول و غيره خرج بالإخلاف. و يمكن أن يقال: إن الصفراء بالطبع تندفع إلى الأمعاء و تستفرغ مع البراز و خصوصا إذا كان البول أبيض و المرض حارّا حادّا جدا، لدلالة بياضه مع المرض الحارّ على انصراف المادة الصابغة من جهة العروق و أعضاء البول إلى جهة أخرى و الأحشاء سليمة من العلل الموجبة لتلك العوارض، و هى المغص و التمدّد و الغراغر و غيرها.

و إن حصل ثقل مثانة لكثرة امتلائها من اندفاع الفضول إليها، و هذا إنما يدل على هذا النوع من البحران إذا تكرر و كثر عروضه فإن كل واحد إذا احتاج إلى البول

ص: 591

أحسّ ثقلا المثانة و غلظ بول و كثرته أى: مع كثرته في سائر الأيام غير الباحورية لانصباب الفضول من أول الأمر إلى المثانة شيئا فشيئا حيث أرادت الطبيعة دفعها بالتمام إليها و أعدّتها لذلك، و أما مجرد الغلظ بدون الكثرة فقد يكون لقلة المائية و اندفاعها إلى طريق العرق و عدم علامات ميل المادة إلى جهة أخرى من جهات الاستفراغ و الانتقال على ما ذكر، و انما ذكر هذا في البول دون غيره من البحارّين لأن علامات تلك البحارّين ظاهرة فلو عرض معها علامات بحران آخر لم يمنع ذلك من حصول البحران بها إذ قد تكون علامات ذلك البحران الآخر ضعيف و لا كذلك هاهنا فإن جميع علامات باقى البحارّين غير قاصرة عن علامات هذا البحران فلذلك انما تدل علامات هذا البحران إذا فقدت علامات باقى البحارّين كلها فهى تخرج بالادرار.

و العرق انما يخرج رقيق المادة لأن غليظها لا يمكن أن يترشح من المسامّات الضيقة فلذلك في الأكثر لا يكون بحرانا تاما، لأن الطبيعة تحتاج إلى بحران آخر لدفع ما بقى من المواد الغليظة و إذا اندفعت المادة إلى جهة، انقطعت عن مقابلتها فلذلك صاحب العرق يقلّ بوله لأن المادة الرقيقة المائية إذا اندفعت من العروق إلى فوهاتها و خرجت من مسامّات الجلد بالعرق، انقطعت عن اعضاء البول و رجوعها قهقرى إليها و بالعكس.

و المرض و أعراضه يشتدّ ليلا مطلقا، لاشتغال الطبيعة به أى: بالمرض في إنضاج مادته و دفعها عن كل شى ء لانصراف القوى و الارواح و الحرارة الغريزية إلى عمق البدن، أما القوى فلفراغها عن استعمال الحواس الظاهرة، و أما الارواح فللظلمة، و أما الحرارة الغريزية فلبرد الهواء و لمتابعة الطبيعة و لان الليل من شأنه أن يكون فيه النوم فإذا اضطرب فيه العليل و لم ينم اشتدت عليه الأعراض و تبيّنت له صعوبتها، و لأنه يخلو بالليل وحيدا يقضان فيصعب عليه مقاساة المرض، و لأن المواد أقل تحليلا لبرد الهواء من النهار فتكون الأعراض اللازمة لها أشدّ و أقوى.

و من يأتيه البحران سواء كان محمودا أو مذموما تاما أو ناقصا قد يصعب عليه مرضه فى الليلة التى قبل نوبة الحمى التى يأتى فيها البحران، لأن البحران انفصال يقع بين متقابلين هما الطبيعة و المرض، فلا بدّ من تقديم هذه المقابلة على البحران و هذه المقابلة تلزمها أعراض هائلة دالة على تلك المقابلة، كما يلزم سائر

ص: 592

المقابلات مثل القلق و الاضطراب و الكرب و اختلاط الذهن و الدوار و السدر و الغثيان و المغص و غيرها، و هذا هو المراد بصعوبة المرض. و ظهور تلك الصعوبة تكون في الليلة المذكورة في أكثر الأمور لأنها قد تكون في النهار إذا كان البحران ليليا و انما خصّص الصعوبة الليلية بالذكر لأن اشتدادها يتبين بالليل ظهورا بيّنا لما ذكر ثم في الليلة التى تأتى بعدها و تكون الصعوبة أخف لإعراض الطبيعة عن المحارّبة بعد البحران؛ أما في المحمود منها فلاستيلائها عليه و دفعها له، و أما في المذموم فليأسها عن المحارّبة و لذلك ربما يصحّ ذهن بعض المرضى و تسكن أعراضه عند قرب الموت و ترجع إليهم القوة و الحركة و أما ظهور تلك الخفة فى الليلة المذكورة فهو أيضا على الأمر الأكثر؛ لأنه ربما لا تحصل الخفة في الليلة التى بعد بعض البحارّين الرديئة، فقوله: على الأكثر، قيد للقسمين.

و البحران المحمود و هو التغير الذى يكون في المرض دفعة إلى الصحة على ما علم هو ما يكون بعد تمام النضج؛ لأن المادة حينئذ تكون مطاوعة للاستفراغ و لإخراج الطبيعة لها، و أما قبل تمام النضج فلا تطاوع الاستفراغ بل تتحرك و لا تندفع اصلا أو يقع الاستفراغ فى لطيف المادة و يبقى كثيفها فيعصى على الطبيعة، فإن وقع في هذا الوقت بحران فانما يكون لاخراج المادة الطبيعة إلى التحريك قبل الوقت الذى ينبغى فيه الدفع فلا يكون جيدا و فى يوم محمود من أيام البحران و هى الأيام التى جرت العادة من الطبيعة أن تناهض المرض و تتحرك فيها لدفع المادة و علم بالتجربة أن هذه الأيام تكون مناهضة الطبيعة فيها عن استظهار و أن البحران الواقع فيها يكون جيدا قويا في الغاية و هى السابع ثم الرابع ثم الرابع عشر ثم الحادّى عشر ثم السابع عشر ثم الخامس عشر ثم العشرون. و إن وقع بحران في غير هذه الأيام فانما يكون لأمر يحوج الطبيعة إلى الخروج عن عادتها و لا شك أن ذلك يكون مذموما، و إن كان جيدا أنذر بالنكس و قد أنذر به يومه أى: يوم إنذاره، كالرابع بالسابع و كالتاسع بالحادّى عشر أو بالرابع عشر و كالرابع عشر بالسابع عشر أو بالعشرين و كالسابع عشر بالعشرين و كالعشرين بالاربعين؛ فان لكل يوم من ايام البحران المحمود يوما مخصوصا ينذر به و سبب ذلك أن البحران المحمود إنما يكون بعد النضج التام و لا يمكن أن يحصل ذلك دفعة لأن بقاء المواد فجة إلى يوم البحران انما يكون لشدة استيلائها و عصيانها على القوة و من المحال أن تكون القوة

ص: 593

في أول المرض- و هو ضعيف- قاصرة عن الإنضاج؛ فان قوى المرض و اشتد صارت مستولية عليه استيلاءا تاما فلا بد من أن يحصل بعض ذلك النضج في اليوم الذى ينذر بذلك البحران و إذا حصل فيه بعض النضج ظهرت فيه العلامات المنذرة بوقوع البحران في ذلك اليوم و ما لا يكون كذلك فهو لا محالة حادّث عن اخفات المادة الطبيعة برداءتها حتى لا تمهلها إلى وقت النضج و كان البحران باستفراغ من المادة لأنه يخلّص البدن و ينقّيه من مادة المرض لا بانتقال كانتقال الغب إلى اليرقان و لا خراج لأن الطبيعة تحتاج فيه إلى بحران آخر و هذا مما لا يحتاج إليه لأن الانتقال يشمله و استفراغ مادة المرض أى: المادة الفاعلة للمرض، إذ باستفراغها يحصل البرء من الجهة المناسبة لاستفراغها مثل استفراغ المواد الغليظة بالاسهال و الرقيقة بالعرق، لأن استفراغها على هذا الوجه أسهل و أخف على الطبيعة، فإن المادة الغليظة لو استفرغت بالعرق لم يمكن أن تخرج بتمامها و كان خروج ما يخرج منها بعسر و احتمل العليل ذلك الاستفراغ بسهولة و خفة لأنه متى كان كذلك دلّ على أن الاستفراغ كان من المواد الفاسدة المؤذية دون المواد الصالحة و الّا أوجب الضرر و الضعف، و على أن الطبيعة لقوتها ليست محتاجة في دفع تلك المواد- لمطاوعتها في الاندفاع- إلى كلفة و مشقة، أو احتمل العليل ذلك البحران و الأعراض اللازمة له بسهولة لأن ذلك يدل على قوة الطبيعة و عدم تأثرها من تلك العوارض و الّا يعرض لها بسببه إعياء و تضرّر و أعقبته راحة لأنه يدل على أن الاستفراغ كان من المواد المؤذية و على قدر الكفاية، و على أن الطبيعة استولت على المنافى و دفعته بالتمام.

و إذا مرض العليل من أخلاط محمودة فظهرت علامات النضج في بوله و غيره من أول مرضه، فقد أمنت؛ لأنه يدلّ على كمال قوة الطبيعة و مطاوعة المادة لها و كلّما ظهرت به أى: بهذا المريض علامات هائلة أى: دالة على تزيد المرض، كقوة الاشتعال و التلهب و السبات و غير ذلك فالفرج بها أتم، لأن البحران حينئذ يكون أقرب و أجود، لأن ذلك يدل على أن الطبيعة مع كمال قوتها قد أعرضت عن جميع الافعال و اشتغلت بكليتها بالمرض مع مطاوعة مادته للنضج و الدفع بسهولة لكونها صالحة في أصلها، و حينئذ لا بدّ و أن تغلب الطبيعة عليه و تدفعه في أسرع مدة لانصراف قواها بالكلية إليه و عدم توزعها فى أفعال

ص: 594

شتى، و أما العلامات الدالة على العطب مع أنها هائلة أيضا فليست مما يفرج بها.

و البحران الردى ء هو ما يقابل المحمود في علاماته، مثل أن يكون البحران قبل النضج و قبل المنتهى؛ لأن الأمراض السليمة يتأخر بحرانها إلى المنتهى بسبب أن الطبيعة فيها تكون هادئة متمكنة من فعلها بإنضاج المادة و تمييز جيدها عن رديئها فيمكن لها أن تصبر مع المرض إلى أن يتم النضج و تقوى على الدفع، و أما البحران الذى يقع في ابتداء المرض فهو ردى ء لأنه إنما يقع بسبب أن المادة الرديئة تقهر الطبيعة و تحوجها إلى الحركة قبل الوقت المعهود لها، و الذى يقع في تزيده أو في أول المنتهى فهو إما ردى ء أو ناقص و يسميه بقراط السابق السبل و يدل على انخفاظ الطبيعة و اخراجها إلى المحارّبة و قلة صبرها و احتمالها على المرض إلى ما بعد النضج و المنتهى، إما لقوته و شدة استيلائه و خبث مادته، أو لشدة حركته، أو بسبب خارجى بحركته من مأكول أو مشروب أو رياضة أو عارض نفسانى، فعند ذلك تضطرّ الطبيعة الى المحارّبة قبل الاستعداد و الاستظهار فيوشك أن تنقهر من المرض لعصيان المادة و عجز الطبيعة عن دفعها كما يوشك بالسلطان الحامى أن ينقهر لو برز للقتال قبل الاستعداد له.

ص: 595

الفصل الثالث: العلامات المنذرة بمآل المرض

العلامات المحمودة و الرديئة الدالة على كلّ مرض بما سيكون من أمره.

و فائدة العلم بالعلامات المحمودة، الانذار بحال المرض ثم معالجته و فائدة الرديئة القتالة، الانذار بحاله فقط و الرديئة جدا و الرديئة مطلقا، الانذار بحاله و تدبيره ما أمكن.

العلامات المحمودة: هي سهولة احتمال المرض لدلالته على قوة القلب و فور الحرارة الغريزية و قوة الدماغ في افعاله الحساسة و المحركة و ثبات القوة لدلالته على قوة الحرارة الغريزية و ثبات السحنة الطبيعية التى تكون في حال الصحة لدلالته على سلامة الرطوبات التى بها رونق الحياة عن التحلل و ثبات الشهوة لدلالته على قوة الكبد و صحة القوى الطبيعية و سلامة آلات الغذاء و الخفة عقيب النوم لدلالته على استيلاء الطبيعة و توفر القوى و الحرارة الغريزية و قلة رداءة المادة حتى تقدر الطبيعة في المدة اليسيرة على أن تصلحها اصلاحا مّا و الظاهر أنها إذا كانت كذلك يقدر على اصلاحها بالتمام و دفعها في المدة التى من شأنها أن تفعل فيها ذلك و النوم و الإضطجاع على الهيئة الطبيعية لدلالته على اعتدال الدماغ و جريان الافعال على المجرى الطبيعى عند زوال الاختيار و الارادة و استواء الحرارة في البدن كله لدلالته على سلامة الأعضاء الباطنة من الورم، فإنها لو كانت مختلفة في الأعضاء بأن يكون الكفّان و القدمان باردين، دلّ على ورم الأعضاء الشريفة قد اتجهت إليه الحرارة لتقاومه و تنضج مادته و قوة النبض

ص: 596

و عظمه و انتظامه لدلالته على قوة القلب و سلامة افعاله و صحة الذهن لدلالته على قوة الدماغ و سلامة افعاله. و الحاصل أن العلامات الجيدة هي أن يكون المريض في احواله شبيها بالاصحاء و كلّما كانت الشباهة أكثر فهو أجود لأنه إنما يكون إذا لم يعرض له تغير عن الصحة و انما يكون كذلك إذا كان المرض ضعيفا و الانتفاع بالمعالجة و الاستفراغ لدلالته على قوة الطبيعة و استيلائها على المرض عند المقاومة و العلامات الجيدة مع قوة القوة تدل على عافية عاجلة و مع ضعفها على عافية بطيئة لأن القوة هي التى تقاوم بها الطبيعة المرض و تدفعه، فإن كانت قوية مع العلامات الجيدة، يندفع بها المرض في أسرع مدة و إن كانت ضعيفة مع تلك العلامات، يندفع بها المرض أيضا لكن في مدة مديدة.

و أما العلامات الرديئة المخالفة لما قلناه فان كانت في الغاية، دلّت على الموت. فإن كانت معها قوة القوة، طال المرض إلى أن تنحلّ القوة و تخور ثم قتل و قد شبه القدماء قوة المريض بالحمال و قوة المرض بالثقل الذى يحمله و مدة المرض بالمسافة التى يسلكها فمتى كانت قوية من التوفر بحيث يستقلّ بالحمل طول المسافة، بلغ المقصد و إن كانت ضعيفة أو الحمل أثقل من القوة و إن كانت قوية أو المسافة أكثر من أن يقدر على قطعها، كان الأمر بالضد. و كثيرا ما تعرض علامات هائلة مهلكة ثم يعرض بحران صالح و اندفاع مادة فيبرأ العليل، و سبب ذلك ما ذكر من اشتغال الطبيعة بكليتها عن جميع افالها بالمرض فيجب ان يعتمد على القوة.

و كثيرا ما يكون مع العلامات المهلكة ضعف قوة فتيأس الطبيعة من الدفع فتجتمع القوى كالمنهزمة إلى المبدأ فيحصل لها بالاجتماع قوة فتستولى على المرض و تقهره و قد تحصل خفة عند الموت و ذلك لترك الطبيعة القتال و المجاهدة ليأسها من الحياة فيستريح و تسكن الأعراض ما بقى من الحيوة أو لخورها بالكلية و سقوطها فلا يتأتى منها المجاهدة ثم يعقبه الموت و يكون حينئذ النبض في الأكثر ساقطا مع خفة الاعراض لسقوط القوة و ربما كان له ظهور يسير، كالنملى إن بقيت من القوة بقية العلة.

ص: 597

الفصل الرابع: في الوقوف على أيام البحران

العمدة في ذلك على الاستقراء و التجربة و لمّيّته أى: علته في الذهن و الخارج عند أكثر الفلاسفة ان القمر يلزمه تغيرات بحسب زيادة نوره و نقصانه تتغير معها الرطوبات التى في هذا العالم فإنها أى: الرطوبات تنقص في تمام الدورة و هى عبارة عن حركة القمر من مقارنة جزء من أجزاء فلك البروج الذى فيه الشمس إلى رجوعه إلى الجزء الذى فيه الشمس و ذلك أى: تمام الدورة عند الاجتماع مع الشمس في دقيقة واحدة من درجة برج و عدم النور لأنه كلّما ازداد بعدا عن الشمس، ازداد نوره و كلّما ينقص، انتقص نوره و تزيد الرطوبات جدا في نصفها أى: في نصف الدورة و ذلك عند الاستقبال و هو كونه البرج السابع من البرج الذى فيه الشمس مساويا لها في الدرجة و الدقيقة و كمال النور، فيكون لها أى: للرطوبات في نصف نصف الدورة و هو الوقت الذى يكون بين القمر و نقطة الاجماع ربع الدور و هو التربيع إما قبل الاستقبال و هو التربيع الأول، و إما بعد الاستقبال و هو التربيع الثانى تغير لا محالة إما إلى الزيادة و هو في التربيع الأول أو إلى النقصان و هو في التربيع الثانى، و كذلك يكون لها في نصف التربيع أيضا تغير امّا إلى الزيادة أو إلى النقصان.

و الدليل على ذلك أمور: منها، إن البحارّ و الينابيع تزداد في النصف الأول من الشهر زيادة بينة في كل يوم ثم تأخذ في النقصان إلى الاجتماع و يظهر هذا لمن يباشر و يتتبع أحوالها. و منها، زيادة أدمغة الحيوانات عند زيادة نوره و نقصانها عند

ص: 598

نقصانه. و منها، زيادة اللبن في الضرع و نقصانه بحسب ذلك. و منها، إن الثمار تزداد نمّوا و نضجا عند زيادة النور و لذلك يسمع المباشرون لها صوتا من مثل القثاء و القرع عند تمديده بالنمو و يتشقق الرمان لإفراط تموجه.

و انما اختص القمر بذلك لأنه أقرب إلى هذا العالم من سائر الكواكب و لأنه مع قربه أسرع حركة فيمتزج نوره بأنوار باقى الكواكب و تحدث منه الحوادث، و لأنه كثير التغير بسرعة حركته، و لأنه شديد التغير بحسب كمال النور و انعدامه، فإسناد تغيرات رطوبات هذا العالم إليه أولى من اسنادها إلى غيره.

فإن قيل: إن تغيرات القمر إنما تكون بسبب اختلاف وضعه من الشمس بحسب القرب و البعد و كما أن هذا الوضع حاصل للقمر بالنسبة إلى الشمس كذلك هو حاصل للشمس أيضا بالنسبة إلى القمر فلم لا يجوز أن تكون هذه التغيرات التى في الرطوبات لتغيرات الشمس و اختلاف أوضاعها بالنسبة إلى القمر؟!

أجيب: بأن تغيرات الرطوبات منها ما تعرض في أزمنة متقاربة كما في المد و الجزر، و منها ما تعرض في أزمنة متباعدة مثل نضج الثمرات في الصيف و ابتداء نشوئها في الربيع و سقوطها في الخريف، فما كان منها يعرض في أوقات متقاربة تنسب إلى القمر لأنه سريع الحركة و الانتقال و تغيراته مناسبة لتغيرات هذه الرطوبات، و ما كان منها يعرض في أوقات متباعدة تنسب إلى الشمس لأنها أبطأ حركة.

فالتغير الذى يكون في مادة المرض التى هي من جملة الرطوبات في هذه الأيام الاربعة التى هي الاجتماع و الاستقبال و التربيعان يقال له بحران لما يقع في تلك المادة فى هذه الأيام تغير كلى، و أما التغير الذى يكون فيها في الأيام الاربعة التى هي أنصاف التربيعين فلا يعدّونه بحرانا لكونه أضعف من الأول، بل يعدونه انذارا و يعدّون تلك الأيام من أيام الانذار. و أما البحران الذى يكون في غير هذه الأيام فهو إما لأسباب تحوج الطبيعة إلى المحارّبة قبل هذه الأيام، و إما لاسباب تعوقها من المحارّبة حتى تؤخرها عن هذه الأيام.

و اعترض عليه: بأن ابتداء الحساب في ايام البحران من أول المرض و ابتداء الحساب فى ايام الإتصالات من أول الشهر و لا يلزم أن يكون أول الشهر أول المرض، و بأنه يلزم على هذا أن يبرأ المرضى في الرابع عشر من الشهر عند زيادة

ص: 599

النور لأن القوة تقوى حينئذ و أن يموتوا عند نقصانه و ليس كذلك، و بانه يلزم من ذلك أن تزيد الرطوبات الموجبة للمرض في الرابع عشر من الشهر و ذلك موجب للهلاك أو للانتقال إلى حال أردأ.

و أجيب عن الأول و الثانى بأنا لا نجعل اختلاف حال هذه الرطوبات منوطا باختلاف حال القمر في وضعه من الشمس و لا باختلاف حاله بزيادة النور و نقصانه حتى يلزم الاعتراض بل باختلاف وضعه من النقطة التى ابتدأ فيها المرض أية نقطة كانت من الفلك فان للقمر في هذه النقطة تأثيرا في الرطوبات حتى إذا صار إلى مقابلة تلك النقطة و هو أن يبعد عنها نصف دورة صارت تلك الحالة على ضدّ ما كانت عليه و كذلك إذا صار إلى تربيع تلك النقطة أو نصف التربيع تغيرت بحسب ذلك. و الحاصل أن ابتداء المرض يحسب من أول نقطة كان القمر فيها عند حدوثه و يكون الرابع عشر مقابلا له و على هذا جميع التشكلات من نصف المقابلة و ربعها و الاجتماع و حينئذ يطّرد الأمر في جميع الأمراض التى تحدث في أول الشهر و أوسطه آخره و غير ذلك غير أن هذه التشكيلات من الاستهلال إلى المقابلة تكون أقوى و من المقابلة إلى المحاق دون ذلك، و على هذا يكون أكثر المقدمات المذكورة في بيان أيام البحران مستدركا.

و قول المعترض: «إن القوة تزيد بزيادة النور و تنقص بنقصانه»، المراد بها قوة الحركة البحرانية لأنها في زيادة النور أقوى منها في نقصانه، و لا يلزم منه أن لا تقع الحركة المذكورة في غير ذلك الوقت و أن يكون إلى السلامة.

و عن الثالث بأن نور القمر يزيد في جميع الرطوبات البدنية- الممرضة منها و الغريزية- غير أن ما كانت منها في الاصل أكثر كانت زيادته عند ذلك أيضا أكثر، فإن كانت الغريزية أكثر آل الأمر إلى الصحة و إن كانت الممرضة أكثر آل إلى الهلاك أو بأنه يزيد في جميع الرطوبات، لكن المرجح لزيادة احداهما على الأخرى أمور خارجية مثل تنقيص الممرضة بالاستفراغ و غيره.

و من الاجتماع أى: اجتماع القمر مع الشمس إلى الاجتماع أى: إلى اجتماعه معها تارة اخرى تسعة و عشرون يوما و خمس و سدس من يوم و المراد باليوم هاهنا أربعة و عشرون ساعة و هو أى: مجموع الخمس و السدس ثلث يوم بالتقريب لأن ثلثه ثمانية ساعات و مجموع الخمس و السدس قريب من تسع

ص: 600

ساعات، و فيه بحث؛ لأن ايام ما بين الاجتماعين على ما صحّحه علماء الهيئة تسعة و عشرون يوما و نصف و كسر مجموعها واحد و ثلاثون دقيقة و خمسون ثانية من يوم ينقص منه مدة الاجتماع و ما يقرب منها قبل الاجتماع و بعده إذ القمر لا تأثير له في تلك المدة لاختفاء نوره لوقوعه تحت الشعاع. و قال المصنف: زمان المقابلة و التربيع و نحو ذلك انما يعرف بتنصيف زمان حركة القمر دورة تامة فقط و هو سبعة و عشرون يوما و ثلث يوم بالتقريب، و المراد بالدورة التامة للقمر هاهنا زمان حركة القمر من نقطة الاجتماع إلى أن يعود إلى تلك النقطة لا إلى الاجتماع مع الشمس ثانيا فلذلك لا بدّ من اسقاط المدة و هى يومان و خمس ساعات لكنهم لم يقتصروا على ذلك بل أسقطوا من ذلك ثلاثة أيام. قالوا: لأن ما قبل تمام الدورة بقليل حكمه حكم تمام الدورة لأن احوال القمر حينئذ تكون متشابهة لأجل ضعف النور فيكون كالمفقود.

و فى بعض النسخ: «ينقص منه زمان حركة الشمس من الاجتماع إلى الاجتماع» أى: يجعل ذلك النقصان على قدر فضل زمان حركة الشمس من نقطة الاجتماع الأول إلى نقطة الاجتماع الثانى على زمان الدورة التامة التى للقمر، و هو بالحقيقة زمان حركة القمر من نقطة اجتماع الأول بعد عوده إليها إلى اجتماع الثانى، لا زمان حركة الشمس، لأن زمان حركتها في هذه المدة أكثر من زمان تمام دورة القمر.

و بيان ذلك: إن الاجتماع إذا كان في رأس الحمل مثلا و تحرك كل واحد منهما منه بحركته الخاصة، فعند وصول القمر إلى رأس الحمل ثانيا لا يمكن أن تكون الشمس هناك، لأنها أيضا قد تحرّكت في هذه المدة فلا بدّ و إن قطعت بحركتها قوسا من الفلك دون الدورة لبطء حركتها بالنسبة إلى حركته و إنما يمكن اجتماع القمر بها ثانيا إذا تحرك بقدر تلك القوس مع زيادة قوس آخر تتحرك الشمس في مدة حركة القمر ذلك القوس الأول فلذلك تكون مدة الاجتماع و هى تسعة و عشرون يوما و نصف و كسر كما ذكر زمان حركة القمر دورة تامة و زمان حركته إلى الاجتماع بالشمس ثانيا.

و هو أى: الزمان المنتقص يومان و نصف و ثلث بالتقريب، فبقيت مدة الدورة ستة و عشرين يوما و نصفا لأن في هذه المدة يرجع القمر إلى النقطة التى تحرك عنها من الفلك فيقع البحران في السابع و العشرين من ابتداء المرض،

ص: 601

و هو وقت ظهور ضرر الفعل لا الوقت الذى يطرح العليل نفسه على الفراش، فإن من الناس من لا يطرح نفسه على الفراش الّا بعد أيام و نصفها ثلاثة عشر يوما و ربع يوم فيقع البحران في الرابع عشر و نصف نصفها و هو التربيع ستة أيام و نصف و ثمن، فيقع البحران في السابع، من الابتداء و هو التربيع الأول أو السابع من المقابلة و هو التربيع الثانى و هو تسعة عشر يوما و ثلاثة ارباع و ثمن، فيقع البحران في العشرين فتكون هذه الأيام بحارّين لما يقع فيها من التغير الكلى.

ص: 602

الفصل الخامس: في الوقوف على أيام الإنذار

و كل بحران لا بدّ له من يوم انذار يكون فيه تغير مّا كما أنه لا بدّ ليوم القتال من يوم تحصل فيه أمور دالة عليه. و سبب ذلك مناهضة خفيفة تجرى بين الطبيعة و المرض لا للمدافعة التامة بل للتهيّج و لذلك تظهر في هذا اليوم أمور: أحدها، ابتداء تغير المادة، التغير الذى لا بدّ منه في الاندفاع و هو النضج أو مقابل ذلك.

و ثانيها، دلائل استيلاء الطبيعة كالنضج أو دلائل استيلاء المرض كعدم النضج و سقوط الشهوة. و ثالثها، دلائل حركات تجرى بين الطبيعة و المرض مثل خفيف من الصداع و ضيق النفس و الكرب. و ايام المرض كثيرة و ليس يوم أولى من الآخر فيجب أن يكون. هو النصف من البحران، لأن التغير البيّن إنما يكون في الأنصاف و نصف ذلك يكون ثلاثة أيام و ربع و نصف ثمن، فيكون الاندار في الرابع لما يقع فيه تغير، لكنه لضعفه لم يعد بحرانا بل انذارا، و سبب ذلك أن للقمر أشكالا واضحة و خفية و الواضحة ثمانية أربعة قوية و أربعة ضعيفة: أما القوية و هى التى يقع فيها البحران في الأكثر، فأولها: عند الاستهلال، و ثانيها: عند الاستقبال و ثالثها: عند التربيع الأول، و هو اليوم السابع من أول الشهر، و رابعها: عند التربيع الثانى، و هو اليوم الحادّى و العشرون. و هذا على رأى «ارجيجانس» و «اركاغانيس»، و أما على رأى «بقراط» و «جالينوس» فهو اليوم العشرون بناءا على الضابطة المذكورة من قبل و التربيع الأول لكونه ذاهبا إلى الكمال أقوى من الثانى.

و أما الضعيفة و هى التى يقع فيها الإندار في الأكثر، فأولها: عند توسطه بين

ص: 603

الشمس و التربيع الأول، و هو اليوم الرابع. و ثانيها: المقابل له، و هو توسطه بين الشمس و التربيع الثانى، و هو اليوم الرابع و العشرون. و ثالثها: عند توسطه بين التربيع الأول و المقابلة و هو اليوم الحادّى عشر. و رابعها: عند توسطه بين المقابلة و التربيع الثانى و هو اليوم الثامن عشر. و أما الاشكال الخفية فثمانية أيضا و هو ما يكون قبل المقارنة بيوم، و بعدها بيوم، و قبل المقابلة بيوم، و بعدها بيوم، و قبل كل من التربيعين بيوم، و بعده بيوم. و هذه ايام ضعيفة قلّما يكون فيها بحران و انذار تسمى الأيام الواقعة في الوسط.

إلّا أن يكون المرض مثل الغب من الأمراض التى تنوب في الافراد فإن البحران و الانذار لا يقع فيه في الأكثر إلّا في يوم النوبة أى: في الأفراد فيكون الانذار فيه في الثالث أو الخامس، دون الرابع بحسب استعجال الطبيعة في الأول لانقهارها بالمادة و اضطرارها لذلك إلى الدفع قبل النضج أو بحسب تأخيرها في الثانى انتظارا للنضج التام و الاستظهار على الدفع، و كذا البحران يكون فيه في الحادّى عشر أو الخامس عشر دون الرابع عشر.

ثم جعلوا ثلاثة أرابيع أحد عشر يوما، و ثلاثة اسابيع عشرين يوما اقتداءا ب «ابقراط»، فإنه جعل اليوم الرابع من الأسبوع الثانى هو اليوم الحادّى عشر، فتكون ثلاثة ارابيع أحد عشر يوما، و جعل آخر الأسبوع الثالث هو اليوم العشرين و ضابطهم في ذلك أن الحساب إذا استغرق أكثر من نصف يوم فصلوا ذلك اليوم مما بعده، لأن للأكثر حكم الكل فلم يكن لليوم الذى بعده فيه نصيب فيكون ابتداء اليوم الذى بعده بعد ذلك اليوم و الّا أى: و ان لم يستغرق، و صلوا به فجعلوا رابوعين يعنى الرابوع الأول و الثانى متصلين بأن جعلوا ابتداء الرابوع الأول أول المرض و آخره اليوم الرابع و ابتداء الرابوع الثانى اليوم الرابع و آخره السابع فجعلوا اليوم الرابع مشتركا بينهما و جعلوا الرابوع الثالث منفصلا عن الثانى و جعلوا ابتداءه من اليوم الثامن و سابوعين يعنى السابوع الأول و الثانى منفصلين بأن جعلوا آخر السابوع الأول اليوم السابع و أول الثانى الثامن و جعلوا السابوع الثالث متصلا بما قبله و هو السابوع الثانى، بأن جعلوا اليوم الرابع عشر و هو آخر السابوع الثانى أول السابوع الثالث، فجعلوه مشتركا بينهما فكان حكم الأرابيع في الاتصال و الانفصال على خلاف حكم الأسابيع، لأن الأرابيع يبتدئ بها رابوعان متصلان

ص: 604

و الثالث منفصلا، و الأسابيع تبتدئ سابوعان منفصلين و الثالث متصلا و ذلك لأن الرابوع الأول ثلاثة ايام و ربع و نصف ثمن، و هو أى: الربع مع نصف الثمن أقل من نصف يوم، فوصلوا به الرابوع الثانى و جعلوه مشاركا له في ذلك اليوم فصار الرابوعان ستة ايام و نصفا و ثمنا فكان النصف مع الثمن أكثر من نصف يوم فجعلوه يوما كاملا و ابتداء الرابوع الثالث من اليوم الثامن.

و كذلك فعلوا في الأسابيع، فإن السابوع الأول ستة ايام و نصف و ثمن فجعلوه يوما كاملا لأنه أكثر من النصف فكان أول الأسبوع الثانى اليوم الثامن و مجموع الأسبوعين ثلاثة عشر يوما و ربع و هو أقل من نصف يوم فوصلوا به السابوع الثالث فكان أوله من اليوم الرابع عشر و هو آخر الأسبوع الثانى و آخره أى: آخر الأسبوع الثالث اليوم العشرين أما على ما ذكره المصنف و هو «رأى» الشيخ فظاهر، و أما على رأى الأقدمين فلأن الأسبوع عندهم ستة أيام و ثلثا يوم و ربع الربع، و ثلثا اليوم بالساعات ستة عشر ساعة، و ربع الربع ساعة و نصف فيكون المجموع ستة ايام و سبعة عشرة ساعة و نصفا، فالكسر الذى يبقى من الأسبوع الثانى في اليوم السابع أقل من نصف يوم، فلم يجعل هذا اليوم مشتركا، و أما مدة الاسبوع الأول و الثانى فهى ثلاثة عشر يوما و إحدى عشر ساعة و يبقى من الاسبوع الثالث في هذا اليوم ما هو زائد على نصف يوم و هو ثلاثة عشر ساعة، فجعل ابتداؤه من الرابع عشر فيكون البحران في عشرين لأن ثلاثة أسابيع عشرون يوما و سدس يوم و كسر مدته نصف ساعة فيكون فضل ثلاثة الأسابيع على عشرين يوما بأربع ساعات و نصف و هو كسر قليل فيكون البحران بيوم العشرين أولى منه بالواحد و العشرين كما هو مذهب «أبقراط»، و هكذا الأمر في العشرين الثانى إلى أربعين على رأيه.

و اليوم الرابع منذر بالسابع و اليوم الحادّى عشر منذر بالرابع عشر لأن اليوم الرابع من الاسبوع الثانى و قد مرّ أن رابع كل أسبوع منذر به، لأنه نصف مدة يقع فيها تغير عظيم بحرانى، فلا بدّ أن يقع في هذا النصف أيضا تغير مّا و ليس بحرانا لضعفه بل انذارا به. و اليوم السابع عشر يوم الانذار بالعشرين؛ لأنه اليوم الرابع من اليوم الرابع عشر الذى هو أول الاسبوع الثالث و اليوم السابع من اليوم الحادّى عشر مراده بهذا تأكيد الدلالة على وجوب وقوع التغير فيه و وجوب كونه يوم انذار، لأنه سابع يوم يقع فيه تغير ما، و يكون منذرا بالبحران الذى يليه.

ص: 605

الفصل السادس: بحارّين أمراض الحادّة و المزمنة

و الأمراض الحادّة مطلقا و هى الأمراض التى في المرتبة الثانية من الحدّة و قدّمها لكثرة وقوعها بحرانها في الرابع عشر؛ لأن موادها لطيفة رقيقة القوام حارّة المزاج الأكثر، فهى منفعلة عن حركة القمر، و تأثيراته متغيرة بحسب تغير نوره و تكون الطبيعة لذلك متشمّرة لمقاومتها على الاتصال، و بحرانها لا يتأخر عن الرابع عشر لأن الطبيعة لا تحتمل مقاساة صعوبة المرض وحدته و مقاومته على الاتصال أكثر من هذه المدة، فيحدث بحران إما إلى الخير و إما إلى العطب و الحادّة جدا و هى التى في المرتبة الثالثة من الحدّة بحرانها في السابع و فيما بين السابع و الرابع، لأن مادتها ألطف و أرق و أحدّ في الأكثر فيكون أسرع تغيرا، و قال بعض:

الحادّة جدا بحرانها فيما بين السابع و الحادّى عشر، و الحادّة في الغاية بحرانها فيما بين الرابع و السابع و الحادّة في الغاية القصوى و هى التى فى المرتبة الرابعة من الحدّة بحرانها في الرابع فما دونه، لأنها اسرع تغيرا و القليلة الحدّة و هى التى في المرتبة الأولى من الحدّة بحرانها في السابع عشر و العشرين و الرابع و العشرين.

ثم حادّة المزمنات و هى الأمراض المتوسطة بين الحادّة و المزمنة، و هى التى تكون هادئة أولا ثم تحتدّ و تقوى أو تفتر حينا و تشتدّ حينا، بحرانها في السابع و العشرين و الحادّى و الثلاثين و الرابع و الثلاثين و السابع و الثلاثين و الأمراض الحادّة هي التى تكون قصيرة المدة ذات خطر، سواء كانت ساذجة كالتشنج اليابس و الكزاز اليابس أو مادية باردة كالسكتة و القولنج البلغميين أو حادّة، و المزمنة هي التى تمتدّ إلى أربعين يوما و أكثر و إن كانت من الحرارة كالدقّ.

ص: 606

ثم بحران المزمنات في الأربعين و الستين و الثمانين و المائة و العشرين و ذلك لأن موادها غليظة بطيئة الحركة و الخروج هادئة فلا تتغير بتغير القمر، بل بتغير الشمس و تأثيراتها لكن الشمس لا تتغير في نورها و غير ذلك تغيرا يلزمها في تمام دورتها، فلذلك جعلت بحارّينها مقدّرة بمدة دورة تامة لا ينقص من ذلك و لما كانت دورة الشمس تتم في سنة شمسية فنصف ذلك و هو المقابلة يكون في ستة أشهر شمسية و السنة الشمسية تزيد على القمرية و كذلك عدد أيام شهورها فتكون ستة أشهر شمسية ستة أشهر قمرية مع زيادة ايام فيقع البحران في الشهر السابع من الشهور القمرية و انما زادوا بعد الاربعين عشرين عشرين، لأن الرابوع و السابوع ضعف حكمهما في هذه الأمراض إذ لم يحصل لهما تأثير في هذه المدة لغلظ المادة و عسر انفعالها فزادوا عدد اجتمع فيه الرابوع و السابوع ليجتمع من هذه التغيرات الضعيفة جملة لها ظهور بيّن و زادوا بعد الثمانين أربعين أربعين يوما، لأن المرض لفرط إزمانه و غلظ مادته و شدة عصيانها عن الانفعالات لا يتغير في المدة المتقاربة العشرينية.

و أول بحارّين المزمن أربعون فهو لذلك آخر البحارّين الحادّة و كانت نسبته إلى المزمنات نسبة الرابع إلى الحادّات.

و قد يكون البحران في سبعة أشهر إذا كان المرض شديد الإزمان بطى ء الحركة فيكون كل شهر منه بمنزلة يوم من الأمراض الحادّة بل في سبع سنين و فى أربعة عشر سنته(1) و فى إحدى و عشرين سنته و هذه هي البحارّين الزحلية، فتكون كل سنة بمنزلة يوم من الحادّة، هذا على ما ذهب إليه «ابقراط»، و اما «جالينوس» فإنه لم يذكر أن الأمراض التى ينقص بعد الأربعين تكون ببحران لأن حركتها بعده تكون بطيئة جدا.

و قد ذكر بعض الفضلاء في لميّة وقوع البحران في هذه الأيام المخصوصة في الأمراض الحادّة بأن القمر إذا كان في ابتداء المرض في موضع من الفلك المستقيم يعنى دائرة معدل النهار، فعند وصوله بحركته الخاصة إلى موضع آخر من تلك الدائرة ينظر فيه حينئذ بنظر العداوة إلى الموضع الأول الذى اقتضى فيه المرض- و هو المقابلة و التربيعان، اقتضى نقصانا و ضعفا في المرض؛ لأنه حيث كان في

ص: 607


1- 536. ( 1).[ كذا كان فى النسخة، و الصحيح أن يكون« سنته» و أيضا ما قبلها].

الموضع الأول مقتضيا للمرض، كان المواضع المخالفة له مقتضيا لنقصانه فيقع في تلك الأوقات بحران يؤدّى إلى الصلاح فى أكثر الأمر، بخلاف الأوقات الأخر لأن قهر العدو في حال ضعفه أسهل و لذلك تنتهض الطبيعة في تلك الأيام للمكاوحة في الأكثر، و القمر يتم الدورة في سبعة و عشرين يوما و ثلث يوم بالتقريب و لا يبلغ تمام دورته إلى ثمانية و عشرين يوما فإذا قسمت دائرة معدل النهار إلى أرباع متساوية كان تمام قطع القمر للربع الأول في اليوم السابع من ابتداء المرض و تمام قطعه للنصف في اليوم الرابع عشر فيقع البحران في هذين اليومين من غير تقدم و تأخر، لكن بسبب ما يقع التفاوت في مطالع البروج يتقدم البحران و يتأخر من غير المقابلة و التربيع الأول، و أما قطعه للربع الثالث فيكون بين العشرين و الواحد و العشرين فيقع البحران عند التقدم في العشرين و عند التأخر في الواحد و العشرين، و وصوله إلى الموضع الأول يكون في الثامن و العشرين و وقوع البحران فيه يدل على قلّة حركة المادة و عسر نضجها فلذلك يكون البحران فيه ضعيفا و التغير الذى يكون في المرض و ينذر بالبحران يكون عند كون القمر في الزوايا الثمانية الحادّثة من انقسام الفلك المستقيم إلى ثمانية اقسام متساوية، و هى أنصاف الأرباع، فإن التغير الحادّث في كل من تلك الأنصاف ينذر ببحران يكون في ذلك الربع، فإن الرابع ينذر بالسابع، و الحادّى عشر بالرابع عشر، و السابع عشر بالعشرين، أو بالحادّى و العشرين، و الرابع و العشرين بالثامن و العشرين و إذا قسم كل ثمن إلى نصفين، انقسم الفلك إلى ستة عشر قسما يمكن أن يكون في كل قسم منها بحران أو انذار.

و أما الأمراض المزمنة فيستدل على أوقات بحارّينها من حركة الشمس في الزوايا المذكورة و قد يستدل عليها من حركة زحل.

و إنما تكون البحارّين مستقيمة على الترتيب المذكور إذا لم يحدث سبب آخر يعين المرض و يضاد الطبيعة و لا يرد على هذا الوجه من الايرادات ما يرد على الوجه الأول

تمت

ص: 608

الضميمة الثانية: في سقى السموم

الفصل الأول: التدابير الوقائية عن سقى السموم

من خاف أن يسقى سما فيجب أن يحترز من الاغذية و الأشربة الغالبة الطعوم و الغالبة الروائح، لأن الادوية القتالة إنما يمكن أكثرها أن يدسّ فيها، و ليتجنب أيضا ما له رائحة كريهة من الاغذية و الاشربة. و يجب أن لا يحضر مكانا متهما على جوع و عطش لقلة التنبه في مثل هذا الحال لما يجب أن يتفطن له، و لأن السم إن وقع سقيه في مثل هذا الحال كان أشدّ نكاية، و يجب عليه أيضا أن يتعاهد الأدوية الدافعة لمضرة السموم التى من شأنها إذا تقدم من أخذها أن يضعف عمل السموم و يوهنه و منها المثروديطوس و هو أقواها فعلا في ذلك، و منها ترياق الطين المختوم، يؤخذ من طين و حب الغار بالسوية و يعجن بالعسل بعد أن يسحق و يلت بسمن البقر، و منها دواء الجوز و التين، يؤخذ من الجوز المقشّر جزء و من الملح الجريش و السذاب اليابس من كل واحد سدس جزء و من التين الأبيض ما يعجن به.

و لا ينبغى لأحد أن يدخل فاه شيئا غير معروف و لا يشمّه و لا يدلك به جسده أيضا.

ص: 609

الفصل الثانى: التدابير العامة للمسموم

فأما من سقى السموم فينبغى ساعة يحسّ بالتغير و الاضطراب أن يبادر فيشرب ماء فاترا كثيرا و دهن الحل و يقى ء و يكرر ذلك حتى تنظف المعدة. و إن تعسر القى ء، شرب ماء مطبوخا فيه الشبت قد حل فيه البورق و الملح و يقى ء و يشرب بعد ذلك لبنا و سمنا. و يصلح في هذا الوقت أيضا ترياق الطين المختوم فان خاصيته أن ينقى المعدة من السم بالقذف. ثم ينبغى أن ينظر بعد ذلك إلى الأعراض التى عرضت له من العوارض اللازمة لسقى كل واحد من السموم فيعالج بما هو مخصوص به من العلاج على ما سيأتى.

فإن أشكل ذلك، نظر إلى تأثيره في البدن: فإن أحدث حرقة و مغصا و تقطيعا و أكالا فى بعض المواضع من البطن، علم أنه حادّ أكّال فيسقى اللبن و الزبد و دهن اللوز و أطعم الفالوذجات الرقيقة بدهن اللوز. و إن احدث التهابا و عطشا و حمرة في الوجه و بخرا الفم و صفرة في العين و كربا و عرقا، علم أنه حارّ فيسقى ماء الثلج و السويق(1) بالثلج و ماء الورد مبرّدا بالثلج، و دهن الورد و أقراص الكافور و بذر قطونا و مخيض البقر و مياه الفواكه الباردة و فصد و اسهال إن احتيج إليهما. و إن أحدث جمودا أو خدرا أو سباتا و ثقلا اليدين و الرجلين و اللسان، علم أنه بارد فيسقى الشراب العتيق و الثوم و الجوز و دواء الحلتيت المتخذ من المر و السذاب و القسط و الفوتنج و الفلفل و العاقرقرحا و القردمانا إذا اخذت أجزاء متساوية

ص: 610


1- 537. ( 1). أي: سويق الشعير و امثال ذلك من الأسوقة الباردة.

و خلط معها الحلتيت مثل ربع الجميع و جمع بالعسل و منع النوم و العطش و دلك جسده و سخن بالتكميد. و إن أحدث انحلال القوة و غشيا و ذبولا و سقوط نفس، علم أنه من السموم القتالة المضادة لمزاج الانسان بجملة جوهرها فبودر و يعطى الترياق الكبير و المثروديطوس و دواء المسك و قوى بماء اللحم و الشراب و الطيوب.

و ينبغى أن ينظر أيضا إلى فعلها و نكايتها في الأعضاء، فإن لكل واحد من الأدوية السمية فعلا و تأثيرا بعضو من الأعضاء فينبغى أن يتفقد ذلك ليحفظ تلك الأعضاء من أذيتها: مثل ما إذا أحدث اضطرابا في أسفل البطن، حمل شيافا ليّنة و حقن بحقنة ليّنة. و إذا احدث ذلك في المعدة، أسهل بدواء مسهل لين. و مثل ما إذا أحدث يرقانا، فاعلم أنه أضرّ بالكبد فأعط ما يخص الكبد من الأشربة و الأدوية(1). أو حدث خفقان و غشى، فاعلم أنه أضرّ بالقلب فينبغى ان يبادر بتقويته. أو حدث تشنج، فاعلم أنه أضرّ بالدماغ فيقبل إليه بالمعالجات. أو حدث في عضو من الأعضاء و موضع من مواضع البدن لهيب و حمرة، فيبرّد بالطحلب و نحوه حتى يخدر. و إن حدث فيه برد، سخن.

ص: 611


1- 538. ( 1). أي: المدرّة المخصوصة بالكبد.

الفصل الثالث: ذكر السموم مفصلا مع علاج كل واحد منها

و السموم و الأدوية السمية منها معدنية، و منها نباتية، و منها حيوانية، و لكل واحد منها علامات تظهر على شاربها و يستدل بها على ذلك. و أردؤها و أفجعها قتلا:

البيش: و قد يعرض لشاربه ورم الشفة(1) و اللسان و جحوظ العين و تدارك الغشى و الدوار و الصرع.

و علاجه: أن يتقيأ مرات بطبيخ بذر الشلجم و السمن العتيق ثم يسقى أربعة أواق من طبيخ جفت البلوط مع دواء المسك و يسقى الترياق و المثروديطوس و الفادزهر الأصفر و الأخضر المجرب. و من ترياقه السمن و قشور أصل الكبر.

قرون السنبل: يعرض منه بول الدم و اسوداد اللسان و أعراض السرسام.

و علاجه: بعد التنقية، سقى مثقال من الكافور بماء الورد و أقراص الكافور بالمخيض و سقى ماء الشعير و ماء الخيار و لعاب بذر قطونا و حب السفرجل و ماء الرمان و بذر البقلة و دهن اللوز الحلو و دهن الورد مبرّدا بالثلج.

الذراريح: هي حادّة حريفة يحدث منها مغص و تقطيع و وجع شديد في المثانة و حرقة البول و احتباسه و بول الدم و ورم القضيب و نواحيه و الالتهاب، و حرقة الفم و الحمى و الاختلاط.

و علاجه: التنقية بالماء الحارّ و دهن الحل و طبيخ التين، ثم سقى اللبن

ص: 612


1- 539. ( 1). لحصول سخونة في الدم و غليانه و صعوده الى الأعالى.

و اللعابات الباردة و ماء البقلة الحمقاء بالزبد و الادهان الباردة و الأحساء اللينة و الأمراق الدسمة و تقطير دهن الورد و بياض البيض في الإحليل.

[المويزج] و قد يعرض من شرب المويزج هذه الأعراض بعينها.

و علاجه: هذا العلاج.

مرارة النمر: يعرض من شربها قى ء مرة صفراء و خضراء و اصفرار العين و مرارة الفم الشديدة حتى تفوح من فم شاربها رائحة الصبر.

و علاج ذلك: بعد القى ء بالماء الحارّ و السمن و الدهن و سقى الترياق المخصوص به هو: أن يؤخذ من الطين المختوم و حب الغار جزءا جزءا؛ أنفحة الظبى أربعة أجزاء؛ بذر السداب و مرّ، نصفا نصفا، يجمع و يعجن بالعسل و يسقى قدر الجوزة، و إن تقيأ أعيد، و يجلس في ماء الرياحين و يعالج بعد ذلك بعلاج النهشة.

مرارة الافعى من سقى منها لا يكاد ينجو و يتخلص و يتواتر عليه الغشى.

و علاجه: سقى السمن مسخّنا و دهن الحل و الزبد و الماء الحارّ و القى ء بعد ذلك، ثم سقى الفادزهر الفائق الممتحن و الترياق و المثروديطوس و ايجار دواء المسك و ماء اللحم.

طرف ذنب الابل: يعرض لمن شربه كرب شديد و غشى و هو سم قاتل.

و علاجه: ان يستعمل القى ء بعد سقى الكثير من السمن و العسل مفترين ثم يعطى البندق و الفستق و يسقى من الفيلزهرج وزن دانقين إلى نصف درهم بشراب.

عرق الدابة: قد يعرض منه اصفرار الوجه و اخضراره و الخوانيق و سيلان العرق الكثير المنتن.

و علاجه: التنقية بماء العسل، ثم سقى الميفختج و دهن الورد، و سقى ترياق الطين المختوم، أو يسقى من الزراوند و الملح الدرانى من كل واحد نصف درهم بماء فاتر.

أفيون: يعرض لمن شربه السبات، و اشمام ريح الأفيون من فمه و بدنه و الكزاز و الخدر و اعتقال اللسان و غور العينين و تكمد الاظفار و ربما عرض له حكّة شديدة.

و علاجه: القى ء بالشبت و الفجل و العسل و الملح الهندى و أن يحقن بالحقن الحارّة و يسقى شرابا قد ألقى فيه دارصينى مسحوق و عاقرقرحا و جندبيدستر

ص: 613

و يسخّن الرأس بالتكميد و التعطيش و يعطى ترياق الاربعة أو سنجرنينا أو يسقى قدر بندقة من جندبيدستر و فلفل و حلتيت و ابهل مسحوقة معجونة بعسل.

شوكران: يعرض لشاربه من الأعراض مثل ما يعرض لشارب الأفيون مع غشاوة البصر و برد الاطراف و التشنج و ثقل الركبتين، و يداوى كما يداوى من سقى الافيون.

البنج: يعرض من سقيه سكر شديد و استرخاء الأعضاء و زبد يخرج من الفم و حمرة فى العين و ذهاب العقل و الهذيان.

و علاجه: القى ء بالماء الحارّ و السمن و العسل و طبيخ التين و البورق و سقى الحلتيت(1) و اللبن الحليب و حليب التين و دهن البنفسج.

يبروج: من سقى منه عرض له الدوار و السكر و احمرار العين و سبات شديد.

و علاجه: القى ء و الحقنة و أن يجعل على الرأس خل الخمر و دهن الورد و يتجرع خلا ثقيفا قد نقع فيه افسنتين و صعتر. فإذا سكنت الحمرة من الوجه و العين، دبّر بتدبير من سقى الأفيون.

جوز ماثل: يعرض منه دوار و حمرة في العين و سكر و سبات.

و علاجه: علاج من سقى اليبروج و ينفع منه خاصة ايجار الزبد و السمن المسخّنين و القى ء مرات و وضع الأطراف في الماء الحارّ و تسخين البدن بتمريخ الادهان(2) و الرياضة و التغذى بالاغذية الدسمة و سقى الشراب المفوّه.

بذر قطونا: قد يعرض لمن شرب بذر قطونا مدقوقا غم و كرب و ضيق النفس و سقوط القوة و النبض و الغشى.

و علاجه: القى ء بالماء الحارّ و العسل و الشبت و الملح و البورق و يحتسى صفرة البيض النيمبرشت و سقى الشراب الصرف.

الكزبرة الرطبة: إذا أكل منها كثيرا و شرب من مائها قدر أربع أواق، حدث سدد و دوار و اختلاط و سبات و بحة الصوت و يفوح ريح الكزبرة من البدن.

و علاجه: بعد التنقية يحسى صفرة البيض النيمبرشت بالفلفل و الملح و مرقة الدجاج المسمنة و سقى الشراب القوى إما و حدّة أو مع الدارصينى و الفلفل.

الفطر و الكماة: الإكثار منهما يورث الخوانيق و القولنج مع أن فيهما أنواعا رديئة

ص: 614


1- 540. ( 1).[ خ. ل: غير موجودة].
2- 541. ( 2).[ أي: الحارّة].

قاتلة، لا سيّما من الفطر و هى ما كان فيه سواد أو خضرة (أو تطويس)(1) و تفوح منه رائحة كريهة و ما كان نباته عند أحجار هوامّ أو بقرب اشجار لها كيفيات قوية و يحدث منه ذبحه و ضيق النفس و الاقشعرار و العرق البارد و الغشى.

و علاجه: التنقية بماء الفجل و عصير الفوتنج و المرى و السكنجبين و البورق و الملح و نحو ذلك و سقى الشراب الصرف أو خرء الدجاج بالسكنجبين العسلى أو رماد خشب التين و الكرم بالماء الحارّ مع قليل خل و ملح أو ترياق الاربعة و السنجرينيا و الفلافلى أو الكمونى بالشراب أو بماء السداب و تضميد المعدة بالأضمدة الملطفة و استعمال الحقن الحادّة.

السمك البارد: يعرض منه إذا اكل بعد يوم من الشى ء و خاصة(2) إذا كان موضوعا المواضع الندية ما يعرض عن أكل الفطر.

و علاجه: علاج الفطر.

الزئبق: أما الحى منه فشربه لا يضرّ، بل إن شرب خرج سريعا بحاله، و أما المقتول فيعرض من سقيه وجع في البطن و ورم في الجسد و مغص شديد و ثقل اللسان و احتباس البول و هو ردى ء جدا حادّ.

و علاجه: أن ينقى الجوف منه بأن يتقيأ بماء العسل و البورق و يحقن بهما ثم يعطى الأدوية النافعة للسحج كاللبن المطبوخ و البذور اللينة و الالعبة و يحقن بها أيضا. و أما الزئبق الحى إن صبّ في الأذن، تعرض منه أعراض رديئة من الوجع الشديد و اختلاط العقل و التشنج و ربما أدّى إلى الصرع و السكتة و ينبغى أن يخرج بالتعجيل و تحريك الرأس و صبّ الدهن المسخّن في الأذن.

الشك و الزنجفر: يعرض عنهما ما يعرض من الزئبق المقتول، إلّا ان الشك ردى ء جدا.

و علاجهما: مثل علاج الزئبق.

المرتك: يعرض من شرب المرداسنج، القولنج و العسر و جفاف الفم الاختناق و ثقل اللسان و ورم في البدن.

ص: 615


1- 542. ( 1).[ خ. ل: غير موجودة].
2- 543. ( 2). لأن السمك سريعة التعفن و اذا كان موضوعا في المواضع الندية يشتدّ استعداده بسبب غلبة الرطوبة للتعفن.

و علاجه: أن يتقيأ بطبيخ التين و الشبت و البورق و يسهل بجوارش السفرجل، و يحقن بالحقن القوية، و يسقى الشراب الصرف(1) و الزنجبيل المربى، أو يعطى مثقالين من بذر الكرفس و الافسنتين و المر إذا أخذت أجزاء متساوية بأوقية من الشراب و أوقية من طبيخ الكرفس.

الاسفيداج: يعرض لشاربه ان يبيض لسانه و تسترخى أعضاؤه و يعتريه فواق شديد، و سعال و يبس في الفم و الحلق و وجع في المعدة و تمدد.

و علاجه: أن يتقيأ بماء العسل و طبيخ التين و يسقى ربع درهم سقمونيا بماء العسل بعد ذلك و يسقى عصارة الأفسنتين و ما يدرّ البول مع ماء العسل.

الجسبين: يعرض عن شربه قولنج و اختناق و جفاف الفم.

و علاجه: أن يسقى ماء العسل و الأشياء اللعابية(2) و عصارة الخطمى الرطب و الملوخية(3) ثم يسقى ربع درهم سقمونيا في جلاب. فإن سكنت الأعراض، و الّا أعيد الاستمشاء(4). و إن حدث سحج عولج السحج.

النورة و الزرنيخ: يعرض عن سقيهما مجموعا سحج و قروح الأمعاء، و من سقى النورة وحدها يبس الفم و وجع المعدة و الأسر و اسهال الدم. و من سقى الزرنيخ المصعّد يعرض له ما يعرض من الزئبق و ربما عرض عنه سعال مؤذ. و كذلك تعرض هذه الاعراض لمن سقى ماء الصابون و الزنجار أو دخل في حلقه شى ء كثير من غبار النورة.

فليسق هؤلاء الماء الحارّ و الجلاب مرات حتى يتثفل(5) أكثرها ثم يسقى ماء الارز و ماء الشعير و اللبن و اللعابات و اللزوجات و الدسومات.

خبث الحديد و برادته: يعرض منهما وجع شديد في البطن و يبس في الفم و لهيب و صداع غالب، فينبغى أن يسقى اللبن مع بعض المسهلات القوية، ثم يسقى السمن و الزبد (بالسكر و الاشربة)(6) و يجعل على رأسه دهن اللوز و الخلّ و ماء الورد ثم يسقى شى ء من المغناطيس و يتبع ذلك بالمسهلات اللينة حتى يخرج.

ص: 616


1- 544. ( 1).[ خ. ل: غير موجودة].
2- 545. ( 2). يسقى بعد التنقية لازالة الخشونة.
3- 546. ( 3).[ خ. ل: الملوكية].
4- 547. ( 4). أي: الاسهال.
5- 548. ( 5).[ خ. ل: ينغسل].
6- 549. ( 6).[ خ. ل: غير موجودة].

الزاج و الشبّ: يعرض عن شرب هذين سعال يؤدّى إلى السّل.

و علاجه: شرب اللبن و الزبد بالسكر و الأشربة الزوفائية و نحوها.

فرفيون: يعرض منه كرب شديد و لهيب و لذع في البطن و فواق و استطلاق البطن.

و هو حارّ جدا فلتوهن قوته بالزبد و السمن ثم يسقى السويق بالثلج و يجلس في ماء بارد و يجرع ماء الورد و تواتر شرب ماء الرمان و التفاح المز بعد ذلك.

اليتوعات: يعرض من سقيها إذا جاوزت الشربة لذع شديد و اسهال مفرط فينبغى أن تكسر قوتها أولا باللبن و الزبد و السمن ثم يعطى الدوغ و سويق التفاح و الربوب القابضة و الأقراص الحابسة.

دند: يعرض منه اسهال ذريع.

و علاجه مثل علاج اليتوعات.

دفلى: هذا يقتل الناس و الحمير و اكثر البهائم، و الماء الذى هو ينبت فيه ردى ء.

يعرض لمن سقى الدفلى كرب شديد و انتفاخ بطن و لهيب عظيم و هو حارّ مقطع.

و تنفع منه اللعابات و الدسومات المذكورة و الحلاوات و القى ء و الحقنة بماء العسل و البورق فما لا بدّ منه. و طبيخ التمر و الحلبة نافع و بذر فنجنكشت من ترياقاته.

بلادر: يعرض منه تنفّط الفم و الحلق و التهاب و امراض حادّة و عطش و وسواس.

و علاجه: أن يسقى الأشياء المبرّدة المرطّبة و الأدهان الباردة الرطبة و الأحساء و الأمراق الدسمة و الجوز، و فادزهر له خاصية فيه.

تفسيا: هو حادّ أيضا تعرض منه حرقة و جحوظ العين و حمرة الوجه و شرى في البدن.

و كذلك بصل العنصل و بذر الابخرة.

و الكبيكج: هي حادّة أيضا يعرض منها ما يعرض من اخواتها من السموم الحادّة.

و يقرب منها الجندبيدستر الردى ء.

الزنج الأغبر: الذى يضرب إلى السواد، فإنه حادّ أيضا تعرض منه أعراض السرسام الحارّ.

ص: 617

و كذلك الادهان و اللبوب الزنخة(1) يعرض منها غثيان و غشى و كرب، لا سيّما إن أكثر منها.

و نوع من العسل الردى ء و هو الحريف منه جدا الذى يحرك العطاس إذا شم، يعرض منه ما يعرض من بذر الأبخرة و العنصل.

و علاج جميع ذلك: التطفئة بالاشربة المبرّدة، و مياه الفواكه الباردة، و الاشياء اللعابية المغرية. و أما التنقية فهى مشترك في سقى جميع السموم و مما يخص الجندبيدستر ماء التفاح الحامض فإنه فادزهر له.

الكندش و الجبلاهنك و العرطنيثا و الخربق الابيض: هذه إذا أفرط في استعمالها خيفت لكثرة ما يميل من الأخلاط إلى المرى، و قد تحدث غثيانا قويا و قيئا يسقط القوة لشدته و ربما يحدث تشنجا يابسا لكثرة الاستفراغ.

فليعالج: العارض الأول بالحقنة ليميل بعض الخلّط إلى أسفل، و يعالج الثانى بتواتر سقى الماء الفاتر حتى تمتلئ المعدة و يقى ء بسهولة ثم يعالج بعلاج الهيضة، و أما إن حدث التشنج فيعالج بعلاج التشنج اليابس.(2)

شرح الأسباب و العلامات ؛ ج 2 ؛ ص618

خربق الاسود: يحدث منه اسهال شديد و خنق و تشنج و خفقان و حرقة اللسان و عضّ عليه و جشاء و نفخ.

و علاجه: أن تكسر قوته بما قيل و يطعم الجبن الرطب و الزبد و نحو ذلك ثم يعالج الاسهال بالربوب و الادوية الحابسة و يعالج التشنج إن حدث بما قيل في باب التشنج اليابس.

خانق الذئب و خانق النمر: يعرض من تناولهما عفوصة في الحنك و اللهات و يبس مع ورم و بخار دخانى يتصاعد من الفم و يعرض من خانق النمر السدد و ظلمة العينين و رطوبتهما.

و علاجهما: بعد التدبير المشترك سقى الصعتر و الفراسيون و السذاب أو الافسنتين و الشيح بالشراب المطفأ فيه الحديد. و الانافح فيهما نافعة.

الدبق: يعرض من شربه قرقرة في البطن و مغص من غير اختلاف و دوار.

و علاجه: أن يتقيأ بماء العسل و يحقن بالحقن اللينة و ينفعه سقى الافسنتين مع

ص: 618


1- 550. ( 1).[ أى: المتغيرة و المتكرجه].
2- 551. سمرقندى، نجيب الدين - شارح: كرمانى، نفيس بن عوض، شرح الأسباب و العلامات، 2جلد، جلال الدين - قم، چاپ: اول، 1387 ه.ش.

الخمر الكثير و السكنجبين. مما يختص به طبيخ(1) الجرجير أيضا و السنبل مع الخزميان و الفلفل.

عنب الثعلب: نوع منه مخدر ردى ء و هو الجبلى منه، و الذى له ورق مثل ورق الجرجير و أغصان كبار زغبية الأطراف يخرج هذا عن الاصل أكثر من عشرة أسود الزهر و الحب. و يعرض من تناول ذلك كمودة لون و جفاف اللسان و فواق و قى ء الدم الكثير و نفثه و اختلاف سحجى مخاطى و يعرض في المذاق كطعم اللبن.

و علاجه: القى ء و سقى الالبان و العسل مع الإنيسون و صدور الدجاج نافعة فيه، و كذلك اللوز المر.

الارنب البحرى: هو حيوان صدفى جمادى إلى الحمرة ما هو، بين أجزائه شى ء يشبه ورق الأشنان و يعرض من سقيه ضيق النفس و السعال اليابس و نفث الدم و قى ء الصفراء و اليرقان و وجع في الاحشاء و عسر البول و العرق المنتن و هو يقتل بتقريح الرئة و شاربه يشمئز من رؤية السمك.

و علاجه: سقى الألبان و الأحساء اللينة المتخذة من قضبان الخبازى و الخطمى و السرطان النهرى و نحوها سقيا متواترا و تنظف المعدة بالقى ء و الاسهال بعد سكون الأعراض بحسب الموافق و الفصد إن احتيج إليه.

الوزغة و الحرباء: لحم الوزغة قاتل فإن وقعت في الشراب و تفسخت، يعرض عن شربه القى ء و وجع الفؤاد الشديد و الحرباء أيضا قتال قريب منه و قيل إن بيضه سم ساعة.

و علاج الوزعة مثل علاج الذراريح. و أما علاج الحرباء فيؤخذ السمسم و الخرنوب النبطى و السكر بالسوية و يسقى سمن البقر. و يجب أن يسقى اللبن الحليب و يمرخ بالدهن و يستخدم. و أما بيض الحرباء فعلاجه أن يسقى ذرق البازى في الطلاء و يتقيأ و يمرخ الجسد بالسمن و يكمد الرأس بالملح و يطعم التين و الزبد و الخبطيانا.

سالامندرا: قيل: إنها هامة شبيهة بالغطاية ذات أربع أرجل قصيرة الذنب، يزعمون أنها لا تحترق و ان طرحت في الأتون أطفأت ناره. و يعرض من شربها اوجاع

ص: 619


1- 552. ( 1).[ خ. ل: غير موجودة].

شديدة (فى المعدة)(1) و ورم في البطن كالاستسقاء و كزاز و احتباس البول.

و علاجها: العلاج المشترك و سقى الترياق. و مما يخصه أن يؤخذ الراتيانج و علك البطم و يسقى منهما أو كلاهما مع الميعة و الجنطيانا.

الضفادع: يعرض لمن سقى هذا ترهل في البدن و كمودة اللون و غشى و قذف المنى، فإن تخلص منها تساقطت أسنانه و انتشر شعره. و نوع منها أصفر ينقطع عمن سقيها شهوة الطعام و يحمض الجشاء و يفسد اللون و ترم البطن و الساق و يحدث القى ء و الغشى.

و علاجها: بعد التنظيف بالقى ء و الاسهال، أن يحمل على العدد و يعرق في الحمام و يسقى دواء الكركم و دواء اللك.

مرارة كلب الماء: قيل: إن قدر عدسة من مرارة كلب الماء يقتل بعد أسبوع.

و علاجه: سقى السمن مع الخبطيانا و الدارصينى و أنفحه الارنب و يمرخ بدهن طيب و يلطف التدبير.

دم الثور الطرى: يعرض لمن سقى منه عسر النفس(2) و وجع اللوزتين و حمرة اللسان و الغشى الشديد و الكرب.

و علاجه: التنقية بالحقنة و الاسهال، فإن التنقية بالقى ء فيه خطر، لاندفاع ما لا يمكن قذفه و دفعه فيختنق. و يجب أن يسقى الادوية النافعة من جمود الدم مثل التين الفج و بذر الكرنب و الحلتيت و البورق و رماد خشب التين و الفلفل و الأنافح في الخلّ.

الدم الجامد: قد يحدث من الدم عند الجمود في أفضية البدن من المعدة و الصدر و الأمعاء و المثانة، كيفية سمية و تعرض منه أعراض رديئة من صغر النبض و الضعف و الغشى المتواتر و برد الأطراف و الاختناق.

و علاجه: علاج اللبن الجامد، فأما جموده في المثانة فيعالج بعلاج الحصاة.

اللبن الجامد: كثيرا ما ينعقد اللبن الحليب في المعدة، و خاصة ما كان له متانة و يعرض منه الغشى و العرق البارد و النافض.

و علاجه: أن يسقى أنفحة الارنب مثقالا بأوقية من الخلّ الثقيف أو قدر باقلاء

ص: 620


1- 553. ( 1).[ خ. ل: غير موجدة].
2- 554. ( 2). لأنه بسبب الحرارة المفرطة يحرك المواد و يصعد الى الرية و القلب و الفم.

من الحلتيت أو من لبن التين المجفف، و يستفّ من الحرف أو يسقى ماء الفوتنج و السكنجبين الحامض، و يشرب طبيخ بذر الكرفس مع ماء العسل و يتقيأ اللبن الفاسد.

إن اللبن ربما استحال إلى كيفية رديئة و مال عن الحموضة إلى الفساد و الرداءة و تعرض عن أكله الهيضة القوية و الدوار و الغشى و عصر في فم المعدة.

و علاجه: أن يتقيأ بماء العسل، ثم يسقى شرابا صرفا مع جوارش الفلافلى و تكمد معدته بدهن الناردين.

الشوى المغموم: كل ما غم مما يشوى و لا يترك مكشوفا حتى يتنفس بل لف لفا محكما يمنع خروج البخار، فإنه يصير سما يعرض عن أكله الهيضة القوية و الدوار و الغشى و فقدان العقل.

و علاجه: بعد أن يستنظف بالقى ء، سقى الميبة و الميسوسن و الشراب الريحانى مع ماء السفرجل و التفاح و دواء المسك و الامتناع من النوم و الحمام الماء البارد و الشراب الصرف.

قد يحدث من شرب الماء البارد جدا خاصة بعد الحركة و الجماع، فساد مزاج الكبد و الاستسقاء.

و علاجه: دواء الكركم و الشراب الصرف.

و أما الشراب الصرف إن سقى على الريق كثيرا فربما يحدث خناقا و أوجاعا و التهابا، و خصوصا بعد الرياضة و التعب خاصة إذا كان الشراب حلوا.

و علاجه: تبديل المزاج بالماء البارد و الرائب و ماء الفواكه و أقراص الكافور.

و مما يعدّ من السموم حب الخروع و يعرض منه الهيضة، و منها آزاد درخت، قيل: إن ثمرته قتالة رديئة للصدر و المعدة، مكربة. و منها الكرمدانة و يعرض منه الحكة و الورم و منها الداذى و يعرض منها السدد. و منها قشور الارز، و يعرض منه وجع و ورم الفم و اللسان و المرى. و منها التربد الاسود و الاصفر و الغاريقون الأسود، و تأثيره في البدن يشبه تأثير الخربق. و منها عصارة قثاء الحمار و ضرب من الشونيز ردى ء (و زعم قوم أن الإكثار منه قاتل)(1). و منها ادوية مجهولة غير معروفة، و منها سورديون، و يعرض منه اختلاط العقل

ص: 621


1- 555. ( 1).[ خ. ل: غير موجودة].

و التمدد حتى يعرض للشفة من الامتداد حالة شبيهة بالضحك. و منها طرينون، قيل: إنه يحدث فلغمونيا في الشفة و اللسان و جنونا. و منها وردفيون، و هو من جملة المخدرات في طبيعة البنج، يعرض منه الغثيان و الفواق و المغص.

و علاج جميع ذلك: العلاج المشترك، و ليست واحدة منها مخصوصة بعلاج خاص.

ص: 622

الضميمة الثالثة: في طرد الهوام

ينبغى أن يمسك في المساكن السنانير و اللقالق و الطواويس و طيور الماء و القنافذ و الايائيل و التيوس الجبلية و ابن عرس و يوضع السراج و المصابيح في الليل في المواضع البعيدة من المرقد ليميل هي إليها و يدار حول المرقد رسن مطلى بقطران و حلتيت (و يبخر بقضبان الرمان، و ما يطرد الحيات خاصة)(1) و يبخر بأظلاف المعز و قرون الايل و الكبريت و شعور الناس و السكبينج و الزفت و المقل و القنة و رشّ البيت بطبيخ الحسك و ماء النوشادر و فرشه بالبرنجاسف و البنجنكشت و الحرف.

و مما يطرد العقارب التبخّر بها أنفسها و بالكبريت و حافر الحمار و القنة و الزرنيخ الأصفر و شحم الماعز و سمن البقر و رشّ البيت بالحلتيت المحلول في الماء.

و أما البراغيث فمما يطردها: رشّ البيت بطبيخ الحسك و ماء السذاب و ماء الدفلى و الحنظل و الخرنوب و الافتراش بالحشيشة المسماة كيكواشه.

و أما البق: فإنه يهرب من دخان التين و سرقين البقر و الزاج و الشونيز و خشب الصنوبر، و إن دهن الوجه كانت نكايته أقل. و لا يتعلق القراد أيضا بالعضو المدهون.

و قيل: إن ورق الدلب يطرد الخنافس.

ص: 623


1- 556. ( 1).[ خ. ل: غير موجودة].

و أما الذباب: فإن طبيخ الخربق الاسود و الزرنيخ الاصفر(1) و الكندش يقتله.

و أما الفأرة: فيقتلها المردارسنج و الخربق و السك و خبث الحديد إن أخذت معجونة بالدقيق و طرحت في البيت حتى يأكلها. و العنصل أيضا يقتلها و ريح الزاج يطردها. و أيضا الفأرة الذكر إذا سلخت و تركت أو خصيت أو قطع ذنبها.

و أما النمل: فإنها تهرب من دخان الكبريت و القطران و الحلتيت و مرارة الثور.

و أما الزنابير: فإنها تهرب من دخان الكبريت و الثوم و لا يقربن من تلطخ بالخطمى.

و أما الارضة: فإنها تهرب من دخان ريش الهدهد و ريش الكركى و الكزبرة اليابسة و الفوتنج بالسوسن و الافسنتين. و الفوتنج النهرى يمنع الثياب عن التسوس و كذلك قشور الاترج.

و أما السباع: فيقال: إن الاسد ينفر عن الديك الأبيض و الفأرة. و الذئب لا يقرب مكانا فيه عنصل. و النمر يخاف من شجرة المران. و السنانير و الدبق فإنها تهرب من ريح السذاب. و اللوز المر يقتل الثعالب. و الخربق يقتل الخنازير و الكلاب و أكثر السباع. و خانق النمر يقتل النمر.

ص: 624


1- 557. ( 1).[ خ. ل: غير موجودة].

الضميمة الرابعة: في نهش الهوام

اشارة

أما نهش الهوام و لذعها إذا جهلت ما هي عليه فينبغى أن يشدّ ما فوق الموضع ساعة تقع اللذعة و يمصّ مصّا شديدا بعد غسل الفم و تدهينه بدهن الورد، و ينبغى أن لا يكون الماصّ متآكل الأسنان و لا صائما و بعد ذلك توضع عليه المحاجم بالنار بلا شرط أو مع شرط ثم تشق فراريج حارّة و يضمد بها فإن وجد العليل الوجع كأنه قد امسك عن الإمعان و التوغل إلى قعر البدن فذاك، و الّا يضمد ببعض الادوية الحارّة الجذابة مثل زبل الحمام و الفوتنج و الكبريت و البول و رماد الكرم و شجر التين بالخلّ أو ببصل الفأر و الثوم البرى أو بمرهم متخذ من سكبينج و خزميان و حلتيت و كبريت و زبل الحمام أو فوتنج و مشكطرامشبع إذا جمعت أجزاء سواء و عجنت بزيت و زفت و طليت و يمنع الجرح من الاندمال و يسقى ترياق الاربع ثم ينظر إلى الاعراض العارضة حتى يعلم أنها لسعة أيّ حيوان هي و يسقى من الترياق ما هو مخصوص به.

ص: 625

الفصل الأول: في لذع558 الأفاعى و الحيات

الحيات انواع كثيرة منها المقرنة و الباعثة للدم، و يعرض من لسعها انفجار الدم من المسامّ و المنافذ. و منها الصل، و منها الطفارة، و الوثابة ترمى بنفسها إلى من يمرّ بها. و منها بزاقة تمج بزاقها و تزرقه بعصر أسنانها بعضها على بعض فيقبل بزاقها و رائحة بزاقها. و منها الدساسة تدسّ نفسها في الرمل و تسبح فيه سباحة السمكة في الماء. و منها الحية المسماة بالمكللة الرأس، طولها شبران إلى ثلاثة و رأسها حادّ، قيل إنها تقتل بصفيرها و من وقع عليه نظرها من بعيد مات و يموت كل من يقرب ذلك الميت.

و منها الأفاعى و هى ما كان. منها غليظة الوسط دقيقة الرقبة عريضة الرأس أغبر منقطة بسواد. و منها البلوطية التى تأوى المبالط تكون خبيثة الرائحة، يعرض من لسعها انسلاخ الجلد، و منها المعطّشة حيث لملسوعها الحرقة و الالتهاب فلا يزال يشرب الماء و لا يروى منه.

و من الحيات و الأفاعى أنواع أخر كثيرة لا تحصى كثرة و رداءة، فينبغى أن يتوقى العاقل جسده منها و لا يتجاسر عليها و لا يسترسل إليها اليد و لا إلى حيوان لا يعرف بل يهرب منها أشدّ الهرب.

و علامة لسع الافاعى: أن يخرج من موضع اللسعة أولا دم، ثم صديد غسالى، ثم يخدر الملسوع و يزول عقله ثم يفيق يبتدئ تسيل من اللسعة رطوبة منتنة شبيهة

ص: 626

بالزيت الأخضر و يظهر ورم حارّ أحمر و بثور و نفاطات كحرق النار، ثم يخضرّ الورم و يظهر الاحشاء التهاب و فى البدن الحمى مع نافض و عرق بارد و فساد اللون إلى الخضرة و تواتر نفس و غشى و فواق و قى ء مرة و أكثر ما يهلك في ثلاثة أيام و ربما بقى إلى السابع.

و علاجه: أن يشدّ فوق النهشة شدّا محكما فإن كانت نهشة جنس الأفاعى معروفة بالرداءة كالبلوطية و المعطشة، فينبغى أن يقطع ذلك العضو، فإن الخلّاص في قطعه. فإن لم يكن، فليشرط الموضع و يوسع الجرح و توضع عليه المحاجم و يمصّ مصّا قويا متتابعا حتى يجتمع اللحم و ينعصر و يستفرغ بذلك السم، و قد يمص بالفم بعد غسله و تدهينه و يوضع عليه الادوية الجذابة للسم المحرقة له مثل الزفت و الفرفيون و الجاوشير و القنة و البصل و مما ذكر في نهش الهوام إذا جهلت ما هي ثم سقى الترياق و المثروديطوس و أقراص الكرسنة المتخذة من السذاب البرى و دقيق الكرسنة و الزراوند المدحرج و بذر الحندقوق بالسوية معجونة بخل مقدار مثقال بأوقية شراب عتيق أو يسقى مثقالين من الحلتين بأوقية شراب و أطعم الثوم الكثير و الجوز و الطعام الدسم و السرطانات النهرية مشوية، و ينظر أيّ الأمرين أعظم: الأشياء العارضة في موضع النهشة أو العارضة في جميع البدن من الغشى و الاستسقاء و نحوه. فإن كانت الثانية أقوى، استعملت الترياقات، و إن كانت الأولى، تركت الترياقات و الادوية الحادّة و أقبل على الموضع و استعمل فيه ما ذكر فى باب القروح الخبيثة الساعية و الفصد نافع للسليم(1) و لكن بعد انتشار السم في البدن إما لكثرته أو لسوء التدبير، و أما قبل ذلك لئلا ينتشر السم.

ص: 627


1- 559. ( 1).[ أي: الملسوع بالحية].

الفصل الثّانى: في لذع العقارب

قد يعرض من لسعها أن يرم الموضع ورما صلبا أحمر و يحس الملسوع من بدنه بحالين مختلفين- برد في وقت و حرارة في وقت آخر- و كرب و ضعف في الفؤاد و عرق بارد كثير و استرخاء.

و علاجه: أن يشدّ فوق موضع اللذعة بعصابة قوية و يدقّ العقرب و يضمد به أو يضمد ببذر الكتان و الكبريت الأصفر و الملح و علك البطم و يمرخ بدهن الزنبق و الفرفيون و الخزميان و يدلك به دلكا جيدا مرات و يكمد بالنار و الماء الحارّ، و يعطى ترياق الأربعة أو الترياق المخصوص به أو يسقى الشراب بالثوم و يضمد بالثوم أيضا. و ليجتنب الاشياء المفتحة للسدد و خاصة الكرفس في المواضع الكثيرة العقارب.

و نوع من العقارب يسمى الجرارة و هى عقارب صغار تجر أذنابها، تكون ببلاد «خوزستان» و خاصة ب «عسكر» مكرم. و سمومها حارّة رديئة قلما يسلم الملذوع منها و لا يعرض من لسعتها في أول الأمر وجع يعتدّ به، و لكن بعد يوم أو يومين تتقرح اللسعة و تعرض أعراضا رديئة فيرم اللسان(1) و يعرض بول الدم و الغشى و الخفقان و ربما عرض اليرقان و ربما احتبست الطبيعة.

و علاجه: وضع المحاجم على موضع اللسعة بالمصّ الشديد و جذب السم بما ذكر و إحراقه بالكيّ ثم الفصد و سقي الربوب و الفواكه الحامضة، خاصة التفاح

ص: 628


1- 560. ( 1). لصعود المواد و الأبخرة بسبب الحرارة الى الأعالى و قبولها بسبب لين جرمها.

الحامض و السويق بالماء البارد و الطرحشقون و الهندباء و ماء الشعير و ماء الخيار و القرع و أقراص الكافور و يسلك في علاجه على طريق التطفئة و تسكين الدم، و يعطى (الترياق العسكرى)(1) و الترياق المتخذ من الطرحشقون اليابس و ورق التفاح الحامض و الكزبرة اليابسة أجزاء سواء يستفّ منه ثلاث راحات و تعالج الأعراض الحادّثة عنها كما إذا حدثت أمراض بذاتها.

ص: 629


1- 561. ( 1).[ خ. ل: غير موجودة].

الفصل الثالث: في نهش الرتيلا و العناكب

الرتيلا له انواع كثيرة و شرّها المصرية(1) العظيمة التى تشبه الذباب الذى يطير حول السراج. و منها ما ليس له نكاية. و يعرض من جميعها تورم موضع اللسعة و ربما احمر الأقل و فى الأكثر كمدا أخضر. و للسعة لكل نوع منها اعراض خاصة: فالحمراء منها يعرض من نهشها وجع يسير و حكة تسكن سريعا. و أما السوداء الرقطاء فيشتدّ الوجع للسعتها مع برد في البدن و رعشة. و البيضاء يعرض من نهشها وجع يسير و حكة و اختلاف البطن. و الكوكبية (و هى بيضاء مدورة البطن صغيرة الفم كوكبية)(2) التى على ظهرها خطوط براقة يعرض من نهشها خدر و استرخاء البدن. و أما الصفراء الزغباء و هى التى إذا أرادت أن تضرب قذفت رطوبة يسيرة، فيعرض من نهشها خدر و استرخاء و انتفاخ البدن و ربما قتلت. و منها انواع أخر تقرب أعراض لسوعها من تلك.

و علاج جميع ذلك: بعد مصّ لموضع اللسعة و جذب السم بالجواذب، الانغماس الماء الحارّ و التنطيل بالماء و الملح و الاندفان في الرمل و الرماد الحارّين و تضميد موضع اللسعة بالمر و الملح أو برماد خشب التين و النورة و القلى معجونة بماء حارّ و استفاف الشونيز و بذر الكرفس و سقى دواء الحلتيت و الترياق المخصوص بالرتيلا.

ص: 630


1- 562. ( 1).[ خ. ل: المضرية].
2- 563. ( 2).[ خ. ل: غير موجودة].

و أما العنكبوت: فإن منها ما يعرض من نهشه أعراض رديئة حتى تبرد الأطراف و يقشعرّ البدن و ينتشر القضيب و يمتدّ(1) و تمتلئ البطن رياحا.

و علاجه: أن يسقى السذاب المجفف و السعد و الشونيز بالشراب الصرف القوى و يعرق فى الحمّام و يسقى الترياق.

و أما العنكبوت المعروف بالعندب فهو عنكبوت أسود قصير الأرجل يلطأ بالارض و إذا قدم إليه خلال قابل بيديه و تعرض من لسعه حكّة في الموضع و اسوداد و تعرض للملسوع الحمى المطبقة، و سمه حارّ بخلاف سائر العناكب.

و علاجه: الفصد دفعات و حل الطبيعة بمطبوخ الفواكه و الزام ماء الشعير و المزورات و اخذ اللحم الفاسد من موضع اللسعة بالحديد و تدبيره بما يدبّر به القروح الرديئة.

و أما العنكبوت المعروف بالفهد الذى يثب على الذباب و يصيده كما يثب الفهد على الصيد، فهو عنكبوت صغير الأرجل أبيض منقّط بالسواد. و هو سليم و يعرض من لسعة الحكاك.

و علاجه: التعريق و نشف العرق ثم الطلى بالحضض المحلول في دهن الورد و الخلّ المغلى فيه أصل الكرفس.

و أما الشبث فهو العنكبوت الكثير القوائم الطويل. و يعرض من لسعه وجع المعدة و قى ء (و عسر البول)(2) و عسر براز و هو ردى ء قاتل.

و علاجه: علاج الريتلا.

ص: 631


1- 564. ( 1). عن رياح حادّثة من اضطراب الأخلاط و تحرّكها عن غلبة الغريبة.
2- 565. ( 2).[ خ. ل: غير موجودة].

الفصل الرابع: في لسع566 الزنابير و النحل و النمل الطيار

الزنابير منها كبار و منها صغار و من الكبار جنس سود الرؤوس ذو إبرة كبيرة و هى قتالة، و جنس آخر منها- أعنى من الكبار- يسمى البازى لحدتها و حرارتها و مشابهة لونها بلون البازى و هى رديئة أيضا تؤلم إذا لسعت ألما شديدا و تأكل اللحم و من خاصيتها أنها إذا وقعت على الفأر الميت ثم لسعت إنسانا قتلت من يومه. و يحدث من لسعه وجع و حمرة و ورم.

و علاجه: أن يشرط موضع اللسعة بإبرة أو برأس «مبضع» و يمصّ مصّا شديدا ثم يطلى عليه طين الحر بالخلّ أو الكافور بالخلّ أو الطحلب بالخلّ و يضمد بالخبازى و البقلة الرجلة و عنب الثعلب و توضع فوق الطلاء و الضماد خرق مبرّدة بالثلج و تبدل متى حرت أو يصبّ عليه ماء الثلج إلى أن يخدر و يدلك بورق البادروج أو بالذباب و يتحمل بقطعة من الجليد في الدبر و يعطى الربوب القابضة و بذر قطونا و السكنجبين الحامض و ماء الرمان الحامض و الخيار و الهندباء و الخس و يستفّ كزبرة مدقوقة بالماء البارد و بسكر و يفصد إن كانت اللسعة من الزنابير الكبار الرديئة.

و أما النحل: فهو قريب من الزنابير الّا أنه يترك إبرته في موضع اللسعة.

و علاجه مثل علاج الزنبور و كذلك علاج النمل الطيّار ذى الجناح.

ص: 632

الفصل الخامس: في نهش الغطابة و سام ابرص

هذه إذا نهشت، خلفت أسنانها في موضع النهشة فيدوم لذلك الوجع إلى أن يخرج. و مما يخرجها أن يدلك بالدهن و الرماد حتى يخرج أو يمرّ عليها ابريسم أوقر حتى ينتزع ثم يعجن الرماد بالدهن و يضمد به الموضع. و إن دام الوجع، فليمصّ الموضع مصّا جيدا، أو ينطل عليه الماء الحارّ المغلى فيه النخالة و يسقى الترياق المتخذ في نهش الرتيلا، و الطرحشقون نافع في عضّه.

و أما سام ابرص: فهو نوع من الوزغة صغير القدر منقط بالسواد يكون في المواضع الخربة و هو أيضا يترك أسنانه كلها في العضة لضعف أصولها و لأنها معوجة الشكل. و تعرض للمعضوض حمى مطبقة (ينفض فيها)(1) و يعرض له من القلق ما يعرض من لسع الحيات و كثيرا مّا يقتل من فرط الألم و يخضرّ موضع العضّة و يسيل منه شى ء صديدى كالرطوبة الفاسدة.

و علاجه: أن تخرج أسنانه بأن يلفّ القزّ على «السكين» لفا كثيرا و يمرّ على العضة يمنة و يسرة و إلى قدّام و إلى خلف أو يقطع الصوف قطعا صغارا و يضرب مع بذر قطونا الماء الذى قد حل فيه الصمغ و يضمد به و يترك يوما ثم يقلع برفق حتى تخرج اسنانه و علامة خروجها زوال الحمى و خضرة الموضع و انقطاع سيلان الصديد و بعد ذلك يعالج بعلاج لسع الحيات.

ص: 633


1- 567. ( 1).[ خ. ل: غير موجودة].

الفصل السادس: في عضّ الانسان و ذوات الأربعة568

إن عضّة الانسان إذا كان صائما(1) عظيمة الضرر فينبغى أن يبادر و يطلى بالزيت و يضمد برماد خشب الكرم و الخلّ بالايرسا أو بقشور أصل الرازيانج و العسل أو بدقيق الباقلاء و الماء و الخلّ و دهن الورد، أو بالبصل و الملح و العسل، أو بالمرهم الأسود المتخذ من الشمع و الشحم و الزيت و القنة فإنه أجود المراهم للعضّ و الشق بالمخالب. و إن حدث ورم، فيطلى بالمردارسنج.

و اما عضّة الكلب: فتطلى بما ذكرناه و خاصة بالبصل و العسل، أو بالنطرون و الخلّ، أو بالملح و البصل و السذاب، أو الباقلاء و اللوز المر و العسل. و يوضع على العضّة صوف(2) مبلول بالخلّ و الزيت.

و أما عضّة الأسد و الفهد و النمر و القرد و جراحة مخالبها: فيحتاج إلى جواذب السم، لأن أسنان هذه الحيوانات و مخالبها لا تخرج أيضا من طبائع سمية، فيضمد بالضماد المتخذ من الزراوند و الايرسا و العسل ثم يغسل بالخلّ و يوضع عليها مرهم متخذ من قشور النحاس و الزنجار و الايرسا و خبث الفضة و الشمع و الزيت.

و أما عضّة كلب الماء و التمساح و السمكة السوداء المعروفة بالكوسج:

فلا يخلو أيضا عن سمّية مّا، و ينبغى: أن يعالج أولا بالجواذب و الجاليات و يحشى

ص: 634


1- 569. ( 2). أو غضبانا أو شابا حارّ المزاج اذا أكل الحبوب الستعدّة للفساد خصوصا العدس.
2- 570. ( 3).[ خ. ل: خرق].

بالملح و القطن أو بالنطرون و العسل ثم يوضع عليه الشحوم و السمن.

و أما عض السنور: فربما عرض منه وجع شديد و خضرة في الجسم.

و علاجه: العلاج العام(1) و ضماد البصل و ضماد الفوتنج البرى.

و أما عضة ابن عرس: فإنها سريعة نشوء الوجع و يكون لونها إلى كمودة و ينبغى أن يكمد بالبصل و الثوم و يؤمر بأكلهما. و شرب الشراب الصرف و التضميد به مسلوخا نافع من عضه.

و أما عضّة التنين و الورل: فيعالج بعلاج القروح الرديئة.

و قد ذكر القدماء هوام كثيرة و حيات برية و بحرية مخصوصة ببعض المساكن و البقاع تعرض من لسعها أعراض رديئة.

و علاج جميع ذلك بعد العلاج المشترك: جذب السم و تنقيته و سقى الترياقات و تدارك تلك الاعراض و منع اندمال الجرح إلى وقت خلاص العليل من غائلة السم.

ص: 635


1- 571. ( 1).[ خ. ل: و العام، و هو الصحيح لكن« الواو» زائدة].

الفصل السابع: في عض الكلب الكلب

الكلب جنون يعرض للكلب و استحالة مزاجه إلى سوداوية خبيثة سمية فيحدث لعابه سمية لذلك و لامتناعه من شرب الماء. و أكثر ما يكلب في البلاد و الأوقات الحارّة جدا و الباردة جدا بسبب إحتراق الأخلاط و انجمادها. و قد يكلب غيره من الحيوانات مثل الذئب و الضبع و ابن آوى و النمر و غيرها.

و الانسان إذا عضّه كلب فربما تسرى تلك السمية فيه و استحال مزاجه إلى مزاجه حتى يحرص هو أيضا على عضّ الانسان. و إن عضّ انسانا بعد هيجانه، عرض لمعضوضه ما يعرض له و كذلك سؤر مائه و فضلة طعامه يعملان بمن يتناولهما ذلك.

و علامات كلب الكلب إذا استحكم كلبه: احمرار عينه و خروج لسانه(1) و سيلان اللعاب و الزبد من فمه و أن يطأطئ رأسه نحو الارض و يرخى اذنيه و يدسّ ذنبه بين رجليه(2) و يختبط في حركته كالسكران و يعدو دائما و يحمل على كل من يلقاه و لا يعرف أربابه و لا ينبح الّا قليلا مع بحة الصوت و تهرب عنه الكلاب و يمتنع من الأكل و يهرب من الماء إذا رآه و قد يمرّط شعره و ظهر(3) فيه صفائح من الجرب.

و الآفة التى تتبع عضّته عظيمة تعرض للمعضوض من بعد أيام حالة و أعراض

ص: 636


1- 572. ( 1). يطلب بذلك الترويح بالقلب.
2- 573. ( 2). أى: يدخل بين رجليه.
3- 574. ( 3).[ كذا كان في النسخ و الصحيح أن يكون: يظهر].

رديئة حتى يفزع من جميع ما يراه و يستوحش و تظهر فيه آثار الماليخوليا ثم يأخذ بعد ذلك فى الخوف من الماء و الرطوبات و ربما لم يفزع منه بل يستقذره و لم يشربه. و قد يعرض الفزع بعد أسبوع و أسبوعين إلى أربعين يوما و ربما لم يفرغ بعضهم إلى ستة أشهر و هؤلاء هم أصحاب الأمزجة الرطبة جدا. و قلّما يرجى منه إذا خاف من الماء و خصوصا إذا رأى وجهه في المرآة و لم يعرف نفسه أو يتخيل فيها له كلب، فلذلك لا ينبغى إذا وقعت عضّه من الكلب أن يتهاون بأمرها بل يتفقد في الكلب تلك العلامات المذكورة، فإن لم يتأت استثبات صورته، فتؤخذ قطعة خبز و تلطخ بالدم السائل من العضّة و تلقى إلى كلب: فإنّ أكلها، فإن العضّة ليست من عضة كلب كلب، أو يدق الجوز أو الشاه بلوط و يضمد الموضع ليلة ثم يطرح من الغد إلى دجاجة فتمتحن به فإن كان كذلك فإنها لا تأكله و إن أكلت ماتت.

فاعلم إن العضة كانت عن كلب كلب فينبغى أن يشقّ موضع العضّة و يوسع و توضع عليه المحاجم و يمصّ مصّا كثيرا حتى يستفرغ منه الدم الكثير ثم يوضع عليه المرهم المحرق الأكّال أو الثوم المدقوق مع الخلّ و الجاوشير المسحوق بالخلّ المخلوط بالزفت المذاب أو السلق فالجرجير و البصل مطبوخا بالسمن أو الثوم و البصل و الملح مدقوقة مخلوطة مع رماد خشب الكرم. هذا إذا تلوحق في الابتداء من يوم إلى ثلاثة أيام قبل أن يسرى السم، فأما بعد ذلك فليس في توسع فم الجرح فائدة بل ينبغى أن يجتهد في أن يبقى مفتوحا فقط و ليشتغل بتنقية البدن بما يستفرغ به أصحاب الماليخوليا و سقى دواء الذراريح و دواء السرطان المخصوصين به و الترياق فإذا بال بعد سقى (الادوية الترياقية، فقد أمن من الفزع من الماء و ربما بال بعد سقى)(1) دواء الذراريح أشياء لحمية عجيبة كأنها كلاب صغار، ثم بعد ذلك ينبغى أن يدبّر بسائر تدابير اصحاب الماليخوليا من ترطيب المزاج بالغذاء و الحمّام و غير ذلك.

ص: 637


1- 575. ( 1).[ خ. ل: خرق].

الفصل الثامن: في لسع قملة النسر

هذه هامة كالقملة أو كأصغر القردان. قال «جالينوس»: هي صغيرة لا يتوقّى منها و لا تكاد تضر لسعتها. و قال «روفس»: هي حيوان قتال يسقط من النسر يشبه القملة و هى مما تفجر الدم من جميع المجارى حتى من العين و أصول الأسنان.

و علاجه: علاج لسع الجرارة و يطلى موضع اللسعة بالفادزهر و عصارة الخس و الصندل الأحمر و البقلة الحمقاء و الطحلب و يسقى اللبن الحليب و لبن الماعز و الطين القبرسى و شيئا من بذر قطونا بماء الخيار أو بماء القرع و سائر المطفئات.

و قيل: إنها تغوص في الجلد و تدبّ في المواضع اللحمية من البدن و تفرخ فراخا كصغار النمل، فإن كان كذلك فعلاجه أن توسع الثقب فتخرج بالآلة ان وجدت، و إن لم توجد، غرق الموضع بالزيت و وضعت عليه قطنة. و قيل: مما يخرجه السفرجل المدقوق و الطين الذى يؤخذ من أصل شجر السفرجل و الحلتيت المغلى في الشراب.

ص: 638

الفصل التاسع: في عضة الضفادع

أما الضفادع البحرية فقد قيل إنها خبيثة رديئة متعرضة للحيوانات و الاجسام تتفقّد إليها من البعد لعضّها فإن لم تتمكن من العضّ، نفخت نفخة ضارة و يعرض من عضّها ورم عظيم و هلاك سريع. و أما البرية و النهرية فسليمة لا يعرض عن عضّتها شى ء من الأعراض التى تعرض عن عض ذوات السموم، الّا أنه يتورم العضو المعضوض كله ورما رخوا.

و علاجها: علاج السموم الباردة.

الفصل العاشر: في عض سالارمندرا

قيل: إنها هامة شبيهة بالغطاية ذات أربع أرجل قصيرة الذنب، يزعمون أنها لا تحترق و إن طرحت في الاتون أطفأت ناره(1) و يعرض لمن عضّه وجع شديد و التهاب في البدن و ورم و اعتقال في اللسان و رعدة و خدر و كثيرا مّا يعرض اسوداد عضو على شكل مستدير.

و علاجه: علاج من سقى الذراريح و سقى راتيانج مع العسل و طبيخ السوسن مع ورق الأنجرة و الزيت.

ص: 639


1- 576. ( 1).[ خ. ل: صار باردا].

الفصل الحادّى عشر: في عضة الاربعة و الاربعين

هو الحيوان المعروف بدخّال الأذن و ربما كان في طول شبر و له في كل جانب إثنان و عشرون قائمة و قد يمشى قدّاما و قد ينكس بحاله و له جهتان في مؤخره متعلقان إلى رأسه. و هو إذا لسع عض أولا ثم قلب جسمه(1) فغوصهما في موضع العضة، ثم ينقلع و يسقط كالمغشى عليه و يصيب الملسوع وجع شديد و حالة شبيهة بالنهوس و ضيق الصدر و شهوة شى ء حلو.

و علاجه: أن يدق هذا الحيوان و يشدّ على عضته و يعطى من الزراوند الطويل و الجنطيانا و قشور أصل الكبر و دقيق الكرسنة اجزاء سواء بالشراب أو بالعسل و زهرة الخشخاش من ترياقاته و ربما كفى فيه استعمال الملح و الخلّ على موضع العضة.

و الله اعلم بالصواب و إليه المرجع و المآب

و صلى الله على محمد و آله الطاهرين

ص: 640


1- 577. ( 1).[ خ. ل: جمتيه].

مصادر و فهارس

اعلام

ابقراط: ج 1: 13، 26، 27، 51، 136، 144، 156، 159، 181، 247، 309، 492، 554، ج 2: 187، 604، 605، 607.

إبن النيلى: ج 1: 428.

إبن أبى صادق: ج 1: 315، 317، 501، 557، 579، ج 2: 253، 309، 329، 338، 345، 358، 404، 428.

ابن رشد: ج 2: 337.

إبن زهير: ج 1: 551.

إبن سرافيون: ج 1: 25، 34، 54، 55، 64، 67، 97، 98، 113، 123، 125، 165، 167، 295، 317، 409، 418، 500، 553، ج 2: 336، 355، 357، 358.

إبن سيار: ج 1: 47.

إبن ماسويه: ج 1: 636.

ارجيجانس: ج 1: 247، 312، 535، ج 2: 603.

اركاغانيس: ج 2: 603.

إسحاق بن سليمان الاسرائيلى: ج 2:

337.

الاستاذ العلامة: ج 1: 534.

الإسكندر: ج 1: 326.

الإمام: ج 1: 55.

الحارّث بن كلدة الثقفى: ج 2: 535.

الخواجة نصير الملة و الدين الطوسى:

ج 1: 623.

الرازى: ج 1: 5، 12، 20، 26، 35، 48، 55، 56، 74، 83، 87، 88، 96، 120، 125، 130، 143، 144، 155، 161، 165، 166، 167، 168، 182، 193، 195، 194، 196، 247، 250، 279، 286، 295، 313، 316، 317، 399، 410، 414، 418، 419، 434، 493، 500، 537، 542، 558، 577، 578، 607، 609، 678.

ج 2: 41، 54، 95، 148، 281، 304، 317، 340، 351، 354، 364، 378، 393، 472، 641.

الرسول: ج 2: 437.

السيد الجرجانى: 65، 537، 552.

الشارح الهندى: ج 2: 499.

الشريف الإدريسى: 129.

الشيخ: ج 1: 5، 7، 11، 20، 37، 38، 45، 48، 51، 54، 55، 56، 70، 74، 87،

ص: 641

104، 113، 120، 124، 128، 130، 133، 142، 145، 148، 152، 161، 167، 168، 171، 174، 184، 190، 194، 201، 239، 240، 249، 286، 314، 317، 318، 330، 347، 355، 389، 395، 399، 409، 412، 414، 419، 436، 459، 498، 501، 513، 537، 542، 553، 558، 562، 572، 576، 606، 623، 625، 633.

ج 2: 39، 49، 54، 95، 138، 154، 156، 187، 192، 221، 226، 233، 236، 262، 298، 320، 329، 330، 331، 335، 349، 357، 367، 369، 410، 449، 462، 498، 523، 577، 591.

الشيخ الرئيس: ج 2: 37.

الشيخ محيى الدين بن العربى: ج 1:

136.

الطبرى: ج 1: 13، 31، 47، 50، 54، 70، 74، 116، 121، 128، 129، 132، 143، 269، 312، 326، 339، 343، 363، 496، 497، 498، 504، 548، 550، 560، 636، 644، ج 2: 40، 57، 78، 80، 136، 233.

الغ بيك كوركان: ج 1: هشت، 2.

الفارابى: ج 1: 121.

الفاضل العلامة: ج 1: 76، 114، 143، 263، 264، 371، 455، 491، 594، 623، 683، ج 2: 31، 184، 226، 236، 256، 271، 309، 333، 336، 337، 338، 362.

الفاضل العلامة قطب المحققين: ج 1: 6، ج 2: 234.

الفيلسوف: ج 1: 683.

الفيلسوف أبو الفرج: ج 1: ص 501.

القرشى: ج 1: 5، 43، 49، 67، 71، 73، 145، 160، 161، 162، 291، 314، 413، 462، 542، 552، 593، 640، ج 2:

233، 234، 293، 333، 334، 343، 367، 376، 379، 384، 404، 436.

أبو الفرج: 155.

أبو ماهر: ج 1: 121، 625.

أبو محسوس القس: ج 2: 234.

أبى القاسم محمد: 1.

أبى سهل المسيحى: ج 1: 5، 8، 54، 395، 624، ج 2: 208، 329، 330، 334، 337، 338.

أحمد بن اسماعيل: ج 1: 493.

أرسطاطاليس: ج 1: 144.

أرسطو: ج 1: 69، 70، 76، 136، 144، 239، ج 2: 40.

أفلاطون: ج 1: 121، ج 2: 233، 259.

أمين الدولة إبن تلميذ: ج 1: 83.

ص: 642

أندروماخس: ج 1: 256.

أندرويطس: ج 1: 69.

برقلس: ج 1: 143.

بقراط: ج 1: نه، 1، 48، 73، 107، 123، 423، 578، 628، 678، 683، ج 2:

38، 42، 67، 92، 233، 313، 367، 505، 603.

بليناس: ج 2: 234.

بولس: ج 1: 107، 125.

بيهقى: ج 1: 455.

تاسلس: ج 2: 21.

تياذوق: ج 1: 117.

ثابت بن حرّة: ج 1: 64، 125، 195، 459، ج 2: 51، 92، 364.

جالينوس: ج 1: 5، 11، 47، 51، 54، 55، 64، 69، 70، 73، 88، 91، 97، 106، 107، 111، 116، 119، 123، 124، 125، 126، 137، 144، 146، 153، 159، 161، 166، 171، 173، 174، 178، 179، 181، 182، 192، 198، 223، 238، 239، 251، 280، 311، 312، 313، 314، 317، 318، 326، 352، 360، 418، 431، 443، 459، 498، 499، 524، 546، 550، 553، 554، 562، 577، 578، 580، 581، 632، 655، 659، 665،

ج 2: 3، 21، 32، 37، 39، 40، 51، 65، 67، 92، 94، 95، 139، 169، 233، 234، 237، 314، 340، 344، 349، 355، 356، 367، 378، 396، 406، 444، 462، 496، 498، 499، 500، 525، 534، 541، 556، 561، 570، 583، 603، 607، 638.

جيش: ج 2: 589.

حنين: ج 1: 273، 312، 317، 372، ج 2: 428.

حنين بن اسحاق: ج 1: 280، 384، 498، 550، ج 2: 92.

خيرون: ج 1: 556.

ديسقوريدوس: ج 1: 636.

ديوجانس: ج 2: 21.

ديوقلس: ج 1: 61، 123، 124، 125.

رسول الله: ج 2: 535.

سرافيون: ج 1: 25، 34، 54، 55، 64، 67، 97، 95، 113، 123، 125، 165، 167، 295، 317، 409، 418، 500، 553، 659، ج 2: 336، 355، 357، 358.

سفيان الأندلسى: ج 1: 636.

شمعون: ج 1: 148، 156.

صاحب التذكرة: ج 1: 238، 245، 308، 316، 317، 319.

صاحب التلخيص: ج 1: 54، 58، 64، 66.

صاحب الذخيرة: ج 1: 156، 571.

ص: 643

صاحب الصحاح: ج 1: 45.

صاحب الكامل: ج 1: 5، 54، 63، 64، 165، 168، 175، 190، 406، 501، 556، 657، ج 2: 165، 221، 253، 304، 329، 336، 337، 359، 364، 428، 449، 546، 577، 583.

صاحب المغنى: ج 1: 64.

صاحب المفتاح: ج 1: 10.

صاحب جوامع الإسكندرانيين: ج 1:

96.

عبيد الله بن يحيى: ج 1: 101.

على بن عيسى: ج 1: 244، 268.

عيسى بن ماسويه: ج 1: 121، 636.

قسطا ابن لوقا: ج 1: 101، 580، ج 2:

381.

كيسانوفيون: ج 1: 280.

محمد بن زكريا الرازى: ج 1: 55.

نفيس: ج 1: 504.

نفيس بن عوض: ج 1: 1.

هرمس: ج 2: 234.

يوحنا: ج 1: 123.

يوحنا بن سرافيون: ج 1: 54، 113، 195.

يونس: ج 1: 175.

ص: 644

كتب

آلات الغذاء: ج 1: 498، ج 2: 92.

ابيذيميا: ج 1: 26، 156، 492.

اختيارات: ج 1: 273.

اغلوقن: ج 1: 179، 580، 581، ج 2:

92.

الأدوية القلبية: ج 1: نه، ج 2: 498.

الأعضاء الآلمة: ج 1: 125، 165، 166، 431، 551، 552، ج 2: 67، 516.

الأهوية و البلدان: ج 2: 233، 484.

التشريح الكبير: ج 1: 524.

الجامع الكبير: ج 1: 196.

الحاوى الكبير: ج 1: 167، 195.

الحواشى العراقية: ج 2: 301.

الذخيرة: ج 1: 156، 571، ج 2: 92.

الشافى: ج 2: 337.

الطلسمات: ج 2: 234.

العلل و الاعراض: ج 1: 5، 313، 316.

الغنى و المنى: ج 1: دوازده، 683.

الفاخر: ج 1: 26، 55، 83، 167، 295، 414، 434، 537، 542، ج 2: 281.

الفتوحات المكيّة: 136.

القانون: ج 1: دوازده، 20، 43، 51، 167، ج 2: 335، 463.

الكامل: ج 2: 442.

الكيّ و الجراحات: ج 2: 233.

المائة: ج 1: 5، ج 2: 329.

المعالجات البقراطيه: ج 1: دوازده.

المفتاح: ج 1: 22، 64، 155، 683.

النبض: ج 1: 64.

النبض الكبير: ج 1: 51، 550.

تلخيص مسائل حنين: ج 2: 428.

جوامع الإسكندرانين: ج 1: 5، 73.

جوامع الأعضاء الآلمة: ج 1: 165.

شرح الفصول: ج 2: 253، 556.

شرح الكليات: ج 1: 5، 6، 143، 263، 455، 623، 640، ج 2: 234، 236، 309.

شرح المسائل: ج 2: 309.

صيدنة: ج 1: 455.

فردوس الحكمة: ج 2: 233.

فصول: ج 1: نه، 1، 73، 423، 578، ج 2: 505.

كناش: 54، 55، 167، 326، 418، 553، ج 2: 92.

مسائل حنين: ج 1: 317.

منافع الأعضاء: ج 1: 312، 318، ج 2:

39، 169.

ص: 645

امكنة

آذربايجان: ج 1: 481.

اسكندرية: ج 2: 142.

الحجاز: ج 2: 436.

الروم: 161، ج 2: 199، 568.

الرى: 551.

السند: ج 2: 55، 57.

بغداد: ج 1: 121.

بلخ: ج 2: 457.

حبش: ج 1: 481.

خلاط: ج 1: 481.

خوزستان: ج 2: 628.

دارابجرد: ج 2: 568.

ديلم: ج 1: 132.

شيراز: ج 2: 425.

طبرستان: ج 1: 132.

عمان: ج 1: 2.

فارس: ج 2: 404، 568.

فسار: ج 2: 568.

كرمان: هشت، 2.

ص: 646

ابزار

إبرة: ج 1: 272، 273، ج 2: 475، 632.

الإبر: ج 1: 190، 632، ج 2: 437، 482.

الإبرة: ج 1: 157، 273، 681، ج 2:

405، 436، 437، 472، 473، 480، 481.

الأنبوب: ج 1: 80، 102، 418، 424، 493، ج 2: 165.

الانبيق: ج 1: 14، 204، 539، ج 2:

39، 72، 473.

السكين: ج 1: 62، 83، 351، 391، ج 2: 523، 633.

القاثاطير: ج 2: 164، 165، 168.

القدح: ج 1: 316، 317، 318، 321، 323، 324، 326، 559، ج 2: 73، 302.

القرع: ج 1: 10، 12، 13، 14، 19، 32، 60، 62، 64، 102، 104، 118، 119، 123، 131، 157، 178، 203، 204، 207، 210، 235، 252، 261، 305، 357، 377، 380، 392، 396، 433، 439، 513، 515، 530، 531، 570، 612، 638، 647، 663، ج 2: 4، 5، 17، 39، 51.

القرع و الإنبيق: ج 2: 39، 473.

المبضع: ج 1: 255، 293، 296، 407، 415، 435، 437، 455، 460، 491، 493، 558، ج 2: 461.

المبولة: ج 2: 164.

المجس: ج 1: 642، ج 2: 259، 432، 558، 559، 561.

المحجمة: ج 1: 407، 408، 492، 49، 500، 559، ج 2: 158، 239، 443.

المرود: ج 2: 249، 545.

المقدحة: ج 1: 324.

المقراض: ج 1: 256، 258، 259، 260، 266، 271، 273، 351، 365، 491.

المنقاش: ج 2: 443.

الموسى: ج 1: 495، 500.

المهت: ج 1: 246، 258، 288، 317، 318، 319، 322، 324.

الميل: ج 1: 46، 135، 196، 241، 243، 258، 259، 286، 293، 319،

ص: 647

326، 346، 349، 350، 387، 399، 400، 422، 488، 635، ج 2: 115، 230، 561، 577.

الوردة: ج 1: 295، 460.

أصل ريش: ج 1: 422.

أصل ريشة: ج 1: 288، 406.

أنبوب: ج 1: 387، 390، 406، 418، 461، 462، 482، 489، ج 2: 165، 253.

سكينا: ج 1: 406.

صلاية: ج 1: 384، ج 2: 101، 208.

صنّارتين: ج 1: 258، 260.

صنّارة: ج 1: 49، 258، 265، 270، 437، ج 2: 257.

قمع: ج 1: 307، 390، 460، 462، ج 2: 115، 226، 253، 375، 380، 402، 420.

كلبتى السهام: ج 1: 503، ج 2: 549.

مبضعا: ج 1: 322.

مجمرة: ج 2: 253.

مخشن: ج 1: 465، ج 2: 479، 540.

مغرفة: ج 1: 461، 462.

مفتاح الرحم: ج 1: 422.

مكاوى: ج 1: 307.

مكوى: ج 1: 50.

منشار المشاطين: ج 2: 574.

ميل نهان: ج 1: 493، 497.

ميلين: ج 1: 258.

ص: 648

اوزان

كيل: ج 1: 14، 111، 170، 260، 288، 311، 408، 461.

أكيال: ج 1: 14.

درهم: ج 1: 83، 118، 119، 120، 226، 246، 251، 252، 258، 265، 266، 274، 278، 288، 295، 302، 311، 328، 343، 366، 368، 386، 447، 449، 530، 677.

ج 2: 21، 61، 86، 102، 143، 148، 172، 190، 191، 208، 286، 400، 437، 464، 613، 616.

أرطال: ج 1: 53، 83، 118، 119، 120، ج 2: 42، 49، 190.

رطلا: ج 1: 108، ج 2: 42، 208.

درهمان: ج 1: 83، 118، 120، 216، 226، 246، 258، 265، 274، 278، 282، 288، 343، 363، 366، 530، 675، 677، ج 2: 21، 42، 142، 143، 148، 191، 254.

أوقية: 83، 107، 108، ج 2: 102، 616.

دانقان: ج 1: 302.

ص: 649

ص: 650

فهرست

الباب الثانى عشر: في أمراض الكبد

الفصل الأول: في سوء مزاج الكبد 3

الفصل الثانى: في ضعف الكبد 7

الفصل الثالث: في سدة الكبد 11

الفصل الرابع: في نفخة الكبد 13

الفصل الخامس: في أورام الكبد و ورم العضلات الموضوعة عليها 15

الفصل السادس: في الدبيلة في الكبد 24

الفصل السابع: في تبثر سطح الكبد 27

الفصل الثامن: في خفقة الكبد 28

الفصل العاشر: في القيام الكبدى 30

الفصل الحادّى عشر: في سوء القنية و الإستسقاء 34

الباب الثالث عشر: في أمراض المرارة و الطحال

اليرقان 47

الباب الرابع عشر: في أمراض الطحال

الفصل الأول: في سوء مزاج الطحال 61

ص: 651

الفصل الثانى: في أورام الطحال و صلابته 64

الفصل الثالث: في تقيح الطحال 68

الفصل الرابع: في ضعف الطحال 70

الفصل الخامس: في سدد الطحال 71

الفصل السادس: في نفخة الطحال 72

الفصل السابع: في الحجارة في الطحال 74

الباب الخامس عشر: في أمراض الأمعاء و المقعدة

الفصل الأول: في زلق الأمعاء 77

الفصل الثانى: فى الاسهال و السحج 80

الفصل الثالث: في المدة التى تخرج من الأمعاء 86

الفصل الرابع: في الزحير 87

الفصل الخامس: في المغص 89

الفصل السادس: في القراقر 91

الفصل السابع: في القولنج و ايلاوس 92

الفصل الثامن: في الديدان 105

الفصل التاسع: في البواسير 110

الفصل العاشر: في ريح البواسير 113

الفصل الحادّى عشر: في النواصير 114

الفصل الثانى عشر: فى أورام المقعدة 116

الفصل الثالث عشر: في شقاق المقعدة 117

الفصل الرابع عشر: فى استرخاء الشرج 118

الفصل الخامس عشر: فى خروج المقعدة 119

الفصل السادس عشر: فى قروح المقعدة 121

الفصل السابع عشر: فى حكّة المقعدة 122

الباب السادس عشر: فى أمراض الكلية و المثانة

ص: 652

الفصل الأول: في سوء المزاج الكلية 125

الفصل الثانى: فى هزال الكلية 127

الفصل الثالث: فى ضعف الكلية 129

الفصل الرابع: فى ريح الكلية 131

الفصل الخامس: فى وجع الكلية 132

الفصل السادس: فى ورم الكلية 133

الفصل السابع: فى قروح الكلية 138

الفصل الثامن: فى جرب الكلية 141

الفصل التاسع: في ذيابيطس 142

الفصل العاشر: فى ورم المثانة 145

الفصل الحادّى عشر: فى قروح المثانة 148

الفصل الثانى عشر: فى جرب المثانة 150

الفصل الثالث عشر: فى جمود الدم في المثانة 151

الفصل الرابع عشر: فى وجع المثانة 152

الفصل الخامس عشر: فى ريح المثانة 154

الفصل السادس عشر: في الحصاة و الرمل 155

الفصل السابع عشر: فى حرقة البول 162

الفصل الثامن عشر: فى احتباس البول و عسره 164

الفصل التاسع عشر: في تقطير البول 171

الفصل العشرون: فى سلس البول و البول في الفراش 173

الفصل الحادى و العشرون: فى بول الدم 176

الباب السابع عشر: في علل أعضاء التناسل من الذكران

الفصل الأول: في نقصان الباه 181

الفصل الثانى: فى سرعة الانزال 190

الفصل الثالث: فى كثرة الشهوة 192

الفصل الرابع: فى كثرة درور المنى و المذى و الوذى 195

ص: 653

الفصل الخامس: في الاحتلام 198

الفصل السادس: في فريسموس 199

الفصل السابع: في العذيوط 201

الفصل الثامن: فى أورام الانثيين 203

الفصل التاسع: فى عاقونا 205

الفصل العاشر: في وجع الانثيين و القضيب 207

الفصل الحادّى عشر: في عظم الخصيتين 208

الفصل الثانى عشر: في ارتفاع الخصية و صغرها 209

الفصل الثالث عشر: في دوالى الصفن 210

الفصل الرابع عشر: في استرخاء الصفن 212

الفصل الخامس عشر: فى قروح الذكر و الخصية و حواليها 213

الفصل السادس عشر: فى الحكّة في القضيب 214

الفصل السابع عشر: فى أورام القضيب 214

الفصل الثامن عشر: فى شقاق القضيب 215

الفصل التاسع عشر: فى الثآليل و التوث على القضيب و نواحيه 215

الفصل العشرون: فى السدّة في مجرى القضيب 216

الفصل الحادى و العشرون: فى اعوجاج الذكر 217

الفصل الثانى و العشرون: في القيل 218

الباب الثامن عشر: في أمراض الرحم

الفصل الأول: في العقر 225

الفصل الثانى: فى الرجا 236

الفصل الثالث: في كثرة الطمث 239

الفصل الرابع: في قروح الرحم 242

الفصل الخامس: فى شقاق الرحم 245

الفصل السادس: فى حكّة الرحم 246

الفصل السابع: فى بواسير الرحم 248

ص: 654

الفصل الثامن: فى ناصور الرحم 249

الفصل التاسع: فى سيلان الرحم 250

الفصل العاشر: فى احتباس الطمث 252

الفصل الحادّى عشر: في الرتق 256

الفصل الثانى عشر: فى نتوّ الرحم 258

الفصل الثالث عشر: في ميلان الرحم و أورامه 260

الفصل الرابع عشر: فى السرطان في الرحم 264

الفصل الخامس عشر: فى اختناق الرحم 266

الفصل السادس عشر: فى البثور في الرحم 270

الفصل السابع عشر: فى نفخة الرحم 271

الباب التّاسع عشر: في أمراض الصفاق

الفصل الأول: في الفتق 275

الفصل الثاني: في نتوء السرة 277

الباب العشرون: في وجع الأعضاء الظاهرة

الفصل الأول: فى الحدبة و رياح الأفرسة 281

الفصل الثانى: في الدوالى 284

الفصل الثالث: في داء الفيل 285

الفصل الرابع: فى وجع الظهر 287

الفصل الخامس: فى وجع الخاصرة 289

الباب الحادّى و العشرون: فى أوجاع المفاصل

الفصل الأول: في وجع المفاصل و النقرس 293

الفصل الثانى: في وجع الورك 301

الفصل الثالث: في عرق النسا 304

ص: 655

الباب الثّانى و العشرون: في الحميات

الفصل الأول: فى حميات اليوم 312

الفصل الثانى: في حمي الدق 326

الفصل الثالث: في حميات العفن 342

الصنف الأول: في حمى الغب 348

الصنف الثانى: في الحمى المحرقة 352

الصنف الثالث: في الحمى المطبقة 354

الصنف الرابع: فى الحمى البلغمية الدائرة 357

الصنف الخامس: في الحمى اللثقة 361

الصنف السادس: في حمى الربع الدائرة 362

الصنف السابع: في حمى الربع الدائمة 366

الصنف الثامن: في حمى الخمس و السدس و السبع و ماوراءها 366

تتمة الأولى: في الحميات المختلطة 367

تتمة الثانية: سائر انواع الحميات العفنية التى لها اسم خاص 368

الفصل الرابع: في الحميات المركّب 381

الباب الثالث و العشرون: في الأورام و البثور

الفصل الأول: في الفلغمونى 393

الفصل الثانى: في الحمرة 397

الفصل الثالث: في النملة 399

الفصل الرابع: في الجاورسية 401

الفصل الخامس: فى الجمرة 402

الفصل السادس: في النار الفارسى 404

الفصل السابع: في التنفط 405

الفصل الثامن: في الشرى 406(1)

شرح الأسباب و العلامات ؛ ج 2 ؛ ص656

فصل التاسع: في الماشرا 408

ص: 656


1- 578. سمرقندى، نجيب الدين - شارح: كرمانى، نفيس بن عوض، شرح الأسباب و العلامات، 2جلد، جلال الدين - قم، چاپ: اول، 1387 ه.ش.

الفصل العاشر: في الطاعون 410

الفصل الحادّى عشر: في الأكلة 413

الفصل الثانى عشر: فى أورام المغابن 415

الفصل الثالث عشر: في الدبيلة 416

الفصل الرابع عشر: في الخراج 418

الفصل الخامس عشر: في الدمل 420

الفصل السادس عشر: في الورم الرخو 422

الفصل السابع عشر: في الورم الريحى 424

الفصل الثامن عشر: فى السلعة 425

الفصل التاسع عشر: في الغدد و العقد 427

الفصل العشرون: فى الخنازير 430

الفصل الحادّى و العشرون: في الورم الصلب 432

الفصل الثانى و العشرون: في السرطان 434

الفصل الثالث و العشرون: في العرق المدنى 436

الفصل الرابع و العشرون: في الجذام 438

الفصل الخامس و العشرون: في السعفة 441

الفصل السادس و العشرون: في الجرب 445

الفصل السابع و العشرون: في الحكة 447

الفصل الثامن و العشرون: في الحصف 449

الفصل التاسع و العشرون: في القوباء 450

الفصل الثلاثون: في البثور الصغار 452

الفصل الحادّى و الثلاثون: في البثور اللبنية 453

الفصل الثانى و الثلاثون: في بنات الليل 454

الفصل الثالث و الثلاثون: في الثآليل 455

الفصل الرابع و الثلاثون: في البلخية 457

الفصل الخامس و الثلاثون: في البطم 458

الفصل السادس و الثلاثون: في التوثة 459

ص: 657

الفصل السابع و الثلاثون: في الداخس 460

الفصل الثامن و الثلاثون: في أبورسما 462

الفصل التاسع و الثلاثون: في البثور الغريبة 464

الفصل الأربعون: في الحصبة و الجدرى و الحميقا 466

الباب الرابع و العشرون: في أمراض الجلد و الشعر و الزينة و الأضافير و الأطراف

الفصل الأول: في البرص 471

الفصل الثانى: في البهق الأبيض 474

الفصل الثالث: في البهق الأسود 476

الفصل الرابع: في الكلف و النمش و البرش و الخيلان 478

الفصل الخامس: في الخضرة و الوشم و آثار القروح و الجدرى 481

الفصل السادس: في البادشنام 483

الفصل السابع: في فساد اللون 484

الفصل الثامن: في الحزاز و الابرئة 487

الفصل التاسع: فى داء الثعلب و داء الحية 489

الفصل العاشر: في انتشار الشعر و الصلع 492

الفصل الحادّى عشر: في الشيب 496

الفصل الثانى عشر: فيما يتعلق بالزينة من أحوال الشعر 498

الفصل الثالث عشر: في القمل و الصئبان 503

الفصل الرابع عشر: في كثرة العرق و عرق الدم 505

الفصل الخامس عشر: في شقوق الاطراف و الوجه و الشفة 507

الفصل السادس عشر: في تقشف الجلد و تقشره 510

الفصل السابع عشر: في سحوج الجلد 512

الفصل الثامن عشر: في الهزال و السمن المفرطين 514

الفصل التاسع عشر: في تشنج جلدة الرأس و الجبهة 519

الفصل العشرون: في تعظم الرأس 520

ص: 658

الفصل الحادّى و العشرون: في علل الاظافير 522

الفصل الثانى و العشرون: في إنتفاخ الأصابع 526

الفصل الثالث و العشرون: في تقرّح القطاة 527

الفصل الرابع و العشرون: في الصنان 528

الفصل الخامس و العشرون: في فساد الأطراف بالبرد 531

الفصل السادس و العشرون: في حرق النار و الماء و الدهن الحارّين 534

الباب الخامس و العشرون: في الجراحات و غير ذلك الباب السادس و العشرون: في نشوب النصل و الشوك الباب السّابع و العشرون: في القروح

الفصل الأول: القروح البسيطة السريعة الاندمال و الغرض من أدمالها 553

الفصل الثانى: في القروح العسرة الاندمال 556

الباب الثامن و العشرون: في السقطة و الضربة الباب التاسع و العشرون: في الكسر و الخلّع و الوثى و الوهى الضمائم

الضميمة الأولى: في البحران 583

الفصل الأول: معرفة البحران اجمالا 583

الفصل الثانى: علامات البحران و اقسامه 587

الفصل الثالث: العلامات المنذرة بمآل المرض 596

الفصل الرابع: في الوقوف على أيام البحران 598

الفصل الخامس: في الوقوف على أيام الإنذار 603

الفصل السادس: بحارّين أمراض الحادّة و المزمنة 606

الضميمة الثانية: في سقى السموم 609

ص: 659

الفصل الأول: التدابير الوقائية عن سقى السموم 609

الفصل الثانى: التدابير العامة للمسموم 610

الفصل الثالث: ذكر السموم مفصلا مع علاج كل واحد منها 612

الضميمة الثالثة: في طرد الهوام 623

الضميمة الرابعة: في نهش الهوام 625

الفصل الأول: في لذع الأفاعى و الحيات 626

الفصل الثّانى: في لذع العقارب 628

الفصل الثالث: في نهش الرتيلا و العناكب 630

الفصل الرابع: في لسع الزنابير و النحل و النمل الطيار 632

الفصل الخامس: في نهش الغطابة و سام ابرص 633

الفصل السادس: في عضّ الانسان و ذوات الأربعة 634

الفصل السابع: في عض الكلب الكلب 636

الفصل الثامن: في لسع قملة النسر 638

الفصل التاسع: في عضة الضفادع 639

الفصل العاشر: في عض سالارمندرا 639

الفصل الحادّى عشر: في عضة الاربعة و الاربعين 640

اعلام 641

كتب 645

امكنه 646

ابزار 647

اوزان 649(1)

ص: 660


1- 579. سمرقندى، نجيب الدين - شارح: كرمانى، نفيس بن عوض، شرح الأسباب و العلامات، 2جلد، جلال الدين - قم، چاپ: اول، 1387 ه.ش.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.