موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی المجلد 111

اشارة

سرشناسه : حسینی شیرازی، محمد

عنوان و نام پدیدآور : الفقه : موسوعه استدلالیه فی الفقه الاسلامی/ المولف محمد الحسینی الشیرازی

مشخصات نشر : [قم]: موسسه الفکر الاسلامی، 1407ق. = - 1366.

شابک : 4000ریال(هرجلد)

یادداشت : افست از روی چاپ: لبنان، دارالعلوم

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

موضوع : اخلاق اسلامی

موضوع : مستحب (فقه) -- احادیث

موضوع : مسلمانان -- آداب و رسوم -- احادیث

رده بندی کنگره : BP183/5/ح5ف76 1370

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 70-5515

ص:1

 

اشارة

الطبعة الثالثة

1436ه_ 2015م

بالتعاون مع

مؤسسة المجتبی للتحقیق والنشر

کربلاء المقدسة / العراق

ص:2

            

کتاب حول السنة المطهرة

اشارة

 

الفقه

موسوعة استدلالیة فی الفقه الإسلامی

الجزء الحادی عشر بعد المائة

کتاب حول السنة المطهرة

                               

ص:3

بِسْمِ اللّهِ الرّحْم_َنِ الرّحِیمِ

الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَی أشْرَفِ خَلْقِهِ، سَیِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَی آلِهِ الطَّیبینَ الطّاهِرینَ، وَاللّعْنَةُ الدّائِمَةُ عَلَی أعْدائِهِمْ إلَی قِیامِ یَوْمِ الدّینِ.

ص:4

المقدمة

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی محمد وآله الطاهرین.

وبعد، فهذا کتاب (الفقه: حول السنّة المطهرة)، والعلماء غالباً ما ذکروها فی (الأصول)، إلاّ أنّا ذکرناها فی الفقه للتنسیق مع (الفقه: حول القرآن الحکیم)، وبعض المسائل الأُخری التی ترتبط بالفقه.

ولذا اهتممنا أن تکون قریباً من (الفقه) لا من الدقة الأصولیة، حسب العادة منذ قرنین.

والله المسؤول أن ینفع بهذا الکتاب کما نفع بسائر کتب الفقه، وهو المستعان.

قم المقدسة

1 / صفر / 1413 ه_

محمد بن المهدی الحسینی الشیرازی

ص:5

ص:6

الفصل الأول تعریف السنة

اشارة

الفصل الأول

تعریف السنة

ص:7

ص:8

تعریف السُنة

السنّة فی الاصطلاح

تعریف السُنة

السنّة فی الاصطلاح: عبارة عن قول المعصوم (علیه السلام) وفعله وتقریره، أعم من أن یکون من الأنبیاء السابقین، أو أوصیائهم المنصوبین من قبل الله تعالی (علیهم السلام)، أو الصدیقة مریم (علیها السلام)، أو الصدیقة الزهراء (علیها السلام)، أو الملائکة.

بل وتشمل الحدیث القدسی الذی حکاه المعصوم (علیه السلام) وإن کان نفس الحدیث لا یسمی (سنّة)((1)).

فلو فرض أن السیدة زینب (علیها السلام) نقلت حدیثاً قدسیاً، باعتبار أنها مُلهَمة، کما قال السجاد (علیه السلام): Sأنتِ عالمةٌ غیر معلَّمَة...R ((2))، لم یکن من السنة((3)).

کما أن الکتب المنزلة غیر المحرّفة لیست من السنة((4))، بل هی عِدْل القرآن کلام الله تعالی، ولا تسمی أیضاً (کتاباً) فی الاصطلاح.

وعلی هذا فللّه سبحانه: القرآن الحکیم، وسائر الکتب السماویة، والأحادیث القدسیة.

وللمعصومین (علیهم السلام) الثلاثة المتقدمة.

وقد استثنی جماعة من الأصولیین _ کصاحب القوانین وغیره _ العادیات، ولم یعرف وجهه، فإن العادیات أیضاً من السنة، وإنما تدل

ص:9


1- بل هو طریق إلی السنة.
2- الاحتجاج: ج2 ص31 خطبة السیدة زینب (علیها السلام). وبحار الأنوار: ج45 ص164 ب39 ح7، وفیه: (یا عمة... أنت بحمد الله عالمة غیر معلمة، وفهمة غیر مفهمة).
3- أی بالمعنی المصطلح للسنة، وإن کان أقوال السیدة زینب (علیها السلام) حجة کما سیأتی.
4- أی بالمعنی المصطلح.

علی جوازها مطلقاً، أو فی الجملة، کقول الصادق (علیه السلام) للغاصب: (أمیر المؤمنین)، فإنه جائز بالمعنی الأعم الشامل للواجب الاضطراری فی مورده.

السنة عند العامة

السنة عند العامة

نعم العامة یرون أن السنّة أعم من جهة شمولها للصحابة والتابعین، وأخص من جهة عدم شمولها لأقوال أئمتنا (علیهم السلام) الذین لم یکونوا منهما، فبین الاصطلاحین عموم من وجه.

الحدیث والخبر والسنة

الحدیث والخبر والسنة

ثم (الخبر) و(الحدیث) یطلقان أیضاً علی (السنة) باعتبار إخبار المعصوم (علیه السلام)، أو إخبار الأخبار ولو قال إنشاءً.

کما أن (الحدیث) یطلق علیها باعتبار حداثته.

کما أُطلق علی (القرآن) أیضاً فی نفس القرآن((1))..

وفی غیره((2)).

ص:10


1- قال تعالی P تِلْکَ آیاتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَیْکَ بِالْحَقِّ فَبِأَیِّ حَدیثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآیاتِهِ یُؤْمِنُونَ O ، سورة الجاثیة:6. وقال عزوجل: P اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدیثِ کِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِیَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذینَ ◄ ► یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلینُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلی ذِکْرِ اللَّهِ ذلِکَ هُدَی اللَّهِ یَهْدی بِهِ مَنْ یَشاءُ وَمَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ O سورة الزمر: 23.
2- ان ظر التوحید: ص227، وفیه: (فإن القرآن کلام الله محدث). وفی نهج البلاغة: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام): (أَرْسَلَهُ عَلَی حِینِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ، وَانْتِفَاضٍ مِنَ الْمُبْرَمِ، فَجَاءَهُمْ بِتَصْدِیقِ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ، وَالنُّورِ الْمُقْتَدَی بِهِ، ذَلِکَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ وَلَنْ یَنْطِقَ، وَلَکِنْ أُخْبِرُکُمْ عَنْهُ، أَلَا إِنَّ فِیهِ عِلْمَ مَا یَأْتِی، وَالْحَدِیثَ عَنِ الْمَاضِی، وَدَوَاءَ دَائِکُمْ، وَنَظْمَ مَا بَیْنَکُمْ). نهج البلاغة: الخطبة 158. وَقَالَ علیه السلام: (وَ اعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِی لا یَغُشُّ، وَالْهَادِی الَّذِی لایُضِلُّ، وَالْمُحَدِّثُ الَّذِی لا یَکْذِب) نهج البلاغة: الخطبة 176.

وهل ذلک لأنه حدیث فی الجملة حتی یکون صادقاً بالنسبة إلی ما بعد ذلک، أو أن المراد أنه فی وقته حدث، فیشمل ما بعد ذلک أیضاً باعتبار حال ماضیه، احتمالان.

بین الخبر والإنشاء

بین الخبر والإنشاء

ومما تقدم ظهر صحة إطلاق الخبر علی الإنشاء. فإذا قال الرسول (صلی الله علیه وآله): (افعل کذا) یصح أن یقول الراوی: اسمعوا هذا الحدیث، إنه (صلی الله علیه وآله) قال: (افعل کذا).

فإنه (خبر) اصطلاحی، وإن لم یکن خبراً لغویاً وبلاغیاً، إذ الخبر عندهم ما له واقع یطابقه أو لا یطابقه، فی قبال (الإنشاء).

لا یُقال: فلماذا نری أنهم قد یکذّبون ویصدّقون الإنشاء، فیقول لفقیر یتکفّف: إنه کاذب أو صادق.

لأنه یُقال: المراد ما ینطوی علیه الإنشاء من الإخبار، إذ تکفّفه منطوٍ علی أنه لا یملک، وهذا الخبر له واقع یطابقه أو لا یطابقه، ولذا شهد الله سبحانه أن المنافق کاذب((1))، مع أنه إنشاء ولم یخبر.

والمراد بالواقع: الأعم من (الحقیقی)، الشامل للذهنی أیضاً،

ص:11


1- قال تعالی: P أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذینَ نافَقُوا یَقُولُونَ لإِخْوانِهِمُ الَّذینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَکُمْ وَلا نُطیعُ فیکُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّکُمْ وَاللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ O سورة الأنعام: 28. وقال عزوجل: P إِذا جاءَکَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّکَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ یَعْلَمُ إِنَّکَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقینَ لَکاذِبُونَ O سورة المنافقون: 1. وقال سبحانه: P وَالَّذینَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ کُفْراً وَ تَفْریقاً بَیْنَ الْمُؤْمِنینَ وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَیَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنی وَ اللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ O سورة التوبة: 107.

مثل: (شریک الباری محال)، و(الاعتباری) و(الانتزاعی).

ومنه یعلم أن الواقع قد یکون فیهما، ک_ (زید) المتصوّر، وقد یکون فی أحدهما ک_ (شریک الباری)، وما کان فی الخارج مما لم یتصوّر.

ثم الخبر قد یکون (ماضیاً) أو (حالاً)، ولا یعقل فیهما التعلیق، وقد یکون (مستقبلاً) ویعقل فیه ذلک، کقولک: إذا طلعت الشمس، وإذا جاء زید کان کذا، والإنشاء کذلک. ولذا صحّ نذر المعلق، ونحوه.

وقول بعضهم: إن الإنشاء إیجاد فی عالم الاعتبار؛ والإیجاد لا تعلیق فیه، غیر تام، إذ معنی التعلیق فیه أنه إیجاد مقیّد لا مطلق.

ثم إن اللفظ المشترک بینهما ک_ (بِعْتُ) یعیّن واقعه بالقصد، قصد الإخبار أو قصد الإنشاء، وفی مقام الإثبات له موازینه، ومع اختلافهما ولا قرینة عُلم من اللافظ، لأنه مما لا یعرف إلاّ من قبله، وهذا وإن لم یکن له دلیل خاص إلاّ أنهم أفتوا بذلک من جهة (أصالة الصحة) فی قول الإنسان وفعله.

وقد ذکرنا فی (الفقه) أنه لا فرق فیه((1)) بین أن یکون مسلماً أو کافراً، لإطلاق أدلته.

ومنه الطلاق والظهار والنذر وما أشبه، إذ قد یقول: (طَلَّقْتُ)، یرید الإخبار، ولا یقع به، کما أنه إذا أراد الإخبار فی الظهار والنذر ونحوهما کان کذلک((2))، وإنما تتحقق أحکامها بلفظها إذا قصد الإنشاء.

العلم والیقین والاعتقاد

العلم والیقین والاعتقاد

ثم إن من الواضح أن (العلم) و(الیقین) و(الاعتقاد) أمور مربوطة بالنفس، ولا ربط لها بمرحلة الإثبات.

ص:12


1- فی جریان أصالة الصحة.
2- أی لا تقع بما قصد الإخبار به.

والفرق بینهما أن الأول رؤیة الشیء علی ما هو علیه

بینما (الیقین) أعم من ذلک، فإذا أخطأ فی علمه لا یُقال: علم، وإنما یُقال: تیقّن.

و(الاعتقاد): عبارة عن القطع الذی عقد قلبه علیه معنویاً، کعقد الخیط مادیاً، ولذا قال سبحانه: Pوَجَحَدُوا بها وَاسْتَیْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْO((1)).

وکل من (العلم) و(الجهل) ینقسم إلی البسیط والمرکب، وکلها فی صقع النفس، ومن الواضح أن العلم أیضاً مرکب وبسیط، وإن اشتهر الوصفان بالنسبة إلی الجهل فقط.

العلم الإجمالی

العلم الإجمالی

والعلم الإجمالی: عبارة عن علم وجهل، فإذا علم نجاسة أحد الإناءین ولم یشخص النجس، قیل: (علم إجمالی)، کما یصح أن یُقال: (جهل إجمالی)، وفی قبالهما العلم والجهل التفصیلیان.

بین الشهود والإقرار

ثم إنه یتفرع علی تکذیب الله للمنافقین، أنه لو تخالف الشهود والإقرار، کما إذا أقر بالزنا أربع مرّات وکذّبه الشهود، حیث قالوا: لم یکن فی الحال الذی یقول عند تلک المرأة مثلاً، أو قال: ما زنیت، وقالوا: زنی، قُدّم قول الشهود علی الإقرار، لأنه أقوی منه شرعاً وعقلاً، ولذا لا یُسمع قول المنکر مع شهود الإثبات.

ص:13


1- سورة النمل: 14.

الصدق والکذب لا یرتبطان بالاعتقاد

الصدق والکذب لا یرتبطان بالاعتقاد

ومما تقدم ظهر أن قول بعضهم: بالواسطة بین الصدق والکذب، مستدلاً بقوله سبحانه: Pأَفْتَرَی عَلَی اللهِ کَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةO((1))، حیث إن الشق الثانی لیس من الکذب ولا من الصدق، فی غیر موضعه.

لأن الظاهر من الآیة أنهم حصروا قول النبی (صلی الله علیه وآله) فی التعمّد، والصادر عن الجنون بدونه، وإن کانوا یعتقدون أنه کذب علی أی حال.

الأصل فی الإنشاء والإخبار

الأصل فی الإنشاء والإخبار

ثم لو شک بأن الکلام إخبار أو إنشاء، فالأصل فی کلامهم (علیهم السلام) کونه حکماً إنشائیاً، فیما إذا کان بینهما فرق، لا فیما إذا کان الإخبار أیضاً یوجب الإتباع، مثل الإخبار ب_ Pأَنَا بِهِ زِعِیمٌO((2)) لاستصحاب الشرائع   السابقة.

کما فی مثل قوله: (بعت) حیث لم یعلم أنه إنشاء أو إخبار، بالنسبة إلی الشخص العادی، فإذا لم تکن قرینة لکل منهما تساقطا، وإلاّ أخذ بذی الأثر، حیث إنّ ما لا أثر له خلاف سیرة العقلاء.

قصد الکذب والصدق

قصد الکذب والصدق

ص:14


1- سورة سبأ: 8.
2- سورة یوسف: 72.

ومما تقدم ظهر أنه لو قال صدقاً باعتقاد أنه غیر واقع، کان من التجرّی، ولو قال کذباً باعتقاد أنه واقع لم یؤخذ، فإنه لیس مذنباً ولا متجریاً.

فلو نذر أن یعطی من أخبر صدقاً، لم یعطه لمن خالف الواقع وإن اعتقد المتکلم صدق نفسه، بل أعطاه لمن طابق کلامه الواقع وإن اعتقد المتکلم کذب نفسه.

ولا فرق فیما ذکرناه بین القول والفعل، فإذا قال: (کتب فلان) ولم یکتب، کان کذباً، أو قال: (لم یکتب) وقد کتب کان کذلک.

وهکذا بالنسبة إلی سائر الأفعال، کالأکل والمشی والتزوج وما أشبه.

وهل یعتبر القصد فی النسبة، فإذا سیق إلی مکان کذا لم یصدق (جاء) علی الأول، دون الثانی، والظاهر الأول.

فمن أوجر فی حلقه الطعام أو الماء، لم یصدق أکل أو شرب، نعم فی المکرَه ینسب الفعل إلیه، وکذا المضطر، وقد ذکرنا فی (الأصول) الفرق بینهما، حیث لا تصح معاملة المکرَه إلاّ بإجازة لاحقة، بخلاف المضطر.

ویعرف الفرق بین هذه الأمور فی قتل إنسان شخصاً، حیث یختلف العمد، والاضطرار، والإکراه، والاشتباه، والقتل فی مثل حال النوم، کما لو انقلبت الضئر علی الولید فاختنق.

ص:15

فروع

فروع

ومما تقدم یُعلم أنه لو قال: کذب شهودی، لم تبطل شهادة الشهود، وکان الحق له فی أی موضوع کان، المال أو الزوجة أو غیرهما، لکنه یُعامل

بینه وبین الله حسب اعتقاده، لأنه لیس للشهود موضوعیة حتی تغیر الحکم الواقعی.

ولو قال: إن کان کذا فأنا صادق أو کاذب، أو: فهو کذلک، سواء علقه علی الوصف أو الشرط، لم یُلزم به الآن فی الأول، بل وحتی فی الثانی، بأن قال کذا، أو حصل الوصف کطلوع الشمس، إذ التعلیق مانع عن الجزم، فلم یکن معترفاً حتی یلزمه الإقرار.

ومنه یُعلم وجه النظر فی الفرع الذی ذکروه فیما لو قال: إن شهد شاهدان بأن علیَّ کذا فهما صادقان، فإنه یلزمه الآن، لأن الصدق هو المطابق للواقع، وإذا کان مطابقاً علی تقدیر الشهادة لزم أن یکون ذلک علیه، لأنه یصدق: کلما لم یکن ذلک علیه علی تقدیر الشهادة لم یکونا صادقین، لکنه قد حکم بصدقهما علی تقدیرها، فیکون ذلک علیه الآن.

ومثله ما لو قال: إن شهد شاهدٌ علیّ، إلی آخره.

نعم لو قال: إن قال أبی إنه زوّجنی صدق، وبقوله یتحمل آثار الزواج، إذ هو یعتقد صدق أبیه واعتماده علیه، اللّهمّ إلاّ إذا قال ذلک علی سبیل التحدی، وأن أباه لا یقول ذلک.

ومنه یُعلم أن الکافر لو قال: إن شهد عالمی بأنک رسول الله فأنا مؤمن بک، وشهد عالمه، فإنه بذلک لا یکون مؤمناً، وإن لم ینکر بعد شهادة عالمه، لأنه لیس من الشهادة فی شیء.

وقد حدث مثل ذلک فی قصة عبد الله بن سلام مع أصحابه الیهود.

ص:16

ومما تقدم ظهر أن الکافر لو قال: الإسلام حق، کان صادقاً، ولو قال: الإسلام باطل، کان کاذباً، من غیر فرق بین أن یعتقد بما یقول، أو لا یعتقد، لأنک قد عرفت أن الصدق والکذب لا یرتبطان بالاعتقاد.

والظاهر أن مع قوله الأول لا یکون مسلماً، إذ الإسلام عبارة عن الشهادتین، والمفروض أنه لم یتلفظ بهما، اللهم إلاّ أن یقال إنه عبارة أخری عن الشهادتین، لکنه لیس بحیث یقطع الاستصحاب.

ومنه یُعلم عکسه بأن قال المسلم: الإسلام باطل.

صدق الکتابة والإشارة

صدق الکتابة والإشارة

ثم إن الصدق کما یکون فی اللفظ یکون فی الکتابة والإشارة، فإذا تکفّف بدون أن یقول شیئاً وهو غنی، یُقال إنه کاذب، باعتبار انطواء تکفّفه علی إخباره بفقره، علی ما سبق.

ص:17

صدق الکنایات والمجازات

صدق الکنایات والمجازات

والصدق والکذب لیس باعتبار اللفظ، بل المعنی المقصود، فلو قال: (کثیر الرماد) وأراد کثرته حقیقةً ولم یکن له رماد کان کاذباً. وإن أراد جُوده کنایةً کان صادقاً، من غیر فرق بین نصب القرینة وعدمه، خلافاً لمن أدار الأمر مدار نصب القرینة وعدمه.

ولذا کان علی (علیه السلام) صادقاً فی قوله: Sحتی استماحنی من بُرّکم صاعاً، و... کأنما سوّدت وجوههم بالعظلمR((1))، مع وضوح أن عقیلاً أراد مالاً کثیراً، وأن الصبیة لم یکونوا بذلک اللون، وإنما أراد (علیه السلام) أنه أمین حتی فی الصاع، وأنهم کانوا شدیدی الفقر، اللهم إلاّ أن یقال: إن قوله (علیه السلام) مقترن بالقرینة العقلیة.

وبعد أن عرفت أن الانطواء أیضاً یوجب الصدق والکذب، فلا فرق فی الکذب بین أقسامه الأربعة، فلو قال: (الدار الملاصقة لدار زید لفلان) فلم تکن دار، أو فلان، أو نسبة بینهما، أو قال: (یا زید الفاضل) ولم یکن له فضل، کان من الکذب.

ص:18


1- نهج البلاغة: الخطبة 224.

ص:19

الفصل الثانی

اشارة

الفصل الثانی

الأخبار وأقسامها

ص:20

ص:21

أقسام الخبر

أقسام الخبر

مسألة: الخبر من جهة العلم وجوداً وعدماً خمسة أقسام، لأنه:

1 و2: إما معلوم الصدق أو الکذب.

3 و4: أو مظنون أحدهما بمختلف مراتب الظن.

5: أو یشک فیه شکاً متساویاً.

وحال الأولین والأخیر واضح.

أما المظنون فالمشهور بین المتأخرین أنه إن کان من الظنون المعتبرة، مثل ما یحصل من خبر الواحد أو نحوه فهو حجة، سواء کان بالنسبة إلی الأحکام کما ذکر، أو الموضوعات کالحاصل من شاهدی عدل، هذا فی حال الانفتاح.

وفی حال الانسداد _ لو فرض _ فما یوجبه الظن الانسدادی حجة أیضاً، وإلاّ لم یکن حجة، للأدلة الأربعة التی ذکرها الشیخ المرتضی (قدس سره) وغیره.

لکنا ذکرنا فی (الأصول) ضعف هذا المبنی، حیث إن بناء العقلاء علی العمل بالظن فی کل شؤونهم، والشارع لم یردع عنه، وما ذکروه من الأدلة الرادعة لیست به.

ولو أراد الشارع الردع لزم أن یکثر من القول، لأن تغییر المبنی العقلائی بحاجة إلیه، ولذا أکثر من المنع عن (القیاس) حتی ذکر بعضهم أن الأدلة علیه زهاء خمسمائة.

ثم لا یهم بعد ذلک أسباب العلم أو الظن، لأن الأول نور بنفسه، والثانی نور ضعیف علی ما ذکرناه، وفیهما لا یُسأل عن کون السبب قرینة حال أو مقال، أو کثرة تتراکم حتی تورث أحدهما کالخبر

ص:22

المتواتر، إلی غیر ذلک.

ومن البدیهی وجوده موضوعاً، ویرتّب الحکم علیه حکماً.

ومناقشة بعض حکماء الهند فی أی منهما، لیست إلاّ کالمناقشات السوفسطائیة.

ولا فرق فی العلم من جهة وجوب الاتّباع کونه من الداخل کالریاضیات، أو الخارج بالحواس القطعیة کضوء الشمس، لا کالسراب یزعم أنه ماءً.

وإذا حصل أحدهما لم یعقل مُقابله، لاستحالة الجمع بین علمین فی الطرفین، أو الظنین کذلک، کما لا یعقل أحدهما فی طرف والشک فیه أو فی الطرف الآخر، وکذلک العلم فیه والظن کذلک.

کما أن الظن بقدرٍ فی طرف، یلازم الوهم فی الطرف الآخر. فإذا فرض أن درجة العلم مائة، ودرجة الشک خمسون، یکون الظن بواحدٍ زائداً علی الخمسین یلازم الوهم بواحد ناقصاً عنه.

والمشهور عدم صحة الظن فی (أصول الدین)، بل قال العلامة (رحمه الله): إنه أجمع العلماء علی ذلک.

لکن الشیخ المرتضی (رحمه الله) فی الرسائل ناقش فی ذلک، وربما لم یستبعد کلامه المذکور کما ذکرناه فی الشرح.

ص:23

التواتر

التواتر

مسألة: التواتر فی الطبقة الأولی بحاجة إلی کثرة یقطع الإنسان بأنهم أو بعضهم _ مما لا یضر البقیة فی التواتر _ لم یتواطؤوا علی الکذب، وإلاّ لم یحصل التواتر.

کما أنه ربما یوجب القطع انضمام القرائن إلی إخبار من کانوا دون حد التواتر، وهذا وإن أوجب علماً لکنه لا یسمی تواتراً.

إذ بین (العلم) و(التواتر) عموم مطلق، وربما یقال بأن بینهما من وجه، حیث إن التواتر لدی الشاک المسبوق بالقرائن المخالفة لا یوجبه.

ولذا نجد أنّ بعض المخلصین عن تحرّی الحقائق، لا یقتنعون بتواتر معجزات النبی (صلی الله علیه وآله) فی الإیمان به.

ولا یخفی أن مثل هؤلاء إن ماتوا علی هذه الحالة امتحنوا فی الدار الآخرة، إذ Pلا یُکلِّفُ الله نَفْساً إلاّ ما آتاهاO((1))، وهو عقلی إلی جانب کونه شرعیاً.

ولذا ذکرنا فی (الفقه): من شروط أحکام الارتداد الموجب لقتله ونحوه، أن لا یکون عن شبهة، نعم مثل النجاسة تترتب علی أی حال، لأنها من أحکام غیر المسلم وإن لم یکن معاقباً، علی المشهور.

ص:24


1- سورة الطلاق: 7.

من شروط التواتر

من شروط التواتر

کما یلزم التواتر فی سائر الطبقات وإلاّ لم یکن منه، ولذا لم یحصل فی دین موسی (علیه السلام)، لانقطاع الوسط باستئصال بخت النصر لهم، ولا دین عیسی (علیه السلام) لانقطاع الأول، ولا فی دین المجوس لانقطاعهما.

وهل الکثرة فی التواتر نفسیة فلا تختلف القضایا والأشخاص، أو نسبیة حتی تختلفان، الظاهر الثانی، لوضوح أن الکثرة توجب العلم فی شخص دون شخص، وفی قضیة دون قضیة، بل فی حال دون حال أیضاً.

ولذا جاز أن یحصل التواتر أو عدمه فی حال خلو الذهن، دون حال تشکیک المشکک.

ثم فی مورد العلم قد یکون الخبر المتواتر سابقاً، وقد یکون لاحقاً، کما إذا عُلم ثم حصل آخر متواتر، فإنه لا یعقل حصول علم ثان، نعم یمکن اختلاف المراتب، إذ العلم حالة نفسیة کالشجاعة والکرم تختلف مراتبها، کأن یکون العلم الأول ممکن الزوال بالتشکیک، بینما العلم الحاصل من التواتر لا یکون کذلک، أو یکون الأمر بالعکس.

ص:25

التواتر تدرجی ودفعی

التواتر تدرجی ودفعی

والتواتر قد یحصل تدریجاً، کأن یخبره ألف تدریجاً، وقد یحصل دفعةً کأن یخبروه دفعةً.

ففی الأول: تدرّج من الشک إلی الظن الضعیف فالقوی فالعلم.

بخلاف الثانی، فلا تدرج بل تنقلب الحالة السابقة اللاعلمیة إلی العلم دفعةً، سواء کانت حالة ظن أو وهم أو شک.

أقسام أخری للتواتر

التواتر تدرجی ودفعی

والتواتر قد یکون: مطابقیاً، أو تضمنیاً، أو التزامیاً.

کما یکون بتقسیم آخر:

1) لفظیاً، کما إذا نقل کلهم: Sضربة علیٍّ (علیه السلام) یوم الخندق أفضل من عبادة الثقلین)((1)).

2) أو معنویاً، کما إذا نقلوا شجاعاته (علیه السلام) المختلفة فی بدر وخیبر وحُنین وذات السلاسل ومکة وغیرها.

3) أو إجمالیاً، کما إذا نقلوا أخباراً نعلم بصحة أحدها إجمالاً، فیؤخذ بالأخص لأنه مجمع الکل، کما إذا قال أحدهم: أعطی دیناراً، والآخر: دینارین، والثالث: ثلاثة، وهکذا، إذ کلهم مجمعون علی الدینار الواحد.

ثم إن من اللفظی: ما إذا نقلوا بألفاظ مختلفة مترادفة، مثل:

ص:26


1- الإقبال: ص467. وورد فی بحار الأنوار: ج41 ص96 هکذا: (لمبارزة علی بن أبی طالب علیه السلام لعمرو بن ود یوم الخندق أفضل من عمل أمتی إلی یوم القیامة).

(جاءت السنور، والقط، والخیطل، والهر).

ومنه اللغات المختلفة.

ثم لا یبعد أن یکون Sضربة علی (علیه السلام)R إشارة إلی المعنویة التی أظهرت هذه الضربة، کمعنویة (عین تَسَعُ ألف کر) وإن ظهر منها فوهة صغیرة، التی هی أفضل من عشرة آلاف عین، لا تکون بمجموعها ألف کر، إلی غیر ذلک من المحتملات.

الحس شرط التواتر

الحس شرط التواتر

ولا یکون التواتر إلاّ بالحسّ، سواء بحس واحد کرؤیتهم إعطاء زید وعمر وبکر حیث تدل علی الجود، أو حواس مختلفة کرؤیة أحدهم شربة الخمر، واستشمام آخر رائحتها، وسماع ثالث تقیؤها، مع علمه أنه لم یشرب منذ مدة مائعاً، فلا یکون التقیؤ بذلک المائع.

وقد ذکرنا فی (الفقه): أن الشهود الأربعة لو کانوا عمیاناً ولمسوا وطیه له لم یستبعد الحد، إلاّ إذا قیل بدرء الحدود بالشبهات، من جهة شبهة شمول الأدلة لمثله، حیث إن الحدیث یشمل شبهة الحاکم والشاهد والفاعل.

والإخبار فی الالتزام، سواءً أخبروا باللازم فیکون المتواتر الملزوم، أو بالعکس، قد یکون بحس المقدمات، فلا یلزم أن یکون المتواتر بالمباشرة، کرؤیتهم المیل فی المکحلة.

الحدود لا تثبت بالتواتر

الحدود لا تثبت بالتواتر

وهل یوجب التواتر الحد، الظاهر لا، لأن المعیار لیس العلم فی مثل الزنا وأخویه((1)) _ کما ذکرناه فی الفقه _ وإلاّ فقد علم النبی

ص:27


1- اللواط والسحق.

والوصی (علیهما السلام) بزناهما فی القصتین قبل الإقرار الرابع، ومع ذلک لم یجریا الحد.

والتواتر فی مثل ذلک لا یوجب إلاّ العلم، نعم إذا کفی العلم فی مورد کفی التواتر، وإن لم یکن شاهدان عادلان.

ص:28

الخبر الواحد

الخبر الواحد

مسألة: هناک اصطلاحان فی الخبر الواحد، وهو ما لیس بتواتر:

1: أعمّ یشمل المستفیض.

2: وأخصّ یقابله.

والغالب أن المستفیض یوجب الظن الأقوی، وإلاّ فکلاهما لیسا من التواتر فی شیء.

ولا یهم أن یکون الواحد بالمعنی الأعم((1)) موجباً للعلم من القرائن الداخلیة أو الخارجیة بتسمیته، إذ المعیار أن لا یکون متواتراً.

ومن الممکن أن یکون خبران متعارضان یوجبان لشخص واحد الشک، أما أن یوجبا علمین أو ظنّین ولو کانا مختلفی المراتب، أو علماً وظناً، فذلک محال، کما سبق الإلماع إلی مثله.

نعم بالنسبة إلی نفرین کل الأقسام متصورة.

ثم إن الخبر المتواتر الذی لا یفید العلم، لا یعد من المتواتر الاصطلاحی، وإن کان متواتراً لغویاً.

والخبر الواحد قد یفید العلم بسبب قرائن داخلیة أو خارجیة، وقد لا یفید، فالقول بالإطلاق فی طرفی المسألة غیر ظاهر الوجه.

ص:29


1- مما یشمل الأکثر من الواحد ما لم یصل للتواتر.

شمولیة الخبر

الخبر الواحد

ولا یلزم أن یکون الخبر لفظاً، بل الإشارة أیضاً منه، کما إذا أشار بیده أو عینه أو رأسه بنعم أو لا، أو ما أشبه ذلک.

کما إن التضمن والالتزام خبر لإطلاق أدلته.

الخبر الموثوق

الخبر الموثوق

مسألة: المشهور حجیة خبر الثقة، قال (علیه السلام): SثقاتناR((1))، ولبناء العقلاء من غیر ردع، ولجملة من الآیات والروایات کما ذکرناه فی الأصول.

خلافاً لمن اشترط العدالة بدلیل الآیة((2))، ومن أنکر حجیته مطلقاً، لأنه لا یورث إلاّ الظن، وPإنَّ الظَّن لا یُغْنی مِنَ الحَقِّ شَیْئاًO((3)).

وحیث ذکرنا تفصیل الکلام فی المذکورات هناک لا حاجة إلی تکراره.

واستدل صاحب (القوانین) علیه بالانسداد أیضاً، لکنه محل تأمل صغری وکبری.

ص:30


1- وسائل الشیعة: ج1 ص39 ب2 ح61، وفیه: (مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْکَشِّیُّ فِی کِتَابِ الرِّجَالِ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَیْبَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ الْمَرَاغِیِّ، قَالَ: وَرَدَ تَوْقِیعٌ عَلَی الْقَاسِمِ بْنِ الْعَلَاءِ، وَذَکَرَ تَوْقِیعاً شَرِیفاً یَقُولُ فِیهِ: S فَإِنَّهُ لا عُذْرَ لِأَحَدٍ مِنْ مَوَالِینَا فِی التَّشْکِیکِ فِیمَا یُؤَدِّیهِ عَنَّا ثِقَاتُنَا قَدْ عَرَفُوا بِأَنَّا نُفَاوِضُهُمْ سِرَّنَا وَنُحَمِّلُهُمْ إِیَّاهُ إِلَیْهِمْ الْحَدِیثَ R .
2- آیة النبأ: P یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمی O ، سورة الحجرات: 6.
3- سورة یونس: 36، وسورة النجم: 28.

حدود الوثاقة

حدود الوثاقة

هل تحصل الثقة فی کل الأعمال، أم فی الأقوال فقط، لأن بناء العقلاء علی ذلک، إذ بناؤهم علی أن کل ثقة فی شیء یکون حجة فیه، فالسائق الثقة فی السیاقة، والطبیب الثقة فی عمل الجراحة، والطیار الثقة فی الطیران، إلی غیر ذلک، یعتمد علیهم، ولا یلوم العقلاء من اعتمد لو حصلت المخالفة فرضاً، فلا یشترط فیهم الثقة فی القول، أو فی غیر مهنتهم.

وکما یُکتفی بالوثاقة فی السند، یُکتفی بها فی الدلالة وجهة الصدور، ولذا نری عدم عمل العلماء بمئات الأخبار التی ظاهرها الوجوب أو الحرمة

بسبب عدم عمل العلماء به، مما یُسقط الثقة((1)) عن کونها صادرة للمنع من النقیض.

أما قول (المعالم): (یستفاد)، فالظاهر أنه لا یستفاد، ولذا لم یقبله المتأخرون منه من المحققین.

ص:31


1- أی الخبر الثقة.

شرائط العمل بالخبر الواحد

اشارة

شرائط العمل بالخبر الواحد

مسألة: قد ذکر جملة من العلماء للعمل بالخبر الواحد جملة من الشرائط، التی ترجع إلی الراوی، من: البلوغ، والعقل، والإسلام، والإیمان، والعدالة، والضبط.

1 و2: البلوغ والعقل

1 و2: البلوغ والعقل

أما البلوغ، فلا إشکال فی عدم قبول غیر الممیز، کما لا إشکال فی عدم قبول خبر المجنون الإطباقی، والأدواری فی حال دوره لا تحملاً ولا نقلاً.

أما (عدم البلوغ) تحملاً، فالظاهر عدم البأس به إذا أخبر بعد بلوغه، إذ لا دلیل علی العدم من العقل والشرع.

نعم فی (عدم البلوغ) نقلاً کلامٌ، هل یقبل إذا توفرت فیه سائر الشرائط من الوثاقة والضبط ونحوهما، لوجود المقتضی وعدم المانع، فیشمله الدلیل، أو لا، لأنه أسوأ من الفاسق حیث له رادع بخلافه، لأن معرفته برفع القلم عنه تمنع عن الوازع.

ومقتضی القاعدة: وإن کان الأول، لأن العقلاء یعتمدون علی الممیز الجامع للشرائط فی معاملاتهم.

وقد ذکرنا فی (الفقه) تبعاً للمحقق (قدس سره) وغیره: صحة معاملة الصبی، إلاّ أنا لم نجد فی الأخبار ما کان من هذا القبیل، کما لم نجد من صرّح بالجواز من الفقهاء.

أما الأدواری فی حال الإفاقة الکاملة، فیشمله الدلیل تحملاً وأداءً.

لکن الکلام فیما لو تحمله مجنوناً وأداه عاقلاً، هل یقبل أو لا، لا یبعد الثانی لعدم اعتماد العقلاء، ولا دلیل علی أن الشارع قرره علی

ص:32

خلافهم.

والسفیه الأموالی کالعاقل، أما الأعمالی فهو قسم من المجنون.

3: الإسلام

3: الإسلام

وهل یشترط الإسلام، لأن الکافر فاسق فتشمله الآیة، ولأنه لم یعهد خبر الکافر فی مورد الفقه، وإن وجد فی بعض قضایا الرسول (صلی الله علیه وآله)، أو لا، إذ المعیار عند العقلاء الوثاقة ولا فرق فیها بینهما.

وفی الروایات اعتمادهم (علیهم السلام) فی العمل علی الکافر، کما فی قصة فصد الإمام (علیه السلام)((1)).

بل روت العامة إجازة النبی (صلی الله علیه وآله) بعض المسلمین

ص:33


1- انظر الکافی: ج1 ص512-513 باب مولد أبی محمد الحسن العسکری (علیه السلام) ح24، وفیه: عن محمد بن الحسن المکفوف، قال: حدثنی بعض أصحابنا عن بعض فصّادی العسکر من النصاری: أن أبا محمد (علیه السلام) بعث إلیَّ یوماً فی وقت صلاة الظهر، فقال لی:«افصد هذا العرق». قال: وناولنی عرقاً لم أفهمه من العروق التی تفصد، فقلت فی نفسی: ما رأیت أمراً أعجب من هذا، یأمرنی أن أفصد فی وقت الظهر ولیس بوقت فصد، والثانیة عرق لا أفهمه. ثم قال لی: «انتظر وکن فی الدار». فلما أمسی دعانی وقال لی: «سرِّح الدم» فسرحت. ثم قال لی: «أمسک» فأمسکت. ثم قال لی: «کن فی الدار»، فلما کان نصف اللیل أرسل إلیَّ وقال لی: «سرِّح الدم». قال: فتعجبت أکثر من عجبی الأول، وکرهت أن أسأله، قال: فسرحت، فخرج دم أبیض کأنه الملح. قال: ثم قال لی: «احبس». ◄   ► قال: فحبست. قال: ثم قال: «کن فی الدار»، فلما أصبحت أمر قهرمانه أن یعطینی ثلاثة دنانیر فأخذتها وخرجت حتی أتیت ابن بختیشوع النصرانی فقصصت علیه القصة. قال: فقال لی: والله ما أفهم ما تقول ولا أعرفه فی شیء من الطب ولا قرأته فی کتاب، ولا أعلم فی دهرنا أعلم بکتب النصرانیة من فلان الفارسی فاخرج إلیه. قال: فاکتریت زورقاً إلی البصرة وأتیت الأهواز، ثم صرت إلی فارس _ إلی صاحبی _ فأخبرته الخبر. قال: وقال: أنظرنی أیاماً. فأنظرته ثم أتیته متقاضیاً. قال: فقال لی: إن هذا الذی تحکیه عن هذا الرجل فعله المسیح (علیه السلام) فی دهره مرةً.

فی شق بطن الکافر له حیث ابتلی بالمرض.

ولذا أقامت السیرة بالاعتماد علیهم فی الطب وغیره.

احتمالان، لکن الاحتیاط مع الأول، بل قال فی (القوانین): لا ثمرة یعتد بها فی خصوص العمل بروایاتنا، وإن کان یثمر فی غیر الروایة المصطلحة مما یحتاج إلیه فی الموضوعات.

هذا فیما کان التحمل والأداء فی حال الکفر.

أما لو تحمل کافراً وأدّی مسلماً، فالظاهر القبول، بل علیه جرت السیرة فی قضایا متعددة فی زمان الرسول (صلی الله علیه وآله).

ولو انعکس کان کالسابق فی الاحتمالین.

أما لو توسط الکفر بین إسلامَین فتحمل وأدّی مسلماً، فلا إشکال

قطعاً.

ص:34

4: الإیمان

4: الإیمان

والمشهور بینهم قولاً وعملاً، عدم اشتراط الإیمان، لأن الطائفة عملوا بروایات الفطحیة((1)) والناووسیة((2)) ومن أشبه.

ص:35


1- هی فرقة من الشیعة قالت إن الإمام بعد أبی عبد الله الصادق هو ابنه عبد الله بن جعفر، واعتلوا فی ذلک بأنه کان أکبر ولد أبی عبد الله،  وَأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: الْإِمَامَةُ لَا تَکُونُ إِلَّا فِی الْأَکْبَرِ مِنْ وُلْدِ الْإِمَامِ، و هذه الفرقة تسمی الفطحیة، وإنما سمیت بذلک لأن رئیسا لها یقال له عبد الله بن أفطح، ویقال إنه کان أفطح الرجلین و یقال بل کان أفطح الرأس و یقال إن عبد الله کان هو الأفطح. انظر بحار الأنوار: ج37 ص11.  وفی رجال الکشی: ص254 و255 رقم 472: (الفطحیة هم القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمد، وسموا بذلک لأنه قیل إنه کان أفطح الرأس، و قال بعضهم کان أفطح الرجلین، و قال بعضهم إنهم نسبوا إلی رئیس من أهل الکوفة یقال له عبد الله بن فطیح، والذین قالوا بإمامته عامة مشایخ العصابة، وفقهاؤها مالوا إلی هذه المقالة، فدخلت علیهم الشبهة لما روی عنهم (علیهم السلام) أنهم قالوا الإمامة فی الأکبر من ولد الإمام إذا مضی، ثم منهم من رجع عن القول بإمامته لما امتحنه بمسائل من الحلال والحرام لم یکن عنده فیها جواب، ولما ظهر منه من الأشیاء التی لا ینبغی أن یظهر من الإمام، ثم إن عبد الله مات بعد أبیه بسبعین یوما فرجع الباقون إلا شذاذا منهم عن القول بإمامته إلی القول بإمامة أبی الحسن موسی (علیه السلام) ورجعوا إلی الخبر الذی روی أن الإمامة لا تکون فی الأخوین بعد الحسن و الحسین (علیهما السلام) و بقی شذاذ منهم علی القول بإمامته، وبعد أن مات قال بإمامة أبی الحسن موسی (علیه السلام). وروی عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال لموسی: یا بنی إن أخاک سیجلس مجلسی و یدعی الإمامة بعدی فلا تنازعه بکلمة فإنه أول أهلی لحوقا بی).
2- فرقة من الشیعة، زعمت بعد وفاة أبی عبد الله جعفر بن محمد الصادق علیه السلام، أن أبا عبد الله حی لم یمت ولا یموت حتی یظهر فیملأ الأرض قسطاً و عدلاً کما ملئت ظلما ◄       ► وجورا لأنه القائم المهدی، وتعلقوا بحدیث رواه رجل یقال له عَنْبَسَةُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: (إِنْ جَاءَکُمْ مَنْ یُخْبِرُکُمْ عَنِّی بِأَنَّهُ غَسَّلَنِی وَ کَفَّنَنِی وَ دَفَنَنِی فَلَا تُصَدِّقُوهُ)، وهذه الفرقة تسمی الناووسیة، وإنما سمیت بذلک لأن رئیسهم فی هذه المقالة رجل من أهل البصرة یقال له عبد الله بن ناووس. انظر بحار الأنوار: ج37 ص9.

أما المخالف فقد ورد: (لا تعتمد فی دینک علی الخائنین)((1)).

وورد: Sإذا نزلت بکم حادثة لا تعلمون حکمها فیما ورد عنا، فانظروا إلی ما رووه عن علی (علیه السلام) فاعملوا بهR((2)).

لکن السیرة علی العدم، وإن کان الحدیث الأول محتمل العلیة فی الخیانة، فلا یشمل الثقة منهم.

ص:36


1- انظر وسائل الشیعة: ج27 ص151 ب11 من أبواب صفات القاضی ح33457. وفیه: (عَنْ عَلِیِّ بْنِ سُوَیْدٍ السَّائِیِّ قَالَ: کَتَبَ إِلَیَّ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام وَ هُوَ فِی السِّجْنِ: وَأَمَّا مَا ذَکَرْتَ یَا عَلِیُّ مِمَّنْ تَأْخُذُ مَعَالِمَ دِینِکَ، لا تَأْخُذَنَّ مَعَالِمَ دِینِکَ عَنْ غَیْرِ شِیعَتِنَا، فَإِنَّکَ إِنْ تَعَدَّیْتَهُمْ أَخَذْتَ دِینَکَ عَنِ الْخَائِنِینَ، الَّذِینَ خَانُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَخَانُوا أَمَانَاتِهِمْ، إِنَّهُمُ اؤْتُمِنُوا عَلَی کِتَابِ اللَّهِ فَحَرَّفُوهُ وَبَدَّلُوهُ، فَعَلَیْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَلَعْنَةُ رَسُولِهِ وَلَعْنَةُ مَلَائِکَتِهِ وَلَعْنَةُ آبَائِیَ الْکِرَامِ الْبَرَرَةِ وَلَعْنَتِی وَ لَعْنَةُ شِیعَتِی إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ فِی کِتَابٍ طَوِیلٍ).
2- وسائل الشیعة: ج27 ص91 ب8 من أبواب صفات القاضی ح33292.
5: العدالة

5: العدالة

وبذلک یظهر الکلام فی العدالة.

إلاّ أن جماعة من الفقهاء اشترطوها، وإن قال (المسالک): إن العدالة توجد فی غیر المؤمن، بل غیر المسلم أیضاً، لأن فی کل قوم عدولاً وفساقاً.

وفی الآیة الکریمة: Pوَأَکْثَرُهُمُ الفاسِقُونَO((1)).

وفی المرسل: Sولدتُ فی زمن الملک العادل أنوشیروانR((2))، مع أنه کان علی دین المجوس المنسوخ بدین المسیح (علیه السلام).

والحاصل إن الکلام فیهما کبری تارةً، وصغری أخری.

أما معنی العدالة، فقد ذکرناه فی (الفقه) علی تفصیل، واخترنا هناک: إنها الملکة، لا مجرد الإتیان بالواجبات واجتناب المحرمات.

کما ذکرنا هناک مسألة اشتراط (المروءة فیها)، مما لا حاجة إلی تکرارها.

هذا کله فی الخبر الواحد.

ص:37


1- سورة آل عمران: 110.
2- بحار الأنوار: ج15 ص250 ح1.

شرائط العمل بالمتواتر

شرائط العمل بالمتواتر

أما المتواتر فلا یشترط فیه إلاّ أن یکون من الکثرة بحیث یوجب العلم، کما تقدم.

أخبار الفضائل والاعتماد علیها

أخبار الفضائل والاعتماد علیها

وهنا سؤال: إنه کیف یعتمد العلماء علی أخبار الفضائل فی الکافر والمخالف، ولا یعتمدون علیهما فی غیرها مع وحدة المدرک.

والجواب: إن الأصل هو عدم الاعتماد، وإنما الاعتماد فی الفضائل لأجل أنه من الاعتراف علی النفس، فیشمله (إقرار العقلاء). ولذا یعتمد علی الفاسق فی إقراره علی نفسه، لا شهادته.

بین التحمل والأداء

ومما تقدم ظهر أن من یری العدالة، أو یکتفی بالوثاقة، یقول بها

فی الأداء، لا فی التحمّل، کما أنه لو تحمّله کافراً أو مخالفاً وأدّاه مقبول الخبر

قُبِل.

ص:38

مجهول الحال

مسألة: بقی الکلام فی مجهول الحال، هل یقبل خبره، کما قال به بعض، لأصالة الصحة فی عمل المسلم، ومنه قوله.

بل ذکرنا فی (الفقه) أنها تشمل حتی الکافر.

ولآیة التثبت((1)) لأن الخارج الفاسق، فما عداه من العادل والمجهول لا یحتاجان إلی التثبت.

ولأنا نجدهم أثبتوا روایات المجهولین فی کتبهم کالکافی وغیره.

ولقبول قول المسلم وفعله فی التذکیة والطهارة والنسب والحریة والعبودیة وغیرها.

ولما ورد من أن کل المسلمین علی العدالة.

أو لا، لأن بناء العقلاء المؤید من قبل الشرع قبول خبر الثقة، قال (علیه السلام): (فیما یرویه عنا ثقاتنا)((2))، إلی غیر ذلک من الأدلة المشترطة لها أو العدالة، علی ما تقدم بعضها.

ص:39


1- سورة الحجرات: 6، قال تعالی: P یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمین O .
2- وسائل الشیعة: ج27 ص149 ب11 ح33455، وفیه: (وَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَیْبَةَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ الْمَرَاغِیِّ قَالَ: وَرَدَ عَلَی الْقَاسِمِ بْنِ الْعَلَاءِ وَذَکَرَ تَوْقِیعاً شَرِیفاً یَقُولُ فِیهِ: فَإِنَّهُ لا عُذْرَ لأَحَدٍ مِنْ مَوَالِینَا فِی التَّشْکِیکِ فِیمَا یَرْوِیهِ عَنَّا ثِقَاتُنَا قَدْ عَرَفُوا بِأَنَّا نُفَاوِضُهُمْ سِرَّنَا وَ نُحَمِّلُهُمْ إِیَّاهُ إِلَیْهِمْ).

مناقشة أدلة القبول

وما ذکر من الأدلة علی القبول، غیر ظاهر الوجه، لتخصیص أصالة الصحة بما دل علی اشتراط الثقة فی المقام.

وآیة التثبت تُعلّق الأمر علی واقع الفسق لا العلم به، فإن الألفاظ موضوعة لمعانی النفس الأمریة لا العلمیة.

أما روایات المجهولین کما فی الکافی ونحوه، لا تدل علی ذلک.

أولاً: من أین أنهم کانوا مجهولین عنده.

وثانیاً: لعله کانت لصحة الخبر عنده قرائن، ولذا لا یضر رمی المجلسی (رحمه الله) وغیره لکثیر من روایاته بالمجهولیة.

أما قبول قول المسلم فهو تکرار للدلیل السابق.

وقد أُجیب عن روایة عدالة کل المسلمین فی (الفقه) وغیره.

وعلی هذا فمقتضی القاعدة العدم.

ص:40

6: الضبط تحمّلاً وأداءً

وأما کونه ضابطاً، أی متعارفاً فی الضبط، فی قبال کثیر السهو، لا أنه لا یسهو أصلاً، إذ ذلک لیس إلاّ فی المعصوم (علیه السلام).

ومن البدیهی جواز الأخذ بخبر الثقة، فتدل علیه((1)) الآیة، من جهة التعلیل: Pأَنْ تُصیبواً قَوْمَاًO((2))، فهو من منصوص العلة، ولبناء العقلاء، ولأنه((3)) لیس بثقة، وقد قال (علیه السلام): SثقاتناR((4)).

ولم أجد من لم یشترطه((5))، بل فی کلامهم: لا خلاف فی اشتراطه.

فروع فی الضبط

ولا یخفی أن کونه کثیر السهو فی شیء خاص کصلاته مثلاً، لا یسلب عنه صفة الضبط فیما نحن فیه.

ولذا اعتمدوا علی روایة حبیب الخثعمی ووثقوه فی الرجال، مع أن الصدوق روی فی (الفقیه): أنه سأل أبا عبد الله (علیه السلام)

ص:41


1- أی علی الضبط واشتراطه.
2- سورة الحجرات: 6.
3- أی غیر الضابط.
4- رجال الکشی: ص535. وسائل الشیعة: ج1 ص38 ب2 ح61.
5- أی الضبط.

فقال: إنی رجل کثیر السهو فما أحفظ علی صلاتی، الحدیث((1)).

وهذا هو الدلیل فی اشتراطهم ضبط مرجع التقلید والشاهد فی الأداء.

وأما الشاهد فی التحمّل، مثل الشاهدین فی الطلاق، فلا یبعد عدم اشتراط مثله فیه، إذ لا یرتبط التحمّل بالضبط إذا لم یرد منه الأداء.

وحیث إن الأصل فی الإنسان السلامة، وکثرة السهو خلافها، فلو شککنا فی شخص أنه ضابط أم لا، کان الأصل أنه کذلک.

ومن المعلوم أنه لو ضبط الروایة بالکتابة حین السماع، ولم یکن سهوه بحیث یزید وینقص ویغیر ویبدل فی حال السماع، لم یضر سهوه، لإطلاق الدلیل بعد عدم شمول الاستثناء له.

کما لا یبعد البقاء علی التقلید لو کان فی حال اجتهاده وکتابته الرسالة ضابطاً، ثم غلب سهوه.

والمراد بالغلبة: الخروج عن المتعارف، وإن کان سهوه أقل من ضبطه، لا الغلبة العددیة کما هو واضح.

ولو کانت له حالتان لم یعلم صدور الحدیث منه فی أیتهما، لم یقبل إذ لا اعتماد بمثله.

ولو علم صدوره فی حال سهوه، وتحمّله فی حال ضبطه کان کذلک.

أما لو انعکس، بأن تحمّل فی حال السهو وصدر فی حال الضبط، فهل یقبل، لأنه ضابط الآن، أو لا، لأنه لا یؤمن أن اشتبه فی حال السهو، الظاهر الثانی.

وکذلک فی سائر أهل الخبرة من المجتهد والشاهد وغیرهما کالطبیب   ونحوه.

ص:42


1- من لا یحضره الفقیه: ج1 ص255 ح781، وفیه: (وَسَأَلَ حَبِیبُ بْنُ الْمُعَلَّی أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَالَ لَهُ: إِنِّی رَجُلٌ کَثِیرُ السَّهْوِ فَمَا أَحْفَظُ صَلَاتِی إِلَّا بِخَاتَمِی أُحَوِّلُهُ مِنْ مَکَانٍ إِلَی مَکَانٍ فَقَالَ لا بَأْسَ بِه).

السهو الأدواری

ولو کان أدواریاً من جهة السهو، فهل یستصحب ضبطه فی حال الأداء حیث کان سابقه الضبط، إطلاق الاستصحاب یشمله، وإن کان یحتمل عدم القبول، لأنه یلقی الحدیث فی حال لا یعرف ضبطه، فلا یشمله دلیل القبول.

ومثل هذا الکلام یسری فی الجنون الأدواری.

کما أن الأمر کذلک إذا لم یعلم صدوره عنه فی حال کفره أو إسلامه، ووثاقته أو عدمها، إلی غیر ذلک.

کتاب الثقة قبل انحرافه

نعم لا إشکال فی الأخذ من کتاب الثقة الذی ألفه حال استقامته وإن انحرف، فإنه بالإضافة إلی العقلانیة یشمله: Sخذوا بما روواR((1)).

أما عدم بقاء التقلید لمن انحرف _ وإن کان کتابه فی حالة استقامته _ فهو لدلیل شرعی، وإلاّ فسائر أهل الخبرة عند العقلاء کذلک.

ومما تقدم یعلم حال ما إذا کان الراوی أحد اثنین، أحدهما جامع للشرائط والآخر فاقد لها، حیث لا یمکن الاعتماد إلاّ إذا کان بین حدیثیهما من وجه، فیمکن الأخذ بالأخص منهما((2))، لأنه قطعا عن

ص:43


1- وسائل الشیعة: ج27 ص102 ب8 ح33324 وفیه: (مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِی کِتَابِ الْغَیْبَةِ، عَنْ أَبِی الْحُسَیْنِ بْنِ تَمَّامٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْکُوفِیِّ خَادِمِ الشَّیْخِ الْحُسَیْنِ بْنِ رَوْحٍ عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ رَوْحٍ، عَنْ أَبِی مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ علیه السلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ کُتُبِ بَنِی فَضَّالٍ، فَقَالَ: خُذُوا بِمَا رَوَوْا وَ ذَرُوا مَا رَأَوْا).
2- أی الجامع بینهما وهو ما یعبر عنه بمورد الاجتماع فهو الأخص، أما موردا الافتراق فهما بلحاظ الأعم، فتأمل.

الجامع لهما.

وکذلک بالنسبة إلی الواحد((1)) لو قال العام فی أحد الحالتین((2)) والخاص فی الأخری، ولا یعلم أن أیهما فی أیتهما حیث یؤخذ بالخاص.

ص:44


1- أی الراوی الواحد المعین بلا تردد بین اثنین، فی قبال ما تقدم من قوله: (إذا کان الراوی أحد اثنین).
2- الحالتان: ما کانت جامعة للشرائط وما لم تکن.

طُرق ثبوت العدالة وسائر الشروط

مسألة: تُعرف العدالة والوثاقة والضبط والاستقامة وأضدادها وما أشبه ذلک، بالطرق العقلائیة، کالملازمة والصحبة الممتدة والشهرة والتواتر ونحوها.

کفایة الواحد الثقة

والظاهر کفایة الواحد((1)) فی الجمیع، لبناء العقلاء، ولملاک الروایة التی هی أهم، ولقوله (علیه السلام): Sحتی یستبینR((2))، والاستبانة تشمل الواحد من أهل الخبرة

وإنما نشترط (أهل الخبرة) لانصراف الأدلة الشرعیة، وبناء العقلاء علی ما یحتاج إلی الخبرویة لا یقبل فیها من غیرهم.

وهکذا بناء العقلاء الذی لم یردعه الشارع فی الأمور المرتبطة بالأعراض والأموال والأنفس، ألا تری أنهم یسلمون أنفسهم إلی مشرحة الطبیب الواحد، وإلی الطیار الواحد، ویودعون عرضهم إلی الثقة، وکذلک مالهم إلی غیر ذلک.

وإذا أخطأ الطبیب ومات المریض، أو سقطت الطائرة وتلفت

ص:45


1- أی إخبار الثقة الواحد من أهل الخبرة.
2- وسائل الشیعة: ج17 ص89 باب 4 ح22053. وفیه: (عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَمِعْتُهُ یَقُولُ: کُلُّ شَیْ ءٍ هُوَ لَکَ حَلَالٌ حَتَّی تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَیْنِهِ، فَتَدَعَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِکَ، وَذَلِکَ مِثْلُ الثَّوْبِ یَکُونُ عَلَیْکَ قَدِ اشْتَرَیْتَهُ وَهُوَ سَرِقَةٌ أَوِ الْمَمْلُوکِ عِنْدَکَ وَلَعَلَّهُ حُرٌّ قَدْ بَاعَ نَفْسَهُ أَوْ خُدِعَ فَبِیعَ قَهْراً أَوِ امْرَأَةٍ تَحْتَکَ وَهِیَ أُخْتُکَ أَوْ رَضِیعَتُکَ وَالْأَشْیَاءُ کُلُّهَا عَلَی هَذَا حَتَّی یَسْتَبِینَ لَکَ غَیْرُ ذَلِکَ أَوْ تَقُومَ بِهِ الْبَیِّنَةُ).

العائلة الراکبة، لا یلامون لماذا وثقت بالواحد؟

البینة والحاجة إلی الاثنین

نعم فی الشهادة فی الدعاوی یحتاج الأمر إلی اثنین، وذلک لتوفر الدواعی للتحریف.

وإن قبل الشارع الواحد أحیاناً، کما فی الوصیة إذا شهدت امرأة واحدة، أو الواحد والیمین أحیاناً کما فی المال.

وفی قباله لم یقبل حتی الاثنین فی الشهادة بالزنا ونحوه، وفی الشهادة بکل المال فی الوصیة.

فالأصل کفایة الواحد إلا ما خرج، کما أن الأصل فی الشهادة الاثنین إلاّ ما خرج.

مما یکفی فیه الواحد

ومن الأول((1)): الشهادة برؤیة الهلال، ودخول اللیل والنهار، والمترجم، والمقوم، والقاسم، والقاضی، والمجتهد، والمخبر عن عدد الرکعات، والأشواط، وأنه طاهر أو نجس، کر أو لا، والمخبر عن دخول الوقت، وعن القبلة، والنسبة إلی نفسه فی الأولاد ونحوهم، ووکیل بیت المال، والآتی بالهدیة، والوکیل، والذابح أنه حلال أو حرام لعدم توفر شروط الذبح، إلی غیر ذلک من الموارد الکثیرة إلاّ ما خرج بالدلیل.

ولذا اخترنا فی (الأصول) کفایة قول لغوی واحد، بل وکذلک فی سائر العلوم کالمسّاح، وهکذا بالنسبة إلی الغاسل للمیت.

ص:46


1- أی ما یکفی فیه الواحد الثقة.

المحتسب واشتراط التعدد

نعم یبقی الکلام فی المحتسب، هل یلزم تعدده فی إخباره بالمخالفات کما هو مقتضی الشهادة، أو یکفی الواحد کما هو مقتضی العقلائیة الجاریة علیها السیرة منذ القدیم، فلم نسمع من التاریخ أن اللازم جعل المحتسب اثنین اثنین، الأقرب الثانی وإن کان الاحتیاط فی الأول.

نعم لا إشکال فی حق المشهود علیه فی الدفاع عن نفسه، فإنه حق حتی فیما إذا قامت الشهادة الاثنینیة ضده.

هذا ما یقتضیه البحث فی المقام، وإلاّ فالتفصیل یناط بالکتب الفقهیة.

 

ص:47

الفتوی والقضاء

مسألة: الفرق بین الفتوی والقضاء، أن الأول إخبار عما استفاده من الأحکام من الأدلة الأربعة عندنا، أو من أکثر منها عند غیرنا.

ومن المعلوم أن (الإباحة) الشرعیة فتوی أیضاً، ولیس هی اللاحرجیة العقلیة التی کانت قبل الشرع.

لا یقال: فما الفائدة فی جعل الشارع لها مع کونها محققة قبل الشرع

أیضاً؟

لأنه یقال: الفائدة تحقق الطاعة بعد التشریع، دون ما قبله.

أما القضاء فیمکن فیه:

1: الإخبار، کأن یقول: ثبت عندی أن الدار لزید لا لعمرو.

2: والإنشاء، کأن ینصب زیداً والیاً عنه، أو یأمر بالجهاد، أو ما أشبه ذلک، وهو عبارة عن اعتبار یترتب علیه الآثار، کاعتبار السلطة الورق الکذائی دیناراً.

ولو قال: (حکمت بأن الدار لزید) کان جمعاً بین الإخبار والإنشاء، کما أنه لو قال: (الجهاد الواجب شرعاً حکمت به حالاً) کان کذلک، فیکون حاصل الجمع بینهما إخباراً وإنشاءً اعتباراً ممن بیده الاعتبار.

وقد ذکر بعض الفقهاء والأصولیین فی الفرق بینهما ما لا یسلم من الإشکال مما لا یهمنا ذکره.

ص:48

تعدد المفتی والقاضی

مسألة: لا بأس بتعدد المفتی والقاضی، فإن أطبقوا علی شیء فهو، ویکون الاستناد حینئذٍ إلی جمیعهم إنشاءً اعتباراً أو إخباراً.

وإن اختلفوا مع تساویهم _ بما لم یدل الدلیل علی ترجیح بعضهم علی بعض کترجیح الأعلم مثلاً _ تخیر المقلد بینهما فی الفتوی.

أما فی القضاء فحیث لا یمکن التخییر الفقهی _ وإن أمکن التخییر الأصولی بأن یرجع إلی أیهما _ فاللازم اختیار أحدهما فی غیر المنازعات، کما إذا قضی أحدهما بأن الوقف یصرف فی الطلاب، والآخر فی البناء، وإن أمکن أن یقال بجواز الأخذ بقاعدة العدل والإنصاف، بأن یصرف نصفه علی طبق هذا القضاء ونصفه الآخر علی طبق القضاء الثانی.

أما فی المنازعات فإن اتفقا علی أحدهما فهو، وإن اختلفا بأن أخذ کل من المتنازعین بأحدهما، فاللازم الرجوع إلی قاضٍ ثالث، حیث إن القضاء جُعل لفصل الخصومة، ولا فصل مع الاختلاف المتساوی، کما إذا قال أحد القاضیین: إنها زوجة زید، وقال الآخر: إنها زوجة عمرو.

أما إذا لم یکن ثالث، ولم یمکن الرجوع إلی مدرکهما، کما فی بعض الروایات، فلا معدل عن (القرعة) التی هی لکل أمر مشکل((1)

ص:49


1- یقول العلامة المجلسی فی بحار الأنوار: ج88 ص234 ب2: (... بأخبار القرعة فإنه ورد أنها لکل أمر مشکل). وقال العاملی فی وسائل الشیعة: ج26 ص290 ب2 ذیل ح 33020: (أقول: ویأتی ما یدل علی أن القرعة لکل أمر مشتبه).                                ◄            ► وفی الحدیث: عَنْ أَبِی الْحَسَنِ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) وَ عَنْ غَیْرِهِ مِنْ آبَائِهِ وَ أَبْنَائِهِ (علیهم السلام) مِنْ قَوْلِهِمْ: کُلُّ مَجْهُولٍ فَفِیهِ الْقُرْعَةُ، قُلْتُ لَهُ إِنَّ الْقُرْعَةَ تُخْطِئُ وَ تُصِیبُ، فَقَالَ کُلَّمَا حَکَمَ اللَّهُ بِهِ فَلَیْسَ بِمُخْطِئٍ). بحار الأنوار: ج101 ص325 ح6 عن فتح الأبواب.

إلاّ إذا أمکن (المهایاة) أو (قاعدة العدل)، فهما حینئذٍ محتملان.

کما إذا قال أحدهما: بأن الدار لزید، والآخر: بأنها لعمرو، حیث یمکن التنصیف.

وفی مثل الاختلاف فی الإجارة یمکن المهایاة بینهما، بأن یجلس کل واحد منهما فی الدار نصف المدة.

کما أنه یحتمل فی مثل اختلافهما فی زوجة، أو اختلاف الأختین فی زوج إلی أمثال ذلک، أن یکون للحاکمین المختلفین فی النظر، أو للثالث جبر الزوجین بالطلاق، أو جبر الزوج بطلاقهما معاً ثم التزویج من جدید.

وتفصیل البحث موضعه الفقه کتاب القضاء.

ص:50

من مصادیق الشوری

مسألة: لو کان الاختلاف بین الفقهاء فی المتعدد منهم، کثلاثة وخمسة، فلا یبعد لزوم الأخذ بالأکثر، لدلیل (الشوری) الحاکم علی (أدلة التقلید)، وکذلک حال القضاء.

وقد ذکر السید (رحمه الله) فی تتمة العروة وغیره مسألة صحة تعدد

القاضی.

کما أنّا ذکرنا فی بعض مباحث (الفقه) حال ترتب القضاة بالبراءة والاستئناف والتمیز، واستدللنا علیه بقصة داود وسلیمان (علیهما السلام) ((1))، ومحاکمة النبی (صلی الله علیه وآله) فی قصة الناقة إلی غیر واحد((2))، وغیرها من الإطلاق ونحوه.

ص:51


1- قال تعالی: P وَداوُدَ وَسُلَیْمانَ إِذْ یَحْکُمانِ فِی الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فیهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَ کُنَّا لِحُکْمِهِمْ شاهِدینَ * فَفَهَّمْناها سُلَیْمانَ وَکُلاًّ آتَیْنا حُکْماً وَ عِلْماً وَ سَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ یُسَبِّحْنَ وَ الطَّیْرَ وَ کُنَّا فاعِلینَ O سورة الأنبیاء 78 _ 79. وفی الکافی: ج5 ص302 ح3: (أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی، عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحْرٍ، عَنِ ابْنِ مُسْکَانَ، عَنْ أَبِی بَصِیرٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام، قَالَ: قُلْتُ لَهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: P وَداوُدَ وَ سُلَیْمانَ إِذْ یَحْکُمانِ فِی الْحَرْثِ O ، قُلْتُ: حِینَ حَکَمَا فِی الْحَرْثِ کَانَتْ قَضِیَّةً وَاحِدَةً، فَقَالَ: إِنَّهُ کَانَ أَوْحَی اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَی النَّبِیِّینَ قَبْلَ دَاوُدَ إِلَی أَنْ بَعَثَ اللَّهُ دَاوُدَ أَیُّ غَنَمٍ نَفَشَتْ فِی الْحَرْثِ فَلِصَاحِبِ الْحَرْثِ رِقَابُ الْغَنَمِ وَ لَا یَکُونُ النَّفَشُ إِلا بِاللَّیْلِ فَإِنَّ عَلَی صَاحِبِ الزَّرْعِ أَنْ یَحْفَظَهُ بِالنَّهَارِ وَعَلَی صَاحِبِ الْغَنَمِ حِفْظُ الْغَنَمِ بِاللَّیْلِ فَحَکَمَ دَاوُدُ علیه السلام بِمَا حَکَمَتْ بِهِ الْأَنْبِیَاءُ علیهم السلام مِنْ قَبْلِهِ، وَ أَوْحَی اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَی سُلَیْمَانَ علیه السلام أَیُّ غَنَمٍ نَفَشَتْ فِی زَرْعٍ فَلَیْسَ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ إِلَّا مَا خَرَجَ مِنْ بُطُونِهَا، وَکَذَلِکَ جَرَتِ السُّنَّةُ بَعْدَ سُلَیْمَانَ علیه السلام وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَی: وَ کُلًّا آتَیْنا حُکْماً وَ عِلْماً، فَحَکَمَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُکْمِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ).
2- انظر من لا یحضره الفقیه: ج3 ص105_ 108 ح3425 و3426، وفیه: جَاءَ أَعْرَابِیٌّ إِلَی النَّبِیِّ (صلی الله علیه وآله) فَادَّعَی عَلَیْهِ سَبْعِینَ دِرْهَماً ثَمَنَ نَاقَةٍ بَاعَهَا مِنْهُ، فَقَالَ: قَدْ أَوْفَیْتُکَ، فَقَالَ: اجْعَلْ بَیْنِی وَ بَیْنَکَ رَجُلًا یَحْکُمُ بَیْنَنَا، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ قُرَیْشٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله): احْکُمْ بَیْنَنَا، فَقَالَ لِلْأَعْرَابِیِّ: مَا تَدَّعِی عَلَی رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: سَبْعِینَ دِرْهَماً ثَمَنَ نَاقَةٍ بِعْتُهَا مِنْهُ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ یَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قَدْ أَوْفَیْتُهُ، فَقَالَ لِلْأَعْرَابِیِّ: مَا تَقُولُ، قَالَ: لَمْ یُوفِنِی، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله): أَ لَکَ بَیِّنَةٌ عَلَی أَنَّکَ قَدْ أَوْفَیْتَهُ، قَالَ: لا، قَالَ لِلْأَعْرَابِیِّ: أَ تَحْلِفُ أَنَّکَ لَمْ تَسْتَوْفِ حَقَّکَ وَتَأْخُذَهُ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله): لَأَتَحَاکَمَنَّ مَعَ هَذَا إِلَی رَجُلٍ یَحْکُمُ بَیْنَنَا بِحُکْمِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، فَأَتَی رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ (علیه السلام) وَ مَعَهُ الْأَعْرَابِیُّ، فَقَالَ عَلِیٌّ (علیه السلام): مَا لَکَ یَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: یَا أَبَا الْحَسَنِ احْکُمْ بَیْنِی وَ بَیْنَ هَذَا الْأَعْرَابِیِّ، فَقَالَ عَلِیٌّ (علیه السلام): یَا أَعْرَابِیُّ مَا تَدَّعِی عَلَی رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: سَبْعِینَ دِرْهَماً ثَمَنَ نَاقَةٍ بِعْتُهَا مِنْهُ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ یَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قَدْ أَوْفَیْتُهُ ثَمَنَهَا، فَقَالَ: یَا أَعْرَابِیُّ أَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) فِیمَا قَالَ، قَالَ: لا مَا أَوْفَانِی شَیْئاً، فَأَخْرَجَ عَلِیٌّ (علیه السلام) سَیْفَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله): لِمَ فَعَلْتَ یَا عَلِیُّ ذَلِکَ، فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ: نَحْنُ نُصَدِّقُکَ عَلَی أَمْرِ اللَّهِ وَ نَهْیِهِ وَعَلَی أَمْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَوَحْیِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَلا نُصَدِّقُکَ فِی ثَمَنِ نَاقَةِ هَذَا الْأَعْرَابِیِّ، وَإِنِّی قَتَلْتُهُ لِأَنَّهُ کَذَّبَکَ لَمَّا قُلْتُ لَهُ أَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ فِیمَا قَالَ فَقَالَ لَا مَا أَوْفَانِی شَیْئاً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله): أَصَبْتَ یَا عَلِیُّ، فَلَا تَعُدْ إِلَی مِثْلِهَا، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی الْقُرَشِیِّ وَکَانَ قَدْ تَبِعَهُ فَقَالَ: هَذَا حُکْمُ اللَّهِ لَا مَا حَکَمْتَ بِهِ. * وَفِی رِوَایَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بَحْرٍ الشَّیْبَانِیِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَیُّوبَ الْکُوفِیُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ الْعَلَّافُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبَّالُ، عَنِ ابْنِ جُرَیْجٍ، عَنِ الضَّحَّاکِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) مِنْ مَنْزِلِ عَائِشَةَ فَاسْتَقْبَلَهُ أَعْرَابِیٌّ وَ مَعَهُ نَاقَةٌ فَقَالَ: یَا مُحَمَّدُ تَشْتَرِی هَذِهِ النَّاقَةَ، فَقَالَ النَّبِیُّ (صلی الله علیه وآله): نَعَمْ بِکَمْ تَبِیعُهَا یَا أَعْرَابِیُّ، فَقَالَ: بِمِائَتَیْ دِرْهَمٍ، فَقَالَ النَّبِیُّ (صلی الله علیه وآله): بَلْ نَاقَتُکَ خَیْرٌ مِنْ هَذَا، قَالَ: فَمَا زَالَ النَّبِیُّ (صلی الله علیه وآله)  یَزِیدُ حَتَّی اشْتَرَی النَّاقَةَ ◄  ► بِأَرْبَعِ مِائَةِ دِرْهَمٍ، قَالَ: فَلَمَّا دَفَعَ النَّبِیُّ (صلی الله علیه وآله) إِلَی الْأَعْرَابِیِّ الدَّرَاهِمَ ضَرَبَ الْأَعْرَابِیُّ یَدَهُ إِلَی زِمَامِ النَّاقَةِ فَقَالَ: النَّاقَةُ نَاقَتِی وَالدَّرَاهِمُ دَرَاهِمِی، فَإِنْ کَانَ لِمُحَمَّدٍ شَیْ ءٌ فَلْیُقِمِ الْبَیِّنَةَ، قَالَ: فَأَقْبَلَ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِیُّ (صلی الله علیه وآله) أَ تَرْضَی بِالشَّیْخِ الْمُقْبِلِ، قَالَ: نَعَمْ یَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ النَّبِیُّ (صلی الله علیه وآله): تَقْضِی فِیمَا بَیْنِی وَ بَیْنَ هَذَا الْأَعْرَابِیِّ، فَقَالَ: تَکَلَّمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله): النَّاقَةُ نَاقَتِی وَ الدَّرَاهِمُ دَرَاهِمُ الْأَعْرَابِیِّ، فَقَالَ الْأَعْرَابِیُّ: بَلِ النَّاقَةُ نَاقَتِی وَ الدَّرَاهِمُ دَرَاهِمِی، إِنْ کَانَ لِمُحَمَّدٍ شَیْ ءٌ فَلْیُقِمِ الْبَیِّنَةَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: الْقَضِیَّةُ فِیهَا وَاضِحَةٌ یَا رَسُولَ اللَّهِ، وَ ذَلِکَ أَنَّ الْأَعْرَابِیَّ طَلَبَ الْبَیِّنَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ (صلی الله علیه وآله): اجْلِسْ فَجَلَسَ.  ثُمَّ أَقْبَلَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ النَّبِیُّ (صلی الله علیه وآله): أَ تَرْضَی یَا أَعْرَابِیُّ بِالشَّیْخِ الْمُقْبِلِ، قَالَ: نَعَمْ یَا مُحَمَّدُ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ النَّبِیُّ (صلی الله علیه وآله): اقْضِ فِیمَا بَیْنِی وَ بَیْنَ الْأَعْرَابِیِّ، قَالَ: تَکَلَّمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِیُّ (صلی الله علیه وآله): النَّاقَةُ نَاقَتِی وَ الدَّرَاهِمُ دَرَاهِمُ الْأَعْرَابِیِّ، فَقَالَ الْأَعْرَابِیُّ: بَلِ النَّاقَةُ نَاقَتِی وَ الدَّرَاهِمُ دَرَاهِمِی، إِنْ کَانَ لِمُحَمَّدٍ شَیْ ءٌ فَلْیُقِمِ الْبَیِّنَةَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: الْقَضِیَّةُ فِیهَا وَاضِحَةٌ یَا رَسُولَ اللَّهِ لِأَنَّ الْأَعْرَابِیَّ طَلَبَ الْبَیِّنَةَ، فَقَالَ النَّبِیُّ (صلی الله علیه وآله): اجْلِسْ حَتَّی یَأْتِیَ اللَّهُ بِمَنْ یَقْضِی بَیْنِی وَ بَیْنَ الْأَعْرَابِیِّ بِالْحَقِّ. فَأَقْبَلَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ علیه السلام فَقَالَ النَّبِیُّ (صلی الله علیه وآله): أَ تَرْضَی بِالشَّابِّ الْمُقْبِلِ، قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ النَّبِیُّ (صلی الله علیه وآله): یَا أَبَا الْحَسَنِ اقْضِ فِیمَا بَیْنِی وَبَیْنَ الْأَعْرَابِیِّ، فَقَالَ: تَکَلَّمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِیُّ (صلی الله علیه وآله): النَّاقَةُ نَاقَتِی وَ الدَّرَاهِمُ دَرَاهِمُ الْأَعْرَابِیِّ، فَقَالَ: الْأَعْرَابِیُّ لَا بَلِ النَّاقَةُ نَاقَتِی وَالدَّرَاهِمُ دَرَاهِمِی إِنْ کَانَ لِمُحَمَّدٍ شَیْ ءٌ فَلْیُقِمِ الْبَیِّنَةَ، فَقَالَ عَلِیٌّ (علیه السلام): خَلِّ بَیْنَ النَّاقَةِ وَ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله)، فَقَالَ الْأَعْرَابِیُّ: مَا کُنْتُ بِالَّذِی أَفْعَلُ أَوْ یُقِیمَ الْبَیِّنَةَ، قَالَ: فَدَخَلَ عَلِیٌّ (علیه السلام) مَنْزِلَهُ فَاشْتَمَلَ عَلَی قَائِمِ سَیْفِهِ ثُمَّ أَتَی، فَقَالَ: خَلِّ بَیْنَ النَّاقَةِ وَ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله)، قَالَ: مَا کُنْتُ بِالَّذِی أَفْعَلُ أَوْ یُقِیمَ الْبَیِّنَةَ، قَالَ: فَضَرَبَهُ عَلِیٌّ علیه السلام ضَرْبَةً، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْحِجَازِ عَلَی أَنَّهُ رَمَی بِرَأْسِهِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ بَلْ قَطَعَ مِنْهُ عُضْواً، قَالَ: فَقَالَ النَّبِیُّ (صلی الله علیه وآله): مَا حَمَلَکَ عَلَی هَذَا یَا عَلِیُّ، فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ نُصَدِّقُکَ عَلَی الْوَحْیِ مِنَ السَّمَاءِ وَلَا نُصَدِّقُکَ عَلَی أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ).

ثبوت التزکیة بالواحد

مسألة: یقبل فی التزکیة شهادة واحد کما هو المشهور، خلافاً للمحقق (رحمه الله) وغیره من اشتراطهم نفرین.

وذلک لأنه بناء العقلاء، ولشمول العلة فی الآیة له، وللملاک فی قوله (علیه السلام): (ثقاتنا)((1))، ولقوله (علیه السلام): (حتی یستبین) ((2)

ص:52


1- وسائل الشیعة: ج1 ص38 ب2 ح61:  قال علیه السلام: (فَإِنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ مِنْ مَوَالِینَا فِی التَّشْکِیکِ فِیمَا یُؤَدِّیهِ عَنَّا ثِقَاتُنَا قَدْ عَرَفُوا بِأَنَّا نُفَاوِضُهُمْ سِرَّنَا وَ نُحَمِّلُهُمْ إِیَّاهُ إِلَیْهِمْ الْحَدِیثَ).
2- الکافی: ج2 ص222 ح4، وفیه: (عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: دَخَلْنَا عَلَیْهِ جَمَاعَةً فَقُلْنَا: یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّا نُرِیدُ الْعِرَاقَ فَأَوْصِنَا، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: لِیُقَوِّ شَدِیدُکُمْ ضَعِیفَکُمْ وَ لْیَعُدْ غَنِیُّکُمْ عَلَی فَقِیرِکُمْ وَ لَا تَبُثُّوا سِرَّنَا وَ لَا تُذِیعُوا أَمْرَنَا وَ إِذَا جَاءَکُمْ عَنَّا حَدِیثٌ فَوَجَدْتُمْ عَلَیْهِ شَاهِداً أَوْ شَاهِدَیْنِ مِنْ کِتَابِ اللَّهِ فَخُذُوا بِهِ وَ إِلَّا فَقِفُوا عِنْدَهُ ثُمَّ رُدُّوهُ إِلَیْنَا حَتَّی یَسْتَبِینَ لَکُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِهَذَا الْأَمْرِ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ وَ مَنْ أَدْرَکَ قَائِمَنَا فَخَرَجَ مَعَهُ فَقَتَلَ عَدُوَّنَا کَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ عِشْرِینَ شَهِیداً وَمَنْ قُتِلَ مَعَ قَائِمِنَا کَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِینَ شَهِیداً).

ثبوت التزکیة بالواحد

مسألة: یقبل فی التزکیة شهادة واحد کما هو المشهور، خلافاً للمحقق (رحمه الله) وغیره من اشتراطهم نفرین.

وذلک لأنه بناء العقلاء، ولشمول العلة فی الآیة له، وللملاک فی قوله (علیه السلام): (ثقاتنا)((1))، ولقوله (علیه السلام): (حتی یستبین) ((2)

ص:53


1- وسائل الشیعة: ج1 ص38 ب2 ح61:  قال علیه السلام: (فَإِنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ مِنْ مَوَالِینَا فِی التَّشْکِیکِ فِیمَا یُؤَدِّیهِ عَنَّا ثِقَاتُنَا قَدْ عَرَفُوا بِأَنَّا نُفَاوِضُهُمْ سِرَّنَا وَ نُحَمِّلُهُمْ إِیَّاهُ إِلَیْهِمْ الْحَدِیثَ).
2- الکافی: ج2 ص222 ح4، وفیه: (عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: دَخَلْنَا عَلَیْهِ جَمَاعَةً فَقُلْنَا: یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّا نُرِیدُ الْعِرَاقَ فَأَوْصِنَا، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: لِیُقَوِّ شَدِیدُکُمْ ضَعِیفَکُمْ وَ لْیَعُدْ غَنِیُّکُمْ عَلَی فَقِیرِکُمْ وَ لَا تَبُثُّوا سِرَّنَا وَ لَا تُذِیعُوا أَمْرَنَا وَ إِذَا جَاءَکُمْ عَنَّا حَدِیثٌ فَوَجَدْتُمْ عَلَیْهِ شَاهِداً أَوْ شَاهِدَیْنِ مِنْ کِتَابِ اللَّهِ فَخُذُوا بِهِ وَ إِلَّا فَقِفُوا عِنْدَهُ ثُمَّ رُدُّوهُ إِلَیْنَا حَتَّی یَسْتَبِینَ لَکُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِهَذَا الْأَمْرِ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ وَ مَنْ أَدْرَکَ قَائِمَنَا فَخَرَجَ مَعَهُ فَقَتَلَ عَدُوَّنَا کَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ عِشْرِینَ شَهِیداً وَمَنْ قُتِلَ مَعَ قَائِمِنَا کَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِینَ شَهِیداً).

وللسیرة.

وحیث اکتفینا فی الراوی الثقة، نکتفی بها هنا أیضاً، لوحدة الملاک، ولجملة من الأدلة الأخری التی ذکرناها هناک.

ص:54

أدلة من اشترط الاثنین وردها

أما من اشترط نفرین عادلین، فقد استدل بآیة النبأ((1))، وحیث إن المعیار عدم الفسق واقعاً، لأن الألفاظ موضوعة للمعانی الواقعیة مما یحتاج إلی العلم، ولا علم بدون نفرین عادلین یلزم ذلک، ولأنه شهادة والمعتبر فیها اثنان.

وفیه: إن بین شهادة اثنین والعلم من وجه، فلا یدل أحدهما علی الآخر، والتبیّن فی الآیة یحصل بالواحد، أما أنه شهادة فقد تقدم أن الخارج منها فی مقام المنازعات، وإلاّ فالأصل کفایة الواحد.

ومما تقدم ظهر أن هنا نزاعین:

هل یکفی الواحد أم لا

وهل یشترط فیه العدالة أو یکفی الثقة.

ص:55


1- قال تعالی: P یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمینَ O سورة الحجرات: 6.

المرأة وتزکیتها

مسألة: کما ظهر کفایة المزکی المرأة، حالها حال روایة المرأة، فإن العقلاء فی أهل الخبرة لا یفرقون بینهما، ولذا یراجعون الطبیبة والمضمدة ومن أشبههما، کما یراجعون المضمد والطبیب.

استصحاب التزکیة

مسألة: یکفی الاستصحاب لو شهد بعدالة أو وثاقة سابقة ولو طال الزمان، کما حقق فی باب الاستصحاب علی مبنی المتأخرین، وإن کان الأمر لیس کذلک علی مبنی من یعتبر الظن فیه.

کما أنه لیس من تغییر الموضوع ما لو تبدل حاله الفردیة أو الاجتماعیة، کالغنی یصبح فقیراً أو بالعکس، وغیر ذی المنصب یصبح ذا منصب إلهی کتحوله إلی مرجع التقلید أو العکس، أو حکومی فی الحکومة العادلة کصیرورته رئیساً أو بالعکس.

إذ الثابت فی تغییر الموضوع المذکور فی باب الاستصحاب التغیر العرفی، ولیس ما ذکر منه، بل هو من قبیل تغیر الماء البارد حاراً وبالعکس.

کما أن استصحاب الفسق ونحوه کذلک، وإن تبدلت خصوصیات الفرد، کالزانی سقط عن الشهوة بالجَبّ ونحوه، إذ المعیار الجامع لا الخصوصیة.

ویرجع بعض ما ذکر إلی مسألة استصحاب الکلی بأقسامه.

ص:56

أصالة الحرمة فی فعل الحرام

مسألة: إن الأصل فی فعل الحرام کونه محرماً، إلاّ إذا أتی بالمخرج، أو قام الدلیل علی ذلک، فالمرأة الزانیة لا یقبل منها الاضطرار فی عملها((1))، مما لا یسقطها عن العدالة ونحوها.

وکذلک بائع الوقف مدعیاً أنه أحد المستثنیات.

فهو یحتاج إلی الدلیل فیه، إلی غیر ذلک من ادعاءات الإکراه والاضطرار والإلجاء والسهو والنسیان والغفلة مما یرفع التکلیف.

وکذا لو ترک الواجب أو غیّر الأسلوب بادّعاء التقیة.

لا یقال: فلماذا قبل علی (علیه السلام) من المرأة الزانیة اضطرارها، وکان الظاهر منه (علیه السلام) قبول عذر المفطرین فی شهر رمضان حیث استنطقهم عن سبب إفطارهم.

لأنه یقال: القصة کانت محفوفة بالقرائن، والثانیة کانت فی أول الطریق، فمن أین أنهم لو اعتذروا قبل عذرهم بدون دلیل.

نعم لو کانت الموضوعات عرضیة لا مترتبة کالاضطرار ونحوه، لا یکون کاشفاً عن العصیان حتی یحتاج غیره إلی دلیل، کما إذا قصر فی الصلاة أو أفطر فی السفر، ولم نعلم هل سفره شرعی أم لا، لم یحتاج إلی تبرئة نفسه.

لا یقال: فماذا تقولون فی التیمم مع أنه طولی؟

لأنه یقال: کثرة الابتلاء به جعله کالموضوع العرضی، فلیس حاله فی نظر المتشرعة حال من یحتسی الخمر أو نحوه، وإن کان الاکتفاء بالتیمم بدون الاضطرار والصلاة به غیر جائز.

ص:57


1- أی إذا ادعت ذلک من دون دلیل.

ولو کان المقام مما لا یعرف إلاّ من قبله قبل قوله، کالطبیب الذی نعرفه بالتدین یشرب الخمر معتذراً بأنه مریض وشفاؤه بها، والمرأة المراجعة للطبیب المحتاج إلی اللمس بحجة ألمها ومرضها، إلی غیر ذلک.

الاضطرار

مسألة: إنّا ذکرنا فی (الفقه) عدم الفرق بین اضطرار الشخص نفسه وتلازم العمل مع الاضطرار((1)) فی الإباحة، فإن الطبیب الذی یفحص المرأة الأجنبیة بالنظر أو اللمس وإن لم یکن مضطراً هو، لکن اضطرار المرأة یبیح له المحرم الأوّلی، فیما إذا لم تکن امرأة طبیبة، لدلالة الاقتضاء، فإنه لا یعقل أن یجوّز الشارع لها المراجعة ویمنعه من الفحص.

ص:58


1- أی ما یلزم الاضطرار من العمل. وبعبارة أخری أن حکم الاضطرار معد من المضطر إلی من یرفع اضطراره بحسبه.

الضرورات بقدرها کماً وکیفاً

مسألة: حیث إن الضرورات تقدر بقدرها، وکذلک فی باب الإکراه والإلجاء، یلزم الأخف فالأخف حرمة، فإذا کان الطبیب الأجنبی لو لامس زوجته قبل الفحص لها، لا یوجب فحصها الإمناء وجب ذلک، إذ الاضطرار إلی المحرم لیس اضطراراً إلی محرمین.

نعم إذا لم یتمکن من الزوجة، شمل اضطرارها الإباحة ولو سبب محرمین، هذا من جهة الکم.

وکذلک الحال فی الکیف، فلو أُکره علی الزنا وکانت هناک فتاة وعجوز تمکن من أیتهما لا یجوز تقدیم الأُولی، لأن الکیف فیها أشد من الکیف فی الثانیة، والمستفاد من الشریعة فی الکیف کالمستفاد منها فی الکم.

وکذلک الحال لو دار الاضطرار بالزنا بمحارمه أو بالأجنبیة، کان الثانی أولی.

والأولویة تفهم من النص أو الإجماع أو ما أشبه ذلک، فإن شدة عقوبة الزنا بالمحرم فی باب الحد، کاشفة عن شدة حرمته بالنسبة إلی الأجنبیة، وکذلک حال الزنا بالراضیة والمکرهة حیث إن الثانی أشد.

نعم لو لم یعرف أشدهما وأخفهما کان التخییر.

وبعض مواضع الأهم والمهم وإن کان واضحاً، إلاّ إن بعض مواضعها الأُخر یحتاج إلی الدقة، کما إذا خیّره بین الزنا بعجوزین أو بفتاة ترغب نفسه إلیها دونهما، حیث الأول زیادة فی الکم والثانی فی الکیف.

أو کان هناک أخوان وثالث، قال المکره: لا بد إما من زناهما أو زناه، فهل یقدم الثانی لأنه أقل کماً، أو لا، بل تخییر، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ص:59

الاضطرار إلی ترک الواجب

ومن الکلام فی المحرّم یعرف الکلام فی الواجب ترکاً، کما إذا خیّره بین ترک الصلاة أو الصوم، وکذلک حال دوران الأمر بین الواجب((1)) والحرام((2))، کما إذا خیّره بین شرب الخمر وترک الصلاة.

فروع

وقد عرفت مما تقدم عدم الفرق بین جبر الإنسان فی نفسه بین أمرین أو بالنسبة إلی غیره، مثلاً جبر الإنسان أن یشرب الخمر الموجب للسکر ساعة أو ساعتین، هذا بالنسبة إلی نفسه حیث یقدم الأول، وبالنسبة إلی الغیر کما إذا اضطر الملاح أن یلقی فی البحر إنساناً له مائة کیلو أو إنسانین بقدره، حیث یقدم الأول لوضوح أنه إزهاق لنفس واحدة، بینما الثانی إزهاق لنفسین، أو اضطر إلی إلقاء قائد الجیش الموجب فقده انکسار الجیش، أو إنسان عادی لا یوجب إلاّ فقد جندی واحد، إلی غیر ذلک من الأمثلة.

ویأتی الکلام بالملازمة حول أنه هل یجب علی ذلک الإنسان الذی یُراد إلقاؤه فی البحر تقدیم نفسه لحفظ الإنسانین، أو لا یجب علیه، فیجوز له الهرب والاختفاء مما یلقی بسببه النفران؟

لو قیل بأن الله قدم ذلک لأنه سبحانه إله المجموع، وجب علیه تقدیم نفسه، ولو لم یقل بذلک فلا دلیل علی وجوب تقدیم نفسه قرباناً لهما.

ص:60


1- أی ترکاً.
2- أی فعلاً.

الجرح کالتعدیل

مسألة: الکلام فی الجرح هو الکلام فی التعدیل، لوحدة الملاک وإطلاق الأدلة.

والتفصیل بینهما بالاحتیاج إلی الشاهدین فی الأول، والاکتفاء بالواحد فی الثانی، غیر ظاهر الوجه.

ولذا جرت السیرة علی قبول قول الجارح من الرجالیین ولو کان واحداً.

لا یُقال: نری أنهم متعددون، کالشیخ والعلامة (قدس سرهما) ونحوهما.

لأنه یُقال: المتأخر أخذ من المتقدم، ونادراً ما یوجد نفران جارحان فی العرض، وکذلک حال التعدیل.

ص:61

تنزیه أولاد الأئمة (علیهم السلام)

ومن نافلة القول أن نقول: إنه لا اعتبار بجرح أولاد الأئمة (علیهم السلام) وأصحابهم الأخیار، کما لا اعتبار برمی الخلفاء وأهل تواریخهم شخصاً بالزندقة أو ما أشبه، فإن القرینة العامة تمنع عن العمل بالأصل، بالإضافة إلی القرائن الخاصة فی کثیر من الموارد.

أما الخلفاء وأهل تواریخهم، فمن الواضح أنهم کانوا یتهمون مخالفیهم بمختلف التهم التی منها الزندقة، حتی یروا أنفسهم محل الصلاح فی قتل وتعذیب ومصادرة أموال مخالفیهم.

فإن السیاسة((1)) تجعل من الرسول (صلی الله علیه وآله) کاهناً ومجنوناً وساحراً ومسحوراً، ومن علی (علیه السلام) کاذباً وحریصاً علی الملک، ومن الحسن والحسین (علیهما السلام) خارجین عن الدین، ومن الصادق (علیه السلام) والباقر (علیه السلام) شراً من النصاری والیهود، إلی غیر ذلک مما ملؤوا تواریخهم به.

فهل یعتمد علی مثل هؤلاء فی أقوالهم وتواریخهم بعد وضوح کذبهم ودجلهم علی أطهر عباد الله من المعصومین (علیهم السلام).

وأما أولاد الأئمة (علیهم السلام) وأصحابهم الأخیار، فمن الواضح أن السیاسة إذا لم تتمکن من رمی نفس الرسول وآله الأطهار (علیه وعلیهم السلام) بنحو، فإنها تعمد إلی رمی أولادهم وأصحابهم الأخیار.

ویؤید ذلک أنّا لم نجد خبراً فیه شرائط الحجیة فی کل تلک التجریحات، أخذاً من رمیهم عبد الرحمان بن علی (علیه السلام)، وإلی رمیهم جعفر عم الإمام المهدی (عجل الله تعالی فرجه).

هذا مع وضوح أن الإرسال فی مثل کتاب الطبرسی ونحوه

ص:62


1- أی الشیطانیة منها.

مانع عن الأخذ به((1))، وإن القرائن فی نفس تلک التجریحات تمنع من الأخذ والنسبة الشائعة.

فهل الإمام (علیه السلام) لا یخرج من السجن إلاّ وجعفر معه بالنسبة إلی الخمّار المدعی لمقام الإمامة؟

وهل یقول الرسول (صلی الله علیه وآله) أن جعفرَ (علیه السلام) لقّب بالصادق لأن هناک جعفرَ کاذباً؟ ولا یسأل شخص فلماذا لقب الباقر بالباقر، والهادی بالهادی، والکاظم بالکاظم، والجواد بالجواد (علیهم السلام)؟ فهل هناک أیضاً من لا یبقر، ومن لا یهدی، ومن لا یکظم، ومن لا یجود منهم (علیهم السلام).

إلی غیرها من القرائن التی لا موضع للکلام فیها.

ومن راجع تاریخ کلماتهم حول المختار، وتاریخ ابن حجلة حول الحاکم الفاطمی، ورأی کثرة تناقضاتهم ورمی الکلام علی عواهنه فیهم، لم یشک فی ما ذکرناه.

ص:63


1- أی فی مثل هذه التجریحات.

التجریح والتوثیق من دون ذکر الأسباب

مسألة: إنه یقبل الجرح والتعدیل مطلقین، کأن یقول: (فاسق) أو (منحرف) أو (لا یقبل کلامه) أو (کاذب).

أو یقول: (عادل) أو (ثقة) أو (صدوق) إلی غیر ذلک.

وذلک لأنه مقتضی إطلاق الأدلة، حیث إن أهل الخبرة مسموعو الکلام بدون ذکر الدلیل عند العقلاء، فلا یُسأل من الطبیب من أین تقول أنه مرض کذا، أو أن شفاءه یحصل بعد کذا، وکذا لا یُسأل عن المهندس من أین تقول فی الأربعة المتناسبة إذا ضرب أحد الوسطین فی الآخر وقسم علی الطرف المعلوم حصل الطرف المجهول، وکذا بالنسبة إلی المقوم، والفقیه، والقاضی،

وغیرهم.

ولذا قالوا: لو کان من ذوی البصائر بهذا الشأن لم یکن معنی للاستفسار، بل یُعیّر من یسألهم، کما إذا سُئل السائق من أین تقول: إن طریق النجف نحو الجنوب، وللسفّان أن طریق الکراجی نحو الشمال، إلی غیر ذلک.

دلیل التفسیر والجواب علیه

فالقول بأنه یستفسر _ مستدلاً بأنه مع اختلاف المجتهدین فی معنی العدالة والجرح وعدد الکبائر وغیر ذلک، لا یکفی کونه ذا بصیرة، إذ لعله یبنی کلامه علی مذهبه، ولا یعلم موافقته للعالم أو المجتهد _ غیر ظاهر الوجه، بعد إطلاق الأدلة وبناء العقلاء.

وإلا أتی هذا الدلیل فی کل أهل خبرة، لوضوح اختلاف الأطباء والمهندسین وسائر الخبراء فی کثیر من الموازین.

بل ینهدم بذلک قول ذی الید، فمن أین هو یوافق رأی السائل،

ص:64

فلعله یری التطهیر بکُرٍ یشمل سبع وعشرین شبراً، ولعله یری تحریم عشر رضعات، إلی غیر ذلک.

ولذا جرت السیرة بین أهل الرجال علی صرف الجرح والتعدیل، ویؤخذ بقولهم فیهما، کما جرت السیرة بین العقلاء علی قبول قول أهل الخبرة مطلقاً من دون ذکر السبب، کأهل العلوم من اللغویین والصرفیین والنحویین والبلاغیین وغیرهم.

أما اعتبار أن یکون القائل خبیراً، فقد تقدم وجهه فی اعتبار أن یکون ضابطاً.

ص:65

عند تعارض الجرح والتعدیل

مسألة: إذا تعارض الجرح والتعدیل، فإن کان أحدهما أتقن وأدق أُخذ به، ولا یعتنی بقول الآخر، لأنه بناء العقلاء فی تعارض أهل الخبرة، ولذا نراهم یعملون بقول أدق الأطباء فی ما تعارض فی أن المرض سل أو سرطان، إلی غیرهم من أهل الخبرة.

کما أنه إذا کان أحدهما أقوی دلیلاً فیما ذکرا الدلیلین أخذ به.

مثلاً قال أحدهما: إنه لم یره یرتکب معصیة فی کل یوم یراه طول سنة، وقال الآخر: إنه رآه بعد سنة شرب الخمر، أو رآه فی بعض اللیالی کذلک، حیث لا یراه الفرد الأول.

وفی عکسه قال الجارح: إنه رآه یشرب الخمر، وقال المعدل: إنه یعلم أن شربه للخمر للاضطرار المحلل للشرب.

فإن الثانی فیهما أقوی صحة، وإلاّ تعارضا وتساقطا، ویکون کفاقد الجرح والتعدیل من المجهولین، إذ لا أولویة لأحدهما علی الآخر.

ص:66

فروع فی تعارض الجرح والتعدیل

ولو کان بین المعدل والجارح من وجه، أو مطلق، لم یقدم أحدهما علی الآخر.

أما فی الأول: فواضح.

وأما فی الثانی: فلأنه لیس من الظاهر والأظهر، والنص والظاهر، حیث یقدم الأقوی فی باب الأدلة، بل یراه العرف معارضاً.

فلو قال أحدهما: کل من فی الدار عادل، وقال الآخر: زید الذی فی الدار فاسق، تعارضا فی زید، وإن ذکر أحدهما له بالنص والآخر بالعموم.

وکذلک حال سائر أهل الخبرة، کما إذا قال طبیب: کل من فی المستشفی مبتلی بالسل، وقال آخر: إن زیداً الذی فیها لیس فیه سل.

ولا فرق فی التعارض بینهما، المعاصرة والعدم والاختلاف، فلو فرض أن معاصر فارس القزوینی قال: إنه ثقة، وقال النجاشی: إنه لیس بثقة، کان من المعارضة.

ولا یقال: إن المعاصر أعلم، لفرض وثاقة النجاشی الذی لا یقول الکلام إلاّ عن الموازین.

ولو کان أمکن الجمع بین المعدل والجارح جمع بینهما، کما لو قال الشیخ: إنه ثقة، وقال النجاشی: إنه فاسق، إذ من الممکن أن یکون ثقة یشرب الخمر، کما أن من الممکن أن یکون ثقة مع وقف أو نحوه.

ومثله لو قال أحدهما: إنه کان فاسقاً فی سنة ألف، وقال الآخر: کان عادلاً فی سنة ألف وخمسة، وکذلک حال العکس.

وهکذا الحال لو کانا فی زمانین وهو فی زمانهما، فإنه یقدم القول المتأخر فیه، کما إذا عاصر زید فی سنة مائة، وعمرو فی سنة واحد ومائة.

ص:67

وهل یقدم أحدهما لکثرة العدد، کما إذا عدّله اثنان وجرحه واحد؟

بناء العقلاء علی ذلک فی أهل الخبرة المتعارضة، وأما المشهور بین الفقهاء فی الشهود العدم، وإن دل علی ذلک بعض الروایات.

نعم إذا کثر العددان مع اختلاف بسیط، فلیس بناؤهم ذلک، کما إذا عدّله عشرة وجرحه أحد عشر.

نعم لا بناء علی التقدم فی ما إذا کان مع أحدهما الکیف، ومع الآخر الکم، کما إذا کان الأدق واحداً وطرفه اثنین.

ص:68

العدالة

مسألة: لا إشکال فی أن العدالة کسائر الصفات النفسیة ذات مراتب.

لکن الکلام فی أنه هل یختلف المشروط منها فی المرجع والقاضی وإمام الجماعة والشاهد؟

قال بذلک بعض، فقال بلزوم أن یکون فی المرجع أقوی من القاضی وهکذا.

وهذا وإن کان قریباً من الاعتبار إلا أن إطلاق اشتراط العدالة فیهم _ وهی لفظ یؤخذ من العرف _ ینافی ما ذکره.

ولعل وجه الاعتبار المذکور انصراف الأدلة، فإن من یناط به أموال المسلمین وأعراضهم وأنفسهم یجب أن یکون فی أعلی درجات العدالة، بخلاف إمام الجماعة الذی لیس له شأن إلا التقدم فی الصلاة، وهکذا.

الفحص عن المعارض فی التزکیة والتجریح

بقی شیء، وهو أنه کما لا یجوز العمل بالخبر دون الفحص عن معارضه، کذلک لا یجوز العمل بقول المزکی أو الجارح بدون الفحص عن المعارض، وذلک للدلیل الذی ذکروه فی الخبر.

إذ الإنسان مکلف بالفحص عن حکم الله سبحانه، وذلک کما یأتی فی الدلالة، وجهة الصدور، کذلک یأتی فی السند.

فإذا قال الشیخ: ثقة أو ضعیف، لا یمکن الاکتفاء به بدون الفحص فی کتب النجاشی وابن الغضائری وغیرهما، فإذا لم یوجد المعارض أو وجد الوفاق فنعم الأمر، وإذا وجد المعارض یجب

ص:69

إعمال ما ذکرناه سابقاً.

من مصادیق التوثیق

ولا فرق بین أن یقول الشیخ: هو ثقة، أو رواه فلان بسند صحیح أو موثق، فی أنه توثیق.

أما إذا قال الشیخ مثلاً: حدثنی عدل أو ثقة أو ما أشبه، مما لا مجال للفحص عنه، أمکن الأخذ به إذ الفحص لا ینتهی إلی نتیجة.

ص:70

السنة والنقل بالمضمون

مسألة: لا إشکال نصاً وفتویً فی جواز نقل الحدیث بالمعنی، سواء فی نفس لغة العرب أو سائر اللغات، بل علی ذلک بناء العقلاء کافة.

لکن بشرط أن یکون الناقل عارفاً بمعانی الألفاظ والجمل الترکیبیة والقرائن المکتنفة بالکلام، مما یحتاج إلی اللغة والصرف والنحو والبلاغة ومعرفة العرف حسب المقدور.

وذلک بالإضافة إلی الأدلة الثلاثة المتقدمة، یدل علیه حکایات القرآن الحکیم عن القصص السابقة، فإنها کانت غالباً بغیر لغة العرب، لکن لا یقاس علیه حیث إحاطة الله سبحانه باللغات والخصوصیات وإن کان مؤیداً.

أدلة المانعین و ردها

أما من منع عن ذلک مطلقاً، أو فی غیر المرادف، فقد استدل باختلاف المزایا مما لا یعلمها إلاّ علام الغیوب وأولیاؤه، واشتمال الأصل علی المحکم والمتشابه الذی لا یعلمه إلاّ الله والراسخون فی العلم، واشتماله علی النص والأظهر والظاهر، وسعة لغة العرب دون غیرها.

وفی الکل ما لا یخفی.

إذ بعد تمامیتها یردّ بالأهم والمهم، بعد عدم تیسر اللغة لکل متدین من العرب، فکیف بغیر العرب.

مضافاً إلی أنه یرد علی الأول: إنه إن أرید باختلاف المزایا الأعم مما لا مدخلیة له فی الحکم، ففیه إنه لا یضر، وإن أراد

ص:71

الخاص ففیه عدم تمامیة

الکلام.

وفی الثانی: إن المتشابه إن فسّر فی کلامهم فهو، وإلا فالأصل أیضاً غیر مکلف به، وحینئذٍ لا حاجة إلی نقله إلی نفس اللغة أو لغة أخری.

ومنه یعرف الجواب عن الثالث والرابع.

ومنه یعلم أنه إذا کان للفظ معنیان، ک_ (القرء)، واستظهر الناقل أحدهما، فالأفضل أن یأتی بالأصل وما فهم من تفسیره، کما أن اللازم محاولة التطبیق بین الأصل والنقل مهما أمکن.

مثلاً إذا ورد: (فإذا بقی مقدار ذلک) _ أی مقدار صلاة العصر _ (فقد خرج وقت الظهر)((1))، فإنه لا یفسره بمقدار أربع رکعات، إذ الصلاة فی السفر رکعتان، بل صلاة الغریق تسبیحات، إلی غیر ذلک.

ص:72


1- وسائل الشیعة: ج3 ص92 ب4 من أبواب المواقیت ح7.

عدم الترادف اللغوی

ولا یخفی أنّا استظهرنا فی (الأصول) عدم وجود المرادف فی لغة العرب بقدر ما تتبعنا، وإنما تختلف الخصوصیات فی ما یعتقد أنها مترادفات.

مثلاً: ینسب إلی علی (علیه السلام) أنه قال:

(أنا الذی سمتنی ...)((1)).

حیث أتی بأربعة ألفاظ للأسد، ولیست مکررة، بل (حیدر) یقال للأسد حین ینحدر من الجبل ونحوه، و(ضرغام) حین یکون فی الأجمة، و(لیث) حین یفترس، و(قسورة) حین یعقب الصید.

علی تفصیل ذکرناه فی بعض الکتب.

کما أن قولنا: لا بد من معرفة العرف، لأنه بدونه لا یتمکن الإنسان من الفهم، مثلاً: بعض الفُرس یفسرون Pالرحمن الرحیمO((2)) ب_ (بخشنده مهربان)، مع أن وحدة المادة تدل علی وحدة المعنی، واللفظان من مادة واحدة.

والظاهر أن الفارق: إن الأول مربوط بالظاهر، والثانی بالباطن، فمن یعطی زیداً عن ترحم یسمی (رحماناً)، ومن یعطف علیه قلباً یسمی (رحیماً)، فهما فی قبال P­فَظَاً غَلیظَ الْقَلْبِO((3)) أحدهما للظاهر، والآخر للباطن.

ص:73


1- بحار الأنوار: ج21 ص4 ب22، وفیه: قَالَ سَلَمَةُ: فَبَرَزَ مَرْحَبٌ وَ هُوَ یَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ خَیْبَرُ أَنِّی مَرْحَبٌ، الْأَبْیَاتِ. فَبَرَزَ لَهُ عَلِیٌّ علیه السلام: وَهُوَ یَقُولُ: أَنَا الَّذِی سَمَّتْنِی أُمِّی حَیْدَرَةَ             کَلَیْثِ غَابَاتٍ کَرِیهِ الْمَنْظَرَةِ أُوفِیهِمُ بِالصَّاعِ کَیْلَ السَّنْدَرَ
2- سورة الفاتحة: 1.
3- سورة آل عمران: 159.

ولو شکّ فی التغییر بسبب ابتعاد الزمان، فالأصل عدمه.

ومما تقدم ظهر وجه النظر فی استدلال المانع بقوله (صلی الله علیه وآله): Sنضّر الله عبداً سمع مقالتی فوعاها وحفظها، وبلّغها من لم یسمعها، فربّ حامل فقهٍ غیر فقیه، وربّ حامل فقهٍ إلی من هو أفقه منهR((1)).

بضمیمة أن أداءه کما سمعه إنما یتحقق بنقل نفس اللفظ.

ویقابله نقضاً: الاستدلال بما ترجم فی زمان الرسول (صلی الله علیه وآله)، مثل قول حسان حسب نظم مقالة الرسول (صلی الله علیه وآله) یقول: Sمَن ولیکم وأولی بکم من أنفسکمR((2))، مع أنه لیس لفظ الرسول (صلی الله علیه وآله).

وکذلک قول الشاعر حیث نظم وعظه (صلی الله علیه وآله) بقوله:

               ألا إنما الإنسان ضیف لأهله

                                        یقیم قلیلاً فیهم ثم یرح____ل

إلی غیر ذلک.

ص:74


1- الکافی: ج1 ص403 ح1.
2- الکافی: ج1 ص295 ح3 .

الشک فی وجود القرائن

ولو شکّ فی وجود قرینة حالیة أو مقالیة أو ما أشبه عند الخطاب، کان الأصل العدم، ولا یضر به اکتشاف بعض الاشتباهات من هذا النوع.

کقوله (علیه السلام): Sإن الله خلق آدم علی صورتهR((1))، قیل عند ما قال شخص لآخر: (لعنه الله ومن علی صورته)، فحیث فقد بعض العامة القرینة الحالیة أرجع الضمیر إلی (الله) مما سبب التشبیه.

والکلام فی هذا البحث طویل، موضعه الکتب البلاغیة المطولة.

ص:75


1- الکافی: ج1 ص134 ح4.

الخبر المرسل والمقطوع

مسألة: لا یقبل (المرسل)، کما إذا قال: عن رجل، أو: عن بعض أصحابنا، فیما إذا لم یصطلح علی الثقة بذلک.

ولا (المقطوع) بأن حذف الواسطة، کأن یروی إنسان عن محمد بن مسلم وبینهما قرن من الزمان.

ولا ما لم یذکر فیه المعصوم (علیه السلام).

لعدم شمول أدلة الحجیة لأمثالها.

إلاّ إذا کان المرسل لا یرسل إلاّ عن الثقة، أو من أصحاب الإجماع، أو قامت الشهرة ولو الفتوائیة علی طبقه، حیث الظاهر من قوله (علیه السلام): Sفإن المجمع علیه لا ریب فیهR((1)) الملاک.

ومثله حال (المقطوع) وغیر مذکور فیه الإمام (علیه السلام)، فإنه إذا أعلن بأنه لا یروی إلاّ بواسطة ثقة، أو لا یروی إلا عن الإمام (علیه السلام) کفی.

ومنه یعلم أن القولین الأخیرین:

1: بالقبول مطلقاً، لأن روایة الثقة تکفی وإلا کان تزویراً.

2: أو الرد مطلقاً، لأن شرط قبول الروایة معرفة عدالة الراوی أو وثاقته، والعدالة أو الوثاقة عند الراوی لا تلازم إیاهما عندنا.

غیر ظاهر الوجه، بعد أن التزویر أخص فلا یستدل به علی الأعم، و(ثقاتنا)((2)) یشمل مثل روایة ابن أبی عمیر الذی یُعرف أنه لا

ص:76


1- الکافی: ج1 ص68 ح10.
2- وسائل الشیعة: ج1 ص39 ب2 ح61، وفیه: (مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْکَشِّیُّ فِی کِتَابِ الرِّجَالِ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَیْبَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِیمَ الْمَرَاغِیِّ، قَالَ: وَرَدَ تَوْقِیعٌ عَلَی الْقَاسِمِ بْنِ الْعَلَاءِ، وَذَکَرَ تَوْقِیعاً شَرِیفاً یَقُولُ فِیهِ: S فَإِنَّهُ لا عُذْرَ لِأَحَدٍ مِنْ مَوَالِینَا فِی التَّشْکِیکِ فِیمَا یُؤَدِّیهِ عَنَّا ثِقَاتُنَا قَدْ عَرَفُوا بِأَنَّا نُفَاوِضُهُمْ سِرَّنَا وَنُحَمِّلُهُمْ إِیَّاهُ إِلَیْهِمْ الْحَدِیثَ R .

یرسل إلاّ عن ثقة، وقد تقدم.

إلی غیر ذلک.

القرائن المکتنفة وفهم الفقهاء

ویأتی مثل هذا الکلام فی الدلالة والقرائن المحیطة بالظواهر، فإنا نجد أُلوف الأوامر والنواهی فی مختلف أبواب الفقه ظاهرها الوجوب والتحریم، لکن العلماء لم یعملوا بظواهرها وإنما حملوها علی الفضیلة فعلاً أو ترکاً، فلو کان المعیار علمنا فقط لزم إضافة کثیر من الواجبات والمحرمات، بل إنما اللازم الاعتماد علی فهمهم (رضوان الله علیهم) من جهة ما وجدوه من القرائن.

فتوی الفقیه فی باب التسامح

وکذلک حال فتوی الفقیه فی باب التسامح فی أدلة السنن مما لم نجد به دلیلاً، نعم یجب أن لا یوجد الدلیل علی خلافه، کما فی (وضع الخاتم تحت لسان المیت) الذی أفتی به (العروة) فإنه لیس من مصادیق أدلة التسامح.

والرجاء فی مثل ذلک إن أرید به مصداق Pوَابْتَغُوا إلَیْهِ الْوَسیلَةO((1)) وما أشبه، کان منطبقاً، وإلا فلیس من الرجاء المعهود فی اصطلاحهم.

ص:77


1- سورة المائدة: 35.

روایات المخالفین فی کتبنا

ثم إن ما یروی من أحادیث أبی هریرة ونحوها فی کتبنا، الظاهر أنهم ذکروها لاکتنافها ببعض القرائن((1))، وإلاّ فحال أمثاله أشهر من أن یذکر.

وعلیه فلا بأس بالعمل بها کما هی سیرة علمائنا، کأعمال لیلة الرغائب ونحوها.

ومما تقدم یظهر الکلام فی اعتمادنا علیهم فی جهة الصدور، إذا لم نتمکن نحن من الفحص، لوحدة الملاک والدلیل فی کل من السند والدلالة وجهة الصدور.

ص:78


1- ویری البعض أن ما صح من روایاتهم، لوجود بعض القرائن علی صدورها، فهی روایاتنا أخذوها عنا ونسبوها إلی أنفسهم، وإلا فهم منعوا تدوین الأحادیث لفترة طویلة، ثم من أین جاؤوا بهذه الروایات، فهی بین مختلقات وبین ما أخذوها منا، فتأمل.

المجهولون من الرواة

ذکر المؤرخون أن أصحاب رسول الله (صلی الله علیه وآله) کانوا مائتین وخمسین ألفاً، وأن المسلمین فی زمانه سبعة ملایین، من مائة وخمسین ملیوناً کل بشر ذلک الیوم، أی ما نسبته إلی الکل کواحد فی واحد وعشرین تقریباً.

والتواریخ عامة وخاصة ساکتة عن أحوال الکثرة الکثیرة منهم، بل أکثرهم لا یعرف له حتی الاسم، ومن یعرف له الاسم أکثرهم مجهولون، وأکثر من ذکر العامة من غیر المجهولین عندهم مجهولون عندنا.

ص:79

هل الأصل عدالة الصحابی؟

مسألة: الأصل فی الصحابة عند العامة العدالة، لکن ذلک ینافی ما تکرر فی القرآن الحکیم من نفاق المنافقین((1))، وفی السنة، حتی عند السنة من أخبار عرضهم علیه (صلی الله علیه وآله) فی الحوض((2))، إلی غیر ذلک من المباحث الکلامیة المشهورة.

وعلی هذا، فلا یمکن الاعتماد علی الصحابی إلاّ إذا ثبت وثاقته.

ص:80


1- و فی القرآن الکریم ورد: (المنافقون) 7 مرات، (منافقون) مرة، (المنافقین) 19 مرة، (المنافقات) 5 مرات، (النفاق) مرة واحدة، (نافقوا) مرتین، (نفاقاً) مرتین.
2- وهی روایات عدیدة وردت عن الفریقین وبألفاظ متعددة والمعنی واحد، منها: قَالَ النَّبِیُّ (صلی الله علیه وآله): (لَیَخْتَلِجَنَّ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِی دُونِی وَأَنَا عَلَی الْحَوْضِ فَیُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأُنَادِی یَا رَبِّ أُصَیْحَابِی أُصَیْحَابِی فَیُقَالُ إِنَّکَ لَا تَدْرِی مَا أَحْدَثُوا بَعْدَکَ). وقال (صلی الله علیه وآله): (لَیُذَادَنَّ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِی یَوْمَ الْقِیَامَةِ عَنْ حَوْضِی کَمَا تُذَادُ غَرَائِبُ الْإِبِلِ عَنِ الْمَاءِ، فَأَقُولُ یَا رَبِّ أَصْحَابِی أَصْحَابِی، فَیُقَالُ لِی إِنَّکَ لَا تَدْرِی مَا أَحْدَثُوا بَعْدَکَ فَیُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ بُعْداً لَهُمْ وَ سُحْقاً). وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) یَقُولُ: إِنِّی عَلَی الْحَوْضِ أَنْظُرُ مَنْ یَرِدُ عَلَیَّ مِنْکُمْ وَ لَیُقْطَعَنَّ بِرِجَالٍ دُونِی فَأَقُولُ یَا رَبِّ أَصْحَابِی أَصْحَابِی، فَیُقَالُ: إِنَّکَ لَا تَدْرِی مَا عَمِلُوا بَعْدَکَ إِنَّهُمْ مَا زَالُوا یَرْجِعُونَ عَلَی أَعْقَابِهِمُ الْقَهْقَرَی). وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله): (لَیَجِیئَنَّ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِی مِنْ أَهْلِ الْعِلْیَةِ وَ الْمَکَانَةِ مِنِّی لِیَمُرُّوا عَلَی الصِّرَاطِ فَإِذَا رَأَیْتُهُمْ وَرَأَوْنِی وَعَرَفْتُهُمْ وَعَرَفُونِی اخْتَلَجُوا دُونِی فَأَقُولُ أَیْ رَبِّ أَصْحَابِی أَصْحَابِی فَیُقَالُ مَا تَدْرِی مَا أَحْدَثُوا بَعْدَکَ إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا عَلی أَدْبارِهِمْ حَیْثُ فَارَقْتَهُمْ فَأَقُولُ بُعْداً وَ سُحْقاً). انظر بحار الأنوار: ج28 ب1.

وحدیث: Sأصحابی کالنجومR مختلق((1))، وُضع أمام حدیث: Sمثل أهل بیتی مثل النجومR((2)).

ص:81


1- قال فی دعائم الإسلام: ج1 ص86: (ویحتجون فی ذلک بأن رسول الله (صلی الله علیه وآله) فیما زعموا قال: أصحابی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم، وإنما قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): الأئمة من أهل بیتی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم، ولو کان کما قالت العامة أصحابی و هم کل من رآه و صحبه کما زعموا لکان هذا القول یبیح قتلهم أجمعین، لأنهم قد تحاجزوا بعده و اختلفوا و قتل بعضهم بعضا، و لو أن مقتدیا اقتدی بواحد منهم لحل له قتل الطائفة التی قاتلها علی علی قولهم، ثم یبدو له فیقتدی بآخر من الطائفة الأخری فیحل له قتل الطائفة الأولی و الطائفة التی هو فیها و لن یأمر الله عز و جل و لا رسوله (صلی الله علیه وآله) بالاقتداء بقوم مختلفین لا یعلم المأمور بالاقتداء بهم من یقتدی به منهم و هذا قول بین الفساد ظاهر فساده یغنی عن الاحتجاج علی قائله). وقال فی الطرائف: ج2 ص523: (ومن طریف روایاتهم أنهم قالوا عن نبیهم صلی الله علیه وآله أنه قال: أصحابی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم. و قد علمنا أن الصحابة کان یکفر بعضهم بعضا و یشهد بعضهم علی بعض بالضلال، و یستحل بعضهم دماء بعض، و قد تقدم بعض ذلک و کما جری فی قتل عثمان و حرب البصرة و صفین و غیرهما من المناقضات والاختلافات فلو کان الاقتداء بکل واحد منهم صوابا لکان الاقتداء بکل واحد منهم خطأ لشهادة بعضهم علی بعض بالخطإ ولکان ذلک یقتضی وجوب ضلالهم أو قتلهم جمیعا فما أقبح هذه الروایات وأبعدها من عقول أهل الدیانات). * وعلی فرض صحة الروایة فیراد به الأصحاب الذین لم یبدلوا بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله) ولم ینقلبوا علی أعقابهم بل بقوا متمسکین بالکتاب والعترة الطاهرة. وفی الحدیث: (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَی بْنِ نَصْرٍ الرَّازِیِّ، عَنْ أَبِیهِ، قَالَ سُئِلَ الرِّضَا (علیه السلام) عَنْ قَوْلِ النَّبِیِّ (صلی الله علیه وآله): أَصْحَابِی کَالنُّجُومِ بِأَیِّهِمُ اقْتَدَیْتُمُ اهْتَدَیْتُمْ، وَعَنْ قَوْلِهِ صلی الله علیه وآله دَعُوا لِی أَصْحَابِی، فَقَالَ هَذَا صَحِیحٌ یُرِیدُ مَنْ لَمْ یُغَیِّرْ بَعْدَهُ وَ لَمْ یُبَدِّلْ. قِیلَ: وَ کَیْفَ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ قَدْ غَیَّرُوا وَ بَدَّلُوا، قَالَ: لِمَا یَرْوُونَهُ مِنْ أَنَّهُ صلی الله علیه وآله قَالَ: لَیُذَادَنَّ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِی یَوْمَ الْقِیَامَةِ عَنْ حَوْضِی کَمَا تُذَادُ غَرَائِبُ الْإِبِلِ عَنِ الْمَاءِ فَأَقُولُ یَا رَبِّ أَصْحَابِی أَصْحَابِی فَیُقَالُ لِی إِنَّکَ لَا تَدْرِی مَا أَحْدَثُوا بَعْدَکَ فَیُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ بُعْداً لَهُمْ وَ سُحْقاً أَ فَتَرَی هَذَا لِمَنْ لَمْ یُغَیِّرْ وَ لَمْ یُبَدِّلْ) بحار الأنوار: ج28 ص18 ب1.
2- انظر دعائم الإسلام: ج1 ص86، وغوالی اللئالی: ج2 ص86 وفیه: (قال صلی الله علیه وآله: أنا کالشمس، وعلی کالقمر، وأهل بیتی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم).

کما وُضع حدیث: (سیدا کهول)((1))، و(فلان سقفها)((2)) فی قبال حدیث: Sسیدا شبابR((3))، وSعلی (علیه السلام) بابهاR((4)).

وحیث العلم الإجمالی بنفاق جملة من الصحابة ولا یعلم أعیانهم، کان اللازم الاجتناب إلا عن من علم وثاقته.

قال سبحانه: Pاجْتَنِبوا کَثیراً مِنَ الظَّنِ إنَّ بَعْضَ الظَّنِ إثْمٌO((5))، حیث أوجب سبحانه الاجتناب للعلم الإجمالی بإثمیة بعض الظن.

والاجتناب فی مورد العلم الإجمالی هو المشهور قدیماً وحدیثاً، نصاً وشهرةّ، قال (علیه السلام): Sیهریقهما ویتیممR((6)) علی ما فصلوه فی الأصول.

ص:82


1- النهایة: ج4 ص213 مادة کهل. وقد ورد فی مناظرات المأمون تصریحه بکذب هذا الحدیث: (قَالَ آخَرُ: فَقَدْ جَاءَ أَنَّ النَّبِیَّ صلی الله علیه وآله قَالَ: أَبُو بَکْرٍ وَ عُمَرُ سَیِّدَا کُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ!، قَالَ الْمَأْمُونُ هَذَا الْحَدِیثُ مُحَالٌ لِأَنَّهُ لَا یَکُونُ فِی الْجَنَّةِ کَهْل) انظر بحار الأنوار: ج49 ص192 ب15.
2- الصوارم المهرقة، للقاضی التستری: ص132.
3- بحار الأنوار: ج43 ص237 ح2.
4- وسائل الشیعة: ج27 ص34 ب5 من أبواب صفات القاضی ح33146.
5- سورة الحجرات: 12.
6- تهذیب الأحکام: ج1 ص229 ب10 ح45. وانظر الکافی: ج3 ص10.

أسباب الجهالة

((1))

وللجهالة أسباب:

منها: أن عمر منع عن الکتابة، ودام ذلک _ فی غیر الشیعة الذین کانوا مضطهدین ومهاجمین أیضاً _ إلی زمان عمر بن عبد العزیز حیث أجاز الکتابة، وبعد موته رجع الأمر إلی ما کان حتی فی زمان العباسیین.

بل وزاد الأمر مشکلة رواج وضع الحدیث لا من زمان معاویة فحسب، بل من قبله أیضاً، وإنما فی زمانه (صلی الله علیه وآله) قوی الوضع قوة شدیدة، حتی أن العامة بأنفسهم ذکروا هذا الأمر.

فنری البخاری یختار کتابه الذی لا یحتوی علی أکثر من زهاء ستمائة ألف حدیث مع أنه کان قریب العهد بزمان النبوة، أی فی زمان الإمام العسکری (علیه السلام).

وإذا کان هذا حال الصحابة الذین أسلموا علی ید الرسول (صلی الله علیه وآله) وسمعوا حدیثه وخدموه، فکیف یکون حال التابعین الذین ربّاهم أمثال معاویة؟!

لا یقال: إذا کان الأمر کذلک، فکیف تقدّم الرسول (صلی الله علیه وآله) ذلک التقدّم الهائل، وهل یمکن التقدم بالمنافقین؟

لأنه یقال: کلامنا فی مرحلة الإثبات لا مرحلة الثبوت، فلا شک أنه کان مع الرسول (صلی الله علیه وآله) کثرة کبیرة من المخلصین، أما المعرفة بهم فانسد طریقها بسبب تغیر السلطة ومنع الکتابة، بالإضافة إلی حصول التغیر فی غیر واحد منهم.

کما أخبر القرآن الحکیم بقوله: Pأَفَإنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَی

ص:83


1- الجهل بحال الرواة وحال الصحابة وسائر المسلمین فی عهد رسول الله (صلی الله علیه وآله).

أَعْقابِکُمْO((1)).

أما حدیث: (ارتد الناس)((2))، فالظاهر أنه مختلق أو محمول علی بعض ما لا ینافی القطع.

إذ نعلم أن الإرهاب أسکت الناس، وغیر واحد عارضوا، أمثال مالک بن نویرة وقبیلته((3)).

هذا بالإضافة إلی أن الارتداد لم یشمل غیر أهل المدینة.

وفی حدیث: إن الإمام (علیه السلام) أنکر صحة حدیث: (ارتد الناس إلا کذا) ((4)).

ص:84


1- سورة آل عمران: 144.
2- انظر بحار الأنوار: ج28 ص239 ب4 ح26 عن الکشی.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج1 ص179، وفیه: (لما قتل خالد مالک بن نویرة و نکح امرأته کان فی عسکره أبو قتادة الأنصاری، فرکب فرسه و التحق بأبی بکر و حلف ألا یسیر فی جیش تحت لواء خالد أبداً، فقص علی أبی بکر القصة فقال أبو بکر: لقد فتنت الغنائم العرب وترک خالد ما أمر به، فقال عمر: إن علیک أن تقیده بمالک، فسکت أبو بکر و قدم خالد فدخل المسجد و علیه ثیاب قد صدئت من الحدید و فی عمامته ثلاثة أسهم، فلما رآه عمر قال أریاء یا عدو الله عدوت علی رجل من المسلمین فقتلته ونکحت امرأته أما و الله إن أمکننی الله منک لأرجمنک، ثم تناول الأسهم من عمامته فکسرها و خالد ساکت لا یرد علیه ظنا أن ذلک عن أمر أبی بکر و رأیه، فلما دخل إلی أبی بکر و حدثه صدقه فیما حکاه و قبل عذره، فکان عمر یحرض أبا بکر علی خالد و یشیر علیه أن یقتص منه بدم مالک، فقال أبو بکر إیهاً یا عمر ما هو بأول من أخطأ فارفع لسانک عنه، ثم ودی مالکا من بیت مال المسلمین). وفی شرح النهج: ج17 ص205:  (وقد روی أیضا أن عمر لما ولی جمع من عشیرة مالک بن نویرة من وجد منهم واسترجع ما وجد عند المسلمین من أموالهم و أولادهم و نسائهم فرد ذلک علیهم جمیعا مع نصیبه کان منهم و قیل إنه ارتجع بعض نسائهم من نواحی دمشق ◄       ► وبعضهن حوامل فردهن علی أزواجهن).
4- انظر بحار الأنوار: ج22 ص352 ب10 ح80. وفیه: (عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام ارْتَدَّ النَّاسُ إِلَّا ثَلَاثَةٌ أَبُو ذَرٍّ وَ سَلْمَانُ وَ الْمِقْدَادُ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: فَأَیْنَ أَبُو سَاسَانَ وَ أَبُو عَمْرَةَ الْأَنْصَارِیّ).

العمل بالأخبار

1: الوثاقة

مسألة: المعاییر فی العمل بالخبر أحد أمرین:

الأول: وثاقته عندنا، بدون إعراض المشهور عن دلالته، أو إشکالهم لجهة صدوره.

أما المستثنی منه فلإطلاقات الأدلة کما عرفت.

وأما المستثنی فلأن الإعراض عنه کاسر کما أن الأخذ به جابر، وذلک لأنه یکشف عن خللٍ فیه أو قوة کما سیأتی.

والأول((1)): یرفع الوثوق المطلوب، کما یفهم من قوله (علیه السلام): SثقاتناR((2)) وغیره.

والثانی((3)): یوجب الوثاقة المطلوبة.

2: عمل المشهور

ص:85


1- أی أن الإعراض کاسر.
2- وسائل الشیعة: ج1 ص38 ب2 ح61 وفیه: (فَإِنَّهُ لا عُذْرَ لِأَحَدٍ مِنْ مَوَالِینَا فِی التَّشْکِیکِ فِیمَا یُؤَدِّیهِ عَنَّا ثِقَاتُنَا).
3- أی أن عمل المشهور جابر.

الثانی: عمل المشهور به، وإن لم یکن معتمداً عندنا، فیشمله ملاک Sفإن المجمع علیه لا ریب فیهR((1)).

کما یشمل الإعراض قوله (علیه السلام): Sویترک الشاذR((2))، وقوله (علیه السلام): Sدع ما یریبک إلی ما لا یریبکR((3))، وما أشبههما.

وإذا جاز الاعتماد، لا ینظر إلی أن أیّ الخبرین أقوی سنداً فی مورد التعارض، کما ذکر فی بحث التعادل والترجیح، کما لا ینظر فی تعارض الشهود أن أیّهما أقوی ملکةً، وما أشبه.

ص:86


1- الکافی: ج1 ص68 ح10.
2- الکافی: ج1 ص68 ح10. وفیه: (وَیُتْرَکُ الشَّاذُّ الَّذِی لَیْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِک).
3- وسائل الشیعة: ج27 ص167 ب12 ح33506.

تصنیف العلامة للأخبار

اشارة

والمشهور أن العلامة (قدس سره) صنف الخبر _ باعتبار اختلاف أحوال رُواته فی الاتصاف بالإیمان والعدالة والضبط وعدمها _ إلی أربعة أنواع:

1: الصحیح

الأول: الصحیح، وهو ما کان جمیع سلسلة سنده إمامیین ممدوحین بالتوثیق، مع الاتصال.

2: الحسن

الثانی: الحسن، وهو ما کانوا إمامیین ممدوحین بغیر التوثیق، کلاً أو بعضاً مع توثیق الباقی.

فإنه فی عدم توثیق الکل أو عدم توثیق البعض النتیجة کما قالوا تابعة لأخس المقدمتین.

ومرادهم بذلک أنه لا یرتب علیه أثر غیر الأخس، لا أنه حقیقة کذلک، إذ لا یعقل التساوی بین الضعیف من کل الجهات، والضعیف من بعض الجهات، لوضوح أن الاعتبار غالباً علی نحو المقولة الحقیقة _ مع فارق الحقیقة والاعتبار _ ، فإنه إذا وضع السقف علی أعمدة من حدید کان للسقف عمر کذا، فإذا وضع علی أعمدة من خزف کان له فرضاً نصف عمره، فلو فرض أن وضع علی أعمدة نصفها حدید ونصفها خزف کان له ثلاثة أرباع العمر الأول.

ص:87

فقولهم: (الأخس)، لا یعنی أنه کأعمدة الخزف، بل یعنی أنه لیس کأعمدة الحدید، وإلاّ لزم التساوی فیما لا تساوی له وهو خلف.

وإذا کان فی الحقیقة((1)) کذا یکون فی الاعتبار مثله.

ومرادنا بالاعتبار فی المقام الأعم من الانتزاع، إذ الغالب أن العقلاء یعتبرونه علی نحو الحقیقة وإن صحّ أن یعتبروا علی غیر نحوه.

أما الانتزاع فلا یعقل إلا أن یکون علی نحو الحقیقة.

توضیحه:

إن المعتبر یعتبر غالباً أن نصف الشیء له نصف القیمة، لکنه یصح أن یعتبره مساویاً للشیء، أو له أکثر من النصف أو أقل، إذ الاعتبار بید المعتبر یعتبره کیف ما شاء.

أما الانتزاع فلیس بیده، فهل یُعقل أن یعتبر الأربعة فرداً أو الثلاثة

زوجاً؟

وما نحن فیه من قسم الانتزاع الاصطلاحی، فإن البقاء للسقف الحدیدی ضعف البقاء للسقف الخزفی، ولا یعقل أن یکون البقاء للسقف المشکّل منهما کأحدهما، أو کشیء ثالث غیر المنصّف منهما.

وما نحن فیه من الخبر المشکّل من القوی والضعیف، إن لوحظ باعتبار الواقع کان له بعض القوة بالنسبة، وإن لوحظ باعتبار المعتبر کان کالضعیف فی عدم الحجیة مطلقاً.

المراد من قول المنطقیین

ومن الاستطراد فی الاطّراد القول: بأن قول المنطقیین بدون الشرائط المذکورة فی باب الأقیسة لا ینتج القیاس، یراد به الکلیة،

ص:88


1- أی فی عالم الواقع.

وإلا قد ینتج.

مثلاً شرط الشکل الأول (مغکب)((1))، فإذا قلنا: (زید حُر) و(بعض الأحرار بیض) أمکن استفادة (بیاض زید) فیما إذا کان فی الواقع کذلک، لکن النتیجة لیست کلیة، وإنما یجب أن تعرف من الخارج، فتأمل.

3: الموثق

الثالث: الموثق، وهو ما کان کلهم أو بعضهم غیر إمامی مع توثیق الکل.

وقد یسمی بالقوی أیضاً.

وقد یطلق القوی علی ما کان رجاله إمامیین مسکوتاً عن مدحهم وذمهم، کأحمد بن عبد الله بن جعفر الحمیری.

ص:89


1- م: إشارة إلی (موجبة)، غ: إشارة إلی (الصغری)، ک: إشارة إلی کلیة، ب: إشارة إلی (الکبری). لأن فی الشکل الأول لابد من أن تکون الصغری موجبة والکبری کلیة.
4: الضعیف

الرابع: الضعیف، وهو ما لم یکن فیه شروط أحد الثلاثة.

الحجة واللاحجة

مسألة: (الصحیح) و(الموثق) حجة، أما (الحسن) فلیس بها إلا إذا أفاد مدحه التثبت، فیشمله قوله (علیه السلام): Sحتی یستبینR((1))، بل وقوله تعالی: PفتبینواO((2))، إلی غیر ذلک، أو عملوا به فیسمی (مقبولاً)، وقد عرفت أن الشهرة جابرة.

وهناک تفصیل فی ما ذکرناه، واصطلاحات أخری محلها علم الدرایة والرجال.

ص:90


1- الکافی: ج2 ص222 ح4. وفیه: (وَ إِذَا جَاءَکُمْ عَنَّا حَدِیثٌ فَوَجَدْتُمْ عَلَیْهِ شَاهِداً أَوْ شَاهِدَیْنِ مِنْ کِتَابِ اللَّهِ فَخُذُوا بِهِ وَ إِلَّا فَقِفُوا عِنْدَهُ ثُمَّ رُدُّوهُ إِلَیْنَا حَتَّی یَسْتَبِینَ لَکُمْ).
2- سورة الحجرات: 6.

بین اصطلاح القدماء والمتأخرین

ثم إن هذا الاصطلاح منسوب إلی المتأخرین ولم یکن معروفاً عند القدماء، بل کانوا یطلقون (الصحیح) علی کل حدیث اعتضد بما یقتضی اعتمادهم علیه، مما سنذکر جملة منها.

وإنما اختلف الاصطلاحان لاختلاف المبنیین، فإن القدماء کان مبناهم فی باب التعارض الأخذ بمقتضی الروایات العلاجیة أو التخییر، کما أختاره الکلینی (قدس سره)، ولذا لم یکن مهماً عندهم أقسام الحدیث المعتمد علیه.

أما المتأخرون فکثیر منهم اعتمدوا علی الترجیحات المستنبطة وإن لم تکن منصوصة، کما ذکر وجه ذلک الشیخ المرتضی (قدس سره) فی باب العلاج.

ومن المعلوم أن المبنی المذکور ینتهی إلی ترجیح الصحیح علی الآخرَین، وترجیح الحسن علی الموثق باعتبار الإمامیة، حیث قال (علیه السلام): Sلا تأخذ دینک عن الخائنینR((1)).

وقال (علیه السلام) باجتناب حتی ما یکون حکامهم إلیه أمیل((2)).

ص:91


1- راجع  وسائل الشیعة: ج27 ص150 ب11 ح33457. وفیه: (عَنْ عَلِیِّ بْنِ سُوَیْدٍ السَّائِیِّ قَالَ: کَتَبَ إِلَیَّ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام وَهُوَ فِی السِّجْنِ: وَأَمَّا مَا ذَکَرْتَ یَا عَلِیُّ مِمَّنْ تَأْخُذُ مَعَالِمَ دِینِکَ، لَا تَأْخُذَنَّ مَعَالِمَ دِینِکَ عَنْ غَیْرِ شِیعَتِنَا، فَإِنَّکَ إِنْ تَعَدَّیْتَهُمْ أَخَذْتَ دِینَکَ عَنِ الْخَائِنِینَ الَّذِینَ خَانُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَخَانُوا أَمَانَاتِهِمْ، إِنَّهُمُ اؤْتُمِنُوا عَلَی کِتَابِ اللَّهِ فَحَرَّفُوهُ وَبَدَّلُوهُ، فَعَلَیْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَلَعْنَةُ رَسُولِهِ وَلَعْنَةُ مَلَائِکَتِهِ وَلَعْنَةُ آبَائِیَ الْکِرَامِ الْبَرَرَةِ وَلَعْنَتِی وَلَعْنَةُ شِیعَتِی إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ، فِی کِتَابٍ طَوِیلٍ).
2- الکافی: ج1 ص68 باب اختلاف الحدیث ح10، وفیه: (قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاکَ أَ رَأَیْتَ إِنْ ◄  ► کَانَ الْفَقِیهَانِ عَرَفَا حُکْمَهُ مِنَ الْکِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَ وَجَدْنَا أَحَدَ الْخَبَرَیْنِ مُوَافِقاً لِلْعَامَّةِ وَ الآخَرَ مُخَالِفاً لَهُمْ بِأَیِّ الْخَبَرَیْنِ یُؤْخَذُ، قَالَ: مَا خَالَفَ الْعَامَّةَ فَفِیهِ الرَّشَادُ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاکَ فَإِنْ وَافَقَهُمَا الْخَبَرَانِ جَمِیعاً، قَالَ: یُنْظَرُ إِلَی مَا هُمْ إِلَیْهِ أَمْیَلُ حُکَّامُهُمْ وَقُضَاتُهُمْ فَیُتْرَکُ وَ یُؤْخَذُ بِالْآخَرِ، قُلْتُ: فَإِنْ وَافَقَ حُکَّامُهُمُ الْخَبَرَیْنِ جَمِیعاً، قَالَ: إِذَا کَانَ ذَلِکَ فَأَرْجِهْ حَتَّی تَلْقَی إِمَامَکَ فَإِنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ خَیْرٌ مِنَ الِاقْتِحَامِ فِی الْهَلَکَاتِ).

أو عکسه((1))، باعتبار أن الأصل فی الخبر الوثاقة، وهی حاصلة فی الموثق دون الحسن، علی اختلاف الرأیین.

وعلی أی حال، فإن القدماء کانوا یطلقون (الصحیح) علی کل حدیث اعتضد بما یقتضی اعتمادهم علیه من القرائن:

کتکرره فی أصل.

أو وجوده فی أصلین أو أکثر.

أو وجوده فی أصل أحد من الجماعة الذین أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عنهم.

أو أجمعت العصابة علی تصدیقهم.

أو علی العمل بروایتهم، کعمار الساباطی.

أو وقوع الروایة فی أحد الکتب المعروضة علی الأئمة (علیهم السلام) فأثنوا علی مؤلفیها، ککتب الحلبی، ویونس، وابن شاذان.

أو کونه مأخوذاً عن أحد الکتب التی شاع بین سلفهم الوثوق بها والاعتماد علیهم، ککتاب ابن مهزیار.

أو کونه فیما قال الإمام عنه: Sخذوا بما روواR((2)). أو ما أشبه ذلک.

من أسباب الوثاقة والحجیة

ص:92


1- والعکس هو تقدیم الموثق علی الحسن.
2- وسائل الشیعة: ج27 ص102 ب8 ح33324 وفیه: (عَنِ الْحُسَیْنِ بْنِ رَوْحٍ، عَنْ أَبِی ◄  ► مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ علیه السلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ کُتُبِ بَنِی فَضَّالٍ، فَقَالَ: خُذُوا بِمَا رَوَوْا وَ ذَرُوا مَا رَأَوْا).

مسألة: کما أن من أسباب الوثاقة عندهم، قولهم: (عین)، أو (وجه)، أو (من وجوه أصحابنا)، أو (أوجه من فلان) فیما کان المفضّل علیه ثقة.

أو کون الراوی من مشایخ الإجازة.

أو کونه وکیلاً لأحد الأئمة (علیهم السلام) خصوصاً فی أمور الدین، إلا إذا علم بانحرافه بعد ذلک، کعلی بن حمزة.

أو روایة بعض الأجلاء عنه، مما یستبعد عرفاً روایتهم عن الضعفاء خصوصاً الذین لا یروون روایة الضعفاء.

أو یروی عنه الذین قال العلماء فیهم: إنهم لا یروون إلا عن ثقة، کصفوان، والبزنطی.

أو کان ممن اعتمد القمیون علیه.

أو وقوعه فی سندٍ قُدِحَ فی غیره، مما یدل أنه غیر مقدوح.

أو کانت الروایة موجودة فی (الکافی) و(من لا یحضره الفقیه) لما ذکر فی أولهما((1)).

وقد تقدم الجواب عن إشکال أن من المحتمل اختلاف نظرنا

ص:93


1- قال فی مقدمة (من لا یحضره الفقیه): (وَصَنَّفْتُ لَهُ هَذَا الْکِتَابَ بِحَذْفِ الْأَسَانِیدِ، لِئَلَّا تَکْثُرَ طُرُقُهُ وَإِنْ کَثُرَتْ فَوَائِدُهُ، وَلَمْ أَقْصِدْ فِیهِ قَصْدَ الْمُصَنِّفِینَ فِی إِیرَادِ جَمِیعِ مَا رَوَوْهُ، بَلْ قَصَدْتُ إِلَی إِیرَادِ مَا أُفْتِی بِهِ وَ أَحْکُمُ بِصِحَّتِهِ وَ أَعْتَقِدُ فِیهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِیمَا بَیْنِی وَ بَیْنَ رَبِّی تَقَدَّسَ ذِکْرُهُ ◄  ► وَ تَعَالَتْ قُدْرَتُهُ وَ جَمِیعُ مَا فِیهِ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ کُتُبٍ مَشْهُورَةٍ عَلَیْهَا الْمُعَوَّلُ وَ إِلَیْهَا الْمَرْجِعُ مِثْلُ کِتَابِ حَرِیزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السِّجِسْتَانِیِّ وَ کِتَابِ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِیٍّ الْحَلَبِیِّ وَ کُتُبِ عَلِیِّ بْنِ مَهْزِیَارَ الْأَهْوَازِیِّ وَ کُتُبِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ وَ نَوَادِرِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی وَ کِتَابِ نَوَادِرِ الْحِکْمَةِ تَصْنِیفِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ یَحْیَی بْنِ عِمْرَانَ الْأَشْعَرِیِّ وَ کِتَابِ الرَّحْمَةِ  لِسَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَ جَامِعِ شَیْخِنَا مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِیدِ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ وَ نَوَادِرِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی عُمَیْرٍ وَ کُتُبِ الْمَحَاسِنِ لِأَحْمَدَ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِیِّ وَ رِسَالَةِ أَبِی رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَیَّ وَ غَیْرِهَا مِنَ الْأُصُولِ وَ الْمُصَنَّفَاتِ الَّتِی طُرُقِی إِلَیْهَا مَعْرُوفَةٌ فِی فِهْرِسِ الْکُتُبِ الَّتِی رُوِّیتُهَا عَنْ مَشَایِخِی وَ أَسْلَافِی رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ بَالَغْتُ فِی ذَلِکَ جُهْدِی مُسْتَعِیناً بِاللَّهِ وَ مُتَوَکِّلًا عَلَیْهِ وَ مُسْتَغْفِراً مِنَ التَّقْصِیرِ وَ مَا تَوْفِیقِی إِلَّا بِاللَّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ إِلَیْهِ أُنِیبُ وَ هُوَ حَسْبِی وَ نِعْمَ الْوَکِیلُ).

ونظرهما فی الوثاقة، وإذا انضم إلیهما کتابا الشیخ((1)) کان أقوی.

وکذا إذا أکثر الکلینی الروایة عن رجل أو (الفقیه).

أو کانت الروایة معمولاً بها عند السید وابن إدریس ممن لا یجوّزان العمل بخبر الواحد.

إلی غیرها من القرائن الکثیرة المذکورة فی کتب الرجال.

وقد ذکر الحاج النوری (رحمه الله) جملة من ذلک بتفصیل((2))، کما سبقه إلی ذلک (القوانین) ((3)) وغیره، فمن أراده راجعها.

 

ص:94


1- تهذیب الأحکام والاستبصار.
2- انظر مستدرک الوسائل، للمحدث النوری.
3- للمحقق الفقیه المیرزا أبو القاسم بن محمد حسن الجیلانی القمی 1156ه_ _ 1231ه_ .

تقسیم آخر للخبر

ثم إنهم ذکروا للخبر أقساماً _ غیر الأصول الأربعة المتقدمة((1)) _ لبیان خصوصیاته:

المسند

فالمسند: ما اتصل سنده بالمعصوم (علیه السلام) من غیر قطع.

منقطع السند

ومنقطع السند، وهو الذی لم یتصل سنده بالمعصوم (علیه السلام).

وغیر المتصل أعم، فیشمل:

1: المتصل السند الذی لا ینتهی إلی المعصوم (علیه السلام).

2: والمرفوع، وهو ما أُضیف إلی المعصوم (علیه السلام)((2)).

والغالب إطلاقه فیما اعتراه قطع أو إرسال أو نحوهما((3)).

ص:95


1- أی: الصحیح والحسن والموثق والضعیف.
2- أی بلا ذکر الأسناد.
3- هذا وقد قسم البعض (منقطع السند) إلی أربعة أقسام: المرسل والمعلق والمعضل ◄        ► والمنقطع. فقال: المرسل هو: ما سقط من راو من آخر السند. والمعلق هو: ما سقط منه راو من أول السند. والمعضل هو: ما سقط من أثناء السند راویان فأکثر بشرط التوالی. والمنقطع هو: ما سقط منه راو لا أکثر من وسط السند.

المعلق

والمعلق: ما حذف من أول إسناده.

عالی الإسناد

والعالی الإسناد: هو قلیل الوسائط.

المعنعن

والمعنعن: ما یُقال فی سنده: فلان عن فلان، وهکذا.

المدرج

والمدّرج: هو أن یُدرج فی الحدیث کلام بعض الرواة، فیُظن أنه من الحدیث.

المشهور

والمشهور: هو الشائع عند أهل الحدیث.

الشاذ

والشاذ: خلاف المشهور، وإن کان ثقة.

ص:96

غریب الإسناد

والغریب الإسناد: ما ینفرد بروایته واحد، مع أنه محل الابتلاء مما ینبغی تعدد الرواة فیه.

غریب المتن

والغریب المتن: ما لیس علی طبق سائر الروایات فی مضمونه.

المصحّف سنداً

والمصحّف فی السند: أن یبدل لفظ بلفظ، مثل تبدیل (برید) بالباء والراء ب_ (یزید) بالیاء والزاء.

المصحّف متناً

والمصحّف فی المتن: مثل تصحیف (ستاً) أی ستة أیام ب_ (شیئاً) فی حدیث صیام شوال بعد رمضان.

المسلسل

والمسلسل: وهو تسلسل الإسناد علی صفة أو حالة، مثل: روی محمد، عن أبیه، عن زید، عن أبیه، وهکذا.

المقطوع

ص:97

والمقطوع: وهو ما قطع بعض سنده.

المضمر

والمضمر: وهو ما لم یذکر فیه الإمام (علیه السلام) بالصراحة بل بالضمیر، مثل: سألته.

الموقوف

والموقوف: وهو ما روی عن صاحب المعصوم ولم یسند إلی المعصوم (علیه السلام).

المدلّس

والمدلَّس _ بالفتح _ : وهو ما دلّسه الراوی، مثلاً: قال سمعت عن أبی ذر، وهو لم یدرکه، أو ما أشبه ذلک.

المضطرب

والمضطرب: وهو ما ذکره الراوی تارة عن زید، وأخری عن عمرو مثلاً، أو اضطرب متنه کأن قال مرة: إن الحیض من الأیمن، ومرة: إنه من الأیسر.

الموضوع

والموضوع: وهو ما وضع کذباً.

إلی غیرها مما ذکر فی المفصلات.

ص:98

تطبیق العصر علی السنة

مسألة: من المباحث المهمة فی باب السنة _ وإن کان هذا المبحث أعم منها ومن الکتاب، إلا أن غلبة السنة فی الأحکام المفروضة أوجب ذکره هنا _ بحث کیفیة تطبیق السنة علی الظرف الحاضر.

وبعبارة أقرب: تطبیق العصر علی السنة، فإن کلیات السنة وملاکاتها قابلة الانطباق علی کل مصر وعصر.

وذلک ما فعله فقهاؤنا فی عصورهم السابقة، فمثلاً شیخ الطائفة (قدس سره) طبق عصره علی السنة.

والعلامة (قدس سره) فی (القواعد) فعل ذلک.

وهکذا الأمر حتی إلی صاحب الجواهر (قدس سره).

لکن حیث تغیر العصر فی هذا القرن، احتاج الأمر إلی تجدید التطبیق.

قانون الجمارک مثلاً

مثلاً کیف یمکن التحرز عن قانون الجمارک المحرمة، مع أنه لو رفع ربما غزا البلاد الأجانب، وربما خرجت حاجات البلاد إلی الأجانب؟

لکن ذلک ممکن بأن یجمع بین عدم غزو البلاد وبین عدم جعل الجمارک، بتطبیق قانون (لا ضرر).

قانون البنوک أیضاً

ص:99

وکذلک بالنسبة إلی قانون البنوک، حیث إن عدمها تحطیم الاقتصاد، ووجودها إنعاش للربا؟

لکن من الممکن وجودها بدون ربا، وبدون سائر القوانین المحرمة التی توجد فیها، علی ما ألمعنا إلیه فی کتابنا (البنک الإسلامی)((1)).

قانون تحدید النسل

هکذا بالنسبة إلی تحدید النسل حیث الانفجار السکانی، فإن حُدّد

کان خلاف SتناسلواR((2))، وإن لم یحدد کان تضییقاً فی الاقتصاد والمسکن وغیرهما.

لکن الظاهر أن التهویل فی غیر موضعه، حیث کبت الحریات الموجب لرکود الاقتصاد بل تأخره، فاللازم تطبیق سائر القوانین الإسلامیة الموجب لعدم تضییق کثرة النسل علی الاقتصاد.

إلی غیرها من المسائل المتصدرة التی تتوقف تطبیق السنة علی معرفة الحلول الصحیحة.

 

ص:100


1- لمحة عن البنک الاسلامی، للإمام السید محمد الشیرازی، اقتصاد / 96 صفحة / غلاف / 24×17. من عناوین الکتاب: المعاملات اللاربویة، الحاجة اُم الاختراع، أکل الربا بالحیلة، الاصطلاحات الفقهیة فی البنک الإسلامی، العقل یرفض الربا، التمییز بین المقترض والمستثمر، وظائف البنک الإسلامی، المال والبنک الإسلامی، المضاربة، الشروط الإسلامیة فی البنک، الودائع الثابتة، الحوالات، الکمبیالات، الأسهم والسندات والإسناد، التأمینات، تطویر العملات، و... التألیف: کربلاء المقدسة. ط: مؤسسة الوعی الإسلامی، بیروت لبنان ،1417ه 1997م. ضمن کتاب (الاقتصاد بین المشاکل والحلول).
2- مستدرک الوسائل: ج14 ص153 ب1 ح16346 وفیه: (عَنِ النَّبِیِّ صلی الله علیه وآله أَنَّهُ قَالَ: تَنَاکَحُوا تَنَاسَلُوا أُبَاهِی بِکُمُ الْأُمَمَ یَوْمَ الْقِیَامَة).

تنوع الروایات وتصانیفها

مسألة: الروایات علی طوائف:

کروایات الأحکام((1)).

وروایات الأخلاق((2)).

وروایات الطب((3)).

وروایات الفلک((4)).

وروایات القصص((5)).

والروایات الکونیة((6)).

وروایات الفضائل((7)).

وروایات المستقبل، کظهور الإمام المهدی (عجل الله تعالی فرجه الشریف)((8))، والجنة والنار((9))، وما أشبه ذلک.

ص:101


1- انظر مثلا: الاستبصار والتهذیب للشیخ الطوسی، والکافی للکلینی، والفقیه للصدوق، وأیضاً وسائل الشیعة ومستدرکاتها وجامع أحادیث الشیعة. و...
2- انظر مثلاً: جامع السعادات للنراقی، وبحار الأنوار کتاب العشرة للمجلسی.
3- انظر مثلاً: طب النبی (صلی الله علیه وآله)، وطب الأئمة (علیهم السلام) و(من الآداب الطبیة) وغیرها.
4- انظر مثلاً: بحار الأنوار کتاب السماء والعالم.
5- انظر مثلاً: قصص الأنبیاء، للراوندی، والنور المبین فی قصص الأنبیاء والمرسلین للجزائری.
6- انظر مثلاً: بحار الأنوار کتاب السماء والعالم.
7- انظر مثلاً: بحار الأنوار، تاریخ الأئمة علیهم السلام.
8- انظر مثلاً: کمال الدین وتمام النعمة، للشیخ الصدوق، وکتاب الغیبة للطوسی، وکتاب الغیبة للنعمانی.
9- انظر مثلاً: حق الیقین، للسید عبد الله شبر، فصل فی الجنة والنار.

وروایات العقائد((1)).

وروایات التفسیر((2)).

وروایات الأخلاق((3)).

ثم إن روایات الفقه، جمعها الفقهاء مطلقاً ومقیداً، وعاماً وخاصاً، ومجملاً ومبیناً، وقویاً وضعیفاً، وقد صاغوها فی الفقه المتداول.

سائر الروایات والحاجة إلی البحث العلمی

أما سائر الروایات فلیست لها صیاغة کاملة، وهذا یسبب مشکلتین:

الأولی: مشکلة التدافع، وهی مشکلة ذهنیة، أو مشکلة عدم الانسجام بینها وبین ما ربما یحقق فی الخارج من العلوم التی تقدمت بفضل الصناعة والتحقیق.

الثانیة: مشکلة خطأ الانطباق، مثلاً روایات الطب یؤخذ بها علی إطلاقاتها، مع أن ذلک أحیاناً یوجب أمراضاً وأعراضاً ومشاکل.

نعم بعض العلماء حاول مثل ذلک جزئیاً، کما فی کتاب (الهیئة والإسلام)، أو فی کتاب (مصابیح الأنوار فی حل مشکلات الأخبار)، أو کلیاً کما فی کتاب (البحار) ونحوه.

ولا یخفی أن المشکلة الذهنیة سببت خروج بعض الناس عن الدین کلیاً أو فی الجملة، کما سببت عدم الإقبال علی الدین بالنسبة

ص:102


1- انظر مثلاً: حق الیقین فی معرفة أصول الدین، للسید عبد الله شبر.
2- انظر مثلاً: تفسیر علی بن إبراهیم القمی، وتفسیر فرات الکوفی.
3- انظر مثلا: مکارم الأخلاق، للطبرسی.

إلی غیر المسلمین، وعدم الالتزام بالدین بالنسبة إلی جملة من المسلمین.

ولتوضیح المطلب نأتی بأمثلة مختلفة، مثلاً فی باب الأخلاق، ذکر السید الطباطبائی: أن الإیثار منسوخ، فهل الأمر کذلک؟

وفی روایات الفضائل ورد: (لضربة علی یوم الخندق أفضل من عبادة الثقلین)((1))، فما توضیحه، خصوصاً بعد أن قال الإمام الصادق (علیه السلام): (وأنا من الثقلین).

وفی روایات التفسیر ربما یورد بشدة عقوبات الإسلام فی باب السرقة والزنا.

وفی الروایات الکونیة، ما المراد بسبع سماوات وسبع أرضین، وما المراد بالثور والحوت اللذین علیهما الأرض؟

وفی روایات الطب، هل ما ذکر مطلق أو مقید، عام أو خاص، مجمل أو مبین؟ مثلاً ورد خواص لبعض الفواکه والخضر، وورد الشرب من ماء الخزانة، فهل تلک الخواص مطلقة، أم أنها من قبیل روایات الفقه عام وخاص، وهکذا. وإذا کان الأول فهو مناف للطب قدیماً وحدیثاً، وکیف الحل، وإذا کان الثانی، فما هو الجمع وأین مواضعها؟

وفی روایات العقائد بعض الظواهر التی توحی بالجبر أو التفویض.

وفی روایات القصص بعض ما یحتاج إلی التفسیر، کقصة موسی والخضر (علیهما السلام)، فهل النبی (علیه السلام) ینسی بهذه السرعة نسیاناً مکرراً، وقصة یوسف ویعقوب (علیهما السلام)، فهل النبی (علیه السلام) یبکی لفراق ولده هذه المدة الطویلة _ مع أنه یعلم حیاته، وأنه ینتهی إلی السلطة _ حتی ابیضت عیناه من الحزن؟

ص:103


1- الإقبال: ص467. وانظر بحار الأنوار: ج39 ص1 ب70 وفیه: (قَالَ النَّبِیُّ صلی الله علیه وآله: لَضَرْبَةُ عَلِیٍّ خَیْرٌ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَیْن)، وعن النبی(صلی الله علیه وآله): (لَضَرْبَةُ عَلِیٍّ لِعَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أُمَّتِی إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ).

وفی روایات الجنة والنار ما یسأل عن شدة العقاب علی أشیاء لا یُنظر إلیها عرفاً بتلک الشدة، کدرهم من الربا الذی هو أشد من سبعین زنیة بذات محرم، فما هو الوجه؟

إلی غیر ذلک.

وإنّا وإن ذکرنا الوجه فی کثیر من المذکورات وغیرها فی مختلف کتبنا، إلا أن الحل الصحیح هو تفرّغ أخصائیین من العلماء لمختلف الأجوبة والحلول،

بعد تنقیح السند من الضعیف والقوی، والوارد لحکم الواقع أو التقیة أو التقریب.

ص:104

لسان الروایة

روایة الحدیث عن المعصوم (علیه السلام) أن یقول الراوی: سمعت، أو أسمعنی، أو شافهنی، أو قرأت علیه، أو سألته، أو حدثنی، أو قال لی، أو أشار علیّ بکذا، مثل أن یتوضأ الإمام (علیه السلام) أمامه. أو أمرنی، أو نهانی، أو أشار برأسه أو یده، أو ما أشبه ذلک، أو أعطانی کتاباً، أو قال: هذا صحیح، أو: ما قال لک فلان فهو قولی.

والروایة عن غیر المعصوم أن یقول الراوی: سمعت عن الشیخ، أو قرأت علیه، أو أعطانی کتابه، أو حدثنی، أو أخبرنی، أو حدث فلاناً وأنا أسمع، أو نحوها.

ولعل من الأفضل أن یقرأ الراوی بعض الروایات من الکتاب، ثم یعطیها للتلمیذ ویقول إنها روایاته أو نحو ذلک، لصحیحة عبد الله بن سنان، قال: (قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): یجیئنی القوم فیستمعون منی حدیثکم فأضجر ولا أقوی. قال: فأقرأ علیهم من أوله حدیثاً، ومن وسطه حدیثاً، ومن آخره حدیثاً)((1)).

والظاهر أن المراد: ثم أعطهم الکتاب لیقرأوا هم بقیته.

وإذا أراد الشیخ إعطاء الکتاب یلزم أن یکون مأموناً عن الخطأ

بأقسامه.

الإجازة وأقسامها

ص:105


1- الکافی: ج1 ص52 ح5.

ثم إن (المجیز) و(المجاز) و(المجاز فیه) علی ثمانیة أقسام:

لأن الأول إما معیّن أو غیر معیّن، مثلاً قد یعلم أنه حدثه الکلینی ب_ (الکافی)، وقد یعلم أنه حدثه به شیخ نسی أنه من کان، سواء انحصر فی أفراد کنفرین، أو لا یکون کذلک أیضاً.

وهذان القسمان یأتیان فی الأخیرین أیضاً، فقد یقول: أجزتک یا زید، وقد یقول: أجزتکم أیتها الجماعة، وقد یقول: أجزتک فی کتابی (الاستبصار)، وقد یقول: أجزتک فی کل کتبی.

وهل یصح إجازة المعدوم والصغیر والمجنون؟

احتمالان، سواء منفرداً أو منضماً، ولا یبعد الصحّة فی الکل، إلاّ إذا بقی مجنوناً أو مات قبل التمییز، حیث یکون من السالبة بانتفاء الموضوع.

ومنه ما إذا لم یوجد المعدوم، کما لو قال: أحفادی، ولم یولد منهم أحد.

ولا فرق فی المجیز والمجاز بین أن یکون رجلاً أو امرأة.

ولا یخفی أن الإجازة تکون نوعاً من احترام الشیخ وتوثیق التلمیذ، وبعضها أقرب إلی الإتقان.

ص:106

التحمل والمناولة

ومن أنحاء التحمّل: المناولة، وهی:

1: إما مقرونة بالإجازة،کأن یدفع إلیه کتاباً ویقول: هذا روایتی أو سماعی عن فلان فاروه عنی، أو یقول: أجزت لک روایته.

2: أو خالیة عنها، کأن یدفع إلیه الکتاب فحسب.

جهة الروایة

مسألة: لا إشکال فی حجیة قول المعصوم (علیه السلام) وفعله وتقریره، کل ذلک فیما کان خالیاً عن الموانع کالتقیة ونحوها، وإلا اختص الثلاثة بذلک الموقع ذی المانع.

مثلاً: الإمام اتّقی فأفطر فی رمضان، فإنه یجوز _ جوازاً بالمعنی الأعم من الوجوب إذ لکلٍّ موضعه _ الإفطار فی رمضان للتقیة.

وقولنا: (کل فی موضعه)، لأنه قد یجب المخالفة فیما إذا کان الأمر بالتقیة واجباً، وقد یجوز فیما إذا کان جائزاً، کما ذکروا فی مسألة الوضوء والغسل وما أشبه من موارد (لا ضرر). وقد ذکرنا تفصیله فی (الأصول).

ص:107

ترک التقیة والحکم التکلیفی والوضعی

وهل لو لم یتّقِ فی موضع الوجوب بطل عمله وضعاً وفعل حراماً تکلیفاً؟

کان الوالد (قدس سره) علی ذلک قائلاً: إن التکلیف تبدل وصار الواجب حراماً.

ومن المحتمل العدم لحدیث: Sتعجل إلی الجنةR((1))، فیمن لم یتّق وقُتل، ولقوله (علیه السلام) فی الإفطار: SأحبR((2)) مما ظاهره الفضیلة لا الوجوب، فإن الإمام (علیه السلام) لا یفعل حراماً ولا مکروهاً ولا یترک أولی.

ص:108


1- الکافی: ج2 ص221 باب التقیة ح21 وفیه: (مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی، عَنْ زَکَرِیَّا الْمُؤْمِنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسَدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام: رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْکُوفَةِ أُخِذَا فَقِیلَ لَهُمَا ابْرَأَا مِنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ، فَبَرِئَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَأَبَی الْآخَرُ، فَخُلِّیَ سَبِیلُ الَّذِی بَرِئَ وَقُتِلَ الْآخَرُ، فَقَالَ: أَمَّا الَّذِی بَرِئَ فَرَجُلٌ فَقِیهٌ فِی دِینِهِ، وَأَمَّا الَّذِی لَمْ یَبْرَأْ فَرَجُلٌ تَعَجَّلَ إِلَی الْجَنَّة).
2- راجع الکافی: ج4 ص82 وفیه: (سَهْلُ بْنُ زِیَادٍ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَکَمِ، عَنْ رِفَاعَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: دَخَلْتُ عَلَی أَبِی الْعَبَّاسِ بِالْحِیرَةِ فَقَالَ: یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِی الصِّیَامِ الْیَوْمَ، فَقُلْتُ ذَاکَ إِلَی الْإِمَامِ إِنْ صُمْتَ صُمْنَا وَإِنْ أَفْطَرْتَ أَفْطَرْنَا، فَقَالَ: یَا غُلَامُ عَلَیَّ بِالْمَائِدَةِ فَأَکَلْتُ مَعَهُ وَأَنَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ أَنَّهُ یَوْمٌ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَکَانَ إِفْطَارِی یَوْماً وَقَضَاؤُهُ أَیْسَرَ عَلَیَّ مِنْ أَنْ یُضْرَبَ عُنُقِی وَلَا یُعْبَدَ اللَّهُ).

استغفار وتضرع المعصوم

أما استغفارهم وتضرعهم (علیهم السلام) إلی الله سبحانه فی مثل دعاء کمیل ودعاء أبی حمزة، فذلک لجبر نقص الإمکان بما هو إمکان((1))، فإن الممکن مهما کان فهو محتاج إلی الله سبحانه، فهو عبارة أخری عن نقص هذا الإمکان الذاتی، مضافاً إلی أنه یوجب رفع الدرجات.

أما ما ربما یُقال من أنه من جهة التعلیم فقط فهو غیر ملائم لتلک الظواهر.

لا یُقال: إن ما ذکرتم أیضاً غیر ملائم.

لأنه یقال: حملنا أقوالهم (علیهم السلام) علی ذلک من جهة الجمع بین ما ورد من الأدلة علی عصمتهم القویة، وحضورهم الدائم عنده سبحانه حتی فی حال النوم، حیث تنام عینه ولا ینام قلبه((2))، وبین

ص:109


1- وبعبارة أخری أو بوجه آخر: التضرع والاستغفار هو مقتضی العبودیة لله عزوجل، وکلما کان العبد أکثر عبودیة کان أکثر تضرعاً واستغفاراً.
2- راجع من لا یحضره الفقیه: ج4 ص418 ح5914 وفیه: (وَرَوَی أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِیدٍ الْکُوفِیُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِیُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ أَبِی الْحَسَنِ عَلِیِّ بْنِ مُوسَی الرِّضَا علیه السلام قَالَ: لِلْإِمَامِ عَلَامَاتٌ، یَکُونُ أَعْلَمَ النَّاسِ، وَأَحْکَمَ النَّاسِ، وَأَتْقَی النَّاسِ، وَأَحْلَمَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَأَسْخَی النَّاسِ، وَأَعْبَدَ النَّاسِ، وَیُولَدُ مَخْتُوناً، وَیَکُونُ مُطَهَّراً، وَیَرَی مِنْ خَلْفِهِ کَمَا یَرَی مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ، وَلَا یَکُونُ لَهُ ظِلٌّ، وَإِذَا وَقَعَ عَلَی الْأَرْضِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَقَعَ عَلَی رَاحَتَیْهِ رَافِعاً صَوْتَهُ بِالشَّهَادَتَیْنِ، وَلا یَحْتَلِمُ، وَ تَنَامُ عَیْنُهُ وَلا یَنَامُ قَلْبُهُ، وَیَکُونُ مُحَدَّثاً، وَیَسْتَوِی عَلَیْهِ دِرْعُ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله، وَ لا یُرَی لَهُ بَوْلٌ وَ لا غَائِطٌ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ وَکَّلَ الْأَرْضَ بِابْتِلَاعِ مَا یَخْرُجُ مِنْهُ، وَتَکُونُ رَائِحَتُهُ أَطْیَبَ مِنْ رَائِحَةِ الْمِسْکِ، وَیَکُونُ أَوْلَی بِالنَّاسِ مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَشْفَقَ عَلَیْهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ ◄           ► وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَیَکُونُ أَشَدَّ النَّاسِ تَوَاضُعاً لِلَّهِ جَلَّ ذِکْرُهُ، وَ یَکُونُ آخَذَ النَّاسِ بِمَا یَأْمُرُ بِهِ، وَأَکَفَّ النَّاسِ عَمَّا یَنْهَی عَنْهُ وَیَکُونُ دُعَاؤُهُ مُسْتَجَاباً حَتَّی أَنَّهُ لَوْ دَعَا عَلَی صَخْرَةٍ لَانْشَقَّتْ بِنِصْفَیْنِ، وَیَکُونُ عِنْدَهُ سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله وَسَیْفُهُ ذُو الْفَقَارِ وَیَکُونُ عِنْدَهُ صَحِیفَةٌ یَکُونُ فِیهَا أَسْمَاءُ شِیعَتِهِ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ، وَصَحِیفَةٌ فِیهَا أَسْمَاءُ أَعْدَائِهِ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ، وَتَکُونُ عِنْدَهُ الْجَامِعَةُ وَهِیَ صَحِیفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فِیهَا جَمِیعُ مَا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ وُلْدُ آدَمَ، وَیَکُونُ عِنْدَهُ الْجَفْرُ الْأَکْبَرُ وَالْأَصْغَرُ، إِهَابُ مَاعِزٍ وَ إِهَابُ کَبْشٍ فِیهِمَا جَمِیعُ الْعُلُومِ حَتَّی أَرْشِ الْخَدْشِ وَحَتَّی الْجَلْدَةِ وَنِصْفِ الْجَلْدَةِ وَثُلُثِ الْجَلْدَةِ، وَ یَکُونُ عِنْدَهُ مُصْحَفُ فَاطِمَةَ علیها السلام).

إمکان حمل المذکورات علی إعجاز، فإن الکلام المطروح ینظر إلی وجه طرحه لا إلی دلالته اللغویة، مثلاً هل الأمر للتعجیز أو التوبیخ أو الإطاعة أو ما أشبه ذلک، کما أن قوله: (کثیر الرماد) إن قصد الحقیقة ولا رماد له، کان کذباً، وکذلک حال سائر المجازات، أما إذا ذکره بقصد بیان جوده کان صدقاً.

إلی غیر ذلک مما ذکروه فی باب البلاغة، وعلیه جرت سیرة أهل المحاورة عرباً أو غیر عرب.

الأنبیاء (علیهم السلام) وترک الأولی

والمشهور بین المتکلمین أن سائر الأنبیاء والأوصیاء (علیهم السلام)، حتی أولی العزم منهم کموسی (علیه السلام) یصدر منهم ترک الأولی، بدلیل ظواهر بعض الآیات والروایات، لکن لی فی ذلک تأملاً، إذ اللازم ملاحظة القصد من القول والعمل لا الظاهر اللغوی، والقصد فی کل المعصومین (علیهم السلام): التعلیم والتربیة وجبر النقص الإمکانی، وإلا فإذا لوحظ الظاهر فقط أُشکل حتی فی الظواهر المتقدمة.

حجیة المعصوم (علیه السلام)

وعلی أی حال، فلو فعل المعصوم (علیه السلام) فعلاً _ الأعم من أن قال قولاً _ فإن علم الخصوصیة حمل علیها، وإلا کان مطلقاً،

ص:110

سواء کانت الخصوصیة من باب الإکراه والاضطرار أو التقیة أو ما أشبه، أو من باب الاختصاص کاختصاصات رسول الله (صلی الله علیه وآله)، ومن باب التقید بشیء، أی إن فعله لزمان خاص أو مکان خاص أو مزیة خاصة. وإن لم یظهر أیّ من ذلک حمل علی الإطلاق، إذ التقیید خلاف الأصل.

کما أن المعصوم (علیه السلام) لو فعل فعلاً أو قال قولاً لم یعلم أنه من باب تشریع الحکم، أو من باب العادیة، کما إذا نزل فی سفره مکان کذا أو أکل فی یوم کذا طعاماً خاصاً أو ما أشبه ذلک، حمل علی التشریع،

قال سبحانه: Pلَقَدْ کانَ لَکُمْ فی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ کانَ یَرْجُوا اللَّهَ وَالْیَوْمَ الْآخِرَ وَذَکَرَ اللَّهَ کَثیراًO((1)).

وقال علی (علیه السلام): Sفتأسّی متأسٍ بنبیه ... وإلاّ فلا یأمن

الهلکةR((2)).

إلی غیر ذلک.

بل وهو معنی: Sمخلف فیکم الثقلین کتاب الله وعترتیR((3)).

ص:111


1- سورة الأحزاب: 21.
2- نهج البلاغة: الخطبة 160.
3- وسائل الشیعة: ج27 ص188 ب13 ح33565 وفیه: (عَنِ الرَّیَّانِ بْنِ الصَّلْتِ عَنِ الرِّضَا علیه السلام فِی حَدِیثٍ: أَنَّ الْمَأْمُونَ سَأَلَ عُلَمَاءَ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَی: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنا مِنْ عِبادِنا، فَقَالَتِ الْعُلَمَاءُ: أَرَادَ اللَّهُ بِذَلِکَ الْأُمَّةَ کُلَّهَا، فَقَالَ الْمَأْمُونُ مَا تَقُولُ یَا أَبَا الْحَسَنِ، فَقَالَ الرِّضَا علیه السلام: إِنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْأُمَّةَ لَکَانَتْ بِأَجْمَعِهَا فِی الْجَنَّةِ إِلَی أَنْ قَالَ: فَصَارَتْ وِرَاثَةُ الْکِتَابِ لِلْعِتْرَةِ الطَّاهِرَةِ لَا لِغَیْرِهِمْ، قَالَ الْمَأْمُونُ: وَمَنِ الْعِتْرَةُ الطَّاهِرَةُ، فَقَالَ الرِّضَا علیه السلام: الَّذِینَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ فِی کِتَابِهِ فَقَالَ (إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً) وَ هُمُ الَّذِینَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله: إِنِّی مُخَلِّفٌ فِیکُمُ الثَّقَلَیْنِ کِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِی أَهْلَ بَیْتِی وَ إِنَّهُمَا لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّی یَرِدَا عَلَیَّ الْحَوْضَ انْظُرُوا کَیْفَ تَخْلُفُونِّی فِیهِمَا، أَیُّهَا النَّاسُ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْکُمْ، إِلَی أَنْ قَالَ: فَصَارَتْ وِرَاثَةُ الْکِتَابِ لِلْمُهْتَدِینَ دُونَ الْفَاسِقِینَ).

و: Sکتاب الله وسنتیR((1)).

و: Sبأیّهم اقتدیتم اهتدیتمR((2))، إلی غیرها.

وهنا سؤالان:

ص:112


1- ربما تکون إشارة إلی ما ورد فی الروایة الشریفة: (عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله): یَا مَعَاشِرَ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ اتَّقُوا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فِیمَا حَمَّلَکُمْ مِنْ کِتَابِهِ فَإِنِّی مَسْئُولٌ وَإِنَّکُمْ مَسْئُولُونَ، إِنِّی مَسْئُولٌ عَنْ تَبْلِیغِ الرِّسَالَةِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتُسْأَلُونَ عَمَّا حُمِّلْتُمْ مِنْ کِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّتِی). الکافی: ج2 ص606 باب فضل حامل القرآن ح9. وربما تکون إشارة إلی ما روی بعضهم حدیث الثقلین بعبارة (کتاب الله وسنتی) کما رواه المجلسی عن إکمال الدین، عن أبی هریرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله): S إِنِّی قَدْ خَلَّفْتُ فِیکُمْ شَیْئَیْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِی أَبَداً مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا وَعَمِلْتُمْ بِمَا فِیهِمَا کِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِی فَإِنَّهُمَا لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّی یَرِدَا عَلَیَّ الْحَوْضَ R . بحار الأنوار: ج23 ص132 ب7 ح66. ولا یخفی أن حدیث الثقلین حتی مصادر أبناء العامة ورد بلفظ (کتاب الله وعترتی).
2- إشارة إلی الروایة التالیة: (قال رسول الله صلی الله علیه وآله: أنا کالشمس وعلی کالقمر، وأهل بیتی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم)، غوالی اللئالی: ج4 ص86. أما ما اشتهر من قوله (صلی الله علیه وآله): (أصحابی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم) ◄  ► فعلی فرض الصحة یراد بهم الأصحاب الذین لم یغیروا من بعده ولم ینقلبوا علی أعقابهم بل بقوا علی الصراط المستقیم. ففی عیون أخبار الرضا علیه السلام: عن محمد بن موسی بن نصر الرازی قال حدثنی أبی قال: سئل الرضا علیه السلام عن قول النبی (صلی الله علیه وآله): (أصحابی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم)، وعن قوله صلی الله علیه وآله: (دعوا لی أصحابی)، فقال علیه السلام: (هذا صحیح یرید من لم یغیر بعده ولم یبدل، قیل وکیف یعلم أنهم قد غیروا أو بدلوا، قال: لما یروونه من أنه (صلی الله علیه وآله) قال: لیذادن برجال من أصحابی یوم القیامة عن حوضی کما تذاد غرائب الإبل عن الماء، فأقول یا رب أصحابی أصحابی، فیقال لی: إنک لا تدری ما أحدثوا بعدک فیؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: بعدا لهم وسحقا لهم، أفتری هذا لمن لم یغیر ولم یبدل ).

الأول: کیف یجمع بین الحدیثین، حیث لم یذکر فی أولهما (السنّة) وفی ثانیهما (العترة)، ولا مجال للتقیید حتی یقال: الثلاثة، لأن ظاهر الحدیث الانحصار؟

والجواب: (السنة) فی الحدیث الأول داخلة فی (کتاب الله) لأنها شرح له. و(العترة) فی الحدیث الثانی داخلة فی (السنة) لأن من السنة العترة، ویعرف التصرفین بجمع الحدیثین.

والثانی: إنه ما معنی (بأیّهم) مع أنهم لا تفاوت بینهم (علیهم السلام)، فکلام الکل کلام کل واحد؟

والجواب: معناه إذا رأیتم عملین من نفرین منهما کان الأصل التخییر، کما ورد فی قصة من رأی الإمام الحسن (علیه السلام) یطعم ویُطعم، ورأی نفس الیوم الإمام الحسین (علیه السلام) هو وأصحابه صائمون تالون للقرآن.

نعم إذا کانت خصوصیة زمانیة أو مکانیة أو مزیة خاصة فی عمل أحدهم، کان المتبع هو دون إمام آخر، مثلاً إذا کانت الظروف کظروف الإمام الحسن (علیه السلام) فالمهم الصلح، وإذا کانت کظروف الإمام الحسین (علیه السلام) فالمهم القیام، وإذا کانت کظروف السجاد (علیه السلام) فالمهم الدعاء والتربیة، وإذا کانت کظروف الباقرین (علیهما السلام) فالمهم التعلیم، وهکذا.

الشک بین الحکم والحق

وهنا أمر ثالث، وهو أنه لو شک بین الحکم الذی لا یورث إلاّ لصالح، ولا یعامل علیه، وبین الحق الذی یعمل به کل ذلک، فالأصل الحکم، کما ذکرناه فی الفقه.

ص:113

الشک بین الوجوب والاستحباب

وهنا أمر رابع، وهو ما لو شککنا فی أن أمره أو فعله الراجح _ فی مقابل المباح _ هل هو علی سبیل الوجوب أو الاستحباب؟

فالأصل الثانوی الوجوب، للآیة والروایة المتقدمتین.

أما Pوما آتاکم الرسول فخذوهO((1))، وPأطیعوا الرسولO((2))، فالمراد: کلاً فی موضعه، الواجب فی موضعه، والمستحب فی موضعه، فلا دلالة فیهما علی الوجوب أیاً کان.

هذا کله بالنسبة إلی الأفعال والأوامر.

التروک والنواهی

أما التروک والنواهی، فالنهی مادةً وصیغةً ظاهر فی التحریم، إلاّ إذا کان هناک قرینة علی الوضع، ومن المعلوم أن لا تلازم بینهما.

أما تروکه (صلی الله علیه وآله) فإن علم أنه من باب التحریم أو الکراهة أو العادیة فهو، وإلاّ فالأصل الثالث، فإذا لم یمش فی طریق، أو لم یأکل طعاماً، أو لم یلبس لباساً، أو لم یتزوج امرأة لبنی کذا، فهو محمول علی العادیة لا الحرمة والکراهة.

ص:114


1- سورة الحشر: 7.
2- سورة النساء: 59، سورة المائدة: 92، سورة النور: 54 و56، سورة محمد: 33، سورة التغابن: 12.

إذا کان متعلق الأمر مردداً

مسألة: إذا کان الأمر مشتبهاً بین واجب الطاعة وغیره کان الأصل العدم، لکن من الواضح أن هذا بالنسبة إلیهم (علیهم السلام) حیث قالوا بالبراءة، أما لو فرض مولی عبد لا یقول بها فاللازم العمل.

وإذا کان المأمور مردداً بین نفرین فالمشهور بین المتأخرین من الأصولیین أن الأصل البراءة کثوب واجدَی المنی، لکن الظاهر أن الأمر لیس مطلقاً، فإذا ترددت زوجیّة هند بین زید وعمرو، لم یحق لها إجراء البراءة، بینما هی تطلب إمساکاً بمعروف أو تسریحاً بإحسان، فإن الحاکم الشرعی یجبرهما علی الطلاق، وإذا لم یمکن یطلق هو عن الزوج ولایةً. وهکذا إذا ترددت زوجة زید بین الأم والبنت، أو إحدی الأختین، إلی غیر ذلک.

بل یمکن أن یقال بذلک فی باب القتل، بأن لم یعلم هل القاتل عمداً زید أو عمرو، فإنهما لا یقتلان لدرء الحدود بالشبهات، لکن اللازم علیهما الدیة بالتناصف، إذا لم یکن بیت المال فتأمّل، لقاعدة العدل، بعد أنه لا یبطل دم امرئ مسلم((1)).

وإذا کان متعلق الأمر مردداً بین المتباینین لزما، سواء کانا من قبیل واجبین، أو محرمین، أو واجباً ومحرماً.

أو بین الأعم والأخص لزم الأخص وجرت البراءة من غیره.

أو بین من وجه لزم المجمع دون مادتی الافتراق.

وإذا کان فعل الشارع مردداً بین الواجب والمستحب کان الأصل عدم وجوبه.

أو ترکه مردداً بین الحرام والمکروه، کان الأصل عدم حرمته.

لکن لا یثبت بالأصل کونه مستحباً أو مکروهاً لأنه من المثبت.

ص:116


1- الکافی: ج7 ص295 ح1.

وکذا إذا کان أمره مردداً بین الأولین، ونهیه بین الأخیرین، لکن بشرط أن لا یکون ظهور مادة وهیئة، وإلا کان هو المتبع.

ص:117

الأحکام فی زمن النبی صلی الله علیه وآله

بقی شیء، وهو أنه ربما یُتساءل هل کان أصحاب النبی (صلی الله علیه وآله) وعلی (علیه السلام) یعملون بهذه الکثرة من الأحکام فی مختلف أبواب العبادات والمعاملات بالمعنی الأعم؟

وإذا کان الجواب بالإثبات، أُشکل بأن الظاهر أن الأحکام ظهر کثیر منها علی لسان الأئمة (علیهم السلام)، وإن کان بالنفی أُشکل بأن الدین کمل فی زمانه (صلی الله علیه وآله) کما دلت علیه الآیة والروایة، فما شأن هذه الأحکام الجدیدة التی أظهرها الأئمة (علیهم السلام)؟

والجواب: إن الله سبحانه قرر التدرّج فی کثیر من أشیاء العالم، کما هو المشاهد فی خلق الموالید الثلاثة وغیرها وهکذا حال الدین، فکما تدرّج النبی (صلی الله علیه وآله) فی بیان الأحکام _ مع أن الدین الکامل معلوم لله من الأول وفی ذلک المصلحة الکاملة _ ، کذلک کان من المقرّر التدرّج فی بیان الأحکام مدة حضور المعصومین (علیهم السلام)، بل یظهر من قوله (علیه السلام): (یأتی بدین جدید) ((1))_ أی یذکر بعض الأحکام الجدیدة عند ظهوره _ أن بعض الأحکام باق فی ستر الغیب إلی الآن، والله العالم.

فأصحاب الرسول (صلی الله علیه وآله) وعلی (علیه السلام) کان تکلیفهم بقدر ما أظهراه، وکذلک حال أصحاب کل إمام لم یکونوا مکلفین بالأحکام التی ظهرت علی لسان إمام متأخر.

أما نحن وقد اجتمعت الأحکام التی ذکرها المعصومون الثلاثة عشر عندنا، فإنّا مکلفون بالکل، ومثال ذلک _ وإن کان مع الفارق _ القوانین التی تتدرّج فی وضعها الدول، حیث إن المتأخر مکلّف لدیهم بالکل، والمتقدم لا یکلف إلا بقدر ما وضع إلی زمانه.

ص:115


1- الکافی: ج1 ص34 ح14.

تقریر المعصوم حجة

مسألة: تقریر المعصوم (علیه السلام) حجة، إذا لم یکتنف بمحذور.

وذلک لأنه لو کان حراماً فسکت علیه، أو کان ترک واجب کذلک، کان خلاف الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وخلاف إرشاد الجاهل الواجبات، وهو (علیه السلام) منزه عنه.

نعم إذا فعل إنسان بحضرته ما یشک کونه مباحاً أو مستحباً، أو ترک ما یشک کونه مباحاً أو م__کروهاً، لم یکن سکوته دلیلاً علی الإباحة، إذ الأمر بالمستحب والنهی عن المکروه لیس بواجب.

لا یُقال: الإمام (علیه السلام) لا یترک الأولی، ولا شک أن الأولی الأمر والنهی فی الموردین.

لأنه یُقال: لیس ذلک من الأولی الذی لا یترکه المعصوم (علیه السلام)، وهل یقول أحد بأنه علی المعصوم أن لا یفعل المباح، لأن الأولی أن یفعل المستحب عوض المباح؟!

وإذا شک فی أنه قرّر مجبوراً لتقیةٍ ونحوها أو مختاراً، فالأصل الاختیار.

وإذا شک فی أنه هل قرّر أم لا، فالأصل العدم.

وإذا علم إجمالاً بالتقریر لکن لم یعلم هل قرر الخاص أو العام، فالأصل الخاص.

أو قرّر أیّاً من العموم من وجه، فالأصل تقریر الجامع دون موردَی الافتراق.

أو قرّر أیّاً من المتباینین فلا یمکن العمل بأیٍّ منهما، إذ لا دلیل علی

تقریره.

ولو شک فی أنه قرره حال صغر الشخص أو حال کبره، حال جنونه أو حال عقله، فلا یکون من التقریر، ولو قیل باستصحاب حال

ص:118

العاقل الذی جنَّ بعد ذلک کان من المثبت.

وکذا لا یؤخذ بالتقریر إذا لم نعلم هل أنه قرر زیداً علی أکله أو عمرواً علی شربه مثلاً، إذ اللازم أن یعرف الموضوع حتی یثبت الحکم.

قول الإشارات والمناقشة فیه

قال فی (الإشارات): (ویعتبر فیه القدرة علی الإنکار، وعدم استقلال العقل علی الحرمة والقبح، وأن یأتی الفاعل به متعمداً مختاراً غیر غافل ولا ناس، بل خالیاً عما یعذر به الفاعل کالضرورة والتقیة، إلا أن الأخیر یدل علی الجواز الظاهری کما فی القول والفعل، وکذا فی المقر یعتبر الخلو عما یعذر به کسبق المنع إذا ل__م یحتمل النسخ والعلم بعدم الفائدة فی الإنکار) انتهی.

وفیه مواضع للنظر، إذ:

أولاً: استقلال العقل لا یدل علی جواز السکوت، لأن المعیار معرفة الفاعل أنه محرم شرعاً، وإلا کان من قبح العقاب بلا بیان، وقد قال سبحانه: Pوَما کُنّا مُعَذِّبین َحَتّی نَبْعَثَ رَسُ___ولاًO((1)).

وقال: Pوَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِکَ قَرْیَةً...O ((2)).

إذ الإرادة تتعلق بالإهلاک عن حجة، وإلا فعقولهم کانت تدلهم علی المنع، ولذا تعلقت الإرادة بإهلاکهم.

ولا یخفی أن قولة سبحانه: Pأَمَرْنا مُتْرَفیها فَفَسَقُوا فیهاO((3))، إن الأمر بالطاعة فخالفوا، کما یقول الأب: أمرته فعصانی.

ص:119


1- سورة الإسراء: 5.
2- سورة الإسراء: 16.
3- سورة الإسراء: 16.

وثانیاً: إن قوله: (بل خالیاً) لیس علی إطلاقه، إذ من الممکن جهله بالحکم، لکنه أتی به فی حال العذر، إذ اللازم حینئذ أن لا یقرره الإمام، وذلک لبیان الأحکام للجهلة.

وثالثاً: التقیة لیست جوازاً ظاهریاً، لوضوح أنه جواز واقعی فی موقع التقیة، إذ الاستثناء أیضاً واقعی، وإنما الظاهری یکون فی الجهل من قبیل: (کل شیء لک طاهر)((1))، و(کل شیء هو لک حلال)((2))، وما أشبه، حیث إن التحدید بالعلم یدل علی ذلک.

ورابعاً: إن سبق المنع إنما ینفع إذا علم الفاعل به ولم ینسه، وإلاّ کان السکوت تقریراً علی الخطأ الممنوع شرعاً وعقلاً.

وخامساً: إن الفاعل والآمر قد یکونان معذورین، لکن اللازم التنبیه من جهة شخص حتی لا یزعم أن فلاناً فعل کذا، والإمام (علیه السلام) سکت علیه، فسکوته یدل علی جوازه _ أی جواز الفعل _ فهذا من قبیل ما ذکروا من أن التقیة قد تکون للثالث.

التقریر لا یرقی إلی الوجوب أو الحرمة

مسألة: إن التقریر لا یدل علی أکثر من الجواز، فلا ینافی ذلک إذا ثبت من الخارج الوجوب أو الکراهة أو الاستحباب.

نعم إذا دل دلیل علی الحرمة أو کان منافیاً للتقریر، یلزم حینئذٍ التعادل والترجیح بینهما.

کما أنه لو أقر (علیه السلام) الترک کان دالاً علی جواز الترک لا

ص:120


1- راجع مستدرک الوسائل: ج2 ص583 ب30 ح27494 وفیه: (کل شیء طاهر حتی تعرف أنه قذر).
2- الکافی: ج5 ص313 باب النوادر ح40.

علی حرمة الفعل، وینافی ذلک ما لو دلّ دلیل علی الوجوب.

والتقریر لا عموم له، فإذا أرید التعمیم یلزم أن یعرف من الخارج بالملاک ونحوه.

والتقریر إنما یکون حجة فی مورد الإنکار فی الفعل مثلاً، أما إذا لم یکن من موارد الإنکار کما إذا فعله الکافر أو المخالف الذی یشمله قاعدة الإلزام، فالتقریر منتفی الموضوع، وکون الکفار مکلفین بالفروع لا یلازم عدم السکوت علی أعمالهم.

ولو لم نعلم أن الفاعل هل کان مسلماً موافقاً، أو مخالفاً، أو کافراً؟ لم یکن من مسائل التقریر، حاله حال ما إذا لم یعلم هل الفاعل صغیر أو کبیر، عاقل أو مجنون، إلی غیر ذلک.

ولا یلزم فی التقریر حضور المعصوم (علیه السلام)، بل کون الفاعل أو الثالث بحیث إذا سکت المعصوم (علیه السلام) یکون سکوته حجة بالنسبة إلیهما.

مثلاً: علم الإمام (علیه السلام) أن فلاناً المؤالف أکل لحم الأرنب، وکان بحیث إذا أنکر، وصَلَه وأمسک عن أکله بعد ذلک، أو أنه إذا أنکر لم یأکله الثالث، بخلاف ما إذا سکت حیث یأکله، کان اللازم الإنکار، فإن سکت کان فیه ملاک التقریر أو هو أحد مصادیقه.

ولو فعل بحضرته (علیه السلام) وشک فی اطلاعه بحسب الظاهر، لم یکن من موضوع التقریر.

التعارض فی الأقسام الثلاثة

مسألة: أقسام التعارض ستة، لأنه إما فی الفعلین، أو القولین، أو التقریرین، أو المختلفین بأقسامه الثلاثة.

والقول: بأنه لا یمکن فی غیر القولین غیر تام.

نعم لا یمکن بین الفعلین لحکم واقعی لم ینسخ، کما أن فی

ص:121

التقریرین کذلک، ولا أقوائیة لأحد المختلفین علی الآخر، بل اللازم إعمال قواعد التعارض فی الأقسام الستة.

ص:122

لا یحمل فعل النبی J علی التقیة

نعم المشهور أن النبی (صلی الله علیه وآله) لا یتقی، ولذا لا یمکن حمل فعله علی التقیة، وإن أمکن ذلک فی الإمام (علیه السلام).

لکن هذا لا یمنع من ترجیح قوله (علیه السلام) علی فعله، إذ من الممکن أن یکون فعله لغیر جهة التقیة کقاعدة الأهم والمهم، وهکذا حال تقریره (علیه السلام).

ولذا نری أن النبی (صلی الله علیه وآله) لم ینکر علی کثیر من الفارّین عن الزحف مع أن قوله (صلی الله علیه وآله) التحریم، وإنما لم ینکر لذلک القانون((1)) أو ما أشبه.

ثم إن اکتنف بفعل الشخص خصوصیة لم تترک التقریر علی ظاهره، لم یکن التقریر عاماً، کما إذا حصل فعل عن الصغیر أو المجنون، فإن سکوت الإمام (علیه السلام) علیه لا یدل علی جوازه مطلقاً.

نعم إذا لم تکن الخصوصیة من الصوارف کان التقریر عاماً، کما إذا صدر فعل عن مکلف احتملنا الخصوصیة فیه، فلا یسری إلی غیره، أو عدم الخصوصیة، کان الأصل عدم الخصوصیة، فیکون التقریر کأوامرهم الشخصیة، حیث مقتضی الفهم العرفی التعدی إلی سائر الأفراد.

ص:123


1- أی قانون الأهم والمهم.

اشتراک الأحکام بین الرجل والمرأة

بل الحال کذلک إذا فعلته امرأة حیث یتعدی إلی الرجل، أو بالعکس، إذ الغالب الاشتراک فی الأحکام إلا ما خرج بالدلیل.

الشک فی الاختصاص

ولو فعل الرسول (صلی الله علیه وآله) شیئاً لم نعلم أنه عام أو خاص به کسائر اختصاصاته، فالأصل العموم، لقاعدة التأسی، وانحصار الاختصاصات فی أشیاء خاصة مذکورة فی محلها.

ص:124

التقریر یجری فی الاعتقاد

مسألة: التقریر کما یکون فی فعل شخص أو قوله بحضوره (علیه السلام) أو نحو حضوره کما عرفت، یکون فی اعتقاده أیضاً، إذا ظهر منه لمظهر هناک ولم ینکر علیه المعصوم (علیه السلام).

مثلاً: کان زید من جماعة المرجئة أو القدریة مما الظاهر منه اعتقاده بذلک، ومع ذلک لم ینکر علیه المعصوم (علیه السلام) مع توفر شرائط التقریر، فتأمل.

وقال المحقق فی (المعتبر): (وأما ما یندر فلا حجیة فیه، کما روی أن بعض الصحابة قال: (کنا نجامع ونکسل علی عهد رسول الله (صلی الله علیه وآله) فلا نغتسل). لجواز أن یخفی ذلک((1)) علی النبی (صلی الله علیه وآله) فلا یکون سکوته دلیلاً علی جوازه.

لا یقال: قول الصحابی: (کنا نفعل)، دلیل علی عمل الصحابة أو أکثرهم، فلا یخفی ذلک علی الرسول (صلی الله علیه وآله).

لأنا نمنع، إذ قد یخبر بمثل ذلک عن نفسه أو عن جماعة یمکن أن یخفی((2)) حالهم علی النبی (صلی الله علیه وآله)((3))، انتهی.

أقول: لکن الأولی قول عدم استقامة السند، لأنه روی عن طریق العامة، وإلا فالإشکال المتقدم غیر وارد.

ألا تری أنه لو قال ذلک سلمان الفارسی (رضوان الله علیه) لکان دلیلاً علی التقریر.

ثم إنه کما یجمع بین القولین أو الفعلین أو قول وفعل منهم

ص:125


1- أی بحسب الظاهر، وإلا فالمعصوم علیه السلام عالم بالعلم اللدنی.
2- أی بحسب الظاهر، کما سبق.
3- المعتبر فی شرح المختصر: ج1 ص28 _ 29.

(علیهم السلام) بالتخییر مع توفر الشرائط، کذلک یجمع بین التقریرین أو أحدهما والتقریر، مثلاً قال بکفارة کذا إنه إطعام عشرة، ثم قرر من أعتق عبداً، أو قرر من أطعم عشرة ومن أعتق عبداً، لما عرفت من أن الملاک فی الثلاثة واحد.

ص:126

نقل التقریر کنقل الخبر

مسألة: نقل التقریر بحاجة إلی ما یحتاج إلیه نقل القول والفعل من الوثاقة ونحو ذلک، وکما لا فرق فی قولهم وفعلهم (علیهم السلام) بین حال الصغر أو حال الکبر، کذلک حال تقریرهم (علیهم السلام)، لأنهم خلقهم الله أنواراً، لا فرق بین صغیرهم وکبیرهم.

وعدم إمامتهم (علیهم السلام) حال وجود إمام قبلهم، لا یؤثر فی ذلک، وإلا لأثّر حال کونه کبیراً تابعاً لإمام آخر کالحسین (علیه السلام) حال وجود الحسن (علیه السلام).

ص:127

أی تصرفات المعصوم تتبع

مسألة: لو تصرف المعصوم (علیه السلام) بسبب الإمامة، کالجهاد والتصرف فی بیت المال، جاز لخلیفته اتباعه عاماً أو خاصاً، ولم یجز لسائر الناس لأنه من شؤون الإمامة، فهو خاص به ولا یکون أسوة فیه.

کما أن تصرفه مع زوجته یتعدّی به فی تصرف الإنسان مع زوجته لا مطلقاً، کما هو واضح.

ولو تصرف المعصوم (علیه السلام) بسبب القضاء، کرفع النزاع بین الخصمین، بسبب البینة أو الیمین أو الإقرار، أو بسبب علمه، أو بسبب إخراج الحق بالقرائن، کما فی إخراج علی (علیه السلام) الحق بین المرأتین المتنازعتین فی الولد، أو بین السید والعبد اللذَین کان یدّعی کل واحد منهما أنه السید وأن الآخر العبد، أو بسبب بیاض البیض الذی طبخ علی ثوب المرأة، إلی غیر ذلک، کان التصرف أسوة للقاضی، لا لکل أحد.

ص:128

قضیة فی واقعة

ولا یخفی أن قولهم((1)) فی قضایاه (علیه السلام): (قضیة فی واقعة)، یُراد بها: إنه حسب قانون ثانٍ لا أنه شاذ، فإذا رأینا أن القاعدة علی خلاف تصرفه، ولیس تصرفه من باب التخصیص، یعلم أن هناک قانوناً ثانیاً یندرج تصرفه فیه، فهو أیضاً قانون عام فیما إذا توفرت شروطه، مثل قانون علم القاضی الذی یحکم به بدون یمین أو بینة.

وعلی (علیه السلام) فی القضایا الثلاث السابقة استند إلی هذا القانون، الذی هو استثناء عن قانون (إنما أقضی بینکم بالبیّنات والأیمان) ((2))، أو هو فی عرضه، ویجوز للحاکم أن یحکم بأیهما.

أما مثل قول الحسن (علیه السلام): (فإن کان قد قتل رجلاً فقد أحیا هذا) ((3)) فهو إما من باب عفو الحاکم، أو أنه أیضاً حکم شرعی للآیة

ص:129


1- أی الفقهاء.
2- الکافی: ج7 ص414 ح1.
3- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص23 ح3225 وفیه: (وَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: وُجِدَ عَلَی عَهْدِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ رَجُلٌ مَذْبُوحٌ فِی خَرِبَةٍ وَ هُنَاکَ رَجُلٌ بِیَدِهِ سِکِّینٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ فَأُخِذَ لِیُؤْتَی بِهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَأَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُمْ خَلُّوا عَنْ هَذَا، فَأَنَا قَاتِلُ صَاحِبِکُمْ فَأُخِذَ أَیْضاً وَأُتِیَ بِهِ مَعَ صَاحِبِهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَلَمَّا دَخَلُوا قَصُّوا عَلَیْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ لِلْأَوَّلِ: مَا حَمَلَکَ عَلَی الْإِقْرَارِ، قَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی رَجُلٌ قَصَّابٌ وَ قَدْ کُنْتُ ذَبَحْتُ شَاةً بِجَنْبِ الْخَرِبَةِ فَأَعْجَلَنِی الْبَوْلُ فَدَخَلْتُ الْخَرِبَةَ وَ بِیَدِی سِکِّینٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ فَأَخَذَنِی هَؤُلَاءِ وَقَالُوا أَنْتَ قَتَلْتَ صَاحِبَنَا، فَقُلْتُ: مَا یُغْنِی عَنِّی الْإِنْکَارُ شَیْئاً وَهَاهُنَا رَجُلٌ مَذْبُوحٌ وَأَنَا بِیَدِی سِکِّینٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ فَأَقْرَرْتُ لَهُمْ أَنِّی قَتَلْتُهُ، فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام ◄  ►  لِلْآخَرِ: مَا تَقُولُ أَنْتَ، قَالَ: أَنَا قَتَلْتُهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ، فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: اذْهَبُوا إِلَی الْحَسَنِ علیه السلام ابْنِی لِیَحْکُمَ بَیْنَکُمْ، فَذَهَبُوا إِلَیْهِ وَقَصُّوا عَلَیْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ علیه السلام: أَمَّا هَذَا فَإِنْ کَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا فَقَدْ أَحْیَا هَذَا، وَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ: (وَمَنْ أَحْیاها فَکَأَنَّما أَحْیَا النَّاسَ جَمِیعاً) لَیْسَ عَلَی أَحَدٍ مِنْهُمَا شَیْ ءٌ، وَتُخْرَجُ الدِّیَةُ مِنْ بَیْتِ الْمَالِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ).

المبارکة وإن لم یفت به المشهور.

ولو تصرف بالفتوی والتبلیغ کالعبادات والمعاملات الأعم من الإیقاع والإرث ونحو ذلک، کان أسوة لمن توفر فیه الشرط.

بین القضاء والفتوی

وإذا اشتبه الأمر بین القضاء والفتوی، کقوله (صلی الله علیه وآله) لهند زوجة أبی سفیان: (خذی لک ولولدک ما یکفیک بالمعروف) ((1))، حیث شکت إلیه وقالت: إن أبا سفیان رجل شحیح لا یعطینی ولولدی ما یکفینی.

فإذا کان فتوی ثبت جواز التقاص بدون القضاء، کما یثبت سائر الأحکام بدونه.

ولو کان قضاءً لا یجوز الأخذ إلاّ بقضاء قاضِ، فالظاهر الحمل علی الفتوی لأنه الأصل، إذ الاحتیاج إلی القضاء زائد والأصل یدفعه.

وبعضهم استدل علیه من جهة غلبة الفتوی فی کلامه (صلی الله علیه وآله)، والشیء یحمل علی الأعم الأغلب.

لکنه لیس بدلیل یمکن الاستناد علیه، إلاّ علی الانسدادی حیث یکتفی بالظن العام الذی یحصل حتی من مثل هذه الغلبة.

بین الفتوی والتصرف الولائی

وإذا اشتبه الأمر بین الفتوی والتصرف بالإمامة، حمل علی

ص:130


1- مستدرک الوسائل: ج9 ص129 ب134 ح10451، و غوالی اللئالی: ج1 ص402     ح59.

الفتوی أیضاً، للأصل المتقدم.

کقوله (صلی الله علیه وآله): (من أحیی أرضاً مواتاً فهی له)((1)).

قال الشهید (رحمه الله) فی (القواعد) فی المورد الأول من الاشتباه: (لا ریب أن حمله علی الإفتاء أولی، لأن تصرفه (صلی الله علیه وآله) بالتبلیغ أغلب، والحمل علی الغالب أولی من النادر) ((2)).

وقال فی (القوانین) بعد نقله کلام الشهید (رحمه الله):

(وقد یشتبه بین التصرف بالإمامة والفتوی). ومثل له بروایة إحیاء الأرض، قال: (فعلی الأول کما هو قول الأکثر، لا یجوز الإحیاء إلاّ بإذن الإمام (علیه السلام)، وعلی الثانی یجوز، کما ذهب إلیه بعض أصحابنا. ویرد علیه: إن التصرف بالتبلیغ أغلب، فلا بد من الحمل علیه کالسابق).

أقول: بل کونه لا یجوز إلا بإذن الإمام (علیه السلام) لیس فتوی الأکثر، بل السیرة علی خلافه أیضاً.

ص:131


1- انظر وسائل الشیعة: ج25 ص411 باب من أحیا أرضا مواتا فیه له.
2- القواعد والفوائد: ج1 ص216.

أقوال أولاد الأئمة (علیهم السلام)

مسألة: الظاهر حجیة أقوال أمثال: العباس، وعلی الأکبر، وزینب، والسیدة المعصومة (علیهم السلام) ومن أشبههم.

لقطعنا بأنهم (علیهم السلام) لا یقولون إلا ما تعلّموه من المعصومین (صلوات الله علیهم أجمعین)، خصوصاً وقد قرأ الحسین (علیه السلام) بالنسبة إلی ولده: Pذریةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍO((1))،((2)).

وقال (صلوات الله علیه) بالنسبة إلی العباس (علیه السلام): (بنفسی أنت) ((3)).

ص:132


1- سورة آل عمران: 34.
2- بحار الأنوار: ج45 ص42. و فیه: (قالوا: ورفع الحسین سبابته نحو السماء وقال: اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَی هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَقَدْ بَرَزَ إِلَیْهِمْ غُلَامٌ أَشْبَهُ النَّاسِ خَلْقاً وَ خُلُقاً وَ مَنْطِقاً بِرَسُولِکَ، کُنَّا إِذَا اشْتَقْنَا إِلَی نَبِیِّکَ نَظَرْنَا إِلَی وَجْهِهِ، اللَّهُمَّ امْنَعْهُمْ بَرَکَاتِ الْأَرْضِ وَ فَرِّقْهُمْ تَفْرِیقاً وَ مَزِّقْهُمْ تَمْزِیقاً وَ اجْعَلْهُمْ طَرَائِقَ قِدَداً وَ لَا تُرْضِ الْوُلَاةَ عَنْهُمْ أَبَداً، فَإِنَّهُمْ دَعَوْنَا لِیَنْصُرُونَا ثُمَّ عَدَوْا عَلَیْنَا یُقَاتِلُونَنَا. ثُمَّ صَاحَ الْحُسَیْنُ بِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ مَا لَکَ قَطَعَ اللَّهُ رَحِمَکَ وَ لَا بَارَکَ اللَّهُ لَکَ فِی أَمْرِکَ وَسَلَّطَ عَلَیْکَ مَنْ یَذْبَحُکَ بَعْدِی عَلَی فِرَاشِکَ کَمَا قَطَعْتَ رَحِمِی وَ لَمْ تَحْفَظْ قَرَابَتِی مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله، ثُمَّ رَفَعَ الْحُسَیْنُ علیه السلام صَوْتَهُ وَتَلَا إِنَّ اللَّهَ اصْطَفی آدَمَ وَ نُوحاً وَآلَ إِبْراهِیمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَی الْعالَمِینَ ذُرِّیَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیم). وبحار الأنوار: ج45 ص302. وفیه: (وَ رُوِیَ أَنَّ الْحُسَیْنَ ع دَعَا وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا أَهْلُ بَیْتِ نَبِیِّکَ وَ ذُرِّیَّتُهُ وَ قَرَابَتُهُ فَاقْصِمْ مَنْ ظَلَمَنَا وَ غَصَبَنَا حَقَّنَا إِنَّکَ سَمِیعٌ قَرِیبٌ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ وَ أَیُّ قَرَابَةٍ بَیْنَکَ وَ بَیْنَ مُحَمَّدٍ فَقَرَأَ الْحُسَیْنُ ع إِنَّ اللَّهَ اصْطَفی آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِیمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَی الْعالَمِینَ ذُرِّیَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ  ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَرِنِی فِیهِ فِی هَذَا الْیَوْمِ ذُلًّا عَاجِلًا فَبَرَزَ ابْنُ الْأَشْعَثِ لِلْحَاجَةِ فَلَسَعَتْهُ عَقْرَبٌ عَلَی ذَکَرِهِ فَسَقَطَ وَ هُوَ یَسْتَغِیثُ وَ یَتَقَلَّبُ عَلَی حَدَثِه).
3- الإرشاد: ج2 ص89 وفیه: (ثم نادی عمر بن سعد: یا خیل الله ارکبی وأبشری، فرکب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر) _ أی عصر تاسوعاء _ (وحسین علیه السلام جالس أمام بیته محتب بسیفه إذ خفق برأسه علی رکبتیه، وسمعت أخته الصیحة فدنت من أخیها فقالت: یا أخی أ ما تسمع الأصوات قد اقتربت، فرفع الحسین علیه السلام رأسه فقال: إنی رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله الساعة فی المنام فقال لی: إنک تروح إلینا، فلطمت أخته وجهها و نادت بالویل، فقال لها: لیس لک الویل یا أخیة اسکتی رحمک الله، وقال له العباس بن علی رحمة الله علیه: یا أخی أتاک القوم، فنهض ثم قال: یا عباس ارکب بنفسی أنت یا أخی حتی تلقاهم وتقول لهم: ما لکم وما بدا لکم و تسألهم عما جاء بهم).

وقال السجاد (علیه السلام) بالنسبة إلی عمته (علیها السلام): (وأنت بحمد الله عالمة غیر معلمة، فهمة غیر مفهمة)((1)).

وورد فی حق المعصومة (علیها السلام) إن (من زارها وجبت له الجنة) ((2)).

فإیثار العباس (علیه السلام) دلیل علی استحباب الإیثار، بالإضافة إلی الأدلة الأخری.

کما أن خطبة العقیلة (علیها السلام)((3)) ونطحها جبینها((4)) دلیل علی

ص:133


1- بحار الأنوار: ج45 ص164 ب39. والاحتجاج: ج2 ص305.
2- بحار الأنوار: ج48 ص317 وفیه: (وَعَنْ تَارِیخِ قُمَّ لِلْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُمِّیِّ، عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام: إِنَّ لِلَّهِ حَرَماً وَ هُوَ مَکَّةُ، وَلِرَسُولِهِ حَرَماً وَهُوَ الْمَدِینَةُ، وَلِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ حَرَماً وَهُوَ الْکُوفَةُ، وَلَنَا حَرَماً وَهُوَ قُمُّ، وَسَتُدْفَنُ فِیهِ امْرَأَةٌ مِنْ وُلْدِی تُسَمَّی فَاطِمَةَ مَنْ زَارَهَا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ).
3- راجع بحار الأنوار: ج45 ص133 ب39.
4- بحار الأنوار: ج45 ص114 ب39 وفیه: (ثُمَّ إِنَّ أُمَّ کُلْثُومٍ) _ أی السیدة زینب علیها السلام _  (أَطْلَعَتْ رَأْسَهَا مِنَ الْمَحْمِلِ وَ قَالَتْ لَهُمْ: صَهْ یَا أَهْلَ الْکُوفَةِ تَقْتُلُنَا رِجَالُکُمْ وَتَبْکِینَا نِسَاؤُکُمْ فَالْحَاکِمُ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکُمُ اللَّهُ یَوْمَ فَصْلِ الْقَضَاءِ، فَبَیْنَمَا هِیَ تُخَاطِبُهُنَّ إِذَا بِضَجَّةٍ قَدِ ارْتَفَعَتْ، فَإِذَا هُمْ أَتَوْا بِالرُّؤوسِ یَقْدَمُهُمْ رَأْسُ الْحُسَیْنِ علیه السلام وَهُوَ رَأْسٌ زُهْرِیٌّ قَمَرِیٌّ أَشْبَهُ ◄      ► الْخَلْقِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله وَلِحْیَتُهُ کَسَوَادِ السَّبَجِ قَدِ انْتَصَلَ مِنْهَا الْخِضَابُ وَوَجْهُهُ دَارَةُ قَمَرٍ طَالِعٍ وَالرُّمْحُ تَلْعَبُ بِهَا یَمِیناً وَشِمَالًا، فَالْتَفَتَتْ زَیْنَبُ فَرَأَتْ رَأْسَ أَخِیهَا، فَنَطَحَتْ جَبِینَهَا بِمُقَدَّمِ الْمَحْمِلِ حَتَّی رَأَیْنَا الدَّمَ یَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ قِنَاعِهَا وَ أَوْمَأَتْ إِلَیْهِ بِحُرْقَةٍ وَجَعَلْتْ تَقُولُ: یَا هِلَالًا لَمَّا اسْتَتَمَّ کَمَالًا             غَالَهُ خَسْفُهُ فَأَبْدَا غُرُوبَ_____ا مَا تَوَهَّمْتُ یَا شَقِیقَ فُؤَادِی            کَانَ هَذَا مُقَدَّراً مَکْتُوبَ___ا یَا أَخِی فَاطِمَ الصَّغِیرَةَ کَلِّمْهَا          فَقَدْ کَادَ قَلَبُهَا أَنْ یَذُوب__َا یَا أَخِی قَلْبُکَ الشَّفِیقُ عَلَیْنَا        مَا لَهُ قَدْ قَسَی وَ صَارَ صَلِیبَا یَا أَخِی لَوْ تَرَی عَلِیّاً لَدَی الْأَسْرِ      مَعَ الْیُتْمِ لَا یُطِیقُ وُجُوبَا کُلَّمَا أَوْجَعُوهُ بِالضَّرْبِ نَادَاکَ          بِذُلٍّ یَغِیضُ دَمْعاً سَکُوبَا یَا أَخِی ضُمَّهُ إِلَیْکَ وَ قَرِّبْهُ          وَسَکِّنْ فُؤَادَهُ الْمَرْعُوبَ________ا مَا أَذَلَّ الْیَتِیمَ حِینَ یُنَادِی             بِأَبِیهِ وَ لَا یَرَاهُ مُجِیبَ____________ا           

ما

یدلان علیه.

إلی غیر ذلک.

حجیة کلام الملائکة

مسألة: أما بالنسبة إلی الملائکة، فالظاهر عدم الإشکال فی حجیة کلامهم، خصوصاً وقد کان الرسول (صلی الله علیه وآله) یقول لجبرائیل: (عظنی)((1)).

ص:134


1- انظر من لا یحضره الفقیه: ج1 ص472 ح1360 وفیه: (نَزَلَ جَبْرَئِیلُ علیه السلام عَلَی النَّبِیِّ صلی الله علیه وآله، فَقَالَ لَهُ: یَا جَبْرَئِیلُ عِظْنِی، فَقَالَ: یَا مُحَمَّدُ عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّکَ مَیِّتٌ وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّکَ مُفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّکَ مُلَاقِیهِ، شَرَفُ الْمُؤْمِنِ صَلَاتُهُ بِاللَّیْلِ وَعِزُّهُ کَفُّ الْأَذَی عَنِ النَّاس).

حجیة الصدیقة فاطمة ومریم (علیهما السلام)

مسألة: السیدتان فاطمة الزهراء ومریم البتول (علیهما السلام)، لا شک فی حجیة أقوالهما لعصمتهما (صلوات الله علیهما)، کما سبق الإلماع إلیه.

حجیة الأصحاب المنتجبین

بل لا یبعد التعدی من الأولین إلی أمثال سلمان وأبی ذر (رضوان الله علیهما) ونحوهما، خصوصاً بعد قول الرسول (صلی الله علیه وآله) فی حق الأول: إنه (منا أهل البیت)((1)).

وفی حق الثانی: (ما أظلت الخضراء ولا أقلّت الغبراء علی ذی لهجة أصدق من أبی ذر)((2)).

بل قوله (صلی الله علیه وآله) فی حق عمار: (مؤمن مُلئ مشاشه إیماناً)((3)).

ص:135


1- بحار الأنوار: ج10 ص121 ب8. کشف الغمة: ج1 ص389. عیون أخبار الرضا علیه السلام: ج2 ص64.
2- بحار الأنوار: ج15 ص108 ب1،  رجال ابن داود: ص398. تفسیر فرات الکوفی: ص407، من سورة الزخرف.
3- بحار الأنوار: ج22 ص318 ب10، الأمالی للصدوق: ص252 المجلس43.

الحجة علی الرجال والنساء

مسألة: کما أن المعصومین (علیهم السلام) قولهم وفعلهم حجة بالنسبة إلی النساء، کذلک الصدیقة الطاهرة (علیها السلام) قولها وفعلها حجة بالنسبة إلی الرجال، للاشتراک فی التکلیف.

العصمة الصغری

وإنی لم أجد عن السیدة المعصومة (علیها السلام) ما یکون دالاً علی حکم، لکن شهادة الأئمة (علیهم السلام) بأن: (من زارها وجبت له الجنة) ((1))، تدل علی أرفع مقام، بل تجعلها قریبة من المعصومین (علیهم السلام)، وعلی اصطلاح بعضهم أن أمثالها لهم (العصمة الصغری)، ومعناها الملکة القویة جداً، وإن لم تکن کملکة الأنبیاء والأئمة والصدیقتین الزهراء ومریم (علیهم السلام).

ص:136


1- وسائل الشیعة: ج14 ص576 ب94 باب استحباب زیارة قبر فاطمة بنت موسی بن جعفر علیهم السلام، ح1950 و1951، وفیه: (عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام عَنْ زِیَارَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ علیهم السلام بِقُمَّ، فَقَالَ: مَنْ زَارَهَا فَلَهُ الْجَنَّةُ). وعَنِ ابْنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: (مَنْ زَارَ قَبْرَ عَمَّتِی بِقُمَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ).

حجیة نهج البلاغة

مسألة: من السنة والروایات: (نهج البلاغة)، فإنها وإن لم تذکر أسنادها، إلا أن وثاقة الرضی (قدس سره) الذی لیس أقل من ابن أبی عمیر (رضوان الله علیه) إن لم یکن فوقه، یجعله مثله، فی کون مراسیله کالمسانید.

ولذا لم یزل الفقهاء یعتمدون علیه قولاً وتقریراً.

حجیة الصحیفة السجادیة

مسألة: کذلک من السنة المعتمدة (الصحیفة السجادیة)، وما فی بعض سندها من قول الراوی: (إنهم للعلم وإنّا للسیف)((1)) غیر ضار،

ص:137


1- الصحیفة السجادیة، المقدمة، وفیها: (قَالَ حَدَّثَنِی عُمَیْرُ بْنُ مُتَوَکِّلٍ الثَّقَفِیُّ الْبَلْخِیُّ عَنْ  أَبِیهِ مُتَوَکِّلِ بْنِ هَارُونَ. قَالَ: لَقِیتُ یَحْیَی بْنَ زَیْدِ بْنِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَی خُرَاسَانَ بَعْدَ قَتْلِ أَبِیهِ فَسَلَّمْتُ عَلَیْهِ، فَقَالَ لِی: مِنْ أَیْنَ أَقْبَلْتَ قُلْتُ: مِنَ الْحَجِّ، فَسَأَلَنِی عَنْ أَهْلِهِ وَ بَنِی عَمِّهِ بِالْمَدِینَةِ وَأَحْفَی السُّؤَالَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَأخْبَرْتُهُ بِخَبَرِهِ وَ خَبَرِهِمْ وَحُزْنِهِمْ عَلَی أَبِیهِ زَیْدِ بْنِ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لِی: قَدْ کَانَ عَمِّی مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، أَشَارَ عَلَی أَبِی بِتَرْکِ الْخُرُوجِ وَعَرَّفَهُ إِنْ هُوَ خَرَجَ وَفَارَقَ الْمَدِینَةَ مَا یَکُونُ إِلَیْهِ مَصیرُ أَمْرِهِ، فَهَلْ لَقِیتَ ابْنَ عَمِّی جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَهُ یَذْکُرُ شَیْئاً مِنْ أَمْرِی قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: بِمَ ذَکَرَنِی خَبِّرْنِی، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاکَ مَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَقْبِلَکَ بِمَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ. فَقَالَ: أَ بِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِی! هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ، فَقُلْتُ: سَمِعْتُهُ یَقُولُ: إِنَّکَ تُقْتَلُ وَتُصْلَبُ کَمَا قُتِلَ أَبُوکَ وَ صُلِبَ، فَتَغَیَّرَ وَجْهُهُ وَ قَالَ: یَمْحُوا اللّهُ ما یَشاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ ◄  ► أُمُّ الْکِتابِ، یَا مُتَوَکِّلُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَیَّدَ هَذَا الْأَمْرَ بِنَا وَجَعَلَ لَنَا الْعِلْمَ وَ السَّیْفَ فَجُمِعَا لَنَا وَخُصَّ بَنُو عَمِّنَا بِالْعِلْمِ وَحْدَهُ. فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاءَکَ إِنِّی رَأَیْتُ النَّاسَ إِلَی ابْنِ عَمِّکَ جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ أَمْیَلَ مِنْهُمْ إِلَیْکَ وَ إِلَی أَبِیکَ، فَقَالَ: إِنَّ عَمِّی مُحَمَّدَ بْنَ عَلِیٍّ وَ ابْنَهُ جَعْفَراً عَلَیْهِمَا السَّلَامُ، دَعَوَا النَّاسَ إِلَی الْحَیَاةِ وَ نَحْنُ دَعَوْنَاهُمْ إِلَی الْمَوْتِ، فَقُلْتُ: یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَ هُمْ أَعْلَمُ أَمْ أَنْتُمْ فَأَطْرَقَ إِلَی الْأَرْضِ مَلِیّاً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَ قَالَ: کُلُّنَا لَهُ عِلْمٌ غَیْرَ أَنَّهُمْ یَعْلَمُونَ کُلَّ مَا نَعْلَمُ، وَ لا نَعْلَمُ کُلَّ مَا یَعْلَمُونَ).

لأنه من التقیة کما لا یخفی.

تقریر الأشعار

مسألة: کما أن ما قال الشعراء بحضورهم (علیهم السلام) سواء جعلوا کلامهم شعراً أمثال شعر حسان بن ثابت حول مقالات النبی (صلی الله علیه وآله)، أو ابتدؤوا بالشعر أمثال أشعار الفرزدق ودعبل ونحوهما، یکون من التقریر الذی یجعله حجة.

حجیة الکتاب أو المؤلف

مسألة: لا یخفی أن هناک فرقاً بین أن یکون الکتاب حجة، أو المؤلف حجة لا یذکر فی کتابه إلاّ الحجة، مثل الکلینی والصدوق (رحمهما الله).

فإن الثانی یؤخذ به ما لم یظهر خلافه.

والقول بأن من الممکن الاختلاف الاجتهادی بین الکلینی والصدوق فی حجیة السند، وبین رأینا فی ذلک، فلا یمکن الاعتماد علیه، أو أنا وجدنا بعض الروایات الضعیفة فی الکتابین فلا یمکن الاعتماد الکلی علیهما، غیر وارد.

إذ لو جری هذا الإشکال لکان حال الرجالیین _ ولو کان__وا فی کمال الوثاقة _ حال ذلک، فمن أین أن الشیخ والنجاشی وابن طاووس (رحمهم الله) وغیرهم لم یختلفوا عنّا فی خصوصیات العدالة والوثاقة؟

ص:138

ووجداننا لبعض الروایات الضعیفة کالاستثناء لا یضر بالمستثنی منه.

بحث حول (الکافی کاف لشیعتنا)

نعم لا صحة لما یقال: (الکافی کافٍ لشیعتنا)، فإنه لیس من الروایة بشیء، ولعله اشتبه من قولهم (علیهم السلام) فی PکهیعصO((1)): (کاف کافٍ لشیعتنا)((2))، أی أن هذا اللفظ رمز من الله لکفایة أمر الشیعة بشرط تحقق الموضوع، کما هو شرط فی کل حکم یراد بناؤه علی موضوع، سواء من الأحکام الشرعیة أو غیرها.

ص:139


1- سورة مریم: 1.
2- معانی الأخبار: ص28، عنه بحار الأنوار: ج89 ص377 ب127 ح8، وفیه: (عَنِ ابْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِیهِ قَالَ: حَضَرْتُ عِنْدَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام فَدَخَلَ عَلَیْهِ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ (کهیعص) فَقَالَ علیه السلام: کَافٌ کَافٍ لِشِیعَتِنَا، هَاءٌ هَادٍ لَهُمْ، یَاءٌ وَلِیٌّ لَهُمْ، عَیْنٌ عَالِمٌ بِأَهْلِ طَاعَتِنَا، صَادٌ صَادِقٌ لَهُمْ وَعْدُهُمْ حَتَّی یَبْلُغَ بِهِمُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِی وَعَدَهَا إِیَّاهُمْ فِی بَطْنِ الْقُرْآنِ).

تعبّد النبی (صلی الله علیه وآله) قبل البعثة

قد یتکلم حول تعبد النبی (صلی الله علیه وآله) قبل البعثة بدین نفسه وحیاً من جهة الکلام، وقد یتکلم حوله من جهة الحجیة والأسوة.

والذی علیه الإمامیة ودلت علیه الأدلة القطعیة: إنه (صلی الله علیه وآله) کان قبل البعثة متعبداً بشریعة نفسه، الموصی إلیه من قبل الله سبحانه، لکنه (صلی الله علیه وآله) لم یکن رسولاً.

لما ذکر فی الکلام من أن بین النبی والرسول العموم المطلق، وقد قال (صلی الله علیه وآله): (کنتُ نبیاً وآدم بین الماء والطین) ((1)).

فقول بعض العامة: بأنه لم یکن متعبداً بشیء إطلاقاً، مستدلاً بقوله تعالی: Pما کُنْتَ تَدْری مَا الْکتاب ولا الإیمانO((2))، وقوله: Pوَوَجَدَکَ ضالاً فَهَدَیO((3)).

أو کان (صلی الله علیه وآله) متعبداً بشریعة نوح أو إبراهیم أو موسی أو عیسی (علیهم السلام).

أو کل الشرائع من کلٍّ أحسنه، مستدلین بقوله سبحانه: Pثُمَّ أَوْحَیْنا إِلَیْکَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْراهِیمَO((4))، وقوله تعالی: Pشَرَعَ لَکُمْ مِنَ الدّینِ ما وَصَّی بِهِ نُوحاًO((5)).

أو أن دین موسی (علیه السلام) کان آخر الأدیان قبله (صلی الله علیه وآله)، وإنما عیسی (علیه السلام) مکمل له، لقوله سبحانه Pوَلأُحِلَّ لَکُمْ

ص:140


1- بحار الأنوار: ج16 ص402 ب12 ح1.
2- سورة الشوری: 52.
3- سورة الضحی: 7.
4- سورة النحل: 123.
5- سورة الشوری: 13.

بَعْضَ الّذی حُرَّمَ عَلَیْکُمْO((1)) بضمیمة أنه فاللازم أن یکون متعبداً به.

أو أن عیسی (علیه السلام) هو آخر نبی یفرض علی الناس اتّباعه، ولا یکون النبی (صلی الله علیه وآله) أقل من سائر الناس.

أو أنه کان آخذاً بأحسن کل الشرائع، لقوله سبحانه: Pفَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْO((2)).

أو ما أشبه ذلک، غیر تام.

إذ بالإضافة إلی الآیات والروایات الدالة علی تعبده (صلی الله علیه وآله) لا یمکن أن لا یکون متعبداً، وإلاّ لزم أن یکون کسائر الجُهّال _ والعیاذ بالله _ أو أسوأ حالاً من النصاری الذین کانوا علی دین عیسی (علیه السلام).

أما Pما کُنْتَ تَدْریO فواضح أن الدرایة من الله، والممکن بنفسه لا یعلم شیئاً.

و Pوَوَجَدَکَ ضالاًّO معناه: إنه کالجوهر الذی یضل فی تیهٍ حیث کان المشرکون لا یعرفون قدره.

أما الآیات المتقدمة، فالمراد بها: أصول العقائد والأخلاق، والعبادة والمعاملة المشترکة بین الجمیع.

ولذا قال سبحانه: Pوَمَن یَرْغَبْ عَنْ مِلَّةِ إبْراهِیمَ إلاّ مَنْ سَفِهَ

نَفْسَهُO((3)).

وتفصیل الکلام فی ذلک فی کتب الکلام.

اختلاف أقوالهم وأدوارهم (علیهم السلام)

ص:141


1- سورة آل عمران: 50.
2- سورة الأنعام: 90.
3- سورة البقرة: 130.

مسألة: الاختلاف فی أقوال المعصومین (علیهم السلام) وسیرهم علی

نوعین:

الأول: الاختلاف الذی یلزم أن یعالج ببحث التعادل والترجیح، مثل الروایتین:

(ثمن العذرة من السحت) ((1)).

و: (لا بأس ببیع العذرة) ((2)).

إلی غیر ذلک.

الثانی: الاختلاف فی الموضوع، ولیس هو من الاختلاف المصطلح الذی یحتاج إلی العلاج، بل یحتاج عقائدیاً إلی فهم مختلف الظروف والشرائط.

وحکم هذا الاختلاف حکم القصر والتمام من الاختیاریین أو حکم الاختیار والاضطرار من الحکمین الطولیین.

وقد أوجز ذلک بعض العلماء: بأن الإنسان الذی یرید هدفاً خاصاً قد یلزمه السیر نهاراً ولیلاً، براً وبحراً، جبلاً وسهلاً، غابةً ومسطحاً، فهو یحتاج فی اللیل إلی الضیاء، وفی البحر إلی السفینة، وفی الغابة إلی السلاح، وفی الجبل إلی المصعد، وهکذا.

والمعصومون (علیهم السلام) یمثلون تلک الأدوار، فقد صالح الحسن (علیه السلام) کما صالح الرسول نفسه (صلی الله علیه وآله) فی الحدیبیة.

وحارب الحسین (علیه السلام) _ کما یسیر الشخص فی الغابة حیث یحتاج إلی سلاح یدفع به الأعداء _ کما حارب الرسول (صلی الله علیه وآله) الذین جاؤوا لقتاله.

ص:142


1- راجع تهذیب الأحکام: ج6 ص372 ب93 ح201 وفیه: (ثمن العذرة من السحت).
2- الکافی: ج5 ص226.

ونشر السجاد (علیه السلام) الدعاء وقام بالتربیة.

وقام الباقران (علیهما السلام) بنشر العلوم والمعارف، وهکذا. مع أن الهدف واحد والسائر واحد، وإنما الاختلاف بالزمان والمکان والظروف والشرائط والخصوصیات.

ولا یخفی أنه مع تشخیص الموضوع یلزم اتباع ذلک الإمام (علیه السلام) الذی کان له ظرف مشابه، فیعمل ما عمل حسب ظرفه، وقد تختلف الاجتهادات فی أن الظرف مثل ظرف أیهم، فاللازم الجهد للتشخیص فیعمل حسبه، وللمصیب أجران: أجر الانقیاد، وأجر مطابقة الواقع، وللمخطئ أجر: أجر الانقیاد.

ص:143

القول فی الرؤیا

مسألة: الرؤیا لیست حجة علی المشهور، بل ادّعی بعضهم الإجماع علیه.

بل لو اعتمد علی الرؤیا لزم دین جدید.

حتی إن القائل بحجیة الظن إنما یقول بها((1)) لو فرض حصوله((2)) من الطریق المتعارف، وإلاّ فهل یقول به إذا حصل من طیران الغراب وجریان المیزاب، ولذا نری أن الانسدادی یستدل بالأدلة الأربعة فقط فی کلماته.

نعم قال صاحب (القوانین) بعد استشکاله فی الحجیة: (مع أن ترک الاعتماد مطلقاً، حتی فیما لو لم یخالفه شیء أیضاً مشکل، سیما إذا حصل الظن بصحته، وخصوصاً لمن کان أغلب رؤیاه صادقة).

أقول: وکلامه هذا فیه تدافع، فما معنی (مطلقاً)، فهل یقول بالحجیة إذا لم یخالفه شیء ولم یحصل الظن؟

وما معنی (خصوصاً)، فهل الغلبة توجب الحجیة؟

ویدل علی العدم _ بالإضافة إلی حصر الأمر فی الثقلین، ولیس هذا من الثقلین قطعاً، وأنه یوجب التهافت حیث یری أحدهما ضد ما رآه الآخر، وأنه یوجب اختلال النظام حیث یری أن فلاناً سرق متاعه، أو قتل بعض أقربائه، أو زنی ببعض نسائه، إلی غیر ذلک _ الأخبار المتعددة الصریحة أو الملوّحة بالعدم:

مثل الأخبار الدالة فی باب الأذان: (إن دین الله سبحانه أعز من

ص:144


1- أی بحجیة الظن.
2- أی الظن.

أن یری فی النوم)((1)).

وما دلّ علی أن فاطمة (علیها السلام) رأت الشیطان کما فسره رسول الله (صلی الله علیه وآله) فی قصة أکلهم اللحم المسموم((2)).

ص:145


1- الکافی: ج3 ص482 باب النوادر ح1 وفیه: (عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ أَبِیهِ، عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَیْنَةَ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَالَ: مَا تَرْوِی هَذِهِ النَّاصِبَةُ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاکَ فِیمَا ذَا، فَقَالَ: فِی أَذَانِهِمْ وَرُکُوعِهِمْ وَسُجُودِهِمْ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ یَقُولُونَ إِنَّ أُبَیَّ بْنَ کَعْبٍ رَآهُ فِی النَّوْمِ، فَقَالَ: کَذَبُوا فَإِنَّ دِینَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَعَزُّ مِنْ أَنْ یُرَی فِی النَّوْمِ).
2- بحار الأنوار: ج43 ص90 – 91 ب4 ح14 عن تفسیر القمی فی قوله تعالی: (إِنَّمَا النَّجْوی مِنَ الشَّیْطانِ لِیَحْزُنَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ لَیْسَ بِضارِّهِمْ شَیْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) قَالَ: فَإِنَّهُ حَدَّثَنِی أَبِی، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی عُمَیْرٍ، عَنْ أَبِی بَصِیرٍ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: کَانَ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآیَةِ أَنَّ فَاطِمَةَ (علیها السلام) رَأَتْ فِی مَنَامِهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) هَمَّ أَنْ یَخْرُجَ هُوَ وَ فَاطِمَةُ وَ عَلِیٌّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ (علیهم السلام) مِنَ الْمَدِینَةِ، فَخَرَجُوا حَتَّی جَاوَزُوا مِنْ حِیطَانِ الْمَدِینَةِ فَتَعَرَّضَ لَهُمْ طَرِیقَانِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) ذَاتَ الْیَمِینِ حَتَّی انْتَهَی بِهِمْ إِلَی مَوْضِعٍ فِیهِ نَخْلٌ وَ مَاءٌ فَاشْتَرَی رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) شَاةً کَبْرَاءَ وَ هِیَ الَّتِی فِی إِحْدَی أُذُنَیْهَا نُقَطٌ بِیضٌ فَأَمَرَ بِذَبْحِهَا فَلَمَّا أَکَلُوا مَاتُوا فِی مَکَانِهِمْ، فَانْتَبَهَتْ فَاطِمَةُ (علیها السلام) بَاکِیَةً ذَعِرَةً فَلَمْ تُخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) بِذَلِکَ فَلَمَّا أَصْبَحَتْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) بِحِمَارٍ فَأَرْکَبَ عَلَیْهِ فَاطِمَةَ (علیها السلام) وَ أَمَرَ أَنْ یَخْرُجَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَیْنُ (علیهم السلام) مِنَ الْمَدِینَةِ کَمَا رَأَتْ فَاطِمَةُ (علیها السلام) فِی نَوْمِهَا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ حِیطَانِ الْمَدِینَةِ عَرَضَ لَهُ طَرِیقَانِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) ذَاتَ الْیَمِینِ کَمَا رَأَتْ فَاطِمَةُ (علیها السلام) حَتَّی انْتَهَوْا إِلَی مَوْضِعٍ فِیهِ نَخْلٌ وَ مَاءٌ، فَاشْتَرَی رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) شَاةً کَمَا رَأَتْ فَاطِمَةُ (علیها السلام) فَأَمَرَ بِذَبْحِهَا فَذُبِحَتْ وَ شُوِیَتْ، فَلَمَّا أَرَادُوا أَکْلَهَا قَامَتْ فَاطِمَةُ (علیها السلام) وَتَنَحَّتْ نَاحِیَةً مِنْهُمْ تَبْکِی مَخَافَةَ أَنْ یَمُوتُوا، فَطَلَبَهَا ◄  ► رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) حَتَّی وَقَعَ عَلَیْهَا وَ هِیَ تَبْکِی فَقَالَ: مَا شَأْنُکِ یَا بُنَیَّةُ، قَالَتْ: یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّی رَأَیْتُ الْبَارِحَةَ کَذَا وَ کَذَا فِی نَوْمِی، وَقَدْ فَعَلْتَ أَنْتَ کَمَا رَأَیْتُهُ فَتَنَحَّیْتُ عَنْکُمْ فَلَا أَرَاکُمْ تَمُوتُونَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) فَصَلَّی رَکْعَتَیْنِ ثُمَّ نَاجَی رَبَّهُ فَنَزَلَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ فَقَالَ: یَا مُحَمَّدُ هَذَا شَیْطَانٌ یُقَالُ لَهُ الدِّهَارُ، وَهُوَ الَّذِی أَرَی فَاطِمَةَ (علیها السلام) هَذِهِ الرُّؤْیَا، وَیُؤْذِی الْمُؤْمِنِینَ فِی نَوْمِهِمْ مَا یَغْتَمُّونَ بِهِ، فَأَمَرَ جَبْرَئِیلَ فَجَاءَ بِهِ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ أَرَیْتَ فَاطِمَةَ (علیها السلام) هَذِهِ الرُّؤْیَا، فَقَالَ: نَعَمْ یَا مُحَمَّدُ، فَبَزَقَ عَلَیْهِ ثَلَاثَ بَزَقَاتٍ فَشَجَّهُ فِی ثَلَاثِ مَوَاضِعَ، ثُمَّ قَالَ جَبْرَئِیلُ لِمُحَمَّدٍ: قُلْ یَا مُحَمَّدُ إِذَا رَأَیْتَ فِی مَنَامِکَ شَیْئاً تَکْرَهُهُ أَوْ رَأَی أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فَلْیَقُلْ أَعُوذُ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَلَائِکَةُ اللَّهِ الْمُقَرَّبُونَ وَ أَنْبِیَاؤُهُ الْمُرْسَلُونَ وَعِبَادُهُ الصَّالِحُونَ مِنْ شَرِّ مَا رَأَیْتُ وَ مِنْ رُؤْیَایَ، وَ یَقْرَأُ الْحَمْدَ وَ الْمُعَوِّذَتَیْنِ وَ قُلْ هُوَ اللَّهُ وَیَتْفُلُ عَنْ یَسَارِهِ ثَلَاثَ تَفَلَاتٍ، فَإِنَّهُ لا یَضُرُّهُ مَا رَأَی، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَی رَسُولِهِ (صلی الله علیه وآله): (إِنَّمَا النَّجْوی مِنَ الشَّیْطانِ) الْآیَةَ.

ورؤیا المفید (رحمه الله) حیث رأی فاطمة الزهراء (صلوات الله علیها) ومعها الحسنان (علیهما السلام) وقالت له فی المنام: یا شیخ علّمهما الفقه. بینما ظهر أنها زوجة الناصر والولدان الرضی والمرتضی((1)).

ورؤیا المحقق (قدس سره) حیث أخرج المجنون من المسجد، مع أنها أمرته فی المنام بعدم إخراجه، وقولها له بعد ذلک: أنت المحقق((2)).

ص:146


1- انظر خاتمة المستدرک للمحدث النوری: ج3 ص214 وفیها: (ما نقله الفاضل السید علی خان (رحمه الله) فی الدرجات الرفیعة قال: و کان المفید (رحمه اللّه) رأی فی منامه فاطمة الزهراء (علیها السلام) بنت رسول اللّه (صلّی اللّه علیه و آله) دخلت إلیه و هو فی مسجده بالکرخ، ومعها ولداها الحسن والحسین (علیهما السلام) صغیرین، فسلّمتهما إلیه و قالت له: علمهما الفقه، فانتبه متعجبا من ذلک. فلمّا تعالی النهار فی صبیحة تلک اللیلة التی رأی فیها الرؤیا، دخلت إلیه المسجد فاطمة بنت الناصر، وحولها جواریها، و بین یدیها ابناها علیّ المرتضی ومحمّد الرضی صغیرین، فقام إلیها و سلّم علیها، فقالت له: أیّها الشیخ هذان ولدای قد أحضرتهما إلیک لتعلّمهما الفقه، فبکی الشیخ، وقصّ علیها المنام. وتولّی تعلیمهما، وأنعم اللّه تعالی علیهما، وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما فی آفاق الدنیا، و هو باق ما بقی الدهر).
2- یقال: إن المحقق الحلی أبا القاسم نجم الدین صاحب الشرائع (قدس سره) لقب بالمحقق  حینما کان یدرس فی المسجد فدخل مجنون فأمر بطرده عن المسجد، وفی اللیل رأی شخصاً نورانیاً یقول له: لا تطرد المجنون إذا دخل المسجد. وفی الیوم الثانی عندما جاء ذلک المجنون طرده الشیخ أیضاً من المسجد، وتکررت الرؤیا فی اللیلة الثانیة والثالثة، وکان ذلک الرجل النورانی ینهاه عن طرد المجنون من المسجد، إلا أن الشیخ (قدس سره) کان یطرده، وفی اللیلة الرابعة جاءه ذلک الشخص النورانی وقال له : یا أبا القاسم لماذا طردت المجنون؟ ولامه. فقال المحقق : لأن الرؤیا لیست بحجة عندنا، ولو رأیتک سبعین مرة لطردت المجنون؛ لأنّ روایاتنا تأمر بطرد المجانین من المساجد، ولا یمکن الفتوی إلا حسب المصادر الشرعیة ومنها الأحادیث الصحیحة لا الرؤیا، عند ذلک التفت إلیه ذلک الشخص النورانی إلیه وقال له: أنت المحقق، أردت أن امتحنک فوجدتک محققاً، فلما قص الشیخ رؤیاه علی تلامذته شاع تلقیبه بالمحقق بین الجمیع.

إلی غیر ذلک.

وبذلک تبین أن ما یمکن أن یستدل به للاحتمال المذکور بین ضعیف السند، وضعیف الدلالة((1))، ومتروک العمل قطعاً، وبعضها محتمل التقیة.

مثل روایة ابن فضال، عن الرضا (علیه السلام)، إنه قال رجل من أهل خراسان: یا بن رسول الله رأیت رسول الله (صلی الله علیه وآله) فی المنام، إلی أن قال: إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قال: (من رآنی فی منامه فقد رآنی، لأن الشیطان لا یتمثل فی صورتی)((2)).

وروایة التمر الصیحانی مع الإمام الرضا (علیه السلام) حیث قال: (لو زادک جدی رسول الله (صلی الله علیه وآله) لزدناک) ((3)).

ص:147


1- وذلک کوجود قرائن قطعیة تصدق الرؤیا، وإلا فلا حجیة فی أصلها.
2- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص584 _ 585 ح3191 وفیه: (وَرَوَی الْحَسَنُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ أَبِی الْحَسَنِ عَلِیِّ بْنِ مُوسَی الرِّضَا (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ: یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، رَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) فِی الْمَنَامِ کَأَنَّهُ یَقُولُ لِی: کَیْفَ أَنْتُمْ إِذَا دُفِنَ فِی أَرْضِکُمْ بَضْعَتِی، وَاسْتُحْفِظْتُمْ وَدِیعَتِی، وَغُیِّبَ فِی ثَرَاکُمْ نَجْمِی، فَقَالَ لَهُ الرِّضَا (علیه السلام): أَنَا الْمَدْفُونُ فِی أَرْضِکُمْ، وَأَنَا بَضْعَةٌ مِنْ نَبِیِّکُمْ، وَأَنَا الْوَدِیعَةُ وَالنَّجْمُ، أَلَا فَمَنْ ◄  ► زَارَنِی وَهُوَ یَعْرِفُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ حَقِّی وَطَاعَتِی فَأَنَا وَآبَائِی شُفَعَاؤُهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ، وَمَنْ کُنَّا شُفَعَاءَهُ نَجَا وَلَوْ کَانَ عَلَیْهِ مِثْلُ وِزْرِ الثَّقَلَیْنِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَلَقَدْ حَدَّثَنِی أَبِی عَنْ جَدِّی عَنْ أَبِیهِ (علیهم السلام) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) قَالَ: مَنْ رَآنِی فِی مَنَامِهِ فَقَدْ رَآنِی لِأَنَّ الشَّیْطَانَ لا یَتَمَثَّلُ فِی صُورَتِی وَلا فِی صُورَةِ أَحَدٍ مِنْ أَوْصِیَائِی وَ لا فِی صُورَةِ وَاحِدَةٍ مِنْ شِیعَتِهِمْ وَإِنَّ الرُّؤْیَا الصَّادِقَةَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِینَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّة).
3- مستدرک الوسائل: ج12 ص374 ب17 ح14334، وفیه: (وَعَنِ الْحَاکِمِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَی، عَنْ أَبِی حَبِیبٍ النِّبَاحِیِّ، قَالَ: رَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) فِی الْمَنَامِ، وَحَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّرَخْسِیُّ بِالْإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ کَعْبٍ الْقُرَظِیِّ قَالَ: کُنْتُ فِی جُحْفَةَ نَائِماً فَرَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) فِی الْمَنَامِ فَأَتَیْتُهُ فَقَالَ لِی: یَا فُلَانُ سُرِرْتُ بِمَا تَصْنَعُ مَعَ أَوْلَادِی فِی الدُّنْیَا، فَقُلْتُ: لَوْ تَرَکْتُهُمْ فَبِمَنْ أَصْنَعُ، فَقَالَ (صلی الله علیه وآله): فَلَا جَرَمَ تُجْزَی مِنِّی فِی الْعُقْبَی، فَکَانَ بَیْنَ یَدَیْهِ طَبَقٌ فِیهِ تَمْرٌ صَیْحَانِیٌّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِکَ فَنَاوَلَنِی قَبْضَةً فِیهَا ثَمَانِیَ عَشْرَةَ تَمْرَةً، فَتَأَوَّلْتُ ذَلِکَ أَنْ أَعِیشَ ثَمَانِیَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَنَسِیتُ ذَلِکَ فَرَأَیْتُ یَوْماً ازْدِحَامَ النَّاسِ فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ ذَلِکَ فَقَالُوا: أَتَی عَلِیُّ بْنُ مُوسَی الرِّضَا (علیه السلام) فَرَأَیْتُهُ جَالِساً فِی هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَیْنَ یَدَیْهِ طَبَقٌ فِیهِ تَمْرٌ صَیْحَانِیٌّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِکَ فَنَاوَلَنِی قَبْضَةً فِیهَا ثَمَانِیَ عَشْرَةَ تَمْرَةً، فَقُلْتُ لَهُ: زِدْنِی مِنْهُ، فَقَالَ: لَوْ زَادَکَ جَدِّی رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) لَزِدْنَاکَ).

وروایة سلیم بن قیس، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی حدیث: (من رآنی نائماً رآنی یقظانَ) ((1)).

وفی معناه روایة أخری من طریق العامة.

وروایة هاشم بن سالم، عن الصادق (علیه السلام) قال: سمعته یقول: (رأی المؤمن ورؤیاه فی آخر الزمان علی سبعین جزءاً من أجزاء النبوة) ((2)).

وعن معمّر بن خلاد، عن الرضا (علیه السلام) قال: (إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) کان إذا أصبح قال لأصحابه: هل من مبشرات؟)((3))، أی رؤیا تبشر.

لا یُقال: فکیف ذکرت رؤی فی القرآن الحکیم، کرؤیا إبراهیم (علیه السلام)، ویوسف (علیه السلام) والملک وصاحبیه فی السجن، ورؤیا

ص:148


1- راجع بحار الأنوار: ج58 ص211 عن رسول الله (صلی الله علیه وآله). قال العلامة المجلسی (رحمه الله) فی توجیه الروایة وبیان الاحتمالات فی معناها: (والثانی أن یکون أراد به رؤیة الیقظة دون المنام، و یکون قوله نائما حالا للنبی (صلی الله علیه وآله) و لیست حالا لمن رآه، فکأنه قال من رآنی و أنا نائم فکأنما رآنی و أنا منتبه، والفائدة فی هذا المقال أن یعلمهم بأنه یدرک فی الحالتین إدراکا واحدا فیمنعهم ذلک إذا حضروا عنده و هو نائم أن یفیضوا فیما ◄  ► لا یحسن أن یذکروه بحضرته و هو منتبه،  وَ قَدْ رُوِیَ عَنْهُ علیه السلام: (أَنَّهُ غَفَا ثُمَّ قَامَ یُصَلِّی مِنْ غَیْرِ تَجْدِیدِ وُضُوءٍ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِکَ فَقَالَ إِنِّی لَسْتُ کَأَحَدِکُمْ تَنَامُ عَیْنَایَ وَلا یَنَامُ قَلْبِی).
2- الکافی: ج8 ص90 ح58.
3- بحار الأنوار: ج58 ص177 ح39، والکافی: ج8 ص90 ح59.

الرسول (صلی الله علیه وآله) دخول المسجد الحرام، والشجرة الملعونة؟

لأنه یُقال: أما الأنبیاء کالأوصیاء (علیهم السلام) رؤیاهم وحی، وأما الملک وصاحبا السجن فمن المعلوم أن الأنبیاء والأوصیاء یعلمون صحیح الرؤیا من الفاسدة ومن المختلطة، فلیس یقاس ذلک بسائر الناس الذین لیسوا کذلک.

هذا بالإضافة إلی أن الرؤیا تحتاج إلی التفسیر الذی لا یعلمه إلا الله والراسخون فی العلم.

وقد رأی إنسان شخصاً من خشب، علی فرس من خشب، وبیده سیف من خشب یلوح به فی الهواء، فقال له الصادق (علیه السلام): اتقِ الله ولا تأکل أموال الناس((1))، إلی غیر ذلک.

ولذا فسّر یوسف (علیه السلام) الرؤیا وغیر الرؤیا((2)) علی حد سواء((3)).

ص:149


1- راجع بحار الأنوار: ج58 ص163 ح12. وفیه: (وَذَکَرَ إِسْمَاعِیلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِیُّ، ◄  ► قَالَ أَتَی إِلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام رَجُلٌ فَقَالَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ رَأَیْتُ فِی مَنَامِی کَأَنِّی خَارِجٌ مِنْ مَدِینَةِ الْکُوفَةِ فِی مَوْضِعٍ أَعْرِفُهُ وَکَأَنَّ شَیْخاً مِنْ خَشَبٍ أَوْ رَجُلًا مَنْحُوتاً مِنْ خَشَبٍ عَلَی فَرَسٍ مِنْ خَشَبٍ یُلَوِّحُ بِسَیْفِهِ وَأَنَا أُشَاهِدُهُ فَزِعاً مَذْعُوراً مَرْعُوباً، فَقَالَ علیه السلام: أَنْتَ رَجُلٌ تُرِیدُ اغْتِیَالَ رَجُلٍ فِی مَعِیشَتِهِ فَاتَّقِ اللَّهَ الَّذِی خَلَقَکَ ثُمَّ یُمِیتُکَ، فَقَالَ الرَّجُلُ أَشْهَدُ أَنَّکَ قَدْ أُوتِیتَ عِلْماً وَاسْتَنْبَطْتَهُ مِنْ مَعْدِنِهِ، أُخْبِرُکَ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ عَمَّا قَدْ فَسَّرْتَ لِی إِنَّ رَجُلًا مِنْ جِیرَانِی جَاءَنِی وَعَرَضَ عَلَیَّ ضَیْعَتَهُ فَهَمَمْتُ أَنْ أَمْلِکَهَا بِوَکْسٍ کَثِیرٍ لِمَا عَرَفْتُ أَنَّهُ لَیْسَ لَهَا طَالِبٌ غَیْرِی، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: وَصَاحِبُکَ یَتَوَلَّانَا وَیَبْرَأُ مِنْ عَدُوِّنَا، فَقَالَ: نَعَمْ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ رَجُلٌ جَیِّدُ الْبَصِیرَةِ مُسْتَحْکَمُ الدِّینِ وَ أَنَا تَائِبٌ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَإِلَیْکَ مِمَّا هَمَمْتُ بِهِ وَنَوَیْتُهُ، فَأَخْبِرْنِی یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَوْ کَانَ نَاصِبِیّاً حَلَّ لِیَ اغْتِیَالُهُ، فَقَالَ أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنِ ائْتَمَنَکَ وَ أَرَادَ مِنْکَ النَّصِیحَةَ وَ لَوْ إِلَی قَاتِلِ الْحُسَیْنِ علیه السلام). ورواه الکافی: ج8 ص293 ح448. 
2- سورة یوسف: 36، قال تعالی: P وَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَیانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّی أَرانی أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّی أَرانی أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسی خُبْزاً تَأْکُلُ الطَّیْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْویلِهِ إِنَّا نَراکَ مِنَ الْمُحْسِنین O .
3- سورة یوسف: 41، قال تعالی: P یا صاحِبَیِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُکُما فَیَسْقی رَبَّهُ خَمْراً وَ أَمَّا الْآخَرُ فَیُصْلَبُ فَتَأْکُلُ الطَّیْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِیَ الْأَمْرُ الَّذی فیهِ تَسْتَفْتِیان O .

لا یقال: فکیف فسّر غیر الرؤیا؟

لأنه یقال: الکلام قد یدل علی المستقبل، حیث یجری علی لسان الإنسان تلقائیاً.

ص:150

تطبیق کلیات الدین علی الجزئیات

مسألة: من الضروریات التی قام علیها الإجماع من کل المسلمین، أنه یلزم تطبیق کلیات الدین، سواء استفیدت من الکتاب أو السنة، علی الصغریات الجزئیة.

بل علیه جرت سیرة العقلاء فی کل القوانین، ویدل بالإضافة إلی ذلک بعض الروایات:

مثل ما رواه هشام بن سالم، عن الصادق (علیه السلام) قال: (إنما علینا أن نلقی إلیکم الأصول، وعلیکم أن تفرعوا) ((1)).

وما رواه أحمد بن محمد بن أبی نصر، عن الرضا (علیه السلام) قال: (علینا إلقاء الأصول وعلیکم التفریع) ((2)).

وفی روایات حول القرآن بأنه کالشمس.

وفی روایة عبد الأعلی: هذا وأشباهه یعرف من القرآن: Pما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فی الدینِ مِنْ حَرَجO((3))،((4)).

إلی غیرها من الروایات.

ص:151


1- وسائل ا لشیعة: ج27 ص61 ب6 من أبواب صفات القاضی ح33201.
2- وسائل الشیعة: ج18 ص62 ب6 من أبواب صفات القاضی ح33202.
3- سور ة الحج: 78.
4- الکافی: ج3 ص33 باب الجبائر والقروح والجراحات ح4، وفیه: (عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ رِبَاطٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَی مَوْلَی ◄  ► آلِ سَامٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام): عَثَرْتُ فَانْقَطَعَ ظُفُرِی فَجَعَلْتُ عَلَی إِصْبَعِی مَرَارَةً فَکَیْفَ أَصْنَعُ بِالْوُضُوءِ، قَالَ: یُعْرَفُ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِنْ کِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ، امْسَحْ عَلَیْهِ).

وهذا هو الذی عمله الفقهاء منذ عصر الغیبة، فذکروا آیات الأحکام والفروع التی یستفاد منها، کما دوّنوا الفقه علی ضوء الکتاب والسنة، سواء دلاّ علی الحکم بالمطابقة، أو التضمن، أو الالتزام الذی له ظهور، لا الالتزام المنطقی الأعم.

سواء کان ظهوراً ابتدائیاً، أو ظهوراً بسبب دلیل الاقتضاء، مثل الجمع بین آیة: Pوَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراًO((1))، وآیة: Pحَوْلَیْنِ کَامِلَیْنِO((2))، حیث الجمع بینهما یدل علی أن أقل الحمل ستة أشهر.

لکن لا یخفی أن ذلک فی المورد الطبیعی، أما إذا جعل الولد فی الأنبوب أو أعملت أعمال طبیّة لتقویة الولد حتی لا یحتاج إلی ستة أشهر أو ما یشبه ذلک، کان من مصادیق (الولد للفراش)((3))، بالإضافة إلی دلالة العقل لأنه ولده عقلاً.

ولذا لا حاجة عندنا إلی القیاس والاستحسان والمصالح المرسلة، حیث إنه لا حکم محتاج إلیه إلی یوم القیامة إلاّ وذکر فی الکتاب أو فی السنة علی نحو خاص، أو علی نحو الکلیة.

إن قلت: فما شأن العقل فی الأمر؟

قلت: إنه یؤید المستفاد منهما، لأنه حجة باطنة، کما أن الأنبیاء وسائر المعصومین (علیهم السلام) حجة ظاهرة((4)).

ص:152


1- سورة الأحقاف: 15.
2- سورة البقرة: 233.
3- الکافی: ج5 ص491 ح2.
4- إشارة إلی الروایة الشریفة: (یَا هِشَامُ، إِنَّ لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حُجَّتَیْنِ، حُجَّةً ظَاهِرَةً وَحُجَّةً بَاطِنَةً، فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِیَاءُ وَالْأَئِمَّةُ علیهم السلام، وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُول) الکافی: ج1 ص15.

الإسلام یجبُّ عما قبله إلاّ ما استثنی

مسألة: إذا أخذ الإسلام بالزمام فی بلاد المسلمین لا یستبعد أن یقرّ الناس بالنسبة إلی سابقهم، وذلک للملاک فی (جَبّ الإسلام عما قبله)((1))، بل هذا أولی.

ولأنه یوجب العسر والحرج والضرر المنفیات فی الإسلام.

ولأن علیاً (علیه السلام) لمّا استرجع البصرة ونحوها لم یُطالب بما سبق، بل قال: (مننت علی أهل البصرة کما منَّ رسول الله (صلی الله علیه وآله) علی أهل مکة) ((2)).

وحیث إنهم (علیهم السلام) أسوة، فللفقیه إذا کان واحداً، ولشوری الفقهاء مع تعدد الفقهاء، الإقتداء بهما (صلوات الله علیهما).

ومورد الکلام هو الإقتداء بعلی (علیه السلام).

ولما رواه الشیخ فی (التهذیب)، ونقله (الوسائل) وغیره، عن عباس بن الهلال، عن أبی الحسن الرضا (علیه السلام)، (ذکر أنه لو أُفضی إلیه الحکم لأقر الناس علی ما فی أیدیهم، ولم ینظر فی شیء إلاّ بما حدث فی سلطانه، وذکر (علیه السلام): أن النبی (صلی الله علیه وآله) لم ینظر فی حدث أحدثوه وهم مشرکون، وأن من أسلم أقره علی ما فی یده) ((3)).

لکن الظاهر أن حدیث (الجَب) کهذا الحدیث، لا یشملان تعامل الناس بعضهم مع بعض، مما لا یرتبط بالشرع فی الأصل، مثل

ص:153


1- قاعدة فقهیة مستنبطة من قول رسول الله (صلی الله علیه وآله: (الإسلام یجب ما قبله)، مستدرک الوسائل: ج7 ص448 ب15 ح8625.
2- بحار الأنوار: ج32 ص329 ب8. والاحتجاج: ج1 ص187.
3- تهذیب الأحکام: ج6 ص295 ب92 ح31. ووسائل الشیعة: ج27 ص292 ب25 ح33779.

المعاملات((1)) والدیون((2))، والمناکح((3)) فی غیر المحرم قطعاً. أمثال: المجوس یتزوج الواحد منهم محارمه، أو الرجل أکثر من أربع، أو جمع بین الأختین، أو الأم والبنت، أو ما أشبه ذلک، أو المرأة لها زوجان، إلی غیر ذلک مما دلّ الدلیل نصاً وإجماعاً علی عدم البقاء.

بل ویؤید ذلک ما ورد فی المخالف إذا استبصر، حیث لا یؤمر بإعادة الصلاة والصیام والغسل ونحو ذلک، نعم استثنی من ذلک الزکاة التی وضعها فی غیر موضعها، مما یدل علی أنه لو وضعها فی موضعها لم یکن علیه الإعادة أیضاً.

بل یمکن أن یؤید بفعل علی (علیه السلام) فی الکوفة، حیث لم ینقل عنه أنه أخذهم بالسابق، مع أنهم کانوا من أتباع المشایخ، ومن الواضح اختلاف طریقته عن طریقتهم. ولو کان لَبَان، لتوفر الدواعی، کما لا یخفی.

العمل بالقرآن

مسألة: السنة المتواترة حرّضت علی الکتاب قراءةً وعملاً وغیر ذلک.

ص:154


1- فلو تعامل شخص مع شخص ولم یوف بالشروط التی کانت بینهما، ثم أسلم أحدهما لا یجب الاسلام ذلک، بل علیه أن یلتزم بالمعاملة التی أجراها وفق الشروط.
2- فإذا کان الکافر مدیوناً لشخص ثم أسلم، لا یسقط دینه بالإسلام.
3- فإذا نکح الکافر امرأة حسب دینهم فلابد أن یلتزم بذلک ولا یمکنه الفرار عن الواجبات الزوجیة بسبب إسلامه، نعم هذا لا یشمل النکاح المحرم القطعی، کنکاح الأخت ومن أشبه حیث ینفسخ بالإسلام.

وظواهره((1)) حجة، سواء کانت من قبیل النص، أو من قبیل الظاهر الذی هو دونه.

أما (المتشابه) فلا یعلم تأویله إلاّ الله والراسخون فی العلم((2)) وهم المعصومون (علیهم السلام).

والمتشابه: ما لا ظهور له، فیحتمل أن یُراد به کذا أو کذا.

ومن قال بعدم جواز العمل بالقرآن، إما لأنه لا ظاهر له، فالنزاع صغروی، لأنه لم یعرف المتشابه بخصوصه نصاً، وکل القرآن متشابهاً.

وإمّا للروایات الدالة علی أن علم القرآن مختص بالمعصومین (علیهم السلام)، فلا یجوز تفسیره لغیرهم، فالنزاع کبروی.

قد ردّ فی التفاسیر والأُصول والکلام:

لوضوح المتشابه، ف_ Pقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌO((3)) لیس من المتشابه، وPکهیعصO((4)) متشابه.

والمراد بأنهم (علیهم السلام) یعلمون القرآن: العلم الکامل، لا أن غیرهم لا حق له فی العمل بنصوصه وظواهره.

فقد قامت ضرورة کل المسلمین علی أن الله سبحانه بعث رسوله (صلی الله علیه وآله) لهدایة الناس، وأنزل إلیه الکتاب بلسان قومه، مشتملاً علی أوامر ونواهی ومواعظ وقصص وأخبار الآخرة، وعداً وعیداً.

إلی غیر ذلک.

ص:155


1- ظواهر الکتاب.
2- إشارة إلی قوله تعالی : P هُوَ الَّذی أَنْزَلَ عَلَیْکَ الْکِتابَ مِنْهُ آیاتٌ مُحْکَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذینَ فی قُلُوبِهِمْ زَیْغٌ فَیَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْویلِهِ وَ ما یَعْلَمُ تَأْویلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ یَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ کُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما یَذَّکَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْباب O . سورة آل عمران: 7.
3- سورة الإخلاص: 1.
4- سورة مریم: 1.

وجرت سیرة المسلمین من وقت نزول الوحی إلی هذا الیوم علی الاستفادة منه فی مختلف الشؤون.

ومع هذا، کیف یمکن القول بعدم وجود ظواهر، أو له ظواهر لا یجوز العمل بها؟

قال (صلی الله علیه وآله): (إنی مخلف فیکم الثقلین: کتاب الله، وعترتی أهل بیتی، ما إن تمسکتهم بهما لن تضلوا)((1)).

وظاهره استقلال کل واحد، وإلاّ لم یکن للکتاب شأن فی قبالهم.

قال عزوجل: Pالَّذی نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلَی عَبْدِهِ لِیَکُونَ لِلْعالمین

نَذیراًO((2)).

وقال تعالی: Pکِتابٌ فُصِّلَتْ آیاتُهُ قُرْآناً عَرَبیاً لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ * بَشیراً وَنَذیراًO((3)).

وقال (علیه السلام) کما فی نهج البلاغة: (فالقرآن آمر زاجر، وصامت ناطق، حجة الله علی خلقه، أخذ علیه میثاقهم)((4)) إلی آخره.

إلی سائر الروایات المتواترة التی تکون الشبهة معها کالشبهة فی مقابل البدیهة.

مضافاً إلی الأخبار المتواترة المذکورة فی أخبار العلاج وغیره، من عرض الحدیث المشکوک علی کتاب الله، فما وافقه أُخذ به، وما خالفه تُرک((5))، ومن المعلوم أن المراد حسب الفهم العرفی.

ص:156


1- بحار الأنوار: ج5 ص68 ح1، وسائل الشیعة: ج27 ص188 ب13 ح33565.
2- سورة الفرقان: 1.
3- سورة فصلت: 3 _ 4.
4- نهج البلاغة: الخطبة 183.
5- انظر الکافی: ج1 ص69 وفیه: (عَنِ السَّکُونِیِّ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله: إِنَّ عَلَی کُلِّ حَقٍّ حَقِیقَةً وَ عَلَی کُلِّ صَوَابٍ نُوراً، فَمَا وَافَقَ کِتَابَ اللَّهِ فَخُذُوهُ وَ مَا خَالَفَ کِتَابَ اللَّهِ فَدَعُوهُ). وفی تهذیب الأحکام: ج6 ص301 ح52 وهی مقبولة ابن حنظلة: (قُلْتُ فَإِنْ کَانَ الْخَبَرَانِ عَنْکُمْ مَشْهُورَیْنِ قَدْ رَوَاهُمَا الثِّقَاتُ عَنْکُمْ قَالَ یُنْظَرُ فِیمَا وَافَقَ حُکْمُهُ حُکْمَ الْکِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ خَالَفَ الْعَامَّةَ فَیُؤْخَذُ بِهِ وَ یُتْرَکُ مَا خَالَفَ حُکْمُهُ حُکْمَ الْکِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ وَافَقَ الْعَامَّةَ).

أما قول علی (علیه السلام): (لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمّال ذو وجوه، تقول ویقولون، ولکن حاججهم بالسنة فإنهم لن یجدوا عنک محیصاً)((1))، فالمراد به: ما کان کلیاً قابل الانطباق علی أی فرد.

مثلاً ابن عباس یقول: Pوَأُولِی الأَمْرِ مِنْکُمْO((2)) یُراد به: علیٌ (علیه السلام)، وطرفة یقول: یُراد به معاویة!.

أو یقول: Pإنما وَلِیُّکُمُ اللهُO((3)) یُراد به: علیٌ (علیه السلام)، وطرفه یقول: بل کل من أقام الصلاة وآتی الزکاة وهو راکع، وهکذا.

ولذا قال معاویة لابن عباس: اقرأ القرآن علی الناس، ولکن لا تفسره لهم.

ومنه یعلم أن المراد بمن فسّر القرآن برأیه، هو حمله علی مصداق لا یفهمه العرف، أو تفسیره بما یکون محتملاً لا ظاهراً، مثل تفسیر Pإلی المرافقO((4)) نهایة للغسل، لا للمغسول، وهکذا.

والحاصل إن الطائفتین من الأخبار فی صدد ذکر النزاع الذی حدث فی الصدر الأول:

فالطائفة المجوّزة مثل: (أمثال هذا یعرف من القرآن)((5))، یُراد

ص:157


1- نهج البلاغة: الکتاب 77 .
2- سورة النساء: 59.
3- سورة المائدة: 55.
4- سورة المائدة: 6.
5- انظر الکافی: ج3 ص33 ح4 وفیه: (عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ رِبَاطٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَی مَوْلَی آلِ سَامٍ، قَالَ قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: عَثَرْتُ فَانْقَطَعَ ظُفُرِی فَجَعَلْتُ عَلَی إِصْبَعِی مَرَارَةً فَکَیْفَ أَصْنَعُ بِالْوُضُوءِ، قَالَ: یُعْرَفُ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِنْ کِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ امْسَحْ عَلَیْهِ).

بها القرآن المقترن بتفاسیر أهل البیت (علیهم السلام) من العام والخاص والمطلق والمقید والمجمل والمبین، وما أشبه ذلک.

والطائفة المانعة مثل: (إنما یعرف القرآن مَن خُوطب به) ((1))، یُراد بها کل الخصوصیات، وفی قبال: (من فسّر القرآن برأیه فلیتبوّأ مقعده من النار) ((2)).

وبذلک ظهر أن القول: بأن الظواهر لا توجب إلاّ الظن، والظن لا یجوز العمل به بالأدلة الأربعة، مناقش فیه صغری وکبری، کما فصلناه فی الأصول.

کما أنّا ذکرنا هناک: أن الظواهر حجة للمشافهین وغیر المشافهین، فلا حاجة إلی تکراره.

ص:158


1- الکافی: ج8 ص311 ح485. وفیه: (عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ زَیْدٍ الشَّحَّامِ، قَالَ: دَخَلَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ عَلَی أَبِی جَعْفَرٍ ◄  ► علیه السلام، فَقَالَ: یَا قَتَادَةُ أَنْتَ فَقِیهُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ: هَکَذَا یَزْعُمُونَ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: بَلَغَنِی أَنَّکَ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ لَهُ قَتَادَةُ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: بِعِلْمٍ تُفَسِّرُهُ أَمْ بِجَهْلٍ، قَالَ: لَا بِعِلْمٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: فَإِنْ کُنْتَ تُفَسِّرُهُ بِعِلْمٍ فَأَنْتَ أَنْتَ، وَأَنَا أَسْأَلُکَ، قَالَ قَتَادَةُ: سَلْ، قَالَ: أَخْبِرْنِی عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِی سَبَأ: (وَقَدَّرْنا فِیهَا السَّیْرَ سِیرُوا فِیها لَیالِیَ وَ أَیَّاماً آمِنِینَ) فَقَالَ قَتَادَةُ: ذَلِکَ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَیْتِهِ بِزَادٍ حَلَالٍ وَرَاحِلَةٍ وَکِرَاءٍ حَلَالٍ یُرِیدُ هَذَا الْبَیْتَ کَانَ آمِناً حَتَّی یَرْجِعَ إِلَی أَهْلِهِ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: نَشَدْتُکَ اللَّهَ یَا قَتَادَةُ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ یَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنْ بَیْتِهِ بِزَادٍ حَلَالٍ وَرَاحِلَةٍ وَکِرَاءٍ حَلَالٍ یُرِیدُ هَذَا الْبَیْتَ فَیُقْطَعُ عَلَیْهِ الطَّرِیقُ فَتُذْهَبُ نَفَقَتُهُ وَیُضْرَبُ مَعَ ذَلِکَ ضَرْبَةً فِیهَا اجْتِیَاحُهُ، قَالَ قَتَادَةُ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: وَیْحَکَ یَا قَتَادَةُ إِنْ کُنْتَ إِنَّمَا فَسَّرْتَ الْقُرْآنَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِکَ فَقَدْ هَلَکْتَ وَ أَهْلَکْتَ، وَ إِنْ کُنْتَ قَدْ أَخَذْتَهُ مِنَ الرِّجَالِ فَقَدْ هَلَکْتَ وَ أَهْلَکْتَ، وَیْحَکَ یَا قَتَادَةُ ذَلِکَ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَیْتِهِ بِزَادٍ وَ رَاحِلَةٍ وَ کِرَاءٍ حَلَالٍ یَرُومُ هَذَا الْبَیْتَ عَارِفاً بِحَقِّنَا یَهْوَانَا قَلْبُهُ کَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ) وَ لَمْ یَعْنِ الْبَیْتَ فَیَقُولَ إِلَیْهِ فَنَحْنُ وَ اللَّهِ دَعْوَةُ إِبْرَاهِیمَ علیه السلام الَّتِی مَنْ هَوَانَا قَلْبُهُ قُبِلَتْ حَجَّتُهُ وَ إِلَّا فَلَا، یَا قَتَادَةُ فَإِذَا کَانَ کَذَلِکَ کَانَ آمِناً مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ قَالَ قَتَادَةُ لَا جَرَمَ وَ اللَّهِ لَا فَسَّرْتُهَا إِلَّا هَکَذَا، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: وَیْحَکَ یَا قَتَادَةُ إِنَّمَا یَعْرِفُ الْقُرْآنَ مَنْ خُوطِبَ بِهِ).
2- غوالی اللئالی: ج4 ص104 ح154.

القرآن حجة بهذه الکیفیة الموجودة

مسألة: ثم إن القرآن بهذه الکیفیة المتعارفة عند کافة المسلمین متواتر، بل من أقوی أقسام التواتر.

والتقدیم والتأخیر((1)) حدث بأمر النبی (صلی الله علیه وآله) وحیاً من السماء، کما دل علی ذلک النص والضرورة((2)).

وقول إن الثانی أو الثالث نظم القرآن، شبهةٌ فی قبال البدیهة، ولم یذکره ناقلوه إلاّ لإثبات الفضائل لهما من حیث وقعوا فی التناقض.

وقد وردت الروایات عن النبی (صلی الله علیه وآله) التی تقول: من قرأ القرآن کله کان له کذا((3))، فهل یقول النبی (صلی الله علیه وآله) ذلک لمن یأتی فی زمان الثانی.

ثم ما معنی عرض القرآن علی النبی (صلی الله علیه وآله) فی کل عام مرة، وفی عامه الأخیر مرتین((4)

ص:159


1- أی ترتیب السور حیث لم یکن علی ترتیب النزول، فسورة العلق فی نهایات القرآن، وسورة الفاتحة فی البدایة وهکذا.
2- للتفصیل انظر للمؤلف کتاب (متی جمع القرآن).
3- مستدرک الوسائل: ج4 ص262 ب10 ح4649، وفیه: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَکَأَنَّمَا أُوتِیَ ثُلُثَ النُّبُوَّةِ، وَمَنْ قَرَأَ ثُلُثَیِ الْقُرْآنِ فَکَأَنَّمَا أُوتِیَ ثُلُثَیِ النُّبُوَّةِ) الحدیث.
4- إرشاد القلوب: ج1 ص33 ب5، وفیه: (وروی أنه صلی الله علیه وآله لما مرض مرضه ◄  ► الذی مات فیه خرج متعصباً معتمداً علی ید أمیر المؤمنین علیه السلام والفضل بن العباس فتبعه الناس فقال :أیها الناس إنه قد آن منی خفوقی یعنی رحیلی، وقد أمرت أن أستغفر لأهل البقیع، ثم جاء حتی دخل البقیع ثم قال: السلام علیکم یا أهل التوبة السلام علیکم یا أهل الغربة لیهنکم ما أصبحتم فیه ما الناس فیه أتت الفتن کقطع اللیل المظلم یتبع أولها آخرها، ثم استغفر لهم وأطال الاستغفار ورجع فصعد المنبر و اجتمع الناس حوله، فحمد الله و أثنی علیه ثم قال: أیها الناس إنه قد آن منی خفوقی فإن جبرئیل علیه السلام کان یأتینی یعارضنی بالقرآن فی کل سنة مرة، و إنه قد عارضنی به فی هذه السنة مرتین، و لا أقول ذلک إلا لحضور أجلی فمن کان له علی دین فلیذکره لأعطیه و من کان له عندی عدة فلیذکرها أعطه، أیها الناس لا یتمنی متمن و لا یدعی مدع فإنه و الله لا ینجی إلا العمل و رحمة الله، لو عصیت لهویت ثم رفع طرفه إلی السماء و قال اللهم قد بلغت).

وإنی راجعت القرائین المخطوطة منذ ألف سنة التی کانت فی خزانة حرم سید الشهداء (علیه السلام)، فلم أجد فیها زیادة أو نقیصة حتّی فی نقطة أو فتحة أو کسرة، مما یدل علی تحفظ طبقات المسلمین بالقرآن طبقة فطبقة.

أمّا ما أحرقه عثمان، فذلک کان الأجزاء التی کتبت منه، کما هو العادة فی تدریس المدرسین حیث لا یحضر بعضٌ کل الدرس فیکتب بعضاً، وأراد عثمان بذلک إفناء الأجزاء المنتشرة والسور المتناثرة.

وبذلک ظهر أنه لم یقع أی تحریف فی القرآن حتی فی نقطة أو حرکة، کما هو المشهور بین علماء المسلمین قدیماً وحدیثاً.

روایات التحریف ضعیفة سنداً أو دلالة

أما الروایات الدالة علی التحریف فی بعض صحاحهم وبعض کتبنا، فهی ساقطة السند، ضعیفة الدلالة جداً.

قصة فصل الخطاب

ص:160

وقد نقل لی السید النجفی المرعشی((1))، وعالم آخر من علماء العراق: إن الحاج النوری (قدس سره) کتب کتابه (فصل الخطاب فی عدم تحریف الکتاب)، وإنما زیّده ونقصه بعض أیادی المستعمرین فی غفلة من المسلمین وسماه (فصل الخطاب فی تحریف الکتاب)، فصار من مصادیق Pیحرفون الکلم عن مواضعهO((2)).

ومن شأن المنحرف أن یحرف، وکم له من نظیر، فقد رأیت (مکارم الأخلاق) للطبرسی و(الکشکول) للبهائی طبع مصر محرفین وکأنهما کتابا العامة، وقد کتب فی أول الثانی: إن البهائی من علماء السنة!، لکنه حیث کان فی عصر الصفویین کان یتقی منهم، ولذا ذکر بعض ما یناسب مذهبهم فی کتبه.

ومن المعلوم أن عادة المنحرفین تحریف الشخص والشخصیّة،

ص:161


1- السید شهاب الدین المرعشی النجفی، ولد عام 1315ه_ فی النجف الأشرف وتوفی سنة 1411ه_ فی مدینة قم المقدسة. کان من مراجع التقلید فی المدرسة الإمامیة، تصدّی لمقام المرجعیة بعد رحیل السید حسین البروجردی قدس سره، حصل علی درجة الاجتهاد فی السابعة والعشرین من عمره. تلمّذ علی ید الشیخ عبد الکریم الحائری الیزدی وآقا ضیاء الدین العراقی، وحضر عند السید علی القاضی والسید أحمد الکربلائی والمیرزا جواد ملکی تبریزی فی الأخلاق والسیر والسلوک. من أبرز الخدمات الثقافیة التی قدّمها السید المرعشی تأسیس المکتبة العامّة المسمّاة باسمه والتی تحتوی علی کم وافر من المخطوطات الإسلامیة والکتب القیمة فی شتی العلوم، وهی تتصدر قائمة المکتبات الإیرانیة العامّة، وتقع فی المرتبة الثالثة لأکبر المکتبات فی العالم الإسلامی فی هذا المجال، إضافة الی هذا فقد قام بتأسیس مدارس علمیة کالمرعشیة والشهابیة والمهدویة والمؤمنیة، فبذل جمیع ما بوسعه فی سبیل العلم والاجتهاد والاحتفاظ بالتراث الإسلامی حتی أصبح لم یکن مستطیعاً لأداء فریضة الحج. له العدید من المؤلفات، منها: تعلیقات علی کتاب إحقاق الحق، مشجرات آل الرسول، طبقات النسابین، حاشیة علی عمدة الطالب.وکان قد تحمل عناء السفر والترحال الی بعض البلدان واللقاء بعلمائها لأجل تدوین بعض مؤلفاته. دفن آیة الله السید شهاب الدین المرعشی النجفی بناءً علی وصیته عند مدخل المکتبة المرعشیة فی مدینة قم، شارع إرم.
2- سورة النساء: 46.

ألم یحرفوا التوراة والإنجیل؟!

وألم یحرفوا سیرة أنبیاء الله (علیهم السلام)، فقالوا زنی لوط (علیه السلام) ببنتیه!، وزنی سلیمان (علیه السلام) بزوجة أوریا! وکان عیسی (علیه السلام) یصنع الخمر؟((1)).

إلی غیر ذلک من الخرافات. فهل من مانع بعد ذلک أن یحرف المستعمر کتاب (فصل الخطاب) بما یوجب البلبلة بین المسلمین؟

کیف وقد قال سبحانه: Pلا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفهO((2)).

وقال تعالی: Pإنا نحن نزلنا الذکر وإنا له لحافظونO((3)).

إلی غیر ذلک؟!

القراءات المشهورة وغیرها

مسألة: وبهذا تبیّن أن القول بالقراءات السبع أو العشر، وأنها متواترات، قول لا یمکن الاعتماد علیه، بل إن القراءة هی القراءة الواحدة الثابتة فی القرائین، حسب ما رأیناه منذ ألف سنة کما تقدم.

فإن القرارءات أمر حادث بعد عشرات السنین من الهجرة، وبنیت علی اجتهادات، کما لا یخفی علی من راجع الشاطبی وغیره.

ص:162


1- انظر کتاب (ماذا فی کتب النصاری) و(کیف ولماذا أسلموا) للإمام الشیرازی الراحل قدس سره.
2- سورة فصلت: 42.
3- سورة الحجر: 9.

فأی ربط لها بالقرآن المنزل والمقروء علی کیفیة واحدة إلی زمان حدوث هذه القراءات؟

ولوالدی (رحمه الله) ((1)) کلام متین حول عدم تحریف القرآن مذکور فی مجلة (أجوبة المسائل الدینیة) الکربلائیة، والله العاصم.

ص:163


1- هو المرجع الدینی الورع آیة الله العظمی السید المیرزا مهدی بن حبیب الله الحسینی الشیرازی (1304 ه_  _ 1380 ه_). ولد فی مدینة کربلاء المقدسة وتوفی فیها ودفن فی الصحن الحسینی الشریف فی مقبرة آل الشیرازی، بدأ تعلمه فی کربلاء ثم سافر مع والده إلی مدینة سامراء فأخذ فیها دروسه علی کبار الفقهاء والعلماء فی الفقه والأصول وسائر العلوم الحوزویة، له ذوق شعری رفیع وقصائد عدیدة، کما له مواقف مشرفة فی محاربة الإلحاد والحکومات المستبدة فی إیران والعراق، وکان من ضمن الجلسة العلمیة للمرجع الکبیر الحاج آقا حسین القمی (قدس سره).

التسامح فی أدلة السنن

مسألة: من السنة التسامح فی أدلة السنن، وقد کنا کتبنا سابقاً رسالة صغیرة فیه فی ضمن شرح الرسائل((1))، لکن حیث إنه من مباحث السنة التی بصددها هذا الکتاب، نذکر بعض الروایات التی تتعرض لذلک تتمیماً للفائدة.

فقد ورد فی ذلک طائفة من الروایات فیها الصحیح وغیرها مما هی مستند المشهور القائلین به:

کصحیحة هشام بن سالم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: (من بلغه عن النبی (صلی الله علیه وآله) شیء من الثواب فعمله، کان أجر ذلک له، وإن کان رسول الله (صلی الله علیه وآله) لم یقله) ((2)).

ومثله صحیحته الأخری، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: (من سمع شیئاً من الثواب علی شیء صنعه، کان له وإن لم یکن علی ما بلغه) ((3)).

وخبر صفوان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: (من بلغه شیء من الثواب علی شیء من الخیر فعمل به، کان له أجر ذلک وإن کان رسول الله (صلی الله علیه وآله) لم یقله)((4)).

وخبر محمد بن مروان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: (من بلغه عن النبی (صلی الله علیه وآله) شیء من الثواب ففعل ذلک طلب قول

ص:164


1- طبعت هذه الرسالة ضمن کتاب (الوصائل إلی الرسائل) ج8، ط مؤسسة عاشوراء قم، بالتعاون مع مؤسسة الوعی الإسلامی بیروت، 1421ه 2000م.
2- وسائل الشیعة: ج1 ص81 ب18 ح184.
3- الکافی: ج2 ص87 ح1.
4- الإقبال: ص627.

النبی (صلی الله علیه وآله)، کان له ذلک الثواب وإن کان النبی (صلی الله علیه وآله) لم یقله) ((1)).

وخبره الآخر، قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام) یقول: (من بلغه ثواب من الله علی عمل فعمل ذلک العمل التماس ذلک الثواب، أوتیه وإن لم یکن الحدیث کما بلغه) ((2)).

وعن ابن طاووس فی (الإقبال)، عن الصادق (علیه السلام) قال: (من بلغه شیء من الخیر فعمل به، کان ذلک له وإن لم یکن الأمر کما بلغه) ((3)).

وعن (عدة الداعی) لابن فهد، عن الصدوق، عن الکلینی، مرویاً عن الأئمة (علیهم السلام): (إن من بلغه شیء من الخیر فعمل به، کان له من الثواب ما بلغه وإن لم یکن الأمر کما نقل إلیه) ((4)).

وروی من طریقهم مرفوعاً إلی جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): (من بلغه عن الله فضیلة، فأخذها وعمل بها إیماناً بالله ورجاء ثوابه، أعطاه الله ذلک وإن لم یکن کذلک) ((5)).

وهذه الأحادیث تشمل ما ذکر فیها الثواب أو لم یذکر ولو بالملاک.

کما تشمل ترک المکروه، حیث فی ترکه لله سبحانه الثواب، وإن کان لیس ترک المکروه مستحباً ولا العکس.

ولا یبعد شمولها لفتوی الفقیه لأنه ینقل کلامهم.

نعم الظنون غیر المستندة إلیهما لیست بذلک.

إلی غیر ذلک من المباحث التی ذکرناها هناک مما لا حاجة إلی

ص:165


1- المحاسن: ج1 ص25 ح1.
2- الکافی: ج2 ص87 ح2.
3- الإقبال: ص556.
4- عدة الداعی: ص12 المقدمة. وعنه وسائل الشیعة: ج1 ص82 ب18 ح189.
5- عدة الداعی: ص13 المقدمة.

تکراره.

اشتراک الإناث والذکور فی التکلیف

مسألة: ما ورد فی السنة وقبلها فی القرآن الحکیم من ألفاظ (جمع الذکور) وما أشبه مثل:

Pیا أیها الذین آمنواO((1)).

و: Pهدی للمتقینO((2)).

و: Pإنما المؤمنون الذین إذا ذکر الله وجلت قلوبهمO((3)).

وما أشبه.

یعم الذکور والإناث.

ومثله قولهم (علیهم السلام): (یعید) ((4)).

و: (لا یعتد بشکه)((5)).

و: (لا ینقض الیقین بالشک)((6)).

ص:166


1- سورة البقرة: 104  و153 و172 و178 و183 و208 و254 و264 و267 و278 و282، وسورة آل عمران: 100 و102 و118 و130 و149 و156 و200، وفی سور عدیدة، فإنه وردت هذه الآیة (یا أیها الذین آمنوا) 89 مرة فی القرآن الکریم.
2- سورة البقرة: 2.
3- سورة الأنفال: 2.
4- الکافی: ج3 ص117 و285 و347 و406 و409.
5- انظر الکافی: ج3 ص351 ح3، وفیه: (لا یعتد بالشک).
6- تهذیب الأحکام: ج2 ص186 ب10 ح41.

وذلک للإجماع علی الاشتراک فی التکلیف إلاّ ما خرج، ولذا لم یشک أحد من الفقهاء فی کون الإطلاقات والعمومات شاملة للصنفین.

وکذلک الخنثی إذا قیل إنه طبیعة ثالثة، بل یشمل ذلک حتی لفظ (الرجال)، مثل: Pفیه رجال یحبون أن یتطهرواO((1))، وکذلک المبهمات، مثل: (من روی حدیثاً) ((2)).

ولا یستبعد أن یشمل لفظ (النساء) للذکور أیضاً، إذا لم تکن قرینة للخصوصیة، مثل خطاب القنوت لمریم (علیها السلام)، وإنما جاء الأکثر بلفظ (الذکور) لأنهم المبتلی بهم غالباً، حیث النساء یُدرن شأن الوضع والحمل والبیت ونحو ذلک.

ویؤید ذلک، بل یدل علیه قوله سبحانه: Pاهبطوا بعضکم لبعض عدوO((3))، شمل حواء أیضاً.

وقوله سبحانه: Pادخلوا الباب سجداًO((4)) حیث شمل نساء بنی إسرائیل أیضاً.

لا یقال: إنه بالقرینة، کما فی الآیة الأولی.

لأنه یقال: إذا کان الخطاب لم یقید شمل الإناث أیضاً عرفاً، ولا یأتی الإشکال فی الآیة الثانیة.

ولا یقال: نری فی بعض الآیات ذکر الرجال والنساء، ولو کان الجمع یشمل لم یحتج إلی ذکرهن، مثل قوله سبحانه: Pإن المسلمین والمسلماتO((5)).

لأنه یقال: السر هو ما روی عن أم سلمة أنها قالت: یا رسول

ص:167


1- سورة التوبة: 108.
2- انظر بحار الأنوار: ج2 ص158 ب21 ح3 وفیه: (من روی عنی حدیثاً) الحدیث.
3- سورة البقرة: 36، وسورة الأعراف: 24.
4- سورة الأحزاب: 35.
5-

الله، إن النساء قلن: ما نری الله ذکر إلاّ الرجال، فأنزل الله تعالی: Pإن المسلمین والمسلماتO((1))،((2)).

مما یظهر منه أنه جبر لخاطرهن.

ومنه یعلم شمول الخطابات للصغار أیضاً، وإن لم یکن التکلیف واجباً علیهم، سواء کان بلفظ الذکور، أو الإناث، أو المبهم، أو مثل (الصبیان). ولذا لم یشک المشهور فی شموله للصبایا فی باب الحج، وإن أشکل علیه (المستند)، لکنه لیس علی ما ینبغی، کما ذکرناه فی کتاب الحج.

ص:168


1- سورة الأحزاب: 35.
2- انظر فقه القرآن: ج1 ص48، وفیه: (وقوله: إِنَّ الْمُسْلِمِینَ وَ الْمُسْلِماتِ، الآیة إنما ذکر إزالة للشبهة، فإن أم سلمة قالت: یا رسول الله الرجال یذکرون فی القرآن ولا تذکر النساء، فنزلت الآیة).

السنة تؤید الدلیل العقلی

مسألة: السنة تؤید الدلیل العقلی، وإن کان الدلیل العقلی لا یحتاج إلی التأیید، فإن العقل شبه ما بالذات، وما بالغیر یحتاج إلیه، لا أنه یحتاج إلی ما بالغیر.

وکلما خالف النقل العقل القطعی أخذ بالثانی وأوّل الأوّل مثل: Pومن کان فی هذه أعمیO((1)).

و: Pالرحمن علی العرشO((2))، وما أشبه ذلک.

هذا بالإضافة إلی النقل الذی دل علی ما دل علیه العقل.

والروایات فی هذا الباب متواترة نذکر بعضها:

ففی صحیحة محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: (لما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتی وجلالی ما خلقت خلقاً هو أحب إلیَّ منک، ولا أکملتک إلاّ فیمن أحب، أما إنی إیّاک آمر، وإیاک أُنهی، وإیّاک أُعاقب، وإیاک أُثیب) ((3)).

وخبر هشام، قال أبو عبد الله (علیه السلام): (لما خلق الله العقل قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتی وجلالی ما خلقت خلقاً هو أحب إلیّ منک، بک أعطی، وعلیک أُثیب) ((4)).

وخبر محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: (لما خلق

ص:169


1- سورة الإسراء: 72.
2- سورة طه: 5.
3- الکافی: ج1 ص10 کتاب العقل والجهل ح1.
4- وسائل الشیعة: ج1 ص41 ب3 ح67.

الله العقل قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، فقال: وعزتی وجلالی ما خلقت خلقاً أحسن منک، إیّاک آمر، وإیّاک أُنهی) ((1)).

وخبر أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: (إن الله خلق العقل فقال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: ألا وعزّتی وجلالی ما خلقت خلقاً أحبّ إلیّ منک، لک الثواب، وعلیک العقاب)((2)).

وفی (الرسائل): عن بعض أصحابنا رفعه، عنهم (علیهم السلام): (إن الله خلق العقل فقال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، فقال: وعزتی وجلالی ما خلقت شیئاً أحسن منک أو أحب إلیّ منک، بک آخذ، وبک أعطی)((3)).

إلی غیرها من الروایات.

بالإضافة إلی الآیات الدالة علی أن الأمر منوط بالعقل، وإلی ما دل علی أن لله حجّتین: الظاهرة، وهم الأنبیاء (علیهم السلام)، والباطنة وهو العقل((4)).

ولا ینافی ذلک ما ورد من (إن دین الله لا یصاب بالعقول الناقصة)((5))، إذ المراد: الخصوصیات الشرعیّة، مثل أوقات

ص:170


1- وسائل الشیعة: ج1 ص41 ب3 ح69.
2- المحاسن: ص192 ح4.
3- المحاسن: ص194 ح13.
4- الکافی: ج1 ص15 وفیه: (یَا هِشَامُ إِنَّ لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حُجَّتَیْنِ حُجَّةً ظَاهِرَةً وَ حُجَّةً بَاطِنَةً فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَ الْأَنْبِیَاءُ وَ الْأَئِمَّةُ ع وَ أَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُولُ).
5- مستدرک الوسائل: ج17 ص262 ب6 ح21289، وفیه: (ٍ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ قَالَ: ◄  ► قَالَ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ علیه السلام: إِنَّ دِینَ اللَّهِ لَا یُصَابُ بِالْعُقُولِ النَّاقِصَةِ وَالْآرَاءِ الْبَاطِلَةِ وَالْمَقَایِیسِ الْفَاسِدَةِ وَلَا یُصَابُ إِلَّا بِالتَّسْلِیمِ، فَمَنْ سَلَّمَ لَنَا سَلِمَ، وَ مَنِ اهْتَدَی بِنَا هُدِیَ، وَمَنْ دَانَ بِالْقِیَاسِ وَالرَّأْیِ هَلَکَ، وَ مَنْ وَجَدَ فِی نَفْسِهِ شَیْئاً مِمَّا نَقُولُهُ أَوْ نَقْضِی بِهِ حَرَجاً کَفَرَ بِالَّذِی أَنْزَلَ السَّبْعَ الْمَثَانِی وَالْقُرْآنَ الْعَظِیمَ وَهُوَ لَا یَعْلَمُ).

الصلوات وشرائطها، وأنصبة الزکوات وأوقاتها، وأحکام الحج وخصوصیاتها.

نعم هذه الجزئیات یمکن درجها تحت الکلیّات المعقولة مثل: کلّی العبادة للخالق المنعم، وکلّی إعطاء المال للفقراء والمساکین، وکلّی تجمّع المسلمین فی مکان واحد، مما ذکرنا بعضها فی (عبادات الإسلام)((1)) وغیره.

ص:171


1- عبادات الإسلام، 284صفحة 20×14. من عناوین الکتاب: الصلاة، الصوم، الزکاة، الخمس، الحج، الجهاد، الأمر بالمعروف، النهی عن المنکر، التولی، التبری. التألیف: کربلاء المقدسة. طبع فی النجف الأشرف العراق، وفی بیروت لبنان. والکویت أیضا. ترجم: إلی الفارسیة: (فروع دین)، ترجمه الشیخ مصطفی زمانی، 311 صفحة، 20×14، ط: مکرراً فی قم المقدسة، انتشارات بیام اسلام. کما طبع فی أربعة أجزاء مستقلة أیضاً. وترجم أیضا إلی الفارسیة: (نقش عبادت در سازندکی انسان)، ترجمه السید محمد باقر الفالی، تاریخ الترجمة: 1 رجب 1403ه، 248 صفحة 20×14 ط: (کانون نشر اندیشه های اسلامی) قم المقدسة. کما ترجم الشیخ علی الکاظمی الفصل الأول منه: (نماز)، ط: قم المقدسة 17×12. وترجم الشیخ مصطفی زمانی الفصل الثانی منه: (روزه)، 120 صفحه، غلاف، 20×14، ط 7: انتشارات بیام اسلام قم المقدسة.

ضرورة الأخذ بالحدیث واتّباعه

مسألة: السنة المتواترة تؤید الحدیث وتحرّض علی الأخذ به واتّباعه.

ففی روایة ابن حنظلة، عن الصادق (علیه السلام)، عن رجلین من أصحابنا بینهما مناعة، إلی أن قال: (ینظران إلی من کان منکم ممن قد روی حدیثنا ونظر فی حلالنا وحرامنا وعرف أحکامنا، فلیرضوا به حَکَماً، فإنی قد جعلته علیهم حاکماً، فإذا حکم بحکمنا فلم یُقبل منه، فإنما استخف بحکم الله، وعلینا رد، والرادّ علینا الرادّ علی الله، وهو علی حد الشرک بالله) ((1)).

وخبر معاویة: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): رجل راویة لحدیثکم،

إلی أن قال: فقال: (الراویة لحدیثنا یشدد به قلوب شیعتنا، أفضل من ألف عابد)((2)).

وخبر علی بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: (اعرفوا منازل الناس علی قدر روایاتهم عنا) ((3)).

وخبر أحمد بن إسحاق، عن أبی الحسن (علیه السلام) قال: سألته وقلت: مَن أُعامل أو عمّن آخذ، وقول مَن أقبل؟ فقال له: (العمری ثقتی، فما أدّی إلیک عنّی فعنّی یؤدّی، وما قال لک عنّی فعنّی یقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون)، قال: وسألت أبا محمد عن مثل ذلک؟ فقال له: (العمری وابنه ثقتان، فما أدّیا إلیک عنی فعنی یؤدّیان،

ص:172


1- الکافی: ج1 ص67 ح10.
2- الکافی: ج1 ص33 ح9.
3- الکافی: ج1 ص50 ح13.

وما قالا لک عنی فعنی یقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان) ((1)).

وعن الهاشمی، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام): عن المتعة، فقال: (ألق عبد الملک بن جریح فسله عنها، فإن عنده منها علماً) فلقیته، فأملی علیّ شیئاً کثیراً فی استحلالها((2)).

وعن الصدوق، قال علی (علیه السلام): (قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): (اللهم ارحم خلفائی، ثلاثاً، قیل: یا رسول الله ومَن خلفاؤک؟ قال: الذین یأتون من بعدی یروون حدیثی وسنّتی)((3)).

وعن أبان بن عثمان: إن أبا عبد الله (علیه السلام) قال له: (إن أبان بن تغلب روی عنی روایة کثیرة، فما رواه لک عنی فأروه عنّی) ((4)).

وفی توقیع مولانا الحجّة (عجل الله تعالی فرجه الشریف): (أما ما سُئلت عنه أرشدک الله وثبّتک _ إلی أن قال _ : وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلی رواة حدیثنا، فإنهم حجتی علیکم وأنا حجة الله، وأمّا محمد بن عثمان العمری فرضی الله عنه وعن أبیه من قبل، فإنه ثقتی وکتابه کتابی)((5)).

وعن الهروی، قال: سمعت الرضا (علیه السلام) یقول: (رحم الله عبداً أحیی أمرنا) قلت: وکیف یحیی أمرکم؟ قال: (یتعلّم علومنا ویعلّمها

الناس)((6)).

ص:173


1- الکافی: ج1 ص330 ح1.
2- وسائل الشیعة: ج21 ص19 ب4 من أبواب المتعة ح26413.
3- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص302 ح95.
4- وسائل الشیعة: ج27 ص140 ب11 ح33424.
5- الاحتجاج: ص470.
6- وسائل الشیعة: ج27 ص141 ب11 ح33426.

وعن الحسین بن روح، عن أبی محمد الحسن بن علی (علیه السلام): أنه سُئل عن کتب بنی فضال، فقال: (خذوا بما روَوا، وذروا ما رأوا) ((1)).

وعن العقرقوفی: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): ربما احتجنا إلی أن نسأل عن الشیء، فمن نسأل؟ قال: (علیک بالأسدی) یعنی أبا بصیر((2)).

إلی غیرها من الروایات الکثیرة.

ص:174


1- وسائل الشیعة: ج27 ص102 ب8 ح33324.
2- رجال الکشی: ص171 ح291.

السنة والإجماع

مسألة: السنة تؤید الإجماع، فقد روی عنه (صلی الله علیه وآله) عن طریق العامة والخاصة قوله: (لا تجتمع أمتی علی ضلالة)((1))، وهذا الحدیث موافق للعقل أیضاً.

أمّا علی مذهب الشیعة، من وجود الإمام المعصوم (علیه السلام) فی الأمّة دائماً، فمن المعلوم ذلک.

وأما علی مذهب العامة من عدم لزومه _ وإن کان هذا الالتزام منهم ینافی ما رووه عنه (صلی الله علیه وآله): (من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة الجاهلیة)((2))_ فمن الواضح أن کل الأمة لو اجتمعوا علی ضلالة، لزم انقطاع الحجّة فی ذلک المورد الذی اجتمعوا فیه علی الضلالة، سواء کان فی الأصول أو الفروع، والعقل والشرع دلاّ علی أن دین الله لا ینقطع.

ثم هل المراد الأمة کلهم، أو أهل العلم والحل والعقد منهم؟

فالأول ظاهر لفظ (الأمّة)، والثانی بقرینة استبعاد اجتماع کل الأمّة علی شیء إلاّ علی الأولیات الواضحة، بینما (علی ضلالة) أعم منها.

أما تطبیق العامة لهذه الکبری الکلیة علی خلافة (فُلان) فهو اشتباه، إذ لم تجتمع الأمة علیه أبداً، لا فی ذلک الیوم ولا ما بعده، وتطبیق صغری لیست من تلک الکبری لا یلزم عدم صحة الکبری.

بل یمکن الاستدلال علی الحدیث المذکور _ بالإضافة إلی العقل

ص:175


1- بحار الأنوار: ج2 ص225 ب29 ح3. تحف العقول: ص458.
2- وسائل الشیعة: ج16 ص246 ب33 ح21475.  وروی الحدیث فی مصادر العامة أیضاً.

المتقدم _ بالکتاب العزیز، حیث قال سبحانه: Pوَمَنْ یُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدی وَ یَتَّبِعْ غَیْرَ سَبیلِ الْمُؤْمِنینَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّی وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصیراًO((1))، حیث الظاهر أن الجملة الثانیة لیست تأکیداً للجملة الأولی بل تأسیساً، و(سبیل المؤمنین) یشمل أقوالهم وأفعالهم، لأن کلاً منهما یمهّد

السبیل.

القیاس والاستحسان

مسألة: لا حجة فی القیاس، والاستحسان، والرأی، والمصالح المرسلة.

وقد نفت السنة ذلک، تارةً بالالتزام بحصرها الدلیل فی الکتاب والسنة؛ أو منضمان إلی الإجماع والعقل حسب دلیلهما، وتارةً بالمطابقة.

و(القیاس): عبارة عن تمثیل موضوع علی موضوع آخر، لیسحب إلی الثانی حکم الأول.

و(الاستحسان) أن یری الحکم الفلانی حسناً للموضوع الفلانی، وإن لم یدل علیه أحد الأدلة الأربعة فی نظره، وإنما قلنا: (فی نظره)، لأنّا نری أنه لیس موضوع إلاّ له حکم مبین بأحد الأدلة الأربعة جزئیاً أو کلیاً.

و(الرأی) معناه: أن یری الحکم الفلانی للموضوع الفلانی.

وبینه وبین الاستحسان من وجه، إذ ربما یستحسن الإنسان حکماً لکن لا یراه عملاً لمحذور فی نظره، أو یری تطبیقه لکنه لا یستحسنه وإنما لمصلحة یراه.

ص:176


1- سورة النساء: 115.

و(المصالح المرسلة) معناها: أن هناک مواضیع لم یرد بأحکامها شرع _ کما یرون _ فاللازم جعل الحکم لها.

وبذلک تبیّن عدم الانسیاق فی الأربعة، فإنّ الأخیر فی الموضوع، والثلاثة فی الحکم، وربما یُقال غیر ذلک.

وعلی أی حال، فالشیعة لا یرَون أیّاً منها.

ففی (روضة الکافی): عن الصادق (علیه السلام) فی حدیث طویل: (وکما أنه لم یکن لأحد من الناس مع محمد (صلی الله علیه وآله) أن یُأخذ بهواه ولا رأیه ولا مقاییسه خلافاً لأمر محمد (صلی الله علیه وآله)، کذلک لم یکن لأحد بعد محمد (صلی الله علیه وآله) أن یُأخذ بهواه ولا رأیه ولا مقاییسه) ((1)).

وعن أبی بصیر، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): ترد علینا أشیاء لیس نعرفها فی کتاب الله ولا سُنّة، فننظر فیها، فقال (علیه السلام): (لا، أمّا إنک إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت کذبت علی الله) ((2)).

إلی غیرها من الروایات التی هی فوق حد التواتر، بل قال بعض العلماء: إن الروایات التی وردت فی النهی عن القیاس زهاء خمسمائة روایة.

ص:177


1- الکافی: ج8 ص5 کتاب الروضة ضمن ح1.
2- الکافی: ج1 ص56 باب البدع والرأی والمقاییس ح11.

روایة الأُنثی والأخرس

مسألة: تقبل روایة الأُنثی والخُنثی، فلا یشترط فی الروایة الذکورة لإطلاق الأدلة، وقد ادّعی بعض العلماء الاتفاق علی ذلک.

کما لا یشترط فی الشهادة الذکورة، إلاّ فی موارد خاصة مذکورة فی کتاب الشهادات.

نعم المرأة لا تصلح للإمارة والقضاء والفتوی، بما ذکر من أدلتها فی مواضعها، نعم تصح لها إمامة الجماعة للنساء، کما نصب رسول الله (صلی الله علیه وآله) أمّ ورقة إماماً للنساء.

ولیس علیها الجهاد الابتدائی بل الدفاعی مع توفر الشرائط.

مما لا یشترط فی الروایة

کما لا یشترط فیها((1)) الحریة أیضاً لما تقدم.

ولا یشترط عدم القرابة، بل تصح روایة الوالد عن ولده وبالعکس، وهکذا سائر الأقرباء.

وکذلک تقبل روایة العدو علی عدوه وعن عدوه، إلاّ فیما لم یکن ثقة، فهو شرط آخر تقدم الکلام فیه.

ولا یشترط القدرة علی الکتابة، ولا النطق، ولا البصر، فیما أمکن الأداء بغیرها، کغیر الکاتب ینطق، والأخرس یؤشر، مثلاً یُسأل منه: هل قال الإمام (علیه السلام) کذا؟ فیشیر برأسه (لا) أو (نعم).

ص:178


1- أی فی الروایة.

أما عدم اشتراط البصر فأوضح.

وقد تقدم الکلام فی الصغر وأنه إذا تحمّله فیه وأداه فی الکبر، قُبل لإطلاق أدلته.

أما المروءة، فإذا قلنا باشتراط العدالة، وقلنا بأن خلاف المروءة خلافها، کانت شرطاً، وإلاّ لا.

وقد تقدم إن اللازم الثقة.

کما أنه قد تقدم عدم اشتراط التعدد.

وعدم اشتراط الاستقامة إذا کان الراوی ثقة، وقد روی أصحابنا عن الکیسانیة والفطحیة ومن أشبههم، ولم یتوقفوا فی العمل بروایاتهم، بالإضافة إلی بعض الروایات الخاصة فی الأمور المتقدمة.

ص:179

عمل العدلین بروایة، هل یعتبر تزکیة؟

مسألة: إذا عمل العدل الذی تعتبر تزکیته، وقلنا: إن تزکیة العدل کافیة، أو عمل عدلان بروایة لا یعلم سندها أو بعض سندها بجمعه الشرائط، فهل یکون العمل تزکیة؟

الظاهر نعم، لکن الکلام فی تحقق الموضوع، إذ من المحتمل أن عمله مستند إلی القرائن.

خلافاً لما یحکی عن المفید و(النهایة) وغیرها من: أن العمل لا یفید التعدیل.

ولم یُعلم وجهه، إلاّ إذا أرید عدم تحقّق الموضوع، فهو خارج عن البحث.

قال فی (المفاتیح): والظن هنا یقوم مقام العلم، ولعله مبنیّ علی الظنون الرجالیة، أو علی الانسداد، أو علی ما ذکرناه فی (الأصول) من: أن بناء العقلاء علی العمل بالظن فی جمیع أمورهم، والشارع لم ینه عنه، لأن الآیات والروایات الناهیة فی باب أصول الدین ونحوه، لا أنها رادعة کردعهم عن القیاس، وإلاّ فعلی المشهور الظن لا یقوم مقام العلم.

وشرط کونه تعدیلاً: أن یُعلم بأن العدل عمل بالروایة، فإذا أفتی علی طبقها واحتملنا احتمالاً عقلائیاً أن مستنده غیر هذه الروایة، لم یکن وجه لکونه تزکیة.

وعلیه، فإذا عُلم بأن المستند هذه الروایة، وأنه لیس بمعونة القرائن، فلایهم أن یذکر العامل الروایة أو لا یذکرها، أو أن یذکر السند أو لا یذکره.

وکذلک الحال إذا قلنا بکفایة الوثاقة، وعلمنا بأن العامل لا یعمل إلاّ بالخبر الموثّق.

ومنه یعلم الکلام فیما إذا حکم القاضی بشیء، وعلمنا أنه مستند

ص:180

إلی الشاهدین الفلانیّین، وأنه لم یعمل إلاّ بهما مجرداً عن القرائن، فإنه تعدیل

أیضاً.

کما أن تقلید من لا یُقلّد إلاّ الأعلم، شهادةٌ بأعلمیته بالشروط المذکورة.

وإذا خالف العدل روایة، وعلمنا أنه لا یُخالف من جهة القرائن أو ما أشبه، یکون شهادةً علی الجرح، لما تقدم من أنه لا فرق بین التزکیة والجرح فیما ذکر.

وعلی ما تقدم، فلا فرق بین التزکیة والجرح اللفظیین، أو العملیین، أو التقریریین، لوحدة الملاک فی الجمیع.

فقول بعضهم: بأن العمل مرجوح بالنسبة إلی التزکیة بالقول، وبالنسبة إلی الحکم بالشهادة _ لأن باب الشهادة أعلی من باب الروایة، ولذلک اشترط فیه ما لم یشترط فی باب الروایة، فکان الاحتیاط والاحتراز فیه أتم وأدنی _ غیر ظاهر الوجه.

ویأتی فی المقام، لو عمل شخص وجرح آخر أو بالعکس، أو عمل أحدهما ولم یعمل الآخر، وهکذا بالنسبة إلی التقریر، لأن الجمیع من باب واحد کما عرفت.

ومثل ذلک: لو رأیناه یعمل تارة ولا یعمل أخری، أو یعمل ویجرح أو بالعکس، وذلک بالنسبة إلی التقریر.

ص:181

التنجیز والإعذار

مسألة: دلّت الأربعة علی أن لکل قضیة حکماً عند الله سبحانه وتعالی، وأن الله سبحانه جعل الطرق إلی تلک الأحکام إما طرقاً موصلة، وإما طرقاً معینة من قبله تعالی، یُثیب علیها من سلکها، سواء وصل إلی تلک الأحکام الواقعیة أم لا.

مثل: (کل شیء هو لک حلال) ((1)).

و: (کل شیء طاهر) ((2)).

و: (إقرار العقلاء علی أنفسهم جائز) ((3)).

و: (أخوک دینک فاحتط لدینک بما شئت)((4)).

إلی غیرها من الآیات والروایات.

والإجماع من الإمامیة والعقل علیه واضح.

وقد ذکرنا فی الأصول: إن الظاهر أن الطرق التی لا تصل

ص:182


1- الکافی: ج5 ص313 باب النوادر ح40 وفیه: (کُلُّ شَیْ ءٍ هُوَ لَکَ حَلَالٌ حَتَّی تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَیْنِهِ فَتَدَعَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِکَ، وَذَلِکَ مِثْلُ الثَّوْبِ یَکُونُ قَدِ اشْتَرَیْتَهُ وَ هُوَ سَرِقَةٌ، أَوِ الْمَمْلُوکِ عِنْدَکَ وَ لَعَلَّهُ حُرٌّ قَدْ بَاعَ نَفْسَهُ أَوْ خُدِعَ فَبِیعَ أَوْ قُهِرَ، أَوِ امْرَأَةٍ تَحْتَکَ وَ هِیَ أُخْتُکَ أَوْ رَضِیعَتُکَ، وَالْأَشْیَاءُ کُلُّهَا عَلَی هَذَا حَتَّی یَسْتَبِینَ لَکَ غَیْرُ ذَلِکَ أَوْ تَقُومَ بِهِ الْبَیِّنَةُ).
2- مستدرک الوسائل: ج2 ص583 ب30 ح27494. وفیه: (کل شیء طاهر حتی تعلم أنه قذر). وفی روایة التهذیب: (کُلُّ شَیْ ءٍ نَظِیفٌ حَتَّی تَعْلَمَ أَنَّهُ قَذِرٌ فَإِذَا عَلِمْتَ فَقَدْ قَذِرَ وَ مَا لَمْ تَعْلَمْ فَلَیْسَ عَلَیْکَ) تهذیب الأحکام: ج1 ص284 ب11 ح119.
3- وسائل الشیعة: ج23 ص184 ب3 ح29342.
4- وسائل الشیعة: ج27 ص167 ب12 ح33509.

إلی الأحکام الواقعیة تنجیز وإعذار، لا أحکام ظاهریة، کما قال به غیر واحد.

ولذا فوجوه الجمع بین الأحکام الظاهریة والواقعیة غیر هذا، محل نظر.

وحیث إن هذه الکلیة تشمل السنة ذکرناه هنا.

ص:183

ضروریات الدین

مسألة: المسائل الضروریة التی هی ضروریة فی کل الطبقات، لا تحتاج إلی دلیل آخر، من غیر فرق بین ضرورة الدین کوجوب الصلاة، أو المذهب کضرورة کون الأئمة (علیهم السلام) اثنی عشر.

شرط کفر منکر الضروری

وقد ذکرنا فی بعض الکتب: إن مخالف الضروری کافر، إذا رجع إلی تکذیب الرسول (صلی الله علیه وآله)، حیث إن معناه عدم الاعتقاد بالرسول (صلی الله علیه وآله)، کما ألمع إلیه الفقیه الهمدانی (رحمه الله) وغیره.

أما إطلاق أن منکر الضروری کافر، فلیس علیه دلیل واضح.

فروع

وبعد ذلک، فلا یهم أن یکون ضروریاً فی کل الطبقات أم لا، مثل: عدم سهو النبی (صلی الله علیه وآله)، حیث لم یکن ضروریاً فی زمان الصدوق، ومع ذلک لو أنکره إنسان بما رجع إلی تکذیبه (صلی الله علیه وآله) کفر، وإلا فلا.

ولا فرق فی ذلک بین المرتبط بالأحکام، أو لا، سلباً وإیجاباً، فقد وجد فی زماننا جماعة سموا أنفسهم بأهل القرآن، لا یعملون بأحادیث الرسول (صلی الله علیه وآله) إطلاقاً، مدّعین أنه کثر فیها الخلط متناً والضعف سنداً، مما لا یُعلم صدقه عن کذبه.

ص:184

کما وجد فی زماننا بعض من اعتقد لزوم إسقاط کل لفظ (قل) من القرآن الحکیم، لأنه خطاب إلی الرسول (صلی الله علیه وآله)، فاللازم أن یقرأ (هو الله أحد)، و(أعوذ برب الناس)، وهکذا.

کما وجد من أنکر العذاب إطلاقاً، لأنه خلاف الرأفة التی اتصف الله بها مع عدم احتیاجه إلیه.

ومن أنکر وجود الثواب والعقاب، وقال: إنه تشبیهات وتحریضات، کما یرغّب ویخوّف الأب ولده بما لا واقع له.

لکن کل ذلک لم یکن إلاّ شبهة فی قبال البدیهة، ولیس کلامنا الآن فیه، وإنما فی أن المنکر إذا لم یکن إنکاره راجعاً إلی تکذیب الله والرسول (صلی الله علیه وآله) لم یکن کافراً.

ص:185

العسر والحرج

مسألة: قد ذکر فی الأصول أن الحرج نفسی والعسر جسدی، وإن کان یُطلق کل منهما علیهما معاً إذا انفرد.

والله سبحانه یرید الیسر ولا یرید العسر((1))، والظاهر أن الجملة الثانیة تأسیس، لا تأکید؛ لأنه من الممکن إرادة کلیهما، مثل إرادته اللیل وإرادته النهار.

والعسر المنفی عزیمة فی مواردها، ورخصة فی مواردها، کالضرر.

ولذا قالوا: بأن الصوم الضرری إذا کان بحد المنع من النقیض حرم، وإلاّ جاز، لأنه مقتضی المنّة، علی تفصیل ذکرناه فی الفقه.

لکن هل العسر المنفی فی الواجبات والمحرمات فقط، أو یشمل المستحب والمکروه؛ فالعسر إلی حد الحرمة إذا تعارض مع الوجوب سقط الوجوب حتی جوازه، أو یخیر حسب کون الأهمیة مانعة من النقیض أو لا؟

ص:186


1- إشارة إلی قوله تعالی: P یرید الله بکم الیسر ولا یرید بکم العسر O سورة البقرة: 185.

أقسام العسر فی الواجب

ولذا فالأقسام ثلاثة:

1: واجب الفعل، فی ما إذا کان العسر لا بحد المانعة؛ ولذا یعسر الوضوء فی الشتاء مع ذلک یجب.

2: وواجب الترک فی عکسه.

3: ومخیّر بینهما فی ما إذا لم یکن ترجیح، أو کان الترجیح لا بحدّ إسقاط الطرف الآخر.

العسر فی الحرام

ومنه یعلم حال الحرام الذی یقع الإنسان من ترکه فی العسر، فإنه یجب فعله، أو یخیّر حسب ما ذکر فی الواجب فی الأقسام الثلاثة.

فلمس الأجنبیة المحرّم لکن یجب علیها مراجعة الطبیب المداوی لیلمسها إن اضطر، إذا کانت من المرض فی عسر شدید.

هذا کله مما لا إشکال فیه.

ص:187

العسر فی المستحب والمکروه

وإنما الکلام فی أن العسر کما یرفعهما، هل یرفع المستحب والمکروه؟

المشهور لا، لأنه لیس إلزاماً، فیصح أن یقول سبحانه: أنت مجاز فی ترک المستحب وفعل المکروه، فاستحبابه وکراهته لا یوجبان علیک عسراً.

لکن بما أن المستحب معناه أن الأفضل لک الفعل، وهو لا یجتمع مع Pیرید الله بکم الیسرO((1)).

و: Pوما جعل علیکم فی الدین من حرجO((2))، فإذا ندب إلیه فقد أراده، فکیف یقول لا أریده؟ وکذلک فقد جعله، فکیف یقول ما جعلته؟

وبذلک ظهر وجه النظر فی قول السید الطباطبائی فی (مفاتیحه): (لو کانا) _  أی العسر والحرج _ (مستلزمین لرفع التکلیف الاستحبابی، للزم سقوط کثیر من المستحبات، وهو باطل قطعاً، وقد نبّه علی هذا جدّی (قدس سره)((3)).

أقول: من أین البطلان قطعاً؟

لا یُقال: لأنّا نری أنه یصح الإتیان بالمستحب العسر بلا إشکال، ولذا یفعله کثیر من المتدینین.

وقد ذکرنا فی بعض المباحث أن (السیرة) حجة لکشفها عن السنة، وکذلک (المرتکز فی أذهان المتشرعة) حیث إن الارتکاز لا یکون إلاّ من السنة.

مثلاً: إذا عرضت علی المتشرعة هذه المسألة: بکون الثوب

ص:188


1- سورة البقرة: 185.
2- سورة الحج: 78.
3- مفاتیح الأصول: ص507.

ضیقاً لاصقاً ببدن المرأة بحیث یظهر کل تقاطیع جسدها أمام الأجنبی، لا یشکّون فی الحرمة، مع أنه لم یصرّح به فی کتاب ولم یرد بخصوصه دلیل.

هذا مضافاً إلی إنّا نری إتعاب الرسول (صلی الله علیه وآله) والزهراء (علیها السلام) والأئمة (علیهم السلام) أنفسهم فی المستحبات وهم أسوة، فذلک یکشف عن عدم إسقاط العسر المستحب، علی أنه ورد (أفضل الأعمال أحمزها) ((1)).

أقول: بعد ما عرفت من الوجه العقلی، لا بد أن نقول إن ذلک للملاک لا لشمول النص.

أما الحدیث الأخیر، فالظاهر أن المراد به أن العمل الأحمز أحسن نتیجة من العمل الأسهل، مثلاً: دراسة الطب الصعبة توجب آثاراً أحسن من صرف الوقت فی البقالة.

هذا بالإضافة إلی أن الأئمة (علیهم السلام) لا یُقاس بهم، لأنهم کما قال علی (علیه السلام): (کیلا یتبیّغ بالفقیر فقره) ((2)).

وقد بیّن ذلک (علیه السلام) فی کلام له ل_علاء الذی تزهد فی البصرة، فشکاه إلیه أخوه.

ومما تقدم تبیّن عدم معقولیة استحباب المستحبات المتعارضة التی لا یسع وقت المکلف لأدائها، فهل یعقل الأمر بأشیاء لا یمکن المکلف من جمعها فی الواجب، بأن یقول: أنقذ الغریقین، فکیف بالمستحب؟

کما لو فرض أن اللیل لا یسع قراءة مائة مرة (حم الدخان)، وألف مرة (إنّا أنزلناه)، فیقول المولی: ائت بها علی سبیل الاستحباب!.

فهو مثل أن یقول: کن یوم عرفة فی حرم الحسین (علیه السلام) وفی حرم مکة علی سبیل الاستحباب، فإنه من الأمر بالمحال.

ص:189


1- بحار الأنوار: ج67 ص191 ح2.
2- نهج البلاغة: الخطبة 209.

ومثله فی الاستحالة الأمر بالواجب والمستحب فیما لا یمکن الجمع بینهما.

نعم لا إشکال فی وجود الملاک فی أی منهما فی المستحبین.

أمّا فی الواجب والمستحب فحیث یُقال بأن الأمر بالشیء لا ینهی عن ضده، صحّ المستحب ملاکاً إذا ترک الواجب وفعله.

ومنه یعلم الکلام فی النهیین المتزاحمین، کما إذا قال: لا تزن بهما فی آنٍ واحد، فإن التکلیف فرع القدرة، وما لا قدرة علی فعله لا قدرة علی ترکه، ولذا إذا قال له ذلک صحّ أن یقول العبد: وهل لی قدرة مباشرتهما معاً حتی تنهانی عن ذلک؟

ص:190

البراءة فیما لا نص فیه

مسألة: المشهور بین الفقهاء قدیماً وحدیثاً، بل أُدّعی علیه الإجماع، أن کل مورد لم یرد فیه نص بأحد الأحکام الأربعة الاقتضائیة مع المنع من النقیض أو بدونه، البراءة.

ویدل علیه بالإضافة إلی مثل: Pوما کنّا معذبین حتی نبعث رسولاًO((1)).

و: Pخلق لکم ما فی الأرض جمیعاًO((2)).

و: السیرة القطعیة، فإن المسلمین منذ صدر الإسلام إلی الیوم لم یکونوا فی مختلف شؤونهم الفردیة والاجتماعیة _ من الحرکات والسکنات واللباس والأکل والشرب والوقاع والسفر وغیر ذلک _ یتوقفون عمّا یریدون إلاّ أن یرد فیه نص، بل کانوا بالعکس لا یتوقفون إلاّ بورود النص علی التحریم.

جملة من الروایات مثل قوله (علیه السلام): (کل شیء مطلق حتّی یرد فیه نهی) ((3)).

وروایة الفقیه: (کل شیء مطلق حتی یرد فیه نهی)((4)).

وقوله (علیه السلام): (الأشیاء مطلقة ما لم یرد علیک أمر أو نهی) ((5))، فیما رواه (البحار) مسنداً عن الحسین، عن أبی عبد الله (علیه

ص:191


1- سورة الإسراء: 15.
2- سورة البقرة: 29.
3- وسائل الشیعة: ج4 ص917 ب19 من أبواب القنوت ح3.
4- من لا یحضره الفقیه: ج1 ص208 ح22.
5- مستدرک الوسائل: ج17 ص323 ب12 ح21477.

السلام) ((1)).

وعن الغوالی: عن الصادق (علیه السلام): قال: (کل شیء مطلق حتّی یرد فیه نص) ((2)).

والظاهر أن المراد بالنص الدلیل، لا الاصطلاحی المقابل للظاهر، وحیث قد تکلمنا حول ذلک فی الأصول لا داعی إلی تفصیله هنا.

المعاملات الجدیدة

کما أن الأصل الذی علیه غیر واحد من الفقهاء کالشهید الثانی (قدس سره) وصاحب العروة (قدس سره) وغیرهم، أن کل عقد لم یدل الشرع علی المنع عنه، کالربا والکالی بالکالی، فهو مشروع، کعقد التأمین، والعقد السابح المتداول الآن، والمغارسة، وعقد الشرکة بأن یشترک جماعة فی شیء ویکون الربح بینهم بالتساوی أو غیر التساوی، مثل أن یکون المال من شخص، والأرض من آخر، والبذر من ثالث، والعوامل من رابع، والتعب من خامس وهکذا، فیکون الثمر بینهم بالتساوی أو الاختلاف.

وذلک لإطلاق Pأوفوا بالعقودO((3))، ونحوه من العمومات

والمطلقات.

ص:192


1- بحار الأنوار: ج2 ص274 ب33 ح19 عن الأمالی للشیخ الطوسی.
2- غوالی اللئالی: ج2 ص44 ح111.
3- سورة المائدة: 1.

الشخصیات الحقوقیة

پ

ومنه الشخصیات الحقوقیة، مثل: جعل صندوق یجمع فیه المال لإعطاء القروض ونحوها، حتی یکون الصندوق هو الطرف لا الأشخاص، وبعبارة أخری تکون الهیئة المنتخبة هی المشرفة، وتغیرها وتبدلها لا یضر فی المعاملة.

الحکومات غیر الشرعیة لا تملک

وهکذا یکون حال الحکومات الانتخابیة التی تکون بموازین الشریعة.

أمّا غیرها، فالظاهر أن الأموال والمناصب فیها تحتاج إلی إذن الحاکم الشرعی، إذ المال یکون من مجهول المالک، خلافاً لمن یری ملک هذه الحکومات، لکنا ذکرنا فی بعض کتبنا أن إقامة الدلیل علی مثل ذلک مشکل.

العقود الحدیثة

وبالنسبة إلی العقود الحدیثة یری بعضٌ عدم صحتها، لشرطهم کون العقد فی زمانهم (علیهم السلام)، لکنه أیضاً محل نقاش.

ص:193

المیسور لا یسقط بالمعسور

مسألة: قاعدة المیسور قد دلت علیها الآیة والروایة والإجماع والعقل.

فالآیة: قوله سبحانه: Pف__اتقوا الله ما استطعتمO((1))، فإطلاق أدلة الأحکام بضمیمة الآیة یدل علی الإتیان بالمستطاع.

فإن قلت: إنه ربما کان مستطاعاً لکنه عسر وحرج وضرر؟

قلت: حیث نفی هذه الثلاثة، ولقد قال سبحانه: Pولا تحمل علینا إصراًO((2)) یدل علی المستطاع بدون الأربعة.

و(ما)((3)) تشمل المستطاع الأفرادی والأجزائی، فإن لم یستطع کل أیام الصیام، أتی بالمقدار المستطاع منه من یوم إلی تسعة وعشرین یوماً، وإذا لم یستطع کل أجزاء الصلاة أتی بالمستطاع منها، حتی إنّا ذکرنا فی (الفقه) أن مقتضی القاعدة الإتیان بالصلاة الفاقدة للطهورین، لأن (الصلاة لا تترک بحال)((4)). نعم لعل من الاحتیاط أن یأتی بصورة التیمّم إذا تمکن، لأنه نوع تواضع فهو میسور، مضافاً إلی ورود مثله فی التیمّم عند النوم علی فراشه وإن لم أجد قائلاً به.

ص:194


1- سورة التغابن: 16.
2- سورة البقرة: 286.
3- فی سورة التغابن: 16.
4- کتاب الصلاة، للنائینی: ج1 ص122. وفی الکافی: ج3 ص99 باب النفساء ح4 ورد عن الصادق علیه السلام: (وَ لا تَدَعُ الصَّلَاةَ عَلَی حَالٍ، فَإِنَّ النَّبِیَّ صلی الله علیه وآله قَالَ: الصَّلَاةُ عِمَادُ دِینِکُم).

هذا ولعله یدل علیه((1)) أیضاً: Pیرید الله بکم الیسرO((2)).

روایات المیسور

أمّا الروایات فهی ثلاثة:

1: النبوی (صلی الله علیه وآله): (إذا أمرتکم بشیءٍ فأتوا منه ما

استطعتم)((3)).

ولیس ظاهر (ما) الزمان، کما أنه لا یبعد أن یشمل _ أصلاً أو ملاکاً _ الأفراد والأجزاء أیضاً.

2و3: والعلویان (علیه السلام): (المیسور لا یسقط بالمعسور) ((4)).

و: (ما لا یدرک کله لا یترک کله) ((5)).

وهما أیضاً یشملان _ کالنبوی _ الأجزاء والجزئیات.

ص:195


1- أی علی قاعدة المیسور.
2- سورة البقرة: 185.
3- بحار الأنوار: ج22 ص31 ب37، وراجع غوالی اللئالی: ج4 ص58 وفیه: (إذا أمرتکم بشیء فأتوا منه بما استطعتم).
4- راجع غوالی اللئالی: ج4 ص58 ح205، وفیه: عن النبی صلی الله علیه وآله: (لا یترک المیسور بالمعسور).
5- غوالی اللئالی: ج4 ص58 ح207.

دلالة الإجماع علی المیسور

وأمّا الإجماع: فقد ادّعاه غیر واحد، بالإضافة إلی أنه الموجود فی کتبهم علی ما تتبّعناه.

وإشکال بعضهم فی السند أو الدلالة لا یهم بعد الشهرة المحققة، (فإن المجمع علیه لا ریب فیه) ((1))، فهو کإشکالهم فی کثیر من مباحث الفقه والأصول، فی حین أنهم یعملون بما استشکلوا علیه.

قال فی (مفاتیح الأصول): قال جدی (قدس سره): (والأخبار الثلاثة یذکرها الفقهاء فی کتبهم الاستدلالیة علی وجه القبول وعدم الطعن فی السند، ونقلت فی (الغوالی) عنهم (صلی الله علیهم) ومشهورة فی ألسنة جمیع المسلمین یذکرونها ویتمسکون بها فی محاوراتهم ومعاملاتهم من غیر نکیر) ((2)). انتهی.

ومن راجع کتب الأصول والفقه یراهم یتمسکون بالثلاثة وکفی بذلک حجة، کما یتمسکون بما یشابههما من نهی النبی (صلی الله علیه وآله) عن الغرر((3))، ونهیه (صلی الله علیه وآله) عن بیع الغرر((4))، إلی غیر ذلک.

نعم لا إشکال فی أن الأولی فحص الأدلة الأخری أیضاً فی الجزئیات التی هی مصادیقها، مثل الاستدلال بالاستصحاب فی غسل بقیة الید فی الأقطع، والمسح علی جبیرة المیت، حیث یستدل فیه

ص:196


1- تهذیب الأحکام: ج6 ص301 ب92 ح52.
2- مفاتیح الأصول: ص522.
3- نهج الحق: ص479.
4- وسائل الشیعة: ج17 ص448 ب40 ح22965، وفیه: (وَ قَدْ نَهَی رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله عَنْ بَیْعِ الْمُضْطَرِّ وَ عَنْ بَیْعِ الْغَرَر).

بروایة عبد الأعلی((1))، إلی غیر ذلک.

نعم لا إشکال فی لزوم صدق (المیسور) ونحوه، إذ الموضوع یؤخذ من العرف فی کل مکان، إلاّ إذا تصرّف الشارع فیه، کما ذکروا فی الموضوعات المستنبطة.

وأن لا یکون دلیل علی الإتیان بالمیسور، فهو من باب التقیید کما قید أغلب المطلقات، فإن ذلک لا یکون إشکالاً علی الروایة.

فلا یُقال: إنه لا یؤخذ بالمیسور فی باب الصوم، کما إذا تمکن من الإمساک ساعات فقط، کما لا یُقال: إنه لا میسور فی الحج إذا لم یتمکن من الوقوفین، إلی غیر ذلک من الاستثناءات.

ولا یخفی أن الأجزاء التحلیلیة غیر مشمولة للقاعدة، فلو قال: ائتنی بإنسان فتمکن من الفرس، لا یأتی به، إذ لیس میسور الإنسان عرفاً، وإن کان شاملاً للحیوانیة التی هی فی ضمن الإنسان أیضاً.

ومنه یعلم صحة الإتیان بالوضوء منکوساً لمن لا یتمکن من الإتیان به مستویاً، حیث إنه عرفاً میسور الغسل فتأمل، ولذا یجوز فی التقیة.

نعم لیس من المیسور عکس الأعضاء، کما لیس منه عکس أعمال

الحج.

ص:197


1- الکافی: ج4 ص33 باب الجبائر والقروح والجراحات ح4، وفیه: (عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَی مَوْلَی آلِ سَامٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: عَثَرْتُ فَانْقَطَعَ ظُفُرِی فَجَعَلْتُ عَلَی إِصْبَعِی مَرَارَةً فَکَیْفَ أَصْنَعُ بِالْوُضُوءِ، قَالَ: یُعْرَفُ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِنْ کِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ امْسَحْ عَلَیْهِ).

الاستقراء والتمثیل فی الأحکام

مسألة: الاستقراء لیس بحجة کما هو المشهور.

وقال بعض بحجیّته.

وذلک لأنه إذا لم یورث العلم، یکون من القیاس وإن أورث الظن، لما عرفت من Pإن الظن لا یغنی من الحق شیئاًO((1)).

وما ذکرناه من عمل العقلاء بالظن إنما هو فی الموضوعات لا الأحکام.

ومثل الاستقراء: التمثیل، بأن ینتقل من جزئی إلی الحکم الکلی فینتقل إلی الجزئی الآخر، فإنه لو کان معلوماً صح، وکان الاستناد حینئذٍ إلی العلم، لا إلیه حاله حال الاستقراء، وإلاّ فلا.

أمّا أن الاستقراء والتمثیل هل یوجبان العلم أم لا، فهو تابع لاستنباط الفقیه بالمناسبات المغروسة فی ذهنه، والقرائن التی یستظهرها من الحال والمقال.

قاعدة سواسیة النافلة والفریضة

ومن أمثلة ذلک: کون النافلة کالفریضة فی الخصوصیات إلاّ ما استثنی، فقد ادّعی غیر واحد من الفقهاء ذلک، وأن طبیعة الصلاة واحدة، فما ذکر فی باب الفریضة یأتی فی النافلة أیضاً.

وکذلک سائر العبادات کالحج والوضوء والغسل، لکن الدلیل فی وحدتهما من هذه الحیثیة لیس خاصاً بالاستقراء والتمثیل، کما لا یخفی علی من راجع الفقه.

ص:198


1- سورة النجم: 28.

قاعدة العدل والإنصاف

کما أن من أمثلة ذلک: قاعدة العدل، فقد رأینا مواضع ثلاثة عشر فی الروایات، حکم الشارع فیها بمقتضی قاعدة العدل، وجماعة من الفقهاء کالجواهر حکم بالعموم، کما لم نستبعده أیضاً، إلاّ أن بعضهم أشکل فیه وقال: لا دلیل علیه، والموارد الخاصة لا تکون دلیلاً علی العموم.

قاعدة تسهیل الحج

وکذلک من أمثلته: ما قاله الرسول (صلی الله علیه وآله) فی الحج: (لا حرج.. لا حرج..)((1))، فهل ذلک عام فی کل أبواب الحج؟

ویؤیده ما ورد فیمن أخطأ بلبس المخیط: (أی رجل رکب أمراً بجهالة فلا شیء علیه)((2)).

ص:199


1- الکافی: ج4 ص504 باب من قدم شیئاً أو أخره من مناسکه ح2، وفیه: (عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی نَصْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِی جَعْفَرٍ الثَّانِی علیه السلام: جُعِلْتُ فِدَاکَ إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا رَمَی الْجَمْرَةَ یَوْمَ النَّحْرِ وَحَلَقَ قَبْلَ أَنْ یَذْبَحَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله لَمَّا کَانَ یَوْمُ النَّحْرِ أَتَاهُ طَوَائِفُ مِنَ الْمُسْلِمِینَ فَقَالُوا: یَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا مِنْ قَبْلِ أَنْ نَرْمِیَ وَحَلَقْنَا مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذْبَحَ، وَلَمْ یَبْقَ شَیْ ءٌ مِمَّا یَنْبَغِی لَهُمْ أَنْ یُقَدِّمُوهُ إِلَّا أَخَّرُوهُ وَلا شَیْ ءٌ مِمَّا یَنْبَغِی لَهُمْ أَنْ یُؤَخِّرُوهُ إِلَّا قَدَّمُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله: لَا حَرَجَ لَا حَرَجَ).
2- تهذیب الأحکام: ج5 ص72 ب7 ح44، وفیه: (عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ یُلَبِّی حَتَّی دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَ هُوَ یُلَبِّی وَ عَلَیْهِ قَمِیصُهُ، فَوَثَبَ إِلَیْهِ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِی حَنِیفَةَ فَقَالُوا شُقَّ قَمِیصَکَ وَ أَخْرِجْهُ مِنْ رِجْلَیْکَ فَإِنَّ عَلَیْکَ بَدَنَةً وَ عَلَیْکَ الْحَجَّ مِنْ قَابِلٍ وَحَجُّکَ فَاسِدٌ، فَطَلَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقَامَ عَلَی بَابِ الْمَسْجِدِ فَکَبَّرَ وَاسْتَقْبَلَ الْکَعْبَةَ فَدَنَا الرَّجُلُ مِنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وَ هُوَ یَنْتِفُ شَعْرَهُ وَ یَضْرِبُ وَجْهَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: اسْکُنْ یَا عَبْدَ اللَّهِ، فَلَمَّا کَلَّمَهُ وَ کَانَ الرَّجُلُ أَعْجَمِیّاً فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: مَا تَقُولُ، قَالَ: کُنْتُ رَجُلًا أَعْمَلُ بِیَدِی فَاجْتَمَعَتْ لِی نَفَقَةٌ فَجِئْتُ أَحُجُّ لَمْ أَسْأَلْ أَحَداً عَنْ شَیْ ءٍ فَأَفْتَوْنِی هَؤُلَاءِ أَنْ أَشُقَّ قَمِیصِی وَأَنْزِعَهُ مِنْ قِبَلِ رِجْلِی وَأَنَّ حَجِّی فَاسِدٌ وَأَنَّ عَلَیَّ بَدَنَةً، فَقَالَ لَهُ مَتَی لَبِسْتَ قَمِیصَکَ أَ بَعْدَ مَا لَبَّیْتَ أَمْ قَبْلَ، قَالَ: قَبْلَ أَنْ أُلَبِّیَ، قَالَ فَأَخْرِجْهُ مِنْ رَأْسِکَ فَإِنَّهُ لَیْسَ عَلَیْکَ بَدَنَةٌ وَلَیْسَ عَلَیْکَ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، أَیُّ رَجُلٍ رَکِبَ أَمْراً بِجَهَالَةٍ فَلَا شَیْ ءَ عَلَیْهِ، طُفْ بِالْبَیْتِ سَبْعاً وَ صَلِّ رَکْعَتَیْنِ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِیمَ علیه السلام وَ اسْعَ بَیْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ وَ قَصِّرْ مِنْ شَعْرِکَ فَإِذَا کَانَ یَوْمُ التَّرْوِیَةِ فَاغْتَسِلْ وَ أَهِلَّ بِالْحَجِّ وَ اصْنَعْ کَمَا یَصْنَعُ النَّاسُ).

أم ذلک خاص بالموارد التی ذکرها الرسول (صلی الله علیه وآله).

ص:200

قاعدة نجاسة الدم

ومن أمثلته: استفادة عموم نجاسة الدم من ذی النفس من الموارد الخاصة، حیث فهم ذلک المشهور من الفقهاء حتی تعدوا إلی دم البیض، أم لا، فالأصل فی المشکوک الطهارة، کما أفتی بذلک أو مال إلیه جماعة من الفقهاء، کالفقیه الهمدانی والسید الخال وغیرهما.

إلی غیرها من الأمثلة التی یجدها المتتبع فی الکتب الفقهیة.

ولا یخفی أن الانتقال من الجزئی إلی الکلی، ومنه إلی سائر الجزئیات المسمی بالاستقراء، لیس فی الموارد الضروریة، کانتقالنا من حرارة النار فی بلدنا إلی حرارة کل نار فی العالم، فهو من العلم لا من الاستقراء.

ولذا مثله المحقق (قدس سره) فی (المعارج) بأنه هو الحکم علی جملة، یحکم لوجوده فیما اعتبر من جزئیات تلک الجملة،

ومثاله: أن تستقرئ الزنج فتجد کل موجود منهم أسود، فتحکم بالسواد علی ما لم تره کما حکمت علی من رأیته.

وحاصله التسویة من غیر جامع.

أقول: والجامع قد یکون النص الأعم من الظاهر، کأن یبنی حکماً علی موضوع، ثم یقول إنه لأمر کذا، حیث إن الظاهر منه أنه الوجه الوحید فی الحکم، فیتعدی من ذلک الموضوع إلی الموضوع الآخر.

وقد یکون العلة المذکورة، أو کالعلة، مثل قوله (علیه السلام): (فلان ثقة فاسمع له) ((1)) إذ لم تُذکر العلة، وإنما ذکر ما بمنزلة العلة،

ص:201


1- راجع الکافی: ج1 ص329 ضمن ح1، وفیه: (وَقَدْ أَخْبَرَنِی أَبُو عَلِیٍّ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِی الْحَسَنِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ وَ قُلْتُ: مَنْ أُعَامِلُ أَوْ عَمَّنْ آخُذُ وَقَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ، فَقَالَ لَهُ: الْعَمْرِیُّ ثِقَتِی فَمَا أَدَّی إِلَیْکَ عَنِّی فَعَنِّی یُؤَدِّی، وَمَا قَالَ لَکَ عَنِّی فَعَنِّی یَقُولُ فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ، وَأَخْبَرَنِی أَبُو عَلِیٍّ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ علیه السلام عَنْ مِثْلِ ذَلِکَ، فَقَالَ لَهُ الْعَمْرِیُّ وَابْنُهُ ثِقَتَانِ فَمَا أَدَّیَا إِلَیْکَ عَنِّی فَعَنِّی یُؤَدِّیَانِ وَمَا قَالَا لَکَ فَعَنِّی یَقُولَانِ، فَاسْمَعْ لَهُمَا وَأَطِعْهُمَا فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ الْمَأْمُونَانِ).

والعرف یفهم منه العلیة.

وقد یکون المستنبط قطعاً، وهذا أیضاً یوجب التعدی.

أما ما عدا الثلاثة فهو من القیاس والتمثیل وربما الاستقراء.

نعم من یری الانسداد((1)) وتحقق الظن بشرائطه مما ذکر، یقول بالحجّیة.

اللّهُمّ إلاّ إذا قیل بأن القیاس یجب أن لا یتدخل فی الشریعة إطلاقاً، فیبقی الاستقراء الظنی.

ص:202


1- انسداد باب العلم والعلمی.

القول فی العدالة

مسألة: ورود لفظ العدالة فی الشرع قلیل، مثل قوله سبحانه: Pذَوَیْ عَدْلٍ مِنْکُمْO((1)).

وفی الروایة: (أعدلهما) ((2)).

إلی غیر ذلک.

والعدل أصله من العدول، بمعنی المیل من جانب إلی جانب، مثله مثل (الحنیف)، ثم اشتهر فی الاستقامة، لأن العدول من الباطل إلی الحق استقامة.

وإن کان ما معناه کثیر، کقوله سبحانه: Pإنْ جاءَکُمْ فاسِقٌO((3)).

وقوله تعالی: Pوَلا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذینَ ظَلَمُواO((4)).

إلی أمثالها مما کرر فی الکتاب والسنة.

نعم کثر استعمال (العدالة) فی کلمات الفقهاء، وقد ذکرنا فی کتاب (التقلید) تفصیل الکلام فی العدالة، فلا داعی إلی تکراره.

ولا یبعد استعمالها فی کل دین لمن کان عادلاً عندهم، وإن صحّ قوله (صلی الله علیه وآله): (الملک العادل)((5)) کان من ذلک.

ص:203


1- سورة الطلاق: 2.
2- الکافی: ج1 ص67 باب اختلاف الحدیث ح10، وفیه: (قَالَ: الْحُکْمُ مَا حَکَمَ بِهِ أَعْدَلُهُمَا وَأَفْقَهُهُمَا وَأَصْدَقُهُمَا فِی الْحَدِیثِ وَأَوْرَعُهُمَا وَلَا یَلْتَفِتْ إِلَی مَا یَحْکُمُ بِهِ الْآخَر).
3- سورة الحجرات: 6.
4- سورة هود 113.
5- بحار الأنوار: ج15 ص254 ب3 ح  وفیه عن رسول الله (صلی الله علیه وآله): (وُلِدْتُ فِی زَمَنِ الْمَلِکِ الْعَادِلِ) یَعْنِی أَنُوشِیرَوَانَ بْنَ قُبَادَ قَاتِلَ مَزْدَکَ وَ الزَّنَادِقَةِ.

أمّا ما ذهب إلیه بعض الفقهاء، من کفایة العدالة عند کل أهل ملة فی قبول شهادتهم، فالظاهر أنه غیر تام إلاّ بالنسبة إلی ذویهم لا مطلقاً، نعم یشمله (قاعدة الإلزام) إن التزم بذلک، سواء فی عدالة أهل دینهم أو عدالة غیر أهل دینهم.

مثلاً: إذا قال الیهودی: أقبل قول العدل، کفی حجة علیه، کما أنه إذا قال: أقبل قول العدل من المسیحیین، کان من مصادیق الإلزام.

وقد تقدم أن الوثاقة تکفی فی الراوی.

أما فی الإمام والمرجع والشاهد فلا یتم إلاّ العدالة.

ولذا صح الأخذ من الواقفیة ونحوهم، ولم یصح الثلاثة منهم بالنسبة إلینا، وإن صح بالنسبة إلی أهل مذهبهم، أو من یری کفایة الوثاقة من غیرهم، کالواقفیة علی الکیسانیة مثلاً.

کلام المجلسی فی العدالة

قال المجلسی (رحمه الله) فی (البحار):

(أما العدالة فقد اختلف کلام الأصحاب فیها اختلافاً کثیراً فی باب الإمامة وباب الشهادة، والظاهر أنه لا فرق عندهم فی معنی العدالة فی المقامین، وإن کان یظهر من الأخبار أن الأمر فی الصلاة أسهل منه فی الشهادة. و لعل السر فیه أن الشهادة یبتنی علیها الفروج و الدماء و الأموال و الحدود و المواریث فینبغی الاهتمام فیها بخلاف الصلاة فإنه لیس الغرض إلا اجتماع المؤمنین و ائتلافهم و استجابة دعواتهم و نقص الإمام و فسقه و کفره و حدثه و جنابته) _ أی إذا لم یعلم المأموم بها _ (لا یضر بصلاة المأموم کما

ص:204

سیأتی فلذا اکتفی فیه بحسن ظاهر الإمام و عدم العلم بفسقه)((1))، انتهی.

وکأنّه أخذ ذلک من قصة صلاة إنسان مع إمام من خراسان إلی الکوفة، ثم تبیّن أنّه یهودی، فقال الإمام (علیه السلام): لا بأس بصلاته((2))، مما ذکر فی باب الجماعة.

ص:205


1- بحار الأنوار: ج85 ص24 بیان.
2- راجع الکافی: ج3 ص378 باب الرجل یصلی بالقوم وهو علی غیر طهر أو لغیر القبلة ح4، وفیه: (عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ أَبِیهِ، عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی قَوْمٍ خَرَجُوا مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ بَعْضِ الْجِبَالِ وَکَانَ یَؤُمُّهُمْ رَجُلٌ فَلَمَّا صَارُوا إِلَی الْکُوفَةِ عَلِمُوا أَنَّهُ یَهُودِیٌّ قَالَ لَا یُعِیدُونَ).

الاجتهاد فی الحکم والقضاء والفتوی

مسألة: الحکم والقضاء والفتوی، خاصات بالمجتهد العادل الجامع للشرائط، کتاباً وسنةً وإجماعاً.

نعم لا یبعد القضاء للمتجزی، بل أجازه بعضٌ للمقلد العارف بأحکامه دقیقاً، خصوصاً فیما لم یتوفر المجتهد کأکثر القری والأریاف، ولا یمکن إلزام الناس بالرجوع إلی المدن المتوفر فیها المجتهد الجامع للشرائط فی قضایاهم، وهذا غیر بعید لما ذکرناه فی کتاب القضاء((1)).

ویدل علی أحکام الثلاثة جملة من الروایات، وهی کثیرة نذکر منها:

خبر عمر بن حنظلة، عن الصادق (علیه السلام)، عن رجلین من أصحابنا یکون بینهما منازعة فی دَین أو میراث، إلی أن قال: (انظروا إلی من کان منکم قد روی حدیثنا، ونظر فی حلالنا وحرامنا، وعرف أحکامنا فارضوا به حکماً، فإنی قد جعلته علیکم حاکماً، فإذا حکم بحکمنا فلم یقبل منه، فإنما بحکم الله استخف وعلینا رد، والراد علینا راد علی الله، وهو علی حد الشرک بالله عز وجل)((2)).

وخبر أبی خدیجة، عن الصادق (علیه السلام) قال: (إیاکم أن یحاکم بعضکم بعضاً إلی أهل الجور، ولکن انظروا إلی رجل منکم یعلم شیئاً من قضایانا، فاجعلوه بینکم قاضیاً، فإنی جعلته قاضیاً

ص:206


1- انظر موسوعة (الفقه): ج84 و85 کتاب القضاء.
2- الکافی: ج1 ص67 باب اختلاف الحدیث ح10.

فتحاکموا إلیه)((1)).

وخبر (البحار) المسند إلی العسکری (علیه السلام)، عن الصادق (علیه السلام) وفیه: (فأما من کان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدینه، مخالفاً لهواه، مطیعاً لأمر مولاه، فللعوام أن یقلدوه، وذلک لا یکون إلاّ بعض فقهاء الشیعة لا جمیعهم)((2)).

والتوقیع المروی بخط مولانا صاحب الزمان (عجل الله تعالی فرجه الشریف): (أما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلی رواة حدیثنا، فإنهم حجتی علیکم، وأنا حجة الله) ((3)).

وعن (البحار)، عن (المحاسن): قال أبو جعفر (علیه السلام): (وبقول العلماء فانتفعوا)((4)).

ومفهوم ما رواه ابن شبرمة قال: ما أذکر حدیثاً سمعته عن جعفر بن محمد (علیه السلام) إلاّ کاد یتصدّع قلبی، قال: قال أبی (علیه السلام) عن جدی رسول الله (صلی الله علیه وآله). قال ابن شبرمة: واقسم بالله ما کذب أبوه علی جدّه، ولا کذب جده علی رسول الله (صلی الله علیه وآله) فقال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله):

(من عمل بالمقاییس فقد هلک وأهلک، من أفتی الناس وهو لا یعلم الناسخ من المنسوخ والمحکم من المتشابه فقد هلک وأهلک)، کذا رواه فی (البحار)((5)) وغیره((6)).

وعن (الغوالی): قال النبی (صلی الله علیه وآله): (من أفتی الناس

ص:207


1- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص2 ح3216.
2- رواه فی الوسائل: ج27 ص131 ب10 ح33401 ط آل البیت، ورواه بحار الأنوار: ج2 ص88، والاحتجاج: ج2 ص458، وتفسیر الإمام العسکری علیه السلام: ص299.
3- وسائل الشیعة: ج27 ص140 ب11 ح33424.
4- بحار الأنوار: ج2 ص98 ب 14 ح51.
5- بحار الأنوار: ج2 ص118 ب16  ح24.
6- الکافی: ج1 ص43 باب النهی عن القول بغیر علم ح9.

بغیر علم کان ما یفسده من الدین أکثر مما یصلحه) ((1)).

وقال (صلی الله علیه وآله): (من أفتی الناس، وهو لا یعلم الناسخ من المنسوخ، والمحکم من المتشابه، فقد هلک وأهلک) ((2)).

وعن أبی عبیدة، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: (من أفتی الناس بغیر علم ولا هدی من الله، لعنته ملائکة الرحمة وملائکة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتیاه) ((3)).

وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال: قال لی أبو عبد الله (علیه السلام): (إیّاک وخصلتین ففیهما هلک من هلک، إیّاک أن تُفتی الناس برأیک، وتدین بما لا تعلم) ((4)).

وفی روایة مفضل بن زید، عن الصادق (علیه السلام): (أنهاک عن خصلتین فیهما هلک الرجال، أنهاک أن تدین الله بالباطل، وتُفتی الناس بما لا تعلم) ((5)).

إلی غیرها من الروایات الکثیرة.

ص:208


1- غوالی اللئالی: ج4 ص65 ح22، عنه مستدرک الوسائل: ج17 ص248 ب4 ح21247. وبحار الأنوار: ج2 ص121 ب16 ح35.
2- بحار الأنوار: ج2 ص118 ب16 ح24.
3- الکافی: ج1 ص42 ح3.
4- الخصال: ج1 ص52.
5- الکافی: ج1 ص43 ح1. وسائل الشیعة: ج27 ص20 ب4 ح33101.

مع تعدد الفقهاء

مسألة: ثم إذا کان هناک مجتهدون متعددون متساوون، کان المقلد مخیراً فی تقلید أیّهم شاء، وإن کان بعضهم أفضل فضیلة منصوصة کالأعلمیة، فإن قلنا بوجوب تقلیده لم یبق مجال للآخر، وإلاّ جاز مع أفضلیة المفضل.

وإذا صار الجمیع محل الابتلاء، بأن کانوا فی شوری الحکم فإن حصل التوافق فلا إشکال، وإن اختلفوا أخذ بالأکثر لدلیل الشوری، وإن تساووا کان المجال للقرعة.

ویجوز للإنسان أن یقلد واحداً أو جماعة فإن اتفقوا فهو، وإن اختلفوا مع الفضیلة المذکورة أخذ بالأفضل، وبدونه تخیر لأنه لا دلیل علی ترجیح أحدهما علی الآخر.

کما یجوز للإنسان أن یراجع أی قاضٍ شاء إذا کان هناک قضاة متعددون، کما یجوز مراجعة شوری القضاة فإن اتفقوا فهو، وإلاّ أخذ بالأکثر، وإن لم یکن أکثر وأقل بل تساووا، کان اللازم مراجعة قاضٍ آخر إن کان، وإلاّ کان المجال للصلح والاحتیاط وقاعدة العدل، کلٌّ فی موضعه.

ص:209

فروع

وإذا فرض وجود المجتهد فهو، وإلاّ أو فرض عدم وصول الید إلیه قلد الأموات حسب ما یذکر فی الأحیاء من الترجیح والتساوی.

ولا تلازم ما بین الفتوی والقضاء، فیجوز تقلید واحد والقضاء إلی الآخر.

والقاضی المعین من قبل السلطة المشروعة لا یزاحم القاضی الشرعی غیر المعین، فللإنسان أن یراجع أیّهما شاء وللآخر احترام قضائه.

نعم یجوز الاستئناف والتمیز، کما ذکرنا فی بعض مباحث الفقه((1)).

ص:210


1- انظر موسوعة (الفقه) ج84 و85 کتاب القضاء.

السنة والکتاب معاً

مسألة: کما لا تنفع السنة بدون الکتاب، بأن یقول شخص: إنی أعمل بالسنة لا الکتاب مطلقاً، والإخباریون إنما یقولون بعملهم بالکتاب المفسّر بالسنة، بحجة أنه حرّف وبدّل أو ما أشبه فلا حجیّة فیه إطلاقاً((1)).

کذلک لا ینفع الکتاب بدون السنة.

فقد قال الرسول (صلی الله علیه وآله): (کتاب الله وعترتی)((2))، أو (سنتی)((3))، وقد تقدم تفسیر کل واحد من الحدیثین.

وقد ذهب بعض المنحرفین إلی ذلک((4)) بحجة أن السنة تفسیر للکتاب حسب زمانهم، والکتاب یبقی، والسنة تذهب حیث یذهب الزمان.

وأن السنة قد دُسّ فیها أحادیث مکذوبة علی رسول الله (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته (علیهم السلام)، وقد قال (صلی الله علیه وآله): (کثرت علیّ الکذّابة)((5)).

ص:211


1- نفی الإطلاق بمعنی عدم الحجیة فی کل الموارد، بل الکتاب المفسر حجة دون غیره.
2- وهذه هی الروایة المشهورة فی کتب الفریقین.
3- وهذه روایة غیر مشهورة رواها البعض فقط.
4- ای إلی الاکتفاء بالکتاب وعدم الحاجة إلی السنة.
5- الکافی: ج1 ص72 باب اختلاف الحدیث ح1 وفیه: (عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِیسَی، عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عُمَرَ الْیَمَانِیِّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِی عَیَّاشٍ، عَنْ سُلَیْمِ بْنِ قَیْسٍ الْهِلَالِیِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام): إِنِّی سَمِعْتُ مِنْ سَلْمَانَ وَ الْمِقْدَادِ وَ أَبِی ذَرٍّ شَیْئاً مِنْ تَفْسِیرِ الْقُرْآنِ وَ أَحَادِیثَ عَنْ نَبِیِّ اللَّهِ صلی الله علیه وآله غَیْرَ مَا فِی أَیْدِی النَّاسِ، ◄  ► ثُمَّ سَمِعْتُ مِنْکَ تَصْدِیقَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُمْ، وَرَأَیْتُ فِی أَیْدِی النَّاسِ أَشْیَاءَ کَثِیرَةً مِنْ تَفْسِیرِ الْقُرْآنِ وَمِنَ الْأَحَادِیثِ عَنْ نَبِیِّ اللَّهِ صلی الله علیه وآله أَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُمْ فِیهَا وَتَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِکَ کُلَّهُ بَاطِلٌ، أَ فَتَرَی النَّاسَ یَکْذِبُونَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله مُتَعَمِّدِینَ وَ یُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِآرَائِهِمْ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَیَّ فَقَالَ: قَدْ سَأَلْتَ فَافْهَمِ الْجَوَابَ، إِنَّ فِی أَیْدِی النَّاسِ حَقّاً وَبَاطِلاً، وَصِدْقاً وَکَذِباً، وَنَاسِخاً وَمَنْسُوخاً، وَعَامّاً وَخَاصّاً، وَمُحْکَماً وَمُتَشَابِهاً، وَحِفْظاً وَوَهَماً، وَ قَدْ کُذِبَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله عَلَی عَهْدِهِ حَتَّی قَامَ خَطِیباً فَقَالَ: أَیُّهَا النَّاسُ قَدْ کَثُرَتْ عَلَیَّ الْکَذَّابَةُ فَمَنْ کَذَبَ عَلَیَّ مُتَعَمِّداً فَلْیَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ثُمَّ کُذِبَ عَلَیْهِ مِنْ بَعْدِه) الحدیث.

واستدلّ بعضهم بقول عمر: (حسبنا کتاب الله) ((1)).

وبما عمله معاویة من جعل القرآن حکماً((2)).

ص:212


1- رواه العلامة المجلسی فی بحار الأنوار: ج22 ص473 عن البخاری ومسلم، قال: (الْبُخَارِیُّ وَمُسْلِمٌ فِی خَبَرٍ أَنَّهُ قَالَ عُمَرُ: النَّبِیُّ قَدْ غَلَبَ عَلَیْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَکُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا کِتَابُ اللَّهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ ذَلِکَ الْبَیْتِ وَاخْتَصَمُوا، مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ قَرِّبُوا یَکْتُبْ لَکُمْ رَسُولُ اللَّهِ کِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَ مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ الْقَوْلُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا کَثُرَ اللَّغَطُ وَ الِاخْتِلَافُ عِنْدَ النَّبِیِّ صلی الله علیه وآله قَالَ: قُومُوا، فَکَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ یَقُولُ: إِنَّ الرَّزِیَّةَ کُلَّ الرَّزِیَّةِ مَا حَالَ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَ بَیْنَ أَنْ یَکْتُبَ لَهُمْ ذَلِکَ الْکِتَابَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ).
2- للتفصیل انظر (کتاب صفین) لنصر بن مزاحم. وفیه: (رفع المصاحف علی أطراف الرماح، نصر عن عمرو بن شمر، عن جابر قال: سمعت تمیم بن حذیم یقول: لما أصبحنا من لیلة الهریر نظرنا فإذا أشباه الرایات أمام صف أهل الشام وسط الفیلق من حیال موقف معاویة فلما أسفرنا إذا هی المصاحف قد ربطت علی أطراف الرماح، وهی عظام مصاحف العسکر و قد شدوا ثلاثة أرماح جمیعا و قد ربطوا علیها مصحف المسجد الأعظم یمسکه عشرة رهط، وقال أبو جعفر وأبو الطفیل استقبلوا علیاً بمائة مصحف ووضعوا فی کل مجنبة مائتی مصحف و کان جمیعها خمسمائة مصحف، قال أبو جعفر ثم قام الطفیل بن أدهم حیال علی و قام أبو شریح الجذامی حیال المیمنة و قام ورقاء بن المعمر حیال المیسرة ثم نادوا: یا معشر العرب الله الله فی نسائکم وبناتکم فمن للروم و الأتراک وأهل فارس غدا إذا فنیتم، الله الله فی دینکم هذا کتاب الله بیننا و بینکم، فقال علی: اللهم إنک تعلم أنهم ما الکتاب یریدون فاحکم بیننا و بینهم ◄  ► إنک أنت الحکم الحق المبین، فاختلف أصحاب علی فی الرأی، فطائفة قالت القتال، وطائفة قالت المحاکمة إلی الکتاب و لا یحل لنا الحرب و قد دعینا إلی حکم الکتاب، فعند ذلک بطلت الحرب ووضعت أوزارها، فقال محمد بن علی فعند ذلک حکم الحکمان) کتاب صفین: ص478 _ 488.

وبما فعله الحسین (علیه السلام) من نشر القرآن علی رأسه یوم عاشوراء((1)).

وبأنّا نری فی السنة خرافات کما لا یخفی علی ما راجع البخاری وغیره، مما یسلب الاعتماد علیها.

وبما رواه مسلم _ کما نقله العامة _ أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) حین هاجر إلی المدینة رأی أهلها یؤبّرون النخل فقال لهم: لو لم تفعلوا لصلح، فترکوه ففسد التمر، فمرّ الرسول (صلی الله علیه وآله) بهم فقال: ما لنخلکم؟ قالوا: قلت یا رسول الله کذا وکذا، فعملنا بقولک ففسد التمر، فقال (صلی الله علیه وآله): اعملوا کما کنتم تعملون، فأنتم أعلم بأمر دنیاکم((2)).

ص:213


1- روی أیضاً أن أمیر المؤمنین (علیه السلام) نشر المصحف علی رأسه، انظر مستدرک الوسائل: ج4 ص392 _ 393 ب ح4998 وفیه: (إِبْرَاهِیمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِیُّ فِی کِتَابِ الْغَارَاتِ، عَنْ أَبِی صَالِحٍ الْحَنَفِیِّ، قَالَ: رَأَیْتُ عَلِیّاً علیه السلام یَخْطُبُ وَ قَدْ وَضَعَ الْمُصْحَفَ عَلَی رَأْسِهِ حَتَّی رَأَیْتُ الْوَرَقَ یَتَقَعْقَعُ عَلَی رَأْسِهِ، قَالَ: فَقَالَ: اللَّهُمَّ قَدْ مَنَعُونِی مَا فِیهِ فَأَعْطِنِی مَا فِیهِ، اللَّهُمَّ قَدْ أَبْغَضْتُهُمْ وَأَبْغَضُونِی، وَمَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِی، وَحَمَلُونِی عَلَی غَیْرِ خُلُقِی وَطَبِیعَتِی وَأَخْلَاقٍ لَمْ تَکُنْ تُعْرَفُ لِی، اللَّهُمَّ فَأَبْدِلْنِی بِهِمْ خَیْراً مِنْهُمْ، وَأَبْدِلْهُمْ بِی شَرّاً مِنِّی، اللَّهُمَّ أَمِثْ قُلُوبَهُمْ مَیثَ الْمِلْحِ فِی الْمَاءِ). ثم قال المحدث النوری: قُلْتُ: وَ رَوَی صَاحِبُ کِتَابِ تِبْرِ الْمُذَابِ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّافِعِیَّةِ نَظِیرَهَذَا الْفِعْلِ مِنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فِی یَوْمِ عَاشُورَاء.
2- راجع صحیح مسلم: ج7 ص96، وفیه: عن رافع بن خدیج قال: (قدم النبی صلی الله علیه وآله المدینة وهم یأبرون النخل یقولون یلقحون النخل، فقال: ما تصنعون، قالوا: کنا نصنعه، قال: لعلکم لو لم تفعلوا کان خیراً، فترکوه فنفضت أو فنقصت، قال: فذکروا ذلک له، فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتکم بشیء من دینکم فخذوا به، وإذا أمرتکم بشیء من رأیی ◄  ► فإنما أنا بشر). وعن أنس: (إن النبی صلی الله علیه وآله مر بقوم یلقحون، فقال: لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج شیصا، فمر بهم فقال: ما لنخلکم، قالوا: قلت کذا وکذا، قال: أنتم أعلم بأمر دنیاکم).

مناقشة أدلتهم

وهذه الحجج _ بالإضافة إلی کونها خلاف الضرورة والإجماع، وإنما مثل حجج العکس کما ذکرنا _ یُردّ علی:

أولها: إن التفسیر لم یکن خاصاً بزمانهم (علیهم السلام) بل مطلقاً، ولو جاء هذا الاحتمال فی السنة جاء فی الکتاب أیضاً، کما ذکر بعض المنحرفین مثلاً فی التزویج بالأربع، واختصاص المرأة بزوجها، وحرمة الربا، ووجوب الجهاد، واستحباب کثرة النسل، إلی غیر ذلک.

وعلی ثانیها: إن السنة نُقّحت بجهود علمائنا الأخیار بالنسبة لنا، بل وحتی بالنسبة إلی العامة عندهم، وما (میزان الاعتدال) للذهبی((1)) ونحوه إلاّ دلیل علی ذلک.

وعلی ثالثها: إن عمر أخطأ فی مقالته حتی أنه نفسه کان یسأل الصحابة عن السنة، ولو کان حسبه کتاب الله لما توقف فی حکم، ولم یقل: (لولا علی لهلک عمر) ((2))، إلی غیر ذلک.

ومعاویة بمکره فعل کذا، کما اعترف به الشیعة بأجمعهم وطائفة من منصفی السنة.

وأمّا قصّة الحسین (علیه السلام): فإثبات الشیء لا ینفی ما عداه، ولذا استدل الإمام (علیه السلام) بالسنة حیث قال لمحاربیه: (اسألوا

ص:214


1- میزان الاعتدال فی نقد الرجال، عدد الاجزاء: 4، لشمس الدین أبی عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قایماز الذهبی ت 748 ه_
2- انظر الکافی: ج7 ص422 باب النوادر ح6. والفقیه: ج4 ص35 ح5025.

أصحاب رسول الله (صلی الله علیه وآله)((1)).

وإنما نشر (علیه السلام) القرآن علی رأسه الشریف دلیلاً علی أنه عامل بالقرآن، ولیس کما یزعمون خارجیاً، وأن القرآن یحرّم قتله حیث قال سبحانه: Pوَمَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍO((2))، إلی غیره.

أمّا وجود الخرافات: فهی محدودة معلومة((3))، وبناء العقلاء علی العمل _ إلاّ ما ظهر الخلاف _ فی کل شؤونهم. فإن الطبیب والمهندس وغیرهما إذا اشتبه أو تعمد مرات، فهل یسلب الاعتماد منه؟

وأما قصة (أنتم أعلم): فحدیث مختلق، فهل النبی (صلی الله علیه وآله) لا یعلم حتی قدر فلاّح؟ ثم ألیست أمور الدنیا کلها من الدین، فإن الإسلام بالضرورة جاء لتنظیم الدین والدنیا وإسعاد الناس فیهما، ولعل مختلق القصة کان من أعداء الإسلام فأراد أن یقول إن الرسول (صلی الله علیه وآله) الذی لا یعرف هذا الأمر الجزئی، فکیف یؤتمن علی أمور الدین المهمة؟

ثم ألم یقل الله سبحانه: Pوما ینطق عن الهویO((4))، فهل نطقه

ص:215


1- راجع بحار الأنوار: ج45 ص6 _ 7 بقیة الباب 37 وفیه: (ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَانْسُبُونِی فَانْظُرُوا مَنْ أَنَا ثُمَّ رَاجِعُوا أَنْفُسَکُمْ وَ عَاتِبُوهُمْ فَانْظُرُوا هَلْ یَصْلُحُ لَکُمْ قَتْلِی وَ انْتِهَاکُ حُرْمَتِی، أَ لَسْتُ ابْنَ نَبِیِّکُمْ وَ ابْنَ وَصِیِّهِ وَ ابْنَ عَمِّهِ وَ أَوَّلِ مُؤْمِنٍ مُصَدِّقٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، أَوَ لَیْسَ حَمْزَةُ سَیِّدُ الشُّهَدَاءِ عَمِّی، أَوَ لَیْسَ جَعْفَرٌ الطَّیَّارُ فِی الْجَنَّةِ بِجَنَاحَیْنِ عَمِّی، أَوَ لَمْ یَبْلُغْکُمْ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله لِی وَلأَخِی: هَذَانِ سَیِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَإِنْ صَدَّقْتُمُونِی بِمَا أَقُولُ وَ هُوَ الْحَقُّ، وَ اللَّهِ مَا تَعَمَّدْتُ کَذِباً مُذْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ یَمْقُتُ عَلَیْهِ أَهْلَهُ، وَإِنْ کَذَّبْتُمُونِی فَإِنَّ فِیکُمْ مَنْ إِنْ سَأَلْتُمُوهُ عَنْ ذَلِکَ أَخْبَرَکُمْ، اسْأَلُوا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِیَّ، وَأَبَا سَعِیدٍ الْخُدْرِیَّ، وَسَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِیَّ، وَزَیْدَ بْنَ أَرْقَمَ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِکٍ، یُخْبِرُوکُمْ أَنَّهُمْ سَمِعُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله لِی وَ لأَخِی، أَ مَا فِی هَذَا حَاجِزٌ لَکُمْ عَنْ سَفْکِ دَمِی).
2- سورة المائدة: 32.
3- وهی فی کتب العامة ولیست بحجة علینا.
4- سورة النجم: 1.

(صلی الله علیه وآله) هذا کان عن الوحی أو الهوی _ والعیاذ بالله _؟

ثم زهاء مائة آیة تصر علی إرجاع الناس إلی السنة، فماذا یفعل القائل ب_ (حسبنا کتاب الله) بهذه الآیات مثل:

Pفَلا وَرَبِّکَ..O ((1)).

و: Pمَن یُطِعِ الرسولَO((2)).

و: PأَطیعُواO((3)).

وغیرها.

وماذا یفعل هؤلاء بخصوصیات کل العبادات من رکعات الصلاة،

وأنصبة الزکاة، ومناسک الحج، وغیرها وغیرها، ألیست تؤخذ کلها من السنة المطهرة؟

وبذلک یظهر أنه لا فرق بین الطائفة الأولی التی تترک السنة مطلقاً،

وبین الطائفة الثانیة التی تجعل أقوال الرسول (صلی الله علیه وآله) حجة فی العبادات فقط.

أمّا ما یرتبط بأمور الدنیا من المعاملات وغیرها فهی راجعة إلی الناس، فهذا الرأی جاء من الغرب الذی یقول: (دع ما لقیصر...).

وقد روی العامة _ کما فی (الفتح الکبیر) و(الترمذی) باختلاف ما _ أنه روی أحمد وأبو داود والحاکم بسند صحیح((4)) عن المقداد: أن

ص:216


1- سورة النساء: 65، وفیها: (فَلا وَ رَبِّکَ لا یُؤْمِنُونَ حَتَّی یُحَکِّمُوکَ فیما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لا یَجِدُوا فی أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَیْتَ وَ یُسَلِّمُوا تَسْلیماً).
2- سورة النساء: 80، وفیها: (مَنْ یُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَ مَنْ تَوَلَّی فَما أَرْسَلْناکَ عَلَیْهِمْ حَفیظاً).
3- سورة آل عمران: 32 و132.
4- أی عندهم.

رسول الله (صلی الله علیه وآله) قال: (یوشک أن یقعد الرجل متکئاً علی أریکته یحدّث بحدیثٍ من حدیثی، فیقول: بیننا وبینکم کتاب الله، فما وجدنا فیه من حلال استحللناه، وما وجدنا فیه من حرام حرمناه، ألا وإنّ ما حرّم رسول الله (صلی الله علیه وآله) مثل ما حرّم الله) ((1)).

ص:217


1- راجع نص هذه الروایة أو مضمونها فی: السنن الکبری للبیهقی: ج7 ص76. کنز العمال: ج1 ص175 ح882. ومسند أحمد: ج7 ص16 ح23349، سنن ابن ماجة: ج1 ص6 ح12، المستدرک علی الصحیحین: ج1 ص190 ح368. وسنن الترمذی: ج5 ص37 ح2664، وسنن أبی داود: ج2 ص45 ح3050.  واللفظ للأخیر: (ثم صلی بهم النبی صلی الله علیه وآله ثم قام فقال: أیحسب أحدکم متکئاً علی أریکته قد یظن أن الله لم یحرم شیئاً إلا ما فی هذا القرآن، ألا وإنی والله قد وعظت وأمرت ونهیت عن أشیاء، إنها لمثل القرآن أو أکثر، وأن الله عزوجل لم یحل لکم أن تدخلوا بیوت أهل الکتاب إلا بإذن، ولا ضرب نسائهم، ولا أکل ثمارهم إذا أعطوکم الذی علیهم).

نقل الحدیث بالمعنی

مسألة: هل جواز تفسیر السنة المطهرة خاص بالتفسیر اللفظی، بأن یبدل لفظاً بلفظٍ أظهر، بدون صبّ الجملة کما یفید المعنی فی جملة أخری، أو عام یشملهما، مثلاً: یحق له أن یقول فی (الحمد لله رب العالمین)((1)):  الله سبحانه وتعالی الذی رب العالمین هو المستحق الوحید للحمد.

أو أعم من ذلک أیضاً بأن یزید وینقص حسب ما یستفاد من قرائن المقام والمقال؟

الجواب: لم یکن ذلک بعید، للسیرة المستمرة عند الوعاظ والخطباء ومن إلیهم، والعلماء یجلسون تحت منبرهم بلا إنکار، وللأشعار التی ذکرت کلام الرسول (صلی الله علیه وآله) والأئمة (علیهم السلام) بزیادة ونقیصة.

مثلاً: قال الرسول (صلی الله علیه وآله) فی غدیر خم: (من کنت مولاه فهذا علی مولاه، اللّهم والِ من والاه، وعاد من عاداه)((2)).

ففسره (حسان) بقوله:

یقول فمن مولاکم وولیکم          فقالوا ولم یبدوا هناک التعادیا

إلهک مولانا وأنت ولین______ا         ولن تجدن فی ذلک الیوم عاصیاً

إلی قوله:

ص:218


1- مع قطع النظر عن کونها آیة، کما لو ذکرها المعصوم علیه السلام فی خطبة وما أشبه، أما الآیات الشریفة فلا یجوز التبدیل والتغییر فیها مطلقا.
2- انظر وسائل الشیعة: ج5 ص58 ب30 ح5898. بحار الأنوار: ج28 ص185 ب4.

هناک دعا اللّهم وال ولی_____ه     وکن للذی عادی علیاً معادیاً((1))

إلی غیرها من الأشعار المفسرة لکلامهم (علیهم السلام) فی الجملة.

بالإضافة إلی أنه مصداق (إرادة المعنی) کما فی الأحادیث:

مثل صحیح مسلم: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): أسمع الحدیث منک فأزید وأنقص، قال: (إن کنت ترید معانیه فلا بأس) ((2)).

وخبر داود بن فرقد، قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): إنی أسمع الکلام منک فأرید أن أرویه کما سمعته منک فلا یجیء، قال: (تتعمد ذلک) قلت: لا، فقال: (ترید المعانی) قلت: نعم، قال: (فلا بأس)((3)).

وخبره الآخر حین سُئل: أسمع الحدیث منک فلعلی لا أرویه کما سمعته، فقال: (إن أصبت فیه فلا بأس، إنما هو بمنزلة تعال، وهلُمّ،

ص:219


1- بحار الأنوار: ج21 ص388 ب36. وفیه: وجاء حسان بن ثابت إلی رسول الله صلی الله علیه وآله فقال: یا رسول الله أ تأذن لی أن أقول فی هذا المقام ما یرضاه الله، فقال له: قل یا حسان علی اسم الله، فوقف علی نشز من الأرض وتطاول المسلمون لسماع کلامه فأنشأ یقول:              ینادیهم یوم الغدیر نبیهم            بخم و أسمع بالرسول منادی___ا             وقال فمن مولاکم و ولیکم        فقالوا و لم یبدوا هناک التعادیا             إلهک مولانا و أنت ولینا            و لن تجدن منا لک الیوم عاصیا             فقال له قم یا علی فإننی            رضیتک من بعدی إماما و هادیا             فمن کنت مولاه فهذا ولیه          فکونوا له أتباع صدق موالی______ا             هناک دعا اللهم وال ولیه            و کن للذی عادی علیا معادیا             فقال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله: (لا تَزَالُ یَا حَسَّانُ مُؤَیَّداً بِرُوحِ الْقُدُسِ مَا نَصَرْتَنَا بِلِسَانِکَ).
2- الکافی: ج1 ص51 باب روایة الکتب والحدیث وفضل الکتابة والتمسک بالکتب ح2.
3- الکافی: ج1 ص51 باب روایة الکتب والحدیث وفضل الکتابة والتمسک بالکتب ح3.

واقعد، واجلس)((1)).

والعامة أیضاً رووا بهذا المعنی.

وأنه جری علی ذلک بناء العقلاء حیث یرَون أن هذا هو التفسیر الذی لا یضر، والشارع لم یغیر بناءهم، لکن اللازم الاحتیاط مهما أمکن.

خصوصیات اللفظ والترکیب

لا یقال: للّفظ والترکیب خصوصیات تفوت بالتبدیل والتغییر، فکیف بالثالث؟ وکثیراً ما تکون عنایة المتکلم بتلک الخصوصیات.

ولذا قال (علیه السلام): (إن الله وإن کان مقلب الأبصار، لکن لا تزد فی دعائک فلا تقل: یا مقلب القلوب والأبصار)((2)).

ولذا نری أنه قد ورد:

Pإنَّ اللهَ یُضِلُّO((3)).

و: Pوَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءO((4)).

و: Pأمْ نَحْنُ الزّارِعُونَO((5)).

ص:220


1- بحار الأنوار: ج2 ص161 ب21 ح17.
2- انظر بحار الأنوار: ج52 ص148 ب22 ح73 عن کمال الدین، وفیه: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: سَتُصِیبُکُمْ شُبْهَةٌ فَتَبْقَوْنَ بِلا عَلَمٍ یُرَی وَ لا إِمَامٍ هُدًی لا یَنْجُو مِنْهَا إِلا مَنْ دَعَا بِدُعَاءِ الْغَرِیقِ، قُلْتُ: وَ کَیْفَ دُعَاءُ الْغَرِیقِ، قَالَ: تَقُولُ: یَا اللَّهُ یَا رَحْمَانُ یَا رَحِیمُ یَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِی عَلَی دِینِکَ، فَقُلْتُ: یَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ وَ الْأَبْصَارِ ثَبِّتْ قَلْبِی عَلَی دِینِکَ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ وَ لَکِنْ قُلْ کَمَا أَقُولُ: یَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِی عَلَی دِینِکَ).
3- سورة الرعد: 27.
4- سورة البقرة: 31.
5- سورة الواقعة: 64.

وما أشبه، ومع ذلک لا یجوز إطلاق (المضل) و(المعلم) و(الزارع) علی الله سبحانه، مع أن المادة واحدة.

لأنه یقال: هذا وإن کان تاماً، إلاّ أن الطریقة العقلائیة، وما ذکرناه من سائر الأدلة _ مضافاً إلی عدم إمکان غیر ذلک فی المحاورات، ولزوم تعطیل الترجمة إلی سائر اللغات _ أوجب الجواز.

وهذا بحث طویل أردنا الإلماع إلیه بمناسبة بحثنا عن السنة، وإن کان هذا شاملاً للکتاب أیضاً فی الجملة.

نماذج من التسامح

ومثل هذا التسامح قدره الشرع فی سائر الأمور مثلاً: (الکرّ کذا شبراً) مع وضوح اختلاف الأشبار حتی فی المتعارف.

و(الصاع والوسق والمد کذا) مع وضوح اختلافها کثیراً حیث لم تکن هناک معامل تصب المقادیر المذکورة بدقة.

وفی الوضوء: (ما دارت علیه الإبهام والوسطی) ((1)) مع وضوح أنهما فی الأفراد مختلفة سعة وضیقاً من جهة الوجه، فربما تستوعبان أکثر فی إنسان من إنسان آخر.

ص:221


1- انظر بحار الأنوار: ج77 ص281.

الردع عن اتّباع المصلحة وترک الشریعة

مسألة: قد عرفت أنه لا شیء إلاّ وفیه کتاب أو سنة، فدعوی العامة وبعض الخاصة الاعتماد علی (المصلحة) _ إن أرید به ما هو مشمول لهما _ فلا داعی إلی ذکر المصلحة.

وإن کان المراد ما هو خارج عنهما فلا وجه له، إذ لا حق بالعمل بالخارج عنهما، فإنه وإن کان لا شک أن التشریع لوحظ فیه المصلحة، لکن لا شک أیضاً أنه لا یجوز اتّباعنا للمصلحة وترک التشریع الإلهی مع وضوح أن بینهما _ فیما نفهم من المصلحة _ عموماً من وجه.

هذا بالإضافة إلی أن معنی ذلک إدخال العقل فی دین الله حکماً أو موضوعاً، مع تواتر الروایات والضرورة عندنا بأن دین الله لا یُدرک بالعقل((1))، فإن کل قوم بمناسبات یرَون المصلحة فی غیر ما یراه قوم آخرون.

لا یقال: فکیف جعلتم من أدلة الأحکام العقل، وکیف ورد فی الروایات أنه حجة باطنة((2)

لأنه یقال: الحدیث الأول فی درک الجزئّیات، أن أجزاء الصّلاة

ص:222


1- انظر مستدرک الوسائل: ج17 ص262 ب1 ح21289 وفیه: (عَنْ أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ قَالَ: قَالَ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ علیه السلام:إِنَّ دِینَ اللَّهِ لا یُصَابُ بِالْعُقُولِ النَّاقِصَةِ وَ الآرَاءِ الْبَاطِلَةِ وَالْمَقَایِیسِ الْفَاسِدَةِ وَلا یُصَابُ إِلا بِالتَّسْلِیمِ فَمَنْ سَلَّمَ لَنَا سَلِمَ، وَمَنِ اهْتَدَی بِنَا هُدِیَ، وَمَنْ دَانَ بِالْقِیَاسِ وَالرَّأْیِ هَلَکَ، وَ مَنْ وَجَدَ فِی نَفْسِهِ شَیْئاً مِمَّا نَقُولُهُ أَوْ نَقْضِی بِهِ حَرَجاً کَفَرَ بِالَّذِی أَنْزَلَ السَّبْعَ الْمَثَانِی وَ الْقُرْآنَ الْعَظِیمَ وَ هُوَ لَا یَعْلَمُ).
2- الکافی: ج1 ص15 ح12: عن موسی بن جعفر علیه السلام: (یَا هِشَامُ إِنَّ لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حُجَّتَیْنِ، حُجَّةً ظَاهِرَةً، وَحُجَّةً بَاطِنَةً، فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِیَاءُ وَالْأَئِمَّةُ علیهم السلام ◄  ► وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُولُ).

وشرائطها کذا، وأن خصوصیات الحج والاعتکاف کذا، وهکذا. والحدیث الثانی فی العقائد والکلیات، ولذا کثر فی القرآن الحکیم والسنة المطهرة الإلماع إلیه: Pأفلا یعقلونO ((1))، وPلأولی الألبابO((2))، وما أشبه. ونجد بالضرورة فهمنا لکثیر من المصالح فی الأحکام الکلیة.

وبذلک تبیّن أن المصلحة علی أقسام: فقسم اعتبرها الشارع وإن کان فیها بعض الأضرار، مثل مصلحة الصوم والحج والجهاد والخمس والزکاة وما أشبه. وقسم ألغاها الشارع وإن کان فیها بعض المنافع، قال سبحانه: Pیَسْئَلُونَکَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ قُلْ فیهِما إِثْمٌ کَبیرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ إِثْمُهُما أَکْبَرُ مِنْ نَفْعِهِماO((3)).

وقسم سکت عنها الشارع، لا أقرها ولا أبطلها، وهذا القسم لا یعمل به لا للنص علی عدمه، بل لأن فی کل واقعة حکماً مستفاداً من الکتاب والسنة علی نحو الجزئیة، مثل ن___کاح أربع.

أو ع___لی ن__حو الکلیة مثل: Pخلق لکم ما ف___ی الأرض جمیعاO((4)).

و: Pأحلّ الله البیعO((5)).

و: Pأوفوا بالعقودO((6)).

و: Pإلاّ ما اضطررتمO((7)).

ص:223


1- سورة یس: 68.
2- سورة آل عمران: 190. سورة یوسف: 111. سورة ص: 43.
3- سورة البقرة: 219.
4- سورة البقرة: 29.
5- سورة البقرة: 275.
6- سورة المائدة: 1.
7- سورة الأنعام: 119.

و: حدیث الرفع((1)).

و: حدیث الاستصحاب((2)).

وما أشبه ذلک.

فاللازم ملاحظة انطباق إحدی تلک الکلیات علی المورد إیجاباً أو سلباً، ولیست المصلحة وعدمها فی نظر الفقیه مثار الأخذ والرد.

فلو دلّ الاستص__حاب علی الجواز ولم تکن مصلحة أخذ بالاستصحاب، بل ولو تصور الفقیه أنه مفسدة، ما لم یدخل فی (الضرر) ونحوه، ولو دلّ علی المنع وکانت، أخذ به لا بها، وهکذا.

ص:224


1- انظر الکافی: ج2 ص463 باب ما رفع عن الأمة ح2. وفیه: (عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله: وُضِعَ عَنْ أُمَّتِی تِسْعُ خِصَالٍ: الْخَطَأُ، وَالنِّسْیَانِ، وَمَا لا یَعْلَمُونَ، وَ مَا لا یُطِیقُونَ، وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَیْهِ، وَ مَا اسْتُکْرِهُوا عَلَیْهِ، وَالطِّیَرَةُ، وَالْوَسْوَسَةُ فِی التَّفَکُّرِ فِی الْخَلْقِ، وَالْحَسَدُ مَا لَمْ یُظْهِرْ بِلِسَانٍ أَوْ یَدٍ).
2- وسائل الشیعة: ج1 ص245 ب1 ح631 وفیه: (وَلا تَنْقُضِ الْیَقِینَ أَبَداً بِالشَّکِّ وَ إِنَّمَا تَنْقُضُهُ بِیَقِینٍ آخَر).

السنة تنظم حیاة الإنسان

مسألة: ما فی الکتاب والسنة مما یسمی بالفقه، وقد عرفت فیما تقدم حال الإجماع والعقل، یکفی تنظیم حیاة الإنسان مع ربه، ومع نفسه، ومع مجتمعه.

وکل ذلک ینقسم إلی الأحکام الخمسة المعروفة.

وقد تجدد بعض الاصطلاحات فی الحال الحاضر، وإن کان المسمی قدیماً، وله اصطلاح آخر، فباستثناء العقیدة التی هی من شأن القلب، وتفصیله مذکور فی کتب العقائد، الفقه:

1: یُنظّم علاقة الإنسان بالله سبحانه ویسمی بالعبادات، سواء کانت:

ألف) بدنیة محضة کالصلاة والصیام والطهارات الثلاث.

ب) أو مالیة محضة کالخمس والزکاة حیث تحتاجان إلی النیة. أما المظالم ومجهول المالک وما أشبه فهی مالیة غیر عبادیة، وهی بین الإنسان والمجتمع.

ج) أو منهما کالحج حیث إنه مالیة بدنیة.

2: وعلاقة الإنسان المعاملیة مع الناس، کالبیع والشراء والشرکة والرهن والوکالة والکفالة والهبة والعاریة والإجارة والمضاربة ونحوها، ویسمی فی الاصطلاح الحدیث ب_ (القانون المدنی) أو (القانون التجاری).

3: وعلاقة الإنسان فی المرافعات، ویسمی بالقضاء والشهادات، ویسمی فی الاصطلاح الحدیث ب_ (قانون المرافعات).

4: وعلاقة الحاکم بالمحکوم وبالعکس، من الأمور المرتبطة بالدولة، ویسمی فی الاصطلاح الحدیث ب_ (القانون الدستوری).

5: وعلاقة المسلمین بغیرهم، سواء فی الحرب أو فی السلم، ویسمی فی الاصطلاح الحدیث ب_ (القانون الدولی).

ص:225

6: وعلاقة الإنسان بما بعده من الوصایا والمواریث، مضافاً إلی ما ینظم الأسرة کالنکاح والطلاق والخلع والمباراة والنسب والحضانة ونحوها، ویسمی فی الاصطلاح الحدیث ب_ (قانون الأحوال الشخصیة).

7: وعلاقة الإنسان بنفسه، فی المأکل والمشرب والمسکن والمرکب وسائر سلوکیاته.

8: وعلاقة الإنسان فی باب الجرائم مجرماً وطرفه، مما ذکر فی کتاب الحدود والقصاص والتعزیرات، ویسمی فی الاصطلاح الحدیث ب_ (القانون الجزائی).

ومن ذلک تبین أن الشریعة لم تترک صغیرة ولا کبیرة إلاّ أحصته، وأن کل حکم یریده الإنسان موجود فی الشریعة.

وحتی أن م__ا حدث من الموضوعات لها أحکام فی الشریعة من جهة العمومات والإطلاقات والأصول العملیة، کقوانین البنوک والتأمین والشرکات الحدیثة ونحوها.

ومن المعلوم أن غالب هذه الأمور توجد فی السنة المطهرة، وإن کانت أحکام کثیرة توجد فی الکتاب العزیز حسب ما ذکروه فی آیات الأحکام، وبهذه المناسبة ذکرناها فی هذا الکتاب.

ص:226

الأخبار الموضوعة

مسألة: لا شک فی وجود الأخبار المکذوبة المنسوبة إلی الرسول (صلی الله علیه وآله)، بل دلّ علی ذلک متواتر الروایات والتی منها: (قد کثرت علیّ الکذّابة، فمن کذب علیّ متعمداً فلیتبوأ مقعده من النار) ((1)).

فإن هذا الحدیث یثبت المطلوب، سواء کان کذباً أو صدقاً کما لا یخفی، فإذا عارض المنسوب إلیه دلیلاً عقلیاً قطعیاً ولم یکن قابلاً للتأویل مثل: (إن الله یضحک) تبین کذبه، وإلاّ فإن أمکن التأویل وکان طریقه ثقة، قدم علی الطرح، إذ یکون حاله حینئذٍ حال: Pالرحمان علی العرشO((2)) وما أشبه.

مسألة: ثم إن حدیث الرسول (صلی الله علیه وآله)، حاله حال سائر الأحادیث، یحتاج العمل به إلی الفحص.

أما ما ذکره صاحب (الوسائل) وبعض آخر _ من عدم جواز استنباط الأحکام النظریة من ظواهر کلام النبی (صلی الله علیه وآله) المروی من غیر جهة الأئمة (علیهم السلام) ما لم یعلم تفسیره منهم _ فغیر ظاهر الوجه.

إذ هل یشک فی خبر رواه أمثال سلمان وأبی ذر؟ ولماذا؟

نعم إذا کان الراوی غیر ثقة، أو فی السند إنسان غیر ثقة لم یقبل منه.

ص:227


1- الکافی: ج1 ص62 باب اختلاف الحدیث ضمن ح1 وفیه: (وَقَدْ کُذِبَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله عَلَی عَهْدِهِ حَتَّی قَامَ خَطِیباً فَقَالَ: أَیُّهَا النَّاسُ قَدْ کَثُرَتْ عَلَیَّ الْکَذَّابَةُ فَمَنْ کَذَبَ عَلَیَّ مُتَعَمِّداً فَلْیَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ثُمَّ کُذِبَ عَلَیْهِ مِنْ بَعْدِهِ).
2- سورة طه: 5.

بل حاله حال الروایات عن سائر المعصومین (علیهم السلام).

نعم إذا قلنا بالنسخ فی الحدیث أُضیف علی التخصیص ونحوه.

فعن محمد بن مسلم، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: قلت له: ما بال أقوام یروون عن فلان وفلان عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) لا یُتّهمون بالکذب، فیجیء منکم خلافه؟ قال (علیه السلام): (إن الحدیث یُنسخ کما یُنسخ القرآن)((1)).

وعن منصور بن حازم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قال: قلت: أخبرنی عن أصحاب محمد (صلی الله علیه وآله) صدقوا علی محمد (صلی الله علیه وآله) أم کذبوا؟ قال: (بل صدقوا)، قلت: فما بالهم اختلفوا؟ قال: (إن الرجل کان یأتی رسول الله (صلی الله علیه وآله) فیسأله المسألة، فیجیبه فیها بالجواب، ثم یجیئه بعد ذلک ما ینسخ ذلک الجواب، فنسخت الأحادیث بعضها بعضاً)((2)).

ولا یخفی احتمال هذین الحدیثین للتقیة، حیث لم یتمکن الإمام (علیهم السلام) من تکذیبهم، فتذرع بذلک لإسقاط روایاتهم، خصوصاً قوله (علیه السلام) فی الحدیث الثانی: (صَدَقوا)، وخصوصاً وجمعٌ مع العلماء أنکروا النسخ حتی فی القرآن الحکیم، کما ذکره البلاغی (قدس سره)((3)) وغیره.

ص:228


1- وسائل الشیعة: ج27 ص108 ب9 ح33337.
2- الکافی: ج1 ص64 باب اختلاف الحدیث ضمن ح3.
3- العلامة محمد جواد بن حسن بن طالب البلاغی (1282 ه_ _ 1352 ه_) رجل دین وفقیه ومفسّر شیعی عراقی، وکان شاعراً وأدیباً باللغة العربیة إضافةً إلی کونه باحثاً فی الأدیان ومتمکناً من بعض اللغات الحیة کالفارسیة والإنجلیزیة والعبریة، کما کانت له مشارکة سیاسیة بارزة فی ثورة العشرین. ولد فی شهر رجب 1282 ه_ بمدینة النجف الأشرف ونشأ فیها، ثم بدأ دراسته الحوزویة فی مدینة الکاظمیة المقدسة، وبعد إنهاء مرحلة المقدمات عاد إلی النجف لإکمال دراسته، وفی عام 1326 ه_ سافر إلی سامراء المقدسة؛ للحضور فی دروس الشیخ ◄  ► محمد تقی الشیرازی قائد ثورة العشرین، وبقی فی سامراء حوالی عشر سنوات، ثم سافر إلی الکاظمیة وبقی فیها سنتین ثم عاد إلی النجف عام 1338 ه_، واتجه نحو التألیف والکتابة والتصنیف وبقی فیها حتی آخر أیام حیاته. من أساتذته الأعلام: محمد طه نجف، ومحمد کاظم الخراسانی، وحسین النوری الطبرسی، ومحمد حسن المامقانی، ورضا الهمدانی، وحسن الصدر، ومحمد الهندی، ومن تلامذته الأعلام: محمد هادی الحسینی المیلانی، وأبو القاسم الخوئی، ومحمد أمین زین الدین، ومحمد رضا الطبسی، وغیرهم. توفی بمدینة النجف فی الثانی والعشرین من شعبان 1352 ه_ ودُفن بالصحن الحیدری.

ویؤید التقیة قول الصادق (علیه السلام) فی حدیث: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): (أنا مدینة العلم وعلی بابها، وکذب من زعم أنه یدخل المدینة إلاّ من قبل الباب)((1)).

ویؤیده أیضاً ما رواه الکلینی، عن الهلالی، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام)((2)). فراجع (الوسائل) فی الباب المذکور.

ص:229


1- الکافی: ج2 ص239 باب المؤمن وعلاماته وصفاته ح27، وفیه: (ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله: أَنَا الْمَدِینَةُ وَعَلِیٌّ الْبَابُ، وَکَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ یَدْخُلُ الْمَدِینَةَ لَا مِنْ قِبَلِ الْبَابِ، وَکَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ یُحِبُّنِی وَیُبْغِضُ عَلِیّاً صلوات الله علیه).
2- راجع بحار الأنوار: ج34 ص172 _ 175 ب32 وفیه: ثِقَةُ الْإِسْلَامِ الْکُلَیْنِیُ فِی کِتَابِ] الرَّوْضَةِ، عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ أَبِیهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِیسَی، عَنْ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عُمَرَ الْیَمَانِیِّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِی عَیَّاشٍ، عَنْ سُلَیْمِ بْنِ قَیْسٍ الْهِلَالِیِّ، قَالَ: خَطَبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ صَلَّی عَلَی النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ ثُمَّ قَالَ: أَلا إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَیْکُمْ خَلَّتَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَی، وَطُولُ الْأَمَلِ. أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَی فَیَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ. وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَیُنْسِی الْآخِرَةَ. أَلا وَإِنَّ الدُّنْیَا قَدْ تَرَحَّلَتْ مُدْبِرَةً، وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ تَرَحَّلَتْ مُقْبِلَةً، وَلِکُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَکُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَ لا تَکُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْیَا، فَإِنَّ الْیَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ، وَإِنَّ غَداً حِسَابٌ وَلا عَمَلَ. وَ إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ مِنْ أَهْوَاءٍ تُتَّبَعُ، وَأَحْکَامٍ تُبْتَدَعُ، یُخَالَفُ فِیهَا حُکْمُ اللَّهِ، یَتَوَلَّی فِیهَا رِجَالٌ رِجَالًا. أَلا إِنَّ الْحَقَّ لَوْ خَلَصَ لَمْ یَکُنِ اخْتِلَافٌ، وَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ لَمْ یَخْفَ عَلَی ذِی حِجًی، لَکِنَّهُ یُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَ مِنْ هَذَا ◄      ► ضِغْثٌ، فَیُمْزَجَانِ فَیَجْتَمِعَانِ فَیُجَلَّیَانِ مَعاً، فَهُنَاکَ یَسْتَوْلِی الشَّیْطَانُ عَلَی أَوْلِیَائِهِ، وَ نَجَا الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنَی، إِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یَقُولُ: کَیْفَ أَنْتُمْ إِذَا أَلْبَسَتْکُمْ فِتْنَةٌ یَرْبُو فِیهَا الصَّغِیرُ، وَ یَهْرَمُ فِیهَا الْکَبِیرُ، یَجْرِی النَّاسُ عَلَیْهَا وَ یَتَّخِذُونَهَا سُنَّةً، فَإِذَا غُیِّرَ مِنْهَا شَیْ ءٌ قِیلَ قَدْ غُیِّرَتِ السُّنَّةُ وَ أَتَی النَّاسُ مُنْکَراً. ثُمَّ تَشْتَدُّ الْبَلِیَّةُ وَ تُسْبَی الذُّرِّیَّةُ وَ تَدُقُّهُمُ الْفِتْنَةُ کَمَا تَدُقُّ النَّارُ الْحَطَبَ، وَ کَمَا تَدُقُّ الرَّحَی بِثِفَالِهَا، وَ یَتَفَقَّهُونَ لِغَیْرِ اللَّهِ، وَ یَتَعَلَّمُونَ لِغَیْرِ الْعَمَلِ، وَ یَطْلُبُونَ الدُّنْیَا بِأَعْمَالِ الْآخِرَةِ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بِوَجْهِهِ وَ حَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ بَیْتِهِ وَ خَاصَّتِهِ وَ شِیعَتِهِ، فَقَالَ: قَدْ عَمِلَتِ الْوُلاةُ قَبْلِی أَعْمَالا خَالَفُوا فِیهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، مُتَعَمِّدِینَ لِخِلَافِهِ، نَاقِضِینَ لِعَهْدِهِ، مُغَیِّرِینَ لِسُنَّتِهِ، وَ لَوْ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلَی تَرْکِهَا وَ حَوَّلْتُهَا إِلَی مَوَاضِعِهَا وَ إِلَی مَا کَانَتْ فِی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لَتَفَرَّقَ عَنِّی جُنْدِی، حَتَّی أَبْقَی وَحْدِی أَوْ مَعَ قَلِیلٍ مِنْ شِیعَتِیَ الَّذِینَ عَرَفُوا فَضْلِی وَ فَرْضَ إِمَامَتِی مِنْ کِتَابِ اللَّهِ عَزَّ ذِکْرُهُ وَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ. أَرَأَیْتُمْ لَوْ أَمَرْتُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِیمَ عَلَیْهِ السَّلَامُ فَرَدَدْتُهُ إِلَی الْمَوْضِعِ الَّذِی وَضَعَهُ فِیهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ رَدَدْتُ فَدَکَ إِلَی وَرَثَةِ فَاطِمَةَ عَلَیْهَا السَّلَامُ، وَ رَدَدْتُ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ کَمَا کَانَ، وَ أَمْضَیْتُ قَطَائِعَ أَقْطَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ لِأَقْوَامٍ لَمْ تُمْضَ لَهُمْ وَ لَمْ تُنْفَذْ، وَرَدَدْتُ دَارَ جَعْفَرٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَی وَرَثَتِهِ وَ هَدَمْتُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ، وَرَدَدْتُ قَضَایَا مِنَ الْجَوْرِ قُضِیَ بِهَا، وَنَزَعْتُ نِسَاءً تَحْتَ رِجَالٍ بِغَیْرِ حَقٍّ فَرَدَدْتُهُنَّ إِلَی أَزْوَاجِهِنَّ، وَ اسْتَقْبَلْتُ بِهِنَّ الْحُکْمَ فِی الْفُرُوجِ وَ الْأَحْکَامِ، وَ سَبَیْتُ ذَرَارِیَّ بَنِی تَغْلِبَ، وَرَدَدْتُ مَا قُسِمَ مِنْ أَرْضِ خَیْبَرَ، وَمَحَوْتُ دَوَاوِینَ الْعَطَایَا، وَ أَعْطَیْتُ کَمَا کَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ یُعْطِی بِالسَّوِیَّةِ، وَ لَمْ أَجْعَلْهَا دُولَةً بَیْنَ الْأَغْنِیَاءِ، وَأَلْقَیْتُ الْمَسَاحَةَ وَسَوَّیْتُ بَیْنَ الْمَنَاکِحِ، وَأَنْفَذْتُ خُمُسَ الرَّسُولِ کَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ فَرَضَهُ، وَرَدَدْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ إِلَی مَا کَانَ عَلَیْهِ، وَسَدَدْتُ مَا فُتِحَ فِیهِ مِنَ الْأَبْوَابِ وَ فَتَحْتُ مَا سُدَّ مِنْهُ، وَ حَرَّمْتُ الْمَسْحَ عَلَی الْخُفَّیْنِ، وَ حَدَدْتُ عَلَی النَّبِیذِ، وَ أَمَرْتُ بِإِحْلَالِ الْمُتْعَتَیْنِ، وَأَمَرْتُ بِالتَّکْبِیرِ عَلَی الْجَنَائِزِ خَمْسَ تَکْبِیرَاتٍ، وَ أَلْزَمْتُ النَّاسَ الْجَهْرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ، وَأَخْرَجْتُ مَنْ أُدْخِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی مَسْجِدِهِ مِمَّنْ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَخْرَجَهُ، وَأَدْخَلْتُ مَنْ أُخْرِجَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ مِمَّنْ ◄  ► کَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَدْخَلَهُ، وَ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلَی حُکْمِ الْقُرْآنِ وَ عَلَی الطَّلَاقِ عَلَی السُّنَّةِ، وَ أَخَذْتُ الصَّدَقَاتِ عَلَی أَصْنَافِهَا وَ حُدُودِهَا، وَرَدَدْتُ الْوُضُوءَ وَ الْغُسْلَ وَ الصَّلَاةَ إِلَی مَوَاقِیتِهَا وَ شَرَائِعِهَا وَ مَوَاضِعِهَا، وَرَدَدْتُ أَهْلَ نَجْرَانَ إِلَی مَوَاضِعِهِمْ، وَرَدَدْتُ سَبَایَا فَارِسَ وَسَائِرِ الْأُمَمِ إِلَی کِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ ، إِذاً لَتَفَرَّقُوا عَنِّی. وَ اللَّهِ لَقَدْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ لَا یَجْتَمِعُوا فِی شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَّا فِی فَرِیضَةٍ، وَ أَعْلَمْتُهُمْ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ فِی النَّوَافِلِ بِدْعَةٌ، فَنَادَی بَعْضُ أَهْلِ عَسْکَرِی مِمَّنْ یُقَاتِلُ مَعِی «یَا أَهْلَ الإِسْلَامِ غُیِّرَتْ سُنَّةُ عُمَرَ، یَنْهَانَا عَنِ الصَّلَاةِ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ تَطَوُّعاً». وَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ یَثُورُوا فِی نَاحِیَةِ جَانِبِ عَسْکَرِی مَا لَقِیتُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْفُرْقَةِ وَ طَاعَةِ أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ وَ الدُّعَاةِ إِلَی النَّارِ وَ لَوْأَعْطَیْتُ مِنْ ذَلِکَ سَهْمَ ذِی الْقُرْبَی الَّذِی قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: (إِنْ کُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلی عَبْدِنا یَوْمَ الْفُرْقانِ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ)، فَنَحْنُ وَ اللَّهِ عَنَی بِذِی الْقُرْبَی الَّذِی قَرَنَنَا اللَّهُ بِنَفْسِهِ وَ بِرَسُولِهِ، فَقَالَ (فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساکِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ) فِینَا خَاصَّةً کَیْ لا یَکُونَ دُولَةً بَیْنَ الْأَغْنِیاءِ مِنْکُمْ. (وَ ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وَ اتَّقُوا اللَّهَ فِی ظُلْمِ آلِ مُحَمَّدٍ إِنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ لِمَنْ ظَلَمَهُمْ، رَحْمَةً مِنْهُ لَنَا، وَ غِنًی أَغْنَانَا اللَّهُ بِهِ وَ وَصَّی بِهِ نَبِیَّهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَلَمْ یَجْعَلْ لَنَا فِی سَهْمِ الصَّدَقَةِ نَصِیباً، أَکْرَمَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ ، وَ أَکْرَمَنَا أَهْلَ الْبَیْتِ أَنْ یُطْعِمَنَا مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ، فَکَذَّبُوا اللَّهَ وَ کَذَّبُوا رَسُولَهُ وَ جَحَدُوا کِتَابَ اللَّهِ النَّاطِقَ بِحَقِّنَا، وَ مَنَعُونَا فَرْضاً فَرَضَهُ اللَّهُ لَنَا. مَا لَقِیَ أَهْلُ بَیْتِ نَبِیٍّ مِنْ أُمَّتِهِ مَا لَقِیتُهُ بَعْدَ نَبِیِّنَا، وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلَی مَنْ ظَلَمَنَا، وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَظِیمِ).

ولا یخفی أنه کل ما فی أخبار الرسول (صلی الله علیه وآله) من کذب علیه، کذلک فی أخبار الأئمة (علیهم السلام)، والعلماء نقحوها عن مثل ذلک.

والله المستعان.

سبحان ربک رب العزة عما یصفون وسلام علی المرسلین والحمد لله رب العالمین، وصلی الله علی محمد وآله الطاهرین.

قم المقدسة

15 / صفر / 1413 ه_

محمد الشیرازی

ص:230

ولا یخفی أنه کل ما فی أخبار الرسول (صلی الله علیه وآله) من کذب علیه، کذلک فی أخبار الأئمة (علیهم السلام)، والعلماء نقحوها عن مثل ذلک.

والله المستعان.

سبحان ربک رب العزة عما یصفون وسلام علی المرسلین والحمد لله رب العالمین، وصلی الله علی محمد وآله الطاهرین.

قم المقدسة

15 / صفر / 1413 ه_

محمد الشیرازی

ص:231

الفهرس

المقدمة 5 [1]

الفصل الآول: تعریف السنة 7 [2]

تعریف السُنة 9 [3]

السنة عند العامة 10 [4]

الحدیث والخبر والسنة 10 [5]

بین الخبر والإنشاء 11 [6]

العلم والیقین والاعتقاد 13 [7]

العلم الإجمالی. 14 [8]

بین الشهود والإقرار 14 [9]

الصدق والکذب لا یرتبطان بالاعتقاد 15 [10]

الأصل فی الإنشاء والإخبار 15 [11]

قصد الکذب والصدق. 16 [12]

فروع. 17 [13]

صدق الکتابة والإشارة 18 [14]

صدق الکنایات والمجازات.. 19 [15]

الفصل الثانی : [16]الأخبار وأقسامها 21 [17]

أقسام الخبر. 23 [18]

التواتر 25 [19]

من شروط التواتر 26 [20]

التواتر تدرجی ودفعی. 27 [21]

أقسام أخری للتواتر 27 [22]

الحس شرط التواتر 28 [23]

الحدود لا تثبت بالتواتر 29 [24]

الخبر الواحد 30 [25]

شمولیة الخبر. 31 [26]

الخبر الموثوق. 31 [27]

حدود الوثاقة 32 [28]

شرائط العمل بالخبر الواحد 33 [29]

1 و2: البلوغ والعقل. 33 [30]

3: الإسلام 34 [31]

4: الإیمان. 36 [32]

5: العدالة 38 [33]

شرائط العمل بالمتواتر 39 [34]

أخبار الفضائل والاعتماد علیها 39 [35]

بین التحمل والأداء 39 [36]

مجهول الحال. 40 [37]

مناقشة أدلة القبول. 41 [38]

6: الضبط تحمّلاً وأداءً 42 [39]

فروع فی الضبط. 42 [40]

السهو الأدواری. 44 [41]

کتاب الثقة قبل انحرافه 44 [42]

طُرق ثبوت العدالة وسائر الشروط. 46 [43]

کفایة الواحد الثقة 46 [44]

البینة والحاجة إلی الاثنین. 47 [45]

مما یکفی فیه الواحد 47 [46]

المحتسب واشتراط التعدد 48 [47]

الفتوی والقضاء 49 [48]

تعدد المفتی والقاضی. 50 [49]

من مصادیق الشوری. 52 [50]

ثبوت التزکیة بالواحد 55 [51]

أدلة من اشترط الاثنین وردها 56 [52]

المرأة وتزکیتها 57 [53]

استصحاب التزکیة 57 [54]

أصالة الحرمة فی فعل الحرام 58 [55]

الاضطرار 59 [56]

الضرورات بقدرها کماً وکیفاً 60 [57]

الاضطرار إلی ترک الواجب.. 61 [58]

فروع. 61 [59]

الجرح کالتعدیل. 62 [60]

تنزیه أولاد الأئمة (علیهم السلام) 63 [61]

التجریح والتوثیق من دون ذکر الأسباب.. 65 [62]

دلیل التفسیر والجواب علیه 65 [63]

عند تعارض الجرح والتعدیل. 67 [64]

فروع فی تعارض الجرح والتعدیل. 68 [65]

العدالة 70 [66]

الفحص عن المعارض فی التزکیة والتجریح. 70 [67]

من مصادیق التوثیق. 71 [68]

السنة والنقل بالمضمون. 72 [69]

أدلة المانعین وردها 72 [70]

عدم الترادف اللغوی. 74 [71]

الشک فی وجود القرائن. 76 [72]

الخبر المرسل والمقطوع. 77 [73]

القرائن المکتنفة وفهم الفقهاء 78 [74]

فتوی الفقیه فی باب التسامح. 78 [75]

روایات المخالفین فی کتبنا 79 [76]

المجهولون من الرواة 80 [77]

هل الأصل عدالة الصحابی؟ 81 [78]

أسباب الجهالة 84 [79]

العمل بالأخبار 86 [80]

1: الوثاقة 86 [81]

2: عمل المشهور 87 [82]

تصنیف العلامة للأخبار 88 [83]

1: الصحیح. 88 [84]

2: الحسن. 88 [85]

المراد من قول المنطقیین. 90 [86]

3: الموثق. 90 [87]

4: الضعیف.. 91 [88]

الحجة واللاحجة 91 [89]

بین اصطلاح القدماء والمتأخرین. 92 [90]

من أسباب الوثاقة والحجیة 94 [91]

تقسیم آخر للخبر. 96 [92]

المسند 96 [93]

منقطع السند 96 [94]

المعلق. 97 [95]

عالی الإسناد 97 [96]

المعنعن. 97 [97]

المدرج. 97 [98]

المشهور 98 [99]

الشاذ 98 [100]

غریب الإسناد 98 [101]

غریب المتن. 98 [102]

المصحّف سنداً 98 [103]

المصحّف متناً 99 [104]

المسلسل. 99 [105]

المقطوع. 99 [106]

المضمر 99 [107]

الموقوف.. 99 [108]

المدلّس.. 100 [109]

المضطرب.. 100 [110]

الموضوع. 100 [111]

تطبیق العصر علی السنة 101 [112]

قانون الجمارک مثلاً. 101 [113]

قانون البنوک أیضاً 102 [114]

قانون تحدید النسل. 102 [115]

تنوع الروایات وتصانیفها 103 [116]

سائر الروایات والحاجة إلی البحث العلمی. 104 [117]

لسان الروایة 107 [118]

الإجازة وأقسامها 108 [119]

التحمل والمناولة 109 [120]

جهة الروایة 109 [121]

ترک التقیة والحکم التکلیفی والوضعی. 110 [122]

استغفار وتضرع المعصوم 111 [123]

الأنبیاء (علیهم السلام) وترک الأولی. 112 [124]

حجیة المعصوم (علیه السلام) 113 [125]

وهنا سؤالان: 115 [126]

الشک بین الحکم والحق. 116 [127]

الشک بین الوجوب والاستحباب.. 116 [128]

التروک والنواهی. 117 [129]

الأحکام فی زمن النبی ص.. 118 [130]

إذا کان متعلق الأمر مردداً 119 [131]

تقریر المعصوم حجة 121 [132]

قول الإشارات والمناقشة فیه 122 [133]

التقریر لا یرقی إلی الوجوب أو الحرمة 124 [134]

التعارض فی الأقسام الثلاثة 125 [135]

لا یحمل فعل النبی ص علی التقیة 126 [136]

اشتراک الأحکام بین الرجل والمرأة 127 [137]

الشک فی الاختصاص.. 127 [138]

التقریر یجری فی الاعتقاد 128 [139]

نقل التقریر کنقل الخبر. 130 [140]

أی تصرفات المعصوم تتبع 131 [141]

قضیة فی واقعة 132 [142]

بین القضاء والفتوی. 133 [143]

بین الفتوی والتصرف الولائی. 134 [144]

أقوال أولاد الأئمة (علیهم السلام) 135 [145]

حجیة کلام الملائکة 137 [146]

حجیة الصدیقة فاطمة ومریم (علیهما السلام) 138 [147]

حجیة الأصحاب المنتجبین. 138 [148]

الحجة علی الرجال والنساء 139 [149]

العصمة الصغری. 139 [150]

حجیة نهج البلاغة 140 [151]

حجیة الصحیفة السجادیة 140 [152]

تقریر الأشعار 141 [153]

حجیة الکتاب أو المؤلف.. 141 [154]

بحث حول (الکافی کاف لشیعتنا) 142 [155]

تعبّد النبی (صلی الله علیه وآله) قبل البعثة 143 [156]

اختلاف أقوالهم وأدوارهم (علیهم السلام) 145 [157]

القول فی الرؤیا 147 [158]

تطبیق کلیات الدین علی الجزئیات.. 154 [159]

الإسلام یجبُّ عما قبله إلاّ ما استثنی. 156 [160]

العمل بالقرآن. 158 [161]

القرآن حجة بهذه الکیفیة الموجودة 163 [162]

روایات التحریف ضعیفة سنداً أو دلالة 164 [163]

قصة فصل الخطاب.. 165 [164]

القراءات المشهورة وغیرها 167 [165]

التسامح فی أدلة السنن. 168 [166]

اشتراک الإناث والذکور فی التکلیف.. 170 [167]

السنة تؤید الدلیل العقلی. 173 [168]

ضرورة الأخذ بالحدیث واتّباعه 176 [169]

السنة والإجماع. 179 [170]

القیاس والاستحسان. 180 [171]

روایة الأُنثی والأخرس. 182 [172]

مما لا یشترط فی الروایة 182 [173]

عمل العدلین بروایة، هل یعتبر تزکیة؟ 184 [174]

التنجیز والإعذار 186 [175]

ضروریات الدین. 188 [176]

شرط کفر منکر الضروری. 188 [177]

فروع. 188 [178]

العسر والحرج. 190 [179]

أقسام العسر فی الواجب.. 191 [180]

العسر فی الحرام 191 [181]

العسر فی المستحب والمکروه 192 [182]

البراءة فیما لا نص فیه 195 [183]

المعاملات الجدیدة 196 [184]

الشخصیات الحقوقیة 197 [185]

الحکومات غیر الشرعیة لا تملک.. 197 [186]

العقود الحدیثة 197 [187]

المیسور لا یسقط بالمعسور 198 [188]

روایات المیسور 199 [189]

دلالة الإجماع علی المیسور 200 [190]

الاستقراء والتمثیل فی الأحکام 202 [191]

قاعدة سواسیة النافلة والفریضة 202 [192]

قاعدة العدل والإنصاف.. 203 [193]

قاعدة تسهیل الحج. 203 [194]

قاعدة نجاسة الدم 205 [195]

القول فی العدالة 207 [196]

کلام المجلسی فی العدالة 208 [197]

الاجتهاد فی الحکم والقضاء والفتوی. 210 [198]

مع تعدد الفقهاء 213 [199]

فروع. 214 [200]

السنة والکتاب معاً 215 [201]

مناقشة أدلتهم 218 [202]

نقل الحدیث بالمعنی. 222 [203]

خصوصیات اللفظ والترکیب.. 224 [204]

نماذج من التسامح. 225 [205]

الردع عن اتّباع المصلحة وترک الشریعة 226 [206]

السنة تنظم حیاة الإنسان. 229 [207]

الأخبار الموضوعة 231 [208]

الفهرس. 236 [209]

ص:232

التواتر تدرجی ودفعی. 27 [1]

أقسام أخری للتواتر 27 [2]

الحس شرط التواتر 28 [3]

الحدود لا تثبت بالتواتر 29 [4]

الخبر الواحد 30 [5]

شمولیة الخبر. 31 [6]

الخبر الموثوق. 31 [7]

حدود الوثاقة 32 [8]

شرائط العمل بالخبر الواحد 33 [9]

1 و2: البلوغ والعقل. 33 [10]

3: الإسلام 34 [11]

4: الإیمان. 36 [12]

5: العدالة 38 [13]

شرائط العمل بالمتواتر 39 [14]

أخبار الفضائل والاعتماد علیها 39 [15]

بین التحمل والأداء 39 [16]

مجهول الحال. 40 [17]

مناقشة أدلة القبول. 41 [18]

6: الضبط تحمّلاً وأداءً 42 [19]

فروع فی الضبط. 42 [20]

السهو الأدواری. 44 [21]

کتاب الثقة قبل انحرافه 44 [22]

طُرق ثبوت العدالة وسائر الشروط. 46 [23]

کفایة الواحد الثقة 46 [24]

البینة والحاجة إلی الاثنین. 47 [25]

مما یکفی فیه الواحد 47 [26]

ص:233

المحتسب واشتراط التعدد 48 [1]

الفتوی والقضاء 49 [2]

تعدد المفتی والقاضی. 50 [3]

من مصادیق الشوری. 52 [4]

ثبوت التزکیة بالواحد 55 [5]

أدلة من اشترط الاثنین وردها 56 [6]

المرأة وتزکیتها 57 [7]

استصحاب التزکیة 57 [8]

أصالة الحرمة فی فعل الحرام 58 [9]

الاضطرار 59 [10]

الضرورات بقدرها کماً وکیفاً 60 [11]

الاضطرار إلی ترک الواجب.. 61 [12]

فروع. 61 [13]

الجرح کالتعدیل. 62 [14]

تنزیه أولاد الأئمة (علیهم السلام) 63 [15]

التجریح والتوثیق من دون ذکر الأسباب.. 65 [16]

دلیل التفسیر والجواب علیه 65 [17]

عند تعارض الجرح والتعدیل. 67 [18]

فروع فی تعارض الجرح والتعدیل. 68 [19]

العدالة 70 [20]

الفحص عن المعارض فی التزکیة والتجریح. 70 [21]

من مصادیق التوثیق. 71 [22]

السنة والنقل بالمضمون. 72 [23]

أدلة المانعین وردها 72 [24]

عدم الترادف اللغوی. 74 [25]

الشک فی وجود القرائن. 76 [26]

ص:234

الخبر المرسل والمقطوع. 77 [1]

القرائن المکتنفة وفهم الفقهاء 78 [2]

فتوی الفقیه فی باب التسامح. 78 [3]

روایات المخالفین فی کتبنا 79 [4]

المجهولون من الرواة 80 [5]

هل الأصل عدالة الصحابی؟ 81 [6]

أسباب الجهالة 84 [7]

العمل بالأخبار 86 [8]

1: الوثاقة 86 [9]

2: عمل المشهور 87 [10]

تصنیف العلامة للأخبار 88 [11]

1: الصحیح. 88 [12]

2: الحسن. 88 [13]

المراد من قول المنطقیین. 90 [14]

3: الموثق. 90 [15]

4: الضعیف.. 91 [16]

الحجة واللاحجة 91 [17]

بین اصطلاح القدماء والمتأخرین. 92 [18]

من أسباب الوثاقة والحجیة 94 [19]

تقسیم آخر للخبر. 96 [20]

المسند 96 [21]

منقطع السند 96 [22]

المعلق. 97 [23]

عالی الإسناد 97 [24]

المعنعن. 97 [25]

المدرج. 97 [26]

ص:235

المشهور 98 [1]

الشاذ 98 [2]

غریب الإسناد 98 [3]

غریب المتن. 98 [4]

المصحّف سنداً 98 [5]

المصحّف متناً 99 [6]

المسلسل. 99 [7]

المقطوع. 99 [8]

المضمر 99 [9]

الموقوف.. 99 [10]

المدلّس.. 100 [11]

المضطرب.. 100 [12]

الموضوع. 100 [13]

تطبیق العصر علی السنة 101 [14]

قانون الجمارک مثلاً. 101 [15]

قانون البنوک أیضاً 102 [16]

قانون تحدید النسل. 102 [17]

تنوع الروایات وتصانیفها 103 [18]

سائر الروایات والحاجة إلی البحث العلمی. 104 [19]

لسان الروایة 107 [20]

الإجازة وأقسامها 108 [21]

التحمل والمناولة 109 [22]

جهة الروایة 109 [23]

ترک التقیة والحکم التکلیفی والوضعی. 110 [24]

استغفار وتضرع المعصوم 111 [25]

الأنبیاء (علیهم السلام) وترک الأولی. 112 [26]

ص:236

حجیة المعصوم (علیه السلام) 113 [1]

وهنا سؤالان: 115 [2]

الشک بین الحکم والحق. 116 [3]

الشک بین الوجوب والاستحباب.. 116 [4]

التروک والنواهی. 117 [5]

الأحکام فی زمن النبی ص.. 118 [6]

إذا کان متعلق الأمر مردداً 119 [7]

تقریر المعصوم حجة 121 [8]

قول الإشارات والمناقشة فیه 122 [9]

التقریر لا یرقی إلی الوجوب أو الحرمة 124 [10]

التعارض فی الأقسام الثلاثة 125 [11]

لا یحمل فعل النبی ص علی التقیة 126 [12]

اشتراک الأحکام بین الرجل والمرأة 127 [13]

الشک فی الاختصاص.. 127 [14]

التقریر یجری فی الاعتقاد 128 [15]

نقل التقریر کنقل الخبر. 130 [16]

أی تصرفات المعصوم تتبع 131 [17]

قضیة فی واقعة 132 [18]

بین القضاء والفتوی. 133 [19]

بین الفتوی والتصرف الولائی. 134 [20]

أقوال أولاد الأئمة (علیهم السلام) 135 [21]

حجیة کلام الملائکة 137 [22]

حجیة الصدیقة فاطمة ومریم (علیهما السلام) 138 [23]

حجیة الأصحاب المنتجبین. 138 [24]

الحجة علی الرجال والنساء 139 [25]

العصمة الصغری. 139 [26]

ص:237

حجیة نهج البلاغة 140 [1]

حجیة الصحیفة السجادیة 140 [2]

تقریر الأشعار 141 [3]

حجیة الکتاب أو المؤلف.. 141 [4]

بحث حول (الکافی کاف لشیعتنا) 142 [5]

تعبّد النبی (صلی الله علیه وآله) قبل البعثة 143 [6]

اختلاف أقوالهم وأدوارهم (علیهم السلام) 145 [7]

القول فی الرؤیا 147 [8]

تطبیق کلیات الدین علی الجزئیات.. 154 [9]

الإسلام یجبُّ عما قبله إلاّ ما استثنی. 156 [10]

العمل بالقرآن. 158 [11]

القرآن حجة بهذه الکیفیة الموجودة 163 [12]

روایات التحریف ضعیفة سنداً أو دلالة 164 [13]

قصة فصل الخطاب.. 165 [14]

القراءات المشهورة وغیرها 167 [15]

التسامح فی أدلة السنن. 168 [16]

اشتراک الإناث والذکور فی التکلیف.. 170 [17]

السنة تؤید الدلیل العقلی. 173 [18]

ضرورة الأخذ بالحدیث واتّباعه 176 [19]

السنة والإجماع. 179 [20]

القیاس والاستحسان. 180 [21]

روایة الأُنثی والأخرس. 182 [22]

مما لا یشترط فی الروایة 182 [23]

عمل العدلین بروایة، هل یعتبر تزکیة؟ 184 [24]

التنجیز والإعذار 186 [25]

ضروریات الدین. 188 [26]

ص:238

شرط کفر منکر الضروری. 188 [1]

فروع. 188 [2]

العسر والحرج. 190 [3]

أقسام العسر فی الواجب.. 191 [4]

العسر فی الحرام 191 [5]

العسر فی المستحب والمکروه 192 [6]

البراءة فیما لا نص فیه 195 [7]

المعاملات الجدیدة 196 [8]

الشخصیات الحقوقیة 197 [9]

الحکومات غیر الشرعیة لا تملک.. 197 [10]

العقود الحدیثة 197 [11]

المیسور لا یسقط بالمعسور 198 [12]

روایات المیسور 199 [13]

دلالة الإجماع علی المیسور 200 [14]

الاستقراء والتمثیل فی الأحکام 202 [15]

قاعدة سواسیة النافلة والفریضة 202 [16]

قاعدة العدل والإنصاف.. 203 [17]

قاعدة تسهیل الحج. 203 [18]

قاعدة نجاسة الدم 205 [19]

القول فی العدالة 207 [20]

کلام المجلسی فی العدالة 208 [21]

الاجتهاد فی الحکم والقضاء والفتوی. 210 [22]

مع تعدد الفقهاء 213 [23]

فروع. 214 [24]

السنة والکتاب معاً 215 [25]

مناقشة أدلتهم 218 [26]

ص:239

المقدمة 5 [1]

الفصل الآول: تعریف السنة 7 [2]

تعریف السُنة 9 [3]

السنة عند العامة 10 [4]

الحدیث والخبر والسنة 10 [5]

بین الخبر والإنشاء 11 [6]

العلم والیقین والاعتقاد 13 [7]

العلم الإجمالی. 14 [8]

بین الشهود والإقرار 14 [9]

الصدق والکذب لا یرتبطان بالاعتقاد 15 [10]

الأصل فی الإنشاء والإخبار 15 [11]

قصد الکذب والصدق. 16 [12]

فروع. 17 [13]

صدق الکتابة والإشارة 18 [14]

صدق الکنایات والمجازات.. 19 [15]

الفصل الثانی : [16]الأخبار وأقسامها 21 [17]

أقسام الخبر. 23 [18]

التواتر 25 [19]

من شروط التواتر 26 [20]

التواتر تدرجی ودفعی. 27 [21]

أقسام أخری للتواتر 27 [22]

الحس شرط التواتر 28 [23]

الحدود لا تثبت بالتواتر 29 [24]

الخبر الواحد 30 [25]

شمولیة الخبر. 31 [26]

الخبر الموثوق. 31 [27]

حدود الوثاقة 32 [28]

شرائط العمل بالخبر الواحد 33 [29]

1 و2: البلوغ والعقل. 33 [30]

3: الإسلام 34 [31]

4: الإیمان. 36 [32]

5: العدالة 38 [33]

شرائط العمل بالمتواتر 39 [34]

أخبار الفضائل والاعتماد علیها 39 [35]

بین التحمل والأداء 39 [36]

مجهول الحال. 40 [37]

مناقشة أدلة القبول. 41 [38]

6: الضبط تحمّلاً وأداءً 42 [39]

فروع فی الضبط. 42 [40]

السهو الأدواری. 44 [41]

کتاب الثقة قبل انحرافه 44 [42]

طُرق ثبوت العدالة وسائر الشروط. 46 [43]

کفایة الواحد الثقة 46 [44]

البینة والحاجة إلی الاثنین. 47 [45]

مما یکفی فیه الواحد 47 [46]

المحتسب واشتراط التعدد 48 [47]

الفتوی والقضاء 49 [48]

تعدد المفتی والقاضی. 50 [49]

من مصادیق الشوری. 52 [50]

ثبوت التزکیة بالواحد 55 [51]

أدلة من اشترط الاثنین وردها 56 [52]

المرأة وتزکیتها 57 [53]

استصحاب التزکیة 57 [54]

أصالة الحرمة فی فعل الحرام 58 [55]

الاضطرار 59 [56]

الضرورات بقدرها کماً وکیفاً 60 [57]

الاضطرار إلی ترک الواجب.. 61 [58]

فروع. 61 [59]

الجرح کالتعدیل. 62 [60]

تنزیه أولاد الأئمة (علیهم السلام) 63 [61]

التجریح والتوثیق من دون ذکر الأسباب.. 65 [62]

دلیل التفسیر والجواب علیه 65 [63]

عند تعارض الجرح والتعدیل. 67 [64]

فروع فی تعارض الجرح والتعدیل. 68 [65]

العدالة 70 [66]

الفحص عن المعارض فی التزکیة والتجریح. 70 [67]

من مصادیق التوثیق. 71 [68]

السنة والنقل بالمضمون. 72 [69]

أدلة المانعین وردها 72 [70]

عدم الترادف اللغوی. 74 [71]

الشک فی وجود القرائن. 76 [72]

الخبر المرسل والمقطوع. 77 [73]

القرائن المکتنفة وفهم الفقهاء 78 [74]

فتوی الفقیه فی باب التسامح. 78 [75]

روایات المخالفین فی کتبنا 79 [76]

المجهولون من الرواة 80 [77]

هل الأصل عدالة الصحابی؟ 81 [78]

أسباب الجهالة 84 [79]

العمل بالأخبار 86 [80]

1: الوثاقة 86 [81]

2: عمل المشهور 87 [82]

تصنیف العلامة للأخبار 88 [83]

1: الصحیح. 88 [84]

2: الحسن. 88 [85]

المراد من قول المنطقیین. 90 [86]

3: الموثق. 90 [87]

4: الضعیف.. 91 [88]

الحجة واللاحجة 91 [89]

بین اصطلاح القدماء والمتأخرین. 92 [90]

من أسباب الوثاقة والحجیة 94 [91]

تقسیم آخر للخبر. 96 [92]

المسند 96 [93]

منقطع السند 96 [94]

المعلق. 97 [95]

عالی الإسناد 97 [96]

المعنعن. 97 [97]

المدرج. 97 [98]

المشهور 98 [99]

الشاذ 98 [100]

غریب الإسناد 98 [101]

غریب المتن. 98 [102]

المصحّف سنداً 98 [103]

المصحّف متناً 99 [104]

المسلسل. 99 [105]

المقطوع. 99 [106]

المضمر 99 [107]

الموقوف.. 99 [108]

المدلّس.. 100 [109]

المضطرب.. 100 [110]

الموضوع. 100 [111]

تطبیق العصر علی السنة 101 [112]

قانون الجمارک مثلاً. 101 [113]

قانون البنوک أیضاً 102 [114]

قانون تحدید النسل. 102 [115]

تنوع الروایات وتصانیفها 103 [116]

سائر الروایات والحاجة إلی البحث العلمی. 104 [117]

لسان الروایة 107 [118]

الإجازة وأقسامها 108 [119]

التحمل والمناولة 109 [120]

جهة الروایة 109 [121]

ترک التقیة والحکم التکلیفی والوضعی. 110 [122]

استغفار وتضرع المعصوم 111 [123]

الأنبیاء (علیهم السلام) وترک الأولی. 112 [124]

حجیة المعصوم (علیه السلام) 113 [125]

وهنا سؤالان: 115 [126]

الشک بین الحکم والحق. 116 [127]

الشک بین الوجوب والاستحباب.. 116 [128]

التروک والنواهی. 117 [129]

الأحکام فی زمن النبی ص.. 118 [130]

إذا کان متعلق الأمر مردداً 119 [131]

تقریر المعصوم حجة 121 [132]

قول الإشارات والمناقشة فیه 122 [133]

التقریر لا یرقی إلی الوجوب أو الحرمة 124 [134]

التعارض فی الأقسام الثلاثة 125 [135]

لا یحمل فعل النبی ص علی التقیة 126 [136]

اشتراک الأحکام بین الرجل والمرأة 127 [137]

الشک فی الاختصاص.. 127 [138]

التقریر یجری فی الاعتقاد 128 [139]

نقل التقریر کنقل الخبر. 130 [140]

أی تصرفات المعصوم تتبع 131 [141]

قضیة فی واقعة 132 [142]

بین القضاء والفتوی. 133 [143]

بین الفتوی والتصرف الولائی. 134 [144]

أقوال أولاد الأئمة (علیهم السلام) 135 [145]

حجیة کلام الملائکة 137 [146]

حجیة الصدیقة فاطمة ومریم (علیهما السلام) 138 [147]

حجیة الأصحاب المنتجبین. 138 [148]

الحجة علی الرجال والنساء 139 [149]

العصمة الصغری. 139 [150]

حجیة نهج البلاغة 140 [151]

حجیة الصحیفة السجادیة 140 [152]

تقریر الأشعار 141 [153]

حجیة الکتاب أو المؤلف.. 141 [154]

بحث حول (الکافی کاف لشیعتنا) 142 [155]

تعبّد النبی (صلی الله علیه وآله) قبل البعثة 143 [156]

اختلاف أقوالهم وأدوارهم (علیهم السلام) 145 [157]

القول فی الرؤیا 147 [158]

تطبیق کلیات الدین علی الجزئیات.. 154 [159]

الإسلام یجبُّ عما قبله إلاّ ما استثنی. 156 [160]

العمل بالقرآن. 158 [161]

القرآن حجة بهذه الکیفیة الموجودة 163 [162]

روایات التحریف ضعیفة سنداً أو دلالة 164 [163]

قصة فصل الخطاب.. 165 [164]

القراءات المشهورة وغیرها 167 [165]

التسامح فی أدلة السنن. 168 [166]

اشتراک الإناث والذکور فی التکلیف.. 170 [167]

السنة تؤید الدلیل العقلی. 173 [168]

ضرورة الأخذ بالحدیث واتّباعه 176 [169]

السنة والإجماع. 179 [170]

القیاس والاستحسان. 180 [171]

روایة الأُنثی والأخرس. 182 [172]

مما لا یشترط فی الروایة 182 [173]

عمل العدلین بروایة، هل یعتبر تزکیة؟ 184 [174]

التنجیز والإعذار 186 [175]

ضروریات الدین. 188 [176]

شرط کفر منکر الضروری. 188 [177]

فروع. 188 [178]

العسر والحرج. 190 [179]

أقسام العسر فی الواجب.. 191 [180]

العسر فی الحرام 191 [181]

العسر فی المستحب والمکروه 192 [182]

البراءة فیما لا نص فیه 195 [183]

المعاملات الجدیدة 196 [184]

الشخصیات الحقوقیة 197 [185]

الحکومات غیر الشرعیة لا تملک.. 197 [186]

العقود الحدیثة 197 [187]

المیسور لا یسقط بالمعسور 198 [188]

روایات المیسور 199 [189]

دلالة الإجماع علی المیسور 200 [190]

الاستقراء والتمثیل فی الأحکام 202 [191]

قاعدة سواسیة النافلة والفریضة 202 [192]

قاعدة العدل والإنصاف.. 203 [193]

قاعدة تسهیل الحج. 203 [194]

قاعدة نجاسة الدم 205 [195]

القول فی العدالة 207 [196]

کلام المجلسی فی العدالة 208 [197]

الاجتهاد فی الحکم والقضاء والفتوی. 210 [198]

مع تعدد الفقهاء 213 [199]

فروع. 214 [200]

السنة والکتاب معاً 215 [201]

مناقشة أدلتهم 218 [202]

نقل الحدیث بالمعنی. 222 [203]

خصوصیات اللفظ والترکیب.. 224 [204]

نماذج من التسامح. 225 [205]

الردع عن اتّباع المصلحة وترک الشریعة 226 [206]

السنة تنظم حیاة الإنسان. 229 [207]

الأخبار الموضوعة 231 [208]

الفهرس. 236 [209]

ص:240

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.